مُوسِرًا لَزِمَهُ بِقَدْرِ إرْثِهِ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَنْهُ: الْكُلُّ، وَلَا يُعْتَبَرُ النَّقْصُ1، فَتَجِبُ لِصَحِيحٍ مُكَلَّفٍ لَا حِرْفَةَ لَهُ، وَعَنْهُ: بَلَى، كَاتِّفَاقِ دِينِهِمَا، وَفِيهِ وَجْهٌ، وَذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ رِوَايَةٌ، وَعَنْهُ: فِيهِمَا غَيْرُ عَمُودَيْ نَسَبِهِ. وَفِي الْمُوجَزِ فِي الثَّانِيَةِ رِوَايَةٌ: غَيْرُ وَالِدٍ.
وَهَلْ يَلْزَمُ الْمُعْدِمَ الْكَسْبُ لِنَفَقَةِ قَرِيبِهِ؟ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْأَوِّلَةِ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ يَلْزَمُهُ، وَقَالُوا: وَلِأَنَّهُ كَالْغَنِيِّ فِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ قَرِيبِهِ، وَتَسْقُطُ عَنْ أَبِيهِ نَفَقَتُهُ، فَكَانَ كَالْغَنِيِّ فِي حِرْمَانِ الزكاة م 1.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 1: قَوْلُهُ، وَهَلْ يَلْزَمُ الْمُعْدِمُ الْكَسْبَ لِنَفَقَةِ قَرِيبِهِ، عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْأُولَى، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَجَزَمَ2 جَمَاعَةٌ: يَلْزَمُهُ، ذَكَرُوهُ فِي إجَارَةِ الْمُفْلِسِ وَاسْتِطَاعَةِ الْحَجِّ، وَقَالُوا: وَلِأَنَّهُ كَالْغَنِيِّ فِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ، نَفَقَةُ قَرِيبِهِ، وَتَسْقُطُ عَنْ أَبِيهِ نَفَقَتُهُ، فَكَانَ كَالْغَنِيِّ فِي حِرْمَانِ الزَّكَاةِ، انْتَهَى.
الظَّاهِرُ: أَنَّ مُرَادَهُ بِالرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَالَهُمَا فِي التَّرْغِيبِ فِي الْأُولَى، وَهِيَ قَوْلُهُ: وَلَا يُعْتَبَرُ النَّقْصُ فَتَجِبُ لِصَحِيحٍ مُكَلَّفٍ لَا حِرْفَةَ لَهُ، وَعَنْهُ: بَلَى، انْتَهَى. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَخَرَّجَ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ مِنْ اشْتِرَاطِ انْتِفَاءِ الْحِرْفَةِ لِلْإِنْفَاقِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَأَظْهَرُ مِنْهُ أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى الْخِلَافِ فِي إجْبَارِ الْمُفْلِسِ على الكسب "3لوفاء دينه3"،
__________
1 في "ط": "النقض".
2 بعدها في "ص": "به".
3-3 في النسخ الخطية: "لو زاد منه"، والمثبت من"ط".(9/315)
وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، ثُمَّ الْعَصَبَةُ، ثُمَّ التَّسَاوِي، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ وَارِثٌ، ثُمَّ التَّسَاوِي، فَأَبَوَانِ يُقَدَّمُ الْأَبُ، وَقِيلَ: الْأُمُّ، وَمَعَهُمَا ابْنٌ قِيلَ: يُقَدَّمُ عَلَيْهِمَا، وَقِيلَ عَكْسُهُ، وَقِيلَ: فِيهِمَا سَوَاءٌ م 2 نقل أبو طالب: الابن أحق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
انْتَهَى. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَأَمَّا وُجُوبُ النَّفَقَةِ عَلَى أَقَارِبِهِ مِنْ الْكَسْبِ، فَصَرَّحَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَالْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَالْأَكْثَرُونَ، 1بِالْوُجُوبِ، قَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ: لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْوَالِدَيْنِ1"، "2وَالْأَوْلَادِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَقَارِبِ، وخرج صاحب الترغيب على الروايتين كما تقدم. قال ابن نصر الله في حواشيه: جزم به الأكثر. وخرجه في التَّرْغِيبِ2" عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ انْتِفَاءِ الْحِرْفَةِ لِوُجُوبِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ، انْتَهَى. فَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ جَمَاعَةٍ بِاللُّزُومِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الأصحاب، ولعل الْمُصَنِّفَ مَا اطَّلَعَ عَلَى مَا نَقَلَهُ فِي الْقَوَاعِدِ، وَإِنَّمَا رَأَى جَمَاعَةً ذَكَرُوا ذَلِكَ فِي إجَارَةَ الْمُفْلِسِ وَاسْتِطَاعَةِ الْحَجِّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
تَنْبِيهٌ: لَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إفْصَاحٌ بِالرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَنَى عَلَيْهِمَا صَاحِبُ التَّرْغِيبِ الْمَسْأَلَةَ، وَقَدْ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ: فَإِنْ عَدِمَ الْحِرْفَةَ فَرِوَايَتَانِ، يَعْنِي فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَهُ.
مَسْأَلَةٌ 2: قَوْلُهُ: وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، ثُمَّ الْعَصَبَةُ، ثُمَّ التَّسَاوِي، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ وَارِثٌ ثُمَّ التَّسَاوِي، فَأَبَوَانِ يُقَدَّمُ الْأَبُ، وَقِيلَ: الْأُمُّ، وَمَعَهُمَا ابْنٌ قِيلَ: يُقَدَّمُ عَلَيْهِمَا، وَقِيلَ عَكْسُهُ، وَقِيلَ فِيهِمَا سَوَاءٌ، انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي3 وَالْمُقْنِعِ4 وَالشَّرْحِ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ بَيْنَ الِابْنِ والأب في الهداية والمذهب،
__________
1-1 ليست في "ط".
2-2 ليست في "ح".
3 11/387.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 24/409- 410.(9/316)
بِالنَّفَقَةِ مِنْهَا وَهِيَ أَحَقُّ بِالْبِرِّ، وَالْأَوْجُهُ فِي جَدٍّ وَابْنِ ابْنٍ م 3 وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمَا أَبٌ وابن، وقيل: سواء، ويقدم أبو أب عَلَى أَبِي أُمٍّ، وَمَعَ أَبِي أَبِي أَبٍ يَسْتَوِيَانِ: وَقِيلَ: يُقَدَّمُ أَبُو أُمٍّ. وَفِي الْفُصُولِ احْتِمَالُ عَكْسِهِ، جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: يُقَدَّمُ الْأَحْوَجُ فِي الْكُلِّ، وَاعْتَبَرَ فِي التَّرْغِيبِ، بِإِرْثٍ، وَأَنَّ مَعَ الِاجْتِمَاعِ يُوَزَّعُ لَهُمْ بِقَدْرِ إرْثِهِمْ، وَمَنْ تَرَكَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْمَاضِي، أَطْلَقَهُ الْأَكْثَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَذَكَرَ1 بَعْضُهُمْ إلَّا بِفَرْضِ حَاكِمٍ، لِأَنَّهُ تَأَكَّدَ بِفَرْضِهِ، كَنَفَقَةِ الزوجة. وفي المحرر: وإذنه في الاستدانة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمْ.
أَحَدُهُمَا: يُقَدَّمُ الِابْنُ2 عَلَيْهِمَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: فَإِنْ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي الْقُرْبِ فَالْعَصَبَةُ، انْتَهَى.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يُقَدَّمُ الْأَبَوَانِ عَلَيْهِ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ.
مَسْأَلَةٌ 3: قوله: و3 الْأَوْجُهُ فِي جَدٍّ وَابْنِ ابْنٍ، انْتَهَى. قَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، فَكَذَلِكَ هَذِهِ، وَقَدَّمَ الشَّارِحُ هُنَا أَنَّهُمَا سَوَاءٌ.
تَنْبِيهَانِ:
"4أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ: وَمَنْ تَرَكَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْمَاضِي، أَطْلَقَهُ الْأَكْثَرُ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: إلَّا بِفَرْضِ حَاكِمٍ، وَفِي الْمُحَرَّرِ: وَإِذْنُهُ فِي اسْتِدَانَةٍ، انْتَهَى. ظاهره أن في4".
__________
1 في الأصل: "جزم".
2 في "ح": "الأب".
3 بعدها في "ط": "هذه".
4-4 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".(9/317)
وَظَاهِرُ مَا اخْتَارَهُ شَيْخُنَا: وَيَسْتَدِينُ عَلَيْهِ، فَلَا يَرْجِعُ إنْ اسْتَغْنَى بِكَسْبٍ أَوْ نَفَقَةِ مُتَبَرِّعٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا: يَأْخُذُ بِلَا إذْنِهِ، كَزَوْجَةٍ. نَقَلَ ابْنَاهُ وَالْجَمَاعَةُ: يَأْخُذُ مِنْ مَالِ وَالِدِهِ بِلَا إذْنِهِ بِالْمَعْرُوفِ، إذَا احْتَاجَ، وَلَا يَتَصَدَّقُ، وَقَالَ شَيْخُنَا: مَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِإِذْنِ حَاكِمٍ رَجَعَ عَلَيْهِ، وَبِلَا إذْنٍ فِيهِ خِلَافٌ. وَمَنْ لَزِمَهُ نَفَقَةُ رَجُلٍ لَزِمَهُ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ، وَعَنْهُ: في عمودي نسبه، وعنه: لِامْرَأَةِ أَبِيهِ، وَعَنْهُ: لَا، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْإِعْفَافِ، ولمن يعف قريبه أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"1الْمُحَرَّرِ يَلْزَمُهُ بِشَيْئَيْنِ، بِفَرْضِ حَاكِمٍ وَإِذْنِهِ فِي الِاسْتِدَانَةِ، وَاَلَّذِي فِي الْمُحَرَّرِ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُهُ وَإِنْ فَرَضَتْ، وَتَلْزَمُهُ فِي الِاسْتِدَانَةِ بِإِذْنِ حَاكِمٍ.
وَقَوْلُهُ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ إلَّا أَنْ يَفْرِضَ حَاكِمٌ، قَالَ فِي الشَّرْحِ2: فَإِنْ فَرَضَهَا حَاكِمٌ فَيَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُ، لِأَنَّهَا تَأَكَّدَتْ بِفَرْضِهِ. وَفِي الرِّعَايَتَيْنِ: تسقط إلا إن فرضها حاكم1".
__________
1-1 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 24/416.(9/318)
يُزَوِّجَهُ حُرَّةً تُعِفُّهُ، وَبِسُرِّيَّةٍ1، وَيُقَدَّمُ تَعْيِينُ قَرِيبٍ، وَالْمَهْرُ سَوَاءٌ. وَفِي التَّرْغِيبِ: التَّعْيِينُ لِلزَّوْجِ، وَلَا يَمْلِكُ اسْتِرْجَاعَ أَمَةٍ أَعَفَّهُ بِهَا مَعَ غِنَاهُ، فِي الْأَصَحِّ. وَيُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ تَائِقٌ بِلَا يَمِينٍ، وَيُتَوَجَّهُ: بِيَمِينِهِ، وَيُعْتَبَرُ عَجْزُهُ، وَيَكْفِي إعْفَافُهُ بواحدة، ويعفه ثانيا إن ماتت2، وَقِيلَ: لَا، كَمُطَلَّقٍ لِعُذْرٍ، فِي الْأَصَحِّ، وَيَلْزَمُهُ إعْفَافُ أُمِّهِ كَالْأَبِ. قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ سَلَّمَ فَالْأَبُ آكَدُ، وَلِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ لِأَنَّهُ3 بِالتَّزْوِيجِ وَنَفَقَتُهَا عَلَيْهِ، وَيُتَوَجَّهُ: تَلْزَمُهُ نَفَقَةٌ إنْ تَعَذَّرَ تَزْوِيجٌ بِدُونِهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَجِيزِ: يَلْزَمُهُ إعْفَافُ كُلِّ إنْسَانٍ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْفَرَائِضِ4 هَلْ يَلْزَمُ الْعَتِيقَ نَفَقَةُ مَوْلَاهُ؟ وَتَلْزَمُهُ نَفَقَةُ ظِئْرٍ صَغِيرٍ حَوْلَيْنِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَلَيْسَ لِأَبِيهِ مَنْعُ أُمِّهِ مِنْ رَضَاعِهِ، وَقِيلَ: بَلَى "5إذَا كَانَتْ5" فِي حِبَالِهِ، كَخِدْمَتِهِ، نَصَّ عَلَيْهَا: وَلَهَا أَخْذُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ حَتَّى مَعَ رِضَا زَوْجٍ ثَانٍ، ولو مع متبرعة. وفي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط": "بسرية".
2 في "ط": "مات".
3 أي: الإعفاف للأمّ.
4 8/7.
5-5 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".(9/319)
الْوَاضِحِ، وَفَوْقَهَا مِمَّا يُتَسَامَحُ بِهِ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: هِيَ أَحَقُّ بِمَا يَطْلُبُ بِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ لَا بِأَكْثَرَ. وَفِي الْمُنْتَخَبِ: إنْ اسْتَأْجَرَهَا مَنْ هِيَ تَحْتَهُ لِرَضَاعِ وَلَدِهِ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ نَفْعَهَا، كَاسْتِئْجَارِهَا لِلْخِدْمَةِ شَهْرًا ثُمَّ فِيهِ لِبِنَاءٍ، وَعِنْدَ شَيْخِنَا: لَا أُجْرَةَ مُطْلَقًا، فَيُحَلِّفُهَا أَنَّهَا أَنْفَقَتْ عَلَيْهِ مَا أَخَذَتْ مِنْهُ. وَلَا يَلْزَمُهَا إلَّا لِخَوْفِ تَلَفِهِ، وَلَهُ إجْبَارُ أُمِّ وَلَدِهِ مَجَّانًا، وَلِزَوْجٍ ثَانٍ مَنْعُهَا مِنْ رَضَاعِ وَلَدِهَا مِنْ الْأَوَّلِ، نَصَّ عَلَيْهِ، إلَّا لِضَرُورَتِهِ، نَقَلَ مُهَنَّا: أَوْ شَرَطَهَا.
وَلَا يُفْطَمُ قَبْلَ حَوْلَيْنِ إلَّا بِرِضَا أَبَوَيْهِ مَا لَمْ يَنْضُرْ. وَفِي الرِّعَايَةِ هُنَا: يَحْرُمُ رَضَاعُهُ بَعْدَهُمَا1 وَلَوْ رَضِيَا. وَقَالَ فِي بَابِ النَّجَاسَةِ: طَاهِرٌ مُبَاحٌ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ يُبَاحُ مِنْ امْرَأَةٍ وَفِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ: الْقِيَاسُ تَحْرِيمُهُ تُرِكَ لِلضَّرُورَةِ ثُمَّ أُبِيحَ بَعْدَ زَوَالِهَا، وَلَهُ نَظَائِرُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ إبَاحَتُهُ مُطْلَقًا وَفِي التَّرْغِيبِ: لَهُ فِطَامُ رَقِيقِهِ قَبْلَهُمَا مَا لَمْ يَنْضُرْ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وبعدهما ما لم تنضر الأم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ر": "بعدها".(9/320)
وَيَلْزَمُهُ خِدْمَةُ قَرِيبٍ لِحَاجَةٍ، كَزَوْجَةٍ، وَمَذْهَبٌ هـ تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ لِذِي رَحِمِهِ بِشَرْطِ قُدْرَةِ الْمُنْفِقِ وَحَاجَةِ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُنْفَقُ عَلَيْهِ كَبِيرًا اُعْتُبِرَ مَعَ فَقْرِهِ عَمًى1 أَوْ زَمَانَةً، وَهِيَ مُرَتَّبَةٌ عَلَى الْمِيرَاثِ، إلَّا أَنَّ نَفَقَةَ الْوَلَدِ عَلَى أَبِيهِ خَاصَّةً، وَيُعْتَبَرُ عِنْدَهُ اتِّحَادُ الدِّينِ فِي غَيْرِ عَمُودَيْ نَسَبِهِ "2لَا فِيهِ2"، وَمَذْهَبٌ م تَجِبُ عَلَى الْوَلَدِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى نَفَقَةُ أَبَوَيْهِ الْأَدْنَيْنَ فَقَطْ، وَتَجِبُ عَلَى الْأَبِ فَقَطْ نَفَقَةُ أَوْلَادِهِ الْأَدْنَيْنَ فَقَطْ، فَالذَّكَرُ حَتَّى يَبْلُغَ، وَالْأُنْثَى حَتَّى تَتَزَوَّجَ، وَحَيْثُ وَجَبَتْ فَسَوَاءٌ اتَّحَدَ الدِّينُ أَوْ لَا، وَمَذْهَبٌ ش تَجِبُ لِعَمُودَيْ3 النَّسَبِ خَاصَّةً مَعَ اتِّحَادِ الدِّينِ، وَاعْتُبِرَ عَجْزُ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ بِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ زَمَانَةٍ إنْ كَانَ مِنْ الْعَمُودِ الْأَسْفَلِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَعْلَى فَقَوْلَانِ، وَإِذَا بَلَغَ الْوَلَدُ صحيحا فلا نفقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل: "عماه".
2 في "ر": "لأبيه".
3 في الأصل: "كعمودي".(9/321)
فَصْلٌ يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ رَقِيقِهِ عُرْفًا وَلَوْ آبِقٌ وأمة ناشز،
قاله4 ماعة: واختلف كلام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
4 في الأصل و "ط": "قال".(9/321)
أَبِي يَعْلَى الصَّغِيرِ فِي مُكَاتَبٍ، وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ، وَكِسْوَتُهُ مُطْلَقًا، وَتَزْوِيجُهُمْ بِطَلَبِهِمْ إلَّا أَمَةً يَسْتَمْتِعُ بِهَا، فَإِنْ أَبَى أُجْبِرَ، وَتُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ لَا يَطَأُ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: عَلَى الْأَصَحِّ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: يَلْزَمُهُ تزويج المكاتبة بطلبه1 وَلَوْ وَطِئَهَا وَأُبِيحَ بِالشَّرْطِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّا، وَكَأَنَّ وَجْهَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ اكْتِسَابِ الْمَهْرِ فَمَلَكَتْهُ كَأَنْوَاعِ التَّكَسُّبِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ، وَهُوَ أَظْهَرُ، لِمَا فِيهِ مِنْ إسْقَاطِ حَقِّ السَّيِّدِ2 وَإِلْغَاءِ الشَّرْطِ، وَلَا يُكَلِّفُهُ مُشِقًّا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ مَشَقَّةٌ كَثِيرَةٌ، وَلَا يَجُوزُ تَكْلِيفُ الْأَمَةِ بِالرَّعْيِ، لِأَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الطَّمَعِ، لِبُعْدِهَا عَمَّنْ يَذُبُّ عَنْهَا. قَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ: كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَبَعْدَ الْأَلْفِ نُونٌ ثُمَّ يَاءٌ مُشَدَّدَةٌ مَكَانٌ بِقُرْبِ أُحُدٍ، قَالَ3: فَاطَّلَعَتْ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّئْبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ، آسَفُ بِفَتْحِ السِّينِ أَيْ أَغْضَبُ، كما يأسفون، ولكني
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط": "بطلبها".
2 في "ر": "اليد".
3 في الأصل: "قالت".(9/322)
صَكَكْتهَا صَكَّةً، فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ. قُلْت: يَا رَسُولَ، أَفَلَا أَعْتِقُهَا؟ قَالَ: "ائْتِنِي بِهَا" فَأَتَيْته بِهَا فَقَالَ: "أَيْنَ اللَّهُ؟ " قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: "مَنْ أَنَا؟ " قَالَتْ: أَنْتَ1 رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: "أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد2. وَإِنْ خَافَ مَفْسَدَةً لَمْ يَسْتَرْعِهَا. وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ عَنْ نَقْلِ أَسْمَاءَ، النَّوَى عَلَى رَأْسِهَا لِلزُّبَيْرِ نَحْوَ ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ مِنْ الْمَدِينَةِ3 أَنَّهُ حُجَّةٌ فِي سَفَرِ الْمَرْأَةِ السَّفَرَ الْقَصِيرَ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ، وَرَعْيُ جَارِيَةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ فِي مَعْنَاهُ وَأَوْلَى، فَيُتَوَجَّهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَأَمَّا كَلَامُ شَيْخِنَا وَمَعْنَاهُ لِغَيْرِهِ فَيَجُوزُ مِثْلُ هَذَا قَوْلًا وَاحِدًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَفَرٍ شَرْعًا وَلَا عُرْفًا وَلَا يُتَأَهَّبُ لَهُ أُهْبَتَهُ، وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُهُ مُشِقًّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلنَّهْيِ. وَقَالَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ: وَحَكَاهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إجْمَاعًا. قَالَ: فَإِنْ أَعَانَهُ عَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ" 4. وَقَالَ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُؤْمَرُ الشَّاقُّ عَلَى رقيقه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
قَوْلُهُ: وَرَعْيُ جَارِيَةِ الْحَكَمِ5 فِي مَعْنَاهُ. صَوَابُهُ: جَارِيَةِ ابْنِ الْحَكَمِ، أَوْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُهُ قَرِيبًا فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ في هذا الباب.
__________
1 في "ر": "أنك".
2 أحمد 23762، مسلم 537، أبو داود 930.
3 تقدم ص 266.
4 تقدم ص 297.
5 الظاهر من هذا التنبيه أن نسخة الفروع التي اعتمدها المرداوي وابن قندس جاءت كذلك.(9/323)
بِالْبَيْعِ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ "فَلْيَبِعْهُ" 1 لَكِنَّ هَذَا الْأَمْرَ عَلَى طَرِيقِ الْوَعْظِ لَا الْإِجْبَارِ كَذَا قَالَ: وَيُرِيحُهُ وَقْتَ قَائِلَةٍ وَنَوْمٍ وَصَلَاةٍ، وَيُدَاوِيهِ وُجُوبًا، قَالَهُ جَمَاعَةٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ يُسْتَحَبُّ، وَهُوَ أَظْهَرُ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فِي كَفَنِ الزَّوْجَةِ: الْعَبْدُ لَا مَالَ لَهُ، فَالسَّيِّدُ أَحَقُّ بِنَفَقَتِهِ وَمُؤْنَتِهِ، وَلِهَذَا النَّفَقَةُ الْمُخْتَصَّةُ بِالْمَرَضِ تَلْزَمُهُ مِنْ الدَّوَاءِ وَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ، وَيُرْكِبُهُ فِي السَّفَرِ عُقْبَةً، وَتَلْزَمُهُ إزَالَةُ مِلْكِهِ بِطَلَبِهِ وَامْتِنَاعِهِ مِمَّا يَلْزَمُهُ فَقَطْ، نَصَّ عَلَيْهِ كَفُرْقَةِ زَوْجَةٍ، قَالَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا فِي أُمِّ وَلَدٍ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ.
قَالَ شَيْخُنَا فِي مُسْلِمٍ بِجَيْشٍ بِبِلَادِ التَّتَارِ أَبَى بَيْعَ عَبْدِهِ وَعِتْقَهُ2 وَيَأْمُرُهُ بِتَرْكِ الْمَأْمُورِ وَفِعْلِ الْمَنْهِيِّ: فَهَرَبُهُ3 مِنْهُ إلَى بَلَدِ الْإِسْلَامِ وَاجِبٌ، فَإِنَّهُ لَا حُرْمَةَ لِهَذَا، وَلَوْ كَانَ فِي طَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَالْعَبْدُ إذَا هَاجَرَ مِنْ أَرْضِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ حُرٌّ، وَقَالَ: وَلَوْ لَمْ تُلَائِمْ أَخْلَاقُ الْعَبْدِ أَخْلَاقَ سَيِّدِهِ لَزِمَهُ إخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَمَا لَا يُلَائِمُكُمْ فَبِيعُوهُ وَلَا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ" 4 كَذَا. قَالَ، رَوَى أَبُو دَاوُد وغيره5 من حديث أبي ذر "فمن لم6 يلائمكم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه مسلم في صحيحه 1661، 39، من حديث أبي ذر بلفظ: " ... فإن كلّفه ما يغلبه، فليبعه".
2 ليست في "ر".
3 في الأصل: "قهرب".
4 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8/7.
5 أبو داود 5157.
6 في "ط": "لا".(9/324)
فَبِيعُوهُ وَلَا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ" وَرَوَوْا مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَيْضًا "مَنْ لَاءَمَكُمْ مِنْ مَمْلُوكِيكُمْ فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ، وَمَنْ لَا يُلَائِمُكُمْ فَبِيعُوهُ وَلَا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ" 1، "2وَهُمَا خَبَرَانِ صَحِيحَانِ2"، وَكَذَا أَطْلَقَ فِي الرَّوْضَةِ: يَلْزَمُهُ بَيْعُهُ بِطَلَبِهِ، وَيُسَنُّ إطْعَامُهُ مِنْ طَعَامِهِ، فَإِنْ وَلِيَهُ فَمَعَهُ أَوْ مِنْهُ، وَلَا يَأْكُلُ بِلَا إذْنِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ.
وَيَسْتَرْضِعُ الْأَمَةَ لِغَيْرِ وَلَدِهَا بَعْدَ رِيِّهِ3، وَإِلَّا حَرُمَ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ إجَارَتُهَا بِلَا إذْنِ زَوْجٍ، كَمَا سَبَقَ، قَالَ الشَّيْخُ: لِاشْتِغَالِهَا عَنْهُ بِرَضَاعٍ وَحَضَانَةٍ وَهَذَا إنَّمَا يَجِيءُ إذَا أَجَّرَهَا فِي مُدَّةِ حَقِّ الزَّوْجِ، فَلَوْ أَجَّرَهَا فِي غَيْرِهِ يُوَجَّهُ الْجَوَازُ، وَإِطْلَاقُهُ مُقَيَّدٌ بِتَعْلِيلِهِ: وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَلْزَمَ تَقْيِيدُهُ بِهِ، فَأَمَّا إنْ ضَرَّ ذَلِكَ بِهَا لَمْ يَجُزْ.
وَتَجُوزُ الْمُخَارَجَةُ بِاتِّفَاقِهِمَا بِقَدْرِ كَسْبِهِ بَعْدَ نَفَقَتِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ. وَفِي التَّرْغِيبِ: إنْ قَدَّرَ خَرَاجًا بِقَدْرِ كَسْبِهِ لَمْ يُعَارَضْ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْمُغْنِي4: لِعَبْدٍ مَخَارِجُ هَدِيَّةِ طَعَامٍ وَإِعَارَةِ مَتَاعٍ وَعَمَلِ دَعْوَةٍ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ كَعَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ، وَأَنَّ فَائِدَةَ الْمُخَارَجَةِ ترك العمل بعد الضريبة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه أبو داود 5161.
2 ليست في الأصل.
3 في "ط": "ربه".
4 14/482.(9/325)
وَفِي كِتَابِ الْهَدْيِ1: لَهُ التَّصَرُّفُ فِيمَا زَادَ عَلَى خَرَاجِهِ، وَلَوْ مَنَعَ مِنْهُ كَانَ كَسْبُهُ كُلُّهُ خَرَاجًا2 وَلَمْ يَكُنْ لِتَقْدِيرِهِ فَائِدَةٌ، بَلْ مَا زَادَ تَمْلِيكٌ مِنْ سَيِّدِهِ لَهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَمَا أَرَادَ كَذَا قَالَ.
وَلِلسَّيِّدِ تَأْدِيبُهُ كَوَلَدٍ وَزَوْجَةٍ. كَذَا قَالُوا. وَالْأَوْلَى مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد3 عَنْ لَقِيطٍ، أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لَهُ: "وَلَا تَضْرِبْ ظَعِينَتَك ضَرْبَك أَمَتَك". وَلِأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ4: "لَا يَجْلِدُ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ثُمَّ لَعَلَّهُ يُجَامِعُهَا أَوْ يُضَاجِعُهَا مِنْ آخِرِ الْيَوْمِ". وَلِابْنِ مَاجَهْ5 بَدَلَ الْعَبْدِ الْأَمَةُ. وَنَقَلَ، حَرْبٌ: لَا يَضْرِبُهُ إلَّا فِي ذَنْبٍ بَعْدَ عَفْوِهِ عَنْهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَلَا يَضْرِبُهُ شَدِيدًا، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَضْرِبُهُ إلَّا فِي ذَنْبٍ عَظِيمٍ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا" 6. وَيُقَيِّدُهُ إذَا خَافَ عَلَيْهِ، وَيَضْرِبُهُ غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ وَافَقَهُ وَإِلَّا بَاعَهُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُعَذِّبُوا عِبَادَ اللَّهِ" 7.
قَالَ الْوَاحِدِيُّ: أَصْلُ الْعَذَابِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ الْعَذْبِ، وَهُوَ الْمَنْعُ، يُقَالُ: عَذَبْتُهُ عَذْبًا إذَا مَنَعْتُهُ، وَعَذَبَ عُذُوبًا أَيْ امْتَنَعَ، وَسُمِّيَ الْمَاءُ عَذْبًا لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْعَطَشَ، وَسُمِّيَ العذاب عذابا؛ لأنه يمنع المعاقب من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "زاد المعاد" 4/58.
2 في "ر": "خارجا".
3 أحمد 16384، أبو داود 142.
4 أحمد 16222، البخاري 5204، من حديث عبد الله بن زمعة.
5 في سننه 1983.
6 أخرجه البخاري 2234، ومسلم 1703، من حديث أبي هريرة.
7 أخرجه ابن حبان 4313، من حديث أبي هريرة.(9/326)
مُعَاوَدَةِ مِثْلِ جُرْمِهِ، وَيَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْ مِثْلِ فِعْلِهِ، وَظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُوَافِقُ مَا سَبَقَ مِنْ اخْتِيَارِ شَيْخِنَا، وَنَقَلَ غَيْرُهُ: لَا يُقَيَّدُ وَيُبَاعُ أَحَبُّ إلَيَّ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: يُؤَدَّبُ فِي فَرَائِضِهِ، وَإِذَا حَمَّلَهُ مَا يُطِيقُ، قِيلَ لَهُ: فَضَرَبَ مَمْلُوكَهُ عَلَى هَذَا فَاسْتَبَاعَتْ1، وَهُوَ يَكْسُوهَا مِمَّا يَلْبَسُ وَيُطْعِمُهَا مِمَّا يَأْكُلُ، قَالَ: لَا تُبَاعُ، قِيلَ: فَإِنْ أَكْثَرَتْ أَنْ تَسْتَبِيعَ؟ قَالَ: لَا تُبَاعُ إلَّا أَنْ تَحْتَاجَ زَوْجًا فَتَقُولَ: زَوِّجْنِي، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ2 وَالتِّرْمِذِيِّ3 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَمْ تَعْفُو عَنْ الْخَادِمِ؟ فَصَمَتَ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ الْكَلَامَ، فَصَمَتَ، فَلَمَّا كَانَ في الثالثة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في الأصل.
2 في النسخ الخطية: "عمرو" والمثبت من مصدر التخريج.
3 حديث أبي داود برقم 5164، وحديث الترمذي 1949.(9/327)
قَالَ: "أَعْفُو عَنْهُ سَبْعِينَ مَرَّةً" حَدِيثٌ جَيِّدٌ. وَلَا يُشْتَمُ أَبَوَاهُ الْكَافِرَانِ. لَا يُعَوِّدُ لِسَانَهُ الْخَنَا وَالرَّدَى، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ سَيِّئُ الْمَلَكَةِ1، وَهُوَ الَّذِي يُسِيءُ إلَى مَمْلُوكِهِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ. وَفِي الْفُنُونِ: الْوَلَدُ يَضْرِبُهُ وَيُعَزِّرُهُ2، وَأَنَّ مِثْلَهُ عَبْدٌ وَزَوْجَةٌ. وَإِنْ بَعَثَهُ لِحَاجَةٍ فَوَجَدَ مَسْجِدًا يُصَلَّى فِيهِ قَضَى حَاجَتَهُ وَإِنْ صَلَّى فَلَا بَأْسَ، نَقَلَهُ صَالِحٌ.
وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ مَسْجِدًا يُصَلَّى فِيهِ صَلَّى وَإِلَّا قَضَاهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: يُؤَدَّبُ الْوَلَدُ وَلَوْ كَانَ كَبِيرًا مُزَوَّجًا مُنْفَرِدًا فِي بَيْتٍ لِقَوْلِ عَائِشَةَ لَمَّا انْقَطَعَ عَقْدُهَا وَأَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِالنَّاسِ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعَنُ بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتَيْ3 يَطْعَنُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا وَعَكْسُهُ الطَّعْنُ فِي الْمَعَانِي وَلَمَّا رَوَى ابْنُ عُمَرَ: "لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ" قَالَ ابْنُهُ بِلَالٌ: وَاَللَّهِ لَنَمْنَعَنَّ فَسَبَّهُ4 سَبًّا سَيِّئًا وَضَرَبَ فِي صَدْرِهِ5.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ السِّرِّ الْمَصُونِ: مُعَاشَرَةُ الْوَلَدِ بِاللُّطْفِ وَالتَّأْدِيبِ وَالتَّعْلِيمِ، وَإِذَا اُحْتِيجَ إلَى ضَرْبِهِ ضُرِبَ، وَيُحْمَلُ عَلَى أَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ وَيُجَنَّبُ سَيِّئَهَا، فَإِذَا كَبُرَ فَالْحَذَرَ مِنْهُ، وَلَا يُطْلِعُهُ عَلَى كُلِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه الترمذي 1946، من حديث أبي بكر رضي الله عنه.
2 ليست في الأصل.
3 أخرجه البخاري 334، ومسلم 367.
4 في "ط": "فسبى".
5 أخرجه مسلم 442، 136، 139.(9/328)
الْأَسْرَارِ، وَمِنْ الْغَلَطِ تَرْكُ تَزْوِيجِهِ إذَا بَلَغَ، فَإِنَّك تَدْرِي مَا هُوَ فِيهِ بِمَا كُنْت فِيهِ، فَصُنْهُ عَنْ الزَّلَلِ عَاجِلًا، خُصُوصًا الْبَنَاتَ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُزَوِّجَ الْبِنْتَ بِشَيْخٍ أَوْ شَخْصٍ مَكْرُوهٍ. وَأَمَّا الْمَمْلُوكُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَسْكُنَ إلَيْهِ بِحَالٍ، بَلْ كُنْ مِنْهُ عَلَى حَذَرٍ، وَلَا يَدْخُلُ الدَّارَ مِنْهُمْ مُرَاهِقٌ وَلَا خَادِمٌ، فَإِنَّهُمْ رِجَالٌ مَعَ النِّسَاءِ وَنِسَاءٌ مَعَ الرِّجَالِ، وَرُبَّمَا امْتَدَّتْ عَيْنُ امْرَأَةٍ إلَى غُلَامٍ مُحْتَقِرٍ، لِأَنَّ الشَّهْوَةَ وَالْحَاجَةَ إلَى الْوَطْءِ تَهْجُمُ عَلَى النَّفْسِ، وَلَا يُنْظَرُ فِي عِزٍّ وَلَا ذُلٍّ ولا سقوط جاه ولا تحريم.
وَمَنْ غَابَ عَنْ أُمِّ وَلَدٍ زُوِّجَتْ، فِي الْأَصَحِّ، لِحَاجَةِ نَفَقَةٍ، وَيُتَوَجَّهُ أَوْ وَطْءٍ، عِنْدَ مَنْ جَعَلَهُ كَنَفَقَةٍ. وَفِي الِانْتِصَارِ فِي غَيْبَةِ الْوَلِيِّ أَنَّهُ يُزَوِّجُ أَمَةَ سَيِّدٍ غَائِبٍ مَنْ يَلِي مَالَهُ، أَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ بَكْرٍ، وَفِيهِ فِي أُمِّ وَلَدٍ النَّفَقَةُ إنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ(9/329)
عَجَزَ عَنْهَا وَعَجَزَتْ لَزِمَهُ عِتْقُهَا، وَسَأَلَهُ مُهَنَّا عَنْ أُمِّ وَلَدٍ تَزَوَّجَتْ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهَا، قَالَ: كَيْفَ تَتَزَوَّجُ بِلَا إذْنِهِ؟ قُلْت: غَابَ سِنِينَ فَجَاءَ الْخَبَرُ بِمَوْتِهِ فَتَزَوَّجَتْ وَوَلَدَتْ ثُمَّ جَاءَ السَّيِّدُ، قَالَ: الْوَلَدُ لِلْأَخِيرِ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْوَلَدِ، وَتُرَدُّ إلَى السَّيِّدِ، وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد: الْمَفْقُودُ يَقْدَمُ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ أم ولده؟ قال: ترد إليه.
وَتَلْزَمُهُ نَفَقَةُ أَمَتِهِ دُونَ زَوْجِهَا، وَالْحُرَّةُ نَفَقَةُ وَلَدِهَا، مِنْ عَبْدٍ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ.
وَيَلْزَمُ الْمُكَاتَبَةَ نَفَقَةُ وَلَدِهَا، وَكَسْبُهُ لَهَا، وَيُنْفِقُ عَلَى مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ بِقَدْرِ رِقِّهِ1، وَبَقِيَّتُهَا عَلَيْهِ، قِيلَ لِأَحْمَدَ: فَإِنْ أَطْعَمَ عِيَالَهُ حَرَامًا يَكُونُ ضيعة لهم؟ قال: شديدا. وَيَلْزَمُهُ الْقِيَامُ بِمَصْلَحَةِ بَهِيمَتِهِ فَإِنْ عَجَزَ أُجْبِرَ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِابْنِ عَقِيلٍ2: عَلَى بَيْعٍ أَوْ كِرَاءٍ أَوْ ذَبْحِ مَأْكُولٍ، فَإِنْ أَبَى فَعَلَ الْحَاكِمُ الْأَصْلَحَ أَوْ اقْتَرَضَ عَلَيْهِ.
قَالَ فِي الغنية: ويكره له3 إطْعَامُهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ وَإِكْرَاهُهُ عَلَى الْأَكْلِ، عَلَى مَا اتَّخَذَهُ النَّاسُ عَادَةً لِأَجْلِ التَّسْمِينِ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي سَفَرِ النُّزْهَةِ: قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: لَا يَحِلُّ أَنْ يُتْعِبَ دَابَّةً وَنَفْسَهُ بِلَا غَرَضٍ صَحِيحٍ، وَيَحْرُمُ تَحْمِيلُهَا مُشِقًّا وَحَلْبُهَا مَا يَضُرُّ وَلَدَهَا، وَجِيفَتُهَا لَهُ، وَنَقْلُهَا عَلَيْهِ، ولعن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ط".
2 ليست في الأصل.
3 ليست في "ر": و "ط".(9/330)
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ وَسَمَ أَوْ ضَرَبَ الْوَجْهَ، وَنَهَى عَنْهُ1. فَتَحْرِيمُ ذَلِكَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْأَصْحَابِ، وَذَكَرُوهُ فِي ضَرْبِ الْوَجْهِ فِي الْحَدِّ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي الْوَسْمِ يُكْرَهُ، فَيُتَوَجَّهُ فِي2 ضَرْبِهِ مِثْلُهُ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَهُوَ فِي الْآدَمِيِّ أَشَدُّ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَجُوزُ الْوَسْمُ إلَّا لِمُدَاوَاةٍ. وَقَالَ أَيْضًا: يَحْرُمُ لِقَصْدِ الْمُثْلَةِ، وَيَجُوزُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ. نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: يُوسَمُ وَلَا يَعْمَلُ فِي اللَّحْمِ. وَكَرِهَ أَحْمَدُ خِصَاءَ غَنَمٍ وَغَيْرِهَا إلَّا خَوْفَ غَضَاضَةٍ3، وَقَالَ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُخْصِيَ شَيْئًا، وَحَرَّمَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ، كَالْآدَمِيِّ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ فِيهِ ع.
وَفِي الْغُنْيَةِ: لَا يَجُوزُ خِصَاءُ شَيْءٍ مِنْ حَيَوَانٍ وَعَبِيدٍ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ وَأَبِي طَالِبٍ، وَكَذَلِكَ السِّمَةُ فِي الْوَجْهِ، عَلَى مَا نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ لِلنَّهْيِ. وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْعَلَامَةِ فَفِي غَيْرِ الْوَجْهِ. وَنَزْوُ حِمَارٍ عَلَى فَرَسٍ يُتَوَجَّهُ تَخْرِيجُهُ عَلَى الْخِصَاءِ، لِعَدَمِ النَّسْلِ فِيهِمَا، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: يُكْرَهُ.
وَفِي الرِّعَايَةِ يُبَاحُ خَصْيُ الْغَنَمِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، كَغَيْرِهَا، وَيُكْرَهُ تَعْلِيقُ جَرَسٍ أَوْ وَتَرٍ، وَجَزُّ مَعْرِفَةٍ4 وَنَاصِيَةٍ، وَفِي جَزِّ ذَنَبِهَا رِوَايَتَانِ، أَظْهَرُهُمَا يُكْرَهُ لِلْخَبَرِ5، وَعَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببعير قد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه مسلم 1116، 1117، من حديث جابر.
2 ليست في "ر".
3 جاء في "المصباح": يقال: غضّ من فلان غضّا وغضاضة: إذا تنقصه، والغضغضة: النقصان.
4 المعرفة، كمرحلة: موضع العرف من الفرس. "القاموضس": "عرف".
5 تقدم تخريجه آنفا.(9/331)
لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ فَقَالَ: "اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْعُجْمَةِ1، فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً، وَكُلُوا لَحْمَهَا صَالِحَةً". إسْنَادُهُ جَيِّدٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد2، وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا: "لَوْ غُفِرَ لَكُمْ مَا تَأْتُونَ إلَى الْبَهَائِمِ لَغُفِرَ لَكُمْ كَثِيرًا". رَوَاهُ أحمد3. وَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي غَيْرِ مَا خُلِقَ لَهُ، كَالْبَقَرِ لِلْحَمْلِ أَوْ الرُّكُوبِ، وَالْإِبِلِ وَالْحُمْرِ لِلْحَرْثِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ فِي الْإِجَارَةِ، لِأَنَّ مُقْتَضَى الْمِلْكِ جَوَازُ الِانْتِفَاعِ بِهِ فِيمَا يُمْكِنُ، وَهَذَا مُمْكِنٌ كَاَلَّذِي خُلِقَ لَهُ، وَجَرَتْ بِهِ عَادَةُ بَعْضِ النَّاسِ.
وَلِهَذَا يَجُوزُ أَكْلُ4 الْخَيْلِ، وَاسْتِعْمَالُ اللُّؤْلُؤِ فِي الْأَدْوِيَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَقْصُودُ مِنْهُمَا ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَهَا قَالَتْ: "إنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا إنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ5، أَيْ أَنَّهُ مُعْظَمُ النَّفْعِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَنْعُ غَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الصَّيْدِ: اخْتَلَفُوا فِي رُكُوبِ الْبَقَرِ، فَيَلْزَمُ الْمَانِعُ مَنْعَ تَحْمِيلِ الْبَقَرِ، وَالْحَرْثِ بِالْإِبِلِ وَالْحُمُرِ، وَإِلَّا فَلَمْ يَعْمَلْ بِالظَّاهِرِ وَلَا بِالْمَعْنَى.
وَرَوَى أَحْمَدُ6 عَنْ سَوَادَةَ بْنِ الرَّبِيعِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ له: "إذا رجعت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل و"ط": "العجمة".
2 في سننه 2548.
3 في مسنده 27486.
4 في "ط": "أمل".
5 البخاري 2324، 3471، ومسلم 2388، من حديث أبي هريرة.
6 في مسنده 15961.(9/332)
إلَى بَيْتِك فَمُرْهُمْ فَلْيُحْسِنُوا غَدًا رَبَاعَهُمْ، وَمُرْهُمْ فَلْيُقَلِّمُوا أَظَافِرَهُمْ وَلَا يَعْبِطُوا بِهَا ضُرُوعَ مَوَاشِيهِمْ إذَا حَلَبُوا" قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ1 شَتَمَ دَابَّةً: قال الصالحون: لا تقبل شهادته2، [من] هذه عادته. وروى أحمد ومسلم3 عن عمران4 أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ فِي سَفَرٍ، فَلَعَنَتْ امْرَأَةٌ نَاقَةً فَقَالَ: "خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ فَكَأَنِّي أَرَاهَا الْآنَ تَمْشِي فِي النَّاسِ مَا يَعْرِضُ لَهَا5 أَحَدٌ". وَلَهُمَا6 مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ لَا تُصَاحِبُنَا نَاقَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ، فَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ مُصَاحَبَتِهَا فَقَطْ، وَلِهَذَا رَوَى أَحْمَدُ7 مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ أَنْ تُرَدَّ. وَقَالَ: لَا يَصْحَبُنِي شَيْءٌ مَلْعُونٌ وَيُحْتَمَلُ مُطْلَقًا مِنْ الْعُقُوبَةِ الْمَالِيَّةُ، لِيَنْتَهِيَ النَّاسُ عَنْ ذَلِكَ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ، وَيُتَوَجَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ احْتِمَالٌ: إنَّمَا نَهَى لِعِلْمِهِ بِاسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ. وَلِلْعُلَمَاءِ كَهَذِهِ الْأَقْوَالِ.
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إذَا لَعَنَ أَمَتَهُ أَوْ مِلْكًا8 مِنْ أَمْلَاكِهِ فَعَلَى مَقَالَةِ أَحْمَدَ يَجِبُ إخْرَاجُ ذَلِكَ عَنْ مِلْكِهِ، فَيُعْتَقُ الْعَبْدُ وَيُتَصَدَّقُ بِالشَّيْءِ، لِأَنَّ المرأة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ط".
2 في "ط": "شهادات".
3 أحمد 19870، مسلم 2595.
4 في "ط": "عمر".
5 أي: الناقة.
6 في "ط": "لها"، وقد أخرجه أحمد 19766، ومسلم 2596.
7 في مسنده 24434.
8 في "ط": "ملكه".(9/333)
لَعَنَتْ بَعِيرَهَا، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَصْحَبُنَا مَلْعُونٌ، خَلِّيهِ" 1 قَالَ: وَقَدْ يَجِيءُ فِي الطَّلَاقِ إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ ذَلِكَ وَلَعَنَهَا مِثْلَ مَا فِي الْفُرْقَةِ، وَلِمُسْلِمٍ2 مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ: لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ3، وَلِأَبِي دَاوُد4 بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلًا نَازَعَتْهُ الرِّيحُ رِدَاءَهُ فَلَعَنَهَا، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَلْعَنْهَا فَإِنَّهَا5 مَأْمُورَةٌ، وَأَنَّهُ6 مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ رَجَعَتْ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ". وَسَبَّتْ عَائِشَةُ يَهُودَ وَلَعَنَتْهُمْ لَمَّا سَلَّمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ، لَا تَكُونِي فَاحِشَةً" 7، وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ8: "مَهْ يَا عَائِشَةُ، إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلَا التَّفَحُّشَ". وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "الْبَذَاءُ مِنْ الْجَفَاءِ وَالْجَفَاءُ فِي النَّارِ"، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: "لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِطَعَّانٍ وَلَا لَعَّانٍ وَلَا فَاحِشٍ وَلَا بَذِيءٍ". رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ9 وَصَحَّحَهُمَا. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا أَوْ عبدا على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ناقة خليّة: مطلقة من عقالها فهي ترعى حيث شاءت "المصباح": "خلا".
2 في صحيحه 2598، 85.
3 في "ط": "القامة"
4 في سننه 4908.
5 في "ط": "فإنه".
6 في "ط": "إن".
7 أخرجه مسلم 2165، 11.
8 أحمد 25029، مسلم 2165، 11.
9 حديث أبي هريرة عند أحمد برقم: 10512، والترمذي 2009، وحديث ابن مسعود عند أحمد برقم 3839، والترمذي 1977.(9/334)
سَيِّدِهِ"، إسْنَادُهُ جَيِّدٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ1، أَيْ خَدَعَهُ وَأَفْسَدَهُ، وَلِأَحْمَدَ2 مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ. وَتُسْتَحَبُّ نَفَقَتُهُ عَلَى غَيْرِ حَيَوَانٍ، "3ذَكَرَهُ فِي الْوَاضِحِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ3"، وَيُتَوَجَّهُ وجوبه لئلا يضيع ماله. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أبو داود 2175، النسائي في الكبرى 9214.
2 في مسنده 22980.
3-3 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".(9/335)
باب الحضانة
مدخل
...
باب الحضانة
لَا حَضَانَةَ إلَّا لِرَجُلِ عَصَبَةٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَارِثَةٍ أَوْ مُدْلِيَةٍ بِوَارِثٍ أَوْ عَصَبَةٍ. ثُمَّ هَلْ هِيَ لِحَاكِمٍ أَوْ لِبَقِيَّةِ الْأَقَارِبِ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ ثُمَّ لِحَاكِمٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ م 1 فَعَلَى الثَّانِي يُقَدَّمُ أَبُو أُمٍّ وَأُمَّهَاتُهُ عَلَى الخال، وفي تقديمهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 1 قَوْلُهُ: وَلَا حَضَانَةَ إلَّا لِرَجُلِ عَصَبَةٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَارِثَةٍ أَوْ مُدْلِيَةٍ بِوَارِثٍ أَوْ عَصَبَةٍ، ثُمَّ هَلْ هِيَ لِحَاكِمٍ أَوْ لِبَقِيَّةِ الْأَقَارِبِ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ ثُمَّ لِحَاكِمٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، انْتَهَى، وَهُمَا احْتِمَالَانِ لِلْقَاضِي، وَبَعْدَهُ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي1 وَالْهَادِي، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ2 وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُقْنِعِ والهادي والبلغة والشرح3 وشرح ابن منجا وَغَيْرِهِمْ.
أَحَدُهُمَا: لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْحَضَانَةِ، وَيَنْتَقِلُ إلَى الْحَاكِمِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ، فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا مُسْتَحِقِّي الْحَضَانَةِ وَلَمْ يَذْكُرُوهُمْ فِيهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ لِبَقِيَّةِ الْأَقَارِبِ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ دُونَ الْحَاكِمِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ فِي الْمُغْنِي4: وَهُوَ أَوْلَى، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ، وَصَاحِبُ تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَقَالَ: هُوَ أَقْيَسُ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ فِي مَوْضِعٍ، وَصَحَّحَهُ فِي آخَرَ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ في أثناء الباب، ولعله تناقض منهم!
__________
1 5/111- 112.
2 بعدها في "ط": "وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، والمقنع، والهادي".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 24/467- 468.
4 11/425.(9/336)
عَلَى أَخٍ مِنْ أُمٍّ أَوْ عَكْسِهِ وَجْهَانِ م 2. وأحق النساء بطفل أو معتوه أُمُّهُ وَلَوْ بِأُجْرَةِ مِثْلٍ، كَرَضَاعٍ قَالَهُ فِي الْوَاضِحِ، ثُمَّ جَدَّاتُهُ، ثُمَّ أَخَوَاتُهُ، ثُمَّ عَمَّاتُهُ وَخَالَاتُهُ، ثُمَّ عَمَّاتُ أَبِيهِ وَخَالَاتُ أَبَوَيْهِ، ثُمَّ بَنَاتُ إخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ، ثُمَّ بَنَاتُ أَعْمَامِهِ وَقِيلَ: الْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ بَعْدَ بَنَاتِ إخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ. وَتُقَدَّمُ أُمُّ أُمٍّ1 عَلَى أُمِّ أَبٍ، وَأُخْتٌ لِأُمٍّ عَلَى أُخْتٍ لِأَبٍ، وَخَالَةٌ عَلَى عَمَّةٍ، وَخَالَةُ أُمٍّ عَلَى خَالَةِ أَبٍ، وَخَالَةُ أَبٍ عَلَى عَمَّتِهِ، وَمُدْلٍ مِنْ خَالَةٍ وَعَمَّةٍ بِأُمٍّ و. وَعَنْهُ عَكْسُهُ فِي الْكُلِّ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ، لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لِلْأَبِ، وَكَذَا قَرَابَتُهُ، لِقُوَّتِهِ بِهَا، وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ الْأُمُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقُومُ مَقَامَهَا هُنَا فِي مَصْلَحَةِ الطِّفْلِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الشَّارِعُ خَالَةُ ابْنَةَ2 حَمْزَةَ عَلَى عَمَّتِهَا صَفِيَّةَ، لِأَنَّ صَفِيَّةَ لَمْ تَطْلُبْ، وَجَعْفَرٌ طَلَبَ نَائِبًا عَنْ خالتها، فقضى الشارع بها لها3 في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 2: قَوْلُهُ: فِي الْمَسْأَلَةِ: فَعَلَى الثَّانِي يُقَدَّمُ أَبُو أُمٍّ وَأُمَّهَاتُهُ عَلَى الْخَالِ، وَفِي تَقْدِيمِهِمْ عَلَى أَخٍ مِنْ أُمٍّ أَوْ عَكْسِهِ وَجْهَانِ، انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي4 وَالْمُقْنِعِ5 والهادي والشرح6 وشرح ابن منجا وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ:
أَحَدُهُمَا: يُقَدَّمُونَ عَلَيْهِ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقَدَّمُ عَلَيْهِمَا، صَحَّحَهُ فِي التصحيح.
__________
1 في الأصل: "أمّ أمّ أمّ".
2 في "ر": "ابن".
3 ليست في "ر".
4 11/425.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 24/468.
6 ليست في "ص".(9/337)
غَيْبَتِهَا1، وَقَدَّمَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَالشَّيْخُ الْخَالَةَ عَلَى الْعَمَّةِ، وَالْأُخْتَ لِلْأَبِ عَلَى الْأُخْتِ لِلْأُمِّ، قَالَ بَعْضُهُمْ: فَتَنَاقَضُوا، وَكَذَا قَالَهُ ش فِي الْجَدِيدِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرج البخاري 2699، ومسلم 1783، من حديث البراء بن عازب الذي يصف فيه عمرة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه ... فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فتبعنهم ابنة حمزة يا عم يا عم، فتناولها عليّ فأخذ بيدها، وقال لفاطمة عليها السلام: دونك ابنة عمك احمليها، فاختصم فيها عليّ وزيد وجعفر، فقال عليّ: أنا أحق بها، وهي ابنة عمي، وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها تحتي، وقال زيد: ابنة أختي، فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها، وقال: "الخالة بمنزلة الأمّ"، وقال لعليّ: "أنت أحق مني وإنا منك".، وقال لجعفر: "أشبهت خلقي وخلقي"، وقال لزيد: "أنت أخونا ومولانا".(9/338)
الْجَدِيدِ وَأَحَقُّ الرِّجَالِ أَبٌ، ثُمَّ جَدٌّ، ثُمَّ أَقْرَبُ عَصَبَةٍ، وَتُقَدَّمُ النِّسَاءُ عَلَيْهِمْ، إلَّا أَنَّ الْأَبَ يُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِ أُمَّهَاتِ الْأُمِّ وَالْجَدَّ يقدم على غير أمهات الْأَبَوَيْنِ، وَعَنْهُ تَقْدِيمُهُمَا عَلَى غَيْرِ أُمٍّ، وَعَنْهُ: تُقَدَّمُ أُخْتٌ لِأُمٍّ وَخَالَةٌ عَلَى أَبٍ، فَتُقَدَّمُ النِّسَاءُ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ، وَقِيلَ: إنْ لَمْ يُدْلِينَ بِهِ، وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيمُ نِسَاءِ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ وَجِهَتِهِ، وَقِيلَ: تُقَدَّمُ الْعَصَبَةُ عَلَى امْرَأَةٍ مع قربه، فإن تساويا فوجهان م 3.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مسألة 3: قوله: قيل: تُقَدَّمُ الْعَصَبَةُ1 عَلَى امْرَأَةٍ مَعَ قُرْبِهِ، فَإِنْ تَسَاوَيَا فَوَجْهَانِ، انْتَهَى.
أَحَدُهُمَا: تُقَدَّمُ هِيَ مَعَ التَّسَاوِي عَلَى هَذَا الْبِنَاءِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ وَغَيْرِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقَدَّمُ هو.
__________
1 في "ط": "العصبية".(9/339)
وَلَا حَضَانَةَ لِعَصَبَةِ غَيْرِ مَحْرَمٍ عَلَى أُنْثَى، وَفِي الْمُغْنِي1 وَغَيْرِهِ: إنْ بَلَغَتْ سَبْعًا. وَفِي التَّرْغِيبِ: تُشْتَهَى، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْهَدْيِ: مُطْلَقًا، وَيُسَلِّمُهَا إلَى ثِقَةٍ يَخْتَارُهَا هُوَ، أَوْ إلَى مَحْرَمِهِ، لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَحَاكِمٍ، وَكَذَا قَالَ فِيمَنْ تَزَوَّجَتْ وَلَيْسَ لِلْوَلَدِ غَيْرُهَا، وَهَذَا مُتَوَجَّهٌ وَلَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِلْخَبَرِ2، لِعَدَمِ عُمُومِهِ، فَإِنْ أَبَتْ الْأُمُّ لَمْ تُجْبَرْ، وَأُمُّهَا أَحَقُّ، وَقِيلَ: الْأَبُ. وَلَا حَضَانَةَ لِمَنْ فِيهِ رِقٌّ، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ نَفْعَهُ الَّذِي تَحْصُلُ الْكَفَالَةُ.
وَفِي الْفُنُونِ: لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِأُمِّ وَلَدٍ فَلَهَا حَضَانَةُ وَلَدِهَا مِنْ سَيِّدِهَا، وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا، لِعَدَمِ الْمَانِعِ، وَهُوَ الِاشْتِغَالُ بِزَوْجٍ وَسَيِّدٍ. وَفِي الْمُغْنِي3 فِي مُعْتَقِ بَعْضُهُ: قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ: يَدْخُلُ فِي مُهَايَأَةٍ. وَقَالَ فِي الْهَدْيِ4: لَا دَلِيلَ عَلَى اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ، وَقَالَ م فِي حُرٍّ لَهُ وَلَدٌ مِنْ أَمَةٍ: هِيَ أَحَقُّ بِهِ، إلَّا أَنْ تُبَاعَ فَتَنْتَقِلَ، فَالْأَبُ أَحَقُّ. قَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَحَادِيثِ مَنْعِ التَّفْرِيقِ5. قَالَ: وَتُقَدَّمُ بِحَقِّ حَضَانَتِهَا وَقْتَ حَاجَةِ الْوَلَدِ عَلَى حَقِّ السَّيِّدِ كما في البيع سواء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 11/423.
2 أي: خبر ابنة حمزة، المتقدم آنفا.
3 11/425.
4 "زاد المعاد" 5/412.
5 منها: حديث عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ باع جارية وولدها ففرق بينهما، فنهاه النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ.
ومنها: حديث أبي أيوب الأنصاري، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة". أخرجهما البيهقي في "السنن الكبرى" 9/126.(9/340)
وَقَالَ الْأَصْحَابُ: وَلَا حَضَانَةَ لِفَاسِقٍ، وَخَالَفَ صَاحِبُ الهدي1، قال2 لأنه لَا يُعْرَفُ أَنَّ الشَّرْعَ فَرَّقَ لِذَلِكَ، وَأَقَرَّ النَّاسَ، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ بَيَانًا وَاضِحًا عَامًّا، وَلِاحْتِيَاطِ الْفَاسِقِ وَشَفَقَتِهِ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ. وَلَا لِامْرَأَةٍ مُزَوَّجَةٍ. قَالَهُ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ، وَكَذَا أَطْلَقَهُ أَحْمَدُ وم ش وَلَوْ رَضِيَ الزَّوْجُ: وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْهَدْيِ3 لَا تَسْقُطُ إنْ رَضِيَ4، بِنَاءً عَلَى أَنَّ سُقُوطَهَا لِمُرَاعَاةِ حَقِّ الزَّوْجِ، وَقِيلَ: تَسْقُطُ إلَّا بِجَدَّةٍ وم، وَالْأَشْهَرُ: وَقَرِيبَةٍ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ: وَنَسِيبَةٍ، وَيُتَوَجَّهُ احتمال ذا5 رَحِمٍ مُحَرَّمٍ وهـ، وَعَنْهُ: لَهَا6 حَضَانَةُ الْجَارِيَةِ.
وَلَا يُعْتَبَرُ الدُّخُولُ فِي الْأَصَحِّ م فَإِنْ زَالَ الْمَانِعُ عَادَتْ م فِي النِّكَاحِ، وَوَافَقَ فِي غَيْرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ7 مَا لَمْ تَنْكِحِي" 8 تَوْقِيتٌ لِحَقِّهَا مِنْ الْحَضَانَةِ بِالنِّكَاحِ، وَعَنْهُ: فِي طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ بَعْدَ الْعِدَّةِ وهـ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ وَجْهًا، وَصَحَّحَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَنَظِيرُهَا لَوْ وُقِفَ عَلَى أَوْلَادِهِ، فَمَنْ تَزَوَّجَ مِنْ الْبَنَاتِ فَلَا حق له، قاله القاضي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "زاد المعاد" 5/411- 412.
2 ليست في الأصل، وجاءت في "ط" بعد قوله: "لأنه".
3 "زاد المعاد" 5/432.
4 في "ر": "مرض".
5 في "ط": "ذات".
6 في "ط": "له".
7 ليست في "ط".
8 أخرجه أَبُو دَاوُد 2276، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو.(9/341)
وَهَلْ يَسْقُطُ حَقُّهَا بِإِسْقَاطِهَا؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ فِي الِانْتِصَارِ وَيُتَوَجَّهُ كَإِسْقَاطِ أَبٍ الرُّجُوعَ فِي هِبَةٍ.
وَفِي كِتَابِ الْهَدْيِ1: هَلْ الْحَضَانَةُ حَقٌّ لِلْحَاضِنِ أَوْ عَلَيْهِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ وَيَنْبَنِي عَلَيْهَا: هَلْ لِمَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ أَنْ يُسْقِطَهَا وَيَنْزِلَ عَنْهَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ2 عَلَيْهِ خِدْمَةٌ لِوَلَدٍ أَيَّامَ حَضَانَتِهِ إلَّا بِأُجْرَةٍ إنْ قُلْنَا الْحَقُّ لَهُ، وَإِلَّا وَجَبَتْ عَلَيْهِ خِدْمَتُهُ مَجَّانًا، وَلِلْفَقِيرِ الْأُجْرَةُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ؟ قَالَ: وَإِنْ وَهَبَتْ الْحَضَانَةَ لِلْأَبِ وَقُلْنَا الْحَقُّ لَهَا لَزِمَتْ الْهِبَةُ وَلَمْ تَرْجِعْ فِيهَا، وَإِنْ قُلْنَا الْحَقُّ عَلَيْهَا3 فَلَهَا الْعَوْدُ إلَى طلبها، كذا قال م 4 ثم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 4: قَوْلُهُ: وَهَلْ يَسْقُطُ حَقُّهَا بِإِسْقَاطِهَا؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ فِي الِانْتِصَارِ فِي مَسْأَلَةِ الْخِيَارِ هَلْ يورث أم لا؟ وَيُتَوَجَّهُ كَإِسْقَاطِ أَبٍ4 الرُّجُوعَ فِي هِبَةٍ. وَفِي كِتَابِ الْهَدْيِ: هَلْ الْحَضَانَةُ حَقٌّ لِلْحَاضِنِ أَوْ عَلَيْهِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِمَا هَلْ لِمَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ أَنْ يُسْقِطَهَا، و5ينزل عَنْهَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ خِدْمَةُ الْوَلَدِ أَيَّامَ حَضَانَتِهِ إلَّا بِأُجْرَةٍ إنْ قُلْنَا "6الْحَقُّ لَهُ، وَإِلَّا6" عَلَيْهِ خِدْمَتُهُ مَجَّانًا، وَلِلْفَقِيرِ الْأُجْرَةُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، قَالَ: وَإِنْ وَهَبَتْ الْحَضَانَةَ لِلْأَبِ وَقُلْنَا: الْحَقُّ لَهَا7 لَزِمَتْ الْهِبَةُ وَلَمْ تَرْجِعْ فِيهَا، وَإِنْ قُلْنَا الْحَقُّ عَلَيْهَا فلها العود إلى طلبها، كذا
__________
1 "زاد المعاد" 5/404.
2 بعدها في "ر": "و".
3 في "ر": "لها".
4 ليست في "ط".
5 في النسخ الخطية: "أو"، والمثبت من "ط".
6 ليست في "ح".
7 في "ح": "له".(9/342)
قَالَ: هَذَا كُلُّهُ كَلَامُ أَصْحَابِ مَالِكٍ، كَذَا قال. وَإِنْ أَرَادَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ سَفَرًا لِحَاجَةٍ فَقِيلَ: لِلْمُقِيمِ، وَقِيلَ: لِلْأُمِّ، وَقِيلَ: مَعَ قُرْبِهِ م 5 و 6
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
قَالَ، انْتَهَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ: كَلَامُهُ فِي الْمُغْنِي يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ حَقِّ الْأُمِّ مِنْ الْحَضَانَةِ بِإِسْقَاطِهَا، وَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مَحَلَّ خِلَافٍ، وَإِنَّمَا مَحَلُّ النَّظَرِ أَنَّهَا لَوْ أَرَادَتْ الْعَوْدَ فِيهَا هَلْ لَهَا ذَلِكَ؟ يَحْتَمِلُ قَوْلَيْنِ، أَظْهَرُهُمَا لَهَا ذَلِكَ، لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا وَلَوْ يَتَّصِلُ تَبَرُّعُهَا بِهِ بِالْقَبْضِ، فَلَهَا الْعَوْدُ، كَمَا لَوْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا من الْقَسَمِ، انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُغْنِي1: وَإِنْ تَرَكَتْ الْأُمُّ الْحَضَانَةَ مَعَ اسْتِحْقَاقِهَا لَهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: تَنْتَقِلُ إلَى الْأَبِ، وَلِأَنَّ أُمَّهَاتِهَا فَرْعٌ عَلَيْهَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، فَإِذَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا سَقَطَ فُرُوعُهَا.
وَالثَّانِي: تَنْتَقِلُ إلَى أُمِّهَا وَهُوَ أَصَحُّ، وَلِأَنَّ الْأَبَ أَبْعَدُ، فَلَا تَنْتَقِلُ إلَيْهِ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ، وَكَوْنُ2 أُمِّهَا فَرْعَهَا لَا يَقْتَضِي سُقُوطَ حَقِّهَا بِإِسْقَاطِ بِنْتِهَا، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ، انْتَهَى مُلَخَّصًا.
مَسْأَلَةٌ 5 و 6: قَوْلُهُ: وَإِنْ أَرَادَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ سَفَرًا لِحَاجَةٍ، فَقِيلَ: لِلْمُقِيمِ، وَقِيلَ: لِلْأُمِّ، وَقِيلَ: مَعَ قُرْبِهِ، انْتَهَى. ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 5: إذَا كَانَ السَّفَرُ بَعِيدًا لِحَاجَةٍ ثُمَّ يَعُودُ فَهَلْ الْمُقِيمُ أَحَقُّ أَمْ الْأُمُّ3؟ أطلق الخلاف.
أحدهما: المقيم منهما4 أَحَقُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ
__________
1 11/427.
2 في النسخ الخطية: "إن"، والمثبت من "ط".
3 في النسخ الخطية: "لا"، والمثبت من "ط".
4 ليست في "ط".(9/343)
وَالسُّكْنَى مَعَ قُرْبِهِ لِلْأُمِّ، وَقِيلَ: لِلْمُقِيمِ، وَمَعَ بعده ولا خوف للأب وم ش وَعَنْهُ: لِلْأُمِّ، وَقَيَّدَهَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ بِإِقَامَتِهَا، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ لِلْمُقِيمِ إلَّا أَنْ تَنْتَقِلَ الْأُمُّ إلَى بَلَدٍ كَانَ فِيهِ أَصْلُ النكاح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
والمغني1 والكافي2 والشرح3 وشرح ابن منجا وَابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: الْأُمُّ أَحَقُّ مُطْلَقًا، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 6: إذَا كَانَ السَّفَرُ قَرِيبًا لِحَاجَةٍ ثُمَّ يَعُودُ فَهَلْ الْمُقِيمُ أَحَقُّ أَمْ الْأُمُّ؟ أُطْلِقَ الْخِلَافُ. أَحَدُهُمَا: الْمُقِيمُ أَحَقُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي والكافي4 والشرح وشرح ابن منجا وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: الْأُمُّ أَحَقُّ مُطْلَقًا، أَعْنِي سَوَاءً كَانَتْ الْمُسَافِرَةَ أو المقيمة، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَلَنَا قَوْلٌ إنَّ: الْأُمَّ أَحَقُّ هُنَا، وَإِنْ قُلْنَا الْمُقِيمُ أَحَقُّ فِي الْبَعِيدِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَدْ قُدِّمَ فِي
__________
1 11/419.
2 5/116.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 24/479- 480.
4 5/117.(9/344)
وَقَالَ صَاحِبُ الْهَدْيِ1: إنْ أَرَادَ الْمُنْتَقِلُ مُضَارَّةَ الْآخَرِ وَانْتِزَاعَ الْوَلَدِ لَمْ يُجَبْ إلَيْهِ، وَإِلَّا عُمِلَ مَا فِيهِ مَصْلَحَةُ طِفْلٍ. وَهَذَا مُتَوَجَّهٌ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْأَصْحَابِ، فَلَا مُخَالَفَةَ، لَا سِيَّمَا فِي صُورَةِ الْمُضَارَّةِ، وَالْبَعِيدِ مَسَافَةَ قَصْرٍ، وَنَصُّهُ: مَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْعَوْدُ فِي يَوْمِهِ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ.
وَإِنْ بَلَغَ غُلَامٌ سَبْعَ سِنِينَ عَاقِلًا فَعَنْهُ: أَبُوهُ أَحَقُّ، وَعَنْهُ أُمُّهُ، وَالْمَذْهَبُ يُخَيَّرُ م 7 وش فَإِنْ أَبَى ذَلِكَ أُقْرِعَ. وَفِي التَّرْغِيبِ احْتِمَالُ أَنَّ أُمَّهُ أَحَقُّ، كَبُلُوغِهِ غَيْرَ رَشِيدٍ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: يُخَيَّرُ ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ. وَمَذْهَبُ هـ أُمِّهِ أَحَقُّ حَتَّى يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيَلْبَسَ وَحْدَهُ فَيَكُونَ عِنْدَ أَبِيهِ، وَمَتَى أَخَذَهُ الأب لَمْ يُمْنَعْ زِيَارَةَ أُمِّهِ وَلَا هِيَ تَمْرِيضَهُ، وَإِنْ أَخَذَتْهُ أُمُّهُ كَانَ عِنْدَهَا لَيْلًا، وَعِنْدَهُ نهارا ليؤدبه ويعلمه ما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي أَنَّ الْأُمَّ أَحَقُّ مُطْلَقًا فِي الْبَعِيدِ، وَقَطَعُوا فِي الْقَرِيبِ بِأَنَّهَا أَحَقُّ، فَهُنَاكَ قَدَّمُوا مَعَ حِكَايَتِهِمْ الْخِلَافَ، وَهُنَا قَطَعُوا.
مَسْأَلَةٌ 7: قَوْلُهُ: وَإِنْ بَلَغَ غُلَامٌ2 سَبْعَ سِنِينَ عَاقِلًا، فَعَنْهُ: أَبُوهُ أَحَقُّ، وَعَنْهُ: أُمُّهُ وَالْمَذْهَبُ: يُخَيَّرُ، انْتَهَى. الْمَذْهَبُ بِلَا شَكٍّ التَّخْيِيرُ وَالْكَلَامُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّخْيِيرِ، فَإِنَّهُ أَطْلَقَهُمَا، وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا أَنَّ الْأَبَ أَحَقُّ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ النَّاظِمُ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ: أَضْعَفُ الرِّوَايَاتِ الرِّوَايَةُ الَّتِي تَقُولُ: إنَّ الْأُمَّ أحق، انتهى.
__________
1 في "زاد المعاد" 5/414.
2 ليست في "ص".(9/345)
يُصْلِحُهُ، فَإِنْ اخْتَارَ أَحَدَهُمَا: ثُمَّ اخْتَارَ غَيْرَهُ أَخَذَهُ. وَكَذَا إنْ اخْتَارَ أَبَدًا وَفِي التَّرْغِيبِ: إنْ أَسْرَفَ تَبَيَّنَ قِلَّةُ تَمْيِيزِهِ فَيُقْرَعُ أَوْ لِلْأُمِّ.
وَإِنْ بَلَغَتْ أُنْثَى سَبْعًا فَعَنْهُ: الْأُمُّ أحق وهـ قَالَ فِي الْهَدْيِ1: وَهِيَ الْأَشْهَرُ عَنْ أَحْمَدَ وَأَصَحُّ دَلِيلًا، وَقِيلَ: تُخَيَّرُ، وَذَكَرَهُ فِي الْهَدْيِ رواية وقال: نص عليها وش وَالْمَذْهَبُ الْأَبُ م 8 تَبَرَّعَتْ بِحَضَانَتِهِ أَمْ لَا. وَعَنْهُ: بَعْدَ تِسْعٍ، فَإِنْ بَلَغَتْ فَعِنْدَهُ حَتَّى يتسلمها زوج وهـ وَعَنْهُ: عِنْدَهَا، وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ أَيِّمًا أَوْ الزَّوْجُ مُحْرِمًا، وَقِيلَ: إنْ حُكِمَ بِرُشْدِهَا فَحَيْثُ أَحَبَّتْ، كَغُلَامٍ. وَقَالَهُ فِي الْوَاضِحِ، وَخَرَّجَهُ عَلَى عَدَمِ إجْبَارِهَا، وَالْمُرَادُ بِشَرْطِ كَوْنِهَا مَأْمُونَةً، زَادَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: ثَيِّبًا، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لِأَبِيهَا مَنْعُهَا مِنْ الِانْفِرَادِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَأَوْلِيَاؤُهَا. وَيُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يَنْفَرِدَ عَنْ أَبَوَيْهِ، وَرَوَى ابن وهب عَنْ مَالِكٍ الْأُمُّ أَحَقُّ بِهِمَا حَتَّى يُثْغِرَا2، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ م حَتَّى يَبْلُغَا، وَلَا يَمْنَعُ أَحَدُهُمَا: الْآخَرَ3 مِنْ زِيَارَتِهَا. قَالَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 8: قَوْلُهُ: وَإِنْ بَلَغَتْ أُنْثَى سَبْعًا، فَعَنْهُ: الْأُمُّ أَحَقُّ، قَالَ فِي الْهَدْيِ: وَهِيَ أَشْهَرُ عَنْ أَحْمَدَ وَأَصَحُّ دَلِيلًا، وَقِيلَ: تُخَيَّرُ، ذَكَرَهُ فِي الْهَدْيِ رِوَايَةً. وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهَا، وَالْمَذْهَبُ: الْأَبُ، انْتَهَى.
الْمَذْهَبُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ بِلَا رَيْبٍ، وَالْكَلَامُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ غَيْرُهُ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ إطْلَاقُ الْخِلَافِ أَيُّهُمَا أَصَحُّ؟ الرِّوَايَةُ الْأُولَى أَوْ الْقَوْلُ الثَّانِي؟ وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا الرِّوَايَةُ الْأُولَى، وَقَدْ اخْتَارَهَا ابْنُ الْقَيِّمِ وَغَيْرُهُ، فَهَذِهِ ثَمَانُ مَسَائِلَ في هذا الباب.
__________
1 "زاد العاد" 5/417.
2 أثغر الغلام: نبتت أسنانه: "القاموس": "ثغر".
3 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".(9/346)
فِي التَّرْغِيبِ: لَا تَجِيءُ بَيْتَ مُطَلِّقِهَا إلَّا مَعَ أُنُوثِيَّةِ الْوَلَدِ، وَلَا خَلْوَةَ لِأُمٍّ مَعَ خَوْفِهِ أَنْ تُفْسِدَ قَلْبَهَا، قَالَهُ فِي الْوَاضِحِ، وَيُتَوَجَّهُ فِيهِ مِثْلُهَا، وَالْأُمُّ أَحَقُّ بِتَمْرِيضِهَا فِي بَيْتِهَا، وَلَهَا زِيَارَةُ أُمِّهَا إنْ مَرِضَتْ، وَغَيْرُ أَبَوَيْهِ كَهُمَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا: وَلَا يُقِرُّ بِيَدِ مَنْ لَا يَصُونُهُ وَيُصْلِحُهُ، وَإِنْ اسْتَوَى اثْنَانِ أُقْرِعَ قَبْلَ السَّبْعِ، وَخُيِّرَ بَعْدَهَا مُطْلَقًا، وَحَضَانَةُ رَقِيقٍ لِسَيِّدِهِ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ حُرًّا تَهَايَأَ فِيهِ سَيِّدُهُ وَقَرِيبُهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ(9/347)
كتاب الجنايات
مدخل
*
...
كتاب الجنايات
وَهِيَ: عَمْدٌ يَخْتَصُّ الْقَوَدُ بِهِ، وَشِبْهُ عَمْدٍ، وَخَطَأٌ.
فَالْعَمْدُ أَنْ يَقْصِدَ مَنْ يَعْلَمُهُ آدَمِيًّا مَعْصُومًا بِمَا يَقْتُلُهُ غَالِبًا، مِثْلَ أَنْ يَضْرِبَهُ بِحَجَرٍ كَبِيرٍ أَوْ سَنْدَانَ1 أَوْ لَتٍّ2 وَهُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ السِّلَاحِ أَوْ كُوذَيْنِ وَهُوَ مَا يَدُقُّ بِهِ الدَّقَّاقُ الثِّيَابَ أَوْ خَشَبَةٌ كَبِيرَةٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ فَوْقَ عَمُودِ الْفُسْطَاطِ لَا كَهُوَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْخَشَبَةُ الَّتِي يَقُومُ3 عَلَيْهَا بَيْتُ الشَّعْرِ، وَنَقَلَ ابْنُ مُشَيْشٍ: يَجِبُ الْقَوَدُ إذَا ضَرَبَهُ بِمِثْلِ عَمُودِ الْفُسْطَاطِ وَكُوذَيْنِ الْقَصَّارِ وَالصَّخْرَةِ وَبِمَا يَقْتُلُ مِثْلُهُ احْتَجُّوا بِهِ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا4: نَاقِضُ الْعَهْدِ يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ لَا بِالْحَجَرِ، إجْمَاعًا. أَوْ يُكَرَّرُ ضَرْبُهُ بِصَغِيرٍ، نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ، أَوْ مَرَّةً بِهِ فِي مَقْتَلٍ، وَفِيهِمَا وَجْهٌ فِي الْوَاضِحِ، وَفِي الْأُولَى فِي الِانْتِصَارِ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ. نَقَلَ حَرْبٌ: شِبْهُ الْعَمْدِ أَنْ يَضْرِبَهُ بِخَشَبَةٍ دُونَ عَمُودِ الْفُسْطَاطِ وَنَحْوِ ذَلِكَ حَتَّى يَقْتُلَهُ، أَوْ مَرَّةً بِهِ فِي مَرَضٍ أَوْ ضَعْفٍ أَوْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ وَنَحْوِهِ، وَمِثْلُهُ لَكَمَهُ5، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. وَإِنْ قال: لم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 بالفتح وزان سعدان، وهو ما يطرق الحداد عليه الحديد، "المعجم الوسيط": "سند".
2 بضم اللام: نوع من آلة السلاح. "المطلع" ص 357.
3 في "ط": "يقود".
4 في "ط": "وغيرهما".
5 في النسخ الخطية: "لكمته"، والمثبت من "ط".(9/351)
أَقْصِدْ قَتْلَهُ لَمْ يُصَدَّقْ، أَوْ يُلْقِيهِ مِنْ شَاهِقٍ أَوْ فِي نَارٍ أَوْ مَاءٍ يُغْرِقُهُ وَلَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ فَقِيلَ: يَضْمَنُ الدِّيَةَ بِإِلْقَائِهِ فِي نَارٍ، وَقِيلَ: لَا كَمَاءٍ فِي الْأَصَحِّ م 1 أَوْ يُكَتِّفُهُ بِحَضْرَةِ سَبْعٍ بفضاء، أو بمضيق بِحَضْرَةِ حَيَّةٍ، خِلَافًا لِلْقَاضِي فِيهِمَا، أَوْ يَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَبْعٍ بِمَضِيقٍ، كَزُبْيَةٍ1، فَيَفْعَلُ بِهِ مَا يَقْتُلُ مِثْلَهُ أَوْ يَنْهَشُهُ سَبُعٌ أَوْ حَيَّةً يَقْتُلُ مِثْلَهُ غَالِبًا وَإِلَّا فَوَجْهَانِ م 2 أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 1: قَوْلُهُ: أَوْ يُلْقِيهِ فِي نَارٍ وَلَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ فَقِيلَ: يَضْمَنُ الدِّيَةَ بِإِلْقَائِهِ فِي نَارٍ، وَقِيلَ: لَا، كَمَاءٍ، فِي الْأَصَحِّ، انْتَهَى. أَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي2 وَالشَّرْحِ3 وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ:
أَحَدُهُمَا: يَضْمَنُ الدِّيَةَ، قَالَ فِي الْكَافِي4: وَإِنْ كَانَ لَا يُقْتَلُ غَالِبًا أَوْ التَّخَلُّصُ مِنْهُ مُمْكِنٌ فَلَا قَوَدَ فِيهِ، لِأَنَّهُ عَمَدَ الْخَطَأَ، فَظَاهِرُهُ أَنَّ فِيهِ الدِّيَةَ، وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ.
مَسْأَلَةٌ 2: قَوْلُهُ: أو ينهشه سبع أو حية يقتل مثله غَالِبًا، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي5 وَالشَّرْحِ6 وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ.
أَحَدُهُمَا: هُوَ عَمْدٌ مَحْضٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ بِعَمْدٍ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الهداية وغيره.
__________
1 الزّبية، بالضم: حفرة للأسد. "القاموس": "زبى".
2 11/450- 451.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/23.
4 5/139- 140.
5 11/451- 452.
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/20- 21.(9/352)
بِخَنْقِهِ بِحَبْلٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ يَسُدُّ فَمَه وَأَنْفَهُ، نَقَلَ أَبُو دَاوُد: إذَا غَمَّهُ حَتَّى يَقْتُلَهُ قُتِلَ بِهِ، أَوْ يَعْصِرُ خُصْيَتَيْهِ، أَوْ يَحْبِسُهُ وَيَمْنَعُهُ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَيَتَعَذَّرُ طَلَبُهُ فَيَمُوتُ مِنْ ذَلِكَ لِمُدَّةٍ يَمُوتُ فِيهَا غَالِبًا، فَلَوْ تَرَكَهُمَا قَادِرٌ فَلَا دِيَةَ، كَتَرْكِهِ شَدَّ فَصْدِهِ، أَوْ يَجْرَحُهُ بِحَدِيدٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَمُوتُ مِنْهُ، وَالْأَصَحُّ: وَلَوْ لَمْ يُدَاوِ مَجْرُوحٌ قَادِرٌ جُرْحَهُ. نَقَلَ جَعْفَرٌ الشَّهَادَةَ عَلَى الْقَتْلِ أَنْ يَرَوْهُ وَجَأَهُ وَأَنَّهُ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ يَطُولُ به المرض ولا علة به1 غيره.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ: أَوْ جُرْحُهُ وَتَعْقُبُهُ سِرَايَةٌ بِمَرَضٍ وَدَامَ جُرْحُهُ حَتَّى مَاتَ، فَلَا يُعَلَّقُ2 بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى شَيْءٌ. أَوْ يَغْرِزُهُ بِإِبْرَةٍ وَنَحْوِهَا فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ فَيَبْقَى ضَمِنًا3 حَتَّى يَمُوتَ، وَفِيهِ وَجْهٌ، فَإِنْ مَاتَ فِي الْحَالِ فَوَجْهَانِ م 3 أَوْ يَقْطَعُ أَوْ يَبُطُّ4 سِلْعَةَ5 أَجْنَبِيٍّ خَطِرَةً بِلَا إذْنِهِ فَيَمُوتُ، لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 3: قَوْلُهُ: أَوْ يَغْرِزُهُ بِإِبْرَةٍ وَنَحْوِهَا فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ، فَيَبْقَى ضَمِنًا حَتَّى يَمُوتَ، وَفِيهِ وَجْهٌ. فَإِنْ مَاتَ فِي الْحَالِ فَوَجْهَانِ، انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي6 وَالْكَافِي7 وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالزَّرْكَشِيِّ:
__________
1 في "ط": "له".
2 في "ط": "يلعق".
3 أي: زمنا. "المصباح": "ضمن".
4 أي: يشق. "المصباح": "بط".
5 السلعة: خراج أو غدة في العنق، أو زيادة في البدن كالغدة تتحرك إذا حركت. قال الأطباء: وهي ورم غليظ غير ملتزق باللحم. "القاموس": "سلع".
6 11/446.
7 5/137.(9/353)
وَلِيَّ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ لِمَصْلَحَةٍ، وَقِيلَ: لَا وَلِيَّ لِمَصْلَحَةٍ أَوْ يَسْحَرُهُ بِمَا يَقْتُلُهُ غَالِبًا، أَوْ يَسْقِيهِ سُمًّا لَا يَعْلَمُ بِهِ، أَوْ يَخْلِطُهُ بِطَعَامٍ وَيُطْعِمُهُ، أَوْ بِطَعَامِ أَكَلَهُ فَيَأْكُلُهُ جَهْلًا فَيَلْزَمُهُ الْقَوَدُ، وَأَطْلَقَ ابْنُ رَزِينٍ فِيمَا إذَا ألقمه سما أو خلطه به قولين. وَقَدْ سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُودِيَّةَ لَمَّا مَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ الَّذِي أَكَلَ مَعَهُ مِنْ الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ فَقَتَلُوهَا قَوَدًا وَلَمْ يَقْتُلْهَا أَوَّلًا1، فَإِنْ عَلِمَ بِهِ آكِلُهُ وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ، أَوْ خَلَطَهُ بِطَعَامِ نَفْسِهِ فَأَكَلَهُ أَحَدٌ بِلَا إذْنِهِ، فَهَدَرٌ، فَإِنْ قَالَ القاتل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
أَحَدُهُمَا: يَكُونُ عَمْدًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، فَإِنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ النُّسْخَةُ مَغْلُوطَةً، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ ابْنِ حَامِدٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَكُونُ عَمْدًا، بَلْ شِبْهَ عَمْدٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وقدمه في تجريد العناية وشرح ابن رزين2.
__________
1 أخرجه البخاري 2617، ومسلم 2190، 945، قال البيهقي في "السنن الكبرى" 8/46. بعد أن ذكر القصة برواياتها: اختلفت الروايات في قتلها، ورواية أنس بن مالك أصحها، ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم في الابتداء لم يعقبها حين لم يمت أحد من أصحابه مما أكل، فلما مات بشر بن البراء أمر بقتلها فأدى كل واحد من الرواة ما شاهد، والله أعلم. ينظر: "المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف" 25/27.
2 "رزين" ليست في "ط".(9/354)
بِالسُّمِّ أَوْ السِّحْرِ: لَمْ أَعْلَمْهُ قَاتِلًا، أَوْ ادَّعَى جَهْلَ الْمَرَضِ، لَمْ يُقْتَلْ، وَقِيلَ: بَلَى، وَقِيلَ: وَيَجْهَلُهُ مِثْلُهُ.
وَمَنْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِمَا يُوجِبُ قَتْلَهُ فَقُتِلَ ثُمَّ رَجَعَتْ أَوْ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْ سِتَّةٍ مَثَلًا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَقَالَتْ: عَمَدْنَا قَتْلَهُ. وَفِي الْكَافِي1: وَعَلِمْنَا أَنَّهُ يُقْتَلُ. وَفِي الْمُغْنِي2: وَلَمْ يَجُزْ جَهْلُهُمَا3 بِهِ. وَفِي التَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَةِ: وَكَذَّبَتْهُمَا قَرِينَةٌ4، أَوْ قَالَ حَاكِمٌ أَوْ وَلِيٌّ: عَلِمْت كَذِبَهُمَا وَعَمَدْت قَتْلَهُ، لَزِمَ الْقَوَدُ، وَنَصَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُنَاظَرَاتِهِ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَمْ تُلْجِئْهُ الْبَيِّنَةُ، وَإِنْ كَانَ فَلَيْسَ الشَّرْعُ بِوَعِيدِهِ مُلْجِئًا، لِأَنَّ وَعِيدَ الرَّسُولِ إكْرَاهٌ لَا وَعِيدَ الْبَارِئِ.
وَقِيلَ: فِي قَتْلِ حَاكِمٍ وَجْهَانِ، كَمُزَكٍّ فَإِنَّ الْمُزَكِّيَ لَا يُقْتَلُ عِنْدَ الْقَاضِي لِأَنَّهُ غَيْرُ مُلْجِئٍ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ: لَمْ يَقْصِدُوا قَتْلَهُ، بَلْ قَبُولُ شَهَادَتِهِمْ، وَيُقْتَلُ عند أبي الخطاب وغيره م 4 ولا تقبل5 بَيِّنَةٌ مَعَ مُبَاشَرَةِ وَلِيٍّ. وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهٌ: هما كممسك مع مباشر. وفي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 4: قَوْلُهُ: وَقِيلَ فِي قَتْلِ حَاكِمٍ وَجْهَانِ، كمزك فإن المزكي لا يقتل، عند
__________
1 5/144.
2 11/456.
3 في "ر": "جهلها".
4 في "ر": "الريبة".
5 في "ط": "تقتل".(9/355)
التبصرة: إن علم الولي و1الحاكم والبينة أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ أُقَيِّدُ الْكُلَّ، وَيَخْتَصُّ مُبَاشِرًا عَالِمًا، ثُمَّ وَلِيًّا، ثُمَّ الْبَيِّنَةَ وَالْحَاكِمَ، وَقِيلَ: ثُمَّ حَاكِمًا، لِأَنَّ سَبَبَهُ أَخَصُّ مِنْ الْبَيِّنَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْقَاضِي ... ، وَيُقْتَلُ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ، انْتَهَى. مَا قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَهُوَ الصَّحِيحُ قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي2 وَالشَّرْحِ3، فِي الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ، وَنَصَرَاهُ، وَكَذَلِكَ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي لَا يُقْتَلُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ فَقَالَا: وَلَوْ رَجَعَ الْمُزَكُّونَ وَقَالُوا عَمَدْنَا الْكَذِبَ لِيُقْتَلَ أَوْ لِيُقْطَعَ فَفِي لُزُومِ الْقَوَدِ وَجْهَانِ، زَادَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَكَذَا لَوْ قَالَ الْحَاكِمُ أَوْ الْوَلِيُّ عَلِمْت كَذِبَهُمَا وَعَمَدْت قتله.
__________
1 ليست في "ط".
2 14/248.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/70- 72.(9/356)
وإن لزمت دية بينة1 وَحَاكِمًا فَقِيلَ: أَثْلَاثًا، وَقِيلَ: نِصْفَيْنِ م 5 وَلَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ: عَمَدْنَا، وَبَعْضُهُمْ: أَخْطَأْنَا: فَلَا قَوَدَ على المتعمد، عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ، وَالْمُخْطِئُ مِنْ الْمُخَفَّفَةِ.
وَلَوْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ: تَعَمَّدْت وَأَخْطَأَ شَرِيكِي فَوَجْهَانِ فِي الْقَوَدِ م 6 ولو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 5: قَوْلُهُ: وَإِنْ لَزِمَتْ دِيَةٌ بِبَيِّنَةٍ وَحَاكِمًا فَقِيلَ: أَثْلَاثًا، وَقِيلَ: نِصْفَيْنِ، انْتَهَى.
أَحَدُهُمَا: تَلْزَمُهُمْ أَثْلَاثًا، عَلَى الْحَاكِمِ الثُّلُثُ، وَعَلَى كُلِّ شَاهِدٍ الثُّلُثُ، "2قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا وَاثْنَانِ بِالْإِحْصَانِ، فَرُجِمَ ثُمَّ رَجَعُوا، فَالدِّيَةُ عَلَى عَدَدِهِمْ، عَلَى الصَّحِيحِ2"، جَزَمَ بِهِ فِي المغني3 والشرح4 هنا5.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَلْزَمُهُمْ نِصْفَيْنِ، عَلَى الْحَاكِمِ النِّصْفُ، وَعَلَى الشَّاهِدَيْنِ النِّصْفُ، وَهُوَ الصَّوَابُ، ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قَطَعَ بِذَلِكَ فِي بَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
مَسْأَلَةٌ 6: قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ تَعَمَّدْت وأخطأ شريكي فوجهان في القود، انتهى.
__________
1 في "ط": "ببينة".
2 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
3 11/457.
4 المقنع مع والشرح الكبير والإنصاف 25/33.
5 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".(9/357)
قَالَ وَاحِدٌ: عَمَدْنَا، وَالْآخَرُ: أَخْطَأْنَا، لَزِمَ الْمُقِرَّ بِالْعَمْدِ الْقَوَدُ، وَالْآخَرَ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ رَجَعَ وَلِيٌّ وَبَيِّنَةٌ ضَمِنَهُ وَلِيٌّ. وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: وَبَيِّنَةٌ كَمُشْتَرَكٍ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا أَنَّ الدَّالَّ يَلْزَمُهُ الْقَوَدُ إنْ تَعَمَّدَ وَإِلَّا1 الدِّيَةُ وَأَنَّ الْآمِرَ لا يرث.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
أَحَدُهُمَا: لَا قَوَدَ: قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقَالَ: عَلَيْهِمَا الدِّيَةُ حَالَّةً3 انْتَهَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: عَلَيْهِمَا الْقَوَدُ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، لِاعْتِرَافِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَمْدِيَّةِ، وَدَعْوَاهُ أَنَّ صَاحِبَهُ أَخْطَأَ لَا أثر له، لتكذيبه له.
__________
1 في الأصل: "لا".(9/358)
فصل المذهب تقتل جماعة بواحد
...
فَصْلٌ الْمَذْهَبُ يُقْتَلُ جَمَاعَةٌ بِوَاحِدٍ،
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا، فَتَلْزَمُهُمْ دِيَةٌ، وَعَلَى الْأُولَى دِيَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَشْهَرُ، كَخَطَإٍ. وَنَقَلَ ابْنُ مَاهَانَ دِيَاتٍ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ وَالْفَضْلُ: إنْ قَتَلَهُ ثَلَاثَةٌ فَلَهُ قَتْلُ أَحَدِهِمْ وَالْعَفْوُ عَنْ آخَرَ وَأَخْذُ الدِّيَةِ كَامِلَةً مِنْ أَحَدِهِمْ. "2وَفِي الْفُنُونِ: أَنَا أَخْتَارُ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ شَرِكَةَ الْأَجَانِبِ تَمْنَعُ الْقَوَدَ، لِأَنَّهُ لَا اطِّلَاعَ لَنَا بِظَنٍّ فَضْلًا عَنْ عِلْمٍ بِجِرَاحَةِ أَيِّهِمَا مَاتَ أَوْ بِهِمَا2"، وَإِنْ جَرَحَ وَاحِدٌ جُرْحًا وَآخَرُ مِائَةً فَسَوَاءٌ، وَكَذَا لَوْ قَطَعَ كَفَّهُ وَآخَرُ من مرفقه،. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
2-2 ليست في الأصل.(9/358)
وَقِيلَ: الْقَاتِلُ الثَّانِي فَيُقَادُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ انْدَمَلَا أُقَيِّدُ الْأَوَّلَ، وَكَذَا مِنْ الثَّانِي الْمَقْطُوعِ يَدُهُ مِنْ كُوعٍ، وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ، أَوْ ثُلُثُ دِيَةٍ؟ فِيهِ الرِّوَايَتَانِ.
وَلَوْ قَتَلُوهُ بِأَفْعَالٍ لَا يَصْلُحُ وَاحِدٌ لِقَتْلِهِ، نَحْوُ إنْ ضَرَبَهُ "1كُلٌّ مِنْهُمْ سوطا في حالة1"، أو متواليا، فلا قود، وَفِيهِ عَنْ تَوَاطُؤٍ وَجْهَانِ فِي التَّرْغِيبِ م7.
وَإِنْ فَعَلَ أَحَدُهُمَا: فِعْلًا لَا تَبْقَى مَعَهُ حَيَاةٌ، كَقَطْعِ حَشْوَتِهِ أَوْ مَرِيئِهِ أَوْ وَدَجَيْهِ ثُمَّ ذَبَحَهُ آخَرُ قُتِلَ الْأَوَّلُ وَعُزِّرَ الثَّانِي، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِهِ فِي التَّبْصِرَةِ، كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى مَيِّتٍ، فَلِهَذَا لَا يَضْمَنُهُ، وَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ التَّصَرُّفَ فِيهِ كَمَيِّتٍ لَوْ كان عبدا، فلا يصح بيعه، كذا جَعَلُوا الضَّابِطَ: يَعِيشُ مِثْلُهُ أَوْ لَا يَعِيشُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 7: قَوْلُهُ: وَلَوْ قَتَلُوهُ بِأَفْعَالٍ لَا يَصْلُحُ وَاحِدٌ لِقَتْلِهِ، نَحْوُ إنْ ضَرَبَهُ كُلٌّ مِنْهُمْ سوطا في حالة، أو متواليا، فلا قود، وَفِيهِ عَنْ تَوَاطُؤٍ وَجْهَانِ، فِي التَّرْغِيبِ، انْتَهَى.
أَحَدُهُمَا: عَلَيْهِمْ الْقَوَدُ، وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا قَوَدَ عَلَيْهِمْ، كَغَيْرِ التَّوَاطُؤِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
__________
1-1 ليست في "ط".(9/359)
وَكَذَا عَلَّلَ الْخِرَقِيُّ الْمَسْأَلَتَيْنِ، مَعَ أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي لَا يَعِيشُ: خَرَقَ بَطْنَهُ وَأَخْرَجَ حَشْوَتَهُ فَقَطَعَهَا فَأَبَانَهَا مِنْهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُبِنْهَا لَمْ يَكُنْ حُكْمُهُ كَذَلِكَ، مَعَ أَنَّهُ بِقَطْعِهَا لَا يَعِيشُ فَاعْتَبَرَ الْخِرَقِيُّ كَوْنَهُ لَا يَعِيشُ فِي مَوْضِعٍ خَاصٍّ، فَتَعْمِيمُ1 الْأَصْحَابِ لَا سِيَّمَا وَاحْتَجَّ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِكَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ. وَهَذَا مَعْنَى اخْتِيَارِ الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ فِي كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَأَنَّهُ، احْتَجَّ بِهِ فِي مَسْأَلَةِ الذَّكَاةِ، فَدَلَّ عَلَى تَسَاوِيهِمَا عِنْدَهُ وَعِنْدَ الْخِرَقِيِّ، وَلِهَذَا احْتَجَّ بِوَصِيَّةِ عُمَرَ2، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَوُجُوبِ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ الذَّكَاةِ، كَمَا احْتَجَّ هُنَا، وَلَا فَرْقَ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى3 وَغَيْرُهُ فِي الذَّكَاةِ كَالْقَوْلِ هُنَا فِي أَنَّهُ يَعِيشُ أَوْ لَا. وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ أَيْضًا، فَهَؤُلَاءِ أَيْضًا سَوَّوْا بَيْنَهُمَا، وَكَلَامُ الْأَكْثَرِ عَلَى التَّفْرِقَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي4: إنْ فَعَلَ مَا يَمُوتُ بِهِ يَقِينًا وَبَقِيَتْ مَعَهُ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، كَمَا لَوْ خَرَقَ حَشْوَتَهُ وَلَمْ يُبِنْهَا، فَالْقَاتِلُ الثَّانِي، لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْحَيَاةِ، لِصِحَّةِ وَصِيَّةِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ5، "6رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَكَمَا لَوْ جَازَ بَقَاؤُهُ، وَكَمَرِيضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ6".
قَالَ: وَإِنْ أَخْرَجَهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ مِنْ حُكْمِ الْحَيَاةِ بِأَنْ أَبَانَ، حَشْوَتَهُ أَوْ ذَبَحَهُ ثُمَّ ضَرَبَ عُنُقَهُ آخَرُ فَالْقَاتِلُ هُوَ الْأَوَّلُ، وَيُتَوَجَّهُ تَخْرِيجُ رواية من مسألة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ر": "فتبعه".
2 أخرجه البخاري 1392، عن عمرو بن ميمون الأودي.
3 الإرشاد 377.
4 11/506.
5 أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" 19414، 19416.
6-6 ليست في الأصل.(9/360)
الذَّكَاةِ أَنَّهُمَا قَاتِلَانِ، وَلِهَذَا اعْتَبَرُوا إحْدَاهُمَا: بِالْأُخْرَى، وَلَوْ كَانَ فِعْلُ الثَّانِي كَلَا فِعْلٍ لَمْ يُؤَثِّرْ غَرَقُ حَيَوَانٍ فِي مَاءٍ يَقْتُلُهُ مِثْلُهُ بَعْدَ ذَبْحِهِ، عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَمَا صَحَّ الْقَوْلُ بِأَنَّ نَفْسَهُ زَهَقَتْ بِهِمَا كَالْمُقَارِنِ، وَلَا يَقَعُ كَوْنُ الْأَصْلِ "1الْخَطَرَ بَلْ الْأَصْلُ بَقَاءُ"1 عِصْمَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى مَا كَانَ. فَإِنْ قِيلَ: زَالَ الْأَصْلُ بِالسَّبَبِ، قِيلَ وَفِي مَسْأَلَةِ الذَّكَاةِ. وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْفِعْلَ الطَّارِئَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي التَّحْرِيمِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَتَأْثِيرٌ فِي الْحِلِّ فِي مَسْأَلَةِ الْمُنْخَنِقَةِ وَأَخَوَاتِهَا عَلَى مَا فِيهَا مِنْ الْخِلَافِ، وَلَمْ أَجِدْ فِي كَلَامِهِمْ دَلِيلًا هُنَا إلَّا مُجَرَّدَ دَعْوَى أَنَّهُ كَمَيِّتٍ، وَلَا فَرْقًا مُؤَثِّرًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذَّكَاةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيَلْزَمُ الْأَوَّلَ مُوجِبُ جِرَاحَةٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هَذَا أَنَّ الْمَرِيضَ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ كَصَحِيحٍ فِي الْجِنَايَةِ مِنْهُ وَعَلَيْهِ وَإِرْثُهُ وَاعْتِبَارُ كَلَامِهِ إلَّا مَا سَبَقَ مِنْ تَبَرُّعَاتِهِ، وَسَوَاءٌ عَايَنَ مِلْكَ الْمَوْتِ أَوْ لَا.
وَقَدْ ذَكَرُوا هَلْ تُمْنَعُ قَبُولُ تَوْبَتِهِ بِمُعَايَنَةِ الْمِلْكِ2 أَوْ لَا يَمْتَنِعُ مَا دَامَ عَقْلُهُ ثَابِتًا أَوْ يَمْتَنِعُ بِالْغَرْغَرَةِ؟ لَنَا أَقْوَالٌ م 8 إلَّا أَنْ يختل عقله فلا اعتبار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 8: قَوْلُهُ: اسْتِطْرَادًا: وَقَدْ ذَكَرُوا، هَلْ يُمْنَعُ قَبُولُ تَوْبَتِهِ بِمُعَايَنَةِ الْمِلْكِ أَمْ لَا يُمْنَعُ مَا دَامَ عَقْلُهُ ثَابِتًا؛ أَوْ يَمْتَنِعُ بِالْغَرْغَرَةِ؟ لَنَا أَقْوَالٌ، انْتَهَى.
قُلْت: قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا3، وَصَحَّحْنَاهَا هُنَاكَ، فلتراجع
__________
1-1 في "ط": "الخطر بل الأصل بقاء".
2 في "ط": "المالك".
3 7/429.(9/361)
لِكَلَامِهِ كَصَحِيحٍ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ قَبْلَ كِتَابِ الْعَاقِلَةِ بِنَحْوِ كُرَّاسَةٍ: مَسْأَلَةٌ فِي مَنْ قَتَلَ عَلِيلًا، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ في رجل قتل رجلا قد ذهب الرُّوحُ مِنْ نِصْفِ جَسَدِهِ، قَالَ: يَضْمَنُهُ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ كَرَبَتْ1 نَفْسُهُ مِنْ الزَّهُوقِ فَمَاتَ لَهُ مَيِّتٌ أَنَّهُ يَرِثُهُ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى النُّطْقِ فَأَسْلَمَ فَإِنَّهُ مُسْلِمٌ يَرِثُهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَهْلِهِ، وَأَنَّهُ إنْ شَخَصَ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْتِ إلَّا نَفَسٌ وَاحِدٌ فَمَاتَ مَنْ أَوْصَى لَهُ بِوَصِيَّةٍ فَإِنَّهُ قَدْ اسْتَحَقَّهَا، فَمَنْ قَتَلَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ أُقَيِّدُ بِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ عَايَنَ أَوْ لَا، وَأَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ مَجْنِيًّا عَلَيْهِ أَوْ لَا. وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ قُبَيْلَ كِتَابِ الْعَاقِلَةِ: مَنْ جُرِحَ جُرْحًا يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِ فَتَدَاوَى بِسُمٍّ فَمَاتَ فَالْقَوَدُ عَلَى الْقَاتِلِ، لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ فِعْلِ الْجَارِحِ وَمِنْ فِعْلِ2 نَفْسِهِ، فَكِلَاهُمَا قَاتِلٌ. وَقَالَ قَبْلَ هَذَا: مَنْ قَتَلَ مَيِّتًا لَا شَيْءَ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ قَاتِلًا، وَمَنْ كَسَرَهُ أَوْ جَرَحَهُ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة:45] ، وَهَذَا جُرْحٌ وَجَارِحٌ. وَقَالَ: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى:40] ، وَهَذَا الْفِعْلُ بِالْمَيِّتِ سَيِّئَةٌ وَاعْتِدَاءٌ، فَالْقِصَاصُ وَاجِبٌ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ إجْمَاعٌ، وَأَكْثَرُ خُصُومِنَا يَرَوْنَ الْقَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ مَيِّتٍ كَفَنَهُ، وَالْحَدَّ عَلَى مَنْ زَنَى بِمَيِّتَةٍ أَوْ قَذَفَ مَيِّتًا، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَإِنْ رَمَاهُ مِنْ شَاهِقٍ فَتَلَقَّاهُ آخَرُ بِسَيْفٍ فَقَدَّهُ فَالْقَاتِلُ الثاني، وإن ألقاه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أي: حانت ودنت. "القاموس": "كرب".
2 في "ر": "قتل".(9/362)
فِي لُجَّةٍ فَتَلَقَّاهُ حُوتٌ فَابْتَلَعَهُ لَزِمَ مُلْقِيَهُ الْقَوَدُ، وَقِيلَ: إنْ الْتَقَمَهُ بَعْدَ حُصُولِهِ فِيهِ قَبْلَ غَرَقِهِ، وَقِيلَ: شِبْهُ عَمْدٍ، وَمَعَ قِلَّةٍ فَإِنْ عَلِمَ بِالْحُوتِ فَالْقَوَدُ وَإِلَّا دِيَةٌ، وَإِنْ كَتَّفَهُ فِي أَرْضٍ ذَاتِ سِبَاعٍ أَوْ حَيَّاتٍ فَقَتَلَتْهُ فَالْقَوَدُ، وَقِيلَ: الدِّيَةُ، كَغَيْرِ مَسْبَعَةٍ، وَعَنْهُ: كَمُمْسِكِهِ لِمَنْ يَقْتُلُهُ. وَفِي الْمُغْنِي1: وَيَعْلَمُ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ. وَفِي الْمُنْتَخَبِ: لَا مِزَاحًا مُتَلَاعِبًا، فَيُقْتَلُ قَاتِلُهُ وَيُحْبَسُ مُمْسِكُهُ حَتَّى يَمُوتَ، وَعَنْهُ: يُقْتَلَانِ، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَمِثْلُهُ أَمْسَكَهُ لِيَقْطَعَ طَرَفَهُ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ. وَكَذَا إنْ فَتَحَ فَمَهُ وَسَقَاهُ آخَرُ سُمًّا، أَوْ اتَّبَعَ رَجُلًا لِيَقْتُلَهُ فَلَقِيَهُ آخَرُ فَقَطَعَ رِجْلَهُ لِيَقْتُلَهُ، وَفِيهَا وَجْهٌ: لَا قَوَدَ.
وَمَنْ أَكْرَهَ مُكَلَّفًا عَلَى قَتْلِ مُعَيَّنٍ أَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى الْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ، فَالْقَوَدُ، وَفِي الْمُوجَزِ، إذَا قُلْنَا: تُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ، وَخَصَّهُ بَعْضُهُمْ بِمُكْرَهٍ، وَيُتَوَجَّهُ عَكْسُهُ. وَفِي الِانْتِصَارِ: لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْقَتْلِ بِأَخْذِ الْمَالِ فَالْقَوَدُ، وَلَوْ أُكْرِهَ بِقَتْلِ النَّفْسِ فَلَا، وَإِنْ أُكْرِهَ أَوْ أَمَرَ عَبْدَ غَيْرِهِ لِيَقْتُلَ عَبْدَهُ فَلَا قَوَدَ، وَمَنْ أَمَرَ بِالْقَتْلِ كَبِيرًا يَجْهَلُ تَحْرِيمَهُ أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ أَمَرَ بِهِ سُلْطَانٌ ظُلْمًا مِنْ جَهْلٍ ظَلَمَهُ فِيهِ، لَزِمَ الْأَمْرُ، نَقَلَ مُهَنَّا: إذَا أَمَرَ رَجُلٌ صَبِيًّا أَنْ يَضْرِبَ رَجُلًا فَضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ فَعَلَى الَّذِي أَمَرَهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِدَفْعِ سِكِّينٍ إلَيْهِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ، نَقَلَهُ الْفَضْلُ. وَفِي شَرْحِ أَبِي الْبَرَكَاتِ بْنِ الْمُنَجَّى: إنْ أَمَرَ مُمَيِّزًا فلا قود.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 11/451- 452.(9/363)
وَفِي الِانْتِصَارِ: إنْ أَمَرَ صَبِيًّا وَجَبَ عَلَى آمِرِهِ وَشَرِيكِهِ، فِي رِوَايَةٍ، وَإِنْ سَلِمَ، لَا يَلْزَمُهُمَا فَلِعَجْزِهِ غَالِبًا، وَإِنْ قَبِلَ1 مَأْمُورٌ مُكَلَّفٌ عَالِمًا تَحْرِيمَ الْقَتْلِ لَزِمَ الْمَأْمُورَ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَيُؤَدَّبُ الْآمِرُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ يُحْبَسُ كَمُمْسِكِهِ. وَفِي الْمُبْهِجِ رِوَايَةٌ يُقْتَلُ، وَعَنْهُ: بِأَمْرِهِ عَبْدَهُ، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: مَنْ أَمَرَ عَبْدَهُ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا فَقَتَلَهُ قُتِلَ الْمَوْلَى وَحُبِسَ الْعَبْدُ حَتَّى يَمُوتَ، لِأَنَّهُ سَوْطُ الْمَوْلَى وَسَيْفُهُ، كَذَا قَالَ عَلِيٌّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ2، وَأَنَّهُ لَوْ جَنَى بِإِذْنِهِ لَزِمَ مَوْلَاهُ وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ، وَحَمَلَهَا أَبُو بَكْرٍ عَلَى جَهَالَةِ الْعَبْدِ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إنْ أَمَرَ عَبْدًا بِقَتْلِ سَيِّدِهِ فَقَتَلَ أَثِمَ، وَإِنَّ فِي ضَمَانِهِ قِيمَتَهُ رِوَايَتَيْنِ، وَيُحْتَمَلُ إنْ خَافَ السُّلْطَانُ قَتْلًا.
وَمَنْ قَالَ لغيره اقتلني أو اجرحني ففعل فهدر، نص عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: تَلْزَمُ الدِّيَةُ، وَعَنْهُ: لِلنَّفْسِ، وَيُحْتَمَلُ الْقَوَدُ، وَلَوْ قَالَهُ عَبْدٌ ضَمِنَ لِسَيِّدِهِ بِمَالٍ فَقَطْ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ اُقْتُلْنِي وَإِلَّا قتلتك فخلاف، كإذنه م 9 و 10 وفي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 9 و10: قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ اُقْتُلْنِي وَإِلَّا قَتَلْتُك فَخِلَافٌ، كَإِذْنِهِ، انْتَهَى. فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْمَقِيسُ وَالْمَقِيسُ عَلَيْهِ.
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى9: لَوْ قَالَ: اُقْتُلْنِي وَإِلَّا قَتَلْتُك فَهَلْ ذَلِكَ إكْرَاهٌ أَمْ لَا؟ أُطْلِقَ الْخِلَافُ، فَقَالَ: فِيهِ خِلَافٌ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَإِنْ قَالَ: اُقْتُلْنِي وَإِلَّا قَتَلْتُك فَإِكْرَاهٌ وَلَا قَوَدَ إذَنْ، وَعَنْهُ: وَلَا دِيَةَ، زَادَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقْتَلَ أَوْ يَغْرَمَ الدِّيَةَ إنْ قُلْنَا: هِيَ لِلْوَرَثَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ، فِي الصِّيَامِ: لَا إثْمَ هُنَا وَلَا كَفَّارَةَ، كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ.
__________
1 في "ر": "قتل".
2 أخرج الأثر عن علي، وعن أبي هريرة عبد الرزاق في "مصنفه" 17881، 17894.(9/364)
الانتصار: لَا إثْمَ وَلَا كَفَّارَةَ، وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ وَحْدَهُ أَنْ اُقْتُلْ نَفْسَك وَإِلَّا قَتَلْتُك إكْرَاهٌ، كَاحْتِمَالٍ فِي اُقْتُلْ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا.
وَإِنْ اشترك اثنان لا يلزم القود أحدهما: مفردا، فَعَنْهُ: يُقْتَلُ شَرِيكُهُ، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، كَمَا لَوْ أَكْرَهَ أَبًا عَلَى قَتْلِ ابْنِهِ، وَعَنْهُ: لَا، وَالْمَذْهَبُ: يَقْتُلُ غَيْرُ شَرِيكٍ نَفْسَهُ وَمُخْطِئٌ وَصَبِيٌّ وَنَحْوُهُمْ م 11 وَمَتَى سَقَطَ الْقَوَدُ فَنِصْفُ الدِّيَةِ، وَقِيلَ: كَمَا لَهَا فِي شَرِيكٍ سَبُعٌ، وَقِيلَ: فِي وَلِيٍّ مُقْتَصٍّ، وَدِيَةُ شَرِيكٍ مُخْطِئٍ فِي مَالِهِ، لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ، عَلَى الأصح، قاله القاضي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 10: إذَا أَذِنَ لَهُ فِي قَتْلِهِ فَقَتَلَهُ فَفِيهَا خِلَافٌ قُلْت: قَالَ الْمُصَنِّفُ قَبْلَ ذَلِكَ: لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: اُقْتُلْنِي أَوْ اجْرَحْنِي فَفَعَلَ فَهَدَرٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: تَلْزَمُ الدِّيَةُ، وَعَنْهُ: لِلنَّفْسِ، وَيُحْتَمَلُ الْقَوَدُ، انْتَهَى. فَهَذِهِ شَبِيهَةٌ بِمَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ فِي تِلْكَ. اُقْتُلْنِي، بِصِيغَةِ الْأَمْرِ، وَفِي هَذِهِ بِصِيغَةِ الْإِذْنِ، فَيُحْتَمَلُ فِيهِ الْأَمْرُ، وَيُحْتَمَلُ عَدَمُهُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، كَقَوْلِهِ: أَذِنْت أَنْ تَقْتُلَنِي، فَصِيغَةُ الْأَمْرِ أَقْوَى مِنْ الْإِذْنِ فِي الْفِعْلِ.
مَسْأَلَةٌ 11: قَوْلُهُ: وَإِنْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ لَا يَلْزَمُ الْقَوَدُ أحدهما: مفردا، فعنه: يقتل شريكه، اختاره أبو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَعَنْهُ: لَا، وَالْمَذْهَبُ: يَقْتُلُ غَيْرُ شَرِيكٍ نَفْسَهُ وَمُخْطِئٌ وَصَبِيٌّ وَنَحْوُهُمْ، انْتَهَى. الْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ بِلَا رَيْبٍ، وَلَكِنَّ الْكَلَامَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ إطْلَاقُ الْخِلَافِ فِيهِمَا عَلَى غَيْرِ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى أَقْوَى وَأَصَحُّ مِنْ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَهَذِهِ إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي هَذَا الْبَابِ.(9/365)
فَصْلٌ وَشَبَهُ الْعَمْدِ أَنْ يَقْصِدَ جِنَايَةً لَا تَقْتُلُ غَالِبًا وَلَمْ يَجْرَحْهُ بِهَا.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ: وَلَمْ يَقْصِدْ قَتْلَهُ، كَمَنْ ضَرَبَهُ فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ بِصَغِيرٍ، أَوْ لَكَزَهُ أَوْ لَكَمَهُ، أَوْ سَحَرَهُ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا، أَوْ أَلْقَاهُ في ماء يسير، أو صاح بِصَبِيٍّ أَوْ مَعْتُوهٍ. وَفِي الْوَاضِحِ أَوْ امْرَأَةٍ، وَقِيلَ: أَوْ مُكَلَّفًا عَلَى سَطْحٍ فَسَقَطَ أَوْ اغْتَفَلَ1 عَاقِلًا بِصَيْحَةٍ فَسَقَطَ أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ فَالدِّيَةُ، نَقَلَ الْفَضْلُ فِي رَجُلٍ بِيَدِهِ سِكِّينٌ فَصَاحَ بِهِ رَجُلٌ فَرَمَى بِهَا فَعَقَرَتْ رَجُلًا هَلْ عَلَى مَنْ صَاحَ بِهِ شَيْءٌ؟ قَالَ: هَذَا أَخْشَى عَلَيْهِ، قَدْ صَاحَ بِهِ. وَمَنْ أَمْسَكَ الْحَيَّةَ كَمُدَّعِي الْمَشْيَخَةِ فَقَتَلَتْهُ فَقَاتِلٌ نَفْسَهُ، وَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ ظَنَّ أَنَّهَا لَا تَقْتُلُ فَشِبْهُ عَمْدٍ، بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَكَلَ حَتَّى بِشَمٍّ2 فَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَ نَفْسِهِ، وَإِمْسَاكُ الْحَيَّاتِ جناية فإنه محرم، ذكره شيخنا.
وَالْخَطَأُ كَرَمْيِ صَيْدٍ أَوْ غَرَضٍ أَوْ شَخْصٍ فَيُصِيبُ آدَمِيًّا لَمْ يَقْصِدْهُ، أَوْ يَنْقَلِبُ عَلَيْهِ نَائِمٌ وَنَحْوُهُ، أَوْ يَجْنِي عَلَيْهِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، كَصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ، أَوْ يَظُنُّهُ مُبَاحَ الدَّمِ فَيَبِينُ مَعْصُومًا، فَالدِّيَةُ.
وَمَنْ قَالَ كُنْت يَوْمَ قَتْلِهِ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا، وَأَمْكَنَ، صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ قَتَلَ فِي صَفِّ كُفَّارٍ أَوْ دَارِ حَرْبٍ مَنْ ظَنَّهُ حَرْبِيًّا فَبَانَ مُسْلِمًا أَوْ وَجَبَ رَمْيُ كُفَّارٍ تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمٍ فَقَصَدَهُمْ دُونَهُ فقتله فلا دية عليه، وعنه:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل: "اعتقل".
2 أي: أتخم من كثرة الأكل. "المصباح": "بشم".(9/366)
بَلَى. وَعَنْهُ: فِي الْأَخِيرَةِ. وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ عَكْسُهَا، لِأَنَّهُ فَعَلَ الْوَاجِبَ هُنَا، قَالَ: وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّ، يُصَلِّي وَيُكَفِّرُ، كَذَا هُنَا.
وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا أَوْ نَصَبَ سِكِّينًا وَنَحْوَهُ تَعَدِّيًا، وَلَمْ يَقْصِدْ جِنَايَةً فَخَطَأٌ، وَلَوْ قَتَلَ مَنْ أَسْلَمَ خَوْفَ الْقَتْلِ فَيَأْتِي فِي الْجِهَادِ1 إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 10/232- 233.(9/367)
باب شروط القود
مدخل
...
بَابُ شُرُوطِ الْقَوَدِ
يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَقْتُولِ مَعْصُومًا، فَكُلُّ مَنْ قَتَلَ مُرْتَدًّا أَوْ زَانِيًا مُحْصَنًا وَلَوْ قَبْلَ ثُبُوتِهِ1 عِنْدَ حَاكِمٍ، وَالْمُرَادُ قَبْلَ التَّوْبَةِ، وَقَالَهُ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ، فَهَدَرٌ، وَإِنْ بَعْدَ التَّوْبَةِ إنْ قُبِلَتْ ظَاهِرًا فَكَإِسْلَامٍ طَارِئٍ، فَدَلَّ أَنَّ طَرَفَ مُحْصَنٍ كَمُرْتَدٍّ، لَا سِيَّمَا وَقَوْلُهُمْ عُضْوٌ مِنْ نَفْسٍ وَجَبَ قَتْلُهَا فَهَدَرٌ، وَيُعَزَّرُ لِلِافْتِيَاتِ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ، كَمَنْ قَتَلَ حَرْبِيًّا. وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: لَهُ تَعْزِيرُهُ، وَيُحْتَمَلُ قَتْلُ ذِمِّيٍّ، وَأَشَارَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَيْهِ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ، لِأَنَّ الْحَدَّ لَنَا وَالْإِمَامُ نَائِبٌ.
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ2: إنْ أَسْرَعَ وَلِيِّ قَتِيلٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ فَقَتَلَ قَاطِعَ طَرِيقٍ قَبْلَ وُصُولِهِ لِلْإِمَامِ فَلَا قَوَدَ، لِأَنَّهُ انْهَدَرَ دَمُهُ، وَظَاهِرُهُ: وَلَا دِيَةَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَسَيَأْتِي3، وَكَذَا مَنْ قَطَعَ يَدَ مُرْتَدٍّ أَوْ حَرْبِيٍّ فَأَسْلَمَا ثُمَّ مَاتَا وَجَعَلَهُ فِي التَّرْغِيبِ كَمَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ، وَمَنْ رَمَاهُمَا فَأَسْلَمَا قَبْلَ وُقُوعِهِ بِهِمَا فَهَدَرٌ، كردة4 مسلم، وقيل: تجب ديتة5،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل: "توبته".
2 في الأصل: "الرعاية".
3 ص 369- 370.
4 في الأصل: "كدية".
5 في الأصل و "ط": "دية".(9/368)
كَتَلَفِهِ بِبِئْرٍ حُفِرَتْ1 مُرْتَدًّا: وَقِيلَ: كَمُرْتَدٍّ2، لِتَفْرِيطِهِ، إذْ قَتْلُهُ لَيْسَ إلَيْهِ. وَقِيلَ: يُقْتَلُ بِهِ.
وَمَنْ قَطَعَ طَرَفَ مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ فَلَا قَوَدَ، في الأصح، أصلهما هل يفعل به كفعله أَمْ فِي النَّفْسِ فَقَطْ، وَهَلْ يَسْتَوْفِيهِ إمَامٌ أَمْ قَرِيبُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، أَصْلُهُمَا هَلْ مَالُهُ فَيْءٌ أَمْ لِوَرَثَتِهِ؟ وَهَلْ يَضْمَنُ دِيَةَ الطَّرَفِ أَمْ الْأَقَلَّ مِنْهَا وَمِنْ دِيَةِ النَّفْسِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ م 1 - 3 وَقِيلَ هَدَرٌ. وَإِنْ عَادَ إلَى الإسلام ثم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 1 – 3: قَوْلُهُ: وَمَنْ قَطَعَ طَرَفَ مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ فلا قود، في الأصح، أصلهما هل يفعل بِهِ كَفِعْلِهِ أَمْ فِي النَّفْسِ فَقَطْ؟ وَهَلْ يَسْتَوْفِيهِ إمَامٌ أَوْ قَرِيبُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، أَصْلُهُمَا هَلْ مَالُهُ فَيْءٌ أَمْ لِوَرَثَتِهِ؟ وَهَلْ يَضْمَنُ دِيَةَ الطَّرَفِ أَوْ الْأَقَلَّ مِنْهَا وَمِنْ دِيَةِ النَّفْسِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، انْتَهَى. ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ثَلَاثَ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 1: لَوْ قَطَعَ طَرَفَ مُسْلِمٍ فارتد المقطوع طرفه ثم مات3، فلا
__________
1 بعدها في الأصل و "ط": "مرتدا".
2 في "ط": "المرتد".
3 في "ص": "تاب".(9/369)
مَاتَ فَالْقَوَدُ فِي النَّفْسِ أَوْ الدِّيَةُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يُتَوَجَّهُ سُقُوطُ الْقَوَدِ بِرِدَّةٍ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي وَصَاحِبُ التَّبْصِرَةِ إنْ سَرَى الْقَطْعُ فِي الرِّدَّةِ فَلَا قَوَدَ، فَيَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَقِيلَ: كُلُّهَا، وَمَنْ عَلَيْهِ الْقَوَدُ مَعْصُومٌ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ لِدَمِهِ وَتُشْتَرَطُ الْمُكَافَأَةُ حَالَةَ الْجِنَايَةِ بِأَنْ لَا يَفْضُلَهُ قَاتِلُهُ بِإِسْلَامٍ أَوْ حُرِّيَّةٍ أَوْ مِلْكٍ أَوْ إيلَادٍ خَاصَّةً. فَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَوْ ارْتَدَّ. ويتوجه احتمال بقتل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
قَوَدَ فِي الطَّرَفِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالْوَجْهَانِ أَصْلُهُمَا هَلْ يُفْعَلُ بِهِ كَفِعْلِهِ أَوْ فِي النَّفْسِ فَقَطْ؛ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُفْعَلُ بِهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، كَمَا يُفْعَلُ بِهِ فِي النَّفْسِ، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ مِنْ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ في شيء، لأنه صحح فيها حكما.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 2: إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْقَوَدِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي، فَهَلْ يَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ أَوْ قَرِيبُهُ الْمُسْلِمُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: أَصْلُهُمَا هَلْ مَالُهُ فَيْءٌ أَوْ لِوَرَثَتِهِ؟ وَفِيهِ وَجْهَانِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ مَالَهُ فَيْءٌ، فَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا لَيْسَتْ مِمَّا نَحْنُ بِصَدَدِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ 3: إذَا قُلْنَا بَعْدَ الْقَوَدِ، فَهَلْ يَضْمَنُ دِيَةَ الطَّرَفِ أَمْ الْأَقَلَّ مِنْهَا وَمِنْ دِيَةِ النَّفْسِ؟ أُطْلِقَ الْخِلَافُ، وَمِثَالُهُ أَنْ يَقْطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ثُمَّ يَمُوتُ مُرْتَدًّا، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُغْنِي1 وَالشَّرْحِ2:
أَحَدُهُمَا: يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ دِيَةِ النَّفْسِ أَوْ الطرف، وهو الصحيح من المذهب،
__________
1 11/469.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/87- 88.(9/370)
مُسْلِمٍ بِكَافِرٍ، وَأَنَّ الْخَبَرَ فِي الْحَرْبِيِّ1 كَمَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِهِ، وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ: حُكْمُ الْمَالِ غَيْرُ حُكْمِ النَّفْسِ، بِدَلِيلِ الْقَطْعِ بِسَرِقَةِ مَالِ زَانٍ مُحْصَنٍ وَقَاتِلٍ فِي مُحَارَبَةٍ، وَلَا يُقْتَلُ قَاتِلُهُمَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ مَالَهُمَا بَاقٍ عَلَى العصمة كمال غيرهما، وعصمة دمهما زالت.
وَلَا حُرٌّ بِعَبْدٍ، وَيُتَوَجَّهُ فِيهِ عَكْسُهُ، وَلَا مكاتب بعبده، فإن كان ذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ، وَمَالَ إلَيْهِ الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَلْزَمُهُ دِيَةُ الطَّرَفِ، لِأَنَّ الرِّدَّةَ قَطَعَتْ حُكْمَ السِّرَايَةِ، فَأَشْبَهَ انْقِطَاعَ حُكْمِهَا بِانْدِمَالِهَا أَوْ بِقَتْلِ الْآخَرِ لَهُ.
تَنْبِيهٌ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ فِي أَوَّلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَقْصًا بَعْدَ قَوْلِهِ فَارْتَدَّ وَالنَّقْصُ: ثُمَّ مَاتَ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ ذَلِكَ. والله أعلم.
__________
1 يريد قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يقتل مسلم بكافر". أخرجه البخاري 111.(9/371)
"1رحم محرم أو قتل1" رقيق مسلم رقيقا مسلما لذمي فوجهان م 4.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 4،5: قَوْلُهُ: وَلَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ وَلَا مكاتب بعبده، فإن كان ذا رحم محرم أَوْ قَتَلَ رَقِيقٌ مُسْلِمٌ رَقِيقًا مُسْلِمًا لِذِمِّيٍّ فَوَجْهَانِ، انْتَهَى، فِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى-4: لَا يُقْتَلُ الْمُكَاتَبُ بِعَبْدِهِ إذَا كَانَ أَجْنَبِيًّا، فَإِنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهَلْ يُقْتَلُ بِهِ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُحَرَّرِ والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم.
أحدهما: لا2 يُقْتَلُ بِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الأصحاب، "3وبه قطع فِي الْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ.
والوجه الثاني: يقتل به.
المسألة الثانية- 5: لو قتل رقيق مسلم رقيقا مسلما لذمي، فَهَلْ يُقْتَلُ بِهِ، أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِ، وَأَطْلَقَهُ فِي الرعايتين والحاوي الصغير.
أحدهما: يقتل به، وهو الصحيح، وهوظاهر كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يقتل به3".
__________
1 في "ط": "محرم أم وقتل".
2 ليست في "ط".
3 ليست في "ط".(9/372)
ويقتل عَبْدٌ بِعَبْدٍ مُكَاتَبٍ أَوْ لَا؟ وَعَنْهُ مَا لَمْ تَرِدْ قِيمَةُ قَاتِلِهِ، وَإِنْ كَانَا لِسَيِّدٍ فَلَا قَوَدَ، فِي إحْدَى الْوَجْهَيْنِ، قَالَهُ فِي الْمَذْهَبِ. وَذَكَرٌ بِأُنْثَى، وَعَنْهُ: مَعَ أَخْذِهِ نِصْفَ دِيَتِهِ. وَخَرَّجَ فِي الْوَاضِحِ مِنْهَا فِي عَبْدٍ بِعَبْدٍ وَفِي تَفَاضُلِ مَالٍ فِي قَوَدِ طَرَفٍ. وَكِتَابِيٌّ بِمَجُوسِيٍّ، نَصَّ عَلَيْهِ وَمُرْتَدٌّ بِذِمِّيٍّ، وَهُوَ بِهِ وَبِمُسْتَأْمَنٍ وَإِنْ انْتَقَضَ عَهْدَهُ بِقَتْلِ مُسْلِمٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"1مسألة-6: قوله: ويقتل عبد بعبد مكاتب أو لا؟ فإن كان لسيد، فلا قود في أحد الوجهين. قاله في المذهب انتهى.
أحدهما: عليه القود. قلت: وهو الصحيح1"، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ صَرِيحًا، وَقَدَّمَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا قَوَدَ.
تَنْبِيهَانِ:
"2أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ: يُقْتَلُ مُرْتَدٌّ بِذِمِّيٍّ وَهُوَ بِهِ وَبِمُسْتَأْمَنٍ، انْتَهَى، فَقَوْلُهُ: وَهُوَ بِهِ يَعْنِي يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِالْمُرْتَدِّ، هَذَا ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ، وَهُوَ سَهْوٌ، لِأَنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا: لَا يُقْتَلُ أَحَدٌ بِقَتْلِ الْمُرْتَدِّ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يُقْتَلُ بِقَتْلِهِ، حَتَّى الْمُصَنِّفِ أَوَّلَ الْبَابِ3، ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّ الضَّمِيرَ فِي بِهِ يَعُودُ إلَى الْمَجُوسِيِّ، يَعْنِي يُقْتَلُ الْمَجُوسِيُّ بِالذِّمِّيِّ، وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ موهما، لكن يزول الإشكال2".
__________
1-1 ليست في "ط".
2-2 ليست في "ح".
3 ص 368.(9/373)
قُتِلَ لَهُ وَعَلَيْهِ دِيَةُ حُرٍّ وَقِيمَةُ عَبْدٍ، وَلَا يُقْتَلُ مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ، وَالْأَصَحُّ إلَّا بِمِثْلِهِ أَوْ أَكْثَرَ حُرِّيَّةً.
وَإِنْ قَتَلَ أَوْ جَرَحَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا أَوْ عَبْدٌ عَبْدًا ثُمَّ أسلم أو عتق مطلقا قتل بِهِ، فِي الْمَنْصُوصِ، كَجُنُونِهِ، فِي الْأَصَحِّ، وَعَدَمُ قَتْلِ مَنْ أَسْلَمَ ظَاهِرُ نَقْلِ بَكْرٍ، كَإِسْلَامِ حَرْبِيٍّ قَاتِلٍ، وَكَذَا إنْ جَرَحَ مُرْتَدٌّ ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ، وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ بَعْدَ الْجُرْحِ أَوْ بَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْإِصَابَةِ مَانِعَةً مِنْ الْقَوَدِ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ شَيْخُنَا، كَمَا بَعْدَ الزَّهُوقِ ع. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ صِحَّتَهَا، وَأَنَّ الْإِثْمَ وَاللَّائِمَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ(9/374)
يَزُولُ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ وَجِهَةِ الْمَالِكِ، وَلَا يَبْقَى إلَّا حَقُّ الضَّمَانِ لِلْمَالِكِ. وَفَهِمَ مِنْهُ شَيْخُنَا سُقُوطَ الْقَوَدِ وَقَالَ: هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَإِنْ فَرَّقَا بَيْنَ الْخَطَإِ ابْتِدَاءً وَالْخَطَأَ فِي أَثْنَاءِ الْعَمَلِ، وَقَدْ يَكُونُ مُرَادُ "1ابْنِ عَقِيلٍ1" بِبَقَاءِ الضَّمَانِ الْقَوَدَ. وَيُؤَيِّدُ قَوْلَ شَيْخِنَا مَا يَأْتِي: لَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ إصَابَةِ الصَّيْدِ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ وَإِبَاحَةِ الصَّيْدِ، وَأَبْلَغُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ قَوْلُ الْحَلْوَانِيِّ فِي التَّبْصِرَةِ: تُسْقِطُ التَّوْبَةُ حق آدمي لا يوجب مالا وإلا سقط إلَى مَالٍ. وَإِنْ جَرَحَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا أَوْ حُرٌّ عَبْدًا ثُمَّ أَسْلَمَ الْمَجْرُوحُ أَوْ عَتَقَ ثُمَّ مَاتَ فَلَا قَوَدَ، وَيَلْزَمُهُ دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ، "2وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ: دِيَةُ ذِمِّيٍّ لِوَارِثٍ مُسْلِمٍ وَقِيمَةُ عَبْدٍ2"، وَيَأْخُذُ سَيِّدُهُ قِيمَتَهُ، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ، وَقْتَ جِنَايَتِهِ، وَكَذَا دِيَتُهُ، نَقَلَهُ حَرْبٌ، إلَّا أَنْ تُجَاوِزَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ فَالزِّيَادَةُ لِلْوَرَثَةِ. وَإِنْ وَجَبَ بِهَذِهِ الْجِنَايَةِ قَوَدٌ فَطَلَبُهُ لِلْوَرَثَةِ، عَلَى هَذِهِ، وَعَلَى الْأُخْرَى لِلسَّيِّدِ.
وَمَنْ جَرَحَ عَبْدَ نَفْسِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ مَاتَ فَلَا قَوَدَ، وَفِي ضَمَانِهِ الخلاف. ولو رمامياه3 فَوَقَعَ السَّهْمُ بِهِمَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَوْ الْعِتْقِ ثم ماتا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الثَّانِي: قَوْلُهُ: وَمَنْ جَرَحَ عَبْدَ نَفْسِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ مَاتَ فَلَا قَوَدَ، وَفِي ضَمَانِهِ الْخِلَافُ، انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُ فِي هَذِهِ المسألة في المغني4 والشرح5
__________
1-1 في النسخ الخطية: "شيخنا"، والمثبت من "ط".
2-2 ليست في "ر".
3 في "ط": "رماهما".
4 11/536.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/119.(9/375)
فَدِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ لِلْوَرَثَةِ، وَلَا شَيْءَ لِلسَّيِّدِ وَلَا قَوَدَ، وَأَوْجَبَهُ أَبُو بَكْرٍ، كَقَتْلِهِ مَنْ عَلِمَهُ أَوْ ظَنَّهُ ذِمِّيًّا أَوْ عَبْدًا، فَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ وَعَتَقَ، أَوْ قَاتِلُ أَبِيهِ1 فَلَمْ يَكُنْ، فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا مُرْتَدًّا.
وَقِيلَ: الدِّيَةُ. وَفِي الرَّوْضَةِ فِيمَا إذَا رَمَى مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا هَلْ يَلْزَمُهُ دِيَةُ مُسْلِمٍ أَوْ دِيَةُ كَافِرٍ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، اعْتِبَارًا بِحَالِ الْإِصَابَةِ أَوْ الرَّمْيَةِ، ثُمَّ بَنَى مَسْأَلَةَ الْعَبْدِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي ضَمَانِهِ بِدِيَةٍ أَوْ قِيمَةٍ، ثُمَّ بَنَى عَلَيْهِمَا مَنْ رَمَى مُرْتَدًّا أَوْ حَرْبِيًّا فَأَسْلَمَ قَبْلَ وُقُوعِهِ، هَلْ يَلْزَمُهُ دِيَةُ مُسْلِمٍ أَوْ هَدَرٌ؟.
وَإِنْ قَتَلَ مَنْ لَا يَعْرِفُ أَوْ مَلْفُوفًا وَادَّعَى كُفْرَهُ أَوْ رِقَّهُ أَوْ مَوْتَهُ فَالْقَوَدُ أَوْ دِيَتُهُ، فِي الْأَصَحِّ، إنْ أَنْكَرَ وَلِيُّهُمْ، وَأَطْلَقَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْتِهِ وَجْهَيْنِ، وَسَأَلَ الْقَاضِي: أَفَلَا يُعْتَبَرُ بِالدَّمِ وَعَدَمِهِ؟ قَالَ: لَا، لم يعتبره الفقهاء. ويتوجه: يعتبر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَغَيْرِهِمَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْخِلَافِ الْخِلَافَ الَّذِي سَبَقَ قَبْلَ هَذَا فِيمَا إذَا جَرَحَ حُرٌّ عَبْدًا ثُمَّ عَتَقَ ثُمَّ مَاتَ فَلَا قَوَدَ، وَفِي وُجُوبِ الدِّيَةِ قَوْلَانِ، قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ لُزُومَ الدِّيَةِ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ لُزُومَ الْقِيمَةِ، فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ: وَفِي ضَمَانِهِ الْخِلَافُ يَعْنِي فِي ضَمَانِ الدِّيَةِ أَوْ الْقِيمَةِ الْخِلَافُ، لَكِنْ إنْ جَعَلْنَا الْقِيمَةَ لِلسَّيِّدِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ فَيَكُونُ الْخِلَافُ فِي ضَمَانِ الدِّيَةِ أَوْ السُّقُوطِ، وهو ظاهر كلام المصنف. والله أعلم.
__________
1 في النسخ الخطية: "ابنه"، والمثبت من "ط".(9/376)
وَإِنْ ادَّعَى زِنَا مُحْصَنٍ بِشَاهِدَيْنِ، نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَ أَبُو طالب وغيره: أربعة، اختاره الخلال وغيره، قبل، وَإِلَّا فَفِيهِ بَاطِنًا وَجْهَانِ م 7 وَقِيلَ: وَظَاهِرًا.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ بَعْدَ كَلَامِهِ الْأَوَّلِ: وَقَدْ رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْزِلُ الرَّجُلِ حَرِيمُهُ، "فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْك حَرِيمَك فَاقْتُلْهُ" 1. فَدَلَّ "2أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ2"، وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي الْمُغْنِي3 وَغَيْرِهِ: إنْ اعْتَرَفَ الْوَلِيُّ4 بِذَلِكَ فَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عُمَرَ5 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَلَامُهُمْ وَكَلَامُ أَحْمَدَ السَّابِقُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مُحْصَنًا أَوْ لا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 7 قَوْلُهُ: وَإِنْ ادَّعَى زِنَا مُحْصَنٍ بِشَاهِدَيْنِ نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ، ونقل أبو طالب وغيره أربعة، اختاره الخلال وَغَيْرُهُ، قُبِلَ، وَإِلَّا فَفِيهِ بَاطِنًا، وَجْهَانِ، انْتَهَى.
أَحَدُهُمَا: يُقْبَلُ فِي الْبَاطِنِ قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُقْبَلُ فِي الْبَاطِنِ قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ثُبُوتُ الْإِحْصَانِ بِشَاهِدَيْنِ، كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الأصحاب.
__________
1 أخرجه أحمد في "مسنده" 22772.
2-2 في "ط": "قود ولادية".
3 11/461- 462.
4 في "ط": "الوالي".
5 هو أنه كان يوما يتغدى، إذ جاءه رجل يعدو، وفي يده سيف ملطخ بالدم، ووراءه قوم يعدون خلفه، فجاء حتى جلس مع عمر، فجاء الآخرون، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن هذا قتل صاحبنا. فقال له عمر: ما يقولون؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إنه ضرب بالسيف، فوقع في وسط الرجل وفخذي المرأة. فأخذ عمر سيفه فهزه، ثم دفعه إليه، وقال: إن عادوا فعد. ذكره صاحب المغني 11/462. وعزاه إلى "سنن سعيد" ولم نجده فيما بين أيدينا منها.(9/377)
وَكَذَا مَا يُرْوَى عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ1 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، كَشَيْخِنَا وَغَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَدٍّ، وَإِنَّمَا هُوَ عُقُوبَةٌ عَلَى فِعْلِهِ، وَإِلَّا اُعْتُبِرَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْحَدِّ، الْأَوَّلُ، ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: لَهُ قَتْلُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا كَانَ مُحْصَنًا، وَلِلْمَالِكِيَّةِ قَوْلَانِ، فِي اعْتِبَارِ إحْصَانِهِ، وَسَأَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ: وَجَدَهُ يَفْجُرُ بِهَا، لَهُ قَتْلُهُ؟ قَالَ: قَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ2 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَإِنْ قَتَلَهُ فِي دَارِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ دَخَلَ لِقَتْلِهِ وَأَخْذِ مَالِهٍ فَالْقَوَدُ، وَيُتَوَجَّهُ عَدَمُهُ فِي مَعْرُوفٍ بِالْفَسَادِ.
وَإِنْ تَجَارَحَ اثْنَانِ وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ دَفْعَهُ عن نفسه فالقود، وفي المذهب والكافي3: الدية، وَنَقَلَ أَبُو الصَّقْرِ وَحَنْبَلٌ فِي قَوْمٍ اجْتَمَعُوا بدار فجرح وقتل بعضهم بعضا وجهل الحال أَنَّ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَجْرُوحِينَ دِيَةَ الْقَتْلَى يَسْقُطُ مِنْهَا أَرْشُ الْجِرَاحِ. قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنْبَأَنَا الشَّيْبَانِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى عَلِيٍّ أَنَّهُ قَضَى بِهِ. وَهَلْ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِهِ جُرْحٌ مِنْ دِيَةِ الْقَتْلَى شَيْءٌ؟ فيه وجهان، قاله ابن حامد م 8.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 8: قَوْلُهُ: وَإِنْ تَجَارَحَ اثْنَانِ وَادَّعَى كُلُّ واحد دفعه عن نفسه فالقود، وفي المذهب وَالْكَافِي: الدِّيَةُ، وَنَقَلَ أَبُو الصَّقْرِ وَحَنْبَلٌ فِي قوم اجتمعوا بدار فجرح
__________
1 أخرج البيهقي في "السنن الكبرى" 8/337. عن عبيد بن عمير: أن رجلا أضاف ناسا من هذيل، فذهبت جارية لهم تحتطب، فأرادها رجل منهم عن نفسها، فرمته بفهر فقتلته، فرفع ذلك إلى عمر رضي الله عنه قال: ذاكقتيل الله، والله لا يودي أبدا.
وأيضا أخرج أثر عليّ 8/337، أنه سئل عمن وجد مع امرأته رجلا فقتله، فقال: إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته. وهو من رواية سعيد بن المسيب.
2 قد تقدم تخريج أثر عمر في الصفحة السابقة، ولم نقف على أثر عثمان رضي الله عنه.
3 5/207.(9/378)
وَلَا يُقْتَلُ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ وَإِنْ عَلَا بِالْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ وَلَوْ اخْتَلَفَا دِينًا وَحُرِّيَّةً، وَقِيلَ: وَلَوْ وَلَدَهُ مِنْ زِنًا لَا مِنْ رَضَاعٍ. قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا فِي بَحْثِ الْمَسْأَلَةِ: وَلَا يَلْزَمُ الزَّاهِدَ الْعَابِدَ، فَإِنَّ مَعَهُ مِنْ الدِّينِ وَالشَّفَقَةِ مَا يَرْدَعُهُ وَيَمْنَعُهُ1 عَنْ القتل لأن رادعه حكمي، وهو ضَعِيفٌ، وَرَادِعَ الْأَبِ طَبْعِيٌّ وَهُوَ أَقْوَى، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إزَالَتُهُ، وَعَنْهُ: تُقْتَلُ أُمٌّ، وعنه: وأب كالولد بهم، على الأصح، وقيل2 يقتل "3أب أم3" بولد بنته وعكسه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَجُهِلَ الْحَالُ أَنَّ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَجْرُوحِينَ دِيَةَ الْقَتْلَى يَسْقُطُ مِنْهُ أَرْشُ الْجُرْحِ، وَهَلْ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِهِ جُرْحٌ مِنْ دِيَةِ الْقَتْلَى شَيْءٌ4؟ فِيهِ وَجْهَانِ، قَالَهُ ابن حامد انتهى، نقله "5عنه وكذا الشِّيرَازِيِّ5" فِي الْمُنْتَخَبِ.
أَحَدُهُمَا: يُشَارِكُونَهُمْ، اخْتَرْتُهُ فِي التَّصْحِيحِ الْكَبِيرِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا دِيَةَ عَلَيْهِمْ، وهو ظاهر كلام جماعة من الأصحاب.
__________
1 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
2 في "ط": "وعنه".
3-3 في "ر": "أب وأم"، وفي "ط": "أو أم".
4 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
5-5 في "ط": "عند ولد الشيرازي".(9/379)
وَفِي الرَّوْضَةِ: لَا تُقْتَلُ أُمٌّ بِوَلَدٍ1 وَالْأَصَحُّ: وَجَدَّةٌ.
وَفِي الِانْتِصَارِ: لَا يَجُوزُ لِلِابْنِ قَتْلُ أَبِيهِ بِرِدَّةٍ وَكُفْرٍ بِدَارِ حَرْبٍ، وَلَا رَجْمُهُ بِزِنًا وَلَوْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِرَجْمٍ، وَعَنْهُ: لَا قَوَدَ بِقَتْلٍ فِي دَارِ حَرْبٍ، فَتَجِبُ دِيَةٌ إلَّا لِغَيْرِ مُهَاجِرٍ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ فِيمَنْ أُرِيدَ قَتْلُهُ قَوَدًا؟ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا الْقَاتِلُ لَا هَذَا: أَنَّهُ لَا قَوَدَ وَالدِّيَةُ عَلَى الْمُقِرِّ لِقَوْلِ عَلِيٍّ أَحْيَا نَفْسًا، ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ، وَحَمَلَهُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ صَدَّقَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا قَاتِلَ لَهُ2 سِوَى الْأَوَّلِ، وَلَزِمَتْهُ الدِّيَةُ لِصِحَّةِ بَذْلِهَا مِنْهُ، وَذَكَرَ فِي الْقَسَامَةِ3: لَوْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِقَتْلٍ فَأَقَرَّ بِهِ غَيْرُهُ فَذَكَرَ رِوَايَةَ حَنْبَلٍ، وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ بَعْدَ الْأَوَّلِ قُتِلَ الْأَوَّلُ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَمُصَادَفَتِهِ4 الدَّعْوَى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
2 لم نقف عليه، وسيذكره المصنف في الصفحة اللاحقة قول عمر، وتأتي القصة في الحاشية بتمامها.
3 12/233.
4 في "ط": "مصادفته".(9/380)
وَفِي الْمُغْنِي1 فِي الْقَسَامَةِ لَا يَلْزَمُ الْمُقِرَّ الثَّانِيَ شَيْءٌ، فَإِنْ صَدَّقَهُ الْوَلِيُّ بَطَلَتْ دَعْوَاهُ الْأُولَى، ثُمَّ هَلْ لَهُ طَلَبُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمَنْصُوصَ وَهُوَ رِوَايَةُ حَنْبَلٍ، وَأَنَّهُ أَصَحُّ، لِقَوْلِ عُمَرَ: أَحْيَا نَفْسًا. وَذَكَرَ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ رِوَايَةَ حَنْبَلٍ ثُمَّ رِوَايَةَ مُهَنَّا: ادَّعَى على رجل أنه قَتَلَ أَخَاهُ فَقَدَّمَهُ إلَى السُّلْطَانِ فَقَالَ: إنَّمَا قَتَلَهُ فُلَانٌ، فَقَالَ فُلَانٌ: صَدَقَ أَنَا2 قَتَلْتُهُ، فَإِنَّ هَذَا الْمُقِرَّ بِالْقَتْلِ يُؤْخَذُ بِهِ، قُلْت أَلَيْسَ قَدْ ادَّعَى عَلَى الْأَوَّلِ؟ قَالَ: إنَّمَا هَذَا بِالظَّنِّ، فَأَعَدْت عَلَيْهِ فَقَالَ: يُؤْخَذُ الَّذِي3 أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَهُ.
وَمَتَى وَرِثَ الْقَاتِلُ أَوْ وَلَدُهُ بَعْضَ دَمِهِ فَلَا قَوَدَ، فَلَوْ قَتَلَ امْرَأَتَهُ فَوَرِثَهَا أَوْ وَلَدُهُمَا، أَوْ قَتَلَ أَخَاهَا فَوَرِثَتْهُ ثُمَّ مَاتَتْ فَوَرِثَهَا هُوَ أَوْ وَلَدُهُ، سَقَطَ، وَعَنْهُ: لَا يَسْقُطُ بِإِرْثِ الْوَلَدِ، اخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ، وَإِنْ قَتَلَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ أَبِيهِ وَالْآخَرُ أُمَّهُ وَهِيَ فِي زَوْجِيَّةِ الْأَبِ فَلَا قَوَدَ عَلَى قَاتِلِ أَبِيهِ، لِإِرْثِهِ4 ثَمَنَ أُمِّهِ، وَعَلَيْهِ سَبْعَةُ أَثْمَانِ دِيَتِهِ لِأَخِيهِ، وَلَهُ قَتْلُهُ، وَإِنْ كانت بائنا فالقود عليهما. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ لِقَوْلِ عُمَرَ: أَحْيَا نَفْسًا انْتَهَى. صَوَابُهُ لِقَوْلِهِ لِعُمَرَ، بِزِيَادَةِ لَامٍ فِي أَوَّلِهِ، يَعْنِي لِقَوْلِ عَلِيٍّ لِعُمَرَ: أَحْيَا نَفْسًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَرْبَعَةِ سُطُورٍ أَوْ أَكْثَرَ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ ذَلِكَ لِعُمَرَ، وَقَدْ ذَكَرَ الْقِصَّةَ فِي الطُّرُقِ الْحِكْمِيَّةِ لِابْنِ الْقَيِّمِ وَغَيْرِهِ. فَهَذِهِ ثَمَانُ مَسَائِلَ فِي هذا الباب.
__________
1 12/201.
2 في "ط": "أنه".
3 في "ط": "التي".
4 في "ط": "ولإرثه".(9/381)
باب القود فيما دون النفس
مدخل
...
باب القود فيما دون النفس
مَنْ أُخِذَ بِغَيْرِهِ فِي النَّفْسِ أُخِذَ بِهِ فِيمَا دُونَهَا، وَمَنْ لَا فَلَا، وَعَنْهُ: لَا قَوَدَ بَيْنَ عَبِيدٍ، "1نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَمُهَنَّا1" وَعَنْهُ: دُونَ النَّفْسِ، وَعَنْهُ: فِي النَّفْسِ وَالطَّرَفِ حَتَّى تَسْتَوِيَ الْقِيمَةُ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ.
"2قَالَ حَرْبٌ2" فِي الطَّرْفِ: كَأَنَّهُ مَالٌ إذَا اسْتَوَتْ الْقِيمَةُ. وَيُشْتَرَطُ الْعَمْدُ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى: أَوْ شَبَهُهُ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي رِوَايَةً، وَالْمُسَاوَاةُ فِي الْمَوْضِعِ وَالِاسْمِ وَالصِّحَّةِ وَالْكَمَالِ: فَيُؤْخَذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عَيْنٍ وَأَنْفٍ وَأُذُنٍ مَثْقُوبَةٍ أَوْ لَا، وَسِنٍّ رَبَطَهَا بِذَهَبٍ أَوْ لَا، وَشَفَةٍ وَجَفْنٍ وَيَدٍ وَرِجْلٍ قَوِيَ بَطْشُهَا أَوْ ضَعُفَ، وَأُصْبُعٍ وَكَفٍّ وَمَرْفِقٍ وَخُصْيَةٍ، وَذَكَرٍ بِمِثْلِهِ، وَمَخْتُونٍ كَأَقْلَفَ وَفِيهِ فِي أَلْيَةٍ وَشَفْرٍ وَجْهَانِ م 1 و 2
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 1 و 2: قَوْلُهُ: وَفِيهِ فِي أَلْيَةٍ وَشَفْرٍ وَجْهَانِ، انْتَهَى. ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 1: هَلْ يَجْرِي الْقِصَاصُ فِي الْأَلْيَةِ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُغْنِي3 وَالْمُقْنِعِ4 وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ ابن منجا والحاوي الصغير وغيرهما:
أَحَدُهُمَا: يَجْرِي الْقِصَاصُ فِيهَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَبِهِ قَطَعَ
__________
1-1 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
2-2 في "ر": "فإن جرت".
3 11/547.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/243.(9/382)
ولا تؤخذ يمين بِيَسَارٍ، وَيَسَارٌ بِيَمِينٍ وَمَا عَلَا مِنْ أُنْمُلَةٍ وَشَفَةٍ وَجَفْنٍ بِمَا سَفَلَ. وَخِنْصَرٍ بِبِنْصِرٍ، أَوْ سِنٍّ بِسِنٍّ مُخَالِفَةٍ فِي الْمَوْضِعِ، وَأَصْلِيٍّ بِزَائِدٍ وَعَكْسِهِ، بَلْ زَائِدٍ بِمِثْلِهِ مَوْضِعًا وَخِلْقَةً وَلَوْ تَفَاوَتَا قَدْرًا، وَلَا كَامِلَةُ الْأَصَابِعِ أَوْ الْأَظْفَارُ بِنَاقِصَةٍ، رَضِيَ الْجَانِي أَوْ لَا، بَلْ مَعَ أَظْفَارٍ مَعِيبَةٍ، وَقِيلَ: وَلَا بِزَائِدَةٍ أُصْبُعًا، فَإِنْ ذَهَبَتْ فَلَهُ، وَقِيلَ: وَلَا زَائِدَةٌ بِمِثْلِهَا، وَلَا عَيْنٌ صَحِيحَةٌ بِقَائِمَةٍ1، وَلِسَانٌ نَاطِقٌ بِأَخْرَسَ، وَلَا صَحِيحٌ بِأَشَلَّ مِنْ يَدٍ وَرِجْلٍ وَأُصْبُعٍ وَذَكَرٍ وَلَوْ شُلَّ أَوْ بِبَعْضِهِ شَلَلٌ كَأُنْمُلَةِ يَدٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
فِي الْكَافِي2 وَالْوَجِيزِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجْرِي فِيهَا قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 2: هَلْ يَجْرِي الْقِصَاصُ فِي الشَّفْرِ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي3 وَالْكَافِي4 وَالْمُقْنِعِ5 وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ منجا وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ:
أَحَدُهُمَا: يَجْرِي الْقِصَاصُ فِيهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، واختاره أبو الخطاب وغيره.
__________
1 أي: العين التي ذهب بصرها وضوؤها ولم تنخسف، بل الحدقة على حالها.
2 5/160.
3 11/546.
4 5/161.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/243.(9/383)
وَفِيهِ مِنْ أَنْفٍ وَأُذُنٍ، وَأُذُنٍ سَمِيعَةٍ بِصَمَّاءَ، وَأَنْفٍ شَامٍّ بِضِدِّهِ، وَتَامٍّ مِنْهُمَا بِمَخْرُومٍ1 م 3 وَفِي التَّرْغِيبِ: وَلِسَانٍ صَحِيحٍ بِأَخْرَسَ وَجْهَانِ، وَلَا ذَكَرُ فَحْلٍ بِذَكَرِ خَصِيٍّ وَعِنِّينٍ، وَعَنْهُ: بَلَى، وعنه: بذكر عنين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجْرِي فِيهِ الْقِصَاصُ.
قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: فَلَا قِصَاصَ فِيهِ، فِي الْأَظْهَرِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.
مَسْأَلَةٌ 3: قَوْلُهُ: وَفِيهِ مِنْ أَنْفٍ وَأُذُنٍ - يَعْنِي صَحِيحَيْنِ بِأَشَلَّيْنِ - وَأُذُنٍ سَمِيعَةٍ بِصَمَّاءَ، وَأَنْفٍ شَامٍّ بِضِدِّهِ، وَتَامٍّ بِمَخْرُومٍ وَجْهَانِ، انْتَهَى. ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ صَحِيحٌ بِأَشَلَّ مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ أُصْبُعٍ أَوْ ذَكَرٍ، فَأَمَّا أَخْذُ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ الصَّحِيحَيْنِ بِالْأَشَلَّيْنِ فَأُطْلِقَ فِيهِ الْخِلَافُ، وَكَذَا أُطْلِقَ الْخِلَافُ في أخذ الأذن السميعة بالصماء، والأنف الشام بضده، وهو الأنف الأخشم2، وَأَخْذِ التَّامِّ مِنْهُمَا بِالْمَخْرُومِ3، فَهَذِهِ خَمْسُ مَسَائِلَ أُطْلِقَ فِيهَا الْخِلَافُ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُقْنِعِ4 وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: فَأَمَّا الْأَنْفُ الْأَشَمُّ بالأخشم أو الصحيح بالمخروم أو بالمستخسف5 فلا
__________
1 في "ط"::بمخزوم. والمخزوم: المثقوب. "المصباح": "خزم".
2 في "ط": "الأخشم" والأخشم: الذي لا يجد ريح شيء، وهو في الأنف بمنزلة الصمم في الأذن، "المطلع" ص362.
3 في "ط": "بالمخروم".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/249.
5 في "ص": "بالمستخشف". وفي "ط": "بالمستخسف"، واستحشفت الأذن يبست، والأنف يبس غضروفها "المصباح": "خشف".(9/384)
وَلَوْ قَطَعَ صَحِيحٌ مِنْ مَقْطُوعِ الْأُنْمُلَةِ الْعُلْيَا أنملته الوسطى فله أخذ دية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
يُعْرَفُ فِيهِ رِوَايَةٌ، فَيُحْتَمَلُ الْقِصَاصُ وَعَدَمُهُ، انْتَهَى. وَتَابَعَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَقَالَ: لَا يُعْرَفُ فِيهِ رِوَايَةٌ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: الْقِصَاصُ، وَعَدَمُهُ، فَنَسَبَهُ إلَى الْأَصْحَابِ، وَأَطْلَقَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ الْخِلَافَ فِي أَخْذِ الصَّحِيحَةِ بِالصَّمَّاءِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَنْهُ، وَعَنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْمُغْنِي1 وَالْكَافِي2 وَالْهَادِي وَالشَّرْحِ3. في أخذ الصحيح بالمستخشف4.
أَحَدُهُمَا: يُؤْخَذُ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ فِيمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُقْنِعِ5، وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي6 وَالْكَافِي7 وَالشَّرْحِ، وهو مقتضى كلام الخرقي، واختاره القاضي: بأخذ8 الْأُذُنَ الصَّحِيحَةَ وَالْأَنْفَ الشَّامَّ بِالْأُذُنِ الصَّمَّاءِ وَالْأَنْفِ الأخشم واختار القاضي "9والشيخ عدم أخذ الأذن الصحيحة والأنف الصحيح، بالأذن والأنف المخزومين. وَاخْتَارَ الْقَاضِي9" أَيْضًا أَخْذَ الْأُذُنِ الصَّحِيحَةِ بِالْأُذُنِ الشَّلَّاءِ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَقَالَ الْقَاضِي: يُؤْخَذُ في الجميع إلا في المخزوم10 خاصة،
__________
1 11/542.
2 5/154.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/249.
4 في "ص": "بالمستخشف"، وفي ط "بالمستخسف".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/269.
6 11/543- 544.
7 5/153.
8 في "ط": "يأخذ".
9-9 ليست في "ط".
10 في "ط": "المخروم".(9/385)
أُنْمُلَتِهِ وَالصَّبْرُ حَتَّى تَذْهَبَ الْعُلْيَا بِقَوَدٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَيَقْتَصُّ، وَلَا أَرْشَ لَهُ الْآنَ لِلْحَيْلُولَةِ بِخِلَافِ غَصْبِ مَالٍ لِسَدِّ مَالٍ مَسَدَّ مَالٍ.
وَيُؤْخَذُ الْمَعِيبُ مِمَّا تَقَدَّمَ بِمِثْلِهِ وَبِصَحِيحٍ بِلَا أَرْشٍ، وَقِيلَ: بَلْ مَعَهُ، وَقِيلَ لِنَقْصِ الْقَدْرِ، كَأُصْبُعٍ، لَا الصِّفَةُ كَشَلَلٍ، وَقِيلَ: الشَّلَلُ مَوْتٌ، وذكر في الفنون أنه سَمِعَهُ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْبُلْهِ الْمُدَّعِينَ لِلْفِقْهِ قَالَ: وَهُوَ بَعِيدٌ، وَإِلَّا لَأَنْتَنَ وَاسْتَحَالَ كَالْحَيَوَانِ. وَفِي الْوَاضِحِ: إنْ ثَبَتَ1 فَلَا قَوَدَ فِي مَيِّتٍ.
وَإِنْ ادَّعَى الْجَانِي نَقْصَ الْعُضْوِ قُبِلَ قَوْلُ الْمُنْكِرِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: إنْ اتَّفَقَا عَلَى تَقَدُّمِ صِحَّتِهِ، وَقِيلَ: قَوْلُ الْجَانِي، وَاخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ2 عَكْسَهُ فِي أَعْضَاءٍ بَاطِنَةٍ، لِتَعَذُّرِ الْبَيِّنَةِ.
وَيُشْتَرَطُ لِجَوَازِ اسْتِيفَاءٍ لَا لِوُجُوبِهِ أَمْنُ الْحَيْفِ، فَيُقَادُ فِي جِنَايَةٍ مِنْ مَفْصِلٍ أَوْ لَهَا حَدٌّ يَنْتَهِي إلَيْهِ، كَمَارِنِ الْأَنْفِ، وَهُوَ ما لان منه، وفي جرح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وقطع في المقنع3 بعدم4 الْأَخْذِ فِي الصَّحِيحَةِ بِالشَّلَّاءِ مِنْ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ5.
__________
1 في "ر": "نبت".
2 في "ر": "المستوعب".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/264.
4 في "ط": "بعد".
5 وهذا الوجه الثاني، ولم يأت به على طريقته. ينظر: "المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/270".(9/386)
يَنْتَهِي إلَى عَظْمٍ خَاصَّةً، كَمُوضِحَةٍ، لَا فِيمَا دُونَ مُوضِحَةٍ، وَبَعْضِ كُوعٍ، لِبُعْدِ الضَّبْطِ، قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: وَشَعْرٍ، وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد: الْمُوضِحَةُ يُقْتَصُّ مِنْهَا؟ قَالَ: الْمُوضِحَةُ كَيْفَ يُحِيطُ بِهَا "1وَجُرْحُ قَدَمٍ وَسَاقٍ وَفَخْذٍ وَعَضُدٍ وَسَاعِدٍ1"، وَيَتَعَيَّنُ جَانِبُهَا. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَيْسَ فِي عَظْمٍ قِصَاصٌ، لِأَنَّ الرَّجُلَ لَمَّا ضَرَبَ بِالسَّيْفِ عَلَى سَاعِدِ هَذَا فَقَطَعَهُ فَأَمَرَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدِّيَةِ، لَمْ يَجْعَلْ لَهُ الْقِصَاصَ2، قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أنه لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1-1 ليست في الأصل.
2 أخرج ابن ماجه 2636، عن نمران بن جارية، عن أبيه: أن رجلا ضرب رجلا على ساعده بالسيف فقطعها من غير مفصل، فاستعدى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر له بالدية، فقال: يا رسول الله؛ إني أريد القصاص، فقال: "خذ الدية، بارك الله لك فيها".(9/387)
قِصَاصَ مِنْ غَيْرِ مَفْصِلٍ وَلَا فِي عَظْمٍ، لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا قَدْرُهُ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا يُقْتَصُّ مِنْ جَائِفَةٍ وَلَا مَأْمُومَةٍ، لِأَنَّهُ يَصِلُ إلَى الدِّمَاغِ، وَلَا مِنْ كَسْرِ فَخْذٍ وَسَاقٍ وَيَدٍ، لِأَنَّ فِيهِ مُخًّا. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ وَالشَّالَنْجِيُّ: الْقَوَدُ فِي اللَّطْمَةِ وَنَحْوِهَا، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: الشَّعْبِيُّ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ قَالُوا: مَا أَصَابَ بِسَوْطٍ أَوْ عَصًا وَكَانَ دُونَ النَّفْسِ فَفِيهِ القصاص1، قال2: وكذلك أرى. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا قِصَاصَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا فِي أَدَبٍ يُؤَدِّبُهَا، فَإِذَا اعْتَدَى أَوْ جَرَحَ أَوْ كَسَرَ يُقْتَصُّ لَهَا مِنْهُ وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إذَا قَتَلَهُ بِعَصًا أَوْ خَنَقَهُ أَوْ شَدَخَ رَأْسَهُ بِحَجَرٍ، يُقْتَلُ بِمِثْلِ الَّذِي قَتَلَ بِهِ، لِأَنَّ الْجُرُوحَ قِصَاصٌ. وَنَقَلَ أَيْضًا: كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْجِرَاحِ وَالْكَسْرِ يُقَدَّرُ عَلَى الْقِصَاصِ يُقْتَصُّ مِنْهُ، لِلْأَخْبَارِ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا وَأَنَّهُ ثَبَتَ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُمْ وَجَزَمَ بِهِ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَدَدْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ، فَأَشَارَ أَنْ لَا تَلُدُّونِي قُلْنَا: كَرَاهِيَةُ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: "أَلَمْ أَنْهَكُمْ أَنْ تَلُدُّونِي؟ " قُلْنَا: كَرَاهِيَةُ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ: "لَا يَبْقَى فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ إلَّا لَدَّ وَأَنَا أَنْظُرُ إلَّا الْعَبَّاسَ فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ3. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ: اللَّدُودُ مَا يَسْقِي الْإِنْسَانَ فِي أَحَدِ شِقَّيْ الْفَمِ، أَخْذًا مِنْ لديد الوادي، وهما جانباه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 9/218.
2 يعني: أحمد.
3 البخاري 4458، مسلم 2213، 85.(9/388)
وَالْوَجُورُ بِالْفَتْحِ فِي وَسَطِ الْفَمِ، وَالسَّعُوطُ: مَا أُدْخِلَ مِنْ أَنْفِهِ، وَاللَّدُودُ بِالْفَتْحِ: هُوَ الدَّوَاءُ الَّذِي يُلَدُّ بِهِ. قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: فِيهِ أَنَّ الْإِشَارَةَ الْمُفْهِمَةَ كَصَرِيحِ الْعِبَارَةِ فِي نَحْوِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتَعْزِيرِ الْمُتَعَدِّي بِنَحْوِ فِعْلِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.(9/389)
فَصْلٌ وَيُعْتَبَرُ قَوَدُ الْجُرْحِ بِالْمِسَاحَةِ دُونَ كَثَافَةِ اللحم
...
فَصْلٌ وَيُعْتَبَرُ قَوَدُ الْجُرْحِ بِالْمِسَاحَةِ دُونَ كَثَافَةِ لَحْمٍ،
فَمَنْ أُوضِحَ بَعْضُ رَأْسِهِ وَهُوَ كَرَأْسِ الْجَانِي أَوْ أَكْثَرَ أَوْضَحَهُ فِي كُلِّهِ، وَفِي أَرْشٍ زَائِدٍ وَجْهَانِ م 4 وَفِي الْمُوجَزِ: فِيهِ وَفِي نَقْصِ أُصْبُعٍ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ أُوضِحَ كُلُّهُ وَرَأْسُ الْجَانِي أَكْبَرُ فَلَهُ قَدْرُ شَجَّتِهِ مِنْ أي الجانبين شاء، وقيل: ومنهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 4 قَوْلُهُ: وَيُعْتَبَرُ قَوَدُ الْجُرْحِ بِالْمِسَاحَةِ دُونَ كَثَافَةِ لَحْمٍ، فَمَنْ أُوضِحَ بَعْضُ رَأْسِهِ وَهُوَ كَرَأْسِ الْجَانِي أَوْ أَكْثَرَ أَوْضَحَهُ فِي كُلِّهِ، وَفِي أَرْشٍ1 زَائِدٍ وَجْهَانِ، انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُقْنِعِ2 وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ.
أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ أَرْشٌ لِلزَّائِدِ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ، قَالَ الْقَاضِي: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ: لَا يَلْزَمُهُ أَرْشٌ لِلزَّائِدِ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَهُ الْأَرْشُ لِلزَّائِدِ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ، قَالَهُ الشَّارِحُ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كلام جماعة.
__________
1 في النسخ الخطية: "رأس".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/289.(9/389)
وَإِنْ شَجَّهُ هَاشِمَةً أَوْ مُنَقِّلَةً أَوْ مَأْمُومَةً فَلَهُ قَوَدُ مُوضِحَةٍ وَفِي تَتِمَّةِ دِيَتِهَا وَجْهَانِ م 5.
وَإِنْ قُطِعَ قَصَبَةُ أَنْفِهِ أَوْ مِنْ نِصْفِ ذِرَاعٍ أَوْ سَاقٍ فَلَا قَوَدَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بَلَى مِنْ مَارِنٍ وَكُوعٍ وَكَعْبٍ، وَعَلَيْهِمَا فِي أَرْشِ الْبَاقِي وَلَوْ خَطَأً وَجْهَانِ م 6 وقيل في قطع الأصابع وجهان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 5 قَوْلُهُ: وَإِنْ شَجَّهُ هَاشِمَةً أَوْ مُنَقِّلَةً أَوْ مَأْمُومَةً فَلَهُ قَوَدُ مُوضِحَةٍ، وَفِي تَتِمَّةِ دِيَتِهَا وَجْهَانِ، انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَذْهَبِ والمقنع والمحرر والشرح1 وشرح ابن منجا وَغَيْرِهِمْ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَقَطَعَ بِهِ الْآدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ، وقدمه في الحاوي الصغير. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجِبُ لَهُ مَا بَيْنَ دِيَةِ مُوضِحَةٍ وَدِيَةِ تِلْكَ الشَّجَّةِ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.
مَسْأَلَةٌ 6 قَوْلُهُ: وَإِنْ قُطِعَ قَصَبَةُ أَنْفِهِ أَوْ مِنْ نِصْفِ ذِرَاعٍ أَوْ سَاقٍ فَلَا قَوَدَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بَلَى مِنْ مَارِنٍ وَكُوعٍ وَكَعْبٍ، وَعَلَيْهِمَا فِي أَرْشِ الْبَاقِي وَلَوْ خَطَأً وَجْهَانِ، انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي2 وَالْمُقْنِعِ3 وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ منجا وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ لَهُ أَرْشٌ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ: هَذَا أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الوجيز وغيره.
__________
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/288- 289.
2 11/544.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/245.(9/390)
وَلَا أَرْشَ لِكَفٍّ وَقَدَمٍ، وَعَلَى النَّصِّ: لَوْ قُطِعَ مِنْ كُوعٍ فَتَآكَلَتْ إلَى نِصْفِ الذِّرَاعِ فَفِي الْقَوَدِ وَجْهَانِ م 7.
وَمَنْ قُطِعَ مِنْ مَرْفِقِهِ مُنِعَ الْقَوَدَ مِنْ الْكُوعِ، وَفِيهِ إنْ قطع من عضده وجهان م 8.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَهُ الْأَرْشُ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَقَدَّمَ فِي الْمُغْنِي1 أَنَّ فِي قَصَبَةِ الْأَنْفِ حُكُومَةً مَعَ الْقِصَاصِ، وَقَالَ فِيمَنْ قَطَعَ نِصْفَ الذِّرَاعِ: لَيْسَ لَهُ الْقَطْعُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَلَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ وَحُكُومَةٌ فِي الْمَقْطُوعِ مِنْ الذِّرَاعِ، وَهَلْ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ مِنْ الْكُوعِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَمَنْ جَوَّزَ لَهُ الْقَطْعَ مِنْ الْكُوعِ فَعَنْهُ2 فِي وُجُوبِ الْحُكُومَةِ لِمَا قُطِعَ مِنْ الذِّرَاعِ وَجْهَانِ، انْتَهَى.
مَسْأَلَةٌ 7 قَوْلُهُ: وَلَا أَرْشَ لِكَفٍّ وَقَدَمٍ، وَعَلَى النَّصِّ: لَوْ قُطِعَ مِنْ كُوعٍ فَتَآكَلَتْ إلَى نِصْفِ الذِّرَاعِ فَفِي الْقَوَدِ وَجْهَانِ، انْتَهَى.
أَحَدُهُمَا: لَا قَوَدَ أَيْضًا، اعْتِبَارًا بِالِاسْتِقْرَارِ، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرعايتين وصححه الناظم.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقْتَصُّ هُنَا مِنْ الْكُوعِ، اخْتَارَهُ فِي الْمُحَرَّرِ.
مَسْأَلَةٌ 8 قَوْلُهُ: وَمَنْ قُطِعَ مِنْ مَرْفِقِهِ مُنِعَ3 الْقَوَدَ مِنْ الْكُوعِ، وَفِيهِ إنْ قُطِعَ مِنْ عَضُدِهِ وَجْهَانِ، انْتَهَى. حُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حُكْمُ مَا إذَا قُطِعَ مِنْ نِصْفِ الذِّرَاعِ أَوْ السَّاقِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ خِلَافًا وَمَذْهَبًا عِنْدَ الْأَصْحَابِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ، وقد
__________
1 11/544.
2 في "ح": "فعنده".
3 في النسخ الخطية: "من"، والمثبت من "ط".(9/391)
وَلَهُ قَطْعُ عَضُدِهِ فَإِنْ خِيفَ جَائِفَةٌ فَفِي مَرْفِقِهِ وَجْهَانِ م 9 وَمَتَى خَالَفَ وَاقْتُصَّ مَعَ خَشْيَةِ الْحَيْفِ أَوْ مِنْ مَأْمُومَةٍ أَوْ وَجَائِفَةٍ أو نصف ذراع ونحوه أجزأ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْ ذَلِكَ.
مَسْأَلَةٌ 9 قَوْلُهُ: وَلَهُ1 قَطْعُ عَضُدِهِ، فَإِنْ خِيفَ جَائِفَةٌ فَفِي مَرْفِقِهِ وَجْهَانِ، انْتَهَى. يَعْنِي فَفِي جَوَازِ الْقَطْعِ مِنْ مَرْفِقِهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي2 وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ3 وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ:
أَحَدُهُمَا: لَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ في النظم، وقدمه في الرعايتين.
__________
1 في النسخ الخطية: "ولو"، والمثبت من "ط".
2 11/539.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/242.(9/392)
وإن أوضحه فأذهب بصره أو سمعه أو شَمَّهُ أَوْضَحَهُ1، فَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ ذَلِكَ فَقِيلَ: يَلْزَمُهُ دِيَتُهُ، وَالْأَشْهَرُ: يَسْتَعْمِلُ مَا يُذْهِبُهُ م 10 فإن خيف على العضو فالدية، وكذا الْوَجْهَانِ إنْ أَذْهَبَهُ بِلَطْمَةٍ وَنَحْوِهَا، وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَ أُذُنِهِ أَوْ مَارِنِهِ أَوْ شَفَتِهِ أَوْ لِسَانِهِ أَوْ حَشَفَتِهِ أَوْ سِنِّهِ أُقَيِّدُ مِنْهُ بِقَدْرِهِ بِنِسْبَةِ الْأَجْزَاءِ، كَثُلُثٍ وَرُبُعٍ، وَقِيلَ: لَا قود ببعض لسان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.
مَسْأَلَةٌ 10 قَوْلُهُ: وإن أوضحه فأذهب بصره أو سمعه أو شَمَّهُ أَوْضَحَهُ بِقَدْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ ذَلِكَ فَقِيلَ: يَلْزَمُهُ دِيَتُهُ، وَالْأَشْهَرُ: يَسْتَعْمِلُ مَا يُذْهِبُهُ، انتهى. الأشهر هو الصحيح من المذهب، وعليه الْأَكْثَرُ، وَإِنَّمَا أَتَى بِهَذِهِ الصِّيغَةِ لِقُوَّةِ الْقَوْلِ بلزوم الدية.
__________
1 الضمير عائد على الجاني، يعني: أوضح المجني عليه الجاني.(9/393)
فَصْلٌ وَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ لِمَا رُجِيَ عوده من عين أو منفعة
...
فَصْلٌ لَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ لِمَا رُجِيَ عَوْدُهُ مِنْ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ
فِي مُدَّةٍ يقولها أهل(9/393)
الْخِبْرَةِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ فِي سِنٍّ كَبِيرٍ وَنَحْوِهَا الْقَوَدَ فِي الْحَالِ، فَإِنْ مَاتَ فِي الْمُدَّةِ فَلِوَلِيِّهِ دِيَةُ سِنٍّ وَظُفْرٍ، وَقِيلَ: هَدَرٌ، كَنَبْتِ شَيْءٍ فِيهِ، قَالَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ، وَلَهُ فِي غَيْرِهِمَا الدِّيَةُ، وَفِي الْقَوَدِ وَجْهَانِ م 11 وَمَتَى عَادَ ذَلِكَ نَاقِصًا فَحُكُومَةٌ، وَإِلَّا لَمْ يَضْمَنْ، فَإِنْ كَانَ أُقَيِّدُ أَوْ1 أُخِذَتْ مِنْهُ الدِّيَةُ رُدَّتْ، وَلَا زَكَاةَ، كَمَالٍ ضَالٍّ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي. ثُمَّ إنْ عَادَ طَرَفُ جَانٍّ رَدَّ مَا أَخَذَ. وَفِي الْمُذْهَبِ فِيمَنْ قَلَعَ سِنَّ كَبِيرٍ ثُمَّ نَبَتَتْ: لَمْ يَرُدَّ مَا أَخَذَ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ.
وَمَنْ قُطِعَ طَرَفُهُ فَرَدَّهُ فَالْتَحَمَ فَحَقُّهُ بِحَالِهِ، وَيُبَيِّنُهُ إنْ قِيلَ بِنَجَاسَتِهِ وَإِلَّا فَلَهُ أَرْشُ نَقْصِهِ خَاصَّةً، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي بَقَاءَ حَقِّهِ، ثُمَّ إنْ أَبَانَهُ أَجْنَبِيٌّ وَقِيلَ بِطَهَارَتِهِ فَفِي دِيَتِهِ وَجْهَانِ م 12.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 11 قَوْلُهُ: وَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ لِمَا رُجِيَ عَوْدُهُ مِنْ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ فِي مُدَّةٍ يَقُولُهَا أَهْلُ الْخِبْرَةِ. فَإِنْ مَاتَ فِي الْمُدَّةِ فَلِوَلِيِّهِ دِيَةُ سِنٍّ وَظُفْرٍ. وَلَهُ فِي غَيْرِهِمَا الدِّيَةُ، وَفِي الْقَوَدِ وَجْهَانِ، انْتَهَى.
أَحَدُهُمَا: لَهُ الْقَوَدُ حَيْثُ يُشْرَعُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَطَعَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ له القود وهو قوي.
مَسْأَلَةٌ 12 قَوْلُهُ: وَمَنْ قُطِعَ طَرَفُهُ فَرَدَّهُ فَالْتَحَمَ فَحَقُّهُ بِحَالِهِ، وَيُبَيِّنُهُ إنْ قِيلَ بِنَجَاسَتِهِ، وَإِلَّا فَلَهُ أَرْشُ نَقْصِهِ خَاصَّةً، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي بَقَاءَ حَقِّهِ، ثُمَّ إنْ أَبَانَهُ أَجْنَبِيٌّ وقيل بطهارته ففي ديته وجهان، انتهى.
__________
1 في "ر": "و".(9/394)
وإن أبان سنا1 وضع محله والتحم ففي الْحُكُومَةِ وَجْهَانِ م 13 وَلَوْ رَدَّ الْمُلْتَحِمُ الْجَانِي أُقَيِّدُ ثَانِيَةً فِي الْمَنْصُوصِ، وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ فِي عَدَمِ عَوْدِهِ وَالْتِحَامِهِ.
وَفِي الْمُنْتَخَبِ: إنْ ادعى اندماله وموته بغير جرحه وأمكن قبل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
قُلْت: الصَّوَابُ وُجُوبُ حُكُومَةٍ لَا دِيَتِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ كَالْأَصْلِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ فِي الْمُغْنِي2 وَالشَّرْحِ3: وَإِنْ قَلَعَهَا قَالِعٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَجَبَتْ دِيَتُهَا، ذَكَرَهُ فِي السِّنِّ، وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي يَنْبَنِي حُكْمُهَا عَلَى وُجُوبِ قَلْعِهَا، فَإِنْ وَجَبَ فَلَا شَيْءَ، وَإِلَّا اُحْتُمِلَ أَنْ يُؤْخَذَ بِدِيَتِهَا، وَاحْتُمِلَ أَنْ لَا يُؤْخَذَ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ أَعَادَ السِّنَّ فَنَبَتَ ثُمَّ قَلَعَهُ آخَرُ غَرِمَ دِيَتَهَا وَقِيلَ عَلَى الْأَوَّلِ الدِّيَةُ، انْتَهَى.
مَسْأَلَةٌ 13 قَوْلُهُ: وَإِنْ أَبَانَ سِنًّا وَضَعَ مَحَلَّهُ وَالْتَحَمَ فَفِي الْحُكُومَةِ وَجْهَانِ، انْتَهَى. وَأَطْلَقَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ احْتِمَالَيْنِ، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي4 وَالشَّرْحِ5: فَأَمَّا إنْ جَعَلَ مَكَانَهَا سِنًّا أُخْرَى أَوْ سِنَّ حَيَوَانٍ أَوْ عَظْمًا فَنَبَتَ6 وَجَبَتْ دِيَتُهَا وَجْهًا وَاحِدًا، وَإِنْ قُلِعَتْ هَذِهِ الثَّانِيَةُ لَمْ تَجِبْ دِيَتُهَا، لَكِنْ تَجِبُ حُكُومَةٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ، انْتَهَى. فَقَدَّمَا وُجُوبَ الْحُكُومَةِ.
تَنْبِيهٌ: الِاحْتِمَالَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ مِنْ تَتِمَّةِ مَسَائِلَ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَقَدَّمَ فِيهَا حُكْمًا، وَلَيْسَتَا مِنْ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ، فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ.
__________
1 في النسخ الخطية: "شيئا".
2 12/136.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/543.
4 12/136- 137.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/543- 544.
6 ليست في "ط".(9/395)
وَسِرَايَةُ الْجِنَايَةِ كَهِيَ فِي الْقَوَدِ وَالدِّيَةُ فِي النَّفْسِ وَدُونَهَا، فَلَوْ قَطَعَ أُصْبُعًا فَالْقَوَدُ، وَكَذَا إنْ تَآكَلَتْ أُخْرَى وَسَقَطَتْ، أَوْ الْيَدُ مِنْ الْكُوعِ، وَإِنْ شُلَّتَا بِفَتْحِ الشِّينِ وَضَمِّهَا لُغَةً فَأَرْشُهُمَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا قَوَدَ بِنَقْضِهِ بَعْدَ بُرْئِهِ.
وَسِرَايَةُ الْقَوَدِ هَدَرٌ، لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لَهُ، بِخِلَافِ قَسَمِ الْخَطَإِ، وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِمَسْأَلَةِ: اُقْتُلْنِي أَوْ اجْرَحْنِي، مَعَ تَحْرِيمِ الْإِذْنِ وَالْقَطْعِ، فَهُنَا أَوْلَى. فَإِنْ اقْتَصَّ قَهْرًا مَعَ حُرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ بِآلَةٍ كَالَّةٍ أَوْ مَسْمُومَةٍ وَنَحْوِهِ لَزِمَهُ بَقِيَّةُ الدِّيَةِ، وَعِنْدَ الْقَاضِي: نِصْفُهَا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: مَنْ لَهُ قَوَدٌ فِي نَفْسٍ وَطَرَفٍ فَقُطِعَ صَرْفُهُ فَسَرَى أَوْ صَالَ مَنْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فَدَفَعَهُ دَفْعًا جَائِزًا فَقَتَلَهُ هَلْ يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ؟ كَمَا يُجْزِئُ إطْعَامُ مُضْطَرٍّ مِنْ كَفَّارَةٍ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ بَذْلُهُ لَهُ وَكَذَا مَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا فَصَلَّى قَضَاءً وَنَوَى كَفَاهُ عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ. وَلَا دِيَةَ لِجُرْحٍ قَبْلَ بُرْئِهِ فَلْيَسْتَقِرَّ بِهِ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لَوْ قَطَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَدًا فَلَهُ أَخْذُ دِيَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْحَالِ قَبْلَ الِانْدِمَالِ وَبَعْدَهُ، لَا الْقَوَدُ قَبْلَهُ.
وَلَوْ زَادَ أَرْشُ جُرُوحٍ عَلَى الدِّيَةِ فَعَفَا عَنْ الْقَوَدِ عَلَى الدِّيَةِ وَأَحَبَّ أَخْذِ الْمَالِ قَبْلَ الِانْدِمَالِ فَقِيلَ: يَأْخُذُ دِيَةً، لِاحْتِمَالِ السِّرَايَةِ، وَقِيلَ: لَا، لِاحْتِمَالِ جُرُوحٍ تَطْرَأُ م 14. ويحرم الْقَوَدُ قَبْلَ بُرْئِهِ عَلَى الْأَصَحِّ فَإِنْ فَعَلَ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 14 قَوْلُهُ: وَلَوْ زَادَ أَرْشُ جُرْحٍ عَلَى الدِّيَةِ فَعَفَا عَنْ الْقَوَدِ إلَى الدِّيَةِ، وَأَحَبَّ أخذ المال قبل الاندمال فقيل: يأخذ دية، لِاحْتِمَالِ السِّرَايَةِ، وَقِيلَ: لَا، لِاحْتِمَالِ جُرُوحٍ تَطْرَأُ، انْتَهَى.
أَحَدُهُمَا: يَأْخُذُ دِيَةً، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَاحْتِمَالُ جروح تطرأ الأصل عدمها. والقول(9/396)
بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ سِرَايَةِ الْجِنَايَةِ، فَسِرَايَتُهَا1 بَعْدَ ذَلِكَ هَدَرٌ، قَالَ أَحْمَدُ لِأَنَّهُ قَدْ دَخَلَهُ الْعَفْوُ بِالْقِصَاصِ. وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِخَبَرٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2، وَبِأَنَّهُ تَعَجَّلَ حَقَّهُ، كَقَتْلِ مَوْرُوثِهِ.
وَإِنْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فَوَضَعُوا حَدِيدَةً عَلَى طَرَفِهِ وَتَحَامَلُوا عَلَيْهِ حَتَّى بَانَ فَالْقَوَدُ كَالنُّفُوسِ، وَفِي الِانْتِصَارِ: لَوْ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمْ لَا يَقْطَعُ يَدًا حَنِثَ، وَكَذَا قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ إنَّ كُلًّا مِنْهُمْ قَاطِعٌ لِجَمِيعِ الْيَدِ، سَلَّمْنَا، لَكِنْ تُقْطَعُ يَدُهُ، لِأَنَّهُ قَطَعَ بَعْضَهَا وَأَعَانَ عَلَى الْبَاقِي، أَوْ يُقْطَعُ بَعْضُهَا قَوَدًا وَالْبَاقِي مُؤْنَةٌ، ضَرُورَةَ اسْتِيفَاءِ الْوَاجِبِ، وَعَنْهُ: لَا قَوَدَ، كَمَا لَوْ تَمَيَّزَتْ أفعالهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الثَّانِي: لَا يَأْخُذُهَا، لِمَا عَلَّلَهَا بِهِ الْمُصَنِّفُ.
فَهَذِهِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي هَذَا الْبَابِ.
__________
1 في الأصل: "فسرايتهما".
2 في سننه 3/88، عن ابن عمرو أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته، فجاء إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يا رسول الله، أقدني. قال: "حتى تبرأ"، ثم جاء إليه فقال: أقدني. فأقاده. ثم جاء إليه فقال: يا رسول الله، عرجت. قال: "قد نهيتك فعصيتني فأبعدك الله وبطل عرجك". ثم نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه.(9/397)
باب استيفاء القود
مدخل
...
باب استيفاء القود
وله شروط:
أحدهما: كَوْنُ مُسْتَحِقِّهِ مُكَلَّفًا، فَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مجنونا حبس الجاني إلى البلوغ و1الْإِفَاقَةِ.
فَإِنْ كَانَا مُحْتَاجَيْنِ فَهَلْ لِلْوَلِيِّ الْعَفْوُ إلَى الدِّيَةِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَنَصُّهُ: يَعْفُو فِي مجنون لا صبي، وعنه: لأب- وعنه: ووصي، و2حاكم-
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 1 قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَا مُحْتَاجَيْنِ فَهَلْ لِلْوَلِيِّ الْعَفْوُ إلَى الدِّيَةِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَنَصُّهُ: يَعْفُو فِي مَجْنُونٍ لَا صَبِيٍّ، انْتَهَى. وَهُمَا احْتِمَالُ وَجْهَيْنِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُقْنِعِ3، وَأُطْلِقَ الْخِلَافُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي4 وَالْمُقْنِعِ والبلغة وشرح ابن منجا وَغَيْرِهِمْ.
إحْدَاهُمَا: لَهُ الْعَفْوُ، وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ وَالنَّاظِمُ وَصَاحِبُ تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ الْآدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، قَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْمَنْصُوصُ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ، وَلَعَلَّهُ الْمَذْهَبُ، وأطلقهن في المحرر.
__________
1 في "ط": "أو".
2 ليست في "ط".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/146.
4 11/594.(9/398)
اسيفاؤه لَهُمَا فِي نَفْسٍ وَدُونَهَا، فَيَعْفُو إلَى الدِّيَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَتَلَا قَاتِلَ أَبِيهِمَا أَوْ قطعا قاطعهما قهرا، وسقط حَقُّهُمَا، كَمَا لَوْ اقْتَصَّا مِمَّنْ لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ دِيَتَهُ، وَقِيلَ: لَا تَسْقُطُ وَلَهُمَا الدِّيَةُ، وَجِنَايَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَتِهِمَا، جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وعيون المسائل.
الشَّرْطُ الثَّانِي: اتِّفَاقُ الْمُشْتَرَكِينَ فِيهِ1 عَلَى اسْتِيفَائِهِ، وَيُنْتَظَرُ قُدُومُ غَائِبٍ وَبُلُوغٌ وَإِفَاقَةٌ، كَدِيَةٍ، وَكَعَبْدٍ مُشْتَرَكٍ، بِخِلَافِ مُحَارَبَةٍ، لِتَحَتُّمِهِ، وَحَدِّ قَذْفٍ لِوُجُوبِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَامِلًا، وَيُتَوَجَّهُ فِيهِ وَجْهٌ.
قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا: وَلَا يَلْزَمُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقْتَصُّ وَلَا يَنْتَظِرُ بُلُوغَ الصِّغَارِ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ لِغَيْرِ مُعَيَّنِينَ، وَلِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْإِمَامِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ لَا بِحُكْمِ الْأَدَبِ قَالَ الْأَصْحَابُ: وَإِنَّمَا قَتَلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ابْنَ مُلْجِمٍ حَدًّا لِكُفْرِهِ2، لِأَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ إبَاحَةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ كَافِرٌ، وَقِيلَ: لِسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَنْتَظِرْ الْحَسَنُ غَائِبًا مِنْ الْوَرَثَةِ، وَعَنْهُ: لِشَرِيكٍ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ الِانْفِرَادُ بِهِ، وَإِنْ مَاتَا فَوَارِثُهُمَا3 كَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي مُوسَى4: تَتَعَيَّنُ الدِّيَةُ، وَإِنْ انْفَرَدَ بِهِ مَنْ مَنَعْنَاهُ عُزِّرَ فَقَطْ، وَحَقُّ شُرَكَائِهِ فِي تَرِكَةِ الْجَانِي، وَيَأْخُذُ وَارِثُهُ مِنْ الْمُقْتَصِّ الزَّائِدَ عَنْ حَقِّهِ، وَقِيلَ: حَقُّ شُرَكَائِهِ عَلَيْهِ وَتَسْقُطُ عَنْ الجاني. وفي الواضح احتمال: يسقط
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
2 أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 8/58.
3 في "ط": "فوارثهما".
4 الإرشاد 457.(9/399)
حَقُّهُمْ، عَلَى رِوَايَةِ وُجُوبِ الْقَوَدِ عَيْنًا، وَيَسْقُطُ الْقَوَدُ بِعَفْوِ شَرِيكٍ عَنْهُ، وَبِشَهَادَتِهِ وَلَوْ مَعَ فِسْقِهِ بِعَفْوِهِ لِكَوْنِهِ أَقَرَّ بِأَنَّ نَصِيبَهُ سَقَطَ مِنْ الْقَوَدِ، وَحَقُّ الْبَاقِينَ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى الْجَانِي. وَفِي التَّبْصِرَةِ: إنْ عَفَا أَحَدُهُمْ فَلِلْبَقِيَّةِ الدِّيَةُ، وَهَلْ يَلْزَمُهُ حَقُّهُمْ مِنْ الدِّيَةِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ قَتَلُوهُ عَالِمِينَ بِالْعَفْوِ وَبِسُقُوطِ الْقَوَدِ بِهِ لَزِمَهُمْ الْقَوَدُ وَإِلَّا الدِّيَةُ، وَإِنْ قَتَلَهُ الْعَافِي قُتِلَ وَلَوْ ادَّعَى نِسْيَانَهُ أَوْ جَوَازَهُ.
وَيَسْتَحِقُّ كُلُّ وَاحِدٍ الْقَوَدَ بِقَدْرِ إرْثِهِ مِنْ مَالِهِ، وَعَنْهُ: يَخْتَصُّ الْعَصَبَةُ، ذَكَرَهَا ابْنُ الْبَنَّاءِ، وَخَرَّجَهَا شَيْخُنَا وَاخْتَارَهَا. وَهَلْ يَسْتَحِقُّهُ ابْتِدَاءً أَمْ ينتقل عن موروثه؟ فيه روايتان م 2.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 2 قَوْلُهُ: وَهَلْ يَسْتَحِقُّهُ ابْتِدَاءً أَوْ يَنْتَقِلُ عَنْ مَوْرُوثِهِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، انْتَهَى. يَعْنِي بِذَلِكَ الْقَوَدَ هَلْ يَسْتَحِقُّهُ الْوَارِثُ ابْتِدَاءً أَمْ يَنْتَقِلُ عَنْ مَوْرُوثِهِ؟ قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةَ عَشَرَةَ بَعْدَ الْمِائَةِ: حَكَى ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْإِقْنَاعِ رِوَايَتَيْنِ فِي الْقِصَاصِ، هَلْ هُوَ وَاجِبٌ لِلْوَارِثَةِ ابْتِدَاءً أَوْ مَوْرُوثٌ عَنْ الْمَيِّتِ؟ انْتَهَى. إحْدَاهُمَا: يَسْتَحِقُّهُ ابْتِدَاءً، لِأَنَّهُ حَدَثَ بَعْدَ الْمَوْتِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَنْتَقِلُ الِاسْتِحْقَاقُ إلَيْهِمْ عَنْ مَوْرُوثِهِمْ.
قُلْت: قَدْ حَكَى الْأَصْحَابُ رِوَايَتَيْنِ فِي دِيَةِ الْمَقْتُولِ، هَلْ حَدَثَتْ عَلَى مِلْكِ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ تَجِبُ بِالْمَوْتِ؟ أَوْ عَلَى مِلْكِ الْمَقْتُولِ لِأَنَّ سَبَبَهَا وُجِدَ فِي حَيَاتِهِ وَأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا حَدَثَتْ عَلَى مِلْكِ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الدِّيَةَ مِيرَاثٌ1، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ في الخلاصة وتصحيح المقنع2،
__________
1 أخرجه أحمد في "مسنده" 7091، عن ابن عمرو.
2 لعله: لمحمد بن أحمد بن محمود النابلسي المتوفى 805هـ. ينظر: "ذيل الدر المنضد" ص91.(9/400)
ومن لا وارث له فوليه الْإِمَامُ لَهُ الْقَوَدُ. وَفِي الِانْتِصَارِ مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ، وَكَذَا فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ، لِأَنَّ بِنَا حَاجَةً إلَى عِصْمَةِ الدِّمَاءِ، فَلَوْ لَمْ يُقْتَلْ لَقَتَلَ كُلُّ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، قَالَا: وَلَا رِوَايَةَ فِيهِ. وَفِي الْوَاضِحِ وَغَيْرِهِ وَجْهَانِ، كَوَالِدٍ لِوَلَدِهِ وَالْأَشْهَرُ وَالِدَيْهِ، وَقِيلَ: وَعَفْوُهُ مَجَّانًا.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يُؤْمِنَ فِي الِاسْتِيفَاءِ أَنْ يَتَعَدَّى الْجَانِي، فَلَوْ لَزِمَ الْقَوَدُ حَامِلًا أَوْ حَائِلًا فَحَمَلَتْ لَمْ تُقْتَلْ حَتَّى تَضَعَ وَتَسْقِيَهُ اللِّبَأَ، ثُمَّ إنْ وَجَدَ مُرْضِعَةً. وَفِي التَّرْغِيبِ: تُلْزَمُ بِرَضَاعِهِ بِأُجْرَةٍ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَحَتَّى تَفْطِمَهُ لِحَوْلَيْنِ وَفِي الْمُغْنِي1: لَهُ الْقَوَدُ إنْ سُقِيَ لَبَنُ شَاةٍ، وَتُقَادُ فِي طَرَفِهَا بِالْوَضْعِ. وَفِي الْمُغْنِي2: وَسَقْيِ اللِّبَأِ وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: وَيَفْرُغُ نِفَاسُهَا. وَفِي الْبُلْغَةِ: هِيَ فِيهِ كَمَرِيضٍ، وَأَنَّهُ إنْ تَأَثَّرَ لَبَنُهَا بِالْجَلْدِ وَلَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرُهُمْ، فَكَذَا يَكُونُ الْقَوَدُ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا: لَوْ عَفَا الْمَقْتُولُ عَنْ قَاتِلِهِ بَعْدَ الْجُرْحِ صَحَّ، وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ وَابْنُ منجا وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ: صَحَّ عَفْوُهُ عَنْهُ، لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، فَهُوَ كَمَالِهِ، انْتَهَى. إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَيَكُونُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْقَوَدَ انْتَقَلَ عَنْ الْمَقْتُولِ إلَى الْوَارِثِ كَالدِّيَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّ الدِّيَةَ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ، وَأَنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا بِصِحَّةِ عَفْوِ الْمَقْتُولِ عَنْ الْقَاتِلِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ تِلْكَ وَبَيْنَ هَذِهِ المسألة فرق مؤثر. والله أعلم.
__________
1 11/568.
2 11/567.(9/401)
مُرْضِعَ آخَرُ، وَالْحَدُّ فِي ذَلِكَ كَالْقَوَدِ. وَاسْتَحَبَّ الْقَاضِي تَأْخِيرَ الرَّجْمِ حَتَّى تَفْطِمَهُ.
وَقِيلَ: يَجِبُ. نَقَلَ الْجَمَاعَةُ: تُتْرَكُ حَتَّى تَفْطِمَهُ. وَلَا تُحْبَسُ لِحَدٍّ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ، بَلْ لِقَوَدٍ وَلَوْ مَعَ غَيْبَةِ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ، لَا فِي مَالِ غَائِبٍ.
فَإِنْ ادَّعَتْ حَمْلًا حُبِسَتْ حَتَّى يَبِينَ أَمْرُهَا، وَقِيلَ: "1يُقْبَلُ قَوْلُهَا1" بِامْرَأَةٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ فِي التَّرْغِيبِ: لَا قَوَدَ مِنْ مَنْكُوحَةٍ مُخَالِطَةٍ لِزَوْجِهَا، وَفِي حَالَةِ الظِّهَارِ احْتِمَالَانِ م 3.
وَيَضْمَنُ مقتص من حامل جنينها، واختار الشَّيْخُ إنْ عَلِمَهُ وَحْدَهُ، وَقِيلَ حَاكِمٌ مَكَّنَهُ إنْ عِلْمًا أَوْ جَهْلًا، وَإِلَّا مِنْ عِلْمٍ، وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُ إنْ حَدَثَ قَبْلَ الْوَضْعِ. وَفِي الْمُذْهَبِ فِي ضَمَانِهَا وَجْهَانِ.
وَيَحْرُمُ اسْتِيفَاءُ قَوَدٍ إلَّا بِحَضْرَةِ سُلْطَانٍ، وَفِي النَّفْسِ احْتِمَالٌ، وَاخْتَارَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 3 قَوْلُهُ: فَإِنْ ادَّعَتْ حَمْلًا حُبِسَتْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهَا، وَقِيلَ: تُقْبَلُ بِامْرَأَةٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ فِي التَّرْغِيبِ: لَا قَوَدَ مِنْ مَنْكُوحَةٍ مُخَالِطَةٍ لزوجها. وفي حالة الظهار احتمالان، انتهى.
قُلْت: الَّذِي يَقْوَى أَنَّهَا كَالْمَنْكُوحَةِ الْمُخَالِطَةِ لِزَوْجِهَا. والله أعلم.
__________
1-1 في النسخ الخطية: "تقتل"، والمثبت من "ط".(9/402)
شَيْخُنَا وَيَقَعُ الْمَوْقِعَ، وَلَهُ تَعْزِيرُهُ، وَفِي الْمُغْنِي1: يُعَزِّرُهُ. وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: لَا يُعَزِّرُهُ، لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ كَالْمَالِ، نَقَلَ صَالِحٌ وَابْنُ هَانِئٍ فِيمَنْ قَتَلَ رَجُلًا فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ فَعَدَا بَعْضُ وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ فَقَتَلَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْحَاكِمِ قَالَ: هَذَا قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ، مَا لِلْحَاكِمِ هُنَا؟ وَآلَةٍ مَاضِيَةٍ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَلِيُّهُ وَأَحْسَنُهُ بَاشَرَ أَوْ وَكَّلَ. وَقِيلَ: لَا يُبَاشِرُ فِي طَرَفٍ، وَقِيلَ: يُوَكِّلُ فِيهِمَا، كَجَهْلِهِ، فَإِنْ احْتَاجَ إلَى أُجْرَةٍ فَمِنْ الْجَانِي كَحَدٍّ، وَقِيلَ: مِنْهُ، وَإِنْ تَشَاحَّ جَمَاعَةٌ فِي مُبَاشَرَتِهِ أُقْرِعَ، وَقِيلَ: يُعَيِّنُ إمَامٌ.
فَإِنْ اقْتَصَّ جَانٍ مِنْ نَفْسِهِ فَفِي جَوَازِهِ برضا ولي وجهان، وصحح في الترغيب: لا يَقَعُ قَوَدًا. وَفِي الْبُلْغَةِ: يَقَعُ، وَقَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ م 4.
قَالَ: وَلَوْ أَقَامَ حَدَّ زِنًا أَوْ قَذْفٍ عَلَى نَفْسِهِ بِإِذْنٍ لم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 4 قَوْلُهُ: فَإِنْ اقْتَصَّ جَانٍ مِنْ نَفْسِهِ ففي جوازه برضا ولي وجهان، وصحح في التَّرْغِيبِ: لَا يَقَعُ قَوَدًا. وَفِي الْبُلْغَةِ يَقَعُ، وَفِي الرِّعَايَةِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، انْتَهَى.
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ، صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وهو ظاهر كلامه في المغني2 والشرح3.
__________
1 11/515.
2 11/517.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/174- 175.(9/403)
يسقط، بخلاف قطع سرقة.
وَلَهُ أَنْ يَخْتِنَ نَفْسَهُ إنْ قَوِيَ وَأُحَسِّنُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يَسِيرٌ، لَا قَطْعَ فِي سَرِقَةٍ، لِفَوَاتِ الرَّدْعِ. وَقَالَ الْقَاضِي: عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ الْقَطْعَ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ مَنَعْنَاهُ فَلِأَنَّهُ رُبَّمَا اضْطَرَبَتْ يَدُهُ فَجَنَى عَلَى نَفْسِهِ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْقَاضِي عَلَى جَوَازِهِ إذْنًا، وَيُتَوَجَّهُ اعْتِبَارُهُ، وَهُوَ مُرَادُ الْقَاضِي، وَهَلْ يَقَعُ الْمَوْقِعَ؟ يُتَوَجَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْقَوَدِ، وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالُ تَخْرِيجٍ فِي حَدِّ زِنًا وَقَذْفٍ وَشُرْبٍ، كَحَدِّ سَرِقَةٍ، وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ فِي الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ، وَهُوَ قَطْعُ الْعُضْوِ الْوَاجِبِ قَطْعُهُ، وَعَدَمُ حُصُولِ الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ بِجَلْدِهِ نَفْسَهُ، وَقَدْ يُقَالُ بِحُصُولِ الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ لِحُصُولِ الْأَلَمِ وَالتَّأَذِّي بِذَلِكَ.
وَلَا يُسْتَوْفَى قَوَدٌ فِي النَّفْسِ إلَّا بِسَيْفٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ بِمُحَرَّمٍ فِي نَفْسِهِ، كَلِوَاطٍ وَتَجْرِيعِ خَمْرٍ. قَالَ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ فِي قَوَدٍ: وَحَقُّ اللَّهِ لَا يَجُوزُ فِي النَّفْسِ إلَّا بِسَيْفٍ، لِأَنَّهُ أَوْحَى1، لَا بِسِكِّينٍ وَلَا فِي طَرَفٍ إلَّا بِهَا لِئَلَّا يَحِيفَ وَأَنَّ الرَّجْمَ بِحَجَرٍ لَا يَجُوزُ بِسَيْفٍ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ كَفِعْلِهِ وَقَتْلِهِ بِسَيْفٍ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا.
فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ. وَفِي الِانْتِصَارِ احْتِمَالٌ: أَوْ الدية بغير رضاه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أي: أسرع. "المصباح": "وحي".(9/404)
وَإِنْ عَفَا وَقَدْ قُطِعَ مَا يَلْزَمُ بِهِ فَوْقَ دِيَةٍ فَفِي لُزُومِهِ الزَّائِدَ احْتِمَالَانِ م 5 وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ رِوَايَةً يُفْعَلُ بِهِ كَفِعْلِهِ غَيْرِ الْمُحَرَّمِ، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَعَنْهُ: يُفْعَلُ بِهِ كَفِعْلِهِ إنْ كَانَ فِعْلُهُ مُوجِبًا، وَعَنْهُ: أَوْ مُوجِبًا لِقَوَدِ طَرَفِهِ لَوْ انْفَرَدَ.
فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَوْ فَعَلَ لَمْ يَضْمَنْ، وَأَنَّهُ لَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ فَفِي دُخُولِ قَوَدِ طَرَفِهِ فِي قَوَدِ نَفْسِهِ كَدُخُولِهِ فِي الدِّيَةِ رِوَايَتَانِ م 6 قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: فَائِدَتُهُ لَوْ عَفَا عَنْ النَّفْسِ سَقَطَ الْقَوَدُ في الطرف، لأن قطع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 5: قَوْلُهُ: فَإِنْ عَفَا وَقَدْ قُطِعَ مَا يَلْزَمُ بِهِ فَوْقَ دِيَةٍ فَفِي لُزُومِ الزَّائِدِ احْتِمَالَانِ، انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي1 وَالشَّرْحِ2 وَالزَّرْكَشِيِّ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُ الزَّائِدُ، وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي يَلْزَمُ.
مَسْأَلَةٌ 6: قَوْلُهُ: فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَعْنِي إذَا قُلْنَا: لَا يُسْتَوْفَى الْقَوَدُ فِي النَّفْسِ إلَّا بِالسَّيْفِ لَوْ فَعَلَ يَعْنِي بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ لَمْ يَضْمَنْ، وَأَنَّهُ لَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ فَفِي دُخُولِ قَوَدِ طَرَفِهِ فِي قَوَدِ نَفْسِهِ كَدُخُولِهِ فِي الدِّيَةِ رِوَايَتَانِ، انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
إحْدَاهُمَا: يَدْخُلُ قَوَدُ الطَّرَفِ فِي قَوَدِ النَّفْسِ، وَيَكْفِي قَتْلُهُ، صَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَدْخُلُ، فَلَهُ قَطْعُ طَرَفِهِ ثم قتله قلت هو الصواب.
__________
1 11/510.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/181.(9/405)
السِّرَايَةِ كَانْدِمَالِهِ، وَإِنْ فَعَلَ بِهِ الْوَلِيُّ، كفعله لم يضمنه. وَإِنْ زَادَ أَوْ تَعَدَّى بِقَطْعِ طَرَفِهِ فَلَا قَوَدَ، وَيَضْمَنُهُ بِدِيَتِهِ عَفَا عَنْهُ أَوْ لَا، وَقِيلَ: إنْ لَمْ يَسْرِ الْقَطْعُ، وَجَزَمُوا بِهِ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ وَقَالُوا: أَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، أَوْ يَقْتُلُهُ.
وَإِنْ كَانَ قَطَعَ يَدَهُ فَقَطَعَ رِجْلَهُ فَقِيلَ: كَقَطْعِ يَدِهِ، وَقِيلَ: دِيَةُ رِجْلِهِ م 7، وَإِنْ ظَنَّ وَلِيُّ دَمٍ أَنَّهُ اقْتَصَّ فِي النَّفْسِ فَلَمْ يَكُنْ وَدَاوَاهُ أَهْلُهُ حَتَّى بَرَأَ، فَإِنْ شَاءَ الْوَلِيُّ دَفَعَ إلَيْهِ دِيَةَ فِعْلِهِ وَقَتْلِهِ، وَإِلَّا تَرَكَهُ، هَذَا رَأْيُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَيَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ رضي الله عنهم، ذكره أحمد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 7: قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ قَطَعَ يَدَهُ فَقَطَعَ رِجْلَهُ فَقِيلَ: كَقَطْعِ يَدِهِ، وَقِيلَ: دِيَةُ رِجْلِهِ، انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي1 وَالشَّرْحِ2 وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
أَحَدُهُمَا: تَجِبُ دِيَةُ رِجْلِهِ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، لَا قَطْعُ مَا لَيْسَ لَهُ قَطْعُهُ.
وَالْقَوْلُ الثاني: هو كقطع يده فيجزئ.
__________
1 11/514.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/189.(9/406)
فَصْلٌ وَإِنْ قَتَلَ أَوْ قَطَعَ وَاحِدٌ جَمَاعَةً فِي وَقْتٍ أَوْ أَكْثَرَ
فَرَضِيَ الْأَوْلِيَاءُ بِالْقَوَدِ اكتفاء أقيد، وإن طلب كل ولي قتله عَلَى الْكَمَالِ فَقِيلَ: بِالْقُرْعَةِ، وَقِيلَ: بِالسَّبْقِ، وَلِمَنْ بَقِيَ الدِّيَةُ، كَمَا لَوْ بَادَرَ بَعْضُهُمْ، فَاقْتَصَّ بِجِنَايَتِهِ، وَقِيلَ: يُقَادُ(9/406)
لِلْكُلِّ اكْتِفَاءً مَعَ الْمَعِيَّةِ. وَفِي الِانْتِصَارِ: إذَا طَلَبُوا الْقَوَدَ فَقَدْ رَضِيَ كُلُّ وَاحِدٍ بِجُزْءٍ مِنْهُ وَأَنَّهُ قَوْلُ أَحْمَدَ م 8 قَالَ: وَيُتَوَجَّهُ أن يجبر لَهُ بَاقِي حَقِّهِ بِالدِّيَةِ، وَيُتَخَرَّجُ: يُقْتَلُ بِهِمْ فَقَطْ، عَلَى رِوَايَةِ يَجِبُ بِقَتْلِ الْعَمْدِ الْقَوَدُ، وَفِيهِ أَنَّ الْعَبْدَ كَفَقِيرٍ، وَفِيهِ أَنَّ الْوَاجِبَ قِيمَتُهُ كَخَطَإٍ، وَفِيهِ أَنَّ الْمُحَارَبَةَ كَمَسْأَلَتِنَا، لِتَغْلِيبِ الْقَوَدِ فِيهَا، لِعَدَمِ وُجُوبِهِ بِقَتْلِهِ غَيْرَ مُكَافِئِهِ، وفيه: هي لله، بدليل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 8: قَوْلُهُ: وَإِنْ قَتَلَ أَوْ قَطَعَ وَاحِدٌ جَمَاعَةً فَرَضِيَ الْأَوْلِيَاءُ بِالْقَوَدِ اكْتِفَاءٍ أُقِيدَ، وَإِنْ طَلَبَ كُلُّ وَلِيٍّ قَتْلَهُ عَلَى الْكَمَالِ فَقِيلَ: بالقرعة، وقيل: بالسبق، وَقِيلَ: يُقَادُ لِلْكُلِّ اكْتِفَاءً مَعَ الْمَعِيَّةِ. وَفِي الِانْتِصَارِ: إذَا طَلَبُوا الْقَوَدَ فَفِي رِضَى كُلِّ وَاحِدٍ بِجُزْءٍ مِنْهُ، وَأَنَّهُ قَوْلُ أَحْمَدَ، انْتَهَى. وَأَطْلَقَ الْأَوَّلَيْنِ الزَّرْكَشِيّ.
أَحَدُهُمَا: الِاعْتِبَارُ بِالسَّبْقِ فَيُقَادُ للأول، وهو الصحيح، وبه قطع الخرقي والشيخ في الكافي1 والمقنع2 والشارح، وابن منجا فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي3: يُقَدَّمُ الْأَوَّلُ، وَإِنْ قَتَلَهُمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ، انْتَهَى.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ أَقْيَسُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصغير.
__________
1 5/163.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/195.
3 11/528.(9/407)
الْعَفْوِ، فَيَتَدَاخَلُ، وَلَوْ بَادَرَ بَعْضُهُمْ فَاقْتَصَّ بِجِنَايَتِهِ فَلِمَنْ بَقِيَ الدِّيَةُ عَلَى جَانٍ، وَفِي كِتَابِ الآدمي1 الْبَغْدَادِيِّ: وَيَرْجِعُ وَرَثَتُهُ عَلَى الْمُقْتَصِّ، وَقَدَّمَ فِي التَّبْصِرَةِ وَابْنُ رَزِينٍ: عَلَى قَاتِلِهِ. وَفِي الْخِلَافِ فِي تَيَمُّمِ مَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَاءً لِبَعْضِ بَدَنِهِ.
لَوْ قَطَعَ يَمِينَيْ رَجُلَيْنِ فَقُطِعَتْ يَمِينُهُ لَهُمَا أُخِذَ مِنْهُ نِصْفُ دِيَةِ الْيَدِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْبَدَلِ وَبَعْضِ الْمُبْدَلِ، وَمَنْ رَضِيَ بِالدِّيَةِ أَخَذَهَا، وَلِمَنْ بَقِيَ الْقَوَدُ، وَيُقَدَّمُ قَوَدُ الطَّرَفِ عَلَى النَّفْسِ، وَلَا قَوَدَ فِيهِمَا حَتَّى يَنْدَمِلَ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: إنْ قَتَلَ رَجُلًا وَقَطَعَ يَدَ آخَرَ قُطِعَ ثُمَّ قُتِلَ، وَلَا يَذْهَبُ الْحَقُّ لِهَذَا إذَا كَانَ حَيًّا، وَإِنْ قُتِلَ فَهِيَ نَفْسُهُ لَيْسَ هُنَا شَيْءٌ غيرها.
وَإِنْ قَطَعَ يَدَ وَاحِدٍ وَأُصْبُعَ آخَرَ قُدِّمَ رَبُّ الْيَدِ إنْ كَانَ أَوَّلًا، وَلِلْآخَرِ دِيَةُ أُصْبُعِهِ، وَمَعَ أَوَّلِيَّتِهِ يُقْتَصُّ، ثُمَّ رَبُّ الْيَدِ، فَفِي أَخْذِهِ دِيَةَ الْإِصْبَعِ الْخِلَافُ، وَإِنْ قَطَعَ يَسَارَ جَانٍ مَنْ لَهُ قَوَدٌ فِي يَمِينِهِ بِهَا2 بِتَرَاضِيهِمَا أَوْ قَالَ لَهُ أَخْرِجْ يَمِينَك فَأَخْرَجَ يَسَارَهُ عَمْدًا أَوْ غَلَطًا أَوْ ظَنَّ أَنَّهَا تُجْزِئُ أَجْزَأَتْ وَلَا ضَمَانَ، وَعِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ لَا تُجْزِئُ، وَتُضْمَنُ بِالدِّيَةِ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهَا عَمْدًا لَا بَدَلًا عَنْ يَمِينِهِ فَتُهْدَرُ وَلَهُ قَطْعُ يَمِينِهِ بَعْدَ بُرْءِ الْيَسَارِ إلَّا مَعَ تَرَاضِيهِمَا، فَفِي سُقُوطِهِ إلَى الدِّيَةِ وَجْهَانِ م 9.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 9: قَوْلُهُ: وَلَهُ قَطْعُ يَمِينِهِ بَعْدَ بُرْءِ اليسار إلا مع تراضيهما ففي سقوطه
__________
1 في "ط": "الآمدي".
2 في "ط": "لها".(9/408)
وَإِنْ كَانَ مَنْ عَلَيْهِ الْقَوَدُ مَجْنُونًا يَلْزَمُ قَاطِعَ يَسَارِهِ الْقَوَدُ إنْ عَلِمَهَا وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ، وَإِنْ جَهِلَ أَحَدُهُمَا: فَالدِّيَةُ، وَإِنْ كَانَ الْمُقْتَصُّ مَجْنُونًا وَالْآخَرُ عَاقِلًا ذَهَبَتْ هَدَرًا. وَفِي التَّرْغِيبِ: إذَا ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ دُهِشَ اُقْتُصَّ مِنْ يَسَارِ الْقَاطِعِ، لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّثَبُّتِ. وَقَالَ: إنْ قَطَعَهَا1 ظُلْمًا عَالِمًا عَمْدًا فَالْقَوَدُ، وَقِيلَ: الدِّيَةُ، وَيُقْتَصُّ مِنْ يُمْنَاهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
إلَى الدِّيَةِ وَجْهَانِ، انْتَهَى. يَعْنِي إذَا قُطِعَ يَسَارَ جَانٍ "2مَنْ لَهُ2" قَوَدٌ فِي يَمِينِهِ لا3 بِتَرَاضِيهِمَا وَقُلْنَا: لَا تُجْزِئُ.
أَحَدُهُمَا: يَسْقُطُ إلَى الدِّيَةِ4 قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، فَكَأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ قَطْعِ الْيَمِينِ، وَإِذَا لَمْ تُجْزِ أُخِذَتْ الدِّيَةُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَسْقُطُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ.
فَهَذِهِ تِسْعُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الباب.
__________
1 في "ط": "قطعهما".
2-2 في "ط": "لزمه".
3 ليست في "ط".
4 في النسخ الخطية: "الدم"، والمثبت من "ط".(9/409)
باب العفو عن القود
مدخل
...
باب العفو عن القود
يَجِبُ بِالْعَمْدِ الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ، فَيُخَيَّرُ الْوَلِيُّ بَيْنَهُمَا، وَعَفْوُهُ مَجَّانًا أَفْضَلُ، ثُمَّ لَا عُقُوبَةَ عَلَى جَانٍ، لِأَنَّهُ إنَّمَا عَلَيْهِ حَقٌّ وَاحِدٌ، وَقَدْ سَقَطَ، كَعَفْوٍ عَنْ دِيَةِ قَاتِلٍ خَطَأً، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ وَسَيَأْتِي قَوْلٌ فِي تَعْزِيرِهِ.
قَالَ شَيْخُنَا: الْعَدْلُ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: هُوَ الْغَايَةُ، وَهُوَ الْعَدْلُ بَيْنَ النَّاسِ.
وَالثَّانِي مَا يَكُونُ الْإِحْسَانُ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَهُوَ عَدْلُ الْإِنْسَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ فِي الدَّمِ1 وَالْمَالِ وَالْعِرْضِ، فَإِنَّ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ عَدْلٌ، وَالْعَفْوَ إحْسَانٌ، وَالْإِحْسَانُ هُنَا أَفْضَلُ، لَكِنَّ هَذَا الْإِحْسَانَ لَا يَكُونُ إحْسَانًا إلَّا بَعْدَ الْعَدْلِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَحْصُلَ بِالْعَفْوِ ضَرَرٌ، فَإِذَا حَصَلَ مِنْهُ ضَرَرٌ كَانَ ظُلْمًا مِنْ الْعَافِي، إمَّا لِنَفْسِهِ وَإِمَّا لِغَيْرِهِ، فَلَا يُشْرَعُ، وَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي آخِرِ الْمُحَارِبِينَ2، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَإِنْ اخْتَارَ الْقَوَدَ أَوْ عَفَا عَنْ الدِّيَةِ فَلَهُ أَخْذُهَا وَالصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا، فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا.
وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي غَيْرِ الصُّلْحِ: لَا يَجِبُ شَيْءٌ، كَطَلَاقِ مَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ فَوْقَ أَرْبَعٍ، وَقِيلَ لَهُ فِي الِانْتِصَارِ.
لَوْ كَانَ الْمَالُ بدل النفس في العمد لم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل: "الذمم".
2 ص10/167- 168.(9/410)
يَجُزْ الصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ، فَقَالَ: كَذَا نَقُولُ عَلَى رِوَايَةٍ يَجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ، وَاخْتَارَهُ أَيْضًا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَإِنْ اخْتَارَ الدِّيَةَ تَعَيَّنَتْ. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا أَخَذَ الدِّيَةَ فَقَدْ عَفَا عَنْ الدَّمِ، فَإِنْ قَتَلَهُ بَعْدَ أَخْذِهَا قُتِلَ بِهِ، وَعَنْهُ: يَجِبُ الْقَوَدُ عَيْنًا، وَلَهُ أَخْذُ الدِّيَةِ، وَعَنْهُ: بِرِضَا الْجَانِي، فَقَوَدُهُ بَاقٍ، وَلَهُ الصُّلْحُ بِأَكْثَرَ.
وَإِنْ عَفَا مُطْلَقًا أَوْ عَلَى غَيْرِ مَالٍ أَوْ عَنْ الْقَوَدِ مُطْلَقًا وَلَوْ عَنْ يَدِهِ فَلَهُ الدِّيَةُ، عَلَى الْأَصَحِّ، عَلَى الْأُولَى خَاصَّةً، وَإِنْ هَلَكَ الْجَانِي تَعَيَّنَتْ فِي مَالِهِ، كَتَعَذُّرِهِ فِي طَرَفِهِ، وَقِيلَ: تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ، وَعَنْهُ: إنْ قُتِلَ فَلِوَلِيِّ الْأَوَّلِ قَتْلُ قَاتِلِهِ وَالْعَفْوُ عَنْهُ1، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ فِي قَتْلِ الْغِيلَةِ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ، كَالْقَتْلِ2 فِي مُكَابَرَةٍ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا فِي قَاتِلِ الْأَئِمَّةِ: يُقْتَلُ حَدًّا، لِأَنَّ فَسَادَهُ عَامٌّ أَعْظَمُ مِنْ مُحَارِبٍ.
وَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ عَنْ قَوَدٍ فِي طَرَفٍ ثُمَّ قَتَلَهُ الْجَانِي قَبْلَ الْبُرْءِ فَالْقَوَدُ فِي النَّفْسِ أَوْ دِيَتُهَا، وَعِنْدَ الْقَاضِي: تَتِمَّةُ الدِّيَةِ. وَإِنْ قَالَ: لِمَنْ عَلَيْهِ قَوَدٌ: عَفَوْت عَنْ جِنَايَتِك أَوْ عَنْك، بَرِئَ مِنْ الدِّيَةِ، كَالْقَوَدِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: إنْ قَصَدَهَا، وَقِيلَ: إنْ ادَّعَى قَصْدَ الْقَوَدِ فقط قبل وإلا برئ. وفي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
2 بعدها في "ط": "في".(9/411)
التَّرْغِيبِ: إنْ قُلْنَا مُوجِبُهُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ بَقِيَتْ الدِّيَةُ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ.
وَإِنْ عَفَا مَجْرُوحٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً صَحَّ، كَعَفْوِ وَارِثِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَعَنْهُ: فِي الْقَوَدِ إنْ كَانَ الْجُرْحُ لَا قَوَدَ فِيهِ لَوْ بَرَأَ، وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ عَنْ الدِّيَةِ. وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهٌ: يَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ لَا الْوَصِيَّةِ، وَفِيهِ يُخَرِّجُ فِي السِّرَايَةِ فِي النَّفْسِ رِوَايَاتٍ: الصِّحَّةُ، وَعَدَمُهَا، وَالثَّالِثَةُ: يَجِبُ النِّصْفُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ صِحَّةَ الْعَفْوِ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ، وَيَبْقَى مَا قَابَلَ السِّرَايَةَ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْهُ. قَالَ: وَذَهَبَ ابْنُ أَبِي مُوسَى إلَى صِحَّتِهِ فِي الْعَمْدِ، وَفِي الْخَطَإِ "1من ثلثه1"، فَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ قَالَ: عَفَوْت عَنْ هَذَا الْجُرْحِ أَوْ الضَّرْبَةِ، فَعَنْهُ: يَضْمَنُ السِّرَايَةَ بِقِسْطِهَا مِنْ الدِّيَةِ إنْ لَمْ يَقُلْ، وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا2 كَعَفْوِهِ عَلَى مَالٍ، وَعَنْهُ لَا، كَعَفْوِهِ عن الجناية م 1.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مسألة 1: قوله: فَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ قَالَ عَفَوْت عَنْ هَذَا الْجُرْحِ أَوْ الضَّرْبَةِ، فَعَنْهُ: يَضْمَنُ السِّرَايَةَ بِقِسْطِهَا مِنْ الدِّيَةِ إنْ لَمْ يَقُلْ، وَمَا يَحْدُثُ كَعَفْوِهِ عَلَى مَالٍ، وَعَنْهُ: لَا، كَعَفْوِهِ عَنْ الجناية، انتهى. يعني إذا عفا المجروح عمدا أو خطأ وقلنا يصح وأطلقهما في المحرر.
إحداهما: يضمن السراية بقسطها من الدية والحالة هذه قلت: وهو الصواب، لأن إرادة العفو عما يحدث مشكوك فيه، والأصل عدم الإرادة.
والرواية الثانية: لا يضمن السراية، قدمه في الرعايتين والحاوي الصغير.
__________
1-1 ليست في "ر". وفي "ط": "من ثلاثة".
2 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".(9/412)
وَإِنْ قَصَدَ بِالْجِنَايَةِ الْجُرْحَ فَفِيهِ عَلَى الْأَوْلَى وَجْهَانِ م 2 وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ فِي عَفَوْت إلَى مَالٍ أَوْ دُونَ سِرَايَتِهَا، وَيَصِحُّ مِنْ مَجْرُوحٍ: أَبْرَأْتُك مِنْ دَمِي وَنَحْوِهِ مُعَلَّقًا بِمَوْتِهِ، فَلَوْ بَرَأَ بَقِيَ حَقُّهُ، بِخِلَافِ: عَفَوْت عَنْك وَنَحْوُهُ. ولا يصح عفوه مجانا1 عَنْ قَوَدِ شَجَّةٍ لَا قَوَدَ فِيهَا، وَمَنْ صح عفوه فَإِنْ أَوْجَبَ الْجُرْحُ مَالًا عَيْنًا فَكَوَصِيَّةٍ، وَإِلَّا فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ لَا مِنْ ثُلُثِهِ، عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّ الدِّيَةَ لَمْ تَتَعَيَّنْ قَالَ فِي الْمُغْنِي2: وَلِذَلِكَ صَحَّ عَفْوُ الْمُفْلِسِ مَجَّانًا، مَعَ أَنَّهُ هُوَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَجَمَاعَةٌ لَمْ يُصَحِّحُوهُ إنْ قِيلَ يَجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ.
وَإِنْ أَبْرَأَ عَبْدًا مِنْ جِنَايَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِرَقَبَتِهِ لَمْ يَصِحَّ، فِي الْأَصَحِّ، كَحُرٍّ جِنَايَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَيَصِحُّ إبْرَاءُ عَاقِلَتِهِ إنْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ لِلْمَقْتُولِ، كإبراء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مسألة 2: قوله: وَإِنْ قَصَدَ بِالْجِنَايَةِ الْجُرْحَ فَفِيهِ عَلَى الْأَوْلَى وجهان، انتهى.
"3الوجه الأول: يقبل قوله3" قال في المحرر: فلو قال عفوت عن هذه الجناية فلا شيء في السراية، رواية واحدة، لا إذا قال: أردت بالجناية الجراحة نفسها دون سرايتها، وقلنا بالرواية الثانية في التي قبلها فإنه يقبل منه مع يمينه، وقيل: لا يقبل، انتهى. فقدم قبول قوله، وقدمه أيضا في النظم، وصححه فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَالْوَجْهُ الثاني: لا يقبل قوله.
فهاتان مسألتان في هذا الباب.
__________
1 ليست في "ط".
2 11/594.
3-3 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".(9/413)
سَيِّدٍ، كَعَفْوِهِ عَنْهَا وَلَمْ يُسَمِّ الْمُبْرَأَ.
وَإِنْ وَكَّلَ فِي قَوَدٍ ثُمَّ عَفَا فَاقْتَصَّ وَكِيلُهُ ولم يعلم فلا شيء عليهما، وقيل: يضمنها1، وَالْقَرَارُ عَلَى الْعَافِي، وَقِيلَ: الضَّمَانُ عَلَى الْوَكِيلِ حَالًا، وَقِيلَ: عَلَى عَاقِلَتِهِ، فَعَلَيْهِمَا إنْ كَانَ عَفَا إلَى الدِّيَةِ فَهِيَ لِلْعَافِي عَلَى الْجَانِي، وَإِنْ وَجَبَ لِعَبْدٍ قَوَدٌ أَوْ تَعْزِيرُ قَذْفٍ فَلَهُ طَلَبُهُ وَإِسْقَاطُهُ، فَإِنْ مَاتَ فَلِسَيِّدِهِ. وَاَللَّهُ أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل و "ط": "بضمنهما".(9/414)
كتاب الديات
مدخل
*
...
كِتَابُ الدِّيَاتِ
كُلُّ مَنْ أَتْلَفَ إنْسَانًا بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ سَبَبٍ لَزِمَتْهُ دِيَتُهُ، فَإِذَا أَلْقَى عَلَيْهِ أَفْعَى، أَوْ أَلْقَاهُ عَلَيْهَا، أَوْ طَلَبَهُ بِسَيْفٍ مُجَرَّدٍ وَنَحْوِهِ، فَهَرَبَ فَتَلِفَ فِي هَرَبِهِ وَفِي التَّرْغِيبِ: وَعِنْدِي مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ1 إلْقَاءَ نَفْسِهِ مَعَ الْقَطْعِ بِتَلَفِهِ، لِأَنَّهُ كَمُبَاشِرٍ، وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ أَوْ رَوَّعَهُ بِأَنْ شَهَرَهُ فِي وَجْهِهِ، أَوْ دَلَّاهُ مِنْ شَاهِقٍ فَمَاتَ، أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا مُحَرَّمًا، أَوْ وَضَعَ حَجَرًا، أَوْ قِشْرَ بِطِّيخٍ أَوْ صَبَّ مَاءً فِي فِنَائِهِ، أَوْ طَرِيقٍ2، فَتَلِفَ بِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ. أَوْ رَمَى مِنْ مَنْزِلِهِ حَجَرًا أَوْ غَيْرَهُ، أَوْ حَمَلَ بِيَدِهِ رُمْحًا جَعَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ خَلْفَهُ، لَا قَائِمًا فِي الْهَوَاءِ وَهُوَ يَمْشِي. لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ، فَأَتْلَفَ إنْسَانًا، أَوْ وَقَعَ عَلَى نَائِمٍ بِفِنَاءِ جِدَارٍ فَتَلِفَ بِهِ ذَكَرَ الْمَسَائِلَ الثَّلَاثَ الْأَخِيرَةَ فِي الرَّوْضَةِ لَزِمَتْهُ دِيَتُهُ، وَإِنْ تَلِفَ الْوَاقِعُ فَهَدَرٌ، لِعَدَمِ تَعَدِّي النَّائِمِ. وَفِي التَّرْغِيبِ: إنْ رَشَّهُ لِيُسْكِنَ الغبار فمصلحة عامة، كحفر بئر في3 سابلة، فِيهِ رِوَايَتَانِ م 1 نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إنْ ألقى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 1: قَوْلُهُ: وَفِي التَّرْغِيبِ إنْ رَشَّهُ لِيَسْكُنَ الغبار فمصلحة عامة كحفر بئر في سابلة، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ يَعْنِي فِي الضَّمَانِ بِحَفْرِ ذَلِكَ.
قُلْت: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ عَدَمُ الضَّمَانِ، وَقَدْ قدم المصنف ذلك في باب الغصب4 فَقَالَ: وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي سَابِلَةٍ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا ضَرَرَ لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ به، وعنه:
__________
1 في "ط": "يعتمد".
2 في "ط": "طريقه".
3 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
4 7/257.(9/417)
كيسه فيه دراهم فَكَإِلْقَاءِ الْحَجَرِ، وَأَنَّ كُلَّ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا فِيهَا لَيْسَ مَنْفَعَةٌ ضَمِنَ، وَإِنْ بَالَتْ فِيهَا دَابَّةُ رَاكِبٍ وَقَائِدٍ وَسَائِقٍ ضَمِنَهُ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: لَا كَمَنْ سَلَّمَ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ أَمْسَكَ يَدَهُ فَمَاتَ وَنَحْوُهُ، لِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ.
وَإِنْ كَانَ واضع الحجر آخر فعثر به إنسان فوقع فِي الْبِئْرِ فَقَدْ اجْتَمَعَ سَبَبَانِ مُخْتَلِفَانِ، فَعَنْهُ: يحال على الأول، وهو1 أشهر فضمانه على الْوَاضِعِ، كَالدَّافِعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْقَتْلَ عَادَةً لِمُعَيَّنٍ، بِخِلَافِ مُكْرَهٍ وَعَنْهُ: عَلَيْهِمَا م 2 فَيَخْرُجُ مِنْهُ ضَمَانُ الْمُتَسَبِّبِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَجَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ كَقَاتِلٍ وَمُمْسِكٍ، وَإِنْ تعدى أحدهما: خص به. وإن أعمق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
إذَا كَانَ بِإِذْنِ حَاكِمٍ، وَعَنْهُ: يَضْمَنُ مُطْلَقًا، انْتَهَى. وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ هُنَاكَ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ أَرَادَ هُنَا حِكَايَةَ الْخِلَافِ لَا إطْلَاقَهُ، أَوْ يَكُونَ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ صَاحِبِ التَّرْغِيبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ.
مَسْأَلَةٌ 2: قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ وَاضِعُ الْحَجَرِ آخر فعثر به إنسان فوقع في البئر فَقَدْ اجْتَمَعَ سَبَبَانِ مُخْتَلِفَانِ، فَعَنْهُ: يُحَالُ عَلَى الأول وهو أشهر، فضمانه على الواضع،....
__________
1 في"ر": "هذا".(9/418)
بِئْرًا قَصِيرَةً ضَمِنَا التَّالِفَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ تَلِفَ أجير لحفر بئر بها فهدر، وكذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وعنه: عليهما، انتهى.
ما قال1: إنَّهُ أَشْهَرُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي2 وَالْمُقْنِعِ3 وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ منجا وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ مَعْلُومٌ. والله أعلم.
__________
1 في "ص": "ما قاله".
2 12/88.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/319- 320.(9/419)
إنْ دَعَا مَنْ يَحْفِرُ لَهُ بِدَارِهٍ أَوْ بِمَعْدِنٍ فَمَاتَ بِهَدْمٍ لَمْ يَلْقَهُ أَحَدٌ، نَقَلَهُ حَرْبٌ.
وَإِنْ حَفَرَ بِبَيْتِهِ بِئْرًا وَسَتَرَهُ لِيَقَعَ فِيهَا أَحَدٌ، فَمَنْ دَخَلَ بِإِذْنِهِ فَالْقَوَدُ فِي الْأَصَحِّ، وَإِلَّا فَلَا، كَمَكْشُوفَةٍ بِحَيْثُ يَرَاهَا، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي عَدَمِ إذْنِهِ، وَقِيلَ: وَكَشَفَهَا، وَلَوْ وَضَعَ آخَرُ فِيهَا سِكِّينًا ضَمِنُوهُ بَيْنَهُمْ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ.
وَإِنْ قَرَّبَ صَغِيرًا مِنْ هَدَفٍ فَأَصَابَهُ سَهْمٌ ضَمِنَهُ الْمُقَرِّبُ، وَإِنْ أَرْسَلَهُ فِي حَاجَةٍ فَأَتْلَفَ مَالًا أَوْ نَفْسًا فَجِنَايَةُ خَطَإٍ مِنْ مُرْسِلِهِ، وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ ضَمِنَهُ أَيْضًا، ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: مَا جَنَى فَعَلَى الصَّبِيِّ، وَلَوْ كَانَ عَبْدًا فَكَغَصْبِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ
وَإِنْ غَصَبَ صَغِيرًا فَتَلِفَ بِحَيَّةٍ أَوْ صَاعِقَةٍ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَعَرَفْت أَرْضُهُ بِهِ فَدِيَتُهُ، وَإِنْ تَلِفَ بِمَرَضٍ أَوْ فَجْأَةٍ فَرِوَايَتَانِ م 3.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 3: قَوْلُهُ: وَإِنْ غَصَبَ صَغِيرًا فَتَلِفَ بِحَيَّةٍ أَوْ صَاعِقَةٍ فَدِيَتُهُ، وَإِنْ تَلِفَ بِمَرَضٍ أَوْ فَجْأَةٍ فَرِوَايَتَانِ، انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ(9/420)
وَإِنْ قَيَّدَ حُرًّا مُكَلَّفًا أَوْ غَلَّهُ فَتَلِفَ بصاعقة أو حية فوجهان م 4.
وَإِنْ اصْطَدَمَ رَجُلَانِ أَوْ رَاكِبَانِ أَوْ مَاشٍ أَوْ رَاكِبٌ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: بَصِيرَانِ أَوْ ضَرِيرَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا: فَمَاتَا أَوْ دَابَّتَاهُمَا ضَمِنَ كل واحد متلف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي1 وَالْمُقْنِعِ2 وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ منجا وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ، وَأَكْثَرُهُمْ ذَكَرَهُمَا فِيمَا إذَا مَاتَ بِمَرَضٍ وَذَكَرَهُمَا وَجْهَيْنِ:
إحْدَاهُمَا: تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَجِبُ: نَقَلَهَا أَبُو الصَّقْرِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ. قُلْت: وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنْ خَرَجَ بِهِ إلَى أَرْضٍ بِهَا الطَّاعُونُ أَوْ وَبِيئَةٌ وَجَبَتْ الدِّيَةُ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَمْ أَرَهُ، قَالَ الْحَارِثِيُّ فِي الْغَصْبِ: وَعَنْ ابْنِ عَقِيلٍ: لَا يَضْمَنُ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الصَّاعِقَةِ وَالْمَرَضِ، وَهُوَ الْحَقُّ، انْتَهَى.
مَسْأَلَةٌ 4: قَوْلُهُ: وَإِنْ قَيَّدَ حُرًّا مُكَلَّفًا أَوْ غَلَّهُ فَتَلِفَ بِصَاعِقَةٍ أَوْ حَيَّةٍ فوجهان، انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ.
أَحَدُهُمَا: تَجِبُ الدِّيَةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَطَعَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ وغيره.
والوجه الثاني: لا تجب.
__________
1 لم نجدها.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/324.(9/421)
الْآخَرَ، وَقِيلَ: نِصْفَهُ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ غَلَبَتْ الدَّابَّةُ رَاكِبَهَا بِلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ. وَإِنْ اصْطَدَمَا عَمْدًا وَيُقْتَلُ غَالِبًا فَهَدَرٌ، وَإِلَّا شِبْهُ عَمْدٍ، وَمَا تَلِفَ لِلسَّائِرِ مِنْهُمَا لَا يَضْمَنُهُ وَاقِفٌ وَقَاعِدٌ، فِي الْمَنْصُوصِ، وَقِيلَ: بَلَى مَعَ ضِيقِ الطُّرُقِ، وَفِي ضَمَانِ سَائِرِ مَا أَتْلَفَ لِوَاقِفٍ وَقَاعِدٍ فِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ وَجْهَانِ م 5.
وَإِنْ اصْطَدَمَ قِنَّانِ مَاشِيَانِ فَهَدَرٌ، لَا حُرٌّ وَقِنٌّ، فَقِيمَةُ قن، وقيل:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 5: قَوْلُهُ: وَفِي ضَمَانِ سَائِرِ مَا أَتْلَفَ لِوَاقِفٍ وَقَاعِدٍ فِي طَرِيقٍ ضِيقٍ وَجْهَانِ، انْتَهَى.
أَحَدُهُمَا: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْمُغْنِي1 والمقنع2 والشرح وشرح ابن منجا وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَكَذَا فِي الرعاية الكبرى.
__________
1 12/546.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/398.(9/422)
نِصْفُهَا فِي تَرِكَةِ حُرٍّ، وَدِيَةُ حُرٍّ وَيُتَوَجَّهُ الوجه أو نصفها في تلك القيمة.
وَإِنْ اصْطَدَمَتْ سَفِينَتَانِ فَغَرِقَتَا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مُتْلَفَ الْآخَرِ. وَفِي الْمُغْنِي1: إنْ فَرَّطَا وَقَالَهُ2 فِي الْمُنْتَخَبِ، وَأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَلَا يَضْمَنُ المصعد منهما بل المنحدر إن لم تغلبه3 رِيحٌ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَفِي الْوَاضِحِ وَجْهٌ: لَا يضمن منحدر. وفي الترغيب: السفينة كدابة، و4الْمَلَّاحُ كَرَاكِبٍ، وَيَصْدُقُ5 مَلَّاحٌ فِي إنْ تَلِفَ مَالٌ بِغَلَبَةِ رِيحٍ، وَلَوْ تَعَمَّدَ الصَّدْمَ فَشَرِيكَانِ فِي إتْلَافِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَمَنْ فِيهِمَا، فَإِنْ قَتَلَ غَالِبًا فَالْقَوَدُ، وَإِلَّا شِبْهُ عَمْدٍ6، وَلَا يَسْقُطُ فِعْلُ الْمُصَادِمِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مَعَ عَمْدٍ، وَلَوْ خَرَقَهَا عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ خَطَأً عَمِلَ عَلَى ذَلِكَ.
وَهَلْ يَضْمَنُ مَنْ أَلْقَى عِدْلًا مَمْلُوءًا بِسَفِينَةٍ مَا فِيهَا أَوْ نِصْفِهِ أَوْ بِحِصَّتِهِ؟ يَحْتَمِلُ أَوْجُهًا م 6.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَضْمَنُهُ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ والزركشي وغيرهم، وهو ظاهر كلام الخرقي.
مَسْأَلَةٌ 6: قَوْلُهُ: وَهَلْ يَضْمَنُ مَنْ أَلْقَى عِدْلًا مَمْلُوءًا بِسَفِينَةٍ مَا فِيهَا أَوْ نِصْفِهِ أَوْ بحصته؟ يحتمل أوجها، انتهى.
__________
1 12/549.
2 في "ر": "قال".
3 في "ط": "يغلبه".
4 ليست في "ط".
5 في "ط": "لايصدق".
6 ليست في "ط".(9/423)
وَإِنْ أَرْكَبَ صَبِيَّيْنِ غَيْرُ وَلِيِّهِمَا فَاصْطَدَمَا ضَمِنَ وفي الترغيب: تضمن عاقلته ديتهما، "1فإن ركبا1" فَكَبَالِغَيْنِ مُخْطِئَيْنِ، وَكَذَا إنْ أَرْكَبَهُمَا وَلِيٌّ لِمَصْلَحَةٍ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَيَثْبُتَانِ بِأَنْفُسِهِمَا. وَفِي التَّرْغِيبِ: إنْ صَلَحَا لِلرُّكُوبِ وَأَرْكَبَهُمَا مَا يَصْلُحُ لِرُكُوبِ مثلهما، وإلا ضمن،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَابَعَ فِي ذَلِكَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ الْكُبْرَى، فَإِنَّهُ قَالَ: وَمَنْ أَلْقَى عِدْلًا مَمْلُوءًا فِي سَفِينَةٍ فَغَرِقَتْ ضَمِنَ مَا فِيهَا أَوْ نِصْفَهُ أَوْ بِحِصَّتِهِ، قُلْت: يَحْتَمِلُ أَوْجُهًا، انْتَهَى. قُلْت: هِيَ شَبِيهَةٌ بِمَا إذَا حَمَلَ عَلَى الدَّابَّةِ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ الْمَأْجُورِ، أَوْ جَاوَزَ بِهَا الْمَكَانَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهَا إلَيْهِ وَتَلِفَتْ، أَوْ زَادَ فِي الْحَدِّ سَوْطًا فَقَتَلَهُ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ جَمِيعَهُ، وَقَدْ قَطَعَ فِي الْفُصُولِ أَنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ مَا فِي السَّفِينَةِ بِإِلْقَاءِ حَجَرٍ فِيهَا، ذَكَرَهُ فِي أَثْنَاءِ الْإِجَارَةِ، وَجَعَلَهُ أَصْلًا لِمَا إذَا زَادَ عَلَى الْحَدِّ سَوْطًا فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ كَامِلَةً، وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي2 جَعَلَ تَغْرِيقَ السَّفِينَةِ بِإِلْقَاءِ الْحَجَرِ فِيهَا أَصْلًا فِي وُجُوبِ ضَمَانِ الْعَيْنِ كَامِلَةً إذَا جَاوَزَ بِهَا مَكَانَ الْإِجَارَةِ، أَوْ زَادَ عَلَى الْحَدِّ سَوْطًا.
وَكَذَلِكَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ، بَلْ المصنف3 قَدْ ذُكِرَ4 ذَلِكَ وَغَيْرُهُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ مُسْتَوْفًى، وَقَدَّمَ ضَمَانَ الْجَمِيعِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ذُهِلَ هُنَا عَنْ ذَلِكَ وَتَابَعَ ابْنَ حَمْدَانَ، فَحَصَلَ الخلل من وجوه5 إطْلَاقِهِ الْخِلَافَ وَمُتَابَعَتَهُ لِابْنِ حَمْدَانَ وَلَمْ يَعْزُهُ إلَيْهِ، وَابْنُ حَمْدَانَ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِهِ وَمِنْ تَخْرِيجِهِ، وَكَوْنُهُ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ وَقَدَّمَ الضَّمَانَ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ تِلْكَ الْمَسْأَلَةُ أَلْقَى حَجَرًا فَفِيهِ نَوْعُ تعد، وأما هذه
__________
1-1 في "ط": "وإن ركباها".
2 لم نجدها.
3 بعدها في "ط" و "غيره".
4 في "ط": "ذكره".
5 في "ط": "جود".(9/424)
وَيَضْمَنُ كَبِيرٌ صَدْمِ الصَّغِيرِ. وَإِنْ مَاتَ الْكَبِيرُ ضَمِنَهُ "1مَنْ أَرْكَبَ الصَّغِيرَ1"، نَقَلَ حَرْبٌ: إنْ حَمَلَ رَجُلٌ صَبِيًّا عَلَى دَابَّةٍ فَسَقَطَ ضَمِنَهُ2، إلا أن يأمره أهله بحمله.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْمَسْأَلَةُ فَأَلْقَى فِيهَا مِنْ جِنْسِ مَا فِيهَا فَلَيْسَ فِيهِ تَعَدٍّ، وَفِيهِ مَا فِيهِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ الصَّحِيحُ أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ6 حُكْمُ الْحَدِّ وَغَيْرِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ابْنَ حَمْدَانَ خَرَّجَ الْأَوْجُهَ عَلَى الْأَقْوَالِ الَّتِي فِي الْحَدِّ. والله أعلم.
__________
1-1 في الأصل: "راكب للصغير".
2 في النسخ الخطية "ضمن"، والمثبت من "ط".
6 ليست في النسخ الخطية, والمثبت من (ط) .(9/425)
فصل ومن3 أَتْلَفَ نَفْسَهُ أَوْ طَرَفَهُ خَطَأً فَهَدَرٌ، كَالْعَمْدِ،
وَعَنْهُ: دِيَةُ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ، لَهُ أَوْ لِوَرَثَتِهِ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. وَلَا تُحْمَلُ دُونَ الثُّلُثِ، فِي الْأَصَحِّ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. نَقَلَ حَرْبٌ: مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ لَا يُؤَدِّي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.
وَإِنْ رَمَى ثَلَاثَةٌ بِمَنْجَنِيقٍ فَقَتَلَ الْحَجَرُ رَابِعًا ضَمِنَتْهُ الْعَاقِلَةُ أَثْلَاثًا، وَلَا قَوَدَ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْقَصْدِ غَالِبًا. وَفِي الْفُصُولِ احْتِمَالٌ: كَرَمْيِهِ عَنْ قَوْسٍ وَمِقْلَاعٍ وحجر عن4 يَدٍ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: يَفْدِيهِ الْإِمَامُ، فَإِنْ لَمْ يفعل5 فعليهم،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
3 في "ط": "إن".
4 في "ط": "من".
5 ليست في الأصل.(9/425)
وإن قتل أحدهم فقيل: على عاقلة صاحبيه دِيَتُهُ، وَقِيلَ: ثُلُثَاهَا م 7، وَفِي بَقِيَّتِهَا الرِّوَايَتَانِ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ. وَإِنْ زَادُوا عَلَى ثَلَاثَةٍ فالدية فِي أَمْوَالِهِمْ، وَعَنْهُ: عَلَى الْعَاقِلَةِ، لِاتِّحَادِ فِعْلِهِمْ، وَلَا يَضْمَنُ مَنْ وَضَعَ الْحَجَرَ وَأَمْسَكَ الْكِفَّةَ، كَمَنْ أَوْتَرَ وَقَرَّبَ السَّهْمَ، وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: يَتَوَجَّهُ رِوَايَتَا مُمْسِكٍ.
وَإِنْ وَقَعَ فِي حُفْرَةٍ ثُمَّ ثَانٍ ثُمَّ ثَالِثٌ ثُمَّ رَابِعٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَمَاتُوا أَوْ بَعْضُهُمْ فَدَمُ الرَّابِعِ هَدَرٌ، وَدِيَةُ الثَّالِثِ عَلَيْهِ، وَدِيَةُ الثَّانِي عَلَيْهِمَا، وَدِيَةُ الْأَوَّلِ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ تَعَمَّدَ وَاحِدٌ أو كلهم ويقتل غالبا فالقود،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 7: قَوْلُهُ: فِي مَسْأَلَةِ الْمَنْجَنِيقِ، وَإِنْ قَتَلَ أحدهم فقيل: على عاقلة صاحبيه ديته، وقيل: ثلثاها، انتهى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُقْنِعِ وَالشَّرْحِ1 وَشَرْحِ ابن منجا وَغَيْرِهِمْ:
أَحَدُهُمَا: عَلَى صَاحِبَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَتَبِعَهُ فِي الْخُلَاصَةِ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُلْغِي فِعْلَ نَفْسِهِ و2على عَاقِلَةِ صَاحِبَيْهِ ثُلُثَا الدِّيَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّيْخُ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْآدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي3: هَذَا أَحْسَنُ وَأَصَحُّ فِي النَّظَرِ وَقَدَّمَهُ فِي الخلاصة وإدراك الغاية.
__________
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/332.
2 ليست في "ح".
3 12/83.(9/426)
وَإِنْ جَذَبَ الْأَوَّلُ الثَّانِيَ وَالثَّانِي الثَّالِثَ وَالثَّالِثُ الرَّابِعَ فَدِيَةُ الرَّابِعِ عَلَى الثَّالِثِ، وَقِيلَ: عَلَى الثَّلَاثَةِ، وَدِيَةُ الثَّالِثِ قِيلَ: عَلَى الثَّانِي، وَقِيلَ: نِصْفُهَا وَقِيلَ: عَلَى الْأَوَّلَيْنِ، وَقِيلَ: ثُلُثَاهَا، وَقِيلَ: دَمُهُ هَدَرٌ م 8 وَدِيَةُ الثَّانِي قِيلَ عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ، وَقِيلَ: ثُلُثَاهَا، وَقِيلَ: عَلَى الثَّالِثِ وقيل1: نِصْفِهَا م 9 وَيُتَوَجَّهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِي دية الثالث أنها على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 8: قَوْلُهُ: وَإِنْ جَذَبَ الْأَوَّلُ الثَّانِيَ وَالثَّانِي الثَّالِثَ وَالثَّالِثُ الرَّابِعَ فَدِيَةُ الرَّابِعِ عَلَى الثَّالِثِ، وَقِيلَ عَلَى الثَّلَاثَةِ، وَدِيَةُ الثَّالِثِ قِيلَ: عَلَى الثَّانِي، وَقِيلَ: نِصْفُهَا، وَقِيلَ: عَلَى الْأَوَّلَيْنِ، وَقِيلَ: ثُلُثَاهَا، وَقِيلَ: دَمُهُ هَدَرٌ انْتَهَى. أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي دِيَةِ الثَّالِثِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ: لَمْ أَطَّلِعْ عَلَى مَنْ اخْتَارَ شَيْئًا مِنْهَا، وَذَكَرَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ فِي الْفُصُولِ احْتِمَالَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا2. وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: اخْتَارَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَهُوَ أَنَّ دَمَهُ هَدَرٌ.
مَسْأَلَةٌ 9: قَوْلُهُ: وَدِيَةُ الثَّانِي قِيلَ: عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ، وَقِيلَ: ثُلُثَاهَا، وَقِيلَ: عَلَى الثَّالِثِ، وَقِيلَ: نِصْفُهَا انْتَهَى الْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ. قَطَعَ بِهِ فِي الْفُصُولِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ ابْنُ رَزِينٍ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَجِبُ ثُلُثَاهَا.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: تَجِبُ كَامِلَةً عَلَى الثَّالِثِ، قَالَ الْمَجْدُ: وَعِنْدِي لَا شَيْءَ مِنْهَا عَلَى الْأَوَّلِ بَلْ عَلَى الثَّالِثِ كلها أو نصفها.
__________
1 في "ط": "وقت".
2 ليست في "ص".(9/427)
الْأَوَّلِ، وَدِيَةُ الْأَوَّلِ: قِيلَ: عَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ، وَقِيلَ: ثُلُثَاهَا م 10 وَفِي بَقِيَّتِهَا فِي الْكُلِّ الرِّوَايَتَانِ.
وَإِنْ لَمْ يَقَعْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بَلْ مَاتُوا بِسُقُوطِهِمْ وَفِي الْمُغْنِي1: أَوْ وَقَعَ2 وَشَكَّ فِي تَأْثِيرِهِ أَوْ قَتَلَهُمْ فِي الْحُفْرَةِ أَسَدٌ وَلَمْ يَتَجَاذَبُوا فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ تَجَاذَبُوا فَدَمُ الْأَوَّلِ هَدَرٌ، وَعَلَيْهِ3 دِيَةُ الثَّانِي، وَعَلَى الثَّانِي دِيَةُ الثَّالِثِ، وَعَلَى الثَّالِثِ دِيَةُ الرَّابِعِ، وَقِيلَ: دِيَةُ الثَّالِثِ عَلَى الثَّانِي، وَقِيلَ: وَالْأَوَّلُ، وَدِيَةُ الرَّابِعِ عَلَى الثَّلَاثَةِ.
وَكَذَا إنْ ازْدَحَمَ وَتَدَافَعَ جَمَاعَةٌ عِنْدَ الْحُفْرَةِ فَسَقَطَ أَرْبَعَةٌ مُتَجَاذِبِينَ، وَعَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ قَضَى لِلْأَوَّلِ بِرُبُعِ الدِّيَةِ، وللثاني بثلثها، وللثالث بنصفها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ يَجِبُ نِصْفُهَا عَلَى الثَّالِثِ.
مَسْأَلَةٌ 10: قَوْلُهُ: وَدِيَةُ الْأَوَّلِ قِيلَ: عَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ. وَقِيلَ: ثُلُثَاهَا انْتَهَى.
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: هُوَ الصَّحِيحُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَجِبُ ثُلُثَاهَا.
قُلْت: وَالْقَوْلُ بِأَنَّ دَمَهُ هَدَرٌ قَوِيٌّ، لأنه السبب "4في ذلك4".
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: وَفِي بَقِيَّتِهَا فِي الْكُلِّ الرِّوَايَتَانِ، هُمَا الرِّوَايَتَانِ اللَّتَانِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ فِي فعل نفسه.
__________
1 12/86- 87.
2 في "ر": "دفع".
3 في "ر": "عنه".
4-4 ليست في "ط".(9/428)
وَلِلرَّابِعِ بِهَا. وَجَعَلَهُ1 عَلَى قَبَائِلِ الَّذِينَ ازْدَحَمُوا. فرافع2 إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجَازَهُ. وَذَهَبَ إلَيْهِ أَحْمَدُ3
وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ أَنَّ سِتَّةً تَغَاطُّوا فِي الْفُرَاتِ فَمَاتَ وَاحِدٌ فَرُفِعَ إلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَشَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ فَقَضَى بِخُمُسَيْ الدِّيَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ، وَبِثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ عَلَى الِاثْنَيْنِ، ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ، إنْ نَامَ عَلَى سَطْحِهِ فَهَوِيَ سَقْفُهُ مِنْ تَحْتِهِ عَلَى قَوْمٍ لَزِمَهُ الْمُكْثُ، كَمَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ فِيمَنْ أَلْقَى فِي مَرْكَبِهِ نَارٌ، وَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِسُقُوطِهِ لِأَنَّهُ مَلْجَأٌ لَمْ يَتَسَبَّبْ، وَإِنْ تَلِفَ شَيْءٌ بِدَوَامِ مُكْثِهِ أَوْ بِانْتِقَالِهِ ضَمِنَهُ.
وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّائِبِ الْعَاجِزِ عَنْ مُفَارَقَةِ الْمَعْصِيَةِ فِي الْحَالِ أَوْ الْعَاجِزِ عَنْ إزَالَةِ أَثَرِهَا. كَمُتَوَسِّطِ الْمَكَانِ الْمَغْصُوبِ، وَمُتَوَسِّطِ الْجَرْحَى، تَصِحُّ تَوْبَتُهُ مَعَ الْعَزْمِ وَالنَّدَمِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ عَاصِيًا4 بِخُرُوجِهِ مِنْ الْغَصْبِ وَمِنْهُ تَوْبَتُهُ بَعْدَ رَمْيِ السَّهْمِ أَوْ الْجُرْحِ، وَتَخْلِيصُهُ صَيْدَ الحرم من الشرك، وحمله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل: "جعل".
2 في "ط": "ترفع".
3 أخرجه في "مسنده" برقم: 573، من حديث علي.
4 في الأصل: "غاصبا"(9/429)
الْمَغْصُوبَ لِرَبِّهِ يَرْتَفِعُ1 الْإِثْمُ بِالتَّوْبَةِ وَالضَّمَانُ بَاقٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ، كَخُرُوجِ مُسْتَعِيرٍ مِنْ دَارٍ انْتَقَلَتْ عَنْ الْمُعِيرِ، وَخُرُوجِ مَنْ أَجْنَبَ بِمَسْجِدٍ وَنَزَعَ مُجَامِعٌ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ، فَإِنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ اتِّفَاقًا. وَنَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ تَوْبَةُ مُبْتَدِعٍ لَمْ يَتُبْ مِنْ أَصْلِهِ، تَصِحُّ، وَعَنْهُ: لَا. اخْتَارَهُ ابْنُ شَاقِلَا، وَكَذَا تَوْبَةُ الْقَاتِلِ قَدْ تُشْبِهُ هَذَا وَتَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ.
وَحَقُّ الْآدَمِيِّ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ، وَكَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ: فَإِنَّهُ شَبَّهَهُ بِمَنْ تَابَ مِنْ قَتْلٍ أَوْ إتْلَافٍ مَعَ بَقَاءِ أَثَرِ ذَلِكَ، لَكِنَّهُ قَالَ2: إنَّ تَوْبَتَهُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ تَمْحُو جَمِيعَ ذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْإِثْمَ وَاللَّائِمَةَ وَالْمُعْتِبَةَ تَزُولُ عَنْهُ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَجِهَةِ الْمَالِكِ، وَلَا يَبْقَى إلَّا حَقُّ الضَّمَانِ لِلْمَالِكِ.
قَالَ شَيْخُنَا: هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ التَّائِبَ بَعْدَ الْجُرْحِ أَوْ وُجُوبِ الْقَوَدِ لَيْسَ كَالْمُخْطِئِ ابْتِدَاءً، فَرَّقَتْ الشَّرِيعَةُ بَيْنَ الْمَعْذُورِ ابْتِدَاءً وَبَيْنَ3 التَّائِبِ فِي أَثْنَائِهِ وَأَثَرِهِ.
وَأَبُو الْخَطَّابِ مَنَعَ أَنَّ حَرَكَاتِ الْغَاصِبِ لِلْخُرُوجِ طَاعَةٌ، بَلْ مَعْصِيَةٌ، فَعَلَهَا لِدَفْعِ أَكْثَرِ الْغَصْبَيْنِ4 بِأَقَلِّهِمَا، وَالْكَذِبُ لِدَفْعِ قَتْلِ إنْسَانٍ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ هُوَ الْوَسَطُ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَنْ أَضَلَّ غَيْرَهُ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ مُضِلٌّ، ومن لا يرى أنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل: "ليرتفع".
2 ليست في الأصل، والمثبت من "ط".
3 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
4 في "ر": "المعصيتين".(9/430)
إضْلَالٌ فَكَالْكَافِرِ الدَّاعِيَةِ يَتُوبُ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا. وَذَكَرَ جَدُّهُ أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ الْغَصْبِ مُمْتَثِلٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، إنْ جَازَ الْوَطْءُ لِمَنْ1 قَالَ إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَفِيهَا رِوَايَتَانِ، وَإِلَّا تَوَجَّهَ لَنَا أَنَّهُ عَاصٍ مِنْ وَجْهٍ ممتثل من وجه
__________
1 في "ر": "فمن".(9/431)
فَصْلٌ وَمِنْ اُضْطُرَّ إلَى طَعَامٍ غَيْرِ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ2 أَوْ شَرَابِهِ فَطَلَبَهُ فَمَنَعَهُ حَتَّى مَاتَ ضَمِنَهُ،
نَصَّ عَلَيْهِ، كَأَخْذِهِ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ وَهُوَ عَاجِزٌ فَيَتْلَفُ أَوْ دَابَّتُهُ، قَالَهُ الشَّيْخُ، وَعِنْدَ الْقَاضِي: عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَكَذَا أَخَذَهُ تُرْسًا مِمَّنْ يَدْفَعُ بِهِ ضَرْبًا عَنْهُ. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ. وإن أمكنه إنجاء شخص من هلكة فلم يفعل فوجهان م 11 وقيل:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 11: قَوْلُهُ: وَإِنْ أَمْكَنَهُ إنْجَاءُ شَخْصٍ مِنْ هَلَكَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْ فَوَجْهَانِ انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي القواعد الأصولية.
أَحَدُهُمَا: لَا يَضْمَنُهُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي3 وَالْمُقْنِعِ4 وَالشَّارِحُ وَغَيْرِهِمْ، وَإِلَيْهِ مَالَ ابن منجا فِي شَرْحِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَضْمَنُهُ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وجزم به في الخلاصة والمنور، وقدمه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
2 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
3 12/102.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/354.(9/431)
وَهُمَا1 فِي وُجُوبِهِ وَخَرَّجَ الْأَصْحَابُ ضَمَانَهُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا، فَدَلَّ أَنَّهُ مَعَ الطَّلَبِ وَفَرَّقَ الشَّيْخُ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَسَبَّبْ، كَمَا لَوْ لَمْ يَطْلُبْهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، فَدَلَّ أَنَّ كَلَامَهُمْ عِنْدَهُ: وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهُ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُمْ فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ، وَقَدْ نَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى فِيمَنْ مَاتَ فَرَسُهُ فِي غُزَاةٍ: لَمْ يَلْزَمْ مَنْ مَعَهُ فَضْلُ حَمْلِهِ. نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: يَذْكُرُ النَّاسَ فَإِنْ حَمَلُوهُ وَإِلَّا مَضَى مَعَهُمْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَصَاحِبُ الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ خَرَّجُوا ضَمَانَهُ عَلَى مَنْ مَنَعَهُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ حَتَّى مَاتَ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الضَّمَانِ، وَلَكِنَّ الشَّيْخَ الْمُوَفَّقَ وَغَيْرَهُ فَرَّقَ بَيْنَ مَنْ مَنَعَهُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَبَيْنَ مَنْ أَمْكَنَهُ إنْجَاءَ إنْسَانٍ مِنْ هَلَكَةٍ، لِأَنَّهُ فِي الثَّانِيَةِ لَمْ يَكُنْ هَلَاكُهُ بِسَبَبٍ مِنْهُ، فَلَمْ يَضْمَنْهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهِ، وَأَمَّا فِي مسألة الطعام فإنه "2منع مِنْهُ2" كَانَ سَبَبًا فِي هَلَاكِهِ، فَافْتَرَقَا. وَاَللَّهُ أعلم.
__________
1 في الأصل: "هما".
2-2 في "ط": "منعه منه".(9/432)
وَمَنْ أُسْقِطَتْ بِطَلَبِ سُلْطَانٍ أَوْ تَهْدِيدِهِ1 لِحَقِّ اللَّهِ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ مَاتَتْ بِوَضْعِهَا أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهَا، أَوْ اسْتَعْدَى2 إنْسَانٌ، ضَمِنَ السُّلْطَانُ وَالْمُسْتَعْدِي فِي الْأَخِيرَةِ3، فِي الْمَنْصُوصِ فِيهِمَا، كَإِسْقَاطِهَا بِتَأْدِيبٍ أَوْ قَطْعِ يَدٍ لَمْ يَأْذَنْ سَيِّدٌ فِيهَا. أَوْ شُرْبِ دَوَاءٍ لِمَرَضٍ. وَإِنْ مَاتَتْ فزعا فوجهان م 12
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 12: قَوْلُهُ: فَإِنْ مَاتَتْ فَزَعًا فَوَجْهَانِ انْتَهَى. يَعْنِي إذَا أَرْسَلَ إلَيْهَا السُّلْطَانُ أَوْ هَدَّدَهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي مَوْضِعٍ وَالنَّظْمِ.
أَحَدُهُمَا: يَضْمَنُهَا، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُقْنِعِ4 وَالْمُغْنِي5 وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، "6وَهُوَ أَظْهَرُ6".
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَضْمَنُهَا، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي7 وَالْمُحَرَّرِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ أَيْضًا8: فإن
__________
1 في الأصل: "تهديد".
2 الأصل: "استعد".
3 في "ط": "الذخيرة".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/360.
5 12/101.
6-6 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
7 5/196.
8 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".(9/433)
قَالَ فِي الْمُغْنِي1: إنْ أَحْضَرَ ظَالِمَةً عِنْدَ حَاكِمٍ لَمْ يَضْمَنْهَا، بَلْ جَنِينَهَا. وَفِي الْمُنْتَخَبِ: وَكَذَا رَجُلٌ مُسْتَعْدًى عَلَيْهِ.
وَتَرْجَمَ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ عَلَى نَصِّهِ فِي طَلَبِ سُلْطَانٍ لِرَجُلٍ يَفْزَعُ الرَّجُلَ بِالسُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ فَيَمُوتُ.
قَالَ فِي الفنون: إذا2 شمت حاملة ريح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
اسْتَعْدَى عَلَى امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا أَوْ مَاتَتْ فَزَعًا ضَمِنَهَا الْعَاقِلَةُ إنْ كَانَ ظَالِمًا، وَإِلَّا فَلَا فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةٍ فِي هَذَا الْبَابِ.
__________
1 12/102.
2 في النسخ الخطية: "إن"، والمثبت من "ط".(9/434)
طَبِيخٍ فَاضْطَرَبَ جَنِينُهَا فَمَاتَتْ أَوْ مَاتَ، فَقَالَ حَنْبَلِيٌّ وَشَافِعِيَّانِ: إنْ لَمْ يَعْلَمُوا بِهَا فَلَا إثْمَ وَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ عَلِمُوا وَكَانَ عَادَةً مُسْتَمِرَّةً أَنَّ الرَّائِحَةِ تَقْتُلُ احْتَمَلَ الضَّمَانَ، لِلْإِضْرَارِ، وَاحْتَمَلَ: لَا، لِعَدَمِ تَضَرُّرِ بَعْضِ النِّسَاءِ، وَكَرِيحِ الدُّخَانِ يَتَضَرَّرُ بِهَا صَاحِبُ سُعَالٍ وَضِيقِ نَفَسٍ، لَا ضَمَانَ وَلَا إثْمَ، كَذَا قَالَ وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ.
وَإِنْ سَلَّمَ وَلَدَهُ لِسَابِحٍ لِيُعَلِّمَهُ فَغَرِقَ لَمْ يَضْمَنْهُ، فِي الْأَصَحِّ، كَبَالِغٍ سَلَّمَ نَفْسَهُ إلَيْهِ1، وَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَنْزِلَ بِئْرًا أَوْ يَصْعَدَ شَجَرَةً فَهَلَكَ بِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ كَاسْتِئْجَارِهِ قَبَّضَهُ الْأُجْرَةَ أَوْ لَا، وَقِيلَ: إنْ أَمَرَهُ سُلْطَانٌ ضَمِنَهُ، وَهُوَ مِنْ خَطَإِ الْإِمَامِ، وَلَوْ أَمَرَ مَنْ لَا يُمَيِّزُ قَالَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَ الْأَكْثَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَةِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ ضَمِنَهُ، وَلَعَلَّ مُرَادَ الشَّيْخِ: مَا جَرَى بِهِ عُرْفٌ وَعَادَةٌ، كَقَرَابَةٍ وَصُحْبَةٍ وَتَعْلِيمٍ وَنَحْوِهِ، فَهَذَا مُتَّجَهٌ، وَإِلَّا ضَمِنَهُ، وَقَدْ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ، فَبَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مُعَاوِيَةَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ2، قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: لَا يُقَالُ هذا تصرف في منفعة الصبي؛ لِأَنَّهُ قَدْرٌ يَسِيرٌ، وَرَدَ الشَّرْعُ بِالْمُسَامَحَةِ بِهِ للحاجة، واطرد به العرف وعمل المسلمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
2 في صحيحه 2604.(9/435)
وَإِنْ وَضَعَ شَيْئًا عَلَى عُلُوٍّ وَقِيلَ: غَيْرُ مُتَطَرِّفٍ فَرَمَتْهُ رِيحٌ أَوْ دَفَعَهَا عَنْ وُصُولِهَا إلَيْهِ ذَكَرَهَا فِي الِانْتِصَارِ فِي الصَّائِلِ فَلَا ضَمَانَ، وَلَوْ تَدَحْرَجَ فَدَفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ. وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهَانِ، وَأَنَّهُمَا فِي بَهِيمَةٍ حَالَتْ بَيْنَ مُضْطَرٍّ وَطَعَامِهِ، وَلَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِقَتْلِهَا، مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ(9/436)
باب مقادير ديات النفس
مدخل
...
باب مقادير ديات النفس
دِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ مِائَةُ بَعِيرٍ، أَوْ مِائَتَا بَقَرَةٍ، أَوْ أَلْفَا شَاةٍ أَوْ أَلْفُ مِثْقَالٍ ذَهَبًا، أَوْ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَهَذِهِ أُصُولُ الدِّيَةِ، إذَا أَحْضَرَ مَنْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ أَحَدَهَا لَزِمَ قَبُولُهُ، وَعَنْهُ مِنْ الْأُصُولِ: مِائَتَا حُلَّةٍ مِنْ حُلَلِ الْيَمَنِ، نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، الْحُلَّةُ: بَرْدَانِ، إزَارٌ وَرِدَاءٌ، وَفِي الْمُذْهَبِ: جَدِيدَانِ مِنْ جِنْسٍ.
وَقَالَ فِي كَشْفِ الْمُشْكَلِ فِي الْجُزْءِ السَّادِسِ فِي1 مُسْنَدِ عُمَرَ فِي إفْرَادِ الْبُخَارِيِّ: الْحُلَّةُ لَا تَكُونُ إلَّا ثَوْبَيْنِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْحُلَّةُ ثَوْبَانِ: إزَارٌ وَرِدَاءٌ، وَلَا تُسَمَّى حُلَّةً حَتَّى تَكُونَ جَدِيدَةً تَحِلُّ عِنْدَ طَيِّهَا، هَذَا كَلَامُهُ، وَلَمْ يَقُلْ: مِنْ جِنْسٍ.
وَعَنْهُ: الْأَصْلُ الْإِبِلُ، فَإِنْ تَعَذَّرَتْ قَالَ جَمَاعَةٌ: أَوْ زَادَ ثَمَنُهَا انْتَقَلَ عَنْهَا2 إلَى الْبَاقِي.
فَيَجِبُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ وَشِبْهِهِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَعَنْهُ: ثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً: نَصَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ، وَيُتَوَجَّهُ تَخْرِيجُ مَنْ حَمَّلَ الْعَاقِلَةَ كَخَطَإٍ. وَفِي الروضة رواية: العمد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في النسخ الخطية: "من"، والمثبت من "ط".
2 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".(9/437)
أثلاثا، وشبهه أرباعا1، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالْخَلِفَةُ الْحَامِلُ. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ كَوْنُهَا ثَنَايَا2، وَقِيلَ: إلَى بَازِلِ3 عَامٍ، وَلَهُ4 سَبْعٌ، وَإِنْ تَسَلَّمَهَا بِقَوْلِ خِبْرَةٍ ثُمَّ أَنْكَرَ حَمْلَهَا رُدَّ قَوْلُهُ وَإِلَّا قُبِلَ. وَتَجِبُ فِي الْخَطَإِ أَخْمَاسًا، ثَمَانُونَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ بِالسَّوِيَّةِ، وَعِشْرُونَ ابْنَ مَخَاضٍ.
وَيُؤْخَذُ فِي بَقَرٍ مُسِنَّاتٍ وَأَتْبِعَةٍ، وَفِي غَنَمٍ ثَنَايَا وَأَجْذِعَةٍ نِصْفَيْنِ وَيُتَوَجَّهُ: أَوْ لَا، وَأَنَّهُ كَزَكَاةٍ.
وَتُعْتَبَرُ السَّلَامَةُ مِنْ عَيْبٍ وَعَنْهُ: وَأَنْ تَبْلُغَ5 قِيمَتُهَا دِيَةَ نَقْدٍ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَاعْتَبَرُوا جِنْسَ مَاشِيَتِهِ، ثُمَّ بَلَدِهِ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُؤْخَذُ فِي الْحُلَلِ الْمُتَعَارَفِ بِالْيَمَنِ، وَإِنْ تَنَازَعَا فَقِيمَةُ كُلِّ حُلَّةٍ سِتُّونَ دِرْهَمًا.
وَتَغْلُظُ دِيَةُ طَرَفٍ، كَقَتْلٍ، وَلَا تَغْلِيظَ فِي غَيْرِ إبِلٍ. وَدِيَةُ أُنْثَى نِصْفُ دِيَةِ ذَكَرٍ. وَتُسَاوِي جِرَاحَهَا جِرَاحَهُ إلَى الثُّلُثِ وَعَنْهُ: عَلَى نِصْفِهِ كَالزَّائِدِ وَفِي الثُّلُثِ رِوَايَتَانِ م 1. وَدِيَةُ خُنْثَى مُشْكِلٍ نِصْفُ دِيَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وكذا جراحه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 1: قَوْلُهُ: فِي جِرَاحِ الْمَرْأَةِ وَفِي الثُّلُثِ رِوَايَتَانِ، انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ والحاوي الصغير والزركشي وغيرهم.
__________
1 في "ط": "رباعا".
2 في "المصباح": "ثنى" الثني: الجمل يدخل في السنة السادسة، والناقة: ثنية.
3 في "المصباح": "بزل" بزل البعير بزولا: فطر نابه بدخوله في السنة التاسعة.
4 في "ر": "ولا".
5 ليست في "ر".(9/438)
وَدِيَةُ كِتَابِيٍّ نِصْفُ دِيَةِ مُسْلِمٍ، وَعَنْهُ: ثُلُثٌ، اختاره أبو محمد الجوزي، وقال: إنْ1 قَتَلَ عَمْدًا فَدِيَةُ الْمُسْلِمِ، وَكَذَا جِرَاحُهُ.
وَدِيَةُ مَجُوسِيٍّ وَوَثَنِيٍّ ذِمِّيٍّ وَمُعَاهَدٍ أَوْ2 مُسْتَأْمَنٍ بِدَارِنَا، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: أَوْ قُتِلَ مِنْهُمْ مَنْ آمَنُوهُ بِدَارِهِمْ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَجِرَاحُهُ بِالنِّسْبَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
إحْدَاهُمَا3: عَدَمُ الْمُسَاوَاةِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي4 وَالشَّرْحِ5، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُسَاوِيهِ فِي ذَلِكَ، كَمَا لَوْ كَانَ دُونَهُ، وَهُوَ أَوْلَى، اخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَيُحْتَمَلُ6 كَلَامُهُ فِي الْكَافِي7 وَالْمُقْنِعِ8 فَإِنَّهُ قَالَ: وَيُسَاوِي جِرَاحَهَا جِرَاحُهُ9 إلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ، فَإِذَا زَادَتْ صَارَتْ عَلَى النِّصْفِ. فَظَاهِرُ قَوْلِهِ: إلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ عَدَمُ الْمُسَاوَاةِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: فَإِذَا زَادَتْ صَارَتْ10 عَلَى النِّصْفِ الْمُسَاوَاةُ، وكذا كلام ابن منجا في شرحه.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: وَدِيَةُ مَجُوسِيٍّ وَوَثَنِيٍّ ذِمِّيٍّ وَمُعَاهَدٍ أو مستأمن بدارنا ثمان مئة
__________
1 في "ط": "إنه".
2 في "ر": "و".
3 في "ح": "أحدهما".
4 12/58.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/389.
6 في النسخ الخطية: "ويحتمله".
7 5/217.
8 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/392.
9 في "ط": "جراحه".
10 ليست في "ص".(9/439)
وفي المغني1 في "2معاهد "3دية دِينِهِ3"،2" وَنِسَاؤُهُمْ كَنِصْفِهِمْ كَالْمُسْلِمِينَ. وَلَا يَضْمَنُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: مَنْ لَهُ دِينٌ لَهُ دِيَةُ أَهْلِ دِينِهِ. وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ: كَدِيَةِ مُسْلِمٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْ يُتْبِعُهُ.
وَنِسَاءُ حَرْبٍ وَذُرِّيَّتُهُمْ وَرَاهِبٌ يَتْبَعُونَ أَهْلَ الدَّارِ وَالْآبَاءِ. وَتَغْلُظُ دِيَةُ نَفْسٍ خَطَأً. وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَوْ عَمْدًا، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ. قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: كَمَا يَجِبُ بِوَطْءِ صَائِمَةٍ مُحَرَّمَةٍ كَفَّارَتَانِ، ثُمَّ قَالَ: تَغْلُظُ إذَا كَانَ مُوجِبُهُ4 الدِّيَةَ.
وَفِي الْمُفْرَدَاتِ: تَغْلُظُ عِنْدَنَا فِي الْجَمِيعِ، ثُمَّ دِيَةُ الْخَطَإِ لَا تَغْلُظُ فِيهَا. وَفِي الْمُغْنِي5 وَالتَّرْغِيبِ: وَطَرَفٌ بِثُلُثِ دِيَتِهِ بِحَرَمٍ "6جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ6" وَإِحْرَامٌ وَشَهْرٌ حرام، نقله الجماعة، وعنه: ورحم محرم،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
دِرْهَمٍ، انْتَهَى. الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ ذِمِّيٌّ عَائِدٌ إلَى الْمَجُوسِيِّ، وَقَوْلُهُ مُعَاهَدٌ عَائِدٌ إلَى الْوَثَنِيِّ، لَكِنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَثَنِيِّ وَغَيْرِهِ فِيمَا إذَا عَاهَدَ، وَإِنْ أَعَدْنَا لَفْظَةَ ذِمِّيٍّ إلَى الْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ فَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْوَثَنِيَّ لَا يَكُونُ ذِمِّيًّا إلَّا عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ، وَلَيْسَ الْقَوْلُ مَخْصُوصًا بِهِ بَلْ بِهِ وَبِغَيْرِهِ. وَاَللَّهُ أعلم.
__________
1 12/56.
2 في الأصل: "معاهدته أهل ديته".
3 في "ر" "ثلث ديته".
4 في "ط": "موجبة".
5 12/23.
6-6 ليست في الأصل.(9/440)
اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَجَمَاعَةٌ، وَلَمْ يُقَيِّدْ فِي التَّبْصِرَةِ وَالطَّرِيقُ الْأَقْرَبُ وَغَيْرُهُمَا الرَّحِمُ بِالْمَحْرَمِ، كَمَا قَالُوا فِي الْعِتْقِ، وَلَمْ يَحْتَجَّ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا لِلرَّحِمِ إلَّا بِسُقُوطِ الْقَوَدِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِعَمُودَيْ النَّسَبِ وَقِيلَ: وَحَرَمِ الْمَدِينَةِ.
وَفِي التَّرْغِيبِ1، تَخْرُجُ رِوَايَتَانِ، وَلَا تَدَاخُلَ، وَقِيلَ: التَّغْلِيظُ بِدِيَةٍ عَمْدٍ، وَقِيلَ: بِدِيَتَيْنِ، وَفِي الْمُبْهِجِ: إنْ لَمْ يُقْتَلْ بِأَبَوَيْهِ فَفِي لُزُومِهِ دِيَتَانِ أَمْ دِيَةٌ وَثُلُثٌ؟ رِوَايَتَانِ. وَعِنْدَ الْخِرَقِيِّ وَالشَّيْخِ: لَا تَغْلِيظَ كَجَنِينٍ وَعَبْدٍ، وَذَكَرَهُ ابْنُ رَزِينٍ الْأَظْهَرُ.
وَإِنْ قَتَلَ مُسْلِمٌ وَقَدَّمَ فِي الِانْتِصَارِ: أَوْ كَافِرٌ، وَجَعَلَهُ ظَاهِرَ كَلَامِهِ كَافِرًا عَامِدًا2 أُضْعِفَتْ الدِّيَةُ فِي الْمَنْصُوصِ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ تَغْلُظُ بِثُلُثٍ. "3وَاَللَّهُ أَعْلَمُ3".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في النسخ الخطية: "فيه".
2 في النسخ الخطية: "عمدا"، والمثبت من "ط".
3-3 ليست في النسخ الخطية.(9/441)
فَصْلٌ وَفِي كُلِّ جَنِينٍ ذَكَرٍ وَأُنْثَى حُرٍّ،
وَقِيلَ: وَلَوْ مُضْغَةً لَمْ تُتَصَوَّرْ، ظَهَرَ أَوْ بَعْضُهُ مَيِّتًا، وَفِيهِ مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ فِي الِانْتِصَارِ، وَأَنَّ مِثْلَهُ لَوْ شُقَّ بَطْنُهَا فَشُوهِدَ، قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِ4 أُمِّهِ: بِجِنَايَةٍ عَمْدًا أو5 خطأ، فسقط عقبها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
4 ليست في الأصل.
5 في النسخ الخطية: "و".(9/441)
أَوْ بَقِيَتْ مُتَأَلِّمَةً إلَيْهِ، عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ غُرَّةٌ1 مَوْرُوثَةٌ عَنْهُ، لَهَا سَبْعُ سِنِينَ فَأَكْثَرُ، وَقِيلَ أَوْ أَقَلُّ، لَا خُنْثَى وَلَا مَعِيبَةٌ تُرَدُّ فِي بَيْعٍ، وَلَا خَصِيٌّ وَنَحْوُهُ، فَإِنْ أَعْوَزَتْ فَالْقِيمَةُ مِنْ أَصْلِ الدِّيَةِ. وَفِي التَّرْغِيبِ: وَهَلْ الْمَرْعِيُّ فِي الْقَدْرِ بِوَقْتِ الْجِنَايَةِ أَوْ الْإِسْقَاطِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَمَعَ سَلَامَتِهِ وَعَيْبِهَا هَلْ تُعْتَبَرُ سَلِيمَةً أَوْ مَعِيبَةً؟ فِي الِانْتِصَارِ احْتِمَالَانِ م 2.
"2وَيُرَدُّ قَوْلُ كَافِرَةٍ: حَمَلْت مِنْ مُسْلِمٍ2".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 2: قَوْلُهُ3: فِي غُرَّةِ الْجَنِينِ الْحُرِّ: عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ غُرَّةٌ مَوْرُوثَةٌ عَنْهُ، فَإِنْ أَعْوَزَتْ فَالْقِيمَةُ مِنْ أَصْلِ الدِّيَةِ. وَفِي التَّرْغِيبِ: وَهَلْ الْمَرْعِيُّ فِي الْقَدْرِ بِوَقْتِ الْجِنَايَةِ أَوْ الْإِسْقَاطِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَمَعَ سَلَامَتِهِ وَعَيْبِهَا هَلْ تُعْتَبَرُ سَلِيمَةً أَوْ مَعِيبَةً فِي الِانْتِصَارِ احْتِمَالَانِ، انْتَهَى.
الصَّوَابُ فِيمَا قَالَ فِي التَّرْغِيبِ إنَّ الْمَرْعِيَّ فِي الْقَدْرِ بِوَقْتِ الْإِسْقَاطِ لَا بِوَقْتِ الْجِنَايَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَالصَّوَابُ فِيمَا قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ أَنْ تُعْتَبَرَ الْأُمُّ سَلِيمَةً لِسَلَامَةِ الْوَلَدِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِقِيمَةِ الْأُمِّ مُطْلَقًا.
وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا يَظْهَرُ أَنَّ الْوَلَدَ إذَا خَرَجَ سَلِيمًا وَكَانَتْ أُمُّهُ مَعِيبَةً فَهَلْ تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْأُمِّ سَلِيمَةً لِسَلَامَةِ الْوَلَدِ أَوْ نَعْتَبِرُهَا عَلَى صِفَتِهَا؟ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الثَّانِي، وَالصَّوَابُ الأول. والله أعلم.
__________
1 أي: عبد أو أمة، كما في "القاموس"، و"المصباح": "غرر".
2-2 ليست في "ر".
3 ليست في "ص".(9/442)
"1وَإِنْ ضَرَبَ بَطْنَ مَيْتَةٍ أَوْ عُضْوًا فَخَرَجَ مَيِّتًا وَشُوهِدَ بِالْجَوْفِ يَتَحَرَّكُ فَفِيهِ خِلَافٌ م 3.
وَفِي مَمْلُوكٍ عُشْرُ قِيمَتِهَا، نَقَلَهُ جَمَاعَةٌ، وَنَقَلَ حَرْبٌ: نِصْفُ عُشْرِهَا يَوْمَ جِنَايَتِهِ نَقْدًا إذَا سَاوَتْهُمَا حُرِّيَّةٌ وَرِقًّا، وَإِلَّا فَبِالْحِسَابِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ دِينُ أَبِيهِ أَوْ هُوَ أَعْلَى مِنْهَا دِيَةً، فَيَجِبُ عُشْرُ دِيَتِهَا لَوْ كَانَتْ عَلَى ذَلِكَ الدِّينِ1".
وَفِي التَّبْصِرَةِ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ غُرَّةٌ سَالِمَةٌ لَهَا سَبْعُ سِنِينَ، وَعَنْهُ: بَلْ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ أَبِيهِ أَوْ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ2.
وَإِنْ سَقَطَ حَيًّا لِوَقْتٍ يَعِيشُ فِي مِثْلِهِ كَنِصْفِ سَنَةٍ لَا أَقَلَّ، وَعَنْهُ: وَاسْتَهَلَّ، فَفِيهِ مَا فِيهِ مَوْلُودًا، وَإِلَّا فَكَمَيِّتٍ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا: كَحَيَاةِ مَذْبُوحٍ، فَإِنَّهُ لَا حكم له3، فإن اختلفا في حياته فوجهان م 4.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 3: قَوْلُهُ: وَيُرَدُّ قَوْلُ كَافِرَةٍ حَمَلْت بِهِ مِنْ مُسْلِمٍ، وَإِنْ ضَرَبَ بَطْنَ مَيْتَةٍ أَوْ عُضْوًا فَخَرَجَ مَيِّتًا وَشُوهِدَ بِالْجَوْفِ يَتَحَرَّكُ فَفِيهِ خِلَافٌ، انْتَهَى.
قُلْت: الصَّوَابُ وُجُوبُ الْغُرَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَحَرَكَتُهُ تَدُلُّ عَلَى حَيَاتِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَسْأَلَةٌ 4: قَوْلُهُ: فَإِنْ اختلفا في حياته4، فوجهان، انتهى. وأطلقهما في
__________
1-1 ليست في "ر".
2 بعدها في "ر" يأتي التعليق السابق: "ويرد قول كافرة..... على ذلك الدين".
3 في النسخ الخطية: "لها".
4 ليست في "ط".(9/443)
وَفِي التَّرْغِيبِ أَوْ غَيْرِهِ: لَوْ1 خَرَجَ بَعْضُهُ حَيًّا وَبَعْضُهُ مَيِّتًا فَرِوَايَتَانِ. وَإِنْ أَلْقَتْهُ أُمُّهُ وقد عتقت أو أعتق، وأعتقناه فعنه2: كجنين حر، وعنه مع سبق العتق الجناية، وعنه: كَجَنِينٍ مَمْلُوكٍ، وَنَقَلَ حَرْبٌ التَّوَقُّفَ م 5 وَإِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الهداية والمذهب3 والمستوعب والمقنع4 والمحرر وشرح ابن منجا وَغَيْرِهِمْ:
أَحَدُهُمَا: الْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَصَحَّحَهُ5 فِي التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَطَعَ بِهِ في المغني6 والوجيز، والشرح في موضع، وهو عجيب منه، إذْ الْكِتَابُ الْمَشْرُوحُ7 ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ، وَعُذْرُهُ أَنَّهُ تَابَعَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي، وَذُهِلَ عَنْ كَلَامِ الشَّيْخِ فِي الْمُقْنِعِ إلَّا أَنْ تَكُونَ النُّسْخَةُ مَغْلُوطَةً، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ.
والوجه8 الثاني: القول قول مستحقي دية9 الْجَنِينِ.
مَسْأَلَةٌ 5: قَوْلُهُ: وَإِنْ أَلْقَتْهُ أُمُّهُ وَقَدْ عتقت أو أعتق وأعتقناه، فعنه: كجنين حر، وعنه: مع سبق العتق الجناية، وعنه: كجنين مَمْلُوكٍ، وَنَقَلَ حَرْبٌ التَّوَقُّفَ، انْتَهَى. أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي كَوْنِهِ كَجَنِينِ حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ، وَالْحَالَةُ هذه، أطلقهما في المستوعب
__________
1 في "ر": "أو".
2 في "ر": "ففيه".
3 ليست في "ط".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/436- 437.
5 في "ط": "وصححه".
6 12/76.
7 يعني "المقنع" للشيخ أبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة.
8 في "ص": "والقول".
9 في "ط": "دين".(9/444)
أَلْقَتْهُ حَيًّا فَالدِّيَةُ كَامِلَةٌ مَعَ سَبْقِ الْعِتْقِ الْجِنَايَةَ وَإِلَّا فَرِوَايَتَا عَبْدٍ جَرَحَ ثُمَّ عَتَقَ..
وَيَرِثُ الْغُرَّةَ وَالدِّيَةَ مَنْ يَرِثُهُ كَأَنَّهُ سَقَطَ حَيًّا، وَلَا يَرِثُ قَاتِلٌ وَلَا رَقِيقٌ، فَيَرِثُ عصبة سيد قاتل جنين أمته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْكَافِي1.
إحْدَاهُمَا: هُوَ كَجَنِينِ حُرٍّ، فَفِيهِ غُرَّةٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ2 وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَمُنَوِّرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: هُوَ كَجَنِينِ مَمْلُوكٍ،، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ، فَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَهُوَ أَصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: نَقَلَهَا3 حَرْبٌ وَابْنُ مَنْصُورٍ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: هُوَ كَجَنِينِ حُرٍّ إنْ سَبَقَ الْعِتْقُ الْجِنَايَةَ وَإِلَّا فَلَا، وَهِيَ أَقْوَى مِنْ كَوْنِهِ كَجَنِينِ مَمْلُوكٍ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: أَوْ أُعْتِقَ وَأَعْتَقْنَاهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ فِي عِتْقِ الْجَنِينِ خِلَافًا هَلْ يَصِحُّ عِتْقُهُ أَوْ لَا يَصِحُّ حَتَّى يُوضَعَ؟ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَصِحُّ عِتْقُهُ مُفْرَدًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ، وَعَنْهُ: لَا يُعْتَقُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَعَنْهُ لَا يُعْتَقُ حتى تلده حيا.
__________
1 5/228.
2 المقنع مع الشرح الكبي والإنصاف 25/428.
3 في النسخ الخطية: "نقله".(9/445)
وَفِي الرَّوْضَةِ هُنَا: إنْ شَرَطَ زَوْجُ الْأَمَةِ حرية الولد كان حرا، وإلا عبدا.
وَفِي جَنِينِ دَابَّةٍ مَا نَقَصَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَجَنِينِ أَمَةٍ.
وَإِنْ جَنَى عَبْدٌ وَلَوْ عَمْدًا وَاخْتِيرَ الْمَالُ أَوْ1 أَتْلَفَ مَالًا فَدَاهُ سَيِّدُهُ أَوْ بَاعَهُ فِي الْجِنَايَةِ، وَعَنْهُ: يَفْدِيهِ أَوْ يُسَلِّمُهُ بِهَا، وَعَنْهُ: يُخَيِّرُ بَيْنَهُنَّ، وَعَنْهُ: يَمْلِكُ بِالْعَفْوِ عَنْ قَوَدٍ، وَذَكَرَ2 ابْنُ عَقِيلٍ وَالْوَسِيلَةِ رِوَايَةً: يَمْلِكُهُ بِجِنَايَةِ عَمْدٍ، وَلَهُ قَتْلُهُ وَرِقُّهُ وَعِتْقُهُ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ لَوْ وَطِئَ الْأَمَةَ، وَنَقَلَ مُهَنَّا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهِيَ لَهُ وَوَلَدُهَا، وَهَلْ يَلْزَمُ السَّيِّدَ بَيْعُهُ بِطَلَبِهِ مِنْهُ أَوْ يَبِيعُهُ حَاكِمٌ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ م 6. وله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 6: قَوْلُهُ: وَهَلْ3 يَلْزَمُ السَّيِّدَ بَيْعُهُ بِطَلَبِهِ مِنْهُ أَوْ يَبِيعُهُ حَاكِمٌ فِيهِ4 رِوَايَتَانِ انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي5 وَالْمُقْنِعِ والمحرر والشرح6 وشرح ابن منجا والزركشي وغيرهم:
__________
1 في الأصل "لو".
2 في الأصل: "ذكره".
3 ليست في "ح".
4 في "ط": "في".
5 12/36.
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/455.(9/446)
التَّصَرُّفُ فِيهِ وَقِيلَ: بِإِذْنٍ، وَفِي الِانْتِصَارِ: لَا، قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: كَوَارِثٍ فِي تركة.
وفي المستوعب والترغيب: يَكُونُ مُلْتَزِمًا لِلْفِدَاءِ. وَإِنْ فَدَاهُ فَبِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ، وَعَنْهُ: بِكُلِّهِ، كَأَمْرِهِ بِهَا أَوْ إذْنِهِ فِيهَا، نَصَّ عَلَيْهِمَا، وَعَنْهُ: إنْ أَعْتَقَهُ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ، وَعَنْهُ: فِي قَوَدٍ، وقيل: أو غير عالم، وقيل أو قتله1 يَفْدِيهِ بِكُلِّهِ، وَلَوْ جَاوَزَتْ قِيمَتُهُ الدِّيَةَ، وَمَوْتُهُ عن جان مدبر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
إحْدَاهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ بَيْعُهُ، فَيَبِيعُهُ الْحَاكِمُ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ. لَمْ2 يَلْزَمْهُ3 فِي الْأَصَحِّ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. يَلْزَمُهُ، عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ، ذَكَرُوهُ فِي الرَّهْنِ. "4فَهَذِهِ ست مسائل في هذا الباب4".
__________
1 في "ط" "قبله".
2 في "ص": "فلا".
3 في "ح": "يلزمه بيعه".
4 ليست في "ط".(9/447)
كَمُبَاشِرِ عِتْقِهِ.
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ قَتَلَهُ رَجُلٌ فَهَلْ قِيمَتُهُ لَهُ أَوْ لِسَيِّدِهِ كَمَوْتِهِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ جَنَى عَلَى جَمَاعَةٍ فِي وَقْتٍ أَوْ أَوْقَاتٍ اشْتَرَكُوا بِالْحِصَصِ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَفَا بَعْضُهُمْ تَعَلَّقَ حَقُّ مَنْ بَقِيَ بِجَمِيعِهِمْ وَقِيلَ: بِحِصَّتِهِمْ.
وَإِنْ جَرَحَ حُرًّا فَعَفَا ثُمَّ مَاتَ، فَإِنْ فَدَاهُ بِقِيمَتِهِ فَدَاهُ بِثُلُثَيْهِ1، لِصِحَّةِ الْعَفْوِ فِي ثُلُثِهِ، وَإِنْ فَدَاهُ بِالدِّيَةِ زِدْت نِصْفَهَا عَلَى الْقِيمَةِ فَيَفْدِيهِ بِنِسْبَةِ الْقِيمَةِ مِنْ الْمَبْلَغِ. وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا ثُمَّ عَتَقَ ثُمَّ أُتْلِفَتْ ضَمِنَ وَشِرَاءُ وَلِيِّ قَوَدٍ لَهُ2 عفو عنه. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل: "بثلثه".
2 ليست في الأصل.(9/448)
باب ديات الأعضاء ومنافعها
مدخل
...
بَابُ دِيَاتِ الْأَعْضَاءِ وَمَنَافِعِهَا
مَنْ أَتْلَفَ مَا فِي الْإِنْسَانِ مِنْهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَفِيهِ دِيَةُ نَفْسِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، كَلِسَانٍ وَأَنْفٍ، وَلَوْ مَعَ عِوَجِهِ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَذَكَرٍ، حَتَّى صَغِيرٍ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَشَيْخٍ فَانٍ1 ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ.
وَمَا فِيهِ مِنْهُ شَيْئَانِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ، وَفِي أَحَدِهِمَا: نصفها، نص عليه. كعينين و2مع بَيَاضٍ يُنْقِصُ الْبَصَرَ يَنْقُصُ بِقَدْرِهِ، وَعَنْهُ: الدِّيَةُ كَامِلَةً، جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ، كَحَوْلَاءَ وَعَمْشَاءَ، مَعَ رَدِّ الْمَبِيعِ بِهِمَا، وَأُذُنَيْنِ. وَفِي الْوَسِيلَةِ: وَأَشْرَافِهِمَا، وَهُوَ جِلْدٌ بَيْنَ الْعَذَارِ وَالْبَيَاضِ الَّذِي حَوْلَهُمَا، نَصَّ عَلَيْهِ.
وَفِي الْوَاضِحِ وَأَصْدَافِ الْأُذُنَيْنِ، وَشَفَتَيْنِ وَلَحْيَيْنِ، وَثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَثُنْدُوَتَيْ الرَّجُلِ، نَصَّ عَلَيْهِ: مَغْرَزُ الثَّدْيِ، وَالْوَاحِدَةُ ثُنْدُوَةٌ بِفَتْحِ الثَّاءِ بِلَا هَمْزَةٍ، وَبِضَمِّهَا مَعَ الْهَمْزَةِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الثَّدْيُ لِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ، وَهَذَا أَصَحُّ فِي اللُّغَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَهُ، وَالثَّدْيُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَجَمْعُهُ أَثْدٍ وَثَدْيٌ وَثَدْيٌ بِضَمِّ الثَّاءِ وكسرها.
ويدين ويد3 مرتعش كصحيح.
ورجلين، وقدم أعرج4. وَيَدِ أَعْسَمَ، وَهُوَ عِوَجٌ فِي الرُّسْغِ كَصَحِيحٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط": "فإن".
2 في الأصل: "ولو".
3 في "ط": "يدي".
4 في "ط": "أعوج".(9/449)
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ حُكُومَةً، وَأَلْيَتَيْنِ، وَهُمَا مَا عَلَا وَإِنْ لَمْ يَصِلْ الْعَظْمُ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيهِمَا الدِّيَةُ إذَا قُطِعَتَا حَتَّى تَبْلُغَ الْعَظْمَ. وَأُنْثَيَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَفِي الِانْتِصَارِ: احْتِمَالٌ وَحُكُومَةٌ لِتَنْقِيصِ ذَكَرِ، وَإِسْكَتَيْ الْمَرْأَةِ وَهُمَا شَفْرَاهَا، أَوْ أَشَلُّهُمَا.
وَعَنْهُ: فِي شَفَةٍ سُفْلَى ثُلُثَا دِيَةٍ. وَفِي عُلْيَا ثُلُثُهَا1. وَفِي الْمَنْخِرَيْنِ ثُلُثَا دِيَةٍ، وَفِي الْحَاجِزِ بَيْنَهُمَا ثُلُثُهَا، وَعَنْهُ: فِيهِمَا دِيَةٌ، وَفِي الْحَاجِزِ بَيْنَهُمَا2 حُكُومَةٌ..
وَفِي الْأَجْفَانِ الْأَرْبَعَةِ دِيَةٌ، وَفِي جَفْنٍ3 رُبْعٌ. وَفِي أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ دِيَةٌ، وَكَذَا أَصَابِعُ الرِّجْلَيْنِ، وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ عُشْرُ دِيَةٍ. وَفِي أُنْمُلَةٍ ثُلُثُ عُشْرٍ، وَلَوْ كَانَ لَهَا ظُفْرٌ، وَالْإِبْهَامُ مِفْصَلَانِ، فَفِي كُلِّ مِفْصَلٍ نِصْفُ عُشْرٍ، وَفِي ظُفْرٍ خُمُسُ أُصْبُعٍ، نَصَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِ زَيْدٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ4.
وَفِي سِنٍّ مِنْ5 صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ وَضِرْسِهِ وَنَابِهِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةٍ، مَا لَمْ تَعُدْ، وَعَنْهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ بَدَلَهَا فَحُكُومَةٌ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وعنه: في الكل دية، ففي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط": "ثلثا".
2 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
3 الجفن: غطاء العين من أعلى وأسفل، جمعه أجفن وأجفان وجفون. "القاموس": "جفن"
4 وأخرجه أيضا عبد الرزاق في "المصنف" 17744"، وابن أبي شيبة في "المصكف" 9/220.
5 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".(9/450)
كُلِّ ضِرْسٍ بَعِيرَانِ، لِأَنَّ فَوْقَ ثَنِيَّتَيْنِ وَرَبَاعِيَتَيْنِ وَنَابَيْنِ وَضَاحِكَيْنِ وَنَاجِذَيْنِ وَسِتَّةِ طَوَاحِينَ وَأَسْفَلَ مِثْلُهَا، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: إنْ قَلَعَ أَسْنَانَهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَالدِّيَةُ.
وَفِي حَشَفَةِ ذَكَرٍ وَحَلَمَتَيْ1 ثَدْيَيْنِ وَكَسْرِ ظَاهِرِ سِنٍّ وَهُوَ مَا2 بَيْنَ لِثَةٍ دِيَةُ الْعُضْوِ كُلِّهِ، ثُمَّ مَنْ قَلَعَ مَا فِي اللِّثَةِ وَهُوَ السَّنِخُ فَحُكُومَةٌ، قَالَهُ الشَّيْخُ. وَفِي التَّرْغِيبِ فِي سَنِخَةٍ3 حُكُومَةٌ، وَلَا يَدْخُلُ فِي حِسَابِ النِّسْبَةِ.
وَفِي قَطْعِ بَعْضِ مَارِنٍ وَأُذُنٍ وَلِسَانٍ وَسِنٍّ وَشَفَةٍ وَحَلَمَةٍ وَأَلْيَةٍ وَحَشَفَةٍ وَأُنْمُلَةٍ بِالْحِسَابِ مِنْ دِيَةِ ذَلِكَ مَنْسُوبًا بِالْأَجْزَاءِ وَفِي التَّرْغِيبِ هُنَا رِوَايَةٌ: ثُلُثُ دِيَةٍ لِشَحْمَةِ أُذُنٍ. وَفِي الْوَاضِحِ: فِيمَا بَقِيَ مِنْ أُذُنٍ بِلَا نَفْعٍ الدِّيَةُ، وَإِلَّا حُكُومَةٌ.
وَفِي شَلَلِ عُضْوٍ أَوْ ذَهَابِ نَفْعِهِ، وَالْجِنَايَةِ عَلَى شفتين بحيث لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل: "حملة".
2 -2 في "ط": "بين".
3 في "ط": "سنخة".(9/451)
يُطْبِقَانِ1 عَلَى الْأَسْنَانِ، قَالَ فِي الْمُغْنِي2: أَوْ اسْتَرْخَتَا فَلَمْ يَنْفَصِلَا عَنْهُمَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ.
قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ وَالتَّرْغِيبِ: وَفِي التَّقَلُّصِ حُكُومَةٌ، وَفِي تَسْوِيدِ سِنٍّ أَبَدًا دِيَتُهَا، كَأُذُنٍ وَأَنْفٍ وَظُفْرٍ، وَعَنْهُ: ثُلُثُ دِيَتِهَا كَتَسْوِيدِ أَنْفِهِ مَعَ بَقَاءِ نَفْعِهِ قَالَهُ فِي الْوَاضِحِ.
وَعَنْهُ: حُكُومَةٌ، كَمَا لَوْ احْمَرَّتْ أَوْ اصْفَرَّتْ أَوْ كَلَّتْ، وَعَنْهُ: إنْ ذَهَبَ نَفْعُهَا فَدِيَةٌ، وَإِنْ اخْضَرَّتْ فَعَنْهُ: كَتَسْوِيدِهَا، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَخَبِ، وَعَنْهُ: حُكُومَةٌ وهي أشهر م 1.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 1: قَوْلُهُ: فِي السِّنِّ، وَإِنْ اخْضَرَّتْ فَعَنْهُ كَتَسْوِيدِهَا، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَخَبِ، وَعَنْهُ: حُكُومَةٌ وهو أشهر "3انتهى. وأطلقهما في المغني4، والشرح5.
إحداهما: فيه حكومة، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَهُوَ أَشْهَرُ3". وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ: فَإِنْ تَغَيَّرَتْ أَوْ تَحَرَّكَتْ وَجَبَتْ حُكُومَةٌ، انتهى.
__________
1 في "ط": "يطبقان".
2 12/123.
3-3 ليست في "ط".
4 12/137.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/498.(9/452)
وَفِي عُضْوٍ ذَهَبَ نَفْعُهُ وَبَقِيَ صُورَتُهُ1 كَأَشَلَّ مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ أُصْبُعٍ وَثَدْيٍ وَذَكَرٍ وَلِسَانٍ أَخْرَسَ وَطِفْلٍ بَلَغَ أَنْ يُحَرِّكَهُ بِالْبُكَاءِ وَلَمْ يُحَرِّكْهُ وَسِنٍّ سَوْدَاءَ وَعَيْنٍ قَائِمَةٍ وَثَدْيٍ بِلَا حَلَمَةٍ، وَذَكَرٍ بِلَا حَشَفَةٍ، وَقَصَبَةِ أَنْفٍ، وَشَحْمَةِ أُذُنٍ، حُكُومَةٌ. وَعَنْهُ: ثُلُثُ دِيَةٍ. وَلَوْ حَرَّكَهُ بِبُكَاءٍ فَالْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي لِسَانِ صَغِيرٍ لَمْ يَنْطِقْ الدِّيَةُ. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ: حُكُومَةٌ. وَفِي الْوَاضِحِ رِوَايَةٌ فِي ذَكَرٍ وَلِسَانٍ أَشَلَّ دِيَةٌ. وَلَوْ نَبَتَ سِنٌّ مِنْ صَغِيرٍ سَوْدَاءُ ثُمَّ ثَغَرَ ثُمَّ عادت سوداء فالدية، ويحتمل كَنَابِتَةٍ بَيْضَاءَ ثُمَّ عَادَتْ سَوْدَاءَ، إنْ كَانَ لعلة فالروايتان، وإلا الدية.
وَفِي يَدٍ وَرِجْلٍ وَأُصْبُعٍ وَسِنٍّ زَوَائِدَ حُكُومَةٌ، وَعَنْهُ: ثُلُثُ دِيَتِهِ: وَقِيلَ: هَدَرٌ، وَالرِّوَايَتَانِ فِي ذَكَرِ خَصِيٍّ وَعِنِّينٍ، وَعَنْهُ: الدِّيَةُ، وَعَنْهُ: لِعِنِّينٍ2.
وخرج مثله3 فِي الِانْتِصَارِ فِي لِسَانِ أَخْرَسَ. وَقَدَّمَ فِي الرَّوْضَةِ فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ إنْ لَمْ يُجَامِعْ بِمِثْلِهِ فَثُلُثُ دِيَةٍ، وَإِلَّا دِيَةٌ قَالَ: فِي عَيْنٍ قَاتِمَةٍ نِصْفُ دِيَةٍ., وَفِي شَلَلِ أَنْفٍ وَأُذُنٍ حُكُومَةٌ، كَعِوَجِهِمَا. قَالَ الشَّيْخُ: أَوْ تَغْيِيرُ لَوْنِهِمَا، وَقِيلَ: الدِّيَةُ كَشَلَلِ يَدٍ وَمَثَانَةٍ وَنَحْوِهِمَا. وفي المذهب: وإن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: خُضْرَتُهَا كَتَسْوِيدِهَا، قَطَعَ بِهِ وَلَدُ الشِّيرَازِيِّ فِي الْمُنْتَخَبِ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَقَطَعَ به أيضا في الكافي4.
__________
1 في النسخ الخطية: "صورة".
2 في "ر": "كعنين".
3 في "ط": "منه".
4 5/255.(9/453)
أَشَلَّ الْمَارِنَ وَعَوَّجَهُ فَدِيَةٌ وَحُكُومَةٌ، وَيُحْتَمَلُ دِيَةٌ.
وَفِي أَنْفٍ أَخَشْمَ وَأُذُنٍ صَمَّاءَ وَمَخْرُومٍ مِنْهُمَا وَأَشَلَّ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَفِي الْمُحَرَّرِ: إنْ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ سَالِمٌ فِي الْعَمْدِ فَحُكُومَةٌ. وَفِي التَّرْغِيبِ فِي أُذُنٍ مُسْتَحْشِفَةٍ وَهِيَ الشَّلَّاءُ رِوَايَتَانِ ثلث دية أو حكومة، وكذا1 فِي أَنْفٍ أَشَلَّ إنْ لَمْ تَجِبْ الدِّيَةُ.
وَمَنْ لَهُ يَدَانِ عَلَى كُوعِهِ2 أَوْ يَدَانِ وَذِرَاعَانِ عَلَى مِرْفَقَيْهِ وَتَسَاوَيَا فَهُمَا يَدٌ، وَلِلزِّيَادَةِ حُكُومَةٌ، وَفِي أَحَدِهِمَا: نِصْفُ دِيَةٍ وَحُكُومَةٌ وَفِي نِصْفِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: وَمَنْ لَهُ يَدَانِ عَلَى كُوعِهِ أَوْ يَدَانِ وَذِرَاعَانِ عَلَى مِرْفَقَيْهِ وَتَسَاوَيَا فَهُمَا يَدٌ، وَلِلزِّيَادَةِ حُكُومَةٌ، وَفِي أَحَدِهِمَا: نِصْفُ دِيَةٍ وَحُكُومَةٌ، انْتَهَى. هَذَا صَحِيحٌ، وَقَوْلُهُ: وَفِي نِصْفِ أُصْبُعٍ مِنْ أَحَدِهِمَا: خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا سَهْوٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ، وَإِنَّمَا الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: وَفِي قَطْعِ أُصْبُعٍ مِنْ أَحَدِهِمَا:، بِإِسْقَاطِ نِصْفِ أُصْبُعٍ3 كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُغْنِي4 وَالشَّرْحِ5 وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ6، لِأَنَّ الْيَدَيْنِ كَالْيَدِ الْوَاحِدَةِ، فَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ.
__________
1 بعدها في النسخ الخطية "فيه".
2 في الأصل: "كوعيه".
3 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
4 12/148- 150.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/478.
6 في النسخ الخطية: "غيرهما".(9/454)
أُصْبُعٍ مِنْ أَحَدِهِمَا: خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ، فَإِنْ قَطَعَ يَدًا لَمْ يُقْطَعَا وَلَا أَحَدُهُمَا.(9/455)
فَصْلٌ وَفِي كُلِّ حَاسَّةٍ دِيَةٌ كَامِلَةٌ،
كَذَا عِبَارَةُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ. يُقَالُ حَسَّ وَأَحَسَّ، أَيْ عَلِمَ، وَأَيْقَنَ: وَبِأَلِفٍ أَفْصَحُ، وَبِهِمَا جَاءَ الْقُرْآنُ1، وَإِنَّمَا يَصِحُّ قَوْلُهُمْ الْحَاسَّةُ وَالْحَوَاسُّ الْخَمْسُ عَلَى اللُّغَةِ الْقَلِيلَةِ2 وَالْأَشْهَرُ فِي حَسَّ3 بِلَا أَلِفٍ4 بمعنى قتل5. وَهِيَ سَمْعٌ وَبَصَرٌ وَشْمٌ وَذَوْقٌ.
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ فِيهِ حُكُومَةً.
وَتَجِبُ دِيَةٌ فِي كَلَامٍ وَعَقْلٍ وَمَشْيٍ وَنِكَاحٍ6 وَأَكْلٍ وَحَدَبٍ7 فِي رِوَايَةٍ فِيهِ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ، وَخَالَفَ فِيهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ م 2 وصعر، بأن يضربه فيصير الوجه في جانب،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 2: قَوْلُهُ: وَتَجِبُ دِيَةٌ "8فِي كَلَامٍ وَعَقْلٍ وَمَشْيٍ وَنِكَاحٍ وَأَكْلٍ8" وَحَدَبٍ فِي رِوَايَةٍ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ وَخَالَفَ فِيهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ انْتَهَى.
__________
1 في مثل قوله تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قال مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [آل عمران: 52] .
2 في "ر": "المشهورة".
3 في "ر": أحسن".
4 في الأصل: "بالألف".
5 وردت كلمة "حسّ" في القرآن بمعنى قتل، وذلك في قوله نعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} .
6 ليست في "ر".
7 حدب اإنسان حدبا، من باب تعب، إذا خرج ظهره وارتفع عن الاستواء. "المصباح": "حدب".
8-8 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".(9/455)
نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي1 وَالتَّرْغِيبِ2، أَوْ لَا يَبْلَعُ رِيقَهُ، وَفِي تَسْوِيدِهِ: وَلَمْ يَزُلْ. وَفِي الْمُبْهِجِ وَالتَّرْغِيبِ: أَوْ أَزَالَ لَوْنَهُ3 إلَى غَيْرِهِ.
وَإِذَا لَمْ يَسْتَمْسِكْ غَائِطٌ أَوْ بَوْلٌ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ ثُلُثُ دِيَةٍ، اخْتَارَهُ فِي الْإِرْشَادِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ وَمَنْفَعَةُ الصَّوْتِ وَمَنْفَعَةُ البطش،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: هُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ فِي الْفُصُولِ: أَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْحَدَبِ الدِّيَةُ وَلَمْ يُفَصِّلْ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ الْمَشْيِ، وَأَجْرَاهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالشَّيْخُ فِي الْمُقْنِعِ4 وَغَيْرِهِمْ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَقَالُوا: تَجِبُ في الحدب الدية، قال في الهداية: قَالَ أَحْمَدُ فِي الْحَدَبِ الدِّيَةُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ5 إذَا كَسَرَ صُلْبَهُ فَانْحَنَى لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ، انْتَهَى. وَقَطَعَ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: تَجِبُ فِيهِ حُكُومَةٌ، قَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَقَالَ: هَذَا ظَاهِرُ المذهب
__________
1 12/154.
2 ليست في "ر".
3 في "ر": "كونه".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/519-520.
5 في "ص": "أن".(9/456)
فَلِكُلِّ وَاحِدٍ الدِّيَةُ. وَفِي الْفُنُونِ: لَوْ سَقَاهُ ذَرْقَ حَمَامٍ فَذَهَبَ صَوْتُهُ لَزِمَهُ حُكُومَةٌ. وَفِي إذْهَابِ الصَّوْتِ وَفِي نَقْصِهِ إنْ عَلِمَ بِقَدْرِهِ بأن يجن1 يَوْمًا وَيُفِيقَ يَوْمًا، أَوْ يُذْهِبَ ضَوْءَ عَيْنٍ، أَوْ سَمْعِ أُذُنٍ، أَوْ شَمِّ مَنْخِرٍ، أَوْ أحد المذاق الخمس. وَفِي بَعْضِ الْكَلَامِ بِالْحِسَابِ يُقْسَمُ عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ حَرْفًا، وَقِيلَ: سِوَى الشَّفَوِيَّةِ وَالْحَلْقِيَّةِ، وَسَوَاءٌ ذَهَبَ حَرْفٌ بِمَعْنَى كَلِمَةٍ كَجَعْلِهِ أَحْمَدَ أَمَدَ أَوْ لَا، وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ2 وَجْهٌ.
وَمَنْ أُمْكِنَ زَوَالُ لُثْغَتِهِ3 لِكِبَرِ صَغِيرٍ. وَفِي الْمُغْنِي4: أَوْ تَعْلِيمِ كَبِيرٍ، فَالدِّيَةُ، وَإِلَّا وُزِّعَ عَلَى كَلَامِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَهُ كَنَقْصِ سَمْعٍ وَبَصَرٍ وشم ومشي أو انحنى5 قَلِيلًا، أَوْ صَارَ مَدْهُوشًا، أَوْ فِي كَلَامِهِ تَمْتَمَةٌ، أَوْ عَجَلَةٌ أَوْ لَا يَلْتَفِتُ، أَوْ لَا6 يَبْلَعُ رِيقَهُ إلَّا بِشِدَّةٍ، أَوْ اسْوَدَّ بَيَاضُ عَيْنَيْهِ أَوْ احْمَرَّ أَوْ تَحَرَّكَتْ سِنُّهُ، أَوْ ذَهَبَ لَبَنُ امْرَأَةٍ، فَحُكُومَةٌ، وَقِيلَ: إنْ ذَهَبَ اللَّبَنُ فَالدِّيَةُ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِي نَقْصِ بصر يزنه بالمسافة، فلو نظر الشخص على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط": "يخن".
2 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
3 في "ط": لنفسه. واللّثغة، على وزن غرفة، حبسة في اللسان حتى تصير الراء لاما أو غينا، أو السين ثاء، ونحو ذلك. "المصباح" "لثغ".
4 12/127.
5 في "ط": "أنحى".
6 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".(9/457)
مِائَتَيْ ذِرَاعٍ فَنَظَرُهُ عَلَى مِائَةٍ فَنِصْفُ الدِّيَةِ. وَفِي الْوَسِيلَةِ: لَوْ لَطَمَهُ فَذَهَبَ بَعْضُ بَصَرِهِ فَالدِّيَةُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ. وَمَنْ صَارَ أَلْثَغَ فَقِيلَ: دِيَةُ الْحَرْفِ، وَقِيلَ: حُكُومَةٌ م 3.
وَإِنْ قَطَعَ رُبُعَ لِسَانٍ فَذَهَبَ نِصْفُ كَلَامٍ أَوْ بِالْعَكْسِ فَنِصْفُ دِيَةٍ، فَإِنْ قَطَعَ آخَرُ بَقِيَّتَهُ فَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى نِصْفُ دِيَةٍ وَالْأَشْهَرُ: وَحُكُومَةٌ، وَقِيلَ: ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ دِيَةٍ كَالثَّانِيَةِ، وَقِيلَ: فِي الثَّانِيَةِ نِصْفٌ.
وَإِنْ قَطَعَ لِسَانَهُ فَذَهَبَ ذَوْقُهُ وَنُطْقُهُ أَوْ كَانَ أَخْرَسَ فَدِيَةٌ، وَإِنْ ذَهَبَا وَاللِّسَانُ بَاقٍ فَدِيَتَانِ. وَفِي الْوَاضِحِ: إنْ قَطَعَ لِسَانَهُ فَدِيَةٌ، أَزَالَ نُطْقَهُ أَوْ لَمْ يُزِلْهُ: فَإِنْ عَدِمَ الْكَلَامَ بِقَطْعِهِ وَجَبَ لِعَدَمِهِ أَيْضًا دِيَةٌ كَامِلَةٌ، كَذَا وَجَدْته. وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: لَوْ ذَهَبَ شَمُّهُ وَسَمْعُهُ وَمَشْيُهُ وَكَلَامُهُ تَبَعًا فَدِيَتَانِ.
وَلَا يَدْخُلُ أَرْشُ جِنَايَةٍ أَذْهَبَتْ عَقْلَهُ فِي دِيَتِهِ؛ فِي الْمَنْصُوصِ. وَإِنْ كَسَرَ صُلْبَهُ فَذَهَبَ مَشْيُهُ وَنِكَاحُهُ فَدِيَتَانِ، كَذَهَابِ شَمٍّ أَوْ سَمْعٍ بِقَطْعِ أَنْفِهِ أَوْ أُذُنِهِ، وَعَنْهُ1: دِيَةٌ، كَبَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ الذَّاهِبَةِ بِنَفْعِهَا. وَإِنْ ذَهَبَ ماؤه أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 3: قَوْلُهُ: وَمَنْ صَارَ أَلْثَغَ فَقِيلَ: دِيَةُ الْحَرْفِ، وَقِيلَ: حُكُومَةٌ، انْتَهَى.
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: هُوَ الصَّوَابُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ صَارَ أَلْثَغَ وَجَبَتْ دِيَةُ الْحَرْفِ الذَّاهِبِ. وَقِيلَ: حُكُومَةٌ، فَإِنْ حَصَلَتْ بِهِ تَمْتَمَةٌ أَوْ لُثْغَةٌ أَوْ عَجَلَةٌ أَوْ ثِقَلٌ فَحُكُومَةٌ، انْتَهَى.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: فيه حكومة.
__________
1 يعني: عن أحمد في إذهاب المشي والنكاح رواية أخرى.(9/458)
إحْبَالُهُ فَالدِّيَةُ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَكَذَا فِي الرَّوْضَةِ: إنْ ذَهَبَ نَسْلُهُ الدِّيَةُ. وَفِي الْمُغْنِي1: فِي ذَهَابِ مَائِهِ احْتِمَالَانِ.
وَيُقْبَلُ قَوْلُ مَجْنِيٍّ عليه في نَقْصِ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ، وَفِي قَدْرِ مَا أَتْلَفَهُ الْجَانِيَانِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَهَابِ بَصَرِهِ أُرِيَ أَهْلَ الْخِبْرَةِ، وَيُمْتَحَنُ بِتَقْرِيبِ شَيْءٍ إلَى عَيْنَيْهِ وَقْتَ غَفْلَتِهِ. وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَهَابِ سَمْعٍ وَشْمٍ وَذَوْقٍ اُمْتُحِنَ وَعَمِلَ بِمَا يَظْهَرُ مَعَ اليمين، وكذا عقله، ولا يحلفه، قال2 فِي التَّرْغِيبِ وَيَرُدُّ الدِّيَةَ، إنْ عَلِمَ كَذِبَهُ.
وَمَنْ أَفْزَعَ إنْسَانًا أَوْ ضَرَبَهُ، فَأَحْدَثَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ- وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: أَوْ رِيحٍ، وذكر الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ- فَعَنْهُ: عَلَيْهِ ثُلُثُ دِيَتِهِ. وَعَنْهُ: هَدَرٌ، وَالْمُرَادُ: مَا لَمْ يَدُمْ م4. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: إنْ دَامَ فَثُلُثُ دِيَةٍ. ومن وطئ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 4: قَوْلُهُ: وَمَنْ أَفْزَعَ إنْسَانًا أَوْ ضَرَبَهُ فَأَحْدَثَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ أَوْ رِيحٍ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، فَعَنْهُ: عَلَيْهِ ثُلُثُ دِيَتِهِ3، وَعَنْهُ هَدَرٌ، وَالْمُرَادُ مَا لَمْ يَدُمْ انْتَهَى.
الرِّوَايَةُ الْأُولَى: وَهُوَ وُجُوبُ ثُلُثِ الدِّيَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ ابن منجا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَهُوَ أَصَحُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي4 وَالْمُقْنِعِ5،
__________
1 12/145- 146.
2 في "ط": "قاله".
3 في النسخ الخطية، "دية"، والمثبت من "ط".
4 12/103.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/355- 357.(9/459)
أَجْنَبِيَّةً كَبِيرَةً مُطَاوَعَةً وَلَا شُبْهَةَ، أَوْ امْرَأَتَهُ وَمِثْلُهَا يُوطَأُ لِمِثْلِهِ. فَأَفْضَاهَا1 بَيْنَ مَخْرَجِ بَوْلٍ وَمَنِيٍّ، أَوْ بَيْنَ السَّبِيلَيْنِ فَهَدَرٌ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الزِّيَادَةِ، وَهُوَ حَقٌّ لَهُ، أَيْ لَهُ طَلَبُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ، بِخِلَافِ أَجِيرٍ مُشْتَرَكٍ. وَمَنْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا وَإِلَّا فَالدِّيَةُ، فَإِنْ ثَبَتَ الْبَوْلُ فَجَائِفَةٌ، وَلَا يَنْدَرِجُ أَرْشُ بَكَارَةٍ فِي دية إفضاء، على الأصح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالشَّرْحِ2 وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ هَدَرٌ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الصَّوَابُ. "3فهذه أربع مسائل في هذا الباب3".
__________
1 جاء في "القاموس" "ف ض و": أفضى المرأة: جعل مسلكيها واحدا، فهي مفضاة.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 25/355- 357.
3-3 ليست في "ط".(9/460)
وَفِي الْفُنُونِ: فِيمَنْ لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا: الْقَوَدُ واجب. لأنه قتل بفعل يقتل مثله.(9/461)
فصل وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّعُورِ فَصْلُ الدِّيَةِ،
وَهِيَ شَعْرُ رَأْسٍ وَلِحْيَةٍ وَحَاجِبَيْنِ وَأَهْدَابِ عَيْنَيْنِ، نص عليه، ونقل حنبل: كل1 شَيْءٌ مِنْ الْإِنْسَانِ فِيهِ أَرْبَعَةٌ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ رُبُعُ الدِّيَةِ وَطَرَدَهُ الْقَاضِي فِي جِلْدَةِ وَجْهٍ وَفِي حَاجِبٍ نِصْفٌ، وَفِي هَدِبٍ2 رُبُعٌ، وَفِي بَعْضِهِ بِقِسْطِهِ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ احْتِمَالًا: حُكُومَةٌ، فَإِنْ عَادَ سَقَطَتْ دِيَتُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَبْقَى مِنْ لِحْيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مَا لَا جَمَالَ فِيهِ فَالدِّيَةُ، وَقِيلَ: بِقِسْطِهِ، وَقِيلَ: حُكُومَةٌ، وَعَنْهُ: فِي الشَّعْرِ حُكُومَةٌ، كَالشَّارِبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَإِنْ قَلَعَ جَفْنًا بِهُدْبِهِ فَدِيَةُ الْجَفْنِ فَقَطْ. وَإِنْ قَلَعَ لَحْيَيْنِ بِالْأَسْنَانِ فَدِيَةُ الْكُلِّ.
وَإِنْ قَطَعَ كَفًّا عَلَيْهِ بَعْضُ أَصَابِعِهِ دَخَلَ فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ مَا حَاذَاهَا وَعَلَيْهِ أَرْشُ بَقِيَّةِ الْكَفِّ، وَقِيلَ دِيَةُ يَدٍ سِوَى الْأَصَابِعِ. وَفِي كَفٍّ بِلَا أَصَابِعَ وَذِرَاعٍ بِلَا كَفٍّ ثُلُثُ دِيَتِهِ، شَبَّهَهُ أَحْمَدُ بِعَيْنٍ قَائِمَةٍ، وَعَنْهُ: حكومة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ط".
2 هدب العين: ما نبت من الشعر على أشفارها، والجمع أهداب. "المصباح": "هدب".(9/461)
ذَكَرَهَا1 فِي الْمُنْتَخَبِ وَالتَّبْصِرَةِ وَالْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِمْ، وَكَذَا الْعَضُدُ وَكَذَا تَفْصِيلُ الرِّجْلِ.
وَفِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ كَكَمَالِ2 قِيمَةِ صَيْدِ الْحَرَمِ الْأَعْوَرِ، فَإِنْ قَلَعَهَا صَحِيحٌ فَلَهُ الْقَوَدُ بِشَرْطِهِ، وَيَأْخُذُ مَعَهُ نِصْفَ الدِّيَةِ فِي الْمَنْصُوصِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَتَيْنِ، وَعِنْدَ الْقَاضِي: لَا قَوَدَ. وَفِي الرَّوْضَةِ: إنْ قَلَعَهَا خَطَأً فَنِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ قَلَعَ الْأَعْوَرُ عَيْنَ صَحِيحٍ خَطَأً فَنِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِلَّا فَدِيَةٌ كَامِلَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ.
نَقَلَ مُهَنَّا3: عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عنهم قالوا: الأعور إذا فقئت4 عَيْنُهُ لَهُ الدِّيَةُ كَامِلَةً5 وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ إذَا فَقَأَ عَيْنَ صَحِيحٍ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِخِلَافِهِ إلَّا إبْرَاهِيمَ6، وَقِيلَ: تُقْلَعُ عَيْنُهُ، كقتل رجل بامرأة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في النسخ الخطية: "ذكرهما"، والمثبت من "ط".
2 في الأصل: "كمال".
3 في "ط": "منها".
4 في "ط": "فقدت".
5 وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" 17427، وابن أبي شيبة في "المصنف" 9/196، 197، والبيهقي في "السنن الكبرى" 8/94.
6 يعني النخعي. والظاهر أن قوله: ولا أعلم. إلخ من كلام مهنّا، وقد علم فيما خرّجه ابن أبي شيبة في "المصنف" 9/200 وغيره، أن الزهري ومحمد بن جعفر قالا بمثل قول إبراهيم.(9/462)
وَالْأَشْهَرُ: وَيَأْخُذُ نِصْفَ دِيَةٍ، وَخَرَّجَهُ فِي التَّعْلِيقِ وَالِانْتِصَارِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ.
إنْ قَلَعَ عَيْنَيْ صَحِيحٍ عَمْدًا فَالْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ فَقَطْ، وَذَكَرَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ دِيَتَانِ، وَقِيلَ: عَيْنُ الْأَعْوَرِ كَغَيْرِهِ، وَكَسَمْعِ أُذُنٍ وَيُتَوَجَّهُ فِيهِ احْتِمَالٌ وَتَخْرِيجُ مَنْ جَعَلَهُ كَالْبَصَرِ فِي مَسْأَلَةِ نَظَرِيَّتِهِ مِنْ خَصَاصِ بَابٍ.
وَفِي يَدِ الْأَقْطَعِ أَوْ رِجْلِهِ عَمْدًا نِصْفُ الدِّيَةِ، كَبَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ وَعَنْهُ: كمالها، وعنه: إن1 ذَهَبَتْ الْأُولَى هَدَرًا. وَفِي الرَّوْضَةِ: إنْ ذَهَبَتْ فِي حَدٍّ فَنِصْفُ دِيَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ ذَهَبَتْ فِي جِهَادٍ فَرِوَايَتَانِ، فَإِنْ قَطَعَ يَدَ صَحِيحٍ لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ إنْ كَمُلَتْ فِيهَا الدِّيَةُ. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط": "وإن".(9/463)
باب الشجاج وكسر العظام
مدخل
...
باب الشجاج وكسر العظام
الشَّجَّةُ: جُرْحُ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ، وَهِيَ عُشْرُ الْحَارِصَةِ الَّتِي تَحْرِصُ الْجِلْدَ أَيْ تَشُقُّهُ قَلِيلًا وَلَا تدميه. ثم البازلة الدامية الدامعة1 الَّتِي تُدْمِيهِ، ثُمَّ الْبَاضِعَةُ الَّتِي تُبْضِعُ اللَّحْمَ، ثُمَّ الْمُتَلَاحِمَةُ الْغَائِصَةُ فِيهِ، ثُمَّ السِّمْحَاقُ الَّتِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَظْمِ قِشْرَةٌ، وَعِنْدَ الْخِرَقِيِّ: الْبَاضِعَةُ بَيْنَ الْحَارِصَةِ وَالْبَازِلَةِ تَشُقُّ اللَّحْمَ وَلَا تُدْمِيهِ.
فَهَذِهِ خَمْسٌ فِيهَا حُكُومَةٌ، وَعَنْهُ: فِي الْبَازِلَةِ بَعِيرٌ، وَفِي الْبَاضِعَةِ بَعِيرَانِ، وَفِي الْمُتَلَاحِمَةِ ثَلَاثَةٌ، وَفِي السِّمْحَاقِ أَرْبَعَةٌ. رُوِيَ عَنْ زَيْدٍ2 وَلَمْ يَصِحَّ.
وَخَمْسٌ فِيهَا مُقَدَّرٌ: الْمُوضِحَةُ الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ وَتُبْرِزُهُ، فَفِيهَا نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، فَمِنْ حُرٍّ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ3، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ فِي مُوضِحَةِ وَجْهٍ عَشْرَةٌ، فَإِنْ عَمَّتْ الرَّأْسَ وَنَزَلَتْ إلَى الْوَجْهِ فَثِنْتَانِ، وَقِيلَ: وَاحِدَةٌ، وَإِنْ أَوْضَحَهُ ثِنْتَيْنِ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ، فَإِنْ ذَهَبَ بِسِرَايَةٍ أَوْ جِنَايَتِهِ فَالْكُلُّ وَاحِدَةٌ.
وَإِنْ خَرَقَهُ الْمَجْرُوحُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ فَثَلَاثٌ، فَإِنْ قَالَ الْجَانِي أَنَا خَرَقْته صُدِّقَ الْمَجْرُوحُ. وَفِي التَّرْغِيبِ: يُصَدَّقُ مَنْ يُصَدِّقُهُ الظَّاهِرُ بِقُرْبِ زَمَنٍ وَبُعْدِهِ، فَإِنْ تَسَاوَيَا فَالْمَجْرُوحُ. قال: وله أرشان، وفي ثالث جهان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط": "الدامغة". جاء في "المطلع" ص 367: بالعين المهملة كما هو مثبت في المتن.
2 أخرجه عبد الرزاق في "المصنف 17342، ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى" 8/84. وفيه محمد بن راشد، قال البيهقي: وإن كنا نروي حديثه لرواية الكبار عنه، فليس ممن تقوم الحجة بما ينفرد به.
3 في "ط": "أبعر".(9/464)
وَمِثْلُهُ لَوْ قَطَعَ ثَلَاثَ أَصَابِعِ امْرَأَةٍ فَثَلَاثُونَ، فَإِنْ قَطَعَ الرَّابِعَةَ عَادَ إلَى عِشْرِينَ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَاطِعِهَا صُدِّقَتْ، وَإِنْ خَرَقَ جَانٍ بَيْنَ مُوضِحَتَيْنِ بَاطِنًا فَقَطْ فَوَاحِدَةٌ، وَقِيلَ: ثِنْتَانِ كَخَرْقِهِ ظَاهِرًا فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ أَوْضَحَهُ جَمَاعَةٌ مُوضِحَةً فَهَلْ يُوضَحُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِقَدْرِهَا أَوْ يُوَزَّعُ؟ فِيهِ الْخِلَافُ.
ثُمَّ الْهَاشِمَةُ الَّتِي تُوَضِّحُ الْعَظْمَ وَتَهْشِمُهُ فَفِيهَا عَشْرَةُ أَبْعِرَةٍ، نَصَّ عليه، فإن هشمه بمثقّل1 وَلَمْ يُوضِحْهُ فَحُكُومَةٌ، وَقِيلَ: خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ كَهَشْمِهِ، عَلَى مُوضِحَةٍ. ثُمَّ الْمُنَقِّلَةُ الَّتِي تُوَضِّحُ وَتَهْشِمُ وَتُنَقِّلُ عِظَامَهَا فَفِيهَا خَمْسَةَ عَشْرَ بَعِيرًا، نَصَّ عَلَيْهِ. ثُمَّ الْمَأْمُومَةُ الَّتِي تَصِلُ جِلْدَةَ الدِّمَاغِ تُسَمَّى الْآمَّةُ. ثُمَّ الدَّامِغَةُ الَّتِي تَخْرِقُ الْجِلْدَةَ، فلكل منهما ثلث الدية.
وَإِنْ شَجَّهُ شَجَّةً بَعْضُهَا هَاشِمَةٌ أَوْ مُوضِحَةٌ وَبَقِيَّتُهَا دُونَهَا فَدِيَةُ هَاشِمَةٍ أَوْ مُوضِحَةٍ فَقَطْ، لِأَنَّهُ لَوْ هَشَمَهُ كُلَّهُ أَوْ أَوْضَحَهُ2 لَمْ يَلْزَمْهُ فَوْقَ دِيَةٍ، وَقَدْ أَنْشَدَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ:
سَلَا أُمَّ عَمْرٍو وَاعْلَمَا كُنْهَ شَأْنِهِ ... وَلَا سِيَّمَا أَنْ تَسْأَلَا هَلْ لَهُ عَقْلُ
هَذَا يُخَاطِبُ رَجُلَيْنِ أَيْ سَلَا أُمَّ عَمْرٍو، أَيْ هَلْ شَجُّ رَأْسِ عَمْرٍو مِنْ الْمَأْمُومَةِ وَهَلْ تُوجِبُ هَذِهِ الْجِرَاحَةُ الدِّيَةَ أَمْ لَا؟ والعقل: الدية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط": "بمقتل".
2 بعدها في "ر": "كله".(9/465)
وَقَالَ تَمِيمُ بْنُ رَافِعٍ الْمَخْزُومِيُّ:
أَقُولُ لِعَبْدِ اللَّهَ لَمَّا سِقَاؤُنَا ... وَنَحْنُ بِوَادِي عَبْدِ شَمْسٍ "1وَهِيَ شِمْ1"
يُرِيدُ أَقُولُ لِعَبْدَةَ، فَرَخَّمَ، وَنَصَبَ اللَّهَ عَلَى الْإِغْرَاءِ كَأَنَّهُ يُرِيدُ: أَقُولُ لِعَبْدَةَ لَمَّا وَهِيَ سِقَاؤُنَا بِوَادِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَلَمْ يَبْقَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَاءِ اتَّقِ اللَّهَ وَشِمْ الْبَرْقَ.
وَقَالَ خَلَفٌ الْأَحْمَرُ:
لَقَدْ طَافَ عَبْدُ اللَّهِ بِي الْبَيْتَ سَبْعَةً ... فَسَلَعْنَ عُبَيْدُ اللَّهِ ثُمَّ أَبَى بَكْرُ
فَتَحَ الدَّالَ فِي2 عَبْدِ اللَّهِ لِلتَّثْنِيَةِ، وَالسَّلْعَنَةُ؛ ضَرْبٌ مِنْ الْمَشْيِ، كَالْهَرْوَلَةِ، وَارْتَفَعَ عُبَيْدُ اللَّهِ بِفِعْلِهِ وَأَبَى بَكْرٌ مِنْ الْإِبَاءِ يُقَالُ أَبَى يَأْبَى إبَاءً.
وَقَالَ الْآخَرُ:
مُحَمَّدِ زَيْدًا يَا أَخَا الْجُودِ وَالْفَضْلِ ... فَإِهْمَالُ مَا أَرْجُوهُ مِنْك مِنْ الْبَسْلِ
يُرِيدُ يَا مُحَمَّدُ ثُمَّ رَخَّمَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدِ زَيْدًا، أَيْ أَعْطِ دِيَتَهُ، وَالْبَسْلُ: الْحَرَامُ.
وَقَالَ الْآخَرُ:
عَلَى صُلْبِ الْوَظِيفِ3 أَشُدُّ يَوْمًا ... وَتَحْتِي فارس بطل كميت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1-1 في "ر": "وهاشم".
2 في النسخ الخطية: "من".
3 في النسخ الخطيو،: "الوطيف".(9/466)
يُرِيدُ أَشُدُّ يَوْمًا عَلَى فَارِسٍ بَطَلٍ وَتَحْتِي كميت صلب الوظيف1.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في النسخ الخطية: "الوظيف".(9/467)
فصل وفي الجائفة ثلث الدية،
وَهِيَ مَا تَصِلُ بَاطِنَ جَوْفٍ، كَبَطْنٍ وَلَوْ لَمْ يَخْرِقْ الْأَمْعَاءَ، وَظَهْرٍ وَصَدْرٍ وَحَلْقٍ وَمَثَانَةٍ وَبَيْنَ2 خُصْيَتَيْنِ وَدُبْرٍ.
وَإِنْ جَرَحَ جَانِبًا فَخَرَجَ مِنْ آخَرَ فَثِنْتَانِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: وَاحِدَةٌ. وَإِنْ جَرَحَ خَدًّا فَنَفَذَ إلَى فَمِهِ أَوْ نَفَذَ أَنْفًا أَوْ ذَكَرًا أَوْ جَفْنًا إلَى بَيْضَةِ الْعَيْنِ فَحُكُومَةٌ، كَإِدْخَالِهِ أُصْبُعَهُ فَرْجَ بِكْرٍ وَدَاخِلِ عَظْمِ فَخِذٍ، وَقِيلَ: جَائِفَةٌ. وَإِنْ جَرَحَ وَرِكَهُ فَوَصَلَ إلَى جَوْفِهِ أَوْ أَوْضَحَهُ فَوَصَلَ قَفَاهُ فَمَعَ دِيَةِ جَائِفَةٍ وَمُوضِحَةٍ حُكُومَةٌ، لِجُرْحِ3 قَفَاهُ وَوَرِكِهِ.
وَمَنْ وَسَّعَ جُرْحَ جَائِفَةٍ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهٌ: أَوْ أَحَدُهُمَا: فَجَائِفَةٌ. وَإِنْ فَتَقَ مُوضِحَةً نَبَتَ شَعْرُهَا فَجَائِفَةٌ وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ.
وَفِي التَّرْغِيبِ: إنْ انْدَمَلَتْ فَأَوْضَحَهَا آخَرُ فَقِيلَ: مُوضِحَةٌ، وَقِيلَ: حُكُومَةٌ، وَكَذَا فَتْقُ جَائِفَةٍ مُنْدَمِلَةٍ.
وَذَكَرَ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ رِوَايَةَ ابْنِ مَنْصُورٍ: إنْ أَوْضَحَهُ فَبَرَأَ وَلَمْ يَنْبُتْ الشَّعْرُ ثُمَّ أَوْضَحَهُ آخَرُ فَحُكُومَةٌ.
وَإِنْ الْتَحَمَ مَا أَرْشُهُ مُقَدَّرٌ لَمْ يَسْقُطْ، وَفِي كَسْرِ ضِلْعٍ جَبْرٍ مستقيما بعير، وكذا ترقوة، نص
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
2 ليست في النسخ الخطية.
3 في "ر": "كجرح".(9/467)
عَلَيْهِ، وَفِي الْإِرْشَادِ1: اثْنَانِ.
وَهَلْ فِي كَسْرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ فَخِذٍ وَسَاقٍ وَعَضُدٍ وَذِرَاعٍ وَهُوَ السَّاعِدُ الْجَامِعُ لَعَظْمِي الزَّنْدِ بَعِيرٌ أَوْ اثنان؟ فيه روايتان م 1.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 1: قَوْلُهُ: وَهَلْ فِي كَسْرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ فَخِذٍ وَسَاقٍ وَعَضُدٍ وَذِرَاعٍ وَهُوَ السَّاعِدُ الْجَامِعُ لَعَظْمِي الزَّنْدِ بَعِيرٌ أَوْ اثْنَانِ، فِيهِ رِوَايَتَانِ. ذَكَرَ أَرْبَعَ مَسَائِلَ حُكْمُهُنَّ وَاحِدٌ:
إحْدَاهُمَا: فِي كُلِّ وَاحِدٍ بَعِيرَانِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ2 وَالْهَادِي وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي كَسْرِ السَّاقِ وَالْفَخِذِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: فِي كُلِّ وَاحِدٍ بَعِيرٌ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رواية صالح، وجزم بِهِ فِي3 الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْقَاضِي. وَقَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِي غَيْرِ الخمسة وهي الضلع والترقوتان والزندان4، وقطع أن5 في الزند6 بعيرين.
فهذه أربع مسائل.
__________
1 ص 450.
2 المقنع مع الشرح اتلكبير والإنصاف 26/39.
3 ليست في "ط".
4 في "ط": "الزناد".
5 في "ط": "إذن".
6 في "ط": "الزندين".(9/468)
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً: فِيهَا وَفِي ضِلْعٍ حُكُومَةٌ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ فِيمَنْ كُسِرَتْ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ: فِيهَا حُكُومَةٌ، وَإِنْ انْجَبَرَتْ. وَتَرْجَمَهُ أَبُو بكر بنقص العضو بجناية، وعنه: في الزند1 أَرْبَعَةٌ، لِأَنَّهُ عَظْمَاتُ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ فِيمَا سِوَاهُ حُكُومَةٌ، كَبَقِيَّةِ الْجُرُوحِ، وَكَسْرِ الْعِظَامِ، كَخَرَزَةِ صُلْبٍ وعصعص2 وعانة، وقاله في الإرشارة3 في غير ضِلْعٍ.
وَالْحُكُومَةُ: أَنْ يُقَوَّمَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ عَبْدٌ لَا جِنَايَةَ بِهِ، ثُمَّ يُقَوَّمَ وَهِيَ بِهِ قَدْ بَرَأَتْ، فَمَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ فله كنسبته "4من الدية كأن قيمته4" صَحِيحًا عَشْرَةٌ وَمَعِيبًا تِسْعَةٌ فَفِيهِ، عُشْرُ دِيَتِهِ، ولا يبلغ بحكومة محل له مُقَدَّرَةً5 عَلَى الْأَصَحِّ، كَمُجَاوَزَتِهِ، فَإِنْ لَمْ تُنْقِصْهُ الْجِنَايَةُ حَالَ الْبُرْءِ فَحُكُومَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَتُقَوَّمُ حَالَهَا، وَقِيلَ: قَبِيلَ الْبُرْءِ، وَعَنْهُ: لَا شَيْءَ فِيهَا كَمَا لَوْ لَمْ تُنْقِصْهُ ابْتِدَاءً، أَوْ زادته حسنا6، في الأصح. والله أعلم7.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل و "ط": "الزائد".
2 في "ط": "عصعص". والعصعص- بضم العين- من عجب الذنب، وهو العظم الذي في أسفل الصلب عند العجز، وهو العسيب من الدواب. "المطلع" ص 368.
3 في "ط": "الإرشاد".
4-4 ليست في "ط".
5 في "ط": "مقدّرّ مقدّرةّ".
6 في "ط": "حسناء".
7 ليست في "ر" و "ط".(9/469)
المجلد العاشر
كتاب الديات
فصل: باب العاقلة وما تحمله
مدخل
...
باب العاقلة وما تحمله
سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ, نَقَلَهُ عَنْهُ حَرْبٌ, عَاقِلَةُ الْجَانِي: كُلُّ ذُكُورٍ عَصَبَةٍ1, نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ, نَسَبًا وَوَلَاءً, الْأَحْرَارُ الْعَاقِلُونَ الْبُلَّغُ الْأَغْنِيَاءُ, وَقِيلَ: وَمُمَيِّزٌ, وَعَنْهُ: وَفَقِيرٌ مُعْتَمِلٌ, وَلَوْ بَعُدُوا أَوْ غَابُوا.
وَعَنْهُ: إلَّا عَمُودَيْ نَسَبِهِ, اخْتَارَهُ الخرقي وفي الترغيب: إلا أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ فِي الْعَاقِلَةِ, وَعَنْهُ: إلَّا عَمُودَيْ نَسَبِهِ, اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. انْتَهَى. تَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي ذَلِكَ الْقَاضِي فِي رِوَايَتَيْهِ, وَإِنَّمَا قَالَ الْخِرَقِيُّ2: وَالْعَاقِلَةُ الْعُمُومَةُ وَأَوْلَادُهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا, فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. "وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى": الْأَبُ وَالِابْنُ وَالْإِخْوَةُ وَكُلُّ الْعَصَبَةِ مِنْ الْعَاقِلَةِ, انْتَهَى.
وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْخِرَقِيِّ, بَلْ كَلَامُهُ إلَى الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ أَقْرَبُ, وَهِيَ قَوْلُهُ "وَعَنْهُ3 إلَّا عَمُودَيْهِ وَإِخْوَتَهُ" فَأَخْرَجَ الْآبَاءَ وَالْأَبْنَاءَ وَالْإِخْوَةَ, فَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنْ الرِّوَايَةِ الْأُولَى التي ذكرها الخرقي.
__________
1 في "ط" "عصبة".
2 في "المختصر" في أوائل كتاب ديات النفس.
3 ليست في "ح".(10/5)
يَكُونَ الِابْنُ1 مِنْ عَصَبَةِ أُمِّهِ, وَعَنْهُ: إلَّا عَمُودَيْهِ وَإِخْوَتَهُ, وَهُمْ عَصَبَتُهُ, وَعَنْهُ: إلَّا ابْنَاهُ إذَا كَانَ امْرَأَةً, نَقَلَ حَرْبٌ: الِابْنُ2 لَا يَعْقِلُ عَنْ أُمِّهِ, لِأَنَّهُ مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ, وَفِي هَرَمٍ وَزَمِنٍ وَأَعْمَى وَجْهَانِ "م 1" وَعَنْهُ: تعقل امرأة وخنثى بولاء, فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَحْمِلُهَا حَامِلُ جِنَايَتِهَا.
وَإِنْ عَرَفَ نَسَبَ قَاتِلٍ مِنْ قَبِيلَةٍ وَلَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيِّ بُطُونِهَا لَمْ يَعْقِلُوا عَنْهُ, ذَكَرَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِ.
وَلَا تَعَاقُلَ بَيْنَ ذِمِّيٍّ وَحَرْبِيٍّ كَمُسْلِمٍ وَكَافِرٍ, وَقِيلَ: بَلَى إنْ تَوَارَثَا. وَيَتَعَاقَلُ ذِمِّيَّانِ, وَعَنْهُ: لَا فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمِلَّةُ فَوَجْهَانِ وفي الترغيب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 1" قَوْلُهُ "وَفِي هَرَمٍ وَزَمِنٍ وَأَعْمَى وَجْهَانِ" انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي3 وَالشَّرْحِ4.
"أَحَدُهُمَا" يَحْمِلُونَ مِنْهَا, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ, وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيّ, قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ; فَأَمَّا الزَّمْنَى وَالشُّيُوخُ وَالضُّعَفَاءُ فَيَعْقِلُونَ كَمَا يَعْقِلُ غَيْرُهُمْ, وَكَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقَالَ فِي الْكُبْرَى: وَيَعْقِلُ الْمَرِيضُ وَالضَّعِيفُ وَالشَّيْخُ, وَفِي الهرم والزمن وجهان, انتهى.
__________
1 ليست في الأصل.
2 في "ط" "لابن".
3 "12/48".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/59".(10/6)
رِوَايَتَانِ "م 2".
وَخَطَأُ إمَامٍ وَحَاكِمٍ فِي حُكْمٍ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَخَطَإِ وَكِيلٍ, وَعَلَيْهَا: لِلْإِمَامِ عَزْلُ نَفْسِهِ, ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ, وَعَنْهُ: عَلَى عَاقِلَتِهِمَا1, وَالْمُرَادُ فِيمَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ, كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ, كَغَيْرِ حُكْمٍ.
وَكَذَا إنْ زَادَ سَوْطًا كَخَطَإٍ فِي حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ, أَوْ جَهْلًا حَمْلًا2, أَوْ بَانَ مَنْ حَكَمَا بِشَهَادَتِهِ غَيْرِ أَهْلٍ, وَمَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ أَوْ عَجَزَتْ عَنْ الْجَمِيعِ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ حَالًّا, وَقِيلَ: كَالْعَاقِلَةِ, وَعَنْهُ: لَا تَحْمِلُهُ, فَإِنْ تَعَذَّرَ سقطت,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"والوجه الثاني" لا يحملون شيئا.
مَسْأَلَةٌ 2" قَوْلُهُ "وَيَتَعَاقَلُ ذِمِّيَّانِ, وَعَنْهُ: لَا, فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمِلَّةُ فَوَجْهَانِ, وَفِي التَّرْغِيبِ رِوَايَتَانِ", انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ.
"أَحَدُهُمَا": يَتَعَاقَلُونَ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ, وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي": لَا يَتَعَاقَلُونَ. وَذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْكَافِي3, وَقَالَ: بناء على
__________
1 في "ط" "عاقلتها".
2 في الأصل "حكما".
3 "5/277".(10/7)
نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ, لِأَنَّ الدِّيَةَ تَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ ابْتِدَاءً.
وَقَالَ الشَّيْخُ: بَلْ تَتَحَمَّلُهَا, وَإِنْ سَلَّمَ فَمَعَ وُجُودِهِمْ, وَقِيلَ: بَلْ فِي مَالِهِ. وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لَا عَاقِلَةَ لَهُ فَقِيلَ: كَمُسْلِمٍ, وَقِيلَ: فِي مَالِهِ "م 3" كَمَنْ رَمَى سَهْمًا ثُمَّ أسلم أو كفر قَبْلَ إصَابَتِهِ, فِي الْأَصَحِّ, وَكَجِنَايَةِ مُرْتَدٍّ, وَحُكِيَ وَجْهٌ. وَإِنْ تَغَيَّرَ دَيْنٌ جَارِحٌ حَالَتَيْ جُرْحٍ وَزَهُوقٍ عَقَلَتْ عَاقِلَتُهُ حَالَ الْجُرْحِ, وَقِيلَ: أَرْشُهُ, وَقِيلَ: الْكُلُّ فِي مَالِهِ, وَإِنْ انْجَرَّ وَلَاءُ ابْنِ مُعْتِقِهِ بَيْنَ جُرْحٍ أَوْ رَمْيٍ وَتَلَفٍ فكتغير دين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَوْرِيثِهِمْ, انْتَهَى. وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ التَّوَارُثِ, كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِهِ وَغَيْرِهِ, وَقِيلَ: إنْ اتَّفَقَ دِينُهُمْ تَعَاقَلُوا وَإِلَّا فَلَا, قَالَ فِي الْمُغْنِي; وَلَا يَعْقِلُ يَهُودِيٌّ عَنْ نَصْرَانِيٍّ, وَلَا نَصْرَانِيٌّ عَنْ يَهُودِيٍّ, وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَاقَلَا.
"مَسْأَلَةٌ 3" قَوْلُهُ "وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لَا عَاقِلَةَ لَهُ فَقِيلَ: كَمُسْلِمٍ, وَقِيلَ: فِي مَالِهِ" انْتَهَى.
"أَحَدُهُمَا" يَكُونُ فِي مَالِهِ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي كُتُبِهِ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي1 وَالْمُقْنِعِ2 وَالشَّرْحِ2 وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْوَجِيزِ وغيرهم, وقدمه في الرعاية الكبرى.
__________
1 "12/32.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/63".(10/8)
فَصْلٌ: وَلَا تَحْمِلُ عَاقِلَةٌ عَمْدًا
وَلَا اعْتِرَافًا لَمْ تُصَدِّقْهُ بِهِ وَلَا صُلْحًا, وَفَسَّرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بِصُلْحِهِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ. وَقَالَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ: يُغْنِي عَنْهُ ذِكْرُ الْعَمْدِ, بَلْ مَعْنَاهُ صَالَحَ عَنْهُ صُلْحَ إنْكَارٍ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ, وَلَا قِيمَةَ دَابَّةٍ أَوْ عَبْدٍ, أَوْ قِيمَةَ طَرَفِهِ, وَلَا جِنَايَةً1 وَلَا دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ, نَصَّ عَلَى ذَلِكَ.
وَتُحْمَلُ الْغُرَّةُ تَبَعًا لِدِيَةِ الْأُمِّ, إلَّا2 إنْ تَأَخَّرَ مَوْتُ الْأُمِّ, نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ3 أَيْضًا: هَذَا مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا نَفْسٌ وَاحِدَةٌ, وَقَالَ: الْجِنَايَةُ عَلَيْهِمَا وَاحِدَةٌ, فَقِيلَ لَهُ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَعَلَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا دِيَةً فَقَدْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا. فَلَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ. وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ خَبَرُ الْمَرْأَةِ الَّتِي قَتَلَتْ الْمَرْأَةَ وَجَنِينَهَا4. قَالَ: فَوَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّهُ قَضَى بِدِيَةِ الْجَنِينِ عَلَى الْجِنَايَةِ5 حَيْثُ لَمْ تَبْلُغْ الثُّلُثَ, وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إذَا شَرِبَتْ دَوَاءً عَمْدًا فَأَسْقَطَتْ جَنِينًا فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ, فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ احْتِمَالٌ: تحمل القليل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"وَالْقَوْلُ الْآخَرُ" حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِ, قَدَّمَهُ فِي المحرر.
__________
1 في "ط" "جناية".
2 في النسخ الخطية "لا".
3 يعني الإمام أحمد.
4 الحديث أخرجه البخاري "5758" ومسلم "1681" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى في امرأتين من هذيل اقتتلتا فرمت إحداهما الأخرى بحجر فأصاب بطنها وهي حامل فقتلت ولدها الذي في بطنها فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية ما في بطنها غرة: عبد أو أمة..... الحديث وهذا سياق البخاري.
5 في "ط" "الجناية".(10/9)
وَعَمْدُ مُمَيِّزٍ كَمَجْنُونٍ, وَعَنْهُ: فِي مَالِهِ, قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَالْحَلْوَانِيُّ: مُغَلَّظَةٌ. وَفِي الْوَاضِحِ رِوَايَةٌ: فِي مَالِهِ بَعْدَ عَشْرٍ, وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: ما أصاب الصبي من شيء فعلى الأب1 إلَى قَدْرِ ثُلُثِ الدِّيَةِ, فَإِذَا جَاوَزَ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ2, فَهَذَا رِوَايَةٌ لَا تَحْمِلُ الثُّلُثَ.
وَتَحْمِلُ شِبْهَ عَمْدٍ مُؤَجَّلًا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ, نَصَّ عَلَيْهِ كَخَطَإٍ, وَعَنْهُ: مُؤَجَّلًا كَذَلِكَ فِي مَالِ جَانٍ وَقِيلَ: حَالًّا, قَدَّمَهُ فِي التَّبْصِرَةِ وَالرِّعَايَةِ كَغَيْرِهِ3, وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ: تَحْمِلُهُ4 حَالًّا. وَفِي التَّبْصِرَةِ: لَا تَحْمِلُ عَمْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا وَلَا مَا دُونَ الثُّلُثِ, وَجَمِيعُ ذَلِكَ فِي مَالِ جَانٍ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ.
وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ. وَفِي الرَّوْضَةِ: دِيَةُ الْخَطَإِ فِي خَمْسِ سِنِينَ, فِي كُلِّ سنة خمسها,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ "وَقَالَ الْخِرَقِيُّ, تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ" يَعْنِي الْعَمْدَ وَالصُّلْحَ وَالِاعْتِرَافَ وَمَا دُونَ الثُّلُثِ, لَيْسَ هَذَا فِي الْخِرَقِيِّ, وَلَعَلَّ هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ نقل صاحب
__________
1 في "ط" "الأول".
2 في "ر" "عاقلته".
3 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
4 بعدها في النسخ الخطية "العاقلة".(10/10)
وَيَجْتَهِدُ حَاكِمٌ فِيمَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ, فَيَحْمِلُ كُلُّ وَاحِدٍ مَا يَسْهُلُ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَعَنْهُ: يَحْمِلُ الْمُوسِرُ مَالِكُ نِصَابٍ عِنْدَ حُلُولِ الْحَوْلِ فَاضِلًا عَنْهُ, كَالْحَجِّ وَكَفَّارَةِ ظِهَارٍ نِصْفُ دِينَارٍ, وَالْمُتَوَسِّطُ رُبُعًا, وَفِي تَكَرُّرِهِ1 فِي الْأَحْوَالِ وَجْهَانِ "م 4"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
التَّبْصِرَةِ, وَأَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ الْخِرَقِيِّ فِي غَيْرِ كِتَابَةٍ, وَإِلَّا فَهُوَ خَطَأٌ2.
"مَسْأَلَةٌ 4" قَوْلُهُ: "وَفِي تَكَرُّرِهِ1 فِي الْأَحْوَالِ وَجْهَانِ", انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُصُولِ وَالْكَافِي3 وَالْمُغْنِي4 وَالْمُقْنِعِ5 وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ5 وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ.
__________
1 في الأصل "تكراره".
2 على تقدير أن يكون الكلام من تتمة نقل صاحب التبصير فإن الضمير في قوله: تحمله يعود على شبه العمد وليس على المذكورات من عمد وصلح....إلخ بدليل أنه لا خلاف في المذهب أن العاقلة لا تحمل شيئا من تلك المذكورات ويؤيده أيضا قول الخرقي في المختصر فأنه كان القتل شبه عمد فكما وصفت في أسنانها إلا أنها على العاقلة في ثلاث سنين. اهـ. ونث في المقنع والشرح الكبير أيضا على أن الخرقي قال: تحمل العاقلة شبه العمد والله أعلم.
3 "5/280 – 281".
4 "12/45 – 46".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/81- 85".(10/11)
وَيَبْدَأُ بِالْأَقْرَبِ كَإِرْثٍ, قَالَ أَحْمَدُ: الْأَبُ فَمَنْ دونه الأقرب فَالْأَقْرَبُ. وَفِي الْوَاضِحِ وَالْمُذْهَبِ وَالتَّرْغِيبِ: الْآبَاءُ ثُمَّ الْأَبْنَاءُ, وَقِيلَ مُدْلٍ بِأَبٍ كَمُدْلٍ بِأَبَوَيْنِ.
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُسَاوَاةِ أَخٍ لِأَبٍ "لِأَخٍ"1 لِأَبَوَيْنِ رِوَايَتَيْنِ, وَخَرَجَ مِنْهَا مُسَاوَاةُ بَعِيدٍ لِقَرِيبٍ, وَنَقَلَ الْفَضْلُ وَابْنُ مَنْصُورٍ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا أَرْسَلَ إلَى الْمَرْأَةِ فَأَسْقَطَتْ قَالَ لِعَلِيٍّ: لَا تبرح حتى تقسمها على قومك, يقول:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"أَحَدُهُمَا": يَتَكَرَّرُ النِّصْفُ دِينَارٍ وَالرُّبُعُ دِينَارٍ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ, عَلَى الْغَنِيِّ وَالْمُتَوَسِّطِ, قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ, فَيَجِبُ فِي كُلِّ حَوْلٍ, عَلَى الْغَنِيِّ نِصْفُ دِينَارٍ, وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ رُبُعُ دِينَارٍ. قَالَ فِي الْكَافِي2: لِأَنَّهُ قَدْرٌ يَتَعَلَّقُ بِالْحَوْلِ عَلَى سَبِيلِ المواساة, فيتكرر بالحول كالزكاة, انتهى.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" لَا يَتَكَرَّرُ, 3بَلْ يُقَسَّطُ3 عَلَى الْغَنِيِّ النِّصْفُ دِينَارٍ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ, وَكَذَلِكَ الْمُتَوَسِّطُ يُقَسَّطُ عَلَيْهِ الرُّبُعُ دِينَارٍ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ, صَرَّحَ بِهِ فِي الْفُصُولِ, وَأَزَالَ الْإِشْكَالَ, قَالَ فِي الْكَافِي2: لَوْ قُلْنَا يَتَكَرَّرُ لَأَفْضَى إلَى إيجَابِ أَكْثَرَ مِنْ أَقَلِّ الزَّكَاةِ, فَيَكُونُ مُضِرًّا, انْتَهَى.
قَالَ فِي الْمُغْنِي4 وَالشَّرْحِ5: لِأَنَّ فِي إيجَابِ زِيَادَةٍ عَلَى النِّصْفِ إيجَابًا لِزِيَادَةٍ عَلَى أَقَلِّ الزَّكَاةِ فَيَكُونُ6 مُضِرًّا, انْتَهَى.
فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ, وَلَيْسَ فِي بَابِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ شَيْءٌ مِمَّا نَحْنُ بِصَدَدِهِ.
__________
1 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
2 "5/280 – 281".
3 3 في "ح" "بالقسط".
4 "12/45 – 46".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/84".
6 في "ط" "يكون".(10/12)
عَلَى قُرَيْشٍ, فَقَسَمَهَا عَلَيْهِمْ1. وَفِي التَّرْغِيبِ: لَا يَضْرِبُ عَلَى عَاقِلَةٍ مُعْتِقَةٍ فِي حَيَاةِ مُعْتِقَةٍ, بِخِلَافِ عَصَبَةِ النَّسَبِ, كَذَا قَالَ: وَنَقَلَ حَرْبٌ: وَالْمَوْلَى يَعْقِلُ عَنْهُ عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ.
وَتُؤْخَذُ مِنْ بَعِيدٍ لِغَيْبَةِ2 قَرِيبٍ وَقِيلَ: يُبْعَثُ إلَيْهِ.
فَإِنْ تُسَاوَوْا وَكَثُرُوا وُزِّعَ الْوَاجِبُ بَيْنَهُمْ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَمَا أَوْجَبَ ثُلُثَ دِيَةٍ فَأَقَلَّ أُخِذَ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ, وَثُلُثَيْهَا فَأَقَلَّ فَفِي رَأْسِ الْحَوْلِ ثُلُثٌ وَبَقِيَّتُهُ فِي رَأْسِ آخَرَ, وَإِنْ أَوْجَبَ دِيَةً فَأَكْثَرَ فَفِي كُلِّ حَوْلٍ ثُلُثٌ, وَعِنْدَ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ: دِيَةُ نَفْسٍ فِي ثَلَاثٍ. وَقِيلَ: الْكُلُّ, وَإِنْ قَتَلَ اثْنَيْنِ فَدِيَتُهُمَا فِي ثَلَاثٍ, كَإِذْهَابِهِ بِجِنَايَتِهِ سَمْعًا وَبَصَرًا, وَقِيلَ: فِي سِتٍّ.
وَابْتِدَاءُ الْحَوْلِ مِنْ الزُّهُوقِ, وَفِي الْجُرْحِ مِنْ الْبُرْءِ, وَقَالَ الْقَاضِي: مِنْ الْجِنَايَةِ فِي قَتْلِ مُوحٍ وَجُرْحٍ لَمْ يَسْرِ, وَمَنْ صَارَ أَهْلًا عِنْدَ الْحَوْلِ لَزِمَهُ, فِي الْأَصَحِّ, وَإِنْ حَدَثَ مانع بعد الحول فقسطه وإلا سقط3.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في المصنف "1810".
2 في "ر" "كغيبة".
3 بعدها في الأصل و"الله أعلم".(10/13)
فصل: باب كفارة القتل
مدخل
...
باب كفارة القتل
تَلْزَمُ كُلُّ قَاتِلٍ وَلَوْ بِسَبَبٍ بَعْدَ مَوْتِهِ, نَصَّ عَلَيْهِ, لِكُلِّ مَقْتُولٍ بِغَيْرِ حَقٍّ, وَلَوْ مُسْتَأْمَنًا, وَقِيلَ: وَلَوْ مُضْغَةً لَمْ تُتَصَوَّرْ, فِي الْإِرْشَادِ1 إنْ جَنَى عَلَيْهَا فَأَلْقَتْ جَنِينَيْنِ فَأَكْثَرَ, فَقِيلَ: كَفَّارَةٌ, وَقِيلَ: تَتَعَدَّدُ فَيَخْرُجُ مِثْلُهُ فِي جَنِينٍ وَأُمِّهِ2, وَعَنْهُ: يَكْفِي الْمُشْتَرِكِينَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ3, واختار4 الشَّيْخُ: لَا تَلْزَمُ قَاتِلَ نَفْسِهِ, وَعَنْهُ: وَلَا كَافِرًا, بِنَاءً عَلَى كَفَّارَةِ الظِّهَارِ, قَالَهُ فِي الْوَاضِحِ. وَفِي الِانْتِصَارِ فِي إخْرَاجِ وَاجِبِ حَجٍّ لَا يَلْزَمُ مَجْنُونًا, وَاخْتَارَ أَنَّ قَتْلَ الْجَاهِلِيَّةِ الْمَوْءُودَةِ كَانُوا مُعْتَقِدِينَ الْحِلَّ, وَالْجَهْلُ بِالْحُكْمِ كَالْخَطَإِ, وَكَذَا فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ إنْ صَحَّ مَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ عُمَرَ أَنْ يُعْتِقَ عَنْ كُلِّ مَوْءُودَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ رَقَبَةً.
وَلَا تَلْزَمُ قَاتِلًا حَرْبِيًّا, قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ, وَلَا قَاتِلًا نِسَاءَ حَرْبٍ وَذُرِّيَّتِهِمْ وَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ, وَقَوَدًا وَاحِدًا5, وَصَائِلًا وَبَاغِيًا, وَفِيهِ فِي التَّرْغِيبِ وَجْهَانِ عَلَى رِوَايَةٍ لَا ضمان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ص "465".
2 في "ط" "أنه" وينظر الإرشاد ص "465".
3 ليست في الأصل.
4 في "ط" "اختاره".
5 في "ط" "واحدا" وفي "ر" "ووحدا".(10/14)
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي بَابِ دُعَاءِ الْمُشْرِكِينَ: مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ, ثُمَّ قَالَ: وَفِي وُجُوبِ الدِّيَةِ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ, وَلَا تَلْزَمُ فِي الْعَمْدِ, وَاحْتَجَّ غَيْرُ وَاحِدٍ بِقَوْلِهِ {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ يَسْقُطُ بِالتَّكْفِيرِ احْتَاجَ دَلِيلًا يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ نَسْخُ الْقُرْآنِ. زَادَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: وَأَيْنَ الدَّلِيلُ الْقَاطِعُ عَلَى1 أَنَّهُ إذَا تَابَ مِنْ قَتْلٍ أَوْ كُفْرٍ قَدْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ, وَعَنْهُ: بَلَى, اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَغَيْرُهُمَا, كَشَبَهِهِ عَلَى الْأَصَحِّ.
وَمَنْ لَزِمَتْهُ فَفِي مَالِهِ, وَقِيلَ: مَا حَمَلَهُ بَيْتُ الْمَالِ مِنْ خَطَإِ إمَامٍ وَحَاكِمٍ فَفِيهِ.
وَيُكَفِّرُ عَنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ مِنْ مَالِهِ وَلِيُّهُ, نَقَلَ مُهَنَّا2: الْقَتْلُ لَهُ كَفَّارَةٌ, وَالزِّنَا لَهُ كَفَّارَةٌ. وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: لَيْسَ بَعْدَ الْقَتْلِ شَيْءٌ أَشَدَّ مِنْ الزِّنَا. قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الشِّرْكِ الْقَتْلُ, وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي مختصر المزني في كتاب الشهادات3.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ر".
2 في "ط" "منها".
3 بعدها في "ر" "والله أعلم".(10/15)
فصل: باب القسامة
مدخل
...
باب القسامة
وَهِيَ أَيْمَانٌ مُكَرَّرَةٌ فِي دَعْوَى قَتْلِ مَعْصُومٍ, وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ مُوجِبٌ لِلْقَوَدِ1. وَفِي التَّرْغِيبِ عَنْهُ: عَمْدًا, وَالنَّصُّ: أَوْ خَطَأً, وَقِيلَ: لَا قَسَامَةَ في عبد و2كَافِرٍ, كَطَرَفٍ, نَصَّ عَلَيْهِ.
وَيُشْتَرَطُ لَهَا اللَّوَثُ, وَهُوَ الْعَدَاوَةُ وَلَوْ مَعَ سَيِّدِ عَبْدٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَعَصَبَةُ مَقْتُولٍ, نَحْوَ مَا كَانَ بَيْنَ الْأَنْصَارِ وَأَهْلِ خَيْبَرَ وَكَالْقَبَائِلِ الَّتِي يَطْلُبُ بَعْضُهَا بَعْضًا بِثَأْرٍ, وَنَقَلَ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ: عَدَاوَةٌ أَوْ عَصَبِيَّةٌ.
وَعَنْهُ: أَنَّهُ3 مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِحَّةُ الدَّعْوَى, كَتَفَرُّقِ جَمَاعَةٍ عَنْ قَتِيلٍ, وَوُجُودِ قَتِيلٍ عِنْدَ مَنْ مَعَهُ سَيْفٌ ملطخ بدم, وشهادة من لا يثبت بشهادتهم4 قَتْلٌ, اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَابْنُ رَزِينٍ وَشَيْخُنَا وَغَيْرُهُمْ. وَقَوْلُ الْمَجْرُوحِ فُلَانٌ جَرَحَنِي لَيْسَ لَوَثًا.
وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: أَذْهَبُ إلَى الْقَسَامَةِ إذَا كَانَ ثَمَّ لَطْخٌ, إذَا كَانَ ثُمَّ سَبَبٌ بَيِّنٌ, إذَا كَانَ ثَمَّ عَدَاوَةٌ, إذَا كَانَ مِثْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَفْعَلُ هَذَا.
وَعَنْهُ: يُشْتَرَطُ مَعَ الْعَدَاوَةِ أَثَرُ الْقَتْلِ, اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ كَدَمٍ مِنْ أُذُنِهِ, وَفِيهِ مِنْ أَنْفِهِ وَجْهَانِ "م 1".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 1" قَوْلُهُ: وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ فِي الْعَدَاوَةِ أَثَرُ القتل, اختاره أبو بكر, كدم في
__________
1 في "ر" "القود" وقوله: موجب بالكسر صفة للقتل.
2 ليست في "ط".
3 الصمير يعود على اللوث.
4 ليست في "ط" وفي "ر" "بهم".(10/16)
وَيُتَوَجَّهُ: أَوْ مِنْ شَفَتِهِ. وَفِي التَّرْغِيبِ: لَيْسَ أثرا, واشترط القاضي أن لا يختلط بالعدو1 وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ ادَّعَى قَتِيلٌ عَلَى مَحَلَّةِ بَلَدٍ كَبِيرٍ يَطْرُقُهُ غَيْرُ أَهْلِهِ تَثْبُتُ الْقَسَامَةُ فِي رِوَايَةٍ.
وَيُشْتَرَطُ تَكْلِيفُ الْقَاتِلِ, لِتَصِحَّ الدَّعْوَى وَإِمْكَانُ الْقَتْلِ مِنْهُ, وَإِلَّا كَبَقِيَّةِ الدَّعَاوَى وَصِفَةُ الْقَتْلِ, فَلَوْ اسْتَحْلَفَهُ الْحَاكِمُ قَبْلَ تَفْصِيلِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ, لِعَدَمِ تَحْرِيرِ الدَّعْوَى وَطَلَبِ الْوَرَثَةِ, وَكَذَا اتِّفَاقُهُمْ عَلَى الْقَتْلِ وَعَيَّنَ الْقَاتِلَ, نَصَّ عَلَيْهِ.
وَقِيلَ: إنْ لَمْ يُكَذِّبْ بعضهم بعضا 2لم يقدح2, كغيبته3 وَعَدَمِ تَكْلِيفِهِ وَنُكُولِهِ, فِي الْأَصَحِّ فِيهِنَّ; وَهَلْ يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا أَوْ بِقِسْطِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ "م 2". وَيَأْخُذُ نَصِيبَهُ, ثُمَّ إنْ زَالَ الْمَانِعُ4 عن صاحبه حلف بقسطه,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
أُذُنِهِ. وَفِيهِ مِنْ أَنْفِهِ وَجْهَانِ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي5 وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ.
"أَحَدُهُمَا" يَكُونُ لَوَثًا وَهُوَ الصَّوَابُ, كَمَا لَوْ خَرَجَ6 مِنْ أُذُنِهِ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" لَا يكون لوثا.
مَسْأَلَةٌ 2" "قَوْلُهُ". "وَهَلْ يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا أَوْ بقسطه" فيه وجهان, انتهى.
__________
1 في "ط" "بالعمد".
2 2 في "ر" "ثم يقدح".
3 في "ط" "لغيبته".
4 في النسخ الخطية "المنع" والمثبت من "ط".
5 "12/197".
6 في النسخ الخطية: "جرح" والمثبت من "ط".(10/17)
وَقِيلَ: خَمْسِينَ, وَيَأْخُذُ, وَعَلَى هَذَا إنْ1 اخْتَلَفَ التَّعْيِينُ أَقْسَمَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى مَنْ عَيَّنَهُ.
وَمَتَى فُقِدَ اللَّوَثُ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينًا, وَعَنْهُ: خَمْسِينَ وَبَرِئَ, وَعَنْهُ: لَا يَمِينَ فِي عَمْدٍ, وَهِيَ أَشْهَرُ.
وَلَا قَسَامَةَ مَعَ عَدَمِ تَعْيِينِهِ, نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ جَمَاعَةٌ: نَحْوَ: قَتَلَهُ هَذَا مَعَ جَمَاعَةٍ. أَوْ قَتَلَهُ أَحَدُهُمَا, وَفِي الْمُغْنِي2 عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي ثُبُوتُهَا فِي: قَتَلَهُ زَيْدٌ وَآخَرُ لَا أَعْرِفُهُ.
وَقَالَ آخَرُ: قَتَلَهُ عَمْرٌو وَآخَرُ لَا أَعْرِفُهُ, وَيُقْبَلُ تَعْيِينُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا أَعْرِفُهُ وَفِي التَّرْغِيبِ احْتِمَالٌ. قَالَ أَحْمَدُ: وَلَا قَسَامَةَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ واحد, إنما قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ" 3: وَعَنْهُ: بَلَى, فِي غَيْرِ قَوَدٍ. وَتَجِبُ الدية, فلو ادعى على اثنين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ4 وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
"أَحَدُهُمَا". يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ5 فِي الْخِلَافِ, وَجَزَمَ بِهِ الْآدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ وَمُنَوِّرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" يَحْلِفُ بِقِسْطِهِ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَجَزَمَ به في الوجيز
__________
1 ليست في "ط".
2 "12/199".
3 أخرجه البخاري "2702" ومسلم "1669" من حديث سهل بن أبي حثمة.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/142".
5 بعدها في "ط" "و".(10/18)
"على" أَحَدُهُمَا لَوَثٌ حَلَفَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ وَأَخَذَ نِصْفَ الدِّيَةِ, وَالْآخَرُ إنْ حَلَفَ بَرِئَ, وَإِنْ نَكَلَ فَفِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ الْوَجْهَانِ, وَلَوْ1 عَيَّنَ بَعْضُهُمْ قَاتِلًا, فَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَهَذَا أَيْضًا, حَلَفَا عَلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَأَخَذَا2 نِصْفَ الدِّيَةِ.
وَيَجِبُ الْقَوَدُ فِي قَسَامَةِ الْعَمْدِ بِشَرْطِهِ, نَصَّ عَلَيْهِ, كَسَائِرِ قَتْلِ الْعَمْدِ. قَالَ أَحْمَدُ: الَّذِي يَدْفَعُ الْقَتْلَ فِي هَذَا قَدْ يُبِيحُهُ بِأَيْسَرَ مِنْهُ, فَيُبِيحُهُ بِالظَّنِّ, فَلَوْ حَمَلَ عَلَيْهِ بِسِلَاحٍ لِيَأْخُذَ مَتَاعَهُ أَلَيْسَ دَمُهُ هَدَرًا؟ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ لَمْ يَنَلْهُ بِشَيْءٍ, فَكَذَا بِمَا وَقَعَ فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَرَفُوهُ وَيُقْسِمُونَ3 عَلَيْهِ.
وَيَبْدَأُ فِي الْقَسَامَةِ بِأَيْمَانِ ذُكُورِ الْعَصَبَةِ الْعُدُولِ أَوَّلًا نَصَّ عَلَيْهِ الْوَارِثِينَ, وَعَنْهُ: أَوْ لَا, نَصَرَهَا جماعة فقسم4 من عرف 5وجه نِسْبَةٌ5 مِنْ الْمَقْتُولِ, لَا أَنَّهُ مِنْ الْقَبِيلَةِ فَقَطْ, ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ, وَسَأَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ: إنْ لَمْ يَكُنْ أَوْلِيَاءَهُ6؟ قَالَ: فَقَبِيلَتُهُ الَّتِي هُوَ فِيهَا وَأَقْرَبُهُمْ مِنْهُ.
وَلَا تُقْسِمُ أُنْثَى, نَصَّ عَلَيْهِ, وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ تُقْسِمُ فِي الْخَطَإِ, وَفِي خنثى7 وجهان "م 3".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 3" قَوْلُهُ: "وَفِي خُنْثَى وَجْهَانِ" انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا في المغني8
__________
1 في الأصل "إن".
2 في الأصل "أخذ".
3 في الأصل "تقتسمون".
4 في "ط" "فقسم".
5 5 في "ط" وفيه نسبة".
6 في "ط" "أولياءه".
7 بعدها في الأصل "مشكل".
8 "12/210".(10/19)
وَلَا مُرْتَدٌّ وَقْتَ مَوْتِ1 مَوْرُوثِهِ الْحُرِّ, لِعَدَمِ إرثه ولو أسلم, بل1 بعد موته, فَيَحْلِفُونَ خَمْسِينَ بِقَدْرِ إرْثِهِمْ وَيَكْمُلُ الْكَسْرُ وَإِنْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ حَلَّفَهَا, نَصَّ عَلَيْهِ, وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: لَا أَجْتَرِئُ عَلَيْهِ. النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "يَحْلِفُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ" 2 قُلْت: فَمَنْ احتج بالواحد؟ قال: يحتج بحديث معاوية,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ3 وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
"أَحَدُهُمَا": لَا مَدْخَلَ لَهُ, كَالنِّسَاءِ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ, وَجَزَمَ به الوجيز والمنور, وقدمه في الرعايتين.
__________
1 ليست في الأصل.
2 أخرجه أبو داود "4526" عن رجال من الأنصار وأخرجه البيهقي في السنن "8/121" من طريقه ثم قال: وهذا مرسل بترك تسمية الذين حدثوهما.
3 المنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/144".(10/20)
قَصَرَهَا عَلَى ثَلَاثَةٍ1, ابْنُ الزُّبَيْرِ2. وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ يَحْلِفُ وَلِيٌّ يَمِينًا; وَعَنْهُ: خَمْسِينَ.
وَإِنْ جَاوَزُوا خَمْسِينَ حَلَفَ خَمْسُونَ كُلُّ وَاحِدٍ يَمِينًا, وَفِي اعْتِبَارِ كَوْنِ الْأَيْمَانِ فِي مَجْلِسٍ واحد فيه وجهان أصلهما الموالاة "م 4".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"والوجه الثاني": له مدخل كالرجل, فيحلف.
"مَسْأَلَةٌ 4" قَوْلُهُ: "وَفِي اعْتِبَارِ كَوْنِ الْأَيْمَانِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فِيهِ وَجْهَانِ أَصْلُهُمَا الْمُوَالَاةُ", انْتَهَى. "أَحَدُهُمَا" لَا يُعْتَبَرُ الْمَجْلِسُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ, وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي3 وَالشَّرْحِ4 وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ, وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" يُعْتَبَرُ.
"تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ "أَصْلُهُمَا الْمُوَالَاةُ" يَعْنِي أَنَّ الْأَيْمَانَ هل تجب الموالاة فيها أم
__________
1 بعدها في النسخ الخطية "و".
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "18261".
3 "12/213".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/155 – 156".(10/21)
فَإِنْ1 اُعْتُبِرَ فَحَلَفَ ثُمَّ جُنَّ أَوْ عَزَلَ الْحَاكِمُ مَوْلَاهُ, لَا وَارِثَهُ, وَوَارِثُهُ كَهُوَ. وَفِي الْمُنْتَخَبِ إنْ لَمْ يَكُنْ طَالِبٌ فَلَهُ الْحَقُّ ابْتِدَاءً, وَلَا بُدَّ مِنْ تَفْصِيلِ الدَّعْوَى فِي يَمِينٍ: الْمُدَّعِي.
وَمَتَى حَلَفَ الذُّكُورُ2 فَالْحَقُّ لِلْجَمِيعِ, وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْعَمْدَ لِذُكُورِ الْعَصَبَةِ, وَالسَّيِّدِ كَوَارِثٍ, وَإِنْ نَكَلُوا أَوْ كَانُوا نِسَاءً حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَمْسِينَ3, وَعَنْهُ: يَغْرَمُ الدِّيَةَ, وَعَنْهُ: مِنْ بيت الْمَالِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ, وَقَدَّمَ فِي الْمُوجَزِ: يَمِينًا وَاحِدَةً, وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي التَّبْصِرَةِ. فَإِنْ ادَّعَى عَلَى جَمَاعَةٍ وَصَحَّ فَقِيلَ: يَحْلِفُ كُلُّ واحد خمسين, وقيل: قسطه بالسوية "م 5"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
لا؟ والصحيح من المذهب أنها4 لَا تَجِبُ, قَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي5 والشارح6 وشرح ابن رزين وغيرهم.
مَسْأَلَةٌ 5" قَوْلُهُ: "فَإِنْ ادَّعَى عَلَى جَمَاعَةٍ 7"وَصَحَّ"7 فَقِيلَ: يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ خَمْسِينَ, وَقِيلَ: قَسَّطَهُ بِالسَّوِيَّةِ". انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالزَّرْكَشِيِّ.
"أَحَدُهُمَا": يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ خَمْسِينَ يَمِينًا, وهو الصحيح, قدمه في المغني
__________
1 في "ط" "قال".
2 في "ر" "المذكور".
3 بعدها في الأصل "يمينا".
4 في "ط" "أنهما".
5 "13/213".
6 في "ط" "الشرح".
7 7 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".(10/22)
و1فِي الْمُسْتَوْعِبِ: لَا تَصِحُّ يَمِينُهُ إلَّا بِقَوْلِهِ: مَا قَتَلْته وَلَا أَعَنْت عَلَيْهِ وَلَا تَسَبَّبْت, لِئَلَّا يَتَأَوَّلَ.
وَيُعْتَبَرُ حُضُورُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقْتَ يَمِينِهِ, كَالْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ, وَحُضُورُ الْمُدَّعِي, ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ. وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْأَوْلِيَاءُ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَدَاهُ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ, وَإِنْ نَكَلَ فَعَنْهُ كَذَلِكَ, وَعَنْهُ: يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ, وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ الدِّيَةُ, وَهِيَ أَظْهَرُ "م 6 و 7".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالشَّرْحِ2 وَنَصَرَاهُ, وَابْنُ رَزِينٍ وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرُهُمْ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي": يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقِسْطِهِ وَيَكُونُ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمْ3.
"مَسْأَلَةٌ 6 و 7" قَوْلُهُ "وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْأَوْلِيَاءُ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَدَاهُ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ, وَإِنْ نَكَلَ4 فَعَنْهُ كَذَلِكَ", وَعَنْهُ: يُحْبَسُ حَتَّى يَقْرَأَ أَوْ يحلف, وعنه: تلزمه الدية, وهي5 أَظْهَرُ, انْتَهَى. اشْتَمَلَ كَلَامُهُ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ:
"الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 6": إذَا طَلَبُوا أَيْمَانَهُمْ وَنَكَلُوا فَهَلْ يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ, أَوْ يَحْلِفَ, أَمْ لَا؟ أُطْلِقَ الْخِلَافُ, وَأَطْلَقَهُ الزَّرْكَشِيّ.
"أَحَدُهُمَا"6: لَا يُحْبَسُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ7 وَالْهَادِي وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي8
__________
1 ليست في "ط".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/162".
3 ليست في "ح".
4 في "ح" "نكلت".
5 في النسخ الخطية و"ط" "هو" والنثبت من "الفروع".
6 في "ط" "أحدهما".
7 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/164".
8 "12/206".(10/23)
وَلَوْ رَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي فَلَيْسَ لِلْمُدَّعِي أن يحلف, وَفِي التَّرْغِيبِ عَلَى رَدِّ الْيَمِينِ وَجْهَانِ, وَأَنَّهُمَا فِي كُلِّ نُكُولٍ عَنْ يَمِينٍ1 مَعَ الْعَوْدِ إلَيْهَا فِي مَقَامٍ آخَرَ, هَلْ لَهُ ذَلِكَ لِتَعَدُّدِ الْمَقَامِ أَمْ لَا؟ لِنُكُولِهِ مَرَّةً.
وَيَفْدِي مَيِّتٌ فِي زَحْمَةٍ, كَجُمُعَةٍ وَطَوَافٍ, مِنْ بَيْتِ الْمَالِ, وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِعُمَرَ وَعَلِيٍّ2, وَعَنْهُ: هَدَرٌ, وَعَنْهُ: فِي صَلَاةٍ لَا حَجَّ لِإِمْكَانِ صَلَاتِهِ فِي غَيْرِ زِحَامٍ خَالِيًا. وَنُقِلَ عَنْ3 عَبْدِ اللَّهِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَدِيَهُ سُلْطَانٌ. قَالَ أبو بكر: فهذا استحباب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
والشرح4 وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ": يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ.
"تَنْبِيهٌ" ظَهَرَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ فِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ شَيْئًا, وَأَنَّ الْأَوْلَى أَنَّهُ كَانَ يُقَدِّمُ أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ.
"الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 7" إذَا قُلْنَا لَا يُحْبَسُ فَهَلْ تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ أَوْ تَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؟.
أَطْلَقَ الْخِلَافَ, وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
"إحْدَاهُمَا": تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَهُوَ أَظْهَرُ, وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُمْ, وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ
__________
1 في الأصل "اليمين".
2 وهو ما أخرجه عبد الرزاق في المصنف "18316" عن يزيد بن مذكور الهمداني أن رجلا قتل يوم الجمعة في الزحام فجعل علي ديته من بيت المال. وأخرجه أيضا "18317" عن إبراهيم عن الأسود أن رجلا قتل في الكعبة فسأل عمر عليا فقال: من بيت المال.
3 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/164".(10/24)
وَإِنْ كَانَ قَتِيلًا وَثَمَّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ1 أُخِذَ بِهِ نَقَلَهُ مُهَنَّا, وَسَأَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ قَتِيلٍ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ؟ قَالَ: هَذَا قَسَامَةٌ. قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِعُمَرَ أَنَّهُ جَعَلَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ, وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: أَذْهَبُ إلَى حَدِيثِ عُمَرَ "قِيسُوا مَا بَيْنَ الْحَيَّيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا كَانَ أَقْرَبَ فَخُذْهُمْ بِهِ" فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ, أَتُغَرِّمُنَا وَتُحَلِّفُنَا؟ قَالَ: نَعَمْ, فَأَحْلَفَ خَمْسِينَ رَجُلًا بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت وَلَا عَلِمْت قَاتِلًا. قَالَ عُمَرُ: وَهَذَا إزَالَةُ القود باليمين2, وعن أبي سعيد 3الخدري رضي الله عنه3 قَالَ: وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَرَّعَ مَا بَيْنَهُمَا, فَوُجِدَ إلَى أَحَدِهِمَا أَقْرَبَ, فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى شِبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَأَلْقَاهُ على أقربهما4, والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالنَّاظِمُ, وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ": يَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ, قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَهَذِهِ سَبْعُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ.
__________
1 في الأصل "عداوة".
2 أورده صاحب نصب الراية "4/397" وأخرجه البيهقي "8/124" بمعناه.
3 3 ليست في "ط".
4 أخرجه الإمام أحمد في المسند "11341" والبيهقي في السنن "8/126".(10/25)
كتاب الحدود
مدخل
*
...
كتاب الحدود
تَحْرُمُ إقَامَةُ حَدٍّ إلَّا لِإِمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ, وَاخْتَارَ شَيْخُنَا إلَّا لِقَرِينَةٍ, كَتَطَلُّبِ الْإِمَامِ لَهُ1 لِيَقْتُلَهُ, وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا ضَمَانَ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَلِسَيِّدٍ مُكَلَّفٍ عَالِمٍ بِهِ, وَالْأَصَحُّ حُرٌّ وَقِيلَ: ذَكَرٌ عَدْلٌ إقَامَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ عَلَى رَقِيقِهِ الْكَامِلِ رِقُّهُ, كَتَعْزِيرٍ.
وَقِيلَ: غَيْرُ الْمُكَاتَبِ وَقِيلَ: وغير 2مرهونه ومستأجرة2, كأمة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ "وَلِسَيِّدٍ إقَامَتُهُ عَلَى رَقِيقِهِ, وَقِيلَ غَيْرُ مُكَاتَبٍ" انْتَهَى. فَقَدَّمَ أَنَّ لَهُ إقَامَتَهُ عَلَى مُكَاتَبِهِ, وَلَمْ أَعْلَمْ لَهُ مُتَابِعًا, وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يُقِيمُهُ عَلَيْهِ هُوَ3 الصَّحِيحُ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ, وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ4 وَالْوَجِيزِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ, قَالَ فِي الْمُنَوِّرِ: وَيَمْلِكُهُ السَّيِّدُ مُطْلَقًا عَلَى قِنٍّ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ4, قَالَ فِي الْكُبْرَى: وَلَا يُقِمْ الْحَدَّ عَلَى مُكَاتَبَتِهِ, وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ و5الرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم,.
__________
1 ليست في "ر".
2 2 في "ط" "مرهونه ومستأجره".
3 في"ص" "في".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/171".
5 ليست في "ط".(10/29)
مُزَوَّجَةٍ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَفِيهَا وَجْهٌ, وَصَحَّحَهُ الْحَلْوَانِيُّ, وَنَقَلَ مُهَنَّا: إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا, وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً فَالسُّلْطَانُ, وَأَنَّهُ لَا يَبِيعُهَا حَتَّى تُحَدَّ وَجَعَلَ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ مَرْهُونَةً, وَمُكَاتَبَةً أَصْلًا لِمُزَوَّجَةٍ, وَقِيلَ: يُقِيمُهُ وَلِيُّ امْرَأَةٍ, وَمَنْ أَقَامَهُ فَبِإِقْرَارٍ.
وَيَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ حَاكِمٌ, وَفِيهِ هُوَ وَجْهَانِ, مَعَ عِلْمِهِ بِشُرُوطِهَا1 "م 1" وَنَصُّهُ: يُقِيمُهُ بِعِلْمِهِ, وَعَنْهُ: لَا, اخْتَارَهُ الْقَاضِي.
وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ وُجُوبَ بَيْعِ رَقِيقٍ زَنَى فِي الرابعة, وفي قتله لردة وقطعه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 1" قَوْلُهُ "وَيَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ حَاكِمٌ, وَفِيهِ هُوَ وَجْهَانِ مَعَ عِلْمِهِ شُرُوطَهَا", انْتَهَى.
"أَحَدُهُمَا": يَسْمَعُهَا وَيُقِيمُهُ كَالْحَاكِمِ, اخْتَارَهُ الْقَاضِي يَعْقُوبُ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ2 وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا, وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" لَا يَسْمَعُهَا وَلَا يُقِيمُهُ, قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي3 وَالشَّرْحِ4 وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ.
__________
1 في "ط" "بشروطها".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "28/515".
3 "12/376".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/171 - 173".(10/30)
لِسَرِقَةٍ رِوَايَتَانِ "م 2" وَيَأْتِي فِي التَّعْزِيرِ1 وُجُوبُ إقَامَةِ الْحَدِّ وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ مَنْ يُقِيمُهُ شَرِيكًا لِمَنْ يُقِيمُهُ عَلَيْهِ فِي الْمَعْصِيَةِ أَوْ عَوْنًا لَهُ, وَقَالَهُ شَيْخُنَا, وَاحْتَجَّ بِمَا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ لَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ, بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَ وَيَنْهَى وَلَا يَجْمَعَ بَيْنَ مَعْصِيَتَيْنِ.
وَقَالَ شَيْخُنَا إنْ عَصَى الرَّقِيقُ عَلَانِيَةً أَقَامَ السَّيِّدُ عَلَيْهِ الْحَدَّ, وَإِنْ عَصَى سِرًّا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ إقَامَتُهُ بَلْ يُخَيَّرُ بَيْنَ سِتْرِهِ وَاسْتِتَابَتِهِ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ, كَمَا يُخَيَّرُ الشُّهُودُ عَلَى إقَامَةِ الْحَدِّ بَيْنَ إقَامَتِهَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَبَيْنَ السِّتْرِ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَاسْتِتَابَتِهِ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ, فَإِنْ تَرَجَّحَ أَنَّهُ2 يَتُوبُ سَتَرُوهُ, وَإِنْ كَانَ فِي تَرْكِ إقامة الحد عليه ضرر للناس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 2" قَوْلُهُ: "وَفِي قَتْلِهِ لِرِدَّةٍ وَقَطْعِهِ لِسَرِقَةٍ رِوَايَتَانِ", انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ3 وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ.
"إحْدَاهُمَا": لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي4 وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ, ونصروه5, وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ, وَجَزَمَ بِهِ الآدمي في منتخبه, وقدمه في الكافي.
"و6الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ": لَهُ ذَلِكَ, صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وتصحيح المحرر, وجزم
__________
1 ص "104".
2 في "ر" "أن".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/171 - 173".
4 "11/470".
5 في "ط" "لضرورة".
6 ليست في "ط".(10/31)
كَانَ فِي الرَّاجِحِ رَفْعُهُ إلَى الْإِمَامِ, وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ أَصْحَابُنَا إلَّا أَنَّ لَهُ إقَامَةَ الْحَدِّ بِعِلْمِهِ, وَلَمْ1 يَقُولُوا إنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ, وَذَلِكَ لِأَنَّهُ2 لَوْ وَجَبَ عَلَى مَنْ عَلِمَ من رقيقه حدا أن يقيمه عليه مَعَ إمْكَانِ اسْتِتَابَتِهِ لَأَفْضَى ذَلِكَ إلَى وُجُوبِ هَتْكِ كُلِّ رَقِيقٍ, وَأَنَّهُ لَا يُسْتَرُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ, وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ" 3. كَذَا قَالَ وَيُقَالُ: السَّيِّدُ فِي إقَامَتِهِ كَالْإِمَامِ, فَيَلْزَمُهُ إقَامَتُهُ بِثُبُوتِهِ عِنْدَهُ كَالْإِمَامِ.
وَلَا يَلْزَمُ مَا ذَكَرَهُ بِدَلِيلِ الْإِمَامِ, وَإِنَّمَا قَالَ الْأَصْحَابُ: لِلسَّيِّدِ إقَامَتُهُ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَوْهُ مِنْ التَّحْرِيمِ, وَيَتَوَجَّهُ مِنْ قَوْلِ شَيْخِنَا تَخْرِيجٌ فِي الْإِمَامِ, وَغَايَتُهُ تَخْصِيصُ ظَاهِرِ الْأَخْبَارِ وَتَقْيِيدُ مطلقها, وهو جائز, و4لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي تَحْقِيقِ دَلِيلِ التَّخْصِيصِ وَالتَّقْيِيدِ. وَقِيلَ: لِوَصِيٍّ حَدُّ رَقِيقِ مُوَلِّيهِ.
وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ قَائِمًا, وَعَنْهُ: قَاعِدًا, بِسَوْطٍ لَا خَلَقٍ وَلَا جَدِيدٍ, نَصَّ عَلَيْهِ, قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: وَلْتَكُنْ الحجارة متوسطة كالكفية5, وَعِنْدَ الْخِرَقِيِّ: سَوْطُ عَبْدٍ دُونَ حُرٍّ بِلَا مَدٍّ, لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَلَا رَبْطَ, وَلَا تَجَرُّدَ بَلْ مَعَ قَمِيصٍ أَوْ اثْنَيْنِ, نَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ وَالْفَضْلُ: وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ, وَعَنْهُ: يَجُوزُ تَجْرِيدُهُ, نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ وَالْمَيْمُونِيُّ: يُجَرَّدُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
به في الوجيز.
__________
1 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
2 في "ط" "لأنه".
3 أخرجه البخاري "2442" ومسلم "2580" "58" من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
4 ليست في "ط".
5 في "ط" "كالكفين".(10/32)
وَإِنْ كَانَ السَّوْطُ مَغْصُوبًا أَجْزَأَ, عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى النَّهْيِ, لِلْإِجْمَاعِ, ذَكَرَهُ فِي التَّمْهِيدِ.
وَلَا يُشَقُّ جِلْدٌ وَلَا يُبْدِي إبْطَهُ فِي رَفْعِ يَدِهِ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَيُفَرِّقُ الضَّرْبَ, وَأَوْجَبَهُ الْقَاضِي. وَيَلْزَمُ1 اتِّقَاءُ وَجْهٍ وَرَأْسٍ وَفَرْجٍ وَمَقْتَلٍ, وَإِنْ ضَرَبَ قَاعِدًا فَظُهْرُهُ وَمُقَارِبُهُ. وَلَا تُعْتَبَرُ الْمُوَالَاةُ فِي الْحُدُودِ, ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فِي مُوَالَاةِ الْوُضُوءِ لِزِيَادَةِ الْعُقُوبَةِ, وَلِسُقُوطِهِ بِالشُّبْهَةِ. وَقَالَ شَيْخُنَا: فِيهِ نَظَرٌ, وَمَا قَالَهُ أَظْهَرُ, وَتُعْتَبَرُ لَهُ النِّيَّةُ, فَلَوْ جَلَدَهُ لِلتَّشَفِّي أَثِمَ وَيُعِيدُهُ, ذَكَرَهُ فِي الْمَنْثُورِ عَنْ الْقَاضِي, وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: لَا, وَهُوَ أَظْهَرُ, وَلَمْ يَعْتَبِرُوا نِيَّةَ مَنْ يُقِيمُهُ أَنَّهُ حَدٌّ, مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ يُقِيمُهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ لَا يُعْتَبَرُ, وَيَأْتِي فِي حَدِّ الْقَذْفِ كَلَامُ الْقَاضِي2. وَفِي الْفُصُولِ قُبَيْلَ فُصُولِ التَّعْزِيرِ: يَحْتَاجُ عِنْدَ إقَامَتِهِ إلَى نِيَّةِ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَضْرِبُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, ولما وضع الله ذلك, وكذلك الحداد3 إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ إذَا تَوَلَّى وَأَمَّرَ عَبْدًا أَعْجَمِيًّا يَضْرِبُ لَا عِلْمَ لَهُ بِالنِّيَّةِ أَجْزَأَتْ نِيَّتُهُ, وَالْعَبْدُ كَالْآلَةِ, قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُعْتَبَرَ نِيَّتُهُمَا, كَمَا نَقُولُ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ تُعْتَبَرُ نية غاسله.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "ويلزمه".
2 ص "86".
3 في "ط" "الحد إذن" وفي هامش الأصل لعله "لجلاد" اهـ.(10/33)
وَاحْتَجَّ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ لِاعْتِبَارِ نِيَّةِ الزَّكَاةِ 1بِأَنَّ الصَّرْفَ إلَى1 الْفَقِيرِ لَهُ جِهَاتٌ, فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ التَّمْيِيزِ, كَالْجَلْدِ فِي الْحُدُودِ.
وَقَالَ شَيْخُنَا فِي تَتِمَّةِ كَلَامِهِ السَّابِقِ فِي آخِرِ الصُّلْحِ: فَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ نَفْعَ الْخَلْقِ وَالْإِحْسَانَ إلَيْهِمْ, وَهَذَا هُوَ الرَّحْمَةُ الَّتِي بُعِثَ بِهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الانبياء:107] لكن للاحتياج2 إلَى دَفْعِ الظُّلْمِ شُرِعَتْ الْعُقُوبَاتُ, وَعَلَى الْمُقِيمِ لَهَا أَنْ يَقْصِدَ بِهَا3 النَّفْعَ وَالْإِحْسَانَ, كَمَا يَقْصِدُ الْوَالِدُ بِعُقُوبَةِ الْوَلَدِ, وَالطَّبِيبُ بِدَوَاءِ الْمَرِيضِ, فَلَمْ يَأْمُرْ الشَّرْعُ إلَّا بِمَا هُوَ نَفْعٌ للعباد. وعلى المؤمن أن يقصد ذلك.
وَامْرَأَةٌ كَرَجُلٍ, وَتُضْرَبُ جَالِسَةً, وَتُشَدُّ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا, نَصَّ عَلَيْهِمَا, وَتُمْسَكُ يَدَاهَا لِئَلَّا تَنْكَشِفَ, وَفِي الْوَاضِحِ, أَسْوَاطُهَا كَذَلِكَ.
وَجَلْدُ الزِّنَا أَشَدُّ, ثُمَّ الْقَذْفُ, ثُمَّ الشُّرْبُ, نَصَّ عَلَيْهَا, ثُمَّ التَّعْزِيرُ.
وَلِلْإِمَامِ حَدُّهُ لِشُرْبٍ بِجَرِيدٍ وَنِعَالٍ. وَفِي الْمُذْهَبِ وَالْبُلْغَةِ: وَأَيْدٍ, وَفِي الْوَسِيلَةِ: يَسْتَوْفِي بِالسَّوْطِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ. وَفِي الْمُوجَزِ: لَا يُجْزِئُ بِيَدٍ وَطَرَفِ ثَوْبٍ. وَفِي التَّبْصِرَةِ: لَا يجزئ بطرف ثوب ونعل,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 1 ليست في "ر".
2 في "ط" "الاحتياط".
3 ليست في الأصل.(10/34)
وَيَحْرُمُ حَبْسُهُ بَعْدَ حَدِّهِ1, نَقَلَهُ حَنْبَلٌ, وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: مَنْ لَمْ يَنْزَجِرْ بِالْحَدِّ وَضَرَّ النَّاسَ فَلِلْوَالِي لَا الْقَاضِي حَبْسُهُ حَتَّى يَتُوبَ, وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: حَتَّى يَمُوتَ.
وَيَحْرُمُ الْأَذَى بِالْكَلَامِ كَالتَّعْيِيرِ2, عَلَى كَلَامِ الْقَاضِي وَابْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِمَا, لِنَسْخِهِ بِشَرْعِ الْحَدِّ, كَنَسْخِ حَبْسِ الْمَرْأَةِ. وَلِأَنَّهُ يَكُونُ تَعْزِيرًا, وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا.
وَتَأْخِيرُ حَدٍّ, وَإِنْ خِيفَ مِنْ السَّوْطِ لَمْ يَتَعَيَّنْ, عَلَى الْأَصَحِّ فَيُقَامُ بِطَرَفِ ثَوْبٍ وَعُثْكُولِ3 نَخْلٍ حَسْبَمَا يَحْتَمِلُهُ. وَقِيلَ: ضَرَبَهُ بِمِائَةِ شِمْرَاخٍ, وَقِيلَ: يُؤَخَّرُ لِحَرٍّ وَبَرْدٍ وَمَرَضٍ مَرْجُوِّ الْبُرْءِ, وَإِلَّا ضَمِنَ, وَيُؤَخَّرُ لِشُرْبٍ حَتَّى يَصْحُوَ, نَصَّ عَلَيْهِ وَلِقَطْعِ خَوْفِ التَّلَفِ.
وَمَنْ مَاتَ فِي حَدٍّ وَلَوْ حَدِّ خَمْرٍ, نَصَّ عَلَيْهِ, أَوْ تَعْزِيرٍ, وَلَمْ يَلْزَمْ تَأْخِيرُهُ, فَهَدَرٌ. وَإِنْ زَادَ سَوْطًا, أَوْ فِي السَّوْطِ, أَوْ اعْتَمَدَ فِي ضَرْبِهِ, فديته,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في النسخ الخطية "حد".
2 في "ر" "كالتعبير".
3 العثكول بوزن عصفور والعثكال بوزن مفتاح كلاهما الشمراخ وهو في النخل بمنزلة العنقود في الكرم المطلع ص "370".(10/35)
كَضَرْبِهِ بِسَوْطٍ لَا يَحْتَمِلُهُ, وَإِلْقَاءِ حَجَرٍ فِي سَفِينَةٍ مِثْلُهُ لَا يُغْرِقُهَا اتِّفَاقًا, ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ, وَعَنْهُ: نِصْفُهَا وَقِيلَ: دِيَتُهُ عَلَى الْأَسْوَاطِ إن زاد على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ: "وَإِذَا زَادَ سَوْطًا, فَدِيَتُهُ. وَعَنْهُ: نِصْفُهَا", انْتَهَى. قَدَّمَ وُجُوبَ الدِّيَةِ, وَهُوَ الْمَذْهَبُ, و1قال فِي الْإِجَارَةِ: وَلَوْ جَاوَزَ الْمَكَانُ أَوْ زَادَ عَلَى الْمَحْمُولِ فَالْمُسَمَّى مَعَ أَجْرِ الْمِثْلِ لِلزَّائِدِ, وَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ الدَّابَّةِ إنْ تَلِفَتْ, وَقِيلَ: نِصْفُهَا, كَسَوْطٍ فِي حَدٍّ, انْتَهَى.
فَظَاهِرُهُ الْقَطْعُ بِوُجُوبِ نِصْفِ الدِّيَةِ إذَا زَادَ سَوْطًا, وَهُوَ مُخَالِفٌ لما قدمه في هذا الباب.
__________
1 ليست في "ط".(10/36)
الأربعين, وَفِي وَاضِحِ ابْنِ عَقِيلٍ: إنْ وَضَعَ فِي سَفِينَةٍ كُرًّا1 فَلَمْ يَغْرَقْ ثُمَّ وَضَعَ قَفِيزًا فَغَرِقَتْ فَغَرَقُهَا بِهِمَا فِي أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ, وَالثَّانِي بِالْقَفِيزِ, وَكَذَا الشِّبَعُ وَالرِّيُّ, وَالسَّيْرُ بِالدَّابَّةِ فَرَاسِخَ, وَالسُّكْرُ بِالْقَدَحِ أَوْ الْأَقْدَاحِ, وَذَكَرَ2 أَيْضًا عَنْ الْمُحَقِّقِينَ كَمَا يَنْشَأُ الْغَضَبُ3 بِكَلِمَةٍ بَعْدَ كَلِمَةٍ وَيَمْتَلِئُ الْإِنَاءُ بِقَطْرَةٍ بَعْدَ قَطْرَةٍ, وَيَحْصُلُ الْعِلْمُ بِوَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ. وَقَالَ أَيْضًا: لَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ أَرْوَتْنِي الْجَرْعَةُ, وَيَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ غَرَّقَ السَّفِينَةَ هَذَا4 الْقَفِيزُ, وَقَالَ: لَا يُقَالُ لِسَفِينَةٍ ثَقِيلَةٍ بِوَقْرِهَا عَامَ بَعْضُهَا فِي الْمَاءِ غَرِيقَةً بَعْضَ الْغَرَقِ, وَلَا يُقْلَعُ اسْمُ الْغَرَقِ إلَّا عَلَى غَمْرِ الْمَاءِ لَهَا, وَجَزَمَ أَيْضًا فِي السَّفِينَةِ بِأَنَّ الْقَفِيزَ الْمُغَرِّقَ لَهَا.
وَمَنْ أمر بزيادة فزاد جهلا ضمنه الآمر, وإلا فَوَجْهَانِ "م 3" وَإِنْ تَعَمَّدَهُ الْعَادُّ فَقَطْ أَوْ أَخْطَأَ. وَادَّعَى ضَارِبٌ الْجَهْلَ ضَمِنَهُ الْعَادُّ. وَتَعَمَّدَ الْإِمَامُ الزِّيَادَةَ يَلْزَمُهُ فِي الْأَقْيَسِ, لِأَنَّهُ شِبْهُ عَمْدٍ. وَقِيلَ: كَخَطَإٍ, فِيهِ الرِّوَايَتَانِ, قَدَّمَهُ الشَّيْخُ وغيره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 3" قَوْلُهُ: "وَمَنْ أُمِرَ بِزِيَادَةٍ فَزَادَ جَهْلًا ضَمِنَهُ الْآمِرُ, وَإِلَّا فَوَجْهَانِ", انْتَهَى.
"أَحَدُهُمَا": يَضْمَنُ الْآمِرُ أَيْضًا, قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
__________
1 في الأصل "كذا" والكر بالضم مكيال للعراق ستة أوقار حمار أو هو ستون قفيزا أو أربعون إردبا القاموس "كرر".
2 في "ط" "ذكر".
3 في الأصل "العصب".
4 في "ر" "بهذا".(10/37)
وَلَا يُحْفَرُ لِمَرْجُومٍ. نَصَّ عَلَيْهِ, وَقِيلَ: بَلَى لِامْرَأَةٍ إلَى الصَّدْرِ إنْ رُجِمَتْ بِبَيِّنَةٍ اخْتَارَهُ في الهداية والفصول والتبصرة, وأطلق فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَابْنُ رَزِينٍ: يُحْفَرُ لَهَا, لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ, 1فَهُوَ سِتْرٌ1 بِخِلَافِ الرَّجُلِ.
وَيُسْتَحَبُّ بَدْأَةَ شُهُودٍ بِهِ وَحُضُورُهُمْ, وَإِنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارٍ, الْإِمَامُ, فَمَنْ يُقِيمُهُ. وَيَجِبُ حُضُورُهُ, وَنَقَلَ أَبُو داود: يجيء2 النَّاسُ صُفُوفًا لَا يُخْلَطُونَ3 ثُمَّ يَمْضُونَ صَفًّا صَفًّا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ قَوْلِ مَاعِزٍ: رُدُّونِي إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ قَوْمِي غَرُّونِي4, يَدُلُّ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَحْضُرْ رَجْمَهُ, فَبِهَذَا أَقُولُ.
وَيَجِبُ لِزِنًا حُضُورُ طَائِفَةٍ, وَاحِدٍ فَأَكْثَرَ, ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا, لِأَنَّهُ قول ابن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي": يَضْمَنُ الضَّارِبُ, قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَوْلَى.
"قُلْت": وَهُوَ الصَّوَابُ, حَيْثُ كَانَ عَالِمًا عَاقِلًا, 5وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي, وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُغْنِي6 وَالشَّرْحِ7 وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ5, وَقَدْ تقدم نظيره إذا أمره بالقتل8.
__________
1 1 في "ر" "تستر".
2 في "ط" و"ر" "يجوز" وفي الأصل "يجون" والتصويب من المبدع والإنصاف.
3 في "ط" "يخلطون".
4 أخرجه أبو داود "4420" من حديث جابر ونسبه المنذري إلى النسائي أيضا وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف "11/82/2" مختصرا.
5 5 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
6 "12/504 – 505".
7 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/201".
8 ص "29".(10/38)
عَبَّاسٍ, رَوَاهُ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ1 فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ} [التوبة: 66] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: الطَّائِفَةُ الْوَاحِدُ فَمَا فَوْقَهُ, وَاخْتَارَ فِي الْبُلْغَةِ: اثْنَانِ, لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الْجَمَاعَةُ, وَأَقَلُّهَا اثْنَانِ, قَالَ الزَّجَّاجُ: أَصْلُ الطَّائِفَةِ فِي اللُّغَةِ الْجَمَاعَةُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِلْوَاحِدِ طَائِفَةٌ, يُرَادُ بِهِ: نَفْسُ طَائِفَةٍ. وَقَالَ أَيْضًا: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ عَلَى غَيْرِ مَا عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ, لِأَنَّ الطَّائِفَةَ فِي مَعْنَى جَمَاعَةٍ, وَأَقَلُّ الْجَمَاعَةِ اثْنَانِ. وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: إذَا أُرِيدَ بِالطَّائِفَةِ الْوَاحِدُ كَانَ أَصْلُهَا طَائِفًا, عَلَى مِثَالٍ قَائِمٍ وَقَاعِدٍ فَتَدْخُلُ الْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْوَصْفِ, كَمَا يُقَالُ: رَاوِيَةٌ, عَلَّامَةٌ, نَسَّابَةٌ.
احْتَجَّ مَنْ قَالَ: أَقَلُّ الْجَمْعِ2 اثْنَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9] فَأَضَافَ الْفِعْلَ إلَيْهِمَا بِلَفْظِ الْجَمْعِ, وَأَجَابَ الْقَاضِي عَنْهُ بِأَنَّ الطَّائِفَةَ اسْمٌ لِلْجَمَاعَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء: 102] وَلَوْ كَانَتْ الطَّائِفَةُ وَاحِدًا لَمْ يَقُلْ {فَلْيُصَلُّوا} وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ, وَسَبَقَ فِي الْوَقْفِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ ثَلَاثَةٌ3. وَفِي الْفُصُولِ في صلاة الخوف طائفة اسم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ذكره ابن الجوزي في زاد المسير "6/8" وذكره السيوطي في الدر المنثور "5/18" عن ابن عباس أنه قال في تأويل {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الطائفة: الرجل قما فوقه. وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
2 في "ط" "الجماعة".
3 "7/375".(10/39)
جَمَاعَةٍ, وَأَقَلُّ اسْمِ الْجَمَاعَةِ مِنْ الْعَدَدِ ثَلَاثَةٌ. وَلَوْ قَالَ جَمَاعَةٌ لَكَانَ كَذَلِكَ. فَكَذَا إذَا قَالَ طَائِفَةٌ.
وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي أَنَّ الطَّائِفَةَ تُطْلَقُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ فِي قَوْلِهِ: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ} [النور: 2] لِأَنَّهُ أَوَّلُ شُهُودِ الزِّنَا.
وَإِنْ رَجَعَ مَنْ أَقَرَّ بِحَدِّ زِنًا أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ شُرْبٍ قَبْلَهُ أَوْ فِي بَعْضِهِ أَوْ هَرَبَ, فِي الْمَنْصُوصِ فِيهِ1, سَقَطَ, فَإِنْ تَمَّمَ ضَمِنَ الرَّاجِعُ فَقَطْ بِالْمَالِ, وَلَا قَوَدَ. وَفِي الِانْتِصَارِ فِي زِنًا يَسْقُطُ2 بِرُجُوعِهِ بِكِتَابَةٍ3, نَحْوَ مَزَحْتُ, أَوْ مَا عَرَفْتُ مَا قُلْتُ, أَوْ كُنْتُ نَاعِسًا, وَفِيهِ فِي سَارِقِ بَارِيَّة مَسْجِدٍ وَنَحْوِهَا: لَا يُقْبَلُ4 رُجُوعُهُ. وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: يُقْبَلُ رُجُوعُهُ فِي الزِّنَا فَقَطْ, وَلَا يَتْرُكُ بَعْدَ بَيِّنَةٍ عَلَى الْفِعْلِ, وَعَنْهُ: أَوْ عَلَى إقراره, وقيل: يقبل رجوع مقر بمال5.
وَمَنْ أَتَى حَدًّا سَتَرَ نَفْسَهُ, نَقَلَ مُهَنَّا: رَجُلٌ زَنَى يَذْهَبُ يُقِرُّ؟ قَالَ: بَلْ يَسْتُرُ نَفْسَهُ. وَاسْتَحَبَّ الْقَاضِي إنْ شَاعَ6 رَفَعَهُ إلَى حَاكِمٍ لِيُقِيمَهُ عَلَيْهِ, قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ تَعَلَّقَتْ التَّوْبَةُ بِظَاهِرٍ كَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ أَظْهَرَهَا وَإِلَّا أَسَرَّ. وَمَنْ قَالَ لِإِمَامٍ: أَصَبْتُ حَدًّا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِمَا لَمْ يُبَيِّنْهُ, نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ر" "عنه".
2 في الأًصل "سقط".
3 في "ط" "كتابه".
4 في "ر" "فقيل".
5 في "ر" قال".
6 ليست في "ر".(10/40)
وَيُحَدُّ مِنْ زَنَى هَزِيلًا وَلَوْ بَعْدَ سِمَنِهِ, كَذَا عُقُوبَةُ الْآخِرَةِ, كَمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ زَنَى أُعِيدَتْ بَعْدَ بَعْثِهِ وَعُوقِبَ, ذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ1, فَالْحَدُّ كَفَّارَةٌ لِذَلِكَ الذَّنْبِ, لِلْخَبَرِ2, نَصَّ عليه.
__________
1 في "ر" "الفصول".
2 أخرجه البخاري "6784" عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس فقال: "بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا وقرأ هذه الآية كلها فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه.(10/41)
فَصْلٌ: وَإِنْ اجْتَمَعَتْ حُدُودٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنْ كَانَ فِيهَا قَتْلٌ اُسْتُوْفِيَ وَحْدَهُ,
قَالَ فِي الْمُغْنِي3: لَا يُشْرَعُ غَيْرُهُ, وَإِلَّا تَدَاخَلَ الْجِنْسُ. فَظَاهِرُهُ4 لَا يَجُوزُ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ, قَالَ أَحْمَدُ: يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ مَرَّةً لَا الْأَجْنَاسُ, وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً: 5لَا تَدَاخُلَ5 فِي السَّرِقَةِ. وَفِي الْبُلْغَةِ: فَقَطْعُ وَاحِدٍ, عَلَى الْأَصَحِّ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ رِوَايَةٌ: إنْ طَالَبُوا مُفْتَرِقِينَ قَطَعَ لِكُلِّ وَاحِدٍ, قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذِهِ رواية صالح, و6العمل عَلَى خِلَافِهَا, ثُمَّ قَالَ شَيْخُنَا: قَوْلُ الْفُقَهَاءِ تَتَدَاخَلُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الثَّابِتَ أَحْكَامٌ وَإِلَّا فالشيء الواحد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
3 "12/488".
4 في "ط" "ظاهر".
5 5 في "ر" "التداخل".
6 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".(10/41)
لَا يُعْقَلُ1 فِيهِ تَدَاخُلٌ. فَالصَّوَابُ أَنَّهَا أَحْكَامٌ, وَعَلَى ذَلِكَ نَصَّ الْأَئِمَّةُ, كَمَا قَالَ أَحْمَدُ في2 بَعْضُ مَا ذَكَرَهُ هَذَا مِثْلُ لَحْمِ خِنْزِيرٍ مَيِّتٍ, فَأَثْبَتَ فِيهِ تَحْرِيمَيْنِ3.
وَتُسْتَوْفَى حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ كُلُّهَا, وَيَبْدَأُ بِهَا مُطْلَقًا, وَبِالْأَخَفِّ وُجُوبًا. وَفِي الْمُغْنِي4: إنْ بَدَأَ بِغَيْرِهِ جَازَ, فَلَوْ زَنَى وَسَرَقَ مِرَارًا جُلِدَ مَرَّةً ثُمَّ قُطِعَتْ يَمِينُهُ, وَإِنْ قَتَلَ فِي مُحَارَبَةٍ قُتِلَ فَقَطْ, وَلَوْ زنى وشرب وقذف وقطع يدا قطع ثم حُدَّ لِقَذْفِهِ ثُمَّ لِشُرْبِهِ, ثُمَّ لِلزِّنَا وَقِيلَ: يُؤَخَّرُ الْقَطْعُ, وَأَنَّهُ يُؤَخَّرُ شُرْبٌ عَنْ قَذْفٍ إن قيل5 أربعون,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهٌ" قَوْله "وَلَوْ زَنَى وَشَرِبَ وَقَذَفَ وَقَطَعَ يدا قطع ثم حد لقذفه ثم لشربه ثُمَّ لِلزِّنَا" انْتَهَى. إنَّمَا بَدَأَ بِقَطْعِ الْيَدِ6; لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّ آدَمِيٍّ فَقَدَّمَ, لِأَنَّهُ قَالَ: وَيَبْدَأُ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مُطْلَقًا, وَإِنَّمَا قَدَّمَ حَدَّ الْقَذْفِ عَلَى حَدِّ الشُّرْبِ وَالزِّنَا; لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ, هَلْ هُوَ لِلَّهِ أَوْ لِلْآدَمِيِّ, فَقُدِّمَ عَلَى مَحْضِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى, وَقُدِّمَ حَدُّ الشُّرْبِ عَلَى حَدِّ الزِّنَا لِأَنَّهُ أَخَفُّ, وَقَوْلُهُ قَبْلَ ذَلِكَ: "فَلَوْ زَنَى وَسَرَقَ مرارا جلد
__________
1 في الأصل "يقبل".
2 ليست في "ط".
3 في "ط" "تحرمين"
4 "12/489".
5 في "ر" "قبل".
6 ليست في "ص".(10/42)
وَلَا يُسْتَوْفَى حَدٌّ حَتَّى يَبْرَأَ مِمَّا قَبْلَهُ, وَقِيلَ: إنْ طَلَبَ صَاحِبُ قَتْلٍ جَلْدَهُ قَبْلَ بُرْئِهِ مِنْ قَطْعٍ لِيَقْتُلَهُ فَوَجْهَانِ, وَإِنْ قَتَلَ وَارْتَدَّ أَوْ سَرَقَ وَقَطَعَ قُتِلَ وَقُطِعَ لَهُمَا, وَقِيلَ لِلْقَوَدِ, قَطَعَ بِهِ فِي الْفُصُولِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُغْنِي1. وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُ يَظْهَرُ لِهَذَا الْخِلَافِ فَائِدَةٌ فِي جَوَازِ الْخِلَافِ فِي اسْتِيفَائِهِ بِغَيْرِ حُضُورِ2 ولي الأمر, 3وأن3 عَلَى الْمَنْعِ هَلْ يُعَزَّرُ, وَأَنَّ الْأُجْرَةَ مِنْهُ أَوْ مِنْ الْمَقْتُولِ, وَأَنَّهُ هَلْ يَسْتَقِلُّ بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ يَكُونُ كَمَنْ قَتَلَ جَمَاعَةً فَيُقْرِعُ أَوْ يُعَيِّنُ الْإِمَامَ, وَأَنَّهُ هَلْ يَأْخُذُ نِصْفَ الدِّيَةِ كما قيل فيمن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَرَّةً ثُمَّ قُطِعَتْ يَمِينُهُ" فَبَدَأَ بِالْجَلْدِ; لِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ الْقَطْعِ, وَكِلَاهُمَا حَقٌّ لِلَّهِ, لِأَنَّ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ حَقٌّ لِلَّهِ, بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ يَدًا فَإِنَّهُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ, فَلِذَلِكَ بَدَأَ بِهِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
4فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الباب4.
__________
1 "12/489".
2 في النسخ الخطية "حضرة" والمثبت من "ط".
3 3 في "ط" "فإن".
4 4 ليست في "ط".(10/43)
قُتِلَ لِرَجُلَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَإِنْ أَخَذَ الدِّيَةَ استوفى الحد. وذكر ابن البنا: مَنْ قَتَلَ بِسِحْرٍ قُتِلَ حَدًّا وَلِلْمَسْحُورِ مِنْ مَالِهِ دِيَتُهُ, فَيُقَدَّمُ حَقُّ اللَّهِ.
وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ خَارِجَ الْحَرَمِ ثُمَّ لَجَأَ إلَيْهِ أَوْ لَجَأَ حَرْبِيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ لَمْ يَجُزْ أَخْذُهُ بِهِ فِيهِ, كَحَيَوَانٍ صَائِلٍ مَأْكُولٍ, ذَكَرَهُ الشَّيْخُ, لَكِنْ لَا يُبَايَعُ وَلَا يُشَارَى. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ: وَلَا يُكَلَّمُ, وَنَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ, زَادَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَا يُؤَاكَلُ وَلَا يُشَارَبُ لِيَخْرُجَ فَيُقَامَ عَلَيْهِ, وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يُؤْخَذُ بِدُونِ الْقَتْلِ. وَفِي الرِّعَايَةِ أَنَّ الْمُرْتَدَّ فِيهِ كَذَلِكَ, وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا, وَمَنْ فَعَلَهُ فِيهِ أَخَذَ بِهِ فِيهِ, وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِيمَنْ لَجَأَ إلَى دَارِهِ كَذَلِكَ.
وَإِنْ قُوتِلُوا فِي الْحَرَمِ دَفَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ فَقَطْ لِلْآيَةِ فِي قَوْلِهِ: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ} [البقرة: 191] قِرَاءَتَانِ فِي السَّبْعِ1, هَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 قراءة "ولا تقتلوهم" بحذف الألف قرأ بها حمزة والكسائي وخلف وبإثباتها قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم.(10/44)
ظَاهِرُ مَا ذَكَرُوهُ فِي بَحْثِ الْمَسْأَلَةِ, وَاسْتِدْلَالِهِمْ بِالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ فِيهِ, صَحَّحَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ1, وَقَالَهُ الْقَفَّالُ2 وَالْمَرْوَزِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ.
وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ مُجَاهِدًا فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ قَالُوا: الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ, وَفِي التَّمْهِيدِ فِي النُّسَخِ أَنَّهَا نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] .
وَذَكَرَ صَاحِبُ الْهَدْيِ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا3 أَنَّ الطَّائِفَةَ الْمُمْتَنِعَةَ بِالْحَرَمِ مِنْ مُبَايَعَةِ الْإِمَامِ لَا تُقَاتَلُ, لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ لَهَا تَأْوِيلٌ, كَمَا امْتَنَعَ أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ بَيْعَةِ4 يَزِيدَ وَبَايَعُوا ابْنَ الزُّبَيْرِ, فَلَمْ يَكُنْ قِتَالُهُمْ وَنَصْبُ الْمَنْجَنِيقِ عَلَيْهِمْ وَإِحْلَالُ حَرَمِ5 اللَّهِ جَائِزًا بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ, وَإِنَّمَا خَالَفَ فِي ذَلِكَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَشِيعَتُهُ, وَعَارَضَ نَصَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَأْيِهِ وَهَوَاهُ فَقَالَ: "إنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا" 6.
قَالَ وَالْخَبَرُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الدَّمَ الْحَلَالَ فِي غَيْرِهَا حَرَامٌ فِيمَا عَدَا تِلْكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 زاد المسير "1/199" والحديث في البخاري "4313" عن مجاهد أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام يوم الفتح فقال: "إن الله حرم يوم مكة خلق السماوات والأرض فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة لم تحل لأحد بعدي ولم تحلل لي إلا ساعة من الدهر....." الحديث.
2 ليست في الأصل.
3 يعني ابن قيم الجوزية في كتابه زاد المعاد.
4 في الأصل "مبايعة".
5 في الأصل "ما حرم".
6 أخرجه البخاري "104" ومسلم "446" من حديث أبي شريح.(10/45)
السَّاعَةَ. وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ يُقَاتَلُ الْبُغَاةُ إذَا لَمْ يَنْدَفِعْ بَغْيُهُمْ إلَّا بِهِ, لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ, وَحِفْظُهَا فِي حَرَمِهِ أَوْلَى مِنْ إضاعتها, وذكره1 الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ, وَحُمِلَ الْخَبَرُ عَلَى مَا يَعُمُّ إتْلَافُهُ كَالْمَنْجَنِيقِ إذَا أَمْكَنَ إصْلَاحٌ بِدُونِ ذَلِكَ, فَيُقَالُ: وَغَيْرُ مَكَّةَ كَذَلِكَ, وَاحْتَجَّ فِي الْخِلَافِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهِمَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دُخُولُ مَكَّةَ لِحَاجَةٍ لَا تَتَكَرَّرُ إلَّا بِإِحْرَامٍ, بِالْخَبَرِ2: "وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ" 3 قَالُوا: فَلَمَّا اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى جَوَازِ الْقِتَالِ فِيهَا مَتَى عَرَضَ مِثْلُ تِلْكَ الْحَالِ عَلِمْنَا أَنَّ التَّخْصِيصَ وَقَعَ لِدُخُولِهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ, كَذَا قَالُوا, وَلَمَّا كَانَ هَذَا ضَعِيفًا عِنْدَ الْأَكْثَرِ حُكْمًا وَاسْتِنْبَاطًا لَمْ يَعْرُجُوا, وَذَكَرَ مِثْلَهُمْ أَبُو بكر بن العربي في العارضة4 وَقَالَ: لَوْ تَغَلَّبَ فِيهَا كُفَّارٌ أَوْ بُغَاةٌ وَجَبَ قِتَالُهُمْ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ. وَقَالَ شَيْخُنَا: إنْ تَعَدَّى أَهْلُ مَكَّةَ أَوْ غَيْرُهُمْ عَلَى الرَّكْبِ دَفَعَ الرَّكْبُ كَمَا يَدْفَعُ الصَّائِلُ, وَلِلْإِنْسَانِ أَنْ يَدْفَعَ مَعَ الرَّكْبِ بَلْ يَجِبُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ, وَفِي التَّعْلِيقِ وَجْهٌ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ كَالْحَرَمِ, وَفِي مُسْلِمٍ5 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا "إنِّي حَرَّمْت الْمَدِينَةَ وَمَا6 بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا أَنْ لَا يُهْرَاقَ فِيهَا دَمٌ وَلَا يُحْمَلَ فِيهَا سِلَاحٌ لقتال".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط" "ذكر".
2 في "ط" "وبالخبر" وفي "ر" "فالخبر".
3 أخرجه البخاري "112" ومسلم "1355" "446" من حديث أبي هريرة.
4 في "ط" "المعارضة.
5 في صحيحه "1374" "475" والمأزم هو الجبل وقيل: المضيق بين الجبلين ونحوه.
6 في "ط" "وما".(10/46)
وَلَا تَعْصِمُ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ1 لِلْعُمُومَاتِ وَلِغَزْوِ الطَّائِفِ وَإِقْرَارِهِمْ, وَتَرَدَّدَ كَلَامُ شَيْخِنَا, وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ, وَاخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ فِي كِتَابِ الْهَدْيِ2, وَذَكَرَ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ, وَإِنْ كَانَتْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ, لِأَنَّهَا كَانَتْ مِنْ تَمَامِ غَزْوَةِ هَوَازِنَ, وَهُمْ بَدَءُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِتَالِ, وَلَمَّا انْهَزَمُوا دَخَلَ مَلِكُهُمْ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ مَعَ ثَقِيفٍ فِي حِصْنِ الطَّائِفِ, فَحَارَبَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَكَانَ غَزَوْهُمْ مِنْ تَمَامِ الْغَزْوَةِ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا, وَفَتْحُ خَيْبَرَ كَانَ فِي صَفَرٍ, وَبَيْعَةُ الرَّضْوَانِ كَانَتْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ, بَايَعَهُمْ لَمَّا بَلَغَهُ3 قَتْلُ عُثْمَانَ وَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ قِتَالَهُ.
وَيَجُوزُ القتال في الشهر الحرام دفعا إجماعا4, وَإِنَّمَا بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا5 عَامِرٍ فِي سَرِيَّةٍ إلَى أَوْطَاسٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ, لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ6 مِنْ تَمَامِ الْغَزْوِ الَّتِي بَدَأَ الْكُفَّارُ فِيهَا بِالْقِتَالِ, قَالَ: وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي الْمَائِدَةِ وَهِيَ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا وَلَا مَنْسُوخَ فِيهَا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ} [المائدة: 2] وَقَالَ فِي الْبَقَرَةِ {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 217] الْآيَةَ, وَبَيْنَهُمَا في النزول نحو7 ثمانية أعوام.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 هي شوال وذو القعدة وذو الحجة وصفر.
2 زاد المعاد "3/339 – 341".
3 في النسخ الخطية "بلغهم" والمثبت من "ط".
4 ليست في "ط".
5 ليست في "ر".
6 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
7 ليست في الأصل.(10/47)
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا فِي مَسْأَلَةِ التَّغْلِيظِ بِالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ قَالَ تَعَالَى {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] فَأَبَاحَ قَتْلَهُمْ بِشَرْطِ انسلاخ الأشهر الحرم1 فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَتْلَهُمْ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ يَحْرُمُ, وَإِذَا كَانَ قَتْلُ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ مُبَاحٌ حَرُمَ لِأَجْلِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ دَلَّ عَلَى تَغْلِيظِ الْقَتْلِ فِيهَا, كَذَا قَالَ.
وَمَنْ فَعَلَ مَا يُوجِبُ حَدًّا. وَفِي الْمُغْنِي2: أَوْ قَوَدًا مِنْ الْغُزَاةِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ أَخَذَ بِهِ فِي دَارِنَا خَاصَّةً, قَالَ أَحْمَدُ: لَا تُقَامُ الْحُدُودُ بِأَرْضِ الْعَدُوِّ. وَنَقَلَ صَالِحٌ وَابْنُ مَنْصُورٍ إنْ زَنَى الْأَسِيرُ. أَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا مَا أَعْلَمُهُ إلَّا أَنْ تُقَامَ عَلَيْهِ الْحُدُودُ إذَا خَرَجَ, ونقل أبو طالب: لا يقتل3 إذَا قَتَلَ فِي غَيْرِ الْإِسْلَامِ4 لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ هُنَاكَ حُكْمٌ, كَذَا كَانَ عَطَاءٌ يَقُولُ.
وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ النَّاسِ إذَا أَتَى حَدًّا ثُمَّ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ أَوْ أُسِرَ أَنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ إذَا خَرَجَ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إذا 5قتل وزنى و5دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَقَتَلَ أَوْ زَنَى أَوْ سَرَقَ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ مَا أصاب هناك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في الأصل و"ط".
2 "13/172".
3 في "ط" "يقاتل".
4 أي في غير دار الإسلام.
5 5 ليست في "ط".(10/48)
باب حد الزنا
مدخل
...
بَابُ حَدِّ الزِّنَا
إذَا زَنَى مُحْصَنٌ وَجَبَ رَجْمُهُ حَتَّى يَمُوتَ. وَفِي رِوَايَةٍ: يُجْلَدُ مِائَةً قَبْلَهُ, اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ, قَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: اخْتَارَهُ شُيُوخُ الْمَذْهَبِ, وَنَقَلَ الْأَكْثَرُ: "لَا" كَالرِّدَّةِ, اخْتَارَهُ الْأَثْرَمُ وَالْجُوزَجَانِيُّ وَابْنُ حَامِدٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمْ, وَابْنُ شِهَابٍ وَقَالَ عَنْ الأول: اختاره1 الأكثر "م 1".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 1" قَوْلُهُ: "إذَا زَنَى مُحْصَنٌ وَجَبَ رَجْمُهُ حَتَّى يَمُوتَ, وَفِي رِوَايَةٍ يُجْلَدُ مِائَةً قَبْلَهُ, اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ, قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: اخْتَارَهُ شُيُوخُ الْمَذْهَبِ, وَنَقَلَ الْأَكْثَرُ لَا, كَالرِّدَّةِ, اخْتَارَهُ الْأَثْرَمُ وَالْجُوزَجَانِيُّ وَابْنُ حَامِدٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمْ وَابْنُ شِهَابٍ, وَقَالَ عَنْ الْأَوَّلِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ," انْتَهَى. "الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ" الَّتِي نَقَلَهَا الْأَكْثَرُ هِيَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ, قَالَ الزَّرْكَشِيّ: هِيَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ, وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ, وَبِهِ قَطَعَ فِي الْعُمْدَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَالتَّسْهِيلِ وَغَيْرِهِمْ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ, وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُ.
وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَالشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا, وَصَحَّحَهَا الشِّيرَازِيُّ, وَجَزَمَ بِهَا فِي تَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ وَالْوَجِيزِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ, وَقَدَّمَهَا ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَنِهَايَتِهِ, وَصَاحِبِ تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ, وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْإِيضَاحِ وَالْفُصُولِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذهب,
__________
1 في الأصل "اختارها" وفي "ر" "اختار".(10/49)
وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ النَّفْيُ مَعَ الرَّجْمِ, لِأَنَّهُ غاية التغليظ, لِأَنَّهُ نَفْيٌ عَنْ الدُّنْيَا رَأْسًا, بِخِلَافِ الْجَلْدِ, وَآيَةُ الرَّجْمِ فِي الصَّحِيحَيْنِ1 وَغَيْرِهِمَا, فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ فِي الْمُصْحَفِ لَاجْتَمَعَ الْعَمَلُ بِحُكْمِهَا وَثَوَابِ تِلَاوَتِهَا, فَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَجَابَ ابْنُ عَقِيلٍ فَقَالَ: إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِيَظْهَرَ بِهِ مِقْدَارُ طَاعَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي الْمُسَارَعَةِ إلَى بَذْلِ النُّفُوسِ بِطَرِيقِ الظَّنِّ مِنْ غَيْرِ اسْتِقْصَاءٍ لِطَلَبِ طَرِيقٍ مَقْطُوعٍ بِهِ2 قُنُوعًا بِأَيْسَرِ شَيْءٍ, كَمَا سَارَعَ الْخَلِيلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ إلى ذبح ولده بمنام, والمنام أدنى طرق3 الْوَحْيِ وَأَقَلُّهَا.
وَإِذَا وَطِئَ حُرٌّ مُكَلَّفٌ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ فِي قُبُلِ حُرَّةٍ مُكَلَّفَةٍ فَهُمَا مُحْصَنَانِ, مُسْلِمَانِ4 أَوْ كَافِرَانِ, فَإِنْ اخْتَلَّ بَعْضُ ذَلِكَ فلا إحصان لواحد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي5 وَالْكَافِي6 وَالْمُقْنِعِ7 وَالْهَادِي وَالشَّرْحِ7, وَشَرْحِ ابْنِ منجى وغيرهم.
تَنْبِيهٌ". إتْيَانُ الْمُصَنِّفِ بِصِيغَةِ الرِّوَايَتَيْنِ كَذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ, وَلَعَلَّ قَوْلَهُ "وَفِي رِوَايَةٍ يُجْلَدُ" بِالْفَاءِ لَا بِالْوَاوِ, وَبِهِ يَتَّضِحُ الْمَعْنَى, وَلِلْمُصَنِّفِ عِبَارَةٌ كذلك في القرض8 تكلمنا عليها.
__________
1 البخاري "6830" ومسلم "1691" من حديث ابن عباس في قصة طويلة قصها عن عمر بن الخطاب في آخر خلافته.
2 ليست في "ر".
3 في "ط" "طريق".
4 في "ط" "ومسلمان".
5 "12/308 – 310"
6 "5/389 – 310"
7 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/237 – 242".
8 "6/352".(10/50)
مِنْهُمَا, وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْإِحْصَانُ1 بِوَطْئِهِ فِي حَيْضٍ وَصَوْمٍ وَإِحْرَامٍ وَنَحْوِهِ, وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مَنْعًا وَتَسْلِيمًا, تَغْلِيظًا عَلَيْهِ. وَفِي الْإِرْشَادِ2: يُحْصِنُ مُرَاهِقٌ بَالِغَةً, وَمُرَاهِقَةٌ بَالِغًا, وَذَكَرَهُ شَيْخُنَا رِوَايَةً. وَفِي التَّرْغِيبِ: إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ رَقِيقًا فَلَا إحْصَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا, عَلَى الْأَصَحِّ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. وَعَنْهُ: لَا تُحْصِنُ ذِمِّيَّةٌ مُسْلِمًا. وَسَأَلَهُ أبو طالب: امْرَأَةٌ تَزَوَّجَتْ بِخَصِيٍّ أَوْ عِنِّينٍ, يُحْصِنُهَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: وَحُكْمُ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّة كَالْمُسْلِمَةِ, وَنَقَلَ الْمَرْوَزِيُّ: لَا يُحْصِنُ الْمَجُوسِيُّ3. وَإِنْ زَنَى مُحْصَنٌ بِبِكْرٍ فَلِكُلٍّ حَدُّهُ, نَصَّ عَلَيْهِ.
وَيَثْبُتُ إحْصَانُهُ بِقَوْلِهِ: وَطِئْتُهَا أَوْ جَامَعْتُهَا, وَالْأَشْهَرُ: أَوْ دَخَلْتُ بِهَا, لَا بِوَلَدِهِ مِنْهَا, وَاكْتَفَى فِي الْوَاضِحِ بِقَوْلِ بَيِّنَةٍ: بَاضَعَهَا, فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ: أَتَاهَا, وَنَحْوُهُ.
وإن4 زَنَى حُرٌّ غَيْرُ مُحْصَنٍ جُلِدَ مِائَةً, وَلَا يَجِبُ غَيْرُهُ, نَقَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ وَالْمَيْمُونِيُّ, قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ. وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ عَنْ "هـ" لَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَرَاهُ الْإِمَامُ تَعْزِيرًا, وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوُهُ.
وَالْمَذْهَبُ يُغَرَّبُ عَامًا الرَّجُلُ مَسَافَةَ قَصْرٍ, وَعَنْهُ: أَوْ أَقَلَّ, وَالْمَرْأَةُ بِمَحْرَمٍ بَاذِلٍ وَعَلَيْهَا أُجْرَتُهُ, وَقِيلَ مِنْ بَيْتِ المال إن أمكن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في النسخ الخطية: "إحصان" والمثبت من "ط".
2 ص "469".
3 يعني بنكاح ذي رحم محرم لأنهم يستبيحون نكاح المحارم.
4 في "ط" "وإذا".(10/51)
وَبِدُونِهِ لِتَعَذُّرِهِ. وَفِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ: مَعَ أَمْنٍ, وَعَنْهُ: بِلَا مَحْرَمٍ, تَعَذَّرَ أَوْ لَا; لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ, ذَكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ فِي الْحَجِّ بِمَحْرَمٍ, وَتُغَرَّبُ مَسَافَةَ قَصْرٍ, نَقَلَهُ الْأَكْثَرُ لِوُجُوبِهِ. كَالدَّعْوَى, وَعَنْهُ: أَقَلُّ, وَعَنْهُ: بِدُونِهِ, وَقَالَ جَمَاعَةٌ: إنْ تَعَذَّرَ فَامْرَأَةٌ ثِقَةٌ, وَلَوْ بِالْأُجْرَةِ. وَقِيلَ: لَا تُغَرَّبُ مَعَ تَعَذُّرِهَا, وَقِيلَ مُطْلَقًا.
وَيُجْلَدُ رَقِيقٌ خَمْسِينَ, وَلَا يُغَرَّبُ, وَلَا يُعَيَّرُ, نَصَّ عَلَيْهِمَا, وقد يتوجه1, احْتِمَالٌ "وم" لِأَنَّ عُمَرَ نَفَاهُ, رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ2. وَقَالَ فِي كَشْفِ الْمُشْكَلِ: يُحْتَمَلُ قَوْلُهُ نَفَاهُ: أَبْعَدَهُ مِنْ صُحْبَتِهِ.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ3: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن عمر وهو ابن مسلم الخلال,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 بعدها في "ط" "نص عليهما".
2 في صحيحه "6949".
3 في المعجم الأوسط "481" و"482" قال الهيثمي في مجمع الزوائد "6/270" رواه الطبراني بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح غير عبد الله بن عمران وهو ثقة.(10/52)
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِمْرَانَ, حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ عَلَى الْأَمَةِ حَدٌّ حَتَّى تُحْصَنَ, فَإِذَا أُحْصِنَتْ بِزَوْجٍ فَعَلَيْهَا نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ".
وَرَوَى ابْنُ مَرْدُوَيْهِ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ عَبْدِ الله بن عمران العائذي1, حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ عَلَى الْأَمَةِ حَدٌّ حَتَّى تُحْصَنَ بِزَوْجٍ, فَإِذَا أُحْصِنَتْ بِزَوْجٍ فَعَلَيْهَا نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ".
وَرَوَاهُمَا الْحَافِظُ الضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ مِنْ طَرِيقِ الطَّبَرَانِيِّ وَابْنِ مَرْدُوَيْهِ2 إسْنَادٌ جَيِّدٌ, وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِمْرَانَ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوقٌ, وَلَمْ أَجِدْ لَهُ ذِكْرًا فِي الضُّعَفَاءِ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ: يُخْطِئُ وَيُخَالِفُ.
وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهُ بِالْحِسَابِ وَيُغَرَّبُ في المنصوص بحسابه.
وهل اللوطي الفاعل والمفعول به كزاني3 أَوْ يُرْجَمُ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ "م 2". وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لَوْ قُتِلَ بِلَا اسْتِتَابَةٍ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا, وَأَنَّهُ لَمَّا4
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 2" قَوْلُهُ: "وَهَلْ اللُّوطِيُّ الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ بِهِ كَزِنًى أَوْ يُرْجَمُ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا فِيهِ رِوَايَتَانِ", انْتَهَى.
"إحْدَاهُمَا" حَدُّهُ كَحَدِّ الزَّانِي سَوَاءٌ, وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ, جَزَمَ بِهِ فِي
__________
1 في النسخ الخطية: "العابدي" والمثبت من "ط".
2 وعزاه السيوطي في الدر المنثور "2/142" إلى سعيد بن منصور وابن خزيمة والبيهقي عن ابن عباس يرفعه وقال: قال ابن خزيمة والبيهقي: رفعه خطأ والصواب وقفه.
3 في النسخ الخطية: "كزنى" والمثبت من "ط".
4 في الأصل "لو".(10/53)
كان مَقِيسًا عَلَى الزَّانِي فِي الْغُسْلِ, كَذَلِكَ فِي الْحَدِّ, وَأَنَّ الْغُسْلَ قَدْ يَجِبُ وَلَا حَدَّ لِأَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ, بِخِلَافِ الْغُسْلِ فَدَلَّ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْغُسْلِ نَفْيُ الْحَدِّ, وَأَوْلَى, ونصره ابن عقيل "وهـ" لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ أَحَدِ فَرْجَيْ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ, لِخُرُوجِهِ عَنْ هَيْئَةِ الْفُرُوجِ وَأَحْكَامِهَا.
وَفِي رَدِّ شَيْخِنَا عَلَى الرَّافِضِيِّ1 إذَا قِيلَ: الْفَاعِلُ كَزَانٍ فَقِيلَ: يُقْتَلُ الْمَفْعُولُ "بِهِ"2 مُطْلَقًا, وَقِيلَ: لَا, وقيل بالفرق, كفاعل.
و3قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ السِّرِّ الْمَصُونِ: كُلُّ مُسْتَحْسَنٍ وَمُسْتَلَذٍّ فِي الدُّنْيَا أُنْمُوذَجُ مَا فِي الْآخِرَةِ مِنْ ثَوَابٍ, وَكُلُّ مُؤْلِمٍ وَمُؤْذٍ أُنْمُوذَجُ عِقَابٍ, فَإِنْ قِيلَ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حسن الأمرد أنموذجا لحصول مثله فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْعُمْدَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ, وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي4 وَالْمُقْنِعِ5 وَالْهَادِي وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ" حَدُّهُ الرَّجْمُ بِكُلِّ حَالٍ, اخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ الْقَيِّمِ فِي الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ وَغَيْرِهِ, وَأَظُنُّ أَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ اخْتَارَهُ, وَقَدَّمَهُ الْخِرَقِيُّ, قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي كَلَامٍ لَهُ عَلَى مَا إذَا زَنَى بِأَمَتِهِ: الصَّحِيحُ قَتْلُ اللُّوطِيِّ سَوَاءٌ كَانَ محصنا أو6 لا.
__________
1 وهو الكتاب المسمى ب منهاج السنة النبوية في الرد على الشيعة والقدرية.
2 ليست في "ر".
3 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
4 "5/377".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/271".
6 في "ط" "أم".(10/54)
الْآخِرَةِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ أُنْمُوذَجٌ حَسَنٌ, فَإِذَا وُجِدَ مِثْلُهُ وَأَضْعَافُهُ فِي جَارِيَةٍ حَصَلَ مَقْصُودُ الْأُنْمُوذَجِ, وَالثَّانِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنَالَ مِثْلَ هَذَا فِي الْآخِرَةِ فَيُبَاحُ مِثْلُ مَا حَظَرَ مِمَّا كَانَتْ تَشْرَئِبُّ إلَيْهِ فَيُوجَدُ الصِّبْيَانُ عَلَى هَيْئَةِ الرِّجَالِ مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ, وَرُبَّمَا كَانَ الْوِلْدَانُ كَذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ جَرَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بَيْنَ أَبِي عَلِيِّ بْنِ الْوَلِيدِ وَأَبِي يُوسُفَ الْقَزْوِينِيِّ فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: لَا يَمْتَنِعُ جِمَاعُ الْوِلْدَانِ فِي الْجَنَّةِ وَإِنْشَاءُ الشَّهَوَاتِ لِذَلِكَ, فَيَكُونُ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ اللَّذَّاتِ لِأَنَّهُ إنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا لِكَوْنِهِ مَحَلًّا لِلْأَذَى, وَلِأَجْلِ قَطْعِ النَّسْلِ, وَهَذَا قَدْ أُمِنَ فِي الْجَنَّةِ وَلِذَلِكَ أُبِيحُوا شُرْبَ1 الْخَمْرِ لَمَّا أَمِنُوا مِنْ غائلة السكر وهو إيقَاعُ الْعَرْبَدَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْعَدَاوَةِ وَزَوَالِ الْعَقْلِ.
فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْمَيْلُ إلَى الذُّكُورِ عَاهَةٌ, وَلَمْ يُخْلَقْ هَذَا الْمَحَلُّ لِلْوَطْءِ.
فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: الْعَاهَةُ هِيَ الْمَيْلُ إلَى مَحَلٍّ فِيهِ تَلْوِيثٌ وَأَذًى, فَإِذَا أُزِيلَ وَلَمْ يَكُنْ نَسْلٌ لَمْ يَبْقَ إلَّا مُجَرَّدُ الِالْتِذَاذِ وَالْمُتْعَةِ, وَلَا وَجْهَ لِلْعَاهَةِ, انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ.
وَفِي فُنُونِ ابْنِ عَقِيلٍ أَيْضًا: سُئِلَ عَمَّنْ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَقَارِبُ فِي النَّارِ هَلْ يَبْقَى عَلَى طَبْعِهِ؟ فَقَالَ: قَدْ أَشَارَ إلَى تغير2 الطبع بقوله: {وَنَزَعْنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 قال في القاموس "ب وح" أبحتك لشيء: أحللته لك اهـ, فيجوز تعديه لمفعولين تغير حزف الجر.
2 في "ر" "تغيير".(10/55)
مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} [الحجر: 47] فَيُزِيلُ1 التَّحَاسُدَ وَالْمَيْلَ إلَى اللِّوَاطِ, وَأَخْذَ مَالِ الْغَيْرِ.
وَمَمْلُوكُهُ كَأَجْنَبِيٍّ, قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَدُبُرُ أَجْنَبِيَّةٍ كَلِوَاطٍ, وَقَالَهُ فِي التَّبْصِرَةِ وَقِيلَ: كَزِنًا: وَإِنَّهُ لَا حَدَّ بِدُبُرِ أَمَتِهِ وَلَوْ مُحَرَّمَةً بِرَضَاعٍ.
وَزَانٍ بِذَاتِ مَحْرَمٍ كَلِوَاطٍ, وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ: وَيُؤْخَذُ مَالُهُ لِخَبَرِ الْبَرَاءِ2 وَأَوَّلَهُ الْأَكْثَرُ عَلَى عَدَمِ وارث3, وأول4 جَمَاعَةٌ: ضَرْبَ الْعُنُقِ فِيهِ عَلَى ظَنِّ الرَّاوِي, وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ: يُقْتَلُ وَيُؤْخَذُ مَالُهُ, عَلَى خَبَرِ الْبَرَاءِ إلَّا رَجُلًا يَرَاهُ مُبَاحًا فَيُجْلَدُ, قُلْت: فَالْمَرْأَةُ, قَالَ: كِلَاهُمَا فِي مَعْنًى وَاحِدٍ تقتل5. وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ إنَّ خَبَرَ الْبَرَاءِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ وَإِنَّ غَيْرَ الْمُسْتَحِلِّ كَزَانٍ, نَقَلَ صَالِحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ أَنَّهُ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ.
وَمَنْ أَتَى بَهِيمَةً وَلَوْ سَمَكَةً عُزِّرَ, نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَعَنْهُ: كَلُوطِيٍّ, قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: يَجِبُ الْحَدُّ فِي رِوَايَةٍ, وَإِنْ سَلَّمْنَا فِي رِوَايَةٍ فَلِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْإِيلَاجِ فِيهِ غُسْلٌ وَلَا فِطْرٌ وَلَا كَفَّارَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "ويزيل".
2 أخرجه الإمام أحرج في المسند "18557" عن البراء قال: لقيت خالي ومعه الراية فقلت: أين تريد؟ قال: بعثني رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده ان أضرب عنقه- أو أقتله – وٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍآخذ ماله.
3 بعدها في خامش "ر" "وقيل كزنا".
4 في "ط" وأوله".
5 في "ط" "يقتل".(10/56)
بِخِلَافِ اللِّوَاطِ, كَذَا قَالَ وَظَاهِرُهُ لَا يَجِبُ ذَلِكَ, وَلَوْ وَجَبَ الْحَدُّ مَعَ أَنَّهُ احْتَجَّ لِوُجُوبِ الْحَدِّ بِاللِّوَاطِ بِوُجُوبِ ذَلِكَ بِهِ, وَظَاهِرُهُ يَجِبُ ذَلِكَ, وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ, وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ, وَالتَّسْوِيَةُ أَوْلَى, مَعَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ ذَلِكَ غَرِيبٌ.
وَتُقْتَلُ الْبَهِيمَةُ, عَلَى الْأَصَحِّ, وَتَحْرُمُ, فَيَضْمَنُهَا. وَفِي الِانْتِصَارِ احْتِمَالٌ, وَقِيلَ: يُكْرَهُ, فَيَضْمَنُ النَّقْصَ.(10/57)
فَصْلٌ: وَلَا حَدَّ إلَّا بِتَغْيِيبِ حَشَفَةٍ أَصْلِيَّةٍ مِنْ خَصِيٍّ أَوْ فَحْلٍ أَوْ قَدْرِهَا لِعَدَمٍ,
فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ قُبُلًا كَانَ1 أَوْ دُبُرًا, فَتُعَزَّرُ امْرَأَتَانِ تَسَاحَقَتَا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُحْتَمَلُ الْحَدُّ, لِلْخَبَرِ2.
وَيُشْتَرَطُ انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ, فَلَوْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ "فِي"3 دُبُرٍ, أَوْ أَمَةٍ لَهُ أَوْ لِمُكَاتَبِهِ فِيهَا شِرْكٌ أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ فَلَهُ فِيهِ حَقٌّ أَوْ امْرَأَةٌ عَلَى فِرَاشِهِ, أَوْ مَنْزِلِهِ ظَنَّهَا امْرَأَتَهُ, أَوْ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ لِقُرْبِ إسْلَامِهِ أَوْ نُشُوءٍ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ, أَوْ تَحْرِيمِ نِكَاحٍ بَاطِلٍ إجماعا, أطلقه جماعة, وقاله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
2 لعله رواه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان وإذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان" أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "8/233" وقال: إسناده منكر.
3 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".(10/57)
شيخنا وقدمه في المغني1, وقال2 جَمَاعَةٌ: وَمِثْلُهُ يَجْهَلُهُ. وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ عَقَدَ عَلَيْهَا فَلَا حَدَّ, نَقَلَ مُهَنَّا: لَا حَدَّ وَلَا مَهْرَ بِقَوْلِهِ: إنَّهَا امْرَأَتُهُ وَأَنْكَرَتْ هِيَ, وَقَدْ أَقَرَّتْ عَلَى نَفْسِهَا بِالزِّنَا, فَلَا تُحَدُّ حَتَّى تُقِرَّ أَرْبَعًا.
وَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِجَهْلِ الْعُقُوبَةِ إذَا عَلِمَ التَّحْرِيمَ, لِقِصَّةِ3 مَاعِزٍ.
وَإِنْ وَطِئَ أَمَتَهُ الْمُحَرَّمَةَ أَبَدًا بِرَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَعَلِمَ لَمْ يُحَدَّ, وَعَنْهُ: بَلَى, اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ وَهِيَ أَظْهَرُ, وَقِيلَ: وَكَذَا أَمَتُهُ الْمُزَوَّجَةُ, وَالْأَكْثَرُ يُعَزَّرُ, قَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ: وَلَا يُرْجَمُ, نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ وَحَرْبٌ: يُحَدُّ وَلَا يُرْجَمُ, وَكَذَا أَمَتُهُ الْمُعْتَدَّةُ, فَإِنْ كَانَتْ مُرْتَدَّةً أَوْ مَجُوسِيَّةً فَلَا حَدَّ, وَعَكْسُهُ مُحَرَّمَةٌ بِنَسَبٍ.
وَإِنْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ كَمُتْعَةٍ, أَوْ بِلَا وَلِيٍّ, وَشِرَاءٍ فَاسِدٍ بَعْدَ قَبْضِهِ, وَقِيلَ: أَوْ قَبْلَهُ, لَمْ يُحَدَّ, وَعَنْهُ: بَلَى, اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ فِي "وَطْءِ4 بَائِعٍ بِشَرْطِ خِيَارٍ", وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَوْ لَمْ يُحَدَّ, ذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ, فَلَوْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ تَوَجَّهَ خِلَافٌ, وظاهر كلامهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "12/345".
2 في "ط" "وقاله".
3 في "رط "لقضيته".
4 ليست في "ر".(10/58)
مُخْتَلِفٌ "م 3" وَكَذَا وَطْؤُهُ بِعَقْدٍ فُضُولِيٍّ, وَعَنْهُ: يحد قبل الإجارة1, واختار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 3" قَوْلُهُ: "فَلَوْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ تَوَجَّهَ خِلَافٌ, وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ مُخْتَلِفٌ", انْتَهَى. يَعْنِي إذَا وَطِئَ فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ, كَمَا مثله المصنف, وقلنا: يحد بعده 2قبل الحكم فهل يُحَدُّ2 بَعْدَهُ أَمْ لَا.
"قُلْت": هِيَ شَبِيهَةٌ بِمَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِدُونِ إذْنِ وَلِيٍّ, فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ حَكَى فِي نَقْضِ حُكْمِ مَنْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ وَجْهَيْنِ, وَأَطْلَقَهُمَا, وَتَكَلَّمْنَا عَلَيْهِمَا هُنَاكَ, فَلْيُرَاجَعْ, وَإِنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ لَا يُنْقَضُ, فَلَا يُحَدُّ هُنَا, فَأَثَّرَ الْحُكْمُ شَيْئًا, وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُنْقَضُ فَيُحَدُّ هُنَا فَأَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا إذَا حَكَمَ حَنَفِيٌّ لِحَنْبَلِيٍّ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ, فَإِنَّهُ أَطْلَقَ فِيهِ وَجْهَيْنِ, عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يُزِيلُ الشَّيْءَ عَنْ صِفَتِهِ فِي الْبَاطِنِ وَمَسْأَلَةُ مَتْرُوكِ التسمية.
__________
1 في "ط" "الإجارة".
2 2 ليست في "ط".(10/59)
فِي الْمُحَرَّرِ: يُحَدُّ قَبْلَهَا إنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لا 1ينفذ بها1. وَحَكَى رِوَايَةً.
وَإِنْ زَنَى بِمَيِّتَةٍ فَرِوَايَتَانِ "م 4" ونقل عبد الله: بعض2 النَّاسُ يَقُولُونَ عَلَيْهِ حَدَّانِ فَظَنَنْته3 يَعْنِي نَفْسَهُ, قال أبو بكر: هو4 قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ, وَأَظُنُّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَشَارَ إليه, و5هَذَا بِخِلَافِ طَرَفِ مَيِّتٍ لِعَدَمِ ضَمَانِ الْجُمْلَةِ, لعدم وجود قتل بخلاف الوطء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 4" قَوْلُهُ: "وَإِنْ زَنَى بِمَيِّتَةٍ فَرِوَايَتَانِ", انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي6 وَالْكَافِي7 وَالْمُقْنِعِ8 وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ8 وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ, وَحَكَاهُمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَجْهَيْنِ.
"إحْدَاهُمَا": لَا حَدَّ عَلَيْهِ, وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ, اخْتَارَهُ ابْنِ عَبْدُوسٌ فِي تَذْكِرَتِهِ, وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ, وَالْآدَمِيُّ في منتخبه ومنوره, وغيرهما.
__________
1 1 في "ر" "ينفذها".
2 ليست في "ط".
3 في الأصل "وظنته".
4 في "ط" "هذا".
5 ليست في "ط".
6 "12/340".
7 "5/378".
8 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/292".(10/60)
وَإِنْ أُكْرِهَ رَجُلٌ فَزَنَى فَنَصُّهُ: يُحَدُّ. اخْتَارَهُ1 الْأَكْثَرُ, وَعَنْهُ: لَا, كَامْرَأَةٍ مُكْرَهَةٍ أَوْ غُلَامٍ بِإِلْجَاءٍ أَوْ تَهْدِيدٍ أَوْ مَنْعِ طَعَامٍ مَعَ اضْطِرَارٍ وَنَحْوِهِ, وَعَنْهُ: فِيهِمَا: لَا بِتَهْدِيدٍ وَنَحْوِهِ, ذَكَرَهُ شَيْخُنَا, قَالَ: بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ الْفِعْلُ بَلْ الْقَوْلُ, قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: إنْ خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا الْقَتْلَ سَقَطَ عنها الدفع, كسقوط الأمر بالمعروف بالخوف.
وَمَنْ وَطِئَ أَمَةَ امْرَأَتِهِ وَقَدْ أَحَلَّتْهَا لَهُ عُزِّرَ بِمِائَةِ جَلْدَةٍ, وَعَنْهُ: إلَّا سَوْطًا, وَعَنْهُ: بِعَشْرٍ, وَلَا يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ, فِي رِوَايَةٍ, نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ, قَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَيْهِ الْعَمَلُ, قَالَ أَحْمَدُ: لِمَا لَزِمَهُ مِنْ الْجِلْدِ أَوْ الرَّجْمِ, وَعَنْهُ: بَلَى. وَقَالَ شَيْخُنَا: إنْ ظَنَّ جَوَازَهُ لَحِقَهُ, وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ فِيهِ وَفِي حَدِّهِ, وَعَنْهُ: يُحَدُّ, فَلَا يَلْحَقُهُ كَعَدَمِ حِلِّهَا, 2وَلَوْ ظَنَّ حِلَّهَا2, نَقَلَهُ مُهَنَّا. وَسَأَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيمَنْ وَطِئَ أَمَةَ امْرَأَتِهِ أَوْ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ, قَالَ: يُحَدُّ, إلَّا أَمَةَ امْرَأَتِهِ, عَلَى خَبَرِ النُّعْمَانِ3, قُلْت: فَأَحَلَّ أَمَتَهُ لِرَجُلٍ؟ قَالَ: لَا يَصْلُحُ وَلَا تَكُونُ لَهُ الْأَمَةُ وَإِنْ وَطِئَهَا فَالْوَلَدُ وَلَدُهُ, لِأَنَّهُ وَطِئَ عَلَى شُبْهَةٍ.
وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ: إنَّمَا يَلْزَمُ الْوَلَدُ إذَا لَمْ يُحَدَّ. وَفِي زَادِ الْمُسَافِرِ رِوَايَةُ ابْنِ مَنْصُورٍ: الرَّجُلُ يُحِلُّ أَمَتَهُ لِرَجُلٍ أَوْ فرجها أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي": يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ, اخْتَارَهُ أَبُو بكر والناظم وقدمه في الرعايتين
__________
1 في "ر" "أجازه".
2 2ليست في الأصل.
3 وهو ما رواه حبيب بن سالم قال: رفع إلى النعمان بن بشير رجل أحلت له امرأة جاريتها فقال: لأقضين فيها بقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن كانت أحلتها له لأجلدنه مئة جلدة وإن لم تكن أحلتها له لأرجمنه قال: فوجدها قد أحلتها له فجلده مئة أخرجه أحمد "18397" وأبو داود "4450" والترمذي "1451" والنسائي في المجتبى "6/124" وابن ماجه "2551".(10/61)
الْمَرْأَةُ أَمَتَهَا لِزَوْجِهَا, حَدِيثُ النُّعْمَانِ ابْنِ بَشِيرٍ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ الْأَوْلَى حُكْمُ غَيْرِ الْأَبِ مِنْ الْقَرَابَةِ عَلَى خَبَرِ النُّعْمَانِ.
وَعَنْهُ فِيمَنْ وَطِئَ أَمَةَ امْرَأَتِهِ: إنْ أَكْرَهَهَا عَتَقَتْ وَغَرِمَ مِثْلَهَا وَإِلَّا مَلَكَهَا بِمِثْلِهَا, لِخَبَرِ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبِّقِ1, لِأَنَّهُ إتْلَافٌ, كَمَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ, فَمَنْ أَتْلَفَ عَبْدَ غَيْرِهِ بِمَا يَتَعَذَّرُ مَعَهُ انْتِفَاعُ مَالِكِهِ بِهِ عَتَقَ, وَلِمَالِكِهِ قِيمَتُهُ, وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ مِنْ الْأُصُولِ, قَالَهُ شَيْخُنَا, وَإِنَّ مِنْ هَذَا جِذْعَ2 مَرْكُوبِ الْحَاكِمِ وَنَحْوِهِ, وَالرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ حَكَاهَا شَيْخُنَا فَقَالَ: حَكَى عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ الْقَوْلَ بِهِ.
وَإِنْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ بَاطِلٍ إجْمَاعًا مَعَ عِلْمِهِ, نَصَّ عَلَيْهِ, أَوْ زَنَى بِمَنْ اسْتَأْجَرَهَا لِزِنًا أَوْ غَيْرِهِ, أَوْ بِصَغِيرَةٍ يُوطَأُ مِثْلُهَا, نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ, وَقِيلَ: أَوْ لَا, وَقِيلَ: لَهَا تِسْعٌ, أَوْ بِمَجْنُونَةٍ, أَوْ بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَوْ مَلَكَهَا, أَوْ أَقَرَّ عَلَيْهَا3 فَجَحَدَتْ "هـ" كَسُكُوتِهَا "و" أَوْ بِحَرْبِيَّةٍ مُسْتَأْمَنَةٍ, وَنَصَّهُ: أَوْ نَكَحَ بِنْتَه مِنْ زِنًا, وَحَمَلَهُ جَمَاعَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْخِلَافُ, وَيُحْتَمَلُ حَمْلُهُ عَلَى مُعْتَقِدٍ تَحْرِيمَهُ حد4.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 وهو ان رجلا وقع على جارية امرأته فرفع ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "إن كانت طاوعته فهي له وعليه مثلها لها وإن كان استكرهها فهي حرة ةعليه مثلها لها" أخرجه أحمد "20060" وأبو داود "4470" و"4461" والنسائي في المجتبى "6/125" وابن ماجه "2552".
2 في "ط" "جذع".
3 ليست في "ر".
4 ليست في الأصل.(10/62)
وَكَذَا بِمَنْ لَهُ عَلَيْهَا قَوَدٌ, فِي الْأَصَحِّ. وَفِي الْمُغْنِي1 أَوْ دَعَا أَمَةً مُشْتَرَكَةً فَوَطِئَ يَظُنُّهَا الْمَدْعُوَّةَ. وَإِنْ مَكَّنَتْ مُكَلَّفَةٌ مَنْ لَا يُحَدَّ2, وَقِيلَ: ابْنُ عَشْرٍ, أَوْ جَهِلَهُ. أَوْ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا. أَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ نَائِمٍ, حُدَّتْ, كَلُزُومِهَا كَفَّارَةَ رَمَضَانَ دُونَ مَجْنُونٍ. وَكَذَا يُحَدُّ رَجُلٌ وَطِئَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ نَصَّ عَلَيْهِ.
فَصْلٌ
وَلَا يَثْبُتُ الزِّنَى إلَّا بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنْ يُقِرَّ بِهِ حُرٌّ وَعَبْدٌ, مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ أَوْ لَا, أَرْبَعَ مَرَّاتٍ, فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ "نَصَّ عَلَى ذَلِكَ. وَفِي مختصر ابن رزين مجلس وسأله الأثرم: بمجلس3 أَوْ مَجَالِسُ" قَالَ الْأَحَادِيثُ لَيْسَتْ تَدُلُّ إلَّا عَلَى مَجْلِسٍ, إلَّا عَنْ ذَاكَ الشَّيْخِ بَشِيرِ بْنِ الْمُهَاجِرِ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ4. وَذَاكَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.
وَيُصَرِّحُ بِذِكْرِ حَقِيقَةِ الْوَطْءِ, وعنه: وبمن5 زَنَى وَفِي الرِّعَايَةِ أَنَّهَا أَظْهَرُ, وَأَطْلَقَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ رِوَايَتَيْنِ.
وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِإِقْرَارِهِ فَأَنْكَرَ أَوْ صَدَّقَهُمْ مَرَّةً فَهَلْ هُوَ رُجُوعٌ فلا
__________
1 "12/344 – 345".
2 بعدها في الأصل "لعدم تكليفه".(10/63)
يُحَدُّ أَوْ يُحَدُّ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ "م 5" وَلَا يحدون, وهما في الترغيب إن أنكروا1, وأنه لو2 صدقهم لم يقبل رجوعه.
"الثَّانِي" أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ فِي مَجْلِسٍ واحد, وفيه3 رِوَايَةٌ بِزِنًا وَاحِدٍ يَصِفُونَهُ, نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ, وَأَنَّ هَذَا لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ, لَمْ يُسْمَعْ أُقِيمَ حَدٌّ إلَّا بِإِقْرَارٍ, وَسَوَاءٌ أَتَوْا الْحَاكِمَ جُمْلَةً أَوْ مُتَفَرِّقِينَ, وَلَوْ صَدَّقَهُمْ, نَصَّ عَلَيْهِ, فَإِنْ شَهِدُوا فِي مَجْلِسَيْنِ فَأَكْثَرَ, وَكَانُوا أَوْ بَعْضُهُمْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فِيهِ لِأَمْرٍ ظَاهِرٍ, قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: أَوْ خَفِيَ, كَشَكِّهِ فِي فِسْقٍ, حُدُّوا لِلْقَذْفِ, كَمَا لَوْ شَهِدَ دُونَ أَرْبَعَةٍ, عَلَى الْأَصَحِّ, أَوْ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مَجْبُوبًا أَوْ رَتْقَاءَ, وَعَنْهُ: لَا كَمَسْتُورِي الْحَالِ, ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَوْ مَوْتُ أَحَدِهِمْ قَبْلَ وَصْفِهِ الزِّنَا, وَأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهَا عَذْرَاءُ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَفِيهَا فِي الْوَاضِحِ تَزُولُ حَصَانَتُهَا4 بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ, وَعَنْهُ: يُحَدُّ الْعُمْيَانُ خَاصَّةً. فَعَلَى الْأَوَّلِ إن كان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مسألة 5" "قوله": "وَإِنْ5 شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِإِقْرَارِهِ فَأَنْكَرَ أَوْ صَدَّقَهُمْ مَرَّةً فَهَلْ هُوَ رُجُوعٌ فَلَا يُحَدُّ أَوْ يحد؟ فيه روايتان", انتهى.
"إحْدَاهُمَا": لَا حَدَّ عَلَيْهِ, وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ, وَهُوَ رُجُوعٌ, جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ": عَلَيْهِ الْحَدُّ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الأصحاب, ونقل المصنف كلام صاحب الترغيب.
__________
1 في "ط" "أنكر, و".
2 في "ط" "إن".
3 في "ط" "وعنه".
4 في الأصل "حضانتها".
5 في "ط" "فإن".(10/64)
أَحَدُهُمْ زَوْجًا لَاعَنَ, وَنَقَلَ أَبُو1 النَّضْرِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَجْبُوبِ أَنَّ الشُّهُودَ قَذَفَةٌ, وَقَدْ أَحْرَزُوا ظُهُورَهُمْ, فَذَكَرَ لَهُ قَوْلَ الشَّعْبِيِّ: الْعَذْرَاءُ. قَالَ أَحْمَدُ "قَالَ" عَنْهُ اخْتِلَافٌ, فَدَلَّ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ, فَإِنْ رَجَمَهُ الْقَاضِي فَالْخَطَأُ مِنْهُ, قُلْت: فَتَرَى فِي هَذَا أَوْ فِيمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِالزِّنَا, فَلَمْ يَسْأَلْ الْقَاضِي عَنْ إحْصَانِهِ حَتَّى رَجَمَهُ إنَّ الدِّيَةَ فِي بَيْتِ الْمَالِ, لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَيْسَ عَلَيْهِ غُرْمٌ, قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَالَ غَيْرُهُ: إذَا رجمه بشهادتهم ثم بان له كذبهم فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ أَوْ الْقَوَدُ مَعَ الْعَمْدِ. قَالَ: وَإِنْ رَجَمَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ إحْصَانَهُ فَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ: إنَّ خَطَأَهُ فِي مَالِهِ أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ أَخْطَأَ فِي النَّفْسِ, وَهَذَا أَوْلَى بِهِ عِنْدِي.
وَقَدْ2 أَطْلَقَ ابْنُ رَزِينٍ فِي مَجْبُوبٍ وَنَحْوِهِ قَوْلَيْنِ, بِخِلَافِ الْعَذْرَاءِ, وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ حَبِيبَ فِيمَنْ قَذَفَ رَجُلًا فَقَدَّمَهُ إلَى الْحَاكِمِ, فَقَالَ الْقَاذِفُ: أَنَا أَجِيءُ بِثَلَاثَةِ شُهُودٍ مَعِي, فَجَاءَ بِهِمْ يَكُونُ شَاهِدًا مَعَهُمْ, قَالَ: إنْ جَاءَ بِهِمْ قَرِيبًا وَلَمْ يَتَبَاعَدْ فَهُوَ شَاهِدٌ رَابِعٌ.
وَنَقَلَ مُهَنَّا: إنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا, أَحَدُهُمْ فَاسِقٌ, فَصَدَّقَهُمْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ, وَمَنْ شَهِدَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ حُكْمٍ فَقِيلَ: لَا يَفْسُقُ, وَخَالَفَ أَبُو الْخَطَّابِ "م 6" وَإِنْ شَهِدُوا بِزِنًا وَاحِدٍ لَكِنْ عين اثنان بيتا, أو بلدا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 6" قَوْلُهُ: "وَمَنْ شَهِدَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ حكم, فقيل: لا يفسق, وخالف
__________
1 في الأصل "ابن".
2 ليست في الأصل.(10/65)
أَوْ يَوْمًا, وَاثْنَانِ آخَرَ, حُدُّوا لِلْقَذْفِ, عَلَى الْأَصَحِّ, وَعَنْهُ: يُحَدُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ, اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ. وَفِي التَّبْصِرَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمَا ظَاهِرُهَا الاكتفاء بشهادتهم بكونها زانية, وعنه: وأنه1 لَا اعْتِبَارَ بِالْفِعْلِ الْوَاحِدِ, وَإِنْ عَيَّنَ اثْنَانِ زَاوِيَةً مِنْ بَيْتٍ صَغِيرٍ وَاثْنَانِ أُخْرَى مِنْهُ, أَوْ قَالَ اثْنَانِ: فِي قَمِيصٍ أَبْيَضَ, أَوْ قَائِمَةٍ, وَقَالَ اثْنَانِ فِي أَحْمَرَ أَوْ نَائِمَةً, كَمُلَتْ شَهَادَتُهُمْ, وَقِيلَ: هِيَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا.
وَإِنْ قَالَ اثْنَانِ2: زَنَى بِهَا مُطَاوِعَةً, وَقَالَ اثْنَانِ: مُكْرَهَةً, لَمْ يُقْبَلْ, فَيُحَدُّ شَاهِدَا الْمُطَاوَعَةِ, لِقَذْفِهَا, وَفِي حَدِّ الْأَرْبَعَةِ لِقَذْفِ الرَّجُلِ وَجْهَانِ "م 7"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
أَبُو الْخَطَّابِ", انْتَهَى. "قُلْت" ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَفْسُقُ, لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ جَاءَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ أَنْ قَامَ الْحَاكِمُ فَهُوَ قَاذِفٌ, لِأَنَّ شَهَادَتَهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَلَا صَحِيحَةٍ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
"مَسْأَلَةٌ 7" قَوْلُهُ: "وَإِنْ قَالَ اثْنَانِ: زَنَى بِهَا مُطَاوِعَةً, وَقَالَ اثْنَانِ: مُكْرَهَةً, لَمْ يُقْبَلْ فَيُحَدُّ شَاهِدَا الْمُطَاوَعَةِ لِقَذْفِهَا, وَفِي حَدِّ الْأَرْبَعَةِ لِقَذْفِ الرَّجُلِ وَجْهَانِ", انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ.
"أَحَدُهُمَا"3 يُحَدُّونَ لِقَذْفِهِ, جَزَمَ بِهِ الْآدَمِيُّ فِي مُنَوَّرِهِ وَمُنْتَخَبِهِ, وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ, وَهُوَ الصَّوَابُ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" لَا يُحَدُّونَ, صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ, وَجَزْم بِهِ فِي الْوَجِيزِ, وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ, وَيَظْهَرُ لِي قُوَّةُ هَذَا الْقَوْلِ, لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّجُلِ قَدْ كَمُلَتْ, فَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ فَأَوْلَى أَنْ تَسْقُطَ عَنْهُمْ, والله أعلم.
__________
1 في "ط" "عنه".
2 بعدها في الأصل "أنه".
3 في النسخ الخطية "إحداهما" والمثبت من "ط".(10/66)
وَقِيلَ: تُقْبَلُ عَلَى الرَّجُلِ فَيُحَدُّ وَحْدَهُ, اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْصِرَةِ. وَفِي التَّرْغِيبِ: لَا تُحَدُّ هي وفيه: وفيه وجهان. وذكر و1فِي الْوَاضِحِ: لَا يُحَدُّ أَحَدٌ, وَإِنْ قَالَ اثْنَانِ: وَهِيَ بَيْضَاءُ, وَقَالَ اثْنَانِ غَيْرَهُ لَمْ يُقْبَلْ, لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تَجْتَمِعْ عَلَى عَيْنٍ2 وَاحِدَةٍ, بِخِلَافِ السَّرِقَةِ.
وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ فَرَجَعُوا أَوْ أَحَدُهُمْ فَهَلْ يُحَدُّونَ أَوْ إلَّا الرَّاجِعُ وحده؟ فيه روايتان "م 8".
واختار3 فِي التَّرْغِيبِ يُحَدُّ الرَّاجِعُ بَعْدَ الْحُكْمِ وَحْدَهُ, لأنه لا يمكن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 8" "قَوْلُهُ:" "وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ فَرَجَعُوا أَوْ أَحَدُهُمْ 4يَعْنِي قَبْلَ الْحَدِّ4 فَهَلْ يُحَدُّونَ أَوْ إلا الراجع وحده5؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ", انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالشَّرْحِ6 وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ.
"إحْدَاهُمَا" يُحَدُّ الْأَرْبَعَةُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي7 وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ, وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَصَحَّحَهُ, فَقَالَ: حُدُّوا فِي الْأَظْهَرِ, وَقَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي8: عَلَى الْجَمِيعِ الْحَدُّ, فِي أصح الروايتين, انتهى. فقد اتفق الشيخان9.
__________
1 بعدها في "ط" "ذكر".
2 في "ر" "يمين".
3 في الأصل "اختاره".
4 4 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
5 ليست في النسخ الخطية.
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/333".
7 "5/417".
8 "12/316".
9 قوله فقد اتفق الشيخان تعليل لقوله: وهو الصحيح.(10/67)
التَّحَرُّزُ بَعْدَهُ1, وَظَاهِرُ الْمُنْتَخَبِ, لَا يُحَدُّ أَحَدٌ لِتَمَامِهَا بِالْحُكْمِ, وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمْ بَعْدَ الْحَدِّ حُدَّ وَحْدَهُ إنْ وَرِثَ حَدَّ الْقَذْفِ. وَنَقَلَ أَبُو النَّضْرِ: لَا يُحَدُّ; لِأَنَّهُ ثَابِتٌ.
وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَشَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى الشُّهُودِ أَنَّهُمْ الزُّنَاةُ بِهَا لَمْ يُحَدَّ المشهود عليه, وفي حد الأولين للزنا وللقذف أيضا روايتان "م 9 و 10".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ" يُحَدُّ غَيْرُ الرَّاجِعِ, اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ حَامِدٍ, وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ2 وَالْوَجِيزِ, وَالْآدَمِيُّ فِي مُنَوَّرِهِ وَمُنْتَخَبِهِ, وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في إدراك الغاية.
مَسْأَلَةٌ 9 و 10" قَوْلُهُ: "وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَشَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى الشُّهُودِ أَنَّهُمْ الزُّنَاةُ بِهَا لَمْ يُحَدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ, وَفِي حَدِّ الْأَوَّلِينَ لِلزِّنَا وَلِلْقَذْفِ أَيْضًا رِوَايَتَانِ", انْتَهَى. فِي ضِمْنِ كَلَامِهِ مَسْأَلَتَانِ أَطْلَقَ فِيهِمَا الْخِلَافَ.
"الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 9" هَلْ يُحَدُّ الْأَوَّلُونَ لِلزِّنَا لِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ الْكَامِلَةِ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ هُمْ الزُّنَاةُ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ, وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ3 وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ. "إحْدَاهُمَا": يُحَدُّونَ لِلزِّنَا, وَهُوَ الصَّحِيحُ, قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا الْأَشْهَرُ, وَصَحَّحَهُ فِي
__________
1 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/333".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/338 - 339".(10/68)
وَإِنْ حَمَلَتْ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا وَلَا سيد لم تحد, نقله الجماعة, وَعَنْهُ: بَلَى إنْ لَمْ تَدَّعِ شُبْهَةً وَفِي الْوَسِيلَةِ وَالْمَجْمُوعِ رِوَايَةٌ: وَلَوْ ادَّعَتْ. وَكَذَا حَدُّهُ لخمر
برائحته. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
التَّصْحِيحِ, وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ": لَا يُحَدُّونَ, اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي1 وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ.
"مسألة10" هَلْ يُحَدُّ لِلْقَذْفِ عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ, وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ.
"إحْدَاهُمَا": يُحَدُّونَ, لِلْقَذْفِ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيز.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ" لَا يُحَدُّونَ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ فِي الْمُقْنِعِ وَجَمَاعَةٍ, وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا: وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي صَدْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَعْنِي الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ كَلَامًا مَعْنَاهُ لَا يُحَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَدَّ الزِّنَا, وَهَلْ يُحَدُّ الْأَوَّلُونَ حَدَّ الْقَذْفِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ, بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَاذِفَ إذَا جَاءَ مَجِيءَ الشَّاهِدِ هَلْ يُحَدُّ؟ عَلَى روايتين انتهى..
__________
1 "12/375".(10/69)
وَكَذَا قِيلَ فِي قَيْئِهِ وَوُجُودِهِ سَكْرَانَ, وَقِيلَ: يُحَدُّ "م 11 و 12". وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ: يُؤَدَّبُ لَهُ بِرَائِحَتِهِ, اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ كَحَاضِرٍ مَعَ مَنْ يَشْرَبُهُ, نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ قَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ: يُسْتَعْمَلُ لِقَطْعِ رَائِحَةِ الْخَمْرِ الْكُسْفُرَةُ وَعِرْقُ الْبَنَفْسَجِ وَالثُّومِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَهُ رَائِحَةٌ قَوِيَّةٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 11 و 12" قَوْلُهُ: "وَكَذَا قِيلَ فِي قَيْئِهِ وَوُجُودِهِ سَكْرَانَ, وَقِيلَ: يُحَدُّ", انْتَهَى. يَعْنِي هَلْ حُكْمُ مَا إذَا تَقَيَّأَهَا أَوْ وُجِدَ سَكْرَانَ حُكْمُ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ رِيحُهَا أَمْ يُحَدُّ مُطْلَقًا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ, وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
"مَسْأَلَةٌ 11" مَنْ تَقَيَّأَهَا.
وَ "مَسْأَلَةٌ 12" وُجُودُ سَكْرَانَ.
"إحْدَاهُمَا"1 حُكْمُهُمَا حُكْمُ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ رَائِحَةُ الْخَمْرِ, جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى, وَقَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ.
"وَالْقَوْلُ الثَّانِي" يُحَدُّ هُنَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, اخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْإِرْشَادِ فِي وُجُودِهِ سَكْرَانَ, وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إنْ لَمْ يَدَّعِ شُبْهَةً. 2فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةٍ فِي هَذَا الْبَابِ والله أعلم2.
__________
1 في "ط" "إحداهما".
2 2 ليست في "ط".(10/70)
باب القذف
مدخل
...
بَابُ الْقَذْفِ
مَنْ قَذَفَ بِزِنًا فِي قُبُلٍ وَهُوَ مُكَلَّفٌ مُخْتَارٌ مُحْصَنًا وَلَوْ ذَاتَ مَحْرَمٍ نَصَّ عَلَيْهِ جُلِدَ الْحُرُّ ثَمَانِينَ وَالْعَبْدُ أَرْبَعِينَ وَلَوْ عَتَقَ قَبْلُ حُدَّ1, وَمُعْتَقٌ بَعْضُهُ بِحِسَابِهِ, وَقِيلَ: كَعَبْدٍ.
وَمَنْ2 قَذَفَ غَيْرَ مُحْصَنٍ عُزِّرَ, وَقِيلَ: سِوَى سَيِّدٍ لِعَبْدِهِ, قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُحَدُّ. وَحُدَّ أَبَوَيْهِ وَإِنْ عَلَوْا بِقَذْفِهِ وَإِنْ نَزَلَ كَقَوَدٍ فَلَا يَرِثُهُ عَلَيْهِمَا, وَإِنْ وَرِثَهُ أَخُوهُ لِأُمِّهِ وَحُدَّ لَهُ لِتَبَعُّضِهِ. وَفِي التَّرْغِيبِ لا يحد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "حده".
2 في "ر" "إن".(10/71)
الْأَبُ1, وَفِي أُمٍّ وَجْهَانِ, وَقِيلَ: 2لَا حَدَّ2 بِقَذْفِهِ أَبَاهُ أَوْ أَخَاهُ, وَعَنْهُ يُحَدُّ قَاذِفُ أُمِّهِ أَوْ ذِمِّيَّةٌ لَهَا وَلَدٌ أَوْ زَوْجُ مُسْلِمٍ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ قَذَفَ كَافِرًا لَا وَلَدَ لَهُ مُسْلِمٌ لَمْ يُحَدَّ, عَلَى الْأَصَحِّ.
وَيُحَدُّ بِقَذْفٍ عَلَى جِهَةِ3 الْغَيْرَةِ "بِفَتْحِ الْغَيْنِ", وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ "وم" وَأَنَّهَا عُذْرٌ فِي غَيْبَةٍ وَنَحْوِهَا, وَتَقَدَّمَ "فِي" الطَّلَاقِ4 كَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ وَشَيْخِنَا لِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ خَدِيجَةَ: وَمَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ حَمْرَاءَ الشِّدْقَيْنِ5, وَقَوْلُهُ: "إنِّي أَعْرِفُ إذَا كُنْت عَنِّي رَاضِيَةً وَإِذَا كُنْت عَلَيَّ غَضْبَى"6, وَلِدُعَائِهَا وَجَعْلِهَا رِجْلَيْهَا بَيْنَ الإذخر تقول: يا رب سلط علي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في النسخ الخطية "أب" والمثبت من "ط".
2 2 ليست في الأصل.
3 في الأصل "وجه".
4 وقفنا على كلامهم في عشرة النساء "8/343".
5 أخرجه البخاري "3821" ومسلم "2437".
6 أخرجه البخاري "5228" ومسلم "2439".(10/72)
عَقْرَبًا أَوْ حَيَّةً تَلْدَغُنِي, وَذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ1 وَفِيهِمَا2 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ امْرَأَةَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَتْ: وَاَللَّهِ3 إنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُرَاجِعْنَهُ وَتَهْجُرُهُ إحْدَاهُنَّ الْيَوْمَ إلَى اللَّيْلِ. فَقُلْت: قَدْ4 خَابَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُنَّ وَخَسِرَ, أَفَتَأْمَنُ إحْدَاهُنَّ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا5 لِغَضَبِ رَسُولِهِ, فَإِذَا هِيَ قَدْ هَلَكَتْ, وَإِنَّ عُمَرَ قَالَ هَذَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبَسَّمَ. وَفِيهِ: وَكَانَ قَدْ أَقْسَمَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا مِنْ شِدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ حَتَّى6 عَاتَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
وَالْمُحْصَنُ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْعَاقِلُ الَّذِي يُجَامِعُ مِثْلُهُ الْعَفِيفُ عَنْ الزِّنَا, وَقِيلَ: وَوَطْءٌ لَا يُحَدُّ بِهِ لِمِلْكٍ أَوْ شُبْهَةٍ, وَقِيلَ: يَجِبُ الْبَحْثُ عَنْ بَاطِنِ عِفَّةٍ. وَفِي الْمُبْهِجِ: لَا مُبْتَدِعٍ. وَفِي الْإِيضَاحِ: لَا فَاسِقٍ ظَهَرَ فِسْقُهُ.
وَلَا يَخْتَلُّ إحْصَانُهُ بِوَطْئِهِ فِي حَيْضٍ وَصَوْمٍ7 وَإِحْرَامٍ قَالَهُ8 فِي التَّرْغِيبِ.
وَلَوْ قَذَفَ امْرَأَةً بِمُتَّهَمٍ بِهَا حُدَّ, قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَفِيهِ, لا يحد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 البخاري "5211" ومسلم "2445".
2 البخاري "2468" ومسلم "1479".
3 ليست في "ر".
4 في الأصل "فقد".
5 ليست في الأصل.
6 في "ر" "حين".
7 في "ر" حرم".
8 في "ر" "قال".(10/73)
بِقَذْفِ فَاسِقٍ, وَفِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ: عِنْدِي يُحَدُّ بِقَذْفِ الْعَبْدِ وَأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ, لِعَدَالَتِهِ فَهُوَ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ الْفَاسِقِ بِغَيْرِ الزِّنَا.
وَفِي اشْتِرَاطِ بُلُوغِهِ رِوَايَتَانِ أَشْهَرُهُمَا: لَا, قَالَهُ فِي الترغيب "م 1" فَالْغُلَامُ ابْنُ عَشْرٍ وَالْبِنْتُ بِنْتُ تِسْعٍ, وَمُطَالَبَتُهُ إذَا بَلَغَ, وَالْمُلَاعَنَةُ وَابْنُهَا وَوَلَدُ الزِّنَا كَغَيْرِهِمْ, نص عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 1" قَوْلُهُ: "وَفِي اشْتِرَاطِ بُلُوغِهِ رِوَايَتَانِ أَشْهَرُهُمَا لا, قاله في الترغيب".
"إحْدَاهُمَا"1: لَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ, وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ أَنَّهُ أَشْهَرُ, قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ يُحَدُّ قَاذِفُهُ إذَا كَانَ ابْنَ عَشْرٍ أَوْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً, وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي وَالشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَاتِهِمْ, وَالشِّيرَازِيُّ وَابْنُ الْبَنَّا, وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ, وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ, وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ, وَقَدَّمَهُ فِي الْهَادِي وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ, قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: أظهر الروايتين وجوب الحد, انتهى.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ": يُشْتَرَطُ الْبُلُوغُ, قَالَهُ فِي الْعُمْدَةِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَمُنَوَّرِهِ وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ. وَالْمُحْصَنُ هُوَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْبَالِغُ الْعَفِيفُ, انْتَهَى. وَقِيلَ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ مُخَرَّجَةٌ لَا مَنْصُوصَةٌ, وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي2 والكافي3 والمقنع4 والمحرر
__________
1 في "ص" "أحدهما".
2 "12/385".
3 "5/404".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/350".(10/74)
وَمَنْ قَالَ لِمُحْصَنَةٍ: زَنَيْتِ وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ, فَإِنْ فَسَّرَهُ بِدُونِ تِسْعٍ عُزِّرَ, زَادَ فِي الْمُغْنِي1: إنْ رَآهُ الْإِمَامُ وَأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى طَلَبٍ, لِأَنَّهُ لِتَأْدِيبِهِ وَإِلَّا فَرِوَايَتَا الْبُلُوغِ.
وَإِنْ قَالَ: وَأَنْتِ أَمَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ وَمَا ثَبَتَ وَأَمْكَنَ فَرِوَايَتَانِ "م 2", وَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَمْ يُحَدَّ, وَعَنْهُ: بَلَى, فَإِنْ قَالَتْ: أَرَدْتَ قَذْفِي الْآنَ فَأَنْكَرَ فَهَلْ يُحَدُّ أَوْ يُعَزَّرُ وَجْهَانِ "م 3".
وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُ إنْ أَضَافَهُ إلَى جُنُونٍ. وَفِي الترغيب: إن كان ممن يجن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالشَّرْحِ2 وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ يَطَأُ أَوْ يُوطَأُ, وَقَدْ بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ سِنَّهُمَا, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
"مَسْأَلَةٌ 2" قَوْلُهُ: "وَمَنْ قَالَ لِمُحْصَنَةٍ زَنَيْت وَأَنْتِ أَمَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ وَمَا ثَبَتَ وَأَمْكَنَ فَرِوَايَتَانِ", انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي3 وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ4 وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ.
"إحْدَاهُمَا": يُحَدُّ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: حُدَّ, عَلَى الْأَصَحِّ, وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ, قَالَ فِي الْوَجِيزِ: فَإِنْ قَالَ لِحُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ: زَنَيْت وَأَنْتِ كَافِرَةٌ أَوْ أَمَةٌ وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ": لَا يُحَدُّ.
"مَسْأَلَةٌ 3" قَوْلُهُ: "وَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَمْ يحد, وعنه: بلى, فإن قالت: أردت
__________
1 "11/126".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/350".
3 لم نجدها في المغني وهي في اكافي "5/418".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/361 - 362".(10/75)
لَمْ يَقْذِفْهُ. وَفِي الْمُغْنِي1: إنْ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مَجْنُونًا حِينَ قَذَفَهُ فَأَنْكَرَتْ وَعَرَّفَتْ لَهُ حالة2 جُنُونٍ وَإِفَاقَةٍ فَوَجْهَانِ. وَإِنْ ادَّعَى رِقَّ مَجْهُولَةٍ فَرِوَايَتَانِ "م 4", وَإِنْ ادَّعَى أَنَّ قَذْفًا مُتَقَدِّمًا كان في صغر أو قال: زنيت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
قَذْفِي الْآنَ 3فَأَنْكَرَ3 فَهَلْ يُحَدُّ أَوْ يُعَزَّرُ؟ وَجْهَانِ", انْتَهَى, وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُقْنِعِ4 وَالْمُحَرَّرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالنَّظْمِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
"أَحَدُهُمَا": لَا يُحَدُّ, بَلْ يُعَزَّرُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ وَابْنُ الْبَنَّاءِ, قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ, وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ, وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي5 وغيره.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي": يُحَدُّ, اخْتَارَهُ الْقَاضِي, وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ, قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: فَقَالَ الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي: الْقَوْلُ قَوْلُهَا "قُلْت": وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ إلَى الْقَوْلَيْنِ, فَإِنْ دَلَّتْ عَلَى شَيْءٍ عُمِلَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا حَدَّ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
"مَسْأَلَةٌ 4" قَوْلُهُ: "وَإِنْ ادَّعَى رِقَّ مَجْهُولَةٍ فَرِوَايَتَانِ", انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ.
"إحْدَاهُمَا": يُحَدُّ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: حُدَّ, عَلَى الْأَصَحِّ, وَقَدَّمَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُمْ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ": لَا يحد, اختاره أبو بكر
__________
1 "11/126".
2 في "ط" "حال".
3 3 في "ح" "وأنكر".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/361".
5 لم نجدها في المغني وهي في الكافي "5/418".(10/76)
مُكْرَهَةً, أَوْ قَالَ: يَا زَانِيَةُ ثُمَّ ثَبَتَ زِنَاهَا فِي كُفْرٍ لَمْ يُحَدَّ, كَثُبُوتِهِ فِي إسْلَامٍ. وَفِي الْمُبْهِجِ: إنْ قَذَفَهُ بِمَا أَتَى فِي الْكُفْرِ حُدَّ, لِحُرْمَةِ الْإِسْلَامِ. وَسَأَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ1: رَجُلٌ رَمَى امْرَأَةً بِمَا فَعَلَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ; قَالَ: يُحَدُّ. وَذَكَرَ الْقَاضِي: لَوْ قَالَ ابْنُ عِشْرِينَ لِابْنِ خَمْسِينَ زَنَيْتُ مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَةً لَمْ يُحَدَّ, وَهُوَ سَهْوٌ.
وَلَا يَسْقُطُ حَدٌّ بِزَوَالِ2 إحْصَانِهِ, نَصَّ عَلَيْهِ "خ" حَكَمَ حَاكِمٌ بِوُجُوبِهِ "خ" 3أَوْ لَا3 "خ"4 لِأَنَّ الْحُدُودَ تُعْتَبَرُ بِوَقْتِ وُجُوبِهَا, وَكَمَا لَا يَسْقُطُ بِرِدَّتِهِ وَجُنُونِهِ.
وَبِخِلَافِ فِسْقِ الشُّهُودِ قَبْلَ الْحُكْمِ لضيق الشهادة, وعلله الشَّيْخُ بِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ, وَبِأَنَّ الزِّنَا نَوْعُ فِسْقٍ, وَاحْتِمَالُ وُجُودِ الْجِنْسِ أَكْثَرُ مِنْ النَّوْعِ, إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ مُزِيلُهُ عَلَى الْقَذْفِ بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ. قِيلَ لِابْنِ عَقِيلٍ: لَوْ زَنَى مَقْطُوعُ الْيَدِ أَتُعَادُ بَعْدَ بَعْثِهِ وَيُعَاقَبُ؟ فَقَالَ: لَا نُرَاعِي مِثْلَ هَذَا, كَحَدِّ هَزِيلٍ بَعْدَ سِمَنِهِ, كَذَا عُقُوبَةُ الْآخِرَةِ.
وَالْقَذْفُ مُحَرَّمٌ إلَّا أَنْ يَرَى امْرَأَتَهُ تَزْنِي فِي طُهْرٍ لَمْ يَطَأْ فِيهِ. وَفِي التَّرْغِيبِ: وَلَوْ دُونَ فَرْجٍ. وَفِي الْمُغْنِي5: أَوْ تُقِرَّ بِهِ فَيُصَدِّقَهَا فَيَعْتَزِلَهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 بعدها في النسخ "و".
2 في "ر" "من زال".
3 3 ليسيت في "ر".
4 ليست في "ر".
5 "11/157".(10/77)
ثُمَّ تَلِدَ بِمَا يُمْكِنُ أَنَّهُ مِنْ الزَّانِي, فيلزمه قذفها ونفيه. وفي المحرر وكذا لو1 وَطْؤُهَا فِي طُهْرٍ زَنَتْ فِيهِ وَظَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الزَّانِي. وَفِي التَّرْغِيبِ نَفْيُهُ2 مُحَرَّمٌ مَعَ التَّرَدُّدِ, فَإِنْ تَرَجَّحَ النَّفْيُ بِأَنْ اسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ فَوَجْهَانِ, وَاخْتَارَ جَوَازَهُ مَعَ أَمَارَةِ الزِّنَا, وَلَا وُجُوبَ وَلَوْ رَآهَا تَزْنِي, وَاحْتَمَلَ مِنْ الزِّنَا حَرُمَ نَفْيُهُ, وَلَوْ نَفَاهُ وَلَاعَنَ انْتَفَى.
وَإِنْ لَمْ تَلِدْ مَا يَلْزَمُهُ نَفْيُهُ أَوْ اسْتَفَاضَ زِنَاهَا أَوْ أَخْبَرَهُ بِهِ ثِقَةٌ, أَوْ رَأَى رجلا3 مَعْرُوفًا بِهِ عِنْدَهَا, زَادَ فِي التَّرْغِيبِ: خَلْوَةٌ, وَاعْتَبَرَ فِي الْمُغْنِي4 هُنَا اسْتِفَاضَةُ زِنَاهَا, وَقَدَّمَ لَا يَكْفِي اسْتِفَاضَةٌ بِلَا قَرِينَةٍ, فَلَهُ قَذْفُهَا, وَفِرَاقُهَا أَوْلَى, قَالَ شَيْخُنَا: إذَا قَالَ أَخْبَرَتْنِي أَنَّهَا زَنَتْ فَكَذَّبَتْهُ فَفِي كَوْنِهِ قَاذِفًا نِزَاعٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ, فَإِنْ جَعَلَ قَذْفًا أَوْ قَذَفَهَا صَرِيحًا فَلَهُ لِعَانُهَا5, وَلَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ فَأَنْكَرَتْهُ لَمْ تَطْلُقْ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ.
وَلَوْ أَسْقَطَتْ جَنِينًا بِسَبَبِ الْقَذْفِ لَمْ يَضْمَنْهُ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ قَذْفُهُ فَلَا عُدْوَانَ, فَدَلَّ أَنَّهُ لَوْ حَرُمَ قَذْفُهُ ضَمِنَهُ.
وَاخْتَارَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ الْمُبَاحَ أَنْ يَرَاهَا تَزْنِي أَوْ يَظُنُّهُ وَلَا وَلَدَ, وَإِنْ وَلَدَتْ أَسْوَدَ وَهُمَا أَبْيَضَانِ أَوْ عَكَسَهُ فَلَهُ نَفْيُهُ بقرينة, وقيل: ودونها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ط".
2 في "ر" "بنية".
3 ليست في "ر" و"ط".
4 "11/158".
5 في النسخ "اللعان" والمثبت من "ط".(10/78)
فصل: صريح الْقَذْفِ,
يَا زَانٍ يَا عَاهِرُ, قَدْ زَنَيْتَ. زَنَى فَرْجُك وَنَحْوُهُ, وَكَذَا يَا لُوطِيُّ, نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَعَنْهُ مَعَ غَضَبٍ وَنَحْوِهِ, وَعَنْهُ: يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِغَيْرِ الْقَذْفِ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ, وَيَا مَعْفُوجٌ1, صَرِيحٌ قَالَ أَحْمَدُ: يُحَدُّ, وَقِيلَ: كِنَايَةٌ وَإِنْ فَسَّرَ يَا مَنْيُوكَةَ بِفِعْلِ زَوْجٍ فَلَيْسَ قَذْفًا, ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالتَّبْصِرَةِ. وَزَادَ إنْ أَرَادَ بِزَانِي الْعَيْنِ أَوْ يَا عَاهِرَ الْيَدِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ2 مَعَ سَبْقِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى قَذْفٍ صَرِيحٍ, وَإِنْ قَالَ: لَسْت بِوَلَدِ فُلَانٍ فَقَذَفَ لِأُمِّهِ, فِي الْمَنْصُوصِ إلَّا مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ لَمْ يَسْتَلْحِقْهُ أَبُوهُ وَلَمْ يُفَسِّرْهُ بِزِنَا أُمِّهِ, وَكَذَا إنْ نَفَاهُ عَنْ قَبِيلَتِهِ, وَعِنْدَ الشَّيْخِ بِالْقِيَاسِ3 لَا حَدَّ.
نَقَلَ مُهَنَّا فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ لَسْتَ لِأَبِيك: يُحَدُّ, وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ كَافِرَةً, وَنَقَلَهُ مُهَنَّا لِتَمِيمِيٍّ: لَسْت مِنْهُمْ وَنَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيمَنْ قَالَ: لَوْ كُنْتَ وَلَدَ فُلَانٍ مَا فَعَلَتْ كَذَا.
وَلَسْتَ بِوَلَدِي كِنَايَةٌ فِي قَذْفِهَا, نَصَّ عَلَيْهِ, وَقِيلَ: صَرِيحٌ.
وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا زَانِيَةُ أَوْ لِامْرَأَةٍ يَا زَانٍ فَصَرِيحٌ, كَفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا لَهُمَا4, خِلَافًا لِصَاحِبِ الرِّعَايَةِ فِي عَالِمٍ بِعَرَبِيَّةٍ, وَقِيلَ: كناية,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 المعفوج: مفعول من عفج بمعنى نكح فكأنه بمعنى منكوح أي: موطوء المطلع ص "372".
2 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
3 في "ط" "بالقياس".
4 يعني في قوله: زنيت".(10/79)
وَقِيلَ لِلرَّجُلِ, وَكَذَا أَنْتِ أَزْنَى النَّاسِ, أَوْ مِنْ فُلَانَةَ, فَعَلَى الْأَوَّلِ فِي فُلَانَةَ وَجْهَانِ "م 5".
وَفِي زَنَتْ يَدُك أَوْ رِجْلُك أَوْ ثناهما وَجْهَانِ "م 6".
وَكَذَا زَنَى بَدَنُك, قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ, وَكَذَا الْعَيْنُ فِي التَّرْغِيبِ, وَفِي الْمُغْنِي1 وغيره: لا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 5" قَوْلُهُ: "وَكَذَا أَنْتِ أَزْنَى النَّاسِ أَوْ مِنْ فُلَانَةَ". يَعْنِي أَنَّهُ صَرِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَعْنِي عَلَى أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي فُلَانَةَ وَجْهَانِ, يَعْنِي فِي قَذْفِ فُلَانَةَ وَجْهَانِ, انتهى 2وأطلقهما في المغني3 والشرح4 والمحرر الصغير2..
"أَحَدُهُمَا": لَيْسَ بِقَاذِفٍ لَهَا, قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ أَقْيَسُ, وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي5. "وَالْوَجْهُ الثَّانِي": هُوَ قَذْفٌ أَيْضًا لَهَا, قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ6, وَهُوَ الصَّوَابُ.
"مَسْأَلَةٌ 6" قَوْلُهُ: "وَفِي زَنَتْ يَدُك أَوْ رِجْلُك أَوْ ثَنَاهُمَا وَجْهَانِ" انْتَهَى.
"أَحَدُهُمَا" هُوَ صَرِيحٌ, فَيُحَدُّ بِهِ, اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ, وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" لَيْسَ بِصَرِيحٍ, فَلَا يُحَدُّ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ, قَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ, قَالَ فِي الخلاصة لم يكن قذفا, في الأصح.
__________
1 لم نجدها في مظانها.
2 2 ليست في "ح".
3 "11/192".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/380".
5 "5/405 – 406".
6 في "ص" الرعايتين وبعدها واختاره القاضي وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ.(10/80)
وَإِنْ قَالَ: زَنَأْت1 فِي الْجَبَلِ فَصَرِيحٌ, وَقِيلَ إنْ عَرَفَ الْعَرَبِيَّةَ, وَقَالَ أَرَدْتُ الصُّعُودَ فِي الْجَبَلِ, قِيلَ: فَإِنْ لَمْ يَقُلْ فِي الْجَبَلِ فَوَجْهَانِ "م 7", وَقِيلَ: لَا قَذْفَ وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُ2 فِي لَفْظَةِ3 "عِلْقٌ" وَذَكَرَهَا شَيْخُنَا صَرِيحَةً وَمَعْنَاهُ قَوْلُ ابْنِ رَزِينٍ "كُلُّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عرفا".
وَكِنَايَتُهُ4 وَالتَّعْرِيضُ كَقَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ: قَدْ فَضَحْتِهِ, أَوْ نكست رأسه,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 7" قَوْلُهُ: "وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الصُّعُودَ فِي الْجَبَلِ, قِيلَ: فَإِنْ لَمْ يَقُلْ فِي الْجَبَلِ فَوَجْهَانِ" يَعْنِي هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي, وَهُوَ قَوْلُهُ, وَقِيلَ: إنْ عَرَفَ الْعَرَبِيَّةَ وَقَالَ أَرَدْتُ الصُّعُودَ, وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُقْنِعِ5 وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ.
"أَحَدُهُمَا": هُوَ صَرِيحٌ, وَجْهًا وَاحِدًا, وَهُوَ الصَّحِيحُ, صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَغَيْرُهُ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ, وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي": حُكْمُهَا كَاَلَّتِي قَبْلَهَا, فِيهَا الْوَجْهَانِ.
"تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ: "وَإِنْ لَمْ يَقُلْ فِي الْجَبَلِ فَوَجْهَانِ, وَقِيلَ: لَا قَذْفَ, وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهَا لَفْظَةُ "عِلْقٌ" وَذَكَرَهَا شيخنا صريحة" انتهى. وقال بعد ذلك 6بقرب من عشرين سطرا أو أكثر6: و7قال شَيْخُنَا إنَّ "عِلْقٌ" تَعْرِيضٌ, انْتَهَى. فَلَعَلَّهُ قَالَ هذا أولا ثم
__________
1 زنا – بالهمزة – بمعنى صعد وبمعنى ضيق وبمعنى ضاق وبمعنى قصر وبمعنى لصق وبمعنى لجأ المطلع ص "372".
2 في النسخ الخطية "مثلها" والمثبت من "ط".
3 بعدها في الأصل "يا".
4 في الأصل "كناية".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/383".
6 6 ليست في "ط".
7 ليست في "ح".(10/81)
أَوْ أَفْسَدْتِ فِرَاشَهُ, أَوْ يَا قَحْبَةُ يَا فَاجِرَةُ, أَوْ لِمَنْ يُخَاصِمُهُ يَا حَلَالُ ابْنَ الْحَلَالِ, مَا يَعْرِفُك النَّاسُ بِالزِّنَا, يَا نَظِيفُ1, يَا خَنِيثُ بِالنُّونِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ بِالْبَاءِ يَا عَفِيفُ, أَوْ لِعَرَبِيٍّ: يَا نَبَطِيُّ, يَا فَارِسِيُّ, يَا رُومِيُّ, أَوْ لِأَحَدِهِمْ يَا عَرَبِيُّ أَوْ مَا أَنَا بِزَانٍ أَوْ مَا2 أُمِّي بِزَانِيَةٍ, فَإِنْ فَسَّرَهُ بِغَيْرِ الْقَذْفِ, وَعَنْهُ: بِقَرِينَةٍ ظَاهِرَةٍ قُبِلَ, وَعَنْهُ: يُحَدُّ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ, وَذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ عَنْ الْخِرَقِيِّ, وَعَنْهُ: لَا يُحَدّ إلَّا بِنِيَّةٍ, اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ.
وَالْقَرِينَةُ كَكِنَايَةِ طَلَاقٍ, ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. وَفِي التَّرْغِيبِ: هُوَ قَذْفٌ بِنِيَّةٍ3, وَلَا يَحْلِفُ مُنْكِرُهَا, وَفِي قِيَامِ قَرِينَةٍ مَقَامَهَا مَا تَقَدَّمَ, وَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ بَاطِنًا بِالنِّيَّةِ, وَفِي لُزُومِ إظْهَارِهَا وَجْهَانِ "م 8", وَإِنْ عَلَى أَنَّهُ صَرِيحٌ4 وَيُقْبَلُ تَأْوِيلُهُ, وَفِي الِانْتِصَارِ رِوَايَةٌ: يُحَدُّ بِالصَّرِيحِ فَقَطْ. وَإِنَّ قَوْلَهُ: أَحَدُهُمَا زَانٍ, فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا, فَقَالَ: لَا, "فَقَالَ:" لا5 قذف للآخر, وذكره6 في المفردات.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
اطَّلَعَ عَلَى نَقْلٍ بِأَنَّهَا صَرِيحٌ, أَوْ لَهُ قولان, والله أعلم.
مَسْأَلَةٌ 8" قَوْلُهُ "وَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ بَاطِنًا بِالنِّيَّةِ, وَفِي لُزُومِ إظْهَارِهَا وَجْهَانِ" انْتَهَى. لَعَلَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِهِ فِي التَّرْغِيبِ, وَهُوَ الظَّاهِرُ, وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إظْهَارُ النِّيَّةِ إذَا سُئِلَ عَمَّا أراد, والله أعلم.
__________
1 في الأصل "قطيف".
2 في "ر" "ولا".
3 في الأصل "بنيته".
4 بعدها في "ط" "و".
5 بعدها في "ط" "فقال".
6 في "ط" "ذكر".(10/82)
وَإِذَا لَمْ يُحَدَّ بِالتَّعْرِيضِ عُزِّرَ, نَقَلَهُ حَنْبَلٌ وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ, وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ عَدَمُ عَقْلِهِ. وَفِي الْمُغْنِي1 وَجْهَانِ فِيمَنْ يُجَنُّ وَقْتًا وَيُفِيقُ وَقْتًا, قَالَ فِي التَّرْغِيبِ فِي مَقْذُوفٍ: يُقْبَلُ من مطبق إفاقته طارئة, وَيَتَوَجَّهُ أَوْ يُجَنُّ وَقْتًا, وَكَذَا فِي الْخِلَافِ فِي: أَخْبَرَنِي فُلَانٌ, أَوْ أَشْهَدَنِي أَنَّك زَنَيْت, فَكَذَّبَهُ فُلَانٌ.
وَكَذَا لَوْ سَمِعَ رَجُلًا يَقْذِفُ رَجُلًا فَقَالَ: صَدَقْت, فَإِنْ زَادَ فِيمَا قُلْت فَقِيلَ, كَذَلِكَ وَقِيلَ يُحَدُّ "م 9".
وَيُعَزَّرُ فِي يَا كَافِرُ, يَا فَاجِرُ, يَا حِمَارُ, يَا تَيْسُ, يَا ثَوْرُ, يَا رَافِضِيُّ, يَا خَبِيثَ الْبَطْنِ أَوْ الْفَرْجِ, يَا عَدُوَّ اللَّهِ, يَا ظَالِمُ, يَا كَذَّابُ, يَا خَائِنُ, يَا شَارِبَ الْخَمْرِ, يَا مُخَنَّثُ, نَصَّ عَلَى ذَلِكَ, وَقِيلَ فَاسِقٌ كِنَايَةٌ, وَمُخَنَّثٌ تَعْرِيضٌ, وَيُعَزَّرُ فِي: قَرْنَانِ2 وَقَوَّادٍ وَنَحْوِهِمَا, وَسَأَلَهُ حَرْبٌ عَنْ دَيُّوثٍ, قَالَ: يُعَزَّرُ, قُلْت: هَذَا عِنْدَ النَّاسِ أَقْبَحُ مِنْ الفرية, فسكت.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 9" قَوْلُهُ: "وَكَذَا لَوْ سَمِعَ رَجُلًا يَقْذِفُ رَجُلًا فَقَالَ صَدَقْت, فَإِنْ زَادَ3 فِيمَا قُلْت, فَقِيلَ: كَذَلِكَ, وَقِيلَ: يُحَدُّ," انْتَهَى.
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى "قلت": وهو الصواب.
__________
1 "12/358".
2 قرنان: قال إبراهيم الحربي: القرنان والكشخان لم أرهما في كلام العرب ومعناه عند العامة مثل معنى الديوث أو قريبا منه المغني "12/393".
3 في النسخ الخطية: "أراد" والمثبت من "ط".(10/83)
وَفِي الْمُبْهِجِ: دَيُّوثٌ قَذْفٌ لِامْرَأَتِهِ, وَمِثْلُهُ كَشْخَانٌ1 وقرطبان, ويتوجه في مأبون كمخنث و2فِي الْفُنُونِ: هُوَ لُغَةً الْعَيْبُ يَقُولُونَ: عُودٌ مَأْبُونٌ وَالْأَبْنُ: الْجُنُونُ, وَالْأُبْنَةُ: الْعَيْبُ, ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي كِتَابِ الزَّاهِرِ, فَإِنْ كَانَ لَهُ عُرْفٌ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْفِعْلِ بِهِ أَوْ الْفِعْلِ مِنْهُ فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ, لِأَنَّ الْأُبْنَةَ الْمُشَارَ إلَيْهَا لَا تُعْطِي أَنَّهُ يَفْعَلُ بِمُقْتَضَاهَا إلَّا3 بِقَوْلٍ آخَرَ يَدُلُّ عَلَى الْفِعْلِ, كَقَوْلِهِ لِلْمَرْأَةِ: يَا شَبِقَةُ, يَا مُغْتَلِمَةُ. وَفِي الرِّعَايَةِ: لَمْ أَجِدْكِ عَذْرَاءَ كِنَايَةً, وَأَنَّ مَنْ قَالَ لِظَالِمٍ بْنِ ظَالِمٍ: جَبَرَك اللَّهُ وَرَحِمَ سَلَفَك احْتَمَلَ الْمَدْحُ وَالتَّهَزِّي, وَأَنَّهُ أَظْهَرُ, فَيُعَزَّرُ. قَالَ4 شَيْخُنَا: إن "علق" تعريض.
وَإِنْ قَذَفَ مَجْبُوبًا حُدَّ, فِي الْمَنْصُوصِ, لِأَنَّهُ قَذَفَهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ, قَالَهُ أَحْمَدُ وَعَكْسُهُ: مَا أَنْتَ ابْنُ فُلَانَةَ, عَلَى الْأَصَحِّ. وَإِنْ قَذَفَ مَنْ لَا يُتَصَوَّرُ عَادَةُ5 الزِّنَا5 مِنْهُمْ كَأَهْلِ بَلَدِهِ لَمْ يُحَدَّ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: لَيْسَ قَاذِفًا, لِأَنَّهُ لَا عَارَ, وَيُعَزَّرُ, كَسْبُهُمْ بِغَيْرِهِ, وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهُ أَحَدٌ,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في النسخ الخطية "كشخان" والمثبت من "ط".
2 ليست في "ط".
3 في "ر" "لا".
4 في "ر" "وقال".
5 ليست في "ر".(10/84)
يُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ فِي الْمُغْنِي1 جَعَلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ2 أَصْلًا لِقَذْفِ الصَّغِيرَةِ, مَعَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَحْتَاجُ فِي التَّعْزِيرِ إلَى مُطَالَبَةٍ. وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: وَيُعَزَّرُ حَيْثُ لَا حَدَّ.
وَإِنْ قَالَ: مَنْ رَمَانِي فَهُوَ ابْنُ الزَّانِيَةِ لَمْ يُحَدَّ "ع" وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي شَيْءٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: الْكَاذِبُ ابْنُ الزَّانِيَةِ, نَصَّ عَلَيْهِ وَمَا أَشْبَهَهُ, لِعَدَمِ التَّعْيِينِ, وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يُعَزَّرُ3, لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ, لَكِنْ يُتَوَجَّهُ أَنَّهُ لِحَقِّ اللَّهِ, فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى تَحْرِيمِ غِيبَةِ أَهْلِ قَرْيَةٍ "هـ" لَا أَحَدَ هَؤُلَاءِ, أَوْ وَصَفَ رَجُلًا بِمَكْرُوهٍ لِمَنْ لَا يَعْرِفُهُ, لِأَنَّهُ لَا يَتَأَذَّى4 غَيْرُ الْمُعَيَّنِ كَقَوْلِهِ فِي الْعَالِمِ مَنْ يَزْنِي وَنَحْوُهُ, إلَّا أَنْ يَعْرِفَ بَعْدَ الْبَحْثِ.
وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ5 بِكَ زَنَيْتُ سَقَطَ حَقُّهَا بِتَصْدِيقِهَا وَلَمْ تَقْذِفْهُ, وَإِنْ قَالَ زَنَى بِكِ فُلَانٌ فَقَدْ قَذَفَهُمَا, نَصَّ عَلَيْهِمَا, وَخَرَجَ فِيهِمَا رِوَايَتَانِ, فَعَلَى أَنَّهَا لَمْ تَقْذِفْهُ يَتَخَرَّجُ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَمْ يَقْذِفْهَا, لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا مُكْرَهَةٌ أَوْ نَائِمَةٌ, وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ فِي الزَّوْجَةِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: خَبَرُ مَاعِزٍ6 حِينَ سَأَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بِفُلَانَةَ, فَلَمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "11/126".
2 ليست في "ر".
3 في "ر" "ويعزر".
4 في "ر" "ينادي".
5 في النسخ الخطية "قالت" والمثبت من "ط".
6 تقدم تخريجه "1/263".(10/85)
يضربه النبي صلى الله عليه وسلم, 1لها نقله1 ابْنُ مَنْصُورٍ وَنَقَلَ مِنْهَا2: لَا يُحَدُّ لَهَا, قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَوْ كَانَ قَاذِفًا لَمْ يَسْأَلْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "بِمَنْ" وَإِنَّمَا هَذَا بَيَانُ الْإِقْرَارِ, وَلَوْ كَانَ قَوْلُهَا أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي, أَوْ زَنَيْت وَأَنْتَ أَزَنَى مِنِّي فَقَدْ قَذَفَتْهُ.
وَفِي الرِّعَايَةِ وَجْهٌ, وَإِنْ قَالَ يَا زَانِيَةُ قَالَتْ بَلْ أَنْتَ زَانٍ حدا3, وَعَنْهُ: لَا لِعَانَ, وَتُحَدُّ هِيَ فَقَطْ, وَهُوَ سَهْوٌ عِنْدَ الْقَاضِي "4وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَقَالَ: بَلْ هَذَا5 يُعْطِي رِوَايَةً عَنْهُ أَنَّ اللِّعَانَ شهادة4".
__________
1 1 في "ط" "نقله لها".
2 في "ط" "منها".
3 في "ط" "حد له".
4 4ليست في الأصل.(10/86)
فَصْلٌ: وَهُوَ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ,
فَيَسْقُطُ بِعَفْوِهِ, قَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ عَنْهُ: لَا عَنْ بَعْضِهِ, وَعَنْهُ: لِلَّهِ, فَلَا يَسْقُطُ, وَعَلَيْهِمَا لَا يُحَدُّ, وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْرِضَ لَهُ إلَّا بِالطَّلَبِ وَذَكَرَهُ شَيْخُنَا "ع". وَيَتَوَجَّهُ عَلَى الثَّانِيَةِ: وَبِدُونِهِ.
وَلَا يَسْتَوْفِيهِ بِنَفْسِهِ, خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ, وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ "ع" وَأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ, وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْإِمَامِ أَنَّهُ حَدٌّ. وَفِي الْبُلْغَةِ: لَا يَسْتَوْفِيهِ بِدُونِهِ, فَإِنْ فَعَلَ فَوَجْهَانِ, وَأَنَّ هَذَا فِي الْقَذْفِ الصريح, وأن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
5 ليست في "ر".(10/86)
غَيْرَهُ يَبْرَأُ بِهِ سِرًّا, عَلَى خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ, وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَسْتَوْفِيهِ إلَّا الْإِمَامُ, وَسَبَقَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ1 هَلْ تُعْتَبَرُ الْمُوَالَاةُ أَوْ النِّيَّةُ, وَسَأَلَهُ مُهَنَّا عَمَّنْ قَدَّمَ قَاذِفَهُ إلَى السُّلْطَانِ فَأَقَرَّ فَقَالَ: قَدْ أَمْسَيْنَا, غَدًا نُقِيمُهُ عَلَيْهِ, فَغَابَ الْمَقْذُوفُ, فَقَالَ: لَا يُحَدُّ حَتَّى يَحْضُرَ, لَعَلَّهُ عَفَا.
وَإِنْ قَالَ اقْذِفْنِي فَقَذَفَهُ عُزِّرَ, وَعَلَى الثَّانِيَةِ يُحَدُّ وَصَحَّحَهُ فِي التَّرْغِيبِ عَلَى الْأَوَّلِ.
وَإِنْ مَاتَ وَوَرِثَ حَدَّ الْقَذْفِ فَلِوَارِثِهِ الْمُطَالَبَةُ إذَنْ.
وَإِنْ قُذِفَ مَيِّتٌ مُحْصَنٌ أَوَّلًا فَلِوَارِثِهِ الْمُحْصَنِ خَاصَّةً حَدُّ قَاذِفِهِ, وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ: لَا حَدَّ بِقَذْفِ مَيِّتٍ, وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ في غير أمهاته,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ص "33".(10/87)
وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ.
وَحَقُّ الْقَذْفِ لِلْوَرَثَةِ نَصَّ عَلَيْهِ, وَقِيلَ: سِوَى الزَّوْجَيْنِ, وَفِي الْمُغْنِي1: للعصبة, وإن عفا بعضهم حده الباقي2 كَامِلًا. وَقِيلَ يَسْقُطُ, وَسَأَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ: افْتَرَى عَلَى أَبِيهِ وَقَدْ مَاتَ فَعَفَا ابْنُهُ؟ قَالَ: جَائِزٌ.
وَسَأَلَهُ الْأَثْرَمُ: أَلَهُ الْعَفْوُ بَعْدَ رَفْعِهِ؟ قَالَ: فِي نَفْسِهِ فَإِنَّمَا هُوَ حَقُّهُ, وَإِذَا قذف أباه فهذا شيء يطلبه غيره,. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "11/140".
2 في "ط" "الباقون".(10/88)
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنْ مَاتَ بَعْدَ طَلَبِهِ مَلَكَهُ وَارِثُهُ, فَإِنْ عَفَا بَعْضُهُمْ حُدَّ لِمَنْ يَطْلُبُ مِنْهُمْ بِقِسْطِهِ وَسَقَطَ قِسْطُ مَنْ عَفَا, بِخِلَافِ الْقَذْفِ إذَا عَفَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ الْقَذْفَ لَا يَتَبَعَّضُ, وَهَذَا يَتَبَعَّضُ1.
وَمَنْ قَذَفَ أُمَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَرَ ويقتل, وعنه: إن تاب 2لم يقتل2,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهَانِ3
4 "أَحَدُهُمَا" قَوْلُهُ: "قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: بِخِلَافِ الْقَذْفِ إذَا عَفَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ الْقَذْفَ لَا يَتَبَعَّضُ وَهَذَا يَتَبَعَّضُ", انْتَهَى. صَوَابُهُ بِخِلَافِ الْقَتْلِ, لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَبَعَّضُ مَكَانَ "الْقَذْفِ" فِي الْمَوْضِعَيْنِ, وَهُوَ فِي الرَّوْضَةِ كَذَلِكَ وَهُوَ واضح4
__________
1 في "ر" "تبعيض".
2 2 ليست في الأصل.
3 في النسخ الخطية "تنبيه" والمثبت من "ط".
4 4ليست في "ص".(10/89)
وَعَنْهُ: كَافِرٌ بِإِسْلَامٍ, وَهِيَ مُخَرَّجَةٌ مِنْ نَصِّهِ في1 التفرقة بين الساحر الْمُسْلِمِ وَالسَّاحِرِ الذِّمِّيِّ, قَالَ فِي الْمَنْثُورِ: وَهَذَا كَافِرٌ قُتِلَ مَنْ سَبَّهُ, فَيُعَايَا بِهَا.
وَقَذْفُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَقَذْفِ أُمِّهِ, وَيَسْقُطُ سَبُّهُ بِالْإِسْلَامِ, كَسَبِّ اللَّهِ, وَفِيهِ خِلَافٌ فِي الْمُرْتَدِّ, قَالَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ.
قَالَ2 شَيْخُنَا: وَكَذَا مَنْ قَذَفَ نِسَاءَهُ لِقَدْحِهِ فِي دِينِهِ, وَإِنَّمَا لَمْ يَقْتُلْهُمْ لِأَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا قَبْلَ عِلْمِهِ بَرَاءَتَهَا3 وَأَنَّهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ لِإِمْكَانِ الْمُفَارَقَةِ فَتَخْرُجُ بِهَا مِنْهُنَّ وَتَحِلُّ لِغَيْرِهِ فِي وَجْهٍ, وَقِيلَ: لَا, وَقِيلَ: في غير مدخول بها "م 10".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الثَّانِي" قَوْلُهُ "وَيَسْقُطُ سَبُّهُ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِسْلَامِ كَسَبِّ اللَّهِ تَعَالَى, وَفِيهِ خِلَافٌ فِي الْمُرْتَدِّ, قَالَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ", انْتَهَى. لَيْسَ فِي هَذَا خِلَافٌ مُطْلَقًا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ بَلْ قَدْ4 قَدَّمَ حُكْمًا, وَهُوَ أَنَّ سَابَّ5 اللَّهِ تَعَالَى يَسْقُطُ عَنْهُ حُكْمُهُ بِالْإِسْلَامِ, وَلَكِنَّ الشَّيْخَ ذَكَرَ فِيهِ خِلَافًا.
"مَسْأَلَةٌ 10" قَوْلُهُ "وَقَالَ شَيْخُنَا, وَكَذَا مَنْ قَذَفَ نِسَاءَهُ, لِقَدْحِهِ فِي دِينِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقْتُلْهُمْ 6بِكَلَامِهِمْ فِي عَائِشَةَ6 لِأَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا قَبْلَ عِلْمِهِ بِبَرَاءَتِهَا وَأَنَّهَا من أمهات
__________
1 في "ط" "من".
2 في الأصل "وقال".
3 الضمير يعود على عائشة الصديقة رضي الله عنها التي أنزل الله براءتها مما نسب إليها من الإفك.
4 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
5 في "ص" "سباب".
6 6ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".(10/90)
وَسَأَلَهُ حَرْبٌ: رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى رَجُلٍ فَقَالَ: يَا ابْنَ كَذَا وَكَذَا إلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ؟ فَعَظَّمَهُ جِدًّا وَقَالَ عَنْ الْحَدِّ: لَمْ يَبْلُغْنِي فيه شيء وذهب إلى حد واحد.
وَمَنْ قَذَفَ جَمَاعَةً بِكَلِمَةٍ, فَحَدٌّ طَالَبُوا أَوْ بَعْضُهُمْ, فَيُحَدُّ لِمَنْ طَلَبَ, ثُمَّ لَا حَدَّ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ, وَعَنْهُ: لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدٌّ, وَعَنْهُ: إن طالبوا متفرقين, وَعَنْهُ: إنْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ وَأَجْنَبِيَّةً تَعَدَّدَ الْوَاجِبُ هُنَا, اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ, كَمَا لَوْ لَاعَنَ امْرَأَتَهُ.
وَفِي يَا نَاكِحَ أُمِّهِ, الرِّوَايَاتُ, وَنَصَّ فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ, يُطَالِبُهُ. قِيلَ: إنَّمَا أَرَادَ أُمَّهُ, قَالَ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ لَهُ, هَذَا قَصْدٌ لَهُ.
وَإِنْ قَذَفَهُمْ بِكَلِمَاتٍ تَعَدَّدَ الْحَدُّ, عَلَى الْأَصَحِّ. وَعَنْهُ: إنْ تَعَدَّدَ الطَّلَبُ, وَمَنْ أَعَادَ قَذْفَهُ قَبْلَ الْحَدِّ فَحَدٌّ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَقِيلَ: يَتَعَدَّدُ, وَإِنْ أَعَادَهُ بعده
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْمُؤْمِنِينَ لِإِمْكَانِ الْمُفَارَقَةِ, فَتَخْرُجُ بِهَا مِنْهُنَّ وَتَحِلُّ لِغَيْرِهِ فِي وَجْهٍ, وَقِيلَ: لَا, وَقِيلَ فِي غَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا", انْتَهَى. يَعْنِي لَوْ حَصَلَ مُفَارَقَةٌ لِأَحَدٍ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَخْرُجُ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَحِلُّ لِغَيْرِهِ أَوْ لَا؟ أَوْ تَخْرُجُ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ؟ حُكِيَ أَقْوَالًا, ظَاهِرُهَا إطْلَاقُ الْخِلَافِ فِيهَا.
"قُلْت": قَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ, وَقَدَّمَ أَنَّهُ يَحْرُمُ نِكَاحُهَا مُطْلَقًا, وَأَنَّ ابْنَ حَامِدٍ وَغَيْرَهُ قَالَ: يَجُوزُ نِكَاحُ مَنْ فَارَقَهَا فِي حَيَاتِهِ, فَقَالَ فِي الْخَصَائِصِ1 فِي كِتَابِ النِّكَاحِ: وَحَرَّمَ عَلَى غَيْرِهِ نِكَاحَ زَوْجَاتِهِ فَقَطْ, وَجَوَّزَ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ نِكَاحَ مَنْ فَارَقَهَا فِي حياته, انتهى
__________
1 في "ح" "الحائض".(10/91)
أَوْ بَعْدَ لِعَانِهِ فَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يُحَدُّ, اخْتَارَهُ أبو بكر, والمذهب يعزر, و1عَلَيْهِمَا لَا لِعَانَ, وَقَدَّمَ فِي التَّرْغِيبِ يُلَاعَنُ إلَّا أَنْ يَقْذِفَهَا بِزِنًا لَاعَنَ عَلَيْهِ مَرَّةً واعترف2 أَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ, وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ يُلَاعَنُ لِنَفْيِ تَعْزِيرٍ.
وَإِنْ قَذَفَهُ بِزِنًا آخَرَ بَعْدَ حَدِّهِ فَرِوَايَاتٌ, الثَّالِثَةُ يُحَدُّ مَعَ طُولِ الْفَصْلِ "م 11".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 11" قَوْلُهُ "وَإِنْ قَذَفَهُ بِزِنًا آخَرَ بَعْدَ حَدِّهِ فَرِوَايَاتٌ, الثَّالِثَةُ يُحَدُّ مَعَ طُولِ الْفَصْلِ", انْتَهَى.
"إحْدَاهُنَّ": يُحَدُّ مَعَ طُولِ الْفَصْلِ, وَهُوَ الصَّوَابُ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي3 وَالْمُغْنِي4 وَالشَّرْحِ5 وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ, قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: حُدَّ, عَلَى الْأَصَحِّ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ": يُحَدُّ مُطْلَقًا, قَالَ النَّاظِمُ: يُحَدُّ مَعَ قُرْبِ الزَّمَانِ فِي الْأُولَى.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ": لَا يُحَدُّ مُطْلَقًا, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ, وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ مَعَ قِصَرِ الْفَصْلِ فِي الْمُغْنِي4 وَالْكَافِي3 وَالشَّرْحِ5 وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
6فَهَذِهِ إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي هَذَا الْبَابِ6.
__________
1 ليست في "ط".
2 في "ط" "اعترفت".
3 "5/414".
4 "12/408".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/409".
6 6 ليست في "ط".(10/92)
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً ثُمَّ نكحها قبل حَدِّهِ فَقَذَفَهَا فَإِنْ طَالَبَتْ بِأَوَّلِهِمَا فَحَدٌّ فَفِي الثَّانِي رِوَايَتَانِ, وَإِنْ طَالَبَتْ بِالثَّانِي فَثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ لَاعَنَ لَمْ يُحَدَّ لِلْأَوَّلِ.
وَمَنْ تَابَ مِنْ زِنًا حُدَّ قَاذِفُهُ, وَقِيلَ: يُعَزَّرُ, وَاخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ: يُحَدُّ بِزِنًا جَدِيدٍ لِكَذِبِهِ يَقِينًا, بِخِلَافِ مَنْ سَرَقَ عَيْنًا ثَانِيًا فَإِنَّهُ وَجَدَ منه ما وجد في الأولى.
وَإِنْ قَذَفَ مَنْ أَقَرَّتْ بِهِ مَرَّةً وَفِي الْمُبْهِجِ أَرْبَعًا أَوْ شَهِدَ بِهِ اثْنَانِ أَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا فَلَا لِعَانَ وَيُعَزَّرُ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: لَا.
وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ تَوْبَةٍ مِنْ قَذْفٍ وَغِيبَةٍ وَنَحْوِهِمَا إعْلَامُهُ وَالتَّحَلُّلُ مِنْهُ, وَحَرَّمَهُ الْقَاضِي وَعَبْدُ الْقَادِرِ, وَنَقَلَ مُهَنَّا: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْلَمَهُ, قَالَ شَيْخُنَا: وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ, وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ, وَقِيلَ: إنْ عَلِمَ بِهِ الْمَظْلُومُ وَإِلَّا دَعَا لَهُ وَاسْتَغْفَرَ وَلَمْ يَعْلَمْهُ, وَذَكَرَهُ شَيْخُنَا عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ, قَالَ: وَعَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ لَا يَجِبُ الِاعْتِرَافُ لَوْ سَأَلَهُ فَيَعْرِضُ وَلَوْ مَعَ اسْتِحْلَافِهِ, لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ, لِصِحَّةِ تَوْبَتِهِ. وَمَنْ جَوَّزَ التَّصْرِيحَ فِي الْكَذِبِ الْمُبَاحِ هُنَا نَظَرٌ, وَمَعَ عَدَمِ تَوْبَةٍ وَإِحْسَانِ تَعْرِيضِهِ كَذِبٌ, وَيَمِينُهُ غَمُوسٌ, قَالَ: وَاخْتِيَارُ1 أَصْحَابِنَا: لَا يَعْلَمُهُ, بَلْ يَدْعُو لَهُ فِي مُقَابَلَةِ مَظْلِمَتِهِ, قَالَ2: وَزِنَاهُ بِزَوْجَةِ غَيْرِهِ كَغِيبَتِهِ, وَذَكَرَ فِي الْغُنْيَةِ: إنْ تَأَذَّى بِمَعْرِفَتِهِ كَزِنَاهُ بِجَارِيَتِهِ وَأَهْلِهِ وغيبته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ر" "اختاره".
2 يعني الشيخ تقي الدين ابن تيمية.(10/93)
بِعَيْبٍ خَفِيٍّ يَعْظُمُ أَذَاهُ بِهِ, فَهُنَا لَا طَرِيقَ لَهُ إلَّا أَنْ يَسْتَحِلَّهُ وَيَبْقَى لَهُ عَلَيْهِ مَظْلِمَةٌ مَا, فَيَجْبُرَهَا بِالْحَسَنَاتِ كَمَا يُجْبِرُ مَظْلِمَةَ الْمَيِّتِ وَالْغَائِبِ.
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي زِنَاهُ بِزَوْجَةِ غَيْرِهِ احْتِمَالًا لِبَعْضِهِمْ. لَا يَصِحُّ إحلاله, لأنه مما لا1 يُسْتَبَاحُ بِإِبَاحَتِهِ ابْتِدَاءً1, قَالَ: وَعِنْدِي يَبْرَأُ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ إبَاحَتَهُ, كَالدَّمِ وَالْقَذْفِ, قَالَ: وَيَنْبَغِي اسْتِحْلَالُهُ فَإِنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ فَدَلَّ أَنَّهُ لَوْ أَصْبَحَ فَتَصَدَّقَ بِعِرْضِهِ عَلَى النَّاسِ لَمْ يَمْلِكْهُ وَلَمْ يُبَحْ, وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهِ لَا يَصِحُّ, وَإِذْنُهُ فِي عِرْضِهِ كَإِذْنِهِ فِي قَذْفِهِ وَهِيَ كَإِذْنِهِ فِي دَمِهِ وَمَالِهِ.
وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ: رِضَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِتَوْكِيلِ الْمُدَّعِي أَسْقَطَ حَقَّهُ, فَجَازَ. قُلْنَا: لَيْسَ لَهُ إبَاحَةُ الْمُحَرَّمِ, وَلِهَذَا لَوْ رَضِيَ بِأَنْ يُشْتَمَ أَوْ يُغْتَابَ لَمْ يُبَحْ ذَلِكَ, وَتَقَدَّمَ فِي طَلَاقِ الْحَائِضِ2 أَنَّ الزَّوْجَ مَلَكَهُ بِمِلْكِ مَحَلِّهِ. وَتَقَدَّمَ فِي الْعُمْرِيِّ3 أَنَّ النَّهْيَ إذَا كَانَ ضَرَرًا لَمْ يَمْنَعْ صِحَّتَهُ, وَمَا رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ كَأَبِي ضَمْضَمٍ؟ " 4 وَأَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ, فَلَا تُعْرَفُ صِحَّتُهُ, وَيُحْمَلُ عَلَى إسقاط حق وحد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ط".
2 "9/22".
3 "7/413 – 414".
4 أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة "62" من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعا وأخرجه أبو داود "4886 و4887" من طريقين آخرين سيذكرهما ابن قندس في حاشيته.(10/94)
وَإِنْ أَعْلَمَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ فَحَلَّلَهُ فَإِبْرَاءٌ مِنْ مَجْهُولٍ. وَفِي الْغُنْيَةِ: لَا يَكْفِي الِاسْتِحْلَالُ الْمُبْهَمُ لِجَوَازٍ, لَوْ1 عَرَفَ قَدْرَ ظُلْمِهِ لَمْ تَطْلُبْ2 نَفْسُهُ بِالْإِحْلَالِ. إلَى أَنْ قَالَ: فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَيُكْثِرُ الْحَسَنَاتِ, فَإِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ ويلزمه قبول حسناته مقابلة لجنايته عليه3, كَمَنْ أَتْلَفَ مَالًا فَجَاءَ بِمِثْلِهِ فَأَبَى قَبُولَهُ وَأَبْرَأهُ حَكَمَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ بِقَبْضِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط" "ولو".
2 في "ط" "تطلب".
3 ليست في "ط".(10/95)
باب حد المسكر
مدخل
...
باب حد المسكر
كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ يَحْرُمُ شُرْبُ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ, نَقَلَ ذَلِكَ الْجَمَاعَةُ مُطْلَقًا, وَلَوْ لِعَطَشٍ بِخِلَافِ الْمَاءِ النَّجِسِ, إلَّا لِدَفْعِ لُقْمَةٍ غُصَّ بِهَا وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَخَافَ تَلَفًا, وَيُقَدِّمُ بَوْلًا, وَيُقَدِّمُ عَلَيْهِمَا مَاءً نَجِسًا, وَأَبَاحَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ مِنْ نَقِيعِ التَّمْرِ إذَا طُبِخَ مَا دُونَ الْمُسْكِرِ1, قَالَ الْخَلَّالُ: فُتْيَاهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حنيفة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط" "المسكر".(10/96)
فَإِذَا شَرِبَهُ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ عَالِمًا أَنَّ كَثِيرَهُ يسكر ويصدق مختارا لحله, لمكره1, وَعَنْهُ: لَا, اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ, ذَكَرَهُمَا فِي التَّعْلِيقِ, قَالَ: كَمَا لَا يُبَاحُ لِمُضْطَرٍّ, فَفِي حَدِّهِ رِوَايَتَانِ, قَالَهُ فِي الْوَاضِحِ "م 1", وَالصَّبْرُ أَفْضَلُ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَكَذَا كُلُّ مَا جَازَ فعله للمكره, ذكره القاضي وغيره. قال شَيْخُنَا: يُرَخِّصُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ فِيمَا يُكْرَهُ عَلَيْهِ2 مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ, لِحَقِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ, وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أحمد رحمه الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 1" قَوْلُهُ: "فَإِذَا شَرِبَهُ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ عَالِمًا أَنَّ كَثِيرَهُ يُسْكِرُ "وَيُصَدَّقُ"3 مُخْتَارًا لِحِلِّهِ كَمُكْرَهٍ, وَعَنْهُ: لَا, اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ, فَفِي حَدِّهِ روايتان, قاله في4 الْوَاضِحِ", انْتَهَى. يَعْنِي إذَا قُلْنَا لَا يَحِلُّ لِمُكْرَهٍ وَشَرِبَهُ مُكْرَهًا فَفِي حَدِّهِ رِوَايَتَانِ فِي الواضح.
__________
1 في "ط" "كمكره".
2 ليست في "ر".
3 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
4 ليست في "ط".(10/97)
وَيَثْبُتُ بِإِقْرَارِ مَرَّةٍ, كَحَدِّ الْقَذْفِ, وَعَنْهُ: مَرَّتَيْنِ, نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ, وَجَعَلَ أَبُو الْخَطَّابِ بَقِيَّةَ الْحُدُودِ بِمَرَّتَيْنِ. وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي حَدِّ الْخَمْرِ بِمَرَّتَيْنِ, وَإِنْ سَلَّمْنَا فَلِأَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ إتْلَافًا, بِخِلَافِ حَدِّ السَّرِقَةِ, وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ حَدِّ الْقَذْفِ وَغَيْرِهِ إلَّا بِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ, كَالْقَوَدِ, فَدَلَّ عَلَى رِوَايَةٍ فِيهِ, وَهَذَا مُتَّجَهٌ أو بعدلين1, وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ قَوْلُهُمَا عَالِمًا تَحْرِيمَهُ مُخْتَارًا, كَدَعْوَاهُ إكراها أو جهله بسكره,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"قُلْت": الصَّوَابُ عَدَمُ الْحَدِّ, وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُرِدْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إطْلَاقَ الْخِلَافِ, لِلِاخْتِلَافِ فِي التَّرْجِيحِ, وَإِنَّمَا أَرَادَ حِكَايَتَهُ فِي الْجُمْلَةِ, وَقَدْ قَطَعَ فِي الْمُغْنِي2 3 وَالشَّرْحِ4 وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْمُكْرَهَ لَا يُحَدُّ, وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ, وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرُهُ, وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ سَوَاءٌ قُلْنَا يَحِلُّ لِلْمُكْرَهِ أَمْ لَا, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ": يُحَدُّ الْمُكْرَهُ. اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ وَعَدَمِهِ في المحرر والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم.
تَنْبِيهَاتٌ:
"أَحَدُهَا" ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي حَدِّهِ إذَا قُلْنَا إنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إذَا أُكْرِهَ عَلَيْهَا, وَالْمَجْدُ وَابْنُ حَمْدَانَ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالنَّاظِمُ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ حَكَوْا الْخِلَافَ فِي حَدِّهِ, لَمْ يُفَصِّلُوا, وَكَذَا الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا قَطَعُوا بِعَدَمِ الْحَدِّ وَلَمْ يُفَرِّقُوا.
__________
1 في "ط" "أو عدلين".
2 "12/499".
3 ليسن في "ط".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/425".(10/98)
ويعزر من جهل تحريمه لقرب عهد بإسلام, ذَكَرَهُ فِي الْبُلْغَةِ كَالْحَدِّ. وَفِي الْفُصُولِ وَالْبُلْغَةِ: مُخْتَارًا, وَلَا يُسْأَلُ عَمَّا وَرَاءَهُ. وَفِي عُيُونِ المسائل: يثبت بعدلين يشهدان أَنَّهُ شَرِبَ مُسْكِرًا, وَلَا يَسْتَفْسِرُهُمَا الْحَاكِمُ عَمَّا شَرِبَ, لِأَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ يُوجِبُ الْحَدَّ فَدَلَّ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَرَهُ الْحَاكِمُ مُوجِبًا اسْتَفْسَرَهُمَا.
فَعَلَى الْحُرِّ الْحَدُّ ثَمَانُونَ جَلْدَةً, وَجَوَّزَهَا شَيْخُنَا لِلْمَصْلَحَةِ وَأَنَّهُ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ, وَعَنْهُ أَرْبَعُونَ اخْتَارَهُ, أَبُو بَكْرٍ وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمَا, وَضَرَبَ عَلِيٌّ النَّجَاشِيَّ بِشُرْبِهِ فِي رَمَضَانَ ثَمَانِينَ, ثُمَّ حَبَسَهُ, ثُمَّ عِشْرِينَ مِنْ الْغَدِ1. نَقَلَ صَالِحٌ: أَذْهَبُ إلَيْهِ, وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يَغْلُظُ 2عَلَيْهِ, كَمَنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ, وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ يُعَزَّرُ بِعَشْرَةٍ فَأَقَلَّ. وفي المغني23: عزره بعشرين لفطره,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"الثَّانِي" قَوْلُهُ: "وَيُعَزَّرُ مَنْ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ لِقُرْبِ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ, ذَكَرَهُ فِي الْبُلْغَةِ", انْتَهَى.
صَوَابُهُ: "وَلَا يُعَزَّرُ" بِزِيَادَةِ لَا, وَهُوَ فِي الْبُلْغَةِ كذلك, والمعنى يساعده.
__________
1 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "8/321".
2 2ليست في "ط".
3 ص "69".(10/99)
وَالرَّقِيقُ نِصْفُهُ وَعَنْهُ: يُحَدُّ ذِمِّيٌّ لَا حَرْبِيٌّ, وَقِيلَ: إنْ سَكِرَ, وَالْمَذْهَبُ: لَا. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: وَلَوْ رَضِيَ بِحُكْمِنَا, لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ بِالِانْقِيَادِ فِي مُخَالَفَةِ دِينِهِ.
وَيُحَدُّ مَنْ احْتَقَنَ بِهَا, فِي الْمَنْصُوصِ, كَمَا لَوْ اسْتَعَطَ أَوْ عَجَنَ دَقِيقًا فَأَكَلَهُ. وَفِي الْمُغْنِي1: وَلَمْ يَخْبِزْ, وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: أَوْ تَمَضْمَضَ حُدَّ. وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ بَعِيدٌ, وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: إنْ وَصَلَ جَوْفَهُ حُدَّ.
وَيَحْرُمُ الْعَصِيرُ إذَا غَلَى, نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ, وَعَنْهُ: إذَا غَلَى أكرهه و2إنْ لَمْ يُسْكِرْ فَإِذَا أَسْكَرَ فَحَرَامٌ, وَعَنْهُ الوقف فيما نش3, والمنصوص: يَحْرُمُ مَا تَمَّ لَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ, زَادَ بَعْضُهُمْ: بِلَيَالِيِهَا, وَإِذَا طُبِخَ قَبْلَ التَّحْرِيمِ حَلَّ إنْ ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ, نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. وفي المغني4: أو لم يسكر. وله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالثَّالِثُ" قَوْلُهُ: "وَيَحْرُمُ الْعَصِيرُ إذَا غَلَى نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ, وَعَنْهُ إذَا غَلَى أَكْرَهُهُ وَإِنْ لَمْ يُسْكِرْ", انْتَهَى.
صَوَابُهُ "إنْ لَمْ يُسْكِرْ" بِإِسْقَاطِ الواو.
__________
1 "12/498".
2 ليست في "ط".
3 أي غلى المصباح "نش".
4 "12/514".(10/100)
وَضْعُ تَمْرٍ وَنَحْوِهِ فِي مَاءٍ لِتَحْلِيَتِهِ مَا لَمْ يَشْتَدَّ أَوْ تَتِمَّ ثَلَاثٌ, نَصَّ عَلَيْهِ.
نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: إذَا نَقَعَ زَبِيبًا أَوْ تَمْرَ هِنْدِيٍّ أَوْ عُنَّابًا وَنَحْوَهُ لِدَوَاءٍ غَدْوَةً, وَيَشْرَبُهُ عَشِيَّةً, أَوْ عَشِيَّةً وَيَشْرَبُهُ غَدْوَةً: هَذَا نَبِيذٌ أَكْرَهُهُ, وَلَكِنْ يَطْبُخُهُ وَيَشْرَبُهُ عَلَى الْمَكَانِ, فَهَذَا لَيْسَ نَبِيذًا.
وَإِنْ غَلَى الْعِنَبُ وَهُوَ عِنَبٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ, نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد, وَيُبَاحُ فُقَّاعٌ1, نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ لِأَنَّهُ لَا يُسْكِرُ, وَيَفْسُدُ إذَا بَقِيَ, وَعَنْهُ: يُكْرَهُ. وَفِي الْوَسِيلَةِ رِوَايَةٌ: يَحْرُمُ, وَجَعَلَ أَحْمَدُ وَضْعَ زَبِيبٍ فِي خَرْدَلٍ كَعَصِيرٍ. وَأَنَّهُ إنْ صُبَّ فِيهِ 2خَلٌّ أُكِلَ2.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالرَّابِعُ" قَوْلُهُ: "وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ إذَا نَقَعَ زَبِيبًا أَوْ تَمْرَ هِنْدِيٍّ وَعُنَّابًا وَنَحْوَهُ", انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ مُغَلِّي كَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ بِأَوْ, وَإِنَّمَا هُوَ بِالْوَاوِ وَالْكَرَاهَةُ لِأَجْلِ الْخَلِيطَيْنِ ذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ, وَبَوَّبَ أَبُو بَكْرٍ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ بَابَ الْقَوْلِ فِي تَحْرِيمِ الْخَلِيطَيْنِ وَذَكَرَهَا فِيهِ انْتَهَى وَيَظْهَرُ لِي أنه لا اعتراض على المصنف وأن
__________
1 الفقاع: شراب يتخذ من الشعير سمي به لما يعلوه من الزبد. اللسان "فقع".
2 2في الأصل "حل أكله".(10/101)
وَيُكْرَهُ الْخَلِيطَانِ, كَنَبِيذٍ تَمْرٍ وَزَبِيبٍ أَوْ مُذِيبٍ1 وَحْدَهُ, نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ, وَعَنْهُ: يَحْرُمُ, اخْتَارَهُ فِي التنبيه, وعنه: لا يكره, اختار2 فِي التَّرْغِيبِ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُغْنِي3, مَا لَمْ يَحْتَمِلْ إسْكَارَهُ.
وَلَهُ الِانْتِبَاذُ فِي دَبًا وَحَنْتَمٍ وَنَقِيرٍ وَمُزَفَّتٍ.
وَفِي كِتَابِ الْهَدْيِ رِوَايَةٌ: يَحْرُمُ, وَعَنْهُ: يُكْرَهُ, وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ. قَالَهُ الْخَلَّالُ. وَعَنْهُ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَوْعِيَةِ, إلَّا سِقَاءً يُوكَى حَيْثُ بَلَغَ الشَّرَابُ, وَلَا يُتْرَكُ يَتَنَفَّسُ, نَقَلَهُ جَمَاعَةٌ, وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: لَا يُعْجِبُنِي إلَّا هُوَ, ونقل جماعة أنه كره السقاء الغليظ والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
كَلَامَهُ فِي الْخَلِيطَيْنِ وَاضِحٌ وَتَقْدِيرُهُ إذَا نَقَعَ زَبِيبًا وَعُنَّابًا أَوْ تَمْرَ هِنْدِيٍّ وَعُنَّابًا وَنَحْوَهُ, وَهَذَا وَافٍ بِالْخَلِيطَيْنِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
4فَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ فِي هَذَا الباب4.
__________
1 في "ط" "مذنب" والمذنب: التمر الذي بدأ فيه الإرطاب من قبل ذنبه يقال: ذنببت البسرة فهي مذنبة المطلع ص "390".
2 في الأصل و"ط" "واختاره".
3 "12/517".
4 4 ليست في "ط".(10/102)
باب التعزير
مدخل
...
باب التعزير
كُلُّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا, وَالْأَشْهَرُ وَلَا كَفَّارَةَ كَمُبَاشَرَةِ دُونِ الْفَرْجِ نَصَّ عَلَيْهِ, وَامْرَأَةٍ امْرَأَةً, وَسَرِقَةٍ لَا قَطْعَ فِيهَا, وَجِنَايَةٍ لَا قَوَدَ فِيهَا, وَقَذْفٍ بِغَيْرِ زِنًا. وَفِي الرِّعَايَةِ, هَلْ حَدُّ الْقَذْفِ حَقٌّ1 لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ وأن التعزير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ر".(10/103)
لِمَا دُونَ الْفَرْجِ مِثْلُهُ, وَقَوْلُنَا وَلَا كَفَّارَةَ فَائِدَتُهُ فِي الظِّهَارِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ وَنَحْوِهِمَا, لَا فِي الْيَمِينِ1 الْغَمُوسِ إنْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ, لِاخْتِلَافِ سَبَبِهَا وَسَبَبِ التَّعْزِيرِ يُعَزَّرُ فِيهَا الْمُكَلَّفُ وُجُوبًا, نَصَّ عَلَيْهِ فِي سَبِّ صَحَابِيٍّ, كَحَدٍّ, وَكَحَقِّ آدَمِيٍّ طَلَبَهُ. وَعَنْهُ: نَدْبًا, نَصَّ عَلَيْهِ فِي تَعْزِيرِ رَقِيقِهِ عَلَى مَعْصِيَةٍ, وَشَاهِدِ زُورٍ. وَفِي الْوَاضِحِ فِي وُجُوبِ التَّعْزِيرِ رِوَايَتَانِ. وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ إنْ تَشَاتَمَ وَالِدٌ وَوَلَدُهُ لَمْ يُعَزَّرْ الوالد لحق ولده,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "يمين".(10/104)
وَيُعَزَّرُ الْوَلَدُ لِحَقِّهِ. وَفِي جَوَازِ عَفْوِ وَلِيِّ الْأَمْرِ عَنْهُ الرِّوَايَتَانِ, وَلَا يَجُوزُ تَعْزِيرُهُ إلَّا بِمُطَالَبَةِ الْوَالِدِ. وَفِي الْمُغْنِي1 فِي قَذْفِ صَغِيرَةٍ لَا يَحْتَاجُ فِي التَّعْزِيرِ إلَى مُطَالَبَةٍ, لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِتَأْدِيبِهِ فَلِلْإِمَامِ تَعْزِيرُهُ إذَا رَآهُ, يُؤَيِّدُهُ نَصُّهُ فِيمَنْ سَبَّ صَحَابِيًّا يَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ تَأْدِيبُهُ, وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِطَلَبِ وَارِثٍ مَعَ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ أَوْ كَثِيرًا مِنْهُمْ لَهُ وَارِثٌ.
وَقَدْ نَصَّ فِي مَوَاضِعَ عَلَى التَّعْزِيرِ, وَلَمْ يُقَيِّدْهُ, وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ إلَّا مَا تَقَدَّمَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ. وَيَأْتِي فِي أَوَّلِ أَدَبِ الْقَاضِي2 إذَا افْتَاتَ خَصْمٌ عَلَى الْحَاكِمِ لَهُ تَعْزِيرُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ "ع" فَدَلَّ أَنَّهُ لَيْسَ كَحَقِّ الْآدَمِيِّ الْمُفْتَقِرِ جَوَازَ إقَامَتِهِ إلَى طَلَبٍ, وَلِهَذَا أَجَابَ فِي الْمُغْنِي3 عَنْ قَوْلِ الْأَنْصَارِيِّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الزُّبَيْرِ: إنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِك4 وَأَنَّهُ لَمْ يُعَزِّرْهُ, وَعَنْ قَوْلِ رَجُلٍ: إنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ5 بِأَنَّ لِلْإِمَامِ الْعَفْوَ عَنْهُ.
وَفِي الْبُخَارِيِّ6 أَنَّ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ لَمَّا أَغْضَبَ عُمَرَ هَمَّ بِهِ, فَتَلَا عَلَيْهِ ابْنُ أَخِيهِ الْحُرُّ بْنُ قَيْسٍ {خُذِ الْعَفْوَ} [الأعراف: 199] . وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي قَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنفسه إلا أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 لم نجده في مظانه.
2 "11/128".
3 "12/528".
4 أخرجه البخاري "1708" ومسلم "2357" "129" عن الزبير رضي الله عنه.
5 أخرجه البخاري "3150" ومسلم "1062" "140" عن عبد الله بن مسعود.
6 في صحيحه "4642" عن ابن عباس رضي الله عنه.(10/105)
يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ1, أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِوُلَاةِ الْأُمُورِ التَّخَلُّقُ بِهَذَا, فَلَا يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ, وَلَا يُهْمِلُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى. ثُمَّ قَالَ: قَالَ الْقَاضِي: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي لِنَفْسِهِ وَلَا لِمَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ. وَفِي الْمُغْنِي2: نَصَّ عَلَيْهِ أَوْ رَآهُ لِمَصْلَحَةٍ أَوْ طَالَبَ آدَمِيٌّ بِحَقِّهِ وَجَبَ. وَفِي الْكَافِي3: يَجِبُ فِي مَوْضِعَيْنِ فِيهِمَا الْخَبَرُ4, وَإِلَّا إنْ جَاءَ تَائِبًا فَلَهُ تَرْكُهُ وَإِلَّا وَجَبَ, وَهُوَ مَعْنَى الرِّعَايَةِ, مَعَ أَنَّ فِيهَا لَهُ الْعَفْوَ عَنْ حَقِّ اللَّهِ. وَأَنَّهُ إنْ تَشَاتَمَ اثْنَانِ عُزِّرَا, وَيُحْتَمَلُ عَدَمُهُ, فَدَلَّ أَنَّ مَا رَآهُ تَعَيَّنَ, فَلَا يُبْطِلُهُ غَيْرُهُ, وَأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ قَدْرُ تَعْزِيرِ عَيْنِهِ "م", وَخَصْلَةُ عَيْنِهَا لِعُقُوبَةِ مُحَارِبٍ كَتَعْيِينِهِ الْقَتْلَ لِتَارِكِ صَلَاةٍ أو زنديق ونحوه"و"5.
وَقَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: وَيَسْقُطُ بِعَفْوِ آدَمِيٍّ حَقُّهُ وَحَقُّ السَّلْطَنَةِ, وَفِيهِ احْتِمَالٌ: لَا, لِلتَّهْذِيبِ وَالتَّقْوِيمِ. وَفِي الِانْتِصَارِ فِي قَذْفِ مُسْلِمٍ كَافِرًا التَّعْزِيرُ لِلَّهِ, فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ. وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ فِيمَنْ زَنَى صَغِيرًا لَمْ يَرَ عَلَيْهِ شَيْئًا. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِي صَبِيٍّ قَالَ لِرَجُلٍ: يا زان: ليس قوله شيئا,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه مسلم "2328" "79".
2 "12/527".
3 "5/440" وعبارة: "ويجب التعزير في الموضعين اللذين ورد الخبر فيهما".
4 أخرجه البخاري "526" ومسلم "2763" عن ابن مسعود أن رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فأنزل الله {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] فقال الرجل يا رسول الله ألى هذا؟ قال: "لجميع أمتي كلهم".
5 ليست في "ط".(10/106)
وَكَذَا فِي التَّبْصِرَةِ أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ, وَكَذَا فِي الْمُغْنِي1, وَلَا لِعَانَ, وَأَنَّهُ قَوْلُ الثَّلَاثَةِ وَغَيْرِهِمْ.
وَفِي رَدِّ شَيْخِنَا عَلَى الرَّافِضِيِّ: لَا نِزَاعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ كَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ يُعَاقَبُ عَلَى الْفَاحِشَةِ تَعْزِيرًا بَلِيغًا, وَكَذَا الْمَجْنُونُ يُضْرَبُ عَلَى مَا فَعَلَ لِيَنْزَجِرَ لَكِنْ لَا عُقُوبَةَ بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ. قَالَ فِي الواضح: من شرع2 فِي عَشْرٍ3 صَلُحَ تَأْدِيبُهُ فِي تَعْزِيرٍ عَلَى طهارة وصلاة, فكذا مثله4 زِنَا وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي, وَذَكَرَ مَا نَقَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ فِي الْغِلْمَانِ يَتَمَرَّدُونَ: لَا بَأْسَ بِضَرْبِهِمْ, وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ عَنْ الْقَاضِي: يَجِبُ ضَرْبُهُ عَلَى صَلَاةٍ. قَالَ الشَّيْخُ لِمَنْ أَوْجَبَهَا مُحْتَجًّا بِهِ: هُوَ تَأْدِيبٌ وَتَعْوِيدٌ كَتَأْدِيبِهِ عَلَى خَطٍّ وَقِرَاءَةٍ وَصِنَاعَةٍ وَشِبْهِهَا, وَكَذَا قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ كَتَأْدِيبِ الْيَتِيمِ وَالْمَجْنُونِ وَالدَّوَابِّ فَإِنَّهُ شُرِعَ لَا لِتَرْكِ وَاجِبٍ, فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي تَأْدِيبِهِ فِي الْإِجَارَةِ وَالدِّيَاتِ أَنَّهُ جَائِزٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 لم نجده في مظانه.
2 في "ط" "شرخ".
3 في "ر" "غش".
4 في الأصل و"ط" "مثل".(10/107)
وَأَمَّا الْقِصَاصُ مِثْلُ أَنْ يَظْلِمَ صَبِيٌّ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونٌ مَجْنُونًا, أَوْ بَهِيمَةٌ بَهِيمَةً فَيُقْتَصُّ لِلْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذلك زجر عن المستقبل لكن لاستفاء1 الْمَظْلُومِ وَأَخْذِ حَقِّهِ, فَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ: يَفْعَلُ ذَلِكَ لَا يَخْلُو عَنْ رَدْعٍ وَزَجْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ, فَفَعَلَهُ لِأَجْلِ الزَّجْرِ, وَإِلَّا لَمْ يَشْرَعْ لِعَدَمِ 2الْأَثَرِ بِهِ2 وَالْفَائِدَةُ فِي الدُّنْيَا, وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَاَللَّهُ تَعَالَى يَتَوَلَّى ذَلِكَ لِلْعَدْلِ بَيْنَ خَلْقِهِ, فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ فِعْلُنَا نَحْنُ كَمَا قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: الْقِصَاصُ بَيْنَ الْبَهَائِمِ وَالشَّجَرِ وَالْعِيدَانِ جَائِزٌ شَرْعًا بِإِيقَاعِ مِثْلِ مَا كَانَ فِي الدُّنْيَا, وَكَمَا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ البربهاري في القصاص من الحجر: لم نلب3 أُصْبُعَ الرَّجُلِ؟ وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ السَّابِقِ فِي التَّعْزِيرِ أَوْ صَرِيحِهِ فِيمَنْ لَمْ يُمَيِّزْ. وَقَالَ شَيْخُنَا: الْقِصَاصُ مُوَافِقٌ لِأُصُولِ الشَّرِيعَةِ, وَاحْتَجَّ بِثُبُوتِهِ فِي الْأَمْوَالِ, وَبِوُجُوبِ دِيَةِ الْخَطَإِ, وَبِقِتَالِ الْبُغَاةِ الْمَغْفُورِ لَهُمْ, قَالَ: فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ الظُّلْمَ وَالْعُدْوَانَ يُؤَدَّى فِيهِ حَقُّ الْمَظْلُومِ مَعَ عَدَمِ التَّكْلِيفِ فَإِنَّهُ مِنْ الْعَدْلِ, وَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِهِ, وَجَعَلَهُ مُحَرَّمًا بَيْنَ عِبَادِهِ, كَذَا قَالَ4.
وَبِتَقْرِيرِهِ5 فَإِنَّمَا يَدُلُّ فِي الْآدَمِيِّينَ. والمذهب قاله القاضي: بعشر جلدات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط" "لاشتفاء".
2 2 في "ر" "الأثرية".
3 في "ر" و"ط" "نكت".
4 أخرجه مسلم في صحيحه "2577" "55" عن أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فيما يروي عن الله تبارك وتعالى أَنَّهُ قَالَ: "يَا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْت الظُّلْمَ على نفسي وجعلته محرما بينكم فلا تظالموا......".
5 في "ط" "وبتقريره".(10/108)
فَأَقَلَّ إلَّا فِي وَطْءِ أَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ فَيُعَزَّرُ حر بمائة1 إلَّا سَوْطًا, نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ, وَعَنْهُ: بِمِائَةٍ, بِلَا نَفْيٍ, وَلَهُ نَقْصُهُ2, وَعَنْهُ: وَكَذَا كُلُّ وَطْءٍ فِي فَرْجٍ, وَهِيَ أَشْهَرُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ, وَعَنْهُ: أَوْ دُونَهُ, نَقَلَهُ يَعْقُوبُ, جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا, عَلَى مَا قَدَّمُوهُ.
وَاحْتَجَّ, بِأَنَّ عَلِيًّا وَجَدَ رَجُلًا مَعَ امْرَأَةٍ فِي لحافها فضربه مائة3. وَالْعَبْدُ بِخَمْسِينَ إلَّا سَوْطًا, وَعَنْهُ: الْكُلُّ بِعَشْرٍ فَأَقَلَّ, نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ, لِلْخَبَرِ4, وَمُرَادُهُ عِنْدَ شَيْخِنَا إلَّا فِي مُحَرَّمٍ لِحَقِّ اللَّهِ, وَعَنْهُ: بِتِسْعٍ, وَعَنْهُ: لَا يَبْلُغُ بِهِ5 الْحَدَّ, جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا, وَاسْتَثْنَى مَنْ قَدَّمَهُ مَا سَبَبُهُ الْوَطْءُ, فَعَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ رُوِيَ عَنْهُ: أَدْنَى حَدٍّ عَلَيْهِ, وَهُوَ أَشْهَرُ, نَصَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَجَمَاعَةٌ. وَفِي الْفُصُولِ: حَدُّ الْعَبْدِ.
وَيَحْتَمِلُ كَلَامُ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ لَا يَبْلُغُ بِجِنَايَةٍ حَدًّا فِي جِنْسِهَا, وَيَكُونُ مَا لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ بِحَبْسٍ وَتَوْبِيخٍ, وَقِيلَ: فِي حَقِّ اللَّهِ, وَيَشْهَرُ لِمَصْلَحَةٍ, نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ فِي شَاهِدِ زُورٍ,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 بعدها في "ط" "جلدة".
2 في الأصل "نقضه".
3 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "13635".
4 أخرجه البخاري "6848" ومسلم "1708" "40" عن أبي بردة رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله".
5 ليست في الأصل.(10/109)
وَيَحْرُمُ حَلْقُ لِحْيَتِهِ, وَفِي تَسْوِيدِ وَجْهٍ1 وَجْهَانِ "م 1" وَتَوَقَّفَ فِيهِ أَحْمَدُ. وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي شَاهِدِ الزُّورِ يُحْلَقُ رَأْسُهُ2, ذَكَرَهُ فِي الْإِرْشَادِ3 وَالتَّرْغِيبِ.
وَذَكَرَ4 ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ أَصْحَابِنَا: لَا يَرْكَبُ وَلَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ وَلَا يُمَثَّلُ بِهِ, ثُمَّ جَوَّزَهُ هُوَ لِمَنْ تكرر منه, للردع, واحتج بقصة العرنيين5, وفعل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 1" قَوْلُهُ: "وَيَحْرُمُ حَلْقُ لِحْيَتِهِ, وَفِي تَسْوِيدِ وَجْهٍ6 وَجْهَانِ, وَتَوَقَّفَ فِيهِ أَحْمَدُ", انْتَهَى.
"أَحَدُهُمَا": لَا يَفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي7 وَالشَّرْحِ8 وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَنَصَرُوهُ, ذَكَرُوهُ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ فِي تَعْزِيرِ شَاهِدِ الزُّورِ, وَقَدْ سُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا عَنْ تَسْوِيدِ الْوَجْهِ, قَالَ مُهَنَّا: فَرَأَيْت كَأَنَّهُ9 كَرِهَ تَسْوِيدَ الْوَجْهِ, قَالَ فِي النُّكَتِ فِي شَاهِدِ الزُّورِ, انْتَهَى. "قُلْت": الصَّوَابُ10 الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْأَشْخَاصِ, فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الرَّدْعُ وَالزَّجْرُ, وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ, فَكُلُّ أَحَدٍ يَحْسِبُهُ, فَيَرْجِعُ فِيهِ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ, فَيَفْعَلُ ذَلِكَ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً, ثُمَّ وَجَدْت فِي الْمُغْنِي7 وَالشَّرْحِ8 قَرِيبًا مِنْ ذلك.
__________
1 في "ر" "وجه".
2 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "10/242".
3 ص "509".
4 في الأصل "نقل".
5 أخرجه البخاري "233" ومسلم "1671" "10" من حديث أنس.
6 في "ط" "وجه".
7 "14/262".
8 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "30/96".
9 في "ط" "كأنه".
10 ليست في "ص".(10/110)
الصَّحَابَةِ فِي اللُّوطِيِّ1 وَغَيْرِهِ, وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ فِيهِ عَنْ عُمَرَ: يُضْرَبُ ظَهْرُهُ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ, وَيُسَخَّمُ وَجْهُهُ, وَيُطَافُ بِهِ, وَيُطَالُ حَبْسُهُ. وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: لَهُ التَّعْزِيرُ بِحَلْقِ شَعْرٍ لَا لِحْيَةٍ وَيَصْلُبُهُ حَيًّا, وَلَا يُمْنَعُ مِنْ أَكْلٍ وَوُضُوءٍ, وَيُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ, وَلَا يُعِيدُ, كَذَا قَالَ, وَيُتَوَجَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ صَلَاةٍ. قَالَ: وَهَلْ يُجَرَّدُ فِي التَّعْزِيرِ مِنْ ثِيَابِهِ إلَّا بِسَتْرِ عَوْرَتِهِ؟ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي الْحَدِّ. قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يُنَادَى عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ وَلَمْ يُقْلِعْ, ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ أَحْمَدَ فِي شَاهِدِ الزُّورِ قَالَ: فَنَصَّ أَنَّهُ يُنَادَى عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ, وَيُطَافُ بِهِ, وَيُضْرَبُ مَعَ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُصُولِ: يُعَزَّرُ بِقَدْرِ رُتْبَةِ الْمَرْمَى, فَإِنَّ الْمَعَرَّةَ تَلْحَقُ بِقَدْرِ مَرْتَبَتِهِ, وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ2 عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إيَّاكُمْ وَالْمُثْلَةَ فِي الْعُقُوبَةِ. وَجَزَّ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ. وَقَالَ شَيْخُنَا: بِمَا يَرْدَعُهُ, كَعَزْلِ مُتَوَلٍّ وَإِنَّهُ لَا يَتَقَدَّرُ, لَكِنْ مَا فِيهِ مُقَدَّرٌ لَا يَبْلُغُهُ, فَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةٍ دُونَ نِصَابٍ. وَلَا يُحَدُّ حَدَّ الشُّرْبِ بِمَضْمَضَةِ خَمْرٍ وَنَحْوِهِ, وَأَنَّهُ رِوَايَةٌ, وَاخْتِيَارُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ, وَقَدْ يُقَالُ بِقَتْلِهِ لِلْحَاجَةِ, وَإِنَّهُ يُقْتَلُ مُبْتَدِعٌ دَاعِيَةٌ, وَذَكَرَهُ وَجْهًا "وم" وَنَقَلَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْأُطْرُوشُ3 فِي الدُّعَاةِ مِنْ الْجَهْمِيَّةِ. وَقَالَ فِي الْخَلْوَةِ بِأَجْنَبِيَّةٍ, وَاِتِّخَاذُ الطَّوَافِ بِالصَّخْرَةِ دِينًا. وَفِي قَوْلِ الشَّيْخِ: انْذِرُوا لِي لِتُقْضَى حَاجَتُكُمْ, أَوْ اسْتَعِينُوا بِي: إنْ أَصَرَّ وَلَمْ يَتُبْ قُتِلَ, وَمَنْ تَكَرَّرَ شُرْبُهُ مَا لم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ينظر السنن الكبرى للبيهقي "8/232" في الآثار الواردة عن الصحابة في ذلك.
2 لم نقف عليه.
3 من أصحاب الإمام أحمد روى عنه أشياء منها ما ذكره المصنف طبقات الحنابلة "1/95".(10/111)
يَنْتَهِ بِدُونِهِ, لِلْأَخْبَارِ فِيهِ.
قَالَ الْأَصْحَابُ: وَلَا يَجُوزُ قَطْعُ شَيْءٍ مِنْهُ وَلَا جَرْحُهُ, وَلَا أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ, فَيَتَوَجَّهُ أَنَّ إتْلَافَهُ أَوْلَى مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ لَا يَجُوزُ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَارِيخِهِ الْمُنْتَظِمِ1 فِي سَنَةِ إحْدَى وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ, فِي خِلَافَةِ الْمُسْتَضِيءِ بِأَمْرِ اللَّهِ كَثُرَ الرَّفْضُ فَكَتَبَ صَاحِبُ الْمَخْزَنِ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إنْ لَمْ تُقَوِّ يَدَ ابْنِ الْجَوْزِيِّ لَمْ يُطِقْ دَفْعَ الْبِدَعِ فَكَتَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِتَقْوِيَةِ يَدِي, فَأَخْبَرْت النَّاسَ بِذَلِكَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَقُلْت: إنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعَزَّهُ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ بَلَغَهُ كَثْرَةُ الرَّفْضِ, وَقَدْ خَرَجَ تَوْقِيعُهُ بِتَقْوِيَةِ يَدِي فِي إزَالَةِ الْبِدَعِ, فَمَنْ سَمِعْتُمُوهُ مِنْ الْعَوَامّ يَتَنَقَّصُ بِالصَّحَابَةِ فَأَخْبِرُونِي حَتَّى أَنْقُضَ دَارِهِ وَأُخَلِّدَهُ الْحَبْسَ, فَانْكَفَّ النَّاسُ.
وَسَبَقَ فِي آخِرِ الْغَصْبِ2 حُكْمُ إتلاف المنكر إذا كان مالا والصدقة به3, وَانْفَرَدَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِذَلِكَ4, كَانْفِرَادِهِ بِقَوْلِهِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ: تَكَلَّمَ ابْنُ الْبَغْدَادِيِّ الْفَقِيهُ فَقَالَ: إنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَاتَلَتْ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ فَصَارَتْ مِنْ الْبُغَاةِ, فَتَقَدَّمَ صَاحِبُ الْمَخْزَنِ بِإِقَامَتِهِ مِنْ مَكَانِهِ وَوَكَّلَ بِهِ فِي الْمَخْزَنِ, وَكَتَبَ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي الْمُسْتَضِيءَ بِأَمْرِ اللَّهِ بِذَلِكَ. فَخَرَجَ التَّوْقِيعُ بِتَعْزِيرِهِ, فَجُمِعَ الْفُقَهَاءُ, فَمَالُوا عَلَيْهِ, فَقِيلَ لِي: مَا تَقُولُ؟ فَقُلْت هَذَا رَجُلٌ لَيْسَ لَهُ علم بالنقل وقد سمع أنه جرى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "18/222".
2 "262 – 263".
3 في "ط" "بها".
4 في كتابه المنتظم "18/251 – 252".(10/112)
قتال1 وَلَعَمْرِي إنَّهُ جَرَى قِتَالٌ وَلَكِنْ مَا قَصَدَتْهُ عَائِشَةُ وَلَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا, وَإِنَّمَا أَثَارَ الْحَرْبَ سُفَهَاءُ الْفَرِيقَيْنِ, وَلَوْلَا عِلْمُنَا2 بِالسِّيَرِ لَقُلْنَا مِثْلَ مَا قَالَ, وَتَعْزِيرُ مِثْلِ هَذَا أَنْ يُقِرَّ بِالْخَطَإِ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ فَيُصْفَحَ عَنْهُ. فَكَتَبَ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ فَوَقَّعَ: إنْ كَانَ قَدْ أَقَرَّ بِالْخَطَإِ فَيُشْتَرَطُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُعَاوِدَ ثُمَّ يُطْلَقُ. كَذَا قَالَ, فَإِذَا كَانَ تَعْزِيرُ مِثْلِ هَذَا أَنْ يُقِرَّ بِالْخَطَإِ فَكَيْفَ يَقُولُ فَيُصْفَحُ عَنْهُ, لِأَنَّهُ لَا صَفْحَ مَعَ وُجُودِ تَعْزِيرِ مِثْلِهِ, وَمُرَادُهُ. يُصْفَحُ عَنْهُ بِتَرْكِ الضَّرْبِ وَنَحْوِهِ وَإِنَّمَا جَعَلَ اعْتِرَافَ هَذَا بِالْخَطَإِ تَعْزِيرًا لِمَا فِيهِ مِنْ الذُّلِّ وَالْهَوَانِ لَهُ, فَهُوَ كَالتَّعْزِيرِ بِضَرْبٍ وَكَلَامِ سُوءٍ لِغَيْرِهِ, وَمَا قَالَهُ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَهُنَا وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّ3 الِاعْتِرَافَ بِالْخَطَإِ تَوْبَةٌ, وَفِي التَّعْزِيرِ مَعَهَا خِلَافٌ. وَلَعَلَّ ابْنَ4 الْجَوْزِيِّ أَرَادَ بِنَقْضِ الدَّارِ فِي كَلَامِهِ السَّابِقِ الْمُبَالَغَةَ لَا حَقِيقَةَ الْفِعْلِ. كَمَا ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ5 وَغَيْرُهُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ6 لَمَّا قَالَ الْحُطَيْئَةُ فِي الزِّبْرِقَانِ بْنِ بَدْرٍ:
دَعْ الْمَكَارِمَ لَا تَرْحَلْ لِبُغْيَتِهَا
وَاقْعُدْ فَإِنَّك أَنْتَ الطَّاعِمُ الكاسي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل و"ط" "فقال".
2 في "ط" "علما".
3 ليست في الأصل.
4 في "ط" "أبت".
5 لم نجده في مظانه عند ابن عبد البر ينظر خزانة الأدب "3/294".
6 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".(10/113)
وَسَأَلَ عُمَرُ حَسَّانَ وَلَبِيدًا فَقَالَا: إنَّهُ هَجَاهُ, فَأَمَرَ بِهِ فَرُمِيَ فِي بِئْرِ ثُمَّ أَلْقَى عَلَيْهِ شَيْئًا فَقَالَ الْحُطَيْئَةُ:
مَاذَا تَقُولُ لِأَفْرَاخٍ بِذِي مَرَخٍ1 ... زُغْبِ الْحَوَاصِلِ لَا مَاءٌ وَلَا شَجَرُ
أَلْقَيْت كَاسِبَهُمْ فِي قَعْرِ مُظْلِمَةٍ ... فَاغْفِرْ عَلَيْك سَلَامُ اللَّهِ يَا عُمَرُ
أَنْتَ الْإِمَامُ الَّذِي مِنْ بَعْدِ صَاحِبِهِ ... أَلْقَتْ إلَيْك2 مَقَالِيدَ النُّهَى الْبَشْرُ
لَمْ يُؤْثِرُوك بِهَا إذْ قَدَّمُوك لَهَا ... لَكِنْ بِأَنْفُسِهِمْ3 كَانَتْ بِك الْأُثْرُ
فَامْنُنْ عَلَى صِبْيَةٍ فِي الرَّمْلِ مَسْكَنُهُمْ ... بَيْنَ الْأَبَاطِحِ يَغْشَاهُمْ بِهَا الْغُدُرُ
أَهْلِي فِدَاؤُك كَمْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ ... مِنْ عَرَضِ دَاوِيَّةٍ يَعْمَى بِهَا الْخَبَرُ4
فحينئذ كلمه فيه5 عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَاسْتَرْضَيَاهُ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ السِّجْنِ, ثُمَّ دَعَاهُ فَهَدَّدَهُ بِقَطْعِ لِسَانِهِ إنْ عَادَ يَهْجُو أَحَدًا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْفَادِرُ وَالْفَدُورُ: الْمُسِنُّ مِنْ الْوُعُولِ, وَيُقَالُ: الْعَظِيمُ وَالْجَمْعُ فُدْرٌ وَفُدُرٌ وَمَوْضِعُهَا الْمَفْدَرَةُ.
مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ عَلَى بَابِ السِّجْنِ بِالْعِرَاقِ: هَاهُنَا تَلِينُ الصِّعَابُ وَتُخْتَبَرُ الْأَحْبَابُ. وَمَكْتُوبٌ عَلَى بَابِ سِجْنٍ: هَذِهِ مَنَازِلُ الْبَلْوَى, وَقُبُورُ الْأَحْيَاءِ, وتجربة الأصدقاء, وشماتة الأعداء,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 مرخ: واد من فدك والوابشة معجم البلدان "5/103".
2 في النسخ الخطية "عليك" والمثبت من "ط".
3 في النسخ الخطية "لأنفسهم" والمثبت من "ط".
4 ينظر شرح ديوان الحطيئة ص "208".
5 ليست في "ط".(10/114)
وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ1 فِي السِّجْنِ:
خَرَجْنَا مِنْ الدُّنْيَا وَنَحْنُ مِنْ أَهْلِهَا ... فَلَسْنَا مِنْ2 الْأَمْوَاتِ فِيهَا وَلَا الْأَحْيَا2
إذَا جَاءَنَا السَّجَّانُ يَوْمًا لِحَاجَةٍ ... فَرِحْنَا وَقُلْنَا جَاءَ هَذَا مِنْ الدُّنْيَا
وَنَفْرَحُ بِالرُّؤْيَا فَجُلُّ حَدِيثِنَا ... إذَا نَحْنُ أَصْبَحْنَا الْحَدِيثُ عَنْ الرُّؤْيَا
فَإِنْ حَسُنَتْ لَمْ تَأْتِ عَجْلَى وَأَبْطَأَتْ ... وَإِنْ هِيَ سَاءَتْ بَكَّرَتْ وَأَتَتْ عَجْلَى
وَلَمَّا عَمِلَ مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ3 خَاتَمًا عَلَى نَقْشِ خَاتَمِ بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ جَاءَ بِهِ صاحب بيت المال فأخذ منه4 مَالًا ضَرَبَهُ عُمَرُ مِائَةً, وَحَبَسَهُ, وَكَلَّمَ فِيهِ فَضَرَبَهُ مِائَةً, وَكَلَّمَ فِيهِ فَضَرَبَهُ مِائَةً وَنَفَاهُ. قَالَ فِي الْمُغْنِي5: لَعَلَّهُ كَانَتْ لَهُ ذُنُوبٌ فَأُدِّبَ عَلَيْهَا, أَوْ تَكَرَّرَ مِنْهُ الْأَخْذُ أَوْ كَانَ ذَنْبُهُ مُشْتَمِلًا عَلَى جِنَايَاتٍ.
"وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي الْمُبْتَدِعِ الدَّاعِيَةِ: يُحْبَسُ حَتَّى يَكُفَّ عَنْهَا. وَفِي الرِّعَايَةِ: مَنْ عُرِفَ بِأَذَى النَّاسِ وَمَالِهِمْ حَتَّى بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَكُفَّ, حُبِسَ حَتَّى يَمُوتَ. وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: لِلْوَالِي فِعْلُهُ لَا لِلْقَاضِي, وَنَفَقَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِيَدْفَعَ ضَرَرَهُ, وَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ بَعْدَ مَسْأَلَةِ السَّاحِرِ. وَفِي التَّرْغِيبِ فِي الْعَائِنِ: لِلْإِمَامِ حَبْسُهُ وَيُتَوَجَّهُ: إن كثر مجذومون6
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 لم نقف على قائلها.
2 2 في النسخ الخطية: الأحياء فيها ولا الموتى" والمثبت من "ط".
3 لم نجد في عهد عمر من نسمى بهذا الاسم وأما معن بن زائد الشيباني المشهور بالكرم فإنما أدرك العهد الأموي وتوفي "152 هـ" ينظر تاريخ بغداد "13/235".
4 في "ط" "به".
5 "12/526".
6 في الأصل "مجدمون" والمجذم اسم مفعول من الجذام وهو علة تحدث من انتشار السواد في البدن كله. القاموس "الجذام".(10/115)
وَنَحْوُهُمْ لَزِمَهُمْ التَّنَحِّي نَاحِيَةً. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا, فَلِلْإِمَامِ فِعْلُهُ". "وَجَوَّزَ ابْنُ عَقِيلٍ قَتْلَ مُسْلِمٍ جَاسُوسٍ لِكُفَّارٍ "وم" وَزَادَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: إنْ خِيفَ دَوَامُهُ, وَتَوَقَّفَ فِيهِ أَحْمَدُ, وَعِنْدَ الْقَاضِي: يُعَنَّفُ ذُو الْهَيْئَةِ, وَغَيْرُهُ يُعَزَّرُ": وَقَالَ "ش" إنْ كَانَ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ كَحَاطِبٍ أَحْبَبْت أَنْ يَتَجَافَى عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ كَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعَزِّرَهُ: وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يُعَاقَبُ وَيُسْجَنُ.
وَقِصَّةُ حَاطِبٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ1 وَقَالَ عُمَرُ: قَدْ كَفَرَ. وَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كَشْفِ الْمُشْكِلِ: تَقَرَّبَ إلَى الْقَوْمِ لِيَحْفَظُوهُ فِي أَهْلِهِ بِأَنْ أَطْلَعَهُمْ عَلَى بَعْضِ أَسْرَارِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَيْدِهِمْ وَقَصْدِ قِتَالِهِمْ, وَعَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم لنصر2 اللَّهِ إيَّاهُ, وَهَذَا الَّذِي فَعَلَهُ أَمْرٌ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَلِذَلِكَ اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ حُسْنَ الظَّنِّ وَقَالَ: "إنَّهُ قد صدقكم".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 البخاري "4274" ومسلم "2494" عن علي رضي الله عنه.
2 في "ط" "لنصرة".(10/116)
وَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْمُتَأَوِّلِ فِي اسْتِبَاحَةِ الْمَحْظُورِ خِلَافُ حُكْمِ الْمُتَعَمِّدِ لِاسْتِحْلَالِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ, وَدَلَّ عَلَى أَنَّ1 مَنْ أَتَى مَحْظُورًا وَادَّعَى فِي ذَلِكَ مَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ غَالِبُ الظَّنِّ بِخِلَافِهِ, وَقَالَ عَنْ قَوْلِ عُمَرَ: وَهَذَا لِأَنَّهُ رَأَى صُورَةَ2 النِّفَاقِ, وَلَمَّا احْتَمَلَ قَوْلَ عُمَرَ وَكَانَ لِتَأْوِيلِهِ مَسَاغٌ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ فِي كِتَابِهِ الْهَدْيِ: فِيهِ إنَّ مَنْ نَسَبَ مُسْلِمًا إلَى نِفَاقٍ أَوْ كُفْرٍ مُتَأَوِّلًا وَغَضَبًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ لَا لِهَوَاهُ وَحَظِّهِ لَا يَكْفُرُ, بَلْ لَا يَأْثَمُ, بَلْ يُثَابُ عَلَى نِيَّتِهِ, بِخِلَافِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ فَإِنَّهُمْ يُكَفِّرُونَ وَيُبَدِّعُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ وَهُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ. وَكَذَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ إنَّ مَنْ كَفَّرَ مُسْلِمًا أَوْ نَفَّقَهُ مُتَأَوِّلًا وَهُوَ مِنْ أهل الاجتهاد لم3 يَلْزَمُهُ عُقُوبَةٌ. قَالَ فِي كَشْفِ الْمُشْكَلِ: وَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْجَاسُوسَ الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَلُ, فَيُقَالُ مُطْلَقًا أَوْ مَعَ التَّأْوِيلِ, فَهُوَ لَا يَدُلُّ مُطْلَقًا, وَلِهَذَا لَمْ يَقَعْ تَعْزِيرٌ, هَذَا إنْ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّأْوِيلِ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ لَمْ يَدُلَّ أَيْضًا, لِأَنَّ عُمَرَ لَمَّا طَلَبَ قَتْلَهُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أَوْ يُقَالُ: لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْمُقْتَضِي لِقَتْلِهِ, بَلْ ذَكَرَ الْمَانِعَ وَهُوَ شُهُودُ بَدْرٍ, فَدَلَّ عَلَى وُجُودِ الْمُقْتَضِي وَأَنَّهُ لَوْلَا الْمُعَارِضُ لَعَمِلَ بِهِ, وَهُوَ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ مَا وقع. وفي كتاب الهدي أنه كبيرة محي4 بِالْحَسَنَةِ الْكَبِيرَةِ, وَلِهَذَا قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "أنه".
2 في النسخ الخطية "صورته" والمثبت من "ط".
3 ليست في "ط".
4 في "ط" "يمحى".(10/117)
وَغَيْرِهِ: فِيهِ أَنَّ الْجَاسُوسَ وَغَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِ الذُّنُوبِ الْكَبَائِرِ لَا يُكَفَّرُونَ بِذَلِكَ وَهَذَا الْجِنْسُ1 كَبِيرَةٌ قَطْعًا, لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إيذَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَهُوَ كَبِيرَةٌ بِلَا شَكٍّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [الأحزاب: 57] وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالُوا: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ" 2. قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَعْنَاهُ الْغُفْرَانُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَإِلَّا فَلَوْ تَوَجَّهَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ حَدٌّ أَوْ غَيْرُهُ أُقِيمَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا, وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى إقَامَةِ الْحَدِّ وَأَقَامَهُ عُمَرُ3 عَلَى بَعْضِهِمْ وَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِسْطَحًا الْحَدَّ وَكَانَ بَدْرِيًّا4. وَقَالَ فِي كَشْفِ الْمُشْكَلِ فِي هَذَا لَيْسَ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ, وَإِنَّمَا هُوَ لِلْمَاضِي وَتَقْدِيرُهُ أَيُّ عَمَلٍ كَانَ لَكُمْ فَقَدْ غُفِرَ, وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا شَيْئَانِ:
أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْمُسْتَقْبَلِ كَانَ جَوَابُهُ فَسَأَغْفِرُ.
وَالثَّانِي أَنَّهُ كَانَ يَكُونُ إطْلَاقًا فِي الذُّنُوبِ, وَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ, وَيُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ الْقَوْمَ خَافُوا الْعُقُوبَةَ فِيمَا بَعْدُ فَقَالَ عُمَرُ: يَا حُذَيْفَةُ هَلْ أَنَا مِنْهُمْ5؟ وَكَذَا اخْتِيَارُ الْخَطَّابِيِّ أَنَّهُ لِلْمَاضِي. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ لَا نَفْيَ إلَّا فِي الزِّنَا وَالْمُخَنَّثِ. وَقَالَ الْقَاضِي: نَفْيُهُ دُونَ عَامٍ, واحتج به شيخنا وبنفي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في النسخ الخطية "الجس" والمثبت من "ط".
2 تقدم تخريجه صفحة "116".
3 ينظر السنن الكبرى للبيهقي "8/223".
4 أخرجه أبو داود "4475" من حديث عمرة.
5 أورده في كنز العمال "13/344".(10/118)
عُمَرَ نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ1 لَمَّا خَافَ الْفِتْنَةَ بِهِ نَفَاهُ2 مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى الْبَصْرَةِ, فَكَيْفَ مَنْ عُرِفَ ذَنْبُهُ, وَيَمْنَعُهُ الْعَزَبُ السُّكْنَى بَيْنَ مُتَأَهِّلَيْنِ وَعَكْسُهُ, وَأَنْ امْرَأَةٌ تَجْمَعُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ شَرٌّ مِنْهُمْ, وَهُوَ الْقَوَّادَةُ, فَيَفْعَلُ وَلِيُّ الْأَمْرِ الْمَصْلَحَةَ. وَقَالَ أَيْضًا: إنَّمَا الْعُقُوبَةُ عَلَى ذَنْبٍ ثَابِتٍ.
أَمَّا الْمَنْعُ وَالِاحْتِرَازُ فَيَكُونُ لِلتُّهْمَةِ, لِمَنْعِ3 عُمَرَ اجْتِمَاعَ الصِّبْيَانِ بِمُتَّهَمٍ بِالْفَاحِشَةِ4. وَفِي الْفُنُونِ: لِلسُّلْطَانِ سُلُوكُ السِّيَاسَةِ, وَهُوَ الْحَزْمُ عِنْدَنَا, وَلَا تَقِفُ السِّيَاسَةُ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الشَّرْعُ, إذْ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَدْ قَتَلُوا وَمَثَّلُوا وَحَرَّقُوا الْمَصَاحِفَ5, وَنَفَى عُمَرُ نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ خَوْفَ فِتْنَةِ النِّسَاءِ1. قَالَ شَيْخُنَا: مَضْمُونُهُ جَوَازُ الْعُقُوبَةِ وَدَفْعُ الْمَفْسَدَةِ, وَهَذَا مِنْ بَابِ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ, قَالَ: وَقَدْ سَلَكَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ أَوْسَعَ مِنْ هَذَا. قَالَ: وَقَوْلُهُ: اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَيْك, كَالدُّعَاءِ عَلَيْهِ وَشَتْمِهِ بِغَيْرِ فِرْيَةٍ, نَحْوَ يَا كَلْبُ, فَلَهُ قَوْلُهُ لَهُ أَوْ تَعْزِيرُهُ, وَلَوْ لَعَنَهُ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَلْعَنَهُ؟ يَنْبَنِي عَلَى جَوَازِ لَعْنِهِ المعين.
وَمَنْ لَعَنَ نَصْرَانِيًّا أُدِّبَ أَدَبًا خَفِيفًا, لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَلْعَنَهُ بِغَيْرِ مُوجِبٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَدَرَ مِنْ النَّصْرَانِيِّ مَا يَقْتَضِي ذلك, قال: والأربع التي من كن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 هو نصر بن حجاج بن علاط السلمي انظر قصته في طبقات الكبرى لابن سعد "3/285" والإصابة "6/485 – 486".
2 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
3 في الأصل "كمنع" وفي "ر" "وكمنع".
4 لم نقف عليه.
5 انظر "مناهل العرفان" "1/253".(10/119)
فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا مُحَرَّمَةٌ لِحَقِّ اللَّهِ لَا قِصَاصَ فِيهِنَّ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ1 أَنَّ عُمَرَ قَالَ يَوْمَ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ: قَتَلَ اللَّهُ سَعْدًا. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: إنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَنَّ سَعْدًا أَرَادَ الْوِلَايَةَ وَمَا كَانَ يَصْلُحُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ, قَالَ: وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَيْ اُحْسُبُوهُ فِي عِدَادِ مَنْ مَاتَ, لَا تَعْتَدُّوا بِحُضُورِهِ, قَالَ: , وَمَنْ قَالَ لِمُخَاصَمَةِ النَّاسِ تَقْرَأُ تَارِيخَ آدَمَ وَظَهَرَ مِنْهُ مَعْرِفَتُهُمْ بِخَطِيئَتِهِ عُزِّرَ وَلَوْ كَانَ صَادِقًا. قَالَ: وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ لَفْظِهِ2 الْقَطْعُ مُتَدَيِّنًا عُزِّرَ, لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ, وَكَذَا مَنْ يَمْسِكُ الْحَيَّةَ وَيَدْخُلُ النَّارَ وَنَحْوَهُ. وَقَالَ فِيمَنْ فَعَلَ كَالْكُفَّارِ فِي عِيدِهِمْ: اتَّفَقُوا عَلَى إنْكَارِهِ, وَأَوْجَبُوا عُقُوبَةَ مَنْ يَفْعَلُهُ, قَالَ: وَالتَّعْزِيرُ عَلَى شَيْءٍ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ. وَقَالَ فِيمَنْ غَضِبَ فَقَالَ: فَمَا3 نَحْنُ مُسْلِمِينَ: إنْ أَرَادَ ذَمَّ نَفْسِهِ لِنَقْصِ دِينِهِ فَلَا حَرَجَ فِيهِ وَلَا عُقُوبَةَ.
وَمَنْ قَالَ لِذِمِّيٍّ يَا حَاجُّ عُزِّرَ, لِأَنَّ فِيهِ تَشْبِيهَ قَاصِدِ الْكَنَائِسِ بِقَاصِدِ بَيْتِ اللَّهِ, وَفِيهِ تَعْظِيمٌ لِذَلِكَ, فَإِنَّهُ بمنزلة من يشبه4 أَعْيَادَهُمْ بِأَعْيَادِ الْمُسْلِمِينَ وَتَعْظِيمِهِمْ.
وَكَذَا يُعَزَّرُ مَنْ يُسَمِّيَ مَنْ زَارَ الْقُبُورَ وَالْمَشَاهِدَ حَاجًّا, وَمَنْ سَمَّاهُ حَجًّا أَوْ جَعَلَ لَهُ مَنَاسِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَ فِي5 ذَلِكَ مَا هو من خصائص
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 البخاري "6830" مسلم "1691" "15" من حديث ابن عباس رضي الله عنه.
2 في "ط" "لفظه".
3 في "ر" "ما".
4 في "ط" "شبه".
5 ليست في الأصل.(10/120)
حَجِّ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَأَنَّهُ مُنْكَرٌ, وَفَاعِلُهُ ضَالٌّ.
وَمِنْ الْقِصَاصِ فِي الْكَلِمَةِ مَا رَوَى أَحْمَدُ1: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا أَبُو رَبِيعَةَ2 بْنُ كَعْبٍ, أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لَهُ كَلِمَةً كَرِهَهَا رَبِيعَةُ وَنَدِمَ "فَقَالَ": رُدَّ عَلَيَّ مِثْلَهَا حَتَّى يَكُونَ قِصَاصًا, فَأَبَى ذَلِكَ3, وَأَنَّهُمَا أَخْبَرَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِرَبِيعَةَ "لَا تَرُدَّ عَلَيْهِ وَقُلْ غَفَرَ اللَّهُ لَك يَا أَبَا بَكْرٍ" فَقَالَ: فِي سَمَاعِ أَبِي عِمْرَانَ مِنْ رَبِيعَةَ نَظَرٌ وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي مَرَضِهِ وَقَدْ عَصَّبَ رَأْسَهُ فَقَالَ "مَنْ كُنْت جَلَدْت لَهُ ظَهْرًا فَهَذَا ظَهْرِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ, وَمَنْ كُنْت شَتَمْت لَهُ عِرْضًا فَهَذَا عِرْضِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ, وَمَنْ كُنْت أَخَذْت لَهُ مَالًا فَهَذَا مَالِي" وَهُوَ خَبَرٌ طَوِيلٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَالْعُقَيْلِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ3 مِنْ حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ وَفِيهِ ضَعْفٌ4.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَجُلًا شَتَمَ أَبَا بَكْرٍ فَلَمَّا أَكْثَرَ رَدَّ عَلَيْهِ بَعْضَ الشَّيْءِ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ "كَانَ مَلَكٌ يُكَذِّبُهُ فَلَمَّا رَدَدْت عَلَيْهِ وَقَعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في مسنده "16577".
2 كذا في النسخ وفي المسند أبو عمران الجوني عن ربيعة الأسلمي.
3 ليست في الأصل.
4 أخرجه الترمذي في الشمائل "128" طرف قصة خروجه متكئا ثم قال: وفي الحديث قصة وقال المعلق على الكتاب عزت عبيد الدعاس وهي أنه صلى الله عليه وسلم صعد المنبر وأمر بنداء الناس وحمد الله وأثنى عليه والتمس من المسلمين أن يطلبوا منه حقوقهم وستأتي هذه القصة في باب وفاته عليه الصلاة والسلام اهـ وقد أخرج الترمذي "379" في باب وفاته صلى الله عليه وسلم القصة مطولة ولم أجد هذا اللفظ فيها.
وأخرجه ابن جرير في التاريخ "3/189" والعقيلي في الضعفاء "3/482 – 483" والطبراني في الكبير "18/280" والبيهقي في دلائله "7/179" وفي سننه "6/74" وذكره ابن كثير في البداية والنهاية "5/231".(10/121)
الشَّيْطَانُ وَلَمْ أَكُنْ لِأَجْلِسَ فِي مَجْلِسٍ يَقَعُ فِيهِ" إسْنَادُهُ جَيِّدٌ, رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَكَذَا أَبُو دَاوُد1, رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مُرْسَلًا2, وَقَدْ3 رَوَى هُوَ وَغَيْرُهُ4 أَنَّ زَيْنَبَ لَمَّا سَبَّتْ عَائِشَةَ قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبِّيهَا5 كَذَا رَأَيْت بَعْضَهُمْ ذَكَرَهُ وَلَمْ أَجِدْهُ وَإِنَّمَا لِابْنِ مَاجَهْ6: دُونَك فَانْتَصِرِي, فَأَقْبَلْت عَلَيْهَا حَتَّى يَبِسَ رِيقُهَا فِي فِيهَا مَا تَرُدُّ عَلَيَّ شَيْئًا, فَرَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ, وَصَدَّرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ هَذَا الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] عَنْ مُجَاهِدٍ وَالسُّدِّيِّ. وَقَالَهُ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ وَالثَّوْرِيُّ, وَظَاهِرُ قَوْلِ مُقَاتِلٍ وَهِشَامِ بْنِ حُجْرٍ فِي الْآيَةِ خِلَافُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ, لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا: لَوْ تَشَاتَمَ اثْنَانِ عُزِّرَا7, 8وَصَرَّحَتْ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ8 قَالُوا: لِأَنَّهُ أَذِيَّةٌ وَسَبٌّ فَلَا يَجُوزُ. قَالَ شَيْخُنَا: وَمَنْ دعي عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أحمد "9624" أبو داود "4897".
2 أبو داود "4896".
3 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
4 أبو داود في السنن "4896" والبخاري في التاريخ "2/102" والبيهقي في الشعب "6669" وفي الآداب "150".
5 أخرجه أبو داود "4898".
6 في سننه "1981".
7 في "ر" "عرا".
8 8 في "ط" "وصحت به المالي".(10/122)
ظُلْمًا لَهُ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى ظَالِمِهِ بِمِثْلِ مَا دَعَا بِهِ عَلَيْهِ, نَحْوَ: أَخْزَاك اللَّهُ, أَوْ لَعَنَك اللَّهُ, أَوْ يَشْتُمُهُ1 بِغَيْرِ فِرْيَةٍ, نَحْوَ يَا كَلْبُ يَا خِنْزِيرُ, فَلَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ, لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى:41] فَعَلِمَ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَّا عَلَى الظَّالِمِ لِلنَّاسِ الْبَاغِي, وَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِالْمَخْلُوقِ مِنْ وَكِيلٍ وَوَلِيِّ أَمْرٍ وَغَيْرِهِمَا فَاسْتِعَانَتُهُ بِخَالِقِهِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: الدُّعَاءُ قِصَاصٌ وَمَنْ دَعَا عَلَى ظَالِمِهِ فَمَا صَبَرَ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ الدَّاعِيَ مُنْتَصِرٌ, وَالِانْتِصَارُ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا لَكِنْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى:43] وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ لَمَّا دَعَتْ عَلَى السَّارِقِ "لَا تُسَبِّخِي" أَيْ لَا تُخَفِّفِي عَنْهُ2, ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ أَبِي بَكْرٍ الْأَخِيرَةَ الَّتِي رَوَاهَا أَبُو دَاوُد3, قَالَ: وَإِذَا دَعَا عَلَيْهِ بِمَا آلَمَهُ بِقَدْرِ أَلَمِ ظُلْمِهِ فَهَذَا عَدْلٌ.
وَإِنْ اعْتَدَى فِي الدُّعَاءِ كَمَنْ يَدْعُو بِالْكُفْرِ عَلَى مَنْ شَتَمَهُ أَوْ أَخَذَ مَالَهُ فَذَلِكَ سَرَفٌ مُحَرَّمٌ. وَمَنْ حَبَسَ نَقْدَ غَيْرِهِ عَنْهُ مُدَّةً ثُمَّ أَدَّاهُ إلَيْهِ عُزِّرَ, فَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْإِثْمَ فَلَا ضَمَانَ فِي الدُّنْيَا لِأَجْلِ الرِّبَا, وَهُنَا يُعْطِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَاحِبَ الْحَقِّ مِنْ حَسَنَاتِ الْآخَرِ تَمَامَ حَقِّهِ, فَإِذَا كَانَ هَذَا الظَّالِمُ لا يمكنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في النسخ الخطية "شمته" والمثبت من "ط".
2 أخرجه أبو داود "1497".
3 تقدمت ص "121".(10/123)
تَعْزِيرُهُ فَلَهُ أَنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِ بِعُقُوبَةٍ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ.
وَإِذَا كَانَ ذَنْبُ الظَّالِمِ إفْسَادَ دِينِ الْمَظْلُومِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُفْسِدَ دِينَهُ, لَكِنْ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ بِمَا يَفْسُدُ بِهِ دِينُهُ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِهِ. وَكَذَا لَوْ افْتَرَى عَلَيْهِ الْكَذِبَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْتَرِيَ عَلَيْهِ الْكَذِبَ. لَكِنْ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ عَلَيْهِ بِمَنْ يَفْتَرِي عَلَيْهِ الْكَذِبَ نَظِيرَ مَا افْتَرَاهُ, وَإِنْ كَانَ هَذَا الِافْتِرَاءُ مُحَرَّمًا, لِأَنَّ اللَّهَ إذَا عَاقَبَهُ بِمَنْ يَفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ لَمْ يَقْبُحْ مِنْهُ وَلَا ظُلْمَ فِيهِ, لِأَنَّهُ اعْتَدَى بِمِثْلِهِ, وَأَمَّا مِنْ الْعَبْدِ فَقَبِيحٌ لَيْسَ1 لَهُ فِعْلُهُ.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُ مُوسَى {رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً} [يونس: 88] الْآيَةَ, وَدَعَا سَعْدٌ عَلَى الَّذِي طَعَنَ فِي سِيرَتِهِ وَدِينِهِ2, وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ دُعَاءَ مُوسَى بِإِذْنٍ قَالَ: وَهُوَ قَوْلٌ صَحِيحٌ, لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلِانْتِقَامِ3.
وذكر في مجلس الوزير ابن هبيرة مسألة4 فَاتَّفَقَ الْوَزِيرُ وَالْعُلَمَاءُ عَلَى شَيْءٍ وَخَالَفَهُمْ فَقِيهٌ5 مَالِكِيٌّ, فَقَالَ الْوَزِيرُ: أَحِمَارٌ أَنْتَ؟ الْكُلُّ يُخَالِفُونَك وَأَنْتَ مُصِرٌّ, ثُمَّ قَالَ الْوَزِيرُ: لِيَقُلْ لِي كَمَا قُلْت لَهُ فَمَا أَنَا إلَّا كَأَحَدِكُمْ, فَضَجَّ الْمَجْلِسُ بِالْبُكَاءِ. وَجَعَلَ الْمَالِكِيُّ يَقُولُ: أَنَا الأولى بالاعتذار, والوزير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ر".
2 أورده الذهبي في سير أعلام النبلاء "1/112" وابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم "1/367".
3 في "د" "الانتقام".
4 في "ط" "مثله".
5 في "ط" "فيه".(10/124)
يَقُولُ: الْقِصَاصُ, فَقَالَ يُوسُفُ الدِّمَشْقِيُّ الشَّافِعِيُّ1 وَقَدْ تَوَلَّى دَرْسَ النِّظَامِيَّةِ: إذْ2 أَبَى الْقِصَاصَ فَالْفِدَاءُ. فَقَالَ الْوَزِيرُ: لَهُ حُكْمُهُ, فَقَالَ الرَّجُلُ: نِعَمُك عَلَيَّ كَثِيرَةٌ. قَالَ: لَا بُدَّ, قَالَ: عَلَيَّ دَيْنٌ مِائَةُ دِينَارٍ. فَقَالَ الْوَزِيرُ: يُعْطَى مِائَةً لِإِبْرَاءِ ذِمَّتِهِ, وَمِائَةً لِإِبْرَاءِ ذِمَّتِي. ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَارِيخِهِ, فَدَلَّ عَلَى مُوَافَقَتِهِ, وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ الصُّلْحُ بِمَالٍ عَلَى حَقٍّ آدَمِيٍّ كَحَدِّ قَذْفٍ وَسَبٍّ.
وَلِمُسْلِمٍ3 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا "الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالَا فَعَلَى الْبَادِئِ مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ" وَذَكَرَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ كَقَوْلِ شَيْخِنَا, وَأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ وَصَحَّ خَبَرُ عَائِشَةَ أَنَّهَا دَعَتْ عَلَى السَّارِقِ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "لَا تُسَبِّخِي عَنْهُ" 4 أَيْ لَا تُخَفِّفِي عَنْهُ5.
وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: مَنْ قَصَدَ الْجَهْرَ فِي صَلَاةِ سِرٍّ أَوْ عَكْسَهُ أَوْ يَزِيدُ فِيهَا أَذْكَارًا غَيْرَ مَسْنُونَةٍ وَنَحْوِهِ, فَلِلْمُحْتَسِبِ تَأْدِيبُهُ وَلَمَّا طَوَّلَ مُعَاذٌ الصَّلَاةَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟ " 6 أَيْ مُنَفِّرٌ عَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أبو المحاسن يوسف بن عبد الله بن بندار الدمشقي برع في الفقه والأصول والخلاف والجدل ودرس بالنظامية "ت 563 هـ" السير "20/313".
2 في "ط" "إذا".
3 في صحيحه "2587" "68".
4 تقدم تخريجه ص "123".
5 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
6 البخاري "705" ومسلم "465" "178" من حديث جابر بن عبد الله.(10/125)
الدِّينِ, فَفِيهِ إنْكَارُ الْمَكْرُوهِ, وَهُوَ مَحَلُّ وِفَاقٍ, لَكِنْ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِيهِ التَّعْزِيرُ عَلَى إطَالَتِهَا إذَا لَمْ يَرْضَ الْمَأْمُومُونَ1, وَالِاكْتِفَاءُ فِي التعزير بالكلام.
وَمَنْ اسْتَمْنَى بِيَدِهِ بِلَا حَاجَةٍ2: عُزِّرَ, وَعَنْهُ: يُكْرَهُ ذَلِكَ3 نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا يُعْجِبُنِي بِلَا ضَرُورَةٍ. قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانُوا يَأْمُرُونَ فِتْيَانَهُمْ أَنْ يَسْتَعِفُّوا بِهِ. وَقَالَ الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ: كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي مَغَازِيهِمْ, وَعَنْهُ: "يَحْرُمُ مُطْلَقًا وَلَوْ خَافَ" ذَكَرَهَا فِي الْفُنُونِ: وَإِنْ حَنْبَلِيًّا نَصَرَهَا, لِأَنَّ الْفَرْجَ مَعَ4 إبَاحَتِهِ بِالْعَقْدِ لَمْ يُبَحْ بِالضَّرُورَةِ, فَهُنَا أَوْلَى, وَقَدْ جَعَلَ الشَّارِعُ الصَّوْمَ بَدَلًا مِنْ النِّكَاحِ, وَالِاحْتِلَامُ مُزِيلًا لِشِدَّةِ الشبق مفترا5 للشهوة,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ر" "المأمون".
2 في "ط" "حجة".
3 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
4 في "ط" "ما".
5 في "ط" "مفتر".(10/126)
وَيَجُوزُ خَوْفَ زِنًا, وَعَنْهُ: يُكْرَهُ, وَالْمَرْأَةُ كَرَجُلٍ فَتَسْتَعْمِلُ شَيْئًا مِثْلَ الذَّكَرِ وَيَحْتَمِلُ الْمَنْعُ وَعَدَمُ القياس, ذكره ابن عقيل.
وَلَوْ اضْطَرَّ إلَى جِمَاعٍ وَلَيْسَ مَنْ يُبَاحُ وطؤها حرم "و"1 والله أعلم.
__________
1 ليست في "ر".(10/127)
باب السرقة
مدخل
...
باب السرقة
مَنْ سَرَقَ وَهُوَ مُكَلَّفٌ مُخْتَارٌ وَعَنْهُ: أَوْ مُكْرَهٌ مَالًا مُحْتَرَمًا عَالِمًا بِهِ وَبِتَحْرِيمِهِ مِنْ مَالِكِهِ أَوْ نَائِبِهِ, نَصَّ عَلَيْهِ. وَفِي الِانْتِصَارِ وَلَوْ بِكَوْنِهِ فِي يَدِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مِلْكُهُ, وَالْأَصَحُّ وَلَوْ مِنْ غَلَّةِ وَقْفٍ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ, وَقِيلَ: وَمِنْ غَاصِبِهِ وَسَارِقِهِ, نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ مَثَلَهُ الْمَأْذُونُ فِيهِ, وَخَرَجَ بِهِ دَخَلَهُ أَوْ لَا, بِلَا شُبْهَةٍ.
وَتَثْبُتُ1 بِعَدْلَيْنِ وَصَفَاهَا, وَالْأَصَحُّ لَا تُسْمَعُ قَبْلَ الدَّعْوَى, أَوْ إقرار مرتين ووصفها, 2بخلاف إقراره2 بالزنى3: فَإِنَّ فِي اعْتِبَارِ التَّفْصِيلِ وَجْهَيْنِ, قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ "م 1" بِخِلَافِ الْقَذْفِ لِحُصُولِ التَّعْيِينِ4, وَجَزَمَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: يَجِبُ اسْتِفْسَارُ الْحَاكِمِ الشُّهُودَ5 أَنَّهُمْ شَاهَدُوا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ وَالْحَبْلِ فِي الْبِئْرِ, لِأَنَّ الزِّنَا يُطْلَقُ عَلَى مَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ كَالْعَيْنِ وَالْيَدِ, وَعَنْهُ: فِي إقْرَارِ عبد أربع مرات, نقله مهنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 1" قَوْلُهُ: "إقْرَارُ مَرَّتَيْنِ وَوَصَفَهَا, بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِزِنًا فَإِنَّ فِي اعْتِبَارِ التَّفْصِيلِ وَجْهَيْنِ قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ" انْتَهَى. "قُلْت": الْإِقْرَارُ بِالزِّنَا أَوْلَى بِالتَّفْصِيلِ مِنْ الْإِقْرَارِ بِالسَّرِقَةِ, وَقَدْ وَرَدَتْ السُّنَّةُ الصحيحة الصريحة بذلك6
__________
1 في "ر" "وثبتت".
2 2 في "ط" "بخلا فإقراره".
3 في "ر" و"ط" "بزنى".
4 في الأصل "التعيير".
5 بعدها في "ر" "و".
6 وذلك في قصة ماعز كما تقدم في "1/263" أخرجه البخاري "6824"" عن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما أتى ماعز بن مالك النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: "لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت" قال: لا يا رسول الله قال: "أنكحتها"؟ لا يكنى قال: فعند ذلك أمر برجمعه.(10/128)
لَا يَكُونُ الْمَتَاعُ عِنْدَهُ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى سَرِقَةِ نِصَابٍ. وَفِي الْمُغْنِي1: أو قال فقدته, وَمَعْنَاهُ فِي الِانْتِصَارِ وَطَالَبَهُ هُوَ أَوْ وَكِيلُهُ, أَوْ وَلِيُّهُ بِالسَّرِقَةِ لَا بِالْقَطْعِ, وَعَنْهُ, أَوْ لَمْ يُطَالِبْهُ, اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَشَيْخُنَا كَإِقْرَارِهِ بِزِنًا بِأَمَةِ غَيْرِهِ, وَجَبَ قَطْعُهُ. وَفِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْخِلَافِ فِي طَلَبِهِ: وَإِنْ قُطِعَ بِدُونِهِ أَجْزَأَ. وَمَنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مَالِ غَائِبٍ أَوْ شَهِدَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ انْتَظَرَ حُضُورَهُ فَيُحْبَسُ, وَقِيلَ: لَا, كَإِقْرَارِهِ لَهُ بِحَقٍّ مُطْلَقٍ. قَالَ في الترغيب: غايته أقر بدين لغائب وليس2 لِلْحَاكِمِ حَبْسُهُ. قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ حَاكِمٍ, بِخِلَافِ السَّرِقَةِ, فَإِنَّ لِلْحَاكِمِ حَقًّا فِي الْقَطْعِ فَيُحْبَسُ.
وَإِنْ كَذَّبَ مُدَّعٍ نَفْسَهُ سَقَطَ قَطْعُهُ, وَسَوَاءٌ كَانَ ثَمِينًا وَيُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ, أَصْلُهُ الْإِبَاحَةُ أَوْ لَا حَتَّى أَحْجَارٌ وَلَبَنٌ وَخَشَبٌ وَمِلْحٌ, وَفِيهِ وَجْهٌ, وَفِي تُرَابٍ وَكَلَأٍ وَسِرْجِينٍ طَاهِرٍ, وَالْأَشْهَرُ3 وثلج, وقيل: وماء,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"تنبيهان الأول" 4قوله: "وقيل وماء" انتهى. هذا يدل على أنه قدم في الماء حكما وهو صحبح وهو عدم القطع وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ4 قَطَعَ بِهِ فِي المغني5
__________
1 "12/472".
2 في "ط" "وقبل"
3 في "ر" والأظهر".
4 4ليست في "ط".
5 "12/423".(10/129)
وجهان "م 2 - 5". وفي الواضح1 في صيد مملوك محرز روايتان,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالشَّرْحِ2 وَقَالَا: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا, وَقَدَّمَهُ فِي الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ شَاقِلَا وَالنَّاظِمُ وَغَيْرُهُمْ, وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ يُقْطَعُ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ هُبَيْرَةَ, قَالَهُ3 فِي الصَّحِيحِ الْمُحَرَّرِ, وَيَحْتَمِلُهُ تَقْدِيمُ الْمُصَنِّفِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي, وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَهُ في الروضة.
مَسْأَلَةٌ 2 - 5" قَوْلُهُ: "وَفِي تُرَابٍ وَكَلَأٍ وَسِرْجِينٍ طَاهِرِ, وَالْأَشْهَرُ وَثَلْجٍ, وَقِيلَ: وَمَاءُ وَجْهَانِ" انْتَهَى. ذَكَرَ مَسَائِلَ.
"الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 2" التُّرَابُ هَلْ يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ, وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي.
"أَحَدُهُمَا": يُقْطَعُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ, وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ وَابْنُ عَقِيلٍ, وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ, وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي التُّرَابِ الَّذِي يُتَدَاوَى بِهِ كَالْأَرْمَنِيِّ وَمَا يُغْسَلُ أَوْ يُصْبَغُ بِهِ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي": لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ, اخْتَارَهُ النَّاظِمُ, وَقَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ فِي التُّرَابِ الَّذِي لَهُ قِيمَةٌ كَالْأَرْمَنِيِّ وَاَلَّذِي 4يُعَدُّ لِلْغَسِيلِ4 بِهِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ, انْتَهَى.
"الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 3": الْكَلَأُ هَلْ يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ, وَأَطْلَقَهُ فِي الْإِيضَاحِ والمذهب والمستوعب والمغني والمحرر والحاوي والنظم.
__________
1 بعدها في "ر" "و".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/481".
3 في "ح" "قال".
4 4 في النسخ الخطية "بعد الغسل" والمثبت من "ط".(10/130)
نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا قَطْعَ فِي طَيْرٍ لِإِبَاحَتِهِ أَصْلًا. قَالَ فِي الِانْتِصَارِ وَالْفُصُولِ: فَيَجِيءُ عَنْهُ: لَا1. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنْ2 لَمْ يتمول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"أَحَدُهُمَا": يُقْطَعُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ وَابْنُ عَقِيلٍ, وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" لَا يُقْطَعُ بِهِ, قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ كَلَأٍ, وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ.
"الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ 4": السِّرْجِينُ الطَّاهِرُ هَلْ يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ, وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي.
"أَحَدُهُمَا": يُقْطَعُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ وَابْنُ عَقِيلٍ, وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ:
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي": لَا يُقْطَعُ, اخْتَارَهُ النَّاظِمُ, وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي3 وَالْكَافِي4 وَالشَّرْحِ5 وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِ وَلَعَلَّهُ الْمَذْهَبُ.
"الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ 5": الثَّلْجُ, وَفِيهِ طَرِيقَانِ, أَصَحُّهُمَا أَنَّ فِيهِ وَجْهَيْنِ, وَأَطْلَقَهُمَا في المذهب.
__________
1 ليست في الأصل.
2 ليست في "ر".
3 "12/424".
4 "5/352".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/482".(10/131)
عَادَةً كَمَاءٍ وَكَلَأٍ مُحَرَّزٍ, فَلَا قَطْعَ فِي إحدى الرِّوَايَتَيْنِ. وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ عَبْدٍ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ وَنَائِمٍ لَا مُكَاتَبٍ وَلَا حُرٍّ, وَقِيلَ: بَلَى مَعَ صِغَرِهِ أَوْ جُنُونِهِ فَعَلَى الْأَوْلَى إنْ كَانَ عليه حلي. وقال جماعة: ولم يعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"أَحَدُهُمَا": يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَإِنَّهُ قَالَ: وَمَا أَصْلُهُ الْإِبَاحَةُ كَغَيْرِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي1: الْأَشْبَهُ أَنَّهُ كَالْمِلْحِ, انْتَهَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الْمِلْحِ.
"وَالْوَجْهُ الثاني": لا يقطع بسرقته, اختاره القاضي.
الثَّانِي" قَوْلُهُ: وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ عَبْدٍ صَغِيرٍ2 وَمَجْنُونٍ وَنَائِمٍ لَا مُكَاتَبٍ وَلَا حُرٍّ. وَقِيلَ: بَلَى مَعَ صِغَرِهِ أَوْ جُنُونِهِ, انْتَهَى.
الصَّوَابُ: أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ ذَكَرَهَا الْأَصْحَابُ, مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُقْنِعِ3 وَالْكَافِي4 وَالْمُغْنِي5 وَالْمُحَرَّرِ وَالْبُلْغَةِ والنظم والرعايتين وغيرهم.
__________
1 "12/423".
2 في "ص" "ضعيف".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/477".
4 "12/422".
5 "5/352".(10/132)
بِهِ فَفِيهِ وَفِي أُمِّ وَلَدٍ وَجْهَانِ "م 6, 7" وَفِي الْمُغْنِي1 وَالتَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِمَا: لَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ عَبْدٍ مُمَيِّزٍ. وَفِي الْكَافِي2: وَلَا كَبِيرٍ أَكْرَهُهُ, وَفِيهِ فِي3 التَّرْغِيبِ وَفِي عَبْدٍ نَائِمٍ وَسَكْرَان وَجْهَانِ.
وَإِنْ سَرَقَ إنَاءً فِيهِ خَمْرٌ أَوْ مَاءٌ وَلَمْ يُقْطَعْ بِمَاءٍ, أَوْ صَلِيبًا أَوْ صَنَمِ نَقْدٍ لَمْ يُقْطَعْ, خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ. وَيُقْطَعُ بِإِنَاءِ نَقْدٍ أَوْ دَرَاهِمَ بِهَا تَمَاثِيلُ. وَقِيلَ: وَلَمْ يَقْصِدْ إنْكَارًا, لَا بِآلَةِ لَهْوٍ وَكُتُبِ بِدَعٍ وَتَصَاوِيرَ وَمُحَرَّمٍ كَخَمْرٍ, وَعَنْهُ: وَلَمْ يَقْصِدْ سَرِقَةً4. وَفِي التَّرْغِيبِ مِثْلُهُ فِي إنَاءِ نقد. وفي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 6 و 7" قَوْلُهُ: فَعَلَى الْأُولَى إنْ كَانَ عَلَيْهِ حُلِيٌّ, وَقَالَ جَمَاعَةٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَفِي أُمِّ وَلَدٍ وَجْهَانِ ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ:
"الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 6" إذَا سَرَقَ حُرًّا صَغِيرًا وَقُلْنَا: لَا يُقْطَعُ بِهِ وَعَلَيْهِ حُلِيٌّ فَهَلْ يُقْطَعُ بِهِ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي5 وَالْمُقْنِعِ6 وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ.
"أَحَدُهُمَا" لَا يُقْطَعُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, اخْتَارَهُ الشَّيْخُ الموفق والشارح, وقدمه ابن رزين
__________
1 "12/422 – 423".
2 "5/350".
3 ليست في "ط".
4 في "ر" "سرقته".
5 "5/350 – 351".
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/480".(10/133)
الْفُصُولِ فِي قُضْبَانِ الْخَيْزُرَانِ وَمَخَادِّ الْجُلُودِ الْمُعَدَّةِ لِتَغْيِيرِ1 الصُّوفِيَّةِ يُحْتَمَلُ, كَآلَةِ لَهْوٍ وَيُحْتَمَلُ الْقَطْعُ وَضَمَانُهَا.
وَنِصَابُهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ خَالِصَةٌ2 وَمَغْشُوشَةٌ, قَالَهُ شَيْخُنَا, أَوْ رُبْعُ دِينَارٍ أَوْ مَا قِيمَتُهُ, كَأَحَدِهِمَا, وَعَنْهُ: كَالدَّرَاهِمِ, اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ 3الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ3. وَفِي الْمُبْهِجِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ, وعنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
فِي شَرْحِهِ, وَقَطَعَ بِهِ فِي الْفُصُولِ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" يُقْطَعُ, قَالَ فِي الْمَذْهَبِ: قَطَعَ, فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ, وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ, وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ, وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ.
"الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 7" هَلْ يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ أُمِّ الْوَلَدِ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ, وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُغْنِي4 وَالْكَافِي5 وَالشَّرْحِ6, قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ سَرَقَ أُمَّ وَلَدٍ مَجْنُونَةً7 أَوْ نَائِمَةً قُطِعَ, وَإِنْ سَرَقَهَا كَرْهًا فَوَجْهَانِ.
"أَحَدُهُمَا" لَا يُقْطَعُ, قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ, وَهُوَ الصَّوَابُ, لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُهَا وَلَا نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهَا, فأشبهت الحرة.
__________
1 في "ط" "التعيير" والمغبرة قوم يغبرون بذكر الله أي يهللون ويرددون الصوت بالقراءة وغيرها القاموس "غبر".
2 في "ط" "خاصة".
3 3 ليست في الأصل.
4 "12/422 – 423".
5 "5/350 -351".
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/478".
7 في "ط" "مجنة".(10/134)
ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ أَوْ قِيمَتُهَا, وَفِي تَكْمِيلِهِ بِضَمِّ من1 النَّقْدَيْنِ وَجْهَانِ "م 8".
وَيَكْفِي تِبْرٌ فِي الْمَنْصُوصِ. وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ النِّصَابِ حَالَ إخْرَاجِهِ مِنْ حِرْزٍ, فَلَوْ أَتْلَفَهُ فِيهِ بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ ذَبْحٍ فِيهِ كَبْشًا قِيمَتُهُ نِصَابٌ فَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ أو قلنا هو ميتة لم يقطع وَلَوْ نَقَصَتْ بَعْدَ إخْرَاجِهِ قُطِعَ. وَكَذَا لَوْ مَلَكَهُ سَارِقُهُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ, وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ أَحْمَدَ. وَفِي الْخِرَقِيِّ وَالْإِيضَاحِ وَالْمُغْنِي2: يَسْقُطُ قَبْلَ التَّرَافُعِ "م 9"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" يُقْطَعُ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ تُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ, فأشبهت القن.
مَسْأَلَةٌ 8" قَوْلُهُ "وَفِي تَكْمِيلِهِ بِضَمٍّ مِنْ النَّقْدَيْنِ وَجْهَانِ" انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ.
"أَحَدُهُمَا" يُكْمِلُ النِّصَابَ بِضَمِّ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ إلَى الْآخَرِ إنْ جَعَلَا أَصْلَيْنِ, قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ, وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. "قُلْت" وَهُوَ الصَّوَابُ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" لَا يَضُمُّ قَالَ شَارِحُ الْمُحَرَّرِ: أَصْلُ الْخِلَافِ الْخِلَافُ فِي الضَّمِّ فِي الزَّكَاةِ, انْتَهَى. "قُلْت" الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يُقْطَعُ هُنَا بِالضَّمِّ وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِهِ في الزكاة, والله أعلم.
مَسْأَلَةٌ 9" قَوْلُهُ: "وَكَذَا لَوْ مَلَكَهُ سَارِقُهُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ3 جَمَاعَةٌ وَابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ أَحْمَدَ. وَفِي الْخِرَقِيِّ وَالْإِيضَاحِ وَالْمُغْنِي2: يَسْقُطُ قَبْلَ التَّرَافُعِ" انْتَهَى. يَعْنِي لَوْ مَلَكَهُ بَعْدَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ وَقَبْلَ التَّرَافُعِ هَلْ يمتنع القطع أم لا.
__________
1 ليست في "ط".
2 "12/452".
3 بعدها في "ط" "في".(10/135)
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إذَا رَفَعَ إلَيْهِ لَمْ يَبْقَ لِرَافِعِهِ عَفْوٌ, وَظَاهِرُ الْوَاضِحِ وَغَيْرِهِ: قَبْلَ الْحُكْمِ, قَالَ أَحْمَدُ: تُدْرَأُ الْحُدُودُ بِالشُّبُهَاتِ. فَإِذَا صَارَ إلَى السُّلْطَانِ وَصَحَّ عِنْدَهُ1 الْأَمْرُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الِاعْتِرَافِ وَجَبَ عَلَيْهِ إقَامَتُهُ عِنْدَ ذَلِكَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"أَحَدُهُمَا" يَمْتَنِعُ الْقَطْعُ وَيَسْقُطُ قَبْلَ التَّرَافُعِ, 2وَهُوَ الصَّحِيحُ2, جَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ وَالْعُمْدَةِ وَالنَّظْمِ, وشرح ابن رزين والمغني3 و4الشَّرْحِ5 فَقَالَا: يَسْقُطُ قَبْلَ التَّرَافُعِ إلَى الْحَاكِمِ وَالْمُطَالَبَةُ بِهِ عِنْدَهُ, وَقَالَا: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي6 وَالْمُقْنِعِ7 وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ, وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" لَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ, جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ, وَذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ أَحْمَدَ, قَالَ الْمُصَنِّفُ7: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ, وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ.
"تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ الْمُصَنِّفِ: "وَفِي الْخِرَقِيِّ وَالْإِيضَاحِ وَالْمُغْنِي يَسْقُطُ قَبْلَ التَّرَافُعِ", انْتَهَى.
لَيْسَ كَمَا قَالَ عَنْ الْخِرَقِيِّ فَإِنَّ كَلَامَهُ كَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَيُقْطَعُ السَّارِقُ وَإِنْ وَهَبْت لَهُ السَّرِقَةَ بَعْدَ إخْرَاجِهِ, بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ الْقَطْعُ, سَوَاءٌ كَانَ قبل الترافع أو بعده, وأما
__________
1 في "ر" "عنه".
2 2ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
3 "12/452".
4 ليست في "ط".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/498".
6 "5/363".
7 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/496" وينظر كلام صاحب الإنصاف وما نقله عن ابن منجا "26/497".(10/136)
وَيَشْفَعُ الرَّجُلُ فِي حَدٍّ دُونَ السُّلْطَانِ, وَيَسْتُرُ عَلَى أَخِيهِ وَلَا يَرْفَعُ عَنْهُ الشَّفَاعَةَ, فَلَعَلَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَتُوبُ عَلَيْهِ.
وَإِنْ سَرَقَ فَرْدَ خُفٍّ قِيمَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا دِرْهَمَانِ وَمَعًا عَشْرَةٌ غَرِمَ ثَمَانِيَةً, الْمُتْلَفُ وَنَقْصُ التَّفْرِقَةِ, وَقِيلَ: دِرْهَمَيْنِ وَلَا قَطْعَ, وَكَذَا جُزْءًا مِنْ كِتَابٍ, ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ وَنَظَائِرِهِ, وَضَمَانُ مَا فِي وَثِيقَةٍ أَتْلَفَهَا إنْ تَعَذَّرَ يَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُهُ عَلَيْهِمَا.
وَيُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ مِنْدِيلًا بِطَرَفِهِ دِينَارٌ مَشْدُودٌ يَعْلَمُهُ, وَقِيلَ: أَوْ يَجْهَلُهُ, صَحَّحَهُ فِي الْمَذْهَبِ, كَجَهْلِهِ قِيمَتَهُ. وَيُقْطَعُ سَارِقُ نِصَابٍ1 لِجَمَاعَةٍ, عَلَى الْأَصَحِّ.
وَإِنْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي نِصَابِ قُطِعُوا مطلقا, وعنه: يقطع من أخرج
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
صَاحِبُ الْإِيضَاحِ فَإِنَّ مَفْهُومَ كَلَامِهِ فِيهِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِذَا وَهَبَ لَهُ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ نَظَرَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَنْ بَلَغَ الْإِمَامَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْقَطْعُ, فَلَمْ يُصَرِّحْ بِمَا قَالَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ مفهومه.
__________
1 ليست في الأصل.(10/137)
نِصَابًا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ, وَقِيلَ: إنْ لَمْ يُقْطَعْ بَعْضُهُمْ لِشُبْهَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا قَطْعَ وَإِنْ هَتَكَا حِرْزًا وَدَخَلَاهُ فَأَخْرَجَ أَحَدُهُمَا الْمَالَ أَوْ دَخَلَ أَحَدُهُمَا فَقَرَّبَهُ مِنْ النَّقْبِ 1وَأَدْخَلَ الْآخَرُ يَدَهُ فَأَخْرَجَهُ قَطْعًا, وَكَذَا إنْ وَضَعَهُ وَسَطَ النَّقْبِ1 فَأَخَذَهُ الْخَارِجُ, وَفِيهِ فِي التَّرْغِيبِ وَجْهَانِ, وَإِنْ رَمَاهُ الدَّاخِلُ خَارِجًا أَوْ نَاوَلَهُ فَأَخَذَهُ الْآخَرُ أَوَّلًا, أَوْ أَعَادَهُ فِيهِ أَحَدُهُمَا قُطِعَ الدَّاخِلُ وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهٌ: هُمَا, وَإِنْ نَقَبَ أَحَدُهُمَا وَدَخَلَ الْآخَرُ فَأَخْرَجَهُ, فَإِنْ تَوَاطَآ فَفِي قطعهما وجهان وإلا فلا قطع "م 10".
__________
1 1 ليست في "ر".(10/138)
فَصْلٌ: مَنْ دَخَلَ حِرْزًا فَبَلَعَ 2جَوْهَرَةً وَخَرَجَ
فقيل: يقطع, وقيل: إن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 10" قَوْلُهُ "وَإِنْ نَقَبَ أَحَدُهُمَا وَدَخَلَ الْآخَرُ فَأَخْرَجَهُ فَإِنْ تَوَاطَآ فَفِي قَطْعِهِمَا وَجْهَانِ وَإِلَّا فَلَا" انْتَهَى.
"أَحَدُهُمَا" لَا قَطْعَ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ, قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ, وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي3 وَالْمُقْنِعِ4 وَالشَّرْحِ4 وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ.
"الْوَجْهُ الثَّانِي" يُقْطَعُ, جَزَمَ بِهِ فِي5 الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ, وصححه في النظم وغيره, وهو الصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
2 في "ط" "فبلغ".
3 "5/363".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/506".
5 ليست في "ط".(10/138)
خَرَجَتْ, وَقِيلَ: لَا "م 11" وَيُقْطَعُ إنْ 1رَمَى بِهِ1 خَارِجًا أَوْ جَذَبَهُ بِشَيْءٍ, وَكَذَا إنْ أَمَرَ آدَمِيًّا غَيْرَ مُكَلَّفٍ بِإِخْرَاجِهِ أَوْ تَرَكَهُ عَلَى دَابَّةٍ, وَقِيلَ: وَسَاقَهَا أَوْ مَاءٍ جَارٍ, وقيل: راكد فانفتح فأخرجوه أو2 عَلَى جِدَارٍ فَأَخْرَجَتْهُ رِيحٌ, أَوْ اسْتَتْبَعَ سَخْلَ شَاةٍ, وَقِيلَ: أَوْ تَبِعَهَا. وَالْأَصَحُّ: أَوْ تَطَيَّبَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 11 " قَوْلُهُ: "وَمَنْ دَخَلَ حِرْزًا فَبَلَعَ جَوْهَرَةً فَقِيلَ: يُقْطَعُ, وَقِيلَ: إنْ خَرَجَتْ, وَقِيلَ: لَا", انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيّ.
"أَحَدُهُمَا" يُقْطَعُ مُطْلَقًا, وَهُوَ الصَّحِيحُ, جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ والمستوعب وَالْمُقْنِعِ3 وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" لَا يُقْطَعُ مُطْلَقًا, وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي4 وَالشَّرْحِ3.
"وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ" إنْ خَرَجَتْ قُطِعَ وَإِلَّا فَلَا, لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ فِي الْحِرْزِ, وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. "قُلْت" إتْلَافُهُ فِي الْحِرْزِ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ, بَلْ فَعَلَ فِيهِ مَا هُوَ سَبَبٌ فِي الْإِتْلَافِ إنْ وُجِدَ, وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَتْلَفُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ, قَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: فَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ, وَإِنْ خَرَجَتْ فَوَجْهَانِ, وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ: إنْ لَمْ تَخْرُجْ فَلَا قَطْعَ, وَإِنْ خَرَجَتْ فَقَدَّمَ أَنَّهُ يُقْطَعُ, كما تقدم.
__________
1 1 في "ر" "رماه".
2 ليست في "ط".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/509 – 910".
4 "12/436".(10/139)
1فيه وخرج ريح2. وَالْأَصَحُّ1: وَلَوْ اجْتَمَعَ بَلَغَ نِصَابًا, أَوْ هَتَكَ الحرز وأخذ المال وَقْتًا آخَرَ, أَوْ أَخَذَ بَعْضَهُ ثُمَّ أَخَذَ بَقِيَّتَهُ وَقَرُبَ مَا بَيْنَهُمَا, وَقِيلَ: أَوْ بَعُدَ. قَدَّمَهُ فِي التَّرْغِيبِ. قَالَ: وَإِنْ عَلِمَ الْمَالِكُ بِهِ وَأَهْمَلَهُ فَلَا قَطْعَ هُنَا3. قَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا يَبْنِي فِعْلَهُ كَمَا يَبْنِي عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ, وَاخْتَارَهُ فِي الِانْتِصَارِ إنْ عَادَ4 غَدًا وَلَمْ يَكُنْ رَدَّ الْحِرْزَ فَأَخَذَ بَقِيَّتَهُ, سَلَّمَهُ الْقَاضِي لِكَوْنِ سَرِقَتِهِ الثَّانِيَةِ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ.
وَلَوْ أَخْرَجَ بَعْضَ ثَوْبٍ قِيمَتُهُ نِصَابٌ قُطِعَ إنْ قَطَعَهُ, وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ فَتَحَ أَسْفَلَ كُوَّارَةٍ5 فَخَرَجَ الْعَسَلُ شَيْئًا فَشَيْئًا قُطِعَ, وَلَوْ عَلَّمَ قِرْدًا السَّرِقَةَ فَالْغُرْمُ فَقَطْ, ذَكَرَهُ أَبُو الْوَفَاءِ وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ. وَإِنْ أَخْرَجَهُ إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"تَنْبِيهٌ" يُحْتَمَلُ أَنَّ الْخِلَافَ الْمُطْلَقَ فِي كَوْنِهِ يُقْطَعُ مُطْلَقًا أَوْ لَا يُقْطَعُ مُطْلَقًا, وَأَمَّا الْقَوْلُ بِالْقَطْعِ إذَا خَرَجَتْ وَعَدَمِهِ إنْ لَمْ تَخْرُجْ فَهُوَ مُفْزِعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْقَطْعِ, وَقَدَّمَ الْقَطْعَ مُطْلَقًا بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّفْرِقَةِ, وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْخِلَافَ الْمُطْلَقَ فِي الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ عبارته.
__________
1 1ليست في الأصل.
2 ليست في "ط".
3 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
4 في "ط" "عبد".
5 قال في المطلع "228" الكوارات: بضم الكاف جمع كوارة وهي ما عسل فيها النحل وهي الخلية أيضا وقيل: الكوارة من الطين والخلية من الخشب.(10/140)
سَاحَةِ دَارٍ مِنْ بَيْتٍ مُغْلَقٍ مِنْهَا قُطِعَ. وَعَنْهُ: إنْ كَانَ بَابُهَا مُغْلَقًا فَلَا. وَفِي الترغيب: إن فتح بابها فوجهان.
وَحِرْزُ الْمَالِ مَا حُفِظَ فِيهِ عَادَةً, وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَالِ وَالْبَلَدِ وَعَدْلِ السُّلْطَانِ وَقُوَّتِهِ وَضِدِّهِمَا. فَحِرْزُ نَقْدٍ وَجَوْهَرٍ وَقُمَاشٍ فِي الْعُمْرَانِ فِي دَارٍ وَدُكَّانٍ وَرَاءَ غَلْقٍ وَثِيقٍ. وَفِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ: فِي قُمَاشٍ غَلِيظٍ وَرَاءَ غَلْقٍ. وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ: مَا جُعِلَ لِلسُّكْنَى وَحِفْظِ الْمَتَاعِ كَالدُّورِ وَالْخِيَامِ حِرْزٌ, سَوَاءٌ سَرَقَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مَفْتُوحُ الْبَابِ أَوْ لَا بَابَ لَهُ إلَّا أَنَّهُ مَحْجَرٌ لِلْبِنَاءِ1.
وَالصُّنْدُوقُ بِسَوْقِ حِرْزٍ وَثَمَّ حَارِسٌ, وَقِيلَ: أَوْ لَا. وَحِرْزُ بَقْلٍ وَقُدُورُ بَاقِلَّا وَطَبِيخٌ وَخَزَفٌ وَثَمَّ الْحَارِسُ2 وَرَاءَ الشَّرَائِحِ3.
وَحِرْزُ خَشَبٍ وَحَطَبِ الْحَظَائِرِ4. وَفِي التَّبْصِرَةِ: حِرْزُ حَطَبٍ تَعْبِيَتُهُ وَرَبْطُهُ بِالْحِبَالِ وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ. وَالسُّفُنُ فِي الشَّطِّ بِرَبْطِهَا. وَالْمَاشِيَةُ الصَّيِّرُ5, وَفِي الْمَرْعَى بِرَاعٍ يَرَاهَا غَالِبًا وَإِبِلٌ بَارِكَةٌ مَعْقُولَةٌ بِحَافِظٍ حَتَّى نَائِمٍ, وَحُمُولَتُهَا بِسَائِقٍ يَرَاهَا أَوْ بِتَقْطِيرِهَا وَقَائِدٍ يَرَاهَا, وَفِي التَّرْغِيبِ: بِقَائِدٍ يَكْثُرُ الْتِفَاتُهُ وَيَرَاهَا إذَنْ إلا الأول 6محرز بقوده6,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط" "للبناء".
2 في "ط" "الحارث".
3 في "ط" "الشرائع".
4 الحظائر: جمع حظيرة وهي: ما أحاط بالشيء وتكون من قصب وخشب اللسان "حظر".
5 الصير: جمع صيرة وهي: حظير الغنم المصباح "صير".
6 6 في "ر" "فإنه بحرز يقوده".(10/141)
وَالْحَافِظُ الرَّاكِبُ فِيمَا وَرَاءَهُ كَقَائِدٍ.
وَالْبُيُوتُ بِالصَّحْرَاءِ وَالْبَسَاتِينِ بِمُلَاحَظٍ, فَإِنْ كَانَتْ مُغْلَقَةً أَبْوَابُهَا فَبِنَائِمٍ, وَكَذَا خَيْمَةٌ وخَرْكَاهُ1 وَنَحْوُهُمَا, قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هَذَا مِنْ أَصْحَابِنَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ نَائِمٌ عَلَى الرَّحْلِ, وَإِلَّا بِمُلَاحَظٍ, وَاخْتَارَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَحِرْزُ ثِيَابٍ فِي حَمَّامٍ وَأَعْدَالٍ وَغَزْلٍ فِي سُوقٍ أَوْ خَانٍ وَمَا كَانَ مُشْتَرَكًا فِي الدُّخُولِ إلَيْهِ بِحَافِظٍ, كَقُعُودِهِ عَلَى الْمَتَاعِ. وَعَنْهُ: لَا, اخْتَارَهُ الشَّيْخُ.
وَإِنْ فَرَّطَ فِي الْحِفْظِ فَنَامَ أَوْ اشْتَغَلَ فَلَا قَطْعَ. وَيَضْمَنُ. وَفِي الترغيب: إن استحفظه ربه صريحا, وفيه: و2لا تَبْطُلُ الْمُلَاحَظَةُ بِفَتَرَاتٍ وَإِعْرَاضٍ يَسِيرٍ, بَلْ بِتَرْكِهِ وَرَاءَهُ.
وَحِرْزُ كَفَنٍ فِي قَبْرٍ بِمَيِّتٍ, فَلَوْ نَبَشَهُ وَأَخَذَ كَفَنًا مَشْرُوعًا قُطِعَ عَلَى الْأَصَحِّ. وَفِي الْوَاضِحِ مِنْ مَقْبَرَةٍ مَصُونَةٍ بِقُرْبِ الْبَلَدِ, وَلَمْ يَقُلْ فِي التَّبْصِرَةِ: "مَصُونَةٍ", وَفِي كَوْنِهِ مِلْكًا لَهُ أَوْ لِوَارِثِهِ فِيهِ وَجْهَانِ "م 12"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 12 " قَوْلُهُ: "وَفِي كَوْنِهِ مِلْكًا لَهُ أَوْ لِوَارِثِهِ فِيهِ وَجْهَانِ" انْتَهَى, يَعْنِي بِهِ الْكَفَنَ إذَا سُرِقَ.
"أَحَدُهُمَا": هُوَ مِلْكٌ لِلْمَيِّتِ, وَهُوَ الصَّحِيحُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي3 وَالشَّرْحِ4, وَالْفَائِقِ في الجنائز فقال: لو كفن فعدم5 الْمَيِّتَ فَالْكَفَنُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ تُقْضَى مِنْهُ
__________
1 هي الخيمة الكبيرو وتطلق على سرادق الملوك والوزراء الألفاظ الفارسية المعربة ص "53 – 54".
2 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
3 "12/455".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/524".
5 في "ط" "فقدم".(10/142)
وَعَلَيْهِمَا: هُوَ خَصْمُهُ, وَقِيلَ: نَائِبُ إمَامٍ1 كَعَدَمِهِ, وَلَوْ كَفَّنَهُ أَجْنَبِيٌّ, وَقِيلَ: هُوَ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَقِيلَ: لِمَا لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ أَهْلًا لِلْمِلْكِ وَوَارِثُهُ لَا يَمْلِكُ إبْدَالَهُ وَالتَّصَرُّفَ فِيهِ إذَا لَمْ يَخْلُفْ غَيْرَهُ أَوْ عَيَّنَهُ بِوَصِيَّةٍ تَعَيَّنَ كَوْنُهُ حَقًّا لِلَّهِ. 2وَفِي الِانْتِصَارِ2: وَثَوْبٌ رَابِعٌ وَخَامِسٌ مِثْلُهُ, كَطِيبٍ, وَفِيهِ فِي التَّرْغِيبِ: وَرَابِعٌ وَخَامِسٌ وَجْهَانِ.
وَحِرْزُ بَابٍ تَرْكِيبُهُ فِي موضعه وقيل: لا يقطع مسلم بسرقة3 باب4 مَسْجِدٍ كَحُصُرِهِ وَنَحْوِهَا, فِي الْأَصَحِّ, وَتَأْزِيرُهُ وَجِدَارُهُ وَسَقْفُهُ كَبَابِهِ, وَيُقْطَعُ بِهِ مِنْ آدَمِيٍّ, وَبِحَلْقَةِ بَابِ دَارِهِ. وَفِي التَّرْغِيبِ: حِرْزُ بَابِ بَيْتٍ أَوْ خِزَانَةٍ بِغَلْقِهِ أَوْ غَلْقِ5 بَابِ الدَّارِ عَلَيْهِ, وَفِي سِتَارَةِ الْكَعْبَةِ الْخَارِجَةِ الْمَخِيطَةِ رِوَايَتَانِ, وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: لَا, قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ "م 13" وإن نام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
ديونه, انتهى.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي": هُوَ مِلْكٌ لِلْوَرَثَةِ, قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِذَا أَكَلَهُ ضَبُعٌ فَكَفَنُهُ إرْثٌ, وقاله ابن تميم أيضا انتهى3, وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ مِنْهُ وَزِيَادَةُ الثُّلُثِ فِي الْوَصِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ: لَوْ تَبَرَّعَ بِهِ أَجْنَبِيٌّ ثُمَّ أَكَلَ الْمَيِّتُ كَانَ لِلْأَجْنَبِيِّ دُونَ الْوَرَثَةِ, وَقَطْعًا بِذَلِكَ.
"مَسْأَلَةٌ 13" قَوْلُهُ: "وَفِي سِتَارَةِ الْكَعْبَةِ الْخَارِجَةِ الْمَخِيطَةِ رِوَايَتَانِ, وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: لَا, قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ" انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ.
"إحْدَاهُمَا": لَا يُقْطَعُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ
__________
1 ليست في الأصل.
2 2ليست في الأصل.
3 ليست في "ط".
4 في "ط" "بباب".
5 في "ط" "غلب".(10/143)
على ردائه فِي مَسْجِدٍ وَغَيْرِهِ أَوْ عَلَى مِجَرِّ1 فَرَسِهِ وَلَمْ يَزُلْ عَنْهُ أَوْ نَعْلُهُ فِي رِجْلِهِ قُطِعَ سَارِقُهُ. وَفِي التَّرْغِيبِ: لَوْ سُرِقَ مَرْكُوبُهُ مِنْ تَحْتِهِ فَلَا قَطْعَ, وَفِي الرِّعَايَةِ احْتِمَالٌ, وَإِنْ سَرَقَهُ بِمَالِكِهِ وَمَعَهُ نِصَابٌ فَالْوَجْهَانِ, وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ: مَا كَانَ حِرْزًا لِمَالٍ فَهُوَ حِرْزٌ لِآخَرَ, وَحَمَلَهُ أَبُو الْخَطَّابِ عَلَى قُوَّةِ سلطان2 وعدله.
__________
1 المجر كمرد: الجائز توضع عليه أطراف العوارض القاموس "جرر".
2 في "ر" و"ط" "سلطان".(10/144)
فَصْلٌ: وَيُقْطَعُ كُلُّ قَرِيبٍ بِسَرِقَةِ مَالِ قَرِيبِهِ إلَّا عَمُودَيْ نَسَبِهِ,
وَعَنْهُ إلَّا أَبَوَيْهِ وَإِنْ عَلَوْا, وَقِيلَ: إلَّا ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ, وَظَاهِرُ الْوَاضِحِ قَطْعُ غَيْرِ أَبٍ. وَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةٍ عبد3 مِنْ سَيِّدِهِ, نَصَّ عَلَيْهِ وَسَرِقَةِ سَيِّدٍ مِنْ مُكَاتَبِهِ, فَإِنْ مَلَكَ وَفَاءً فَيَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ, وَفِي الِانْتِصَارِ, فِيمَنْ وَارِثُهُ حُرٌّ: يُقْطَعُ وَلَا يُقْتَلُ بِهِ. وَمِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ لَهُ كَبَيْتِ الْمَالِ, نَصَّ عَلَيْهِ, قَالَ: لِأَنَّ لَهُ فِيهِ4 حَقًّا. وَغَنِيمَةٌ لَمْ تُخَمَّسْ أَوْ لِأَحَدٍ مِمَّنْ لَا يقطع بسرقته منه, كغنيمة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهَا فِي ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي5 وَالْكَافِي6 وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالشَّرْحِ7 وَغَيْرِهِمْ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ": يُقْطَعُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي, وَجَزَمَ بِهِ في المنور, وقدمه في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
3 ليست في الأصل و"ط".
4 ليست في "ر".
5 "12/432".
6 "5/355".
7 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/529".(10/144)
مخمسة. وفي المحرر: يقطع عبد مسلم بسرقته1 مِنْ بَيْتِ الْمَالِ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَمِثْلُهُ سَرِقَةُ عَبْدِ وَالِدٍ وَوَلَدٍ وَنَحْوِهِمَا. قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ سَرَقَ مِنْ امْرَأَةِ سَيِّدِهِ وَهُوَ يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُحَرِّزُوهُ عَنْهُ: لَمْ يُقْطَعْ. وَلَا يُقْطَعُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِسَرِقَتِهِ مِنْ مَالِهِ الْمُحَرَّزِ عَنْهُ, اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ كَمَنْعِهِ نَفَقَتَهَا فَتَأْخُذُهَا, قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ وَفِي الْمُغْنِي2 وَغَيْرِهِ: أَوْ أَكْثَرُ. وَعَنْهُ: بَلَى, كَحِرْزٍ مُنْفَرِدٍ3, قَالَهُ فِي التَّبْصِرَةِ, كَضَيْفِهِ وَصَدِيقِهِ وَعَبْدِهِ مِنْ امْرَأَتِهِ مِنْ مَالٍ مُحَرَّزٍ عَنْهُ وَلَمْ يَمْنَعْ الضَّيْفَ قُرَاهُ, حَمَلَ إطْلَاقَ أَحْمَدَ: لَا قَطْعَ عَلَى ضَيْفٍ, عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
وَيُقْطَعُ مُسْلِمٌ بِسَرِقَةِ مَالِ ذِمِّيٍّ وَمُسْتَأْمَنٍ, وَهُمَا بِسَرِقَةِ مَالِهِ كَقَوَدٍ وَحَدِّ قَذْفٍ, نَصَّ عَلَيْهِمَا, وَضَمَانُ مُتْلَفٍ. وَقِيلَ: لَا يُقْطَعُ مُسْتَأْمَنٌ, كَحَدِّ خَمْرٍ وَزِنَى, نَصَّ عَلَيْهِ, بِغَيْرِ مُسْلِمَةٍ, وَسَوَّى فِي الْمُنْتَخَبِ بَيْنَهُمَا فِي عَدَمِ القطع, 4ويقطع كل منهما 5بسرقة بِمَالِ5 الْآخَرِ4.
وَمَنْ سَرَقَ نِصَابًا وَادَّعَاهُ لَهُ أَوْ بَعْضَهُ لَمْ يُقْطَعْ, الْأَكْثَرُ. وَعَنْهُ: بَلَى, بِيَمِينِهِ. وَعَنْهُ: يُقْطَعُ مَعْرُوفٌ بِسَرِقَةٍ, اخْتَارَهُ6 فِي التَّرْغِيبِ, وَكَذَا دَعْوَاهُ إذْنَهُ فِي دُخُولِهِ, وَفِي المحرر: يقطع. نقل ابن منصور: لو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الرعايتين والحاوي الصغير.
__________
1 في "ط" "بسرقة".
2 "12/461".
3 في "ط" "منفرد".
4 4 ليست في الأصل.
5 5 في "ط" "بمال".
6 ليست في "ط".(10/145)
شَهِدَ عَلَيْهِ, فَقَالَ: أَمَرَنِي رَبُّ الدَّارِ أَنْ أُخْرِجَهُ, لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ, وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي1 حد زنا, وذكر القاضي وغيره: لا2 يُحَدَّ.
وَمَنْ سُرِقَ أَوْ غُصِبَ مَالُهُ فَسَرَقَ مَالَهُمَا مَعَ مَالِهِ مِنْ حِرْزٍ وَاحِدٍ لَمْ يُقْطَعْ, وَقِيلَ: بَلَى, إنْ تَمَيَّزَ, وَإِنْ سَرَقَ مَالَهُمَا مِنْ حِرْزٍ آخَرَ وَمِمَّنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ قُطِعَ, وَقِيلَ: وَلَوْ أَخَذَ قَدْرَ حَقِّهِ لِعَجْزِهِ.
وَمَنْ سَرَقَ عَيْنًا فَقُطِعَ ثُمَّ سَرَقَهَا أَوْ آجَرَ أَوْ أَعَارَ دَارِهِ فَسَرَقَ مِنْهَا مَالَ مُسْتَأْجِرٍ أَوْ مُسْتَعِيرٍ قُطِعَ. وَفِي التَّرْغِيبِ احْتِمَالٌ إنْ قَصَدَ بِدُخُولِهِ الرُّجُوعَ, قَالَ فِي الْفُنُونِ: لَهُ الرُّجُوعُ بِقَوْلٍ لَا بِسَرِقَةٍ, عَلَى أنه يبطل بما إذا أعاره ثوبا وسرق3 ضمنه شيئا, ولا فرق.
__________
1 ليست في النسخ.
2 في "ط" "لم".
3 في "ط" "سرقه".(10/146)
فَصْلٌ: وَإِذَا وَجَبَ4 الْقَطْعُ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى مِنْ مِفْصَلِ كَفِّهِ.
وَيَجِبُ, ذَكَرَ الشَّيْخُ: يُسْتَحَبُّ حَسْمُهَا بِغَمْسِهَا فِي زَيْتٍ مَغْلِيٍّ. قَالَ أَحْمَدُ: قَطَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ بِهِ فَحَسَمَ5, وَهُوَ وَأُجْرَةُ قَاطِعٍ مِنْ مَالِهِ, وقيل: من بيت المال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
4 في الأصل "أوجب".
5 أخرجه الدارقطني في سننه "3/101" والبيهقي في السنن الكبرى "8/271" عن ابي هريرة.(10/146)
وَيُسْتَحَبُّ تَعْلِيقُ يَدِهِ فِي عُنُقِهِ, زَادَ فِي الْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَةِ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ رَآهُ إمَامٌ.
وَإِنْ عَادَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى مِنْ مِفْصَلِ كَعْبِهِ يُتْرَكُ عَقِبُهُ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَحُسِمَتْ, فَإِنْ عَادَ فَعَنْهُ: يَجِبُ قَطْعُ يَدِهِ الْيُسْرَى فِي الثَّالِثَةِ, وَرِجْلِهِ الْيُمْنَى فِي الرَّابِعَةِ, وَلَا تَقْرِيعَ فَيُقْطَعُ الْكُلُّ مُطْلَقًا.
وَالْمَذْهَبُ: يَحْرُمُ قَطْعُهُ, فَيُحْبَسُ1 حَتَّى يَتُوبَ, كَالْمَرَّةِ الْخَامِسَةِ. وَفِي الْإِيضَاحِ: يُعَذَّبُ. وَفِي التَّبْصِرَةِ: أَوْ يُغَرَّبُ, وَفِي الْبُلْغَةِ: يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: جِيءَ بِسَارِقٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "اُقْتُلُوهُ" فَقَالُوا: إنَّمَا سَرَقَ, فَقَالَ: "اقْطَعُوهُ" , ثُمَّ جِيءَ بِهِ ثَانِيَةً فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ فَقَالُوا: إنَّمَا سَرَقَ فَقَالَ: "اقْطَعُوهُ" , ثُمَّ جِيءَ بِهِ ثَالِثَةً فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ فَقَالُوا: إنَّمَا سَرَقَ فَقَالَ "اقْطَعُوهُ" , ثُمَّ جِيءَ بِهِ رَابِعَةً فَقَالَ اُقْتُلُوهُ فَقَالُوا: إنَّمَا سَرَقَ فَقَالَ "اقْطَعُوهُ" , فَأَتَى بِهِ فِي الْخَامِسَةِ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ فَقَتَلُوهُ.
فَقَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ: مُصْعَبٌ ضَعِيفٌ, زَادَ أَحْمَدُ: لَمْ أَرَ النَّاسَ يَحْمَدُونَ حَدِيثَهُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ, رَوَى حَدِيثَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ2 وَقَالَ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَمُصْعَبُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ, وَقِيلَ هُوَ حَسَنٌ, وَقَتَلَهُ لِمَصْلَحَةٍ اقْتَضَتْهُ, وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ الْمَالِكِيُّ: يُقْتَلُ السَّارِقُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 فِي "ط" "فيحبس".
2 أخرجه أبو داود "4410" والنسائي في المجتبى "8/90 – 91".(10/147)
فِي الْخَامِسَةِ, وَقِيَاسُ قَوْلِ شَيْخِنَا إنَّهُ كَالشَّارِبِ فِي الرَّابِعَةِ يُقْتَلُ عِنْدَهُ إذَا لَمْ يَنْتَهِ بِدُونِهِ.
فَلَوْ سَرَقَ وَيَمِينُهُ أَوْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى ذَاهِبَةٌ قُطِعَ الْبَاقِي مِنْهُمَا, وَلَوْ كَانَ الذَّاهِبُ يَدَهُ الْيُسْرَى وَرِجْلَهُ الْيُمْنَى لَمْ يُقْطَعْ لِتَعْطِيلِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ وَذَهَابِ عُضْوَيْنِ مِنْ شِقٍّ, وَلَوْ كَانَ يَدُهُ الْيُسْرَى أَوْ يَدَيْهِ فَفِي قَطْعِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْعِلَّتَيْنِ "م 14" وَلَوْ كَانَ رِجْلَيْهِ أَوْ يُمْنَاهُمَا قُطِعَتْ يُمْنَى يَدَيْهِ, فِي الْأَصَحِّ.
وَمَنْ سَرَقَ وَلَهُ يَدٌ يُمْنَى فَذَهَبَتْ هِيَ أَوْ يُسْرَى يَدَيْهِ فَقَطْ, أَوْ مَعَ رِجْلَيْهِ, أَوْ إحْدَاهُمَا, فَلَا قَطْعَ, لِتَعَلُّقِ الْقَطْعِ بِهَا, لِوُجُودِهَا, كَجِنَايَةٍ تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَتِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 14" قَوْلُهُ: "فَلَوْ سَرَقَ وَيَمِينُهُ أَوْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى ذَاهِبَةٌ قُطِعَ الْبَاقِي مِنْهُمَا, لَوْ كَانَ الذَّاهِبُ يَدَهُ الْيُسْرَى وَرِجْلَهُ الْيُمْنَى لَمْ يُقْطَعْ لِتَعْطِيلِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ وَذَهَابِ عُضْوَيْنِ مِنْ شِقٍّ, وَلَوْ كَانَ يَدُهُ الْيُسْرَى أَوْ يَدَيْهِ فَفِي قَطْعِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْعِلَّتَيْنِ" انْتَهَى.
"أَحَدُهُمَا" لَا قَطْعَ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, قَالَ فِي الْمُغْنِي1 وَالشَّارِحُ: فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ الْقَطْعُ, لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ بِالسَّرِقَةِ وَسُقُوطُ الْقَطْعِ عَنْ يَمِينِهِ لَا يَقْتَضِي قَطْعَ رِجْلِهِ, كَمَا لَوْ كَانَ الْمَقْطُوعُ يَمِينَهُ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي": يُقْطَعُ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ2 قَطْعُ يَمِينِهِ3 فَقُطِعَتْ رِجْلُهُ, كما لو كانت
__________
1 "12/448".
2 ليست في "ط".
3 في "ط" "بيمينه".(10/148)
فَمَاتَ; وَإِنْ ذَهَبَتْ رِجْلَاهُ أَوْ يُمْنَاهُمَا فَقِيلَ: يُقْطَعُ, كَذَهَابِ يُسْرَاهُمَا وَقِيلَ: لَا, لِذَهَابِ مَنْفَعَةِ المشي "م 15"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً.
"مَسْأَلَةٌ 15" قَوْلُهُ: وَمَنْ سَرَقَ وَلَهُ يَدٌ يُمْنَى فَذَهَبَتْ هِيَ أَوْ يُسْرَى يَدَيْهِ فَقَطْ أَوْ مَعَ رِجْلَيْهِ أَوْ إحْدَاهُمَا فَلَا قَطْعَ, لِتَعَلُّقِ الْقَطْعِ بِهَا, لِوُجُودِهَا, كَجِنَايَةٍ تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَتِهِ فَمَاتَ. وَإِنْ ذَهَبَتْ رِجْلَاهُ أَوْ يُمْنَاهُمَا فَقِيلَ يُقْطَعُ, كَذَهَابِ يُسْرَاهُمَا, وَقِيلَ: لَا,(10/149)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
لذهاب منفعة المشي" انتهى. 1وقال في الرعاية فإن كان أقطع الرجلين أو يمناهما فقط قطعت يمنى يديه عليهما يعني على الروايتين وقيل: بل على الثانية انتهى فقدم القطع1 2وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ
"إحْدَاهُمَا": يُقْطَعُ, وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ2 وَهُوَ الصَّوَابُ, وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَوَّاهُ الشَّيْخُ فِي بَحْثِهِ فِي الْمُغْنِي3 وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ.
"وَالْقَوْلُ الثَّانِي": لَا يُقْطَعُ لِمَا عَلَّلَهُ بِهِ, قَالَ4 الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي3: وَإِنْ كَانَتْ يَدَاهُ صَحِيحَتَيْنِ وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ أَوْ مَقْطُوعَةً فَلَا أَعْلَمُ فِيهَا قَوْلًا لِأَصْحَابِنَا وَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ.
"أَحَدُهُمَا" تُقْطَعُ يَمِينُهُ, لِأَنَّهُ سَارِقٌ لَهُ يُمْنَى فَقُطِعَتْ عَمَلًا بالكتاب والسنة, ولأنه سارق له يدان, 5فتقطع يمناه كما لو كانت المقطوع رجله.
والثاني: لا يقطع منه شيء5 لِأَنَّ قَطْعَ يُمْنَاهُ يُذْهِبُ مَنْفَعَةَ الْمَشْيِ مِنْ الرجلين. انتهى.
__________
1 1 ليست في "ص" و"ط".
2 2 ليست في "ح".
3 "12/448".
4 ليست في "ص".
5 5 ليست في "ط".(10/150)
وَالشَّلَّاءُ كَمَعْدُومَةٍ فِي رِوَايَةٍ وَفِي أُخْرَى كَسَالِمَةٍ إنْ أَمِنَ تَلَفَهُ بِقَطْعِهَا وَكَذَا مَا ذَهَبَ معظم نفعها كالأصابع فإن ذهبت خنصر و1
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ: "فِي الْقَوْلِ الثَّانِي, لِذَهَابِ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ", كَذَا فِي النُّسَخِ, وَلَعَلَّهُ لِذَهَابِ مَنْفَعَةِ الشِّقِّ, لِأَنَّ ذَهَابَ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِقَطْعِ الْيَدِ. وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِيهِ, وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَابَعَ الشَّيْخَ فِي الْمُغْنِي, فَإِنَّهُ عَلَّلَهُ بِذَلِكَ, كَمَا تَقَدَّمَ, وَيَكُونُ وَجْهُهُ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةٌ يَضْعُفُ مَشْيُهُ, لِأَنَّ الْيَدَ الْيُمْنَى تُعِينُ عَلَى الْمَشْيِ بِالِاتِّكَاءِ عَلَيْهَا وَغَيْرِهِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
"مَسْأَلَةٌ 16" قَوْلُهُ: "وَالشَّلَّاءُ كَمَعْدُومَةٍ فِي رِوَايَةٍ, وَفِي أُخْرَى كَسَالِمَةٍ", انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي2 وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ3 وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
"وَإِحْدَاهُمَا": هِيَ كَمَعْدُومَةٍ, فَلَا تُقْطَعُ, وَتُقْطَعُ رِجْلُهُ, قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي4 وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ, وَالنَّاظِمُ وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ, وَهُوَ الصَّوَابُ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ": هِيَ كَسَالِمَةٍ, فَيُجْزِئُ قَطْعُهُمَا مَعَ أَمْنِ تَلَفِهِ, قَطَعَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.
"مَسْأَلَةٌ 17" قَوْلُهُ: "وَكَذَا مَا ذَهَبَ مُعْظَمُ نَفْعِهَا كَالْأَصَابِعِ" يَعْنِي هَلْ يُجْزِئُ قَطْعُهَا أَمْ يَنْتَقِلُ5, أَطْلَقَ الْخِلَافَ, وَقَدْ عَلِمْت ذَلِكَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا, وَمَنْ صَحَّحَ وَقَدَّمَ, وَهَذِهِ كَذَلِكَ.
__________
1 في "ط" "أو".
2 "12/448".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/586".
4 "5/369".
5 في "ط" "يقتل".(10/151)
بِنْصَرٌ أَوْ وَاحِدَةٌ سِوَاهُمَا وَقِيلَ: الْإِبْهَامُ فَقَطْ فوجهان "م 18".
وَإِنْ وَجَبَ قَطْعُ يَمِينِهِ فَقَطَعَ قَاطِعٌ يَسَارَهُ بِلَا إذْنِهِ عَمْدًا فَالْقَوَدُ, وَإِلَّا الدِّيَةُ, وَاخْتَارَ1 الشَّيْخُ يُجْزِئُ وَلَا ضَمَانَ, وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الِانْتِصَارِ. وَأَنَّهُ يَحْتَمِلُ تَضْمِينَهُ نِصْفَ دِيَةٍ, وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ إنْ قُطِعَ دَهْشَةً أَوْ ظَنَّهَا تُجْزِئُ كَفَتْ وَلَا ضَمَانَ.
وَيَجْتَمِعُ الْقَطْعُ وَالضَّمَانُ, نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ, وَفِي الِانْتِصَارِ: يُحْتَمَلُ لَا غُرْمَ لِهَتْكِ حرز وتخريبه.
وَيُقْطَعُ عَلَى الْأَصَحِّ الطَّرَّارُ الَّذِي يَبُطُّ جَيْبًا أَوْ كُمًّا وَغَيْرَهُ وَيَأْخُذُ مِنْهُ, وَعَلَى الْأَصَحِّ: أَوْ بَعْدَ سُقُوطِهِ نِصَابًا مَعَ أَنَّ ذَلِكَ حِرْزٌ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: عَلَى الْأَصَحِّ, وَبَنَى فِي التَّرْغِيبِ الْقَطْعَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي كَوْنِهِ حرزا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مسألة 18" قوله: "فإن ذهب خنصر و2 بِنْصَرٌ أَوْ وَاحِدَةٌ سِوَاهُمَا, وَقِيلَ: الْإِبْهَامُ فَقَطْ فوجهان", انتهى.
"أَحَدُهُمَا": 3هِيَ كَالْمَعْدُومَةِ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي": هِيَ كَالصَّحِيحَةِ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي4 وَالشَّرْحِ5 وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ, وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمَا قطع به في المحرر3
__________
1 في "ط" "واختاره".
2 في "ط" "أو".
3 3 في "ح" "يجزئ قطعها وهو الصحبح وبه قطع في المغني والشرح وصححه في النظم والوجه الثاني: لا يجزئ.
4 "12/444".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/576".(10/152)
ويقطع جاحد عارية1, نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْجَمَاعَةُ, وَعَنْهُ: لَا, اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَابْنُ شَاقِلَا وَأَبُو الْخَطَّابِ وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمْ, كَوَدِيعَةٍ, ومنتهب ومختلس وغاصب ومن سرق ثمرا2 أَوْ كَثْرًا أَوْ مَاشِيَةً مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ أُضْعِفَتْ الْقِيمَةُ, اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَعَنْهُ: وَغَيْرُهُمَا, اخْتَارَهُ شيخنا, وقيل: يختص التمر3 والكثر4.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
5وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمْ, وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ.
"تَنْبِيهٌ" ذَهَبَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَجَمَاعَةٌ إلَى أَنَّ ذَهَابَ الْإِبْهَامِ كَذَهَابِ أُصْبُعَيْنِ, وَذَهَبَ صَاحِبُ الْمُغْنِي6 وَالشَّرْحِ7 وَابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ إلَى أَنَّهَا كَأُصْبُعٍ, وَهُوَ الصَّوَابُ, وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ, وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ فِي كَلَامِهِ نَقْصًا وَهُوَ لَفْظُهُ "إلَّا" وَتَقْدِيرُهُ: وَقِيلَ إلَّا الْإِبْهَامَ, يَعْنِي أَنَّهَا لَيْسَتْ مَحَلًّا لِلْخِلَافِ الْمُطْلَقِ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ, وَهِيَ طَرِيقَتُهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ5.
__________
1 في "ط" "العارية".
2 في "ط" "تمرا".
3 في "ط" "التمر".
4 الكثر بفتحتين الجمار ويقال: الطلع وسكون الثاء لغة.
5 5 في "ح" "يجزئ قطعها وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وصححه في النظم والوجه الثاني: لا يجزئ.
6 "12/444".
7 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "26/576".(10/153)
وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: وَكَذَا دُونَ نِصَابٍ مِنْ حِرْزٍ. سَأَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ عَمَّنْ يُعْفَى عَنْهُ حَدٌّ فِي سَرِقَةٍ؟ قَالَ: أَذْهَبُ إلَى حَدِيثِ عمرو1 إذَا دُرِئَ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْهُ أَضْعَفْت عَلَيْهِ الْغُرْمَ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِتَلْقِينِهِ الْإِنْكَارَ, وَأَطْلَقَ أَنَّهُ لَا قَطْعَ عَامَ مَجَاعَةِ غَلَاءٍ, وَأَنَّهُ يَرْوِي عَنْ عُمَرَ2, قَالَ جَمَاعَةٌ: مَا لَمْ يَبْذُلْ لَهُ وَلَوْ بِثَمَنٍ غَالٍ, وفي الترغيب: ما يحيي به نفسه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
3فَهَذِهِ ثَمَانِي عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي هَذَا الْبَابِ3
__________
1 في "ط" "عمر" والحديث أخرجه أبو داود "4390" والنسائي في المجتبى "8/85" وابن ماجه "2596" ولفظه: "ومن سرق شيئا منه بعد أن يؤويه الجرين وبلغ ثمن مجن فعليه القطع ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة.
2 أخرجه عبد الرزاق "18990".
3 3 ليست في "ط".(10/154)
باب حد قاطع الطريق
مدخل
...
بَابُ حَدِّ1 قَاطِعِ الطَّرِيقِ
وَهُوَ كُلُّ مُكَلَّفٍ مُلْتَزِمٍ, لِيَخْرُجَ الْحَرْبِيُّ, وَلَوْ أُنْثَى, يَعْرِضُ لِلنَّاسِ بِسِلَاحٍ, وَالْأَصَحُّ وَعَصَى وَحَجَرٍ. وَفِي الْبُلْغَةِ وَغَيْرِهَا وَجْهٌ: وَيَدٍ, فَيَغْصِبُهُ الْمَالَ مُجَاهَرَةً, اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ, وَقِيلَ: فِي صَحْرَاءَ, وَقِيلَ: وَمِصْرَ إنْ لَمْ يُغَثْ.
وَيُعْتَبَرُ ثُبُوتُهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ مَرَّتَيْنِ كَسَرِقَةٍ, ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ, وَالْحِرْزُ وَالنِّصَابُ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: فِي سُقُوطِهِ بِشُبْهَةٍ كَسَرِقَةٍ وَجْهَانِ, فَمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُقْتَلْ وَلَا أَخَذَ مَالًا نُفِيَ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ, وَقِيلَ: عَامًا فَلَا يَأْوِي بِبَلَدٍ, وَعَنْهُ: يُعَزَّرُ بِمَا يَرْدَعُهُ. وَفِي التَّبْصِرَةِ: هُمَا, وَعَنْهُ: يُحْبَسُ, وَفِي الْوَاضِحِ وَغَيْرِهِ رِوَايَةُ نَفْيِهِ طَلَبَهُ2, وَتُنْفَى الْجَمَاعَةُ مُتَفَرِّقَةً خلافا للتبصرة.
وَمَنْ أَخَذَ مَالًا وَلَمْ يَقْتُلْ قُطِعَتْ حَتْمًا يَدُهُ الْيُمْنَى ثُمَّ رِجْلُهُ الْيُسْرَى مُرَتَّبًا وُجُوبًا, ذَكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ, وَجَوَّزَهُ أَبُو الْخَطَّابِ, ثُمَّ أَوْجَبَهُ, لَكِنْ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ أَوْ الْمَوْجُودِ مِنْهُمَا, وَقِيلَ: الْمَوْجُودُ مَعَ يَدِهِ الْيُسْرَى فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ, وَحُسِمَتَا ثُمَّ خَلَّى. وَفِي الْبُلْغَةِ وَغَيْرِهَا: إنْ قُطِعَتْ يَمِينُهُ قَوَدًا وَاكْتَفَى بِرِجْلِهِ الْيُسْرَى فَفِي إمْهَالِهِ وَجْهَانِ, وَإِنْ قُطِعَتْ يُسْرَاهُ قَوَدًا وَقُلْنَا تُقْطَعُ يُمْنَاهُ لِسَرِقَةٍ أُمْهِلَ, وَإِنْ عَدِمَ يُسْرَى يَدَيْهِ قُطِعَتْ يُسْرَى رِجْلَيْهِ,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ر" "حكم".
2 أي طلب الإمام له ليقيم حد الله فيه. ينظر المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/28".(10/155)
وَيَتَخَرَّجُ: لَا, كَيُمْنَى يَدَيْهِ, فِي الْأَصَحِّ, وَلَا تُقْطَعُ بَقِيَّةُ أَرْبَعَةِ مُحَارِبٍ ثَانِيًا, فِي الْأَصَحِّ.
وَمَنْ قَتَلَ فَقَطْ1 قُتِلَ حَتْمًا, وَلَا أَثَرَ لِعَفْوِ وَلِيٍّ وَيُعَايَا بِهَا, وَقِيلَ: حَتْمًا إنْ قَتَلَهُ لِقَصْدِ مَالِهِ, وَقِيلَ: فِي غَيْرِ مُكَافَئٍ, وَفِي اعْتِبَارِ الْمُكَافَأَةِ دَيْنًا وَحُرِّيَّةً حَتَّى لَا يُقْتَلَ وَالِدٌ وَسَيِّدٌ بِمَعْصُومٍ رِوَايَتَانِ "م 1" وَعَنْهُ: وَيُصْلَبُ.
وَمَنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ ثم صلبه, وقيل: يصلب أولا حتى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 1" قَوْلُهُ: "وَفِي اعْتِبَارِ الْمُكَافَأَةِ دَيْنًا وَحُرِّيَّةً حَتَّى لَا يُقْتَلَ وَالِدٌ وَسَيِّدٌ بِمَعْصُومٍ رِوَايَتَانِ" انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي2 وَالْمُغْنِي3 وَالْمُقْنِعِ4 وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ4 وَغَيْرِهِمْ.
"إحْدَاهُمَا": يُقْتَلُ بِهِ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَقَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: يُقْتَلُ, عَلَى الْأَظْهَرِ, وَبِهِ قَطَعَ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ.
"وَالرِّوَايَةُ الثانية": لا يقتل, وقال الزركشي: هذا أمشى5 عَلَى قَاعِدَةِ الْمَذْهَبِ, وَاخْتَارَهُ الشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَالشِّيرَازِيُّ, وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ الْآدَمِيُّ فِي منوره ومنتخبه.
__________
1 ليست في الأصل.
2 "5/340".
3 "12/477".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/14".
5 في "ط" "شيء".(10/156)
يشتهر, وفي التبصرة. لا1 حتى يتمثل به ويتغتير2, وَقِيلَ: مُسَمَّى صَلْبٍ, وَعِنْدَ ابْنِ رَزِينٍ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ, وَعَنْهُ: وَيُقْطَعُ, اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ, وَفِي تَحَتُّمِ قَوَدٍ فِي طَرَفٍ رِوَايَتَانِ "م 2" ويحتمل سقوطه بتحتم قتله, وذكر بعضهم هَذَا الِاحْتِمَالَ فَقَالَ: يَحْتَمِلُ أَنْ تَسْقُطَ الْجِنَايَةُ إنْ قُلْنَا يَتَحَتَّمُ اسْتِيفَاؤُهَا, وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَسْقُطَ تَحَتُّمُ الْقَتْلِ إنْ قُلْنَا يَتَحَتَّمُ فِي الطَّرَفِ, وَهَذَا وَهْمَ, وَتَتَعَيَّنُ الدِّيَةُ لِقَوَدٍ لَزِمَهُ بَعْدَ مُحَارَبَتِهِ, كَتَقْدِيمِهَا3 بِسَبْقِهَا.
وَكَذَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ قَتْلِهِ, لِلْمُحَارَبَةِ, وَقِيلَ: وَيُصْلَبُ, والردء4 فيها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 2" قَوْلُهُ: "وَفِي تَحَتُّمِ قَوَدٍ فِي طَرَفٍ رِوَايَتَانِ", انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي5 والمقنع6 والمحرر وغيرهم.
"إحْدَاهُمَا": لَا يَتَحَتَّمُ اسْتِيفَاؤُهُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, صَحَّحَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَالنَّاظِمُ وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ وَغَيْرُهُمْ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِ, وَقَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ": يَتَحَتَّمُ, جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ, وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ, وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ, وَهُمَا وَجْهَانِ فِي الكافي7 والبلغة.
__________
1 ليست في الأصل و"ط".
2 في "ط" "يعتبر".
3 في النسخ "لتقديمها" والمثبت من "ط".
4 في "ط" "الردة" والردء: العون انظر القاموس المحيط "ردأ".
5 "5/340".
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/17".
7 "5/341".(10/157)
وَالطَّلِيعُ كَمُبَاشِرٍ, وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ السَّرِقَةَ كَذَلِكَ, فَرَدْءُ غَيْرِ مُكَلَّفٍ كَهُوَ, وَقِيلَ: يَضْمَنُ الْمَالَ آخِذُهُ, وَقِيلَ: قَرَارُهُ عَلَيْهِ. وَفِي الْإِرْشَادِ1: مَنْ قَاتَلَ اللُّصُوصَ وَقُتِلَ قُتِلَ2 الْقَاتِلُ فَقَطْ.
وَاخْتَارَ شَيْخُنَا الْآمِرُ كَرَدْءٍ, وَأَنَّهُ فِي السَّرِقَةِ كَذَلِكَ وَفِيهَا فِي الِانْتِصَارِ: الشَّرِكَةُ تَلْحَقُ غَيْرَ الْفَاعِلِ بِهِ, كَرَدْءٍ مَعَ مُبَاشِرٍ وَفِي الْمُفْرَدَاتِ إنَّمَا قَطَعَ3 جَمَاعَةٌ بِسَرِقَةِ نِصَابٍ لِلسَّعْيِ بِالْفَسَادِ, وَالْغَالِبُ من السعاة قطع الطريق والتلصص بالليل و4الْمُشَارَكَةُ بِأَعْوَانٍ, بَعْضٌ يُقَاتِلُ5 أَوْ يُحْمَلُ أَوْ يَكْثُرُ أَوْ يَنْقُلُ, فَقَتَلْنَا6 الْكُلَّ أَوْ قَطَعْنَاهُمْ حَسْمًا لِلْإِفْسَادِ, وَلَوْ طَلَعَ إلَيْهِمْ عَسْكَرٌ فَأَخَذُوا رَجُلًا لَيْسَ مِنْهُمْ فَغَرِمُوهُ فَلَهُ طَلَبُهُمْ بِهِ, إنْ سَاغَ أَخْذُهُ مِنْهُمْ, قَالَهُ شَيْخُنَا. وَإِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي تُحْضِرُ النِّسَاءَ لِلْقَتْلِ تُقْتَلُ, وَعَنْهُ: نَسْخُ آيَةِ الْمُحَارِبِينَ, وَأَنَّهُ كَغَيْرِهِ فِي الْحَدِّ إلَّا فِي قَطْعِ يَدِهِ وَرِجْلِهِ.
وَمَنْ تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ سَقَطَ حَقُّ اللَّهِ وَحَقُّ الآدمي إليه, وأطلق فِي الْمُبْهِجِ: فِي حَقِّ اللَّهِ رِوَايَتَيْنِ, وَهَذَا فيمن تحت حكمنا, وفي خارجي وباغ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ص "469".
2 ليست في "ط".
3 في "ر" "يقطع".
4ليست في "ط".
5 في "ط" "يقلات".
6 في "ر" و"ط" "فقلنا".(10/158)
وَمُرْتَدٍّ مُحَارَبٍ الْخِلَافُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ, وَقَالَهُ شَيْخُنَا, وَقِيلَ: تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ بِبَيِّنَةٍ, وَقِيلَ: وَقَرِينَةٍ. وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ الْكَافِرُ فَلَا يُؤْخَذُ شَيْءٌ فِي كُفْرِهِ "ع" وَيَسْقُطُ حَدُّ زِنًا وَشُرْبٍ وَسَرِقَةٍ بِتَوْبَتِهِ1, اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ, وَقِيلَ: وَصَلَاحُ عَمَلِهِ مُدَّةً قِيلَ: قَبْلَ تَوْبَتِهِ, وَقِيلَ: قَبْلَ الْقُدْرَةِ, وَقِيلَ: قبل إقامته "م 3".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 3 " قَوْلُهُ: "وَيَسْقُطُ حَدُّ زِنًا وَشُرْبٍ وَسَرِقَةٍ بِتَوْبَتِهِ, اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَقِيلَ: وَصَلَاحُ عَمَلِهِ مُدَّةً, قِيلَ: قَبْلَ تَوْبَتِهِ, وَقِيلَ: قَبْلَ الْقُدْرَةِ, وَقِيلَ: قَبْلَ إقَامَتِهِ", انْتَهَى.
يَعْنِي إذَا قُلْنَا يَسْقُطُ بتوبته2 فهل 3محل التوبة يَكُونُ3 مَحَلُّ التَّوْبَةِ قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَدِّ, أَوْ قَبْلَ الْقُدْرَةِ, أَوْ قَبْلَ إقَامَتِهِ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ.
"الْقَوْلُ الْأَوَّلُ": جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ, وَقَالَ النَّاظِمُ: وَمَنْ تَابَ مِنْ حَدٍّ سِوَاهُ قُبَيْلَ أَنْ يُوَطِّدَهُ قَاضٍ فَأَسْقَطَ بِأَوْكَدَ.
"وَالْقَوْلُ الثَّانِي": ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ.
"وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ": قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ فَقَالَا: وَفِي سُقُوطِ حَدِّ الزَّانِي وَالشَّارِبِ وَالسَّارِقِ وَالْقَاذِفِ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ, وَقِيلَ: قَبْلَ تَوْبَتِهِ رِوَايَتَانِ, انْتَهَى, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي4 وَالْمُقْنِعِ5 وَالْهَادِي وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي6 وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا, انتهى. ويحتمله كلامه في النظم.
__________
1 في الأصل "بتوبة".
2 في "ط" "بتوليته".
3 3 في "ط" "يكون محل التوبة".
4 "5/342".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/31".
6 "12/484".(10/159)
وَفِي بَحْثِ الْقَاضِي التَّفْرِقَةَ بَيْنَ عِلْمِ الْإِمَامِ بِهِمْ أَوَّلًا, وَاخْتَارَ شَيْخُنَا وَلَوْ فِي الْحَدِّ لَا يَكْمُلُ وَإِنَّ هَرَبَهُ فِيهِ تَوْبَةٌ لَهُ1. وَعَنْهُ: لَا يَسْقُطُ, ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الْمَذْهَبُ وَعَنْهُ: إنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ, ذَكَرَهَا ابْنُ حَامِدٍ وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُمَا, وَعَلَيْهِمَا: يَسْقُطُ فِي حَقِّ محارب تاب قبل القدرة, وَيُحْتَمَلُ: لَا, كَمَا قَبْلَ الْمُحَارَبَةِ. وَفِي الْمُحَرَّرِ: لَا يَسْقُطُ بِإِسْلَامِ ذِمِّيٍّ وَمُسْتَأْمَنٍ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي ذِمِّيٍّ, وَنَقَلَهُ فِيهِ أَبُو دَاوُد, وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ أَنَّ فِيهِ الْخِلَافَ. وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: إنْ أَكْرَهَ ذِمِّيٌّ مُسْلِمَةً فَوَطِئَهَا قُتِلَ, لَيْسَ عَلَى هَذَا صُولِحُوا2, وَلَوْ أَسْلَمَ, هَذَا حَدٌّ وَجَبَ عَلَيْهِ. فَدَلَّ أَنَّهُ لَوْ سَقَطَ بِالتَّوْبَةِ سَقَطَ بِالْإِسْلَامِ, لِأَنَّ التَّائِبَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا وَأَنَّهُ أَوْجَبَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِتَفْرِقَةٍ بَيْنَ إسْلَامٍ وَتَوْبَةٍ3, وَيَتَوَجَّهُ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ مِنْ قَذْفِ أُمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ حَدٌّ سَقَطَ بِالْإِسْلَامِ, وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: يَسْقُطُ. وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي سُقُوطِ الْجِزْيَةِ بِإِسْلَامٍ إذَا أَسْلَمَ سَقَطَتْ عَنْهُ الْعُقُوبَاتُ الْوَاجِبَةُ بِالْكُفْرِ, كَالْقَتْلِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحُدُودِ. وَفِي الْمُبْهِجِ احْتِمَالٌ يَسْقُطُ حَدُّ زِنَا ذِمِّيٍّ, وَيُسْتَوْفَى حَدُّ قَذْفٍ, قَالَهُ شَيْخُنَا. وَفِي الرعاية الخلاف,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
4فهذه ثلاث مسائل4.
__________
1 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
2 في "ط" "صلح".
3 في "ر" "بتوبة".
4 4ليست في "ط"(10/160)
وَهُوَ مَعْنَى مَا أَخَذَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ عَدَمِ إعْلَامِهِ وَصِحَّةِ تَوْبَتِهِ أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, مَعَ أَنَّهُمْ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ ذَكَرُوا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ عَادَ إلَى الْفِسْقِ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ1, وَجَزَمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِعَوْدِهِ إلَى الْجَلْدِ, وَأَنَّهُ قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ; وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُغْنِي2 فِي بَحْثِ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ, مَعَ تَصْرِيحِهِ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ: لَا يَسْقُطُ, وَجَعَلَهُ أَصْلًا فِي مَسْأَلَةِ الْحُدُودِ. وَفِي التَّبْصِرَةِ: يَسْقُطُ حَقُّ آدَمِيٍّ لَا يُوجِبُ مَالًا, وَإِلَّا سَقَطَ إلَى مَالٍ. وَفِي الْبُلْغَةِ فِي إسْقَاطِ التَّوْبَةِ فِي غَيْرِ الْمُحَارَبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ وَبَعْدَهَا روايتان.
__________
1 يشير إلى قوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:4]
2 "14/188".(10/161)
فَصْلٌ: وَمَنْ صَالَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ حُرْمَتِهِ أَوْ مَالِهِ وَلَوْ3 قَلَّ آدَمِيٌّ كَافَأَهُ أَمْ لَا,
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ: كَمُحَارَبَةِ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ غَيْرِ آدَمِيٍّ دَفَعَهُ بِأَسْهَلَ مَا يَظُنُّ, وَقِيلَ: يَعْلَمُ دَفْعَهُ بِهِ, وَقِيلَ: إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ هَرَبٌ أَوْ احْتِمَاءٌ وَنَحْوُهُ, جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ, قَالَ أَحْمَدُ: لَا تريد قتله وضربه, لكن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
3 في الأصل "إن".(10/161)
ادْفَعْهُ. وَقَالَ الْمَيْمُونِيُّ: رَأَيْته يَعْجَبُ مِمَّنْ يَقُولُ أُقَاتِلُهُ وَأَمْنَعُهُ, وَأَنَا لَا أُرِيدُ نَفْسَهُ, قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَذْهَبَ إلَيْهِمْ أَوْ يَتْبَعَهُمْ إذَا وَلَّوْا. وَنَقَلَ الْفَضْلُ: إنْ صَارَ فِي مَوْضِعٍ نَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَيْك فَلَا تَتْبَعُهُ, وَقِيلَ لَهُ: الْمُنَاشَدَةُ. فَقَالَ حَدِيثَ سَلْمَانَ, وَلَمْ يُثْبِتْهُ وَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ"1 وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِي لُصُوصٍ دَخَلُوا عَلَيْهِ: يُقَاتِلُهُمْ أَوْ يُنَاشِدُهُمْ؟ قَالَ: قَدْ دَخَلُوا, مَا يُنَاشِدُهُمْ؟ وَاحْتَجَّ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ بِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ2 وَقَالَ: يَمْنَعُ مَالَهُ وَنَفْسَهُ. وَنَقَلَ ابْنُ ثَوَابٍ فِي لِصٍّ قَالَ: ضَعْ ثَوْبَك وَإِلَّا ضَرَبْتُك بِالسَّيْفِ وَلَا تَدْرِي هَلْ يَفْعَلُ أَمْ لَا, فَأَبَيْت ثُمَّ ضَرَبْته ضَرْبَةً لَا تَدْرِي يَمُوتُ مِنْهَا3 أَمْ لَا, فَهَدَرٌ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ: لَهُ دَفْعُهُ بِالْأَسْهَلِ إنْ خَافَ أَنْ يَبْدُرَهُ, قَالَ بَعْضُهُمْ4 أَوْ يَجْهَلُهُ: فَإِنْ قُتِلَ فَشَهِيدٌ, وَإِنْ قَتَلَهُ فَهَدَرٌ, وَلَا يَجُوزُ فِي حَالِ مَزْحٍ, ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ, وَيُقَادُ بِهِ, وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ فِي التَّعْرِيضِ بِالْقَذْفِ, وَيَلْزَمُهُ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ, عَلَى الْأَصَحِّ, كَحُرْمَتِهِ, فِي الْمَنْصُوصِ وَعَنْهُ: وَلَوْ فِي فِتْنَةٍ,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه البخاري "2480" ومسلم "226" "141" عن عبد الله بن عمرو.
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "18557" وابن أبي شيبة في مصنفه "9/454" عن ابن عمر أنه أخذ لصا في داره فأصلت عليه بالسيف فلولا أنا نهيناه عنه لضربه به.
3 في "ط" "منها".
4 في "ر" "جماعة".(10/162)
وَنَقَلَ عَنْهُ اثْنَانِ فِيهَا: إنْ دَخَلَ عَلَيْهِ مَنْزِلَهُ, وَعَنْهُ: يَحْرُمُ فِيهَا, وَلَا يَلْزَمُهُ عَنْ مَالِهِ, عَلَى الْأَصَحِّ, كَمَا لَا يَلْزَمُهُ حِفْظُهُ مِنْ الضَّيَاعِ وَالْهَلَاكِ, ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَفِي التَّبْصِرَةِ: فِي الثَّلَاثَةِ يَلْزَمُهُ فِي الْأَصَحِّ, وَلَهُ بَذْلُهُ, وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ أَفْضَلُ, وَأَنَّ حَنْبَلًا نَقَلَهُ. وَفِي التَّرْغِيبِ: الْمَنْصُوصُ عَنْهُ أَنَّ تَرْكَ قِتَالِهِ عَنْهُ أَفْضَلُ, وَأَطْلَقَ رِوَايَتَيْ الْوُجُوبِ فِي الْكُلِّ, ثُمَّ قَالَ: عِنْدِي يَنْتَقِضُ عَهْدُ الذِّمِّيِّ, وَالْبَهِيمَةُ لَا حُرْمَةَ لَهَا فَيَجِبُ, وَمَا قَالَهُ فِي الذِّمِّيِّ مُرَادُ غَيْرِهِ. وَفِي الْبَهِيمَةِ مُتَّجَهٌ, وَنَقَلَ حَنْبَلٌ فِيمَنْ يُرِيدُ الْمَالَ: أَرَى دَفْعَهُ إلَيْهِ وَلَا يَأْتِي عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا عِوَضَ مِنْهَا, وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: لَا بَأْسَ, قَالَ الْمَرُّوذِيُّ وَغَيْرُهُ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لَا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَنْتَصِرُ لَهَا, فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ: يَجُوزُ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَحُرْمَتِهِ وَمَالِهِ وَعِرْضِهِ, وَقِيلَ يَجِبُ. وَلِمُسْلِمٍ1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَرَأَيْت إنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي, قَالَ: "فَلَا تُعْطِهِ مَالَك" قَالَ: أَرَأَيْت إنْ قَاتَلَنِي, قَالَ: "قَاتِلْهُ" 2 قَالَ: أَرَأَيْت إنْ قَتَلَنِي, قَالَ: "فَأَنْتَ شَهِيدٌ" , قَالَ: أَرَأَيْت إنْ قَتَلْته, قَالَ: "هُوَ فِي النَّارِ" فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْأَفْضَلَ3 لَا يَبْذُلُهُ إنْ لَمْ يَحْرُمْ. وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي الْغَصْبِ: لَوْ قَتَلَ دَفْعًا عَنْ مَالِهِ قُتِلَ, وَلَوْ قَتَلَ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يُقْتَلْ, وَيَتَوَجَّهُ مَعَ ضَعْفِهِ حَمْلُهُ عَلَى اليسير, كقول بعض المالكية,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في صحيحه "225" "140".
2 في "ط" "اقتله".
3 ليست في "ر".(10/163)
وَكَذَا دَاخِلَ مَنْزِلِ غَيْرِهِ مُتَلَصِّصًا, نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ إنْ ظَنَّ الْعَجْزَ عَنْ قِتَالِ اللُّصُوصِ وَإِنْ هُوَ أَعْطَاهُمْ يَدَهُ تَرَكُوهُ, رَجَوْت أَنْ لَهُ تَرْكُ قِتَالِهِمْ وَإِلَّا فَلْيَدْفَعْهُمْ مَا اسْتَطَاعَ, وَيَلْزَمُهُ عَنْ نَفْسِ غَيْرِهِ, لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ إيثَارُ الشَّهَادَةِ, وَكَإِحْيَائِهِ بِبَذْلِ طَعَامِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ, وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ مَعَ ظَنِّ سَلَامَةِ الدَّافِعِ.
وَكَذَا مَالُهُ مَعَ ظَنِّ سَلَامَتِهِمَا. وذكر جماعة: يجوز وإلا حرم, وقيل و1في جَوَازُهُ عَنْهُمَا وَعَنْ حُرْمَتِهِ رِوَايَتَانِ, نَقَلَ حَرْبٌ الوقف في مال غيره, ونقل2 الترمذي وَغَيْرُهُ: لَا يُقَاتِلُهُ, لِأَنَّهُ لَمْ يُبَحْ لَهُ قَتْلُهُ لِمَالِ غَيْرِهِ, وَأَطْلَقَ فِي التَّبْصِرَةِ وَشَيْخُنَا لُزُومَهُ عَنْ مَالِ غَيْرِهِ, قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: فَإِنْ أَبَى أَعْلَمَ مَالِكَهُ, فَإِنْ عَجَزَ لَزِمَهُ إعَانَتُهُ.
قَالَ شَيْخُنَا فِي جُنْدٍ قَاتَلُوا عَرَبًا نَهَبُوا أَمْوَالَ تُجَّارٍ لِيَرُدُّوهُ إلَيْهِمْ: هُمْ مُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ بِقَوَدٍ وَلَا دِيَةٍ وَلَا كَفَّارَةٍ "قَالَ": وَمَنْ أَمَرَ لِلرِّئَاسَةِ وَالْمَالِ لَمْ يُثَبْ, يَأْثَمُ عَلَى فَسَادِ نِيَّتِهِ كَالْمُصَلِّي رِيَاءً وَسُمْعَةً, وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِ فِي كُلِّ طَاعَةٍ. وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْأَمْرُ بِظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ, وَعَنْهُ: بَلَى, كَإِيَاسِهِ, عَلَى الْأَصَحِّ. وَفِي الْفُصُولِ يَضْمَنُ مَنْ قَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِ غَيْرِهِ وَمَالِ غَيْرِهِ. وَجَزَمَ أَبُو الْمَعَالِي بِلُزُومِ دَفْعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ط".
2 بعدها في "ط" "أحمد".(10/164)
حَرْبِيٍّ وَذِمِّيٍّ عَنْ نَفْسِهِ وَبِإِبَاحَتِهِ عَنْ مَالِهِ وَحُرْمَتِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ وَحُرْمَتِهِ, وَإِنَّ فِي إبَاحَتِهِ عَنْ مَالِ غَيْرِهِ وَصَلَاةِ الْخَوْفِ لِأَجْلِهِ رِوَايَتَيْنِ, ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ. وَفِي الْمَذْهَبِ وَجْهَانِ فِي وُجُوبِهِ عَنْ نَفْسِ غَيْرِهِ, وَيَرِثُهُ, جَزَمَ بِهِ أَبُو الْوَفَاءِ وَأَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ. وَالْمُرَادُ إلَّا أَنْ تَقُولَ يَضْمَنُهُ إذَنْ. وَفِي الْمُغْنِي1 فِي الثَّلَاثَةِ: لِغَيْرِهِ مَعُونَتُهُ بِالدَّفْعِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ "اُنْصُرْ أَخَاك ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا"2 وَلِئَلَّا تَذْهَبَ الْأَنْفُسُ وَالْأَمْوَالُ, وَمَا احْتَجَّ بِهِ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ.
وَيَتَوَجَّهُ فِي الذَّبِّ عَنْ عِرْضِ غَيْرِهِ الْخِلَافُ. وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ النَّهْيَ عَنْ خِذْلَانِ الْمُسْلِمِ, وَالْأَمْرَ بِنَصْرِ الْمَظْلُومِ. وَرَوَى هُوَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ3 عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا: "مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد4 مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ بَشِيرٍ وَفِيهِمَا جَهَالَةٌ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي طَلْحَةَ مَرْفُوعًا: "مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْضِعٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ, وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "12/534".
2 أخرجه البخاري "2443" عن أنس.
3 أحمد في مسنده "6/450" والترمذي في سننه "1931" وفي النسخ الخطية و"ط" "وجهه عن" والتصحيح من مصادر التخريج.
4 أحمد في مسنده "16368" وأبو داود في سننه "4884".(10/165)
عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ" وَلِأَحْمَدَ1 مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ: "مَنْ أُذِلَّ عِنْدَهُ مُؤْمِنٌ فَلَمْ يَنْصُرْهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى نَصْرِهِ أَذَلَّهُ اللَّهُ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" وَفِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ" وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا2, وَيَأْتِي كَلَامُ شَيْخِنَا فِي شَهَادَةِ الْعَدُوِّ3, وَلَوْ ظَلَمَ ظَالِمٌ فَنَقَلَ ابْنُ أَبِي حَرْبٍ: لَا يُعِينُهُ حَتَّى يَرْجِعَ عَنْ ظُلْمِهِ, وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُعِينُوهُ, أَخْشَى أن يجترئ, يدعوه4 حَتَّى يَنْكَسِرَ, وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ, وَسَأَلَهُ صَالِحٌ فِيمَنْ يَسْتَغِيثُ بِهِ جَارُهُ, قَالَ: يُكْرَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى صَيْحَةٍ بِاللَّيْلِ, لِأَنَّهُ لَا يدري ما يكون. وظاهر كلام الأصحاب فيهما5 خِلَافُهُ, وَهُوَ أَظْهَرُ فِي الثَّانِيَةِ. قَالَ أَنَسٌ: فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَانْطَلَقَ أُنَاسٌ قِبَلَ الصَّوْتِ فَتَلَقَّاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم راجعا6 وَقَدْ سَبَقَهُمْ إلَى الصَّوْتِ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ وَهُوَ يَقُولُ لَمْ تُرَاعُوا لَمْ تُرَاعُوا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ7.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في مسنده "15985".
2 الحديث الأول: أخرجه البخاري "2442" ومسلم "2564" "23" والحديث الثاني أخرجه البخاري "2442" ومسلم "2580" "58".
3 ص "249".
4 في "ط" "يدعونه".
5 ليست في "ط".
6 ليست في "ط"ز
7 البخاري "2908" ومسلم "2307" "48" واللفظ له.(10/166)
وَسَبَقَ أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْقَوَدِ وَغَيْرِهِ أَفْضَلُ بِلَا تَفْصِيلٍ, وَهُوَ عَمَلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الْمِحْنَةِ وَغَيْرِهَا, وَنَقَلَ حَنْبَلٌ عَنْهُ: ابْنُ أَبِي دَاوُد1 وَأَمْثَالُهُ لَا أُحْلِلْهُمْ, وَنَقَلَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ لَوْلَا أَنَّ ابْنَ أَبِي دَاوُد دَاعِيَةٌ لَأَحْلَلْته, وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّهُ أَحَلَّ ابْنَ أَبِي دَاوُد وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ إِسْحَاقَ فِيمَا بَعْدُ, وَيَلْزَمُ مِنْ نَصِّهِ هُنَا أَنْ لَا يَعْفُوَ عَنْ ظَالِمٍ, لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْصُرْهُ فِي تَرْكِ الْحَرَامِ لِمَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ الظُّلْمِ فِي شَيْءٍ آخَرَ فَهُنَا أَوْلَى.
وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى:39] أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ تَعَدَّى وَأَصَرَّ, وَآيَاتُ الْعَفْوِ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ الْجَانِيَ نَادِمٌ, وَظَهَرَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَصِّهِ عَلَى الْعَفْوِ عَنْهُ نَصْرُهُ عَلَى ظَالِمِهِ, فَالْمَسْأَلَتَانِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ بَهْجَةِ الْمَجَالِسِ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ سِيرِينَ: إنِّي وَقَعْت فِيك فَاجْعَلْنِي فِي حِلٍّ, قَالَ: لَا أُحِبُّ أَنْ أَحِلَّ لَك مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْك. وَقَالَ شَيْخُنَا إنَّ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ فَائِدَةً عَظِيمَةً, وهو أنه حمدهم على 2أنهم هم2 يَنْتَصِرُونَ عِنْدَ الْبَغْيِ عَلَيْهِمْ, كَمَا أَنَّهُمْ هُمْ يَعْفُونَ عِنْدَ الْغَضَبِ, لَيْسُوا مِثْلَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ قُوَّةُ الِانْتِصَارِ وَفِعْلُهُ لِعَجْزِهِمْ أَوْ كَسَلِهِمْ أَوْ وَهَنِهِمْ أَوْ ذُلِّهِمْ أَوْ حُزْنِهِمْ, فَإِنَّ أكثر من يترك الانتصار بالحق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط" في الأماكن الثلاثة داود وهو أبو عبد الله أحمد بن فرج بن حريز الإيادي ثم البغدادي الجهني القاضي عدو أحمد بن حنبل كان داعية إلى خلق القرآن وكان يوم المحنة إلبا على الإمام أحمد يقول: يا أمير المؤمنين اقتله هو ضال مضل "ت 240 هـ" السير "11/169".
2 2 في "ط" "أنه".(10/167)
إنَّمَا يَتْرُكُهُ لِهَذِهِ الْأُمُورِ وَأَشْبَاهِهَا, وَلَيْسُوا مِثْلَ الَّذِي إذَا غَضِبَ لَا يَغْفِرُ وَلَا يَعْفُو, بَلْ يَتَعَدَّى أَوْ يَنْتَقِمُ حَتَّى يُكَفَّ مِنْ خَارِجٍ, كَمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ النَّاسِ إذَا غَضِبُوا وَقَدَرُوا لَا يَقِفُونَ1 عِنْدَ الْعَدْلِ فَضْلًا عَنْ الْإِحْسَانِ, فَحَمِدَهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ هُمْ يَنْتَصِرُونَ وَهُمْ يَغْفِرُونَ, وَلِهَذَا قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَسْتَذِلُّوا, فَإِذَا قَدَرُوا عَفَوْا, إلَى أَنْ ذَكَرَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي دَفْعِ الْإِنْسَانِ عَنْ نَفْسِهِ ثم قال: ويشبه أن لا يجب مع2 مَفْسَدَةٌ تُقَاوِمُ مَفْسَدَةَ التَّرْكِ أَوْ تُفْضِي إلَى فَسَادٍ أَكْثَرَ, وَعَلَى هَذَا تَخْرُجُ قِصَّةُ ابْنِ آدَمَ3 وَعُثْمَانَ4 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي دَفْعِهِ إلَّا إتْلَافُ مَالِ الْغَيْرِ الظَّالِمِ أَوْ حَبْسُهُ أَوْ ضَرْبُهُ, فَهُنَا الْوُجُوبُ أَوْجَهُ, وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ {هُمْ يَنْتَصِرُونَ} , فَالِانْتِصَارُ قَدْ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا تَارَةً, وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا أُخْرَى, كَالْمَغْفِرَةِ سَوَاءٌ.
وَمَنْ قَفَزَ5, إلَى بَلَدِ الْعَدُوِّ وَلَمْ يَنْدَفِعْ ضَرَرُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ جَازَ قَتْلُهُ, كَالصَّائِلِ ذَكَرَهُ شَيْخُنَا, وَقِيلَ لِأَحْمَدَ فِيمَنْ رَابَطَ بِمَكَانٍ مَخُوفٍ: بِمَنْزِلَةِ الْمُجَاهِدِ؟ قَالَ: أَرْجُو ذَلِكَ, نَقَلَهُ الْفَضْلُ وَنَقَلَ حَرْبٌ: مَا أَحْسَنُهُ.
وَمَنْ عَضَّ يَدَ غَيْرِهِ وَحَرُمَ فَجَذَبَهَا, وقال جماعة: بالأسهل, فسقطت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "يعفون".
2 ليست في "ط".
3 أخرجها أبو داود "4257" من حديث سعد بن أبي وقاص.
4 وردت في ذلك روايات كثيرة انظر البداية والنهاية "10/285 – 319" وسير أعلام النبلاء سير الخلفاء الراشدين "1/183 – 211".
5 في "ر" "نفر".(10/168)
ثَنَايَاهُ, فَهَدَرٌ, وَكَذَا مَعْنَاهُ فَإِنْ عَجَزَ دَفَعَهُ كَصَائِلٍ.
وَمَنْ نَظَرَ فِي بَيْتِهِ مِنْ خُصَاصِ بَابٍ وَلَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ لَكِنْ ظَنَّهُ مُتَعَمِّدًا, قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: أَوْ صَادَفَ عَوْرَةً مِنْ محارمه وأصر. وفي المغني1 في2 هَذِهِ الصُّورَةِ: وَلَوْ خَلَتْ مِنْ نِسَاءٍ, فَخَذَفَ عَيْنَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَتَلِفَتْ فَهَدَرٌ, وَلَا يَتْبَعُهُ, وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَدْفَعُهُ بِالْأَسْهَلِ, فَيُنْذِرُهُ أَوَّلًا, كَمَنْ اسْتَرَقَ السَّمْعَ لَمْ يَقْصِدْ أُذُنَهُ بِلَا إنْذَارٍ, قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ, وَقِيلَ: بَابٌ مَفْتُوحٌ كَخُصَاصِهِ, وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ, وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا: "وَإِنْ مَرَّ رَجُلٌ عَلَى بَابٍ لَا سِتْرَ لَهُ غَيْرَ مُغْلَقٍ فَنَظَرَ فَلَا خَطِيئَةَ عَلَيْهِ, إنَّمَا الْخَطِيئَةُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ" فِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ, رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ3 وَعِنْدَ ابن عقيل: أعمى سميع كبصير4.
وَإِنْ عَقَرَتْ كَلْبَةٌ مَنْ قَرُبَ مِنْ أَوْلَادِهَا أَوْ خَرَقَتْ ثَوْبَهُ 5لَمْ تُقْتَلْ بَلْ تُنْقَلُ5.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "12/540".
2 بعدها في "ط" "مثل".
3 أحمد في مسنده "21359" والترمذي في سننه "2707".
4 في "ط" "بصير".
5 5 في "ط" "لم تفلت بل تقتل".(10/169)
باب قتال أهل البغي
مدخل
...
باب قتال أهل البغي
وَهُمْ الْخَارِجُونَ عَلَى الْإِمَامِ بِتَأْوِيلٍ سَائِغٍ, وَلَهُمْ شَوْكَةٌ, لَا جَمْعٌ يَسِيرٌ, خِلَافًا لِأَبِي بَكْرٍ, وَإِنْ فَاتَ شَرْطٌ فَقُطَّاعُ طَرِيقٍ. وَفِي التَّرْغِيبِ: لَا تَتِمُّ الشَّوْكَةُ إلَّا وَفِيهِمْ وَاحِدٌ مُطَاعٌ, وَأَنَّهُ يَعْتَبِرُ كَوْنَهُمْ فِي طَرَفِ وِلَايَتِهِ. وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: تَدْعُو إلَى نَفْسِهَا أَوْ إلَى إمَامِ غَيْرِهِ1 وَإِلَّا فَقُطَّاعُ طَرِيقٍ.
وَيَلْزَمُهُ مُرَاسَلَتُهُمْ وَإِزَالَةُ شُبْهَتِهِمْ فَإِنْ فَاءُوا وَإِلَّا لَزِمَ الْقَادِرَ قِتَالُهُمْ, وَعِنْدَ شَيْخِنَا: الْأَفْضَلُ تَرْكُهُ حَتَّى يَبْدَءُوهُ "وم" وَهُوَ ظَاهِرُ اخْتِيَارِ الشَّيْخِ. وَقَالَا فِي الخوارج: له قتلهم ابتداء وتتمة قتل2 الْجَرِيحِ, وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ رِوَايَةِ عَبْدُوسِ بْنِ مَالِكٍ3. وَفِي الْمُغْنِي4 فِي الْخَوَارِجِ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُمْ بُغَاةٌ, لَهُمْ حُكْمُهُمْ وَأَنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ, كَذَا قَالَ, وَلَيْسَ بِمُرَادِهِمْ, لِذِكْرِهِمْ كُفْرَهُمْ أَوْ فِسْقَهُمْ, بِخِلَافِ الْبُغَاةِ, وَلِهَذَا قَالَ شَيْخُنَا: يُفَرِّقُ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ الخوارج5 والبغاة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ر" "غيرها".
2 ليست في الأصل و"ط".
3 هو أبو محمد عبدوس بن مالك العطار كانت له عند أبي عبد الله منزلة في هدايا وغير ذلك وقد روى عنه مسائل لم يروها غيره طبقات الحنابلة "1/241".
4 "12/139".
5 بعدها في الأصل "بين".(10/170)
الْمُتَأَوِّلِينَ, وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عَنْ الصَّحَابَةِ, وَعَلَيْهِ عَامَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَنُصُوصُ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ وَأَتْبَاعِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ "م ش" وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ, وَاخْتِيَارُ شَيْخِنَا يَخْرُجُ عَلَى وَجْهِ مَنْ صَوَّبَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ أَوْ وَقَفَ, لَا أَنَّ عَلِيًّا هُوَ الْمُصِيبُ وَهِيَ أَقْوَالٌ فِي مَذْهَبِنَا وَأَنَّ أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرَهُمْ رَأَى تَرْكَ قِتَالِهِمَا, وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ مَعَ وَاحِدَةٍ.
وَقَالَ فِي تَفْضِيلِ مَذْهَبِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى الْكُوفَةِ: أَكْثَرُ الْمُصَنَّفِينَ لِقِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ يَرَى الْقِتَالَ مِنْ نَاحِيَةِ عَلِيٍّ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى الْإِمْسَاكَ, وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ مَعَ رُؤْيَتِهِمْ لِقِتَالِ مَنْ خَرَجَ عَنْ الشَّرِيعَةِ كَالْحَرُورِيَّةِ1 وَنَحْوِهِمْ, وَأَنَّهُ يَجِبُ, وَالْأَخْبَارُ2 فِي أَمْرِ الْفِتْنَةِ تُوَافِقُ هَذَا, فَاتَّبِعُوا النَّصَّ الصَّحِيحَ وَالْقِيَاسَ الْمُسْتَقِيمَ, وَلِهَذَا كَانَ الْمُصَنِّفُونَ لِعَقَائِدِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يَذْكُرُونَ فِيهِ تَرْكَ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ, وَالْإِمْسَاكَ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
وَقَالَ فِي رَدِّهِ عَلَى الرَّافِضِيِّ: السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ يَقُولُ أَكْثَرُهُمْ "هـ م" وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ: لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ قِتَالِ الطَّائِفَةِ الْبَاغِيَةِ, فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ ابْتِدَاءً بَلْ بِالصُّلْحِ, ثُمَّ إنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا قُوتِلَتْ. وَهَؤُلَاءِ قُوتِلُوا قَبْلَ أن يبدءوا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 الحرورية: هم الذين خرجوا على علي رضي الله عنه حين جرى أمر الحكمين واجتمعوا بحروراء من ناحية الكوفة انظر الملل والنحل للشهرستاني "1/157".
2 سيأتي ذكرها عند المصنف.(10/171)
بِقِتَالٍ, وَلِهَذَا كَانَ هَذَا الْقِتَالُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ كَمَالِكٍ قِتَالَ فِتْنَةٍ, وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: لَا يَجُوزُ قِتَالُ الْبُغَاةِ حَتَّى يَبْدَءُوا بِقِتَالٍ, إلى أن قال شيخنا: و1لكن عَلِيٌّ كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْحَقِّ مِنْ مُعَاوِيَةَ وَإِنْ بَعْضُ أَصْحَابِنَا صَوَّبَ كُلًّا مِنْهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ, ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ.
وَفِي كِتَابِ ابْنِ حَامِدٍ كَقَوْلِ شَيْخِنَا: فَقَالَ: الْأَكَابِرُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالْكَافَّةُ كَانُوا مُتَبَاعِدِينَ من2 ذَلِكَ, قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ, حَدَّثَنَا أَيُّوبُ, حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ: هَاجَتْ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَةُ آلَافٍ, فَمَا حَضَرَ فِيهَا مِائَةٌ. وَفِي غَيْرِ كِتَابِ ابْنِ حَامِدٍ بَلْ لَمْ يَبْلُغُوا ثَلَاثِينَ, وَحَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ, حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ قَالَ الشَّعْبِيُّ لَمْ يَشْهَدْ الْجَمَلَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ عَلِيٍّ وَعَمَّارٍ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ فَإِنْ جَاءُوا بِخَامِسٍ فَأَنَا كَذَّابٌ. وَمُرَادُهُ مِنْ الْبَدْرِيِّينَ, وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ3 فِي تَرْكِ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ. أَيْ فِي قَتْلِ عُثْمَانَ, فَأَمَّا مَا جَرَى بَعْدَهُ فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ التَّخَلُّفُ عَنْ عَلِيٍّ. وَلَمَّا تَخَلَّفَ عَنْهُ سَعْدٌ وَابْنُ عُمَرَ وَأُسَامَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَسْرُوقٌ وَالْأَحْنَفُ مِنْ التَّابِعِينَ فَإِنَّهُمْ نَدِمُوا, فَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ الِاسْتِيعَابِ فِي أَسْمَاءِ الصَّحَابَةِ4 أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْمَوْتِ: إنِّي أَخْرُجُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ط".
2 في "ط" "عن".
3 أخرجه أحمد "20490" والطحاوي في شرح مشكل الآثار "5547" والبيهقي في السنن الكبرى "8/190" وفيه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إنها ستكون فتنة ثم تكون فتن ألا فالماشي فيها خير من الساعي إليها...." الحديث.
4 "6/423"(10/172)
مِنْ الدُّنْيَا وَلَيْسَ فِي قَلْبِي حَسْرَةٌ إلَّا تَخَلُّفِي عَنْ عَلِيٍّ, أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ "رَوَاهُ عَنْهُ" مِنْ طُرُقٍ, وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مَسْرُوقٍ1 وَغَيْرِهِ 2أَنَّهُمْ مِنْ تَخَلُّفِهِمْ "قَالُوا" ذَلِكَ, كَذَلِكَ قَالَ2. وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: يَجِبُ قِتَالُ الْخَوَارِجِ وَالْبُغَاةِ "ع" ثُمَّ قَالَ: قَالَ الْقَاضِي: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْخَوَارِجَ وَشِبْهَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْبَغْيِ مَتَى خَرَجُوا عَلَى الْإِمَامِ وَخَالَفُوا رَأْيَ الْجَمَاعَةِ وَجَبَ قِتَالُهُمْ بَعْدَ الْإِنْذَارِ وَالْإِعْذَارِ قَالَ تَعَالَى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] فَإِنْ اسْتَنْظَرُوهُ مُدَّةً وَلَمْ يَخَفْ مَكِيدَةً أَنْظَرَهُمْ, وَإِلَّا فَلَا, وَلَوْ أَعْطَوْهُ مَالًا أَوْ رَهْنًا. وَقِيلَ لِلْقَاضِي: يَجُوزُ قِتَالُ الْبُغَاةِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إمَامٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ, لِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ قِتَالُهُمْ لِمَنْعِ الْبَغْيِ وَالظُّلْمِ, وَهَذَا مَوْجُودٌ بِدُونِ إمَامٍ.
وَيَحْرُمُ قِتَالُهُمْ بِمَنْ يَقْتُلُ مُدْبِرَهُمْ, كَكُفَّارٍ, وَبِمَا يَعُمُّ إتْلَافُهُ, كَمَنْجَنِيقٍ وَنَارٍ, إلَّا لِضَرُورَةٍ, كَفِعْلِهِمْ إنْ لَمْ يَفْعَلْهُ, وَكَذَا بِسِلَاحِهِمْ وَكُرَاعِهِمْ, وَعَنْهُ: وَغَيْرُهَا وَمُرَاهِقٌ وَعَبْدٌ, كَخَيْلٍ قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ.
وَيَحْرُمُ قَتْلُ مُدْبِرِهِمْ وَجَرِيحِهِمْ, وَفِي الْقَوَدِ وجهان "م 1" جزم في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 1" قَوْلُهُ: "وَفِي الْقَوَدِ وَجْهَانِ", انْتَهَى. يَعْنِي إذَا قُتِلَ مُدْبِرُهُمْ وَجَرِيحُهُمْ هَلْ يُقَادُ بِهِ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ, وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُغْنِي3 والكافي4
__________
1 لم أقف عليه.
2 2 في "ط" "أنهم من تخلفهم قالوا ذلك كذا قال" وفي "ر" "أنهم من تخلفهم ذلك كذا قال" وفي هامش "ر" "لعله قالوا ذلك".
3 "12/253".
4 "5/310".(10/173)
التَّرْغِيبِ بِأَنَّ1 الْمُدْبِرَ مَنْ انْكَسَرَتْ شَوْكَتُهُ 2لَا الْمُتَحَرِّفُ2 إلَى مَوْضِعٍ. وَفِي الْمُغْنِي3 يَحْرُمُ قَتْلُ مَنْ تَرَكَ الْقِتَالَ.
وَيَحْرُمُ أَخْذُ مَالِهِمْ وَذُرِّيَّتِهِمْ وَيُخَلَّى أَسِيرُهُمْ بَعْدَ الْحَرْبِ. وَفِي التَّرْغِيبِ: لَا, مَعَ بَقَاءِ شَوْكَتِهِمْ, فَإِنْ بَطَلَتْ وَيُتَوَقَّعُ اجْتِمَاعُهُمْ فِي الْحَالِ فَوَجْهَانِ "م 2", وَقِيلَ: يَجُوزُ حَبْسُهُ لِيُخَلَّى أَسِيرُنَا, وَقِيلَ: يُخَلَّى صَبِيٌّ وَامْرَأَةٌ وَنَحْوُهُمَا فِي الْحَالِ. وَيُكْرَهُ لَهُ قَصْدُ رَحْمَةِ الْبَاغِي بِالْقَتْلِ, وَعِنْدَ الْقَاضِي: لَا كَإِقَامَةِ حَدٍّ, ويتوجه احتمال: يحرم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالشَّرْحِ4 وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمْ.
"أَحَدُهُمَا": يُقَادُ بِهِ, وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ, وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي": لَا يُقَادُ بِهِ. "قُلْت": وَهُوَ الصَّوَابُ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ, فَأَنْتَجَ شُبْهَةً تَمْنَعُ الْقَوَدَ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
"مَسْأَلَةٌ 2" قَوْلُهُ: "وَيُخَلِّي أَسِيرُهُمْ بَعْدَ الْحَرْبِ. وَفِي التَّرْغِيبِ: لَا, مَعَ بَقَاءِ شَوْكَتِهِمْ, فَإِنْ بَطَلَتْ وَيُتَوَقَّعُ اجْتِمَاعُهُمْ فِي الْحَالِ فَوَجْهَانِ", انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ, فَيَحْتَمِلُ الْخِلَافُ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ صَاحِبِ التَّرْغِيبِ, وَهُوَ الظَّاهِرُ, وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءَ مَسْأَلَةٍ وَهُوَ بَعِيدٌ, وَعَلَى كُلِّ حَالٍ الصَّوَابُ عَدَمُ إرْسَالِ أَسِيرِهِمْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ, وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ ما قدمه المصنف تخليتهم, والله أعلم.
__________
1 في النسخ الخطية "أن" والمثبت من "ط".
2 2 في الأصل "إلا المنحرف" وفي "ر" "لا المنحرف".
3 "12/252".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/77".(10/174)
ولا يضمن بغاة ما تلف حال الحرب, كَأَهْلِ الْعَدْلِ, وَعَنْهُ: بَلَى, فَفِي الْقَوَدِ وَجْهَانِ "م 3".
وَهُمَا فِي تَحَتُّمِهِ بَعْدَهَا "م 4" وَيَضْمَنَانِ مَا تَلِفَ فِي غَيْرِهَا.
قَالَ شَيْخُنَا فِي الْمُسْتَحِلِّ لِأَذًى: مَنْ أَمَرَهُ وَنَهَاهُ بِتَأْوِيلٍ كَمُبْتَدِعٍ وَنَحْوِهِ, يَسْقُطُ بِتَوْبَتِهِ حَقُّ الْعَبْدِ, وَاحْتَجَّ بِمَا أَتْلَفَهُ الْبُغَاةُ, لِأَنَّهُ مِنْ الْجِهَادِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الْأَجْرُ عَلَى اللَّهِ, وَلَا حَدَّ مَعَ تَأْوِيلٍ, كَمَالٍ, وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ: يُحَدُّ. وَفِي قَبُولِ دَعْوَى دَفْعِ خَرَاجٍ إلَيْهِمْ مِنْ مُسْلِمٍ بلا بينة, وقيل: وغيره, وجهان "م 5".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 3" قَوْلُهُ: "وَلَا يَضْمَنُ بُغَاةَ مَا تَلِفَ حَالَ الْحَرْبِ, كَأَهْلِ الْعَدْلِ, وَعَنْهُ: بَلَى, فَفِي الْقَوَدِ وَجْهَانِ", انْتَهَى. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: قُلْت: إنْ ضَمِنَ الْمَالَ احْتَمَلَ الْقَوَدُ وَجْهَيْنِ, انْتَهَى.
"أَحَدُهُمَا": يَجِبُ الْقَوَدُ, وَهُوَ الصَّوَابُ, تَغْلِيظًا عَلَيْهِمْ, لِكَوْنِهِمْ بُغَاةً كَالْمَالِ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي": لَا يَجِبُ, وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي1 وَالشَّرْحِ2 وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ.
"مَسْأَلَةٌ 4" قَوْلُهُ: "وهما3 فِي تَحَتُّمِهِ بَعْدَهَا", انْتَهَى. يَعْنِي فِي تَحَتُّمِ الْقَتْلِ بَعْدَ الْحَرْبِ.
"قُلْت": الصَّوَابُ عَدَمُ التَّحَتُّمِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
"مَسْأَلَةٌ 5" "قَوْلُهُ": "وَفِي قَبُولِ دَعْوَى دَفْعِ خَرَاجٍ إلَيْهِمْ مِنْ مُسْلِمٍ بِلَا بَيِّنَةٍ, وَقِيلَ: وَغَيْرُهُ, وَجْهَانِ", انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ
__________
1 "12/250".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/83".
3 في النسخ الخطية و"ط" "الوجهان" والمثبت من الفروع.(10/175)
لَا جِزْيَةَ, وَفِيهَا احْتِمَالٌ بَعْدَ الْحَوْلِ. وَشَهَادَتُهُمْ وإمضاء حُكْمِ حَاكِمِهِمْ كَأَهْلِ الْعَدْلِ.
وَفِي الْمُغْنِي1 وَالتَّرْغِيبِ: الْأَوْلَى رَدُّ كِتَابِهِ قَبْلَ حُكْمِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَيُؤْخَذُ عَنْهُمْ الْعِلْمُ مَا لَمْ يَكُونُوا دُعَاةً, ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ, وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّ ابْنَ عَقِيلٍ وَغَيْرَهُ فَسَّقُوا الْبُغَاةَ, قَالَ: وَهَؤُلَاءِ نَظَرُوا إلَى مَنْ عَدُّوهُ بُغَاةً فِي زَمَنِهِمْ فَرَأَوْهُمْ فُسَّاقًا. وَفِي الْمُغْنِي احْتِمَالٌ: يَصِحُّ قَضَاءُ الْخَارِجِيِّ دَفْعًا لِلضَّرَرِ, كَمَا لَوْ أَقَامَ الْحَدَّ وَأَخَذَ جِزْيَةً وَخَرَاجًا وَزَكَاةً.
وَإِنْ اسْتَعَانُوا بِأَهْلِ ذِمَّةٍ فَأَعَانُوهُمْ2 انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ, وَقِيلَ: لَا, فَفِي أَهْلِ عَدْلٍ وَجْهَانِ "م 6" وَإِنْ ادعوا شبهة كوجوب إجابتهم فلا. وفي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي3 وَالْكَافِي4 وَالْمُقْنِعِ5 وَالشَّرْحِ5 وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَابْنِ رَزِينٍ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
"أَحَدُهُمَا": لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ6 وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. "وَالْوَجْهُ الثَّانِي": يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ, صَحَّحَهُ النَّاظِمُ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ.
مَسْأَلَةٌ 6" قَوْلُهُ: "وَإِنْ اسْتَعَانُوا بِأَهْلِ ذِمَّةٍ فَأَعَانُوهُمْ انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ, وَقِيلَ: لَا, فَفِي أَهْلِ عَدْلٍ وَجْهَانِ", انْتَهَى. "قُلْت": الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْعَكْسَ أولى, وهو أنهم إذا
__________
1 "12/260".
2 في "ط" "فأعينوهم".
3 "12/259".
4 "5/314".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/91".
6 في "ط" "الوجيز".(10/176)
التَّرْغِيبِ وَجْهَانِ, وَيَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوهُ, فِي الْأَصَحِّ.
وَإِنْ اسْتَعَانُوا بِأَهْلِ حَرْبٍ وَأَمِنُوهُمْ فَكَعَدِمِهِ إلَّا أَنَّهُمْ فِي أَمَانٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى بُغَاةٍ. وَإِنْ أَظْهَرَ قَوْمٌ رَأْيَ الْخَوَارِجِ وَلَمْ يَخْرُجُوا عَنْ قَبْضَةِ الْإِمَامِ لَمْ يُقَاتِلُوا, وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُمْ, وَتَجْرِي الْأَحْكَامُ عَلَيْهِمْ كَأَهْلِ الْعَدْلِ, ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. وسأله المروذي عن قوم من أهل البدع يتعرضون ويكفرون؟ قال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
قَاتَلُوا مَعَ الْبُغَاةِ وَقُلْنَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ فَهَلْ يُنْتَقَضُ إذَا قَاتَلُوا مَعَ أَهْلِ الْعَدْلِ؟ يَأْتِي الْخِلَافُ, وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ, وَلَعَلَّهُ حَصَلَ سَبْقَةُ قَلَمٍ مِنْ الْمُصَنِّفِ, أَوْ يَكُونُ فَرْعَ الْوَجْهَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِانْتِقَاضِ عَهْدِهِمْ إذَا أَعَانُوا أَهْلَ الْبَغْيِ, إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فَالصَّوَابُ عَدَمُ انْتِقَاضِ عَهْدِهِمْ مَعَ أَهْلِ الْعَدْلِ, وَكَذَا لَا يُنْتَقَضُ1 إذَا قَاتَلُوا مَعَ الْبَغِيِّ مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ مُكْرَهِينَ أَوْ ادَّعَوْا شُبْهَةً مَسْمُوعَةً, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 في "ح" "ينتقل".(10/177)
لَا تَعْرِضُوا لَهُمْ, قُلْت: وَأَيُّ شَيْءٍ تَكْرَهُ مِنْ أَنْ يَحْبِسُوا؟ قَالَ: لَهُمْ وَالِدَاتٌ وَأَخَوَاتٌ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: الْحَرُورِيَّةُ إذَا دَعَوْا إلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ إلَى دِينِهِمْ فَقَاتَلَهُمْ وَإِلَّا فَلَا يُقَاتِلُونَ. وَسَأَلَهُ إبْرَاهِيمُ الْأُطْرُوشُ عَنْ قَتْلِ الْجَهْمِيَّةِ قَالَ: أَرَى قَتْلَ الدُّعَاةِ مِنْهُمْ, وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ1: يُسْتَتَابُ, فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ. قَالَ أَحْمَدُ: أَرَى ذَلِكَ إذَا جَحَدَ الْعِلْمَ, وَذَكَرَ لَهُ الْمَرُّوذِيُّ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ, قَالَ: كَانَ لَا يُقِرُّ بِالْعِلْمِ, وَهَذَا كَافِرٌ.
وَقَالَ لَهُ الْمَرُّوذِيُّ: الْكَرَابِيسِيُّ2 يَقُولُ مَنْ لَمْ يَقُلْ لَفْظَهُ بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ, فَقَالَ: هُوَ الْكَافِرُ, قَالَ: مَاتَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ3 وَخَلَفَهُ حُسَيْنُ الْكَرَابِيسِيُّ وَقَالَ: كَذَبَ. هَتَكَهُ اللَّهُ الْخَبِيثَ قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: فَقَدْ أَبَانَ عَنْ بِدْعَتِهِ وَكُفْرِهِ. وَقَالَ عَنْ حَارِثٍ الْمُحَاسِبِيِّ: قَاتَلَهُ اللَّهُ, وَقَالَ: لَا يَغُرَّك خُشُوعُهُ وَلِينُهُ وَتَنْكِيسُ رَأْسِهِ فَإِنَّهُ رَجُلُ سُوءٍ, ذَاكَ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا مَنْ قَدْ خَبِرَهُ, لَا تُكَلِّمْهُ, وَلَا كَرَامَةَ لَهُ, وَكَذَّبَ أَحْمَدُ دَاوُد الظَّاهِرِيَّ وَقَالَ: إنَّهُ عَدُوُّ اللَّهِ, وَقَالَ: لَا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ, لِقَوْلِهِ: الْقُرْآنُ مُحْدَثٌ, وَأَنْكَرَ دَاوُد, فقال أحمد:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 هو أبو عثمان عمرو بن عبيد بن ثوبان البصري كان قد جالس الحسن البصري واشتهر بصحبته ثم اعتزله وانضم إلى واصل بن عطاء شيخ المعتزلة فأعجب به وزوجه أخته قال بالقدر ودعا إليه توفي بطريق مكة سنة "134 هـ" السير "6/104" والبداية والنهاية "10/76".
2 هو أبو علي الحسين بن علي بن يزيد البغدادي كان من بحور العلم ذكيا فطنا لسنا إلا أنه وقع بينه وبين الإمام أحمد فهجر لذلك قال الحسين ف يالقرآن: لفظي به مخلوق فبلغ ذلك أحمد فأنكره وقال: هذه بدعة فأوضح حسين المسألة وقال: تلفظك بالقرآن يعني غير الملفوظ "ت 245 هـ" السير "12/79".
3 أبو عبد الرحمن بشر بن غياث المريسي فقيه معتزلي عارف بالفلسفة يرمى بالزندقة وإليه تنسب الطائفة المريسية القائلة بالإرجاء "ت 218 هـ" انظر تاريخ بغداد "7/56" والأعلام "2/55".(10/178)
مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ أَصْدَقُ مِنْهُ, لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ, قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: فَمَنَعَ مِنْ قَبُولِهِ تَوْبَتَهُ.
وَاحْتَجَّ الشَّيْخُ بِقَوْلِ خَالِدٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَارِجِيِّ: أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ قَالَ لَا1 وَبِكَفِّهِ عَنْ الْمُنَافِقِينَ2, وَبِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ3 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, وَإِنْ صَرَّحُوا بِسَبِّ إمَامٍ أَوْ عَدْلٍ عُزِّرُوا, وَإِنْ عَرَضُوا بِذَلِكَ4 فَوَجْهَانِ "م 7" وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُبْتَدِعٍ دَاعِيَةٍ لَهُ دُعَاةٌ: أَرَى حَبْسَهُ, وَكَذَا فِي التَّبْصِرَةِ: عَلَى الْإِمَامِ منعهم وردعهم, ولا يقاتلهم إلا أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 7" قَوْلُهُ: "وَإِنْ صَرَّحُوا بِسَبِّ إمَامٍ أَوْ عَدْلٍ عُزِّرُوا, وَإِنْ عَرَضُوا فَوَجْهَانِ", انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي5 وَالْكَافِي6 وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ7 وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ.
"أَحَدُهُمَا" يُعَزَّرُونَ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ, وَهُوَ الصَّوَابُ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" لَا يُعَزَّرُونَ, قَالَ فِي الْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِ: فَإِنْ صَرَّحُوا بِسَبِّ الْإِمَامِ عَزَّرَهُمْ, انْتَهَى. فَظَاهِرُهُ عَدَمُ التَّعْزِيرِ بِالتَّعْرِيضِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
"تَنْبِيهٌ" مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ مِنْ إطْلَاقِ الْوَجْهَيْنِ فِي مَسْأَلَتَيْنِ لَيْسَ مِنْ إطْلَاقِ الْخِلَافِ الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ, إذْ الْمُصَنِّفُ قَدْ قَدَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ حُكْمًا فِيهَا, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَهَذِهِ سَبْعُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الباب.
__________
1 أخرجه البخاري "4351" ومسلم "1064" "144" عن أبي سعيد الخدري.
2 أخرجه البخاري "3518" ومسلم "2584" "63" عن جابر.
3 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "8/184" وفيه "ولا نبدؤكم بقتال".
4 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
5 "12/247".
6 "5/315".
7 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/100".(10/179)
يَجْتَمِعُوا لِحَرْبِهِ فَكَبُغَاةٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا فِي الْحَرُورِيَّةِ الدَّاعِيَةُ: تُقَاتَلُ كَبُغَاةٍ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: يُقَاتَلُ مَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ, وَكُلُّ مَنْ مَنَعَ فَرِيضَةً فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ قِتَالُهُ حَتَّى يَأْخُذُوهَا مِنْهُ, وَاخْتَارَهُ أَبُو الْفَرَجِ وَشَيْخُنَا وَقَالَ: أَجْمَعُوا أَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ مُمْتَنِعَةٍ عَنْ شَرِيعَةٍ مُتَوَاتِرَةٍ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ يَجِبُ قِتَالُهَا حَتَّى يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ كَالْمُحَارِبِينَ وَأَوْلَى, وَلِهَذَا اتَّفَقُوا أَنَّ الْبِدَعَ الْمُغَلَّظَةَ شَرٌّ مِنْ الذُّنُوبِ وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِتَالِ الْخَوَارِجِ عَنْ السُّنَّةِ1, وَأَمَرَ بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِ الْأَئِمَّةِ وظلمهم2, وأن الرافضة شَرٌّ مِنْ الْخَوَارِجِ اتِّفَاقًا. قَالَ: وَفِي قَتْلِ الْوَاحِدِ مِنْهُمَا وَنَحْوِهِمَا وَكُفْرِهِ رِوَايَتَانِ, وَالصَّحِيحُ جَوَازُ قَتْلِهِ كَالدَّاعِيَةِ وَنَحْوِهِ, وَأَنَّ مَا قَالُوهُ مِمَّا تَعْلَمُ مُخَالَفَتَهُ لِلرَّسُولِ كُفْرٌ, وَكَذَا فِعْلُهُمْ مِنْ جِنْسِ فِعْلِ الْكُفَّارِ بِالْمُسْلِمِينَ كُفْرٌ أَيْضًا.
وَجَوَّزَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ الْخُرُوجَ عَلَى إمَامٍ غَيْرِ عَادِلٍ وَذَكَرَا خُرُوجَ الْحُسَيْنِ عَلَى يَزِيدَ لِإِقَامَةِ الْحَقِّ, وَكَذَا قَالَ الْجُوَيْنِيُّ إذَا جَارَ وَظَهَرَ ظُلْمُهُ وَلَمْ يُزْجَرْ3 حِينَ زَجَرَ فَلَهُمْ خَلْعُهُ وَلَوْ بِالْحَرْبِ وَالسِّلَاحِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: خَلْعُهُ غَرِيبٌ. وَمَعَ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يخف مفسدة أعظم منه,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 البخاري "3344" ومسلم "1064" "143" من حديث أبي سعيد الخدري وفيه: "إن من ضئضئ هذا – أو في عقب هذا – قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز جناجرهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان لئن أنا أدركتهم لأقاتلنهم قتل عاد".
2 البخاري "7432" ومسلم "1849" "55" من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "من رأى من أميره شيئا فكره فليصبر فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهلية".
3 في "ر" "ينزجر".(10/180)
وَنُصُوصُ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ وَأَنَّهُ بِدْعَةٌ مخالف للسنة, و1أمر بالصبر, و2أن السيف2 إذَا وَقَعَ عَمَّتْ الْفِتْنَةُ, وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ, وَسُفِكَتْ الدِّمَاءُ, وَتُسْتَبَاحُ الْأَمْوَالُ, وَتُنْتَهَكُ الْمَحَارِمُ.
قَالَ شَيْخُنَا: عَامَّةُ الْفِتَنِ الَّتِي وَقَعَتْ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِهَا قِلَّةُ الصَّبْرِ, إذْ الْفِتْنَةُ لَهَا سَبَبَانِ: إمَّا ضَعْفُ الْعِلْمِ, وَإِمَّا ضَعْفُ الصَّبْرِ, فَإِنَّ الْجَهْلَ وَالظُّلْمَ أَصْلُ الشَّرِّ, وَفَاعِلُ الشَّرِّ إنَّمَا يَفْعَلُهُ لِجَهْلِهِ بِأَنَّهُ شَرٌّ, وَلِكَوْنِ نَفْسِهِ تُرِيدُهُ, فَبِالْعِلْمِ يَزُولُ الْجَهْلُ, وَبِالصَّبْرِ يُحْبَسُ الْهَوَى وَالشَّهْوَةُ, فَتَزُولُ3 الْفِتْنَةُ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ السِّرِّ الْمَصُونِ: مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ الْعَامِّيَّةِ الَّتِي غَلَبَتْ عَلَى جَمَاعَةٍ مُنْتَسِبِينَ إلَى السُّنَّةِ, أَنْ يَقُولُوا: إنَّ يَزِيدَ كَانَ عَلَى الصَّوَابِ وَأَنَّ الْحُسَيْنَ أَخْطَأَ فِي الْخُرُوجِ عَلَيْهِ. وَلَوْ نَظَرُوا فِي السِّيَرِ لَعَلِمُوا كَيْفَ عُقِدَتْ لَهُ الْبَيْعَةُ وَأُلْزِمَ النَّاسُ بِهَا, وَلَقَدْ فَعَلَ فِي ذَلِكَ كُلَّ قَبِيحٍ, ثُمَّ لَوْ قَدَّرْنَا صِحَّةَ خِلَافَتِهِ فَقَدْ بَدَرَتْ مِنْهُ بَوَادِرُ وَكُلُّهَا تُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ, مِنْ نَهْبِ الْمَدِينَةِ, وَرَمْيِ الْكَعْبَةِ بِالْمَنْجَنِيقِ4, وَقَتْلِ الْحُسَيْنِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ, وَضَرْبِهِ عَلَى ثَنِيَّتَيْهِ بِالْقَضِيبِ, وَحَمْلِهِ الرَّأْسَ عَلَى خَشَبَةٍ5. وَإِنَّمَا يَمِيلُ6 جَاهِلٌ بِالسِّيرَةِ عَامِّيُّ الْمَذْهَبِ يَظُنُّ أَنَّهُ يَغِيظُ بِذَلِكَ الرَّافِضَةَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ط".
2 2 في "ط" "أنه".
3 بعدها في "ط" "تلك".
4 في النسخ الخطية "بالمناجيق" والمثبت من "ط".
5 انظر تاريخ الطبري "5/496 – 499" والكامل في التاريخ لابن الأثير "4/46 – 90".
6 في الأصل "يمثل".(10/181)
وَمَنْ كَفَّرَ أَهْلَ الْحَقِّ وَالصَّحَابَةَ وَاسْتَحَلَّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ بِتَأْوِيلٍ فَهُمْ خَوَارِجُ بُغَاةٌ فَسَقَةٌ, وَعَنْهُ: كُفَّارٌ. وَفِي التَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَةِ: هُوَ أَشْهَرُ, وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْإِرْشَادِ عَنْ أَصْحَابِنَا تَكْفِيرَ مَنْ خَالَفَ فِي أَصْلٍ, كَخَوَارِجٍ وَرَافِضَةٍ وَمُرْجِئَةٍ, وَذَكَرَ غَيْرُهُ رِوَايَتَيْنِ فِيمَنْ قَالَ لَمْ يَخْلُقْ اللَّهُ الْمَعَاصِيَ أَوْ وَقَفَ فِيمَنْ حَكَمْنَا بِكُفْرِهِ, وَفِيمَنْ سَبَّ صَحَابِيًّا غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ, وَأَنَّ مُسْتَحِلَّهُ كَافِرٌ.
وَفِي الْمُغْنِي: يَخْرُجُ فِي كُلِّ مُحَرَّمٍ اُسْتُحِلَّ بِتَأْوِيلٍ كَالْخَوَارِجِ وَمَنْ كَفَّرَهُمْ فَحُكْمُهُمْ عِنْدَهُ كَمُرْتَدِّينَ, قَالَ فِي الْمُغْنِي1: هَذَا مُقْتَضَى قَوْلِهِ. وَقَالَ شَيْخُنَا: نُصُوصُهُ صَرِيحَةٌ عَلَى عَدَمِ كُفْرِ الْخَوَارِجِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَغَيْرِهِمْ وَإِنَّمَا كَفَّرَ الْجَهْمِيَّةَ لَا أَعْيَانَهُمْ, قَالَ وَطَائِفَةٌ تَحْكِي عَنْهُ رِوَايَتَيْنِ فِي تَكْفِيرِ أَهْلِ الْبِدَعِ مُطْلَقًا, حَتَّى الْمُرْجِئَةِ وَالشِّيعَةِ الْمُفَضِّلَةِ لِعَلِيٍّ قَالَ: وَمَذَاهِبُ الْأَئِمَّةِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّفْضِيلِ2 بَيْنَ النَّوْعِ وَالْعَيْنِ وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الْحِمْصِيُّ: مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ الَّذِينَ أَخْرَجَهُمْ النَّبِيُّ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ مِنْ الْإِسْلَامِ الْقَدَرِيَّةُ وَالْمُرْجِئَةُ وَالرَّافِضَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ, فَقَالَ, "لَا تُصَلُّوا مَعَهُمْ وَلَا تُصَلُّوا عَلَيْهِمْ"3
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "12/247 – 248".
2 في النسخ الخطية "التفصيل" والمثبت من "ط".
3 لم نقف عليه.(10/182)
وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ فِي الصَّحَابَةِ خَيْرًا مِنْ أَبِي بَكْرٍ فَوَلَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ افْتَرَى عَلَيْهِ وَكَفَرَ بِأَنْ زَعَمَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُقِرُّ الْمُنْكَرَ بَيْنَ أَنْبِيَائِهِ فِي النَّاسِ, فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبَ ضَلَالِهِمْ. وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ: مَنْ قَالَ عِلْمُ اللَّهِ مَخْلُوقٌ كَفَرَ, وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: الْقَدَرِيُّ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ الْإِسْلَامِ. وَفِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ: مَنْ سَبَّ صَحَابِيًّا مُسْتَحِلًّا كُفِّرَ وَإِلَّا فُسِّقَ, وَقِيلَ عَنْهُ يُكَفَّرُ, نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: فيمن شتمنه1 الْقَتْلَ؟ أَجْبَنُ عَنْهُ وَيُضْرَبُ, مَا أَرَاهُ عَلَى الْإِسْلَامِ.
وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ فِي أُصُولِهِ كُفْرَ الْخَوَارِجِ وَالرَّافِضَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ, وَمَنْ لَمْ يُكَفِّرْ مَنْ كَفَّرْنَاهُ فُسِّقَ وَهُجِرَ, وَفِي كُفْرِهِ وَجْهَانِ, وَاَلَّذِي ذَكَرَ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ وَأَبِي طَالِبٍ وَيَعْقُوبَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ. وَقَالَ: مَنْ رَدَّ مُوجِبَاتِ الْقُرْآنِ كَفَرَ, وَمَنْ رَدَّ مَا تَعَلَّقَ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ الثَّابِتَةِ فَوَجْهَانِ, وَأَنَّ غَالِبَ أَصْحَابِنَا عَلَى كُفْرِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالصِّفَاتِ, وَذَكَرَ فِي مَكَان آخَرَ: إنْ جَحَدَ أَخْبَارَ الْآحَادِ كَفَرَ, كَالتَّوَاتُرِ عِنْدَنَا تُوجِبُ الْعِلْمَ وَالْعَمَلِ. فَأَمَّا مَنْ جَحَدَ الْعِلْمَ بِهَا فَالْأَشْبَهُ لَا يُكَفَّرُ, وَيُكَفَّرُ فِي2 نَحْوِ الْإِسْرَاءِ وَالنُّزُولِ وَنَحْوِهِ مِنْ الصِّفَاتِ. وَقَالَ فِي إنْكَارِ الْمُعْتَزِلَةِ اسْتِخْرَاجَ قَلْبِهِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَإِعَادَتِهِ: فِي كُفْرِهِمْ بِهِ وَجْهَانِ. بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي الْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ صِفَةٌ لَهُ, وَعَلَى مَنْ قَالَ لَا أُكَفِّرُ مَنْ لَا يُكَفِّرُ الْجَهْمِيَّةَ. قَالَ شَيْخُنَا: قِتَالُ التَّتَارِ وَلَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ كَقِتَالِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط" "شتمنا".
2 ليست في "ط".(10/183)
مانعي الزكاة1, ويؤخذ مالهم وذريتهم والمتحيز2 إلَيْهِمْ وَلَوْ ادَّعَى إكْرَاهًا.
وَمَنْ أَجْهَزَ عَلَى جريح لم يأثم ولو تشاهد3 ومن4 أَخَذَ مِنْهُمْ شَيْئًا خُمُسُهُ وَبَقِيَّتُهُ لَهُ.
وَمَنْ ابْتَاعَ مِنْهُمْ مَالَ مُسْلِمٍ أَخَذَهُ رَبُّهُ, وَإِنْ جَهِلَهُ أَعْطَى مَا اشْتَرَاهُ بِهِ, وَهُوَ لِلْمُصَالِحِ, كَذَا قَالَ, مَعَ أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّافِضَةِ الْجَبَلِيَّةِ: يَجُوزُ أَخْذُ مَالِهِمْ فَإِنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْهَبَ عَسْكَرَهُ مَا كَانَ فِي عَسْكَرِ الْخَوَارِجِ5, وَلِأَنَّهُمْ نَهَبُوا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَضْعَافَ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ, ثُمَّ خَرَّجَ سَبْيَ حَرِيمِهِمْ عَلَى تَكْفِيرِهِمْ, وَأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ تَسُبَّ الْخَوَارِجَ.
وَفِي رَدِّهِ عَلَى الرَّافِضِيِّ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَسْبِ لِلْخَوَارِجِ ذُرِّيَّةً, وَلَمْ يَغْنَمْ مَالَهُمْ فَعَلِمَ أَنَّ سِيرَتَهُ وَسِيرَةَ الصَّحَابَةِ فِيهِمْ تُخَالِفُ سِيرَتَهُمْ فِي أَهْلِ الرِّدَّةِ. وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ مَنْ قَاتَلَ عَلَى مَنْعِ الزَّكَاةِ لَا يُكَفَّرُ, وَحُكْمُهُمْ كَبُغَاةٍ. وَقَالُوا فِيمَنْ قَاتَلَهُمْ الصديق رضي الله عنه: يحتمل ردتهم,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه البخاري "6855" ومسلم "20" من حديث أبي هريرة.
2 في الأصل "المعفر" و"ر" و"ط" "المقفز" والصواب ما أثبت كما في الاختيارات ص "298".
3 ليست في "ر".
4 في "ر" "وأن من" وفي "ط" "ولمن".
5 أخرجه عبد الرزاق "18589" وفيه: ما أوت الديار من مالهم فهو لهم ومن أجلبوا به عليكم في عسكركم فهو لكم.(10/184)
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ جَحَدُوا وُجُوبَهَا.
وَنَقَلَ عَنْهُ الْمَيْمُونِيُّ أَمْرَ هَذَا الْكَافِرِ "بَابَكَ"1 لَعَنَهُ اللَّهُ لَيْسَ كَغَيْرِهِ, سَبْيُ2 النِّسَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ فَوَقَعُوا عَلَيْهِنَّ فَحَمَلْنَ, فَالْوَلَدُ تَبَعٌ لِأُمِّهِ, كَذَا حُكْمُ الْإِسْلَامِ, ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا يُحَارِبُنَا وَهُوَ مُقِيمٌ فِي دَارِ الشِّرْكِ أَيُّ شَيْءٍ حُكْمُهُ؟ إذَا كَانَ هَكَذَا فحكمه حكم الارتداد.
وَإِنْ اقْتَتَلَتْ طَائِفَتَانِ لِعَصَبِيَّةٍ أَوْ رِيَاسَةٍ فَظَالِمَتَانِ ضَامِنَتَانِ وَتَضْمَنُ, قَالَ شَيْخُنَا: فَأَوْجَبُوا الضَّمَانَ عَلَى مَجْمُوعِ الطَّائِفَةِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ عَيْنَ الْمُتْلَفِ, وقال: وإن تقاتلا3 تَقَاصَّا; لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ وَالْمُعَيَّنَ سَوَاءٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ, وَقَالَ: وَإِنْ جَهِلَ قَدْرَ مَا نَهَبَهُ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْ الْأُخْرَى تَسَاوَيَا, كَمَنْ جَهِلَ قَدْرَ الْمُحْرِمِ بِمَالِهِ أَخْرَجَ نِصْفَهُ وَالْبَاقِي لَهُ, وَمَنْ دخل للصلح4 فجهل قاتله ضمنتاه والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 هو بابك الخرمي كان ظهوره سنة "201 هـ" بأذربيجان خرج على المأمون وكان على مذهب أهل الإباحة من المجوس أتباع مزدك وتبعه خلق عظيم على رأيه فأقام عشرين سنة يهزم جيوش المأمون والمعتصم قيل: أنه قتل مئة وخمس ألفا مئة إنسان قتله المعتصم سنة "222 هـ" الوافي بالوفيات "10/64 – 65".
2 في "ر" "سبوا".
3 في "ر" و"ط" "تقابلا".
4 أي فقتل.(10/185)
باب حكم المرتد
مدخل
...
باب حكم المرتد
مَنْ كَفَرَ طَوْعًا وَلَوْ هَازِلًا بَعْدَ إسْلَامِهِ, قِيلَ: طَوْعًا, وَقِيلَ: وَكَرْهًا وَالْأَصَحُّ بِحَقٍّ "م 1" فَمُرْتَدٌّ, بِأَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ جَحَدَ صفة له 1 قَالَ فِي الْفُصُولِ: مُتَّفَقًا عَلَى إثْبَاتِهَا, أَوْ بَعْضِ كُتُبِهِ, أَوْ رُسُلِهِ, أَوْ سَبَّهُ, أَوْ رَسُولَهُ, أَوْ ادَّعَى النُّبُوَّةَ. قَالَ شَيْخُنَا: أَوْ كَانَ مُبْغِضًا لِرَسُولِهِ وَلِمَا جَاءَ بِهِ اتِّفَاقًا. وَقَالَ: أَوْ تَرَكَ إنْكَارَ مُنْكَرٍ بِقَلْبِهِ, أَوْ جَحَدَ حُكْمًا ظَاهِرًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ, كَعِبَادَةٍ مِنْ الْخَمْسِ, أَوْ تَحْرِيمِ خَمْرٍ وَنَحْوِهِ, أَوْ شَكَّ فيه ومثله لا يجهله. قال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 1" قَوْلُهُ: "وَمَنْ كَفَرَ طَوْعًا وَلَوْ هَازِلًا بَعْدَ إسْلَامِهِ, قِيلَ: طَوْعًا, وَقِيلَ: وَكَرْهًا, وَالْأَصَحُّ بِحَقٍّ" , انْتَهَى.
ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ إسْلَامِهِ طَوْعًا, فَإِنَّهُ قَالَ: كُلُّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا إلَى آخِرِهِ, انْتَهَى.
"قُلْت": ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ أَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَيْهِ حَيْثُ حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِ, وَهُوَ الصَّوَابُ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: "وَالْأَصَحُّ بِحَقٍّ". يَنْبَغِي أن يكون هذا بلا نزاع.
__________
1 ليست في "ط".(10/186)
شَيْخُنَا: وَلِهَذَا لَمْ يُكَفِّرْ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ الشَّاكَّ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ وَإِعَادَتِهِ1, لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ بَلَاغِ الرِّسَالَةِ, وَأَنَّ مِنْهُ قَوْلَ عَائِشَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَهْمَا يَكْتُمُ النَّاسُ يَعْلَمُهُ اللَّهُ؟ قَالَ "نَعَمْ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْجَنَائِزِ2 وَفِي أُصُولِ مُسْلِمٍ بِحَذْفِ "قَالَ", قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ كَأَنَّهَا لَمَّا قَالَتْ ذَلِكَ صَدَّقَتْ نَفْسَهَا فقال: نعم.
وَحَمَلَ فِي الْفُنُونِ الْخَبَرَ الْأَوَّلَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ. قَالَ: وَيُحْمَلُ عَلَى قَوْلٍ من3 يَرَى أَنَّ الْعَقْلَ مُوجِبٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي مُهْلَةِ النَّظَرِ لَمْ يَتَكَامَلْ لَهُ النَّظَرُ.
وَقَدْ سَمِعَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ قِرَاءَةً أَنْكَرَهَا ثُمَّ سَمِعَ قِرَاءَةً سِوَاهَا وَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُمَا فَقَرَآ عَلَيْهِ, فَحَسَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَأْنَهُمَا قَالَ: فَسَقَطَ فِي نَفْسِي مِنْ التَّكْذِيبِ وَلَا إذْ كُنْت فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَدْ غَشِيَنِي ضَرَبَ فِي صَدْرِي فَفِضْت عَرَقًا وَكَأَنَّمَا أَنْظُرُ إلَى اللَّهِ3 فَرَقًا, فَقَالَ لِي يَا أُبَيّ أُرْسِلَ إلَيَّ أَنْ اقْرَأْ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ الْحَدِيثَ, رواه مسلم4. قال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ينظر صحيح البخاري "3481" وصحيح مسلم "2756" "25" ونص الحديث: "كان رجل يسرف على نفسه فلما حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا مت فاحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني في الريح فوالله لئن قدر علي ربي لعذبني عذابا ما عذبه أحدا فلما مات فعل به ذلك فأمر الله الأرض فقال: اجمعي ما فيك منه ففعلت فإذا هو قائم فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رب خشيتك فغفر له".
2 برقم "974" "103".
3 ليست في "ط".
4 في صحيحه "820" "273" ومعنى قوله: فَسَقَطَ فِي نَفْسِي مِنْ التَّكْذِيبِ وَلَا إذْ كنت في الجاهلية أي: وسوس لي الشيطان تكذيبا للنبوة أشد مما كنت عليه في الجاهلية.(10/187)
شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ: فِي الْإِجْمَاعِ إجْمَاعًا قَطْعِيًّا, وَذَكَرَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فَسَّقَهُ فَقَطْ. قَالَ: أَوْ جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَسَائِطَ يَتَوَكَّلُ عَلَيْهِمْ وَيَدْعُوهُمْ وَيَسْأَلُهُمْ "ع" قَالَ جَمَاعَةٌ: أَوْ سَجَدَ لِشَمْسٍ أَوْ قَمَرٍ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: أَوْ أَتَى بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ صَرِيحٍ فِي الِاسْتِهْزَاءِ بِالدِّينِ. قَالَ شَيْخُنَا: أَوْ تَوَهَّمَ أَنَّ مِنْ الصَّحَابَةِ أَوْ التَّابِعِينَ أَوْ تَابِعِيهِمْ قَاتَلَ مَعَ الْكُفَّارِ, أَوْ أَجَازَ ذَلِكَ1, وَقِيلَ: أَوْ كَذَبَ عَلَى نَبِيٍّ أَوْ أَصَرَّ فِي دَارِنَا عَلَى خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ. وَقَالَ الْقَاضِي رَأَيْت بَعْضَ أَصْحَابِنَا يُكَفِّرُ جَاحِدَ تَحْرِيمِ النَّبِيذِ, وَالْمُسْكِرُ كُلُّهُ كَالْخَمْرِ, وَسَيَأْتِي رِوَايَةٌ فِي الْعَدَالَةِ2. قَالَ: وَلَا يُكَفَّرُ بِجَحْدِ قِيَاسٍ اتِّفَاقًا, لِلْخِلَافِ فِيهِ, بَلْ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ, وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَوْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ, وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ كَفَرْتُمْ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد3, وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا4: ضَلَلْتُمْ, هَذَا فِي جَاحِدِ السُّنَنِ. قَالَ وَلَمْ يُكَفِّرْهُ جُمْلَةً مِنْ التابعين والعراقيين بجحد سنة. قَالَ: وَلَا يُكَفَّرُ بِجَحْدِ قِيَاسٍ اتِّفَاقًا, لِلْخِلَافِ فِيهِ, بَلْ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ, وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَوْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ, وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ كَفَرْتُمْ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد, وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا: ضَلَلْتُمْ, هَذَا فِي جَاحِدِ السُّنَنِ. قَالَ وَلَمْ يُكَفِّرْهُ جُمْلَةً مِنْ التَّابِعِينَ والعراقيين بجحد سنة. قَالَ وَمَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَأَسَرَّ الْكُفْرَ فَمُنَافِقٌ كافر كعبد الله بن أبي بن سَلُولَ وَإِنْ أَظْهَرَ أَنَّهُ قَائِمٌ بِالْوَاجِبِ وَفِي قلبه أنه5 لا يفعل فمنافق كَقَوْلِهِ فِي ثَعْلَبَةَ {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} الآية [التوبة: 75] وَهَلْ يُكَفَّرُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَجْهٌ كُفْرُهُ أَنَّهُ شاق الله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 الاختيارات الفقهية ص "307".
2 "11/323"
3 في سننه "550".
4 أحمد "3623" ومسلم "654" "257" والنسائي في المجتبى "2/108" وابن ماجه "777".
5 في النسخ "أن".(10/188)
ورسوله ورد رَسُولِ اللَّهِ فَكَفَرَ قَالَ: وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالُوا: كُلُّهُ كُفْرٌ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ وَاَلَّذِي أَقُولُ: إنَّ مَا كَانَ مِنْ النِّفَاقِ فِي الْأَفْعَالِ لَا يُكَفِّرُ وَذَلِكَ فِيمَا سَأَلَهُ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم عَمَّنْ لَا يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ أَحْمَدُ: وَمَنْ يَأْمَنُ النِّفَاقَ؟
1فَبَيَّنَ أَنَّهُ يَكُونُ فِي غَالِبِ حَالِ الْإِنْسَانِ وَلَا يَدُلُّ عَلَى كُفْرِهِ وَفِي مَعْنَى النِّفَاقِ الرِّيَاءُ لِلنَّاسِ1 وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ2 وَلَا يُكَفَّرُ بِهِ فَكَذَا هَذَا النِّفَاقُ أَوْ أَنَّهُ نِفَاقٌ فَهُوَ مِثْلُهُ وَلِأَحْمَدَ3 من حديث عقبة وعبد الله بن عمرو "أكثر مُنَافِقِي أُمَّتِي قُرَّاؤُهَا" وَالْمُرَادُ الرِّيَاءُ وَلَعَلَّ مُرَادَ مَنْ قَالَ كُلُّهُ كُفْرٌ غَيْرُ نَاقِلٍ عَنْ الْمِلَّةِ كَقَوْلِ أَحْمَدَ: كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ وَإِلَّا فضعيف جدا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ4 لَا يُكَفِّرُ منافق أسر الكفر قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 2" قَوْلُهُ: وَإِنْ أَظْهَرَ أَنَّهُ قَائِمٌ بِالْوَاجِبِ وَفِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ فَنِفَاقٌ كَقَوْلِهِ فِي ثَعْلَبَةَ {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} [التوبة: 75] الْآيَةَ, وَهَلْ يُكَفَّرُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَجْهٌ كُفْرُهُ أَنَّهُ شَاقَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَرَدَّ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ فَكَفَرَ, قَالَ: وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالُوا: كُلُّهُ كُفْرٌ, لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ, وَاَلَّذِي أَقُولُ: إنَّ مَا كَانَ مِنْ النِّفَاقِ فِي الْأَفْعَالِ لَا يُكَفَّرُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ لَا يكفر إلا منافق أسر الكفر, انتهى.
__________
1 1 ليست في "ر".
2 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
3 في مسنده "17367" و"6633".
4 في "ط" "وأصحابه".(10/189)
من أصحاب مَنْ أَخْرَجَ الْحَجَّاجَ عَنْ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ أَخَافَ الْمَدِينَةَ وَانْتَهَكَ حَرَمَ اللَّهِ وَحَرَمَ رَسُولِهِ فَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ: يَزِيدُ وَنَحْوُهُ وَنَصُّ أَحْمَدَ خِلَافُ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِاللَّعْنَةِ خِلَافًا لِأَبِي الْحُسَيْنِ وَابْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَقَالَ شيخنا ظاهر كلامه: الكراهة وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مَنْ كان مصدقا بقلبه ولسانه وفعله هَذِهِ الْخِصَالَ يَعْنِي: الْأَرْبَعَ الَّتِي مَنْ كُنَّ فيه كان منافقا خالصا قال1: لَا يُكَفَّرُ وَلَا هُوَ مُنَافِقٌ يَخْلُدُ فِي النَّارِ فَإِنَّ إخْوَةَ يُوسُفَ وَغَيْرَهُمْ جَمَعُوا هَذِهِ الْخِصَالَ.
قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَمَعْنَى الْخَبَرِ: أَنَّهُ يُشْبِهُ الْمُنَافِقَ فَإِنَّهُ أَظْهَرَ خِلَافَ مَا أَبْطَنَ قَالَ بَعْضُهُمْ وَمَنْ نَدَرَ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَيْسَ دَاخِلًا فِي الْخَبَرِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ إنَّمَا مَعْنَى هذا عند أهل العلم نفاق العمل قال جماعة: المراد به1 الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ كَانُوا زَمَنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ: التَّحْذِيرُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَعْتَادَ هَذِهِ الْخِصَالَ فَيَخَافُ أَنْ يُفْضِيَ بِهِ إلَى حَقِيقَةِ النِّفَاقِ وَقَدْ ذُكِرَ مَعْنَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَوْ بَعْضِهَا فِي أَحَادِيثَ.
وَلَا يَكْفُرُ مَنْ حَكَى كُفْرًا سَمِعَهُ وَلَا يَعْتَقِدُهُ وَلَعَلَّ هَذَا "ع" وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ2 فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ هَنَّادٍ3 سَمِعْت يحيى بن خلف بن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
هَذَا كُلُّهُ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي, وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ إلَّا مَنْ أَسَرَّ الْكُفْرَ لَا غَيْرَهُ, كَمَا قَالَ الْقَاضِي: إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الإمام والأصحاب.
__________
1 ليست في "ط".
2 في تاريخ دمشق مخطوطة دار البشير "15/371 – 372".
3 هو محمد بن سعيد بن هناد أبو غانم الخزاعي سكن بغداد وحدث بها "ت 69 هـ" تاريخ دمشق لابن عساكر مخطوطو دار البشير "15/371 -372".(10/190)
الرَّبِيعِ الطَّرَسُوسِيَّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى مَالِكِ بن أنس وأنا شاهد فقال: ما بقول فِي رَجُلٍ يَقُولُ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ؟ فَقَالَ: كَافِرٌ زِنْدِيقٌ خُذُوهُ فَاقْتُلُوهُ. فَقَالَ الرَّجُلُ: إنَّمَا أَحْكِي كلاما سمعته فقال: إنما1 سمعته منك. وَفِي الِانْتِصَارِ: مَنْ تَزَيَّا بِزِيِّ كُفْرٍ مِنْ لُبْسِ غِيَارٍ وَشَدِّ زُنَّارٍ وَتَعْلِيقِ صَلِيبٍ بِصَدْرِهِ حَرُمَ وَلَمْ يُكَفَّرْ, وَفِي الْخِلَافِ: فِي إسْلَامِ كَافِرٍ بِالصَّلَاةِ ثَبَتَ أَنَّ لِلسِّيمَا2 حُكْمًا فِي الْأُصُولِ, لِأَنَّا لَوْ رَأَيْنَا رَجُلًا عَلَيْهِ زُنَّارٌ أَوْ عَسَلِيٌّ حُكِمَ بِكُفْرِهِ ظَاهِرًا, ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الْمَقْتُولِ بِأَرْضِ حَرْبٍ: يستدل عليه بالختان والثياب. قال3: فَثَبَتَ أَنَّ لِلسِّيمَا حُكْمًا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ فِي بَابِ الْحُكْمِ بِالْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ, كَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا, قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يُنْكِرُ هَذَا وَلَا يُسَلِّمُهُ. وَفِي الْفُصُولِ: إنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ كَانَ يُعَظِّمُ الصَّلِيبَ مِثْلَ أَنْ يُقَبِّلَهُ, وَيَتَقَرَّبَ بِقُرْبَانَاتِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَيُكْثِرَ مِنْ بِيَعِهِمْ وَبُيُوتِ عِبَادَاتِهِمْ, احْتَمَلَ أَنَّهُ رِدَّةٌ, لِأَنَّ هَذِهِ أَفْعَالٌ تُفْعَلُ اعْتِقَادًا, وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ اعْتِقَادًا, لِأَنَّهُ قَدْ يَفْعَلُ ذَلِكَ تَوَدُّدًا أَوْ تُقْيَةً لِغَرَضِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا, وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ, لِأَنَّ الْمُسْتَهْزِئَ بِالْكُفْرِ يَكْفُرُ.
وَإِنْ كَانَ عَلَى ظَاهِرٍ يَمْنَعُ الْقَصْدَ, فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ لِأَفْعَالٍ مِنْ خَصَائِصِ الْكُفْرِ أَنْ يَكْفُرَ, مَعَ عَدَمِ ظَاهِرٍ يَدُلُّ على عدم القصد, بل الظاهر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "أنا".
2 السيماء والسيمياء والسمة: العلامة. القاموس "سوم".
3 ليست في "ط".(10/191)
أَنَّهُ قَصْدٌ, وَجَزَمَ ابْنُ عَقِيلٍ قَبْلَ هَذَا بِأَنَّ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ امْتِهَانٌ لِلْقُرْآنِ أَوْ خَمْصٌ1 مِنْهُ أَوْ طَلَبُ تَنَاقُضِهِ, أَوْ دَعْوَى أَنَّهُ مُخْتَلِفٌ أَوْ مُخْتَلِقٌ, أَوْ مَقْدُورٌ عَلَى مِثْلِهِ أَوْ إسْقَاطٌ لِحُرْمَتِهِ, كُلُّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى كُفْرِهِ, فَيُقْتَلُ بَعْدَ التَّوْبَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مَنْ قَالَ: إنَّ الْقُرْآنَ مَقْدُورٌ عَلَى مِثْلِهِ وَلَكِنَّ اللَّهَ مَنَعَ قُدْرَتَهُمْ, كَفَرَ بَلْ هُوَ مُعْجِزٌ بِنَفْسِهِ, وَالْعَجْزُ شَمَلَ الْخَلْقَ.
فَمَنْ ارْتَدَّ مُكَلَّفًا مُخْتَارًا رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً دُعِيَ وَاسْتُتِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ, وَيَنْبَغِي أَنْ يُضَيَّقَ عَلَيْهِ وَيُحْبَسَ, فَإِنْ أَصَرَّ قُتِلَ بِسَيْفٍ, وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ فِدَاءٍ عَنْهُ, لِأَنَّ كُفْرَهُ أَغْلَظُ, وَعَنْهُ: لَا تَجِبُ اسْتِتَابَتُهُ, وَعَنْهُ: وَلَا تأجيله.
ورسول الكفار لا يقتل ولو2 كَانَ مُرْتَدًّا, بِدَلِيلِ رَسُولَيْ مُسَيْلِمَةَ3, وَذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْهَدْيِ. قَالَ فِي الْفُنُونِ فِي مَوْلُودٍ بِرَأْسَيْنِ فَبَلَغَ, نَطَقَ أَحَدُهُمَا بِالْكُفْرِ وَالْآخَرُ بِالْإِسْلَامِ, إنْ نَطَقَا مَعًا فَفِي أَيِّهِمَا يَغْلِبُ؟ احْتِمَالَانِ, قال: والصحيح إن تقدم الإسلام فمرتد.
وَيَصِحُّ إسْلَامُ مُمَيِّزٍ عَقْلُهُ, وَرِدَّتُهُ وَعَنْهُ: لَهُ عَشْرٌ, وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي, وَعَنْهُ: سَبْعٌ, وَعَنْهُ: حَتَّى يَبْلُغَ, وَعَنْهُ: يَصِحُّ إسْلَامُهُ وَهِيَ أَظْهَرُ وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهُمَا, وَعَلَيْهِنَّ: يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ, قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: وَيَتَوَلَّاهُ الْمُسْلِمُونَ وَيُدْفَنُ
بِمَقَابِرِهِمْ,. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 التخامص: التجافي اللسان "خمص".
2 في "ط" "وإن".
3 أخرجه أبو داود "2761" عن نعيم بن مسعود قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لهما حين قرأ كتاب مسيلمة "ما تقولان أنتما" قالا: نقول كما قال. قال: "أما والله لولا أن الرسول لا تقتل لضربت أعناقكما".(10/192)
وَأَنَّ فَرْضِيَّتَهُ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى صِحَّتِهِ, كَصِحَّتِهِ تَبَعًا, وَكَصَوْمِ مَرِيضٍ وَمُسَافِرٍ رَمَضَانَ, وَلَا يُقْتَلُ وَهُوَ سَكْرَانُ, إنْ صَحَّتْ رِدَّتُهُمَا حَتَّى يُسْتَتَابَا بَعْدَ بُلُوغٍ وَصَحْوٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ, وَعِنْدَ الْخِرَقِيِّ فِي الثَّلَاثَةِ مِنْ رِدَّةِ سَكْرَانَ وَفِي الرَّوْضَةِ: تَصِحُّ رِدَّةُ مُمَيِّزٍ فَيُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَيَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْبُلَّغِ.
وَغَيْرُ الْمُمَيِّزِ يُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ, فَإِنْ بَلَغَ مُرْتَدًّا قُتِلَ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ. قَالَ: وَقِيلَ: لَا يُقْتَلُ حَتَّى يَبْلُغَ مُكَلَّفًا1, وَجَزَمَ أَنَّهُ إذَا زَنَى ابْنُ عَشْرٍ أَوْ بِنْتُ تِسْعٍ: لَا بَأْسَ بِالتَّعْزِيرِ.
وَيُقْتَلُ زِنْدِيقٌ, وَهُوَ الْمُنَافِقُ, وَمَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ أَوْ كَفَرَ بسحره أو سب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في النسخ الخطية "مطلقا" وجاء في هامش الأصل: "لعلها مكلفا" والمثبت من "ط"(10/193)
اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ, نَقَلَ حَنْبَلٌ: أَوْ تَنَقَّصَهُ, وَقِيلَ: وَلَوْ تَعْرِيضًا, نَقَلَ حَنْبَلٌ: مَنْ عَرَّضَ بِشَيْءٍ مِنْ ذِكْرِ الرَّبِّ فَعَلَيْهِ الْقَتْلُ, مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا, وَأَنَّهُ مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَسَأَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ مَا الشَّتِيمَةُ الَّتِي يُقْتَلُ بِهَا؟ قَالَ: نَحْنُ نَرَى فِي التَّعْرِيضِ الْحَدَّ, قَالَ: فَكَانَ مَذْهَبُهُ فِيمَا يَجِبُ الْحَدُّ مِنْ الشَّتِيمَةِ التَّعْرِيضَ, وَعَنْهُ: تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ كَغَيْرِهِمْ, وَعَنْهُ: لَا تُقْبَلُ إنْ تَكَرَّرَتْ ثَلَاثًا. وَفِي الْفُصُولِ عَنْ أَصْحَابِنَا فَلَا تُقْبَلُ إنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ لَمْ يَعْلَمْ إسْقَاطَهُ, وَأَنَّهُ يُقْبَلُ إنْ سَبَّ اللَّهَ, لِأَنَّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ فِي خَالِصِ حَقِّهِ, وَجَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا, لِأَنَّ الْخَالِقَ مُنَزَّهٌ عَنْ النَّقَائِصِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ, بِخِلَافِ الْمَخْلُوقِ, فَإِنَّهُ مَحَلٌّ لَهَا, فَلِهَذَا افْتَرَقَا, وَعَنْهُ: مِثْلُهُمْ مَنْ وُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ ثُمَّ ارْتَدَّ, ذَكَرَهُ شَيْخُنَا: وَالْخِلَافُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا مِنْ تَرْكِ قَتْلِهِمْ وَثُبُوتِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ, فَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَإِنْ صَدَقَ قُبِلَ بِلَا خِلَافٍ, ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ وَجَمَاعَةٌ. وَفِي إرْشَادِ ابْنِ عَقِيلٍ رِوَايَةٌ: لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ زِنْدِيقٍ بَاطِنًا, وَضَعَّفَهَا وَقَالَ: وَكَمَنْ تَظَاهَرَ بِالصَّلَاحِ إذَا أَتَى مَعْصِيَةً وَتَابَ1 مِنْهَا, وَأَنَّ قَتْلَ عَلِيٍّ زِنْدِيقًا لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ قَبُولِهَا كَتَوْبَةِ قَاطِعِ طَرِيقٍ بَعْدَ الْقُدْرَةِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ رِوَايَةً لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ دَاعِيَةٍ إلَى بِدْعَةٍ مُضِلَّةٍ, وَاخْتَارَهَا أَبُو إِسْحَاقَ بْنِ شَاقِلَا, وَفِي إرْشَادِ ابْنِ عَقِيلٍ: نَحْنُ لَا نَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ مطالبا بمظالم من أضل, وظاهر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط" "وتاب".(10/194)
كَلَامِ غَيْرِهِ: لَا مُطَالَبَةَ. قَالَ شَيْخُنَا: قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَتُوبُ عَلَى أَئِمَّةِ الْكُفْرِ الَّذِينَ هُمْ أَعْظَمُ مِنْ أَئِمَّةِ الْبِدَعِ, وَفِي الرِّعَايَةِ: مَنْ كَفَرَ بِبِدْعَةٍ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ, عَلَى الْأَصَحِّ, وَقِيلَ: إنْ اعْتَرَفَ بِهَا, وَقِيلَ: لَا تُقْبَلُ مِنْ دَاعِيَةٍ, وَذَكَرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ رِوَايَةً: لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ قَاتِلٍ, وَعَلَى قَبُولِهَا لَوْ اقْتَصَّ مِنْ الْقَاتِلِ أَوْ عَفَا عَنْهُ هَلْ يُطَالِبُهُ الْمَقْتُولُ فِي الْآخِرَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ "م 3"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 3" قَوْلُهُ: "وَعَلَى قَبُولِهَا لَوْ اقْتَصَّ مِنْ الْقَاتِلِ أَوْ عَفَا عَنْهُ هَلْ يُطَالِبُهُ الْمَقْتُولُ فِي الْآخِرَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ", انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى, قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ. وَغَيْرِهِ بَعْدَ ذِكْرِ الْخِلَافِ. وَالتَّحْقِيقُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقَتْلَ يَتَعَلَّقُ بِهِ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ: حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى, وَحَقُّ الْمَقْتُولِ, وَحَقُّ الْوَلِيِّ فَإِذَا أَسْلَمَ الْقَاتِلُ نَفْسَهُ طَوْعًا وَاخْتِيَارًا إلَى الْوَلِيِّ, نَدَمًا عَلَى مَا فَعَلَ, وَخَوْفًا مِنْ اللَّهِ, وَتَوْبَةً نَصُوحًا, سَقَطَ حَقُّ اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ, وَحَقُّ الْأَوْلِيَاءِ بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ الصُّلْحِ أَوْ الْعَفْوِ, وَبَقِيَ حَقُّ الْمَقْتُولِ يُعَوِّضُهُ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ عَبْدِهِ التَّائِبِ الْمُحْسِنِ, وَيُصْلِحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ, فَلَا يَذْهَبُ حَقُّ هَذَا, وَلَا يُبْطِلُ تَوْبَةَ هَذَا, انْتَهَى. وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ فَإِنَّهُ فَصَّلَ هَذَا التَّفْصِيلَ وَاخْتَارَهُ, وهو الصواب الذي لا شك فيه.(10/195)
وَمَنْ أَظْهَرَ الْخَيْرَ وَأَبْطَنَ الْفِسْقَ فَكَالزِّنْدِيقِ فِي تَوْبَتِهِ, فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ, ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ, وَحَمَلَ رِوَايَةَ قَبُولِ تَوْبَةِ السَّاحِرِ عَلَى الْمُتَظَاهِرِ وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ, يُؤَيِّدُهُ تَعْلِيلُهُمْ1 لِلرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ بِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ بِالتَّوْبَةِ سِوَى مَا يُظْهِرُهُ, وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ: تُقْبَلُ, وَهُوَ أَوْلَى فِي الْكُلِّ, لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْمُنَافِقِينَ {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [البقرة: 160] .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط" "تدليلهم".(10/196)
وَتَوْبَةُ كُلِّ كَافِرٍ إتْيَانُهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ مَعَ إقْرَارِهِ بِمَا جَحَدَهُ مِنْ نَبِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ, أَوْ قَوْلُهُ: أَنَا مُسْلِمٌ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْأَصَحِّ إقرار مرتد بما جحده, لِصِحَّةِ الشَّهَادَتَيْنِ مِنْ مُسْلِمٍ, وَمِنْهُ بِخِلَافِ تَوْبَةٍ مِنْ بِدْعَةٍ, ذَكَرَهُ فِيهَا جَمَاعَةٌ, وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ فِي الرَّجُلِ يُشْهَدُ عَلَيْهِ بِالْبِدْعَةِ فَيَجْحَدُ: لَيْسَتْ لَهُ تَوْبَةٌ, إنَّمَا التَّوْبَةُ لِمَنْ اعْتَرَفَ, فَأَمَّا مَنْ جَحَدَ فَلَا, وَعَنْهُ: يُغْنِي قَوْلُهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ, عَنْ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ, وَعَنْهُ: مِنْ مُقِرٍّ بِهِ, وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ: يَكْفِي التَّوْحِيدُ مِمَّنْ لَا يُقِرُّ بِهِ كَوَثَنِيٍّ لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ1, وَلِخَبَرِ أسامة2 وقتله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 سيذكره بعضها ابن قندس قريبا.
2 والحديث بتمامه قال: بعثنا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الحرقة القوم فهزمناهم فلحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله فكف الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته فلما قدمنا بلغ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "يَا أسامة أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله"؟ قلت كان متعوذا فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم رواه البخاري "4269" ومسلم "69".(10/197)
الْكَافِرَ الْحَرْبِيَّ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ, لِأَنَّهُ مَصْحُوبٌ بِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(10/198)
الْإِسْلَامُ, وَمُسْتَلْزِمٌ لَهُ, وِفَاقًا لِلشَّافِعِيَّةِ 1وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ1: يَكْفِي مُطْلَقًا, وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي حَدِيثَيْ جُنْدُبٍ2 وَأُسَامَةَ, قَالَ فِيهِ: إنَّ الْإِنْسَانَ إذَا قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ عَصَمَ بِهَا دَمَهُ, وَلَوْ ظَنَّ السَّامِعُ أَنَّهُ قَالَهَا فَرَقًا مِنْ السَّيْفِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا.
وَإِنْ أُكْرِهَ ذِمِّيٌّ عَلَى إقْرَارِهِ بِهِ لَمْ يَصِحَّ, لِأَنَّهُ ظُلْمٌ وَفِي الانتصار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ: "وَإِنْ أُكْرِهَ حَرْبِيٌّ3 عَلَى إقْرَارِهِ بِهِ لَمْ يَصِحَّ كَذَا فِي النُّسَخِ, وَصَوَابُهُ وإن أكره ذمي وبعضهم أصلحها كذلك".
__________
1 1 ليست في "ر".
2 لعله ما أخرجه البخاري "5827" ومسلم "94" "153" عن ألي ذر أنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم ثم أتيته وقد استيقظ فقال: "ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة....." الحديث.
3 يبدو أن صاحب التصحيح وابن قندس قد اعتمدا على نسخة من الفروع فيها: "وإن أكره حبي" وفي حاشية النسخة "د" ذكر خلاف النسخ.(10/199)
احْتِمَالٌ, وَفِيهِ: يَصِيرُ مُسْلِمًا بِكِتَابَةِ الشَّهَادَةِ.
وَيَكْفِي جَحْدُهُ لِرِدَّتِهِ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِهَا فِي الْأَصَحِّ كَرُجُوعِهِ عَنْ حَدٍّ لَا بَعْدَ بَيِّنَةٍ بَلْ يُجَدِّدُ إسْلَامَهُ, قَالَ جَمَاعَةٌ: يَأْتِي بِالشَّهَادَتَيْنِ وَفِي الْمُنْتَخَبِ الْخِلَافُ. نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ فِيمَنْ أَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ فَشَهِدَ عَلَيْهِ عُدُولٌ فَقَالَ: لَمْ أَفْعَلْ وَأَنَا مُسْلِمٌ, قُبِلَ قَوْلُهُ, هُوَ أَكْثَرُ عِنْدِي مِنْ الشُّهُودِ, قَالَ شَيْخُنَا: اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ أَنَّ الْمُرْتَدَّ إذَا أَسْلَمَ عَصَمَ دَمَهُ وَمَالَهُ وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَاكِمٌ, بَلْ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ و "هـ ش" أن من شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِالرِّدَّةِ فَأَنْكَرَ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ, وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يُقِرَّ بِمَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ, فَإِذَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ عَدْلٌ لَمْ يَفْتَقِرْ الْحُكْمُ إلَى إقْرَارِهِ "ع" بَلْ إخْرَاجُهُ إلَى ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ كَذِبًا, وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بِنَاءُ حُكْمٍ عَلَى هَذَا الْإِقْرَارِ, كَإِقْرَارِ الصَّحِيحِ فَإِنَّهُ قَدْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(10/200)
عَلِمَ أَنَّهُ لَقَّنَهُ وَأَنَّهُ فَعَلَهُ خَوْفَ الْقَتْلِ وَهُوَ إقْرَارُ تَلْجِئَةٍ, نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِي الْيَهُودِيِّ إذَا قَالَ: قَدْ أَسْلَمْت أَوْ أَنَا مُسْلِمٌ يُجْبَرُ عَلَيْهِ: قَدْ عَلِمَ مَا يُرَادُ مِنْهُ.
وَفِي مُفْرَدَاتِ أَبِي يَعْلَى الصَّغِيرِ: لَا خِلَافَ أَنَّ الْكَافِرَ لَوْ قَالَ: أَنَا مُسْلِمٌ وَلَا أَنْطِقُ بِالشَّهَادَةِ يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ, وَإِنْ شَهِدَ أَنَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(10/201)
كَفَرَ وَادَّعَى الْإِكْرَاهَ قُبِلَ مِنْهُ1 مَعَ الْقَرِينَةِ فَقَطْ, لِأَنَّ إنْكَارَهُ لِلرِّدَّةِ يَمْنَعُهَا, وَلَوْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِكَلِمَةِ كُفْرٍ فَادَّعَاهُ قُبِلَ مُطْلَقًا, فِي الْأَصَحِّ, لِأَنَّ تَصْدِيقَهُ لَيْسَ فِيهِ تَكْذِيبٌ لِلْبَيِّنَةِ.
وَمَنْ أَسْلَمَ وَقَالَ لَمْ أُرِدْهُ أَوْ2 لَمْ اعْتَقِدْهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ, وَعَنْهُ: بَلَى وَعَنْهُ: إنْ ظَهَرَ صِدْقُهُ, وَعَنْهُ: يُقْبَلُ مِنْ صَغِيرٍ, قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ قَالَ لِكَافِرٍ: أَسْلِمْ وَخُذْ أَلْفًا فَأَسْلَمَ وَلَمْ يُعْطِهِ فَأَبَى الْإِسْلَامَ: يُقْتَلُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَفِيَ, قَالَ: وَإِنْ أَسْلَمَ عَلَى صَلَاتَيْنِ قُبِلَ مِنْهُ وَأُمِرَ بِالْخَمْسِ.
وَعَنْ غَالِبٍ الْقَطَّانِ3 عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ أَرْسَلَ ابْنَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنَّ أَبِي جَعَلَ لِقَوْمِهِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ عَلَى أَنْ يُسْلِمُوا, فَأَسْلَمُوا وَحَسُنَ إسْلَامُهُمْ, ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا مِنْهُمْ, أَفَهُوَ أَحَقُّ بِهَا أَمْ هُمْ؟ قَالَ إنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُسْلِمَهَا إلَيْهِمْ فَلْيُسْلِمْهَا, "وَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنْهُمْ, فَإِنْ أَسْلَمُوا فَلَهُمْ إسْلَامُهُمْ وَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا قُوتِلُوا عَلَى الْإِسْلَامِ" وَقَالَ: إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ, وَهُوَ عَرِيفٌ4 عَلَى الْمَاءِ, وإنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
2 في الأصل "و".
3 هو أبو سليمان غالب بن خطاف القطان بن أبي غيلان مولى عبد الله بن عامر بن كريز القرشي قال أحمد عنه ثقة ثقة سير أعلام النبلاء "6/205".
4 العريف كأمير وهو من يعرف بأصحابه ورئيس القوم أو النقيب القاموس "عرف".(10/202)
يَسْأَلُك أَنْ تَجْعَلَ لِي الْعِرَافَةَ بَعْدَهُ, فَقَالَ "إنَّ الْعِرَافَةَ حَقٌّ, لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ عُرَفَاءَ, وَلَكِنَّ الْعُرَفَاءَ فِي النَّارِ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد1 وَإِسْنَادُهُ مَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ, قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ: إنَّ مَنْ أَعْطَى رَجُلًا عَلَى أَنْ يَفْعَلَ أَمْرًا مَفْرُوضًا عَلَيْهِ فَإِنَّ لِلْمُعْطَى ارْتِجَاعَهُ مِنْهُ, وَلَمْ يُشَارِطْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤَلَّفَةَ "قُلُوبُهُمْ" عَلَى أَنْ يُسْلِمُوا فَيُعْطِيهِمْ جُعْلًا عَلَى الْإِسْلَامِ, وَإِنَّمَا أَعْطَاهُمْ عَطَايَا بأتة2 يَتَأَلَّفُهُمْ, وَفِي الْعِرَافَةِ مَصْلَحَةُ النَّاسِ, وَفِيهِ التَّحْذِيرُ مِنْ التَّعْرِيضِ لِلرِّيَاسَةِ وَالتَّأَمُّرِ عَلَى النَّاسِ, لِمَا فِيهِ مِنْ الْفِتْنَةِ, وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقُمْ بِحَقِّهِ وَلَمْ يُؤَدِّ الْأَمَانَةَ فِيهِ أَثِمَ. وَلَا يَبْطُلُ إحْصَانُ قَذْفٍ وَرَجْمٍ بِرِدَّةٍ, فَإِذَا أَتَى بِهِمَا بَعْدَ إسْلَامِهِ حُدَّ, خِلَافًا لِكِتَابِ ابْنِ رزين في إحصان رجم.
__________
1 في سننه "2934".
2 في "ر" و"ط" "بأنه".(10/203)
فَصْلٌ: وَالْمَذْهَبُ3 أَنَّ مَالَ الْمُرْتَدِّ فَيْءٌ مِنْ مَوْتِهِ,
وَعَنْهُ: مِنْ رِدَّتِهِ, اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو إِسْحَاقَ وَصَاحِبُ التَّبْصِرَةِ وَالطَّرِيقُ الْأَقْرَبُ. وَعَنْهُ نَتَبَيَّنُهُ مِنْهَا بِمَوْتِهِ مُرْتَدًّا, فَعَلَى الْأَوْلَى يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَقَالَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَأَبُو الْحُسَيْنِ وَأَبُو الْفَرَجِ, وَفِي الْوَسِيلَةِ نَصَّ عَلَيْهِ. نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: يُمْنَعُ مِنْهُ, فَإِذَا قُتِلَ صَارَ فِي بَيْتِ الْمَالِ, وَاخْتَارَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
3 في "ط" "والمذهب".(10/203)
الشَّيْخُ وَقْفَ تَصَرُّفِهِ, وَأَنَّهُ يُتْرَكُ عِنْدَ ثِقَةٍ, كَالرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ, وَجَعَلَ فِي التَّرْغِيبِ كَلَامَ الْقَاضِي وَالشَّيْخِ وَاحِدًا, وَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ, وَتَبِعَهُ ابْنُ الْبَنَّا وَغَيْرُهُ, وَأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ, لَكِنْ لَمْ يَقُولُوا يُتْرَكُ عِنْدَ ثِقَةٍ بَلْ قَالُوا: يُمْنَعُ مِنْهُ وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ, فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ يوقف, فإن أسلم نفذ1 وَإِلَّا بَطَلَ, وَأَنَّ الْحَاكِمَ يَحْفَظُ بَقِيَّةَ مَالِهِ. قَالُوا: فَإِنْ مَاتَ مُرْتَدًّا بَطَلَتْ, تَغْلِيظًا عَلَيْهِ بِقَطْعِ ثَوَابِهِ, بِخِلَافِ الْمَرِيضِ, وَقِيلَ: إنْ لَمْ يَبْلُغْ تَبَرُّعُهُ الثُّلُثَ صَحَّ. وَفِي الْمُحَرَّرِ: عَلَى الْأَوْلَى تَنْفُذُ مُعَاوَضَتُهُ وَيُقِرُّ بِيَدِهِ, وَتُوقَفُ تَبَرُّعَاتُهُ, وَتُرَدُّ بِمَوْتِهِ مُرْتَدًّا, وَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ يُقْضَى دَيْنُهُ وَيُنْفَقُ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ يُتْرَكُ بِبَيْتِ الْمَالِ وَلَا صِحَّةَ وَلَا نَفَقَةَ. وَلَا يُقْضَى دَيْنٌ مُتَجَدِّدٌ فِي الرِّدَّةِ, فَإِنْ أَسْلَمَ رُدَّ عَلَيْهِ2 مِلْكًا جَدِيدًا وَيَمْلِكُ بِأَسْبَابِ التَّمَلُّكِ إنْ بَقِيَ مِلْكُهُ وَإِلَّا فَلَا. وَاحْتَجَّ بِهِ فِي الْفُصُولِ عَلَى بَقَاءِ مِلْكِهِ, وَأَنَّ الدَّوَامَ أَوْلَى. وَعَلَى رِوَايَةٍ يَرِثُهُ مُسْلِمٌ أَوْ أَهْلُ دِينِهِ الَّذِي اخْتَارَهُ فَكَمُسْلِمٍ فِيهِ. وَفِي الِانْتِصَارِ: لَا قَطْعَ بِسَرِقَتِهِ لِعَدَمِ عِصْمَتِهِ, وَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَعَنْهُ: إنْ فَعَلَهُ بِدَارِ حَرْبٍ أَوْ فِي جَمَاعَةٍ مُرْتَدَّةٍ مُمْتَنِعَةٍ فَلَا, اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ وَالشَّيْخُ, وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا, لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ وَكَالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ إجْمَاعًا. قَالَ: وَإِنَّ المرتد تحت حكمنا ليس محاربا يضمن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط" "بعد" وفي "ر" "نفذه".
2 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".(10/204)
إجْمَاعًا "وَقِيلَ هُمْ كَبُغَاةٍ".
وَيُؤْخَذُ بِحَدِّ فِعْلِهِ فِي رِدَّتِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ, كَقَبْلِهَا, وَظَاهِرُ نَقْلِ مُهَنَّا وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. إنْ أَسْلَمَ فَلَا كَعِبَادَتِهِ, نَقَلَ مُهَنَّا فِي مُرْتَدٍّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَقَتَلَ بِهَا رَجُلًا مُسْلِمًا ثُمَّ عَادَ وَقَدْ أَسْلَمَ فَأَخَذَهُ وَلِيُّهُ, هَلْ عَلَيْهِ قَوَدٌ؟ فَقَالَ: قَدْ زَالَ عَنْهُ الْحُكْمُ, لِأَنَّهُ قَتَلَهُ وَهُوَ مُشْرِكٌ, وَكَذَلِكَ إنْ سَرَقَ وَهُوَ مُشْرِكٌ, فَقِيلَ لَهُ: فَيَذْهَبُ دَمُ الرَّجُلِ؟ فَقَالَ مَا أَقُولُ فِي هَذَا شَيْئًا. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى إسْقَاطِ الْعِبَادَاتِ, وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي إسْقَاطَ الْقَضَاءِ; لِأَنَّهُ أَسْقَطَ الْحَدَّ, وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوَقَّفَ عَنْ الْقِصَاصِ وَعَنْهُ: الْوَقْفُ, وَمَتَى لَحِقَ بِدَارِ حَرْبٍ فَهُوَ وَمَا مَعَهُ كَحَرْبِيٍّ, وَالْمَنْصُوصُ لَا يَتَنَجَّزُ جَعْلَ مَا بِدَارِنَا فَيْئًا إنْ لَمْ يَصِرْ فَيْئًا بِرِدَّتِهِ.
وَإِنْ لَحِقَ زَوْجَانِ مُرْتَدَّانِ بِدَارِ حَرْبٍ لَمْ يُسْتَرَقَّا وَلَا أَوْلَادُهُمَا, كَوَلَدِ مَنْ أُسِرَ مِنْ ذِمَّةٍ, وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ قُتِلَ, وَيَجُوزُ فِي الْمَنْصُوصِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَتَيْنِ, اسْتِرْقَاقُ الْحَادِثِ فِي الرِّدَّةِ, وَعِنْدَ الشَّيْخِ وَالْحَمْلُ وَقْتَهَا, وَهَلْ يُقِرُّ بِجِزْيَةٍ أَمْ الْإِسْلَامِ وَيُرَقُّ أَوْ القتل؟ وفيه روايتان "م 4".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 4" قَوْلُهُ "وَهَلْ يُقِرُّ بِجِزْيَةٍ أَمْ الْإِسْلَامِ ويرق, أو القتل؟ فيه روايتان"(10/205)
وإن1 ارْتَدَّ أَهْلُ بَلَدٍ وَجَرَى فِيهِ حُكْمُهُمْ فَدَارُ حَرْبٍ فَيَغْنَمُ مَا لَهُمْ, وَوَلَدٌ حَدَثَ بَعْدَ الردة.
__________
1 في "ط" "وإذا".(10/206)
فصل: ويكفر الساحر كاعتقاد حله,
وعنه: لا2, اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ, وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ, وَكَفَّرَهُ أَبُو بَكْرٍ بِعَمَلِهِ, قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَهُوَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا. وَحَمَلَ ابْنُ عَقِيلٍ كَلَامَ أَحْمَدَ فِي كُفْرِهِ عَلَى مُعْتَقَدِهِ, وَأَنَّ فَاعِلَهُ يفسق ويقتل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
انْتَهَى. يَعْنِي بِهِ مَنْ وُلِدَ فِي حَالِ رِدَّةِ الزَّوْجَيْنِ إذَا لَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ وَقُلْنَا بِاسْتِرْقَاقِهِ, وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُقْنِعِ3 وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ4 وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالزَّرْكَشِيِّ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ.
"إحْدَاهُمَا" يُقِرُّونَ بِجِزْيَةٍ, كَأَهْلِ الذِّمَّةِ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ, وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي رِوَايَتَيْهِ وَغَيْرِهِ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ": لَا يُقِرُّونَ, فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ, اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ, وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي5, لِاقْتِصَارِهِمَا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ, وَهِيَ رِوَايَةُ الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ والخلاصة. وقال في المغني6
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
2 ليست في "ط".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/161".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/162 - 163".
5 "5/327".
6 في "ق" "عمله".(10/206)
حَدًّا, فَعَلَى الْأَوْلَى يُقْتَلُ.
وَهُوَ مَنْ يَرْكَبُ مِكْنَسَةً فَتَسِيرُ بِهِ فِي الْهَوَاءِ وَنَحْوِهِ, وَكَذَا قِيلَ فِي مُعَزِّمٍ عَلَى الْجِنِّ وَيَجْمَعُهَا بِزَعْمِهِ, و1أنه يأمرها فتطيعه1 وَكَاهِنٍ وَعَرَّافٍ, وَقِيلَ: يُعَزَّرُ "م 5" وَقِيلَ وَلَوْ بقتل. وفي التَّرْغِيبِ: الْكَاهِنُ وَالْمُنَجِّمُ كَالسَّاحِرِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا, وَإِنَّ ابْنَ عَقِيلٍ فَسَّقَهُ فَقَطْ إنْ قَالَ أَصَبْت بِحَدْسِي وَفَرَاهَتِي2, فَإِنْ أَوْهَمَ قَوْمًا بِطَرِيقَتِهِ أَنَّهُ يعلم الغيب فللإمام قتله لسعيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ مَعَ حِكَايَتِهِمَا الرِّوَايَتَيْنِ: إذَا وَقَعَ أَبُو الْوَلَدِ فِي الْأَسْرِ بَعْدَ لُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ وَهُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يُقِرَّ بِهَا, لِانْتِقَالِهِ إلَى الْكُفْرِ بَعْدَ نُزُولِ القرآن, انتهى. قال الزركشي. وهي طريقة3, لم أرها لغيره.
"مَسْأَلَةٌ 5" قَوْلُهُ بَعْدَ ذِكْرِهِ حُكْمَ السَّاحِرِ الَّذِي يَرْكَبُ الْمِكْنَسَةَ فَتَسِيرُ بِهِ فِي الْهَوَاءِ وَنَحْوِهِ "وَكَذَا قِيلَ فِي مُعَزِّمٍ عَلَى الْجِنِّ وَيَجْمَعُهَا بِزَعْمِهِ وَأَنَّهُ يَأْمُرُهَا فَتُعْطِيه, وَكَاهِنٍ وَعَرَّافٍ, وَقِيلَ: يعزر" انتهى. يعني هل4 السَّاحِرَ وَالْكَاهِنَ وَالْعَرَّافَ هَلْ يَلْحَقُونَ بِالسَّحَرَةِ الَّذِينَ يُقْتَلُونَ, أَمْ يُعَزَّرُونَ فَقَطْ؟ حَكَى فِي ذَلِكَ خِلَافًا, وَأَطْلَقَهُ, وَأَطْلَقَهُمَا أَيْضًا فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ.
"أَحَدُهُمَا": لَا يُكَفَّرُ بِذَلِكَ وَلَا يُقْتَلُ, بَلْ يُعَزَّرُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ, قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا قَوْلُ غَيْرِ أَبِي الْخَطَّابِ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُقْنِعِ5 وَالشَّرْحِ5 وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ, قَالَ فِي البلغة: وإن كان
__________
1 1ليست في "ط".
2 فره فراهة: حذق القاموس "فره".
3 في "ط" "روايته".
4 في "ط" "هذا".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/181".(10/207)
بِالْفَسَادِ. قَالَ شَيْخُنَا: التَّنْجِيمُ كَالِاسْتِدْلَالِ بِالْأَحْوَالِ الْفَلَكِيَّةِ عَلَى الْحَوَادِثِ الْأَرْضِيَّةِ مِنْ السِّحْرِ, قَالَ وَيَحْرُمُ إجْمَاعًا. وَأَقَرَّ أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَدْفَعُ عَنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ1 وَالدُّعَاءِ بِبَرَكَتِهِ مَا زَعَمُوا أَنَّ الْأَفْلَاكَ تُوجِبُهُ, وَأَنَّ لَهُمْ مِنْ ثَوَابِ الدَّارَيْنِ مَا لَا تَقْوَى الْأَفْلَاكُ أَنْ تَجْلِبَهُ.
وَمَنْ سَحَرَ بِالْأَدْوِيَةِ وَالتَّدْخِينِ وَسَقْيِ مُضِرٍّ عُزِّرَ, وَقِيلَ وَلَوْ بِقَتْلٍ. وَقَالَ الْقَاضِي وَالْحَلْوَانِيُّ: إنْ قَالَ سِحْرِي يَنْفَعُ وَأَقْدِرُ عَلَى الْقَتْلِ بِهِ قُتِلَ, وَلَوْ لَمْ يَقْتُلْ بِهِ, وَيُقَادُ مِنْهُ إنْ قَتَلَ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا, وَإِلَّا الدِّيَةُ.
وَالْمُشَعْبِذُ وَالْقَائِلُ بِزَجْرِ الطَّيْرِ وَالضَّارِبُ بِحَصًى وَشَعِيرٍ وَقِدَاحٍ إنْ لَمْ يَعْتَقِدْ إبَاحَتَهُ وَأَنَّهُ يَعْلَمُ بِهِ عُزِّرَ, وَكُفَّ عَنْهُ وَإِلَّا كُفِّرَ.
وَيَحْرُمُ طَلْسَمٌ وَرُقْيَةٌ بِغَيْرِ عَرَبِيٍّ, وَقِيلَ: يُكْرَهُ, وتوقف الإمام أحمد في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
سِحْرًا بِسَقْيِ أَدْوِيَةٍ فَلَا يُكَفَّرُ بِذَلِكَ وَلَا يُقْتَلُ. إلَّا أَنْ يَقْتُلَ بِهِ فَيَجِبُ الْقَوَدُ إنْ كَانَ يَقْتُلُ غَالِبًا وَإِلَّا فَالدِّيَةُ, انْتَهَى.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي": حُكْمُهُمْ حُكْمُ السَّحَرَةِ الَّذِينَ يُقْتَلُونَ, قَالَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا, وَبِهِ قَطَعَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ, وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ, قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: الْكَاهِنُ وَالْمُنَجِّمُ كَالسَّاحِرِ عند أصحابنا, وأن ابن عقيل فسقه فقط, كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: أَوْ عَمِلَ سِحْرًا يَدَّعِي بِهِ إحْضَارَ الْجِنِّ وَطَاعَتَهُ2 فِيمَا شَاءَ فَمُرْتَدٌّ, وَقَالَ فِي الْعَرَّافِ والكاهن وقيل: هما كالساحر.
__________
1 في "ر" "العبادات".
2 في "ح" "طاوعته".(10/208)
الْحَلِّ بِسِحْرٍ, وَفِيهِ وَجْهَانِ "م 6".
وَسَأَلَهُ مُهَنَّا عمن تأتيه مسحورة فيطلقه عنها, قال: لَا بَأْسَ. قَالَ الْخَلَّالُ: إنَّمَا كَرِهَ1 أَحْمَدُ فِعَالَهُ, وَلَا يَرَى بِهِ بَأْسًا, كَمَا بَيَّنَهُ مُهَنَّا, وَهَذَا مِنْ الضَّرُورَةِ الَّتِي يُبِيحُ فِعْلَهَا.
وَلَا يُقْتَلُ سَاحِرٌ كِتَابِيٌّ, عَلَى الْأَصَحِّ. وَفِي التَّبْصِرَةِ: إنْ اعْتَقَدُوا جَوَازَهُ, وَإِنْ قَتَلَ بِهِ أُقِيدَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَتَقَدَّمَ إنْ سَحَرَ مُسْلِمًا. وفي عيون المسائل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 6" قَوْلُهُ: "وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي الْحِلِّ بِسِحْرٍ, وَفِيهِ وَجْهَانِ," انْتَهَى.
"أَحَدُهُمَا": يَجُوزُ, قَالَ فِي الْمُغْنِي2 وَالشَّرْحِ3: تَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي الْحِلِّ, وَهُوَ إلَى الْجَوَازِ أَمْيَلُ, وَسَأَلَهُ مُهَنَّا عَمَّنْ تَأْتِيه مَسْحُورَةٌ فَيَقْطَعُهُ4 عَنْهَا, قَالَ: لَا بَأْسَ, قَالَ الخلال: إنَّمَا كَرِهَ فِعَالَهُ5 وَلَا يَرَى بِهِ بَأْسًا, كَمَا بَيَّنَهُ مُهَنَّا, وَهَذَا مِنْ الضَّرُورَةِ الَّتِي يُبِيحُ فِعْلَهَا, انْتَهَى. قَالَ فِي آدَابِ الْمُسْتَوْعِبِ: وَحِلُّ السِّحْرِ عَنْ الْمَسْحُورِ جَائِزٌ, انْتَهَى.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي": لَا يَجُوزُ, قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَيَحْرُمُ الْعَطْفُ وَالرَّبْطُ, وَكَذَا الْحِلُّ بِسِحْرٍ, وَقِيلَ: يُكْرَهُ الْحَلُّ, وَقِيلَ: يُبَاحُ بِكَلَامٍ مُبَاحٍ. وَقَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَيَجُوزُ حَلُّهُ بِقُرْآنٍ أَوْ بِكَلَامٍ مُبَاحٍ غَيْرِهِ, انْتَهَى, فَدَلَّ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ بِسِحْرٍ, قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ: وَلَا بَأْسَ بِحَلِّ السِّحْرِ بِقُرْآنٍ أَوْ ذِكْرٍ أَوْ كَلَامٍ حَسَنٍ, وَإِنْ حَلَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ السِّحْرِ فَعَنْهُ التَّوَقُّفُ, وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا بَأْسَ بِهِ, لِأَنَّهُ مَحْضُ نَفْعٍ لأخيه المسلم, انتهى.
__________
1 بعدها في "ط" "أحمد".
2 "12/304".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/192".
4 في "ط" "فيقطع".
5 في "ط" "فعله".(10/209)
أَنَّ السَّاحِرَ يُكَفَّرُ, وَهَلْ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ السِّحْرِ السَّعْيُ بِالنَّمِيمَةِ وَالْإِفْسَادُ بَيْنَ النَّاسِ وَذَلِكَ شَائِعٌ عَامٌّ فِي النَّاسِ.
وَنَحْوُ مَا حُكِيَ أَنَّ امْرَأَةً أَرَادَتْ إفْسَادًا بَيْنَ زَوْجَيْنِ فَقَالَتْ لِلزَّوْجَةِ: إنَّ زَوْجَك يُعْرِضُ عَنْك, وَقَدْ سُحِرَ, وَهُوَ مَأْخُوذٌ عَنْك, وَأَنَا أَسْحَرُهُ لَك حَتَّى لَا يُرِيدَ غَيْرَك, وَلَكِنْ أُرِيدُ أَنْ تَأْخُذِي مِنْ شَعْرِ حَلْقِهِ بِالْمُوسَى ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ إذَا نَامَ, فَإِنَّ بِهَا يَتِمُّ الْأَمْرُ, وَذَهَبَتْ إلَى الرَّجُلِ فَقَالَتْ لَهُ: إنَّ امْرَأَتَك قَدْ عُلِّقَتْ بِغَيْرِك وَعَزَمَتْ عَلَى قَتْلِك وَأَعَدَّتْ لَك مُوسَى فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ لِنَحْرِك فَأَشْفَقْت لِشَأْنِك وَلَقَدْ لَزِمَنِي نُصْحُك. فَتَنَاوَمَ الرَّجُلُ فِي فِرَاشِهِ, فَلَمَّا ظَنَّتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ قد نام عمدت إلى الْمُوسَى1 وَأَهْوَتْ بِهَا إلَى حَلْقِهِ لِأَخْذِ الشَّعْرِ, فَفَتَحَ الرَّجُلُ عَيْنَيْهِ فَرَآهَا فَقَامَ إلَيْهَا وَقَتَلَهَا. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ رُوِيَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: بَاعَ رَجُلٌ غُلَامًا عَلَى أَنَّهُ نَمَّامٌ, فَاشْتَرَاهُ الْمُشْتَرِي عَلَى ذَلِكَ, فَسَعَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ بِذَلِكَ, وَفِي آخِرِ الْقِصَّةِ: فَجَاءَ أَوْلِيَاؤُهَا فَقَتَلُوهُ, فَوَقَعَ الْقِتَالُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ. ثُمَّ قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: فَأَمَّا مَنْ يَسْحَرُ بِالْأَدْوِيَةِ وَالتَّدْخِينِ وَسَقْيِ شَيْءٍ مُضِرٍّ فَلَا يُكَفَّرُ وَلَا يُقْتَلُ وَيُعَزَّرُ بِمَا يَرْدَعُهُ. وَمَا قَالَهُ غَرِيبٌ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ يَقْصِدُ الْأَذَى بِكَلَامِهِ وَعَمَلِهِ عَلَى وَجْهِ الْمَكْرِ وَالْحِيلَةِ فَأَشْبَهَ السِّحْرَ, وَلِهَذَا يُعْلَمُ بِالْعَادَةِ وَالْعُرْفِ أَنَّهُ2 يُؤَثِّرُ وَيُنْتِجُ مَا يَعْمَلُهُ السِّحْرُ أَوْ أَكْثَرُ, فَيُعْطَى حكمه, تسوية بين المتماثلين أو المتقاربين,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ط".
2 في "ر" "لا".(10/210)
لَا سِيَّمَا إنْ قُلْنَا بِقَتْلِ الْآمِرِ بِالْقَتْلِ, عَلَى رِوَايَةٍ سَبَقَتْ1, فَهُنَا أَوْلَى, أَوْ الْمُمْسِكُ 2لِمَنْ يُقْتَلُ2 فَهَذَا مِثْلُهُ, وَلِهَذَا ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: يُفْسِدُ النَّمَّامُ وَالْكَذَّابُ فِي سَاعَةٍ مَا لَا يُفْسِدُ السَّاحِرُ فِي سَنَةٍ. رَأَيْت بَعْضَهُمْ حَكَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ قَالَ: النَّمَّامُ شَرٌّ مِنْ السَّاحِرِ يَعْمَلُ النَّمَّامُ فِي سَاعَةٍ مَا لَا يَعْمَلُهُ السَّاحِرُ فِي شَهْرٍ, لَكِنْ يُقَالُ: السَّاحِرُ, إنَّمَا كَفَرَ لِوَصْفِ السِّحْرِ, وَهُوَ أَمْرٌ خَاصٌّ, وَدَلِيلُهُ خَاصٌّ, وَهَذَا لَيْسَ بِسَاحِرٍ, وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ عَمَلُهُ مَا يُؤَثِّرُهُ فَيُعْطَى حُكْمَهُ, إلَّا فِيمَا اخْتَصَّ بِهِ مِنْ الْكُفْرِ وَعَدَمِ قَبُولِ التَّوْبَةِ, وَلَعَلَّ هَذَا الْقَوْلَ أَوْجَهُ مِنْ تَعْزِيرِهِ فَقَطْ.
فَظَهَرَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّهُ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ مِنْ الْمُمْسِكِ وَالْآمِرِ, وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي التعزير3.
وَمَنْ أَطْلَقَ الشَّارِعَ4 كُفْرَهُ لِدَعْوَاهُ5, غَيْرَ أَبِيهِ وَمَنْ أَتَى عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ, فَقِيلَ كَفَرَ النِّعْمَةَ, وَقِيلَ: قَارَبَ الْكُفْرَ, وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ رِوَايَتَيْنِ:
"إحْدَاهُمَا" تَشْدِيدٌ وَتَأْكِيدٌ, نَقَلَ حَنْبَلٌ: كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ, لَا يُخْرِجُ عَنْ6 الْإِسْلَامِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "9" 363".
2 2 ليست في "ر".
3 "115".
4 بعدها في "ط" "عليه".
5 في "ط" "لدعواه".
6 في النسخ الخطية "من" والمثبت من "ط".(10/211)
"وَالثَّانِيَةُ" يَجِبُ التَّوَقُّفُ وَلَا يُقْطَعُ بِأَنَّهُ لَا يُنْقَلُ عَنْ الْمِلَّةِ, نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَابْنِ الْحَكَمِ "م 7".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 7" قَوْلُهُ: وَمَنْ أطلق الشارع كفره كدعواه1 غَيْرَ أَبِيهِ, وَمَنْ أَتَى عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقِيلَ: كَفَرَ النِّعْمَةَ, وَقِيلَ: قَارَبَ الْكُفْرَ, وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ رِوَايَتَيْنِ.
"إحْدَاهُمَا" تَشْدِيدٌ وَتَأْكِيدٌ. نَقَلَ حَنْبَلٌ كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ, لَا يُخْرِجُ عَنْ الْإِسْلَامِ. "وَالثَّانِيَةُ" يَجِبُ التَّوَقُّفُ وَلَا يُقْطَعُ بِأَنَّهُ لَا يُنْقَلُ عَنْ الْمِلَّةِ, نَصَّ عَلَيْهِ فِي رَوِيَّةِ صَالِحٍ وَابْنِ الْحَكَمِ, انْتَهَى.
"أَحَدُهُمَا" كُفْرُ نِعْمَةٍ, وَقَالَ بِهِ طَوَائِفُ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ, وَذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ2 فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ جَمَاعَةٍ, وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ.
"وَالثَّانِي" قَارَبَ الْكُفْرَ, وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي قَوْلِهِ "مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ3 فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ4" أي جحد تصديقه بكذبهم, قال:5 وَقَدْ يَكُونُ عَلَى هَذَا إذَا اعْتَقَدَ تَصْدِيقَهُمْ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِتَكْذِيبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ كُفْرَ حَقِيقَةٍ, انْتَهَى.
وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ حنبل, وإنَّمَا6 أَتَى بِهِ تَشْدِيدًا وَتَأْكِيدًا, وَقَدْ بَوَّبَ عَلَى ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابًا7, وَنَصَّ أَنَّ بَعْضَ الْكُفْرِ دُونَ بَعْضٍ, وَنَصَّ عَلَيْهِمَا أئمة الحديث,
__________
1 في "ط" "لدعواه".
2 في النسخ الخطية "المجد" والمثبت من "ط".
3 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
4 أخرجه أحمد في مسنده "9536" والحاكم في المستدرك "1/8" من حديث أبي هيريرة.
5 ليست في "ط".
6 في "ط" "أنه".
7 انظر صحيح البخاري كتاب الإيمان باب كفران العشير وكفر دون كفر وذلك قبل حديث "29".(10/212)
وإن أسلم أبوا1 حَمْلٍ أَوْ طِفْلٍ أَوْ أَحَدِهِمَا لَا جَدِّهِ وَجَدَّتِهِ, وَالْمَنْصُوصُ: أَوْ مُمَيِّزٌ لَمْ يَبْلُغْ, نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَمْ يَبْلُغْ عَشْرًا, فَمُسْلِمٌ, وَكَذَا إنْ سَبَاهُ مُسْلِمٌ مُنْفَرِدًا, وَعَنْهُ: كَافِرٌ, كَسَبْيِهِ مَعَهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ, وَإِنْ سُبِيَ مَعَ أَحَدِهِمَا فَمُسْلِمٌ, وَعَنْهُ: يَتْبَعُ أَبَاهُ, وَعَنْهُ: الْمَسْبِيُّ مَعَهُ مِنْهُمَا, اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ.
وَيَتْبَعُ سَابِيًا ذِمِّيًّا كَمُسْلِمٍ, وَقِيلَ: إنْ سَبَاهُ مُنْفَرِدًا فَمُسْلِمٌ. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ وَالْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ: يَتْبَعُ مَالِكًا مُسْلِمًا كَسَبْيٍ, اخْتَارَهُ شَيْخُنَا, وَإِنْ مَاتَا أَوْ أَحَدُهُمَا فِي دَارِنَا, وَقِيلَ: أَوْ دَارِ حَرْبٍ فَمُسْلِمٌ, عَلَى الْأَصَحِّ, نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ, وَجَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ إلا المحرر, فيؤخذ رواية. وفي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَلِلْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَسَالِكُ مُتَعَدِّدَةٌ, مِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهَا عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مُسْتَحِلًّا, مِنْهُمْ مَالِكٌ وَإِسْحَاقُ, وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهَا عَلَى التَّغْلِيظِ وَالْكُفْرِ الَّذِي لَا يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ, مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ, قَالَ النَّخَعِيُّ: هُوَ كُفْرٌ بِالنِّعَمِ وَنَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ, وَقَالَهُ طَاوُسٌ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ إنْكَارُ مَنْ سَمَّى شَارِبَ الْخَمْرِ كافرا وكذلك2 أَنْكَرَ الْقَاضِي جَوَازَ إطْلَاقِ اسْمِ كُفْرِ النِّعْمَةِ عَلَى أَهْلِ الْكَبَائِرِ, وَحَكَى ابْنُ حَامِدٍ عَنْ أَحْمَدَ جَوَازَ إطْلَاقِ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ عَلَى بَعْضِ الذُّنُوبِ الَّتِي لَا تَخْرُجُ عَنْ الْمِلَّةِ, وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ يَتَوَقَّى الْكَلَامَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ النُّصُوصِ تَوَرُّعًا, وَيَمُرُّهَا كَمَا جَاءَتْ مِنْ غَيْرِ تَفْسِيرٍ, مَعَ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْمَعَاصِيَ لا تخرج عن الملة, انتهى ملخصا
__________
1 في الأصل و"ط" "وأبو".
2 في "ط" "لذلك".(10/213)
الْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ رِوَايَةٌ: لَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا. نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِي يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ مَاتَ وَلَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ: فَهُوَ مُسْلِمٌ إذَا مَاتَ أَبَوَاهُ وَيَرِثُ أَبَوَيْهِ. وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ إنْ كَفَلَهُ الْمُسْلِمُونَ فَمُسْلِمٌ وَيَرِثُ الْوَلَدُ الْمَيِّتَ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ الْإِسْلَامِ, وَاخْتِلَافِ الدِّينِ لَيْسَ مِنْ جِهَتِهِ, كَالطَّلَاقِ فِي الْمَرَضِ, وَلِأَنَّهُ يَرِثُ إجْمَاعًا, فَلَا يَسْقُطُ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ, وَهُوَ الْإِسْلَامُ, وَكَمَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِأُمِّ وَلَدِهِ, وَلِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ حُصُولُ إرْثِهِ قَبْلَ اخْتِلَافِ الدِّينِ, كَمَا قَالَ الْكُلُّ: إنَّ الدِّينَ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ مَالِكًا لَهُ يَوْمَ الْمَوْتِ, لَكِنْ فِي حكم المالك, كذا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَقَالَ: فَإِنْ قِيلَ: نَقَلَ الْكَحَّالُ وَجَعْفَرٌ فِي نَصْرَانِيٍّ مَاتَ عَنْ نَصْرَانِيَّةٍ حَامِلٍ فَأَسْلَمَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ لَا تَرِثُ: "إنَّمَا تَرِثُ بِالْوِلَادَةِ وَحَكَمَ بِالْإِسْلَامِ, قِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ هَذَا رِوَايَةَ: لَا يَرِثُ" وَإِنَّهُ الْقِيَاسُ, وَيُحْتَمَلُ التَّفْرِقَةُ وَأَنَّهُ ظَاهِرُ تَعْلِيلِ أَحْمَدَ, لِقُوَّةِ الْمَانِعِ, لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ بِأَمْرٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ وَهُوَ إسْلَامُ أُمِّهِ, وَهُوَ حَمْلٌ, وَالْمَسْقَطُ ضَعِيفٌ, لِلْخِلَافِ فِي إسْلَامِهِ بِالْمَوْتِ, وَلَوْ كَانَ الْحَمْلُ لَا يَرِثُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّخْرِيجِ, وَلَا هَذَا الْفَرْقِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْفُصُولِ إرْثَهُ, فَظَاهِرُهُ كَالطِّفْلِ. وَذَكَرَ أَيْضًا فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ: فِي إرْثِ الطِّفْلِ رِوَايَتَيْنِ. وَظَاهِرُ الْفُصُولِ أَنَّهُ كَمَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ قَسْمِ التَّرِكَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(10/214)
وَقَالَ فِي مَكَان آخَرَ بَعْدَ رِوَايَةِ الْكَحَّالِ: جَعَلَ تَجَدُّدَ الْإِسْلَامِ مَانِعًا مِنْ إرْثِهِ مَعَ كَوْنِنَا نَجْعَلُ لِلْحَمْلِ حُكْمًا فِي بَابِ الْإِرْثِ, وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنْ يُوَرَّثَ الْقَرِيبُ الْكَافِرُ إذَا أَسْلَمَ قَبْلَ الْقَسْمِ. وَقَالَ شَيْخُنَا: قَيَّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا أَسْلَمَتْ أُمُّهُ قَبْلَ الْوَضْعِ, فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِلَا رَيْبٍ, قَالَ: وَتَعْلِيلُ ابْنِ عَقِيلٍ ضَعِيفٌ.
وَأَطْفَالُ الْكُفَّارِ1 فِي النَّارِ, وَعَنْهُ الْوَقْفُ, وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْجَنَّةِ كَأَطْفَالِ المسلمين. ومن بلغ منهم مجنونا, واختار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ: "وَأَطْفَالُ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ, وَعَنْهُ الْوَقْفُ, وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الجنة" انتهى. قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي2 نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ: وَعَنْهُ الْوَقْفُ, وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ, انْتَهَى. فَخَالَفَ الْمُصَنِّفُ فِي النَّقْلِ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ وَابْنِ الْجَوْزِيِّ, وَزَادَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ, وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْمُغْنِي3 أَنَّهُ نَقَلَ رِوَايَةَ الْوَقْفِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا. وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ كَتِيله فِي كِتَابِ الْعُدَّةِ: ذَكَرَ شَيْخُ مشايخي في المغني3 في4 الْجِهَادِ أَنَّ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ أَوْلَادِ الْمَجُوسِ يَمُوتُ أَحَدُهُمْ وَهُوَ ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ؟ فَقَالَ: يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "فأبواه يهودانه وينصرانه5 ويُمَجِّسَانِهِ"6 يَعْنِي أَنَّهُمَا لَمْ يُمَجِّسَاهُ فَبَقِيَ عَلَى الْفِطْرَةِ. وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: أَذْهَبُ إلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم "الله أعلم بما
__________
1 في "ط" "الكافر".
2 ليست في "ط".
3 "13/254".
4 بعدها في "ط" "كتاب".
5 ليست في "ط".
6 أخرجه البخاري "1358" ومسلم "2658" من حديث أبي هريرة.(10/215)
شَيْخُنَا تَكْلِيفَهُمْ فِي1 الْقِيَامَةِ, لِلْأَخْبَارِ2 وَمِثْلُهُمْ مَنْ بَلَغَ مِنْهُمْ مَجْنُونًا, فَإِنْ جُنَّ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَوَجْهَانِ "م 8".
وَظَاهِرُهُ يَتْبَعُ أَبَوَيْهِ بِالْإِسْلَامِ كَصَغِيرٍ, فَيُعَايَا بِهَا. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيمَنْ وُلِدَ أَعْمَى أَبْكَمَ أَصَمَّ وَصَارَ رَجُلًا: وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ هُوَ مَعَ أَبَوَيْهِ وَإِنْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ ثُمَّ أَسْلَمَا بَعْدَ مَا صَارَ رَجُلًا, قَالَ: هُوَ مَعَهُمَا, وَيَتَوَجَّهُ مِثْلَهُمَا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ, وَقَالَهُ شَيْخُنَا وَذَكَرَ فِي الْفُنُونِ عَنْ أَصْحَابِنَا: لَا يُعَاقَبُ, قَالَ: وَإِذَا مَنَعَ حَائِلُ البعد شروط التكليف فأولى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
كَانُوا عَامِلِينَ"3, وَقَالَ أَيْضًا الْإِمَامُ أَحْمَدُ, نَحْنُ نَمُرُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ عَلَى مَا جَاءَتْ وَلَا نَقُولُ شَيْئًا, انْتَهَى. وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي الْمُغْنِي4.
"مَسْأَلَةٌ 8" قَوْلُهُ: "وَمِثْلُهُمْ مَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا, فَإِنْ جُنَّ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَوَجْهَانِ", انْتَهَى. "أَحَدُهُمَا" هُوَ فِي النَّارِ وَإِنْ قُلْنَا أَطْفَالُ الْكُفَّارِ فِي الْجَنَّةِ, وَهُوَ الظَّاهِرُ إذَا جُنَّ بَعْدَ تَكْلِيفِهِ, وَهُوَ الصَّوَابُ, حَيْثُ تَمَكَّنَ مِنْ الْإِسْلَامِ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ. "وَالْوَجْهُ الثَّانِي" هُوَ كَأَطْفَالِ الْكُفَّارِ, وَلَعَلَّ الْخِلَافَ إذَا جُنَّ قَرِيبًا مِنْ الْبُلُوغِ, وَهُوَ الظَّاهِرُ, وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ, بَعْدَ بُلُوغِهِ, فِيهِ إيهَامٌ, وَالصَّوَابُ مَا قُلْنَاهُ بِحَيْثُ إنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الْإِسْلَامِ.
5فَهَذِهِ ثَمَانُ مسائل في هذا الباب5.
__________
1 بعدها في "ر" "يوم".
2 منها ما ذكر ابن تيمية في مجموع الفتاوى "4/246" عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: "إذا كان يوم القيامة فإن الله يمتحنهم ويبعث إليهم رسولا في عرصة القيامة فمن أجابه أدخله الجنة ومن عصاه أدخله النار".
3 أخرجه البخاري "1384" ومسلم "2659" من حديث أبي هريرة.
4 بل هو فيه انظر المغني "13/254".
5 5 ليست في "ط".(10/216)
فِيهِمَا, وَلِعَدَمِ جَوَازِ إرْسَالِ رَسُولٍ إلَيْهِمَا بِخِلَافِ أُولَئِكَ, وَقَالَ: إنَّ عَفْوَ اللَّهِ عَنْ الَّذِي كَانَ يُعَامِلُ وَيَتَجَاوَزُ لِأَنَّهُ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ وَعَمِلَ بِخَصْلَةٍ مِنْ الْخَيْرِ. وَفِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ: لَا يُعَاقَبُ, وَقِيلَ: بَلَى إنْ قِيلَ بِحَظْرِ الْأَفْعَالِ قَبْلَ الشَّرْعِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُعَاقَبُ مُطْلَقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} [القيامة:36] وَهُوَ عَامٌّ, وَلِأَنَّ اللَّهَ مَا أَخْلَى عَصْرَهُ مِنْ قَائِمٍ لَهُ بِحُجَّةٍ, كَذَا قَالَ. وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا "وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِاَلَّذِي أُرْسِلْت بِهِ إلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ" قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: خَصَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لِلتَّنْبِيهِ لِأَنَّ لَهُمْ كِتَابًا, قَالَ: وَفِي مَفْهُومِهِ إنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مَعْذُورٌ, قَالَ: وَهَذَا جَارٍ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ لَا حُكْمَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ, عَلَى الصَّحِيحِ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي قَوْلِهِ: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15] فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ لَا تَجِبُ عَقْلًا, وَإِنَّمَا تَجِبُ بِالشَّرْعِ, وَهُوَ بِعْثَةُ الرُّسُلِ وَأَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْإِنْسَانُ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يُقْطَعْ عَلَيْهِ بِالنَّارِ. قَالَ: وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُعَذَّبُ فِيمَا طَرِيقُهُ السَّمْعُ إلَّا بِقِيَامِ حُجَّةِ السَّمْعِ مِنْ جِهَةِ الرَّسُولِ وَلِهَذَا قَالُوا: لَوْ أَسْلَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَسْمَعْ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَنَحْوِهًا لَمْ يَلْزَمْهُ قضاء شيء منها,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أحمد "8609" ومسلم "153" "240".(10/217)
لِأَنَّهَا لَمْ تَلْزَمْهُ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ حُجَّةِ السَّمْعِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قِصَّةُ أَهْلِ قُبَاءَ حِينَ اسْتَدَارُوا إلَى الْكَعْبَةِ وَلَمْ يَسْتَأْنِفُوا1.
وَلَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِفَرْضِ الصَّلَاةِ قَالُوا: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ; لِأَنَّهُ قَدْ رَأَى النَّاسَ يُصَلُّونَ فِي الْمَسَاجِدِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ, وَذَلِكَ دَعَا إلَيْهَا, ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ, وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ, فَدَلَّ عَلَى مُوَافَقَتِهِ.
وَالْمَشْهُورُ فِي أُصُولِ الدِّينِ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَجَبَتْ شَرْعًا, نَصَّ عَلَيْهِ, وَقِيلَ: عَقْلًا, وَهِيَ أَوَّلُ وَاجِبٍ لِنَفْسِهِ, وَيَجِبُ قَبْلَهَا النَّظَرُ لِتَوَقُّفِهَا عَلَيْهِ, فَهُوَ أَوَّلُ وَاجِبٍ لِغَيْرِهِ, وَلَا يَقَعَانِ ضَرُورَةً, وَقِيلَ: بَلَى, وَكَذَا إنْ أُعْدِمَا2 أَوْ أَحَدُهُمَا بِلَا مَوْتٍ, كَزِنَا ذِمِّيَّةٍ وَلَوْ بِكَافِرٍ, أَوْ اشْتِبَاهِ وَلَدٍ مُسْلِمٍ بِوَلَدٍ كَافِرٍ, نَصَّ عَلَيْهِمَا, قَالَ الْقَاضِي: أَوْ وُجِدَ بِدَارِ حَرْبٍ, وَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ الِاشْتِبَاهِ: تَكُونُ الْقَافَةُ فِي هَذَا؟ قَالَ: مَا أَحْسَنَهُ, وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرَا وَلَدَهُمَا وَمَاتَ طِفْلًا دُفِنَ فِي مَقَابِرِنَا, نَصَّ عليه واحتج
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 تقدم تخريجه "2/130".
2 في "ط" "أعدما".(10/218)
بِقَوْلِهِ "فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ" 1 قَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ. كَلَقِيطٍ, وَيَتَوَجَّهُ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا.
وَيَدُلُّ عَلَى خِلَافِ النَّصِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُشَرِّكَانِهِ" فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت لَوْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: "اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2. وَفِي مُسْلِمٍ3 "عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ حَتَّى يُبَيِّنَ عَنْهُ لِسَانُهُ" وفسر أحمد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 تقدم تخريجه ص "215".
2 تقدم تخريجه ص "216".
3 في صحيحه "2658" "23".(10/219)
الْفِطْرَةَ فَقَالَ: الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ1 النَّاسَ عَلَيْهَا, شقي أو سعيد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "د".(10/220)
قَالَ الْقَاضِي: الْمُرَادُ بِهِ الدِّينُ, مِنْ كُفْرٍ أَوْ إسْلَامٍ, قَالَ: وَقَدْ فَسَّرَ أَحْمَدُ هَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ, وَذَكَرَ الْأَثْرَمُ: مَعْنَاهُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ حِينَ أَخَذَهُمْ مِنْ صُلْبِ آدَمَ {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] وَبِأَنَّ لَهُ صَانِعًا وَمُدَبِّرًا وَإِنْ عَبَدَ شَيْئًا غَيْرَهُ وَسَمَّاهُ بِغَيْرِ اسْمِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ عَلَى الْإِسْلَامِ; لِأَنَّ الْيَهُودِيَّ يَرِثُهُ وَلَدُهُ الطِّفْلُ, إجْمَاعًا, وَنَقَلَ يُوسُفُ: الْفِطْرَةُ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ الْعِبَادَ عَلَيْهَا, وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: هِيَ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ النَّاسَ عَلَيْهَا الْفِطْرَةُ الْأُولَى1؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي تَعْذِيبِ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ وَالْكَلَامُ منه في ذلك مبني على2 مَقَالَتُهُ فِي تَفْسِيرِ الْفِطْرَةِ. ثُمَّ ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْمُرَادُ بِهِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ مَا لَمْ يُعْلَمْ لَهُ أَبَوَانِ كَافِرَانِ, وَلَا يَتَنَاوَلُ مَنْ وُلِدَ بَيْنَ كَافِرَيْنِ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ كَافِرًا, كَذَا قَالَ.
وَإِنْ بَلَغَ مُمْسِكًا عَنْ إسْلَامٍ وَكُفْرٍ قُتِلَ قَاتِلُهُ, وَفِيهِ احْتِمَالٌ, وَقِيلَ: يُقْتَلُ إنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِمَا تَقَدَّمَ, لَا بِالدَّارِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ.
وَمَنْ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ لَمْ يَجُزْ تَعْزِيرُهُ, فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ, لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ غَيْرُ الْقَتْلِ وَقَدْ سَقَطَ, وَالْحَدُّ إذَا سَقَطَ بِالتَّوْبَةِ أَوْ اُسْتُوْفِيَ لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ, كَسَائِرِ الْحُدُودِ. وَقَالَ شَيْخُنَا فِيمَنْ شَفَعَ عِنْدَهُ فِي شَخْصٍ فَقَالَ: لو جاء
__________
1 ليست في "ط".
2 بعدها في "ط" "ما".(10/221)
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْفَعُ فِيهِ مَا قُبِلَ1, إنْ تَابَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ قُتِلَ2, لَا قَبْلَهَا, فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ فِيهِمَا, وَيَسُوغُ تَعْزِيرُهُ, وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمَالِكِيَّةِ يُعَزَّرُ بَعْدَ التَّوْبَةِ.
وَوَجَّهَ شَيْخُنَا هَذَا الْمَعْنَى فِي مَكَان آخَرَ بِأَنْ قَتْلَهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ رَسُولٌ حَقٌّ لِلَّهِ, وَقَدْ سَقَطَ فَيُعَزَّرُ لِحَقِّ الْبَشَرِيَّةِ كَتَعْزِيرِ سَابِّ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ إسْلَامِهِ, قَالَ: وَمَنْ لَمْ يُعَاقِبْهُ بِشَيْءٍ قَالَ: انْدَرَجَ حَقُّ الْبَشَرِيَّةِ فِي حَقِّ الرِّسَالَةِ, فَإِنَّ الْجَرِيمَةَ الْوَاحِدَةَ إذَا أَوْجَبَتْ الْقَتْلَ لَمْ يَجِبْ غَيْرُهُ, عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ, وَلِهَذَا انْدَرَجَ حَقُّ اللَّهِ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ بِعَفْوِهِ عَنْ قَوَدٍ وَحَدِّ قَذْفٍ, قَالَ: وَفِي الْأَصْلَيْنِ خِلَافٌ, فَمَذْهَبُ "م": يُعَزَّرُ الْقَاتِلُ بَعْدَ الْعَفْوِ, وَمَذْهَبُ "هـ": لَا يَسْقُطُ حَدُّ الْقَذْفِ بِالْعَفْوِ, وَلِهَذَا تَرَدَّدَ مَنْ أَسْقَطَ الْقَتْلَ بِالْإِسْلَامِ, هَلْ يُؤَدَّبُ حَدًّا أَوْ تَعْزِيرًا عَلَى خُصُوصِ الْقَذْفِ وَالسَّبِّ؟ تَقَدَّمَ احْتِمَالٌ يُعَزَّرُ لِحَقِّ السَّلْطَنَةِ بَعْدَ عَفْوِ الْآدَمِيِّ, لِلتَّهْذِيبِ وَالتَّقْوِيمِ3, فَدَلَّ مِنْ التَّعْلِيلِ عَلَى تَعْزِيرِ الْمُرْتَدِّ, وَهُوَ مِنْ الْقَاضِي اعْتِبَارٌ لِلْمَصْلَحَةِ الْمُرْسَلَةِ عَلَى عَادَتِهِ. وفي الأحكام السلطانية: وأما إن4 لَمْ يَتُبْ أَوْ تَابَ وَلَمْ تُقْبَلْ ظَاهِرًا قُتِلَ فَقَطْ, جَعَلَهُ الْأَصْحَابُ أَصْلًا, لِعَدَمِ الْجَلْدِ مع الرجم 5والله أعلم5.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ر" "ما أقبل".
2 في الأصل "قبل".
3 ص "106".
4 في الأصل "من" وفي "ط" "إذا".
5 5 ليست في "ر" و"ط".(10/222)
كتاب الجهاد
مدخل
*
...
كتاب الجهاد
وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى مُكَلَّفٍ ذَكَرٍ حُرٍّ, فَإِنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ لَا يَلْزَمُ رَقِيقًا وَلَوْ أذن له1 سيده2 صَحِيحٍ, وَلَوْ أَعْوَرَ, وَاجِدٍ وَفِي الْمُحَرَّرِ: وَلَوْ مِنْ الْإِمَامِ مَا يَحْتَاجُهُ هُوَ وَأَهْلُهُ لِغَيْبَتِهِ, وَمَعَ مَسَافَةِ قَصْرٍ مَرْكُوبًا وَعَنْهُ: يَلْزَمُ عَاجِزًا بِبَدَنِهِ فِي مَالِهِ, اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَشَيْخُنَا كَحَجٍّ 3عَلَى مَعْضُوبٍ3, وَأَوْلَى. وَفِي الْمُذْهَبِ قَوْلُ: يَلْزَمُ أَعْرَجَ يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ, وَفِي الْبُلْغَةِ: يَلْزَمُ أَعْرَجَ يَسِيرًا, وَإِذَا قَامَ بِهِ طَائِفَةٌ كَانَ سُنَّةً فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ, صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ, وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ غَيْرِهِ, وَأَنَّ مَا عدا القسمين هنا سنة,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في الأصل.
2 في الأصل "سيد".
3 3في الأصل "عن مغصوب".(10/225)
وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ: يَجِبُ الْجِهَادُ بِاللِّسَانِ, فَيَهْجُوهُمْ1 الشَّاعِرُ, قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ "اُهْجُ الْمُشْرِكِينَ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ2, وَلَهُ3 بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ كَعْبًا قَالَ له: إن الله أنزل في الشعر4 مَا أَنْزَلَ. فَقَالَ: "الْمُؤْمِنُ يُجَاهِدُ بِسَيْفِهِ وَلِسَانِهِ, وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَكَأَنَّمَا تَرْمُونَهُمْ بِهِ نَضْحُ النَّبْلِ". وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ5 عَنْ عَمَّارٍ قَالَ: شَكَوْنَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِجَاءَ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: "اُهْجُوهُمْ كَمَا6 يَهْجُونَكُمْ". وَذَكَرَ شَيْخُنَا الْأَمْرَ بِالْجِهَادِ فَمِنْهُ بِالْقَلْبِ وَالدَّعْوَةِ وَالْحُجَّةِ وَالْبَيَانِ وَالرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْبَدَنِ فَيَجِبُ بِغَايَةِ مَا يُمْكِنُهُ, وَالْحَرْبُ خُدْعَةٌ:
الرَّأْيُ قَبْلَ شَجَاعَةِ الشُّجْعَانِ ... هُوَ أَوَّلٌ وَهِيَ7 الْمَحِلُّ الثَّانِي
فَإِذَا هُمَا اجْتَمَعَا لِعَبْدٍ مَرَّةً ... بَلَغَا مِنْ الْعَلْيَاءِ كُلَّ مكان8
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ر" "فيهجرهم".
2 أخرجه أحمد في المسند "18526" بهذا اللفظ وعلقه البخاري "4124" بصيغة الجزم وأخرجه البخاري "3213" ومسلم "2486" وأحمد في المسند "18650" بلفظ "هاجهم – أو اهجهم – فإن جبريل معك" من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.
3 أي أحمد في المسند برقم "15785" من حديث كعب بن مالك.
4 في "ر" و"ط" "الشعراء".
5 في المسند "18314" بلفظ "قولوا لهم كما يقولون لكم".
6 في "ط" "ما".
7 في "ر" "وهو".
8 الأبيات للمتنبي في ديوانه ص "441".(10/226)
قال وعلى الرسول1 أَنْ يُحَرِّضَهُمْ عَلَى الْجِهَادِ, وَيُقَاتِلَ بِهِمْ عَدُوَّهُ بِدُعَائِهِمْ وَرَأْيِهِمْ وَفِعْلِهِمْ, وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُمْكِنُ الِاسْتِعَانَةُ بِهِ عَلَى الْجِهَادِ, وَيَفْعَلُ مَعَ بَرٍّ وَفَاجِرٍ يَحْفَظَانِ الْمُسْلِمِينَ, لَا مُخَذِّلٍ وَنَحْوِهِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "إنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ" مُخْتَصَرٌ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ2.
وَيُقَدَّمُ الْقَوِيُّ مِنْهُمَا, نَصَّ عَلَى ذَلِكَ, كُلَّ عَامٍ مَرَّةً إلَّا لِمَانِعٍ بِطَرِيقٍ, وَلَا يُعْتَبَرُ أَمْنُهَا فَإِنَّ وَضَعْهُ عَلَى الْخَوْفِ, وَعَنْهُ: يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ لِحَاجَةٍ, وَعَنْهُ: وَمَصْلَحَةٍ كَرَجَاءِ إسْلَامٍ, نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: لَوْ اخْتَلَفُوا عَلَى رَجُلَيْنِ لَمْ يَتَعَطَّلْ الْغَزْوُ وَالْحَجُّ. هَذَانِ3 بَابَانِ لَا يَدْفَعُهُمَا شَيْءٌ أَصْلًا وَمَا يُبَالِي مِنْ قَسْمِ الْفَيْءِ أَوْ مِنْ4 وَلِيِّهِمَا, وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: يَجِبُ الْجِهَادُ بِلَا إمَامٍ إذَا صَاحُوا النَّفِيرَ, وَسَأَلَهُ أَبُو دَاوُد: بِلَادٌ غَلَبَ عَلَيْهَا رَجُلٌ 5فَنَزَلَ الْبِلَادَ يُغْزِي بِأَهْلِهَا5, يَغْزُو مَعَهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ, قُلْت: يَشْتَرِي مِنْ سَبْيِهِ؟ قَالَ: دَعْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ: الْغَزْوُ لَيْسَ مِثْلَ شِرَاءِ السَّبْيِ, الْغَزْوُ دَفْعٌ عَنْ الْمُسْلِمِينَ لا يترك لشيء, فيتوجه في6 سبيه كمن غزا بلا إذن.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط" "الأمير" وجاء في الأصل تعد لفظة الرسول: صلى الله عليه وسلم.
2 البخاري "3062" ومسلم "111" "178".
3 في الأصل "هذا".
4 ليست في الأصل.
5 5 وردتهذه االعبارة في مسائل أبي داود ص "234" هكذا "فترك والبلاد يغزو بأهلها".
6 في "ط" "من".(10/227)
وَمَنْ حُصِرَ1 بَلَدُهُ أَوْ هُوَ عَدُوٌّ أَوْ اسْتَنْفَرَهُ مَنْ لَهُ اسْتِنْفَارُهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ, وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِوُجُوبِهِ. وَفِي الْبُلْغَةِ: يَتَعَيَّنُ فِي مَوْضِعَيْنِ: إذَا الْتَقَيَا, وَالثَّانِي إذَا نَزَلُوا بَلَدَهُ إلَّا لِحَاجَةِ حِفْظِ أَهْلٍ أَوْ مَالٍ, وَالثَّانِي مَنْ يَمْنَعُهُ الْأَمِيرُ, وَيَلْزَمُ الْعَبْدَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ, هَذَا فِي الْقَرِيبِ, أَمَّا مِنْ عَلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَعَ عَدَمِ الْكِفَايَةِ, وَلَوْ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ وَالنَّفِيرِ صَلَّى وَنَفَرَ, وَمَعَ قُرْبِ الْعَدُوِّ يَنْفِرُ وَيُصَلِّي رَاكِبًا أَفْضَلُ, وَلَا يَنْفِرُ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ, وَلَا بَعْدَ الْإِقَامَةِ, نَصَّ عَلَى الثَّلَاثِ, وَنَقَلَ أَبُو داود أيضا في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط" "حضر".(10/228)
الْأَخِيرَةِ: يَنْفِرُ إنْ كَانَ عَلَيْهِ وَقْتٌ, قُلْت: لَا يَدْرِي نَفِيرٌ حَقٌّ أَمْ لَا؟ قَالَ: إذَا نَادَوْا بِالنَّفِيرِ فَهُوَ حَقٌّ, قُلْت: إنَّ أَكْثَرَ النَّفِيرِ لَا يَكُونُ حَقًّا قَالَ: يَنْفِرُ يَكُونُ يَعْرِفُ مَجِيءَ عَدُوِّهِمْ كَيْفَ هُوَ.
وَمَنْ لَمْ يَنْفِرْ عَلَى فَرَسٍ حَبِيسٍ عِنْدَهُ إبْقَاءً عَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ, وَإِنْ تَرَكَهُ لِشُغْلِهِ بِحَاجَةٍ أَعْطَاهُ مَنْ يَنْفِرُ عَلَيْهِ, وَإِنْ لَمْ يَغْزُ عَلَيْهِ كُلَّ غَزَاةٍ لِيُرِيحَهُ فَلَا بَأْسَ, قُلْت: يَتَقَدَّمُ فِي الْغَارَةِ أَوْ يَتَأَخَّرُ فِي السَّاقَةِ؟ قَالَ: مَا كَانَ أَحْوَطَ, مَا يَصْنَعُ بِالْغَنَائِمِ إنَّمَا يُرَادُ سَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ.
وَقَالَ الْقَاضِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي السُّنَنِ: فِي النَّفِيرِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ. إذَا لَمْ يُسْتَغَاثُوا وَلَمْ يَتَيَقَّنُوا أَمْرَ الْعَدُوِّ: لَمْ يَنْفِرُوا حَتَّى يُصَلُّوا, قَالَ: وَلَا تَنْفِرُ الْخَيْلُ إلَّا عَلَى حَقِيقَةٍ, وَيَتَوَجَّهُ أَوْ خَوْفٍ, لِلْخَبَرِ1, قَالَ: وَلَا يَنْفِرُ عَلَى غُلَامٍ آبِقٍ, لَا يَهْلَكُ النَّاسُ بِسَبَبِهِ.
وَلَوْ نَادَى: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ, لِحَادِثَةٍ فَيُشَاوِرُ فِيهَا لَمْ يَتَأَخَّرْ أَحَدٌ بِلَا عُذْرٍ وَجِهَادُ الْمُجَاوِرِ مُتَعَيَّنٌ نَصَّ عَلَيْهِ إلَّا لِحَاجَةٍ, وَمَعَ التَّسَاوِي جِهَادُ أَهْلِ الْكِتَابِ أَفْضَلُ, وَفِي الْبَحْرِ أَفْضَلُ, وَفِي الْخَبَرِ: "لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ"2, ذَكَرَهُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الله, وإذا 3غزا فيه فأراد رجل أن3 يقيم بالساحل لم يجز
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 هو – والله أعلم – ما أخرجه البخاري "1834" ومسلم "1353" "445" مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لا هجرة ولكن جهاد ونية استنفرتم فانفروا......" الحديث.
2 أخرجه أبو داود "2493" عن أم حرام عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال: "المائد في البحر الذي يصيبه القيء له أجر شهيد والغرق له أجر شهيدين".
3 3 في "ط" "غزا فيه فأراد رجل".(10/229)
إلَّا بِإِذْنِ الْوَالِي عَلَى كُلِّ الْمَرَاكِبِ, نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد قُلْت: مَتَى يَتَقَدَّمُ الرَّجُلُ بِلَا إذْنٍ؟ قَالَ: إذَا صَارَ بِأَرْضِ الْإِسْلَامِ, قُلْت: إنه صار وربما تعرض العلج للرجل وللحطاب1؟ قَالَ: لَا يَتَقَدَّمُ حَتَّى يَأْمَنَ, ثُمَّ تَلَا {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} [النور: 62] قُلْت: أَذِنَ لَهُ فِي أَرْضِ الْخَوْفِ يَتَقَدَّمُ لَهُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ, قَدْ يَبْعَثُ الْمُبَشِّرَ وَفِي الْحَاجَةِ. قُلْت: الْمُتَسَرِّعُ يُقَدَّمُ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ الرَّجُلُ؟ قَالَ: مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُخَطِّي إلَيْهِ كَذَا فِي عِدَّةِ نُسَخٍ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ لَا يَتَلَقَّاهُ.
وَسَأَلَهُ أَيْضًا: فِي الْمَرْكَبِ مِنْ يَتَعَرَّى وَمَنْ يَغْتَابُ النَّاسَ؟ قَالَ: يَغْزُو مَعَهُمْ 2وَيَأْمُرُهُمْ. قَالَ أَحْمَدُ: أَكْرَهُ الْحَرَسَ بِالْجَرَسِ. قُلْت: فَيَحْرُسُ الرَّجُلُ مَعَهُمْ2 وَلَا يَنْتَهُونَ؟ قَالَ: يَحْرُسُ وَلَا يَضْرِبُ بِهِ. سُئِلَ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ فِي الْحَرَسِ, قَالَ: الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي السَّفَرِ, فَأَمَّا أَنْ يَكُونُوا فِي الْحَرَسِ 3يُرِيدُونَ الْعَدُوَّ أَيْ عِنْدَنَا عُدَّةٌ3 فَلَا بَأْسَ. قِيلَ: يَحْرُسُ رَاجِلًا أَوْ رَاكِبًا؟ قَالَ: مَا يَكُونُ أَنْكَى, قُلْت: هُوَ حِيَالُ حصن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
.
__________
1 في "ط" "للخطيب".
2 2 ليست في "ر".
3 3 وردت هذه العبارة في مسائل أبي داود ص "254" هكذا "يرون العدو أن عندنا عدة".(10/230)
يَحْرُسُ لَا يَخْرُجُ أَهْلُ الْحِصْنِ. قَالَ: هَذَا راكبا أفضل.
وَيُسْتَحَبُّ تَشْيِيعُ غَازٍ, لَا تَلْقِيهِ, نَصَّ عَلَيْهِ, لِأَنَّهُ هَنَّأَهُ بِالسَّلَامَةِ مِنْ الشَّهَادَةِ وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ حَجٌّ وَأَنَّهُ يَقْصِدُهُ لِلسَّلَامِ, وَنَقَلَ عَنْهُ فِي حَجِّ: لَا إلَّا إنْ كَانَ قَصَدَهُ أَوْ كان1 ذَا عِلْمٍ أَوْ هَاشِمِيًّا أَوْ2 مَنْ يُخَافُ شَرُّهُ. وَشَيَّعَ أَحْمَدَ أُمَّةٌ3 لِحَجٍّ, وَنَقَلَ ابْنَاهُ أَنَّهُ قَالَ لَهُمَا: اُكْتُبَا اسْمَ مَنْ سَلَّمَ عَلَيْنَا مِمَّنْ حَجَّ حَتَّى إذَا قَدِمَ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ. قَالَ الْقَاضِي: جَعَلَهُ مُقَابَلَةً, وَلَمْ يَسْتَحِبَّ أَنْ يَبْدَأَهُمْ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: مَحْمُولٌ عَلَى صِيَانَةِ الْعِلْمِ لَا عَلَى الْكِبْرِ, وَفِي الْفُنُونِ: تَحْسُنُ التَّهْنِئَةُ بِالْقُدُومِ لِلْمُسَافِرِ, كَالْمَرْضَى تَحْسُنُ تَهْنِئَةُ كُلٍّ مِنْهُمْ بِسَلَامَتِهِ. وَفِي نِهَايَةِ أَبِي الْمَعَالِي: تُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ الْقَادِمِ وَأَنَّهُ يُحْمَلُ قَوْلُ أَحْمَدَ وَقِيلَ لَهُ: أَلَا تَعُودُ فُلَانًا؟ قَالَ: إنَّهُ لَا يَعُودُنَا. عَلَى أَنَّهُ صَاحِبُ بِدْعَةٍ. أَوْ مَانِعُ زَكَاةٍ, ذَكَرَهُ4. وَفِي الرِّعَايَةِ: أَنَّ الْقَاضِيَ يُوَدِّعُ الْغَازِيَ وَالْحَاجَّ مَا لَمْ يَشْغَلْهُ عَنْ الْحُكْمِ. وَرَوَى سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنْ الْحَكَمِ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لو يعلم المقيمون ما للحاج عليهم5 مِنْ الْحَقِّ لَأَتَوْهُمْ حَتَّى يُقَبِّلُوا رَوَاحِلَهُمْ, لِأَنَّهُمْ وفد الله في جميع الناس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ر" و"ط".
2 بعدها في الأصل "من".
3 في "ط" "أمة".
4 بعدها في الأصل بياض بقدر كلمة.
5 في "ط" "عليه".(10/231)
حَجَّاجٌ هُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ ضَعِيفٌ مُدَلِّسٌ. وَالْحَكَمُ هو ابن عتيبة1, لَمْ يَلْقَ ابْنَ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ بَهْجَةِ الْمَجَالِسِ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا تَلَقَّوْا الْحَاجَّ وَلَا تُشَيِّعُوهُمْ2.
وَفِي قِصَّةٍ تَخَلُّفَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ3 تَهْنِئَةُ مَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ دِينِيَّةٌ. وَالْقِيَامُ إلَيْهِ وَمُصَافَحَتُهُ, وَإِعْطَاءُ الْبَشِيرِ, وَأَمَّا تَهْنِئَةُ مَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ فَهُوَ4 مِنْ عُرْفٍ وَعَادَةٍ أيضا, لكن5 الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُحْدِثٌ. قَالَ فِي كِتَابِ الْهَدْيِ: هُوَ جَائِزٌ وَلَمْ يَقُلْ بِاسْتِحْبَابِهِ, كَمَا ذَكَرَهُ فِي النِّعْمَةِ الدِّينِيَّةِ, قَالَ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لَهُ: لِيُهَنِّئَك6 مَا أَعْطَاك اللَّهُ, وَمَا مَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَيْك فَإِنَّ فِيهِ تَوْلِيَةَ النِّعْمَةِ رَبَّهَا, وَالدُّعَاءُ لِمَنْ نَالَهَا بِالتَّهَنِّي بِهَا.
وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ اسْتِحْبَابَ تَشْيِيعِ الْحَاجِّ وَوَدَاعِهِ وَمَسْأَلَتِهِ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ, نَقَلَ الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ: 7مَا سَمِعْنَا7 أَنْ يُدْعَى لِلْغَازِي إذَا قَفَلَ, وَأَمَّا الْحَاجُّ فَسَمِعْنَا "عَنْ" ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي قِلَابَةَ8: وأن الناس ليدعون. وقال ابن أصرم:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ر" و"ط" "عيينة".
2 لم نقف عليه.
3 القصة أخرجها البخاري "4418" ومسلم "2769" "53" من روابة ربيعو بن كعب عن أبيه.
4 بعدها في "ط" "من".
5 في "ط" "لأنه".
6 في "ط" "ليهنئك".
7 7 في "ر" "ثنا إسماعيل".
8 أثر ابن عمر أخرجه عبد الرزاق في المصنف "9266" وابن أبي شيبة في المصنق "4/108" بلفظ: كان يقول للحاج إذا قدم تقبل الله نسكك وأعظم أجرك وأخلف نفقتك. ==. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
== وأثر أبي قلابة أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف "4/108" أنه لقي رجلا رجع من العمرة فقال: بر العمل بر العمل.(10/232)
سَمِعْته يَقُولُ لِرَجُلٍ: تَقَبَّلَ اللَّهُ حَجَّك, وَزَكَّى عَمَلَك, وَرَزَقَنَا وَإِيَّاكَ الْعَوْدَ إلَى بَيْتِهِ الْحَرَامِ. وَفِي الْغُنْيَةِ: تَقَبَّلَ اللَّهُ سَعْيَك, وَأَعْظَمَ أَجْرَك, وأخلف نفقتك; لأنه روي عن عمر1.
وَتُكَفِّرُ الشَّهَادَةُ غَيْرَ الدَّيْنِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَغَيْرَ مَظَالِمِ الْعِبَادِ كَقَتْلٍ وَظُلْمٍ وَزَكَاةٍ وَحَجٍّ أَخَّرَهُمَا وَقَالَ شَيْخُنَا: وَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْحَجَّ يُسْقِطُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ, فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ, وَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْآدَمِيِّ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ عِرْضٍ, بِالْحَجِّ "ع".
وَقَالَ الْآجُرِّيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخَبَرَ: إنَّ الشَّهَادَةَ تُكَفِّرُ غَيْرَ الدَّيْنِ2, قَالَ: هَذَا إنَّمَا هُوَ لِمَنْ تَهَاوَنَ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ, أَمَّا مَنْ اسْتَدَانَ دَيْنًا وَأَنْفَقَهُ فِي غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا تَبْذِيرٍ ثُمَّ لَمْ يُمْكِنْهُ قَضَاؤُهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَقْضِيه عَنْهُ, مَاتَ أَوْ قُتِلَ.
وَتُكَفِّرُ طَهَارَةٌ وَصَلَاةٌ وَرَمَضَانُ وَعَرَفَةُ وَعَاشُورَاءُ الصَّغَائِرَ. فَقَطْ, قَالَ شَيْخُنَا: وَكَذَا حَجٌّ; لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَرَمَضَانَ أَعْظَمُ مِنْهُ, وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ, وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ كَفَّارَةٌ لِلْكَبَائِرِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ3 أَوْ الصَّحِيحِ: "الْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا" قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ كِبَارَ الطَّاعَاتِ يُكَفِّرُ اللَّهُ مَا بَيْنَهُمَا لأنه لم يقل كفارة لصغار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 لم أقف عليه وروي عن ابن عمر كما سبق في التخريج الذي قبله.
2 أخرجه مسلم في صحيحه "1886" "119" عن عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين".
3 البخاري "1773" وَمُسْلِمٍ "1349" "437" مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.(10/233)
ذُنُوبِهِ, بَلْ إطْلَاقُهُ يَتَنَاوَلُ الصَّغَائِرَ وَالْكَبَائِرَ قَالَ: وَقَوْلُهُ: "الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الْجَنَّةُ" 1 أَيْ زَادَتْ قِيمَتُهُ فَلَمْ يُقَاوِمْهُ شَيْءٌ مِنْ الدُّنْيَا, وَقَوْلُهُ: "فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ" 2 أَيْ أَيَّامَ الْحَجِّ فَيَرْجِعُ وَلَا ذَنْبَ لَهُ, وَبَقِيَ حَجُّهُ فَاضِلًا لَهُ, لِأَنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ. وَالْمَذْهَبُ: لَا تَذْهَبُ, وَقَالَ فِي سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ: لَمَّا نَزَّهَ اللَّهَ تَعَالَى عَمَّا لا يجوز له3 نَزَّهَهُ مِنْ خَطَايَاهُ كُلِّهَا الَّتِي تَجُوزُ عَلَيْهِ.
يُقَالُ: بَرِرْت أَبِي بِكَسْرِ الرَّاءِ أَبَرُّهُ بِضَمِّهَا مَعَ فَتْحِ الْبَاءِ بِرًّا وَأَنَا بَرٌّ بِهِ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَبَارٌّ, وَجَمْعُ الْبَرِّ الْأَبْرَارُ, وَجَمْعُ الْبَارِّ الْبَرَرَةُ. وَهُوَ الْإِحْسَانُ وَفِعْلُ الْجَمِيلِ وَمَا يَسُرُّ.
قَالَ شَيْخُنَا: مَنْ عَرَفَ أَنَّ الْأَعْمَالَ الظاهرة4 تعظيم قدرها بما5 في القلوب من5 الْإِيمَانُ وَهُوَ مُتَفَاضِلٌ لَا يَعْلَمُ مَقَادِيرَهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى, عَرَفَ أَنَّ مَا قَالَهُ الرَّسُولُ حَقٌّ, وَلَمْ يَضْرِبْ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ, وَقَدْ يَفْعَلُ النَّوْعُ الْوَاحِدُ بِكَمَالِ إخْلَاصٍ وَعُبُودِيَّةٍ فَيُغْفَرُ لَهُ به كبائر كصاحب السجلات6, والبغي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 هو من تمام الحديث السابق.
2 تقدم تخريجه "6/72".
3 في "ط" "عليه".
4 في "ر" "الطاهرة".
5 ليست في "ط".
6 أخرجه الترمذي في سننه "2639" عن عمرو بن العاص يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر علي تسعة وتسعين سجلا مثل مد يقول: أتنكر من هذا شيئا"؟ الحديث وفيه: "فطاشت السجلات وثقلت البطاقة فلا يثقل مع اسم الله شيء".(10/234)
الَّتِي سَقَتْ الْكَلْبَ فَغَفَرَ لَهَا1 كَذَا قَالَ.
وَلِمُسْلِمٍ2 مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ "مَا مِنْ امْرِئٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنْ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يَأْتِ كَبِيرَةً وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ". وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا "الْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا, وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الْجَنَّةُ" وَعَنْهُ أَيْضًا مَرْفُوعًا "مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا ولدته أمه" متفق عليهما3.
وَتَمَامُ الرِّبَاطِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا, قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ, وَيُسْتَحَبُّ وَلَوْ سَاعَةً نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: أَقَلُّهُ سَاعَةٌ, وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ مَقَامٍ بِمَكَّةَ, وَذَكَرَهُ شَيْخُنَا "ع", وَالصَّلَاةُ بِهَا أَفْضَلُ, نَصَّ عَلَى ذَلِكَ, قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: فَأَمَّا فَضْلُ الصلاة فهذا4 شَيْءٌ خَاصَّةً, فَضْلٌ لِهَذِهِ الْمَسَاجِدِ, قَالَ أَحْمَدُ إذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي شَيْءٍ فَانْظُرُوا مَا عَلَيْهِ الثَّغْرُ, فَإِنَّ الْحَقَّ مَعَهُمْ.
وَأَفْضَلُهُ بِأَشَدِّهَا خوفا. ويكره نقل الذرية أو5 النساء إلَيْهِ, وَنَهَى أَحْمَدُ عَنْهُ, فَذَكَرَ لَهُ أَبُو دَاوُد مَنَعَةَ طَرَسُوسَ وَغَيْرِهَا, فَكَرِهَهُ, وَنَهَى عَنْهُ, قلت:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه البخاري "3467" ومسلم "2245" "155" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بينما كلب يطيف بركية كا يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فسقته فغفر لها به".
2 في صحيحه "228" "7".
3 الحديث الأول: تقدم ص "233" والثاني تقدم "6/72".
4 في "ر" و"ط" "هذا".
5 في "ط" "و".(10/235)
تَخَافُ عَلَيْهِ الْإِثْمَ؟ قَالَ: كَيْفَ لَا أَخَافُ وَهُوَ يَعْرِضُ بِذُرِّيَّتِهِ1 لِلْمُشْرِكِينَ, قِيلَ لَهُ: فَأَنْطَاكْيَةُ؟ قَالَ: لَا يَنْقُلُهُمْ إلَيْهَا فَإِنَّهُ قَدْ أُغِيرَ عَلَيْهِمْ مُنْذُ سِنِينَ قَرِيبَةً مِنْ السَّاحِلِ, الشَّامُ كُلُّهَا إذَا وَقَعَتْ الْفِتْنَةُ فَلَيْسَ لِأَهْلِ خُرَاسَانَ عِنْدَهُمْ قَدْرٌ يَقُولُهُ فِي الِانْتِقَالِ إلَيْهَا بِالْعِيَالِ, قِيلَ: فَالْأَحَادِيثُ "إنَّ اللَّهَ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ"2 فَقَالَ: مَا أَكْثَرُ مَا جَاءَ فِيهِ. قُلْت: فَلَعَلَّهَا فِي الثُّغُورِ؟ قَالَ: إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَحَادِيثُ فِي الثُّغُورِ. وَذَكَرْت لَهُ مَرَّةً هَذَا أَنَّ هَذَا فِي الثُّغُورِ فَأَنْكَرَهُ وَقَالَ: الْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ أَيْنَ هِيَ؟ وَلَا يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ, هُمْ أَهْلُ الشَّامِ.
وَقُعُودُهُ عَلَيْهِمْ أَفْضَلُ, وَالتَّزْوِيجُ بِهِ أَسْهَلُ, نَصَّ عَلَى ذَلِكَ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يَنْتَقِلُ بِأَهْلِهِ إلَى مَدِينَةٍ تَكُونُ مَعْقِلًا لِلْمُسْلِمِينَ كَأَنْطَاكْيَةَ وَالرَّمْلَةِ وَدِمَشْقَ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ مُوسَى: يُسْتَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: بَيْتُ الْمَقْدِسِ.
وَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ حَرُمَ قِتَالُهُ قَبْلَهَا, وَيَجِبُ ضَرُورَةً وَيُسَنُّ دَعْوَةُ مَنْ بَلَغَهُ, وَعَنْهُ: قَدْ بَلَغَتْ الدَّعْوَةُ كُلَّ أحد, فإن دعا لا بأس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "بلدته".
2 أخرجه الطبراني في المعجم الكبير "18/627" عن العرباض بن سارية رضي الله عنه في حديث طويل.(10/236)
وَمَنْ عَجَزَ عَنْ إظْهَارِ دِينِهِ بِدَارُ حَرْبٍ يَغْلِبُ فِيهَا حُكْمُ الْكُفْرِ زَادَ بَعْضُهُمْ: أَوْ بَلَدِ بُغَاةٍ أَوْ بِدْعَةٍ كَرَفْضٍ وَاعْتِزَالٍ وَطَاقَ الْهِجْرَةَ لَزِمَتْهُ, وَلَوْ فِي عِدَّةٍ بِلَا رَاحِلَةٍ وَلَا مَحْرَمٍ, وَعَلَّلَ الْقَاضِي الْوُجُوبَ بِتَحْرِيمِ الْكَسْبِ عَلَيْهِ هُنَاكَ, لِاخْتِلَاطِ الْأَمْوَالِ, لِأَخْذِهِمْ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ وَوَضْعِهِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ. قِيلَ لِلْقَاضِي: فَيَلْزَمُهُ السَّفَرُ إلَى بَلَدٍ غَلَبَتْ الْبِدَعُ لِلْإِنْكَارِ؟ فَقَالَ: يَلْزَمُهُ بِلَا مَشَقَّةٍ. وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي قَوْلِهِ {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النساء: 88] عَنْ الْقَاضِي: إنَّ الْهِجْرَةَ كَانَتْ فَرْضًا إلَى أَنْ فُتِحَتْ مَكَّةُ, كَذَا قَالَ. وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي الْحَجِّ بِمَحْرَمٍ: إنْ أَمِنَتْ1 عَلَى نَفْسِهَا مِنْ الْفِتْنَةِ فِي دِينِهَا لَمْ تُهَاجِرْ إلَّا بِمَحْرَمٍ. وَفِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ إذَا أَمْكَنَهَا إظْهَارُ دِينِهَا وَأَمِنَتْهُمْ عَلَى نَفْسِهَا لَمْ يُبَحْ إلَّا بِمَحْرَمٍ, كَالْحَجِّ, فَإِنْ لَمْ تَأْمَنْهُمْ جَازَ الْخُرُوجُ حَتَّى وَحْدَهَا بِخِلَافِ الْحَجِّ.
وَتُسَنُّ لِقَادِرٍ. وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ: تَجِبُ عَلَيْهِ, وَأَطْلَقَ. وفي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط" "إذا".(10/237)
الْمُسْتَوْعِبِ: لَا تُسَنُّ لِامْرَأَةٍ بِلَا رُفْقَةٍ, وَلَا يُعِيدُ مَا صَلَّى مَنْ لَزِمَتْهُ, وَلَا يُوصَفُ الْعَاجِزُ عَنْهَا بِاسْتِحْبَابٍ. وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي قَوْلِ مُجَاشِعِ بْنِ مَسْعُودٍ1 السُّلَمِيِّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَخِيهِ مُجَالِدٍ2 يُبَايِعُك عَلَى الْهِجْرَةِ. فَقَالَ: "لَا هِجْرَةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَلَكِنْ أُبَايِعُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْجِهَادِ" 3 وَلِلْبُخَارِيِّ4: قُلْت: بَايِعْنَا عَلَى الْهِجْرَةِ, فَقَالَ "مَضَتْ الْهِجْرَةُ لِأَهْلِهَا". وَلِمُسْلِمٍ5 "إنَّ الْهِجْرَةَ مَضَتْ لِأَهْلِهَا, وَلَكِنْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ وَالْخَيْرِ" قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: إنَّمَا كَانَتْ الْهِجْرَةُ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ لِيَعْبُدَ اللَّهَ مُطْمَئِنًّا, فَلَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ كَانَتْ عِبَادَةُ اللَّهِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ, إذْ لَوْ فَسَحَ فِي الْهِجْرَةِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ لَضَاقَتْ الْمَدِينَةُ وَخَلَتْ الْأَرْضُ مِنْ سُكَّانِهَا, كَذَا قَالَ.
وَلَا تَجِبُ الْهِجْرَةُ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ الْمَعَاصِي, وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} [العنكبوت: 56] أَنَّ الْمَعْنَى إذَا عُمِلَ بِالْمَعَاصِي فِي أَرْضٍ فَاخْرُجُوا مِنْهَا6. وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ7. وَهَذَا خلاف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 هو مجاشع بن مسعود السلمي له صحبة قتل يوم الجمل سنة "36 هـ" تهذيب الكمال "7/34".
2 هو أبو معبد مجالد بن مسعود السلمي له صحبة قتل يوم الجمل "36 هـ" تهذيب الكمال "7/36".
3 أخرجه البخاري "4305" و"4306" ومسلم "1863" "84".
4 في صحيحه "2962" و"2963" من حديث مجاشع رضي الله عنه.
5 في صحيحه "1863" "83" من حديث مجاشع رضي الله عنه.
6 لم أفق عليه عن ابن عباس مسندا وإنما وجدناه من قول سعيد ين جبير أخرجه عبد الرزاق في تفسيره "2/2/99" والطبري في تفسيره "21/9" وابن أبي حاتم في تفسيره "17397".
7 أخرجه الطبري في تفسيره "21/9" وابن أبي حاتم في تفسيره "17398".(10/238)
ظاهر1 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ"2 الْحَدِيثَ وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ.
وَيَحْرُمُ بِلَا إذْنِ وَالِدٍ مُسْلِمٍ, قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ لَهُ أُمٌّ: اُنْظُرْ سُرُورَهَا, فَإِنْ أَذِنَتْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِي قَلْبِهَا وَإِلَّا فلا تغز. وفي الحرية وجهان "م 1" لَا جَدٌّ وَجَدَّةٌ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَلَا تَحْضُرُنِي الْآنَ عَنْ أَحْمَدَ وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ وَاحْتِمَالٌ فِي الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ, وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: اتَّفَقُوا أَنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ فَرْضٌ وَاتَّفَقُوا أَنَّ بِرَّ الْجَدِّ فَرْضٌ. وَإِنْ تَعَيَّنَ وَفِي الرَّوْضَةِ: أَوْ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ فَلَا إذْنَ.
وَلَا غَرِيمَ لَا وَفَاءَ لَهُ. وَفِي الرِّعَايَةِ وَجْهٌ: لا يستأذن مع تأجيله, قال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 1" قَوْلُهُ: "وَفِي الْحُرِّيَّةِ وَجْهَانِ", انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي3 وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ, وَظَاهِرُ الْمُغْنِي4 وَالشَّرْحِ5 إطْلَاقُ الْخِلَافِ أَيْضًا.
__________
1 أخرجه مسلم "49" "78" من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.
2 ليست في "ط".
3 "5/457".
4 "13/26".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/43 – 44".(10/239)
أَحْمَدُ: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْعِلْمِ مَا يَقُومُ بِهِ دِينُهُ, قِيلَ لَهُ: فَكُلُّ1 الْعِلْمِ يُقِيمُ بِهِ دِينُهُ, قَالَ: الْفَرْضُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ صَلَاتُهُ وَصِيَامُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ, وَهَذَا خَاصَّةً يَطْلُبُهُ بِلَا إذْنٍ, نَصَّ عَلَيْهِ. وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ فِيمَنْ لَا يَأْذَنُ لَهُ أَبَوَاهُ: يَطْلُبُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا يَنْفَعُهُ, الْعِلْمُ لَا يَعْدِلُهُ شَيْءٌ. وَفِي الرِّعَايَةِ: مَنْ لَزِمَهُ التَّعَلُّمُ, وَقِيلَ: أَوْ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ, وَقِيلَ: أَوْ نَفْلًا وَلَا يَحْصُلُ بِبَلَدِهِ فَلَهُ السَّفَرُ لِطَلَبِهِ بِلَا إذْنِ أَبَوَيْهِ.
وَيَحْرُمُ بِلَا إذْنِ إمَامٍ إلَّا لِحَاجَةٍ, نَصَّ عَلَيْهِ2. وَفِي الْمُغْنِي وَفُرْصَةٌ يَخَافُ فَوْتَهَا, وَفِي الرَّوْضَةِ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِيهِ, فَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ, وَعَنْهُ جَوَازُهُ بِكُلِّ حَالٍ ظَاهِرًا وَخُفْيَةً وَعُصْبَةً وَآحَادًا وَجَيْشًا وَسَرِيَّةً, وَفِي الْخِلَافِ فِي الْجُمُعَةِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ: الْغَزْوُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَهُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ, وَلَا دُخُولُ دَارِ حَرْبٍ بِلَا إذْنِ إمَامٍ وَلَهُمْ إذَا كَانُوا مَنَعَةً فِعْلُهُ وَدُخُولُهَا بِلَا إذْنِهِ, وَمَنْ أَخَذَ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ فِي غَزَاةٍ مُعَيَّنَةٍ فَالْفَاضِلُ لَهُ, وَإِلَّا فِي الْغَزْوِ.
وَإِنْ أَخَذَ دَابَّةً غير عارية أو3 حبيس لغزوه4 عليها ملكها به, نقله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"أَحَدُهُمَا": لَا يَجِبُ اسْتِئْذَانُ مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ غير حر في الجهاد, وهو احتمال فِي الْمُغْنِي5 وَالشَّرْحِ6 وَهُوَ الصَّحِيحُ, وَبِهِ قَطَعَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ والمنور وغيرهم.
__________
1 في الأصل "وكل".
2 بعدها في "ر" و"ط" "وفي المغني".
3 في "ر" و"ط" "و".
4 في "ط" "لغزوة".
5 "13/26".
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/43 – 44".(10/240)
الْجَمَاعَةُ وَمِثْلُهَا سِلَاحٌ وَغَيْرُهُ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَعَنْهُ الْوَقْفُ, قِيلَ لِأَحْمَدَ: الرَّجُلُ يَحْمِلُ وَيُعْطِي نَفَقَةً يَخْلُفُ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا فَإِذَا غَزَا فَهُوَ مِلْكُهُ, وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ عُمَرَ1, قَالَ: وَلَا يَحِلُّ لَهُ بِالنَّفِيرِ. وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: لَا يُعْطِي أَهْلَهُ إلَّا أَنْ يَصِيرَ إلَى رَأْسِ مَغْزَاهُ, وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ عَنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: إذَا بَلَغْت وَادِي الْقُرَى2 فَهُوَ كَمَالِكٍ3, قَالَ: إذَا بَلَغَهُ كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ بَعَثَ4 لِأَهْلِهِ نَفَقَةً, وَقِيلَ: مَلَكَهُ لَا يَتَّخِذُ مِنْهُ سُفْرَةً وَلَا يُطْعِمُ أَحَدًا وَلَا يُعِيرُهُ وَلَا أَهْلَهُ, نَصَّ عَلَيْهِ: نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ لَا يَغْزُو عَلَى مَا لَيْسَ لَهُ, وَلَا يَسْأَلُ أَحَدًا إلَّا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلَا إشْرَافِ5 نَفْسٍ, وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد الْمَسْأَلَةُ فِي الْحِمْلَانِ؟ فَقَالَ: أَكْرَهُ الْمَسْأَلَةَ فِي كُلِّ شيء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي": الْأَبَوَانِ الرَّقِيقَانِ فِي الِاسْتِئْذَانِ كَالْحُرَّيْنِ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ6 وَغَيْرِهِمْ, وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَالزَّرْكَشِيِّ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ وَقِيلَ أَوْ رَقِيقٌ لَمْ يَتَطَوَّعْ بِلَا إذْنِهِ, وَمَعَ رِقِّهِمَا فِيهِ وَجْهَانِ, فَقَدَّمَ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا رَقِيقًا جَوَازَ التَّطَوُّعِ, وَأَطْلَقَ فيما إذا كانا رقيقين الخلاف
__________
1 أخرجه البخاري "2971" ومسلم "1621" "3" أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حمل على فرس في سبيل الله فوجده يباع فأراد أن يبتاعه فسأل رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "لا تبتعه ولا تعد في صدقتك".
2 وادي القرى: بين المدينة والشام من أعمال المدينة كثير القرى معجم البلدان "4/878".
3 أخرجه سعيد بن منصور في السنن "2/140".
4 في "ط" "بعثه".
5 في الأصل "إسراف".
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/43 – 44".(10/241)
وَيَحْرُمُ فِرَارُ مُسْلِمِينَ وَلَوْ ظَنُّوا التَّلَفَ مِنْ مِثْلَيْهِمْ لِغَيْرِ تَحْرِيفٍ لِقِتَالٍ أَوْ تَحَيُّزٍ إلَى فِئَةٍ وَلَوْ بَعُدَتْ, وَيَجُوزُ مَعَ الزِّيَادَةِ وَهُوَ أَوْلَى, مَعَ ظَنِّ التَّلَفِ بِتَرْكِهِ, وَأَطْلَقَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي النَّسْخِ اسْتِحْبَابَ الثَّبَاتِ لِلزَّائِدِ, وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ1: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَنْبَأَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: أَوْصَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَشْرِ كَلِمَاتٍ قَالَ "لَا تُشْرِكْ بِاَللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُتِلْت وَحُرِّقْت, وَلَا تَعُقَّنَّ وَالِدَيْك وَإِنْ أَمَرَاك أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أهلك ومالك2, وَلَا تَتْرُكَنَّ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا, فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ, وَلَا تَشْرَبَنَّ خَمْرًا, فَإِنَّهُ رَأْسُ كُلِّ فَاحِشَةٍ, وَإِيَّاكَ وَالْمَعْصِيَةَ, فَإِنَّ الْمَعْصِيَةَ تُحِلُّ سَخَطَ اللَّهِ, وَإِيَّاكَ وَالْفِرَارَ مِنْ الزَّحْفِ وَإِنْ هَلَكَ النَّاسُ, وَإِذَا أَصَابَ النَّاسَ مَوْتٌ وَأَنْتَ فِيهِمْ فَاثْبُتْ, وَأَنْفِقْ عَلَى عِيَالِك مِنْ طَوْلِك, وَلَا تَرْفَعْ عَنْهُمْ عَصَاك أَدَبًا, وَأَخِفْهُمْ فِي اللَّهِ" إسْمَاعِيلُ عَنْ الْحِمْصِيِّينَ حُجَّةٌ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْأَكْثَرِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ لَمْ يُدْرِك مُعَاذًا.
وَإِنْ ظُنَّ الظَّفْرُ بِالثَّبَاتِ ثَبَتُوا, وَقِيلَ: لُزُومًا, وَإِنْ ظن الهلاك فيهما
__________
1 في المسند "22075".
2 في الأصل "ملكك".(10/242)
قَاتَلُوا, وَعَنْهُ: لُزُومًا, قَالَ أَحْمَدُ: مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُسْتَأْسَرَ1. وَقَالَ: فَلْيُقَاتِلْ أَحَبُّ إلَيَّ, الْأَسْرُ شَدِيدٌ, وَقَالَ عَمَّارٌ يَقُولُ: مَنْ اسْتَأْسَرَ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ2. فَلِهَذَا3 قَالَ الْآجُرِّيُّ: يَأْثَمُ وَأَنَّهُ قَوْلُ أَحْمَدَ, قَالَ أَحْمَدُ: وَإِذَا أَرَادُوا ضَرْبَ عُنُقِهِ لَا يَمُدُّ رَقَبَتَهُ وَلَا يُعِينُ عَلَى نَفْسِهِ بِشَيْءٍ, فَلَا يُعْطِيهِمْ سَيْفَهُ لِيُقْتَلَ بِهِ وَيَقُولُ لِأَنَّهُ أَقْطَعُ. وَلَا يَقُولُ: ابْدَءُوا بِي, وَلَوْ أُسِرَ هُوَ وَابْنُهُ لَمْ يَقُلْ قَدِّمُوا ابْنِي بَيْنَ يَدَيَّ. وَيَصْبِرُ, قَالَ: وَيُقَاتِلُ, وَلَوْ أعطوه الأمان, قد لا يقون4, وَقِيلَ لَهُ: إذَا أُسِرَ أَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ؟ قَالَ: إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَقْوَى بِهِمْ, قَالَ: وَلَوْ حَمَلَ عَلَى الْعَدُوِّ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَنْجُو لَمْ يُعِنْ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ, وَقِيلَ لَهُ: يَحْمِلُ الرَّجُلُ عَلَى مِائَةٍ؟ قَالَ: إذَا كَانَ مَعَ فُرْسَانٍ, وَذَكَرَ شَيْخُنَا يُسْتَحَبُّ انْغِمَاسُهُ لِمَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَإِلَّا نَهَى عَنْهُ, وَهُوَ مِنْ التَّهْلُكَةِ. وَفِي الْمُنْتَخَبِ: لَا يَلْزَمُ ثَبَاتُ وَاحِدٍ لِاثْنَيْنِ عَلَى الِانْفِرَادِ. وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَالنَّصِيحَةِ وَنِهَايَةِ أَبِي الْمَعَالِي وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ وَالْمُوجَزِ وَغَيْرِهَا: يَلْزَمُ وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَأَبُو طَالِبٍ.
وَإِنْ اشْتَعَلَ مَرْكَبُهُمْ نَارًا فَعَلُوا5 مَا رَأَوْا السَّلَامَةَ فِيهِ 6وَإِلَّا خُيِّرُوا, كَظَنِّ السَّلَامَةِ6 فِي الْمَقَامِ وَالْوُقُوعِ فِي الْمَاءِ ظَنًّا مُتَسَاوِيًا, وَعَنْهُ: يَلْزَمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ر" "يساسروا".
2 لم أقف عليه.
3 في الأصل "فلذا".
4 في الأصل "لا يفوت".
5 في الأصل "عملوا".
6 6 ليست في "ر".(10/243)
الْمُقَامُ نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً وَصَحَّحَهَا: يَحْرُمُ. وَقَالَ شَيْخُنَا: جِهَادُ الدَّافِعِ لِلْكُفَّارِ يَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ, وَيَحْرُمُ فِيهِ الْفِرَارُ مِنْ مِثْلَيْهِمْ; لِأَنَّهُ جِهَادُ ضَرُورَةٍ لَا اخْتِيَارٍ, وَثَبَتُوا يَوْمَ أُحُدٍ وَالْأَحْزَابِ وُجُوبًا, وَكَذَا لما قدم التتار1 دِمَشْقَ.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى مَرْفُوعًا "لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ, فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2.
وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فِي كِتَابِهِ إلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: احْرِصْ عَلَى الْمَوْتِ تُوهَبُ لَك الْحَيَاةُ3. وَأَخَذَهُ الشَّاعِرُ فَقَالَ4:
تَأَخَّرْتُ أَسْتَبْقِي الْحَيَاةَ فَلَمْ أَجِدْ ... لِنَفْسِي حَيَاةً مِثْلَ أَنْ أَتَقَدَّمَا
وَمِنْ هَذَا قَوْلُ الْخَنْسَاءِ5:
يُهِينُ النُّفُوسَ وَهَوْنُ النُّفُوسِ ... عِنْدَ الْكَرِيهَةِ أَوْقَى لها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط" "التتر".
2 البخاري "3025" ومسلم "1742" "20".
3 ذكره ابن قتيبة في عيون الأخبار "1/125" ونسبه إلى يزيد بن مهلب.
كما ذكره المرزوقي في ديوان الحماسة "1/197" ونسبه إلى الحصين بن حمام المري.
4 ديوانها ص "121".
5 ليست في "ق".(10/244)
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: الْجُرْأَةُ وَالْجُبْنُ غَرَائِزُ يَضَعُهُمَا اللَّهُ حَيْثُ يَشَاءُ. فَالْجَبَانُ يَفِرُّ عَنْ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ, وَالْجَرِيءُ يُقَاتِلُ عَمَّنْ لَا يَئُوبُ بِهِ إلَى رَحْلِهِ1, قَالَ الشَّاعِرُ2:
يَفِرُّ جَبَانُ الْقَوْمِ عَنْ عُرْسِ3 نَفْسِهِ ... وَيَحْمِي شُجَاعُ الْقَوْمِ مَنْ لَا يُنَاسِبُهْ
وَيُرْزَقُ مَعْرُوفَ الْجَوَادِ عَدُوُّهُ ... ويحرم معروف البخيل أقاربه
وقال4 آخَرَ5:
وَخَارِجٍ أَخْرَجَهُ حُبُّ الطَّمَعْ ... فَرَّ مِنْ الْمَوْتِ وَفِي الْمَوْتِ وَقَعْ
مَنْ كَانَ يَهْوَى أَهْلَهُ فَلَا رَجَعْ
وَكَانَ مُعَاوِيَةُ يَتَمَثَّلُ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ:
أَكَانَ الْجَبَانُ يَرَى أَنَّهُ ... سَيُقْتَلُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلْ
وَقَدْ تُدْرِكُ الْحَادِثَاتُ الْجَبَانَ ... وَيَسْلَمُ مِنْهَا الشُّجَاعُ الْبَطَلْ6
وَمِنْ أَشْعَارِ الْجُبَنَاءِ7:
أَضْحَتْ تُشَجِّعُنِي هِنْدٌ وَقَدْ عَلِمَتْ ... أَنَّ الشَّجَاعَةَ مَقْرُونٌ بها العطب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه مالك في الموطأ "2/364" وأخرجه بنحوه سعيد بن منصور في السنن "2/208" والبيهقي في السنن الكبرى "9/170 – 171".
2 ذكره في عيون الأخبار "1/72" والعقد الفريد "1/139" ولم ينسباه.
3 العرس: امرأة الرجل القاموس "عرس".
4 في "ط" "قول".
5 ذكره في عيون الأخبار "1/183" وعزاه إلى فارس في جيش شيبة الخارجي ولم يسمه.
6 أورد البيتين المبرد في الكامل "3/1359" وعزاهما إلى معاوية رضي الله عنه.
7 ذكرها ابن قتيبة في عيون الأخبار "1/164" والمرزوقي في حماسة "2/778" ولم ينسباه.(10/245)
لِلْحَرْبِ قَوْمٌ أَضَلَّ اللَّهُ سَعْيَهُمْ ... إذَا دَعَتْهُمْ إلَى نِيرَانِهَا وَثَبُوا
وَلَسْتُ مِنْهُمْ وَلَا أَبْغِي فِعَالَهُمْ ... لَا الْقَتْلُ يُعْجِبُنِي مِنْهَا وَلَا السَّلْبُ
لَا وَاَلَّذِي جَعَلَ الْفِرْدَوْسَ جَنَّتَهُ ... مَا يَشْتَهِي الْمَوْتَ عِنْدِي مَنْ لَهُ أَرَبُ
وَقَالَ أَيْضًا:
إنِّي أَضِنُّ بِنَفْسِي أَنْ أَجْوَدَ بِهَا ... وَالْجُودُ بِالنَّفْسِ أَقْصَى غَايَةِ السَّرَفِ
مَا أَبْعَدَ الْقَتْلَ مِنْ نَفْسِ الْجَبَانِ وَمَا ... أَحَلَّهُ بِالْفَتِيِّ الْحَامِي عن الشرف1.
__________
1 في "ر" "الشرف".(10/246)
فَصْلٌ: يَلْزَمُ كُلَّ أَحَدٍ إخْلَاصُ النِّيَّةِ لِلَّهِ عز وجل في الطاعات
وَأَنْ يَجْتَهِدَ فِي ذَلِكَ, وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَا سِرًّا. قَالَ أَبُو دَاوُد: "بَابُ مَا يُدْعَى عِنْدَ اللِّقَاءِ" ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا غَزَا قَالَ: "اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي, بِك أَحُولُ, وَبِك أَصُولُ, وَبِك أُقَاتِلُ" وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ2 وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: الْحَوْلُ مَعْنَاهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْحِيلَةُ, يُقَالُ: مَا لِلرَّجُلِ حَوْلٌ, وَمَا لَهُ مَحَالَةٌ, قَالَ: وَمِنْهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ, أَيْ لَا حِيلَةَ فِي دَفْعِ سُوءٍ وَلَا قُوَّةَ فِي دَرْكِ خَيْرٍ إلَّا بِاَللَّهِ, وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الْمَنْعَ وَالدَّفْعَ, مِنْ قَوْلِك حَالَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إذَا مَنَعَ أَحَدَهُمَا مِنْ الْآخَرِ, يَقُولُ: لَا أَمْنَعُ وَلَا أَدْفَعُ إلَّا بِك, وكان غير واحد منهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
2 أبو داود "2632" والترمذي "3584" والنسائي في عمل اليوم والليلة "604".(10/246)
شَيْخُنَا يَقُولُ هَذَا عِنْدَ قَصْدِ مَجْلِسِ عِلْمٍ.
وَيَلْزَمُ الْإِمَامَ وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ تَعَاهُدُ خَيْلٍ وَرِجَالٍ, فَيَمْنَعُ مَا لَا يَصْلُحُ لِحَرْبٍ كَمُخَذِّلٍ يَفْنَدُ عَنْ الْغَزْوِ, وَمُرْجِفٍ يُحَدِّثُ بِقُوَّةِ الْكُفَّارِ وَضَعْفِنَا, وَمُكَاتَبٍ بِأَخْبَارِنَا وَرَامٍ بَيْنَنَا, وَمَعْرُوفٍ بِنِفَاقٍ وَزَنْدَقَةٍ, وَصَبِيٍّ, ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. وَفِي الْمُغْنِي1 وَالْكَافِي2 وَالْبُلْغَةِ وَغَيْرِهَا: طِفْلٌ وَنِسَاءٌ إلَّا عَجُوزًا لِمَصْلَحَةٍ, قَالَ بَعْضُهُمْ3: وَامْرَأَةً لِلْأَمِيرِ لِحَاجَتِهِ, بِفِعْلِ النَّبِيِّ4 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي مُخَذِّلٍ وَنَحْوِهِ وَلَا لِضَرُورَةٍ, وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: بَلَى.
وَيَحْرُمُ, وَيَتَوَجَّهُ: يُكْرَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِكَافِرٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ, وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: لِحَاجَةٍ, وَعَنْهُ: يَجُوزُ مَعَ حُسْنِ رَأْيٍ فِينَا, زَادَ جَمَاعَةٌ وَجَزَمَ بِهِ فِي المحرر: وقوته بهم و5بِالْعَدُوِّ وَفِي الْوَاضِحِ رِوَايَتَانِ: الْجَوَازُ وَعَدَمُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ, وَبَنَاهُمَا عَلَى الْإِسْهَامِ لَهُ: كَذَا قَالَ. وفي البلغة: يحرم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "13/35".
2 "5/472".
3 ليست في "ر".
4 أخرجه البخاري في صحيحه "2879" ومسلم "2770" "56" عن عائشة رضي الله عنها قالت: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أراد أن يخرج أقرع بين نسائه فأيتهن يخرج سهمها خرج بها النبي صلى الله عليه وسلم فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي فخرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم بعدما أنزل الحجاب.
5 ليست في الأصل و"ط".(10/247)
إلَّا لِحَاجَةٍ بِحُسْنِ الظَّنِّ. قَالَ: وَقِيلَ: إلَّا لِضَرُورَةٍ, وَأَطْلَقَ أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ لَا تَخْتَلِفُ أَنَّهُ لَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ وَلَا يُعَاوَنُونَ, وَأَخَذَ الْقَاضِي مِنْ تَحْرِيمِ الِاسْتِعَانَةِ تَحْرِيمَهَا فِي الْعِمَالَةِ وَالْكَتَبَةِ, وَسَأَلَهُ أَبُو طَالِبٍ عَنْ مِثْلِ الْخَرَاجِ؟ فَقَالَ: لَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ فِي شَيْءٍ, وَأَخَذَ الْقَاضِي مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَوْنُهُ عَامِلًا فِي الزَّكَاةِ, فَدَلَّ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ, وَالْأَوْلَى الْمَنْعُ وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ أَيْضًا, لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ مَفَاسِدُ أَوْ يُفْضِي إلَيْهَا, فَهُوَ أَوْلَى مِنْ مَسْأَلَةِ الْجِهَادِ. وَقَالَ شَيْخُنَا: مَنْ تَوَلَّى مِنْهُمْ دِيوَانًا لِلْمُسْلِمِينَ انْتَقَضَ عَهْدُهُ; لِأَنَّهُ مِنْ الصَّغَارِ. وَفِي الرِّعَايَةِ: يُكْرَهُ إلَّا ضَرُورَةً.
وَيَحْرُمُ بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ, لِأَنَّ فِيهِ أَعْظَمَ الضَّرَرِ, و1لِأَنَّهُمْ دُعَاةٌ وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى لَا يَدْعُونَ إلَى أَدْيَانِهِمْ, نَصَّ عَلَى ذَلِكَ, وَعَنْهُ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى: لَا يُغْتَرُّ بِهِمْ, فَلَا بَأْسَ فِيمَا لَا يُسَلَّطُونَ فِيهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَكُونُوا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ. قَدْ اسْتَعَانَ بِهِمْ السَّلَفُ, وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ خِلَافُ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.
وَنُحَرِّمُ إعَانَتَهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ إلَّا خَوْفًا وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي أَسِيرٍ لَمْ يَشْرِطُوا إطْلَاقَهُ وَلَمْ يُخِفْهُمْ, وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا يُقَاتِلُ مَعَهُمْ بِدُونِهِ.
وَيُرْفَقُ بِسَيْرِهِمْ, نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: أَكْرَهُ السَّيْرَ الشَّدِيدَ إلَّا لِأَمْرٍ يحدث,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ط".(10/248)
وَيُعِدُّ لَهُمْ الزَّادَ, وَيُحَدِّثُهُمْ بِأَسْبَابِ النَّصْرِ وَيَتَخَيَّرُ مَنَازِلَهُمْ, وَيَتْبَعُ مَكَامِنَهَا, وَيَأْخُذُ بِعُيُونِ خَبَرِ1 عَدُوٍّ وَيُشَاوِرُ ذَا رَأْيٍ, وَيَجْعَلُ لَهُمْ عُرَفَاءَ وَشِعَارًا, وَيُسْتَحَبُّ أَلْوِيَةٌ بِيضٌ وَالْعَصَائِبُ فِي الْحَرْبِ, لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ إذَا نَزَلَتْ بِالنَّصْرِ نَزَلَتْ مُسَوَّمَةً بِهَا, نَقَلَهُ حَنْبَلٌ. وَلِأَحْمَدَ2 عَنْ عَمَّارٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَحِبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُقَاتِلَ تَحْتَ رَايَةِ قَوْمِهِ.
وَنَادَى بَعْضُ الصَّحَابَةِ3 فِي الْيَمَامَةِ وَغَيْرِهَا: يَا لَفُلَانٍ, وَلَمَّا كَسَعَ مُهَاجِرِيٌّ أَنْصَارِيًّا, أَيْ ضَرَبَ دُبُرَهُ وَعَجِيزَتَهُ بِشَيْءٍ, قَالَ الْأَنْصَارِيُّ, يَا لَلْأَنْصَارِ. وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ بِفَتْحِ اللَّامِ لِلِاسْتِغَاثَةِ وَبِفَصْلِ اللَّامِ وَوَصْلِهَا فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ, دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ" فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ قَدْ فَعَلُوهَا, وَاَللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ, فَقَالَ عُمَرُ دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَهُ قَالَ: دَعْهُ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ4.
وَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ جَوَازُ الْقَتْلِ, وَتَرْكُهُ لِمُعَارِضٍ, وَيُوَافِقُهُ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} [التوبة: 73] وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ أَنَّ الْعَفْوَ كَانَ مَا لَمْ يُظْهِرُوا نِفَاقَهُمْ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ وَشَيْخِنَا فِي إرْثِ أَهْلِ الملل5.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ر" "أخبار".
2 في المسند "18316".
3 ذكر الطبري في تاريخه "3/293" أن سيدنا خالد رضي الله عنه برز ونادى بشعارهم وكان شعارهم يومئذ: يا محمداه.
4 البخاري "3518" ومسلم "2584" "63".
5 "8/67".(10/249)
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: فَإِنْ قِيلَ: تَرْكُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إقَامَةَ الْحُدُودِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ لِأَيِّ مَعْنًى؟ قلنا1: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِأَمْرِ اللَّهِ, غَيْرَ أَنَّهُ مَا تَرَكَ بَيَانَهُمْ, وَقَدْ كَانَ تَرْكُهُ الْحَدَّ لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْفَعَةً وَقُوَّةً لِلْمُسْلِمِينَ.
فَهَذِهِ 2ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لَنَا. وَذَكَرَ مِنْهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ عَقِبَ الْخَبَرِ3 الْمَذْكُورِ فِي2 بَابِ نَصْرِ الْأَخِ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا. وَقَالَ أَيْضًا: مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ4 عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا بِالْجِعْرَانَةِ مُنْصَرِفُهُ مِنْ حُنَيْنٍ وَفِي ثَوْبِ بِلَالٍ فِضَّةٌ, وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبِضُ مِنْهَا وَيُعْطِي النَّاسَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اعْدِلْ, فَقَالَ: "وَيْلَكَ, وَمَنْ يَعْدِلُ إذْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ"؟. فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي فَأَقْتُلُ هَذَا الْمُنَافِقَ, فَقَالَ: "مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّي أَقْتُلُ أَصْحَابِي". قَالَ: هَذِهِ هِيَ الْعِلَّةُ, وَلِمُسْلِمٍ5 أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَوَدَ,. وَلِأَحْمَدَ6 عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَرْفُوعًا: "إذَا سَمِعْتُمْ مَنْ يَتَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ وَلَا تَكْنُوا" , وَإِنَّ أُبَيًّا قَالَهُ لِرَجُلٍ.
وَيَجْعَلُ فِي كُلِّ جَنْبَةٍ كُفُوًا, ويصفهم ويمنعهم الفساد والتشاغل بتجارة, ويعد الصابر7 بِالْأَجْرِ وَلَا يَمِيلُ مَعَ ذِي قَرَابَةٍ أَوْ مذهب, قيل لأحمد في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط" "قيل".
2 2 ليست في "ر".
3 تقدم في ص "250".
4 في صحيحه "1063" "142".
5 في صحيحه "2584" "64" من حديث جابر رضي الله عنه.
6 في المسند "21233".
7 في "ط" "الصابرين".(10/250)
الْآبِقِ لَا يُعْلَمُ طَرِيقُهُ: يَنْفِرُ لَهُ الْأَمِيرُ خَيْلًا؟ قَالَ: لَا, لَعَلَّهُمْ أَنْ يُعْطِبُوا, وَيَلْزَمُهُمْ الصَّبْرُ وَالنُّصْحُ وَالطَّاعَةُ, فَلَوْ أَمَرَهُمْ بِالصَّلَاةِ جَمَاعَةً وَقْتَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ فَأَبَوْا عَصَوْا, قَالَ الْآجُرِّيُّ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ أَحْمَدُ: وَلَوْ قَالَ: مَنْ عِنْدَهُ1 مِنْ رَقِيقِ الرُّومِ فَلْيَأْتِ بِهِ السَّبْيَ: يَنْبَغِي أَنْ يَنْتَهَوْا إلَى مَا يَأْمُرُهُمْ, قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْخِلَافُ2 شَرٌّ, ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ, وَقَالَ: كَانَ يُقَالُ: لَا خَيْرَ مَعَ الْخِلَافِ وَلَا شَرَّ مَعَ الِائْتِلَافِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ3 عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى مَرْفُوعًا "لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا" وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد بِكَرَاهَةِ تَمَّنِي لِقَاءِ الْعَدُوِّ, وَظَاهِرُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ, نَقَلَ أَبُو دَاوُد: إذَا جَاءَ الْخِلَافُ جَاءَ الْخِذْلَانُ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: لَا يُخَالِفُوهُ يَتَشَعَّبُ4 أَمْرُهُمْ, فَإِنْ كَانَ يَقُولُ: سِيرُوا وَقْتَ كَذَا وَيَدْفَعُ قَبْلَهُ دَفَعُوا مَعَهُ نَصَّ عَلَيْهِ, قَالَ أَحْمَدُ: السَّاقَةُ يُضَاعَفُ لَهُمْ الْأَجْرُ, إنَّمَا يَخْرُجُ فِيهِمْ أَهْلُ قُوَّةٍ وَثَبَاتٍ.
وَيَحْرُمُ إحْدَاثُ شَيْءٍ كَاحْتِطَابٍ وَنَحْوِهِ وَتَعْجِيلٍ, وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْذَنَ إذَا عَلِمَ مَوْضِعَ مَخُوفٍ, قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَمُبَارَزَةٌ بِلَا إذْنِهِ, وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يحللهم, نص على ذلك. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 بعدها في "ر" و"ط" "من".
2 أخرجه أبو داود "1960" في قصة صلاته مع عثمان رضي الله عنه بمنى الطهران أربعا أربعا.
3 تقدم تخريجه ص "244".
4 في "ط" "يتشعب".(10/251)
وَفِي الْفُصُولِ: يَجُوزُ بِإِذْنِهِ لِمُبَارَزَةِ الشَّبَابِ الْأَنْصَارِيِّينَ يَوْمَ بَدْرٍ لَمَّا طَلَبَهَا عُتْبَةُ يَوْمَ بَدْرٍ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ1, وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ2 أَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ بِلَا إذْنِهِ.
وَإِنْ طَلَبَهَا كَافِرٌ وَفِي الْبُلْغَةِ: مُطْلَقًا سُنَّ لِلشُّجَاعِ مُبَارَزَتُهُ بِإِذْنِهِ. وَفِي الْفُصُولِ فِي اللِّبَاسِ أَنَّهَا هَلْ تُسْتَحَبُّ لِلشُّجَاعِ ابْتِدَاءً لِمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ أَمْ يُكْرَهُ لِئَلَّا يَنْكَسِرَ فَتَضْعُفُ قُلُوبُ الْمُسْلِمِينَ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ, قَالَ: قَالَ أَحْمَدُ: يَكُونُ ذَلِكَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَإِنْ شَرَطَ أَوْ كَانَ الْعَادَةُ أَنْ يُقَاتِلَهُ خَصْمُهُ فَقَطْ لَزِمَ, فَإِنْ انْهَزَمَ أَحَدُهُمَا وَفِي غَيْرِ الْبُلْغَةِ أَوْ أُثْخِنَ فَلِكُلِّ مُسْلِمٍ الدَّفْعُ وَالرَّمْيُ. قَالَ أَحْمَدُ وَيُكْرَهُ التَّلَثُّمُ فِي الْقِتَالِ, وَعَلَى أَنْفِهِ, وَلَهُ لُبْسُ عَلَامَةٍ, كَرِيشِ نَعَامٍ, وَعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ لِشُجَاعٍ وَأَنَّهُ يُكْرَهُ لِغَيْرِهِ, جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ.
وَيَجُوزُ تَبْيِيتُ عَدُوٍّ وَلَوْ مَاتَ بِهِ صَبِيٌّ وَامْرَأَةٌ لَمْ يُرِدْهُمَا, وَرَمْيُهُمْ بِمَنْجَنِيقٍ نص على ذلك وقطع ماء وسابلة,. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه البخاري "3968" ومسلم "3033" "34" من حديث أبي ذر وانظر فتح الباري ""7/298".
2 في الأصل "وغيرهم".(10/252)
لَا حَرْقَ نَحْلٍ وَتَغْرِيقَهُ, وَفِي أَخْذِ كُلِّ شَهْدِهِ بِحَيْثُ لَا يُتْرَكُ لِلنَّحْلِ شَيْءٌ رِوَايَتَانِ "م 2" وَيَجُوزُ عَقْرُ دَابَّةٍ لِحَاجَةِ أَكْلٍ.
وَعَنْهُ: وَلِأَكْلٍ فِي غَيْرِ دَوَابِّ قِتَالِهِمْ, جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ, وَذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي1 إجْمَاعًا فِي دَجَاجٍ وَطَيْرٍ.
وَاخْتَارَ إتْلَافَ دَوَابِّ قِتَالِهِمْ وَلَا يَدَعُهَا لَهُمْ, ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ, وَعَكْسُهُ أَشْهَرُ.
وَفِي الْبُلْغَةِ: يَجُوزُ قَتْلُ2 مَا قَاتَلُوا عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ, وَلَوْ أَخَذْنَاهُ حَرُمَ قَتْلُهُ إلَّا لِأَكْلٍ وَإِنْ تَعَذَّرَ حَمْلُ مَتَاعٍ فَتُرِكَ3 وَلَمْ يُسْتَرَى فَلِلْأَمِيرِ أَخْذُهُ لِنَفْسِهِ وَإِحْرَاقُهُ, نَصَّ عَلَيْهِمَا وَإِلَّا حَرُمَ, إذْ4 مَا جَازَ اغْتِنَامُهُ حَرُمَ إتْلَافُهُ وَإِلَّا جَازَ إتْلَافُ غَيْرِ حَيَوَانٍ.
قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: وَلَوْ غَنِمْنَاهُ5 ثُمَّ عَجَزْنَا عَنْ نقله إلى دارنا, فقال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مسألة 2" قوله: لَا حَرْقَ6 نَحْلٍ وَتَغْرِيقَهُ, وَفِي أَخْذِ كُلِّ شَهْدِهِ بِحَيْثُ لَا يُتْرَكُ لِلنَّحْلِ شَيْءٌ رِوَايَتَانِ, انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي7 وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ8.
"أَحَدُهُمَا" يَجُوزُ, قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي النظم.
__________
1 "13/144".
2 في "ر" "قيل".
3 في "ر" "فنزل"
4 في "ط" "إذا".
5 في "ط" "غنمناه".
6 في النسخ الخطية و"ط" "لا أخذ" والمثبت من عبارة الفروع.
7 "13/142".
8 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/56".(10/253)
الأمير: من أخذ شَيْئًا1 فَلَهُ, فَهُوَ لِآخِذِهِ, وَكَذَا إنْ لَمْ يَقُلْ, فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ. وَعَنْهُ: غَنِيمَةٌ, وَيَجِبُ إتْلَافُ كُتُبِهِمْ الْمُبَدَّلَةِ, ذَكَرَهُ فِي الْبُلْغَةِ. وَلَنَا حَرْقُ شَجَرِهِمْ وَزَرْعِهِمْ وَقَطْعُهُ بِلَا ضَرَرٍ وَلَا نَفْعٍ, وَعَنْهُ: إنْ تَعَذَّرَ قَتْلُهُمْ بِدُونِهِ أَوْ فَعَلُوهُ بِنَا وَإِلَّا حَرُمَ, نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ.
وَفِي الْوَسِيلَةِ: لَا يُحْرَقُ وَلَا بَهِيمُهُ, إلَّا أَنْ يَفْعَلُوهُ بِنَا. قَالَ أَحْمَدُ: لِأَنَّهُمْ يُكَافَئُونَ عَلَى فِعْلِهِمْ, وَكَذَا تَغْرِيقُهُمْ وَرَمْيُهُمْ بِنَارٍ, وَهَدْمُ عَامِرٍ قِيلَ هُوَ كَذَلِكَ, وَقِيلَ: يَجُوزُ "م 3" قال أحمد: لا يعجبني يلقى في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ": لَا يَجُوزُ, وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ بلى2 هو قوي.
"مَسْأَلَةٌ 3" قَوْلُهُ: "وَكَذَا تَغْرِيقُهُمْ وَرَمْيُهُمْ بِنَارٍ وَهَدْمُ عَامِرٍ, قِيلَ: هُوَ كَذَلِكَ, وَقِيلَ: يَجُوزُ", انْتَهَى.
يَعْنِي أَنَّ تَغْرِيقَهُمْ وَرَمْيَهُمْ بِالنَّارِ وَهَدْمَ عَامِرِهِمْ هَلْ هُوَ كَقَطْعِ الشَّجَرِ وَالزَّرْعِ وَنَحْوِهِمَا أَمْ تَجُوزُ هُنَا؟ فِيهِ طَرِيقَانِ:
"أَحَدُهُمَا": أَنَّهُ كَذَلِكَ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيِّ وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ3 وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرُهُمْ.
"وَالطَّرِيقُ الثَّانِي": الْجَوَازُ هُنَا, وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي4 وَالشَّرْحِ5 بِالْجَوَازِ إذَا عَجَزُوا عَنْ أخذه بغير ذلك, وإلا لم تجز
__________
1 ليست في الأصل.
2 في "ط" "بلى".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/62".
4 "13/139".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/65".(10/254)
نَهْرِهِمْ سُمٌّ, لَعَلَّهُ يَشْرَبُ مِنْهُ مُسْلِمٌ.
وَيَحْرُمُ قَتْلُ صَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ, سَأَلَهُ1 أَبُو دَاوُد: الْمَطْمُورَةُ2 فِيهَا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ يَسْأَلُهُمْ الْخُرُوجَ فَيَأْبَوْنَ, يُدْخِنُ عَلَيْهِمْ؟ فَكَرِهَهُ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالنَّهْيِ.
وَيَحْرُمُ قَتْلُ3 رَاهِبٍ, وَقَالَ جَمَاعَةٌ لَا يُخَالِطُ النَّاسَ, وَشَيْخٍ فان وزمن وَأَعْمَى. وَفِي الْمُغْنِي4: وَعَبْدٍ وَفَلَّاحٍ, وَفِي الْإِرْشَادِ5: وَحَبْرٍ إلَّا لِرَأْيٍ أَوْ قِتَالٍ أَوْ تَحْرِيضٍ. وَفِي الْمُغْنِي6: الْمَرْأَةُ إنْ تَكَشَّفَتْ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ شَتَمَتْهُمْ رُمِيَتْ, وَظَاهِرُ نُصُوصِهِ وَكَلَامِ الْأَصْحَابِ: لَا.
وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ غَيْرُهَا, قِيلَ لِأَحْمَدَ: الرَّاهِبُ يُقْتَلُ إنْ خَافُوا يَدُلُّ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ: لَا, وَمَا علمهم بذلك؟ فإن علموا حل دمه. وقال7 أَيْضًا: إنْ خَافُوا ذَهَبُوا بِهِ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: لَا يُقْتَلُ مَعْتُوهٌ8 مِثْلُهُ لَا يُقَاتِلُ, فَإِنْ تترسوا بهم رميناهم بقصد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط" "سئل".
2 مر معناها.
3 بعدها في "ر" "صبي وامرأة و".
4 "13/179 – 180".
5 ص "397".
6 "13/141".
7 في "ط" "وقالا".
8 بعدها في "ر" "و".(10/255)
الْكُفَّارِ إنْ خِيفَ عَلَيْنَا فَقَطْ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَقِيلَ: وَحَالَ الْحَرْبِ وَإِلَّا حَرُمَ, وَإِذَا لَمْ يَحْرُمْ جَازَ, وَإِنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ كُفْرٌ, وَفِي الدِّيَةِ الرِّوَايَتَانِ. وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: يَجِبُ الرَّمْيُ وَيَكْفُرُ وَلَا دِيَةَ, قَالَ أَحْمَدُ: وَإِنْ قَالُوا ارْحَلُوا عَنَّا وَإِلَّا قَتَلْنَا أَسْرَاكُمْ فَلْيَرْحَلُوا عَنْهُمْ.(10/256)
فَصْلٌ: وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا حَرُمَ عَلَى الْأَصَحِّ قَتْلُهُ
إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ الْإِمَامُ بِضَرْبِهِ أَوْ غَيْرِهِ, 1وَعَنْهُ التَّوَقُّفُ1 فِي الْمَرِيضِ, وفيه وجهان "م 4" ونقل أَبُو طَالِبٍ: لَا يُخَلِّيه وَلَا يَقْتُلُهُ, وَيَحْرُمُ قَتْلُ أَسِيرِ غَيْرِهِ, وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ, نَصَّ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ لِرَجُلٍ قَتَلَهُ لِلْمَصْلَحَةِ, كَقَتْلِ بِلَالٍ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ أَسِيرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عوف أعانه عليه الأنصار2,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 4" قَوْلُهُ: "وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا حُرُمَ عَلَى الْأَصَحِّ3 قَتْلُهُ إنْ أَمْكَنَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ الإمام بضربه أو غيره, و1عنه الوقف1 في المريض, وفيه وجهان" انتهى.
اعْلَمْ أَنَّ الْأَسِيرَ إذَا عَجَزَ عَنْ الذَّهَابِ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ, اخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي4, وَالشَّارِحُ وَابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ, وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِ, وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ5 وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ, وعنه التوقف فيه,
__________
1 1 في "ط" "وعنها لتوقف".
2 أخرجه البخاري في صحيحه "2301" من حديث عبد الرحمنبن عوف رضي الله عنه.
3 ليست في "ط".
4 "13/51".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/77".(10/256)
وَقَالَ: مَنْ قَتَلَ أَسِيرًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ, وَإِنْ قَتَلَ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا عَاقَبَهُ الْأَمِيرُ وَغَرِمَ ثَمَنَهُ غَنِيمَةً. وَقَالَ أَبُو دَاوُد1: "بَابُ الْأَسِيرِ يُنَالُ مِنْهُ وَيُضْرَبُ" ثُمَّ رَوَى حَدِيثَ أَنَسٍ: لَمَّا انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ إلَى بَدْرٍ, فَإِذَا هُوَ بِرَوَايَا2 قُرَيْشٍ فِيهَا عَبْدٌ أَسْوَدُ لِبَنِي الْحَجَّاجِ, فَأَخَذَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ: أَيْنَ أَبُو سُفْيَانَ؟ فَيَقُولُ: وَاَللَّهِ مَا لِي بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ عِلْمٌ, وَلَكِنَّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ جَاءَتْ, فَإِذَا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ ضَرَبُوهُ, وَذَكَرَ الْحَدِيثَ, وَهُوَ صَحِيحٌ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ جَوَازُ ضَرْبِ الْأَسِيرِ الْكَافِرِ إذَا كان في ضربه طائل.
ويختار الإمام الأصلح3 لَنَا لُزُومًا كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ. وَفِي الرَّوْضَةِ: نَدْبًا فِي أَسْرَى مُقَاتِلَةِ أَحْرَارٍ مِنْ قَبْلٍ وَاسْتِرْقَاقٍ وَمَنٍّ وَفِدَاءٍ, نَصَّ عَلَيْهِ, بِخِلَافِ رَدِّ سِلَاحٍ, وَبِخِلَافِ مَالٍ بِلَا رِضًى غَانِمٍ, لِأَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ بِحَالٍ, فَمَا فَعَلَهُ تَعَيَّنَ, وَإِنْ تَرَدَّدَ نَظَرُهُ فَالْقَتْلُ أَوْلَى, وَاخْتَارَ شَيْخُنَا لِلْإِمَامِ عمل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا فِي الْفُصُولِ, وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ.
"تَنْبِيهَانِ":
"الْأَوَّلُ" الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا نَقْصًا بَعْدَ قَوْلِهِ "بِضَرْبِهِ أَوْ غَيْرِهِ" وَتَقْدِيرُهُ, "وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ لِامْتِنَاعِ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ قَتَلَهُ", وَبِهَذَا صَرَّحَ الْأَصْحَابُ وَهُوَ وَاضِحٌ.
"الثَّانِي" قَوْلُهُ "وَعَنْهُ الْوَقْفُ فِي الْمَرِيضِ وَفِيهِ وَجْهَانِ" ظَاهِرُهُ أَنَّ فِي الْمَرِيضِ وَجْهَيْنِ: الْقَتْلُ, وَتَرْكُهُ, وَالْأَصْحَابُ قَدْ صَرَّحُوا أن فيه روايتين, وصححوا القتل,
__________
1 في سننه "2681".
2 جمع رواية وهو البعير أو البغل أو الحمار الذي يستقى عليه مختار الصحاح "روي".
3 في "ط" "الأصح".(10/257)
الْمَصْلَحَةِ فِي مَالٍ وَغَيْرِهِ كَعَمَلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَهْلِ مَكَّةَ1, وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ لَا يُسْتَرَقُّ مَنْ عَلَيْهِ وَلَاءُ مُسْلِمٍ, بِخِلَافِ وَلَدِهِ الْحَرْبِيِّ, لِبَقَاءِ نَسَبِهِ, وَقِيلَ: أَوْ وَلَاءٍ لِذِمِّيٍّ.
وَلَا يُبْطِلُ اسْتِرْقَاقٌ حَقًّا لِمُسْلِمٍ, قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ, قَالَ فِي الِانْتِصَارِ لَا عَمَلَ لِسَبْيٍ إلَّا فِي مَالٍ, فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ قَوَدٍ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ, وَفِي سقوط دين من2 ذِمَّتِهِ لِضَعْفِهَا بِرِقِّهِ كَذِمَّةِ مَرِيضٍ احْتِمَالَانِ. وَفِي الْبُلْغَةِ: يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ إلَّا أَنْ يَغْنَمَ بَعْدَ إرْقَاقِهِ فَيَقْضِي مِنْهُ دَيْنَهُ, فَيَكُونُ رِقُّهُ كَمَوْتِهِ, وَعَلَيْهِ يَخْرُجُ حُلُولُهُ بِرِقِّهِ, وَإِنْ غَنِمَا مَعًا فَهُمَا لِغَانِمٍ وَدَيْنُهُ فِي ذِمَّتِهِ, وَقِيلَ. إنْ زَنَى مُسْلِمٌ بِحَرْبِيَّةٍ وَأَحْبَلَهَا ثُمَّ سُبِيَتْ لَمْ تُسْتَرَقَّ, كَحَمْلِهَا مِنْهُ, وَفِي اسْتِرْقَاقِ مَنْ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ جِزْيَةٌ3 رِوَايَتَانِ "م 5" وفيهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
فَيَحْتَمِلُ أَنَّ قَوْلَهُ "وَفِيهِ وَجْهَانِ" عَائِدٌ إلَى الْوَقْفِ, يَعْنِي فِي تَوَقُّفِ أَحْمَدَ وَجْهَانِ لِلْأَصْحَابِ, وَهَذَا صَحِيحٌ, لَكِنَّ كَوْنَ هَذَا مُرَادُهُ هُنَا فِيهِ بُعْدٌ, وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُنَا نَقْصٌ أَيْضًا وَتَقْدِيرُهُ "وَقِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ" فَالنَّقْصُ قِيلَ, وَيُقَوِّي هَذَا قَوْلُهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى, "وَعَنْهُ: الْوَقْفُ فِيهِ" وَقِيلَ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: "تَرْكُهُ وَقَتْلُهُ", انتهى, فيكون فيه طريقان 4وهذا أولى4 فيما يظهر, والله أعلم.
مَسْأَلَةٌ 5" قَوْلُهُ: وَفِي اسْتِرْقَاقِ مَنْ "لَا تُقْبَلُ منه جزية روايتان" انتهى.
__________
1 أخرجه البيهقي في سننه "9/118" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دخل مكة سرح الزبير بن العوام وفيه: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الكعبة فأخذ بعضادتي الباب فقال: "ما تقولون وما تظنون" قالوا: نقول: ابن أخ وابن عم حليم رحيم قال: وقالوا ذلك ثلاثا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أقول كما قال يوسف {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} " [يوسف92] قال فخرجوا كأنما نشروا من القبور فدخلوا في الإسلام.
2 بعدها في "ط" "في".
3 في الأصل "حرية.
4 4 ليست في "ط".(10/258)
قَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يُقْبَلُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ, قَالَ فِي الْوَاضِحِ: يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مُفَادَاةٍ وَمَنٍّ كَمُرْتَدٍّ, وَزَادَ فِي الْإِيضَاحِ: أَوْ الفداء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُغْنِي1 وَالْمُقْنِعِ2 وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ2 وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ.
"إحْدَاهُمَا": يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ, نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ, قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَهُوَ الصَّوَابُ, وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّيْخِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ, وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ": لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ وَالشِّيرَازِيِّ فِي الْإِيضَاحِ, وَقَدَّمَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي3, وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ, قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: هَذَا أَصَحُّ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ.
"تَنْبِيهَانِ"4
"الْأَوَّلُ" قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ "وَفِيهِمْ قَالَ الْخِرَقِيُّ. لَا يُقْبَلُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ وَزَادَ فِي الْإِيضَاحِ: أو الفداء", انتهى.
__________
1 "13/47".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/80".
3 "13/47".
4 في "ص" "تنبيه".(10/259)
وَفِي الْمُوجَزِ رِوَايَةٌ كَالْخِرَقِيِّ وَصَحَّحَهُ وَرِوَايَةٌ: يُخَيَّرُ. وَفِي الِانْتِصَارِ رِوَايَةٌ: يُجْبَرُ الْمَجُوسِيُّ عَلَى الْإِسْلَامِ.
وإن شهد الفداء فقد1 شَهِدَ خَيْرًا كَثِيرًا, وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: يَشْهَدُهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْحَجِّ, فَإِنْ أَسْلَمُوا امْتَنَعَ الْقَتْلُ فَقَطْ, وَجَازَ الْفِدَاءُ لِيَتَخَلَّصَ بِهِ مِنْ الرِّقِّ, وَلَا يَجُوزُ رَدُّهُ إلَى الْكُفَّارِ, أَطْلَقَهُ بَعْضُهُمْ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ إلَّا أَنْ تَمْنَعَهُ عَشِيرَةٌ وَنَحْوُهَا, وَنَصُّهُ: تَعْيِينُ رِقِّهِمْ وَإِنْ بَذَلُوا الْجِزْيَةَ قبلت. ولم تسترق زوجة وولد بالغ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الَّذِي فِي الْخِرَقِيِّ كَاَلَّذِي2 فِي الْإِيضَاحِ مِنْ ذِكْرِ الْفِدَاءِ, 3فَلَعَلَّ نُسْخَةَ الْمُصَنِّفِ مَا فِيهَا ذِكْرُ الْفِدَاءِ3, أَوْ أَرَادَ غَيْرَ الْخِرَقِيِّ فَسَبَقَ الْقَلَمَ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
4"الثَّانِي" قَوْلُهُ. "فَإِنْ أَسْلَمُوا امْتَنَعَ الْقَتْلُ وَجَازَ الْفِدَاءُ, وَنَصُّهُ تَعْيِينُ رِقِّهِمْ", انتهى.
مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْبُلْغَةِ, وَالْمَنْصُوصُ هُوَ الصَّحِيحُ, وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ, قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ, وَقَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ5 وَالْمُنَوِّرِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ والشرح5 والرعايتين والحاويين وغيرهم
__________
1 ليست في "ط".
2 بعدها في "ص" "قال".
3 3 ليست في "ح".
4 4 ليست في "ص".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/91".(10/260)
وَمَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَسْرِهِ لِخَوْفٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا تَخْيِيرَ; لِأَنَّهُ لَا يَدَ عَلَيْهِ, وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ كَمُسْلِمٍ أَصْلِيٍّ فِي قَوَدٍ وَدِيَةٍ, لَكِنْ لَا قَوَدَ مَعَ شُبْهَةِ التَّأْوِيلِ, وَفِي الدية الخلاف "وش" وَغَيْرُهُ, كَبَاغٍ, أَوْ أَنَّهَا مَسْأَلَةُ مَنْ قَتَلَ بِدَارِ حَرْبِ مَنْ ظَنَّهُ حَرْبِيًّا فَبَانَ مُسْلِمًا, وَهَذَا أَوْلَى, لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ, بِخِلَافِ قَتْلِ الْبَاغِي, فَعَلَى هَذَا تَجِبُ الكفارة "وش".
وَقَدْ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُقِيمٌ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ قَبْلَ خُرُوجِهِ خَالِدًا لَمَّا رَجَعَ مِنْ هَدْمِ الْعُزَّى وَقَتَلَ الْمَرْأَةَ السَّوْدَاءَ الْعُرْيَانَةَ النَّاشِرَةَ الرَّأْسِ وَهِيَ الْعُزَّى, وَكَانَتْ بِنَخْلَةٍ لِقُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ, وَكَانَتْ أَعْظَمَ أَصْنَامِهِمْ1. وَبَعَثَهُ إلَى بَنِي جَذِيمَةَ فَأَسْلَمُوا وَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا, فَقَالُوا: صَبَأْنَا2, صَبَأْنَا2, فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمْ. وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا بِإِسْلَامٍ فَقَتَلَهُمْ, فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ مَنْ مَعَهُ, كَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَابْنِ عُمَرَ3, فَلَمَّا بَلَغَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: "اللَّهُمَّ إنِّي أَبْرَأُ إلَيْك مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ" مَرَّتَيْنِ4. وَبَعَثَ عَلِيًّا بِمَالٍ فَوَدَاهُمْ بِنِصْفِ الدِّيَةِ, وَضَمِنَ لَهُمْ مَا تَلِفَ5.
__________
1 ذكر بعث خالد إلى الغزى ابن سعد في طبقاته "2/145 – 146" وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة "5/77".
2 في الأصل "صبئنا".
3 ذكر ابن هشام في سيرته "2/429 – 430" أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "هل أنكر عليه أحد"؟ فقال: نعم قد أنكر عليه رجل أبيض ربعة أي زجره خالد فسكت عنه وأنكر عليه رجل آخر طويل مضطرب فراجعه فاشتدت مراجعتهما فقال عمر ابن الخطاب أما الأول يا رسول الله فابني عبد الله وأما الآخر فسالم مولى أبي حذيفة.
4 أخرجه من غير الإنكار وبعث علي رضي الله عنه البخاري في صحيحه "4339" من حديث سالم عن أبيه رضي الله عنه.
5 ذكره ابن سعد في طبقاته "2/148" وأخرجه الطبري في تاريخه "3/67" والبيهقي في دلائل النبوة "5/114 – 115".(10/261)
وَكَانَ بَيْنَ خَالِدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ, فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ "مَهْلًا يَا خَالِدُ, دَعْ عَنْكَ أَصْحَابِي, لَوْ كَانَ لَك أُحُدٌ ذَهَبًا ثُمَّ أَنْفَقْته فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا أَدْرَكْت غَدْوَةَ رَجُلٍ من أصحابي ولا روحته" 1.
وَاحْتَجَّ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا عَلَى تَوْرِيثِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْغَرْقَى مِنْ الْآخَرِ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ بَعَثَ سَرِيَّةً إلَى قَوْمٍ مِنْ خَثْعَمَ, فَلَمَّا دَهَمَتْهُمْ الْخَيْلُ اعْتَصَمُوا بِالسُّجُودِ, فَقَتَلُوهُمْ فَوَدَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْصَافِ دِيَاتِهِمْ2 لِوُقُوعِ الْإِشْكَالِ فِيهِمْ هَلْ أَسْلَمُوا فَيَلْزَمُهُ إكْمَالُ دِيَاتِهِمْ أَمْ لَا فَلَا3 يَجِبُ شَيْءٌ؟ فَجَعَلَ فِيهِمْ نِصْفَ دِيَاتِهِمْ.
وَكَذَا أَوْجَبَ الشَّرْعُ الْغُرَّةَ فِي الْجَنِينِ السَّاقِطِ مَيِّتًا, وَالصَّاعِ فِي مُقَابَلَةِ4 لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ, وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ إنَّمَا أَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْعَقْلِ لِأَنَّهُمْ أَعَانُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِمُقَامِهِمْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَكَانُوا كَمَنْ مَاتَ بِجِنَايَةِ نَفْسِهِ وَجِنَايَةِ غَيْرِهِ, وَاخْتَارَهُ الْخَطَّابِيُّ.
وَفِي رَدِّ شَيْخِنَا عَلَى الرَّافِضِيِّ: الْأُمَّةُ يَقَعُ مِنْهَا التَّأْوِيلُ فِي الدَّمِ وَالْمَالِ وَالْعِرْضِ, ثُمَّ ذَكَرَ قَتْلَ أُسَامَةَ لِلرَّجُلِ الَّذِي أَسْلَمَ بَعْدَ أَنْ عَلَاهُ بِالسَّيْفِ5,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه الطبري في تاريخه "3/68".
2 أخرجه أبو داود في سننه "2645" من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه.
3 ليست في الأصل.
4 ليست في "ر".
5 أخرجه البخاري "4269" ومسلم "96" "159" عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: بعثنا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الحرقة فصبحنا القوم فهزمناهم وفيه: فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله فكف الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته فلما بلغ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "يَا أسامة أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟ " قلت كان متعوذا فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم.(10/262)
وَخَبَرُ الْمِقْدَادِ1, قَالَ: فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ يَحْرُمُ قَتْلُهُمْ, وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَضْمَنْ الْمَقْتُولُ, بِقَوَدٍ وَلَا دِيَةٍ وَلَا كَفَّارَةٍ لِأَنَّ الْقَاتِلَ كَانَ مُتَأَوِّلًا, هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا.
وَكَمَا لَا يَلْزَمُ الْحَرْبِيَّ إذَا أَسْلَمَ شَيْءٌ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ. وَقَالَ أُسَيْدَ بْنُ حُضَيْرٍ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ: إنَّك مُنَافِقٌ2. وَقَالَ عُمَرُ عَنْ حَاطِبٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ3, وَقَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ عَنْ مَالِكِ بْنِ الدِّخْشَنِ: إنَّهُ مُنَافِقٌ, وَذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ4, فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُكَفِّرْ أَحَدًا. وَفِي الْبُخَارِيِّ5 أَنَّ بَعْضَهُمْ لَعَنَ رَجُلًا يُدْعَى حِمَارًا لِكَثْرَةِ شُرْبِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَلْعَنْهُ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ" وَلَمْ يُعَاقِبْهُ لِلَعْنِهِ لَهُ, فَالْمُتَأَوِّلُ الْمُخْطِئُ مغفور له بالكتاب6 والسنة7.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه البخاري "4019" ومسلم "95" "155" أن المقداد بن عمرو الكندي سأل رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فاقتتلنا فضرب إجدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت لله. أأقبله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَا تقتله" فقال: يا رسول الله إنه قطع إحدى يدي ثم قال ذلك بعد ما قطعها؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن يقول كلمته التي قال".
2 أخرجه البخاري "2661" من حديث عائشة رضي الله عنها.
3 تقدم تخريجه ص "116".
4 البخاري "425" ومسلم "33" "54" من حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه.
5 في صحيحه "6780" من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
6 هو قول الله تعالى {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب5]
7 أخرجه البخاري "7352" ومسلم "1716" "15" عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر".
وأخرج ابن ماجه في سننه "2045" عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".(10/263)
وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ: كَانُوا أَسْلَمُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا فَثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ الْعِصْمَةُ الْمُؤْثِمَةُ دُونَ الْمُضَمِّنَةِ, كَذُرِّيَّةِ حَرْبٍ, وَقَدْ ذَكَرَ شَيْخُنَا بَعْدَ ذَلِكَ قِصَّةَ خَالِدٍ كَمَا تَقَدَّمَ, وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ التَّضْمِينِ الْمُخَالِفِ عِنْدَهُ لِقِصَّةِ أُسَامَةَ, بَلْ قَالَ: إنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ كَمَا وَقَعَ مِنْ أُسَامَةَ, فَدَلَّ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ, فَأَمَّا أَنْ يُقَالَ: ظَاهِرُ قِصَّةِ أُسَامَةَ لَا تَضْمِينَ, وَقِصَّةُ خَالِدٍ تَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ, أَنَّ التَّضْمِينَ لَيْسَ فِي الْمُسْنَدِ, وَلَا الْكُتُبِ السِّتَّةِ أَوْ يُقَالُ: قِصَّةُ خَالِدٍ فِيهَا التَّضْمِينُ وَفِي قِصَّةِ أُسَامَةَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ, وَمِثْلُ أُسَامَةَ يَعْلَمُهُ كَمَا يَعْلَمُ الْكَفَّارَةَ, وَلَمْ يُطَالِبْ إمَّا لِعُسْرَتِهِ, أَوْ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ بَيْتُ الْمَالِ
وَلِلْإِمَامِ الْعَفْوُ مَجَّانًا, وَظَاهِرُ كَلَامِ شَيْخِنَا هَذَا أَنَّ مَنْ قَتَلَ بَاغِيًا فِي غَيْرِ حَرْبٍ مُتَأَوِّلًا لَا شَيْءَ فِيهِ, وَأَنَّ قَتْلَ الْبَاغِي لِلْعَادِلِ كَذَلِكَ لِلتَّأْوِيلِ, وَذُكِرَ فِي مَكَان آخَرَ قَتَلَ خَالِدٌ مَالِكَ بْنَ النُّوَيْرَةِ فَلَمْ يَقْتُلْهُ أَبُو بَكْرٍ1, كَمَا أَنَّ أُسَامَةَ لَمَّا قَتَلَ لَمْ يُوجِبْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوَدًا وَلَا دِيَةً وَلَا كَفَّارَةً, وَكَمَا أَنَّهُ لَمَّا قَتَلَ بَنِي جَذِيمَةَ لَمْ يَقْتُلْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلتَّأْوِيلِ, وَكَذَا إنْ ادَّعَاهُ2 أَسِيرٌ بِبَيِّنَةٍ.
وَالْأَسِيرُ الْقِنُّ غَنِيمَةٌ وَلَهُ قَتْلُهُ, وَمَنْ فِيهِ نَفْعٌ لَا يُقْتَلُ كَامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَأَعْمَى رَقِيقٍ بِالسَّبْيِ, نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: وَلَا كَفَّارَةَ وَلَا دِيَةَ فِي قَتْلِهِ. وَفِي الْوَاضِحِ: مَنْ لَا يَقْتُلُ غَيْرَ 3الْمَرْأَةِ3 وَالصَّبِيِّ يُخَيَّرُ فِيهِ بِغَيْرِ قَتْلٍ, وَفِي الْبُلْغَةِ: الْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ رَقِيقٌ بِالسَّبْيِ, وَغَيْرُهُمَا يَحْرُمُ قَتْلُهُ وَرِقُّهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 انظر أسد الغابة "2/111" والبداية والنهاية "9/462".
2 في الأصل "دعاه".
3 3 ليست في "ر".(10/264)
قَالَ: وَلَهُ فِي الْمَعْرَكَةِ قَتْلُ أَبِيهِ وَابْنِهِ, وَمَنْ قَتَلَ أَسِيرًا غَيْرَ مَمْلُوكٍ قَبْلَ تَخْيِيرِ الْإِمَامِ فِيهِ, فَهَدَرٌ, وَمَتَى صَارَ لَنَا رَقِيقًا مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ حَرُمَ مُفَادَاتُهُ بِمَالٍ وَبَيْعُهُ1 لِكَافِرٍ, وَعَنْهُ: يَجُوزُ, وَعَنْهُ: فِي الْبُلَّغِ2, وَعَنْهُ: غَيْرَ امْرَأَةٍ.
وَيَجُوزُ مُفَادَاتُهُ بِمُسْلِمٍ, وَعَنْهُ الْمَنْعُ بِصَغِيرٍ, وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَيَعْقُوبُ: لَا يُرَدُّ صَغِيرٌ وَنِسَاءٌ إلَى كُفَّارٍ. وَفِي الْبُلْغَةِ فِي مُفَادَاتِهِمَا بِمُسْلِمٍ رِوَايَتَانِ, وَلَا يُرَدُّ مُسْلِمٌ وَمُسْلِمَةٌ.
وَيُكْرَهُ نَقْلُ رَأْسٍ, وَرَمْيُهُ بِمَنْجَنِيقٍ بِلَا مَصْلَحَةٍ, وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ فِي رَمْيِهِ: لَا يَفْعَلُ وَلَا يُحَرِّقُهُ. قَالَ أَحْمَدُ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبُوهُ, وَعَنْهُ إنْ مَثَّلُوا مُثِّلَ بِهِمْ, ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ.
قَالَ شَيْخُنَا: الْمُثْلَةُ حَقٌّ لَهُمْ, فَلَهُمْ فِعْلُهَا لِلِاسْتِيفَاءِ وَأَخْذِ الثَّأْرِ, وَلَهُمْ تَرْكُهَا وَالصَّبْرُ أَفْضَلُ, وهذا حيث لا يكون في التمثيل3 "زِيَادَةٌ فِي الْجِهَادِ, وَلَا يَكُونُ نَكَالًا لَهُمْ عَنْ نَظِيرِهَا, فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي التَّمْثِيلِ" الشَّائِعِ4 دُعَاءٌ لَهُمْ إلَى الْإِيمَانِ, أَوْ زَجْرٌ لَهُمْ عَنْ الْعُدْوَانِ, فَإِنَّهُ هُنَا مِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ, وَالْجِهَادِ الْمَشْرُوعِ, وَلَمْ تَكُنْ الْقِصَّةُ فِي أُحُدٍ كَذَلِكَ.
فَلِهَذَا كَانَ الصَّبْرُ أَفْضَلَ, فَأَمَّا5 إذَا كَانَ الْمُغَلَّبُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فَالصَّبْرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط" "وبيع".
2 في الأصل و"ر" "البلغ".
3 بعدها في "ط" "بهم".
4 في "ط" "الشائع".
5 في "ط" "فأنه".(10/265)
هُنَاكَ وَاجِبٌ, كَمَا يَجِبُ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِصَارُ, وَيَحْرُمُ الْجَزَعُ, هَذَا كَلَامُهُ وَكَذَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إنْ مَثَّلَ الْكَافِرُ بِالْمَقْتُولِ جَازَ أَنْ يُمَثَّلَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْإِجْمَاعِ قَبْلَ السَّبْقِ وَالرَّمْيِ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ خِصَاءَ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَالْعَبِيدِ وَغَيْرِهِمْ فِي غَيْرِ الْقِصَاصِ وَالتَّمْثِيلَ بِهِمْ حَرَامٌ.
وَيَحْرُمُ أَخْذُهُ مَالًا لِيَدْفَعَهُ إلَيْهِمْ, ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ1 وَقَالَ غَرِيبٌ وَفِي نُسْخَةٍ حَسَنٌ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ عن2 سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَرَادُوا أَنْ يَشْتَرُوا جَسَدَ3 رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ, فَأَبَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعَهُمْ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ, رَوَاهُ الْحَجَّاجُ أَيْضًا عَنْ الْحَكَمِ, قَالَ غَيْرُهُ: ابْنُ أَبِي لَيْلَى ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُ. وَقَالَ الْعِجْلِيُّ: جَائِزٌ الْحَدِيثُ. وَضَعَّفَ عَبْدُ الْحَقِّ وَابْنُ الْقَطَّانِ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ جِهَةِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَقَالَا: مُنْقَطِعٌ, لِأَنَّ الْحَكَمَ سَمِعَ مِنْ مِقْسَمٍ خَمْسَةَ أَحَادِيثَ لَيْسَ هَذَا مِنْهَا, وَرَوَاهُ أَحْمَدُ4 وَعِنْدَهُ: "ادْفَعُوا إلَيْهِمْ جِيفَتَهُ فَإِنَّهُ خَبِيثُ الْجِيفَةِ خَبِيثُ الدِّيَةِ" فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ شيئا, وله5 في رواية فخلى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ.
وَإِذَا حَصَرَ حِصْنًا لَزِمَهُ عَمَلُ المصلحة من مصابرته والموادعة بمال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في سننه "1715".
2 بعدها في "ط" "أبي".
3 في "ر" "جثة".
4 في المسند "2230".
5 في المسند "2442".
.(10/266)
وَالْهُدْنَةِ بِشَرْطِهَا1. نَقَلَهُ2 الْمَرُّوذِيُّ وَإِنْ3 نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ حُرٍّ عَدْلٍ مُجْتَهِدٍ فِي الْجِهَادِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ جَازَ.
وَفِي الْبُلْغَةِ: بِشَرْطِ صِفَاتِ الْقَاضِي إلَّا الْبَصَرَ, وَيَلْزَمُهُ الْحُكْمُ بِالْأَحَظِّ لَنَا, وَحُكْمُهُ لَازِمٌ, وَقِيلَ: بِغَيْرِ مَنٍّ, وقيل: في نساء وذرية,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 بعدها في الأصل "وإن قالوا: ارحلوا عنا وإلا قتلنا من عندنا من الأسرى فليرحلوا عنهم".
2 في "ط" "نقلهم".
3 ليست في "ط".(10/267)
وَلِلْإِمَامِ أَخْذُ فِدَاءٍ مِمَّنْ حُكِمَ بِرِقِّهِ أَوْ قَتْلِهِ, وَلَهُ الْمَنُّ مُطْلَقًا. وَفِي الْكَافِي1 وَالْبُلْغَةِ: يَمُنُّ عَلَى مَحْكُومٍ بِرِقِّهِ بِرِضَى غَانِمٍ. وَمَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ حُكْمِهِ فَمُسْلِمٌ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ, فَيَعْصِمُ نَفْسَهُ, وَوَلَدَهُ الصَّغِيرَ وَمَالَهُ حَيْثُ كَانَا, وَمَنْفَعَةٌ بِإِجَارَةٍ لِأَنَّهَا مَالٌ, وَحَمْلُ امْرَأَتِهِ لَا هِيَ, وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ بِرِقِّهَا. وَفِي الْبُلْغَةِ يَنْقَطِعُ نِكَاحُ الْمُسْلِمِ وَيُحْتَمَلُ: لَا, بِخِلَافِ الِابْتِدَاءِ, وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إسْلَامِهَا فِي الْعِدَّةِ, وَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ لَزِمَهُ حُكْمُهُ, فَإِنْ كَانَ بِقَتْلٍ وَسَبْيٍ عَصَمَ نَفْسَهُ لَا مَالَهُ, وَفِي اسْتِرْقَاقِهِ رِوَايَتَانِ2 ذكرهما في الكافي1 وغيره "م 6".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 6" قَوْلُهُ "وَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ لَزِمَ حُكْمُهُ, فَإِنْ كَانَ بِقَتْلٍ وَسَبْيٍ عَصَمَ نَفْسَهُ لَا مَالَهُ3, وَفِي اسْتِرْقَاقِهِ رِوَايَتَانِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ" انْتَهَى.
تَبِعَ صَاحِبُ4 الْكَافِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ, وَعِنْدَ أَكْثَرِ5 الْأَصْحَابِ وَجْهَانِ, وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُقْنِعِ6 وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ.
"إحْدَاهُمَا": لَا يُسْتَرَقُّونَ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, اختاره القاضي وغيره, وصححه في
__________
1 "5/490".
2 بعدها في "ط" "ذكرهما".
3 بعدها في "ط" "له".
4 ليست في "ط".
5 في "ط" "أكثر الأصحاب".
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/115".(10/268)
وَإِنْ سَأَلُوا أَنْ يُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ لَزِمَهُ أَنْ يُنْزِلَهُمْ, وَخُيِّرَ, كَأَسْرَى. وَفِي الْوَاضِحِ: يُكْرَهُ. وَفِي الْمُبْهِجِ: لَا يُنْزِلُهُمْ, لِأَنَّهُ كَإِنْزَالِهِمْ بِحُكْمِنَا وَلَمْ يَرْضَوْا بِهِ, وَلَوْ كَانَ بِهِ مَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ فَبَذَلَهَا لِعَقْدِ الذِّمَّةِ عُقِدَتْ مَجَّانًا وَحَرُمَ رِقُّهُ.
وَلَوْ جَاءَنَا عَبْدٌ مُسْلِمًا وَأُسِرَ سَيِّدُهُ أَوْ غَيْرُهُ فَهُوَ حُرٌّ, وَلِهَذَا لَا نَرُدُّهُ فِي هُدْنَةٍ, قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ: وَالْكُلُّ لَهُ, وَإِنْ أَقَامَ بِدَارِ حَرْبٍ فَرَقِيقٌ, وَلَوْ جَاءَ مَوْلَاهُ بَعْدَهُ لَمْ يُرَدَّ إلَيْهِ, وَلَوْ جَاءَ قَبْلَهُ مُسْلِمًا ثُمَّ جاء هو مسلما1 فهو لَهُ, وَإِنْ خَرَجَ عَبْدٌ إلَيْنَا بِأَمَانٍ أَوْ نَزَلَ مِنْ حِصْنٍ فَهُوَ حُرٌّ, نَصَّ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ غَنِيمَةٌ, فَلَوْ هَرَبَ إلَى الْعَدُوِّ ثُمَّ جَاءَ بِمَالٍ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ وَالْمَالُ لَنَا.
وَلَمَّا جَاءَ وَفْدُ ثَقِيفٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2 وَسَأَلُوهُ أَنْ يَدَعَ لَهُمْ الطَّاغِيَةَ وَهِيَ اللَّاتُ لَا يَهْدِمُهَا ثَلَاثَ سِنِينَ فَأَبَى حَتَّى سَأَلُوهُ شَهْرًا فَأَبَى, فأظهروا أنهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
التَّصْحِيحِ وَالْخُلَاصَةِ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي3 وَالشَّرْحِ4 وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ": يُسْتَرَقُّونَ, جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ, وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ, وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ وَمَالَ إلَيْهِ. 5فَهَذِهِ ست مسائل في هذا الكتاب5.
__________
1 ليست في "ط".
2 بعدها في "ط" "و".
3 "13/48".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/15".
5 5 ليست في "ط".(10/269)
يُرِيدُونَ أَنْ يُسْلِمَ بِتَرْكِهَا1 جَمَاعَةٌ مِنْ سُفَهَائِهِمْ وَذَرَارِيّهِمْ وَلَا يُرَوِّعُوا قَوْمَهُمْ بِهَدْمِهَا حَتَّى يَدْخُلَهُمْ الْإِسْلَامُ, فَأَبَى إلَّا أَنْ يَبْعَثَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَهْدِمَانِهَا2, فِيهِ وُجُوبُ هَدْمِ ذَلِكَ لِمَا فِي بَقَائِهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ, وَهَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَمِيعِ الطَّوَاغِيتِ3, قَالَ فِي الْهَدْيِ: وَهَكَذَا حُكْمُ الْمَشَاهِدِ وَمَا يُقْصَدُ بِالْعَظِيمِ وَالنَّذْرِ من الأحجار.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 بعدها في "ط" "جماعة".
2 أخرجه الطبري في تاريخه "3/99" والبيهقي في دلائل النبوة "5/302 – 303".
3 تقدم شيء من ذلك.(10/270)
باب قسمة الغنيمة
مدخل
...
باب قسمة الْغَنِيمَةُ
مَا أُخِذَ مِنْ كُفَّارٍ قَهْرًا بِقِتَالٍ وَتُمُلِّكَ بِالِاسْتِيلَاءِ وَلَوْ بِدَارِ حَرْبٍ كَعِتْقِ عَبْدٍ حَرْبِيٍّ وَإِبَانَةِ امْرَأَةٍ أَسْلَمَا وَلَحِقَا بِالْجَيْشِ وَفِي الِانْتِصَارِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهِمَا: بِاسْتِيلَاءٍ تَامٍّ لَا فِي فَوْرِ الْهَزِيمَةِ لِلَبْسِ الْأَمْرِ هَلْ هُوَ حِيلَةٌ أَوْ ضَعْفٌ وَفِي الْبُلْغَةِ بِاسْتِيلَاءٍ تَامٍّ وَأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَزَادَ الْقَاضِي: مَعَ قَصْدِ التَّمَلُّكِ لَا بِمِلْكِ الْأَرْضِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: تَمَلُّكٍ كَشِرَاءٍ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ فِي الِانْتِصَارِ بِالْقَصْدِ وَلَنَا تَبَايُعُهَا وَقِسْمَتُهَا فِيهَا فِي الْمَنْصُوصِ لِأَنَّهَا مُلِكَتْ وَهُوَ أَنْفَعُ وَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ وَفِي الْبُلْغَةِ رِوَايَةٌ: لا تصح وَإِلَّا حُرِّمَ نَصَّ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ عُمَرَ رَدَّ مَا اشْتَرَاهُ ابْنُ عُمَرَ فِي قِصَّةِ جَلُولَاءِ لِلْمُحَابَاةِ1 فَإِنْ أَخَذَهَا عَدُوٌّ مِنْ مُشْتَرٍ فمنه نقله الجماعة وعنه: منبائعه اختاره الخرقي.
وَلَا يَمْلِكُ كُفَّارٌ حُرًّا مُسْلِمًا وَلَا ذِمِّيًّا, ويلزم فداؤه, كحفظهم من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه أبو عبيد في الأموال "636" وابن زنجويه في الأموال "973" عن ابن عمر رضي الله عنه قال: شهدت جلولاء فابتعت من المغنم بأربعين ألفا فلما قدمت على عمر قال لي: أرأيت لو عرضت على النار فقيل لك: افتده أكنت مفتدي؟ قلت: والله ما من شيء يؤذيك إلا كنت مفتديك منه. فقال: كأني شاهد الناس حين تبايعوا فقالوا: عبد الله بن عمر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن أمير المؤمنين وأحب النالس إليه وأنت كذالك فكان أن يرخصوا عليك بمئة أحب إليهم من أن يغلوا عليك بدرهم وإني قاسم مسؤول وأنا معطيك أكثر ما ربح تاجر من قريش لك ربح الدرهم درهما قال: ثم دعا التجار فابتاعوا منع بأربع مئة ألف فدفع إلي ثمانين ألفا وبعث بالبقية إلى سعد بن أبي وقاص فقال: اقسمه في الذين شهدوا الوقعة ومن كان مات منهم فادفعه إلى ورثته. اهـ.
وجلولاء: ناحية من نواحي السواد في طريق خراسان بينها وبين خانقين سبعة فراسخ معجم البلدان "2/107".(10/271)
الْأَذَى, وَنَصُّهُ فِي ذِمِّيٍّ: إنْ اُسْتُعِينَ بِهِ, ولا فداء بخيل وسلاح و1مُكَاتَبٍ 2وَأُمِّ2 وَلَدٍ, وَمَنْ اشْتَرَاهُ رَجَعَ فِي الْمَنْصُوصِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ. وَفِي الْمُحَرَّرِ: مَا لَمْ يَنْوِ التَّبَرُّعَ, فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ ثَمَنِهِ فوجهان "م 1" واختار الآجري: لَا يَرْجِعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَادَةَ الْأَسْرَى وَأَهْلِ الثَّغْرِ ذَلِكَ, فَيَشْتَرِيهِمْ لِيُخَلِّصَهُمْ وَيَأْخُذَ مَا وَزَنَ لَا زِيَادَةَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ, وَيَمْلِكُونَ مَالنَا بِالْقَهْرِ, كَبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ, اعْتَقَدُوا تَحْرِيمَهُ أَوْ لا, ذكره في الانتصار و3شَيْخُنَا, وَعَنْهُ: إنْ حَازُوهُ بِدَارِهِمْ, نَصَّ عَلَيْهِ فِيمَا بَلَغَ بِهِ قُبْرُسَ يُرَدُّ إلَى أَصْحَابِهِ لَيْسَ غَنِيمَةً وَلَا يُؤْكَلُ, لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحُوزُوهُ إلَى بِلَادِهِمْ وَلَا إلَى أَرْضٍ هُمْ أَغْلَبُ عَلَيْهَا, وَلِهَذَا قِيلَ لَهُ: أَصَبْنَا فِي قُبْرُسَ مِنْ مَتَاعِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ: يُعْرَفُ وَقَالَ: أَهْلُ قُبْرُسَ كَانُوا سُبُوا فَدَخَلَ بَقِيَّتُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِمْ, فَنَقَمُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ, وَقِيلَ لَهُ: غُزَاةُ الْبَحْرِ يَنْتَهُونَ إلَى قُبْرُسَ, فَيُرِيدُ الْأَمِيرُ أَنْ يَأْخُذَ خَبَرَ الرُّومِ فَيَبْعَثُ سَرِيَّةً لِيَأْخُذُوا أَعْلَاجًا مِنْ أَهْلِ قُبْرُسَ لِيَسْتَخْبِرَ4 مِنْهُمْ خَبَرَ الرُّومِ ثُمَّ يَتْرُكُهُمْ, فَمَا تَرَى 5فِي الْخُرُوجِ5 في هذه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 1" قَوْلُهُ "فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ ثَمَنِهِ فَوَجْهَانِ" انْتَهَى. "أَحَدُهُمَا": الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي, وَهُوَ قوي.
__________
1 ليست في "ط" والمثبت من النسخ الخطية.
2 2 في "ط" "أو".
3 ليست في "ط" والمثبت من النسخ الخطية.
4 في "ر" "يستخبر".
5 5 ليست في "ر".(10/272)
السَّرِيَّةِ؟ قَالَ: مَا أَدْرِي, أَخَافُ أَنْ يَرْغَبُوا وَلَهُمْ ذِمَّةٌ, وَقِيلَ لَهُ: أَخَذُوا مَرْكَبًا لِلرُّومِ فِيهَا نَاسٌ مِنْ قُبْرُسَ فَقَالُوا: أُكْرِهْنَا عَلَى الْخُرُوجِ أَيُقْتَلُونَ؟ قَالَ: لَوْ تَرَكُوهُ كَانَ أَحْسَنَ, لَا يُقْتَلُونَ, وَقِيلَ لَهُ يُحْمَلُ مِنْ قُبْرُسَ حَجَرُ الْمِسَنِّ1 وَالْكِيرُ, وَيُحْمَلُ الْمِلْحُ مِنْ سَاحِلِهَا لِيَأْكُلَهُ فَيَفْضُلُ مِنْهُ, يَأْتِي بِهِ مَنْزِلَهُ؟ فَرَخَّصَ فِي ذَلِكَ, وَعَنْهُ: لَا يَمْلِكُونَهُ وَلَوْ حَازُوهُ بِدَارِهِمْ, اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ يُوسُفُ الْجَوْزِيُّ ونصره أبو الخطاب وابن شهاب وَاحْتَجَّا بِقَوْلِهِ {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء: 141] قَالَ2: وَلِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ رَقِيقًا بِرِضَانَا بِالْبَيْعِ. عِنْدَ أَصْحَابِنَا فَهُنَا أَوْلَى, وَكَأَحَدٍ مُسْتَأْمَنٍ لَهُ بِدَارِنَا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ أَوْ غَصْبٍ, وَكَحَبِيسٍ3 وَوَقَفَ, وَعَنْهُ أُمُّ الْوَلَدِ كَوَقْفٍ, صَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ, فَعَلَى الْأَوْلَى يَمْلِكُونَ مَا أَبَقَ وَشَرَدَ إلَيْهِمْ وَعَنْهُ: لَا, وَمَا لَمْ يَمْلِكُوهُ يَأْخُذُهُ رَبُّهُ مَجَّانًا وَلَوْ بَعْدَ إسْلَامِ مَنْ هُوَ مَعَهُ أَوْ قِسْمَةٍ أَوْ شِرَاءٍ مِنْهُمْ, وَإِنْ جَهِلَ رَبَّهُ وَقَفَ أَمْرُهُ4. وَفِي التَّبْصِرَةِ أَنَّهُ أَحَقُّ بِمَا لَمْ يَمْلِكُوهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِثَمَنِهِ, لِئَلَّا يُنْتَقَضُ حُكْمُ الْقَاسِمِ, وَمَا مَلَكُوهُ إنْ كَانَ أُمَّ وَلَدٍ لَزِمَ السَّيِّدَ أخذها, لكن بعد القسمة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي": الْقَوْلُ قَوْلُ الْأَسِيرِ, لِأَنَّهُ غَارِمٌ, وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ, قَطَعَ بِهِ فِي المغني5 والشرح6, ونصراه.
__________
1 المسن: حجر يسن عليه السكين ونحوه المصباح "سنن".
2 ليس في "ر".
3 في "ر" "وكتحبيس".
4 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
5 "13/134".
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/370".(10/273)
بِالثَّمَنِ, نَصَّ عَلَى ذَلِكَ, وَمَا سِوَاهَا لِرَبِّهِ أَخْذُهُ مَجَّانًا.
وَيُعْمَلُ بِقَوْلِ عَبْدٍ مَأْسُورٍ هُوَ لِفُلَانٍ أَوْ بِسِيمَةِ حَبِيسٍ, نَصَّ عَلَيْهِمَا, سَأَلَهُ أَبُو دَاوُد: أَخَذْنَا مَرَاكِبَ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ فِيهَا النَّوَاتِيَّةُ يَعْنِي الْمَلَّاحَ, فَقَالُوا هَذَا الْمَرْكَبُ لِفُلَانٍ وَهَذَا لِفُلَانٍ. قَالَ: هَذَا قَدْ عُرِفَ صَاحِبُهُ, لَا يُقَسَّمُ. فَإِنْ أَبَى أَوْ جَهِلَ رَبَّهُ قَسَّمَ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ قِسْمَتُهُ. قِيلَ لِأَحْمَدَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُوقِفُوهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ رَبُّهُ؟ قَالَ: إذَا عُرِفَ, فَقِيلَ هَذَا لِفُلَانٍ وَكَانَ رَبُّهُ بِالْقُرْبِ. وَمَتَى وَجَدَهُ رَبُّهُ1 قَسَّمَهُ أَوْ شِرَاءٌ مِنْهُمْ أَخَذَهُ فِي الشِّرَاءِ بِثَمَنِهِ, وَعَنْهُ: وَفِي الْقِسْمَةِ بِقِيمَتِهِ, وَعَنْهُ فِيهَا بِثَمَنِهِ الَّذِي حُسِبَ بِهِ, ذَكَرَهُ فِي الْبُلْغَةِ, وَعَنْهُ: لَا حَقَّ لَهُ فِيهِمَا, كَوِجْدَانِهِ بِيَدِ الْمُسْتَوْلِي عَلَيْهِ وَقَدْ جَاءَنَا بِأَمَانٍ أَوْ أَسْلَمَ, وَلَوْ وَجَدَهُ رَبُّهُ بِيَدِ مَنْ أَخَذَهُ منهم مجانا أخذه بغير قيمة2, عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا.
وَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُمْ لَزِمَ تَصَرُّفَهُ, وَفِي أَخْذِ رَبِّهِ لَهُ مِمَّنْ بِيَدِهِ مَا تَقَدَّمَ, وَمَتَى أَحَبَّ أَخْذَ مُكَاتَبِهِ بَقِيَ عَلَى كِتَابَتِهِ وَوَلَاؤُهُ لَهُ, وإلا كان عند3
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ط".
2 في الأصل و"ط" "قيمته".
3 في "ر" "عبد".(10/274)
مُشْتَرِيهِ عَلَى بَقِيَّةِ كِتَابَتِهِ وَوَلَاؤُهُ لَهُ, نَصَّ عَلَيْهِ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ: إنْ عَلِمَ رَبُّهُ بِقَسْمِهِ وَبَيْعِهِ وَلَمْ يُطَالِبْ فَهُوَ رِضَا.
وَتُرَدُّ مُسْلِمَةٌ سَبَاهَا الْعَدُوُّ إلَى زَوْجِهَا وَوَلَدِهَا مِنْهُمْ كَمُلَاعَنَةٍ وَزِنًا, وَإِنْ أَبَى الْإِسْلَامَ ضُرِبَ وَحُبِسَ حَتَّى يُسْلَمَ, وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَقْتُلَ.(10/275)
فَصْلٌ: وَيُبْدَأُ فِي قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ بِمَنْ تَقَدَّمَ وَبِمُسْتَحَقِّ السَّلَبِ,
وَهُوَ مَنْ غَرَّرَ حَالَ الْحَرْبِ فَقَتَلَ, أَوْ أَثْخَنَ كَافِرًا مُمْتَنِعًا لَا مُشْتَغِلًا بِأَكْلٍ وَنَحْوِهِ, وَمُنْهَزِمًا, نَصَّ عَلَيْهِ وَفِي التَّرْغِيبِ وَالْبُلْغَةِ: {إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ} [الأنفال: 16] . قَالَ أَحْمَدُ: إنَّمَا سَمِعْنَا: لَهُ سَلَبَهُ فِي الْمُبَارَزَةِ, وَإِذَا الْتَقَى الزَّحْفَانِ وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ: إنَّمَا يُعْطِي السَّلَبَ مَنْ بَارَزَ فَقَتَلَ قِرْنَهُ1 دُونَ مَنْ لَمْ يُبَارِزْ, وَعَنْهُ: بِشَرْطِهِ لَهُ, اخْتَارَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ, وَعَنْهُ: وَأَذِنَ الْإِمَامُ, وَقِيلَ: وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الرَّضْخِ وَلَا الْمَقْتُولُ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً وَنَحْوَهُمَا قَاتَلُوا. وَقَالَ شَيْخُنَا ومن العقوبة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 القرن: كفرك في الشجاعة القاموس "قرن"(10/275)
الْمَالِيَّةِ حِرْمَانُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ السَّلَبَ لِلْمَدَدِيِّ لَمَّا كَانَ فِي أَخْذِهِ عُدْوَانٌ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ1. وَفِي الْفُنُونِ: يَجُوزُ أَنَّهُ يَكُونُ, قِيلَ لَهُ: عَاقِبْ مَنْ تَرَى بِحِرْمَانِ الْمَالِ.
وَلَا يُخْمَسْ, وَإِنْ قَتَلَهُ اثْنَانِ فَسَلَبَهُ غَنِيمَةٌ, كَأَكْثَرِ, فِي الْأَصَحِّ, وَنَصَّهُ: غَنِيمَةٌ, وَقَالَ الْآجُرِّيُّ وَالْقَاضِي: لَهُمَا. وَإِنْ أَسَرَهُ فَقَتَلَ أَوْ رَقَّ أَوْ فَدَى فَغَنِيمَةٌ, وَقِيلَ: الْكُلُّ لِمَنْ أَسَرَهُ, وَإِنْ قَطَعَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ أَوْ يَدًا وَرِجْلًا وَقَتَلَهُ آخَرُ فَغَنِيمَةٌ, وَقِيلَ: لِلْقَاتِلِ, وَقِيلَ لِلْقَاطِعِ, كَقَطْعِ أَرْبَعَةٍ, وَإِنْ قَطَعَ يَدًا أَوْ رِجْلًا فَلِلْقَاتِلِ, كَمَا لَوْ عَانَقَهُ فَقَتَلَهُ آخَرُ, وَقِيلَ غَنِيمَةٌ.
وَالسَّلَبُ: مَا عَلَيْهِ حَتَّى مِنْطَقَةُ ذَهَبٍ, وَعَنْهُ: فِي السَّيْفِ: لَا أَدْرِي, وَدَابَّتِهِ الَّتِي قَاتَلَ عَلَيْهَا وَمَا عَلَيْهَا, وَعَنْهُ: أَوْ آخِذًا عِنَانَهَا, وَعَنْهُ: الدَّابَّةُ وَآلَتُهَا غَنِيمَةٌ, كَنَفَقَتِهِ, عَلَى الْأَصَحِّ وَكَرَحْلِهِ وَخَيْمَتِهِ وَجَنِيبِهِ2 قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: وَحِلْيَةِ دَابَّتِهِ.
ثُمَّ يُعْطَى, قَالَ جَمَاعَةٌ: وَيُعْطَى أُجْرَةً من جمع الغنيمة وحفظها,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه مسلم في صحيحه "1753" "43" عن عوف بن مالك قال: قتل رجل من حمير رجلا من العدو فأراد سلبه فمنعه خالد بن الوليد وكان وليا عليهم وفيه: فقال: لا تعطه يا خالد لا تعطه يا خالد هل أنتم تاركون في أمرائي..... الحديث.
2 الجنيبة الفرس نقاد ولا تركب المصباح "جنب".(10/276)
وَجَعَلَ مَنْ دَلَّهُ عَلَى مَصْلَحَةٍ كَطَرِيقٍ وَحِصْنٍ إنْ شَرَطَهُ, مِنْ الْعَدُوِّ, وَيَجُوزُ 1أَنْ يَكُونَ1 مَجْهُولًا مِنْهُمْ, لَا مِنَّا, فَإِنْ جَعَلَ لَهُ مِنْهُمْ امْرَأَةً فَمَاتَتْ أَوْ لَمْ تُفْتَحْ فَلَا شَيْءَ لَهُ, وَإِنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ الْفَتْحِ فَالْقِيمَةُ, وَإِنْ أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ أَوْ قَبْلَهُ وَهِيَ أَمَةٌ أَخَذَهَا, وَمَعَ كُفْرِهِ قِيمَتُهَا, ثُمَّ إنْ أَسْلَمَ فَفِي أَخْذِهَا2 احْتِمَالَانِ "م 2" وَإِنْ فُتِحَ صُلْحًا فَقِيمَتُهَا وَالْأَشْهَرُ إنْ أَبَى إلَّا هِيَ وَلَمْ تبذل له3 فَسْخُ الصُّلْحِ, وَظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ هَانِئٍ: هِيَ لَهُ, لِسَبْقِ حَقِّهِ, وَلِرَبِّ الْحِصْنِ الْقِيمَةُ, وَإِنْ بُذِلَتْ مَجَّانًا أَوْ بِالْقِيمَةِ لَزِمَ أَخْذُهَا وَإِعْطَاؤُهَا لَهُ, وَالْمُرَادُ غَيْرُ حُرَّةٍ الْأَصْلُ وَإِلَّا قِيمَتُهَا.
__________
1 1 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
2 في "ر" "أحدهما".(10/277)
فَصْلٌ: ثُمَّ يُخَمَّسُ الْبَاقِي وَيُقَسَّمُ خُمُسُهُ خَمْسَةَ أسهم,
نص عليه: سهم لله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 2" قَوْلُهُ: "ثُمَّ إنْ أَسْلَمَ فَفِي أَخْذِهِ احْتِمَالَانِ", انْتَهَى. يَعْنِي لَوْ أَسْلَمَتْ وَهِيَ أَمَةٌ فَإِنَّهَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَافِرًا فَلَهُ قِيمَتُهَا بِلَا نِزَاعٍ, فَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَذَكَرَ فِي أَخْذِهَا احْتِمَالَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ.
"أَحَدُهُمَا": لَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا. وَإِنَّمَا يَأْخُذُ الْقِيمَةَ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُقْنِعِ4 وَالْمُغْنِي5 وَالشَّرْحِ4 وغيرهم, لاقتصارهم على إعطائه قيمتها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
3 ليست في "ر" و"ط".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/131".
5 "13/59".(10/277)
وَلِرَسُولِهِ مَصْرِفُهُ كَالْفَيْءِ, وَعَنْهُ: فِي الْمُقَاتِلَةِ, وَعَنْهُ: فِي كُرَاعٍ وَسِلَاحٍ, وَعَنْهُ: فِي الثَّلَاثَةِ. وَفِي الِانْتِصَارِ: لِمَنْ يَلِي الْخِلَافَةَ بَعْدَهُ وَاحْتَجَّ بِنُصُوصٍ1 وَلَمْ يَذْكُرْ سَهْمَ اللَّهِ.
وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ جَمَعَ بَنِي مَرْوَانَ حِينَ اُسْتُخْلِفَ فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ لَهُ فَدَكُ, فَكَانَ يُنْفِقُ مِنْهَا وَيَعُودُ مِنْهَا عَلَى صَغِيرِ بَنِي هَاشِمٍ, وَيُزَوِّجُ مِنْهُ أَيِّمَهُمْ, وَإِنَّ فَاطِمَةَ سَأَلَتْهُ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهَا فَأَبَى, وَكَانَتْ كَذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ, ثُمَّ عَمِلَ فيها أبو بكر بذلك2, ثُمَّ عُمَرُ, ثَمّ أُقْطِعَهَا مَرْوَانُ, ثُمَّ صَارَتْ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ3. رَأَيْتُ أَمْرًا مَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ ليس لي بحق, وإني أشهدكم4 أني5 قَدْ رَدَدْتُهَا عَلَى مَا كَانَتْ, حَدِيثٌ حَسَنٌ رواه أبو داود6, وأقطعها مروان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"والاحتمال الثاني": له أخذها.
__________
1 منها ما أخرجه عبد الرزاق في المصنف "9482" والبيهقي في السنن الكبرى "6/342 – 343" عن الحسن بن محمد بن الحنفية قال: اختلف الناس في هذين السهمين بعد وفاة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قائلون: سهم ذوي القربى لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم وقال قائلون: لقرابة الخليفة: سهم النبي صلى الله عليه وسلم للخليفة من بعده فاجتمع رأيهم على أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدة في سبيل الله فكانا على ذلك في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
2 في "ط" "كذلك".
3 بعدها في سنن أبي داود "قال عمر يعني ابن عبد العزيز".
4 ليست في "ر".
5 ليست في "ر" و"ط".
6 في السنن "2972".(10/278)
فِي أَيَّامِ عُثْمَانَ1, وَذَلِكَ مِمَّا تَعَلَّقُوا بِهِ عَلَيْهِ. وَتَأْوِيلُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد2, حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ إلَى أَبِي بَكْرٍ تَطْلُبُ مِيرَاثَهَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إنَّ اللَّهَ إذَا أَطْعَمَ نَبِيًّا طُعْمَةً فَهِيَ لِلَّذِي يَقُومُ مِنْ بَعْدِهِ". وَرُوِيَ أَيْضًا3 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا "لَا نُوَرِّثُ, مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ, وَإِنَّمَا هَذَا الْمَالُ لِآلِ مُحَمَّدٍ, لِنَائِبَتِهِمْ ولضيفهم4, فَإِذَا مِتُّ فَهُوَ إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِي" وَرَوَاهُ أَيْضًا التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ5 مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ, وَأُسَامَةُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ, وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنْ أَجْرِي عَلَى فِعْلِ مَنْ قَامَ مَقَامَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْ الْأَئِمَّةِ جَازَ, وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ بِهَذَا السَّهْمِ مَا شَاءَ6, قَالَهُ فِي الْمُغْنِي7, وَفِي رَدِّ شَيْخِنَا عَلَى الرَّافِضِيِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا "وش" إنَّ اللَّهَ أضاف هذه الأموال إضافة ملك كسائر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
.
__________
1 في السنن "2973".
2 في السنن "2972".
3 أي أبو داود في سننه "2977".
4 في "ط" "ولضعيفهم".
5 برقم "385".
6 تقدمت الأحاديث بهذا المعنى.
7 "9/290".(10/279)
أَمْلَاكِ النَّاسِ, ثُمَّ اخْتَارَ قَوْلَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ إنَّهَا لَيْسَتْ مِلْكًا لِأَحَدٍ, بَلْ أَمْرُهَا إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ, يُنْفِقُهَا فِيمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ, فَيُثَابُ عَلَيْهَا كُلِّهَا, بِخِلَافِ مَا مَلَكَهُ اللَّهُ تعالى لعباده, فإن لهم1 صَرْفَهُ فِي الْمُبَاحِ.
وَسَهْمٌ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ ابْنَيْ2 عَبْدِ مَنَافٍ, وَقِيلَ: لِفُقَرَائِهِمْ, وَفِي تفضيل 3ذكرهم على أنثاهم3 رِوَايَتَانِ "م 3" فَإِنْ لَمْ يَأْخُذُوهُ فَفِي كُرَاعٍ وَسِلَاحٍ, كَفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ4, ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ, وَلَا شَيْءَ لِمَوَالِيهِمْ. وَسَهْمٌ لِلْيَتَامَى, مَنْ لَا أَبَ لَهُ وَلَمْ يَبْلُغْ, وَالْأَشْهَرُ الْفُقَرَاءُ.
وسهم للمساكين, فيدخل الفقير.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مسألة 3" قوله: "وفي تفضيل 3ذكرهم على أنثاهم3 رِوَايَتَانِ", انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي5 وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ6 وَغَيْرِهِمْ:
"إحْدَاهُمَا" يَجُوزُ التَّفْضِيلُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, وَبِهِ قَطَعَ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُقْنِعِ6 وَالْعُمْدَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ, وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي7 وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ, وَصَحَّحَهُ فِي الْبُلْغَةِ وَالنَّظْمِ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ" الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى, قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ في شرحه.
__________
1 في الأصل و"ط" "له".
2 في "ر" "ابن".
3 3 في "ط" "ذكورهم على إناثهم".
4 أخرجه مطولا البخاري "3094" ومسلم "1757" "49" من حديث مالك بن أوس رضي الله عنه.
5 "9/294".
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/235".
7 "5/544".(10/280)
وسهم لأبناء السبيل, المسلمين مِنْ الْكُلِّ, فَيُعْطُوا كَزَكَاةٍ, وَيَعُمُّ بِسِهَامِهِمْ جَمِيعَ الْبِلَادِ, وَاخْتَارَ الشَّيْخُ: لَا يَلْزَمُ. وَفِي الِانْتِصَارِ: يَكْفِي وَاحِدٌ وَاحِدٌ مِنْ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ, وَمِنْ ذَوِي الْقُرْبَى إذَا لَمْ يُمَكِّنْهُ, عَلَى أَنَّهُ إذَا وَجَبَ لِمَ لَا نَقُولُ بِهِ فِي الزَّكَاةِ؟ وَاخْتَارَ شَيْخُنَا إعْطَاءَ الْإِمَامِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ لِلْمَصْلَحَةِ, كَزَكَاةٍ, وَاخْتَارَ أَيْضًا أَنَّ الْخُمُسَ وَالْفَيْءَ وَاحِدٌ, يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ "وم" وَفِي رَدِّهِ عَلَى الرَّافِضِيِّ أَنَّهُ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ, وَأَنَّ عَنْ أَحْمَدَ مَا يُوَافِقُ ذَلِكَ فإنه جعل مصرف خمس الركاز1 مَصْرِفَ الْفَيْءِ وَهُوَ تَبَعٌ2 لِخُمُسِ الْغَنَائِمِ, وَذَكَرَهُ أَيْضًا رِوَايَةً, وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْهَدْيِ الْأَوَّلَ أَنَّ الْإِمَامَ يُخَيَّرُ فِيهِمْ وَلَا يَتَعَدَّاهُمْ, كَزَكَاةٍ, وَأَنَّهُ قَوْلٌ "م".
ثُمَّ يُعْطِي النَّفَلَ, وَهُوَ زِيَادَةٌ عَلَى السَّهْمِ لِمَصْلَحَةٍ, فَيَجُوزُ أَنْ يَبْعَثَ سَرِيَّةً مِنْ جَيْشِهِ تُغِيرُ أَمَامَهُ بِالرَّابِعِ3 فَأَقَلَّ بَعْدَ الْخُمُسِ, أَوْ خَلْفَهُ إذَا قَفَلَ بِالثُّلُثِ فَأَقَلُّ بَعْدَهُ, بِشَرْطٍ, وَعَنْهُ: وَدُونَهُ. وَلَا يَعْدِلُ شَيْءٌ 4عِنْدَ أَحْمَدَ الْخُرُوجَ4 فِي السَّرِيَّةِ, مَعَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ, لِأَنَّهُ أَنْكَى, وَأَنْ يَجْعَلَ لِمَنْ عَمِلَ ما فيه غناء جعلا, من5 نَقَبَ أَوْ صَعَدَ هَذَا الْمَكَانَ أَوْ جَاءَ بكذا فله من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط" "الزكاة" والمثبت من النسخ الخطية.
2 في الأصل "بيع".
3 في "ط" "بالرابع".
4 4ليست في "ر".
5 في "ط" "لمن".(10/281)
الْغَنِيمَةِ أَوْ مِنْهُ كَذَا, مَا لَمْ يُجَاوِزْ ثُلُثَ الْغَنِيمَةِ بَعْدَ الْخُمُسِ, نَصَّ عَلَيْهِ وَعَنْهُ: بِشَرْطٍ, وَتَحْرُمُ مُجَاوَزَتُهُ فِيهِمَا, نَصَّ عَلَيْهِ, وَعَنْهُ: بلا شرط, و1لَوْ كَانَ خَبَّأَ عَشْرَةَ رُءُوسٍ حَتَّى نَادَى الْإِمَامُ مَنْ جَاءَ بِعَشْرَةِ رُءُوسٍ فَلَهُ رَأْسٌ فَجَاءَ بِهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ, نَقَلَهُ أَبُو داود, وَفِي جَوَازِ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا 2فَهُوَ لَهُ2 وقيل لمصلحة3 رِوَايَتَانِ "م 4" وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ وَغَيْرُهُ: إنْ بقي ما لا يُبَاعُ وَلَا يُشْتَرَى فَمَنْ أَخَذَهُ فَهُوَ لَهُ, وسأله أبو داود: إن أباح الحرثي4 للناس. فقال من أخذ شيئا 5فهو له5؟ قَالَ: لَا يَفْعَلُ, هَذَا إذًا يَنْهَبُ النَّاسُ.
قَالَ شَيْخُنَا: لِلْإِمَامِ عَلَى الصَّحِيحِ أَنْ يَخُصَّ طائفة بصنف كالفيء,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 4" قَوْلُهُ "وَفِي جَوَازِ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ, وَقِيلَ: لِمَصْلَحَةٍ, رِوَايَتَانِ" يَعْنِي فِي جَوَازِ ذَلِكَ إذَا قَالَهُ الْإِمَامُ, وَأَطْلَقَهُمَا فِي المغني6 والمقنع7 والشرح7.
"إحْدَاهُمَا": لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا, وَهُوَ الصَّحِيحُ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ, وَبِهِ قَطَعَ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ" يَجُوزُ, وَحَكَى الْمُصَنِّفُ طَرِيقَةَ أَنَّ مَحِلَّ الرِّوَايَتَيْنِ إذَا كَانَ لِمَصْلَحَةٍ, وَإِلَّا فَلَا وَصَحَّحَهَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ. "قُلْت": وَهُوَ الصَّوَابُ, وَكَانَ الْأَوْلَى بِالْمُصَنِّفِ أَنْ يَقْدَمَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ وَيُصَحِّحَ الْجَوَازَ.
__________
1 ليست في "ط".
2 2في "ر" و"ط" "فله".
3 في "ط" "لمصلحته".
4 في "ط" "الحربي" الخرثي: أثاث البيت أو أردأ المتاع والغنائم القاموس "خرث".
5 5 في "ر" و"ط" "فله".
6 "13/53".
7 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/133"(10/282)
قَالَ: وَلَيْسَ لِلْغَانِمَيْنِ إعْطَاءُ أَهْلِ الْخُمُسِ قَدْرَهُ مِنْ غَيْرِهَا, وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ: مَنْ أَخَذَ شَيْئًا لَا يُخَمَّسُ, وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِيمَنْ جَاءَ بِكَذَا ثُمَّ الْبَاقِي لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ لِقَصْدِ قِتَالٍ وَلَوْ لَمْ يُقَاتِلْ, أَوْ بُعِثَ لِمَصْلَحَةِ الْجَيْشِ أَوْ قَالَ الْإِمَامُ: يَتَخَلَّفُ الضَّعِيفُ, فَتَخَلَّفَ قَوْمٌ بِمَوْضِعٍ مُخَوَّفٍ, نَصَّ عَلَيْهِ, دُونَ مَرِيضٍ عَاجِزٍ. وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: مَنْ شَهِدَهَا ثُمَّ مَرِضَ فَلَمْ يُقَاتِلْ أُسْهِمَ لَهُ وَأَنَّهُ قَوْلُ أَحْمَدَ.
وَكَافِرٌ وَعَبْدٌ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمَا وَمَنْهِيٌّ عَنْ حُضُورِهِ, وَالْأَصَحُّ أَوْ بِلَا إذْنِهِ, وَفَرَسٌ عَجِيفٌ وَنَحْوُهُ, وَفِيهِ وَجْهٌ.
وَفِي التَّبْصِرَةِ: يُسْهَمُ لِفَرَسٍ ضَعِيفٍ وَيُحْتَمَلُ: لَا, وَلَوْ شَهِدَهَا عَلَيْهِ, وَمُخْذِلٍ وَمُرْجِفٍ وَنَحْوِهِمَا, وَلَوْ تَرَكَا ذَلِكَ وَقَاتَلَا, وَلَا يُرْضَخُ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ عُصَاةٌ, وَكَذَا مَنْ هَرَبَ مِنْ اثْنَيْنِ كَافِرَيْنِ, ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ, بِخِلَافِ غَرِيمٍ وَوَلَدٍ, لِزَوَالِ إثْمِهِ بِتَعْيِينِهِ عَلَيْهِ بِحُضُورِ الصف, وذكر ابن عقيل في أسير, و1 تَاجِرٍ رِوَايَتَيْنِ, قَالَ أَحْمَدُ: يُسْهَمُ لِلْمُكَارِي وَالْبَيْطَارِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ: "وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي أَسِيرٍ أَوْ تَاجِرٍ رِوَايَتَيْنِ" انْتَهَى. لَيْسَ هَذَا مِنْ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ وَإِنَّمَا هَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ عَقِيلٍ, وَالْمَذْهَبُ: يُسْهِمُ لَهُمْ. وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ قَبْل ذَلِكَ: وَهِيَ لِمَنْ شَهِدَ الوقعة لقصد القتال ولو لم يقاتل.
__________
1 في "ط" "أو".(10/283)
وَالْحَدَّادِ وَالْخَيَّاطِ وَالْإِسْكَافِ وَالصُّنَّاعِ, وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ لِلْجِهَادِ لَمْ يَصِحَّ, فَيُسْهَمُ لَهُ, وَعَنْهُ: يَصِحُّ, وَقِيلَ: ممن لا يلزمه, فلا يسهم له1, عَلَى الْأَصَحِّ, وَقِيلَ: يُرْضَخُ وَيُسْهَمُ لِأَجِيرِ الْخِدْمَةِ2, عَلَى الْأَصَحِّ. وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: إذَا قَصَدَ الْجِهَادَ, وَكَذَا حَمَلَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ إسْهَامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَلَمَةَ وَكَانَ أَجِيرًا لِطَلْحَةَ, رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَمُسْلِمٌ3 عَلَى أَجِيرٍ قَصَدَ مَعَ الْخِدْمَةِ الْجِهَادَ. وَفِي الْمُوجَزِ هَلْ يُسْهَمُ لِتُجَّارِ عَسْكَرٍ وَأَهْلٍ وَسُوقَةٍ4 وَمُسْتَأْجَرٍ مَعَ جُنْدٍ كَرِكَابِيٍّ وَسَايِسٍ, أَمْ يُرْضَخُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ, وَفِي الْوَسِيلَةِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: لَا تَصِحُّ الثِّيَابَةُ تَبَرُّعٌ أو بأجرة, وقطع به ابن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ر" و"ط".
2 بعدها في الأصل "نص عليه".
3 أحمد "16538" مسلم "1807" "132" من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.
4 في "ط" "وسوقة"(10/284)
الْجَوْزِيِّ. وَفِي التَّرْغِيبِ: يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ إمَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِلْحَاجَةِ. وَفِي الْبُلْغَةِ: لَهُمْ الْأُجْرَةُ فَقَطْ إنْ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ, وَفِيهَا رِوَايَتَانِ.
وَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ غَيْرِهِ لَهُمْ, وَيُسْهَمُ لِمَنْ يُعْطَى مِنْ الْفَيْءِ, لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ لَهُ لِيَغْزُوَ, لَا أَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ غَزْوَةٍ, بَلْ يَقَعُ لَهُ لَا لِغَيْرِهِ, وَكَذَا مَنْ يُعْطَى لَهُ مِنْ صَدَقَةٍ, لِأَنَّهُ يُعْطَاهُ مَعُونَةً لَا عِوَضًا, أَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مَا يُعِينُهُ بِهِ فَلَهُ فِيهِ الثَّوَابُ, وَلَيْسَ عِوَضًا, وَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ مَرْفُوعًا "مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ شيء" خبر1 صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ2 وَصَحَّحَهُ.
وَلِأَبِي دَاوُد3 بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو مرفوعا: "للغازي أجره وللجاعل4 أَجْرُهُ" وَأَجْرُ الْغَازِي وَمَنْ أَخَذَ مِنْ سَهْمِ الْفَيْءِ أَوْ مَا يُتَقَوَّى بِهِ مِنْ زَكَاةٍ وَغَيْرِهَا فَلَيْسَ عِوَضًا, وَفِيهِ الثَّوَابُ, لِلْخَبَرِ5, ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ, وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا ثَوَابَ لِغَيْرِهِ, وقد تقدم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ط".
2 أحمد "17033" والنسائي في المجتبى "6/46" والترمذي "1628".
3 في سننه "2526".
4 في الأصل "للعامل".
5 المتقدم آنفا.(10/285)
فصل: فَيُقْسَمُ لِلرَّاجِلِ سَهْمٌ, وَلِلْفَارِسِ ثَلَاثَةٌ,
فَإِنْ كَانَ فَرَسُهُ بِرْذَوْنًا وَيُسَمَّى الْعَتِيقَ وَهُوَ نَبَطِيُّ الْأَبَوَيْنِ أَوْ هَجِينًا أُمُّهُ نَبَطِيَّةٌ وَعَكْسُهُ الْمُقْرَفُ, فَلَهُ سَهْمٌ, اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ, وَعَنْهُ: سَهْمَانِ, اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ, وَعَنْهُ: إنْ عَمِلَ كَعَرَبِيٍّ, اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ, وَعَنْهُ: لَا يُسْهَمُ لَهُ وَيُسْهَمُ لِفَرَسَيْنِ فَقَطْ, نَصَّ عَلَيْهِ. وَفِي التَّبْصِرَةِ لِثَلَاثَةٍ, وَلَا شَيْءَ لِغَيْرِ خَيْلٍ, وَعَنْهُ: لِرَاكِبِ بَعِيرٍ1 سَهْمٌ, وَعَنْهُ: عِنْدَ عَدَمِ غَيْرِهِ, وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ: يُسْهَمُ لَهُ مُطْلَقًا, مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي, وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ: كَفَرَسٍ, وَقِيلَ: لَهُ وَلِفِيلٍ سَهْمُ هَجِينٍ. قَالَ أَحْمَدُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشِّكَالَ فِي الْخَيْلِ2, سَأَلَ الْخَلَّالُ ثَعْلَبًا عَنْهُ قَالَ: إذَا كَانَ مُخَالِفَ الْقَوَائِمِ بَيَاضٌ أَوْ سَوَادٌ مُخَالِفٌ3, مِنْ جِهَةِ الطِّيَرَةِ, وَالشِّكَالُ4 الْمُوَافَقَةُ بَيَاضُ الرَّجُلَيْنِ وَالْمُخَالِفُ فِي يد ورجل, وجميعا مكروها5. وَلَا بَأْسَ بِغَزْوِهِمَا عَلَى فَرَسٍ لَهُمَا, هَذَا عَقَبَةٌ وَهَذَا عَقَبَةٌ وَهَذَا عَقَبَةٌ, وَالسَّهْمُ بَيْنَهُمَا, نَقَلَهُ مُهَنَّا.
وَإِنْ أَسْلَمَ أَوْ بَلَغَ أَوْ عَتَقَ أَوْ لَحِقَ مَدَدًا وَأَفْلَتَ أَسِيرًا, وَصَارَ رَجُلٌ فَارِسًا أَوْ عَكْسَهُ قَبْلَ تَقَضِّي الْحَرْبِ فكمن شهدها, وبعده, وقيل: وقبل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ر" "بغير".
2 أحمد في مسنده "7408" وأخرجه أيصا مسلم في صحيحه "1875" "101".
3 في "ر" "تخالف".
4 في الأصل "السكان".
5 في "ط" "مكروهان".(10/286)
إحْرَازِهَا لَا يُؤْثِرُ, وَلَوْ لَحِقَهُمْ عَدُوٌّ وَقَاتَلَ الْمَدَدُ مَعَهُمْ حَتَّى سَلِمُوا بِالْغَنِيمَةِ, لِأَنَّهُمْ إنَّمَا قَاتَلُوا عَنْ أَصْحَابِهَا, لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ فِي أَيْدِيهِمْ وَحَوَوْهَا, نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ, وَكَذَا مَنْ ذَهَبَ أَوْ مَاتَ بَعْدَهُ لَا قَبْلَهُ. وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: لَوْ حَازُوهَا وَلَمْ تُقَسَّمْ ثُمَّ انْهَزَمَ قَوْمٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ, لِأَنَّهَا لَمْ تَصِرْ إلَيْهِمْ حَتَّى صَارُوا عُصَاةً.
وَوَارِثٌ كَمَوْرُوثِهِ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَفِي الْبُلْغَةِ فِي قَبْلِ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَ الْإِحْرَازِ يَقْوَى عِنْدِي مَتَى قُلْنَا: لَمْ يَمْلِكُوهَا وَإِنَّمَا لَهُمْ حَقُّ التَّمَلُّكِ لَا يُورَثُ كَالشَّفِيعِ, وَيُرْضَخُ مِنْ أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ, وَقِيلَ: مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ, وَقِيلَ: مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ لِامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ وَمُمَيِّزٍ, وَقِيلَ: مُرَاهِقٍ, وَلَهُ التَّفْضِيلُ, وَلَا يَبْلُغُ بِالرَّضْخِ الْقِسْمَةَ.
وَلِفَرَسِ سَيِّدٍ تَحْتَ عَبْدِهِ سَهْمَانِ, وَيُسْهَمُ لِكَافِرٍ كَمُسْلِمٍ, اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَالْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَالْأَكْثَرُ, وَالْمُعْتَقُ1 بعضه بحسابه, وعنه: يرضخ لهما, و2اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ فِي كَافِرٍ, وَيُشَارِكُ الْجَيْشُ سَرِيَّتَهُ, وَهِيَ لِلْجَيْشِ, نَصَّ عَلَيْهِ.
وَهَدِيَّةُ كَافِرٍ لِلْإِمَامِ بِدَارِ حَرْبٍ غَنِيمَةٌ, وَعَنْهُ: لَهُ, وَقِيلَ: فَيْءٌ وَبِدَارِنَا قِيلَ لَهُ وَقِيلَ فَيْءٌ "م 5" وَبَعْضُ قواده كهو, ولأحد3 الغانمين غنيمة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 5": قَوْلُهُ "وَهَدِيَّةُ كَافِرٍ لِلْإِمَامِ بِدَارِ حَرْبٍ غَنِيمَةٌ, وَعَنْهُ: لَهُ, وَقِيلَ: فَيْءٌ, وَبِدَارِنَا قِيلَ: له, وقيل: فيء", انتهى.
__________
1 في "ط" "والمعتق" والمثبت من النسخ الخطية.
2 ليست في "ط".
3 في الأصل "ولأحمد".(10/287)
وَعَنْهُ: لَهُ1, وَمَا أُخِذَ مِنْ مُبَاحِهَا بِقُوَّةِ الْجَيْشِ لَهُ قِيمَةٌ فِي مَكَانِهِ شَرْعًا فَغَنِيمَةٌ بَعْدَ تَعْرِيفِ لُقَطَةٍ سَنَةً بِدَارِنَا, قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: يَعْرِفُ مَا يَتَوَهَّمُهُ لِمُسْلِمٍ وَإِلَّا فَهُوَ لَهُ, وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد أَيْضًا: قِيلَ لِأَحْمَدَ: لَهُ بِطَرَسُوسَ قِيمَةٌ, قَالَ: هَذَا قَدْ حَمَلَهُ وَعُنِيَ بِهِ, أَيْ هُوَ لَهُ, وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: إنْ صَادَ سَمَكًا فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فَلَا بَأْسَ يَبِيعُهُ بِدَانَقٍ أَوْ2 قِيرَاطٍ وَمَا زَادَ رَدَّهُ إلَى الْمُقْسِمِ3.
وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: وَهَدِيَّةٌ وَمُبَاحٌ وَكَسْبُ طَائِفَةٍ غَنِيمَةٌ فِي الثَّلَاثَةِ. وَلَهُ الْقِتَالُ بِسِلَاحِهِمْ. وَفِي الْبُلْغَةِ: لِحَاجَةٍ, وَيَرُدُّهُ بَعْدَ الْحَرْبِ, وَفِي قِتَالِهِ بِفَرَسٍ وَثَوْبٍ رِوَايَتَانِ "م 6 و 7" وَنَقَلَ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ: لا يركبه إلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"أَحَدُهُمَا" هِيَ لِمَنْ أُهْدِيَتْ لَهُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, وَبِهِ قَطَعَ فِي الْمُغْنِي4 وَالشَّرْحِ5 وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ.
"وَالْقَوْلُ الثَّانِي": هُوَ فَيْءٌ.
"مَسْأَلَة 6, 7" قَوْلُهُ: "وَفِي قِتَالٍ بِفَرَسٍ وَثَوْبٍ رِوَايَتَانِ" انْتَهَى. ذَكَرَ: مَسْأَلَتَيْنِ:
"الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 6" هَلْ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَ عَلَى فَرَسٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ أَمْ لَا؟.
أَطْلَقَ الْخِلَافَ, وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ والمذهب ومسبوك الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ6 وَالشَّرْحِ6 وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالزَّرْكَشِيِّ وغيرهم:
__________
1 ليست في الأصل.
2 في النسخ "و".
3 قسمته قسما: فرزته أجزاء فانقسم والموضع المقسم المصباح "قسم".
4 "13/201".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/302 - 303".
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/191".(10/288)
لِضَرُورَةٍ أَوْ خَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ, وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: لا بأس أن يركب الدابة1 مِنْ الْفَيْءِ وَلَا يُعْجِفُهُ2.
وَمَنْ أَخَذَ مِنْهَا طَعَامًا أَوْ عَلَفًا لَا غَيْرَهُمَا فَلَهُ وَلِدَوَابِّهِ أَكْلُهُ بِلَا إذْنٍ وَلَا حَاجَةٍ, وَلِسَبْيٍ اشْتَرَاهُ, وَقِيلَ: وَلَوْ أَحْرَزَ بِدَارِ حَرْبٍ, لَا لِفَهْدٍ وكلب صيد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. "إحْدَاهُمَا": لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي3 وَالْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ, وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ" يَجُوزُ, قَطَعَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ.
"قُلْت": الصَّوَابُ إنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ, ثُمَّ وَجَدْته فِي الْفُصُولِ صَحَّحَهُ فَقَالَ, وَهَذِهِ أَصَحُّ عِنْدِي, لِأَنَّ حِفْظَ الْمُسْلِمِينَ بِالْقِتَالِ أَهَمُّ مِنْ حِفْظِ الْخَيْلِ وَالْمَالِ.
"الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 7" هَلْ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ ثَوْبًا مِنْ الْغَنِيمَةِ أَمْ لَا؟ أُطْلِقَ فِيهِ الْخِلَافُ, وَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي الْفَرَسِ, خِلَافًا وَمَذْهَبًا, وَقَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْ ذَلِكَ, وَعَنْهُ: يَرْكَبُ ولا يلبس, ذكرها في الرعاية.
"قلت": وفيه4 قوة.
__________
1 ليست في "ط" والمثبت من النسخ الخطية.
2 عجف الدابة يعدفها ويعدفها: هزلها القاموس "عجف".
3 "13/129".
4 في "ص" و"ط" "فيها".(10/289)
وَجَارِحٍ, وَيُرَدُّ مَا فَضَلَ مَعَهُ مِنْهُ فِي الْغَنِيمَةِ, وَعَنْهُ: لَا قَلِيلًا فِيهَا. قَالَ فِي الْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ, كَطَعَامٍ أَوْ عَلَفِ يَوْمَيْنِ, وَنَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ, وَيُرَدُّ ثَمَنُهُ إنْ بَاعَهُ, وَعَنْهُ: وَقِيمَةُ أَكْلِهِ.
سَأَلَهُ أَبُو دَاوُد: الرَّجُلُ يُضْطَرُّ فَيَشْتَرِي شَعِيرًا رُومِيًّا مِنْ رَجُلٍ فِي السِّرِّ ثُمَّ يَرْفَعُهُ إلَى الْمُقَسِّمِ؟ قَالَ: لَا, قُلْت: إذَا رَفَعَهُ إلَى صَاحِبِ الْمَقْسِمِ أَخَذَ مِنْهُ1 ثَمَنَهُ؟ قَالَ: لَا, أَلَيْسَ هُوَ حَمَلَهُ عَلَى الْبَيْعِ, وَكَرِهَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ, وَأَبَى أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ.
وَالسُّكَّرُ وَالْمَعَاجِينُ وَنَحْوُهَا كَطَعَامٍ, وَفِي الْعَقَاقِيرِ وَجْهَانِ "م 8" وَلَا يُضَحَّى بِشَيْءٍ فِيهِ الْخُمُسُ, وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَبِيعَ حِنْطَةً بِشَعِيرٍ أَوْ عكسه, لكن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ "وَعَنْهُ: لَا يَرُدُّهُ إنْ كَانَ قَلِيلًا فِيهَا". الْأَحْسَنُ أَوْ الصَّوَابُ إسْقَاطُ لَفْظَةِ "فِيهَا" لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ, وَقَدْ قَالَ: وَيُرَدُّ مَا فَضَلَ مَعَهُ مِنْهُ فِي الْغَنِيمَةِ.
"مَسْأَلَةٌ 8" قَوْلُهُ. وَالسُّكَّرُ وَالْمَعَاجِينُ وَنَحْوُهَا كَطَعَامٍ, وَفِي الْعَقَاقِيرِ وَجْهَانِ, انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ:
"أَحَدُهُمَا": هُوَ كَالطَّعَامِ, وَهُوَ الصَّوَابُ, بَلْ أَوْلَى, فَيُنْتَفَعُ بِهِ بِلَا إذْنٍ وَلَا حَاجَةٍ.
"والوجه الثاني": ليس له أخذ ذلك.
__________
1 ليست في "ر".(10/290)
يُعْطِيه بِلَا ثَمَنٍ, نَصَّ عَلَى ذَلِكَ, وَلَا يغسل ثوبه بصابون, فإن غَسَلَ فَقِيمَتُهُ فِي الْمُقَسَّمِ, نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ, وَلَا يُجْعَلُ فِي الْفَيْءِ ثَمَنُ كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ1, بَلْ بَازٍ لَا بَأْسَ بِثَمَنِهِ, نَقَلَهُ صَالِحٌ, وَيَخُصُّ الْإِمَامُ بِكَلْبٍ مَنْ شَاءَ, وَلَا يَدْخُلُ فِي غَنِيمَةٍ, وَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ, قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ, وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: يَصُبُّ الْخَمْرَ وَلَا يَكْسِرُ الْإِنَاءَ, وَلَهُ دَهْنُ بَدَنِهِ لِحَاجَةٍ, وَدَابَّتَهُ, وَشُرْبُ شَرَابٍ, وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: دَهْنُهُ بِزَيْتٍ لِلتَّزَيُّنِ لَا يُعْجِبُنِي, وَلَيْسَ لِأَجِيرٍ لِحِفْظِ غَنِيمَةٍ رُكُوبُ دَابَّةٍ مِنْهَا إلَّا بِشَرْطٍ. وَإِنْ أَسْقَطَ بَعْضُهُمْ حَقَّهُ وَلَوْ مُفْلِسًا, وَفِي سَفِيهٍ وَجْهَانِ فَهُوَ لِلْبَاقِي "م 9" لِأَنَّهُ مِلْكُ التَّمَلُّكِ, وَفِي مِلْكِهِ بِتَمَلُّكِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَجْهَانِ "م 10" وَفِي الْبُلْغَةِ: إنْ أَعْرَضَ عَنْهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ صح, على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 9" قَوْلُهُ: "وَإِنْ2 أَسْقَطَ بَعْضُهُمْ حَقَّهُ وَلَوْ مُفْلِسًا, وَفِي سَفِيهٍ وَجْهَانِ, فَهُوَ لِلْبَاقِي", انْتَهَى.
3أحدهما: يسقط حفه وهو ظاهر كلامه في المحرر والرعايتين والحاويين وغيرهم لأنه ملك التملك3 لِأَنَّهُمْ أَطْلَقُوا السُّقُوطَ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" لَا يَسْقُطُ, وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِيه, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ فِي الْحَجَرِ.
"مَسْأَلَةٌ 10" قَوْلُهُ: "وَفِي مِلْكِهِ بِتَمَلُّكِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَجْهَانِ", انْتَهَى.
قَالَ الْقَاضِي: لَا يَمْلِكُونَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ, وَإِنَّمَا مَلَكُوا أَنْ يَتَمَلَّكُوا, وَقَالَ أَيْضًا: لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ إذَا قُسِّمَتْ بَيْنَهُمْ لَمْ يَمْلِكْ حَقَّهُ مِنْهَا إلَّا بِالِاخْتِيَارِ, وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: اخترت
__________
1 في "ر" "وخنزيره".
2 في "ص" "ولو".
3 3 ليست في "ط".(10/291)
الْأَصَحِّ, قَالَ: وَلَوْ قَالُوا اخْتَرْنَا الْقِسْمَةَ لَمْ يَسْقُطْ بِالْإِعْرَاضِ, وَإِنْ أَسْقَطَ الْكُلَّ فَهِيَ فَيْءٌ.
وَمَنْ أَعْتَقَ مِنْهَا رَقِيقًا أَوْ كَانَ يُعْتِقُ عَلَيْهِ عِتْقٌ إنْ كَانَ قَدْرَ حَقِّهِ, وَإِلَّا1 فَكَعِتْقِهِ شِقْصًا, نَصَّ عَلَيْهِ. وَفِي الْإِرْشَادِ2: لَا يُعْتِقُ, وَقِيلَ بِهِ إنْ كَانَتْ أَجْنَاسًا. وَفِي الْبُلْغَةِ فِيمَنْ يُعْتِقُ عَلَيْهِ ثَلَاثُ3 رِوَايَاتٍ, الثَّالِثَةُ مَوْقُوفٌ إنْ تَعَيَّنَ سَهْمُهُ فِي الرَّقِيقِ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا.
وَالْغَالُّ وَهُوَ مَنْ كَتَمَ مَا غَنِمَهُ يَلْزَمُ تَحْرِيقُ رَحْلِهِ وَقْتَ غُلُولِهِ إنْ كان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَمَلُّكَهَا, فَإِذَا اخْتَارَهُ مَلَكَ حَقَّهُ, قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ. "قُلْت": الصَّوَابُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ, وَأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي دُخُولِهِ إلَى مِلْكِهِ الِاخْتِيَارَ, وَاَللَّهُ أعلم.
__________
1 بعدها في الأصل "فلا".
2 ص "400".
3 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".(10/292)
حَيًّا حُرًّا مُكَلَّفًا, وَالْمُرَادُ مُلْتَزَمًا, وَذَكَرَهُ الْآدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ, وَقِيلَ: وَلَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ, وَلَا يُحَرِّقُ سِلَاحٌ وَمُصْحَفٌ وَنَفَقَةٌ وَدَابَّةٌ وَآلَتُهَا, وَالْأَصَحُّ: وَكُتُبُ عِلْمٍ, وَثِيَابُهُ الَّتِي عَلَيْهِ, وَقِيلَ: سَاتِرُ الْعَوْرَةِ فَقَطْ, وَيُضْرَبُ وَلَا يُنْفَى, نَصَّ عَلَيْهِ, وَعَنْهُ: وَيُحْرَمَ سَهْمَهُ, اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَلَمْ يَسْتَثْنِ إلَّا الْمُصْحَفَ وَالدَّابَّةَ, وَأَنَّهُ قَوْلُ أَحْمَدَ.
وَقِيلَ: يباع مصحف1 وَيُتَصَدَّقُ بِهِ, وَمَا لَمْ تُحَرِّقُهُ النَّارُ فَلَهُ, وَيُؤْخَذُ مَا غَلَّ لِلْمَغْنَمِ, فَإِنْ تَابَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَعْطَى الْإِمَامَ خُمُسَهُ وَتَصَدَّقَ بِبَقِيَّتِهِ. وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: يَأْتِي بِهِ الْإِمَامَ فَيُقَسِّمُهُ فِي مَصَالِحِ المسلمين وإن من ستر على غال أو2 أخذ ما أهدي له منها أو باعه إمامه3 أو4 حاباه فَهُوَ غَالٌّ.
وَاخْتَارَ شَيْخُنَا وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ تحريق رحل الغال من باب5 التَّعْزِيرِ لَا الْحَدِّ الْوَاجِبِ, فَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِيهِ بحسب المصلحة, وهذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط" "مصحفه".
2 في "ط" "و".
3 في النسخ و"ط" "إمام" والمثبت من الإنصاف "10/301".
4 في "ر" و"ط" "و"
5 ليست في "ط".(10/293)
أَظْهَرُ. وَقِيلَ: وَسَارِقٌ مِنْهَا كَغَالٍّ, جَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ وَأَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ سَهْمٌ أَوْ لَا.
وَإِنْ دَخَلَ قَوْمٌ أَوْ وَاحِدٌ وَلَوْ عَبْدٌ إلَى دَارِ حَرْبٍ بِلَا إذْنٍ فَغَنِيمَتُهُمْ فَيْءٍ, وَعَنْهُ: كَغَنِيمَةٍ, اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَالشَّيْخُ, وَعَنْهُ: لَهُمْ, فَعَلَى الْوُسْطَى بِسَرِقَةٍ مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ "م 11" وَفِيهِ فِي الْبُلْغَةِ بِسَرِقَةٍ وَاخْتِلَاسٍ الرِّوَايَاتُ. وَمَعْنَاهُ فِي الرَّوْضَةِ, فَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَنَعَةٌ فَالرِّوَايَتَانِ الْأُولَتَانِ, وَقِيلَ: وَالثَّالِثَةُ.
وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحٌ بِسَبْيِ زَوْجَيْنِ مَعًا وَرِقِّهِمَا, وَعَنْهُ يَنْفَسِخُ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ إنْ تَعَدَّدَ السَّابِي, وَيَنْفَسِخُ بِسَبْيِ زَوْجَةٍ, اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ, وَعَنْهُ: لَا, نَصَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِيِّ, وَقَدَّمَهُ فِي التَّبْصِرَةِ, كَزَوْجَةِ ذِمِّيٍّ, وَقِيلَ: أَوْ زَوْجٍ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ.
وَهَلْ تُتَنَجَّزُ أَوْ تَقِفُ عَلَى فَوْتِ إسْلَامِهِمَا فِي الْعِدَّةِ؟ في البلغة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 11" قَوْلُهُ "وَإِنْ دَخَلَ قَوْمٌ أَوْ وَاحِدٌ وَلَوْ عَبْدٌ دَارَ حَرْبِ بِلَا إذْنٍ فَغَنِيمَتُهُمْ فَيْءٍ, وَعَنْهُ: هِيَ كَغَنِيمَةٍ, اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَالشَّيْخُ, وَعَنْهُ: لَهُمْ, فَعَلَى الْوُسْطَى1 "فِيمَا أَخَذُوهُ" بِسَرِقَةٍ مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ", انْتَهَى.
ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ فِي الْمُغْنِي2 وَالشَّارِحُ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ غَنِيمَةٌ. بَلْ هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي كَلَامِهِمْ, وَهُوَ الصَّوَابُ.
فَهَذِهِ إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي هَذَا الباب والله أعلم.
__________
1 بعدها في "ط" "فيما أخذوه".
2 "13/167"(10/294)
الْوَجْهَانِ, وَلَيْسَ بَيْعُ الزَّوْجَيْنِ الْقِنَّيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا طَلَاقًا نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ, لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْبَائِعِ, قَالَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَبَرُ بَرِيرَةَ1 لَا حُجَّةَ فِيهِ, لِأَنَّهُ قَبْلَ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24] وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَخْفَ عَلَى ابْنِ عباس, وهو رواه2, فَكَيْفَ هَذَا إلَّا وَالْآيَةُ بَعْدَ خَبَرِ بَرِيرَةَ, قيل له: فما يرد هذا؟ قَالَ: فِعْلُ الْأَكَابِرِ مِثْلِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ. وَقَالَ: أَذْهَبُ إلَى خَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهَا فِي الْمُشْرِكَاتِ3, وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: يَكُونُ بَيْعُهَا طَلَاقًا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ4, قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ, وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد فِيمَنْ اشْتَرَى أَمَةً فَقَالَتْ لِي زَوْجٌ: هِيَ عَلَيْك حَرَامٌ, وللسيد بيعهما وبيع أحدهما نقله حنبل والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه الطبري في تفسير "5/3 – 4".
2 في "ط" "رواية" وقد أخرج الطبري في تفسيره "5/1" عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في تفسير الآية كل ذات زوج إتيانها زنى إلا ما سبيت.
3 أخرج مسلم في صحيحه "1456" "33" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن ارسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين بعث جيشا إلى أوطاس فلقوا عدوا فقاتلوهم فظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا فكأن ناسا مِنْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين فأنزل الله عز وجل في ذلك {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24]
4 بعدها في "ر" "أو".(10/295)
باب حكم الأرضين المغنومة
مدخل
...
باب حكم الأرضين المغنومة
مَا أُخِذَ عَنْوَةً بِالسَّيْفِ فَعَنْهُ: يَصِيرُ وَقْفًا وَيَكُونُ أَرْضَ عُشْرٍ, وَعَنْهُ: يُقَسَّمُ كَمَنْقُولٍ, وَلَا يُعْتَبَرُ لَفْظٌ, وَالْمَذْهَبُ: لِلْإِمَامِ قَسْمُهَا, فَلَا خَرَاجَ, بَلْ أَرْضُ عُشْرٍ, وَوَقَفَهَا لَفْظًا. وَفِي الْمُغْنِي1: أَوْ يَتْرُكُهَا لِلْمُسْلِمِينَ بِخَرَاجٍ مُسْتَمِرٍّ يُؤْخَذُ مِمَّنْ تُقِرُّ مَعَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ كَأُجْرَةٍ, و2يلزم الْإِمَامَ فِعْلُ الْأَصْلَحِ, كَالتَّخْيِيرِ فِي الْأُسَارَى.
وَفِي الْمُجَرَّدِ: أَوْ يُمَلِّكُهَا لِأَهْلِهَا أَوْ غَيْرِهِمْ بِخَرَاجٍ, فَدَلَّ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ لَوْ مَلَّكَهَا بِغَيْرِ خَرَاجٍ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَكَّةَ لَمْ يَجُزْ, وَقَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ3: لِأَنَّهَا مَسْجِدٌ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ, وَهِيَ مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ, بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْبُلْدَانِ, وَلَمَّا قَالَ "ش" فُتِحَتْ مَكَّةُ صُلْحًا قَالَ: سَبَقَ لَهُمْ أَمَانٌ, فَمِنْهُمْ مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ لَهُمْ عَلَى شَيْءٍ, وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُسْلَمْ.
وَقِيلَ: الْأَمَانُ بِإِلْقَاءِ السِّلَاحِ وَدُخُولِ دَارِهِ, فَكَيْفَ يُغْنِمُ مَالُ مُسْلِمٍ أَوْ مَالُ مَنْ بُذِلَ لَهُ الْأَمَانُ؟ قَالَ فِي الْمُغْنِي: فَمَا فَعَلَهُ الْإِمَامُ مِنْ وَقْفٍ وَقِسْمَةٍ لَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ وَفِيهِ4 فِي الْبَيْعِ: إنْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ حَاكِمٌ صَحَّ بِحُكْمِهِ كَالْمُخْتَلِفَاتِ, وَكَذَا بَيْعُ إمَامٍ لِمَصْلَحَةٍ, لِأَنَّ فعله كالحكم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "4/189 – 190".
2 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
3 في "الأموال" "159".
4 أي: في المغني "4/195".(10/296)
وَمَا أُخِذَ لِذَهَابِ أَهْلِهَا خَوْفًا مِنَّا أَوْ صَالَحُونَا عَلَى أَنَّهَا لَنَا وَنَقِرُّهَا مَعَهُمْ بِالْخَرَاجِ فَدَارُ إسْلَامٍ, فَتَجِبُ الْجِزْيَةُ وَنَحْوُهَا, وَتَصِيرُ وَقْفًا, وَعَنْهُ: بِوَقْفِ الْإِمَامِ, فَقِبَلَهُ كَفَيْءٍ مَنْقُولٍ. وَإِنْ صَالَحْنَاهُمْ عَلَى أَنَّهَا لَهُمْ وَلَنَا الْخَرَاجُ عَنْهَا فَدَارُ عَهْدٍ, وَهِيَ مِلْكُهُمْ, وَقِيلَ: يُمْنَعُ إحْدَاثُ كَنِيسَةٍ وَبِيعَةٍ.
وَفِي التَّرْغِيبِ: إنْ أَسْلَمَ بَعْضُهُمْ أَوْ بَاعُوا الْمُنْكَرَ مِنْ مُسْلِمٍ مُنِعُوا إظْهَارَهُ, وَخَرَاجُهُمَا كَجِزْيَةٍ يَسْقُطُ إنْ أَسْلَمُوا أَوْ صَارَتْ لِمُسْلِمٍ, وَقِيلَ: أَوْ ذِمِّيٍّ, وَعَنْهُ: لَا يَسْقُطُ, نَقَلَهَا حَنْبَلٌ, لِتَعَلُّقِهِ بِالْأَرْضِ, كَالْخَرَاجِ الَّذِي ضَرَبَهُ عُمَرُ1, وَكَذَا فِي التَّرْغِيبِ, وَذَكَرَ فِيمَا صَالَحْنَاهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَنَا وَنُقِرُّهُ مَعَهُمْ بِخَرَاجٍ: لَا يسقط خراجه بإسلام وعنه: بلى, كجزية.
وَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ, فَيَزِيدُ وَيُنْقِصُ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ, قَالَ الْخَلَّالُ: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ. وَعَنْهُ: إلَّا أَنَّ جِزْيَةَ أَهْلِ الْيَمَنِ دِينَارٌ, اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ, وَعَنْهُ: يُعْمَلُ بِمَا وَظَّفَهُ عُمَرُ2, وَعَنْهُ: لَهُ الزِّيَادَةُ فِيهِ, وَعَنْهُ: جَوَازُهُمَا فِي الْخَرَاجِ خَاصَّةً, اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَقَالَ: نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ, قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ بَيِّنٌ فِي حَدِيثِ عُمَرَ: إنْ زِدْت عَلَيْهِمْ كَذَا فَلَا تُجْهِدْهُمْ3, إنَّمَا أَرَادَ عُمَرُ مَا تُطِيقُ الْأَرْضُ.
وَفِي الْوَاضِحِ رِوَايَةٌ فِي جِزْيَةٍ: يَجُوزُ النَّقْصُ فَقَطْ والخراج على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه أبو عبيد في الأموال "146".
2 أخرجه أبو عبيد في الأموال "154".
3 أخرجه أبو عبيد في الأموال "181".(10/297)
ماله ماء1 يَسْقِي, وَإِنْ لَمْ يَزْرَعْ, وَعَنْهُ أَوْ أَمْكَنَ زَرْعُهُ بِمَاءِ السَّمَاءِ, قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَوْ2 الدَّوَالِيبِ, وَإِنْ أَمْكَنَ إحْيَاؤُهُ فَلَمْ يَفْعَلْ وَقِيلَ: أَوْ زَرَعَ مَا لَا مَاءَ لَهُ فَرِوَايَتَانِ "م 1" وَفِي الْوَاضِحِ رِوَايَتَانِ فِيمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مُطْلَقًا.
وَفِي الْمُحَرَّرِ: مَا زَرَعَ عَامًا وَأُرِيحَ آخَرَ عَادَةً فَنِصْفُ خَرَاجٍ. وَفِي الْمُذْهَبِ مِثْلُهُ إنْ لَمْ يُمْكِنْ زَرْعُهُ إلَّا كَذَا. وَفِي التَّرْغِيبِ كَالْمُحَرَّرِ, وَفِيهِ: يُؤْخَذُ خَرَاجُ مَا لَمْ يُزْرَعْ, عَنْ أَقَلِّ مَا يَزْرَعُ, وَأَنَّ الْبَيَاضَ بَيْنَ النَّخْلِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا خَرَاجُهَا, وَهَذِهِ فِي التَّبْصِرَةِ, قَالَ شَيْخُنَا: وَلَوْ يَبِسَتْ الْكُرُومُ بِجَرَادٍ أَوْ غَيْرِهِ سَقَطَ مِنْ الْخَرَاجِ حَسْبَمَا تَعَطَّلَ مِنْ النَّفْعِ, قَالَ: وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ النَّفْعُ بِهِ بِبَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ عِمَارَةٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ تَجُزْ الْمُطَالَبَةُ بِالْخَرَاجِ. وَمَنْ عَجَزَ عَنْ عِمَارَتِهَا أُجْبِرَ عَلَى إجَارَتِهَا أو رفع يده.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ: 1: قَوْلُهُ: إنْ أَمْكَنَ إحْيَاؤُهُ فَلَمْ يَفْعَلْ وَقِيلَ: أَوْ زَرَعَ مَا لَا مَاءَ لَهُ فَرِوَايَتَانِ. انْتَهَى.
إحْدَاهُمَا: لَا خَرَاجَ عَلَيْهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي3 وَالْكَافِي4 وَالشَّرْحِ5 وَالرِّعَايَةِ وغيرهم.
6والرواية الثانية: عليه الخراج6.
__________
1 في "ط" "ما".
2 في النسخ "و" والمثبت من "ط".
3 لم نجدها في مظانها.
4 "5/556".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/320".
6 6ليست في "ط" والمثبت من النسخ الخطية.(10/298)
وَالْخَرَاجُ كَدَيْنٍ. قَالَ 1الْإِمَامُ أَحْمَدُ1: يُؤَدِّيه ثُمَّ يُزَكِّي, وَلِلْإِمَامِ وَضْعُهُ عَمَّنْ لَهُ دَفْعُهُ إلَيْهِ, وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَدْعُ خَرَاجًا, وَلَوْ تَرَكَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ هَذَا, فَأَمَّا مَنْ دُونَهُ فَلَا, وَإِنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ الْعُشْرِ أَوْ تَرَكَهُ الْخَارِصُ تَصَدَّقَ بِقَدْرِهِ.
وَلَهُ رَشْوُ الْعَامِلِ وَالْهَدِيَّةُ لِدَفْعِ الظُّلْمِ فَقَطْ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَانِعَ مَنْ قَدْ اُسْتُحْلِفَ بِالْأَيْمَانِ الْمُغَلَّظَةِ, فَإِنَّهُ إنْ صَانَعَهُمْ أَحْنَثَهُمْ, وَالْأَخْذُ حَرَامٌ. وَالرِّشْوَةُ مَا أَعْطَاهُ بَعْدَ طَلَبِهِ, وَالْهَدِيَّةُ ابْتِدَاءً, قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ, وَهَلْ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ؟ يأتي في هدية القاضي2 "م 2".
وَلَا يُحْتَسَبُ بِمَا ظُلِمَ فِي خَرَاجِهِ مِنْ عُشْرٍ, قَالَ أَحْمَدُ: لِأَنَّهُ غَصْبٌ, وَعَنْهُ: بَلَى, اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ "وَمَا فِيهَا شَجَرٌ وَقْتَ الْوَقْفِ ثَمَرُهُ الْمُسْتَقْبَلُ كَمُجَدِّدٍ فِيهِ عُشْرُ الزَّكَاةِ مَعَ خَرَاجٍ, وَقِيلَ هِيَ لِلْمُسْلِمِينَ بِلَا عُشْرٍ جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ", وَلَا خَرَاجَ عَلَى الْمَسَاكِنِ, وَكَانَ أَحْمَدُ يَخْرُجُ عَنْ دَارِهِ, لِأَنَّ بغداد كانت مزارع وقت3 فتحت ومكة فتحت عنوة "وهـ م" فيحرم بيعها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 2 " قَوْلُهُ "وَهَلْ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ؟ يَأْتِي فِي هَدِيَّةِ الْقَاضِي", انْتَهَى.
"قُلْت": قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ أَدَبِ الْقَاضِي: وَيَحْرُمُ قَبُولُهُ رِشْوَةً وَكَذَا هَدِيَّةً, فَإِنْ قَبِلَ فَقِيلَ: يُؤْخَذُ لِبَيْتِ الْمَالِ, لِخَبَرِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ4, وَقِيلَ: تُرَدُّ, كَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ, وَقِيلَ: تُمْلَكُ بِتَعْجِيلِهِ الْمُكَافَأَةِ. انْتَهَى, فَأَطْلَقَ الخلاف أيضا, ويأتي تحرير ذلك هناك
__________
1 1 ليست في الأصل.
2 "11/139".
3 في "ط" "وقد".
4 أخرجه البخاري "7174" ومسلم "1832" "26" عن أبي حميد الساعدي.(10/299)
وإجارتها "وهـ م" كَبِقَاعِ الْمَنَاسِكِ, وَجَوَّزَهُمَا الشَّيْخُ, وَاخْتَارَ شَيْخُنَا الْبَيْعَ فَقَطْ, وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهَدْيِ فِيهِ; لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَحَقَّ التَّقَدُّمَ عَلَى غَيْرِهِ بِهَذِهِ الْمَنْفَعَةِ, وَاخْتَصَّ بِهَا لَسَبْقِهِ وَحَاجَتِهِ, فَهِيَ كَالرِّحَابِ وَالطُّرُقِ الْوَاسِعَةِ.
وَالْإِقَامَةِ عَلَى الْمَعَادِنِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَنَافِعِ وَالْأَعْيَانِ الْمُشْتَرَكَةِ الَّتِي1 مَنْ سَبَقَ إلَيْهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا دَامَ يَنْتَفِعُ, وَلَا يَمْلِكُ الْمُعَاوَضَةَ, وَإِنَّمَا جَازَ الْبَيْعُ لِوُرُودِهِ عَلَى الْمَحِلِّ الذي كان البائع أخص2 بِهِ مِنْ غَيْرِهِ, وَهُوَ الْبِنَاءُ, وَإِنَّمَا تُرَدُّ الْإِجَارَةُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ, وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ وَلَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ, وَعَنْهُ: يَجُوزُ3 الشِّرَاءُ لِحَاجَةٍ, وَإِنْ سَكَنَ بِأُجْرَةٍ فَعَنْهُ: لَا يَأْثَمُ بِدَفْعِهَا, جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ, وَعَنْهُ: إنْكَارُ عَدَمِهِ, جزم به القاضي "م 3" لالتزامه,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا ترد.
"مَسْأَلَةٌ 3" قَوْلُهُ: "وَإِنْ سَكَنَ فِيهَا بِأُجْرَةٍ "فَعَنْهُ" لَا يَأْثَمُ بِدَفْعِهَا, جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ, وَعَنْهُ: إنْكَارُ عَدَمِهِ, جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي", انْتَهَى.
مَا قَالَهُ الشَّيْخُ هُوَ الصَّحِيحُ, وَقَطَعَ بِهِ الشَّارِحُ أَيْضًا, وَمَا قَالَهُ الْقَاضِي لَمْ أَطَّلِعْ عَلَى
__________
1 في الأصل "الذي".
2 في "ط" "اختص".
3 ليست في الأصل.(10/300)
قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَخْذُهُ, وَيَتَوَجَّهُ مثله فيمن عامل بعينة1 ونحوها في الزيادة عن رأس ماله, و2قَالَ شَيْخُنَا: هِيَ سَاقِطَةٌ يَحْرُمُ بَذْلُهَا وَمَنْ عِنْدَهُ فَضْلٌ تَرَكَ فِيهِ, لِوُجُوبِ بَذْلِهِ, وَإِلَّا حُرِّمَ, نَصَّ عَلَيْهِ, نَقَلَ حَنْبَلٌ وَغَيْرُهُ "سَوَاءٌ الْعَاكِفُ فِيهِ وَالَبَّادِ" وَأَنَّ مِثْلَهُ السَّوَادُ, كُلُّ عنوة, وعنه: صلحا "وش" فيجوزان "وش".
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَقِيلَ قَدْ يَحْلِفُ3 عَلَى فَتْحِهَا عنوة أو صلحا فيفتيه بما صح عنده4, وَيَتَوَجَّهُ مِنْ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: لَا حِنْثَ لِلشَّكِّ. وَلَا خَرَاجَ عَلَى مَزَارِعِهَا لِأَنَّهُ جِزْيَةُ الْأَرْضِ. وَفِي الِانْتِصَارِ عَلَى الْأَوْلَى: بَلَى "خ" كَسَائِرِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: لَا أَعْلَمُ مَنْ أَجَازَ ضَرْبَ الْخَرَاجِ عَلَيْهَا سِوَاهُ, لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَضْرِبْ عَلَيْهَا شَيْئًا5 وَالْحَرَمُ كَمَكَّةَ, نَصَّ عَلَيْهِ,
وَعَنْهُ: لَهُ الْبِنَاءُ وَالِانْفِرَادُ بِهِ, وَيُكْرَهُ أَخْذُ أَرْضٍ خراجية, 6نص عليه6
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَنْ اخْتَارَهُ, وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ فِي هَذِهِ الأعصر.
__________
1 في "ر" "بعينه".
2 ليست في "ط".
3 في "ط" "يحل".
4 في "ط" "عنه".
5 تقدم تخريجه في الورقة "296".
6 6ليست في "ر".(10/301)
"وم", لِأَجْلِهِ وَقِيلَ لِلْحَوَادِثِ, سَبَقَ كَلَامُ الْقَاضِي فِي السَّابِعِ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ1 وَقَالَ أَبُو دَاوُد2 "بَابُ الدُّخُولِ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ" حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَكَّارٍ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى يَعْنِي ابْنَ سُمَيْعٍ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَاقِدٍ حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: "مَنْ عَقَدَ الْجِزْيَةَ فِي عُنُقِهِ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" , إسْنَادٌ جَيِّدٌ.
حَدَّثَنَا3 حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ الْحَضْرَمِيُّ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ أَخْبَرَنِي عُمَارَةُ بْنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ حَدَّثَنِي سِنَانُ بْنُ قَيْسٍ حَدَّثَنِي شَبِيبُ بْنُ نُعَيْمٍ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ خُمَيْرٍ حَدَّثَنِي أَبُو الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَخَذَ أَرْضًا بِجِزْيَتِهَا فَقَدْ اسْتَقَالَ هِجْرَتَهُ, وَمَنْ نَزَعَ صَغَارَ كَافِرٍ مِنْ عُنُقِهِ فَجَعَلَهُ فِي عُنُقِهِ فَقَدْ وَلَّى الْإِسْلَامَ ظَهْرَهُ" قَالَ: فَسَمِعَ مِنِّي خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ لِي: أَشُبَيْبٌ حَدَّثَك؟ قُلْت: نَعَمْ, قَالَ: فَإِذَا قَدِمْت فَسَلْهُ. فَلِيَكْتُبْ إلَيَّ بِالْحَدِيثِ, قَالَ: فَكَتَبَهُ لَهُ, فَلَمَّا قَدِمْت سَأَلَنِي خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ الْقِرْطَاسَ فَأَعْطَيْته, فَلَمَّا قَرَأَهُ تَرَكَ مَا فِي يَدَيْهِ مِنْ الْأَرَضِينَ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ, عُمَارَةُ مَجْهُولٌ, تَفَرَّدَ عَنْهُ بَقِيَّةَ.
وَفِي جَوَازِ تَفْرِقَةِ الْخَرَاجِ لِرَبِّهَا روايتان "م 4"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 4" قَوْلُهُ "وَفِي جَوَازِ تَفْرِقَةِ الْخَرَاجِ لِرَبِّهَا رِوَايَتَانِ", انْتَهَى.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ فِي التَّمَامِ: اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ هَلْ يَجُوزُ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَتَوَلَّى تَفْرِقَةَ الْخَرَاجِ بِنَفْسِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ المنصوص منها يجوز ذلك, انتهى.
__________
1 "6/166".
2 في سننه في ترجمة الحديث "3081".
3 يعني أبا دود في سننه "3082".(10/302)
وَمَصْرِفُ خَرَاجٍ كَفَيْءٍ, وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ بِالْمَنْعِ, لِافْتِقَارِهِ إلَى اجْتِهَادٍ, لِعَدَمِ تَعْيِينِ مَصْرِفِهِ, وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ وَالْغَنِيمَةَ1 لِمَصَالِحِ الْمَمْلَكَةِ, لِأَنَّ بِهَا يَجْتَمِعُ الْجُنْدُ عَلَى بَابِ السُّلْطَانِ, فَيُنَفِّذُ أَوَامِرَ الشَّرْعِ, وَيَحْمِي الْبَيْضَةَ, وَيَمْنَعُ الْقَوِيَّ مِنْ الضعيف, فلو فرقه غيره تفرقوا و2زَالَتْ حِشْمَتُهُ وَطَمِعَ فِيهِ, فَجَرَّ ذَلِكَ إلَى الْفَسَادِ وَالْكُلَفِ3 الَّتِي تُطْلَبُ مِنْ الْبُلْدَانِ بِحَقٍّ أو غيره, يحرم توفير بَعْضِهِمْ, وَجَعْلُ قِسْطِهِ عَلَى غَيْرِهِ, وَمَنْ قَامَ فِيهَا بِنِيَّةِ الْعَدْلِ وَتَقْلِيلِ الظُّلْمِ مَهْمَا أَمْكَنَ لِلَّهِ فَكَالْمُجَاهَدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. ذَكَرَهُ شَيْخُنَا.
قَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ فِي كِتَابِ الدِّيوَانِ: يَعْمَلُ بِمَا وَثَّقَ بِهِ مِنْ خَطِّ أُمَنَاءِ الْكُتَّابِ فِي الرُّسُومِ وَالْحُقُوقِ, لِأَنَّهُ الْعُرْفُ الْمَعْهُودُ, وَيَعْمَلُ فِي اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ مِمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِ الْعَامِلِ يَقْبِضُهُ, وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الدَّوَاوِينُ أَوْ بِخَطِّهِ الْمَعْرُوفِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ إنْ أَقَرَّ به
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"قُلْت": الصَّوَابُ عَدَمُ الْجَوَازِ لَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ, وَكَلَامُهُمْ فِي كَوْنِ الْقَاضِي يَلِي جِبَايَتَهُ أَوْ لَا يَلِيهَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 4وَمِمَّا يُقَوِّي ذَلِكَ مَا قَطَعَ بِهِ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ, كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَتْنِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْأَلَةِ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ أَدْخَلَ أَنَّ مَصْرِفَ الْخَرَاجِ كَالْفَيْءِ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ, وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ, مَصْرِفَ الْخَرَاجِ كَالْفَيْءِ, مَحِلُّهَا قَبْلَ قَوْلِهِ "وَهُوَ جَوَازُ تَفْرِقَةِ الْخَرَاجِ لربها روايتان" وهو واضح4.
__________
1 في "ر" "القسمة".
2 في "ط" "أو".
3 جمع كلفة وهي المشقة.
4 4 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".(10/303)
وَأَنْكَرَ قَبْضَهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ, وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ: لَا, وَيَعْمَلُ فِي اسْتِيفَائِهِ مِنْ الْعَامِلِ إنْ كَانَتْ خَرَاجًا إلَى بَيْتِ الْمَالِ بِإِقْرَارِ صاحب بيت المال "وأما خطه1 فَكَمَا تَقَدَّمَ, وَإِنْ كَانَتْ خَرَاجًا فِي حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ" فَبِتَوْقِيعِ وَلِيِّ الْأَمْرِ, وَهُوَ حُجَّةٌ لِلْعَامِلِ فِي جَوَازِ الدَّفْعِ فَأَمَّا فِي الِاحْتِسَابِ بِهِ لَهُ فَاحْتِمَالَانِ فَإِنْ شَكَّ كَاتِبُ الدِّيوَانِ فِي التَّوْقِيعِ عَرَضَهُ عَلَى الْمُوَقِّعِ, فَإِنْ أَنْكَرَهُ لَمْ يَحْتَسِبْ بِهِ لِلْعَامِلِ, ثُمَّ إنْ أَمْكَنَ الْعَامِلُ أَنْ يَرْجِعَ رَجَعَ, وَإِنْ لَمْ يُمَكِّنْهُ فَطَلَبَ يَمِينَ الْمُوَقِّعِ, فَإِنْ أَنْكَرَ صِحَّةَ الْخَرَاجِ لَمْ يَحْلِفْ, وَإِنْ عَلِمَهُ لَمْ يَحْلِفْ فِي عُرْفِ السَّلْطَنَةِ بَلْ فِي حُكْمِ الْقَضَاءِ, وَمَنْ ادَّعَى دَفْعَ خَرَاجٍ وَنَفَقَةٍ وَاحْتَجَّ بِتَوْقِيعِ وَلِيِّ الْأَمْرِ فَكَمَا تَقَدَّمَ, وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُخْرِجَ مِنْ الْمَالِ, إلَّا مَا عَلِمَ صِحَّتَهُ, وَأَنْ لَا يَبْتَدِئَ بِهِ حَتَّى يَسْتَدْعِيَ مِنْهُ, كَالشَّهَادَةِ, وَيَتَوَجَّهُ جَوَازُ الِابْتِدَاءِ بِهِ.
وَالْمُسْتَدْعَى لِإِخْرَاجِ الْمَالِ مَنْ نَفَذَتْ تَوْقِيعَاتُهُ, فَإِذَا وَقَّعَ بِإِخْرَاجِ مَالٍ لَزِمَ الْأَخْذُ بِهِ, فَإِنْ اسْتَرَابَ الْمُوَقِّعُ بِإِخْرَاجِهِ فَلَهُ سُؤَالُ مِنْ أَيْنَ أَخْرَجَهُ, وَيُطَالِبُهُ بِإِحْضَارِ شَوَاهِدِ الدَّيْنِ بِهِ, وَإِنْ لَمْ يَجُزْ لِلْحَاكِمِ أن يسأل الشاهد عن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ: "وَهُوَ حُجَّةٌ لِلْعَامِلِ فِي جَوَازِ الدَّفْعِ, فَأَمَّا فِي الِاحْتِسَابِ بِهِ لَهُ فَاحْتِمَالَانِ"2, انْتَهَى, هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ.
3فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الباب3.
__________
1 في "ط" "حفظه".
2 في النسخ الخطية "فالاحتمالان" والمثبت من "ط".
3 3 ليست في "ط".(10/304)
سَبَبِ شَهَادَتِهِ, كَذَا قَالَ, وَالْأَشْهَرُ خِلَافُهُ, فَإِنْ أَحْضَرَهَا وَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ صِحَّتُهَا فَلَا رِيبَةَ, وَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ أَخْرَجَهَا مِنْ حِفْظِهِ لِتَقَدُّمِ عِلْمِهِ بِهَا فَقَوْلُهُ مَعْلُولٌ, وَيُخَيَّرُ الْمُوَقِّعُ فِي قَبُولِهِ مِنْهُ وَرَدِّهِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ إحْلَافُهُ والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(10/305)
باب الأمان
مدخل
...
بَابُ الْأَمَانِ
يَصِحُّ مُنْجَزًا وَمُعَلَّقًا مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ مُخْتَارٍ حَتَّى عَبْدٍ أَوْ أَسِيرٍ أَوْ أُنْثَى. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ, قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا: إذَا عَرَفَ الْمَصْلَحَةَ فِيهِ, وَذَكَر غَيْرُ وَاحِدٍ الْإِجْمَاعَ فِي الْمَرْأَةِ بِدُونِ هَذَا الشَّرْطِ. وَعَنْهُ: مُكَلَّفٌ, وَقِيلَ: يَصِحُّ لِلْأَسِيرِ مِنْ الْإِمَامِ, وَقِيلَ وَالْأَمِيرُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ إشَارَةٍ, فَقُمْ, أَوْ قِفْ, أَوْ أَلْقِ سِلَاحَك, أَمَانٌ.
كَمَا لَوْ أَمَّنَ يَدَهُ أَوْ بَعْضَهُ, أَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ, أَوْ لَا تَذْهَلْ, أَوْ لَا بَأْسَ, وَقِيلَ: كِنَايَةٌ, فَإِنْ اعْتَقَدَهُ الْكَافِرُ أَمَانًا أُلْحِقَ بِمَأْمَنِهِ وُجُوبًا, وَكَذَا نَظَائِرُهُ, قَالَ أَحْمَدُ: إذَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ غَيْرِ الْأَمَانِ فَظَنَّهُ أَمَانًا فَهُوَ أَمَانٌ, وَكُلُّ شَيْءٍ يَرَى الْعِلْجُ أَنَّهُ أَمَانٌ فَهُوَ أَمَانٌ, وَقَالَ: إذَا اشْتَرَاهُ لِيَقْتُلَهُ فَلَا يَقْتُلُهُ, لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ فَقَدْ آمَنَهُ.
وَيَصِحُّ مِنْ الْإِمَامِ لِلْكُلِّ, وَمِنْ الْأَمِيرِ لِمَنْ جُعِلَ بِإِزَائِهِ, وَمِنْ غَيْرِهِمَا لِقَافِلَةٍ فَأَقَلُّ, قِيلَ: لِقَافِلَةٍ صَغِيرَةٍ وحصن صغير, وأطلق في الروضة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(10/306)
لِحِصْنٍ أَوْ بَلَدٍ, وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ اسْتِحْبَابًا أَنْ لَا يُجَارَ عَلَى الْأَمِيرِ إلَّا بِإِذْنِهِ, وَقِيلَ لِمِائَةٍ "م 1".
وَيُقْبَلُ مِنْ عَدْلٍ: إنِّي أَمَّنْته, في الأصح, كإخبارهما أنهما أَمَّنَاهُ, كَالْمُرْضِعَةِ عَلَى فِعْلِهَا, وَعِنْدَ الْآجُرِّيِّ يَصِحُّ لِأَهْلِ الْحِصْنِ وَلَوْ هَمُّوا بِفَتْحِهِ مِنْ عَبْدٍ أو امرأة أو أسير عندهم: يروى مع عُمَرَ1, وَأَنَّهُ قَوْلُ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ. سَأَلَهُ أَبُو دَاوُد: لَوْ أَنَّ أَسِيرًا فِي عَمُورِيَّةَ نَزَلَ بِهِمْ الْمُسْلِمُونَ فَأَمَّنَ الْأَسِيرُ أَهْلَ الْقَرْيَةِ: قَالَ يَرْحَلُونَ عَنْهُمْ.
وَيَحْرُمُ الْأَمَانُ لِلْقَتْلِ وَالرِّقِّ, قَالَهُ الأصحاب: وفي الترغيب: ويحتمل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 1" قَوْلُهُ "وَمِنْ غَيْرِهِمَا لِقَافِلَةٍ فَأَقَلُّ, قِيلَ: لقافلة صغيرة وحصن صغير, وأطلق في الروضة لِحِصْنٍ أَوْ بَلَدٍ, وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ اسْتِحْبَابًا أَنْ لَا يُجَارَ عَلَى الْأَمِيرِ إلَّا بِإِذْنِهِ, وَقِيلَ: لمائة", انتهى.
أُطْلِقَ الْخِلَافُ فِي مِقْدَارِ الْقَافِلَةِ وَالْحِصْنِ, هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَا صَغِيرَيْنِ عُرْفًا أَوْ مِائَةً.
"الْقَوْلُ الْأَوَّلُ" هُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي2 وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ3 وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ, لِإِطْلَاقِهِمْ الْقَافِلَةَ, وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ, وَهُوَ الصَّوَابُ.
"وَالْقَوْلُ الثَّانِي" وَهُوَ اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْقَافِلَةِ أَوْ الْحِصْنِ مِائَةً فأقل اختاره ابن البناء.
__________
1 أخرجه سعيد بن منصور في سننه "2/233".
2 "13/77".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/346".(10/307)
أَنْ لَا يَصِحَّ أَمَانُ امْرَأَةٍ عَنْ الرِّقِّ. قَالَ: وَيُشْتَرَطُ لِلْأَمَانِ عَدَمُ الضَّرَرِ عَلَيْنَا, وَأَنْ لَا تَزِيدَ مُدَّتُهُ عَلَى عَشْرِ سِنِينَ, وَفِي جواز إقامتهم بدارنا هذه المدة بلا جزية وجهان.
وَإِذَا أَمَّنَهُ سَرَى إلَى مَا مَعَهُ مِنْ أَهْلٍ وَمَالٍ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ: أَمَّنْتُك نَفْسَك فَقَطْ.
وَمَنْ جَاءَ بِأَسِيرٍ فَادَّعَى أَنَّهُ أَمَّنَهُ قَبْلَ قَوْلِ الْمُنْكَرِ, وَعَنْهُ: الْأَسِيرُ, وَعَنْهُ: يُعْمَلُ بِظَاهِرِ الْحَالِ, وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ أَعْلَاجٌ اسْتَقْبَلُوا سَرِيَّةً دَخَلَتْ بَلَدَ الرُّومِ فَقَالُوا: جِئْنَا مُسْتَأْمَنِينَ, قَالَ في رواية أبي داود: إن استدل عليهم1 بِشَيْءٍ, قُلْت: وَقَفُوا فَلَمْ يَبْرَحُوا وَلَمْ يُجَدِّدُوا بسلاحا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ: "قَالَ فِي التَّرْغِيبِ يُشْتَرَطُ لِلْأَمَانِ عَدَمُ الضَّرَرِ عَلَيْنَا, وَأَنْ لَا تَزِيدَ مُدَّتُهُ عَلَى عَشْرِ سِنِينَ, وَفِي جَوَازِ إقَامَتِهِمْ بِدَارِنَا هَذِهِ الْمُدَّةَ بِلَا جِزْيَةَ وَجْهَانِ", انْتَهَى.
الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ صَاحِبِ التَّرْغِيبِ, بَلْ هُوَ الصَّوَابُ, لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَسْطُرٍ: وَيُعْقَدُ لِرَسُولٍ وَمُسْتَأْمَنٍ وَلَا جِزْيَةَ مُدَّةَ الْأَمَانِ2, نَصَّ عَلَيْهِ, وَقِيلَ: "بَلَى إنْ أَقَامَ سَنَةً, وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا" انْتَهَى.
وَلَعَلَّ صَاحِبَ التَّرْغِيبِ خَصَّ ذَلِكَ بِعَشْرِ سِنِينَ, وَعَلَى كُلِّ حَالٍ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ, اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُقْنِعِ3 وَغَيْرِهِ, وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وغيرهما.
__________
1 ليست في "ط".
2 في "ط" "الأمن".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/356".(10/308)
فَرَأَى لَهُمْ الْأَمَانَ.
وَمَنْ أَسْلَمَ فِي حِصْنٍ أَوْ فَتَحَهُ بِأَمَانٍ وَاشْتَبَهَ حُرِّمَ قَتْلُهُمْ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَرِقُّهُمْ. وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ وَصَاحِبِ التَّبْصِرَةِ: يَخْرُجُ وَاحِدٌ بِقُرْعَةٍ وَيُرَقُّ الْبَاقِي, وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُ الْمَسْأَلَةِ لَوْ نَسِيَ أَوْ اشْتَبَهَ مَنْ لَزِمَهُ قَوَدٌ فَلَا قَوَدَ, وَفِي الدِّيَةِ بِقُرْعَةٍ الْخِلَافُ. وَيُعْقَدُ لِرَسُولٍ وَمُسْتَأْمَنٍ, وَلَا جِزْيَةَ مُدَّةَ الْأَمَانِ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَقَالَ أَيْضًا: وَذَلِكَ إذَا أَمَّنَهُ الْإِمَامُ, وَقِيلَ: بَلَى إنْ أَقَامَ سَنَةً وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا.
وَمَنْ جَاءَنَا وَادَّعَى أَنَّهُ رَسُولٌ أَوْ تَاجِرٌ وَصَدَقْته عَادَةً قُبِلَ وَإِلَّا فَكَأَسِيرٍ, وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: إنْ لَمْ يُعْرَفْ بِتِجَارَةٍ وَلَمْ يُشْبِهْهُمْ وَمَعَهُ آلَةُ حَرْبٍ لَمْ يُقْتَلْ1 وَحُبِسَ, وَإِنْ ضَلَّ الطَّرِيقَ أَوْ حَمَلَتْهُ رِيحٌ فِي مَرْكَبٍ أَوْ شَرَدَ إلَيْنَا دَابَّةٌ فَلِمَنْ أَخَذَهُ, وَعَنْهُ: فَيْءٌ, وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: إنْ دَخَلَ قَرْيَةً وَأَخَذُوهُ فَهُوَ لِأَهْلِهَا.
وَيَحْرُمُ دُخُولُهُ إلَيْنَا بِلَا إذْنٍ, وَعَنْهُ: يَجُوزُ رَسُولًا وَتَاجِرًا, اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَفِي التَّرْغِيبِ: دُخُولُهُ لِسِفَارَةٍ أَوْ لِسَمَاعِ قُرْآنٍ أَمْنٌ بِلَا عَقْدٍ, لَا لِتِجَارَةٍ, عَلَى الْأَصَحِّ فِيهَا, بِلَا عَادَةٍ, نَقَلَ حَرْبٌ فِي غُزَاةٍ فِي الْبَحْرِ وَجَدُوا تُجَّارًا تَقْصِدُ بَعْضَ الْبِلَادِ: لَمْ يَعْرِضُوا لَهُمْ.
وَيُنْتَقَضُ الْأَمَانُ بِرِدَّةٍ وَبِالْخِيَانَةِ, وَإِنْ أَوْدَعَ أَوْ أَقْرَضَ مُسْتَأْمَنٌ مسلما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط" "يقتل".(10/309)
مَالًا أَوْ تَرَكَهُ وَعَادَ لِإِقَامَتِهِ بِدَارِ حَرْبٍ, أَوْ انْتَقَضَ عَهْدُ ذِمِّيٍّ يَبْقَى أَمَانُ مَالِهِ, وَقِيلَ: يُنْتَقَضُ وَيَصِيرُ فَيْئًا, وَعَنْهُ: فِي الذِّمِّيِّ ومتى لم ينتقض فطلبه أعطيه, فإن مات فَلِوَارِثِهِ, فَإِنْ عَدِمَ فَفَيْءٌ. وَلَوْ أُسِرَ وَاسْتُرِقَّ فَقِيلَ صَارَ فَيْئًا, وَالْأَشْهَرُ يُوقَفُ "م 2".
فَإِنْ عَتَقَ أَخَذَهُ وَإِنْ مَاتَ قِنًّا فَفَيْءٌ: وَقِيلَ: لِوَارِثِهِ, وَإِنْ أَطْلَقَ كُفَّارٌ أَسِيرَنَا بِشَرْطِ إقَامَتِهِ عِنْدَهُمْ أَبَدًا أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً أَوْ يَرْجِعُ إلَيْهِمْ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَقِيلَ: يَهْرُبُ: وَإِنْ لَمْ يَشْرُطُوا وَأَمَّنُوهُ فَلَهُ الْهَرَبُ لَا الْخِيَانَةُ, وَيَرُدُّ مَا أَخَذَ, وَإِنْ لَمْ يَأْمَنُوهُ فَلَهُ الْأَمْرَانِ, وَقَتَلَهُمْ, نَصَّ عَلَى ذَلِكَ, قَالَ أَحْمَدُ: إذَا أَطْلَقُوهُ فَقَدْ أَمَّنُوهُ, وَقَالَ: إذَا عَلِمَ أَنَّهُمْ أَمَّنُوهُ فَلَا. "قِيلَ لَهُ: إنَّهُ مُطْلَقٌ, قَالَ: قَدْ يَكُونُ يُطْلَقُ وَلَا يَأْمَنُونَهُ, إذَا عَلِمَ أَنَّهُمْ أَمَّنُوهُ فَلَا" يَقْتُلُ. وَقِيلَ لَهُ أَيْضًا: الْأَسِيرُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْتُلَ مِنْهُمْ يَجِدُ غَفْلَةً, قَالَ: إنْ لَمْ يَخَفْ أَنْ يفطنوا به.
وقيل له: يَسْرِقُ مِمَّنْ حُبِسَ مَعَهُ؟ قَالَ: إذَا كَانُوا يَأْمَنُونَهُ فَلَا, وَإِنْ شَرَطُوا مَالًا بِاخْتِيَارِهِ بَعَثَهُ, فَإِنْ عَجَزَ لَزِمَهُ الْعُودُ, نَصَّ عَلَيْهِمَا. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ, كَامْرَأَةٍ لِخَوْفِ فِتْنَتِهَا. فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ أَنَّهُ يبدأ بفداء جاهل, للخوف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 2" قَوْلُهُ: وَمَتَى لَمْ يُنْتَقَضْ فَطَلَبَهُ أُعْطِيَهُ, فَإِنْ مَاتَ فَلِوَارِثِهِ, فَإِنْ عَدِمَ فَفَيْءٌ وَلَوْ أُسِرَ وَاسْتُرِقَّ فَقِيلَ صَارَ فَيْئًا, وَالْأَشْهَرُ يُوقَفُ, انْتَهَى.
الْأَشْهَرُ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ, اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ, وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ, وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ. فَهَاتَانِ مَسْأَلَتَانِ في هذا الباب.(10/310)
عَلَيْهِ, وَيَتَوَجَّهُ عَالِمٌ لِشَرَفِهِ وَحَاجَتِنَا إلَيْهِ وَكَثْرَةِ الضَّرَرِ بِفِتْنَتِهِ. وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ عَنْ "ش" وَأَحْمَدَ: إنْ صَالَحَهُمْ عَلَى مَالٍ مُخْتَارًا يَنْبَغِي أَنْ يَفِيَ لَهُمْ بِهِ, قَالَ أَحْمَدُ: لَوْ قَالَ الْأَسِيرُ لِعِلْجٍ أَخْرِجْنِي إلَى بِلَادِي وَأُعْطِيك كَذَا, وَفَى لَهُ.
"وَلَوْ جَاءَ" الْعِلْجُ بِأَسِيرٍ عَلَى أَنْ يُفَادِيَ بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَجِدْ قَالَ: يَفْدِيه الْمُسْلِمُونَ إنْ لَمْ يُفْدَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ, وَلَا يُرَدُّ. قَالَ أَحْمَدُ: وَالْخَيْلُ أَهْوَنُ مِنْ السِّلَاحِ, وَلَا يَبْعَثُ السِّلَاحَ, قَالَ: وَلَوْ خَرَجَ الْحَرْبِيُّ بِأَمَانٍ وَمَعَهُ مُسْلِمَةٌ يَطْلُبُ بِنْتَه فَلَمْ يَجِدْهَا لَمْ تُرَدَّ الْمُسْلِمَةُ مَعَهُ, وَيُرْضَى وَيُرَدُّ الرجل 1والله أعلم1.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 1 ليست في "ط".(10/311)
باب الهدنة
مدخل
...
بَابُ الْهُدْنَةِ
لَا تَصِحُّ إلَّا مِنْ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ. وَفِي التَّرْغِيبِ: لِآحَادِ الْوُلَاةِ عَقْدُهُ مَعَ أَهْلِ قَرْيَةٍ, وَلَا يَصِحُّ إلَّا حَيْثُ جَازَ تَأْخِيرُ الْجِهَادِ مُدَّةً مَعْلُومَةً لَازِمَةً, قَالَ شَيْخُنَا: وَجَائِزَةٌ, وَعَنْهُ عَشْرُ سِنِينَ, وَإِنْ زَادَ فَكَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَبِمَالٍ مِنَّا لِضَرُورَةٍ. وَفِي الْفُنُونِ: لِضَعْفِنَا مَعَ الْمَصْلَحَةِ. وَقَالَهُ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: لِحَاجَةٍ, وَكَذَا قَالَهُ أَبُو يَعْلَى فِي الْخِلَافِ فِي الْمُؤَلَّفَةِ, وَاحْتَجَّ بِعَزْمِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى بَذْلِ شَطْرِ نَخْلِ الْمَدِينَةِ1.
وَفِي الْإِرْشَادِ2 وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ وَالْمُبْهِجِ وَالْمُحَرَّرِ: يَجُوزُ مَعَ الْمَنْعِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لِقَوْلِهِ: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: 2] وَقِيلَ: دُونَ عَامٍ. وَإِنْ قَالَ هَادَنْتُكُمْ مَا شِئْنَا أَوْ شَاءَ فُلَانٌ لَمْ يَصِحَّ, فِي الْأَصَحِّ, كَقَوْلِهِ: نُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ, وَاخْتَارَ شَيْخُنَا صِحَّتَهُ أَيْضًا, وَأَنَّ مَعْنَاهُ مَا شِئْنَا, وَصِحَّتُهَا مُطْلَقَةٌ, لَكِنْ جَائِزَةٌ وَيُعْمَلُ بِالْمَصْلَحَةِ, لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِنَبْذِ الْعُهُودِ الْمُطْلَقَةِ وَإِتْمَامِ الْمُوَقَّتَةِ "هـ" إلَّا بِسَبَبٍ, وَكَذَا قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فِي الْمُوَقَّتَةِ, وَقَالَ: كَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَهُمْ عَهْدٌ لَا يُصَدُّ أَحَدٌ عَنْ الْبَيْتِ, وَلَا يَخَافُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ3, فَجَعَلَهُ اللَّهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ, لِأَنَّ الْأَمَانَ لِلْحُجَّاجِ لَمْ يَكُنْ بِعَهْدٍ, وَلِأَنَّ الْبَرَاءَةَ خَاصَّةٌ بِالْمُعَاهَدِ, وَالْمَنْعَ عَنْ الْبَيْتِ عَامٌّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "9737".
2 ص "404".
3 أخرجه البخاري في صحيحه "2731".(10/312)
وَالْقَتْلُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ حُرِّمَ فِي الْبَقَرَةِ, وَفِي نَسْخِهِ نِزَاعٌ, فَإِنْ قِيلَ نُسِخَ فَلَيْسَ فِي آيَةِ الْبَرَاءَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِهِ, وَتَحْرِيمُهُ كَانَ عَامًّا, وَلَا عَهْدَ قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ, وَلِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مِمَّنْ تَبْرَأَ إلَيْهِمْ مَنْ عَاهَدَهُ عِنْدَ الْمَسْجِدِ, وَيَحْرُمُ قِتَالُهُمْ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ وَغَيْرِهِ, فَكَيْفَ يَكُونُ مَا أَبَاحَهُ هُوَ الْقِتَالُ فِيهِ, وَأَخَذَ صَاحِبُ الْهَدْيِ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ "نُقِرّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ" 1 جَوَازَ إجْلَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ إذَا اُسْتُغْنِيَ عَنْهُمْ, وَأَجَلَاهُمْ عُمَرُ بَعْدَ مَوْتِهِ, وَإِنَّ هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ, وَإِنَّهُ قَوْلٌ قَوِيٌّ2 يَسُوغُ الْعَمَلُ بِهِ لِلْمَصْلَحَةِ, قَالَ: وَلَا يُقَالُ لَمْ يَكُنْ أَهْلُ خَيْبَرَ أَهْلَ ذِمَّةٍ, بَلْ أَهْلَ هُدْنَةٍ, لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ ذِمَّةٍ, لَكِنْ3 لَمْ يَكُنْ فَرْضُ الْجِزْيَةِ نَزَلَ.
وَقَالَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قِصَّةِ هَوَازِنَ4: فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إذَا جَعَلَا بَيْنَهُمَا أَجَلًا غَيْرَ مَحْدُودٍ جَازَ, وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْخِيَارِ, لِأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ. وَإِنْ شَرَطَ نَقْضَهَا مَتَى شَاءَ أَوْ إدْخَالَهُمْ الْحَرَمَ أَوْ إعْطَاءَ سِلَاحٍ أَوْ رَدَّ مُسْلِمٍ صَبِيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ, وَعَلَى الْأَصَحِّ: أَوْ رَدَّ مَهْرِهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ فَشَرْطٌ فَاسِدٌ, وَفِي فَسَادِ عَقْدِهَا, وَعَقْدِ ذِمَّةٍ بِهِ وَجْهَانِ "م 1 و 2".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 1 و 2" قَوْلُهُ: "وَإِنْ شَرَطَ نَقْضَهَا مَتَى شَاءَ أَوْ إدْخَالَهُمْ الْحَرَمَ أَوْ إعْطَاءَ سِلَاحٍ أَوْ رَدَّ مُسْلِمٍ صَبِيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ, وَعَلَى الأصح: أو رد مهرها5, ونحو ذلك
__________
1 أخرجه البخاري في صحيحه "2730" من حديث عمر.
2 ليست في "ط".
3 بعدها في "ط" "لو".
4 أخرجه البخاري في صحيحه "2307" من حديث مسور بن مخرمة.
5 في النسخ الخطية "مهر" والمثبت من "ط".(10/313)
وفي المبهج رواية: يرد مهر من شُرِطَ رَدُّهَا مُسْلِمَةً, وَنَصَرَ "لَا يَلْزَمُ" كَمَا لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ: ذَكَرَ ذَلِكَ آخَرَ الْجِهَادِ: فِي فَصْلِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ وَالصُّلْحِ. وَقَالَ قُبَيْلَ كِتَابِ الْجِزْيَةِ: نَقَلَ جَعْفَرٌ: الْمَرْأَةُ مِنْهُمْ تَجِيءُ إلَيْنَا الْيَوْمَ مُسْلِمَةً يُرَدُّ عَلَى زَوْجِهَا الْمَهْرُ, فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ حِينَئِذٍ, وَلَا تُرَدُّ الْمَرْأَةُ, وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَقَطَ "لَا" قَالَ شَيْخُنَا: رَدُّ الْمَالِ الَّذِي هُوَ عِوَضٌ عَنْ رَدِّ الْمَرْأَةِ المشروط1 رَدُّهَا مَنْسُوخٌ أَمَّا رَدُّهُ نَفْسُهُ فَلَا نَاسِخَ له, ولو2 لم تبق امرأة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
فَشَرْطٌ فَاسِدٌ3 "لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ" وَفِي فَسَادِ عَقْدِهَا وَعَقْدِ ذِمَّةٍ بِهِ وَجْهَانِ", انْتَهَى.
ذكر مسألتين:
"الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 1" الْهُدْنَةُ إذَا شَرَطَ فِيهَا مَا ذَكَرَ فَسَدَ الشَّرْطُ, وَهَلْ يَفْسُدُ الْعَقْدُ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ, وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي4 وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ5 وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَابْنِ رَزِينٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ, قَالَ فِي الْمُغْنِي4 وَالْهِدَايَةِ وَالشَّرْحِ5 وَشَرْحِ ابن منجى والحاوي وغيرهم: بناء على
__________
1 في "ط" "الشرط".
2 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
3 بعدها في "ط" "لا يجب الوفاء به".
4 "13/162".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/382".(10/314)
يُشْتَرَطُ رَدُّهَا فَلَا يُرَدُّ مَهْرُهَا لِعَدَمِ سَبَبِهِ فإن وجد سببه و1هُوَ إفْسَادُ النِّكَاحِ فَالْآيَةُ دَلَّتْ عَلَيْهِ وَلَمْ يَفْسَخْ2, وَفِي لُزُومِ, مُسْلِمٍ تَزَوَّجَهَا رَدُّ مَهْرِهَا الَّذِي كَانَ دَفَعَهُ إلَيْهَا زَوْجٌ كَافِرٌ3 إلَيْهِ روايتان وَلَمْ يَسْتَدِلَّ بِشَيْءٍ. وَقَدَّمَ فِي الِانْتِصَارِ رَدَّ الْمَهْرِ مُطْلَقًا إنْ جَاءَ بَعْدَ الْعِدَّةِ, وَإِلَّا رُدَّتْ إلَيْهِ, ثُمَّ ادَّعَى نَسْخَهُ, وَأَنَّ نَصَّ أَحْمَدَ: لَا يَرُدُّهُ. وَيَجُوزُ شَرْطُ رَدِّ رَجُلٍ مُسْلِمٍ لِحَاجَةٍ, وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْهُمْ, وَلَا يَجْبُرُهُ, وَيَأْمُرهُ سِرًّا بِقِتَالٍ وَفِرَارٍ. وَفِي التَّرْغِيبِ: يَعْرِضُ لَهُ أَنْ لَا يَرْجِعَ, وَيَلْزَمُنَا حِمَايَتُهُمْ مِنْ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ فَقَطْ, فَلَوْ أَخَذَهُمْ أَوْ أَخَذَ4 مَالَهُمْ غَيْرُهُمَا حُرِّمَ أَخْذُنَا ذَلِكَ, فِي الْأَصَحِّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ, قَالَ الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ وَابْنُ رَزِينٍ: إلَّا فِيمَا إذَا شَرَطَ نَقْضَهَا مَتَى شَاءَ, فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الْعَقْدُ قَوْلًا وَاحِدًا, انْتَهَى.
إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ صِحَّةُ الْعَقْدِ فِي الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ, فَكَذَا هُنَا, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ, وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ, كَالْبَيْعِ.
"الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 2" عَقْدُ الذِّمَّةِ إذَا وَقَعَ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ أَوْ بَعْضِهَا, وَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ, خِلَافًا وَمَذْهَبًا. عِنْدَ الْأَصْحَابِ, وَقَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْ ذَلِكَ.
"تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ: "وَفِي لُزُومِ مُسْلِمٍ تَزَوَّجَهَا رَدُّ مَهْرِهَا الَّذِي كَانَ دَفَعَهُ إلَيْهَا زَوْجٌ كافر إليه روايتان", انتهى.
__________
1 ليست في "ط".
2 في "ط" "يفسخ".
3 في "ط" "كان".
4 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".(10/315)
وَذَكَرَ شَيْخُنَا رِوَايَةً مَنْصُوصَةً: لَنَا شِرَاؤُهُمْ مِنْ سابيهم "وهـ" وَلَنَا شِرَاءُ وَلَدِهِمْ وَأَهْلِهِمْ مِنْهُمْ, كَحَرْبٍ, وَعَنْهُ: يُحَرَّمُ, كَذِمَّةٍ, وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: إنْ قَهَرَ حَرْبِيٌّ وَلَدَهُ وَرَحِمَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَبَاعَهُ مِنْ مُسْلِمٌ وَكَافِرٍ فَقِيلَ: يَصِحُّ الْبَيْعُ, نَقَلَ الشَّالَنْجِيُّ: لَا بَأْسَ, فَإِنْ دَخَلَ بِأَمَانٍ لَمْ يَشْتَرِ, وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ, وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ بِتَوَصُّلِهِ بِعِوَضٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا, كَدُخُولِهِ بِغَيْرِ أَمَانٍ, فَيُرَابِيهِمْ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَالْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعِتْقِ عَلَى الْحَرْبِيِّ بِالرَّحِمِ هَلْ يَحْصُلُ أَمْ لَا, لِأَنَّهُ مِنْ حُكْمِ الْإِسْلَامِ.
وَإِنْ سَبَى بَعْضُهُمْ وَلَدَ بَعْضٍ وَبَاعَهُ1 صَحَّ, قِيلَ لِشَيْخِنَا عَنْ سَبْيِ مَلَطْيَةَ2 مُسْلِمِيهَا وَنَصَارَاهُمْ فَحَرَّمَ مَالَ الْمُسْلِمِينَ وَأَبَاحَ سَبْيَ النَّصَارَى وَذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا لَهُمْ, كَسَائِرِ الْكُفَّارِ3, لِأَنَّهُ4 لَا ذِمَّةَ لَهُمْ وَلَا عَهْدَ, لِأَنَّهُمْ نَقَضُوا عَهْدَهُمْ السَّابِقَ مِنْ الْأَئِمَّةِ بِالْمُحَارَبَةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ, وَمَا فِيهِ غَضَاضَةٌ عَلَيْنَا, وَالْإِعَانَةَ عَلَى ذَلِكَ, وَلَا يُعْقَدُ لَهُمْ إلَّا مَنْ يُقَاتِلُهُمْ, حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ, وَهَؤُلَاءِ التَّتَرُ لَا يُقَاتِلُونَهُمْ عَلَى ذَلِكَ, بَلْ بَعْدَ إسْلَامِهِمْ لَا يُقَاتِلُونَ النَّاسَ عَلَى الْإِسْلَامِ,
وَلِهَذَا وَجَبَ قِتَالُ التَّتَرِ حَتَّى يلتزموا شرائع الإسلام, منها الجهاد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ, وَلِهَذَا عَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَلَمْ يُسْتَدَلَّ بِشَيْءٍ.
__________
1 في "ط" "أباه".
2 هي بلدة من بلاد الروم تتاخم الشام معجم البلدان "5/192".
3 في "ط" "الكافر".
4 في "ر" "لأنهم".(10/316)
وَإِلْزَامُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِالْجِزْيَةِ وَالصِّغَارِ, وَنُوَّابِ التَّتَرِ الَّذِينَ يُسَمَّوْنَ الْمُلُوكَ لَا يُجَاهِدُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَهُمْ تَحْتَ حُكْمِ التَّتَرِ, قَالَ: وَنَصَارَى مَلَطْيَةَ وَأَرْضِ1 الْمَشْرِقِ وَيَهُودُهُمْ لَوْ كَانَ لَهُمْ ذِمَّةٌ وَعَهْدٌ مِنْ مَلِكٍ مُسْلِمٍ يُجَاهِدُهُمْ2 حَتَّى يُسَلِّمُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ كَأَهْلِ الْمَغْرِبِ وَالْيَمَنِ, ثُمَّ لَمْ يُعَامَلُوا أَهْلَ مِصْرَ وَالشَّامِ مُعَامَلَةَ أَهْلِ الْعَهْدِ, جَازَ لِأَهْلِ مِصْرَ وَالشَّامِ غَزْوُهُمْ وَاسْتِبَاحَةُ دَمِهِمْ وَمَالِهِمْ; لِأَنَّ أَبَا جَنْدَلٍ وَأَبَا بَصِيرٍ حَارَبُوا أَهْلَ مَكَّةَ مَعَ أَنَّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدًا3, قَالَ: وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ, لِأَنَّ الْعَهْدَ وَالذِّمَّةَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ, وَإِنْ اشْتَبَهَ أَنَّ مَا أُخِذَ مِنْ كَافِرٍ بِمُسْلِمٍ فَيَنْبَغِي الْكَفُّ, وَيَتَوَجَّهُ: يَحْرُمُ, كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا فِي سَبْيِ مُشْتَبَهٍ يَحْرُمُ اسْتِرْقَاقُهُ, قَالَ: وَمَنْ كَسَبَ شَيْئًا فَادَّعَاهُ رَجُلٌ وَأَخَذَهُ فَلِلْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي مَا غَرِمَهُ عَلَيْهِ مِنْ نَفَقَةٍ وَغَيْرِهَا إنْ لَمْ يَعْرِفْهُ مِلْكَ الْغَيْرِ أَوْ عَرَفَ وَأَنْفَقَ غَيْرَ مُتَبَرِّعٍ.
وَإِنْ خَافَ نَقْضَهُمْ الْعَهْدَ جَازَ نَبْذُهُ إلَيْهِمْ بِخِلَافِ ذِمَّةٍ وَيَجِبُ إعْلَامُهُمْ قَبْلَ الْإِغَارَةِ. وَفِي التَّرْغِيبِ: إنْ صَدَرَ مِنْهُمْ خِيَانَةٌ 4فَإِنْ عَلِمُوا أنها خيانة4 اغتالهم5 وإلا فوجهان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ر" "أهل".
2 في "ط" "يجاهدون".
3 أخرجه البخاري من حديث المسر بن مخرمة "2731" و"2732".
4 4ليست في الأصل.
5 في الأصل "اغتلابهم".(10/317)
وَفِي كِتَابِ الْهَدْيِ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ سَبَبِ الْفَتْحِ, وَهُوَ مُسَاعَدَةُ قُرَيْشٍ لِحُلَفَائِهِمْ1 بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ عَلَى خُزَاعَةَ حُلَفَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2 قَالَ فِيهَا: إنَّ أَهْلَ الْعَهْدِ إذَا حَارَبُوا مَنْ فِي ذِمَّةِ الْإِمَامِ وَعَهْدِهِ صَارُوا حَرْبًا نَابِذِينَ لِعَهْدِهِ, وَلَهُ أَنْ يُبَيِّتَهُمْ, وَإِنَّمَا يُعْلِمَهُمْ إذَا خَافَ مِنْهُمْ الْخِيَانَةَ, وَأَنَّهُ يَنْتَقِضُ عَهْدَ الْجَمِيعِ إذَا لَمْ يُنْكِرُوا, وَيُنْتَقَضُ عَهْدُ نِسَاءٍ وَذُرِّيَّةٍ تَبَعًا3 لَهُمْ. وَفِي جَوَازِ قَتْلِ رَهَائِنِهِمْ بِقَتْلِهِمْ رَهَائِنَنَا رِوَايَتَانِ "م 3".
وَمَتَى مَاتَ إمَامٌ أَوْ عُزِلَ لَزِمَ مَنْ بَعْدَهُ الْوَفَاءُ بِعَقْدِهِ "م" لِأَنَّهُ عَقَدَهُ بِاجْتِهَادِهِ, فَلَا يُنْتَقَضُ بِاجْتِهَادِ غَيْرِهِ, وَقَدْ جَوَّزَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ نَقْضَ مَا عَقَدَهُ بَعْضُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ نَحْوَ صُلْحِ بني تغلب, لاختلاف المصالح باختلاف الأزمنة والله سبحانه وتعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 3" قَوْلُهُ: "وَفِي جَوَازِ قَتْلِ رَهَائِنِهِمْ بِقَتْلِهِمْ رَهَائِنَنَا رِوَايَتَانِ", انْتَهَى.
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ:
"إحْدَاهُمَا" يَجُوزُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ, وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ, وَهُوَ الصَّوَابُ,
فَهَذِهِ ثلاث مسائل في هذا الباب.
__________
1 في الأصل "لخلفائهم".
2 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "9/233".
3 في "ط" "تباعا".(10/318)
باب عقد الذمة
مدخل
...
بَابُ عَقْدِ الذِّمَّةِ
يَحْرُمُ وَلَا يَصِحُّ عَقْدُهَا إلَّا مِنْ إمَامٍ وَنَائِبِهِ, وَقِيلَ: وَكُلُّ مُسْلِمٍ لِمَنْ بَذَلَ الْجِزْيَةَ وَالْتَزَمَ أَحْكَامَ الْمِلَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ, وَمَنْ تَدَيَّنَ بِهِمَا كَسَامِرَةَ1 وَفِرِنْجٍ وَصَابِئَةٍ وَهُمْ نَصَارَى, وَرُوِيَ أَنَّهُمْ يَسْبِتُونَ, وَاخْتَارَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ إنْ انْتَسَبَ إلَى أَحَدِهِمَا فَمِنْ أَهْلِهِ, وَإِلَّا فَلَا, وَالْمَجُوسُ لَا كِتَابَ لَهُمْ, فَيَجِبُ مَا لَمْ يَخَفْ غَائِلَةً, وَعَنْهُ: وَكُلُّ كَافِرٍ غَيْرِ وَثَنِيٍّ مِنْ الْعَرَبِ, وَصَرِيحُهَا أَوْ ظاهرها, ويقر على عمل كفر وعبادة وثن2. وَفِي الْفُنُونِ: لَمْ أَجِدْ أَصْحَابَنَا ذَكَرُوا أَنَّ الْوَثَنِيَّ يُقَرُّ بِجِزْيَةٍ, قَالَ: وَوُجِدَتْ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ بِخَطِّ الشَّيْخِ أَبِي سَعِيدٍ الْبَرَدَانِيِّ أَنَّ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ يُقَرُّونَ بِجِزْيَةٍ فَيُعْطِي هَذَا أَنَّهُمْ يُقَرُّونَ عَلَى عَمَلِ أَصْنَامٍ يَعْبُدُونَهَا فِي بُيُوتِهِمْ, وَلَمْ يُسْمَعْ بِذَلِكَ فِي سِيرَةٍ مِنْ سِيَرِ السَّلَفِ, وَمَعَاذَ اللَّهِ إذَا قُلْنَا بِتَرْكِهِمْ أَنْ نُمَكِّنَهُمْ مِنْ عِبَادَةِ وَثَنٍ أَوْ عَمَلِ صَنَمٍ, وَلَا أَعْرِفُ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ دَلِيلًا, وَاخْتَارَ شَيْخُنَا فِي رَدِّهِ عَلَى الرَّافِضِيِّ أَخْذَهَا مِنْ الْكُلِّ. وَأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 السامرة: قوم من اليهود يخالفونهم في بعض أحكامهم يسكنون جبال بيت المقدس وقرى من أعمال مصر ويتقشفون في الطهارة أكثر من تقشف سائر اليهود الملل والنحل "1/514 – 515".
2 ليست في الأصل و"ط".(10/319)
بَعْدَ نُزُولِ الْجِزْيَةِ بَلْ كَانُوا أَسْلَمُوا.
وَقَالَ فِي الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: مَنْ أَخَذَهَا مِنْ الْجَمِيعِ أَوْ سَوَّى بَيْنَ الْمَجُوسِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ فَقَدْ خَالَفَ ظَاهِرَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ, وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ فِي آيَاتٍ وَلَمْ يَقُلْ: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ, وَخَبَرُ بُرَيْدَةَ فِيهِ: "وَإِذَا حَاصَرْت أَهْلَ حِصْنٍ"1 وَلَا حُصُونَ لِلْمُشْرِكِينَ, وَلَمْ يَدَعْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا مِنْهُمْ إلَيْهَا وَهِيَ نَزَلَتْ سَنَةَ تِسْعٍ عام تبوك آخر مغازيه, و2قَيَّدَهَا بِأَهْلِ الْكِتَابِ, وَقِيلَ: مَنْ لَمْ يَقْبَلْ الجزية من أحد أبويه واختار3 دِينَ الْآخَرَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ.
وَصِيغَةُ الْعَقْدِ: أَقْرَرْتُكُمْ بِالْجِزْيَةِ وَالِاسْتِسْلَامِ, أَوْ يَبْذُلُونَ ذَلِكَ فَيَقُولُ: أَقْرَرْتُكُمْ عَلَى ذَلِكَ, أَوْ نَحْوَهُمَا, وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ فِيهِ ذِكْرُ قَدْرِ الْجِزْيَةِ, وَفِي ذِكْرِ الِاسْتِسْلَامِ وَجْهَانِ فِي التَّرْغِيبِ.
وَإِنْ انْتَقَلَ غَيْرُ كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ إلَى دِينِهِمَا قَبْلَ الْبَعْثَةِ فَلَهُ حُكْمُهُمَا, وَكَذَا بَعْدَهَا, وَعَنْهُ: إنْ لَمْ يُسْلِمْ قُتِلَ, وَعَنْهُ: إنْ تَمَجَّسَ. وَفِي الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ: قَبْلَ الْبَعْثَةِ بَعْدَ التَّبْدِيلِ كَبَعْدِ الْبَعْثَةِ, وَقَدَّمَ فِي التَّبْصِرَةِ: وَلَوْ قَبْلَ التَّبْدِيلِ.
وَإِنْ انْتَقَلَ كِتَابِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ إلَى غير دينه فعنه إن لم يسلم قتل,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه مسلم "1731" "3".
2 ليست في "ط".
3 في الأصل و"ط" "فاختار".(10/320)
وَعَنْهُ: وَيُقَرُّ بِدِينِهِ الْأَوَّلِ, وَعَنْهُ: يُقَرُّ بِأَفْضَلَ مِنْهُ, كَمَجُوسِيٍّ تَهَوَّدَ. وَفِي الْوَسِيلَةِ وَجْهٌ: أَوْ يَهُودِيٌّ تَنَصَّرَ. وَقَالَ شَيْخُنَا: اتَّفَقُوا عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى, لِتَقَابُلِهِمَا وَتَعَارُضِهِمَا, قَالَ: وَيُسَمُّونَ بهما قبل نسخ وتبديل ومؤمنين و1مُسْلِمِينَ, قَالَ: وَإِنْ اشْتَرَى الْيَهُودُ نَصْرَانِيًّا فَجَعَلُوهُ يَهُودِيًّا عُزِّرُوا عَلَى جَعْلِهِ يَهُودِيًّا, وَلَا يَكُونُ إلَّا2 مُسْلِمًا, وَعَنْهُ يُقَرُّ بِدِينٍ يُقَرُّ أَهْلُهُ, وَعَنْهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ دُونَ الْأَوَّلِ "م 1 - 4"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 1 - 4" قَوْلُهُ: "وَإِنْ انْتَقَلَ كِتَابِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ إلى غير دينه, فعنه: إن لم يسلم قُتِلَ, وَعَنْهُ: وَيُقَرُّ بِدِينِهِ الْأَوَّلِ, وَعَنْهُ يُقَرُّ بِأَفْضَلَ مِنْهُ, كَمَجُوسِيٍّ تَهَوَّدَ. وَعَنْهُ: يُقَرُّ بِدِينٍ يُقَرُّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ, وَعَنْهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ دُونَ الْأَوَّلِ", انْتَهَى.
فِي ضِمْنِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ:
"الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 1" إذَا انْتَقَلَ كِتَابِيٌّ إلى دين كتابي, مثل تهود3 نصراني أو تنصر4 يَهُودِيٌّ فَهَلْ يُقَرُّ مُطْلَقًا, أَوْ يُقَرُّ عَلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ دِينِهِ, أَوْ لَا يُقَرُّ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ, أَوْ لَا يُقَرُّ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ الدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ؟ فِيهِ رِوَايَاتٌ:
"إحْدَاهُنَّ": لَا يُقَرُّ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ الدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ, قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا المذهب, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ, وَقَدَّمَهُ فِي الهداية
__________
1 ليست في "ط" و"ر".
2 ليست في الأصل.
3 في "ط" "أن يتهود".
4 في "ط" "يتنصر".(10/321)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ1 وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ": لَا يُقَرُّ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ فَقَطْ, وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُقْنِعِ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ": يُقَرُّ مُطْلَقًا, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ, وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ, وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ, وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الشَّرْحِ2.
"وَالرِّوَايَةُ الرَّابِعَةُ": يُقَرُّ عَلَى أَفْضَلِ مِنْ دِينِهِ, كَيَهُودِيٍّ تَنَصَّرَ, فِي وَجْهٍ فِي الْوَسِيلَةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: اتَّفَقُوا عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِتَقَابُلِهِمَا وَتَعَارُضِهِمَا.
"قُلْت": الصَّوَابُ أَنَّ دِينَ النَّصْرَانِيَّةِ أَفْضَلُ مِنْ دِينِ الْيَهُودِيَّةِ الْآنَ وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُحَرَّرِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ.
"الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 2" إذَا انْتَقَلَ الْكِتَابِيُّ إلَى دِينٍ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ, فَهَلْ يُقَرُّ عَلَى دِينٍ يُقَرُّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ, كَمَا لَوْ تَمَجَّسَ, أَوْ لَا يُقَرُّ مُطْلَقًا; فِيهِ رِوَايَتَانِ:
"إحْدَاهُمَا": لَا يُقَرُّ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, نَصَّ عَلَيْهِ, قَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا, وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ3, وابن منجا فِي شَرْحِهِ, وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَغَيْرُهُمْ, وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ": يُقَرُّ عَلَى دِينٍ يُقَرُّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ, وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا, فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا إسْلَامٌ أَوْ السَّيْفُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, نَصَّ عَلَيْهِ, واختاره الخلال
__________
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/496".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/499 - 500".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/498".(10/322)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَصَاحِبُهُ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ1 وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى, وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ, وَعَنْهُ: لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ الدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ, وَعَنْهُ: يُقْبَلُ مِنْهُ أَحَدُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: الْإِسْلَامُ, أَوْ الدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ أَوْ دِينُ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُغْنِي2 وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ3 وَالْمُصَنَّفِ.
"الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ 3" إذَا انْتَقَلَ مَجُوسِيٌّ إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ, فَهَلْ يُقَرُّ, أَمْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ, أَوْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ الدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ, فِيهِ رِوَايَاتٌ:
"إحْدَاهُنَّ" يُقَرُّ عَلَيْهِ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, نَصَّ عَلَيْهِ, قَالَ ابْنُ منجا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبَ, 4وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَعَنْهُ لَا يُقْبَلُ منه إلا الإسلام4 وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُقْنِعِ5.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ": لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ الدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ, وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَتَيْنِ, وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ. "قُلْت": يَنْبَغِي عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ أَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ الدَّيْنُ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ, لِأَنَّا إذَا قَبِلْنَا مِنْهُ الدَّيْنَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فَلَئِنْ نَقْبَلَ مِنْهُ الدِّينَ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى, لِأَنَّهُ أَعْلَى مِنْ دِينِهِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
"الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ 4" إذَا انْتَقَلَ مَجُوسِيٌّ إلَى غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمْ يُقَرَّ, وَهَلْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ, أَوْ دِينُ أَهْلِ الْكِتَابِ, أَوْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ دِينُهُ, أَوْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ فَقَطْ, فِيهِ روايات:
__________
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/499 - 500".
2 "9/550 – 551".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/498".
4 4 ليست في "ط" والمثبت من النسخ الخطية.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/500 - 501".(10/323)
1وعلى غير الأولى: متى لم يقر وأصر عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ دُونَ الْأَوَّلِ1 قُتِلَ. وَفِي استتابته وجهان "م 5" وإلا ضرب وحبس.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"إحْدَاهُنَّ" لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ فَقَطْ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ2 وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ, وَالْمُغْنِي3 ذَكَرَهُ عِنْدَ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: وَإِذَا تَزَوَّجَ4 كِتَابِيَّةً فَانْتَقَلَتْ إلَى دِينٍ آخَرَ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ": لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ الدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ": لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ دِينُهُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ, أَوْ دِينُ أَهْلِ الْكِتَابِ, وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الشَّرْحِ5.
"تَنْبِيهٌ" ظَهَرَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ فِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ نَظَرًا, كَمَا تَرَى, وَأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ يَشْمَلُ مَا لَوْ انْتَقَلَ إلَى دِينٍ غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ والمجوس, وليس الأمر كذلك, والله أعلم.
"مَسْأَلَةٌ 5" قَوْلُهُ: وَعَلَى غَيْرِ الْأَوْلَى مَتَى لَمْ يُقَرَّ وَأَصَرَّ "عَلَيْهِ" فَإِنْ كَانَ دُونَ الْأَوَّلِ قُتِلَ. وَفِي اسْتِتَابَتِهِ وَجْهَانِ, انْتَهَى.
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي6 وَالشَّرْحِ5.
"أَحَدُهُمَا": يُسْتَتَابُ, وَهُوَ الصَّوَابُ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي": يُقْتَلُ مِنْ غَيْرِ اسْتِتَابَةٍ, وَهُوَ ضَعِيفٌ.
__________
1 1 ليست في الأصل.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/498".
3 "9/550".
4 في "ح" "تزوجت".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/499".
6 "9/551".(10/324)
وَمَنْ جُهِلَتْ حَالُهُ وَادَّعَى أَحَدَ الْكِتَابَيْنِ أُخِذَتْ جِزْيَتُهُ, فِي الْأَصَحِّ, وَعَنْهُ: وَتَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ وَذَبِيحَتُهُ, كَمَنْ أَقَرَّ بِتَهَوُّدٍ أَوْ تَنَصَّرَ مُتَجَدِّدٍ وَإِنْ كَذَّبَ نَصْرَانِيٌّ بِمُوسَى خَرَجَ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ لِتَكْذِيبِهِ عِيسَى وَلَمْ يُقَرَّ, لَا يَهُودِيٌّ بِعِيسَى, وَإِنْ تَزَنْدَقَ ذِمِّيٌّ لَمْ يُقْتَلْ لِأَجْلِ الْجِزْيَةِ, نَقَلَهُ عنه ابن هانئ.
وَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ لِكُلِّ حَوْلٍ فِي آخِرِهِ, وَيَمْتَهِنُونَ عِنْدَهُ, وَلَا يُقْبَلُ إرْسَالُهَا لِزَوَالِ الصِّغَارِ كَمَا لَا يَجُوزُ تَفْرِقَتُهَا بِنَفْسِهِ, وَلَا تَتَدَاخَلُ, وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ تَعْجِيلِهِ وَلَا يَقْتَضِيه الْإِطْلَاقُ. قَالَ أَصْحَابُنَا: لِأَنَّا لَا نَأْمَنُ نَقْضَ الْأَمَانَةِ فَيَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْ الْعِوَضِ, وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ: يَصِحُّ, وَيَقْتَضِيه الْإِطْلَاقُ.
مِنْ الْمُقِلِّ دِينَارًا, أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا, أَوْ الْقِيمَةَ, نَصَّ عَلَيْهِ, لِتَغْلِيبِ حَقِّ الْآدَمِيِّ فِيهَا. قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: والمنافع, ونصف صاع جيد عن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(10/325)
صَاعٍ وَسَطٍ, وَالْمُتَوَسِّطُ مِثْلَاهُ, وَالْغَنِيُّ عُرْفًا, وَقِيلَ: مَنْ مَلَكَ نِصَابًا, وَحَكَى رِوَايَةً, وَعَنْهُ: مَنْ مَلَكَ عَشْرَةَ آلَافِ دِينَارٍ1 مَثَلًا الْمُتَوَسِّطُ كَذَا وَظَّفَهُ عُمَرُ2, وَتَقَدَّمَ حُكْمُ تَغْيِيرِهِ.
وَفِي الْخَرَاجِ عَنْهُ خَلَفٌ, وَلَهُ أَنْ يَشْرُطَ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةَ المسلمين ودوابهم, وفي اعتبار بيان قدرها وأيامها وَالِاكْتِفَاءِ بِهَا عَنْ الْجِزْيَةِ وَجْهَانِ "م 6 و 7" وقيل: تجب بلا شرط,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 6 و 7" قَوْلُهُ: "وَلَهُ أَنْ يَشْرُطَ عَلَيْهِمْ ضيافة المسلمين ودوابهم, وفي اعتبار بيان قدرها وَأَيَّامِهَا وَالِاكْتِفَاءُ بِهَا عَنْ الْجِزْيَةِ وَجْهَانِ", انْتَهَى.
ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ:
"الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 6": هَلْ يُعْتَبَرُ بَيَانُ قَدْرِ الضِّيَافَةِ وَأَيَّامِهَا أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ. "أَحَدُهُمَا" يُعْتَبَرُ ذَلِكَ, فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ, وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ3 وَالْمُحَرَّرِ والنظم
__________
1 في "ر" "درهم".
2 أخرجه عبيد في الأموال "393" عن أسلم قال: ضرب عمر الجزية على أهل الورق أربعين درهما وعلى أهل الذهب أربعة دنانير ومع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/436".(10/326)
وَمَتَى بَذَلُوا الْوَاجِبَ حُرِّمَ التَّعَرُّضُ بِقَتْلٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ, وَيَلْزَمُ دَفْعُ قَاصِدِهِمْ بِأَذًى, وَلَا مَطْمَعَ فِي الذَّبِّ عَمَّنْ بِدَارِ حَرْبٍ. قَالَ في الترغيب: والمنفردون ببلد غَيْرِ مُتَّصِلٍ بِبَلَدِنَا يَجِبُ ذَبُّ أَهْلَ الْحَرْبِ عَنْهُمْ, عَلَى الْأَشْبَهِ, وَلَوْ شَرَطْنَا أَنْ لَا نَذُبَّ عَنْهُمْ لَمْ يَصِحَّ.
وَلَا تَلْزَمُ صَبِيًّا ومجنونا وزمنا وأعمى وشيخا فانيا وراهبا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ, وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ, وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي": يَجُوزُ إطْلَاقُ ذَلِكَ كُلِّهِ, وَيُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ, وَهُوَ الصَّوَابُ, وَبِهِ قَطَعَ فِي الْكَافِي1, قَالَ فِي الْمُغْنِي2 وَالشَّرْحِ3: فَإِنْ شَرَطَ الضِّيَافَةَ مُطْلَقًا صَحَّ فِي الظَّاهِرِ, قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إذَا أَطْلَقَ مُدَّةَ الضِّيَافَةِ فَالْوَاجِبُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ, لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
"الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 7": هَلْ يُكْتَفَى بِهَا عَنْ الْجِزْيَةِ أَوْ لَا؟ أُطْلِقَ الْخِلَافُ.
"أَحَدُهُمَا": يُكْتَفَى بِهَا, وَهُوَ الصَّحِيحُ, اخْتَارَهُ الْقَاضِي, وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُغْنِي4, وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ5 وَنَصَرَهُ, لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ قَدْرُهَا أَقَلَّ الْجِزْيَةِ إذَا قُلْنَا: الْجِزْيَةُ مُقَدَّرَةُ الْأَقَلِّ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" لَا يُكْتَفَى بِذَلِكَ, وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ, وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ, وَابْنُ حَمْدَانَ: فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
__________
1 "5/593".
2 "13/214 – 215".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/439".
4 "13/215".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/440".(10/327)
بِصَوْمَعَةٍ, وَفِيهِ وَجْهٌ, وَلَا يَبْقَى بِيَدِهِ مَالٌ إلَّا بُلْغَتُهُ فَقَطْ, وَيُؤْخَذُ مَا بِيَدِهِ, قَالَهُ شَيْخُنَا. قَالَ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَالَنَا, كَالرِّزْقِ الَّذِي لِلدُّيُورَةِ1 وَالْمَزَارِعِ إجْمَاعًا, قَالَ: وَيَجِبُ ذَلِكَ, قَالَ: وَمَنْ لَهُ تِجَارَةٌ أَوْ زِرَاعَةٌ وَهُوَ مُخَالِطٌ أَوْ مُعَاوِنُهُمْ عَلَى دِينِهِمْ كَمَنْ يَدْعُو إلَيْهِ مِنْ رَاهِبٍ وَغَيْرِهِ يَلْزَمُهُ إجْمَاعًا وَحُكْمُهُ حُكْمُهُمْ بِلَا نِزَاعٍ, وَلَا تَلْزَمُ عَبْدًا, وَعَنْهُ: لِمُسْلِمٍ, جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ, وَأَنَّهَا تَسْقُطُ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا. وَفِي التَّبْصِرَةِ عَنْ الْخِرَقِيِّ: تَلْزَمُ عَبْدًا مُسْلِمًا عَنْ عَبْدِهِ. قَالَ أَحْمَدُ: وَالْمُكَاتَبُ عَبْدٌ, وَتَلْزَمُ مُعْتَقًا بَعْضُهُ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ, وَفِي ذِمِّيٍّ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ رِوَايَتَانِ. مَنْصُوصَتَانِ "م 8" لَا فَقِيرًا عاجزا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 8" قَوْلُهُ: "وَفِي ذِمِّيٍّ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ", انْتَهَى.
"إحْدَاهُمَا": تَجِبُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, قَالَ الزَّرْكَشِيّ: هَذَا الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ, قَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: وَإِذَا عَتَقَ لَزِمَتْهُ الْجِزْيَةُ لِمَا يَسْتَقْبِلُ, سَوَاءٌ كَانَ مُعْتِقُهُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا, هَذَا الصَّحِيحُ عَنْ أَحْمَدَ, انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ: وَيُؤْخَذُ مِمَّنْ صَارَ أَهْلًا لَهَا فِي آخَرِ الْحَوْلِ, وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ, وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ" لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ, قَالَ الخلال: هذا قول قديم رجع عنه ووهنها2.
3"تَنْبِيهٌ" أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الذِّمِّيِّ إذَا أَعْتَقَهُ الْمُسْلِمُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَرْبَعَةِ سُطُورٌ, وَعَنْهُ: لَا جِزْيَةَ عَلَى عَتِيقٍ مُسْلِمٍ, وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا هِيَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرَهُمَا أَوَّلًا, فَيَحْصُلُ فِي الْكَلَامِ نَظَرٌ لكونه أطلق الخلاف, ثم يحكي3
__________
1 الدير للنصارى معروف والجمع ديورة المصباح "دير".
2 في "ط" "أوجبها"
3 3 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط"(10/328)
عنها وفيه احتمال كَمُعْتَمَلٍ, عَلَى الْأَصَحِّ, وَفِي خُنْثَى مُشْكِلٍ وَجْهَانِ "م 9" فَإِنْ بَانَ رَجُلًا فَلِلْمُسْتَقْبِلِ, وَيَتَوَجَّهُ: وَلِلْمَاضِي فَإِنْ بَذَلَتْهَا امْرَأَةٌ لِدُخُولِ دَارِنَا مُكِّنَتْ مَجَّانًا.
وَمَنْ صَارَ أَهْلًا بِآخِرِ حَوْلٍ أُخِذَ مِنْهُ بِقِسْطِهِ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ, وَقِيلَ: يُخَيَّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لُحُوقِهِ بِمَأْمَنِهِ, وَعَنْهُ: لَا جِزْيَةَ عَلَى عَتِيقِ مسلم, وعنه: و1عَتِيقُ ذِمِّيٍّ, جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ, وَيُلَفَّقُ من2 إفاقة مجنون
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
3رِوَايَةً بِعَدَمِ الْجِزْيَةِ, فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُقَدَّمَ لُزُومُ الْجِزْيَةِ, وَهِيَ الْمَذْهَبُ, كَمَا تَقَدَّمَ, فَحَصَلَ خَلَلٌ من جهة المذهب, والله أعلم3.
"مَسْأَلَةٌ 9" قَوْلُهُ: "وَفِي خُنْثَى مُشْكِلٍ وَجْهَانِ", انْتَهَى.
"أَحَدُهُمَا": لَا تَجِبُ عَلَيْهِ, وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ, وَبِهِ قَطَعَ فِي الْكَافِي4 وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ, قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَهُوَ أَظْهَرُ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي": تَجِبُ: وَبِهِ قَطَعَ فِي الْمُغْنِي5 وَالشَّرْحِ6 وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ, وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. "قلت": وهو ضعيف.
__________
1 ليست في "ط".
2 في "ط" "مع".
3 3 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
4 "5/588".
5 لم نجدها في مظانها.
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/414" وفيه: ولا تجب على خنثى مشكل ما ذكره المصحح هنا وفي الإنصاف.(10/329)
حَوْلٌ, ثُمَّ تُؤْخَذُ, وَقِيلَ: فِي آخِرِهِ بِقَدْرِهَا, كَمُعْتَقٍ بَعْضُهُ, وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ الْغَالِبُ, وَقِيلَ: فِيمَنْ لَا يَنْضَبِطُ أَمْرُهُ فَقَطْ, وَإِنْ طَرَأَ الْمَانِعُ بَعْدَ الْحَوْلِ لَمْ تَسْقُطْ, فِي الْأَصَحِّ, إلَّا بِالْإِسْلَامِ. نَصَّ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: "مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ"1 لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ لَا أُجْرَةٌ عَنْ السُّكْنَى. وَفِي الْفُنُونِ أَنَّهَا عُقُوبَةٌ, وَأَنَّ بَقَاءَ النَّفْسِ مَعَ الذُّلِّ لَيْسَ بِغَنِيمَةٍ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ, وَمَنْ عَدَّ الْحَيَاةَ مَعَ الذُّلِّ نِعْمَةً فَقَدْ أَخْطَأَ طَرِيقَ الْإِصَابَةِ. وَفِي الْفُنُونِ أَيْضًا عَنْ الْقَوْلِ بِأَنَّهَا عِوَضٍ عَنْ كَفِّ الْأَذَى: لَا بَأْسَ بِهِ.
وَفِي الْإِيضَاحِ: لَا تَسْقُطُ بِإِسْلَامٍ, وَمَنَعَ فِي الِانْتِصَارِ وُجُوبَهَا وَأَنَّهَا مُرَاعَاةٌ, وَأَنَّ الْخَرَاجَ يَسْقُطُ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَإِنْ طَرَأَ فِي أَثْنَائِهِ سَقَطَتْ, وَقِيلَ: يَجِبُ بِقِسْطِهِ, وَإِنْ تَوَلَّى إمَامٌ فَعَرَفَ مَا عليهم, أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "9/114" من حديث أبي هريرة.(10/330)
قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ, أَوْ ظَهَرَ. وَاعْتَبَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ثُبُوتَهُ, أَقَرَّهُمْ, فَإِنْ جَهِلَهُ فَقِيلَ: يُعْمَلُ بِقَوْلِهِمْ, وَلَهُ تَحْلِيفُهُمْ فَإِنْ بَانَ نَقْصٌ1 أَخَذَهُ. وَقِيلَ: يَعْقِدُهَا بِاجْتِهَادِهِ "م 10".
وَيُؤْخَذُ عِوَضُ الْجِزْيَةِ زَكَاتَانِ مِنْ أَمْوَالِ بَنِي تَغْلِبَ, مِمَّا تَجِبُ فِيهِ زَكَاةٌ, حَتَّى مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ جِزْيَةٌ, وَفِيهِ وَجْهٌ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ, وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ تَغْيِيرُهُ, لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ مُؤَبَّدٌ, وَقَدْ عَقَدَهُ عُمَرُ معهم هكذا2, واختار ابن عقيل:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 10" قَوْلُهُ: "وَإِذَا تَوَلَّى إمَامٌ فَعَرَفَ مَا عَلَيْهِمْ, أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ, أَوْ ظَهَرَ أَقَرَّهُمْ, فَإِنْ جَهِلَهُ فَقِيلَ: يَعْمَلُ بِقَوْلِهِمْ, وَلَهُ تَحْلِيفُهُمْ, فَإِنْ بَانَ نَقْصٌ أَخَذَهُ, وَقِيلَ. يَعْقِدُهَا بِاجْتِهَادِهِ", انْتَهَى.
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ انْتَهَى.
"أَحَدُهُمَا" يَعْمَلُ بِقَوْلِهِمْ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, وَبِهِ قَطَعَ فِي الْكَافِي3 وَغَيْرِهِ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي4 وَالْمُقْنِعِ5 وَالشَّرْحِ6 وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" يَسْتَأْنِفُ الْعَقْدَ مَعَهُمْ, اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَعِنْدِي أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ عَقَدَ الذِّمَّةِ مَعَهُمْ عَلَى مَا يُؤَدِّي اجْتِهَادُهُ, انْتَهَى.
7فَهَذِهِ عَشْرُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ7.
__________
1 فِي "ط" "نقض".
2 رواه البيهقي في السنن الطبرى "9/217".
3 "5/595".
4 "13/249".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/441".
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/441 - 442".
7 7 ليست في "ط".(10/331)
يَجُوزُ لِاخْتِلَافِ الْمَصْلَحَةِ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ, وَجَعَلَهُ جَمَاعَةٌ كَتَغْيِيرِ خَرَاجٍ وَجِزْيَةٍ, وَقَالَهُ شَيْخُنَا. وَكَلَامُ الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ يَقْتَضِي الْفَرْقَ, وَسَبَقَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.
وَذَكَرَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ احْتِمَالًا بِقَبُولِهَا إذَا بَذَلَهَا, جَزَمَ فِي الْخِلَافِ بِالْفَرْقِ, وَبِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا, وَبِأَنَّ هَذَا لَزِمَهُمْ بِرِضَاهُمْ وَلَمْ يَرْضَوْا بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ, بِخِلَافِ الْخَرَاجِ فَإِنَّهُمْ أُلْزِمُوا بِهِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا. وَقِيلَ: تُقْبَلُ الْجِزْيَةُ مِنْهُمْ, لِلْآيَةِ, وَكَحَرْبِيٍّ لَمْ يَدْخُلْ فِي الصُّلْحِ, وَمَصْرِفُهُ كَجِزْيَةٍ, لِقَوْلِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى: تضاعف عليهم الجزية, وعنه: كزكاة, لقوله فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنَّمَا هِيَ الزَّكَاةُ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ سَوَاءٌ. وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ, فَدَلَّ أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِمَّنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ إنْ قِيلَ هِيَ زَكَاةٌ, وَإِلَّا فَلَا, وَهُوَ أَظْهَرُ, وَيَلْحَقُ بِهِمْ مَنْ تَنَصَّرَ مِنْ تَنُوخِ وَبَهْرَاءَ, أَوْ تَهَوَّدَ مِنْ كِنَانَةَ وَحِمْيَرَ, أَوْ تَمَجَّسَ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ, وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ, وَقِيلَ: لَا, وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَحَكَاهُ نَصُّ أَحْمَدَ, وَلِلْإِمَامِ الْمُصَالَحَةُ مِثْلَهُمْ لِمَنْ خُشِيَ ضَرَرُهُ بِشَوْكَتِهِ مِنْ الْعَرَبِ وَأَبَاهَا إلَّا بِاسْمِ الصَّدَقَةِ مُضَعَّفَةٌ, نَصَّ عليه 1والله أعلم1.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 1 ليست في "ط".(10/332)
باب أحكام الذمة
مدخل
...
بَابُ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ
يَلْزَمُ الْإِمَامَ أَخْذُهُمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالْعِرْضِ وَالْحَدِّ فِيمَا يُحَرِّمُونَهُ. وَعَنْهُ إنْ شَاءَ لَمْ يَقُمْ حَدُّ زِنَا بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ, اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ, وَمِثْلُهُ قَطْعُ سَرِقَةِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ.
وَيَلْزَمُ تَمْيِيزُهُمْ1 عَنْ الْمُسْلِمِينَ بِلِبْسِ ثَوْبٍ يُخَالِفُ بَقِيَّةَ ثِيَابِهِمْ, كَعَسَلِيٍّ وَأَدْكَنَ يَضْرِبُ لَوْنُهُ إلَى السَّوَادِ, وَبِشَدِّ زُنَّارٍ فَوْقَ ثَوْبِ النَّصْرَانِيِّ, وَلِلْمَرْأَةِ غِيَارٌ بِالْخُفَّيْنِ, بِاخْتِلَافِ لَوْنَيْهِمَا وَأَنْ يَجْعَلُوا لِدُخُولِ الْحَمَّامِ بِرِقَابِهِمْ جُلْجُلًا, وَهُوَ الْجَرَسُ الصَّغِيرُ, أَوْ خَاتَمٌ رَصَاصٌ وَنَحْوُهُ. وَيَلْزَمُ تَمْيِيزُ قُبُورِهِمْ عَنْ قُبُورِنَا تَمْيِيزًا ظَاهِرًا, كَالْحَيَاةِ. وَأَوْلَى, ذَكَرَهُ شَيْخُنَا, وَأَنْ لَا يَكْتَنُوا بِكُنْيَةِ الْمُسْلِمِينَ, كَأَبِي الْقَاسِمِ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ, وَكَذَا اللَّقَبُ, كَعِزِّ الدِّينِ وَنَحْوِهِ. قَالَهُ شَيْخُنَا: وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لِنَصْرَانِيٍّ طَبِيبٍ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ, وَاحْتَجَّ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِعْلِ عُمَرُ, وَنَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ لَا بَأْسَ بِهِ, النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأُسْقُفِ نَجْرَانَ "يَا أَبَا الْحَارِثِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ"2 وَعُمَرُ قَالَ: يَا أَبَا حَسَّانَ3, وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ وَتَخْرِيجٌ: يَجُوزُ لِلْمَصْلَحَةِ وَقَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ. وَيُحْمَلُ مَا رُوِيَ عَلَيْهِ, وَعَنْ "م" الجواز والكراهة, لأن فيه تكبيرا وتعظيما,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
2 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "14/552".
3 لم أقف عليه وأورده ابن قدامة في المغني "13/248".(10/333)
وَأَنْ يَحْذِفُوا مَقْدِمَ رُءُوسِهِمْ لَا كَعَادَةِ الْأَشْرَافِ, وَأَنْ لَا يُفَرِّقُوا شُعُورَهُمْ, وَلَهُمْ رُكُوبُ غَيْرِ خَيْلٍ بِلَا سَرْجٍ لَكِنْ عَرْضًا بِإِكَافٍ1, وَقِيلَ: يَمْنَعُهُمْ مِنْ الطَّيَالِسَةِ وَأَنَّهُمْ إنْ أَبَوْا الْغِيَارَ لَمْ يُجْبَرُوا وَنُغَيِّرُهُ نَحْنُ. وَقَالَ شَيْخُنَا: وَمِنْ حَمْلِ سِلَاحٍ وَالْمُقَاتِلَةِ بِثِقَافٍ2 وَرَمْيٍ وَغَيْرِهِ, لِأَنَّهُ مشروط عليهم.
وَتَحْرُمُ الْعِيَادَةُ وَالتَّهْنِئَةُ وَالتَّعْزِيَةُ لَهُمْ, كَالتَّصْدِيرِ وَالْقِيَامِ, وَكَمُبْتَدِعٍ يَجِبُ هَجْرُهُ. وَعَنْهُ يَجُوزُ "وهـ ش" وَعَنْهُ: لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ, كَرَجَاءِ إسْلَامٍ, اخْتَارَهُ شَيْخُنَا, وَمَعْنَاهُ اخْتِيَارُ الْآجُرِّيِّ, وَأَنَّهُ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ: يُعَادُ وَيُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ. نَقَلَ أَبُو دَاوُد: إنْ كان يريد 3يدعوه إلى لِلْإِسْلَامِ3 فَنَعَمْ, وَيُدْعَى بِالْبَقَاءِ, وَكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ, زَادَ جَمَاعَةٌ قَاصِدًا كَثْرَةَ الْجِزْيَةِ.
وَقَدْ كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الدُّعَاءَ لِكُلِّ أَحَدٍ بِالْبَقَاءِ وَنَحْوِهِ, لِأَنَّهُ شَيْءٌ فُرِغَ مِنْهُ, وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا, وَيَسْتَعْمِلُهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ, وَذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا هُنَا, رَوَى أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ4 عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مَوْلَى أُمِّ قَيْسِ بِنْتِ مِحْصَنٍ عَنْهَا قَالَتْ: تُوُفِّيَ ابْنِي فَجَزِعْت عَلَيْهِ فَقُلْت لِلَّذِي يُغَسِّلُهُ: لَا تُغَسِّلْ ابْنِي بِالْمَاءِ الْبَارِدِ فَتَقْتُلُهُ, فَانْطَلَقَ عُكَّاشَةُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بقولها, فتبسم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 إكاف الحمار: برذعته القاموس "أكف".
2 الثقاف:. ما تسوى به الرماح مختار الصحاح "ثقف".
3 3 في "ر" "بدعوة الإسلام" وفي "ط" "يدعو للإسلام".
4 أحمد "26999" النسائي "4/29".(10/334)
فَقَالَ طَالَ عُمْرُهَا قَالَتْ: فَلَا أَعْلَمُ امْرَأَةً عُمِّرَتْ مَا عُمِّرَتْ. أَبُو الْحَسَنِ تَفَرَّدَ عَنْهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ الْإِمَامُ. وَلِمُسْلِمٍ1 مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِيَتِيمَةٍ كَانَتْ عِنْدَ أُمِّ سُلَيْمٍ "لَقَدْ كَبِرْت لَا كَبِرَ سِنُّك" وَأَنَّهَا قَالَتْ لِأُمِّ سُلَيْمٍ وَإِنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ ذَكَرَتْهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ وَقَالَ "يَا أُمَّ سُلَيْمٍ أَتَعْلَمِينَ أَنِّي اشْتَرَطْت عَلَى رَبِّي فَقُلْت: إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ, وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ, فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْت عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ أَنْ تَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً" وَدَعَا لِأَنَسٍ بِطُولِ الْعُمُرِ2.
وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأُمِّ حَبِيبَةَ لَمَّا سَأَلَتْ أَنْ يُمَتِّعَهَا اللَّهُ بِزَوْجِهَا عَلَيْهِ السَّلَامُ وَابْنِهَا وَأَخِيهَا " إنَّكِ سَأَلْتِ اللَّهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ, وَآثَارٍ مَوْطُوءَةٍ, وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ, لَا يُعَجَّلُ مِنْهَا شَيْءٌ قَبْلَ أَجَلِهِ, وَلَا يُؤَخَّرُ مِنْهَا شَيْءٌ بَعْدَ أَجَلِهِ, فَلَوْ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا" رَوَاهُ مُسْلِمٌ3, فَلَمْ يَنْهَ وَلَمْ يَقُلْ إنَّ الدُّعَاءَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي زِيَادَةِ الْعُمُرِ, وَإِنَّمَا أَرْشَدَ إلَى الْأَفْضَلِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ. لَكِنْ رَوَى أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ4 مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ "لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إلا الدعاء, لا يزيد في العمر
__________
1 في صحيحه "2603" "95".
2 أخرجه البخاري في الأدب المفرد عن أنس قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدخل علينا أهل البيت فدخل يوما فدعا لنا فقالت أم سليم خويدمك ألا تدعو له؟ قال: "اللهم أكثر ماله وولده وأطل حياته واغفرله" الحديث.
3 في صحيحه "2663" "33".
4 أحمد "22413" ابن ماجه "4022".(10/335)
إلَّا الْبِرُّ" إسْنَادُهُ ثِقَاتٌ, رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ1 مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ, وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَلَمْ يَكْرَهْ أَحْمَدُ: فِدَاك أَبِي وَأُمِّي لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا2, وَكَرِهَ: جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَك, لِمَا سَبَقَ. وَلِمُسْلِمٍ3 مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: إنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ, جَعَلَنَا اللَّهُ فِدَاءَك, وَمَاذَا يَصْلُحُ لَنَا مِنْ الْأَشْرِبَةِ؟ وَالْحَدِيثُ وَفِدَاك بكسر الفاء وبالمد.
وَتُحَرَّمُ الْبُدَاءَةُ بِالسَّلَامِ, وَفِي الْحَاجَةِ احْتِمَالٌ, نَقَلَ أَبُو دَاوُد فِيمَنْ لَهُ حَاجَةٌ إلَيْهِ: لَا يُعْجِبُنِي, وَمِثْلُهُ: كَيْفَ أَنْتَ أَوْ أَصْبَحْت أَوْ حَالُك. نَصَّ عَلَيْهِ, وَجَوَّزَهُ شَيْخُنَا, وَيَتَوَجَّهُ بِالنِّيَّةِ, كَمَا قَالَ لَهُ: الْحَرْبِيُّ تَقُولُ أَكْرَمَك اللَّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ, يَعْنِي بِالْإِسْلَامِ, وَيَجُوزُ: هَدَاك اللَّهُ, زَادَ أَبُو الْمَعَالِي: وَأَطَالَ بَقَاءَك وَنَحْوَهُ. وَإِنْ سَلَّمَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ ذِمِّيٌّ اُسْتُحِبَّ قَوْلُهُ لَهُ: رُدَّ عَلَيَّ سَلَامِي. وَإِنْ سَلَّمَ أَحَدُهُمْ لَزِمَ رَدُّ: عَلَيْكُمْ أَوْ عَلَيْك وَهَلْ الْأَوْلَى الْوَاوُ؟ وَفِيهِ وَجْهَانِ "م 1" وَعِنْدَ شَيْخِنَا يَرُدُّ تَحِيَّتَهُ, وَأَنَّهُ يَجُوزُ: أَهْلًا أَهْلًا وَسَهْلًا, وَكَرِهَ أحمد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 1 " قَوْلُهُ: وَهَلْ الْأَوْلَى الْوَاوُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
"أَحَدُهُمَا" الْإِتْيَانُ بِالْوَاوِ أَوْلَى; وَهُوَ الصَّحِيحُ, وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ, قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَتَبِعَهُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَاخْتَارَ أَصْحَابُنَا بِالْوَاوِ, انْتَهَى, وَبِهِ قَطَعَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ
__________
1 في سننه "2139".
2 البخاري "2905" مسلم "2411" "41" وأحمد "1409" من حديث سعد بن أبي وقاص.
3 في صحيحه "28" "18".(10/336)
مُصَافَحَتَهُ, قِيلَ لَهُ: فَإِنْ عَطَسَ يَقُولُ لَهُ: يَهْدِيكُمْ اللَّهُ؟ قَالَ أَيَّ شَيْءٍ يُقَالُ لَهُ؟ كَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِبَّهُ كَمَا لَا يُسْتَحَبُّ بُدَاءَتَهُ بِالسَّلَامِ: وَعَنْ أَبِي مُوسَى: إنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَاءَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ يَرْحَمكُمْ اللَّهُ فَكَانَ يَقُولُ لَهُمْ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ1 وَصَحَّحَهُ. وَقَالَ شَيْخُنَا: فِيهِ الرِّوَايَتَانِ, قَالَ: وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي: يُكْرَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ, وَابْنِ عَقِيلٍ إنَّمَا نفى الاستحباب.
وإن شمته2 كافر أجابه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْكَافِي3 وَالْمُقْنِعِ4 وَالْهَادِي وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ4 وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَالْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَمُنَوِّرِهِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ, قَالَ فِي "بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ" و "أَحْكَامِ الذِّمَّةِ" لَهُ: وَالصَّوَابُ إثْبَاتُ الْوَاوِ, وَبِهِ جَاءَتْ أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ, وَذَكَرَهَا الثِّقَاتُ الْأَثْبَاتُ, انْتَهَى.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي": الْأَوْلَى عَدَمُ الْوَاوِ, وَبِهِ قَطَعَ فِي الْإِرْشَادِ5 وَالْمُحَرَّرِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ.
"قُلْت": وَتَتَوَجَّهُ التَّسْوِيَةُ, لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ عَنْ الْمَعْصُومِ صحت بهذا وبهذا.
__________
1 أحمد "19684" أبو داود "5038" النسائي في الكبرى "10061" الترمذي "2739".
2 في الأصل "شتمه".
3 "5/600".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/460".
5 ص "540".(10/337)
وَيُمْنَعُونَ مِنْ إحْدَاثِ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ, ذَكَرَهُ شَيْخُنَا إجْمَاعًا, إلَّا فِيمَا شَرَطُوهُ فِيمَا فُتِحَ صُلْحًا عَلَى أَنَّهُ لَنَا.
وَفِي لُزُومِ هَدْمِ الْمَوْجُودِ فِي عَنْوَةٍ وَقْت فَتْحِهِ1 وَجْهَانِ "م 2" وَهُمَا فِي التَّرْغِيبِ إنْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ أَحَدٌ بِجِزْيَةٍ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْ, قَالَ شَيْخُنَا: وَبَقَاؤُهُ لَيْسَ تَمْلِيكًا, فَنَأْخُذُهُ لِمَصْلَحَةٍ, وَقَالَهُ أَيْضًا فِي مُشْتَبَهٍ: كَمَا لَمْ يَمْلِكْ أَهْلُ خَيْبَرَ الْمَعَابِدَ, وَكَغَيْرِهَا. وَقَالَ: لَوْ انْقَرَضَ أَهْلُ مِصْرَ وَلَمْ يَبْقَ مَنْ دَخَلَ فِي عَهْدِهِمْ فَلَنَا الْعَقَارُ وَالْمَنْقُولُ وَالْمَعَابِدُ فَيْئًا.
فَإِنْ عَقَدَ لِغَيْرِهِمْ ذِمَّةً فَكَعَقْدِ مُبْتَدَإٍ, فَإِنْ انْتَقَضَ فَكَمَفْتُوحٍ عَنْوَةً, وَقَالَ: وَقَدْ أَخَذَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ كَنَائِسَ كَثِيرَةً مِنْ أَرْضِ الْعَنْوَةِ, وَلَيْسَ فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ, فَعَلِمَ أَنَّ هَدْمَ كَنَائِسِ الْعَنْوَةِ جَائِزٌ مَعَ عَدَمِ الضَّرَرِ عَلَنًا, فَإِعْرَاضُ مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُمْ كَانَ لِقِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الأسباب,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 2" قَوْلُهُ: "وَفِي لُزُومِ هَدْمِ الْمَوْجُودِ فِي عَنْوَةٍ وَقْتَ فَتْحِهِ وَجْهَانِ" انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي2 وَالشَّرْحِ3.
"أَحَدُهُمَا" لَا يَلْزَمُ هَدْمُهُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ, وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي4, وَإِلَيْهِ مَيْلُهُ فِي الْمُغْنِي2 وَالشَّرْحِ3.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" يلزم, قدمه ابن رزين في شرحه.
__________
1 في "ر" "فتحها".
2 "13/240".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/460".
4 "5/602".(10/338)
كَمَا أَعْرَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْيَهُودِ حَتَّى أَجَلَاهُمْ عُمَرُ1.
وَوَلِيُّ الْأَمْرِ إذَا حَكَمَ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ "ع". وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ ظَالِمٌ وَجَبَتْ عُقُوبَتُهُ.
وَلَا يَجُوزُ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ أَنْ يَفْعَلُوا شَيْئًا بِغَيْرِ أَمْرِ وَلِيِّ الْأَمْرِ. قَالَ فِي الْفُنُونِ فِي بَيْتٍ من بيوت نيران المجوس: هو للمجوس مهما2 بَقِيَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ فِي الْمَكَانِ, سَوَاءٌ كَانَ من أهل ذلك المكان أَوْ لَا, لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: "سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ"3 وَالنَّصَارَى إذَا كَانَتْ لَهُمْ بِيعَةٌ فَانْقَرَضَ أَهْلُ الصُّقْعِ وَجَاءَ قَوْمٌ مِنْ النَّصَارَى يُقِيمُونَ بِهَا لَمْ نَمْنَعْهُمْ وَلَا نُخَرِّبْهَا وَلَا تُسَلَّمْ إلَى غَيْرِهِمْ.
وَهَذَا وَجْهٌ ثَالِثٌ يُمْنَعُ الْهَدْمُ, وَفِي الرِّعَايَةِ: هُوَ أَشْهَرُ, كَذَا قَالَ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مَا فِي السَّوَادِ مِنْ الْبِيَعِ فَمُحْدَثٌ يُهْدَمُ إلَّا الْحِيرَةَ وَبَانِقْيَا وَبَنِي صَلُوبَا, فَإِنَّهُمْ صُولِحُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يَخْرُجُوا, وَمَا كَانَ مِنْ صُلْحٍ أُقِرُّوا عَلَى صُلْحِهِمْ, وَكُلُّ مِصْرٍ مَصَّرَهُ الْعَرَبُ فَلَيْسَ لِلْعَجَمِ أَنْ يَبْنُوا فِيهِ بِيعَةً, وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ4.
وَلَهُمْ رَمُّ مَا تَشَعَّثَ مِنْهَا, وَعَنْهُ: وبناؤها إذا انهدمت, وعنه: منعهما,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه البخاري "2730" من حديث ابن عمر رضي الله عنه.
2 في "ط" "ما".
3 أخرجه مالك في الموطأ "1/278".
4 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "9/202" عن ابن عباس قال: أيما مصر أعده الْعَرَبُ فَلَيْسَ لِلْعَجَمِ أَنْ يَبْنُوا فِيهِ بِيعَةً أو قال كنيسة ولا يضربوا فيه ناقوسا ولا يدخلوا فيه خمرا ولا خنزيرا.(10/339)
اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ, قَالَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ, كَمَنْعِ الزِّيَادَةِ, قَالَ شَيْخُنَا: وَلَوْ فِي الْكَيْفِيَّةِ, وَقَالَ: لَا أَعْلَى وَلَا أَوْسَعَ, اتِّفَاقًا, وَقِيلَ: إنْ جَازَ بِنَاؤُهَا جَازَ بِنَاءُ بِيعَةٍ مُتَهَدِّمَةٍ بِبَلَدٍ فَتَحْنَاهُ.
وَيُمْنَعُونَ مِنْ تَعْلِيَةِ بِنَاءٍ عَلَى جَارٍ مُسْلِمٍ لَاصِقَةٍ أَوْ لَا وَلَوْ رَضِيَ الْجَارُ, قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَأَبُو الْوَفَاءِ: لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى, زَادَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ يَدُومُ عَلَى دَوَامِ الْأَوْقَاتِ, وَرِضَاهُ يُسْقِطُ حَقَّ مِنْ يُحَدِّثُ بَعْدَهُ, فَدَلَّ أَنَّ قِسْمَةَ الْوَقْفِ قِسْمَةَ مَنَافِعَ لَا تَلْزَمُ لِسُقُوطِ حَقِّ مَنْ يُحَدِّثُ.
قَالَ شَيْخُنَا: أَوْ كَانَ الْبِنَاءُ لِمُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ, لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ اجْتِنَابُ الْمُحَرَّمِ إلَّا بِاجْتِنَابِهِ فَمُحَرَّمٌ, وَيَجِبُ هَدْمُهُ, وَفِي مُسَاوَاتِهِ وَجْهَانِ "م 3" لَوْ مَلَكُوا مِنْهُ دَارًا عَالِيَةً أَوْ بَنَى مُسْلِمٌ عندهم دارا دونهم فلا تغيير في الأصح وبناء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 3" قَوْلُهُ: "وَفِي مُسَاوَاتِهِ وَجْهَانِ", انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي1 وَالْمُقْنِعِ2 وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ2 وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ, والنظم والرعايتين والحاويين وغيرهم
"أَحَدُهُمَا" لَا يَمْنَعُونَ, قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَلَا يَعْلُونَ عَلَى جَارٍ مُسْلِمٍ, وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" يَمْنَعُونَ, جَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي نهايته وناظمها, والآدمي في منوره.
__________
1 "5/601".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/458".(10/340)
مُتَهَدِّمَةٍ عَالِيَةٍ كَبِيعَةٍ, وَالْمُتَهَدِّمُ مِنْهَا1 ظُلْمًا كَهَدِّهِ بِنَفْسِهِ, وَقِيلَ: يُعَادُ, وَهُوَ أَوْلَى, وَلَوْ سَقَطَ هَذَا الْبِنَاءُ الَّذِي يَجِبُ إزَالَتُهُ عَلَى شَيْءٍ أَتْلَفَهُ فَيَتَوَجَّهُ الضَّمَانُ وَأَنَّهُ مُقْتَضَى مَا ذَكَرُوهُ..
وَيُمْنَعُونَ وُجُوبًا إظْهَارَ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ, فَإِنْ فَعَلَا أَتْلَفْنَاهُمَا وَإِلَّا فَلَا, نَصَّ عَلَيْهِ. وَسَبَقَ أَوَّلُ الْغَصْبِ2. وَإِظْهَارُ عِيدٍ وَصَلِيبٍ وَضَرْبُ نَاقُوسٍ وَرَفْعُ صَوْتٍ بِكِتَابٍ أَوْ عَلَى مَيِّتٍ. وَقَالَ شَيْخُنَا: وَمِثْلُهُ إظْهَارُ أَكْلٍ فِي رَمَضَانَ, وَنَصَّ أَحْمَدُ: لَا يَضْرِبُونَ بِنَاقُوسٍ, وَمُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: إظْهَارُهُ, قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا: وَيُمْنَعُ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلذِّمَّةِ فِيمَا لَمْ يَظْهَرُوا, مَعَ أَنَّهُ فِي مَكَان آخَرَ "قَالَ"3: يُمْنَعُونَ مِنْ ضَرْبِ النَّاقُوسِ وَإِظْهَارِ الْخَنَازِيرِ4, 5وَظَاهِرُهُ: لَيْسَ لَهُمْ إظْهَارُ شَيْءٍ مِنْ شَعَائِرِ دِينِهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا وَقْتَ الِاسْتِسْقَاءِ وَلَا لِقَاءِ الْمُلُوكِ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ, وَقَالَهُ شَيْخُنَا5.
وَإِنْ صُولِحُوا فِي بَلَدِهِمْ بِجِزْيَةٍ أَوْ خَرَاجٍ لَمْ يُمْنَعُوا شَيْئًا مِمَّا تَقَدَّمَ كَأَهْلِ الْهُدْنَةِ, وَقَالَ أَحْمَدُ: مَا مَصَّرَهُ الْعَرَبُ أَوْ فُتِحَ عَنْوَةً فَلَيْسَ لِلْعَجَمِ أَنْ يَضْرِبُوا فِيهِ نَاقُوسًا أَوْ يَشْرَبُوا خَمْرًا أَوْ يتخذوا فيه خنزيرا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "منهما".
2 "4/492".
3 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
4 في "ر" "الجنائز".
5 5 ليست في الأصل.(10/341)
فَصْلٌ: وَيُمْنَعُونَ مَقَامَ الْحِجَازِ,
وَهُوَ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَخَيْبَرَ وَالْيَنْبُعُ وَفَدَكُ وَمَخَالِيفُهَا1. وَقَالَ شَيْخُنَا: مِنْهُ تَبُوكُ وَنَحْوَهَا, وَمَا دُونَ الْمُنْحَنَى وَهُوَ عُقْبَةُ الصَّوَّانُ مِنْ الشَّامِ, كَمَعَّانٍ, قَالَ: وَمَنْ سَمَّى مَنْ قَصَدَ مِنْهُمْ كَنِيسَةً حَاجًّا أَوْ قَالَ حَجَّ الْمُشَاهَدُ عُزِّرَ بِمَا يَرْدَعُهُ إلَّا أَنْ يُسَمَّى حَجًّا بِقَيْدٍ كَحَجِّ الْكُفَّارِ وَحَجِّ الضَّالِّينَ.
وَلَهُمْ دُخُولُهُ2 وَالْأَصَحُّ بِإِذْنِ إمَامٍ لِتِجَارَةٍ, وَلَا يُقِيمُوا بِمَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ, وَقِيلَ: فَوْقَ أَرْبَعَةٍ إلَّا لِمَرَضٍ, فَإِنْ مَاتَ دفن به, وفيه وجه. ويمنعون دخول الحرم نص عليه, مطلقا, وقيل: إلَّا لِضَرُورَةٍ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: إلَّا لِحَاجَةٍ, كَغَيْرِهِ "م 4".
وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ, وَيُعَزَّرُ وَيُنْبَشُ إنْ دُفِنَ بِهِ إلَّا أَنْ يَبْلَى, وَلَمْ يستثنه في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 4" قَوْلُهُ: "وَيَمْنَعُونَ دُخُولَ الْحَرَمِ, نَصَّ عَلَيْهِ, مُطْلَقًا, وَقِيلَ: إلَّا لِضَرُورَةٍ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: إلَّا لِحَاجَةٍ كَغَيْرِهِ", انْتَهَى.
الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَدَمُ الْجَوَازِ مُطْلَقًا, وَإِذَا قُلْنَا بِالْجَوَازِ فَهَلْ لِلضَّرُورَةِ أَمْ لِلْحَاجَةِ؟ أُطْلِقَ الْخِلَافُ.
"أَحَدُهُمَا" لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ, قَطَعَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ, وَحَكَاهُ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ, وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ.
"وَالْقَوْلُ الثَّانِي" يَجُوزُ للحاجة أيضا, اختاره ابن الجوزي وغيره.
__________
1 أي ما ولاها من القرى المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/469".
2 في الأصل "دخول مكة".(10/342)
التَّرْغِيبِ وَلَا يَدْخُلُهُ لِيُسْلِمَ فِيهِ, وَلَا تَاجِرٌ وَلَا رَسُولٌ مُطْلَقًا, وَلَا بِعِوَضٍ, فَإِنْ اسْتَوْفَاهُ أَوْ بَعْضَهُ مَلَكَهُ, وَقِيلَ: يَرُدُّهُ, وَقِيلَ: لَهُمْ دُخُولُهُ, وَأَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ, كَحَرَمِ الْمَدِينَةِ, فِي الْأَشْهَرِ, وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ: يُمْنَعُ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا الْحَرَمِ, لِظَاهِرِ الْآيَةِ1.
وَلَيْسَ لكافر دخول مسجد. وَعَنْهُ: يَجُوزُ, كَاسْتِئْجَارِهِ لِبِنَائِهِ, ذَكَرَهُ الشَّيْخُ الْمَذْهَبُ, ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَهَا, وَمِنْهُمْ مِنْ قَالَ: لِمَصْلَحَةٍ, وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بِإِذْنِ مُسْلِمٍ, وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَهُمَا مَعًا2, وَكَلَامُ الْقَاضِي يَقْتَضِي3: يَجُوزُ لِيَسْمَعُوا الذَّكَرَ فَتَرِقُّ قُلُوبُهُمْ وَيُرْجَى إسْلَامُهُمْ. وَاحْتَجَّ بما رواه 4أحمد و4أَبُو دَاوُد5 وَالْإِسْنَادُ جَيِّدٌ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ: أَنَّ وَفْدَ ثَقِيفٍ قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَهُمْ الْمَسْجِدَ لِيَكُونَ أَرَقَّ لِقُلُوبِهِمْ, وَاشْتَرَطُوا أَنْ لَا يُحْشَرُوا وَلَا يُعْشَرُوا وَلَا يُجْبُوا, فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَا يُحْشَرُوا وَلَا يُعْشَرُوا وَلَا خَيْرَ فِي دِينٍ لَا رُكُوعَ فِيهِ" وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ شَرَطَ الْمَنْعَ فِي عَقْدِ ذِمَّتِهِمْ مُنِعُوا, وَإِنْ كَانَ جنبا فوجهان "م 5" وإن قصدوا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 5" قَوْلُهُ: "فَإِنْ كَانَ جُنُبًا فَوَجْهَانِ" انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي باب الغسل,
__________
1 وهي قوله تعالى: {وا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28]
2 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
3 ليست في الأصل.
4 4 ليست في "ط".
5 أحمد "17013" أبو داود "3026".
قوله: "لا تحشروا" معناه: الحشر في الجهاد والتفير له وقوله: "أن لا تعشروا" معناه: الصدقة أي لا يؤخذ عشر أموالهم وقوله: أن لا يجبوا" معناه: لا يصلوا أصل التجبية: أن يكب الإنسان على مقدمه ميرفع مؤخره معالم السنن "3/34".(10/343)
اسْتِبْدَالَهَا بِأَكْلٍ وَنَوْمٍ مُنِعُوا ذَكَرَهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ. وَلِأَحْمَدَ1 عَنْ أَسْوَدَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا "لَا يَدْخُلُ مَسْجِدَنَا بَعْدَ عَامِنَا هَذَا غَيْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَخَدَمِهِمْ" قِيلَ: لَمْ يَسْمَعْ الْحَسَنُ مِنْ جَابِرٍ, وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ, فَيَكُونُ رِوَايَةً بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْكِتَابِيِّ وَغَيْرِهِ. قَالَهُ "هـ" في الكل.
وَتَجُوزُ عِمَارَةُ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكِسْوَتُهُ وَإِشْعَالُهُ بِمَالِ كُلِّ كَافِرٍ, وَأَنْ يَبْنِيَهُ بِيَدِهِ, ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي وَقْفِهِ عَلَيْهِ وَوَصِيَّتِهِ لَهُ, فَيَكُونُ عَلَى هَذَا الْعِمَارَةُ فِي الْآيَةِ وَدُخُولُهُ وَجُلُوسُهُ فِيهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ خَبَرُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَرْفُوعُ "إذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ, فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} " [التوبة: 18] الْآيَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ2 وَحَسَّنَهُ مِنْ رِوَايَةِ دَرَّاجٍ أَبِي السَّمْحِ, وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ مَعْنَى الْآيَةِ: مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يتركوا3 فيكونوا أهل المسجد الحرام.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى فِي مَوَاضِعِ الصَّلَاةِ, وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ.
"أَحَدُهُمَا" لَا يَمْنَعُونَ, "قُلْت": وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ, لِإِطْلَاقِهِمْ الْجَوَازَ, وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَخْلُو عَنْ جَنَابَةٍ, وَلَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا مِنْهُمْ قَالَ بِاسْتِفْسَارِهِمْ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" يَمْنَعُونَ, وَهُوَ الصَّوَابُ, لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يُمْنَعُ مِنْ اللُّبْثِ, فَهَذَا بِطَرِيقٍ أَوْلَى وَأَحْرَى
__________
1 في مسنده "15221".
2 أحمد "11651" ابن ماجه "802" الترمذي "2617".
3 في الأصل "ينزلوا".(10/344)
وَفِي الْفُنُونِ1: الْآيَةُ وَارِدَةٌ عَلَى سَبَبٍ, وَهُوَ عِمَارَةُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ, فَظَاهِرُهُ الْمَنْعُ فِيهِ فَقَطْ, لِشَرَفِهِ. وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي بِنَائِهِ وَإِصْلَاحِهِ وَدُخُولِهِ وَجُلُوسِهِ فِيهِ كِلَاهُمَا مَحْظُورٌ عَلَى الْكَافِرِ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَنْعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ, أَطْلَقَ وَلَمْ يَخُصَّ مَسْجِدًا, وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ.
وَإِنْ اتَّجَرَ ذِمِّيٌّ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ فَفِي تِجَارَتِهِ إنْ بَلَغَتْ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ وَعَنْهُ: عشرين, وقيل: وإن قلت, و2فِي التَّبْصِرَةِ عَنْ الْقَاضِي: دِينَارًا نِصْفُ الْعُشْرِ. وَفِي التَّرْغِيبِ رِوَايَةٌ: الْعُشْرُ, جَزَمَ بِهِ فِي الْوَاضِحِ, مَرَّةً فِي السَّنَةِ, وَقِيلَ: يَلْزَمُ ذِمِّيَّةً مُتَّجِرَةً بِالْحِجَازِ فَقَطْ, لِمَنْعِهَا مِنْهُ. وَعَنْهُ: يَلْزَمُ التَّغْلِبِيَّ عُشْرٌ, جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ, وَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّرِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ, وَيَمْنَعُهُ دَيْنٌ, كَزَكَاةٍ إنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ وَفِي تَصْدِيقِهِ بِأَنَّ جَارِيَةً مَعَهُ أَهْلُهُ أَوْ بِنْتُهُ وَنَحْوُهُ رِوَايَتَانِ "م 6". وَفِي الرَّوْضَةِ: لَا عُشْرَ عَنْ زَوْجَتِهِ وَسَرِيَّتِهِ. وَإِنْ اتَّجَرَ حَرْبِيٌّ إلَيْنَا وَبَلَغَتْ تِجَارَتُهُ كذمي, وقيل: نصفه, فالعشر في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 6" قَوْلُهُ "وَفِي تَصْدِيقِهِ بِأَنَّ جَارِيَةً مَعَهُ أهله أو بنته ونحوه روايتان" انتهى.
__________
1 في الأصل "عيون المسائل".
2 ليست في "ط".(10/345)
السَّنَةِ. وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْهُ: مَا لَمْ يَشْرِطْ أَكْثَرَ. وَفِي الْوَاضِحِ: الْخُمُسُ, وَذَكَرَ الشَّيْخُ: لِلْإِمَامِ تَرْكُهُ, وَذَكَر شَيْخُنَا أَنَّ أَخْذَ الْعُشُورِ مِنْ تُجَّارِ أَهْلِ الْحَرْبِ يَدْخُلُ فِي أَحْكَامِ الْجِزْيَةِ وَتَقْدِيرِهَا, عَلَى الْخِلَافِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ وَالْآمِدِيُّ: يُؤْخَذُ مِنْهُ كُلَّمَا دَخَلَ إلَيْنَا, وَقِيلَ: لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ مِيرَةٍ يَحْتَاجُ إلَيْهَا.
وَلَا يُعْشَرُ ثَمَنُ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ, وَعَنْهُ: بَلَى, جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْغُنْيَةِ, وَأَنَّهُ يُؤْخَذُ عُشْرُ ثَمَنِهِ, وَاحْتَجَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ مَا حَكَمَ بِهِ الشَّرْعُ, فَإِنَّ نَفْسَ الْعَيْنِ وَهُوَ الْحَلَالُ الْمُطْلَقُ1 طَعَامُ الْأَنْبِيَاءِ كَمَا فِي الْخَبَرِ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ2, وَيَتَخَرَّجُ تَعْشِيرُ ثَمَنِ الْخَمْرِ.
وَقَالَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ: الذِّمِّيُّ غَيْرُ التَّغْلِبِيِّ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ, وَفِي غَيْرِهَا رِوَايَتَانِ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"إحْدَاهُمَا" يُصَدَّقُ, قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى "قُلْت": وَهُوَ الصَّوَابُ, لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ, ثُمَّ وَجَدْت ابْنَ رَزِينٍ قَدَّمَهُ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ الْخَلَّالُ: هُوَ أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ" لَا يُصَدَّقُ, لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ, فَأَشْبَهَتْ بهيمته, وأطلقهما في المغني3 والشرح4 والزركشي.
__________
1 في "ر" "الطلق".
2 أخرج مسلم "1015" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون:51] وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} " [البقرة: 172] الحديث.
3 "13/233".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/484".(10/346)
"إحْدَاهُمَا": لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ غَيْرُهَا, اخْتَارَهُ شَيْخُنَا.
"وَالثَّانِيَةُ" عَلَيْهِمْ نِصْفُ الْعُشْرِ فِي أَمْوَالِهِمْ, وَعَلَى ذَلِكَ هَلْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْأَمْوَالِ الَّتِي يَتَّجِرُونَ بِهَا إلَى غَيْرِ بَلَدِنَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ:
"إحْدَاهُمَا" يَخْتَصُّ بِهَا.
"وَالثَّانِيَةُ" يَجِبُ فِي ذَلِكَ وَفِيمَا لَمْ يَتَّجِرُوا بِهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَثِمَارِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ, قَالَ: وَأَهْلُ الْحَرْبِ إذَا دَخَلُوا إلَيْنَا تُجَّارًا بِأَمَانِ أُخِذَ مِنْهُمْ الْعُشْرُ دَفْعَةً وَاحِدَةً, سَوَاءٌ عَشَرُوا أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ إذَا دَخَلَتْ إلَيْهَا1 أَمْ لَا؟ وَعَنْهُ: إنْ فَعَلُوا ذَلِكَ بِالْمُسْلِمِينَ فُعِلَ بِهِمْ وَإِلَّا فَلَا.
وَيَحْرُمُ تَعْشِيرُ الْأَمْوَالِ وَالْكُلَفِ الَّتِي ضَرَبَهَا الْمُلُوكُ عَلَى النَّاسِ "ع" ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَشَيْخُنَا, قَالَ الْقَاضِي: لَا يَسُوغُ فِيهَا اجْتِهَادٌ, وَأَفْتَى بِهِ الْجُوَيْنِيُّ الشَّافِعِيُّ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ لِلْحَاجَةِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَمَا جُهِلَ رَبُّهُ وَجَبَ صَرْفُهُ فِي الْمَصَالِحِ, كَمَغْصُوبٍ2, عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ, وَكَذَا إنْ عُلِمَ وَأَبَوْا رَدَّهُ إلَيْهِ, لِأَنَّهُ تَقْلِيلُ الظُّلْمِ, وَهَذِهِ الْكُلَفُ دَخَلَهَا التَّأْوِيلُ وَالشُّبْهَةُ لَا كَمَغْصُوبٍ, وَالتَّوَرُّعُ عَنْهَا كَالشُّبُهَاتِ, فَلَا يَفْسُقُ مُتَأَوِّلٌ, وَلَا يَجِبُ إنْكَارُهُ, وَلَكِنْ لِوَلِيٍّ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمُهُ مَنْعَ مُوَلِّيَتِهِ مِنْ التَّزْوِيجِ مِمَّنْ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا إلَّا مِنْهُ. وَقَالَ فِيمَنْ ضَمِنَهُ وَيَأْخُذُهُ وَيُعْطِيه الْجُنْدَ, وَيَخْفِرُ: إنْ حَرَسَ أهل الطريق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط" "إليها".
2 في "ط" "لمغضوب".(10/347)
وَأَخَذَ كِفَايَتَهُ جَازَ, وَأَمَّا الضَّمَانُ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْجُنْدُ وَلَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ فَدَرْكُهُ1 عَلَى غَيْرِهِ, ولكن يلزمه نصح المسافر وحفظ ماله.
__________
1 الدرك بالفتح ويسكن التبعة القاموس "درك".(10/348)
فصل: وَإِنْ تَحَاكَمَ إلَيْنَا ذِمِّيَّانِ فَعَنْهُ يَلْزَمُ الْحُكْمُ, وَالْإِعْدَاءُ ,
كَذِمِّيٍّ وَمُسْلِمٍ, وَعَنْهُ: إنْ اخْتَلَفَتْ الْمِلَّةُ, وَعَنْهُ: يُخَيَّرُ إلَّا فِي حَقِّ آدَمِيٍّ, وَالْأَشْهَرُ: وَفِيهِ كَمُسْتَأْمَنِينَ, فَيَحْكُمُ وَيُعَدِّي بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا "م 7" وعنه: باتفاقهما,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 7" قَوْلُهُ "وَإِنْ تَحَاكَمَ إلَيْنَا ذِمِّيَّانِ فَعَنْهُ يَلْزَمُ الْحُكْمُ, وَالْإِعْدَاءُ كَذِمِّيٍّ وَمُسْلِمٍ وَعَنْهُ: إنْ اخْتَلَفَتْ الْمِلَّةُ, وَعَنْهُ يُخَيَّرُ إلَّا فِي حَقِّ آدمي, والأشهر: وفيه كمستأمنين, فيحكم ويعدي بطلب أَحَدِهِمَا" انْتَهَى.
"إحْدَاهُنَّ": يَلْزَمُ الْحُكْمُ وَالْإِعْدَاءُ قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ" يَلْزَمُهُ إنْ اخْتَلَفَتْ الملة وإلا خير.
"والرواية الثالثة": إن تطالبوا2 فِي حَقِّ آدَمِيٍّ لَزِمَ الْحُكْمُ, وَإِلَّا فَهُوَ مُخَيَّرٌ, قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي.
وَالرِّوَايَةُ الرَّابِعَةُ": يُخَيَّرُ فِي حَقِّ آدَمِيٍّ وَغَيْرِهِ: قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الْأَشْهَرُ, وَكَذَا قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ, قَالَ الزَّرْكَشِيّ: هُوَ الْمَشْهُورُ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ3 وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي4 والشرح3
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
2 في "ط" "تقاتلوا".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/491".
4 "13/250".(10/348)
كَمُسْتَأْمَنِينَ. وَفِي الرَّوْضَةِ فِي إرْثِ الْمَجُوسِ: يُخَيَّرُ إذَا تَحَاكَمُوا إلَيْنَا وَاحْتَجَّ بِآيَةِ التَّخْيِيرِ1, وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ عَلَى الْخِلَافِ, لِأَنَّهُمْ ذِمَّةٌ, وَيَلْزَمُهُمْ حُكْمُنَا لَا شَرِيعَتُنَا هَذِهِ الشَّرِيعَةُ, وَإِنْ لَمْ يَتَحَاكَمُوا إلَيْنَا فَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَتَّبِعَ شَيْئًا مِنْ أُمُورِهِمْ وَلَا يُدْعَوْنَ إلَى حُكْمِنَا أصلا2. نص على الكل.
وَلَا يُحَضِّرَ يَهُودِيًّا يَوْمَ سَبْتٍ, ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْ لِبَقَاءِ تَحْرِيمِهِ عَلَيْهِ, وَفِيهِ وَجْهَانِ, أَوْ مُطْلَقًا لِضَرَرِهِ بِإِفْسَادِ سَبْتِهِ, وَلِهَذَا لَا تُكْرَهُ امْرَأَتُهُ عَلَى إفْسَادِهِ مَعَ تَأَكُّدِ حَقِّهِ "م 8 و 9", وقال 3ابن عقيل3: يحتمل أن السبت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ "قُلْت": وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ من المذهب.
"مَسْأَلَةٌ 8 و 9" قَوْلُهُ "وَلَا يُحْضِرُ يَهُودِيًّا يَوْمَ سَبْتِهِ, ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ, أَيْ لِبَقَاءِ تَحْرِيمِهِ عَلَيْهِ, وَفِيهِ وَجْهَانِ, أَوْ مُطْلَقًا, لِضَرَرِهِ بِإِفْسَادِ سَبْتِهِ, وَلِهَذَا لَا يُكْرِهُ امْرَأَتَهُ عَلَى إفْسَادِهِ مَعَ تَأَكُّدِ حَقِّهِ" انْتَهَى, فِي ضِمْنِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَسْأَلَتَانِ4.
"الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 8" إذَا قُلْنَا: لَا يُحْضِرُ الْيَهُودِيَّ يَوْمَ السَّبْتِ, فَهَلْ ذَلِكَ لِأَجْلِ بَقَاءِ تَحْرِيمِهِ عَلَيْهِمْ أَوْ مُطْلَقًا لِضَرَرِهِ بِإِفْسَادِ سَبْتِهِ؟ تَرَدَّدَ الْمُصَنِّفُ فِي ذَلِكَ: "قُلْت": الصَّوَابُ فِي ذَلِكَ أَنَّ عَدَمَ إحْضَارِهِ فِيهِ مُطْلَقًا, أَغْنَى سَوَاءٌ قُلْنَا بِبَقَاءِ تَحْرِيمِهِ أَوْ لِضَرَرِهِ بِإِفْسَادِهِ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ وَيَحْتَمِلُ أنه لبقاء تحريمه عليهم.
__________
1 هي قوله تعالى {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42]
2 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
3 3 ليست في الأصل و"ط".
4 في النسخ الخطية "مسألتين" والصواب ما أثبتناه.(10/349)
مُسْتَثْنًى مِنْ عَمَلٍ فِي إجَارَةٍ. قَالَ أَحْمَدُ1: حَدَّثَنَا يَزِيدُ أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَمَةَ يُحَدِّثُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ الْمُرَادِيِّ قَالَ: قَالَ يَهُودِيٌّ لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ بِنَا إلَى هَذَا النَّبِيِّ حتى نسأله عن هذه الآية {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [الإسراء: 101] فَقَالَ: لَا تَقُلْ لَهُ نَبِيٌّ, فَإِنَّهُ لَوْ سَمِعَك لَصَارَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنٍ. فَسَأَلَاهُ, فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَا تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا, وَلَا تَسْرِقُوا, وَلَا تَزْنُوا, وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ, وَلَا تَسْحَرُوا, وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا, وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إلَى ذِي سُلْطَانٍ لِيَقْتُلَهُ, وَلَا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً أَوْ قَالَ: لَا تَفِرُّوا مِنْ الزَّحْفِ. شُعْبَةُ الشَّاكُّ وَأَنْتُمْ يَهُودُ عَلَيْكُمْ خَاصَّةً أَنْ لَا تَعْدُوَا فِي السَّبْتِ" فَقَبَّلَا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ, وَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّك نَبِيٌّ, قَالَ "فَمَا يَمْنَعُكُمَا أن تتبعاني" قالا: إن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 9" هَلْ تَحْرِيمُ السَّبْتِ بَاقٍ مُسْتَمِرٍّ عَلَيْهِمْ إلَى الْآنَ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ, قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ 2وَشَرْحِهِ وَالنَّظْمِ2 وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ: وَفِي بَقَاءِ تَحْرِيمِ السَّبْتِ عَلَيْهِمْ وَجْهَانِ انْتَهَى, قَالَ النَّاظِمُ: وَفَائِدَتُهَا3 حِلُّ صَيْدِهِ فِيهِ وَعَدَمِهِ, انْتَهَى. "قُلْت": وَكَذَا مِنْ فَائِدَتِهَا3 مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ إحْضَارِهِمْ عَلَى رَأْيٍ.
"أَحَدُهُمَا" تَحْرِيمُهُ بَاقٍ عَلَيْهِمْ, 4وَيَحْمِلُهُ كَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ4 "قُلْت": وَظَاهِرُ حَالِهِمْ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ 4وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا بَيِّنَاهُ4.
"والوجه الثاني" انتفى التحريم عنهم.
__________
1 في المسند "18092".
2 2 في "ط" "وشرحه والنظم".
3 في "ط" "فائدتها".
4 4 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".(10/350)
دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَامُ دَعَا أَنْ لَا يَزَالَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ, فَإِنَّا نَخْشَى إنْ أَسْلَمْنَا أَنْ تَقْتُلَنَا يَهُودُ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ1 وَصَحَّحَهُ, وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَمَةَ تَكَلَّمَ فِيهِ. وَحَدِيثُهُ حَسَنٌ, وَجُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَاتِ الْمُعْجِزَاتِ وَالدَّلَالَاتِ, وَهِيَ الْعَصَا وَالْيَدُ وَالطُّوفَانُ وَالْجَرَادُ وَالْقُمَّلُ وَالضَّفَادِعُ وَالدَّمُ, فِي الثَّامِنِ وَالتَّاسِعِ أَقْوَالٌ.
وَلَا يَحْكُمُ إلَّا بِالْإِسْلَامِ.
وَإِنْ تَعَاقَدُوا عُقُودًا فَاسِدَةً ثُمَّ أَسْلَمُوا أَوْ أَتَوْنَا وَتَقَايَضُوا2 مِنْ الطَّرَفَيْنِ لَمْ نَفْسَخْهُ وَنُعَامِلُهُمْ وَنَقْبِضُ ثَمَنَهُ مِنْهُمْ3 وَإِلَّا فَسَخْنَاهُ, وَقِيلَ: إنْ ارْتَفَعُوا بَعْدَ أَنْ أَلْزَمَهُمْ حَاكِمُهُمْ بِالْقَبْضِ نَفَّذَ وَهَذَا لِالْتِزَامِهِمْ بِحُكْمِهِ, لَا لُزُومِهِ لَهُمْ, كَقَوْلِ الْمَاوَرْدِيُّ, وَالْأَشْهَرُ: لَا, لِأَنَّ حُكْمَهُ لَغْوٌ لِعَدَمِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ.
وَعِنْدَ "هـ" يَجُوزُ أَنْ يُقَلَّدَ الْكَافِرُ الْقَضَاءَ بَيْنَ أَهْلِ دِينِهِ, وَهَذَا لَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَةُ النَّاسِ3, بَلْ قَدْ يَقَعُ تَقْلِيدُ رِيَاسَةٍ وَزَعَامَةٍ, وَعَنْهُ: فِي الْخَمْرِ الْمَقْبُوضَةِ دُونَ ثَمَنِهَا يَدْفَعُهُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ أَوْ وَارِثِهِ, بِخِلَافِ خِنْزِيرٍ لحرمة عينه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 النسائي "7/111" الترمذي "2733".
2 في "ط" "تقايضوا".
3 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".(10/351)
وَإِنْ أَسْلَمَ الْوَارِثُ فَلَهُ الثَّمَنُ, قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعَبِ وَالْمُبْهِجِ وَالتَّرْغِيبِ, لِثُبُوتِهِ قَبْلَ إسْلَامِهِ, نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد وَاحْتَجَّ بِهِ فِي الِانْتِصَارِ بِأَنَّهَا تُضْمَنُ وَأَنَّهَا مَالٌ لَهُمْ. قَالَ أَحْمَدُ: مَا يُعْجِبنِي الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ فِي خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ وَنَحْوِهِ, وَيَحْكُمُ فِي ثَمَنِهِ, وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: يَسْتَحْلِفُهُمْ بِالْكَنِيسَةِ وَيَغْلُظُ عَلَيْهِمْ بِمَا يُعَظِّمُونَ بِهِ وَبِاَللَّهِ, وَإِذَا حَضَرَ عِنْدَهُ وَوَجَبَتْ الْيَمِينُ لَمْ يَجُزْ إرْسَالُهُ إلَيْهِمْ يُحَلِّفُونَهُ, وَإِنْ حَلَّفُوهُ ثُمَّ جَاءُوا قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إلَيْهِ بِأَيْمَانِهِمْ أَجُزْأَهُ.
وَإِنْ تَبَايَعُوا بِرِبًا فِي سُوقِنَا مُنِعُوا, لِأَنَّهُ عَائِدٌ بِفَسَادِ نَقْدِنَا, وَكَذَا إنْ أَظْهَرُوا بَيْعَ مَأْكُولٍ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ, كَشِوَاءٍ, مُنِعُوا, ذَكَرَهُ الْقَاضِي, وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّمُوا الرَّمْيَ, وَظَاهِرُهُ: لَا فِي غَيْرِ سُوقِنَا, أَيْ إنْ اعْتَقَدُوا حِلَّهُ. وَفِي الِانْتِصَارِ لَوْ اعْتَقَدُوا بَيْعَ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ يَتَخَرَّجُ أَنْ يُقَرُّوا عَلَى وَجْهٍ لَنَا.
وَمَنْ أَبَى بَذْلَ الْجِزْيَةِ أَوْ الصِّغَارَ قَالَهُ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ أَوْ الْتِزَامَ حُكْمِنَا, أَوْ قَاتَلَنَا, وَالْأَشْهَرُ: أَوْ لَحِقَ بِدَارِ حَرْبٍ مُقِيمًا بِهَا1. انْتَقَضَ عَهْدُهُ, وَإِنْ ذَكَرَ اللَّهَ أَوْ كِتَابَهُ أَوْ دِينَهُ أَوْ رَسُولَهُ بِسُوءٍ, أَوْ تَجَسَّسَ لِلْكُفَّارِ أَوْ آوَى جَاسُوسًا, أَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا أَوْ فَتَنْهَ عَنْ دِينِهِ, أَوْ قَطَعَ عَلَيْهِ الطَّرِيقَ أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ قَالَ شَيْخُنَا: وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ بِبَيِّنَةٍ بَلْ اُشْتُهِرَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَصَابَهَا بِنِكَاحٍ, فَنَصُّهُ: يَنْتَقِضُ, وَنَصُّهُ: إنْ سَحَرَهُ فآذاه في تصرفه أو قذفه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".(10/352)
فَلَا, وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِيهِمَا رِوَايَتَيْنِ. وَفِي الْوَسِيلَةِ: إنْ لَمْ تَنْقُضْهُ فِي غَيْرِ الْأَرْبَعَةِ الْأُوَلِ وَشَرَطَ وَجْهَانِ, وَإِنْ أَبَى1 مَا مُنِعَ مِنْهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَهَلْ يَلْزَمُ تَرْكُهُ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ "م 10", فَإِنْ لَزِمَ أَوْ شَرَطَ تَرْكَهُ فَفِي نَقْضِهِ وَجْهَانِ, وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَتَيْنِ "م 11" وَذَكَرَ أَيْضًا فِي مُنَاظَرَاتِهِ في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 10" قَوْلُهُ "وَإِنْ أَبَى مَا مَنَعَ مِنْهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَهَلْ يَلْزَمُ تَرْكُهُ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ" انْتَهَى.
يَعْنِي إذَا أَبَى تَرَكَ مَا مُنِعَ مِنْهُ مِنْ عَدَمِ إظْهَارِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالصَّلِيبِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ بِكِتَابَةٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ, وَضَرْبَ النَّاقُوسِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَيْضًا وَنَحْوِ ذَلِكَ, عَلَى مَا يَأْتِي2 فِي نَقْلِ كَلَامِ صَاحِبِ الرِّعَايَةِ, فَهَلْ يَلْزَمُهُمْ تَرْكُهُ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الذِّمَّةِ عَلَيْهِمْ, أَوْ لَا بُدَّ مِنْ شَرْطِهِ عَلَيْهِمْ؟ أُطْلِقَ الْخِلَافُ, هَذَا مَا ظَهَرَ لِي, وَلَكِنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ. "أَحَدُهُمَا": يَلْزَمُهُمْ تَرْكُهُ بِمُجَرَّدِ عَقْدِهَا عَلَيْهِمْ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي": لَا يَلْزَمُهُمْ إلَّا بِشَرْطِهِ عَلَيْهِمْ, وَهُوَ الصَّوَابُ.
"مَسْأَلَةٌ 11" قَوْلُهُ: "فَإِنْ لَزِمَ أَوْ شَرَطَ تَرْكَهُ فَفِي نَقْضِهِ وَجْهَانِ, وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَتَيْنِ" انْتَهَى. أَيْ فَفِي نَقْضِ الْعَهْدِ بِفِعْلِ ذَلِكَ وَجْهَانِ, وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ.
"أَحَدُهُمَا" لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ بِفِعْلِ ذَلِكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ, قَالَ الشَّارِحُ: هُوَ قَوْلُ غَيْرِ الْخِرَقِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا, قَالَ الزَّرْكَشِيّ: هَذَا اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِ وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُقْنِعِ3 وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا, وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ.
__________
1 في النسخ الخطية "أتى" والمثبت من "ط".
2 ص "354".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/506".(10/353)
رَجْمِ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا: يَحْتَمِلُ لِنَقْضِ الْعَهْدِ, وَيُنْتَقَضُ بِإِظْهَارِ مَا أُخِذَ عَلَيْهِمْ سَتْرُهُ مِمَّا هُوَ دَيْنٌ لَهُمْ فَكَيْفَ بِإِظْهَارِ مَا لَيْسَ بِدَيْنٍ, وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ الْخِلَافَ مَعَ الشَّرْطِ فَقَطْ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ: يَلْزَمُ أَهْلَ الذِّمَّةِ مَا ذكر في شروط عمر1, وذكره2 ابْنُ رَزِينٍ, لَكِنْ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: مَنْ أَقَامَ مِنْ الرُّومِ فِي مَدَائِنِ الشَّامِ لَزِمَتْهُمْ هَذِهِ الشُّرُوطُ, شُرِطَتْ عَلَيْهِمْ أَمْ لَا؟ قَالَ: وَمَا عَدَا الشَّامَ فَقَالَ الْخِرَقِيُّ: إنْ شُرِطَ عَلَيْهِمْ فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ انْتَقَضَ الْعَهْدُ بِمُخَالَفَتِهِ وَإِلَّا فَلَا, لِأَنَّهُ قَالَ: وَمَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ بِمُخَالَفَةِ شَيْءٍ مِمَّا صُولِحُوا عَلَيْهِ حَلَّ مَالُهُ وَدَمُهُ, وَقَالَ شَيْخُنَا فِي نَصْرَانِيٍّ لَعَنَ مُسْلِمًا: تَجِبُ عُقُوبَتُهُ بِمَا يَرْدَعُهُ وَأَمْثَالَهُ عَنْ ذَلِكَ.
وَفِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ قَوْلٌ: يُقْتَلُ, لَكِنَّ الْمَعْرُوفَ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ, وَمَنْ نَقَضَهُ بِلُحُوقِهِ بِدَارِ حَرْبٍ فَكَأَسِيرٍ حَرْبِيٍّ, وَمَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" يُنْتَقَضُ إنْ كَانَ مَشْرُوطًا عَلَيْهِمْ, وكذا الحكم لو لزم من غير شَرْطٍ, قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمَا, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ, قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِ: وَإِنْ أَظْهَرَ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ صَلِيبًا أَوْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِكِتَابَةٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ عِنْدَ مَوْتَاهُمْ أَوْ ضَرَبَ نَاقُوسًا بَيْنَ المسلمين أو علا 3بناءه عَلَّى3 بِنَاءَ جَارٍ مُسْلِمٍ أَوْ رَكِبَ الْخَيْلَ أَوْ حَدَّثَ فِي الْإِسْلَامِ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً, أَوْ أَقَامَ بِالْحِجَازِ, أَوْ دَخَلَ الْحَرَمَ وَنَحْوَ ذَلِكَ عُزِّرَ, وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ تَرْكَ ذَلِكَ انْتَقَضَ عَهْدُ فَاعِلِهِ, وَقِيلَ: بَلْ يُعَزَّرُ, انْتَهَى.
__________
1 تقدم تخريجه ص "331".
2 في "ط" "كذا".
3 3 ليست في "ط".(10/354)
نَقَضَهُ يُغَيِّرُهُ فَنَصُّهُ يُقْتَلُ, قِيلَ: يَتَعَيَّنُ قَتْلُهُ, وَالْأَشْهَرُ يُخَيَّرُ فِيهِ كَحَرْبِيٍّ "م 12" وَذَكَرَ1 أَبُو الْفَرَجِ أَنَّ مَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْنَا أَوْ ما في شروط عمر2 يَلْزَمُهُ تَرْكُهُ وَيُنْتَقَضُ بِفِعْلِهِ. وَيَحْرُمُ بِإِسْلَامِهِ قَتْلُهُ, ذكره جماعة. وفي المستوعب: رقه "وهـ ش" وَإِنْ رُقَّ ثُمَّ أَسْلَمَ بَقِيَ رِقُّهُ, وقيل: من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 12" قَوْلُهُ: "وَإِنْ نَقَضَهُ بِغَيْرِهِ فَنَصُّهُ: يُقْتَلُ, قِيلَ: يَتَعَيَّنُ "قَتْلُهُ"3 وَالْأَشْهَرُ: يُخَيَّرُ فِيهِ كَحَرْبِيٍّ", انتهى. يَعْنِي إذَا انْتَقَضَ الْعَهْدُ بِغَيْرِ اللُّحُوقِ بِدَارِ الْحَرْبِ. "أَحَدُهُمَا": يَتَعَيَّنُ قَتْلُهُ, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِمْ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِ.
"وَالْقَوْلُ الثَّانِي": يُخَيَّرُ فِيهِ كَحَرْبِيٍّ, قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ الْأَشْهَرُ, وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي4 وَالْمُقْنِعِ5 وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ, وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ5 وَغَيْرِهِ "قُلْت": وَهُوَ الصَّحِيحُ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ.
"تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ "قِيلَ يَتَعَيَّنُ قَتْلُهُ وَالْأَشْهَرُ يُخَيَّرُ فِيهِ" هَذَانِ الْقَوْلَانِ تَفْسِيرٌ لِلنَّصِّ, هَذَا الَّذِي يَظْهَرُ لِي, أَوْ يَكُونُ قَوْلُهُ: "وَالْأَشْهَرُ يُخَيَّرُ فِيهِ" مُقَابِلٌ لِلنُّصُوصِ, وَهُوَ مُصْطَلَحُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ, وَكَلَامُهُمْ صَحِيحٌ فِي ذَلِكَ, لَكِنْ يَبْقَى قَوْلُ الْمُصَنِّفِ "قِيلَ يَتَعَيَّنُ قَتْلُهُ" مُفَسِّرٌ لِلنَّصِّ فَقَطْ, وَإِتْيَانُهُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نكتة, وتقدم معنى ذلك في المقدمة6.
__________
1 في الأصل "وذكره".
2 تقدم تخريجه ص "331".
3 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
4 "5/617".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/508 - 509".
6 "1/16".(10/355)
نَقَضَ عَهْدَهُ بِغَيْرِ قِتَالِنَا1 أُلْحِقَ بِمَأْمَنِهِ, وَالْمُرَادُ بِتَحْرِيمِ الْقَتْلِ غَيْرُ السَّابِّ, وَأَنَّهُ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْمُرْتَدِّ, وَلِهَذَا اقْتَصَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى أَنَّ ساب النبي صلى الله عليه وسلم يقتل وَلَوْ أَسْلَمَ, وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّاءِ فِي الْخِصَالِ.
وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّهُ صَحِيحُ الْمَذْهَبِ, وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ فِي قَذْفِ أُمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَأَنَّ اقْتِصَارَ السَّامِرِيِّ عَلَى هَذَا مَعَ ذِكْرِهِ الْخِلَافَ فِي تَوْبَةِ الْمُسْلِمِ السَّابِّ فِيهِ خَلَلٌ, لِأَنَّهُ ذَكَرَ مَا فِي الْإِرْشَادِ2 وَالْهِدَايَةِ, وَأَنَّ عَكْسَ هَذِهِ رِوَايَةٌ تَقَدَّمَتْ, ذكرها جماعة, وأنه قَدْ تَوَجَّهَ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ وَقَعَ3 غَلَطًا مِنْ الْمُسْلِمِ لَا اعْتِقَادًا لَهُ, وَتَقَدَّمَ حَدُّ الزِّنَا وَتَقَدَّمَ حُكْمُ مَالِهِ.
وَفِي الْخِلَافِ فِيمَنْ انْتَقَضَ عَهْدُهُ وَتَابَ أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِيهِ كَالْأَسِيرِ, وَحُمِلَ كَلَامُ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُقْتَلُ إنْ الْإِمَامُ رَآهُ مَصْلَحَةً3, ثُمَّ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِي مَالِهِ, وَإِنَّ سَابَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْتَلُ لِأَنَّهُ قَذْفٌ لِمَيِّتٍ فَلَا يَسْقُطُ بِتَوْبَةٍ.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ كَلَامَ الْقَاضِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ثَابَ بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ, لِأَنَّهُ لَوْ 4نَقَضَ الْعَهْدَ4 بِغَيْرِ السَّبِّ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يُخَيَّرْ فِيهِ. وَفِي الرِّعَايَةِ فِيمَا إذَا قُتِلَ مَالُهُ فَيْءٌ إذَنْ, وَعَنْهُ إرْثٌ, فَإِذَنْ إنْ تَابَ قَبْلَ قَتْلِهِ دُفِعَ إلَيْهِ, وَإِنْ مَاتَ فَلِوَارِثِهِ,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "ما لنا".
2 ص "521".
3 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
4 4 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".(10/356)
وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ فِي ذِمِّيٍّ فَجَرَ بِمُسْلِمَةٍ: يُقْتَلُ قِيلَ لَهُ: فَإِنْ أَسْلَمَ؟ قَالَ: يُقْتَلُ, هَذَا قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ, وَأَنَّ عَلَى قَوْلِنَا يُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِيهِ تُشْرَعُ اسْتِتَابَتُهُ بِالْعَوْدِ إلَى الذِّمَّةِ, لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهَا جَائِزٌ بَعْدَ هَذَا لَكِنْ لَا تَجِبُ هَذِهِ الِاسْتِتَابَةُ رِوَايَةً وَاحِدَةً, وَإِنْ أَوْجَبْنَاهَا بِالْإِسْلَامِ عَلَى رِوَايَةٍ, وَأَنَّ عَلَى رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا الْخَابِيُّ يَسْقُطُ الْقَتْلُ بِإِسْلَامِ الذِّمِّيِّ مَعَ أَنَّهُ لَا يُسْتَتَابُ كَأَسِيرٍ حَرْبِيٍّ.
وَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَإِنَّهُ إذَا قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ اُسْتُتِيبَ, وَمَعَ هَذَا فَمَنْ يَقْبَلُهَا قَدْ يُجَوِّزُهَا وَلَا يُوجِبُهَا, لَكِنَّ الْمَنْصُوصَ عَنْ أَصْحَابِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ لَا يُقَالُ لَهُ أَسْلَمَ فَإِنْ أَسْلَمَ لَمْ يُقْتَلْ1, وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّ الْمُسْلِمَ يُسْتَتَابُ وَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ, وَخَرَجَ عَنْهُ فِي الذِّمِّيِّ يُسْتَتَابُ, وَهُوَ بَعِيدٌ. وَقَالَ شَيْخُنَا فِيمَنْ قَهَرَ مُسْلِمِينَ وَنَقَلَهُمْ إلَى دَارِ حَرْبٍ: ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ يُقْتَلُ بَعْدَ إسْلَامِهِ, وَأَنَّهُ أَشْبَهَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ, كَالْمُحَارَبِ.
وَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُ ذُرِّيَّتِهِ كَنِسَائِهِ, سَوَاءٌ2 لَحِقُوا بِدَارُ حَرْبٍ أَوْ لَا, لِأَنَّهُمْ لَمْ يَنْقُضُوا الْعَهْدَ, نَقَلَهُ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ, وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ. وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: بَلَى, كَحَادِثٍ بَعْدَ نَقْضِهِ بِدَارِ حَرْبٍ. 3نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ, وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِي الْفُصُولِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا بدار حرب3, وفي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "يقبل".
2 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
3 3ليست في الأصل.(10/357)
الْعُمْدَةِ: يُنْتَقَضُ فِي ذُرِّيَّتِهِ إنْ أَلْحَقَهُمْ بِدَارِ حَرْبٍ.
وَمَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ بِنَقْضِهِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ "م 13", وَيُنْتَقَضُ فِي هُدْنَةٍ فِي ذُرِّيَّتِهِ وَعَهْدُ مَنْ لَمْ يُنْكِرْ أَوْ لَمْ يَعْتَزِلْ عَنْهُ, أَوْ لَمْ يُخْبِرْ الْإِمَامَ. ثُمَّ إذَا أَعْلَمُوا الْإِمَامَ أَقَرَّهُمْ بِتَسْلِيمِ النَّاقِضِ أَوْ تَمْيِيزِهِمْ عَنْهُمْ, فَإِنْ أَبَى الْقَادِرُ انْتَقَضَ وَإِلَّا فَكَأَسِيرٍ.
وَمَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ فَادَّعَى أَنَّهُ مِمَّنْ لَمْ يَنْقُضْ وَأَشْكَلَ صُدِّقَ, وَمَنْ جَاءَنَا بِأَمَانٍ فَحَصَلَ لَهُ ذُرِّيَّةٌ ثُمَّ نَقَضَ الْعَهْدَ فَكَذِمِّيٍّ, ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ.
وَيُمْنَعُ مِنْ شِرَاءِ الْمُصْحَفِ, وَلَا يَصِحُّ. وَفِي الْمُغْنِي1 وَغَيْرِهِ: وَحَدِيثٍ وَفِقْهٍ, وَقِيلَ: فِيهِمَا وَجْهَانِ, وَاقْتَصَرَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ عَلَى الْمُصْحَفِ وَسُنَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَكَرِهَ أَحْمَدُ بَيْعَهُ ثَوْبًا مَكْتُوبًا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ وَتَعْلِيمُ الْقُرْآنِ, لَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَتَخْرُجُ نَصْرَانِيَّةٌ لِشِرَاءِ زُنَّارِهَا وَلَا يَشْتَرِيه مُسْلِمٌ لَهَا. والله سبحانه أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 13" قَوْلُهُ: "وَمَنْ عُلِمَ مِنْهُمْ بِنَقْضِهِ وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ", انْتَهَى.
"أَحَدُهُمَا" يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ أَيْضًا, كَالْهُدْنَةِ, جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى, وَقَدَّمَهُ فِي الْكُبْرَى.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" لَا يُنْتَقَضُ.
فَهَذِهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي هَذَا الْبَابِ.
__________
1 "13/251".(10/358)
باب الفيء
مدخل
...
بَابُ الْفَيْءِ
وَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ كَافِرٍ بِلَا قِتَالٍ, كَجِزْيَةٍ وَخَرَاجٍ وَعُشْرٍ, وَمَا تَرَكُوهُ فزعا أو مات ولا وارث له1.
قَالَ شَيْخُنَا: وَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ إطْلَاقُهُ دَائِمًا.
وَمَصْرِفُهُ مَصَالِحُ الْإِسْلَامِ, وَقِيلَ: لِلْمُقَاتِلَةِ, فَلَا يُفْرَدُ عَبْدٌ فِي الْأَصَحِّ, بَلْ يُزَادُ سَيِّدُهُ, وَاخْتَارَ أَبُو حَكِيمٍ وَشَيْخُنَا: لَا حَقَّ لِرَافِضَةٍ, وَذَكَرَهُ فِي الْهَدْيِ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ, وَعَنْهُ: خَمْسَةٌ لِأَهْلِ الْخُمُسِ وَبَقِيَّتُهُ لِلْمَصَالِحِ, اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ يُوسُفُ الْجَوْزِيُّ, وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَّمَهُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ سَهْمًا, فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ, ثُمَّ خُمُسُ الْخُمُسِ, أَحَدٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا فِي الْمَصَالِحِ, وَبَقِيَّةُ خُمُسِ الْخُمُسِ لِأَهْلِ الْخُمُسِ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كَشْفِ الْمُشْكِلِ فِيمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي الْخَبَرِ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ مُسْنَدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَ مَا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ مِلْكًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً2, هَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ قَوْلُ "ش" وَذَهَبَ بَعْض أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ الْفَيْءَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذُ مِنْ نَصِيبِهِ مَا يَأْخُذُهُ وَيَجْعَلُ الْبَاقِيَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.
وَيَبْدَأُ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ, مِنْ الثُّغُورِ, ثُمَّ الْأَنْهَارِ وَالْقَنَاطِرِ, وَرِزْقِ قضاة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ط".
2 أخرجه البخاري "7305" مسلم "1757" "49".(10/359)
وَمَنْ نَفْعُهُ عَامٌّ, ثُمَّ يُقَسِّمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا الْعَبِيدَ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ الْمُحْتَاجُ, وَهِيَ أَصَحُّ عَنْهُ, قَالَهُ شَيْخُنَا: وَقِيلَ: بَعْدَ الْكِفَايَةِ يَدَّخِرُ مَا بَقِيَ, وَأَعْطَى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَبِيدَ1, ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ. قَالَ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ, وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ لَقِينَاهُ فِي أَنَّ لَيْسَ لِلْمَمَالِيكِ فِي الْعَطَاءِ حَقٌّ وَلَا لِلْأَعْرَابِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الصَّدَقَةِ.
وَلَيْسَ لِوُلَاةِ الْفَيْءِ أَنْ يَسْتَأْثِرُوا مِنْهُ فَوْقَ الْحَاجَةِ كَالْإِقْطَاعِ يَصْرِفُونَهُ فِيمَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ أَوْ إلَى مَنْ يَهْوُونَهُ, قَالَهُ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ, وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْآجُرِّيِّ وَغَيْرِهِ, وَقَدْ قِيلَ لِأَحْمَدَ: هَؤُلَاءِ الْمَكَافِيفُ يَأْخُذُونَ مِنْ الدِّيوَانِ أَرْزَاقًا كَثِيرَةً تَطِيبُ لَهُمْ؟ قَالَ: كَيْفَ تَطِيبُ يُؤْثِرُونَهُمْ بِهَا.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُبْدَأَ بِالْمُهَاجِرِينَ ثُمَّ الْأَنْصَارِ, وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ,
وَفِي جَوَازِ تَفْضِيلِهِ بَيْنَهُمْ بِالسَّابِقَةِ2 رِوَايَتَانِ "م 1" وظاهر كلامه: لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 1" قَوْلُهُ: "وَفِي جَوَازِ تَفْضِيلِهِ بَيْنَهُمْ بِالسَّابِقَةِ رِوَايَتَانِ", انْتَهَى.
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي3 وَالْكَافِي4 وَالْمُقْنِعِ5 وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ4 وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
__________
1 ذكره البيهقي في السنن الكبرى "6/348".
2 سيأتي لاحقا.
3 "9/300 – 301".
4 "5/551".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/332- 333".(10/360)
تَفْضِيلَ, لِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ جَوَازِهِ وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ,
وَلَا حَقَّ لِمَنْ حَدَثَ بِهِ زَمَنٌ وَنَحْوُهُ فِي الْأَصَحِّ,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"إحْدَاهُمَا" لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمْ, بَلْ تَجِبُ التَّسْوِيَةُ, صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ": يَجُوزُ لِمَعْنًى فِيهِمْ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ, وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَنَظْمِ نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ, وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ, قَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ: وَالصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ ذَلِكَ مُفَوَّضٌ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ فَيَفْعَلُ مَا يَرَاهُ, انْتَهَى, "قُلْت": وَهُوَ الصَّوَابُ, فَقَدْ فَعَلَهُ عُمَرُ وَعُثْمَانُ, وَلَمْ يُفَضِّلْ أَبُو بَكْرٍ وعلي رضوان الله عليهم أجمعين1.
__________
1 قال أبو عبيد في الأموال "649" وقد كان رأى عمر الأول التفضيل على السوابق والغناء عن الإسلام وهذا هو المشهور من رأيه وكان رأى أبي بكر التسوية وكذلك يروى عن علي التسوية أيضا.(10/361)
وَإِنْ مَاتَ مَنْ حَلَّ عَطَاؤُهُ فَإِرْثٌ.
وَلِزَوْجَةِ الْجُنْدِيِّ وَذُرِّيَّتِهِ كِفَايَتُهُمْ, وَيَسْقُطُ حَقُّ أُنْثَى يَتَزَوَّجُهَا, وإن1 بَلَغَ بَنُوهُ2 أَهْلًا لِلْقِتَالِ فُرِضَ لَهُمْ بِطَلَبِهِمْ. وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: وَالْحَاجَةُ إلَيْهِمْ.
وَبَيْتُ الْمَالِ مِلْكٌ لِلْمُسْلِمِينَ يَضْمَنُهُ مُتْلِفُهُ, وَيَحْرُمُ3 إلَّا بِإِذْنِ إمَامٍ, ذَكَرَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ, وَذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ, وَفِيهِ: لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّدَقَةُ وَيُسَلِّمُهُ لِلْإِمَامِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي السَّرِقَةِ مِنْهُ. وَقَالَهُ شَيْخُنَا: وَأَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَهُ ضَمِنَهُ, وَكَذَا قَالَ فِي وَقْفٍ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ, كَمَسْجِدٍ أَوْ مُوصًى بِهِ لِجِهَةٍ عَامَّةٍ, قَالَ: وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ عَدَدٍ مَوْصُوفٍ غير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"تَنْبِيهٌ" فَسَّرَ فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ السَّابِقَةِ بِالْإِسْلَامِ, وَفَسَّرَهَا فِي الرِّعَايَةِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ الْهِجْرَةِ, وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ السابقة لا تختص بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ, بَلْ مَا اسْتَحَقَّ بِهِ الْفَضِيلَةَ, كَتَقَدُّمِ الْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ, وَحُضُورِ مَشْهَدٍ لَمْ يَشْهَدْهُ غَيْرُهُ, كَبَدْرٍ وَالْحُدَيْبِيَةِ وَنَحْوِهِمَا, وَهُوَ الصَّوَابُ, وَلَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ بِالسَّبْقِ فِي الْمُغْنِي4 وَالْكَافِي5 وَالْمُقْنِعِ6 وَالشَّرْحِ6 وَغَيْرِهِمْ. وَفِي الرِّعَايَةِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ, الثَّالِثَةُ الْفَرْقُ, فَيَجُوزُ فِي السَّابِقَةِ فَقَطْ.
فَفِي هَذَا الباب مسألة واحدة.
__________
1 في "ط" "إذا".
2 في "ر" "بقوة".
3 أي الأخذ منه.
4 "9/301".
5 "5/551".
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/323 - 335".(10/362)
مُعِينٍ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا: نَحْوَ بَيْتِ الْمَالِ والمباحات والوقف على مطلق, سَوَاءٌ تَعَيَّنَ الْمُسْتَحِقُّ بِالْإِعْطَاءِ أَوْ بِالِاسْتِعْمَالِ أَوْ بِالْفَرْضِ وَالتَّنْزِيلِ أَوْ غَيْرِهِ, فَإِنَّ الْمَالِكَ يَعْتَبِرُ كَوْنَهُ مُعَيَّنًا, وَلَكِنْ هُوَ مُبَاحٌ أَوْ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْمُبَاحِ وَالْمَمْلُوكِ, بِخِلَافِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ1, وَذَكَرَ الْقَاضِي وَابْنُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ: أَنَّ الْمَالِكَ غَيْرُ مُعِينٍ. وَفِي الْمُغْنِي2 فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ بِلَا إذْنٍ: مَالُ بَيْتِ الْمَالِ مَمْلُوكٌ لِلْمُسْلِمِينَ.
وَلِلْإِمَامِ تَعْيِينُ مَصَارِفِهِ وَتَرْتِيبُهَا3, فَافْتَقَرَ إلَى إذْنِهِ وَقَالَ شَيْخُنَا فِي عُمَّالِهِ: إذَا اخْتَانُوا مِنْهُ وَقَبِلُوا هَدِيَّةً وَرِشْوَةً مِمَّنْ فُرِضَ لَهُ دُونَ أُجْرَتِهِ أَوْ دُونَ كِفَايَتِهِ وَعِيَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ لَمْ يُسْتَخْرَجْ مِنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ, قَالَ: وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَخْذٌ خِيَانَةً فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْإِمَامَ الْإِعْطَاءُ, فَهُوَ كَأَخْذِ الْمُضَارِبِ حِصَّتَهُ أَوْ الْغَرِيمِ دَيْنَهُ بِلَا إذْنٍ, فَلَا فَائِدَةَ فِي اسْتِخْرَاجِهِ وَرَدِّهِ إلَيْهِمْ, بَلْ إنْ لَمْ يَصْرِفْهُ الْإِمَامُ مَصَارِفَهُ الشَّرْعِيَّةَ لَمْ يُعَنْ عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ: وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ شَاطَرَ عُمَّالَهُ4 كَسَعْدٍ وَخَالِدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ, وَلَمْ يَتَّهِمْهُمْ بِخِيَانَةِ بَيِّنَةٍ, بَلْ بِمُحَابَاةٍ اقْتَضَتْ أَنْ جَعَلَ أَمْوَالَهُمْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ, قَالَ: وَمَنْ عَلِمَ تَحْرِيمَ بَعْضِ مَا وَرِثَهُ أو غيره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط" "معنيين".
2 "8/183".
3 في الأصل "ترتيبهما".
4 أخرجه أبو عبيد في الأموال "664".(10/363)
وَجَهِلَ قَدْرَهُ قَسَمَهُ نِصْفَيْنِ. وَقِيلَ لِلْقَاضِي فِي مَسْأَلَةِ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ: شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ سَرَقَ خَرِيطَةً1 مِنْ بَيْتِ الْمَالِ2, فَقَالَ: لَوْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا لَمْ يَقْدَحْ فِي عَدَالَتِهِ, لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ, وَلَعَلَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ لحاجة وتأويل فلا يوجب رد خبره والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 الخريطة: شبه كيس يشرج من أديم وخرق والجمع خرائط مثل: كريمة المصباح "خرط".
2 ذكره هذا الإمام ابذهبي عند ترجمته شهر بن حوشب انظر سير أعلام النبلاء "4/375".(10/364)
كتاب الأطعمة
مدخل
*
...
كتاب الأطعمة
أَصْلُهَا الْحِلُّ فَيَحِلُّ قَالَ شَيْخُنَا: لِمُسْلِمٍ. وَقَالَ أَيْضًا: اللَّهُ أَمَرَنَا بِالشُّكْرِ, وَهُوَ الْعَمَلُ بِطَاعَتِهِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ, وَتَرْكِ الْمَحْذُورِ, فَإِنَّمَا أَحَلَّ الطَّيِّبَاتِ لِمَنْ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى طَاعَتِهِ لَا عَلَى مَعْصِيَتِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93] الْآيَةُ, وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَانَ بِالْمُبَاحِ عَلَى المعصية, كمن يعطي1 الخبز واللحم لمن يشرب عليه2 الْخَمْرَ وَيَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى الْفَوَاحِشِ. وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:8] أَيْ عَنْ الشُّكْرِ عَلَيْهِ فَيُطَالَبُ3 بِالشُّكْرِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إنَّمَا يُعَاقِبُ عَلَى تَرْكِ مَأْمُورٍ, أَوْ فِعْلِ مَحْظُورٍ. وَفِي مُسْلِمٍ4 بَعْدَ كِتَابِ صِفَةِ النَّارِ, عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ "أَلَا إنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا, كل مال5 نَحَلْته عَبْدًا حَلَالٌ" أَيْ قَالَ اللَّهُ كُلُّ مَالٍ أَعْطَيْته عَبْدًا مِنْ عِبَادِي فَهُوَ لَهُ حَلَالٌ كُلُّ طَعَامٍ طَاهِرٍ لَا مَضَرَّةَ فِيهِ, سَأَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ عَنْ الْمِسْكِ يُجْعَلُ فِي الدَّوَاءِ وَيُشْرِبُهُ قَالَ: لَا بَأْسَ. وَفِي الِانْتِصَارِ: حَتَّى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط" "يبيع".
2 ليست في "ط".
3 في "ر" "فيطالبه".
4 في صحيحه "2865".
5 في "ط" "ما" و"ر" "ما له".(10/367)
شَعْرٍ. وَفِي الْفُنُونِ الصَّحْنَاةُ سَحِيقُ سَمَكٍ مُنْتِنٍ في غاية الخبث.
وَيُحَرَّمُ نَجَسٌ, كَمَيْتَةٍ, وَمُضِرٌّ, كَسُمٍّ. وَفِي الْوَاضِحِ: الْمَشْهُورُ أَنَّ السُّمَّ نَجَسٌ, وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِأَكْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ الذِّرَاعِ الْمَسْمُومَةِ1 وَلَمْ يُسْتَدَلَّ لِلْأَوَّلِ. وَفِي التَّبْصِرَةِ: مَا يَضُرُّ كَثِيرُهُ يَحِلُّ يَسِيرُهُ.
وَيَحْرُمُ مِنْ حَيَوَانِ بَرٍّ حُمْرٌ أَنَسِيَةٌ. وَمَا يَفْرِسُ بِنَابِهِ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالْعَدَوِيِّ "وش" كَأَسَدٍ وَنَمِرٍ وَذِئْبٍ وَفَهْدٍ وَكَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ وَقِرْدٍ وَدُبٍّ, خِلَافًا لِمُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ فِيهِ. وَفِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ كَبِيرٌ, وَهُوَ سَهْوٌ, قَالَ أَحْمَدُ: إنْ لَمْ يَكُنْ نَابٌ فَلَا بأس به, ونمس وابن آوى وابن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرج البخاري "2617" عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجيء بها فقيل: ألا نقتلها؟ قال: "لا" فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم.(10/368)
عُرْسٍ, نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ فِي ابْنِ عُرْسٍ: كُلُّ شَيْءٍ يَنْهَشُ بِأَنْيَابِهِ, فَمِنْ السِّبَاعِ, وَكُلُّ شَيْءٍ يَأْخُذُ بِمَخَالِبِهِ, فَمِمَّا نُهِيَ عَنْهُ, قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هَذَا مِنْهُ يُعْطِي أَنَّهُ لَا تُرَاعَى فِيهِمَا الْقُوَّةُ وَأَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ الثَّعْلَبِ, وَأَنَّ الْأَصْحَابَ اُعْتُبِرُوا الْقُوَّةَ.
وَسِنَّوْرٍ أَهْلِيٍّ. قَالَ أَحْمَدُ: أَلَيْسَ مِمَّا1 يُشْبِهُ السِّبَاعَ; قَالَ شَيْخُنَا: لَيْسَ فِي كَلَامِهِ هَذَا1 إلَّا الْكَرَاهَةُ وَجَعَلَهُ أحمد قياسا. وأنه قد2 يقال: يعمها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
2 ليست في "ط".(10/369)
اللَّفْظُ. وَقِيلَ: نَقَلَ حَنْبَلٌ: هُوَ سَبُعٌ. وَيَعْمَلُ بِأَنْيَابِهِ كَالسَّبُعِ. وَنَقَلَ فِيهِ جَمَاعَةٌ: يُكْرَهُ. وَقَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: هُوَ مَسْخٌ. وَمَا يَصِيدُ بِمِخْلَبِهِ1. نَصَّ عَلَيْهِ. كَعِقَابٍ وَبَازٍ وَصَقْرٍ وَبَاشِقٍ وَشَاهِينِ وَحَدَأَةٍ وَبُومَةٍ. وَمَا أَمَرَ الشَّرْعُ بِقَتْلِهِ أَوْ نَهَى عَنْهُ. وَفِي التَّرْغِيبِ تَحْرِيمًا. إذْ لَوْ حَلَّ لَقَيَّدَهُ بِغَيْرِ مَأْكَلِهِ2.
وَمَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ, نَصَّ عَلَيْهِ وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ وَغَيْرُهُ: يُكْرَهُ. وَجَعَلَ فِيهِ شَيْخُنَا: رِوَايَتَيْ الْجَلَالَةِ. وَأَنَّ عَامَّةَ أَجْوِبَةِ أَحْمَدَ لَيْسَ فِيهَا تَحْرِيمٌ. وَقَالَ: إذَا كَانَ مَا يَأْكُلُهَا مِنْ الدَّوَابِّ السِّبَاعُ فِيهِ نِزَاعٌ أَوْ3 لَمْ يُحَرِّمُوهُ, وَالْخَبَرُ فِي الصَّحِيحَيْنِ4, فَمِنْ الطَّيْرِ كَنَسْرٍ وَرَخْمٍ وَلَقْلَقٍ وَعَقْعَقٍ وَغُرَابِ الْبَيْنِ وَالْأَبْقَعِ, وَاحْتُجَّ فِيهِ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم بقتله5, وتارة بأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط" "بمخالبه".
2 في "ط" "مأكله".
3 في "ط" "و".
4 أخرجه البخاري "5527" ومسلم "1932" عن أبي ثعلبة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع....
5 تقدم تخريجه "5/511".(10/370)
1يَأْكُلُ الْجِيَفَ, وَنَقَلَ فِيهِ حَرْبٌ: لَا بَأْسَ, لِأَنَّهُ1 لَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ.
وَمَا تَسْتَخْبِثُهُ الْعَرَبُ وَالْأَصَحُّ ذُو الْيَسَارِ, وَقِيلَ: عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَقَالَ جَمَاعَةٌ: وَالْمُرُوءَةُ كَفَأْرَةٍ لِكَوْنِهَا فُوَيْسِقَةٍ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَحَيَّةٍ لِأَنَّ لَهَا نَابًا مِنْ السِّبَاعِ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَعَقْرَبٍ وَقُنْفُذٍ وَوَطْوَطٍ, نَصَّ عَلَيْهِنَّ, وَعَلَّلَ 2أَحْمَدُ الْقُنْفُدَ بِأَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ2 مَسْخٌ, أَيْ لَمَّا مُسِخَ عَلَى صُورَتِهِ دَلَّ عَلَى خَبَثِهِ. قَالَهُ شَيْخُنَا.
وَحَشَرَاتٍ, وَزُنْبُورٍ وَنَحْلٍ وَفِيهِمَا رِوَايَةٌ فِي الْإِشَارَةِ. وَفِي الرَّوْضَةِ: يُكْرَهُ ذُبَابٌ وَزُنْبُورٍ. وَفِي التَّبْصِرَةِ: في خفاش وخطاف وجهان, وكره أحمد الخشاف3 لِأَنَّهُ مَسْخٌ, قَالَ شَيْخُنَا: هَلْ هِيَ لِلتَّحْرِيمِ؟ فيه وجهان "م 1".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مسألة 1" قوله: وكره أحمد الخشاف3 لِأَنَّهُ مَسْخٌ, قَالَ شَيْخُنَا: هَلْ هِيَ4 لِلتَّحْرِيمِ؟ فيه وجهان انتهى. "قُلْت" قَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ "أَكْرَهُ كَذَا" وَجْهَيْنِ هَلْ هُوَ لِلْكَرَاهَةِ أو التحريم, وصححنا5 ذَلِكَ فِي الْخُطْبَةِ6, وَذَكَرْنَا مَنْ قَدَّمَ وَأَطْلَقَ, وَذَكَرْنَا أَنَّ الصَّوَابَ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْقَوَانِينِ, فَإِنْ دَلَّتْ عَلَى تَحْرِيمٍ أَوْ كَرَاهَةٍ عُمِلَ بِهِ, لَكِنْ هَلْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ أَمْ لَا؟ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أنها
__________
1 1 ليست في الأصل.
2 2 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
3 في "ط" "الخفاش" والخقاس: الذي يطير بالليل قال الصغاني هو مقلوب والخشاف بتقديم الشين أفصح. المصباح "خشف.
4 في النسخ الخطية و"ط" "هو" والمثبت من الفروع.
5 في "ط" "وصححهما".
6 "1/45".(10/371)
وَقَالَ جَمَاعَةٌ: ثُمَّ مَا يُشْبِهُهُ. وَفِي التَّبْصِرَةِ وَالرِّعَايَةِ: أَوْ مُسَمًّى بِاسْمِ حَيَوَانٍ خَبِيثٍ, وَإِنْ أَشْبَهَ مُبَاحًا وَمُحَرَّمًا غَلَبَ التَّحْرِيمُ, قَالَهُ فِي التَّبْصِرَةِ. وَإِنْ فَقَدَ الْكُلَّ حَلَّ, وَقِيلَ: يَحْرُمُ, وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَقُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ: لَا أَثَرَ لِاسْتِخْبَاثِ الْعَرَبِ فَإِنْ لَمْ يُحَرِّمْهُ الشَّرْعُ حَلَّ. قَالَهُ شَيْخُنَا, وَاخْتَارَهُ وَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ قَالَهُ الْخِرَقِيُّ, وَإِنَّ مُرَادَهُ مَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ, لِأَنَّهُ تَبِعَ الشَّافِعِيَّ, وَهُوَ حَرَّمَهُ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ.
وَيَحْرُمُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ, نَصَّ عَلَيْهِ, كَبَغْلٍ, وَسِمْعٍ: وَلَدُ ضَبُعٍ مِنْ ذِئْبٍ, وَعِسْبَارٍ: وَلَدُ ذِئْبَةٍ مِنْ ضِبْعَانٍ, وَلَوْ تَمَيَّزَ, كَحَيَوَانٍ مِنْ نَعْجَةٍ, نِصْفُهُ خَرُوفٌ وَنِصْفُهُ كَلْبٌ. قَالَهُ شَيْخُنَا: لَا مُتَوَلِّدٍ مِنْ مُبَاحَيْنِ, كَبَغْلٍ مِنْ وَحْشٍ وَخَيْلٍ. وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ طَاهِرٍ, كَذُبَابِ, الْبَاقِلَّا يُؤْكَلُ تَبَعًا لَا أَصْلًا, فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَحِلُّ بِمَوْتِهِ, قَالَ: وَيَحْتَمِلُ كَوْنُهُ كَذُبَابٍ, وَفِيهِ رِوَايَتَانِ. قَالَ أَحْمَدُ فِي الباقلا المدود: يجتنبه أحب إلي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
لَيْسَتْ مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ إلَّا عِنْدَ شَيْخِهِ, وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ "لِأَنَّهُ مَسْخٌ" وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْضِرْ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ إذَا عَلِمَ ذَلِكَ. فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ يَحْرُمُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي1 وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ2 وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يكره.
والوجه الثاني يكره.
__________
1 "13/323".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/205".(10/372)
وَإِنْ لَمْ يَتَقَذَّرْهُ فَأَرْجُو. وَقَالَ عَنْ تَفْتِيشِ التَّمْرِ الْمُدَوَّدِ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ إذَا عِلْمَهُ, وَكَرِهَ جَعْلَ النَّوَى مَعَ التَّمْرِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ. وَأَكَلَ التَّمْرَ فَجَعَلَ يَأْخُذُ النَّوَى عَلَى ظَهْرِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ.
وَيَحْرُمُ ثَعْلَبٌ وَسِنَّوْرُ بَرٍّ وَخَطَّافٌ وَذُبَابٌ. وَفِي الْمُبْهِجِ, وَذَكَرَهُ ابْنُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(10/373)
عَقِيلٍ, لِأَنَّ مَا فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ سُمٌّ يَضُرُّ, وَبَقٌّ. لَا وَبَرٌ وَيَرْبُوعٌ وَأَرْنَبٌ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْكُلِّ, وَنَقَلَ1 عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ فِي الثَّعْلَبِ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَخَّصَ فِيهِ إلَّا عَطَاءٌ2, وَكُلُّ شَيْءٍ اشْتَبَهَ عَلَيْكَ فَدَعْهُ.
وَفِي هُدْهُدٍ وَصُرَدٍ رِوَايَتَانِ "م 2". وَفِي غُدَافٍ وَسِنْجَابٍ وَجْهَانِ "م 3 و 4".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 2" قَوْلُهُ "وَفِي هُدْهُدٍ وَصُرَدٍ رِوَايَتَانِ", انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي3 وَالْكَافِي4 وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ5 وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ.
"إحْدَاهُمَا" يُحَرَّمَانِ, قَالَ النَّاظِمُ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَوْلَى, وَجَزَمَ بِهِ الْآدَمِيُّ فِي مُنَوِّرِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي مُنْتَخَبِهِ فِي الْأُولَى.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ" لَا يُحَرَّمَانِ, اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ.
"مَسْأَلَةٌ 3 و 4" قَوْلُهُ: "وَفِي غُدَافٍ وَسِنْجَابٍ وَجْهَانِ", انْتَهَى, وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ, وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ.
"الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 3" الْغُدَافُ, وَهُوَ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَفَةِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ.
"أَحَدُهُمَا" يحرم, صححه في الرعاية الكبرى وتصحيح المحرر, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ, قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ: لَا يُؤْكَلُ الْغُدَافُ. وَقَالَ الخلال: الغداف محرم ونسبه إلى الإمام أحمد6.
__________
1 أخرجه البخاري "3320" من حديث أبي هيريرة.
2 أخريجه عبد الرزاق "8744".
3 "13/328".
4 "2/529".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/226".
6 ليست في "ط".(10/374)
ويحل1 ما عَدَا ذَلِكَ بِلَا كَرَاهَةٍ, كَزَرَافَةٍ, فِي الْمَنْصُوصِ. وَعَنْهُ التَّوَقُّفُ, وَضَبُعٍ, وَفِيهِ رِوَايَةٌ قَالَهُ ابْنُ الْبَنَّاءِ وَفِي الرَّوْضَةِ: إنْ عُرِفَ مِنْهُ أَكَلَ مَيِّتَةً فَكَجَلَّالَةٍ. وَضَبٍّ وَخَيْلٍ, وَفِي بِرْذَوْنٍ رِوَايَةٌ بِالْوَقْفِ, وَنَعَامَةٍ وَبَهِيمَةِ أَنْعَامٍ وَدَجَاجٍ وَوَحْشِيِّ بَقَرٍ وَحُمُرٌ وَظِبَاءٍ وَلَوْ تَأَنَّسَ, وَطَاوُوسٍ وَغُرَابِ زَرْعٍ وِزَاغٍ وَبَقِيَّةِ وَحْشٍ وَطَيْرٍ, نَقَلَ مُهَنَّا: يُؤْكَلُ الْأُيَّلُ: قِيلَ: إنَّهُ يَأْكُلُ الْحَيَّاتِ, فَعَجِبَ وَذَكَرَ الخلال إن2 الْغِرْبَانَ خَمْسَةً: الْغُدَافُ وَغُرَابُ الْبَيْنِ يَحْرُمَانِ, وَالزَّاغُ مُبَاحٌ.
وَكَذَا الْأَسْوَدُ وَالْأَبْقَعُ إذَا لَمْ يَأْكُلَا الْجِيَفَ, وَأَنَّ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ, قَالَ شَيْخُنَا فَإِذَا أَبَاحَ الْأَبْقَعَ لَمْ يَكُنْ لِلْأَمْرِ بِقَتْلِهِ أَثَرٌ فِي التَّحْرِيمِ, وَقَدْ سَمَّاهُ فَاسِقًا أَيْضًا, وَإِنْ حَرْبًا وَأَبَا الْحَارِثِ رَوَيَا: لَا يُنْهَى عَنْ الطَّيْرِ إلَّا ذِي الْمِخْلَبِ مَا أَكَلَ الْجِيَفَ, وَلِهَذَا عَلَّلَ فِي الحدأة بأكلها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" لَا يُحَرَّمُ, جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ.
"الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 4" السِّنْجَابُ.
"أَحَدُهُمَا" يُحَرَّمُ, صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ, وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" لَا يُحَرَّمُ, وَمَال الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ إليه, وهو ظاهر كلامه في الوجيز.
__________
1 بعدها في "ط" "عنه".
2 ليست في "ط".(10/375)
الجيف, فلا يكون لقتله تسميته1 فُوَيْسِقًا أَثَرٌ, كَمَذْهَبِ مَالِكٍ, لِأَنَّهُ قَدْ يُؤْمَرُ بِقَتْلِ الشَّيْءِ لِصِيَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا, وَلَوْ كَانَ قَتْلُهُ مُوجِبًا تَحْرِيمَهُ لِنَهْيٍ عَنْهُ, وَإِنْ كَانَ الصَّوْلُ عَارِضًا, كَجَلَّالَةٍ عَرَضَ لَهَا الجل2, وَفِي زَادِ الْمُسَافِرِ: لَا بَأْسَ بِالْأَسْوَدِ وَالزَّاغِ, وَلَا يُؤْكَلُ الْأَبْقَعُ, أُمِرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَتْلِهِ3, وَلَا غُرَابَ الْبَيْنِ وَالْغُدَافِ, لِأَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ الْجِيَفَ..
__________
1 ليست في "ط".
2 في "ط" "الحل".
3 تقدم تخريجه "5/484".(10/376)
فَصْلٌ: وَيَحِلُّ كُلُّ حَيَوَانٍ بَحْرِيٍّ إلَّا الضِّفْدَعَ,
نَصَّ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ بِالنَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِ4, وَعَلَى الْأَصَحِّ وَالتِّمْسَاحَ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ: وَالْكَوْسَجُ5 وَنَحْوُهُ, وَفِي الْحَيَّةِ وَجْهَانِ "م 5" وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ النِّجَادُ: وحكاه ابن عقيل عن أبي بكر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 5" قَوْلُهُ: "وَفِي الْحَيَّةِ وَجْهَانِ", انْتَهَى.
"أَحَدُهُمَا" يُحَرِّمُ, جَزَمَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ6 وَالْعُمْدَةِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَمُنَوِّرِهِ وَغَيْرِهِمْ, وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ, وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ7.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" يُبَاحُ, قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ: يُبَاحُ حَيَوَانُ الْبَحْرِ جَمِيعُهُ إلَّا الضِّفْدَعَ وَالتِّمْسَاحَ, وَظَاهِرُ كَلَامِهِ إبَاحَةُ الْحَيَّةِ, وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: ويباح حيوان البحر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
4 رواه النسائي "7/210" من حديث عبد الرحمن بن عثمان أن طبيبا ذكر ضفدعا في دواء عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنهى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قتله.
5 الكوسج: سمك حرطومه كالمنشار القاموس "كوسج".
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/206".
7 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/208".(10/376)
النِّجَادِ, وَمَا يَحْرُمُ نَظِيرُهُ فِي بَرٍّ كَخِنْزِيرِ الْمَاءِ, وَحَكَاهُ الْحَلْوَانِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ رِوَايَةً, وَفِي الْمُذْهَبِ رِوَايَتَانِ.
وَتَحْرُمُ. وَعَنْهُ: تُكْرَهُ جَلَّالَةٌ أَكْثَرُ غِذَائِهَا نَجَاسَةٌ وَلَبَنُهَا وَبَيْضُهَا حَتَّى تُحْبَسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَتُطْعَمُ الطَّاهِرَ, وَعَنْهُ: غَيْرُ طَيْرٍ أَرْبَعِينَ, وَعَنْهُ: وَالشَّاةُ سَبْعًا, وَعَنْهُ: وَالْبَقَرُ ثَلَاثِينَ, ذَكَرَهُ فِي الْوَاضِحِ وَهُوَ وَهْمٌ. وَقَالَهُ ابْنُ بَطَّةَ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَقِيلَ: الكل أربعين يوما1, وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ الشَّالَنْجِيِّ, وَكَرِهَ أَحْمَدُ رُكُوبَهَا, وَعَنْهُ: يَحْرُمُ, وَسَأَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ: بَقَرَةً شَرِبَتْ خمرا أيجوز أَكْلُهَا؟ قَالَ: لَا حَتَّى يَنْتَظِرَ بِهَا أَرْبَعُونَ يَوْمًا: ذَكَرَهُ ابْنُ بَطَّةَ, حَكَاهُ2 الْقَاضِي. وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي زَادِ الْمُسَافِرِ وَزَادَ: وَفِيهِ اخْتِلَافٌ. وَأَطْلَقَ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا تَحْرِيمَ الْجَلَالَةِ, وَأَنَّ مِثْلَهُ خَرُوفٌ ارْتَضَعَ مِنْ كَلْبَةٍ ثُمَّ شَرِبَ لَبَنًا طَاهِرًا وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ غَيْرِهِ, وَلَهُ علف نجاسة حيوان3 لَا يُذْبَحُ أَوْ يُحْلَبُ قَرِيبًا, نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ, وَاحْتَجَّ بِكُسْبِ الْحَجَّامِ4, وَاَلَّذِينَ عَجَنُوا مِنْ آبَارِ ثَمُودَ, فَدَلَّ عَلَى تَحْرِيمِ آبَارِ ثَمُودَ.
وَسَأَلَهُ مُهَنَّا عَمَّنْ نَزَلَ الْحَجَرَ أَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا أَوْ يَعْجِنُ بِهِ؟ قَالَ: لا, إلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
كله1 إلَّا الضِّفْدَعَ, وَفِي التِّمْسَاحِ رِوَايَتَانِ, فَظَاهِرُهُ أَيْضًا إبَاحَةُ الْحَيَّةِ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ والحاويين.
__________
1 ليست في "ر" و"ط".
2 بعدها في "ر" "بالأمر بالمعروف".
3 ليست في "ط".
4 أخرجه أحمد في مسنده "23690" من حديث محيصة بن مسعود أنه استأذن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إجارة الحجام فنهاه عنها فلم يزل يسأله فيها حتى قال له: "اعلفه ناضحك وأطعمه رقيقك".(10/377)
من ضرورة, و1لَا يُقِيمُ بِهَا. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْحَجَرِ أَرْضَ ثَمُودَ فَاسْتَقَوْا مِنْ آبَارِهَا وَعَجَنُوا بِهِ الْعَجِينَ, فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُهْرِقُوا مَا اسْتَقَوْا وَيَعْلِفُوا الْإِبِلَ الْعَجِينَ. وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنْ الْبِئْرِ الَّتِي تَرِدُهَا النَّاقَةُ, رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَا وَجْهَ لِظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ عَلَى إبَاحَتِهِ مَعَ الْخَبَرِ, وَنَصَّ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ تَحْرِيمَ عَلَفِهَا مَأْكُولًا, وَقِيلَ: يَجُوزُ مُطْلَقًا, كَغَيْرِ مَأْكُولٍ, عَلَى الْأَصَحِّ, وَخَصَّهُمَا فِي التَّرْغِيبِ بِطَاهِرٍ مَحْرَمٍ, كهر.
وَمَا سُقِيَ أَوْ سُمِّدَ بِنَجَسٍ مِنْ زَرْعٍ وَثَمَرٍ نَجِسٌ مَحْرَمٌ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ: طَاهِرٌ مُبَاحٌ جَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ, كسقيه بعده2 بِطَاهِرٍ يَسْتَهْلِكُ عَيْنَ النَّجَاسَةِ, وَنَقَلَ جَعْفَرٌ أَنَّهُ كَرِهَ الْعُذْرَةَ, وَرَخَّصَ فِي السِّرْجِينِ, وَاسْتَحَبَّ مِنْهُ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ وَكَرِهَ أَحْمَدُ أَكْلَ الطِّينِ لضرره, ونقل جعفر: كأنه لم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ط".
2 أحمد "5984" البخاري "3379" مسلم "2981".(10/378)
يَكْرَهْهُ, وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ أَكَلَهُ عَيْبٌ; لِأَنَّهُ لا يطلبه إلا من به مرض.
وَكَرِهَ أَنْ يَتَعَمَّدَ الْقَوْمُ حِينَ يُوضَعُ الطَّعَامُ فَيَفْجَأَهُمْ, وَالْخُبْزَ الْكِبَارَ, وَقَالَ: لَيْسَ فِيهِ بَرَكَةٌ وَوَضَعَهُ تَحْتَ الْقَصْعَةِ لِاسْتِعْمَالِهِ لَهُ وَحَرَّمَ الْآمِدِيُّ وَضْعَهُ وَأَنَّهُ نَصُّ أَحْمَدَ, وَكَرِهَهُ غَيْرُهُ, وَكَرِهَ أَصْحَابُنَا فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ, وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي1 فِي الثَّانِيَةِ, وَإِنْ فَجَأَهُمْ بِلَا تَعَمُّدِ أَكَلَ, نَصَّ عليه, وأطلق في المستوعب وغيره يكره2 إلَّا مِنْ طَعَامٍ مِنْ عَادَتِهِ السَّمَاحَةُ, وَلَا بَأْسَ بِلَحْمٍ نِيءٍ, نَقَلَهُ مُهَنَّا, وَلَحْمٍ مُنْتِنٍ, نَقَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِيهِمَا: يُكْرَهُ, وَجَعَلَهُ فِي الِانْتِصَارِ فِي الثَّانِيَةِ اتِّفَاقًا.
وَكَرِهَ أَحْمَدُ حَبًّا دِيسَ بِالْحُمْرِ وَقَالَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَدُوسُوهُ بِهَا. وَقَالَ حَرْبٌ. كَرِهَهُ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً, وَهَذَا الْحَبُّ كَطَعَامِ الْكَافِرِ وَمَتَاعِهِ, عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ, وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا يُبَاعُ وَلَا يُشْتَرَى وَلَا يُؤْكَلُ حَتَّى يُغْسَلُ.
وَكَرِهَ أَحْمَدُ أَكْلَ ثُومٍ وَنَحْوِهِ مَا لم ينضج بالطبخ, وقال: لا يعجبني,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "13/354".
2 ليست في "ط".(10/379)
وَصَرَّحَ أَيْضًا بِأَنَّهُ كَرِهَهُ لِمَكَانِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ.
وَكَرِهَ مَاءُ بِئْرٍ بَيْنَ الْقُبُورِ وَشَوْكَهَا وَبَقْلَهَا, قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ كُلَّمَا سُمِّدَ بنجس والجلالة.
وَتُكْرَهُ مُدَاوَمَةُ اللَّحْمِ, وَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى غَيْرِ سُمٍّ وَنَحْوِهِ فَخَافَ تَلَفًا, نَقَلَ حَنْبَلٌ: إذَا عَلِمَ أَنَّ النَّفْسَ تَكَادُ تَتْلَفُ, وَقِيلَ أَوْ ضَرَرًا. وَفِي الْمُنْتَخَبِ أَوْ مَرَضًا أَوْ انْقِطَاعًا عَنْ الرُّفْقَةِ, وَمُرَادُهُ يَنْقَطِعُ فَيَهْلِكُ, كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ, وَذَكَرَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: أَوْ زِيَادَةَ مَرَضٍ, وَأَوْجَبَ الْكُسْبَ عَلَى خَائِفٍ مُحَرَّمًا. وفي الترغيب: إن خاف طول1 مَرَضَهُ فَوَجْهَانِ, وَعَنْهُ: إنْ خَافَ فِي سَفَرٍ, اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ, أَكَلَ وُجُوبًا, نَصَّ عَلَيْهِ, وَذَكَرَهُ شَيْخُنَا وِفَاقًا, وَقِيلَ: نَدْبًا, سَدَّ رَمَقَهُ, اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ, وَعَنْهُ: وَلَهُ الشِّبَعُ, اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ, وَقِيلَ: بِدَوَامِ خَوْفِهِ, وَيُبْنَى عَلَيْهِمَا تَزَوُّدُهُ, قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ, وَجَوَّزَهُ جَمَاعَةٌ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ وَالْفَضْلُ: يَتَزَوَّدُ إنْ خَافَ الْحَاجَةَ, وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ, قَالَ كَمَا يَتَيَمَّمُ وَيَتْرُكُ الْمَاءَ إذَا خَافَ, كَذَا هُنَا, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ, ويجب تقديم السؤال نقله2 أَبُو الْحَارِثِ. قِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ قَالَ: يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَهُوَ مَعَ النَّاسِ؟ هَذَا أَشْنَعُ. وَقَالَ لَهُ يَعْقُوبُ: أَيُّهُمَا أَحَبُّ إلَيْك؟ قَالَ: الصَّدَقَةُ, وَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ, قَالَ أحمد لسائل:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ط".
2 بعدها في "ط" "عنه".(10/380)
قُمْ قَائِمًا لِيَكُونَ لَك عُذْرٌ عِنْدَ اللَّهِ, قَالَ الْقَاضِي: يَأْثَمُ إذَا لَمْ يَسْأَلْ, وَجَزَمَ بِهِ أَيْضًا فِي الْخِلَافِ فِي الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ أَيُّهُمَا أَشَدُّ حَاجَةً, وَأَخَذَهُ شَيْخُنَا مِنْ الضِّيَافَةِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى. وَرَوَى أَحْمَدُ1: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ سَمِعْت عَبَّادَ بْنَ شُرَحْبِيلَ وَكَانَ مِنَّا مِنْ بني غبر2 قَالَ: أَصَابَتْنَا سَنَةٌ فَأَتَيْت الْمَدِينَةَ فَدَخَلْت حَائِطًا مِنْ حِيطَانِهَا, فَأَخَذْت سُنْبُلًا فَفَرَكْته فَأَكَلْت مِنْهُ وَحَمَلْت فِي ثَوْبِي, فَجَاءَ صَاحِبُ الْحَائِطِ فَضَرَبَنِي وَأَخَذَ ثَوْبِي, فَأَتَيْت الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "مَا عَلَّمْته إذْ كَانَ جَاهِلًا وَلَا أَطْعَمْته إذَا كَانَ سَاغِبًا أَوْ جَائِعًا" فَرَدَّ عَلَيَّ الثَّوْبَ وَأَمَرَ لِي بِنِصْفِ وَسْقٍ. حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد3 وَفِيهِ: وَأَمَرَهُ فَرَدَّ عَلَيَّ ثَوْبِي, وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: إنْ اُضْطُرَّ إلَى الْمَسْأَلَةِ فَهِيَ مُبَاحَةٌ, قِيلَ: فَإِنْ تُوَقَّفَ؟ قَالَ: مَا أَظُنّ أَحَدًا يَمُوتُ مِنْ الْجُوعِ, اللَّهُ يَأْتِيه بِرِزْقِهِ. ثُمَّ ذَكَرَ خَبَرَ أَبِي سَعِيدٍ "مَنْ اسْتَعْفَفَ أَعَفَّهُ اللَّهُ" 4 وَخَبَرَ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ "تَعَفَّفْ" 5, ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يَتَعَفَّفُ خَيْرٌ لَهُ, وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَلَا يَأْثَمُ, وَأَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ.
وَإِنْ وَجَدَ مَعَ مَيْتَةٍ طَعَامًا جَهِلَ مَالِكَهُ أَوْ صَيْدًا وَهُوَ مُحَرَّمٌ قَدَّمَ الْمَيْتَةَ. وَفِي الْفُنُونِ: قَالَ حَنْبَلِيٌّ: الَّذِي يَقْتَضِيه مَذْهَبُنَا خِلَافَ هذا, وقيل: إن لم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في مسنده "17521".
2 في "ط" "نمير".
3 في سننه "2621".
4 أخرجه البخاري "1469" ومسلم "1053".
5 جزء من حديث طويل أخرجه أحمد برقم "21325".(10/381)
تَقْبَلْهَا نَفْسُهُ حِلًّا. وَفِي الْكَافِي1: هِيَ أَوْلَى إنْ طَابَتْ نَفْسُهُ وَإِلَّا أَكَلَ الطَّعَامَ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ. وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ يُقَدِّمُهُ وَلَوْ بِقِتَالِهِ, ثُمَّ صَيْدًا, ثُمَّ مَيْتَةً, فَلَوْ عَلِمَهُ2 وَبَذَلَهُ لَهُ3 فَفِي بَقَاءِ حَالِهِ كَبَذْلِ حُرَّةٍ بُضْعَهَا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ طَوْلًا مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ, وَإِنْ بَذَلَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ3. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يُلْزِمُ مُعَسِّرًا عَلَى احْتِمَالٍ, وَإِنْ وَجَدَهُمَا مُحَرَّمٌ بِلَا مَيْتَةٍ قَدَّمَ الطَّعَامَ, وَقِيلَ: يُخَيَّرُ, وَيُقَدَّمُ مُخْتَلَفًا فِيهِ.
وَيَحْرُمُ أَكْلُ عُضْوِهِ "مُطْلَقًا" خِلَافًا لِلْفُنُونِ عَنْ حَنْبَلِيٍّ, فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا طَعَامَ غَيْرِهِ فَرُبَّهُ الْمُضْطَرُّ, وَفِي الْخَائِفِ وَجْهَانِ أَحَقُّ "م 6" وَهَلْ لَهُ إيثاره؟
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 6" قَوْلُهُ: "فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا طَعَامَ غيره فربه المضطر – 4في الخائف وجهان4- أَحَقُّ. وَفِي الْخَائِفِ وَجْهَانِ", انْتَهَى.
"أَحَدُهُمَا" رُبَّهُ أَحَقُّ أَيْضًا, قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ أَوْ الشَّرَابِ مُضْطَرًّا إلَيْهِ فِي ثَانِي الْحَالِ فَهَلْ يُمْسِكُهُ لَهُ أَوْ يَدْفَعُهُ إلَى الْمُضْطَرِّ إلَيْهِ فِي الْحَالِ؟ "قُلْت" يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ, أَظْهَرُهُمَا إمْسَاكُهُ, إذْ لَا يَجِبُ الدفع عن غيره ولا إنجاؤه من
__________
1 "2/536".
2 في "ر" "علم".
3 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
4 4 في النسخ الخطية و"ط" "أحق وفي الخائف وجهان" والمثبت من الفروع.(10/382)
كلامهم يدل1 عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ, وَذَكَرَ صَاحِبُ الْهَدْيِ فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ أَنَّهُ يَجُوزُ, وَأَنَّهُ غَايَةُ الْجُودِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] وَلِفِعْلِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي فُتُوحِ الشَّامِ, وَعَدَ ذَلِكَ فِي مَنَاقِبِهِمْ, وَإِلَّا لَزِمَهُ بَذْلُ مَا لَهُ أَكْلُهُ مِنْ الْمَيْتَةِ بِقِيمَتِهِ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَلَوْ فِي ذِمَّةِ مُعْسِرٍ, وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِابْنِ عَقِيلٍ, وَفِي زيادة لا تجحف وجهان "م 7" وفي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَالِانْتِصَارِ قَرْضًا بِعِوَضِهِ, وَقِيلَ: مَجَّانًا وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا, كَالْمَنْفَعَةِ فِي الْأَشْهَرِ. وَنَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْمُضْطَرِّ,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
هَلَكَةٍ, إنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ التَّلَفَ حَالًا أَوْ مَآلًا, انْتَهَى.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" الْمُضْطَرُّ أَحَقُّ بِهِ, وَفِيهِ قُوَّةٌ.
"تَنْبِيهٌ" قَدْ لَاحَ لَك مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الرِّعَايَةِ أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ إلَى ذِكْرِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ, وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي خَرَّجَهُمَا, وَحِينَئِذٍ فِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
"مَسْأَلَةٌ 7" قَوْلُهُ: "وَفِي زِيَادَةٍ لَا تُجْحِفُ وَجْهَانِ":
"أَحَدُهُمَا" لَيْسَ لَهُ بَذْلُهُ1 بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ, بَلْ يَجِبُ بَذْلُهُ بِقِيمَتِهِ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, اخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ, وَقَطَعَ بِهِ فِي الشَّرْحِ2 فِي مَكَانَيْنِ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي": لَهُ ذَلِكَ, اخْتَارَهُ الْقَاضِي, قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرُهُ: وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ لا يلزمه أكثر من ثمن مثله.
__________
1 ليست في "ط".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/243 - 248".(10/383)
رَوَاهُ أَحْمَدُ1 مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, فَإِنْ أَبَى أَخَذَهُ بِالْأَسْهَلِ, ثُمَّ قَهْرًا وَقَاتَلَهُ عَلَيْهِ.
فَإِنْ قُتِلَ الْمُضْطَرُّ ضَمِنَهُ رَبُّ الطَّعَامِ وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ. وَفِي التَّرْغِيبِ فِي قِتَالِهِ وَجْهَانِ. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ أَبَاهُ كَرِهَهُ, وَحَرَّمَهُ فِي الْإِرْشَادِ2 وَإِنْ بَذَلَهُ لَهُ3 بِفَوْقِ مَا يَلْزَمُهُ أَخَذَهُ وَأَعْطَاهُ قِيمَتَهُ, وَقِيلَ: يُقَاتِلُهُ, فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا آدَمِيًّا مُبَاحَ الدَّمِ كَزَانٍ مُحْصَنٍ قَتَلَهُ وَأَكَلَهُ, وَكَذَا مَعْصُومًا مَيِّتًا وَالْأَكْثَرُ: يُحَرَّمُ. وَفِي التَّرْغِيبِ, وَكَذَا آدَمِيًّا مُبَاحَ الدَّمِ, قَالَ فِي الْفُصُولِ فِي الْجَنَائِزِ: يُقَدَّمُ حَيٌّ اُضْطُرَّ إلَى سُتْرَةٍ لِبَرْدٍ أَوْ مَطَرٍ عَلَى تَكْفِينِ مَيِّتٍ, فَإِنْ كَانَتْ السُّتْرَةُ لِلْمَيِّتِ احْتَمَلَ أَنْ يُقَدَّمَ الْحَيُّ أَيْضًا, وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ.
وَمَنْ مَرَّ بِثَمَرَةِ بُسْتَانٍ لَا حَائِطَ عَلَيْهِ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُوجَزِ, وَلَا نَاظِرَ, وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْوَسِيلَةِ, فَلَهُ الْأَكْلُ, وَعَنْهُ: مِنْ مُتَسَاقِطٍ. وَعَنْهُ: مِنْهُمَا لِحَاجَةٍ مجانا, وعنه: لضرورة, ذكرها4 جَمَاعَةٌ كَمَجْمُوعٍ مُخَبَّى. وَعَنْهُ: وَيَضْمَنُهُ, اخْتَارَهُمَا فِي الْمُبْهِجِ وَجَوَّزَهُ فِي التَّرْغِيبِ لِمُسْتَأْذِنٍ ثَلَاثًا لِلْخَبَرِ5, فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي زَرْعٍ قَائِمٍ وَشُرْبِ لَبَنِ مَاشِيَةٍ رِوَايَتَانِ "م 8" وَلَا يُحْمَلُ بِحَالٍ, وَلَا يَرْمِي شَجَرًا, نَصَّ عَلَيْهِمَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 8" قَوْلُهُ: "فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي زَرْعٍ قَائِمٍ وَشُرْبِ لَبَنِ مَاشِيَةٍ روايتان", انتهى.
__________
1 في المسند "937".
2 ص "389".
3 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
4 في "ط" "ذكره" والمثبت من النسخ الخطية.
5 أخرجه ابن ماجه "2300" عن أبي سعيد الخدري عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال: "إذا أتيت على حائط بستان فناد صاحب البستان ثلاثا فإن أجاب وإلا فكل من غير أن تفسد".(10/384)
وَيَلْزَمُ الْمُسْلِمَ ضِيَافَةُ مُجْتَازٍ بِهِ مُسْلِمٍ, وَعَنْهُ: وَذِمِّيٍّ, نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ, مُسَافِرٍ وَظَاهِرُ نُصُوصِهِ: وَحَاضِرٍ, وفيه وجهان للأصحاب "م 9" في قرية,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ والخلاصة والكافي1 وَالْمُغْنِي2 وَالْمُقْنِعِ3 وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ3 وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
"إحْدَاهُمَا" لَهُ ذَلِكَ, كَالثَّمَرَةِ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: هَذَا الْأَشْهَرُ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ, وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي لَبَنِ الْمَاشِيَةِ. "وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ" لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ, وَصَحَّحَهُ فِي الصَّحِيحِ وَالنَّظْمِ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ, قَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَهُ ذَلِكَ, فِي رِوَايَةٍ, فَدَلَّ أَنَّ الْمُقَدَّمَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ
"مَسْأَلَةٌ 9". قَوْلُهُ: "وَظَاهِرُ نُصُوصِهِ: وَحَاضِرٌ, وَفِيهِ وَجْهَانِ, للأصحاب", انتهى.
4الوجه الأول4: ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ5 وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْحَاضِرَ لَيْسَ كَالْمُسَافِرِ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ, وَهُوَ الصَّوَابُ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" هُوَ كَالْمُسَافِرِ, فَيُعْطَى حُكْمَهُ, قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ ظَاهِرُ نصوصه.
__________
1 "2/539".
2 "13/336".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/259".
4 4 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/264".(10/385)
وَفِي مِصْرَ رِوَايَتَانِ, مَنْصُوصَتَانِ "م 10" لَيْلَةً, وَالْأَشْهَرُ ويوما, فقط, نقله الْجَمَاعَةُ, وَقِيلَ: ثَلَاثَةً وَمَا فَوْقَهَا صَدَقَةٌ, فَإِنْ أَبَى فَلَهُ مُحَاكَمَتُهُ. وَنَقَلَ الشَّالَنْجِيُّ إذَا بَعَثُوا فِي السَّبِيلِ يُضَيِّفُهُمْ مَنْ مَرُّوا بِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ, فَإِنْ أَبَوْا أَخَذُوا مِنْهُمْ بِمِثْلِ ذَلِكَ. وَيَلْزَمُ إنْزَالُهُ فِي بَيْتِهِ لِعَدَمِ مَسْجِدٍ وَغَيْرِهِ فقط, وأوجبه ابن عقيل1 فِي الْمُفْرَدَاتِ مُطْلَقًا, كَالنَّفَقَةِ. وَالضِّيَافَةُ كِفَايَتُهُ وَأَدَمٌ, وَفِي الْوَاضِحِ وَلِفَرَسِهِ تِبْنٌ لَا شَعِيرٌ, وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ2 وَجْهٌ كَأَدَمِهِ3, وَأَوْجَبَ شَيْخُنَا الْمَعْرُوفَ عَادَةً قال: كزوجة وقريب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 10" قَوْلُهُ: "فِي قَرْيَةٍ وَفِي مِصْرٍ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ", انْتَهَى.
"إحْدَاهُمَا" لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ, وَلَيْسُوا كَأَهْلِ الْقُرَى, وَهُوَ الصَّحِيحُ, وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ, وَبِهِ قَطَعَ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ": هُمْ كَأَهْلِ الْقُرَى فِي ذَلِكَ, وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ4, وَفِيهِ ضَعْفٌ.
"تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ: "وَفِي الْوَاضِحِ وَلِفَرَسِهِ تِبْنٌ لَا شَعِيرٌ وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ كَذِمَّةٍ" كَذَا فِي النُّسَخِ, وَصَوَابُهُ كَأَدَمِهِ, يَعْنِي أَنَّ الشَّعِيرَ لِلدَّابَّةِ كَالْأَدَمِ لِلْآدَمِيِّ.
5فهذه عشرة مسائل في هذا الباب5.
__________
1 ليست في "ر" و"ط".
2 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
3 في الأصل و"ر" "كذمة" والمثبت من "ط".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/269".
5 5 ليست في "ط".(10/386)
وَرَفِيقٍ1. وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا "مَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَلَا يَصُومَنَّ تَطَوُّعًا إلَّا بِإِذْنِهِمْ" إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ, رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ2, قَالَ فِي كَشْفِ الْمُشْكَلِ فِي النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ الْأَضْحَى: النَّاسُ فِيهِ تَبَعٌ لِوَفْدِ اللَّهِ عِنْدَ بَيْتِهِ, وَهُمْ كَالضَّيْفِ, فَلَا يَحْسُنُ صَوْمُهُ عِنْدَ مُضِيفِهِ.
وَمِنْ قَدَّمَ لِضِيفَانِهِ طَعَامًا لَمْ يَجُزْ لَهُمْ قَسَمُهُ لِأَنَّهُ أَبَاحَهُ, ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ.
وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ فَمَذْمُومٌ مُبْتَدَعٌ, وَمَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ الْبِطِّيخِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِكَيْفِيَّةِ أَكْلِ3 النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَبَ, ذَكَرَهُ شيخنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ط".
2 الترمذي "789" وابن ماجه "1763".
3 ليست في الأصل و"ط".(10/387)
بَابُ الذَّكَاةِ
لَا يَحِلُّ حَيَوَانٌ إلَّا بِذَكَاةٍ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْبَحْرِيِّ أَوْ عَقْرٍ لِأَنَّهُ مُمْتَنِعٌ كَحَيَوَانِ الْبَرِّ إلَّا الْجَرَادَ وَالسَّمَكَ وَمَا لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ. وَعَنْهُ: وَمَيْتَةُ كُلِّ بَحْرِيٍّ, وَعَنْهُ: مَيْتَةُ سَمَكٍ فَقَطْ, فَيَحْرُمُ جَرَادٌ مَاتَ بِلَا سَبَبٍ. وَعَنْهُ: وَسَمَكٌ طَافٍ, وَنُصُوصُهُ: لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَتَقَذَّرْهُ. وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَنْ الصِّدِّيقِ وَغَيْرِهِ حِلَّهُ قَالَ: وَمَا يُرْوَى خِلَافُ ذَلِكَ فَمَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ. وَلَعَلَّ مُرَادَهُ عِنْدَ قَائِلِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: مَا لَا نفس له سائلة يجري مجرى ديدان الخل وَالْبَاقِلَّا فَيَحِلُّ بِمَوْتِهِ, قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَالذُّبَابِ, وَفِيهِ رِوَايَتَانِ "م 1".
فَإِنْ حَرُمَ لَمْ يَنْجُسْ, وَعَنْهُ: بَلَى, وَعَنْهُ: مَعَ دَمٍ وَكَرِهَ الْإِمَامُ أحمد شي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 1" قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: مَا لَا نفس له سائلة يجري مجرى ديدان الخل وَالْبَاقِلَّاءِ, فَيُحْمَلُ بِمَوْتِهِ, وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَالذُّبَابِ, وَفِيهِ رِوَايَتَانِ, انْتَهَى. يَعْنِي أَنَّ فِي حِلِّ الذُّبَابِ رِوَايَتَيْنِ, قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ: وَفِي تَحْرِيمِ الذُّبَابِ رِوَايَتَانِ.
"إحْدَاهُمَا" يَحْرُمُ "قُلْت" وَهُوَ الصَّوَابُ, لِأَنَّهُ مِنْ الْمُسْتَخْبَثَاتِ, 1وَقَطْعَ بِهِ2 الْمُصَنِّفُ فِي الْأَطْعِمَةِ فِي مَوْضِعٍ3, وَإِطْلَاقُ الْخِلَافِ إنَّمَا هُوَ حِكَايَةٌ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ, قَدْ ذَكَرَ لَفْظَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ41.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ" يُبَاحُ, وهو بعيد.
__________
1 1 ليست في "ح".
2 ليست في "ص".
3 ص "371".
4 ص "372".(10/388)
سمك حي لا جراد. وقال ابْنُ عَقِيلٍ فِيهِمَا: يُكْرَهُ عَلَى الْأَصَحِّ, وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ فِي الْجَرَادِ: لَا بَأْسَ بِهِ, مَا أَعْلَمُ لَهُ وَلَا لِلسَّمَكِ ذَكَاةً. وَيَحْرُمُ بَلْعُهُ حَيًّا, ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ إجْمَاعًا. وَفِي الْمُغْنِي1: يُكْرَهُ.
وَلِلذَّكَاةِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْعُمْدَةِ وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ غَيْرِهِمَا وَلِلنَّحْرِ شُرُوطٌ..
"أَحَدُهُمَا"2 كَوْنُهُ عَاقِلًا, لِيَصِحَّ قَصْدُ التَّذْكِيَةِ وَلَوْ مُكْرَهًا, ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ, وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ كَذَبْحِ مَغْصُوبٍ, وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا: لَا يَعْتَبِرُ قَصْدَ الْأَكْلِ. وَفِي التَّعْلِيقِ: لَوْ تَلَاعَبَ بِسِكِّينٍ عَلَى حَلْقِ شَاةٍ فَصَارَ ذَبْحًا وَلَمْ يَقْصِدْ حِلَّ أَكْلِهَا لَمْ يُبَحْ. وَعَلَّلَ ابْنُ عَقِيلٍ تَحْرِيمَ مَا قَتَلَهُ مُحْرِمٌ لِصَوْلِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ أكله كما لو3 وَطِئَهُ آدَمِيٌّ إذَا قُتِلَ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: كَذَبْحِهِ. وَذَكَر الْأَزَجِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا: إذَا ذَبَحَهُ لِيُخَلِّصَ مال غيره منه: يقصد الأكل لا التخلص4, لِلنَّهْيِ عَنْ ذَبْحِهِ لِغَيْرِ مَأْكَلِهِ5. وَذَكَرَ شَيْخُنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "13/300".
2 في "ط" "أحدهما".
3 ليست في "ط" و"ر".
4 في "ط" والأصل "التخليص".
5 أخرجه سعبد بن منصور في سننه "2/149" وأبو داود في مراسيله "316" عن القاسم مولى عبد الرحمن أنه قال: استأذن رجل مِنْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الغزو فأذن له فقال: "إن لقيت العدو فلا تجبن وإن قدرت فلا تغلل ولا تحرقن نخلا ولا تعقرها ولا تقطع شجرة مطعمة ولا تقتل بهيمة ليست لك فيها حاجة واتق أذى المؤمن". وأخرج مالك في الموطأ "2/447 – 448" عن يحيى بن سعيد أن أبا بكر بعث جيوشا إلى الشام فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان ... وفيه: إني موصيك بعشر: "لا تقتلن امرأة ولا صبيا ... ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة......" الحديث.(10/389)
فِي بُطْلَانِ التَّحْلِيلِ: لَوْ لَمْ يَقْصِدْ الْأَكْلَ أَوْ قَصْدَ مُجَرَّدَ حِلِّ يَمِينِهِ لَمْ يُبَحْ, وَنَقَلَ صَالِحٌ وَجَمَاعَةٌ اعْتِبَارَ إرَادَةِ التَّذْكِيَةِ, فَظَاهِرُهُ يَكْفِي. وَفِي الْفُنُونِ أَنَّ بَعْضَ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ لَهُ: الصَّيْدُ فُرْجَةً وَنُزْهَةً مَيْتَةٌ لِعَدَمِ قَصْدِ الْأَكْلِ, قَالَ: وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ, قَالَ: لِأَنَّهُ عَبَثٌ مُحَرَّمٌ, وَلَا أَحَدَ أَحَقُّ, بِهَذَا مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ, حَيْثُ جَعَلَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كُلَّ خَطَرٍ فِي مَقْصُودٍ شَرْعِيٍّ يَمْنَعُ صِحَّتَهُ, وَكَذَا خَرَّجَ أَصْحَابُهُ فِي السِّكِّينِ الْكَالَّةِ, قَالَ: وَالْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِنَا أَنَّ مَا قَتْلُهُ بِفَهْدٍ أَوْ كَلْبٍ مَغْصُوبٍ مَيْتَةٌ, لِكَوْنِ إمْسَاكِهِ وَإِرْسَالِهِ بِلَا حَقٍّ كَلَا إرْسَالٍ, كَمَا أَنَّ الْمُصَلِّيَ بِسُتْرَةٍ مَغْصُوبَةٍ عُرْيَانُ. وَفِي التَّرْغِيبِ: هَلْ يَكْفِي قَصْدُ الذَّبْحِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ الْإِحْلَالِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ, وَسَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا وَلَوْ مُمَيِّزًا. وَفِي الْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ: لَا دُونَ عَشْرٍ وَلَوْ أُنْثَى قِنًّا, وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ الإمام أحمد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(10/390)
بِإِطَاقَةِ الذَّبْحِ. وَفِي التَّرْغِيبِ: فِي الصَّابِئَةِ رِوَايَتَانِ, مأخذهما هل هم فرقة1 مِنْ النَّصَارَى أَمْ لَا؟ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ عُمَرَ فَإِنَّهُ قَالَ: هُمْ يَسْبِتُونَ جَعَلَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْيَهُودِ, وَكُلُّ مَنْ يَصِيرُ إلَى كِتَابٍ فَلَا بَأْسَ بِذَبِيحَتِهِ. وَعَنْهُ: لَا أَقْلَفَ لَا يُخَافُ بِخِتَانِهِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ فِي الْأَقْلَفِ: لَا صَلَاةَ لَهُ وَلَا حَجَّ, هِيَ مِنْ تَمَامِ الْإِسْلَامِ. وَنَقَلَ فِيهِ الْجَمَاعَةُ: لَا بَأْسَ, وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: يُكْرَهُ جُنُبٌ وَنَحْوُهُ, وَنَقَلَ صَالِحٌ وَغَيْرُهُ: لَا بَأْسَ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَذْبَحُ الْجُنُبُ. وَنَقَلَ أَيْضًا فِي الْحَائِضِ: لَا بَأْسَ. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: تَحِلُّ2 ذَكَاةُ مُرْتَدٍّ إلَى الْكِتَابِيِّينَ. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ سَمَكٌ وَجَرَادٌ صَادَهُ مَجُوسِيٌّ وَنَحْوُهُ, صَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ.
"الثَّانِي" الْآلَةُ, فَتَحِلُّ بِكُلِّ مُحَدِّدٍ حَتَّى حَجَرٍ وَخَشَبٍ وَقَصَبٍ إلَّا السن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط" "نوع".
2 في النسخ الخطية "حل" والمثبت من "ط".(10/391)
وَالظُّفْرَ, نَصَّ عَلَى ذَلِكَ, وَفِي عَظْمٍ غَيْرِ سِنٍّ وَآلَةٍ مَغْصُوبَةٍ رِوَايَتَانِ, وَمِثْلُهَا سِكِّينٌ ذَهَبٌ وَنَحْوُهَا, ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَالْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ "م 2 - 4" وَفِي التَّرْغِيبِ: يَحْرُمُ بِعَظْمٍ وَلَوْ بِسَهْمٍ نَصْلُهُ عظم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 2 - 4" قَوْلُهُ: وَفِي عَظْمٍ غَيْرِ سِنٍّ وَآلَةٍ مَغْصُوبَةٍ رِوَايَتَانِ, وَمِثْلُهَا سِكِّينٌ ذَهَبٌ وَنَحْوُهَا, ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَالْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ, انْتَهَى, ذِكْرُ مَسَائِلَ:
"الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 2" إذَا كَانَتْ الْآلَةُ الَّتِي يُذْبَحُ بِهَا عَظْمًا غَيْرَ سِنٍّ فَهَلْ يَحِلُّ الْمَذْبُوحُ بِهَا أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ, وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ.
"إحْدَاهُمَا" يَحِلُّ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, قَالَ فِي الْمُغْنِي1: يَقْتَضِي إطْلَاقُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ إبَاحَةَ الذَّبْحِ بِهِ, قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ وَالنَّاظِمُ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ, قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ: وَتَجُوزُ الذَّكَاةُ بِكُلِّ آلَةٍ لَهَا حَدٌّ يَقْطَعُ وَيَنْهَرُ الدَّمَ, إلَّا السِّنَّ وَالظُّفْرَ, وَقَدَّمَهُ فِي الكافي2, وقال: هو ظاهر كلامه.
__________
1 "13/302".
2 "2/504".(10/392)
"الثَّالِثُ" قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ, وَعَنْهُ: وَالْوَدَجَيْنِ, اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ, وَعَنْهُ: أَوْ أَحَدِهِمَا. وَفِي الْإِيضَاحِ: الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ. وفي الإشارة1: المريء والودجين. وكلامهم في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ" لَا يُبَاحُ, قَالَ فِي إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ فِي الْفَائِدَةِ السَّادِسَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْحَدِيثِ: وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى عَدَمِ التَّذْكِيَةِ بِالْعِظَامِ, إمَّا لِنَجَاسَةِ بَعْضِهَا وَإِمَّا لِتَنْجِيسِهِ عَلَى مُؤْمِنِي. الْجِنِّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ, وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.
"الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 3" الْآلَةُ الْمَغْصُوبَةُ هَلْ تَحْصُلُ بِهَا التَّذْكِيَةُ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهَا, وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ.
"إحْدَاهُمَا" تَحْصُلُ الذَّكَاةُ بِهَا وَيَحِلُّ الْمَذْبُوحُ وَهُوَ الصَّحِيحُ, صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْمُقْنِعِ2 وَالشَّرْحِ2 وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى والنظم وغيره3, قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: يُبَاحُ لِأَنَّهُ يُبَاحُ الذَّبْحُ بِهَا لِلضَّرُورَةِ, وَجَزَمَ بِهِ4 فِي الْوَجِيزِ, وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الْآدَمِيُّ فِي مُنَوَّرِهِ وَمُنْتَخَبِهِ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ" لَا تُبَاحُ التَّذْكِيَةُ بِهَا.
"الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ 4" هَلْ تَحْصُلُ التَّذْكِيَةُ بِسِكِّينٍ ذَهَبٍ وَنَحْوِهَا أَمْ لَا؟ ذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ وَالْمُوجَزِ أَنَّهَا كَالْآلَةِ الْمَغْصُوبَةِ, وَقَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْ المذهب فيها
__________
1 في الأصل و"ط" "الإرشاد" والعبارة في الإرشاد ص "376".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/299".
3 في "ط" و"ص" "وغيرهم".
4 ليست في "ح".(10/393)
اعْتِبَارِ إبَانَةِ ذَلِكَ بِالْقَطْعِ مُحْتَمَلٌ, وَيَقْوَى عَدَمُهُ, وَظَاهِرُهُ لَا يَضُرُّ رَفْعُ يَدِهِ إنْ أَتَمَّ الذَّكَاةَ عَلَى الْفَوْرِ, وَاعْتَبَرَ فِي التَّرْغِيبِ قَطْعًا تَامًّا فَلَوْ بَقِيَ مِنْ الْحُلْقُومِ جِلْدَةٌ وَلَمْ يَنْفُذْ الْقَطْعُ انْتَهَى الْحَيَوَانُ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ ثُمَّ قَطَعَ الْجِلْدَةَ لَمْ يَحِلَّ.
وَفِي الْكَافِي1 وَالرِّعَايَةِ: يَكْفِي قَطْعُ الْأَوْدَاجِ, فَقَطْعُ أَحَدِهِمَا مَعَ 2الْحُلْقُومِ أَوْ2 الْمَرِيءِ أَوْلَى بِالْحِلِّ, قَالَهُ شَيْخُنَا: وَذَكَرَهُ رِوَايَةً فِي الْأَوِّلَةِ. وَذَكَرَ وَجْهًا: يَكْفِي قَطْعُ ثَلَاثٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ.
وَيُسَنُّ ذَبْحُ غَيْرِ إبِلٍ وَنَحْرُهَا وَفِي التَّرْغِيبِ رِوَايَةٌ: يُنْحَرُ الْبَقَرُ, وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ وَمَا صَعُبَ وَضْعُهُ بِالْأَرْضِ, وَعَنْهُ: يُكْرَهُ ذَبْحُ إبِلٍ وَعَنْهُ: وَلَا تُؤْكَلُ, وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ قَالَا: النَّحْرُ فِي اللَّبَّةِ3, وَالذَّبْحُ فِي الْحَلْقِ وَالذَّبْحُ وَالنَّحْرُ فِي الْبَقَرِ وَاحِدٌ, وَإِنْ ذَبَحَ مَغْصُوبًا حَلَّ, نَصَّ عَلَيْهِ, لِإِبَاحَتِهِ لِلضَّرُورَةِ, بِخِلَافِ سُتْرَةِ الصَّلَاةِ, قَالَهُ ابْنُ شِهَابٍ وَالْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ. وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فِي سِكِّينٍ غَصْبٍ "لِأَنَّهُ يباح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
فَكَذَا فِي هَذِهِ "قُلْت": بَلْ هَذِهِ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 "2/508".
2 2 ليست في الأصل.
3 اللبة المنحر القاموس "ألب".(10/394)
الذَّبْحُ1 بِهَا لِلضَّرُورَةِ, فَالسُّتْرَةُ أَغْلَظُ, وَعَنْهُ: لَا, اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ, وَكَذَا لَوْ أَبَانَ رَأْسًا, وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِي الْمَغْصُوبِ: لَا يَأْكُلُهُ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ, قَالَ الْقَاضِي: فَأَبَاحَهُ بَعْدَ إذْنِهِ, وَمَا سَبَقَ مِنْ الْفَرْقِ ذَكَرُوهُ فِي سِكِّينٍ غَصْبٍ" وَلَوْ اُخْتُتِنَ بِهَا أَجْزَأَهُ, لِأَنَّهُ إتْلَافٌ, كَالْعِتْقِ بِمَكَانِ غَصْبٍ وَكَتَرْكِ الْبَدَاءَةِ بقطع الأيدي في الحد.
وَذَكَاةِ مَا عَجَزَ عَنْهُ كَوَاقِعٍ بِبِئْرٍ وَمُتَوَحِّشٌ يَجْرَحُهُ حَيْثُ شَاءَ مِنْ بَدَنِهِ, نَصَّ عَلَيْهِ وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ: يَقْتُلُ مِثْلُهُ غَالِبًا, فَإِنْ أَعَانَهُ غَيْرُهُ, مِثْلُ كَوْنِ رَأْسِهِ فِي مَاءٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَحِلَّ, نَصَّ عَلَيْهِ وَقِيلَ: بَلَى بجرح موح.
وَإِنْ ذَبَحَهُ مِنْ قَفَاهُ خَطَأً فَأَتَتْ الْآلَةُ مَحَلَّ ذَبْحِهِ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَعَنْهُ: أَوْ لَا وَفِي الْمُغْنِي2: غَلَبَ بَقَاؤُهَا حَلَّ. وَفِي التَّرْغِيبِ "رِوَايَةَ": يَحْرُمُ مَعَ حَيَاةٍ مُسْتَقِرَّةٍ, وَهُوَ ظَاهِرُ مَا رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْهُ3.
وَإِنْ فَعَلَهُ عَمْدًا فَرِوَايَتَانِ "م 5" وَمُلْتَوٍ عُنُقُهُ كَمَعْجُوزٍ عَنْهُ, قاله القاضي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 5" قَوْلُهُ: "وَإِنْ ذَبَحَهُ مِنْ قَفَاهُ خَطَأً فأتت الآلة محل ذبحه وفيه حياة مستقرة حَلَّ" وَإِنْ فَعَلَهُ عَمْدًا فَرِوَايَتَانِ, انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ والمقنع4 والمحرر والحاويين وغيرهم.
__________
1 ليست في الأصل.
2 "13/308".
3 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/309 - 310".(10/395)
وَقِيلَ كَذَلِكَ: وَمَا أَصَابَهُ سَبَبُ الْمَوْتِ مِنْ مُنْخَنِقَةٍ وَمَوْقُوذَةٍ وَمُتَرَدِّيَةٍ وَنَطِيحَةٍ وَأَكِيلَةِ سَبُعٍ فَذَكَّاهُ وَحَيَاتُهُ يُمْكِنُ زِيَادَتُهَا, وَقَالَ شَيْخُنَا: وَقِيلَ: تَزِيدُ عَلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ حَلَّ, قِيلَ: بِشَرْطِ تَحَرُّكِهِ بِيَدٍ أَوْ طَرَفِ عَيْنٍ وَنَحْوِهِ, وَقِيلَ: أَوْ لَا "م 6" وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَجَمَاعَةٌ: مَا عُلِمَ موته بالسبب,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"إحْدَاهُمَا" يُبَاحُ بِشَرْطِهِ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالشِّيرَازِيُّ وَغَيْرُهُمَا, وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي1 وَالشَّرْحِ2 وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالتَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِمْ, وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي3 الْكَافِي4, وَالْآدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ وَمُنَوَّرِهِ, وَغَيْرُهُمَا.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ" لَا يُبَاحُ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ, وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ, وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيّ, وَقَالَ: هُوَ مَنْصُوصُ أَحْمَدَ وَمَفْهُومُ كلام الخرقي.
مَسْأَلَةٌ 6" قَوْلُهُ: "وَمَا أَصَابَهُ سَبَبُ الْمَوْتِ مِنْ مُنْخَنِقَةٍ وَمَوْقُوذَةٍ وَمُتَرَدِّيَةٍ وَنَطِيحَةٍ وَأَكِيلَةِ سَبُعٍ فَذَكَّاهُ5 وَحَيَاتُهُ6 يُمْكِنُ زِيَادَتُهَا,. حَلَّ قِيلَ: بِشَرْطِ تَحَرُّكِهِ بِيَدٍ أَوْ طَرَفِ عَيْنٍ وَنَحْوِهِ, وَقِيلَ: أَوْ لَا", انْتَهَى.
"أَحَدُهُمَا" يُشْتَرَطُ وُجُودُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ, قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ: إذَا أَدْرَكَ ذَكَاةَ ذَلِكَ وَفِيهِ حَيَاةٌ يُمْكِنُ أَنْ تَزِيدَ عَلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ حَلَّ, بِشَرْطِ أَنْ يَتَحَرَّكَ عِنْدَ الذَّبْحِ وَلَوْ بِيَدٍ أو رجل أو طرف عين أو قطع7 ذنب
__________
1 "13/308".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/309 - 310".
3 ليست في "ط".
4 "2/509".
5 في النسخ الخطية "فذكاه" والتصحيح من الفروع.
6 في "ط" "حياة".
7 في "ط" "قصع".(10/396)
وَعَنْهُ: لِدُونِ أَكْثَرِ يَوْمٍ, لَمْ يَحِلَّ, وَعَنْهُ: حَلَّ مُذَكًّى قَبْلَ مَوْتِهِ, ذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ, وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا. وَفِي كِتَابِ الْآدَمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ تُشْتَرَطُ حَيَاةٌ يُذْهِبُهَا الذَّبْحُ اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ, وعنه: إن تحرك1, ذَكَرَهُ فِي الْمُبْهِجِ, وَنَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ وَالْمَرُّوذِيُّ وَأَبُو طَالِبٍ وَفِي التَّرْغِيبِ: لَوْ ذَبَحَ وَشَكَّ فِي الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ وَوَجَدَ مَا يُقَارِبُ الْحَرَكَةَ الْمَعْهُودَةَ فِي التَّذْكِيَةِ الْمُعْتَادَةِ حَلَّ, فِي الْمَنْصُوصِ, قَالَ: وَأَصْحَابُنَا قَالُوا: الْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةُ مَا جَازَ بَقَاؤُهَا أَكْثَرَ الْيَوْمِ, وَقَالُوا: إذَا لَمْ يَبْقَ فِيهِ إلَّا حَرَكَةُ الْمَذْبُوحِ لَمْ يَحِلَّ, فَإِنْ كَانَ التَّقْيِيدُ بِأَكْثَرِ الْيَوْمِ صَحِيحًا فَلَا مَعْنَى لِلتَّقْيِيدِ بِحَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ, لِلْحَظْرِ, وَكَذَا بِعَكْسِهِ, فَإِنَّ بَيْنَهُمَا أَمَدًا بَعِيدًا, قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ مَا ظُنَّ بَقَاؤُهَا زِيَادَةً عَلَى أَمَدِ حركة المذبوح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَنَحْوِهِ, انْتَهَى.
"وَالْقَوْلُ الثَّانِي" لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ حَيْثُ كَانَ فِيهَا حَيَاةٌ تَزِيدُ عَلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ "قُلْت" وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ, وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي2 وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ تَعِيشُ زَمَنًا يَكُونُ الْمَوْتُ بِالذَّبْحِ أَسْرَعَ مِنْهُ حَلَّتْ بِالذَّبْحِ, وَأَنَّهَا مَتَى كَانَتْ مِمَّا لَا يُتَيَقَّنُ مَوْتُهَا كَالْمَرِيضَةِ وَأَنَّهَا مَتَى تَحَرَّكَتْ وَسَالَ دَمُهَا حَلَّتْ, انْتَهَى.
__________
1 في "ط" "تحول".
2 "13/315".(10/397)
لمثله سوى أمد الذبح. قَالَ: وَمَا هُوَ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ كَمَقْطُوعِ الْحُلْقُومِ وَمُبَانِ الْحَشْوَةِ فَوَجَدَهَا كَعَدَمٍ1, عَلَى الْأَصَحِّ, وَمَرِيضَةٌ كَمُنْخَنِقَةٍ, وَقِيلَ: لَا يَعْتَبِرُ حَرَكَتَهَا "م 7".
وَذَكَاةُ جَنِينٍ مَأْكُولٍ بِتَذْكِيَةِ أُمِّهِ وَلَوْ لَمْ يَشْعُرْ2 وَاسْتَحَبَّ أَحْمَدُ ذَبْحَهُ, وَعَنْهُ: لَا بَأْسَ وَإِنْ خَرَجَ بِحَيَاةٍ مُسْتَقِرَّةٍ حَلَّ بِذَبْحِهِ, نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. وَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّرِ3 أَنَّهُ كَمُنْخَنِقَةٍ, وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: إنْ خَرَجَ حَيًّا فَلَا بُدَّ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 7" قَوْلُهُ: وَمَرِيضَةٌ كَمُنْخَنِقَةٍ, وَقِيلَ: لَا تُعْتَبَرُ حَرَكَتُهَا, انْتَهَى. الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَ الْمَرِيضَةِ حُكْمُ الْمُنْخَنِقَةِ وَأَخَوَاتِهَا, كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ, وَقَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ, فَكَذَا فِي هَذِهِ, وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْمُغْنِي4 وهو صريح في المسألة.
__________
1 في "ر" "القدم".
2 أشعر الحنين: نبت عليه الشعر القاموس "شعر.
3 ليست في "ر".
4 "13/268".(10/398)
ذَبْحِهِ وَعَنْهُ: يَحِلُّ بِمَوْتِهِ قَرِيبًا, وَفِي قِيَاسِ الْوَاضِحِ لِابْنِ عَقِيلٍ: مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَحِلُّ جَنِينٌ بِتَذْكِيَةِ أُمِّهِ أَشْبَهُ; لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَظْرُ, وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صَيْدِ عُقِرَ وَوَقَعَ فِي مَاءٍ "لَا تَأْكُلُهُ لَعَلَّ الْمَاءَ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ" 1 فَهَذَا تَنْبِيهٌ. وَلَا يُؤَثِّرُ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ تَحْرِيمُهُ كَتَحْرِيمِ أَبِيهِ, وَلَوْ وَجَأَ بَطْنَ أُمِّهِ فَأَصَابَ مَذْبَحَهُ تَذَكَّى وَالْأُمُّ مَيِّتَةٌ, ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ.
الرَّابِعُ قَوْلُ بِسْمِ اللَّهِ عِنْدَ الذَّبْحِ أَوْ إرْسَالِ الْآلَةِ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: أَوْ قَبْلَهُ قَرِيبًا, فَصَّلَ بِكَلَامٍ أَوْ لَا, اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ, وَعَنْهُ: مِنْ مُسْلِمٍ, وَنَقَلَ حَنْبَلٌ عَكْسَهَا لِأَنَّ الْمُسْلِمَ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ. وَعَنْهُ: هِيَ سُنَّةٌ, نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: الْآيَةَ2 فِي الْمَيِّتَةِ, وَقَدْ رَخَّصَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَكْلِ مَا لَمْ يُسَمَّ عَلَيْهِ3, وَعَنْهُ: يَسْقُطُ سَهْوًا, وَذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ إجْمَاعًا, وَعَنْهُ: في الذَّبْحِ, نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ, وَعَنْهُ: وَالسَّهْمُ, وَعَنْهُ: شَرْطٌ لِلصَّيْدِ سُنَّةٌ لِلذَّبِيحَةِ, وَعَنْهُ: بِعَرَبِيَّةٍ مِمَّنْ يُحْسِنُهَا, وَذَكَرَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ خِلَافَهُ إجْمَاعًا, لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ اللَّهَ. وَفِي الِانْتِصَارِ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ عَلَى قِيَاسِهِ أَدَاءُ شَهَادَةٍ وَإِيمَانٌ وَيَمِينٌ وَخُطْبَةٌ وَتَلْبِيَةٌ, وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الْقَصْدَ الْعِلْمُ بِاعْتِقَادِ الْإِيمَانِ وَيَحْصُلُ بِغَيْرِ عَرَبِيَّةٍ وَبِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْخُطْبَةِ الْمَوْعِظَةُ, وَمِنْ التَّلْبِيَةِ إجَابَةُ الدَّاعِي, وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْعَجَمِيَّةِ. وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: عَلَى أَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِلَفْظِ اللِّعَانِ وَبِلَفْظِ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الحاكم لو قال أعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه البخاري "5484" ومسلم "1929" "7" من حديث عدي بن حاتم مختصرا وبنحوه وانظر تمام تخريجه عنه أحمد "19388".
2 هي قول الله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121]
3 منها ما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "8538" والبيهقي في السنن الكبرى "9/240" عن ابن عباس قال: "المسلم يكفيه من أسماء الله فإذا نسي أحدكم أن يسمي على الذبيحة فليسم وليأكل". وروي عنه مرفوعا.(10/399)
لَمْ يَصِحَّ, وَقَالَ فِي مَكَان آخَرَ: وَعَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ التَّلْبِيَةَ وَالتَّسْمِيَةَ, وَقَدْ نَصَّ عَلَى التَّسْمِيَةِ. وَلَيْسَ جَاهِلٌ كَنَاسٍ كَالصَّوْمِ, ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ, وَقِيلَ: يَكْفِي تَكْبِيرٌ وَنَحْوُهُ وَيَضْمَنُ أَجِيرٌ تَرْكَهَا إنْ حَرُمَتْ, وَاخْتَارَ فِي النَّوَادِرِ: لِغَيْرِ شَافِعِيٍّ. وَيَتَوَجَّهُ تَضْمِينُهُ النَّقْصَ إنْ حَلَّتْ.
وَيُسَنُّ مَعَهَا نَصَّ عَلَيْهِ, وَقِيلَ: لَا, كَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنْصُوصِ وَفِي الْمُنْتَخَبِ: لَا يَجُوزُ ذِكْرُهُ مَعَهَا شَيْئًا, وَيُشِيرُ الْأَخْرَسُ بِهَا, وَمِنْ سَمَّى عَلَى سَهْمٍ فَرَمَى بِغَيْرِهِ لَمْ يُبَحْ, كَقَطِيعٍ فَيَذْبَحَ مِنْهُ, أَوْ شَاةٍ فَيَذْبَحُ غَيْرَهَا, وَقِيلَ: بَلَى, كَآلَةِ ذَبْحٍ; لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِهَا عَلَى صَيْدٍ بِعَيْنِهِ لِمَشَقَّتِهِ اعْتِبَارُ تَعْيِينِ الْآلَةِ.
وَيُكْرَهُ ذَبْحُهُ بِآلَةٍ كَالَّةٍ, وَحْدَهَا وَالْحَيَوَانُ يَرَاهُ, وَسَلْخُهُ, وَكَسْرُ عُنُقِهِ قَبْلَ زَهُوقِ نَفْسِهِ, وَحَرَّمَهُمَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ, وَكَرِهَهُ أَحْمَدُ, وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَفْعَلُ. وَقَالَ شَيْخُنَا فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ "إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ, فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ, وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فأحسنوا الذبحة"1 في هذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 اخرجه مسلم "1955" من حديث شداد بن أوس.(10/400)
الْحَدِيثِ, إنَّ الْإِحْسَانَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍّ حَتَّى فِي حَالِّ إزْهَاقِ النُّفُوسِ نَاطِقُهَا وَبَهِيمُهَا, فَعَلَيْهِ أَنْ يُحْسِنَ الْقِتْلَةَ لِلْآدَمِيِّينَ, وَالذِّبْحَةَ لِلْبَهَائِمِ, هَذَا كَلَامُهُ, وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: اتَّفَقُوا أَنَّ إحْسَانَ الذَّابِحِ وَاجِبٌ فِيمَا يَذْبَحُ. وَفِي التَّرْغِيبِ: يُكْرَهُ قَطْعُ رَأْسِهِ قَبْلَ سَلْخِهِ, وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَفْعَلُ.
وَيُسَنُّ تَوْجِيهُهُ لِلْقِبْلَةِ وَنَقَلَ مُحَمَّدٌ الْكَحَّالُ: يَجُوزُ لِغَيْرِهَا إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْهُ, وَيُسَنُّ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ, وَرِفْقُهُ بِهِ, وَتَحَامُلُهُ عَلَى الْآلَةِ بِالْقُوَّةِ, وَإِسْرَاعُهُ بِالشَّحْطِ, وَسَبَقَ مَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ. نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: أَكْرَهُ نَفَخَ اللَّحْمِ, قَالَ فِي الْمُغْنِي1 الَّذِي لِلْبَيْعِ لِأَنَّهُ غِشٌّ, وَأَكْلَ غُدَّةٍ وَأُذُنَ قَلْبٍ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَحَرَّمَهُمَا أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو الْفَرَجِ, وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أُذُنِ الْقَلْبِ, وَهُوَ هَكَذَا. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ: 2كَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2 أَكْلَ الْغُدَّةِ. الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ وَاصِلٍ عَنْ مُجَاهِدٍ3.
وَإِنْ ذَبَحَ كِتَابِيٌّ مَا يَحِلُّ لَهُ فَعَنْهُ: يَحْرُمُ عَلَيْنَا الشُّحُومُ الْمُحَرَّمَةُ عَلَيْهِمْ, وَهُوَ شَحْمُ الثَّرْبِ4 وَالْكُلْيَتَيْنِ, قَالَ فِي الْوَاضِحِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَفِي الْمُنْتَخَبِ: هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ وَعَنْهُ: لَا5 "م 8" كَذَبْحِ حَنَفِيٍّ حَيَوَانًا فَتَبَيَّنَ حاملا ونحوه ذكره ابن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 8" قَوْلُهُ: "فَإِنْ ذَبَحَ كِتَابِيٌّ مَا يَحِلُّ له, فعنه تحرم علينا الشحوم المحرمة
__________
1 "13/301".
2 2 في الأصل "عن".
3 كذا في النسخ وعبارة "مسائل عبد الله" قلت: الغدة؟ قال: كرهها النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ مجاهد والأوزاعي عن واحد.
4 الثرب: شحم رقيق على الكرش والأمعاء المصباح "ثرب".
5 بعدها في الأصل "خلافا لرواية مالك".(10/401)
عقيل, فَلَنَا تَمَلُّكُهَا مِنْهُمْ: وَيَحْرُمُ عَلَيْنَا إطْعَامُهُمْ شَحْمًا من ذبحنا, نص عليه, لبقاء تحريمه1. وَفِي الرِّوَايَتَيْنِ لِابْنِ عَقِيلٍ: نُسِخَ فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا. وَإِنْ ذَبَحَ مَا ثَبَتَ تَحْرِيمٌ عَلَيْهِ كَذِي الظُّفْرِ فَفِي تَحْرِيمِهِ عَلَيْنَا مَا تَقَدَّمَ, وَقِيلَ: يُحَرَّمُ, وَقِيلَ: لَا "م 9" كَظَنِّهِ تَحْرِيمَهُ عليه فلم يكن,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
عَلَيْهِمْ, وَهُوَ شَحْمُ الثَّرْبِ وَالْكُلْيَتَيْنِ, قَالَ فِي الْوَاضِحِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَفِي الْمُنْتَخَبِ: هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ وَعَنْهُ: لَا" انْتَهَى.
"إحْدَاهُمَا" يَحْرُمُ عَلَيْنَا ذَلِكَ, اخْتَارَهُ مَنْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ, وَاخْتَارَهُ أَيْضًا أبو الحسن التميمي والقاضي.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ" لَا يَحْرُم, وَهُوَ الصَّحِيحُ, اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ, حَكَاهُ عَنْ الْخِرَقِيِّ فِي كَلَامٍ مُفْرَدٍ, وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرُهُمْ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْآدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ وَمُنَوِّرِهِ, وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَقَالَ: هُوَ وَغَيْرُهُ: فِيهِ وَجْهَانِ, وَقِيلَ: رِوَايَتَانِ.
"مَسْأَلَةٌ 9" قَوْلُهُ: "وَإِنْ ذَبَحَ مَا ثَبَتَ تَحْرِيمُهُ عَلَيْهِ كَذِي الظُّفْرِ فَفِي تحريمه علينا ما تقدم, وقيل: يحرم, وقيل: لَا", انْتَهَى. ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ طُرُقٍ:
"أَحَدُهَا" وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهَا مِثْلُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَأَنَّ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ مُطْلَقَتَيْنِ عِنْدَهُ: "إحْدَاهُمَا" لَا يَحْرُمُ عَلَيْنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ بلا ريب وبه قطع في المقنع2
__________
1 بعدها في "ط" "عليهم".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/334".(10/402)
وَتَحِلُّ ذَبِيحَتُنَا لَهُمْ مَعَ اعْتِقَادِهِمْ تَحْرِيمَهَا, لِأَنَّ الْحُكْمَ لِاعْتِقَادِنَا:
وَإِنْ ذَبَحَ لِعِيدِهِ أَوْ مُتَقَرِّبًا بِهِ إلَى شَيْءٍ يُعَظِّمُهُ لَمْ يَحْرُمْ, وَعَنْهُ: بَلَى, اخْتَارَهُ شَيْخُنَا.
وَيَحْرُمُ عَلَى الْأَصَحِّ أَنْ يَذْكُرَ عَلَيْهِ1 اسْمَ غَيْرِ اللَّهِ, وَنَقَلَ عَبْدُ الله: لا يعجبني ما ذبح للزهرة وَالْكَوَاكِبِ وَالْكَنِيسَةِ وَكُلُّ شَيْءٍ ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ. وذكر الآية2. وسبق قبل3 زِيَارَةَ الْقُبُورِ حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ مُعَاقَرَةِ الْأَعْرَابِ4 وَأَنَّ أَبَا دَاوُد رَوَاهُ فَيَكُونَ عِنْدَهُ مَنْهِيًّا عنه, وهو نظير الذبح عند
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالشَّرْحِ5 وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ, وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَالْحَاوِيَيْنِ, قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَظْهَرُ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ" يَحْرُمُ, وَبِهِ قطع في الوجيز والمنور, وقدمه6 فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ, فَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَطْلَقَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الْخِلَافَ, وَهُنَا قَدَّمَ التَّحْرِيمَ, وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ, وَقَدَّمَ فِي الرعايتين والحاويين هناك7 عدم التحريم, وقدما8 هُنَا التَّحْرِيمَ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا9.
__________
1 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
2 تقدمت ص "399".
3 ليست في "ط".
4 سبق تخريجه "3/409".
5المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/334".
6 في "ط" "قدما".
7 في "ط" "هنا".
8 في "ط" "قدمنا".
9 ولم يذكر الطريقين الآخرين وهما الإباحة مطلقا في المقنع والشرح وشرح ابن منجا والحرمة مطلقا كما في الوجيز والمنور.(10/403)
الْقُبُورِ, وَقَدْ كَرِهَهُ أَحْمَدُ, وَحَرَّمَهُ شَيْخُنَا, وَالنَّهْيُ ظَاهِرٌ فِي التَّحْرِيمِ, وَسَبَقَ فِي الْوَلِيمَةِ الْمُفَاخَرَةُ1 بِهَا2 وَعَدَمُ ذِكْرِ الْأَكْثَرِ, هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَا عِبْرَةَ بِهِ مَعَ صِحَّةِ النَّهْيِ, وَنَظِيرُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.
وَمَنْ ذَكَّى حَيَوَانًا فَوَجَدَ فِيهِ أَوْ فِي رَوْثِهِ جَرَادٌ أَوْ حَبًّا أَوْ سَمَكَةً فِي سَمَكَةٍ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْأَصَحِّ, وَنَقَلَ أَبُو الصَّقْرِ: الطَّافِي أَشَدُّ مِنْ هَذَا, وَقَدْ رَخَّصَ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ, وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "الْحِلُّ مَيْتَتُهُ" 3 وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: يَحْرُمُ جَرَادٌ فِي بَطْنِ سَمَكٍ لِأَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ, وَمَيْتَتُهُ حَرَامٌ لَا الْعَكْسُ, لِحِلِّ مَيْتَةِ صَيْدِ الْبَحْرِ, وَيَحْرُمُ بَوْلٌ طَاهِرٌ كَرَوْثِهِ, أَبَاحَهُ الْقَاضِي فِي كِتَاب الطِّبِّ, وَذَكَرَ رِوَايَةً فِي بَوْلِ الْإِبِلِ وِفَاقًا لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ, وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ فِيهِ: لَا, وَكَلَامُهُ فِي الْخِلَافِ يَدُلُّ عَلَى حِلِّ بَوْلِهِ وَرَوْثِهِ, فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145] الْآيَةَ: وَبِالْأَخْبَارِ الضَّعِيفَةِ "مَا أُكِلَ لَحْمُهُ فَلَا بَأْسَ بِبَوْلِهِ"4. فَقِيلَ لَهُ: هَذَا عَلَى حَالِ الضَّرُورَةِ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي شُرْبِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ؟ فَقَالَ: يَعُمُّ سَائِرَ الْأَحْوَالِ, وَلِأَنَّهُ مُعْتَادٌ تَحَلُّلُهُ كَاللَّبَنِ, وَبِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلَّحْمِ, وَكَذَا احْتَجَّ فِي الْفُصُولِ بِإِبَاحَةِ شُرْبِهِ كَاللَّبَنِ: وَدَلَّ عَلَى الْوَصْفِ قِصَّةُ الْعُرَنِيِّينَ5. وَفِي الْمُغْنِي6 إبَاحَةُ رجيع سمك ونحوه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط" "المفاخرة".
2 "8/360".
3 تقدم تخريجه "1/56".
4 أخرجه الدارقطني "1/128" عن جابر.
5 تقدمت ص "110".
6 "13/300".(10/404)
وَيَحِلُّ مَذْبُوحٌ مَنْبُوذٌ بِمَوْضِعٍ يَحِلُّ ذَبْحُ أَكْثَرِ أَهْلِهِ وَلَوْ جُهِلَتْ تَسْمِيَةُ الذَّابِحِ. وَهَلْ الذَّبِيحُ إسْمَاعِيلُ؟ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى, وَهُوَ أَظْهَرُ؟ قَالَ شَيْخُنَا: هُوَ قَطْعِيٌّ, أَوْ إِسْحَاقُ, اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: نَصْرَهُ أَصْحَابُنَا فِيهِ رِوَايَتَانِ "م 15".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَة 10" قَوْلُهُ "وَهَلْ الذَّبِيحُ إسْمَاعِيلُ؟ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى, وَهُوَ أَظْهَرُ, قَالَ شَيْخُنَا: وَهُوَ قَطْعِيٌّ أَوْ إِسْحَاقُ, اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: نَصْرَهُ أَصْحَابُنَا, فِيهِ رِوَايَتَانِ", انْتَهَى.
وَالصَّوَابُ أَنَّهُ إسْمَاعِيلُ, وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ الْقَيِّمِ وَغَيْرُهُ, وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهُ إسْمَاعِيلُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ وَجْهًا مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.
فَهَذِهِ عَشْرُ مَسَائِلَ فِي هذا الباب.(10/405)
كتاب الصيد
مدخل
...
كِتَابُ الصَّيْدِ
وَهُوَ مُبَاحٌ لِقَاصِدِهِ, وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى, وَيُكْرَهُ لَهْوًا, وَهُوَ أَطْيَبُ مَأْكُولٍ قَالَهُ فِي التَّبْصِرَةِ. وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: الزِّرَاعَةُ أَفْضَلُ مَكْسَبٍ, وَسَبَقَ أَوَّلَ الذَّكَاةِ كَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ1. وَمَنْ أَدْرَكَ صَيْدًا صَادَهُ مُتَحَرِّكًا فَوْقَ حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ لِتَذْكِيَتِهِ لَمْ يُبَحْ إلَّا بِهَا, وَعَنْهُ: يَحِلُّ بِمَوْتِهِ قَرِيبًا, وَعَنْهُ2: دُونَ مُعْظَمِ يَوْمٍ. وَفِي التَّبْصِرَةِ: دُونَ نِصْفِهِ, وَبِإِرْسَالِ الصَّائِدِ عَلَيْهِ لِيَقْتُلَهُ, لِعَدَمِ آلَةٍ ذَكَاةٌ, وَعَنْهُ: بِالْإِرْسَالِ لَا بِمَوْتِهِ. 3قَالَ الشَّيْخُ3: 4كَمُتَرَدِّيَةٍ بِبِئْرٍ4, وَعَنْهُ: عَكْسُهُ, وَأَبَاحَهُ الْقَاضِي وَعَامَّةُ أَصْحَابِنَا بِالْإِرْسَالِ. قَالَهُ فِي التَّبْصِرَةِ. وَإِنْ امْتَنَعَ عَلَيْهِ مِنْ الذَّبْحِ فَجَعَلَ يَعْدُو مِنْهُ يَوْمَهُ حَتَّى مَاتَ تَعَبًا وَنَصَبًا فَذَكَرَ الْقَاضِي: يَحِلُّ, وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَحِلُّ, لِأَنَّ الْإِتْعَابَ يُعِينُهُ عَلَى الْمَوْتِ فَصَارَ كَالْمَاءِ "م 1".
وَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ الوقت لتذكيته فكميت.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 1" قَوْلُهُ: وَإِنْ امْتَنَعَ عَلَيْهِ مِنْ الذَّبْحِ فَجَعَلَ يَعْدُو مِنْهُ يَوْمَهُ حَتَّى مَاتَ تَعَبًا وَنَصَبًا فَذَكَرَ الْقَاضِي يَحِلُّ وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ لَا يَحِلُّ; لِأَنَّ الْإِتْعَابَ يُعِينُهُ عَلَى الْمَوْتِ فَصَارَ كَالْمَاءِ, انْتَهَى. "قُلْت" مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ أعلم.
__________
1 ص: 390".
2 في "ر" "وهو".
3 3 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
4 4 ليست في "ر".(10/409)
يحل بشروط:
أَحَدُهَا صَائِدٌ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ1, وَقِيلَ: بَصِيرٌ, فَلَا يَحِلُّ صَيْدٌ اشْتَرَكَ فِي قَتْلِهِ مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ, أَوْ مُتَوَلِّدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كِتَابِيٍّ بِسَهْمَيْهِمَا أَوْ جَارِحَتَيْهِمَا, فَإِنْ أَصَابَ أَحَدُهُمَا وَحْدَهُ مَقْتَلَهُ عَمِلَ بِهِ, وَعَنْهُ: يَحْرُمُ, جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ, كَإِسْلَامِهِ بَعْدَ إرْسَالِهِ, وَلَوْ أَثْخَنَهُ كَلْبُ مُسْلِمٍ ثُمَّ قَتَلَهُ كَلْبُ مَجُوسِيٍّ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ حَرُمَ, وَيَضْمَنُهُ لَهُ. وَإِنْ صَادَ مُسْلِمٌ بِكَلْبِ مَجُوسِيٍّ لَمْ يَكْرَهْ, ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَأَبُو الْوَفَاءِ وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ, وَيَحِلُّ, وَعَنْهُ: لَا, كَعَكْسِهِ, وَلَوْ أَعَانَهُ مُسْلِمٌ أَوْ كَلْبُهُ, وَقِيلَ: وَلَمْ يَزِدْ عَدْوُ كَلْبِهِ بِزَجْرِ مُسْلِمٍ حَرُمَ.
وَإِنْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبَهُ فَزَجَرَهُ مَجُوسِيٌّ فَزَادَ عَدْوُهُ أَوْ رَدَّ عَلَيْهِ كَلْبُ مَجُوسِيٍّ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ, أَوْ ذَبَحَ مَا أَمْسَكَهُ لَهُ مَجُوسِيٌّ بِكَلْبِهِ وَقَدْ جَرَحَهُ غَيْرَ مُوحٍ أَوْ ارْتَدَّ, أَوْ مَاتَ بَيْنَ رَمْيِهِ وَإِصَابَتِهِ, حَلَّ. وَكَذَا إنْ أَعَانَ سَهْمَهُ رِيحٌ. قَالَ فِي الْمُغْنِي2 وَغَيْرِهِ: كَمَا لَوْ رَدَّهُ حَجَرٌ أَوْ غَيْرُهُ فَقَتَلَهُ. وَفِيهِ فِي الرِّعَايَةِ: فِيهِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ فِي ذِي نَابٍ وفي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط" "الزكاة.
2 لم نقف عليه.(10/410)
تَرْكِ أَكْلِهِ وَأَعَانَهُ رِيحٌ وَجْهٌ.
الثَّانِي الْآلَةُ, مُحَدِّدٌ فَهُوَ كَآلَةِ ذَبْحٍ, وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَجْرَحَهُ, نَصَّ عَلَيْهِ, فَإِنْ قَتَلَهُ بِثِقْلِهِ كَشَبَكَةٍ وَفَخٍّ وَبُنْدُقَةٍ وَلَوْ شَدْخَتَهُ1. نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ, وَلَوْ قَطَعَتْ حُلْقُومَهُ وَمَرِيئَهُ, أَوْ بِعَرْضِ مِعْرَاضٍ2. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ: وَلَمْ يَجْرَحْهُ, وَهُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِهِ, لَمْ يُبَحْ, لِأَنَّهُ وَقِيذٌ.
وَكَذَا مَا قَتَلَهُ مِنْجَلٌ أَوْ سِكِّينٌ سُمِّيَ عِنْدَ نَصْبِهِ بِلَا جُرْحٍ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَإِلَّا حَلَّ, وَقِيلَ: يَحِلُّ مُطْلَقًا, وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ حِلُّ مَا قَبْلَهَا, وَحَيْثُ حَلَّ فَظَاهِرُهُ يَحِلُّ, وَلَوْ ارْتَدَّ أَوْ مَاتَ وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ إذَا ارْتَدَّ أَوْ مَاتَ بَيْنَ3 رَمْيِهِ وَإِصَابَتِهِ حَلَّ, وَالْحَجَرُ كَبُنْدُقَةٍ وَلَوْ خَرَقَهُ, نَقَلَهُ حَرْبٌ, فَإِنْ كَانَ لَهُ حَدٌّ كَصَوَّانٍ4 فَكَمِعْرَاضٍ. وَإِنْ قَتَلَهُ بِسَهْمٍ فِيهِ سُمٌّ, قَالَ جَمَاعَةٌ: وَظَنَّ أَنَّهُ أَعَانَهُ حَرُمَ, وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إذَا عَلِمَ أَنَّهُ أَعَانَ لَمْ يَأْكُلْ, وَلَيْسَ مِثْلُ هَذَا مِنْ كَلَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِمُرَادٍ. وَفِي الْفُصُولِ: إذَا رَمْي بِسَهْمٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 قال في المصباح "شدخ" شدخت رأسه شدخا من باب نفع كسرته.
2 المعراض مثل المفتاح: سهم لا ريش له المصباح "عرض".
3 في الأصل "بعد".
4 الصوان: ضرب من الحجارة فيها صلابة المصباح "صون".(10/411)
مَسْمُومٍ لَمْ يُبَحْ لَعَلَّ السُّمَّ أَعَانَ عَلَيْهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ شَارَكَ السَّهْمَ تَغْرِيقٌ بِالْمَاءِ. وَمَنْ أَتَى بِلَفْظِ الظَّنِّ كَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُقْنِعِ1 وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ فَمُرَادُهُ احْتِمَالُ الْمَوْتِ بِهِ, وَلِهَذَا عَلَّلَهُ مَنْ عَلَّلَهُ مِنْهُمْ كَالشَّيْخِ وَغَيْرِهِ بِاجْتِمَاعِ الْمُبِيحِ وَالْمُحَرَّمِ, كَسَهْمَيْ مُسْلِمٍ وَمَجُوسِيٍّ, وَقَالُوا: فَأَمَّا إنْ عَلِمَ أَنَّ السُّمَّ لَمْ يُعِنْ عَلَى قَتْلِهِ لِكَوْنِ السَّهْمِ أَرَحَى مِنْهُ فَمُبَاحٌ, وَلَوْ كَانَ الظَّنُّ مُرَادًا لَكَانَ الْأَوْلَى, فَأَمَّا إنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ السُّمَّ أَعَانَ فَمُبَاحٌ, وَنَظِيرُ هَذَا مِنْ كَلَامِهِمْ فِي شُرُوطِ الْبَيْعِ, فَإِنْ رَأَيَاهُ ثُمَّ عَقَدَا بَعْدَ ذَلِكَ2 بِزَمَنٍ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهِ ظَاهِرًا, وَقَوْلُهُمْ فِي الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بَقَاءُ الْعَيْنِ فِيهَا وَقَدْ سَبَقَ ذَلِكَ. وَفِي الْكَافِي3 وَغَيْرِهِ: إذَا اجْتَمَعَ فِي الصَّيْدِ مُبِيحٌ وَمُحَرِّمٌ مِثْلُ أَنْ يَقْتُلَهُ بِمُثْقَلٍ وَمُحَدِّدٍ, أَوْ بِسَهْمٍ مَسْمُومٍ, أَوْ بِسَهْمِ مُسْلِمٍ وَمَجُوسِيٍّ, أَوْ سَهْمٍ غَيْرِ مُسَمًّى عَلَيْهِ, أَوْ كَلْبِ مُسْلِمٍ وَكَلْبِ مَجُوسِيٍّ, أَوْ غَيْرِ مُسَمًّى عَلَيْهِ, أَوْ غَيْرِ مُعَلَّمٍ, أَوْ اشْتَرَكَا فِي إرْسَالِ الْجَارِحَةِ عَلَيْهِ, أَوْ وَجَدَ مَعَ كَلْبِهِ كَلْبًا لَا يَعْرِفُ. مُرْسِلَهُ أَوْ لَا يَعْرِفُ, أَوْ مَعَ سَهْمِهِ سَهْمًا كَذَلِكَ لَمْ يُبَحْ وَاحْتَجَّ بِالْخَبَرِ: "وَإِنْ وَجَدْت مَعَهُ غَيْرَهُ فَلَا تَأْكُلْ"4 وَبِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَظْرُ, وَإِذَا شَكَكْنَا فِي الْمُبِيحِ رُدَّ إلَى أَصْلِهِ. وفي الترغيب: يحرم ولو مع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/370".
2 "7/134".
3 "2/521".
4 لم أعثر عليه بهذا اللفظ وأصله في البخاري "5476" ومسلم "1929" عن عدي بن حاتم الطائي ولفظه: "وإن قتلن أي الكلاب المعلمة – ما لم يشركها كلب ليس معها".(10/412)
جُرْحٍ مُوحٍ لَا عَمَلَ لِلسُّمِّ مَعَهُ, لِخَوْفِ التَّضَرُّرِ بِهِ, وَكَذَا فِي الْفُصُولِ, وَقَالَ: لَا نَأْمَنُ أَنَّ السُّمَّ تَمَكَّنَ مِنْ بَدَنِهِ بِحَرَارَةِ الْحَيَاةِ فَيَقْتُلَ أَوْ يَضُرَّ أَكْلُهُ, وَهُمَا حَرَامٌ, وَمِمَّا يُؤَدِّي إلَيْهِمَا حَرَامٌ.
وَإِنْ رَمَاهُ فَوَقَعَ فِي مَاءٍ أَوْ تَرَدَّى مِنْ عُلُوٍّ أَوْ وَطِئَهُ شَيْءٌ فَمَاتَ فَالْأَشْهَرُ عَنْهُ: يَحْرُمُ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ, وَعَنْهُ: لَا بِجُرْحٍ مُوحٍ. اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَمِثْلُهُ ذَكَاةٌ "م 2 و 3".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 2 و 3" قَوْلُهُ: "وَإِنْ رَمَاهُ فَوَقَعَ فِي مَاءٍ أَوْ تَرَدَّى مِنْ عُلُوٍّ أَوْ وَطِئَهُ شَيْءٌ 1فَمَاتَ فَالْأَشْهَرُ عَنْهُ: يَحْرُمُ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَنْهُ: ر بجرح موح اختاره الأكثر1 وَمِثْلُهُ ذَكَّاهُ", انْتَهَى. ذِكْرُ مَسْأَلَتَيْنِ:
"الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 2" إذَا جَرَحَهُ جَرْحًا مُوحِيًا ثُمَّ وَقَعَ فِي مَاءٍ أَوْ تَرَدَّى مِنْ عُلُوٍّ أَوْ وَطِئَهُ شَيْءٌ فَمَاتَ, فَهَلْ يُبَاحُ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ, وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ2 وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ.
"أَحَدُهُمَا"3: يَحْرُمُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, قَالَ "فِي" 4الْمُذْهَبِ هُنَا4: وَالْأَشْهَرُ عَنْهُ يَحْرُمُ, قال الشيخ والشارح: هذا الأشهر وصححه في التصحيح وخصال ابن البناء واختاره أبو بكر والخرقي والشيرازي وَغَيْرُهُمْ قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْأَظْهَرُ وبه قطع في الكافي5 وكذالك الوجيز في باب الذكاة لكن ناقضها لكونه قطع بعدم التحريم وقدمه في إدراك الغاية1.
__________
1 1ليست في "ط".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/372".
3 في "ط" "أحدهما".
4 4 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
5 "2/517".(10/413)
وَإِنْ رَمَاهُ فِي عُلُوٍّ فَوَقَعَ بِالْأَرْضِ فَمَاتَ حَلَّ, وَعَنْهُ: بِجُرْحٍ مُوحٍ جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ.
وَإِنْ رَمَاهُ أَوْ عَقَرَهُ كَلْبُهُ وَعَلِمَ الْإِصَابَةَ فَغَابَ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا حَلَّ, عَلَى الْأَصَحِّ, كَمَا لَوْ وَجَدَهُ بِفَمِ كَلْبِهِ أَوْ وَهُوَ يَعْبَثُ بِهِ أَوْ سَهْمُهُ فِيهِ, جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ: وَلَوْ قَبْلَ عِلْمِهِ بِعَقْرِهِ, وَعَنْهُ: وَجُرْحُهُ مُوحٍ, وَعَنْهُ: إنْ وَجَدَهُ فِي يَوْمِهِ, وَعَنْهُ: أَوْ مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ, حَلَّ وَإِلَّا فَلَا, وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إنْ غَابَ نَهَارًا حَلَّ, لَا لَيْلًا. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ حَالِ اللَّيْلِ تَخَطُّفُ الْهَوَامِّ.
وَمَتَى وَجَدَ بِهِ أَثَرًا آخَرَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَعَانَ فِي قَتْلِهِ حَرُمَ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَلَمْ يَقُولُوا ظَنَّ كَسَهْمٍ مَسْمُومٍ, وَتَتَوَجَّهُ التَّسْوِيَةُ لِعَدَمِ الْفَرْقِ وَأَنَّ المراد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
والرواية الثانية: لا يحرم بل يباح قَالَ الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ1: وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ, قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَهُوَ الصَّوَابُ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ, وَاخْتَارَهُ فِي تَذْكِرَتِهِ, وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ لِكَوْنِهِ قَطَعَ بِهِ هُنَا فِي الْوَجِيزِ.
"الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 3" مَسْأَلَةُ الذَّكَاةِ, وَهِيَ مَا إذَا ذَبَحَ حَيَوَانًا ثُمَّ غَرِقَ فِي مَاءٍ أَوْ تَرَدَّى مِنْ عُلُوٍّ أَوْ وَطِئَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَمَاتَ, وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ كَالْحُكْمِ فِي مَسْأَلَةِ الصَّيْدِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا, عِنْدَ الْأَصْحَابِ, وقد علمت الصحيح من ذلك.
__________
1 ليست في "ط".(10/414)
بِالظَّنِّ الِاحْتِمَالُ. وَإِنْ غَابَ قَبْلَ عَقْرِهِ ثُمَّ وَجَدَهُ وَسَهْمُهُ أَوْ كَلْبُهُ عَلَيْهِ فَفِي الْمُنْتَخَبِ أَنَّهَا كَذَلِكَ, وَهُوَ مَعْنَى الْمُغْنِي1 وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: وَعَنْهُ: يَحْرُمُ, وَذَكَرَهَا فِي الْفُصُولِ, كما لو وجد سهمه أو كلبه ناحية, كذا قال, وتبعه في المحرر, وفيه نظر على ما ذكر هو وغيره من التسوية بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي قَبْلَهَا عَلَى الْخِلَافِ "م 4" وَظَاهِرُ رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَحَنْبَلٍ حِلُّهُ, وَهُوَ مَعْنَى ما جزم به في الروضة.
وَإِنْ ضَرَبَهُ فَأَبَانَ عُضْوًا وَبَقِيَتْ حَيَاةٌ مُعْتَبَرَةٌ حَرُمَ الْبَائِنُ, وَعَنْهُ: إنْ ذَكَّى حَلَّ كَبَقِيَّتِهِ, فَإِنْ كَانَ مِنْ حُوتٍ وَنَحْوِهِ حَلَّ, وَإِنْ بقي معلقا بجلده
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 4" قَوْلُهُ: "وَإِنْ غَابَ قَبْلَ عَقْرِهِ ثُمَّ وَجَدَهُ وَسَهْمُهُ أَوْ كَلْبُهُ عَلَيْهِ فَفِي الْمُنْتَخَبِ أَنَّهَا كَذَلِكَ, وَهُوَ مَعْنَى الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ.
يَعْنِي مثل ما إذا رماه2 أَوْ عَقَرَهُ كَلْبُهُ وَعِلْمَ الْإِصَابَةَ ثُمَّ غَابَ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا, عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: وَعَنْهُ يَحْرُمُ هُنَا, وَذَكَرَهَا3 فِي الْفُصُولِ, كَمَا لَوْ وجد سهمه أو كلبه ناحية, كذا قال, وتبعه في المحرر, وفيه نظر على ما ذكر هو وغيره من التسوية بينها وبين التي قبلها على الخلاف," انتهى.
وَمُلَخَّصُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا, وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِيهِ قَطَعَ بِعَدَمِ الْإِبَاحَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ مَا إذَا غَابَ عَنْهُ قَبْلَ تَحَقُّقِ الْإِصَابَةِ ثُمَّ وَجَدَهُ عَقِيرًا وَحْدَهُ, وَالسَّهْمُ أَوْ الْكَلْبُ نَاحِيهِ, وَالصَّوَابُ التَّسْوِيَةُ, كَمَا قال المصنف وغيره. والله أعلم.
__________
1 "13/276".
2 في "ط" "رآه".
3 في "ص" "وذكر".(10/415)
حَلَّ بِحِلِّهِ, وَإِنْ أَبَانَهُ وَمَاتَ إذَنْ حَلَّ, وَعَنْهُ: يَحِلُّ إلَّا الْبَائِنَ.
وَيَحْرُمُ مَا قَتَلَهُ غَيْرَ مُحَدِّدٍ. كَبُنْدُقٍ وَحَجَرٍ وَشَبَكَةٍ وَفَخٍّ. قَالَ في المغني1: ولو شدخه, لأنه وقيذ.
وَيَحِلُّ مَا قَتَلَهُ جَارِحٌ مُعَلَّمٌ جُرْحًا, وَعَنْهُ: وَصَدْمًا أَوْ خَنْقًا: اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ, إلَّا الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ, وَهُوَ مَا لَا بَيَاضَ فِيهِ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَقِيلَ: لَا لَوْنَ فِيهِ غَيْرَ السَّوَادِ, فَيَحْرُمَ صَيْدُهُ, نَصَّ عَلَيْهِ, لِأَنَّهُ شَيْطَانٌ, فَهُوَ الْعِلَّةُ, وَالسَّوَادُ عَلَامَةٌ, كَمَا يُقَالُ: إذَا رَأَيْت صَاحِبَ السِّلَاحِ فَاقْتُلْهُ فَإِنَّهُ مُرْتَدٌّ, فَالْعِلَّةُ الرِّدَّةُ, وَنَقَلَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعْدٍ الْكَرَاهَةَ, وَعَنْهُ: وَمِثْلُهُ فِي أَحْكَامِهِ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ بَيَاضٌ, جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي2 هُنَا, وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ, وَيَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ, وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ الْأَمْرَ بِقَتْلِهِ, فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ, وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ هُنَا, وَذَكَرَ الْأَكْثَرُ إبَاحَتَهُ, وَنَقَلَ مُوسَى بْنُ سَعِيدٍ: لَا بَأْسَ بِهِ, وَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ: يَحْرُمُ اقْتِنَاءُ الْخِنْزِيرِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ, وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا صَرَّحَ بِوُجُوبِ قَتْلِهِ, بَلْ نقل أَبُو طَالِبٍ: لَا بَأْسَ, وَاحْتَجَّ الْقَاضِي بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْقَتْلِ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْيَدِ, وَيُبْطِلُ حُكْمَ الْفِعْلِ, وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْعَقُورَ مِثْلُهُ إلَّا فِي قَطْعِ الصَّلَاةِ, وَهُوَ مُتَّجَهٌ, وَأَوْلَى, لِقَتْلِهِ3 فِي الْحَرَمِ, قَالَ فِي الْغُنْيَةِ: يَحْرُمُ تَرْكُهُ, قَوْلًا وَاحِدًا, وَيَجِبُ قَتْلُهُ لِيَدْفَعَ شَرَّهُ عَنْ النَّاسِ, وَدَعْوَى نَسْخِ القتل. مطلقا إلا المؤذي كقول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "13/280".
2 "13/269".
3 في "ط" "قتله".(10/416)
الشَّافِعِيَّةِ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ, وَيُقَابِلُهُ قَتْلُ الْكُلِّ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ.
ثُمَّ تَعْلِيمُ مَا لَهُ نَابٌ مِنْهُ كَفَهْدٍ وَكَلْبٍ, وَفِي الْمُذْهَبِ وَالتَّرْغِيبِ: 1وَنَمِرٍ, بِأَنْ1 يَسْتَرْسِلَ إذَا أُرْسِلَ وَيَنْزَجِرَ إذَا زُجِرَ. وَفِي الْمُغْنِي2: لَا فِي وَقْتِ رُؤْيَتِهِ لِلصَّيْدِ, وَإِذَا أَمْسَكَ لَمْ يَأْكُلْ, وَقِيلَ: وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ ثَلَاثًا فَيَحِلُّ فِي الرَّابِعَةِ, وَقِيلَ مَرَّتَيْنِ, وَاخْتَارَ3 فِي الْمُغْنِي4 أَنَّ غَيْرَ الْكَلْبِ بِتَرْكِهِ الْأَكْلَ أَوْ بِالْعُرْفِ, وَلَمْ يَذْكُرْ الْآدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ تَرْكَ الْأَكْلِ, فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ فَالْمَذْهَبُ تَحْرِيمُهُ, وَقِيلَ: حِينَ الصَّيْدِ, جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ, وقيل: قبل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 1 في "ر" "وغربان".
2 "13/262".
3 ليست في "ر".
4 "13/271".(10/417)
مُضِيِّهِ, وَعَنْهُ: يُكْرَهُ مُطْلَقًا, وَعَنْهُ: يُبَاحُ كَصَيْدِهِ الْمُتَقَدِّمَ, عَلَى الْأَصَحِّ, وَكَشُرْبِهِ مِنْ دَمِهِ, نَصَّ عَلَيْهِ. وَفِي الِانْتِصَارِ: مِنْ دَمِهِ الَّذِي جَرَى, وَلَا يَخْرُجُ بِأَكْلِهِ عَنْ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا, وَفِيهِ احْتِمَالٌ.
وَتَعْلِيمُ مَا لَهُ مِخْلَبٌ كَصَقْرٍ وَبَازٍ بِأَنْ يَسْتَرْسِلَ إذَا أُرْسِلَ وَيَرْجِعَ إذَا دُعِيَ. في وجوب غسل ما أصابه فم الكلب روايتان "م 5".
الثَّالِثُ أَصْلُ الْفِعْلِ, وَإِرْسَالُ الْآلَةِ لِقَصْدِ صَيْدٍ, فَلَوْ سَقَطَ سَيْفٌ مِنْ يَدِهِ فَعَقَرَهُ أَوْ احْتَكَّتْ شَاةٌ بِشَفْرَةٍ فِي يَدِهِ لَمْ يَحِلَّ, وَكَذَا إنْ اسْتَرْسَلَ كَلْبٌ وَغَيْرُهُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ زَجَرَهُ فَزَادَ فِي طَلَبِهِ, لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِفِعْلِ الْآدَمِيِّ الْمُضَافِ إلَى فِعْلِ الْبَهِيمَةِ, كَمَا لَوْ عَدَا عَلَى آدَمِيٍّ فَأَغْرَاهُ عَلَيْهِ1 فَأَصَابَهُ ضَمِنَ, وعنه: أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 5" قَوْلُهُ: "وَفِي وُجُوبِ غُسْلِ مَا أَصَابَهُ فم الكلب رِوَايَتَانِ", انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي2 وَالْمُقْنِعِ3 وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ2 وَغَيْرِهِمْ, وَهُمَا وَجْهَانِ فِي الْمُقْنِعِ وَغَيْرِهِ.
"إحْدَاهُمَا" يَجِبُ غُسْلُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ, صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي4 وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ" لَا يَجِبُ غُسْلُهُ بَلْ يُعْفَى عَنْهُ صَحَّحَهُ فِي التصحيح المحرر, وجزم به في الوجيز.
__________
1 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
2 "13/266".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/399".
4 "2/518".(10/418)
أَرْسَلَهُ بِلَا تَسْمِيَةٍ ثُمَّ سَمَّى وَزَجَرَهُ فَزَادَ, قَطَعَ بِهِ فِي الْوَاضِحِ, اخْتَارَهُ الشَّيْخُ, حَلَّ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ إنْ اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ فَزَجَرَهُ فَرِوَايَتَانِ. وَنَقَلَ حَرْبٌ: إنْ صَادَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرْسِلَهُ: لَا يُعْجِبُنِي, وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ. وَفِي الرَّوْضَةِ: إنْ اسْتَرْسَلَ الطَّائِرُ بِنَفْسِهِ فَصَادَ وَقَتَلَ حَلَّ, أَكَلَ مِنْهُ أَوْ لَا, بِخِلَافِ الْكَلْبِ.
وَإِنْ رَمَى مَا ظَنَّهُ صَيْدًا فَأَصَابَ صَيْدًا فَقِيلَ: يَحِلُّ كَمَا لَوْ أَصَابَ غَيْرَهُ, أَوْ هُوَ وَغَيْرَهُ, نَصَّ عليه, وقيل: لا "م 6" كَمَا لَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ, أَوْ ظنه أو علمه غير1 صَيْدًا فَأَصَابَ صَيْدًا, فِي الْمَنْصُوصِ. وَفِي التَّرْغِيبِ: إنْ ظَنَّهُ آدَمِيًّا أَوْ صَيْدًا مُحَرَّمًا لَمْ يُبَحْ, وَكَذَا جَارِحٌ, وَقِيلَ: يَحْرُمُ بِهِ فِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ. وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: إنْ أرسله لا سهمه إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 6" قَوْلُهُ: "وَإِنْ رَمَى مَا ظَنَّهُ صَيْدًا فَأَصَابَ صَيْدًا فَقِيلَ: يَحِلُّ,. وَقِيلَ: لَا", انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي2 وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ. "أَحَدُهُمَا" لَا يَحِلُّ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ3 وَالشَّرْحِ3 وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" يَحِلُّ, وَهُوَ احْتِمَالٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ, وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَالْمُوَفَّقُ وَالنَّاظِمُ.
__________
1 ليست في "ط".
2 "2/517".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/403 - 404".(10/419)
صَيْدٍ فَصَادَ غَيْرَهُ حَرُمَ, وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ, نَصَّ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَتْ التَّسْمِيَةُ1.
وَمَنْ رَمَى صَيْدًا فَلَمْ يَثْبُتْهُ فَدَخَلَ خَيْمَةَ غَيْرِهِ, أَوْ وَثَبَتْ سَمَكَةٌ فَوَقَعَتْ بِحِجْرِهِ. وَفِي الْمُغْنِي2: لَا بِعَمَلِ صَيَّادٍ, أَوْ دَخَلَتْ ظَبْيَةٌ دَارِهِ فَأَغْلَقَ بَابَهُ وَجَهِلَهَا أَوْ لَمْ يَقْصِدْ تَمَلُّكَهَا, وَمِثْلُهُ إحْيَاءُ أَرْضٍ بِهَا كَنْزٌ, فَقِيلَ: يَمْلِكُ, كَنَصْبِ خَيْمَتِهِ وَفَتْحِ حُجْرَةٍ لِلْأَخْذِ وَعَمَلِ بِرْكَةٍ لِلسَّمَكِ فَوَقَعَ بِهَا وَشَبَكَةٍ وَشَرَكٍ3, نَصَّ عَلَيْهِ, وَفَخٍّ وَمِنْجَلٍ وَحَبْسِ جَارِحٍ لَهُ وَبِإِلْجَائِهِ لِمَضِيقٍ لَا يَفْلِتُ مِنْهُ, وقيل: يملكه بأخذه, وقيله4. هو مباح "م 7 - 10" وفي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 7 - 10 " "قَوْلُهُ": "وَمَنْ رَمَى صَيْدًا فَلَمْ يُثْبِتْهُ فَدَخَلَ خَيْمَةَ5 غَيْرِهِ, أَوْ وَثَبَتْ سَمَكَةٌ فَوَقَعَتْ بِحِجْرِهِ, أَوْ دَخَلَتْ ظَبْيَةٌ دَارِهِ فَأَغْلَقَ بَابَهُ وَجَهِلَهَا أَوْ لَمْ يَقْصِدْ تَمَلُّكَهَا, وَمِثْلُهُ إحْيَاءُ أَرْضٍ بِهَا كَنْزٌ, فَقِيلَ: يَمْلِكُ. بِأَخْذِهِ, وَقِيلَ: هُوَ مُبَاحٌ", انْتَهَى ذِكْرُ مَسَائِلَ:
"الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 7" إذَا رَمَى صَيْدًا فَلَمْ يُثْبِتْهُ فَدَخَلَ خَيْمَةَ غَيْرِهِ فَهَلْ يَمْلِكُهُ مُطْلَقًا, أَوْ لَا يَمْلِكُهُ إلا بأخذه, أو هو مباح له أو6 لغيره؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ.
"أَحَدُهُمَا": يَمْلِكُهُ صَاحِبُ الْخَيْمَةِ مُطْلَقًا, قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ: هَذَا الْمَذْهَبُ, انْتَهَى. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ: فَهُوَ لِصَاحِبِ الْخَيْمَةِ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وغيرهم.
__________
1 ص "399".
2 "13/288".
3 الشرك: حبائل الصيد وما ينصب للطير القاموس "شرك".
4 في "ط" "وقيل" والمثبت من النسخ الخطية وكلام الإنصاف يرجح تصويب ما في "ط".
5 في "ط" "فيه".
6 في "ط" "و".(10/420)
الترغيب: إنْ دَخَلَ الصَّيْدُ دَارِهِ فَأَغْلَقَ بَابَهُ أَوْ بُرْجَهُ فَسَدَّ الْمَنَافِذَ أَوْ حَصَلَتْ السَّمَكَةُ فِي بِرْكَتِهِ فَسَدَّ مَجْرَى الْمَاءِ فَقِيلَ: يَمْلِكُهُ, وَقِيلَ: إن سهل تناوله منه, وإلا كمتحجر للإحياء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي": لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِأَخْذِهِ, وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي1 وَالْمُقْنِعِ2 وَالشَّرْحِ2 وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ.
"وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ" هُوَ مُبَاحٌ لَهُ وَلِغَيْرِهِ, وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ, وَهَلْ الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ وَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِأَخْذِهِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَخْذُهُ.
"الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 8" لَوْ وَثَبَتْ سَمَكَةٌ فَوَقَعَتْ فِي حِجْرِ إنْسَانٍ فَهَلْ يَمْلِكُهَا مُطْلَقًا, أَوْ يَأْخُذُهَا, أَوْ هِيَ مُبَاحَةٌ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ:
"أَحَدُهَا": يَمْلِكُهَا3, وَهُوَ الصَّحِيحُ, جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي4 وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالشَّرْحِ5 وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَابْنِ مُنَجَّى وَالْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَمُنَوَّرِهِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ "وَالْقَوْلُ الثَّانِي" لَا يَمْلِكُهَا إلَّا بِأَخْذِهَا.
"وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ" هِيَ عَلَى الْإِبَاحَةِ قَبْلَ أَخْذِهَا.
"الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ 9" إذَا دَخَلَتْ ظَبْيَةٌ دَارِهِ فَأَغْلَقَ بابه وجهلها أو لم يقصد
__________
1 "2/287".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/406".
3 في "ط" "يملكه".
4 "13/288".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/409".(10/421)
وَيَحْتَمِلُ اعْتِبَارَ قَصْدِ التَّمَلُّكِ بِغَلْقٍ وَسَدٍّ, فَعَلَى الأول ما يبنيه الناس من الأبرجة فتعشش1 بِهَا الطُّيُورُ يَمْلِكُونَ الْفِرَاخَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الطُّيُورُ مَمْلُوكَةً فَهِيَ لِأَرْبَابِهَا, نَهَى عَلَيْهِ, وَإِنْ حَصَلَ. أَوْ عَشَّشَ "بِأَرْضِهِ صَيْدٌ أَوْ طَائِرٌ لَمْ يَمْلِكْهُ نَقَلَ صَالِحٌ وَحَنْبَلٌ" فِيمَنْ صَادَ مِنْ نَخْلَةٍ بِدَارِ قَوْمٍ فَهُوَ لَهُ, فَإِنْ رَمَاهُ بِبُنْدُقَةٍ فَوَقَعَ فِيهَا فَهُوَ لِأَهْلِهَا, كَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَفِي التَّرْغِيبِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: يَمْلِكُهُ بِالتَّوَحُّلِ, وَيَمْلِكُ الْفِرَاخَ, فَخَرَجَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ, أَصَحُّهُمَا: يَمْلِكُهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْهُ فِي الْأُولَى فِي الْإِحْرَامِ; لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فعل يوجب ضمانا; لا2 لِأَنَّهُ مَا مَلَكَهُ, وَكَذَا فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: مَنْ رَمَى صَيْدًا عَلَى شَجَرَةٍ فِي دَارِ قوم فحمل نفسه فسقط
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَمَلُّكَهَا, فَهَلْ يَمْلِكُهَا بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ, أَوْ لَا بُدَّ مِنْ تَمَلُّكِهَا بِأَخْذِهِ وَنَحْوِهِ, أَوْ هِيَ عَلَى الْإِبَاحَةِ أَطْلَقَ الْخِلَافَ, وَالْحُكْمُ فِيهَا كَالَّتِي قَبْلَهَا, خِلَافًا وَمَذْهَبًا وَقَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْ ذَلِكَ.
"الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ 10": لَوْ أَحْيَا أَرْضًا بِهَا كَنْزٌ, فَهَلْ يَمْلِكُهُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ أَوْ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِأَخْذِهِ, أَوْ هُوَ عَلَى الْإِبَاحَةِ, أَطْلَقَ الْخِلَافَ.
"أَحَدُهَا" لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِأَخْذِهِ "قُلْت": وَهُوَ الصَّوَابُ, لِأَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" يَمْلِكُهُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ, كَالْمَسَائِلِ الَّتِي قَبْلَهُ.
"وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ" هُوَ عَلَى الْإِبَاحَةِ, وَحِكَايَةُ الْمُصَنِّفِ هَذَا الْقَوْلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ الثَّانِي, وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ مِلْكُ أَنْ يَتَمَلَّكَ فَلَهُ حَقُّ التَّمَلُّكِ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي, وَهُنَا لَا, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 في "ط" "التعشش".
2 ليست في "ط".(10/422)
خَارِجَ الدَّارِ فَهُوَ لَهُ, وَإِنْ سَقَطَ فِي دَارِهِمْ فَهُوَ لَهُمْ لِأَنَّهُ حَرِيمُهُمْ. وَفِي الرِّعَايَةِ: لِغَيْرِهِ أَخْذُهُ, عَلَى الْأَصَحِّ, وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لِلْمُؤَجَّرِ, وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ عَشَّشَ بِأَرْضِهِ نَحْلٌ مَلَكَهُ; لِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِذَلِكَ. وَفِي كِتَابِ الْآدَمِيِّ: إلَّا أَنْ يُعِدَّ حِجْرَهُ وَبِرْكَتَهُ وَأَرْضَهُ لَهُ, وَسَبَقَ كَلَامُهُمْ فِي زَكَاةِ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْمُبَاحِ أَوْ مِنْ أَرْضِهِ وَقُلْنَا لَا يَمْلِكُهُ أَنَّهُ يُزَكِّيهِ اكْتِفَاءً بِمِلْكِهِ وَقْتَ الْأَخْذِ, كَالْعَسَلِ, وهو1 كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ النَّحْلَ لَا يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ 2وَإِلَّا لَمُلِكَ2 الْعَسَلُ, وَلِهَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ فِي الزَّكَاةِ: سَوَاءٌ أَخَذَهُ مِنْ أَرْضٍ مَوَاتٍ أَوْ مَمْلُوكَةٍ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ, وَإِنْ أَثْبَتَهُ مَلَكَهُ, فَلَوْ رَمَاهُ فَقَتَلَهُ حَرُمَ, لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ. نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: إنْ أَصَابَاهُ جَمِيعًا فَذَكَّيَاهُ جَمِيعًا حَلَّ, وَإِنْ ذَكَّاهُ أَحَدُهُمَا فَلَا. وَفِي الْخِلَافِ: يَحِلُّ, وَاحْتَجَّ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَإِنْ رَمَاهُ آخَرُ حَلَّ إنْ أَصَابَ مَذْبَحَهُ, أَوْ الْأَوَّلَ مَقْتَلَهُ, وَإِلَّا فَلَا, وَفِي حِلِّهِ احْتِمَالٌ فِي الْوَاضِحِ, وَفِي التَّرْغِيبِ: إنْ أَصَابَ مَذْبَحَهُ وَلَمْ يَقْصِدْ الْمَذْبَحَ لَمْ يَحِلَّ, وَإِنْ قَصْدَهُ فَهُوَ ذَبْحٌ مِلْكُ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ يَحِلُّ عَلَى الصَّحِيحِ, مَأْخَذُهُمَا: هَلْ يَكْفِي قَصْدُ الذَّبْحِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ الْإِحْلَالِ؟ وإن أوحاه بعد إيحاء الأول فالروايتان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ: وَإِنْ أَوْحَاهُ بَعْدَ إيحَاءِ الْأَوَّلِ فَالرِّوَايَتَانِ, انْتَهَى لَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِمَا اللَّتَيْنِ فِيمَا إذَا أَوْحَاهُ وَوَقَعَ فِي مَاءٍ, وَقَدْ تَقَدَّمَ الصحيح منهما أول الباب3, ويحتمل أنه
__________
1 في "ط" "هذا".
2 2 في "ر" "ولا يملك".
3 ص "413".(10/423)
وَمَتَى حَلَّ ضَمِنَ الثَّانِي مَا خَرَقَ مِنْ جِلْدِهِ. وَفِي الْمُنْتَخَبِ: مَا نَقَصَ بِذَبْحِهِ, كَشَاةِ الْغَيْرِ. وَفِي التَّرْغِيبِ: مَا بَيْنَ بِكَوْنِهِ حَيًّا مَجْرُوحًا وَبَيْنَ كَوْنِهِ مَذْبُوحًا, وَإِلَّا قِيمَتُهُ بِجُرْحِ الْأَوَّلِ, فَإِنْ أَدْرَكَ الْأَوَّلُ ذَكَاتَهُ فَلَمْ يُذَكِّهِ فمات فهل يضمنه الثاني كذلك1, أو نصف قِيمَتِهِ بِجُرْحِ الْأَوَّلِ, أَوْ بِالْجُرْحَيْنِ مَعَ أَرْشِ جُرْحِهِ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ "م 11".
فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشْرَةً فَنَقَصَهُ كُلُّ جُرْحٍ عَشْرًا لَزِمَهُ عَلَى الأول تسعة, وعلى الثَّانِي أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ, 2وَهُوَ أَوْلَى2, وَعَلَى الثَّالِثِ خمسة,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
أَرَادَ مَا إذَا رَمَاهُ فَأَثْبَتَهُ ثُمَّ رَمَاهُ فَقَتَلَهُ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا رِوَايَةُ ابْنِ الْحَكَمِ الْمُتَقَدِّمَةُ قَرِيبًا, وَقَدَّمَ فِي هَذِهِ التَّحْرِيمَ.
"مَسْأَلَةٌ 11" قَوْلُهُ: "فَإِنْ أَدْرَكَ الْأَوَّلُ ذَكَاتَهُ فَلَمْ يُذَكِّهِ فمات فهل يضمنه الثاني كذلك, أو نصف قِيمَتِهِ بِجُرْحِ الْأَوَّلِ, أَوْ بِالْجُرْحَيْنِ مَعَ أَرْشِ جُرْحِهِ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ", انْتَهَى. وَأَطْلَقَهَا3 فِي الْمُحَرَّرِ والزركشي.
__________
1 في "ر" "لذلك".
2 2ليست في الأصل.
3 في "ص" "طلقهما".(10/424)
فَلَوْ كَانَ عَبْدًا أَوْ شَاةً لِلْغَيْرِ وَلَمْ يوحياه وسريا تعين الأخيران ولزم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"إحْدَاهُمَا"1 يَضْمَنُ الثَّانِي قِيمَتَهُ مَجْرُوحًا بِالْجُرْحِ الْأَوَّلِ, وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ: كَذَلِكَ, يَعْنِي كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا, وَهُوَ الصَّحِيحُ, صَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ المحرر, وقدمه في الرعايتين والحاويين.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي": يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِالْجُرْحِ الْأَوَّلِ لَا غَيْرُ, اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ, قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّمْثِيلِ: وَهُوَ أَوْلَى.
"وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ": اخْتَارَهُ الْقَاضِي فَقَالَ: يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا, بِالْجُرْحَيْنِ, مَعَ أَرْشِ مَا نَقَصَهُ بِجُرْحِهِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
"تَنْبِيهَاتٌ"2:
"الْأَوَّلُ" قَوْلُهُ: "فَلَوْ كَانَ عبدا أو شاة للغير ولم يوحياه وسريا تَعَيَّنَ الْأَخِيرَانِ", انْتَهَى. يَعْنِي الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا, وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا مَا اخْتَارَهُ المجد والمصنف.
__________
1 في "ط" "إحداهما" وفي "ص" "أحدهما".
2 في "ص" "تنبيهان".(10/425)
الثَّانِي عَلَيْهِمَا ذَلِكَ, وَكَذَا الْأَوَّلُ عَلَى الثَّالِثِ, وَعَلَى الثَّانِي بَقِيَّةُ قِيمَتِهِ سَلِيمًا, وَإِنْ أَصَابَاهُ مَعًا حَلَّ, وَهُوَ بَيْنَهُمَا, كَذَبْحِهِ مُشْتَرِكَيْنِ, وَكَذَا وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ وَوَجَدَاهُ مَيِّتًا وَجَهِلَ قَاتِلَهُ, فَإِنْ قَالَ الْأَوَّلُ: أَنَا أَثْبَتُّهُ ثُمَّ قَتَلْته أَنْتَ فَتَضْمَنُهُ لَمْ يَحِلَّ, لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى تَحْرِيمِهِ, وَيَتَحَالَفَانِ وَلَا ضَمَانَ, فَإِنْ قَالَ لَمْ تُثْبِتْهُ قُبِلَ قَوْلُهُ, لِأَنَّ الْأَصْلَ الِامْتِنَاعُ, ذَكَرَ ذَلِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"الثَّانِي" مَا بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ إطْلَاقِ الِاحْتِمَالَيْنِ وَالْوَجْهَيْنِ فَمِنْ كَلَامِ صَاحِبِ التَّرْغِيبِ, لِأَنَّهُ مِنْ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ الَّذِي اصْطَلَحَهُ الْمُصَنِّفُ, وَاَللَّهُ أعلم(10/426)
فِي الْمُنْتَخَبِ وَفِي التَّرْغِيبِ: مَتَى تَشَاقَّا فِي إصَابَتِهِ وَصِفَتِهَا أَوْ احْتَمَلَ أَنَّ إثْبَاتَهُ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ1 فَهُوَ بَيْنَهُمَا. وَلَوْ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ انْفَرَدَ أَثْبَتَهُ2 وَحْدَهُ فَهُوَ لَهُ, وَلَا يَضْمَنُ الْآخَرُ وَلَوْ أَنَّ أَحَدَهُمَا مُوحٍ وَاحْتَمَلَ الْآخَرُ احْتَمَلَ أَنَّهُ بَيْنَهُمَا, وَاحْتَمَلَ أَنَّ نِصْفَهُ لِلْمُوحِي وَنِصْفَهُ الْآخَرَ بَيْنَهُمَا, وَلَوْ وُجِدَ مُثْبَتًا مُوحِيًا وَتَرَتَّبَا وَجُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا حَرُمَ, وَإِنْ ثَبَتَ بِهِمَا لَكِنْ عَقِبَ الثَّانِي وترتبا فهل هو للثاني أو بينهما؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ, وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: إنْ أَصَابَاهُ جَمِيعًا فَذَكَّيَاهُ جَمِيعًا حَلَّ, وَإِنْ ذَكَّاهُ أَحَدُهُمَا فَلَا.
وَمَنْ وَقَعَ فِي شَبَكَتِهِ صَيْدٌ فَذَهَبَ بِهَا مُمْتَنِعًا فَهُوَ لِصَائِدِهِ ثَانِيًا, نَصَّ عَلَيْهِ.
وَتَحِلُّ الطَّرِيدَةُ وَهِيَ الصَّيْدُ بَيْنَ قَوْمٍ يَأْخُذُونَهُ قَطْعًا, وَكَذَا النَّادُّ3, نَصَّ عَلَيْهِ, وَيُكْرَهُ الصَّيْدُ بشباش4 وَمِنْ وَكْرِهِ لَا بِلَيْلٍ, وَلَا فَرْخَ من وكره,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ر" "يعينه".
2 في الأصل "أبتت".
3 الناد: هو الصيد النافر الشارد.
4 قال الخفاجي في شفاء الغليل ص "139" شباش: هو أن يوضع الطائر في الشرك ليصاد به طائر آخر قاله الباخرزي في الدمية ولم يبين أصله ولغته بأكثر من هذا.(10/427)
وَلَا بِمَا يُسْكِرُ, نَصَّ عَلَى ذَلِكَ. وَإِنْ "دَعَوَا الطَّيْرَ عَلَى وَكْرِهَا"1 إنَّمَا هُوَ لِلطِّيَرَةِ لَا لِلصَّيْدِ وَظَاهِرُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا يُكْرَهُ مِنْ وَكْرِهِ وَأَطْلَقَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ كَرَاهَتَهُ. وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: يُكْرَهُ بِلَيْلٍ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ2 حَدِيثَ الَّذِي صَادَ الْفِرَاخَ مِنْ وَكْرِهَا, وَأَنَّ أُمَّهُنَّ جَاءَتْ فَلَزِمَتْهُنَّ حَتَّى صَادَهَا, وَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ بِإِطْلَاقِهِنَّ.
وَلَا بَأْسَ بِشَبَكَةٍ وَفَخٍّ وَدَبْقٍ3. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: وَكُلُّ حِيلَةٍ, وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: يُكْرَهُ بِمُثْقَلٍ كَبُنْدُقٍ, وَكَذَا كَرِهَ شَيْخُنَا الرَّمْيَ مُطْلَقًا, لِنَهْيِ عُثْمَانَ4, وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْبُنْدُقِ يُرْمَى بِهَا الصَّيْدُ لَا للعبث, وأطلق ابن هبيرة أنه معصية.
ويحرم صيد سمك وغيره بنجاسة, نقله الأكثر, وَقَالَ: اسْتَعِنْ عَلَيْهِمْ بِالسُّلْطَانِ, وَعَنْهُ يُكْرَهُ, اخْتَارَهُ الأكثر وفي المبهج فيه وبمحرم روايتان5,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الثَّالِثُ" قَوْلُهُ: "وَيَحْرُمُ صَيْدُ سَمَكٍ وَغَيْرِهِ بِنَجَاسَةٍ, نَقَلَهُ الْأَكْثَرُ وَعَنْهُ يُكْرَهُ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ", انْتَهَى.
__________
1 أخرجه أبو داود "2835" والحاكم في المستدرك "4/237" من حديث أم كرز الكعبية مرفوعا بلفظ "أقروا الطير على مكناتها ... ".
2 أخرجه أبو داود "2675" وأحمد "3835" عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ولفظه: كنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيه فجاءت الحمرة فجعلت تفرش فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها".
3 الدبق: غراء يصاد به الطير القاموس "دبق".
4 لم أقف عليه مرويا عن عثمان وإنما عن ابن عمر كما في مصنف ابن أبي شيبة "5/378".
5 يعني: في صيد السمك بنجس محرم روايتان.(10/428)
وَلَوْ مَنَعَهُ الْمَاءُ حَتَّى صَادَهُ حَلَّ أَكْلُهُ, نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد, قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَحْرُمُ. نَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يُصَادُ الْحَمَامُ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَحْشِيًّا, وَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ صَيْدٍ1 بِعِتْقِهِ أَوْ إرْسَالِهِ, كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ, 2كَانْفِلَاتِهِ, أَوْ نَدَّ أَيَّامًا ثُمَّ2 صَادَهُ آخَرُ. نَصَّ عَلَيْهِ, وقيل: يزول فيملكه آخذه, كنحو كسر3 أَعْرِضَ عَنْهُ4 فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي طَرِيقَتِهِ: الْعِتْقُ إحْدَاثُ قُوَّةٍ تُصَادِفُ الرِّقَّ, وَهُوَ ضَعِيفٌ شَرْعِيٌّ يَقُومُ بِالْمَحِلِّ فَيَمْنَعَهُ عَنْ دَفْعِ يَدِ الِاسْتِيلَاءِ عَنْهُ, 5وَالرِّقُّ غَيْرُ الْمَالِيَّةِ5, وَلِهَذَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْحَرْبِيُّ رَقِيقٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا, وَالرِّقُّ سَابِقٌ عَلَى الْمَالِيَّةِ, فَهُوَ مُتَعَلِّقُهَا وَالْمَحَلُّ غير الحال فيه. قال ابن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
قَدَّمَ التَّحْرِيمَ, وَنَصَّ عَلَيْهِ وَلَمْ أَرَ لَهُ مُتَابِعًا, لَكِنَّ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ يَحْتَمِلُهُ, وَالْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ قَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي6 وَالْمُقْنِعِ7 وَالْهَادِي وَالشَّرْحِ7 وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ, وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ, قَالَ الزَّرْكَشِيّ: هُوَ الْمَشْهُورُ.
__________
1 في "ر" "صيده".
2 ليست في "ط".
3 الكسر: نصف العظم بما عليه من اللحم أو عظم ليس عليه كثير لحم القاموس "كسر".
4 في "ر" "عنها".
5 5 ليست في الأصل.
6 "13/288".
7 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/412".(10/429)
عَقِيلٍ: وَلَا يَجُوزُ أَعْتَقْتُك فِي حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ, لِأَنَّهُ فِعْلُ الْجَاهِلِيَّةِ "وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(10/430)
كتاب الأيمان
مدخل
*
...
كِتَابُ الْأَيْمَانِ
الْيَمِينُ الْمُوجِبَةُ لِلْكَفَّارَةِ بِشَرْطِ الْحِنْثِ, بِاَللَّهِ أَوْ بِصِفَةٍ لَهُ, كَوَجْهِ اللَّهِ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَعَظَمَتِهِ, وَعِزَّتِهِ, وَإِرَادَتِهِ, وَقُدْرَتِهِ, وَعِلْمِهِ, وَالْمَنْصُوصُ: وَلَوْ نَوَى مَقْدُورَهُ وَمَعْلُومَهُ, وَكَذَا نِيَّةَ مُرَادِهِ أَوْ بِاسْمٍ لَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ نَحْوَ وَاَللَّهِ وَالْقَدِيمِ الْأَزَلِيِّ, وَخَالِقِ الْخَلْقِ, وَرَازِقٍ أَوْ رَبِّ الْعَالَمِينَ, وَإِنْ قَالَ: وَالرَّحِيمِ وَالْقَادِرِ, وَالْعَظِيمِ وَالْمَوْلَى وَنَحْوُهُ, وَنَوَى بِهِ اللَّهَ, أَوْ أَطْلَقَ فَيَمِينٌ, وَإِلَّا فَلَا, وَكَذَا الرَّبُّ وَالْخَالِقُ وَالرَّازِقُ, وَخَرَّجَهَا فِي التَّعْلِيقِ عَلَى رِوَايَتَيْ أَقْسَمَ, وَقِيلَ: يَمِينٌ مُطْلَقًا, كَالرَّحْمَنِ, فِي الْأَصَحِّ, وَمَا لَا يَنْصَرِفُ إطْلَاقُهُ إلَيْهِ, وَيَحْتَمِلُهُ كَالْحَيِّ وَالْمَوْجُودِ وَالشَّيْءِ, فَإِنْ نَوَى بِهِ اللَّهَ فَيَمِينٌ, خِلَافًا لِلْقَاضِي, وإلا فلا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(10/433)
وَحَرْفُ الْقَسَمِ الْبَاءُ يَلِيَهَا مُظْهَرٌ وَمُضْمَرٌ, وَالْوَاوُ يَلِيَهَا مُظْهَرٌ, وَالتَّاءُ وَحْدَهَا تَخْتَصُّ اسْمَ اللَّهِ.
"وَفِي الْمُغْنِي1 احْتِمَالٌ فِي تَاللَّهِ لَأَقُومَنَّ يَقْبَلُ بِنِيَّةِ أَنَّ قِيَامَهُ بِمَعُونَةِ اللَّهِ. وَفِي التَّرْغِيبِ. إنْ نَوَى بِاَللَّهِ أَثِقُ ثُمَّ ابْتَدَأَ لَأَفْعَلَنَّ احتمل وجهين باطنا, ويتوجه أنه كطلاق",والله أعلم.
وَلَهُ الْقَسَمُ بِغَيْرِ حَرْفِهِ فَيَقُولُ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ بِجَرٍّ وَنَصْبٍ فَإِنْ نَصَبَهُ بِوَاوٍ أَوْ رَفَعَهُ معها, أو دونها فيمين إلا أن2 يريدها عربي وَقِيلَ: أَوْ عَامِّيٌّ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ مَعَ رَفْعِهِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْقَسَامَةِ: لَوْ تَعَمَّدَهُ لَمْ يَضُرَّ. لِأَنَّهُ لَا يُحِيلُ الْمَعْنَى. وَقَالَ شَيْخُنَا: الْأَحْكَامُ تَتَعَلَّقُ بِمَا أَرَادَهُ النَّاسُ بِالْأَلْفَاظِ الْمَلْحُونَةِ, كَقَوْلِهِ: حَلَفْت بِاَللَّهِ رَفْعًا وَنَصْبًا, وَاَللَّهِ بِأَصُومَ أَوْ بِأُصَلِّي وَنَحْوِهِ, وَكَقَوْلِ الْكَافِرِ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدٌ رَسُولَ اللَّهِ بِرَفْعِ الْأَوَّلِ وَنَصْبِ الثَّانِي, وَأَوْصَيْت لِزَيْدٍ بِمِائَةٍ, وَأَعْتَقْت سَالِمَ وَنَحْوِ, ذَلِكَ وَأَنَّ مَنْ رَامَ جَعَلَ النَّاسَ كُلَّهُمْ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ بِحَسَبِ عَادَةِ قَوْمٍ بِعَيْنِهِمْ فَقَدْ رَامَ مَا لَا يُمْكِنُ عَقْلًا وَلَا يَصْلُحُ شَرْعًا.
وَهَاءُ اللَّهِ يَمِينٌ بِالنِّيَّةِ وهي في المستوعب حرف قسم,. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ: "فَإِنْ نَصَبَهُ بِوَاوٍ أَوْ رَفَعَهُ مَعَهَا وَدُونَهَا فَيَمِينٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَهَا عَرَبِيٌّ, كَذَا فِي النُّسَخِ, وَصَوَابُهُ إلَّا أَنْ لَا يريدها بزيادة لا".
__________
1 "13/458".
2 بعدها في "ط" "لا".(10/434)
وَيُجَابُ الْإِيجَابُ بِأَنْ خَفِيفَةٍ1 وَثَقِيلَةٍ وَبِلَامٍ وَبِنُونَيْ تَوْكِيدٍ وَبِقَدْ وَالنَّفْيِ بِمَا وَإِنْ بِمَعْنَاهَا وَبِلَا وَتُحْذَفُ لَا لَفْظًا نَحْوَ وَاَللَّهِ أَفْعَلُ.
وَإِنْ قَالَ: وَالْعَهْدِ, وَالْمِيثَاقِ, وَالْجَلَالِ, وَالْعَظَمَةِ, وَالْأَمَانَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَنَوَى صِفَةَ اللَّهِ, وَعَنْهُ: أَوْ أَطْلَقَ فَيَمِينٌ, كَإِضَافَتِهِ إلَيْهِ, نَحْوَ: وَعَهْدِ اللَّهِ وَحَقِّهِ, وَذَكَر ابْنُ عَقِيلٍ الرِّوَايَتَيْنِ فِي: عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ, وَإِنْ قَالَ: وَاَيْمُ اللَّهِ, أَوْ لَعَمْرُ اللَّهِ, فَيَمِينٌ, وَعَنْهُ: بِالنِّيَّةِ, وَإِنْ قَالَ: حَلَفْت بِاَللَّهِ أَوْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ فَيَمِينٌ, وَعَنْهُ بِالنِّيَّةِ, كَمَا لَوْ لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ أَوْ نَوَى خَيْرًا, وَعَنْهُ فِيهِمَا يُكَفِّرُ, نَصْرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ, وَكَذَا لَفْظُ الْقَسَمِ وَالشَّهَادَةِ. قَالَ جَمَاعَةٌ: وَالْعَزْمُ.
وَفِي الْمُغْنِي2 عَزَمْت, وَأَعْزِمُ لَيْسَ يَمِينًا ولو نوى, لأنه لا شرع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "حقيقة".
2 "13/470".(10/435)
وَلَا لُغَةَ وَلَا فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ وَلَوْ نَوَى. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ, وَقَسَمًا بِاَللَّهِ يَمِينٌ تَقْدِيرُهُ أَقْسَمْت قَسَمًا, وَكَذَا أَلِيَّةُ بِاَللَّهِ. وَإِنْ قَالَ: عَلَيَّ يَمِينٌ فَقِيلَ: يَمِينٌ, وَقِيلَ: بِالنِّيَّةِ, وَعِنْدَ الشَّيْخِ: لَا "م 1" وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمَا تَخْرِيجٌ إنْ زَادَ: إنْ فَعَلْت كَذَا, وَفَعَلَهُ, وَتَخْرِيجُ لَأَفْعَلُهُنَّ. قَالَ شَيْخُنَا: هَذِهِ لَامُ الْقَسَمِ, فَلَا تُذْكَرُ إلَّا مَعَهُ مُظْهَرًا أَوْ مقدرا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 1" قَوْلُهُ: "وَإِنْ قَالَ عَلَيَّ يَمِينٌ, فَقِيلَ: يَمِينٌ, وَقِيلَ: بِالنِّيَّةِ, وَعِنْد الشَّيْخِ لَا", انْتَهَى.
"أَحَدُهَا" "عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ مُطْلَقًا, وَهُوَ الصَّحِيحُ, وَبِهِ قَطَعَ فِي الْمُقْنِعِ, فَقَالَ: قَالَ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ", انْتَهَى.
"قُلْت" وَقَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ1 وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ.
"وَالْقَوْلُ الثَّانِي" يَكُونُ يَمِينًا بِالنِّيَّةِ, جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى, وَقَدَّمَهُ فِي الْكُبْرَى.
"وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ" لَا يَكُونُ يَمِينًا مُطْلَقًا, اخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ, فَقَالَ فِي الْمُغْنِي2 وَالْكَافِي3: وَإِنْ قَالَ عَلَيَّ يَمِينٌ وَنَوَى الْخَيْرَ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ, عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ, وَإِنْ نَوَى الْقَسَمَ فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ هِيَ يَمِينٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ يَمِينًا, وَهَذَا أَصَحُّ, وَقَطَعَ بِهِ الْأَخِيرُ فِي الْكَافِي3, وَهُوَ الصَّوَابُ.
"تَنْبِيهٌ" الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْخِلَافَ الْمُطْلَقَ إنَّمَا هُوَ فِي كَوْنِهِ يَمِينًا أَوْ لا, أما القول بأنه
__________
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/520".
2 لم نقف عليه في المغني.
3 "6/16".(10/436)
وَإِنْ حَلَفَ بِكَلَامِ اللَّهِ, أَوْ الْمُصْحَفِ, أَوْ الْقُرْآنِ, أَوْ آيَةٍ فَكَفَّارَةٌ, وَمَنْصُوصُهُ: بِكُلِّ آيَةٍ إنْ قَدَرَ, وَعَنْهُ: أَوْ لَا. وَفِي الْفُصُولِ وَجْهٌ: بِكُلِّ حَرْفٍ. وَفِي الرَّوْضَةِ: أَمَّا بِالْمُصْحَفِ فكفارة واحدة, رواية واحدة.(10/437)
فَصْلٌ: وَيَحْرُمُ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ,
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ: لَأَنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ صَادِقًا1. قَالَ شَيْخُنَا: لِأَنَّ حَسَنَةَ التَّوْحِيدِ أَعْظَمُ مِنْ حَسَنَةِ الصِّدْقِ, وَسَيِّئَةَ الْكَذِبِ أَسْهَلُ مِنْ سَيِّئَةِ الشِّرْكِ.
وَقِيلَ: يُكْرَهُ وَلَا كَفَّارَةَ, وَقِيلَ: وَخَلْقُ اللَّهِ وَرِزْقُهُ يَمِينٌ, فَنِيَّةُ مَخْلُوقِهِ وَمَرْزُوقِهِ كَمَقْدُورِهِ, وَعَنْهُ: يَجُوزُ.
وَتَلْزَمُ حَالِفًا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ, وَالْتَزَمَ ابْنُ عَقِيلٍ, ونبي غيره,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
يَمِينٌ بِالنِّيَّةِ فَلَيْسَ هُوَ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ, وَلَكِنْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَمِينٌ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ أَمْ لَا, وَقَدَّمَ عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في المصنف "8/469".(10/437)
وَأَنَّ مَعْلُومَهُ يَمِينٌ لِدُخُولِ صِفَاتِهِ. قِيلَ لِأَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُكْرَهُ الْحَلِفُ بِعِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ شَيْءٍ؟ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ, لِمَ لَا يَكْرَهُ؟ لَا يُحْلَفُ إلَّا بِاَللَّهِ. وَفِي تَحْرِيمِهِ وجهان "م 2".
واختار شيخنا التحريم وتعزيره "وم" وَاخْتَارَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُكْرَهُ, وَأَنَّهُ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا, لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ بِمَخْلُوقٍ, وَلَمْ يَلْتَزِمْ لِغَيْرِ اللَّهِ شَيْئًا, وَإِنَّمَا الْتَزَمَ لِلَّهِ كَمَا يَلْتَزِمُ بِالنَّذْرِ, وَالِالْتِزَامُ لِلَّهِ أَبْلُغُ مِنْ الِالْتِزَامِ بِهِ, بِدَلِيلِ النَّذْرِ لَهُ وَالْيَمِينِ بِهِ, وَلِهَذَا لَمْ يُنْكِرْ الصَّحَابَةُ عَلَى مَنْ حَلَفَ بِذَلِكَ, كَمَا أَنْكَرُوا عَلَى مَنْ حَلَفَ بِالْكَعْبَةِ.
وَاخْتَارَ شَيْخُنَا فِيمَنْ حَلَفَ بِعِتْقٍ وَطَلَاقٍ وَحَنِثَ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُوقِعَهُ أَوْ يكفر كحلفه بالله ليوقعنه, وذكر أَنَّ الطَّلَاقَ يَلْزَمُنِي وَنَحْوَهُ يَمِينٌ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ وَالْأُمَمِ وَالْفُقَهَاءِ وَخَرَّجَهُ عَلَى نُصُوصٍ لِأَحْمَدَ وَهُوَ خِلَافُ صَرِيحِهَا, وَذَكَر أَنَّهُ إنْ حَلَفَ بِهِ نَحْوَ: الطَّلَاقُ لِي لَازِمٌ وَنَوَى النَّذْرَ كَفَّرَ, عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.
وَأَيْمَانُ الْبَيْعَةِ رَتَّبَهَا الْحَجَّاجُ, ضمنها يمينا بالله وعتقا وطلاقا وصدقة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 2" قَوْلُهُ: "وَفِي تَحْرِيمِهِ وَجْهَانِ", انْتَهَى.
يَعْنِي الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقَ.
"أَحَدُهُمَا" يَحْرُمُ, اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقَالَ: وَيُعَزَّرُ, وَفِيهِ قُوَّةٌ, لَا سِيَّمَا فِي الطَّلَاقِ, وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" لَا يَحْرُمُ بَلْ يُكْرَهُ, وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ, وَقَالَ: هُوَ قَوْلُ غَيْرِ واحد من أصحابنا, وهو الصواب.(10/438)
مَالٍ وَقِيلَ: وَحَجًّا, فَمَنْ قَالَ: أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ تَلْزَمُنِي, وَلَا نِيَّةَ فَلَغْوٌ, وَإِنْ نَوَاهَا وَقِيلَ وَلَوْ جَهِلَهَا لَزِمَتْهُ: وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ عِتْقٌ وَطَلَاقٌ, وَقِيلَ: وَصَدَقَةٌ. وَفِي التَّرْغِيبِ إنْ عَلِمَهَا لَزِمَهُ عِتْقٌ وَطَلَاقٌ.
وَأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ يَلْزَمُهُ عِتْقٌ وَطَلَاقٌ عِتْقٌ وَطَلَاقٌ وَظِهَارٌ وَيَمِينٌ بِاَللَّهِ, بِنِيَّةِ ذَلِكَ, فَفِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ الْوَجْهَانِ, وَيَتَوَجَّهُ فِي جَاهِلٍ مَا تَقَدَّمَ, وَأَلْزَمَ الْقَاضِي الْحَالِفَ بِالْكُلِّ وَلَوْ لَمْ يَنْوِ.
وَمَنْ حَلَفَ بِأَحَدِهَا فَقَالَ آخَرُ يَمِينِي فِي يَمِينِكَ فِي يَمِينِكَ أَوْ عَلَيْهَا أو مثلها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(10/439)
يَنْوِي الْتِزَامَ مِثْلِهَا لَزِمَهُ, نَصَّ عَلَيْهِ فِي طَلَاقٍ وَفِي الْمُكَفِّرَةِ الْمُكَفِّرَةُ الْوَجْهَانِ.
قَالَ شَيْخُنَا: كَذَا أَنَا مَعَكَ, يَنْوِي فِي يَمِينِهِ, وَمَنْ حَلَفَ بِكُفْرِهِ, كَقَوْلِهِ هُوَ كَافِرٌ أَوْ أَكْفُرُ بِاَللَّهِ أَوْ بَرِئَ مِنْ الْإِسْلَامِ, أَوْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ يَسْتَحِلُّ الزِّنَا أَوْ تَرْكَ الصَّلَاةَ, أَوْ لَا يَرَاهُ اللَّهُ بموضع كذا ونحو ذلك منجزا أو معلقا.
وفي الانتصار: و1الطاغوت لَأَفْعَلَنَّهُ, لِتَعْظِيمِهِ لَهُ, مَعْنَاهُ: عَظَّمْته إنْ فَعَلْته وَفَعَلَهُ لَمْ يُكَفِّرْ, وَيَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ, بِخِلَافِ: هُوَ فَاسِقٌ إنْ فَعَلَهُ, لِإِبَاحَتِهِ فِي حَالٍّ, وَعَنْهُ: لَا كَفَّارَةَ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ, وَكَذَا عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ وَحْدَهُ: مَحَوْت الْمُصْحَفَ, لِإِسْقَاطِهِ حَرَّمْته, وَكَذَا عِنْدَهُ: عَصَيْت اللَّهَ فِي كُلِّ مَا أَمَرَنِي, وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحَرَّرِ.
وَإِنْ قَالَ: لَعَمْرِي, أَوْ قَطَعَ اللَّهُ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ, أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ, فَلَغْوٌ. نَصَّ عَلَيْهِ, وَلَا يَلْزَمُهُ إبْرَارُ قَسَمٍ, فِي الْأَصَحِّ. كَإِجَابَةِ سُؤَالٍ بِاَللَّهِ. وَقَالَ شَيْخُنَا: إنَّمَا يَجِبُ عَلَى مُعِينٍ, فَلَا تَجِبُ إجَابَةُ سائل يقسم على الناس,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في النسخ الخطية "أو" والمثبت من "ط".(10/440)
وَسَبَقَ فِي الزَّكَاةِ1.
وَإِنْ قَالَ: بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ, فَيَمِينٌ. وَفِي الْمُغْنِي2: إلَّا أَنْ يَنْوِيَ, وَأَسْأَلُك بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ يَعْمَلُ بِنِيَّتِهِ, وَيَتَوَجَّهُ فِي إطْلَاقِهِ وجهان "م 3"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 3" قَوْلُهُ: "وَأَسْأَلُك بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ, يَعْمَلُ بِنِيَّتِهِ, ويتوجه في إطلاقه
__________
1 "4/307".
2 "13/458".(10/441)
وَالْكَفَّارَةُ عَلَى الْحَالِفِ, وَحُكِيَ عَنْهُ: عَلَى الْمُحْنِثِ, وَرَوَى مَا يَدُلُّ عَلَى إجَابَةِ مَنْ سَأَلَ بِاَللَّهِ, فَرَوَى أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ1 وَقَالَ حَسَنٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَجْهَانِ", انْتَهَى.
"قُلْت": الصَّوَابُ عَدَمُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ مع الإطلاق.
__________
1 أحمد "2116" والنسائي المجتبى "5/83" والترمذي "1652".(10/442)
غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ "وَأُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ النَّاسِ"؟ قُلْنَا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ, قَالَ: "الَّذِي يُسْأَلُ بِاَللَّهِ وَلَا يُعْطِي بِهِ" حَدِيثٌ حَسَنٌ لَهُ طَرِيقَانِ, فِي أَحَدِهِمَا ابْنُ لَهِيعَةَ, وَالْأُخْرَى جَيِّدَةٌ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد1 بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ "وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِوَجْهِ اللَّهِ فَأَعْطُوهُ" وَفِي لَفْظٍ "مَنْ سَأَلَكُمْ بِاَللَّهِ فَأَعْطُوهُ" وَلَهُ2 مِثْلُهَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ, وَفِيهِمَا: "وَمَنْ اسْتَعَاذَكُمْ بِاَللَّهِ فَأَعِيذُوهُ" وَهُمَا حَدِيثَانِ جَيِّدَانِ, وَلَهُ3 مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ "لَا تَسْأَلْ بوجه الله إلا الجنة" من رواية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في سننه "5108".
2 سنن أبي داود "5109".
3 سنن أبي داود "1671".(10/443)
سُلَيْمَانَ بْنِ مُعَاذٍ هُوَ ابْنُ قَرْمٍ1, ضَعَّفَهُ غير أحمد وابن عدي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في النسخ الخطية "قشرم" وهو: أبو داود سليمان بن قرم بن معاذ التميمي الضبي النحوي قال يحيى بن معين والنسائي: ضعيف وقال في موضع آخر: ليس بشيء وقال أبو زرعة: ليس بذلك تهذيب الكمال "12/51".(10/444)
فصل: وَيَشْتَرِطُ لِلْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَة قَصْدُ عَقْدِهَا عَلَى مُسْتَقْبَلٍ,
وَتَقَدَّمَ الْمُسْتَحِيلُ فِي طَلَاقِ الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ عَلَى مَاضٍ كَاذِبًا عَالِمًا كَذِبَهُ فَغَمُوسٌ, وَعَنْهُ: يُكَفِّرُ وَيَأْثَمُ, كَمَا يَلْزَمُهُ عِتْقٌ وَطَلَاقٌ وَظِهَارٌ وَحَرَامٌ وَنَذْرٌ, فَيُكَفِّرَ كَاذِبٌ فِي لِعَانِهِ, ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَاحْتَجَّ غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى عَدَمِ التَّكْفِيرِ بِقَوْلِهِ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً} [آل عمران: 77] الْآيَةَ, فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّ الْجَزَاءَ غَيْرُ هَذَا وَإِنَّ الْكَفَّارَاتِ تُمَحِّصُ هَذَا. وَقَالَ شَيْخُنَا: مَنْ قَالَ يُكَفِّرُ الْغَمُوسُ, قَالَ يُكَفِّرُ الْغَمُوسُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا, وَأَمَّا مَنْ قَالَ: لَا كَفَّارَةَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ, أَوْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِيهِ مَا الْتَزَمَهُ, فَالْمَاضِي أَوْلَى.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ بِاَللَّهِ لَا تُكَفَّرُ, وَأَنَّ الْيَمِينَ بِالنَّذْرِ وَالْكُفْرِ وَغَيْرِهِمَا يُكَفَّرُ, فَلَهُمْ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ بِذَلِكَ قولان:(10/444)
أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَهُ مِنْ نَذْرٍ وَكُفْرٍ, وَغَيْرُهُمَا قَالَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضُ الْحَنْبَلِيَّةِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ: يَعْنِي الْحَنَفِيَّ فِي الْحَلِفِ بِالْكُفْرِ, وَقَالَهُ جَدُّنَا أَبُو الْبَرَكَاتِ فِي الْحَلِفِ بِالنَّذْرِ وَنَحْوِهِ, وَهَؤُلَاءِ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ" 1.
وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَهُ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ إلَّا إذَا كَانَ يَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَهُ فِي الْيَمِينِ عَلَى الْمُسْتَقْبِلِ; لِأَنَّهُ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الْأَيْمَانِ لَمْ يَقْصِدْ أَنْ يَصِيرَ كَافِرًا وَلَا نَاذِرًا وَلَا مُطَلِّقًا وَلَا مُعْتِقًا, لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصْدُهُ فِي الْمَاضِي الْخَبَرِ التَّصْدِيقُ أَوْ التَّكْذِيبُ, وَأَكَّدَهُ بِالْيَمِينِ كَمَا يَقْصِدُ الْحَظَّ أَوْ الْمَنْعَ فِي الْأَمْرِ أَوْ النَّهْيَ, وَأَكَّدَهُ بِالْيَمِينِ, فَكَمَا قَالُوا يَجِبُ الْفَرْقُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَيْنَ مَنْ قَصْدُهُ الْيَمِينَ وَقَصْدُهُ الْإِيقَاعَ, وَأَنَّ الْحَالِفَ لَا يَلْتَزِمُ وُقُوعَهُ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ, وَالْمَوْقِعُ يَلْتَزِمُ مَا يُرِيدُ وُقُوعَهُ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ, فَهَذَا الْفَرْقُ مَوْجُودٌ فِي التَّعْلِيقِ عَلَى الْمَاضِي, فَإِنَّهُ تَارَةً يَقْصِدُ الْيَمِينَ, وَتَارَةً يَقْصِدُ الْإِيقَاعَ, فَالْحَالِفُ يَكْرَهُ لُزُومَ الْجَزَاءِ, وَإِنْ حَنِثَ صَدَقَ أَوْ كَذَبَ لَمْ يَقْصِدْ إيقَاعَ مَا الْتَزَمَهُ إذَا كَذَبَ, كَمَا لَمْ يَقْصِدْ فِي الْحَظِّ وَالْمَنْعِ وَالشَّارِعُ لَمْ يَجْعَلْ مَنْ الْتَزَمَ شَيْئًا يَلْزَمُهُ, سَوَاءٌ بَرَّ أَوْ فَجَرَ, وَلِهَذَا لَمْ يُكَفِّرْ بِالْيَمِينِ الْغَمُوسِ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ نَفْيَ حُرْمَةِ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ, لَكِنْ فَعَلَ كَبِيرَةً مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّهَا كَبِيرَةً, وَالْقَوْلُ فِي الْخَبَرِ كَنَظَائِرِهِ كُفْرٌ دُونَ كفر, وقد يجتمع في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه البخاري "1363" ومسلم "110" "176" من حديث ثابت بن الضحاك.(10/445)
الْإِنْسَانِ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ.
وَإِنْ عَقَدَهَا عَلَى مَاضٍ وَاخْتَارَ شَيْخُنَا: أَوْ مُسْتَقْبَلٍ ظَانًّا صِدْقَهُ فَلَمْ يَكُنْ, كَمَنْ حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ يَظُنُّ أَنَّهُ يُعْطِيهِ فَلَمْ يَفْعَلْ, أَوْ ظَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ خِلَافَ نِيَّةِ الْحَالِفِ وَنَحْوَ ذَلِكَ, وَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ كَمَنْ ظَنَّ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً فَطَلَّقَهَا فَبَانَتْ امْرَأَتُهُ وَنَحْوَهَا مِمَّا يَتَعَارَضُ فِيهِ التَّعْيِينُ الظَّاهِرُ وَالْقَصْدُ, فَلَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِطَلَاقِ ثَلَاثٍ ثُمَّ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مُقِرًّا بِمَا وَقَعَ أَوْ مُؤَكِّدًا لَهُ لَمْ يَقَعْ وَإِنْ كَانَ مَنْسِيًّا, فَقَدْ أَوْقَعَهُ بِمَنْ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً, فَالْخِلَافُ قَالَهُ شَيْخُنَا, وَمِثْلُهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ بِحَلِفِهِ أَنَّ الْمُقْبِلَ زَيْدٌ أَوْ مَا كَانَ أَوْ كَانَ كَذَا فَكَمَنْ فَعَلَ مُسْتَقْبَلًا نَاسِيًا وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ بِحِنْثِهِ فِي عِتْقٍ وَطَلَاقٍ, زَادَ فِي التَّبْصِرَةِ مِثْلَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ بعدها.
وَكُلُّ يَمِينٍ مُكَفَّرَةٌ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ, قَالَ شَيْخُنَا: حَتَّى عِتْقٌ وَطَلَاقٌ وَأَنَّ هَلْ فِيهِمَا لَغْوٌ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَمُرَادُهُ مَا سَبَقَ, وَإِنْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ وَلَمْ يَقْصِدْهَا لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ; فَلَا كَفَّارَةَ, عَلَى الأصح, وعنه:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(10/446)
فِي الْمَاضِي, وَهَلْ هِيَ لَغْوُ الْيَمِينِ أَوْ الْمَسْأَلَةُ قَبْلَهَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ "م 4" وَقِيلَ: هُمَا.
قَالَتْ عَائِشَةُ "أَيْمَانُ اللَّغْوِ مَا كَانَ فِي الْمِرَاءِ وَالْهَزْلِ وَالْمُزَاحَةِ وَالْحَدِيثِ الَّذِي لَا يَعْقِدُ عَلَيْهِ الْقَلْبُ", وَأَيْمَانُ الْكَفَّارَةِ كُلُّ يَمِينٍ حَلَفَ عليها على حد مِنْ الْأَمْرِ فِي غَضَبٍ أَوْ غَيْرِهِ1 إسْنَادُهُ جَيِّدٌ, احْتَجَّ بِهِ أَصْحَابُنَا, وَذَكَر أَحْمَدُ أَوَّلَهُ فِيمَا خَرَّجَهُ فِي مَحْبِسِهِ.
وَمَنْ قَالَ فِي يَمِينٍ مُكَفَّرَةٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا, وَعَنْهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: وَمَعَ فَصْلٍ يَسِيرٍ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ, وَعَنْهُ: وَفِي الْمَجْلِسِ, وَهُوَ فِي الْإِرْشَادِ2 عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا, وَفِي الْمُبْهِجِ: وَلَوْ تَكَلَّمَ, قَدَّمَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى الْجَزَاءِ أَوْ أَخَّرَهُ, فَعَلَ أَوْ تَرَكَ, لَمْ تَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ قال أحمد:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 4" قَوْلُهُ: "وَهَلْ هِيَ لَغْوُ الْيَمِينِ أَوْ الْمَسْأَلَةُ قَبْلَهَا, فِيهِ رِوَايَتَانِ", انْتَهَى.
يَعْنِي هَلْ لَغْوُ الْيَمِينِ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ قَوْلِ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ أَوْ هُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ يَظُنُّهُ فَيُبَيَّنُ بِخِلَافِهِ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ, وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ.
"إحْدَاهُمَا": هُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ يَظُنُّهُ فَيُبَيَّنُ بِخِلَافِهِ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُقْنِعِ3, وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ" هُوَ قَوْلُهُ: لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ وَنَحْوِهِ إذَا جَرَى عَلَى لِسَانِهِ وَلَمْ يَقْصِدْهُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْوَجِيزِ وَالْعُدَّةِ مَعَ أَنَّ كَلَامَهُ فِي العدة يحتمل أن يعود إلى الصورتين.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في المصنف "15952" مختصرا والبيهقي في السنن الكبرى "10/84".
2 ص "409".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/475".(10/447)
قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ "إذَا اسْتَثْنَى بَعْدَ سَنَةٍ فَلَهُ ثُنْيَاهُ"1 لَيْسَ هُوَ فِي الْأَيْمَانِ إنَّمَا تَأْوِيلُهُ قَوْلُ اللَّهِ {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 23, 24] فَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْكَذِبِ; لِأَنَّ الْكَذِبَ لَيْسَ فِيهِ كَفَّارَةٌ, وَهُوَ أَشَدُّ مِنْ الْيَمِينِ, لِأَنَّ الْيَمِينَ تُكَفَّرُ وَالْكَذِبُ لَا يُكَفَّرُ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: فَائِدَةُ الِاسْتِثْنَاءِ خُرُوجُهُ مِنْ الْكَذِبِ, قَالَ مُوسَى {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً} [الكهف: 69] وَلَمْ يَصْبِرْ فَسَلِمَ مِنْهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ, وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي إنْ رَدَّهُ إلَى يَمِينِهِ لَمْ يَنْفَعْهُ, لِوُقُوعِهَا وَتَبْيِينِ مَشِيئَةِ اللَّهِ, وَاحْتَجَّ بِهِ الْمَوْقِعُ فِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
قَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَمَشِيئَةِ اللَّهِ: تَحْقِيقُ مَذْهَبِنَا 2إنها يَقِفُ2 عَلَى إيجَادِ فِعْلٍ أَوْ تَرْكِهِ, فَالْمَشِيئَةُ مُتَعَلِّقَةٌ عَلَى الْفِعْلِ, فَإِذَا وَجَدَ3 ذَلِكَ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ شَاءَ وَإِلَّا فَلَا, وَفِي الطَّلَاقِ الْمَشِيئَةُ انْطَبَقَتْ عَلَى اللَّفْظِ بِحُكْمِهِ الْمَوْضُوعِ لَهُ وَهُوَ الْوُقُوعُ, وَيُعْتَبَرُ نُطْقُهُ إلَّا مِنْ مَظْلُومٍ خَائِفٍ, نَصَّ عَلَى ذَلِكَ, وَلَمْ يَقُلْ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: خَائِفٍ, وَفِي اعْتِبَارِ قَصْدِ الِاسْتِثْنَاءِ وَجْهَانِ, فَائِدَتُهُمَا فِيمَنْ سَبَقَ عَلَى لِسَانِهِ عَادَةً, أَوْ أَتَى به تبركا "م 5" ولم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 5" قَوْلُهُ: "وَفِي اعْتِبَارِ قَصْدِ الِاسْتِثْنَاءِ وَجْهَانِ, فَائِدَتُهُمَا4 فِيمَنْ سَبَقَ عَلَى لِسَانِهِ عَادَةً أَوْ أَتَى بِهِ تَبَرُّكًا", انْتَهَى.
"أَحَدُهُمَا" يَعْتَبِرُ قَصْدَ الِاسْتِثْنَاءِ, اخْتَارَهُ الْقَاضِي, وَجَزَمَ بِهِ فِي 5الْمُسْتَوْعِبِ و5
__________
1 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "10/80".
2 2 في "ط" "إنما يقف".
3 بعدها في "ط" "ذلك".
4 في النسخ "فائدته" والمثبت من "ط".
5 5 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".(10/448)
يَعْتَبِرْهُ شَيْخُنَا, وَلَوْ أَرَادَ تَحْقِيقًا لِإِرَادَتِهِ وَنَحْوَهُ, لِعُمُومِ الْمَشِيئَةِ.
وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهٌ: يَعْتَبِرُ قَصْدَ الِاسْتِثْنَاءِ أَوَّلَ كَلَامِهِ, وَكَذَا قَوْلُهُ إنْ أَرَادَ اللَّهُ وَقَصَدَ بِالْإِرَادَةِ الْمَشِيئَةَ, لَا مَحَبَّتَهُ وَأَمْرَهُ, ذَكَرَهُ شَيْخُنَا.
وَإِنْ شَكَّ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. وَقَالَ شَيْخُنَا: إلَّا مِمَّنْ عَادَتْهُ الِاسْتِثْنَاءُ وَاحْتَجَّ بِالْمُسْتَحَاضَةِ تَعْمَلُ بِالْعَادَةِ وَالتَّمْيِيزِ وَلَمْ تَجْلِسْ أَقَلَّ الْحَيْضِ, وَالْأَصْلُ وُجُوبُ الْعِبَادَةُ.
وَمَنْ كَانَ حِنْثُهُ فِي يَمِينِهِ خَيْرًا اُسْتُحِبَّ, وَقَدَّمَ فِي التَّرْغِيبِ أَنَّ بِرَّهُ وَإِقَامَتَهُ عَلَى يَمِينِهِ أَوْلَى, وَلَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ حَلِفِهِ فَقِيلَ: يُكْرَهُ, وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يُكْثِرُ الْحَلِفَ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ, وَإِنْ دُعِيَ. مُحِقٌّ لِلْيَمِينِ عِنْدَ حَاكِمٍ فَالْأَوْلَى افْتِدَاءُ نَفْسِهِ, وَقِيلَ: يُكْرَهُ حَلِفُهُ, وَقِيلَ: مُبَاحٌ, وَنَقَلَهُ حَنْبَلٌ كَعِنْدَ غَيْرِ حَاكِمٍ وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ: يُسْتَحَبُّ لمصلحة, كزيادة طمأنينة وتوكيدا لأمر وغيره,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
البلغة وَالنَّظْمِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ, وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى, قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَاشْتَرَطَ الْقَاضِي وَأَبُو الْبَرَكَاتِ وَغَيْرُهُمَا مَعَ الِاتِّصَالِ أَنْ يَنْوِيَ الِاسْتِثْنَاءَ قَبْلَ تَمَامِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ, وَظَاهِرُ بَحْثِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمُشْتَرَطَ قَصْدُ الِاسْتِثْنَاءِ فَقَطْ, حَتَّى لَوْ نَوَى عِنْدَ تَمَامِ يَمِينِهِ صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ, قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ, انْتَهَى.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي": لَا يَعْتَبِرُ قَصْدَ الِاسْتِثْنَاءِ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَصَاحِبِ المقنع1 والمحرر2 وَجَمَاعَةٍ, وَذَكَر ابْنُ الْبَنَّا وَبَنَاهُ عَلَى أَنَّ لَغْوَ الْيَمِينِ عِنْدَنَا صَحِيحٌ, وَهُوَ مَا كَانَ عَلَى الْمَاضِي وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ, وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تقي الدين.
__________
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/488".
2 ليست في "ط".(10/449)
وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنه عن صلاة العصر: "وَاَللَّهِ مَا صَلَّيْتهَا" 1 تَطْبِيبًا مِنْهُ لِقَلْبِهِ, وَكَذَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ الْهَدْيِ عَنْ قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ, فِيهَا جَوَازُ الْحَلِفِ بَلْ اسْتِحْبَابُهُ عَلَى الْخَيْرِ الدِّينِيِّ الَّذِي يُرِيدُ تَأْكِيدَهُ, وَقَدْ حُفِظَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَلِفُ فِي أَكْثَرِ مِنْ ثَمَانِينَ مَوْضِعًا, وَأَمَرَهُ اللَّهُ بِالْحَلِفِ عَلَى تَصْدِيقِ مَا أَخْبَرَهُ فِي ثَلَاثِ مَوَاضِعَ مِنْ الْقُرْآنِ, فِي سُورَةِ سَبَأٍ وَيُونُسَ وَالتَّغَابُنِ2.
وَإِنْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَبْدُ فُلَانٍ حُرٌّ, أَوْ مَالُهُ صَدَقَةٌ وَنَحْوَهُ, وَفَعَلَهُ, فَلَغْوٌ, وَعَنْهُ: يُكَفِّرُ كَنَذْرِ مَعْصِيَةٍ, وَإِنْ حَرَّمَ حَلَالًا غَيْرَ زَوْجَتِهِ, نَحْوَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ, وَلَا زَوْجَةَ لَهُ, لَمْ يحرم ويكفر إن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ: "نَحْوَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ لَا زَوْجَةَ لَهُ" كَذَا فِي النُّسَخِ, وَصَوَابُهُ "وَلَا زَوْجَةَ لَهُ" بِإِسْقَاطِ الْأَلْفِ قَبْلَ الْوَاوِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَشْمَلَهَا كلامه.
__________
1 أخرجه البخاري "596" ومسلم "631" عن جابر.
2 وهي قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ: 3] {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [يونس:53] {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن: 7] .(10/450)
فَعَلَهُ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَقِيلَ: يَحْرُمُ حَتَّى يُكَفِّرَ, وَكَذَا تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ, نَحْوَ إنْ أَكَلْته فَهُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ, نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ, قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: وَطَعَامِي عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ.
وَالْيَمِينُ تَنْقَسِمُ إلَى أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ الْخَمْسَةِ, وَهَلْ يُسْتَحَبُّ عَلَى فِعْلِ طَاعَةٍ أَوْ تَرْكِ مَعْصِيَةٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ "م 6" وَلَا تُغَيِّرُ حُكْمَ الْمَحْلُوفِ, وَفِي الِانْتِصَارِ: يَحْرُمُ حِنْثُهُ وَقَصْدُهُ لَا الْمَحْلُوفُ فِي نَفْسِهِ ولا ما رآه خيرا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 6" قَوْلُهُ: "وَالْيَمِينُ تَنْقَسِمُ إلَى أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ الْخَمْسَةِ, وَهَلْ يُسْتَحَبُّ عَلَى فِعْلِ طَاعَةٍ أَوْ تَرْكِ مَعْصِيَةٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ", انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي1 وَالشَّرْحِ2 وَشَرْحِ الْوَجِيزِ.
"إحْدَاهُمَا" لَا يُسْتَحَبُّ, صَحَّحَهُ النَّاظِمُ فَقَالَ:
وَلَا نَدْبَ فِي الْإِيلَاءِ لِيَفْعَلَ طَاعَةً
وَلَا تَرْكَ عِصْيَانٍ عَلَى الْمُتَجَوِّدَةِ
وَإِلَيْهِ مَيْلُ شَارِحِ الْوَجِيزِ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" يُسْتَحَبُّ, اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ, وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. "قُلْت" وَهُوَ الصَّوَابُ. فَهَذِهِ سِتُّ مَسَائِلَ في هذا الباب
__________
1 "13/441".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "27/424".(10/451)
وَفِي الْإِفْصَاحِ: يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالطَّاعَةِ, وَأَنَّهُ عِنْدَ أَحْمَدَ لَا يَجُوزُ عُدُولُ الْقَادِرِ إلَى الْكَفَّارَةِ "ش م" قَالَ شَيْخُنَا: لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهَا تُوجِبُ إيجَابًا أَوْ تُحَرِّمُ تَحْرِيمًا لَا تَرْفَعُهُ الْكَفَّارَةُ, قَالَ: وَالْعُقُودُ وَالْعُهُودُ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى أَوْ مُتَّفِقَةٌ فَإِذَا قَالَ: أُعَاهِدُ اللَّهَ أَنِّي أَحُجُّ الْعَامَ, فَهُوَ نَذْرٌ وَعَهْدٌ وَيَمِينٌ, وَلَوْ قَالَ: أَنْ لَا أُكَلِّمَ زَيْدًا, فَيَمِينٌ وَعَهْدٌ, لَا نَذْرٌ, فَالْأَيْمَانُ إنْ تَضَمَّنَتْ مَعْنَى النَّذْرِ, هُوَ أَنْ يَلْتَزِمَ لِلَّهِ قُرْبَةً, لَزِمَهُ الْوَفَاءُ, وَهِيَ عَقْدٌ وَعَهْدٌ وَمُعَاهَدَةٌ لِلَّهِ, لِأَنَّهُ الْتَزَمَ لِلَّهِ مَا يَطْلُبُهُ اللَّهُ مِنْهُ1, وَإِنْ تَضَمَّنَتْ مَعْنَى الْعُقُودِ الَّتِي بَيْنَ النَّاسِ, وَهُوَ أَنْ يَلْتَزِمَ كُلٌّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِلْآخَرِ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ, فَمُعَاقَدَةٌ وَمُعَاهَدَةٌ, يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهَا, ثُمَّ إنْ كَانَ الْعَقْدُ لَازِمًا لَمْ يَجُزْ نَقْضُهُ, وَإِلَّا خُيِّرَ, وَلَا كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ لِعِظَمِهِ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَغْدِرُ كَفَّرَ لِلْقَسَمِ لَا لِغَدْرِهِ, مَعَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَرْفَعُ إثْمَهُ بَلْ يَتَقَرَّبُ بِالطَّاعَاتِ, قَالَ: وَهَذِهِ أَيْمَانٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ, وَلَمْ يَفْرِضْ اللَّهُ مَا يَحِلُّ عُقْدَتَهَا إجْمَاعًا.
نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: قَالَ اللَّهُ: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] قَالَ: الْعُهُودُ, وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: الْعَهْدُ شَدِيدٌ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ, وَيَتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إذَا حَلَفَ بِالْعَهْدِ بِكُلِّ مَا اسْتَطَاعَ, وَيُكَفِّرُ إذَا حَنِثَ بأكثر من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 بعدها في "ط" "الوفاء".(10/452)
كَفَّارَةٍ يَمِينٍ, قَالَ فِي الْمُغْنِي1: إنْ حَلَّ الْيَمِينُ عَلَى مُبَاحٍ مُبَاحٌ2, وَأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91] أَيْ فِي الْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ} [النحل: 91] الْآيَةَ, وَقَوْلُهُ: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَالْعَهْدُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ, بِغَيْرِ خِلَافٍ فَمَعَ الْيَمِينِ أَوْلَى.
وَنَهَى عَنْ نَقْضِ الْيَمِينِ, وَيَقْتَضِي التَّحْرِيمَ, وَضَرَبَ لَهُمْ الْمَثَلَ, وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْحِلَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ لَا يَدْخُلُهُ هَذَا, قَالَ شَيْخُنَا: مِنْ جِنْسِهِمَا لَفْظُ الذِّمَّةِ. وَقَوْلُهُمْ: هَذَا فِي ذِمَّةِ فُلَانٍ أَصْلُهُ مِنْ هَذَا أَيْ فِيمَا لَزِمَهُ بِعَهْدِهِ وَعَقْدِهِ, قَالَ فِي الْفُنُونِ: الذِّمَمُ هِيَ الْعُهُودُ وَالْأَمَانَاتُ, وَفِي الْوَاضِحِ: وَمِنْهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ, وَذِمَّةُ فُلَانٍ, قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي طَرِيقَتِهِ: الذِّمَّةُ لَا تَمْلِكُ, لِأَنَّهَا الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ لُغَةً, وَفِي الشَّرْعِ وَصَفٌّ يَصِيرُ بِهِ الْمُكَلَّفُ أَهْلًا لِلِالْتِزَامِ وَالْإِلْزَامِ, وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ مِنْ آخَرَ صَحَّ, وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْحَقَّ الثَّابِتَ فِيهَا.
وَقِيلَ لَهُ: الذِّمَّةُ صِفَةٌ فَتَفُوتَ بِالْمَوْتِ فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ دَيْنِهِ, فَقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا صِفَةٌ, بَلْ عِبَارَةٌ عَنْ الِالْتِزَامِ وَلَمْ يَفُتْ. وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: الذِّمَّةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "13/444".
2 ليست في "ط".(10/453)
وَإِنْ كَانَتْ الْعَهْدَ فَالْمِلْكُ التَّسَلُّطُ, فَإِذَا بَقِيَ حُكْمُ الْمِلْكِ وَلَا تَسَلَّطَ حَقِيقَةً فِي الْمَيِّتِ بَقِيَ حُكْمُ الذِّمَّةِ, وَإِنْ كَانَ لَا عَهْدَ حقيقة للميت.(10/454)
فَصْلٌ: مَنْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَلَهُ إطْعَامُ عشرة مساكين,
جِنْسًا أَوْ أَكْثَرَ, أَوْ كِسْوَتُهُمْ, أَوْ يُطْعِمُ بَعْضًا وَيَكْسُو بَعْضًا, نَصَّ عَلَيْهِ, وَفِيهِ قَوْلٌ قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي كَبَقِيَّةِ الْكَفَّارَاتِ مِنْ جِنْسَيْنِ, وَكَعِتْقٍ مَعَ غَيْرِهِ أَوْ إطْعَامٍ وَصَوْمٍ. مَا يُجْزِئُ صَلَاةَ الْآخِذِ فِيهِ, وَفِي التَّبْصِرَةِ: الْمَفْرُوضَةَ, وَكَذَا نَقَلَ حَرْبٌ: مَا يَجُوزُ فِيهِ الْفَرْضُ, كَوَبَرٍ وَصُوفٍ, وَمَا يُسَمَّى كِسْوَةً وَلَوْ عَتِيقًا لَمْ تَذْهَبْ قُوَّتُهُ. وَفِي الْمُغْنِي1: وَحَرِيرٍ, فِي التَّرْغِيبِ مَا يَجُوزُ لِلْآخِذِ لِبْسُهُ, فَمَنْ عَجَزَ كَعَجْزِهِ عَنْ فُطْرَةٍ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَقِيلَ: كَرَقَبَةٍ فِي ظِهَارٍ, فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ بِلَا عُذْرٍ, وَعَنْهُ: لَهُ تَفْرِيقُهَا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هَلْ الدَّيْنُ كَزَكَاةٍ فَيَصُومُ أَمْ لَا, كَفِطْرَةٍ, فِيهِ رِوَايَتَانِ.
وَلَهُ التَّكْفِيرُ قَبْلَ الْحِنْثِ. وَفِي الْوَاضِحِ عَلَى رِوَايَةِ حِنْثِهِ بِعَزْمِهِ عَلَى مُخَالِفَةِ يَمِينِهِ بِنِيَّتِهِ لَا يَجُوزُ, بَلْ لَا يَصِحُّ, وَفِيهِ رِوَايَةٌ: لَا يَجُوزُ بِصَوْمٍ, لِأَنَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "13/517".(10/454)
تَقْدِيمُ عِبَادَةٍ, كَصَلَاةٍ وَاخْتَارَ فِي التَّحْقِيقِ: لَا يَجُوزُ, كَحِنْثٍ مُحْرِمٍ, فِي وَجْهٍ, وَهُمَا سَوَاءٌ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَعَنْهُ: بَعْدَهُ أَفْضَلُ, وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: قَبْلَهُ, وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: تُقَدَّمُ الْكَفَّارَةُ, وَأُحِبُّهُ, فَلَهُ أَنْ يُقَدِّمَهَا قَبْلَ الْحِنْثِ, لَا يكون أكثر من الزكاة.
وَمَنْ لَزِمَتْهُ, أَيْمَانٌ قَبْلَ التَّكْفِيرِ فَكَفَّارَةٌ, اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ, وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّ أَحْمَدَ رَجَعَ عَنْ غَيْرِهِ, وَعَنْهُ: لِكُلِّ يَمِينٍ1 كَفَّارَةٌ, كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ مُوجِبُهَا, كَيَمِينٍ وَظِهَارٍ, وَعَنْهُ: إنْ كَانَتْ عَلَى أَفْعَالٍ, نَحْوَ وَاَللَّهِ لَا قُمْت, وَاَللَّهِ لَا قَعَدْت كَمَا لَوْ كَفَّرَ عَنْ الْأَوِّلَةِ, وَإِلَّا كَفَّارَةٌ كَوَاللَّهِ لَا قُمْت وَاَللَّهِ لَا قُمْت وَمِثْلُهُ الْحَلِفُ بِنُذُورٍ مُكَرَّرَةٍ أَوْ بِطَلَاقٍ مُكَفَّرٍ, قَالَهُ شَيْخُنَا: وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيمَنْ حَلَفَ نُذُورًا كَثِيرَةً مُسَمَّاةً إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَنْ لَا يُكَلِّمَ أَبَاهُ أَوْ أَخَاهُ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ.
وَقَالَ شَيْخُنَا فِيمَنْ قَالَ الطَّلَاقُ يَلْزَمُهُ لَأَفْعَلَنَّ2 كَذَا وَكَرَّرَهُ: لَمْ يَقَعْ أَكْثَرُ مِنْ طَلْقَةٍ إذَا لَمْ يَنْوِ, فَيَتَوَجَّهَ مِثْلُهُ إنْ قُمْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَكَرَّرَهُ ثَلَاثًا, سَبَقَ فِيمَا يُخَالِفُ الْمَدْخُولَ بِهَا غَيْرُهَا يَقَعُ بهما ثلاث, وذكره الشيخ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 بعدها في "ط" "كفارة".
2 في "ط" "لأفعلن".(10/455)
إجْمَاعًا, وَكَانَ الْفَرْقُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الشَّرْطِ الْجَزَاءُ, فَيَقَعُ الثَّلَاثُ مَعًا, لِلتَّلَازُمِ.
وَلَا رَبْطَ فِي الْيَمِينِ, وَلِأَنَّهَا لِلزَّجْرِ وَالتَّطْهِيرِ فَهِيَ كَالْحُدُودِ, بِخِلَافِ الطَّلَاقِ, وَالْأَصْلُ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى فَائِدَةٍ أُخْرَى مَا لَمْ يُعَارِضْهُ مُعَارِضٌ, وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: أَعْجَبُ إلَيَّ أَنْ يُغْلِظَ عَلَى نَفْسِهِ إذَا كَرَّرَ الْأَيْمَانَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً, فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَطْعَمَ.
وَلَوْ حَلَفَ يَمِينًا عَلَى أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ فَكَفَّارَةٌ, حَنِثَ فِي الْجَمِيعِ أَوْ وَاحِدٍ وَتَنْحَلُّ فِي الْبَقِيَّةِ.
وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ كَحُرٍّ وَقِيلَ: لَا عِتْقَ, وَيُكَفِّرُ كَافِرٌ حَتَّى مرتد بغير صوم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(10/456)
المجلد الحادي عشر
تابع كتاب الأيمان
باب جامع الأيمان
مدخل
...
بَابُ جَامِعِ الْأَيْمَانِ
يُرْجَعُ فِيهَا إلَى نِيَّةِ حَالِفٍ لَيْسَ بِهَا ظَالِمًا نَصَّ عَلَيْهِ احْتَمَلَهَا لَفْظُهُ فَيَنْوِي بِاللِّبَاسِ اللَّيْلَ وَبِالْفِرَاشِ وَالْبِسَاطِ الْأَرْضَ وَبِالْأَوْتَادِ الْجِبَالَ وَبِالسَّقْفِ وَالْبِنَاءِ السَّمَاءَ وَبِالْإِخْوَةِ إخْوَةَ الْإِسْلَامِ وَمَا ذَكَرْت فُلَانًا أَيْ مَا قَطَعْت ذِكْرَهُ وَمَا رَأَيْته أَيْ مَا ضَرَبْت رِئَتَهُ وَبِنِسَائِي طَوَالِقُ نِسَاءَهُ الْأَقَارِبَ مِنْهُ وَبِجَوَارِي أَحْرَارٌ سُفُنَهُ وَبِمَا كَاتَبْت فُلَانًا مُكَاتَبَةَ الرَّقِيقِ وَبِمَا عَرَّفْته جَعَلْته عَرِيفًا وَلَا أَعْلَمْته أَيْ أُعَلِّمُ الشَّفَةَ وَلَا سَأَلْته حَاجَةً وَهِيَ الشَّجَرَةُ الصَّغِيرَةُ وَلَا أَكَلْت لَهُ دَجَاجَةً وَهِيَ الْكُبَّةُ مِنْ الْغَزْلِ وَلَا فَرَوْجَةً وَهِيَ الدُّرَّاعَةُ وَلَا فِي بَيْتِي فُرُشٌ وَهِيَ صِغَارُ الْإِبِلِ وَلَا حَصِيرٌ وَهُوَ الْجِبْسُ وَلَا بَارِيَةٌ أَيْ السِّكِّينُ الَّتِي يَبْرِي بِهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَيَجُوزُ التَّعْرِيضُ فِي الْمُخَاطَبَةِ لِغَيْرِ ظَالِمٍ بِلَا حَاجَةٍ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَقِيلَ: لَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا وَاخْتَارَهُ لِأَنَّهُ تَدْلِيسٌ كَتَدْلِيسِ الْمَبِيعِ وَقَدْ كَرِهَ أَحْمَدُ التَّدْلِيسَ وَقَالَ: لَا يُعْجِبُنِي وَنَصُّهُ: لَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ مع اليمين وَيَقْبَلُ حُكْمًا1 مَعَ قُرْبِ الِاحْتِمَالِ مِنْ الظَّاهِرِ وَمَعَ تَوَسُّطِهِ رِوَايَتَانِ م 1 وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ والمستوعب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 1: قَوْلُهُ: وَيَقْبَلُ حُكْمًا مَعَ قُرْبِ الِاحْتِمَالِ من الظاهر ومع توسطه رِوَايَتَانِ. انْتَهَى.
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ والزركشي وغيرهم:
__________
1 في "ط": "منه في الحكم".(11/5)
وجزم به أبو محمد الجوزي بِقَبُولِهِ.
ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى سَبَبِ يَمِينِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْخِرَقِيِّ وَالْإِرْشَادِ وَالْمُبْهِجِ وَحَكَى رِوَايَةً وَقَدَّمَهُ القاضي بموافقته للوضع وعنه: يقدم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
إحْدَاهُمَا: يُقْبَلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ صَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَجَزَمَ بِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ لِأَنَّهُ جَعَلَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ طَرِيقَةً مُؤَخَّرَةً وَقَدَّمَ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ إنْ احْتَمَلَهَا لَفْظُهُ ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ إنْ قَرُبَ الِاحْتِمَالُ إلَى آخِرِهِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُقْبَلْ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: وَقَدَّمَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْإِرْشَادِ والمبهج.(11/6)
عَلَيْهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي: وَعَلَيْهَا عُمُومُ لَفْظِهِ احْتِيَاطًا ثم إلى التعيين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
أَيْ: قَدَّمُوا السَّبَبَ عَلَى النِّيَّةِ أَمَّا صَاحِبُ الْإِرْشَادِ وَالْمُبْهِجِ فَمُسَلَّمٌ،(11/7)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَأَمَّا الْخِرَقِيُّ فَلَمْ يُقَدِّمْ السَّبَبَ عَلَى النِّيَّةِ بَلْ قَدَّمَهَا عَلَيْهِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْمَذْهَبِ فَقَالَ:(11/8)
وَقِيلَ: يُقَدِّمُ عَلَيْهِ وَضْعَ لَفْظِهِ شَرْعًا أَوْ عُرْفًا أَوْ لُغَةً. وَفِي الْمُذْهَبِ: فِي الِاسْمِ وَالْعُرْفِ وَجْهَانِ وَذَكَرَ ابْنُهُ1 النِّيَّةَ ثُمَّ السَّبَبَ ثُمَّ مُقْتَضَى لَفْظِهِ عُرْفًا ثُمَّ لُغَةً فَإِذَا حَلَفَ لِظَالِمٍ: مَا لِفُلَانٍ عِنْدِي وَدِيعَةٌ وَنَوَى غَيْرَهَا أَوْ بِ مَا مَعْنَى الَّذِي أَوْ اسْتَثْنَى بِقَلْبِهِ بَرَّ فَإِنْ لَمْ يَتَأَوَّلْ أَثِمَ وَهُوَ دُونَ إثْمِ إقْرَارِهِ بِهَا وَيُكَفِّرُ عَلَى الْأَصَحِّ ذَكَرَهُمَا ابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَعَزَاهُمَا الْحَارِثِيُّ إلَى فتاوى أبي الخطاب ولم أرهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَيَرْجِعُ فِي الْأَيْمَانِ إلَى النِّيَّةِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا رَجَعَ إلَى سَبَبِ الْيَمِينِ وَمَا يَصْحَبُهَا انْتَهَى. فَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ عنه.
__________
1 يعني: يوسف بن عبد الرحمن ابن الجوزي.(11/9)
وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ يَجُوزُ جَحْدُهَا بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ. وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ لَا يُسْقِطُ ضَمَانٌ لِخَوْفِهِ1 مِنْ وُقُوعِ طَلَاقٍ بَلْ يَضْمَنُ بِدَفْعِهَا افْتِدَاءً عَنْ يَمِينِهِ. وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الزَّاغُونِيِّ إنْ أَبَى الْيَمِينَ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَصَارَ ذَرِيعَةً إلَى أَخْذِهَا فَكَإِقْرَارِهِ طَائِعًا وَهُوَ تَفْرِيطٌ عند سلطان جائر م 2.
وَمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ ثَلَاثٍ لَيَطَأَنَّهَا الْيَوْمَ فَإِذَا هِيَ حَائِضٌ أَوْ لَيَسْقِيَنَّ ابْنَهُ خَمْرًا لَا يَفْعَلُ وَتَطْلُقُ نَصَّ عَلَيْهِمَا وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيمَنْ حَلَفَ فِي شَعْبَانَ بِثَلَاثٍ لَيَطَأَنَّهَا فِي نَهَارِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ سَافَرَ فِي رَمَضَانَ فَإِنْ حَاضَتْ وَطِئَ وَكَفَّرَ لِحَيْضٍ وَذَكَرَ هُوَ وَجَمَاعَةٌ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا وَلَيَأْكُلَنَّ مِمَّا فِي كُمِّهِ فَإِذَا هُوَ بَيْضٌ عُمِلَ مِنْهُ نَاطِفٌ يُسْتَهْلَكُ.
وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِمَنْ عَلَى سُلَّمٍ: إنْ صَعِدْت فِيهِ أَوْ نَزَلْت مِنْهُ أَوْ قُمْت عَلَيْهِ أَوْ رَمَيْت نَفْسَك أَوْ حَطَّك إنْسَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ انْتَقَلَتْ إلَى سُلَّمٍ آخر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 2: قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ لَا يسقط ضمان لخوفه من وقوع طلاق بل يَضْمَنُ بِدَفْعِهَا افْتِدَاءً عَنْ يَمِينِهِ. وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الزَّاغُونِيِّ إنْ أَبَى الْيَمِينَ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَصَارَ ذَرِيعَةً إلَى أَخْذِهَا فَكَإِقْرَارِهِ طَائِعًا وَهُوَ تَفْرِيطٌ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ انْتَهَى.
قَالَ الحارثي2 فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ: فَعَلَى الْمَذْهَبِ إنْ لَمْ يَحْلِفْ حَتَّى أُخِذَتْ مِنْهُ وَجَبَ الضَّمَانُ لِلتَّفْرِيطِ. قُلْت: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَتَقَدَّمَ النَّقْلُ فِي باب الوديعة من هذا التصحيح فليراجع3.
__________
1 في "ر": "بخوفه".
2 في "ط": "الخرقي".
3 7/222.(11/10)
وَأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ: لَا وَطِئْتُك إلَّا وَأَنْتِ لَابِسَةٌ عَارِيَّةٌ رَاجِلَةٌ رَاكِبَةٌ وَطِئَهَا بِلَيْلٍ عُرْيَانَةً فِي سَفِينَةٍ.
وَأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَيَطْبُخَنَّ قِدْرًا بِرِطْلِ مِلْحٍ وَيَأْكُلُ مِنْهُ لَا يَجِدُ طَعْمَ الْمِلْحِ سَلَقَتْ بَيْضًا وَذَكَرَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا.
وَإِنْ حَلَفَ لَيَطَأَنَّهَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ ثُمَّ سَافَرَ وَوَطِئَ فَنَصُّهُ: لَا يُعْجِبُنِي لِأَنَّهَا حِيلَةٌ; قَالَ: مَنْ احْتَالَ بِحِيلَةٍ فَهُوَ حَانِثٌ وَنَقَلَ عَنْهُ الْمَيْمُونِيُّ: لَا يَرَى الْحِيلَةَ إلَّا بِمَا يَجُوزُ فَقَالَ لَهُ: إنَّهُمْ يَقُولُونَ لِمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ عَلَى دَرَجَةٍ إنْ صَعِدْت أَوْ نَزَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ قَالُوا تَحَمَّلَ; قَالَ أَلَيْسَ هَذَا حِيلَةٌ؟ هَذَا هُوَ الْحِنْثُ بِعَيْنِهِ; وَقَالُوا: إذَا حَلَفَ لَا يَطَأُ بِسَاطًا فَوَطِئَ عَلَى اثْنَيْنِ وَإِذَا حَلَفَ لَا أَدْخُلُ فَحُمِلَ فَأُدْخِلَ.
قَالَ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ: جُمْلَةُ مَذْهَبِهِ لَا يَجُوزُ الْحِيَلُ فِي الْيَمِينِ وَأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا بِمَا وَرَدَ بِهِ سَمْعٌ كَنِسْيَانٍ وَإِكْرَاهٍ وَاسْتِثْنَاءٍ قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَإِنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا: لَا يَجُوزُ التَّحَيُّلُ لِإِسْقَاطِ حُكْمِ الْيَمِينِ وَلَا يُسْقِطُهُ بِذَلِكَ وَنَقَلَ الْمَرْوَزِيُّ: لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ"1. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَعَنَ اللَّهُ صَاحِبَ الْمَرَقِ2 لَقَدْ احْتَالَ حَتَّى أَكَلَ3.
وَإِنْ حَلَفَ لَتُخْبِرُنِّي بِشَيْءٍ فِعْلُهُ مُحَرَّمٌ وَتَرَكَهُ فَصَلَاةُ السَّكْرَانِ أَوْ بِطَعْمِ النَّجْوِ فَحُلْوٌ لِسُقُوطِ الذُّبَابِ عَلَيْهِ ثُمَّ حَامِضٌ; لِأَنَّهُ يُدَوِّدُ ثُمَّ مُرٌّ لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه الترمذي 1120، والنسائي في "المجتبى" 2/149، من حديث ابن مسعود.
2 في "ر": "السرف".
3 لم نقف عليه.(11/11)
يكرح1 وَعِنْدَ الْقَاضِي فِي مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ: يُبَرِّرُ لَهُ الْفِطْرَ وَإِنْ حَلَفَ لَا سَرَقَتْ مِنِّي شَيْئًا فَخَانَتْهُ فِي وَدِيعَتِهِ أَوْ لَا أَقَمْت فِي هَذَا الْمَاءِ وَلَا خَرَجْت مِنْهُ وَهُوَ جَارٌ حَنِثَ بِقَصْدٍ أَوْ سَبَبٍ فَقَطْ وَقِيلَ: تَحْمِلُ مِنْ رَاكِدٍ كُرْهًا وَلَا حِنْثَ.
وَإِنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ غَدًا وَقَصَدَ عَدَمَ تَجَاوُزِهِ أَوْ السَّبَبُ يَقْتَضِيهِ وَعِنْدَ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ: أَوْ لَا فَقَضَاهُ قَبْلَهُ بَرَّ وَكَذَا أَكْلُ شَيْءٍ أَوْ بَيْعُهُ أَوْ فِعْلُهُ غَدًا.
وَإِنْ حَلَفَ لَأَقْضِيَنَّهُ غَدًا وَقَصَدَ مَطْلَهُ فَقَضَاهُ قَبْلَهُ حَنِثَ.
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُهُ إلَّا بِمِائَةٍ حَنِثَ بِأَقَلَّ فَقَطْ. وَإِنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُهُ بِمِائَةٍ حَنِثَ بِهَا وَبِأَقَلَّ.
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا وَنَوَى الْيَوْمَ قُبِلَ حُكْمًا وَعَنْهُ لَا وَيُدَيَّنُ. وَإِنْ دُعِيَ إلَى غَدَاءٍ فَحَلَفَ لَا يَتَغَدَّى لَمْ يَحْنَثْ بِغَيْرِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَإِنْ حَلَفَ لَا يُشْرَبُ لَهُ الْمَاءُ مِنْ عَطَشٍ وَالنِّيَّةُ أَوْ السَّبَبُ قَطْعُ مِنَّتِهِ حَنِثَ بِكُلِّ مَا فِيهِ مِنَّةٌ وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا أَقُلْ كَقُعُودِهِ فِي ضَوْءِ نَارِهِ.
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا لِقَطْعِ الْمِنَّةِ فَانْتَفَعَ بِهِ أَوْ بِثَمَنِهِ فِي شَيْءٍ وَقِيلَ: أَوْ بِغَيْرِهِ بِقَدْرِ مِنَّتِهِ فَأَزِيدُ جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ حَنِثَ. وَفِي التَّعْلِيقِ وَالْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرِهِمَا: يَحْنَثُ بِشَيْءٍ مِنْهَا لِأَنَّهُ لَا يَمْحُو مِنَّتَهَا إلَّا بِالِامْتِنَاعِ مِمَّا يَصْدُرُ عَنْهَا مِمَّا يَتَضَمَّنُ مِنَّةً ليخرج مخرج الوضع العرفي،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أي: يجتمع في خلق الإنسان، ومنه الكارحة: وهو خلق الإنسان أو بعض ما يكون فيه. "اللسان": "كرح".(11/12)
وَكَذَا سَوَّى الْآدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي قَبْلَهَا وَأَنَّهُ يَحْنَثُ بِكُلِّ مَا فِيهِ مِنَّةٌ.
وَفِي الرَّوْضَةِ: إنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَهُ خُبْزًا وَالسَّبَبُ الْمِنَّةُ حَنِثَ بِأَكْلِ غَيْرِهِ كَائِنًا مَا كَانَ وَأَنَّهُ إنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا فَلَبِسَ عِمَامَةً أَوْ عَكْسَهُ إنْ كَانَتْ اُمْتُنَّتْ عَلَيْهِ بِغَزْلِهَا حَنِثَ بِكُلِّ مَا يَلْبَسُهُ مِنْهُ وَكَذَا مَنَعَ ابْنُ عَقِيلٍ الْحَالِفَ عَلَى خُبْزٍ غَيْرِهِ مِنْ لَحْمِهِ وَمَائِهِ.
وَيَحْنَثُ حَالِفٌ عَلَى تَمْرٍ لِلْحَلَاوَةِ بِكُلِّ حُلْوٍ وَحَالِفٌ لَا يُكَلِّمُ امْرَأَتَهُ لِلْهَجْرِ بِوَطْئِهَا لِاقْتِضَاءِ الْيَمِينِ مَنْعًا وَالْتِزَامًا فَهِيَ كَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ.
بِخِلَافِ أَعْتِقُهُ لِأَنَّهُ أَسْوَدُ أَوْ لِسَوَادِهِ يُعْتَقُ وَحْدَهُ وَقِيلَ: لِأَنَّ التَّعَبُّدَ مَنَعَ مِنْهُ. وَقَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ: لِأَنَّ عِلَّتَهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْتَفِضَ وَقَوْلُهُ لَا يَطَّرِدُ وَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَا يُشْبِهُ التَّشْرِيعَ وَكَذَا أَعْتَقْته لِأَنَّهُ أَسْوَدُ أَوْ لِسَوَادِهِ لِجَوَازِ الْمُنَاقَضَةِ عَلَيْهِ وَالْبَدَاءِ وَاخْتَارَ فِي التَّمْهِيدِ: لَهُ عِتْقُ كُلِّ أَسْوَدَ قَالَ: لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْبَدْءِ فِي حَقِّهِ ثُمَّ النُّسَخُ يَجُوزُ أَنْ يُرَدَّ مِنْ الْبَارِئِ فِي الْحُكْمِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ كَمَا يُرَدُّ الْبَدْءُ مِنْ الْآدَمِيِّ ثُمَّ لَمْ يَمْنَعْ جَوَازُ وُرُودِ النُّسَخِ مِنْ الْقِيَاسِ كَذَا جَوَازُ الْبَدْءِ فِي حَقِّ الْمُوَكَّلِ وَجَزَمَ بِهِ فِيهِ إنْ قَالَ: إذَا أَمَرْتُك بِشَيْءٍ لِعِلَّةٍ فَقِسْ عَلَيْهِ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ مَالِي وَجَدْت فِيهِ تِلْكَ الْعِلَّةَ ثُمَّ قَالَ: أَعْتِقُ عَبْدِي فُلَانًا لِأَنَّهُ أَسْوَدُ فَعَتَقَ كُلُّ عَبْدٍ لَهُ أَسْوَدَ صَحَّ ذَلِكَ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ لِأَنَّهُ تَعَبَّدَنَا بِالْقِيَاسِ.
وَقَالَ فِي الْعُدَّةِ: إنَّ الْمُخَالِفَ احْتَجَّ بِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَا تَسْتَعْمِلُ الْقِيَاسَ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ(11/13)