- كتاب الطهارة -
الطهارة في اللغة: هي النظافة والنزاهة.
الطهارة في الاصطلاح غير النظافة في الشرع لأنها في الشرع أعم من الطهارة في الاصطلاح.
الطهارة في الشرع: هي الطهارة من مناهي الله عز وجل والتحلي بأوامر الله.
س1: إلى كم تنقسم الطهارة ؟
ج/ الطهارة تنقسم إلى قسمين هما:
1- طهارة معنوية, وهذا القسم من مباحث علماء العقيدة.
2- طهارة حسية, وهذا القسم هو الذي يبحثه الفقهاء.
س2: إلى كم تنقسم الطهارة المعنوية ؟
ج/ الطهارة المعنوية تنقسم إلى قسمين:
أ. طهارة كبرى. ب. طهارة صغرى.
أ. فالطهارة المعنوية الكبرى: هي طهارة القلب من الشرك وأدناسه, وتحليته بالعقيدة والتوحيد الخالص والتعبد لله عز وجل.
ب. وأما الطهارة المعنوية الصغرى: فهي تطهير القلب من أدناس الأخلاق, كالحقد والغل والبغضاء وتحليته بفضائل الأعمال.
س3: إلى كم تنقسم الطهارة الحسية ؟
ج/ الطهارة الحسية أيضا تنقسم إلى قسمين:
أ- طهارة رفع الحدث.
ب- طهارة زوال الخبث.
ففي طهارة رفع الحدث يتكلم الفقهاء عن أحكام المياه, وعن الوضوء والغسل والتيمم والمسح على الخفين.
أما طهارة زوال الخبث فيتحدث الفقهاء في إزالة النجاسة. وضوابط الأشياء النجسة, وأقسام النجاسات.
س4: ما تعريف رفع الحدث ؟
ج/ رفع الحدث هو: زوال الوصف القائم بالبدن المانع من الصلاة ونحوها.
قوله (وصف) يفيد أنه ليس عينا بخلاف الخبث, فالخبث عين مستقذرة شرعاً تمنع من الصلاة.
وقوله (ونحوها) أي مما تشترط له الطهارة, مثل مس المصحف والطواف على رأي جمهور أهل العلم.
س5: ما تعريف زوال الخبث ؟
ج/ زوال الخبث هي: زوال النجاسة أو زوال حكمها بلاستجمار أو التيمم. و(الخبث) كما قلنا هو عين مستقذرة شرعاً تمنع من الصلاة.
س6: هناك بعض الفروق بين رفع الحدث وزوال الخبث فما هي ؟
ج/ الفروق بين رفع الحدث وزوال الخبث هي كالتالي:
1- أن رفع الحدث لابد له من الماء.(1/1)
بخلاف زوال الخبث فلا يشترط له الماء كزوال النجاسة بالريح أو الشمس ونحو ذلك فلو زالت النجاسة بأي مزيل حكمنا بالطهارة, لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.
2- أن رفع الحدث لابد له من نية, فلو اغتسل الإنسان من الجنابة بدون نية فإنه لا يرفع حدثه.
أما زوال الخبث فلا تشترط له النية, فلو أن إنساناً في ثوبه نجاسة مثلاً ثم أصابه المطر بدون نية منه وزالت النجاسة لكفى ذلك.
3- أن رفع الحدث لا يعذر فيه الإنسان بالجهل والنسيان, فلو أن إنساناً صلى وهو على غير طهارة جهلاً منه أو نسياناً أو مُكرهاً, فصلاته غير صحيحة فإذا تذكر فعليه إعادة صلاته مرة أخرى, لأن هذا من باب الأوامر وباب الأوامر لا يعذر فيه الإنسان بالجهل والنسيان.
أما زوال الخبث فيعذر فيه الإنسان بالجهل والنسيان.
س7: لو صلى الإنسان وعلى ثوبه نجاسة فما الحكم ؟
ج/ الحكم لا يخلو من أمور:
أ- إذا تذكر أثناء الصلاة وقدر على إزالتها وهو يصلي وجب عليه ذلك, كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لما جاءه جبريل فأخبره أن في نعليه أذى فخلعهما(1).
ب- وإن كان إزالة هذا الشيء لا يتم إلا بكشف العورة, أو يحتاج لإزالة هذا الشيء إلى عمل كثير, فإن الإنسان يقطع صلاته وزيل هذه النجاسة ثم يستأنف الصلاة من جديد.
ج- إذا لم يعلم المصلي بالنجاسة إلا بعد انتهائه من الصلاة فهذا صلاته صحيحة, لأن هذا من باب المنهيات وباب المنهيات يعذر فيه الإنسان بالجهل والنسيان, وهذه قاعدة في كل المحظورات.
- أقسام المياه -
ينبغي للمكلف أن يعرف أحكام المياه لأنه لا صلاة إلا بماء معتبر, والمياه منها ما أذن الله بالطهارة منه ومنها ما لم يأذن بالطهارة منه, لذلك لابد للمكلف أن يعرف ما هو الماء الذي يتوضأ به.
س8: إلى كم ينقسم الماء ؟
ج/ على القول الراجح أن الماء على قسمين هما:
1) طهور. 2) نجس.
القسم الأول وهو الطهور:
س9: ما تعريف الماء الطهور ؟
__________
(1) رواه أحمد وأبو داود.(1/2)
ج/ الماء الطهور هو: الذي لم يتغير بنجاسة ولا يزال اسم الماء باقياً عليه, وهو يرفع الحدث ويزيل الخبث والدليل قوله تعالى { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ(1) } , وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - { اللهم طهرني بالماء والثلج بالبرد } (2), وقوله في البحر { هو الطهور ماءه والحل ميتته } (3).
س10: ما حكم استخدام الماء المحرم كالمغصوب ونحو ذلك ؟
ج/ يحرم استعماله, لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبته في منى يوم النحر { إن دمائكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا } (4).
س11: ولكن لو توضأ إنسان بماء مغصوب أو أزال به النجاسة, فهل هذا الماء يرفع الحدث ويزيل الخبث أم لا ؟
ج/ الراجح من أقوال أهل العلم أنه يرفع الحدث ويزيل الخبث, لكن مع الإثم وهذا القول رواية عن الإمام أحمد, ودليل العمومات كقول الله تعالى { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِه } وهذا يشمل الماء المباح والمحرم لكن مع الإثم لاستعمال الماء المحرم.
س12: ما حكم استعمال ماء زمزم في رفع الحدث وإزالة الخبث ؟
ج/ يجوز استعمال ماء زمزم في رفع الحدث وإزالة الخبث ولا يكره ذلك, وهذا قال به بعض الحنابلة وهو اختيار العلامة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى وهو الراجح.
والدليل على ذلك: حديث أسامة { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا بسجل من ماء زمزم فشرب منه وتوضأ } (5).
__________
(1) لأنفال: من الآية11).
(2) متفق عليه من حديث عبدالله بن أبي أوفى.
(3) رواه الخمسة وصححه الحاكم وابن حبان والبخاري وصححه الترمذي من حديث أبي هريرة.
(4) رواه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه.
(5) رواه أحمد وأهل السنن, وقال الترمذي: صحيح.(1/3)
س13: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - { إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثاً فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده } (1), هل النهي للتنزيه أم للتحريم ؟
ج/ الأقرب أنه للتحريم وهو قول الظاهرية, وهو قول الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله, فإذا غمس يده قبل أن يغسلهما ثلاثاً فإنه يأثم.
س14: لو أن إنساناً غمس يده في الإناء قبل أن يغسلهما ثلاثاً فما حكم ذلك الماء؟
ج/ الراجح أنه باقٍ على طهوريته, لأن الحديث الذي فيه النهي عن غمس اليدين في الإناء قبل غسلهما ثلاثاً غاية ما فيه النهي عن غمس اليد ولم يتعرض النبي - صلى الله عليه وسلم - للماء, وفي قوله { فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده } دليل على أن الماء لا يتغير الحكم فيه, لأن هذا التعليل يدل على أن المسألة من باب الاحتياط وليست من باب اليقين الذي يرفع به اليقين, وعندنا الآن يقين, وهو أن الماء طهور, وهذا اليقين لا يمكن رفعه إلا بيقين فلا يُرفع بالشك.
س15: ما الحكمة من النهي عن غمس اليد بالماء للقائم من نوم الليل قبل أن يغسلهما ثلاثاً ؟
ج/ على خلاف, والراجح في ذلك ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال: (إن العلة هي خشية ملامسة الشيطان ليد النائم ملامسة حقيقية, ونظير ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - { إذا استيقظ أحدكم من نومه فليستنشق ثلاثاً فإن الشيطان يبيت على خيشومه(2) } , وملامسة الشيطان ليد النائم ملامسة حقيقية).
س16: ما حكم الماء إذا استعمل في طهارة كالماء المتساقط من أعضاء المتوضئ؟
__________
(1) أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(2) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.(1/4)
ج/ المراد باستعمال الماء: إمراره على العضو ثم يتساقط منه, أو أن يتطهر في نفس الماء, وليس المراد الاغتراف منه, فحكم هذا الماء على الراجح أنه طهور, قال السعدي رحمه الله في الإرشاد: (وإن كان مستعملاً في طهارة مشروعة كتجديد وضوء ونحوه فهو طهور, مكروه على المذهب, غير مكروه على القول الصحيح لعدم الدليل)(1).
س17: ما حكم الماء الذي خلت به المرأة المكلفة لطهارة كاملة, هل يرفع حدث الرجل أم لا ؟
ج/ على خلاف, والراجح أنه طهور يرفع حدث الرجل, لما ورد في حديث ابن عباس رضي الله عنهما { أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل بفضل ميمونة } (2).
ولحديث ابن عباس أيضاً { أن امرأة من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - استحمت من جنابة فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ من فضلها فقالت: إني اغتسلت منه, فقال:الماء لا ينجسه شيء } (3) قال شيخ الإسلام رحمه الله: (وتجوز طهارة الحدث بكل ما يسمى ماء وبما خلت به امرأة لطهارة, وهو رواية عن أحمد رحمه الله تعالى وهو مذهب الأئمة الثلاثة)(4).
أما ما ورد من نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة(5), فهذا محمول على التنزيه, وبهذا يحصل الجمع بين أدلة النهي وأدلة الجواز.
القسم الثاني وهو النجس:
وهو ما تغير بنجاسة, أي تغير طعمه أو لونه أو ريحه.
س18: ما هو الضابط في نجاسة الماء ؟
ج/ الضابط في ذلك ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الماء سواءٌ كان قليلاً أو كثيراً فإنه لا ينجس إلا بالتغير.
__________
(1) الإرشاد صـ6.
(2) رواه مسلم.
(3) رواه اهل السنن.
(4) الاختيارات صـ3.
(5) رواه أبو داود وغيره, وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان من حديث الحكم بن عمرو الغفاري.(1/5)
وهذه قاعدة وهو القول الراجح, قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى(1): (وأما الماء إذا تغير بالنجاسات فإنه ينجس بالاتفاق, وأما إذا لم يتغير سواءً كان الماء قلتين أو أكثر فإنه يكون طهوراً) أ.هـ.
س19: كيف يطهر الماء النجس ؟
ج/ الصحيح أنه سواءً كان الماء قليلاً أو كثيراً, إذا زال التغير بأي مزيل سواء زال بنفسه أو بنزح أو بلإضافة فإنه يكون طهوراً, لأن الحكم متى ما ثبت بعلة زال بزوالها, وأي فرق بين أن يكون كثيراً أو يسيراً فالعلة واحدة, متى زالت النجاسة فإنه يكون طهوراً وهذا أيسر فهماً وعملاً.
س20: ما الحكم إذا شك هل الماء تغير بنجاسة أم لا ؟
ج/ الأصل أنه طهور كما هو رأي شيخ الإسلام رحمه الله وهو الأقرب, لأن الأصل في الأشياء الطهارة, والقاعدة الشرعية تقول{ليقين لا يزول بالشك}, فاليقين لا يزول إلا بيقين مثله.
س21: ماذا يلزم من علم بنجاسة الشيء ؟
ج/ يلزم من علم بنجاسة شيء إعلام من أراد أن يستعمله لحديث { الدين النصيحة } (2), كما لو رأى نجاسة على بدن المصلي أو ثوبه, فيدب عليه إخباره لأن هذا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- باب الآنية -
الآنية: جمع إناء وهو الوعاء.
س22: ما الأصل في الآنية ؟
ج/ الأصل في الآنية الحل, لأنها داخلة في عموم قوله تعالى { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً } (3), ومنه الآنية.
فلا يحرّم من الأواني إلا ما حرمه الشارع, وأما ما عدا ذلك فالأصل فيه الحلّ.
فالأواني مم الخشب ومن الصُفر, والنحاس والحديد والأحجار الكريمة حتى لو كانت غالية الثمن فإن الأصل فيها الحلّ اتخاذاً واستعمالاً, لكن يستثنى من ذلك ما استثناه الشارع من الذهب والفضة, كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.
س23: عندنا (اتخاذ) وعندنا (استعمال), فما الفرق بينهما ؟
__________
(1) مجموع الفتاوى21/30.
(2) رواه مسلم وأحمد عن تميم بن أوس الداري - رضي الله عنه - .
(3) البقرة: من الآية29).(1/6)
* أما الاستعمال: فهو مباشرة الإنسان للإناء بسبب استعماله, كأنه يستعمله في الأكل والشرب أو للتطهير به ونحو ذلك.
* أما الاتخاذ: فهو عدم مباشرة الإناء للانتفاع, وإنما يُتخذ إما للزينة أو لاستعماله في حالة الضرورة أو للبيع والشراء فيه وما أشبه ذلك, وهذا هو الفرق بين الاتخاذ والاستعمال.
س24: ما حكم استعمال آنية الألماس والأحجار الكريمة أو الزبرجد وغيرها من الأواني الثمينة ؟
ج/ الأصل في الآنية الحل إلا ما نُصّ على تحريمه كما سيأتي بيانه إن شاء الله, فيجوز استعمال آنية الألماس والأحجار الكريمة أو الزبرجد سواء كان ذلك استخداماً أو اتخاذا للزينة ما لم يصل إلى حدّ الإسراف.
س25: ما أنواع آنية الذهب والفضة ؟
ج/ آنية الذهب والفضة على أنواع هي:
1. المُسْبَت: وهو أن يكون خالصاً من الذهب والفضة(إناءٌ خالصٌ من الذهب والفضة).
2. الممّوه: وهو أن يكون الإناء طُليَ بالذهب والفضة (يعني يُماع الذهب أو الفضة ثم يؤُتى بالإناء من الحديد أو النحاس أو غيره ويغمس في هذا الذهب أو الفضة) فيكتسب لوناً فقط.
3. المُطعَّم: أن يؤتى بإناء من الحديد أو الصُفر ونحو ذلك ويحفر من أي مكان, ثم يوضع فيه قطعة من الذهب أو الفضة.
4. المطْلي: وهو أن يؤتى بصحائف من ذهب أو فضة ثم توضع على الإناء من الحديد أو النحاس أو الصُفر.
الفرق بين المُطَّعم والمطْلي: أن المُطًّعم يحفر ثم توضع فيه قطعة من الذهب أو الفضة, وأما المطْلي يُؤتى بصحائف من ذهب أو فضة ثم توضع على الإناء من الحديد أو النحاس أو الصُفر.
5. المُكفَّت: يُبْرَد الإناء (يُحفر فيه) ويوضع فيه كهئية الساقي, ثم يؤتى بشريط من الذهب أو الفضة ويوضع فيه, أو يٌدار على الإناء لتجميله وتزيينه.
6. المُضَبب: أن ينكسر الإناء ثم يُؤتي بشريط من الذهب أو الفضة ويربط فيه, أو ينخرق الإناء ويؤتى بقطعة من الذهب أو الفضة ويُسدُّ فيها هذا الخرق.(1/7)
س26: ما حكم استعمال آنية الذهب والفضة في الأكل والشرب ؟
ج/ استعمال آنية الذهب والفضة في الأكل والشرب محرم إجماعاً, لا خلاف في ذلك.
من الأدلة على تحريمه:
ما روى حذيفة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة(1) } , قوله { فإنها لهم } أي الكفار إذا ليس لهم نصيب من العبودية التي ينالون بها في الآخرة نعيمها, فلا يصح استعمالها لعبيد الله في الدنيا, وإنما يفعلها من خرج عن عبوديته ورضي بالدنيا وعاجلها من الآخرة.
وقال أيضاً { الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم } (2).
س28: ما حكم اتخاذ واستعمال آنية الذهب والفضة في غير الأكل والشرب ؟
ج/ الصحيح أن الاتخاذ والاستعمال في غير الأكل والشرب ليس بحرام, لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن شيءٍ مخصوص وهو الأكل والشرب, ولو كان المحرَّ غيرهما لكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أبلغ الناس وأبينهم في الكلام, ولا يخصُّ شيئاً دون شيء, بل إن تخصيصه الأكل والشرب دليل على أن ما عداهما جائز, لأن الناس ينتفعون بهما في غير ذلك, ولو كانت حرام مطلقاً لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بتكسيرها, كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يدع شيئاً فيه تصاوير إلا كسره, لأنها إذا كانت محرَّمة في كل الحالات ما كان لبقائها فائدة, ويدل لذلك أن أم سلمة رضي الله عنها وهي رواية حديث التحريم { الذي يشرب في آنية الذهب والفضة وإنما يجرجر في بطنه نار جهنم } كان عندها جلجل من فضة جعلت فيه شعرات من شعر النبي - صلى الله عليه وسلم - (3) فكان الناس يستشفون بها فيُشفون بإذن الله, هذا بالنسبة للاستعمال في غير الأكل والشرب, أما استعمالهما في الأكل والشرب فقد تقدم بيان حكم ذلك.
__________
(1) متفق عليه.
(2) متفق عليه من حديث أم سلمة رضي الله عنها.
(3) رواه البخاري.(1/8)
س28: ما الإناء المضبب ؟
ج/ المُضبّبب: أن ينكسر الإناء من الحديد أو نحو ذلك ثم يؤتى بشريط من الذهب أو الفضة ويربط فيه, أو ينخرق الإناء ويؤتى بقطعة من الذهب أو الفضة ويُسدَّ فيه هذا الخرق.
س29: متى يباح استعمال الإناء المضبب ؟
ج/ يباح استعماله إذا اجتمعت فيه الشروط الآتية:
1. أن تكون ضبة (يعني اتخاذ شريط لربط الكسر أو انخرق الإناء فيُؤتى بقطعة من الفضة ويُسدَُّ فيه هذا الخرق).
2. أن تكون الضبة يسيرة, ويرجع في كون الشيء يسيراً وكبيراً إلى العرف.
3. أن تكون من فضة, فإذا كانت من ذهب فلا تجوز.
4. أن تكون للحاجة, فإذا كانت للزينة فلا تجوز.
والدليل على جواز ذلك ما ورد من حديث أنس { أن قدح النبي - صلى الله عليه وسلم - انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة } (1).
س30: ما حكم آنية الكفار وثيابهم ؟
ج/ آنية الكفار وثيابهم على ثلاثة أقسام:
1. أن تكون نجسة, كأن يكون في الإناء مثلاً شحم خنزير, أو كانت ثيابهم نجسة فهذه لابدَّ من غسلهما.
2. أن يُعرف عن هؤلا الكفار أنهم يتوقون النجاسة فهنا لا بأس باستعمال هذه الأواني والثياب من غير غسيل.
والدليل على ذلك أن الأصل الطهارة.
3. أن يُعرف عن هؤلا مباشرة النجاسة, ولكنه لا يرى عليها أثر النجاسة, فهذه هل تغسل أم لا ؟ على خلاف, والأقرب أنه لا يجب الغسل بدليل ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - { أنه توضأ من مزادة امرأة مشركة } (2), وأيضاً ثبت { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعاه غلام يهودي على خبز شعير وإهالة سنخة(3) } ,(4).
__________
(1) رواه البخاري.
(2) رواه البخاري ومسلم من حديث عمران بن حصين.
(3) رواه أحمد من حديث أنس - رضي الله عنه - , قال الألباني في إرواء الغليل: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(4) الإهالة: الدسم, والسنخة: المتغيرة.(1/9)
وكذلك صح عن عمر - رضي الله عنه - { أنه توضأ من جرَّة نصرانية } (1), كل هذا يدل على أن ما باشروه فهو طاهر, ولأن الأصل في الأشياء الطهارة, وهنا قاعدة {اليقين لا يزول بالشك} فإذا شكّ الإنسان بنجاسة شيء لم تُلم نجاسته فهنا الأصل الطهارة فلا يزول اليقين إلا بيقين مثله, فلا يلتفت إلى الشك.
س31: ما أقسام الميتة من حيث الطهارة وعدمها ؟
ج/ الميتة من حيث الطهارة وعدمها تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- ما لا تحله الحياة ومعنى ذلك (أي ليس فيه دم سائل) فهذا طاهر وهذا مثل القرن والظفر والشعر والصوف...الخ, فهذا طاهر من الميتة.
2- ما تحله الحياة وهذا مثل اللحم والعصب..الخ, فهذا نجس من الميتة.
3- ما بين ذلك وهو الجلد, وهذا يظهر بالدباغ, ولكن طهارة جلد الميتة مخصوص بكل حيوان مات وهو يؤكل في حال الحياة كالشاة والبعير ونحوهما فهذا يطهر جلده بالدباغ, والدليل على طهارة جلود الميتة إذا دبغت, إذا كانت تؤكل حال الحياة ما ورد في حديث سلمة بن المحبق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { دباغها ذكاتها(2) } فعبر بالذكاة, ومعلوم أن الذكاة لا تطهّر إلا ما يباح أكله, فلو أنك ذبحا حماراً وذكرت اسم الله عليه وأنهر الدم, فإنه لا يسمى ذكاة, وعلى هذا يقال: جلد ما يحرم أكله ولو كان طاهراً في حال الحياة فإنه لا يطهر بالدباغ, كما لو دبغ جلد هرة مع أنها طاهرة حال الحياة, ومع ذلك فإن جلدها لا يطهر بالدباغ.
س32: ما حكم تغطية الآنية وإيكاء الأسقية.. وما الحكمة من ذلك ؟
__________
(1) عزاه النووي في المجموع للشافعي والبيهقي صحح إسناده وذكره البخاري في صحيحه معلقاً فقال: توضأ عمر بالحميم من بيت مشركة.
(2) رواه أحمد والنسائي والطبري وفي التلخيص : إسناده صحيح.(1/10)
ج/ يُسنُّ تغطية الآنية, وإيكاء الأسقية, وإقفال الأبواب, وهذا دلَّ له حديث جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { أوكِ سقاءك واذكر اسم الله, وخمر إناءك واذكر اسم الله, ولو أن تعرض عليه عودا(1) } , والتخمير: التغطية.
والحكمة من تغطية الآنية وإيكاء الأسقية وردت في صحيح مسلم حيث قال { فإن الشيطان لا يفتح غلقاً, ولا يحل وكاءً ولا يكشف إناءً } .
والكشف هنا كشف حقيقي, يكشفه الشيطان أو يستشرفه إذا لم يُربط الوكاء ولم يغطى الإناء ولم تقفل الأبواب.
وكذلك من العلل: ما ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { غطُّو الإناء, وأوكئوا السقاء, فإن في السنة ليلة ينزل فيها داء لا يمرُّ بإناءٍ ليس عليه غطاء, ولا سقاء ليس عليه وكاء إلا نزل به من ذلك الداء(2) } .
- باب الاستنجاء وآداب التحَّلي -
س33: ما تعريف الاستنجاء والاستجمار ؟
الاستنجاء: استفعال من النجو, وهو في اللغة القطع يقال: نجوت الشجرة أي قطعتها, والمراد بذلك إزالة الأذى أي العَذِرَة.
اصطلاحاً:
* الاستنجاء: هو إزالة ما خرج من السبيلين بما طهور.
* الاستجمار: هو إزالة ما خرج من السبيلين بالأحجار ونحوها.
والمراد بآداب التخلي:
هي ما يحسن أن يكون عليه مُريد قضاء الحاجة.
فائدة:
__________
(1) متفق عليه.
(2) رواه مسلم.(1/11)
وهذه الآداب من الأهمية بمكان, لأن بهذه الآداب تكتمل شخصية المسلم ويتميز عن غيره, ولذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة, أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق } (1), ومن العجيب أننا نرى بعض الناس يتهاونون في أداء السنن ويكادون يقتصرون على الواجبات, ورحم الله الإمام أحمد عندما كان في سكرات الموت, وكان عنده إنسان يوضئه, فلما غسل وجهه بدأ الإمام أحمد يشير إلى لحيته كأنه ينبه على أنه ترك تخليل اللحية, مما يدل على شدة تمسكهم بالسنة, فعلى هذا يحسن القراءة في باب الآداب وتطبيق هذه الآداب, لأنها من مكملات الدين ومحسّناته ومجمّلاته مع هذه الآداب فيها شيء يصل إلى حد الوجوب.
س34: ما شروط الاستجمار بالأحجار ونحوها ؟
ج/ شروط الاستجمار بالأحجار ونحوها هي:
أولاً: أن تكون هذه الأحجار طاهرة لا نجسة ولا متنجسة (والفرق بين النجس والمتنجس: أن النجس نجس بعينه كالروث, والمتنجس نجس بغيره أي طرأت عليه النجاسة كالورق المتنجس) والدليل على ذلك حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بحجرين فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - الحجرين وألقى الروثة وقال { هذا رِكس(2) } , والركس: النجس.
وكون النبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذ الحجرين ويلقي الروثة يدلُّ على أن ذلك نجس وأنه لا يجزيء.
ثانياً: مُنْقِ , أي منظف, فإذا كان لا ينظف فإنه لا يُجزئ, لأن وجوده كعدمه, والذي لا ينقِ إما لا ينقٍ لملامسته, كأن يكون أملس جداً, أو لرطوبته كحجر رطب, أو كان المحل قد نشف لأن الحجر قد يكون صالحاً للإنقاء لكن المحل غير صالح للإنقاء.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(2) رواه البخاري.(1/12)
ثالثاً: أن لا تتعدى النجاسة موضع الحاجة, وموضع الحاجة ما جرت العادة به في أن البول ينتشر إلى ما حول المخرج, فإذا كانت النجاسة تعدت إلى ما حول المخرج فقط أجزأ الاستجمار, أما إذا تعدى موضع الحاجة فلا بدَّ من الاستنجاء بالماء, وقد قال بهذا بعض أصحاب الإمام أحمد رحمه الله قالوا: لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً, فما زاد عن موضع العادة يغسل, وما كان على العادة يجزئ فيه الاستجمار.
والأقرب: أن الاستجمار يُجزئ مطلقاً حتى ولو تعدى الخارج موضع الحاجة, لأن الشارع لم يحدد ذلك. وفي الاختيارات لشيخ الإسلام ابن تيمية (ويجزئ الاستجمار ولو تعدى الخارج إلى الصفحتين والحشفة وغير ذلك, لعموم الأدلة بجواز الاستجمار, ولم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك تقدير)(1) أ.هـ.
رابعاً: أن يكون ثلاث مسحات ودليل ذلك حديث سلمان - رضي الله عنه - { نهى رسول الله أن نستنجي بأقل من ثلاث أحجار } (2).
فدَّل ذلك على أنه لابدَّ من ثلاث مسحات, ولا يشترط ثلاثة أحجار, إنما يشترط ثلاث مسحات حتى ولو كانت بحجر واحد, لأن الحجر الواحد قد يكون له جهات متعددة, وإن أنقى بواحدة فلا يكفي, فلابدَّ من ثلاث, وإذا بم يُنقِ بثلاث يزيد رابعة وجوباً ويقطع على خامسة استحباباً حتى يقطع على وتر, وهكذا لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يستنجى بأقل من ثلاث أحجار ولأن الغالب أنه لا نقاء بأقل من ثلاثة أحجار.
__________
(1) الاختيارات صـ9.
(2) رواه مسلم.(1/13)
خامساً: أن لا يكون بعظم ولا بروث, بدليل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث سلمان - رضي الله عنه - { وأن لا نستنجي بعظم ولا روث(1) } , وورد هذا أيضاً من حديث ابن مسعود(2) , وأبي هريرة - رضي الله عنه - أنه جمع للنبي - صلى الله عليه وسلم - أحجاراُ وأتى بها بثوبه فوضعها عنده ثم انصرف(3), وحديث رويفع(4), ولو خالف وفعل فقد فعل محرماً وهو آثم يُخشى عليه من العقوبة.
س35: هل يُجزئ إذا استجمر بعظام أو روث ؟
ج/ الأظهر أنه لا يُجزئ ووجوده كعدمه كأنه لم يستجمر وهذا هو قول المذهب.
س36: لماذا نُهي عن الاستجمار بالعظام والروث ؟
ج/ أما بالنسبة للعظام إذا كان العظم عظمّ مذكاة فقد بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن هذا العظم يكون طعاماً لإخواننا الجن كما قال - صلى الله عليه وسلم - للجن { لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه, تجدونه أوفر ما يكون لحماً(5) } .
ولما سألوه عن علف بهائمهم كما في الحديث نفسه قال { لكم كل بعرة تكون علفاً لبهائمكم } .
سادساً: أن لا يكون الاستجمار بطعام الآدميين وطعام بهائم الآدميين, كالعلف والبرسيم ونحو ذلك, والدليل على ذلك لما نهى عن الاستجمار بطعام الجن وطعام بهائمهم فطعام الآدميين وطعام بهائمهم من باب أولى, لأن الإنس أفضل.
سابعاً: ألا يكون الاستجمار بمحترم, مثل كُتب العلم الشرعي. والظاهر أن هذه الكُتُب حتى ولو كتبت بغير العربية مادام أن موضوعها محترم.
س37: ما ضابط الاستجمار المُجزئ وما ضابط الاستنجاء بالماء ؟
__________
(1) رواه مسلم.
(2) رواه البخاري.
(3) رواه البخاري.
(4) رواه أبو داود والطبري وفيه شيبان القتبائي وهو مجهول ورواه أحمد وفيه أبن لهيعة وقد اختلط.
(5) رواه مسلم من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - .(1/14)
ج/ أما ضابط الاستنجاء المجزئ فهو, أن يبقى أثر لا يزيله إلا الماء, فالنجاسة يعفى عنها في مواضع, من هذه المواضع, ما يبقى بعد الاستجمار, لأنه لا بد أن يبقى أثر, فالاستجمار المجزئ أن يبقى أثر لا يزيله إلا الماء, فإذا بقي أثر لا يزيله إلا الماء صحَّ الاستجمار.
والدليل على أن هذا الأثر يعفى عنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في العظام والروث { أنهما لا يطهَّران } فدل على أن ما عداهما يطهر مع أنه سيبقى أثر.
أما ضابط الاستنجاء بالماء فهو أن تعود خشونة المحل إلى ما قبل خروج النجاسة, فإذا حصل ذلك عرف الإنسان أنه استنجى استنجاء شرعياً.
ويكفي في الاستنجاء والاستجمار غلبة الظن ولا يلزم اليقين, فإذا غلب على ظن الإنسان وقد استجمر بالحجارة ونحوها أنه بقي أثر لا يزيله إلا الماء, أو إذا استنجى بالماء غلب على ظنه أن خشونة المحل عادت كفى ذلك, فلا يلزم اليقين, لأن اليقين ليس بشرط.
س38: ما الحالات التي تكون بعد قضاء الإنسان حاجته ؟
ج/ إذا قضى الإنسان حاجته فله ثلاث حالات هي:
1. أن يجمع بين الاستنجاء والاستجمار, يبدأ بالاستجمار أولاً بالحجارة ونحوها ثم يستنجي بالماء, فهذا أفضل.
2. أن يستنجي بالماء, وهذا أفضل من الاقتصار على الاستجمار, لأنه أبلغ في النظافة.
3. أن يقتصر على الاستجمار, وهذا أيضاً مجزئ, لحديث عائشة مرفوعاً { إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه(1) } , وبعض الناس يعتقد أنه لا يجوز الاقتصار على الاستجمار مع وجود الماء وهذا خطأ, فلو اقتصر على الاستجمار أجزأ ذلك حتى مع وجود الماء.
هذه ثلاث حالات, والنبي - صلى الله عليه وسلم - فعل الاستنجاء وفعل الاستجمار.
س39: قد يقول قائل أن الإنسان إذا استجمر لابدَّ أن يبقي أثر, لأننا قلنا أن ضابط الاستجمار الشرعي أن يبقى أثر لا يزيله إلا الماء فهذا الأثر الذي يبقى, ما حكمه؟
__________
(1) رواه أحمد وأبو داود وإسناده صحيح.(1/15)
ج/ يقال هذا الأثر معفُوٌ عنه, حتى ولو عرق الإنسان وسأل وأصاب شيئاً من ثيابه وبدنه فإن ذلك معفو عنه, لأن القاعدة الشرعية تقول{أن ما ترتب على المأذون فهو غير مضمون} فما دام أنه أُذن له الاقتصار على الاستجمار المجزئ, وتقدم ضابط ذلك, فما ترتب عليه من سيلان ما بقي من أثر إذا عرق الإنسان فإن هذا يعفى عنه.
س40: إذا كان يجب الاستنجاء أو الاستجمار لكل خارج من السبيلين إلا ما يستثنى, وهو خروج الأشياء الطاهرة, فما الذي يشمله الطاهر ؟
ج/ الطاهر يشمل ما يلي:
1. المني: فلو أن الإنسان خرج منه مني ولم يغسله وإنما أعمَّ جسده بالماء كفى ذلك, أو أصاب المني شيئاً من ثيابه ولم يغسله فلا بأس بذلك, لحديث عائشة رضي الله عنها { كنت أغسل الجنابة من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء في ثوبه } (1), وفي رواية { لقد كنت أفركه من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فركاً فيصلي فيه } (2).
فالمني طاهر لأنه أصل الأنبياء والصديقين والشهداء, وهؤلا يستحيل أن يكون أصلهم نجس, والقول بطهارة المني هو قول الجمهور وهو الراجح, وقد ذكر ابن القيم رحمه الله مناظرة جميلة في كتابه بدائع الفؤائد(3) بين اثنين أحدهما يرى نجاسة مني الآدمي, والآخر يرى طهارته, فيحسن الرجوع إليها.
__________
(1) رواه البخاري.
(2) رواه مسلم.
(3) 3/119.(1/16)
2. الريح: فهي طاهرة, لأنها لا تحدث أثراً فهي هواء فقط, وإذا لم تحدث أثراً في المحل فلا يجب أن نغسله, لأن غسله حينئذٍ نوع من العبث, وسواء كان له صوت أم لا فهي طاهرة وإن كانت رائحتها خبيثة, قال الإمام أحمد رحمه الله: (ليس في الريح الاستنجاء لا في الكتاب ولا سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -, وإنما عليه الوضوء)(1), حتى ولو خرجت الريح من الإنسان وثيابه مبلولة فهنا ستلاقي الريح رطبة فهي طاهرة " أي الريح " وبناء على هذا لا يجب غسل هذه الثياب.
3. رطوبة فرج المرأة: هذه طاهرة أيضاً, فحكم هذه الرطوبة إن كانت من مخرج الولد فهي طاهرة, وإن كانت من مخرج البول أو الغائط, فهي نجسة, لكن الفقهاء قالوا كونها تخرج من مخرج البول أو الغائط فهذا نادر, فالأعمَّ الأغلب أنها تخرج من مخرج الولد, فهذه طاهرة باتفاق أهل العلم, أما هل تنقض الوضوء أم لا تنقض ؟ فعلى خلاف, والصحيح أنها لا تنقض الوضوء.
س41: ما الحكم لو خرج من الإنسان بول ناشف " أي يابس " ولم ينجس المحل؟
ج/ إذا خرج من الإنسان حصاة أو خرزة أو بول ناشف ونحو ذلك ولم تلوث المحل فإنه لا يجب له الاستنجاء ولا الاستجمار, لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً, فالنجس الذي لم يلوث المحل لا يجب له الاستنجاء, لأن الاستنجاء إنما شرع لإزالة النجاسة ولا نجاسة هنا.
س42: ما حكم استقبال القبلة واستدبارها حال الاستنجاء ؟
ج/ المصنف رحمه الله يرى كراهة ذلك, ولكن هذا فيه نظر, لأن الكراهة حكم شرعي يفتقر إلى دليل ولا دليل على ذلك, والأصل جواز استقبال القبلة واستدبارها ولا يحرم من ذلك إلا ما دل الدليل عليه كما سيأتي في مسألة استقبال القبلة واستدبارها حال البول أو الغائط.
- آداب قضاء الحاجة -
آداب قضاء الحاجة هي:
__________
(1) مسائل أحمد لأبي داود ص5, وشرح العمدة1/161.(1/17)
أولاً: يسنُ تقديم الرجل اليسرى عند دخول الخلاء واليمنى عند الخروج, وهذه مسألة قياسية, فاليمنى تقدم عند الدخول للمسجد كما جاءت السنة بذلك(1), واليسرى عند الخروج منه, كذلك النعل ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر لابس النعل أن يبدأ باليمنى عند اللبس وباليسرى عند الخلع, كما ورد ذلك في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال { إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين, وإذا انتزع فليبدأ بالشمال لتكن اليمنى أولهما تُنعل وآخرهما تُنزع } (2), قالوا: فدلَّ هذا على تكريم اليمنى لأنه يبدأ بها اللبس الذي فيه الوقاية, ويبدأ باليسرى بالخلع الذي فيه إزالة الوقاية, ولا شك أن الوقاية تكريم, فإذا كانت اليمنى تقدم في باب التكريم واليسرى تقدَّم في عكسه, فإنه ينبغي أن تقدم عند دخول الخلاء اليسرى, وعند الخروجٌ اليمنى لأنه خروج إلى أكمل وأفضل.
س43: ما قاعدة أقسام تقديم اليمين أو اليسار بالنسبة للرِجل أو اليد, مع التمثيل ؟
ج/ وهذه المسألة لا تخلو من ثلاث أقسام:
أ-ما كان من قبيل الطيبات: تقدم له الرجل اليمنى, كالخروج من الخلاء, ودخول المسجد, إدخال كم الثوب يبدأ بالكم الأيمن, وإنما كان هذا من قبيل الطيبات لأنه ستر ووقاية.
ب-ما كان من قبيل الخبائث: تقدم له الرجل واليد اليسرى كدخول الخلاء, وكذلك إخراج الكم الأيسر عند خلع الثوب, وكذلك خلع النعل اليسرى أولاً عند الخلع, وإنما كان الخلع من قبيل الخبائث لأن فيه إزالة للستر والوقاية.
ج-ما لم يظهر فيه الطيب ولا الخبيث: أي من الأشياء المباحة, فهذا تقدم له اليد اليمنى والرجل اليمنى, لحديث عائشة رضي الله عنها { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله } (3).
__________
(1) رواه الحاكم من حديث أنس وقال: صحيح على شرط مسلم, ووافقه الذهبي.
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) رواه البخاري ومسلم.(1/18)
ثانياً: قول [بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث], لحديث علي مرفوعاً { سترٌ ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الخلاء يقول: بسم الله } (1), وعن أنس كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل الخلاء قال { اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث } (2).
ومعنى الخبث والخبائث فيهما خلاف والراجح:
أن الخبث: هو الشر.
والخبائث: النفوس الشريرة.
وإذا فسرنا الخبث بالشر والخبائث بالنفوس الشريرة فإن الإنسان يكون قد استعاذ من الشر وأهله.
ثالثاً: عند الخروج يقول (غفرانك), ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت { كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك(3) } .
ويالمناسبة من ذلك, إي من قول غفرانك, قال ابن القيم رحمه الله: (وفي هذا من السر والله أعلم أن النجو يثقل البدن ويؤذيه باحتباسه, والذنوب تثقل القلب وتؤذيه باحتباسه فيه, فهما مؤذيان بالبدن والقلب فحمد الله عند خروجه على خلاصه من هذا المؤذي ببدنه وخفة البدن وراحته وسأل أن يخلصه من المؤذي الآخر ويريح قلبه منه ويخففه)(4), وهذا معنى مناسب فهو من باب تذكر الشيء بالشيء.
س44: هل يشرع أن يقول بعد (غفرانك) الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني أم لا يشرع ذلك ؟
ج/ ورد في ذلك حديث أنس - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من الخلاء قال { الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني } (5), ولكن هذا الحديث ضعيف, وعلى هذا لا يشرع أن يقول ذلك بل يقتصر على قول (غفرانك).
رابعاً: من الآداب اجتناب ما يكره عند قضاء الحاجة, وإليك بيانها:
__________
(1) رواه ابن ماجه وإسناده صحيح.
(2) رواه الجماعة.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأدب المفرد وأبو داود والترمذي.
(4) إغاثة اللهفان 1/58.
(5) رواه ابن ماجه وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة من حديث أبي ذر وأخرجه ابن أبي شيبة والطبراني من حديث أبي ذر, والحديث ضعيف, ضعفه البوصيري والمنذري.(1/19)
س45: هناك أمور تكره عند قضاء الحاجة فما هي ؟
1) يكره البول في كل موضع: يخشى منه ارتداد النجاسة, مثل مهب الريح أو الأرض الصلبة, قال ابن القيم رحمه الله: (وكان " أي النبي - صلى الله عليه وسلم - " إذا أراد أن يبول في عزاز من الأرض " وهو الموضع الصلب " أخذ عوداً فنكت به يثري ثم يبول, وكان يرتاد لبوله الموضع الدمث " وهو اللين الرخو " )(1).
2) يكره الكلام حين قضاء الحاجة: لقول ابن عمر رضي الله عنهما { مر رجل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فسلم عليه وهو يبول فلم يرد عليه } (2).
أما إذا انتهى الإنسان من قضاء الحاجة وشرع يستنجي أو يستجمر, فهنا لا بأس من الكلام في هذه الحالة.
3) كذلك مما يكره مس الفرج باليمنى حال التبول فقط: لحديث أبي قتادة { لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول(3)...الحديث } , أما مس الفرج في غير حال البول فمحل اختلاف, والأحوط أن يتجنب مسه باليمين مطلقاً إكراما لليمين وتشريفاً وصيانه لها عن الأقذار.
4) كذلك مما يكره قضاء الحاجة الاستنجاء والاستجمار باليمين: لحديث أبي قتادة - رضي الله عنه - { ولا يتمسح من الخلاء بيمينه(4) } , وأما التعليل فهو إكرام اليمين أيضاً.
س46: هل يكره استقبال الشمس والقمر في حال التخلي " أي حال قضاء الحاجة " أم لا ؟
ج/ الحنابلة يرون كراهة ذلك, والراجح أن ذلك لا يكره, قال ابن القيم رحمه الله: (فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينقل عنه ذلك في كلمة واحدة لا بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا مرسل ولا متصل, وليس لهذه المسألة أصل في الشرع, والذين ذكروها من الفقهاء منهم من قال: أن العلة اسم الله مكتوب عليها, ومنهم من قال: لأن نورهما من نور الله, ومنهم من قال: أن التنكب عن استقبالهما واستدبارهما أبلغ في التستر وعدم ظهور الفرجين)(5).
__________
(1) زاد المعاد 1/171.
(2) رواه مسلم.
(3) متفق عليه.
(4) رواه البخاري ومسلم.
(5) مفتاح دار السعادة 2/205.(1/20)
س47: ما حكم البول في الإناء ؟
ج/ البول في الإناء ينقسم إلى قسمين:
1- أن يكون الإناء معداً لذلك فلا بأس هنا من البول فيه, بدليل حديث حُكْيمة بنت أُميمة بنت رقيقة عن أمها أنها قالت { كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه بالليل(1) } , فلا بأس من البول فيه, ولا يقيد بالحاجة هنا ما دام معداً " أي الإناء " لذلك قال في حاشية ابن قاسم (لا خلاف في جوازه, لحديث أميمة السابق, ثم قال فتقييده بالحاجة لا حاجة إليه)(2).
2- ألا يكون الإناء معداً لذلك, فالمصنف رحمه الله قال " يكره " لكن هنا يقال إن كان ذلك يؤدي إلى استقذار الإناء وإذهاب منفعته فهنا لا يقتصر على الكراهة, بل يقال بالتحريم, ونظير ذلك البول في الماء الراكد المنهي عنه.
48: ما حكم البول قائماً ؟
ج/ البول قائما لا سيما إذا كان لحاجة جائز بشرطين:
الأول: أن يأمن الناظر إليه, لأنه إذا كان قائماً فمظنة انكشاف عورته أكثر, فحفظ الفرج واجب, أما إذا كان لا يأمن ذلك فالبول قائماً حرام.
الثاني: أن يأمن عدم التلوث بالنجاسة.
فإذا وجد هذين الشرطين جاز أن يبول قائماً ولا يكره, لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث حذيفة - رضي الله عنه - قال { انتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى سباطة قوم فبال قائماً } (3), السباطة هي الزبالة " أي مجمع الزبائل " .
س49: ما حكم استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة في الصحراء والبنيان؟
ج/ الأقرب أن استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة محرم سواء كان ذلك في الصحراء أو البنيان, لحديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - { أذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا } (4).
__________
(1) رواه ابو داود والنسائي.
(2) حاشية ابن القاسم 1/132.
(3) رواه البخاري ومسلم.
(4) رواه البخاري ومسلم.(1/21)
ولكن يستثنى من ذلك الاستدبار في البنيان فلا بأس به والأحوط تركه, لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال { رقيت يوماً على بيت حفصة فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة } (1), قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: (والقول الراجح عندي في هذه المسألة أنه يحرم الاستقبال والاستدبار في الفضاء, ويجوز الاستدبار في البنيان دون استقبال, لأن النهي عن الاستقبال محفوظ ليس فيه تخصيص, والنهي عن الاستدبار مخصوص بالفعل, وأيضاً الاستدبار أهون من الاستقبال, ولهذا والله أعلم جاء التخفيف فيه فيما إذا كان الإنسان في البنيان, والأفضل ألا يستدبرها إن أمكن ذلك)(2).
س50: إذا استتر في البر بشجرة مثلاً أو حجر أو كثيب رمل أو أرخى ثوبه فهل هذا يعتبر ساتراً يجوز معه أن يستدبر الكعبة أم لا ؟
ج/ الأقرب في ذلك أنه يرجع في ضبط ذلك للعرف, فإذا كان العرف يعتبر هذا الشيء ساتراً فهو كذلك, لأنه لم يرد تحديده في الشرع, وبالنسبة لإرخاء ذيله " أي طرف ثوبه " الظاهر أنه لا يعتبر ساتراً, لأن المحرم في الصحراء الاستدبار والاستقبال وليس ستر البول.
س51: ما حكم قضاء الحاجة في موارد المياه وقارعة الطريق, وما علة ذلك ؟
ج/ يحرم قضاء الحاجة في موارد المياه وقارعة الطريق والظل النافع وهو الظل الذي يستظل به الناس, ويقاس عليه المشمس الذي يجلس فيه الناس أيام الشتاء للتدفئة, وإنما حرّم ذلك لما فيه من الأذية التي تحصل للمسلمين في هذا العمل وكل عمل يؤدي إلى أذية الناس فهو محرم ولا يجوز, لقوله تعالى { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً(3) } .
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين 4/111.
(3) الأحزاب:58).(1/22)
ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث أبي هريرة { اتقوا اللاعنَين, وقالوا وما اللاعنان يا رسول الله ؟ قال الذي يتخلى في طريق الناس وفي ظلهم } (1), ولما رواه معاذ - رضي الله عنه - قال, قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل } (2)
والعلة من المنع هي أذية الناس فالحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً, وبناء على هذا فالإنسان إذا غلب على ظنه أنه لا يتأذى أحد لكون هذه الشجرة لا تُقصد ونحو ذلك فإنه لا بأس من البول والتغوط تحتها.
س52: ما حكم البول بين قبور المسلمين ؟
ج/ يحرم البول بين قبور المسلمين, لأنه حرمة ميتاً كحرمته حياً, لحديث عائشة رضي الله عنها قالت { كسر عظم الميت ككسره حياً(3) } .
س53: ما حكم اللبث في الخلاء فوق قدر الحاجة ؟
ج/ يكره اللبث في الخلاء فوق قدر الحاجة لعلتين:
أ- لما فيه من كشف العورة بلا حاجة.
ب- أن الحشوش والمراحيض مأوى الشياطين والنفوس الخبيثة فلا ينبغي أن يبقى في هذا المكان الخبيث, وبعض العلماء قال: إنه مضر من الناحية الطبية, وتحريم اللبث مبني على التعليل ولا دليل فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله في رواية عنه(أنه يكره ولا يحرم).
أما إذا كان يؤدي إلى الضرر فهو محرم ولا يجوز.
خامساً: من آداب الخلاء أن يستتر الإنسان حال قضاء الحاجة.
س54: ما أقسام الاستتار ؟
ج/ استتار الإنسان على قسمين:
__________
(1) رواه مسلم.
(2) رواه أبو داود.
(3) رواه أبو داود, وإسناده صحيح.(1/23)
1-استتار واجب: وهو أن يستر عورته, لقوله تعالى { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } (1), ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما ورد من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده { أحفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك ...الحديث } (2).
2-استتار مستحب: وهو أن يستر كل بدنه فلا يرى منه شيء حال قضاء الحاجة, يعني يبتعد حتى لا يُرى بدنه إما أن يستتر خلف تل أو خلف شجرة أو نحو ذلك أو يبتعد بُعداً لا يراه من معه, فهذا استتار مستحب, يبتعد بعداً حتى لا يُرى شخصه كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل, ومن ذلك ما ورد في حديث المغيرة بن شعبة قال { ...فانطلق حتى توارى عني فقضى حاجته(3) } , ولما ورد في حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد } (4). وأيضاً لما في ذلك من المروءة والأدب, وهذا ظاهر لمن تأمل ذلك.
س55: ما حكم دخول الإنسان الخلاء بشيء من الأوراق التي فيها ذكر الله تعالى؟
ج/ قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: (يجوز دخول الحمام بأوراق فيها اسم الله ما دامت في الجيب ليست ظاهرة, بل هي خفية مستورة)(5), ولكن يستثنى الدخول بالمصحف إلى الحمام, فالدخول به إلى الحمام حرام سواء كان ظاهراً أو خفياً, لأن المصحف أشرف الكلام, ودخول الكلام فيه نوع من الإهانة, قال في الإنصاف: (فلا شك في تحريمه قطعاً ولا يتوقف في هذا عاقل)(6).
__________
(1) المؤمنون:7,6,5).
(2) أبو داود والترمذي وابن ماجه والإمام أحمد في مسنده.
(3) رواه البخاري ومسلم.
(4) رواه أبو داود, والترمذي, وابن ماجه والنسائي وقال الترمذي : حسن صحيح.
(5) مجموع الفتاوى4/109.
(6) الانصاف 1/94.(1/24)
س56: لكن إذا خشي أن يسرق المصحف فهل يدخل به الحمام أم لا ؟
ج/ أجاب عن ذلك الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله فقال: (أما المصحف فقالوا إن خاف أن يسرق فلا بأس أن يدخل به, وظاهر كلامهم ولو كان غنياً يجد بدله, وعلى كل حال ينبغي للإنسان في المصحف خاصة أن يحاول عدم الدخول به, حتى وإن كان في مجتمع عام من الناس فيعطيه أحداً يمسكه حتى يخرج)(1).
- باب السواك -
س57: ما تعريف السواك في اللغة والاصطلاح ؟ وما الحكمة من مشروعيته ؟
ج/ السواك لغة: مشتق من التساوك وهو التمايل, ومنه قولهم (جاءت الإبل تتساوك) أي تتمايل.
اصطلاحاً: هو استعمال عود ونحوه لتطهير الفم.
الحكمة من مشروعية السواك: أنه مطهرة للفم, مرضاة للرب.
س58: ما منافع السواك ؟
ج/ قال ابن القيم رحمه الله: (وفي السواك عدة منافع, يُطيّب الفم, ويشد اللثة, ويقطع البلغم, ويجلو البصر, ويذهب بالحفر, ويصحح المعدة, ويصفي الصوت, ويعين على هضم الطعام, ويسهل مجاري الكلام, وينشط للقراءة والذكر والصلاة, ويطرد النوم, ويرضي الرب, ويعجب الملائكة, ويكثر الحسنات)(2).
س59: هل لإصابة السنة لابد أن يكون بعود أم تحصل السنة بكل منظف ؟
ج/ يحصل السنة بعود وبغيره, ويدخل في العود كل أجناس العيدان سواء كانت من جريد النخيل أو من عراجينها أو من أغصان العنب أو من غير ذلك فهو من جنس شامل لجميع الأعواد وأيضاً السنة تحصل بغير العود, ومن ذلك لو استاك بأصابعه أو خرقة أو فرشة ونحو ذلك, لأن القاعدة الشرعية تقول {الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً} فإذا وجد التطهير حصل الحكم وهو السنية, قال النووي رحمه الله: (وبأي شيء استاك مما يزيل التغير حصل السواك كالخرقة الخشنة والسعد والأسنان)(3), ولكن لابد من استحضار نية إتباع السنة في ذلك, مع أن عود الأراك أفضل لوروده في السنة.
س60: ما حكم السواك ؟
__________
(1) الممتع 1/91.
(2) زاد المعاد 1/323.
(3) شرح مسلم 3/143.(1/25)
ج/ السواك مسنون مطلقاً في كل وقت حتى الزوال للصائم على القول الراجح, كما في حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { السواك مطهرة للفم مرضاة للرب } .
س61: ما هي المواضع التي يتأكد فيها السواك ؟
ج/ المواضع التي يتأكد فيها السواك هي:
أولاً: عند الوضوء.
ثانياً: عند الصلاة, لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما ورد في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - { لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل الصلاة } (1), وهذا يشمل الفرض والنفل, وكذلك صلاة الجنازة لعموم الحديث, وفي رواية { لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء } (2), وفي رواية { بالسواك عند كل وضوء } (3).
س62: ما محله من الوضوء ؟
ج/ الراجح: أن الأمر في ذلك واسع سواءً استاك عند ابتداء الوضوء أو عند المضمضة, أو بعد نهاية الوضوء إذا لم يكن الفاصل طويلاً عرفاً, أي يتسوك بعد انتهاء الوضوء مباشرة أو بعد الانتهاء من الوضوء بوقت ليس طويل, أما لو طال الفصل بين وضوءه وبين تسوكه فإن وقت السنة يفوت, والمرجع في طول الفصل وقصره للعرف.
س63: ما محله من الصلاة ؟
ج/ عند تكبيرة الإحرام أو قبلها بزمن يسير عُرفاً, أو وهو في طريقه للمسجد, أو أثناء دخوله للمسجد, لكن بشرط أن يكون ذلك قبل تكبيرة الإحرام بزمن يسير, وكذلك المرأة لو أنها توضأت واستاكت وهي في طريقها إلى مصلاها أصابت السنة بإذن الله, لأن قوله في الحديث المتقدم { عند كل صلاة } أي قربها, وكلما قرب منها فهو أفضل, وأما قول بعضهم عند الصلاة يعني الوضوء فغير صحيح, لأن الوضوء قد يبعد عن الصلاة, ولأن له سنة مستقلة كما تقدم من مشروعية السواك عند الوضوء.
__________
(1) متفق عليه.
(2) رواه أحمد.
(3) رواه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم, وحسنه الهيثمي في مجمع الزوائد, وصححه أحمد شاكر رحمه الله تعالى.(1/26)
ثالثاً: من المواضع التي يتأكد فيها السواك عند الانتباه من النوم: كما في حديث حذيفة - رضي الله عنه - قال { كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك(1) } .
ولحديث عائشة رضي الله عنها { كنا نعُدّ له سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء الله من الليل(2) } , والذي يظهر والعلم عند الله أنه لا يُقيد بنوم الليل حتى وإن كان نص الحديث { إذا قام من الليل } , لأن العلة من السواك عند القيام من النوم تغير رائحة الفم وهذا قد يحصل من نوم النهار, فحذيفة - رضي الله عنه - رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يشوص فاه بالسواك عند الانتباه من نوم الليل ولا يمنع أن يكون ذلك أيضاً عند الانتباه من نوم النهار.
رابعاً: عند تغير رائحة الفم يتأكد السواك كذلك, وتغير رائحة الفم إما بلاصفرار بسبب غبار ونحوه, أو لطول السكوت, أو بسبب الأكل ونحو ذلك, لحديث عائشة رضي الله عنها السابق { السواك مطهرة للفم مرضاة للرب } (3).
خامساً: عند قراءة القرآن الكريم, بدليل حديث علي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { إن العبد إذا تسوك وقام يصلي قام الملك خلفه فسمع لقراءته فيدنو منه " أو كلمة نحوها " حتى يضع فاه على فيه وما يخرج من فيه شيء إلا صار في جوف الملك فطهروا أفواهكم للقرآن } (4).
سادساً: عند دخول المنزل, والدليل ما رواه شريح بن هانئ قال { سألت عائشة رضي الله عنها بأي شيء كان يبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل بيته ؟ قالت: بالسواك(5) } .
لأنه إذا دخل الرجل بيته يطيب فمه بالسواك حتى لا يتأذى أهل البيت وتتأذى زوجته من رائحة فمه إذا كان فيه رائحة وهذا من إحسان العشرة مع الزوجة بقوله تعالى { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف(6) } .
__________
(1) متفق عليه.
(2) رواه أحمد.
(3) سبق تخريجه.
(4) أخرجه البزار في مسنده وقال المنذري بإسناد جيد لا بأس به.
(5) رواه مسلم.
(6) النساء: من الآية19).(1/27)
سابعاً: عند الغُسل, لأن السواك يتأكد عند الوضوء, فكذلك عند الغسل قياساً على الوضوء.
س64: هل يسن السواك عند دخول المسجد قياساً على سنيته عند دخول المنزل؟
ج/ الظاهر عدم تأكده في هذا الموضع, فعلى هذا لا يسن السواك عند دخول المسجد, لأن ما وجد سببه في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يفعله فتركه هو السنة.
س65: ما الحكم لو تسوك بالعود الواحد اثنان فأكثر ؟
ج/ لا بأس أن يتسوك بالعود الواحد اثنان فصاعداً, والدليل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها { لما دخل عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما على النبي - صلى الله عليه وسلم - ومع عبدالرحمن سواك رطب يستن به فأبدَّه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببصره " يعني نظر إليه" وأطال النظر إليه, قالت عائشة رضي الله عنها فعرفت أنه يريده فأخذته ثم قضمته ثم طيبته فدفعته للنبي - صلى الله عليه وسلم - فاستن به فما رأيت استناناً أحسن منه... } (1) الحديث .
إلا إذا كان يترتب على ذلك ضرر لكون أحدهما مريض ويخشى من انتقال العدوى.
س66: هل المشروع أن يستاك الإنسان باليد اليمنى أو اليسرى ؟
ج/ الأقرب والعلم عند الله تعالى أن الأمر في ذلك واسع, سواء استاك باليد اليمنى أو اليسرى, وذلك لعدم ثبوت نص واضح في هذه المسألة.
س67: في أي جانبي الفم يبدأ عند الاستياك ؟
ج/ السنة أن يبدأ بجانب فمه الأيمن, بدليل حديث عائشة رضي الله عنها { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعجبه التيامن في تنعله وترجله وطهوره وشأنه كله } (2).
س68: هل السواك خاص بالأسنان أم هو شامل للفم ؟
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه البخاري ومسلم.(1/28)
ج/ ورد في حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال { أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يستاك بسواك رطب, قال: وطرف السواك على لسانه وهو يقول: أُع أُع, والسواك في فيه كأنه يتهوع } (1), فهذا الحديث يدل على أن السواك ليس خاصاً بالأسنان بل هو مشروع للفم كله, قال ابن حجر رحمه الله: (وفيه تأكيد السواك وأنه لا يختص بالأسنان)(2).
فائدة:
مما يلاحظ تقصير النساء في مسألة استخدام السواك ظناً منهن أن ذلك بالرجل وهذا غير صحيح فإن الأصل تساوي الرجال والنساء في الأحكام إلا ما دل الدليل على تخصيص أحدهما دون الآخر ولا دليل هنا يفرق بين الرجل والمرأة, فالواجب على المرأة المسلمة إحياء هذه السنة والدعوة إليها تطبيقاً وحثاً عليها في أوساط بنات جنسهن.
- فضل في سنن الفطرة -
س69: ما تعريف الفطرة ؟
ج/ الفطرة لغة: قيل هي الشق طولاً, وقيل هي الاختراع, وقيل هي الخلقة المبتدئة, ومن ذلك قوله تعالى { فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ(3) } أي ابتدأ خلقها سبحانه وتعالى.
والسنة لغة: الطريقة.
معنى (سنن الفطرة) في الاصطلاح: أي من فعل هذه الأشياء فقد اتصف بالفطرة التي فطر الله الناس عليها وحثهم على فعلها.
الدليل على سنن الفطرة: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً { الفطرة خمس: الختان, والاستحداد, وقص الشارب, وتقليم الأظافر, ونتف الإبط(4) } .
س70: ما سنن الفطرة ؟
ج/ سنن الفطرة هي:
أولاً الاستحداد: وهو إزالة شعر العانة بالحديدة, وهو الشعر الذي يكون حول القُبل, فيسن حلقه للمرأة والرجل, إلا إذا كان تركه يؤدي إلى التشبه بالكفار أو الحيوانات لطوله فتركه حرام, والدليل على ذلك الحديث السابق { الفطرة خمس وذكر منها: الاستحداد } .
س71: وهل السنة لا تحصل إلا بإزالته بالموس أم تحصل بأي مزيل ؟
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) فتح الباري 1/424.
(3) فاطر: من الآية1).
(4) رواه البخاري ومسلم.(1/29)
ج/ السنة تحصل بإزالته بأي مزيل, لكن الأولى إزالته بالموس, وفي شرح العمدة (وأما الاستحداد فهو استعمال الحديد في شعر العانة, ولو قصه أو نتفه أو تنور(1) جاز والحلق أفضل)(2).
ثانياً نتف الإبط:
هو رباط المنكب, والنتف بالقلع وله أن يزيله بأي مزيل, لكن النتف أولى, قال في شرح العمدة (والأفضل في الإبط أن ينتفه, ولو حلقه أو قصه أو نوره جاز أيضاً)(3).
والعلة في كون الإبط يشرع فيه النتف لا الحلق كما ذكر بعض أهل العلم أن الإبط محل الروائح فإذا أزاله الإنسان بالنتف تأخر خروجه فانقطعت الرائحة.
ثالثاً تقليم الأظافر: وضابط ذلك قطع ما زاد على اللحم, بدليل حديث أبي هريرة السابق.
س72: هل من سنن الفطرة النظر في المرآة, والتطيب بالطيب والاكتحال أم لا ؟
ج/ الأقرب أن هذه الأشياء من قبيل العادات لا من قبيل العبادات لأن ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - موافقة لأهل زمنه فهو من قبيل العادات وما فعله - صلى الله عليه وسلم - مخالفاً لأهل زمنه فهو من قبيل العبادات, وهذه الأشياء فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - موافقة لأهل زمنه, ولذا فهي من قبيل العادات, ولكن هذه العادات مع النية الصالحة يؤجر عليها الإنسان فالاكتحال للرجل مثلاً إذا كان لتقوية البصر وجلاء الغشاوة من العين وتنظيفها وتطهيرها لكن بدون أن يكون هناك فتنة في الرجل عند اكتحاله فهذا لا بأس به, بل إنه مما ينبغي فعله لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكتحل في عينيه, وكذلك بالنسبة للمرأة إذا قصدت من ذلك التجمل للزوج فإنها تؤجر على اكتحالها, لأنه مطلوب منها التجمل للزوج.
__________
(1) التنور: منه النورة من الحجر الذي يحرق ويسوّى منه الكِلس, ويحلق به شعر العانة.
(2) شرح العمدة 1/238.
(3) المصدر السابق.(1/30)
وأما الطيب فإن الإنسان إذا تطيب وقصد من ذلك أن تكون رائحته زكية فيدخل السرور على إخوانه فهو يؤجر على ذلك, إلا إذا ورد في الطيب دليل في موضع من المواضع فإنه يكون سنة كالتطيب في حق الرجال لصلاة الجمعة فهو سنة لما ورد من حديث سلمان - رضي الله عنه - قال, قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { لا يغتسل رجل يوم الجمعة, ويتطهر ما استطاع من طهر, ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته, ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين, ثم يصلي ما كتب له, ثم ينصت إذا تكلم الإمام, إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى } (1), وإلا فالطيب في الأصل يؤجر عليه الإنسان بالقصد.
رابعاً إعفاء اللحية وحف الشارب:
وليس المقصود هنا أن إعفاء اللحية من السنن, بل المقصود أن السنة هنا هي الطريقة, ولذلك من سنن الفطرة ما هو واجب وإعفاء اللحية من ذلك, قال الإمام ابن باز رحمه الله: (وأما اللحية فيحرم حلقها أو أخذ شيء منها في جميع الأوقات, لما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً { خالفوا المشركين, أحفوا الشوارب ووفروا اللحى } (2)’(3), وحف الشارب هو المبالغة في قصه.
س73: هل يجوز حلق ما نبت على الخدين أو الذقن ؟
ج/ اللحية تشمل كل ما نبت على الخدين والذقن من الشعر فلا يجوز للإنسان أن يحلقه, وأما ما نبت على العُنق "الحلق " فهذا ليس داخلاً في اللحية فلا بأس من أخذه, قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: (وأما نتف ما على الوجه أو الخدين من الشعر فإنه لا يجوز, لأن هذا من اللحية, كما نص على ذلك أهل العلم باللغة, والنبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بإعفاء اللحى ونتف هذا أو قصه مخالف لما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - )(4).
س74: هل الأفضل في الشارب القص أم الحف, وهو أن يقص من أطرافه حتى تبين الشفة العليا ؟
__________
(1) رواه البخاري.
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) التحقيق والإيضاح صـ13.
(4) مجموع الفتاوى 4/129.(1/31)
ج/ الأقرب في ذلك ما عليه الجمهور " أبو حنيفة, الشافعي, أحمد " أن المشهور هو الحلف وهو المبالغة في قصه من جميع جوانبه, وهذا ما رجحه ابن القيم رحمه الله تعالى.
وقد نقل ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد قولاً لبعض أهل العلم مفاده: (أن نظير ذلك الحلق والقص في الحج كلاهما جائز والحلق أفضل)(1) , وهنا عندنا الحفّ والقص, والحفّ أفضل فقاس هذا على هذا, وفي فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: (الأفضل في ذلك قص الشارب, إما حفاً بأن يقص بعض أطرافه مما يلي الشفة حتى تبدو, وإما أحفاء بحيث يقص جميعه حتى يخفيه)(2).
س75: هل من السنة حلق الشارب أم لا ؟
ج/ حلق الشارب ليس من السنة, قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في فتاويه: (وأما حلقه فليس من السنة, وقياس بعضهم مشروعية حلقه على حلق الرأس في النسك قياس في مقابلة النص فلا عبرة به, ولهذا قال مالك عن الحلق: إنه بدعة ظهرت في الناس)(3).
س76: هل لحلق العانة وقص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظافر وقت محدد ؟
ج/ السنة أنه إذا طالت هذه الأشياء فإنه يشرع الأخذ منها.
ويكره أن تترك أكثر من أربعين يوماً, لحديث أنس - رضي الله عنه - قال { وقت لنا في قص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة أن لا تترك فوق أربعين يوماً } (4).
ويحرم إذا أدّى تركها إلى مشابهة الكفار, فهذه ثلاثة أحكام.
فائدة:
إلى الله نشكوه من انتكاس الفطرة عند بعض الناس, من إطالة الشوارب وحلق اللحى وإطالة الأظافر, مخالفة للفطرة التي فطر الله الناس عليها, وهذا لا شك بسبب ضعف الإيمان الذي اعترى قلوب بعض أهل الإيمان مشابهة للكفار الذين أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بمخالفتهم, ولأن المشابهة في الهدي الظاهر يؤدي إلى المشابهة في الباطن كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
__________
(1) زاد المعاد لابن القيم 1/175.
(2) فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين 1/241.
(3) المصدر السابق.
(4) رواه مسلم.(1/32)
فإعفاء اللحية واجب ويحرم حلقها, وحالق اللحية قد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب, قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { أعفوا اللحى(1) } , وفي رواية أخرى { أرخوا اللحى } (2), وفي رواية { أوفوا اللحى } (3), وفي رواية { وفروا اللحى } (4).
خامساً من سنن الفطرة الختان:
الختان للرجل: هو قطع الجلدة التي فوق الحشفة, والمراد بالحشفة هي رأس الذكر.
أما ختان الأنثى: فهو قطع لحمة زائدة فوق محل الإيلاج, قال الفقهاء رحمهم الله (إنها تشبه عرف الديك).
س77: ما حكم الختان بالنسبة للرجل والأنثى ؟
ج/ حكمه بالنسبة للذكر الأقرب أنه واجب لتحصيل أمر واجب, لأن الإنسان إذا كان لم يختتن فإنه يؤدي إلى بقاء شيء من البول في الحشفة ثم ينتقل, وربما أدى ذلك إلى تلويث البدن والثياب, ولا شك أن الطهارة واجبة {وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب}, قال شيخ الإسلام رحمه الله: (ويجب الختان إذا وجبت الطهارة والصلاة)(5), والأدلة على وجوبه في حق الرجال ما يلي:
1- قوله - صلى الله عليه وسلم - { خمس من الفطرة...وذكر منها الختان(6) } .
2- أمره - صلى الله عليه وسلم - من أسلم أن يختتن(7).
3- الختان ميزة بين المسلمين والنصارى, حتى كان المسلمون يعرفون قتلاهم في المعارك بالختان, فالمسلمون والعرب قبل الإسلام واليهود يختتنون, والنصارى لا يختتنون, وإذا كان ميزة فهو واجب.
4- فيه قطع شيء من البدن, وهو حرام في الأصل, والحرام لا يستباح إلا بالواجب.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه مسلم.
(3) رواه البخاري ومسلم.
(4) رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(5) الاختيارات صـ 10 سبق تخريجه.
(6) سبق تخريجه.
(7) كما في الحديث الذي رواه أحمد في مسنده, وأبو داود عن عثيم بن كليب عن جده, وهو ضعيف كما في المجموع 2/154, وقال الشوكاني في نيل الأوطار 1/114, وقال الحافظ وفيه انقطاع وعثيم وأبوه مجهولان قاله ابن القطان.(1/33)
5- أنه يقوم به ولي اليتيم, وهو اعتداء عليه واعتداء على ماله, لأنه سيعطي الخاتن أجرته من مال اليتيم, فلولا أنه واجب لم يجز الاعتداء على ماله وبدنه.
أما بالنسبة للأنثى: فهو سنة في حقها لأنه يؤدي إلى تحصيل كمال وهو تخفيف الغِلْمة " أي الشهوة " .
س78: ما وقت الختان ؟
ج/ الأفضل أن يكون الختان عند الصغر وكلما كان أصغر فهو أفضل, فيكون بعد اليوم السابع.
وكونه في الصغر أفضل لعلتين:
1. أن الطفل لا يتألم قلبياً, وإنما تألمه بدنياً, لكن إذا كبر كان تألمه قلبياً وبدنياً.
2. أنه أسرع للبُرء, أي أسرع للشفاء بإذن الله تعالى.
لكن قال العلماء لا يختتن في الأيام السبعة الأولى, لأنه يخشى عليه من الهلاك.
س79: متى يجب الختان ؟
ج/ يجب عند البلوغ, وهذا هو معنى قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ويجب الختان إذا وجبت الطهارة والصلاة), ولذلك قال ابن القيم رحمه الله(ولا يجب ذبل ذلك " أي قبل البلوغ " وفي صحيح البخاري من حديث سعيد بن جبير قال سئل ابن عباس رضي الله عنهما مثل من أنت حين قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال: أنا يومئذ مختون, وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك). وعندي أنه يجب على الولي أن يختن الولد قبل البلوغ بحيث يبلغ مختوناً فإن ذلك مما لا يتم الواجب إلا به, وأما قول ابن عباس(كانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك " أي يقارب البلوغ " (1), فدل على أنهم يرون وجوبه بعد البلوغ.
- باب الوضوء -
س80: ما تعريف الوضوء في اللغة والاصطلاح ؟
ج/ الوضوء بالضم الطهارة التي يترفع بها الحدث, وبالفتح الماء الذي يوضأ به.
الوضوء لغةً: هو الحسن والنظافة.
__________
(1) تحفة المولود ص124(1/34)
اصطلاحاً: هو التعبد لله عز وجل باستعمال ماء طهور في الأعضاء الأربعة على وجه مخصوص, وهو ليس من خصائص هذه الأمة بل هو مشروعٌ في هذه الأمة والأمم السابقة بدليل قصة جريج العابد وفيه { ودعاء بماء يتوضأ به(1) } , لكن الذي من خصائص هذه الأمة الغُرّة والتحجيل, لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الغُرّة والتحجيل { سيما ليست لأحد قبلكم من الأمم } (2).
ووجوب الوضوء ثبت في القرآن والسنة والإجماع:
* القرآن: كما في قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَأغسلوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ(3) } .
* السنة: الأدلة على ذلك كثيرة فقد وصف وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يقرب من اثنين وعشرين صحابياً, من ذلك حديث عبدالله بن زيد لما سأله عمرو بن أبي الحسن عن وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ { فدعا بتور من ماء فتوضأ لهم وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاكفأ على يديه من التور فغسل يديه ثلاثاً, ثم أدخل يديه في في التور فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثاً بثلاث غرفات, ثم أدخل يده في التور فغسل وجهه ثلاثاً, ثم أدخل يده فغسلهما مرتين إلى المرفقين, ثم أدخل يديه فمسح بهما رأسه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة, ثم غسل رجليه } (4) .
* والإجماع: منعقد على ذلك.
س81: ما حكم التسمية عند الوضوء ؟
ج/ الأقرب أن يقال بالاستحباب والصارف عن الإيجاب قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَأغسلوا وُجُوهَكُمْ... } (5) ولم يذكر الله تعالى التسمية.
__________
(1) فتح الباري 1/236.
(2) رواه مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً
(3) المائدة: من الآية6).
(4) رواه البخاري ومسلم.
(5) المائدة: من الآية6).(1/35)
ومن الأدلة كذلك حديث { سؤال الأعرابي للنبي - صلى الله عليه وسلم - عن كيفية الوضوء فعلمه ولم يذكر التسمية } (1), قالوا وهذا خرج مخرج البيان ولو كانت التسمية واجبة لذكرها له - صلى الله عليه وسلم -, أيضاً أكثر الذين نقلوا صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكروا التسمية, ولو كانت التسمية واجبة لنقلوها, وعلى هذا يقال أن التسمية مستحبة في الوضوء, وكذا في الغسل والتيمم وعند غسل اليدين للقائم من نوم الليل ثلاثاً.
- فروض الوضوء -
س83: كم أركان الوضوء ؟ وما هي ؟
الركن الأول:
غسل الوجه, ومنه المضمضة والاستنشاق.
والمضمضة هي: تحريك الماء في الفم.
والاستنشاق: جذب الماء إلى داخل الأنف.
الاستنثار: إخراج الماء من الأنف.
س84: ما الأدلة على وجوب المضمضة والاستنشاق ؟
ج/ من الأدلة على وجوب المضمضة والاستنشاق:
* قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَأغسلوا وُجُوهَكُمْ } (2), ومن السنة ما تقدم من حديث عبدالله بن زيد(3), والمضمضة والاستنشاق كلٌ منهما داخل في الوجه.
* حديث عثمان بن عفان - رضي الله عنه - في صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه { فمضمض واستنثر } (4).
* وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر, ومن استجمر فليوتر(5) } , وهذا أمر والأمر يدل على الوجوب.
* ولما ورد في حديث لقيط بن صبره من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه { إذا توضأت فمضمض(6) } .
__________
(1) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والإمام أحمد في مسنده, كلهم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده, قال الأرنؤوط : إسناده حسن.
(2) المائدة: من الآية6).
(3) سبق.
(4) رواه البخاري ومسلم.
(5) رواه البخاري ومسلم.
(6) رواه أبو داود.(1/36)
قال ابن القيم: (ولم يتوضأ - صلى الله عليه وسلم - إلا تمضمض واستنشق, ولم يحفظ عنه أنه أخل به مرة واحدة } (1).
وأيضا الذين وصفوا وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - اثنان وعشرون صحابياً لم يرد عن أحدهم أنه أخل بذلك, أي في غسل الوجه.
س85: ما حد الوجه ؟
ج/ حد الوجه هو ما تحصل به المواجهة, وحده طولاً من منحنى الجبهة إلى أسفل اللحية, وعرضاً من الأذن إلى الأذن, وقولنا من منحنى الجبهة هو بمعنى قول بعضهم من منابت شعر الرأس المعتاد لأنه يصل إلى حد الجبهة وهو المنحنى, وهذا هو الذي تحصل به المواجهة, لأن المنحنى قد انحنى فلا تحصل به المواجهة, ويخرج من ذلك:
الأفرع: وهو الذي ينبت له شعر على وجهه.
والأصلع: وهو الذي ينحسر شعره فيكون شيء من الرأس لا شعر فيه.
الركن الثاني:
غسل اليدين إلى المرفقين وأدلة ذلك ما يلي:
* من الكتاب قوله تعالى { وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ(2) } .
* من السنة, كل الذين وصفوا وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكروا أنه أخل بغسل اليدين كحديث عثمان(3), وحديث عبدالله بن زيد(4) وغيرهما.
س86: هل المرافق داخلة في الغسل ؟
ج/ أكثر أهل العلم على أنهما داخلان كالكعب بالنسبة للرجلَّ, لأن السنة تفسر القرآن, فالله تعالى قال { وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ } فـ (إلى) هنا بمعنى مع أي مع المرافق, و(إلى) تستعمل بمعنى (مع) كقوله تعالى { وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ } (5) أي مع أموالكم.
الركن الثالث:
مسح الرأس ومنه الأذنان, الأدلة على وجوبه:
* من الكتاب قوله تعالى { وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ } (6).
*من السنة الأدلة السابقة, كما تقدم من حديث عثمان وعبد الله بن زيد وغيرهما.
* والإجماع منعقد على وجوبه.
__________
(1) زاد المعاد 1/194.
(2) المائدة: من الآية6).
(3) في الصحيحين.
(4) سبق.
(5) النساء: من الآية2).
(6) المائدة: من الآية6).(1/37)
* والدليل على أن الأذنين من الرأس قوله تعالى { وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ } , وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - { الأذنان من الرأس } (1).
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: (وكان يمسح أذنيه مع رأسه, وكان يمسح ظاهرهما وباطنهما)(2).
والواجب مسح جميع الرأس, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (..فإن الذين نقلوا وضوءه لم ينقل عنه أحد أنه اقتصر على مسح بعض رأسه)(3), وقال ابن القيم رحمه الله: (ولم يصح عنه في حديث واحد أنه اقتصر على مسح بعض رأسه البتة, ولكن كان إذا مسح بناصيته كمل على العمامة)(4).
الركن الرابع:
غسل الرجلين مع الكعبين, بدليل القرآن والسنة والإجماع.
* من الكتاب قوله تعالى في الآية السابقة { وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ(5) } .
* من السنة: ما تقدم من الأدلة.
والإجماع منعقد على ذلك.
والكعبان داخلان في الغسل بدلالة الآية و(إلى) بمعنى (مع) كما تقدم بيان ذلك في مسألة دخول المرفقين في غسل اليدين.
والكعبان هما: العظمان الناتئان اللذان بأسفل الساق من جانب القدم, وهذا هو الحق الذي عليه أهل السنة.
الركن الخامس:
الترتيب: لأن الله تعالى ذكره " أي الوضوء " مرتباً كما في قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَأغسلوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ(6) } .
__________
(1) رواه ابن ماجة من حديث أبي هريرة, ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما أخرجه الدار قطعني, قال النووي في المجموع: حديث ابن عباس إسناده جيد, وذكر الألباني في الأحاديث الصحيحة رواية ابن عباس عند الطبراني في الكبير, ثم صححها.
(2) زاد المعاد1/193.
(3) مجموع الفتاوى21/122.
(4) زاد المعاد 1/193.
(5) المائدة: من الآية6).
(6) المائدة: من الآية6).(1/38)
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - { ابدأ بما بدأ الله به } (1).
* والدليل من السنة أن جميع الواصفين لوضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكروا إلا أنه كان يرتبه على حسب ما ذكر الله تعالى في قوله { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَأغسلوا وُجُوهَكُمْ... } الآية.
وجه الدلالة من الآية: لأنه أدخل الممسوح وهو الرأس بين المغسولات فدلّ على وجوب الترتيب.
والقول بالترتيب هو رأي الجمهور, وهو القول الراجح, قال شيخ الإسلام رحمه الله: (ولم يتوضأ " أي النبي - صلى الله عليه وسلم - " قط إلا مرتباً, فيكون تفسيراً للآية, ولو كان التنكيس جائزاً لفعله ولو مرة واحدة ليبيّن الجواز)(2).
الركن السادس
الموالاة: وهذا هو الفرض السادس من فروض الوضوء, وهي أن يكون الشيء موالياً للشيء, أي عقبه بدون تأخير.
والقاعدة: {أن كل العبادات البدنية المركبة من أجزاء فهذه لابد لها من الموالاة}.
من أمثلة ذلك:
التيمم: هذا عبادة بدنية مركبة من أجزاء مركبة لأنه عندنا الضرب على الأرض والثاني مسح الوجه, والثالث مسح اليدين, ثلاثة أجزاء لابد لها من الموالاة, فلا يصح أن يضرب على الأرض وبعد ساعة يمسح وجهه ويديه, لأنها عبادة بدنية مركبة من أجزاء فلابد من التوالي.
س87: ما أدلة اشتراط الموالاة ؟
ج/ أدلة اشتراط الموالاة ما يلي:
أ- قوله تعالى في الآية { السابقة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَأغسلوا وُجُوهَكُمْ... } الآية.
وجه الدلالة: أن جواب الشرط يكون متتابعاً لا يتأخر, ضرورة أن المشروط يلي الشرط.
__________
(1) رواه مسلم من حديث جابر بن عبدالله - رضي الله عنه -.
(2) شرح العمدة 1/204.(1/39)
ب- من السنة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ متوالياً ولم يكن بفصل بين أعضاء وضوئه, وفي حديث أنس - رضي الله عنه - { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً توضأ وترك على ظهر قدمه مثل موضع ظفر لم يصبه الماء فأمره أن يحسن الوضوء(1) } , وفي رواية { ارجع فأحسن وضوءك } (2), وعند الإمام أحمد { يعيد الوضوء } (3).
س88: من الحديثين السابقين ما الفرق بين إحسان الوضوء وإعادته ؟
ج/ الفرق بين اللفظين ظاهر إذا لم يُحمل أحدهما على الآخر أن الأمر بإحسان الوضوء أي إتمام ما نقص منه, وهذا يقتضي غسل ما ترك دون ما سبق, ويمكن حمل رواية مسلم على رواية أحمد, فلابد من إعادة الوضوء, ورواية أحمد سندها جيد قاله أحمد, وقال ابن كثير: حديثٌ صحيح.
ومن النظر: أن الوضوء عبادة واحدة فإذا فرّق بين أجزائها لم تكن عبادةَ واحدة.
س89: ما ضابط الموالاة ؟
ج/ أن لا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله, وتقييده بهذا أقرب إلى الضبط, ولكن يُستثنى من ذلك ما إذا فاتت الموالاة لأمر يتعلق بالطهارة كأن يكون بأحد أعضائه حائل يمنع وصول الماء كالبوية مثلاً إذا اشتغل بإزالته فإنه لا يضر, وكذلك لو نفذ الماء وجعل يستخرجه من البئر, أو انتقل من صنبور لآخر حتى ولو نشفت الأعضاء فإنه لا يضر.
أما إذا فاتت الموالاة لأمر لا يتعلق بالطهارة, كأن يجد على ثوبه دماً فيشتغل بإزالته حتى نشفت أعضاؤه فيجب عليه إعادة الوضوء لأن هذا لا يتعلق بطهارته.
- شروط الصلاة ثمانية -
أولاً: أن ينقطع ما يوجبه, أي ما يوجب الوضوء, فلو شرع في المضمضة مثلاً, وهو لا يزال يبول فمضمضته غير صحيحة.
س90: ما المقصود بقولنا: ما يوجب الوضوء ؟
__________
(1) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وغيرهم.
(2) رواه مسلم.
(3) رواه أحمد وأبو داود وصححه ابن القيم في تهذيب السنن, ونُقل أن الإمام أحمد صححه.(1/40)
ج/ ما يوجب الوضوء المقصود به نواقض الوضوء, فلابد أن ينقطع ما يوجب الوضوء, ويستثنى من ذلك من كان عذره مستمراً كالمستحاضة ومن به سلس البول ونحو ذلك, فهذا له أن يشرع في الوضوء قبل انقطاع الخارج, لأنه حدثه مستمر.
ثانياً: النية, وهي لغة بمعنى القصد, والنية شرطٌ في جميع العبادات, لابد أن ينوي أنه يتوضأ تعبداً لله, لأنه قد يتوضأ إما للنظافة أو بقصد التعلم والتعليم, فلابد من النية التي تميز هذه الأفعال بعضها عن بعض, والنية شرطٌ لصحة العمل وقبوله وإجزائه, لقوله - صلى الله عليه وسلم - { إنما الأعمال بالنيات(1) } , والنية محلها القلب, لأنها من أعمال القلوب وليست من أعمال الجوارح.
س91: ما حكم التلفظ بالنية ؟
ج/ التلفظ بالنية بعدة, وقد اختار شيخ الإسلام رحمه الله تعالى على أن التلفظ بالنية بدعة لم يفعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - , وقال ابن القيم رحمه الله: (ولم يكن يقول في أوله نويت رفع الحدث ولا استباحة الصلاة لا هو ولا أحد من أصحابه البتة, ولم يرو عنه في ذلك حرف واحد لا بإسناد صحيح ولا ضعيف)(2).
ثالثاً: الإسلام.
رابعاً: العقل.
خامساً: التمييز.
وهذه الشروط أي الإسلام والعقل والتمييز يلزم توفرها في كل عبادة إلا التمييز في الحج فلا يشترط.
س92: ما الحكم لو توضأ الكافر أو الصغير أو المجنون ؟
ج/ إذا توضأ الكافر أو الصغير أو المجنون فلا يصح منه ذلك, ووضوءه غير صحيح, بمعنى لو توضأ الكافر ثم أسلم فلابد من إعادة الوضوء, ولو توضأ الصغير ثم بلغ فلابد من إعادة الوضوء, ولو توضأ المجنون ثم أراد الله عز وجل وعقل فإن هذا الوضوء لا يصح فلابد من إعادته.
س93: ما حد التمييز ؟
ج/ على خلاف والأقرب أن ذلك راجع للحال فإذا فَهمَ الخطاب وردَّ الجواب فهو مميز.
سادساً: أن يكون الماء طهوراً, فالماء النجس لا يصح الوضوء به ولا يرفع الحدث.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم من حديث عمر - رضي الله عنه -.
(2) زاد المعاد.(1/41)
س94: هل يشترط أن يكون الماء مباحاً ؟
ج/ لا يشترط ذلك, وعلى هذا لو توضأ الإنسان بالماء المغصوب أو المسروق أو المختلس فوضوءه صحيح على الراجح من أقوال أهل العلم, لأن النهي لا يوجه إلى ذات المنهي عنه, بل لأمر خارج وهو السرقة ونحوها, لكنه يأثم بفعله ولا شك.
سابعاً: إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة كالطين والعجين والبوية, ومثل ذلك المناكير الآن نحو ذلك, ليحصل الإسباغ المأمور به شرعاً.
ثامناً: الاستجمار قبل أن يشرع في الوضوء.
س95: هل يجوز لشخص إذا أحدث أن يتوضأ للصلاة ثم بعد ذلك يستنجي أو يستجمر, أم لابد الاستنجاء أو الاستجمار بعد خروج النجاسة قبل الوضوء ؟
ج/ الراجح أنه لا يُشترط البدء بالاستنجاء أو الاستجمار.
وإنما يقال ذلك إذا كان الإنسان في حالة السعة فإننا نأمره أولاً بالاستنجاء ثم بالوضوء, وبناءً على ذلك فمن خرج منه نجاسة فلا حرج أن يتوضأ للصلاة أولاً ثم بعد ذلك يستنجي هذا هو الراجح, لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث علي - رضي الله عنه - قال: كنت رجل مذاءً, فاستحييتُ أن أسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمكان ابنته مني, فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال { يغسل ذكره, ويتوضأ } (1) , وفي رواية { توضأ, وأغسل ذكرك(2) } , فقوله في هذه الرواية توضأ وأغسل ذكرك دليل على أنه لا بأس أن يقدم الوضوء على الاستنجاء والاستجمار, قال ابن حجر رحمه الله تعالى: (فيجوز تقديم غسله على الوضوء وهو أولى, ويجوز تقديم الوضوء على غسله)(3).
وأما إذا نسي أو كان جاهلاً, فإنه لا يجسر الإنسان على إبطال صلاته أو أمره بإعادة الوضوء والصلاة.
مسألة:
عقد المصنف رحمه الله تعالى بعد ذلك فصلاً للنية حيث قال (فالنية هنا قصد رفع الحدث..).
وهنا مسائل منها:
س96: هل لابد أن ينوي بوضوءه رفع الحدث أم يكفي أن ينوي الطهارة لما تجب له ؟
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه البخاري.
(3) فتح الباري 1/452.(1/42)
ج/ يقال النية لها ثلاث صور:
1- أن ينوي رفع الحدث وهذا ظاهر.
2- أن ينوي الطهارة لما تجب له الطهارة, كما لو نوى بوضوئه مس المصحف.
3- أن ينوي الطهارة لما يسن له الطهارة, كالوضوء لقراءة القرآن عن ظهر قلب.
ففي هذه الثلاث صور يرتفع حدثه, فمتى نوى شيئاً من هذه الثلاث صور فإن حدثه يرتفع.
س97: ما المواضع التي يستحب لها الطهارة ؟
ج/ الطهارة مستحبة في المواضع الآتية:
1- عند قراءة القرآن, وهذا إذا كان يقرأ القرآن عن هر قلب أما إذا كان سيمس المصحف فلابد من الطهارة.
2- عند الذكر, لما ورد عن المهاجر بن قنفذ أنه سلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يتوضأ فلم يرد عليه حتى فرغ من وضوئه فرد عليه وقال { إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كرهت أن أذكر الله إلا على طهارة } (1).
3- عند الدعاء, لما ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعاء بوضوء ثم رفع يديه فقال { اللهم اغفر لعبيد أبي عامر } (2).
4- عند الآذان, قال في الإنصاف: (تستحب الطهارة للآذان وهذا بلا نزاع من حيث الجملة ولا تجب الطهارة الصغرى له بلا نزاع)(3).
5- عند النوم, لما ورد في حديث البراء بن عازب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوؤك للصلاة..الحديث } (4).
6- عند الغضب, لما ورد في حديث عطية السعدي - رضي الله عنه - وقد كان له صحبة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { إن الغضب من الشيطان, وإن الشيطان خلق من النار, وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ } (5).
7- ذكر ابن القيم مشروعية الوضوء بعد المعصية, وذكر حديث عن أبي بكر { ما من مسلم يذنب ذنبا إلا غفر الله له ذنبه(6) } .
س98: إذا شرع في الوضوء ثم شك هل نوى الوضوء أم لا ؟
__________
(1) رواه أحمد وابن ماجه بنحوه.
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) الانصاف 1/415.
(4) رواه البخاري ومسلم.
(5) رواه أحمد.
(6) تهذيب السنن 6/50.(1/43)
ج/ لا يلتفت إلى ذلك لأن الشك لا يلتفت إليه في ثلاث مواضع هي:
1) إذا كان بعد الفراغ من العبادة فلا يؤثر الشك هنا إلا مع اليقين, فإذا تيقن بنى على يقينه, فإذا كان الشك له حظ من النظر كمن وجد بقعة جافة لم يصلها الماء وقد شك هل غسلها أم لا ؟ فإنه يغسل هذا العضوء وما بعده.
2) إذا كثر مع الإنسان, وهذا هو ما ابتلى به كثير من الموسوسين, فنجد أن الواحد منهم لا يعمل عملاً إلا وشك في أصل نيته, ثم يشك في أثناء العبادة, ويشك كذلك بعد الفراغ من العبادة, فتحاصره الشكوك من كل جانب, فالواجب عليه ألا يلتفت إلى ذلك.
3) إذا كان وهماً لا حقيقة له فإنه لا يلتفت إليه.
وبناءً على ذلك فمن شرع في الوضوء ثم شك هل نوى أم لا ؟ فإنه يستمر في وضوءه ولا شيء عليه, لأن من عمل شيئاً فقد نواه, فالنية أمرها سهل بحمد الله تعالى فهو من حين مجرد قيامه للوضوء وهو في نية الوضوء.
س99: إذا شك بعد الفراغ من العبادة هل يلتفت إلى هذا الشك أم لا ؟
ج/ تقدم أنه من المواضع التي لا يلتفت فيها إلى الشك, الشك بعد الفراغ من العبادة, وهنا قاعدة تقول {قطع نية العبادة بعد فعلها لا يؤثر}, وكذلك الشك بعد الفراغ من العبادة سواء كان الشك في النية أو أجزاء العبادة فلا يؤثر إلا مع اليقين.
مثال ذلك:
رجل بعد أن صلى الظهر قال: لا أدري هل نويتها ظهراً أو عصراً ؟ شكاً منه, فلا عبرة بهذا الشك ما دام أنه داخل على أنها الظهر, ولا يؤثر الشك بعد ذلك, ومما أنشد في هذا:
والشك بعد الفعل لا يؤثر ... وهكذا إذا الشكوك تكثر
لكن كما تقدم إذا تيقن بعد الشك فإنه يبني على يقينه.
س100: إذا كان الشك في أثناء العبادة ؟
ج/ الراجح أنه لا يلتفت إلى ذلك أيضاً, لأن الشك في هذه الحالة لا وجود له, لأن الإنسان إذا قام إلى الماء ليتوضأ فهذه هي النية التي يستطيع الفكاك عنها.
س101: إذاً متى يعتبر الشك ؟(1/44)
ج/ إذا كان الشك حقيقياً, ولم ينتج عن كثرة الشكوك وحصل قبل أن يفرغ من العبادة.
فإذا كان في أثناء الوضوء وشك هل غسل وجهه أم لا ؟ وكان الشك حقيقياً ففي هذه الحال إن ترجح عنده أنه غسل اكتفى بذلك, وإن لم يترجح عنده أنه غسله وجب عليه أن يبني على اليقين وهو العدم, أي أنه يغسل ذلك العضو الذي شك فيه فيرجع إليه ويغسله وما بعده, وإنما أوجبنا عليه أن يغسل ما بعده مع أنه قد غُسل من أجل الترتيب, وتقدم وجوب الترتيب بين أعضاء الوضوء وأدلة ذلك.
- صفة الوضوء -
س102: ما صفة الوضوء ؟
ج/ صفة الوضوء هي:
أولاً: النية والنية شرط لقوله - صلى الله عليه وسلم - { إنما الأعمال بالنيات } (1).
ثانياً: ثم يسمّي, والصحيح أن التسمية سنّة وليست بواجبة كما سبق(2).
ثالثاً: غسل الكفين, وهو سنة وليس بواجب, والدليل على ذلك قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } (3) الآية, فبدأ بغسل الوجه, فدّل على أن غسل الكفين في أول الوضوء ليس بواجب ولو كان غسل الكفين واجباً لذكر غسل الكفين أولاً, والدليل على سنية فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - { فإنه إذا أراد أن يتوضأ غسل كفيه ثلاثاً)(4).
س103: ما حكم غسل اليدين " الكفين " للقائم من النوم ؟
ج/ فيه خلاف, والراجح قول الإمام أحمد أنه واجب يأثم الإنسان بتركه, وهذا إذا أراد الإنسان أن يغمسهما في الإناء, والدليل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - { إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلهما ثلاثاً فإنه لا يدري أين باتت يده } (5).
__________
(1) متفق عليه.
(2) سبق.
(3) المائدة: من الآية6).
(4) رواه البخاري ومسلم من حديث عثمان - رضي الله عنه -.
(5) رواه مسلم من حديث أبي هريرة, والبخاري بنحوه.(1/45)
وهو واجب فقط عند الاستيقاظ من نوم الليل, أما نوم النهار فلا يجب غسل اليدين منه, لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - { باتت يده } والبوتة إنما تكون في الليل.
وقد ورد في سنن أبي داود بإسناده على شرط مسلم { إذا استيقظ أحدكم من الليل.. } فهنا التصريح بلفظ { الليل } .
رابعاً: المضمضة والاستنشاق, وقد تقدمت الأدلة التي تدل على وجوب المضمضة والاستنشاق(1) .
س104: ما كيفية المضمضة ؟
ج/ المضمضة لها كيفيتان:
1- الكيفية الواجبة: وهي أن يدير الماء في فمه أدنى إدارة, وهذا يسقط به الواجب.
2- الكيفية المستحبة: وهي أن يدير الماء في جميع فيه (فمه).
ومن السنة عدم الفصل بين المضمضة والاستنشاق فيأخذ لهما غرفة واحدة, قال النووي كما في شرح مسلم (لم يثبت في الفصل حديث أصلاً بل الصواب تفضيل الجمع للأحاديث الصحيحة المتظاهرة وليس لها معارض)(2).
س105: هل يجب على من أراد الوضوء أن يزيل الأسنان المركبة إذا كانت تمنع وصول الماء إلى ما تحتها أم لا يجب ؟
ج/ الظاهر أنه لا يجب وهذا يشبه الخاتم, والخاتم لا يجب نزعه عند الوضوء, بل الأفضل أن يحركه لكن ليس على سبيل الوجوب, لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يلبسه(3), ولم ينقل عنه أنه كان يحركه عند الوضوء, وهو أظهر من كونه مانعاً من وصول الماء من هذه الأسنان, لا سيما أنه يشق نزع هذه التركيبة عند بعض الناس.
س106: ما كيفية الاستنشاق ؟
ج/ الاستنشاق له كيفيتان:
1. كيفية واجبة: وهي أن يجذب الماء إلى داخل الأنف.
2. كيفية مستحبة: وهي أن يجذب الماء إلى أقصى الأنف.
س107: ما حكم الانتثار بعد الاستنشاق ؟
__________
(1) سبق.
(2) شرح مسلم للنووي 3/106.
(3) رواه البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.(1/46)
ج/ حكمه سنة فلو استنشق ولم ينتثر صح ذلك, مع أنه ورد بلفظ الأمر كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر ...الحديث(1) } , والأمر للوجوب, لكن قلنا بسنيته لأن هناك صارف يصرفه من الوجوب إلى السنية, والصارف هو أن الاستنصار لتحصيل كمال لأن تطهير الأنف حصل بالاستنشاق.
س108: هل يجب الاستنشاق عند القيام من النوم ؟
ج/ الأقرب أنه لا يجب لكنه سنة, لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - { إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنصر ثلاث مرات, فإن الشيطان يبيت على خياشيمه } (2) والصارف عن الوجوب مع أنه ورد بلفظ الأمر حديث ابن عباس رضي الله عنهما في منامه عند خالته ميمونة فقد قام النبي - صلى الله عليه وسلم - وتوضأ ومع ذلك لم يذكر ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استنصر(3) فهذا هو الصارف, يتأكد ذلك في حق الحائض إذا استيقظت لكونها لا تتوضأ.
خامساً: غسل الوجه, بدليل قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ... } (4), السنة أن يبدأ بالمضمضة والاستنشاق ولا يفصل بينهما ويكونان بغرفة واحدة ثمّ يغسل وجهه, وهذا الترتيب هو السنة, بدليل حديث عثمان وفيه { ثم المضمضة واستنشق واستنثر, ثم غسل وجهه ثلاثاً } (5), ولو أنه قدّم غسل الوجه على المضمضة والاستنشاق فلا بأس, لأن المضمضة والاستنشاق من الوجه, لكن ذلك خلاف الأولى.
س109: ما حد الوجه طولاً وعرضاً ؟
ج/ تقدم بيان ذلك.
س110: إذا شرع المتوضئ في غسل الوجه في الوضوء فهل الأفضل أن يبدأ من أعلى الوجه أم من الأسفل ؟
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) رواه البخاري ومسلم.
(4) المائدة: من الآية6).
(5) رواه البخاري ومسلم.(1/47)
ج/ الأفضل أن يبدأ من الأعلى ثم يحدره, لفعله - صلى الله عليه وسلم -, ولأن أعلى الوجه أشرف, وليجري الماء بطبعه.
س111: ما هي أقسام الشعر بالنسبة للطهارة ؟
ج/ الشعر بالنسبة للطهارة ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما يجب غسله ظاهراً وباطناً, وهذا في الغسل الواجب كغسل الجنابة أو الحيض أو النفاس, فيجب غسل الشعر ظاهراً وباطناً سواءً كان الشعر كثيفاً أو خفيفاً, لحديث عائشة رضي الله عنها قالت { ثم يخلل شعره بيده حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته, أفاض الماء عليه ثلاث مرات } (1).
كذلك الشعر الخفيف يجب غسله ظاهراً وباطناً في الوضوء, كما لو كان شعر اللحية خفيفاً كما لو كان يُرى الجلد من ورائها, وكذلك الحواجب والشارب والعُنفقة, والعُنفقة هي الشعر الذي يكون تحت الشفة السفلى بين الشفة السفلى واللحية وهذه تابعة للّحِيَة فلا يجوز حلقها.
القسم الثاني: ما يجب غسله ظاهراً ولا يجب غسله باطناً.
وهذا يكون في الشعر الكثيف في الوضوء كاللحية الكثيفة, لكن يستحب أن يخللها أحياناً, وسيأتي معنى التخليل إن شاء الله تعالى(2).
القسم الثالث: ما لايجب غسله لا ظاهراً ولا باطناً وهذا في التيمم.
سادساً: غسل اليدين مع المرفقين, وأدلة ذلك:
قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ(3) } ويدخل في ذلك غسل المرفقين وقد تقدم بيان هذه المسألة(4).
ملاحظة:
لابد عند غسل اليدين البدء من أطراف الأصابع, لأن بعض الناس يبدأ عند غسل اليدين من مفصل الكف اكتفاءً بغسل الكفين في أول الوضوء, وهذا خطأ لأن غسل الكفين في أول الوضوء سنَة إلا للقائم من نوم الليل كما تقدم.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) سبق.
(3) المائدة: من الآية6).
(4) سبق.(1/48)
س112: لو توضأ إنسان وفي عضو من أعضاءه ما يمنع وصول الماء إلى البشرة ولم يزله ناسياً ولم يتذكر إلا بعد فاصل طويل عرفاً, ومثل ذلك الغسل فعل يعذر بنسيانه أو جهله أم لا ؟
ج/ يقال لا يعذر بنسيانه ولا بجهله لأن هذا من باب المأمورات, والقاعدة في ذلك {أن باب المأمورات لا يعذر فيه الإنسان بالجهل والنسيان}, وبناء على هذا يؤمر من فعل ذلك بإعادة الغسل والوضوء وإعادة الصلوات التي صلاها وهو على هذه الحال.
س113: ما الحكم لو كان الذي يمنع وصول الماء إلى البشرة يسيراً ؟
ج/ إذا كان يسيراً فإنه يعفى عنه, والمرجع في ذلك إلى العرف, قال شيخ الإسلام رحمه الله: (منع يسير وسخ في ظفر ونحوه وصول الماء صحت الطهارة وهو وجه لأصحابنا, ومثله كل يسير منع وصول الماء حيث كان كدم وعجين)(1).
وأما بالنسبة للحنا فعرض لا جرم له فلا يمنع الوضوء.
سابعاً: ثم يمسح جميع ظاهر رأسه من حد الوجه إلى ما يسمى قفا, والبياض فوق الأذنين منه, لقوله تعالى { وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ } .
س114: هل يمسح جميع رأسه أم بعضه ؟
ج/ الراجح وجوب مسح جميع الرأس, وقد تقدم بيان هذه المسألة.
أما الظفائر وما استرسل من الشعر فهذا لا يجب مسحه.
س115: ما كيفية مسح الرأس ؟
ج/ السنة إذا أراد الإنسان أن يمسح يبدأ من المقدمة (من حد الوجه)وتقدم حد الوجه أنه من منابت الشعر المُعتاد, ثم يذهب بيده إلى قفاه " إلى مؤخرة رأسه " ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه هذا هو السنة.
والدليل على ذلك: ما ثبت من حديث عبد الله بن زيد { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردّهما إلى المكان الذي بدأ منه } (2), وهل الأذنان من الرأس أم لا ؟ تقدم بيان ذلك.
ملاحظة:
__________
(1) الاختيارات ص 12.
(2) رواه البخاري ومسلم.(1/49)
بعض النساء تقول أنني إذا رددت يدي إلى المقدمة يثور الشعر, وقد تكون تهيأت لمناسبة ونحو ذلك, فيقال ليس بلازم أن تردهما إلى المكان الذي بدأت منه, فيجزئ في ذلك أن تبدأ من مقدم الرأس ثم تذهب بهما إلى قفاها, أما كونها ترجعهما إلى مقدمة الرأس مرة ثانية على سبيل الاستحباب, وكل ما في الأمر إن لم تفعل ذلك فقد تركت السنة, والمؤمل في طالبة العلم أن تحرص على تطبيق السنة.
تنبيه:
لو أن المراة لفت شعر رأسها فوق الرأس فإنها لا يجب عليها أن تنقضه بل تمسح عليه. وكذلك لو كان على رأسها حلي أو حناء أو متشابك أو لفافات الشعر, فإنه لا يلزمها أن تنزع ذلك إذا أرادت أن تمسح رأسها في الوضوء.
116: ما كيفية مسح الأذنين ؟
ج/ أن يدخل سبابتيه في صماخي أذنيه " أي فتحات الأذن " وظاهر الأذنين بالإبهامين, قال ابن القيم رحمه الله: (وكان يمسح أذنيه مع رأسه, وكان يمسح ظاهرهما وباطنهما "(1).
أما الغضاريف فلا يجب مسحهما, لكن بعض العلماء قال إن تنظيفهما في بعض في بعض الأحيان من سنن الفطرة, وإنما قيل باستحباب تنظيفهما إلحاقاً لها بالراجم كما دل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { عشر من الفطرة..وذكر منها غسل البراجم.. } (2), والبراجم هي عقد الأصابع, وأيضاً لعموم أدلة التنظيف.
س117: هل يأخذ ماءً جديداً لمسح الأذنين ؟
ج/ ليس من السنة أخذ ماء جديد للأذنين, لقوله - صلى الله عليه وسلم - { الأذنان من الرأس } (3) وبناء على هذا فيمسحهما بما فضل من ماء اختيار شيخ الإسلام(4) وابن القيم(5) ورأي أبي حنيفة(6), وأيضاً لم يثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ ماء جديد للأذنين الرأس, وهذا غير الماء الذي مسح به رأسه.
__________
(1) زاد المعاد 1/194.
(2) رواه مسلم وغيره.
(3) سبق تخريجه.
(4) الاختبارات ص 12.
(5) زاد المعاد 1/195.
(6) نيل الأوطار 1/154.(1/50)
قال ابن القيم في الهدي: (لم يثبت عنه أنه أخذ لهما ماءً جديداً وإنما صح ذلك عن ابن عمر), وفي مجموع الفتاوى لابن عثيمين رحمه الله قال: (لا يلزم أخذ ماء جديد للأذنين, بل ولا يستحب على القول الصحيح, لأن جميع الواصفين لوضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكروا أنه كان يأخذ ماءً جديداً لأذنيه, فالأفضل أن يمسح أذنيه ببقية البلل الذي بقي بعد مسح رأسه)(1).
ثامناً: غسل الرجلين مع الكعبين, وقد تقدم بيان أدلة وجوب غسل الرجلين.
س118: هل يجب غسل الكعبين ؟
ج/ الصحيح أنه يجب كما قلنا في المرفقين وقد تقدم ذكر هذه المسألة.
- سنن الوضوء -
س119: ما سنن الوضوء ؟
ج/ سنن الوضوء هي:
أولاً: استقبال القبلة, حيث يرى المصنف رحمه الله أن استقبال القبلة الوضوء من السنن, والراجح في ذلك عدم استحباب ذلك, لأن الاستحباب حكم شرعي يحتاج إلى دليل ولا دليل هنا.
ثانياً: السواك, يتأكد عند الوضوء وقد تقدم بيان هذه المسالة في باب السواك.
ثالثاً: غسل الكفين ثلاثاُ, هذا باتفاق أهل العلم, بدليل فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه إذا أراد أن يتوضأ غسل كفيه ثلاثاً(2), ولأن الكفين آلة الوضوء فينبغي أن يبدأ بغسلهما قبل كل شيء حتى تكونا نظيفتين, وهذا في غير القائم من نوم الليل, لأن القائم من نوم الليل يجب عليه أن يغسل يديه ثلاثاً قبل أن يشرع في الوضوء كما تقدم.
س120: إذا قام من نوم الليل وغسل يديه ثلاثاً للقيام من النوم إذا أراد الوضوء يسن له يغسل يديه ثلاثاً مرة أخرى أم لا ؟
__________
(1) مجموع فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين 1/141.
(2) كما ورد ذلك في حديث عثمان رضي الله عنه في الصحيحين.(1/51)
ج/ الظاهر الاكتفاء بغسلهما عند الاستيقاظ فيدخل المندوب في الواجب, قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن: (الظاهر الاكتفاء بغسلهما عند الاستيقاظ فيدخل المندوب في الواجب تبعاً كما يدخل غسل الجمعة في الغسل الواجب ونظائره كثيرة)(1), وهذا من التداخل في العبادات.
والقاعدة الشرعية تقول {أن كل عبادتين اتحدتا في الجنس ولم تكن إحداهما مقصودة لذاتها وعينها فإنها تدخل في الأخرى} .
فغسل اليدين في ابتداء الوضوء ثلاثاً ليست مقصودة لذاتها وإنما لمجرد النظافة, فإذا غسل كفيه للقيام من نوم الليل أجزاء عن استحباب غسل الكفين ثلاثاً في بداية الوضوء.
ومن أمثلة ذلك أيضاً:
تحية المسجد والراتبة وسنة الوضوء هذه تتداخل, فلو أن إنساناً توضأ ودخل المسجد قبل صلاة الظهر وصلى على أنها راتبة تكفي عن تحية المسجد وتكفي عن سنة الوضوء أيضاً.
رابعاً: من السنة أن يبدأ الإنسان بالمضمضة والاستنشاق ثم يغسل وجهه, هذه السنة ولو عكس فلا بأس, وقد تقدم بيان ذلك.
خامساً: المبالغة في المضمضة والاستنشاق لغير الصائم, بدليل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للقيط بن صبرة { أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً } (2), وعلة النهي عن المبالغة في المضمضة والاستنشاق للصائم, لأنها مظنّة أن يذهب شيء إلى جوف الإنسان, والنهي عن ذلك يشمل صيام الفرض والنفل كذلك.
سادساً: المبالغة في غسل سائر الأعضاء مطلقاً, لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتقدم { أسبغ الوضوء } , قال ابن عمر: الإسباغ الإنقاء.
فائدة:
__________
(1) حاشية العنقري 1/54.
(2) رواه الخمسة وصححه الترمذي.(1/52)
يجب على المسلم أن يحذر وساوس الشيطان وأن يلتزم السنة في ذلك, لأن بعض الناس يسرف في استخدام الماء في وضوئه فيداخله الشيطان, ثم ينتقل الأمر إلى مسألة الوسواس فيصعب عليه التخلص بعد ذلك, فعلى الإنسان أن يلزم السنة بدعوى تطبيق سنة المبالغة في غسل سائر الأعضاء فيقع الوسواس. قال ابن القيم رحمه الله(1) (لم يزد على ثلاث, بل أخبر أن " من زاد عليها فقد أساء وتعدى وظلم " , فالموسوس مسيء متعد ظالم بشهادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكيف يتقرب إلى الله بما هو مسيء به متعد فيه لحدوده؟ " .
سابعاً: تخليل اللحية الكثيفة, لحديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا توضأ أخذ كفاً من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته وقال { هكذا أمرني ربي عز وجل(2) } , وعن عثمان - رضي الله عنه - { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخلل لحيته } (3).
س121: ماكيفية تخليل اللحية الكثيفة ؟
ج/ أنه يأخذ كفاً من ماء ثم يضعه تحت حنكه ثم يخلل لحيته ثم يأخذ كفاً آخر ويفرك به جانبي اللحية.
س122: هل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخلل لحيته دائماً ؟
ج/ لا, بل أحياناً فالتخليل يستحب أحيانا وليس ذلك على سبيل الدوام, قال ابن القيم رحمه الله (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله أحيانا ولم يواظب عليه)(4).
ثامناً: تخليل الأصابع, أي تخليل أصابع اليدين والرجلين وهو في الرجلين آكد لحديث لقيط السابق { أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً } , ولحديث { توضأت فخلل بين أصابعك } (5).
__________
(1) إغاثة اللهفان 1/127.
(2) رواه أبو داود.
(3) أخرجه الترمذي, وابن ماجه وابن حزم وابن حبان والدار قطني والبيهقي وصححه الحاكم قال الترمذي حسن صحيح.
(4) زاد المعاد 1/197.
(5) أخرجه أبو داود وابن ماجه وحسَنه البخاري.(1/53)
قال ابن القيم رحمه الله(وحديث المستورد بن شداد قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا توضأ يدلك أصابع رجليه بخنصره(1), وهذا إن ثبت فإنما كان يفعله أحياناً, ولهذا لم يروه الذين اعتنوا بضبط وضوئه كعثمان وعلي وعبد الله بن زيد والربيع وغيرهم, على أن في إسناده عبدالله بن لهيعة)(2).
س123: ما كيفية تخليل الأصابع ؟
ج/ أما بالنسبة لأصابع اليدين فهو: أن يدخل أصابع يديه في بعض كالتشبيك ويحركهما. أما بالنسبة لأصابع الرجلين فإنه يدلك أصابع رجليه بخنصره اليسرى.
تاسعاً: التيامن, فهو من سنن الوضوء وهو خاص بالأعضاء الأربعة فقط وهما اليدان والرجلان, يُبدأ باليد اليمنى ثم اليسرى, والرجل اليمنى ثم اليسرى, أما الوجه فالنصوص تدل على أنه يُغسب مرة واحدة ومعنى ذلك أنه لا يغسل الجانب الأيمن أولاً ثم الأيسر وإنما يغسله مرة واحدة وكذلك الرأس, والأذنان يمسحان مرة واحدة لأنهما عضوان عن عضو واحد فهما داخلان في مسح الرأس.
والدليل على استحباب التيامن: أنه - صلى الله عليه وسلم - { كان يعجبه التيمن في ترجله وتنعله وطهوره وفي شأنه كله } (3), وللقاعدة {أن ما كان من باب التشريف والتكريم فإنه يندب فيه التيامن, وما كان بضده يندب فيه التياسر} , وبناء على هذا فالسنة أن يقدم اليد اليمنى على اليد اليسرى, وأن يقدم الرجل اليمنى على الرجل اليسرى في الغَسل.
ولو قدم اليد اليسرى على اليد اليمنى فلا بأس, لأن اليدين عضو واحد, وكذلك الرجلين فمن قدم غسل اليسرى على اليمنى فلا بأس, ووضوءه صحيح لكن هذا خلاف السنة.
س124: هل من السنة مجاوزة محل الفرض, كأن يغسل العضد بعد غسل اليد أو الساق بعد غسل الرجل أم لا ؟
__________
(1) رواه أهل السنن.
(2) زاد المعاد 1/198.
(3) متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها.(1/54)
ج/ هذا ليس من السنة, قال ابن القيم رحمه الله: (ولم يثبت أنه تجاوز المرفقين والكعبين, ولكن كان أبو هريرة يفعل ذلك ويتأول حديث إطالة الغرة, وأما حديث أبي هريرة في صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه غسل يديه حتى أشرع في العضدين ورجليه حتى أشرع في الساقين فهو إنما يدل على إدخال المرفقين والكعبين في الوضوء ولا يدل على مسألة الإطالة)(1), وفي إغاثة اللهفان ذكر الخلاف على قولين, واستدل لكل منهما, وذكر عدم الاستحباب هو اختيار شيخه ابن تيمية رحمه الله(2).
عاشراً: والغسلة الثانية والثالثة, فقد ورد البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرة مرة وتوضأ مرتين مرتين وتوضأ ثلاثاً ثلاثاً(3),*.
س125: ما صفات الوضوء الواردة في السنة ؟
ج/ الوضوء ورد على أربع صفات هي:
الصفة الأولى: أن يتوضأ مرة مرة, يعني يغسل كل عضو مرة واحدة وليس المقصود غرفة واحدة لأنه قد لا يبلغ العضو بغرفة واحدة, فالمقصود غسل العضو مرة واحدة سواء بغرفة أو غرفتين أو أكثر.
الصفة الثانية: أن يتوضأ مرتين مرتين.
الصفة الثالثة: أن يثلث يغسل كل عضو ثلاث مرات.
__________
(1) زاد المعاد 1/196.
(2) إغاثة اللهفان 1/181,182.
(3) كلها أوردت في البخاري في كتاب الوضوء, باب الوضوء مرة مرة, باب الوضوء مرتين مرتين, باب الوضوء ثلاثاً. *ينظر كلام ابن القيم في الزيادة على ثلاث ص 49.(1/55)
الصفة الرابعة: أن يخالف بين أعضاء الوضوء, وهذه الصفة ثبتت في حديث عبدالله بن زيد وفيه { ..فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثاً بثلاث غرفات, ثم أدخل يده في التور فغسل وجهه ثلاثاً, ثم أدخل يده فغسلهما مرتين إلى المرفقين, ثم أدخل يده فمسح بهما رأسه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة, ثم غسل رجليه } (1), والسنة أن يعمل بهذه الصفات جميعاً, قال ابن القيم رحمه الله (بل السنة أن يتوضأ أحياناً مرة مرة وأحياناً مرتين مرتين, وأحياناً يخالف), وللقاعدة عند شيخ الإسلام (أن السنة إذا تعددت فالسنة أن يأتي بهذا مرة وبهذه مرة)(2) .
ومما يلزم التنبيه عليه:
أن مسح الرأس إنما يكون مرة واحدة في كل الصفات السابقة.
س126: ما صفة المخالفة ؟
ج/ صفتها أن يغسل الوجه ثلاثاً, واليدين على مرتين, والرجلين على مرة واحدة, كما ثبت ذلك في حديث عبدالله بن زيد المتقدم, قال ابن القيم رحمه الله (وأحياناً يخالف فيغسل الوجه ثلاثاً, واليدين مرتين, والرجلين مرة)(3).
س127: ما فائدة العمل بالسنة إذا تعددت ؟
ج/ لهذا أربع فؤائد هي:
1- العمل بالسنة.
2- إحياء السنة.
3- نقل العبادة من كونها عادة إلى عبادة, أي أنه يستحضر العبادة.
4- أنه أخشع للقلب, لأنه أستحضر العبادة وانتقل من العادة إلى تدبر العبادة.
وتطبيق السنة دليل على محبة العبد للنبي - صلى الله عليه وسلم - , لأن في هذا دليل على اقتفاء الأثر, وتتبع سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - , ولذلك يبدو أن من أعظم أسباب فقد جوهر العبادة وروحها إنما هو بسبب أننا اعتمدنا على صفة معينة, وأهملنا باقي السنن سواء كان ذلك في الطهارة أو في باب الصلاة.
الحادي عشر: استصحاب النية إلى آخر الوضوء حتى تكون أفعاله مقرونة بالنية.
س128: ما حالات النية بالنسبة للاستصحاب ؟
ج/ النية لها أربع حالات باعتبار الاستصحاب هي:
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) مجموع الفتاوى 22/335-337.
(3) المصدر السابق.(1/56)
الأولى: أن يستصحب ذكرها من أول الوضوء إلى آخره, وهذا أكمل الأحوال.
الثانية: أن تعزب عن خاطره لكنه لم ينوِ القطع, وهذا يسمى استصحاب حكمها, أي بنى على الحكم الأول واستمر عليه, وهنا عبادته صحيحه.
الثالثة: أن ينوي قطعها أثناء العبادة, فلو نوى وهو يتوضأ مثلاً قطع النية, فلا يصح وضوئه لعدم استصحاب الحكم لقطعه النية أثناء العبادة.
الرابعة: أن ينوي عدم الطهارة بعد انتهائه من جميع أعضاءه, فهذا لا ينتقض وضوئه لأنه وجد الفعل, وهكذا كل عبادة نوى قطعها بعد الانتهاء منها فإنها لا تنقطع وعبادته صحيحة.
الثاني عشر: من السنة القول بعد الوضوء, ما ورد في الحديث { أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله, اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين, فإن من أسبغ الوضوء ثم قال هذا الذكر فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء } (1) رواه الترمذي ورواه أيضا مسلم دون قوله { اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين } , ويقول أيضاً ما ورد { سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك(2) } .
س129: ما حكم رفع البصر إلى السماء عند ذكر الدعاء الوارد بعد الوضوء ؟
__________
(1) رواه الترمذي ومسلم وفي إرواء الغليل 1/135: وأعله الترمذي بالاضطراب وليس بشيء فإنه اضطراب, وصححه الألباني رحمه الله زيادة الترمذي , وزيادة الترمذي (اللهم اجعلني من التوابيت واجعلني من المتطهرين) لها شاهد من حديث ثوبان في الطبراني الكبير 1/72, وابن السني في اليوم والليلة رقم 30 وفيه أبو سعد الأعور وهو ضعيف.
(2) رواه النسائي.(1/57)
ج/ ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع نظره إلى السماء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء } (1) ولكن هذا الحديث ضعيف وفي سنده مجهول, وبناء على هذا فالصحيح عدم رفع البصر إلى السماء حال قول هذا الذكر.
س130: ما حكم تحريك السبابة أو استقبال القبلة إذا أراد التشهد بعد الانتهاء من الوضوء ؟
ج/ هذه الأشياء لا أصل لها, ولم يرد فيها دليل, فعلى هذا فهي ليست بمشروعة, فإذا انتهى الإنسان من الوضوء دعا على أي جهة كان ولا يرفع إصبعه لذلك.
س131: هل يشرع للمتوضئ تنشيف الأعضاء بعد وضوءه ؟
ج/ قال ابن القيم رحمه الله (ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتاد تنشيف أعضائه بعد الوضوء ولا صح عنه ذلك في حديث البتة, بل صح عنه خلافه)(2), وفي مجموع فتاوى العثيمين (تنشيف الأعضاء لا بأس به لأن الأصل عدم المنع, والأصل فيما عدا العبادات من العقود والأفعال والأعيان الحل والإباحة حتى يقوم دليل على المنع) ثم أجاب عن حديث ميمونة حينما أتته بالمنديل فرده وجعل ينفض الماء بيده(3) فقال (هذا الفعل من النبي - صلى الله عليه وسلم - يحتمل أنه فضية عين تحتمل عدة أمور: إما لأنه لسبب في المنديل.. أو يخشى أن يبله الماء..)(4).
س132: ما حكم إعانة المتوضئ في الوضوء ؟
__________
(1) رواه أحمد وأبو داود وسكت عنه, وابن السني وفي إرواء الغليل: وهذه الزيادة منكرة لأنه تفرد بها ابن عم أبي عقيل وهو مجهول.
(2) زاد المعاد 1/197.
(3) رواه البخاري ومسلم.
(4) فتاوى العثيمين 11/153.(1/58)
ج/ يشرع للإنسان أن يتولى غسل أعضائه بنفسه بل ذكر بعض أهل العلم أنه يكره أن يتولى غير المتوضئ ذلك لغير الحاجة(1), أما صب الماء عليه فقد قال ابن القيم رحمه الله في الزاد: (ولم يكن من هديه - صلى الله عليه وسلم - أن يُصب عليه الماء كلما توضأ, ولكن تارة يصب على نفسه وربما عاونه من يصب عليه أحياناً كما في الصحيحين عن المغيرة بن شعبة أنه صب عليه في السفر لما توضأ)(2), ولكن ذلك في الأصل مباح, وأما تقريب وضوئه فلا بأس به ولا يقال إنه خلاف الأولى.
- باب المسح على الخفين -
س133: ما تعريف المسح في اللغة والاصطلاح ؟
ج/ المسح في اللغة: الإمرار.
اصطلاحاً: التعبد لله عز وجل بإمرار اليد المبلولة على الخفين وما يلحق بهما.
س134: ما الفرق بين الخفاف والجوارب ؟
ج/ الخفان: تثنية خف, وهو ما يستعمل للرَّجل من الجلد.
والجوارب جمع جورب, وهو ما يستعمل للرجل من غير الجلد كالصوف والقطن أو الكتان ونحو ذلك.
س1135: ما حكم المسح على الخفين ؟ وما دليل ذلك ؟
ج/ المسح على الخفين جائز باتفاق أهل السنة والجماعة, وخالف في ذلك الرافضة, ولهذا ذكره بعض العلماء في كتب العقيدة لمخالفة الرافضة فيه(3) وصار شعاراً لهم.
والدليل على جوازه:
* من الكتاب: قوله تعالى { وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ(4) } على قراءة الجر.
__________
(1) حاشية ابن قاسم 1/211.
(2) زاد المعاد 1/197.
(3) رواه ابن المنذر في الأوسط 1/433.
(4) المائدة: من الآية6)(1/59)
* ومن السنة: فقد تواترت الأحاديث بذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - , ومن ذلك حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فأهويت لأنزع خفية فقال { دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين, فمسح عليهما(1) } , قال الإمام أحمد (سبعة وثلاثون نفساً يروون المسح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -)(2), وقال الحسن (وقال الحسن حدثني سبعون من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه مسح على الخفين)(3).
قال الناظم:
مما تواتر حديث من كذب ... ومن بنى لله بيتاً واحتسب
ورؤية شفاعة والحوض ... ومسح خفين وهذي بعض
قال الإمام أحمد رحمه الله (ليس في قلبي من المسح شيء فيه أربعون حديثاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم -).
* ومن الإجماع: أجمع أهل السنة على جواز المسح على الخفين.
س136: هل الأفضل الغسل أم المسح ؟
ج/ الأقرب في ذلك هو التفصيل:
أن الإنسان يراعي حالة قدمه فإن كان لابساً فالأفضل المسح, ولا يقال أخلع لكي تغسل.
وإن كان خالعاً لشرابه فالغسل أفضل, ولا يقال ألبس لكي تمسح.
وهذا قال به شيخ الإسلام(4) وابن القيم(5) وهو ظاهر فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - كما سيأتي, فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قال { دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين } , فهو راعى حالة قدمه عليه الصلاة والسلام.
- شروط المسح على الخفين -
شروط المسح على الخفين هي:
أولاً: لبسهما بعد كمال الطهارة, والدليل على ذلك حديث المغيرة قال كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فأهويت لأنزع خفيه فقال { دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين, فمسح عليهما } (6).
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه أحمد في مسنده, قال الألباني في إرواء الغليل 1/137: سنده صحيح.
(3) رواه ابن المنذر في الأوسط 1/433.
(4) الاختيارات ص 13.
(5) زاد المعاد 1/169.
(6) رواه البخاري ومسلم.(1/60)
وحديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { إذا توضأ أحدكم فليلبس خفيه وليمسح عليهما(1) } .
س137: رجل يتوضأ لما غسل رجله اليمنى لبس الشراب قبل أن يغسل اليسرى, ثم غسل اليسرى ولبس الشراب مباشرة فما الحكم ؟
ج/ يقال الأحوط أن لا يلبس اليمنى حتى يغسل اليسرى, لكن لا يؤمر من فعل ذلك بإعادة الصلاة والوضوء, لكن يؤمر من لم يفعل ذلك وأتى ليسأل عن ذلك ألا يفعل ذلك مرة أخرى احتياطاً, لما ورد في حديث أنس السابق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { إذا توضأ أحدكم ولبس خفيه.. } فقوله { إذا توضأ } يرجح القول بأن الأحوط ألا يلبس الشراب للرجل اليمنى حتى يغسل اليسرى, لأن من لم يغسل اليسرى لا يصدق عليه أنه توضأ.
ثانياً: أن تكون الطهارة بالماء, تخرج طهارة التيمم.
س138: لو تيمم الإنسان لعدم وجود الماء أو لعدم القدرة على استعماله فإنه يرتفع حدثه, ثم لبس شراباً, فهل له أن يسمح عليهما بعد القدرة على استعمال الماء بناء على أنه على طهارة تيمم أم لا ؟
ج/ الجمهور يقولون لا يمسح عليهما إذا وجد الماء فلابد من خلعهما فلا يكتفي بطهارة التيمم, بل لابد من طهارة مائية, لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث السابق { إذا توضأ أحدكم فليلبس خفيه وليمسح عليهما } .
__________
(1) رواه الدار قطني وصححه الحاكم.(1/61)
وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن ذلك فأجاب بقول (لا يجوز له أن يمسح على الخفين إذا كانت الطهارة طهارة تيمم لقوله - صلى الله عليه وسلم - { ..فإني أدخلتهما طاهرتين } , وطهارة التيمم لا تتعلق بالرَّجل إنما هي في الوجه والكفين فقط, وعلى هذا أيضاً لو أن إنساناً ليس عنده ماء أو كان مريضاً لا يستطيع استعمال الماء في الوضوء فإنه يلبس الخفين ولو على غير طهارة, وتبقيان عليه بلا مدة محدودة حتى يجد الماء إن كان عادماً له أو يشفى من مرضه إن كان مريضاً, لأن الرَّجل لا علاقة لها بطهارة التيمم(1) } .
ثالثاً: أن يكون الخف الذي يسمح عليه ساتراً لمحل الفرض, ومعنى ذلك ألا يتبين شيء من الفروض من ورائه سواء كان ذلك من أجل صفائه أو خفته أو من أجل خروق فيه, والأقرب في ذلك أن يقال أنه لا يشترط أن يكون ساتراً لمحل الفرض فما دام يصدق عليه أنه خف والانتفاع به ما زال باقياً جاز المسح عليه, والدليل على ذلك ما يلي:
1. أن النصوص الواردة في المسح على الخفين مطلقة, وما ورد مطلقاً فإنه يجب أن يبقى على إطلاقه.
2. وأيضاً الصحابة خفافهم لم تسلم من الخروق خصوصاً أنها تلي الأرض وكانوا يمشون عليها وقد خرجوا من المدينة إلى تبوك يباشرون بها الأرض, والأرض التي بين المدينة وتبوك صلبة فيستحيل أن لا يحصل فيها خروق ومع ذلك كانوا يمسحون على خفافهم, ولأن الصحابة الكثير منهم فقراء وغالب الفقراء لا تخلو خفافهم من خروق, فإذا كان هذا غالباً أو كثيراً في قوم في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولم ينبه عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - دل على أنه ليس بشرط, وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى(2).
س139: هل يشترط لجواز المسح على الخفين أن يثبت بنفسه أم لا ؟ لأن الخف قد يكون واسعاً يثبت أثناء المشي !
__________
(1) مجموع الفتاوى 11/174.
(2) مجموع الفتاوى 21/172.(1/62)
ج/ لا يشترط ذلك, وقد سئل عن ذلك الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن ذلك فقال (الصحيح أنه لا يشترط ذلك, وذلك أن النصوص الواردة في المسح على الخفين مطلقة فما دام يمكن أن ينتفع بهذا ويمشي به فما المانع ؟ فقد يكون الإنسان ليس عنده إلا هذا الخف, أو كان مريضاً مقعداً يلبس مثل هذا الخف للتدفئة, فلا دليل على اشتراط هذا الشرط)(1).
س140: ما حكم المسح على الشراب المسروق أو المغصوب ؟
المسح عليهما صحيح لكن مع الإثم لأن النهي لا يقتضي الفساد, إلا إذا عاد إلى ذات المنهي عنه أو وصفه اللازم, وهنا لم يعد إلى ذات المنهي عنه ولا إلى وصفه اللازم.
رابعاً: أن يكون المسح على طاهر, والطاهر ضد النجس والمتنجس, لأن النجاسة على قسمين هما:
1. نجاسة عينية: أي تكون عينه نجسه, كما لو كانت الخفاف من جلد الخنزير, فهذا لا يصح المسح عليه.
2. نجاسة حكميه: أي عين الخف غير نجسه لكن طرأت عليه النجاسة فهنا يصح المسح عليه, وله أن يطوف بهما وهو لابسهما ويقرأ القرآن, لكن الصلاة ليس له أن يصلي بهما حتى يخلع الخف, لأن الصلاة تشترط لها طهارة الملبس, فإن كان على الشراب بول مثلاً, له أن يمسح ووضوئه صحيح ويرتفع حدثه لكن إذا أراد أن يصلي عليه أن يخلع خفيه.
س141: إذا كانت الشراب يرى من ورائها البشرة, أي أنها شفافة, أو كانت مخروقة فهل يصح المسح عليها أم لا ؟
__________
(1) مجموع فتاوى ابن عثيمين 11/167,168.(1/63)
ج/ قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله (القول الراجح أنه يجوز المسح على الجورب المخرق والجورب الخفيف الذي ترى من ورائه البشرة, لأنه ليس المقصود من جواز المسح على الجورب ونحوه أن يكون ساتراً, فإن الرَّجل ليست عورة يجب سترها, وإنما المقصود الرخصة على المكلف والتسهيل عليه, بحيث لا نلزمه بخلع هذا الجورب أو الخف عند الوضوء, بل نقول يكفيك أن تمسح عليه, هذه هي العلة التي من أجلها شرع المسح على الخفين, وهذه العلة كما ترى يستوي فيها الخف والجورب المخرق والسليم والخفيف والثقيل)(1).
س142: لو خلع الشراب وهو على طهارة مسح فهل تنتقض طهارته ؟
ج/ لا, لا تنتقض طهارته, لأن هذه الطهارة ثبتت بمقتضى دليل شرعي وما ثبت بمقتضى دليل شرعي فإنه لا ينتقض إلا بدليل شرعي وهنا الأصل بقاء الطهارة, ويؤيد هذا القول من القياس أنه لو كان على رجل شعر كثير ثم مسح على شعره بحيث لا يصل إلى باطن رأسه شيء من البلل ثم حلق شعره بعد الوضوء, فطهارته صحيحه.
س143: متى تبدأ مدة المسح ؟
ج/ الراجح وهو الرواية الثانية عن الإمام أحمد بن حنبل, وهو اختيار النووي, وقال به الأوزاعي, وأبو ثور, والسعدي رحمهم الله أنه من أول مسح بعد الحدث.
__________
(1) مجموع فتاوى ابن عثيمين 11/166.(1/64)
وإذا قلنا أنه من أول مسح بعد حدث فلا يدخل في ذلك تجديد الوضوء, مثال ذلك إنسان توضأ لصلاة الظهر فلبس شرابه فدخل وقت صلاة العصر وما زال على طهارة فأراد أن يجدد الوضوء لصلاة العصر, فمسح على الشراب, هنا لا تبدأ مدة المسح من العصر, لأنه مسح لتجديد الوضوء ولم يحدث, فهنا شُرط أول مسح بعد حدث فلا يدخل تجديد الوضوء في ذلك, وإنما قلنا نبتدئ مدة المسح من أول مسح بعد الحدث, لأن الشرع جاء بلفظ المسح, والمسح لا يتحقق إلا بوجوده فعلاً, وهذا لا يكون إلا بابتداء المسح أول مرة, فإذا تمت أربع وعشرون ساعة من ابتداء المسح بعد الحدث انتهى وقت المسح بالنسبة للمقيم, وإذا تمت اثنتان وسبعون ساعة انتهى المسح بالنسبة للمسافر.
س144: إذا سافر الإنسان سفر معصية, كما لو سافر ليشرب الخمر مثلاً فهل يترخص ويمسح مسح مسافر أم يمسح مسح مقيم ؟
ج/ الراجح أنه يمسح مسح مسافر, وهذا مذهب أبي حنيفة, وبه قال شيخ الإسلام ابن تيمية, وابن حزم والدليل على ذلك إطلاق الأدلة, لحديث على - رضي الله عنه - وحديث عوف بن مالك, وسيأتي بيانها, وهذه الأدلة وغيرها مطلقة تشمل سفر الطاعة وسفر المعصية.
س145: ما مدة المسح لكل من المقيم والمسافر ؟
ج/ مدة المسح:
للمقيم يوم وليلة, وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن وهو قول جمهور العلماء لحديث علي - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - { للمسافر ثلاثة أيام بلياليهن, وللمقيم يوم وليلة } (1), وحديث عوف بن مالك { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالمسح على الخفين في غزوة تبوك ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر, ويوماً وليلة للمقيم(2) } .
س146: ما حكم من مسح في السفر ثم أقام ؟
__________
(1) رواه مسلم.
(2) رواه أحمد.(1/65)
ج/ إذا سافر الإنسان وكان يمسح وهو مسافر " والمسافر كما تقدم يمسح ثلاث أيام بلياليهن " ثم أقام في بلده " رجع إلى بلده " أتم مسح مقيم, فإذا كان مسح في السفر أقل من يوم وليلة يتم اليوم وليلة في الإقامة إذا شاء ثم يخلع, لكن إذا كان مسح في السفر يوم وليلة فأكثر فهذا مجرد ما يقيم فإنه يخلع.
س147: ما الحكم فيمن مسح في الحضر ثم سافر ؟
ج/ الراجح أنه يمسح مسح مسافر, وهذا مذهب أبي حنيفة والرواية التي رجع إليها الإمام أحمد واختارها الخلال وأبو الخطاب, لأن السبب الذي يستبيح به مدة المسح ثلاثة أيام لا يزال موجوداً, لكن يُنتبه بشرط أن يسافر قبل انتهاء مدة مسح الإقامة, فلو سافر وقد مسح يوم وليلة فإنه لا يمسح مسح مسافر بل يبدأ من جديد.
س148: إذا شك في ابتداء مدة المسح " أي هل مسح وهو مسافر أم مسح وهو مقيم " فهل يتم مسح مقيم أم مسح مسافر ؟
ج/ على القول الراجح كما سبق أنه إذا مسح وهو مقيم ثم سافر قبل انتهاء مدة مسح الإقامة فإن هذه المسألة غير واردة, وبناء على هذا فالراجح أنه يتم مسح مسافر.
س149: مسألة أخرى, لو شك الإنسان في ابتداء المسح ووقته فماذا يفعل ؟
ج/ أجاب عن ذلك الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله قائلاً (في هذه الحال يبني على اليقين فإذا شكَّ هل مسح لصلاة الظهر أو صلاة العصر فإنه يجعل ابتداء المدة من صلاة العصر, لأن الأصل عدم المسح ودليل هذه القاعدة {أن الأصل بقاء ما كان على ما كان }, وأن الأصل العدم , وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - شكى إليه الرجل يخيل إليه أن يجد الشيء في صلاته فقال { لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً(1) } أ.هـ (2).
س150: ما صفة المسح ؟
ج/ صفة المسح:
__________
(1) رواه البخاري من حديث عبدالله بن زيد , ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(2) مجموع الفتاوى 11/176.(1/66)
يبل أصابعه ثم يبتدئ المسح من أصابعه أي أصابع رجله إلى ساقه, وقد وردت أثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أنه يمسح بأصابعه مفرًّقه حتى يعم المسح(1), ويمسح أعلاه, دون أسفله وعقبه, لأنهما ليسا أعلى القدم, قال ابن القيم رحمه الله (وكان يمسح ظاهر الخفين ولم يصح عنه مسح أسفلهما إلا في حديث منقطع)(2).
س151: هل يسمح على الخفين جميعاً أم يبدأ باليمنى ثم اليسرى ؟
ج/ الأقرب أنه على أي صفة مسح أعلى الخف فإنه يجزئ, لكن الأفضل أن يكون المسح باليدين على الرجلين جميعاً " يعني اليد اليمنى تمسح الرجل اليمنى, واليد اليسرى تمسح الرجل اليسرى في نفس اللحظة " كما تُمسح الأذنان, لأن هذا هو ظاهر السنة, لقول المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - { فمسح عليهما } .
س152: ما مبطلات المسح على الخفين ؟
ج/ مبطلات المسح هي:
أولاً: كل ما يوجب الغسل فهو يبطل المسح على الخفين, لأن المسح على الخفين إنما يكون في الطهارة الصغرى.
والدليل على ذلك:
حديث صفوان بن عسال قال { كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا إذا كنا سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة } (3).
ثانياً: إذا ظهر بعض محل الفرض, كما لو ظهر من القدم بعض محل الفرض كالكعب مثلاً, أو خلع خفيه وكان على طهارة مسح, فهل تنقض طهارته هنا أم لا؟
__________
(1) كما ورد ذلك في حديث جابر عند ابن ماجه وهو ضعيف جداً كما في التلخيص, وورد من حديث المغيرة كما أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي.
(2) زاد المعاد 1/199.
(3) رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه.(1/67)
يقال الراجح أن طهارته لا تنتقض حتى يوجد ناقض من نواقض الوضوء المعروفة, وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله(1), لأن هذه الطهارة ثبتت بمقتضى دليل شرعي, وما ثبت بمقتضى دليل شرعي فإنه لا ينتقض إلا بدليل شرعي وإلا فالأصل بقاء الطهارة, ويؤيد هذا القول من القياس أنه لو كان على رجل شعر كثير ثم مسح على شعره بحيث لا يصل إلى باطن رأسه شيء من البلل ثم حلق شعره بعد الوضوء فطهارته صحيحة .
ثالثاً: يبطل المسح بانقضاء المدة مع انتقاض الوضوء, أما إذا لم ينتقض الوضوء فإن انتهاء مدة المسح لا تنقض الوضوء, مثال ذلك لو توضأ إنسان لصلاة الظهر مثلاً ولبس الشراب وقبل العصر أحدث ثم توضأ ومسح من هنا تبدأ مدة المسح, وفي الغد في وقت الظهر أحدث وتوضأ ومسح ثم صلى الظهر وبقى طاهراً (طهارة مسح) , فله أن يصلي حتى تنتقض طهارة المسح, صحيح أن وقت المسح انتهى بانتهاء آخر وقت الظهر لكنه لم يُحدث بل استمر على طهارة الظهر فهنا لا تبطل طهارته.
لكن لو أنه أحدث بعد الظهر فهنا ينتهي وقت المسح, فلا يمسح وقت العصر, لأن المدة انتقضت والوضوء انتقض, فمدة المسح تبدأ من أول مسح بعد حدث وتنتهي بانقضاء مدة المسح مع انتقاض الوضوء.
تنبيه:
قول بعض العامة أن مدة مسح المقيم خمس صلوات, هذا غير صحيح لأن الإنسان قد يصلي أكثر من ذلك وهو مقيم, كما لو لبس الخفين لصلاة الفجر وبقى على طهارته إلى أن صلى العشاء فهذا يوم كامل لا يحسب عليه, فإذا مسح من الغد لصلاة الفجر هنا تبتدئ المدة من صلاة الفجر إلى اليوم الثالث من صلاة الفجر, ولو بقي على طهارته إلى صلاة العشاء يكون قد صلى خمس عشرة صلاة وهو مقيم.
س153: لو أن إنساناً توضأ لصلاة الظهر ثم لبس الشراب لما جاء وقت العصر أحدث ثم مسح عليهما ثم خلع الشراب لكنه استمر على طهارته " أي طهارة المسح " ولم يأت بأي ناقض من نواقض الوضوء فما الحكم ؟
__________
(1) مجموع الفتاوى 21/179-215.(1/68)
ج/ الراجح أن وضوئه لا ينتقض بخلع الشراب, فله أن يصلي بوضوئه المغرب والعشاء...الخ, إلى أن ينتقض وضوئه, لكن ليس له أن يعيد الشراب إلا بعد طهارة غسل.
- مسائل لم يذكرها المصنف رحمه الله -
س154: ما الحكم إذا لبس خفاً على خف ؟
ج/ لذلك ثلاث حالات:
الحالة الأولى: إذا كان قبل الحدث فالحكم للفوقاني.
مثال ذلك:
لو توضأ لصلاة الظهر ثم لبس شراباً ثم بعد ذلك استمر على طهارته (طهارة مائية) جاء وقت العصر وهو ما زال على الطهارة ولم يمسح إلى الآن, أحس بالبرودة فأراد أن يلبس خفاً آخر أو شراباً آخر فلبس, فالحكم هنا للفوقاني ولا شك.
الحالة الثانية: إذا لبس الخف الثاني بعد الحدث.
مثال ذلك:
لو توضأ لصلاة الظهر ثم لبس الشراب ثم انتقض وضوءه بعد الصلاة, فأراد أن يلبس شراباً آخر قبل صلاة العصر وهو الآن ليس على طهارة مائية ولا على طهارة مسح, فهنا الحكم للتحتاني ولا يمسح على الأعلى, لأنه في هذه الحالة يكون لبسه على غير طهارة.
الحالة الثالثة: إذا لبس الثاني على الأول على طهارة مسح.
مثال ذلك:
لو توضأ لصلاة الظهر ثم لبس شراباً لما جاء وقت العصر أحدث ثم مسح وبعد صلاة العصر أحس ببرودة أو أنه بحاجة إلى لبس شراب أخر وهو لا زال على طهارة مسح, فهذا القول بأنه يمسح على الفوقاني قول قوي جداً.
س155: ما الحكم إذا كان يمسح على الأعلى ثم خلعه هل يمسح على الأسفل ؟
ج/ الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله قال (الأحسن أنه إذا كان في سعة من أمره وخلع الأعلى أن يخلع الأسفل)(1) , ولكن لو لم يفعل فالظاهر أنه لا بأس بذلك.
س156: إذا مسح الإنسان على الكنادر ثم خلعها ومسح على الشراب فهل يصح مسحه أم لا ؟
__________
(1) الممتع 1/211.(1/69)
ج/ أجاب عن ذلك الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله قائلاً (المعروف عند أهل العلم أنه إذا مسح أحد الخفين الأعلى أو الأسفل تعلق الحكم به إلى ثانٍ, ومنهم من يرى أنه يجوز الانتقال إلى الثاني إذا كان الممسوح هو الأسفل ما دامت المدة باقية, وهذا هو القول الراجح, وعلى هذا فلو توضأ ومسح على الجوارب ثم لبس عليها جوارب أخرى, أو كنادر ومسج العليا فلا بأس به على القول الراجح ما دامت المدة باقية, لكن تحتسب المدة من المسح على الأول لا من المسح على الثاني)(1).
س157: إذا مسح الإنسان على خفيه بعد انتهاء المدة وصلى بهما فما الحكم ؟
ج/ لا يخلو الأمر من حالتين:
أ-إذا كان أحدث بعد انتهاء المدة ومسح فإنه يجب عليه إعادة الوضوء وإعادة الصلوات التي صلاها, لأنه حينئذ على غير طهارة, ولا يعذر الإنسان بالجهل أو النسيان هنا, لأن هذا من باب المأمورات, وباب المأمورات لا يعذر الإنسان فيه بالجهل والنسيان.
ب-إذا كان بعد انتهاء مدة المسح لكن بقي الإنسان على طهارته فصلاته صحيحة, لأن انتهاء مدة المسح لا ينقض الوضوء, كما تقدم بيان ذلك.
س158: من توضأ ولبس الشراب بدون نية المسح عليها ثم بدأ له أن يمسح عليهما فهل له ذلك أم لابد من نية المسح عند لبسهما ؟
ج/ يقال لا يشترط نية المسح عند لبسهما, فلو أن إنساناً توضأ ولبس شراباً ولكنه لم ينو " حين اللبس " المسح عليها ثم بدأ له ذلك صح, لأن النية هنا غير واجبة فهذا عمل عُلق الحكم على مجرد وجوده فلا يحتاج إلى نية.
- المسح على الجبيرة -
س159: ما تعريف الجبيرة ؟
ج/ الجبيرة اصطلاحاً: هي الأخشاب ونحوها التي تسوى على موضع الكسر, أو توضع على موضع الجرح لكي يجبر الكسر أو يبرأ الجرح, والمراد بها في عرف الفقهاء (ما يوضع على موضع الطهارة لحاجة).
س160: هل يشترط أن توضع الجبيرة على طهارة ؟
ج/ الراجح أن ذلك ليس شرطاً.
__________
(1) مجموع فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله 11/176.(1/70)
س161: ما أحوال الجبيرة ؟
ج/ الجبيرة لا تخلو من حالتين:
الأمر الأول: أن لا تتجاوز محل الحاجة " ومحل الحاجة هو الجرح وما حوله وما يحتاج إليه لشدة الجبيرة " فهنا يغسل ما يستطيع غسله ويمسح على الجبيرة.
الأمر الثاني: أن تتجاوز الجبيرة محل الحاجة, فإنه ينزع ما زاد على الحاجة ويمسح على الجبيرة, أما إذا كان يتضرر بنزع ما زاد على الحاجة, فإنها حينئذ تأخذ حكم الجبيرة فيمسح عليها.
س162: ما صفة المسح على الجبيرة ؟
ج/ صفة المسح على الجبيرة, أن يعمم الجبيرة بالمسح من جميع الجهات ليس من الأعلى فقط, لأن هذا هو ظاهر حديث صاحب ألشجه وهو قوله { ويمسح عليها(1) } .
س163: إذا كان الإنسان جرحه مكشوف ليس عليه شيء فماذا يفعل إذا أراد التطهر ؟
ج/ الأصل أنه يغسله, وإذا كان يضره الغسل كأن يتأخر البرء أو يتضرر من ذلك, فإنه يمسح على الجرح أما إذا كان لا يستطيع الغسل ولا المسح, فيقال هنا يتيمم ولا يمسح.
تنبيه:
الجمع بين التيمم والمسح هذا غير صحيح, كما يعتقد بعض الناس فالتيمم يُصار إليه إذا لم يستطع الإنسان أن يغسل الجرح ولا أن يمسح عليه أو لا يستطيع أن يمسح على الجبيرة.
س164: هل تشترط الموالاة والترتيب في التيمم ؟
ج/ الصحيح أنه لا يشترط ذلك, فإذا لم يستطع أن يُمر الماء على الجبيرة كاللصقة مثلاً ولا أن يمسح عليها يقال له تيمم كما تقدم ولكن متى يتيمم ؟
يقال لا يلزم أن يتيمم بعد الوضوء مباشرة فلو أخر التيمم مدة طويلة فلا بأس بذلك كما لو توضأ وترك التيمم عند إرادة الصلاة فلا بأس ولو طال الفاصل بينهما.
مثال ذلك:
__________
(1) رواه أبو داود والدار قطني , والبيهقي من حديث جابر, وبلوغ المرام رواه أبو داود بسند فيه ضعف وفيه اختلاف على رواته.(1/71)
إنسان توضأ لصلاة الظهر قبل دخول وقت الظهر وكان على يده جبيرة, وهذه الجبيرة لا يستطيع أن يغسلها أو يمسح عليها, فإن يتيمم عنها كما تقدم ولا بأس أن يؤخر التيمم إلى وقت إرادة الصلاة, حتى لو كان بعد ساعة أو ساعتين من وضوءه فلا يشترط الموالاة.
كذلك لا يشترط الترتيب فلو كان في يده اليمنى جرح وعليه جبيرة لا يستطيع غسلها ولا المسح عليها, فيلزمه التيمم هنا كما تقدم, ولكن لا يلزمه أن يتيمم إذا وصل إلى محل الجبيرة وهو يتوضأ فلا يلزم الترتيب في ذلك, فإذا قلنا أنه لا يشترط الموالاة فالترتيب من باب أولى.
س165: ما الفرق بين المسح على الجبيرة والمسح على الخفين ؟
ج/ الفروق بين المسح على الجبيرة والمسح على الخفين هي:
- ... - المسح على الجبيرة - ... - المسح على الخفين -
الأول ... أن المسح على الجبيرة عزيمة. ... أن المسح على الخفين
رخصة.
الثاني ... المسح على الجبيرة غير مؤقت. ... المسح على الخفين مؤقت, وقد تقدم أنه للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام
بلياليهن.
الثالث ... أن المسح على الجبيرة يكون في الطهارتين الصغرى والكبرى. ... المسح على الخف أنما يكون في الطهارة الصغرى فقط دون الكبرى.
الرابع ... أن الجبيرة تعمم بالمسح كلها. ... أن الخف يمسح أعلاه فقط.
الخامس ... لا يشترط تقدم الطهارة. ... يشترط تقدم الطهارة.
س166: إنسان عليه حدث أكبر وأراد أن يغتسل وعلى جرحه جبيرة فهل يتيمم؟(1/72)
ج/ إذا كان الإنسان عليه جبيرة واحتاج إلى الغسل الواجب كالغسل من الحيض أو الجنابة أو النفاس فإنه يمسح على الجبيرة ويكتفي بذلك, وعلى هذا نعلم عدم صحة القول بأن الإنسان إذا كان عليه اللصقة التي توضع على الصدر أو الظهر ونحو ذلك, ثم احتاج إلى غسل واجب كغسل الجنابة أو الحيض فنجد أن البعض يمر الماء عليها ثم يتيمم بعد ذلك, والصحيح أنه لا يلزم التيمم فما دام جرى الماء عليها فلا يلزم بعد ذلك التيمم, والصحيح أيضاً أنه لا تبطل الطهارة لبرء ما تحتها أو انتقاضها ويعيد شدها في الحال أو متى شاء وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, وكذا إذا لم يستطع أن يمر الماء عليها ولكنه يستطيع أن يمسح عليها كفى ذلك, وإنما يكون التيمم إذا لم يستطع غسلهما ولا مسحها, ففي هذه الحالة يتيمم عنها.
- مسائل لم يذكرها المصنف -
س167: ما حكم المسح على العمامة والخمار ؟
ج/ لا بأس من المسح على العمامة, والعمامة ما يعمم به الرأس ويكور عليه وهي معروفة, والدليل على جواز المسح عليها حديث المغيرة ابن شعبة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - { مسح على عمامته وعلى الناصية والخفين } (1).
وقد يعبر عنها بالخمار كما في صحيح مسلم { مسح على الخفين والخمار } ويعني بالخمار العمامة.
قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد(2) (ومسح على العمامة مقتصراً عليها ومع الناصية, وثبت ذلك عنه فعلاً وأمراً في عدة أحاديث, لكن في قضايا أعيان يحتمل أن تكون خاصة في حال الحاجة والضرورة ويحتمل العموم كالخفين وهو أظهر والله أعلم).
__________
(1) رواه مسلم.
(2) زاد المعاد 1/199.(1/73)
أما المسح على الخمار بالنسبة للمرأة فمن أجاز المسح عليه إنما قال ذلك قياساً على عمامة الرجل, فالخمار للمرأة بمنزلة العمامة للرجل, والمشقة موجودة في كليهما, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله(1) (إن خافت المرأة من البرد ونحوه ومسحت على خمارها فإن أم سلمة كانت تمسح خمارها, وينبغي أن تمسح مع ه1ا بعض شعرها, وأما إذا لم يكن بها حاجة إلى ذلك ففيه نزاع بين العلماء, وفي فتاوى العثيمين(2) رحمه الله تعالى (فإذا كانت هناك مشقة إما لبرودة الجو أو لمشقة النزع واللف مرة أخرى فالتسامح في مثل هذا لا بأس به, وإلا فالأولى ألا تمسح).
س168: ما شروط المسح على الخمار والعمامة ؟
ج/ شروط المسح على الخمار والعمامة هي:
1.لبسهما بعد كمال الطهارة.
2. التوقيت في المسح عليهما كالخفين للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن.
س169: إذا لبدت المرأة رأسها بالحناء ونحوه فهل تمسح عليه ؟
ج/ أجاب عن ذلك الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله قائلاً (إذا لبدت المرأة رأسها بالحناء فإنها تمسح عليه, ولا حاجة إلى أن تنقض الرأس وتحتّ هذا الحناء, لأنه ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في إحرامه ملبداً رأسه, فما وضع على الرأس من التلبيد فهو تابع له, وهذا يدل على أن تطهير الرأس فيه شيء من التسهيل)(3).
- باب نواقض الوضوء -
س170: ما تعريف نواقض الوضوء ؟
ج/ النواقض جمع ناقض وهي العلل المؤثرة في إخراج الوضوء عما هو مطلوب منه. ونواقض الوضوء ومفسداته هي التي طرأت عليه أفسدته.
س171: ما أنواع النواقض ؟
ج/ النواقض على نوعين هنا:
1- نواقض مجمع عليها, وهو المستند إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
2- نواقض فيها خلاف, وهي المبنية على اجتهادات أهل العلم رحمهم الله وعند النزاع يجب الرد إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) مجموع الفتاوى 21/218,
(2) 4/171.
(3) مجموع فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين 11/271.(1/74)
172: ما نواقض الوضوء ؟
ج/ نواقض الوضوء هي:
أولاً: الخارج من السبيلين.
وهنا قاعدة هي {كل ما خرج من السبيلين فهو ناقض سواء كان قليلاً أو كثيراً معتاد أو غير معتاد}.
المعتاد كالبول والغائط ونحوهما.
الغير معتاد مثل الريح الذي يخرج من فرج المرأة وليس من الدبر فإذا خرج فهو ناقض و كما قال بهذا بعض أهل العلم, والراجح أن ذلك لا ينقض, وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى عن ذلك فأجاب قائلاً (لا ينقض الوضوء الهواء الخارج من فرج المرأة, لأنه لا يخرج من محل نجس كالريح التي تخرج من الدبر)(1).
وسواء كان هذا الخارج من السبيلين طاهراً مثل الحصاة أو الريح غير ملوثة لو قابلت محلاً رطباً فأكسبته ريحاً كريهة, أو كان هذا الخارج نجساً والغائط, فكل ما خرج من السبيلين فهو ناقض.
والأدلة على ذلك ما يلي:
* قال تعالى { أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ } (2).
* وما ورد في حديث صفوان بن عسال أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { ولكن من غائط وبول ونوم } (3).
*وكما في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في المذي { يغسل ذكره ويتوضأ(4) } .
* وكما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لما شُكي إليه الرجل يُخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال { لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً } .
* والإجماع منعقد على ذلك, قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن خروج الغائط من الدبر, وخروج البول من الذكر, وخروج المني, وخروج الريح من الدبر, وزوال العقل بأي وجه زال العقل أحداث ينقض كل منها الطهارة ويوجب الوضوء)(5).
واستثنى أهل العلم الريح التي تخرج من فرج المرأة فقالوا هذا ليس بناقض, وقد تقدم بيان ذلك.
__________
(1) مجموع فتاوى العثيمين 4/197.
(2) النساء: من الآية43).
(3) رواه أحمد والنسائي والترمذي وقال صحيح وابن ماجة وغيرهم.
(4) رواه البخاري ومسلم من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.
(5) الإجماع ص 31.(1/75)
ويستثنى من هذا القسم من حدثه دائم, فإنه لا ينقض وضوئه بخروجه كمن به سلس بول أو ريح أو غائط وله حال خاصة في التطهر.
س173: ما حكم الرطوبة التي تخرج من المرأة ؟
ج/ يقال الفرج له مجريان:
الأول: مجرى مسلك الذكر, وهذا يتصل بالرحم ولا علاقة له بمجاري البول ولا بالمثاني, ويخرج من أسفل مجرى البول.
الثاني: مجرى البول, وهذا يتصل بالمثاني ويخرج من أعلى الفرج, فإذا كانت هذه الرطوبة ناتجة عن استرخاء المثاني من مجرى البول فهي نجسة وناقضة للوضوء وحكمها حكم سلس البول وخروجها من هذا المجرى نادر.
أما إذا كانت من مسلك الذكر وهذا هو الغالب فهي طاهرة, لأنها ليست من فضلات الطعام والشراب, فليست بولاً والأصل عدم النجاسة حتى يقوم الدليل على ذلك, وعلى الصحيح أيضاً أنها لا تنقض الوضوء إذا كانت تخرج من مسلك الذكر, والله أعلم.
القسم الثاني من أقسام نواقض الوضوء:
خروج النجاسة من بقية البدن (غير السبيلين):
س174: ما أقسام خروج النجاسة من بقية البدن ؟
ج/ خروج النجاسة من بقية البدن على قسمين:
القسم الأول: إذا كان الخارج بولاً أو غائطاً, كما لو شُق بطن الإنسان ثم خرج من بطنه بول أو غائط فإن الوضوء ينتقض إذا خرج من أي مكان, وهذا هو المذهب سواء كان السبيلان مفتوحين أو مسدودين, وسواء كان الخارج من فوق المعدة أو من تحتها, وقال بعض أهل العلن إن كان المخرج من فوق المعدة فهو كالقيء, وإن كان من تحتها فهو كالغائط, وهذا اختيار ابن عقيل رحمه الله حيث قال: (الحكم منوط بما إذا انفتح المخرج تحت المعدة)(1), وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: (وهذا القول جيد بدليل أنه إذا تقيأ من المعدة فإنه لا ينقض وضوئه على القول الراجح)(2).
__________
(1) الإنصاف 1/197,108.
(2) الممتع1/221.(1/76)
القسم الثاني: إذا كان غير البول والغائط كالدم أو القيء, الأقرب في ذلك قول المالكية والشافعية أن هذه الأشياء لا تنقض الوضوء, قال في الاختيارات: (والدم والقيء وغيرهما من النجاسات الخارجة من غير الخارج المعتاد لا تنقض الوضوء ولو كثرت, وهذا مذهب مالك والشافعي)(1).
س175: ما الأدلة التي تدل على أن غير البول والغائط كالدم والقيء غير ناقض للوضوء ؟
ج/ من أدلتهم:
1. الأصل بقاء الطهارة فمن ادعى خلاف الأصل فعليه الدليل.
2. ما ورد عن الحسن البصري أنه قال(كانوا يصلون في جراحهم)(2)يقصد الصحابة ومع ذلك لم يرد عنهم حين الغزو أنهم كانوا يتوضئون.
3. أيضاً استدلوا بما ورد في البخاري: (من قصة عباد بن بشر أصيب بسهام وهو يصلي فأستمر في صلاته)(3) لما قام يحرس في معسكر المسلمين, فكان يسيل منه الدم ومع ذلك استمر في صلاته - رضي الله عنه - .
4. قصة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لما طعنه الشقي أبو لؤلؤة المجوسي وهو غلام فارسي للمغيرة بن شعبة استمر في صلاته وجرحه يثعُب دماً(4).
5. أن طهارته تثبت بمقتضى دليل شرعي, وما ثبت بمقتضى دليل شرعي فلا يمكن رفعه إلا بدليل شرعي.
ثالثاً: زوال العقل وتغطيته.
وهو ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: زواله بالكلية وهو رفع العقل وذلك بالجنون.
القسم الثاني: تغطيته بسبب يوجب ذلك لمدة معينة كالنوم والإغماء والسكر وما أشبه ذلك.
وزوال العقل بالجنون والإغماء والسكر هو في الحقيقة فقد له, وعلى هذا فيسيرها وكثيرها ناقض فلو صرع ثم استيقظ أو سكر أو أغمى عليه فإنه يلزمه استئناف الطهارة(5), بخلاف النوم فإنه يخالف هذه الأشياء بأن يسيره لا ينقض الوضوء.
س176: والنوم هل هو ناقض أم لا ؟
__________
(1) الاختيارات ص 16.
(2) أخرجه ابن أبي شيبة وعلقه البخاري بصيغة الجزم, وصححه ابن حجر.
(3) رواه البخاري معلقاً, وأبو داود , وابن خزيمة.
(4) أخرجه مالك في الموطأ وإسناده صحيح.
(5) المغني 1/234.(1/77)
ج/ على خلاف بين أهل العلم رحمهم الله على أقوال ثمانية أرجحها ما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله حيث قال: (والنوم لا ينقض مطلقاً إن ظن بقاء طهارته, وهو أخص من رواية حكيت عن أحمد: (أن النوم لا ينقض بحال)(1), فالنوم مظنة الحدث, فإذا نام بحيث لو انتقض وضوئه أحس بنفسه, فإن وضوئه باق, وهذا القول تجتمع الأدلة فإن حديث صفوان بن عسال وفيه { ..ولكن من غائط وبول ونوم (2) } , دل على أن النوم ناقض, وحديث أنس - رضي الله عنه - { أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا ينتظرون العشاء على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون(3) } , وفي رواية أبي داود { يضعون جنوبهم } (4), فيُحمل ما ورد عن الصحابة على أنه لو أحدث لأحس بنفسه, ويحمل حديث صفوان على أنه لو أحدث لم يحس بنفسه.
رابعاً: مسه بيده " لا ظفره " فرج الآدمي المتصل بلا حائل, أو حلقه دبره, بدليل حديث بسرة بنت صفوان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { من مس ذكره فليتوضأ } (5), وفي لفظ { من مس فرجه فليتوضأ(6) } .
س177: مس الذكر هل هو ناقض للوضوء أم لا ؟
__________
(1) الاختيارات ص 16.
(2) رواه أحمد والترمذي وغيرهما.
(3) رواه مسلم.
(4) انظر صحيح أبي داود رقم 196, وفيه وسنده صحيح.
(5) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم.
(6) رواه الدارمي واحمد وعبدالرزاق وغيرهم من حديث بسرة بنت صفوان والحديث صحيح صححه أحمد وابن معين والترمذي وابن حبان وابن خزيمة والدارقطني والحاكم وقال البخاري هو أصح شيء في هذا الباب.(1/78)
ج/ الراجح أنه لا يجب الوضوء من مس الذكر, لحديث طلق بن علي أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يمس ذكره في الصلاة أعليه وضوء ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - { إنما هو بضعة منك } (1), وبعض العلماء جمع بين حديثي بسرة وحديث طلق بحمل حديث بسرة على استحباب الوضوء وحديث طلق على نفي الوجوب(2).
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في مجموع الفتاوى(3): (أن مس الذكر ليس بناقض للوضوء وإنما يستحب له الوضوء وهو اختيار شيخ الإسلام وهو أقرب إلى الصواب لا سيما إذا كان غير عمد لكن الوضوء أحوط) أ.هـ.
وكذلك مس حلقة الدبر لا تنقض الوضوء لكن الأحوط الوضوء, وكذا مس الخصيتين فمن باب أولى أن ذلك لا ينقض الوضوء.
خامساً: مس المرأة للرجل ومس الرجل للمرأة بشهوة وبدون شهوة.
وهذا مختلف فيه بين أهل العلم.
س178: ما حكم مس المرأة للرجل ومس الرجل للمرأة بشهوة وبدون شهوة هل ينقض ذلك الوضوء أم لا ؟
ج/ الصحيح أن الوضوء لا ينتقض بذلك للأدلة التالية :
1- حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبّل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ } (4), حدثت به ابن أختها عروة بن الزبير فقال: ما أظن المرأة إلا أنت فضحكت... وهذا دليل إيجابي.
2- أن الأصل عدم النقض حتى يقوم دليل صحيح صريح على ذلك.
3- أن الطهارة ارتفعت بمقتضى دليل شرعي, وما ثبت بمقتضى دليل شرعي, فإنه لا يمكن رفعه إلا بدليل شرعي, ولا دليل على ذلك, وهذا دليل سلبي.
__________
(1) رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم وصححه عمر بن علي الغلاس وعلي بن المديني , قال: أثبت من حديث بسرة وصححه ابن حبان والطبراني وابن حزم وضعفه الشافعي والدارقطني والبيهقي وابن الجوزي وادعى فيه النسخ ابن حبان والطبراني وابن حزم وابن العربي.
(2) المبدع 1/161-162.
(3) 4/203.
(4) رواه أحمد والترمذي وغيرهما, وهو حديث صحيح وله شواهد متعددة.(1/79)
س179: المرأة إذا وضأت طفلها وهي طاهرة هل يجب عليها أن تتوضأ أم لا ؟
ج/ أجاب عن ذلك الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله فقال: (إذا توضأت المرأة طفلها أو طفلتها ومست الفرج فإنه لا يجب عليها الوضوء وإنما تغسل يديها فقط, لأن مس الفرج لغير شهوة لا يوجب الوضوء, ومعلوم أن المرأة التي تغسل أولادها لا يخطر ببالها الشهوة, فهي إذا وضأت الطفل أو الطفلة فإنما تغسل يديها فقط من النجاسة التي أصابتها, ولا يجب عليها أن تتوضأ(1) .
سادساً: غسل الميت أو بعضه.
لأن ابن عمر وابن عباس وأبا هريرة كانوا يأمرون غاسل الميت بالوضوء(2).
س180: تغسيل الميت هل ينقض الوضوء أم لا ؟
ج/ الراجح أنه لا ينتقض الوضوء, لأن النقض يحتاج إلى دليل شرعي يرتفع به الوضوء الثابت بدليل شرعي ولا دليل على ذلك من كتاب الله ولا سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولا من الإجماع, ويجاب عما ورد عن هؤلا الصحابة الثلاثة: أن الأمر يحتمل أن يكون على سبيل الاستحباب, وفرض شيء على عباد الله من غير دليل تطمئن إليه النفس أمر صعب, لأن فرض ما ليس بفرض كتحريم ما ليس بحرام.
وفي المختارات الجلية للسعدي: (ونقض الوضوء بتغسيل الميت فيه نظر, لأن الحديث الوارد فيه لم يثبت, وما روي عن ابن عمر وابن عباس في أمرهما من غسل الميت بالوضوء لا يتعين حمله على الوجوب ولا يزيل الأصل الثابت في بقاء الطهارة)(3).
__________
(1) مجموع الفتاوى 11/203.
(2) أثر ابن عمر أخرجه عبد الرزاق والبيهقي , وأما أثر ابن عباس فأخرجه عبد الرزاق والبيهقي كذلك, أما اثر أبي هريرة فيتناقله فقهاء الحنابلة في كتبهم كما في الكافي 1/85, وشرح العمدة 1/342, وغيرهما ولعله في كتب المتقدمين كالأثرم والنجاد وغيرهما.
(3) المختارات الجلية للسعدي ص23.(1/80)
ويؤيد عدم الوجوب حديث ابن عباس مرفوعاً { ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه, فإن ميتكم ليس بنجس فحسبكم أن تغسلوا أيديكم } (1).
وبناء على هذا فالأقرب أن من غسل ميتاً يستحب له الغسل ولا يجب عليه, لكن لم يقال بالوجوب لحديث ابن عباس السابق { ليس عليكم في غسل ميتكم.. } الحديث, ولقول ابن عمر رضي الله عنهما { كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل } (2).
سابعاً: أكل لحم الإبل, بدليل حديث البراء بن عازب وفيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - { توضؤا من لحوم الإبل } (3), ولحديث جابر بن سمرة أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - { أأتوضأ من لحوم الغنم ؟ قال: إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ, قال أتوضأ من لحوم الإبل ؟ قال: نعم فتوضأ من لحوم الإبل ..الحديث } (4).
س181: هل الكبد والرأس والشحوم وغيرها من أجزاء الإبل ناقضة للوضوء أم لا ؟
ج/ الراجح في ذلك أن كل أجزاء الإبل ناقضة للوضوء.
ومن الأدلة على ذلك:
1- قالوا أنه باستقراء أدلة الشرع أي بالنظر بالأدلة الشرعية لم نجد أن حيواناً بعضه حلال وبعضه حرام وبعضه ينقض وبعضه لا ينقض, ولذلك قاسه صاحب الشرح الكبير على الخنزير, فالحيوان إما أن كله حلال كالإبل, وإما أن يكون كله حرام كالخنزير, وكذلك هنا يقال إما أن كله يكون ناقض أو يكون كله لا ينقض.
__________
(1) أخرجه الحاكم وصححه على شرط البخاري ووافقه الذهبي, وكذا اخرجه البيهقي وحسنه ابن حجر.
(2) رواه الدار قطني والخطيب في تاريخه بإسناد صحيح كما قال الحافظ رحمه الله.
(3) رواه الإمام أحمد, وأبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم.
(4) رواه مسلم.(1/81)
2- أنّ في الإبل أجزاء كثيرة قد تقارب الهبر, ولو كانت غير داخلة لبين ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , لعلمه أن الناس يأكلون الهبر وغيره.3-أن النص يتناول بقية الأجزاء بالعموم المعنوي إذ لا فرق بين الهبر وهذه الأجزاء, لأن الكل يتغذى بدم واحد, وطعام واحد, وشراب واحد, قال السعدي رحمه الله: (والصحيح أن جميع أجزاء الإبل كالكرش والقلب والمصران ونحوها ناقضو لأنه داخل في حكمها ولفظها ومعناها, والتفريق بين أجزائها ليس له دليل ولا تعليل)(1).
س182: ما حكم الوضوء من مرق اللحم (لحم الإبل) ؟
ج/ في هذه المسألة وجه لأصحاب الإمام أحمد(2): أنه يجب الوضوء لوجود الطعم في المرق, كما لو طبخنا لحم خنزير فإن مرقه حرام وهذا تعليل قوي جداً, وعلى هذا فالأحوط أن يتوضأ.
س183: ما حكم الوضوء من لبن الإبل ؟
ج/ الصحيح أن الوضوء من ألبان الإبل مستحب وليس بواجب لوجهين:
1- أن الأحاديث الواردة كثيرة وصحيحة في الوضوء من لحوم الإبل, وأما الوضوء من ألبانها فالحديث الوارد في ذلك إسناده حسن وبعضهم ضعّفه(3).
2- ما رواه أبو هريرة في قصة العرنيين { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهم أن يلحقوا بإبل الصدقة ويشربوا من أبوالها وألبانها(4) } ولم يأمرهم أن يتوضئوا من ألبانها مع أن الحاجة داعية إلى ذلك, فدلّ على أن الوضوء منها مستحب.
__________
(1) المختارات الجلية ص23.
(2) الفروع 1/183, والإنصاف 1/218.
(3) وهو حديث أسيد بن حضير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { توضؤا من ألبان الإبل } رواه أحمد في مسنده وابن ماجه وفي إسناده الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف مدلس كما في مصباح الزجاجة 10/196, وروى الطبراني في الكبير عن سمرة الوائي عن أبيه قال { سالت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: إنا أهل إبل وماشية فهل نتوضأ من لحوم الإبل وألبانها؟ قال: نعم } , وحسنه البيهقي في مجموع الزوائد.
(4) رواه البخاري ومسلم.(1/82)
ثامناً: الردة, لقول الله تعالى { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } (1).
س184: هل الردة تنقض الوضوء أم لا ؟
ج/ قال شيخ الإسلام في الاختيارات: (قال أبو العباس في قديم خطه: خطر لي أن الردة تنقض الوضوء, لأن العبادة من شرط صحتها دوام شرطها استصحاباً في سائر الأوقات, وإذا كان كذلك فالنية من شرائط الطهارة على أصلنا والكافر ليس من أهلها, وهو مذهب أحمد)(2), وقال بهذا الأوزاعي وأبي ثور بدليل قوله تعالى في الآية { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } , والطهارة عمل وهي باقية حكماً تبطل بمبطلاتها فيجب أن تحبط بالشرك, ولأنها عبادة يفسدها الحدث فأفسدها الشرك كالصلاة والتيمم, ولأن الردة حدث بدليل قول ابن عباس: (الحدث حدثان, حدث اللسان وحدث الفرج وأشدهما حدث اللسان, وإذا أحدث لم تقبل صلاته بغير وضوء , لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - { لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ } (3).
س185: هل كل ما أوجب الغسل أوجب الوضوء أم لا ؟
ج/ أجاب عن ذلك الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله حيث قال: (المشهور عند فقهائنا رحمهم الله أن كل ما أوجب غسلاً أوجب وضوءاً إلا الموت, وبناء على ذلك فإنه لا بد لمن اغتسل من موجبات الغسل أن ينوي الوضوء, فإما أن يتوضأ مع الغسل, وإما أن ينوي بغسله الطهارة من الحدثين.
__________
(1) الزمر: من الآية65).
(2) مجموع الفتاوى 11/205,204.
(3) رواه البخاري ومسلم.(1/83)
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن نية الاغتسال عن الحدث الأكبر تغني عن نية الوضوء و لأن الله عز وجل { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ..الآية (1) } فلم يذكر الله تعالى في حال الجنابة إلا الإطَّهار " يعني التطهر " ولم يذكر الوضوء, ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للرجل حين أعطاه الماء ليغتسل قال { خذ هذا الماء فأفرغه على نفسك... } (2), وما ذهب إليه شيخ الإسلام أقرب إلى الصواب " وهو أن من عليه حدث أكبر إذا نوى الحدث الأكبر فإنه يجزئ عن الأصغر, وبناء على هذا فإن موجبات الغسل منفردة عن نواقض الوضوء" (3) أ.هـ.
وسيأتي بيان موجبات الغسل في باب الغسل بمشيئة الله.
س186: ما الحكم فيمن تيقن الطهارة وشك في الحدث أو تيقن الحدث وشك في الطهارة ؟
ج/ يبني على اليقين للقاعدة الشرعية التي تقول {اليقين لا يزول بالشك}, ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - { إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه هل يخرج منه شيء أم لا, فلا يخرجنّ من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً(4) } , وبناء على هذا يبني على الطهارة في الصورة الأولى, ويبني على الحدث في الصورة الثانية.
مثال ذلك:
لو توضأ الإنسان لصلاة الظهر ثم جاءت صلاة العصر وشكّ هل أحدث أم لم يحدث ؟ " هو الآن متيقن من أنه قد تطهر لصلاة الظهر, ولما جاءت صلاة العصر شكّ هل أحدث أم لا " فالأصل أنه على طهارة ...لماذا ؟
لأن الطهارة يقين والحدث شكّ.
ولو عكسنا المسألة:
أي توضأ لصلاة الظهر ثم قضى حاجته بعد الصلاة فهو تيقن أنه أحدث بعد صلاة الظهر لما جاءت صلاة العصر, شكّ هل توضأ بعد ما قضى حاجته أم لم يتوضأ؟ فالأصل هنا أنه محدث.
__________
(1) المائدة: من الآية6).
(2) رواه البخاري من حديث عمران بن حصين - رضي الله عنه -.
(3) مجموع الفتاوى 11/204-205.
(4) رواه مسلم والترمذي.(1/84)
س187: ما الحكم لو تيقن الطهارة والحدث كذلك لكن جهل السابق منهما ؟
ج/ الأقرب أنه يجب الوضوء مطلقاً, ولعله في ذلك: أنه تيقن أنه حصل له حالان وهذان الحالان متضادان ولا يدري أيهما الأسبق, فلا يدري أيهما الوارد على الآخر فيتساقطان, وقد تيقن زوال تلك الحالة, فيجب عليه الوضوء احتياطاً كما لو جهل حاله قبلها.
وهذا القول هو الأحوط, أي القول بوجوب الوضوء, وهذا الوضوء إن كان هو الواجب فقد قام به, وإلا فهو سنة, والفقهاء رحمهم الله قالوا: إذا قوى الشك فإنه يسن الوضوء, لأجل أن يؤدي الطهارة بيقين.
- ما يحرم على المحدث -
س188: ما الأشياء التي يحرم على المحدث فعلها ؟
أولاً: الصلاة, بنص الكتاب والسنة, وأما الكتاب فقوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } (1).
وأما السنة فحديث ابن عمر مرفوعاً { لا يقبل الله صلاة عبد بغير طهور, ولا صدقة من غلول(2) } .
س189: ما حكم من صلى وهو يعلم أنه محدث ؟
ج/ جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى أن من صلى وهو يعلم أنه محدث فإنه لا يكفر إلا إذا فعل ذلك استهزاء, فإن كان هذا منه استهزاء فهو كافر لاستهزائه.
وإن فعل ذلك تهاوناً فقد اختلف أهل العلم في تكفيره, ومذهب الأئمة الثلاثة في ذلك أنه لا يكفر, لأن هذه معصية, وهذا القول هو الأقرب, لأن الأصل بقاء الإسلام, ولا يمكن أن يخرجه من الإسلام إلا بدليل.
س190: ما ضابط الصلاة التي يشرع لها الوضوء ؟
__________
(1) المائدة: من الآية6).
(2) رواه الجماعة إلا البخاري.(1/85)
ج/ هي الصلاة التي لها تحريم وتسليم, سواءً كانت ذات ركوع وسجود أم لا, وعلى هذا يدخل في ذلك صلاة الجنازة, قال ابن القيم رحمه الله: (..وقد دل هذا الحديث أن كل ما تحريمه التكبير وتحليله التسليم فمفتاحه الطهور, ويدخل في ذلك صلاة الجنازة, وهذا قول أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يعرف عنهم فيه خلاف, وهو قول الأئمة وجمهور الأمة خلافاً لبعض التابعين)(1).
أما سجود التلاوة وسجود الشكر فالصحيح أنهما ليستا بصلاتين, فلا تشترط لهما الطهارة, لكن لا شك أن الأفضل في سجود التلاوة أن يتوضأ, لا سيما أن القارئ سوف يتلو القرآن وتلاوة القرآن يشرع لها الوضوء لأنها من ذكر الله, وذكر الله يشرع له الوضوء.
أما اشتراط الطهارة لسجود الشكر فضعف, لأن سببه تجدد النعم, أو تجدد اندفاع النقم وهذا قد يقع عن سببه سقط, وفي الاختيارات قال أبو العباس: (والذي تبين لي أن سجود التلاوة..إلى أن قال وعلى هذا فليس صلاة فلا يشترط له شروط الصلاة, بل يجوز على غير طهارة.. لكن السجود بشروط الصلاة أفضل.. وسجود الشكر لا يفتقر إلى طهارة كسجود التلاوة)(2).
ثانياً: الطواف سواء كان فرضاً أو نفلاً, بدليل حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام فلا تكلموا فيه إلا بخير } (3), ولكن الراجح أنه لا يشترط, لأن هذا الحديث موقوف على ابن عباس ولا يصح رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) تهذيب السنن 1/52.
(2) الاختيارات ص60.
(3) رواه النسائي, والترمذي, والبيهقي, وابن خزيمة والدارمي, والحاكم وقال: (صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقد أوقفه جماعة) ووافقه الذهبي وقال ابن التركماني في الجوهر النقي 5/85, وعطاء متكلم فيه وقد اختلط أخر عمره ومع هذا اختلف عليه فيه, ورواه غير واحد عن طاووس عن ابن عباس موقوفاً كما بينه البيهقي.(1/86)
قال شيخ الإسلام رحمه الله: (والذين أوجبوا الوضوء للطواف ليس معهم حجة أصلاً, فإن لم ينقل أحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا بإسناد صحيح ولا ضعيف أنه أمر بالوضوء للطواف, مع العلم بأنه قد حج معه خلائق عظيمة, وقد اعتمر عمراً متعددة والناس يعتمرون معه, ولو كان الوضوء فرضاً للطواف لبينه النبي - صلى الله عليه وسلم - بياناً تاماً, ولو بينه لنقل ذلك المسلمون عنه ولم يهملوه, ولكن ثبت في الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - لما طاف توضأ, وهذا وحده لا يدل على الوجوب, فإنه قد كان يتوضأ لكل صلاة, وقد قال: إني كرهت أن أذكر الله على غير طهر فتيمم لرد السلام)(1).
وإن كان الأحوط ألا يطوف إلا على طهارة, لكن لا يؤمر من طاف على غير طهارة أن يعيد الطواف, أو من سبقه الحدث في المطاف فلا نأمره بالخروج للوضوء خاصة مع شدة الزحام.
ثالثاً: مس المصحف للمحدث بلا حائل.
المصحف: هو ما كتب به القرآن سواءً كان كاملاً أو غير كامل, حتى ولو آية واحدة كتبت في ورقة ولم يكن معها غيرها فحكمها حكم المصحف, وكذلك اللوح له حكم المصحف.
والدليل على ذلك:
قوله تعالى { لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ(2) } .
وحديث أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى أهل اليمن كتاباً وفيه { لا يَمَسّ القرآن إلا طاهر } (3).
ومن الأدلة على ذلك أيضاً:
__________
(1) مجموع الفتاوى 21/381.
(2) الواقعة:79)
(3) أخرجه مالك في الموطأ وعبد الرازق والدارمي وغيرهم والحديث فيه كلام كثيرة ذكره الحافظ في التلخيص قال: (وقد صحح هذا الحديث جماعة من الأئمة من حيث الشهرة, وله طرق وشواهد ذكرها الزيلعي في نصب الراية)(1/87)
ما جاء في الموطأ بإسناد صحيح عن مصعب بن سعد بن الوقاص قال { كنت أمسك المصحف لسعد فاحتككت فقال: لعلك مسست ذكرك قلت: نعم. قال: قم فتوضأ } , وهذا رأي أكثر أهل العلم رحمهم الله تعالى وهو الأقرب, وأما إذا كان من وراء حائل , يعني بخرقه أو منديل ونحو ذلك فلا بأس.
س191: ما حكم مس جلدة المصحف والورق ؟
ج/ الجلدة تأخذ حكم المصحف وكذلك الورق, فلا يمس القرآن من جلدته ولا من ورقة إلا على طهارة أو من وراء حائل وهذا هو الأحوط لأن هذا يثبت تبعاً.
س192: هل يشمل هذا الحكم من دون البلوغ ؟
ج/ الصحيح أنه لا يشمل الصغار , لأنهم غير مكلفين, وإذا كانوا غير مكلفين فكيف نلزمهم بشيء لا يتعلق به كفر ولا ما دون الكفر إلا أنه معصية للكبير, وهؤلا ليسوا من أهل المعاصي لرفع القلم عنهم, وعلى الصحيح أيضاً لا يلزم وليه أن يأمر لأنه غير مكلف, لكن يعوده ذلك من باب التربية والتنشئة على أوامر الإسلام, وتعظيم كتاب الله تعالى, خاصة من بلغ سن التمييز " سن السابعة " فما فوق السن التي أمر الوالدان بأمره بالصلاة عند بلوغه.
س193: كتب التفسير الموجودة الآن, هل يجوز أن يمسها الإنسان على غير طهارة أم لا يجوز ؟
ج/ هذه المسألة لا تخلو من ثلاث أحوال:
الحالة الأولى: أن يكون القرآن هو الأغلب (أي أن بعض كتب التفسير يكون الأغلب في الصفحة هو القرآن ويكون التفسير على الحواشي, فالقرآن أكثر من الحواشي) , فهذا يأخذ حكم المصحف, لا يجوز أن يمسه الإنسان على غير طهارة.
الحالة الثانية: أن يكون التفسير هو الأغلب, فالتفسير هو الأغلب والآيات وسط الصفحة في مربع أو مستطيل صغير, فهذا لا بأس أن يمسها الإنسان على غير طهارة, لأنها تأخذ حكم كتب أهل العلم.
الحالة الثالثة: أن يتساوى الأمران, نصف الصفحة تفسير ونصفها قرآن, فالقاعدة {إذا اجتمع حاظرٌ ومبيح ولم يتميز أحدهما برجحان, فإنه يُغلَّب جانب الحظر}, فيعطى الحكم للقرآن.(1/88)
الحاظر: هو القرآن, أي يحضر علينا أن نمسه إلا على طهارة.
المبيح: يباح لنا أن نمسه على غير طهارة.
وفي فتاوى العثيمين قال: (كتب تفسير يجوز مسها بغير وضوء, لأنها تعتبر تفسيراً والآيات التي فيها أقل من التفسير, ويستدل لذلك بكتابة النبي - صلى الله عليه وسلم - الكتب للكفار وفيها آيات من القرآن الكريم فدل هذا على أن الحكم للأغلب والأكثر, أما إذا تساوى التفسير والآيات فعلى القاعدة المعروفة {أنه إذا اجتمع حاظر ومبيح ولم يتميز أحدهما برجحان, فإنه يغلب جانب الحظر}, وعلى هذا فإذا كان القرآن والتفسير متساويين أُعطي حكم القرآن, وإذا كان التفسير أكثر ولو بقليل أعطي حكم التفسير)(1).
س194: ما حكم قراءة الجُنب للقرآن ؟
ج/ بحرم على الجنب قراءة القرآن حتى يغتسل, وهو أن يقرأ آية فصاعداً, لكن إن كانت طويلة فإن بعضها كالآية الكاملة سواء من المصحف أو عن ظهر قلب, ولو تأمل القرآن بقلبه جاز بالإجماع, ولو حرك به لسانه فإنه يحرم عليه, لكن لو قرأ ذكراً يوافق القرآن ولم يقصد التلاوة فإنه لا بأس, كما لو قال(بسم الله الرحمن الرحيم) أو (الحمد لله رب العالمين) ولم يقصد التلاوة.
والدليل على أن الجنب ممنوع من قراءة القرآن ما يلي:
أ- حديث علي - رضي الله عنه - { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعلمهم القرآن وكان لا يحجزه عن القرآن إلا الجنابة(2) } .
__________
(1) فتاوى العثيمين 4/214-215.
(2) رواه الخمسة, وصححه الترمذي والدار قطني والحاكم وصححه وابن ماجه وحسنه وعند الترمذي (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرئنا القرآن ما لم يكن جنباً), ولحديث علي (الجنب ولا آية) رواه أحمد وعزاه الهيثمي إلى أبي يعلى وقال رجاله موثوقون, ولقول علي (اقرأوا القرآن ما لم تصب أحدكم جنابة فإن أصابته جنابه فلا, ولو حرفاً واحدا) رواه عبد الرزاق والدار قطني وصححه البيهقي.(1/89)
ب- ولأن في منعه من قراءة القرآن حثاً له على المبادرة إلى الاغتسال, لأنه إذا علم من ممنوع من قراءة القرآن حتى يغتسل فسوف يبادر إلى الاغتسال, فيكون في ذلك مصلحة.
س195: ما حكم قراءة الحائض والنفساء للقرآن ؟
ج/ الأقرب في ذلك أنه يجوز للحائض والنفساء قراءة القرآن مطلقاً, حتى لو كان ذلك للتعبد, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (إنه ليس في منع الحائض من قراءة القرآن نصوص صريحة صحيحة)(1). وإذا كان كذلك فلها أن تقرأ القرآن لما يأتي:
1- أن الأصل في ذلك الحِلّ حتى يقوم دليل على المنع.
2- أن الله أمر بتلاوة القرآن مطلقاً, وقد أثنى الله على من يتلو كتابه, فمن أخرج شخصاً عن عبادة الله بقراءة القرآن فإننا نطالبه بالدليل, وإذا لم يكن هناك دليل صحيح صريح على المنع فإنها مأمورة بالقراءة, وإذا رُخَّص للحائض فإن النفساء من باب أولى أن يُرخَّص لها لأن مدتها أطول من مدة الحائض.
س196: ما الفرق بين الجنب والحائض ؟ ولماذا يمنع الجُنب ويرخص للحائض والنفساء ؟
ج/ الجنب أمر بيده, بمعنى أنه يستطيع الاغتسال متى شاء ويرفع هذا الحدث, بخلاف الحائض والنفساء فإنها تمكث على ذلك أياماً, والأمر خارج عن إرادتها.
رابعاً: مما يحرم على المحدث حدثاً أكبر وهو من لزمه الغسل: اللبث في المسجد, لقوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا } (2).
س197: ما حكم لبث الحائض والنفساء في المسجد ؟
ج/ الحائض والنفساء ممنوعات من اللبث في المسجد.
ويدل لهذه الأدلة من ذلك:
1- قوله تعالى في الآية السابقة { وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيل حَتَّى تَغْتَسِلُوا } .
__________
(1) مجموع الفتاوى 21/460, الاختيارات ص27.
(2) النساء: من الآية43).(1/90)
وجه الدلالة أن الله تعالى نهى الجنب عن قربان مواضع الصلاة وهي المساجد, وإذا ثبت هذا في الجنب فكذلك الحائض, لأن حدثها آكد, ولذلك حرم الوطء ومنع الصيام واسقط الصلاة, وساواها في أكثر الأحكام.
2- حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال { وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب } (1).
3- حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها { ناوليني الخمرة من المسجد فقالت: إني حائض, فقال: إن حيضتك ليست في يدك, فناولته(2) } , وجه الدلالة: أن معناه أن النجاسة التي يصان عنها المسجد وهي دم الحيض ليست في يدك, وقد خافت إدخال يدها فيه, والنبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها بإدخال يدها فقط, ولو كان أمرها بدخول المسجد لم يكن لتخصيص اليد معنى.
4- حديث عائشة رضي الله عنها لما حاضت صفية قال { أحابستنا هي ؟ قالوا إنها قد أفاضت, قال: لتنفر إذاً } (3), فالنبي - صلى الله عليه وسلم - منع الحائض من دخول المسجد.
__________
(1) رواه أبو داود وابن خزيمة والبيهقي من طريق عبد الواحد بن زياد عن أفلت بن خليفة قال حدثتني جسرة بنت دجاجة قالت: سمعت عائشة به, وهذا الحديث فيه علل:
أ-تفرد جسرة بهذا الحديث عن عائشة, ومثلها لا يحمل تفردها عن عائشة بمثل هذا.
ب-أنه احتلف عليها فرواه الأفلت عنها عن عائشة ورواه ابن أبي غنية عن أبي الخطاب الهجري عن محدوج الذهلي عن جسرة قالت أخبرتني أم سلمة.
ج-أن في إسناده أفلت بن خليفة, ويقال فليت بن خليفة العامري, قال ابن المنذر في الأوسط 2/110 وهو غير ثابت لأن أفلت لا يجوز الاحتجاج بحديثه.
(2) رواه مسلم.
(3) رواه البخاري ومسلم.(1/91)
5- حديث عائشة رضي الله عنها قالت { كن المعتكفات إذا حضن أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإخراجهن من المسجد } (1).
س198: هل يجوز للجنب اللبث في المسجد ؟
ج/ الجُنُب يحرم عليه اللبث في المسجد:
أ- لقوله تعالى في الآية السابقة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا } , أي ليس المعنى لا تصلوا إلا عابري سبيل, لأن عابر السبيل لا يصلي فيكون النهي عن قربان الصلاة, أي النهي عن المرور بأمكانها وهي المساجد, فإن عَ[َ{َ المسجد فلا بأس به.
ب- ولأن المساجد بيوت الله ومحل ذكره وعبادته ومأوى ملائكته, وإذا كان آكل البصل والأشياء المكروهة ممنوعان من العبادة في المسجد فالجنب الذي تحرم عليه الصلاة من باب أولى, لا سيما إذا كانت الملائكة لا تدخل بيتاً فيه جنب, ولما ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { لا تدخل الملائكة بيتاً فيه جُنُب(2) } , وهذا مناسب لنهيه عن اللبث في المسجد فإن المساجد بيوت الملائكة, كما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - آكل الثوم والبصل عن دخول المسجد وقال { إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم(3) } .
- باب ما يوجب الغسل -
س199: مالأ صل في الغسل ؟
ج/ الأصل في الغسل الكتاب والسنة والإجماع كما سيأتي بيان أدلة ذلك.
س200: ما موجبات الغسل ؟
ج/ موجبات الغسل هي:
أولاً: خروج المني بلذة إذا كان يقظاناً:
والدليل على ذلك:
أ- قول الله تعالى { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا(4) } , والجُنُب هو الذي خرج منه المني دفقاً بلذة.
__________
(1) عزاه ابن قدامه في المغني 4/487 لأبي العكبري, وابن مفلح في الفروع 3/176 لأبن بطة, وقال إسناده جيد.
(2) رواه أهل السنن.
(3) مجموع الفتاوى 21/344.
(4) المائدة: من الآية6).(1/92)
ب- قول النبي - صلى الله عليه وسلم - { الماء من الماء } (1).
وعلى هذا فإذا خرج من غير لذة من يقظان فإنه لا يُوجب الغُسل على الصحيح من أقوال أهل العلم, لحديث علي مرفوعاً { إذا فضخت الماء فاغتسل, وإن لم تكن فاضخاً فلا تغتسل } (2), والفضخ هو خروجه بالغلبة, وعلى هذا يكون نجساً وليس بمذي.
س201: ما الحكم لو خرج من مخرج المني غير المني بلذة, كما لو خرج منه بلذة ؟
ج/ هذا يوجب الغسل, وهذا قول الفقهاء, حكاه الترمذي, قال في الشرح (ولا تعلم فيه خلافاً, لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث علي السابق { إذا فضخت الماء فاغتسل } , والفضخ خروجه على وجه الشدة.
س202: ما الحكم لو انتقل المني ولكنه لم يخرج ؟
ج/ الراجح أنه لا غسل عليه, اختار ذلك ابن قدامة وابن أبي عمر(3), قال في الشرح(4): (والرواية الثانية أنه لا غسل عليه وهو ظاهر قول الخرقي, وقول أكثر الفقهاء وهو الصحيح إن شاء الله, لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - علّق الاغتسال على رؤية الماء بقوله { إذا رأت الماء.. } (5) فلا يثبت الحكم بدونه, وما ذكروه من الاشتقاق ممنوع لأنه أن يسمى جنباً لمجانبته الماء ولا يحصل إلا بخروجه, أو لمجانبته الصلاة أو المسجد, وكلام الإمام أحمد وهو قوله (أنه قد باعد محله فصدق عليه اسم الجنب, إنما يدل على أن الماء إذا انتقل لزم منه الخروج, وإنما يتأخر, وكذلك يتأخر الغسل إلى حين خروجه) أ.هـ.
203: ما الحكم لو خرج المني من نائم أو مغمى عليه ؟ وما الدليل على ذلك ؟
__________
(1) رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - .
(2) رواه أبو داود والنسائي وأحمد والطيالسي وابن خزيمة وغيرهم.
(3) المغني 1/26.
(4) الشرح الكبير 1/97.
(5) كما ورد ذلك في حديث أم سلمة في الصحيحين.(1/93)
ج/ يُفهم من قوله { خروج المني بلذة إذا كان يقظاناً } أنه إذا خرج من نائم أو مُغمى عليه أو سكران وجب عليه الغُسًل مطلقاً سواءً كان بلذة أم لا, لأن النائم ونحوه قد لا يحس به, وهذا يقع كثيراً فقد يستيقظ الإنسان ويجد أثراً ولم يشعر باحتلام.
والدليل على ذلك:
حديث أم سلمة رضي الله عنها { حين سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل هل عليها من غُسل ؟ قال: نعم إذا هي رأت الماء } (1). فأوجب الغُسُل إذا هي رأت الماء, ولم يشترط أكثر من ذلك, فدلّ على وجوب الغُسًل إذا استيقظ النائم ووجد الماء, أحس بخروجه أو لم يُحسّ, سواء رأى أنه قد أحتلم أم لم يرّ, لأن النائم قد ينسى.
س204: ما الحكم لو استيقظ النائم ووجد بللاً ؟
ج/ إذا استيقظ النائم ووجد بللاً فلا يخلو من ثلاث حالات:
1- أن يتيقن أنه موجب للغسل, أي أنه مني, وفي هذه الحال يجب عليه أن يغتسل, سواءً ذكر احتلاماً أم لم يذكر.
2- أن يتيقن أنه ليس بمني, وفي هذه الحالة لا يجب عليه الغسل, لكن يجب عليه أن يغتسل ما أصابه, لأن حكمه حكم البول.
3- أن يجهل هل هو مني أم لا ؟
* فهنا إن ذكر أنه احتلم فإننا نجعله منياً ونأمره لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سُئل عن المرأة ترى ما يرى الرجل, قال { نعم إذا هي رأت الماء(2) } .
* وإن لم يرَ شيئاً في منامه وقد سبق نومه حديث أو تفكير في جماع جعلناه مذياً فلا يجب عليه الغسل, لأنه يخرج بعد التفكير والحديث في الجماع دون إحساس.
* وإن لم يسبقه تفكير أو حديث في جماع فعلى خلاف, والصحيح أننا نجعله مذياً ولا نوجب عليه الغُسل, والله أعلم.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه البخاري ومسلم.(1/94)
ثانياً: تغييب الحشفة كلها أو قدرها بلا حائل في الفرج (الإيلاج) , فهذا يوجب الغسل وإن لم يحصل إنزال, بدليل حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل(1) } , وفي لفظ لمسلم { وإن لم ينزل } .
والحشفة: هي رأس الذكر تكون عليها جلدة تقطع عند الختان.
وتغيب الحشفة بحائل في الفرج لا يوجب الغسل إلا إذا حصل إنزال, وهذا فيما إذا كان الحائل غير رقيق, أما إذا كان الحائل رقيقاً بحيث تكمل اللذة فإنه يوجب الغُسُل.
س205: ما حكم وطء القُبُل في فرج الميتة هل يوجب الغسل أم لا ؟
ج/ وطء القُبُل في فرج الميتة يوجب الغسل إذا كان هناك تغييب للحشفة, لأنه فرج بالقياس.
أما وطء البهيمة والطير الدبر فهو لا يوجب الغُسُل إلا بإنزال وهو قول الأحناف وهو الأقرب, للقاعدة الشرعية {أن الوطء المحرم شرعاً لا عبرة به} , وعلى هذا فلا يجب إلا بالإنزال.
تنبيه:
مثل هذه المسائل وضعها الفقهاء للتمثيل بصرف النظر عن حكمها.
س206: إذا وطئ من عمره تسع سنوات امرأة عمرها ثمان سنوات فهل يجب عليهما الغسل ؟
ج/ الحنابلة يرون أنه لا يجب عليهما الغسل, وهي قاعدة عند المذهب يقررون الذكر بالعشر والأنثى بتسع , ويقولون لأن الذي يتصور منه الوطء هو من بلغ العاشرة, ومن يؤطأ هي بنت تسع.
والراجح: أنه يجب الغسل عليهما حتى وإن كانا دون هذا السن, كما لو وطئ من عمره تسع سنوات ابنة الثمان سنوات وغيب الحشفة, لحديث أبي هريرة السابق { إذا جلس بين شعبها الأربع.. } الحديث.
ثالثاً: من موجبات الغسل كذلك إسلام الكافر والمرتد.
والأدلة على ذلك ما يلي:
* { أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - قيس بن عاصم لما أسلم بأن يغتسل بماء وسدر(2) } , والأصل في الأمر أنه للوجوب.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه احمد وأبو داود والنسائي والترمذي وغيرهم.(1/95)
* كذلك لما أسلم ثمامة بن آثال قال النبي - صلى الله عليه وسلم - { اذهبوا به إلى حائط بني فلان فمروه أن يغتسل } (1). ولأنه كذلك طهر باطنه من نجس الشرك فمن الحكمة أن يطهر ظاهره بالغسل.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد(2), في قصة قدوم وفد دوس (وقد صح أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - به, وأصح الأقوال وجوبه على من أجنب في حال كفره ومن لم يُجنب).
وقال الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار(3): (والظاهر الوجوب لأن أمر البعض قد وقع به التبليغ ودعوى عدم الأمر لمن عداهم لا يصلح متمسكاً لأن غاية ما فيه عدم العلم, وهو ليس علماً بالعدم).
رابعاً: خروج دم الحيض والنفاس, فيجب الغُسُل إذا انقطع دم الحيض والنفاس, بدليل حديث فاطمة بنت حبيش(أنها كانت تستحاض فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تجلس عادتها ثم تغتسل وتصلي } (4), والأصل في الأمر للوجوب.
قال ابن المنذر في الإجماع: (وأجمعوا أن على النفساء الاغتسال إذا طهرت)(5), وقال ابن حزم في مراتب الإجماع: (واتفقوا على أن الدم الأسود الخارج في أيام الحيض من فرج المرأة التي من كانت في مثل سنها حاضت يوجب الغسل على المرأة)(6).
س207: إذا أحست المرأة بانتقال الدم ولم يخرج, هل تدع الصلاة ؟
ج/ لا, لا تدع الصلاة حتى يخرج, وإذا أحست بأوجاع قبل الحيض ثم أحست بانتقال الدم ولم يخرج ثم ذهب عنها فإنه لا يجب عليها الغُسُل.
خامساً: الموت, فإذا مات المسلم وجب على المسلمين تغسيله, لقوله - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث أم عطية { أغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك(7) } .
__________
(1) رواه أحمد والبيهقي وابن خزيمة وابن حبان وعبد الرزاق في مسنده.
(2) زاد المعاد 3/548.
(3) 1/224.
(4) رواه البخاري ومسلم.
(5) الإجماع ص 38.
(6) مراتب الإجماع ص 20.
(7) رواه البخاري ومسلم.(1/96)
* وقال في المحرم الذي وقصته راحلته { اغسلوه بماء وسدر } (1), وهذا أمر والأصل في الأمر أنه للوجوب.
س208: وهل السقط يُغسّل أم لا ؟
ج/ فيه تفصيل:
* إن نفخت فيه الروح غُسل وصُلي عليه, وكُفن.
* وإن لم يُنفخ فيه الروح فلا يغسل.
وتنفخ فيه الروح إذا تَّم أربعة أشهر, لحديث عبدالله بن مسعود في الصحيحين(2).
س209: ما شروط الغسل ؟
ج/ شروط الغُسل هي:
أولاً: انقطاع ما يوجبه, فعلى هذا لو اغتسلت المرأة للحيض وهي لا تزال حائضاً فإن هذا الغُسل وجوده كعدمه, فلابد من انقطاع دم الحيض حتى يصحّ الغُسل, وكذلك النفساء.
ثانياً: النية, فمن شروط الغُسل النية, فلو أن إنساناً كان عليه جنابة ثم اغتسل تنظُّفاً فإن ذلك لايُجزؤه عن الغسل الواجب فلابد من نية رفع الحدث.
س210: إذا اغتسل الإنسان عن الحدث الأكبر هل يجزئه عن الوضوء ؟
ج/ هنا نقول على حسب نيته, والنية لها أربع حالات:
1- أن ينوي رفع الحدثين جميعاً فيرتفعان, لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - { إنما الأعمال بالنيات } (3).
2- أن ينوي رفع الحدث الأكبر فقط دون الأصغر, فالراجح هنا أنه يرتفع الحدثان جميعاً, وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى(4).
3- أن ينوي ما لا يباح إلا بالوضوء أو باعتبار الحدثين جميعاً كالصلاة, فإذا نوى الغُسل للصلاة ولم ينو رفع الحدث ارتفع عنه الحدثان, لأن من لازم نية الصلاة أن يرتفع الحدثان, والصلاة لا تصح إلا بارتفاع الحدثين.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس - رضي الله عنه -.
(2) في الحديث(إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة, ثم يكون علقة مثل ذلك, ثم يكون مضغة مثل ذلك, ثم يرسل الله إليه الملك فينفخ فيه الروح..).
(3) متفق عليه.
(4) الفروع لابن مفلح 1/205.(1/97)
4- أن ينوي ما يباح بالغُسل فقط, دون الوضوء كقراءة القرآن أو المُكث في المسجد, فلو اغتسل لقراءة القرآن فقط, ولم ينوِ رفع الحدث أو الحدثين ارتفع حدثه الأكبر فقط, فإن أراد الصلاة أو مس المصحف, فلابد من الوضوء, ولكن واقع الناس اليوم نجد أن أكثرهم يغتسلون من الجنابة من أجل رفع الحدث الأكبر أو الصلاة, وعلى هذا يرتفع الحدثان.
ثالثاً: الإسلام.
رابعاً: العقل.
خامساً: التمييز, فالإسلام والعقل والتمييز شروط في كل عبادة إلا التمييز فإنه لا يشترط في الحج والعمرة, فهما يصحان من الصغير لكنهما لا يجزئانه عن حجة وعمرة الإسلام.
وكذلك في الزكاة, فليس من شروطهما لا العقل ولا البلوغ, لأن الصحيح أن المجنون والصغير تجب الزكاة في ماليهما, ويطالب الولي بالإخراج.
سادساً: الماء الطهور, فلو أنه تطهرّ أو اغتسل بماء نجس فإن حدثه لا يرتفع.
س211: ما حكم الغُسل بالماء المغصوب أو المسروق ؟
ج/ الصحيح أنه يرفع الحدث لكن مع الإثم, لأن النهي لا يقتضي الفساد إلا إذا عاد إلى ذات المنهي عنه أو وصفه اللازم.
سابعاً: إزالة ما يمنع وصول الماء, كالطين والعجين والمناكير ونحو ذلك.
بدليل قول الله تعالى { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا } (1), ولأن الواجب غسل جميع الجسم, فإذا كان هناك شيء يمنع وصول الماء فهو لم يغسل جميع جسده, ولكن يُعفى عن اليسير, كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله(2).
س212: وما ضابط اليسير في ذلك ؟
ج/ وضابط اليسير, يرجع في تحديد ذلك إلى عُرف الناس حيث لم يرد له تحديدٌ في الشرع.
س213: ما حكم التسمية عند الغُسل ؟
ج/ الصحيح أنها مستحبة وليست بواجبة, وهو قول أكثر أهل العلم, قال الإمام أحمد رحمه الله: (لا يثبت في هذا الباب شيء)(3), أي في وجوب التسمية في الوضوء والغُسل, وإذا لم يثبت فيه شيء فلا يكون حجة.
س214: ما صفة الغسل ؟
__________
(1) المائدة: من الآية6).
(2) الاختيارات ص12.
(3) بلوغ المرام ص 12.(1/98)
ج/ للغُسل صفتان:
الصفة الأولى: صفة مُجزئة, أن يُعم الماء جميع بدنه, ويدخل في الوجه الفم والأنف, فلابد أن يتمضمض ويستنشق لأنهما من الوجه, فعلى هذا لو انغمس مع النية في بئر ثم خرج فإن ذلك يُجزئه وحدثه يرتفع, لكن لابد من المضمضة والاستنشاق لأن الفم والأنف من الوجه, لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للذي أصابته جنابه لما جاء الماء { خذ هذا فأفضه على جسدك } (1), ولأنه لو كان الله يريد منا أن نغتسل على وجه التفصيل لبينه كما بين الوضوء على وجه التفصيل, فلما أجمل الغُسل عُلِم أنه ليس بواجب علينا أن نبدأ بأعلى البدن أو أسفله.
الصفة الثانية: الغُسل الكامل, أي المشتمل على الواجبات والسنن وهو كما يلي:
* أن ينوي, فعند إرادة الإنسان الغُسل, ينوي الغُسل, وهذه هي نية العمل.
* ثم يسمي, وهي مستحبة على الصحيح من أقوال أهل العلم.
* ثم يغسل يديه ثلاثاً وهذه سنة, واليدان (الكفان) , لأن اليد إذا أُطلقت يراد بها الكف بدليل قوله تعالى { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } (2), والذي يُقطع هو الكف.
ولماَ أراد ما فوق الكف قال سبحانه { وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ } (3).
* ثم يغسل ما لوّثه ولا فرق بين أن يكون ما لوثه على فرجه أو على سائر بدنه, وسواءٌ كان نجساً كالمذي, أو طاهراً كالمني.
ثم يتوضأ وضوئه للصلاة بدليل حديث عائشة رضي الله عنها قالت { كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه ثلاثاً وتوضأ وضوءه للصلاة ثم يخلل شعره حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض الماء عليه ثلاث مرات ثم غسل سائر جسده } (4).
__________
(1) رواه البخاري ومسلم من حديث عمران بن حصين - رضي الله عنه -.
(2) المائدة: من الآية38).
(3) المائدة: من الآية6).
(4) متفق عليه.(1/99)
قال ابن عبد البر في الاستذكار(1): (المُغتسل من الجنابة إذا لم يتوضأ وعمم جميع جسده فقد أدى ما عليه, لأن الله تعالى افترض على الجُنب الغُسل من الجنابة دون الوضوء بقوله { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا } (2), وهو إجماعٌ لا خلاف بين العلماء فيه, إلا أنهم أجمعوا على استحباب الوضوء قبل الغُسل تأسياً برسول الله - صلى الله عليه وسلم -, ولأنه أعون على الغُسل).
* ثم يحثو على رأسه ثلاث حثيات ترويه, أي تصل إلى أصوله بحيث لا يكون الماء قليلاً ويكفي في ذلك غلبه الظن, بدليل حديث عائشة السابق حيث قالت { حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته } .
* ثم يُفيض الماء على جسده مرة واحدة على الصحيح, خلافاً لمن قال أنه يُثلَّث في غسل بقية جسده.
قال السعدي رحمه الله كما في المختارات الجلية(3): (والصحيح أن التثليث لا يشرع في الغُسل إلا في غسل الرأس, لأن ذلك هو الوارد في صفة غسله - صلى الله عليه وسلم - فلم يثبت عنه سوى هذا, وقياس الغُسل على الوضوء غير مسُلَّم لوجود الفارق من وجوه كثيرة).
* وكذلك يستحب الدلك, قال في الشرح الكبير(4): (ويستحب إمرار يده على جسده في الغسل والوضوء ولا يجب إذا تيقن أو غلب على ظنه وصول الماء إلى جميع جسده).
* وكذلك يستحب التيامن, أي يبدأ بالجانب الأيمن, أما الوضوء فظاهر, وكذلك في الغسل, لحديث عائشة رضي الله عنها { كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعجبه التيامن في ترجله وتنعله, وطهوره, وفي شأنه كله)(5).
__________
(1) 1/327.
(2) سورة المائدة(6)
(3) ص 24.
(4) 1/105.
(5) رواه البخاري ومسلم.(1/100)
* ثم إذا خرج يقول الذكر الوارد بعد الوضوء, وهو أن ينطق بالشهادتين, ثم يقول: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين(1), وإن زاد: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك(2), فحسن.
215: هل يجب على المرأة إذا كان شعرها ملفوفاً أو ضفائر أن تنقضه في حال غسلها للحيض أو النفاس أو الجنابة أم لا ؟
ج/ قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى كما في نيل المآرب للبسام(3): (اختلف العلماء في وجوب نقض المرأة شعرها من الحيض والصحيح, أنه لا يجب عليها نقضه لما ورد في بعض روايات حديث أم سلمة قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - { إني امرأة أشدُ ضفر رأسي أفأنقضة للحيض والجنابة ؟ قال: لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضي عليك الماء فتطهرين } (4), فهذه الرواية نصٌ في عدم وجوب نقض الشعر للغسل من الحيض والجنابة).
وفي الإنصاف(5): (لا يجب نقض شعر الرأس لغُسل الجنابة مطلقاً على الصحيح من المذهب).
س216: ما مقدار ما يتوضأ به ويغتسل به ؟
ج/ يتوضأ بمد ويغتسل بصاع, لحديث أنس - رضي الله عنه - قال { كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد, ويتوضأ بالمد(6) } .
مقدار المد = 510 غرام أي ما يقارب نصف كيلو.
والصاع = 1000 غرام أي ما يقارب من كيلوين وأربعين غراماً.
فإن قيل: نحن الآن نتوضأ من الصنابير فمقياس الماء لا ينضبط:
فيقال: لا تزد على المشروع في غسل الأعضاء في الوضوء, فلا تزد على ثلاث, في الغسل على مرة وبهذا يحصل الاعتدال.
س217: ما حكم الإسراف في الغسل والوضوء ؟
__________
(1) رواه الترمذي من حديث عمر - رضي الله عنه - ورواه مسلم أيضاً بدون زيادة: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين.
(2) رواه النسائي.
(3) نيل المآرب 1/77.
(4) رواه مسلم.
(5) الإنصاف 1/105.
(6) متفق عليه.(1/101)
ج/ حكم ذلك مكروه تنزيه, لما ورد من حديث عبدالله بن مغفل قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول { إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء } (1), والمقصود بالتعدي هنا أي أنه أخطأ طريق السنة, والكراهة تنزيهية حتى عند الأحناف إلا إذا اعتقد أن ما زاد على الغسلات الثلاث من أعمال الوضوء فتكون الكراهة حينئذ تحريمية عندهم, وإنما يقال بأن الكراهة تنزيهية إذا كان الماء مباحاً أو مملوكاً للمتوضيء, فإن كان موقوفاً على الوضوء منه كالماء المعد للوضوء في المساجد ونحوها فالإسراف فيه حرام, لما في ذلك من التعدي على حق الغير بغير وجه حق, والله أعلم.
س218: ما حكم لو أن المتوضيء والمغتسل أسبغ بما دون المقدار الذي كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ ويغتسل به ؟
ج/ لا بأس بذلك, قال شيخ الإسلام رحمه الله: (ولو أسبغ بدون ذلك جاز من غير كراهة, إذا أتى بالغسل ولم يقتصر على مجرد المسح لظاهر القرآن...وعن عائشة هي ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريباً من ذلك(2) أزهـ(3).
س219: ما حكم الوضوء والاغتسال في المسجد ؟
ج/ لا بأس بذلك, بشرطين:
أ. ألاّ يؤدي ذلك إلى إيذاء أحد.
ب. ألاّ يؤدي ذلك إلى تلويث المسجد.
ومن الأدلة على ذلك ما يلي:
1) ما رواه رجل من الصحابة - رضي الله عنه - قال { حفظت لق أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ في المسجد(4) } .
2) ما رواه نعيم المجمر قال { رقيت مع أبي هريرة على ظهر المسجد فتوضأ فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء, فمن استطاع أن يطيل غرته فليفعل(5) } .
__________
(1) رواه أحمد وأبو داود وسنده قوي.
(2) رواه مسلم.
(3) شرح العمدة 1/398.
(4) أخرجه ابن أبي شيبة, وأحمد وإسناده صحيح.
(5) رواه البخاري.(1/102)
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: (الراجح أنه لا يكره الوضوء في المسجد, وهو قول الجمهور إلا أن يحصل معه بصاق أو مخاط)(1). وفي بدائع الفوائد: (ومن مسائل إسحاق بن منصور الكوسج لأحمد: قلت يتوضأ الرجل في المسجد ؟ قال: قد فعل ذلك قوم, قال إسحاق: هو حسن ما لم يستنتج فيه)(2).
س220: ما حكم الوضوء والاغتسال في الحمامات ؟
ج/ المقصود بالحمامات: ليست هي الموجودة الآن, لكن المراد بها حمامات عامة الناس يسخن فيها الماء ويقصدها الناس, فهذه الحمامات كرهها بعض أهل العلم كأحمد رحمه الله تعالى(3), وإنما كرهوها لما فيها من كشف العورات والنظر إليها والدخول المنهي عنها كنهي النساء.
والخلاصة في ذلك:
أن هذه الحمامات إذا خلت من المحظور مع الحاجة إليها فلا بأس بذلك, ولذلك بنيت الحمامات في الحجاز والعراق على عهد علي - رضي الله عنه - وأقروها أي الصحابة رضي الله عنهم.
وأما عند عدم الحاجة إليها فهي مكروهة لمظنة انكشاف العورات والنظر إليها, لكن إن أدى ذلك إلى انكشاف العورات فالقول بالحرمة هو الأقرب.
وأما بالنسبة للمرأة فيقال بحرمة ذلك على الإطلاق إلا لعذر, قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: (لأن المرأة كلها عورة ولا يحل لها أن تضع ثيابها في غير بيت زوجها... والأفضل اجتنابها بكل حال مع الغنى, لأنها مما أحدث الناس من رقيق العيش, ولأنها مظنة النظر في الجملة...والحاجة التي تبيحها مع قيام الحاظر المرض والنفاس فإن الحمام يذهب الدرن وينفع البدن, وكذلك الحاجة إلى الغسل من جنابة أو حيض أو غيره مع تعذره في المنزل وخشية التضرر به لبرد وغيره)(4).
س221: ما الأغسال المستحبة ؟
__________
(1) الاختيارات ص 11.
(2) بدائع الفوائد 3/278.
(3) المغني 1/307.
(4) شرح العمدة 405.(1/103)
ج/ ذكر المصنف رحمه الله تعالى أنها ستة عشر ثم ذكر آكد هذه الاغسال, وسنذكرها على ترتيب المصنف مع بيان القول الراجح في كل قسم باختصار, لأن هذه المسائل ستأتي مواضعها إن شاء الله تعالى في أبوابها وهي:
1. الغسل لصلاة الجمعة في يومها: وهي خاصة بالذَّكَر إذا حضرها " أي حضر الجمعة " .
والراجح أن غسل الجمعة واجب والأدلة على ذلك كثيرة منها: حديث ابن عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل(1) } , ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوماً يغسل فيه رأسه وجسده(2) } , ولحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { غسل الجمعة واجب على كل محتلم(3) } .
2. الغسل بعد غسل الميت لمن غسّله.
والراجح هنا كما قال المصنف أنه يستحب لمن غسل ميتاً أن يغتسل, بدليل ما ورد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { من غسل ميتاً فليغتسل ومن حمله فليتوضأ(4) } , قالوا وهذا الحديث فيه الأمر , والأمر الأصل فيه الوجوب لكن لما كان فيه شيء من الضعف لم ينتهض للإلزام به, وهذا مبني على قاعدة وهي {أن النهي إذا كان في حديث ضعيف لا يكون للتحريم, والأمر لا يكون للوجوب, لأن الإلزام بالمنع, أو الفعل يحتاج إلى دليل تبرأ به الذمة لإلزام العباد}.
قال الألباني رحمه الله في كتاب أحكام الجنائز: (ويستحب لمن غسله أن يغتسل).
3. الغسل في يوم العيد.
__________
(1) متفق عليه.
(2) متفق عليه.
(3) متفق عليه.
(4) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال " حديث حسن " وابن ماجه وغيرهم وذكر ابن القيم أن له أحد عشر طريقاً في تهذيب السنن 4/306 وقال: وهذا يدل على أنه محفوظ وحسنه ابن حجر في التلخيص 1/136.(1/104)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: (وكان يغتسل للعيدين صح الحديث فيه, وفيه حديثان ضعيفان: حديث ابن عباس من رواية جبارة بن فطس, وحديث الفاكه بن سعد من رواية يوسف بن خالد السمتي, لكن ثبت عن ابن عمر مع شدة إتباعه السنة)(1).
وورد أن السائب بن يزيد - رضي الله عنه - { كان يغتسل قبل أن يخرج إلى المصلي } (2) .
وعن ابن عمر { كان يغتسل ويتطيب يوم الفطر } (3).
4. الغسل للكسوف والاستسقاء.
والراجح عدم استحباب ذلك, لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فزع إلى صلاة الكسوف حتى أدرك بردائه(4) فظاهرة أنه لم يغتسل, ولأنه يخالف أمره بالمبادرة إلى الغسل, وعلى هذا الأرجح أنه يخرج الكسوف متبذلاً متذللاً, وكذلك الاستسقاء, لأن المقام مقام تذلل وخضوع.
5. الاغتسال للجنون والإغماء.
وهذا صحيح لما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اغتسل من الإغماء(5), وإذا شرع الاغتسال للإغماء فالجنون من باب أولى لأنه أشد.
6. المستحاضة يشرع لها الاغتسال لكل صلاة.
__________
(1) الهدى 1/144.
(2) أخرجه الفريابي في أحكام العيدين, وفي سواطع القمرين (16) إسناده صحيح.
(3) وفي سواطع القمرين (17) إسناده صحيح.
(4) رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس.
(5) متفق عليه.(1/105)
وهذا صحيح, لأن { أم حبيبة استحيضت فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فأمرها أن تغتسل, فكانت تغتسل عند كل صلاة } (1), وهذا الغسل ليس بواجب, بل الواجب ما كان عند إدبار الحيض وماعدا ذلك فهو سنة, قال الشوكاني: (وأمره عليه الصلاة والسلام هنا لها بالاغتسال أجاب عنه الشافعي رحمه الله بقوله: إنما أمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تغتسل وتصلي وليس فيه أمرها أن تغتسل لكل صلاة, قال: ولا أشك إن شاء الله أن غسلها كان تطوعاً غير ما أمرت به وذلك واسع لها, وكذا قال سفيان بن عيينة والليث بن سعد وغيرهما. وما ذهب إليه الجمهور من عدم وجوب الاغتسال إلا لإدبار الحيضة هو الحق لفقد الدليل الصحيح الذي تقوم به الحجة لا سيما في مثل هذا التكليف الشاق)(2) .
7. الاغتسال للإحرام وهو سنة.
لحديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه - { أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - تجرد لإهلاله واغتسل(3) } , ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - { ..أمر أسماء بنت عميس وهي نفساء أن تغتسل } (4).
8. الاغتسال لدخول مكة.
لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك(5) , لكن يقال الأقرب في ذلك: إن طال الزمن بين غسل الإحرام ودخول مكة شرع له ذلك, لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدم من المدينة على راحلة وهي رحلة طويلة فاغتسل عند دخوله مكة نظراً لما أصابه من أثر السفر, أما الآن فإن الزمن في الغالب لا يطول فقد يكون بين غسله للإحرام ودخوله مكة ساعة تقريباً فلا يشرع هنا لعدم الحاجة إلى ذلك.
9. الاغتسال للوقوف بعرفة.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) نيل الأوطار 1/284.
(3) رواه الترمذي وحسنه.
(4) رواه مسلم.
(5) رواه مسلم.(1/106)
قال شيخ الإسلام: (والاغتسال لعرفة قد روي عن ابن عمر وغيره, ولم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه في الحج إلا ثلاثة أغسال: غسل الإحرام, والغسل عند دخول مكة, والغسل يوم عرفة, وما سوى ذلك كالغسل لرمي الجمار, وللطواف, وللمبيت بمزدلفة فلا أصل له.
لا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه, ولا أستحبه جمهور الأئمة لا مالك ولا أبي حنيفة ولا أحمد, وإن كان قد ذكره طائفة من متأخري أصحابه بل هو بدعة, إلا أن يكون هناك سبب يقتضي الاستحباب, مثل أن يكون عليه رائحة يؤذي الناس بها فيغتسل لإزالتها)(1) .
10. الاغتسال لطواف الزيارة وطواف الوداع, والمبيت بمزدلفة, ولرمي الجمار.
والراجح أن هذه الأشياء لا يشرع لها الاغتسال, وقد تقدم كلام شيخ الإسلام.
س222: إذا تعذر الماء فهل يسن للإنسان أن يتيمم بدل الغسل فيما يسن له الغسل أم لا ؟ مثال ذلك: أراد إنسان الإحرام وقد سبق أنه يسن الغسل للإحرام, ولكن الماء تعذر عليه فهل يتيمم بدل الاغتسال أم لا ؟
ج/ الراجح أنه لا يتيمم لذلك لأن الاغتسال إنما شرع للتنظيف والتيمم ليس فيه نظافة حسية , لكن لو كان الغسل واجباً كغسل الجنابة مثلاً وتعذر استخدام الماء إما لفقده أو لمرض فإنه يتيمم هنا.
قال ابن قدامة رحمه الله: (الصحيح أنه غير مسنون, لأنه غسل غير واجب فلم يستحب التيمم عند عدمه كغسل الجمعة, والفرق بين الواجب والمسنون أن الواجب شرع لإباحة الصلاة, والتيمم يقوم مقامه في ذلك, والمسنون يراد للتنظيف وقطع الرائحة, والتيمم لا يحصّل هذا, بل يحصل شعثاً وتغبيراً)(2) .
- مسألتان لم يذكرهما المصنف رحمه الله -
وهما:
س223: إذا كان الإنسان على جنابة وأراد النوم فهل يستحب له الوضوء أم لا؟
ج/ الراجح أن من كان على جنابة وأراد أن ينام أنه يستحب له الوضوء, ولا يجب عليه للأدلة الآتية:
__________
(1) مجموع الفتاوى 26/132.
(2) المغني 5/76.(1/107)
أ- حديث عمر - رضي الله عنه - أنه قال { يا رسول الله أيرقد أحدنا وهو جنب ؟ قال: نعم إذا توضأ فليرقد } , وفي لفظ { توضأ وأغسل ذكرك ثم نم(1) } .
2- حديث عائشة رضي الله عنها { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينام وهو جنب ؟ من غير أن يمس ماء } (2), فترك النبي - صلى الله عليه وسلم - للغسل بيان للجواز وأن الأمر ليس للوجوب.
لكن يكره النوم إن كان على جنابة ولم يتوضأ, قال شيخ الإسلام رحمه الله: (الجنب يستحب له الوضوء إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يعاود الوطء, لكن يكره له النوم إذا لم يتوضأ)(3).
س224: إذا كان الإنسان على جنابة وأراد الأكل أو الشرب فهل يستحب له الوضوء أم لا ؟
ج/ الراجح أنه يستحب له ذلك, لحديث عائشة رضي الله عنها { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب توضأ } (4), ولما ورد من حديث عمار بن ياسر - رضي الله عنه - { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أن يتوضأ(5) } , وتقدم كلام شيخ الإسلام رحمه الله, لكن هنا لو أكل أو شرب ولم يتوضأ فإنه لا يكره له ذلك.
س225: إذا أراد الإنسان أن يعاود الوطء فهل يستحب له الوضوء أم لا ؟
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال " حسن صحيح " وابن ماجه, وفي شرح العمدة 1/395, قال أحمد: ليس بصحيح, وكذا ضعفه يزيد بن هارون والترمذي وغيرهما " وقال في البلوغ " وهو معلول.
(3) مجموع الفتاوى 21/343.
(4) رواه مسلم.
(5) رواه أحمد وأبو داود وقال " بين يحيى بن معمر وعمار بن ياسر في هذا الحديث رجل " ورواه الترمذي وقال " حسن صحيح ".(1/108)
ج/ الراجح أنه يستحب الوضوء للجنب إذا أراد أن يجامع مرة أخرى, بدليل ما ورد في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعاود فليتوضأ بينهما وضوء } (1), والأصل في الأمر أنه للوجوب لكن أخرج هذا الأمر عن الوجوب ما رواه الحاكم { إنه أنشط للعود } , فالتعليل أنه أنشط للعود يدل على أن الأمر للإرشاد وليس للوجوب.
- باب التيمم -
س226: ما تعريف التيمم في اللغة والاصطلاح ؟
ج/ التيمم لغة: القصد.
شرعاً: التعبد لله بقصد الصعيد الطيب لمسح الوجه واليدين به.
وهو من خصائص هذه الأمة, ولما رواه جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { أعطيت خمساً لم يعطهن نبي من الأنبياء قبلي, نُصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجداً وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل.. الحديث } (2).
س227: هل التيمم رافع للحدث أو مبيح لما تجب له الطهارة ؟
ج/ في المسألة خلاف, والراجح في ذلك أنه رافع للحدث للأدلة التالية:
1.قوله تعالى لما ذكر التيمم { مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ(3) } .
2. قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث السابق { وجعلت لي الأرض مسجداً وطهورا..الحديث } , والطهور بالفتح: ما يُتطهر به.
3. أنه بدل, والقاعدة الشرعية {أن البدل له حكم المبدل} , فكما أن طهارة الماء ترفع الحدث, فكذلك طهارة التيمم.
س228: وماذا يترتب على هذا الخلاف ؟ أي بين قولنا أنه رافع أو مبيح.
ج/ يترتب على هذا الخلاف ما يلي:
أ- إذا قلنا أنه مبيح, فإنه إذا نوى الإنسان التيمم لعبادة لم يستبح به ما فوقها, فإذا تيمم لنافلة لم يُصلَّ به فريضة, لأن الفريضة أعلى, وإذا قلنا أنه رافع وهو الراجح كما تقدم جاز ذلك.
__________
(1) رواه مسلم.
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) المائدة: من الآية6).(1/109)
ب- إذا قلنا إنه مبيح, فإذا خرج الوقت بطل التيمم ولو لم يأتِ بناقض من نواقض الوضوء, وعلى القول بأنه رافع لا يبطل بخروج الوقت.
ج-إذا قلنا إنه مبيح أُشترط أن ينوي ما تيمم له, فلو نوى رفع الحدث فقط لم يرتفع وعلى القول بأنه رافع له لا يشترط ذلك فإذا تيمم لرفع الحدث فقط جاز له ذلك.
س229: ما الحكم لو وجد المتيمم بالتراب ماءً ؟ وما الدليل ؟
ج/ قلنا قاعدة هي {أن البدل له حكم المبدل} , لكن إذا وجد المبدل وهو الماء بطلت طهارة التيمم, وعليه أن يغتسل إن كان التيمم عن غُسل, وأن يتوضأ إن كان التيمم عن وضوء.
والدليل على ذلك مايلي:
1- حديث عمران بن حصين الطويل, وقوله - صلى الله عليه وسلم - للرجل الذي أصابته جنابة ولا ماء { عليك بالصعيد فإنه يكفيك, ولما جاء الماء قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - خذ هذا فأفرغه عليك } (1), فدل على أن التيمم يَبطُل بوجود الماء.
2- قول النبي - صلى الله عليه وسلم - { الصعيد الطيب وضوء المسلم, وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجده فليتقِ الله وليمسّه بشرته } (2), وفائدة قولنا بدل أنه لا يمكن أن يُعمل به مع وجود الأصل.
س230: من المعلوم أن الإنسان إذا عدم أو لم يستطع استعماله للحدث الأكبر أو الأصغر ولكن هل يتيمم لو كان على بدنه نجاسة لم يقدر على تغييرها أم لا وعليه حدث كذلك ؟
ج/ الصحيح أنه لا يتيمم إلا عن حدث فقط, لما يأتي:
أ- لأن هذا هو الذي ورد به النص.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه أحمد, وأبو داود والترمذي وغيرهم من حديث أبي ذر - رضي الله عنه -.(1/110)
ب- أن طهارة الحدث عبادة فإذا تعذر الماء بتعفير أفضل أعضائه بالتراب, وأما النجاسة فشيء يطلب التخلي منه, لا إيجاده فمتى خلي من النجاسة ولو بلا نية طهر منها, وإلا صلى على حسب حاله, لأن طهارة التيمم لا تؤثر في إزالة النجاسة والمطلوب من إزالة النجاسة تخلية البدن عنها, وإذا تيمم فإن النجاسة لا تتخلى عن البدن, وعلى هذا إن وجد الماء أزالها به " أي أزال النجاسة بالماء " وإلا سقط الوجوب.
- شروط التيمم -
أولاً: النية.
ثانياً: الإسلام.
ثالثاً: العقل.
رابعاً: التمييز, وتقدم أن هذه الشروط الأربعة شروط في كل عبادة ما عدا التمييز, فلا يشترط في الحج والعمرة فهما يصحان حتى من الصغير.
خامساً: الاستنجاء والاستجمار, وهذا الشرط الصحيح أنه يصح التيمم قبل الاستنجاء والاستجمار, ومثل هذه المسألة سبقت في باب شروط الوضوء في حكم الوضوء قبل الاستجمار والاستنجاء(1).
سادساً: دخول الوقت, وهذا الشرط بناءً على أن التيمم مبيح وتقدم أن التيمم رافع على القول الراجح(2), وعلى هذا فالصحيح عدم اشتراط هذا الشرط, فلو تيمم في أي وقت أجزأ حتى في أوقات النهي على الصحيح.
سابعاً: تعذر استعمال إما لفقده, أو للتضرر باستعماله, أو طلبه أو ضرر رفيقه أو حرمته.
لفقده: أي يكون غير واجد للماء لا في بيته, ولا في رحله, إن كان مسافراً, ولا ما قرب منه, أو وجد بثمن لا يقدر عليه, لكونه ليس معه ثمنه كاملاً, أو ليس معه ثمنه البتة, بدليل قوله تعالى { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً(3) } , ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - { إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير } (4).
س231: لكن إن وجد الماء بثمن باهظ ومعه مال فهل يلزمه شراؤه أم لا ؟
__________
(1) راجع.
(2) راجع.
(3) النساء: من الآية43).
(4) تقدم تخريجه.(1/111)
ج/ المسألة على خلاف, والصحيح أنه يلزمه شراؤه والدليل قوله تعالى { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً } , فالله تعالى اشترط للتيمم عدم الماء, والماء هنا موجود ولا ضرر عليه في شرائه لقدرته عليه.
أو تضرر باستعماله: أي تضرر بدنه في استعمال الماء, أي أنه مريض, فهنا يدخل في عموم قوله تعالى { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَر(1) } , كما لو كان في أعضاء وضوئه قروح أو في بدنه حكة عند الغسل, وخاف ضرر بدنه فله أن يتيمم.
أو طلبه: أي يخشى ضرر بدنه بطلب الماء لكونه بعيداً, أو لشدة برودة الجو ونحو ذلك, فتيمم.
أو رفيقه: أي خاف باستعماله ضرر رفيقه, كأن يكون معه ماء قليل ورفقه, فإن استعمل الماء عطش الرفقة وتضرروا, فإنه يعدل إلى التيمم.
أو حرمته: أي خاف باستعماله ضرر امرأته أو من له ولاية عليها من النساء, ونحو ذلك من أنواع الضرر.
س232: إذا كان معه ماء يكفي لطهارته فقط ووجد عطشاناً من آدمي أو بهيمة محترمين فهل يتوضأ بهذا الماء حتى ولو أدى ذلك إلى هلاك الآدمي والبهيمة المحترمين أم يبذله لهما ؟
ج/ الراجح أنه يجب عليه بذله لهما ويتيمم, لكن بشرط أن يكون كلاً من الآدمي والبهيمة محترمين.
والمحترم من الآدمي هو: هو المسلم, والذمي, والمعاهد, والمستأمن, بخلاف الحربي وهو من بيننا وبينه حرب فلا يجب بذل الماء له, ولو بذله الإنسان فلا بأس بذلك.
والمحترم من البهائم هي التي يحرم قتلها إلا لغرض, بخلاف ما لا يحرم قتله فلا يجب بذل الماء لها.
س233: من وجد ماء يكفي لبعض طهارته دون بعض فكيف يعمل ؟
ج/ يقال: في هذه الحالة يجمع بين الطهارة بالماء والتيمم,على القول الراجح من أقوال أهل العلم.
مثال ذلك:
__________
(1) المائدة: من الآية6).(1/112)
رجل عنده ماء يكفي لغسل وجهه ويديه ومسح الرأس دون غسل الرجلين, فهو يغسل الوجه واليدين ويمسح رأسه ويتيمم عن غسل الرجلين, لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } (1).
س234: إذا وصل المسافر إلى الماء وقد ضاق الوقت " أي سيخرج الوقت " إن شرع في الوضوء أو علم أن النوبة " أي دوره على الماء " لا يأتيه إلا بعد خروج الوقت فهل يتيمم محافظة على الوقت أم يتوضأ ولو خرج الوقت ؟ أي هل يتيمم محافظة على الوقت أم لا ؟
ج/ هذه المسألة لا تخلو من حالتين:
1- أن يكون الإنسان غير نائم ولا ناسي: وهذا مثاله, ما تقدم كما لو كان الإنسان مسافر ولم يصل إلى الماء إلا بعد تضايق الوقت, أو الماء عليه جماعة يطلبونه فإذا انتظر دوره خرج الوقت, فهنا الراجح أنه يتيمم محافظة على الوقت, وهو قول شيخ الإسلام رحمه الله.
2- أن يكون نائماً أو ناسياً: مثاله, إنسان نام عن صلاة الفجر ولم يستيقظ إلا قرب طلوع الشمس, أو نسيها ولم يتذكرها إلا قرب طلوع الشمس فلو اشتغل بالطهارة خرج الوقت, وإن تيمم أدرك الوقت, فهل يتيمم ويدرك الوقت أم يرفع حدثه " أي يتوضأ بالماء " ولو خرج الوقت ؟
يقال في هذا الصورة: يرفع حدثه ولو خرج الوقت, لأن النائم والناسي يكون وقت الصلاة في حقه إذا قام من النوم أو تذكر إن كان ناسياً, قال شيخ الإسلام رحمه الله: (ومن استيقظ آخر الوقت وهو جنب وخاف أن اغتسل خروج الوقت, اغتسل وصلى ولو خرج الوقت, وكذا من نسيها, بخلاف من استيقظ أول الوقت فليس له أن يفوت وقت الصلاة بل يتيمم ويصلي)(2).
س235: من أراق الماء في وقت الصلاة أو أمر به وأمكنه الوضوء ولم يتوضأ مع علمه بأنه لا يجد غيره فما حكمه ؟
ج/ يقال بأنه آثم لتفريطه, ويشرع له التيمم ويصلي ولا يعيد الصلاة إذا وجد الماء.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(2) الاختيارات 20/21.(1/113)
س236: إذا خرج الإنسان للنزهة أو لغرض آخر في وقت صلاة ولا يمكنه حمل الماء وهو يعلم أنه لا يجد ماء, وإذا رجع للوضوء فاتت حاجته فهل يلزمه أن يحمل معه الماء أم لا يلزمه ذلك ؟
ج/ يقال بأنه لا يلزمه أن يحمل معه الماء إلا للصلاة التي خرج في وقتها, لأنه مطالب بالصلاة ومن باب أولى بالوضوء, أما بقية الصلوات فلا يلزمه أن يحمل لها الماء, فإن وجد ماء توضأ وإلا فإنه يعدل إلى التيمم.
س237: من كان عليه حدث وفي ثوبه نجاسة وعنده ماء لا يكفي للجميع فأيهما يبدأ ؟
ج/ الصحيح أنه يبدأ بإزالة الخبث فإن فضل شيء توضأ بالباقي, وإن لم يفضل شيء يتيمم, ولماذا يبدأ بإزالة الخبث ؟
لأن التيمم للخبث فيه خلاف والراجح أنه لا يتيمم له كما تقدم(1), وأما التيمم للحدث فهذا محل اتفاق, ولذلك قالوا يبدأ بإزالة الخبث فإن فضل شيء للوضوء توضأ ولا شيء عليه, وإن كفاه لبعض أعضاه غسل ما يستطيع وتيمم عن الباقي.
س238: ما الحدث الذي يتيمم له ؟
ج/ يصح التيمم لكل حدث سواء كان حدثاً أصغر أو أكبر, وهذا بالاتفاق, لعموم الآية { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا(2) } , ولقوله - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث عمران { عليك بالصعيد الطيب فإنه يكفيك } (3).
ثامناً: من شروط التيمم أيضاً أن يكون بتراب طهور, مباح غير محترق, له غبار ويعلق باليد. (وهذا الشرط على قول بعض الفقهاء منهم المصنف رحمه الله تعالى).
س239: هل يُخص التيمم بالتراب فقط ؟
ج/ الصحيح أنه لا يخص التيمم بالتراب فقط بل يصح التيمم بكل ما تصاعد على وجه الأرض, والدليل على ذلك:
أ- قوله تعالى(فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً } , وقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث السابق { عليك بالصعيد الطيب فإنه يكفيك } .
__________
(1) راجع.
(2) النساء: من الآية43).
(3) متفق عليه.(1/114)
والصعيد: كل ما تصاعد على وجه الأرض والله سبحانه وتعالى يعلم أن الناس يطرقون في أسفارهم أراضي رملية وحجرية وترابية فلم يخصص شيء دون شيء .
ب- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك مرّ برمال كثيرة, ولم ينقل أنه كان يحمل التراب معه أو يصلي بلا تيمم.
* قوله (طهور) خرج من ذلك الطاهر والنجس, أما النجس فنعم فلا يصح التيمم عليه, أما الطاهر فالصحيح أنه لا وجود للطاهر وأن الماء على قسمين كم ذكرنا في أقسام المياه(1).
*قوله (مباح) خرج من ذلك المغصوب والمسروق ونحوهما.
س204: ما الحكم لو تيمم بتراب مسروق أو مغصوب ؟
ج/ على اشتراط أن يكون التراب (مباحاً) لو تيمم بتراب مسروق أو مغصوب فإن تيممه لا يصح, والراجح أنه يصح تيممه مع الإثم كما تقدم في حكم الوضوء بالماء المسروق والمغصوب ونحوهما(2).
* قوله (غير محترق) أي لو كان محترقاً كالخزف والأسمنت فلا يجوز التيمم به, وهذا ضعيف فالصواب أن كل ما تصاعد على وجه الأرض من تراب ورمل وحجر وطين رطب أو يابس فإنه يتيمم به.
* قوله (وله غبار يعلق باليد) يقال في هذه المسألة الراجح أن ما تيمم عليه على قسمين:
القسم الأول أن يكون من جنس الأرض: فهذا لا يشترط أن يكون له غبار, فلو أتى إلى صخرة ملساء وتيمم عليها صحّ ذلك, ولا يشترط لذلك غبار.
القسم الثاني أن يكون من غير جنس الأرض: كما لو تيمم على الباب أو على فرشه, فهذا فلابد أن يكون عليه شيء من جنس الأرض وهو الغبار.
س241: إذا عدم الإنسان الماء ولم يستطع التيمم كذلك فما حكمه ؟
ج/ يصلي حسب حاله بدون وضوء ولا تيمم ولا إعادة عليه إذا قدر على الماء أو التيمم, قال شيخ الإسلام رحمه الله: (وكل من صلى في الوقت كما أمر حسب الإمكان فلا إعادة عليه, وسواء كان العذر نادراً أو معتاداً)(3).
س242: وهل يصلي بذلك الفرض فقط أم لا ؟
__________
(1) راجع.
(2) راجع.
(3) الاختيارات ص 21.(1/115)
ج/ بعض العلماء قال أنه إن لم يجد الماء ولم يستطيع التيمم بأنه يصلي الفرض فقط ولا يزيد في صلاته على ما يجزئ, فيقتصر في التسبيح في الصلاة على واحدة وهكذا, والراجح أن من عجز عن الطهارتين صلى بذلك الفرض والنفل, وله أن يزيد على ما يجزئ.
وفي المختارات الجلية للسعدي قال: (والصحيح أن الذي يعجز عن الطهارتين ويصلي على حسب حاله أنه يصلي ما شاء من فروض ونوافل, ويزيد على ما يجزئ, لأنها كاملة في حقه لا نقص فيها, وليس للاقتصار على مجرد الواجبات نظير في العبادات يقاس عليه)(1).
وجواز الزيادة على المجزئ هو اختيار الشيخ محمد بن إبراهيم كما في فتاويه(2).
س243: ما حكم التسمية في التيمم ؟
ج/ التسمية في التيمم على الصحيح أنها سنة وليست بواجبة, كما هو الحال بالنسبة للوضوء والغُسل وقد تقدم الكلام على ذلك(3).
- فروض التيمم -
أولاً: مسح الوجه, لقوله تعالى { فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ } (4), وبالنسبة لشعر الوجه فيكفي في التيمم مسح ظاهره, قال السعدي رحمه الله: (أما التيمم فيكفي مسح ظاهر الشعر خفيفاً كان أو كثيفاً, في الحدث الأصغر أو الأكبر, وأما طهارة الماء فإن الحدث الأكبر لابد من إيصال الماء إلى باطن الشعر كظاهره..)(5).
ثانياً: مسح اليدين إلى الكوعين, لقوله تعالى { وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ } (6).
س244: هل يمسح المتيمم ذراعيه ؟
__________
(1) المختارات الجلية ص 26.
(2) فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم 2/88..
(3) راجع.
(4) المائدة: من الآية6).
(5) الإرشاد ص16.
(6) المائدة: من الآية6).(1/116)
ج/ مسح اليدين يكون إلى الكوع فقط, والدليل على ذلك قوله تعالى { وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ } واليد إذا أطلقت فالمراد بها الكف, بدليل قوله تعالى { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } (1) والقطع إنما يكون من الكف, ولحديث عمار بن ياسر وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا, وضرب بيديه الأرض ومسح وجهه وكفيه } (2), فمسح الكف فقط ولم يمسح الذراع.
ثالثاً: من فروض التيمم الترتيب, وهو أن يبدأ بالوجه قبل اليدين, بدلالة الآية { فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ } , حيث بدأ بالوجه قبل اليدين.
س245: ما الحكم لو كان في موضع من مواضع الطهارة جرح لا يستطيع غسله هل يتيمم له ؟
ج/ الأصل أنه يجب عليه غسله فإن لم يستطع لتضرره بذلك, أو لكونه قد لف عليه خرقة فإنه يمسح عليه, فإذا لم يستطع غسله, ولا مسحه تيمم عنه.
س246: وهل يشترط الترتيب بين الغُسل والتيمم ؟
ج/ مثال ذلك:
رجل في يده اليسرى جرح لا يستطيع غسله ولا مسحه, وقد تقدم بأن من كان هذه حاله فإنه يتيمم عن هذا القدر من العضو بعد غسل ما يقدر عليه, ولكن هل يلزم الترتيب بين الغسل والتيمم هنا بمعنى هل يقال إذا غسل ما يستطيع من يده اليسرى يتيمم عن ما لا يستطيع غسله ثم يكمل باقي وضوءه أم أن له أن يؤخر التيمم إلى انتهاء الوضوء ؟
يقال الراجح في ذلك أنه لا يشترط هنا الترتيب بين الغسل والتيمم, بل يؤخر التيمم إلى ما بعد الوضوء حتى ولو كان الفاصل بينهما طويلاً, بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أن التيمم أثناء الوضوء بدعة(3) .
__________
(1) المائدة: من الآية38).
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) أنظر الاختيارات ص 21.(1/117)
رابعاً: من فروض التيمم الموالاة: وهي ألاّ يؤخر مسح اليدين بعد مسح الوجه زمناً لو كانت الطهارة بالماء لجف الوجه قبل أن يُطهر اليدين, وعلل الفقهاء ذلك بأن التيمم بدل عن الماء والبدل له حكم المبدل, فإذا كانت الموالاة واجبة في الوضوء فكذلك في التيمم, وهذا هو الأولى أن يقال أن الموالاة واجبة في الطهارتين جميعاً إذ يبعد أن يقال لمن مسح وجهه أول الصبح ويديه عند الظهر أن هذه هي صورة التيمم المشروعة.
خامساً: تعيين النية لما تيمم له من حدث أو نجاسة, فلا تكفي نية أحدهما عن الآخر, وإن نواهما أجزأ.
( هذا الشرط على قول المصنف رحمه الله ).
فيقال أما النية في التيمم لرفع الحدث فهذا ظاهر أنه لابد منه.
لكن قوله: (أو نجاسة) تقدم أن الصحيح أن التيمم عن إزالة النجاسة ليس بصحيح(1).
وأما نية رفع الحدث فهو على أقسام:
1-أن ينوي بتيممه رفع الحدث, فهذا يرتفع حدثه الأصغر والأكبر.
2-أن ينوي بتيممه رفع الحدثين إذا كان عليه حدثان, فهما يرتفعان.
3-أن ينوي بتيممه رفع الحدث الأكبر فقط, فهل يرتفع حدثه ألصغر أم لا ؟ على خلاف, والراجح أنه يرتفع.
4_أن ينوي بتيممه رفع الحدث الأصغر وعليه حدث أكبر, فهنا لا يرتفع الحدث الأكبر.
س247: ما مبطلات التيمم ؟
أولاً ما أبطل الوضوء أبطل التيمم: والمقصود بذلك نواقض الوضوء, وهذا ظاهر, لأن البدل له حكم المبدل.
__________
(1) راجع.(1/118)
ثانياً وجود الماء: إذا كان تيممه لفقد الماء, فإذا كان قبل دخوله في الصلاة بطل تيممه بالإجماع, لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث أبي ذر { الصعيد الطاهر وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين, فإذا وجده فليتقِ الله وليمسه بشرته(1) } , ولحديث عمران بن حصين الطويل وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم - للرجل الذي أصابته جنابة ولا ماء { عليك بالصعيد الطيب فإنه يكفيك } , ولما جاء الماء قال النبي - صلى الله عليه وسلم - { خذ هذا وأفرغه عليك(2) } , قال ابن هبيرة في الإفصاح: (وأجمعوا على أن المحدث إذا تيمم ثم وجد الماء قبل الدخول في الصلاة فإنه يبطل تيممه)(3), وأما إن كان وجود الماء إذا كان تيممه لفقد الماء في أثناء الصلاة فهذا سيأتي بيان حكمه إن شاء الله تعالى.
ثالثاً خروج الخروج: فلو تيمم لصلاة الظهر فخرج وقت الظهر بطل تيممه, وهذا على القول بأن التيمم مبيح, ولكن تقدم أن الراجح أن التيمم رافع(4)وباء على هذا فالراجح أن التيمم لا يبطل بخروج الوقت للأدلة الآتية:
أ- قول الله تعالى بعد أن ذكر الطهارة بالماء والتراب { مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ(5) } , إذاً فطهارة التيمم طهارة تامة.
ب- قوله - صلى الله عليه وسلم - { وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً } (6) والطَهور بالفتح ما يتطهر به, وهذا يدل على أن التيمم مطهر ليس مبيحاً.
__________
(1) رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وقال " حديث حسن صحيح " وغيرهم.
(2) سبق تخريجه.
(3) الإفصاح 1/90.
(4) راجع.
(5) المائدة: من الآية6).
(6) رواه البخاري ومسلم من حديث جابر.(1/119)
ج- أنه بدل عن طهارة الماء, والبدل له حكم المبدل, فإذا كان المبدل وهو الماء لا يبطل بخروج الوقت فكذلك البدل وهو التيمم, وقال ابن القيم رحمه الله: (وكذلك لم يصح عنه التيمم لكل صلاة ولا أمر به, بل أطلق التيمم وجعله قائماً مقام الوضوء, وهذا يقتضي أن يكون حكمه, إلا ما اقتضى الدليل خلافه)(1) .
رابعاً زوال المبيح له: فإذا كان تيممه لعدم وجود الماء ثم وجده بطل تيممه, وإذا كان تيممه لعدم قدرته على استعمال الماء لمرض مثلاً ثم برئ بطل تيممه, وهذا ظاهر وصحيح.
خامساً إذا خلع ما مسح عليه: مثاله, لو كان عليه خفان ثم تيمم إما لعدم الماء أو لعدم قدرته على استعمال, ثم خلع الخفين, قالوا فإن تيممه يبطل كالماء, لكن الصحيح أن خلع الخفين فإن طهارته لا تبطل على الراجح, وقد تقدم بيان ذلك(2), فكذلك لو تيمم وعليه ما يمسح عليه ثم خلعه فإن تيممه لا يبطل.
قال في المغني: (والصحيح أن هذا ليس بمبطل للتيمم " أي إذا خلع ما مسح عليه " وهذا قول سائر الفقهاء, لأن التيمم طهارة لم يمسح فيها عليه فلا يبطل بنزعه)(3).
س248: إذا وجد الماء أو قدر على استعمال الماء وهو في الصلاة فهل يبطل تيممه أم لا ؟
ج/ الراجح أن صلاته تبطل ويتوضأ ثم يعيد الصلاة من جديد, لعموم قوله تعالى { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً } وهذا قد وجد الماء, ولعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - { فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته } , ولأن التيمم بدل فإذا وُجد زالت البدلية فيزول حكمها.
س249: إذا وجد الماء بعد الصلاة فهل يعيد صلاته أم لا ؟
ج/ الصحيح أنه لا يعيد صلاته سواء خرج الوقت أم لم يخرج, وهذا بلإجماع كما هو في الإجماع لابن المنذر, والإفصاح(4).
س250: ما صفة التيمم ؟
__________
(1) زاد المعاد 1/200.
(2) راجع.
(3) المغني 1/350.
(4) الإجماع لابن المنذر 1/35, الإفصاح 1/90.(1/120)
ج/ صفة التيمم هي: أن ينوي الإنسان, أي ينوي استباحة ما تيمم له كفرض الصلاة من الحدث الأصغر أو الأكبر ونحوه, والنية ليست صفة إلا على سبيل التجوز, لأن محلها القلب, وهي شرط لصحة العمل وقبوله وإجزائه لقوله - صلى الله عليه وسلم - { إنما الأعمال بالنيات } (1), ثم يسمي, أي يقول بسم الله, وهي مستحبة كما تقدم. ثم يضرب التراب بيديه ضربة واحدة على الراجح من أقوال أهل العلم, لقوله - صلى الله عليه وسلم - لعمار { إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا, ثم ضرب بيديه إلى الأرض ضربة واحدة, ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه } (2)., قال ابن القيم رحمه الله: (كان - صلى الله عليه وسلم - يتيمم بضربة واحدة للوجه والكفين, ولم يصح عنه أنه تيمم بضربتين)(3), وهل يفرج أصابعه أثناء الضرب أم لا ؟
ظاهر حديث عمار المتقدم أنه لا يشترط أن يضرب بيديه الأرض ثم يمسح بهما وجهه وكفيه لحديث عمار بن ياسر الذي في الصحيح(4), ثم يمسح وجهه بباطن أصابعه ويمسح كفيه براحتيه.
وهل يخلل بين أصابعه ليصل التراب إلى ما بينهما أم لا ؟ الراجح أنه لا يخلل, لظاهر حديث عمار, ولأن طهارة التيمم مبنية على التسامح, ولهذا كما تقدم لا يجب إيصال التراب إلى باطن الشعور الخفيفة بخلاف الوضوء.
س251: إذا لم يجد الماء عند دخول الوقت ولكن يرجو وجوده في آخر الوقت فهل الأفضل أن يقدَّم الصلاة في أول الوقت أو يؤخرها حتى يجد الماء ؟
ج/ يقال هنا تعارض أمران:
الأول: تقديم الصلاة في أول الوقت.
الثاني: الصلاة بطهارة الماء بدلاً عن التيمم.
ويترجح تأخير الصلاة في حالتين:
الأولى: إذا علم عدم وجود الماء.
الثانية: إذا ترجع عنده وجود الماء.
ويترجح تقديم أول الوقت في ثلاث حالات:
الأولى: إذا علم عدم وجود الماء.
الثانية: إذا ترجح عنده عدم وجود الماء.
الثالثة: إذا لم يترجح عنده شيء.
__________
(1) متفق عليه.
(2) متفق عليه.
(3) زاد المعاد 1/199.
(4) الاختيارات ص 20.(1/121)
وإذا كان يعلم وجود الماء فعلى القول الراجح أنه لا يلزمه التأخير ولا يتعين عليه, فالتقديم أفضل لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - { أيما رجلٌ من أمتي أدركته الصلاة فليصلّ } , وأيضاً لأن علمه بذلك ليس أمراً مؤكداً, فقد يتخلف لأمر من الأمور وكلما كان الظن أقوى " أي بأنه سيجد الماء " كان التأخير أولى.
وكذلك يقال: إذا دار الأمر بين أن يدرك الجماعة في أول الوقت بالتيمم أو يتطهر بالماء آخر الوقت فيجب عليه تقديم الصلاة أول الوقت بالتيمم لأن الجماعة واجبة.
س252: هل إذا تيمم للنافلة له أن يصلي بهذا التيمم الفريضة أم لا ؟
ج/ على قول من قال أن التيمم مبيح قالوا بأنه إذا تيمم لاستباحة عبادة لم يستبح ما فوقها وإنما يستبيح ما دونها فلو أنه تيمم حتى يلبث في المسجد لم يصح أن يصلي به نافلة لأنها فوقها, لكن على الراجح أن التيمم رافع وليس بمبيح(1), فيقال بأنه إذا تيمم لاستباحة عبادة, استباح ما فوقها وما دونها فمن تيمم لصلاة نافلة صح أن يصلي بذلك فريضة, وصح بذلك أن يمس بهذا التيمم المصحف, وهذا القول هو الراجح.
س253: هل يتيمم لما يسن له الوضوء أم لا ؟
ج/ الصحيح أنه يسن ذلك لورود النص في ذلك { لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - تيمم لرد السلام } (2).
وقد سبق ذكر مسألة ما تستحب له الطهارة وهي(3):
1- عند قراءة القرآن. 2- عند الذكر. 3- عند الدعاء. 4- عند الآذان.
5- عند النوم. 6- عند الغضب. 7- بعد المعصية.
- باب إزالة النجاسة -
الطهارة الحسية إما أن تكون عن حدث وتقدم الحديث عنها, وإما أن تكون عن نجس وخبث وهي المقصودة هنا.
س254: ما الخبث ؟
ج/ الخبث عين مستقذرة شرعاً.
وقولنا (عين) أي ليست وصفاً ولا معنى, وقولنا (شرعاً): أي الشرع الذي استقذرها, وحكم بنجاستها وخبثها, والنجاسة إما حكمية وإما عينية.
س255: وما المراد بهذا الباب ؟
__________
(1) راجع.
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) راجع.(1/122)
ج/ المراد بهذا الباب النجاسة الحكمية: وهي التي تقع على شيء طاهر فينجس بها.
وأما العينية: فإنه لا يمكن تطهيرها, فلو أتينا بماء البحر لتطهير روثه حمار مثلاً فإنها لا تطهر أبداً لأن عينها نجسة, إلا إذا استحالت على رأي بعض العلماء.
س256: ما أقسام النجاسة ؟
ج/ النجاسة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1. مغلظة 2. متوسطة. 3. مخففة.
فالمغلظة: كنجاسة الكلب.
والمتوسطة: هي ما عدا النجاسة المغلظة والمخففة.
والمخففة: كبول الغلام الذي يأكل الطعام.
س257: هل يجزئ في غسل النجاسات زوال عين النجاسة ولو كانت بغسله واحد أم لابد من التسبيع قياساً على ولوغ الكلب ؟
ج/ الراجح أنه يجزئ في غسل النجاسات زوال عين النجاسة ولو كانت بغسله واحدة, فإن لم تزل إلا بغسلتين فغسلتين وهكذا.
والدليل على ذلك:
قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بال الأعرابي في المسجد { أريقوا على بوله ذنوباً من ماء } (1), وإن كانت النجاسة ذات جُرم فلابد من إزالة الجُرم (كما لو كانت عذره أو دماً جفّ) ثم يتبع بالماء, فإن أزيلت بكل ما حولها من رطوبة كما لو اجتثت فإنه لا يحتاج إلى غسل لأن الذي تلوث بالنجاسة قد أزيل.
وفي الاختيارات الجليّة للسعدي(2): (والصحيح في غسل النجاسات كلها غير الكلب أنه يكفي فيها غسله واحدة تذهب بعين النجاسة) , وفي فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم(3): (وهذا يعرف أن السبع مختص بنجاسة الكلب ولوغه وغيره, فبوله وعذرته أنجس من ريقه).
فيستثنى من ذلك نجاسة الكلب فلابد من غسلها سبعاً إحداهن بالتراب إذا ولغ في الإناء.
س258: تقدم أن ولوغ الكلب يغسل سبعاً إحداهن بالتراب ففي أي غسله يكون التراب ؟
ج/ الأولى أن يكون التراب في الغسلة الأولى, لما يلي:
أ) ورود النص بذلك.
ب) أنه إذا جعل التراب في أول غسله خفت النجاسة, فتكون بعد أول غسله من النجاسات المتوسطة.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم من حديث أنس.
(2) ص 28.
(3) 2/91.(1/123)
ج) أنه لو أصاب الماء في الغسلة الثانية بعد التراب محلاً آخر غسل ستاً بلا تراب, ولو جعل التراب في الأخيرة وأصابت الغسلة الثانية محلاً آخر غسل ستاً أحدها بالتراب.
س259: هل يُجزئ عن التراب في غسل نجاسة الكلب شيء آخر كالإشنان والصابون ونحو ذلك ؟
ج/ على خلاف بين أهل العلم في ذلك والراجح أنه لا يجزئ لأمور:
1. أن الشارع نصّ على التراب فالواجب إتباع النص.
2. أن السدر والإشنان كانت موجودة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يُشر إليهما.
3. لعل في التراب مادة تقتل الجراثيم التي تخرج من لعاب الكلب.
4. أن التراب أحد الطهورين, لأنه يقوم مقام الماء في باب التيمم إذا عُدم الماء.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - { وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً } (1) , وعلى هذا فالصحيح أنه لا يُجزئ عن التراب غيره, لكن لو فرض عدم وجود التراب, وهذا احتمال بعيد فإن استعمال الإشنان, أو الصابون خير من عدمه.
قال ابن قدامه رحمه الله: (إنما يجوز العدول إلى غير التراب عند عدمه, أو إفساد المحل المغسول.. وهذا قول ابن حامد)(2) أ.هـ.
س260: هل بول الكلب وروثه يغسل سبعاً كولوغه ؟
ج/ جمهور الفقهاء قالوا بأن روثه وبوله كولوغه بل هو أخبث, والنبي - صلى الله عليه وسلم - نصّ(3) على الولوغ لأن هذا هو الغالب, وهذا القول هو الأحوط أنه يغسل من بوله وروثه سبعاً.
س261: وهل تُلحق نجاسة الخنزير بنجاسة الكلب, أي أنها تُغسل سبعاً أم لا ؟
ج/ الصحيح أنها لا تُلحق, لأن الخنزير مذكور في القرآن وموجود في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يرد إلحاقه بالكلب, وعلى هذا فالصحيح أن نجاسته كنجاسة غيره.
س262: هل يلزم غسل الصيد إذا أمسكه كلب الصيد أو صاد بفيه ؟
__________
(1) رواه البخاري ومسلم من حديث جابر.
(2) المغني 1/75.
(3) هو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث عبدالله بن مغفل قال(إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبعاً).(1/124)
ج/ إذا صاد كلب الصيد أو أمسك بفيه لا يلزم غسل الصيد سبع مرات إحداهن بالتراب, لأن صيد الكلب مبني على التيسير. قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: (إن هذا مما عفا عنه الشارع)(1).
س263: هل يضر بقاء طعم النجاسة أو لونها أو ريحها بعد الغسل أم لا يضر ذلك ؟
ج/ إذا غسل النجاسة فإن بقي اللون أو الرائحة فلا يضر ذلك, أما إذا كان الباقي هو الطعم فإن ذلك يضر لأنه يدل على بقاء العين, لما روى أن خولة بنت يسار قالت: يا رسول أرأيت لو بقي أثره ؟ تعني الدم, فقال { يكفيك الماء ولا يضرك أثره } (2).
س264: حكم بول الغلام الذي لم يأكل الطعام ؟
ج/ ينضح بوله, والمراد بالنضح أن تتبعه الماء دون فرك أو عصر حتى يشمله كله, والدليل على ذلك حديث عائشة وأم قيس بنت محصن رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - { أتى بغلام فبال على ثوبه فدعاء بماء فنضخه ولم يغسله } (3).
وفي تحفة المودود لابن القيم(4): (إنما يزول حكم النضح إذا أكل الطعام وأراده واشتهاه, تغذياً به). والضابط في أكله الطعام كما قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في فتاويه(5): (ليس المراد امتصاصه ما يوضع في فمه وابتلاعه, بل إذا كان يريد الطعام ويتناوله ويشرئب إليه, أو يصيح أو يشير إليه فهذا هو الذي يطلق عليه أنه يأكل الطعام) أ.هـ.
س265: ما الحكمة من كونه يُرش من بول الغلام ويغسل بول الجارية ؟
ج/ الحكمة هي كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى في تحفة المودود(6): (وقد فرق بين الغلام والجارية بعدة فروق:
1. أن بول الغلام يتطاير وينتشر ههنا فيشق غسله, وبول الجارية يقع في موضع واحد فلا يشق غسله.
2. أن بول الجارية أنتن من بول الغلام, لأن حرارة الذكر أقوى, وهي تؤثر في إنضاج البول وتخفيف الرائحة.
__________
(1) مجموع الفتاوى 21/65.
(2) رواه أبو داود وصححه الألباني.
(3) رواه البخاري ومسلم.
(4) ص 153.
(5) 2/95.
(6) ص 152.(1/125)
3. أن حمل الغلام أكثر من حمل الجارية لتعلق القلوب به كما تدل عليه المشاهدة, فإذا صحت هذه الفروق وإلا فالمعول على التفريق السنة) أ.هـ.
س266: ما كيفية تطهير الأرض إذا أصابتها النجاسة ؟
ج/ إذا طرأت النجاسة على أرض فإنه يشترط لطهارتها أن تزول عين النجاسة أيّاً كانت ولو من كلب بغسلة واحدة فإن لم تُزل إلا بغسلتين, فغسلتان, وبثلاث فثلاث, والدليل على ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بال الأعرابي في المسجد قال { أريقوا على بوله ذنوباً من ماء } , ولم يأمر بعدد.
وإن كانت النجاسة ذات جرم فلابد أولاً من إزالة الجرم كما لو كانت عِذرة أو دماً جفّ ثم يُتبعه الماء, فإن أزيلت بكل ما حولها من رطوبة كما لو اجتثت اجتثاثاً فإنه لا يحتاج إلى غسل, لأن الذي تلوث بالنجاسة قد أُزيل.
س267: هل يُشترط إزالة النجاسة بالماء أم أنها تزول بأي مزيل ؟
ج/على خلاف بين العلماء, والحنابلة يقولون لا يطهر متنجس ولو أرضاً بشمس ولا ريح ولا دلك.
والصحيح في هذه المسألة أن النجاسة إذا زالت بأي مزيل زال حكمها.(1/126)
قال شيخ الإسلام: (وأما طين الشوارع فمبني على أصل وهو أن الأرض إذا أصابتها نجاسة ثم ذهبت بالريح أو الشمس أو نحو ذلك, هل تطهر الأرض ؟ على قولين للفقهاء " إلى أن قال " أحدهما أنها تطهر, وهو مذهب أبي حنيفة وغيره, ولكن عند أبي حنيفة يُصلي عليها ولا يتيمم بها, وهذا القول هو الصواب لأنه قد ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عمر { أن الكلاب كانت تقبل وتُدبر وتبول في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يكونوا يرشّون شيئاً من ذلك(1) } , ومن المعلوم أن النجاسة لو كانت باقية لوجب غسل ذلك, وهذا لا ينفي ما ثبت في الصحيح من أنه أمرهم أن يصبّوا على بول الأعرابي الذي بال في المسجد ذنوباً من ماء فإن هذا يحصل به تعجيل تطهير الأرض, وهذا مقصود بخلاف ما إذا لم يُصب الماء فإن النجاسة تبقى إلى أن تستحيل) أ.هـ(2).
ومن الأدلة على ذلك ما قاله الشيخ محمد العثيمين رحمه الله تعالى(3): (أن النجاسة عين خبيثة نجاستها بذاتها إذا زالت عاد الشيء إلى طهارته, ومن ذلك أيضاً أن إزالة النجاسة ليست من باب المأمور بل من اجتناب المحظور, فإذا حصل بأي سبب كان ثبت الحكم ولهذا يشترط لإزالة النجاسة نية. فلو نزل المطر على الأرض المتنجسة وزالت النجاسة طهرت) أ.هـ.
س268: إذا استحالت النجاسة فهل تطهر أم لا ؟
مثال ذلك:
روث حمار أوقد به فصار رماداً.
ج/ على خلاف بين العلماء:
والراجح في ذلك أن النجاسة إذا انقلبت من عين إلى عين فإنها تطهر بذلك وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية(4) رحمه الله وابن القيم(5).
كذلك للأدلة التالية:
أ- أن الخمر إذا تخللت بنفسها أنها تطهر بالإجماع, وهذا على القول بأن نجاسة الخمر حسية, والصحيح أن نجاسة الخمر معنوية.
ب- أن لبن البهيمة يخرج من بين فرث ودم ويتحول إلى طاهر ومع ذلك يجوز تناوله.
__________
(1) رواه البخاري.
(2) مجموع الفتاوى 21/479.
(3) الشرح الممتع 1/362.
(4) أنظر مجموع الفتاوى 21/70.
(5) إعلام الموقعين 2/14.(1/127)
ج- أن النطفة تنقلب إلى علقة أي قطعة دم والعلقة تنقلب إلى مضغة والمضغة تنقلب إلى إنسان ومع ذلك طاهراً, سواء كان مسلماً أو كافراً.
س269: هل الخمرة إذا انقلب خلاً تطهر أم لا ؟
ج/ الخمر اسم لكل مسكر هكذا فسره النبي - صلى الله عليه وسلم - (1).
والراجح أن الخمرة إذا انقلبت إلى خل سواء انقلبت بنفسها أو نتيجة معالجة فإنها تكون طاهرة, قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى(2): (فقد اتفقوا كلهم على أن الخمر إذا صارت خلاً بفعل الله تعالى صارت حلالاً طيباً, وفي الافصاح(3): (واتفقوا على أن الخمر إذا انقلب خلاً من غير معالجة الآدمي طهر).
س270: إذا خفي موضع النجاسة فهل يتحرى أم لا ؟
ج/ مثال ذلك:
أصابت النجاسة أحد كمي الثوب ولم يعرف أي الكمين أصابته, أو عُلمت موضع النجاسة ثم نُسيت.
الصحيح هنا أنه لا بأس من التحري ولا يلزمه غسل الكمين جميعاً, لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الشك في الصلاة { فليتحرَ الصواب ثم ليتمَّ عليه(4) } .
فإذا كان هناك مجال للتحري فالإنسان يتحرى, أما إذا لم يكن هناك مجال للتحري فإنه يُغسل حتى يُجزم زوال النجاسة.
فالأحوال أربعة:
1. أن يجزم إصابة النجاسة للموضعين.
2. أن يجزم أنها أصابت أحدهما بعينه ففي هاتين الحالتين الأمر ظاهر يغسل ما أصابته النجاسة.
3. أن يغلب على الظن أنها أصابت أحدهما.
4. أن يكون عنده الاحتمالان سواء, ففي الحالة الثالثة والرابعة الصحيح أنه يتحرى فما غلب على ظنه أنها أصابته غسله.
- ضوابط الأشياء النجسة -
__________
(1) من حديث ابن عمر - رضي الله عنه - رواه مسلم.
(2) مجموع الفتاوى 21/70.
(3) 1/60.
(4) أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -.(1/128)
أولاً: الخمر على قول الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, ولكن الصحيح في هذه المسألة, أنها ليست بنجسة بدليل حديث أنس - رضي الله عنه - { أن الخمر لما حُرمت خرج الناس وأراقوها في الأسواق (1) } وأسواق المسلمين لا يجوز أن تكون مكاناً للنجاسة ولهذا يحرم على الإنسان أن يبول في الطريق ويصْيب فيها النجاسة.
ثانياً: كل حيوان محرم الأكل فهو نجس يستثنى من ذلك ثلاثة أمور:
أ- الآدمي. ب- ما لا نفس له سائلة. ج- ما يشق التحرز منه.
ودليل ذلك:
ما ورد في الصحيحين من حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس } أي نجسه, فدل على أن علة التحريم كونها نجسة, فدل على أن كل محرم الأكل فهو نجس, وعلى هذا نجد العلماء رحمهم الله تعالى يقولون: وسباع البهائم والطير نجسة مثل الذئب والأسد وغيرها.
س271: ما الدليل على طهارة الآدمي ؟
ج/ دليل طهارة المسلم قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { إن المؤمن لا ينجس(2) } .
وأما دليل طهارة الكافر, فلأن الله أباح لنا طعام أهل الكتاب ونكاح نسائهم, كما قال تعالى { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ } (3), أما قوله تعالى { إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } (4), فالمراد هنا النجاسة المعنوية وليست النجاسة الحسية.
س272: ما معنى (ما لا نفس له سائلة) وما دليل كونه طاهر ؟
ج/ ما لا نفس له سائلة: أي إذا ذبحته فلا يخرج منه دم, مثل سائر الحشرات فهي طاهرة.
والدليل على ذلك:
__________
(1) رواه البخاري.
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) المائدة: من الآية5).
(4) التوبة: من الآية28).(1/129)
قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - { إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء } (1) فدل على أن كل ما لا نفس له سائلة فهو طاهر.
فائدة:
بعض الناس قد يُنكر على من يقع الذباب في إنائه إذا لم يغمسه, وهذا غير صحيح, فالفقهاء رحمهم الله قالوا: (مراد ذلك إلى شهوة الإنسان إذا اشتهاه فعل ذلك, وإن لم يشتهيه فإنه لا يفعل ذلك, لأن بعض الناس لو فعل ذلك لترتب عليه مفسدة أكبر, فقد لا يتحمل ذلك فربما لو شرب هذا الشراب الذي غمس فيه الذباب تقياً, فإذا كان لا يطيق ذلك فإنه لا يفعل, لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح).
س273: ما معنى (ما شق التحرز منه) وما الدليل على طهارته ؟
ج/ ما يشق التحرز منه: مثل الهرة والفأر والحمار والبغل كلها طاهرة لأنه يشق التحرز منها, بدليل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الهرة { إنها ليست بنجس, إنها من الطوافين عليكم والطوافات } (2).
والمراد بطهارة البغل أو الحمار ونحوهما مما يشق التحرز منه: أي طهارة العَرَق والريق وهذا كله طاهر.
لكن يستثنى من ذلك ما استثناه الشارع: وهو الكلب, فهو كثير الطواف على الناس ومع ذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - { إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فلغسله سبعاً(3) } , وهذا عام يشمل كلب الحراسة والصيد وغيرهما.
__________
(1) أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(2) رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وغيرهم من حديث أبي قتادة - رضي الله عنه - , قال عنه الترمذي حديث حسن صحيح, والحديث صححه البخاري والدار قطني والعقيلي كما في التلخيص.
(3) رواه البخاري ومسلم.(1/130)
ثالثاً: كل ميتة نجسة, والدليل على هذا الضابط قوله تعالى { قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ } (1).
ومن الأدلة أيضاً: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرَّ على ميتة يجرونها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - { هلا انتفعتم بإهابها, فقالوا: إنها ميتة } (2).
فهم عللوا على ذلك أنها ميتة, والذي دل على أنها نجسة إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرهم على ذلك, لأنه الأصل أن جلد الميتة نجس, لكن بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه إذا دبغ طهر.
س274: ماذا يستثنى من نجاسة الميتة ؟ وما الأدلة على ذلك ؟
ج/ يستثنى من ذلك ما يلي:
أ- ميتة الآدمي.
ب- ميتة ما لا نفس له سائلة.
ج- ميتة البحر.
الدليل على طهارة ميتة الآدمي: عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - { إن المؤمن لا ينجس } , ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما في قصة الذي وقصته ناقته بعرفة حيث قال { اغسلوه بما وسدر(3) } , وهذه الأدلة تدل على أن بدن الميت ليس بنجس, لأنه لو كان نجساً لم يفد فيه شيئاً, فالكلب لو غُسل ألف مره فإنه لا يظهر.
والدليل على طهارة ما لا نفس له سائلة: قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - { إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء } .
والدليل على طهارة ميتة البحر: قول الله عز وجل { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ } (4).
صيد البحر: هو ما خرج حياً وطعامه ما أخذ ميتاً.
__________
(1) الأنعام: من الآية145).
(2) أخرجه أحمد, وأبو داود والنسائي, والدار قطني قال في التلخيص صححه ابن السكن والحاكم.
(3) رواه البخاري ومسلم.
(4) المائدة: من الآية96).(1/131)
والصحابة أكلوا العنبر الذي قذفه البحر فأقرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك(1).
رابعاً: كل ما خرج من محرّم الأكل فهو نجس, ودليل هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - { استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه } (2).
وكذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - مرَّ بقبرين فقال { إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير, أما أحدهما فكان لا يستتره من البول, وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة } (3).
س275: ماذا يستثنى من هذا الضابط وما أدلة ذلك ؟
ج/ يستثنى من ذلك ريق الآدمي وعرقه ومخاطه ولبن الآدمي ومنيه على القول الراجح وكذا دمعه, واستثنينا المخاط (النخامة) بدليل { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تنخم في رداءه } (4).
واستثنينا الريق للآدمي: لأنه طاهر بدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينفث ولابد أن يخرج أثناء النفث ريق, ولم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يجب التحرز منه وغسله.
ويستثني من ذلك أيضاً: كل ما خرج من ما لا نفس له سائلة فهو طاهر, والدليل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - { إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء } .
ويستثنى من ذلك أيضاً: عرق ما يشق التحرز منه وريقه ومخاطه ودمعه, لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يركب الحمار, وصحابته رضي الله تعالى عنهم كذلك, ولا شك أنه يصيبهم من العرق والريق ولم يؤمروا بغسل ذلك فدل على طهارة هذه الأشياء مما يشق التحرز منه.
خامساً: كل جزء انفصل من حيوان طاهر في حال الحياة ولو كان مأكولاً فهو نجس.
مثال ذلك: شاة قطعت رجلها والشاة طاهرة في حال الحياة, فرجلها هذه نجاسة.
وأيضاً: ما أُبِين من نجس في حال الحياة فهو نجس من باب أولى.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(2) رواه الدار قطني.
(3) رواه البخاري ومسلم.
(4) رواه البخاري ومسلم, وأحمد نحوه بمعناه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.(1/132)
وكذلك ما أُبِين من الهرة وغيرها.
س276: ماذا يستثنى من هذا الضابط ؟ وما دليل ذلك ؟
ج/ يستثنى من ذلك: الشعر والصوف والوبر والريش والقرن والعظم, بدليل قوله تعالى { وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ(1) } , ولأن هذه الأشياء مما لا تحلها الحياة " أي ليس فيها دم سائل " .
سادساً الدم, وهو على أقسام:
أ- ما يخرج من حيوان البحر: طاهر.
ب- ما يخرج من ما لا نفس له سائلة: كالذباب والبعوض.. فهذا طاهر.
ج- الدم المسفوح: الذي يخرج من المذبح حال الذبح, فهذا نجس لقوله تعالى { أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ(2) } أي نجس.
د- الدم الخارج من حيوان طاهر حال الحياة, , مثل لو جرحنا رجل شاة فخرج منها دم, فهو نجس, ومن باب أولى إذا كان الحيوان نجس في حال الحياة.
هـ- الدم الخارج من الفرج: فهذا نجس, بدليل حديث أسماء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في دم الحيض يصيب ثوب المرأة { تحته ثم تقرصه بالماء, ثم تنضحه ثم تصلي فيه } (3).
والدم الخارج من بقية أعضاء الإنسان, كالذي يخرج من الشجة أو الجرح, فهذا طاهر لأن الصحابة كانوا يصلون في جراحاتهم في القتال, وقد يسيل منهم الدم الكثير الذي ليس محلاً للعفو ولم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمر بغسله, ولم يروَ أنهم كانوا يتحرزون عنه تحرزاً شديداً, بحيث يحاولون التخلي عن ثيابهم متى وجدوا غيرها.
س277: ما حكم الدم الذي يخرج من الإنسان وقد تحول إلى قيح أو صديد ؟
ج/ القيح أو الصديد الذي يخرج من الفرج: نجس, لأن القيح والصديد هذا متكون من الدم, فالدم الذي يخرج من الفرج نجس وكذلك القيح والصديد, أما الذي يخرج من بقية البدن فهذا طاهر, فالقيح والصديد لهما حكم ما خرجا منه.
__________
(1) النحل: من الآية80).
(2) الأنعام: من الآية145).
(3) رواه البخاري ومسلم.(1/133)
ز- المسك وفأرتة: هذا طاهر, وهو يخرج من نوع من أنواع الغزلان يسمى غزال المسك, يقال أنهم إذا أرادوا استخراج المسك يركضونه فينزل منه دم من سرته فيربطون هذا الدم بخيط, فيترك فيتحول هذا الدم إلى مسك.
ومعنى فأرته: أي جلدته, الجلدة التي تجمّع فيها الدم, والمسك وهو المتكون من الدم.
ح- الدم الباقي بعد خروج النفس من حيوان مذكى: فهذا طاهر لأنه كسائر أجزاء البهيمة, وأجزاؤها حلال طاهرة بالتذكية الشرعية, وكذلك الدم كالدم القلب والكبد والطحال.
س278: ما حكم الدم النجس إذا كان يسيراً ؟
ج/ إذا أصاب البدن أو الثوب يسير من الدم النجس فإنه يعفى عنه, ويستثنى من ذلك الدم الخارج من السبيلين فلا يعفى عن يسيره, لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لّما سألته النساء عن دم الحيض يصيب الثوب, أمر بغسله دون تفصيل كحديث أسماء السابق.
س279: ما الحكم لو وطء الإنسان نجاسة ؟
ج/ إذا وطئ على نجاسة فتيقن أنها نجاسة أو غلب على ظنه ذلك فيكفي مسحها كما يفعل بخفه إذا وطئ على نجاسة. قال ابن القيم رحمه الله(1): (الخف والحذاء إذا أصابته النجاسة أسفله أجزأ دلكه بالأرض مطلقاً..لما روى أبو هريرة - رضي الله عنه - { إذا وطء أحدكم بنعليه الأذى فإن التراب طهور } (2).
- مسائل في الحيض والاستحاضة -
س280:ما تعريف الحيض في اللغة والاصطلاح ؟
ج/ الحيض لغة: السيلان, يقال حاض الوادي إذا سال, ويقال حاضت الشجرة, إذا خرج منها شيء أحمر يشبه الدم.
اصطلاحاً: دم طبيعة وجبلة, يخرج من الأنثى في أوقات معلومة.
س281: ما حد الحيض بالنسبة للسنين بداية ونهاية ؟ وما أدلة ذلك ؟ وما وجه الدلالة منها ؟
ج/ لا حد لأقل الحيض شرعاً بالنسبة للسنوات, فمتى ما رأت المرأة دم الحيض, فهو حيض سواء كان عمرها ثماني سنوات, أو تسع سنوات, أو أقل أو أكثر, وبه قال شيخ الإسلام(3).
وأدلة ذلك ما يلي:
__________
(1) إغاثة اللهفان 1/146.
(2) رواه أبو داود.
(3) مجموع الفتاوى 19/237.(1/134)
أ- قوله تعالى { وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً(1) } , فالله تعالى علق الحكم بوجود الأذى, الذي هو الدم, فإذا وجد الأذى وجد حكم الحيض.
ب- حديث عائشة رضي الله عنها { لما سئلت ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ قالت: كان يصيبنا ذلك على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة } (2).
ج- حديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة, وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم, ثم صلي } (3).
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - علق أحكام الحيض على إقباله وإدباره, دون النظر إلى سن معينة.
فدل على أنه متى رؤي دم الحيض تركت من أجله الصلاة.
أما نهايته بالنسبة للسنين فالراجح فيه:
أنه لا يحد بسن محددة, فمتى ما رأت الدم " دم الحيض " فو حيض سواءً كان عمرها أربعين سنة, أو خمسين سنة, أو خمساً وخمسين, أو أكثر أو أقل, ولما تقدم من الأدلة على عدم تحديد أقل الحيض بسن معينة.
فالخلاصة:
أن دم الحيض بالنسبة للسنين لا حد لأقله, ولا لأكثره, فالحكم معلق بوجود دم الحيض, فمتى ما رأته المرأة فهو حيض تأخذ أحكام الحائضات, والله أعلم.
س282: ما حدُّ الحيض بالنسبة للأيام ؟ وما الأدلة على ذلك ؟ وما وجه الدلالة؟
ج/ لا حد لأقل مدة الحيض وأكثره بالنسبة للأيام, فلو رأت المرأة دم الحيض يوماً وليلة, أو أكثر فهو حيض.
للأدلة الآتية:
1- قوله تعالى { وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ(4) } , فالله تعالى علق الاعتزال على وجود الأذى, فمتى ما وجد الأذى سواءً كان يوماً وليلة, أو أقل أو أكثر, وجب الاعتزال فدل على أن حكم الحيض معلق بوجود الأذى.
__________
(1) البقرة: من الآية222).
(2) رواه البخاري, ومسلم.
(3) أخرجه البخاري , ومسلم.
(4) البقرة: من الآية222).(1/135)
2 -حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة, وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم, ثم صلي } (1), فالرسول - صلى الله عليه وسلم - علّق أحكام الحيض على إقباله وإدباره, دون النظر إلى مدة معينة.
3- حديث عائشة رضي الله عنها لما حاضت قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - { افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري(2) } , فالنبي - صلى الله عليه وسلم - علق أحكام الحيض على وجوده, ولم يعلق بمدة معينة.
لكن المرأة إذا رأت الدم أقل من عادتها المعروفة, أو أكثر من عادتها, أن تحتاط في هذا الدم, وأن تنظر فيه, فقد لا يكون حيضاً إما لكونه شيئاً لا يعتبر أذى, أو دم عرق غير دم طبيعي, والله أعلم.
س283: ما غالب المدة في أيام الحيض ؟
ج/ غالب مدة الحيض ستة أيام أو سبعة في الشهر مرة واحدة , لقوله - صلى الله عليه وسلم - لحمنة بنت جحش { تحيضي في علم الله ستة أيام أو سبعة¸ثم اغتسلي وصلي أربعة وعشرين يوماً, أو ثلاثة وعشرين يوماً, كما يحيض النساء ويطهرن لميقات حيضهن وطهرهن(3) } وقد دل عليه أيضاً الاستقراء.
والطب يقرر في الوقت الحاضر على أن الحيض لا يتكرر على المرأة في الشهر أكثر من مرة واحدة, والله تعالى أعلم.
س284: بعض النساء ربما طهرت من حيضتها ثم عاودها الدم مرة أخرى بعد فترة قصيرة كعشرة أيام أو خمسة أيام مثلاً فهل يعتبر هذا حيض أم لا ؟
ج/ في المسألة خلاف:
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن صحيح وابن ماجه وعبد الرزاق وابن أبي شيبة, والشافعي في الأم, والدارمي, والحاكم, والدار قطني , والبيهقي, والطحاوي في المشكل, وحسنه البخاري وصححه النووي في المجموع, والحافظ في التلخيص, والبلوغ.(1/136)
المشهور من المذهب: أن أقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوماً, وعلى هذا إذا طهرت من حيضتها ثم عاودها الدم مرة أخرى قبل ثلاثة عشر يوماً, فإنه لا يأخذ أحكام الحيض.
ويرى آخرون من أهل العلم, وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله(1): أنه لا حد لأقل الطهر بين الحيضتين, لما يلي:
أ- قوله تعالى { وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ(2) } فالله تعالى علق الاعتزال على وجود الأذى وقد وجد, فدل على أن الحيض معلق بوجود الأذى, دون النظر إلى مدة الطهر.
ب- حديث عائشة رضي الله عنها, أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة, وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم, ثم صلي } (3), فالرسول - صلى الله عليه وسلم - علق أحكام الحيض على إقباله, دون النظر إلى مدة الطهر.
ج- وأيضاً يقال هذه التقديرات لم ترد في الكتاب والسنة ولو كانت معتبرة لينها الشارع, لأنه يتعلق بها أمور عظيمة كالصلاة والصيام والطلاق..الخ, وعلى هذا فالصحيح أنه لا حد لأقل الطهر بين الحيضتين.
س285: ما أكثر الطهر بين الحيضتين ؟
ج/ لا حد لأكثر الطهر بين الحيضتين بالإجماع, فقد تجلس المرأة شهراً أو شهرين, أو أكثر لا يأتيها الحيض, ومن النساء من لا تحيض أبداً, ومن النساء من تجلس أربعة أشهر لا يأتيها الحيض, ثم يأتيها الحيض لمدة شهر كامل.
س286: هل الحامل تحيض ؟
ج/ اختلف العلماء في الحامل هل تحيض أم لا ؟
والأقرب: ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة وأحمد, أن الحامل لا تحيض, وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها في الحامل ترى الدم, قالت { تغتسل وتصلي(4) } , ويعضد هذا أَّنه قول الأطباء في الوقت الحاضر.
__________
(1) مجموع الفتاوى 19/237, الفروع 1/267, بدائع الفؤائد لابن القيم 4/64.
(2) البقرة: من الآية222).
(3) أخرجه البخاري ومسلم.
(4) مصنف عبد الرزاق, والأوسط لأبن المنذر 2/239, وسنن الدارمي.(1/137)
وعلى هذا فما تراه الحامل من دم لا تترك من أجله العبادات, فتصلي بعد غسل الفرج والتلجم والوضوء, وكذلك تصوم وغير ذلك من العبادات, ولا يُمنع زوجها من وطئها.
لكن لو تيقنت الحامل أن هذا الدم النازل معها أنه دم حيض فإنها تعتبره حيضاً, قال الشيخ محمد بن إبراهيم في فتاويه(1): (والحبلى وما يصيبها في حال حبلها المعروف والصحيح أنه إذا كان بوقته وصفته فإنه حيض, أما الأشياء التي تضرب فهي تلحق بدم الفساد فإن الحبلى يعتريها شيء من الدم غير الحيض وهو ما يصيب الجنين مما تراق معه شيء من الدماء, وهذا هو الصحيح الذي يفتي به المحققون) أ.هـ.
وفي رسالة الدماء الطبيعية للشيخ محمد بن عثيمين(2): (والصواب أنه حيض إذا كان على وجه المعتاد في حيضها, لأن الأصل فيما يصيب المرأة من الدم أنه حيض إذا لم يكن له سبب يمنع من كونه حيضاً, وليس في الكتاب والسنة ما يمنع حيض الحامل) أ.هـ.
س287: ما الحكم إذا طهرت المرأة قبل تمام عادتها ؟ مثل أن تكون عادتها ستة أيام فترى الطهر لخمسة أيام مثلاً.
ج/ يجب عليها أن تغتسل, وتأخذ أحكام الطاهرات من وجوب العبادات وغيرها.
ودليل ذلك:
ما تقدم من الآية, وحديث عائشة رضي الله عنها في المسألة السابقة.
س288: إذا تقدمت عادة المرأة كأن تكون في آخر الشهر, فرأت الدم في أوله, أو تأخرت كأن تكون أول الشهر, فرأت الدم آخره فما الحكم ؟
ج/ تكون حائضاً, لما تقدم من الآية الكريمة, وحديث عائشة رضي الله عنها, ففيهما دلالة على أن المرأة متى رأت الأذى الذي هو دم الحيض أخذت أحكامه, والله أعلم.
س289: ما الحكم في الزيادة على دم العادة, كأن تكون عادة المرأة ستة أيام من كلّ شهر, فيستمر معها الدم سبعة أو ثمانية أيام ؟
__________
(1) 2/97.
(2) ص 15.(1/138)
ج/ فيه خلاف بين أهل العلم, والراجح أن هذه الزيادة حيض لقوله تعالى { وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً } (1), فما دام الدم موجوداً, فالأذى موجود.
ولحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة, وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي(2) } .
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - علق أحكام الحيض على إقبال الحيض ووجوده, وهذا يشمل ما إذا زاد على عادة المرأة.
هذا من حيث الجملة, لكن يجب على المرأة أن تحتاط في الدم إذا زاد على غالب عادتها, فقد لا يكون دم طبيعة, بل دم عرق لسبب من الأسباب, فتنظر فيه, والنبي - صلى الله عليه وسلم - أرجع المستحاضة إلى عادتها, كما في حديث عائشة رضي الله عنها أن فاطمة بنت أبي حبيش سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت { إني أستحاض فلا أطهر, أفادع الصلاة ؟ فقال: لا, إن ذلك عرق, ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها, ثم اغتسلي وصلي } (3) , وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - لأم حبيبة { امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي(4) } .
س290: ما حكم انقطاع الدم في زمن الحيض ؟
ج/ إن كان الانقطاع مدة يسيرة كساعة وساعتين, ونصف يوم مثلاً, فلا عبرة به ويلحق بالحيض, لأن الدم ينقطع تارة, ويجري أخرى, وفي إيجاب الغسل على من تطهر ساعة أو ساعتين حرج ومشقة, وأما إن كان النقاء لمدة يوم فأكثر, فيحكم عليه بالطهر, وهذا اختيار ابن قدامة رحمه الله(5).
مثال ذلك:
امرأة عادتها مثلاً سبعة أيام أتاها الدم في اليوم الأول والثاني والثالث والرابع, وانقطع عنها في اليوم الخامس, ثم عاد الدم مرة أخرى في اليوم السداس والسابع, فما حكم ذلك اليوم ؟
فيقال:
__________
(1) البقرة: من الآية222).
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) رواه البخاري.
(4) رواه مسلم.
(5) المغني 1/437.(1/139)
أن النقاء إن كان مدة يسيرة كخمس أو ست ساعات مثلاً فحكمه حكم الحيض, وإن كان يوماً كاملاً فأكثر فحكمه حكم الطهر, فعلى هذا تغتسل وتصلي في ذلك اليوم وتأخذ أحكام الطاهرات, والله أعلم.
- حكم الصفرة والكدرة -
س291: ما معنى الصفرة والكدرة ؟
ج/ الصفرة: ماء كالصديد يعلوه صفره. والكدرة: ماء ممزوج بحمرة.
س:292: ما حالات الصفرة والكدرة ؟
ج/ الصفرة والكدرة لهما ثلاث حالات:
1- أن تكون الكدرة والصفرة قبل الحيض فلا عبرة بهما.
مثال ذلك:
قبل نزول دم الحيض تأتي بعض النساء كدرة أو صفرة لمدة يوم أو يومين مثلاً, فلا عبرة بهما, وتنتظر حتى ينزل عليها الدم, وعلى هذا تصلي المرأة وتصوم, ولا تأخذ أحكام الحائضات, حتى ولو كان هناك قرينة لقرب نزول دم الحيض كأوجاع العادة ونحو ذلك, لما في صحيح البخاري { كنا لا نعد الكدرة والصفرة شيئاً(1) } . وأما كيفية تطهيرها فسيأتي بيان ذلك في أحكام المستحاضة.
2- أن تكون الكدرة أو الصفرة في زمن العادة فحيض:
مثال ذلك:
امرأة عادتها ستة أيام مثلاً, يأتيها الدم في اليوم الأول والثاني, ثم في اليوم الثالث مثلاً ترى كدرة أو صفرة, ثم يعاودها الدم في اليوم الرابع, والخامس, والسادس, فهذه تأخذ أحكام الحيض, بمعنى أن الكدرة والصفرة " في مثل هذه الحالة " تأخذ حكم الحيض.
3- أن تكون الكدرة أو الصفرة في آخر زمن الحيض:
فإذا كان هذا بعد الطهر فلا عبرة بالكدرة والصفرة هنا, وتأخذ المرأة أحكام الطاهرات, فإذا رأت الدم وما يتبعه من كدرة وصفرة فهو حيض, وإذا طهرت سواء كانت تعرف طهرها بالنشاف أو بالقَصَّة البيضاء, فلا عبرة بالكدرة والصفرة بعد ذلك, لما في صحيح البخاري { كنا لا نعد الكدرة والصفرة شيئاً } , وفي أبي داود { بعد الطهر(2) } .
__________
(1) رواه البخاري من حديث أم عطية رضي الله عنها.
(2) رواه أبو داود وعبد الله بن أحمد في مسائله والدارمي والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي والبيهقي.(1/140)
ولما ثبت عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه مولاة عائشة أم المؤمنين أنها قالت { كان النساء يبعثن إلى عائشة أم المؤمنين بالدرجة فيها الكرسف فيها الصفرة من دم الحيضة, فتقول لهن: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء(1) } , فدل على أنها قبل الطهر حيض إذا لم تتطاول الصفرة أو الكدرة, بأن تكون الصفرة أو الكدرة مع دم الحيض كغالب عادة النساء أو قريب من ذلك, لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرجع المستحاضة إلى عادتها.
س293: بعض النساء تذكر أن الصفرة أو الكدرة تستمر معها إلى عشرة أيام أو اثنى عشر يوماً, فما الحكم ؟
ج/ إذا تجاوزت الصفرة أو الكدرة العادة الغالبة للنساء تغتسل وتصلي, وتأخذ حكم الطاهرات.
س294: بعض النساء ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة أيام فقط, ثم ينقطع عنها الدم وتستمر معها الكدرة أو الصفرة, فما الحكم ؟
ج/ الصفرة والكدرة هنا معتبرة, حتى تطهر أو تبلغ عادة غالب النساء, وهي ستة أيام أو سبعة, لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرجع المستحاضة إلى عادتها الغالبة لحديث فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - { إني أستحاض, فلا أطهر أفأدع الصلاة ؟ فقال: لا. إن ذلك عرق, ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها, ثم اغتسلي وصلي } (2).
وكذا فيما يظهر لو رأت المرأة دماً كعادة غالب النساء ستة أيام أو سبعة, ثم رأت صفرة أو كدرة, فلا عبرة لها, إلحاقاً لهذه الصفرة أو الكدرة بدم الاستحاضة, وقد تقدم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - للمستحاضة أن تجلس قدر عادتها, ولتيقن وجوب الصلاة عليها.
س295: ما علامة طهر الحائض ؟
ج/ للطهر من الحيض علامتان:
الأولى: القصة البيضاء: وهي عبارة عن سائل أبيض يقذفه الرحم آخر الحيض.
الثانية: الجفاف بأن ينقطع عنها الدم, ولا تتغير معه القطنة إذا احتشت بها.
__________
(1) علقه البخاري بصيغة الجزم, وأخرجه مالك في الموطأ وصححه النووي.
(2) رواه البخاري.(1/141)
- الأشياء التي تحرم بالحيض -
يحرم بالحيض ما يلي:
أولاً: الوطء في الفرج, فالوطء في الفرج في حال الحيض محرم ولا يجوز, لقوله تعالى { وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ } (1).
ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أنس { أصنعوا كل شيء إلا النكاح } (2).
س296: ما حكم الاستمتاع فيما عدا ما بين السرة إلى الركبة ؟
ج/ الاستمتاع فيما عدا ما بين السرة إلى الركبة, أي ما تحت الركبة وفوق السرة جائز, وقد حكى الإجماع على ذلك.
وظاهر حديث أنس السابق وهو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - { اصنعوا كل شيء إلا النكاح } أن الاستمتاع فيما بين السرة والركبة أي فوق الركبة, وتحت السرة دون الجماع أنه جائز فالتحريم لموضع الحيض, ولأن الأصل الحل, لقوله تعالى { إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ(3) } .
لكن السنة كما قالت عائشة { كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يباشرها يأمرها أن تتزر(4) } .
وفي سنن أبي داود { إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فرجها ثوباً } (5), ومن يخشى على نفسه الوقوع في الوطء عليه أن يجتنب ذلك أي الاستمتاع فيما بين السرة والركبة.
ثانياً: الطلاق, فيحرم في حال الحيض طلاق الزوجة, بدليل قوله تعالى { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } (6), وطلاق المرأة في حال حيضها طلاق لغير العدة.
س297: ما معنى طلاق المرأة في حال حيضها طلاق لغير العدة ؟
__________
(1) البقرة: من الآية222).
(2) رواه مسلم.
(3) المؤمنون: من الآية6).
(4) رواه البخاري ومسلم.
(5) رواه أبو داود.
(6) الطلاق: من الآية1).(1/142)
ج/ أي أنها لا تشرع في العدة إذا طلقت حال الحيض, لحديث ابن عمر في الصحيحين أنه طلق امرأته وهي حائض فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال لعمر { مره فليراجعها حتى تطهر, ثم تحيض, ثم تطهر, ثم تحيض, ثم تطهر, فإن شاء أمسك وإن شاء طلق قبل أن يمس, فتلك العِدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء } (1), فالحديث بّين معنى قوله تعالى { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } فدل على أن الطلاق إنما يكون في حال طهر قبل أن يمس, فالطلاق في حال الحيض محرم.
ثالثاً: الصلاة, يحرم على الحائض أن تصلي وهي حائض ولا تجب عليها, لحديث عائشة رضي الله عنها قالت { كنا نؤمر بقضاء الصوم, ولا نؤمر بقضاء الصلاة } (2)
س298: ما الحكم لو أن امرأة أدركت من أول الوقت مقدار ركعة كاملة بسجدتيها بأن مضى مقدار ركعة من الوقت أي بعد دخوله, ثم حاضت قبل أن تصلي ؟
ج/ إذا طهرت يجب عليها قضاء هذه الصلاة التي أدركت من أول وقتها مقدار ركعة, لحديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة } (3).
وهذا أحوط من قول شيخ الإسلام: أنه لا يجب على الحائض قضاء الصلاة, إلا إذا أخرت الصلاة حتى تضايق وقتها بحيث لم يبق مقدار ما تصلي فيه, ثم حاضت, فيجب عليها القضاء.
س299: ما الحكم لو أن المرأة طهرت قبل خروج الوقت بمقدار ركعة ؟
ج/ تبادر بالاغتسال وتقضي هذه الصلاة حتى ولو خرج الوقت وهي تغتسل, لحديث أبي هريرة السابق.
س300: لو أدركت المرأة من وقت العصر مقدار ركعة قبل خروج الوقت, فهل يجب عليها ما يجمع معها وهي صلاة الظهر, وكذا لو أدركت من وقت العشاء مقدار ركعة قبل خروج الوقت فهل يجب عليها ما يجمع معها وهي صلاة المغرب أم لا ؟
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه البخاري ومسلم.(1/143)
ج/ المسألة على خلاف, والأقرب أنه لا يجب عليها إلا الصلاة التي أدركتها, لحديث عائشة رضي الله عنها { كنا نؤمر بقضاء الصوم, ولا نؤمر بقضاء الصلاة } .
ومما يعضد ذلك أن القائلين بوجوب ما يجمع معها كالحنابلة مثلاً يقولون لو أن المرأة بعد ما دخل وقت صلاة الظهر أو المغرب, وقد مضى مقدار ما تدرك به الصلاة, ثم حاضت قبل أن تصلي, فإنه لا يجب عليها إذا طهرت إلا تلك الصلاة التي أدركت, أي صلاة الظهر, أو المغرب, دون العصر والعشاء, الله أعلم.
فيقال:
فكذلك إذا طهرت قبل خروج وقت العصر بمقدار ركعة, أو العشاء قبل نصف الليل, فلا يجب عليها إلا صلاة العصر وصلاة العشاء.
رابعاً: الصوم, وهذا بالإجماع, فالمرأة إذا حاضت حرم عليها الصوم ولو صامت فصيامها غير صحيح, لحديث أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { أليس إذا حاضت لم تصلِ, ولم تصمْ ؟ } (1).
وأيضاً يجب عليها القضاء بالإجماع, لحديث عائشة رضي الله عنها { كنا نؤمر بقضاء الصوم, ولا نؤمر بقضاء الصلاة } (2).
س301: ما الحكم لو أن المرأة أحست بانتقال الدم قبل الغروب, ولم يخرج إلا بعد الغروب ؟
ج/ صيامها صحيح, ولو أنه خرج قبل الغروب ولو بلحظة واحدة فصيامها غير صحيح, و يلزمها قضاء ذلك اليوم.
س302: لو أن المرأة خرج الدم منها بعد الغروب وقبل الصلاة ؟
ج/ صيامها في ذلك اليوم صحيح, لكن يلزمها قضاء تلك الصلاة إذا طهرت, إذا كانت أدركت من أول الوقت مقدار ركعة, كما تقدم.
س303: ما الحكم فيمن طهرت قبل الفجر بلحظة واحدة ؟
ج/ لو طهرت قبل الفجر بلحظة واحدة صح صيامها, ولو لم تغتسل إلا بعد الفجر, ولو أنها طهرت بعد الفجر بلحظة واحدة لم يصح صومها.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) سبق تخريجه.(1/144)
خامساً: مس المصحف, ليس للحائض أن تمس المصحف إلا من وراء حائل, لما رواه أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى أهل اليمن كتاباً وفيه: وأن لا يمس القرآن إلا طاهر(1) } .
قال شيخ الإسلام: (قال أحمد: لا أشك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتبه له)(2), وأيضاً لما في الموطأ بإسناد صحيح عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص وقال { كنت أمسك المصحف لسعد فاحتككت , فقال: لعلك مسست ذكرك! قلت: نعم. فقال: قم فتوضأ(3) } , فيدل على أن المحدث ليس له أن يمس القرآن حتى يتطهر, والحائض محدثة, وهذا هو قول أكثر أهل العلم, وهو الراجح.
س304: الحائض هل تقرأ شيئاً من القرآن أم لا ؟
ج/ فيه خلاف بين أهل العلم:
والراجح في هذه المسألة ما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله: أن الحائض لها أن تقرأ القرآن, لعمومات الأمر بقراءة القرآن, كقوله تعالى { اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ(4) } .
ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت { كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله على كل أحيانه(5) } .
__________
(1) أخرجه مالك في الموطأ, والنسائي, وابن حبان والدار قطني, والدارمي في السنن, والحاكم في المستدرك.
(2) مجموع الفتاوى 21/266.
(3) رواه مالك في الموطأ رقم 92.
(4) العنكبوت: من الآية45).
(5) رواه مسلم.(1/145)
ولعدم ثبوت النهي عن قراءة القرآن للحائض, والأصل الأمر بذلك, قال شيخ الإسلام: (ومن المعلوم أن النساء كن يحضن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن ينهاهن عن قراءة القرآن, كما لم يكن ينهاهن عن أن النساء كن يحضن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن ينهاهن عن قراءة القرآن, كما لم يكن ينهاهن عن الذكر والدعاء, بل أمر الحّيض أن يخرجن يوم العيد فيكبرن بتكبير المسلمين, وأمر الحائض أن تقضي المناسك كلها إلا الطواف بالبيت تلبي وهي حائض, وكذلك المزدلفة ومنى وغير ذلك من المشاعر, وأما الجنب فلم يأمره أن يشهد العيد ولا يصلي ولا يقضي شيئاً من المناسك. فعلم أن الحائض يُرخص لها فيما لا يُرخص للجنب, وإن كانت عدتها أغلظ فكذلك قراءة القرآن لم ينهها الشارع عن ذلك) أ.هـ(1).
سادساً: الطواف, لا يجوز للحائض أن تطوف بالبيت, لقوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة { افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت(2) } , ولما قيل له - صلى الله عليه وسلم - { إن صفية قد حاضت, قال: أحابستنا هي ؟ قيل له: إنها قد أفاضت, قال: فلتنفر إذاً } (3).
س305: ماذا تفعل من جاءها الحيض وهي لم تطف طواف الإفاضة ؟
ج/ تنتظر حتى تطهر, أو ترجع إلى بلدها وتبقى عل إحرامها, فإذا طهرت رجعت إلى مكة وطافت, فإذا لم يتيسر لها ذلك أي أن رفقتها لا يمكن أن ينتظروها وإذا سافرت إلى بلدها لا تستطيع الرجوع طافت للضرورة بعد ما تستنفر ولكن يُقيد ذلك بالضرورة, والواجب عدم التساهل في ذلك.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى كما في الاختيارات(4): (يجوز للحائض الطواف للضرورة).
سابعاً: اللبث في المسجد.
س306: هل يجوز للحائض اللبث في المسجد إذا أمنت تلويثه ؟
ج/ يحرم على الحائض اللبث في المسجد حتى لو أمنت تلويثه, للأدلة الآتية:
__________
(1) مجموع الفتاوى 21/460.
(2) متفق عليه.
(3) رواه البخاري ومسلم.
(4) الاختيارات ص27.(1/146)
أ- قوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة لما حاضت { افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي في البيت حتى تطهري(1) } .
ب- قوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة { ناوليني الخمرة من المسجد فقالت إني حائض, فقال: إن حيضتك ليست في يدك(2) } .
ج- ما ورد في حديث صفية السابق, قال - صلى الله عليه وسلم - { أحابستنا هي ؟ قالوا: لا, قال: فلتنفرد إذاً } .
د- حديث عائشة رضي الله عنها قالت { كن المعتكفات إذا حضن أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإخراجهن من المسجد(3) } .
ثامناً: المرور في المسجد إن خافت تلويثه.
الحائض إذا دخلت المسجد لحاجة ثم خرجت, فلا بأس بذلك بشرط أن تأمن تلويثه, أما إذا لم تأمن تلويثه فلا يجوز لها حتى المرور في المسجد.
- الكفارة في وطء الحائض مقدارها وشروط إيجابها -
لا خلاف أنه يحرم على الزوج وطء زوجته في حال حيضها كما تقدم, ويحرم عليها هي أن تمكنه من نفسها, وإن وطئها وجبت عليه كفارة.
وهذا من مفردات الحنابلة, وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية, وابن القيم, ودليل ذلك:
حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { في الذي يأتي امرأته وهي حائض يتصدق بدينار أو نصف دينار } (4), وقد ثبت هذا عن ابن عباس موقوفاً لا مرفوعاً.
مقدار الكفارة: دينار, أو نصف دينار يخير بينهما. والدينار يساوى مثقالاً, والمثقال يساوي الآن بالغرامات(4،25)غرامات, فيخرج هذه الغرامات أو نصفها أو قيمة ما سبق.
__________
(1) متفق عليه.
(2) رواه مسلم.
(3) عزاه ابن قدامة في المغني, لأبي حفص العكبري, وابن مفلح في الفروع, وقال إسناد جيد.
(4) رواه أبو داود, وقال هكذا الرواية الصحيحة والنسائي وابن ماجه وأحمد والحاكم والبيهقي احتج به الإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم, وقال شيخ الإسلام : حتى ولو لم يثبت هذا الحديث لكان مقتضى الشرع إيجاب الكفارة لأنه وجبت الكفارة حال الوطء في حال الإحرام وفي نهار رمضان فكذلك هنا.(1/147)
س307: ما شروط إيجاب الكفارة في وطء الحائض ؟
ج/ شروط إيجاب الكفارة هي:
1- أن يكون مختاراُ, فإن كان مكرهاً فلا كفارة عليه, ولا إثم, لقوله تعالى { إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ } (1), فلو أكره الزوج زوجته على الجماع حال الحيض, ولم تطاوعه فلا شيء عليها, وكذا لو أكرهته هي.
2- أن يكون ذاكراً, فإن كان ناسياً فلا شيء عليه, لقوله - صلى الله عليه وسلم - { إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما أستكرهوا عليه } (2).
3- أن يكون عالماً فإن كان جاهلاً للحال, أي لم يعلم أنها حائض, أو كان جاهلاً للحكم الشرعي, أي أنه لا يعلم أن وطء الحائض حرام, فلا كفارة عليه.
أما إن كان جاهلاً أن عليه كفارة, أي يعلم أنها حائض ويعلم أن وطء الحائض حرام, ولكن يجهل أن عليه كفارة فهنا لا يعذر وتجب عليه الكفارة.
والمرأة عليها كفارة مستقلة أيضاً إذا توفرت فيها الشروط السابقة, بأن كانت ذاكرة مطاوعة للزوج وعالمة بأنها حائض, وأن وطء الحائض محرم.
- أحكام المستحاضة -
س308: ما تعريف الاستحاضة ؟
ج/الاستحاضة: استفعال من الحيض وهو دم يخرج من عرق يقال له العاذل.
والمذهب: أن المستحاضة هي من جاوز دمها خمسة عشر يوماً.
والقول الثاني للحجاوي: أن المستحاضة هي من رأت دماً لا يصلح أن يكون دم حيض ولا نفاس.
وهذا هو الأقرب. فيشمل من استمر عليها الدم فلم ينقطع عنها أبداً, أو انقطع مدة يسيرة, ويشمل من ترى دماً في غير أيام عادتها, لا يصلح أن يكون حيضاً, والله أعلم.
س309: ما الفرق بين دم الحيض وبين دم الاستحاضة ؟
ج/ ذكر العلماء فروقاً بين دم الحيض, والاستحاضة كما يلي:
__________
(1) النحل: من الآية106).
(2) رواه ابن ماجه وابن حبان والطبراني في الصغير وابن عدي والطحاوي في الشرح والحاكم والدارقطني والبيهقي وابن حزم في الإحكام.(1/148)
1. الفرق الأول في صفة الدم: فدم الحيض يميل إلى السواد, وأما دم الاستحاضة فهو أحم, يميل إلى الصفرة.
2. دم الحيض ثخين, وأما دم الاستحاضة فهو رقيق.
3. دم الحيض له رائحة كريهة, بخلاف دم الاستحاضة فلا رائحة له.
4. دم الحيض يخرج من أقصى الرحم, وأما دم الاستحاضة فهو يخرج من أدنى الرحم من عرف يقال له العاذل.
6. دم الحيض لا يتجمد إذا ظهر, لأنه تجمد في الرحم, ثم انفجر, وأما دم الاستحاضة فيتجمد إذا ظهر.
س310: ما أحوال المستحاضة ؟ وما أحكامها ؟ وما أدلة ذلك ؟
ج/ المستحاضة لها أحوال وهي:
الأولى: أن تكون معتادة.
مثال ذلك:
امرأة لها حيض معتاد من أول الشهر إلى اليوم السادس, ثم أطبق عليها الدم بعد ذلك واستمر معها, فهذه ترجع إلى عادتها, أي تجلس من (1-6) ثم تغتسل, ويصبح حكمها حكم الطاهرات, إلا في بعض المسائل, كما سيأتي بيانه, ولو كان الدم ما زال مستمراً معها.
ودليل هذا القسم: حديث عائشة, وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - لأم حبيبة { امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي(1) } .
الثانية: أن تكون المرأة لها عادة ولها تمييز صالح.
بمعنى أن لها عادة, في أول الشهر مثلاً, وترى دماً متميزاً صالحاً, لكونه حيضاً وسط الشهر, أو آخره, فهذه ترجع إلى عادتها, أو إلى تمييزها ؟
في المسألة خلاف بين أهل العلم, فالمذهب أنها ترجع إلى عادتها حتى لو كانت تميز الدم, فعلى هذا تجلس عادتها, فلو كانت عادتها مثلاً ما بين (1-5) فإنها تجلس هذه الفترة, ثم تغتسل بعد ذلك وتأخذ أحكام الطاهرات, إلا في بعض المسائل, كما سيأتي بيانه إن شاء الله .
والدليل على ذلك:
حديث عائشة رضي الله عنها المتقدم, ولأنه أضبط لها, لأن التمييز قد يضطرب عليها.
الثالثة: أن تكون لها عادة وتمييز لكنها نسيت عادتها.
__________
(1) رواه مسلم من حديث عائشة.(1/149)
بمعنى أنها لا تدري متى عادتها وهل هي في أول الشهر أو في وسطه, أو في آخره, ولكنها ترى دماً متميزاً, فمثلاً ما بين (20-25) ترى دماً أسوداً ثخيناً, فهذه ترجع للتمييز وتجعله عادة لها, ثم تغتسل بعد هذا الدم المتميز.
وإن لم يكن لها تمييز, وقد نسيت زمن عادتها فلا تدري هي في أول الشهر, أو في وسطه, أو آخره, فهذه تجلس كعادة قريباتها من أول يوم رأت الدم, ثم بعد ذلك تغتسل.
الرابعة: ألا تكون لها عادة.
أي جاء معها الدم أول مرة, واستمر معها, فلم يكن لها عادة سابقة, وتسمى المبتدأة, فإن كان لها تمييز صالح رجعت إليه وأخذت به, وإن لم يكن لها تميز صالح أخذت بعادة نسائها, أي من تشابهها من أقاربها في السن والخلقة, فإذا كانت قريبتها عادتها ستة أيام مثلاً أخذت بذلك, وجلست ستة أيام من حين رأت الدم.
ودليل ذلك:
حديث عائشة رضي الله عنها, أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأم حبيبة { امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي } , فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أرجع المستحاضة لعادتها, وهذه لا عادة لها, فتأخذ بعادة قريباتها.
س311: هل المستحاضة تأخذ حكم الطاهرات في كل الأحكام أم لا ؟
ج/ المستحاضة حكمها حكم الطاهرات إلا أنها تخالفها في أحكام هي:
الحكم الأول: وقت وضوء المستحاضة, في المسألة خلاف, فالمذهب أنها تتوضأ في وقت كل صلاة, لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عروة عن عائشة قالت { جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت خبرها, قال: اغتسلي ثم توضئي لكل صلاة } (1), أي لوقت كلّ صلاة , ولأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فاطمة بنت أبي حبيش بغسل دم الاستحاضة عنها مع الصلاة, وهي في الصحيحين كما سيأتي.
مثال ذلك:
__________
(1) رواه الترمذي وقال " حديث حسن صحيح " وأبو داود والنسائي, بلفظ (فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي), وأحمد وابن ماجة والبيهقي , قال الألباني : حديث صحيح.(1/150)
إذا دخل عليها وقت المغرب مثلاً, فإنها تتوضأ, ثم , ثم بعد ذلك تصلي فيه ما شاءت من الفرائض والنوافل, فتصلي المغرب والسنة الراتبة, وتمس القرآن وتفعل العبادات المطلقة في وضوئها هذا, فإذا دخل وقت العشاء عليها, فإن أرادت أن تصلي الفريضة فلابد أن تتوضأ مرة أخرى.
والقاعدة في ذلك:
أن كل عبادة مؤقتة إذا دخل وقتها, فإنها تتوضأ لها, وإذا خرج وقتها فالطهارة لا تبطل, فلها أن تفعل العبادات غير المؤقتة بالوضوء السابق.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: (أن الأحداث اللازمة كدم الاستحاضة, وسلس البول لا تنقض الوضوء ما لم يوجد المعتاد, وهو مذهب مالك. ولكن رأي الجمهور كأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل. .إلى أن قال: فلهذا أظهر قولي العلماء أن مثل هؤلا يتوضئون لكل صلاة أو لوقت كل صلاة)(1).
ولكن الراجح هو أنه:
لا يلزم المستحاضة أو من حدثه دائم الوضوء بحدث الاستحاضة ونحوه ما لم يوجد الحدث المعتاد.
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - { ثم توضئي لكل صلاة } فهذا لا يثبت مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
الحكم الثاني: وطء المستحاضة, جماع المستحاضة مباح, وهو قول أكثر الفقهاء. للأدلة الآتية:
أ- قوله تعالى { فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } (2), وهذا يشمل المستحاضة.
ب- أن سبع عشرة امرأة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - استحضن ومع ذلك لم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أزواجهن باعتزالهن.
ج- ما رواه عكرمة أن حمنة بنت جحش كانت تستحاض وكان زوجها يجامعها(3).
د- أن الأصل براءة الذمة, وحل الاستمتاع بين الزوجين.
__________
(1) كما في مجموع الفتاوى 21/221.
(2) البقرة: من الآية223).
(3) رواه أبو داود وقال النووي: وسنده حسن المجموع 2/372.(1/151)
الحكم الثالث: أن المستحاضة إذا أرادت أن تتوضأ فإنها تغسل عنها أثر الدم, لأنه نجس, لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها لما قالت له { إني امرأة استحاض فلا أطهر, أفأدع الصلاة ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا, إنما ذلك عرق, وليس بحيض, فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي } (1).
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - حكم بأن هذا الخارج من الفرج دم عرق, ثم أمر بغسل هذا الدم عند الصلاة, عند إدبار الحيضة أي زمنها, لوجود الصلاة مع حكمه - صلى الله عليه وسلم - أولاً على جميع الدم أنه دم عرق, والله أعلم.
وتتحفظ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأسماء بنت عميس لما ولدت { اغتسلي , واستنفري, وأحرمي } (2).
ويعضد ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - لحمنة بنت جحش { أنعت لكِ الكرسف } (3), والكرسف: هو القطن, ولئلا تتلوث بهذا الدم الذي أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بغسله.
واستعمال المرأة للماء في كل وقت صلاة فيه فائدة طبية, وهو أنه ينشف العروق فيؤدي ذلك إلى توقف الدم.
ولكن بعض النساء قد يضرها غسل فرجها لكل صلاة, فهذه يقال لها تنشفه بالقطن, ولا يلزمها غسله مع الضرر.
الحكم الرابع: أن المستحاضة يستحب لها أن تغتسل لكل صلاة, عند بعض العلماء لفعل أم حبيبة لما استحيضت.
الحكم الخامس: يجوز للمستحاضة الجمع بين الصلاتين الظهر مع العصر, والمغرب مع العشاء, لأن الاستحاضة نوه مرض فأبيح لها أن تجمع بين الصلاتين لمشقة وضوئها لكل صلاة والله تعالى أعلم.
- أحكام المستحاضة -
س312: ما تعريف النفاس في اللغة والاصطلاح ؟
ج/ النفاس لغة: مأخوذ من التنفس الذي هو خروج النفس من الرئة بعد إدخاله.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه مسلم.
(3) رواه أبو داود, والترمذي وأحمد.(1/152)
النفاس اصطلاحاً: هو دم يخرج من الرحم بعد الولادة أو مع الولادة أو قبلها بزمن يسير, وعلى هذا القول نقول أن ما تراه المرأة من الدم حال الولادة له ثلاث حالات:
1- ما تراه من الدم مع الولادة فهذا دم نفاس.
2- ما تراه بعد الولادة هذا نفاس, إذا وضعت في القسمين الأولين ما تبين فيه خلق إنسان, فعلى هذا لو أن المرأة رأت الدم مع الولادة أو بعد الولادة لكنها وضعت قطعة لحم لم يتبين فيها خلق إنسان فإنه ليس بنفاس.
3- ما تراه قبل الولادة, فبعض النساء يأتيها الطلق قبل الولادة ومعه دم.
س313: هل نحكم على من أتاها دم مع الطلق قبل الولادة أنه دم نفاس أم تأخذ حكم الطاهرات ؟
ج/ فيه خلاف بين أهل العلم:
والأقرب أن ما تراه المرأة من الدم مع القرينة وهو وجود الطلق فإنه دم نفاس ولو زاد على ثلاثة أيام خلافاً لمن قيده بزمن يسير كيومين أو ثلاثة.
قال السعدي رحمه الله كما في الفتاوى السعدية(1): (صريح كلام الفقهاء أن ما تراه النفساء قبل الولادة بأكثر من ثلاثة أيام دم فساد وليس بنفاس ولو مع وجود الأمارة وفي هذا نظر.. وليس تحديد الثلاثة منصوصاً عليه.. ثم ذكر رحمه الله: أن الأولى أن الدم الخارج بسبب الولادة ولو زاد على ثلاثة أيام أنه نفاس) أ.هـ.
لكن المرأة التي يخرج منها الماء قبل الولادة هذا ليس بنفاس وهو طاهر يعني لا يلزم غسله ولا غسل الفرج وتأخذ حكم من به سلس البول وقد تقدم حكم من به حدث غير معتاد كسلس البول ونحوه.
- أقل النفاس وأكثره -
س314: هل هناك مدة محددة لأقل النفاس وأكثره ؟
ج/ النفاس لا حد لأقله لأنه لم يرد تحديده فرفع إلى الوجود وقد وجد قليلاً وكثيراً, فلا حد لأقله بالنسبة للدم ولا بالنسبة للوقت.
وقد ذكر العلماء أن المرأة قد تلد بلا دم فلو أن المرأة ولدت بدون دم فإنها طاهر تجب عليها الصلاة والصوم فهي تأخذ حكم الطاهرات.
__________
(1) الفتاوى السعدية ص51.(1/153)
ولا يجب عليها الاغتسال لكن تتوضأ وضوءً, لأنه شيء خرج من السبيلين وعلى كل حال أقله لا حد له وهذا هو الصحيح.
أما أكثره: فالسنة كما في حديث أم سلمة { كانت النفساء على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - تجلس أربعين يوماً } (1).
وهذا الحديث منهم من ضعفه, ومنهم من حسنه, وجوّده له شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن.
لكن نقول:
أنه على تقدير صحة الحديث فهو محمول على الغالب يعني أن الغالب أن المرأة تطهر في الأربعين وليس هناك مانع من أنه قد يزيد.
لكن الأطباء قالوا:
بالنسبة للنفساء وهو ما ينزل من المرأة بعد الولادة حتى تندمل المشيمة المنفصلة بعد تجويف الرحم, قالوا يبدأ سائل أحمر ثم يكون سائل أصفر, ويقولون أما أقصاه السوي هو ستة أسابيع, وإذا زاد على ذلك قالوا لا يعتبر سوياً وإنما يلحق بالاستحاضة, وستة أسابيع تساوي اثنين وأربعين يوماً تقريباً, وهذا على تقدير الأطباء أن أكثره أربعين يوماً, وهذا هو الأقرب.
لكن يعفى عن اليسير كاليوم واليومين, فلو زاد عليها الدم يومين أو ثلاثة فهي تنتظر وما زاد عن ذلك فهو دم استحاضة إلا إن وافق عادته فهو حيض.
مثال ذلك:
امرأة تم لها أربعون يوماً في أول يوم من الشهر مثلاً وعادتها أن يأتيها الحيض قبل الحمل في أول يوم من أيام الشهر فلو أستمر الدم من اليوم الأول إلى اليوم السادس مثلاُ فهذه الأيام نجعلها حيضاً لأنه وافق العادة.
س315: هل كل وضع يثبت به النفاس أم لا ؟
ج/ لا يخلو هذا من أحوال:
1- أن تضع نطفة وهذا ليس بحيض ولا نفاس بالاتفاق.
2- أن تضع ما تم له أربعة أشهر ويخرج معه دم, فهذا نفاس قولاً واحداً, لأنه نفخت فيه الروح وتيقنا أنه بشر.
3- أن تضع علقة (قطعة دم) فهذا أيضاً لا يعتبر نفاساً.
4- أن تسقطه مضغة أي قطعة لحم فهذا فيه تفصيل:
* أن تبين فيه خلق إنسان فهو نفاس إذا كان معه دم.
__________
(1) رواه أحمد وابن ماجه وابن أبي شيبة وغيرهم.(1/154)
* إن لم يتبين فيه خلق إنسان فهو ليس بنفاس, ومعنى تبين أي ترى فيه تخطيطاً ولو كان خفيفاً, كما لو تبين فيه مثلاً تخطيط يده ولو كانت واحدة أو رجل, فهذا يأخذ حكم النفاس فليس بلازم أن يكن تخطيطه كاملاً, وأقل مدة يتبين فيه خلق الإنسان واحد وثمانون يوماً, لحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - وفيه { أربعون يوماً نطفة, ثم علقة مثل ذلك } (1), فهذه ثمانون يوماً, ثم مضغة وهي أربعون يوماً وتبتدئ من واحد وثمانون يوماً, فإذا سقط لأقل من ثمانين يوماً لا نفاس, والدم حكمه سلس البول, وإذا ولدت لواحد وثمانين يوماً فيجب التثبت هل هو مُخلّق أو غير مُخلّق ؟ لأن الله تعالى قسم المضغة إلى مخلقة وغير مخلقة بقوله تعالى { مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ } (2) فجائز ألا تخلق, وعلى هذا ما بين الثمانين إلى التسعين لابد من تثبت, فإذا تم للحمل تسعون يوماً تبين فيه خلق إنسان, وعلى هذا إذا وضعت لتسعين يوماً فهو نفاس على الغالب, وما بعد التسعين يتأكد أنه ولد وأنه نفاس, وما قبل التسعين يحتاج إلى تثبيت كما تقدم.
س316: كثير من النساء يقلن لا أدري هل تبين فيه خلق إنسان أم لا ؟ فهل يحكم أنه نفاس أم لا ؟
ج/ الخلاصة:
نقول إذا كان لها أقل من ثلاثة أشهر فهنا نحكم أنه ليس نفاساً, لأنه حتى وإن كان له أكثر من ثمانين فإنَّ كونه يتبين فيه خلق إنسان هنا قليل, وإن كان له ثلاثة أشهر فأكثر فهنا نحكم بأنه نفاس, لأن الغالب أنه يتبين فيه خلق إنسان, وأما إذا علمت هل تبين فيه خلق إنسان أم لا ؟ فالأمر ظاهر وقد سبق بيانه.
س317: إذا انقطع الدم عن النفساء في الأربعين فما الحكم ؟
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) الحج: من الآية5).(1/155)
ج/ سبق أن ذكرنا أن حيض المرأة قد يتخلله أحياناً نقاء وحكمنا أنه طهر إذا كان يوم وليلة, وكذلك النفاس قد يتخلله نقاء, فلو انقطع عنها دم النفاس في أثناء الأربعين مثلاً رأت الدم لمدة عشرة أيام ثم انقطع عنها الحنابلة يقولون: أنه طهر وأنها تأخذ أحكام الطاهرات وإذا عاد فهو مشكوك في صحته.
والأقرب في ذلك:
إن كان انقطاع الدم عنها زمن يسير كيومين أو ثلاثة فهو نفاس إن عاودها الدم, وإن كان أكثر من ثلاثة أيام وعاودها الدم مرة أخرى وكان الدم دم نفاس فلأحوط أنها تقضي ما طهرت فيه من الصلوات والصيام, وإن كانت صامت فصيامها صحيح, وإن عاودها الدم مرة أخرى لكنه ليس دم نفاس فهو طهر من باب أولى, لكن عليها أن تنتبه حتى لا يكون ذلك الدم الذي عاد إليها بعد طهرها دم حيض لكون ذلك يوافق عادتها.
س318: لو ولدت المرأة ولدين أو ثلاثة وبينهما فترة فمن أيهما تحسب مدة النفاس؟
ج/ لو ولدت الولد الأول في أول الشهر ثم بعد عشرين يوماً ولدت الثاني, ثم في آخر الشهر ولدت الثالث مثلاً, فالحنابلة يرون أن مدة النفاس تحسب من أول ولد.
والصحيح في هذه المسألة الرواية الأخرى عن الإمام أحمد رحمه الله أن الثاني إذا تجدد له دم فهو نفاس, فإذا ولدت الثاني ثم خرج معه دم فإننا نعتبره نفاس, ولكن قد تقول المرأة في الأصل معي دم مع الولد الأول نقول لو أنه افترض أنه زاد الدم معها (تجدد) فنقول هنا نعتبره نفاس. وإن لم يتجدد ما زاد لا يعتبر من الثاني وإنما يعتبر من الأول وهذا القول هو الصحيح إن شاء الله تعالى.
س319: ما الحكم في وطء النفساء ؟
ج/ وطء النفساء ما في وطء الحائض من الكفارة قياساً عليه.
س320: هل تأخذ النفساء أحكام الحائض ؟
ج/ نعم النفساء أحكامها كأحكام الحائض إلا في مسائل ستة وهي:
1. أن البلوغ معتبر في الحيض وليس معتبر في النفاس لأننا حكمنا ببلوغها قبل أن تحمل.
2. دم الحيض في العِدة معتبر, وأما دم النفاس فلا يعتبر فيها.(1/156)
3. في الإيلاء إذا آل من زوجته, والإيلاء أن يحلف على ترك على ترك وطء زوجته أكثر من أربعة أشهر.
لو كانت المرأة نفساء فإننا نستثني مدة النفاس من الأربعة أشهر فلا تحسب.
مثال ذلك:
لو حلف أن لا يطأ زوجته لمدة أربعة أشهر ثم وضعت ولداً, حلف عليها اليوم ثم وضعت في نفس اليوم فمدة النفاس لا نحسبها من مدة الإيلاء, لأن المولى يضرب له أربعة أشهر إن وطئ وإلا فسخت منه, بخلاف فترة الحيض فإنها تحسب من المدة.
4. الطلاق, أي طلاق المرأة حال الحيض طلاق بدعة وهو محرم, وأما طلاقها في حال النفاس هذا قال بعض أهل العلم أنه طلاق سنة, خلاف ما يعتقده بعض الناس أنه لا يجوز طلاق المرأة وهي في النفاس, فإذا طلقها وهي في النفاس تشرع في العدة من حين طلاقها.
5. أن الدم في الحيض إذا عاد في نفس أيام الحيض فهو حيض, يعني حاضت ثم حصل لها جفاف إذا كان يوم وليلة وتغتسل وتصوم وتصلي, إذا عاد يحسب من الحيض, بينما في مدة النفاس إذا عاد فهو مشكوك في صحته وهو قول بعض العلماء, وقد تقدم بحث هذه المسألة.
6. المرأة في حال الحيض إذا طهرت قبل تمام المدة لا يكره لزوجها أن يطأها, مثلاُ مدة حيضها ستة أيام فطهرت في خمسة أيام فلا يكره لزوجها أن يجامعها, أما في النفاس إن طهرت قبل تمام المدة فالمذهب يرون أنه يكره لزوجها أن يجامعها, والصحيح أنه لا يكره ذلك, وأما ما روي عن عثمان بن أبي العاص لما أتته امرأته قبل الأربعين فقال لها: لا تقربيني, فهذا محمول على التتره. فالكراهة هنا كراهة نفسية وليست شرعية لأن الأصل الحل.
س321: ما حكم استعمال ما يمنع الحمل ؟
ج/ استعمال ما يمنع الحمل على نوعين:
الأول: أن يمنعه منعاً مستمراً فهذا لا يجوز.
الثاني: أن يمنعه منعاً مؤقتاً, مثل أن تكون المرأة كثير الحمل والحمل يرهقها فتحب أن تنظم حملها كل سنتين مرة فهذا جائز بشرط إذن الزوج وألا يكون عليها ضرر.(1/157)
ودليله أن الصحابة كانوا يعزلون عن نساءهم في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم ينهوا عن ذلك(1) .
س322: ما حكم استعمال ما يسقط الحمل ؟
ج/ استعمال ما يسقط الحمل على نوعين:
الأول: أن يقصد من إسقاطه إتلافه, فإن كان بعد نفخ الروح فلهو محرم, وإن كان قبل نفخ الروح فقد اختلف العلماء في جوازه والأحوط المنع من إسقاطه إلا لحاجة كأن تكون الأم مريضة لا تتحمل الحمل أو نحو ذلك فيجوز إسقاطه حينئيذٍ, إلا إن مضى عليه زمن يمكن أن يتبين فيه خلق إنسان فيمنع.
الثاني: ألا يقصد من إسقاطه إتلافه بأن تكون محاولة إسقاطه عند انتهاء مدة الحمل وقرب الوضع, فهذا جائز بشرط ألا يكون في ذلك ضرر على الأم ولا على الولد ولا يحتاج الأمر إلى عملية, فإن احتاج الأمر إلى عملية فله حالات أربع:
1. أن تكون الأم حية والحمل حياً فلا تجوز العملية إلا لضرورة بأن تتعسر ولادتها.
2. أن تكون الأم ميتة والحمل ميتاً فلا تجوز العملية لعدم الفائدة من إخراجه.
3. أن تكون الأم حية والحمل ميتاً فتجوز العملية إلا أن يخشى الضرر على الأم, لأن الظاهر والله أعلم أن الحمل إذا مات لا يكاد يخرج بدون العملية.
4. أن تكون الأم ميتة والحمل حياً فإن كانت لا ترجى حياته لم تجز العملية, وإن كانت ترجى حياته فالصواب أنه يشق البطن إن لم يمكن إخراجه بدونه.
س323: لو أن المرأة شربت الدواء لكي ينزل عليها الحيض فما الحكم ؟
ج/ هو جائز لشروط:
1. أن يكون بإذن الزوج إن كانت ذات زوج لأن استعجال مثل ذلك يمنع حق الاستمتاع للزوج فلابد من الإذن.
2. أن لا يكون هناك ضرر.
3. أن لا تتحيل به على إسقاط أمر واجب, مثل لو كان الصيام في الحر وأرادت إنزال العادة حتى تفطر وتقضي إذا برد الجو فهذا لا يجوز.
س324: ما حكم قطع الحيض أي كونه يكون عليها الدم ثم تريد أن تقطعه, مثل بعض النساء تتناول حبوب لمنع الحمل ؟
__________
(1) البخاري ومسلم من حديث جابر بن عبدالله - رضي الله عنه -.(1/158)
ج/ جائز بشروط أيضاً:
1. أن لا يكون هناك ضرر.
2. أن يكون ذلك بإذن الزوج, إن كان له به تعلق وذلك كالمعتدة, فالمعتدة ذات الإقراء عدتها ثلاثة قروء فلو شربت هذا الدواء لكي يقطع الحيض فهو يؤدي إلى تطويل العدة وبالتالي يؤدي إلى زيادة النفقة والسكن على الزوج, لأن الرجعية لها حكم الزوجات, فشرب هذا الدواء فيه إضرار بالزوج وإذا كان له تعلق بالزوج من جهة أخرى إذ هو يمنع الحمل, أي كونها تقطع الدم هذا يمنع الحمل فلابد من إذن الزوج.
والله تعالى أعلم
- والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات -(1/159)
{ مذكرة }
القول الراجح مع الدليل
لكتاب الصلاة من شرح منار السبيل
(الجزء الأول)
من باب الأذان والإقامة إلى سنن الصلاة
لفضيلة الشيخ
خالد بن ابراهيم الصقعبي
مدير الدورات العلمية
أحمد بن عبدالله الغفيص
للاستفسار جوال (رجال 0503831414 نساء0505237477)
دار أم المؤمنين خديجة بنت خويلد
النسائية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم ببريدة
ترخيص رقم(23/15)
حقوق النسخ محفوظة ولا يجوز تصويرها
?باب الأذان والإقامة?
الأذان في اللغة: الإعلام, وفي الإصطلاح: هو التعبد لله بالإعلام بدخول وقت الصلاة بذكر مخصوص.
أما الإقامة فهي في اللغة: مصدر أقام من أقام الشيء إذا جعله مستقيماً, وفي الشرع هي التعبد لله بالقيام للصلاة بذكر مخصوص.
* وقد اختلف في السَنة التي شرع فيها الأذان: والراجح انه شرع في السَنة الأولى من الهجرة, كما رجح ذلك ابن حجر رحمه الله تعالى.
س1: ما سبب مشروعية الأذان؟
ج/ سبب مشروعية الأذان هو: ما رواه ابن عمر قال: (كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة ليس ينادى لهم فقال بعضهم: اتخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى, وقال بعضهم بل بوقاً مثل بوق اليهود, فقال عمر: أولا تبعثون رجلاً ينادي للصلاة, فقال رسول الله { صلى الله عليه وسلم يا بلال, قم فنادِ بالصلاة } (1).
س2: أيهما أفضل الأذان أم الإقامة؟
ج/ الراجح أن الأذان أفضل لورود الأحاديث الدالة على فضله كحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول, ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا(2) } .
__________
(1) متفق عليه واللفظ للبخاري.
(2) رواه البخاري ومسلم.(2/1)
وإنما كان الأذان أفضل من الإمامة, لما فيه من إعلان ذكر الله وتنبيه الناس على سبيل العموم, ولأن الأذان أشق من الإمامة, ولكن قاعدة وهي: {أن المفضول أحياناً يكون أفضل من الفاضل} كما لو كان الشخص حسن الصوت بالقراءة مثلاً, فهذا يقال الأفضل في حقك الإمامة, ولكن الأصل أن الأذان أفضل لما تقدم.
س3: ما حكم الأذان والإقامة
ج/ بالنسبة للرجال حكمهما فرض كفاية, أما كونهما فرض, فلأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهما في عدة أحاديث منها حديث مالك بن الحويرث وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم { إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم(1) } ولملازمته عليه الصلاة والسلام لهما في الحضر والسفر, ولأنه لا يتم العلم بالوقت إلا بهما غالباً, ولتعين المصلحة بهما لأنهما من شعائر الإسلام الظاهرة.
أما كونهما على الكفاية, فلحديث مالك بن الحويرث المتقدم, يدل على أنه يكتفي بأذان واحد ولا يجب الأذان على كل وأحد.
أما حكمها بالنسبة للنساء فالظاهر أن الأقرب سنية الإقامة في حقهن دون الأذان, لأجل إجتماعهن على الصلاة.
الراجح أيضاً أن الأذان والأقامة واجبتان حتى على المسافرين خلافاً لمن قال بسنيتهما, بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث وصحبه { إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم } , وهم وافدون على الرسول صلى الله عليه وسلم مسافرون إلى أهليهم ومع ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤذن لهم أحدهم, ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدع الأذان والإقامة حضراً ولا سفراً, فكان يؤذن في أسفاره ويأمر بلالً أن يؤذن, وبناء على هذا فالراجح وجوبه على المقيمين والمسافرين.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.(2/2)
الراجح أيضاً وجوب الأذان للصلوات الخمس المؤداة والمقضية, ودليلة أن صلى الله عليه وسلم { لما نام عن صلاة الفجر في سفره ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس أمر بلالً أن يؤذن ويقيم } (1) , ولعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم { إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم } .
وهذا يشمل حضورهما بعد الوقت, وفي الوقت, ولكن إذا كانوا داخل البلد ولم يصلوا حتى خرج الوقت لنوم أو نسيان, فإنه يكتفي بأذان البلد ويقيموا الصلاة.
س4: كيف يؤذن ويقيم من جمع بين صلاتين؟
ج/ من جمع بين الصلاتين أذان للأولى وأقام لكل فريضة, هذا إذا لم يكن في البلد, أما إذا كان في البلد فإن أذان البلد يكفي وحينئذٍ يقيم لكل فريضة, ودليل ذلك ما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم في عرفة أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر, وكذلك في مزدلفة أذن وأقام وصلى المغرب ثم أقام وصلى العشاء } وإنما اكتفى بأذان واحد, لأن وقت المجموعتين صار وقتاً واحداً, ولم يكتفِ بإقامة واحدة, لأن لكل صلاة إقامة.
س5: وكيف يؤذن ويقيم من يريد قضاء فوائت؟
ج/ من قضى فوائت فإنه يؤذن مرة واحدة ويقيم لكل فريضة, بدليل حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه { لما فاته صلى الله عليه وسلم بعض صلوات يوم الخندق, قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالً فأقام الظهر فصلاها ثم أمره فأقام المغرب(2) } , ولما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم { لما نام عن صلاة الفجر في سفره ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس أمر بلالً أن يؤذن وأن يقيم(3) } .
__________
(1) أخرجه البخاري في التيمم(باب الصعيد الطيب) , ومسلم في المساجد(باب قضاء الصلاة الفائته).
(2) رواه أحمد, والنسائي, وابن أبي شيبة, وابن خزيمة, وصححه في تحفة الأحوذي1/532, والنيل2/30.
(3) سبق تخريجه صـ4.(2/3)
وكذلك قياساً على الصلوات المجموعة التي ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم يؤذن لها مرة واحدة ويقيم بعدد الصلوات, وهذا إذا لم يكن في البلد, فإن كان في البلد فإن أذان البلد يكفي, وحينئذٍ يقيم لكل فريضة.
س6: ما حكم أذان وإقامة المنفرد؟
ج/ بالنسبة للمنفرد يشرع له الأذان والإقامة لكن لو اقتصر على الإقامة دون الأذان صح ذلك, والجمع بينهما أحسن, قال شيخ الإسلام في الإختيارات(1) " وإذا صلى وحده أداء أو قضاء وأذن وأقام فقد أحسن, وإن اكتفى بالإقامة أجزاه " أ-هـ.
وقد ورد في حديث عقبة رضي الله عنه ما يدل على ذلك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: { يعجب ربك من راعي غنم على رأس الشظية للجبل يؤذن للصلاة ويصلي, فيقول الله: أنظروا إلى عبدي هذا, يؤذن ويقيم للصلاة, يخاف مني, قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة(2) } .
س7: ما حكم الترتيب والتوالي بين جمل الأذان؟
ج/ لابد أن يكون الأذان والإقامة مرتبين, فلو نكس جمل الأذان أو الإقامة لم يصح ذلك, لأنهما عبادتان وردتا على هذه الصفة التكبير أولاً ثم التشهد ثم الحيعلة ثم التكبير ثم التوحيد, وعلى هذا فلو نكس فلا يصح كما تقدم, لقول النبي صلى الله عليه وسلم { من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد(3) } .
كذلك لابد أن يكونا متواليين وليس المقصود من التوالي التوالي بين الأذان والإقامة وإنما المقصود التوالي بين جمل الأذان, وكذلك بين جمل الإقامة.
وعلى هذا لو أتى بالتكبير في الأذان مثلاً ثم ذهب ليتوضأ, وأراد أن يكمل, فإنه لا يجزئ, لوجود الفاصل, وعدم التوالي بين جمل الأذان فلابد أن يعيده من جديد.
والفاصل لا يخلو من أمور:
أ) أن يكون كلاماً يسيراً محرماً فهذا يبطل الأذان والإقامة, إذا حصل فيهما.
__________
(1) الاختيارات الفقهية صـ36.
(2) رواه أحمد, وأبو داود, والنسائي, والطبراني, وهو صحيح.
(3) رواه البخاري ومسلم.(2/4)
ب) أن يكون كلاماً يسيراً مباحاً فهذا لا يبطل الأذان والإقامة ولكن الفقهاء رحمهم الله كرهوا ذلك.
ج) أن يكون كلاماً طويلاً مباحاً أو سكوتاً طويلاً فهذا يبطل الأذان والإقامة.
س8: ما حكم الموالاة بين الإقامة والصلاة؟
ج/ لا يشترط الموالاة بين الإقامة والصلاة, فلو أقام ثم حصل له حاجة فذهب وقضاها, ثم رجع وأراد أن يصلي, فلا يلزم من ذلك إعادة الإقامة, لأن النبي صلى الله عليه وسلم { أمر بلالاً بالإقامة فلما أقام ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه جنب فذهب واغتسل وصلى, ولم يعد الإقامة(1) } , وظاهر هذا طول الفصل.
س9:ما الحكم فيما لو بدأ بالأذان شخص وأكمله آخر؟
ج/ لا بد أن يكون الأذان من واحد فلو أنه أذن ثم انتصف في الأذان فحصل له عذر فمنعه من الإكمال فجاء أخر فإنه لا يبدأ الأذان من حيث انتهى الأول, وإنما يستأنف من جديد, وكذلك الحكم بالنسبة للإقامة.
س10: هل يشترط أن يقيم الذي أذن أم يصح أن يكون الأذان من شخص والإقامة من آخر؟
ج/السنة أن من تولى الأذان أن يتولى الإقامة, لأن بلالاً كان هو الذي يؤذن, وهو الذي يقيم كما في حديث أبي سعيد السابق في قصة الخندق وغيره, ويدل لذلك من النظر, فإنه ينبغي لمن تولى الأذان وهو الإعلام أولاً, أن يتولى الإعلام ثانياً, حتى لا يحصل التباس بين الناس في هذا الأمر, وحتى يعلم المؤذن أنه مسئول عن هذا الإعلامين جميعاً.
س11: هل للأذان شروط؟
ج/ نعم, له شروط تتعلق بالأذان نفسه, وشروط تتعلق بالمؤذن, وشروط تتعلق بوقته.
أما التي تتعلق به فيشترط فيه ما يلي:
1- أن يكون مرتباً.
2- أن يكون متوالياً.
3- أن يكون بعد الوقت.
4- ألا يكون فيه لحن يحيل المعنى سواء عاد هذا اللحن إلى علم النحو أو علم التصريف.
5- أن يكون على العدد الذي جاءت به السنة.
أما المؤذن فلابد أن يكون:
1- مسلماً.
2- عاقلاً.
3- ذكراً.
4- واحداً.
5- عدلاً.
6- مميزاً.
__________
(1) رواه البخاري.(2/5)
أما الوقت فلا بد أن يكون: الأذان بعد دخول الوقت فلا يجزئ قبله مطلقاً على القول الراجح, ويستثني من ذلك أذان الفجر الأول.
س12: ما هي شروط إقامة الأذان؟
ج/ شروط إقامة الأذان هي:
1- أن يكونوا رجالاً فخرج بذلك الصغار والإناث والخنثى المشكل وقد تقدم بيان ذلك.
2- أن يكونوا مقيمين والراجح خلاف ذلك وتقدم أن الأذان والإقامة واجبتان حتى على المسافرين.
3- أن يكون الأذان للصلوات الخمس ويخرج بذلك ما عداها, فالوتر لا يؤذن لها وكذلك لو كسفت الشمس وصلاة العيد كذلك والصلاة المنذورة وهكذا.
4- أن تكون الصلاة التي يؤذن لها موداة والصواب وجوبها للصلوات الخمس والمقضية قد تقدم بيان ذلك.
5- أن يكونوا جماعة بخلاف المنفرد فإن الأذان سنة في حقه.
13س: كم عدد جمل الأذان والإقامة؟
ج/ الخلاصة في عدد جمل الأذان والإقامة ما يلي:
* أما الأذان, فالإمام أحمد رحمه الله ومذهب أبو حنيفة: أن عدد جمل الأذان 15 جملة, وهو الأذان المعروف الآن, وهو أذان بلال.
* والشافعية: عدد جمل الأذان 19جملة, وهو نفس أذان بلال مع الترجيع(والترجيع أن يقول الشهادتين سراً في نفسه ثم يقولها جهراً).
* أما الإقامة فعند الإمام أحمد والشافعي: أن عدد جمل الإقامة 11جملة, وهي الإقامة المعروفة الآن وهي إقامة بلال.
الأحناف قالوا: أن عدد جمل الإقامة 17,جملة, وهي نفس أذان بلال مع زيادة قد قامت الصلاة.
وهناك أقوال أخرى لكن هذا هو ما صحت به السنة.
* والعبادة إذا جاءت على وجوه متعددة يسن للإنسان أن يأتي بهذه مرة بهذه مرة, وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه اله لذلك أربع فؤائد هي:
1) إحياء السنة.
2) حفظ العلم الإنسان إذا تعلم شيئاً وطبقه أدى ذلك إلى حفظه.
3) أنه أخشع لقلبه.
4) نقل العبادة من كونها عادة إلى كونها عبادة.
س14:ما السنة في طهارة المؤذن؟(2/6)
ج/ السنة أن يكون المؤذن متطهراً من الحدث الأكبر والأصغر, ولكن الفقهاء رحمهم الله قالوا: يكره أذان الجنب دون أذان المحدث حدثاً أصغر, هذا إذا لم تكن المنارة في المسجد فإن كانت في المسجد فإنه لا يجوز أذا المحدث حدثاً أكبر إلا بوضوء, لعدم جواز دخوله المسجد حتى يتوضأ, فالمراتب ثلاث:
1) أن يكون متطهراً من الحدثين وهذا هو الأفضل.
2) أن يكون محدثاً حدثاً أصغر وهذا مباح.
3) أن يكون محدثاً حدثاً أكبر وهذا هو مكروه.
لكن الأفضل أن يكون متطهراً من الحدثين, لما ورد عن الأعرج قال سمعت عميراً مولى ابن عباس قال: { أقبلت أنا وعبدالله بن يسار مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخلنا على أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري, فقال أبو جهيم: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من حو بئر جمل, فلقيه رجل فسلم عليه, فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الجدار, فمسح بوجهه ويديه, ثم ردَّ عليه السلام(1) } , فهذا ذكر والأذان من باب أولى.
س15: هل يجب استقبال القبلة للمؤذن حال آدائه للأذان؟
ج/ السنة أن يكون المؤذن مستقبلاً القبلة, لحديث عبدالله بن زيد الأنصاري في المنام قال: اسحاق بن راهويه في مسنده { قال جاء عبدالله بن زيد فقال: يا رسول الله إني رأيت رجلاً نزل من السماء فقان على جذم حائط, فاستقبل القبلة.. فذكر الحديث } (2), ولو أذن إلى غير جهة القبلة صح ذلك.
س16: ما حكم التفات المؤذن أثناء الحيعلتين؟ وما هي صور الالتفات؟
ج/ إلتفات المؤذن أثناء الحيعلتين سنة, لحديث أبي جحيفة { رأيت بلالاً يؤذن فجعلت أتتبع فاه ها هنا وها هنا يقول يميناً وشمالاً حي على الصلاة حي على الفلاح(3) } .
* والإلتفات له ثلاثة صور:
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) قال الألباني في أرواء الغليل:وهذا الحديث رجاله كلهم ثقلا وهو وقد ورد موصولاً.
(3) متفق عليه.(2/7)
1- أن يجعل حي على الصلاة في اليمين كلها, وحي على الفلاح في الشمال كلها.
2- أن يقول حي علي الصلاة في اليمين, ثم يعود إلى القبلة ثم يميناً مرة أخرى حي على الصلاة, ثم حي على الفلاح جهة الشمال, ثم يعود إلى القبلة, ثم يعود مرة أخرى إلى الشمال لحي على الفلاح,)وهي الصيغة المعروفة الآن) وهي ظاهر السنة.
3- أن يلتفت يميناً ويقول حي على الصلاة, ثم يلتفت شمالاً ويقول حي على الصلاة, ثم يلتفت يميناً ويقول حي على الفلاح, ثم شمالاً ويقول حي على الفلاح.
ملاحظة: يلتفت في جميع الحيعلة أي أنه إذا التفت شرع في ذكر الحيعلة, لا أن يذكرها وهو ملتفت فهذا لا أصل له, ومثل ذلك التسليم من الصلاة.
?مسائل في متابعة المؤذن?
بعيداً عن الخلاف في وجوب متابعة المؤذن أو سنية ذلك فإن هذه السنة كادت أن تندثر عند كثير من الناس إلا من رحم الله تعالى, فأصبح نسمع الأذان يدوي ومع ذلك نحن في مجالسنا التي يكثر فيها القيل والقال لا نتوقف لدقائق معدودة نتابع فيها المؤذن حتى ننال على أثر ذلك الأجر العظيم.
ويكفي في ذلك حديث عبدالله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول { إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي, فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً, ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله, وأرجو أن اكون أنا هو, فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة(1) } .
س17: ما حكم متابعة المؤذن؟
ج/ الصحيح أن متابعة المؤذن سنة وهو رأي جمهور العلماء, والدليل على ذلك ما ورد عن أنس بن مالك وفيه { أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع مؤذناً, فلما كبّر قال: على الفطرة, فلما تشهد قال خرج من النار..الحديث(2) } , فلو كانت المتابعة واجبة, لما تركها النبي صلى الله عليه وسلم .
__________
(1) رواه مسلم.
(2) رواه مسلم.(2/8)
واصرح منه قول النبي صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث ومن معه { إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم } (1), فالمقام مقام تعليم وتدعو الحاجة إلى بيان كل ما يحتاج إليه, وهؤلا وفد قد لا يكون عندهم علم بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في متابعة الأذان, فلما ترك النبي صلى الله عليه وسلم التنبيه على ذلك مع دعاء الحاجة إليه, وكون هؤلا وفد لبثوا عنده عشرين يوماً ثم غادروا, يدل على أن الإجابة ليست واجبة.
س18: ما كيفية متابعة المؤذن؟
ج/ متابعة المؤذن تكون سراً, لكن لابد من تحريك اللسان بذلك, حتى لو كان يطوف, فإنه يتابع وهو يطوف, وكذلك لو كان يقرأ القرآن فإنه يتابع, لأن الأذان يفوت والقراءة لا تفوت.
س19: إذا سمع المؤذن وهو يصلي فهل يتابعه أم لا؟
ج/ إذا كان في الصلاة,فالصحيح أنه لا يتابع المؤذن وهو يصلي, خلافاً لشيخ الإسلام حيث يرى ذلك, لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبدالله بن مسعود { إن في الصلاة لشغلاً(2) } , ولأنه لو تابع المؤذن وهو في الصلاة لأدى ذلك إلى خروج الصلاة عن مقصودها, لكن لا بأس إذا كان الذكر قصيراً ووُجد سببه في الصلاة فلا بأس من ذكره كما لو عطس فحمد الله فلا بأس بذلك.
س20: إذا سمع المؤذن وهو يقضي حاجته فهل يتابعه أم لا؟
ج/ إذا سمع المؤذن وهو يقضي حاجته, من أهل العلم من قال أنه يتابعه بقلبه, ومنهم من قال أنه إذا خرج يقضيه وهذا هو الأحسن, والله تعالى أعلم.
س21: ماذا يقول من سمع المؤذن؟
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه البخاري ومسلم.(2/9)
ج/ من سمع المؤذن فإنه يقول مثل مايقول المؤذن, لما ورد من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { { ذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن } (1) , إلا عند الحيعلتين فإنه يقول لا حول ولا قوة إلا بالله, بدليل حديث عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر.. } وفيه { ثم قال حي على الصلاة لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة إلا بالله... } (2) الحديث.
س22: هل يستحب للمؤذن والمقيم إجابة أنفسهما ليجمعا بين ثواب الأذان والإقامة؟
ج/ على خلاف بين أهل العلم, قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى في فتأويه(3) "والقول الآخر عدم استحبابه وهو أولى" .
س23: ما الحكم لو سمع مؤذناً ثانياً وثالثاً؟
ج/ إذا سمع مؤذناً ثانياً وثالثاً قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله السنة أنه يجيب, فقال رحمه الله تعالى كما في الاختبارات: "ويجيب مؤذناً ثانياً وأكثر حيث يستحب ذلك كما كان المؤذنان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم " أ.هـ(4).
س24: إذا صلى الإنسان فرضه وسمع مؤذناً يؤذن فهل يتابعه أم لا؟
ج/على خلاف بين أهل العلم وظاهر حديث ابن عمر { إذا سمعتم } أنه يجيب لعموم الحديث, وقال بعضهم أنه لا يجيب لأنه غير مدعو بهذا الأذان فلا يتابعه, لكن لو أخذ أحد مفهوم الحديث وقال: " أنه ذكر, وما دام أن الحديث عام, فلا مانع من أن أذكر الله - عز وجل - " فلا بأس بذلك, والله أعلم.
س25: هل يتابع المؤذن إذا أقام للصلاة(أي في الإقامة)؟
__________
(1) متفق عليه.
(2) رواه مسلم.
(3) 4/136.
(4) انظر (الاختيارات الفقهية من فتأوى شيخ الإسلام ابن تيمية) صـ39.(2/10)
ج/ سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى عن ذلك فقال "المتابعة في الإقامة فيها حديث أخرجه أبو داود, لكنه ضعيف لا تقوم به الحجة, وعلى هذا فالأقرب أنه لا يتابع الإقامة" أ.هـ , وحديث أبي دأوود هو عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم { أن بلالاً أخذ في الإقامة, فلما أن قال: قد قامت الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم أقامها الله وأدامها } .
س26: ماذا يقول من يتابع المؤذن أثناء المتابعة, وبعد الإنتهاء من المتابعة؟
ج/ أما أثناء المتابعة: إذا قال المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمد رسول الله وأجابه من يتابعه فإنه يقول بعد ذلك: رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمداً رسولاً, كما هو ظاهر رواية مسلم حيث قال { من قال حين يسمع النداء أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمداً رسولاً } , وفي رواية ابن رمح أحد رجال الإسناد { من قال وأنا أشهد } وفي هذا دليل أنه يقولها عقب المؤذن.(2/11)
أما ما يقوله بعد الأذان: ينبغي أولاً أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم , لحديث عبدالله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول { إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي, فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً, ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله, وأرجو أن أكون أنا هو, فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة } (1).ثم يقول ما ورد في حديث جابر بن عبدالله { اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة أت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته } (2), أما زيادة { إنك لا تخلف الميعاد } , فهذه اختلف المحدثون في ثبوتها وممن يذهب إلى تصحيحها الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى وقال "بإن سندها صحيح أخرجها البيهقي بسند صحيح } .
س27: كيف تكون المتابعة لمن سمع بعض الأذان؟
ج/ إذا سمع بعض الأذان, كما لو مر بطريق والمؤذن في نصف الأذان وأراد المستمع أن يتابعه, فإنه يتابعه فيما بقي ولا يبدأ من جديد.
س28: بماذا يُجاب المؤذن عندما يقول: الصلاة خير من النوم؟
ج/الصحيح أنه يجيبه بمثل ما قال, فيقول "الصلاة خير من النوم" لعموم حديث عبدالله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم { إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول...الحديث } (3), وهذا لم يُستثنَ منه في السنة إلا: حي على الصلاة وحي على الفلاح, فيقال "لا حول ولا قوة إلا بالله" كما دل على ذلك حديث عمر وقد تقدم(4), فيكون العموم باقياً فيما عدا هاتين الجملتين.
س29: الأذان في المذياع هل يُجاب أم لا؟
ج/ سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى عن ذلك فأجاب بقوله: الأذان لا يخلو من حالتين:
__________
(1) رواه مسلم.
(2) رواه البخاري, وأبو دأوود, والنسائي, وأحمد, وغيرهم.
(3) رواه مسلم.
(4) انظر صـ 6.(2/12)
1- أن يكون الأذان على الهواء, أي أن الأذان لوقت الصلاة من المؤذن, فهذا يجاب, لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم { إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن } .
2- إذا كان الأذان مسجلاً, ليس أذاناً على الوقت, فإنه لا يجيبه, لأن هذا ليس أذاناً حقيقياً, أي أن هذا المؤذن لم يرفعه حين أُمر برفعه, وإنما هو شيء مسموع لأذن سابق.
س30: إذا كان المؤذن يؤذن عبر مكبر الصوت فهل يلتفت عند حي على الصلاة, حي على الفلاح, أم لا؟
ج/ أجاب الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى حيث قال: "إذا كان المؤذن يؤذن عبر مكبر الصوت فإنه لا يلتفت للحيعلتين, لأنه يضعف الصوت".
س31: ما حكم تلحين الأذان؟
ج/ قال الشيخ محمد بن إبراهيم في فتأويه(1): ثم التمديد الزائد عن المطلوب في الأذان ما ينبغي, فإن أحال المعنى فإنه يبطل الأذان, حروف المد إذا أعطيت أكثر من اللازم فلا ينبغي حتى الحركات إذا مدت إن أحالت المعنى لم يصح وإلا كره.. وكان يوجد في مكة تلحين كثير وهذا سببه الجهل وعوائد, وكونه لا يختار من هو أفضل, أ.هـ.
?باب شروط الصلاة?
الشروط: جمع شرط وهي في اللغة: العلامة.
أما في إصلاح الأصوليين: فهم يقولون {ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود}, فإذا لم توجد الطهارة لم تصح الصلاة, ولكن لا يلزم من وجود الطهارة وجود الصلاة فقد يتطهر ولا يصلي, ولا صحتها, فقد يتوضأ ويصلي قبل دخول الوقت فلا تصح صلاته, ليس لعدم الطهارة ولكن لكونه صلى قبل دخول الوقت.
س1: ما الفرق بين الشروط والأركان؟
ج/ الفرق بين الشروط والأركان ما يلي:
1- أن الشرط قبل الصلاة والركن داخلها.
2- أن الشروط يجب استصحابها من أول الصلاة إلى آخرها بخلاف الركن فإنه ينقضي ويأتي غيره.
__________
(1) 2/125.(2/13)
3- أن الأركان تتركب منها ماهية الصلاة بخلاف الشروط, مثلاً ستر العورة وهو من الشروط لا تتركب منه ماهية الصلاة لكن لا بد منه في الصلاة مع القدرة عليه, لكن الأركان هي التي تتركب منها ماهية الصلاة كا الركوع والرفع من الركوع والسجود....الخ.
س2: ماهي شروط الصلاة (من الشرط الأول إلى الشرط الخامس)؟
ج/ شروط الصلاة هي: الشرط الأول : الإسلام. الشرط الثاني: العقل. الشرط الثالث: التمييز وهذه شروط في كل عبادة إلا الزكاة فإنها لا تلزم المجنون والصغير على القول الراجح, وكذا الحج فإنه يصح من الصغير ولو كان عمره ساعة واحدة, ولكنها لا تجزئه عن حجة الإسلام, فإذا بلغ وجب عليه الحج مرة أخرى.
الشرط الرابع: الطهارة مع القدرة, لقول النبي صلى الله عليه وسلم { لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ } (1).
الشرط الخامس: دخول الوقت, ومعنى كون الوقت شرطاً للصلاة أي أنها لا تصح قبله, وأما من أخرها عنه عمدا لغير عذر ففي صحتها خلاف سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: الوقت المذكور هنا هو شرط للصلوات المكتوبات خاصة, فأما سواها فمنها ما يصح في كل وقت كركعتي الطواف والفوائت, ومنها ما يصح في غير أوقات النهار كالنوافل المطلقة, ومنها ما هو مؤقت أيضاً كالرواتب والضحى, ومنها ما هو معلق بأسباب كصلاة الكسوف والاستسقاء(2).
والدليل على اشتراط الوقت:
* من الكتاب قوله تعالى { إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً(3) } أي مؤقتاً بوقته.
* ومن السنة الأدلة على هذا كثيرة منها قول النبي صلى الله عليه وسلم { وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر وقت العصر ووقت العصر } (4) الحديث.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) شرح العمدة2/146.
(3) النساء: من الآية103)
(4) رواه مسلم من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.(2/14)
س3: ما هي أوقات الصلوات المفروضة وأدلة ذلك؟
ج/ أوقات الصلوات هي:
أولاً وقت الظهر: وهي تسمى الظهر, والهجير, والأولى, ووقتها من الزوال إلى مسأواة الشيء فيئه بعد فيء الزوال "أي أن آخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شيء مثله" وقولنا: من بعد فيء الزوال, أي أن الظل الذي زالت عليه الشمس لا يحسب, لأن الشمس حتى ولو كانت في كبد السماء يبقى للشاخص ظل فهذا يسمى فيء الزوال, فهذا لا يحسب.
والدليل على هذا: ما ورد في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { وقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر } الحديث.
والسنة تعجيل الظهر في أول وقتها إلا في شدة الحر فيستحب تأخيرها حتى ينكسر الحر, الحديث { أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم } (1), حتى ولو صلى لوحده في البيت امرض ونحوه, وكذلك المرأة فيستحب تأخيرها إلى قرب وقت العصر, بحيث يصلي الإنسان السنة الراتبة القبلية وصلاة الظهر والسنة البعدية, إلا إذا كانت المرأة تنتظر الحيض فإنها تبادر في أدائها في أول الوقت, حتى لا تترتب الصلاة في ذمتها.
ثانياً وقت العصر: أوله إذا صار ظل كل شيء مثله سوى فيء الزوال.
ودليله: حديث عبدالله بن عمرو بن العاص السابق.
أما آخر وقتها فلها وقتان:
أ) وقت اختيار وهو إلى اصفرار الشمس, لحديث عبدالله بن عمرو بن العاص السابق وفيه { ووقت العصر ما لم تصفر الشمس } .
ب) وقت ضرورة, إلى غروب الشمس, لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر(2) } .
ثالثاً وقت المغرب: أول وقته غروب الشمس, وهذا بلإجماع بلا خلاف.
__________
(1) رواه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(2) رواه البخاري ومسلم.(2/15)
والدليل على هذا: ما رواه سلمة بن الأكوع قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب } (1).
أما آخر وقتها: فهو مغيب الحمرة, أي الشفق الأحمر, بدليل حديث عبدالله بن عمرو وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم { ووقت المغرب ما لم يغب الشفق } , والمراد بالشفق هي الحمرة المعترضة في الأفق على القول الراجح, فمتى رأى الإنسان الحمرة قد زالت, فهذا دليل على أن وقت المغرب قد انقضى وهو يترأوح ما بين ساعة وربع إلى ساعة ونصف بعد المغرب.
ولكن السنة تعجيلها, لأن النبي صلى الله عليه وسلم { كان يصليها إذا وجبت(2) } , لكن ليس معنى ذلك أنه يقيم بعد الأذان مباشرة, لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال { صلوا قبل المغرب صلوا قبل المغرب.. وقال في الثالثة لمن شاء } (3), وهذا يدل على أن معنى التعجيل أن يبادر الإنسان بها من حين الأذان, ولكن يتأخر بمقدار الوضوء وصلاة ركعتين مثلاً, وما أشبه ذلك.
رابعاً وقت العشاء: أوله إذا غاب الشفق بلا خلاف, بيان المراد بالشفق.
أما آخر وقتها: فالراجح أن آخر وقت العشاء وهو منتصف الليل, لحديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وفيه { ووقت العشاء إلى منتصف الليل } (4), وطريقة حساب نصف الليل يحسب من غروب الشمس إلى أذان الفجر, ثم يقسم على إثنين.
وصلاة العشاء السنة تأخيرها, ولذلك كلما أخرها الإنسان كان أفضل, لكن يشترط أن يصليهما قبل خروج الوقت, وكذلك بشرط ألا يؤدي ذلك إلى ترك واجب كترك صلاة الجماعة بحجة سنية تأخيرها كذلك المرأة إذا كانت تنتظر حيضاً فالأولى المبادرة بالصلاة, حتى لا تترتب الصلاة في ذمتها لو حاضت وهي لم تؤدِ الصلاة.
__________
(1) متفق عليه.
(2) رواه البخاري من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما.
(3) رواه البخاري عن عبدالله بن مغفل المزني.
(4) رواه مسلم.(2/16)
ومما يدل على استحباب تأخير صلاة العشاء حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال { أعتم النبي صلى الله عليه وسلم بالعشاء فخرج عمر, فقال: الصلاة يا رسول الله رقد النساء والصبيان, فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ورأسه يقطر ماءً يقول: لولا أن أشق على أمتي, أو على الناس, لأمرتهم بالصلاة هذه الساعة(1) } .
خامساً وقت الفجر: أول وقتها من طلوع الفجر بلا خلاف, والمقصود به الفجر الثاني.
وآخر وقتها: هو طلوع الشمس, والدليل على ذلك حديث عبدالله بن عمرو بن العاص وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم { ووقت الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس } (2).
والسنة تعجيل صلاة الفجر, بدليل حديث عائشة رضي الله عنها قالت { كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الناس } (3).
س4: بم يدرك الوقت؟ وما دليل ذلك؟
ج/ يدرك الوقت بإدراك ركعة على الصحيح, وعلى هذا لو دخل الوقت ومضى وقت بمقدار صلاة ركعة ثم حاضت المرأة, فإن هذه الصلاة تحسب في ذمتها, فإذا طهرت فإنها تقضيها, وكذلك لو طهرت المرأة من الحيض أو أسلم الكافر قبل خروج الوقت بمقدار ركعة, لزمتهما هذه الصلاة, حتى ولو دخلت المرأة تغتسل وخروج الوقت.
ودليل ذلك: حديث أبي هريرة رضي الله عنه { من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة } (4).
س5: ما الحكم لو شك في دخول الوقت هل يصلي أم لا؟
ج/ بالنسبة للشك في دخول الوقت من عدمه, هذه المسألة لها خمس صور:
الأولى: إذا تيقن دخول الوقت فهذا ظاهر أنه يصلي.
الثانية: إذا غلب على ظنه دخول الوقت فكذلك في هذه الصورة يصلي, وهنا لا يخلو من أربع حالات:
1- أن يتبين أنه صلى في الوقت, ففرض لأنه أدى ما خوطب به وفرض عليه.
2- أن يتبين أنه بعد الوقت, ففرض.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه مسلم.
(3) رواه البخاري ومسلم.
(4) رواه البخاري ومسلم.(2/17)
3- ألا يتبين له شيء, ففرض لغلبة ظنه دخول الوقت.
4- أن يتبين أنه قبل الوقت, فنفل.
الثالثة: إذا غلب شك في دخول الوقت.
الرابعة: إذا غلب على ظنه عدم دخول الوقت.
الخامسة: إذا تيقن عدم دخول الوقت.
ففي الصور الثلاث الأخرى لا يصلي.
س6: ما حكم تأخير الصلاة عن وقتها؟
ج/ يحرم تأخير الصلاة عن وقتها, ومن أخر صلاة عن وقتها فلا يخلو من خالتين:
الأولى: أن يكون لعذر, فهنا يجب عليه القضاء بلإجماع, لحديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها } (1), وفي لفظ البخاري { من نسى صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك)وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) } (2).
الثانية: أن يكون ذلك لغير عذر, فالراجح وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه لا يقضيها, ولو قضاها فلا تصح منه, بدليل حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد } (3) , وهذا قد فعلها على وجه لم يؤمر به, قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في كتاب الممتع(4): "أن من ترك الصلاة عمداً على القول بأنه لا يكفر كما لو كان يصلي ويخلي, فإنه لا يقضيها ولكن يجب عليه أن يكون هذا الفعل دائماً نصب عينيه, وأن يكثر من الطاعات والأعمال الصالحة لعلها تكفر ما حصل منه من إضاعة الوقت" أ.هـ .
س7: ما حكم تأخيرها عن أول وقتها؟
ج/ يجوز تأخير فعل الصلاة في الوقت مع العزم عليه, أي يؤخرها إلى منتصف الوقت مثلاً.
لكن يستثنى من ذلك أمرين:
1. إذا كان ذلك يؤدي إلى ترك واجب كصلاة الجماعة.
2. أو يخشى الإنسان من وجود مانع, كالمرأة إذا كانت تنتظر حيضاً.
__________
(1) رواه مسلم.
(2) طه: من الآية14)
(3) رواه البخاري ومسلم.
(4) الشرح الممتع على زاد المستقنع.(2/18)
والصلاة في أول الوقت أفضل, لحديث رافع بن خديج { كنا نصلي المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله } (1). سوى ما يستحب تأخيره وقد تقدم بيانه.
س8: بماذا يحصل إدراك فضيلة أول الوقت؟
ج/ يحصل بتحصيل الماء وستر العورة والطهارة وفعل السنة الراتبة إن كان لها سنة قبلية, من فعل هذه الأشياء ثم صلى فقد تحصل على فضيلة أول الوقت.
س9: متى يجب قضاء الصلاة الفائتة؟
ج/ كما تقدم أنه يجب قضاء الصلاة الفائتة فوراً إذا كان تأخيرها لعذر, لحديث أنس المتقدم(2).
س10: ما معنى قضاء الصلاة, وأدائها, وإعادتها, وكيف تقضى؟
ج/ القضاء: هو فعل العبادة بعد خروج وقتها.
والأداء: هو فعل العبادة في وقتها لأول مرة.
وإعادة: هو فعل العبادة في وقتها مرة أخرى.
والقضاء: إنما يكون على صفتها يحكي الأداء, فعلى هذا إذا قضى ليل في نهار جهر فيها بالقراءة, وإذا قضى نهار في ليل أسر فيها بالقراءة, بدليل حديث أبي قتادة في قصة نومه مع النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الفجر قال { فصلاها كما كان يصليها كل يوم } (3).
كذلك يستفاد من حديث أبي قتادة أنه تشرع فيه الجماعة إذا كانوا جمعاً, لأن القضاء يحكي الأداء فكما أنهم لو صلوها في الوقت صلوها جماعة, فكذلك إذا قضوها فإنهم يصلونها جماعة, ولذلك في حديث أبي هريرة في قصة نومهم عن صلاة الفجر { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً فأذن, ثم صلى ركعتي الفجر ثم صلى الفجر جماعة(4) } .
س11: ما الحكم فيمن كان عليه صلوات فوائت؟
ج/ من كان عليه صلوات فوائت فإنه يقضيها مرتبة, فلو كان على الإنسان خمس صلوات فوائت فإنه يبدأ فيها من الصلاة التي فاتته أولاً, مثلاً لو كانت الفوائت الفجر, والظهر, والعصر, والمغرب, والعشاء فإنه يبدأ بها مرتبة, فيبتدي بالفجر ثم الظهر...الخ, ولو كانت من الظهر, فإنه يبتدئ بالظهر وهكذا.
__________
(1) متفق عليه.
(2) صـ 26.
(3) رواه البخاري.
(4) رواه مسلم.(2/19)
س12: متى يسقط الترتيب؟
ج/ الترتيب يسقط بأمور:
1. النسيان, فلو كان عليه خمس صلوات فوائت ثم بدأ بالعصر ناسياً صح ذلك, لعموم قوله تعالى { رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أو أَخْطَأْنَا } (1) الآية.
2. إذا تضايق وقت الحاضرة, كما لو بقي على خروج وقت الظهر عشر دقائق مثلاً وقد نسي صلاة الفجر, فإذا صلى الفجر أدى ذلك إلى خروج وقت الظهر, فهذا يسقط عنه الترتيب, فيقال صلِ صلاة الظهر أولاً ثم صلِ صلاة الفجر قضاءً, أما إذا كان الوقت يسع الجميع فإنه يبدأ بالفائتة أولاً.
3. الجهل, فلو كان عليه فوائت فقدم وقتاً على وقت جهلاً صح ذلك, لعموم قوله تعالى { رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أو أَخْطَأْنَا } .
4. أن يخاف فوات الجماعة, كما لو جاء وهم يصلون العصر وهو لم يصلِ الظهر, فهنا يسقط الترتيب, ولكن هذا على القول بأنه لا يصح أن يصلي الإنسان خلف من يصلي صلاة أخرى, لكن على القول بجواز ذلك وهو الراجح, يقال ادخل معهم بنية الظهر ثم صلِ العصر بعد ذلك فيحصل بذلك إدراك الجماعة والترتيب لو حضر إلى صلاة الجمعة وتذكر أنه صلى الفجر على غير طهارة مثلاً, إن أمكنه أن يصلي الفجر ويلحق الجمعة مع الجماعة فعل ذلك, لكن لو كان أدائه لصلاة الفجر يؤدي إلى فوات الجمعة فإنه يسقط الترتيب في مثل هذه الحالة.
س13: ما هو الشرط السادس من شروط الصلاة؟
ج/ الشرط السادس من شروط الصلاة, ستر العورة, والدليل على اشتراطه حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إن كان ضيقاً فاتزر به وإن كان واسعاً فالتحف به } (2), والإجماع منعقد على أن ستر العورة شرط من شروط صحة الصلاة.
__________
(1) البقرة: من الآية286)
(2) رواه البخاري.(2/20)
- فائدة: ينبغي للإنسان إذا أراد الصلاة الأ يكون همه ستر العورة فقط, وإنما ينبغي أن يتخذ الزينة لذلك, ولذلك قال الله تعالى { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ(1) } , ولهذا أمر الله تعالى أن نتحمل عند إرادة ملاقاة الله - عز وجل - , ولهذا قال ابن عمر لمولاه نافع وقد رآه يصلي حاسر الرأس { غط رأسك هل تخرج إلى الناس وأنت حاسر الرأس؟ قال لا. قال فالله أحق أن تتجمل له } (2), وهذا صحيح لمن عادتهم أنهم لا يحسرون عن رؤوسهم, إذا فالمسألة ليست ستر العورة فقط وإنما زيادة على ذلك الأمر بإتخاذ الزينة, فهذا هو الذي أمر الله به ودلت عليه السنة.
س14: وهل للثوب الساتر شروط؟ وما هي؟
ج/ نعم, للثوب الساتر شروط, وهي:
1) ألا يصف البشرة أي لون البشرة من بياض أو سواد لأن الستر إنما يحصل بذلك, ودليله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس, ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات, رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجمة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسير كذا وكذا } (3), ومن معاني (عاريات) أن تلبس ثوباً رقيقاً يصف لون بدنها.
2) أن يكون مباحاً, ويخرج من هذا ما كان محرماً لعينه كالخرير للرجال, أو لكسبه كالمغصوب, أو لوصفه كالثوب الذي فيه إسبال, فبعض العلماء يرى عدم صحة الصلاة في ما كان محرماً لعينه أو لكسبه أو لوصفه.
والراجح: صحة الصلاة مع الإثم إذا كان متعمداً غير معذور.
3) أن يكون طاهراً, والدليل قوله تعالى { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ(4) } , وسيأتي بيان هذا.
4) أن يكون غير مضر, فلو كان ستره لبدنه بثياب فيها ضرر على جسمه فلا نلزمه يلبس ذلك, لأن الله تعالى لم يوجب على عباده ما يشق عليهم.
__________
(1) الأعراف: من الآية31)
(2) أخرجه الطحأوي.
(3) رواه مسلم.
(4) المدثر:4)(2/21)
س15: ما هي أقسام العورة في باب الصلاة؟
ج/ أقسام العورة في باب الصلاة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
أولاً: عورة مغلظة: وهي عورة الحرة البالغة, فكلها عورة إلا وجهها في الصلاة ما لم تكن بحضرة رجال أجانب, فإن كانت بحضرتهم وجب عليها حتى تغطية وجهها.
وهنا مسألة فرعية وهي: هل يجب تغطية الكفين والقدمين في الصلاة أم لا؟
ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى(1): إلى أن الحرة عورة إلا ما يبدو منها في بيتها وهو الوجه والكفان والقدمان, وقال: إن النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كن يلبسن القمص وليس لكل إمرأة ثوبان, ولهذا إذا أصاب دم الحيض الثوب غسلته وصلت فيه كما ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أسماء بنت أبي بكر.
وعلى هذا تكون القدمان والكفان ليسا عورة في الصلاة, وأما في النظر فهما عورة, وهذا القول يرجحه الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله قال: "فأنا أقلد شيخ الإسلام في هذه المسألة, وأقول إن هذا هو الظاهر وإن لم نجزم به, لأن المرأة حتى ولو كان ثوبها يضرب على الأرض فإنها إذا سجدت سوف يظهر باطن قدمها" أ.هـ (2).
ثانياً عورة مخففة: وهي عورة الذكر من سبع سنوات إلى عشر, فهذا إذا ستر القبل والدبر صحت صلاته. والأحوط أن يستتر كالبالغ لقوله تعالى { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } (3).
ثالثاً عورة متوسطة: وهي عورة الرجل إذا بلغ عشراً فما فوق, فعورته ما بين السرة والركبة, والسرة والركبة ليستا من العورة, لحديث على رضي الله عنه في قصة قتل حمزة لشارفي علي رضي الله عنه وفيه { أن حمزة صعد النظر إلى ركبتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صعد النظر إلى سرته(4) } , وكذلك الأمة عورتها في باب الصلاة من السرة إلى الركبة.
__________
(1) مجموع الفتأوى 22/120-109, والاختيارات صـ40-41, وفقه ابن سعدي2/23-34.
(2) الممتع 2/157.
(3) لأعراف: من الآية31)
(4) رواه مسلم.(2/22)
وأم الولد: وهي من وضعت من سيدها ما تبين فيه خلق الإنسان.
والمكاتبة: وهي التي اشترت نفسها من سيدها.
والمدبرة: وهي التي علق عتقها بموت سيدها.
قالوا إن هؤلا عورتهن في الصلاة ما بين السرة والركبة, ولكن هذا فيه نظر, قال ابن حزم رحمه الله: "لا فرق بين الحرة والأمة" .
وقال في المحلي(1): "وأما الفرق بين الحرة والأمة فدين الله تعالى واحد, والخليفة والطبيعة واحدة, وكل ذلك في الحرائر والإماء سواء حتى يأتي النص بالفرق بينهما في شيء فيتوقف عنده" أ.هـ.
كذلك عورة المميزة وهي من تفهم الخطاب وترد الجواب.
كذلك المراهقة وهي التي قاربت البلوغ (وهذا التعريف عند الفقهاء خلاف ما يتعارف عليه الناس اليوم), فعورتها قالوا ما بين السرة والركبة, وذلك لعموم حديث عائشة رضي الله عنها { لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار(2) } , فيفهم منه أن غير البالغة تصح صلاتها بلا خمار, ولكن الأحوط: في المراهقة أن تستتر كالحرة, لقوله تعالى { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ(3) } , وما تقدم هذا حكم العورة في باب الصلاة, أما في باب النظر فبحث هذا في كتاب النكاح.
وهنا مسألة: إذا صلى الرجل البالغ وقد ستر ما بين السرة والركبة هل يلزمه ستر أحد عاتقيه أم لا؟
والعاتق: هو ما بين المنكب والرقبة, هذه المسألة على خلاف والراجح: أنه لا يجب ذلك أما قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة { لا يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء } (4), فهذا لا يدل على الوجوب لأن الأمر بستر العاتق فيه ليس لأن العاتق عورة, بل لأنه لا يُؤمن أن تنكشف عورته إذا لم يشده على عاتقه, ولئلا يخلو العاتق من شيء, لأنه أكمل في أخذ الزينة.
س16: ما الحكم فيمن صلى في ثوب محرم؟
__________
(1) 3/281.
(2) رواه الخمسة إلا النسائي وصححه ابن خزيمة.
(3) لأعراف: من الآية31)
(4) رواه البخاري ومسلم.(2/23)
ج/ من صلى في ثوب محرم لعينه كالحرير للرجل, أو لكسبه كالمغصوب, أو لوصفه كالثوب الذي فيه إسبال بالنسبة للرجل أو كما لو صلى الرجل في ثوب امرأة أو العكس, فحكم صلاته على الصحيح أنها صحيحه مع الإثم, وإنما حكمنا بصحة الصلاة, لأن الستر حصل بهذا الثوب والجهة منفكة, لأن تحريم لبس الثوب ليس من أجل الصلاة ولكنه تحريم مطلق, فلو قال الشارع مثلاً (لا تصلِ في هذا الثوب), لقيل بأن الصلاة باطلة فالشارع نهى عن لبس الثوب المحرم مطلقاً في صلاة أو غيرها.
س17: إذا لم يجد إلا ثوباً مغصوباً أو مسروقاً فهل يصلي فيه أو يصلي عرياناً؟
ج/ إذا لم يجد إلا ثوباً مغصوباً أو مسروقاً يقال هذا فيه تفصيل:
1. أن كان صاحب الثوب يرضى بذلك لزمه أن يصلي فيه.
2. إن لم يكن يرضى فلا يلزمه أن يصلي فيه.
أما إذا لم يجد الرجل إلا ثوب حرير فإنه يلبسه ويصلي فيه.
والفرق بين الحرير وبين المغصوب والمسروق أن الحرير حق لله تعالى, فيلبسه إذا لم يجد غيره ويصلي فيه, أما المسروق والمغصوب فهو حق للمخلوق, فلا يلبسه ويصلي فيه إذا كان صاحبه لا يرضى بذلك كما تقدم.
س18: ما هو الشرط السابع للصلاة؟ وما أدلة على ذلك؟
ج/ الشرط السابع هو: اجتناب النجاسة للبدن والثوب والبقعة, أما دليل اشتراط طهارة البدن, فلحديث ابن عباس رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستتر من البول, وأما الأخر فكان يمشي بالنميمة فأخذ جريدة رطبة فشقها نصفين, فغرز في كل قبر واحدة, فقالوا يا رسول الله لم فعلت هذا؟ قال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا } (1), وكذلك أحاديث الاستنجاء والإستجمار, ومن ذلك ما ورد في حديث عائشة مرفوعاً { إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار, فإنها تجزئ عنه } (2) كلها تدل على ذلك.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه أحمد, وأبو دأوود, وإسناده صحيح.(2/24)
أما دليل اشتراط طهارة الثوب, فلقول الله تعالى { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ(1) } , ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الحائض إذا أصاب ثوبها دم الحيض أن تغسله ثم تصلي فيه, كما في حديث أسماء بنت أبي بكر وقوله صلى الله عليه وسلم في دم الحيض يصيب الثوب { تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضخه ثم تصلي فيه } .
أما دليل اشتراط طهارة المكان فلقوله تعالى { أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } (2).
س19: ما الحكم لو صلى بالنجاسة وهو عالم بها مع قدرته على إزالتها ولم يزلها؟
ج/ من صلى بالنجاسة وهو عالم بها مع قدرته على إزالتها, ولم يزلها فإن صلاته باطلة, لأن اشتراط الطهارة في البدن والثوب والبقعة شرط لصحة الصلاة على الصحيح من أقوال أهل العلم, كما هو مذهب الجمهور.
س20: إذا حبس الإنسان في مكان نجس فكيف يصلي؟
ج/ إذا حبس الإنسان في مكان نجس إن كانت النجاسة يابسة صلى كالعادة حتى السجود يكون تاماً, أما إذا كانت النجاسة رطبة فإنه يجلس على قدميه " أي يصلي قاعداً على قدميه " ولا يضع على الأرض غيرهما, تقليلاً للنجاسة, لأنه إذا كانت النجاسة رطبة وجب أن يتوقاها بقدر الإمكان, وأقل ما يمكن أن يباشر النجاسة أن يجلس على القدمين, ولا يركع ولا يقعد, لأنه لو قعد لتلوث ساقه وثوبه وركبتيه فيقلل من النجاسة ما أمكنه, ويومئ بالركوع والسجود كذلك ما أمكنه.
س21: ما الحكم لو مس ثوب المصلي ثوباً آخر نجساً ولم تنتقل إليه؟
ج/ لو مس ثوب المصلي ثوباً آخر نجساً ولم تنتقل إليه النجاسة فلا بأس بذلك, وصلاته صحيحة.
س22: لو صلى بجانب حائط فيه نجاسة لكنه لم يستند إليه؟
ج/ لو صلى بجانب حائط فيه نجاسة لكنه لم يستند إليه فصلاته صحيحة كذلك.
س23: لو صلى على سجادة أو على أي شئ طاهر لكن طرفه متنجس ولم يباشر النجاسة؟
__________
(1) المدثر:4)
(2) البقرة: من الآية125)(2/25)
لو صلى على سجادة أو على أي شئ طاهر لكن طرفه متنجس ولم يباشر النجاسة فصلاته صحيحة, لأنه لم يباشر النجاسة, ويدل على ذلك ما رواه أنس بن سيرين قال { استقبلنا أنساً حين قدم من الشام, فلقيناه بعين التمر فرأيته يصلي على حمار ووجهه من ذا الجانب "يعني عن يسار القبلة" فقلت { رأيتك تصلي لغير القبلة؟ فقال: لو أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ما فعلته } (1) , فيستفاد من هذا الحديث أن من صلى في موضع فيه نجاسة لا يباشرها بشيء منه فإن صلاته صحيحة, لأن الدابة لا تخلو من نجاسة ولو على منفذها " أي مكان خروج البول والغائط " .
س24: ما الحكم لو صلى ورأى نجاسة بعد الانتهاء من الصلاة؟
ج/ من صلى ورأى نجاسة بعد الانتهاء من الصلاة, هذه مسألة لها خمس صور:
1. أن يرى النجاسة بعد الصلاة, لكنه لا يعلم متى أصابته النجاسة هل هي قبل الصلاة أو في أثناء الصلاة أو بعد الصلاة, فهذا صلاته صحيحة, لأن الأصل عدم النجاسة, ووجود النجاسة قبل الصلاة أو في أثنائها مشكوك فيه, فلا يترك اليقين للشك للقاعدة {أن اليقين لا يزول بالشك}.
2. أن يعلم أن النجاسة أصابته قبل الصلاة, ولكنه جهلها.
مثال ذلك: رجل حمل صبياً قبل أن يصلي ثم صلى ولما رجع من صلاته وجد على ثوبه أثر النجاسة, وهو لم يحمل الصبي بعد الصلاة, فهنا قطعاً أنها قبل الصلاة ولكنه جهلها, فهذا أيضاً صلاته صحيحة ولا يلزمه الإعادة.
3. أن يعلم بالنجاسة قبل الصلاة, لكنه نسى أن يغسلها حتى فرغ من الصلاة, فصلاته صحيحة.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.(2/26)
4. إذا علم بالنجاسة قبل الصلاة ونسيها ثم تذكرها أثناء الصلاة, أو لم يعلم بها إلا أثناء الصلاة, فإنه يزيلها سريعاً وتصح صلاته, لما ورد في حديث أبي سعيد ألخدري قال { بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره, فلما رأى القوم ألقوا نعالهم, فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال: ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟ قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن جبريل عليه السلام أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً أو قال أذى وقال: إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذراً أو أذى فليمسحه, وليصل فيهما } (1). وإن لم يزلها سريعاً لم تصح, لأنه صلى وهو حامل للنجاسة مع علمه بذلك.
5. أن يجهل الحكم أي يعلم أن هذه النجاسة من النجاسات وصلى, أو يجهل أن الصلاة بالنجاسات تبطل الصلاة, فصلاته صحيحة.
الخلاصة: أن الصلاة في كل هذه المسائل صحيحة.
والدليل على ذلك القاعدة العامة في قوله تعالى { رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا(2) } , وهناك أيضاً دليل خاص في الحالة الرابعة وهو حديث أبي سعيد ألخدري, فإذا لم يبطل هذا أول الصلاة فإنه لا يبطل بقية الصلاة.
س25: ما حكم صلاة من صلى في أرض مغصوبة؟
ج/ إذا صلى الإنسان في أرض مغصوبة فالصحيح أن صلاته صحيحه مع الإثم, لأن النهي لا يعود إلى ذات المنهي عنه ولا إلى وصفه اللازم, وإنما إلى أمر خارج, فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل " لا تصلوا في الأرض المغصوبة " وإنما نهى صلى الله عليه وسلم عن الغصب والسرقة.
س26: ما حكم الصلاة في المقبرة؟
ج/ الصلاة في المقبرة إذا دفن فيها ولو واحد باطلة, ولا تصح.
__________
(1) رواه أحمد, وأبو داود, وغيرهما, وصححه الحاكم على شرط مسلم.
(2) البقرة: من الآية286)(2/27)
والدليل على ذلك: حديث أبي سعيد ألخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام } (1), ولما روى أبو مرثد الغنوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا تصلوا إلى القبور, ولا تجلسوا عليها(2) } . السبب في ذلك ليست على النجاسة, وإنما لكون ذلك ذريعة ووسيلة إلى الشرك.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في مجموع الفتوى(3): " ونجاسة تراب المقبرة فيه نظر, فإنه مبني على مسألة الاستحالة, ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مقبرة للمشركين, ثم لما نُبش الموتى جعلت مسجداً مع بقاء ما بقي فيها من التراب, فبين أن الحكم معلق بظهور القبور لا بنجاسة التراب " . أ.هـ .
ويستثنى من الصلاة في المقبرة: الصلاة على الجنازة, لفعله صلى الله عليه وسلم , كما ورد ذلك في حديث زيد بن ثابت في قصة المرأة التي كانت تقم المسجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم { هلاّ آذنتموني " أي أخبرتموني " فقال: دلوني على قبرها, فخرج بنفسه عليه السلام وصلى على قبرها } (4) .
س27: ما حكم الصلاة في المجزرة؟
ج/ الصلاة في المجزرة " وهي موضع نحر الإبل وذبح البقر والغنم " لا تصح, لأنها مظنة النجاسة فالدم المسفوح نجس. والدليل على ذلك حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى أن يصلى في سبع مواطن.. وذكر منها المجزرة } (5) , لكن لو صلى في المجزرة ولم يباشر النجاسة بأن صلى في طرفها, فصلاته صحيحة, لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.
س28: ما حكم الصلاة في المزبلة؟
ج/ الصلاة في المزبلة " وهي مجمع الكنائس " لا تصح كذلك لعلة النجاسة, بدليل حديث ابن عمر السابق وفيه: (والمزبلة) والكلام هنا كا الكلام في الصلاة في المجزرة.
س29: ما حكم الصلاة في الحش؟
__________
(1) رواه أحمد, والترمذي, وغيرهما.
(2) رواه مسلم.
(3) 21/321.
(4) رواه البخاري ومسلم.
(5) رواه ابن ماجه, والترمذي, وعبدبن حميد في مسنده.(2/28)
ج/ الصلاة في الحش " وهو موضع قضاء الحاجة " , لا تصح كذلك الصلاة فيه, لأنه نجس خبيث ولأنه مأوى الشياطين, والدليل على عدم صحة الصلاة فيها حديث أبي سعيد المتقدم: { ألأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام } , وسيأتي بيان المراد بالحمام, فإذا كان الحمام لا تصح الصلاة فيه فالحش من باب أولى.
س30: ما حكم الصلاة في أعطان الإبل؟
ج/الصلاة في أعطان الإبل لا تصح أيضا, والمراد بمعاطن الإبل يشمل ثلاثة أشياء:
1) مباركها.
2) ما تقيم فيه وتأوي إليه.
3) ما تبرك فيه عند صدورها من الماء أو انتظارها الماء, وكذلك لو اعتادت الإبل أنها تبرك في مكان وإن لم يكن مكاناً مستقراً لها فإنه يعتبر معطناً, والدليل على النهي عن الصلاة في معاطن الإبل حديث جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { صلوا في مرايض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل(1) } .
والحكمة من النهي عن ذلك: على الراجح ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله تعالى حيث قال: " وأما أعطان الإبل فقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم في توجيه ذلك " بأنها من الشياطين " "وبأنها خلقت من الشياطين " والشيطان اسم لكل عات متمرد من جميع الحيوانات فمعاطنها مأوى الشياطين أعني أنها في أنفسها جن وشياطين لمشاركتها لها في العتو والتمرد.. فنهى الشارع عن الصلاة فيها " أ.هـ (2).
س31: ما حكم الصلاة بقارعة الطريق؟
ج/ المقصود بقارعة الطريق هو ما تقرعه الأقدام, وحكم الصلاة بقارعة الطريق صحيحة على الراجح, إذا لم يكن الطريق نجساً, لأن الأصل الحل, لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث { وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً } (3) , لكن إن كان الطريق مسلوكاً فالصلاة فيه حال سلوك الناس فيه تكون مكروهة من أجل الإنشغال والتشويش, وإن كان ذلك يؤدي إلى إيذاء سالكي الطريق فهذا محرم, لأذية الناس, لكن الصلاة صحيحة.
س32: ما حكم الصلاة في الحماّم؟
__________
(1) رواه مسلم.
(2) شرح العمدة 2/159.
(3) رواه البخاري ومسلم.(2/29)
ج/ الحمام هو المغتسل, وكانوا في السابق يجعلون الحمامات مغتسلات للناس يغتسل فيها الناس " وليس المقصود به المرحاض " فالصلاة في الحمام لا تصح لحديث أبي سعيد المتقدم.
س33: حكم الصلاة في سطح المقبرة والحش وأعطان الإبل والحمام؟
ج/ حكم الصلاة في أسطح ما يحرم الصلاة فيها وهي: المقبرة, الحش, وأعطان الإبل, الحمام, الراجح أن الصلاة في أسطح هذه المواضع صحيحة إلا أنه يستثنى من ذلك سطح المقبرة, لأن علة النهي في الصلاة في المقبرة هي كونها ذريعة إلى الشرك, وهذا موجود في السطح أيضاً, وبناءً على هذا يستثنى من ذلك سطح المقبرة, كما لو بُني غرفة في زأوية من المقبرة, فلا تصح الصلاة فوق سطحها لما تقدم.
س34: ما حكم الصلاة في جوف الكعبة؟
ج/أما النافلة فهي صحيحة, لما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم { صلى في البيت ركعتين } (1). أما صلاة الفريضة فعلى خلاف والراجح صحة صلاة الفريضة في جوف الكعبة, للقاعدة {أن ما ثبت في النقل ثبت في الفرض إلا بدليل}.
س35: ما هو الشرط الثامن من شروط الصلاة؟
ج/ الشرط الثامن من شروط الصلاة: استقبال القبلة, والمراد بالقبلة الكعبة, والدليل على اشتراط ذلك الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب: فلقول الله تعالى { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } (2).
ومن السنة: قول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته { إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر } (3).
__________
(1) متفق عليه.
(2) البقرة: من الآية150)
(3) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.(2/30)
الإجماع منعقد على ذلك. فقد أجمع المسلمون على وجوب استقبال القبلة في الصلاة, قال شيخ الإسلام رحمه الله: " واستقبال القبلة(البيت الحرام) شرط لجواز الصلاة وصحتها, وهذا مما أجمعت عليه الأمة, والأصل فيه قوله تعالى { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ " } أ.هـ (1).
س36: متى يكون استقبال القبلة من شروط صحة الصلاة؟
ج/يكون استقبال القبلة من شروط صحة الصلاة مع القدرة على ذلك, ويخرج من ذلك العاجز عن استقبال القبلة, وبناءً على هذا يستثنى من استقبال القبلة ما يلي:
1-العاجز عن استقبال القبلة كالمريض الذي لا يستطيع الحركة إذا كانت الحركة تؤثر عليه, أو لا تؤثر عليه, وليس عنده من يوجهه إلى القبلة, والدليل قول الله تعالى { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ(2) } .
2- حال اشتداد الحرب, ومثل ذلك إذا كان هارباً من العدو المباح هربه, أو من سبع, أو من نار, لحديث ابن عمر { فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا قياماً على أقدامهم, أو ركباناً مستقبلي القبلة وغير مستقبليها } .
3- المتنفل الراكب السائر في سفره.
س37: ما هي ضوابط جواز التنفل على الراحلة وترك استقبال القبلة؟
ج/
1. أن تكون الصلاة نافلة, وضده المفترض.
2. أن يكون سائر وضده النازل في مكان, وعلى هذا لو كان مسافراً ووقف أثناء الطريق, فهذا ليس له أن يتنفل على الراحلة, بل ينزل منها ويصلي.
3. أن يكون في سفر وضده الحضر, وعلى هذا لو كان في بلده وكان البلد مترامي الأطراف, وهو على راحلته, فليس له أن يتنفل على الراحلة.
س38: لو كان مسافراً سيراً على الأقدام فهل له أن يتنفل؟
ج/ لو كان مسافراً سيراً على الأقدام الصحيح أن له أن يتنفل, ويومئ بالركوع والسجود, لعموم قوله تعالى { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ(3) } .
__________
(1) شرح العمدة 2/193.
(2) التغابن: من الآية16)
(3) البقرة: من الآية115)(2/31)
والمعنى الذي أبيح للراكب أن يصلي لأجله موجود في الماشي "وهو تكثير النفل" ولأنه يجوز أن يصلي ماشياً طلباً للعدو في المكتوبة كما فعل عبدالله بن أنيس(1), فكذلك في النافلة في السفر.
س39: هل يلزم المسافر التنفل سواء كان راكباً أو ماشياً أن يستفتح الصلاة إلى القبلة؟
ج/ الصحيح في هذه المسألة أن الأفضل أن يبتدئ الصلاة متجهاً إلى القبلة, ثم يتجه حيث كان وجهه, لكن لا يلزمه ذلك.
قال السعدي رحمه الله: (والصحيح أن المتنفل على راحلته لا يلزمه الإستقبال في الركوع والسجود, ولا في الإحرام, لأن النبي صلى الله عليه وسلم { كان يصلي حيث توجهت به راحلته } (2).
س40: بماذا يستدل على القبلة؟
ج/ يستدل على القبلة بما يلي:
1- بمشاهدتها.
2- أن يكون بخبر ثقة, حتى ولو كان هذا الثقة أخبر عن اجتهاد فإنه يؤخذ بقوله إذا كان من أهل الاجتهاد في معرفة القبلة, والثقة تستلزم العدالة والخبرة.
3- كذلك يستدل عليها بالمحاريب الإسلامية.
4- كذلك من العلامات ”القطب" وهذا أثبت الأدلة لأنه لا يزول عن مكانه إلا قليلاً وهو من جهة الشمال, فإذا حدد الإنسان الشمال حدد باقي الجهات, ويقولون أنه خفي لا يراه إلا حاد البصر في غير الليالي المقمرة, ولكن قالوا يستدل عليه بالجدي.
5- الشمس والقمر, لأن الشمس والقمر كلاهما يخرج من المشرق ويغرب من المغرب.
س41: ما الحكم لو اختلف مجتهدان في القبلة؟
__________
(1) حديث عبدالله بن أنيس(لما بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - لقتل خالد بن سفيان الهذلي صلى ماشياً بالإيماء إلى الكعبة) أخرجه أحمد, وأبو داود وابن أبي شيبة, والبيهقي, وأبو يعلى, وسكت عنه أبو داود والمنذري, وحسنه الحافظ في الفتح.
(2) أخرجه البخاري في الصلاة/باب ينزل للمكتوبة, ومسلم في صلاة المسافرين/باب جواز صلاة النافلة على الدابة عن ابن عمر رضي الله عنهما. المختارات الجلية صـ 43.(2/32)
ج/ المجتهد هو العالم بأدلة القبلة, والحكم فيما لو اختلف مجتهدان في القبلة هذه المسألة لا تخلو من حالتين:
1) أن يختلفا جهة, وذلك بأن يقول أحدهما: الجهة هنا ويشير إلى الشمال, ويشير الآخر إلى الجنوب, قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع: )فإن كان المجتهد حين اجتهد واجتهد الآخر الذي هو أعلم منه صار عنده تردد في اجتهاده وغلبة ظنه في اجتهاد صاحبه فعلى المذهب لا يتبعه, لأنهم يقولون لا بد أن يكون خبر الثقة عن يقين.
والراجح: أنه يتبعه, لأنه لما تردد في اجتهاده بطل اجتهاده, ولما غلب على ظنه صدق اجتهاد صاحبه وجب عليه أن يتبع ما هو أحرى, لحديث ابن مسعود مرفوعاً { فليتحر الصواب ثم ليبنِ عليه(1) } , أما إذا لم يحصل تردد عند أحدهما فكل منهما يصلي لوحده.
2- أن يتفقا جهة, لكن يميل أحدهما يميناً والآخر شمالاً, فهنا التصحيح أنه يتبع أحدهما الآخر, لأن الواجب استقبال الجهة وقد اتفقا فيها.
س42: ما الحكم لو كان هناك مجتهدان اختلفا في الجهة وثالث ليس بمجتهد فأي المجتهدين تبع؟
ج/ أذا اختلف مجتهدان في الجهة وثالث ليس بمجتهد فالصحيح أنه يتبع أوثقهما, أي أعلمهما وأصدقهما وأشدهما تحرياً لدينه, لأن الصواب إليه أقرب, فإن تسأويا خُيّر أي يتبع من شاء منهما.
س43: ما الحكم لو صلى الإنسان بغير اجتهاد ولا تقليد؟
ج/هذه المسألة لها ثلاث حالات:
1. أن يعلم أنه أخطأ (أي صلى إلى غير جهة القبلة) فعليه الإعادة.
2. أن يجهل الأمر, فعليه الإعادة, لأنه لم يأتِ بما أُمر به.
3. أن يعلم أنه أصاب, فهذا على الراجح أنه لا يعيد, وصلاته صحيحه.
س44: ما الحكم لو صلى باجتهاد؟
__________
(1) أخرجه البخاري في الصلاة/باب التوجه نحو القبلة حيث كان, ومسلم في المساجد/باب السهو في الصلاة. الممتع2/276.(2/33)
ج/ إذا صلى باجتهاد فصلاته صحيحة سواء أخطأ أم أصاب, وسواء كان اجتهاده في السفر وهذا ظاهر, أو في الحضر على الراجح أي أن له أن يجتهد في البلد إذا كان من أهل الإجتهاد, ولو فعل ذلك وتبين خطؤه صحت صلاته, ولا يلزمه الإعادة على القول الراجح.
س45: ما فرض من كان قريباً من القبلة (أي الكعبة)؟
ج/ الواجب عليه إصابة عين الكعبة, وهذا في حق من أمكنه مشاهدة الكعبة, وعلى هذا من كان في الحرم لزمه التوجه إلى عين الكعبة ببدنه كله. بحيث لا يخرج شيء منه عن الكعبة, وعلى هذا لو انحرف عنها بطلت صلاته ولزمته الإعادة, لأنه قادر على التوجه إلى عينها قطعاً فلم يجز العدول عنه.
س46: لو كان الإنسان لا يعرف اتجاه القبلة فاجتهد في تحريها فهل يلزمه أن يجتهد لكل صلاة, أم يكفي اجتهاده للصلاة الأولى؟
ج/ الراجح أنه لا يلزمه أن يجتهد لكل صلاة ما لم يكن هناك سبب مثل: أن يطرأ عليه شك في الاجتهاد الأول فحينئذ يعيد النظر سواء كان الشك بإثارة الغير أو إثارة نفسه, ونظير ذلك المجتهد في المسائل العلمية.. فلا يلزمه أن يعيد البحث مرة أخرى ما لم يتبين له خطؤه فيجب إعادة النظر.
س47: ما هو الشرط التاسع من شروط الصلاة؟ وما دليله؟
ج/ الشرط التاسع من شروط الصلاة (النية).
فالنية لغة: هي القصد.
أما في الشرع: العزم على فعل العبادة تقرباً إلى الله تعالى, وقد أجمع العلماء على أن الصلاة لا تصح إلا بنية لقوله تعالى { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ(1) } , ولحديث ابن عمر { إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرئٍ ما نوى(2) } .
س48: إلى كم تنقسم النية؟
ج/ تنقسم النية إلى قسمين:
1- نية العمل له: وهذه هي التي يتكلم عنها الفقهاء رحمهم الله, لأنه يقصد بالنية النية التي تتميز بها العبادة عن العادة وتتميز بها العبادات بعضها عن بعض.
__________
(1) البينة: من الآية5)
(2) رواه البخاري ومسلم.(2/34)
2- نية المعمول له: وهذه يتكلم عنها علماء العقيدة, وهي أعظم من القسم الأول فنية المعمول له أهم من نية العمل, لأن عليها مدار الصحة قال تعالى في الحديث القدسي { أنا أغنى الشركاء عن الشرك, من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه(1) } .
س49: ما فائدة النية؟
ج/ فائدة النية:
الأولى: تميز العبادات عن العادات.
مثال ذلك: الغسل قد يفعله الإنسان قربة إلى الله تعالى كالغسل عن الحدث الأكبر وكغسل الجمعة, وقد يفعله الإنسان للتبرد والتنظيف.
الثانية: تمييز العبادات بعضها عن بعض.
مثال ذلك: الصلاة فقد يصلي الإنسان ركعتين قد ينوي بها الفرض, وقد ينوي بها السنة المؤكدة, وقد ينوي بها النذر, وقد ينوي بها النفل المطلق.
س50: أين محل النية؟
ج/ أجمع العلماء على أن محل النية القلب, لأن النية القصد والعزم على فعل الشيء ومصدر ذلك القلب.
س51: هل يجهر بالنية؟
ج/ قال شيخ الإسلام في مجموع الفتأوى(2): (والجهر بالنية لا يجب ولا يستحب باتفاق المسلمين, بل الجهر بالنية مبتدع مخالف للشريعة, إذا فعل ذلك معتقداً أنه من الشرع فهو جاهل ضال يستحق التعزير والعقوبة على ذلك إذا أصر على ذلك بعد تعريفه والبيان له لا سيما إذا آذى من إلى جانبه برفع صوته أو كرر ذلك مرة بعد مرة, فإنه يستحق التعزير البليغ على ذلك) أ.هـ.
س52: ما هي شروط النية؟
ج/ شروط النية هي ؟
1. الإسلام, فلو كان كافراً لم تصح منه نية العبادة, لأنه لم يأتِ بالأصل وهو التوحيد.
2. العقل, فالمجنون لا قصد له صحيح, فلا نية له.
3. التمييز, لأن الصغير لا قصد له, فلا نية له, وحد التمييز على الصحيح أنه من فهم الخطاب ورد الجواب.
س53: ما هو زمن النية (أي متى تكون النية) هل لابد أن تكون مصاحبة لتكبيرة الإحرام في الصلاة أم يصح أن تكون قبلها بزمن يسير؟
__________
(1) رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) 22/218.(2/35)
ج/ الراجح أن النية تصح حتى لو كانت النية قبل العبادة بزمن ولو كثر, مثلاً لو أذن المؤذن فقام الإنسان وتوضأ للصلاة ثم أقيمت الصلاة وغربت النية عن خاطره فالصلاة صحيحة, لأنه لم يفسخ النية الأولى فحكمها مستصحب إلى الفعل, لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم { إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرئٍ ما نوى } .
ويجب أن يعلم أن أمر النية ليس صعباً, قال شيخ الإسلام(1): (النية تتبع العمل, فمن علم ما يريد فعله قصده ضرورة) , حتى قال أهل العلم: لو كلفنا الله عملاً بدون نية لكن من تكليف ما لا يطاق.
س54: هل يشترط مع النية أن يعين الصلاة التي يريد أن يصليها أم يكفي نية عموم الصلاة؟
ج/ يقال الصلاة لا تخلو من أمرين:
1) أن تكون الصلاة غير معينة كالنفل المطلق فهذا لا يشترط فيها التعين, فيكفي أن ينوي إرادة الصلاة فقط.
2) إذا كانت الصلاة معينة كصلاة الفريضة أو السنة الراتبة ونحو ذلك, فهذه كذلك على الصحيح لا يشترط تعيين المعينة فيكفي أن ينوي الصلاة, وتتعين الصلاة بتعين الوقت, فإذا توضأ لصلاة الظهر ثم صلى وغاب عن ذهنه أنها الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء أو الفجر فالصلاة صحيحة, لأن الإنسان لو سئل ماذا تريد بهذه الصلاة لقال أريد بها الصلاة الحاضرة سواءً كانت الظهر أو غيرها.
س55: لو كان الإنسان يصلي رباعية لكن لا يدري هل هي الظهر أو العصر أو العشاء ولكنه صلى أربعاً بنية الواجب عليه فهل تصح صلاته أم لا؟
ج/ الراجح أنه لا يشترط التعيين وأن الوقت هو الذي يعين الصلاة, وعلى هذا لو قال إنسان على صلاة رباعية فائته لكن لكن لا أدري أهي الظهر أو العصر أو العشاء فما الحكم؟
يقال له: صلِ أربعاً بنية ما عليك وتبرأ بذلك ذمتك.
س56: لو قال إنسان أنا على صلاة من يوم لكن لا أدري أهي الفجر أو الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء فما الحكم؟
__________
(1) انظر(الاختيارات الفقهية من فتأوى شيخ الإسلام ابن تيمية) صـ49.(2/36)
ج/ على القول بعدم اشتراط التعيين يقال له: صلِ أربعاً وثلاثاً واثنين, أربعاً تجزئ عن الظهر أو العصر أو العشاء, وثلاثاً عن المغرب, واثنين عن الفجر, وهذا هو الراجح.
وعلى القول بوجوب التعيين قالوا يصلي خمس صلوات الفجر, والظهر, والعصر, والمغرب, والعشاء. لكن الراجح هو الأول.
س57: هل يشترط تعيين الصلاة, كون الصلاة فرضاً أو أداء حاضرة أو قضاء أو إعادة أم لا؟
ج/ الصحيح أنه لا يشترط ذلك, فإذا صلى الظهر مثلاً فنية الظهر تتضمن نية الفرض, كذلك إذا صلى الصلاة في وقتها لا يشترط نية الأداء, لأنه إذا صلى في الوقت فهي أداء, كذلك لا يشترط في القضاء نية أنها مقضية, كذلك لا يشترط في الصلاة المُعادة نية الإعادة.
الأداء: وهي فعل العبادة في وقتها المحدد شرعاً.
القضاء: فعل العبادة بعد وقتها المحدد شرعاً.
الإعادة: فعل العبادة مرة ثانية في وقتها المحدد شرعاً سواءً كان لبطلان الأولى أو لغير بطلانها.
س58: هل يشترط نية الإمامة للإمام أم لا؟
مثال ذلك: لو أن رجلاً كان يصلي منفرداً, فجاء شخص ودخل معه في الصلاة, فانتقل هذا المصلي من كونه منفرداً إلى كونه إماماً, فهل يصح ذلك أم لا؟
ج/الراجح في هذا أنه لا بأس به, والدليل على ذلك ما روته عائشة رضي الله عنها قالت: { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل في حجرته, وجدار الحجرة قصير فرأى الناس شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام الناس بصلاته (1) } , ولما رواه ابن عباس قال: { بّتٌُ عند خالتي ميمونة بنت الحارث, فقلت لها: إذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأيقظيني, فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت إلى جنبه الأيسر, فأخذني بيدي, فجعلني من شقه الأيمن(2) } , وهذا وإن كان في النفل لكن القاعدة تقول {ما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل}.
س59: هل يشترط نية الائتمام بالنسبة للمأموم؟
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه البخاري ومسلم.(2/37)
مثال ذلك: لو أن رجلاً يصلي منفرداً ثم جاءت جماعة فدخل معهم, فهو انتقل من منفرد إلى مأموم, فهل يصح ذلك أم لا؟
ج/ الراجح أنه لا بأس بذلك؟ لأنه ثبت في السنة صحة الانتقال من الإنفراد إلى الإمامة, لحديث عائشة وابن عباس وقد تقدم ذكرهما, فدل هذا على أن مثل هذا التغير لا يؤثر, فكما يصح الانتقال من انفراد إلى إمامه, فإنه يصح الانتقال من انفراد إلى ائتمام ولا فرق.
س60: إذا نوى الإمام غير الإمامة والمأموم غير الائتمام, فما هي صور هذه المسألة؟
ج/ هذه المسألة لها سبع صور:
1. أن ينوي الإمام أنه مأموم والمأموم أنه إمام, فهذه لا تصح للتضاد, لأن عمل الإمام غير عمل المأموم.
2. أن ينوي كل واحد منهما أنه إمام للآخر, وهذه أيضاً لا تصح للتضاد, لأنه لا يمكن أن يكون الإمام في نفس الوقت مأموم فلا يكون هناك مأموم.
3. أن ينوي كل واحد منهما أنه مأموم للآخر, فهذه أيضاً لا تصح, لأنهما في هذه الحالة لا يكون لهما إمام.
4. أن ينوي المأموم الائتمام ولا ينوي الإمام الإمامة, مثل: أن يأتي شخصان إلى إنسان فيقتديا به فينويا أنه إمامهما, وهذا الذي يصلي لم يعلم بأن أحداً يصلي وراءه وأنه إمام له, فالراجح هنا أنه يصح أن يأتم الإنسان بشخص لم ينو الإمامة, والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم { قام يصلي في رمضان ذات ليلة فاجتمع إليه ناس فصلوا معه ولم يكن علم بهم, ثم صلوا في الثانية والثالثة وعلم بهم ولكنه تأخر في الرابعة خوفاً من أن تفرض.عليهم } (1), ولأن المقصود المتابعة وقد حصلت, وفي هذه الحالة يكون للمأموم ثواب الجماعة, ولا يكون للإمام, لأن المأموم نوى فكان له ما نوى والإمام لم ينوِ فلا يحصل له ما لم ينوه.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها.(2/38)
5. أن ينوي الإمام الإمامة دون مأموم, كرجل جاء إلى جنب رجل وكبر فظن الأول أنه يريد أن يكون مأموماً به فنوى الإمامة, والآخر لم ينو الإئتمام فهنا لا يحصل ثواب الجماعة لا للإمام ولا للمأموم, لأنه ليس هناك جماعة, قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: (وهذه لو قال قائل بصحتها لم يكن بعيداً بشرط أن يقتدي المأموم بالإمام. أما إذا لم يقتد بالإمام فلا, لأن الجماعة لم تحصل(1)( أ.هـ
6. أن يتابعه بدون نيه, كما لو اقتدى شخص بشخص وهو محدث وخجل أن يذهب ليتوضأ فيتابعه وهو لم ينو الصلاة لأنه محدث, فهذه لا تصح والواجب عليه أن ينصرف.
7. أن ينوي الإمام أنه إمام والمأموم أنه مأموم, وهذه صحيحة بلا إشكال.
س61: ما حكم الإنتقال من إئتمام إلى انفراد؟
ج/ مثال ذلك: لو دخل المأموم مع الإمام في الصلاة ثم طرأ له عذر كما لو كان الإمام يطول في الصلاة تطويلاً زائداً عن السنة, صح ذلك, بدليل حديث جابر رضي الله عنه { أن معاذاً صلى فقرأ سورة البقرة فتأخر رجل فصلى وحده فقيل له: نافقت, قال: ما نافقت, ولكم لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفتان أنت يا معاذ؟ قالها مرتين(2) } , ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بإعادة الصلاة.
كذلك من أمثلة ذلك لو طرأ على الإنسان عذر يشق معه أن يتابع الإمام, فينفرد ليكمل الصلاة, صح ذلك لكن بشرط أن يستفيد من الإنفراد, ومعنى ذلك لو كان الإمام يسبح في الركوع أو السجود مثلاً ثلاث مرات, فهذا المأموم إذا افرد يسبح على مرة واحدة, فهو يستفيد هنا, فهنا له الإنفراد, لكن لو كان الإمام اقتصر على الواجب في التسبيح بمعنى أنه لا يسبح إلا مرة واحدة فهنا لو انفرد المأموم فإنه لن يستفيد, فيقال له هنا: إما أن تستمر مع الإمام وإما أن تقطع الصلاة.
__________
(1) الممتع2/300.
(2) متفق عليه.(2/39)
س62: إذا نوى المأموم الإنفراد فهل تكفي قراءة الإمام الفاتحة عن المأموم الذي نوى الإنفراد؟
1) إذا كان الإمام قرأ الفاتحة كلها, فله أن يركع لأن يركع لأن قراءة الإمام قراءة للمأموم.
2) إذا كان المأموم لم يقرأ الفاتحة, فإن المأموم يقرأها.
3) إذا قرأ الإمام نصف الفاتحة, فإن المأموم يكملها, وهذا التقسيم عند الحنابلة الذين يرون أن الإمام يتحمل القراءة عن المأموم سواءً في الصلاة السرية أو الجهرية.
والراجح: وجوبها على المأموم سواء في الصلاة السرية أو الجهرية كما سيأتي بيانه, وعلى هذا لو أراد المأموم أن ينفرد لعذر إن أراد الإنفراد حال القيام فإنه لا يركع حتى يقرأ الفاتحة, سواء قرأها الإمام أو قرأ نصفها أو لم يقرأ منها شيئاً.
س:63: ما الحكم فيما لو حصل للإمام عذرا يمنعه من الإستمرار في صلاته؟
ج/ هذه المسألة لا تخلو من حالتين:
1) أن يكون العذر الذي طرأ على الإمام غير مبطل للصلاة, كما لو كان عذره الخوف على نفسه أو أهله أو حصره بول أو غائط ونحو ذلك, فهذا على الصحيح أنه يقطع صلاته, ويستخلف أحد المأمومين كما هو مذهب الجمهور.
2) أن يكون العذر مبطلاً للصلاة (أي يبطل صلاة الإمام), كما لو سبقه الحدث, فكذلك هنا الراجح أن الإمام له أن يستخلف وصلاة المأموم وصلاة المأموم صحيحة حتى لو كان الإمام دخل في الصلاة وهو محدث ولم يعلم المأموم بحدث الإمام إلا بعد انتهاء الصلاة, فصلاة المأموم صحيحة لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم, وإن أخطئوا فلكم وعليهم(1) } , فإن لم يستخلف الإمام فإن المأمومين بالخيار إذا أكملوا الصلاة جماعة بأن يقدموا أحدهم وهو الأحسن, وإن شاؤا صلوا فرادى.
س64: ما حكم قلب الصلاة إلى نية صلاة أخرى؟
ج/هذه المسألة لها أربع صور؟
__________
(1) رواه البخاري.(2/40)
1. نقل النية من معين إلى معين, فهنا الحكم تبطل الأولى ولا تنعقد الثانية, مثال ذلك: إنسان أحرم بصلاة الظهر ثم تذكر أنه لم يصلِ الراتبة القبلية فقلب النية من كونها صلاة ظهر إلى راتبة قبلية, فهنا تبطل الأولى ولا تنعقد الثانية, وعلى هذا يبدأ الصلاة من جديد.
2. نقل النية من مطلق إلى مطلق, كما لو أراد أن يصلي قبل المغرب أربع ركعات يسلم من كل ركعتين, فبدأ بالركعتين الأوليين ثم قلبها إلى الأخيرتين, فلا بأس بذلك.
3. نقل النية من معين إلى مطلق, فهذا يصح كما لو قلب صلاة الظهر أو الراتبة إلى نفل مطلق, لأنه لما شرع في الظهر أو السنة الراتبة جمع في صلاته بين نيتين, نية الصلاة ونية التعيين, فهو أبطل نية التعيين وبقيت نية الصلاة, ونية الصلاة تكفي للنفل المطلق, لكن يشترط هنا ألا يتضايق الوقت, فلو أحرم للظهر مثلاً وقلبها نفلاً صح ذلك لكن بشرط ألا يكون وقت الظهر(أي أن وقت الصلاة) قرب أن يخرج.
4. نقل النية من مطلق إلى معين, كما لو أراد أن يقلب النفل المطلق إلى سنة راتبة أو صلاة ظهر مثلاً, فهذا لا يصح.
س65: ما الحكم لو أنه عزم على قطع نية الصلاة؟
ج/ هذه المسألة لا تخلو من أحوال:
الحالة الأولى: أن يقطع نية الصلاة, فهذه تبطل صلاته بلا إشكال لقطعه النية.
مثال ذلك: لو أن مصلياً قام يتنفل ثم ذكر أن له شغلاً فقطع النية, فإن الصلاة تبطل ولا شك, لقوله صلى الله عليه وسلم { إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمريء ما نوى } (1), وهذا قد نوى القطع فانقطعت.
الحالة الثانية: أن يعزم على القطع, فهنا كذلك تبطل الصلاة, لأن النية عزم جازم, ومع العزم على قطعها لا جزم فلا نية.
الحالة الثالثة: أن يتردد في قطع النية, كما لو كان يصلي فطرق عليه الباب فتردد في قطع الصلاة فهنا الصحيح أن النية لا تبطل, لأن الأصل بقاء النية, والتردد لا ينافي ذلك.
__________
(1) متفق عليه.(2/41)
الحالة الرابعة: إذا علق النية على شرط, كما لو قال: إن كلمني زيد قطعت صلاتي, فالراجح في هذه الحالة أنها لا تبطل, لأنه قد يعزم على أنه إن كلمه زيد تكلم, ولكنه يرجع عن هذا العزم.
الحالة الخامسة: أن يعزم على فعل محظور في الصلاة, كما لو عزم أن يأكل أو يشرب إذا شرع في الصلاة, فهنا لا تبطل النية قولاً واحداً, لأن البطلان هنا بفعل المحظور ولم يوجد.
?كتاب الصلاة?
الصلاة لغةً: الدعاء والإستغفار, ومنه قوله تعالى { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ(1) } , ولحديث عبد الله بن أبي أوفى صلى الله عليه وسلم { وكان النبي إذا أتاه قوم بصدقاتهم صلى عليهم, فأتاه أبي بصدقته فقال: أللهم صلِ على آل أبي أوفى } (2).
اصطلاحاً: التعبد لله سبحانه وتعالى بأقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم وقد ثبت وجوبها بالكتاب والسنة والإجماع.
س1: ما هي فضائل الصلاة؟
ج/فضائل الصلاة كثيرة منها:
1. أنها خمس صلوات بأجر خمسين صلاة.
2. تكفير الذنوب.
3. أنها فرضت في أفضل ليلة وهي ليلة الإسراء والمعراج.
4. أنها فرضت في أعلى مكان يصل إليه البشر.
5. أنها فرضت دون واسطة.
س2: على من تجب الصلاة؟
ج/تجب الصلاة على كل مسلم مكلف, والمكلف يقصد به البالغ العاقل.
وتصح من الصبي المميز وهو من فهم الخطاب ورد الجواب والثواب له, لقوله تعالى { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ } (3), ويلزم وليه أمره بها لسبع وضربه على تركها لعشر, لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { مرو أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع, واضربوهم عليها لعشر, وفرقوا بينهم في المضاجع(4) } .
س3: ما حكم من ترك الصلاة؟
ج/ تارك الصلاة لا يخلو من أمرين:
__________
(1) التوبة: من الآية103)
(2) رواه مسلم.
(3) فصلت: من الآية46)
(4) رواه أحمد, وأبو داود, وهو صحيح.(2/42)
1- أن يتركها جحداً لوجوبها, فهذا كافر بلإجماع بلا خلاف, قال في الإفصاح(1)(وأجمعوا على أن كل من وجبت عليه الصلاة من المخاطبين بها, ثم امتنع من الصلاة جاحداً لوجوبها, فإنه كافر ويجب قتله ردة) أ.هـ.
2- أن يتركها كلية تهأوناً أو كسلاً, فعلى خلاف, والراجح أنه كافر كما هو مذهب الحنابلة.
وأدلة ذلك كثيرة منها:
أ- قوله تعالى { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً , إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً } (2) , فدل على أنهم حين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات أنهم ليسوا بمؤمنين.
ب- حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة(3) } .
ج- حديث بريدة مرفوعاً { العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر(4) } , إلى غير ذلك من الأدلة.
س4: ما حكم من كان يصلي ويخلي " أي يصلي بعض الأوقات دون بعض" ؟
ج/ قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: ( والذي يظهر من الأدلة أنه لا يكفر إلا بترك الصلاة دائماً, فإن كان يصلي ويخلي فإنه لا يكفر, وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم { بين الرجل والكفر والشرك ترك الصلاة } , فهذا ترك صلاة لا الصلاة, ولأن الأصل بقاء الإسلام, فلا نخرجه منه إلا بيقين, لأن ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين فأصل هذا الرجل المعين مسلم أ-هـ .
ولكن مع ذلك يقال لا شك أن فاعل ذلك على خطر عظيم ويخشى عليه من سوء الخاتمة, ويكفي أن جمعاً من أهل العلم يقولون بكفر من فعل ذلك.
?أركان الصلاة?
الركن لغةً: جانب الشيء الأقوى, ولهذا تسمى الزأوية ركناً, لأنها أقوى جانب في الجدار, لكونها معضودة بالجدار الذي إلى جانبها.
__________
(1) 1/101.
(2) مريم:59-60)
(3) رواه مسلم.
(4) رواه أحمد, وأبو داود, والترمذي, والنسائي, وابن ماجة.(2/43)
اصطلاحاً: ما تتركب منه العبادة " أي ما هي العبادة التي تتركب منها " ولا تصح بدونها.
س5: ما الفرق بين الأركان والواجبات والسنن؟
ج/ الأركان لا تسقط لا عمداً ولا سهواً ولا تجبر بسجود السهو, وأما الواجبات فتسقط سهواً وتجبر بسجود السهو, وتبطل الصلاة بتركها عمداً, وأما السنن فلا تبطل الصلاة بتركها عمداً ولا سهواً, لكن يستحب السجود لترك سنة عادته الإتيان بها وسيأتي بيان ذلك في سجود السهو.
الركن الأول: (القيام في الفرض مع القدرة), والدليل على ذلك قوله تعالى { وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ(1) } , ومن السنة حديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { صلِ قائماً فإن لم تستطع فعلى جنب(2) } .
والإجماع منعقد على ذلك, قال في الإفصاح: اتفقوا على أن القيام في الصلاة المفروضة فرض على المطيق له, وأنه متى ما أخل به مع القدرة عليه لم تصح صلاته.
س6: ما حكم صلاة التنفل قاعداً؟
ج/ لا بأس بصلاة المتنفل قاعداً حتى مع قدرته على القيام, لحديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً { وكان يصلي ليلاً طويلاً قاعداً } (3), لكن إن صلى في النفل قاعداً مع قدرته على القيام فهو على النصف من أجر القائم, لحديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم(4) } .
س7: إذا لم يتمكن من القيام في الفرض إلا مستنداً على شيء فهل يجب أم لا؟
__________
(1) البقرة: من الآية238)
(2) رواه البخاري.
(3) رواه مسلم.
(4) أخرجه مسلم في صلاة المسافرين/باب جواز النافلة قائماً وقاعداً, حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه.(2/44)
ج/ إذا لم يتمكن من القيام إلا بالإستناد على عصى ونحوه وجب عليه ذلك, لكن لو كان يتمكن من القيام بدون اعتماده على شيء ثم اعتمد على شيء بحيث لو أزيل هذا الشيء الذي اعتمد عليه سقط الشخص, فإن صلاته ليست بصحيحة, لأنه لم يحقق ركن القيام, وبناءً على هذا نعلم خطأ من يتكئون على الجدر حال قيامهم للصلاة. لكن إذا كان الاعتماد خفيفاً فلا بأس, وضابط ذلك أنه لو أزيل هذا الشيء الذي استند عليه لم يسقط هذا الشخص, فهذا لا بأس به, لأن الاستناد هنا خفيفاً.
س8: ما ضابط القيام المجزئ؟
ج/ حده أن من راه يقول هذا قائم وليس براكع, فإن كان إلى القيام أقرب, فقد حقق ركن القيام, لكن لو كان الإنسان خلقته أنه منحني الظهر لتشوه في خلقته أو لكبر أو مرض ونحو ذلك, فإنه يقف ولو كراكع ولا يسقط عنه القيام, لأن هذا هو قيامه, لأن القيام في الحقيقة يعتمد على انتصاب الظهر وانتصاب الرجلين, فإن فات أحد الانتصابين وجب الآخر.
س9: ما الحكم لو انتصب واقفاً لكنه خفض رأسه كهيئة الإطراق؟
ج/ يقال بأن صلاته صحيحة ولا يضر ذلك.
س10: ما الحكم لو قام على رجل واحدة ورفع الأخرى؟
ج/ صلاته صحيحة لكنه مع كراهية ذلك.
الركن الثاني: (تكبيرة الإحرام), وهي ركن من أركان الصلاة, وليس شيء من التكبيرات ركناً سوى تكبيرة الإحرام لحديث أبي هريرة مرفوعاً { إذا قمت إلى الصلاة فاستقبل القبلة فكبر(1) } , ولحديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { تحريمها التكبير(2) } .
س11: بمَ تنعقد تكبيرة الإحرام؟
ج/تنعقد بلفظ "الله أكبر" , ولا تنعقد بغيرها كقول "الله الأجل" أو "الله الأعظم" ونحو ذلك, ولو كان يجزئ غير لفظ "الله أكبر" لورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو مرة واحدة أنه قال ذلك, لما لم يقل دل على تعين لفظ "الله أكبر" .
س12: ما هو وقت تكبيرة الإحرام؟
__________
(1) متفق عليه.
(2) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم.(2/45)
ج/ وقتها حال قيام الإنسان للصلاة, وبناءً على هذا يُعلم خطأ ما يفعله بعض الناس إذا دخل المسجد والإمام راكع فإنه يأتي مسرعاً ويركع للإحرام أثناء ركوعه, فهذا لا تصح صلاته, لأن تكبيرة الإحرام لابد أن تكون أثناء القيام.
س:13: ما كيفية النطق بتكبيرة الإحرام؟
ج/تنطق بلفظ "الله أكبر" وبناءً على هذا لو مد الهمزة وقال " آ لله أكبر" فلا تجزئ, لأن هذا اللفظ استفهام, كذلك لو مد همزة " أكبر" وقال " آكبر" فهذا استفهام أيضاَ.
س14: عند تكبيرة الإحرام وكذا كل قول سواء ركناً أو واجباً, هل لابد من الجهر بحيث يسمع الإنسان نفسه أم لا يلزم ذلك؟
ج/ الراجح أنه لا يلزمه ذلك "أي لا يلزمه أن يسمع نفسه" فإذا أمرَّ الحروف على لسانه وحرك لسانه بذلك كفى ذلك, لأن الصوت زائد على ما جاء في السنة, لكنه لو كبر بقلبه أو قرأ الفاتحة بقلبه وكذا بقية الأذكار فإن ذلك لا يجزئ, لأن عمل القلب لا يترتب عليه إثابة ولا عقوبة, لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في الحديث { إن الله تجأوز لأمتي عمّا حدّثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكّلم به(1) } .
الركن الثالث: (قراءة الفاتحة), والدليل على أنها ركن حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب(2) } , وهذا النفي للصحة, ولابد أن يقرأها كاملة مرتبة بآياتها, وكلماتها, وحروفها, وحركاتها, فلو قرأ ست آيات منها مثلاً لم تصح, ولو قرأ سبع آيات ولكنه أسقط الضالين لم تصح, كذلك لو أسقط حرفاً لم تصح, كذلك إذا أخلف حركاتها وكان اللحن يحيل المعنى " أي يغيره" لم يصح ذلك كما لو فتح همزة ( إهدِنَا ) وقال ( أهدنا ), أما إذا كان لا يحيل المعنى فلا بأس بذلك.
__________
(1) متفق عليه.
(2) رواه البخاري ومسلم.(2/46)
والفاتحة فيها إحدى عشر تشديدة, لو أخل بواحدة منها لم تصح, كتشديد الباء في قوله { رَبِّ ِاْلعَالَمِين } , لأن الحرف المشدد عن حرفين, فإذا ترك تشديدة أصبح بمثابة من أسقط حرفاً.
س15: ما الحكم فيما لو كان لا يعرف قراءة الفاتحة, كما لو كان حديث عهد بإسلام وحضرت الصلاة فماذا يفعل؟
ج/ يقال أن الجاهل بالفاتحة له أحوال:
الأولى: أن يكون عالماً ببعض الفاتحة فقط دون غيرها, فهنا على الصحيح يجب عليه قراءة ما يعرفه, ولا يجب تكراره.
الثانية: أن يكون عالماً ببعض الفاتحة وببعض غيرها من القرآن, كما لو كان يعرف ثلاث آيات من الفاتحة وأربعاً من غيرها مثلاً, فهنا على الراجح يجب عليه قراءة ما يحسنه من الفاتحة ثم يأتي بالبدل عن باقيها.
الثالثة: أن يكون عاجزاً عن الفاتحة وعن غيرها من القرآن, فهنا على الراجح أنه يتعين عليه أن يذكر الله بالأذكار الخمسة الواردة وهي(سبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله, ولا حول ولا قوة إلا بالله), والدليل على ذلك ما رواه عبدالله بن أبي أوفى قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال { إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً فعلمني ما يجزئني منه. قال: قل سبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله, ولا حول ولا قوة إلا بالله } (1).
س16: لو كان جاهلاً لا يعرف الفاتحة أو حديث عهد بإسلام ويحتاج إلى أن يتعلمها, فهل يجمع الصلاة مع ما بعدها إذا كانت تجمع من أن أجل أن يتعلم الفاتحة أم لا؟
ج/ يقال لا يجمع الصلاة مع ما بعدها وإنما يصليها في وقتها, ويأتي من الفاتحة بحسب استطاعته, كما تقدم في السؤال الخامس عشر.
__________
(1) رواه أحمد وأبو داود والنسائي والدار قطني وصححه الحاكم على شرطهما ووافقه الذهبي وحسنه الألباني في الإرواء.(2/47)
س17: ما الحكم فيما لو كان الإنسان إذا صلى قائماً لم يستطع قراءة الفاتحة, ولو صلى جالساً استطاع أن يقرا الفاتحة فأيهما يقدم هل يقال له صلَّ قائماً ولو لم تقرأ الفاتحة, أم يقال صلَّ قاعداً واقرأ الفاتحة؟
ج/ يقال يصلي قاعداً ويقرأ, لأن القراءة آكد " أي قراءة الفاتحة " .
والدليل على أن القراءة آكد من القيام أن القيام في النفل يسقط حتى مع قدرة الإنسان عليه, كما تقدم بيان ذلك, بخلاف قراءة الفاتحة فإنها ركن حتى في النفل.
س18: هل قراءة الفاتحة ركن في كل ركعة أم لا؟
ج/ الصحيح أنها ركن في كل ركعة, ويدل على ذلك ما يلي:
أ- حديث أبي قتادة قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر في الأوليين بأم الكتاب وسورتين, وفي الأخريين بأم الكتاب ويسمعنا الآية } (1).
ب- حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً { ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن.. وفيه: ثم افعل ذلك في صلاتك كلها } (2), وفي رواية { ثم اصنع ذلك في كل ركعة(3) } .
س19: هل قراءة الفاتحة ركن أو واجب؟ وعلى من تجب؟
ج/ قراءة الفاتحة ركن كما تقدم, والراجح في ذلك أنها ركن في حق الإمام والمنفرد في الصلاة السرية والجهرية, وأما المأموم في الصلاة الجهرية فعلى خلاف هل تجب قراءتها عليه أم لا؟ والراجح أنها تجب عليه حتى في الصلاة الجهرية, وقد دلت السنة على وجوب قراءتها على المأموم في صلاة الفجر, وصلاة الفجر جهرية, ففي حديث عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ذات يوم صلاة الفجر فلما انصرف قال { لعلكم تقرأون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم, قال: لا تفعلوا إلا بأم الكتاب, فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها(4) } .
__________
(1) متفق عليه.
(2) متفق عليه.
(3) رواه أحمد عن رفاعة عن أبي رافع, رواه البيهقي عن أبي هريرة, وصححه النووي في المجموع.
(4) رواه الإمام أحمد, أبو داود, والترمذي, وغيرهم.(2/48)
س20: تقدم أن قراءة الفاتحة أنها واجبة حتى على المأموم وسواء كان ذلك في الصلاة الجهرية أو السرية. لكن متى تسقط عن المأموم؟
ج/ تسقط عنه إذا أدرك أمامه راكعاً أو قائماً قريباً من الركوع, ولم يتمكن من قراءة الفاتحة, لركوع إمامه.
والدليل على ذلك: حديث أبي بكرة رضي الله عنه حين دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم كان راكعاً فأسرع وركع قبل أن يصل إلى الصف ثم استمر في صلاته, فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته قال { أيكم الذي فعل هذا؟ قال أبو بكرة: أنا يا رسول الله, قال: زادك الله حرصاً ولا تعد(1) } .
ومع ذلك لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء الركعة التي أدرك ركوعها دون قراءتها, ولو كانت الركعة غير صحيحة, لأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة الركعة كما أمر المسيئ في صلاته بإعادة الصلاة, لعدم الإتيان بأركانها.
س21: ما الحكم لو شرع بقراءة الفاتحة ثم قطعها بذكر أو سكوت غير مشروعين؟
__________
(1) أخرجه البخاري في الأذان/ باب إذا ركع دون الصف.(2/49)
ج/ يقال إن كان الفاصل طويلاً وجب عليه الإعادة, كما لو قال مثلاً { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } وجعل يثني على الله سبحانه وتعالى: سبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله, وسبحان الله بكرة وأصيلاً, الله أكبر كبيراً, والحمد لله كثيراً وقام يدعو بدعاء ثم قال: { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } فهنا طال الفصل فيجب عليه الإعادة, وكذا لو قرأ { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } وسكت سكوتاً طويلاً, وجب عليه إعادة الفاتحة من أولها, لكن بشرط أن يكونا غير مشروعين " أي الذكر والسكوت " فإن كانا مشروعين فلا بأس كما لو قرأ { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } فقطعها بدعاء وقال: اللهم اجعلني منهم فهذا يسير ولا يضر, كذلك لو قرأ المأموم بعض الفاتحة ثم شرع الإمام بقراءة سورة وسكت ليستمع لقراءة إمامه وهو يعلم أن إمامه يسكت قبل الركوع سكوتاً يتمكن معه " أي أنه لا يبطل الصلاة " فلا يضر ولو طال.
الركن الرابع: (الركوع), والركوع ركن من أركان الصلاة بدلالة القرآن والسنة والإجماع.
أما القرآن فلقوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا(1) } .
ومن السنة حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً { إذا قمت إلى الصلاة فكبر... ثم اركع حتى تطمئن راكعا.. } (2).
والإجماع منعقد على ذلك, قال ابن حزم في مراتب الإجماع: واتفقوا على أن الركوع فرض.
س22: ما هو أقل الركوع؟ أي ما هو ضابط الركوع المجزئ؟
ج/ الصحيح في ذلك ما حده المجد وهو جد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال: (والواجب من الركوع أن ينحني بحيث يكون إلى الركوع التام أقرب منه إلى الوقوف التام, يعني بحيث يعرف من يراه أن هذا الرجل راكع) أ.هـ (3).
__________
(1) الحج: من الآية77)
(2) متفق عليه.
(3) الانصاف2/59.(2/50)
الركن الخامس: (الرفع من الركوع), وهو ركن من أركان الصلاة عند الجمهور وهو الصحيح, بدليل حديث أبي هريرة مرفوعاً في المسيئ صلاته وفيه { ثم اركع حتى تطمئن راكعاً, ثم ارفع حتى تعتدل قائماً, ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً, ثم ارفع حتى تطمئن جالساً } (1), وفي رواية { حتى تطمئن قائماً(2) } , ولحديث أبي مسعود الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا تجئ صلاة لا يقيم الرجل صلبه في الركوع والسجود } (3).
س23: لو رفع الإنسان رأسه من الركوع فزعاً فهل يجزئه ذلك أم لابد أن يركع مرة ثانية ويرفع بنية الرفع؟
ج/الأحوط في ذلك أن يرجع إلى الركوع مرة ثانية ثم يرفع رأسه, ليكون رفعه لرأسه مقترناً بنية الرفع من الركوع, والله تعالى أعلم.
الركن السادس: ( الاعتدال منه ), لقوله صلى الله عليه وسلم للمسيئ في صلاته { ثم ارفع حتى تعتدل قائماً } , ولحديث أبي رفاعة { فإذا رفعت من الركوع فأقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها } (4).
وبعض العلماء يجعل الرفع من الركوع والإعتدال قائماً ركناً واحداً, وبعضهم يجعلهما ركنين, وكذلك السجود والجلوس بين السجدتين, بعض العلماء يجعلها ركناً واحداً, وبعضهم يجعلهما ركنين.
س24: ما حكم الإطالة بعد الرفع من الركوع؟
__________
(1) متفق عليه.
(2) أخرجه ابن ماجه قال ابن حجر: إسناده على شرط مسلم.
(3) رواه أحمد, وابو داود, و الترمذي ,وابن ماجه ,وصححه الترمذي.
(4) رواه الإمام أحمد, وابن ماجه.(2/51)
ج/ الإطالة بعد الرفع من الركوع سنة, خلافاً لمن قال أنه رفع من الركوع, وأطال الرفع فاته الموالاة بين الأركان, ويدل لذلك حديث البراء بن عازب قال { رمقت الصلاة مع محمد صلى الله عليه وسلم فوجدت قيامه فركعته فاعتداله, بعد الركوع, فسجدته, فجلسته, بين السجدتين, فجلسته ما بين التسليم والإنصراف قريباً من السواء } , ورواه البخاري بلفظ { كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم وسجوده, وبين السجدتين, وإذا رفع من الركوع, ما خلا القيام والقعود قريبا من السواء } , فهذا دليل على أنه كان يطيل ركن الإعتدال من الركوع.
الركن السابع: ( السجود ), وهو ثابت في الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب فلقوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا(1) } .
وأما السنة: كما في حديث المسيء صلاته وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً } (2), ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أُمرنا أن نسجد على سبعة أعضاء: الجبهة, وأشار بيده إلى أنفه, والكفين, والركبتين, وأطراف القدمين(3) } .
س25: ما هو أكمل السجود؟
ج/ أكمله تمكين السجود على الأرض وهي: الجبهة, والأنف, والكفين, والركبتين, والركبتين, وأطراف أصابع الرجلين من السجود, لما ورد في حديث أبي حميد { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد أمكن جبهته وأنفه من الأرض, ونحى يديه عن جنبيه, ووضع كفيه حذو منكبيه(4) } .
س26: ما هو أقل السجود على الأعضاء السبعة؟
__________
(1) الحج: من الآية77)
(2) متفق عليه.
(3) رواه البخاري ومسلم.
(4) رواه البخاري ومسلم.(2/52)
ج/ أقله أن يضع شيئاً من كل عضو, فلو سجد ووضع شيئاً من الأنف أو شيئاً من الجبهة أجزاء ذلك, بمعنى أنه يكفي أن يضع بعض العضو, فإذا فعل ذلك أجزاه, لكن لو رفع عضواً من الأعضاء كلية مع تمكين بقية الأعضاء, فهذا لا يجزئ, فلابد من تمكين جميع الأعضاء, أو تمكين بعض جميعها.
س27: ما حكم السجود على نحو القطن المنفوش؟
ج/ هذا لا يصح, لأنه لا يعتبر ساجداً على الأرض, لكن إذا كان هذا القطن ونحوه كالإسفنج خفيفاً بحيث أنه ينكبس على الأرض عند السجود فلا بأس بذلك, وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى سؤالاً مفاده: أنه انتشر في الأونة الأخيرة في المساجد وضع شيء من الإسفنج يوضع تحت السجاد للصلاة فما الحكم فيها؟
فأجاب رحمه الله: إذا كان الإسفنج خفيفاً ينكبس عند السجود عليه, فلا بأس لكن تركه أولى, لئلا يتباهى الناس بذلك.
س28: ما حكم وضع الحائل بين الإنسان وبين موضع سجوده؟
ج/ الحائل ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
1- أن يكون الحائل من أعضاء السجود, كما لو سجد على كفه مثلاً, فهذا لا يجوز, ولا يجزئ السجود, لإفضائه إلى تداخل أعضاء السجود, ولأنه خلاف أمره وفعله عليه الصلاة والسلام.
2- أن يكون الحائل من غير أعضاء السجود لكنه متصل بالمصلي, كما لو سجد على طرف شماغه مثلاً, فهذا له حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون لعذر, فهذا جائز بلا كراهة, لما روى أنس قال { كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فيضع أحدنا طرف ثوبه من شدة الحر مكان السجود } (1), ولأبي داود { كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة الحر, فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه } .
__________
(1) رواه البخاري.(2/53)
الحالة الثانية: أن يكون لغير عذر فهذا مكروه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتأوى(1)(فالأحاديث والآثار تدل على أنهم في حال الإختيار كانوا يباشرون الأرض بالجباه, وعند الحاجة كالحر ونحوه يتقون بما يتصل بهم من طرف ثوب وعمامة وقلنسوة, ولهذا كان أعدل الأقوال في هذه المسألة أنه يرخص في ذلك عند الحاجة, ويكره السجود على العمامة ونحوها عند عدم الحاجة) أ.هـ.
وقال ابن القيم في الهدي(2)(وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسجد على جبهته وأنفه دون كور العمامة, ولم يثبت عنه السجود على كور العمامة من حديث صحيح ولا حسن) أ.هـ .
3- أن يكون الحائل غير متصل بالمصلي, فهذا لا بأس به, لكن قال الفقهاء: يكره أن يخص جبهته بما يسجد عليه, لأنه يشبه فعل الرافضة قبحهم الله.
قال ابن القيم في الهدي(3)(وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد على الأرض كثيراً, وعلى الماء والطين, وعلى الخمرة المتخذة من خوص النخل, وعلى الحصير المتخذ منه, وعلى الفروة المدبوغة) أ.هـ .
س29: ما الحكم إذا عجز عن السجود على جبهته؟
ج/ الأصل وجوب السجود على الأعضاء السبعة, وما عجز عنه سقط عنه, فإذا عن السجود على الجبهة سقط عنه السجود على هذا العضو فقط دون بقية الأعضاء, لأن بعض العلماء قال بأن الجبهة هي الأصل, فإذا لم يستطع السجود عليها سقط عنه السجود على بقية الأعضاء, وهذا غير صحيح, فالأعضاء كلها أصل.
س30: ما حكم ما يفعله بعض المصلين أنه لم يستطع أن يسجد على الأرض وضع شيئاً مرتفعاً وسجد عليه؟
ج/ سئل فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: عن امرأة تعاني من ألم في المفاصل, وتصلي وهي جالسة هل يجب عليها عند السجود أن تضع شيئاً تسجد عليه مثل وسادة أو غيرها؟
__________
(1) 22/172.
(2) 1/231.
(3) 1/132.(2/54)
فأجاب رحمه الله فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين { صلِ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً, فإن لم تستطع فعلى جنب(1) } , فإذا كانت هذه المرأة لا تستطيع القيام قلنا لها: صلي جالسة, وتكون في حال القيام متربعة كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم, ثم توميء بالركوع وهي متربعة, ثم إن استطاعت السجود سجدت, وإلا أومأت برأسها أكثر من إيماء الركوع, وليس في السنة أن تضع وسادة أو شيئاً تسجد عليه, بل هذا إلى الكراهة أقرب, لأنه من التنطع والتشدد في الدين, وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { هلك المتنطعون, هلك المتنطعون, هلك المتنطعون(2) } .
س31: هل يُكتفى بالسجود على الجبهة عن السجود عن الأنف؟
ج/ في هذا خلاف والراجح أنه يجب السجود عليهما معاً, بدليل حديث ابن عباس مرفوعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أمرت أن أسجد على سبع, ولا أكفت الشعر ولا الثياب: الجبهة والأنف, والركبتين, واليدين(3) } , وفي الرواية الثانية { أمرت أن أسجد على سبعة أعظم, على الجبهة وأشار بيده إلى أنفه... } (4), فالإشارة إلى الأنف تدل على عدم الإكتفاء بالجبهة.
الركن الثامن: (الرفع من السجود), وهو ركن من أركان الصلاة بدليل حديث أبي هريرة مرفوعاً في المسيء صلاته وفيه { ثم اركع حتى تطمئن راكعاً, ثم ارفع حتى تعتدل قائماً, ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً, ثم ارفع حتى تطمئن جالساً(5) } .
__________
(1) رواه البخاري.
(2) رواه مسلم من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.
(3) رواه مسلم.
(4) متفق عليه.
(5) متفق عليه.(2/55)
الركن التاسع: (الجلوس بين السجدتين), وهو ركن من أركان الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق { ثم ارفع " يعني من السجود " حتى تطمئن جالساً } , فهذا دليل على أنه لابد منه أي الجلوس بين السجدتين, ولحديث أبي مسعود الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { ولا تجزيء صلاة لا يقيم الرجل صلبه في الركوع والسجود } (1).
س32: ما كيفية الجلوس بين السجدتين؟
ج/ الجلوس على قسمين:
أ- مجزئ وهو أن يجلس متربعاً أو مقعياً, والإقعاء: أن ينصب قدميه ويجلس عليها, وفي مكروهات الصلاة ذكروا أن الإقعاء في الصلاة مكروهاً, وفسروا الإقعاء بعدة تفسيرات, منها أن ينصب قدميه ويجلس عليها.
ب- جلوس مستحب وهو الإفتراش, وسيأتي بيان صفته إن شاء الله تعالى في مسنونات الصلاة.
الركن العاشر: (الطمأنينة في جميع الأركان), وهي ركن من أركان الصلاة, كما هو مذهب الجمهور, بدليل حديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علّم المسيء صلاته كان يقول له في كل ركن { حتى تطمئن } , فلابد من الإستقرار والطمأنينة.
س33: ما هو حد الطمأنينة الذي هو ركن من أركان الصلاة؟
ج/ حد الطمأنينة هو السكوت بقدر الذكر الواجب, والذكر الواجب مرة واحدة, ففي الركوع مثلاً بقدر ما يقول " سبحان ربي العظيم " وفي الإعتدال منه بقدر ما يقول : ربنا ولك الحمد " وفي السجود بقدر ما يقول " سبحان ربي الأعلى " وفي الجلوس بقدر ما يقول " ربي اغفر لي " وهكذا.
الركن الحادي عشر: (التشهد الأخير), ودليل ذلك حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال { كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله من عباده, السلام على جبرائيل وميكائيل, السلام على فلان وفلان } (2).
س34: ما هو القدر المجزئ من التشهد, أي التحيات لله؟
__________
(1) رواه الإمام أحمد, وأبو داود, والترمذي, وابن ماجه, وصححه الترمذي.
(2) رواه البخاري ومسلم.(2/56)
ج/ الأحوط أن يأتي المصلي بالتشهد كاملاً.
س35: ما هي صيغ التشهد؟
ج/ صيغ التشهد وهي:
1- تشهد عمر رضي الله عنه واختاره الإمام مالك رحمه الله تعالى, وهو أن يقول { التحيات لله الزاكيات لله, الطيبات لله, الصلوات لله, السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته, السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين, أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله(1) } .
2- تشهد ابن عباس رضي الله عنهما, ولفظه { التحيات المباركات, الصلوات الطيبات لله, السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته, السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين, أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمدأً عبده ورسوله(2) } .
3- تشهد أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ولفظه { التحيات الطيبات الصلوات لله, السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته, السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته, السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين, أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله(3) } .
4- تشهد ابن مسعود رضي الله عنه ولفظه { التحيات لله والصلوات والطيبات, السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته...الخ } , وهو التشهد المعروف لدينا(4).
5- تشهد ابن عمر رضي الله عنهما, وهو كتشهد ابن مسعود رضي الله عنه , وفيه قال ابن عمر { وزدت فيها: وحده لا شريك له, بعد شهادة أن لا إله إلا الله(5) } . ففيه إضافة وحده لا شريك له فقط.
__________
(1) رواه مالك في الموطأ, والشافعي في الرسالة, وعبدالرزاق, والدار قطني, والبيهقي, وقال الزيلعي في نصب الراية " وهذا إسناده صحيح ".
(2) رواه مسلم.
(3) رواه مسلم.
(4) رواه البخاري ومسلم.
(5) أخرجه ابو داود, وابن عدي, والدار قطني وصححه.(2/57)
6- تشهد عائشة رضي الله عنها { التحيات الطيبات الصلوات الزاكيات لله, السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته...الخ } (1), بقيته كتشهد ابن مسعود رضي الله عنه .
س36: ما حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير؟
ج/ في ذلك خلاف والراجح أنه سنة, فهو ليس بركن ولا واجب, للأدلة الآتية:
ا.حديث ابن مسعود السابق فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما علّمه التشهد قال { ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه } , فلو كانت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير ركناً أو واجباً, لأمره بها عليه الصلاة والسلام.
ب- ولأن الأصل عدم الوجوب, فلابد من دليل يدل على الوجوب ولم يوجد.
الركن الثاني عشر: (الجلوس له), فالجلوس للتشهد الأخير وللتسليميتين ركن من أركان الصلاة, فلو أنه تشهد وهو قائم, أو سلّم وهو قائم لم تصح الصلاة, لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ودأوم على فعله " أي الجلوس بين السجدتين " وقال { صلوا كما رأيتموني أُصلي } (2).
الركن الثالث عشر: (التسليمتان), للأدلة الآتية:
أ- حديث جابر بن سمرة مرفوعاً وفيه: { إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه يسلم على أخيه من على يمينه وشماله(3) } , وما دون الكفاية لا يكون مجزئاً.
ب- حديث علي مرفوعاً { وتحليلها التسليم(4) } .
ج- مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على التسليمتين حضراً وسفراً, وقد قال صلى الله عليه وسلم { صلوا كما رأيتموني أُصلي } .
س37: ما هي صيغة السلام؟
ج/ السلام ورد على وجوه متنوعة وهي كما يلي:
__________
(1) أخرجه مالك في الموطأ, وابن أبي شيبة, والبيهقي, وصححه الألباني في صفة الصلاة.
(2) رواه البخاري من حديث مالك بن الحويرث.
(3) رواه مسلم.
(4) رواه أحمد, وأبو داود, والترمذي, وابن ماجه, وصححه الحاكم.(2/58)
أ- أن يقول عن يمينه " السلام عليكم ورحمة الله " وعن شماله كذلك, لحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان يسلم عن يمينه وعن شماله حتى يرى بياض خده " السلام عليكم ورحمة الله " , " السلام عليكم ورحمة الله "(1).
أ- أن يقول عن يمينه " السلام عليكم ورحمة الله " وعن شماله مثل ذلك بدليل حديث وائل بن حجر رضي الله عنه وفيه( فكان يسلم عن يمينه " السلام عليكم ورحمة الله " , وعن شماله" السلام عليكم ورحمة الله "(2) , وفي رواية لأبي داود زيادة (بركاته) في الأولى فقط دون الثانية.
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: ( والظاهر عدم استحبابها, ولا ينكر على من قالها).
ج- أن يقول عن يمينه " السلام عليكم ورحمة الله " وعن يساره " السلام عليكم " لحديث ابن عمر رضي الله عنهما وفيه { " السلام عليكم ورحمة الله " عن يمينه " السلام عليكم " عن يساره } (3).
س38: هل يكتفي بإحدى التسليمتين أم لابد منهما جميعاً؟
ج/ الراجح أن التسليمتين كلتاهما ركن’ لأن النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليهما وقال { صلوا كما رأيتموني أصلي } , ولأن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم العدل فإذا سلم على اليمين, سلم على اليسار, وإذا سلم الإمام على اليمين فقط مع إمكان التسليم على اليسار صار فيه شيء من الظلم, ولذلك كان يسلم عن يمينه ويساره حتى يكون لليمين حظ من التسليم , ولليسار كذلك.
س39: هل يكتفي في النفل بتسليمة واحدة أم لابد من التسليمتين؟
__________
(1) رواه أحمد , وابو داود, والترمذي , والنسائي, وابن ماجه, وغيرهم وصححه الترمذي.
(2) رواه أبو داود, قال الحافظ في البلوغ إسناده صحيح.
(3) أخرجه الإمام أحمد, والنسائي, وصححه الألباني في صفة الصلاة صـ 188.(2/59)
ج/ قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في الممتع(1): (الاحتياط فيها أن يسلم تسليمتين, لأن المصلي سلم مرتين لم يقل أحد من أهل العلم ببطلان صلاته, ولو سلم مرة واحدة لبطلت صلاته عند بعض أهل العلم, والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بالاحتياط فيما لم يتضح فيه الدليل, كما ورد في حديث النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { الحلال بيّن والحرام بيّن, وبينهما أمور مشتبهات, فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه, ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام(2) } .
وفي حديث الحسن بن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { دع ما يريبك إلى ما لا يريبك } (3).
س40: ما هي الصلاة التي يكتفي بها بتسليمة واحدة؟
ج/ هي صلاة الجنازة, فيكتفي بها بتسليمة واحدة, لحديث أبي هريرة رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فكبر عليها أربعاً, وسلم تسليمة واحدة(4) } , لكن يشرع أحياناً أن يسلّم تسليمة ثانية في صلاة الجنازة, لما ورد عن ابن مسعود أنه قال { ثلاث خلال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلهن تركهن الناس, إحداهن التسليم في الجنازة مثل التسليم في الصلاة(5) } .
الركن الرابع عشر: { الترتيب بين الأركان } , قال في الإفصاح: "واتفقوا على وجوب ترتيب أفعال الصلاة ". الترتيب أي بين أركان الصلاة, قيام ثم ركوع ثم رفع منه ثم سجود ثم قعود ثم سجود.
والأدلة على ذلك ما يلي:
أ- قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا(6) } .
ب- حديث المسيء صلاته فالنبي صلى الله عليه وسلم علمه صلاته بقوله { ثم, ثم } (7), وهي تدل على الترتيب.
__________
(1) الممتع3/294.
(2) أخرجه البخاري ومسلم.
(3) رواه أحمد, والترمذي وقال: حسن صحيح, والنسائي, وغيرهم.
(4) رواه الدار قطني, والحاكم, والبيهقي, وحسنه الألباني.
(5) أخرجه البيهقي في المجموع: إسناده جيد , وحسنه الألباني.
(6) الحج: من الآية77)
(7) متفق عليه.(2/60)
ج- مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الترتيب, وقد قال كما في حديث مالك بن حويرث { صلوا كما رأيتموني أصلي } (1).
س41: ما الحكم مثلاً لو سجد قبل ركوعه؟
ج/ إن كان عمداً بطلت صلاته, وإن كان سهواً لزمه الرجوع ليركع ثم يسجد.
?واجبات الصلاة?
الفرق بين الأركان والواجبات: أن الأركان لا تسقط بالسهو فلابد من الإتيان بها, بخلاف الواجبات فإنها تسقط بالسهو وتجبر بالسهو.
الواجب الأول: التكبيرات لغير الإحرام أي قول " الله أكبر" إلا تكبيرة الإحرام, لأنه سبق أنها ركن, والمقصود بالتكبير لغير الإحرام أي " التكبير للركوع, وللسجود, وللرفع من السجود, وللقيام من التشهد الأول " ويستثني من الوجوب ما يلي:
أ- تكبيرة الإحرام, لأنها ركن كما تقدم.
ب- التكبيرات الزوائد في صلاة العيد والاستسقاء, فإنها سنة.
ج- تكبيرات الجنائز, لأنها أركان.
د- تكبيرة الركوع لمن أدرك الإمام راكعاً فإنها سنة.
والدليل على أن التكبيرات من الواجبات ما يلي:
أ- ما ورد في حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا..(2) } , وهذا يدل على انه لابد من وجود هذا الذكر إذ الأمر للوجوب.
ب- مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك حتى مات, وقد قال صلى الله عليه وسلم { صلوا كما رأيتموني أصلي } .
ج- أنه شعار الانتقال من ركن إلى آخر, لأن الانتقال لا شك أنه انتقال من هيئة إلى هيئة, فلابد من شعار يدل عليه.
س42: إذا جاء المسبوق والإمام راكع فما هي حالات التكبير بالنسبة له؟
ج/:
أ. أن يكبر تكبيرتين, تكبيرة للإحرام, والأخرى للركوع, فهذا هو الأكمل.
ب. أن يكبر تكبيرة واحدة, وينوي بها تكبيرة الإحرام, فهنا تجزئ هذه التكبيرة عن تكبيرة الركوع والصلاة صحيحة.
ج- أن يكبر تكبيرة واحدة, وينوي بها تكبيرة الركوع فقط, فهنا الصلاة غير صحيحة.
__________
(1) رواه البخاري.
(2) متفق عليه.(2/61)
الواجب الثاني: قول " سمع الله لمن حمده " , للإمام والمنفرد.
والدليل على وجوب التسميع ما يلي:
أ) أن النبي صلى الله عليه وسلم واظب على ذلك, فلم يدع قول " سمع الله لمن حمده " بأي حال من الأحوال.
ب) أنه شعار الانتقال من الركوع إلى القيام.
س43: من الذي يُسمّع؟
ج/ الذي يسمع أي يقول " سمع الله لمن حمده " هو الإمام والمنفرد دوم المأموم.
والدليل على ذلك: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة .... وفيه : ثم يقول: " سمع الله لمن حمده " حين يرفع صلبه من الركعة, ثم يقول وهو قائم: ربنا ولك الحمد } (1), والمنفرد كالإمام لقوله صلى الله عليه وسلم { صلوا كما رأيتموني اصلي(2) } .
أما المأموم فلا يُسمّع, لحديث أنس مرفوعاً وفيه { إذا قال الإمام " سمع الله لمن حمده " فقولوا ربنا ولك الحمد } (3).
الواجب الثالث: التحميد وهو قول " ربنا ولك الحمد " للإمام والمأموم والمنفرد, لحديث أبي هريرة المتقدم.
س44: أين يكون محل التكبير والتسميع والتحميد؟
ج/ يكون محلها ما بين الركنين في الانتقال, فما كان للركوع فما بين القيام والركوع, وما كان للسجود فما بين القيام والسجود, وبناءً على هذا لو بدأ بالتكبير مثلاً وهو ساجد ثم كمله وهو ساجد ثم رفع لم يجزئ ذلك, لأنه ليس محلاً للتكبير, ومثل ذلك لو أنه بعد أن استتم جالساً بعد رفعه من السجود كبر لم يجزئ ذلك لأنه ليس محلاً للتكبير أيضاً.
س45: هل يشترط أن يستوعب ما بين الركنين؟ بمعنى أن يكون التكبير في الرفع من السجدة شاملاً من حين قيامه إلى أن يستتم جالساً, أم لا؟
__________
(1) متفق عليه.
(2) سبق تخريجه صـ 149.
(3) متفق عليه.(2/62)
ج/ نقول الصحيح أنه لا يشترط ذلك, فالمشترط أن يكون هذا الذكر بين الركنين, لأن القول بأنه لابد أن يستوعب الذكر ما بين الركنين فيه مشقة وقد قال الله تعالى { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ(1) } .
الواجب الرابع: قول " سبحان ربي العظيم " مرة في الركوع, والدليل على ذلك أنه لما نزل قوله تعالى { فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ } (2), وقال النبي صلى الله عليه وسلم { اجعلوها في ركوعكم(3) } .
الواجب الخامس: قول " سبحان لابي الأعلى " مرة واحد في السجود, والدليل على ذلك حديث عقبة بن عامر السابق وفيه لما نزل قوله تعالى { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى(4) } , قال النبي صلى الله عليه وسلم { اجعلوها في سجودكم } .
الواجب السادس: قول " ربَّ اغفر لي, ربَّ اغفر لي "(5) .
س46: ما الحكم لو قال: ربَّ اغفر لي؟
ج/ المشروع أن يقول "ربَّ اغفر" لي "ولو اللهم اغفر لي" أجزأ ذلك.
الواجب السابع: " التشهد الأول " وأدلة وجوبه ما يلي:
أ. حديث ابن مسعود قال { كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد... } (6).
ب. أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قام عنه جبره بسجود السهو, كما في حديث عبدالله بن بحينة أن النبي صلى الله عليه وسلم { صلى بهم الظهر, فقام, في الركعتين الأوليين ولم يجلس فقام الناس معه, حتى إذا قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر " وهو جالس " فسجد سجدتين قبل أن يسلم, ثم سلم } (7).
ج- أن النبي صلى الله عليه وسلم دأوم عليه وقال { صلوا كما رأيتموني اصلي } .
__________
(1) البقرة: من الآية185)
(2) الواقعة:96)
(3) رواه الإمام أحمد, وأبو داود, وابن ماجه, وغيرهم من حديث عقبة بن عامر.
(4) الأعلى:1)
(5) رواه أحمد, وأبو داود, والنسائي, وابن ماجه, وصححه الحاكم ووافقه الذهبي, وحسنه الألباني.
(6) رواه الدار قطني والبيهقي وصححاه.
(7) متفق عليه.(2/63)
د- حديث ابن مسعود مرفوعاً { إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا: التحيات لله .. } (1).
س47: ما هو التشهد الأول؟
ج/ هو " التحيات لله والصلوات والطيبات... ج/هو " التحيات لله والصلوات والطيبات... إلى قوله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ".
الواجب الثامن: (الجلوس له), أي الجلوس للتشهد الأول, فلابد أن يكون التشهد حال جلوسه, فلو تشهد وهو قائم بلاعذر أو وهو ساجد فإنه لا يصح ذلك.
?مسنونات الصلاة?
س48: ما هو الفرق بين السنن والواجبات؟
ج/ الفرق بينهما من وجهين:
1. إن ترك الواجب عمداً يبطل الصلاة, وأما ترك المسنون عمداً فإنه لا يبطل الصلاة.
2. أن الواجبات يجب سجود السهو إذا تركها سهواً, وأما المسنونات إن ترك سنة سهواً وكان من عادته أنه يأتي بهذه السنة فإنه يسن سجود السهو ولا يجب, لكن لو ترك المسنون عمداً فإن سجود السهو لا يشرع, لأن سجود السهو للسهو.
س49: إلى كم تنقسم مسنونات الصلاة؟
ج/تنقسم إلى قسمين هما:
1.سنن قولية. 2.سنن فعلية.
القسم الأول :
?السنن القولية?
أولاً: قوله بعد تكبيرة الإحرام " سبحانك اللهم وبحمدك, وتبارك اسمك, وتعالى جدك, ولا إله غيرك " , وهو ما يسمى بدعاء الإستفتاح, والدليل على ذلك حديث عمر رضي الله عنه حيث كان يستفتح صلاته:
بـ (سبحانك اللهم وبحمدك, وتبارك اسمك , وتعالى جدك, ولا إله غيرك)(2).
*وللاستفتاح صيغ متنوعة نورد جملة منها لحفظها والعمل بها:
الاستفتاح الأول: استفتاح عمر المعروف: (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك).
__________
(1) رواه أحمد والنسائي.
(2) رواه مسلم بسند فيه انقطاع, وقد روي من عدة طرق مرفوعاً.(2/64)
الاستفتاح الثاني: ما ورد في حديث أبي هريرة قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر للصلاة سكت هنيئة فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: أقول " اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب, اللهم نقني من خطاياي كما ينقي الثوب الأبيض من الدنس, اللهم اغسلني من خطايا بالماء والثلج والبرد(1) } .
الاستفتاح الثالث: ما ورد في حديث أنس رضي الله عنه:
{ أن رجلاً جاء فدخل الصف وقد حفزه النفس فقال " الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه " , وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد رأيت اثنى عشر ملكاً يبتدرونها أيهم يرفعها } (2).
الاستفتاح الرابع: ما ورد في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال { بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال رجل من القوم: " الله أكبر كبيراً, والحمد لله كثيراً, وسبحان الله بكرةً وأصيلاً " وفيه قالصلى الله عليه وسلم عجبت لها فتحت لها أبواب السماء(3) } .
الاستفتاح الخامس: ما ورد في حديث علي في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة قال { وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين, أن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين, اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت, أنت ربي وأنا عبدك, ظلمت نفسي, واعترفت بذنبي, فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت, واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت, واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت, لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك, أنا بك وإليك, تباركت وتعاليت, أستغفرك وأتوب إليك } (4).
__________
(1) متفق عليه.
(2) رواه مسلم.
(3) رواه مسلم.
(4) رواه مسلم.(2/65)
الاستفتاح السادس: ما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان " أي النبي صلى الله عليه وسلم " إذا قام من الليل افتتح صلاته { اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل والأرض, عالم الغيب والشهادة, أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون, اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك, إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم } (1).
الاستفتاح السابع: { الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة } (2).
الاستفتاح الثامن: حديث ابن عباس: { اللهم لق الحمد أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن, ولك الحمد, لق مُلكُ السموات والأرض ومن فيهن, ولك الحمد أنت نور السموات والأرض, ولك الحمد, أنت مَلك السموات والأرض, ولك الحمد, أنت الحق, ووعدك الحق, ولقاءك الحق, وقولك حق, والجنة حق , والنار حق, والنبيون حق, ومحمد صلى الله عليه وسلم حق, والساعة حق, اللهم لق أسلمت, وبك آمنت, وعليك توكلت, وإليك أنبت, وبك خاصمت, وإليك حاكمت, فاغفر لي ما قدمت وما أخرت, وما أسررت وما أعلنت, أنت المقدم وأنت المؤخر, لا إله إلا أنت (أو) ولا إله غيرك(3) } .
الاستفتاح التاسع: منها ما رواه عاصم بن حميد قال: سالت عائشة رضي الله عنها بأي شيء كان يفتتح الرسول صلى الله عليه وسلم قيام الليل؟ فقالت: كان إذا كبر كبر عشراً, وحمد الله عشراً, وسبّح عشراً, وهلّل عشراً, واستغفر عشراً, وقال { اللهم اغفر, واهدني, وارزقني, ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة(4) } .
__________
(1) رواه مسلم.
(2) رواه أحمد, وأبو داود واللفظ له, والنسائي, والطيالسي, والطحأوي في المشكل.وقد صححه ابن القيم في الهدي, والألباني رحمه الله في صفة الصلاة.
(3) أي أن المصلي مخير بين اللفظين.
(4) رواه البخاري ومسلم.(2/66)
تنبيه: بالنسبة للإستفتاحات الطويلة يقولها الإنسان في صلاة الليل لأنها محل التطويل, ويقولها إن شاء إذا صلى وحده, أما إذا كان إماماً فقد يشق على المأموم أن يبقى ساكتاً في بعض الاستفتاحات الطويلة, وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلميستفتح بما أخبر به أبا هريرة وهو يصلي بالجماعة فهو صلى الله عليه وسلم خير أسوة لنا.
ثانياً: التعوذ وهو قول " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " وذلك لورود الإستعاذة عنه صلى الله عليه وسلم, بدليل حديث أبي سعيد ألخدري رضي الله عنه قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة بالليل كبر ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه(1) } .
س50: ما هي صفات الاستعاذة؟
ج/ الاستعاذة وردت على ثلاث صفات:
1- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, لقوله تعالى { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } (2).
2- أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم, لقوله تعالى { وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(3) } .
3- أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه, لحديث أبي سعيد ألخدري رضي الله عنه المتقدم.
س51: هل الاستعاذة تكون في كل ركعة أم في الركعة الأولى فقط؟
ج/ على خلاف, والأقرب في ذلك أن الأمر في هذا سهل, فلو قيل إن الإنسان مخير بين أن يستعيذ في كل ركعة أو يكتفي بالاستعاذة في الركعة الأولى, لكان لذلك وجه, نظراً لتكافؤ الأدلة.
س52: ما هي فائدة الاستعاذة؟
ج/ فائدتها: ليكون الشيطان بعيداً عن قلب المرء وهو يتلو كتاب الله عز وجل حتى يحصل له بذلك تدبر القرآن, وتفهم معانيه والإنتفاع به لأن هناك فرقاً بين أن تقرأ القرآن وقلبك حاضر وبين أن تقرأه وقلبك لاهٍ.
__________
(1) رواه أبو داود والترمذي و النسائي.
(2) النحل:98)
(3) فصلت:36)(2/67)
ثالثاً: البسملة أي قول " بسم الله الرحمن الرحيم " بدليل حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت { إذا قرأ يقطع قراءته آية آية, بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين.. } (1).
س53: هل يجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية أم لا؟
ج/ الراجح أن الأصل هو الإسرار, لحديث أنس رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين } (2), وفي صحيح مسلم { لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم, في أول قراءة ولا في آخرها } , وعند أحمد, وابن خزيمة, وابن حبان, والطحأوي, والدار قطني { فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم } .
ولكن يشرع بها أحيانا, بدليل ما رواه نعيم المجمر قال { صليت وراء أبي هريرة رضي الله عنه فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم , ثم بأم القرآن... وفيه ثم قال: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله } صلى الله عليه وسلم(3) , وهذا القول تجتمع الأدلة.
س54: هل البسملة آية من الفاتحة, أو أية من أول كل سورة؟
ج/ اتفق العلماء على أن البسملة آية من سورة النمل وهي قوله تعالى { إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } (4), وكذلك ليست هي آية بين سورتي الأنفال والتوبة.
__________
(1) رواه أحمد, والدار قطني, والحاكم, وابن خزيمة, وصححه الدار قطني والحاكم على شرطيهما ووافقه الذهبي.
(2) متفق عليه.
(3) رواه النسائي وابن خزيمة وابن الجارود, والحاكم, والدار قطني, والبيهقي وصححه الحاكم على شرطهما ووافقه الذهبي وصححه ابن خزيمة.
(4) النمل:30)(2/68)
والراجح من أقوال أهل العلم كذلك أنها ليست آية من الفاتحة ولا من أول كل سورة بل هي آية مستقلة نزلت للفصل بين السور, والدليل على ذلك حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين, فإذا قال(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ), قال حمدني عبدي, وإذا قال(الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قال: أثنى عليَّ عبدي, وإذا قال(مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)فإذا قال(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال: هذا بيني وبين عبدي } (1), وهنا لم يذكر البسملة, ومن ذلك أيضاً حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً { أن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي تبارك الذي بيده الملك } (2), وبناءً على هذا فهي يؤتى بها لإبتداء السور, يدل لهذا حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السور حتى نزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم } (3).
رابعاً: قول " آمين " ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إذا أمن الإمام فأمنوا, فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه(4) } .
س55: لمن يسن الجهر بالتأمين في الصلاة الجهرية؟
__________
(1) رواه مسلم.
(2) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وحسنه الترمذي وصححه الحاكم على شرطهما.
(3) رواه أبو داود وسكت عنه.
(4) متفق عليه.(2/69)
ج/ الراجح أنه يسن للإمام والمأمون, أما المأموم فلِما تقدم من حديث أبي هريرة المتقدم, وأما الإمام فلِما روى وائل بن حجر قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ(وَلا الضَّالِّينَ), قال: آمين, ورفع بها صوته(1) } , أما المنفرد فإنه إذا جهر بالقراءة جهر بالتأمين, كما لو كان يصلي صلاة الليل ورأى أن حضور قلبه أن يجهر بالقراءة, فإنه يجهر بآمين, وإن أسرّ بالقراءة فإنه يُسرّ بآمين.
س56: متى يؤمن المأموم؟
ج/ الراجح في ذلك أن السنة موافقة المأموم للإمام في التأمين, والدليل على ذلك ما رواه أبو هريرة مرفوعاً { إذا قال الإمام (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) فقولوا: آمي, فإن الملائكة تقول: آمين, وإن الإمام يقول: آمين, فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه(2) } , ولحديث بلال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له { لا تسبقني بآمين(3) } .
س58: هل لابد أن يقرأ في كل ركعة سورة كاملة أم يصح أن يقرأ بعضاً من السورة؟
__________
(1) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه وصححه الحافظ في التلخيص.
(2) رواه أحمد والنسائي وصححه أحمد شاكر.
(3) رواه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه على شرطها ووافقه الذهبي.(2/70)
ج/ الأقرب في ذلك أن السنة والأفضل أن يقرأ سورة, والأفضل أن تكون في كل ركعة سورة كاملة, ولكن مع ذلك لا حرج أن يقسم السورة بين ركعتين’ لأن النبي صلى الله عليه وسلم { قرأ ذات يوم سورة المؤمنون فلما وصل إلى قصة موسى وهارون أخذته سعلة فركع } (1), فدل هذا على جواز قسم السورة لا سيما عند الحاجة, ولأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في سنة الفجر آيات من السور,قرأ في الركعة الأولى { قُولُوا آمَنَّا(2) } , وفي الركعة الثانية { فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ(3) } ,(4), والأصل أنه ما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل.
س59: ما هي السور التي يشرع قراءتها في الصلوات؟
ج/:
ا) في صلاة الصبح السنة أن يقرأ من طوال المفصل, فكان هدي النبي صلى الله عليه وسلم الغالب أنه كان يقرأ بطوال المفصل في صلاة الفجر, كما ورد في حديث أبي برزة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الغداة بالستين إلى المائة(5) } .
وفي حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم { كان يقرأ بالواقعة ونحوها من السور } (6).
وأحياناً يقرأ بقصار المفصل, فمرة قرأ بـ { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ(7) } .
__________
(1) رواه البخاري ومسلم من حديث عبدالله بن السائب رضي الله عنه.
(2) البقرة: من الآية136)
(3) آل عمران:61)
(4) أخرجه مسلم/ باب استحباب ركعتي سنة الفجر عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(5) متفق عليه.
(6) رواه أحمد وابن خزيمة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
(7) التكوير:1)(2/71)
ومرة قرأ { إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا(1) } , في الركعتين كلتيهما(2), { وقرأ في السفر بالمعوذتين(3) } .
2- المغرب من قصار المفصل, لما روى سليمان بن يسار قال { كان فلان يطيل الأوليين من الظهر, ويخفف العصر, ويقرأ في المغرب بقصار المفصل, وفي العشاء بوسطه, وفي الصبح بطواله فقال أبو هريرة: ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا } (4).
وأحياناً يقرأ بطوال المفصل كما قرأ بسورة محمد(5), وقرأ بالطور وتارة بالمرسلات(6), وقد روي أيضا أنه قرأ بالمغرب بطولى الطوليين سورة الأعراف(7).
3- أما الظهر والعصروالعشاء, فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بأواسط المفصل, لما روى جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر بـ { وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ } و { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ } ونحوهما من السور(8), وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر بـ { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى } , وفي العصر نحو ذلك(9).
وأما العشاء فلما ورد في حديث سليمان بن يسار السابق, وكذا ما ورد من أنه { كان صلى الله عليه وسلم يقرأ بـ { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } وأشباهها من السور(10).
س60: ما هو بداية المفصل وأوسطه وقصاره, وما نهاية كل منها؟
ج/:
1. طوال المفصل: من { ق } إلى { عمَّ } .
2. أواسط المفصل: من { عمَّ } إلى { الضحى } .
3. قصار المفصل: من { الضحى } إلى آخر المصحف.
__________
(1) الزلزلة:1)
(2) رواه أبو داود والبيهقي بسند صحيح.
(3) رواه أبو داود وابن خزيمة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي
(4) رواه أحمد والنسائي وصححه الحافظ في البلوغ.
(5) رواه ابن خزيمة والطبراني والمقدسي.
(6) كما في الصحيحين.
(7) كما في البخاري.
(8) رواه أبو داود والترمذي والنسائي.
(9) رواه مسلم.
(10) رواه أحمد والترمذي وحسنه.(2/72)
س61: لو قرأ الإنسان في الركعة الأولى بـ { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } وفي الركعة الثانية بـ { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } ويسمى تنكيس السور ما حكم ذلك؟
ج/ الراجح أنه يكره ذلك, لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرتب السور فقد كان يقرأ في الجمعة بسبح والغاشية, وفي فجرها بالسجدة والإنسان, وفي ركعتي الفجر بالكافرون والصمد, وغير ذلك.
ولأن أكثر الصحابة على هذا الترتيب عندما وضع عثمان المصحف, فيكون من سنة الخلفاء الراشدين, ولما قيل لابن مسعود: إن فلاناً يقرأ القرآن منكوسا قال: ذلك منكوس القلب } (1).
سادساً: من السنن القولية في الصلاة الجهرية بالقراءة بالنسبة للإمام وسائر التكبيرات, وكذا الجهرية بـ " سمع الله لمن حمده " والتسليم , لحديث أبي موسى رضي الله عنه أن النبي قال { أقيموا صفوفكم ثم ليؤمكم أحدكم, فإذا كبر فكبروا, وإذا قرأ فانصتوا } (2).
وعن سعيد بن الحارث قال { صلى بنا أبو سعيد فجهر بالتكبير حين رفع رأسه من السجود, وحين كبر, وحين رفع, وحين قام من الركعتين, فقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم } (3).
ولحديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إنما جعل الإمام ليؤتم به...وإذا قال: سمع الله لمن حمده, فقولوا ربنا ولك الحمد(4) } .
س62: ما هي أقسام المصلين بالنسبة للجهر من عدمه؟
ج/ الأقسام ثلاثة:
1. بالنسبة للإمام, فكما تقدم السنة أن يجهر في مواضع الجهر, وأن يسرّ في مواضع الإسرار, ولو أنه أسرّ في موضع الجهر أو العكس فلا بأس بذلك.
2. بالنسبة للمأموم, فإنه لا يجهر بشيء من التكبيرات أو التسميع, أو القراءة, أو السلام, لعدم الحاجة إليه وربما ليس على غيره.
قال شيخ الإسلام في الفتأوى الكبرى(5): (وأما المأموم فالسنة المخافتة باتفاق المسلمين) أ.هـ.
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة وعبدالرزاق وصححه النووي في التبيان.
(2) رواه مسلم.
(3) رواه البخاري.
(4) متفق عليه.
(5) 1/3.(2/73)
3. أما المنفرد فهو مخير بين الجهر والإسرار, والأفضل أن يفعل الأصلح لقلبه, فإن كان الأخشع له أنه يسر أسرً, وإن كان الأخشع له أن يجهر بشرط ألا يؤذي أحداً, بدليل ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال { كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم يرفع طوراً ويخفض طوراً(1) } .
س63: بالنسبة للمرأة هل لها الجهر أم لا؟
ج/ الأقرب أن يقال {ما ثبت في حق الرجال ثبت في حق النساء إلا بدليل}, وعلى هذا للمرأة أن تفعل الأخشع لقلبها من الجهر أو الإسرار ما لم تكن بحضرة أجانب.
س64: ما هي الحكمة من الجهر في الصلوات الليلية؟
ج/ الحكمة في الجهر فيها: ما ذكره ابن القيم رحمه الله حيث قال(أن الليل مظنة هدوء الأصوات, وفراغ القلوب, واجتماع الهمم, ومحل مواطاة القلب اللسان, ولهذا كانت السنة تطويل قراءة الفجر, لأن القلب أفرغ ما يكون من الشواغل, فإذا كان أول ما يقرع سمعه كلام الله تمكن فيه, ولما كان النهار بضد ذلك كان الأصل الإسرار فيه إلا لعارض راجح كالمجامع في العيدين والجمعة والاستسقاء والكسوف فإن الجهر حينئذ أحسن وأبلغ في تحصيل المقصود, وأنفع للجمع, وفيه من قراءة كلام الله وتبليغه في المجامع العظام ما هو أعظم مقاصد الرسالة)(2).
س65: بالنسبة للمأموم والمنفرد إذا اختار الإسرار هل يجب أن يسمع نفسه في أذكار الصلوات والتكبيرات ونحو ذلك أم يكفي أن يحرك لسانه في ذلك؟
ج/ الراجح في ذلك أنه يكفي أن يحرك لسانه بالقراءة ونحوها, ولو لم يسمع نفسه, لأن إسماع النفس أمر زائد على القول والنطق, فلا يجب.
سابعاً: أن يزيد المصلي بعد قول " ربنا ولك الحمد " { ملء السموات والأرض, وملء ما شئت من شيء بعد, أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لق عبد, اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت, ولا ينفع ذا الجد منك الجد } (3).
__________
(1) رواه أبو داود, وحسنه النووي في المجموع.
(2) أعلام الموقعين2/118.
(3) رواه مسلم من حديث علي رضي الله عنه.(2/74)
س66: ما هي صفات التحميد؟
ج/ التحميد ورد على جوه متنوعة:
1) بالجمع بين " اللهم " و "الوأو " {اللهم ربنا ولك الحمد}, ويدل لذلك حديث أبي هريرة قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال سمع الله لمن حمده, قال: اللهم ربنا ولك الحمد.. } (1) .
2) بحذف " الوأو " { اللهم ربنا ولك الحمد }, ويدل لذلك حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد, فإن من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه } (2).
3) بحذف " اللهم " {ربنا ولك الحمد}, ويدل لذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم { إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا, وإذا ركع فاركعوا, وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد, وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون(3) } .
4) بحذف " اللهم " و " الوأو" {ربنا ولك الحمد}, ويدل لذلك حديث أبي هريرة وفيه: { ثم يقول وهو قائم: ربنا ولك الحمد..(4) } .
س67: ما هي الأذكار التي شرعت بعد الرفع من الركوع؟
ج/ ورد ما يلي:
1- ربنا لق الحمد ملء السموات والأرض وملء ما شئت..الخ.
2- { الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه(5) } .
3- { لربي الحمد, لربي الحمد } كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوله في قيام الليل(6).
فإذا رفع المصلي من الركوع فهو مخير بين أحد هذه الأذكار.
__________
(1) رواه البخاري.
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) رواه البخاري ومسلم.
(4) رواه البخاري.
(5) رواه البخاري.
(6) رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني.(2/75)
ثامناً: ما زاد على المرة في تسبيح الركوع والسجود وربي اغفر لي, لأن الواجب أن يقول في ركوعه: "سبحان ربي العظيم " وفي سجوده " سبحان ربي الأعلى ", وفي جلسة ما بين السجدتين: " ربَّ اغفر لي" واحدة, وما زاد فهو سنة, لما روى عقبة بن عامر قال: لما نزلت { فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ } , قال النبي صلى الله عليه وسلم { اجعلوها في ركوعكم(1) } , ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم عدداً.
س68: ما أدنى الكمال بالنسبة للتسبيحات؟
ج/ أدنى الكمال ثلاث, لما روى ابن مسعود مرفوعاً { إذا ركع أحدكم فقال في ركوعه: سبحان ربي العظيم ثلاث مرات فقد تم ركوعه, وذلك أدناه, وإذا قال في سجوده: سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات فقد تم سجوده وذلك أدناه } (2).
س69: ما هو أعلى التسبيح؟
ج/ أعلاه للإمام عشر, لقول أنس رضي الله عنه { ما صليت وراء أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى " يعني عمر بن عبدالعزيز " قال " أي سعيد بن جبير" فحززنا ركوعه عشر تسبيحات, وفي سجوده عشر تسبيحات } (3).
س70: ما هي أحوال المصلي بالنسبة لعدد التسبيحات: في الركوع والسجود. وربَّ غفر لي بين السجدتين؟
ج/ يقال أن المصلي لا يخلو من ثلاث أحوال:
1- أن يكون إماماً, فالواجب عليه مرة واحدة, وأدني الكمال ثلاث مرات, وله أن يزيد إلى عشر فقط وليس له أن يزيد على ذلك, فلو زاد فإنه يكون قد خالف السنة وطّول.
2- أما المأموم فهو تبع لإمامه, فيسبح ولا يسكت, فإذا أتى بأدنى الكمال إن شاء زاد في التسبيح, أو يقول بقية الأذكار المشروعة زيادة على قوله " سبحان ربي العظيم " في الركوع, و" سبحان ربي الأعلى " في السجود , و " ربَّ اغفر لي " بين السجدتين, وسيأتي بيان شيء من هذه الأذكار.
__________
(1) رواه أحمد, وأبو داود, وابن ماجه, وغيرهم.
(2) رواه أبو داود, والترمذي, وابن ماجه.
(3) رواه أحمد وأبو داود والنسائي.(2/76)
3- أما بالنسبة للمنفرد, فإذا أتى بأدنى الكمال فله أن يطوّل ما شاء لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { إذا صلى أحدكم للناس فليخفف, فإن فيهم الضعيف والسقيم وذا الحاجة, وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء(1) } .
س71: ما هي الأذكار المسنونة في الركوع بعد قول المصلي " سبحان ربي العظيم " ؟
ج/ يقال أولاً لابد أن يقول المصلي " سبحان ربي العظيم ", لأن ذلك من الواجبات كما تقدم. وتارة يقول: " سبحان ربي العظيم وبحمده " فيزيد " وبحمده " , لورود ذلك في حديث عقبة بن عامر(2), فإذا قال الواجب مرة إما أن يزيد في التسبيح, أو يقول الأذكار التي وردت.
ومما ورد ما يلي:
1.(سبحانك اللهم ربنا وبحمدك, اللهم اغفر لي)(3).
2.(سبوح قدوس, رب الملائكة والروح)(4).
3.(اللهم لق ركعت, وبك آمنت, ولك أسلمت, خشع لق سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي, وما استقل به قدمي)(5).
4.(سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة)(6).
س72: ما هي الأذكار المشروعة في السجود بعد قول المصلي " سبحان ربي الأعلى " ؟
ج/ تقدم أن قول المصلي " سبحان ربي الأعلى " أن هذا من واجبات الصلاة, وتقدم أن الواجب أن يقول مرة واحدة, فإن شاء بعد ذلك زاد في التسبيح, وإن شاء أتى بالأذكار المشروعة الواردة. وممأورد ما يلي:
1. (سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات)(7).
2. (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك, اللهم اغفر لي)(8).
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) أخرجه أبو داود والدار قطني والبيهقي وصححه الألباني.
(3) متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها.
(4) رواه مسلم من حديث عبدالله بن الشخّير رضي الله عنه.
(5) رواه مسلم.
(6) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وهو حسن من حديث عوف بن مالك الأشجعي.
(7) رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه عن حذيفة رضي الله عنه, وهو صحيح بشواهد كما في تخريج الكلم صـ 71.
(8) متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها.(2/77)
3. (سبوح قدوس, رب الملائكة والروح)(1).
4. (اللهم لق سجدت, وبك آمنت, ولك أسلمت, سجد وجهي للذي خلقه وصوره, وشق سمعه وبصره, تبارك الله أحسن الخالقين)(2).
5. (سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة)(3).
6. (اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله, وأوله وآخره, وعلانيته وسره)(4)
7. (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك, وبمعافاتك من عقوبتك, وأعوذ بك منك, لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنين على نفسك)(5).
س73: ماذا يستحب أن يقول المصلي زائداً على قوله " ربَّ اغفر لي " بين السجدتين؟
ج/ يقال الواجب أن يقول " ربَّ اغفر لي " لما ورد من حديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان يقول بين السجدتين: ربَّ اغفر لي, ربَّ اغفر لي } (6), يقول هذا وجوباً أي مرة واحدة كما تقدم.
ويستحب أن يزيد (اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وعافني وارزقني) كما ورد ذلك من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك بين السجدتين(7).
تاسعاً: من السنن القولية في الصلاة, الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير بدليل حديث أبي هريرة مرفوعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إذا فرغ أحدكم من التشهد فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم ... الحديث(8) } .
__________
(1) رواه مسلم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(2) رواه مسلم من حديث علي ابن أبي طالب رضي الله عنه.
(3) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وإسناده حسن كما تخريج الكلم صـ 71.
(4) رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5) رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها.
(6) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم وصححه الحاكم وحسنه الألباني في صفة الصلاة.
(7) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(8) رواه مسلم.(2/78)
قال الشوكاني في نيل الأوطار: "والحاصل أنه لم يثبت عندي من الأدلة ما يدل على مطلوب القائلين بالوجوب " أ. هـ , أي وجوب التعوذ بالله من هذه الأربع.
س74: ما هي الوجوه التي وردت في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؟
ج/ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وردت على عدة وجوه:
1- ما ورد في حديث كعب بن عجرة ولفظه (اللهم صلِ على محمد وعلى آل محمد, كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم, إنك حميد مجيد, اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد, كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم, إنك حميد مجيد)(1).
2- ومنها ما ورد في حديث كعب بن عجرة أيضاً ولفظه (اللهم صلِ على محمد وعلى آل محمد, كما صليت على آل إبراهيم, إنك حميد مجيد, اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد, كما باركت على آل إبراهيم, إنك حميد مجيد)(2).
3- ومنها ما ورد في حديث أبي سعيد الأنصاري رضي الله عنه وفيه (اللهم صلِ على محمد وعلى آل محمد, كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم, و بارك على محمد وعلى آل محمد, كما باركت على آل إبراهيم في العالمين, إنك حميد مجيد)(3).
4- ومنها حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه وفيه (اللهم صلِ على محمد وعلى أزواجه وذريته, كما صليت على آل إبراهيم, وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته, كما باركت على آل إبراهيم, إنك حميد مجيد)(4).
5- ومنها حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وفيه (اللهم صلِ على محمد عبدك ورسولك, كما صليت على إبراهيم, وبارك على محمد وآل محمد, كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم)(5).
__________
(1) رواه البخاري بهذا اللفظ.
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) رواه مسلم.
(4) رواه البخاري ومسلم.
(5) رواه البخاري.(2/79)
6- ما ورد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه (اللهم صلِ على محمد وعلى آل محمد, وبارك على محمد وعلى آل محمد, كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين, إنك حميد مجيد)(1).
عاشراَ: الدعاء بعد التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لحديث ابن مسعود مرفوعاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم لماّ علمه التشهد قال { ثم ليتخير من الدعاء ما شاء } (2), وفي لفظ { ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به } (3).
س75: متى يكون الدعاء هل يكون قبل السلام أم بعد السلام؟
ج/ الدعاء يكون قبل السلام للقاعدة {الدعاء إذا كان تابعاً للعبادة فإنه يكون داخل العبادة دون خارجها}.
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتأوى: " الأحاديث المعروفة في الصحاح والسنن والمسانيد تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو دبر صلاته قبل الخروج منها, وكان يأمر أصحابه بذلك, ولم ينقل أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى بالناس يدعو بعد الخروج من الصلاة هو والمامومون جميعاً لا في الفجر ولا في العصر, ولا في غيرها من الصلوات " (4).
س76: هل لابد من الدعاء بما ورد أم يدعو بما شاء؟
ج/ يقال الأفضل أن يأتي بنا ورد أولاً ثم يدعو بما شاء.
س77: ما هي الأدعية الواردة التي يستحب أن يدعو بها في التشهد الأخير بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ؟
ج/ الأدعية التي يستحب أن تقال في التشهد الأخير بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هي:
__________
(1) أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة, وعزاه ابن القيم لمحمد بن إسحاق السراج في جلاء الأفهام ثم قال " إسناده صحيح على شرط الشيخين " .
(2) رواه مسلم.
(3) رواه البخاري.
(4) 22/492.(2/80)
1. التعوذ بالله من أربع: " من عذاب جهنم, ومن عذاب القبر, ومن فتنة المحيا والممات, ومن شر فتنة المسيح الدجال " وهي سنة مؤكدة ينبغي للمصلي عدم ترك التعوذ من هذه الأربع, لحديث أبي هريرة مرفوعاً { إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع من عذاب جهنم, ومن عذاب القبر, ومن فتنة المحيا والممات, ومن شر المسيح الدجال(1) } .
2. ومن ذلك ما ورد في حديث أبي بكر رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم علمني دعاءً أدعو به في صلاتي فقال النبي صلى الله عليه وسلم { قل اللهم أني ظلمت ظلماً كثيراً, ولا يغفر الذنوب إلا أنت, فاغفر لي مغفرة من عندك, وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم(2) } .
3. ومن ذلك { اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت, وما أسررت وما أعلنت, وما أنت أعلم به مني أنت المقدم والمؤخر لا إله إلا أنت } (3).
4. وأيضاً من الأدعية الواردة { اللهم أعني على ذكرك وشكرك, وحسن عبادتك(4) } .
5. ومن ذلك { اللهم أني أعوذ بك من المأثم والمغرم } (5).
6. ومن ذلك { اللهم إني أعوذ بك من البخل, وأعوذ بك من الجبن, وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر, وأعوذ بك من فتنة الدنيا وعذاب القبر(6) } .
7. ومن ذلك { اللهم إني أسالك الجنة, وأعوذ بك من النار } (7).
__________
(1) رواه مسلم وهو في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2) متفق عليه من حديث أبي بكر رضي الله عنه.
(3) رواه مسلم من حديث علي رضي الله عنه.
(4) رواه أحمد, وأبو داود, والنسائي, وقال الحافظ بسند قوي من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه.
(5) متفق عليه من حديث عروة بن الزبير رضي الله عنه.
(6) رواه البخاري من حديث مصعب رضي الله عنه.
(7) رواه أبو داود عن أبي صالح ذكوان عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.(2/81)
8. ومن ذلك { اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي, وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي, اللهم إني أسالك خشيتك في الغيب والشهادة, وأسالك كلمة الحق في الرضا والغضب, وأسالك القصد في الغنى والفقر, وأسالك نعيماً لا ينفذ, وأسالك قرة عين لا تنقطع, وأسالك الرضا بعد القضاء, وأسالك برد العيش بعد الموت, وأسالك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك من غير ضراء مضرة, ولا فتنة مضلة, اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين } (1).
9. ثم بعد ذلك ليتخير من الدعاء أعجبه إليه لحديث ابن مسعود { ثم ليتخير من الدعاء ما شاء } (2), وفي لفظ { ثم ليتخير من الدعاء أعجبه } (3), ومن ذلك الدعاء بالرحمة وحسن الخاتمة والعصمة من الفواحش ونحو ذلك.
القسم الثاني:
?السنن الفعلية?
أولاً: رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام, لحديث ابن عمر مرفوعاً ولفظه { فرفع يديه حين يكبر حتى يجعلهما حذو منكبيه(4) } ومواضع أخرى سيأتي بيانها.
س 78: ما هي المواضع التي يستحب عندها رفع اليدين؟
ج/ المواضع هي:
1) عند تكبيرة الإحرام, لحديث ابن عمر السابق.
2) عند الركوع, لقول ابن عمر { رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا استفتح للصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه وإذا أراد أن يركع وبعد ما يرفع رأسه.. } (5).
3) عند الرفع من الركوع, لحديث ابن عمر السابق.
4) عند القيام من التشهد الأول, لحديث ابن عمر { أنه كان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه, وإذا ركع رفع يديه, وإذا قال سمع الله لمن حمده رفع يديه, وإذا قام من الركعتين رفع يديه.. ورفع ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم (6) } .
س79: إلى أين يرفعهما؟
__________
(1) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وإسناده جيد من حديث عطاء بن السائب عن ابيه.
(2) رواه مسلم من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.
(3) رواه البخاري من حديث عبدالله بن مسعود.
(4) رواه البخاري.
(5) متفق عليه.
(6) رواه البخاري.(2/82)
ج/ ورد في ذلك سنتان هما:
1- الرفع إلى حذو المنكبين, كما كما في حديث ابن عمر السابق.
2- الرفع إلى فروع الأذنين لما روى مالك بن الحويرث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه, وإذا ركع رفع حتى يحاذي بهما أذنيه, وإذا رفع رأسه من الركوع فقال: سمع الله لمن حمده فعل مثل ذلك(1) } , وفي لفظ { حتى يحاذي بهما فروع أذنيه } (2).
س80: ما هو وقت رفع اليدين؟
ج /السنة في هذا وردت على وجوه هي:
1. يرفع مع ابتداء التكبير, لحديث ابن عمر السابق.
2. يرفع يديه ثم يكبر, لحديث ابن عمر { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام للصلاة رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه ثم كبر } (3).
3. أن يكبر ثم يرفع, لما روى أبو قلابة { أنه رأى مالك بن الحويرث إذا صلى كبر ثم رفع يديه... وحدّث أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل هكذا } (4).
ثانياً: وضع اليد اليمنى على الشمال وجعلهما على صدره, لحديث وائل بن حجر وفيه { ثم وضع اليمنى على اليسرى } (5).
س81: إذا جعل يده اليمنى على اليسرى فأين يضعهما؟
ج/ الراجح أنه يضعهما على الصدر, لحديث وائل بن حجر قال { صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره } (6). وقال الألباني في أحكام الجنائز(7): "ورد ثلاثة أحاديث في أن السنة الوضع على الصدر ولا يشك من وقف على مجموعها أنها صالحة للاستدلال " .
س82: ما كيفية قبض اليدين أثناء القيام؟
ج/ السنة أن يضع يده اليمنى على يده الشمال.
وهذه من السنن التي وردت على وجوه متنوعة وهي:
__________
(1) رواه مسلم.
(2) رواه مسلم.
(3) رواه مسلم.
(4) رواه البخاري ومسلم.
(5) رواه مسلم وأحمد.
(6) رواه ابن خزيمة والبيهقي وصححه ابن خزيمة.
(7) صـ 118.(2/83)
1- القبض: أي يقبض كوع يسراه بيمينه ويجعلهما فوق سرته, ويدل لذلك حديث وائل بن حجر قال(رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان قائماً قبض بيمينه على شماله)(1).
2- وضع اليد اليمنى على الذراع اليسرى, لحديث سهل قال { كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة } (2).
3- وضع اليد اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد, لحديث وائل بن حجر { فكبر ورفع يديه حتى حاذتا أذنيه, ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد } (3).
والكوع: طرف الزند الذي يلي الإبهام والجمع أكواع. فالذي يلي الخنصر يقال له الكرسوع, والذي يلي الأبهام يقال له الكوع , وهما عظمان متلاصقان في الساعد أحدهما أدق من الآخر, وطرفاهما يلتقيان عند مفصل الكف(4).
…
ثالثاً: أن ينظر إلى موضع سجوده, والأقرب في ذلك أنه يفعل الأخشع لقلبه, والأخشع أن ينظر إلى موضع سجوده, وقد ورد في ذلك حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت { دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة وما خالف بصره موضع سجوده حتى خرج منها } (5).
ويستثنى من ذلك حال الجلوس, فإنه يرمي ببصره إلى إصبعه السبابة.
قال في الإنصاف(6) قال القاضي: " إلا حال إشارته في التشهد فينظر إلى سبابته "
وقال النووي(7): " والسنة أن لا يجأوز بصره إشارته, وفيه حديث صحيح في سنن أبي داود " .
وقد ورد في سنن أبي داود من حديث عبدالله بن الزبير وفيه { لا يجأوز بصره إشارته } .
__________
(1) رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني رحمه الله في صفة الصلاة صـ88.
(2) رواه البخاري.
(3) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والألباني رحمه الله في صفة الصلاة صـ88.
(4) المصباح المنير2/544.
(5) أخرجه الحاكم وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
(6) 2/46.
(7) في شرح مسلم5/81.(2/84)
كذلك يستثنى من ذلك فيما إذا كان ذلك في الخوف, لقوله تعالى { خُذُوا حِذْرَكُمْ } (1), ولما ورد من حديث سهل الحنظلية أن النبي صلى الله عليه وسلم { بعث عيناً فجعل ينظر إلى ناحية الشعب } (2), لأن الإنسان يحتاج إلى النظر يميناً وشمالاً في حال الخوف, والعمل ولو كان كثيراً في حال الخوف فإنه يعتبر مغتفر, فكذلك عمل البصر.
رابعاً: تفرقته بين قدميه, والقاعدة هنا { أن الهيئات في الصلاة تكون على مقتضى الطبيعة, ولا تخالف الطبيعة إلا ما دل النص عليه}, والوقوف الطبيعي أن يفرج بين قدميه فكذلك في الصلاة, فما كان على غير وفق الطبيعة يحتاج إلى دليل.
خامساً: قبض المصلي ركبتيه بيديه مفرجتي الأصابع في ركوعه ومد ظهره وجعل رأسه حياله, والدليل على قبض المصلي ركبتيه بيديه مفرجتي الأصابع حديث ابن مسعود { أنه ركع فجافى يديه ووضع يديه على ركبتيه, وفرج أصابعه من وراء ركبتيه, وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي } (3), ولحديث وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان إذا ركع فرج أصابعه وإذا سجد ضم أصابعه } (4), وهذا هو الموضع الوحيد الذي تفرج فيه الأصابع " أي إذا كانت على الركبتين " وما عدا هذه الحالة فلا تفرج أصابه اليدين.
وأما الدليل على مد الظهر حال الركوع وجعله حيال رأسه " أي مسأوياً لرأسه " فلحديث عائشة رضي الله عنها { وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك } (5).
__________
(1) النساء: من الآية71)
(2) رواه أبو داود والحاكم والبيهقي وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ووفقه الذهبي.
(3) رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
(4) رواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد وحسنه.
(5) رواه مسلم.(2/85)
سادساً: إذا المصلي فالسنة أن يبدأ أولاً بوضع ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه بدليل حديث وائل بن حجر { رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه } (1).
وعند الإمام مالك أنه يبدأ بيديه قبل ركبتيه, واستدل بحديث أبي هريرة مرفوعاً { ذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه } (2).
والخلاصة في هذا: من حيث القوة حديث أبي هريرة أقوى بشواهده من حديث وائل بن حجر, لأن حديث أبي هريرة أُعلَّ بعبد العزيز الدأوردي, وحديث وائل بن حجر أُعلَّ بشريك بن عبدالله القاضي, وعند المفاضلة عبد العزيز أقوى من شريك, فحديث أبي هريرة أقوى من حديث وائل بن حجر إن سلم من الانقلاب, لأن ابن القيم قال: إن حديث أبي هريرة منقلب وأن أصله { وليضع ركبتيه قبل يديه } (3). وحديث وائل أقوى من جهة الأصل, وأنه مقتضى الطبيعة.
وبناءً على هذا فالراجح في هذه المسألة أن يقال: أن السنة أن يقدم ركبتيه قبل يديه, وأحياناً يقدم يديه قبل ركبتيه, وهذا يحصل الجمع بين الحديثين, حديث أبي هريرة وحديث وائل بن حجر, لأن رد حديث أبي هريرة بالكلية هذا غير مسلم, فقد يحتاج الإنسان إلى تقديم يديه قبل ركبتيه لمرض أو كبر سن أو غير ذلك.
سابعاً: تمكين أعضاء السجود من الأرض ومباشرتها لمحل السجود, وقد سبق أقسام السجود على حائل عند الركن السابع من أركان الصلاة وهو ركن (السجود على الأعضاء السبعة)(4).
ثامناً: مجافاة عضدية عن جنبيه, وبطنه عن فخذيه, وفخذيه عن ساقيه, وتفريقه بين ركبتيه, وإقامة قدميه, وجعل بطون أصابعهما على الأرض مفرقة, ووضع يديه حذو منكبية مبسوطة مضمومة الأصابع.
__________
(1) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن السكن في صحيحهما وقال البخاري والترمذي وأبو داود تفرد به شريك.
(2) رواه ابو داود والترمذي والنسائي وأعله البخاري والترمذي والدار قطني.
(3) زاد المعاد1/223.
(4) راجع صـ 68(2/86)
س83: ما معنى المجافاة؟ وما دليلها؟
ج/ معنى المجافاة المباعدة " أي يباعد عضدية عن جنبيه وبطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه " وقد دل لها حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { اعتدلوا في السجود(1) } , والمقصود من كون السجود معتدلاً أي لا ينهصر المصلي فينزل البطن على الفخذ والفخذ على الساق, ولا يمتد المصلي كما يفعل بعض الناس من أنه إذا سجد يمتد حتى يقرب من الإنبطاح, فهذا ليس من السنة بل هو من البدعة.
س84: ما دليل مجافاة العضدين عن الجنبين؟
ج/ دليل ذلك حديث عبدالله بن بحينة رضي الله عنه قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد يجنح في سجوده حتى يُرى وضح إبطيه } (2) أي بياض أبطيه.
ولما روى أبو حميد { أن النبي كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الأرض, ونحى يديه عن جنبيه, ووضع يديه حذو منكبيه(3) } .
ويستثنى من ذلك: إذا كان المصلي في جماعة وكانت المجافاة هنا تؤدي إلى إيذاء جاره, فإنه لا يستحب له هنا المجافاة, لأن المجافاة سنة والإيذاء أقل أحواله الكراهة, ولا يمكن أن يُفعل مكروه مؤذٍ لجاره مشوش عليه أجل سنة, والإنسان إذا ترك سنة لدرء مفسدة وعلم الله من نيته لو لا ذلك لفعل هذه السنة فإنه يكتب له أجرها بحمد الله, لحديث أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً(4) } , وهذا الحديث ليس خاصاً في عذر المرض والسفر بل هو في كل عذر يمنع الإنسان من أداء عزم على فعلها لو لا هذا المانع.
س85: ما دليل مجافاة البطن عن الفخذين؟
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) متفق عليه
(3) رواه ابو داود والترمذي وصححه.
(4) رواه البخاري.(2/87)
ج/ دليله حديث أبي حميد رضي الله عنه قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد فرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه(1) } . قال الشوكاني في نيل الأوطار(2): (والحديث يدل على مشروعية التفريج بين الفخذين في السجود, ورفع البطن عنهما, ولا خلاف في ذلك).
ولحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { اعتدلوا في السجود, ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب } (3), ومن الإعتدال ألا يمتد في سجوده, ولا ينضم بأن يجعل بطنه على فخذيه, وفخذيه على ساقيه.
س86: ما دليل مجافاة الفخذين عن الساقين؟
ج/ الدليل على ذلك ما تقدم من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { اعتدلوا في السجود } , وتقدم المقصود من ذلك.
س87: ما معنى قوله: وفريقه بين ركبتيه؟ وما دليل ذلك؟
ج/ معنى ذلك: أي لا يضم ركبتيه بعضهما إلى بعض.
ودليل ذلك حديث أبي حميد السابق { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد فرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه } وتقدم كلام الشوكاني رحمه الله عن معنى هذا.
س88: تقدم أنه يفرق بين ركبتيه أثناء السجود, ولكن كيف يكون وضع القدمين أثناء السجود؟
ج/ الذي يظهر من السنة أن القدمين تكونان مرصوصتين, كما في الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها { حين فقدت النبي صلى الله عليه وسلم فوقعت يدها على قدميه وهو ساجد } (4), واليد الواحدة لا تقع على القدمين إلا في حال التراص, وقد جاء في صحيح ابن خزيمة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرص قدميه(5) } , وعلى هذا فالسنة في القدمين أثناء السجود هو التراص, بخلاف الركبتين واليدين.
__________
(1) رواه أبو داود.
(2) 2/257.
(3) متفق عليه.
(4) أخرجه مسلم / باب ما يقال في الركوع والسجود.
(5) أخرجه ابن خزيمة في الصلاة/باب ضم العقبين في الصلاة عن عائشة رضي الله عنها, والحاكم والبيهقي, وصححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.(2/88)
س89: ما هو الدليل على أنه يجعل بطون أصابعه على الأرض مفرقة مع توجيهها إلى القبلة؟
ج/ يدل لذلك حديث أبي حميد رضي الله عنه أنه قال: أنا أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم , وفيه { فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما, واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة } (1).
س90: هل المرأة تفرج ما سبق كالرجل؟
ج/ الأصل أنها تفرج كالرجل ولا فرق, ما لم تكن بحضرة رجال أجانب فإنها تنضم, لأن ذلك أستر لها.
س91: كيف يكون وضع اليدين أثناء السجود؟
ج/ ورد لوضع اليدين أثناء السجود صفتان هما:
1. أن تكونا حذو منكبيه, ويدل لذلك حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه ولفظه عند أبي دأوود { ثم سجد فأمكن أنفه وجبهته ونحى يديه عن جنبيه ووضع كفيه حذو منكبيه(2) } .
2. أن يسجد بينهما " أي يضع رأسه بينهما " ويدل لذلك حديث وائل بن حجر رضي الله عنه ولفظه { فلما سجد, سجد بين كفيه } (3).
س92: ما الدليل على أنه يضم أصابع يديه إذا سجد؟
ج /الدليل على ذلك حديث وائل بن حجر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان إذا ركع فرج أصابعه, وإذا سجد ضم أصابعه } (4).
س93: ما هي أقسام أصابع اليدين من جهة الضم والتفريق في الصلاة؟
ج/ تنقسم إلى أربعة أقسام:
1)عند الرفع لتكبيرة الإحرام, وعند رفع اليدين للركوع, والرفع منه, وعند القيام من التشهد الأول, هنا يضم أصابعه لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل في الصلاة يرفع يديه مداً } (5).
2) إذا ركع أمكن يديه من ركبتيه مفرجتي الأصابع, لحديث وائل بن حجر المتقدم.
__________
(1) رواه البخاري.
(2) رواه أبو داود وسكت عنه والترمذي وقال : حسن صحيح, والبخاري في قرة العين. والبيهقي وصححه الألباني رحمه الله تعالى في الإرواء.
(3) رواه مسلم.
(4) سبق تخريجه صـ107.
(5) رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.(2/89)
3) إذا سجد فهنا يضم أصابعه, لحديث وائل بن حجر المتقدم.
4) اليد اليسرى في إحدى الصفتين في الجلسة بين السجدتين, والجلوس للتشهد, فهنا تكون مبسوطة مضمومة الأصابع موجهه إلى القبلة كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله.
تاسعاً: إذا أراد القيام من السجود فإنه يرفع يديه أولاً, لحديث وائل بن حجر قال: { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه, وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه } (1).
عاشراً: أن ينهض على صدور قدميه ويعتمد على ركبتيه بيديه: ويدل لذلك حديث أبي هريرةرضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهض على صدور قدميه } (2), وفي حديث وائل بن حجر { وإذا نهض, نهض على ركبتيه واعتمد على فخذيه(3) } , وبناءً على استحباب نهوض المصلي على صدور قدميه يفيد هذا بعدم مشروعية جلسة الإستراحة.
وهنا يرد سؤال هو:
س94: ما المقصود بجلسة الاستراحة؟ وما حكمها؟
ج/ أما حكمها فعلى خلاف, والراجح ما ذهب إليه ابن قدامه وأبو يعلى أنها تشرع عند الحاجة بدليل حديث مالك بن الحويرث { أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يتستوي قاعداً } (4), ومالك بن الحويرث كان قدومه على النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته وهو يتجهز في غزوة تبوك وهو في ذلك الوقت قد كَبُرَ وبدأ به الضعف, وكان صلى الله عليه وسلم في آخر حياته يصلي الليل جالساً لمدة عام, لحديث عائشة رضي الله عنها قالت { ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في سبحة قاعداً, حتى كان قبل وفاته بعام, فكان يصلي في سبحته قاعداً(5) } , لكن من فعلها حتى ولو لغير حاجة بناء على ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن الأمر في ذلك واسع.
س95: هل لجلسة الاستراحة ذكر معين؟
__________
(1) رواه الخمسة إلا أحمد.
(2) رواه الترمذي والبيهقي.
(3) رواه أبو داود .
(4) رواه البخاري.
(5) أخرجه مسلم في صلاة المسافرين/باب النافلة قائماً وقاعداً.(2/90)
ج/ ليس لجلسة الاستراحة ذكر معين بل هي جلسة خفيفة بقدر ما يستريح الإنسان.
س96: إذا كان الإمام لا يجلس للاستراحة فهل للمأموم خلفه أن يجلس؟
ج/ يقال إذا كان الإمام لا يفعل ذلك فإن المأموم لا يجلس للاستراحة تبعاً لإمامه, لأن موافقة المأموم للإمام أمر واجب, حتى إن الإمام لو قام عن التشهد الأول ناسياً وجب على المأموم متابعته مع أن التشهد الأول واجب وقد ذكر شيخ الإسلام في الفتأوى أن المأموم لا يجلس إذا كان إمامه لا يجلس للاستراحة.
الحادي عشر: من السنن الفعلية الافتراش في الجلوس بين السجدتين, وفي التشهد الأول, وكذلك في التشهد الأخير على الراجح في الصلاة التي ليس فيها إلا تشهد واحد كصلاة الفجر والجمعة, ونحوهما, ودليل ذلك حديث أبي حميد الساعدي مرفوعاً وفيه { وإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى(1) } , وفي حديث عائشة رضي الله عنها { وكان يقول في ركعتين التحية, وكان يفرش رجله اليسرى, وينصب اليمنى } (2).
س97: ما معنى الافتراش؟
ج/ معنى الافتراش أن يجعل رجله اليسرى تحت مقعدته كأنها فراش, ويخرج اليمنى من الجانب الأيمن ناصباً لها.
س98: ما هي مواضع الافتراش؟
ج/ مواضع الافتراش ثلاثة وهي:
1. في الجلسة بين السجدتين.
2. في التشهد الأول إذا كانت الصلاة ثلاثية أو رباعية.
3. في التشهد الأخير إذا كانت الصلاة ثنائية على القول الراجح من أقوال أهل العلم, كالنافلة وصلاة الجمعة والاستسقاء والعيدين ونحو ذلك.
__________
(1) رواه البخاري.
(2) رواه مسلم.(2/91)
الثاني عشر: التورك في التشهد الأخير إذا كانت الصلاة فيها تشهدان, ودليل ذلك حديث أبي حميد وفيه { ثم ثنى رجله وقعد عليها, واعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه ثم نهض...حتى إذا كانت الركعة التي تنقضي فيها صلاته أخرج رجله اليسرى, وقعد على شقه متوركاً, ثم سلم(1) } , ورواه البخاري بلفظ: { فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى, وإذا جلس في الركعة الآخرة قدم رجله اليسرى ونصب اليمنى, وقعد على مقعدته } .
س99: ما هي صفات التورك؟
ج/ السنة للإنسان أن يتورك في التشهد الأخير, وعلى الصحيح أن التورك إنما يكون في الصلاة التي فيها تشهدان فقط فيفترش في التشهد الأول ويتورك في الثاني.
والتورك ورد على صفات وهي:
1- يفرش رجله اليسرى , وينصب اليمنى, ويخرجهما عن يمينه, ويجعل إليته على الأرض.
ويدل لذلك حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه وفيه { فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى, وإذا جلس في الركعة الآخرة قدم رجله اليسرى ونصب اليمنى, وقعد على مقعدته } (2).
2- أن يفرش اليمنى, ويدخل اليسرى بين فخذ وساق الرجل اليمنى, ويجعل إليته على الأرض. ويدل على ذلك حديث عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه ويفرش قدمه اليمنى(3) } .
__________
(1) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه الترمذي.
(2) رواه البخاري.
(3) رواه مسلم.(2/92)
3- أن يفرش القدمين جميعاً ويخرجهما من الجانب الأيمن, ويجعل إليته على الأرض. ويدل لذلك حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه وفيه { ...قال ويفتحُ رجليه إذا سجد ثم يقول " الله أكبر" ويرفع يديه , ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها ثم يصنع في الأخرى مثل ذلك " فذكر الحديث " قال: حتى إذا كان في السجدة التي فيها التسليم أخر رجله اليسرى وقعد متوركاً على شقه الأيسر } زاد أحمد { قالوا: صدقت هكذا كان يصلي ولم يذكرا في حديثيهما الجلوس في الثنتين كيف جلس } (1).
س100: إذا كان المأموم قد فاته شيء من الصلاة وجلس الإمام في التشهد الأخير متوركاً: فهل يتورك المأموم أم يفترش؟ لأن المأموم سيقوم ويقضي ما فاته فهو ليس التشهد الأخير بالنسبة له؟
ج/ يقال في المسألة خلاف, والراجح أنه يفترش ولا يتورك, لأن هذا هو الأصل, ولأنه لا يعتبر تشهداً أخيراً في حقه.
الثالث عشر: وضع اليدين على الفخذين مبسوطتين مضمومتي الأصابع بين السجدتين, وكذا في التشهد, إلا أنه يقبض من اليمنى الخنصر والبنصر ويحلق إبهامهما مع الوسطى, ويشير بسبابتها عند ذكر الله تعالى, لحديث ابن عمر رضي الله عنهما { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه, ورفع أصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها(2) } .
س101: ما كيفية وضع الكفين بالنسبة لقبض الأصابع من عدمها أثناء الجلوس بين السجدتين والتشهد؟
ج/ كيفية وضع الكفين ما يلي:
أما اليسرى: فإنها تكون مبسوطة, مضمومة الأصابع موجهه إلى القبلة, ويكون طرف المرفق عند طرف الفخذ بمعنى لا يفرجها بل يضمها إلى الفخذ, أو يضعها على الركبة يلقمها إلقاماً.
أما اليمنى فلها صفتان:
__________
(1) رواه أبو داود وابن حبان والبيهقي عن أبي حميد وصححه الألباني رحمه الله في صفة الصلاة صـ181.
(2) رواه مسلم وأحمد. رواه مسلم.(2/93)
1) أن يقبض أصابع كفه اليمنى كلها, ويشير بإصبعه السبابة, ويرمي ببصره إليها, ويضع إبهامه على إصبعه الوسطى, واليسرى تكون مبسوطة.
ودليل ذلك ما رواه علي بن عبدالرحمن المعأوي أنه قال { رأني عبدالله بن عمر وأنا أعبث بالحصى في الصلاة فلما انصرف نهاني فقال: اصنع كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع, فقلت وكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع؟ قال: كان إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى, وقبض أصابعه كلها, وأشار باصبعه التي تلي الإبهام, ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى(1) } .
2) أن يقبض الخنصر والبنصر, ويحلق بالإبهام مع الوسطى, ويشير بالسبابة. ويدل على ذلك حديث وائل بن حجر.. وفيه { ثم قبض ثنتين من أصابعه, وحلق حلقة ثم رفع أصبعه, فرأيته يحركها يدعو بها } (2).
س102: أين يضع الكفين أثناء الجلوس بين السجدتين والتشهد؟
ج/ ورد لذلك صفتان:
1- أن يضع الكف اليمنى على الفخذ اليمنى, واليسرى على الفخذ اليسرى, وتكون أطراف أصابعه عند ركبتيه, ويدل لذلك حديث عامر بن عبدالله بن الزبير عن أبيه قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد يدعو وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى..(3) } .
2- أن يضع كفه اليمنى على ركبته اليمنى, واليد اليسرى يلقمها الركبة كأنه قابض لها, ويدل لذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { كان إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبتيه اليسرى, ووضع يده اليمنى على ركبتيه اليمنى, وعقد ثلاثاً وخمسين وأشار بالسبابة(4) } .
س103: بالنسبة للجلوس بين السجدتين هل يبسط أصابع اليد اليمنى أم يقبضهما على ما ورد في الصفتين المتقدمتين؟
__________
(1) رواه مسلم.
(2) رواه أحمد من حديث وائل بن حجر بسند قال فيه صاحب الفتح الرباني أنه جيد ورواه أبو داود والنسائي وابن خزيمة(موارد)وابن الجارود في المنتقى.
(3) رواه مسلم.
(4) رواه مسلم.(2/94)
ج/ الصحيح أن الجلوس بين السجدتين كالجلوس للتشهد بالنسبة لقبض أصابع اليد اليمنى, لحديث وائل بن حجر الذي أخرجه الإمام أحمد في المسند من طريق عبد الرزاق وسياقه { رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كبر فرفع يديه حين كبر " يعني استفتح الصلاة " ورفع يديه حين كبر, ورفع يديه حين قال: سمع الله لمن حمده, وسجد فوضع يديه حذو أذنيه, ثم جلس فافترش رجله اليسرى, ثم وضع يده اليسرى على ركبتيه اليسرى, ووضع ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى, ثم أشار بسبابته ووضع الإبهام على الوسطى, وقبض سائر أصابعه, ثم سجد فكانت يداه حذو أذنيه } , وهذا صريح في أن القبض والإشارة بين السجدتين كما في التشهدين, وإلي هذا ذهب ابن القيم رحمه الله حيث قال: (ثم كان صلى الله عليه وسلم يرفع رأسه مكبراً, غير رافع يديه, ويرفع من السجود رأسه قبل يديه, ثم يجلس مفترشاً, يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها, وينصب اليمنى... إلى أن قال: وكان يضع يديه على فخذيه, ويجعل مرفقه على فخذه, وطرف يده على ركبته, ويقبض ثنتين من أصابعه ويحلق حلقة, ثم يرفع أصبعه يدعو بها ويحركها, هكذا قال وائل بن حجر... إلى أن قال ثم كان يقول " بين السجدتين " ربَّ اغفر لي..) أ.هـ(1).
س104: متى يكون تحريك السبابة أثناء الجلوس بين السجدتين وعند الجلوس للتشهد؟
__________
(1) زاد المعاد1/238.(2/95)
ج/ الأقرب أنه يحرك السبابة عند الدعاء, لما ورد من حديث ابن عمررضي الله عنه ولفظه { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في الصلاة ووضع يديه على ركبتيه, ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها, ويده اليسرى على ركبتيه اليسرى باسطها عليها(1) } , وعلى هذا يقال: إذا قال المصلي " السلام عليك أيها النبي " يشير لأن السلام خبر بمعنى الدعاء " السلام علينا " فيه إشارة " اللهم صلِ على محمد " فيه شارة " اللهم بارك على محمد " فيه إشارة " أعوذ بالله من عذاب جهنم" فيه إشارة " ومن عذاب القبر" فيه إشارة " ومن فتنة المحيا والممات " فيه إشارة " ومن فتنة المسيح الدجال " فيه إشارة , وكلمة دعى المصلي فإنه يشير إشارة إلى علوه سبحانه وتعالى.
س105: تقدم أن أصبعه السبابة يشير بها, ولكن هل يحركها على الدوام أم يشير بها وهي ثابته لا يحركها عند الدعاء؟
ج/ الراجح أنه يحركها عند الدعاء, لما ورد في صحيح مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق وفيه { ووضع يديه على ركبتيه, ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها } وعلى هذا يقال يقبض ويشير بالسبابة ويحركها عند الدعاء, فإذا قال مثلاً: ربَّ اغفر لي وهو قد أشار بالسبابة حركها وهكذا يفعل كلما دعا أي يرفع أصبعه ثابته لا تتحرك فإذا بدأ بالدعاء حركها.
الرابع عشر: من السنن الفعلية إلتفاته يميناً وشمالاً في تسليمه, وتفضيل الشمال على اليمين في الإلتفات ويدل لذلك حديث عامر بن سعد عن أبيه قال { كنت أرى النبي صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده(2) } .
س106: ما حكم التسليم؟
__________
(1) رواه مسلم.
(2) رواه أحمد ومسلم.(2/96)
ج/ الصحيح أنه من أركان الصلاة لحديث جابر بن سمرة مرفوعاً وفيه { إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه يسلم على أخيه من على يمينه ومن على شماله } (1), وما دون الكفاية لا يكون مجزئاً, وأيضاً لمواظبته صلى الله عليه وسلم على التسليم حضراً وسفراً, وقد قال صلى الله عليه وسلم { صلوا كما رأيتموني أصلي } .
س107: على من يسلم المصلي؟
ج/ قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في الممتع: ( إذا كان معه جماعة فالسلام يكون عليهم, فإذا لم يكن معه جماعة فالسلام يكون على الملائكة الذين عن يمينه وشماله, وإذا سلم على الجماعة لا يجب عليهم الرد, وإن كان روى أبو داود { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يردوا على الإمام, وأن يسلم بعضهم على بعض(2) } , لكن الظاهر أن هذا السلام حاصل من الجميع فكل واحد يسلم على الآخر فاكتفي بسلام الثاني عن الرد)(3).
س108: ما هي الحكمة من اختتام الصلاة بالسلام؟
ج/ قال ابن القيم رحمه الله في بدائع الفؤائد(4): (أما اختتام الصلاة به فإن الله جعل لكل عبادة تحليلاً منها وتحريماً, فجعل السلام تحليلاً من الصلاة... والحكمة المناسبة فإن المصلي ما دام في صلاته بين يدي ربه فهو في حماه الذي لا يستطيع أحد أن يحفزه, بل هو في حمى من جميع الآفات والشرور, فإذا انصرف من بين يدي الله مصحوباً بالسلام لم يزل عليه حافظ من الله إلى وقت الصلاة الأخرى) أ.هـ.
وأيضاً: كأن المصلي مشغول عن الناس في صلاته, ثم أقبل عليهم كغائب حضر.
س109: إلى إي الجهتين يلتفت أكثر؟
__________
(1) رواه مسلم.
(2) أخرجه أبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
(3) الممتع3/288.
(4) 2/195.(2/97)
ج/ قال أصحاب الإمام أحمد(1): وسن إلتفاته عن يساره أكثر, لحديث عمار مرفوعاً( كان يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده الأيمن, وإذا سلم عن يساره يرى بياض خده الأيمن والأيسر)(2). وفي صحيح مسلم عن سعد قال(كنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه ويساره حتى يرى بياض خده).
س110: هل يطول السلام ويمد به صوته أم لا؟
ج/ يقال أنه يستحب حذف السلام, وهو أنه لا يطوله ولا يمد به صوته, لحديث أبي هريرة رضي الله عنه { حذف السلام سنة } (3).
?الأذكار بعد الصلاة?
وبعد ما انتهينا بحمد الله تعالى في كتاب الصلاة من سنن الصلاة, وقبل أن نتطرق إلى مكروها تها ومبطلاتها(4), يحسن بنا أن نتعرض للأذكار الملحقة بالصلاة, لأن هذه الصلاة عظيمة ومن عظمتها أن لبَ الصلاة وروحها هو الخشوع ولكن لابد أن يعتريها النقص, ولذا شرع للإنسان أن يسد وأن يجبر هذا النقص, ولذا شرع للإنسان أن يسد وأن يجبر هذا النقص, ومن رحمة الشارع أنه جعل لهذه الصلاة جوابر تسدَ هذا الخلل الحاصل في الصلاة.
وجوابر الصلاة ثلاثة:
1- الأذكار التي في أدبار الصلاة.
2- سجود السهو(1).
3- صلاة التطوع(2).
س111: ماذا يقول المسلم بعد تسليمه من صلاته؟
ج/ يقول ما ورد من الأذكار, وهي على ما يلي:
1. يستغفر الله ثلاثاً, لحديث ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثاً, وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام } (5).
2. أن يقول { اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام } , بدليل حديث ثوبان السابق.
__________
(1) كشاف القناع1/362.
(2) رواه يحيى بن محمد بن صاعد.
(3) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه.
(4) وسيأتي إن شاء الله بيان ذلك كله في المذكرة الثانية لـ (كتاب الصلاة)
(5) رواه مسلم.(2/98)
3. ثم يقول { لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, لا حول ولا قوة إلا بالله ولا نعبد إلا إياه, له النعمة, وله الفضل, وله الثناء الحسن, لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون } , ويدل لذلك حديث عبدالله بن الزبير رضي الله عنه { أنه كان يقول دبر كل صلاة حين يسلّم: لا إله إلا الله وحده...الخ, وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة } (1).
4. أيضاً يقول ما ورد في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه كتب إلى معأوية { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من الصلاة وسلّم قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, اللهم لا مانع لما أعطيت, ولا معطي لما منعت, ولا ينفع [ذا الجد منك الجد } (2).
5. يستحب أن يقول بعد ذلك بعد الصبح { لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, عشر مرات } (3), وكذلك تقال بعد المغرب(4), أما في غير الصبح والمغرب فإنه يقولها ثلاث مرات.
6. كذلك يقول { ربَّ أجرني من النار } سبع مرات بعد صلاة الصبح والمغرب, وقد روى ذلك الإمام أحمد وأبو داود من حديث مسلم بن الحارث التميمي عن أبيه قال { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا صليت الصبح فقل قبل أن تكلم أحداً من الناس " اللهم أجرني من النار " سبع مرات, فإنك إن مت من يومك ذلك كتب الله عز وجل لق جواراً من النار, وإذا صليت المغرب فقل قبل أن تكلم أحداً من الناس " اللهم إني أسألك الجنة, اللهم أجرني من النار " , سبع مرات, فإنك إن مت من ليلتك تلك كتب الله عز وجل لق جواراً من النار } .
__________
(1) رواه مسلم.
(2) متفق عليه.
(3) رواه الترمذي عن أبي ذر وقال حسن صحيح.
(4) رواه الإمام أحمد وغيره.(2/99)
7 .قراءة المعوذتين دبر كل صلاة, لما ورد في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال { أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذتين دبر كل صلاة } (1), وفي رواية { بالمعوذتين } (2), فينبغي أن يقرأ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } يكررها ثلاثاً في المغرب والفجر.
8. يقرأ آية الكرسي, لحديث أبي أمامه رضي الله عنه قال: { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ آية الكرسي دبر كل مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت } (3).
9. ثم يشرع في التسبيح(4).
س:112: ما هي صيغ التسبيح الواردة التي يقولها المصلي بعد انتهاء الصلاة؟
ج/ التسبيح الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم له صيغ:
الأولى: أن يسبح ويحمد ويكبر ثلاثاً وثلاثين, ويقول في تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد, وهو على كل شيء قدير, كما ورد ذلك من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين, وحمد الله ثلاثاً وثلاثين, وكبر الله ثلاثاً وثلاثين, فتلك تسعة وتسعون, وقال تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, غُفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر } (5).
__________
(1) رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي.
(2) رواه أبو داود.
(3) رواه النسائي.
(4) الأذكار الواردة في أدبار الصلوات متنوعة وماذكرناه شيئاً منها ومن أراد الإستذادة من ذلك فليراجع الكتب المؤلفة في ذلك مثل كتاب الأذكار للنووي, وكتاب الوابل الصيب لابن القيم وهو كتاب مفيد جداُ لأن المؤلف رحمه الله تعالى ذكر فيه فؤائد الذكر وقد ذكر فوق مائة فائدة للذكر يحسن مراجعتها.
(5) رواه مسلم.(2/100)
الثانية: أن يسبح عشراً, ويحمد عشراً, ويكبر عشراً, فيكون الجمع ثلاثين, ويدل لذلك ما ورد في حديث أنس بن مالك قال { جاءت أم سلمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله علمني كلمات أدعو بهن قال: تسبحين الله عز وجل عشراً, وتحمدينه عشراً, وتكبرينه عشراً, ثم سلي حاجتك, فإنه يقول قد فعلت, قد فعلت(1) } .
الثالثة: أن يسبح ثلاثاً وثلاثين, ويحمد ثلاثاً وثلاثين, ويكبر أربعاً وثلاثين, فيكون الجميع مائة, لما ورد في حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن, دبر كل صلاة مكتوبات ثلاثاً وثلاثين تسبيحة, وثلاثاً وثلاثين تحميدة, وأربعاً وثلاثين تكبيرة(2) } .
الرابعة: يقول سبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر, وخمساً وعشرين مرة, فيكون الجميع مائة, ويدل لذلك ما ورد من حديث زيد بن ثابت قال { أمرنا أن نسبح في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين, ونحمد ثلاثاً وثلاثين, وتكبر أربعاً وثلاثين, فأتى رجل في المنام من الأنصار فقيل له: أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسبحوا في دبر كل صلاة كذا وكذا وكذا قال الأنصاري " في منامه " نعم, قال فاجعلوها خمساً وعشرين, واجعلوا فيها التهليل, فلما أصبح غدا على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره, فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم فافعلوا } (3).
س113: إذا أراد التسبيح هل يجمعها أم يفردها؟ وما أدلة ذلك؟
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد والترمذي والنسائي, والحاكم في المستدرك وصححه على شرط مسلم.
(2) رواه مسلم.
(3) رواه الإمام أحمد والترمذي وقال حسن صحيح والنسائي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.(2/101)
ج/ أما الصيغة الأولى: فالسنة أن يجمعها ويقول سبحان الله, والحمد لله, الله أكبر, حتى يعد ثلاثاً وثلاثين فتكون مجموعها تسعاً وتسعون, فالسنة فيها الجمع لا الإفراد, فلا يقول سبحان الله ثلاثاً وثلاثين ثم الحمد لله ثلاثاً وثلاثين ثم الله أكبر ثلاثاً وثلاثين, وإنما السنة جمعها كما تقدم, لما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال { جاء الفقراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلى.. إلى أن قال: تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثاً وثلاثين, فاختلفا بيننا, فقال بعضنا: نسبح ثلاثاً وثلاثين, ونحمد ثلاثاً وثلاثين, ونكبر أربعاً وثلاثين, فرجعت إليه فقال: تقول سبحان الله, والحمد لله, والله أكبر, حتى يكون منهن كلهن ثلاث وثلاثون } (1).
أما الصيغة الثانية: فالسنة أفرادها فيسبح عشراً, إذا انتهى منها حمد عشراً, وإذا انتهى منها كبر عشراً, لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { خصلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة: يسبح الله في دبر كل صلاة عشراً, ويحمد عشراً, ويكبر عشراً(2) } الحديث, فهنا ورد بصيغة الإفراد.
أما الصيغة الثالثة: هذه كذلك السنة أفرادها يسبح ثلاثاً وثلاثين, وإذا انتهى منها يحمد ثلاثاً وثلاثين, إذا انتهى منها يكبر أربعاً وثلاثين, لما ورد عن كعب بن عجرة أن رسول صلى الله عليه وسلم قال { معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن, دبر كل صلاة مكتوبة ثلاثاً وثلاثين, لما ورد عن كعب بن عجرة أن رسول صلى الله عليه وسلم قال { معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن, دبر كل صلاة مكتوبة ثلاثاً وثلاثين تسبيحة, وثلاثاً وثلاثين تحميدة, وأربعاً وثلاثين تكبيرة(3) } . فهنا جاء بصيغة الإفراد.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي والحاكم من حديث أنس رضي الله عنه.
(3) رواه مسلم(2/102)
أما الصيغة الرابعة: إن شاء جمعها يقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا إله إلا الله خمساً وعشرين مرة, لحديث زيد المتقدم, وإن شاء أفردها يقول: سبحان الله خمساً وعشرين والحمد لله خمساً وعشرين والله أكبر خمساً وعشرين, ولا إله إلا الله خمساً وعشرين, لما ورد من حديث نافع بن عمر رضي الله عنه { أن رجلاً رأى فيما يرى النائم قيل له: بأي شيء أمركم نبيكم صلى الله عليه وسلم قال: أمرنا أن نسبح ثلاثاً وثلاثين, ونحمد ثلاثاً وثلاثين, ونكبر أربعاً وثلاثين فتلك مائة, قالوا: سبحوا خمساً وعشرين, واحمدوا خمساً وعشرين, وكبروا خمساً وعشرين, وهللوا خمساً وعشرين فتلك مائة, فلما أصبح ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله, افعلوا كما قال الأنصاري } (1).
س114: هل يرفع صوته بما تقدم من الاستغفار والتسبيح أم يسر؟
ج/ السنة رفع الصوت بما تقدم من الاستغفار والتسبيح, لما ورد من حديث ابن الزبير(2) , لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, لا حول ولا قوة إلا بالله ولا نعبد إلا إياه, له النعمة, وله الفضل, وله الثناء الحسن, لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون, وقال كان رسول الله يهل بهن دبر كل صلاة } , الشاهد هنا قوله: { يهل بهن } والإهلال رفع الصوت.
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما { إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم } , وفيه أيضاً عن ابن عباس { كنت اعرف انقضاء صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالتكبير } .
س115: بمَ يعقد التسبيح؟
__________
(1) رواه أحمد والنسائي والحاكم وإسناده صحيح.
(2) تقدم في صـ 122.(2/103)
ج/ قال شيخ الإسلام رحمه الله(1)(السنة أن يعقد التسبيح بلإصبعه, لقول النبي صلى الله عليه وسلم { سبحن واعقدن بالأصابع فإنهن مسؤولات مستنطقات } (2), وأما عده بالنوى والحصى ونحو ذلك فحسن, وكان من الصحابة رضي الله عنهم من يفعل ذلك, وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين تسبيح بالحصى وأقرها على ذلك, وروي أن أبا هريرة كان يسبح به " أي يسبح بالحصى " . أما التسبيح بما يجعل في نظام الخرز فمن العلماء من كرهه, ومنهم من لم يكرهه, وإذا حسنت النية فهو حسن غير مكروه, وأما اتخاذه من غير حاجة أو إظهاره للناس مثل تعليق في العنق, أو جعله كالسوار في اليد ونحو ذلك, فهذا رياء أو مظنة المراءاة ومشابهة المرائين من غير حاجة, الأول محرم, والثاني أقل أحواله الكراهة " أ. هـ.
وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن حكم التسبيح بالمسبحة فقال رحمه الله تعالى التسبيح بالأصابع خير من التسبيح بالسبحة من ثلاثة وجوه:
الأول: أنه الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله لجماعة من النسوة { اعقدن بالأنامل فإنهن مستنطقات } .
الثاني: أنه أقرب إلى الإخلاص وأبعد عن الرياء.
الثالث: أنه أقرب إلى حضور القلب, ولذلك ترى المسبح بالسبحة يتجول بصره حين التسبيح يميناً وشمالاً لكونه قد ضبط العدد بخرز السبحة فهو يسردها حتى ينتهي إلى آخرها, ثم يقول سبحت مائة مرة أو ألف مرة مثلاً, بخلاف الذي يعقد بالأنامل فقلبه حاضر,
وفي موضع آخر قال رحمه الله: ( وعلى هذا فإن التسبيح بالمسبحة لا يًعد بدعة في الدين, لأن المراد بالبدعة المنهي عنها هي البدع في الدين, والتسبيح بالمسبحة إنما هي وسيلة لضبط العدد, وهي وسيلة مرجوحة مفضولة, والأفضل منها أن يكون عدّ التسبيح بالأصابع)(3) أ.هـ.
__________
(1) مجموع الفتأوى22/506.
(2) رواه أبو داود والترمذي والإمام أحمد وحسنه النووي.
(3) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ/محمد بن عثيمين13/241.(2/104)
س116: في أي اليدين يعقد التسبيح؟
ج/ السنة أن يكون عقد التسبيح باليمين, بدليل حديث عبدالله بن عمرو بن العاص { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيمينه } (1).
س117: هل يعد الإنسان التسبيح بالأنامل أو بالأصابع؟
ج/ أجاب عن ذلك أيضا فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى حيث قال { التسبيح بالأنامل أو بالأصابع واسع, إن شاء عقد بالأنامل, وإن شاء عقد بالأصابع, والأفضل أن يكون عقد التسبيح باليمين, كما جاء به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص " وقد تقدم " أ.هـ(2).
س118: ما تقدم من الأذكار عقب أي صلاة تقال؟
ج/ تقال عقب الصلوات المفروضة بخلاف النوافل, ولذا نعلم خطأ من إذا سلم من النافلة استغفر الله ثلاثاً ثم قال " اللهم أنت السلام... " فبعد النافلة لا يقول شيئا إلا بعد السلام من الوتر يقول " سبحان الملك القدوس " لما ورد في سنن أبي داود وغيرهما عن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الوتر قال " سبحان الملك القدوس " وفي رواية النسائي وابن السني { سبحان الملك القدوس, ثلاث مرات } .
انتهى بحمد الله وتوفيقه الجزء الأول من كتاب الصلاة
ويليه الجزء الثاني بعون الله تعالى
وأوله باب مكروهات الصلاة
__________
(1) رواه أبو داود والترمذي وحسنه البيهقي وصححه الذهبي.
(2) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ/محمد بن عثيمين13/242.(2/105)
{ مكروهات الصلاة }
س1: ما تعريف المكروه؟
المكره لغةً: هو المبغض.
اصطلاحاً: خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين بطلب الترك على غير وجه المحرم.
والمكروهات في الصلاة هي:
أولاً: الاقتصار على الفاتحة في الركعتين الأوليين وعدم قراءة سورة بعدها, ذكر بعض الفقهاء أن ذلك يكره, ولكن يقال الراجح أن المسألة لا تخلو من حالتين هما:
1. أن يتخذ المصلي ذلك صفة دائمة " أي أنه دائماً يترك قراءة سورة الفاتحة " فقول الفقهاء أن هذا مكروه له وجه.
2. أن يتركها في بعض الأحيان فلا شيء فيه ولا يكره ذلك, لأن الكراهة حكم شرعي تفتقر إلى دليل والقاعدة الشرعية {أن ترك السنة لا يقتضي الكراهة}.
ثانياً: تكرار الفاتحة, كما لو قرأها ثم أراد أن يعيد قراءتها في نفس الركعة فهذا مكروه على الصحيح من أقوال أهل العلم لعدم نقله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والمُكَرِر للفاتحة للتعبد بالتكرار لا شك أنه قد أتى مكروهاً, ولأن الفاتحة ركن قولي والزيادة القولية في الصلاة يرى بعض العلماء أنها تبطل بها الصلاة, والذي يقرأ الفاتحة مرة ثانية يعتبر زاد ركناً قولياً, فقالوا خروجاً من الخلاف فإنه يكره تكرار الفاتحة, والراجح أن زيادة الركن القولي في الصلاة لا يبطلها لكن قد يكون ذلك محرماً, كما لو قرأ القرآن في حال الركوع أو السجود.
ويستثني من كراهية تكرار الفاتحة ما إذا كان تكرارها لغرض صحيح كما لو نسي الإمام الجهر بها في الصلاة الجهرية وقرأها سراً فله إعادتها جهراً, أو أراد أن يقرأها بتدبر وخشوع ما لم يخشَ الوسواس فإن ذلك لا يكره.
ثالثاً: التفاته بلا حاجة, والذي يكره هو الالتفات بالرأس وشمالاً, وكذا الالتفات بالبصر بالبصر يميناً وشمالاً كما سيأتي في أقسام الالتفات, لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد } (1).
__________
(1) رواه البخاري وأحمد.(3/1)
س2: ما الحكم لو كان التفاته برأسه أو بصره لحاجة مع الدليل على ذلك؟
ج/ الحكم أن ذلك لا بأس به إذا كان ذلك لحاجة, لحديث سهل بن الحنظلية قال { ثوَب بالصلاة " يعني صلاة الصبح " فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وهو يلتفت إلى الشعب } (1), ومن ذلك أمره - صلى الله عليه وسلم - للمصلي عند الوسوسة أن يتفل عن يساره ثلاثاً ويتعوذ بالله(2), وكذلك التفت أبو بكر - رضي الله عنه - لمجيئ النبي - صلى الله عليه وسلم - , والتفت الناس لخروجه في مرض موته حيث أشار إليهم, ولو لم يلتفتوا ما علموا بخروجه ولا إشارته وأقرهم على التفاتهم, ومن ذلك لو كانت المرأة تصلي وعندها صبياً وخشيت عليه من شيء فالتفتت برأسها أو ببصرها إليه وهي تصلي فلا بأس بذلك.
س3: ما هي أقسام الإلتفات في الصلاة؟
ج/ الإلتفات في الصلاة على أقسام أربعة هي:
الأول: إلتفات القلب وهذا هو العلة التي لا يكاد يسلم منها أحد وما أصعب معالجتها وما أقل السالم منها, وهذا لا يبطل الصلاة " ولكن ليس للإنسان إلا ما عقل " حتى لو غلبت الخواطر على أكثر الصلاة فإنه لا يبطلها.
الثاني: الإلتفات برأسه يميناً أو شمالاً فهذا يكره, لما روى أنس - رضي الله عنه - مرفوعاً { إياك والالتفات في الصلاة فإنه هلكه } (3), فإن كان لحاجة فلا يكره لما تقدم.
الثالث: أن يلتفت بجميع بدنه فتبطل صلاته, لتركه استقبال القبلة لكن في شدة الخوف لا تبطل صلاته لسقوط الاستقبال في تلك الحال, ومثله من يصلي في الكعبة, لأنه إذا ترك استقبال جهة فقد استقبل الأخرى.
الرابع: الإلتفات بالبصر يميناً وشمالاً, فهذا يكره, لعموم النهي عن الإلتفات, وهناك الإلتفات بالبصر إلى السماء وهذا سيأتي حكمه.
__________
(1) رواه أبو داود والحاكم وصححه على شرطهما.
(2) كما في صحيح مسلم عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه.
(3) رواه الترمذي وصححه.(3/2)
س4: ما حكم الإلتفات بالبصر إلى السماء " أي رفع البصر إلى السماء في حال الصلاة " ؟
ج/ الراجح أنه محرم لكن لا تبطل الصلاة بذلك, والدليل على حرمة ذلك حديث أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لتختطفن ابصارهم } (1) , وعند مسلم نحوه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وجابر - رضي الله عنه - وفيه { أو لا ترجع إليهم } , وهذا وعيد, والوعيد لا يكون إلا على شيء من الكبائر.
وبناءً على هذا يكون نظر المصلي إما إلى تلقاء وجهه, وإما إلى موضع سجوده, والمصلي يختار ما هو أخشع لقلبه إلا في موضعين:
ا. في حالة الخوف فإنه ينظر إلى جهة العدو.
2. إذا جلس بين السجدتين أو للتشهد فإنه يرمي ببصره إلى موضع إشارته إلى إصبعه, لما روى عامر بن عبدالله بن الزبير عن أبيه قال وفي الحديث { ...لا يجاوز بصره إشارته(2) } .
س5: ما حكم رفع البصر حال الدعاء إذا كان الإنسان خارج الصلاة؟
ج/ الراجح في ذلك أنه لا يكره ذلك, وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله(3), وقال به بعض السلف كشريح.
الرابع: من مكروهات الصلاة تغميض المصلي عينيه, قال ابن القيم رحمه الله(4) (ولم يكن من هديه - صلى الله عليه وسلم - تغميض عينيه في الصلاة..., وقد يدل على ذلك مده يده في صلاة الكسوف ليتناول العنقود لما رأى الجنة, وكذلك رؤيته النار وصاحبة الهرة وصاحب المحجن, وكذلك حديث مدافعته البهيمة, ورده الغلام والجارية... فهذه الأحاديث وغيرها يستفاد من مجموعها العلم بإنه لم يكن يغمض عينيه) أ.هـ.
__________
(1) رواه البخاري.
(2) رواه أبو داود والنسائي وابن حبان وغيرهم.
(3) الاختيارات صـ75.
(4) زاد المعاد1/293.(3/3)
وبناءً على هذا فالراجح أن تغميض المصلي عينيه أن ذلك مكروه إذا كان فتح العينين لا يخل بالخشوع, وإن كان يحول بينه وبين الخشوع لما في قبلته من الزخرفة والتزويق, أو غيره مما يشوش عليه قلبه فهنالك لا يكره التغميض قطعاً, والقول باستحبابه في هذا الحال أقرب إلى أصول الشرع ومقاصده من القول بالكراهية.
الخامس: من مكروهات الصلاة حمل المصلي شيئاً يشغله عن صلاته, وهذا من المكروهات إذا كان يشغله في صلاته, أما إذا كان حمل هذا الشيء لا يشغله في صلاته فلا بأس بذلك, ولهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أخشع الناس حمل أمامة وهو يصلي, كما ورد ذلك في حديث أبي قتادة الأنصاري { أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - } (1), ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس { فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها } (2).
وبناءً على هذا للمرأة أن تفعل ذلك, كما لو حملت ابنها إذا قامت وإذا سجدت وضعته فلا بأس بذلك إذا كان لا يشغلها عن صلاتها.
__________
(1) رواه البخاري.
(2) رواه البخاري ومسلم.(3/4)
السادس: من مكروهات الصلاة افتراش المصلي ذراعيه حال السجود, والمقصود من ذلك هو أن يمدهما على الأرض ملصقاً لهما بها بحيث تكونان كالفراش والبساط, ويدل على النهي عن ذلك حديث أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب(1) } . فهنا نُهي عن التشبه بحيوان وهو الكلب, والله عز وجل لم يذكر تشبيه الإنسان بالحيوان إلا في مقام الذم كما في قوله تعالى { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً(2) } , وقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الذي يتكلم والإمام يخطب أنه كمثل الحمار يحمل أسفاراً(3), فإذا كان تشبه الإنسان بالحيوان في غير الصلاة مذموماً ففي الصلاة من باب أولى, فلعلى هذا يكون الافتراش مكروه, لكن لو اعتاد ذلك فإنه يكون محرماً, لأن الذم كما تقدم لا يكون إلا على فعل معصية.
س6: ماذا يفعل المأموم إذا أطال الإمام السجود وشق عليه؟
ج/ إذا أطال الإمام السجود وشق على المأموم ذلك فإنه يعتمد بمرفقيه على فخذيه, لأن في هذا تيسير على المكلف, وقد روى أبو هريرة - رضي الله عنه - قال { اشتكى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشقة السجود عليهم إذا انفرجوا فقال: استعينوا بالركب } (4).
السابع: من مكروهات الصلاة العبث في الصلاة, ولا فرق هنا بين العبث بيد أو رجل أو لحية أو ثوب أو غير ذلك.
س7: ما هي المفاسد المترتبة على العبث؟
ج/ ذكر الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في الممتع(5) لذلك مفاسد ثلاثة هي:
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) الجمعة: من الآية5)
(3) رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن عباس رضي الله عنهما, قال ابن حجر في البلوغ " رواه أحمد بإسناد لا بأس به ".
(4) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
(5) الشرح الممتع3/321.(3/5)
1) انشغال القلب فإن حركة البدن تكون بحركة القلب, فإذا تحرك البدن لزم من ذلك أن يكون القلب متحركاً وفي هذا انشغال عن الصلاة.
2) أنه على اسمه عبث ولغو وهو ينافي الجدية المطلوبة من الإنسان في حال الصلاة.
3) وهي الحركة بالجوارح وهذه الحركة دخيلة على الصلاة, لأن الصلاة لها حركات معينة من قيام وقعود وركوع وسجود.
الثامن: من مكروهات الصلاة التخصر, ويدل على النهي عن التخصر حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يصلي الرجل متخصراً } (1).
س8: ما هو التخصر؟
ج/ التخصر اختلف أهل العلم في المراد بمعناه, والراجح أنه وضع اليد على الخاصرة, وهذا ما عليه أكثر أهل العلم, ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها في قصة فقد عائشة لعقدها وفيه قالت { وجعل يطعنني بيده في خاصرتي(2) } .
س9: ما هو محل التخصر؟
ج/ الخاصرة: هي المستدق من البطن الذي فوق الورك, أي وسط الإنسان.
س10: ما هي العلة في النهي التي من أجلها نهي عن الإختصار؟
ج/ العلماء على خلاف في العلة التي من أجلها نهي عن الإختصار:
القول الأول: أنه راحة أهل النار, لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً { الإختصار في الصلاة راحة أهل النار } (3).
وقيل: أنه تشبه بالشيطان(4).
وقيل: إنه تشبه باليهود(5).
وقيل: إنه فعل المختالين والمتكبرين.
وقيل: إنه فعل أهل المصائب.
__________
(1) رواه البخاري.
(2) وقد ورد هذا عن ابن عباس رضي الله عنه في مصنف ابن أبي شيبة.
(3) أخرجه ابن خزيمة وقال العراقي في النيل: ظاهر إسناده الصحة.
(4) وقد ورد هذا عن ابن عباس رضي الله عنه في مصنف ابن أبي شيبة.
(5) وقد ورد هذا عن عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاري.(3/6)
التاسع: التمطي, قال في لسان العرب: تمطى الرجل أي تمدد, والتمطي التبختر ومد اليدين في المشي, ويقال التمطي مأخوذ من المطيطة وهو الماء الخاثر في أسفل الحوض, وفي حاشية ابن قاسم(1) قال: " والتمطي هو التمغط, تمطى فلان تبختر ومد يديه في المشي, لأنه يخرج عن هيئة الخشوع ويؤذن بالكسل ".
وإنما يكره ذلك لأن هذا من العبث وهذا العمل يخرجه عن هيئة الخشوع.
العاشر: فتح الفم, لأن هذا من العبث, ولأنه يذهب الخشوع ويمنع كمال مخارج الحروف أثناء القراءة.
الحادي عشر: استقبال صورة, فإذا كانت الصورة مواجهة له فإنه لا يكتفي بالكراهة, بل الأقرب في ذلك التحريم.
قال شيخ الإسلام رحمه الله قي مجموع الفتاوى(2) ( وأما الصلاة فيها " أي في الكنيسة " ففيها ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره:
المنع مطلقاً وهو قول مالك, والإذن مطلقاً هو قول بعض أصحاب أحمد, والثالث هو الصحيح المأثور عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وغيره أنه إذا كان فيها صورة لم يصل فيها, لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة, ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يدخل الكعبة حتى محى ما فيها من الصور, وكذا قال عمر - رضي الله عنه - إنا لا ندخل كنائسهم والصور فيها).
وفي سؤال ورد للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء مفاده: أنهم يصلون في دائرة رسمية لا يستطيعون مغادرتها للصلاة في المسجد ويوجد في الصالة التي نصلي فيها صور تجاه القبلة لشخصيات كبيرة فما حكم الصلاة في هذا المكان والحالة هذه؟
__________
(1) 1/94.
(2) 22/162.(3/7)
فإجابات اللجنة ما نصه: الصلاة صحيحة ولا حرج عليهم إن شاء الله في ذلك إذا كانوا مضطرين للصلاة في المكان المذكور لعدم وجود مسجد قريب منهم, ولكن يجب عليهم أن يبذلوا وسعهم مع المسؤلين لإزالة الصور من هذا المكان, أو إعطائهم مكاناً آخر ليس فيه صور, لأن الصلاة في المكان الذي فيه صور أمام المصلين فيه تشبه بعبادة الأصنام, وقد جاءت الأحاديث الكثيرة دالة على النهي عن التشبه بأعداء الله والأمر بمخالفتهم, مع العلم بأن تعليق الصور ذوات الأرواح في الجدران أمر لا يجوز. بل هو من أسباب الغلو والشرك, ولا سيما إذا كانت من صور المعظمين. أ. هـ.
س11: ما الحكم لو صلى إنسان في ثوب فيه صورة؟
ج/ حكم الصلاة صحيحة لكنه يأثم إن فعل ذلك متعمداً, وإن لم يكن متعمداً فلا إثم عليه, لكن الصلاة صحيحة في كلتا الحالتين.
الثاني عشر: من مكروهات الصلاة, الصلاة إلى وجه آدمي ومتحدث ونائم, لكن الكراهة مقيدة فيما إذا كان ذلك يشغل المصلي ويلهيه عن صلاته, أما أن كان لا يلهيه ذلك فلا كراهة, لحديث عتبان { أنه دعى النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر له أنه كبر, فطلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي في مكان يتخذه مصلى, فشرع النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة يتحدثون في مالك بن الدخشم وأنه لا يحب الله ورسوله, فلما انصرف النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ألا تراه قال: أشهد أن لا إله إلا الله فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه } (1), فالنبي - صلى الله عليه وسلم - صلى إليهم وهم يتحدثون.
__________
(1) رواه مسلم.(3/8)
ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت { لقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوم فيصلي من الليل وإنا معترضة بينه وبين القبلة , كاعتراض الجنازة(1) } , وقد عقد البخاري فصلاً(2) : "باب استقبال الرجلُ الرجلَ وهو يصلي, ثم قال: وكره عثمان - رضي الله عنه - أن يستقبل الرجل وهو يصلي, وإنما هذا إذا اشتغل به, فأما إذا لم يشتغل به فقد قال زيد بن ثابت: ما باليت إن الرجل لا يقطع صلاة الرجل " .
أما حديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي رواه أبو داود { نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة إلى النائم والمتحدث } فهو حديث ضعيف.
الثالث عشر: استقبال النار أثناء الصلاة, وذلك لما في ذلك من التشبه بالمجوس عباد النار, لحديث سلمان - رضي الله عنه - قال { واجتهدت في المجوسية حتى كنت قِطن النار الذي يوقدها ولا يتركها تخبو ساعة } (3).
س12: ما حكم الصلاة أما الدفايات وهل هي داخل في النهي أم لا؟
ج/ أجاب عن ذلك الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله(4) فقال: وضع الدفايات الكهربائية أما المصلين ليس مكروهاً بل هو جائز, ولا يدخل في استقبال النار التي ذكر بعض الفقهاء أنه مكروه, لأن الذي ذكره بعض الفقهاء هي النار التي تشبه نار المجوس التي يعبدونها, وهي نار مشتعلة ذات لهب.
الرابع عشر: الصلاة إلى مايلهية, والضابط في هذا الباب أن كل ما ألهى الإنسان عن كمال صلاته فهو مكروه, لحديث عائشة رضي الله عنها أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى في خميصة لها أعلام فنظر إلى أعلامها نظرة, فلما انصرف قال: { أذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم, وائتوني بأنبجانية أبي جهم فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي } (5), والخميصة: كساء مربع له أعلام, الأنبجانية: كساء غليظ.
__________
(1) رواه مسلم.
(2) صحيح البخاري/ كتاب الصلاة, أبواب سترة المصلي.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسنده.
(4) مجموع فتاوي ورسائل فضيلة الشيخ محمد العثيمين13/338.
(5) رواه البخاري ومسلم.(3/9)
الخامس عشر: مس الحصى وتسوية التراب بلا عذر, لحديث أبي ذر - رضي الله عنه - مرفوعاً { إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يمسح الحصى فإن الرحمة تواجهه(1) } .
س13: هل من العبث مس الحصى أو التراب أو الرمل أو غير ذلك عن موضع سجوده أو عن جبهته؟
ج/ نعم من العبث مس الحصى أو التراب أو الرمل من جبهته أو موضع سجوده إذا كان ذلك بلا عذر لحديث أبي ذر - رضي الله عنه - مرفوعاً السابق, وفي الصحيحين من حديث معيقيب مرفوعاً { لا تمس الحصى وأنت تصلي, فإن كنت فاعلاً فواحدة لتسوية الحصى } , قال ابن المنذر في الأوسط(2) : " اختلف أهل العلم في مس الحصى في الصلاة فرخصت فيه طائفة, لأن ابن عمر - رضي الله عنه - كان يصلي فيمسح الحصى برجله, وروي عن ابن مسعود أنه كان يسوي الحصى بيده مرة واحدة, وكرهت طائفة مس الحصى في الصلاة, روي عن ابن عمر وابن عباس... وأصحاب الرأي " أ.هـ.
والأقرب في ذلك رأي الجمهور وهو الكراهة إلا مرة واحدة عند الحاجة فلا تكره, والأولى فعل ذلك قبل الصلاة.
السادس عشر: التروح بالمروحة, لأن هذا من العبث, والمقصود هنا المروحة التي تصنع من خوص النخل, تخصف ويوضع لها عود ثم يتروح بها الإنسان " أي يتبرد بها " وهذا مكروه, لأنه من العبث والحركة التي تشغل الإنسان عن صلاته, لكن لو دعت الحاجة إلى ذلك كأن يكون الحر شديداً فروّح المصلي عن نفسه من أجل تحصيل الخشوع في ذلك فلا بأس, لأن القاعدة عند الفقهاء {أن المكروه يباح للحاجة}, قال الإمام أحمد(3): يكره ذلك إلا أن يأتي الشديد, أو الغم الشديد, كما أنه لو آذاه الحر أو البرد سجد على ثوبه, وكذا قال اسحاق ".
وعلى هذا التفصيل الذي ذكره الإمام أحمد يحمل ما ورد عن السلف من القول بكراهته أو إباحته.
__________
(1) رواه احمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الحافظ في البلوغ رواه الخمسة بإسناد صحيح.
(2) 3/258.
(3) مسائل أحمد وإسحاق للكوسج1/66.(3/10)
س14: ما الفرق بين الترويح والمراوحة؟
ج/ الترويح: سبق بيان معناه.
وأما المراوحة: فهي أن يعتمد على أحدى رجليه تارة وعلى الأخرى تارة إذا طال القيام.
س15: ما حكم المراوحة؟
ج/ المراوحة بين القدمين بحيث يعتمد على رجل أحياناً وعلى رجل أحياناً أخرى, هذا لا بأس به لا سيما إذا طال وقوف الإنسان, ولكن بدون تقديم إحدى رجليه على الأخرى, فإن فعل ذلك فهو مكروه.
السابع عشر: فرقعة أصابعه وتشبيكها.
والفرقعة هي: غمزها حتى يسمع لمفاصلها صوت, سواء في أصابع اليدين أو أصابع الرجلين, والتشبيك إدخال إحدى أصابع يديه بين أصابع الأخرى.
وحكمهما الكراهة, لأن فعل ذلك من العبث, ولما في الفرقعة من التشويش على من حوله إذا كان يصلي جماعة.
س16: ما هي حالات التشبيك بين الأصابع؟
ج/ التشبيك بين الأصابع له ثلاث حالات:
1- أن يكون التشبيك حال خروجه إلى الصلاة, وهذا ينهى عنه.
2- أن يكون التشبيك حال الصلاة, وهذا أشد نهياً وهو من المكروهات, والدليل على النهي عن التشبيك قبل الصلاة وأثناءها ما ورد في حديث كعب بن عجرة - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال { إذا توضأ أحدكم ثم خرج عامداً إلى المسجد فلا يشبكن بين أصابعه فإنه في صلاة } (1), وفي حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { إذا توضأ أحدكم في بيته ثم أتى المسجد في صلاة حتى يرجع فلا يفعل هكذا, وشبك بين أصابعه(2) } , وإذا كان يُنهى عن التشبيك وهو قاصداً المسجد, ففي داخل الصلاة أولى بالنهي.
__________
(1) رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم.
(2) رواه الدارمي والحاكم وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وقال الألباني في الإرواء: وهو كما قالا.(3/11)
3- أن يكون بعد الفراغ من الصلاة, حتى لو جلس المصلي في المسجد, فهذا لا بأس به, لما ورد في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال { صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحدى صلاتي العشى " قال ابن سيرين وسماها أبو هريرة ولكن نسيت أنا " قال: فصلى بنا ركعتين ثم سلم فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه ... الحديث } (1), فهنا النبي - صلى الله عليه وسلم - شبك بين أصابعه بعد ما صلى ظناً منه أن الصلاة قد انتهت, فدل ذلك على جواز التشبيك بين الأصابع بعد الانتهاء من الصلاة.
الثامن عشر: مس لحيته فيكره فعل ذلك أثناء الصلاة, لأن هذا من العبث.
التاسع عشر: من المكروهات كف ثوبه, لحديث ابن عباس - رضي الله عنه - وفيه { ولا أكف ثوباً ولا شعراً } (2), فإن كان كفه لكم ثوبه لأجل الصلاة فإنه يدخل في هذا الحديث, قال ابن حزم في المحلى(3): (لا يحل للمصلي أن يضم ثيابه قاصداً بذلك للصلاة).
أما إن كان كفه ثوبه لعمل قبل أن يدخل في الصلاة ثم أقيمت الصلاة وهو على هذا الحال فلا بأس بذلك ولا يكره, لأن ظاهر حديث أبي جحيفة في الصحيحين أنه إذا شمر ثيابه لعمل قبل الصلاة أنه لا يكره, لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى وهو مشمر ثوبه, ومثل تشميره الثوب لف الكم أو كفه, والأولى نقضه قبل دخوله للصلاة.
س17: بعض المصلين إذا أراد السجود كف ثوبه أو جمع ثوبه فهل يدخل هذا في النهي؟
ج/ نعم يدخل هذا في النهي, ولأن هذا من فعل المتكبرين.
س18: هل يعتبر طي المشلح أو الملحفة للمرأة " وهو ما يسمى بالجلال " هل يعتبر كفه إذا أرد المصلي أن يسجد من الكف المنهي عنه؟
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) 4/7.(3/12)
ج/ الراجح أنه ليس من الكف المنهي عنه و لحديث وائل بن حجر عند مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - { صلى فرفع يديه عند تكبيرة الإحرام ثم التحف بثوبه.. } , ولأنه يلبس عادة هكذا, كذا ذكر الشيخ محمد بن عثيمين (1)رحمه الله تعالى.
س19: بالنسبة للشماغ أو الغترة هل يعتبر نسفهما من الكف المنهي عنه أم لا؟
ج/ الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله يرى أنه من كف الثوب المنهي عنه.
وأما الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله فقد سئل عن هذا فقال ( الذي أرى أنه لا يعد من كف الثوب المنهي عنه, لأن هذا من صفات لبس الغترة أو الشماغ, فهي كالثوب القصير كمه, والعمامة الملوية على الرأس)(2).
والألباني رحمه الله يرى أنه من الكف المنهي عنه, ولذا فالأحوط أن يسدل المصلي شماغه أثناء الصلاة والله أعلم.
س20: ما حكم كف الشعر في الصلاة هل يدخل هذا في النهي أم لا؟
ج/ بالنسبة للرجال كانوا في الزمن الأول لهم شعور طويلة ولذا نهوا عن كفها عند الصلاة, لحديث ابن عباس - رضي الله عنه - المتقدم؟
أما بالنسبة للمرأة فلا بأس من كفها لشعرها عند الصلاة, لأن المرأة جرت العادة أن تتركه " أي ترسله" وجرت العادة أن تكف شعرها كذلك.
س21: ما هي الحكمة في النهي عن كف الثوب وما يلحق به؟
ج/ ذكر الشوكاني (3) الحكمة من ذلك أن الثوب يسجد معه, وكذا فإنه يشبه عمل المتكبرين.
العشرون: أن يخص جبهته بما يسجد عليه, لأن هذا من شعار الرافضة " أي من علاماتهم " التي يتميزون بها, فإنهم يأخذون قطعة من طين من أرض مشهد الحسين يتبركون بها, ويسجدون عليها, فيكره أن يخص جبهته بنحو ذلك لما فيه من التشبه بأهل الباطل.
__________
(1) شرح الممتع3/349.
(2) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد العثيمين13/309.
(3) نيل الأوطار2/334.(3/13)
الحادي والعشرون: من المكروهات أن يمسح وهو في الصلاة أثر سجوده, والراجح في هذا أنه مكروه, لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً { أن من الجفاء أن يكثر الرجل مسح جبهته قبل الفراغ من صلاته } (1). وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال { أربع من الجفاء, وذكر منها: أن يمسح الرجل جبهته قبل أن ينصرف } (2), ولأنه من العبث إلا عند الحاجة, ولذلك قال الإمام مالك رحمه الله في المدونة(3) : (إذا كثر التراب في جبهته فلا بأس أن يمسح ذلك) , وأما بعد الصلاة فإنه لا يكره.
الثاني والعشرون: الاستناد أثناء القيام في الصلاة بلا حاجة.
الاستناد لا يخلو من أحوال:
1. إذا كان الاستناد لحاجة كمرض وكبر ونحو ذلك, فهذا لا بأس به, لحديث أم قيس بنت محصن { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أسن وحمل اللحم اتخذ عموداً في مصلاه يعتمد عليه } (4).
2. أن يكون الاعتماد لغير حاجة بحيث لو أزيل المعتمد عليه من عمود ونحوه لم يسقط, فهذا حكمه مكروه.
3. أن يكون الاعتماد لغير حاجة بحيث لو أزيل المعتمد عليه من عمود ونحوه يسقط المعتمد عليه, فهذا حكمه أنه تبطل صلاته, لأن الفقهاء قالوا الاعتماد على شيء اعتماداً قوياً بحيث يسقط لو أزيل.
الثالث والعشرون: من المكروهات الذكر في الصلاة إذا وجد سببه, كما لو عطس فقال: الحمد لله أو جاءه خير يسره فقال: الحمد لله, أو حصلت له مصيبة فاسترجع, وإنما عدّوا ذلك من المكروهات قالوا خروجاً من الخلاف, لأن هناك من العلماء من يقول ببطلان الصلاة لو فعل ذلك.
__________
(1) رواه ابن ماجه.
(2) رواه ابن أبي شيبة.
(3) 1/108.
(4) رواه أبو داود.(3/14)
والراجح في ذلك: أن المصلي يقول كل ذكر وجد سببه في الصلاة, كما هو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال في الاختيارات(1) : (ويستحب أن يجيب المؤذن " أي وهو في الصلاة " ويقول مثل ما يقول, ولو في الصلاة, وكذلك يقول في الصلاة كل ذكر ودعاء وجد سببه في الصلاة) وبهذا قال ابن حزم في المحلى(2).
وبناءً على هذا إذا عطس فإنه يحمد اله كما صح ذلك في قصة معاوية بن أبي الحكم - رضي الله عنه - { أنه دخل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة فعطس رجل من القوم فقال: الحمد لله. فقال له معاوية: يرحمك الله, فرمى الناس معاوية بأبصارهم منكرين عليه ما قال, فقال واثكل أمياه, فجعلوا يضربون على أفخاذهم يسكتونه فسكت, فلما انصرف من الصلاة دعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال معاوية: بأبي هو وأمي والله ما كهرني ولا نهرني وإنما قال: إن هذه الصلاة لا يصح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن(3) } , فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر على العاطس الذي حمد الله.
وإذا حصلت له مصيبة فلا بأس أن يسترجع ونحو ذلك, لكن إن كان الذكر طويلاً, فإنه لا يجيب على الصحيح, وبناءً على هذا الراجح أن المصلي لا يتابع المؤذن في إثناء الصلاة, لطول هذا الذكر, ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - { إن في الصلاة لشغلاً } (4), ولأنه لو تابع المؤذن وهو في الصلاة لأدى ذلك إلى خروج الصلاة عن مقصودها.
{ مكروهات لم يذكرها المصنف }
__________
(1) ص39.
(2) 3/148.
(3) رواه ابن أبي شيبة.
(4) رواه البخاري ومسلم.(3/15)
الرابع والعشرون: من المكروهات الصلاة بحضرة طعام يشتهيه, لأن ذلك يمنع من الخشوع في الصلاة, لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { لا صلاة بحضرة طعام, ولا وهو يدافعه الأخبثان } (1), وبناءً على هذا فالراجح هو قول الجمهور أن الصلاة بحضرة طعام يشتهيه أن ذلك مكروه, لأن النفي هنا في قوله { لا صلاة } ليس نفياً للصحة, وإنما نفياً للكمال, بدليل { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأكل طعاماً فدعي إلى صلاة وكانت الذراع في يده يجتز منها فطرح السكين(2) } , فالقاعدة {أن كل ما أشغل الإنسان عن حضور قلبه في الصلاة تعلقت به نفسه إن كان مطلوباً, أو قلقت منه إن كان مكروهاً فإنه يتخلص منه بقدر الإمكان}.
س22: قيد العلماء كراهة الصلاة بحضرة طعام يشتهيه بثلاثة قيود فما هي؟
ج/ القيود هي:
1) أن يكون الطعام حاضراً, فإذا لم يكن الطعام حاضراً ولكنه جائع فإنه لا يتخلف عن الجماعة.
2) أن تتوق نفسه إليه " أي أنه يشتهيه " وعدم تناوله يشغله في صلاته, وبناءً على هذا لو كان شبعاناً لا يهتم به, فليصلِ ولا كراهة في حقه.
3) أن يكون قادراً على تناوله شرعاً وحساً.
فالشرعي: كالصائم فيصلي ولا ينتظر, لأنه ممنوع منه شرعاً, ولا تكره صلاته.
والحسي: كالطعام الحار, فيصلي ولا ينتظر, لأنه ممنوع منه ولا تكره صلاته.
الخامس والعشرون: إذا كان يدافعه الأخبثان, والمقصود بهما البول والغائط, وعلى هذا يكره أن يصلي وهو حاقن (وهو محتبس البول), أو حاقب (وهو محتبس للغائط), أو حازق ( وهو محتبس الريح) , والكراهة مذهب الجمهور وهو الراجح, بدليل حديث عائشة السابق.
__________
(1) رواه مسلم.
(2) رواه البخاري.(3/16)
قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى(1): ( صلاته بالتيمم بلا احتقان أفضل من صلاته بالوضوء وبالاحتقان, فإن الصلاة بالاحتقان مكروهة منهي عنها, وفي صحتها روايتان, وأما صلاته بالتيمم صحيحة لا كراهة فيها بالاتفاق) أ.هـ.
س23: ما هي الحكمة في كراهة صلاة الحاقن؟
ج/ الحكمة في ذلك لأمرين:
1. نقصان الخشوع لأن المدافع لهذه الأشياء لا يمكن أن يحضر قلبه لما هو فيه من الصلاة, لأنه منشغل بمدافعة هذا الخبث.
2. لأن في هذا ضرراً بدنياً عليه, فإن في حبس البول المستعد للخروج ضرراً على المثانة.
س24: لو أن إنساناً حاقناً إذا قضى حاجته لم يكن عنده ماء يتوضأ به فهل يقال له اقضِ حاجتك وتيمم للصلاة, أو نقول صلَّ وأنت مدافع للأخبثين؟
ج/ يقال له اقضِ حاجتك وتيمم ولا تصلَّ وأنت تدافع الأخبثين, وذلك لأن الصلاة بالتيمم لا تكره بالإجماع, والصلاة مع الأخبثين مكروهة منهيٌ عنها, بل أن بعض العلماء قال بحرمة ذلك, وقد تقدم كلام شيخ الإسلام حيث قال(صلاة بالتيمم بلا احتقان أفضل.. الخ).
س25: إذا كان قضائه لحاجته يؤدي ذلك إلى فوات الجماعة فهل يقضي حاجته أم يصلي مع الجماعة وهو حاقن؟
ج/ يقال هنا بأنه يقضي حاجته ولو فاتته الجماعة.
وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين(2) رحمه الله عن ذلك فقال: ( يقضي حاجته ويتوضأ ولو فاتته الجماعة, لأن هذا عذر, وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - { لا صلاة بحضرة طعام, ولا وهو يدافع الأخبثان } (3).
س26: لو ضاق الوقت بحيث لو قضى الإنسان حاجته أدى ذلك إلى خروج الوقت فهل يصلي وهو حاقن لإدراك الوقت أم يتخفف حتى لو أدى ذلك إلى خروج الوقت؟
ج/ يقال الأمر لا يخلو من حالتين:
__________
(1) 21/273.
(2) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد العثيمين13/299.
(3) رواه مسلم.(3/17)
1. إذا كانت الصلاة تجمع مع التي بعدها فإنه يقضي حاجته وينوي الجمع, لأن الجمع في حال الحضر لا بأس به عند الحاجة, ولا يقيد ذلك بالمرض أو المطر أو الريح الشديدة ونحو ذلك, بل هو مشروع عند الحاجة إليه ومن ذلك عند الاحتقان, أما في السفر فالأمر في ذلك ظاهر.
2. إذا كانت الصلاة لا تجمع مع التي بعدها فالمسألة على خلاف, والراجح أنه يقضي حاجته ويصلي حتى ولو خرج الوقت, لأن القول بهذا أقرب إلى قواعد الشرع والتي بنيت على اليسر والسماحة, وهذا بلا شك من اليسر والإنسان إذا كان يدافع الأخبثين يخشى على نفسه الضرر مع انشغاله عن الصلاة, وهذا في المدافعة القريبة التي تشغل القلب عن الخشوع في الصلاة, أما إذا كانت مدافعة خفيفة بحيث لا تشغله ولا تضره فهذا الظاهر أنه يصلي محافظة على الوقت.
وأما إذا كانت المدافعة شديدة بحيث لا يدرك ما يقول في صلاته, ويكاد يتقطع من شدة الحصر فهذا لا شك أنه يقضي حاجته ثم يصلي وينبغي ألا يكون في هذا خلاف.
س27: إذا كان حاقناً يدافع الأخبثين فهل يقضي حاجته ولو فاته فضيلة أول وقت الصلاة أم يصلي وهو حاقن لإدراك أول الوقت " أي أول وقت الصلاة " ؟
ج/ الراجح في ذلك أنه يقضي حاجته ولو أدى ذلك إلى فوات فضيلة أول الوقت للقاعدة الشرعية وهي {أن مراعاة الفضل المتعلق بذات العبادة أولى بالمراعاة من الفضل المتعلق بزمان أو مكان العبادة}, ففي هذه المسألة عندنا إدراك فضيلة أول الوقت, وفضيلة الصلاة بطمأنينة وخشوع, فأيهما يقدم؟ يقدم هنا فضيلة الصلاة بطمأنينة وخشوع, لأن هذا الأمر متعلق بذات العبادة فهو يقدم على ما تعلق بزمان العبادة وهو إدراك أول الوقت, وعلى هذا يقال بأنه يقضي حاجته ويتخفف حتى ولو أدى ذلك إلى فوات فضيلة أول الوقت.(3/18)
مثال المكان: الرمل في الطواف وهو الإسراع في المشي مع مقاربة الخُطى, وهذا إنما يكون في الأشواط الثلاثة الأولى في طواف القدوم, فلو كان الإنسان إذا قرب من الكعبة لا يستطيع أن يرمل لشدة الزحام, ومعلوم أن القرب من الكعبة أثناء الطواف سنة, وإذا بعد استطاع أن يرمل, فهل نقول هنا أنه يقرب من الكعبة ولو فاته الرمل أم يبتعد ويرمل؟ الراجح هنا أن الأفضل له أن يبتعد ويرمل, لأن مراعاة الفضل المتعلق بذات العبادة وهو الرمل هنا أولى بالمراعاة من الفضل المتعلق بمكان العبادة, وهو القرب من الكعبة.
السادسة والعشرون: الإقعاء, لما ورد في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال { أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثلاث ونهاني عن ثلاث: أمرني بركعتي الضحى كل يوم, والوتر قبل النوم, وصيام ثلاثة أيام من كل شهر, ونهاني عن نقرة الغراب, وإقعاء كإقعاء الكلب, والتفات كالتفات الثعلب } (1).
س28: ما هي صفة الإقعاء المكروهة؟
ج/ الإقعاء له صور هي:
1- أن يجعل ظهور قدميه على الأرض, ويجلس على عقبيه, وهذا مكروه لأمرين:
أ. لأنه يشبه من بعض الوجوه إقعاء الكلب.
ب. أنه متعب فلا يستقر الإنسان في حال جلوسه على هذا الوجه.
2- أن يجعل أصابع قدميه في الأرض, وتكون عقباه قائمتين, وأليتاه بين عقبيه.
3- أن يلصق أليته بالأرض, وينصب ساقيه وفخذيه, ويضع يديه على الأرض, وهذا تفسير أهل اللغة, وهي ما يعرف اللغة الدارجة (البوبزة) وهذه الصورة أقربها لإقعاء الكلب.
__________
(1) رواه الإمام أحمد وحسنه الألباني رحمهم الله.(3/19)
4- أن ينصب قدميه ويجلس على عقبيه, قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في الممتع(1)(وهذا ولا شك إقعاء كما ثبت في صحيح مسلم من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما لما قيل له في الإقعاء على القدمين, فقال هي السنة, فقلنا له: إنا لنراه جفاء بالرجل, فقال ابن عباس - رضي الله عنه -: بل هي سنة نبيكم - صلى الله عليه وسلم - , ولكن بعض أهل العلم قال: إن هذه الصورة من الإقعاء من السنة, لأن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " إنها سنة أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم - " , ولكن أكثر أهل العلم على خلاف ذلك, وأن هذا ليس من السنة, ويشبه والله أعلم أن يكون قول ابن عباس رضي الله عنهما تحدثاً عن سنة سابقة نسخت بالأحاديث الكثيرة المستفيضة بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى " أ.هـ.
السابع والعشرون: عدّ الآي والتسبيح, قال ابن نصر الله : (أن يعد ذلك بقلبه ويضبط عدده بضميره من غير أن يتلفظ, فإن تلفظ فبان حرفان بطلت صلاته).
س29: ما حكم عد الأيات والتسبيح والتكبير؟
ج/ عد الآي والتسبيح له حالتان:
الأولى: أن يكون لحاجة فيجوز, كما لو كان الإنسان لا يعرف الفاتحة وأراد أن يقرأ بعدد آياتها من القرآن, وكذلك التسبيح للإمام فإن الفقهاء حددوا له التسبيح أي الإمام إلى عشر حتى لا يطيل على المأمومين فله عدّ ذلك, ومثل ذلك تكبيرات العيد والاستسقاء لو عدها حتى لا يخطئ فهذا لا بأس به ولا يكره.
الثانية: أن يكون لغير حاجة, فلا ينبغي ذلك, وقد يكره إذا أدى إلى انشغاله عن صلاته وإذهاب خشوعه.
الثامن والعشرون: الفتح على غير إمامه " أي الرد عليه إذا أخطأ " فلو كان الإنسان يصلي وفتح على من هو في صلاة أخرى, أو فتح على غير من هو في صلاة فهو مكروه لأمرين:
أ- أنه لا ارتباط بينك وبينه, بخلاف إمامك إذا غلط فهناك ارتباط بينك وبينه.
__________
(1) 3/318.(3/20)
ب- أنه يوجب الإنسان بالاستماع إلى غير من يسن الاستماع إليه, فيوجب أن تتابعه وأنت غير مأمور بهذا, قال في الشرح الكبير مع الإنصاف(1) وفيه: (ويكره أن يفتح من هو في الصلاة على من هو في صلاة أخرى, أو على من ليس في الصلاة, لأن ذلك يشغله عن صلاته, وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - { إن في الصلاة لشغلاً } , فإن فعل لم تبطل صلاته, لأنه قرآن وإنما قصد قراءته دون خطاب الآدمي فأما غير المصلي فلا بأس أن يفتح على المصلي).
التاسع والعشرون: الحركة اليسيرة إذا كانت لغير حاجة, ولا يتوقف عليها كمال الصلاة, كالعبث في الصلاة.
س30: ما هي أقسام الحركة التي ليست من جنس الصلاة؟
ج/ الحركة التي ليست من جنس الصلاة تنقسم إلى خمس أقسام:
1) حركة واجبة: وهي التي يتوقف عليها صحة الصلاة, كما لو ذكر أن على ثوبه نجاسة ثم تحرك لإزالتها.
2) حركة مستحبة: وهي التي يتوقف عليها كمال الصلاة, كما لو حصل بينه وبين جاره فرجه ثم تحرك لسدها.
3) حركة مباحة: وهي الحركة اليسيرة للحاجة أو الكثيرة للضرورة, فاليسيرة كما لو كان رجل يصلي في الظل فأحس ببرودة فتقدم أو تأخر أو تيامن أو تياسر من أجل الشمس, والكثير للضرورة كما لو تحرك خوفاً من عدو أو سبع أو نار.
4) حركة محرمة: وهي الكثيرة المتوالية لغير الحاجة.
5) حركة مكروهة: وهي اليسيرة لغير حاجة ولا يتوقف عليها كمال الصلاة, كالعبث في الصلاة.
{ مبطلات الصلاة }
مبطلات الصلاة هي:
أولاً: كل ما أبطب الطهارة فإنه يبطل الصلاة, كخروج البول أو الغائط أو الريح ونحو ذلك في أثناء الصلاة, ما لم يكن الإنسان به سلس بول, فإنه لا يضر ما يخرج منه أثناء الصلاة.
ثانياً: كشف العورة عمداً, فهذا يبطل الصلاة, سواء كان المنكشف قليلاً أو كثيراً, وسواء طال الزمن أم قصر.
س31: ما هي أقسام كشف العورة؟
ج/ كشف العورة أثناء الصلاة له أقسام هي:
__________
(1) 3/625.(3/21)
1) كشف العورة عمداً, هذا كما تقدم أنه يبطل الصلاة سواء كان المنكشف قليلاً أو كثيراً, وسواء طال الزمن أو قصر.
2) إذا كان فاحشاً عرفاً وطال الزمن, أعاد وإن يتعمد.
3) إذا كان فاحشاً عرفاً وقصر الزمن, لم يعد إذا لم يعتمد, كما لو انكشف شعر المرأة مثلاً ولكنها سترته مباشرة, ولم يطل زمن الإنكشاف, فإن صلاتها صحيحة بشرط أن يكون ذلك عن غير عمد.
4) إذا كان يسيراً غير عمد, فهذا على الراجح أن الصلاة لا تبطل باليسير إذا كان عن غير عمد, لحديث عمرو بن سلمة - رضي الله عنه - وفيه { وكنت أؤومهم وعليّ بردة لي صغيرة صفراء, فكنت إذا سجدت تكشفت عني, فقالت امرأة من النساء: واروا عنا عورة قارئكم, فاشتروا لي قميصاً عمانياً فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحتي به } (1).
ثالثاً: استدبار القبلة, لأن استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة(2).
س32: هل يستثنى أحد من شرط استقبال القبلة؟
ج/ يستثنى من ذلك ما يلي:
1. العاجز عن استقبال القبلة كالمريض فهنا يتجه حيث كان وجهه, ودليل ذلك قوله تعالى { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } (3), وقوله تعالى)لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا } (4), ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } (5).
2. حال اشتداد الحرب, فيسقط استقبال القبل’, وقد يقال هذا نوع من العجز, مثل لو كانت الحرب فيها كر وفر, فإنه يسقط عنه استقبال القبلة في هذه الحال, ومثل ذلك أيضاً لو هرب الإنسان من عدو, أو من سيل, أو من حريق أو من زلزال, أو ما أشبه ذلك, فإنه يسقط عنه استقبال القبلة.
3. المتنفل السائر إذا كان مسافراً, ففي هذه الحالة يسقط عنه استقبال القبلة, حتى عند تكبيرة الإحرام على الراجح.
__________
(1) رواه البخاري.
(2) تقدم بيان أحكام استقبال القبلة في الجزء الأول من مذكرة الصلاة ص 42
(3) التغابن: من الآية16)
(4) البقرة: من الآية286)
(5) رواه البخاري ومسلم.(3/22)
رابعاً: إذا اتصلت النجاسة بالمصلي ثم علم بها ولم يزلها في الحال, فإن أزالها حالاً صحت صلاته, ودليل ذلك حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - { أن النبي صلى ذات يوم بنعليه ثم خلع نعليه فخلع الصحابة نعالهم, فسألهم حين انصرف من الصلاة لماذا خلعوا نعالهم؟ فقالوا رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا, فقال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما أذى أو قذراً) } (1)(2).
خامساً: العمل الكثير عادة من غير جنس الصلاة لغير ضرورة, فهذا محرم يبطل الصلاة, وقد تقدم بيان أقسام الحركة في الصلاة(3).
س33: إلى كم ينقسم العمل في الصلاة؟
ج/ العمل في الصلاة ينقسم إلى قسمين:
أ- عمل بدني. ب- عمل قلبي.
أما العمل البدني(الحركة في الصلاة) فقد تقدم ذكر أقسامها(4).
س34: تقدم أن من أقسام الحركة ما يبطل الصلاة فما هي شروط ذلك؟
ج/ ثلاثة شروط هي:
1. أن تكون الحركة كثيرة عادة.
2. أن تكون الحركة متوالية.
3. أن تكون الحركة لغير ضرورة, فإذا توفرت هذه الشروط بطلت الصلاة.
س35: العمل القلبي " أي انشغال القلب عن الصلاة " هل يبطل الصلاة أم لا؟
ج/ يقال العمل القلبي لا يخلو من أمرين:
1- أن يكون يسيراً, فهذا حكمه لا يبطل الصلاة إجماعاً, قال شيخ الإسلام رحمه الله(5) : (والوسواس لا يبطل الصلاة إذا كان قليلاً باتفاق أهل العلم, بل ينقص الأجر, كما قال ابن عباس- رضي الله عنه - { ليس لق من صلاتك إلا ما عقلت منها } أ.هـ).
__________
(1) رواه أحمد وأبو داود وابن أبي شيبة والطيالسي والدارمي وابن خزيمة والحاكم والبيهقي وصححه الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
(2) تقدم ذكر حالات المصلي مع النجاسة في الجزء الأول من مذكرة الصلاة صـ-36-37.
(3) يرجع في ذلك إلى مكروهات الصلاة عند المكروه التاسع والعشرون صـ25.
(4) ينظر في ذلك عند المكروه التاسع والعشرون صـ25.
(5) مجموع الفتاوى22/603.(3/23)
2- أن يكون كثيراً بحيث غلب على أكثر الصلاة فقلبه خارج الصلاة, فحكم هذا أما من ناحية الاعتداد بها في الثوب فليس له من أجر الصلاة إلا ما عقل, قال ابن عباس رضي الله عنهما: (ليس لق من صلاتك إلا ما عقلت منها), وفي المسند مرفوعاً (إن العبد ليصلي الصلاة ولم يكتب له إلا نصفها, أو ثلثها, أو ربعها, حتى بلغ عشرها), وقد علق الله فلاح المصلين بالخشوع في صلاتهم فدل على أن من لم يخشع فليس من أهل الفلاح, ولو اعتد له بها ثواباً لكان من المفلحين.
س36: وهل تجزئ إذا غلب الوسواس على الصلاة وتبرأ بها الذمة أم لا؟
ج/ على خلاف, والراجح في ذلك إجزاء الصلاة وعدم وجوب إعادتها, بدليل حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال { إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين, فإذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه فيذكر ما لم يكن يذكر, ويقول: اذكر كذا, اذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى, فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس } (1), قالوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره في هذه الصلاة التي قد أغفله الشيطان فيها حتى لم يدر كم صلى بأن يسجد سجدتي السهو ولم يأمره بإعادتها.
وقالوا أيضاً: ولأن شرائع الإسلام على الأفعال الظاهرة, وأما حقائق الإيمان الباطنة فتلك عليها شرائع الثواب والعقاب.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.(3/24)
وقال شيخ الإسلام رحمه الله(1): (أما ما يروى عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من قوله " أني لأجهز جيشي في الصلاة " فذاك لأن عمر كان مأموراً - رضي الله عنه - بالجهاد, وهو أمير المؤمنين فهو أمير الجهاد, فصار بذلك من بعض الوجوه بمنزلة المصلي الذي يصلي صلاة الخوف حال معاينة العدو, إما حال القتال, وإما غير حال القتال, فهو مأمور بالصلاة, ومأمور بالجهاد فعليه أن يؤدي الواجبين... وعمر - رضي الله عنه - قد ضرب الله الحق على لسانه وقلبه, وهو المحدث الملهم, فلا ينكر لمثله أن يكون له مع تدبيره جيشه في الصلاة من الحضور ما ليس لغيره) أ.هـ.
السادس: من مبطلات الصلاة الاستناد إذا كان قوياً لغير عذر, لأن القيام ركن, والمستند قوياً كغير قائم(2).
السابع: رجوع المصلي عالماً للتشهد الأول بعد الشروع في القراءة, وهذه المسألة يذكرها الفقهاء هنا وفي باب سجود السهو.
س37: ما هي حالات القيام عن التشهد الأول؟
ج/الحالات ثلاث هي:
1- أن يذكره قبل أن ينهض " أي قبل أن تفارق فخذاه ساقيه " أي أنه لما تهيأ للقيام ذكر أن هذا محل التشهد الأول, ففي هذه الحال يجلس ويتشهد, فإذا أتم صلاته سجد للسهو بعد السلام, لأنه حصل عنده زيادة في الصلاة.
__________
(1) مجموع الفتاوى22/609.
(2) تقدم الكلام حول أقسام الاستناد أثناء القيام عند مكروهات الصلاة عند المكروه الثاني والعشرون صـ18.(3/25)
2- أن يذكره بعد أن يستتم قائماً, وقبل أن يشرع في قراءة الفاتحة, فهذا على الصحيح أنه لا يرجع, قال السعدي رحمه الله(1) : والصحيح أنه إذا قام من التشهد الأول ناسياً ولم يذكر إلا بعد قيامه أنه لا يرجع ولو لم يشرع في القراءة, لحديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - { أنه صلى فنهض في الركعتين, فسبحوا به فمضى, فلما أتم صلاته سجد سجدتي السهو, فلما انصرف قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صنع ما صنعت } (2).
وعلى هذا فالصحيح في هذه الحالة انه لا يرجع ويسجد للسهو قبل السلام.
3- أن يذكره بعد الشروع في قراءة الركعة الأخرى, فيحرم الرجوع, بل يستمر ويسجد للسهو قبل السلام.
ولو رجع في هذه الحالة عالماً أي غير جاهل, عامداً أي غير ناسٍ, فصلاته باطلة لزيادته فعلاً من جنس الصلاة, أما إن فعل ذلك ناسياً أو جاهلاً, فصلاته صحيحة.
الثامن: من مبطلات الصلاة تعمد زيادة ركن فعلي في الصلاة, كالركوع مثلاً, فلو زاد ركناً فعلياً في الصلاة, إن كان سهواً فلا تبطل الصلاة وإن كان عمداً بطلت الصلاة, وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان أحكام الزيادة في باب سجود السهو. وقوله (فعلى) يخرج القولي, فلو زاد ركناً قولياً فإن صلاته لا تبطل, كما لو قرأ الفاتحة مرتين, أو صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - مرتين ونحو ذلك, فإن صلاته لا تبطل.
التاسع: من مبطلات الصلاة أن يتعمد تقديم الأركان بعضها على بعض, كتقديم السجود على الركوع مثلاً, فهذا إن كان متعمداً بطلت الصلاة, وإن كان سهواً فلا تبطل الصلاة, ولكن يجب عليه أن يرجع إلى الركن الذي تركه ما لم يصل إلى محله من الركعة الثانية, فإن وصل إلى محله من الركعة الثانية بطلت الركعة الأولى وحلت الثانية مكانها, وسيأتي إن شاء الله تعالى هذا في باب سجود السهو.
__________
(1) في المختارات الجلية صـ48.
(2) رواه أحمد, وأبي داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح.(3/26)
العاشر: أن يتعمد السلام من الصلاة قبل إتمامها, وإذا سلّم المصلي قبل إتمام الصلاة فلا يخلو من حالتين:
1) أن يكون متعمداً, أي سلّم قبل إتمامها بقصد الخروج من الصلاة عمداً بطلت, لأنه على غير ما أمر الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - , بدليل حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد } (1).
2) إن كان سهواً, أي ظن أن الصلاة قد تمت ثم ذكر قريباً, أي من زمن قريب, أتمها وسجد, وسيأتي إن شاء الله أين يكون موضع السجود في باب سجود السهو, وإن لم يتذكر إلا بعد زمن كثير فإنه يعيد الصلاة من جديد.
لكن لو سلّم على أنها تمت الصلاة بناءً على أنه في صلاة أخرى لا تزيد على هذا العدد, مثل أن يسلم من ركعتين في صلاة الظهر بناء على أنها صلاة الفجر, فهنا لا يبني على ما سبق, لأنه سلّم يعتقد أن الصلاة تامة بعددها وأنه ليس فيها نقص, فيكون قد سلّم من صلاة غير الصلاة التي هو فيها, ولهذا لا يبني بعضها على بعض في هذه الحالة.
الحادي عشر: تعمد إحالة المعنى في القراءة سواءً كانت الفاتحة أو غيرها, وإذا لحن المصلي في صلاته لحناً يحيل المعنى فلا يخلو من أمرين:
1. إذا كان عمداً فصلاته باطلة سواء كان ذلك في الفاتحة أو في غيرها.
2. إذا كان سهواً فلا يخلو من أمرين:
أ- إن كان هذا اللحن في قراءة الفاتحة وذكر فلابد من تصحيحه, حتى لو ركع فإنه يرجع ويصحح ما لحن فيه ويسجد للسهو بعد السلام, وإن وصل إلى محل الفاتحة من الركعة الثانية بطلت الركعة الأولى وقامت الركعة الثانية مقامها ويسجد للسهو بعد السلام.
ب- أما إن كان اللحن في غير قراءة الفاتحة, فإن كان عمداً بطلت الصلاة كما تقدم, وإن كان سهواً وأحال المعنى جبره بسجود السهو.
مثال إحالة المعنى في الفاتحة كما لو قرأ(أنعمتُ) بضم التاء بدل فتحها.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.(3/27)
مثال إحالة المعنى في غير الفاتحة كما لو قرأ(إنما يخشى اللهُ) بضم لفظ الجلالة بدل نصبها.
الثاني عشر: إذا دخل المصلي في الصلاة وهو عريان لأنه لم يجد ما يستر به عورته, ثم وجد ما يستر به عورته أثناء الصلاة فله حالتان:
1- أن تكون السترة بعيدة عرفاً بحيث يحتاج إلى زمن طويل, أو عمل كثير فتبطل صلاته, لأنه لا يمكن الاستتار إلا بما ينافي الصلاة من العمل الكثير, وعلى هذا تكون هذه الحالة من مبطلات الصلاة.
2- أن تكون قريبة عرفاً, أي في مكان يعد في العرف أنه قريب, فالواجب على المصلي أن يستتر ويبني على صلاته, كأهل قباء لما علموا بتحويل القبلة استداروا وأتموا صلاتهم , فحركتهم كانت لمصلحة الصلاة, لكن إذا كان لا يمكن أن يتناول هذه السترة إلا باستدبار القبلة بطلت صلاته.
الثالث عشر: العزم على قطع نية الصلاة, فإن عزم على قطع نية الصلاة بطلت الصلاة, وهذه المسألة لا تخلو من أحوال:
1- أن يقطع نية الصلاة, فهذا تبطل صلاته بلا إشكال لقطع النية.
2- أن يعزم على القطع فتبطل صلاته, لأن النية عزم جازم ومع العزم على قطعها لا جزم فلا نية.
3- أن يتردد في قطعها, كمن يسمع من يطرق عليه الباب فيتردد هل يقطع صلاته أم لا؟ فهذا على خلاف والراجح أنه لا تبطل صلاته بذلك, لأن الأصل بقاء النية, والتردد لا ينافي ذلك.
4- إذا علّق القطع على شرط, كأن يقول: إن كلمني زيد قطعت صلاتي, فالأقرب في هذه المسألة عدم بطلان الصلاة لبقاء النية.
5- أن يعزم على فعل محظور في الصلاة لكنه لم يفعله, كأن يعزم على كلام زيد ولكنه لم يكلمه, أو يعزم على الأكل أو الشرب ولكنه لم يفعل, والراجح عدم بطلان الصلاة لعدم منافاته الجزم, لأنه قد يفعل المحظور وقد لا يفعله.
س38: ما الحكم لو شك في نية العمل كما لو كبر ثم قرأ الفاتحة وسورة بعدها ثم شك هل نوى الصلاة أم لا, فهل يستأنف صلاته من جديد أم يستمر في صلاته؟(3/28)
ج/ الراجح أنه يستمر في صلاته, ويحرم خروجه منها لشكه في النية, قال شيخ الإسلام(1): (ويحرم خروجه لشكه في النية للعلم أنه ما دخل إلا بنية).
ولذا قال بعض السلف: لو أن الله تعالى كلفنا عملاً بلا نية لكان تكليفاً بما لا يطاق.
س39: هل الدعاء بملاذ الدنيا من مبطلات الصلاة؟
ج/ على خلاف, والراجح أنه لا يبطلو فلا بأس أن يدعو المصلي في صلاته بملاذ الدنيا, كما لو قال: اللهم ارزقني بيتاً فسيحاً ونحو ذلك, سواء كان ذلك في السجود أو في التشهد الأخير, ولا تبطل الصلاة بذلك, وكيف تبطل الصلاة بعبادة؟ لأن الدعاء عبادة, ومما يدل لذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما علّم ابن مسعود - رضي الله عنه - التشهد قال له { ثم ليتخير من الدعاء ما شاء(2) } , وفي لفظ { ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به } (3), وفي حديث أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { ليسأل أحدكم ربه حتى شسع نعله } (4) وشسع النعل يتعلق بأمور الدنيا, ومن أجمع ما يدعى به في ذلك { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } .
س40: هل تبطل الصلاة بالدعاء لشخص معين بصيغة الخطاب كما لو قال مثلاً(غفر الله لك يا أبي) خاصة إذا كان الدعاء بكاف الخطاب أم لا؟
ج/ الراجح أن ذلك لا يبطل الصلاة, لأن المصلي إذا قال: غفر الله لك يا فلان وهو يصلي, فإنه لا يعني أنه يخاطبه, ولكن يعني أنه مستحضر له غاية الاستحضار حتى كأنه أمامه, وقد ورد في حديث أبي الدرداء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين تفلت عليه الشيطان قال { ألعنك بلعنة الله } (5), فكون هذا مبطلاً للصلاة هذا فيه نظر, قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: (ولكن درءاً للشبهة بدل أن نقول: غفر الله لق, فقل: اللهم اغفر له, فهذا جائز بالاتفاق)(6).
__________
(1) الاختبارات صـ49.
(2) رواه مسلم من حديث ابن مسعود مرفوعاً.
(3) رواه البخاري.
(4) رواه مسلم.
(5) رواه مسلم.
(6) الممتع3/287.(3/29)
الرابع عشر: من مبطلات الصلاة القهقهة في الصلاة, وهي الضحك بصوت مرتفع يسمع من حوله, فإن كان متعمداً بطلت صلاته.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: ) والأظهر أن الصلاة تبطل بالقهقهة إذا كان فيها أصوات عالية فإنها تنافي الخشوع الواجب في الصلاة, وفيها من الاستخفاف والتلاعب ما يناقض مقصود الصلاة, فأبطلت لذلك لا لكونها كلاماً)(1).
وقال السعدي رحمه الله: (والصواب كما قالوا: أن القهقهة في الصلاة كالكلام تبطلها)(2).
لكن لو قهقه رغماً عنه كما لو رأى أو سمع ما يؤدي إلى الضحك فضحك رغماً عنه, فإن صلاته على الراجح لا تبطل, لأنه لم يتعمد المفسد.
س41: هل تبطل صلاة المصلي بالتبسم؟
ج/ لا تبطل صلاته بذلك, لأنه لم يظهر له صوت.
قال ابن المنذر(3) : (أجمع كل من من نحفظ عنه من أهل العلم غير ابن سيرين على أن التبسم في الصلاة لا يفسدها, وروينا عن ابن سيرين أنه قرأ { فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا } وقال: لا أعلم التبسم إلا ضحكاً, لكن الصحيح أنها لا تبطل الصلاة بالتبسم, والله أعلم.
الخامس عشر: الكلام في الصلاة عمداً لغير مصلحة الصلاة, فهذا يبطلها بالإجماع.
قال ابن المنذر رحمه الله تعالى(4): (وأجمعوا على أن من تكلم في صلاته عامداً وهو لا يريد إصلاح شيء من أمرها أن صلاته فاسدة).
__________
(1) الاختيارات صـ59.
(2) الفتاوى السعدية صـ168.
(3) في الأوسط 3/253.
(4) الإجماع صـ40, سورة النمل 19.(3/30)
أما إن كان سهواً فالصحيح أنها لا تبطل, قال السعدي رحمه الله: (والصحيح أن الكلام بعد سلامه سهواً لمصلحتها أو لغير مصلحتها لا يبطل الصلاة, وكذلك الكلام سهواً أو جهلاً في صلبها, لحديث ذي اليدين ,انه تكلم هو والنبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ما سلم النبي - صلى الله عليه وسلم - من صلاته ظاناً أنه أتمها, ولم يأمر أحداً منهم بالإعادة(1), وكذلك لما تكلم معاوية بن أبي الحكم السلمي في الصلاة وشّمت العاطس لم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإعادة(2), ولأن الناسي, والجاهل غير آثم فلا تبطل صلاته, ولقول الله تعالى { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } (3).
السادس عشر: تقدم المأموم على الإمام, والراجح في ذلك إن لم يكن هناك ضرورة لذلك فإن صلاة المأموم تبطل بتقدمه على إمامه, أما إن كان هناك ضرورة فلا تبطل, والضرورة تدعو إلى ذلك في أيام الجمعة, أو في أيام الحج في المساجد العادية, فإن الأسواق تمتلئ ويصلي الناس أمام الإمام.
وهذا ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال(4): (وذلك لأن ترك التقدم على الإمام غايته أن يكون واجباً من واجبات الصلاة في الجماعة, والواجبات كلها تسقط بالعذر, وإن كانت واجبة في أصل الصلاة, فالواجب في الجماعة أولى بالسقوط, ولهذا يسقط عن المصلي ما يعجز من القيام والقراءة واللباس...وأما الجماعة فإنه يجلس في الأوتار لمتابعة الإمام ولو فعل ذلك منفرداً عمداً بطلت صلاته, وإن أدركه ساجداً أو قاعداً كبر وسجد معه وقعد معه لأجل المتابعة مع أنه لا يعتد له بذلك وأيضاً ففي صلاة الخوف لا يستقبل القبلة, ويعمل الكثير..لأجل الجماعة) أ.هـ.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم من حديث ابي هريرة رضي الله عنه.
(2) رواه مسلم من حديث معاوية بن أبي الحكم السلمي.
(3) الأحزاب: من الآية5)
(4) مجموع الفتاوى23/404.(3/31)
السابع عشر: تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام, وذلك فيما لو أحدث الإمام وهو في الصلاة فعند الحنابلة والحنفية أن صلاة الإمام تبطل وكذا صلاة من خلفه, والصحيح في ذلك أن صلاة الإمام تبطل, وأما المأموم فصلاته صحيحة سواء أحدث الإمام وهو يصلي, أو كان محدثاً وتذكر في أثناء الصلاة, أو كان محدثاً ولم يتذكر إلا بعد انتهاء الصلاة, فالراجح هنا بطلان صلاة الإمام فقط وصحة صلاة المأمومين, وعلى هذا إذا أحدث الإمام أثناء الصلاة أو كان محدثاً ولم يتذكر إلا أثناء الصلاة فإنه يقطع صلاته ويستخلف أحداً يصلي بالجماعة, وإن لم يعلم بالحدث إلا بعد انتهاء الصلاة أعاد الصلاة هو لوحده, وصلاة المأمومين في الحالات الثلاث صحيحة كما تقدم إلا من علم حدث الإمام قبل الصلاة ثم صلى خلفه فصلاته باطلة كالإمام, للأدلة الآتية:
أ. ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم, وإن أخطئوا فلكم وعليهم } (1).
ب. أن عمر - رضي الله عنه - لما طعن أخذ بيد عبدالرحمن بن عوف فقدمه فأتم بهم الصلاة(2).
ج. أن الأصل صحة صلاة المأمومين.
أما إذا لم يستخلف الإمام فإن المأمومين بالخيار, إذا شاؤا صلوا جماعة بأن يقدموا أحدهم وهو الأحسن, وإن شاؤا صلوا فرادى.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: (والمأموم إذا لم يعلم بحدث الإمام حتى قضيت الصلاة أعاد الإمام وحده..)(3).
وفي الشرح الممتع(4): (ليس هناك شيء تبطل به الصلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام إلا فيما يقوم فيه الإمام مقام المأموم..مثل السترة فالسترة للإمام سترة لمن خلفه, فإذا مرت امرأة بين الإمام وسترته بطلت صلاة الإمام والمأموم).
__________
(1) رواه البخاري.
(2) رواه البخاري.
(3) الاختيارات صـ69.
(4) 2/317.(3/32)
الثامن عشر: إذا سلم المأموم قبل إمامه عامداً ذاكراً, فإن صلاة المأموم باطلة, لأنه سابق الإمام ومسابقة الإمام بأي صورة من صورها مبطلة للصلاة, أما إن كان المأموم جاهلاً أو ناسياً, فصلاته صحيحة إلا أن يزول عذره قبل أن يدركه الإمام فإنه يلزمه الرجوع ليأتي بما سبق فيه بعد إمامه, فإن لم يفعل عالماً ذاكراً بطلت صلاته, وإلا فلا.
مثال ذلك: مأموم ركع قبل إمامه مثلاً, إن كان عالماً ذاكراً بطلت صلاته, وإن كان ناسياً أو جاهلاً, فصلاته صحيحة, لكن إن تذكر أو علم قبل أن يركع الإمام وجب على المأموم أن يرفع ويركع بعد الإمام, فإذا لم يفعل ذلك عالماً بطلت صلاته, وإن أدركه الإمام في الركوع فلا شيء عليه.
التاسع عشر: من مبطلات الصلاة الأكل والشرب إذا كان عمداً.
س42: كم عدد صور الأكل والشرب وما حكمها؟
ج/ قال عثمان في حاشيته على المنتهى(1): " تنبيه" في الأكل والشرب ست عشرة صورة, وذلك لأن الأكل في الصلاة إما أن يكون عمداً أو لا, وعلى التقدير إما إن يكون كثيراً أو قليلاً وعلى التقادير الأربعة إما أن تكون الصلاة فرضاً أو نفلاً, فهذا ثمان صور, ومثلها في الشرب وتلخيصها:
1- أن كثيرهما يبطل الصلاة مطلقاً سواء كانت الصلاة فرضاً أو نفلاً كان ذلك عمداً أو سهواً.
2- أن يسيرهما عمداً يبطل الفرض فقط دون النفل.
3- أن يسير الشرب لا تبطل به صلاة النفل ولو كان عمداً, وعللوا ذلك بأثر ونظر, أما الأثر فقالوا: أن عبدالله بن الزبير- رضي الله عنه - وعن أبيه { كان يطيل النفل وربما عطس فشرب يسيراً } (2), وهذا فعل صحابي, وفعل الصحابي إذا لم يعارضه نص أو فعل صحابي آخر فهو حجة.
__________
(1) 1/220.
(2) اخرجه ابن المنذر في الأوسط 3/249, وإسناده ضعيف, لأنه ورد من طريق هشيم بن بشير الواسطي وهو مدلس لم يصرح بالسماع.(3/33)
وأما النظر فلأن النفل أخف من الفرض, بدليل أن هناك واجبات تسقط في النفل ولا تسقط في الفرض, كالقيام واستقبال القبلة في السفر, فإذا كان النفل أخف وكان الإنسان ربما يطيلها كثيراً سُمح له بالشرب اليسير.
4- أن يكون الأكل والشرب يسيراً وسهواً, فهذا لا يبطل الفرض ولا النفل.
5- أن يكون الأكل يسيراً وعمداً فهذا يبطل الفرض, أما النفل فعلى خلاف والراجح أن ذلك يبطل الصلاة.
س43: هل بلع ما بين الأسنان يعتبر من الأكل وبالتالي يبطل الصلاة؟
ج/ قال في الإقناع(1) : ( ولا بأس ببلع ما بقي في فيه, أو بين أسنانه من بقايا الطعام بلا مضغ مما يجري به ريقه, وهو يسير).
وقال العنقري في حاشيته على الروض: (الذي يجري به الريق هو ماله جرم, فلا يجري إلا بالازدراد, والذي يجري به الريق وهو اليسير الذي لا يمكن الاحتراز منه).
العشرون: من مبطلات الصلاة قالوا: النحنحة في الصلاة, النفخ إذا بان حرفان. وكذا قالوا: إذا انتحب لا خشية لله.
ولكن يقال: أما بالنسبة للنحنحة فالصحيح أنها لا تبطل الصلاة بحال سواء كانت لحاجة أو لغير حاجة وسواء بان منها حرفان أم لا, لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - غنما حرم التكلم في الصلاة والنحنحة لا يدخل في مسمى الكلام أصلاً, فإنها لا تدخل بنفسها ولا مع غيرها من الألفاظ على معنى, ولا يسمى فاعلها متكلماً, وإنما يفهم مراده بقرينة فصارت كالإشارة.
__________
(1) 1/399.(3/34)
كذلك النفخ على الصحيح فإنه لا يبطل الصلاة, قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى بعد ذكر الخلاف في النفخ: (فإن هذا ليس كلاماً في اللغة التي خاطبنا بها النبي - صلى الله عليه وسلم - والكلام لابد فيه من لفظ دال على المعنى دلالة وصفية تعرف بالعقل فأما مجرد الأصوات الدالة على أحوال المصوتين فليس كل ما دل منهياً عنه في الصلاة كالإشارة فإنها تدل ...ومع هذا لا تبطل...وفي المسند وسنن أبي داود عن عبدالله بن عمرو { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الكسوف نفخ في آخر سجوده } (1).
أما البكاء فإن كان من خشية الله فإنه لا يبطل الصلاة لقوله تعالى { خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً } (2), ولما ورد عن مطرف الشخير عن أبيه قال { رأيت رسول الله يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء } (3) وكان أبو بكر - رضي الله عنه - إذا قرأ غلبه البكاء, وعمر - رضي الله عنه - يُسمع نشيجه من وراء الصفوف. وأما إذا كان البكاء لغير خشية الله كما لو أُخبر بموت شخص وهو في الصلاة ثم غلبه البكاء فإن صلاته صحيحة, كذلك ما يغلب على الإنسان من عطاس وتثاؤب فإنه لا يبطل الصلاة كذلك, قال شيخ الإسلام رحمه تعالى: (فأما ما يغلب على المصلي من عطاس وبكاء وتثاؤب فالصحيح عند الجمهور أنه لا يبطل وهو منصوص أحمد وغيره(4).
{ باب سجود السهو }
مناسبة هذا الباب: أنه لما ذكر الصلاة, شروطها وأركانها, وواجباتها, وسننها, وكيفيتها, وكان يعتري هذه الصلاة شيء من الخلل والسهو والنسيان, أعقب صفة الصلاة بالجابر الأول الذي هو الاستغفار(5), ثم الجابر الثاني هو سجود السهو, وإنما بدأ بسجود السهو قبل صلاة التطوع, لأنه في صلب الصلاة أو ملحق بها بخلاف صلاة التطوع فهو خارج عنها.
__________
(1) الفتاوى22/621.
(2) مريم: من الآية58)
(3) رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وصححه ابن حبان.
(4) الفتاوى22/623.
(5) تقدم بيان ذلك في الجزء الأول صـ 129.(3/35)
وسجود السهو اصطلاحاً: عبارة عن سجدتين يسجدهما المصلي لجبر الخلل الحاصل في صلاته, قال ابن القيم في بيان حكمة سجدتي السهو في مدارج السالكين(1): (وهذا هو السر في سجدتي السهو ترغيماً للشيطان في وسوسته للعبد, وكونه حال بينه وبين الحضور في الصلاة, ولهذا أسماهما النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمرغمتين وأمر من سها بهما).
والسهو تارة يتعدى بـ"عن" , وتارة بـ"في" , فإن عدي بـ"عن" صار مذموماً, وإن عدي بـ"في" صار معفواً عنه, فإذا قيل: سها فلان في الصلاة فهذا من باب المعفو عنه, وإذا قيل: سها فلان عن صلاته صار من باب المذموم, ولهذا قال تعالى { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ,الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ } (2), أي غافلون لا يهتمون بها ولا يقيمونها فهم على ذكر من فعلهم, بخلاف الساهي في صلاته, فليس على ذكر من فعله.
والسهو وقع من النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه مقتضي الطبيعة, ولذا لما سها في صلاته قال { إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني(3) } , فهو من طبيعة البشر, ولا يقتضي ذلك أن الإنسان مُعرضٌ في الصلاة, لأننا نجزم أن أعظم الناس إقامة للصلاة هو الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومع ذلك وقع منه السهو.
س44: ما هي أنواع السهو الواردة في السنة؟
ج/ السهو الوارد في السنة أنواع هي ( الزيادة, النقص, والشك) وهذه كلها وردت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الزيادة والنقص من فعله, والشك من قوله عليه الصلاة والسلام.
س45: ما هي الصلاة التي يشرع لها سجود السهو؟
ج/ الضابط أنه يشرع سجود السهو في كل صلاة ذات ركوع وسجود, قال في كشاف القناع(4): (لأنه لا سجود في صلبها ففي جبرها أولى) وبناءً على هذا فصلاة الجنازة ليس فيها سجود سهو, لأنها ليست ذات ركوع ولا سجود.
__________
(1) مدارج السالكين1/529.
(2) الماعون:4), (الماعون:5)
(3) رواه البخاري ومسلم من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنهما.
(4) كشاف القناع1/394.(3/36)
قاعدة: سجود السهو واجب لكل فعل أو ترك إذا تعمده الإنسان بطلت صلاته, إذا كان من جنس الصلاة.
من أمثلة ذلك: المصلي يحرم عليه أن يقرأ شيئاً من القرآن في الركوع أو السجود, لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - { ألا إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً, أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم } (1) أي حري أن يستجاب له.
لكن لو فعل المصلي ذلك سهواً فإنه لا يجب عليه سجود السهو لكنه يسن كما سيأتي, لأن فعل ذلك عمداً لا يبطل الصلاة فلا تنطبق عليه هذه القاعدة.
مثال آخر: لو تكلم الإنسان في الصلاة سهواً, فإنه لا يسجد للسهو حتى ولو كان المتكلم عمداً في الصلاة تبطل صلاته, لأن الكلام ليس من جنس الصلاة.
مثال آخر: لو ترك قول سبحان ربي العظيم في الركوع سهواً فإنه يسجد للسهو وجوباً, لأنه لو ترك ذلك عمداً فإن صلاته باطلة, وهذا الذكر من جنس الصلاة.
س46: تقدم أن أنواع السهو في الصلاة على ثلاثة أقسام, زيادة, ونقص, وشك, فما هي أقسام الزيادة؟
ج/ الزيادة في الصلاة على نوعين:
1- زيادة أقوال.
2- زيادة أفعال.
فالزيادة في الأقوال تنقسم إلى قسمين:
أ. زيادة أقوال من جنس الصلاة, فهذا يشرع لها سجود السهو.
ب. زيادة أقوال من جنس الصلاة, وهذه لا يشرع لها سجود السهو, كما لو تكلم سهواً كما تقدم.
كذلك الزيادة في الأفعال تنقسم إلى قسمين أيضاً وهما:
أ. أفعال من جنس الصلاة, فهذه يشرع لها سجود السهو, كما لو زاد ركوعاً أو سجدة ونحو ذلك سهواً.
ب.أفعال من غير جنس الصلاة, كالأكل والشرب في الصلاة إذا وقع من الإنسان سهواً, فلا يشرع له سجود السهو, وهل تبطل الصلاة أم لا؟ تقدم بيان صور ذلك فليراجع(2).
س47: متى يجب سجود السهو؟
__________
(1) رواه مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(2) ينظر صـ 34.(3/37)
ج/ تقدم أن سجود السهو واجب لكل فعل أو ترك إذا تعمده الإنسان بطلت صلاته إذا كان من جنس الصلاة, وقد تقدم ذكر أمثلة على ذلك(1).
س48: متى يستحب سجود السهو؟
ج/ سجود السهو تارة يكون واجباً كما تقدم, وتارة يكون مستحباً, ويكون مستحباً إذا ترك مسنوناً سهواً كان من عادته أنه يأتي به, كما لو ترك دعاء الاستفتاح سهواً وكان من عادته قراءته, فإنه يستحب له أن يسجد للسهو ولا يجب عليه, أما لو ترك المسنون عمداً فصلاته صحيحة ولا يشرع له سجود السهو لعدم وجود السبب وهو السهو, قال السعدي رحمه الله: (فإذا ترك مسنوناً لم تبطل الصلاة ولم يشرع السجود لتركه سهواً, فإن سجد فلا بأس, ولكنه يقيد بمسنون كان من عادته أن يأتي به فتركه سهواً, أما المسنون الذي لم يخطر على باله, أو كان من عادته تركه, فلا يحل السجود لتركه, لأنه لا موجب لهذه الزيادة) أ.هـ(2).
س49: ما الحكم لو سلم المصلي من الصلاة قبل إتمامها؟
ج/ لا يخلو الأمر من حالتين:
1- إن كان ذلك عمداً بطلت الصلاة, لأنه على غير ما أمر الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - { من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد } (3), فالله تعالى قد فرض صلاة الظهر مثلاً أربعاً, فإذا سلم من ثلاث أو من ركعتين متعمداً فقد أتى بما ليس عليه أمر الله ولا أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - فتبطل.
2- إذا سلم قبل إتمامها سهواً, وهذه الحالة لا تخلو من قسمين:
أ- إذا سلم قبل إتمام الصلاة سهواً ظاناً أنها تمت.
مثال ذلك: لو كان يصلي الظهر فسلم من ثلاث ركعات سهواً وهو يظن أنه صلى أربعاً, فهذا إن ذكر قريباً ولم يطل الفصل فإنه يتم ما بقي من صلاته, ويسجد للسهو بعد السلام.
__________
(1) ينظر صـ37.
(2) الإرشاد صـ53.
(3) رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها.(3/38)
قال في الشرح الكبير(1): (من سلم قبل إتمام صلاته ساهياً ثم علم قبل طول الفصل ولم ينتقض وضوئه, فصلاته صحيحة لا تبطل بالسلام...ولا نعلم في جواز الإتمام في حق من نسي ركعة فما زاد, خلافاً) , بدليل حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال { صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحدى صلاتي العشي(2), " قال ابن سيرين: وسماها أبو هريرة ولكن نسيت أنا " قال: فصلى بنا ركعتين ثم سلم, فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان, ووضع يده اليمنى على اليسرى, وشبك بين أصابعه {ووضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى} وخرجت السرعان من أبواب المسجد, فقالوا قصرت الصلاة؟ وفي القوم أبوبكر وعمر فهابا أن يكلماه " وفي القوم رجل في يديه طول يقال له ذو اليدين " قال يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ قال لم أنسَ ولم تقصر, فقال: أكما يقول ذو اليدين؟ قالوا: نعم, فتقدم فصلى ما ترك, ثم سلّم, ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول, ثم رفع رأسه فكبر, ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول, ثم رفع رأسه وكبر, فربما سألوه ثم سلم؟ قال: فنبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم(3) } , فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قال { لم أنسَ } بناءً على إعتقاده, { ولم تقصر } بناءً على الحكم الشرعي.
لكن إذا لم يذكر إلا بعد فاصل طويل فإنه يستأنف الصلاة من جديد, والمرجع في طول الفصل من قصره إلى العرف, قال في الشرح الكبير: (والدليل على أن الصلاة تبطل بطول الفصل أنه أخل بالموالاة فبطلت صلاته, كما لو ذكر في يوم ثان, والمرجع في طول الفصل إلى العرف).
ب- أما إذا سلّم على أنها تمت الصلاة بناءً على أنه في صلاة أخرى لا تزيد على هذا العدد, فهنا لا يبني على ما سبق.
__________
(1) 1/331.
(2) العشي: ما بين زوال الشمس إلى غروبها, قال تعالى(وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار) غافر(55).
(3) رواه البخاري ومسلم.(3/39)
مثاله: لو سلّم من ركعتين في صلاة الظهر بناءً على أنها صلاة الفجر فهنا لا يبني على ما سبق, لأنه سلّم يعتقد أن الصلاة تامة بعددها وأنه بعددها وأنه ليس فيها نقص فيكون قد سلّم من صلاة غير الصلاة التي هو فيها, ولهذا لا يبني بعضها على بعض, قال في الكشاف(1): (لا إن سلم من رباعية كظهر يظنها جمعة, أو فجراً فائتة, أو التراويح, فيبطل فرضه, لأنه ترك حكم استصحاب النية وهو واجب).
س50: ما الحكم لو ترك المصلي واجباً من واجبات الصلاة؟
ج/ ترك الواجب لا يخلو من حالتين:
1- أن يكون ذلك عمداً, فصلاته باطلة.
2- أما إذا كان سهواً فإنه يجب عليه سجود السهو, لأن عمده يبطل الصلاة وهو من جنس الصلاة, وقد تقدم في القاعدة {أن سجود السهو واجب لكل فعل أو ترك إذا تعمده الإنسان بطلت صلاته إذا كان من جنس الصلاة}.
س51: ما هي حالات ترك الواجب في الصلاة؟
ج/ ترك الواجب لا يخلو من ثلاث حالات:
1- إذا نقص واجباً فتذكره وهو في محله فإنه يأتي ولا شيء عليه.
مثال ذلك: لو نسي قول(سبحان ربي الأعلى) في السجود, ثم قبل أن ينهض تذكر, فإنه يأتي به ولا شيء عليه.
2- أن ينفصل عن محله ولكن قبل أن يتلبس بالركن الذي بعده, فإنه يرجع ويأتي بهذا الواجب, ويسجد للسهو بعد السلام, لأن هذا من قبيل الزيادة.
مثال ذلك: لو قام المصلي عن التشهد الأول, أي أنه نهض ولكن لم يستتم قائماً, فهنا يرجع ويأتي بالتشهد, ويسجد للسهو بعد السلام للزيادة.
3- أن يتذكر بعد أن يفارق الواجب ويتلبس بالركن الذي بعده و فهنا لا يرجع للإتيان بالواجب, بل يحرم عليه ذلك, ويسقط عنه الواجب ويجبره بسجود السهو, ويكون السجود قبل السلام, لأن هذا يعتبر نقصاً.
مثال ذلك: لو نسي التسبيح في الركوع ثم رفع من الركوع, وبعد أن اعتدل قائماً تذكر, ففي هذه الحالة لا يرجع, ويسجد للسهو قبل السلام للنقص.
س52: ما الحكم لو شك في زيادة وقت فعلها؟
__________
(1) الكشاف1/400.(3/40)
ج/هذه المسألة لا تخلو من ثلاث حالات:
1- أن يتيقن الزيادة.
مثال ذلك: ركع وأثناء الركوع تيقن أن هذا الركوع زائداً وأنه ركع قبل ذلك فهنا يجب عليه أن يهوي للسجود مباشرة, ويسجد للسهو بعد السلام للزيادة.
2- أن يشك المصلي في الزيادة حين فعلها.
مثال ذلك: كما لو صلى وشك هل هذه هي الركعة الرابعة أم الخامسة, فهنا يجب عليه سجود السهو, لأنه أدى جزءاً من صلاته متردداً في كونه منها, ويكون السجود بعد السلام إن رجّح أحد الأمرين على الآخر, ويكون قبل السلام إذا لم يترجح عنده شيء, لأنه إذا شك ولم يترجح عنده شيء يأخذ باليقين, واليقين هو الأقل, ففي هذا المثال يجعلها أربعاً ويسجد للسهو قبل السلام, كما سيأتي بيان القاعدة في السجود متى يكون قبل السلام ومتى يكون بعد السلام.
3- الشك في الزيادة بعد الانتهاء منها.
مثال ذلك: لو كان قائماً فشك هل زاد ركوعاً أو سجوداً, فهنا لا يسجد, لأنه شك في سبب وجوب السجود والأصل عدمه.
س53: ما الحكم لو ترك السجود للسهو إذا وجب عليه؟
ج/ ترك السجود للسهو لا يخلو من حالتين:
1- أن يكون السجود للسهو واجباً قبل السلام(1), فهنا إن تركه عمداً بطلت الصلاة, وإن تركه سهواً إن تذكره قريباً ولم يطل الفصل, فإنه يأتي به, وإن طال الفصل كأن يكون خرج من المسجد, أو فارقت المرأة مصلاها وطال الفصل فإنه يسقط.
__________
(1) سيأتي بيان موضع سجود السهو متى يكون قبل السلام وقد يكون بعده.(3/41)
2- أن يكون السجود للسهو بعد السلام, فهذا إن تركه سهواً رجه وأتى به إن لم يطل الفصل, فإن طال الفصل سقط عنه ولا شيء عليه, أما عمداً فهو آثم لكن صلاته صحيحة, وقد ذكرنا أن السجود إذا كان قبل السلام وتركه الإنسان عمداً فصلاته باطلة, أما إذا كان بعد السلام وتركه عمداً فصلاته صحيحة, والفرق بينهما أن السجود الذي محله قبل السلام واجب في الصلاة, لأنه قبل الخروج منها, والسجود الذي محله بعد السلام واجب لها, لأنه بعد الخروج منها, والذي تبطل به الصلاة إذا تعمد تركه هو ما كان واجباً في الصلاة لا ما كان واجباً لها, ولهذا لو ترك التشهد الأول مثلاً عمداً بطلت الصلاة, لأنه واجب في الصلاة, ولو ترك إقامة الصلاة عمداً لم تبطل صلاته, لأن الإقامة واجب للصلاة, وكذلك على القول الراجح لو ترك صلاة الجماعة عمداً فإن صلاته لا تبطل, لأن الجماعة واجبة للصلاة لا واجبة فيها, لكنه آثم لتركه صلاة الجماعة.
س54: متى يسجد المصلي للسهو إذا سها في صلاته, هل يسجد قبل السلام أم بعد السلام ؟
ج/ إذا كان السجود قبل السلام في حالتين هما:
أ- إذا كان السهو عن نقص, كما لو نسي أن يقول (سبحان ربي الأعلى)في السجود مثلاً, بدليل حديث عبدالله بن بحينة - رضي الله عنه - { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام من ركعتين في الظهر فلم يجلس, فقام الناس معه فلما قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلّم } (1), وأيضاً المعنى يؤيد ذلك لأن الصلاة نقصت فاحتاجت إلى جابر والجابر يكون في الصلاة.
ب- إذا كان السهو عن شك ولم يترجح عنده أحد الأمرين.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.(3/42)
مثال ذلك: شك المصلي هل صلى ثلاثاً أم أربعاً وتساوى الشك عنده فهنا يبني على اليقين, واليقين هو الأقل فيجعلها ثلاثاً ويأتي بركعة رابعة, ويسجد للسهو قبل السلام, لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً؟, فليطرح الشك وليبنِ على ما استيقن, ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم, فإن كان صلى خمساً شفعن صلاته, وإن كان صلى إتماماً لأربع كانتا ترغيماً للشيطان } (1).
ويكون السجود بعد السلام في حالتين هما:
أ. إذا كان السهو عن زيادة كما لو زاد ركوعاً أو سجوداً ونحو ذلك, ودليل ذلك حديث عبدالله بن مسعود { - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر خمساً, فقيل له: أزيد في الصلاة؟ فقال: وما ذاك؟ قال: صليت خمساً فسجد سجدتين بعد ما سلّم(2) } .
ب. إذا كان السهو عن شك وترجح عنده أحد الأمرين, مثاله: شك في صلاة الظهر مثلاً هل صلى ثلاثاً أم أربعاً, فإن ترجح عنده أنها ثلاث يجعلها ثلاثاً ويأتي بركعة رابعة, وأن ترجح عنده أنها أربعاً جعلها أربعاً, وإن ترجح عند أنها أربعاً جعلها أربعاً ثم يسجد سجدتين بعد أن يسلم, ويدل لذلك حديث عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم, ثم يسجد سجدتين(3) } .
وأيضاً المعنى يؤيد ذلك, وذلك حتى لا يجتمع زيادتان في الصلاة.
__________
(1) رواه مسلم.
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) رواه البخاري ومسلم وغيرهما, وهذا لفظ البخاري.(3/43)
وهذا التقسيم هو الراجح في المسألة مع وجود الخلاف في ذلك, قال شيخ الإسلام رحمه الله : (وأظهر الأقوال وهو رواية عن الإمام أحمد التفريق بين الزيادة والنقص, وبين الشك مع التحري, والشك مع البناء على اليقين, فإذا كان السجود عن نقص كان قبل السلام, لأنه جابر لا تتم الصلاة به, وإن كان لزيادة كان بعد السلام, لأنه إرغام للشيطان لئلا يجمع بين زيادتين في الصلاة, وكذلك إذا شك وتحرى فإنه يتم صلاته, وإنما السجدتان إرغام للشيطان لئلا يجمع بين زيادتين في الصلاة, وكذلك إذا شك وتحرى فإنه يتم صلاته, وإنما السجدتان إرغام للشيطان فتكونان بعده, وكذلك إذا سلم وقد بقي عليه بعض صلاته ثم أكملها فقد أتمها والسلام فيها زيادة, والسجود في ذلك بعد السلام ترغيماً للشيطان, وأما إذا شك ولم يبين له الراجح فيعمل هنا على اليقين فإما أن يكون صلى خمساً أو أربعاً, فإن كان صلى خمساً فالسجدتان تشفعان له صلاته ليكون كأنه صلى ستاً لا خمساً, وهذا إنما يكون قبل السلام, فهذا القول الذي نصرناه تستعمل فيه جميع الأحاديث الواردة في ذلك) أ.هـ (1).
س55: هل السجود على التقسيم السابق واجب أم على سبيل الاستحباب؟
ج/ الراجح أنه ما كان قبل السلام يجب السعود فيه قبل السلام, وما كان بعد السلام فإنه يجب أن يجد بعد السلام, وهذا على سبيل الوجوب لا على سبيل الاستحباب, قال شيخ الإسلام رحمه الله(2): (وما شرع من السجود قبل السلام يجب فعله قبل السلام, وما شرع بعد السلام لا يفعل إلا بعده وجوباً, وهذا أحد القولين في مذهب أحمد وغيره, وعليه يدل كلام أحمد وغيره من الأئمة).
س56: إذا كان سجوده بعد السلام فهل يتشهدان أم تشهداً واحداً؟
ج/ المسألة على خلاف فبعضهم يقول: بأنه يتشهد التشهد الأخير ثم يسلم, ثم يسجد سجدتي السهو ثم يتشهد مرة ثانية ويسلم.
__________
(1) الاختيارات صـ 61.
(2) الاختيارات صـ 62.(3/44)
والراجح أنه لا يتشهد إلا مرة واحدة, فإذا سلّم من صلاته سجد سجدتي السهو ثم سلّم من دون أن يتشهد.
س57: لو نسي الإنسان سجود السهو وخرج من المسجد, أو فارقت المرأة مصلاها فهل نقول أن هذا من أسباب سقوط سجود السهو حتى لو لم يطل الفصل أم لا؟
ج/ على خلاف, والراجح في ذلك أن المعتبر طول الفصل, على هذا إذا تذكر الإنسان سجود السهو بعد خروجه من المسجد, أو المرأة بعد مفارقة مصلاها ولم يطل الفصل, فإن المصلي يرجع ويسجد, وإن طال الفصل فإنه لا يسجد, فالعبرة بطول الفصل من عدمه.
س58: إذا نسي سجود السهو ثم أحدث فهل يسقط عنه السجود ولو لم يطل الفصل لحدثه أم لا؟
ج/ الراجح في ذلك أنه إذا طال الفصل سقط عنه السجود, كما لو احتاج تحصيل الماء إلى وقت طويل. أما إذا كان الفاصل قصيراً بأن كان الماء حاضراً فتوضأ مباشرة ولم يطل الفصل فإن السجود لا يسقط فيتوضأ ويسجد للسهو, والله تعالى أعلم.
س59: إذا سها المأموم مع الإمام في الصلاة فما حكمه؟
ج/ إذا كان سهوا المأموم في الواجبات فالخلاصة في ذلك أن المأموم له حالتان:
1- أن يكون غير مسبوق فلا يسجد إلا تبعاً لإمامه, وقد حكى ابن المنذر الإجماع على ذلك, قال ابن المنذر(1): (وأجمعوا على أنه ليس على من سها خلف الإمام سجود, وانفرد مكحول فقال: عليه وأجمعوا على أن المأموم إذا سجد إمامه أن يسجد معه).
مثال ذلك: أدرك المأموم الصلاة مع الإمام من أولها ثم نسي المأموم أن يقول مثلاً(سبحان ربي الأعلى) في إحدى السجدات فإنه لا يسجد للسهو, لأنه غير مسبوق, فلا يسجد إلا تبعاً لإمامه.
2- أن يكون مسبوقاً فيسجد في الحالات الآتية:
أ.إذا سها سواء كان سهوه مع الإمام, أو فيما انفرد به.
__________
(1) الإجماع صـ40.(3/45)
مثال ذلك: مأموم فاتته ركعة ونسي مثلاً قول(سبحان ربي العظيم) فيما أدركه مع الإمام, أو كان مثال ذلك بعد قيامه لقضاء ما فاته فهنا يسجد للسهو, حتى ولو سها الإمام وسجد للسهو قبل السلام, وكان سهو المأموم فيما أدركه مع الإمام, فإنه لا يسقط السهو عن المأموم.
مثال ذلك: مأموم فاته ركعة مع الإمام, وفي الركعة الثانية مع الإمام نسي المأموم التسبيح في الركوع مثلاً, كذلك حصل للإمام ما يوجب سجود السهو قبل السلام, وحينما انتهى الإمام من صلاته سجد للسهو وسجد المأموم معه, فهذا السجود لا يكفي للمأموم, بل إذا قام المأموم وقضى ما فاته فإنه يسجد للسهو, قال عثمان في حاشيته على المنتهى(1): (وظاهره , سواء سجد مع الإمام لسهو الإمام أو لا فإن سجود المسبوق محله بعد سلام الإمام لا قبله كما عرفت).
ب. إذا كان سجود الإمام بعد السلام وكان المأموم مسبوقاً, فإن المأموم لا يتابع الإمام في السجود وإنما يسجد المأموم للسهو بعد قضاء ما فاته إن كان أدرك السهو مع الإمام, وإن لم يكن أدرك السهو مع الإمام فإنه لا يسجد, وإن كان لا يعلم هل أدرك أم لا لكون سجود الإمام لسبب خفي فهنا في هذه الحالة يسجد المأموم كذلك.
ج. إذا لم يسجد الإمام والمأموم يرى وجوب سجود السهو, أو تركه الإمام سهواً وعند هذه المسألة قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى: (لو فرض أن الإمام لا يرى وجوب سجود السهو, والمأموم يرى وجوب سجود السهو, مثلاً : التشهد الأول فإن بعض العلماء يرى أنه سنة, كما هو مذهب الشافعي, وليس بواجب, فإذا ترك الإمام التشهد الأول ولم يسجد للسهو بناءً على أنه سنة, وإن السنة لا يجب لها سجود سهو, فهل على المأموم الذي يرى أن سجود السهو واجب سجود أم لا؟
__________
(1) المنتهى1/231.(3/46)
الجواب: لا, لأن إمامه أنه لا سجود عليه, وصلاته مرتبطة بصلاة الإمام, وهو لم يحصل منه خلل, فالمأموم يجب أن يتابع الإمام, وقد قام بما يجب عليه, أما لو كان كان الإمام يرى وجوب سجود السهو وسبح به للسجود ولكنه لم يسجد فقال الفقهاء رحمهم الله: يسجد المأموم إذا أيس من سجود إمامه, لأن صلاته مرتبطة بصلاة الإمام, والإمام فعل ما يوجب السجود وترك السجود من غير تأويل, فوجب على المأموم أن يجبر هذا النقص ويسجد) أ.هـ(1).
س60: ما الحكم لو قام المصلي إلي ركعة زائدة؟
ج/ هذه المسألة لا تخلو من حالتين:
1- ألا يعلم بهذه الزيادة إلا بعد الفراغ منها, فهنا يسجد للسهو بعد السلام, أي يكمل التشهد ويسلم ويسجد سجدتين للسهو ويسلّم, وإنما يكون السجود للسهو في هذه الحالة بعد السلام, للأدلة الآتية:
أ. ما روى ابن مسعود - رضي الله عنه - { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى خمساً فلما انفتل قالوا إنك صليت خمساً, فانفتل ثم سجد سجدتين ثم سلّم } (2).
ب. حديث ذي اليدين كما ورد ذلك من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - { فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - سلّم من ركعتين ثم ذكّروه, فأتم الصلاة وسلم, ثم سجد سجدتين وسلّم } (3), فكونه سلّم من ركعتين هذه زيادة وليس بنقص كما يعتقد البعض, وهنا سجد للسهو عن الزيادة بعد السلام.
ج. أن الزيادة, زيادة في الصلاة, وسجود السهو زيادة أيضاً, فكان من الحكمة أن يؤخر سجود السهو إلى ما بعد السلام لئلا يجتمع في الصلاة زيادتان.
2- ن يعلم المصلي بالزيادة في أثنائها, فهنا يجب عليه أن يجلس في الحال بدون تكبير, لأنه لو لم يجلس لزاد في الصلاة عمداً وذلك يبطلها, قال في المغني(4): (فإن مضى في موضع يلزمه الرجوع أو رجع في موضع يلزمه المضي, عالماً بتحريم ذلك فسدت صلاته, لأنه ترك واجباً في الصلاة عمداً).
__________
(1) الممتع3/528,529.
(2) متفق عليه.
(3) متفق عليه.
(4) المغني لأبن قدامه.(3/47)
ومن الخطأ ما يتوهمه بعض الناس أنه إذا قام إلى ركعة زائدة أن حكم ذلك حكم من قام عن التشهد فيظن أنه إذا قام إلى الزائدة وشرع في القراءة حرم عليه الرجوع, وهذا وهم وخطأ فالزائد لا يمكن الاستمرار فيه أبداً متى ذكر وجب عليه أن يرجع ليمنع هذه الزيادة, لأنه لو استمر في الزيادة مع علمه بها لزاد في الصلاة شيئاً عمداً وهذا لا يجوز.
وإذا جلس تشهد إن لم يكن تشهد, أي أنه إذا علم بالزيادة قلنا يجلس في الحال ويقرأ التشهد إلا أن يكون قد تشهد قبل أن يقوم للزيادة, وهل يمكن أن يزيد بعد أن يتشهد؟ الجواب: نعم يمكن ذلك بأن يتشهد في الرابعة, ثم ينسى ويظن أنها الثانية ثم يقوم للثالثة في ظنه, ثم يذكر بعد القيام بأن هذه هي الخامسة وأن التشهد الذي قرأ هو التشهد الأخير.
وبناءً على هذا فالخلاصة: أنه إذا علم أثناء الزيادة جلس في الحال, فإن كان التشهد سلّم مباشرة وسجد للسهو بعد السلام, وإن لم يكن تشهد فإنه يتشهد ويسلم ثم يسجد سجدتين بعد السلام.
س61: ما الحكم لو قام المصلي إلى ثالثة في صلاة مقصورة, أي رجل مسافر قام إلى ثالثة في صلاة الظهر مثلاً " لثالثة في حق المسافر زيادة " فهل يلزمه الرجوع في هذه الحال أو له أن يكمل؟
ج/ الصحيح في ذلك أنه يرجع, لأن هذا الرجل دخل على أنه يريد أن يصلي ركعتين فليصلِ ركعتين ولا يزيد, وفي هذه الحال يسجد للسهو بعد السلام.
س62: رجل يصلي صلاة الليل " وصلاة الليل مثنى مثنى " فقام إلى الثالثة ناسياً فما الحكم؟(3/48)
ج/ يرجع فإن لم يرجع بطلت صلاته, لأنه تعمد الزيادة, ولهذا نص الإمام أحمد رحمه الله على أنه إذا قام في صلاة الليل إلى ثالثة فكرجل قام في صلاة الفجر إلى ركعة ثالثة أي إذا لم يرجع بطلت صلاته, لكن يستثنى من ذلك الوتر, فإن الوتر يجوز للإنسان أن يزيد فيه على ركعتين, فلو أوتر بثلاث جاز, وعلى هذا إذا دخل الإنسان بالوتر بنية أن يصلي ركعتين ثم يسلّم ثم يأتي بالثالثة لكنه نسي فقام إلى الثالثة بدون سلام, فنقول: له أم الثالثة, لأن الوتر يجوز فيه الزيادة على ركعتين.
س63: إذا سبح للإمام ثقتان على أنه أخطأ في صلاته فهل يرجع إلى قولهما؟
ج/ هذه المسألة لا تخلو من خمس حالات:
1- أن يجزم بصواب نفسه " أي الإمام " ففي هذه الحالة يستمر ولا يلزمه الرجوع إليهما.
2- أن يجزم بصوابهما, فهنا يجب عليه الرجوع إلى قولهما.
3- أن يغلب على ظنه صوابهما, وهنا يجب عليه الرجوع إلى قولهما كذلك.
4- أن يغلب على ظنه خطؤهما, فهنا الأقرب أنه لا يأخذ بقولهما.
5- أن يتساوى الأمران, فهنا الأقرب أنه يأخذ بقولهما.
س64: إذا قام الإمام لركعة زائدة وتيقن المأموم ذلك فهل يتابعه أم لا؟
ج/ يقال لا يجوز له متابعة الإمام في هذه الزائدة إذا تيقنها بل يفارقه, قال في حاشية العنقري: (ومتى لم يرجع الإمام وكان المأموم على يقين من خطأ الإمام لم يتابعه, لأنه إنما يتابعه في أفعال الصلاة وليس هذا منها, وينبغي أن ينتظره هنا لأن صلاة الإمام صحيحة لم تفسد بزيادته فينتظره كما ينتظر الإمام المأمومين في صلاة الخوف) أ.هـ(1).
فإذا تابع الإمام في الزائدة من يعلم أنها زائدة فصلاته باطلة, لكن من تابع الإمام جهلاً بالحكم أو نسياناً فصلاته صحيحة للعذر, لأنه فعل هذا المحظور على وجه الجهل أو النسيان, ودليل ذلك قوله تعالى { رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا(2) } .
__________
(1) حاشية العنقري1/201.
(2) البقرة: من الآية286)(3/49)
س65: ما حكم من قام عن التشهد الأول سهواً؟
ج/ هذه المسألة لا تخلو من ثلاث حالات:
1- أن يذكره قبل أن ينهض " أي قبل أن تفارق فخذاه ساقيه " أي أنه لما تهيأ للقيام ذكر أن هذا محل التشهد الأول, ففي هذه الحال يجلس ويتشهد, فإذا أتم صلاته سجد للسهو بعد السلام, لأنه حصل عنده زيادة في الصلاة.
وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله(1) سؤالاً مفاده: مصلِ نهض من التشهد الأول وذكر قبل أن يستتم قائماً فهل يرجع للتشهد أو يستتم قائماً, ومتى يسجد للسهو قبل السلام أو بعده في تلك الحال؟
فأجاب رحمه الله قائلاً: (إذا نهض المصلي عن التشهد الأول وذكر قبل أن يستتم قائماً فيجب عليه الرجوع, ويسجد للسهو, وموضعه بعد السلام).
2-أن يذكره بعد أن يستتم قائماً لكن قبل أن يشرع في القراءة, فهنا على الراجح أنه لا يرجع لأنه انفصل عن التشهد تماماً, حيث وصل إلى الركن الذي يليه, قال السعدي رحمه الله: (والصحيح أنه إذا قام من التشهد الأول ناسياً ولم يذكر إلا بعد قيامه أنه لا يرجع, ولو لم يشرع في القراءة, لحديث المغيرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { إذا قام أحدكم من ركعتين فلم يستتم قائماً فليجلس, فإن استتم قائماً فلا يجلس وليسجد سجدتين(2) } , وقولهم القراءة ركن مقصود, وكذلك القيام ركن مقصود, ولأن بقية الواجبات إذا لم يذكرها إلا بعد وصوله إلى الركن الذي بعدها فإنها تسقط) أ.هـ(3).
3-أن يذكره بعد الشروع في قراءة الركعة الأخرى فهنا يحرم عليه الرجوع, بل يستمر ويسجد للسهو قبل السلام, فإن رجع عالماً عامداً بطلت صلاته, لا نسياناً أو جهلاً.
__________
(1) مجموع فتاوى ورسائل محمد بن عثيمين , إعداد وترتيب فهد السليمان14/40.
(2) رواه ابو داود وابن ماجه وأحمد وعبدالرزاق والدارقطني والبيهقي وغيرهم.
(3) المختارات الجلية صـ48.(3/50)
فائدة: ما ذكرناه في ترك التشهد الأول يجري على من ترك واجباً آخر مثل: التسبيح في الركوع, فلو نسي أن يقول(سبحان ربي العظيم)ونهض من الركوع وذكر قبل أن يستتم قائماً فإنه يلزمه الرجوع, وإن استتم قائماً حرم عليه الرجوع, وعليه أن يسجد للسهو لأنه ترك واجباً, ويكون قبل السلام, لأنه عن نقص, وهكذا في بقية الواجبات.
والقاعدة في نقص الواجبات كما في رسالة السهو للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
" إذا ترك واجباً من واجبات الصلاة متعمداً بطلت صلاته, وإن كان ناسياً وذكره قبل أن يفارقه محله من الصلاة أتى به ولا شيء عليه, وإن ذكره بعد مفارقة محله قبل أن يصل إلى الركن الذي يليه رجع فأتى به ثم يكمل صلاته ويسلّم ثم يسجد بعد السلام, وإن ذكره بعد وصوله إلى الركن الذي يليه سقط فلا يرجع إليه, فيستمر في صلاته ويسجد قبل السلام " أ.هـ(1) .
س66: إذا قام الإمام عن التشهد الأول ناسياً فهل يلزم المأموم متابعته؟
ج/ نعم يلزمه أن يتابعه في هذه الحال, لحديث { إنما جعل الإمام ليؤتم به...الحديث } (2), ولأن الصحابة رضوان الله عليهم تابعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قام عن التشهد الأول سهواً كما ورد ذلك في حديث عبدالله بن بحينة - رضي الله عنه - { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم الظهر فقام الركعتين الأوليين ولم يجلس قبل أن يسلم ثم سلّم } (3).
مسألة: من أنواع السهو في الصلاة الشك وهو النوع الثالث من أنواع السهو مع الزيادة والنقص.
والشك هو: التردد بين أمرين أيهما الذي وقع.
س67: الشك لا يلتفت إليه في ثلاثة مواضع فما هي هذه المواضع؟
ج/ المواضع هي:
1- إذا كان الشك بعد الانتهاء من الصلاة فلا عبرة به إلا أن يتيقن الزيادة والنقصان, فإذا كان متيقناً عمل بمقتضى يقينه كما سيأتي بيانه.
__________
(1) رسالة سجود السهو للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله صـ4.
(2) متفق عليه.
(3) رواه البخاري.(3/51)
مثال ذلك: إذا سلّم المصلي ثم شك هل صلى ثلاثاً أم أربعاً؟ يقال لا تلتفت لهذا الشك فلا ترجع لصلاتك ولا تسجد للسهو, لأن الصلاة تمت على وجه شرعي, ولم يوجد ما ينقض هذا الوجه الشرعي, فالمصلي لما سلّم لا إشكال عنده أن الصلاة تامة وبرئت بها الذمة فورود الشك بعد أن برئت الذمة لا عبرة به, لكن إن كان الشك له قوة من النظر بحيث تأكد من ذلك فإن الشك هنا يعتبر ويعمل به.
2- إذا كان الشك وهماً, أي طرأ على الذهن ولم يستقر, كما يوجد هذا في الموسوسين فلا عبرة به أيضا فلا يلتفت إليه, والإنسان لو طاوع الوهم لتعب تعباً عظيماً.
3- إذا كثرت الشكوك مع الإنسان حتى صار لا يفعل فعلاً إلا شك فيه, إن توضأ شك, وإن صلى شك, وإن صام شك... وهكذا في بقية العبادات, فهذا أيضاً لا عبرة به, لأن هذا مرض وعلة والكلام مع الإنسان الصحيح السليم من المرض, والإنسان الشكاك هذا يعتبر ذهنه غير مستقر فلا عبرة به.
س68: بقينا في الشك إذا كان خالياً من هذه الأمور الثلاثة فما الحكم؟
ج/ أجاب عن ذلك الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله فقال: (إن الشك في الصلاة في هذه الحالة لا يخلو من أمرين:
الحالة الأولى: أن يترجح عنده أحد الأمرين, فيعمل بما ترجح عنده فيتم عليه صلاته فليتحرَ الصواب فليتم عليه ثم ليسلّم ثم يسجد سجدتين)(1).
الحالة الثانية: أن لا يترجح عنده أحد الأمرين, فيعمل باليقين وهو الأقل فيتم عليه صلاته ويسجد للسهو قبل أن يسلّم ثم يسلّم.
__________
(1) رواه مسلم.(3/52)
مثال ذلك: شخص يصلي العصر فشك في الركعة هل هي الثانية أو الثالثة؟ ولم يترجح عنده أنها الثانية أو الثالثة, فإنه يجعلها الثانية, فيشهد التشهد الأول ويأتي بركعتين ويسجد للسهو ويسلّم, ودليل ذلك حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدرِ كم صبى ثلاثاً أم أربعاً؟ , فليطرح الشك وليبنِ على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم, فإن كان صلى خمساً شفعن صلاته, وإن كان صلى إتماماً لأربع كانتا ترغيماً للشيطان } (1),(2), والشك في ترك الركن يأخذ نفس الحكم ولا فرق.
س69: إذا جاء المأموم والإمام راكع فكبر للإحرام ثم ركع ثم شك هل أدرك الإمام في الركوع أم أن الإمام رفع قبل أن يدركه فهل يعتبر مدركاً للركعة أم لا؟
ج/ في هذه المسألة يقال: لإن ترجح عنده أحد الأمرين عمل بما ترجح فأتم عليه صلاته وسلّم ثم سجد للسهو وسلّم, إلا إن لا يفوته شيء من الصلاة فإنه لا يسجد للسهو, لأنه تقدم أن المأموم إذا كان غير مسبوق وكان سهو الإمام في الواجبات فإنه لا يسجد إلا تبعاً لإمامه وإن لم يترجح عنده شيء عمل باليقين, وهو أن الركعة فاتته فيتم عليه صلاته ويسجد للسهو قبل أن يسلّم ثم يسلّم.
س70: لو بنى المصلي بعد الشك على اليقين أو على غالب ظنه ثم تبين أنه مصيب فيما فعل فهل يلزمه السجود؟
مثاله: رجل شك هل صلى ثلاثاً أم أربعاً بدون ترجيح؟ فجعلها ثلاثاً بناءً على اليقين " كما تقدم أنه إذا لم يترجح لديه شيء يبني على اليقين واليقين هو الأقل " فهنا جعلها ثلاثاً وأتى بركعة رابعة, لكن في أثناء الصلاة هذه الركعة تيقن أن هذه هي الركعة الرابعة فهل يلزمه سجود للسهو أم لا؟
__________
(1) رواه مسلم.
(2) رسالة سجود السهو للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله صـ5(3/53)
ج/ على خلاف والراجح أن عليه سجود السهو قبل السلام, كما تقدم لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { لم يدرِ كم صلى } (1), وهذا لجل أن يبني على ما عنده, وظاهره أنه لو درى فيما بعد فإنه يسجد لقوله { فإن كان صلى خمساً شفعن صلاته, وإن كان صلى إتماماً كانتا ترغيماً للشيطان } (2), ولأنه أدى هذه الركعة وهو شاك هل هي زائدة أو غير زائدة؟ فيكون أدى جزءاً من صلاته متردداً في كونه منها فيلزمه السجود, وهذا القول دليله وتعليله قوي, وفيه أيضاً ترجيح من وجه ثالث وهو الاحتياط(3).
س71: ما حكم من نقص ركناً من أركان الصلاة؟
ج/ نقص الركن من أركان الصلاة لا يخلو من قسمين:
1- أن يكون ذلك عمداً فالصلاة باطلة.
2-أن يكون ذلك سهواً, وهذا القسم لا يخلو من ثلاث حالات:
أ. أن يكون المتروك تكبيرة الإحرام, فالصلاة هنا لم تنعقد أصلاً.
ب. أن يكون المتروك من الأركان غير تكبيرة الإحرام, كالركوع مثلاً, ويتذكر المصلي هذا الركن أثناء الصلاة, فهذه الحالة على خلاف, والراجح في ذلك: أن المصلي إذا وصل إلى محل هذا المتروك من الركعة التي بعدها لغت الركعة السابقة, وإن لم يصل يرجع إلى هذا المتروك وأتى به, ويسجد في كلتا الحالتين للسهو بعد السلام.
مثال ذلك: مصلٍ نسي السجدة الأولى من الركعة الأولى مثلاً , إن تذكر قبل أن يصل إلى السجدة الأولى من الركعة الثانية رجع إلى السجدة وسجدها ثم أكمل بقية الصلاة ويسجد للسهو بعد السلام, وإن لم يتذكر هذه السجدة التي تركها إلا بعد أن وصل إلى محلها من الركعة الثانية لغت الركعة الأولى وقامت الثانية مقامها, وسجد للسهو بعد السلام كذلك.
__________
(1) تقدم تخريجه صـ52.
(2) تقدم تخريجه صـ52.
(3) الممتع3/519,502.(3/54)
ج. أن يترك المصلي ركناً من أركان الصلاة سهواً غير تكبيرة الإحرام, ولكنه لم يتذكر إلا بعد انتهاء الصلاة, فالحكم هنا إن كان المتروك في الركعة الأخيرة من الصلاة أتى به وبما بعده فقط, وإن كان المتروك في غير الركعة الأخيرة, فإنه يأتي بركعة كاملة على الصحيح, ويسجد للسهو بعد السلام.
مثال ذلك: مصلِ نسي السجدة الأولى من إحدى الركعات ولم يتذكر إلا بعد انتهاء الصلاة, إن كانت هذه السجدة المتروكة في الركعة الأخيرة من الصلاة أتى بالسجدة وبما بعدها فقط ثم سجد للسهو بعد السلام, وإن كانت هذه السجدة المتروكة في غير الركعة الأخيرة من الصلاة أتى بركعة كاملة وسجد للسهو بعد السلام أيضاً, وهذا إذا لم يطل الفصل أما إذا طال الفصل فإنه يستأنف الصلاة من جديد.
س72: ما حكم من سها مراراً؟
ج/ من سها مراراً كفاه سجدتان.
مثال ذلك: ترك قول(سبحان ربي العظيم) في الركوع, وترك التشهد الأول, وترك قول(سبحان ربي الأعلى) وفي السجود سهواً, فهذه ثلاثة أسباب توجب سجود السهو, فيكفي لها سجدتان لأن الواجب هنا من جنس واحد فدخل بعضه في بعض, كما لو أحدث ببول, وغائط, وريح, وأكل لحم إبل, فإنه يكفيه وضوء واحد, ولا يلزمه أن يتوضأ لكل سبب وضوءاً, فهنا أسباب السجود تعددت لكن الواجب في هذه الأسباب واحد, وهو وجود السهو فتداخلت.
س73: ما الحكم إذا اجتمع سببان أحدهما يوجب سجود السهو قبل السلام والآخر يوجب السجود بعد السلام, فهل يسجد قبل السلام أم بعد السلام؟
مثال ذلك: مصلٍ ركع في ركعة ركوعين, فهنا زيادة توجب سجود السهو بعد السلام, وترك قول(سبحان ربي العظيم) في الركوع سهواً, فهنا نقص يوجب سجود السهو قبل السلام, فهل يسجد قبل السلام أم بعد السلام؟(3/55)
ج/ مذهب الحنابلة يغلّب ما قبل السلام مطلقاً, فعلى هذا يسجد قبل السلام سجدتين تكفي عن السهوين معاً, لأن ما قبل السلام جبرة واجب, ومحله قبل أن يسلم فكانت المبادرة بجبر الصلاة قبل إتمامها أولى من تأخير الجابر.
{ باب صلاة التطوع }
مناسبة هذا الباب لما قبله: لما ذكر المصنف رحمه الله الجابر الثاني من جوابر الصلاة وهو سجود السهو أتبعه رحمه الله بالجابر الثالث الذي هو صلاة التطوع.
س74: ما معنى التطوع؟
ج/ التطوع لغةً: فعل الطاعة, وهو يطلق على فعل الطاعة مطلقاً, فيشمل حتى الواجب, قال تعالى { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ } (1), مع أن الطواف بهما ركن من أركان الحج والعمرة, والمراد بالتطوع في اصطلاح الفقهاء: كل طاعة ليست واجبة.
ومن حكمة الله عز وجل ورحمته بعباده أنه شرع لكل فرض تطوعاً من جنسه ليزداد المؤمن إيماناً بفعل هذا التطوع, ولتكمل به الفرائض يوم القيامة, فإن الفرائض يعتريها النقص, فتكمل بهذه التطوعات التي من جنسها, فالوضوء واجب وتطوع, والصدقة ولجب وتطوع, والصيام واجب وتطوع, والحج واجب وتطوع, والجهاد واجب وتطوع, والعلم واجب وتطوع وهكذا.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: (والتطوع يكمل به صلاة الفرض يوم القيامة إن لم يكن المصلي قد أتمها, وفيه حديث مرفوع رواه أحمد في المسند, وكذلك الزكاة وبقية الأعمال)(2).
س75: ما أفضل التطوعات على سبيل العموم؟
__________
(1) البقرة:158)
(2) الاختيارات صـ62.(3/56)
ج/ على خلاف في ذلك, والراجح أن يقال أنه يختلف باختلاف الفاعل وباختلاف الزمن, فقد نقول لشخص الأفضل في حقك الجهاد, والآخر الأفضل في حقك العلم, فإذا كان شجاعاً قوياً نشيطاً وليس بذاك الذكي, فالأفضل له الجهاد لأنه أليق به, وإذا كان ذكياً حافظاً قوي الحجة, فالأفضل له العلم, وهذا باعتبار الفاعل, وأما باعتبار الزمن فإننا إذا كنا في زمن تفشى فيه الجهل والبدع, وكثر من يفتي بلا علم, فالعلم أفضل من الجهاد وإن كنا في زمن كثر فيه العلماء, واحتاجت الثغور إلى مرابطين يدافعون عن البلاد الإسلامية, فهنا الأفضل الجهاد, وبناءً على هذا تحمل أجوبة - صلى الله عليه وسلم - المختلفة, ومن ذلك ما ورد في حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل أي الأعمال أفضل؟ قال { إيماناً بالله ورسوله, قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله, قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور } (1), ومن ذلك ما ورد في حديث عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال { سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها, قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين, قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله, قال حدثني بهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو استزدته لزادني(2) } , ونحو ذلك من الأحاديث.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه البخاري.(3/57)
فإن لم يكن مرجح لا هذا ولا هذا فالأفضل العلم, قال الإمام أحمد: (العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته, قالوا كيف تصح نيته؟ قال: ينوي يتواضع وأن يرفع الجهل عن غيره)(1), وهذا صحيح لأن مبنى الشرع كله على العلم, حتى الجهاد مبناه على العلم, ويدل لهذا قوله تعالى { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } (2), فنفى الله أن ينفر المسلمون كلهم إلى الجهاد, ولكن ينفر طائفة ويبقى طائفة لتتعلم حتى إذا رجع قومهم إليهم أخبروهم بما عندهم من الشرع.
س76: ما أفضل التطوعات بالنسبة للصلاة؟
ج/على خلاف في الترتيب في الأفضلية, والراجح أن الأفضلية على الترتيب الآتي:
الكسوف, ثم الوتر, ثم الاستسقاء, ثم التراويح.
وسبب التفضيل على تأكد الصلاة لأن ما تنوع في وجوبه فهو آكد.
س77: ما معنى الوتر؟
ج/ الوتر: اسم للركعة المنفصلة عما قبلها, ولثلاث, والخمس, والسبع, والتسع المتصلة, والإحدى عشرة.
س78: ما حكم الوتر؟
ج/ الراجح في ذلك قول الجمهور أنه سنة, والأدلة على ذلك كثيرة " أي على عدم وجوب الوتر " فمن ذلك:
أ- حديث طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - قال { جاء رجل من أهل نجد فإذا هو يسأل عن الإسلام, فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمس صلوات في اليوم والليلة, فقال هل عليّ غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع... الحديث } (3), فأخبره أن الواجب من الصلوات في اليوم والليلة إنما هو الخمس.
ب- ومن ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما { أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي الوتر على راحلته, ولا يصلي عليها المكتوبة(4) } , فلو كان الوتر واجباً لم يجز فعله على الراحلة.
__________
(1) الانصاف2/162.
(2) التوبة:122)
(3) متفق عليه.
(4) متفق عليه.(3/58)
ج- ومن ذلك حديث علي - رضي الله عنه - أنه قال { ليس الوتر بحتم كهيئة المكتوبة ولكنه سنة سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - } (1).
س79: ما أقل الوتر؟
ج/ أقله ركعة, لما ورد في حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { الوتر ركعة من آخر الليل } (2), ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عمر { صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة فأوترت له ما قد صلى } (3).
س80: هل يكره الإتيان بواحدة؟
ج/ الراجح في ذلك أنه لا يكره, وهو قول الجمهور لثبوته عن عشرة من الصحابة منهم أبو بكر وعثمان وعائشة رضي الله عنهم أجمعين, ومما يدل لذلك حديث ابن عمر - رضي الله عنه - المتقدم { صلاة الليل مثنى مثنى, فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة } .
س81: ما أكثر ركعات الوتر؟
ج/ قيل بأنه إحدى عشرة, وقيل ثلاثة عشر ركعة.
ودليل الإحدى عشرة ركعة حديث عائشة رضي الله عنها قالت { كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة } (4).
ودليل الثلاث عشرة ركعة حديث عائشة رضي الله عنها قالت { كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة, يوتر منهن بخمس ركعات لا يجلس في شيء من الخمس إلا في آخرهن ثم يجلس ويسلم } (5), وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى ثلاث عشرة ركعة ثم نام حتى نفخ فلما تبيّن له الفجر صلى ركعتين خفيفتين } (6).
__________
(1) رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وحسنه الترمذي وصححه الحاكم.
(2) رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم.
(3) رواه البخاري ومسلم.
(4) رواه البخاري ومسلم.
(5) رواه مسلم.
(6) متفق عليه.(3/59)
والأقرب في هذه المسألة: أن هذا محمول على تنوع الوتر, فالغالب من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يصلي إحدى عشرة ركعة, وأحياناً يصلي ثلاث عشرة ركعة, هذا هو الراجح, والله أعلم.
س82: ما هو أدني الكمال بالنسبة للوتر؟
ج/ أدنى الكمال بالنسبة للوتر ثلاث ركعات يصليها بسلامين, يصلي ركعتين ويسلّم, ثم يأتي بواحدة ويسلّم, ويجوز أن يجعلها بسلام واحد, ولكن لا يجلس للتشهد إلا في آخرها, أي بتشهد واحد لا تشهدين, لأنه لو جعلها بتشهدين لأشبهت صلاة المغرب, وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - التشبه بصلاة المغرب لما روى أبو هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { لا توتروا بثلاث, أوتروا بخمس أو سبع ولا تشبهوا بصلاة المغرب(1) } .
س83: ما هي عدد ركعات الوتر, وما هي صفة صلاتها؟
ج/ صفات صلاة الوتر هي:
1- الوتر بركعة, وتقدم دليل ذلك.
2- الوتر بثلاث, ولها صفتان كما تقدم وهما:
أ. أن تكون بسلامين, أي يصلي ركعتين ويسلّم, ثم الثالثة ويسلّم, ويدل لذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما { أنه كان يفصل بين شفعه ووتره بتسليمة, ويخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك } (2).
ب. أن يسردها بسلام واحد, لكن لا يجلس إلا في آخرها كما تقدم, لحديث عائشة رضي الله عنها قالت { كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يسلّم في ركعتي الوتر } , وفي لفظ { كان يوتر بثلاث لا يقعد إلا في آخرهن } (3).
__________
(1) رواه ابن حبان والدار قطني والبيهقي والخطيب في الموضح.
(2) أخرجه ابن حبان والطحاوي وقوى إسناده في الفتح.
(3) رواه مالك وابن أبي شيبة والنسائي والطحاوي والحاكم والبيهقي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وقال النووي في المجموع " رواه النسائي بإسناد حسن والبيهقي بإسناد صحيح" .(3/60)
3- الوتر بخمس, وصفتها أن يسردها ولا يجلس إلا في آخرها, بدليل حديث عائشة رضي الله عنها قالت { كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل ثلاث عشر ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها(1) } .
4- الوتر بسبع, ولها صفتان:
أ. يسردها سرداً لا يتشهد إلا مرة واحدة في آخرها, ودليل ذلك حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت { كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يوتر بخمس وسبع لا يفصل بينهن بسلام ولا كلام } (2).
ب- أن يجلس بعد السادسة ويتشهد بدون سلام, ثم يصلي السابعة, ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها وفيه { ثم صلى سبع ركعات ولا يجلس فيهن إلا عند السادسة فيجلس ويذكر الله ويدعو } (3).
5- الوتر بتسع, وصفتها أن يسرد ثمان ركعات ثم يتشهد بعد الثامنة ولا يسلم, ثم يأتي بالتاسعة, ثم يتشهد ويسلّم, بدليل حديث عائشة رضي الله عنها قالت { كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوتر بتسع فيجلس بعد الثامنة فيحمد الله ويذكره ويدعوه, ثم يقوم فبصلي التاسعة فيذكره ويحمده ويدعوه ثم يسلّم تسليماً يسمعناه } (4).
6- الوتر بإحدى عشرة, ولها صفتان:
أ.أن يسلّم من كل ركعتين, ويوتر منها بواحد, ويدل لذلك حديث ابن عمر المتقدم { صلاة الليل مثنى مثنى...الحديث } .
__________
(1) رواه مسلم.
(2) رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وفي الفتح الرباني إسناده جيد.
(3) رواه أحمد وبن حبان وقال الأرنؤوط في حاشيته على ابن حبان " إسناده صحيح على شرطهما ".
(4) رواه مسلم.(3/61)
ب- يصلي أربع ركعات كل ركعتين بسلام, ثم يفصل " أي يرتاح " ثم يصلي أربعاً ركعات أيضاً كل ركعتين بسلام, ثم يصلي ثلاث ركعات, وهذه دل لها حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت { ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة, يصلي أربع ركعات فلا تسأل عن حسنهن وجمالهن, ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وجمالهن, ثم يصلي ثلاثاً } (1).
س84: ماذا يقرأ في صلاة الوتر؟
ج/ إذا أوتر بثلاث فإنه يقرأ في الأولى بسبح, وفي الثانية الكافرون, وفي الثالثة الإخلاص, لحديث أبي بن كعب - رضي الله عنه - (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر بـ { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } و { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } و { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } )(2).
س85: ما هو وقت صلاة الوتر؟
ج/ ما بين صلاة العشاء إلى الفجر, قال ابن المنذر في الإجماع: ) وأجمعوا على أن ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر وقت للوتر)(3).
وقال ابن رشد: (اتفقوا على أن وقته بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر)(4).
ويدل لهذا حديث عائشة رضي الله عنها { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي ما بين أن يفرغ من العشاء, إلى الفجر إحدى عشرة ركعة } (5).
ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت { من كل الليل قد أوتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أوله وأوسطه وآخره } (6).
وحديث خارجة بن حذافة - رضي الله عنه - قال خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال { إن الله أمدكم بصلاة الوتر, فصلوها فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر } (7).
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والطيالسي والبيهقي والبغوي.
(3) الإجماع صـ45.
(4) بداية المجتهد1/202.
(5) رواه البخاري ومسلم.
(6) متفق عليه.
(7) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وإسناده صحيح.(3/62)
س86: إذا طلع الفجر والإنسان لم يوتر فهل يوتر ما بين الأذان والإقامة لصلاة الفجر أم لا؟
ج/ الراجح في ذلك أنه إلى طلوع الفجر, فإذا طلع الفجر والإنسان لم يوتر, وهو قول الجمهور للأدلة السابقة كحديثي عائشة رضي الله عنها وحديث خارجة بن حذافة - رضي الله عنه -, ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة توتر له ما صلى } (1), ومن ذلك قول ابن عمر رضي الله عنهما: فإذا كان الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال { أوتروا قبل الفجر(2) } , أما ما يروى عن بعض السلف أنه كان يوتر بين أذان الفجر وإقامته(3), فإنه عمل مخالف لما تقتضيه السنة, ولا حجة في قول أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , وعلى هذا فالوتر ينتهي ينتهي بطلوع الفجر على القول الراجح.
س87: إذا طلع الفجر والإنسان لم يوتر فكيف يصنع؟
ج/ يصلي في الضحى الوتر مشفوعاً بركعة, فإذا كان من عادة الإنسان أنه يوتر بثلاث صلى أربعاً يسلّم من كل ركعتين, وإذا كان من عادته أنه يوتر بخمس يصلي ستاً يسلّم من كل ركعتين, وهكذا ودليل ذلك حديث عائشة رضي الله عنها { أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا غلبه وجع أو نوم عن قيام الليل صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة } (4).
س88: إذا كان الإنسان مسافراً وجمع المغرب والعشاء جمع تقديم فهل له أن يوتر بعد ذلك حتى لو لم يدخل وقت العشاء؟
__________
(1) سبق تخريجه صـ 64.
(2) رواه الحاكم والبهقي وصححه الحاكم وأقره الذهبي.
(3) كما ورد ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وعبادة رضي الله عنهم في الموطأ وأبي الدرداء في مصنف ابن أبي شيبة وعلي ومعاذ في مختصر قيام الليل.
(4) رواه مسلم.(3/63)
ج/ نعم له أن يوتر, لأنه أن أول وقت الوتر من صلاة العشاء, وسواء صلى العشاء في وقتها أو صلاها مجموعة إلى المغرب تقديماً, فإن وقت الوتر كما تقدم يدخل من حين يصلي الإنسان العشاء, لما يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال { إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم, وصلاة الوتر ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر(1) } , والسنة الصحيحة تشهد له كما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها قالت { كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء " وهي التي يدعوا الناس العتمة " إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلّم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة } (2), ولأن صلاة الوتر تختم بها صلاة الليل, وإذا انتهت صلاة العشاء فقد انتهت صلاة الليل المفروضة ولم يبق إلا صلاة التطوع, وبناءً على هذا يقال للإنسان أن الوتر من بعد صلاة العشاء مباشرة ولو كانت مجموعة إلى المغرب تقديماً.
س89: هل الأفضل تقديم الوتر أول الليل أم السنة تأخيره؟
ج/ الأفضل أول الليل لمن لا يثق من نفسه القيام آخره, ومن تلاعب الشيطان ببعض الناس أنه يقول له ستقوم ثم يترك الوتر وهو يعلم من نفسه عدم القيام, إما لتعب أو لعدم اعتياد ذلك, فهذا الأفضل في حقه والسنة في حقه أن يوتر قبل أن ينام, أما من وثق من نفسه القيام, وكان هذا له عادة فالأفضل تأخيره, ودليل ذلك حديث جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - أن النبي قال { من خاف ألا يقوم من آخر الليل فليوتر من أوله, ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل } (3).
س90: إذا أذن المؤذن لصلاة الفجر والإنسان يصلي صلاة الوتر فهل يتم صلاته أم لا؟
ج/ نعم إذا أذن المؤذن وهو في أثناء الوتر فإنه يتم صلاته ولا حرج عليه.
__________
(1) تقدم تخريجه صـ68, وفي إرواء الغليل: صحيح دون قوله(هي خير لكم من حمر النعم)
(2) رواه مسلم.
(3) رواه مسلم.(3/64)
س91: أين يكون محل القنوت في الوتر هل هو قبل الركوع أم بعد الركوع؟
ج/ الأفضل أن يكون القنوت بعد الركوع لأنه صح عنه - صلى الله عليه وسلم - من حديث أنس - رضي الله عنه -, عن عاصم - رضي الله عنه - قال: سألت أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن القنوت فقال { قد كان القنوت, قلت قبل الركوع أو بعده؟ قال: قبله, قال فإن فلاناً أخبرني عنك أنك قلت بعد الركوع, فقال كذب, إنما قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد الركوع شهراً, أراه كان بعث قوماً يقال لهم القراء زهاء سبعين رجلاً إلى قوم مشركين دون أولئك, وكان بينهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد فقنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهراً يدعو عليهم } (1).
وإن قنت قبله بعد القراءة جاز لما روى أبو داود عن أبي بن كعب { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقنت في الوتر قبل الركوع } (2).
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: (وأما القنوت فالناس فيه طرفان ووسط, فمنهم من لا يرى القنوت إلا قبل الركوع, ومنهم من لا يراه إلا بعد, وأما فقهاء أهل الحديث كأحمد وغيره فيجوزون كلا الأمرين لمجيء السنة الصحيحة بهما, وإن اختاروا القنوت بعده لأنه أكثر وأقيس, فإن سماع الدعاء مناسب لقول العبد: سمع الله لمن حمده, فإنه يشرع الثناء على الله قبل دعائه كما بنيت فاتحة الكتاب على ذلك أولها ثناء وآخرها دعاء)(3) .
س92: هل القنوت مشروع دائماً أم يفعل تارة ويترك تارة؟
__________
(1) رواه البخاري.
(2) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والدار قطني والبيهقي.
(3) مجموع الفتاوى22/100.(3/65)
ج/ السنة عدم المداومة على القنوت, بل يقنت المصلي أحياناً, لأن الذين وصفوا وتر النبي - صلى الله عليه وسلم - وقيامة كعائشة رضي الله عنها وابن مسعود - رضي الله عنه - لم يذكروا القنوت وأحاديثهم في الصحيحين, لكن ورد القنوت من حديث أبي بن كعب - رضي الله عنه - { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت في الوتر } (1).
والإمام أحمد قال: (أنه لم يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في القنوت في الوتر قبل الركوع ولا بعده شيء).
لكن صح عن عمر - رضي الله عنه - أنه كان يقنت, والمتأمل لصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - يرى أنه لا يقنت في الوتر, وإنما يصلي ركعة يوتر بها ما صلى, وبناءً على هذا فالأحسن ألا يداوم المصلي على قنوت الوتر, وإنما يقنت أحياناً, ويكون الغالب هو الترك.
س93: هل يشرع القنوت في غير الوتر لصلاة الفريضة أم لا يشرع؟
ج/ الراجح أنه لا يقنت في غير الوتر إلا في النوازل, وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله سؤالاً مفاده: ما حكم دعاء القنوت في الركعة الأخيرة بعد الرفع من الركوع في صلاة الفجر؟
فأجاب قائلاً: (القنوت في صلاة الفجر لا ينبغي إلا إذا كان هناك سبب, مثل أن ينزل بالمسلمين نازلة من نوازل الدهر فإنه لا بأس أن يقنت الإمام ويدعو الله برفع هذه النازلة في صلاة الفجر وغيرها, وأما بدون سبب فإنه لا يقنت, وهذا هو القول الصحيح)(2).
والقنوت يكون في كل الصلوات, قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في الاختيارات(3): (فيقنت كل مصلٍ في جميع الصلوات, لكنه في الفجر والمغرب آكد).
والدليل على مشروعية القنوات في الفرائض ما يلي:
__________
(1) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي وصححه الألباني في الإرواء.
(2) مجموع الفتاوى ورسائله فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين14/131, جمع وإعداد فهد السليمان.
(3) الاختيارات صـ 64.(3/66)
أ) ما ورد في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال(لأقربن بكم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الأخيرة من صلاة الظهر والعشاء الآخرة وصلاة الصبح بعد بعد ما يقول: سمع الله لمن حمده, فيدعو للمؤمنين ويلعن الكفار)(1).
ب) ومن ذلك حديث البراء بن عازب { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقنت في صلاة المغرب والفجر } (2).
ج) ومن ذلك حديث ابن عباس قال { قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهراً متتابعاً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح } (3).
س94: من هو الذي يشرع له القنوات في النوازل؟
ج/ على خلاف والراجح أنه يقنت كل مصلِ الإمام والمأموم خلف الإمام يؤمن وكذا المنفرد, وبناءً على هذا تقنت المرأة في صلاتها في حال وجود النازلة.
وهذا أمر تغفل عنه كثير من النساء, والدليل أن القنوت مشروع لكل مصلٍ حديث { صلوا كما رأيتموني أصلي } (4), وهذا العموم يشمل ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله في صلاته على سبيل الاستمرار, وما يفعله في صلاته على سبيل الحوادث النازلة, فيكون القنوت عند النوازل مشروعاً لكل أحد.
س95: ما هي النازلة التي يقنت فيها؟
ج/ الراجح أن يقال: أن النوازل على قسمين:
1. أن تكون بسبب الخلق من القتل والخصام ونحو ذلك, فهذه النازلة يشرع لها القنوت.
2. أن تكون النازلة بغير سبب من الخلق, فهذه لا يشرع لها القنوت, وإنما يشرع لها ما جاءت به السنة, فالكسوف والخسوف بصلاة الكسوف, والجدب والقحط بصلاة الاستسقاء, وهكذا.
س96: ماذا يقول المصلي في قنوته؟
ج/ يقال القنوت لا يخلو من أمرين:
__________
(1) متفق عليه.
(2) رواه مسلم.
(3) رواه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه الحاكم على شرط البخاري.
(4) رواه البخاري عن مالك بن حويرث رضي الله عنه.(3/67)
1- أن يكون القنوت في الوتر, فهذا يبدأ قنوته بقوله(اللهم إنا نستعينك ونستهديك, ونستغفرك ونتوب إليك, ونؤمن بك ونتوكل عليك, ونثني عليك الخير كله, ونشكرك ولا نكفرك, اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد, وإليك نسعى ونحفد, ونرجو رحمتك ونخشى عذابك, إن عذابك الجد بالكفار ملحق), ويدل لذلك ما رواه عبدالرحمن بن أبزي قال: صليت خلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلاة الصبح فسمعته يقول بعد القراءة قبل الركوع(إياك نعبد, ولك نصلي ونسجد, وإليك نسعى ونحفد, ونرجو رحمتك ونخشى عذابك, إن عذابك بالكفار محلق, اللهم إنا نستعينك ونستغفرك, ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونؤمن بك, ونخضع لق, ونخلع من يكفرك)(1), فالصحيح أنه يبدأ بهذا الدعاء أولاً خلافاً لمن قال أنه يبدأ بقوله: اللهم أهدنا فيمن هديت...الخ, هكذا قال الإمام أحمد رحمه الله, لأنه ثناء على الله والثناء مقدم على الدعاء لأنه فتح باب الدعاء.
ثم يقول: اللهم أهدنا فيمن هديت...الخ, لما ورد من حديث الحسن بن علي قال { علمني النبي - صلى الله عليه وسلم - كلمات أقولهن في قنوت الوتر, اللهم أهدني فيمن هديت, وعافني فيمن عافيت, وتولني فيمن توليت, وبارك لي فيما أعطيت, وقني شر ما قضيت, إنك تقضي ولا يقضى عليك, إنه لا يذل من واليت, ولا يعز من عاديت, تباركت ربنا وتعاليت } (2).
__________
(1) رواه البيهقي وصححه في الإرواء.
(2) رواه أبو داود والطبراني وليس في روايتهما " تباركت ربنا وتعاليت " ورواه البيهقي وأثبتها فيه من طريق أبي الحوراء عن الحسن بن علي وفي آخره " ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت " ورواه الترمذي والنسائي وغيرهم.(3/68)
ويقول كذلك { اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك, وبعفوك من عقوبتك, وبك منك لا نحصي ثناءً عليك, أنت كما أثنيت على نفسك } (1), { اللهم صلِ على محمد وعلى آل محمد } (2), ولا بأس من الزيادة على ذلك, لأن المقام مقام دعاء, وكذلك لو فرض أن الإنسان لا يستطيع أن يدعو بهذا الدعاء لعدم حفظه إياه فله أن يدعو بما شاء مراعياً في ذلك آداب الدعاء.
2- أن يكون القنوت في الوتر " أي في الفرائض " بسبب نازلة كما تقدم مشروعية ذلك عند وجود النازلة, فهذا لا يدعو بدعاء القنوت الذي علمه الرسول - صلى الله عليه وسلم - الحسن, ولا يدعو بقوله { اللهم أهدنا فيمن هديت... } , بل يقنت بدعاء مناسب للنازلة التي نزلت, فلم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبداً لا في حديث صحيح ولا ضعيف أنه يدعو بمثل هذه الأدعية في قنوت النوازل, إنما كان يدعو بالدعاء المناسب لتلك النازلة, فمرة { دعا - صلى الله عليه وسلم - لقوم من المستضعفين أن ينجيهم الله, فقام حتى قدموا(3) } حيث قدموا في صبيحة يوم العيد, فيكون مدة قنوته لهم خمسة عشر يوماً.
__________
(1) رواه الخمسة من حديث علي رضي الله عنه حتى قوله " كما أثنيت على نفسك ".
(2) لحديث الحسن السابق, ولما روى الترمذي عن عمر " الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك ".
(3) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.(3/69)
{ وقنت على قوم دعا عليهم على رعل وذكوان وعصيّة شهراً كاملاً } (1), فقيل إنهم قدموا مسلمين تائبين فأمسك, ودعا على قوم معينين باللعنة فقال(اللهم العن فلاناً وفلاناً حتى نزل قوله تعالى { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ } (2)(3), فأمسك فصار دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقنوت دعاءً مناسباً وعلى قدر الحاجة ولم يستمر.
س97: إذا انتهى من الدعاء في القنوت وكذا في الدعاء خارج الصلاة هل يمسح وجهه بيده أم لا؟
__________
(1) كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق.
(2) آل عمران: من الآية128)
(3) كما في حديث أبي هريرة السابق.(3/70)
ج/ الأقرب أن ذلك لا يسن, لأن الأحاديث الواردة في ذلك كحديث عمر - رضي الله عنه - ضعيفة, وحديث عمر - رضي الله عنه - هو { كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه } (1), ولا يمكن أن نثبت سنة بحديث ضعيف, وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, قال شيخ الإسلام في الفتاوى(2): (وأما مسح وجهه بيديه فليس عندي فيه إلا حديث أو حديثان لا تقوم بهما حجة), وقد وردت أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما تثبت { أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو ويرفع يديه } (3) ولا يمسح بهما وجهه, ومثل هذه السنة التي ترد كثيراً وتتوافر الدواعي على نقلها إذا لم تكن معلومة في المؤلفات المعتبرة كالصحيحين دل ذلك على أنه لا أصل لها, وعلى هذا فالأفضل أن لا يمسح, ولكن لا تنكر على من يمسح اعتماداً على تحسين الأحاديث الواردة في ذلك, لأن هذا مما يختلف فيه الناس, ذكر ذلك الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى(4), وقد سئل الإمام مالك: (عن الرجل يمسح بكفيه وجهه عند الدعاء فأنكر ذلك وقال وقال: ما علمت)(5), وقال المرزوي أيضاً: ( وأما أحمد بن حنبل فحدثني أبو داود وقال: سمعت أحمد وسئل عن الرجل يمسح وجهه بيديه إذا فرغ من الوتر فقال: لم أسمع فيه بشيء, ورأيت أحمد لا يفعله).
النوع الثاني من صلاة التطوع: السنن الرواتب, وهو المرتبة الخامسة في الأفضلية, لأن ترتيب صلوات التطوع على الصحيح على النحو الآتي:
__________
(1) رواه الترمذي وهو ضعيف لأن مداره على حماد بن عيسى الجهني وهو ضعيف لا يحتج به وقد ضعف الحديث العراقي والنووي وابن الجوزي وقال يحيى بن معين وأبو زرعة " حديث منكر " , وزاد أبو زرعة: أخاف أن لا يكون له أصل.
(2) الفتاوى22/519.
(3) كحديث أنس في استسقائه في خطبة الجمعة كما ورد عند البخاري ومسلم.
(4) الممتع5/55,56.
(5) كتاب الوتر للمرزوي صـ 236.(3/71)
1- الكسوف وسيأتي بيان أحكامه في باب صلاة الكسوف.
2- الوتر على الصحيح, وقد تقدم بيان أحكامه.
3- الاستسقاء وسيأتي بيان ذلك في باب الاستسقاء.
4- التراويح وسيأتي بيان أحكامه في هذا الباب, وقد أُخرت مباحثة تبعاً لترتيب عبارة المصنف رحمه الله.
5- السنن الرواتب.
س98: ما أفضل السنن الرواتب؟
ج/هما ركعتا الفجر, لحديث عائشة رضي الله عنها قالت { لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - على شيء من أشد تعاهداً منه على ركعتي الفجر(1) } , ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها(2) } , الدنيا منذ خلقت إلى قيام الساعة بكل ما فيها من الزخارف من الذهب والفضة والمتاع والقصور وغير ذلك, الله أكبر هاتان الركعتان خير من الدنيا وما فيها, لأن هاتين الركعتين باقيتان والدنيا زائلة, ولذلك ورد في حديث عائشة رضي الله عنها { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يدعمهما حضراً ولا سفراً } , قال ابن القيم رحمه الله: (ولذلك لم يدعهما " أي سنة الفجر" هي والوتر سفراً وحضراً, وكان في السفر يواظب على سنة الفجر والوتر أشد من جميع النوافل دون سائر السنن, ولم ينقل عنه في السفر أنه صلى سنة راتبة غيرهما)(3).
س99: بم تختص ركعتا الفجر؟
ج/ تختص ركعتا الفجر بأمور:
1. أنه يسن تخفيفهما, فيخففهما المصلي بقدر ما يستطيع, لكن بشرط ألا يخل بالواجب, وهو رأي الجمهور لصراحة الأحاديث بالتخفيف, ومن ذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت(كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخفف الركعتين قبل صلاة الصبح حتى إني لأقول هل قرأ فيهما بأم القرآن } (4) تعمي من شدة تخفيفه إياهما, والمراد من ذلك التخفيف النسبي لا النقر المنهي عنه.
__________
(1) متفق عليه.
(2) رواه مسلم.
(3) زاد المعاد صـ 5.
(4) متفق عليه.(3/72)
2. أن يقرأ فيهما بالركعة الأولى بـ { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } , وفي الثانية بـ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } , لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - { أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في ركعتي الفجر { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } , وفي الثانية بـ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } )(1).
قال ابن القيم رحمه الله في الهدي: (وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: ...ولذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي سنة الفجر والوتر بسورتي الإخلاص, وهما الجامعتان لتوحيد العلم والعمل, وتوحيد المعرفة والإرادة, وتوحيد الاعتقاد والعقيدة) أ.هـ(2) .
أو يقرأ في الركعة الأولى بـ { قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ(3) } وفي الثانية { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاء } (4), ويدل لذلك حديث ابن عباس - رضي الله عنه - قال(كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في ركعتي الفجر { قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا } , والتي في سورة آل عمران { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاء } )(5)
3- الاضطجاع بعدهما, أي بعد سنة الفجر وأداء الفجر, وهل هذه سنة أم لا؟ على خلاف في ذلك, والراجح في ذلك: اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو التفصيل, وهو أن الاضطجاع سنة لمن يقوم الليل, لأنه يحتاج إلى أن يستريح, ولكن إذا كان الإنسان لو اضطجع يعلم من نفسه أنه لا يقوم إلا بعد مدة طويلة فإنه لا يسن له هذا , لأن هذا يفضي إلى ترك واجب و أما من لم يحتج إلى ذلك فإنه لا يشرع له الاضطجاع.
__________
(1) رواه مسلم.
(2) الهدي1/316.
(3) البقرة: من الآية136)
(4) آل عمران: من الآية64)
(5) رواه مسلم.(3/73)
أما ما ورد من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع بعدهما } (1) فهذا الحديث ضعيف, قال ابن القيم رحمه الله: (وسمعت ابن تيمية يقول: هذا باطل وليس بصحيح, وإنما الصحيح عنه " أي النبي - صلى الله عليه وسلم - " الفعل لا الأمر بها, والأمر تفرد به عبد الواحد بن زياد وغلط فيه) أ.هـ(2).
س100: ما الذي يلي سنة الفجر في الأفضلية؟
ج/ يليها ركعتا المغرب, ثم بقية الرواتب على السواء.
س101: بم تختص ركعتا المغرب؟
ج/ تختص ركعتا المغرب بأمور:
1. ذكر بعض العلماء أن من خصائصها ألا يفصل بينهما وبين صلاة المغرب بكلام, واستدلوا على ذلك بحديث مكحول أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { من صلى ركعتين بعد المغرب قبل أن يتكلم رفعت صلاته بأعلى عليين } , ولكن هذا فيه نظر لضعف هذا الحديث.
2. أنها تفعل في البيوت, بدليل حديث كعب بن عجرة - رضي الله عنه - أن النبي قال { هذه صلاة البيوت } (3), وهو ضعيف لأن فيه إسحاق بن كعب وهو مجهول, لكن يعضده حديث رافع بن خديج أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم } (4), ومما يدل على ذلك دخولها في عموم حديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { صلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة(5) } .
__________
(1) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم قال الترمذي " حسن صحيح غريب" وصححه ابن خزيمه وابن حبان.
(2) زاد المعاد 1/319.
(3) رواه النسائي وأبو داود وفيه إسحاق بن كعب وهو مجهول.
(4) رواه بن ماجه.
(5) متفق عليه.(3/74)
3. قراءة سورة الكافرون في الأولى والإخلاص في الثانية, لحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال(ما أحصي ما سمعت من رسول اله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الركعتين بعد المغرب, وفي الركعتين قبل الفجر بـ { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } , و { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } )(1).
س102: كم عدد السنن الرواتب؟
ج/ على خلاف, والراجح أنها اثنتا عشرة ركعة وهي: أربع ركعات قبل الظهر وركعتان بعدها, وركعتان بعد المغرب, وركعتان بعد العشاء, وركعتان قبل الفجر, والخلاف في السنة التي قبل الظهر هل هي أربع ركعات أم ركعتان, والراجح أنها أربع ركعات, وعلى هذا تكون السنن الرواتب اثنتا عشرة ركعة كما تقدم, بدليل حديث أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول { من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بني له بهن بيت في الجنة(2) } , وفي رواية زيادة { أربعاً قبل الظهر وركعتين بعدها, وركعتين بعد المغرب, وركعتين بعد العشاء, وركعتين قبل صلاة الفجر } (3).
س103: من فاته شيء من الوتر والسنن الرواتب هل يسن له قضاؤه أم لا؟
ج/ أما الوتر فيسبق أن يقضيه في الضحى شفعاً(4).
__________
(1) رواه الترمذي وقال حديث غريب.
(2) رواه مسلم.
(3) رواه الترمذي وقال " حسن صحيح ".
(4) تقدم في صـ 49.(3/75)
وكذلك بالنسبة للسنن الرواتب يقضيها إذا فاتت, لما ثبت من حديث أبي هريرة وأبي قتادة رضي الله عنهما في قصة { نوم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في السفر عن صلاة الفجر, حيث صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - راتبة الفجر أولاً ثم الفريضة ثانياً(1) } , ولحديث أم سلمة { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شغل عن الركعتين بعد صلاة الظهر وقضاهما بعد صلاة العصر(2) } , ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { من لم يصل ركعتي الفجر فليصلهما بعدما تطلع الشمس } (3).
ومما يجب أن يعلم أن الذي يقضي الوتر والسنن الرواتب إذا فاتت هو من تركها لعذر كالنسيان والنوم والانشغال بما هو أهم ونحو ذلك من الأعذار, أما إذا تركها عمداً حتى فات وقتها أو تساهل في أدائها في وقتها فإنه لا يقضيها, ولو قضائها لم تصح منه راتبة, وذلك لأن الرواتب عبادات مؤقتة, والعبادات المؤقتة إذا تعمد الإنسان إخراجها عن وقتها لم تقبل منه.
ودليل ذلك حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد(4) } , والعبادات المؤقتة(5) إذا أخرها الإنسان عن وقتها عمداً فقد عملها عملاً ليس عليه أمر الله ولا أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - , لأن أمر الله ورسوله أن تصليها في هذا الوقت فلا تكون مقبولة, وأيضا فكما أنها لا تصح قبل الوقت فلا تصح كذلك بعده, لعدم وجود الفرق الصحيح بين أن تفعل قبل دخول وقتها أو بعد خروج وقتها إذا كان لغير عذر.
س104: هل تقضى السنن الرواتب في أوقات النهي أم لا؟ مثال ذلك: من فا تته سنة الظهر البعدية مثلاً هل يقضيها بعد العصر أم لا؟
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه مسلم.
(3) رواه الترمذي وابن خزيمه وصححه.
(4) رواه البخاري ومسلم.
(5) سيأتي بيان وقت السنن الرواتب وتقدم بيان وقت الوتر.(3/76)
ج/ الراجح في ذلك مذهب الجمهور وأنها لا تقضى في وقت النهي, لعموم أدلة النهي ومنها حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - مرفوعاً { لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس(1) } , وغير ذلك من أدلة النهي عن الصلاة في أوقات النهي.
ومن الأدلة التي تنص على ذلك حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - { انقضيها يا رسول الله إذا فاتتا؟ " أي سنة الظهر بعد العصر " فقال لا } (2).
لكن يستثنى سنة الفجر فلا بأس بقضائها بعد صلاة الفجر مع أنه من أوقات النهي, لحديث قيس بن عمرو- رضي الله عنه - قال رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يصلي بعد صلاة الصبح ركعتين فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { صلاة الصبح ركعتان, فقال الرجل إني لم أكن صليت الركعتين اللتين قبلهما فصليتهما الآن, فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - } (3).
س105: هل الأفضل فعل النوافل في المسجد لمن كان من أهل الجماعة أم الأفضل في البيت؟
ج/ السنة أن تكون التطوعات في البيت, وخاصة المتأكد من ذلك كسنة الفجر والمغرب حتى لو كان الإنسان في الحرم فالسنة له أن يتنفل في البيت, لما روى زيد بن ثابت - رضي الله عنه - أن النبي قال { صلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة } (4), ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً } (5).
ولكن يستثنى من ذلك ما يلي:
1- ما تشرع له الجماعة لمن كان من أهل الجماعة, كصلاة الفريضة.
2- النوافل التي تشرع لها الجماعة كالكسوف والاستسقاء والتراويح.
__________
(1) متفق عليه.
(2) رواه أحمد وجوّده الشيخ ابن باز رحمه الله كما في تعليقه على الفتح.
(3) رواه أبو داود والترمذي وابن خزيمة وحسنه العراقي كما في نيل الأوطار3/25.
(4) متفق عليه.
(5) متفق عليه.(3/77)
س106: هل من السنة أن يفصل بين الفرض وسنته بقيام أو كلام أم لا؟
ج/ لا يخلو الأمر من حالتين:
1. أن يكون المصلي إماماً, فالفقهاء قالوا يكره أن يتطوع في موضع المكتوبة, واستدلوا على ذلك بحديث المغيرة بن شعبة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { لا يصلي الإمام في مقامه الذي صلى فيه المكتوبة حتى يتنحى عنه } (1).
وحديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { أيعجز أحدكم إذا صلى أن يتقدم أو يتأخر أو عن يمينه أو عن شماله } (2), والعلة في الكراهة من ذلك قالوا خشية ان يشوش على المأمومين, ولذلك قالوا يكره إلا لحاجة.
2. أن يكون مأموماً فهنا لا يكره أن يتطوع في موضع الفريضة, ومع ذلك قالوا الأولى أن يتنحى وأن يصلي في غير مكانه, لقول معاوية - رضي الله عنه - { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرنا بذلك أن لا نوصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج } (3) قوله (نتكلم) يقوم مقام ذلك التسبيح.
وكان ابن عمر - رضي الله عنه - يكره أن يتطوع في المكان الذي صلى فيه الفريضة(4).
النوع الثالث من أنواع التطوعات: صلاة التراويح, وصلاة التراويح في المرتبة الرابعة من حيث الأفضلية على الصحيح كما تقد بيان ذلك.
س107: ما تعريف التراويح؟
ج/ التراويح: جمع ترويحة, وهي في الأصل اسم للجلسة مطلقاً.
اصطلاحاً: قيام الليل جماعة في ليالي رمضان.
س108: لمَ سميت بذلك؟
ج/سميت بذلك لأن من عادتهم " أي الصحابة " إذا وصلوا أربع ركعات جلسوا قليلاً ليستريحوا, بناءً على حديث عائشة رضي الله عنها { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثاً } (5).
س109: ما حكم صلاة التراويح؟
__________
(1) رواه ابن ماجه ولكن في سنده انقطاع.
(2) رواه ابن ماجه وضعفه البخاري.
(3) رواه مسلم.
(4) رواه البخاري.
(5) رواه البخاري ومسلم.(3/78)
ج/ حكمها سنة مؤكدة, لحديث عائشة رضي الله عنها { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاها ليالي فصلوها معه, ثم تأخر وصلى في بيته باقي الشهر وقال: إني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها } (1), ولأن عمر - رضي الله عنه - جمع الناس على أبي بن كعب فصلى بهم التراويح(2), ولما ورد في حديث أبي ذر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة(3) } .
س110: كم عدد ركعات التراويح؟
ج/ على خلاف, والراجح في ذلك أن يقال أن عددها إحدى عشرة ركعة, لحديث عائشة رضي الله عنها { أنها سُئلت كيف كانت صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان؟ فقالت: ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة(4) } , يصليها شفعاً ثم يوتر بواحدة, والوتر كما قال ابن القيم رحمه الله: (هو الواحدة ليس الركعات التي قبله)(5).
وإن صلاها ثلاثة عشرة ركعة فلا بأس, لقول ابن عباس رضي الله عنهما { كانت صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة عشر ركعة } (6) يعني من الليل, وهنا يصلي شفعاً ركعتين ركعتين عشر ركعات, ثم يختم بالوتر ثلاث ركعات, وهذا الخلاف للتنوع.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه البخاري.
(3) رواه أبو داود وأحمد والترمذي وغيرهم وصححه الترمذي.
(4) رواه البخاري ومسلم.
(5) زاد المعاد1/329.
(6) رواه البخاري.(3/79)
فبناءً على هذا يقال السنة أن يطيل القيام والقراءة والسجود ويقتصر على إحدى عشرة ركعة, وأحياناً ثلاثة عشرة ركعة, والإحدى عشرة هي الثابتة عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كما في الموطأ بإسناد من أصح الأسانيد { فإن عمر - رضي الله عنه - أمر تميماً الداري وأُبي بن كعب أن يقوما بالناس بإحدى عشرة ركعة } (1), وإن زاد على ذلك فلا بأس, لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما سأله الأعرابي عن صلاة الليل قال { مثنى مثنى } (2) والأعرابي يجهل الكيفية, وكونه يجهل كيفية الصلاة فمن باب أولى أنه كان يجهل العدد ومع ذلك لم يحدد له النبي - صلى الله عليه وسلم - عدداً, وإنما قال له { مثنى مثنى } .
وخاصة أنه ورد عن بعض السلف الزيادة على الإحدى عشرة والإثنا عشرة, فقد روى السائب بن يزيد قال: (كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في شهر رمضان بعشرين ركعة)(3), وقد روى عبدالعزيز بن رفيع قال: (كان أبي يصلي بالناس في رمضان عشرين ركعة ويوتر بثلاث)(4). وعن عطاء بن أبي رباح قال: (أدركت الناس يصلون في رمضان عشرين ركعة, ويوترون بثلاث)(5).
__________
(1) رواه مالك في الموطأ والبيهقي في سننه.
(2) متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(3) أخرجه عبدالرزاق والفريابي والبيهقي والمروزي وعند عبدالرزاق بلفظ إحدى وعشرين وإسناده صحيح.
(4) أخرجه ابن أبي شيبة وهو منقطع كما في التحفة.
(5) أخرجه المروزي وابن أبي شيبة.(3/80)
وفعله من السلف كما في المصادر السابقة: الأعمش وسعيد بن جبير, وأبو مجلز, وابن أبي مليكة, وأبو البختري وغيرهم, وهذا واضح في عدم التحديد, وبناءً على هذا يقال الأفضل أن يقتصر على إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة ولو زاد فلا بأس, أما أن تكون الزيادة سبباً في النزاع والشقاق, وربما الرمي بالبدعة فهذا خطأ, قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: (ومما يجب أن يعلم أن الخلاف في عدد ركعات التراويح ونحوها مما يسوغ فيه الاجتهاد ولا ينبغي أن يكون مثاراً للخلاف والشقاق بين الأمة, خصوصاً أن السلف اختلفوا في ذلك, وليس في المسألة دليل يمنع جريان الاجتهاد فيها, وما أحسن ما قاله أحد أهل العلم لشخص خالفه في الاجتهاد في أمر سائغ: إنك بمخالفتك إياي قد وافقتني فكلانا يرى وجوب إتباع ما يرى أنه الحق حيث يسوغ الاجتهاد)(1).
س111: ما هو وقت صلاة التراويح؟
ج/ الأقرب في ذلك أن وقت التراويح من فعل العشاء مطلقاً سواء صليت في وقتها أو في وقت المغرب مجموعة مع صلاة المغرب جمع تقديم إلى طلوع الفجر. أما دليل ابتداء وقتها من العشاء, فلحديث عائشة رضي الله عنها قالت { كان الناس يصلون في المسجد في رمضان بالليل...قالت: فأمرني أن أنصب إليه حصيراً على باب حجرتي, فخرج إليه بعد أن صلى العشاء الآخرة فاجتمع إليه من المسجد فصلى بهم } (2), وهذا عام سواء صليت في وقتها أو وقت المغرب.
وأما الدليل على امتداد وقت التراويح في الفجر: فلحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال { صلاة الليل مثنى مثنى, فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة(3) } .
س112: ما هو وقت الاستحباب بالنسبة لصلاة التراويح؟
__________
(1) مجموع الفتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين 14/189 جمع وإعداد فهد السليمان.
(2) رواه أحمد وأبو داود وسكت عنه.
(3) متفق عليه.(3/81)
ج/ الأقرب في ذلك أن الأفضل أن تكون في آخر الليل إذ هو وقت نزول الرب عز وجل, وقوله سبحانه وتعالى: هل من سائل؟ هل من مستغفر؟ هل من تائب؟ لكن بما أن الجماعة تشرع لصلاة التراويح فيراعى أحوال المأمومين, فإن شق آخره فُعلت أوله, أما العشر الأواخر فيستحب إحياؤها بالعبادة, لحديث عائشة رضي الله عنها قالت { كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا الليل كله وأيقظ أهله وجد وشد المئزر } (1)فينبغي مد العبادة في العشر الأواخر إلى آخر الليل, أو القيام آخره.
س113: إذا صلى الإنسان مع الإمام التراويح وأحب أن يكون وتره آخر الليل فهل يشفع صلاته بركعة أم لا؟ وهل هذا يعارض قول النبي - صلى الله عليه وسلم - { من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليله(2) } أم لا؟
ج/ يقال لا بأس بذلك, فيصلي مع الإمام الوتر فإذا سلّم الإمام شفعه المأموم بركعة, ثم إذا قام المأموم في لآخر الليل للتهجد أوتر آخر الليل, فيحصل له بهذا العمل متابعة الإمام حتى ينصرف, ويحصل له أيضاً أن يجعل آخر الليل وتراً, وليس في هذا الفعل مخالفة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - { إنما جعل الإمام ليؤتم به..(3) } , لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأهل مكة عام الفتح { صلوا أربعاً فإنا قوم سفر(4) } مع أنه كان - صلى الله عليه وسلم - يصلي ركعتين, فكانوا ينوون الأربع وهو ينوي ركعتين, فإذا سلّم من الركعتين قاموا فأكملوا, وهذا الذي دخل مع إمامه في الوتر لم ينوِ الوتر وإنما نوى الشفع, فإذا سلّم إمامه قام فأتى بالركعة, وهذا قياس واضح لا إشكال فيه.
__________
(1) متفق عليه.
(2) أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي وصححه ابن خزيمة وابن حبان.
(3) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4) أخرجه مالك وابن أبي شيبة والطيالسي وأبو داود والطحاوي والبيهقي بنحوه.(3/82)
س114: أيهما أفضل صلاة الليل أم صلاة النهار؟
ج/ يقال بأن صلاة التطوع على نوعين:
1- مقيد. 2- مطلق.
أما المقيد فهو أفضل في الوقت أو الحال الذي قيد به, فصلاة تحية المسجد في النهار أفضل من التطوع المطلق في الليل, لأنها مقيدة, وكذا صلاة تحية المسجد في الليل أفضل من التطوع المطلق في النهار, وهكذا.
وأما المطلق فهنا صلاة الليل أفضل من صلاة النهار, لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { أفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل(1) } , ولقول الله تعالى { وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً(2) } وقوله تعالى { كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ(3) } , وقوله تعالى { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً(4) } , ولحديث جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول { إن في الليل ساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله تعالى خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا اعطاه الله إياه } , ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت { كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوم حتى تتفطر قدماه } (5), وعن ابن عمر - رضي الله عنه - مرفوعاً { نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل } قال سالم: (فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً)(6), والأدلة على فضل صلاة الليل كثيرة, ولأنها كذلك أبلغ في الإسرار وأقرب إلى الإخلاص.
س115: ما هو أفضل وقت للصلاة في الليل؟
__________
(1) رواه مسلم وغيره.
(2) الفرقان:64)
(3) السجدة: من الآية16)
(5) رواه مسلم.
(6) متفق عليه.(3/83)
ج/ أفضله النصف الأخير, وأفضل وقت في هذا النصف أيضا هو ثلث الليل, لأن الليل ينقسم إلى ستة أسداس, النصف الأول فيه السدس الأول, والثاني, والثالث, والنصف الثاني فيه السدس الرابع, والخامس, والسادس ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت { م ألفاه السحر " أي النبي - صلى الله عليه وسلم - " عندي إلا نائماً } (1), ولحديث عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { أفضل الصلاة, صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه } (2).
طريقة الحساب هي: يكون الحساب من غروب الشمس إلى أذان الفجر, فلو افترضنا أن الشمس تغرب الساعة السادسة والفجر يؤذن الساعة السادسة يكون المجموع اثنا عشر ساعة, فنصف الليل يكون من الساعة الثانية عشر فما بعد, والنصف الثاني ينقسم إلى ثلاثة أقسام فالأول والثاني منه هما السدس الرابع والخامس الذي يستحب قيامه, وبناء على هذا التقدير هنا يكون القيام المستحب من الساعة الثانية عشر حتى الساعة الرابعة ثم ينام إلى أذان الفجر(3).
س116: ما هو التهجد؟
ج/ التهجد هو ما كان بعد النوم, لقول عائشة رضي الله عنها { الناشئة القيام بعد النوم } . وقال الإمام أحمد: (الناشئة لا تكون إلا بعد رقدة, ومن لم يرقد فلا ناشئة له, وقال: هي أشد وطئاً أي: تثبيتاً تفهم ما تقرأ وتعي أذنك).
س117: ما هي سنن قيام الليل؟
ج/ سنن قيام الليل هي:
1- أن يشوص فاه بالسواك, لحديث حذيفة - رضي الله عنه - قال: { كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك(4) } .
__________
(1) رواه البخاري.
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) علماً بأن الوقت يختلف باختلاف الصيف والشتاء وباختلاف المناطق أيضاً وما ذكرناه مجرد مثال.
(4) رواه البخاري ومسلم.(3/84)
2- أن يقول الأذكار الواردة عند الاستيقاظ من النوم, ومن ذلك ما ثبت في حديث حذيفة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن ينام قال { باسمك اللهم أموت وأحيا, وإذا استيقظ من منامه قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور(1) } .
ومن ذلك حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال { من تعار من الليل فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, الحمد لله, وسبحان الله, ولا إله إلا الله, والله أكبر, ولا حول ولا قوة إلا بالله, ثم قال: اللهم اغفر لي أو دعا استجيب له, فإن توضأ قبلت صلاته } (2), ومن ذلك حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - { الحمد لله الذي رد عليَّ روحي وعافاني في جسدي(3) } .
3- أن يمسح النوم عن وجهه وينظر إلى السماء ويقرأ الآيات العشر من سورة آل عمران, كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال { بت عند خالتي ميمونة, وهي خالته, قال فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهله في طولها, فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى انتصف الليل, أو قبله أو بعده بقليل, استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران, ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه, ثم قام فصلى ...الحديث } (4).
4- أن يغسل يديه ثلاثاً كما ورد في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر, ومن استجمر فليوتر, وإذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يديه في الإناء حتى يغسلهما فإنه لا يدري أين باتت يده } (5).
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه البخاري.
(3) رواه الترمذي مرفوعاً وإسناده حسن.
(4) رواه البخاري ومسلم.
(5) رواه البخاري ومسلم.(3/85)
5- أن يستنشق الماء منخريه ثلاثاً, لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - السابق.
6- أن يستفتح صلاته بركعتين خفيفتين, لما ورد في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { إذا قام أحدكم من الليل فافتتح صلاته بركعتين خفيفتين } (1).
7- أن يأتي بالاستفتاحات الواردة في صلاة الليل ومنها:
* ما ورد في حديث علي في صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قام إلى الصلاة قال { وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين, إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين, اللهم أنت المالك لا إله إلا أنت, وأهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت, واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت, لبيك وسعديك والخير كله بيديك والشر ليس إليك, أنا بك وإليك تباركت وتعاليت, أستغفرك وأتوب إليك } (2).
* ما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان " أي النبي - صلى الله عليه وسلم - " إذا قام من الليل افتتح صلاته { اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل, فاطر السموات والأرض, عالم الغيب والشهادة, أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون, أهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك, إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم(3) } .
* حديث ابن عباس - رضي الله عنه - { اللهم لق الحمد أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن, ولك الحمد ملك السموات والأرض ومن فيهن, ولك الحمد أنت نور السموات والأرض, ولك الحمد أنت مَلك السموات والأرض, ولك الحمد أنت الحق, ووعدك الحق, اللهم لك أسلمت, وبك آمنت, وعليك توكلت, وإليك أنبت, وبك خاصمت, وإليك حاكمت, فاغفر لي ما قدمت وما أخرت, وما أسررت وما أعلنت, وأنت المقدم وأنت المؤخر, لا إله إلا أنت(أو)* ولا إله غيرك } (4).
__________
(1) رواه مسلم.
(2) رواه مسلم.
(3) رواه مسلم.
(4) رواه البخاري ومسلم.* أي أن المصلي مخيّر بين اللفظين.(3/86)
* ومنها حديث حذيفة - رضي الله عنه - أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل فكان يقول: (الله أكبر كبيراً, والحمد لله, كثيراً, وسبحان الله بكرة وأصيلاً) وفيه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { عجبت لها فتحت لها أبواب السماء(1) } .
* ومنها ما رواه عاصم بن حميد قال: سالت عائشة رضي الله عنها بأي شيء كان يفتتح رسول الله قيام الليل؟ فقالت { كان إذا كبر كبر عشراً وحمد الله عشراً, ويسبح الله عشراً, وهلل عشراً, واستغفر عشراً, وقال { اللهم اغفر لي, وأهدني وارزقني, ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة } (2).
8- أن ينوي قيام الليل عند نومه, لحديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { من نام ونيته أن يقوم كتب له ما نوى وكان نومه صدقه عليه } (3).
س118: هل يجوز التطوع بركعة فيما عدا الوتر؟
ج/ على خلاف والراجح أن التطوع بركعة غير مشروع سوى الوتر كما تقدم أن من صفات الوتر بركعة, ويدل لذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما { صلاة الليل مثنى مثنى(4) } , وأما زيادة { والنهار } (5) فهي مختلف فيها, والصحيح أنها ثابتة كما صحح ذلك البخاري رحمه الله(6), وعلى هذا يكون الأقرب أن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى, وبناءً على هذا فالتطوع بركعة لا يشرع كما تقدم إلا في الوتر, فمن صفات الوتر بركعة كما تقدم بيان ذلك(7).
س119: هل للمصلي أن يزيد على ركعتين في النهار سرداً؟
__________
(1) رواه مسلم.
(2) رواه أحمد وأبو داود واللفظ له والنسائي وابن ماجه وصححه الألباني في صفة الصلاة.
(3) رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني والحاكم.
(4) سبق تخريجه.
(5) رواها الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم, قال الترمذي: أختلف أصحاب شعبة فيه فرفعه بعضهم, ووقفه بعضهم, وضعفه شيخ الإسلام في الفتاوى.
(6) رواه عنه البيهقي في سننه.
(7) ينظر صـ 64.(3/87)
ج/ ذكر بعض العلماء أنه لا بأس أن يتطوع بالنهار بأربع سرداً, واستدلوا على ذلك بحديث أبي أيوب - رضي الله عنه - { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي قبل الظهر أربعاً لا يفصل بينهن بتسليم } (1).
لكن هذا الحديث ضعيف, لكن بعض العلماء صحح هذا الحديث, ومن صححه فلا حرج عليه أن يسرد أربعاً في النفل نهاراً, ويكون هذا الحديث مستثنى من حديث ابن عمر السابق { صلاة الليل والنهار مثني مثني } .
س120: ما حكم الصلاة جالساً في النفل؟
ج/ يقال إذا صلى الإنسان جالساً في النفل فلا يخلو من أمرين:
1. أن يصلي جالساً لغير عذر فصلاته صحيحه, لكن على النصف من أجر صلاة القائم, بدليل حديث عمران بن الحصين - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { من صلى قائماً فهو أفضل ومن صلى قاعداً فله أجر نصف القائم(2) } .
2. أن يصلي جالساً لعذر, فهذا يكتب له الأجر كاملاً, لحديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمله صحيحاً مقيماً } (3).
لكن هذا في حق من كان معتاداً أن يصلي النافلة في حال قدرته قائماً, أما من كان حتى في حال صحته يعتاد صلاة النفل قاعداً فإنه لا يكتب له الأجر كاملاً قال شيخ الإسلام رحمه الله: (ومن كانت عادته الصلاة في جماعة والصلاة قائماً ثم ترك ذلك لمرض أو سفر فإنه يكتب له ما كان يعمل وهو صحيح مقيم...,اما من لم تكن عادته الصلاة في جماعة, ولا الصلاة قائماً إذا مرض أو سافر فصلى قاعداً أو وحده فهذا لا يكتب له مثل صلاة الصحيح المقيم)(4).
__________
(1) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة والطحاوي في الشرح وفي إسناده عبيده بن متعب الضبي قال أبو داود: ضعيف, وذكر أن ابن خزيمة أن إسناده لا يحتج بمثله.
(2) متفق عليه.
(3) رواه البخاري.
(4) الاختيارات صـ 65.(3/88)
فائدة: كون الإنسان يكتب له أجر عمل النوافل في سفره, أو حال مرضه مع أنه لا يؤديهما " لكن بشرط أن يكون مواظباً عليها في حال الحضر" هذه من نعم الله تعالى التي تستوجب على العاقل أن يكثر من النوافل ما دام في حال الإقامة والصحة, لأن جميع النوافل التي يعملها في حال إقامته أو في حال صحته تكتب له في حال سفره ومرضه, إنه لا يفرط في هذا إلا محرم نسأل الله ألا يحرمنا فضله.
س121: هل يجوز صلاة النافلة مضطجعاً مع قدرته على القيام أو القعود؟
ج/ يقال نعم يجوز ذلك, لحديث عمران بن الحصين مرفوعاً وفيه { ومن صلى نائماً فله نصف أجر القاعد } (1), لكن أجره على النصف من أجر القاعد فيكون على الربع من أجر صلاة القائم.
س122: إذا صلى جالساً في النافلة أو في الفريضة إذا كان لعذر فكيف يكون جلوسه؟
ج/ في حال القيام يكون متربعاً, لحديث عائشة رضي الله عنها قالت { رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي متربعاً } (2).
والتربع: أن يجعل باطن قدمه اليمنى تحت الفخذ اليسرى وباطن اليسرى تحت اليمنى وأما في حال السجود فإنه يثني رجليه, والثني أن يرد ركبهما إلى القبلة.
وأما في حال الركوع فالأقرب أنه يكون على هيئة القيام " أي يكون متربعاً " قال ابن قدامه: (وهذا أصح في النظر, قال في الشرح: لأن هيئة الراكع في رجليه هيئة القائم, فينبغي أن يكون على هيئته)(3).
س123: في صلاة النافلة هل الأفضل كثرة الركعات أم الأفضل طول القيام ولو قلّت الركعات؟
ج/ على خلاف والراجح في ذلك أنهما سواء, فالقيام أفضل بذكره وهو القراءة, والسجود أفضل بهيئته, فهيئة السجود أفضل من هيئة القيام, وذكر القيام أفضل من ذكر السجود.
س124: ما حكم صلاة الضحى؟
__________
(1) رواه البخاري.
(2) رواه النسائي ورجاله ثقات.
(3) المغني 2/569, الشرح الكبير مع الانصاف4/201.(3/89)
ج/ ألراجح أنها مسنونة مطلقاً, لحديث أبي ذر - رضي الله عنه - مرفوعاً { يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة, فكل تسبيحة صدقة, وكل تحميدة صدقة, وكل تهليلة صدقة, وكل تكبيرة صدقة, وأمر بمعروف صدقة, ونهي عن منكر صدقة, ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى(1) } .
ولقول أبي هريرة - رضي الله عنه - { أوصاني خليلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثلاث: صيام ثلاث أيام من كل شهر, وركعتي الضحى, وأن أوتر قبل أن أنام(2) } , وأوصى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا الدرداء(3), وأوصى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا ذر(4).
س125: كم هو أقل عدد ركعات الضحى؟
ج/ ركعتان, لحديث أبي هريرة المتقدم { أوصاني ... وفي الحديث: وركعتي الضحى } , ولحديث جابر - رضي الله عنه - قال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب فقال { إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام فليصلِ ركعتين } (5), ولو شُرع أقل من ركعتين لأمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن المقام مقام تجوز ليستمع إلى الخطبة .
س126: ما أكثر عدد ركعات سنة الضحى؟
ج/ الراجح أنه لا حد لأكثرها, بدليل حديث عائشة رضي الله عنها قالت { كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي الضحى أربع ركعات ويزيد ما شاء الله } (6), وظاهر ذلك عدم التحديد.
س127: ما هو وقت صلاة الضحى؟
ج/ وقتها ابتداءً من خروج وقت النهي " أي من ارتفاع الشمس قدر رمح " لحديث عمرو بن عبسة - رضي الله عنه - وفيه { ثم أقصر عن الصلاة حين تطلع الشمس حتى ترتفع...ثم صلِ فإن الصلاة حينئذ محضورة مشهودة حتى يستقل الظل بالرمح, ثم أقصر عن الصلاة فإنه حينئذ تسجر جهنم } (7), وبالدقائق المعروفة يكون بداية وقت صلاة الضحى بعد مضي خمس دقائق تقريباً من طلوع الشمس.
__________
(1) رواه مسلم.
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) رواه مسلم.
(4) رواه النسائي.
(5) رواه مسلم.
(6) رواه مسلم.
(7) رواه مسلم.(3/90)
أما نهاية وقت صلاة الضحى فهو إلى قبيل الزوال, أي قبل أذان الظهر بعشر دقائق تقريباً, لأن وقت الزوال وقت نهي عن الصلاة فيه, لحديث عقبة بن عامر { ثلاث ساعات نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نصلي فيهن, وأن نقبر فيهن موتانا, حين تخرج الشمس بازغة حتى ترتفع, وحين يقوم قائم الظهيرة, وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب(1) } .
س128: ما هو الوقت الأفضل بالنسبة لصلاة الضحى؟
ج/ أفضل وقت لصلاة الضحى إذا اشتد الحر لحديث زيد ابن أرقم - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { صلاة الأوابين حين ترمض الفصال(2) } , والفصال هي: ولد الناقة.
ومعنى ترمض: أي حين تبول الفصلان على اخفافها من شدة الحر.
س129: إذا فاتت سنة الضحى فهل تقضى أم لا؟
ج/ الضحى إذا فات محلها فاتت, لأن سنة الضحى مقيدة بهذا, لكن الرواتب لما كانت تابعة للمكتوبات صارت تقضى, وكذلك الوتر كما تقدم.
س130: ما حكم تحية المسجد؟
ج/ على خلاف والراجح أنها سنة كما هو رأي جمهور العلماء, والأدلة التي تصرف الحكم عن الوجوب إلى السنية كثير منها:
1- حديث أبي قتادة - رضي الله عنه - قال { إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين } (3), قالوا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل: قم يا أبا قتادة فصلِ ركعتين.
2- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدخل يوم الجمعة ويجلس على المنبر ولا يصلي ركعتين, ولو كانت تحية المسجد واجبة لصلاها قبل أن يشرع في الخطبة.
__________
(1) رواه مسلم.
(2) رواه مسلم.
(3) رواه الجماعة.(3/91)
3- حديث أبي واقد ألليثي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاث نفر, فأقبل اثنان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذهب واحد, قال: فوقفا على رسول الله فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها, وأما الآخر فجلس خلفهم, وأما الثالث فأدبر ذاهباً, فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال { ألا أخبركم عن النفر الثلاثة: أما أحدهم فأوى إلى الله تعالى فأواه الله إليه, وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه, وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه } (1), ولم يروَ أنهم صلوا تحية المسجد.
4- أن الإجماع منعقد على أن من عليه حدث أصغر له الدخول إلى المسجد, وله أن يجلس فيه مع أنه لن يستطيع الصلاة لعدم الطهارة ولا يأثم بذلك.
س131: إذا تكرر خروج الإنسان من المسجد هل تشرع كلما خروج ورجع أم لا؟
ج/ الراجح في ذلك التفصيل, فيقال إذا خرج وفي نيته الرجوع ولم يطل الفصل فإنها لا تشرع تحية المسجد, أما إذا خرج وهو لا ينوي الرجوع ثم عاد فإنه يعيد تحية المسجد حتى ولو لم يطل الفصل, وكذلك لو خرج بنية الرجوع ولكن طال الفصل فإنه يعيد تحية المسجد مرة أخرى.
س132: ما حكم سنة الوضوء؟
ج/ حكمها سنة بدليل حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال { يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة, فقال: ما عملت عملاً أرجى عندي إلا إني لم أتطهر طهوراً في ساعة من ليل أو نهار إلا وصليت بذلك الطهور ما كتب الله لي أن أصليه } (2).
س133: إذا توضأ إنسان في وقت النهي فهل يصلي سنة الوضوء أم لا؟
ج/ نعم يصلي سنة الوضوء, لقوله في الحديث السابق { لم أتطهر طهوراً في ساعة من ليل أو نهار } وهذا يشمل حتى وقت النهي, لأنها من ذوات الأسباب.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) متفق عليه.(3/92)
لكن بشرط ألا يكون توضأ في وقت النهي من أجل أن يصلي, فإذا توضأ في وقت النهي من أجل أن يصلي فلا يجوز له ذلك, لكن إذا توضأ من أجل أن يقرأ القرآن ونحو ذلك فله أن يصلي سنة الوضوء.
س134: ما حكم إحياء ما بين العشائين بالصلاة " أي ما بين المغرب والعشاء"؟
ج/ يستحب ذلك وهي من قبيل النفل المطلق لأنه تقدم(1) أن النفل المطلق أن صلاة الليل أفضل من صلاة النهار, فعلى هذا الصلاة بين العشائين أفضل من الصلاة بين الظهر والعصر, ودليل استحباب التنفل بين المغرب والعشاء حديث حذيفة - رضي الله عنه - قال { صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - المغرب فلما قضى صلاته قام فلم يزل يصلي حتى صلى العشاء ثم خرج(2) } .
س135: من السنن التي لم يذكرها المصنف صلاة الاستخارة فما حكمها؟
ج/ هي مشروعة, لحديث جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - { كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن يقول إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك, وأسألك من فضلك العظيم, فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب, اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري " أو قال وعاجل أمري وآجله " فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه, وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري " أو قال في عاجل آمري وآجله " فاصرفه عني واصرفني عنه, وأقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به ويسمي حاجته } (3).
س136: ما هي الأمور التي يستخار لها؟
__________
(1) ينظر صـ 81-82.
(2) رواه أحمد والترمذي.
(3) رواه البخاري.(3/93)
ج/ الأمور التي يستخار لها هي الأمور المباحة إذا حصل للإنسان تردد في الفعل وعدمه, كشراء العقار والسيارة والسفر المباح وعقد الشركة ونحو ذلك, أما الواجب والمستحب فلا يستخار في فعله بل يستخار فيما يتعلق به, فمثلاً الحج لا يستخير الإنسان هل يحج أم لا؟ , لأن الحج خير ولا شك, ولكن يستخير في الرفقة, وزمن السفر, ووسيلة الركوب, ونحو ذلك عند التردد, وكذا الزواج فلا يستخير في الزواج بذاته لأنه خير, ولكن يستخير في عين المرأة, كذلك المرأة تستخير في عين الرجل وفي زمن النكاح ونحو ذلك.
س137: إذا استخار وانشرح صدره لأحد الأمرين عقب صلاة الاستخارة فهل يقدم على ما أنشرح صدره عليه أم لا؟ وما العمل إذا بقي الإنسان متردداً؟
ج/ أجاب الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن ذلك قائلاً: (إذا استخار الإنسان ربه بشيء وانشرح صدره له فهذا دليل على أن هذا الأمر هو الذي اختاره الله تعالى, وأما إذا بقي متردداً فإنه يعيد الاستخارة مرة ثانية وثالثة, فإنه تبين له, وإلا استشار غيره بما هو عليه, ويكون ما قدره الله هو الخير إن شاء الله تعالى)(1).
س138: هل يستخير الإنسان في وقت النهي أم لا؟
ج/إذا كان السبب يفوت فلا بأس من الاستخارة في وقت النهي كما لو أراد الإنسان أن يشتري عقاراً وتردد واحتاج إلى الاستخارة في وقت النهي وإلا فات عليه البيع فإنه يستخير, أما إذا كان السبب لا يفوت فإنه ينتظر حتى يزول وقت النهي.
س139: إذا كانت المرأة حائضاً فكيف تستخير؟
ج/ يقال إذا كان السبب لا يفوت فإنها تنتظر حتى تطهر ثم تستخير, أما إذا كان السبب يفوت فإنها تستخير بالدعاء بدون صلاة.
س140: متى يكون دعاء الاستخارة هل يكون قبل السلام أم هو بعد السلام؟
__________
(1) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين 14/322 إعداد فهد السليمان.(3/94)
ج/ شيخ الإسلام رحمه الله تعالى يرى أنه يكون قبل السلام, وذلك تبعاً للقاعدة عنده وهي{ما كان من قبيل الدعاء فإنه يكون داخل الصلاة وما كان من قبيل الذكر فإنه يكون خارج الصلاة}, ودعاء الاستخارة من قبيل الدعاء, وبناءً على هذا فشيخ الإسلام يرى أنه يكون قبل السلام إذا انتهى من التشهد.
والأقرب: أن الأمر في ذلك واسع إن شاء الله سواء قال ذلك قبل السلام أو بعده.
س141: أيضاً من السنن التي لم يذكرها المصنف صلاة التوبة فما حكمها؟
ج/ حكمها سنة بدليل حديث علي - رضي الله عنه - ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال(ما من عبد يذنب ذنباً فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين, ثم يستغفر الله إلا غفر له, ثم قرأ هذه الآية { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ(1) } )(2).
س142: ما حكم سجود التلاوة؟
ج/ الراجح أن سجود التلاوة سنة للقارئ والمستمع, والدليل على ذلك حديث زيد بن ثابت قال { قرأت على النبي - صلى الله عليه وسلم - { والنجم } ولم يسجد فيها } (3).
__________
(1) آل عمران:135)
(2) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وحسنه الترمذي وانظر صحيح الجامع.
(3) رواه البخاري.(3/95)
ولقول ابن عمر: (إن الله لم يفرض علينا السجدة إلا أن نشاء)(1), فهذه الأدلة تدل على أن سجود التلاوة ليس بواجب ولكنه مسنون كما تقدم, ومما يدل على سنيته للقارئ والمستمع قول ابن عمر رضي الله عنهما { كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ علينا السورة فيها السجدة فيسجد ونسجد معه, حتى ما يجد أحدنا موضعاً لجبهته } (2), ولقول عثمان - رضي الله عنه - { إنما السجدة على من استمعها } (3), وعن ابن عباس نحو هذا(4).
س143: من الذي يسجد؟
ج/ هو القارئ والمستمع, والمستمع هو من قصد استماع القراءة, ولا يسجد السامع وهو الذي يسمع القراءة بدون قصد, وقد دل أثر عمر- رضي الله عنه - السابق على أن الذي يسجد هو المستمع دون السامع.
س144: كم عدد آيات السجدة؟
__________
(1) رواه البخاري.
(2) رواه البخاري.
(3) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم.
(4) رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق في مصنفيهما.(3/96)
ج/على الراجح أنها أربع عشرة سجدة, في الأعراف قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ(1) } , وفي سورة الرعد قال تعالى { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ(2) } , وفي سورة النحل قال تعالى { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ(3) } , وفي الإسراء قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّداً(4) } , وفي مريم قال تعالى { إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً(5) } , وفي الحج منها آيتان, قال تعالى { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ } (6), وقال { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (7), والفرقان قال تعالى { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً(8) } , وفي النمل قال تعالى { أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا
__________
(1) لأعراف:206)
(2) الرعد:15)
(3) النحل:49)
(4) الاسراء: من الآية107)
(5) مريم: من الآية58)
(6) الحج:18)
(7) الحج:77)
(8) الفرقان:60)(3/97)
تُعْلِنُونَ(1) } , وفي حم~ السجدة قال تعالى { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ } (2), وفي ص~ قال تعالى { وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ(3) } , والنجم قال تعالى { فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا(4) } , والانشقاق قال تعالى { وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ(5) } , واقرأ باسم ربك, قال تعالى { كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ(6) } .
س145: هل سجود التلاوة صلاة يشترط له ما يشترط في الصلاة من طهارة وستر عورة ونحو ذلك أم لا؟
ج/ الراجح أن سجود التلاوة ليس بصلاة, وبناءً على ذلك لا يشترط لسجود التلاوة طهارة " أي طهارة من الحدث الأصغر " حتى أن ابن عمر رضي الله عنهما مع تشدده يسجد على غير طهارة(7), ولا يشترط كذلك ستر عورة أو استقبال قبلة.
س146: هل يكبر إذا سجد ورفع؟
ج/ التكبير لسجود التلاوة وعند الرفع منه لا يخلو من أمرين:
1- أن يكون خارج الصلاة فهذا على الراجح أنه لا يكبر, لأن سجود التلاوة على الراجح ليس بصلاة كما تقدم, وأما ما ورد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال { كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقرأ علينا القرآن, فإذا مر بالسجدة كبّر وسجد وسجدنا } (8) فهو ضعيف.
__________
(1) النمل:25)
(2) السجدة:15)
(3) صّ: من الآية24)
(4) لنجم:62)
(5) الانشقاق:21)
(6) العلق:19)
(7) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم ووصله ابن أبي شيبة في مصنفه بلفظ " كان ابن عمر ينزل عن راحلته فيهريق الماء ثم يركب فيقرأ السجدة ويسجد" .
(8) رواه ابو داود والحاكم وصححه البيهقي وضعفه ابن التركماني في الجوهر النقي(3/98)
2- أن يكون داخل الصلاة, فهنا يشرع التكبير عند الخفض والرفع باتفاق الأئمة الأربعة, لما روى أبو هريرة - رضي الله عنه - قال { أنه كان يصلي فيهم فيكبر كلما خفض ورفع, ويقول: إني لأشبههم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - } (1).
س147: هل يسلم في سجود التلاوة؟
ج/ الراجح أنه لا يسلم لأنها ليست بصلاة كما تقدم, قال شيخ الإسلام أبن تيمية رحمه الله: (وأما سجود التلاوة والشكر فلم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه أن فيه تسليماً)(2).
س148: إذا قرأ المأموم في صلاة الظهر خلف الإمام سورة فيها سجدة فهل يسجد أم لا؟
ج/الصحيح أنه لا يسجد, فإن سجد عامداً بطلت صلاته لزيادته عمداً, ولحديث { إنما جعل الإمام ليؤتم به...الحديث } (3), ومثل ذلك لو سجد المأموم لغير قراءة إمامه متعمداً بطلت صلاته كذلك.
س149: إذا سجد الإمام سجود التلاوة وتخلف عنه المأموم فلم يسجد معه متعمداً فما حكم ذلك؟
ج/ حكم صلاته باطلة لأنه ترك متابعة الإمام متعمداً, ومتابعة المأموم للإمام واجبه للحديث السابق { إنما جعل الإمام ليؤتم به...الحديث } .
س150: إذا لم يسجد المأموم مع الإمام سجود التلاوة ظناً منه أنه ركع: أو سجد المأموم يعتقد أن الإمام سجد للتلاوة والإمام راكع فما الحكم؟
ج/ هذه المسألة لها صورتان كما يظهر من خلال السؤال وهما:
__________
(1) رواه البخاري.
(2) الفتاوى21/277.
(3) سبق تخريجه.(3/99)
الصورة الأولى: قرأ الإمام آية سجدة والمأموم ركع يظن أن الإمام راكع, فلما قام الإمام من السجدة قائلاً( الله أكبر)تبين للمأموم أن الإمام ساجد إذ لو كان راكعاً لقال (سمع الله لمن حمده) فهذه حكمه يقوم من الركوع تبعاً لإمامه, فإمامه قام من السجود والمأموم قام من الركوع, وفي هذه الحالة لا يجب على المأموم سجود التلاوة, لأن هذا السجود ليس واجباً في الصلاة, إنما هو سجود يجب فيه متابعة الإمام, ومتابعة الإمام زالت الآن, فعلى هذا يستمر مع إمامه ولا شيء عليه.
الصورة الثانية: لو قرأ الإمام آية ظن المأموم أنها آية سجدة, كما لو قرأ قوله تعالى { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ,فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ(1) } فركع الإمام لأنها ليست آية سجدة , وسجد المأموم يظن أنها سجدة لما رفع الإمام من الركعة قائلاً(سمع الله لمن حمده) انتبه المأموم, ففي هذه الحالة الواجب على المأموم أن يقوم ثم يركع, ثم يتابع الإمام, لأن تخلف المأموم هنا كان لعذر فسومح فيه وأمكنه متابعة الإمام فيما بقي من صلاته.
س151: لو كان القارئ امرأة, أو كان القارئ أمام المستمع فهل يسجد المستمع أم لا؟
ج/على القول بأن سجود التلاوة ليس بصلاة كما تقدم وهو الصحيح, فإن المرأة إذا قرأت واستمع إلى قراءتها رجل وسجدت فإنه يسجد, كذلك إذا كان القارئ خلف المستمع وسجد القارئ فإن المستمع يسجد, لأن بعض العلماء قالوا لا يسجد لو كان المستمع أمام القارئ قياساً على الصلاة, بناءً على أنه لا يصح أن يكون المأموم قدام الإمام, لكن تقدم أن سجود التلاوة ليس بصلاة على الصحيح.
س152: ما حكم قراءة الإمام آية فيها سجدة في الصلاة السرية؟
__________
(1) الحجر97-98)(3/100)
ج/ على خلاف, والراجح عدم كراهة قراءة الإمام للسجدة في السرية, لأن الكراهة حكم شرعي يفتقر إلى الدليل الشرعي, وإذا كان السجود يؤدي إلى التشويش على المأموم فيقال للإمام اترك السجود ولا يلزم من ترك السنة الكراهة, وقد روى ابن عمر { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد في صلاة الظهر ثم قام فركع فرأينا أنه قرأ تنزيل السجدة(1) } , وأما السجود فكما تقدم إن كان سيؤدي إلى التخليط على المأموم فلا يسجد الإمام, وإن كان لا يؤدي ذلك بأن كانوا محصورين يعرفون ذلك أو يرفع صوته بالسجدة فيعرف عنه ذلك سجد.
س153: ما هو الذكر المشروع في سجود التلاوة؟
ج/ يقول(سبحان ربي الأعلى) لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث عقبة بن عامر قال: لما نزلت { فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ } (2) قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اجعلوها في ركوعكم, فلما نزلت { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى(3) } قال: اجعلوها في سجودكم(4) } .
ويقوا أيضاً ما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها قالت { ...كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في سجود القرآن بالليل: سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره بحوله وقوته(5) } .
ومن ذلك ما ورد في حديث ابن عباس - رضي الله عنه - مرفوعاً { اللهم اكتب لي لها أجراً, وضع عني بها وزراً, واجعلها لي عندك ذخراً, وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود(6) } .
س154: من السجدات سجدة الشكر فما حكمها؟
__________
(1) رواه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه ولكن في إسناده مجهولاً.
(2) الواقعة:74)
(3) الأعلى:1)
(4) رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه.
(5) رواه أبو داود والترمذي وصححه, والدار قطني والحاكم وصححه على شرطهما.
(6) رواه أبو داود واستغربه, وابن ماجه والحاكم وصححه على شرطهما والبيهقي.(3/101)
ج/ حكمها مستحبة, لما روى أبوبكرة رضي الله عنه { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أتاه أمر يُسَرُّ به خر ساجداً } (1), ولما ورد في حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال { بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - علياً إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام... فأسلمت همدان جميعاً, فكتب علياً - رضي الله عنه - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإسلامهم, فلما قرأ الكتاب خر ساجداً ثم رفع رأسه فقال: السلام على همدان, السلام على همدان } (2), وعلي رضي الله عنه سجد حين وجد ذا الثدية في الخوارج(3).
وكعب بن مالك - رضي الله عنه - سجد لما بُشر بتوبة الله عليه(4).
س155: متى يكون سجود الشكر مشروعاً؟
ج/ عند تجدد النعم واندفاع النقم, سواءً كانت عامة أو خاصة, ظاهرة أو باطنة, دينية أو دنيوية, كتجدد مال أو ولد أو نصر على عدو ونحو ذلك, ولا يسجد للنعم الدائمة كنعمة البصر مثلاً, لأنها لا تنقطع, ولو شرع لاستغرق العمر كله, لكن لو فقد بصره مثلاً ثم رده الله عليه فإنه يشرع له أن يسجد, لأن هذا من تجدد النعم.
س156: لو أتاه خبر يسره في أثناء الصلاة فسجد سجود الشكر فما حكم ذلك؟
ج/ إذا فعل ذلك متعمداً عالماً بطلت صلاته, أما إذا فعل ذلك ناسياً أو جاهلاً فحكم صلاته صحيحه ويسجد للسهو بعد السلام, لأن هذا زيادة في الصلاة وتقدم في أحكام سجود السهو إذا كان السهو عن زيادة فإن سجود السهو يكون بعد السلام.
س157: ما صفة سجود الشكر وماذا يقول فيه؟
ج/ صفة سجود الشكر وأحكامه كسجود التلاوة.
والله تعالي أعلى وأعلم
تمت بحمد الله تعالى وتوفيقه
ويليها الجزء الثالث وأوله: فصل في أوقات النهي
__________
(1) رواه أبو داود وغيره وصححه الحاكم.
(2) رواه البيهقي وصححه الحاكم.
(3) رواه أحمد وحسنه الألباني في الارواء.
(4) متفق عليه.(3/102)
{ فصل في أوقات النهي }
س1: ما المقصود بأوقات النهي ؟
ج/ هي الأوقات التي نهى الشارع عن الصلاة فيها " أي التطوع فيها " مع أن الأصل أن صلاة التطوع مشروعة دائماً لعموم قول الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(1) } .
ولما ورد في حديث ربيعة بن كعب الأسلمي - رضي الله عنه - في قصة الرجل الذي قضى للنبي - صلى الله عليه وسلم - حاجة فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - { سل! فقال: أسالك مرافقتك في الجنة, فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أو غير ذلك؟ قال: هو ذاك " يعني لا أسالك غيره " قال فأعني على نفسك بكثرة السجود } (2).
س2: كم عدد أوقات النهي ؟ وما هي ؟
ج/ عدد أوقات النهي خمس بالبسط, وثلاث بلإجمال وهي:
أما بالبسط فهي كما يلي:
1- من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال { إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر } (3).
2- من طلوعها حتى ترتفع قيد رمح " أي قدر رمح " أي قدر متر تقريباً وهذا في رأي العين ويقدر بالنسبة للساعات باثنتي عشرة دقيقة إلى عشر دقائق والاحتياط أن يزيد الإنسان إلى ربع ساعة ودليل ذلك أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - { لا
__________
(1) الحج:77)
(2) رواه مسلم.
(3) رواه أحمد وأبو داوود والترمذي وغيرهم والحديث استغربه الترمذي وحكم ابن حزم بأن رواياته ساقطة مطرحة وبالغ في الطعن فيه وقد ناقشه المحقق أحمد شاكر في تعليقه على المحلى وبين ثقة رواته وماله من طرق ومتابعات وذكر الزيلعي في نصب الراية 2/256 طرقاً أخرى للحديث ثم قال(كل هذا يعكر من قول الترمذي في قوله لا نعرفه إلا من حديث قدامة وفي الإرواء 2/232 صحيح).(4/1)
صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس } وأخرجه البخاري بلفظ { لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس(1) } .
3- عند قيام الشمس حتى تزول " عند قيامها " أي الشمس " وقيامها " أي منتهى ارتفاعها في الأفق, لأن الشمس ترتفع في الأفق حينها لا يبقى للقائم في الظهيرة ظل في المشرق ولا في المغرب فإذا انتهت بدأت بالانخفاض. ودليل ذلك حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال { ثلاث ساعات نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نصلي فيهن, وأن نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع, وحين يقوم قائم الظهيرة, وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب } (2).
4- من صلاة العصر إلى غروبها لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس } .
5- إذا شرعت الشمس في الغروب حتى يتم لما ورد في حديث عقبة السابق وفيه { وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب } (3).
هذه خمسة أوقات بالبسط, أما بالاختصار فهي ثلاثة:
1. من طلوع الفجر الثاني إلى أن ترتفع الشمس قيد رمح.
2- حين يقوم قائم الظهيرة.
3-من صلاة العصر حتى يتم غروب الشمس.
س3: ما الحكمة من النهي عن الصلاة في هذه الأوقات ؟
ج/ أما بالنسبة للنهي عن الصلاة من طلوع الشمس إلى أن ترتفع قيد رمح, وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب فلأن في الصلاة في هذين الوقتين مشابهة للمشركين, لأنهم يسجدون للشمس عند طلوعها وعند غروبها.
لكن كيف ينطبق على ما كان من بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس, ومن بعد صلاة العصر إلى تضيف الشمس للغروب, وكيف ينطبق على النهي في نصف النهار حين يقوم قائم الظهيرة ؟
__________
(1) رواه مسلم.
(2) رواه مسلم.
(3) رواه مسلم.(4/2)
يقال: لما كان الشرك أمره خطير وشره مستطير سد الشارع كل طريق يوصل إليه ولو من بعيد, فلو أذن للإنسان أن يصلي بعد صلاة الصبح لاستمرت به الحال إلى أن تطلع الشمس, ولا سيما من عندهم رغبة في الخير, ولذلك لو أُذن له في أن يصلي بعد صلاة العصر لاستمرت به الحال إلى أن تغيب الشمس, أما عند قيامها فقد علله النبي - صلى الله عليه وسلم - { بأن جهنم تسجّر } أي: هذا الوقت يزاد في وقودها فناسب أن يبتعد الناس عن الصلاة في هذا الوقت لأنه تسجر فيه النار فهذه حكمته.
س4: ما الذي يحرم من الصلوات في أوقات النهي ؟
ج/ الذي يحرم هو صلاة التطوع المطلق لعموم النهي.
س5: إذا شرع في صلاة تطوع في وقت النهي فهل تنعقد الصلاة أم لا؟
ج/ الراجح أن صلاته لا تنعقد, وهو مذهب الشافعية, وهو المصحح عند الحنابلة, والأدلة على ذلك ما تقدم ذكره من عمومات النهي عن التطوع في هذه الأوقات(1) , فقد دلت هذه العمومات على عدم انعقاد التطوع في أوقات النهي لأنه نهي عن نفس العبادة, والنهي إذا رجع إلى نفس العبادة أو لازمها اقتضى الفساد فلا ينعقد.
س6: من شرع في صلاة التطوع ثم دخل عليه وقت النهي وهو يصلي هل يقطعها أم لا ؟
ج/ الراجح " والله أعلم " أنه إذا صلى ركعة قبل دخول وقت النهي فإنه يضيف إليها أخرى خفيفة, لأن من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة(2) } وأن لم يصل ركعة كاملة قطعها وبهذا تجتمع أدلة المسألة(3).
__________
(1) رواه مسلم من حديث عمرو بن عبسة - رضي الله عنه -.
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) أدلة المسألة المقصود بها عموم أدلة النهي عن الصلاة في الأوقات المنهي عنها وقد تقدم ذكرها. وكذلك أدلة القائلين بعدم جواز ابطال العبادة بعد الشروع فيها لقوله تعالى) وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ)(محمد: من الآية33)(4/3)
س7: ما هي الصلوات التي تستثنى ويجوز فعلها حتى في أوقات النهي ؟
ج/ يستثنى ما يلي:
1) سنة الفجر بعد طلوع الفجر الثاني وقبل صلاة الفجر لما ورد من حديث حفصة رضي الله عنها قالت { كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي ركعتين خفيفتين بعد طلوع الفجر } .
2) ركعتي الطواف بدليل حديث جبير بن مطعم - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى فيه أي ساعة شاء من ليل أو نهار(1) } فالحديث صريح بأنه لا يجوز لهم أن يمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى في أي ساعة كانت من ليل أو نهار. ولكن هذا الحديث نوزع من جهتين:
أ. أن ظاهره أنه لا بأس بالصلاة ولا بأس بالطواف في كل وقت وأنتم تخصون الصلاة بركعتي الطواف.
ب. أن الحديث موجه إلى ولاة الأمر في المسجد الحرام أنه لا يحل لهم أن يمنعوا أحداً من الصلاة فيه فيجاب عن هذا ويقال: إذا لم يُسلّم الاستدلال بهذا الحديث على مشروعية ركعتي الطواف في وقت النهي فان ركعتي الطواف مشروعة في وقت النهي لأنها من ذوات الأسباب, وذوات الأسباب يجوز فعلها في وقت النهي كما سيأتي بيانه إن شاء الله(2).
3) سنة الظهر البعدية إذا جمع الظهر مع العصر سواء كان ذلك جمع تقديم لأن وقت النهي يدخل إذا صلى العصر حتى ولو قدمها مع الظهر أو كان ذلك جمع تأخير والأمر هنا ظاهر, والجمع هنا إذا كان لسبب كالمرض مثلاً لأن الجمع بسبب السفر لا تشرع معه السنن الرواتب. وبناء على هذا فإنه يصلي سنة الظهر البعدية بعد صلاة العصر التي جمعها مع الظهر.
سواء كان ذلك جمع تقديم أو جمع تأخير كما تقدم.
4) إعادة الجماعة إذا أقيمت وهو في المسجد. والمصنف رحمه الله قيدها فيما إذا أقيمت وهو في المسجد.
__________
(1) رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم والحديث صححه الترمذي والحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي.(4/4)
والراجح: أنه له أن يصليها في وقت النهي سواء أقيمت وهو في المسجد أو كان قدم من خارج المسجد ووجد الصلاة مقامة.
مثال ذلك:
لو صلى إنسان صلاة العصر هنا يكون دخل وقت النهي في حقه ثم قدم إلى مسجد آخر فأقيمت الصلاة وهو في المسجد, أو أقيمت وهو ليس في المسجد على الراجح, كما تقدم أنه يشرع له إعادة الصلاة معهم مع أنه قد دخل في حقه وقت النهي بأدائه لصلاة العصر والدليل على ذلك ما رواه يزيد بن الأسود قال { صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة الفجر فلما قضى صلاته إذا هو برجلين لم يصليا معه فقال: ما منعكما أن تصليا معنا؟ فقالا: يا رسول الله قد صلينا في رحالنا, قال: لا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة(1) } .
5) قضاء الفرائض فيجوز قضاء الفرائض في أوقات النهي لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث أنس - رضي الله عنه - { من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها(2) } .
6) فعل الصلاة المنذورة فالمصنف رحمه الله يرى أنه يصلي الصلاة المنذورة في وقت النهي حتى ولو نذر أن يصلي في وقت النهي. لأن الصلاة المنذورة هنا على قسمين:
أ. نذر أن يصلي ركعتين مطلقاً ولم يقيدهما في وقت النهي.
ب. نذر أن يصلي ركعتين في وقت النهي كما لو نذر أن يصلي ركعتين بعد العصر.
فالمصنف رحمه الله تعالى يرى أنه يصليها في وقت النهي في كلتا الحالتين.
والراجح: أما بالنسبة للقسم الأول فلا يفعلهما في وقت النهي وهو رواية للإمام أحمد وهو قول أبي حنيفة لعموم أدلة النهي.
__________
(1) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم والحديث صححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والذهبي وابن السكن. كما في التلخيص الجبير2/29, وحسنه النووي في تهذيب الأسماء واللغات 2/161.
(2) رواه البخاري ومسلم.(4/5)
أما القسم الثاني لو نذر أن يصلي ركعتين في وقت النهي فهذا نذر معصية والراجح أن نذر المعصية لا يجوز الوفاء به. وبناء على هذا يقال يصليهما في غير وقت النهي ويكفر كفارة يمين لتخلف الوصف وهو إيقاعهما في غير الوقت الذي نذرهما فيه ودليل ذلك حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين(1) } .
أيضاً من الصلوات التي يجوز فعلها في وقت النهي ولم يذكرها المصنف ما يلي:
7) صلاة الجنازة, فالراجح أنه يجوز الصلاة عليها في أوقات النهي خلافاً لمن قال بجواز الصلاة عليها بعد الصبح وبعد العصر دون باقي أوقات النهي الثلاثة للأدلة الآتية:
أ. الإجماع فلا خلاف بين الفقهاء في أنه يصلي على الجنازة بعد صلاة العصر والصبح(2).
ب. ما ورد أن ابن عمر كان يصلي على الجنائز بعد العصر وبعد الصبح.
ج. ما ورد أن أبا هريرة { صلى على جنائزة والشمس على أطراف الحيطان } (3).
د. أنها صلاة تباح بعد العصر والصبح, فأبيحت في سائر الأوقات كالفرائض(4).
قال في الشرح الكبير مع الإنصاف: تجوز صلاة الجنائز بعد الصبح حتى تطلع الشمس, وبعد العصر حتى تميل الشمس للغروب بغير خلاف, قال ابن المنذر: (إجماع المسلمين في الصلاة على الجنازة بعد العصر والصبح)(5).
وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: (ومنها قد ثبت جواز بعض ذوات الأسباب بالنص كالركعة الثانية من الفجر...والإجماع كالعصر عند الغروب, وكالجنازة بعد العصر)(6).
8) ذوات الأسباب, وضابط ذوات الأسباب هو: كل ما علق وجوده على سبب مطلقاً ويفوت بتأخيره عن سببه, وبه قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى(7).
أمثلة على ذلك:
__________
(1) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
(2) المغني 2/110, مجموع الفتاوى23/217.
(3) سنن البيهقي.
(4) المغني2/110.
(5) الشرح الكبير مع الإنصاف 4/247.
(6) مجموع الفتاوى 23/211.
(7) مجموع الفتاوى 23/211, الإنصاف2/209.(4/6)
تحية المسجد سببها دخول المسجد, وهي تفوت بتأخيرها عن سببها.
ومن أمثلة ذلك أيضا:
الاستخارة سببها التردد في الأمر المباح فإن كان الأمر يفوت فإنه لا بأس من أدائها في وقت النهي وإن كان لا يفوت, بمعنى أن الأمر الذي يراد الاستخارة له ليس أمراً مستعجلاً فإنها لا تصلى حتى تفوت وقت النهي ومثل ذلك صلاة الكسوف, وسنة الوضوء ونحو ذلك من ذوات الأسباب.
والراجح أن ذوات الأسباب تصلى في أوقات النهي وأدلة ذلك كثيرة منها:
أ- حديث أبي قتادة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين(1) } وهذا عام في جميع الأوقات.
ب- حديث عائشة رضي الله عنها قالت: خسفت الشمس في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ...وفيه ثم قال { إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت ولا لحيلته فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصلاة(2) } دل هذا الحديث على جواز فعل صلاة الكسوف في أوقات النهي لقوله { فافزعوا إلى الصلاة } إذ هو عام في جميع الأوقات
ج- ما رواه جبير بن مطعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار } (3).
س8: هل تقضى السنن الرواتب في أوقات النهي أم لا ؟
ج/ الراجح أنها لا تقضى في أوقات النهي, وهو قول الجمهور, وأدلة ذلك ما يلي:
أ. ما تقدم ذكره من عمومات أدلة النهي عن الصلاة في هذه الأوقات.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) سبق تخريجه ص 7.(4/7)
ب. حديث أم سلمه رضي الله عنها أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - أنقضيها يا رسول الله إذا فاتتا " أي سنة الظهر البعدية بعد العصر " فقال: لا(1). أما ما ورد من صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ركعتين بعد العصر ومن ذلك ما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها قالت { ما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين بعد العصر عندي قط } (2) لكن نوقش هذا بأن صلاة ركعتين بعد العصر من خصوصياته عليه الصلاة والسلام لحديث أم سلمه السابق { ..افنقضيهما.. } ولحديث عائشة { كان يصلي بعد العصر ونهى عنها ويواصل وينهى عن الوصال } (3) ولحديث أم سلمه { لم أراه يصليهما قبل ولا بعد } (4).
س9: ما هو المعتبر في وقت النهي بعد العصر ؟
ج/ المعتبر هو الفراغ من صلاة العصر. وليس بمشروعه فيها, فلو شرع في صلاة العصر ثم قبلها نفلاً لسبب من الأسباب لم يمنع من التطوع لأنه لم يدخل في حقه وقت النهي, لأنه تقدم أن المعتبر الفراغ من صلاة العصر, وسواء صليت في زمنها أم في وقت الظهر مجموعة معها.
ودليل ذلك ما ورد في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - { نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس } (5).
س10: ما حكم قراءة القرآن في الطريق ؟
ج/ تباح قراءة القرآن في الطريق, لقول إبراهيم التيمي: (كنت اقرأ على أبي موسى وهو يمشي في الطريق, فإذا قرأت سجدة قلت له: أسجد في الطريق ؟ قال: نعم).
س11: ما حكم قراءة القرآن مع الحدث الأصغر ؟
__________
(1) رواه أحمد , وقال الشيخ عبدالعزيز رحمه الله في تعليقه على فتح الباري 2/65 إسناده جيد.
(2) رواه مسلم.
(3) رواه أبو داود وقال في التلخيص 1/192 وينظر في عنعة ابن اسحاق.
(4) رواه أحمد والنسائي وصححه أحمد شاكر في حاشيته على الترمذي 1/350.
(5) رواه مسلم.(4/8)
ج/ لا بأس بقراءة القرآن مع الحدث الأصغر, بدليل حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال { كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقضي حاجته, ثم يخرج فيقرأ القرآن ويأكل معنا اللحم, ولا يحجبه " وربما قال لا يحجزه " من القرآن شيء ليس الجنابة } (1) وعند الترمذي { كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرئنا القرآن ما لم يكن جنباً } ولقول علي - رضي الله عنه - { اقرؤوا القرآن ما لم تصب أحدكم جنابة, فإن أصابته جنابة فلا ولو حرفاً واحداً } (2).
س12: ما حكم قراءة القرآن مع نجاسة الثوب أو البدن أو الفم ؟
ج/ لا بأس بذلك لحديث علي - رضي الله عنه - قال { كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقضي حاجته, ثم يخرج فيقرأ القرآن, ويأكل معنا اللحم, ولا يحجبه, وربما قال لا يحجزه من القرآن شيء ليس الجنابة } (3) , مع أن الأولى للإنسان أن يكون طاهر الثوب والبدن, طيب رائحة الفم حال القراءة.
{ باب صلاة الجماعة }
أي باب أحكام صلاة الجماعة, ومن الأولى بالإمامة, وما يبيح تركها من الأعذار.
وسميت جماعة: لاجتماع المصلين في الفعل مكاناً وزماناً.
واجتماعات المسلمين منها: ما هو في اليوم والليلة كالصلوات المكتوبات.
ومنها: ما هو في الأسبوع كالجمعة.
ومنها: ما هو في العام متكرراً كالعيدين.
ومنها: ما هو عام في السنة وهو الوقوف بعرفة.
س13: لم شرعت صلاة الجماعة ؟
ج/ شرعت لأجل التواصل والتوادد وعدم التقاطع.
س14: ما هي فؤائد صلاة الجماعة ؟
__________
(1) رواه الخمسة وصححه الترمذي والدار قطني والحاكم وصححه ابن ماجه وحسنه.
(2) رواه عبد الرزاق والدار قطني وصححه والبيهقي.
(3) رواه الخمسة.(4/9)
ج/ فؤائد صلاة الجماعة كثيرة منها: مضاعفة الأجر, وزيادة العمل عند مشاهدة أولي الجد, وتعلم الجاهل, ومساعدة العاجز, وعيادة المريض, ورعاية ذوي الغائب, وتشييع الموتى, وتقوية أواصر الأخوة, وإظهار عز الإسلام, والتمرين على الطاعة, والإنكار على المتكاسل, وغير ذلك(1).
وصلاة الجماعة مشروعة بإجماع المسلمين, وهي من أفضل العبادات وأجل الطاعات, ولم يخالف فيها إلا الرافضة الذين قالوا: أنه لا جماعة إلا خلف إمام معصوم ولهذا لا يصلون جمعة ولا جماعة(2).
قال شيخ الإسلام رحمه الله: (إنهم هجروا المساجد وعمروا المشاهد(3) " أي القبور ")
فهم لا يرون الجماعة, وإلا فإن المسلمين جميعاُ اتفقوا على مشروعيتها ولم يقل أحد بأنها غير مشروعة, ولا بأنها جائزة, ولا بأنها مكروهة. لكن اختلفوا في فرضيتها. هل هي فرض عين أو فرض كفاية أو سنة مؤكدة ؟ وهل هي شرط لصحة الصلاة عند من قال أنها فرض عين ؟.
س15: ما حكم صلاة الجماعة ؟
ج/ الراجح أنها فرض عين, أما على من تجب ؟ فسيأتي بيان هذا(4).
والأدلة على أن صلاة الجماعة فرض عين كثيرة منها:
1- قوله تعالى { وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ(5) } وجه الدلالة من هذه الآية ما يلي:
أ) أن الله عز وجل أمر بها ولم يرخص لهم حال الخوف فلو كانت سنة لكان أولى الأعذار بسقوطها حال الخوف, ولو كانت فرض كفاية لسقط الوجوب بفعل الطائفة الأولى.
ب) أنه اغتفرت في صلاة الخوف أفعال كثيرة لأجل الجماعة.
__________
(1) انظر من حكم الشريعة وأسرارها ص67,68.
(2) وما يفعلونه من صلاة جماعة في الحرمين إنما هو من باب التقية.
(3) اقتضاء الصراط المستقيم ص 391.
(4) ينظر ص10
(5) النساء: من الآية102)(4/10)
2- حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { أثل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر, ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام, ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار } (1). وجه الدلالة من الحديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هدد تارك الجماعة بالتحريق إذ لو كانت سنة لما هدد على تركها بالتحريق, ولو كانت فرض كفاية لسقط أداء الفرض برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من الصحابة رضي الله عنهم.
3- حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال { أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل أعمى فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد, فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له, فلما ولى دعاه فقال: هل تسمع النداء إلى الصلاة ؟ فقال: نعم, قال: أجب } (2).
4- حديث علي بن شيبان - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { لا صلاة للذي خلف الصف(3) } قال ابن القيم رحمه الله: فكيف بمن كان فرداً في الجماعة والصف ؟.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه مسلم.
(3) رواه أحمد وابن ماجه وابن خزيمة والطحاوي وحسنه الإمام أحمد كما في التلخيص 2/37, وقال البوصيري في مصباح الزجاجة 1/122 رجاله ثقات وصححه أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي 1/446.(4/11)
5- حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال { من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليصل هذه الصلوات الخمس حيث ينادى بهت, فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى, وإن هذه الصلوات الخمس في المساجد التي ينادى بهت من سنن الهدى وإنكم لو صليتم في بيوتكم كما صلى هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم, ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق, ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف } (1), إلى غير ذلك من الأدلة التي تدل على وجوب صلاة الجماعة.
س16: على مَن تجب صلاة الجماعة ؟
ج/ تجب على ما يلي:
1.على الرجال ويخرج من ذلك النساء والخناثي وسيأتي حكم جماعة النساء إن شاء الله(2).
2. الأحرار, خرج من ذلك العبيد وهذا على قول الحنابلة, وعند الإمام أحمد تجب على العبيد(3) وهذا هو الراجح, قال السعدي رحمه الله: (الصواب أن الجمعة والجماعة تجب حتى على العبيد الأرقاء, لأن النصوص عامة في دخولهم, ولا دليل يدل على إخراج العبيد...والأصل أن المملوك حكمه حكم الحر في جميع العبادات البدنية المحضة التي لا تعلق لها بالمال)(4).
3. القادرين, ويخرج من ذلك ذوي الأعذار وسيأتي إن شاء الله ما يسقط الجماعة من الأعذار(5).
س17: تقدم وجوب الجماعة في الحضر فهل تجب في السفر ؟
ج/ تجب صلاة الجماعة في السفر بدليل قوله تعالى { وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ(6) } فالله تعالى أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - إذا كان فيهم في الجهاد أن يقيم لهم الصلاة جماعة, ومن المعلوم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقاتل إلا في سفر فعليه تجب الجماعة في السفر كما تجب في الحضر.
__________
(1) رواه مسلم وغيره.
(2) ينظر ص17
(3) الإنصاف مع الشرح 4/267.
(4) المختارات الجلية ص 69.
(5) ينظر من ص
(6) النساء: من الآية102)(4/12)
وهي واجبة في السفر حتى مع شدة الخوف للآية السابقة وهي نزلت في صلاة الخوف, والغالب كون الخوف في السفر.
س18: تقدم أن الصلاة جماعة واجبة ولكن ما نوع الصلاة التي تجب لها الجماعة؟
ج/ تجب الجماعة للصلاة المؤداة والمقضية.
المؤداة: ما فعلت في وقتها ووجوب الجماعة في المؤداة ظاهر وقد تقدم بيان أدلة ذلك(1).
والمقضية: هي ما فعلت بعد وقتها, فلو أن جماعة في سفر مثلاً ناموا ولم يستيقظوا إلا بعد طلوع الشمس, فالصلاة في حقهم قضاء لأنها بعد الوقت. فهنا تجب عليهم الصلاة بدليل حديث أب قتادة - رضي الله عنه - لما نام النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صلاة الفجر هو وأصحابه وكانوا في سفر أمر بلالاً فأذن ثم صلى سنة الفجر, ثم صلى الفجر كما يصليها عادة جماعة وجهر بالقراءة(2).
س19: ما أقل الجماعة ؟
ج/ أقل الجماعة اثنان. قال في الشرح الكبير مع الإنصاف(3): ( بغير خلاف علمناه لأن الجماعة مأخوذة من الاجتماع, والاثنين أقل ما يتحقق به الجمع, ويدل لهذا حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً يصلي وحده فقال: ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه } (4).
س20: هل تنعقد الجماعة بالأنثى أم لا ؟
ج/ نعم تنعقد الجماعة بالأنثى, فلو أن رجلاً فاتته الصلاة وأمّ زوجته فإن الجماعة تنعقد بذلك ويكون موقف المرأة خلف الإمام, سواء كانت واحدة أو أكثر, ويدل لهذا حديث أنس - رضي الله عنه - وفيه { ...فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واليتيم معي والعجوز من ورائنا, فصلى بنا ركعتين } (5).
__________
(1) ينظر صفحة 13,14.
(2) رواه مسلم.
(3) 4/271.
(4) رواه أبو داود والترمذي وحسنه ابن خزيمة وصححه وابن حبان والحاكم وكذا صلى عليه الصلاة والسلام بابن عباس كما في الصحيحين, وصلى بابن مسعود أيضاً كما في الصحيحين, وصلى بحذيفة كما في صحيح مسلم, وقال المالك بن الحويرث(وليؤمكم أكبركما ) رواه البخاري.
(5) متفق عليه.(4/13)
س21: هل تصح مصافة الصبي المميز أم لا ؟
ج/ الراجح هو قول جمهور أهل العلم أنه تصح مصافة الصبي المميز في الفرض والنفل ويدل لذلك حديث أنس وفيه { فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واليتيم معي والعجوز من ورائنا فصلى بنا ركعتين } (1), وهذا وإن كان في النفل لكن ما ثبت في الفرض ثبت في النفل إلا بمخصص. ومما يدل لذلك أيضاً حديث عمرو بن سلمه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبيه { وليؤمكم أكثركم قرآناً فنظروا فلم يكن أحد أكثر مني قرآناً فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين } (2) فإذا صحت إمامة الصبي فمصافته من باب أولى.
س22: تقدم أن صلاة الجماعة واجبة ولكن هل هي واجبة في المسجد أم تصح في غيره كما لو صلى جماعة في البيت ونحو ذلك ؟
ج/ الراجح أنها واجبة في المسجد ويدل لذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً { من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر } (3).
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: (ومن تأمل السنة حق التأمل تبين له أن فعلها في المساجد فرض على الأعيان إلا لعارض يجوز معه ترك الجمعة والجماعة و فترك حضور المسجد لغير عذر كترك حضور أصل الجماعة لغير عذر وبهذا تتفق جميع الأحاديث والآثار ولما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وثبت أهل مكة على الإسلام فخطبهم بعد ذلك عتاب بن أسيد وقال: يا أهل مكة والله لا يبلغني أن أحداً منكم تخلف عن الصلاة جماعة في المسجد في الجماعة إلا ضربت عنقه, وشكر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا الصنيع وزاده رفعة في أعينهم, فالذي ندين الله به أنه لا يجوز لأحد التخلف عن الجماعة في المسجد إلا من عذر)(4) .
__________
(1) متفق عليه.
(2) رواه البخاري.
(3) رواه ابن ماجه والدار قطني والحاكم وصححه على شرطهما وصححه الحافظ في التلخيص.
(4) كتاب الصلاة ص 595.(4/14)
وقال السعدي في المختارات الجلية: (والصواب وجوب فعلها في المسجد لأن المسجد هو شعارها ولأنه - صلى الله عليه وسلم - هم بتحريق المتخلفين ولم يستفصل هل كانوا يصلون في بيوتهم جماعة أم لا ؟(1).
س23: ما حكم صلاة الجماعة بالنسبة للنساء ؟
ج/ مثال ذلك لو اجتمع نسوة وأردن إقامة الصلاة جماعة فهل يشرع لهن ذلك أم لا؟
في المسألة خلاف والراجح أنه سنة وهو مذهب الشافعي وأحمد لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - { أمر أم ورقة أن تؤم أهل دارها } (2), ولفعل عائشة وأم سلمه رضي الله عنهما(3).
س24: ما حكم أن يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب ؟
ج/ الإمام الراتب هو الثابت الدائم وهو من اتفق عليه جماعة المسجد, أو عُين من قبل ولي الأمر. فهنا يحرم التقدم عليه لحديث أبي مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { لا يؤمن الرجل في بيته إلا بإذنه } (4) , ولأنه يؤدي إلى التنفير عنه ويستثنى من ذلك أمرين هما:
أ. إذا أذن بذلك سواء كان الأذن خاصاً أو عاماً. فالأذن الخاص كأن يقول يا فلان صل بالناس, والعام كأن يقول للجماعة إذا تأخرت عن موعد الإقامة المعتاد كذا وكذا فصلوا.
ب. إذا كان الإمام معذوراً كما لو علمنا أن إمام المسجد أصابه مرض أو مسافر فهنا الجماعة لهم أن يقدموا شخصاً وان لم يأذن بذلك.
لكن إن تأخر وضاق الوقت صلوا لفعل الصديق - رضي الله عنه - وعبد الرحمن بن عوف حين غاب النبي - صلى الله عليه وسلم - صليا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - { أحسنتم } (5).
__________
(1) المختارات الجلية ص 52.
(2) رواه أحمد وأبو داود والحاكم وغيرهم وسكت عنه أبو داود, وقال المنذري في التهذيب 653: في إسناده الوليد بن عبدالله بن جميع الزهري الكوفي وفيه مقال, وقد اخرج له مسلم, وأورده الحافظ في البلوغ 447 وقال رواه أبو داود ابن خزيمة.
(3) رواهما البيهقي بإسنادين صحيحين.
(4) رواه مسلم.
(5) رواه مسلم من حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -.(4/15)
وإن كان محل الإمام قريباً وتأخر عن وقته المعتاد وكان الوقت واسعاً فإن الإمام يراسل مع عدم المشقة, وان بَعُدَ محله أو لم يظن حضوره, أو ظن حضوره ولا يكره ذلك صلوا.
قال في كشاف القناع: (وان لم يعلم عذره " أي الراتب " وتأخر عن وقته المعتاد وانتظر وروسل مع قربه وعدم المشقة في الذهاب إليه وسعة الوقت لأن الائتمام به سنة وفضيلة فلا تترك مع الإمكان, ولما فيه من الإفتيات بمنصب غيره, وإن بعد مكانه أو شق الذهاب إليه أو ضاق الوقت صلوا)(1).
س25: لو أن أهل مسجد قدموا شخصاً يصلي بهم بدون إذن الإمام ولا عذره وصلى بهم فهل تصح الصلاة أو لا تصح ؟
ج/ الراجح أن الصلاة صحيحة لكن مع الإثم, لأن تحريم الإمامة في مسجد له إمام راتب بلا إذنه أو عذره لا يستلزم عدم صحة الصلاة, لأن النهي لم يتوجه إلى ذات المنهي عنه, أو شرطه الذي لا ينفك عنه, وإنما توجه إلى أمر خارج وهو الإفتيات على الإمام والتقدم على حقه فلا ينبغي أن نبطل بذلك الصلاة.
س26: بمَ تدرك الجماعة ؟
ج/ في المسألة خلاف والراجح مذهب المالكية واختاره شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: أن الجماعة لا تدرك إلا بإدراك ركعة لحديث أبي هريرة مرفوعاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة(2) } فمنطوق الحديث أن من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة, ومفهومه أن من أدرك دون ذلك فإنه لم يدرك الصلاة.
وبناء على هذا فلو أتى شخص إلى المسجد والإمام قد رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة وهو يعلم أنه سيدرك مسجداً آخر وسيدرك معه ركعة فأكثر, فيقال له: لا تدخل مع هذه الجماعة لأنك سوف تدرك جماعة إدراكاً تاماً في مسجد آخر.
س27: بمَ تدرك الركعة ؟
__________
(1) كشاف القناع 1/458.
(2) متفق عليه.(4/16)
ج/ تدرك بإدراك الركوع مع الإمام وهو قول الأئمة الأربعة ويدل لذلك حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - حيث انتهى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصفو فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال - صلى الله عليه وسلم - { زادك الله حرصاً ولا تعد(1) } , فلم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بقضاء تلك الركعة, واستدلوا أيضاً بما ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة(2) } .
س28: إذا جاء المأموم والإمام راكع فركع معه ولكن شك هل أدرك الركوع مع الإمام أم لا؟ فما حكم ذلك؟
ج/ هذه المسألة لا تخلو من ثلاث خالات هي:
1- أن يتيقن أنه أدرك الإمام في ركوعه قبل أن يرفع منه فيكون مدركاً للركعة وتسقط قراءة الفاتحة.
2- أن يتيقن أن الإمام رفع من الركوع قبل أن يدركه فيه فقد فاتته الركعة.
3- أن يشك هل أدرك الإمام في ركوعه فيكون مدركاً للركعة أو أن الإمام رفع من الركوع قبل أن يدركه ففاتته الركعة, ففي هذه الحالة أن ترجح عنده احد الأمرين عمل بما ترجح فأتم عليه صلاته وسلم ثم سجد للسهو وسلم, إلا أن لا يفوته شيء من الصلاة فإنه لا سجود عليه حينئذٍ, وإن لم يترجح عنده أحد الأمرين عمل باليقين " وهي أن الركعة فاتته " فيتم عليه صلاته ويسجد للسهو قبل أن يسلم, ثم يسلم.
س29: إذا جاء المأموم والإمام في السجود مثلاُ فهل يستحب أن يدخل معه أم ينتظر حتى يقوم ؟
ج/ يستحب أن يدخل المأموم مع الإمام حيث أدركه لحديث أبي هريرة { إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً } (3).
__________
(1) رواه البخاري.
(2) رواه أبو داود وابن خزيمة والدار قطني وابن عدي والبيهقي من حديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ (إذا جئتم الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة) الحديث حسن, وصححه وابن خزيمة والحاكم والذهبي وضعفه البخاري.
(3) سبق تخريجه.(4/17)
س30: ما الحكم لو قام المسبوق قبل تسليمة إمامه الثانية ؟
ج/ إن كان متعمداً فصلاته باطلة, وإن كان لعذر لزمه أن يعود ليقوم بعد سلام الإمام الثانية.
س31: ما حكم الشروع في النافلة بعد إقامة الفريضة ؟
ج/ لا يجوز ذلك لما ورد في حديث أبي هريرة مرفوعاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة(1) } .
س32: بمَ يقيّد النهي ؟
ج/ يقيد بابتداء الإقامة وهو قول الحنابلة وبه قال ابن حزم خلافاً لمن قيد بإقامة الصلاة " أي الشروع في الصلاة " أو من قيدها بانتهاء الإقامة.
لأن الحكمة من النهي هو أن لا يتشاغل الإنسان بنافلة يقيمها وحده إلى جنب فريضة تقيمها جماعة. ومن المعلوم أن الإنسان لو شرع بالنافلة بعد أن يبدأ المقيم بالإقامة فإنه لن ينتهي منها غالباُ إلا وقد شرع الناس في صلاة الجماعة وحينئذٍ ينبغي أن يقيد النهي بشروع المقيم في الإقامة لأن على النهي موجودة في هذه الصورة. ومن باب أولى أن لا يشرع في النافلة إذا انتهت الإقامة, أو إذا شرع الإمام في الصلاة.
قال الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار: (قال العراقي والظاهر أن المراد شروعه في الإقامة ليتهياء المأمومون لإدراك التحريم مع الإمام ومما يدل على ذلك حديث أبي موسى { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً صلى ركعتي الفجر حين أخذ المؤذن } (2).
س33: إذا شرع في نافلة بعد الشروع في الإقامة فهل تنعقد نافلة أم لا ؟
ج/ الراجح أن هذه النافلة لا تنعقد وهذا مقيد فيما إذا كنت تريد أن تصلي مع هذا الإمام أما إذا كنت لا تريد أن تصلي معه فلا حرج على الإنسان أن يتنفل, فلو كان بجوارك مسجدان وسمعت إقامة أحدها وأردت أن تصلي الراتبة لتصلي في المسجد الثاني الذي لم يشرع في الإقامة فلا حرج في ذلك.
__________
(1) رواه مسلم.
(2) رواه الطبراني, قال العراقي إسناده جيد.(4/18)
س34: هل هناك فرق بين من شرع في النافلة وهو في المسجد أو في بيته وهو يريد الصلاة في المسجد الذي شرع في الإقامة ؟
ج/ الراجح أنه لا فرق. فلا فرق بين أن تقام الصلاة وأنت في المسجد وبين أن تقام وأنت في بيتك تريد الصلاة في هذا المسجد الذي شرع في الإقامة.
س35: ما الحكم لو أقيمت الصلاة وقد شرع المصلي في النافلة ؟
ج/ الأقرب أن يقال: إن أقيمت الصلاة وهو في الركعة الثانية أتمها خفيفة لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة } (1) وإن أقيمت وهو في الركعة الأولى قبل رفعه من السجدة الثانية فيقطعها لعدم إدراكه ركعة منها وهذا ما لم يخش الإنسان فوات الجماعة وبناء على هذا فلو كان الإنسان في بيته ثم شرع في نافلة ثم أقام المسجد الذي يريد الصلاة فيه فإن المصلي حينئذٍ يقطع الصلاة حتى ولو كان في الركعة الثانية خشية فوات الجماعة لأن الجماعة واجبة والنافلة نفل والواجب مقدم على النفل.
س36: من صلى ثم أقيمت جماعة فهل يسن له أن يعيد الصلاة مع الجماعة الأخرى أم لا؟
ج/ الراجح أنه يسن له أن يعيد وقد تقدم بحث هذه المسألة(2) .
س37: ما لأشياء التي يتحملها الإمام عن المأموم ؟
ج/ الأشياء التي يحملها الإمام عن المأموم هي:
__________
(1) متفق عليه.
(2) ينظر في صفحة 9.(4/19)
1- قراءة الفاتحة وفي هذه المسألة خلاف والراجح أن الإمام لا يتحمل عن المأموم قراءة الفاتحة بل تجب قراءتها على المأموم في الصلاة السرية والجهرية اللهم إلا إذا جاء المأموم والإمام راكع فركع معه فإنها تسقط عن المأموم ويتحملها الأمام عنه والدليل على وجوب قراءة الفاتحة على المأموم مطلقاً حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: كنا خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الفجر فثقلت عليه القراءة فلما فرغ قال { لعلكم تقرؤون خلف إمامكم ؟ فقلنا: نعم , قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها } (1).
2-سجود السهو, ولكن متى يتحمل الإمام عن المأموم سجود السهو ؟
يتحمل الإمام عن المأموم سجود السهو فيما إذا كان المأموم غير مسبوق وترك واجباً سهواً.
مثال ذلك:
مأموم دخل مع الإمام من أول الصلاة ونسى التسبيح في إحدى الركعات أو إحدى السجدات مثلاً, ففي هذه الحالة يسقط سجود السهو عن المأموم, ويتحمله الإمام عن المأموم.
3- سجود التلاوة, فلو أن المأموم قرأ خلف إمامه سورة فيها سجدة فإن المأموم هنا لا يسجد لأنه يجب عليه متابعة الإمام.
كذلك أيضاً لو أن الإمام قرأ آية سجدة ولم يسجد الإمام فلا يشرع للمأموم السجود لأنه يجب عليه متابعة الإمام كما تقدم.
__________
(1) رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم وفيه ابن إسحاق وقد صرح بالتحديث وقال الخطابي في معالم السنن 1/205(وإسناده جيد لا طعن فيه) وقال ابن حجر في التلخيص 344 وصححه أبو داود والترمذي والدار قطني وابن حبان والحاكم والبيهقي.(4/20)
4- السترة, لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه, لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بأصحابه إلى سترة ولم يكن يأمرهم أن يستتروا بشيء, وبناء على هذا تكون سترة الإمام سترة لمن خلفه, ومما يدل لذلك حديث أنس مرفوعاً { سترة الإمام سترة لمن خلفه(1) } .
قال عثمان في حاشيته على المنتهى 1/209: (إن معنى كون سترة الإمام سترة لمن خلفه أن اتخاذ الإمام سترة كافٍ ومغنِ عن اتخاذ المأموم سترة, بمعنى أنها لا تطلب من المأموم...ثم الظاهر أن سترة الأمام تقوم مقام سترة المأموم في الأمور الثلاثة التي تفيدها السترة, وهي عدم البطلان بمرور الكلب الأسود من ورائها, وعدم استحباب رد المصلي للمار, وعدم الإثم على المار من ورائها).
5- دعاء القنوت, فالمأموم يؤمن على دعاء الإمام, فلا يدعو مع دعاء الإمام.
6- التشهد الأول إذا سُبق المأموم بركعة في صلاة رباعية.
مثال ذلك:
لو دخل المأموم مع الإمام بعد الركعة الأولى في صلاة العصر مثلاً فالإمام سيجلس التشهد الأول وهو بالنسبة للمأموم يعد الركعة الأولى فهو ليس محلاً للتشهد الأول للمأموم ولكنه يجلس تبعاً لإمامه. ففي هذه الصورة لن يجلس المأموم للتشهد الأول فالإمام يتحمله عن المأموم في هذه الحالة.
س38: هل يستفتح المأموم ويتعوذ ويبسمل خلف الإمام في الصلاة الجهرية أم لا؟
__________
(1) رواه الطبراني في الأوسط وضعفه العراقي في فيض القدير4/97, والألباني في ضعيف الجامع3250.(4/21)
ج/ يقال هنا أن الإمام لا يتحمل عن المأموم دعاء الاستفتاح, وإذا أراد المأموم أن يقرأ الفاتحة فإنه يتعوذ ويبسمل, وهذا في الصلاة الجهرية إذا أدركها مع الإمام من أولها, وفي الصلاة السرية كذلك أما لو جاء المأموم والإمام يقرأ في الصلاة الجهرية, فأما بالنسبة لاستفتاح فإنه لا يستفتح, لأنها سنة فات محلها, ولئلا يشغله ذلك عن استماع القراءة, وأما بالنسبة للاستعاذة والبسملة, فإنه يستعيذ ويبسمل ثم يقرأ الفاتحة على القول بوجوبها على المأموم في الصلاة الجهرية, كما سيأتي بيان ذلك, لأن البسملة والاستعاذة تابعتان للقراءة.
س39: هل يتحمل الإمام عن المأموم قراءة الفاتحة أم لا ؟
ج/ أما بالنسبة للصلاة السرية فإن الإمام لا يتحمل قراءة الفاتحة عن المأموم, بل يجب على المأموم أن يقرأها, أما بالنسبة للصلاة الجهرية هل تجب على المأموم فيما يجهر به الإمام أم لا ؟
على خلاف والراجح أنها تجب على المأموم في كل ركعة حتى في الصلاة الجهرية, وقد تقدم بحث هذه المسألة(1), ولكنها تسقط عن المأموم ويتحملها الإمام عن المأموم إذا أدرك إمامه راكعاً أو قائماً قريباً من الركوع ولم يتمكن من قراءة الفاتحة لركوع إمامه, ويدل لذلك حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - حين دخل المسجد والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان راكعاً فأسرع وركع قبل أن يصل إلى الصف, ثم استمر في صلاته, فلما فرغ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { أيكم الذي فعل هذا ؟ قال أبو بكرة: أنا يا رسول الله, قال: زادك الله حرصاً ولا تعد } (2) , ومع تلك الركعة لم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقضاء تلك التي أدرك ركوعها دون قراءتها, ولو كانت الركعة غير صحيحة لأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بإعادة الركعة كما أمر المسيء في صلاته بإعادة الصلاة لعدم الإتيان بأركانها.
__________
(1) ينظر الجزء الأول من مذكرة الصلاة 65.
(2) رواه البخاري.(4/22)
س40: على القول بوجوب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية متى يقرأها ؟
ج/ سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله سؤالاً مفاده: إذا كان الإمام يصل القراءة بعد الفاتحة فهل لي أن استمع إلى القراءة أو أقرأ الفاتحة ؟ , فأجاب رحمه الله بقوله: (إذا كان الإمام يصل القراءة بالفاتحة فاقرأ الفاتحة ولو كان يقرأ, لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب(1) } , وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج } (2), وخداج يعني فاسدة, فقيل لأبي هريرة { إذا كان الإمام يقرأ فكيف أقرأ ؟ قال: اقرأ بها في نفسك } . فالإنسان إذا كان لم يقرأ, يقرأ في نفسه سراً, وفي السنن من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بأصحابه صلاة الصبح فلما انصرف قال { مالى أنازع القرآن, لعلكم تقرؤون خلف إمامكم ؟ قالوا: نعم, قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن, فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها(3) } .
وعلى هذا فنقول: اقرأ القرآن ولو كان إمامك يقرأ, وإذا كانت السورة التي يقرأها الإمام قصيرة, ولا تتمكن من قراءة الفاتحة فلا حرج أن تقرأها ولو كان الإمام يقرأ الفاتحة(4).
س41: ماذا يشرع للمصلي أن يقرأ بعد قراءة الفاتحة ؟
ج/ يستحب للمصلي أن يقرأ سورة في الركعتين الأوليين بعد الفاتحة, ولا فرق في ذلك بين الصلاة السرية والجهرية, ولا بين الإمام والمأموم, إلا في الصلاة الجهرية بالنسبة للمأموم, فإنه يقتصر على قراء الفاتحة فقط ثم يستمع لقراءة الإمام.
{ فصل }
هذا الفصل عقده المصنف لبيان أحوال المأموم مع الإمام.
__________
(1) متفق عليه.
(2) رواه مسلم.
(3) رواه أبو داود والترمذي حسنه.
(4) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى, جمع وإعداد فهد السليمان 13/154-155.(4/23)
س42: ما حكم من أحرم مع إمامه أو أحرم قبل إتمام الإمام لتكبيرة الإحرام ؟
ج/ من كبر تكبيرة الإحرام قبل الإمام أو كبر قبل أن يتم الإمام تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته أصلاً, لأن المأموم لابد أن يأتي بتكبيرة الإحرام بعد انتهاء الإمام من تكبيرة الإحرام نهائياً.
س43: ما الأولى بالنسبة للمأموم مع الإمام ؟
ج/ الأولى أن يشرع المأموم في أفعال الصلاة بعد إمامه لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد وإذا سجد فاسجدوا } , وفي حديث أبي موسى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم(1) } .
س44: ما حكم موافقة المأموم للإمام ؟
ج/ الموافقة على قسمين:
1- الموافقة في الأقوال فهذه لا تضر إلا في تكبيرة الإحرام والسلام.
وقد تقدم الكلام عن الموافقة في تكبيرة الإحرام.
أما موافقة المأموم الإمام بالسلام فقد قال العلماء: أنه يكره أن تسلم مع إمامك التسليمة الأولى, والثانية, وأما إذا سلم المأموم التسليمة الأولى بعد تسليم الإمام التسليمة الأولى والتسليمة الثانية بعد التسليمة الثانية فإن هذا لا بأس به لكن الأفضل أن لا تسلم إلا بعد التسليمتين, وأما بقية الأقوال, فلا يؤثر أن توافق الإمام أو تتقدم عليه أو تتأخر عنه, فلو فرض أنك تسمع الإمام يتشهد وسبقته أنت بالتشهد فهذا لا يضر, لأن السبق بالأقوال ما عدا التحريمة والتسليم ليس بمؤثر ولا يضر.
2- الموافقة في الأفعال, قيل إنها خلاف السنة, والأقرب أن ذلك مكروه.
__________
(1) متفق عليه.(4/24)
مثال ذلك: لو قال الإمام الله أكبر للركوع وشرع في الهوى فهوى المأموم والإمام سواء , فهذا مكروه لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال { إذا ركع فاركعوا, ولا تركعوا حتى يركع } , قال البراء بن عازب { كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قال: سمع الله لمن حمده لا يحني منا أحد ظهره حتى يقع النبي - صلى الله عليه وسلم - ساجداً ثم نقع سجوداً بعده } (1).
س45: ما حكم مسابقة الإمام ؟
ج/ مسابقة الإمام حرام لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار أو يجعل صورته صورة حمار(2) } .
س46: ما أقسام سبق الإمام ؟
ج/ الأقسام أربعة هي:
1) السبق إلى الركن, مثال ذلك: أن يركع المأموم قبل الإمام مثلاً أو يسجد قبله.
2) السبق بركن الركوع, مثال ذلك: أن يركع ويرفع قبل أن يركع إمامه.
3) السبق بركن غير الركوع, مثال ذلك: كأن يسجد ويرفع قبل أن يسجد إمامه مثلاً.
4) السبق بركنين غير الركوع, مثال ذلك: أن يسجد ويرفع قبل سجود إمامه ثم يسجد الثانية قبل رفع إمامه من السجدة الأولى.
س47: ما حكم الصلاة بالنسبة لأقسام السبق ؟
ج/ الراجح في أقسام السبق أنه متى سبق المأموم إمامه عالماً ذاكراً فصلاته باطلة بكل أقسام السبق, وإن كان جاهلاً أو ناسياً فصلاته صحيحة إلا أن يزول عذره قبل أن يدركه الإمام, فإنه يلزمه الرجوع ليأتي بما سبق فيه بعد إمامه, فإن لم يفعل عالماً ذاكراً بطلت صلاته وإلا فلا(3).
س48: ما أحوال المأموم مع الإمام ؟
ج/ المأموم مع إمامه له أحوال أربع هي:
1- سبق, وتقدم بيان أقسامه وحكمه.
2- تخلف, وسيأتي بيانه.
3-موافقة, وتقدم بيان أقسامها.
4- متابعة, وسيأتي بيان معناها.
س49: ما أقسام التخلف عن الإمام وما حكمه ؟
ج/ التخلف عن الإمام على قسمين:
__________
(1) رواه البخاري.
(2) متفق عليه.
(3) الارشاد للسعدي ص60.(4/25)
1. أن يكون التخلف لعذر, وحكم هذا القسم أن المأموم يأتي بما تخلف به عن الإمام ويتابع الإمام ولا حرج عليه حتى وإن كان المأموم تخلف بركن كامل أو ركنين.
مثال ذلك:
شخص سها وغفل, أو لم يسمع الإمام فركع الإمام ورفع من الركوع والمأموم ما زال واقفاً ثم تنبه ففي هذه الحالة يلحق بالإمام فيركع ويرفع ثم يتابع الإمام ولا شيء عليه. لكن لو وصل الإمام إلى المأموم في الركن الذي تخلف فيه المأموم فإن المأموم لا يأتي به ويبقى مع الإمام, وتصبح له ركعة ملفقة.
مثال ذلك:
رجل يصلي مع الإمام ركع الإمام ورفع ثم سجد السجدتين ثم قام الإمام ووقف والمأموم لم يتابع الإمام لسهو أو لغفلة أو لعدم سماع الصوت مثلاُ فهنا الإمام أدرك المأموم في الركن الذي تخلف فيه فهنا لا يقال للمأموم اركع وارفع واسجد السجدتين ثم تابع الإمام وإنما يقال له ابق مع الإمام وتابعه ثم تأتي بركعة كاملة بعد سلام الإمام.
2. أن يكون التخلف لغير عذر وهذا القسم على نوعين:
أ- أن يكون التخلف في الركن ومعنى ذلك أن يتأخر المأموم عن الإمام في المتابعة لكن يدرك الإمام في الركن الذي انتقل إليه.
مثال ذلك:
أن يركع الإمام مثلاً ثم يتأخر المأموم عن الركوع ولكن المأموم ركع قبل أن يرفع الإمام فالركعة هنا صحيحة لكن هذا الفعل مخالف للسنة لأن المشروع المتابعة كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله.
ب- أن يكون التخلف بالركن ومعنى ذلك أن يسبق الإمام المأموم بركن.
مثال ذلك:
أن يركع الإمام ويرفع قبل ركوع المأموم, فهنا الراجح أن صلاة المأموم باطلة إذا كان لغير عذر سواء تخلف المأموم في الركوع أو غير ذلك, وعلى هذا لو أن الإمام رفع من السجدة الأولى وكان هذا المأموم يدعو الله في السجود فبقى يدعو الله حتى سجد الإمام السجدة الثانية فصلاته باطلة لأنه تخلف بركن لغير عذر.
س50: أي حالات المأموم مع الإمام المشروعة ؟ وما معناها ؟(4/26)
ج/ المشروع للمأموم مع الإمام المتابعة وهي السنة ومعنى ذلك: أن يشرع المأموم في أفعال الصلاة بعد شروع إمامه بالركن بلا تخلف لحديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال { كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قال: سمع الله لمن حمده لا يحني أحداً منا ظهره حتى يقع النبي - صلى الله عليه وسلم - ساجداً ثم نقع سجوداً بعده } (1). وعن عمرو بن حريث قال { فكان لا يحني أحد منا ظهره حتى يستتم ساجداً } (2), وعن أنس قال { حتى يتمكن النبي - صلى الله عليه وسلم - من السجود } (3).
س51: ما السنة في حق الإمام تطويل الصلاة أم تخفيفها ؟
ج/ السنة في حق الإمام التخفيف مع الإتمام بجليل حديث أنس - رضي الله عنه - قال { ما صليت خلف إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (4) } .
س52: ما معنى التخفيف ؟
ج/ تخفيف الإمام للصلاة ينقسم إلى قسمين:
1. تخفيف لازم: " أي واجب " فلا يزيد في التسبيح في الركوع والسجود على عشر تسبيحات إلا إذا كان الجماعة محصورين وأذنوا للإمام بذلك. أي بالتطويل فلا بأس.
قال الشوكاني في النيل: (والأصح أن المنفرد يزيد في التسبيح ما أراد, وكلما زاد كان أولى والأحاديث الصحيحة في تطويله ناطقة بهذا, وكذلك الإمام إذا كان المؤتمون ولا يتأذون بالتطويل(5) ولزوال العلة وهي التنفير.
فإن تجاوز ما جاءت به السنة فهو مطول بدليل حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف } (6) والتخفيف الموافق للسنة واجب لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - غضب لما أطال معاذ - رضي الله عنه - صلاته بقومه(7).
__________
(1) رواه البخاري.
(2) رواه مسلم.
(3) رواه أبو يعلى.
(4) متفق عليه.
(5) نيل الأوطار 2/248.
(6) متفق عليه.
(7) متفق عليه.(4/27)
قال شيخ الإسلام: (وليس له " أي الإمام " أن يزيد على القدر المشروع وينبغي أن يفعل غالباً ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله ويزيد وينقص للمصلحة كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يزيد وينقص أحياناً).
2 .تخفيف عارض: وهو أن ينقص عما جاءت به السنة لسبب من الأسباب لحديث أبي قتادة مرفوعاً { أني لأقوم في الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز فيها مخافة أن أشق على أمه } (1).
فائدة:
يعتقد بعض الناس أن التخفيف في الصلاة معناه نقرها وعدم أدائها على وجهها الشرعي, وهذا خطأ, قال ابن القيم رحمه الله: (وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - { أيكم أم الناس فليخفف } , وقول أنس - رضي الله عنه - { كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخف الناس صلاة في تمام } , فالتخفيف أمر نسبي يرجع إلى ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - وواظب عليه لا إلى شهوة المأمومين, فإنه لم يكن يأمرهم بأمر ثم يخالفه, وقد علم أن من ورائه الكبير والضعيف وذا الحاجة, فالذي فعله هو التخفيف الذي أمر به... وهديه الذي واظب عليه هو الحاكم على كل ما تنازع فيه المتنازعون, ويدل عليه ما رواه النسائي وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما قال { كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بالتخفيف ويومنا بالصافات } فالقراءة بالصافات من التخفيف الذي كان يأمر به)(2).
مسألة:
يكره للإمام أن يسرع سرعة تمنع المأموم من فعل ما يسن, قال في كشاف القناع: (تكره سرعة تمنع المأموم فعل ما يسن له كقراءة السورة, وما زاد على مرة في تسبيح ركوع وسجود...الخ, وأن يترسل الإمام بقدر ما يرى أن الثقيل والكبير وغيرهما قد أتى به, لما في ذلك من تفويت المأموم ما يستحب له فعله)(3).
__________
(1) رواه البخاري.
(2) كتاب الهدى لابن القيم.
(3) كشاف القناع 1/467,468.(4/28)
أما إذا كان الإمام يسرع سرعة لا يتمكن معها المأموم من أداء الواجب فإنه يجب على المأموم في هذه الحالة أن ينوي الانفراد عن الإمام ويترك الصلاة خلفه ويتم لوحده.
س53: ما حكم انتظار الإمام من يدخل من المأمومين ؟
ج/ انتظار الداخل على أقسام:
1. انتظاره قبل الدخول في الصلاة فهذا ليس بسنة بل السنة أن تفعل الصلاة في وقتها المستحب فعلها فيه من تقديم أو تأخير.
وذهب بعض أهل العلم استحساناً منهم إلى أنه إذا كان الرجل ذا شرف وإمامه في الدين أو إمارة في الدنيا فإنه يستحب انتظاره, لكن هذه المسألة على إطلاقها لا تنبغي, وفي ذلك نظر.
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عند مسألة استحباب انتظار المأموم وعدم إقامة الصلاة إلا بعد أن يحضر إذا كان ذا شرف في الدين أو إمارة في الدنيا قال رحمه الله: (وهنا المسألة في الحقيقة على إطلاقها لا تنبغي, لأن دين الله لا يراعى فيه أحد ولكن إذا رأى الإنسان مصلحة محققة وأن في عدم مراعاة مفسدة بحيث إذا لم نراعه لم يتقدم إلى المسجد أو ربما لم يصل مع الجماعة, وهو شخص يُقتدى به إما في دينه وإما في ولايته, فهنا يترجح انتظاره بشرط أن لا يشق على الموجودين في المسجد, فإن شق عليهم فهم أولى بالمراعاة)(1).
2. انتظار الداخل في الركوع فإذا دخل المأموم والإمام راكع فهل الإمام ينتظر المأموم أم لا؟ في المسألة خلاف والأقرب في ذلك أنه يستحب للإمام انتظاره ما لم يشق ذلك على المأمومين وهو مذهب الحنابلة ويدل لذلك ما يلي:
أ) حديث أبي قتادة { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم في الصلاة فيسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن يشق على أمه } (2) فالنبي - صلى الله عليه وسلم - غير هيئة الصلاة من أجل الأم.
__________
(1) الممتع 4/278.
(2) سبق تخريجه ص 33.(4/29)
ب) حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال { كانت صلاة الظهر تقام فينطلق أحدنا إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يأتي أهله فيتوضأ ثم يرجع إلى المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الركعة الأولى } (1) فالإطالة هنا لأجل إدراك الناس.
ج) إطالة الإمام الركعة الثانية أكثر من الأولى في صلاة الخوف وذلك من أجل إدراك الطائفة الثانية الصلاة.
3. انتظار الداخل في ركن غير الركوع فالأقرب هنا: أنه إذا كان الداخل لا يستفيد إلا مشاركة الإمام كما لو جاء المأموم والإمام في السجود فهنا لا ينتظره لأنه قد يشق على بعض المأمومين, ولأن الصلاة لها هيئة معلومة, فإذا أطال بلا مصلحة فقد غير هيئة الصلاة. أما إذا كان المأموم الداخل يستفيد من انتظار الإمام له فإنه ينتظر كما لو دخل المأموم والإمام في التشهد الأخير لأنه يكون أدرك شيئاً من الصلاة وأدرك الجماعة(2).
س54: ما حكم حضور المرأة صلاة الجماعة في المسجد ؟
ج/ يباح حضورها ولا يكره على الإطلاق وهو قول أحمد ومالك لحديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { لا تمنعوا نساءكم المساجد, وبيوتهن خير لهن } (3), ويستثنى من ذلك صلاة العيدين, لحديث أم عطية قالت { أمرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن نخرج العواتق وذوات الخدور } (4).
لكن إن كانت شابة وكان يخشى من خروجها الإفتتان بها حرم خروجها. قال في الإفصاح: (واتفقوا على أنه يكره للشواب منهن حضور جماعات الرجال)(5), والعلة خشية الافتنان بها, والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً فإذا لم تخش لم يكره فإن علمت الفتنة أو ظنت حرك.
__________
(1) رواه مسلم.
(2) وإدراك الجماعة بإدراك التشهد الأخير هذا هو قول الحنابلة والراجح أن الجماعة لا تدرك إلا بإدراك ركعة فأكثر.
(3) رواه أحمد وأبو داود وصححه والحاكم على شرطهما ووافقه الذهبي.
(4) رواه البخاري ومسلم.
(5) الإفصاح 1/150.(4/30)
س55: ما حكم منع الرجل موليته إذا استأذنته إلى المسجد ؟
ج/ الراجح أنه يحرم على الولي أن يمنع المرأة إذا أرادت الذهاب إلى المسجد لتصلي مع المسلمين لأن الحديث ورد بلفظ النهي فقال { لا تمنعوا... } الحديث. والأصل في النهي التحريم ويدل لهذا أن ابن عمر - رضي الله عنه - لما قال له ابنه بلال حينما حدث بهذا الحديث { والله لنمنعهن } (1), لما قال ذلك أقبل إليه عبد الله فسبه سباً شديداً ما سبه مثله قط وقال له أقول لك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { لا تمنعوا إماء الله } وتقول { والله لنمنعهن } فهجره , وهذا الفعل من ابن عمر يدل على التحريم, لكن إذا تغير الزمان فينبغي للإنسان أن يقنع أهله بعدم الخروج حتى لا يخرجوا, ويسلم هو من ارتكاب النهي الذي نهى عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
س56: هل الأفضل خروج المرأة إلى المسجد أم صلاتها في بيتها ؟
ج/ الأفضل صلاتها في بيتها لأن حديث ابن عمر رضي الله عنهما { لا تمنعوا إما الله ... } تضمن خطابين:
أ. خطاب موجه للأولياء.
ب. خطاب موجه للنساء, أما الأولياء, فلا يمنعون النساء, وأما النساء فبيوتهن خير لهن.
س57: إذا أرادت المرأة أن تخرج إلى المسجد فكيف تخرج ؟
__________
(1) رواه مسلم.(4/31)
ج/ تخرج تفله أي غير متطيبة لحديث زيد بن خالد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال { لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات(1) } ومنع النبي - صلى الله عليه وسلم - المرأة إذا كانت متطيبة أن تشهد المسجد كما ورد في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا صلاة العشاء(2) } . ومما يؤسف له أن بعض النساء تأتي إلى المسجد وخاصة في رمضان في صلاة التراويح إما مع سائق مع الخلوة بها أو تأتي وهي متطيبة أو متبرجة بنقاب ونحو ذلك فتكون مأزورة غير مأجورة فهي إلى الإثم أقرب ويجب أن تعلم المرأة المسلمه أن ما عند الله لا ينال إلا بطاعة الله.
ويجب على الولي أن يمنعها في هذه الحال ولا يجوز له السماح لها أن تخرج إلى المسجد وهي على هذه الحال فتكون فتنة لكل مفتون فإن فرط الولي في ذلك أثم لأنه راع ومسئول عن رعيته ومؤتمن وهو في هذه الحال فرط في الأمانة.
س58: إذا أرادت المرأة أن تخرج إلى المدرسة مثلاً أو إلى السوق أو إلى محاضرة في المسجد لقصد المحاضرة فهل لوليها أن يمنعها ؟
ج/ نعم له أن يمنعها لقوله في الحديث { إلى المسجد } والمقصود هنا أي للصلاة فهذا يدل على أنها لو استأذنت لغير ذلك كالخروج إلى المدرسة فله منعها إلا أن يكون ذلك مشروطاً عليه في العقد, كذلك لو أرادت الخروج إلى السوق فله أن يمنعها, وكذا لو أرادت الذهاب إلى المسجد لا لقصد الصلاة وإنما للفرجة على بنائه مثلاً أو لتحضر محاضرة فله أن يمنعها من ذلك.
{ فصل في الإمامة }
__________
(1) رواه الإمام أحمد وابن حبان والطبراني والبزار وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 2/32,33 رجاله رجال الصحيح غير محمد بن عبدالله بن عمرو بن عثمان وهو صدوق.
(2) رواه مسلم.(4/32)
لما بين المصنف رحمه الله حكم صلاة الجماعة وما تفرع عنها من مسائل مما سبق ذكره, ذكر أحكام الإمامة من الذي يصلح أن يكون إماماً ؟ ومن أحق بالإمامة فهذا هو المراد بهذا الفصل .
س59: من أولى الناس بالإمامة ؟
ج/ أحق الناس بالإمامة على الترتيب على القول الراجح ما يلي:
1)أولى الناس بالإمامة الأقرأ: العالم بفقه صلاته ويدل لذلك حديث أبي مسعود ألبدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله...(1) } .
مسألة:
ومن المراد بالأقرأ هل هو الأحسن صوتاً أم الأكثر حفظاً ؟
في المسألة خلاف والراجح أن المراد بالأقرأ هو الأكثر حفظاً لحديث عمرو بن سلمه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآناً(2) } , وقوله { العالم فقه صلاته } أي الذي يعلم فقه الصلاة, بحيث لو طرأ عليه عارض في صلاته من سهو أو غيره تمكن من تطبيقه على الأحكام الشرعية, وبناء على هذا فلو اجتمع شخصان أحدهما أجود قراءة والثاني قارئ دونه في الإجادة ولكنه أعلم من الأول بفقه أحكام الصلاة, أي فيما يتعلق بالصلاة, دون المعاملات أو الأنكحة , أو المواريث ونحو ذلك فلا شك أن الثاني أقوى في الصلاة من الأول لأنه أقوى, في أداء العمل لأن ذلك الأقرأ ربما يسرع في الركوع أو في القيام بعد الركوع وربما يطرأ عليه سهو ولا يدري كيف يتصرف والعالم فقه صلاته يدرك هذا كله.
__________
(1) رواه مسلم.
(2) رواه البخاري.(4/33)
2) الأفقه: هذه هي المرتبة الثانية فيقدم بعد الأقرأ: العالم فقه صلاته كشروطها وأركانها وواجباتها ومبطلاتها ونحو ذلك لحديث أبي مسعود ألبدري مرفوعاً { يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة.. } وتقدم أنه إذا اجتمع شخصان أحدهما أجود قراءة والثاني دونه في الإجادة ولكنه أعلم من الأول بفقه أحكام الصلاة فإنه يقدم الثاني ومن باب أولى إذا استووا في القراءة أنه يقدم ألأفقه.
مسألة:
إذا اجتمع فقيهان قارئان وأحدهما أفقه أو أقرأ قُدم, فإن كانا قارئْين قُدم أجودهما وتقدم الخلاف في ذلك وأن المقصود أنه يقدم الأكثر قرآناً لحديث عمرو بن سلمه وابن عمر رضي الله عنهم, ويقدم قارئ لا يعرف أحكام صلاته على فقيه أمي(1). وان اجتمع فقيهان أحدهما اعلم بأحكام الصلاة قدم, لأن علمه يؤثر في تكميل الصلاة.
فأن استووا في القراءة والفقه قدم الثالث وهو:
3) الأقدم هجرة: والهجرة هي الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام, بدليل حديث أبي مسعود ألبدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال { يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله, فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة... } (2) وأما حديث مالك بن الحويرث وفيه { وليؤمكم أكبركم } (3) فالنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قدم الأكبر هنا لأنهما متساويان في الهجرة.
4)ثم الأقدم إسلاماً: لحديث أبي مسعود السابق وفيه { فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً } , أي إسلاماً.
__________
(1) الأمي هنا من لا يحسن الفاتحة, أو يدغم فيها ما لا يدغم, أو يبدل حرفاً بغيره, أو يلحن فيها لحناً يحيل المعنى.
(2) سبق تخريجه ص38.
(3) رواه البخاري ومسلم.(4/34)
5) ثم الأكبر سناً: لحديث مالك بن الحويرث { وليؤمكم أكبركم } , أما التقوى فهي صفة بلا شك يجب أن تراعى في كل هؤلا ولا اعتبار لأشرفيه, والأتقى ولا شك مقدم على الأشرف, لقول الله تعالى { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ(1) } .
قال السعدي رحمه الله: (والصحيح أن الأتقى والأورع في الإمامة مقدم على الأشرف صاحب النسب, بل ومقدم على الأسن, لأن الإمامة كمالها في العلم والتقى, والنسب لا دخل له في هذا الموضع, والسن دون الورع في المرتبة, وإنما يعتبر السن مع الاستواء في الصفات)(2).
والتقوى هي اتقاء عذاب الله بفعل الأوامر واجتناب النواهي.
س60: إذا استوى في المراتب السابقة كلها رجلان فما الحكم ؟
ج/على خلاف بين العلماء, فالحنابلة قالوا يقرع بينهما ما لم يتنازل أحدهما عن طلبه والقرعة تعمل في مواضع كثيرة منها هذا الموضع وقد دل على إعمالها الكتاب والسنة, فقد وردت في القرآن في موضعين:
الأول: في سورة آل عمران في قوله تعالى { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } (3).
الثاني: في سورة الصافات في قوله تعالى { فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ } (4).
وعن الإمام أحمد: (من يختاره الجيران, ثم القرعة وهذا القول هو الأقرب, لأنه إذا حصل الاختيار من الجيران, فإنه سيحصل الائتلاف والاجتماع على الإمام, وهذا من مقاصد صلاة الجماعة.
س61: إذا كان إمام المسجد موجوداً أو صاحب البيت وفيه من هو أقرأ منهما فمن الأحق بالإمامة ؟
__________
(1) الحجرات: من الآية13)
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) آل عمران:44).
(4) الصافات:141).(4/35)
ج/ الأحق بالإمامة إمام المسجد وصاحب البيت ما دام أهلاً للإمامة ولو كان من الحاضرين من هو أقرأ أو أفقه لحديث أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - { لا يؤمن الرجل في بيته ولا في سلطانه(1) } , إلا من ذي سلطان فإنه يقدم, والسلطان هو الإمام الأعظم, فإذا حضر قدم على جميع الحاضرين, سواء كان غيره أقرأ أو أفقه أو لا, فإن لم يتقدم قدم من شاء ممن يصلح للإمامة, لأن الحق له فاختص بالتقدم , والتقديم ومما يدل على أن السلطان أحق من غيره لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - { أمّ عتبان بن مالك وأنساً في بيوتهما ولأن له ولاية عامة } .
س62: إذا اجتمع حر وعبد فأيهما يقدم للإمامة ؟
ج/ يقال الأقرب في ذلك أنه يقدم من قدمه الله ورسوله, لعموم حديث أبي مسعود { يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله .. } (2).
ولحديث ابن عمر { أن سالم مولى أبي حذيفة أمّ المهاجرين الذين قدموا قبل مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان أكثرهم قرآناً, وفيهم عمرو بن سلمه } (3), وعليه يكون العبد أولى إذا كان أفضل وأدين فإن تساويا فالقرعة.
س63: أيهما أولى بالإمامة المسافر أم الحاضر ؟
ج/ الحاضر أولى من المسافر وهذا هو المذهب لأنه ربما قصر فيفوت المأمومين بعض الصلاة جماعة أو يتم المسافر فيكره له ذلك(4), وهذا إنما يقال به إذا تساويا أما إذا كان أحدهما أفضل فإنه يقدم, لعموم حديث أبي مسعود البدري { يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله.. } ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم عام الفتح, وقال أتموا يا أهل مكة فإنا قوم سفر } (5).
قال في الشرح مع الإنصاف { وقال القاضي: إن كان فيهم إمام فهو أحق بالإمامة وإن كان مسافراً(6) } .
س64: أيهما أولى بالإمامة البصير أم الأعمى ؟
__________
(1) رواه مسلم.
(2) تقدم تخريجه.
(3) رواه مسلم.
(4) المغني 3/28, كشاف القناع 1/474.
(5) رواه أبو داود والترمذي وحسنه من حديث عمران بن حصين - رضي الله عنه -.
(6) الشرح مع الإنصاف 4/351.(4/36)
ج/ الراجح أنهما سواء, لأن الذين قالوا البصير أولى بالإمامة من الأعمى(1), وقالوا لأن البصير أقدر على استكمال شروط الصلاة, فيقال أنهما سواء لأن الأعمى أخشع لا يشتغل في الصلاة بالنظر إلى ما يلهيه فيتساويان, وهو قول الشافعي وهذا هو الأقرب, لعموم { يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله } .
س65: أيهما أولى بالإمامة المتوضئ أم المتيمم ؟
ج/ الأقرب في ذلك التساوي, لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - { يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله } , ولأن التيمم رافع للحدث إلى وجود الماء على الراجح, لأن الذين قالوا بأن المتوضئ أولى من المتيمم بناء على أصلهم أن التيمم مبيح, ولكن الراجح ما تقدم(2) أن التيمم رافع للحدث حتى يجد الإنسان الماء.
س66: ما حكم إمامة غير الأولى مع وجود الأولى بلا إذنه ؟
ج/ يكره ذلك للافتئات "أي التعدي " عليه, إلا إذا كان غير الأولى هو صاحب البيت أو إمام المسجد فهو أحق بالإمامة ولو كان هناك من هو أولى منه.
س67: ما حكم إمامة الفاسق(3) ؟
ج/ إمامة الفاسق لا تخلو من حالتين:
1-أن تكون في الجمعة والعيد.
2-أن تكون في غير الجمعة والعيد.
فإن كانت إمامته في غير الجمعة والعيد فلها حالتان:
الأولى: أن يكون فسقه من جهة الأعمال كمرتكب كبيرة أو مصر على صغيرة, فالراجح هنا صحة الصلاة خلفه للأدلة الآتية:
أ. لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - { يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله } (4) .
__________
(1) وهو مذهب الحنابلة.
(2) ينظر في ذلك مذكرة الطهارة.
(3) الفاسق في اللغة: الخارج مأخوذ من قولهم: فسقت الثمرة عن قشرها, أي خرجت وأما شرعاً فهو من فعل كبيرة أو أكثر من الصغائر. نص على ذلك ابن قدامة رحمه الله في الكافي.
(4) سبق تخريجه.(4/37)
ب. حديث أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { كيف إذا كان عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها ؟ قال: قلت: فما تأمرني ؟ قال: صل الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة } (1).
وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن بالصلاة خلفهم وجعلها نافلة لأنهم أخروها عن وقتها, وظاهره أنهم لو صلوها في الوقت لكان مأموراً بالصلاة معهم فريضة, ومن أخره الصلاة عن وقتها فهو غير عدل.
ج. حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - رضي الله عنه - قال { يصلون لكم فإن أصابوا فلكم, وإن أخطأوا فلكم وعليهم(2) } .
د. أن الصحابة رضي الله عنهم ومنهم ابن عمر { كانوا يصلون خلف الحجاج } (3), وابن عمر - رضي الله عنه - من أشد الناس تحرياً لإتباع السنة واحتياطاً لها, والحجاج معروف بأنه من أفسق عباد الله.
كذلك أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - صلى خلف مروان بن الحكم(4), والحسن والحسين صليا خلف مروان بن الحكم(5) .
هـ. أيضاً من الأدلة النظرية على ذلك أن يقال: كل من صحت صلاته صحت إمامته ولا دليل على التفريق بين صحة الصلاة وصحة الإمامة فما دام هذا يصلي فكيف لا أصلي وراءه, لأنه إذا كان يفعل معصية فمعصيته على نفسه, لكن لو فعل معصية تتعلق بالصلاة بأن كان هذا الإمام إذا دخل في الصلاة يبطل الصلاة فلا تصح الصلاة خلفه لأن صلاته لا تصح, لفعله محرماً في الصلاة, لأن معصيته تتعلق بالصلاة أما إذا كانت معصيته خارجة فهي عليه.
الثانية: أن يكون فسقه من جهة الاعتقاد كالأشاعرة والمعتزلة ونحوهم لكن فسقه لا يخرجه من الملة فالراجح صحة الصلاة خلفه والأدلة على ذلك ما يلي:
__________
(1) رواه مسلم.
(2) رواه البخاري.
(3) رواه البخاري.
(4) رواه البخاري.
(5) رواه عبد الرزاق والبيهقي.(4/38)
أ- ما رواه عبيد الله بن عدي بن الخيار أنه دخل على عثمان بن عفان وهو محصور فقال { إنك إمام عامة ونزل بك ما ترى, ويصلي لنا إمام فتنة ونتحرج, فقال: الصلاة أحسن ما يعمل الناس فإذا أحسن الناس فأحسن معهم, وإذا أساء الناس فاجتنب إساءتهم(1) } .
وكان ابن عمر رضي الله عنهما { يصلي خلف الخشبية والخوارج زمن ابن الزبير وهم يقتتلون } (2).
* أما إن كانت بدعته تخرجه من الملة فلا تصح إمامته بالاتفاق, وعلى القول بصحة إمامة الفاسق فإنه لا يرتب إماماً للمسلمين.
* أما إمامة الفاسق في الجمعة والعيدين فقد قال ابن قدامة: (ونرى الحج والجهاد ماضياً مع طاعة كل إمام براً كان أو فاجراً وصلاة الجمعة جائزة)(3).
وقال ابن حزم: (وذهبت طائفة كلهم دون خلاف من أحد منهم, وجمهور أصحاب الحديث وهو قول أحمد والشافعي وأبي حنيفة وداود وغيرهم إلى جواز الصلاة خلف الفاسق وغيرها وبهذا نقول)(4).
س68: ما حكم إمامة الأعمى والأصم ؟
ج/ أما الأعمى فتصح إمامته بلا كراهة { لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يستخلف ابن أم مكتوم يؤم الناس وهو أعمى } (5) , وأيهما أولى الأعمى أو البصير ؟ تقدم بيان هذه المسألة(6).
وأما الأصم فتصح إمامته أيضاً, للقاعدة {أن من صحت صلاته صحت إمامته} لأن الإمامة فرع عن الصلاة, لكن مع كراهة ذلك, لأنه لو سهى لا يمكن تنبيهه.
س69: ما حكم إمامة الأخرس ؟
ج/ قال الشيخ بن عثيمين عليه رحمة الله: (ولهذا كان القول الراجح أن إمامة الأخرس تصح بمثله وبمن ليس أخرس, لأن القاعدة{أن كل من صحت صلاته صحت إمامته} , لكن مع ذلك لا ينبغي أن يكون إماماً , لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله } (7), وهذا لا يقرأ, لكن الصحيح أنها تصح(8).
__________
(1) رواه البخاري.
(2) رواه البيهقي.
(3) اللمعة ص28.
(4) الملل5/16.
(5) رواه أبو داود.
(6) ينظرص40.
(7) سبق تخريجه.
(8) الممتع4/320.(4/39)
س70: ما حكم إمامة الأقلف(1) ؟
ج/ الأقلف لا يخلو من أمرين:
1- أن لا يقدر على فتق قلفته وغسل ما تحتها فنجاسته معفو عنها لعدم إمكانية إزالتها فهذا قال بعض العلماء أن إمامته تكره للإختلاف في صحة إمامته.
والأقرب عدم الكراهة إذ التعليل بالخلاف علة حادثة فلا تنبني عليها الأحكام و لكن إذا كان للخلاف حظ من النظر لتساوي الأدلة قيل بالاحتياط والله أعلم.
وعلى هذا فالراجح هنا أنه يتساوى الأقلف مع المختون و فيقدم ما قدمه الله ورسوله { يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله } .
2- أن يكون مفتوق القلفة فهذا إن ترك غسل ما تحت القلفة مما يمكن غسله لم تصح إمامته ولا صلاته لحمله نجاسة لا يعفى عنها مع إمكان إزالتها, وإن غسل ما يقدر على غسله, فيتساوى الأقلف مع غيره وعليه لا تكره إمامته, ويقدم من قدمه الله ورسوله.
س71: ما حكم إمامة من يلحن(2) في قراءته ؟
ج/ اللحن لا يخلو من أمرين:
الأول: أن لا يحيل المعنى مثل(الحمدَ لله) بفتح الدال فهذا تكره إمامته, قال ابن قدامه رحمه الله: (تكره إمامة اللعّان, لأنه نقص يذهب ببعض الثواب)(3).
ولحديث أبي مسعود البدري قال { يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله(4) } , وهذا خبر بمعنى الأمر فإذا أمّهم من ليس أقرؤهم فقد خالفوا أمره - صلى الله عليه وسلم -(5).
الحالة الثانية: أن يكون اللحن يحيل المعنى وهذه الحالة لا تخلو من أمرين:
__________
(1) الأقلف هو الذي لم يختن. فالإنسان يولد وعلى رأس ذكره قلفة أي جلدة تغطي الحشفة وهذه الجلدة يجب إزالتها, لأنها لو بقيت لاحتقن فيها البول وصارت سبباً للنجاسة, وربما يتولد فيها جراثيم بين جلدة القلفة والحشفة فيتأثر غير المختتن.
(2) قال المصباح 2/155(ولحن في كلامه لحناً من باب إذا أخطأ) قال أبو زيد لحن في كلامه لحناً بسكون الحاء ولحوناً إذا أخطأ الأعراب وخالف الصواب.
(3) الكافي1/188.
(4) سبق تخريجه.
(5) الشرح الممتع4/349.(4/40)
1- أن يكون هذا اللحن في الفاتحة, كما لو قرأ { صراط الذين أنعمتُ عليهم } بضم التاء من { أنعمتَ } فهذه لا تصح إمامته إلا بمثله لأنه أمي(1), ويدل لذلك حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه, أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب } (2) فدل هذا الحديث على عدم صحة صلاة إمامة من لحن في الفاتحة لحناً يحيل المعنى.
2- أن يكون هذا اللحن الذي يحيل المعنى في غير الفاتحة فهذا تصح إمامته لأنه لو ترك قراءة غير الفاتحة بالكلية لصحت إمامته, فكذلك إذا لحن فيها, لكن تكره إمامته, لحديث أبي مسعود مرفوعاً { يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله } , فهذا خبر بمعنى الأمر فإذا أمّ من ليس بأقرأ ففيه مخالفة لأمره - صلى الله عليه وسلم -.
س72: ما حكم إمامة الفأفاء والتمتام(3) ؟
ج/ الراجح صحة إمامتهما وكذلك كل من يكرر الحروف, لكن مع الكراهة من أجل زيادة الحرف.
قال في كشاف القناع: (أما صحة إمامته فلإتيانه بفرض القراءة, وأما كراهة تقديمه فلزيادته ما يكرر أو عدم فصاحته(4).
س73: ما حكم إمامة العاجز عن شرط أو ركن ؟
ج/ العاجز عن شرط: كأن يكون به سلس بول مثلاً فهو عاجز عن شرط الطهارة لأن حدثه مستمر.
العاجز عن ركن: كأن يكون عاجز عن القيام في الفرض مثلاً.
بالنسبة للعاجز عن شرط من شروط الصلاة فالراجح صحة إمامته و لأن من صحت صلاته لنفسه صحت إمامته و أما بالنسبة للعاجز عن ركن فيقال بأن العاجز عن ركن لا يخلو من أمرين:
1- أن يكون عاجز عن القيام فالحنابلة قالوا لا تصح إمامته إلا بشرطين:
أ.أن يكون إمام الحي, أي الإمام الراتب.
ب. أن يرجى زوال علته.
__________
(1) الأمي هو الذي لا يحسن قراءة الفاتحة, أي لا يحفظها أو يدغم فيها ما لا يدغم بان يدغم حرفاً فيما لا يماثله أو يقاربه أو يلحن فيها لحناً يحيل المعنى.
(2) متفق عليه.
(3) الفأفاء: الذي يكرر الفاء. والتمتام من يكرر التاء.
(4) كشف القناع2/483.(4/41)
لكن الراجح هنا صحة إمامته ولا يشترط هذين الشرطين وأدلة ذلك ما يلي:
أ) حديث أنس - رضي الله عنه - قال { أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركب فرساً فصرع عنه فجحش شقه الأيمن فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد فصلينا وراءه قعوداً...(1) } .
ب)حديث عائشة رضي الله عنها في صلاته - صلى الله عليه وسلم - بالناس في مرض موته قاعداً(2).
2- أن يكون عاجز عن ركن غير ركن القيام كما لو عجز عن السجود أو الركوع ونحو ذلك من الأركان فهنا الراجح أيضاً أن إمامته صحيحة, بدليل عموم حديث أبي مسعود { يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله } وهذا يشمل القادر والعاجز, وللقاعدة{أن من صحت صلاته صحت إمامته}.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه البخاري ومسلم.(4/42)
قال السعدي رحمه الله: (والصحيح صحة إمامة العاجز عن شيء من أركان الصلاة أو شيء من شروطها إذا أتى بما يقدر عليه وسواء كان إمام الحي أو غيره, وسواء كان بمثله أو بغير مثله وهذا القول هو الذي يدل عليه العمومات, فإن قوله - صلى الله عليه وسلم - { يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله } يشمل العاجز كغيره, وكذلك صلاته - صلى الله عليه وسلم - أن العاجز جالساً لما عجز عن القيام دليل على جواز مثل هذه وما كان في معناها... ومما يؤيد هذا القول الصحيح أن العاجز عن الأركان والشروط لم يترك في الحقيقة شيئاً لازماً بل الواجب عليه ما يقدر عليه فقط وصلاته كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه فما الذي أوجب بطلان إمامته وعدم صحتها ؟ ولأن نفس صلاة المأموم غير مرتبطة بصلاة إمامه إلا بالمتابعة فقط فكل نفس لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت, ولأننا لو طردنا التعليل الذي علل به المانع من إمامته لقلنا لا تصح إمامة المتيمم إلا بمثله, ولا إمامة الماسح على حائل إلا بمثله, فعلم أن القول الصواب أن الإمام إذا لم يخل بشيء مما يجب عليه بنفسه أن إمامته صحيحة, وإن شئت أن تقول: كل من صحت صلاته بنفسه صحت إمامته بلا عكس, فقد تصح إمامته ولا تصح صلاته كالذي جهل حدثه فعرفت أن مسألة الإمامة أخف وأعم عن مسألة صحة الصلاة)(1).
س74: تقدم أن العاجز عن ركن القيام تصح إمامته, فإذا أم قوماً وهو جالس هل يصلون وراءه قياماً أو قعوداً ؟
ج/ هذه المسألة لا تخلو من حالتين:
1- أن يفتتح بهم الصلاة قاعداً أي أن هذا الإمام الذي لا يقدر على القيام بدأ بهم الصلاة قاعداً فهنا الراجح أنهم يصلون خلفه قعوداً وجوباً خلافاً للحنابلة الذين قالوا أن ذلك على سبيل الاستحباب وأدلة ذلك ما يلي:
__________
(1) المختارات الجلية58.(4/43)
أ.حديث عائشة رضي الله عنها { أنه لما صلى عليه الصلاة والسلام بأصحابه ذات يوم وكان عاجزاً عن القيام فقاموا فأشار عليهم أن اجلسوا فجلسوا } (1) فكونه عليه الصلاة والسلام يشير إليهم حتى في أثناء الصلاة يدل على أن ذلك على سبيل الوجوب. وبناء على هذا فإذا ابتدأ بهم الإمام الصلاة قاعداً لعلة فيه فإن الواجب على المأمومين أن يصلوا خلفه قعوداً ولو صلوا خلفه قياماً لبطلت صلاتهم.
2- أن يبتدئ بهم الصلاة قائماً ثم يطرأ للإمام عذر لا يستطيع القيام فيكمل القيام بهم الصلاة جالساً ففي هذه الحالة يصلون خلفه قياماً على سبيل الوجوب ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها في فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرض موته { حين دخل المسجد وأبو بكر يصلي بالناس, فقد ابتدأ بهم الصلاة قائماً, فجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى يسار أبي بكر, وبقي أبو بكر قائماً يصلي أبو بكر بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ويصلي الناس بصلاة أبي بكر ولم يأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجلوس } .
س75: ما الحكم إذا ترك الإمام ركناً أو شرطاً مختلف فيه ؟ وما حكم صلاة المأموم ؟
ج/ ترك الركن كما لو ترك الإمام قراءة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأخير بناء على أن ذلك سنة كما هو مذهب الجمهور.
ترك الشرط: كما لو ترك الوضوء من أكل لحم الإبل, بناء على أنه لا ينقض الوضوء كما هو مذهب الشافعية.
يقال هذه المسألة لا تخلو من حالتين:
الأولى: أن يرى الإمام وجوب ما تركه ويتركه عمداً فصلاة الإمام باطلة لأنه ترك ما يعتقد وجوبه. وأما بالنسبة لصلاة المأموم في هذه الحالة فهي باطلة إذا كان يعلم ذلك.
مثال ذلك:
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.(4/44)
لو ترك الإمام الوضوء من أكل لحم الإبل وهو يرى وجوب الوضوء من أكل لحم الإبل فصلاة الإمام باطلة في هذه الحالة وأما بالنسبة لصلاة الإمام فهي باطلة أيضاً سواء كان المأموم يرى وجوب الوضوء من أكل لحم الإبل أو لم ير ذلك لكن بشرط أن يكون علم أن الإمام ترك الوضوء من أكل لحم الإبل مع اعتقاد الإمام وجوب الوضوء من ذلك.
أما إذا لم يعلم المأموم أن الإمام ترك الوضوء فصلاة المأموم صحيحة.
الثانية: أن يرى الإمام عدم وجوب ما تركه, كما لو ترك الوضوء من أكل لحم الإبل لترجح ذلك عنده. فهنا صلاة الإمام صحيحة, وأما بالنسبة لصلاة المأموم في هذه الحالة فهي صحيحة حتى ولو كان يرى وجوب الوضوء مما مست النار أو يرى أن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأخير ركن والإمام يرى أنه سنة. قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في مجموع الفتاوى: (والقول الثاني تصح صلاة المأموم... وهذا هو الصواب لما ثبت في الصحيح وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال { يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم } , فقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن خطأ الإمام لا يتعدى إلى المأموم ولأن المأموم يعتقد أن ما فعله الإمام سائغ له, وأنه لا إثم عليه فيما فعل فإنه مجتهد أو مقلد مجتهد, وهو يعلم أن هذا قد غفر الله له خطأه فهو يعتقد صحة صلاته... وقول القائل: إن المأموم يعتقد بطلان صلاة الإمام خطأ منه, فإن المأموم يعتقد أن الإمام ما وجب عليه وأن الله قد غفر له ما أخطأ فيه)(1).
__________
(1) مجموع الفتاوى23/377.(4/45)
وقال في موضع آخر: (تجوز صلاة بعضهم خلف بعض " أي المذاهب الأربعة " كما كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان ومن بعدهم من الأئمة الأربعة يصلي بعضهم خلف بعض مع تنازعهم في هذه المسائل المذكورة وغيرها, ولم يقل أحد من السلف انه لا يصلي بعضهم خلف بعض مع تنازعهم في هذه المسائل المذكورة وغيرها, ولم يقل احد من السلف انه لا يصلي بعضهم خلف بعض ومن أنكر ذلك فهو مبتدع ضال مخالف للكتاب والسنة وإجماع الأمة وأئمتها, وكان الصحابة والتابعون ومن بعدهم منهم من يقرأ البسملة ومنهم من لا يقرأها... ومنهم من يقنت في الفجر ومنهم من لا يقنت, ومنهم من يتوضأ من الحجامة والرعاف والقيء ومنهم من لا يتوضأ من ذلك... ومع هذا فكان بعضهم يصلي خلف بعض)(1).
وهنا يرد سؤال وهو:
س76: ما حكم الإنكار في مسائل الإجتهاد ؟
ج/ للإجابة على هذا السؤال يحسن أن نذكر الأحكام المترتبة على المسائل الاجتهادية وهي:
1- أنه لا يجوز الإنكار على المخالف فضلاً عن تفسيقه أو تأثيمه أو تكفيره ولكن عدم الإنكار عليه لا يعني ذلك عدم بيان الحق وإيضاحه له.
2- أن المجتهد ليس له إلزام الناس بإتباع قوله.
3- أن غير المجتهد يجوز له إتباع أحد القولين إذا تبينت له صحته, ثم يجوز له تركه إلى القول الآخر إتباعاً للدليل.
4- أن المجتهد يجب عليه إتباع أحد القولين إذا تبينت له صحته, ثم يجوز له تركه إلى القول الآخر إتباعاً للدليل.
5- أن المجتهد يجب عليه إتباع ما أداه إليه اجتهاده ولا يجوز له تركه إلا إذا تبين له خطأ ما ذهب إليه أولاً.
ويجب الإنكار على المخالف في المسائل الخلافية غير الاجتهادية كمن خالف سنة ثابتة أو إجماعاً سائغاً.
س77: ما حكم إمامة المرأة بالرجل ؟
__________
(1) مجموع الفتاوى3/374.(4/46)
ج/ لا تصح صلاة الرجل خلف المرأة لا فرضاً ولا نفلاً والدليل على ذلك حديث جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { لا تؤمنّ امرأة رجلاً ولا أعرابيٌ مهاجراً ولا فاجرٌ مؤمناً إلا أن يقهره سلطان يخاف سوطه وسيفه(1) } , وهذا الحديث ضعيف, لكن يؤيده في الحكم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - { لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة } (2).
والجماعة قد ولّوا أمرهم الإمام فلا يصح أن تكون المرأة إماماً لهم. ويدل لذلك أيضاً حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها } (3) فقوله وخير صفوف النساء آخرها دليل على أنه لا موقع لهن في الأمام, والإمام لا يكون إلا في الإمام, فلو قلنا بصحة إمامتهن بالرجال لا نقلب الوضع فصارت هي المتقدمة على الرجل وهذا لا تؤيده الشريعة.
كذلك لا تصح إمامة الخنثى(4) بالرجال لاحتمال كونه امرأة, ولا إمامة الخنثى بخناث مشكلين لاحتمال أن يكون امرأة وهم رجال. أما إمامة الخنثى بالنساء فلا بأس ويقفن خلفه, لأنه إن كان رجلاً فإمامة الرجل للنساء صحيحة, وإن كانت إمراة فإمامة المرأة للنساء جائزة. فإمامة الخنثى للنساء قلنا بجواز ذلك لأنها إما أن تكون رجلاً فهي أعلى منهن, أو تكون امرأة فهي مثلهن.
__________
(1) رواه ابن ماجه وأبو يعلى والعقيلي في الضعفاء وابن عدي في الكامل والبيهقي وعزاه البوصيري لعبد بن حميد في مسنده كما عزاه الحافظ ابن حجر لعبد الملك بن حبيب في الواضحة, والحديث ضعيف لأن مداره على عبدالله بن محمد العدوي وعلي بن زيد بن جدعان وهما ضعيفان.
(2) رواه البخاري عن أبي بكرة - رضي الله عنه -.
(3) رواه مسلم.
(4) الخنثى هو الذي لا يعلم أذكر هو أم انثى؟ فيشمل من له ذكر وفرج يبول منهما جميعاً, ويشمل من ليس له ذكر ولا فرج لكم له دبر.(4/47)
س78: ما الحكم إذا صلى الرجل خلف من يعلم أنه خنثى لكن يجهل أشكاله ثم تبين له بعد ذلك ؟
ج/ هذه المسألة لا تخلو من حالتين:
1- أن تبين أن هذا الخنثى امرأة فهنا ظاهر أن صلاته باطلة لأنه ائتم بامرأة.
2- أن تبين أن هذا الخنثى ذكراً فهنا أيضاً على المأموم الإعادة لأن هذا كمن صلى خلف من يظنه محدثاً فبان متطهراً.
س79: إذا لم يعلم الرجل أن إمامه خنثى إلا بعد الصلاة فما الحكم ؟
ج/ الراجح أن صلاته صحيحه لأن هذا بحكم من صلى خلف محدث أو كافر ولم يعلم إلا بعد الصلاة.
س80: ما حكم إمامة المميز البالغ ؟
ج/ أولاً لابد من معرفة حد التمييز. فحد التمييز على القول الراجح هو: من فهم الخطاب ورد الجواب.
فإمامة الصبي المميز لها ثلاث حالات:
الحالة الأولى: إمامة الصبي بصبي مثله فهذه صحيحة.
الحالة الثانية: إمامة الصبي ببالغ في الفرض فهذه صحيحة على القول الراجح بدليل حديث عمرو بن سلمه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبيه { وليؤمكم أكثركم قرآناً, فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآناً, فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين(1) } .
ولحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم, وأحقهم بالإمامة أقرؤهم } (2) وهذا عام يشمل الصغير والكبير.
الحالة الثالثة: إمامة الصبي ببالغ في النفل, فهذه صحيحة أيضاً لأنه إذا كانت إمامة الصبي ببالغ في الفرض صحيحة فالنفل من باب أولى, وأما إذا كان الصبي غير مميز فإن الصلاة خلفه لا تصح, لأن عبادته أصلاً غير صحيحه, وإذا كانت عبادته لا تصح, فإمامته كذلك لا تصح.
س81: ما حكم إمامة المحدث والمتنجس ؟
ج/ إمامة المحدث والمتنجس تحت كل منهما صور.
أولاً: إمامة المحدث:
__________
(1) رواه البخاري.
(2) رواه مسلم.(4/48)
الأولى: أن لا يعلم الإمام بحدثه, والمأموم بحدث الإمام إلا بعد فراغ الصلاة فهنا تصح صلاة المأمومين دون الإمام فيلزمه الإعادة, ولا يعذر هنا بجهله, لأن باب المأمورات لا يعذر فيه بالجهل والنسيان, ويدل لذلك حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم, وان أخطأوا فلكم وعليهم } (1).
وكذا فإن عمر وعثمان رضي الله عنهما { كل منهما صلى بالناس وهو جنب فأعادا, ولم يأمرا غيرهما بالإعادة(2) } , ولأن المأموم أدى العبادة على وجه شرعي فلا تبطل إلا بدليل شرعي.
الثانية: أن يعلم الإمام والمأمومين بحدث الإمام فلا تصح صلاتهما جميعاً.
الثالثة: أن يعلم الإمام في أثناء الصلاة بالحدث دون المأمومين فالراجح هنا أن صلاة الإمام تبطل, أما بالنسبة لصلاة المأمومين فلا تبطل فيستخلف الإمام من يتم بهم أو يستخلفوا واحداً منهم يتم بهم, أو يتمونها فرادى.
الرابعة: أن يعلم بعض المأمومين بحدث الإمام في الصلاة. فصلاة الإمام باطلة وأما بالنسبة للمأمومين فتبطل صلاة من علم منهم بحدث الإمام فقط دون من لم يعلموا.
قال السعدي رحمه الله: (قوله: وإن علم معه واحد أعاد الكل, هذا فيه نظر في حق بقية المأمومين الذين لم يعلموا, فإن الصواب: صحة صلاة كل مأموم لم يعلم بحدث إمامه, وسواء كان الإمام عالماً بحدثه وتممها متعمداً, أو علم بعض المأمومين, فإن الذي لم يعلم لم يوجد مفسد لصلاته بوجه , نعم الذي علم وبقي على نية الائتمام فإنه متلاعب عليه إعادة هذه الصلاة)(3).
ثانيا: إمامة المتنجس(4) وتحتها صور:
__________
(1) رواه البخاري.
(2) رواهما الدار قطني والبيهقي وصححهما المجد في المنتقى 1/230.
(3) المختارات الجلية60.
(4) المتنجس أي الذي أصابته نجاسة.(4/49)
الأولى: أن لا يعلم الإمام والمأمومون إلا بعد الصلاة فالراجح هنا صحة صلاتهما جميعاً لحديث جابر- رضي الله عنه - { حيث صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بنعليه وفيهما أذى, فأخبره جبريل فخلعهما وبنى على صلاته } (1), ولأن اجتناب النجاسة من باب النواهي فيعذر فيها بالجهل والنسيان بخلاف رفع الحدث فمن باب الأوامر فلا يعذر فيه بالجهل والنسيان.
الثانية: أن يعلم الإمام بالنجاسة وحده دون بقية المأمومين. أما بالنسبة للمأمومين فصلاتهم صحيحة. وأما بالنسبة للإمام فإن أمكن إزالة النجاسة دون الإخلال بشيء من شروط الصلاة أو واجباتها أزالها وبنى كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن لم يمكنه استخلف من يتم الصلاة بالمأمومين, أو استخلف المأمومين من يتم بهم, أو أتموا لأنفسهم فرادى.
الثالثة: أن يعلم الإمام والمأمومون بنجاسة الإمام فلا تصح صلاتهم.
الرابعة: أن يعلم بعض المأمومين في الصلاة بنجاسة الإمام, فالأقرب أن يقال هنا: يجب على من علم نجاسة الإمام إعلامه بإشارة أو نحوها فإن لم يستطع صحت صلاة الجميع الإمام لأنه معذور بالجهالة والمأمومون لإقتدائهم بإمام يعتقدون صحة صلاته.
س82: ما حكم إمامة الأُمي ؟
ج/ الراجح أن إمامة الأمي لا تصح إلا بمثله وهو قول الجمهور لحديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب } (2).
س83: ما حكم صلاة المتنفل خلف المفترض ؟
ج/ يصح ذلك وأدلة ذلك ما يلي:
__________
(1) رواه أحمد وأبو داود وصححه الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي وقال في التلخيص 1/278 اختلف في وصله وإرساله ورجح أبو حاتم في العلل الموصول.
(2) متفق عليه.(4/50)
1- حديث أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { كيف أنت إذا كان عليك أمراء يميتون (1) الصلاة عن وقتها, قلت ما تأمرني؟ قال: صلّ الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصل فإنها لق نافلة } (2) فهو هنا متنفل سيصلى خلف مفترض.
2- حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { أبصر رجلاً يصلي وحده فقال: ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه } (3).
3- حديث يزيد بن الأسود - رضي الله عنه - وفيه قول - صلى الله عليه وسلم - للرجلين { إذا صليتما في رحالكما ثم أدركتما الإمام ولم يصلي فصليا معه فإنها لكما نافلة(4) } .
س84: ما حكم صلاة المفترض خلف المتنفل ؟
ج/ على خلاف والراجح أنها صحيحة وهو قول الشافعية وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها ابن قدامة وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وأدلة ذلك ما يلي:
1) حديث جابر - رضي الله عنه - { أن معاذاً كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء الآخرة ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة(5) } وفي رواية { هي له تطوع ولهم مكتوبة العشاء } (6).
2) حديث عمرو بن سلمه - رضي الله عنه - { حيث أمّ قومه وهو ابن ست سنين أو سبع سنين(7) } , والصبي صلاته نفل فدل على جواز إقتداء المفترض بالمتنفل.
3) حديث جابر في صلاة الخوف حيث صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالطائفة الأولى ركعتين, ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين(8)فالنبي - صلى الله عليه وسلم - حين أمّ الطائفة الثانية كان متنفلاً وهم مفترضون.
__________
(1) يميتون: أي يؤخرون.
(2) رواه مسلم.
(3) رواه أبو داود والترمذي وصححه الحاكم وابن حبان وابن خزيمة.
(4) رواه ابو داود والترمذي والنسائي والدارقطني وصححه الترمذي وابن حبان وابن السكن.
(5) متفق عليه.
(6) رواه الدار قطني والبيهقي وفي فتح الباري2/195 " رجاله رجال الصحيح " .
(7) رواه البخاري.
(8) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم.(4/51)
4) حديث أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله } (1) وهذا عام فلو كان الشخص مميزاَ وهو أقرؤهم فهو أحق بالإمامة وهو متنفل وهم مفترضون لأن صلاة الصبي نفل كما تقدم.
س85: ما حكم صلاة الصلاة المقضية خلف من يصلي الصلاة الحاضرة أو العكس ؟
ج/ القضاء: فعل الصلاة بعد خروج وقتها لأول مرة.
الأداء: فعل العبادة في وقتها أول مرة.
فالراجح في هذه المسألة جواز صلاة القضاء خلف من يصلي الأداء والعكس كذلك والدليل على ذلك أن الأصل صحة الصلاة فالاختلاف في النية لا أثر له كما تقدم في أدلة جواز صلاة المفترض خلف المتنفل مع اختلاف النية بينهما(2).
مثال ذلك:
دخل رجل والناس يصلون صلاة الظهر وذكر أن عليه صلاة الظهر بالأمس فبأيهما يبدأ ؟
الجواب: يبدأ بالصلاة الفائتة فيدخل معهم وهو ينوي ظهر أمس وهم يصلون ظهر اليوم فهذا صحيح لأنه قاض خلف مؤدٍ ولا بأس فصلاة الظهر رباعية. لكن اختلف الوقت, والعكس كذلك يجوز كأن يكون الإمام هو الذي يقضي والمأموم هو الذي يؤدي. وأما بالنسبة لاختلاف الصورة بين الحالتين فهذه المسألة لا تخلو من حالات:
1. أن تتفق الصلاتان بالأفعال ولو اختلفتا بالاسم هذه مؤداة وهذه قضاء أو هذه فرض وهذه نفل ولو اختلفتا في الركعات كالعشاء خلف المغرب أو العكس فهذا لا بأس به.
2. أن تختلف الصلاتان بالأفعال اختلافاً يسيراً كصلاة الفجر خلف من يصلي العيد فهذا لا بأس به أيضاً.
__________
(1) رواه مسلم.
(2) ينظر ص 54(4/52)
3. أن تختلف الصلاتان بالأفعال اختلافاً كبيراً كمن يصلي الظهر خلف من يصلي الجنائزة أو الظهر خلف من يصلي الكسوف فهذا لا يصح على الراجح. وأن أجاز ذلك شيخ الإسلام رحمه الله تعالى لحديث { إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه } (1) فالمراد بالاختلاف هنا الاختلاف بالأفعال, فعلى هذا فالاختلاف الكبير يؤثر. بخلاف الإختلاف اليسير أو الإختلاف في النية أو الاسم فهذه لا تؤثر.
{ فصل }
س86: أين يكون موقف الإمام بالنسبة للمأمومين ؟
ج/ للمأمومين حالتان:
1- أن يكونوا اثنين, فهل يقفان خلف الإمام أم يكون في وسطهما أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله ؟
هذه على خلاف والراجح رأي الجمهور أن السنة أنهما يقفان خلف الإمام بدليل حديث أنس - رضي الله عنه - وفيه { فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واليتيم معي, والعجوز من ورائنا وصلى بنا ركعتين } (2) , ولحديث جابر - رضي الله عنه - { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقامه وجباراً خلفه } (3).
2- أن يكونوا أكثر من اثنين, فالسنة أن يكونوا خلف الإمام, وقد نص على ذلك أهل العلم رحمهم الله تعالى, ويستثنى من هذه المسألة حالتين:
1. امام العراة: والراجح هنا إذا كانوا كلهم عراة أنه يتقدم عليهم لأن السنة أن يكون الإمام إمامهم وتأخره لا يفيد شيئاً غاية ما هنالك أنه هو نفسه يكون أستر. ولو كان أستر له فإنه معذور وهو ليس كذلك لأن جميع من معه على هذا الوجه ولا ينبغي أن نفوت موقف الإمام وانفراده في القبلة لأن الإمام متبوع أن يميز عن أتباعه الذين هم المأمومون.
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) متفق عليه.
(3) رواه مسلم.(4/53)
2. إمامة النساء: فإن إمامتهن تقف في صفهن استحباباً ولو تقدمت صحت صلاتها, لأن ذلك أستر, والمرأة مطلوب منها الستر بقدر المستطاع, ومن المعلوم أن وقوفها بين النساء أستر من كونها تتقدم بين أيديهن, ويدل لذلك ما روي عن عائشة رضي الله عنهما { أنهما إذا أمّتا النساء وقفتا في صفهن } (1), فصار للمأمومين " أي الاثنين فأكثر " مع الإمام ثلاث مواقف:
أ- أن يقفوا خلفه وهذا هو الأفضل وهو السنة لفعله عليه الصلاة والسلام فلقد كان إذا قام إلى الصلاة قام أصحابه خلفه. ولما ورد في حديث جابر { أن جابراً وجباراً وقفا أحدهما عن يمينه وآخر عن يساره فأخذ بأيديهما حتى أقامهما خلفه } (2).
ب- أن يقفوا عن جانبيه وهذا جائز بدليل أن ابن مسعود صلى بين علقمة والأسود وقال { هكذا رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل } (3).
ج-أن يقفوا عن يمينه فقط وهذا جائز أيضاً لكن السنة ما تقدم أن يكونوا خلفه.
س87: ما الحكم لو وقف المأموم قُدام الإمام ؟
ج/ على خلاف في ذلك والراجح صحة صلاة المأموم مع العذر ولا تصح مع عدم العذر. والضرورة تدعو إلى ذلك في أيام الجمعة, أو في أيام الحج في المساجد العادية, فإن الأسواق تمتلئ ويصلي الناس أمام الإمام وهذا القول هو قول الإمام أحمد واختاره شيخ الإسلام رحمه الله تعالى.
__________
(1) أما أثر أم سلمة فقد أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة والشافعي والدار قطني والبيهقي وابن حزم وقد احتج به ابن حزم في المحلى, وأما أثر عائشة فقد أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة والحاكم والدار قطني والبيهقي وابن حزم وقد احتج به ابن حزم في المحلى.
(2) رواه مسلم.
(3) رواه أبو داود والنسائي والإمام أحمد وغيرهم.(4/54)
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: (وذلك لأن ترك التقدم على الإمام غايته أن يكون واجباً من واجبات الصلاة في الجماعة, والواجبات كلها تسقط بالعذر وان كانت واجبة في أصل الصلاة فالواجب في الجماعة أولى بالسقوط, ولهذا يسقط عن المصلى ما يعجز من القيام والقراءة واللباس...وأما الجماعة فإنه يجلس في الاوتار ولمتابعة الإمام ولو فعل ذلك منفرداً عمداً بطلت صلاته, وإن أدركه ساجداً أو قاعداً كبر وسجد معه وقعد معه لأجل المتابعة مع أنه لا يعتد له بذلك, وأيضاً ففي صلاة الخوف لا يستقبل القبلة ويعمل الكثير لأجل الجماعة)(1).
س88: إذا كان المأموم واحداً فأين يكون موقفه من الإمام ؟
ج/ يقف عن يمينه محاذياً له ويدل لذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام يصلي ذات ليلة من الليل وكان ابن عباس رضي الله عنهما قد نام عنده, فدخل معه ابن عباس ووقف عن يساره فأخذ برأسه من ورائه فجعله عن يمينه(2) } .
س89: إذا كان المأموم واحداً تقدم أنه يقف عن يمين الإمام ولكن هل يتقدم عليه الإمام شيئاً يسيراً أم يقف محاذياً له ؟
__________
(1) الفتاوى23/404.
(2) متفق عليه.(4/55)
ج/ الراجح أن الإمام يقف محاذياً له ولا يتقدم عليه ولو شيئاً يسيراً لأن السنة تسوية الصف ويدل لذلك حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة } (1) ولما ورد في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول { لتسوّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم } (2), وهذا يشمل مصافة الإمام للمأموم كما أنه يشمل صف المأمومين وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى أن تسوية الصف تسوية محاذاة واجب, قال شيخ الإسلام: (وظاهر كلام أبي العباس أنه يجب تسوية الصفوف لأنه عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً بادياً صدره فقال { لتسوّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم } وقال عليه الصلاة والسلام { سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة } وترجم عليه البخاري "باب إثم من لم يُقِم الصف " ومن ذكر الإجماع على استحبابه فمراده ثبوت استحبابه لا نفي وجوبه)(3) .
س90: ما حكم صلاة المنفرد خلف الإمام ؟
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) الاختيارات ص50.(4/56)
ج/ مسألة صلاة المنفرد خلف الصف أو خلف الإمام على خلاف, والراجح في ذلك أن صلاة المنفرد خلف الإمام أو خلف الصف صحيحة إذا لم يجد المصلي موقفاً في الصف, لأن نفي صحة صلاة المنفرد خلف الصف(1) يدل على وجوب الدخول في الصف, لأن نفي الصحة لا يكون إلا بفعل محرم أو ترك واجب, فهو دال على وجوب المصافة, والقاعدة الشرعية أنه لا واجب مع العجز, لقوله تعالى { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ(2) } , وقوله تعالى { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا } (3), فإذا جاء المصلي ووجد الصف قد تم فإنه لا مكان له في الصف, وحينئذٍ يكون انفراده لعذر فتصح صلاته وهذا القول هو القول الوسط, قال به الحسن البصري(4) وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية(5) وابن القيم رحمه الله(6) وهو اختيار السعدي رحمه الله تعالى(7).
مسألة:
بعض المصلين إذا أتي للصف ووجد أنه لا مكان له على الفرشة صف لوحده خلف الصف مع وجود فرجة في الصف وعدم وجود مكان على الفرشة ليس عذراً لانفراده خلف الصف فلا تصح صلاته منفرداً خلف الصف.
س91: إذا جاء المصلي ولم يجد فُرجة في الصف هل يقال له أن يجذب شخصاً من الصف, أولى من صلاته منفرداً خلف الصف ؟
ج/ يقال: الراجح أنه يصلي منفرداً خلف الإمام أو الصف إذا تعذرت المصافة أو الدخول في الصف ولا يجذب أحداً لأن جذب شخص من الصف يستلزم محاذير هي:
1- التشويش على الرجل المجذوب.
__________
(1) كما ورد في حديث عبدالرحمن علي بن شيبان السحيمي عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال(لا صلاة لمنفرد خلف الصف) رواه ابن ماجه وأحمد وابن أبي شيبة وابن خزيمة وغيرهم.
(2) التغابن: من الآية16).
(3) البقرة: من الآية286).
(4) كما في مصنف أبي شيبة.
(5) مجموع الفتاوى23/397.
(6) تهذيب السنن1/336-339.
(7) الفتاوى السعدية1/171.(4/57)
2- فتح فرجة في الصف, وهذا قطع للصف ويخشى أن يكون هذا من باب قطع الصف الذي قال فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - { من قطع صفاً قطعه الله } (1).
3- أن فيه جناية على المجذوب بنقله من المكان الفاضل إلى المكان المفضول.
4- أن فيه جناية على كل الصف, لأن جميع الصف سوف يتحرك لانفتاح الفرجة من أجل سدها(2)’(3).
س92: هنا يرد سؤال آخر أيضا, ألا يقال لهذا المنفرد أنه يصلي إلى جنب الإمام بدل أن يصلي منفرداً ؟
ج/ لا يقال بذلك لأن هذا يتضمن ثلاثة محاذير:
1) تخطي الرقاب, فإذا قدرنا أن المسجد فيه عشرة صفوف, فجاء الإنسان في آخر الصف ولم يجد مكاناً وقلنا أذهب إلى صف الإمام فسوف يتخطى عشرة صفوف.
2) إذا وقف إلى جنب الإمام فإنه يكون خالف السنة في انفراد الإمام في مكانه, لأن الإمام موقعه التقدم على المأموم فإذا شاركه أحد في هذا الموضع زالت الخصوصية.
3) أننا إذا قلنا تقدم إلى جنب الإمام ثم جاء آخر وقلنا له تقدم إلى جنب الإمام وهكذا الثالث والرابع حتى يكون عند الإمام صف كامل, لكن لو وقف هذا خلف الصف لكان الداخل الثاني يصف إلى جنبه فيكونان صفاً بلا محذور(4).
س93: وهنا يرد سؤال آخر أيضاً, وهو لماذا لا يؤمر أن يبقى هذا المنفرد فإن جاء معه أحد وإلا صلى منفرداً ؟
ج/ يقال في هذا محذوران هما:
1.أنه ربما ينتظر فتفوته الركعة وربما تكون هذه الركعة الأخيرة فتفوته الجماعة.
__________
(1) رواه أبو داود وغيره وهو صحيح.
(2) وقد أنكر الإمام مالك رحمه الله جر الرجل, وهو اختيار شيخ الإسلام. أنظر بديع الفؤائد 3/87, أعلام الموقعين2/22.
(3) الممتع4/383.
(4) الممتع4/384.(4/58)
2.أنه إذا بقي وفاتته الجماعة فإنه حرم الجماعة في المكان وفي العمل, وإذا دخل مع الإمام وصلى وحده منفرداً فإننا نقول على أقل تقدير: حرم المكان فقط, أما العمل فقد أدرك الجماعة, فأيهما خير! أن نحرمه الجماعة في العمل والمكان, أو في المكان فقط ؟ الجواب: في المكان فقط, هذا لو قلنا في هذه الحالة يكون مرتكباً لمحظور, مع أن الراجح عندي(1) أنه إذا تعذر الوقوف في الصف, فإنه إذا صف وحده لم يرتكب محظوراً(2).
س94: بمَ يكون الإنفراد ؟ أي متى نحكم على هذا المصلي أنه صلى منفرداً خلف الصف ؟
ج/ يكون الانفراد إذا رفع إمامه رأسه من الركوع ولم يدخل معه أحد, وبناء على هذا لو أتى شخص وكبر منفرداً لكن مع الإمام لكونه لم يجد مكاناً فجاء شخص آخر وصف معه قبل ركوع الإمام أو بعد ركوعه وقبل رفعه فإنه في هذه الحالة يزول عن الفردية .
س95: لو جاء المأموم ووجد الإمام راكع فأحرم خلف الصف لكي يدرك الركعة ثم دخل في الصف فما حكم صلاته ؟
ج/ الراجح في ذلك أن يقال إن كان ذلك لعذر لاكتمال الصف مثلاً فصلاته صحيحة مطلقاً حتى لو بقي منفرداً إلى آخر الصلاة كما تقدم بيان ذلك.
__________
(1) من كلام الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
(2) الممتع4/384,385.(4/59)
أما إن كان لغير عذر كأن يكون في الصف فرجة فهذا إن زالت فرديته قبل رفع الإمام من الركوع صحت صلاته وزوال فرديته إما بدخوله الصف قبل رفع الإمام أو أن يصافه أحد قبل رفع الإمام ويدل لذلك حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - أنه انتهى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو راكع قبل أن يصل إلى الصف فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال { زادك الله حرصاً ولا تعد } (1) , فالنبي - صلى الله عليه وسلم - دعا له ونهاه أن يعود لأن المشروع ألا يدخل الإنسان في الصلاة حتى يصل إلى الصف ولم يأمره بإعادة الركعة فدل هذا على أن ركعته صحيحة, أما إن رفع الإمام من الركوع قبل أن تزول فرديته فصلاته غير صحيحة.
س96: مصافة الصبي المميز هل يعتبر الإنسان معها منفرداً أم لا ؟
ج/ على خلاف, والراجح في ذلك قول الجمهور أن مصافة الصبي إذا كان مميزاً أنها صحيحة وبناء على هذا لو حضر شخص منفرد وحضر معه صبي مميز فصافه خلف الصبي فإنه لا يعتبر منفرداً لحديث أنس وفيه { فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلى بنا ركعتين ثم انصرف } (2), والذي يطلق عليه وصف اليتيم هو الذي لم يبلغ, وهذا وإن كان في صلاة نافلة لكن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل يفرق بينهما.
س97: لو جاء شخص وصافّ امرأة خلف الصف فهل تزول فرديته أم لا ؟
ج/ مصافة المرأة إن كان الصف لم يكتمل فصلاة هذا المنفرد باطلة لأن مصافة المرأة لا تكفي, أما إن كان الصف قد اكتمل فصلاته صحيحة ليس لمصافة المرأة ولكن لوجود العذر وهو اكتمال الصف .
س:98: لو جاء شخص وصافّ محدثاً أو متنجساً(3) فما حكم صلاة هذا الشخص, هل نحكم عليه بأنه منفرد أم لا ؟
__________
(1) رواه البخاري.
(2) تقدم تخريجه ص17.
(3) الفرق بين المحدث والمتنجس: المحدث هو من صلى على غير طهارة. أما المتنجس فهو من كان على بدنه أو ثوبه أو مكان صلاته نجاسة.(4/60)
ج/ هذه المسألة لا تخلو من حالتين:
1- أن يكون الصف مكتملاً فصلاته صحيحه لوجود العذر أصلاً باكتمال الصف, أما صلاة من معه أما المتنجس فصلاته صحيحة لأن من كان عليه نجاسة ولم يعلم إلا بعد الصلاة فصلاته صحيحة لأنه يعذر بالجهل والنسيان. أما إن كان محدثاً فصلاته باطلة لأن المحدث لا يعذر بالجهل والنسيان,
وإنما صحت صلاة المتنجس إذا لم يعلم بالنجاسة إلا بعد الصلاة ولم تصح صلاة المحدث للقاعدة{أن من ما كان من قبيل المنهيات فإن الإنسان يعذر فيه بالجهل والنسيان, وما كان من قبيل المأمورات فإن الإنسان لا يعذر فيه بالجهل والنسيان}.
2- أن يكون الصف غير مكتمل, فهذه الحالة لا تخلو من أربع حالات هي:
أ. أن يعلما بالنجاسة جميعاً فصلاتهما باطلة, أما الأول فلإنفراده, وأما المتنجس أو المحدث فبطلان صلاتهما لتعمدهما ذلك.
ب. إذا جهلا النجاسة جميعاً فالأول صلاته صحيحة لأنه صافّ من يظن صحة صلاته وكذلك المتنجس صلاته صحيحة لأنه معذور بالجهل والنسيان بخلاف من صلى وعليه حدث فيجب عليه الإعادة لعدم عذره بالجهل والنسيان للقاعدة السابقة.
ج. أن يعلم المتنجس بنجاسته والمحدث بحدثه ومن صف مع أحدهما لا يعلم بذلك فالراجح هنا صحة صلاته دون صلاتهما فلا تصح.
د.أن يعلم الطاهر بنجاسة الآخر والآخر لا يعلم أن عليه نجاسة فتصح صلاة كل منهما, فالمتنجس تصح صلاته لعذر كما تقدم, ومن معه تصح صلاته لعدم انفراده.
س99: هل تصح صلاة المأموم يسار الإمام مع خلو يمينه ؟(4/61)
ج/ هذه المسألة على خلاف والراجح في ذلك قول جمهور أهل العلم أن صلاة المأموم تصح عن يسار الإمام حتى مع خلو يمينه ويدل لذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام يصلي ذات ليلة من الليل وكان ابن عباس رضي الله عنهما قد نام عنده, فدخل معه ابن عباس ووقف عن يساره فأخذ برأسه من ورائه فجعله عن يمينه } (1) فابن عباس رضي الله عنهما كبر تكبيرة الإحرام وهو عن يسار الإمام ولو كانت الصلاة لا تصح لأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بإعادة التحريمة, أما الذين قالوا بأنها تصح فاستدلوا على ذالك بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أدار ابن عباس عن يساره إلى يمينه ويجاب عن هذا أن هذا مجرد فعل ومجرد الفعل لا يدل على الوجوب وإنما يدل على أن يمين الإمام هو الموقف الشرعي, لأنه لو كان الأمر للوجوب لقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس لا تعد لمثل هذا كما قال ذلك لأبي بكرة حين ركع قبل أن يدخل في الصف(2).
س100: أين يكون موقف المرأة بالنسبة لصف الرجال ؟
ج/ تكون خلف الصف حتى ولو لم يكن في الجماعة امرأة غيرها, وكذلك لو صلت خلف رجل ليس معه أحد وهي منفردة فإنها تكون خلفه كذلك ويدل لذلك حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - (أن جدته مُليكة دعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لطعام صنعته له فأكل منه, ثم قال { قوموا فلأصل لكم } قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد أسود من طول ما لُبس فنضحته بماء, فقام عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلى بنا ركعتين ثم انصرف(3).
ولأن المرأة لا موقف لها مع الرجل, ولأن وقوفها في صف الرجال مكروه, لأمره - صلى الله عليه وسلم - بتأخيرهن.
س101: تقدم أن المرأة تصلي خلف الرجال منفردة, فهل حكمها كذلك مع جماعة النساء ايضاً ؟
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه البخاري.
(3) رواه البخاري ومسلم.(4/62)
ج/ حكمها ليس كذلك بل هي مع جماعة النساء كالرجل مع جماعة الرجال, أي لا يصح أن تقف خلف إمامتها ولا خلف صف نساء, بل إذا كن نساء فإن المرأة يجب أن تكون في الصف, ولا تصح صلاتها منفردة خلف الصف ولا خلف إمامة النساء إلا عند تعذر المصافة, وهي كمسألة صلاة المنفرد خلف الصف, وقد تقدم بيانها(1).
س102: ما الحكم لو أن المرأة صلت بجانب الرجل عن يمينه ؟
ج/ صلاتها صحيحة وهو كذلك , لكن ذلك خلاف السنة لأن موقفها يكون خلف الإمام كما تقدم, أما لو صلت عن يسار الإمام مع خلو يمينه وقد تقدم بيان هذه المسألة(2).
س103: ما الحكم لو أن المرأة صلت بصف الرجال ؟
ج/ صلاتها صحيحة ولا تبطل صلاة من يليها أو من خلفها من الرجال وهو قول الجمهور وذلك لعدم المبطل ولأن الأصل صحة الصلاة.
الخلاصة:
المرأة لا تخلو من أمرين:
1. أن تكون معها امرأة أو نساء فحكمها حكم الرجال مع الإمام(3).
2. أن تكون المرأة مع رجل أو مع رجال, وهذه تقدم أن موقفها يكون خلفهم.
س104: أين يكون موقف المأموم من الإمام من حيث المكان ؟
ج/ موقف المأموم من الإمام لا يخلو من حالتين:
1- أن يكون المأموم داخل المسجد فيصح الإقتداء بالإمام ولو لم تتصل الصفوف, أو كان بينهما حائل كأن صلى الإمام في المصباح والمأموم في ساحة المسجد أو سطحه, قال النووي رحمه الله في المجموع(4): للإمام والمأموم في المكان ثلاثة أحوال:
__________
(1) تقدم بيان ذلك ص 59.
(2) ينظر ص 59.
(3) تقدم بيان المأموم المنفرد مع الإمام وكذلك في الحكم فيما إذا كان المأموم أكثر من واحد ينظر ص56-59.
(4) المجموع4/175.(4/63)
أحدهما: أن يكونا في المسجد فيصبح الإقتداء سواء قربت المسافة بينهما أم بعدت لكبر المسجد, وسواء اتحد البناء أم اختلف كصحن المسجد وصفّته, وسرداب فيه وبئر مع سطحه وساحته والمنارة التي هي من المسجد تصح الصلاة في كل هذه الصور وما أشبهها إذا علم صلاة الإمام, ولم يتقدم عليه سواء كان أعلى منه أو أسفل, ولا خلاف في هذا ونقل أصحابنا فيه إجماع المسلمين لكن يشترط أيضاً أن يكون مع المأموم من يزيل فذيته وأيضاً عدم اتصال الصفوف بعضها مع بعض خلاف السنة إذا لم يكن حاجة.
2- أن يكون المأموم خارج المسجد فهذه الحالة على خلاف والراجح في ذلك: اشتراط اتصال الصفوف مع إمكان الإقتداء إما برؤية أو سماع تكبير ولا تعتبر الرؤية, قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى كما في مجموع الفتاوى: وأما صلاة المأموم خلف الإمام خارج المسجد أو في المسجد وبينهما حائل, فإن كانت الصفوف متصلة جاز باتفاق الأئمة, وإن كان بينهما طريق أو نهر تجري فيه السفن ففيه قولان معروفان وهما روايتان عن أحمد ... وأما إذا كان بينهما حائل يمنع الرؤية والإستطراق ففيهما عدة أقوال في مذهب أحمد وغيره...ولا ريب أن ذلك جائز مع الحاجة مطلقاً, مثل أن تكون أبواب المسجد مغلقة...وقد تقدم أن واجبات الصلاة والجماعة تسقط بالعذر(1).
__________
(1) الفتاوى 23/407.(4/64)
وقال أيضاً(1): وأما صلاة الجمعة وغيرها فعلى الناس أن يسدو الأول كما في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال { ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها ؟ قالوا: وكيف تصف الملائكة عند ربها ؟ قال: يسدون الأول فالأول ويتراصون في الصف } , فليس لأحد أن يسد الصفوف المؤخرة مع خلو المقدمة, ولا يصف في الطرقات والحوانيت مع خلو المسجد ومن فعل ذلك استحق التأديب, ولمن جاء بعده تخطيه ويدخل لتكميل الصفوف المقدمة فإن هذا لا حرمة له...وأما إذا صفوا وبينهم وبين الصف الآخر طريق يمشي الناس فيه لم تصح صلاتهم في أظهر قولي العلماء, وكذلك إذا كان بينهم وبين الصفوف حائط بحيث لا يرون الصفوف ولكن يسمعون التكبير من غير حاجة فإنه لا تصح في أظهر قولي العلماء, وكذلك من صلى في حانوته والطريق خال لم تصح صلاته وليس له أن يقعد في الحانوت وينتظر اتصال الصفوف به بل عليه أن يذهب إلى المسجد فيسد الأول فالأول.
وفي موضع آخر(2): وسئل رحمه الله عن صلاة الجمعة في الأسواق وفي الدكاكين والطرقات اختياراً هل تصح الصلاة أم لا ؟
فأجاب: (إن اتصلت الصفوف فلا بأس بالصلاة لمن تأخر ولم يمكنه إلا ذلك وأما إذا تعمد الرجل أن يقعد هناك ويترك الدخول إلى المسجد كالذي يقعدون في الحوانيت فهؤلا مخطئون مخالفون للسنة).
وفي موضع آخر(3) قال: (إذا امتلاء الجامع جاز أن يصلي في الطرقات, فإذا امتلأت صلوا فيما بينها من الحوانيت وغيرها, وأما إذا لم تتصل الحوانيت فلا).
س105: ما الحكم لو كان الإمام أعلى من المأموم ؟ كأن يكون الإمام في الطابق الأعلى وهو في الطباق الأسفل ؟
__________
(1) الفتاوى 23/409.
(2) ص 411.
(3) ص 412.(4/65)
ج/ لا حرج في ذلك ولا كراهة في ذلك حتى ولو كان علة الإمام أكثر من ذراع(1) ويدل لجواز ذلك حديث سهل بن سعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما صنع المنبر صلى عليه يصعد ويقرأ ويركع وإذا أراد أن يسجد نزل من المنبر فسجد على الأرض, وقال { فعلت هذا لتقتدوا بي ولتعلموا صلاتي } (2).
س106: ما حكم عكس ذلك, أي لو كان المأموم أعلى من الإمام ؟
ج/ لا بأس بذلك ولا كراهة لما ورد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - { أنه صلى على سقف المسجد لصلاة الإمام } (3).
س107: ما حكم اتخاذ المحاريب ؟
ج/ أجاب عن ذلك الشيخ محمد بن عثيمين فقال: والصحيح أنه " أي اتخاذ المحاريب " مباح فلا نأمر به ولا ننهى عنه, والقول أنه مستحب أقرب إلى الصواب من القول بأنه مكروه, لأن الذي ورد النهي عنه كمذابح النصارى أي أن نتخذ المحاريب كمحاريب النصارى أما إذا كانت تختلف عنهم فلا كراهة, لأن العلة في المحاريب المشابهة لمحاريب النصارى هي التشبه بهم فإذا لم يكن تشبه فلا كراهة(4).
س108: ما حكم إطالة الإمام القعود مستقبل القبلة بعد انقضاء الصلاة ؟
ج/ يكره ذلك, لحديث عائشة { كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سلم لم يقعد إلا بمقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام(5) } , فلا يلبث الإمام جالساً على هيئته قبل السلام بل ينصرف ويقبل على المأمومين, وعدم فعل ذلك خلاف السنة, وفيه حبس للمأمومين لنهيهم عن الانصراف حتى ينصرف الإمام وفيه تشويش عليهم ولا يكره اليسير.
س109: إذا سلّم الإمام هل يلزمه الانصراف إلى المأمومين أم لا ؟
ج/ هو مخير بين أمرين:
__________
(1) الحنابلة يقولون لا بأس أن يكون الإمام أعلى من المأموم إلا أنه يكره إذا كان العلو ذراعاً فأكثر.
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم وورد عن أنس رواه سعيد بن منصور.
(4) الممتع 4/428.
(5) رواه مسلم.(4/66)
1- إما أن يقوم وينصرف, ويدل لذلك حديث عقبة بن عامر قال { صليت وراء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة العصر فسلم ثم قام مسرعاً فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه(1) } .
2- أو يستقبلهم بوجهه لحديث سمرة بن جندب قال { كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه } (2), ولما روى زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - قال { صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليلة فلما أنصرف أقبل على الناس, فقال... } (3).
س110: إذا كان هناك ثمة نساء فما السنة في حق الإمام بالنسبة للانصراف ؟
__________
(1) رواه البخاري.
(2) متفق عليه.
(3) متفق عليه.(4/67)
ج/ أجاب عن ذلك الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله بكلام جميل وفيه رد على دعاة الاختلاط حيث قال رحمه الله تعالى: ( يلبث قليلاً مستقبل القبلة من أجل أن, ينصرف النساء كما ثبت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - { أنه كان يمكث في مكانه يسيراً إذا كان فيه النساء من أجل أن ينصرفن } (1), وذلك لأن الرجال إذا انصرفوا قبل انصراف النساء لزم من هذا اختلاط الرجال بالنساء, وهذا من أسباب الفتنة حتى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال { خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها } (2), لأن أولها أقرب إلى الرجال من آخرها, فهو أقرب إلى الاختلاط, وفي هذا دليل واضح جداً على أن من أهداف الإسلام بُعدُ النساء عن الرجال, وأن المبدأ الإسلامي هو عزل الرجال عن النساء, خلاف المبدأ الغربي الكافر الذي يريد أن يختلط النساء بالرجال, والذي انخدع به كثير من المسلمين اليوم, وصاروا لا يبالون باختلاط المرأة الرجال, بل يرون أن هذه هي الديمقراطية والتقدم, وفي الحقيقة أنها التأخر, لأن اختلاط المرأة بالرجال هو إشباع لرغبة الرجل على حساب المرأة, فأين الديمقراطية كما يزعمون ؟ إن هذا هو الجور, أما العدل فأن تبقى المرأة مصونة محروسة, لا يعبث بها الرجال لا بالنظر, ولا بالكلام, ولا باللمس, ولا بأي شيء يوجب الفتنة, لكن ضعف الإيمان والبعد عن تعاليم الإسلام, صار هؤلا المخدوعون منخدعين بما عليه الأمم الكافرة, ونحن نعلم بما تواتر عندنا أن الأمم الكافرة الآن تئن أنين المريض المدنف تحت وطأة هذه الأوضاع, وتود أن تتخلص من هذا الاختلاط, ولكنه لا يمكنها الآن فقد اتسع الخرق على الراقع, لكن الذي يؤسف له أيضاً من يريد من المسلمين أن يلحقوا بركب هؤلا الذين ينادون بما يسمونه الحرية, وهي في الحقيقة حرية هوى لا حرية هدى كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
__________
(1) رواه البخاري من حديث أم سلمة رضي الله عنها.
(2) رواه مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.(4/68)
هربوا من الرق الذي خلقوا له ... فبلوا برق النفس والشيطان
فالرق الذي خلقوا له هو الرق لله عز وجل, بأن تكون عبداً لله هؤلا هربوا, وبلوا برق النفس والشيطان, فصاروا الآن ينعقون ويخططون من أجل أن تكون المرأة والرجل على حد سواء في المكتب, وفي المتجر, وفي كل شيء, ولا شك أن هؤلا أشهد بالله أنهم غاشون لدينهم وللمسلمين, لأن الواجب أن يتلقى المسلم تعاليمه من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهدي السلف الصالح, ونحن إذا رأينا تعاليم الشارع الحكيم محمد - صلى الله عليه وسلم - وجدنا أنه يسعى بكل ما يستطيع إلى إبعاد المرأة عن الرجل, فيبقى الرسول - صلى الله عليه وسلم - في مصلاه إذا سلم حتى ينصرف النساء من أجل عدم الاختلاط, هذا مع أن الناس في ذلك الوقت أطهر من الناس في أوقاتنا هذه, وأقوى أيماناً كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - { خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم(1) } ,(2).
س111: ما الحكمة في إقبال الإمام على المأمومين بعد الصلاة ؟
ج/ قال الحافظ ابن حجر في الفتح: قيل الحكمة في استقبال المأمومين: أن يعلمهم ما يحتاجون إليه.
وقيل: الحكمة تعريف الداخل أن الصلاة قد انقضت, وقال الزين بن المنير: استدبار المأمومين إنما هو الحق الإمامة فإذا انقضت الصلاة زال السبب, فاستقبالهم حينئذ يرفع الخيلاء والترفع على المأمومين(3).
س112: ما حكم انصراف المأموم قبل الإمام ؟
ج/ هذا خلاف السنة و لحديث أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { لا تسبقوني بالانصراف } (4), إلا أن يخالف الإمام السنة في إطالة الجلوس أو ينحرف الإمام فلا بأس حينئذ من انصراف المأموم .
س113: ما حكم وقوف المأمومين بين السواري إذا قطعن الصفوف ؟
__________
(1) رواه البخاري ومسلم من حديث عمران بن حصين - رضي الله عنه -.
(2) الممتع 4/433,436.
(3) الفتح 2/334.
(4) رواه مسلم.(4/69)
ج/ يكره ذلك, واختلف العلماء في مقدار السواري التي تقطع الصفوف:
فقال بعضهم مقدار ثلاثة أذرع, وقال بعضهم مقدار قيام ثلاثة رجال, وهذا أقل من ثلاث أذرع.
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: (وأما السواري التي مثل سوارينا هذه فهي صغيرة لا تقطع الصفوف لا سيما إذا تباعد ما بينها وعلى هذا فلا يكره الوقوف بينها, ومتى صارت السواري على حد يكره الوقوف بينها فإن ذلك مشروط بعدم الحاجة فإن احتيج إلى ذلك كأن كانت الجماعة كثيرة والمسجد ضيقاً فإن ذلك لا بأس به من أجل الحاجة, لأن وقوفهم بين السواري في المسجد خير من وقوفهم خارج المسجد, وما زال الناس يعملون به في المسجدين, المسجد الحرام والمسجد النبوي عند الحاجة, وإنما كره ذلك لأن الصحابة كانوا يتوقون هذا حتى أنهم أحياناً يُطردون طرداً(1) , ولأن المطلوب في المصافة التراص من أجل أن يكون الناس صفاً واحداً, فإذا كان هناك سواري تقطع الصفوف فات هذا المقصود للشارع)(2).
س114: ما حكم حضور المسجد لمن أكل كراثاً أو بصلاً ونحو ذلك مما له رائحة كريهة ؟
ج/ قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: ( وأكل البصل(3) مباح لمن يرغبه ويشتهيه, وإن أكله تحيلاً على إسقاط الجمعة أو الجماعة حرم ذلك)(4).
__________
(1) كما ورد ذلك في حديث معاوية بن قرة عن أبيه قال(كنا ننهى أن نصلي بين السواري على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونطرد عنها طرداً) رواه ابن ماجة وفي الزوائد في إسناده هارون " ابن مسلم " وهو مجهول كما قال أبو حاتم. وعن عبد الحميد بن محمود قال(صليت مع أنس بن مالك يوم الجمعة فدفعنا إلى السواري فتقدمنا وتأخرنا فقال أنس كنا نتقي هذا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن وفي بعض النسخ حسن صحيح.
(2) الممتع 4/436-438.
(3) ونحوه مما له رائحة كريهة, سوى ما يحرم شربه وتناوله.
(4) الممتع 4/454.(4/70)
قال في كشاف القناع: ويكره حضور المسجد لمن أكل ثوماً أو بصلاً أو فجلاً ...وكذا جزّار له رائحة منتنة, ومن له صناعة, وزيات, ونحوه من كل ذي رائحة منتنة, لأن العلة الأذى(1).
وبناءً على هذا فلا يحضر الجماعة من أكل شيئاً من ذلك, ونحوها الجماعة في المسجد, سواء أكلها تحيلاً أو لكونه مشتهيها, وعدم حضوره لا لعذر, ولكن لأذيته, وعلى هذا فلا يكتب له أجر الجمعة والجماعة ويدل لذلك حديث أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا ولا يصلي معنا } (2) , ولمسلم { فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم } .
{ فصل في الأعذار المبيحة لترك الجمعة والجماعة }
هذا الفصل عقده المؤلف لبيان فصل الأعذار التي تسقط الجمعة والجماعة, ولا شك أن الجمعة آكد بكثير من الجماعة بإجماع المسلمين على أنها فرض عين, لقوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ } (3).
أما صلاة الجماعة فإنه سبق ذكر الراجح فيها وأنها فرض عين(4), لكن آكديتها ليست كآكدية صلاة الجمعة, ومع ذلك تسقط هاتان الصلاتان للعذر, وسقوطهما بالأعذار التي سيأتي بيانها مأخوذ من قاعدة عامة في الشريعة الإسلامية وهي قوله تعالى { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } (5), وقوله تعالى { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ(6) } , وقوله { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا } (7), فكلما وجدت المشقة وجد التيسير, ومن القواعد المعروفة عند الفقهاء{أن المشقة تجلب التيسير}.
س115: ما هي الأعذار المسقطة للجمعة والجماعة ؟
__________
(1) كشاف القناع1/497.
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) الجمعة: من الآية9).
(4) ينظر ص 14-15.
(5) البقرة: من الآية185).
(6) الحج: من الآية78).
(7) البقرة: من الآية286).(4/71)
ج/ الأعذار المسقطة للجمعة والجماعة هي:
أولاً: المرض, لأنه - صلى الله عليه وسلم - لما مرض تخلف عن المسجد, وقال { مروا أبا بكر فليصل بالناس(1) } .
س116: ما ضابط المرض الذي يكون مسبباً لإسقاط الجمعة والجماعة ؟
ج/ الضابط في ذلك هو: ما يلحق معه حرج ومشقة لو ذهب الإنسان للصلاة, لأن من قواعد الشريعة أن المشقة تجلب التيسير, ويدل لذلك ما يلي:
أ- قوله تعالى { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ(2) } , وقوله تعالى { لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ } (3).
ب- حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { إذا أمرتكم بأمر فأتو منه ما استطعتم } (4).
ج- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما مرض صلى في بيته(5).
ثانياً: الخائف من حدوث المرض, لأنه مرض, وصور ذلك كمن به جرح ويخشى من حضور الجمعة والجماعة أن يحصل له التهاب في الجرح, وهو ما يسمى(بالشمم) فهذا لا يشق عليه حضور الجمعة والجماعة, ولكنه يخشى من حدوث المرض, فهذا مريض يعذر معه بترك الجمعة والجماعة.
ثالثاً: المدافع أحد الأخبثين, والأخبثان هما: البول والغائط, ويلحق بهما الريح, ويدل لذلك ما يلي:
1) حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { لا صلاة بحضرة طعام, ولا هو يدافعه الأخبثان } (6), والنفي هنا بمعنى النهي, أي لا تصلوا بحضرة طعام, ولا حال مدافعة الأخبثين.
2) أن الصلاة حال مدافعة الأخبثين يمنع من إكمال الصلاة وخشوعها, وهذا نقص في ذات العبادة, وترك الجماعة نقص في أمر خارج, والمحافظة على ذات العبادة أولى.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2) التغابن: من الآية16).
(3) الفتح: من الآية17).
(4) رواه البخاري ومسلم.
(5) سبق تخريجه.
(6) سبق تخريجه(4/72)
3) أن انحباس هذين الأخبثين مع المدافعة يضر البدن ضرراً بيناً, لأن الله سبحانه وتعالى جعل خروج هذين الاخبثين راحة للإنسان, فإذا حبسهما صار في هذا مخالفة للطبيعة التي خلق الإنسان عليها, وهذا قاعدة طبية{أن كل ما خالف الطبيعة, فإنه ينعكس بالضرر على البدن}.
رابعاً: من له ضائع يرجوه.
مثال ذلك:
كأن يكون له جمل شارد مثلاً, فإذا تخلف عن الجماعة والجمعة وذهب للبحث عنه يرجو وجوده, وحضوره للجمعة والجماعة ثم ذهابه بعد ذلك لا يرجو وجوده, فإنه يكون معذور في هذه الحالة.
خامساً: إذا كان لا يخاف ضياع ماله, أو فواته, أو ضرراً فيه, فإنه يكون معذوراً بترك الجمعة والجماعة.
ضياع ماله: كما لو عنده مال يخشى إذا ذهب عنه أن يسرق.
وفواته: كما لو كان له جمل شارد مثلاً, وقيل له أن جملك في المكان الفلاني, وحضرت الصلاة وخشي إن ذهب يصلي الجمعة أو الجماعة أن تذهب الدابة عن المكان الذي قيل له إنها فيه, فهذا خائف من فواته, فله أن يترك الصلاة ويذهب إلى ماله ليدركه.
أو ضرراً فيه: كأن يكون له خبز في تنور مثلاً, ويخشى إن ذهب إلى الجمعة أو الجماعة أن يحترق خبزه, فله أن يتخلف عن الجمعة والجماعة, لكن كما تقدم لا يتحين وضع خبزه أو طعامه في وقت إقامة الجمعة والجماعة, لكن لو وقع منه إتفاقاً لا قصداً فله أن يتخلف.
س117: هل يفرق بين المال الكثير والمال القليل بحيث يتخلف عن الجمعة والجماعة إذا كان المال كثيراً بخلاف المال اليسير أم لا فرق ؟
ج/ أجاب عن ذلك الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله حيث قال: (ظاهر كلام المصنف رحمه الله أنه لا فرق بين المال الكثير والمال القليل الذي لا يعتبر شيئاً, لأنه أطلق فقال " من ضياع ماله " وقد يقال إنه يفرق بين المال الخطير الذي له شأن, وبين المال القليل في صلاة الجمعة خاصة, لأن صلاة الجمعة إذا فاتت فيها الجماعة لا تعاد, وغير الجمعة إذا فاتت فيها الجماعة يصليها كما هو)(1).
__________
(1) الممتع 4/444.(4/73)
سادساً: إذا كان يخاف على مال استؤجر لحفظه كنظارة بستان ونحو ذلك, ولكن هذا إذا وقع صدفة أو لابد له منه, أما إذا كان يعلم حال استلامه حفظ المال أنه يؤدي به إلى التخلف عن الجمعة والجماعة, وله غنية عن ذلك, فلا ينبغي تعمده وترك ما أوجب الله عليه من حضور الجمعة والجماعة, ويسعى في وجود مؤونة لا تمنع الجماعة.
سابعاً: إذا حصل له أذى بمطر أو وحل(1), أو ثلج, أو جليد, أو ريح باردة بليلة مظلمة.
المطر: أي أن السماء تمطر ويتأذى من المطر بخروجه, فإنه يعذر, أما إذا كان المطر خفيفاً فلا يعذر بذلك, والدليل على أن المطر عذر يبيح التخلف ما ورد عن ابن عباس أنه قال لمؤذنه في يوم مطير: إذا قلت أشهد أن محمداً رسول الله فلا تقل حيى على الصلاة, قل: صلوا في بيوتكم, فكأن الناس استنكروا ذلك, فقال: أتعجبون من ذا فقد فعل ذلك من هو خير مني " يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - " إن الجمعة عزمة, وإني كرهت أن أخرجكم فتمشوا في الطين والدحض(2).
الريح تبيح التخلف عن الجمعة والجماعة بشروط:
1-أن تكون الريح باردة, لأن الريح الساخنة ليس منها أذى ولا مشقة.
2-أن تكون الريح شديدة, لأن الريح الخفيفة لا مشقة منها ولا أذى, حتى ولو كانت باردة.
3-أن تكون في ليلة مظلمة, وهو قول المذهب(3) وعليه الجمهور, ولكن ليس عليه دليل لأنه الحديث الذي استدل به من اشترط هذا الشرط, وهو حديث ابن عمر رضي الله عنهما { أن منادي الرسول - صلى الله عليه وسلم - ينادي في الليلة الباردة والمطيرة أن صلوا في رحالكم(4) } , ليس فيه اشتراط أن تكون الليل مظلمة.
وبناء على هذا فالراجح أن الذي يعذر معه الإنسان بالتخلف عن الجمعة والجماعة هي الريح الباردة الشديدة, ولا يشترط أن تكون الليلة مظلمة.
__________
(1) الوحل : هو الطين الرقيق.
(2) متفق عليه.
(3) مذهب الحنابلة.
(4) رواه البخاري ومسلم.(4/74)
ثامناً: من الأعذار المبيحة لترك الجمعة والجماعة تطويل الإمام إذا كان طولاً زائداً عن السنة ويدل لذلك حديث جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - في قصة الرجل الذي صلى مع معاذ - رضي الله عنه - وكان معاذ يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة, فدخل ذات ليلة في الصلاة فابتدأ سورة البقرة, فانفرد رجل وصلى وحده ومشى, فلما علم به معاذ - رضي الله عنه - قال أنه قد نافق حين خرج عن جماعة المسلمين, ولكن الرجل شكا ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - , فدعا معاذاً فغضب عليه وقال له { أتريد يا معاذ أن تكون فتاناً, إذا أمَّ أحدكم الناس فليخفف, ولم يوبخ الرجل } (1).
س118: هل يعذر المأموم بالتخلف عن الجمعة والجماعة بسرعة الإمام ؟
ج/ أجاب عن ذلك الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله حيث قال: (إن هذا من باب أولى أن يكون عذراً من تطويل الإمام, فإذا كان إمام المسجد يسرع إسراعاً لا يتمكن به الإنسان من فعل الواجب, فإنه معذور بترك الجماعة في هذا المسجد, لكن إن وجد مسجداً آخر تقام فيه الجماعة وجبت عليه الجماعة في المسجد الثاني)(2).
س119: إذا كان الإمام فاسقاً بحلق اللحية أو شرب الدخان أو إسبال ثوب فهل هذا عذر في ترك الجماعة ؟
ج/ أجاب عن ذلك الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله حيث قال: (إن قال بأن الصلاة خلفه لا تصح كما هو مذهب الحنابلة فهو عذر, وأما إذا قلنا بصحة الصلاة وهو الصحيح, فإن ذلك ليس بعذر لأن الصلاة خلفه تصح, وأنت مأموم بحضور الجماعة)(3).
أعذار تبيح التخلف عن الجمعة والجماعة لم يذكرها المصنف رحمه الله
__________
(1) كأن يقرأ قراءة زائدة عما جاءت به السنة أو يزيد في التسبيحات على عشرة (ينظر في ذلك الجزء الأول من مذكرة الصلاة).
(2) الممتع4/451.
(3) الممتع4/451-452.(4/75)
تاسعاً: من كان بحضرة طعام يحتاج إليه, ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها السابق, ولحديث أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { إذا حضر العشاء فابدءوا به قبل أن تصلوا المغرب(1) } , وكان ابن عمر رضي الله عنهما يسمع قراءة الإمام وهو يتعشى(2), مع أن ابن عمر رضي الله عنهما من أشد الناس تمسكاً بالسنة.
والعلة في كون هذا معذوراً بالتخلف عن الجمعة والجماعة هو: التشويش المفضي إلى ترك الخشوع, وهذا خلل في ذات العبادة, وترك الجماعة خلل في أمر خارج, والمحافظة على ذات العبادة أولى.
س120: ما هي شروط تخلف من كان بحضرة طعام يشتهيه عن الجمعة والجماعة ؟
ج/ الشروط هي:
1- أن يكون الطعام حاضراً, فإن لم يكن الطعام حاضراً, وهو جائع, فإنه لا يجوز له التخلف, لأنه لن يستفيد من هذا التأخر.
2- أن يكون نفسه تتوق إليه, لأن العلة من تخلفه عن الجمعة والجماعة خشية التشويش عليه, فإذا لم تكن نفسه تتوق إلى الطعام ولا تشتهيه زالت العلة فانتفى الحكم, والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.
3- أن يكون قادراً على تناوله حساً وشرعاً, فإذا كان ممنوعاً منه حساً أو شرعاً, فإنه لا يتخلف.
الشرعي: كالصائم, فالصائم حتى لو كان جائعاً, وكان يشغله جوعه عن الصلاة فإنه لا يتخلف عن الجمعة والجماعة, لأنه ممنوع من تناول الطعام شرعاً.
والحسي: كما لو قدم له طعام حار لا يستطيع أن يتناوله لشدة حرارته, فهنا لا يتخلف, وإنما يصلي ولا تكره صلاته, ثم يأكل طعامه, لأن انتظاره لا فائدة منه.
س121: هل يأكل بقدر ما يزيل انشغاله أم يأكل إلى حد الشبع ؟
ج/ يقال الراجح أنه يأكل إلى حد الشبع, لأن الرخصة عامة, كما ورد في الأدلة السابقة(3).
مسألة:
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه البخاري.
(3) كما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها, وحديث أنس - رضي الله عنه - .(4/76)
ليس للإنسان أن يتعمد وضع طعامه عند إقامة الجماعة, ثم يتخذ ذلك عادة ويتعلل بما ورد من أدلة شرعية, ولكن يقال ذا وقع هذا اتفاقاً لا قصداً.
س122: إذا فات خروج الخروج الوقت لو تخلف ليأكل الطعام فهل يقال له تخلف ولو خرج الوقت أم يصلي محافظة على الوقت مع انشغال ذهنه ؟
ج/ أجاب عن ذلك الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله فقال: (هذا محل خلاف, فبعض العلماء يقول يؤخر الصلاة إذا انشغل قلبه بما حضر من طعام أو شراب أو غيره, حتى ولو خرج الوقت, ولكن أكثر أهل العلم يقولون: أنه لا يعذر بحضور العشاء في تأخير الصلاة عن وقتها وإنما يعذر حضور العشاء بالنسبة للجماعة, يعني أن الإنسان يعذر بترك الجماعة إذا حضر العشاء وتعلقت نفسه به, فليأكل ثم يذهب إلى المسجد, فإن أدرك الجماعة, وإلا فلا حرج عليه...)(1).
عاشراً: إذا كان يخاف بحضوره الجمعة أو الجماعة موت قريبة وهو غير حاضر, كأن يكون في سياق الموت ويخشى أن يموت وهو غير حاضر, وأحب أن يبقى عنده ليلقنه الشهادة وما أشبه ذلك, فهذا عذر.
الحادي عشر: إذا كان يخاف الضرر على نفسه, كخوفه من سبع ونحو ذلك, إذا خرج فإنه يعذر بالتخلف عن الجمعة والجماعة.
الثاني عشر: إذا كان يخاف على نفسه من سلطان يبحث عنه ليحبسه وهو ظالم له, ففي هذه الحال يعذر بترك الجمعة والجماعة, لأن في ذلك ضرر عليه, أما إذا كان السلطان يبحث عنه بحق, كأن يكون قد اعتدى على إنسان بقتل ونحو ذلك, والسلطان يطلبه ليقتص منه, فهذا ليس له أن يتخلف عن الجماعة ولا الجمعة, لأنه إذا تخلف أسقط حقين, حق الله في الجماعة والجمعة, والحق الذي يطلبه السلطان.
الثالث عشر: ملازمة غريم له ولا شيء معه, فهذا له التخلف عن الجماعة والجمعة, وهذه المسألة لا تخلو من أقوال:
__________
(1) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله, جمع فهد السليمان 13/295.(4/77)
1- إذا حل وفاء الدين ولا شيء معه ولازمه الغريم وتكلم عليه, كأن يقول له في مجامع الناس يا فلان يا مماطل, يا كذاب ونحو ذلك, فهذا عذر يبيح له التخلف عن الجمعة والجماعة, ويحرم على الملازم ملازمته, لقوله تعالى { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ(1) } .
2- إذا حل وفاء الدين ومعه ما يسدد به ولازمه الغريم, فالواجب عليه أن يسدد ما عليه, ولا يحل له أن يتخلف عن الجمعة والجماعة, لأنه في تركهما في هذه الحال يكون اسقط حقين, حق الله في الجمعة والجماعة, وحق الآدمي في الوفاء.
3- إذا كان عليه دين مؤجل, ولم يحل وقته بعد, فهل له أن يتخلف أم لا ؟
أجاب عن ذلك الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله فقال: (ينظر فإن كانت السلطة قوية بحيث لو اشتكاه على السلطة لمنعته من ملازمته, فإنه غير معذور, لأن له الحق أن يقدم الشكوى إلى السلطة, أما إذا كانت السلطة ليست قوية, أو أنها تحابي الرجل ولا تأخذ الحق منه, فهذا عذر بلا شك)(2).
الرابع عشر:
إذا كان يخشى من فوات رفقته, فهو يعذر بترك الجمعة والجماعة لأمرين:
ا. لفوات مقصده. 2. ولشغل قلبه.
ويدخل في ذلك فوات رحلة الطائرة, ولا فرق هنا بين سفر الطاعة كطلب علم أو حج وعمرة, أو سفر مباح كالسفر للتجارة ونحوها.
الخامس عشر: غلبة النعاس, خاصة إذا كان لا يدري ما يقول, كأن يكون النوم شديداً, فهنا يكون معذوراً بترك الجمعة والجماعة, ولذا فإنه ينام حتى يزول ما به من النعاس ثم يصلي براحة.
س123: الآكل للبصل ونحوه ومما له رائحة كريهة هل يعذر بترك الجمعة والجماعة أم لا ؟
ج/ يقال إن كان قصد بأكله البصل أن لا يصلي مع الجماعة فهذا حرام, ولا يحضر إلى المسجد, ليس لأنه معذور, بل دفعاً لأذيته, لأنه يؤذي الملائكة وبني آدم.
__________
(1) البقرة: من الآية280).
(2) الممتع 4/446.(4/78)
أما إذا قصد بأكله البصل ونحوه التمتع به, وأنه يشتهيه فليس بحرام, ولا يحضر الجمعة والجماعة, ويكون معذوراً, كالمسافر في رمضان إذا قصد بالسفر الفطر حرم عليه, وإن قصد السفر لغرض غير ذلك فله الفطر.
{ باب صلاة أهل الأعذار }
الأعذار: جمع عذر, كقفل وأقفال, وهو ما يرفع اللوم عما حقه أن يلام عليه(1).
والمراد بها هنا: المرض, والسفر, والخوف, فهذه هي الأعذار التي تختلف بها الصلاة عند وجودها.
واختلاف الصلاة هيئة وعدداً بهذه الأعذار مأخوذ من قاعدة عامة في الشريعة وهي قوله تعالى { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } (2), وقوله تعالى { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ(3) } , وقوله { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا(4) } , ومن القواعد المعروفة عند الفقهاء{أن المشقة تجلب التيسير}.
وهذا التيسير سر من أسرار عظمة هذه الشريعة, فإن الناظر في التخفيفات الواردة في الشرع يرى أنها لا تخرج عن نوعين اثنين:
الأول: نوع شرع من أصله للتيسر, وهو عموم التكاليف الشرعية في الأحوال العادية.
الثاني: نوع من شرع لما يجدّ من الأعذار والعوارض, وهو المسمى بالرخص, وهو المقصود هنا.
__________
(1) المطلع ص102.
(2) البقرة: من الآية185).
(3) الحج: من الآية78).
(4) البقرة: من الآية286)(4/79)
فأما النوع الأول فإنه بأدنى تأمل يبدو جلياً أن هذا الدين كله بتكاليفه وعباداته وتشريعاته ملحوظ فيه فطرة الإنسان وطاقته, فالتكاليف الشرعية يسيرة لا عسر فيها, سمحة لا تكلف فيها, سهلة لا تعقيد فيها, أنها لا تمثل قيوداً وأغلالاً في عنق الإنسان, وترهق كاهله, وهو كذلك " أي العبد " لا يمثل في ظل التزامه بها عبداً مسترقاً مسلوب الإرادة والاختيار, كما يخيل لبعض المستشرقين ومن على شاكلتهم ممن في قلوبهم إحَنٌ ودخن, فيكتبون عن الإسلام بروح التعصب, وعقلية المتحامل ويتكلمون بما لا يعلمون, ويهرفون بما لا يعرفون, يدفعهم التحامل والتعصب, ومقت الإسلام وأهله, إلى جانب جهلهم بمبادئ الإسلام وتشريعاته السمحة الندية, إنهم ومن لفّ لفهم يجهلون أن الأحكام الشرعية في حقيقتها توجيه وتشريف أكثر منها قيوداً وحدوداً, وأن التكاليف الربانية أمر ينسجم مع طبيعة الإنسان, ويتلاقى مع مزيته التي خصه الله بها من العقل والفهم, فاي حرج على الإنسان أن يتقيد بها ويعمل بمقتضاها ؟ ما دام يعلم علم اليقين أنها منوط بها سعادته, وهو أهل لها, وفي تكليفه بها وتشريفه وتكريمه وتوجيهه وتسديده لتتم بها السعادة في الدنيا والآخرة.
وأما النوع الثاني من التخفيفات الواردة في الشرع لما يوجد من الأعذار والعوارض, وهو المسمى بالرخص, أن الرخص في الإسلام تعتبر دليل عيان يشهد له بأنه دين اليسر والسهولة, وشاهد عدل على سماحته وتجاوبه مع الفطر المستقيمة, وحساسيته المرهفة لأحوال أهله , ومسارعته في تقديم ما تزول به مشقتهم وعناؤهم, وأن هذه الرخص تعد قاعدة عامة من قواعد الدين الكبرى, وتوجد في جوانب التشريع كله من عقائد وعبادات ومعاملات وأحوال شخصية وقضاء وعقوبات وغير ذلك(1).
س124: ماذا يلزم المريض حال صلاته للفريضة بالنسبة للقيام من عدمه ؟
__________
(1) انظر الموافقات للشاطبي 2/86(4/80)
ج/ يلزمه أن يصلي قائماً مع القدرة, وهذا بالإجماع, ولو كراكع, أي لو كان قيامه كصفة راكع, لكبر أو مرض أو حدب ونحوه, لزمه ذلك مهما أمكنه.
أو معتمداً أو مستنداً إلى شيء كعصا أو حائط ونحو ذلك.
ويدل لذلك حديث عمران بن حصين { صل قائماً, فإن لم تستطع فقاعداً, فإن لم تستطع فعلى جنب } (1).
فإن لم يستطع صلى قاعداً, ويكون متربعاً, لحديث عائشة رضي الله عنها قالت { رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي متربعاً } (2), ويكون متربعاً في حال القيام والركوع لما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها, ولأن التربع في الغالب أكثر طمأنينة وارتياحاً من الافتراش, ومن المعلوم أن القيام يحتاج إلى قراءة طويلة أطول من قول { ربَّ اغفر لي وارحمني } فلذلك كان التربع فيه أولى, ولأجل فائدة أخرى وهي التفريق بين القيام والقعود الذي في محله, لأننا لو قلنا يفترش في حال لم يكن هناك فرق بين الجلوس في محله وبين الجلوس البدلي الذي يكون بدل القيام.
س125: هل التربع في حال القيام والركوع لمن صلى جالساً ؟
ج/ لا, ليس بواجب وإنما هو سنة, فلو صلى مفترشاً ونحو ذلك فلا بأس, لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - { فإن لم تستطع فقاعداً } ولم يبين كيفية قعوده.
مسألة:
إذا صلى الإنسان قاعداً لعدم استطاعته القيام, فإنه إذا جاء إلى ركن السجود فإنه يضع ما يستطيعه من أعضاء السجود على الأرض, فمثلاً يلاحظ على بعض الناس أنه إذا لم يستطع أن يسجد سجوداً تاماً فإنه يومئ أيماءَ, وهذا صحيح, لكن الخطأ أن بعض الناس في هذه الحالة يضع يديه على ركبتيه مع إمكانه وضعهما على الأرض.
ومن الخطأ ما يفعله بعض الناس أنه إذا لم يستطع أن يسجد سجوداً تاماً أنه يضع شيئاً مرتفعاً ثم يسجد عليه, وهذا لا يصح, فإن استطاع أن يسجد سجوداً تاماً وإلا يومئ إيماءَ.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه النسائي, وابن خزيمة, وابن حبان والحاكم والبيهقي وصححه ابن خزيمة وابن حبان.(4/81)
س126: إذا لم يستطع أن يصلي قائماَ ولا قاعداً فكيف يصنع ؟
ج/ يصلي على جنبه, لحديث عمران بن حصين المتقدم(1), ولم يبين في الحديث على أي الجنبين يكون, وبناء على هذا فالأفضل أن يختار الأيسر له, فإن كان الأيسر للمريض أن يكون على جنبه الأيمن فهذا أفضل, وإن كان العكس فهو أفضل كذلك, لأن المقام مقام رخصة وتسهيل, لكن إن تساوى الجنبان فالجنب الأيمن أفضل, لأن ذلك داخل في عموم حديث عائشة رضي الله عنها { كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله(2) } , ويكون في هذه الحالة وجهه إلى القبلة, وإذا لم يستطع المريض أن يتوجه إلى القبلة, وليس هناك أحد يوجهه, أو كانت الحركة تضره صلى على أي جهة توجه.
س127: هل يصح أن يصلي مستلقياً على ظهره ورجلاه إلى القبلة مع قدرته الصلاة على جنبه ؟
ج /الراجح أنه لا يصح ذلك مع القدرة على الجنب, لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعمران بن الحصين { فإن لم تستطع فعلى جنب } , وهذه هيئة منصوص عليها من قبل الشرع, وتمتاز عن الاستلقاء بأنه وجه المريض إلى القبلة, أما الاستلقاء فوجه المريض إلى السماء, فهو على الجنب أقرب إلى الاستقبال وبناءَ على هذا إن عجز عن الصلاة على جنبه صلى مستلقياً ورجلاه إلى القبلة.
س128: كيف يومئ بالركوع والسجود من صلى على جنب أو صلى مستلقياً ؟
ج/ يومئ برأسه إلى صدره, ويكون إيماءه إلى السجود أخفض منه إلى الركوع.
س129: إذا عجز عن الإيماء برأسه فماذا يصنع ؟
ج/هذه المسألة على خلاف, والراجح أنه تسقط عنه الأفعال, فتسقط عنه الحركة بالصلاة, ويصلي بقلبه, فيكبر تكبيرة الإحرام وينوي أنها للإحرام, ثم يقرأ, ثم يكبر وينوي أن هذه التكبيرة للركوع, ويسبح تسبيح الركوع...(إلخ).
__________
(1) ينظر ص 87.
(2) رواه البخاري ومسلم.(4/82)
وإنما قيل بعدم سقوط الأقوال عنه لأنه قادر عليها, وقد قال تعالى { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } (1), ولا يومئ بطرفه خلافاً لمن قال بذلك, لأن الحديث الوارد في ذلك وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - { فإن لم يستطع أومأ بطرفه } (2) حديث ضعيف, وبناءً على هذا فالراجح كما تقدم أنه إذا عجز عن الإيماء بالرأس سقطت عنه الأفعال دون الأقوال كما تقدم.
مسألة:
من الخطأ ما يعتقده بعض العامة أنه إذا عجز عن الإيماء بالرأس أومأ بالإصبع, فينصبون الإصبع حال القيام وحال الركوع يركع, وحال السجود يضم الإصبع, وهذا لا أصل له ولم تأتِ به السنة, ولم يقل به أحد من أهل العلم, فيجب تنبيه العامة على مثل هذه المسألة من قِبَل طلاب وطالبات العلم.
س130: من صلى قائماً ثم شق عليه القيام, أو صلى قاعداً ثم قدر على القيام, أو صلى قاعداً أو شق عليه القعود فماذا يفعل ؟
ج/ نقول من صلى على حال ثم قدر على ما هو أعلى منه, كما لو صلى قاعداً وقدر على القيام, أو صلى على جنب وقدر على القعود أو القيام انتقل إليه, وكذا من صلى على حال ثم احتاج إلى ما هو أدنى منه, كما لو صلى قائماً وشق عليه القيام انتقل إلى الجلوس أو على جنب حسب رغبته, ومثل ذلك لو صلى قاعداً وشق عليه فإنه يصلي على جنب, لقول الله تعالى { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } .
س131: إذا كان المصلي من أهل الجماعة فإذا صلى في بيته صلى قائماً وإذا صلى بالمسجد صلى جالساً فهل يصلي في بيته لتحصيل القيام أم يصلي في المسجد حتى ولو جلس ؟
__________
(1) التغابن: من الآية16).
(2) رواه زكريا الساجي بسنده عن الحسن بن علب بن أبي طالب.(4/83)
ج/ في المسألة خلاف, والراجح في هذه المسألة أنه يجب عليه حضور الجماعة, حتى ولو أدى ذلك إلى صلاته قاعداً, لما ثبت في حديث ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { وكان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف } (1), ومثل هذا في الغالب لا يقدر على القيام.
س132: ما حكم صلاة الفريضة على الراحلة ؟
ج/ تصح إذا خشي التأذي إما بوحل أو مطر, فإذا كان يتأذى من النزول من على الراحلة لذلك فله أن يصلي على الراحلة, لكن عليه أن يوقف الراحلة ويستقبل القبلة ويومئ بالركوع والسجود, ومثل ذلك إذا خشي انقطاعاً عن رفقة بنزولة ونحو ذلك, ويدل لذلك قول يعلى بن أمية { انتهى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مضيق هو وأصحابه وهو على راحلته والسماء من فوقهم والبلة من أسفل منهم, فحضرت الصلاة فأمر المؤذن فأذن وأقام, ثم تقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلى بهم } (2).
والصلاة على الرواحل(3) لا يخلو من أحوال:
1- أن يكون في الراحلة مكان مخصص للصلاة, ويستطيع المصلي أن يأتي بأفعال الصلاة كاملة من قيام وركوع وسجود ونحو ذلك, فهذا له أن يصلي على الراحلة حتى ولو كان يعلم أنه يصل قبل خروج الوقت.
2- إذا لم يكن هناك مكان على الراحلة يستطيع من خلال ذلك أن يأتي بهيئة الصلاة كاملة, فهنا لا يخلو من حالتين:
أ. أن يصل قبل خروج الوقت, ففي هذه الحالة يؤخر الصلاة حتى يصل.
__________
(1) رواه مسلم.
(2) رواه أحمد والترمذي وقال : العمل عليه عند أهل العلم.
(3) الرواحل أقسامها أربعة: سيارات, وحيوان, وطائرات, وسفن.(4/84)
ب. أن يصل بعد خروج الوقت, فهنا يؤخر الصلاة بنية الجمع إذا كانت تجمع مع التي بعدها, وكان يصل قبل خروج وقت الصلاة الثانية, أما إن كانت الصلاة لا تجمع مع التي بعدها, أو كانت تجمع لكن لا يصل إلا بعد خروج وقت الثانية, فإنه في هذه الحالة يصلي على حسب حاله, وعليه استقبال القبلة في كل الفرض إن تمكن منه, ولا يؤخر الصلاة حتى يخرج الوقت.
{ فصل في صلاة المسافر }
لما كان للسفر أحكام خاصة في الصلاة ناسب أن يعتني العلماء بذكر أحكامه في باب مستقل, والمسافر هو القسم الثاني من أهل الأعذار, وقد تقدم الكلام عن عذر المرض, وسيأتي الكلام بمشيئة الله تعالى عن عذر الخوف.
أولاً: قصر الصلاة في السافر.
وقصر الصلاة مشروع بالكتاب والسنة, وآثار الصحابة والإجماع.
من الكتاب قوله تعالى { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ } (1).
ومن السنة حديث عائشة رضي الله عنها قالت { فرضت الصلاة ركعتين, ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيد في الحضر(2) } .
وقال عمر - رضي الله عنه - { صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر(3) } .
والإجماع كذلك, قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن لمن سافر سفراً تقصر في مثله الصلاة, مثل حج, أو جهاد أو عمرة, أن يقصر الظهر والعصر والعشاء, فيصلي كل واحدة منهما ركعتين, ركعتين)(4), وقد ذكر شيخ الإسلام وابن القيم رحمهما الله تعالى أن القصر قصران: قصر العدد, وقصر الأركان, فإذا اجتمع الخوف والسفر اجتمع القصران, وإذا انفرد السفر فقصر العدد, وإذا انفرد الخوف فقصر الأركان(5).
س133: ما حكم قصر الصلاة الرباعية للمسافر ؟
__________
(1) النساء: من الآية101).
(2) متفق عليه.
(3) رواه أحمد, والنسائي, وابن ماجه, وصححه الألباني في الإرواء3/105.
(4) الإجماع ص 42.
(5) مجموع الفتاوى 24/20 وزاد المعاد 1/529.(4/85)
ج/ على خلاف, والراجح أن الإتمام مكروه, وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: (وقال بعض أهل العلم أن الإتمام مكروه, لأن ذلك خلاف هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - المستمر الدائم, فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما أتم أبداً في سفر, وقال { صلوا كما رأيتموني أصلي } (1), وهذا القول اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله(2), وهو قول قوي, بل لعله أقوى الأقوال(3).
ثم قال الشيخ رحمه الله في موضع آخر: (والذي يترجح لي, وليس ترجحاً كبيراً هو أن الإتمام مكروه وليس بحرام, وإن أتم لا يكون عاصياً, هذا من الناحية النظرية, وأما من الناحية العلمية فهل يليق بالإنسان أن يفعل شيئاَ يخشى أن يكون عاصياً فيه ؟ فلا ينبغي من الناحية المسلكية والتربوية, بل افعل ما يكون هو السنة, فإن ذلك أصلح لقلبك, حتى وإن كان يجوز لك خلافه, وليس المعنى إما أن يكون الشيء واجباً أو حراماً أو لق الحرية في فعله أو تركه, فلا ينبغي للإنسان أن يتم, فأقل ما نقول أن الإتمام مكروه, لأن النصوص تكاد تكون متكافئة, فاحرص أن تصلي ركعتين في سفرك, ولا تزد على ذلك, ولكن إذا أتم الإمام فإنه يلزمك الإتمام فلا تقع في المخالفة, وهذا من نظر الشرع لاتفاق الأمة, وإن كان ذلك خلاف الأولى بك لو صليت منفرداً)(4).
س134: أي الصلوات التي تقصر ؟
ج/ التي تقصر هي الصلاة الرباعية فقط, وهي صلاة الظهر والعصر والعشاء.
أما المغرب والصبح فلا تقصران إجماعاً, قال ابن المنذر(5).
فالمغرب لا تقصر لأنها وتر النهار, فإذا سقط منها ركعة بطل كونها وتراً, وإن سقط ركعتان بقي ركعة, وأما الصبح فإنه إذا سقط منها ركعة بقي ركعة, ولا نظير له في الفرض.
س135: هل يشترط للمقصر أن يكون السفر مباحاً أم يصح القصر حتى لمن سافر سفراً محرماً ؟
__________
(1) رواه البخاري.
(2) الاختيارات ص72.
(3) الممتع4/505.
(4) الممتع 4/509.
(5) الإجماع ص 42.(4/86)
ج/ على خلاف, والراجح في ذلك أن السفر مبيح للقصر سواء كان السفر مباحاً أو محرماً, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فإن الكتاب والسنة قد أطلقا السفر, قال تعالى { وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر(1) } , كما قال تعالى في آية التيمم { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ } (2) ولما تقدم من النصوص الدالة على أن المسافر يصلي ركعتين(3), ولم ينقل قط أحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه خص سفراً من سفر مع علمه بأن السفر يكون حراماً ومباحاً, ولو كان هذا مما يختص بنوع من السفر لكان بيان هذا من الواجبات, ولو بّين هذا لنقلته الأمة, وما علمت عن الصحابة في ذلك شيئاً(4).
س136: هل للسفر مسافة محددة أم لا ؟
ج/ على خلاف والراجح أنه لا حد للمسافة, وإنما يرجع في ذلك إلى العرف, لأنه لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تقييد السفر بمسافة, وليس هناك حقيقة لغوية تقيده فكان مرجع ذلك إلى العرف, وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله كما في مجموع الفتاوى(5), قال شيخ الإسلام رحمه الله: (ولم يحد النبي - صلى الله عليه وسلم - مسافة القصر بحد لا زماني ولا مكاني, والأقوال المذكورة في ذلك متعارضة ليس على شيء منها حجة, وهي متناقضة, ولا يمكن أن يحد ذلك بحد صحيح, فإن الأرض لا تذرع بذرع مضبوط في عامة الأسفار, وحركة المسافر تختلف, والواجب أن يطلق ما أطلقه صاحب الشرع, ويقيد ما قيده... ومن قسّم الأسفار إلى قصير وطويل, وخص بعض الأحكام بهذا وبعضها بهذا, أو جعلها متعلقة بالسفر الطويل, فليس معه حجة يجب الرجوع إليها)(6), وبناء على هذا فالمسألة لا تخلو من أربع حالات هي:
__________
(1) البقرة: من الآية185).
(2) المائدة: من الآية6).
(3) انظر ص90.
(4) الفتاوى 24/105.
(5) الفتاوى 24/12-35-19-47-48-135.
(6) الفتاوى24/12.(4/87)
1- أن تكون المدة طويلة في مسافة طويلة, فهذا سفر لا إشكال فيه, كما لو ذهب من القصيم إلى مكة مثلاً, وبقي فيها عشرة أيام.
2- أن تكون المدة قصيرة والمسافة قصيرة كذلك, فهذا ليس بسفر, كما لو خرج مثلاً من بريدة إلى عنيزة(1) في يوم ورجع في يومه.
3- أن تكون المدة طويلة والمسافة قصيرة, كما لو ذهب شخص من بريدة إلى عنيزة مثلاً, وأقام فيها يومين أو ثلاثة أيام مثلاً, فهذا يعتبر سفراً.
4- أن تكون المدة قصيرة والمسافة طويلة, كمن ذهب من بريدة مثلاً إلى جدة ورجع في يومه, فهذا يعتبر سفراً, لأن الناس يتأهبون له ويرون أنهم مسافرون.
س137: إنسان تائه خرج من بلده يتمشى أو يطلب جملاً شارداً فضل الطريق فصار تائهاً يطلب الطريق ولم يهتد إليه فهل يقصر الصلاة أم لا ؟
ج/ على خلاف, والراجح أنه يقصر الصلاة, لأنه يعتبر على سفر, قال شيخ الإسلام رحمه الله: (إن الصلاة تقصر في كل ما يسمى سفراً)(2).
س138: إذا أشكل على الإنسان هل هذا يسمى سفراً عرفاً أم لا فهل يقصر أم لا؟
ج/ هذه المسألة يتجاذبها أصلان هما:
الأصل الأول: أن السفر مفارقة محل الإقامة, وحينئذ نأخذ بهذا الأصل, فيحكم بأنه سفر.
الأصل الثاني: أن الأصل الإقامة حتى يتحقق السفر, وما دام الإنسان شاكاً في السفر فهو شاك هل هو مقيم أو مسافر ؟ والأصل الإقامة, وبناء على هذا فيقال بأن الإنسان إذا شك هل هذا سفر يسمى سفراً عرفاً أم لا ؟ فالأحوط أن يتم الإنسان, لأن الأصل في الإنسان أنه مقيم, والسفر مشكوك فيه, فيتم حتى يتحقق أنه مسافر, للقاعدة الشرعية{اليقين لا يزول بالشك}.
س139: من سافر من أجل أن يترخص فهل له ذلك أم لا ؟
ج/ مثال ذلك:
__________
(1) بينهما ما يقارب من ثلاثين كيلاً تقريباً.
(2) الاختيارات ص72.(4/88)
رجل سافر من أجل أن يقصر الصلاة, أو من أجل أن يفطر في نهار رمضان مثلاً, فهنا الراجح أنه لا يترخص, لأنه يعاقب بنقيض قصده, فكل من أراد التحايل على إسقاط الواجب, أو فعل المحرم عوقب بنقيض قصده.
س140: متى يباح للإنسان أن يترخص إذا سافر ؟
ج/ إذا فارق عامر بنيان قريته, لقوله تعالى { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً(1) } , ولا يسمى ضارباً حتى يخرج, ولحديث أنس - رضي الله عنه - قال { صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - الظهر بالمدينة أربعاً, وبذي الحليفة ركعتين } (2).
قال شيخ الإسلام رحمه الله: (والمسافر لابد أن يسفر " أي يخرج " إلى الصحراء, فإن لفظ السفر يدل على ذلك, يقال: سفرت المرأة عن وجهها إذا كشفته, فإذا لم يبرز إلى الصحراء, فإذا لم يبرز إلى الصحراء التي ينكشف فيها من بين المساكن لم يكن مسافراً)(3).
وبناء على هذا نعلم خطأ بعض الناس حينما يعتقدون أنهم لا يبدءون في الرخصة إذا خرجوا من بلدهم إلا إذا قطعوا مسافة قصر فأكثر, بل يقال إذا خرج الإنسان من بلده وفارق عامر بلده بدأ في الترخص حتى ولو كان يرى بلده, وعلى هذا فمن خرج إلى المطار وكان المطار خارج البلد فله أن يترخص في المطار من القصر والجمع ويفطر ونحو ذلك, وليس بلازم أن ينتظر حتى تقلع الطائرة وتقطع مسافة قصر.
س141:لو خرج الإنسان مسافراً وبعد أن فارق عامر قريته صلى وقصر الصلاة ثم حصل له عذر منعه من استكمال السفر فرجع إلى بلده فهل يعيد الصلاة التي قصرها ثانية أم لا ؟
__________
(1) النساء:101).
(2) متفق عليه.
(3) الفتاوى24/120.(4/89)
ج/ يقال بأنه لا يعيد, لأن المعتبر نية المسافة لا حقيقتها, ولأنه أتى بها بأمر الله موافقة لشرعه, فتكون مقبولة, ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث عائشة رضي الله عنها { من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد(1) } , فمفهوم ذلك أن من عمل عملاً عليه أمر الله ورسوله فهو مقبول.
س142: متى يلزم المسافر الإتمام ؟
ج/ ذكر الفقهاء أنه يلزم المسافر الإتمام في عدة مسائل في بعضها نظر, سأشير إلى ذلك وهي:
1- إذا دخل وقتها وهو في الحضر ثم سافر, قالوا بأنه يلزمه الإتمام في هذه الصورة.
مثال ذلك:
لو أذن المؤذن لصلاة الظهر وهو في البلد, ثم سافر, ثم صلى في الطريق, قالوا بأنه يتم الصلاة في هذه الحالة, ولكن في هذا نظر, فالصحيح أنه يقصر الصلاة في هذه الحالة, قال في الإنصاف: (اختاره " أي القصر " في الفائق , وحكاه ابن المنذر إجماعاً كقضاء المريض ما تركه في الصحة ناقصاً, وكوجوب الجمعة على العبد الذي عتق بعد الزوال, وكالمسح على الخفين " أي إذا لبس خفيه ثم سافر قبل المسح " مَسَحَ مَسْحَ مسافر)(2), قال ابن المنذر في الإجماع: (وأجمعوا على أن لمن خرج بعد الزوال أن يقصر الصلاة)(3), ولأن العبرة بفعل الصلاة لا بالزمن.
2- إذا صلى خلف من يتم.
مثال ذلك:
رجل مسافر صلى خلف إمام مقيم, فإنه يتم خلفه الصلاة ولا يقصر للأدلة الآتية:
أ. حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { إنما جعل الإمام ليؤتم به...(4) } الحديث.
ب. ما ورد في حديث أبي هريرة رضي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { ...وما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا(5) } , وهذا يشمل كل ما أدرك الإنسان وكل ما فاته.
__________
(1) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم.
(2) الانصاف مع الشرح5/35.
(3) الإجماع ص43.
(4) رواه البخاري ومسلم.
(5) رواه البخاري ومسلم.(4/90)
ج. ما ورد عن موسى بن سلمة الهذلي بلفظ: (كنا مع ابن عباس بمكة فقلت: إنا إذا كنا معكم صلينا أربعاً, وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين, قال: تلك سنة أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم - )(1), وروي بلفظ آخر عن موسى بن سلمة أنه قال { سألت ابن عباس كيف أصلّ إذا كنت بمكة إذا لم أصلي مع الإمام ؟ فقال: ركعتين , سنة أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم - (2) } , فهذه الأدلة تدل على أن المسافر إذا ائتم بمقيم فإنه يتم خلفه ولا يقصر... ولكن متى يتم خلفه ؟
يتم المسافر خلف المقيم إذا أدرك ركعة فأكثر, لعموم حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً { من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة(3) } , وبناء على ذلك فلو جاء المأموم المسافر ودخل مع الإمام في التشهد الأخير(4) فإنه يصلي قصراً إذا أقام لقضاء الصلاة.
3- إذا لم ينو القصر عند الإحرام , فقالوا في هذه الحالة يلزمه الإتمام, وهو مذهب الحنابلة والشافعية.
مثال ذلك:
رجل مسافر شرع في صلاة الظهر ولم ينو القصر عند تكبيرة الإحرام, وإنما نوى ذلك بعد ما كبر تكبيرة الإحرام, قال شيخ الإسلام رحمه الله: (وهو الصحيح الذي تدل عليه سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه كان يقصر بأصحابه, ولا يعلمهم قبل الدخول في الصلاة أنه يقصر, ولا يأمرهم بنية القصر)(5).
ويتفرع عن هذه المسألة مسالتين هما:
المسألة الأولى: إذا ائتم مسافر بإمام يشك فيه هل هو مسافر أم لا, هل يتم أم يقصر ؟ وهذا يكون في محل يكثر فيه المسافرون, كالمطارات والمحطات ونحو ذلك, يقال هذه المسألة لا تخلو من أمرين:
__________
(1) رواه أحمد في مسنده.
(2) رواه مسلم.
(3) متفق عليه.
(4) مع أن الراجح في ذلك أنه لا يدرك الجماعة إذا دخل مع الإمام في التشهد الأخير خلافاً لمن قال بذلك, وبناء على ذلك فالمشروع إذا جاء والإمام في التشهد الأخير فإنه لا يدخل معه إذا كان يغلب على الظن حضور جماعة أخرى.
(5) الفتاوى24/21.(4/91)
أ. أن تكون هناك قرينة على أن الإمام مسافر, فهنا يقصر, كما لو صلى بهم من يرى عليه آثار السفر كحملة لعفش ونحو ذلك.
ب. إذا لم يكن هناك قرينة تدل على وضع الإمام هل هو مسافر أم لا, فهنا يلزمه الإتمام, لأن من شرط القصر أن ينويه نية جازمة لا تردد فيها.
لكن لو قال إن أتم الإمام أتممت معه, وإن قصرت فلا بأس بذلك, وهذا ليس من باب الشك, بل من باب تعليق الفعل بأسبابه, فسبب القصر قصر الإمام, وسبب الإتمام إتمامه.
المسألة الثانية: إذا دخل مسافر مع إمام مقيم, ثم فسدت صلاة المسافر بحدث أو نحوه, ثم ذهب ليتوضأ إن كان فسادها بحدث مثلاً, فرجع ووجدهم قد صلوا, فهل يعيدها تامة أم مقصورة ؟
يقال هذا لا تخلو من أمرين:
أ. أن يبتدئ الصلاة وهو على طهارة, ثم أحدث مثلاً, فهذه الحالة على خلاف, والراجح أنه يقصر في هذه الصورة, خلافاً لمن قال أنه يتم, كما هو مذهب الحنابلة, والمالكية, والشافعية, لأنه إنما يلزمه الإتمام متابعة للإمام, وقد زالت التبعية, فلا يلزمه إلا صلاة مقصورة.
ب. أن يدخل الصلاة على غير طهارة أصلاً, فهنا يقصر الصلاة أي المسافر, حتى عند الحنابلة, لأن الصلاة لم تنعقد أصلاً.
4- من نوى الإقامة المطلقة في بلاد الغربة, كالعمال المقيمين للعمل, والتجار المقيمين للتجارة, وسفراء الدول ونحوهم ممن عزم على الإقامة إلا لسبب يقتضي نزوجهم فهؤلا حكمهم حكم المستوطنين من وجوب الصوم, وإتمام الصلاة ونحو ذلك, فهذا لا يترخص, فليس له القصر ولا الجمع ونحو ذلك من رخص السفر.(4/92)
5- إذا نوى الإقامة في البلد الذي سافر إليه أربعة أيام فأكثر, أو أقام لحاجة وظن أنها لا تنقضي إلا بعد الأربعة, فقالوا في هذا لا يترخص, وهو قول الحنابلة والمالكية والشافعية, لكن المالكية والشافعية لا يحسبون يومي الدخول والخروج, وهذا القول فيه نظر, فالصحيح أن حكم هؤلا حكم المسافرين, وأنهم يترخصون ما لم ينووا الاستيطان أو الإقامة المطلقة, وأدلة ذلك كثيرة منها:
أ. قوله تعالى { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ } (1), وقد علم سبحانه أن من الضاربين من يبقى أياماً وشهوراً, ولم يستثنى سبحانه وتعالى حالاً من الأحوال, ولا ضارباً من ضارب.
ب- حديث أنس - رضي الله عنه - قال { خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجع إلى المدينة(2) } , وفي رواية لمسلم { خرجنا من المدينة إلى الحج } , فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أقام إقامة لغرض الحج, مقيدة بزمن معين, وقد نواها من قبل ومع ذلك بقي يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة.
ج- حديث جابر رضي الله عنهما { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام بتبوك عشرين يقصر الصلاة } (3).
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى: (ومعلوم بالعادة أن مما يفعل بمكة وتبوك لم يكن ينقضي في ثلاثة أيام ولا أربعة, حتى أنه كان يقول: اليوم أسافر, غدً أسافر).
__________
(1) النساء: من الآية101).
(2) متفق عليه.
(3) متفق عليه.(4/93)
د- ما ورد عن أبي حجرة نصر بن عمران قال: قلت لابن عباس { أنا نطيل السفر بخراسان فكيف ترى ؟ قال: صلَّ ركعتين, وإن أقمت عشر سنين } (1), { وأقام ابن عمر في أذربيجان ستة شهور يصلي ركعتين, وقد حال الثلج بينه وبين الدخول } (2), { وأقام أنس بالشام يقصر الصلاة سنتين(3) } , وروى عبد الرزاق عن الحسن قال: (كنا مع عبد الرحمن بن سمرة ببعض بلاد فارس سنتين فكان لا يزيد على ركعتين), وفي حديث أنس { أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقاموا برام هرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة } (4).
والخلاصة في ذلك أن المسافرين على ثلاثة أقسام:
أ- أن ينووا الإقامة المطلقة, فهؤلا حكمهم حكم المستوطنين فلا يترخصون برخص السفر كما تقدم(5).
ب- أن ينووا إقامة لغرض معين مقيدة بزمن, ومتى انتهى غرضهم عادوا إلى أوطانهم, تقدم الخلاف في ذلك(6) , وذكرنا أن الراجح أن هؤلا لهم حكم المسافرين.
ج- أن ينووا إقامة لغرض معين غير مقيد بزمن, ومتى انتهى غرضهم عادوا إلى أوطانهم, كمن قدم لمراجعة دائرة حكومية, أو لبيع سلعة أو شرائها, فهؤلا حكمهم حكم المسافرين حتى على مذهب الحنابلة, وحكاه ابن المنذر إجماعاً.
6- المسألة السادسة: إذا أخر الصلاة عن وقتها بلا عذر حتى ضاق وقتها عنها.
مثال ذلك:
أخر صلاة العصر وهو مسافر حتى فاته الوقت, فقالوا بأن هذا لا يترخص, لأنه صار عاصياً بتأخيرها عمداً بلا عذر, ولكن الراجح أنه يقصر لعدم تحريم السبب.
{ مسائل لم يذكرها المصنف: يلزم فيها المسافر الإتمام }
7- إن أحرم حضراً ثم سافر, أو في سفر ثم أقام, أو ذكر صلاة حضر في سفر, أو ذكر صلاة سفر في حضره, عبارة الفقهاء هذه تضمنت عدة مسائل يرون أنه يلزم الإتمام فيها سأذكرها مع التمثيل, والراجح في كل مسألة:
__________
(1) ينظر ص 95.
(2) رواه البيهقي, وقال ابن حجر في الدراية1/212 إسناده صحيح.
(3) رواه البيهقي.
(4) رواه البيهقي.
(5) ينظر ص 95.
(6) ينظر ص 95.(4/94)
المسألة الأولى: إذا أحرم في الحضر ثم سافر.
مثال ذلك:
رجل كان في سفينة تجري في نهر يشق البلد, ثم كّبر للصلاة فتحركت السفينة وفارقت عامر بنيان قريته, وهو في أثناء الصلاة, فإنه يلزمه الإتمام, لأنه ابتدأ الصلاة في حال يلزمه إتمامها, فلزمه الإتمام.
المسألة الثانية: إذا أحرم في السفر ثم أقام, وهي عكس المسألة السابقة.
مثاله:
رجل كان في سفينة فابتدأ الصلاة قبل دخول البلد, ثم دخلت السفينة البلد وهو ما يزال في الصلاة, فهنا يلزمه الإتمام, لأنه اجتمع في هذه العبادة سببان: أحدهما يبيح القصر, والثاني يمنع القصر, فغلب جانب المنع, فالذي يبيح القصر السفر, وهو الذي ابتدأ الصلاة فيه, والذي يمنعه الإقامة, وهو الذي أتم الصلاة فيها, فيغلب هذا الجانب, لأن الفقهاء عندهم قاعدة وهي{إذا اجتمع مبيح وحاظر فالحكم للحاظر}, أو يقال يغلب جانب الحظر, ودليل هذه القاعدة حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { دع ما يريبك إلى ما لا يريبك } (1), ولما ورد من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { ...ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه } (2).
__________
(1) رواه الإمام أحمد والترمذي وقال حديث حسن صحيح والنسائي والدارمي والطيالسي وابن حبان وصححه , والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
(2) رواه البخاري ومسلم.(4/95)
وما سبق في المسألتين الأولى والثانية هو قول الحنابلة, والراجح في ذلك, أما بالنسبة للمسألة الأولى, فإنه إذا صلى ركعة فأكثر في الحضر ثم سافر, فإنه يتم صلاة مقيم, أما إن كبر للإحرام وفارق عامر بنيان قريته, وهو لم يصلَّ شيئاً, فإنه يتم صلاة مسافر, وكذلك بالنسبة للصلاة الثانية فإنه إذا أحرم في السفر ثم أقام, فإن كان صلى في حال سفره ركعة فأكثر ثم أقام أتم صلاة المسافر, وإلا صلى صلاة مقيم, لأن الإدراكات كلها تقيد بركعة, لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - { من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة } (1).
المسألة الثالثة: إذا ذكر صلاة حضر في سفر.
مثال ذلك:
رجل صلى في بلده الظهر على غير وضوء ناسياً فسافر, ثم تذكر أثناء السفر أنه صلى الظهر على غير طهارة في الحضر, فمن المعلوم هنا أنه لابد من إعادة الصلاة للقاعدة الشرعية{أن باب الأوامر لا يعذر فيه الإنسان بالجهل والنسيان}, ولكن هل يعيدها أربعاً بناء على أنه صلاها في الحضر أم يصليها ركعتين لأنه سيعيدها حال السفر ؟
يقال: يصليها أربعاً, لحديث أبي هريرة مرفوعاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { من نام عن صلاة أو نسيها فليصليها إذا ذكرها } (2), أي يصلي هذه الصلاة كما ذكرها, ولأن هذه الصلاة لزمته تامة, فوجبت عليه قضاؤها تامة, قال ابن المنذر في الإجماع: (وأجمعوا على أن من نسي صلاة في حضر فذكرها في السفر أن عليه صلاة الحضر, إلا ما اختلف فيه الحسن البصري)(3).
المسألة الرابعة: إذا ذكر صلاة سفر في حضر, وهي عكس المسألة السابقة.
مثال ذلك:
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه مسلم.
(3) الإجماع ص 44, وقول الحسن البصري قال به المزني كما في المجموع 4/224, وابن حزم كما في المحلى 5/44.(4/96)
صلى في السفر صلاة الظهر ركعتين, وهو مذهب أبي حنيفة ومالك, لما تقدم من حيث أبي هريرة - رضي الله عنه - , وهذا ذكر صلاة مقصورة, فتلزمه صلاة مقصورة, ولأن القضاء يحكي الأداء, ولم يفته إلا ركعتان.
والخلاصة: أن المسألة الرابعة وما قبلها لها أربع صور:
1- أن يذكر صلاة سفر في سفر, فإنه يقصر, كما لو صلى في سفر قصراً وهو على غير طهارة, ثم تذكر هذه الصلاة أنه صلاها على غير طهارة في سفر آخر, فهنا يقصر.
2- أن يذكر صلاة حضر في حضر, فهذا يتم, وهذه ظاهرة.
3- أن يذكر صلاة سفر في حضر, فهنا يقصر على الصحيح كما تقدم.
4- أن يذكر صلاة حضر في سفر, فهنا يتم.
فائدة:
ويسن للمسافر إذا أمَ مقيمين أن يقول: أتموا فإنا قوم سفر, لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك لأهل مكة, ولئلا يلتبس على الجاهل عدد الركعات.
{ فصل في الجمع }
الجمع هو: ضم إحدى الصلاتين إلى الأخرى, وقولنا(ضم) يراد به ما يصح الجمع بينهما, وهما جمع الظهر مع العصر, والمغرب مع العشاء, وهذا التعريف يشمل التقديم, وجمع التأخير, والجمع كما سيأتي لأمرين هما: السفر, وللمشقة في الحضر, كالمرض وما أشبهه.
فائدة:
كل من جاز له القصر جاز له الجمع والفطر ولا عكس.
س143: ما حكم الجمع بين صلاتي الظهر والعصر, والمغرب والعشاء عند وجود سبب الجمع ؟
ج/ الراجح أن الجمع سنة إذا وجد سببه لوجهين:
الوجه الأول: أنه من رخص الله عز وجل, والله سبحانه وتعالى يجب أن يوتى رخصه.
الوجه الثاني: أن فيه إقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -, فإنه كان يجمع عند وجود السبب المبيح للجمع.
س144: أيهما أفضل جمع تقديم أم جمع التأخير ؟(4/97)
ج/ الأفضل أن الإنسان يفعل الأرفق به, فإن كان الأرفق به جمع التقديم جَمَعَ جمع تقديم, والعكس كذلك, لأن أصل الجمع إنما شرع لرفع الحرج والمشقة, فإذا كان ذلك في أصله, فيكون كذلك في فرعه, ويدل لذلك حديث معاذ - رضي الله عنه - { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعهما إلى العصر يصليهما جميعاً, وإذا أرتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم سار, وكان يفعل ذلك في المغرب والعشاء } (1).
ومما يجب أن يعلم من أراد الجمع أنه إذا جاز الجمع صار الوقتان وقتاً واحداً, فإن شاء جمع في وقت الأولى, أو في الثانية, أو في الوقت الذي بينهما, وأما ظن بعض العامة أنه لا يجمع إلا في آخر وقت الظهر وأول وقت العصر, أو في أول وقت أحدهما فهذا لا أصل له.
س145: هل يجوز الجمع لمن كان نازلاً أم لا ؟
ج/ أما بالنسبة للمسافر السائر فهذا لا خلاف في جواز الجمع في حقه(2), ويدل لذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع إذا جد به السير(3) } , وأما بالنسبة للجمع لمن كان نازلاً فعلى خلاف, والراجح أنه يجوز له الجمع حتى ولو كان نازلاً, وهو قول الجمهور(4), ويدل لذلك حديث أبي جحيفة - رضي الله عنه - حين أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بالأبطح بمكة بالهاجرة, وفيه { ثم صلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين } (5), وأيضاً مما يدل لذلك جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - في عرفة وهو نازل(6).
__________
(1) رواه أبو داود والترمذي وقال حسن غريب وهو صحيح.
(2) إلا عند من يقول بأنه لا يجوز الجمع مطلقاً بعذر السفر, كما هو قول الحنفية وهو قول مرجوح.
(3) رواه البخاري ومسلم.
(4) وهو قول الحنابلة والشافعية.
(5) متفق عليه.
(6) رواه مسلم من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما.(4/98)
والخلاصة في ذلك: أن الجمع للمسافر جائز, لكنه في حق السائر مستحب, وفي حق النازل جائز غير مستحب إن جمع فلا بأس, وإن ترك فهو أفضل, لكن إن كان نازلاً, وكان الجو بارداً, ولو كان نازلاً, وإنما يكون ترك الجمع أفضل في حق المسافر النازل إذا لم يشق عليه أن يصلي كل صلاة في وقتها.
س146: متى يباح للمقيم الجمع بين الصلاتين ؟
ج/ في المسألة خلاف, والراجح أن المقيم له الجمع بين الظهرين(1) وبين العشاءين(2) كلما دعت الحاجة إلى الجمع بين الصلاتين, وكان في ترك الجمع حرج ومشقة جاز ذلك, ويدل لذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال { جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر } , وفي رواية { من غير خوف ولا سفر } (3), ولما سئل ابن عباس لماذا صنع ذلك ؟ قال: أراد ألا يخرج أمته " أي ألا يلحقها حرج في عدم الجمع, ومن هنا نأخذ أنه متى لحق المكلف حرج في ترك الجمع جاز له أن يجمع.
ولما ورد في حديث جابر - رضي الله عنه - قال { جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الظهر والعصر, والمغرب والعشاء للرخص من غير خوف ولا علة } (4).
ومن أمثلة ذلك: المريض إذا كان يلحقه بترك الجمع مشقة, والمطر الذي يبل الثياب, والوحل, والريح الباردة ونحو ذلك, وضابط ذلك كما تقدم يباح الجمع إذا كان يلحق بالإنسان بعدم الجمع مشقة, والله أعلم.
س147: هل من لازم جواز الجمع القصر ؟
ج/ لا, ومن الخطأ أن بعض الناس يعتقد أن من لازم الجمع الحظر القصر, وهذا خطأ, فمن جمع لعذر المطر مثلاً في الحظر فلا يقصر, لأنه قد يجوز الجمع ولا يجوز القصر.
س148: إذا أراد الإنسان جمع التقديم فهل يشترط لذلك شروط أم لا ؟
__________
(1) المقصود بهما الظهر والعصر, لكن أطلق عليهما لفظ الظهرين من باب التغليب.
(2) المقصود بهما الظهر والعصر, لكن أطلق لفظ الظهرين من باب التغليب.
(3) رواهما مسلم.
(4) رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار.(4/99)
ج/ اشتراط العلماء لذلك شروطاً في بعضها نظر سأذكرها مع بيان صحة ذلك الشرط من عدمه:
1- نية الجمع عند الإحرام للصلاة الأولى, ومعنى ذلك لو كان سيجمع الظهر مع العصر مثلاً جمع تقديم, فلابد من نية الجمع عند ابتداء الصلاة الأولى, وبناء على ذلك لو أراد أن يجمع الظهر مع العصر مثلاً, وليس عنده نية الجمع , وبعد الصلاة نوى أن يجمع معها العصر, قالوا ليس له ذلك(1).
والراجح أنه لا يشترط ذلك, وهو قول المزني, وهو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, ويدل لذلك أنه لم يرد عنه - صلى الله عليه وسلم - عند جمعة إعلام الصحابة بالجمع, ولو كان شرطاً لأعلمهم بذلك.
والراجح أنه لا يشترط ذلك, وهو قول المزني, وهو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, ويدل لذلك أنه لم يرد عنه - صلى الله عليه وسلم - عند جمعة إعلام الصحابة بالجمع, ولو كان شرطاً لأعلمهم بذلك.
2- الموالاة بين الصلاتين بحيث لا يفصل بينهما فصلاً طويلاً عرفاً, وهذا هو الأحوط, وهذا الشرط صحيح, ويدل لذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع متوالياً, ولم يرد تحديد الفاصل المخل بالموالاة, فيرجع في ذلك إلى العرف, وفي جمعه - صلى الله عليه وسلم - مزدلفة { يعد أن صلى المغرب أناخ كل إنسان بعيره ثم أقيمت صلاة العشاء(2) } .
وبناء على هذا فلو فصل بين المجموعتين بصلاة نافلة مثلاً, فلأحوط ألا يجمع. وإن كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لا يرى اعتبار هذا الشرط, واستدل على ذلك بقوله: (بأن التوالي يسقط مقصود الرخصة, ولو اعتبرت الموالاة لورد تحديدها في الشرع)(3), لكن الأحوط هو القول الأول, قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: (والأحوط ألا يجمع إذا لم يتصل, ولكن رأي شيخ الإسلام له قوة)(4).
__________
(1) وهو قول أكثر أهل العلم.
(2) متفق عليه.
(3) متفق عليه.
(4) الممتع4/569.(4/100)
3- أن يوجد العذر عند افتتاح الثانية والسلام من الأولى, وهذا الشرط صحيح, وبناء على ذلك لو كان الجو غائماً, ولم ينزل إلا بعد السلام من الأولى صح الجمع, لأن المهم وجود العذر بعد الفراغ من الأولى وافتتاح الثانية, وإنما اشترطنا وجود العذر عند افتتاح الثانية, لأنه محل الجمع.
وهل يشترط استمرار العذر حتى الفراغ من الصلاة الثانية أم لا ؟
مثال ذلك:
لو كان الجمع بسبب عذر المطر مثلاً, وفي أثناء الصلاة توقف المطر, فإنه يستمر في الجمع, ولا بأس بذلك, ولا يشترط استمرار العذر إلى فراغ وقت الثانية.
س149: ما هي شروط جمع التأخير ؟
ج/ يشترط لذلك شرطان هما:
1- نية الجمع في وقت الأولى, أي أنه ينوي تأخير وقت الصلاة الأولى, إلى وقت الثانية, لأنه لا يجوز أن يؤخر الصلاة عن وقتها بلا عذر إلا بنية الجمع حيث جاز, ودليل عدم جواز تأخير الصلاة, عن وقتها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حدد الصلوات في أوقات معينة(1), وبناء على هذا فلا يجوز أن تؤخر الصلاة الأولى عن وقتها إلا بنية الجمع, حيث وجد سببه, فلابد من نية الجمع قبل خروج وقت الأولى.
وقد يقال: ما دام العذر المبيح للجمع موجوداً فلا تشترط نية الجمع, لأن الوقتين صارا كالوقت الواحد.
2- استمرار العذر المبيح إلى دخول وقت الثانية.
مثال ذلك:
رجل مسافر نوى جمع التأخير, ولكنه قدم إلى بلده قبل خروج وقت الأولى, فلا يجوز له أن يجمع الأولى إلى الثانية, لأن العذر انقطع وزال فيجب أن يصليها في وقتها, وهل يصليها أربعاً أم يصليها ركعتين ؟
الجواب: يصليها أربعاً, لأن علة القصر السفر, وقد زال السفر الآن.
مسألة:
__________
(1) ينظر في أدلة الأوقات الجزء الأول من مذكر الصلاة.(4/101)
لا يشرط الموالاة بين الصلاتين في جمع التأخير على القول الراجح(1), لحديث أسامة بن زيد - رضي الله عنه - قال { دفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عرفة إلى مزدلفة, فلما نزل مزدلفة نزل فتوضأ, ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب, ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله, ثم أقيمت العشاء فصلاها ولم يصل بينهما شيئاً(2) } .
مسألة:
رجل مسافر ونوى جمع التأخير, وخرج وقت الأولى وهو في السفر, وقدم البلد في وقت الثانية, فهنا يجمع, لأنه سوف يصلي الأولى ثم يصلي الثانية, لكنه يصلي هنا الصلاة تامة بدون قصر لأنه انتهى وقت القصر.
س150: هل يشترط لصحة الجمع إتحاد نية الإمام والمأموم ؟
ج/ الراجح أنه لا يشترط, وبناء على هذا لو أراد أن يجمع وصلى الظهر خلف إمام, والعصر خلف إمام آخر فلا بأس, كذلك لو كان المسافر إماماً وجمع بين الظهر والعصر مثلاً, فصلى الظهر بمأموم والعصر بمأموم آخر, فلا بأس أيضاً, كذلك لو صلى الصلاة الأولى خلف مسافر جمع الصلاة, والثانية خلف من لم يجمع صح ذلك, كذلك لو جمع وصلى الظهر منفرداً ثم حضر في جماعة وصلى معهم العصر جماعة فلا بأس(3).
المهم أنه لا يشترط اتحاد الإمام والمأموم, لأنه لكل صلاة حكم نفسها وهي منفردة, فلم يشترط في الجمع إتمام إمام ولا مأموم ولا جامع.
{ فصل في صلاة الخوف }
هذا هو العذر الثالث من الأعذار, فالعذر الأول: السفر, والثاني: المرض, والثالث: الخوف.
والخوف من العدو, أيَّ عدوٍ كان, آدمياً, أو سبعاً, مثل أن يكون في أرض مسبعة فيحتاج إلى صلاة الخوف, لأنه ليس بشرط أن يكون العدو من بني آدم, بل أي عدو كان يخاف الإنسان على نفسه منه, فإنها تشرع له صلاة الخوف.
__________
(1) وهو قول الشافعية والحنابلة.
(2) متفق عليه.
(3) وتقدم أن الإمام إذا كان مقيم فإنه يتم المسافر خلفه.(4/102)
وصلاة الخوف مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع, من الكتاب قوله تعالى { وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ(1) } الآية, والسنة سيأتي أدلة ذلك, والإجماع منعقد على ذلك.
قال في الإفصاح: (وأجمعوا على أن صلاة الخوف ثابتة الحكم بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم تنسخ)(2), وهو قول الجمهور, خلافاً لمن قال بأنها منسوخة بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -(3).
س151: هل يشترط أن تكون صلاة الخوف في السفر أم هي مشروعة حتى في حال الحضر ؟
ج/ الراجح أنها مشروعة في الحضر والسفر, لعموم الأدلة على مشروعية صلاة الخوف كما سيأتي, ولأن المبيح الخوف لا السفر.
س152: كم عدد صفات صلاة الخوف ؟ وما هي ؟
ج/ أصولها ستة, كما ذكر ذلك أبن القيم رحمه الله, قال ابن القيم رحمه الله بعد ذكره لهذه الصفات: (وقد روي عنه - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الخوف صفات أخرى ترجع كلها إلى هذه, وهذه أصولها)(4).
وهي كالتالي:
__________
(1) النساء: من الآية102).
(2) الإفصاح1/175.
(3) وهو قول بعض السلف كالمزني من الشافعية , وأبو يوسف من الخنفية, والحسن بن زياد.
(4) الهدى1/532.(4/103)
الصفة الأولى: إذا كان العدو في جهة القبلة, فإن الإمام يصفهم صفين كلهم خلفه, يكبر ويكبرون جميعاً ثم يركع ويركعون جميعاً, ثم ينحدر بالسجود والصف الذي يليه خاصة, ويقوم الصف المؤخر في مواجهة العدو, فإذا فرغ من الركعة الأولى ونهض إلى الثانية سجد الصف المؤخر بعد قيامه سجدتين, ثم قاموا فتقدموا إلى مكان الصف الأول وتأخر الصف الأول مكانهم, لتتحصل فضيلة الصف الأول للطائفين, وليدرك الصف الثاني مع النبي - صلى الله عليه وسلم - السجدتين في الركعة الثانية, كما أدرك الأول معه السجدتين في الأولى, فتستوي الطائفتان فيما أدركوا معه, وفيما قضوا لأنفسهم, فإذا ركع صنع الطائفتان كما صنعوا أول مرة, فإذا جلس للتشهد سجد الصف المؤخر ولحقوه في التشهد, فيسلم بهم جميعا(1).
بقية الصفات فيما إذا كان العدو في غير جهة القبلة هي:
الصفة الثانية: وهذه توافق ظاهر القرآن, وهي أن يقسم قائد الجيش جيشه إلى طائفتين, طائفة تصلي معه, وطائفة أمام العدو لئلا يهجم, فيصلي بالطائفة الأولى ركعة, ثم إذا قام إلى الثانية أتموا لأنفسهم, أي نووا الإنفراد وأتموا لأنفسهم, والإلمام لا يزال قائماً ثم إذا أتموا الركعة الثانية, وفي هذه الحال يطيل الإمام الركعة الثانية أكثر من الأولى, لتدركه الطائفة الثانية, وهذه مستثناة مما سبق في باب صلاة الجماعة أنه يسن تطويل الركعة الأولى أكثر من الثانية, فتدخل الطائفة الثانية مع الإمام, ويصلي بهم الركعة التي بقيت, ثم يجلس للتشهد, فإذا جلس للتشهد قبل أن يسلم قامت هذه الطائفة من السجود رأساً وأكملت الركعة التي بقيت, وأدركت الإمام في التشهد فيسلم بهم(2).
__________
(1) ودرت هذه الصفة في حديث جابر عند مسلم.
(2) متفق عليه من حديث صالح بن خوَات عمن صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم -.(4/104)
الصفة الثالثة: يقسم قائد الجيش جيشه إلى طائفتين, طائفة بإزاء العدو, وطائفة تصلي معه, فتصلي معه إحدى الطائفتين ركعة ثم تنصرف, وهي في صلاتها إلى مكان الفرقة الأخرى, وتجيء الأخرى إلى مكان هذه فتصلي مع الإمام الركعة الثانية, ثم يسلم الإمام, ويقوم من معه ويأتون بالركعة الثانية, ثم يسلمون, ثم ينصرفون إلى مكان الطائفة الأولى, فتأتي الطائفة الأولى فتستقبل القبلة, ويتمون الركعة التي بقيت من صلاتهم(1).
الصفة الرابعة: يقسم قائد الجيش جيشه إلى طائفتين, طائفة تصلي معه, وطائفة تكون تجاه العدو, فيصلي بالطائفة الأولى ركعتين, والأخرى تجاه العدو, ثم يسلمون ويقوم الإمام, ثم تنصرف هذه الطائفة تجاه العدو, ثم تأتي الطائفة التي كانت مواجهة للعدو ويصلي بهم الإمام ركعتين, ثم يسلم بهم, فتكون لكل طائفة ركعتين, وللأمام أربع ركعات(2).
الصفة الخامسة: يقسم قائد الجيش جيشه إلى طائفتين, فيصلي بالطائفة الأولى ركعتين, ثم يسلم بهم, ثم تذهب هذه الطائفة في مواجهة العدو, وتأتي الطائفة التي في مواجهة العدو, ويصلي بهم الإمام ركعتين, ثم يسلم بهم, فيكون قد صلى بكل طائفة صلاة(3).
الصفة السادسة: يقسم القائد جيشه إلى طائفتين, فيصلي بالطائفة الأولى ركعة, فتذهب في مراقبة العدو, ولا تقضي شيئاً, ثم تأتي الطائفة الأخرى ويصلي بهم ركعة ويسلم بهم, فيكون للإمام ركعتان, ولكل طائفة ركعة(4).
قال ابن القيم رحمه الله: (وقد روي عنه - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الخوف صفات أخرى ترجع كلها إلى هذه, وهذه أصولها)(5).
__________
(1) رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(2) هذه الصفة وردت في حديث جابر في الصحيحين.
(3) هذه الصفة أخرجها النسائي, والدار قطني والبيهقي من حديث جابر بن عبدالله وفيه عنعنة الحسن.
(4) هذه الصفة أخرجها أحمد والنسائي والحاكم والطحاوي من حديث ابن عباس وإسناده صحيح.
(5) الهدى1/532.(4/105)
س153: هل هو مخير أن يفعل أي صفة من هذه الصفات الواردة أم ينزل كل صفة بما يناسبها ؟
ج/ الراجح أنه ينزل كل صفة من الصفات الواردة على ما يناسبها, فينظر قائد الجيش الأصلح من هذه الصفات بما يناسب النازلة.
س154: هل لصلاة الخوف تأثير في عدد ركعات الصلاة أم لا ؟
ج/ الصحيح أنه لا تأثير لصلاة الخوف في عدد ركعات الصلاة, فصلاة الخوف في حال السفر ركعتان للرباعية, ويستثنى من ذلك الصفة السادسة التي ذكرها ابن القيم رحمه الله, أنه يصلي بكل طائفة ركعة, وفي الحضر أربع ركعات ولا تقصر الرباعية, والأئمة الأربعة اتفقوا على أن صلاة الخوف في الحضر أربع ركعات, وفي السفر ركعتان, قال في الإفصاح: (وأجمعوا على أن صلاة الخوف في الحضر أربع ركعات غير مقصورة, وفي السفر ركعتان إذا كانت رباعية, وغير الرباعية على عددها لا يختلف حكمها حضراً ولا سفراً ولا خوفاً)(1).
س155: إذا اشتد الخوف هل يؤخرون الصلاة عن وقتها أم لا ؟
ج/ يقال الأمر لا يخلو من حالين:
__________
(1) الإفصاح 1/175.(4/106)
1- إذا كان الخوف الشديد يعقل معه المصلي ما يفعله, فهنا إن كانت الصلاة تجمع مع التي بعدها فلا إشكال هنا, فتؤخر الصلاة بنية الجمع مع التي بعدها, حتى لو كان في حال الحضر, وتقدم إباحة الجمع في حال الحضر عند الحاجة, أما إذا كانت الصلاة لا تجمع مع التي بعدها, أو خُشي خروج وقت الثانية, وشدة الخوف لم تزل, فهنا الراجح أنها لا تؤخر, بل يصلي على حسب الحال وتجزئ(1), لقوله تعالى { فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً } (2), فيصلون وهم يمشون على أقدامهم, أو وهم ركوب على رواحلهم, أو آلات الحرب, يتلفظون بالأقوال, ويؤمون بالركوع والسجود, ويكون السجود أخفض من الركوع, قال ابن عمر رضي الله عنهما { فإذا كان الخوف أشد من ذلك, صلوا رجالاً قياماً على أقدامهم, وركباناً مستقبلي القبلة وغير مستقبليها(3) } , زاد البخاري: قال نافع: لا أرى قال ذلك إلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -, ولفعل عبدالله بن أنيس لما بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى خالد بن سفيان الهذلي ليقتله { صلى بالإيماء نحوه } (4), وإنما فعل ذلك خشية فوات عدوه, ومثل ذلك في حالة الهرب من سيل, أو سبع, أو نار, أو غريم ظالم, أو خاف على نفسه أو أهله أو ماله ونحو ذلك.
2- أن يكون الخوف شديداً بحيث يكون المصلي لا يعقل من صلاته شيئاً, بحيث لا يستقر قلبه, ولا يدري ما يقول, ففي هذه الحالة يجوز تأخير الصلاة عن وقتها, وعلى هذا يحمل تأخير النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة في غزوة الأحزاب(5).
__________
(1) وهو قول مالك والشافعي وأحمد.
(2) البقرة: من الآية239).
(3) متفق عليه.
(4) رواه أبو داود وفي نيل الأوطار وحسنه الحافظ.
(5) كما ورد ذلك في الصحيحين من حديث علي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم الخندق { ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس } .(4/107)
س156: ما الحكم لو صلى صلاة الخوف ثم أمن بعد الصلاة, فهل يعيد صلاته أم لا ؟
ج/ الراجح أنه لا يعيد, لوجود سبب صلاة الخوف عند أدائه للصلاة.
س157: إذا خاف أو أمن في صلاته فما الحكم ؟
ج/ هذه المسألة لا تخلو من صورتين:
1- إذا شرع في الصلاة وهو خائف ثم أمن لزمه أن يأت بما تبقى من صلاته على وجهها.
2- إذا شرع في الصلاة وهو آمن ثم خاف, أكمل ما تبقى من صلاته صلاة الخوف, لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً, قال في كشاف القناع(ومن أمن في الصلاة انتقل وأتم صلاة أمن, وكذا لو خاف أتم صلاة خوف)(1).
س158: ما حكم حمل السلاح في الصلاة في حال الخوف ؟
ج/ حمل السلاح عند صلاة الخوف مشروع, والصحيح أن حمله واجب, لأن الله تعالى أمر به فقال { فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ(2) } , ولأن ترك حمل السلاح خطر على المسلمين, وما كان خطراً على المسلمين فالواجب تلافيه والحذر منه, حتى ولو كان السلاح نجساً جاز حمله للضرورة, ولا إعادة عليه.
انتهى الجزء الثالث من كتاب الصلاة
ويليه الجزء الرابع بمشيئة الله من أول باب صلاة الجمعة
والله تعالى أعلم
__________
(1) كشاف القناع 24/20.
(2) النساء: من الآية102).(4/108)