الْفَرْضَ أَنَّهَا تَطَوُّعٌ، وَفِي الزُّهْدِ1 لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ، يَقُولُ أَحَدُهُمْ: أَحُجُّ أَحُجُّ2، قَدْ حَجَجْت، صِلْ رَحِمًا، تَصَدَّقْ عَلَى مَغْمُومٍ، أَحْسِنْ إلَى جَارٍ. وَفِي كِتَابِ الصُّفْوَةِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ أَنَّ الصَّدَقَةَ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ وَمِنْ الْجِهَادِ، وَعَلَّلَ بِأَنَّهَا سِرٌّ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَسَبَقَ أَوَّلُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ3: أَنَّ الْحَجَّ أَفْضَلُ مِنْ الْعِتْقِ، فَحَيْثُ قُدِّمَتْ الصَّدَقَةُ عَلَى الْحَجِّ فَعَلَى الْعِتْقِ أَوْلَى، وَحَيْثُ قُدِّمَ الْعِتْقُ عَلَى الصَّدَقَةِ فَالْحَجُّ أَوْلَى، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ4، عَنْ التَّابِعِينَ قَوْلَيْنِ: هَلْ الْحَجُّ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ؟ وَرَوَى أَيْضًا5: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ6 أَبِي مِسْكِينٍ قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ إذَا حج مرارا أن الصدقة أفضل
__________
1 ص 320، لكن جاء فيه: نفسه عنه مغموم. بدل: تصدق على مغموم.
2 بدها في "ب" و"ط": "و".
3 2/348.
4 ابن أبي شيبة في "مصنفه" الجزء المفقود، نشر العموري. ص 151 - 152.
5 في "مصنفه" الجزء المفقود. نشرة العموري ص 151. لكن عن أبي مسكين عن إبراهيم قال: ... ".
6 بعدها في "س": "ابن".(4/387)
فَصْلٌ: قَدْ سَبَقَ فِي ذَكَرِ
الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ1 مَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِالْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةُ مَنْ جَاءَهُ مَالٌ بِسُؤَالٍ أَوْ إشْرَافِ نَفْسٍ أَوْ بِهِمَا، وَهَلْ يَجِبُ أَخْذُهُ بِدُونِهِمَا؟ فَأَمَّا إنْ شَكَّ فِي تَحْرِيمِ الْمَالِ، فَإِنْ كَانَ أصله التحريم كالذبيحة في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَطَوُّعَاتِ الْبَدَنِ، وَذَكَرَ أَدِلَّةَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ نَفْلَ الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَمِنْ الْعِتْقِ وَمِنْ الْأُضْحِيَّةِ، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَالْأُضْحِيَّةِ، انْتَهَى. قُلْت: مَا قَالَ مُسْلِمٌ إذَا لَمْ يَكُنْ حَاجَةٌ، فَأَمَّا مَعَ الْحَاجَةِ فَلَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 ص 310 وما بعدها.(4/387)
غَيْرِ بَلَدِ1 الْإِسْلَامِ وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمُونَ فَمُحَرَّمٌ، لِحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: "إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، فَإِنْ وَجَدْت مَعَ كَلْبِك كَلْبًا غَيْرَهُ وَقَدْ قَتَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَيُّهُمَا قَتَلَهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2. وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ الْإِبَاحَةُ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي الْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ هَلْ هُوَ بِنَجَاسَةٍ أَوْ لَا عَمِلَ بِالْأَصْلِ، لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: شُكِيَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ: "لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ3. وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ أَصْلٌ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ فِيهِ حَرَامًا وَحَلَالًا كَمَنْ فِي مَالِهِ هَذَا وَهَذَا فَقِيلَ بِالتَّحْرِيمِ، قَطَعَ بِهِ شَرَفُ الْإِسْلَامِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ أَبِي الْفَرَجِ فِي كِتَابِهِ الْمُنْتَخَبِ، ذَكَرَهُ قُبَيْلَ بَابِ الصَّيْدِ وَعَلَّلَ الْقَاضِي وُجُوبَ الْهِجْرَةِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ بِتَحْرِيمِ الْكَسْبِ عَلَيْهِ هُنَاكَ، لِاخْتِلَاطِ الْأَمْوَالِ لِأَخْذِهِمْ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ وَوَضْعِهِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ. وَقَالَ الْأَزَجِيُّ فِي نِهَايَتِهِ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ كَمَا قُلْنَا فِي اشْتِبَاهِ الْأَوَانِي الطَّاهِرَةِ بِالنَّجِسَةِ، وَقَدَّمَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ فِي مَسْأَلَةِ اشْتِبَاهِ الْأَوَانِي، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَسَأَلَ الْمَرُّوذِيُّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الَّذِي يُعَامَلُ بِالرِّبَا يُؤْكَلُ عِنْدَهُ؟ قَالَ: لَا، قَدْ لَعَنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ4، وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوُقُوفِ عِنْدَ الشُّبْهَةِ، وَمُرَادُهُ حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، متفق عليه5،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط": "بدل".
2 البخاري "5483"، ومسلم "1929".
3 البخاري "137"، ومسلم "361".
4 أخرجه مسلم "1597" "105"، عن عبد الله بن مسعود قال: لَعَنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكل الربا ومؤكله.
5 البخاري "2051"، ومسلم "1599" "107" ولفظه: "الحلال بين، والحرام بين".(4/388)
وَقَالَ أَنَسٌ: إذَا دَخَلْت عَلَى مُسْلِمٍ لَا يُتَّهَمُ فَكُلْ مِنْ طَعَامِهِ، وَاشْرَبْ مِنْ شَرَابِهِ. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ1. وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: "دَعْ مَا يَرِيبُك، إلَى مَا لَا يَرِيبُك". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ2 وَصَحَّحَهُ.
وَالثَّانِي: إنْ زاد الحرام على الثلث حرم الكل وإلا فَلَا، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ ضَابِطٌ فِي مَوَاضِعَ.
وَالثَّالِثُ: إنْ كَانَ الْأَكْثَرُ الْحَرَامُ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا، إقَامَةً لِلْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ تَابِعٌ، قَطَعَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمِنْهَاجِ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا: إنْ غَلَبَ الْحَرَامُ هَلْ تَحْرُمُ مُعَامَلَتُهُ؟ أَوْ تُكْرَهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَقَدْ نَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدُ فِيمَنْ وَرِثَ مَالًا: إنْ عَرَفَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ رَدَّهُ، وَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى مَالِهِ الْفَسَادُ تَنَزَّهَ عَنْهُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. وَنَقَلَ عَنْهُ حَرْبٌ فِي الرَّجُلِ يَخْلُفُ مَالًا: إنْ كَانَ غَالِبُهُ نَهْبًا أَوْ رِبًا يَنْبَغِي لِوَارِثِهِ أَنْ يَتَنَزَّهَ عَنْهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا لَا يُعْرَفُ، وَنَقَلَ عَنْهُ أَيْضًا: هَلْ لِلرَّجُلِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ وَرَثَةِ إنْسَانٍ مَالًا مُضَارَبَةً يَنْفَعُهُمْ وَيَنْتَفِعُ؟ قَالَ: إنْ كَانَ غَالِبُهُ الْحَرَامُ فَلَا.
وَالرَّابِعُ: عَدَمُ التَّحْرِيمِ مُطْلَقًا، قَلَّ الْحَرَامُ أَوْ كَثُرَ، لَكِنْ يُكْرَهُ، وَتَقْوَى الْكَرَاهَةُ وَتَضْعُفُ بِحَسْبِ كَثْرَةِ الْحَرَامِ وَقِلَّتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي المغني3 وغيره،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "صحيحه"، كتاب الأطعمة، باب الرجل يدعى إلى طعام فيقول: وهذا معي. قبل حديث "5461".
2 أحمد في "مسنده" "1723"، والترمذي "2518"، والنسائي في "المجتبى" 8/327.
3 6/372.(4/389)
وَقَدَّمَهُ الْأَزَجِيُّ وَغَيْرُهُ "م 2"، لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ1 عن أبي هريرة مَرْفُوعًا: "إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فَأَطْعَمَهُ طَعَامًا فَلْيَأْكُلْ مِنْ طَعَامِهِ وَلَا يَسْأَلْهُ عَنْهُ، وَإِنْ سَقَاهُ شَرَابًا فَلْيَشْرَبْ مِنْ شَرَابِهِ وَلَا يَسْأَلْهُ عَنْهُ". وَرَوَى جَمَاعَةٌ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ2 عَنْ ذِرِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ3، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فَقَالَ: لِي جَارٌ يَأْكُلُ الرِّبَا ولا يزال يدعوني، فقال:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مسألة - 2: قوله: إن4 شَكَّ فِي تَحْرِيمِ الْمَالِ وَعَلِمَ أَنَّ فِيهِ حَرَامًا وَحَلَالًا كَمَنْ فِي مَالِهِ هَذَا وَهَذَا، فَقِيلَ بِالتَّحْرِيمِ، قَطَعَ بِهِ شَرَفُ الْإِسْلَامِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ أَبِي الْفَرَجِ فِي كِتَابِ الْمُنْتَخَبِ، ذَكَرَهُ قُبَيْلَ بَابِ الصَّيْدِ وَقَالَ الْأَزَجِيُّ فِي نِهَايَتِهِ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ فِي مَسْأَلَةِ اشْتِبَاهِ الْأَوَانِي، وَالثَّانِي إن زاد الحرام على الثلث حرم الكل وَإِلَّا فَلَا، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ الْأَكْثَرُ الْحَرَامُ حُرِّمَ وَإِلَّا فَلَا، قَطَعَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمِنْهَاجِ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا: إنْ غَلَبَ الْحَرَامُ هَلْ تَحْرُمُ مُعَامَلَتُهُ؟ أَمْ تُكْرَهُ، عَلَى وَجْهَيْنِ. وَالرَّابِعُ عَدَمُ التَّحْرِيمِ مُطْلَقًا، قَلَّ الْحَرَامُ أَوْ كَثُرَ، لَكِنْ يُكْرَهُ، وَتَقْوَى الكراهية وتضعف بحسب كثرة الحرام وَقِلَّتِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ الْأَزَجِيُّ وَغَيْرُهُ، انْتَهَى، وَأَطْلَقَهَا فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ قُلْت: الصَّحِيحُ الْأَخِيرُ، عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ. وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَغَيْرُهُ، قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا عَنْ هَذَا الْقَوْلِ: وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ، وَقَدَّمَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، ثُمَّ قَالَ: قَدَّمَهُ الْأَزَجِيُّ وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ، انْتَهَى، وَالصَّوَابُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ: "دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لا يريبك" 5. وقد
__________
1 في المسند "9184".
2 هو: أبو يحيى، سلمة بن كهيل بن حصين الحضرمي. "ت 121 هـ". "سير أعلام النبلاء". 5/298.
3 هو: أبو عمر، ذر بن عبد الله بن زرارة الهمداني، المرهبي، الكوفي، كان مرجئا. "تهذيب الكمال" 8/511.
4 في النسخ الخطية و"ط": "إذا"، والمثبت من "الفروع".
5 تقدم تخريجه ص 389.(4/390)
مهنؤه1 لَك وَإِثْمُهُ عَلَيْهِ2. قَالَ الثَّوْرِيُّ: إنْ عَرَفْته بِعَيْنِهِ فَلَا تَأْكُلُهُ2، وَمُرَادُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَكَلَامُهُ لَا يُخَالِفُ هَذَا. وَرَوَى جَمَاعَةٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ3، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ4، عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْخِرِّيتِ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: إذَا كَانَ لَك صِدِّيقٌ عَامِلٌ فَدَعَاك إلَى طَعَامِ فَاقْبَلْهُ، فَإِنَّ مُهَنَّأَهُ لَك، وَإِثْمُهُ عَلَيْهِ5. قَالَ مَعْمَرٌ: وَكَانَ عَدِيُّ بْنُ أَرْطَاةَ6 عَامِلُ الْبَصْرَةِ يَبْعَثُ إلَى الْحَسَنِ كُلَّ يَوْمٍ بِجِفَانِ ثَرِيدٍ، فَيَأْكُلُ مِنْهَا وَيُطْعِمُ أَصْحَابَهُ7، وَيَبْعَثُ عَدِيٌّ إلَى الشَّعْبِيِّ وابن سيرين والحسن، فقبل الحسن والشعبي وَرَدَّ ابْنُ سِيرِينَ8. قَالَ: وَسُئِلَ الْحَسَنُ عَنْ طَعَامِ الصَّيَارِفَةِ فَقَالَ: قَدْ أَخْبَرَكُمْ اللَّهُ عَنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ الرَّبَّا وَأَحَلَّ لَكُمْ طَعَامَهُمْ9. وَقَالَ مَنْصُورٌ: قُلْت لِإِبْرَاهِيمَ اللَّخْمِيِّ: عَرِيفٌ لَنَا يُصِيبُ مِنْ الظُّلْمِ فَيَدْعُونِي فَلَا أُجِيبُهُ، فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: لِلشَّيْطَانِ غَرَضٌ بِهَذَا لِيُوقِعَ عَدَاوَةً، وَقَدْ كَانَ الْعُمَّالُ يَهْمِطُونَ وَيُصِيبُونَ ثُمَّ يَدْعُونَ فَيُجَابُونَ. قُلْت: نَزَلْت بِعَامِلٍ فَنَزَلَنِي وَأَجَازَ لِي قَالَ اقْبَلْ قُلْت: فَصَاحِبُ رِبًا، قَالَ: اقْبَلْ مَا لَمْ تَرَهُ بِعَيْنِهِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْهَمْطُ الظلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
قَالَ فِي آدَابِ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَا يَأْكُلُ مُخْتَلِطًا بِحَرَامٍ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَا يسعنا إلا حلم الله وعفوه.
__________
1 المهنأ: ما أتاك بلا مشقة. "القاموس المحيط": "هنأ".
2 أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" "14675".
3 هو: أبو عروة: معمر بن راشد بن أبي عمر الأزدي. "ت 53 هـ". "سير أعلام النبلاء" 7/5.
4 هو: أبو إسحاق، عمرو بن عبد الله بن ذي يحمد السبيعي، الهمداني. "127 هـ". "سير أعلام النبلاء" 5/392.
5 أخرجه عبد الرزاق "14677".
6 هو: عدي بن أرطاة الفزاري، الدمشقي. "ت 102 هـ". "سير أعلام النبلاء". 5/53.
7 أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" "14678".
8 أخرجه عبد الرزاق في "المصنف". "14682".
9 أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" "14679".(4/391)
وَالْخَلْطُ وَيُقَالُ: هَمَطَ النَّاسَ فُلَانٌ يَهْمِطُهُمْ إذَا ظَلَمَهُمْ حَقَّهُمْ، وَالْهَمْطُ أَيْضًا الْأَخْذُ بِغَيْرِ تَقْدِيرٍ: وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ حُكْمُ مُعَامَلَتِهِ وَقَبُولُ صَدَقَتِهِ وَهِبَتِهِ وَإِجَابَةُ دَعَوْته وَنَحْوُ ذَلِكَ "*".
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرَهُ إذَا كَانَ الْأَكْثَرُ الْحَرَامُ يَجِبُ السُّؤَالُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْثَرُ فَالْوَرَعُ التَّفْتِيشُ وَلَا يَجِبُ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمَسْئُولُ وَعَلِمْت إنَّ لَهُ غَرَضًا في حضورك وقبول هَدِيَّتِهِ فَلَا ثِقَةَ بِقَوْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ فِي الْمَالِ حَرَامًا فَالْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ، وَلَا تَحْرِيمَ بِالِاحْتِمَالِ، وَإِنْ كَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى لِلشَّكِّ فِيهِ، وَإِنْ قَوِيَ سَبَبُ التَّحْرِيمِ فَظَنَّهُ فَيُتَوَجَّهُ فِيهِ كَآنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَطَعَامِهِمْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ(4/392)
فَصْلٌ: وَمَالُ بَيْتِ الْمَالِ إنْ عَلِمَهُ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا
أَوْ عَلِمَهُمَا فِيهِ، أَوْ شَكَّ فِي الْحَرَامِ فِيهِ، فَالْحُكْمُ عَلَى مَا سَبَقَ، فَلَا يُتَّجَهُ إطْلَاقُ الْحُكْمِ فِيهِ، لَكِنْ خَرَجَ الْكَلَامُ عَلَى الْغَالِبِ، وَالْغَالِبُ أَنَّ فِيهِ حَلَالًا وَحَرَامًا، وَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ السَّابِقُ، فَلِهَذَا كَثُرَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ، قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: يَجُوزُ العمل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا حُكْمُ مُعَامَلَتِهِ وَقَبُولِ صَدَقَتِهِ وَإِجَابَةِ دَعَوْته وَنَحْوِ ذَلِكَ، انْتَهَى. قَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ مِنْ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ بَعْدَهُ: وَمَالُ بَيْتِ الْمَالِ إنْ شَكَّ فِي الْحَرَامِ فِيهِ فَالْحُكْمُ عَلَى مَا سَبَقَ، انْتَهَى، يَعْنِي بِالْحُكْمِ هَذَا الذي تكلمنا عليه، والله أعلم.(4/392)
مَعَ السُّلْطَانِ وَقَبُولُ جَوَائِزِهِ، وَقَيَّدَهُ فِي التَّرْغِيبِ بِالْعَادِلِ، وَقَيَّدَهُ فِي التَّبْصِرَةِ بِمَنْ غَلَبَ عَدْلُهُ، وَأَنَّهَا تُكْرَهُ، فِي رِوَايَةٍ، وَقِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي جَائِزَتِهِ وَمُعَامَلَتِهِ، فَقَالَ: أَكْرَهُهُمَا، وَجَائِزَتُهُ أَحَبُّ1 إلَيَّ مِنْ الصَّدَقَةِ، وَقَالَ: هِيَ خَيْرٌ مِنْ صِلَةِ الْإِخْوَانِ، وَأُجْرَةُ التَّعْلِيمِ خَيْرٌ مِنْهُمَا، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا. وَقَالَ أَيْضًا: لَيْسَ بِحَرَامٍ. وَقَالَ أَيْضًا: يَمُوتُ بِدِينِهِ وَلَا يَعْمَلُ مَعَهُمْ.
وَقَالَ بِهِجْرَانِهِ، وَيَخْرُجُهُ إنْ لَمْ يَنْتَهِ، وَهَجَرَ أَحْمَدُ أَوْلَادَهُ وَعَمَّهُ وَابْنَ عَمِّهِ لَمَّا أَخَذُوهَا، قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ يَقْتَضِي جَوَازَ الْهَجْرِ بِأَخْذِ الشُّبْهَةِ، وَإِنَّمَا أَجَازَهُ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ هَجَرَتْ بِمَا فِي مَعْنَاهُ، كَهَجْرِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ ضَحِكَ فِي جِنَازَةٍ2، وَحُذَيْفَةُ بِشَدِّ الْخَيْطِ لِلْحُمَّى3، وَعُمَرُ أَمَرَ بِهَجْرِ صَبِيغٍ بِسُؤَالِهِ عَنْ الذَّارِيَاتِ والمرسلات والنازعات4.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 بعدها في الأصل: "إلى وقال هي أحب".
2 أورده المؤلف في "الآداب الشرعية" 1/250. وقال: القاضي: وروى الْخَلَّالُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يضحك في جنازة، فقال: أتضحك مع الجنازة؟! لا أكلمك أبدا".
3 أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 8/15 حيث دخل حذيفة على رجل يعوده، فوجد في عضده خيطا، فقال: ما هذا؟ قال: خيط رقى لي، فيه، فقطعه ثم قال: لو مت ما صليت عليك.
4 أخرجه البزار في "كشف الأستار" "2259".(4/393)
وقال ابن الزبير: لتنتهين عَائِشَةُ أَوْ لَأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا. فَهَجَرَتْهُ1. وَقَالَ الْخَلَّالُ: كَأَنَّ أَحْمَدَ تَوَسَّعَ عَلَى مَنْ أَخَذَهَا لِحَاجَةٍ، فَلَمَّا أَخَذُوهَا مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ هَجَرَهُمْ ثُمَّ كَلَّمَهُمْ، وَهُوَ عِنْدِي عَلَى غَيْرِ قَطْعِ الْمُصَارَمَةِ؛ لِأَنَّهُمْ وَإِنْ اسْتَغْنَوْا فَلَهُمْ حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ.
وَقِيلَ لِأَحْمَدَ: تَرَى أَنْ يُعِيدَ مَنْ حَجَّ مِنْ الدِّيوَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَكَذَا كَرِهَ مُعَامَلَةَ الْجُنْدِيِّ وَإِجَابَةَ دَعَوْته، وَمُرَادُهُ مَنْ يَتَنَاوَلُ الْحَرَامَ الظَّالِمُ. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ فُورَانَ2 عَنْ أَحْمَدَ فِي الْمَالِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، فَالزُّهْرِيُّ وَمَكْحُولٌ قَالَا: كُلْ، فَهَذَا عِنْدِي مِنْ مَالِ السُّلْطَانِ، كَمَا قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: بَيْتُ الْمَالِ يَدْخُلُهُ الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ فَيَصِلُ إلَى الرَّجُلِ فَيَأْكُلُ مِنْهُ، فَإِمَّا حَلَالٌ وَحَرَامٌ مِنْ مِيرَاثٍ أَوْ أَفَادَ ذَلِكَ رَجُلٌ مَالًا فَإِنَّهُ يَرُدُّ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُمْ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِمْ تَصَدَّقَ بِهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ لَا مُسْتَحَقَّ لَهُ مُعَيَّنٌ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ، وَلِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ، وَامْتَنَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ فَمِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه البخاري "6073" - "6075".
2 هو: عبد الله بن محمد بن المهاجر، يعرف بفوران، كان الإمام أحمد يجله، وكان يقدمه ويأنس به. "ت 256 هـ". "طبقات الحنابلة".(4/394)
بَعْدِهِمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَعَلَّلَهُ بَعْضُ السَّلَفِ بِأَنَّ بَاقِي الْمُسْتَحَقِّينَ لَمْ يَأْخُذْ، قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، قَالَ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ حَقَّهُ وَيَبْقَى حَقُّ أُولَئِكَ، مَقَامٌ مَعْلُومٌ فِي مَقَامٍ مَظْلُومٍ، وَلَيْسَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا، وَقَبِلَ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ وَغَيْرُهُمْ، وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَسُئِلَ عُثْمَانُ عَنْ جَوَائِزِ السُّلْطَانِ، فَقَالَ: لَحْمُ ظَبْيٍ ذَكِيٍّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَكَانَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ1 وَالْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ سِوَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ يَقْبَلُونَ جَوَائِزَ السُّلْطَانِ، وَكَانَ الثَّوْرِيُّ مَعَ وَرَعِهِ وَفَضْلِهِ يَقُولُ: هِيَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ صِلَةِ الْإِخْوَانِ.
وَمَنْ دَفَعَ جَائِزَتَهُ إلَى آخَرَ فَعِنْدَ أَحْمَدَ لَا يُكْرَهُ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كُرِهَ لِلْأَوَّلِ لِلْمُحَابَاةِ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَ عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَتَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُهُ عَنْ أَحْمَدَ لِأَجْلِ الشُّبْهَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أبان بن عثمان بن عفان الأموي، ثقة من كبار التابعين. "ت: 105 هـ" "تهذيب التهذيب" "1/54، 55".(4/395)
فَصْلٌ: وَإِنْ أَرَادَ مَنْ مَعَهُ
مَالٌ حَلَالٌ وَحَرَامٌ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ إثْمِ الْحَرَامِ أَوْ يَتَصَرَّفَ، فَنَقَلَ جَمَاعَةٌ التَّحْرِيمَ إلَّا أَنْ يَكْثُرَ الْحَلَالُ، وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فِي الصَّيْدِ السَّابِقِ2، كَذَا قَالَ، مَعَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَهُ فِي الصَّيْدِ بَيْنَ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ، وَعَنْهُ أَيْضًا: إنَّمَا قُلْتُهُ فِي دِرْهَمٍ حَرَامٍ مَعَ آخَرَ، وَعَنْهُ أَيْضًا: فِي عَشَرَةٍ فَأَقَلَّ لَا تُجْحِفُ بِهِ. وَقَالَ فِي الْخِلَافِ فِي مسألة اشتباه الأواني الطاهرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
2 ص 388.(4/395)
بِالنَّجِسَةِ: ظَاهِرُ مَقَالَةِ أَصْحَابِنَا يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ وَأَبَا عَلِيٍّ النَّجَّادَ وَأَبَا إِسْحَاقَ: يَتَحَرَّى فِي عَشَرَةٍ طَاهِرَةٍ فِيهَا إنَاءٌ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي الدَّرَاهِمِ فِيهَا دِرْهَمٌ حَرَامٌ، فَإِنْ كَانَتْ عَشَرَةٌ أَخْرَجَ قَدْرَ الْحَرَامِ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ امْتَنَعَ مِنْ جَمِيعِهَا، قَالَ: وَيَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا حَدًّا، وَإِنَّمَا يَكُونُ الِاعْتِبَارُ بِمَا كَثُرَ عَادَةً، وَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: قَدْ قُلْتُمْ: إذَا اخْتَلَطَ دِرْهَمٌ حَرَامٌ بِدَرَاهِمَ يَعْزِلُ قَدْرَ الْحَرَامِ وَيَتَصَرَّفُ فِي الْبَاقِي. فَقَالَ: إنْ كَانَ لِلدَّرَاهِمِ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا مُنْفَرِدًا، وَإِلَّا عَزَلَ قَدْرَ الْحَرَامِ وَتَصَرَّفَ فِي الْبَاقِي، وَكَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعْرُوفًا فَهُوَ شَرِيكٌ مَعَهُ، فَهُوَ يَتَوَصَّلُ إلَى مُقَاسَمَتِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّهُ مَالٌ لِلْفُقَرَاءِ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَالْأَصْحَابُ وَالشَّيْخُ أَنَّ كَلَامَ أَحْمَدَ لَيْسَ لِلتَّحْدِيدِ، وَأَنَّ الْوَاجِبَ إخْرَاجُ قَدْرِ الْحَرَامِ "م 3"؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْرُمْ لَعَيْنِهِ، وَإِنَّمَا حَرُمَ لِتَعَلُّقِ حق غيره به، فَإِذَا أَخْرَجَ عِوَضَهُ زَالَ التَّحْرِيمُ عَنْهُ، كَمَا لَوْ كَانَ صَاحِبُهُ حَاضِرًا فَرَضِيَ بِعِوَضِهِ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ عَلِمَ صَاحِبُهُ، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ، وَقَدْ سَبَقَ1 كلام أحمد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ - 3: قَوْلُهُ: وَإِنْ أَرَادَ مَنْ مَعَهُ مَالٌ حَلَالٌ وَحَرَامٌ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ إثْمِ الْحَرَامِ أَوْ يَتَصَرَّفَ فَنَقَلَ جَمَاعَةٌ التَّحْرِيمَ إلَّا أَنْ يَكْثُرَ الْحَلَالُ وَعَنْهُ أَيْضًا: إنَّمَا قُلْته فِي دِرْهَمٍ حَرَامٍ مَعَ آخَرَ، وَعَنْهُ أَيْضًا: فِي عَشَرَةٍ فَأَقَلَّ لَا تُجْحِفُ بِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ الِاعْتِبَارُ بِمَا كَثُرَ عَادَةً وَاخْتَارَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَالْأَصْحَابُ وَالشَّيْخُ أَنَّ كَلَامَ أَحْمَدَ لَيْسَ لِلتَّحْدِيدِ، وَأَنَّ الْوَاجِبَ إخْرَاجُ قَدْرِ الْحَرَامِ، انْتَهَى. قُلْت: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَتَصَرَّفَ خَرَجَ مِنْ الْإِثْمِ وَجَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 في الصفحة السابقة.(4/396)
وَالْقَاضِي، وَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْغَصْبِ1 الْخِلَافُ فِي الْمَغْصُوبِ إذَا خَلَطَهُ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ، كَدَرَاهِمَ وَزَيْتٍ، هَلْ يَلْزَمُ مِثْلُهُ مِنْهُ أَوْ مِنْ حَيْثُ شَاءَ؟ وَذَكَرَ ابْنُ عقيل2 فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَحْمَدَ: إذَا اخْتَلَطَ زَيْتٌ حَرَامٌ بِمُبَاحٍ تَصَدَّقَ بِهِ.
هَذَا مُسْتَهْلَكٌ، وَالنَّقْدُ يُتَحَرَّى، وَذَكَرَ الْخَلَّالُ عَنْ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ فِي الزَّيْتِ: أَعْجَبُ إلَيَّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ، هَذَا غَيْرُ الدَّرَاهِمِ، وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي الدَّرَاهِمِ أَنَّ الْوَرَعَ تَرْكُ الْجَمِيعِ. وَقَالَ شَيْخُنَا: لَا يَتَبَيَّنُ لِي أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْوَرَعِ، وَمَتَى جَهِلَ قَدْرَ الْحَرَامِ تَصَدَّقَ بِمَا يَرَاهُ حراما، نقله فوران فدل هذا أنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
3 "تَنْبِيهٌ: حَصَلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَكْرَارٌ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ مَا هُنَا بِعَيْنِهِ فِي أَوَّلِ بَابِ الشَّرِكَةِ4، وَحَصَلَ فِي كَلَامِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ، مِنْهَا قَوْلُهُ هُنَا نَقَلَ جَمَاعَةٌ التَّحْرِيمَ إلَّا أَنْ يَكْثُرَ الْحَلَالُ وَقَالَ هُنَاكَ نَقَلَ الْجَمَاعَةُ بِالتَّعْرِيفِ وجَمَاعَةٌ غَيْرُ الْجَمَاعَةِ فِي مُصْطَلَحِهِ وَمُصْطَلَحِ غَيْرِهِ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ هُنَا وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي النَّوَادِرِ وَذَكَرَ هُنَاكَ وذكر ابن عقيل والنوادر وهو الصَّوَابُ، إذْ ابْنُ عَقِيلٍ لَيْسَ لَهُ نَوَادِرُ، وَلَا ذَكَرَهَا أَحَدٌ فِي مُصَنَّفَاتِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ لِابْنِ الصَّيْرَفِيِّ، وَمِنْهَا أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ هُنَا إطْلَاقُ الْخِلَافِ، وَهُنَاكَ قَدَّمَ حُكْمًا، وَمِنْهَا قَوْلُهُ هُنَا وَاخْتَارَ الْقَاضِي وَالْأَصْحَابُ وَالشَّيْخُ أَنَّ كَلَامَ أَحْمَدَ لَيْسَ لِلتَّحْدِيدِ، وَأَنَّ الْوَاجِبَ إخْرَاجُ قَدْرِ الْحَرَامِ وَقَالَ هُنَاكَ وَاخْتَارَ الْأَصْحَابُ: لَا يَخْرُجُ قَدْرَ الْحَرَامِ وَقَالَ أَيْضًا هُنَا وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي الدَّرَاهِمِ أَنَّ الْوَرَعَ تَرْكُ الْجَمِيعِ"3.
فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ قَدْ صُحِّحَتْ بِحَمْدِ الله تعالى.
__________
1 7/238.
2 في "ط": "ابن الصيرفي، وسيأتي في الشركة: "ابن عقيل والنوادر" كما ذكر في "التصحيح".
3 ليست في "ح".
4 7/81.(4/397)
يَكْفِي الظَّنُّ، وَقَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهَا كَصَلَاةٍ مِنْ خَمْسٍ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِكَثْرَةِ الْمَشَقَّةِ، لكثرة اخْتِلَاطِ الْأَمْوَالِ، فَتَعُمُّ الْبَلْوَى، قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَبْحَثُ عَنْ شَيْءٍ مَا لَمْ يُعْلَمْ، فَهُوَ خَيْرٌ، وَبِأَكْلِ الْحَلَالِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ وَتَلِينُ.(4/398)
مِمَّنْ اتَّقَى اللَّهَ فِي عَمَلِهِ فَفَعَلَهُ كَمَا أُمِرَ خَالِصًا، وَإِنَّهُ قَوْلُ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ. وَعَنْ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ: إلَّا مِمَّنْ اتَّقَى الْكَبَائِرَ. وَعِنْدَ الْمُرْجِئَةِ: إلَّا مِمَّنْ اتَّقَى الشِّرْكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(4/399)
مِمَّنْ اتَّقَى اللَّهَ فِي عَمَلِهِ فَفَعَلَهُ كَمَا أُمِرَ خَالِصًا، وَإِنَّهُ قَوْلُ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ. وَعَنْ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ: إلَّا مِمَّنْ اتَّقَى الْكَبَائِرَ. وَعِنْدَ الْمُرْجِئَةِ: إلَّا مِمَّنْ اتَّقَى الشِّرْكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(4/399)
فَصْلٌ: وَالْوَاجِبُ فِي الْمَالِ الْحَرَامِ التَّوْبَةُ
وَإِخْرَاجُهُ عَلَى الْفَوْرِ، يَدْفَعُهُ إلَى صَاحِبِهِ أَوْ وَارِثِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ أَوْ عَجَزَ دَفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ، وَهَلْ لَهُ الصَّدَقَةُ بِهِ؟ تَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي الْغَصْبِ1. وَمَتَى تَمَادَى بِبَقَائِهِ بِيَدِهِ تَصَرَّفَ فِيهِ أَوَّلًا عَظُمَ إثْمُهُ. وَإِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ صَدَقَةٌ بِهِ لَمْ تُقْبَلْ صَدَقَتُهُ وَيَأْثَمُ، وَإِنْ وَهَبَهُ لِإِنْسَانٍ فَيُتَوَجَّهُ أَنْ يَلْزَمَهُ قَبُولُهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُعَاوَنَةِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَفِي رَدِّهِ إعَانَةُ الظَّالِمِ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، فَيَدْفَعُهُ إلَى صَاحِبِهِ أَوْ وَارِثِهِ، وَإِلَّا دَفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ، عَلَى الْخِلَافِ، وَهَذَا نَحْوُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ، وَزَادَ: إنْ رَدَّهُ فَسَقَ، فَإِنْ عَرَفَ صَاحِبَهُ فَقَدْ زَادَ فِسْقُهُ وَأَتَى كَبِيرَةً، كَذَا قَالَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَرَأَ بَعْدَ آيَةِ غَضِّ الْبَصَرِ: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] ، يَتَّقِي الْأَشْيَاءَ، لَا يَقَعُ فِيمَا لَا يَحِلُّ لَهُ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يتقي الكفر والربا2 وَالْمَعَاصِيَ، فَتَحْبَطُ الطَّاعَةُ بِالْمَعْصِيَةِ مِثْلِهَا، فَيَكُونُ كَمَا لَمْ تُقْبَلْ، وَذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ3 عَنْ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ: المراد الموحدين، قال شيخنا وغيره: إلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 7/248.
2 في "ط": "الرياء".
3 في "تفسيره" 6/134.(4/398)
كتاب الصيام
تعريف الصوم لغة وشرعا
مدخل
...
كتاب الصيام
الصَّوْمُ لُغَةً: الْإِمْسَاكُ، وَمِنْهُ: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً} [مريم: 26] وَيُقَالُ لِلْفَرَسِ: صَائِمٌ، لِإِمْسَاكِهِ عَنْ الصَّهِيلِ فِي مَوْضِعِهِ، وَكَذَا عَنْ الْعَلَفِ.
وَشَرْعًا: إمْسَاكٌ مَخْصُوصٌ.
قِيلَ: سُمِّيَ رَمَضَانُ لِحَرِّ جَوْفِ الصَّائِمِ فِيهِ وَرَمَضِهِ، وَالرَّمْضَاءُ: شِدَّةُ الْحَرِّ، وَقِيلَ: لَمَّا نَقَلُوا أَسْمَاءَ الشُّهُورِ عَنْ اللُّغَةِ الْقَدِيمَةِ سَمَّوْهَا بِالْأَزْمِنَةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا، فَوَافَقَ هَذَا الشَّهْرُ أَيَّامَ شِدَّةِ الْحَرِّ وَرَمَضِهِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يَحْرِقُ الذُّنُوبَ، وَقِيلَ: مَوْضُوعٌ لِغَيْرِ مَعْنًى كَسَائِرِ الشُّهُورِ، كَذَا قِيلَ، وَقِيلَ فِي الشُّهُورِ مَعَانٍ أَيْضًا، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
وَجَمْعُهُ: رَمَضَانَاتٌ وَأَرْمِضَةٌ وَرَمَاضِينُ1 وَأَرْمُضٌ وَرِمَاضٌ وَرَمَاضِيٌّ وَأَرَامِيضُ.
وَالْمُسْتَحَبُّ قَوْلُ شَهْرِ رَمَضَانَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {شَهْرُ رَمَضَانَ} [البقرة: 185] ، وَلَا يُكْرَهُ قَوْلُ: رَمَضَانَ، بِإِسْقَاطِ الشَّهْرِ "وهـ" وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ2. وَذَكَرَ الشَّيْخُ: يُكْرَهُ إلَّا مَعَ قَرِينَةِ الشَّهْرِ وِفَاقًا لِأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا وَجْهًا: يُكْرَهُ وِفَاقًا لِلْمَالِكِيَّةِ، وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ، وَقَالَا: لَعَلَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى. وَفِي الْمُنْتَخَبِ: لَا يَجُوزُ، وَرَوَى ابن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س" وهامش الأصل: "رمضانين".
2 في الأصل: "الشافعية".(4/403)
عَدِيٍّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا1 مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَعْشَرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "لَا تَقُولُوا رَمَضَانَ فَإِنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَلَكِنْ قُولُوا شَهْرُ رَمَضَانَ". قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: مَوْضُوعٌ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى بِهِ "ع" وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: لَوْ صَحَّ مِنْ أَسْمَائِهِ لَمْ يُمْنَعْ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِهِ، كَالْأَسْمَاءِ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا الْمُشَارَكَةُ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2. زَادَ أَحْمَدُ3 فِي رِوَايَةٍ عَنْ عَفَّانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "وَمَا تَأَخَّرَ". وَحَمَّادٌ لَهُ أَوْهَامٌ، وَمُحَمَّدٌ تُكُلِّمَ فِيهِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ" 4 وَفِي لَفْظٍ: "فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ5. وَلِلْبُخَارِيِّ6 أَيْضًا: "فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ". يَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ كَثْرَةُ الْخَيْرِ أَوْ كَثْرَةُ أَسْبَابِهِ. وَمَعْنَى صُفِّدَتْ غُلَّتْ، وَالصَّفَدُ: الْغُلُّ، وَهُوَ مَعْنَى سلسلت، والمراد المردة، فليس فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ابن عدي في "الكامل" 7/2517، والبيهقي في "السنن الكبرى" 4/201، وذكره ابن أبي حاتم في "العلل" "1/250"، وأورده الحافظ في "الفتح" 4/113 وقال: حديث ضعيف.
2 البخاري "37"، ومسلم "759" "173" و"760" "175".
3 في مسنده "9001".
4 أخرجه مسلم "1079" "1".
5 أخرجه البخاري "3277"، ومسلم "1079" "1".
6 في صحيحه "1899".(4/404)
إعْدَامُ الشَّرِّ، بَلْ قِلَّتُهُ، لِضَعْفِهِمْ، وَلِهَذَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ1 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: "صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ". وَلِلنَّسَائِيِّ2 مِنْ حَدِيثِهِ: "وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ". فَلَا يَرُدُّ قَوْلَ الْقَائِلِ: إنَّ الْمَجْنُونَ يُصْرَعُ فِيهِ وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لِأَبِيهِ هَذَا، فَقَالَ: هَكَذَا الْحَدِيثُ وَلَا تَكَلُّمَ فِي ذَا.
وَرَوَى أَحْمَدُ3: حَدَّثَنَا يَزِيدُ أَنْبَأَنَا هِشَامُ بْنُ أَبِي هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُعْطِيت أُمَّتِي خَمْسَ خِصَالٍ فِي رَمَضَانَ لم تعطه أمة قبلهم4: خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ وَتَسْتَغْفِرُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَيُزَيِّنُ اللَّهُ كُلَّ يَوْمٍ جَنَّتَهُ ثُمَّ يَقُولُ: يُوشِكُ عِبَادِي الصَّالِحُونَ أَنْ يُلْقُوا عَنْهُمْ الْمَئُونَةَ وَالْأَذَى وَيَصِيرُوا إلَيْك، وَتُصَفَّدُ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ فَلَا يَخْلُصُونَ فِيهِ إلَى مَا كَانُوا يَخْلُصُونَ إلَيْهِ فِي غَيْرِهِ، وَيُغْفَرُ لَهُمْ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَهِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ؟ قَالَ: "لَا، وَلَكِنَّ الْعَامِلَ إنَّمَا يُوَفَّى أَجْرَهُ إذَا قَضَى عَمَلَهُ". قَالَ ابْنُ نَاصِرٍ الحافظ: حديث حسن أسناده عدول.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 الترمذي "682"، وابن ماجه "1642".
2 في المجتبى 4/129.
3 في مسنده "7917".
4 في الأصل و"ط": "من الأمم قبلها".(4/405)
فَصْلٌ صَوْمُ رَمَضَانَ فَرْضٌ
(ع) فُرِضَ فِي السنة الثانية للهجرة (ع) فَصَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ رَمَضَانَاتٍ (ع) .(4/405)
وَيَجِبُ صَوْمُهُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يُرَ مَعَ الصَّحْوِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ أَكْمَلُوهُ ثَلَاثِينَ ثُمَّ صَامُوا وَصَلَّوْا التَّرَاوِيحَ "و" كَمَا لَوْ رَأَوْهُ، وَإِنْ حَالَ دُونَ مَطْلَعِهِ1 غَيْمٌ أَوْ قَتَرٌ أَوْ غَيْرُهُمَا لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ وَجَبَ صَوْمُهُ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ، اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ، وَذَكَرُوهُ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ، وَأَنَّ نُصُوصَ أَحْمَدَ عَلَيْهِ، كَذَا قَالُوا، وَلَمْ أَجِدْ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ صَرَّحَ بِالْوُجُوبِ وَلَا أَمَرَ بِهِ، فَلَا تَتَوَجَّهُ إضَافَتُهُ إلَيْهِ، وَلِهَذَا قَالَ شَيْخُنَا: لَا أَصْلَ لِلْوُجُوبِ فِي كَلَامِ أَحْمَدَ وَلَا فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَاحْتَجَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س": "منظره".(4/406)
الْأَصْحَابُ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَفِعْلِهِ1، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ فِي الْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا هُوَ احْتِيَاطٌ قَدْ عُورِضَ بِنَهْيٍ، وَاحْتَجُّوا بِأَقْيِسَةٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِبَادَاتِ يُحْتَاطُ لَهَا، وَاسْتَشْهَدُوا بِمَسَائِلَ، وَهِيَ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ فِيمَا ثَبَتَ وُجُوبُهُ أَوْ كَانَ الْأَصْلُ، كَثَلَاثِينَ2 رَمَضَانَ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يَثْبُتْ الْوُجُوبُ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الشَّهْرِ.
وَمِمَّا ذَكَرُوهُ: الشَّكُّ فِي انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْمَسْحِ يَمْنَعُ الْمَسْحَ، وَإِنَّمَا كَانَ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْغُسْلُ، فَمَعَ الشَّكِّ يُعْمَلُ بِهِ. وَيَأْتِي: هَلْ يُتَسَحَّرُ مَعَ الشَّكِّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ3؟.
قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الطَّهَارَةُ مَعَ الشَّكِّ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ، لِأَنَّهُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ، فَلَا يُبْطِلُهُ بِالشَّكِّ، فَيُقَالُ: وَجَوَازُ الْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ فَلَا يُحَرِّمُهُ بِالشَّكِّ. وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ شِهَابٍ: وَغَيْرُهُمَا لِأَنَّ الطَّهَارَةَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ فِي نَفْسِهَا، وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ النَّفَلُ بِالشُّرُوعِ: الطَّهَارَةُ مَقْصُودَةٌ؟ فِي نَفْسِهَا، وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ تَجْدِيدُهَا، بِخِلَافِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَتَأْتِي فِيمَا يُفْعَلُ عَنْ الميت، وقيل لمن نظر من الأصحاب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 حديثه أخرجه مسلم "1080" "4": "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم، فاقدروا له ثلاثين". وأما فعله: فقد أخرج أبو داود "2320" من حديث نافع: فكان ابن عمر إذا كان شعبان تسعا وعشرين، نظر له، فإن رئي، فذاك، وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب ولا قترة، أصبح مفطرا، فإن حال دون منظره سحاب أو قترة، أصبح صائما.
2 بعدها في "ب": "أي: يجب كمال رمضان بالعدد، فإذا غم ليلة الثلاثين - لأن الأصل بقاؤه - فله إسفار".
3 5/31.(4/407)
فِي كُتُبِ الْخِلَافِ: صَوْمُ يَوْمِ الْغَيْمِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ نَذْرُ صَوْمِ رَجَبٍ أَوْ شَعْبَانَ: فَإِنَّهُ إذَا غُمَّ أَوَّلُهُ لَمْ يَلْزَمْ، فَقَالَ: كَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَالنُّذُورُ لَا تُبْنَى إلَّا عَلَى أُصُولِهَا مِنْ الْفُرُوضِ، كَذَا قَالَ وَيَتَوَجَّهُ: يَلْزَمُ، لِأَنَّهُ فَرْضٌ شَرْعِيٌّ عِنْدَهُمْ، فَعَلَى هَذَا يَصُومُهُ حُكْمًا ظَنِّيًّا بِوُجُوبِهِ احْتِيَاطًا، وَيُجْزِئُهُ. وَقِيلَ لِلْقَاضِي: لَا يَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَمَعَ الشَّكِّ فِيهَا لَا يُجْزَمُ بِهَا، فَقَالَ: لَا يَمْتَنِعُ التَّرَدُّدُ فِيهَا لِلْحَاجَةِ، كَالْأَسِيرِ وَصَلَاةٍ مِنْ خَمْسٍ، كَذَا قَالَ. وَذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ إنْ لَمْ تُعْتَبَرْ نِيَّةُ التَّعْيِينِ، وَإِلَّا فَلَا، كَذَا قَالَ.
وَتُصَلَّى التَّرَاوِيحُ لَيْلَتئِذٍ، فِي اخْتِيَارِ ابْنِ حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَجَمَاعَةٍ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ أَشْبَهُ بِكَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ: الْقِيَامُ قَبْلَ الصِّيَامِ احْتِيَاطًا لِسُنَّةِ قِيَامِهِ وَلَا يَتَضَمَّنُ مَحْذُورًا، وَالصَّوْمُ نُهِيَ عَنْ تَقَدُّمِهِ.
وَاخْتَارَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ وَالتَّمِيمِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ لَا تُصَلَّى، اقْتِصَارًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(4/408)
عَلَى النَّصِّ "م 1".
وَلَا تَثْبُتُ بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ مِنْ حُلُولِ الْآجَالِ وَوُقُوعِ الْمُعَلَّقَاتِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ومدة الإيلاء وغير ذلك. وَذَكَرَ الْقَاضِي احْتِمَالًا: تَثْبُتُ كَمَا يَثْبُتُ الصَّوْمُ وَتَوَابِعُهُ مِنْ النِّيَّةِ وَتَبْيِيتُهَا وَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِالْوَطْءِ فِيهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ، عَمَلًا بِالْأَصْلِ خُولِفَ لِلنَّصِّ وَاحْتِيَاطًا لِعِبَادَةٍ عَامَّةٍ، وَعَنْهُ: يَنْوِيهِ حُكْمًا جَازِمًا بِوُجُوبِهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، فَيُصَلِّي التَّرَاوِيحَ إذَنْ.
وَقِيلَ: لَا، وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ صَوْمُهُ قَبْلَ رُؤْيَةِ هِلَالِهِ أَوْ إكْمَالِ شَعْبَانَ، اخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ وشيخنا. وقال: هو مذهب أحمد المنصوص
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ - 1: قَوْلُهُ: وَيُصَلِّي التَّرَاوِيحَ لَيْلَتئِذٍ فِي اخْتِيَارِ ابْنِ حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَجَمَاعَةٍ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ أَشْبَهُ بِكَلَامِ أَحْمَدَ وَاخْتَارَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ وَالْمَيْمُونِي وَغَيْرُهُمْ: لَا تُصَلَّى، اقْتِصَارًا عَلَى النَّصِّ، انْتَهَى. الْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ: هَذَا الْأَقْوَى عِنْدِي قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَتُصَلِّي التَّرَاوِيحَ لَيْلَتئِذٍ فِي الْأَظْهَرِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فُعِلَتْ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَاخْتِيَارُ أَكْثَرِ مَشَايِخِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ، ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ "دَرْءِ الضَّيْمِ فِي صَوْمِ يَوْمِ الْغَيْمِ" وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَاخْتَارَهُ أَيْضًا ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي وغيرهما، كما قال الْمُصَنِّفُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ، قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، قَالَ النَّاظِمُ: وَهُوَ أَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَاخْتَارَهُ أَيْضًا مَنْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَمُحَرَّرِهِ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ والزركشي وغيرهم.(4/409)
الصريح عنه، "وهـ" وَأَوْجَبَ طَلَبَ الْهِلَالِ لَيْلَتئِذٍ، وَعَنْهُ: النَّاسُ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ، فَإِنْ صَامَ وَجَبَ الصَّوْمُ وَإِلَّا فَلَا، فَيُتَحَرَّى فِي كَثْرَةِ كَمَالِ الشُّهُورِ قَبْلَهُ وَنَقْصِهَا، وَإِخْبَارِهِ بِمَنْ لَا يُكْتَفَى بِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْقَرَائِنِ، وَيُعْمَلُ بِظَنِّهِ، وَيَأْتِي: الْمُنْفَرِدُ بِرُؤْيَتِهِ هَلْ يَصُومُهُ؟ وَعَنْهُ: صَوْمُهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، اخْتَارَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَنْدَهْ الْأَصْفَهَانِيُّ1، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمْ، فَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً، وَعُمِلَ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْفُنُونِ بِعَادَةٍ غَالِبَةٍ، كَمُضِيِّ شَهْرَيْنِ كَامِلَيْنِ فَالثَّالِثُ نَاقِصٌ، وَأَنَّهُ مَعْنِيٌّ التَّقْدِيرُ. وَقَالَ أَيْضًا: الْبُعْدُ مَانِعٌ كَالْغَيْمِ، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ حَنْبَلِيٍّ يَصُومُ مع الغيم،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 هو: أبو القاسم، عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن مندة الأصبهاني الإمام المحدث. ت "170 هـ". "سير أعلام النبلاء" 18/354.(4/410)
أن يصوم مع البعد، لاحتماله، والشهور كُلُّهَا مَعَ رَمَضَانَ فِي حَقِّ الْمَطْمُورِ كَالْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ الشَّهْرِ فِي التَّحَرُّزِ وَطَلَبِ التَّحْقِيقِ، وَلَا أَحَدَ قَالَ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ، بَلْ بِالتَّأْخِيرِ، لِيَقَعَ أَدَاءً أَوْ قَضَاءً، كَذَا لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ يَوْمٍ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْ رَمَضَانَ، وَقَالَ فِي مَكَان آخَرَ: أَوْ يَظُنُّهُ، لِقَبُولِنَا شَهَادَةَ وَاحِدٍ.
وَقِيلَ: النَّهْيُ عَنْهُ للتحريم، ونقله حنبل، ذكره القاضي "م 2" "وم ش" وَأَوْجَبَ "م" الصَّوْمَ عَلَى مَنْ شَكَّتْ فِي انْقِطَاعِ حَيْضِهَا قَبْلَ الْفَجْرِ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ صَوْمُهُ وَجَبَ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ بِالرُّؤْيَةِ وَإِنْ لم يسأل عنها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ - 2: قَوْلُهُ وَعَنْهُ: صَوْمُهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ يَعْنِي صَوْمَ يَوْمِ لَيْلَةِ الْغَيْمِ اخْتَارَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَنْدَهْ الْأَصْفَهَانِيُّ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمْ، فَقِيلَ: يُكْرَهُ. وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً وَقِيلَ: النَّهْيُ عَنْهُ1 لِلتَّحْرِيمِ، وَنَقَلَهُ حَنْبَلٌ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيّ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ فَقَالَ: وَإِذَا لَمْ يَجِبْ فَهَلْ هُوَ مُبَاحٌ أَوْ مَنْدُوبٌ أَوْ مَكْرُوهٌ أَوْ مُحَرَّمٌ؟ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، اخْتَارَ شَيْخُنَا الْأَوَّلَ، انْتَهَى. وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ: اخْتَارَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ صَوْمُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: حُكِيَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ أَنَّهُ كَانَ يَمِيلُ أَخِيرًا إلَى أَنَّهُ لَا يستحب. انتهى.
__________
1 ليست في النسخ الخطية، المثبت من "ط".(4/411)
وَمَنْ نَوَاهُ احْتِيَاطًا بِلَا مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ فَبَانَ منه فعنه: لا يجزئه "وم ش" وعنه: بلى "وهـ". وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ، وَلَوْ اعْتَبَرَ نِيَّةَ التَّعْيِينِ، وَقِيلَ: في الإجزاء وجهان1، وَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ "م 3". وَيَدْخُلُ فِيهَا قَوْلُهُ فِي الرِّعَايَةِ: مَنْ صَامَ بِنُجُومٍ أَوْ حِسَابٍ لَمْ يُجْزِئْهُ وَإِنْ أَصَابَ، وَلَا يُحْكَمُ بِطُلُوعِ الْهِلَالِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
قُلْت: ظَاهِرُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ إلَّا أَنَّهُ يَصْرِفُهُ عَنْ ذَلِكَ دَلِيلٌ، 2"فَتَجِيءُ فِي صِيَامِهِ الْأَحْكَامُ الخمسة، قال الزركشي: وقول سادس بالتبعية"2.
مَسْأَلَةٌ - 3: قَوْلُهُ: وَمَنْ نَوَاهُ احْتِيَاطًا بِلَا مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ فَبَانَ مِنْهُ فَعَنْهُ: لَا يُجْزِئُهُ، وَعَنْهُ: بَلَى، وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ وَلَوْ اعْتَبَرَ نِيَّةَ التَّعْيِينِ، وَقِيلَ: فِي الْإِجْزَاءِ وَجْهَانِ وَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ، انْتَهَى.
قُلْت: قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ نِيَّةِ الصَّوْمِ3: فَإِنْ لَمْ يُرَدِّدْ نِيَّتَهُ بَلْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ أَنَّهُ صَائِمٌ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ بِلَا مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ كَصَحْوٍ أَوْ غَيْمٍ وَلَمْ نُوجِبْ الصَّوْمَ بِهِ فَبَانَ مِنْهُ فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَنْ تَرَدَّدَ أَوْ نَوَى مُطْلَقًا، انْتَهَى.
وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مَعَ التَّرَدُّدِ، وَالْإِطْلَاقُ قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ نِيَّةِ الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ، فَكَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ الْأُولَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، إذَا عَلِمَ ذَلِكَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: "وَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ" وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إذَا نَوَى احْتِيَاطًا بِغَيْرِ مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ الصَّوْمَ بِنُجُومٍ أَوْ حِسَابٍ وَنَحْوِهِ، وَأَرَادَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ بِغَيْرِ الْمُسْتَنَدِ الشَّرْعِيِّ الصَّوْمَ فِي يَوْمِ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً أَوْ كَانَ غَيْمٌ وَلَمْ نُوجِبْ الصَّوْمَ بِهِ كَمَا مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ، وَفِيهِ بُعْدٌ، وَعَلَى كِلَا الِاحْتِمَالَيْنِ فِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنَّهُ يُقَدِّمُ فِي مسألة عدم الإجزاء، والله أعلم.
__________
1 في "س": "روايتان".
2 ليست في "ح".
3 ص 455 - 456.(4/412)
بِهِمَا وَلَوْ كَثُرَتْ إصَابَتُهُمَا وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ، قَالَ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَنَدٍ شرعي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(4/413)
فَصْلٌ: وَإِنْ رَأَى الْهِلَالَ نَهَارًا
قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ أَوَّلَ الشَّهْرِ أَوْ آخِرَهُ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ "و" هَذَا الْمَشْهُورُ، فَلَا يَجِبُ بِهِ صَوْمٌ، وَلَا يُبَاحُ بِهِ فِطْرٌ، وَعَنْهُ: بَعْدَ الزَّوَالِ لِلْمُقْبِلَةِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي، وعنه: بعد الزوال آخِرَ الشَّهْرِ لِلْمُقْبِلَةِ، وَعَنْهُ: آخِرَ الشَّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ لِلْمُقْبِلَةِ. وَيُقَالُ مِنْ الصَّبَاحِ إلَى الزَّوَالِ: رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ، كَمَا فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَدِيثِ الرُّؤْيَا: "رَأَيْت اللَّيْلَةَ" 1. وَبَعْدَ الزَّوَالِ يُقَالُ: رَأَيْت الْبَارِحَةَ، قَالَهُ ثَعْلَبٌ وَغَيْرُهُ، قَالُوا: وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ بَرِحَ إذَا زَالَ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ2 عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا صَلَّى الصُّبْحَ قَالَ: "هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ الْبَارِحَةَ رُؤْيَا؟ " "*" فَيَكُونُ مُرَادُ ثَعْلَبٍ وَغَيْرِهِ الْحَقِيقَةَ، وَإِلَّا فَالْمَنْعُ مُطْلَقًا بَاطِلٌ، وَبَعْضُ الْعَوَامّ يَحْذِفُ الْهَاءَ مِنْ البارحة، واللغة إثباتها.
__________
1 أخرجه البخاري "2085".
2 البخاري "7047"، ومسلم "2275" "23".(4/413)
فَصْلٌ: وَإِنْ ثَبَتَتْ رُؤْيَتُهُ بِمَكَانٍ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ
لَزِمَ جَمِيعَ الْبِلَادِ الصَّوْمُ، وَحُكْمُ مَنْ لَمْ يَرَهُ كَمَنْ رَآهُ وَلَوْ اخْتَلَفَتْ الْمَطَالِعُ، نص عليه، "و" ذكره جماعة؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهَانِ:
"*" الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا صَلَّى الصُّبْحَ قَالَ: "هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ الْبَارِحَةَ رُؤْيَا؟ " لَيْسَ فِي الْبُخَارِيِّ ذِكْرُ الْبَارِحَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ(4/413)
لِلْعُمُومِ، وَاحْتَجَّ الْقَاضِي وَالْأَصْحَابُ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ بِثُبُوتِ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ، فَكَذَا الصَّوْمُ، كَذَا ذَكَرُوهُ.
وَمَنْ يُخَالِفُ فِي الصَّوْمِ مَعَ الِاحْتِيَاطِ لِلْعِبَادَةِ لَا أَظُنُّهُ يُسَلِّمُ هَذَا، وَلِهَذَا عَلَى الْمَذْهَبِ يَجِبُ مَعَ الْغَيْمِ وَلَا تَثْبُتُ الْأَحْكَامُ، وَاحْتَجَّ بعضهم بأن ضابط اختلاف المطالع من جِهَةِ الْمُنَجِّمِينَ، كَذَا قَالَ، وَأَجَابَ الْقَاضِي عَنْ قَوْلِ الْمُخَالِفِ: الْهِلَالُ يَجْرِي مَجْرَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ لِكُلِّ بَلَدٍ حُكْمَ نَفْسِهِ. كَذَا الْهِلَالُ فَقَالَ: يَتَكَرَّرُ مُرَاعَاتُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ، فَتَلْحَقُ الْمَشَقَّةُ فِي اعْتِبَارِ طُلُوعِهَا وَغُرُوبِهَا، فَيُؤَدِّي إلَى قَضَاءِ الْعِبَادَاتِ، وَالْهِلَالُ فِي السَّنَةِ مَرَّةٌ، فَلَيْسَ كَبِيرُ مَشَقَّةٍ فِي قَضَاءِ يَوْمٍ، وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْعُمُومِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ، وَسَبَقَ قَوْلُ أَحْمَدَ أَوَّلَ الْمَوَاقِيتِ: الزَّوَالُ فِي الدُّنْيَا وَاحِدٌ1. لَعَلَّهُ أَرَادَ هَذَا، وَإِلَّا فَالْوَاقِعُ خِلَافَهُ.
وَقَالَ شَيْخُنَا: تَخْتَلِفُ الْمَطَالِعُ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِهَذَا، قَالَ: فَإِنْ اتَّفَقَتْ لَزِمَ الصَّوْمُ وَإِلَّا فَلَا، وِفَاقًا لِلْأَصَحِّ لِلشَّافِعِيَّةِ وَاخْتَارَ صَاحِبُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 1/426.(4/414)
الرِّعَايَةِ الْبُعْدَ مَسَافَةَ قَصْرٍ، فَلَا يَلْزَمُ الصَّوْمُ. وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ الْأَصَحُّ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَاخْتَارَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ الْبُعْدَ اخْتِلَافَ الْإِقْلِيمِ وَعَنْ "م" وَقَالَهُ الْمُغِيرَةُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يَلْزَمُ بَلَدَ الرُّؤْيَةِ وَعَمَلَهُ فَقَطْ إلَّا أَنْ يَحْمِلَ الْإِمَامُ النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ "ع" أَنَّ الرُّؤْيَةَ لَا تُرَاعَى مَعَ الْبُعْدِ، كَالْأَنْدَلُسِ مِنْ خُرَاسَانَ، كَذَا قَالَ.
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ تَفْرِيعًا عَلَى الْمَذْهَبِ: وَاخْتِيَارُهُ لَوْ سَافَرَ مِنْ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إلَى بَلَدِ الرُّؤْيَةِ لَيْلَةَ1 السَّبْتِ فَبَعُدَ وَتَمَّ شَهْرُهُ وَلَمْ يَرَوْا الْهِلَالَ صَامَ مَعَهُمْ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ يُفْطِرُ، فَإِنْ شَهِدَ بِهِ وَقُبِلَ قَوْلُهُ أَفْطَرُوا مَعَهُ، عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنْ سَافَرَ إلَى بَلَدِ الرُّؤْيَةِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ مِنْ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ لَيْلَةَ السَّبْتِ وَبَعُدَ أَفْطَرَ مَعَهُمْ وَقَضَى يَوْمًا، عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَمْ يُفْطِرْ عَلَى الثَّانِي، وَلَوْ عَيَّدَ بِبَلَدٍ بِمُقْتَضَى الرؤية ليلة الجمعة في أوله، وسارت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س": يوم.(4/415)
بِهِ سَفِينَةٌ أَوْ غَيْرُهَا سَرِيعًا فِي يَوْمِهِ إلَى بَلَدِ الرُّؤْيَةِ فِي أَوَّلِ لَيْلَةَ السَّبْتِ وَبَعُدَ أَمْسَكَ مَعَهُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، لَا عَلَى الْمَذْهَبِ، كَذَا قَالَ. وَمَا ذَكَرَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَاضِحٌ، وَعَلَى اخْتِيَارِهِ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى اُعْتُبِرَ حُكْمُ الْبَلَدِ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ، لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ، وَفِي الثَّانِيَةِ اُعْتُبِرَ حُكْمُ الْمُنْتَقِلِ مِنْهُ، لِأَنَّهُ الْتَزَمَ حُكْمَهُ. وَالْأَصَحُّ لِلشَّافِعِيَّةِ اعْتِبَارُ مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ، وَالثَّانِي مَا انْتَقَلَ مِنْهُ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِيمَا إذَا أَفْطَرَ على المذهب: وليكن خفية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ(4/416)
فَصْلٌ: وَيُقْبَلُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ قَوْلُ عَدْلٍ وَاحِدٍ
نَصَّ عَلَيْهِ "وش" وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِحَدِيثَيْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ1؛ وَلِأَنَّهُ خَبَرٌ دِينِيٌّ، وَهُوَ أَحْوَطُ، وَلَا تُهْمَةَ فِيهِ، بِخِلَافِ آخِرِ الشَّهْرِ، وَلِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الرَّائِي وَالْمَرْئِيِّ، وَلِهَذَا لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا "وهـ" وَفِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ حَتَّى مَعَ غَيْمٍ وَقَتَرٍ، فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمُقَدَّمَ خِلَافُهُ، وَالْمَذْهَبَ التَّسْوِيَةُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنْ جَاءَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ أَوْ رَآهُ فِيهِ لَا فِي جَمَاعَةٍ قُبِلَ وَاحِدٌ، وَإِلَّا اثْنَانِ، وَحَكَى رِوَايَةً. وَفِي الرِّعَايَةِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: لَا فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ، ولم يقل: وإلا اثنان لا في جمع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 حديث ابن عباس أخرجه أبو داود "2340"، والترمذي "691"، والنسائي في "المجتبى" "4/132" بلفظ: جاء أعرابي إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إني رأيت الهلال – قال الحسن في حديثه: يعني رمضان – فقال: "أتشهد أن لا إله إلا الله؟ " قال: نعم، قال: "أتشهد أن محمدا رسول الله؟ " قال: نعم، قال: "يا بلال أذن في الناس فليصوموا غدا". وحديث ابن عمر أخرجه أبو داود "2342 بلفظ: تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصامه وأمر الناس بصيامه.(4/416)
كثير قبل وإلا فلا. وَمَذْهَبُ "هـ" يُقْبَلُ وَاحِدٌ فِي غَيْمٍ أَوْ رَآهُ خَارِجَهُ أَوْ أَعْلَى مَكَان مِنْهُ كَالْمَنَارَةِ، وَمَعَ الصَّحْوِ التَّوَاتُرُ، وَعَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُعْتَبَرُ عَدْلَانِ "وم ق" فَعَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ: هُوَ خَبَرٌ، فَتُقْبَلُ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ وَلَا يُخْتَصُّ بِحَاكِمٍ، فَيَلْزَمُ الصَّوْمُ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ عَدْلٍ، زَادَ بَعْضُهُمْ: وَلَوْ رَدَّ الْحَاكِمُ قَوْلَهُ، وَلَا يُعْتَبَرُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيهِ فِي شَهَادَةِ الْقَاذِفِ أَنَّهُ شَهَادَةٌ لَا خَبَرٌ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ، فَتَنْعَكِسُ الْأَحْكَامُ، وَهَذَا أَصَحُّ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَيَتَوَجَّهُ فِي الْمَسْتُورِ وَالْمُمَيَّزِ الْخِلَافُ، وَجَزَمَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: لَا يُقْبَلُ صَبِيٌّ. وَفِي الْكَافِي1: يُقْبَلُ الْعَبْدُ، لِأَنَّهُ خَبَرٌ، وَفِي الْمَرْأَةِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُقْبَلُ لِأَنَّهُ خَبَرٌ.
وَالثَّانِي: لَا، لِأَنَّ طَرِيقَهُ الشَّهَادَةُ، وَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ شَاهِدُ الْفَرْعِ، مَعَ إمْكَانِ شَاهِدِ الْأَصْلِ، وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، كَهِلَالِ شَوَّالٍ، كَذَا قَالَ.
وَإِذَا ثَبَتَ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ ثَبَتَتْ بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ، جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي مَسْأَلَةِ الْغَيْمِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَسْأَلَةِ الْغَيْمِ مُفَرِّقًا بَيْنَ الصَّوْمِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ: قَدْ يَثْبُتُ الصَّوْمُ بِمَا لَا يَثْبُتُ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَيَحِلُّ الدَّيْنُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 2/228.(4/417)
وَهُوَ شَهَادَةُ عَدْلٍ. وَيَأْتِي: إذَا عُلِّقَ طَلَاقُهَا بِالْحَمْلِ فَشَهِدَ بِهِ امْرَأَةٌ هَلْ تَطْلُقُ1؟.
وَلَا يقبل في بقية الشهور إلا رجلان "وم ش" لَا وَاحِدٌ، حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ "ع" خِلَافًا لِأَبِي ثَوْرٍ وَغَيْرِهِ. وَفِي الرِّعَايَةِ: وَعَنْهُ: يُقْبَلُ فِي هِلَالِ شَوَّالٍ قَوْلُ عَدْلٍ وَاحِدٍ بِمَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُهُ، لَا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ "هـ" لِأَنَّهُ يُقْبَلُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْعُقُوبَاتِ، وَلَا يعتبر التواتر في العيدين مع الغيم "هـ".
__________
1 9/115.(4/418)
فَصْلٌ: وَمَنْ صَامَ بِشَاهِدَيْنِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا
وَلَمْ يَرَهُ إذَنْ أَحَدٌ أَفْطَرَ، وَقِيلَ: لَا، مَعَ صَحْوٍ، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْجَوْزِيِّ "*" لِأَنَّ عَدَمَ الْهِلَالِ يَقِينٌ، فَيُقَدَّمُ عَلَى الظَّنِّ وَهِيَ الشَّهَادَةُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فِيمَنْ صَامَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"*" الثَّانِي: قَوْلُهُ وَمَنْ صَامَ بِشَاهِدَيْنِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَمْ يَرَهُ إذَنْ أَحَدٌ أَفْطَرَ، وَقِيلَ: لَا، مَعَ صَحْوٍ، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْجَوْزِيِّ، انْتَهَى. لَيْسَ كَمَا قَالَ عَنْ صَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: وَإِنْ صَامُوا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَفْطَرُوا وَجْهًا، وَاحِدًا وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ أَوْ فِي غَيْرِ الْكِتَابِ، 1"أَوْ وُجِدَ فِي نُسْخَةٍ، ثُمَّ وَجَدْته في بعض النسخ"1. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
1 ليست في "ص".(4/418)
بِقَوْلِ1 وَاحِدٍ وَجْهَانِ، وَقِيلَ: رِوَايَتَانِ "م 4" وَقِيلَ: لا فطر مع الغيم، اختاره صاحب المحرر "وهـ" وَالْأَصَحُّ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَإِنْ صَامُوا لِأَجْلِ الْغَيْمِ، لَمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ - 4: قَوْلُهُ: وَمَنْ صَامَ بِشَاهِدَيْنِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَمْ يَرَهُ إذَنْ أَحَدٌ أَفْطَرَ، وَقِيلَ: لَا، مَعَ صَحْوٍ. وَعَلَى الْأَوَّلِ فِيمَنْ صَامَ بِقَوْلِ وَاحِدٍ وَجْهَانِ، وَقِيلَ رِوَايَتَانِ، انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي2 وَالْكَافِي3 وَالْمُقْنِعِ4 وَالشَّرْحِ4 وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُفْطِرُونَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْبُلْغَةِ وَالنَّظْمِ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: لَا يُفْطِرُونَ، فِي أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُفْطِرُونَ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالتَّسْهِيلِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ أَنَّ عَلَى هَذَا الْأَصْحَابُ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِمَا: وَمَنْ صَامَ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَمْ يَرَهُ مَعَ الْغَيْمِ أَفْطَرَ، وَمَعَ الصَّحْوِ يَصُومُ الْحَادِيَ وَالثَّلَاثِينَ، هذا هو
__________
1 في "س": "بشهادة".
2 4/420.
3 2/232.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/344.(4/419)
يُفْطِرُوا، لِأَنَّ الصَّوْمَ إنَّمَا كَانَ احْتِيَاطًا، فَمَعَ مُوَافَقَتِهِ لِلْأَصْلِ وَهُوَ بَقَاءُ رَمَضَانَ أَوْلَى، وَقِيلَ: بَلَى، قَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: إنْ صَامُوا جَزْمًا مَعَ الْغَيْمِ أَفْطَرُوا وَإِلَّا فَلَا، فَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ غُمَّ هِلَالُ شَعْبَانَ وَهِلَالُ رَمَضَانَ فَقَدْ نَصُومُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، حَيْثُ نَقَصْنَا رَجَبًا وَشَعْبَانَ وَكَانَا كَامِلَيْنِ، وَكَذَا الزِّيَادَةُ إنْ غُمَّ هِلَالُ رَمَضَانَ وَشَوَّالٍ وَأَكْمَلْنَا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ وَكَانَا نَاقِصَيْنِ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَعَلَى هَذَا فَقِسْ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ مُطْلَقًا، قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ. قَالُوا يَعْنِي الْعُلَمَاءَ لَا يَقَعُ النَّقْصُ مُتَوَالِيًا فِي أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ1 مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ: "شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ". نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ وَالْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُمَا: لَا يَجْتَمِعُ نُقْصَانُهُمَا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ: غَالِبًا، وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ تَأْوِيلَ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى السَّنَةِ الَّتِي قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فِيهَا. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: لَا أَدْرِي مَا هَذَا؟ قَدْ رَأَيْنَاهُمَا يَنْقُصَانِ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: مَعْنَاهُ ثَوَابُ الْعَامِلِ فِيهِمَا عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَالْيَوْمُ وَاحِدٌ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ لَا يَنْقُصُ ثَوَابُهُمَا وَإِنْ نَقَصَ الْعَدَدُ، وِفَاقًا لِإِسْحَاقَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ، قَالَ: وَيَزِيدُهُمَا فَضْلًا إنْ كَانَا كَامِلَيْنِ، قَالَ الْقَاضِي: الْأَشْبَهُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ فِيهِ دَلَالَةً عَلَى مُعْجِزَةِ النُّبُوَّةِ، لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا يَكُونُ فِي الثَّانِي، وَمَا ذَهَبُوا إلَيْهِ فإنما هُوَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الصَّحِيحُ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَهُ الْفِطْرُ بَعْدَ إكْمَالِ الثَّلَاثِينَ، صَحْوًا كَانَ أَوْ غَيْمًا، وَإِنْ صَامَ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي شَهَادَةِ الِاثْنَيْنِ، وَقِيلَ: لَا يُفْطِرُ بِحَالٍ. انْتَهَى.
__________
1 البخاري "1912"، ومسلم "1089" "31".(4/420)
إثْبَاتُ حُكْمٍ كَذَا قَالَ. وَإِنْ صَامُوا ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ رَأَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ قَضَوْا يَوْمًا فَقَطْ، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلِبُعْدِ الْغَلَطِ بِيَوْمَيْنِ. وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ وَاحْتِمَالٌ.
وَمَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَحُكْمُهُ "و" لِلْعُمُومِ، وَكَعِلْمِ فَاسِقٍ بِنَجَاسَةِ مَاءٍ أَوْ دَيْنٍ عَلَى مَوْرُوثِهِ، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إمْسَاكُهُ لَوْ أَفْطَرَ فِيهِ، وَيَقَعُ طَلَاقُهُ وَعِتْقُهُ الْمُعَلَّقُ بِهِلَالِ رَمَضَانَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ الرَّمَضَانِيَّةِ، وَلِهَذَا فَارَقَ غَيْرُهُ مِنْ النَّاسِ، وَلَيْسَتْ الْكَفَّارَةُ عُقُوبَةً مَحْضَةً، بَلْ هِيَ عِبَادَةٌ أَوْ فِيهَا شَائِبَةُ الْعِبَادَةِ، بِخِلَافِ الْحَدِّ، وَيَأْتِي فِي صَوْمِ الْمُسَافِرِ أَنَّ الْخِلَافَ لَيْسَ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِهَا1. ذَكَرَ ذَلِكَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ عَلَى رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: لَا يَلْزَمُهُ صَوْمٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِهِ.
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: "صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ2، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَفِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَهُمْ، وَتَكَلَّمَ فيه ابن حبان،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ص 444.
2 أبو داود "2324"، والترمذي "697"، وابن ماجه "1660".(4/421)
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْإِسْنَادُ جَيِّدٌ، فَذَكَرَ الْفِطْرَ وَالْأَضْحَى فَقَطْ، وَمَذْهَبُ "هـ" إنْ وَطِئَ فِيهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَوْلَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، كَذَا قَالَ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا. قَالَ: وَلَا غَيْرُهُ. وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يُفْطِرُ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ صِيَامِ النَّاسِ؟ فِيهِ وجهان ذكرهما أبو الخطاب "م 5"، وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمَا وُقُوعُ طَلَاقِهِ وَحِلُّ دَيْنِهِ الْمُعَلَّقَيْنِ بِهِ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ يَقَعُ وَيَحِلُّ.
وَإِنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ لَمْ يُفْطِرْ، نَقَلَهُ الجماعة "وهـ م" لِلْخَبَرِ السَّابِقِ، وَقَالَهُ عُمَرُ1 وَعَائِشَةُ2، وَاحْتِمَالُ خَطَئِهِ وَتُهْمَتِهِ، فَوَجَبَ الِاحْتِيَاطُ.
قَالَ شَيْخُنَا: وَكَمَا لَا يُعَرِّفُ وَحْدَهُ وَلَا يُضَحِّيَ وَحْدَهُ، قَالَ: والنزاع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ - 5: قَوْلُهُ: مَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ لَزِمَهُ الصَّوْمُ فَعَلَيْهِ هَلْ يُفْطِرُ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ صِيَامِ النَّاسِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا أَبُو الْخَطَّابِ، انْتَهَى، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ: قُلْت: فَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يُفْطِرُ مَعَ النَّاسِ أَوْ قَبْلَهُمْ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، انْتَهَى:
أَحَدُهُمَا: لَا يُفْطِرُ: قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ، 3"وَقَوَاعِدُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ تَقْتَضِيهِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَهُ بَعْدَ ذَلِكَ"3.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُفْطِرُ، لِلُزُومِهِ بالصوم في أوله برؤيته.
__________
1 سيورده صاحب الحاشية ص 424 تعليق رقم "2".
2 لم أقف عليه.
3 ليست في "ح".(4/422)
مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْهِلَالَ هَلْ هُوَ اسْمٌ لِمَا يَطْلُعُ فِي السَّمَاءِ وَإِنْ لم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(4/423)
يُشْتَهَرْ وَلَمْ يُرَ أَوْ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى هِلَالًا إلَّا بِالظُّهُورِ وَالِاشْتِهَارِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(4/424)
وَقَالَ أَبُو حَكِيمٍ: يَتَخَرَّجُ أَنْ يُفْطِرَ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَجِبُ أَنْ يُفْطِرَ سِرًّا "وش" لِأَنَّهُ يَتَيَقَّنُهُ يَوْمَ الْعِيدِ، وَعَلَّلَ ابْنُ عَقِيلٍ بِمَا فِيهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ، كَتَرْكِهِ بِنَاءَ الْكَعْبَةِ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ وَقَتْلَ الْمُنَافِقِينَ، قَالَ: وَلِأَنَّ الْحُقُوقَ يُحْكَمُ بِهَا عَلَيْهِ فِيمَا يَخُصُّهُ، كَذَا الْفِطْرُ، وَلَمَّا اُحْتُجَّ عَلَى الْقَاضِي بِثُبُوتِ الْحُقُوقِ الَّتِي عَلَيْهِ أَجَابَ بِأَنَّا لَا نَعْرِفُ الرِّوَايَةَ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ فَرَّقَ بِأَنَّهَا عَلَيْهِ وَالْفِطْرُ حَقٌّ لَهُ، كَاللَّقِيطِ إذَا أَقَرَّ بِأَنَّهُ عَبْدٌ يُقْبَلُ فِيمَا عَلَيْهِ وَهُوَ الرِّقُّ، وَلَمْ يُقْبَلْ فِيمَا لَهُ مِنْ إبْطَالِ الْعُقُودِ.
قِيلَ لِابْنِ عَقِيلٍ: فَيَجِبُ مَنْعُ مُسَافِرٍ وَمَرِيضٍ وَحَائِضٍ مِنْ الْفِطْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(4/425)
ظَاهِرًا، لِئَلَّا يُتَّهَمَ، فَقَالَ: إنْ كَانَتْ أَعْذَارًا خَفِيَّةً مُنِعَ مِنْ إظْهَارِهِ، كَمَرَضٍ لَا أَمَارَةَ لَهُ وَمُسَافِرٍ لَا عَلَامَةَ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ يُنْكَرُ عَلَى مَنْ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ ظَاهِرًا، وَإِنْ جَازَ هُنَاكَ عُذْرٌ فَظَاهِرُهُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَكْرَهُ الْمَدْخَلَ السُّوءَ. وَفِي الرِّعَايَةِ فِيمَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ. وَعَنْهُ: يُفْطِرُ، وَقِيلَ: سِرًّا، كَذَا قَالَ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: لَا يَجُوزُ إظْهَارُ الْفِطْرِ "ع".
قَالَ: وَالْمُنْفَرِدُ بِمَفَازَةٍ لَيْسَ بِقُرْبِهِ بَلَدٌ يَبْنِي عَلَى يَقِينِ رُؤْيَتِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ مُخَالَفَةَ الْجَمَاعَةِ بَلْ الظَّاهِرُ الرُّؤْيَةُ بِمَكَانٍ آخَرَ. وَإِنْ رَآهُ عَدْلَانِ وَلَمْ يَشْهَدَا عِنْدَ الْحَاكِمِ أَوْ شَهِدَا فَرَدَّهُمَا لِجَهْلِهِ بِحَالِهِمَا لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا وَلَا لِمَنْ عَرَفَ عَدَالَتَهُمَا الْفِطْرُ بِقَوْلِهِمَا، فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ، قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، لِمَا سَبَقَ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ وَتَشْتِيتِ الْكَلِمَةِ وَجَعْلِ مَرْتَبَةِ الْحَاكِمِ لِكُلِّ إنْسَانٍ، وَجَزَمَ الشَّيْخُ بِالْجَوَازِ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فصوموا وأفطروا" رواه أحمد والنسائي1.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أحمد في "مسنده" "18895"، والنسائي 4/133، من حديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب.(4/427)
فَصْلٌ: وَإِذَا اشْتَبَهَتْ الْأَشْهُرُ عَلَى الْأَسِيرِ
وَالْمَطْمُورِ وَمَنْ بِمَفَازَةٍ وَنَحْوِهِمْ تَحَرَّى وَصَامَ، فَإِنْ وَافَقَ الشَّهْرَ أَوْ مَا بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ "و" فَلَوْ وَافَقَ رَمَضَانُ السَّنَةَ الْقَابِلَةَ فَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ وَاحِدٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(4/427)
مِنْهُمَا إنْ اعْتَبَرْنَا مِنْهُ التَّعْيِينَ، وَإِلَّا وَقَعَ الثَّانِي وَقَضَى الْأَوَّلَ، وَإِنْ وَافَقَ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ "و" لَا أَنَّهُ، إنْ تَكَرَّرَ قَبْلَهُ يَقْضِي السَّنَةَ الْأَخِيرَةَ فَقَطْ "هـ"، وَلَوْ صَامَ شَعْبَانَ 1"ثَلَاثَ سِنِينَ"1 مُتَوَالِيَةً ثُمَّ عَلِمَ صَامَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، كُلُّ شَهْرٍ عَلَى أَثَرِ شَهْرٍ، كَالصَّلَاةِ إذَا فَاتَتْهُ، نَقَلَهُ مُهَنَّا، وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ.
وَمُرَادُهُمْ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ كَالشَّكِّ فِي دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، عَلَى مَا سَبَقَ2، وَسَبَقَ فِي بَابِ النِّيَّةِ: تَصِحُّ نِيَّةُ الْقَضَاءُ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ وَعَكْسِهِ إذَا بَانَ خِلَافُ ظَنِّهِ لِلْعَجْزِ عَنْهَا، وَإِنْ تَحَرَّى وَشَكَّ وَقَعَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ، كَمَنْ تَحَرَّى فِي الْغَيْمِ وَصَلَّى، وَمَنْ صَامَ بِلَا اجْتِهَادٍ فَكَمَنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ، وَإِنْ ظَنَّ أَنَّ الشَّهْرَ لَمْ يَدْخُلْ فَصَامَ لَمْ يُجْزِئْهُ وَلَوْ أَصَابَ، وَسَبَقَ فِيهِ فِي الْقِبْلَةِ وَجْهٌ3، وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي دُخُولِهِ. وَقَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، كَذَا قَالَ. وَنَقَلَ مُهَنَّا: إنْ صَامَ لَا يَدْرِي هُوَ رَمَضَانُ أَوْ لَا فَإِنَّهُ يَقْضِي إذَا كَانَ لَا يَدْرِي، وَيَأْتِي حُكْمُ الْقَضَاءِ فِي بَابِهِ4.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س": ثلاثين يوما.
2 2/136.
3 2/129.
4 5/63.(4/428)
فَصْلٌ: صَوْمُ رَمَضَانَ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ
بَالِغٍ عَاقِلٍ قَادِرٍ مُقِيمٍ "ع"، وَسَبَقَ حُكْمُ الْكَافِرِ أَوَّلَ كِتَابِ الصَّلَاةِ1، وَلَا يَجِبُ عَلَى صبي "و"،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 1/401 وما بعدها.(4/428)
وَعَنْهُ: بَلَى إنْ أَطَاقَهُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى. وَقَالَهُ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ الْمَالِكِيُّ، وَأَطْلَقَ ابْنُ عَقِيلٍ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْمُرَادُ الْمُمَيِّزُ، كَمَا ذَكَرَ جَمَاعَةٌ. وَحَدَّ ابْنُ أَبِي مُوسَى طَاقَتَهُ بِصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ وَلَا يَضُرُّهُ، لِخَبَرٍ مُرْسَلٍ، وَعَنْهُ: يَلْزَمُ مَنْ بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ وَأَطَاقَهُ، وَقَدْ قَالَ الْخِرَقِيُّ: يُؤْخَذُ بِهِ إذَنْ.
قَالَ الْأَكْثَرُ: يُؤْمَرُ بِهِ الصَّبِيُّ إذَا أَطَاقَهُ "م" وَيُضْرَبُ عَلَيْهِ لِيَعْتَادَهُ، أَيْ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ ذَلِكَ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ قَوْلَ الْخِرَقِيِّ وَقَالَ: اعْتِبَارُهُ بِالْعَشْرِ أَوْلَى، لِأَمْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالضَّرْبِ عَلَى الصَّلَاةِ عِنْدَهَا1.
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: لَا يُؤْخَذُ بِهِ، وَيُضْرَبُ عَلَيْهِ فِيمَا دُونَ الْعَشْرِ كَالصَّلَاةِ، وَإِنْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ فِي 2"أَثْنَاءِ الشَّهْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ مَا سَبَقَ مِنْهُ خِلَافًا لِعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ.
وَإِنْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ"2 أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ فِي النَّهَارِ لَزِمَهُ إمْسَاكُ ذَلِكَ الْيَوْمِ "م ش" وَقَضَاؤُهُ "خ" في ظاهر المذهب، لأمره عليه السلام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه أبو داود "494".
2 ليست في "ب".(4/429)
بإمساك يوم عاشوراء1، ولحرمة الوقت "وهـ"2، وَكَقِيَامِ بَيِّنَةٍ فِيهِ بِالرُّؤْيَةِ، كَمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ بِآخِرِ وَقْتِهَا، وَكَالْمُحْرِمِ يَلْزَمُهُ صَوْمُ يَوْمٍ عَنْ بَعْضِ مَدٍّ فِي الْفِدْيَةِ، وَعَنْهُ: لَا يَجِبَانِ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي الْمَجْنُونِ: هَلْ يَقْضِي3؟ وَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى الصَّبِيِّ عَصَى بِالْفِطْرِ وَأَمْسَكَ، وَيَقْضِي كَالْبَالِغِ. وَإِنْ نَوَى الْمُمَيِّزُ الصَّوْمَ ثُمَّ بَلَغَ فِي النَّهَارِ بِسِنٍّ أَوْ احْتِلَامٍ وَقُلْنَا يَقْضِي لَوْ بَلَغَ مُفْطِرًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي، كَنَذْرِهِ إتْمَامَ نَفْلٍ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، كَقِيَامِ الْبَيِّنَةِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ وَهُوَ فِي نَفْلٍ مُعْتَادٍ "م 6". وَسَبَقَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ - 6: قَوْلُهُ: وَإِنْ نَوَى الْمُمَيِّزُ الصَّوْمَ ثُمَّ بَلَغَ فِي النَّهَارِ بِسِنٍّ أَوْ احْتِلَامٍ وَقُلْنَا يَقْضِي لَوْ بَلَغَ مُفْطِرًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي، كَنَذْرِهِ إتْمَامَ نَفْلٍ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، كَقِيَامِ الْبَيِّنَةِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ وَهُوَ فِي نَفْلٍ مُعْتَادٍ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُغْنِي4، وَالْكَافِي5 وَالْمُقْنِعِ6، وَالْهَادِي، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَمُحَرَّرِهِ، وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالشَّرْحِ6 وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُ الْقَاضِي هُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبُلْغَةِ: لَا قَضَاءَ فِي الْأَصَحِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَشَرْحِ ابْنُ مُنَجَّى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ ابْنِ رزين وغيرهم.
__________
1 أخرج عبد الرزاق في "مصنفه" من حديث معبد القرشي قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقديد، فأتاه رجل، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أطعمت اليوم شيئا؟ " - ليوم عاشوراء - قال: لا، إلا أني شربت ماء، قال: "فلا تطعم حتى مغرب الشمس، وأمر من وراءك أن يصوم هذا اليوم".
2 ليست في "ب" و"س" و"ط".
3 ص 435.
4 4/414.
5 2/221.
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/361.(4/430)
الوجوب في أحدهما وتجدده في الآخر مُلْغًى بِمَا لَوْ كَانَا مُفْطِرَيْنِ، وَكَبُلُوغِهِ فِي صَلَاةٍ وَحَجٍّ، فَعَلَى هَذَا هُوَ كَمُسَافِرٍ قَدِمَ صَائِمًا يَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ وَحُكِيَ قَوْلٌ هُنَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ كَبُلُوغِهِ مُفْطِرًا "*".
وَإِنْ طَهُرَتْ حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ، أَوْ قَدِمَ مُسَافِرٌ أَوْ أَقَامَ مُفْطِرًا، أَوْ بَرِئَ مَرِيضٌ مُفْطِرًا، لَزِمَهُمْ الْإِمْسَاكُ على الأصح "وهـ" كَالْقَضَاءِ "ع" وَكَمُقِيمٍ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ "و"1 سَافَرَ، أَوْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ لَا. نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَحَنْبَلٌ، وَيُعَايَى بِهَا، وَيَتَوَجَّهُ: لَا إمْسَاكَ مَعَ حَيْضٍ، وَمَعَ السَّفَرِ خِلَافٌ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ رِوَايَةٌ فِي صَائِمٍ أَفْطَرَ عَمْدًا أَوْ لَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ حَتَّى أَصْبَحَ: لَا إمْسَاكَ عَلَيْهِ، كَذَا قَالَ. وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ2 الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْإِمْسَاكِ. وقال في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَمَا قِيسَ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَا يُشَابِهُ مَسْأَلَتَنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ.
تَنْبِيهَانِ:
"*" 3"الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: فَعَلَى هَذَا هُوَ كَمُسَافِرٍ قَدِمَ صَائِمًا يَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ وَعَلَى الْأَوَّلِ، هُوَ كَبُلُوغِهِ مُفْطِرًا، انْتَهَى، هَذَا سَهْوٌ، وَصَوَابُهُ: فَعَلَى الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، هُوَ كَمُسَافِرٍ قَدِمَ صَائِمًا، وَعَلَى الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ، هُوَ كَبُلُوغِهِ مُفْطِرًا. وَهُوَ واضح، وصرح به المجد وغيره"3.
__________
1 ليست في "س" و"ب".
2 في "س": "الحلواني".
3 ليست في "ح".(4/431)
الْفُصُولِ: يُمْسِكُ مَنْ لَمْ يُفْطِرْ وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ. وذكر الْحَلْوَانِيُّ: إذَا قَالَ الْمُسَافِرُ: أُفْطِرُ غَدًا، كَقُدُومِهِ مُفْطِرًا. وَجَعَلَهُ الْقَاضِي مَحَلَّ وِفَاقٍ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْإِمْسَاكُ فَقَدِمَ مُسَافِرٌ مُفْطِرًا فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا لَهُ أَنْ يَطَأَهَا، وَإِنْ بَرِئَ مَرِيضٌ صَائِمًا أَوْ قَدِمَ مُسَافِرٌ أَوْ أَقَامَ صَائِمًا لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ "و" وَأَجْزَأَ "و" كَمُقِيمٍ صَائِمٍ مَرِضَ ثُمَّ لَمْ يُفْطِرْ حَتَّى عُوفِيَ "و" وَلَوْ وَطِئَهَا فِيهِ كَفَّرَا، نَصَّ عَلَيْهِ "هـ" كَمُقِيمٍ وَطِئَ ثُمَّ سَافَرَ، وَإِنْ عَلِمَ مُسَافِرٌ أَنَّهُ يَقْدَمُ غَدًا لَزِمَهُ الصَّوْمُ، نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ وَأَبُو دَاوُد، كَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ يَقْدُمُ فُلَانٌ وَعَلِمَ قُدُومَهُ فِي غَدٍ، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَبْلُغُ فِي غَدٍ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ "و" لِوُجُودِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ أَقْيَسُ، لِأَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ مَنْ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ لَهُ الْفِطْرُ، وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالرُّؤْيَةِ فِي يَوْمٍ مِنْهُ أَمْسَكَ "و" وَقَضَى "و" وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً: لَا يَلْزَمُ الْإِمْسَاكُ، وَقَالَهُ عَطَاءٌ، وَخَرَّجَ فِي الْمُغْنِي عَلَى قَوْلِ عَطَاءٍ مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ وَقَدْ طَلَعَ وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَقَالَ شَيْخُنَا: يُمْسِكُ وَلَا يَقْضِي، وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالرُّؤْيَةِ إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ لَمْ يَقْضِ.
وَالرِّدَّةُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّوْمِ "ع" فَلَوْ ارْتَدَّ فِي يَوْمٍ ثُمَّ أَسْلَمَ فِيهِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ ارْتَدَّ فِي لَيْلَتِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ فِيهِ فَجَزَمَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ بِقَضَائِهِ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: يَنْبَنِي عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا وُجِدَ الْمُوجِبُ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ، فَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ وَجَبَ هُنَا وَإِلَّا فَلَا، وَمَذْهَبُ "هـ" لَا يَقْضِي، لِوُجُوبِ الْمُسْقِطِ، وَمَذْهَبُ "ش" يَقْضِي، لِأَنَّ الرِّدَّةَ لَا تَمْنَعُ الْوُجُوبَ عِنْدَهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(4/432)
وَإِنْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِي يَوْمٍ فَقَالَ أَحْمَدُ: تُمْسِكُ، كَمُسَافِرٍ قَدِمَ، وَجَعَلَهَا الْقَاضِي كَعَكْسِهَا1، تَغْلِيبًا لِلْمُوجِبِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمَنْثُورِ، وَذَكَرَ فِي الْفُصُولِ فِيمَا إذَا طَرَأَ الْمَانِعُ رِوَايَتَيْنِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ - وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ - إنْ طَرَأَ جُنُونٌ وَقُلْنَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ وَإِنَّهُ لَا يَقْضِي أَنَّهُ هَلْ يَقْضِي عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي إفَاقَتِهِ2 فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ، بِجَامِعِ أَنَّهُ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنْ الْوَقْتِ؟.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا إمْسَاكَ مَعَ الْمَانِعِ، وَهُوَ أَظْهَرُ، وَلَا يَلْزَمُ الْإِمْسَاكُ مَنْ أَفْطَرَ فِي صَوْمٍ وَاجِبٍ غَيْرِ رَمَضَانَ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ مَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ يُمْسِكُ إذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ قُدُومِ زَيْدٍ، وَأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ، فَإِنَّهُمْ إذَا قَالُوهُ فِي هَذَا الْمَعْذُورِ فَغَيْرُ المعذور أولى، قال: ولا وجه له
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل و"ب": "كغسلها".
2 في "س": "إقامته".(4/433)
عِنْدِي فِي الْمَوْضِعَيْنِ، لِأَنَّ الْحُرْمَةَ هُنَا لِلْعِبَادَةِ خَاصَّةً، وَقَدْ فُقِدَتْ، كَذَا قَالَ، وَلَا يَلْزَمُ التَّعْيِينُ زَمَنَ الْعِبَادَةِ، فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ، كَرَمَضَانَ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَقَالَ فِيهَا فِي الْخِلَافِ: وَفِي صَوْمِ النَّذْرِ لَا يَلْزَمُ الْإِمْسَاكُ، قَالَ: لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لَوْ أَفْطَرَ عَمْدًا بِلَا عُذْرٍ، لِأَنَّهُ لَا تَلْحَقُهُ تُهْمَةٌ، بِخِلَافِ رَمَضَانَ، كَذَا قَالَ.
وَمَنْ نَوَى الصَّوْمَ لَيْلًا ثُمَّ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جَمِيعَ النَّهَارِ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ "هـ" لِأَنَّ الصَّوْمَ الْإِمْسَاكُ مَعَ النِّيَّةِ.
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ خَرَّجَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ رِوَايَةٍ صِحَّةَ صَوْمِ رَمَضَانَ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي أَوَّلِهِ أَنَّهُ لَا يَقْضِي مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَيَّامًا بَعْدَ نِيَّتِهِ الْمَذْكُورَةِ؛ وَإِنْ أَفَاقَ الْمُغْمًى عَلَيْهِ فِي جُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ صَحَّ صَوْمُهُ، لِدُخُولِهِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي" 1. وَمَذْهَبُ "م ق"، إنْ كَانَ مُفِيقًا2 أَوَّلَ الْيَوْمِ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا، لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ أَحَدُ رُكْنَيْ الصَّوْمِ، فَاعْتُبِرَ لِأَوَّلِهِ كَالنِّيَّةِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه البخاري "7492"، ومسلم "1151" "160".
2 في "ط": "مقيما".(4/434)
وَاعْتَبَرَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إفَاقَتَهُ أَكْثَرَ الْيَوْمِ، وَلَا يُفْسِدُ قَلِيلُ الْإِغْمَاءِ الصَّوْمَ "ق".
وَالْجُنُونُ كَالْإِغْمَاءِ "و" وَقِيلَ: يَفْسُدُ الصَّوْمُ بِقَلِيلِهِ، اخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّا وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ "وق" الْجَدِيدُ، كَالْحَيْضِ، بَلْ أَوْلَى، لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ.
وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: هَلْ مِنْ شَرْطِ إفَاقَتِهِ جَمِيعَ يَوْمِهِ أَوْ يَكْفِي بَعْضُهُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَإِنْ نَامَ جَمِيعَ النَّهَارِ صَحَّ صَوْمُهُ "و" خِلَافًا لِلْإِصْطَخْرِيِّ الشَّافِعِيِّ. لِأَنَّهُ إجْمَاعٌ قَبْلَهُ، وَلِأَنَّهُ مُعْتَادٌ إذَا نُبِّهَ انْتَبَهَ، فَهُوَ كَذَاهِلٍ وَسَاهٍ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الصَّوْمُ مَعَ الْإِغْمَاءِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ فِي الْأَصَحِّ "و" لِأَنَّهُ مَرِضَ، 1"وَلِأَنَّهُ يُغَطِّي الْعَقْلَ"1، وَلَا يَرْفَعُ التَّكْلِيفَ، وَلَا تَطُولُ مُدَّتُهُ، وَلَا وِلَايَةَ عَلَى صَاحِبِهِ، وَيَدْخُلُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ؛ بِخِلَافِ الْجُنُونِ. وَلَا يَلْزَمُ الْمَجْنُونَ الْقَضَاءُ سَوَاءٌ فَاتَ بِالْجُنُونِ الشَّهْرُ أَوْ بَعْضُهُ "وش" وَعَنْهُ: يَقْضِي "وم" وَعَنْهُ: إنْ أَفَاقَ فِي الشَّهْرِ قَضَى وَإِنْ أَفَاقَ بَعْدَهُ لَمْ يَقْضِ "وهـ" لِعِظَمِ مَشَقَّةِ الْقَضَاءِ.
وَمَنْ جُنَّ فِي صَوْمِ قَضَاءٍ وَكَفَّارَةٍ وَنَحْوِ ذلك قضاه بالوجوب السابق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ب": "يعطى العقد".(4/435)
فَصْلٌ: يُكْرَهُ الصَّوْمُ وَإِتْمَامُهُ
لِمَرِيضٍ يَخَافُ زِيَادَةَ مَرَضِهِ أَوْ طُولَهُ، وَالصَّحِيحُ1 مَرِضَ فِي يَوْمِهِ أَوْ خَافَ مَرَضًا بِعَطَشٍ أَوْ غَيْرِهِ "ع" وَيُجْزِئُهُ "و" كَمَرِيضٍ يُبَاحُ لَهُ تَرْكُ الْقِيَامِ أو الجمعة أو يباح له التيمم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط": "والصحيح".(4/435)
قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَقِيَاسُ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ صَوْمَ الْمُسَافِرِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ أَنَّ الْمَرِيضَ كَذَلِكَ وَأَوْلَى.
وَمَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّدَاوِي فِي مَرَضِهِ "*" وَتَرْكُهُ يَضُرُّ بِهِ فَلَهُ التَّدَاوِي، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ فِي مَنْ بِهِ رَمَدٌ يَخَافُ الضَّرَرَ بِتَرْكِ الِاكْتِحَالِ لِتَضَرُّرِهِ بِالصَّوْمِ كَتَضَرُّرِهِ بِمُجَرَّدِ الصوم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"*" الثَّانِي: قَوْلُهُ: "مَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّدَاوِي فِي مَرَضِهِ" كَذَا فِي النُّسَخِ وَلَعَلَّهُ وَمَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّدَاوِي فِي صَوْمِهِ. أَوْ: وَمَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّدَاوِي فِي مَرَضِهِ إلَّا1 بِفِطْرِهِ، فَيَكُونُ
__________
1 في "ح": "لا".(4/436)
وَلَا يُفْطِرُ مَرِيضٌ لَا يَتَضَرَّرُ بِالصَّوْمِ "و" وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ فِي وَجَعِ رَأْسٍ وَحُمَّى ثُمَّ قَالَ: قُلْت إلَّا أَنْ يَتَضَرَّرَ، كَذَا قَالَ، وَقِيلَ لِأَحْمَدَ: مَتَى يُفْطِرُ الْمَرِيضُ؟ قَالَ: إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ الصَّوْمَ1. قِيلَ: مِثْلُ الْحُمَّى؟ قَالَ: وَأَيُّ مَرَضٍ أَشَدُّ مِنْ الْحُمَّى؟ وَمَنْ خَافَ تَلَفًا بِصَوْمِهِ كُرِهَ وَأَجْزَأهُ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَالِانْتِصَارِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا: يَحْرُمُ "وم" وَلَمْ أَجِدْ ذَكَرُوا فِي الْإِجْزَاءِ خِلَافًا، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِي صَوْمِ الظِّهَارِ أَنَّهُ يَجِبُ فِطْرُهُ بِمَرَضٍ مَخُوفٍ، وَقِيلَ لِلْقَاضِي فِي الْخِلَافِ يَوْمَ العيد يحرم صومه بخلاف سَائِرِ الْأَيَّامِ فَقَالَ: هَذَا لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ، يَدُلُّ عَلَيْهِ لَوْ نَذَرَ صِيَامَ يَوْمٍ هُوَ مَرِيضٌ فِيهِ مَرَضًا مَخُوفًا فَإِنَّهُ يُفْطِرُ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَإِنْ كَانَ مَعْصِيَةً. وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: مَنْ صَنْعَتُهُ شَاقَّةٌ فَإِنْ خَافَ تَلَفًا أَفْطَرَ وَقَضَى، وَإِنْ لَمْ يَضُرَّهُ تَرْكُهَا أَثِمَ، وَإِلَّا فَلَا، قَالَ: هَذَا قَوْلُ الْفُقَهَاءِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَسَبَقَ هَذَا الْمَعْنَى فِي تَرْتِيبِ الصَّلَوَاتِ2.
وَإِنْ خَافَ بِالصَّوْمِ ذَهَابَ مَالِهِ فَسَبَقَ أَنَّهُ عُذِرَ في ترك الجمعة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
فِيهِ نَقْصٌ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ.
__________
1 ليست في "س" و"ب".
2 1/440.(4/437)
وَالْجَمَاعَةِ1 وَفِي صَلَاةِ الْخَوْفِ2. وَإِنْ أَحَاطَ الْعَدُوُّ ببلد والصوم يضعفهم فهل يجوز الفطر "وم"؟ ذَكَرَ الْخَلَّالُ رِوَايَتَيْنِ. وَيُعَايَى بِهَا.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ حَصَرَ3 الْعَدُوُّ بَلَدًا أَوْ قَصَدُوا عَدُوًّا بِمَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ لَمْ يَجُزْ الْفِطْرُ وَالْقَصْرُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: إذَا كَانُوا بِأَرْضِ الْعَدُوِّ وَهُمْ بِالْقُرْبِ أَفْطَرُوا عِنْدَ الْقِتَالِ "م 7"، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِيمَنْ هُوَ فِي الْغَزْوِ وَتَحْضُرُ الصَّلَاةُ وَالْمَاءُ إلَى جَنْبِهِ يَخَافُ إنْ ذَهَبَ إلَيْهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ فَوْتَ مَطْلُوبِهِ، فَعَنْهُ: يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَعَنْهُ: لَا يَتَيَمَّمُ وَيُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ. وَعَنْهُ: إنْ لَمْ يَخَفْ على نفسه توضأ وصلى، وسبق في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ - 7: قَوْلُهُ: وَإِنْ أَحَاطَ الْعَدُوُّ بِبَلَدٍ وَالصَّوْمُ يُضْعِفُهُمْ فَهَلْ يَجُوزُ الْفِطْرُ؟ ذَكَرَ الْخَلَّالُ رِوَايَتَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ إنْ حَصَرَ3 الْعَدُوُّ بَلَدًا أَوْ قَصَدُوا عَدُوًّا بِمَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ لَمْ يَجُزْ الْفِطْرُ وَالْقَصْرُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ إذَا كَانُوا بِأَرْضِ الْعَدُوِّ وَهُوَ بِالْقُرْبِ أَفْطَرُوا عِنْدَ القتال4، انْتَهَى. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: قَالَ الْقَاضِي: فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ، ذَكَرَهُمَا الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ "السير"5، نَقَلْت ذَلِكَ مِنْ خَطِّ الْقَاضِي عَلَى ظَهْرِ الْجُزْءِ الْعِشْرِينَ مِنْ تَعَالِيقِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْجَارِيَةِ فِي النَّظَرِ، وَالْخَطُّ مَقْلُوبٌ، انْتَهَى:
إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ الْفِطْرُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، وَقَدْ اخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْفِطْرَ، لِلتَّقَوِّي عَلَى الْجِهَادِ وَفَعَلَهُ وَأَمَرَ بِهِ لَمَّا نَازَلَ الْعَدُوَّ دِمَشْقَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ مِنْ الشَّافِي، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أكثر6 الأصحاب.
__________
1 3/61.
2 3/131.
3 في "ص": "حضر".
4 في "ط": "القتل".
5 في "ط": "التيسير".
6 ليست في "ط".(4/438)
التَّيَمُّمِ1 "م 8"، وَمَنْ بِهِ شَبَقٌ يَخَافُ تَنْشَقَّ مَثَانَتُهُ جَامَعَ وَقَضَى وَلَا يُكَفِّرُ، نَقَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ، قَالَ الْأَصْحَابُ: هَذَا إنْ لَمْ تَنْدَفِعْ شَهْوَتُهُ بِدُونِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ لَا يُفْسِدَ صَوْمَ زَوْجَتِهِ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ لِلضَّرُورَةِ، وَمَعَ الضَّرُورَةِ إلَى وَطْءِ حَائِضٍ وَصَائِمَةٍ فَقِيلَ: الصَّائِمَةُ أَوْلَى، لِتَحْرِيمِ الْحَائِضِ بِالْكِتَابِ. وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ لِإِفْسَادِ صَوْمِهَا "م 9"، وَإِنْ تعذر قضاؤه لدوام شبقه فكالشيخ الهم2 عَلَى مَا يَأْتِي3.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ - 8: قَوْلُهُ: وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِيمَنْ هُوَ فِي الْغَزْوِ وَتَحْضُرُ الصَّلَاةُ وَالْمَاءُ إلَى جَنْبِهِ يَخَافُ إنْ ذَهَبَ إلَيْهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ فَوْتَ مَطْلُوبِهِ، فَعَنْهُ: يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعَنْهُ: لَا يَتَيَمَّمُ وَيُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ، وَعَنْهُ: إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ تَوَضَّأَ وَصَلَّى، وَسَبَقَ فِي التَّيَمُّمِ، انْتَهَى.
قُلْت: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ التَّيَمُّمُ وَالصَّلَاةُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فِي الْخَائِفِ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ4 فِي الْغَازِي إذَا كَانَ بِقُرْبِهِ الْمَاءُ وَيَخَافُ إنْ ذَهَبَ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَطْلَقَ هُنَاكَ فِي فَوْتِ مَطْلُوبِهِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ، وَصَحَّحْنَا هُنَاكَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هُنَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِشْهَادِ لِلْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَلَكِنَّ إتْيَانَهُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ يحتمل أنه حكى هذه الطريقة على صفتها5، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَتَى بِهَا كَذَلِكَ لِقُوَّةِ الْخِلَافِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَسْأَلَةٌ - 9: قَوْلُهُ: وَمَعَ الضَّرُورَةِ إلَى وَطْءِ حَائِضٍ وَصَائِمَةٍ، فَقِيلَ، الصَّائِمَةُ أولى، لتحريم الحائض بالكتاب، وقيل: يتخير لإفساد صومها، انتهى:
__________
1 1/277.
2 في "ب": "الهرم". والهم: الشيخ الفاني. "المصباح": "همم".
3 ص 445.
4 1/277.
5 في "ط": "ضعفها".(4/439)
فَصْلٌ: لِلْمُسَافِرِ الْفِطْرُ
"ع" وَهُوَ مَنْ لَهُ الْقَصْرُ "و" وَإِنْ صَامَ أَجْزَأَهُ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ "و" وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يُعْجِبُنِي، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ" 1. وَعُمَرُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَأْمُرَانِهِ بِالْإِعَادَةِ2، وَقَالَهُ الظَّاهِرِيَّةُ، وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ3، وَابْنِ عُمَرَ4، وَابْنُ عَبَّاسٍ5، وَالسُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ تَرُدُّ هذا القول، ورواية حنبل تحتمل عدم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
أَحَدُهُمَا: وَطْءُ الصَّائِمَةِ أَوْلَى، وَهُوَ الصَّحِيحُ، صَحَّحَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ الْمِائَةِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يُتَخَيَّرُ لِإِفْسَادِ صَوْمِهَا، وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْمُغْنِي6 وَالشَّرْحِ7، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَابَعَ الشَّيْخَ فِي الْمُغْنِي، لِأَنَّ مَا عَلَّلَ بِهِ الْمُصَنِّفُ بِعَيْنِهِ، فَحِينَئِذٍ يَبْقَى فِي إطلاقه الخلاف شيء، والله أعلم.
__________
1 أخرجه البخاري "1946"، ومسلم "1115" "92"، من حديث جابر.
2 أخرج عبد الرزاق في "مصنفه" "4483" أن عمر بن الخطاب أمر رجلا صام شهر رمضان في السفر أن يقضيه. وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" 3/18 عن المحرر عن أبي هريرة قال: صمت رمضان في السفر، فأمرني أبو هريرة أن أعيد الصيام في أهلي.
3 أخرج النسائي في "المجتبى" 4/182، عن عبد الرحمن بن عوف قال: الصائم في السفر كالمفطر في الحضر.
4 أخرج أحمد في "مسنده" "5392" عن أبي طعمة أنه قال: كنت عند ابن عمر إذ جاءه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن، إني أقوى على الصوم في السفر. فقال له ابن عمر: من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة.
5 أخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" 3/18 عن أبن عباس: أنه سئل عن رجل صام رمضان في سفره؟ فقال: لا يجزئه.
6 4/405.
7 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/371.(4/440)
الْإِجْزَاءِ، وَيُؤَيِّدُهُ كَثْرَةُ تَفَرُّدِ حَنْبَلٍ، وَحَمْلُهَا عَلَى رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ أَوْلَى، وَلِهَذَا نَقَلَ حَرْبٌ: لَا يَصُومُ.
قَالَ حَرْبٌ: يَقُولُهُ بِتَوْكِيدٍ، وَنَقَلَ أَيْضًا: إنْ صَامَ أَجْزَأَهُ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ. وَسَأَلَهُ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم عَنْ الصَّوْمِ فِيهِ لِمَنْ قَوِيَ فَقَالَ: لَا يَصُومُ، وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ عَنْ الْأَصْحَابِ، قَالَ: وَعِنْدِي لَا يُكْرَهُ إذَا قَوِيَ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ وَغَيْرِهِ1: لا يكون بل تركه أفضل وَلَيْسَ الْفِطْرُ أَفْضَلَ "*" "خ" وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رُخْصَةِ الْقَصْرِ أَنَّهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهَا تَبْرَأُ بِهَا الذمة. ورد بصوم المريض، وبتأخير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"*" تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ فِي فَصْلٍ: لِلْمُسَافِرِ الْفِطْرُ وَلَيْسَ الفطر أفضل صوابه وليس الصوم أفضل.
__________
1 ليست في "س" و"ب".(4/441)
الْمَغْرِبِ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ، وَسَبَقَ فِي الْقَصْرِ حُكْمُ مَنْ سَافَرَ لِيُفْطِرَ1.
وَلَا يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ أَنْ يَصُومَا فِي رَمَضَانَ عَنْ غَيْرِهِ "وم ش" كَالْمُقِيمِ الصَّحِيحِ "و" لِأَنَّهُ لَوْ قَبِلَ صَوْمًا مِنْ الْمَعْذُورِ قَبِلَهُ مِنْ غَيْرِهِ، كَسَائِرِ الزَّمَانِ الْمُتَضَيِّقِ لِعِبَادَةٍ، وَلِأَنَّ الْعَزِيمَةَ تَتَعَيَّنُ بِرَدِّ الرُّخْصَةِ، كَتَرْكِ الْجُمُعَةِ لِعُذْرٍ لَا يَجُوزُ صَرْفُ ذَلِكَ الْوَقْتِ فِي غَيْرِهِ، فَعَلَى هَذَا هَلْ يَقَعُ صَوْمُهُ بَاطِلًا؟ "وم ش" أَمْ يَقَعُ مَا نَوَاهُ؟ هِيَ مَسْأَلَةُ تَعْيِينِ النِّيَّةِ، وَمَذْهَبُ "هـ" يَجُوزُ عَنْ وَاجِبٍ لِلْمُسَافِرِ، وَلِأَصْحَابِهِ خِلَافٌ فِي الْمَرِيضِ، لِأَنَّهُ لَا يُخَيَّرُ، بَلْ إنْ تَضَرَّرَ لَزِمَهُ الْفِطْرُ وَإِلَّا لَزِمَهُ الصَّوْمُ.
وَالْأَصَحُّ عَنْ "هـ" لَا يَصِحُّ النَّفَلُ، وَلَنَا قَوْلٌ: لِلْمُسَافِرِ صَوْمُ النَّفْلِ فِيهِ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ قَلَبَ صَوْمَ رَمَضَانَ إلَى نَفْلٍ لَمْ يَصِحَّ لَهُ النَّفَلُ وَيَبْطُلُ فَرْضُهُ إلَّا عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ التَّعْيِينِ.
وَمَنْ نَوَى الصَّوْمَ فِي سَفَرِهِ فَلَهُ الْفِطْرُ "و" بِمَا شَاءَ "وهـ ش" لِفِطْرِهِ 2"عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ3، وَلِأَنَّ مَنْ لَهُ الْأَكْلُ لَهُ الْجِمَاعُ، كَمَنْ لَمْ يَنْوِ"2، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَنَّهُ يُفْطِرُ بنية الفطر، فيقع الجماع بعد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 3/84.
2 ليست في "ب".
3 منها: ما أخرجه البخاري "1944"، ومسلم "1113" "88"، عن ابن عباس: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج على مكة في رمضان فصام، حتى بلغ الكديد أفطر، فأفطر الناس. قال أبو عبد الله: والكديد ماء بين عسفان وقديد.(4/442)
الْفِطْرِ، فَعَلَى هَذَا لَا كَفَّارَةَ بِالْجِمَاعِ "وهـ ش" اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا، قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً: يُكَفِّرُ، وَجَزَمَ بِهِ عَلَى هَذَا، وَهُوَ أَظْهَرُ. وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ بِالْجِمَاعِ "وم" لِأَنَّهُ لَا يَقْوَى عَلَى السَّفَرِ، فَعَلَى هَذَا إنْ جَامَعَ كَفَّرَ "وم ر". وَعَنْهُ: لَا، لِأَنَّ الدَّلِيلَ يَقْتَضِي جَوَازَهُ، فَلَا أَقَلَّ مِنْ الْعَمَلِ بِهِ فِي إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ "وم ر"، لَكِنْ لَهُ الْجِمَاعُ بَعْدَ فِطْرِهِ بِغَيْرِهِ، كَفِطْرِهِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ، وَمَذْهَبُ "م" الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ كَالْجِمَاعِ.
وَالْمَرِيضُ الَّذِي يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ كَالْمُسَافِرِ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمَا، وَجَعَلَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَابْنُ شِهَابٍ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ أَصْلًا لِلْكَفَّارَةِ عَلَى الْمُسَافِرِ بِجَامِعِ الْإِبَاحَةِ، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ بِالْإِبَاحَةِ عَلَى النَّفْلِ، وَنَقَلَ مُهَنَّا فِي الْمَرِيضِ يُفْطِرُ بِأَكْلٍ، فَقُلْت: يُجَامِعُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، فَأَعَدْت عَلَيْهِ فَحَوَّلَ وَجْهَهُ عَنِّي، وَالْمَرَضُ الَّذِي يُنْتَفَعُ فِيهِ بِالْجِمَاعِ كَمَنْ يَخَافُ تَشَقُّقَ أُنْثَيَيْهِ لَا يُكَفِّرُ.
وَمَنْ نَوَى الصَّوْمَ ثُمَّ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُفْطِرَ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُمْ، وَيُعَايَى بِهَا، وَلَهُ الْفِطْرُ، لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ الصَّرِيحَةِ1، وَكَالْمَرَضِ الطَّارِئِ وَلَوْ بِفِعْلِهِ، وَالصَّلَاةِ لَا يُشَقُّ إتْمَامُهَا وَهِيَ آكَدُ، لِأَنَّهَا مَتَى وَجَبَ إتْمَامُهَا لَمْ تُقْصَرْ بِحَالٍ، وَكَمَا يُفْطِرُ بَعْدَ يَوْمِ سَفَرِهِ "و" خلافا لعبيدة2، وسويد بن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 تقدمت ص 440.
2 هو: أبو مسلم، عبيدة بن عمرو السلماني، اسم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين ولم يره، وكان من أعلم الناس بالفرائض. "ت 72 هـ". "العبر" 1/79، "سير أعلام النبلاء" 4/40.(4/443)
غَفَلَةَ1، وَأَبِي مِجْلَزٍ2، فَعَلَى هَذَا لَا يُفْطِرُ قَبْلَ خُرُوجِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسَافِرٍ، خِلَافًا لِلْحَسَنِ وَإِسْحَاقَ وَعَطَاءٍ، وَزَادَ: وَيَقْصُرُ. وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ "و". وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ بِجِمَاعٍ، فَعَلَى الْمَنْعِ يُكَفِّرُ مَنْ وَطِئَ "هـ م ر" وَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ كَمَنْ نَوَى الصَّوْمَ فِي سَفَرِهِ ثُمَّ جَامَعَ، وَدَعْوَى أَنَّ الْخِلَافَ شُبْهَةٌ فِي إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ مَمْنُوعٌ، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَأَبْطَلَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِالْوَطْءِ بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَإِنَّهُ زَمَنٌ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِ صَوْمِهِ، فَإِنَّ الْأَعْمَشَ وَغَيْرَهُ لَمْ يُوجِبُوهُ، وَيَبْطُلُ عِنْدَ الْحَنَفِيِّ بِوَطْئِهِ فِي مَسِيرَةِ يَوْمَيْنِ، وَيَبْطُلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَأَكْثَرِ الْمَالِكِيَّةِ بِالْوَطْءِ قَبْلَ خُرُوجِهِ عِنْدَ إرَادَةِ سَفَرِهِ، وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ: لَا كَفَّارَةَ، وَبَعْضُهُمْ قال: وإن لم يسافر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 هو: أبو أمية سويد بن غفلة بن عوسجة الجعفي الكوفي، قدم المدينة حين نفضت الأيدي من دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد فتح اليرموك، ثقة. "ت 80 هـ". "تقريب التهذيب" ص 201.
2 هو: أبو مجلز، لاحق بن حميد بن سعيد البصري. تابعي ثقة، له أحاديث. "ت 100 هـ". "تقريب التهذيب". ص 516.(4/444)
فَصْلٌ: مَنْ عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ لِكِبَرٍ
وَهُوَ الْهِمُّ وَالْهِمَّةُ، أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ فَلَهُ الْفِطْرُ "ع" وَيُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا "م" مَا يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة: 184] لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ. هِيَ لِلْكَبِيرِ لَا يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ1 - وَمَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذٍ وَلَمْ يُدْرِكْهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَوَاهُ أَحْمَدُ2، وَكَذَا أَبُو دَاوُد3 - وَرَوَاهُ أَيْضًا4، بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: حَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكره.
وإن كان كالكبير مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا فَلَا فِدْيَةَ لِفِطْرِهِ بِعُذْرٍ مُعْتَادٍ، ذَكَرَهُ فِي الْخِلَافِ، وَلَا قَضَاءَ، لِلْعَجْزِ عَنْهُ وَيُعَايَى بِهَا، وَإِنْ أَطْعَمَ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْقَضَاءِ فَكَمَعْضُوبٍ حَجَّ ثُمَّ عُوفِيَ "*"، جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ احْتِمَالَيْنِ: أَحَدُهُمَا هَذَا، وَالثَّانِي يَقْضِي، كَمَنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ ثُمَّ تَحِيضُ، وفيها أيضا وجهان "*".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"*" وَقَوْلُهُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَهُ فَكَمَغْصُوبٍ حَجَّ ثُمَّ عُوفِيَ صَوَابُهُ حُجَّ عَنْهُ ثُمَّ عُوفِيَ.
"*" وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي قِيَاسِ الِاحْتِمَالِ الثَّانِي: كمن ارتفع حيضها لا تدري ما
__________
1 في صحيحه "4505".
2 في مسنده 24/22.
3 في سننه "2318" عن ابن عباس.
4 البخاري في "صحيحه" إثر حديث "1948" معلقا.(4/445)
وَيُكْرَهُ صَوْمُ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ مَعَ خَوْفِ الضَّرَرِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ عَلَى الْوَلَدِ، وَيُجْزِئُ "و" فَإِنْ أَفْطَرَتَا قَضَتَا "و" لِقُدْرَتِهِمَا عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْكَبِيرِ.
قَالَ أَحْمَدُ: أَقُولُ بِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ1، يعني لا أقول2 بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ3 وَابْنِ عَبَّاسٍ4 فِي مَنْعِ الْقَضَاءِ. وَخَبَرُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْكَعْبِيِّ5: "إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ، وَعَنْ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ" 6. أَيْ زَمَنَ عُذْرِهِمَا وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي النُّسَخِ: إنْ خَافَتْ حَامِلٌ وَمُرْضِعٌ عَلَى حَمْلٍ وَوَلَدٍ حَالَ الرَّضَاعِ لَمْ يَحِلَّ الصَّوْمُ وَعَلَيْهَا الْفِدْيَةُ. وَإِنْ لَمْ تَخَفْ لَمْ يَحِلَّ الْفِطْرُ. وَلَا إطْعَامَ إنْ خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا "و" كَالْمَرِيضِ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً: إنْ خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا أَطْعَمَتَا7 عَنْ كل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
رَفَعَهُ تَعْتَدُّ8 بِالشُّهُورِ، ثُمَّ تَحِيضُ وَفِيهَا أَيْضًا وَجْهَانِ، انْتَهَى. قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْوَجْهَيْنِ فِي باب العدد9، وَأَطْلَقَهُمَا، وَيَأْتِي تَصْحِيحُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
__________
1 تقدم تخريجه ص 440.
2 ليست في الأصل و"ب" و"ط".
3 أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" "7561"، "2760" عن ابن عمر قال: الحامل إذا خشيت على نفسها في رمضان تفطر وتطعم ولا قضاء عليها.
4 أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" "7567"، والطبري في "تفسيره" "2759"، عن ابن عباس أنه كان يأمر وليدة له حبلى أن تفطر له في شهر رمضان، وقال: أنت بمنزلة الكبير لا يطيق الصيام، فأفطري وأطعمي عن كل يوم نصف صاع من حنطة.
5 هو: أبو أمية، أنس بن مالك الكعبي. نزل البصرة، ليس له عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث، وله فيه قصة. "الإصابة" 1/129.
6 أخرجه أبو داود "2408"، والترمذي "715"، والنسائي في "المجتبى" 4/190.
7 في "ط": "أطعمتها".
8 في النسخ الخطية و"ط": "لا تعتد"، والتصويب من عبارة "الفروع".
9 9/246.(4/446)
يَوْمٍ مِسْكِينًا مَا يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ، لِظَاهِرِ قَوْلِهِ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة: 184] ؛ وَلِأَنَّهُ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ، وَلِأَنَّهُ إفْطَارٌ بِسَبَبِ نَفْسٍ عَاجِزَةٍ عَنْ الصَّوْمِ مِنْ طَرِيقِ الْخِلْقَةِ كَالشَّيْخِ الْهِمِّ1 "وش" وَلَهُ قَوْلٌ: لَا إطْعَامَ "وهـ م ر"، وَقَوْلٌ ثَالِثٌ: لَا تُطْعِمُ الْحَامِلُ "وم ر" وَخَيَّرَهُمَا إِسْحَاقُ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالْإِطْعَامِ لِشَبَهِهِمَا بِمَرِيضٍ وَكَبِيرٍ.
وَيَجُوزُ الْفِطْرُ لِلظِّئْرِ الَّتِي تُرْضِعُ وَلَدَ غَيْرِهَا، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُبِيحَ يُسَوَّى فِيهِ، كَالسَّفَرِ لِحَاجَتِهِ وَلِحَاجَةِ غَيْرِهِ. وَفِي الرِّعَايَةِ قَوْلٌ: لَا تُفْطِرُ الظِّئْرُ إذَا خَافَتْ عَلَى رَضِيعِهَا، وَحَكَاهُ فِي الْفُنُونِ عَنْ قَوْمٍ.
وَإِنْ قَبِلَ وَلَدُ الْمُرْضِعَةِ غَيْرَهَا وقدرت تستأجر له أو له ما2 يستأجر مِنْهُ فَلْتَفْعَلْ وَلْتَصُمْ وَإِلَّا كَانَ لَهَا الْفِطْرُ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالْإِطْعَامُ عَلَى مَنْ يَمُونُهُ. وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلَى الْأُمِّ، وَهُوَ أَشْبَهُ، لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهَا، وَلِهَذَا وَجَبَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ مِنْ مَالِهِ، لِأَنَّ الْإِرْفَاقَ لَهُمَا، وَكَذَلِكَ الظِّئْرُ، فَإِنْ لَمْ تُفْطِرْ فَتَغَيَّرَ لَبَنُهَا أَوْ نَقَصَ خُيِّرَ الْمُسْتَأْجِرُ. فَإِنْ قَصَدَتْ الْإِضْرَارَ أَثِمَتْ وَكَانَ لِلْحَاكِمِ إلْزَامُهَا الْفِطْرَ بِطَلَبِ الْمُسْتَأْجِرِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إنْ تَأَذَّى الصَّبِيُّ بِنَقْصِهِ أَوْ تَغْيِيرِهِ لَزِمَهَا الْفِطْرُ، فَإِنْ أَبَتْ فَلِأَهْلِهِ الْفَسْخُ.
وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنْ يُلْزِمَ الْحَاكِمُ إلْزَامَهَا بما يلزمها وإن لم تقصد الضرر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ب": "الهرم".
2 في "س": "مال".(4/447)
بِلَا طَلَبٍ قُبِلَ الْفَسْخُ، وَهَذَا مُتَّجَهٌ.
وَيَجُوزُ صَرْفُ الْإِطْعَامِ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إخْرَاجُ الْإِطْعَامِ عَلَى الْفَوْرِ، لِوُجُوبِهِ، وَهَذَا أَقْيَسُ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: إنْ أَتَى بِهِ مَعَ الْقَضَاءِ جَازَ، لِأَنَّهُ كَالتَّكْمِلَةِ لَهُ.
وَلَا يَسْقُطُ الْإِطْعَامُ بِالْعَجْزِ، ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، كَالدَّيْنِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ: يَسْقُطُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ: يَسْقُطُ فِي الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ، كَكَفَّارَةِ الْوَطْءِ، بَلْ أَوْلَى، لِلْعُذْرِ هُنَا، وَلَا تَسْقُطُ عَنْ الْكَبِيرِ وَالْمَأْيُوسِ، لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ نَفْسِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ الَّذِي لَا يَسْقُطُ بِالْعَجْزِ، فَكَذَا بَدَلُهُ. وَكَذَا إطْعَامُ مَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ غَيْرُ كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ.
وَمَنْ وَجَدَ آدَمِيًّا مَعْصُومًا فِي مَهْلَكَةٍ كغريق ونحوه ففي فتاوى ابن الزاغوني: يلزمه إنقاذه ولو أفطر، ويأتي في الديات1 - إن شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ فِي وُجُوبِهِ وَجْهَيْنِ، 2"وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ هُنَا عَلَى الْمُنْقِذِ وَجْهَيْنِ وَهَلْ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ كَالْمُرْضِعِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ"2. وَهَلْ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمُنْقِذِ؟.
قَالَ صَاحِبُ الرعاية: يحتمل وجهين "م 10، 12". ويتوجه أنه كإنقاذه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ - 10 - 12: قَوْلُهُ: وَمَنْ وَجَدَ آدَمِيًّا مَعْصُومًا فِي مهلكة كغريق ونحوه ففي فتاوى ابن الزاغوني: يَلْزَمُهُ إنْقَاذُهُ وَلَوْ أَفْطَرَ، وَيَأْتِي فِي الدِّيَاتِ أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ فِي وُجُوبِهِ وَجْهَيْنِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ هُنَا وَجْهَيْنِ، وَهَلْ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ كَالْمُرْضِعِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، وَهَلْ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمُنْقِذِ؟ قال صاحب الرعاية: يحتمل وجهين، انتهى.
__________
1 9/431.
2 ليست في "ب".(4/448)
من الكفار، ونفقته على الآبق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
اشْتَمَلَ كَلَامُهُ عَلَى مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى - 10: وَهِيَ مَسْأَلَةُ إنْقَاذِ الْغَرِيقِ وَنَحْوِهِ هَلْ يَلْزَمُهُ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي فَتَاوِيهِ: يَلْزَمُهُ الْإِنْقَاذُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَلَوْ أَفْطَرَ قُلْت: وهو الصواب وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ، قَالَ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ جَوَازَ الْإِفْطَارِ لِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ لِلْخَوْفِ على جنينهما1: وهل يلحق بذلك من افتقر2 إلَى الْإِفْطَارِ لِإِنْقَاذِ غَرِيقٍ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. انْتَهَى. قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّ إفْطَارَهُ أَوْلَى مِنْ إفْطَارِ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ3 بِقَوْلِهِ: وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ هُنَا وَجْهَيْنِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِيمَا إذَا قَدَرَ عَلَى إنْقَاذِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَاتَ فِي ضَمَانِهِ وَجْهَيْنِ، وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الضَّمَانُ، وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا عَدَمُ الضَّمَانِ، وَلَعَلَّ الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى لُزُومِ الْإِنْقَاذِ وَعَدَمِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ - 11: هَلْ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ إذَا أَفْطَرَ؟ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. قُلْت: قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ: لَوْ نَجَّى غَرِيقًا فِي رَمَضَانَ فَدَخَلَ الْمَاءُ فِي حَلْقِهِ وَقُلْنَا يُفْطِرُ بِهِ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَإِنْ حَصَلَ لَهُ بِسَبَبِ إنْقَاذِهِ ضَعْفٌ فِي نَفْسِهِ فَأَفْطَرَ فَلَا فِدْيَةَ4، كَالْمَرِيضِ فِي قِيَاسِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، يَعْنِي بِهَا مَسْأَلَةَ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ، انْتَهَى.
قُلْت: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ أَوَّلًا هُوَ الصَّوَابُ، قِيَاسًا عَلَى الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ - 12: إذَا قُلْنَا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَكَفَّرَ، فَهَلْ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمُنْقِذِ؟ قَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَإِنْقَاذِهِ مِنْ الْكُفَّارِ وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْآبِقِ، انتهى.
__________
1 في "ط": "جنينها".
2 في "ط": "اضطر".
3 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
4 بعدها في "ص": "عليه".(4/449)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
قُلْت: بَلْ هُنَا أَوْلَى بِلَا شَكٍّ مِنْ إنْقَاذِهِ مِنْ الْكُفَّارِ، وَأَوْلَى مِنْ الْمُرْضِعِ إذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا، وَقَالُوا فِي حَقِّ الْمُرْضِعِ: إنَّ الصَّحِيحَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ يُمَوِّنُ الْوَلَدَ، وَكَوْنُ إنْقَاذِ الْغَرِيقِ وَإِنْقَاذُ مَنْ فِي مَهْلَكَةٍ أَوْلَى مِنْ هَؤُلَاءِ لَا شَكَّ فِيهِ، وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً قَدْ فَتَحَ اللَّهُ بتصحيحها.(4/450)
باب نية الصوم وما يتعلق بها
باب نية الصوم وما يتعلق بها
...
بَابُ نِيَّةِ الصَّوْمِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا
لَا يَصِحُّ صَوْمٌ إلَّا بِنِيَّةٍ، ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ "ع" كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ، وَخَالَفَ زُفَرُ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ الصَّحِيحِ.
وَمَنْ نَسِيَ النِّيَّةَ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ لَمْ يَصِحَّ.
وَتُعْتَبَرُ النِّيَّةُ مِنْ اللَّيْلِ لِكُلِّ صَوْمٍ وَاجِبٍ "وم ش" لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُجْمِعْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ". رَوَاهُ الْخَمْسَةُ1.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ: رَفَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ، وَلَمْ يُثْبِتْ أَحْمَدُ رَفْعَهُ بَلْ عَنْ حَفْصَةَ وَابْنِ عُمَرَ، وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ2 وَقْفَهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ3 عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ أَبُو الزِّنْبَاعِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ".
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّادٍ عَنْ الْمُفَضَّلِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ ضَعِيفٌ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: رَوَى عَنْهُ أَبُو الزنباع روح نسخة موضوعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أحمد 6/287، وأبو داود "2454"؛ والترمذي "730"، والنسائي في "المجتبى" 4/196، وابن ماجه "1700"، من حديث ابن عمر عن حفصة رفعته.
2 في سننه إثر حديث "730".
3 في سننه 2/172.(4/451)
وَرَوَاهُ مَالِكٌ وَالنَّسَائِيُّ1 عَنْهَا مَوْقُوفًا، وَعَنْ حَفْصَةَ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلِأَنَّ النِّيَّةَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعِبَادَةِ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ، وَعِنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ تُجْزِئُ النِّيَّةُ مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَأَبْطَلَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِالْخَبَرِ2، وَبِأَنَّ الشَّرْطَ يَسْبِقُ الْمَشْرُوطَ، قَالَ: وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا لَا بُدَّ أَنْ تُوجَدَ النِّيَّةُ قَبْلَ دُخُولِهِ فِيهَا، كَذَا قَالَ، وَسَبَقَ كَلَامُهُ وَكَلَامُ غَيْرِهِ: الْأَفْضَلُ مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ لِلتَّكْبِيرِ "*". وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ يُجْزِئُ رَمَضَانُ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَعِنْدَ الْأَوْزَاعِيِّ يُجْزِئُ كُلُّ صَوْمٍ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ، وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ.
وَإِنْ أَتَى بَعْدَ النِّيَّةِ بِمَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ لَمْ يَبْطُلْ، نَصَّ عَلَيْهِ "و" خِلَافًا لِابْنِ حَامِد وَبَعْضَ الشَّافِعِيَّةِ، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ الْأَكْلَ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ، فَلَوْ بَطَلَتْ بِهِ النِّيَّةُ فَاتَ مَحَلُّهَا.
وَإِنْ نَوَتْ الْحَائِضُ صَوْمَ الْغَدِ وَقَدْ عَرَفَتْ الطُّهْرَ لَيْلًا فَقِيلَ: 3"يَصِحُّ، لِمَشَقَّةِ الْمُقَارَنَةِ، وَقِيلَ"3: لَا، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أهلا "م 1" للصوم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"*" تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: وَسَبَقَ كَلَامُهُ أَيْ كَلَامُ الْمَجْدِ وَكَلَامُ غَيْرِهِ: الْأَفْضَلُ مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ لِلتَّكْبِيرِ. لَمْ يَسْبِقْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَاَلَّذِي قَالَهُ فِي النِّيَّةِ: وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى التَّكْبِيرَيْنِ بِزَمَنٍ يَسِيرٍ. فَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ الْمُقَارَنَةُ لَا أَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ.
مَسْأَلَةٌ - 1: قَوْلُهُ: وَإِنْ نَوَتْ الْحَائِضُ صَوْمَ الْغَدِ وَقَدْ عَرَفَتْ الطُّهْرَ لَيْلًا فَقِيلَ: يَصِحُّ، لِمَشَقَّةِ الْمُقَارَنَةِ، وَقِيلَ: لَا، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَهْلًا. انتهى.
__________
1 الموطأ 1/288، والنسائي في "المجتبى" 4/196 - 197.
2 يعنى الخبر السابق، ومحل الشاهد فيه قوله: "من الليل".
3 ليست في "ط".(4/452)
وَلَا تَصِحُّ النِّيَّةُ فِي نَهَارِ يَوْمٍ لِصَوْمِ الْغَدِ "و" لِلْخَبَرِ، وَكَنِيَّتِهِ مِنْ اللَّيْلِ صَوْمَ بعد غد، وعنه: يصح؛ نقلها ابْنِ مَنْصُورٍ، وَفِيهَا: لَمْ يَنْوِهِ مِنْ اللَّيْلِ، فَبَطَلَ بِهِ تَأْوِيلُ الْقَاضِي، وَهِيَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ، فَيَبْطُلُ بِهِ تَأْوِيلُ ابْنِ عَقِيلٍ، عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي لِرَمَضَانَ نِيَّةٌ فِي أَوَّلِهِ، وَأَقَرَّهَا1، أَبُو الْحُسَيْنِ عَلَى ظَاهِرِهَا.
وَتُعْتَبَرُ لِكُلِّ يَوْمٍ نِيَّةٌ مُفْرَدَةٌ، لِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ، لِأَنَّهُ لَا يَفْسُدُ يَوْمٌ بِفَسَادِ آخَرَ، وَكَالْقَضَاءِ، وَعَنْهُ: يُجْزِئُ فِي أول رمضان نية واحدة لكله2 "وم" نَصَرَهَا أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ، وَعَلَى قِيَاسِهِ النَّذْرُ الْمُعَيَّنُ وَنَحْوُهُ. فَعَلَيْهَا لَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ صِيَامُ الْبَاقِي بِتِلْكَ النِّيَّةِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يصح "وم" مَعَ بَقَاءِ التَّتَابُعِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ فَقَالَ: وَقِيلَ: مَا لَمْ يَفْسَخْهَا أَوْ يُفْطِرْ فِيهِ يَوْمًا.
وَيَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ فِي كُلِّ صَوْمٍ واجب "وم ش" وَهُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ يَصُومُ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ مِنْ قَضَائِهِ أَوْ نَذْرِهِ أَوْ كفارته، نص عليه. قال في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ قُلْت: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَالصَّوَابُ، لِمَشَقَّةِ الْمُقَارَنَةِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ، لِمَا عَلَّلَهُ بِهِ الْمُصَنِّفُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَإِنْ نَوَتْ حَائِضٌ صَوْمَ فَرْضٍ لَيْلًا وَقَدْ انْقَطَعَ دَمُهَا أَوْ تَمَّتْ عَادَتُهَا قَبْلَ الْفَجْرِ صَحَّ صومها وإلا فلا، انتهى.
__________
1 في الأصل: "أمرها".
2 في الأصل: "لكل يوم".(4/453)
الْخِلَافِ: اخْتَارَهَا أَصْحَابُنَا أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو حَفْصٍ وَغَيْرُهُمَا، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَيْضًا وَالْأَصْحَابُ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي1، لِقَوْلِهِ: "وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى" 2، وَكَالْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ، وَالتَّعْيِينُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ، لِاعْتِبَارِهِ لِصَلَاةٍ يَضِيقُ وَقْتُهَا كَغَيْرِهَا.
وَمَنْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ فَاتَتْهُ فَنَوَى مُطْلَقَ الصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَمْ يُجْزِئْهُ، وَالْحَجُّ يُخَالِفُ الْعِبَادَاتِ.
وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ لِرَمَضَانَ "وهـ" لِأَنَّ التَّعْيِينَ يُرَادُ لِلتَّمْيِيزِ، وَهَذَا الزَّمَانُ مُتَعَيَّنٌ، وَكَالْحَجِّ، فَعَلَيْهَا يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ، وَنِيَّةِ نَفْلٍ "وهـ" لَيْلًا، وَنِيَّةُ فَرْضٍ تَرَدَّدَ فِيهَا، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ، لِتَعَذُّرِ صَرْفِهِ إلَى غَيْرِ نِيَّةِ رَمَضَانَ، فَصُرِفَ إلَيْهِ لِئَلَّا يَبْطُلَ قَصْدُهُ وَعَمَلُهُ، لَا بِنِيَّةٍ مُقَيَّدَةٍ بِنَفْلٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ نَاوٍ تَرْكَهُ، فَكَيْفَ يجعل كنية الفعل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 4/333.
2 تقدم تخريجه 1/163.(4/454)
وَهَذَا اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ فِي شَرْحِهِ لِلْمُخْتَصَرِ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا إنْ كَانَ جَاهِلًا، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَلَا، قَالَ: كَمَنْ دَفَعَ وَدِيعَةَ رَجُلٍ إلَيْهِ عَلَى طَرِيقِ التَّبَرُّعِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ حَقَّهُ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إعْطَاءٍ ثَانٍ، بَلْ يَقُولُ لَهُ: الَّذِي وَصَلَ إلَيْك هُوَ حَقٌّ كَانَ لَك عِنْدِي.
وَقَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ فِيمَا وَجَبَ مِنْ الصَّوْمِ1 فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ: يَتَخَرَّجُ أَنْ لَا تَجِبَ نِيَّةُ التَّعْيِينِ، وَقَوْلُهُمْ: نِيَّةُ فَرْضٍ تَرَدَّدَ فِيهَا، بِأَنْ نَوَى لَيْلَةَ الشَّكِّ: إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ فَرْضِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ نَفْلٌ، لَا يُجْزِئُهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى حَتَّى يَجْزِمَ بأنه صائم غدا من رمضان "وم ش" وعلى الثانية يجزئه "وهـ".
قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَنَقَلَ صَالِحٌ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةً ثَالِثَةً بِصِحَّةِ النِّيَّةِ الْمُتَرَدِّدَةِ وَالْمُطْلَقَةِ مَعَ الْغَيْمِ دُونَ الصَّحْوِ، لِوُجُوبِ صَوْمِهِ، وَإِنْ نَوَى إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَصَوْمِي عَنْهُ وَإِلَّا فَهُوَ عَنْ وَاجِبٍ عَيَّنَهُ بِنِيَّتِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ ذَلِكَ الْوَاجِبِ، وَفِي إجْزَائِهِ عَنْ رَمَضَانَ إنْ بَانَ مِنْهُ الرِّوَايَتَانِ، وَإِنْ قَالَ: وَإِلَّا فَأَنَا مُفْطِرٌ، لَمْ يَصِحَّ، وَفِيهِ2 لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ وَجْهَانِ، لِلشَّكِّ وَالْبِنَاءِ عَلَى الأصل "م 2" "وش" وَإِنْ لَمْ يُرَدِّدْ نِيَّتَهُ بَلْ نَوَى لَيْلَةَ الثلاثين من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ - 2: قَوْلُهُ. وَإِنْ نَوَى إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَصَوْمِي عَنْهُ وَإِلَّا فَهُوَ عَنْ وَاجِبٍ عَيَّنَهُ بِنِيَّتِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ، وَإِنْ قَالَ: وَإِلَّا فَأَنَا مُفْطِرٌ لَمْ يَصِحَّ، وَفِي لَيْلَةِ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ وَجْهَانِ، لِلشَّكِّ وَالْبِنَاءِ عَلَى الأصل، انتهى.
__________
1 في الأصل: "الصدقة".
2 في الأصل: "وافية".(4/455)
شَعْبَانَ أَنَّهُ صَائِمٌ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ بِلَا مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ كَصَحْوٍ أَوْ غَيْمٍ وَلَمْ نُوجِبْ الصَّوْمَ بِهِ1، فَبَانَ مِنْهُ، فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَنْ تَرَدَّدَ أَوْ نَوَى مُطْلَقًا "و" وَظَاهِرُ رِوَايَةِ صَالِحٍ وَالْأَثْرَمِ تُجْزِئُهُ، مَعَ اعْتِبَارِ التَّعْيِينِ لِوُجُودِهَا، وَإِنْ نَوَى الرَّمَضَانِيَّةَ عَنْ مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ أَجْزَأَهُ، كَالْمُجْتَهِدِ فِي الْوَقْتِ.
وَمَنْ قَالَ: أَنَا صَائِمٌ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِنْ قَصَدَ بِالْمَشِيئَةِ الشَّكَّ وَالتَّرَدُّدَ فِي الْعَزْمِ وَالْقَصْدِ فَسَدَتْ نِيَّتُهُ، وَإِلَّا لَمْ تَفْسُدْ، ذَكَرَهُ فِي التَّعْلِيقِ وَالْفُنُونِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ أَنَّ فِعْلَهُ لِلصَّوْمِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْفِيقِهِ وَتَيْسِيرِهِ، كَمَا لَا يَفْسُدُ الْإِيمَانُ بِقَوْلِهِ: أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، غَيْرَ مُتَرَدِّدٍ فِي الْحَالِ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ. ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي: وَكَذَا نَقُولُ: سَائِرُ الْعِبَادَاتِ لَا تَفْسُدُ بِذِكْرِ الْمَشِيئَةِ فِي نِيَّتِهَا.
وَمَنْ خَطَرَ بِقَلْبِهِ لَيْلًا أَنَّهُ صَائِمٌ غَدًا فَقَدْ نَوَى، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَمَعْنَاهُ لِغَيْرِهِ: الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ نِيَّةٌ عِنْدَنَا، وَكَذَا قَالَ شَيْخُنَا: هُوَ حِينَ يَتَعَشَّى، يَتَعَشَّى عَشَاءَ مَنْ يُرِيدُ الصَّوْمَ، وَلِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ عَشَاءِ لَيْلَةِ الْعِيدِ وَعَشَاءِ لَيَالِي رَمَضَانَ.
وَلَا يُعْتَبَرُ مَعَ التَّعْيِينِ نِيَّةُ2 الْفَرْضِيَّةِ فِي فَرْضِهِ وَالْوُجُوبُ فِي وَاجِبِهِ، خِلَافًا لِابْنِ حَامِدٍ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ، وَإِنْ نَوَى خارج رمضان قضاء ونفلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
أحدهما: يصح، قدمه وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الرِّعَايَةِ، قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالسِّتِّينَ: صَحَّ صَوْمُهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، لِأَنَّهُ بَنَى عَلَى أَصْلٍ لَمْ يَثْبُتْ زَوَالُهُ، وَلَا يُقْدَحُ تَرَدُّدُهُ، لِأَنَّهُ حُكْمُ صَوْمِهِ مَعَ الْجَزْمِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُجْزِئُهُ، اخْتَارَهُ أَبُو بكر، انتهى.
__________
1 ليست في الأصل.
2 ليست في الأصل و"ب" و"ط".(4/456)
أَوْ كَفَّارَةَ ظِهَارٍ فَنَقَلَ إلْغَاءً لَهُمَا بِالتَّعَارُضِ، فَتَبْقَى نِيَّةُ أَصْلِ الصَّوْمِ، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ. وَقِيلَ: عَنْ أَيِّهِمَا يَقَعُ فِيهِ وَجْهَانِ، وأوقعه أَبُو يُوسُفَ عَنْ الْقَضَاءِ لِتَعْيِينِهِ وَتَأَكُّدِهِ، لِاسْتِقْرَارِهِ فِي الذِّمَّةِ، وَوَافَقَ لَوْ نَوَى قَضَاءً وَكَفَّارَةَ قَتْلٍ أَوْ كَفَّارَةَ قَتْلٍ وَظِهَارٍ أَنَّهُ يَقَعُ نَفْلًا.
وَيَصِحُّ صَوْمُ النَّفْلِ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ، لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَفِعْلِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَعَنْهُ. لَا يَجُوزُ بِنِيَّةٍ بَعْدَ الزَّوَالِ، اخْتَارَهُ فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنِ عَقِيلٍ "وهـ ق" لِأَنَّ فِعْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي الْغَدَاءِ، وَهُوَ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَدَاوُد هُوَ كَالْفَرْضِ، تَسْوِيَةً بَيْنَهُمَا، كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ.
وَيُحْكَمُ بِالصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ الْمُثَابِ عَلَيْهِ مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ، نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي الْمَنَاسِكِ مِنْ تَعْلِيقِهِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ أَظْهَرُ. وَفِي الْمُجَرَّدِ وَالْهِدَايَةِ مِنْ أَوَّلِ1 النَّهَارِ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وِفَاقًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَالَهُ حَمَّادٌ2 وَإِسْحَاقُ إنْ نَوَاهُ قَبْلَ الزَّوَالِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ؛ يَصِحُّ3 تَطَوُّعُ حَائِضٍ طَهُرَتْ وَكَافِرٍ أَسْلَمَ فِي يَوْمٍ وَلَمْ يَأْكُلَا بِصَوْمِ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ، وَعَلَى الثَّانِي لَا، لِامْتِنَاعِ تَبْعِيضِ صَوْمِ الْيَوْمِ وتعذر تكميله بفقد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س": "آخر".
2 هو: أبو إسماعيل، حماد بن مسلم الكوفي مولى الأشعريين الأصبهاني شيخ الإمام أبي حنيفة "ت 120 هـ". "سير أعلام النبلاء" 5/231.
3 ليست في "س" و"ب".(4/457)
الْأَهْلِيَّةِ فِي بَعْضِهِ، وَيَتَوَجَّهُ: يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ عَلَيْهِمَا، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا صَوْمٌ، كَمَنْ أَكَلَ ثُمَّ نَوَى صَوْمَ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ "و" وَخَالَفَ فِيهِ أَبُو زَيْدٍ الشَّافِعِيُّ1. وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ حُصُولِ حِكْمَةِ2 الصَّوْمِ وَلِأَنَّ عَادَةَ الْمُفْطِرِ الْأَكْلُ بَعْضَ النَّهَارِ وَإِمْسَاكُ بَعْضِهِ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي عَاشُورَاءَ: "مَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ" 3. أَيْ لِيُمْسِكْ، لِقَوْلِهِ فِي لَفْظٍ آخَرَ: "فَلْيُمْسِكْ" وَإِمْسَاكُهُ وَاجِبٌ إنْ كَانَ صَوْمُهُ وَاجِبًا. وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ لِمَنْ أَكَلَ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ إمْسَاكُهُ، لِلْخَبَرِ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وتبعه صاحب المحرر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 هو: أبو زيد، محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد المروزي. شيخ الشافعية. "ت 371 هـ". "سير أعلام النبلاء" 16/313.
2 في الأصل: "حكم".
3 رواية البخاري "1960"، ومسلم: "1136" "135" عن الربيع بنت معوذ.(4/458)
ومن نوى الإفطار أفطر، نص عليه "وش وم"1 وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: يَكْفُرُ إنْ تَعَمَّدَهُ، لِاقْتِضَاءِ الدَّلِيلِ اعْتِبَارَ اسْتِدَامَةِ حَقِيقَةِ النِّيَّةِ. وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِدَوَامِهِ حُكْمًا لِلْمَشَقَّةِ وَلَا مَشَقَّةَ هُنَا، وَالْحَجُّ آكَدُ، وَعِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ: لَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ كَالْحَجِّ، مَعَ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ عِنْدَهُمْ، وَمَذْهَبُ "هـ" لَا يَبْطُلُ سَوَاءٌ قَطَعَ النِّيَّةَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ لِقُوَّةِ الدَّوَامِ، وَقَوْلُنَا: أَفْطَرَ، أَيْ صَارَ كَمَنْ لَمْ يَنْوِ لَا كَمَنْ أَكَلَ، فَلَوْ كَانَ فِي نَفْلٍ ثم عاد نواه جاز، نص عليه "وش" وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ قَضَاءٍ فَقَطَعَ نِيَّتَهُ ثُمَّ نَوَى نَفْلًا جَازَ، وَلَوْ قَلَبَ نِيَّةَ نَذْرٍ وَقَضَاءٍ إلَى النَّفْلِ فَكَمَنْ انْتَقَلَ مِنْ فَرْضِ صَلَاةٍ إلَى نَفْلِهَا، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ تَرَدَّدَ فِي الْفِطْرِ، أَوْ نَوَى أَنَّهُ سَيُفْطِرُ سَاعَةً أُخْرَى أَوْ إنْ2 وَجَدْت طَعَامًا أَكَلْت وَإِلَّا أَتْمَمْت، فَكَالْخِلَافِ فِي الصَّلَاةِ، قِيلَ: يَبْطُلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِالنِّيَّةِ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ ابْتِدَاءُ الصَّوْمِ بِمِثْلِ هَذِهِ النِّيَّةِ، وَكَمَنْ تَرَدَّدَ فِي الْكُفْرِ، نَقَلَ الْأَثْرَمُ: لَا يَبْطُلُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِنِيَّةِ الفطر، والنية لا يصح تعليقها "م 3".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ - 3: قَوْلُهُ. وَمَنْ نَوَى الْإِفْطَارَ أَفْطَرَ، نَصَّ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ: لَوْ تَرَدَّدَ فِي الْفِطْرِ، أَوْ نَوَى أَنَّهُ سَيُفْطِرُ سَاعَةً أُخْرَى، أَوْ إنْ وَجَدْت طَعَامًا أَكَلْت وَإِلَّا أَتْمَمْت، فَكَالْخِلَافِ فِي الصَّلَاةِ، قِيلَ: يَبْطُلُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِالنِّيَّةِ نَقَلَ الْأَثْرَمُ: لَا يُجْزِئُهُ مِنْ الْوَاجِبِ حَتَّى يَكُونَ عَازِمًا عَلَى الصَّوْمِ يَوْمَهُ كُلَّهُ، وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِنِيَّةِ الْفِطْرِ، والنية لا يصح تعليقها. انتهى.
__________
1 في "ط" "وش ر م".
2 ليست في "ط".(4/459)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وأطلقهما الزركشي. قلت1: قد قال المصنف هنا: إن الحكم هنا كالحكم في نِيَّةِ الصَّلَاةِ، وَقَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ فِي الصَّلَاةِ2 فِيمَا إذَا تَرَدَّدَ فِي النِّيَّةِ أَوْ عَزَمَ عَلَى فَسْخِهَا.
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ مُسْتَوْفًى مُحَرَّرًا، وَذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ الصِّحَّةِ، فَكَذَا الصَّحِيحُ هُنَا عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ قَدْ صححت.
__________
1 ليست في "ط" و"ص".
2 2/139.(4/460)
المجلد الخامس
تابع كتاب الصوم
باب مايفسد الصوم , ويوجب الكفارة
مدخل
...
بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ
وَمَا يَحْرُمُ فِيهِ أَوْ يُكْرَهُ أَوْ يَجِبُ أَوْ يُسَنُّ أَوْ يُبَاحُ
مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَفْطَرَ "ع" خِلَافًا لِلْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ1 فِيمَا لَيْسَ بِطَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ, مِثْلُ أَنْ يَسْتَفَّ تُرَابًا, وَخِلَافًا لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ فِيمَا لَا يُغَذِّي وَلَا يُمَاعُ فِي الْجَوْفِ كَالْحَصَاةِ, وَإِنْ اسْتَعَطَ بِدُهْنٍ أَوْ غَيْرِهِ فَوَصَلَ إلَى حَلْقِهِ "و" أَوْ دِمَاغِهِ "م" أَفْطَرَ.
وَقَالَ فِي الْكَافِي2: إلى خياشيمه, لنهيه صلى الله عليه وسلم الصَّائِمَ عَنْ الْمُبَالَغَةِ فِي الِاسْتِنْشَاقِ3, وَعَنْ عَلِيٍّ: الصَّائِمُ لَا يَسْتَعِطُ4, وَكَالْوَاصِلِ إلَى الْحَلْقِ, وَعِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَدَاوُد: لَا يُفْطِرُ بِوَاصِلٍ مِنْ غَيْرِ الْفَمِ, لِأَنَّ النَّصَّ إنَّمَا حَرَّمَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَالْجِمَاعَ,
وَإِنْ اكْتَحَلَ بِكُحْلٍ أَوْ صَبِرٍ أَوْ قَطُورٍ أَوْ ذَرُورِ5 إثْمِدٍ مُطَيَّبٍ فعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 هو أبو عبد الله الحسن بن صالح بن حي وهو حيان بن شفي بن هني الهمداني "ت 169 هـ" سير أعلام النبلاء "7/371".
2 "2:239".
3 أخرجه أبو داود "2366" والترمذي "788" والنسائي في المجتبى "1/66" وابن ماجو "407" من حديث لقيط ابن صبرة ونصه "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما".
4 لم نقف عليه.
5 الذرور: ما يذر في العين القاموس "ذرر".(5/5)
وُصُولَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَى حَلْقِهِ أَفْطَرَ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَهُوَ الْمَعْرُوفُ, وَجَزَمَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ: إنْ وَصَلَ يَقِينًا أَوْ ظَاهِرًا أَفْطَرَ, كَالْوَاصِلِ مِنْ الْأَنْفِ, لِأَنَّ الْعَيْنَ مَنْفَذٌ, بِخِلَافِ الْمَسَامِّ, كَدُهْنِ رَأْسِهِ, وَلِذَلِكَ يَجِدُ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ وَيَتَنَخَّعُهُ عَلَى صِفَتِهِ, وَلَا أَثَرَ كَوْنُ الْعَيْنِ لَيْسَتْ مَنْفَذًا مُعْتَادًا, كَوَاصِلٍ بِحُقْنَةٍ وَجَائِفَةٍ.
ولأبي داود1 عنه صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَمَرَ بِالْإِثْمِدِ الْمُرَوَّحِ عِنْدَ النَّوْمِ وَقَالَ: " لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ" قَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ, وَاخْتَارَ شَيْخُنَا: لَا يُفْطِرُ "وم ش".
وَإِنْ قَطَّرَ فِي أُذُنِهِ شَيْئًا فَدَخَلَ دِمَاغَهُ أَفْطَرَ, خِلَافًا لِلْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَدَاوُد, وَمَذْهَبُ "م" إنْ دَخَلَ حَلْقَهُ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا.
وَإِنْ دَاوَى جُرْحَهُ أَوْ جَائِفَتَهُ فَوَصَلَ الدَّوَاءُ إلَى جَوْفِهِ "م" وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ, أَوْ دَاوَى مَأْمُومَتَهُ فَوَصَلَ إلَى دِمَاغِهِ "م" وأبي يوسف ومحمد, أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في سننه "2377".(5/6)
أَدْخَلَ إلَى مُجَوَّفِ فِيهِ قُوَّةٌ تُحِيلُ الْغِذَاءَ أَوْ الدَّوَاءَ شَيْئًا مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ وَلَوْ كَانَ خَيْطًا ابْتَلَعَهُ كُلَّهُ "وهـ ش" أَوْ بَعْضَهُ "هـ" أَوْ طَعَنَ نَفْسَهُ, أَوْ طَعَنَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ بِشَيْءٍ فِي جَوْفِهِ فَغَابَ1 هُوَ "وهـ ش" أَوْ بَعْضُهُ "هـ" فِيهِ, أَوْ احْتَقَنَ بِشَيْءٍ "م ر" أَفْطَرَ, لِوُصُولِهِ إلَى جَوْفِهِ بِاخْتِيَارِهِ, كَغَيْرِهِ, وَلِأَنَّ غَيْرَ الْمُعْتَادِ كَالْمُعْتَادِ2 فِي الْوَاصِلِ, 3فَكَذَا فِي الْمَنْفَذِ, وَفَسَادُ الصَّوْمِ مُتَعَلِّقٌ بِهِمَا, وَيُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِالْوَاصِلِ3, وَجَزَمَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ بِأَنَّهُ يَكْفِي الظَّنُّ, كَمَا سَبَقَ, كَذَا قَالَ.
وَاخْتَارَ شَيْخُنَا: لَا يُفْطِرُ بِمُدَاوَاةِ جَائِفَةٍ وَمَأْمُومَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ, وَلَا بِحُقْنَةٍ, وَعِنْدَ أَبِي ثَوْرٍ: يُفْطِرُ بِالسَّعُوطِ فَقَطْ. وَإِنْ حَجَمَ أَوْ احْتَجَمَ أَفْطَرَ, نَصَّ عَلَيْهِ "خ" لقوله صلى الله عليه وسلم: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ" 4 قَالَ أَحْمَدُ فِيهِ: غَيْرُ حَدِيثٍ ثَابِتٍ, وَقَالَ إِسْحَاقُ: ثَبَتَ هَذَا مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَحَدِيثُ شَدَّادٍ5 صَحِيحٌ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ, وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ6 حَدِيثَ رَافِعٍ, وَذُكِرَ7 عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ صَحَّحَ حَدِيثَ ثَوْبَانَ وَشَدَّادٍ, وَصَحَّحَهُمَا أَحْمَدُ. وَعَنْهُ: إنْ عَلِمَا النَّهْيَ. وَلَهُ نَظَائِرُ سَبَقَتْ, وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِرَقِيُّ "حَجَمَ" وَذَكَرَ "احْتَجَمَ" كَذَا قَالَ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ مَا اخْتَارَهُ شَيْخُنَا أَنَّهُ يُفْطِرُ الْحَاجِمُ إنْ مَصَّ الْقَارُورَةَ وَإِلَّا فَلَا. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ: لَا فِطْرَ إنْ لَمْ يَظْهَرْ دَمٌ, وَهُوَ مُتَّجَهٌ, وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا وَضَعَّفَ خِلَافَهُ, وَذَكَرَ ابْنُ عقيل أنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "فغار".
2 ليست في "ط".
3 3 ليست في "ط".
4 أخرجه أبو داود "2369" والترمذي "774" وابن ماجه "1679" عن رافع بن خديج.
5 حديث شداد في مسند أحمد برقم "177112" وحديث رافع برقم "22371" وحديث ثوبان "15828" والأحاديث كلها بلفظ واحد.
6 في سننه إثر حديث "774".
7 أي الترمذي في العلل الكبير "1/362".(5/7)
يُفْطِرُ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ دَمٌ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ.
وَمَنْ جَرَحَ نَفْسَهُ لَا لِلتَّدَاوِي بَدَلَ الْحِجَامَةِ لَمْ يُفْطِرْ, لِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَخْتَصُّ الصِّيَامَ, وَكَخُرُوجِ الدَّمِ يُفْطِرُ عَلَى وَجْهِ الْقَيْءِ لَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْقَيْءِ, ذَكَرَهُ فِي الْخِلَافِ, وَلَا يُفْطِرُ بِالْفَصْدِ, جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ فِيهِ وَغَيْرُهُمْ, لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَقْتَضِيه. وَذَكَرَ فِي التَّلْخِيصِ أَنَّ هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ, وَالثَّانِي يُفْطِرُ, جَزَمَ بِهِ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ أَحْمَدَ.
وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّهُ هَذَا أَصَحُّ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ, فَعَلَى هَذَا قَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: يَحْتَمِلُ التَّشْرِيطُ وَجْهَيْنِ, وَقَالَ: الْأَوْلَى إفْطَارُ الْمَفْصُودِ وَالْمَشْرُوطِ دُونَ الْفَاصِدِ وَالشَّارِطِ, وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا فِطْرَ بِغَيْرِ ذَلِكَ.
وَاخْتِيَارُ شَيْخِنَا أَنَّهُ يُفْطِرُ مَنْ أُخْرِجَ دَمُهُ بِرُعَافٍ وَغَيْرِهِ, وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ فِي الرُّعَافِ. وَمَعْنَى الرُّعَافِ: السَّبْقُ, تَقُولُ الْعَرَبُ: فَرَسٌ رَاعِفٌ إذَا تَقَدَّمَ الْخَيْلَ, وَرَعَفَ فُلَانٌ الْخَيْلَ أَيْ إذَا تَقَدَّمَهَا فَسُمِّيَ الدَّمُ رُعَافًا لِسَبْقِهِ الْأَنْفَ. وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي, وَفَتْحِهَا وَضَمِّهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ, وَضَمُّهَا فِيهِمَا شَاذٌّ, وَيُقَالُ: رِمَاحٌ رَوَاعِفُ: لِمَا يَقْطُرُ مِنْهَا الدَّمُ, أَوْ لِتَقَدُّمِهَا فِي الطَّعْنِ. وَالرَّاعِفُ: طَرَفُ الْأَرْنَبَةِ.
وَإِنْ اسْتَقَاءَ فَقَاءَ "و" أَيَّ شَيْءٍ كَانَ "وم ش" أَفْطَرَ, لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ "مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ"1 وَهُوَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه أبو داود "2380" والترمذي "720" والنسائي في الكبرى "3130" وابن ماجه "1676" وأحمد "10463".(5/8)
ضَعِيفٌ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرِهِمْ, وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ: لَا يُفْطِرُ, وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ, وَقَالَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ, وَعَنْهُ يُفْطِرُ بِمِلْءِ الْفَمِ, اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ "وهـ" وَعَنْهُ: أَوْ نِصْفَهُ, كَنَقْضِ الْوُضُوءِ, وَعَنْهُ: إنْ فَحُشَ أَفْطَرَ, وَقَالَهُ الْقَاضِي, وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّهُ الْأَشْهَرُ, وَذَكَرَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ: الْأَوَّلُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ, وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ: أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ, كَسَائِرِ الْمُفْطِرَاتِ.
وَاحْتَجَّ الْقَاضِي بِأَنَّهُ لَوْ تَجَشَّأَ لَمْ يُفْطِرْ, وَإِنْ كَانَ لَا يَخْلُو أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ أَجْزَاءٌ نَجِسَةٌ, لِأَنَّهُ يَسِيرٌ, كَذَا هُنَا, كَذَا قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ إنْ خَرَجَ مَعَهُ نَجِسٌ, فَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْقَيْءَ فَقَدْ اسْتَقَاءَ فَيُفْطِرُ, وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ لَمْ يَسْتَقِئْ2 فَلَمْ يُفْطِرْ وَإِنْ نَقَضَ الْوُضُوءَ, وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ أَنَّهُ إذَا قَاءَ بِنَظَرِهِ إلَى مَا يُغْثِيهِ يُفْطِرُ, كَالنَّظَرِ وَالْفِكْرِ.
وَإِنْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ أَوْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ فَيَأْتِي فِيمَا يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ3, وَإِنْ أَمْنَى أَفْطَرَ "و" لِلْإِيمَاءِ فِي أَخْبَارِ التَّقْبِيلِ4, كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ5 وَغَيْرُهُ, وَهِيَ دَعْوَى, ثُمَّ إنَّمَا فِيهَا أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ وَسِيلَةً وَذَرِيعَةً إلَى الْجِمَاعِ, وَاحْتَجَّ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِأَنَّ إبَاحَةَ اللَّهِ تَعَالَى مُطْلَقَ مُبَاشَرَةِ النِّسَاءِ لَيَالِيَ الصَّوْمِ يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ نهارا, والأصل في التحريم الفساد,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في صحيحه إثر حديث "1937".
2 في النسخ "يستق".
3 ص "25".
4 ومن هذه الأخبار ما رواه البخاري "322" ومسلم "296" عن عائشة رضي الله عنها كان يقتلها وهو صائم وكان أملككم لإربه وما رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما أخرجه أحمد "138" أن عمر سأله عن القبلة للصائم؟ فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: "أرأبت لو تمضمضت بماء وأنت صائم......" الحديث. ومعنى الإيماء هنا: إشارة النصوص.
5 في المغني "4/3261".(5/9)
خَرَجَ مِنْهُ الْمُبَاشَرَةُ بِلَا إنْزَالٍ, لِدَلِيلٍ, كَذَا قَالَ, وَالْمُرَادُ بِالْمُبَاشَرَةِ الْجِمَاعُ, كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ1, يُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي كَانَ مُحَرَّمًا ثُمَّ نُسِخَ, لَا مَا دُونَهُ, مَعَ أَنْ الْأَشْهَرَ لَا يَحْرُمُ مَا دُونَهُ, وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ: لَا يُفْطِرُ بِذَلِكَ, وَقَالَهُ دَاوُد, وَإِنْ صَحَّ إجْمَاعٌ قَبْلَهُ كَمَا قَدْ ادَّعَى تعين القول به, وعن أبي يزيد الضني2 عَنْ مَيْمُونَةَ3 مَوْلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا صَائِمَانِ, قَالَ: "قَدْ أَفْطَرَا" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ4 وَقَالَ: لَا يَثْبُتُ هَذَا. وَأَبُو يَزِيدَ 5الضني ليس بمعروفوكذا قال البخاري وغيره: حديث منكر وأبويزيد5 مَجْهُولٌ.
وَإِنْ مَذَى بِذَلِكَ أَفْطَرَ أَيْضًا, نَصَّ عَلَيْهِ "وم" وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَأَظُنُّ وَشَيْخُنَا: لَا يُفْطِرُ, وَهُوَ أَظْهَرُ "وهـ ش"6 عَمَلًا بِالْأَصْلِ, وَقِيَاسُهُ عَلَى الْمَنِيِّ لَا يَصِحُّ, لِظُهُورِ الْفَرْقِ. وَفِي الرِّعَايَةِ قَوْلٌ: يَبْطُلُ بِالْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ فَقَطْ, كَذَا قَالَ.
وَإِنْ اسْتَمْنَى فَأَمْنَى أَوْ مَذَى فَكَذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ وِفَاقًا, وَإِنْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَمْنَى أَفْطَرَ "هـ ش" خِلَافًا لِلْآجُرِّيِّ, وَإِنْ مَذَى لَمْ يُفْطِرْ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ "م" وَالْقَوْلُ بِالْفِطْرِ أَقْيَسُ على المذهب, كاللمس, لأن الضعيف إذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه الطبري في تفسير "2953" و"20611" و"2962" عن ابن عباس ومجاهد وعطاء.
2 في النسخ الخطية و"ط" الضبي وهو أبو يزيد الضني روى له حديثان في النسائي وابن ماجه وهو رجل مجهول تهذيب الكمال "34/408".
3 هي ميمونة بنت سعد خادم النبي صلى الله عليه وسلم روت عنه وحديثها في السنن تهذيب الكمال "35/314".
4 أحمد "27625" وابن ماجه "1686" والدارقطني "2/184.
5 5 ليست في "ط".
6 في الأصل "وش".(5/10)
تَكَرَّرَ قَوِيَ, كَتَكْرَارِ الضَّرْبِ بِصَغِيرٍ فِي الْقَوَدِ, وَإِنْ لَمْ يُكَرِّرْ النَّظَرَ لَمْ يُفْطِرْ "وهـ ش" لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ. وَقِيلَ: يُفْطِرُ "وم" وَنَصَّ أَحْمَدُ يُفْطِرُ بِالْمَنِيِّ لَا بِالْمَذْيِ: وَكَذَا الْأَقْوَالُ إنْ فَكَّرَ فَأَنْزَلَ أَوْ مَذَى, فَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ سَوَاءٌ, لِدُخُولِ الْفِكْرِ تَحْتَ النَّهْيِ, وَظَاهِرُ كَلَامِهِ لَا يُفْطِرُ "م" وَهُوَ أَشْهَرُ, لِأَنَّهُ دُونَ الْمُبَاشَرَةِ وَتَكْرَارِ النَّظَرِ, وَيُخَالِفُ ذَلِكَ فِي التَّحْرِيمِ إنْ تَعَلَّقَ بِأَجْنَبِيَّةٍ, زَادَ صَاحِبُ الْمُغْنِي1: أَوْ الْكَرَاهَةِ إنْ كَانَ فِي زَوْجَةٍ, كَذَا قَالُوا. وَلَا أَظُنُّ مَنْ قَالَ يُفْطِرُ بِهِ وَهُوَ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ وَابْنُ عَقِيلٍ يُسَلِّمُ ذَلِكَ, وَقَدْ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ: لَا يَنْبَغِي فِعْلُهُ, وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ فِيمَا يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ2, وَفِي الْكَفَّارَةِ عَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ, وَالْمُرَادُ النِّيَّةُ الْمُجَرَّدَةُ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ لَوْ اسْتَحْضَرَ عِنْدَ جِمَاعِ زَوْجَتِهِ صُورَةَ أَجْنَبِيَّةٍ مُحَرَّمَةٍ أَوْ ذَكَرٍ أَنَّهُ يَأْثَمُ, وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ أَوَّلَ كِتَابِ النِّكَاحِ.
وَلَا فِطْرَ وَلَا إثْمَ بِفِكْرٍ غَالِبٍ "و" وَفِي الْإِرْشَادِ3 احْتِمَالٌ فِيمَنْ هَاجَتْ شَهْوَتُهُ فَأَمْنَى أَوْ مَذَى يُفْطِرُ, وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ قَوْلَ أَبِي حَفْصٍ الْمَذْكُورَ ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى احْتِمَالٌ.
وَيُفْطِرُ بِالْمَوْتِ فَيُطْعَمُ مِنْ تَرِكَتِهِ في نذر وكفارة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "4/364".
2 ص "26".
3 ص "152".(5/11)
فَصْلٌ: وَإِنَّمَا يُفْطِرُ بِجَمِيعِ مَا سَبَقَ إذَا فَعَلَهُ عَامِدًا ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ مُخْتَارًا
, فَلَا يُفْطِرُ نَاسٍ "م" نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ, وَنَقَلَهُ الْفَضْلُ فِي الْحِجَامَةِ, 1وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ, وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ فِي الْإِمْنَاءِ بِقُبْلَةٍ أَوْ تَكْرَارِ نَظَرٍ وَأَنَّهُ يُفْطِرُ بِوَطْئِهِ دُونَ الْفَرْجِ 2نَاسِيًا.
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: الْمُسَاحَقَةُ كَالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ2, وَكَذَا مَنْ اسْتَمْنَى فَأَنْزَلَ الْمَنِيَّ, وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَالْأَكْلِ فِي النِّسْيَانِ1, لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ "مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتْمِمْ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ3, وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مَعْنَاهُ وَزَادَ: "وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ" وَفِي لَفْظٍ "مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ" رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4 وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَرْزُوقٍ وَهُوَ ثِقَةٌ عَنْ الْأَنْصَارِيِّ, وَلِلْحَاكِمِ5 وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ: "مَنْ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ" وَلِأَنَّهُ يَخْتَصُّ النَّهْيُ عَنْهُ بِالْعِبَادَةِ لَا حَدَّ فِي جِنْسِهِ, فَلَا يُؤَثِّرُ بِلَا قَصْدٍ, كَطَيَرَانِ الذُّبَابِ إلَى حَلْقِهِ, بِخِلَافِ الرِّدَّةِ وَالْجِمَاعِ, وَكَصَوْمِ النَّفْلِ "وم" وَفِي الرِّعَايَةِ: لَا قَضَاءَ فِي الْأَصَحِّ وَعَنْهُ: يُفْطِرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 1 ليست في الأصل.
2 2 ليست في "ب".
3 البخاري "1933" مسلم "1151" "160".
4 في سننه "2/178".
5 في المستدرك "1/430".(5/12)
بِحِجَامَةٍ نَاسٍ, اخْتَارَهُ فِي التَّذْكِرَةِ, لِظَاهِرِ الْخَبَرِ وَنُدْرَةِ النِّسْيَانِ فِيهَا وَقِيلَ: وَاسْتِمْنَاءٍ نَاسٍ, وَالْمُرَادُ وَمُقَدِّمَاتُ الْجِمَاعِ, وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ الْفِطْرَ بِمُبَاشَرَةٍ دُونَ الْفَرْجِ قَالَ: وَقِيلَ: عَامِدًا, وَكَذَا إنْ أَمْنَى بِغَيْرِهَا مُطْلَقًا, وَقِيلَ: عَامِدًا, أَوْ مَذَى بِغَيْرِهَا عَامِدًا, وَقِيلَ: أَوْ سَاهِيًا.
وَلَا يُفْطِرُ مُكْرَهٌ, سَوَاءٌ أُكْرِهَ عَلَى الْفِطْرِ حَتَّى فَعَلَهُ أَوْ فُعِلَ بِهِ بِأَنْ صُبَّ فِي حَلْقِهِ الْمَاءُ مُكْرَهًا أَوْ نَائِمًا أَوْ دَخَلَ فِيهِ مَاءُ الْمَطَرِ, نَصَّ عَلَيْهِ, كَالنَّاسِي بَلْ أَوْلَى, بِدَلِيلِ الْإِتْلَافِ. وَفِي الرِّعَايَةِ, لَا قَضَاءَ, فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: يُفْطِرُ إنْ فَعَلَ بِنَفْسِهِ, كَالْمَرِيضِ, وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ يُفْطِرُ, لِنُدْرَةِ الْإِكْرَاهِ فَلَا تَعُمُّ الْبَلْوَى, بِخِلَافِ النِّسْيَانِ, وَالنَّصُّ فِيهِ, وَمَذْهَبُ "م" يُفْطِرُ, كَالنَّاسِي عِنْدَهُ, وَمَذْهَبُ "ش" لَا يُفْطِرُ إنْ فُعِلَ بِهِ, وَإِنْ فَعَلَ بِنَفْسِهِ فَقَوْلَانِ.
وَيُفْطِرُ الْجَاهِلُ بِالتَّحْرِيمِ "و" نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْحِجَامَةِ, لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَرَّ بِرَجُلٍ يَحْجُمُ رَجُلًا فَقَالَ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"1 وَكَالْجَهْلِ بِالْوَقْتِ وَالنِّسْيَانُ يَكْثُرُ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْصِرَةِ لَا يُفْطِرُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْمُفْسِدَ, كَالنَّاسِي, وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْكَافِي2 بَعْدَ التَّأْثِيمِ.
وَإِنْ أُوجِرَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ مُعَالَجَةً لَمْ يُفْطِرْ, وَقِيلَ: يُفْطِرُ, لِرِضَاهُ بِهِ ظَاهِرًا, فَكَأَنَّهُ قَصَدَهُ, وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ.
وَمَنْ أَرَادَ الْفِطْرَ فِيهِ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ وَهُوَ نَاسٍ أَوْ جَاهِلٌ فَهَلْ يَجِبُ إعْلَامُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ, وَيَتَوَجَّهُ ثَالِثٌ: إعْلَامُ جَاهِلٍ لَا نَاسٍ "م 1" ويتوجه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 1" قَوْلُهُ: وَمَنْ أَرَادَ الْفِطْرَ فِيهِ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ وَهُوَ نَاسٍ أَوْ جَاهِلٌ فَهَلْ
__________
1 تقدم تخريجه ص ط7".
2 "2/244".(5/13)
مِثْلُهُ إعْلَامُ مُصَلٍّ أَتَى بِمُنَافٍ لَا يُبْطِلُ وَهُوَ نَاسٍ أَوْ جَاهِلٌ, وَسَبَقَ1 أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ تَنْبِيهُ الْإِمَامِ فِيمَا يُبْطِلُ لِئَلَّا يكون مفسدا للصلاة مع قدرته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
يَجِبُ إعْلَامُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ, وَيَتَوَجَّهُ ثَالِثٌ: إعْلَامُ جَاهِلٍ لَا نَاسٍ, انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى,
أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ إعْلَامُهُ "قُلْت": وَهُوَ الصَّوَابُ, لَا سِيَّمَا الْجَاهِلُ, لِفِطْرِهِ بِهِ عَلَى الْمَنْصُوصِ, وَلِأَنَّ الْجَاهِلَ بِالْحُكْمِ يَجِبُ إعْلَامُهُ بِهِ, وَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي تَوْجِيهَ الْمُصَنِّفِ لِلْوَجْهِ الثَّالِثِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ.
"تَنْبِيهٌ" قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ إعْلَامُ مُصَلٍّ أَتَى بِمُنَافٍ لَا يبطل وهو ناس
__________
1 "2/282 – 283".(5/14)
فَصْلٌ: وَلَا كَفَّارَةَ بِغَيْرِ جِمَاعٍ وَمُبَاشَرَةٍ
عَلَى ما يأتي, نص عليه "وش" عَمَلًا بِالْأَصْلِ, وَلَا دَلِيلَ, وَالْجِمَاعُ آكَدُ, وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يَقْضِي وَيُكَفِّرُ لِلْحُقْنَةِ2, وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِكَ3: يَقْضِي وَيُكَفِّرُ مَنْ احْتَجَمَ فِي رَمَضَانَ وَقَدْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ, وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْخَبَرُ قَضَى, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: فَالْمُفْطِرَاتُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا أَوْلَى, وَقَالَ: قَالَ ابْنُ الْبَنَّا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يُكَفِّرُ بِكُلِّ مَا فَطَّرَهُ بِفِعْلِهِ, كَبَلْعِ حَصَاةٍ وَقَيْءٍ وَرِدَّةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَفِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِكَ: وَعَنْهُ يُكَفِّرُ مَنْ أَفْطَرَ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ اسْتِمْنَاءٍ, اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا, وَخَصَّ الْحَلْوَانِيُّ رِوَايَةَ الْحِجَامَةِ بالمحجوم, وذكر ابن الزاغوني على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
يَجِبُ إعْلَامُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ, وَيَتَوَجَّهُ ثَالِثٌ: إعْلَامُ جَاهِلٍ لَا نَاسٍ, انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى,
أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ إعْلَامُهُ "قُلْت": وَهُوَ الصَّوَابُ, لَا سِيَّمَا الْجَاهِلُ, لِفِطْرِهِ بِهِ عَلَى الْمَنْصُوصِ, وَلِأَنَّ الْجَاهِلَ بِالْحُكْمِ يَجِبُ إعْلَامُهُ بِهِ, وَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي تَوْجِيهَ الْمُصَنِّفِ لِلْوَجْهِ الثَّالِثِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ.
"تَنْبِيهٌ" قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ إعْلَامُ مُصَلٍّ أَتَى بِمُنَافٍ لَا يبطل وهو ناس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
2 في "ب" للحنفية.
3 هو محمد بن عبدك بن سالم القزاز روى عن الإمام أحمد وكان ثقة "ت 276 هـ" تاريخ بغداد "2/384".(5/14)
رِوَايَةِ الْحِجَامَةِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّا, لِأَنَّهُ أَتَى بِمَحْظُورِ الصَّوْمِ كَالْجِمَاعِ وِفَاقًا لِعَطَاءٍ وَأَبِي ثَوْرٍ, وَهَذَا ظَاهِرُ اخْتِيَارِ أَبِي بَكْرٍ الْآجُرِّيِّ, وَصَرَّحَ بِهِ فِي أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ, وَقِيلَ: يُكَفِّرُ لِلْحِجَامَةِ, كَحَامِلٍ وَمُرْضِعٍ, وَمَذْهَبُ "م" يُكَفِّرُ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ, وَحُكِيَ عَنْهُ أَيْضًا فِي الْقَيْءِ وَبَلْعِ الْحَصَاةِ التَّكْفِيرُ وَعَدَمُهُ, وَمَذْهَبُهُ أَنَّ الْكُفْرَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ وَالْقَضَاءِ, وَمَذْهَبُ "هـ" يُكَفِّرُ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ إنْ كَانَ مِمَّا يتغذى به أو يتداوى به.(5/15)
فَصْلٌ: وَإِنْ طَارَ إلَى حَلْقِهِ غُبَارُ طَرِيقٍ أَوْ دَقِيقٌ أَوْ دُخَانٌ لَمْ يُفْطِرْ
"و" كَالنَّائِمِ يَدْخُلُ حَلْقَهُ شَيْءٌ. وَفِي الرِّعَايَةِ. فِي الصُّورَةِ الْأُولَى: وَقِيلَ: فِي حَقِّ الْمَاشِي, وَفِي الثَّانِيَةِ: وَقِيلَ: فِي حَقِّ النَّخَّالِ. وَفِي الثَّالِثَةِ: وَقِيلَ فِي حَقِّ الْوَقَّادِ. كَذَا قَالَ, وَوَجَّهَهُ لِنُدْرَتِهِ, فَلَا يُفْرَدُ بِحُكْمٍ, وَلَهُ نَظَائِرُ, وَكَذَا إنْ طَارَ إلَى حَلْقِهِ ذُبَابٌ لَمْ يُفْطِرْ "و" خِلَافًا لِلْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ.
وَإِنْ احْتَلَمَ أَوْ أَمْنَى مِنْ وَطْءِ لَيْلٍ أَوْ أَمْنَى لَيْلًا مِنْ مُبَاشَرَتِهِ نَهَارًا لَمْ يُفْطِرْ "و" وَظَاهِرُهُ وَلَوْ وَطِئَ رَجُلٌ قُرْبَ الْفَجْرِ, وَيُشْبِهُهُ من اكتحل إذاً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
أَوْ جَاهِلٌ, انْتَهَى. "قُلْت": ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الأعلام1, وَمِمَّا يُؤَيِّدُهُ مَا إذَا قَامَ الْإِمَامُ إلَى خَامِسَةٍ, فَإِنَّهُ صَرَّحَ فِي الْمُغْنِي2 وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْمَأْمُومِينَ تَنْبِيهُهُ, وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَوْضِعِهِ وَلَا فِي غَيْرِهِ, وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ.
"مِنْهَا" لَوْ عَلِمَ نَجَاسَةَ مَاءٍ فَأَرَادَ جَاهِلٌ بِهِ اسْتِعْمَالَهُ هَلْ يَلْزَمُهُ إعْلَامُهُ؟ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ, أَوْ لَا يَلْزَمُهُ إنْ قِيلَ إزَالَتُهَا شرط؟ فيه أقوال.
__________
1 ليست في "ط".
2 "2/410".(5/15)
وَلَا يُفْطِرُ مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ "و" وَلَوْ عاد إلى جوفه بغير اختياره "هـ"1 خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ, وَلَوْ أَعَادَهُ عَمْدًا وَلَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ أَوْ قَاءَ مَا لَا يُفْطِرُ بِهِ ثُمَّ أَعَادَهُ عَمْدًا أَفْطَرَ "هـ ر" خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ, كَبَلْعِهِ بَعْدَ انْفِصَالِهِ عَنْ الْفَمِ "و" وَإِنْ أَصْبَحَ فِي فِيهِ طَعَامٌ فَرَمَاهُ, أَوْ شَقَّ رَمْيُهُ فَبَلَعَهُ مَعَ رِيقِهِ بِغَيْرِ قَصْدٍ أَوْ جَرَى رِيقُهُ بِبَقِيَّةِ طَعَامٍ تَعَذَّرَ رَمْيُهُ, أَوْ بَلَعَ رِيقَهُ عَادَةً, لَمْ يُفْطِرْ "و" وَإِنْ أَمْكَنَهُ لَفْظُهُ بِأَنْ تَمَيَّزَ عَنْ رِيقِهِ فَبَلَعَهُ عَمْدًا أَفْطَرَ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَلَوْ كَانَ دُونَ الْحِمَّصَةِ "هـ م" قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَنْ تَنَخَّعَ دَمًا كَثِيرًا2 فِي رَمَضَانَ: أَجْبُنُ عَنْهُ, وَمِنْ غَيْرِ الْجَوْفِ أهون.
إن بَصَقَ نُخَامَةً بِلَا قَصْدٍ مِنْ مَخْرَجِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَفِي فِطْرِهِ وَجْهَانِ, مَعَ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ, كَذَا قِيلَ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الرعاية "م 2".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"وَمِنْهَا" لَوْ دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ عَلَى نَائِمٍ هَلْ يَجِبُ إعْلَامُهُ, أَوْ لَا يَجِبُ, أَوْ يجب إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ؟ جَزَمَ بِهِ فِي التَّمْهِيدِ, وَهُوَ الصَّوَابُ, فِيهِ أَقْوَالٌ, لِأَنَّ النَّائِمَ كَالنَّاسِي, وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ إعْلَامِهِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ مُطْلَقًا ضَعِيفٌ جِدًّا.
"وَمِنْهَا" لَوْ أَصَابَهُ مَاءُ مِيزَابٍ وَسَأَلَ, هَلْ يَلْزَمُ الْجَوَابُ الْمَسْئُولَ أَوْ لَا يَلْزَمُ أَوْ يَلْزَمُ إنْ كَانَ نَجِسًا؟ اخْتَارَهُ الْأَزَجِيُّ, وَهُوَ الصَّوَابُ, فِيهِ أَقْوَالٌ, لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمِثَالُ الصَّحِيحُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ أَصَابَهُ الْمَاءُ وَلَمْ يَسْأَلْ, فَهَلْ يَجِبُ عَلَى مَنْ يَعْلَمُ نَجَاسَتَهُ إعْلَامُهُ أَمْ لَا؟ وَلَمْ أرها, والله أعلم.
"مَسْأَلَةٌ 2" قَوْلُهُ: وَإِنْ بَصَقَ نُخَامَةً بِلَا قَصْدٍ مِنْ مَخْرَجِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَفِي فِطْرِهِ وَجْهَانِ, مَعَ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ, كَذَا قِيلَ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. انْتَهَى, يَعْنِي جَزَمَ بما قاله المصنف كله,
__________
1 في "س": "هـ ر".
2 في الأصل: "كبدا".(5/16)
وَإِنْ قَطَّرَ فِي ذَكَرِهِ دُهْنًا لَمْ يُفْطِرْ, نَصَّ عَلَيْهِ "هـ ر وش" وَأَبِي يُوسُفَ, لِعَدَمِ الْمَنْفَذِ, وَإِنَّمَا يَخْرُجُ الْبَوْلُ رَشْحًا, كَمُدَاوَاةِ جُرْحٍ عَمِيقٍ لَمْ يَنْفُذْ إلَى الْجَوْفِ, وَقِيلَ: بَيْنَهُمَا مَنْفَذٌ, كَمَنْ وَضَعَ فِي فِيهِ مَاءً لَمْ يَتَحَقَّقْ نُزُولُهُ فِي حَلْقِهِ, وَقِيلَ: يُفْطِرُ إنْ وَصَلَ مَثَانَتَهُ وَهِيَ الْعُضْوُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْبَوْلُ دَاخِلَ الْجَوْفِ. فَإِذَا كَانَ لَا يَسْتَمْسِكُ بَوْلَهُ قِيلَ مَثِنَ الرَّجُلُ بِكَسْرِ الثَّاءِ فَهُوَ أَمْثَنُ وَالْمَرْأَةُ مَثْنَاءُ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ يُقَالُ: رَجُلٌ مَثِنٌ وَمَمْثُونٌ.
وَمَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا ثُمَّ اغْتَسَلَ صَحَّ صَوْمُهُ "و" مَعَ أَنَّهُ يُسَنُّ قَبْلَ الْفَجْرِ, وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ نَهْيُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الصَّحِيحَيْنِ1, أَوْ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ2, لِأَنَّ اللَّهَ تعالى أَبَاحَ الْجِمَاعَ وَغَيْرَهُ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ, احْتَجَّ بِهِ رَبِيعَةُ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ, وَلِفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ, مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ3, وَكَذَا إنْ أَخَّرَهُ يَوْمًا صَحَّ وَأَثِمَ "و" وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: يَجِيءُ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ يَكْفُرُ بِتَرْكِ صَلَاةٍ إذَا تَضَايَقَ وَقْتُ الَّتِي بَعْدَهَا أَنْ يَبْطُلَ إذَا تَضَايَقَ وقت الظهر قبل غسله وصلاة الفجر,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
أَحَدُهُمَا لَا يُفْطِرُ بِذَلِكَ "قُلْت": وَهُوَ الصَّوَابُ, بل هذا مما لا شك فيه,
__________
1 أخرجه البخاري "1925" ومسلم "1109" "75" عن أبي هريرة: "من أدرك الفجر جنبا فلا يصم......" الحديث.
2 بعدها في الأصل: "ولئن أصبح جنبا ثم غسل صح صومه".
3 أخرجه البخاري "1925" ومسلم "1109" "75" عن عائشة وأم سَلَمَةَ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم....." الحديث.(5/17)
كَذَا قَالَ, وَسَبَقَ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ1, وَمُرَادُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَقُلْنَا يَكْفُرُ بِتَرْكِهَا بِشَرْطِهِ بَطَلَ صَوْمُهُ, وَكَذَا الْحَائِضُ تُؤَخِّرُهُ, وَسَبَقَ فِي الْحَيْضِ2, وَنَقَلَ صَالِحٌ فِي الْحَائِضِ تُؤَخِّرُهُ بَعْدَ الْفَجْرِ: تَقْضِي.
وَإِنْ تَمَضْمَضَ أَوْ اسْتَنْشَقَ فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ بِلَا قَصْدٍ لَمْ يُفْطِرْ "هـ م" وَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فِي أَحَدِهِمَا أَوْ بَالَغَ فِيهِ فَوَجْهَانِ, وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: يَبْطُلُ بِالْمُبَالَغَةِ, لِلنَّهْيِ الْخَاصِّ3 وَعَدَمِ نُدْرَةِ الْوُصُولِ فِيهَا, بِخِلَافِ الْمُجَاوَزَةِ وَأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي المجاوزة: يعجبني أن يعيد "م 3" وَإِنْ تَمَضْمَضَ أَوْ اسْتَنْشَقَ لِغَيْرِ طَهَارَةٍ فَإِنْ كان لنجاسة ونحوها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُفْطِرُ "قُلْت": وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا.
"مَسْأَلَةٌ 3" قَوْلُهُ: وَإِنْ تَمَضْمَضَ أَوْ اسْتَنْشَقَ فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ بِلَا قَصْدٍ لَمْ يُفْطِرْ, وَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فِي أَحَدِهِمَا أَوْ بَالَغَ فِيهِ فَوَجْهَانِ, وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ يُفْطِرُ بِالْمُبَالَغَةِ, لِلنَّهْيِ الْخَاصِّ وَعَدَمِ نُدْرَةِ الْوُصُولِ فِيهَا, بِخِلَافِ الْمُجَاوَزَةِ, وَأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي الْمُجَاوَزَةِ, يُعْجِبُنِي أَنْ يُعِيدَ, انْتَهَى, وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي4 وَالْكَافِي5 وَالْمُقْنِعِ6 وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَمُحَرَّرِهِ وَالشَّرْحُ6 وَشَرْحِ ابن منجا والرعايتين والحاويين والنظم والفائق وغيرهم,
__________
1 "1/422".
2 "1/383".
3 وهو قوله صلى الله عليه وسلم للقيط بن ضبرة: "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما" تقدم تخريجه ص "5".
4 "4/356".
5 "2/245".
6 المنقع مع الشرح الكبير والإنصاف "7/432".(5/18)
فَكَالْوُضُوءِ, وَإِنْ كَانَ عَبَثًا أَوْ لِحَرٍّ أَوْ عَطَشٍ كُرِهَ, نَصَّ عَلَيْهِ "م".
وَفِي الْفِطْرِ بِهِ الْخِلَافُ فِي الزَّائِدَةِ عَلَى الثَّلَاثِ, وَكَذَا إنْ غَاصَ فِي الْمَاءِ فِي غَيْرِ غُسْلٍ مَشْرُوعٍ, أَوْ أَسْرَفَ, أَوْ كَانَ عَابِثًا "وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: إنْ فَعَلَهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ فَكَالْمَضْمَضَةِ الْمَشْرُوعَةِ وَإِنْ كَانَ عَبَثًا" فَكَمُجَاوَزَةِ الثَّلَاثِ, وَنَقَلَ صَالِحٌ: يَتَمَضْمَضُ إذَا أُجْهِدَ. وَلَا يَكُونُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَغْتَسِلَ "هـ" لِلْخَبَرِ1, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: ولأن فيه إزالة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
أَحَدُهُمَا لَا يُفْطِرُ بِذَلِكَ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ, قَالَ فِي الْعُمْدَةِ: وَلَوْ تَمَضْمَضَ أَوْ اسْتَنْشَقَ فَوَصَلَ إلَى حَلْقِهِ مَاءٌ لَمْ يفسد صومه, وجزم به فِي الْإِفَادَاتِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وَقَالَ:
بَنَيْتهَا عَلَى الصَّحِيحِ الْأَشْهَرِ.
وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ: وَلَوْ دَخَلَ حَلْقَهُ مَاءُ طَهَارَةٍ وَلَوْ بِمُبَالِغَةٍ لَمْ يُفْطِرْ, انْتَهَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُفْطِرُ, صَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ, وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ, وَجَزَمَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ بِالْفِطْرِ بِالْمُبَالَغَةِ, وَقَالَ بِهِ إذَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ, وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ اخْتِيَارَ الْمَجْدِ.
"تَنْبِيهَانِ"
الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ: وَإِنْ تَمَضْمَضَ أَوْ اسْتَنْشَقَ لِغَيْرِ طَهَارَةٍ فَإِنْ كَانَ لِنَجَاسَةٍ وَنَحْوِهَا فَكَالْوُضُوءِ, وَإِنْ كَانَ عَبَثًا أَوْ لِحَرٍّ أَوْ عَطَشٍ كُرِهَ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَفِي الْفِطْرِ بِهِ الْخِلَافُ فِي الزَّائِدِ عَلَى الثَّلَاثِ, وَكَذَا إنْ غَاصَ فِي الْمَاءِ فِي غَيْرِ غُسْلٍ مَشْرُوعٍ, أَوْ أَسْرَفَ, أَوْ كَانَ عَابِثًا. انْتَهَى, مُرَادُهُ بِالْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا, وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ, وَقَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْ ذَلِكَ, فَكَذَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ.
__________
1 أخرجه البخاري "1925" ومسلم "1109" عن عائشة وأم سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم.(5/19)
الضَّجِرِ مِنْ الْعِبَادَةِ, كَالْجُلُوسِ فِي الظِّلَالِ الْبَارِدَةِ بخلاف قَوْلِ الْمُخَالِفِ: إنَّ فِيهِ إظْهَارَ التَّضَجُّرِ بِالْعِبَادَةِ, وَقَوْلُهُ: إنَّ الصَّوْمَ مُسْتَحِقٌّ فِعْلُهُ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ الْمَشَقَّةِ, فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ بِمَا لَا ضَرُورَةَ بِهِ إلَيْهِ كُرِهَ, كَمَا لَوْ اسْتَنَدَ الْمُصَلِّي فِي قِيَامِهِ إلَى شَيْءٍ, وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّ غَوْصَهُ فِي الْمَاءِ كَصَبِّ الْمَاءِ عليه "وش" وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَخَفْ أَنْ يَدْخُلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ أَوْ مَسَامِعَهُ, وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَمَالِكٌ, وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ. وَفِي الرِّعَايَةِ. يُكْرَهُ, فِي الْأَصَحِّ, فَإِنْ دَخَلَ حَلْقَهُ فَفِي فِطْرِهِ وَجْهَانِ, وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ وَلَا يُفْطِرُ, وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا: يَدْخُلُ الْحَمَّامَ مَا لَمْ يَخَفْ ضَعْفًا, وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ, قَالَ فِي الْخِلَافِ: مَا يَجْرِي بِهِ الرِّيقُ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ, وَكَذَا مَا يَبْقَى مِنْ أَجْزَاءِ الْمَاءِ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ, 1كَالذُّبَابِ وَالْغُبَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ, فَإِنْ قِيلَ: يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَاءِ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ1 بِأَنْ يَبْزُقَ أَبَدًا حتى يعلم أنه لم يبق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"الثَّانِي" قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي غَوْصِ الْمَاءِ: وَفِي الرِّعَايَةِ يُكْرَهُ, فِي الْأَصَحِّ, فَإِنْ دَخَلَ حَلْقَهُ فَفِي فِطْرِهِ وَجْهَانِ, انْتَهَى. إطْلَاقُ الْوَجْهَيْنِ هُنَا مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ صَاحِبِ الرِّعَايَةِ, وَلَكِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ مَا لَوْ دَخَلَ الْمَاءُ إلَى حَلْقِهِ فِي الْغُسْلِ الْوَاجِبِ أَوْ المستحب, والصواب أن حكمه حكم الوضوء.
__________
1 1 ليست في الأصل.(5/20)
مِنْهَا شَيْءٌ, قِيلَ: هَذَا يَشُقُّ, وَلَيْسَ فِي لَفْظِ مَا يُمْكِنُ لَفْظُهُ مَشَقَّةٌ, يَعْنِي مَا يَبْقَى فِي فِيهِ وَلَمْ1 يَجْرِ بِهِ1 الرِّيقُ, وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ هُنَا, وَقَالَ فِي ذَوْقِ الطَّعَامِ: لَا يُفْطِرُ إنْ بَصَقَ وَاسْتَقْصَى, كَالْمَضْمَضَةِ, وَيَأْتِي كَلَامُ الشَّيْخِ أَوَّلَ الْفَصْلِ بَعْدَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَصْلٌ
يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَجْمَعَ رِيقَهُ وَيَبْلَعَهُ, فَإِنْ جَمَعَهُ ثُمَّ بَلَعَهُ قَصْدًا لَمْ يُفْطِرْ "و" كَمَا لَوْ بَلَعَهُ قَصْدًا وَلَمْ يَجْمَعْهُ; بِخِلَافِ غُبَارِ الطَّرِيقِ, وَقِيلَ: يُفْطِرُ, فَيَحْرُمُ ذَلِكَ, كَعَوْدِهِ2 وَبَلْعِهِ مِنْ بَيْنِ شَفَتَيْهِ. وَفِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ: ظَاهِرُ شَفَتَيْهِ, لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ عَادَةً, كَغَيْرِ الرِّيقِ, وَإِنْ أَخْرَجَ مِنْ فِيهِ حَصَاةً أَوْ دِرْهَمًا أَوْ خَيْطًا ثُمَّ أَعَادَهُ فَإِنْ كَانَ مَا عَلَيْهِ كَثِيرًا فَبَلَعَهُ أَفْطَرَ, وَإِنْ قَلَّ لَمْ يُفْطِرْ, فِي الْأَصَحِّ "ش" لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ انْفِصَالُهُ وَدُخُولُهُ حَلْقَهُ, كَالْمَضْمَضَةِ, وَلَوْ كَانَ لِسَانَهُ3 لَمْ يُفْطِرْ, أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ "و" لِأَنَّ الرِّيقَ لَمْ يُفَارِقْ مَحَلَّهُ, وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُفْطِرُ.
وَإِنْ تَنَجَّسَ فَمُهُ أَوْ خَرَجَ إلَيْهِ قَيْءٌ أَوْ قَلْسٌ فَبَلَعَهُ أَفْطَرَ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَإِنْ قَلَّ, لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ, وَإِنْ بَصَقَهُ وَبَقِيَ فَمُهُ نَجِسًا فَبَلَعَ رِيقَهُ فَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ بَلَعَ شَيْئًا نَجِسًا أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا, وَصِفَةُ غسل فمه سبق في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 1 في "ب" يجزيه.
2 في الأصل "لعوده" وفي "ب" بعوده".
3 يعني: لو أخرج لسانه ثم أدخله فيه بما عليه وبلعه لم يفطر المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "7/476".(5/21)
الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ1.
وَهَلْ يُفْطِرُ ببلع النخامة. "وش" كالتي من جوفه لأنها من غير الفم كَالْقَيْءِ أَمْ لَا؟ لِاعْتِبَارِهَا فِي الْفَمِ كَالرِّيقِ, فيه روايتان "م 4" وعليهما2 ينبني التَّحْرِيمُ.
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ أَنَّ الْقَاضِيَ وَغَيْرَهُ ذَكَرُوا فِي النُّخَامَةِ رِوَايَتَيْنِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى3: يُفْطِرُ بِاَلَّتِي مِنْ دِمَاغِهِ, وَفِي الَّتِي مِنْ صَدْرِهِ رِوَايَتَانِ.
وَيُكْرَهُ ذَوْقُ الطَّعَامِ, ذكره جماعة وأطلقوا "وم" وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ: أُحِبُّ أَنْ يَجْتَنِبَ ذَوْقَ الطَّعَامِ, فَإِنْ فَعَلَ فَلَا بَأْسَ, وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَنْهُ لَا بَأْسَ بِهِ لحاجة ومصلحة, واختاره في التنبيه وابن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 4" قَوْلُهُ: وَهَلْ يُفْطِرُ بِبَلْعِ النُّخَامَةِ كَاَلَّتِي مِنْ جَوْفِهِ لِأَنَّهَا مِنْ غَيْرِ الْفَمِ كَالْقَيْءِ أَمْ لَا؟ لِاعْتِيَادِهَا فِي الْفَمِ كَالرِّيقِ, فِيهِ رِوَايَتَانِ, انْتَهَى, وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ طُرُقٍ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ, وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ4 هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُنَا, وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ, وهي:
"الطَّرِيقَةُ الْأُولَى"
إحْدَاهُمَا يُفْطِرُ إذَا بَلَعَهَا بَعْدَ أَنْ تَصِلَ إلَى فَمِهِ, وَهُوَ الصَّحِيحُ. كَاَلَّتِي مِنْ جَوْفِهِ, جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ, وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ5, وَهُوَ الصَّوَابُ, فَعَلَى هَذَا بَلْعُهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ,
__________
1 "1/331"
2 في "ب" و"ط" "عليها".
3 في الإرشاد ص "152".
4 ليست في "ح".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "7/477".(5/22)
عقيل "وهـ ش" وَحَكَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ1, وَكَالْمَضْمَضَةِ الْمَسْنُونَةِ, فَعَلَى هَذَا عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْصِيَ في البصق, ثم إن وجد طعمه فِي حَلْقِهِ لَمْ يُفْطِرْ كَالْمَضْمَضَةِ, وَإِنْ لَمْ يَسْتَقْصِ فِي الْبَصْقِ أَفْطَرَ, لِتَفْرِيطِهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يُفْطِرُ مُطْلَقًا, لِإِطْلَاقِ الْكَرَاهَةِ, ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وجَزَمَ جَمَاعَةٌ بِفِطْرِهِ مُطْلَقًا, وَيُتَوَجَّهُ الْخِلَافُ في مجاوزة الثلاث.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُفْطِرُ, فَيُكْرَهُ بَلْعُهَا, جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَصَحَّحَهُ فِي الْفُصُولِ.
"الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ" فِي بَلْعِ النُّخَامَةِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ رِوَايَتَانِ, وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ, قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ, وَجَزَمَ بِهَا فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَمُحَرَّرِهِ وَالْمُغْنِي2 وَالْمُقْنِعِ3 وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ, وَقَدَّمَهَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ.
إحْدَاهُمَا يُفْطِرُ بِذَلِكَ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ4.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُفْطِرُ بِهِ, صَحَّحَهُ فِي الْفُصُولِ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ, وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُغْنِي5 وَالْمُقْنِعِ3 وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ.
"الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ" إنْ كَانَتْ مِنْ دِمَاغِهِ أَفْطَرَ قَوْلًا وَاحِدًا, وَإِنْ كَانَتْ مِنْ صَدْرِهِ فَرِوَايَتَانِ, وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي مُوسَى "قُلْت": الصَّوَابُ الإفطار أيضا.
__________
1 رواه البخاري تعليقا قبل حديث "1930" وذكره في المغني "4/359" من قول أحمد.
2 "4/355".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "7/475".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "7/477".
5 "4/355".(5/23)
وَيُكْرَهُ مَضْغُ الْعِلْكِ الَّذِي لَا1 يَتَحَلَّلُ مِنْهُ أَجْزَاءٌ, نَصَّ عَلَيْهِ "و" لِأَنَّهُ يَجْلِبُ الْغَمَّ وَيَجْمَعُ الرِّيقَ وَيُورِثُ الْعَطَشَ, وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ, لِأَنَّهُ يُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ وَعَطَاءٍ2, وَكَوَضْعِ الْحَصَاةِ فِي فِيهِ, قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ وَضَعَ فِي فِيهِ دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا: لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَجِدْ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ وَمَا يَجِدُ طَعْمَهُ فَلَا يُعْجِبُنِي.
وَقَالَ فِي الصَّائِمِ يَفْتِلُ الْخَيْطَ: يُعْجِبُنِي أَنْ يَبْزُقَ, فَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يُفْطِرُ إنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَمْ لَا؟ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الطَّعْمِ لَا يُفْطِرُ, كَمَنْ لَطَّخَ بَاطِنَ قَدَمِهِ بِحَنْظَلٍ "ع" بِخِلَافِ الْكُحْلِ فَإِنَّهُ تَصِلُ أَجْزَاؤُهُ إلَى الْحَلْقِ, عَلَى وَجْهَيْنِ "م 5" فَدَلَّ أَنَّهُ يُفْطِرُ بِأَجْزَائِهِ, وَقِيلَ فِي3 تحريم مَا3 لَا يَتَحَلَّلُ غَالِبًا وَفِطْرِهِ بِوُصُولِهِ أَوْ طَعْمِهِ إلَى حَلْقِهِ وَجْهَانِ, وَقِيلَ: يُكْرَهُ بِلَا حَاجَةٍ.
وَيَحْرُمُ مَضْغُ الْعِلْكِ الَّذِي تَتَحَلَّلُ مِنْهُ أَجْزَاءٌ "ع" وَفِي الْمُقْنِعِ4: إلَّا أَنْ لَا يَبْتَلِعَ رِيقَهُ, وَفَرَضَ بَعْضُهُمْ الْمَسْأَلَةَ فِي ذَوْقِهِ, وَإِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَفْطَرَ, وَسَبَقَ السِّوَاكُ فِي بَابِهِ5. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: ويكره أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 5" قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ مَضْغُ الْعِلْكِ الَّذِي لَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ أَجْزَاءٌ, نَصَّ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ. هَلْ يُفْطِرُ إنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ, انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي6 والكافي7 والمجد في شرحه والشرح8
__________
1 ليست في "س".
2 أورده البخاري تعليقا في صحيحه إثر حديث "1934" بلفظ: "ولا يمضغ العلك فإن ازداد ريق العلك لا أقول إنه يفطر ولكن ينهي عنه..... حديث.
3 3 في الأصل "تحريمع بما".
4 المقنع مع الشرح الكير والإنصاف "7/475".
5 "1/145".
6 "4/358".
7 "2/257".
8 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "7/480".(5/24)
يَدَعَ بَقَايَا الطَّعَامِ بَيْنَ أَسْنَانِهِ وَشَمُّ مَا لَا يَأْمَنُ أَنْ يَجْذِبَهُ نَفَسُهُ إلَى حَلْقِهِ, كَسَحِيقِ مِسْكٍ وَكَافُورٍ وَدُهْنٍ وَنَحْوِهِ.
وَتُكْرَهُ الْقُبْلَةُ لمن تحرك شهوته فقط "وهـ" لِقَوْلِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ؟ فَقَالَ لَهُ سَلْ هَذِهِ لِأُمِّ سَلَمَةَ, فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِك وَمَا تَأَخَّرَ, فَقَالَ: "أَمَا وَاَللَّهِ إنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ1. وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا شَابًّا, وَرَخَّصَ لِشَيْخٍ, حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد2 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ, وَرَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ, وَكَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ3 بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ, وَعَنْهُ: تكره لمن تحرك شهوته ولغيره "وم ر" لِاحْتِمَالِ حُدُوثِ الشَّهْوَةِ, 4وَكَالْإِحْرَامِ4, وَعَنْهُ: تَحْرُمُ عَلَى مَنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ, وَجَزَمَ بِهِ فِي المستوعب وغيره "وم ش" كما لو ظن الإنزال معها,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى, قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ: وَفِي تَحْرِيمِ مَا لَا يَتَحَلَّلُ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا لَا يُفْطِرُ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُقْنِعِ5 وَغَيْرِهِ, وَإِلَيْهِ مَالَ فِي الْمُغْنِي6 وَالشَّرْحِ5.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُفْطِرُ, جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ, وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ, وَهُوَ الصَّوَابُ
__________
1 في صحيحه "1108" "74".
2 في سننه "2387".
3 أخرجه مالك في الموطأ "1/293".
4 4 ليست في الأصل.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "7/480".
6 "4/358".(5/25)
وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِلَا خِلَافٍ, ثُمَّ إنْ خَرَجَ مِنْهُ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ فَقَدْ سَبَقَ أَوَّلَ الْبَابِ1, وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يُفْطِرْ, ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ "ع" لِمَا سَبَقَ.
وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: يُفْطِرُ, وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْهُ وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ, وَحَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ, وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ الْمَالِكِيُّ, وَيَأْتِي فِي الْغِيبَةِ2 هَلْ يُفْطِرُ بِهَا وَبِكُلِّ مُحَرَّمٍ؟ وَمُرَادُ مَنْ اقْتَصَرَ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى ذِكْرِ الْقُبْلَةِ دَوَاعِي الْجِمَاعِ, وَلِهَذَا قَاسُوا عَلَى الْإِحْرَامِ, وَقَالُوا: عِبَادَةٌ تَمْنَعُ الْوَطْءَ فَمَنَعَتْ دَوَاعِيَهُ, كَالْإِحْرَامِ.
وَفِي الْكَافِي3: وَاللَّمْسُ وَتَكْرَارُ النَّظَرِ كَالْقُبْلَةِ, لِأَنَّهُمَا فِي مَعْنَاهَا. وَفِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ الْقُبْلَةِ وَكَذَا الْخِلَافُ فِي تَكْرَارِ النَّظَرِ وَالْفِكْرِ فِي الْجِمَاعِ: فَإِنْ أَنْزَلَ أَثِمَ وَأَفْطَرَ. وَالتَّلَذُّذُ بِاللَّمْسِ وَالنَّظَرِ وَالْمُعَانَقَةِ وَالتَّقْبِيلِ سَوَاءٌ. هَذَا كَلَامُهُ, وَهُوَ مَعْنَى الْمُسْتَوْعِبِ. وَاللَّمْسُ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ كَلَمْسِ الْيَدِ لِيَعْرِفَ مَرَضَهَا وَنَحْوَهُ4 لَا يُكْرَهُ "و" كالإحرام.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ص "10".
2 ص "27".
3 "2/257".
4 بعدها في "س" "وعنه".(5/26)
فصل: يَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يَتَعَاهَدَ صَوْمَهُ مِنْ لِسَانِهِ
...
فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: يَنْبَغِي للصائم أن يتعاهد صومه من لسانه
يُمَارِيَ, وَيَصُونَ صَوْمَهُ; كَانُوا إذَا صَامُوا قَعَدُوا فِي الْمَسَاجِدِ وَقَالُوا نَحْفَظُ صَوْمَنَا, وَلَا يَغْتَابَ أَحَدًا, وَلَا يَعْمَلَ عَمَلًا يَجْرَحُ1 بِهِ صَوْمَهُ.
قَالَ الْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ: يُسَنُّ لَهُ كَثْرَةُ الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَالصَّدَقَةِ, وَكَفُّ لِسَانِهِ عَمَّا يُكْرَهُ, وَيَجِبُ كَفُّهُ عَمَّا يَحْرُمُ مِنْ الْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالشَّتْمِ وَالْفُحْشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ "ع" وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ قَوْلَ النَّخَعِيِّ: تَسْبِيحَةٌ فِي رَمَضَانَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ تَسْبِيحَةٍ فِي غَيْرِهِ, وَذَكَرَهُ الْآجُرِّيُّ وَجَمَاعَةٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ.
وَلَا يُفْطِرُ بِالْغِيبَةِ وَنَحْوِهَا, نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ "و" وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: لَوْ كَانَتْ الْغِيبَةُ تُفْطِرُ مَا كَانَ لَنَا صَوْمٌ: وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ "ع" لِأَنَّ فَرْضَ الصَّوْمِ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ, وَظَاهِرُهُ صِحَّتُهُ إلَّا مَا خَصَّهُ دَلِيلٌ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ. وَقَالَ عَمَّارٌ2: رَوَاهُ "الْإِمَامُ" أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ"3 معناه الزجر والتحذير, لم يأمر4 مَنْ اغْتَابَ بِتَرْكِ صِيَامِهِ. قَالَ: وَالنَّهْيُ عَنْهُ لِيَسْلَمَ مِنْ نَقْصِ الْأَجْرِ وَمُرَادُهُ أَنَّهُ قَدْ يُكْثِرُ فَيَزِيدُ عَلَى أَجْرِ الصَّوْمِ وَقَدْ يَقِلُّ وَقَدْ يَتَسَاوَيَانِ, قَالَ شَيْخُنَا: هَذَا "مِمَّا" لَا نِزَاعَ فِيهِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ. وَأَسْقَطَ أَبُو الْفَرَجِ ثوابه بالغيبة ونحوها, ومراده ما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س" و" ب" "يخرج".
2 في "ط": "عمار".
3 أحمد "9839" والبخاري "1903".
4 في "س" و"ب" "ويؤمر".(5/27)
سَبَقَ, وَإِلَّا فَضَعِيفٌ, وَقِيلَ لِأَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ قَوْلِهِمْ فِي تَأْوِيلِ حَدِيثِ الْحِجَامَةِ: كَانَا يَغْتَابَانِ, فَقَالَ: الْغِيبَةُ أَيْضًا أَشَدُّ لِلصَّائِمِ, بِفِطْرِهِ أَجْدَرُ1 أَنْ تُفْطِرَهُ الْغِيبَةُ وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا ذَكَرَ رِوَايَةً ثَالِثَةً: يُفْطِرُ بِسَمَاعِ الْغِيبَةِ. وَذَكَرَ أَيْضًا وَجْهًا فِي الْفِطْرِ بِغِيبَةٍ وَنَمِيمَةٍ وَنَحْوِهِمَا.
فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ احْتِمَالٌ: يُفْطِرُ بِكُلِّ مُحَرَّمٍ, وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ تَخْرِيجٍ مِنْ بُطْلَانِ الْأَذَانِ بِكُلِّ مُحَرَّمٍ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ2 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ "إذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَصْخَبْ, فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ" وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَزْمٍ: يُفْطِرُ بِكُلِّ مَعْصِيَةٍ, وَاحْتَجَّ بِأَشْيَاءَ مِنْهَا: وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ عُبَيْدٍ مَوْلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى عَلَى امْرَأَتَيْنِ صَائِمَتَيْنِ تَغْتَابَانِ النَّاسَ فَقَالَ لَهُمَا: "قِيآ فَقَاءَتَا قَيْحًا وَدَمًا وَلَحْمًا عَبِيطًا" , ثُمَّ قَالَ: "إنَّ هَاتَيْنِ صَامَتَا عَنْ الْحَلَالِ وَأَفْطَرَتَا على الحرام" ورواه أحمد في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "أحذر".
2 البخاري "1094" ومسلم "1151" "163".(5/28)
مُسْنَدِهِ1 عَنْ يَزِيدَ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ. حَدَّثَنِي رَجُلٌ فِي مَجْلِسِ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ عُبَيْدٍ, فَذَكَرَهُ.
وَقَالَ وَكِيعٌ عَنْ حَمَّادٍ الْبَكَّاءِ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ: إذَا اغْتَابَ الصَّائِمُ أَفْطَرَ,2 وَعَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: الْكَذِبُ يُفْطِرُ الصَّائِمَ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّ صَاحِبَ الْحِلْيَةِ ذَكَرَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّ مَنْ شَاتَمَ فَسَدَ صَوْمُهُ, لِظَاهِرِ النَّهْيِ.
قَالَ الْأَصْحَابُ: وَيُسَنُّ لِمَنْ شُتِمَ أَنْ يَقُولَ إنِّي3 صَائِمٌ, قَالَ فِي4 الرِّعَايَةِ: يَقُولُهُ مَعَ نَفْسِهِ, يَعْنِي يَزْجُرُ نَفْسَهُ وَلَا يُطْلِعُ النَّاسَ عَلَيْهِ لِلرِّيَاءِ. وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ. وَإِلَّا جَهَرَ بِهِ, لِلْأَمْنِ مِنْ الرِّيَاءِ, وَفِيهِ زَجْرُ مَنْ يُشَاتِمُهُ بِتَنْبِيهِهِ عَلَى حُرْمَةِ الْوَقْتِ الْمَانِعَةِ مِنْ ذَلِكَ.
وَذَكَرَ شَيْخُنَا لَنَا ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: هَذَيْنِ, وَالثَّالِثُ وَهُوَ اخْتِيَارُهُ يَجْهَرُ بِهِ مُطْلَقًا "م 6" لِأَنَّ الْقَوْلَ "الْمُطْلَقَ" بِاللِّسَانِ, وَاَللَّهُ "سُبْحَانَهُ" أَعْلَمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 6" "قَوْلُهُ": وَيُسَنُّ لِمَنْ شُتِمَ أَنْ يَقُولَ: إنِّي صَائِمٌ, قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَقُولُهُ مَعَ نَفْسِهِ, يَعْنِي يَزْجُرُ نَفْسَهُ وَلَا يُطْلِعُ النَّاسَ عَلَيْهِ لِلرِّيَاءِ, وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ وَإِلَّا جَهَرَ بِهِ وَذَكَرَ شَيْخُنَا لَنَا ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: هَذَيْنِ, وَالثَّالِثُ وَهُوَ اخْتِيَارُهُ: يَجْهَرُ بِهِ مُطْلَقًا, انْتَهَى. "قُلْت" وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَكَلَامِ الْأَصْحَابِ.
__________
1 برقم "23653".
2 أخرجه هناد في الزهد "1204".
3 بعدها في "ب" "امرؤ".
4 في "س" "صاحب".(5/29)
فَصْلٌ: يُسَنُّ تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ إذَا تَحَقَّقَ غُرُوبُ الشَّمْسِ
"عِ" وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ "ع" مَا لَمْ يَخْشَ طُلُوعَ الْفَجْرِ "و" ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَالْأَصْحَابُ, لِلْأَخْبَارِ1, وَلِأَنَّهُ أَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ, وَلِلتَّحَفُّظِ مِنْ الْخَطَأِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ, وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ: يُسْتَحَبُّ السُّحُورُ مَعَ الشَّكِّ فِي الْفَجْرِ, وَذَكَرَ أَيْضًا قَوْلَ أَبِي دَاوُد: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: إذَا شَكَّ فِي الْفَجْرِ يَأْكُلُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ طُلُوعَهُ, وَأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ2 وَعَطَاءٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ, قَالَ أَحْمَدُ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} [البقرة: 187] الْآيَةَ, وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَيْضًا قَوْلَ رَجُلٍ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إنِّي أَتَسَحَّرُ فَإِذَا شَكَكْت أَمْسَكْت, فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلْ مَا شَكَكْت حَتَّى لَا تَشُكَّ3. وَقَوْلَ أَبِي قِلَابَةَ: قَالَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَتَسَحَّرُ: يَا غُلَامُ أَجِفْ4 حَتَّى5 لَا يَفْجَأَنَا الْفَجْرُ, رَوَاهُمَا سَعِيدٌ6. وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ, وَلَعَلَّ مُرَادَ غَيْرِ الشَّيْخِ الْجَوَازُ وَعَدَمُ الْمَنْعِ بِالشَّكِّ, وَكَذَا جَزَمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَأْكُلُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ, وَأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ, وَكَذَا خَصَّ الْأَصْحَابُ الْمَنْعَ بِالْمُتَيَقَّنِ, كَشَكِّهِ فِي نَجَاسَةِ طاهر. وقال الآجري وغيره: لو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 منها ما روى زيد بن ثابت قال: تسحرنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قمنا إلى الصلاة قلت: كم كان قدر ذلك؟ قال: خمسون آية أخرجه البخاري "1921" ومسلم "1097" "47".
2 سيوردة المصنف قريبا.
3 أخرجه بن أبي شيبة في مصنفه "3/25" والبيهقي في السنن الكبرى "4/222".
4 في "ب": "أحقه" ومعنى قوله: أجف: أي رد الباب.
5 في الأصل: "عنا".
6 وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه "7618".(5/30)
قَالَ لِعَالِمَيْنِ اُرْقُبَا الْفَجْرَ, فَقَالَ أَحَدُهُمَا: طَلَعَ, وقال الآخر: لا1 يَطْلُعْ أَكَلَ حَتَّى يَتَّفِقَا, وَأَنَّهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ2 وَعُمَرُ3 وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمْ. وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ صَوْمَ يَوْمِ لَيْلَةِ الْغَيْمِ بِالْأَكْلِ مَعَ الشَّكِّ فِي الْفَجْرِ. وَأَجَابَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى الْأَصْلِ هُنَا لَا يُسْقِطُ الْعِبَادَةَ, وَالْبِنَاءَ عَلَى الْأَصْلِ فِي مَسْأَلَةِ الْغَيْمِ يُسْقِطُ الصَّوْمَ, وَلِلْمَشَقَّةِ هُنَا, لِتَكْرَارِهِ, وَالْغَيْمُ نَادِرٌ. وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي الْجَوَابِ عَلَى الْمَشَقَّةِ مَعَ مَا فِي الْغَيْمِ مِنْ الْخَبَرِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: إذَا خَافَ طُلُوعَ الْفَجْرِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُمْسِكَ جُزْءًا مِنْ الليل ليتحقق4 لَهُ صَوْمُ جَمِيعِ الْيَوْمِ, وَجَعَلَهُ أَصْلًا لِوُجُوبِ صَوْمِ يَوْمِ لَيْلَةِ الْغَيْمِ, وَقَالَ: لَا فَرْقَ. ثُمَّ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي مَوْضِعِهَا وَأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْأَكْلُ مَعَ الشَّكِّ فِي الْفَجْرِ, وَزَادَ: بَلْ يُسْتَحَبُّ, كَذَا قَالَ.
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ: الْأَوْلَى أَنْ لَا يَأْكُلَ مَعَ شَكِّهِ فِي طُلُوعِهِ. وَكَذَا جَزَمَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ مَعَ جَزْمِهِ بِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ. وَلَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْجِمَاعِ "و" لِأَنَّهُ لَا يَتَقَوَّى بِهِ, وَيُكْرَهُ مَعَ الشَّكِّ فِي الْفَجْرِ, وَلَا يُكْرَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ مَعَ الشَّكِّ فِيهِ. نَصَّ عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ.
وَلَا يَجِبُ إمْسَاكُ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ, فِي ظَاهِرِ كَلَامِ جَمَاعَةٍ, وَهُوَ ظَاهِرُ مَا سَبَقَ أَوْ صَرِيحُهُ, وَذَكَرَ ابْنُ الجوزي أنه أصح الوجهين "م ر"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط" "لم يطلع".
2 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "3/25".
3 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "3/26".
4 في الأصل و"ب" و"ط" "يتحقق".(5/31)
وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ بِوُجُوبِهِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَفُرُوعِهِ, وَأَنَّهُ مِمَّا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ, وَذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ وَأَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ وِفَاقًا فِي صَوْمِ يَوْمِ لَيْلَةِ الْغَيْمِ, وَهَذَا يُنَاقِضُ مَا ذَكَرُوهُ هُنَا, وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ فِي النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ, وَأَنَّهُ مَذْهَبُنَا, لِئَلَّا يَفُوتَ بَعْضُ النَّهَارِ عَنْ النِّيَّةِ, وَالصَّوْمُ يَدْخُلُ فِيهِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ, فَلَا يُمْكِنُهُ مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ حَالَ الدُّخُولِ فِيهِ, بِخِلَافِ الصَّلَاةِ, كَذَا قَالَ وَسَبَقَ فِي النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ.
وَالْمُرَادُ بِالْفَجْرِ الصَّادِقِ, وَهُوَ الْبَيَاضُ الْمُعْتَرِضُ, فَيَحْرُمُ الْأَكْلُ وَغَيْرُهُ بِطُلُوعِهِ "و" فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ, لِحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} [البقرة: 187] إنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ, وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ: "إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا1, وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد2 عَنْ عَائِشَةَ; أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, تُدْرِكُنِي الصَّلَاةُ وَأَنَا جُنُبٌ فَأَصُومُ؟ فَقَالَ: "وَأَنَا تُدْرِكُنِي الصَّلَاةُ وَأَنَا جُنُبٌ فَأَصُومُ" فَقَالَ: لَسْت مِثْلَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ, قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِك وَمَا تَأَخَّرَ, فَقَالَ: "وَاَللَّهِ إنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقَى" , يَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَقْتَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ وَقْتِ الصَّوْمِ, وَذَكَرَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "لَا يَمْنَعَنَّكُمْ مِنْ السُّحُورِ أَذَانُ بِلَالٍ والفجر المستطيل" 3 وقال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 الأول البخاري "1916" ومسلم "1090" "33" الثاني البخاري "1918" ومسلم "1092" "36".
2 أحمد "24385" ومسلم "1110" "79" وأبو داود "2388".
3 أخرجه الترمذي "706".(5/32)
عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ الْفَجْرُ الْأَبْيَضُ الْمُعْتَرِضُ, وَلَكِنَّهُ الْأَحْمَرُ" كَذَا وَجَدْته, وَلَفْظُهُ فِي مُسْنَدِهِ1 "لَيْسَ الْفَجْرُ بِالْمُسْتَطِيلِ فِي الْأُفُقِ وَلَكِنَّهُ الْمُعْتَرِضُ الْأَحْمَرُ" وَلِأَبِي دَاوُد, وَالتِّرْمِذِيِّ2 وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ "كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَعْتَرِضَ لَكُمْ الْأَحْمَرُ" فَيَحْتَمِلُ أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ بِهِ, وَأَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْهُ, وَلَكِنَّ قَيْسًا عِنْدَهُ ضَعِيفٌ.
وَعَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ: قُلْت لِحُذَيْفَةَ: أَيَّ سَاعَةٍ تَسَحَّرْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: هُوَ النَّهَارُ إلَّا أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ, رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ3. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ4 أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ زِرٍّ, وَعَنْ أَبِي يَعْفُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ صِلَةَ وَلَمْ يَرْفَعَاهُ, وَقَالَ: لَا يَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ غَيْرُ عَاصِمٍ, فَإِنْ كَانَ رَفْعُهُ صَحِيحًا فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ قُرْبَ النَّهَارِ, وَلَفْظُ أَحْمَدَ5: قُلْت: أَبَعْدَ الصُّبْحِ؟ قَالَ: نَعَمْ, هُوَ الصُّبْحُ غَيْرَ أَنْ لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ. وَعَاصِمٌ فِي حَدِيثِهِ اضْطِرَابٌ وَنَكَارَةٌ, فَرِوَايَةُ الْإِثْبَاتِ أَوْلَى, وَقَالَ ابن عمر: إن ابن أم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 برقم "16291".
2 أبو داود "2348" والترمذي "705".
3 في سننه "1695".
4 في الكبرى "2152".
5 في مسنده "23369".(5/33)
مَكْتُومٍ كَانَ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْت أَصْبَحْت. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ1, وَمَعْنَاهُ قَرُبَ الصُّبْحُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "إذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلَا يَضَعْهُ حَتَّى يقضي حاجته منه" رواه أبو داود2, فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ طُلُوعُ الْفَجْرِ. وَقَالَ مَسْرُوقٌ3: لَمْ يَكُونُوا يَعُدُّونَ الْفَجْرَ فَجْرَكُمْ, إنَّمَا كَانُوا يَعُدُّونَ الْفَجْرَ الَّذِي يَمْلَأُ الْبُيُوتَ وَالطُّرُقَ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ, فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ رَأْيُ طَائِفَةٍ, مَعَ احْتِمَالِ مَعْنَاهُ تَحَقُّقُ طُلُوعِ الْفَجْرِ.
وَالْمُذْهَبُ: لَهُ الْفِطْرُ بِالظَّنِّ "و" لِأَنَّ الناس أفطروا في عهده صلى الله عليه وسلم ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ, وَكَذَا أَفْطَرَ عُمَرُ وَالنَّاسُ فِي عَهْدِهِ كَذَلِكَ4, وَلِأَنَّ مَا عَلَيْهِ أَمَارَةٌ يَدْخُلُهُ التَّحَرِّي, وَيُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الْوَاحِدِ, كَالْوَقْتِ وَالْقِبْلَةِ, بِخِلَافِ الصَّلَاةِ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: يَجُوزُ الْأَكْلُ بِالِاجْتِهَادِ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ, وَلَا يَجُوزُ فِي آخِرِهِ إلَّا بِيَقِينٍ وَلَوْ أَكَلَ وَلَمْ يَتَيَقَّنْ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ فِي الْآخِرِ, وَلَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْأَوَّلِ, وَقَالَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ.
وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ الْأَعْلَى أَفْطَرَ الصَّائِمُ حُكْمًا وَإِنْ لَمْ يُطْعِمْ, ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ, وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ5 مِنْ هَاهُنَا5
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 البخاري "617" ومسلم "1092" "36".
2 في سننه "2350".
3 هو أبو عائشة مسروق بن الأجدع بن مالك الوادعي الهمداني من كبار التابعين "ت 62 هـ" سيرأعلام النبلاء "4/63".
4 سيأتي في الصفحة "38".
5 5 ليست في "س" و"ب".(5/34)
وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ" 1 أَيْ أَفْطَرَ شَرْعًا, فَلَا يُثَابُ عَلَى الْوِصَالِ, كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ, وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ.
وَالْعَلَامَاتُ الثَّلَاثُ مُتَلَازِمَةٌ, ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ2 عَنْ الْعُلَمَاءِ, وَإِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَهَا لِئَلَّا يُشَاهِدَ غُرُوبَ الشَّمْسِ فَيَعْتَمِدَ عَلَى غَيْرِهَا, كَذَا قَالَ: وَرَأَيْت بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَتَوَقَّفُ فِي هَذَا وَيَقُولُ: يُقْبِلُ اللَّيْلُ مَعَ بَقَاءِ الشَّمْسِ؟ وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْفِطْرُ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ "و" لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ3, وَكَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا يُفْطِرَانِ حَتَّى يُصَلِّيَا الْمَغْرِبَ وَيَنْظُرَا إلَى اللَّيْلِ الْأَسْوَدِ. رَوَاهُ مَالِكٌ4.
وَلَا يَجِبُ السُّحُورُ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ "ع".
وَتَحْصُلُ فَضِيلَةُ السُّحُورِ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ, لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ "وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ" وَفِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ, وَهُوَ ضَعِيفٌ, رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ5, وَرَوَاهُ ابن أبي عاصم وغيره من حديث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه البخاري "1954" ومسلم "1100" "79".
2 "7/209".
3 أخرجه الترمذي "696" وأبو داود "2356" عن أنس ونصه: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفطر على رطبات قبل أن يصلي.
4 في الموطأ "1/289".
5 في مسنده "11396".(5/35)
أَنَسٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَابِتٍ, قَالَ الْعُقَيْلِيُّ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ, فَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُخَرَّجَ الْقَوْلُ بِهَذَا عَلَى الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي الْفَضَائِلِ, وَقَدْ سَبَقَ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ1, وَلِأَحْمَدَ2 مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ "مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصُومَ فَلْيَتَسَحَّرْ وَلَوْ بِشَيْءٍ" قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ: وَكَمَالُ فَضِيلَتِهِ بِالْأَكْلِ, لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ "إنَّ فَصْلَ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا3.
وَيُسَنُّ أَنْ يُفْطِرَ عَلَى الرُّطَبِ, فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى التَّمْرِ فإن لم يجد فعلى الماء, لفعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد, وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ, مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ4, وَرَوَوْا أَيْضًا وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ5 مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ الضَّبِّيِّ "إذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ, فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى مَاءٍ فَإِنَّهُ طَهُورٌ".
وَأَنْ يَدْعُوَ عِنْدَ فِطْرِهِ, رَوَى ابْنُ مَاجَهْ, وَالتِّرْمِذِيُّ6 وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ "ثَلَاثٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ, وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ, وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ". وَلِابْنِ مَاجَهْ7 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو "لِلصَّائِمِ عند
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "2/405".
2 في المسند "14950".
3 أحمد "17762" ومسلم "1096" "46" والترمذي "709" والنسائي "4/146".
4 أحمد "12676" وأبو داود "2356" والترمذي. "606".
5 أحمد "16225" وأبو داود "2355" والترمذي "658".
6 الترمذي "3598" وابن ماجه "1752".
7 في سننه "1753".(5/36)
فِطْرِهِ دَعْوَةٌ لَا تُرَدُّ" وَاقْتَصَرَ جَمَاعَةٌ عَلَى قَوْلِ: "اللَّهُمَّ لَك صُمْت, وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْت, سُبْحَانَك وَبِحَمْدِك, اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي إنَّك أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ, وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَفِيهِمَا "تَقَبَّلْ مِنَّا" وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ, وَهُوَ أَوْلَى, وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إذَا أَفْطَرَ: "ذَهَبَ الظَّمَأُ, وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ, وَثَبَتَ الْأَجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ, وَالدَّارَقُطْنِيّ2 وَقَالَ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ, وَالْحَاكِمُ3 وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ. وَالْعَمَلُ بِهَذَا الْخَبَرِ أَوْلَى.
"وَمَنْ فَطَّرَ صَائِمًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ" , صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ4 مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ, وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَيُّ شَيْءٍ كَانَ, كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ, وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ5 مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَذَكَرَ فِيهِ ثَوَابًا عَظِيمًا إنْ أَشْبَعَهُ.
وقال شيخنا: مراده بتفطيره أن يشبعه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في سننه "2/185".
2 أبو داود "2357" والنسائي في الكبرى "3329" والدارقطني في سننه "2/185".
3 في المستدرك "1/422".
4 في سننه "807".
5 في صحيحه "1887".(5/37)
فَصْلٌ: مَنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ وَدَامَ شَكُّهُ
, أَوْ أَكَلَ يَظُنُّ بَقَاءَ النَّهَارِ; قَضَى "ع" وَإِنْ بَانَ لَيْلًا لَمْ يَقْضِ, وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: صَحَّ صَوْمُهُ. وَإِنْ أَكَلَ(5/37)
يَظُنُّ الْغُرُوبَ ثُمَّ شَكَّ وَدَامَ1 شَكُّهُ لَمْ يَقْضِ, وَإِنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ وَدَامَ شَكُّهُ لَمْ يَقْضِ "م" وَزَادَ: وَلَوْ طَرَأَ شَكُّهُ, لِمَا سَبَقَ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ, وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ, فَيَكُونُ زَمَانُ الشَّكِّ مِنْهُ. وَإِنْ أَكَلَ يَظُنُّ طُلُوعَ الْفَجْرِ فَبَانَ لَيْلًا وَلَمْ يُجَدِّدْ2 نِيَّةَ صَوْمِهِ الْوَاجِبُ قَضَى, كَذَا جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ, وَمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ لَهُ الْأَكْلَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ طُلُوعَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ نِيَّةَ الصَّوْمِ, وَقَصْدُهُ غَيْرُ الْيَقِينِ, وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اعْتِقَادُ طُلُوعِهِ, وَلِهَذَا فَرَضَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِيمَنْ اعْتَقَدَهُ نَهَارًا فَبَانَ لَيْلًا, لِأَنَّ الظَّانَّ شَاكٌّ, وَلِهَذَا خَصُّوا الْمَنْعَ بِالْيَقِينِ, وَاعْتَبَرُوهُ بِالشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ طَاهِرٍ, وَلَا أَثَرَ لِلظَّنِّ فِيهِ, وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنَّ الظَّنَّ وَالِاعْتِقَادَ وَاحِدٌ, وَأَنَّهُ يَأْكُلُ مَعَ الشَّكِّ وَالتَّرَدُّدِ مَا لَمْ يَظُنَّ وَيَعْتَقِدْ النَّهَارَ.
وَإِنْ أَكَلَ يَظُنُّ3 أَوْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَيْلٌ4 فَبَانَ نَهَارًا فِي أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ "و" لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِإِتْمَامِ الصِّيَامِ, وَلَمْ يُتِمَّهُ, وَقَالَتْ أَسْمَاءُ: أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ غَيْمٍ 5ثُمَّ طَلَعَتْ5 الشَّمْسُ. قِيلَ لِهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَهُوَ رَاوِي الْخَبَرِ: أُمِرُوا بالقضاء:؟ قال: 6لا بد6 من قضاء. رواه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "فدام".
2 في الأصل "يحدد".
3 في "ب" "بظن".
4 في "س" "نهار".
5 5 في "س" "فطلعت".
6 6 في الأصل و"س" "بد".(5/38)
أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ1, وَلِأَنَّهُ جَهِلَ وَقْتَ الصَّوْمِ "فَهُوَ" كَالْجَهْلِ بِأَوَّلِ رَمَضَانَ.
وَصَوْمُ الْمَطْمُورِ2 لَيْلًا بِالتَّحَرِّي, بَلْ أَوْلَى, 3لِأَنَّ إمْكَانَ3 التَّحَرُّزِ4 مِنْ الْخَطَأِ هُنَا أَظْهَرُ, وَالنِّسْيَانُ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ, وَكَذَا سَهْوُ الْمُصَلِّي بِالسَّلَامِ عَنْ نَقْصٍ, وَلَا عَلَامَةَ ظَاهِرَةٌ, وَلَا أَمَارَةَ سِوَى عِلْمِ الْمُصَلِّي, وَهُنَا عَلَامَاتٌ, وَيُمْكِنُ الِاحْتِيَاطُ وَالتَّحَفُّظُ, وَتَأْتِي رِوَايَةٌ: لَا قَضَاءَ عَلَى مَنْ جَامَعَ جَاهِلًا بِالْوَقْتِ. وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا وَقَالَ: هُوَ قِيَاسُ أُصُولِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ.
وَسَبَقَ قَوْلُهُ فِيمَنْ أَفْطَرَ فَبَانَ رَمَضَانَ, وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ إنْ أَكَلَ يَظُنُّ بَقَاءَ اللَّيْلِ فَأَخْطَأَ لَمْ يَقْضِ, لِجَهْلِهِ, وَإِنْ ظَنَّ دُخُولَهُ فَأَخْطَأَ قَضَى, وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا الْقَضَاءُ وَالْأَمْرُ بِهِ5. وَالثَّانِيَةُ لَا نَقْضِي مَا تجانفنا الإثم6, وقال: قد كنا جاهلين7
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أحمد في المسند "26927" والبخاري "1959".
2 المطمور: المسجون في المطمور وهي الحفيرة تحت الأرض.
3 3 في "س" "لإمكان".
4 في "ب" "التحري".
5 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "3/23- 24" والبيهقي في السنن "4/217" عن حنظلة قال: كنت عند عمر في رمضان فأفطر وأفطر الناس فصعد المؤذن فقال: يا أيها الناس هذه الشمس لم تغب ... ثم قال عمر رضي الله عنه من كان أفطر فليصم يوما مكانه.
6 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "3/24" والبيهقي في السنن "4/217" عن زيد بن وهب قال: بينما نحن جلوس في مسجد المدينة في رمضان والسماء متغيمة فرأينا أن الشمس غابت وأنا قد أمسينا فأخرجت لنا عساس من لبن من بيت حفصة فشرب عمر وشربنا فلم نلبث أن ذهب السحاب وبدت الشمس فجعل بعضنا يقول لبعض نقضي يوما هذا فسمع ذلك عمر فقال: والله لا نقضيه وما تجانفنا لإثم.
7 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "3/25" من حديث زيد عن أخيه عن أبيه قال: أفطر عمر وفيه قال: خطب يسير قد كنا جاهدين.(5/39)
فَعَلَى هَذَا لَا قَضَاءَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى, وَقَالَهُ: فِيهِمَا الْحَسَنُ وَإِسْحَاقُ وَالظَّاهِرِيَّةُ, وَقَالَهُ فِي الْأُولَى مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ أَكَلَ نَاسِيًا فَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَفْطَرَ فَأَكَلَ عَمْدًا فَيَتَوَجَّهُ أَنَّهَا مَسْأَلَةُ الْجَاهِلِ بِالْحُكْمِ, فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ. وَقَالَ صَاحِب الرِّعَايَةِ: يَصِحُّ صومه, ويحتمل ضده, كذا قال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ب" "كعنين".(5/40)
فَصْلٌ: مَنْ جَامَعَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ بِلَا عُذْرٍ
لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ "و" وَمُرَادُهُمْ مَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ بِذَكَرٍ أَصْلِيٍّ فِي قُبُلٍ أَصْلِيٍّ أَنْزَلَ أَمْ لَا, لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْإِنْزَالِ, أَوْ لِأَنَّهُ بَاطِنٌ كَالدُّبُرِ. كَمَا سَبَقَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ. وَأَنَّهُ لَوْ أَوْلَجَ خُنْثَى مُشْكِلٌ ذَكَرَهُ فِي قُبُلِ خُنْثَى مِثْلِهِ, أَوْ قُبُلِ امْرَأَةٍ, أَوْ أَوْلَجَ رَجُلٌ ذَكَرَهُ فِي قُبُلِ خُنْثَى مُشْكِلٍ, لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يُنْزِلَ, كَالْغُسْلِ, وَأَنَّ الْخَصِيَّ كَغَيْرِهِ1 إنْ أَوْلَجَ. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ: لَا يَقْضِي مَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ب" "كعنين".(5/40)
جَامَعَ كَجِمَاعٍ زَائِدٍ, أَوْ بِهِ بِلَا إنْزَالٍ, وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيِّ: لَا كَفَّارَةَ أَيْضًا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إنْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ لَمْ يَقْضِ, وَإِلَّا قَضَى. وَيَأْتِي قَوْلُ شَيْخِنَا فِي "فَصْلِ الْقَضَاءِ": وَالنَّاسِي كَالْعَامِدِ, نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ, وَاخْتَارَهُ الأصحاب "وم" وَالظَّاهِرِيَّةُ. وَعَنْهُ: لَا يُكَفِّرُ, اخْتَارَهُ ابْنُ بَطَّةَ "وم ر". وَعَنْهُ: لَا يَقْضِي اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَأَبُو محمد الجوزي وشيخنا "وهـ ش". وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ1 قَوْلَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.
وَكَذَا مَنْ جَامَعَ يَعْتَقِدُهُ لَيْلًا فَبَانَ نَهَارًا يَقْضِي, جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ, وَجَعَلَهُ جَمَاعَةٌ أَصْلًا لِلْكَفَّارَةِ.
وَفِي الرِّعَايَةِ رِوَايَةٌ: لَا يَقْضِي, وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا, وَتَأْتِي رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ, وَهَلْ يُكَفِّرُ كَمَا اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا؟ قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ, وَأَنَّهُ قِيَاسُ مَنْ أَوْجَبَهَا عَلَى النَّاسِي, وَأَوْلَى أَمْ لَا يُكَفِّرُ "و" فِيهِ رِوَايَتَانِ "م 7" وَعَلَى الثَّانِيَةِ إنْ عَلِمَ فِي الْجِمَاعِ أَنَّهُ نهارا2 وَدَامَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ, بِنَاءً عَلَى مَنْ وَطِئَ بَعْدَ إفْسَادِ صَوْمِهِ, عَلَى مَا يأتي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 7" قَوْلُهُ: وَكَذَا مَنْ جَامَعَ يَعْتَقِدُهُ لَيْلًا فَبَانَ نَهَارًا يَقْضِي, جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ. وَهَلْ يُكَفِّرُ كَمَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: إنَّهُ قِيَاسُ مَنْ أَوْجَبَهَا عَلَى النَّاسِي, وَأَوْلَى, أَمْ لَا يُكَفِّرُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ, انْتَهَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ, وَكَوْنُهُ يُطْلِقُ الْخِلَافَ مَعَ اخْتِيَارِ الْأَصْحَابِ لِإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيهِ شَيْءٌ, وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ فِي الْمُقَدِّمَةِ أَوَّلَ الْكِتَابِ3, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ, وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ, فَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ.
__________
1 "7/225".
2 فِي الأصل و"ب" "نهار".
3 "1/8" وما بعدها.(5/41)
وَإِنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَاعْتَقَدَ الْفِطْرَ بِهِ ثُمَّ جَامَعَ فَكَالنَّاسِي وَالْمُخْطِئِ, إلَّا أَنْ يَعْتَقِدَ وُجُوبَ الْإِمْسَاكِ فَيُكَفِّرُ فِي الْأَشْهَرِ, كَمَا يَأْتِي. وَكَذَا مَنْ أَتَى بِمَا لَا يُفْطِرُ بِهِ فَاعْتَقَدَ الْفِطْرَ وَجَامَعَ "وم ش" خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ فِي الِاحْتِلَامِ وَذَرْعِ الْقَيْءِ لَا يُكَفِّرُ, لِلِاشْتِبَاهِ بِنَظِيرِهِمَا وَهُوَ إخْرَاجُ الْقَيْءِ وَالْمَنِيِّ عَمْدًا.
وَالْمُكْرَهُ كَالْمُخْتَارِ "وهـ م" فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَنَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كُلُّ أَمْرٍ غُلِبَ عَلَيْهِ الصَّائِمُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَلَا كَفَّارَةٌ. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إسْقَاطِ الْقَضَاءِ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَالنِّسْيَانِ. قال ابن عقيل في مفرداته: الصحيح فِي الْأَكْلِ وَالْوَطْءِ إذَا غَلَبَ عَلَيْهِمَا لَا يُفْسِدَانِ, فَأَنَا أُخَرِّجُ فِي الْوَطْءِ رِوَايَةً مِنْ الْأَكْلِ, وَفِي الْأَكْلِ رِوَايَةً مِنْ الْوَطْءِ. وَقِيلَ: يَقْضِي مَنْ فَعَلَ لَا مَنْ1 فُعِلَ بِهِ مِنْ نَائِمٍ وَغَيْرِهِ "وق" وَقِيلَ: لَا قَضَاءَ مَعَ النَّوْمِ فَقَطْ, وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ نَصَّ أَحْمَدَ فِيهِ, لِعَدَمِ حُصُولِ مَقْصُودٍ. وَإِنْ فَسَدَ الصَّوْمُ بِذَلِكَ فَهُوَ فِي الْكَفَّارَةِ كَالنَّاسِي "وش" وَقِيلَ: يَرْجِعُ بِالْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ أَكْرَهَهُ. وَقِيلَ: يُكَفِّرُ مَنْ فَعَلَ بِالْوَعِيدِ. وَالْمَرْأَةُ الْمُطَاوِعَةُ يَفْسُدُ صَوْمُهَا وَتُكَفِّرُ "وهـ م ق" كَالرَّجُلِ. وَعَنْهُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا "وش" لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَأْمُرْهَا بِهَا وَلِفِطْرِهَا بِتَغْيِيبِ بَعْضِ الْحَشَفَةِ, فَقَدْ سَبَقَ جِمَاعُهَا الْمُعْتَبَرُ. وَمَنَعَ هَذَا صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ, لِأَنَّهُ لَيْسَ لِهَذَا الْقَدْرِ حُكْمُ الْجَوْفِ وَالْبَاطِنِ, وَلِذَلِكَ يَجِبُ أَوْ يُسْتَحَبُّ غُسْلُهُ مِنْ حَيْضٍ وَجَنَابَةٍ وَنَجَاسَةٍ. وَعَنْهُ: تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ عَنْهُمَا "وق" خَرَّجَهَا أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ الْحَجِّ, وَضَعَّفَهُ غَيْرُ واحد, لأن الأصل عدم التداخل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في الأصل.(5/42)
وَإِنْ طَاوَعَتْهُ1 أُمُّ وَلَدِهِ صَامَتْ, وَقِيلَ: يُكَفِّرُ عَنْهَا. وَيَفْسُدُ صَوْمُ الْمُكْرَهَةِ عَلَى الْوَطْءِ, نَصَّ عَلَيْهِ "وهـ م" وَعَنْهُ: لَا "وق" وَقِيلَ: يَفْسُدُ إنْ فَعَلَتْ, لَا2 الْمَقْهُورَةُ وَالنَّائِمَةُ "وق" وَأَفْسَدَ ابْنُ أَبِي مُوسَى3 صَوْمَ غَيْرِ النَّائِمَةِ, لِحُصُولِ مَقْصُودِ الْوَطْءِ لَهَا, وَلَا كَفَّارَةَ فِي حَقِّ الْمُكْرَهَةِ إنْ فَسَدَ صَوْمُهَا, فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ "و" نَصَّ عَلَيْهِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي رِوَايَةً: تُكَفِّرُ, وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهَا مُخْرَجَةٌ مِنْ الْحَجِّ "وم" فِي الْمُسْتَيْقِظَةِ. وَعَنْهُ: تَرْجِعُ بِهَا عَلَى الزَّوْجِ, لِأَنَّهُ الْمُلْجِئُ لَهَا إلَى ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ أُكْرِهَتْ حَتَّى مُكِّنَتْ لَزِمَتْهَا الْكَفَّارَةُ, وَإِنْ غُصِبَتْ أَوْ كَانَتْ نَائِمَةً فَلَا.
وَإِنْ جَامَعَتْ نَاسِيَةً فَكَالرَّجُلِ "و" ذَكَرَهُ الْقَاضِي, لِأَنَّ عُذْرَهَا بِالْإِكْرَاهِ أَقْوَى وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجَمَاعَةٌ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا4, وَهُوَ أَشْهَرُ "و" لِقُوَّةِ جَنَبَةِ الرَّجُلِ, وَيَتَخَرَّجُ: أَنْ لَا يَفْسُدَ صَوْمُهَا مَعَ النِّسْيَانِ وَإِنْ فَسَدَ صَوْمُهُ, لِأَنَّهُ مُفْسِدٌ لَا يُوجِبُ كَفَّارَةً, كَالْأَكْلِ, وَكَذَا الْجَاهِلَةُ وَنَحْوُهَا5.6 وَعَنْهُ: يُكَفِّرُ عَنْ الْمَعْذُورَةِ بِإِكْرَاهٍ أَوْ نِسْيَانٍ وَجَهْلٍ وَنَحْوِهَا6. كَأُمِّ وَلَدِهِ إذَا أَكْرَهَهَا, والمراد: وقلنا تلزمها الكفارة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "أطاعته".
2 في "س" "إلا".
3 الإرشاد ص "146".
4 في "س" "عليها".
5 ليست في الأصل.
6 6 ليست في "ب".(5/43)
وَلَوْ أَكْرَهَ الزَّوْجَةَ عَلَى الْوَطْءِ دَفَعَتْهُ بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ, وَلَوْ أَفْضَى إلَى نَفْسِهِ, كَالْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي, كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ.
وَالْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ كَالْقُبُلِ يَقْضِي وَيُكَفِّرُ "و" وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ تَخْرِيجٌ مِنْ الْغُسْلِ وَمِنْ الْحَدِّ, وَقَدْ قَاسَ جَمَاعَةٌ عَلَيْهِمَا, لَكِنْ يَفْسُدُ صَوْمُهُ إنْ أَنْزَلَ "و" وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ: لَا كَفَّارَةَ.
وَإِنْ1 أَوْلَجَ فِي بَهِيمَةٍ فَكَالْآدَمِيَّةِ, نَصَّ عَلَيْهِ احْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ: وَسَوَاءٌ وَجَبَ الْحَدُّ كَالزِّنَا أَوْ لَا, كَالزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ, وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْحَدِّ, وَكَذَا2 خَرَّجَهُ الْقَاضِي رِوَايَةً بِنَاءً عَلَى الْحَدِّ, وَيَأْتِي قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ: لَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْإِيلَاجِ فِيهِ غُسْلٌ "وهـ" وَلَا فِطْرٌ "وهـ" وَلَا كَفَّارَةٌ "وهـ" كَذَا قَالَ, وَإِنْ أَوْلَجَ فِي مَيِّتٍ فَكَالْحَيِّ, وَسَبَقَ وَجْهٌ فِي الْغُسْلِ. وَقِيلَ هُنَا: فِي آدَمِيٍّ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ أَوْ بَهِيمٍ حَيٍّ, وَقِيلَ: أَوْ مَيِّتٍ, كَذَا قِيلَ وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: إنْ أَوْلَجَ فِي بَهِيمَةٍ أَوْ آدَمِيٍّ مَيِّتٍ فَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ.
وَمَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ "و" وَالْكَفَّارَةُ "هـ" لِأَنَّهُ مَنَعَ صِحَّةَ الصَّوْمِ بِجِمَاعٍ أَثِمَ فِيهِ, لِحُرْمَةِ الصَّوْمِ, كَمَنْ وَطِئَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ, وَلِأَنَّهُ لَوْ جَامَعَ فِي النَّهَارِ نَاسِيًا ثُمَّ ذَكَرَ وَاسْتَدَامَ قَضَى وَكَفَّرَ, وَإِنَّمَا أَفْسَدَ صَوْمَهُ بِالِاسْتِدَامَةِ دُونَ الابتداء عند الحنفية, ولم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س" "لو".
2 في الأصل "لذا".(5/44)
يُوجِبُوا عَلَيْهِ كَفَّارَةً, وَأَمَّا الْحَدُّ عَلَى مُجَامِعٍ طَلَّقَ ثَلَاثًا وَدَامَ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي وَجْهٍ, ثُمَّ الْحَدُّ عُقُوبَةٌ مَحْضَةٌ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ, بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ. وَقَاسَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى مَنْ اسْتَدَامَ الْوَطْءَ حَالَ الْإِحْرَامِ. وَإِنْ نَزَعَ فِي الْحَالِ مَعَ أَوَّلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ وَالْقَاضِي, لِأَنَّ النَّزْعَ جِمَاعٌ يُلْتَذُّ بِهِ كَالْإِيلَاجِ, بِخِلَافِ مُجَامِعٍ حَلَفَ لَا يُجَامِعُ فَنَزَعَ, لِتَعَلُّقِ الْيَمِينِ بِالْمُسْتَقْبَلِ أَوَّلَ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ. وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ "وهـ ش" وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي جَوَازِ وَطْءِ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي قَبْلَ1 كَفَّارَةِ الظِّهَارِ, فَإِنْ جَازَ فَالنَّزْعُ لَيْسَ بِجِمَاعٍ وَإِلَّا كَانَ جِمَاعًا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى2: يَقْضِي, قَوْلًا وَاحِدًا وَفِي الْكَفَّارَةِ عَنْهُ خِلَافٌ "م 8"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 8" قَوْلُهُ: وَمَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَهُوَ مجامع فاستدام فعليه القضاء وَالْكَفَّارَةُ وَإِنْ نَزَعَ فِي الْحَالِ مَعَ أَوَّلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ وَالْقَاضِي. وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يَقْضِي, قَوْلًا وَاحِدًا. وَفِي الْكَفَّارَةِ عَنْهُ خِلَافٌ, انْتَهَى. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْإِيضَاحِ, وَالْمُبْهِجِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ, وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي3 وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ4 وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ, أَحَدُهُمَا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ, اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي, كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ, وَنَصَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ, وَالْمُنَوِّرِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ, قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: فَعَلَيْهِ القضاء والكفارة, في
__________
1 في "ب" "قيل".
2 الإرشاد ص "147".
3 "4/379".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "7/463".(5/45)
قال صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَهَذَا يَقْتَضِي رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا يَقْضِي فقط, قال1: وهو أصح عندي "وم" لِحُصُولِهِ مُجَامِعًا أَوَّلَ جُزْءٍ مِنْ الْيَوْمِ2 أُمِرَ بِالْكَفِّ عَنْهُ بِسَبَبٍ سَابِقٍ مِنْ اللَّيْلِ, فَهُوَ كَمَنْ ظَنَّهُ لَيْلًا فَبَانَ نَهَارًا, لَكِنْ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ فِيهِ عُذْرٌ صَارَ كَوَطْءِ النَّاسِي وَمَنْ ظَنَّهُ لَيْلًا. وَفِي الْكَفَّارَةِ بِذَلِكَ رِوَايَتَانِ, كَذَا هَذَا.
وَمَنْ جَامَعَ وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ مَرِضَ لَمْ تَسْقُطْ الْكَفَّارَةُ عَنْهُ, نَصَّ عَلَيْهِ "هـ ق" أَوْ جُنَّ "هـ ق" أَوْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ "هـ ق" أَوْ نَفِسَتْ "هـ ق" لِأَمْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْأَعْرَابِيَّ بالكفارة, ولم يَسْأَلْهُ3, وَكَمَا لَوْ سَافَرَ "و" وَقَوْلُهُمْ لِأَنَّهُ4 لَا يُبِيحُ الْفِطْرَ مَمْنُوعٌ, وَيُؤْثَرُ عِنْدَهُمْ فِي مَنْعِ الْكَفَّارَةِ وَلَا يُسْقِطُهَا بَعْدَ وُجُوبِهَا, تَفْرِقَةً بَيْنَ كَوْنِهِ مُقَارِنًا5 وَطَارِئًا. وَلَا يُقَالُ: تَبَيَّنَّا أَنَّ الصَّوْمَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عِنْدَ الْجِمَاعِ, لِأَنَّ الصَّادِقَ لَوْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَيَمْرَضُ أَوْ يَمُوتُ لَمْ يَجُزْ الْفِطْرُ. وَالصَّوْمُ لَا تَتَجَزَّأُ صِحَّتُهُ, بَلْ لُزُومُهُ كَصَائِمٍ صَحَّ أَوْ أَقَامَ. وَفِي الانتصار وجه: يسقط بحيض ونفاس "وق" لمنعهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْأَصَحِّ, وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ, اخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ, كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ, وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ, قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ, وَاخْتَارَهُ أَيْضًا صَاحِبُ الْفَائِقِ, وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ, وَكَلَامُ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَاخْتِيَارُ الْمَجْدِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ "قُلْت": الصَّوَابُ أَنَّهُ إنْ تَعَمَّدَ فِعْلَ الْوَطْءِ قَرِيبًا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ, وَإِلَّا فلا كفارة والله أعلم.
__________
1 ليست في الأصل.
2 في "س" "الليل".
3 سيورده المصنف ص "54".
4 في "س" "أنه".
5 ليست في "س".(5/46)
الصِّحَّةَ, وَمِثْلُهُمَا مَوْتٌ, وَكَذَا جُنُونٌ إنْ مَنَعَ طَرَيَانُهُ الصِّحَّةَ, وَأَشْهَرُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِنَا "وم".
وَمَنْ وَطِئَ ثُمَّ كَفَّرَ ثُمَّ عَادَ فَوَطِئَ فِي يَوْمِهِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ1, نَصَّ عَلَيْهِ, لِمَا سَبَقَ فِيمَنْ اسْتَدَامَهُ وَقْتَ1 طُلُوعِ الْفَجْرِ, 2وَكَالْحَجِّ2, وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ رِوَايَةً لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ "و" وَخَرَّجَهُ3 ابْنُ عَقِيلٍ مِنْ أَنَّ الشَّهْرَ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ "ع" بِمَا يَقْتَضِي دُخُولَ أَحْمَدَ فِيهِ. وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ عَنْ الْأَوَّلِ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ, وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ بِغَيْرِ خِلَافٍ, فَعَلَى الْأَوَّلِ تَعَدَّدَ4 الْوَاجِبُ وَتَدَاخَلَ مُوجِبُهُ, ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْفُصُولِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا, وَعَلَى الثَّانِي لَمْ5 يَجِبْ بِغَيْرِ الْوَطْءِ الْأَوَّلِ شَيْءٌ, وَكَذَا أَكَلَ6 وَاطِئٌ يَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ "و" وَنَصَّ أَحْمَدَ فِي مُسَافِرٍ قَدِمَ مُفْطِرًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "س".
2 2 ليست في "س".
3 في "س" "وخرج".
4 في "س" "تعداد".
5 ليست في الأصل.
6 في "ط" "أكل".(5/47)
ثُمَّ جَامَعَ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ, قَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ, هَذَا عَلَى رِوَايَةِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ, وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ حَمْلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ, وَهُوَ وَجْهٌ فِي كِتَابِ الْمَذْهَبِ, لِضَعْفِ هَذَا الْإِمْسَاكِ, لِأَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ, وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي وَجْهٌ فِيمَنْ لَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ, لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ.
وَأَلْزَمَهُ مَالِكٌ بِالْكَفَّارَةِ بِمُجَرَّدِ تَرْكِ نِيَّةِ الصَّوْمِ عَمْدًا بِلَا أَكْلٍ وَلَا جِمَاعٍ.
وَإِنْ أَكَلَ ثُمَّ جَامَعَ فَالْخِلَافُ وَسَبَقَ هَلْ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِأَكْلٍ؟
وَإِنْ جَامَعَ فِي يَوْمَيْنِ, فَإِنْ كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ كَفَّرَ عَنْ الثَّانِي "و" وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ "ع" وَفِيهِ رِوَايَةٌ عَنْ "هـ" وَكَذَا إنْ لَمْ يُكَفِّرْ عَنْ الْأَوَّلِ, فِي اخْتِيَارِ ابْنِ حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَغَيْرِهِمَا, وَحَكَاهُ ابن عبد البر عن أحمد "وم ش" لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ, وَكَيَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَيْنِ, وَفِيهِ رِوَايَةٌ عَنْ "هـ" وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ1, وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أبي موسى "م 9" "و" كالحدود.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ: وَإِنْ أَكَلَ ثُمَّ جَامَعَ فَالْخِلَافُ, انْتَهَى. لَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ الْخِلَافَ الَّذِي فِي الْوَطْءِ الَّذِي يَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ "فِي" الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا, وَقَدْ قَطَعَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْوَاطِئِ بَعْدَ الْأَكْلِ.
"مَسْأَلَةٌ 9" قَوْلُهُ: وَإِنْ جَامَعَ فِي يَوْمَيْنِ فَإِنْ كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ كفر عن الثاني.
__________
1 ليست في "ب".(5/48)
قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: فَعَلَى قَوْلِنَا بِالتَّدَاخُلِ لَوْ كَفَّرَ بِالْعِتْقِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَنْهُ ثُمَّ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَنْهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الرَّقَبَةُ الْأُولَى, لَمْ يَلْزَمْهُ بَدَلُهَا وَأَجْزَأَتْهُ الثَّانِيَةُ عَنْهُمَا, وَلَوْ اُسْتُحِقَّتْ الثَّانِيَةُ وَحْدَهَا لَزِمَهُ بَدَلُهَا, وَلَوْ اُسْتُحِقَّتَا جَمِيعًا أَجْزَأَهُ بَدَلُهُمَا رَقَبَةً1 وَاحِدَةً, لِأَنَّ مَحَلَّ التَّدَاخُلِ وُجُودُ السَّبَبِ الثَّانِي قَبْلَ أَدَاءِ مُوجِبِ الْأَوَّلِ2, وَنِيَّةُ التَّعْيِينِ لَا تَتَغَيَّرُ فَتَلْغُو وَتَصِيرُ كَنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ, هَذَا قِيَاسُ مَذْهَبِنَا, وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ, وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ فِي نَظِيرِهِ, وَهُوَ كُلُّ مَوْضِعٍ قَضَى فِيهِ بِتَدَاخُلِ الْأَسْبَابِ فِي الكفارة إذا نوى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَكَذَا إنْ لَمْ يُكَفِّرْ عَنْ الْأَوَّلِ, فِي اخْتِيَارِ ابْنِ حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَغَيْرِهِمَا, وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَحْمَدَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ, وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى, انْتَهَى, وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْمُغْنِي3 وَالْكَافِي4 وَالْمُقْنِعِ5 وَالْهَادِي وَالشَّرْحِ6 وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالنَّظْمِ والزركشي وغيرهم,
__________
1 في "ب" "وفيه".
2 في ألأصل: "الأولى".
3 "4/386".
4 "2/249".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "7/458".
6 ليست في "د".(5/49)
التَّكْفِيرَ عَنْ بَعْضِهَا فَإِنَّهُ يَقَعُ عَنْ جَمِيعِهَا, مِثْلُ مَنْ قَالَ لِزَوْجَاتِهِ: أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ وَطِئَ وَاحِدَةً وَكَفَّرَ عَنْهَا أَجْزَأَهُ عَنْ الْكُلِّ, وَنَحْوُ ذَلِكَ وَوَجَدْت أَنَا فِي كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ: لَوْ أَطْعَمَ إلَّا فَقِيرًا فَوَطِئَ أَطْعَمَهُ فَقَطْ عَنْهُمَا, كَحَدِّ الْقَذْفِ عِنْدَهُمْ.
وَإِنْ جَامَعَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَمْنَى وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: فَأَفْطَرَ, وَفِيهَا نَظَرٌ فَعَنْهُ1: يُكَفِّرُ, اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بكر وابن أبي موسى والأكثر "وم" كَالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ, وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ, وَعَنْهُ: لَا كفارة عليه "وهـ ش" اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ, مِنْهُمْ صَاحِبُ النَّصِيحَةِ وَالْمُغْنِي2 والمحرر,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَتَانِ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَجَامِعِهِ وَرِوَايَتَيْهِ, وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا, وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ, وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ, قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَزِمَهُ كَفَّارَتَانِ, فِي الْأَصَحِّ, قَالَ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ, قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ, قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَزِمَهُ ثِنْتَانِ, فِي الْأَظْهَرِ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ ومسبوك الذهب والمحرر وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ, اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى, قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي, وَقَدَّمَهُ هُوَ3 وابن رزين في شرحه.
__________
1 ليست في الأصل.
2 "4/383 – 374".
3 ليست في "ص".(5/50)
وَهِيَ أَظْهَرُ "م 10" وَعَلَى الْأَوَّلِ: النَّاسِي كَالْعَامِدِ, ذكره في التبصرة, وَيَدُلُّ عَلَيْهِ اعْتِبَارُهُ بِالْفَرْجِ, وَقَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي1 وَالرَّوْضَةِ وَغَيْرِهِمَا: عَامِدًا.
وَكَذَا إذَا أَنْزَلَ الْمَجْبُوبُ بِالْمُسَاحَقَةِ. وَكَذَا امْرَأَتَانِ2 إنْ قُلْنَا يَلْزَمُ الْمُطَاوِعَةَ كفارة, وإلا فلا كفارة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 10" قَوْلُهُ: وَإِنْ جَامَعَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَمْنَى وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: فَأَفْطَرَ, وَفِيهَا نَظَرٌ فَعَنْهُ: يُكَفِّرُ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى وَالْأَكْثَرُ, كَالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ, وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ, وَعَنْهُ: لَا كَفَّارَةَ "عَلَيْهِ" اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ, مِنْهُمْ صَاحِبُ النَّصِيحَةِ وَالْمُغْنِي1 وَالْمُحَرَّرِ, وَهِيَ أَظْهَرُ, انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ والمستوعب والكافي3 وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ:
إحْدَاهُمَا لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ, وَهِيَ الصَّحِيحَةُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ, اخْتَارَهُ صاحب
__________
1 "4/372".
2 بعدها في "س" "و".
3 "4/376".(5/51)
وَالْقُبْلَةُ وَاللَّمْسُ وَنَحْوُهُمَا كَالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ, فِي رواية اختارها القاضي "وم" وَفِي رِوَايَةٍ: لَا كَفَّارَةَ, اخْتَارَهَا الْأَصْحَابُ1 "و".
ونص أحمد: إن قبل فمذى لا يكفر "م 11" وإن كرر النَّظَرَ فَأَمْنَى فَلَا كَفَّارَةَ "م" كَمَا لَوْ لَمْ يُكَرِّرْهُ "و" وَعَنْهُ: بَلَى, كَاللَّمْسِ, وَأَطْلَقَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا الرِّوَايَتَيْنِ, وَقِيلَ: إنْ أَمْنَى بفكرة أَوْ نَظْرَةٍ وَاحِدَةٍ عَمْدًا أَفْطَرَ, وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ.
وَسَبَقَ حُكْمُ مَنْ جَامَعَ فِي يَوْمٍ رَأَى الْهِلَالَ فِي لَيْلَتِهِ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ, وَجِمَاعِ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ.
وَيَخْتَصُّ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِرَمَضَانَ "و" لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يُسَاوِيه, خِلَافًا لِقَتَادَةَ فِي قَضَائِهِ فَقَطْ. وَفِي الرِّعَايَةِ قَوْلٌ يُكَفِّرُ إنْ أفسد قضاء رمضان,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
النَّصِيحَةِ وَالْمُغْنِي2 وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ3 وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ, قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: وَهِيَ أَصَحُّ, قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَهِيَ أَظْهَرُ, وَقَدَّمَهَا فِي النَّظْمِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ, اخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ, كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ, مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي, قَالَ الزَّرْكَشِيّ: هِيَ الْمَشْهُورَةُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ, حَتَّى إنَّ الْقَاضِيَ فِي التَّعْلِيقِ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهَا, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَغَيْرِهِمَا, وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمَا.
"مَسْأَلَةٌ 11" قَوْلُهُ: وَالْقُبْلَةُ وَاللَّمْسُ وَنَحْوُهُمَا كَالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ, فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا الْقَاضِي. وَفِي رِوَايَةٍ: لَا كَفَّارَةَ, اخْتَارَهَا الْأَصْحَابُ, ونص أحمد: إن قبل
__________
1 ليسن في "ب".
2 "4/372".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "7/452".(5/52)
وسبق أول الباب هل تختص بالجماع1.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
فَمَذَى لَا يُكَفِّرُ. انْتَهَى. مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْإِفَادَاتِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَمَنْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ بِوَطْءٍ أَوْ قُبْلَةٍ أَوْ لَمْسٍ أَوْ اسْتِمْنَاءٍ أَوْ تكرار نظر فمذى أو أمنى بِبَعْضِ ذَلِكَ بَطَلَ صَوْمُهُ مُطْلَقًا. وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَاتٌ, الْوُجُوبُ, وَعَدَمُهُ, وَالثَّالِثَةُ: يَجِبُ فِي الْوَطْءِ الْمَذْكُورِ فَقَطْ, وَكَذَا قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ, وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَمَنْ وَطِئَ دُونَ الْفَرْجِ أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ أَوْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَمْنَى أَفْطَرَ مُطْلَقًا, وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ, وَقِيلَ مَنْ أَمْنَى نَاسِيًا بِقُبْلَةٍ أَوْ لَمْسٍ أَوْ تَكْرَارِ نَظَرٍ لَمْ يُفْطِرْ, وَكَذَا قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ, فَالْمُقَدَّمُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ أَنَّ الْقُبْلَةَ وَاللَّمْسَ وَنَحْوَهُمَا كَالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ, كَمَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي, وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ كَالْمُصَنِّفِ الْمَجْدِ وَابْنِ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَصَاحِبِ الْحَاوِي الْكَبِيرِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ, وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: اخْتَارَهَا الْأَصْحَابُ, وَقَدَّمَهَا فِي الْمُغْنِي2, قَالَ الشَّارِحُ: وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ, أَصَحُّهُمَا لَا تَجِبُ, نَقَلَهَا الْأَثْرَمُ وَأَبُو طَالِبٍ, وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى, وَاخْتَارَهَا مَنْ اخْتَارَ عَدَمَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ.
"تَنْبِيهٌ" الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَظَرًا مِنْ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا كَوْنُهُ خَصَّصَ الْقَاضِي بِإِلْحَاقِ الْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ وَنَحْوِهِمَا بِالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ, وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ بِمَقَالَتِهِ وَقَطَعَ بِهَا.
الثَّانِي نِسْبَةُ الْقَوْلِ الثَّانِي إلَى الْأَصْحَابِ, وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ, بَلْ أَكْثَرُهُمْ, وَلَمْ نَرَ أَحَدًا غَيْرَهُ نَسَبَ ذَلِكَ إلَيْهِمْ مِثْلُ صَاحِبِ الْمُغْنِي3 وَالْمَجْدُ في
__________
1 ص "14".
2 "4/376".
3 "4/374".(5/53)
وَالْكَفَّارَةُ عَلَى التَّرْتِيبِ, فَيَجِبُ عِتْقُ رَقَبَةٍ, فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ, فَإِنْ 1لَمْ يَسْتَطِعْ1 أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا, مِثْلُ2 كَفَّارَةِ الظِّهَارِ, في ظاهر المذهب "وهـ ش" ويأتي فيها اعْتِبَارُ سَلَامَةِ الرَّقَبَةِ وَكَوْنِهَا مُؤْمِنَةً, وَلَا يَحْرُمُ هُنَا الْوَطْءُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ, وَلَا فِي لَيَالِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ, ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ, وَأَظُنُّهُ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ, كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ, ذَكَرَهُ فِيهَا3 الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ, وَحَرَّمَهُ ابْنُ الْحَنْبَلِيِّ فِي كِتَابِهِ أَسْبَابُ النُّزُولِ, عُقُوبَةً, وَعَنْهُ: إنَّهَا عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ العتق والصيام والإطعام, فبأيها كفر أجزأه "وم ر" لأن في الصحيحين4 من حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ, فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُكَفِّرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ. وَفِيهِمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ أَنْ يَعْتِقَ رَقَبَةً أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا, وَتَابَعَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةٍ, وَخَالَفَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِينَ, فَرَوَوْهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّ إفْطَارَ ذَلِكَ الرَّجُلِ كَانَ بِجِمَاعٍ, وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: "هَلْ تَجِدُ مَا تَعْتِقُ رَقَبَةً؟ " قَالَ: لَا, قَالَ: "هَلْ تَسْطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ ". قَالَ: لَا, قال: "هل تجد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
شَرْحِهِ وَالشَّارِحُ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ, بَلْ الَّذِي اخْتَارَ الْفَرْقَ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى وناس من المتأخرين.
الثَّالِثُ كَوْنُهُ نَسَبَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ إلَى الْقَاضِي, وَلَمْ يُذْكَرْ عَنْهُ غَيْرُهُ, وَقَدْ قَالَ فِي
__________
1 1 في "ب" و"س" "لم يجد".
2 في "ب" "قيل".
3 ليست في "س".
4 لم نجد رواية التخيير عند البخاري وأخرجهما مسلم "1111" "83" و"84".(5/54)
مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ " قَالَ: لَا. ثُمَّ جَلَسَ فَأُتِيَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ: "تَصَدَّقْ بِهَذَا". قَالَ: عَلَى أَفْقَرَ مِنَّا؟ قَالَ: "اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ" وَفِي أَوَّلِهِ: هَلَكْت يَا رَسُولَ اللَّهِ, قَالَ: "وَمَا أَهْلَكَك"؟ قَالَ: وَقَعْت عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ1, وَهُوَ أَوْلَى, لِأَنَّهُ لَفْظُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَمُشْتَمِلٌ عَلَى زِيَادَةٍ, وَرَوَاهُ الْأَكْثَرُ, وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ2: هَلَكْت وَأَهْلَكْت. وَضَعَّفَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ الْبَيْهَقِيُّ, وَصَنَّفَ الْحَاكِمُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فِي إبْطَالِهَا. وَلِأَبِي دَاوُد3 بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهُ "وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ" وَقَالَ: فَأَتَى بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ قَدْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا, وَلَهُ4 مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ: فِيهِ عِشْرُونَ صَاعًا, وَهِشَامٌ تَكَلَّمَ فِيهِ, وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ, وَتَابَعَهُ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ فِي الصَّوْمِ, وهو ضعيف, ورواه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
التَّعْلِيقِ: إنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ بِالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ قَوْلًا وَاحِدًا, وَخَصَّ الرِّوَايَتَيْنِ بِاللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ وَنَحْوِهِمَا, كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْأَصْحَابِ, مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَ الْوَطْءَ دُونَ الْفَرْجِ وَالْقُبْلَةَ وَاللَّمْسَ وَنَحْوَهَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فِيمَا إذَا كَانَ مُحَرَّمًا فِي الْحَجِّ.
فَهَذِهِ إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً قد يسر الله تعالى بتصحيحها.
__________
1 البخاري "1936" ومسلم "1111" "81".
2 في العلل "10/232".
3 في سننه "2393".
4 أي ولأبي داود في سننه "2395".(5/55)
ابْنُ مَاجَهْ1, وَتَابَعَهُ أَبُو أُوَيْسٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ وَفِيهِ كَلَامٌ, رَوَى ذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ2 وَتَابَعَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ الزُّهْرِيِّ. وَبَحْرِ بْنِ كَثِيرٍ3 عَنْ الزُّهْرِيِّ, ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ4, وَأَشَارَ هُوَ وَغَيْرُهُ إلَى صِحَّةِ5 هَذِهِ الزِّيَادَةِ6, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ, وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ صَوْمُ شَهْرٍ أَوْ إطْعَامُ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا7, وَعَنْ 8الْحَسَنِ: عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ إهْدَاءُ بَدَنَةٍ أَوْ إطْعَامُ عِشْرِينَ صَاعًا أَرْبَعِينَ مِسْكِينًا8, وَعَنْ عَطَاءٍ نَحْوُهُ, وَلِمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ9 عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مُرْسَلًا نَحْوُهُ, وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدَ الْمَسَاكِينِ, وَفِيهِ: وَصُمْ يَوْمًا. وَمَذْهَبُ "م" هَذِهِ الْكَفَّارَةُ إطْعَامٌ فَقَطْ, كَذَا قَالَ. وَالْإِطْعَامُ كَمَا يَأْتِي فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ10 إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْعِتْقِ فِي الصِّيَامِ لَمْ يَلْزَمْهُ الِانْتِقَالُ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَيَلْزَمُ مَنْ قَدَرَ قَبْلَهُ, وَيَأْتِي مَا يتعلق بذلك في الظهار.
وَتَسْقُطُ هَذِهِ الْكَفَّارَةُ بِالْعَجْزِ, فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ, نص عليه "وق"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في سننه "1671".
2 في العلل "10/232".
3 في النسخ الخطية و"ط": كثير ولعل الصواب ما أثبته وهو بحر بن كنيز النعروف بـ: السقاء. تهذيب الكمال "4/12".
4 في السنن الكبرى "4/226".
5 لييت في الأصل,
6 في "ب" الرواية.
7 أورده ابن عبد البر في الاستذكار "10/102".
8 8 ليست في "س".
9 "1/207".
10 "9/167".(5/56)
زَادَ بَعْضُهُمْ: بِالْمَالِ, وَقِيلَ: وَالصَّوْمُ كَذَا قَالَ, لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَأْمُرْ الْأَعْرَابِيَّ بِهَا أَخِيرًا, وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ بَقَاءَهَا فِي ذِمَّتِهِ, وَكَصَدَقَةِ الْفِطْرِ, وَعَنْهُ: لَا تَسْقُطُ "وهـ ش" لأنه صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِهَا الْأَعْرَابِيَّ لَمَّا جَاءَهُ الْعَرَقُ بَعْدَمَا أَخْبَرَهُ بِعُسْرَتِهِ, وَلَعَلَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَظْهَرُ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: فَلَوْ كَفَّرَ غَيْرُهُ عَنْهُ بِإِذْنِهِ وَقِيلَ: أَوْ دُونَهَا فَلَهُ أَخْذُهَا. وَعَنْهُ: لَا يَأْخُذُهَا. وَأَطْلَقَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهَا أَمْ كَانَ خَاصًّا بِذَاكَ الْأَعْرَابِيِّ؟ عَلَى روايتين, ويتوجه احتمال أنه صلى الله عليه وسلم رخص
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ(5/57)
لِلْأَعْرَابِيِّ فِيهِ لِحَاجَتِهِ, وَلَمْ يَكُنْ كَفَّارَةً.
وَلَا تَسْقُطُ غَيْرُ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ بِالْعَجْزِ, مِثْلُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ(5/58)
وَكَفَّارَاتِ الْحَجِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ, نَصَّ عَلَيْهِ, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ وَعَلَيْهِ أَصْحَابُنَا لِعُمُومِ أَدِلَّتِهَا حَالَةَ الْإِعْسَارِ, وَلِحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ1 فِي الظِّهَارِ, وَلِأَنَّهُ الْقِيَاسُ خُولِفَ فِي رَمَضَانَ لِلنَّصِّ2, كَذَا قَالُوا: لِلنَّصِّ, وَفِيهِ نَظَرٌ, وَلِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بِسَبَبِ الصَّوْمِ, قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: وَلَيْسَ الصَّوْمُ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ وَإِنْ لَمْ تَجِبْ إلَّا بِالصَّوْمِ وَالْجِمَاعِ, لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُمَا. وَعَنْهُ: تَسْقُطُ, وَمَذْهَبُ "ش" هِيَ كَرَمَضَانَ, إلَّا جَزَاءَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 هو سلمة بن صخر بن الصمة الأنصاري الخزرجي المدني له صحبة وهو أحد البكائين وحديثه أخرجه أبو داود "2213" والترمذي "1200" وابن ماجه "2062" قال: كنت امرأ أصيب من النساء ما لا يصيب غيري ... وفيه بعدها ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عدم استطاعته للعتق والصيام والصدقة قال له عليه الصلاة والسلام: "اذهب إلى صاحب صداقة بني زريق فقل له فليدفعها إليك فأطعم عنك منها...."
2 في "ب" "النص".(5/59)
الصَّيْدِ, لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَالْغَرَامَةِ, وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ تَسْقُطُ كَفَّارَةُ وَطْءِ الْحَائِضِ بِالْعَجْزِ, عَلَى الْأَصَحِّ, وَعَنْهُ: بِالْعَجْزِ عَنْ كُلِّهَا, لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ فِيهَا. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: تَسْقُطُ مُطْلَقًا, كَرَمَضَانَ. وَأَكْلُهُ الْكَفَّارَاتِ بِتَكْفِيرِ غَيْرِهِ عَنْهُ كَرَمَضَانَ, وَعَنْهُ: تَخْتَصُّ بِالْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ, اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ.
وَإِنْ مَلَّكَهُ مَا يُكَفِّرُ بِهِ وَقُلْنَا لَهُ أَخْذُهُ هُنَاكَ فَلَهُ هُنَا أَكْلُهُ, وَإِلَّا أَخْرَجَهُ عَنْ نَفْسِهِ. وَقِيلَ: هَلْ لَهُ أَكْلُهُ أَوْ يَلْزَمُهُ التَّكْفِيرُ بِهِ؟ عَلَى روايتين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ(5/60)
بَابُ حُكْمِ قَضَاءِ الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ به
بَابُ حُكْمِ قَضَاءِ الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ به
...
بَابُ حُكْمِ قَضَاءِ الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بذلك
يُسْتَحَبُّ التَّتَابُعُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ "وَ" قَالَ الْبُخَارِيُّ1: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُفَرَّقَ, لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا "قَضَاءُ رَمَضَانَ إنْ شَاءَ فَرَّقَ وَإِنْ شَاءَ تَابَعَ" رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 وَقَالَ: لَمْ يُسْنِدْهُ غَيْرُ سُفْيَانَ بْنِ بِشْرٍ, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا طَعَنَ فِيهِ, وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ. وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ3 مِنْ رِوَايَةِ الْوَاقِدِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: وَسُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ قَالَ: "يَقْضِيهِ تِبَاعًا وَإِنْ فَرَّقَهُ أَجْزَأَهُ". وَلَهُ4 أَيْضًا وَقَالَ إسْنَادٌ حَسَنٌ5 عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ6 مُرْسَلًا قَالَ: "ذَلِكَ إلَيْك, أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أَحَدِكُمْ دَيْنٌ فَقَضَى الدِّرْهَمَ وَالدِّرْهَمَيْنِ أَلَمْ يَكُنْ قَضَاءً؟ فَاَللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يَعْفُوَ وَيَغْفِرَ". وَخَبَرُ أَبِي هُرَيْرَةَ "فَلْيَسْرُدْهُ وَلَا يَقْطَعُهُ" رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالدَّارَقُطْنِيّ3 مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن إبراهيم القاص7,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في صحيحه باب متى يقضي قضاء رمضان قبل حديث "1950".
2 في سننه "2/193".
3 في سننه "2/192".
4 أي للدارقطني في سننه "2/194".
5 في "ب" "جيد".
6 في "ب" "المنذر".
7 في "ب" "القاضي".(5/61)
ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَالدَّارَقُطْنِيّ, وَقَوَّاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ, فَإِنْ صَحَّ فَلِلِاسْتِحْبَابِ, وَقَوْلِ عَائِشَةَ نَزَلَتْ "فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مُتَتَابِعَاتٍ" فَسَقَطَتْ "مُتَتَابِعَاتٌ" رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 وَقَالَ: إسْنَادٌ صَحِيحُ يَصْلُحُ لِسُقُوطِ الْحُكْمِ وَالتِّلَاوَةِ, فَيُحْمَلُ عَلَيْهِمَا, وَلِأَنَّهُ وَقْتٌ مُوَسَّعٌ لَهُ كَصَوْمِ الْمُسَافِرِ أَدَاءً, وَإِنَّمَا لَزِمَ التَّتَابُعُ فِيهِ فِي صَوْمِ مُقِيمٍ لَا عُذْرَ لَهُ لِلْفَوْرِ, وَتَعْيِينُ الْوَقْتِ لَا لِوُجُوبِ التَّتَابُعِ فِي نَفْسِهِ, فَنَظِيرُهُ لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ شَعْبَانَ إلَّا مَا يَتَّسِعُ لَهُ, وَفِي التَّتَابُعِ خُرُوجٌ مِنْ الْخِلَافِ, وَهُوَ أَنْجَزُ لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ, وَأَشْبَهُ بِالْأَدَاءِ, فَكَانَ أَوْلَى, وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ فِي الزَّكَاةِ عَلَى الْفَوْرِ: أَنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ عَلَى الْفَوْرِ, وَاحْتَجَّ بِنَصِّهِ فِي الْكَفَّارَةِ, وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: الْقَضَاءُ عَلَى التَّرَاخِي, وَاحْتَجَّ بِنَصِّهِ فِيهِ, كَذَا ذُكِرَ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: يَجُوزُ تَأْخِيرُ قَضَاءِ رَمَضَانَ بِلَا عُذْرٍ مَا لَمْ يُدْرِكْ رَمَضَانَ ثَانٍ, وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا, وَعِنْدَ أَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ: إنْ أَفْطَرَ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ حُرِّمَ التَّأْخِيرُ, قَالَ فِي التَّهْذِيبِ لَهُمْ: حَتَّى بِعُذْرِ2 السَّفَرِ, وَأَوْجَبَ دَاوُد الْمُبَادَرَةَ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ بعد العيد, وهل يجب العزم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في سننه "2/191".
2 بعدها في الأصل "في".(5/62)
عَلَى فِعْلِهِ؟ يَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ فِي الصَّلَاةِ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. فِي الصَّلَاةِ: لَا يَنْتَفِي إلَّا بِشَرْطِ الْعَزْمِ عَلَى الْفِعْلِ فِي ثَانِي الْوَقْتِ, قَالَ: وَكَذَا كُلُّ عِبَادَةٍ مُتَرَاخِيَةٍ.
قَالَ فِي مُسْلِمٍ1: الصَّحِيحُ عِنْدَ مُحَقِّقِي الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْأُصُولِ فِيهِ وَفِي كُلِّ وَاجِبٍ مُوَسَّعٍ إنَّمَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ بِشَرْطِ الْعَزْمِ عَلَى فِعْلِهِ.
وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ2 وَعُرْوَةَ وَالْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ: يَجِبُ التَّتَابُعُ, وَكَذَا قَالَ دَاوُد وَالظَّاهِرِيَّةُ: يَجِبُ وَلَا يُشْتَرَطُ لِلصِّحَّةِ كَأَدَائِهِ, وَأَجَازَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ3 وَغَيْرُهُمْ الْأَمْرَيْنِ, قَالَ الطَّحْطَاوِيُّ: لَا فَضْلَ لِلتَّتَابُعِ عَلَى التَّفْرِيقِ, لِأَنَّهُ لَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ يَقْضِيهِ بِيَوْمٍ وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ قَضَاءُ شَهْرٍ.
وَمَنْ فَاتَهُ رَمَضَانُ تَامًّا أَوْ نَاقِصًا لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ قَضَى عَدَدَ أَيَّامِهِ مُطْلَقًا اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ المحرر والمغني والمستوعب "وهـ ش" كَأَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ, وَعِنْدَ الْقَاضِي: إنْ قَضَى شهرا هلاليا أجزأه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"تنبيه" قوله: وهل يَجِبُ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِهِ يَعْنِي فِعْلَ الصَّوْمِ يَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ فِي الصَّلَاةِ, انْتَهَى, يَعْنِي هَلْ يَجِبُ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِ الصَّوْمِ الْمَقْضِيِّ قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهِ أَوْ لَا يَجِبُ؟ يَتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَالْعَزْمِ عَلَى الصَّلَاةِ إذَا دَخَلَ وَقْتُهَا قَبْلَ فِعْلِهَا, وَفِيهِ فِي الصَّلَاةِ وَجْهَانِ, وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الْعَزْمِ عَلَى فِعْلِ الصَّلَاةِ, وَقَدْ قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ, فَيَكُونُ الصَّحِيحُ فِي الصَّوْمِ كَذَلِكَ عَلَى هَذَا التَّوْجِيهِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ, وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كلام ابن عقيل.
__________
1 "8/23".
2 أخرجهما البيهقي في السنن الكبرى "4/259".
3 مر آنفا.(5/63)
مُطْلَقًا, وَإِلَّا تَمَّمَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا, وَهُوَ ظَاهِرُ 1الْخِرَقِيِّ, وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ1 ظَاهِرَ كَلَامِ أَحْمَدَ, وَقَالَهُ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ, وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: مَنْ صَامَ مِنْ أَوَّلِ شَهْرٍ كَامِلٍ أَوْ مِنْ أَثْنَاءِ شَهْرٍ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَكَانَ رَمَضَانُ الْفَائِتُ نَاقِصًا أَجْزَأَهُ عَنْهُ اعْتِبَارًا بِعَدَدِ الْأَيَّامِ. وَعَلَى الثَّانِي: يَقْتَضِي يَوْمًا تَكْمِيلًا لِلشَّهْرِ بِالْهِلَالِ أَوْ الْعَدَدِ ثَلَاثِينَ "يَوْمًا".
وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُ قَضَاءِ رَمَضَانَ إلَى رَمَضَانَ آخَرَ بِلَا عُذْرٍ "وَ" نَصَّ عَلَيْهِ, وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا كُنْتُ أَقْضِي مَا عَلَيَّ مِنْ رَمَضَانَ إلَّا فِي شَعْبَانَ, لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2. وَكَمَا لَا تُؤَخَّرُ الصَّلَاةُ الْأُولَى إلَى الثَّانِيَةِ, فَإِنْ فَعَلَ أَطْعَمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا "وم ش" رَوَاهُ سَعِيدٌ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ: إسْنَادٌ صَحِيحٌ, وَرَوَاهُ4 مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ, وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ5 عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ, وَلَا أَحْسَبُهُ يَصِحُّ عَنْهُمْ, وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ: لَا يَلْزَمُهُ إطْعَامٌ "وهـ" لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وَكَتَأْخِيرِ أَدَاءِ رَمَضَانَ عَنْ وَقْتِهِ عَمْدًا, وَذَكَرَ الطَّحْطَاوِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ وَفِيهِ ضَعْفٌ عَنْ عبد الله بن عمر:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 1 ليست في "ب".
2 أخرجه البخاري "1950" ومسلم "1146" "151".
3 في سننه "2/197".
4 أي الدارقطني في سننه "2/196".
5 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "4/253" عن ابن عباس في رجل أدركه رمضان وعليه آخر قال: يصوم هذا ويطعم عن ذك كل يوم مسكينا ويقضيه.(5/64)
يُطْعِمُ بِلَا قَضَاءٍ1.
وَيُطْعِمُ مَا يُجْزِئُ كَفَّارَةً "وَ", وَيَجُوزُ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ, لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَإِذَا قَضَى أَطْعَمَ. رَوَاهُ سَعِيدٌ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: الْأَفْضَلُ تَقْدِيمُهُ عِنْدَنَا, مُسَارَعَةً إلَى الْخَيْرِ, وَتَخَلُّصًا مِنْ آفَاتِ التَّأْخِيرِ. وَمَذْهَبُ "م" الْأَفْضَلُ مَعَهُ.
وَإِنْ أَخَّرَهُ بَعْدَ رَمَضَانَ ثَانٍ فَأَكْثَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ لِكُلِّ سَنَةٍ فِدْيَةٌ, لِأَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَهُ لِتَأْخِيرِهِ عَنْ وَقْتِهِ وَقَوْلِ الصَّحَابَةِ. وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ.
وَمَنْ دَامَ عُذْرُهُ بَيْنَ الرَّمَضَانَيْنِ فَلَمْ يَقْضِ ثُمَّ زَالَ صَامَ الشَّهْرَ الَّذِي أَدْرَكَهُ ثُمَّ قَضَى مَا فَاتَهُ وَلَا يُطْعِمُ, نَصَّ عَلَيْهِ "وَ" وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ2 وَأَبِي هُرَيْرَةَ3 وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةَ: يُطْعِمُ بِلَا قَضَاءٍ. فَعَلَى قَوْلِنَا إنْ كَانَ أَمْكَنَهُ قَضَاءُ الْبَعْضِ قَضَى الْكُلَّ وَأَطْعَمَ عَمَّا أَمْكَنَهُ صَوْمُهُ. وَإِنْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ حَتَّى مَاتَ فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ, نَصَّ عَلَيْهِ "وَ" لِعَدَمِ الدَّلِيلِ. وَفِي التَّلْخِيصِ رواية: يطعم عنه, كالشيخ الهم4, وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يَجُوزُ ابْتِدَاءً الْوُجُوبُ عَلَيْهِ, بِخِلَافِ الْمَيِّتِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَجِبَ الصَّوْمُ عَنْهُ أَوْ التَّكْفِيرُ, كَمَنْ نَذَرَ صَوْمًا. وقال في الرعاية: إن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه "7623" من طريق معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: من تتابعه رمضان آخر وهو مريض لم يصح قضى الآخر منهما بصيام وقضى الأول منهما بإطعام مد من حنطة ولم يصم.
2 الاستذكار "10/227".
3 أورده البيهقي في السنن الكبرى "4/253".
4 في "ب" "الهرم".(5/65)
أَخَّرَهُ النَّاذِرُ لِعُذْرٍ حَتَّى مَاتَ فَلَا فِدْيَةَ. عَلَى الْأَصَحِّ, ذَكَرَهُ عَقِبَ الْحَجِّ, وَإِنَّمَا مُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الصَّوْمُ.
وَإِنْ كَانَ تَأْخِيرُ قَضَاءِ رَمَضَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ أُطْعِمَ عَنْهُ لِكُلِّ1 يَوْمٍ مِسْكِينٌ "وَ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ2 عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ, وَقَالَ: الصَّحِيحُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفٌ. وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنْ الْقَضَاءِ قَالَتْ: لَا بَلْ يُطْعِمُ, رَوَاهُ سَعِيدٌ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ, وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ3, وَإِنَّهُ إنْ نَذَرَ قَضَى عَنْهُ وَلِيُّهُ, فَالرَّاوِي أَعْلَمُ بِمَا رَوَى.
قَالَ الْأَصْحَابُ: وَلِأَنَّهُ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ فِي الْحَيَاةِ, فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ, كَالصَّلَاةِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ فِي مَسْأَلَةِ صِحَّةِ الِاسْتِنَابَةِ فِي الْحَجِّ عِنْدَ طَرَيَانِ الْعَضَبِ وَالْكِبَرِ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ: وَإِنَّهُ إذَا حَجَّ النَّائِبُ وَقَعَ الْحَجُّ عن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س" "بكل"
2 في السنن "718".
3 أخرجه أبو داود "2451" أن ابن عباس قال: إذا مرض الرجل في رمضان ثم مات ولم يصم أطعم عنه ولم يكن عليه قضاء وإن كان عيه نذر قضى عنه وليه. \(5/66)
الْمُسْتَنِيبِ "وم ش" وَمَذْهَبُ "هـ" يَقَعُ الْحَجُّ تَطَوُّعًا, وَلَا يَقَعُ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ إلَّا ثَوَابُ النَّفَقَةِ, فَنَحْنُ نَقُولُ: أُقِيمَ حَجُّ نَائِبِهِ مَقَامَ حَجِّهِ, فَفِعْلُ الْغَيْرِ لِلْحَجِّ بَدَلٌ عَنْ فِعْلِهِ فِيمَا1 يُبْذَلُ, إلَّا الْمُؤَدِّي وَهُوَ الْفَاعِلُ, وَعِنْدَهُمْ الْبَدَلُ هُوَ سَعْيُهُ بِمَا لَهُ فِي تَحْصِيلِ حَجِّ الْغَيْرِ, فَالْبَدَلُ عِنْدَهُ مُتَبَدِّلٌ لَيْسَ هُوَ فِعْلُ الْحَجِّ, وَإِنَّمَا هُوَ بَذْلُ الْمَالِ لِتَحْصِيلِ حَجِّ النَّائِبِ حَتَّى لَوْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ وَحَجَّ عَنْهُ بِإِذْنِهِ لَمْ يَجُزْ عَنْهُ, لِأَنَّ السَّعْيَ بِبَذْلِ الْمَالِ مَفْقُودٌ, فَالْوَاجِبُ الْمُؤَدِّي هُوَ الْمُبْتَذَلُ2. وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِأَنَّ سَائِرَ الْعِبَادَاتِ لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهَا, وَقَالَ: فَأَمَّا سَائِرُ الْعِبَادَاتِ فَلَنَا رِوَايَةٌ أَنَّ الْوَارِثَ يَنُوبُ عَنْهُ فِي جَمِيعِهَا مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ, وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي نِيَابَةِ الْوَارِثِ فِي الزَّكَاةِ, ثُمَّ الصَّوْمُ يُقَابِلُ فَائِتَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ بِالْمَوْتِ بِالْإِطْعَامِ, وَالصَّلَاةُ لَا يُتَصَوَّرُ الْعَجْزُ فِيهَا عِنْدَنَا, بِخِلَافِ الْحَجِّ, وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ مَقْصُودُهَا تَحْصِيلُ الْمَالِ لِلْفُقَرَاءِ مُوَاسَاةً, وَتَعَاطِي التَّكْلِيفِ مَقْصُودٌ لِلِامْتِحَانِ, فَعِنْدَ الْعَجْزِ يَسْتَقِلُّ3 بِأَحَدِ الْمَقْصُودَيْنِ وَيَلْتَحِقُ بِالدَّيْنِ, وَالْحَجُّ الِامْتِحَانُ فِيهِ مَقْصُودٌ, وَفِيهِ مَقْصُودٌ آخَرُ سِوَى الْفِعْلِ, فَإِنَّهُ وُضِعَ عَلَى مِثَالِ حَضْرَةِ الْمُلُوكِ وَحُرْمَتِهِمْ وَقَدْ يَقْصِدُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ب" "مما".
2 في "ب" "المنبدل".
3 في "س" "يستحل".(5/67)
الْمَلِكُ أَنْ تَكُونَ عَتَبَتُهُ مَخْدُومَةً بِأَصْحَابِهِ, فَإِنْ عَجَزُوا فَبِنُوَّابِهِمْ لِإِقَامَةِ الْخِدْمَةِ. وَالصَّلَاةُ لَا مَقْصُودَ فِيهَا إلَّا مَحْضُ التَّكْلِيفِ بِالْفِعْلِ امْتِحَانًا فَإِذَا فَعَلَ غَيْرُهُ "ذَلِكَ" فَاتَ كُلُّ الْمَقْصُودِ, فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الدَّيْنِ, يُصَحِّحُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْخَصْمَ أَقَامَ لِلْحَجِّ بَدَلًا وَإِنْ خَالَفْنَا فِي صِفَتِهِ, وَلَمْ يُقِمْ لِلصَّلَاةِ بَدَلًا. وَاحْتَجَّ لَهُمْ أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَقَالَ: قَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ بِالْمَنْعِ وَالتَّسْلِيمِ, ثُمَّ هُنَاكَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَنْوِيَ عَنْ غَيْرِهِ, وَلَا يُؤْمَرُ بِبَذْلِ الْمَالِ لِتَحْصِيلِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ, ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهَا مَنْ بَلَغَ مَعْضُوبًا تَلْزَمُهُ الِاسْتِنَابَةُ, وَاحْتَجَّ لِلْمُخَالَفَةِ بِالصَّلَاةِ, وَأَجَابَ بِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا نُسَلِّمُهَا وَنَقُولُ: يُصَلِّي عَنْهُ بَعْدَ الْمَوْتِ, ثُمَّ الصَّلَاةُ لَا يُتَصَوَّرُ عَجْزُهُ عَنْهَا إلَّا أَنْ يَمُوتَ أَوْ يَزُولَ عَقْلُهُ, بِخِلَافِ الْحَجِّ, وَلَوْ وَصَّى بِهَا لَمْ تُصَلَّ عَنْهُ, بِخِلَافِ الْحَجِّ عِنْدَهُمْ, وَلَا مَدْخَلَ لِلْمَالِ فِي جُبْرَانِهَا, وَالْبَدَلُ جُبْرَانٌ, بِخِلَافِ الْحَجِّ, ثُمَّ هُوَ قِيَاسٌ يُعَارِضُ النُّصُوصَ. ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهَا: لَا يَصِيرُ مُسْتَطِيعًا بِبَذْلِ غَيْرِهِ, كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ, فَقِيلَ لَهُ: لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ بِخِلَافِ الْحَجِّ, فَقَالَ: لَا نُسَلِّمُ, بَلْ النِّيَابَةُ تَدْخُلُ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ إذَا وَجَبَتْ وَعَجَزَ عَنْهَا بَعْدَ الْمَوْتِ, فَذَكَرَ فِي هَاتَيْنِ المسألتين النيابة في الصلاة1 والصيام بعد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ب".(5/68)
الْمَوْتِ, وَكَلَامُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى, وَالرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ تَقْتَضِي: وَفِي الْحَيَاةِ أَيْضًا, كَالْحَجِّ, فَعَلَى هَذَا يَتَوَجَّهُ, إنْ عَجَزَ أَنْ يُكَبِّرَ لِلصَّلَاةِ كَبَّرَ عَنْهُ رَجُلٌ, وَقَالَهُ إِسْحَاقُ, وَنَقَلَهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَالْحَكَمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ مِنْ قِيَاسِ النِّيَابَةِ فِي الْحَجِّ عَلَى الزَّكَاةِ, ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَلْزَمُ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ فَإِنَّا إنْ قُلْنَا تَدْخُلُهُمَا النِّيَابَةُ فَإِنَّهُمَا كَمَسْأَلَتِنَا وَإِنْ قُلْنَا لَا تَدْخُلُهُمَا1 النِّيَابَةُ قُلْنَا هُنَاكَ لَمْ يُؤْمَرْ2 أَنْ يَنْوِيَهُمَا عَنْ غَيْرِهِ, بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا. وَمَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ إلَى صَوْمِ رَمَضَانَ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَقَالَ: لَوْ قِيلَ لَمْ أَبْعُدْ, فَعَلَى هَذَا: الظَّاهِرُ أَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "تدخله".
2 في "س" "يؤمن".(5/69)
الْمُرَادَ: لَا يُطْعِمُ, كَقَوْلِ طَاوُسٍ وَقَتَادَةَ, وَرِوَايَةٍ عَنْ الْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ, وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ, وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ1 مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ, وَمَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ2, وَقَدْ يَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ أَنَّ الْمُرَادَ التَّخْيِيرُ. وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: مَنْ يَقُولُ بِالصِّيَامِ يَجُوزُ عِنْدَهُ الْإِطْعَامُ, وَقَدْ قَالَ شَيْخُنَا: إنْ تَبَرَّعَ بِصَوْمِهِ عَمَّنْ لَا يُطِيقُهُ لِكِبَرٍ وَنَحْوِهِ أَوْ عَنْ مَيِّتٍ وَهُمَا مُعْسِرَانِ يَتَوَجَّهُ جَوَازُهُ, لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْمُمَاثَلَةِ مِنْ الْمَالِ, وَكَذَا عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ3 رِوَايَةٌ: يَصُومُهُ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يُطْعِمُ عَنْهُ, وَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي فِي صَوْمِ النَّذْرِ نَحْوَ قَوْلِ شَيْخِنَا فَذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّ صَوْمَ النَّذْرِ لَا يُفْعَلُ عَنْ عَاجِزٍ فِي حَيَاتِهِ, بَلْ يُطْعِمُ, ثُمَّ جَعَلَ هَذَا حُجَّةً لِلْمُخَالِفِ فِي عَدَمِ فِعْلِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ. قَالَ: وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ نَقُولَ يَصِحُّ الصَّوْمُ عَنْهُ, كَمَا نَقُولَ فِي الْحَجِّ إذَا عَجَزَ عَنْهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ يَحُجُّ عَنْهُ, وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ دَاوُد: لَا يُصَامُ عَنْهُ وَلَا يُطْعَمُ, خِلَافَ مَا سَبَقَ عَنْهُ, وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالشَّافِعِيَّةُ الْإِجْمَاعَ أَنَّهُ لَا يُصَامُ عَنْ أحد في حياته. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 تقدم تخريجه ص "69".
2 أخرجه البخاري "1953" ومسلم "1148" "155" عن ابن عباس جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ فقال: "لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها؟ قال: نعم قال: "فدين الله أحق أن يقضى".
3 في "ب" "النووي".(5/70)
وَالْإِطْعَامُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ, أَوْصَى أَوْ لَا "وش" 1لَا أَنَّهُ1 إنَّمَا يَجِبُ مِنْ الثُّلُثِ إنْ أَوْصَى "هـ م" كَالزَّكَاةِ عَلَى أَصْلِهِمَا.
وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ فَأَكْثَرُ2 أَجْزَأَهُ إطْعَامُ مِسْكِينٍ لِكُلِّ يَوْمٍ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَقِيلَ: لِكُلِّ يَوْمٍ فَقِيرَانِ, لِاجْتِمَاعِ التَّأْخِيرِ وَالْمَوْتِ بَعْدَ التَّفْرِيطِ.
قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ3 مَرْفُوعًا: "مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يُجْزِئْهُ صِيَامُ الدَّهْرِ وَلَوْ صَامَهُ" لَا يَصِحُّ, وَإِنَّمَا يُرِيدُ نَفْسَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ لَا يكون, وكذا ضعفه غير واحد.
وَلَا يَلْزَمُهُ عَنْ يَوْمٍ سِوَى يَوْمٌ "وَ" وَعِنْدَ شَيْخِنَا: لَا يَقْضِي مُتَعَمِّدٌ بِلَا عُذْرٍ "خ" صَوْمًا وَلَا صَلَاةً, قَالَ: وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ, وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَدِلَّةِ مَا يُخَالِفُ هَذَا بَلْ يُوَافِقُهُ وَضَعُفَ أَمْرُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْمُجَامِعُ بِالْقَضَاءِ4, لِعُدُولِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْهُ.
وَلَا يُجْزِئُ صَوْمُ كَفَّارَةٍ عَنْ مَيِّتٍ وَإِنْ أَوْصَى بِهِ, نَصَّ عَلَيْهِ "وَ" خِلَافًا لِأَبِي ثَوْرٍ, وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى طَرِيقِ الْعُقُوبَةِ, لِارْتِكَابِ مَأْثَمٍ, فَهِيَ كَالْحُدُودِ5, فَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ بعد قدرته عليه وقلنا الاعتبار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 1في "س" "لأنه".
2 ليست في "ب".
3 أورده البخاري تعليقا قبل حديث "1935" قال: ويذكر عن أبي هريرة رفعه وأخرجه أبو داود في سننه "2396" والترمذي في سننه "723" وابن ماجه في سننه "1672".
4 تقدم نصه وتخريجه ص "55" وما بعدها.
5 في "ب" "كامحدود".(5/71)
بِحَالَةِ 1الْوُجُوبِ1 أَطْعَمَ عَنْهُ2 ثَلَاثَةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ, ذَكَرَهُ الْقَاضِي.
وَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرٍ مِنْ كَفَّارَةٍ أَطْعَمَ عَنْهُ أَيْضًا, نَقَلَهُ حَنْبَلٌ, فَفِيهِ جَوَازُ الْإِطْعَامِ عَنْهُ بَعْضُ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ, لِأَنَّ الْإِطْعَامَ هُنَا لَيْسَ هُوَ بِالْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْكَفَّارَةِ, لَكِنَّهُ بَدَلُ الصَّوْمِ وَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ الْمُتْعَةِ يُطْعَمُ عَنْهُ أَيْضًا, نَصَّ عَلَيْهِ, قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّ هَذَا الصَّوْمَ وَجَبَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ, كَقَضَاءِ رَمَضَانَ.
وَصَوْمُ النَّذْرِ عَنْ الْمَيِّتِ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ, عَلَى مَا سَبَقَ عِنْدَ الْكُلِّ "وَ" وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ, وَنَصَّ أَحْمَدَ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ: يَفْعَلُهُ الْوَلِيُّ عَنْهُ بِخِلَافِ رَمَضَانَ, وِفَاقًا لِلَّيْثِ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَإِسْحَاقَ. وَسَبَقَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ3.
وَيَجُوزُ أَنْ يَصُومَ غَيْرُ الْوَلِيِّ بِإِذْنِهِ وَبِدُونِهِ, جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي والأكثر,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 1في "ب" "بحاله للوجوب".
2 ليست في "ب".
3 ص "65 – 66".(5/72)
لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ شَبَّهَهُ بِالدَّيْنِ1, وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ إلَّا بِإِذْنِهِ "وش" لِأَنَّهُ خِلَافُ الْقِيَاسِ, فَلَا يَتَعَدَّى النَّصَّ, وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ ظَاهِرُ نَقْلِ حَرْبٍ, يَصُومُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ: ابْنُهُ أَوْ غَيْرُهُ, فَيَتَوَجَّهُ: يَلْزَمُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى النَّصِّ: لَا يَصُومُ بِإِذْنِهِ, وَكَذَا الْوَجْهَانِ فِي الْحَجِّ, وَاخْتَارَ عَدَمَ الصِّحَّةِ فِيهِ فِي الِانْتِصَارِ, كَحَالِ الْحَيَاةِ, وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْفُصُولِ وَالْمُحَرَّرِ الصِّحَّةَ, لِعَدَمِ اسْتِفْصَالِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَهَلْ يَجُوزُ صَوْمُ جَمَاعَةٍ عَنْهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَيُجْزِئُ عَنْ عِدَّتِهِمْ مِنْ الْأَيَّامِ؟ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: يَصُومُ وَاحِدٌ, قَالَ فِي الْخِلَافِ: فَمَنَعَ الِاشْتِرَاكَ كَالْحَجَّةِ الْمَنْذُورَةِ تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهَا مِنْ وَاحِدٍ لا من جماعة. وحكى أحمد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 سبق تخريجه ص "70".(5/73)
عَنْ طَاوُسٍ الْجَوَازَ, وَحَكَاهُ الْبُخَارِيُّ1 عَنْ الْحَسَنِ, وَهُوَ أَظْهَرُ, وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَقَالَ: لَمْ يَذْكُرْ الْمَسْأَلَةَ أَصْحَابُهُمْ, وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ "م 1" وَحَمَلَ مَا سَبَقَ عَلَى صوم شرطه2 التتابع, وَتَعْلِيلُ الْقَاضِي يَدُلُّ عَلَيْهِ, فَإِنَّ مَا جَازَ تَفْرِيقُهُ كُلَّ يَوْمٍ كَحَجَّةٍ مُفْرَدَةٍ, فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَوْصَى بِثَلَاثِ حِجَجٍ جَازَ3 صَرْفُهَا إلَى ثَلَاثَةٍ يَحُجُّونَ عَنْهُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ, وَجَزَمَ ابْنُ عَقِيلٍ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ, لِأَنَّ نائبه مثله, وليس له أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 1" قَوْلُهُ فِي صَوْمِ النَّذْرِ عَنْ الْمَيِّتِ: "وَيَجُوزُ أَنْ يَصُومَ غَيْرُ الْوَلِيِّ بِإِذْنِهِ وَبِدُونِهِ, جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ إلَّا بِإِذْنِهِ. وَكَذَا الْوَجْهَانِ فِي الْحَجِّ" , ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَهَلْ يَجُوزُ صَوْمُ جَمَاعَةٍ عَنْهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَيُجْزِئُ عَنْ عِدَّتِهِمْ مِنْ الْأَيَّامِ؟ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: يَصُومُ وَاحِدٌ. قَالَ فِي الْخِلَافِ: فَمَنَعَ الِاشْتِرَاكَ, كَالْحَجَّةِ الْمَنْذُورَةِ تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهَا مِنْ وَاحِدٍ لَا مِنْ جَمَاعَةٍ. وَحَكَى أَحْمَدُ عَنْ طَاوُسٍ الْجَوَازَ. وَهُوَ أَظْهَرُ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ, انْتَهَى. مَا اخْتَارَهُ المجد هو
__________
1 في صحيحه تعليقا قبل حديث "1952".
2 في "س" "شرط".
3 في "س" "صار".(5/74)
يَحُجَّ ثَلَاثَ حَجَّاتٍ فِي عَامٍ وَاحِدٍ, وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا, وَلَمْ يَذْكُرْ قَبْلَهُ مَا يُخَالِفُهُ, وَذَكَرَهُ فِي فَصْلِ اسْتِنَابَةِ الْمَغْصُوبِ مِنْ بَابِ الْإِحْرَامِ, وَهُوَ قِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الصَّوْمِ, وَهُوَ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا, وَلَا فَرْقَ. وَيَأْتِي فِي تَفْرِيقِ الِاعْتِكَافِ. وَيُسْتَحَبُّ لِلْوَلِيِّ فِعْلُهُ عَنْهُ, وَلَا يَجِبُ "وَ" خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ, كَالدَّيْنِ لَا يَلْزَمُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ "لَهُ" تَرِكَةٌ, وَلَهُ أَنْ يَصُومَ, وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى مَنْ يَصُومَ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا, فَإِنْ لَمْ تَكُنْ "لَهُ" تَرِكَةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ.
قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: كَالْحَجِّ الْوَارِثِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ وَبَيْنَ دَفْعِ نَفَقَةٍ إلَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: إنَّ الْقَاضِيَ فِي الْمُجَرَّدِ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّ الْوَرَثَةَ إذَا امْتَنَعُوا يَلْزَمُهُمْ اسْتِنَابَةٌ وَلَا إطْعَامَ. وَذَكَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَعَ عَدَمِ صَوْمِ الْوَرَثَةِ يَجِبُ إطْعَامُ مِسْكِينٍ مِنْ مَالِهِ عَنْ كُلِّ يَوْمِ, وَمَعَ صَوْمِ الْوَرَثَةِ لَا يَجِبُ, وَجَزَمَ الشَّيْخُ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ نَذَرَ صَوْمًا فَعَجَزَ عَنْهُ أَنَّ صَوْمَ النَّذْرِ لَا إطْعَامَ فِيهِ بَعْدَ الْمَوْتِ, بِخِلَافِ رَمَضَانَ, وَلَمْ أَجِدْ فِي كَلَامِهِ خِلَافَهُ.
وَلَا كَفَّارَةَ مَعَ الصَّوْمِ عَنْهُ أَوْ الْإِطْعَامِ, وَاخْتَارَ شَيْخُنَا أَنَّ الصَّوْمَ عَنْهُ بَدَلٌ مُجْزِئٌ بِلَا كَفَّارَةٍ, وَيَأْتِي كَلَامُهُمْ فِي الصَّلَاةِ الْمَنْذُورَةِ, وَسَبَقَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الصَّحِيحُ, وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا, وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيّ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَصُومُ وَاحِدٌ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي في الخلاف.(5/75)
كلامه1 فِي الِانْتِصَارِ فِي تَأْخِيرِ قَضَاءِ رَمَضَانَ لِعُذْرٍ, وَأَوْجَبَهَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ, قَالَ: كَمَا لَوْ عَيَّنَ بِنَذْرِهِ صَوْمَ شَهْرٍ فَلَمْ يَصُمْهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ. وَفِي الرِّعَايَةِ كَالْمُسْتَوْعِبِ, فَإِنَّهُ قَالَ: إنْ لَمْ يَقْضِهِ عَنْهُ وَرَثَتُهُ أَوْ غَيْرُهُمْ أَطْعَمَ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ فَقِيرٌ مَعَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ, وَإِنْ قَضَى كَفَتْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَعَنْهُ. مَعَ الْعُذْرِ الْمُتَّصِلِ بِالْمَوْتِ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هِيَ رِوَايَةُ حَنْبَلٍ, فَإِنَّهُ نَقَلَ: إذَا نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ فَحَالَ بَيْنَهُ مَرَضٌ أَوْ عِلَّةٌ حَتَّى يَمُوتَ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَأَطْعَمَ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا, لِتَفْرِيطِهِ, هَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ أَمْكَنَهُ صَوْمُ مَا نَذَرَهُ فَلَمْ يَصُمْهُ وَمَاتَ, وَلَوْ أَمْكَنَهُ صَوْمُ بَعْضِ مَا نَذَرَهُ قَضَى عَنْهُ مَا أَمْكَنَهُ صَوْمُهُ فَقَطْ "وم" ذكره القاضي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"تَنْبِيهٌ" مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ2 "وَكَذَا الْوَجْهَانِ فِي الْحَجِّ" الْمَذْكُورَانِ فِي صَوْمِ غَيْرِ الْوَلِيِّ بِغَيْرِ إذْنِهِ اللذان في أول المسألة.
__________
1 في "ط" "كلامهم".
2 تقدم ص "72".(5/76)
وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا, ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ, وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا, لِأَنَّ رَمَضَانَ يُعْتَبَر فِيهِ إمْكَانُ الْأَدَاءِ, وَالنَّذْرِ يُحْمَلُ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْفَرْضِ. وَأَجَابَ الْقَاضِي بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ النَّذْرَ الْمُطْلَقَ يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ مُطْلَقًا, بَلْ بِشَرْطِ الْإِمْكَانِ, كَالنَّذْرِ الْمُعَلَّقِ بِشَرْطٍ, وَالنَّذْرُ فِي حَالِ الْمَرَضِ, وَقَضَاءُ رَمَضَانَ; وَمَذْهَبُ "هـ ش" يَلْزَمُ أَنْ يَقْضِيَ عَنْهُ كُلَّهُ, لِثُبُوتِهِ فِي ذِمَّتِهِ صَحِيحَةٌ فِي الْحَالِ, كَالْكَفَّارَةِ, بِخِلَافِ مَنْ دَامَ مَرَضُهُ حَتَّى مَاتَ لِأَنَّهُ لَا ذِمَّةَ لَهُ يَثْبُتُ فِيهَا الصَّوْمُ, وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ عَنْ الْمَيِّتِ: أَنَّ مَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ وَهُوَ مَرِيضٌ وَمَاتَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ يَثْبُتُ الصِّيَامُ فِي ذِمَّتِهِ, وَلَا يُعْتَبَرُ إمْكَانُ الْأَدَاءِ, وَيُخَيَّرُ وَلِيُّهُ 1بَيْنَ أَنْ1 يَصُومَ عَنْهُ أَوْ يُنْفِقَ عَلَى مَنْ يَصُومَ; وَفَرْقٌ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ النَّذْرَ مَحَلُّهُ الذِّمَّةُ, فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ إمْكَانُ الْأَدَاءِ كَالْكَفَّارَةِ, وَذَكَرَ نَصُّ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ فِي رَجُلٍ مَرِضَ فِي رَمَضَانَ: إنْ اسْتَمَرَّ بِهِ الْمَرَضُ حَتَّى مَاتَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ, وَإِنْ كَانَ نَذْرًا صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ إذَا "هُوَ" مَاتَ. قَالَ: وَأَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ وَالْفَضْلِ وَابْنِ مَنْصُورٍ, وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ يَقْضِي عَنْ الْمَيِّتِ مَا تَعَذَّرَ فِعْلُهُ بِالْمَرَضِ دُونَ الْمُتَعَذِّر بِالْمَوْتِ, لِأَنَّ النَّذْرَ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ يَتَعَلَّقُ بِالْأَيَّامِ الْآتِيَةِ بَعْدَ النَّذْرِ, فَإِذَا مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ الْمُقَدَّرَةِ تَبَيَّنَّا أَنَّ قَدْرَ مَا بَقِيَ مِنْهَا صَادَفَ نَذْرَهُ حَالَةَ مَوْتِهِ, وَهُوَ يَمْنَعُ الثُّبُوتَ فِي ذِمَّتِهِ, كَمَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ فَمَاتَ قَبْلَهُ أَوْ جُنَّ وَدَامَ جُنُونُهُ حَتَّى انْقَضَى, بِخِلَافِ الْقَدْرِ الَّذِي أَدْرَكَهُ حيا وهو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 1في "س" "بأن".(5/77)
مَرِيضٌ, لِأَنَّ الْمَرَضَ لَا يُنَافِي ثُبُوتَ الصَّوْمِ فِي الذِّمَّةِ, بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَقْضِي رَمَضَانَ, وَيَقْضِي مَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَصُمْهُ لِمَرَضٍ1, وَإِذَا ثَبَتَ فِي ذِمَّةِ الْمَرِيضِ وَالنِّيَابَةُ تَدْخُلُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا مَعْنَى لِسُقُوطِهِ بِهِ, وَإِنَّمَا سَقَطَ قَضَاءُ رَمَضَانَ لِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تَدْخُلُهُ, وَلَمْ يَجِبْ الْإِطْعَامُ لِأَنَّهُ وَجَبَ عُقُوبَةً لِلتَّفْرِيطِ وَلَمْ يُوجَدْ. قَالَ: وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَمْرُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَضَائِهِ عَنْ الْمَيِّتِ2, وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ هَلْ تَرَكَهُ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ. هَذَا كُلُّهُ فِي النَّذْرِ فِي الذِّمَّةِ. فَأَمَّا إنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَمَاتَ قَبْلَ دُخُولِهِ لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يَقْضِ عَنْهُ. قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ مَذْهَبُ سَائِرِ الْأَئِمَّةِ, وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا, وَإِنْ مَاتَ فِي أَثْنَائِهِ سَقَطَ بَاقِيهِ فَإِنْ لَمْ يَصُمْهُ لِمَرَضٍ حَتَّى انْقَضَى ثُمَّ مَاتَ فِي مَرَضِهِ فَعَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ, وَسَبَقَ كَلَامُهُ فِي الِانْتِصَارِ وَالرِّعَايَةِ فِيمَا إذَا أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ لِعُذْرٍ حَتَّى مَاتَ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ حَجٌّ مَنْذُورٌ فُعِلَ عَنْهُ, نَصَّ عَلَيْهِ "وش" لِصَرِيحِ خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ, رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ3 مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ, وَمَنْ اعْتَذَرَ عَنْ تَرْكِ الْقَوْلِ بِذَلِكَ هُنَا أَوْ فِي الصَّوْمِ بِاضْطِرَابِ الْأَخْبَارِ فَهُوَ عُذْرٌ بَاطِلٌ, لِصِحَّةِ ذَلِكَ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ. وَمَذْهَبُ "هـ م" كَقَوْلِهِمَا فِي الزَّكَاةِ وَحَجِّ الْفَرْضِ. وَفِي الرِّعَايَةِ قَوْلٌ: لَا يَصِحُّ, كَذَا قَالَ, وَلَا يُعْتَبَرُ تَمَكُّنُهُ من الحج في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "س".
2 سبق في ص "73".
3 تقدم تخريجه ص "70".(5/78)
حَيَاتِهِ, لِظَاهِرِ الْخَبَرِ1, وَكَنَذْرِ الصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ, وَهَذَا مَذْهَبُ "هـ" لَكِنَّ الْوَاجِبَ عَنْده الْإِيصَاءُ بِقَضَائِهِ, وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ "وَش" كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ شَبِيهَةٌ بِمَسْأَلَةِ أَمْنِ الطَّرِيقِ وَسِعَةِ الْوَقْتِ هَلْ هُوَ فِي حَجَّةِ الْفَرْضِ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ أَوْ لِلُزُومِ الْأَدَاءِ؟ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَذَا الْعُمْرَةُ. وَإِنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ اعْتِكَافٌ مَنْذُورٌ فُعِلَ عَنْهُ, نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ "وق" وَنَقَلَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ وَغَيْرُهُ: يَنْبَغِي لِأَهْلِهِ أَنْ يَعْتَكِفُوا عَنْهُ.
قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ لَمْ تَقْضِهِ, فَقَالَ: "اقْضِهِ عَنْهَا" حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ2 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَمَعْنَاهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ3, وَلِأَنَّهُ يُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ4 وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَقَاسَهُ جَمَاعَةٌ عَلَى الصَّوْمِ, فَلِهَذَا فِي الرِّعَايَةِ قَوْلٌ: لَا يَصِحُّ "وَ" فَيَتَوَجَّهُ عَلَى هَذَا أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُ كَفَّارَةَ يَمِينٍ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا "وَ" وَلَوْ لَمْ يُوصِ بِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 تقدم تخريجه ص "70".
2 أبو داود في سننه "3307" والنسائي في المجتبى "7/21".
3 البخاري "2761" ومسلم "1638" "1" بلفظه لا بمعناه فقط؟.
4 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "3/94" عن عامر ين مصعب أن عائشة اعتكفت عن أختها بعدما مات. وعن عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أن أمه نذرت أن تعتكف عشرة أيام فماتت ولم تعتكف فقال ابن عباس: اعتكف عن أمك.(5/79)
"هـ م"1 و2 يَكُونُ مِنْ ثُلُثِهِ "هـ م" وَاعْتَبَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ الْيَوْمَ بِلَيْلَتِهِ, وَاسْتَشْكَلَهُ بَعْضُهُمْ, فَإِنَّ كُلَّ لَحْظَةٍ عِبَادَةٌ, وَمَا قَالَهُ مُحْتَمَلٌ, وَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فِعْلُهُ حَتَّى مَاتَ فَالْخِلَافُ كَالصَّوْمِ. قِيلَ: يَقْضِي, وَقِيلَ: لَا, وَيَسْقُطُ إلَى غَيْرِ بَدَلٍ "وَ" فَيَسْقُطُ عِنْدَهُمْ الْإِطْعَامُ الْوَاجِبُ مَعَ التَّفْرِيطِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ مَنْذُورَةٌ فَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ: لَا تُفْعَلُ عَنْهُ "وَ" لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ لَا يَخْلُفُهَا مَالٌ وَلَا يَجِبُ بِإِفْسَادِهَا, وَنَقَلَ حَرْبٌ: تُفْعَلُ عَنْهُ, اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ, قَالَ الْقَاضِي: اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَالْخِرَقِيُّ, وَهِيَ الصَّحِيحَةُ "م 2" رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ. وَعَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 2" قَوْلُهُ: وَإِنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ مَنْذُورَةٌ فَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ: لَا تُفْعَلُ عَنْهُ وَنَقَلَ حَرْبٌ: تُفْعَلُ عَنْهُ, اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ, قَالَ الْقَاضِي: اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَالْخِرَقِيُّ وَهِيَ الصَّحِيحَةُ, انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ والمستوعب والخلاصة وَالْمُقْنِعِ3 وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَمُحَرَّرِهِ وَالشَّرْحِ4 وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
إحْدَاهُمَا تُفْعَلُ عَنْهُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ, وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ, وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمَا, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي5 وَغَيْرِهِ, وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُ,
__________
1 في "س" "م".
2 في الأصل و"س" ولا.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف:7/506".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف:7/11 - 512".
5 "13/655".(5/80)
ابْنِ عُمَرَ1, وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ, وَعَلَى هَذَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ بِهَا. وَحَيْثُ جَازَ فِعْلُ غَيْرِ الصَّوْمِ فَلَا كَفَّارَةَ مَعَ فِعْلِهِ, لِظَاهِرِ النُّصُوصِ, وَلِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ فِعْلِهِ شَرْعًا, فَكَأَنَّهُ أَدَّاهُ بِنَفْسِهِ, وَإِلَّا أَخْرَجَ عَنْهُ كَفَّارَةَ يَمِينٍ, لِتَرْكِ النَّذْرِ. زَادَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: إنْ كَانَ قَدْ فَرَّطَ, وَإِلَّا فَفِي الْكَفَّارَةِ الرِّوَايَتَانِ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَصُمْهُ, لِأَنَّ فَوَاتَ أَيَّامِ الْحَيَاةِ فِيمَا إذَا أُطْلِقَ كَفَوَاتِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ إذَا عُيِّنَ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمَذْهَبُ "هـ" يَلْزَمُهُ أَنْ يُوصِيَ بِأَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ إنْ أَمْكَنَهُ فِعْلُهَا. وَقَالَ الْبَغَوِيّ الشَّافِعِيُّ: لَا يَبْعُدُ2 تَخْرِيجُ الْإِطْعَامِ مِنْ الِاعْتِكَافِ إلَى الصَّلَاةِ, فَيُطْعِمُ عَنْ كُلِّ صَلَاةٍ مُدًّا, أَمَّا صَلَاةُ الْفَرْضِ فَلَا تُفْعَلُ, وَسَبَقَ الْكَلَامُ فِيهَا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ3, وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَالشَّافِعِيَّةُ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لا يصلي عنه صلاة فائتة, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ فِي الْإِيضَاحِ: مَنْ نَذَرَ4 طَاعَةً فَمَاتَ فُعِلَتْ, وَكَذَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يَصِحُّ أَنْ يُفْعَلَ عَنْهُ كُلُّ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ "نَذْرِ" طَاعَةٍ, إلَّا الصَّلَاةَ فَإِنَّهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَقَالَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ: إنَّ قِصَّةَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الْمَذْكُورَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ كل نذر يقضى, وكذا ترجم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا تُفْعَل عَنْهُ, نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ, قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذِهِ أَصَحُّ, قَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ: لَا تُفْعَلُ, فِي الْأَشْهَرِ, قَالَ فِي نَظْمِ النِّهَايَةِ: لَا تُفْعَلُ, في الأظهر.
__________
1 ذكرهما البخاري تعليقا قبل حديث "6698".
2 في "س" "يتعد".
3 ص "68".
4 ليست في "س".(5/81)
عَلَيْهَا أَيْضًا فِي الْمُنْتَقَى بِقَضَاءِ1 كُلِّ الْمَنْذُورَاتِ عَنْ الْمَيِّتِ: وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: لَا تُفْعَلُ طَهَارَةٌ مَنْذُورَةٌ عَنْهُ مَعَ لُزُومِهَا بِالنَّذْرِ, وَيَتَوَجَّهُ فِي فِعْلِهَا عَنْ الْمَيِّتِ وَلُزُومِهَا بِالنَّذْرِ مَا سَبَقَ فِي صَوْمِ يَوْمِ الْغَيْمِ2 هَلْ هِيَ مَقْصُودَةٌ فِي نَفْسِهَا أَمْ لَا؟ مَعَ أَنَّ قِيَاسَ عَدَمِ فِعْلِ الْوَلِيِّ لَهَا أَنْ لَا تَلْزَمَ بِالنَّذْرِ, وَإِنْ لَزِمَتْ لَزِمَ فِعْلُ صَلَاةٍ وَنَحْوِهَا بِهَا, كَنَذْرِ الْمَشْيِ إلَى مَسْجِدٍ تَلْزَمُ تَحِيَّتُهُ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ, كَمَا يَأْتِي فِي النَّذْرِ3.
وَهَلْ يُفْعَلُ طَوَافٌ مَنْذُورٌ؟ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ كَصَلَاةٍ "م 3".
وَفِي الْمُوَطَّإِ4 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمَّتِهِ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ جَعَلَتْ عَلَى نَفْسِهَا مَشْيًا إلَى مَسْجِدِ قُبَاءَ وَلَمْ تَقْضِهِ, فَأَفْتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ابْنَتَهَا أن تمشي عنها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 3" قَوْلُهُ: "وَهَلْ يُفْعَل طَوَافٌ مَنْذُورٌ؟ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ كَصَلَاةٍ" يَعْنِي مَنْذُورَةً. فِيهِ الْخِلَافُ الْمُطْلَقُ, وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهَا قَبْلَ ذَلِكَ5, وَعَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيهَا, فَكَذَا فِي هَذِهِ, فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ قَدْ صُحِّحَتْ بِحَمْدِ اللَّهِ تعالى.
__________
1 في الأصل "تقضى".
2 "4/410".
3 ص "149".
4 ليست في "س" والأثر في الموطأ برقم "2192" وفيه: فأفتى ابنها أن يمشي عنها.
5 ص "80".(5/82)
بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَذِكْرِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا يتعلق بذلك
مدخل
...
بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَذِكْرِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ
وَمَا يتعلق بذلك
أفضل صوم التطوع 1صيام داود1 نص عليه قوله صلى الله عليه وسلم لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: "صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ". فَقُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: "لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2, وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ "وَ" وَأَيَّامُ الْبِيضِ أَفْضَلُ "وش" نَصَّ عَلَى ذَلِكَ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهُ صَوْمُ الدَّهْرِ3, وَفِي بَعْضِهَا: كَصَوْمِ الدَّهْرِ4.
قَالَ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ: مُرَادُهُ أَنَّ مَنْ فَعَلَ هَذَا حَصَلَ لَهُ أَجْرُ صِيَامِ الدَّهْرِ بِتَضْعِيفِ الْأَجْرِ مِنْ غَيْرِ حُصُولِ الْمَفْسَدَةِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَيَّامُ الْبِيضِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِابْيِضَاضِ لَيْلِهَا, وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ أَنَّ اللَّهَ تَابَ فِيهَا عَلَى آدَمَ وبيض صحيفته. وعن مالك: يكره صومها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 1ليست في الأصل.
2 البخاري "1976" ومسلم "1159" "181".
3 أخرجه البخاري "3419" ومسلم "1162" "197" من حديث عبد الله بن عمرو.
4 أخرجه البخاري "3419" من حديث عبد الله ين عمرو.(5/83)
وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ, نَصَّ عَلَيْهِ. 1وَيُسْتَحَبُّ إتْبَاعُ رَمَضَانَ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ1 وَلِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ2 مِنْ رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ أَخِي يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعُهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فَذَاكَ صِيَامُ الدَّهْرِ" سَعْدٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ, وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ, وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد3 عَنْ النُّفَيْلِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ, وَسَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ, فَذَكَرَهُ, وَهُوَ إسْنَادٌ صَحِيحٌ, وَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ4 عَنْ خَلَّادِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ الدَّرَاوَرْدِيِّ, وَرَوَاهُ أَيْضًا5 مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ, لَكِنْ فِيهِ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ, مُخْتَلَفٌ فِيهِ, وَرَوَاهُ أَحْمَدُ6 أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا, وَكَذَا مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ, وَفِيهِ: "وَسِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ" 7 فَلِذَلِكَ اسْتَحَبَّ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ لِمَنْ صَامَ رَمَضَانَ أَنْ يُتْبِعَهُ بِصَوْمِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ.
قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ: وَإِنَّمَا كُرِهَ صَوْمُ الدَّهْرِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّعْفِ وَالتَّشَبُّهِ بِالتَّبَتُّلِ, وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَظِيمٌ, لِاسْتِغْرَاقِ الزَّمَانِ بِالطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ, والمراد بالخبر التشبيه به في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 1ليست في الأصل.
2 مسلم "1164" "204" وأحمد "23533" والترمذي "759" وابن ماجه "1716".
3 في سننه "2433".
4 في السنن الكبرى "2863".
5 النسائي في السنن الكبرى "2866".
6 في المسند "14302".
7 أحمد "22412".(5/84)
حُصُولِ الْعِبَادَةِ بِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ, كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَيَّامِ الْبِيضِ1. وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ, قَالَ فِي الْمُغْنِي2: بِغَيْرِ خِلَافٍ, قَالَ: وَكَذَا نَهَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ3, وَقَالَ: "مَنْ قَرَأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ"4 أَرَادَ التَّشْبِيهَ بِثُلُثِ الْقُرْآنِ فِي الْفَضْلِ لَا فِي كَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ, وَتَحْصُلُ فَضِيلَتُهَا مُتَتَابِعَةً وَمُتَفَرِّقَةً, ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ, وَقَالَ: فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَآخِرِهِ, وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ تَتَابُعُهَا, وَهُوَ ظاهر الخرقي وغيره,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه الترمذي "762" والنسائي في المجتبى "4/219" وابن ماجه "1708" عن أبي ذر قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من صام ثلاثة أيام من كل شهر فذلك صوم الدهر".
2 "4/445".
3 أخرجه أبو داود "1390" والترمذي "2949" وَابْنِ مَاجَهْ "1347" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث".
4 أخرجه البخاري "5013" من حديث أبي سعيد الخدري ومسلم "811" "259" من حديث أبي الدرداء بنحوه.(5/85)
وَبَعْضُهُمْ: عَقِبَ الْعِيدِ, وَاسْتَحَبَّهُمَا ابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ, وَهَذَا أَظْهَرُ, وَلَعَلَّهُ مُرَادُ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ, لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُسَارَعَةِ إلَى الْخَيْرِ, وَإِنْ حَصَلَتْ الْفَضِيلَةُ بِغَيْرِهِ, وَسَمَّى بَعْضُ النَّاسِ الثَّامِنَ عِيدَ الْأَبْرَارِ.
وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا الْأَوَّلُ, لِظَاهِرِ الْخَبَرِ, وَذَكَرَهُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ: وَلَا يَجُوزُ اعْتِقَادُ ثَامِنِ شَوَّالٍ عِيدًا, فَإِنَّهُ لَيْسَ بَعِيدٍ إجْمَاعًا وَلَا شَعَائِرُهُ شَعَائِرَ الْعِيدِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ: تَحْصُلُ الْفَضِيلَةُ بِصَوْمِهَا1 فِي غَيْرِ شَوَّالٍ, وِفَاقًا لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ, ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ, لِأَنَّ فَضِيلَتَهَا كَوْنُ الْحَسَنَةِ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا, كَمَا فِي خَبَرِ ثَوْبَانَ, وَيَكُونُ تَقْيِيدُهُ بِشَوَّالٍ لِسُهُولَةِ الصَّوْمِ لِاعْتِيَادِهِ2 رُخْصَةً, وَالرُّخْصَةُ أَوْلَى. وَيَتَوَجَّهُ تَحْصِيلُ فَضِيلَتِهَا لِمَنْ صَامَهَا وَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَقَدْ أَفْطَرَهُ لِعُذْرٍ, وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْأَصْحَابِ, وَمَا ظَاهِرُهُ خِلَافُهُ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ الْمُعْتَادِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَكَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ صَوْمَ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ, وَذَكَرَ مَالِكٌ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ يَكْرَهُونَ ذَلِكَ وَيَخَافُونَ بِدْعَتَهُ وَأَنْ يُلْحَقَ بِرَمَضَانَ مَا لَيْسَ مِنْهُ, قال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س" "بغيرها".
2 في الأصل و"س" و"ط" "لعتياده".(5/86)
أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ: يَوْمُ الْفِطْرِ فَاصِلٌ, بِخِلَافِ يَوْمِ الشَّكِّ. وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ عَشْرِ ذِي الْحَجَّةِ1, وَآكَدُهُ التَّاسِعُ, وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ إجْمَاعًا. قِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فِيهِ.
وَقِيلَ: لِأَنَّ جِبْرِيلَ حَجَّ بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ, فَلَمَّا أَتَى عَرَفَةَ قَالَ: قَدْ عَرَفْتُ؟ 2قَالَ: قَدْ عَرَفْتُ2 وَقِيلَ: لتعارف آدم وحواء بها "م 1" ثم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 1" قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ, وَآكَدُهَا التَّاسِعُ, وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ إجْمَاعًا. قِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ, وَقِيلَ: لِأَنَّ جِبْرِيلَ حَجَّ بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ, فَلَمَّا أَتَى عَرَفَةَ قال: قد عرفت, وقيل: لتعارف آدم وحواء بِهَا, انْتَهَى.
هَذِهِ الْأَقْوَالُ لِلْعُلَمَاءِ, وَلَيْسَتْ مَخْصُوصَةٌ بِمَذْهَبٍ, وَلَكِنَّ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمَّا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ صِحَّةُ أَحَدِهِمَا أَتَى بِهَذِهِ الصِّيغَةِ لِيَدُلَّ عَلَى قُوَّةِ الْخِلَافِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيرِهِ: وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ سَمَّى الْمَوْقِفَ عَرَفَاتٍ, وَالْيَوْمُ عَرَفَةُ, فَقَالَ عَطَاءٌ: كَانَ جِبْرِيلُ يُرِي إبْرَاهِيمَ الْمَنَاسِك وَيَقُولُ: عَرَفْت, فَيَقُولُ: عَرَفْت. فَسَمَّى ذَلِكَ الْمَكَانَ عَرَفَاتٍ, وَالْيَوْمُ عَرَفَةُ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: لَمَّا أُهْبِطَ آدَم عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَعَ بِالْهِنْدِ وَحَوَّاءَ بِجُدَّةِ, فَاجْتَمَعَا بِعَرَفَاتٍ يَوْمَ عَرَفَةَ وَتَعَارَفَا, فَسُمِّيَ الْيَوْمُ عَرَفَةَ, وَالْمَوْضِعُ عَرَفَاتٌ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: لَمَّا أَذَّنَ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ فَأَجَابُوهُ بِالتَّلْبِيَةِ وَأَتَاهُ مَنْ أَتَاهُ أَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى عَرَفَاتٍ, وَنَعَتَهَا لَهُ, فَخَرَجَ إلَى أَنْ وَقَفَ بعرفات,
__________
1 المراد به الأيام التسعة التي آخرها يوم عرفة وسميت التسع عشرا من إطلاق الكل على الأكثر لأن العاشر لا يصام المطلع ص "154".
2 2ليست في "ب" و"س" والأثر أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه الجزء العمري ص "291".(5/87)
الثَّامِنُ وَهُوَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ. قِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ عَرَفَةَ لَمْ يَكُنْ بِهَا مَاءٌ, فَكَانُوا يَتَرَوَّوْنَ مِنْ الْمَاءِ إلَيْهَا وَقِيلَ: لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم رَأَى لَيْلَةَ التَّرْوِيَةِ الْأَمْرَ بِذَبْحِ ابْنِهِ, فَأَصْبَحَ يتروى هل هو من الله أو حلم "م 2" فَلَمَّا رَآهُ اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ عَرَفَ أَنَّهُ مِنْ اللَّهِ. وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ: آكَدُهُ الثَّامِنُ ثُمَّ التَّاسِعُ. وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا: آكَدُهُ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَعَرَفَةَ.
وَلَا يُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ بِعَرَفَةَ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ "وم ش"1 وفطره أفضل, وكرهه جماعة, "لفطره صلى الله عليه وسلم بعرفة وهو يخطب الناس". متفق عليه2,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
فَعَرَفَهَا بِالنَّعْتِ, فَسُمِّيَ الْوَقْتُ عَرَفَةَ, وَالْمَوْضِعُ عَرَفَاتٍ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَأَى لَيْلَةَ التَّرْوِيَةِ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِذَبْحِ ابْنِهِ, فَلَمَّا أَصْبَحَ رَوَّى يَوْمَهُ أَجْمَعَ, ثُمَّ رَأَى ذَلِكَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ ثَانِيًا, فَلَمَّا أَصْبَحَ عَرَفَ أَنْ ذَلِكَ مِنْ اللَّهِ, فَسَمَّى الْيَوْمَ عَرَفَةَ, وَقِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ مِنْ الْعَرْفِ وَهُوَ الطِّيبُ, وَقِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ يَعْتَرِفُونَ فِي ذلك اليوم بذنوبهم, انتهى.
"مَسْأَلَةٌ 2" قَوْلُهُ: ثُمَّ الثَّامِنُ وَهُوَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ, قِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ عَرَفَةَ لَمْ يَكُنْ بِهَا مَاءٌ وَكَانُوا3 يَتَرَوَّوْنَ مِنْ الْمَاءِ إلَيْهَا, وَقِيلَ: لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَأَى لَيْلَةَ التَّرْوِيَةِ الْأَمْرَ بِذَبْحِ وَلَدِهِ فَأَصْبَحَ يَتَرَوَّى هَلْ هُوَ مِنْ اللَّه أَوْ حُلْمٍ, انْتَهَى. وَهَذَا أَيْضًا مِنْ جِنْسِ مَا تَقَدَّمَ, وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَغَيْرَهُ, وَالْقَوْلُ الثَّانِي رَوَاهُ أَبُو صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ, كَمَا تَقَدَّمَ فِي الَّتِي قَبْلهَا.
__________
1 ليست في الأصل.
2 البخاري "5636" ومسلم "1123" "110" من حديث أم الفضل.
3 في النسخ الخطية و"ط" "وكانوا" والمثبت من الفروع.(5/88)
وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ1 النَّهْيُ عَنْهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ رِوَايَةِ مَهْدِيٍّ الْهَجَرِيِّ وَفِيهِ جَهَالَةٌ, وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَلِيَتَقَوَّى عَلَى الدُّعَاءِ, وَعَنْ عُقْبَةَ مَرْفُوعًا "يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ, وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ2.
قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالْمُرَادُ بِهِ كَرَاهَةُ صَوْمِهِ فِي حَقِّ الْحَاجِّ, وَاسْتَحَبَّهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقُ, إلَّا أَنْ يُضْعِفَهُ عَنْ الدُّعَاءِ. وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ إمَامِنَا نَحْوَهُ, وَجَزَمَ فِي الدُّعَاءِ بِمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْأَفْضَلَ لِلْحَاجِّ الْفِطْرُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمُ عَرَفَةَ بِهَا.
وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ الْمُحَرَّمِ, قال صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ جَوْفُ اللَّيْلِ, وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ3 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ, وَلَعَلَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يُكْثِرْ الصَّوْمَ فِيهِ لِعُذْرٍ, أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَضْلَهُ إلَّا أَخِيرًا.
قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: إضَافَتُهُ إلَى اللَّهِ تَعْظِيمًا وَتَفْخِيمًا, كَقَوْلِهِمْ بَيْتُ اللَّهِ, وَآلُ اللَّهِ لِقُرَيْشٍ, قَالَ: وَالشَّهْرُ: الْهِلَالُ, سُمِّيَ بِهِ لِشُهْرَتِهِ وَظُهُورِهِ, وَأَفْضَلُهُ عَاشُورَاءُ وَهُوَ الْعَاشِرُ, وِفَاقًا لِأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ, ثُمَّ تَاسُوعَاءُ وهو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أحمد "8031" وابن ماجه "1732".
2 أحمد "17379" وأبو داود "2419" والنسائي في المجتبى "5/252" والترمذي "773".
3 مسلم "1163" "202" ورواه النسائي في الكبرى "1312" وهو في مسند أحمد "8026".(5/89)
التَّاسِعُ مَمْدُودَانِ وَحُكِيَ قَصْرُهُمَا وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: يُكْرَهُ صَوْمُ عَاشُورَاءَ, وَعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ: فَرْضٌ. وَهُمَا آكَدُهُ, ثُمَّ الْعَشْرُ, رَوَى مُسْلِمٌ1 عَنْ أَبِي قَتَادَةَ مَرْفُوعًا فِي صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ "إنِّي لَأَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ".
وَقَالَ فِي صِيَامِ عَاشُورَاءَ: "إنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ" 2 وَالْمُرَادُ بِهِ الصَّغَائِرُ, حَكَاهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ "لَهُ" صَغَائِرُ رَجَا التَّخْفِيفَ مِنْ الْكَبَائِرِ, فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رَفَعَتْ دَرَجَاتٍ, وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَوْمِ عَاشُورَاءَ يَوْمَ الْعَاشِرِ مِنْ الْمُحَرَّمِ. إسْنَادُهُ ثِقَاتٌ, رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ3 وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: لَمْ يَسْمَعْ الْحَسَنُ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ: مُرْسَلَاتُ الْحَسَنِ الَّتِي رَوَاهَا عَنْهُ الثِّقَاتُ صِحَاحٌ, وَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ وَغَيْرِهِ: يَوْمُ عَاشُورَاءَ هُوَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ, لِأَنَّ الْحَكَمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَعْرَجَ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ صَوْمِهِ أَيَّ يَوْمٍ؟ قَالَ: إذَا رَأَيْت هِلَالَ الْمُحَرَّمِ فَاعْدُدْ, فَإِذَا أَصْبَحْت مِنْ تَاسِعِهِ فَأَصْبِحْ مِنْهَا صَائِمًا, قُلْت: أَكَذَلِكَ كَانَ يَصُومُهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ4, ومعناه: أهكذا كان يأمر بصيامه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في صحيحه "1162" "196".
2 رواه مسلم "1162" "196".
3 في سننه "755" و"من المحرم" ليست من لفظ الحديث.
4 في صحيحه "1133" "132".(5/90)
أَوْ يَحُثُّ عَلَيْهِ؟ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ, ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الْقَوْلَانِ, وَاخْتَارَتْ طَائِفَةٌ صَوْمَ الْيَوْمَيْنِ, صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ: خَالِفُوا الْيَهُودَ وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ صَاحِبِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ سِيرِينَ, وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمَّا صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: إنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَفِي لَفْظِ أَبِي دَاوُد: تَصُومُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ "فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ" فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد1, وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَصُومُ التَّاسِعَ بَلْ الْعَاشِرَ وَأَنَّهُ عَاشُورَاءُ, وَقَصَدَ صَوْمَ التَّاسِعِ مَعَ الْعَاشِرِ مُخَالَفَةً لِلْيَهُودِ لَيْسَ يَدُلُّ عَلَى اقْتِصَارِهِ عَلَى التَّاسِعِ, وَقَدْ رَوَى الْخَلَّالُ فِي الْعِلَلِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ أَنْبَأَنَا وَكِيعٌ عَنْ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ, عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا "لَئِنْ بَقِيت إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ" 2 إسْنَادُهُ جَيِّدٌ. وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. وَبِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: صُومُوا التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ. وَلَا يُكْرَهُ إفْرَادُ الْعَاشِرِ بِالصَّوْمِ. وَقَدْ أَمَرَ أَحْمَدُ بِصَوْمِهِمَا, وَوَافَقَ شَيْخُنَا الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ, وَقَالَ: مُقْتَضَى كَلَامِ أَحْمَدَ يُكْرَهُ, وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ "وهـ" وَلَمْ يَجِبْ صَوْمُ عَاشُورَاءَ, اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ, مِنْهُمْ الْقَاضِي,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 مسلم "1134" وأبو داود "2445".
2 رواه مسلم "1134" "134" بلفظ "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع".(5/91)
قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: هُوَ الْأَصَحُّ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا "وش" وَعَنْ أَحْمَدَ: وَجَبَ ثُمَّ نُسِخَ, اخْتَارَهُ شَيْخُنَا, وَمَالَ إلَيْهِ الشَّيْخُ "وهـ" لِلْأَمْرِ به, وقد روى أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم أَمَرَ مَنْ أَكَلَ بِالْقَضَاءِ1, ثُمَّ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْقَضَاءِ عَدَمُ وُجُوبِهِ, بِدَلِيلِ الْخِلَافِ فِيمَنْ صَارَ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ "مِنْ رَمَضَانَ" وَحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ "لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ" 2 فَمُعَاوِيَةُ أَسْلَمَ عَامَ الْفَتْحِ. وَقِيلَ: فِي عُمْرَة الْقَضِيَّةِ, وَقِيلَ: زَمَنُ الْحُدَيْبِيَةِ, فَإِنَّمَا سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ بَعْدَ هَذَا, وَعَاشُورَاءُ إنَّمَا وَجَبَ فِي الْعَامِ الثَّانِي مِنْ الْهِجْرَةِ, فَوَجَبَ يَوْمًا ثُمَّ نُسِخَ بِرَمَضَانِ ذَلِكَ الْعَامِ, وَالْأَخْبَارُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورَةٌ وَمَنْ اخْتَارَ الْأَوَّلَ حَمَلَ الْأَمْرَ قَبْلَ رَمَضَانَ عَلَى تَأْكِيدِهِ وَكَرَاهَةِ تَرْكِهِ, فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ بَقِيَ أَصْلُ الِاسْتِحْبَابِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
سَأَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ أَحْمَدَ: هَلْ سَمِعْت فِي الْحَدِيثِ "مَنْ وَسَّعَ عَلَى عِيَالِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ السَّنَةِ" 3 "فَقَالَ: نَعَمْ, رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ جَعْفَرٍ الْأَحْمَرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ وَكَانَ مِنْ أَفْضَلِ أَهْلِ زَمَانِهِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مَنْ وَسَّعَ عَلَى عِيَالِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ".
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قَدْ جَرَّبْنَاهُ مُنْذُ خَمْسِينَ أَوْ سِتِّينَ سَنَةً فَمَا رَأَيْنَاهُ إلَّا خَيْرًا, وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ المتناهية من حديث ابن عمر, قال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أبو داود "2447".
2 رواه البخاري "2003".
3 أخرجه البيهقي في شعب الإيمان "3791".(5/92)
الدَّارَقُطْنِيُّ مُنْكَرٌ, وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْإِسْنَادُ ضَعِيفٌ, وَعَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ, وَفِيهِ: "عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ" ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ, قَالَ جَابِرٌ: جَرَّبْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ كَذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ مِثْلَهُ, وَقَالَ شُعْبَةُ مِثْلَهُ, وَعَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ "رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ" مِثْلُهُ, وَلَفْظُهُ: "مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ" 1.
قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: جَرَّبْنَا ذَلِكَ فَوَجَدْنَاهُ حَقًّا, وَكَرِهَ شَيْخُنَا ذَلِكَ وَغَيْرُهُ سِوَى صَوْمَهُ, قَالَ: وَقَوْلُ, إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ أَنَّهُ بَلَغَهُ, لَمْ يَذْكُرْ عَمَّنْ بَلَغَهُ, وَبَعْضُ الْجُهَّالِ وَالنَّوَاصِبِ2 وَنَحْوِهِمْ وَضَعَ3 فِي ذَلِكَ قُبَالَةَ الرَّافِضَةِ, قَالَ: وَلَمْ يَسْتَحِبَّ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ فِيهِ غُسْلًا وَلَا كُحْلًا وَخِضَابًا, وَنَحْوَ ذَلِكَ, وَالْخَبَرُ بِذَلِكَ كَذِبٌ اتِّفَاقًا, وَغَلِطَ مَنْ صَحَّحَ إسْنَادَهُ, وَاسْتَحَبَّ ذَلِكَ صَاحِبُ التلخيص في كتابه الخطب, والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 رواه الطبراني في الأوسط "9298" من حديث أبي سعيد الخدري.
2 النواصب والناصبية وأهل النصب: المتدينون ببغضة علي رضي الله عنه لأنهم نصبوا له: أي عادوه القاموس "نصب".
3 أي وضع أحاديث موضوعة في مقابلة الأحاديث التي وضعها الرافضة.(5/93)
فَصْلٌ: يُكْرَهُ صَوْمُ الدَّهْرِ إذَا أَدْخَلَ فِيهِ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ
وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ, ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ, وَالْكَرَاهَةُ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ, ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمَا, وَهُوَ وَاضِحٌ. وَإِنْ أَفْطَرَ أَيَّامَ النَّهْيِ جاز, خلافا(5/93)
لِلظَّاهِرِيَّةِ, وَسَبَقَ كَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي إعَادَةِ الصَّلَاةِ, وَلَمْ يُكْرَهْ وَالْمُرَادُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ إذَا لَمْ يَتْرُكْ بِهِ حَقًّا وَلَا خَافَ مِنْهُ ضَرَرًا.
نَقَلَ حَنْبَلٌ: إذَا أَفْطَرَ أَيَّامَ النَّهْيِ فَلَيْسَ ذَلِكَ صَوْمُ الدَّهْرِ. وَنَقَلَ صَالِحٌ: إذَا أَفْطَرَهَا رَجَوْت أَنْ لَا بَأْسَ بِهِ, وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَالْأَكْثَرِ "وم ش" وَذَكَرَ مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَهُ, لِقَوْلِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ, أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ قَالَ: "إنْ شِئْت فَصُمْ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ1, وَلِأَنَّ أَبَا طَلْحَةَ وَغَيْرَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ فَعَلُوهُ, وَلِأَنَّ الصَّوْمَ مَطْلُوبٌ لِلشَّارِعِ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ, وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ الله بن عمرو2 وقوله صلى الله عليه وسلم: "لَا صَامَ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ3, بِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَشِيَ عَلَيْهِ مَا سَبَقَ, ولذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 البخاري "1942" "1943" ومسلم "1121".
2 الذي مر في أول باب صوم التطوع.
3 البخاري "1979" ومسلم "1159" "182".(5/94)
قَالَ: لَيْتَنِي قَبِلْت رُخْصَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1, بَعْدَمَا كَبَّرَ, وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُغْنِي: يُكْرَهُ, وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ, وَلِلْحَنَفِيَّةِ قَوْلَانِ.
وَقَالَ شَيْخُنَا: الصَّوَابُ قَوْلُ مَنْ جَعَلَهُ تَرْكًا لِلْأَوْلَى أَوْ كَرِهَهُ, فَعَلَى الْأَوَّلِ صَوْمُ يَوْمٍ وَفِطْرُ يَوْمٍ أَفْضَلُ مِنْهُ, خِلَافًا لِطَائِفَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْعُبَّادِ, ذَكَرَهُ شَيْخُنَا, وَهُوَ ظَاهِرُ حَالِ مَنْ سَرَدَهُ, وَمِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ مِنْ أَصْحَابِنَا, حَمْلًا لِخَبَرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ فِي مَعْنَاهُ, لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يُرْشِدْ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو إلَى يَوْمٍ وَيَوْمٍ, قَالَ أَحْمَدُ: وَيُعْجِبُنِي أَنْ يُفْطِرَ مِنْهُ أَيَّامًا, يَعْنِي أَنَّهُ أَوْلَى, لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ, وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ. وَقَالَهُ إِسْحَاقُ, وليس المراد الكراهة, فلا تعارض.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 البخاري "1975" ومسلم "1159" "182".(5/95)
فَصْلٌ: يُكْرَهُ الْوِصَالُ
, وَهُوَ أَنْ لَا يُفْطِرَ بَيْنَ الْيَوْمَيْنِ, لِأَنَّ النَّهْيَ رِفْقٌ وَرَحْمَةٌ,(5/95)
ولهذا واصل صلى الله عليه وسلم بِهِمْ1 وَوَاصَلُوا بَعْدَهُ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ, وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّاءِ, وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَغَيْرِهِمْ, وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ.
قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي, وَأَوْمَأَ أَحْمَدُ أَيْضًا إلَى إبَاحَتِهِ لِمَنْ يُطِيقُهُ, رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَابْنِهِ عَامِرٍ وَغَيْرِهِمَا, فَنَقَلَ حَنْبَلٌ أَنَّهُ وَاصَلَ بِالْعَسْكَرِ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ مَا رَآهُ طَعِمَ فِيهَا وَلَا شَرِبَ حَتَّى كَلَّمَهُ فِي ذَلِكَ فَشَرِبَ سَوِيقًا, قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ فَعَلَهُ حَيْثُ لَا يَرَاهُ, لِأَنَّهُ لَا يُخَالِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, كَذَا قَالَ. قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: لَا خِلَافَ أَنَّ الْوِصَالَ لَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ, لِأَنَّ النَّهْيَ مَا تَنَاوَلَ وَقْتَ العبادة, ولأنه صلى الله عليه وسلم لَمْ يَأْمُرْ الَّذِينَ وَاصَلُوا بِالْقَضَاءِ. وَتَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِأَكْلِ تَمْرَةٍ وَنَحْوِهَا, لِأَنَّ الْأَكْلَ مَظِنَّةُ الْقُوَّةِ, وَكَذَا بِمُجَرَّدِ الشُّرْبِ, عَلَى ظَاهِرِ مَا رَوَاهُ الْمَرُّوذِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ إذَا وَاصَلَ شَرِبَ شَرْبَةَ مَاءٍ, خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ. وَلَا يُكْرَهُ الْوِصَالُ إلَى السَّحَرِ, نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَهُ إِسْحَاقُ, لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: "فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ إلَى السَّحَرِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ2. لَكِنْ تَرَكَ الْأَوْلَى, لِتَعْجِيلِ الْفِطْرِ, وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْمَالِكِيُّ أَنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ كَرِهَهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 لحديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم نهاهم عن الوصال في الصوم ... فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال فقال: "لو بأخر لزدتكم" كالتنكيل لهم حتى أبوا أن ينتهوا البخاري "1965" وذكر أبو الخطاب من الشافعية أن الوصال من الخصائص التي أبيحت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحرمت على الأمة..واحتج الجمهور بعموم النهي ومن أراد الاستزاد ينظر شرح مسلم للنووي "7/212".
2 في صحيحه "1963".(5/96)
فَصْلٌ: يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ
ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ, وَجَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ, مَعَ ذِكْرِهِمْ فِي يَوْمِ الشَّكِّ مَا يأتي3.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
3 ص "106".(5/96)
وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد1 وَغَيْرِهِ: إنَّهُ إذَا لَمْ يَحُلْ دُونَهُ سَحَابٌ أَوْ فَتَرَ يَوْمُ شَكٍّ, وَلَا يُصَامُ. وَكَذَا نَقَلَ الْأَثْرَمُ: لَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يَصُومَ إذَا لَمْ يَحُلْ دُونَ الْهِلَالِ شَيْءٌ مِنْ سَحَابٍ وَلَا غَيْرِهِ, فَهَذَا مِنْ أَحْمَدَ لِلتَّحْرِيمِ, عَلَى مَا سَبَقَ فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ "وش" وَلَمْ أَجِدْ عَنْ أَحْمَدَ خِلَافَهُ, إلَّا مَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي يَوْمِ الشَّكِّ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ أَحْمَدُ الْكَرَاهَةُ, وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ, وَأَنَّ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد يَوْمَ شَكٍّ فِيهِ نَظَرٌ, إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ: لَمْ يَحُلْ دُونَهُ شَيْءٌ وَتَقَاعَدُوا عَنْ الرُّؤْيَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ, فَإِنْ كَانَ أَرَادَهُ فَيَوْمُ الشَّكِّ مُحَرَّمٌ عِنْدَهُ, لِقَوْلِ عَمَّارٍ: مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ2. فَتَقَدُّمُهُ بِالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ أَوْلَى عِنْدَهُ بِالتَّحْرِيمِ, لِصِحَّةِ النَّهْيِ فِيهِ, وَلَا مُعَارِضَ. وَوَجْهُ تَحْرِيمِ "يَوْمِ"3 الشَّكِّ فَقَطْ أَنَّ قَوْلَ عَمَّارٍ صَرِيحٌ, وَالنَّهْيُ يَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ, وَوَجْهُ تَحْرِيمِ اسْتِقْبَالِهِ فَقَطْ النَّهْيُ, وَفِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى الشرع وصوم الشك احتياط
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في سننه "2320".
2 رواه أبو داود "2334" والترمذي "686" والنسائي "4/153".
3 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".(5/97)
لِلْعِبَادَةِ, وَقَوْلُ عَمَّارٍ فِي إسْنَادِهِ أَبُو إِسْحَاقَ وَهُوَ مُدَلِّسٌ, وَرُوِيَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ بِإِسْنَادٍ أَثْبَتَ مِنْهُ مَوْقُوفٍ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَا يُكْرَهُ التَّقْدِيمُ بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمَيْنِ, نَصَّ عَلَيْهِ, لِظَاهِرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ "لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ" 1 وَقِيلَ: يُكْرَهُ بَعْدَ نِصْفِ شَعْبَانَ, وَحَرَّمَهُ الشَّافِعِيَّةُ, لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ "إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا" رَوَاهُ الْخَمْسَةُ2, وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ, وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ وَحَمَلَهُ عَلَى نَفْيِ الْفَضِيلَةِ, وَحَمَلَ غَيْرَهُ عَلَى الْجَوَازِ.
قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: آكَدُهُ يَوْمُ النِّصْفِ, قَالَ شَيْخُنَا: وَلَيْلَةُ النِّصْفِ لَهَا فَضِيلَةٌ فِي الْمَنْقُولِ عَنْ أَحْمَدَ, وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ فِي فَضْلِهَا أَشْيَاءُ مَشْهُورَةٌ فِي كتب الحديث.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 رواه البخاري "1914".
2 أبو داود "2337" والترمذي "738" والنسائي "2911" وابن ماجه "1651" أحمد "9707".(5/98)
فَصْلٌ: يُكْرَهُ إفْرَادُ رَجَبٍ بِالصَّوْمِ
"خ" نَقَلَ حَنْبَلٌ: يُكْرَهُ, وَرَوَاهُ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ وَأَبِي بَكْرَةَ, قَالَ أَحْمَدُ: يُرْوَى فِيهِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ عَلَى صَوْمِهِ3, وَابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: يَصُومُهُ إلَّا يَوْمًا أَوْ أَيَّامًا, وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صِيَامِ رَجَبٍ, رَوَاهُ ابْنُ ماجه4 وأبو بكر من أصحابنا من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
3 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "3/102".
4 في سننه "1743".(5/98)
رِوَايَةِ دَاوُد بْنِ عَطَاءٍ, ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ, وَلِأَنَّ فِيهِ إحْيَاءً لِشِعَارِ الْجَاهِلِيَّةِ بِتَعْظِيمِهِ, وَلِهَذَا صَحَّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ فِيهِ وَيَقُولُ: كُلُوا فَإِنَّمَا هُوَ شَهْرٌ كَانَتْ تُعَظِّمُهُ الْجَاهِلِيَّةُ1. وَتَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِالْفِطْرِ أَوْ بِصَوْمِ شَهْرٍ آخَرَ مِنْ السَّنَةِ, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَإِنْ لَمْ يَلِهِ.
قَالَ شَيْخُنَا: مَنْ نَذَرَ صَوْمَهُ كُلَّ سَنَةٍ أَفْطَرَ بَعْضَهُ وَقَضَاهُ. وَفِي الْكَفَّارَةِ الْخِلَافُ, قَالَ: وَمَنْ صَامَهُ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ 2مِنْ الْأَشْهُرِ2 أَثِمَ وَعُزِّرَ, وَحُمِلَ عَلَيْهِ فِعْلُ عُمَرَ. وَقَالَ أَيْضًا: فِي تَحْرِيمِ إفْرَادِهِ وَجْهَانِ, وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ كَرَاهَةِ أَحْمَدَ. وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ الشَّافِعِيِّ: لَمْ يُؤَثِّمْهُ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِيمَا نَعْلَمُهُ.
وَلَا يُكْرَهُ إفْرَادُ شَهْرٍ غَيْرِ رَجَبٍ, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا لِلْأَخْبَارِ, مِنْهَا أَنَّهُ كان صلى الله عليه وسلم يَصُومُ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ3, وَأَنَّ مَعْنَاهُ: أَحْيَانًا. وَلَمْ يُدَاوِمْ كَامِلًا عَلَى غَيْرِ رَمَضَانَ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَكْثَرُ اسْتِحْبَابَ صَوْمِ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ, وَاسْتَحَبَّهُ فِي الْإِرْشَادِ4.
وَقَالَ شَيْخُنَا: فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ نِزَاعٌ, قِيلَ: يُسْتَحَبُّ, وَقِيلَ: يُكْرَهُ, فَيُفْطِرُ نَاذِرُهُمَا بَعْضَ رَجَبٍ. وَاسْتَحَبَّ الْآجُرِّيُّ صَوْمَ شَعْبَانَ, وَلَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُ, وَسَبَقَ كَلَامُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ, وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ: يُسْتَحَبُّ صَوْمُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ 5وَشَعْبَانَ كُلَّهُ, وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي الْأَشْهُرِ الحرم5, وشعبان كله وقد روى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه ابن أبي شيبة "3/102" والطبراني في الأوسط "8/310".
2 2ليست في الأصل.
3 رواه ابن ماجه "1649".
4 ص "526".
5 5 ليست في "س".(5/99)
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا1 مِنْ رِوَايَةِ مُجِيبَةَ الْبَاهِلِيِّ وَلَا يُعْرَفُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَاهِلَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَهُ بِصَوْمِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ, وَفِي الْخَبَرِ اخْتِلَافٌ, وَضَعَّفَهُ بَعْضُهُمْ, وَلِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَمْ يَذْكُرْ اسْتِحْبَابَهُ الْأَكْثَرُ, وَصَوْمُ شَعْبَانَ كُلِّهِ إلَّا قَلِيلًا فِي الصَّحِيحَيْنِ2 عَنْ عَائِشَةَ, وَقِيلَ: قَوْلُهَا: كُلُّهُ. قِيلَ: غَالِبُهُ, وَقِيلَ: يَصُومُهُ كُلُّهُ فِي وَقْتٍ, وَقِيلَ: يُفَرِّقُ صَوْمَهُ كُلَّهُ فِي سَنَتَيْنِ, وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ3 عَنْ عَائِشَةَ: لَا أَعْلَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ, وَلَا قَامَ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ وَلَا صَامَ شَهْرًا كَامِلًا غَيْرَ رَمَضَانَ.
قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ4: قَالَ الْعُلَمَاءُ: إنَّمَا لَمْ يَسْتَكْمِلْ غَيْرَهُ لِئَلَّا يُظَنُّ وُجُوبُهُ. وَعَنْهَا أَيْضًا: وَاَللَّهِ إنْ صَامَ شَهْرًا مَعْلُومًا سِوَى رَمَضَانَ حَتَّى مَضَى لِوَجْهِهِ وَلَا أَفْطَرَهُ حَتَّى يُصِيبَ مِنْهُ. وَلِمُسْلِمٍ: مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَا صَامَ شَهْرًا كَامِلًا قَطُّ غَيْرَ رَمَضَانَ. ولمسلم: منذ قدم المدينة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أحمد "20323" وأبو داود "2428" وابن ماجه "1741".
2 البخاري "1969" ومسلم "1156" "176" ولفظه: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم أكثر من شعبان فإنه كان يصوم شعبان كله.
3 أحمد "24269" ومسلم "746" "141" وأبو داود "1342" والنسائي في المجتبى "4/199".
4 8/38".(5/100)
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا1, وَصَوْمُ شَعْبَانَ كُلِّهِ فِي السُّنَنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ2, وَرَوَاهُمَا أَحْمَدُ, وَلَعَلَّ ظَاهِرَ مَا ذَكَرَهُ الْآجُرِّيُّ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَغَيْرِهِ, وَوَجْهُهُ قَوْلُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مَا يَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ, وَقَالَ: ذَلِكَ شَهْرُ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ3. رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ4.
وَفِي لَفْظِهِ: أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: "تُرْفَعُ فِيهِ أَعْمَالُ النَّاسِ, فَأُحِبُّ أَنْ لَا يُرْفَعَ عَمَلِي إلَّا وَأَنَا صَائِمٌ" وَرَوَى اللَّفْظَيْنِ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ5, وَالْإِسْنَادُ جَيِّدٌ.
وَرَوَى سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ قَالَ: أَظُنُّهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ كَانَ يَصُومُ شَهْرَ الْمُحَرَّمِ, فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِيَامِ شَوَّالٍ, فَمَا زَالَ أُسَامَةُ يَصُومُهُ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ. إسْنَادٌ جَيِّدٌ, إلَّا أَنَّهُ قَالَ: أَظُنُّهُ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ6 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْهُ, وَلَمْ يَشُكَّ. وَفِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ. فَقَالَ لَهُ "صُمْ شَوَّالًا" فَتَرَكَهَا وَلَمْ يَزَلْ يَصُومُهُ حَتَّى مات. وللترمذي7 وقال:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 البخاري "1971" ومسلم "1157" "0000".
2 أبو داود "2336" والترمذي "736" والنسائي في المجتبى "4/200" وابن ماجه "1648".
3 رواه أحمد "21753" والنسائي "4/201".
4 مسند البزار "2617" المصنف لابن أبي شيبة "3/103".
5 أحمد الر قم "21753" والنسائي في المجتبى "4/201".
6 في سننه "1744".
7 في سننه "663".(5/101)
غَرِيبٌ وَأَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ وَابْنِ حِبَّانَ1 مِنْ رِوَايَةِ صَدَقَةَ الدَّقِيقِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ, سُئِلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ أَفْضَلِ الصِّيَامِ قَالَ: "شَعْبَانُ تَعْظِيمًا لِرَمَضَانَ وَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: صَدَقَةٌ فِي رَمَضَانَ". وَذَكَرَتْ امْرَأَةٌ لِعَائِشَةَ أَنَّهَا تَصُومُ رَجَبًا فَقَالَتْ: إنْ كُنْت صَائِمَةً شَهْرًا لَا مَحَالَةَ فَعَلَيْك بِشَعْبَانَ فَإِنَّ فِيهِ الْفَضْلَ. رَوَاهُ حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ الْحَافِظُ وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيّ2.
وَسَأَلَ رَجُلٌ عَائِشَةَ عَنْ الصِّيَامِ فَقَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ3, وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ, فَقُلْت: أَرَأَيْت أَحَبَّ الشُّهُورِ إلَيْك الصَّوْمُ فِي شَعْبَانَ؟ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ يَكْتُبُ فِي شَعْبَانَ حِينَ يَقْسِمُ مَنْ يُمِيتُهُ تِلْكَ السَّنَةِ فَأُحِبُّ أَنْ يَأْتِيَ أَجَلِي وَأَنَا صَائِمٌ4 رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزِّنْجِيِّ عَنْ طَرِيفٍ.
قَالَ الْعُقَيْلِيُّ فِي طَرِيفٍ: لَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ صَاعِدٍ وَابْنُ الْبَنَّاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا هَذَا الْمَعْنَى مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي كَوْنِ أَكْثَرِ صَوْمِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي شَعْبَانَ قَالَ: مَا أَرَى هَذَا إلَّا مِنْ طَرِيقِ الرِّيَاضَةِ, لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا هَجَمَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَمْرٍ لَمْ يَتَعَوَّدْهُ صَعُبَ ذَلِكَ عَلَيْهَا, فَدَرَّجَهَا بِالصَّوْمِ فِي شَعْبَانَ لِأَجْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ, كَذَا قَالَ. وَذَكَرَ فِي الْغُنْيَةِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ صَوْمُ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ وأول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أبو يعلى في مسنده "3421".
2 لم نجده في باريخ أبي زرعة ولا في الأموال لابن زنجويه.
3 برقم "24967".
4 رواه أبو يعلى "4911".(5/102)
خَمِيسٍ مِنْهُ وَالسَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ, وَآخِرِ السَّنَةِ وَأَوَّلِهَا, وَصَوْمُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ وَصَلَاةٌ فِي لَيَالِيِهَا, وَذَكَرَ أَشْيَاءَ, وَاحْتَجَّ بِأَخْبَارٍ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ, وَاعْتَمَدَ عَلَى مَا جَمَعَهُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْبَنَّاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي هَذَا الْبَابِ, بِرِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْمَذْكُورِ عَنْ أَبِيهِ, وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ ذَلِكَ أَوْ بَعْضَهُ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ كَكِتَابِهِ أَنَسُ الْمُسْتَأْنِسِ فِي تَرْتِيبِ الْمَجَالِسِ وَذَكَرَ أَخْبَارًا وَآثَارًا وَاهِيَةً, وَكَثِيرٌ مِنْهَا مَوْضُوعٌ.
وَالْعَجَبُ أَنَّهُ يَذْكُرُ فِي كِتَابِهِ الْمَوْضُوعَاتُ مَا هُوَ أَمْثَلُ مِنْهَا وَيَذْكُرُهَا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ فَيَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا, وَقَالَ فُلَانٌ الصَّحَابِيُّ كَذَا, وَالْمَوْضُوعُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ: وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْأَصْحَابُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ, وَقَالَ فِي كِتَابِهِ هَذَا: إنَّهُ يُثَابُ عَلَى صَوْمِ عَاشُورَاءَ ثَوَابَ صَوْمِ سَنَةٍ لَيْسَ فِيهَا صَوْمُ عَاشُورَاءَ, وَاَللَّهُ أعلم.(5/103)
فَصْلٌ: يُكْرَهُ أَنْ يَتَعَمَّدَ إفْرَادَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِصَوْمٍ
نَصَّ عَلَيْهِ "م 5" لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: "لَا تَصُومُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَّا وَقَبْلَهُ يَوْمٌ أَوْ بَعْدَهُ يَوْمٌ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ1, وَلِمُسْلِمٍ2: "لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي, وَلَا تَخْتَصُّوا3 يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ".
قَالَ الدَّاوُدِيُّ الْمَالِكِيُّ4: لَمْ يَبْلُغْ "م" الحديث, قال في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 البخاري "1985" ومسلم "1144" "147".
2 في صحبحه "1144" "148" من حديث أبي هريرة.
3 في النسخ الخطية: "تخصوا" والمثبت من "ط".
4 في الأصل و"ب" و"ط" الداوودي والصحيح ما أثبتناه وفقا لـ "س" وهو: أبو محمد عبد العزيز بن محمد الدراوردي الفقيه المحدث الثقة الثبت صحب مالكا وكتب عليه الحديث "ت 186 هـ" بالمدينة شجرة النور الزكية ص "55".(5/103)
شَرْحِ مُسْلِمٍ1: فِيهِ النَّهْيُ عَنْ تَخْصِيصِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ بِصَلَاةٍ, وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَى كَرَاهَتِهِ, قَالَ: وَاحْتَجَّ بِهِ الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ صَلَاةِ الرَّغَائِب. وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَنْفَرِدَ بِصَوْمٍ, وَدَخَلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى جُوَيْرِيَةَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَقَالَ لَهَا: أَصُمْتِ أَمْسِ؟ قَالَتْ: لَا, قَالَ: تَصُومِينَ غَدًا؟ , قَالَتْ: لَا, قَالَ فَأَفْطِرِي رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ2, وَيُحْمَلُ مَا رُوِيَ مِنْ صَوْمِهِ وَالتَّرْغِيبِ فِيهِ عَلَى صَوْمِهِ مَعَ غَيْرِهِ, فَلَا تعارض.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "8/20".
2 الأول برقم "1984" والثاني برقم "1986" ولفظه: "تريدين أن تصومي غدا".(5/104)
فَصْلٌ: وَكَذَا إفْرَادُ يَوْمِ السَّبْتِ بِالصَّوْمِ
عِنْدَ أَصْحَابِنَا "م" لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ أُخْتِهِ وَاسْمُهَا الصَّمَّاءُ: "لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إلَّا فِيمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْكُمْ" رَوَاهُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ حَدَّثَنَا ثَوْرٌ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. فَذَكَرَهُ, إسْنَادُهُ جَيِّدٌ, وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ: هَذَا مَنْسُوخٌ. وَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ: هَذَا كَذِبٌ. وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ, وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ: هَذِهِ أَحَادِيثُ مُضْطَرِبَةٌ, وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ3.
وَقَالَ صَاحِبُ شَرْحِ مُسْلِمٍ4: صَحَّحَهُ الْأَئِمَّةُ, وَلِأَنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ, فَفِي إفْرَادِهِ تَشَبُّهٌ بِهِمْ, قَالَ الْأَثْرَمُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَدْ جَاءَ فِيهِ حَدِيثُ الصَّمَّاءِ, وَكَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ يَتَّقِيهِ وَأَبَى أن يحدثني به قال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "8/20".
2 الأول برقم "1984" والثاني برقم "1986" ولفظه: "تريدين أن تصومي غدا".
3 أحمد "27075" أبو داود "2421" الترمذي "744" الحاكم "1/435" النسائي في السنن الكبرى "2762".
4 لم نقف عليه في شرح النووي وشرح القاضي عياض.(5/104)
الْأَثْرَمُ وَحُجَّةُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي الرُّخْصَةِ فِي صَوْمِ يَوْمِ السَّبْتِ أَنَّ الْأَحَادِيثَ كُلَّهَا مُخَالِفَةٌ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ, مِنْهَا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ, يَعْنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ السَّبْتَ وَالْأَحَدَ وَيَقُولُ: "هُمَا عِيدَانِ لِلْمُشْرِكِينَ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُخَالِفَهُمَا" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ1, وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ, وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ, وَاخْتَارَ شَيْخُنَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ, وَأَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ, وَأَنَّهُ الَّذِي فَهِمَهُ الْأَثْرَمُ مِنْ رِوَايَتِهِ, وَأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ إفْرَادُهُ لَمَا دَخَلَ الصَّوْمُ الْمَفْرُوضُ لِيُسْتَثْنَى, فَالْحَدِيثُ شَاذٌّ أَوْ مَنْسُوخٌ, وَأَنَّ هَذِهِ طَرِيقَةُ قُدَمَاءِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ الَّذِينَ صَحِبُوهُ, كَالْأَثْرَمِ وَأَبِي دَاوُد, وَأَنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِنَا فَهِمَ مِنْ كَلَامِ أَحْمَدَ الْأَخْذَ بِالْحَدِيثِ, وَلَمْ يَذْكُرْ الْآجُرِّيُّ غَيْرَ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ, فَظَاهِرُهُ لَا يُكْرَهُ غَيْرُهُ, وَيَأْتِي كَلَامُ الْقَاضِي في الوليمة2.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أحمد "26750" النسائي "2776" وصححه ابن حبان "3616".
2 "8/330 – 331".(5/105)
فَصْلٌ: وَكَذَا يُكْرَهُ إفْرَادُ يَوْمِ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ3 بِالصَّوْمِ
عِنْدَ أَصْحَابِنَا "خ" لِمَا فِيهِ مِنْ مُوَافَقَةِ الْكُفَّارِ فِي تَعْظِيمِهَا وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: لَا يُكْرَهُ, لِأَنَّهُمْ لَا يُعَظِّمُونَهَا بِالصَّوْمِ, وَلِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ, وَكَالْأَحَدِ.
قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: لَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا ذَكَرَ صَوْمَهُ بِكَرَاهَةٍ, وَعَلَى قِيَاسِ كَرَاهَةِ صَوْمِهِمَا كُلُّ عِيدٍ لِلْكُفَّارِ أَوْ يَوْمِ يفردونه بالتعظيم, ذكره صاحب المغني والمحرر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
3 النيروز: الشهر الرابع من شهور الربيع والمهرجان: اليوم السابع عشر من الخريف وهما عيدان للكفار المطلع ص "155".(5/105)
فَصْلٌ: وَلَا يَحْرُمُ صَوْمُ مَا سَبَقَ مِنْ الْأَيَّامِ
, نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي(5/105)
الْجُمُعَةِ, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَلَا نَعْلَمُ قَائِلًا بِخِلَافِهِمَا, وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ فِي صِحَّتِهِ "فِيهِ" خِلَافًا, وَحَرَّمَ الْآجُرِّيُّ صَوْمَهُ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ. مَا أُحِبُّ أَنْ يَتَعَمَّدَهُ.
وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ مَا سَبَقَ مِنْ الصَّوْمِ الْمَكْرُوهِ وَمِنْهُ إفْرَادُ مَا سَبَقَ, ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ فِي صِحَّةِ صَوْمِهَا بِدُونِ عَادَةٍ أَوْ نَذْرٍ وَجْهَانِ.
وَقَالَ شَيْخُنَا "رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ" لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ صَوْمِ أَعْيَادِهِمْ, وَلَا صَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ, وَلَا قِيَامُ لَيْلَتِهَا, وَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي الْوَلِيمَةِ1, وَكَلَامُ الْقَاضِي أَيْضًا, أَمَّا مَعَ عَادَةٍ أَوْ نَذْرٍ مُطْلَقٍ فلا كراهة, والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "8/330 – 331".
2 ص "97".(5/106)
فَصْلٌ: قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم: رَأَيْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَعْطَى ابْنَهُ دِرْهَمَ النَّيْرُوزِ
وَقَالَ: اذْهَبْ بِهِ إلَى الْمُعَلِّمِ, ذَكَرَهُ الْقَاضِي, وَنَقَلَهُ صاحب المحرر من خطه.(5/106)
فَصْلٌ: يَوْمُ الشَّكِّ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي السَّمَاءِ عِلَّةٌ
وَلَمْ يَتَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ, قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: أَوْ شَهِدَ بِهِ مَنْ رَدَّ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُ, قَالَ: أَوْ كَانَ فِي السَّمَاءِ عِلَّةٌ وَقُلْنَا لَا يَجِبُ صَوْمُهُ, فَإِنْ صَامَهُ بِنِيَّةِ الرَّمَضَانِيَّةِ احْتِيَاطًا كَرِهَ, عَلَى مَا سَبَقَ2, ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ, وَإِنْ صَامَهُ تَطَوُّعًا كُرِهَ إفراده, ويصح,(5/106)
وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ, وَذَكَرَ رِوَايَةَ الْأَثْرَمِ السَّابِقَةَ فِي تَقْدِيمِ رَمَضَانَ, وَقَالَ: هَذَا الْكَلَامُ لَا يُعْطِي أَكْثَرَ مِنْ مُجَرَّدِ الْكَرَاهَةِ, كَذَا قَالَ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ وَلَا يَصِحُّ, اخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّاءِ, وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الْعِبَادَاتِ, وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمْ, وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُ, وِفَاقًا لِأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ.
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ: يَحْرُمُ بِدُونِ عَادَةٍ أَوْ نَذْرٍ مُطْلَقٍ, وَيَبْطُلُ عَلَى الْأَصَحِّ بِدُونِهِمَا. وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَحْمَدَ: لَا يُكْرَهُ "وهـ م" حَمْلًا لِلنَّهْيِ عَلَى صَوْمِهِ مِنْ رَمَضَانَ, وَلَا يُكْرَهُ مَعَ عَادَةٍ "وَ" أَوْ صِلَتِهِ بِمَا قَبْلَ النِّصْفِ "وَ" وَبَعْدَهُ الْخِلَافُ السَّابِقُ, وَلَا يُكْرَهُ عَنْ وَاجِبٍ, لِجَوَازِ النَّفْلِ الْمُعْتَادِ فِيهِ كَغَيْرِهِ, وَالشَّكُّ مَعَ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَصْلِ لَا يَمْنَعُ سُقُوطَ الْفَرْضِ, وَعَنْهُ. يُكْرَهُ صَوْمُهُ قَضَاءً, جَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ وَالْوَسِيلَةِ وَالْإِفْصَاحِ, فَيَتَوَجَّهُ طَرْدُهُ فِي كُلِّ وَاجِبٍ "وهـ ش" لِلشَّكِّ فِي بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ, وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: لَا يُجْزِئُهُ عَنْهُ, كَمَا لَوْ بَانَ مِنْ رَمَضَانَ عِنْدَهُمْ, وَفِي "لُقَطَةِ الْعَجْلَانِ"1: لَا يَجُوزُ صِيَامُ يَوْمِ الشَّكِّ, سَوَاءٌ صَامَهُ نَفْلًا أَوْ عَنْ نَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ, فَإِنْ صَامَهُ لَمْ يَصِحَّ, والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 لابن الجوزي ذكره سبط ابن الجوزي في مصورة مرآة الزمان "8/313" في فصل ومن تصانيفه في علم الفقه وقال إنه مجلد ينظر مؤلفات ابن الجوزي لعبد الحميد العلوجي ص "196".(5/107)
فَصْلٌ: يَحْرُمُ صَوْمُ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ
إجْمَاعًا لِلنَّهْيِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثَيْ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ2, وَلَا يَصِحُّ فَرْضًا "وم ش" وَلَا نَفْلًا "وم ش" وعنه: يصح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
2 البخاري "1990 و 1993" ومسلم "1137 و 1138".(5/107)
فَرْضًا, نَقَلَهُ مُهَنَّا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ, لِأَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِأَنَّ النَّاسَ أَضْيَافُ اللَّهِ وَقَدْ دَعَاهُمْ, فَالصَّوْمُ تَرْكُ إجَابَةِ الدَّاعِي, وَمِثْلُ هَذَا لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ, وَلَمْ يَصِحَّ النَّفَلُ لِأَنَّ الْغَرَضَ بِهِ الثَّوَابُ فَنَافَتْهُ الْمَعْصِيَةُ, وَلِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ النَّفَلُ فِي غَصْبٍ وَإِنْ صَحَّ الْفَرْضُ, كَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ, وَقَدْ سَبَقَ فِي الصَّلَاةِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ1, وَفِي "الْوَاضِحِ" رِوَايَةٌ: يَصِحُّ عَنْ نَذْرِهِ الْمُعَيَّنِ. وَسَبَقَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ: لَا يَصِحُّ عَنْ وَاجِبٍ فِي الذِّمَّةِ, وَيَصِحُّ عَنْ نَذْرِهِ الْمُعَيَّنِ, وَالتَّطَوُّعُ بِهِ مَعَ التَّحْرِيمِ, وَلَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ, وَلَا يُقْضَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ, وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَلْزَمُ وَيَقْضِي, وَعَنْ مُحَمَّدٍ كَقَوْلِهِمَا, وَوَجْهُ انْعِقَادِهِ أَنَّ النَّهْيَ لَا يَرْجِعُ إلَى ذَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ, وَلِأَنَّهُ دَلِيلُ التَّصَوُّرِ, لِأَنَّ مَا لَا يُتَصَوَّرُ لَا يُنْهَى عَنْهُ, وَالتَّصَوُّرُ الْحِسِّيُّ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ إجْمَاعًا, وَوَجْهُ الْأَوَّلِ النَّهْيُ, وَلِمُسْلِمٍ2 مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ "لَا يَصْلُحُ الصِّيَامُ فِي يَوْمَيْنِ" وَلِلْبُخَارِيِّ3: "لَا صَوْمَ فِي يَوْمَيْنِ" وَالنَّهْيُ دَلِيلُ التَّصَوُّرِ حِسًّا, كَمَا فِي عُقُودِ الرِّبَا وَبَيْعِ الْغَرَرِ وَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ, وَهُوَ مُتَحَقَّقٌ هُنَا, فَإِنَّ مَنْ أَمْسَكَ فِيهِ مَعَ النِّيَّةِ عَاصٍ إجْمَاعًا, وَرَدَّ قَوْلُهُمْ لَا يَتَأَدَّى الْكَامِلُ بِالنَّاقِصِ بِقَضَاءِ الْمَكْتُوبَةِ فِي الْغَصْبِ وَفِيهِ نَظَرٌ, على ما سبق, لأن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "2/41".
2 مسلم "827".
3 البخاري "1995" من حديث أبي سعيد الخدري.(5/108)
الْمُحَرَّمَ هُنَاكَ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَتَرْكُ تَنْجِيَةِ الْغَرِيقِ لَا خُصُوصُ الصَّوْمِ, وَبِقَضَائِهَا فِي حَالِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَنْجِيَةِ الْغَرِيقِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ, وَبِأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ عِيدٍ بِعَيْنِهِ فَقَضَاهُ فِي يَوْمِ عِيدٍ آخَرَ لَمْ يَصِحَّ, وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ النَّهْيَ لَمْ يَرْجِعْ إلَى عَيْنِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ, لِأَنَّ النَّصَّ أَضَافَهُ إلَى صَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ كَإِضَافَةِ النَّهْيِ إلَى الصَّلَاةِ من حائض ومحدث.(5/109)
فَصْلٌ: وَكَذَا صَوْمُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ نَفْلًا
"وَ" لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ1 عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ وَأَوْسَ بْنَ الْحَدَثَانِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. فَنَادَيَا إنَّهُ "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلَّا مُؤْمِنٌ, وَأَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ". وَلِمُسْلِمٍ2 مِنْ حَدِيثِ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ "أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ". وَلِأَحْمَدَ3 النَّهْيُ عَنْ صَوْمِهَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَعْدٍ بِإِسْنَادَيْنِ ضَعِيفَيْنِ, وَرَوَاهُ أَيْضًا4, عَنْ يُونُسَ بْنِ شَدَّادٍ مَرْفُوعًا.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: يُونُسُ شَبِيهٌ بِالْمَجْهُولِ. وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ5 النَّهْيَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ, وَهُوَ في الموطإ6 عن أبي النضر عن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في صحيحه "1142".
2 في صحيحه "1141".
3 في مسنده "1456".
4 في مسنده "16706".
5 أحمد "567" ولفظه: "إن هذه أيام أكل وشرب فلا يصومها أحد" وأخرجه الشافعي في الرسالة "1127". بلفظ "إن هذه أيام طعام وشراب فلا يصومن أحد".
6 "1/376".(5/109)
سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا: " وَمَنْ صَامَهُنَّ أَوْ رَخَّصَ فِيهِ فَلَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ" , قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: أَوْ تَأَوَّلَهُ عَلَى إفْرَادِهَا, فَهَذَا يُسَوِّغُ لَهُمْ, تَشْبِيهًا بِيَوْمِ الشَّكِّ. وَلَا يَصِحُّ فَرْضًا في رواية "وهـ ش" لَكِنْ صَحَّحَ أَبُو حَنِيفَةَ صَوْمَهَا عَنْ نَذْرِهَا خَاصَّةً, كَقَوْلِهِ فِي الْعِيدِ, وَيَصِحُّ فِي رِوَايَةٍ, لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ: لَمْ يُرَخِّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يَصُمْنَ إلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ, رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ1, وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ: يَجُوزُ صَوْمُهَا عَنْ دَمِ الْمُتْعَةِ خَاصَّةً, وَكَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ تَخْصِيصُ الرِّوَايَةِ بِصَوْمِ الْمُتْعَةِ, وَهُوَ ظَاهِرُ الْعُمْدَةِ, وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ "م 3" وِفَاقًا لِمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ وَقَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 3" قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ فَرْضًا فِي رِوَايَةٍ وَيَصِحُّ فِي رِوَايَةٍ. وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ: يَجُوزُ صَوْمُهُمَا عَنْ دَمِ الْمُتْعَةِ خَاصَّةً, وَكَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ تَخْصِيصُ الرِّوَايَةِ بِصَوْمِ الْمُتْعَةِ, وَهُوَ ظَاهِرُ الْعُمْدَةِ, وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ, انْتَهَى, يَعْنِي صَوْمَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ, وَالصَّحِيحُ الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ, صَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ فِي بَابِ أَقْسَامِ النُّسْك, قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ فِي بَاب الْفِدْيَةِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُقْنِعِ2 وَالشَّرْحِ2 وَالنَّظْمِ هُنَاكَ, وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي آخَر بَابِ الْإِحْرَامِ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ, وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ, وَهُوَ ظَاهِرُ الْعُمْدَةِ, كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ, قَالَ الزَّرْكَشِيّ: خَصَّ ابْنُ أَبِي مُوسَى الْخِلَافَ بِدَمِ الْمُتْعَةِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَجُوزُ مُطْلَقًا, صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ, وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابِ صَوْمِ النَّذْرِ وَالتَّطَوُّعِ. وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا, اخْتَارَهُ ابْنُ أبي موسى والقاضي, قال في المنهج: وَهِيَ الصَّحِيحَةُ, وَقَدَّمَهَا الْخِرَقِيُّ وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ, قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَهِيَ الَّتِي ذَهَبَ إلَيْهَا أحمد أخيرا,
__________
1 في صحيحه "1997".
2 2المقنع مع شرح الكبير والإنصاف "7/543".(5/110)
فَصْلٌ: وَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ عَلَيْهِ صَوْمُ فَرْضٍ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِالصَّوْمِ؟
فِيهِ رِوَايَتَانِ, إحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ, لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: "مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ وَعَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ شَيْءٌ لَمْ يَقْضِهِ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ, وَمَنْ صَامَ تَطَوُّعًا وَعَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ شَيْءٌ لَمْ يَقْضِهِ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ حَتَّى يَصُومَهُ" رَوَاهُ أَحْمَدُ1 مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: ثُمَّ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا ضَاقَ وَقْتُ الْقَضَاءِ عَنْهُ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي2: فِي سِيَاقِهِ مَا هُوَ مَتْرُوكٌ, يَعْنِي: مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ وَعَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ شَيْءٌ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ. وَكَالْحَجِّ.
وَالثَّانِيَةُ يَجُوزُ "م 4" "وَ" لِلْعُمُومِ, وَكَالتَّطَوُّعِ بِصَلَاةٍ في وقت فرض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنْتَخَبِ, وَأَطْلَقَ الْجَوَازَ وَعَدَمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي3 وَالْكَافِي4 وَالْمُقْنِعِ5 وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالشَّرْحِ5 وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى هنا, والزركشي والحاوي الكبير وغيرهم.
"مَسْأَلَةٌ 4" قَوْلُهُ: وَهَلْ "يَجُوزُ" لِمَنْ عَلَيْهِ صَوْمُ فَرْضٍ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِالصَّوْمِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ, إحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ وَالثَّانِيَةُ يَجُوزُ, انْتَهَى. وأطلقهما في الهداية
__________
1 في مسنده "8621".
2 "4/402".
3 "4/427".
4 "2/269".
5 5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "7/543".(5/111)
مُتَّسَعٍ قَبْلَ فِعْلِهِ, وَكَذَا يَخْرُجُ فِي التَّطَوُّعِ بِالصَّلَاةِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ, وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ عَدَمَ الصِّحَّةِ, لِوُجُوبِهَا عَلَى الْفَوْرِ. وَسَبَقَ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ1. وَيَبْدَأُ بِفَرْضِ الصَّوْمِ قَبْلَ نَذْرٍ لَا يَخَافُ فَوْتَهُ.
نَقَلَ حَنْبَلٌ وَأَبُو الْحَارِثِ فِيمَنْ نَذَرَ صِيَامَ أَيَّامٍ وَعَلَيْهِ مِنْ صَوْمِ رَمَضَانَ أَيَّامٌ: يَبْدَأُ بِالنَّذْرِ, وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ النَّذْرُ مُعَيَّنًا بِوَقْتٍ يَخَافُ فَوْتَهُ, وَقَضَاءُ رَمَضَانَ مُوَسَّعُ الْوَقْتِ, كَمَنْ نَذَرَ رَكْعَتَيْنِ عَقِبَ2 الزَّوَالِ, يَبْدَأُ بِهِمَا قَبْلَ الظُّهْرِ, لِسَعَةِ وَقْتِهَا, وَتَعْيِينِ النَّذْرِ بِذَلِكَ الْوَقْتِ. وَيَبْدَأُ بِالْقَضَاءِ إنْ كَانَ النَّذْرُ مُطْلَقًا, وَقَدْ صَرَّحَ أَحْمَدُ فِي مَوْضِعٍ بِتَقْدِيمِ قَضَاءِ رَمَضَانَ عَلَى النَّذْرِ وَالنَّفَلِ, فَيَجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ: تِلْكَ عَلَى ضِيقِ الْوَقْتِ وَهَذِهِ عَلَى سِعَةِ الْوَقْتِ, ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ, فَإِنْ قُلْنَا بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى إنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّطَوُّعُ بِالصَّوْمِ قبل فرضه لم يكره قضاء رمضان في عشر "ذي" الحجة, بل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْمُغْنِي وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ.
إحْدَاهُمَا لا يجوز ولا يصح, وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ, نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ, قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: لَمْ يَصِحَّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ, وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَجُوزُ وَيَصِحُّ, قَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ, قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ, "قلت" وهو الصواب.
__________
1 "1/438".
2 في "س" "قبل".(5/112)
يُسْتَحَبُّ إذَا لَمْ يَكُنْ قَضَاهُ قَبْلَهُ, وَإِنْ قُلْنَا بِالْجَوَازِ. فَعَنْهُ: يُكْرَهُ, كَقَوْلِ الْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ, وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ لِيَنَالَ فَضِيلَتَهَا. وَعَنْهُ: لَا يُكْرَهُ "م 5" "وَ" رُوِيَ عن عمر, لظاهر الآية, وكعشر الْمُحَرَّمِ, وَالْمُبَادَرَةُ إلَى إبْرَاءِ الذِّمَّةِ مِنْ أَكْبَرِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ الْقَضَاءُ عَلَى الثَّانِيَةِ وَلَا يُكْرَهُ عَلَى الْأُولَى بَلْ يُسْتَحَبُّ, وَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى أَصَحُّ, لِأَنَّا إذَا حَرَّمْنَا التَّطَوُّعَ قَبْلَ الفرض كان أبلغ من الكراهة فلا يصح تفريعها عليه, والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 5" قَوْلُهُ: فَإِنْ قُلْنَا بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى إنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّطَوُّعُ بِالصَّوْمِ قَبْلَ فَرْضِهِ لَمْ يكره قضاء رمضان في عشر ذي الحجة بَلْ يُسْتَحَبُّ إذَا لَمْ يَكُنْ قَضَاهُ قَبْلَهُ, وَإِنْ قُلْنَا بِالْجَوَازِ فَعَنْهُ: يُكْرَهْ. وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ, انْتَهَى.
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي1 وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالشَّرْحِ2 وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ, قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقِيلَ يُكْرَهُ الْقَضَاءُ عَلَى الثَّانِيَةِ وَلَا يُكْرَهُ عَلَى الْأُولَى بَلْ يُسْتَحَبُّ, وَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى أَصَحُّ, لِأَنَّا إذَا حرمنا التطوع قبل الفرض كان أبلغ من الْكَرَاهَةِ, فَلَا يَصِحُّ تَفْرِيعُهَا عَلَيْهِ, انْتَهَى.
الطَّرِيقَةُ الْأُولَى هِيَ الصَّحِيحَةُ, لِمَا عَلَّلَهُ بِهِ الْمُصَنِّفُ, وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ الْمَجْدَ, قَالَ فِي الْمُغْنِي3: وَهَذَا أَقْوَى عِنْدِي, فَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَطْلَقَ المصنف الروايتين على القول بالجواز.
__________
1 "2/402".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "7/505".
3 "4/403".(5/113)
فَصْلٌ مَنْ دَخَلَ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ اُسْتُحِبَّ لَهُ إتْمَامُهُ وَلَمْ يَجِبْ, وَإِنْ أَفْسَدَهُ لَمْ يلزمه قضاء, نص عليه, وهو المذهب "وش" لِقَوْلِ عَائِشَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ فَقَالَ: "أَرِينِيهِ فَلَقَدْ أَصْبَحْت صَائِمًا" وَفِي أوله أنه دخل عَلَيْهَا يَوْمًا فَقَالَ: "هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ"؟ قُلْنَا: لَا, قَالَ: "فَإِنِّي إذًا صَائِمٌ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْخَمْسَةُ1. وَزَادَ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ, ثُمَّ قَالَ: "إنَّمَا مِثْلُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ مِثْلُ الرَّجُلِ يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ الصَّدَقَةَ فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهَا". وَلَهُ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ: "إنَّمَا مَنْزِلَةُ مَنْ صَامَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ أَوْ فِي التَّطَوُّعِ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ أَخْرَجَ صَدَقَةَ مَالِهِ فَجَادَ مِنْهَا بِمَا شَاءَ فَأَمْضَاهُ, وَبَخِلَ مِنْهَا بِمَا شَاءَ فَأَمْسَكَهُ" 2 وَسَبَقَ فِي الْجُمُعَةِ حَدِيثُ جُوَيْرِيَةَ3. وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِشَرَابٍ فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَهَا فَشَرِبَتْ فَقَالَتْ أَمَّا إنِّي كُنْت صَائِمَةً, فَقَالَ: "الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ إنْ شَاءَ صام وإن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
إحْدَاهُمَا لَا يُكْرَهُ "قُلْت": وَهُوَ الصَّوَابُ, وَقَدْ قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ: وَيُبَاحُ قَضَاءُ رَمَضَانَ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ, وَعَنْهُ: يُكْرَهُ, انْتَهَى. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يُكْرَهُ, وَقَدْ عُلِّلَ بِأَنَّ الْقَضَاءَ فِيهِ يَفُوتُ بِهِ فَضْلُ صِيَامِهِ تَطَوُّعًا, وَبِهَذَا عَلَّلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ, ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي اللَّطَائِفِ, وَقَالَ: وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ يَحْصُلُ به فضيلة صيام التطوع أيضا, انتهى.
__________
1 مسلم "169 – 170" وأبو داود "2455" والترمذي "733 – 734" والنسائي "4/193" وابن ماجه "1701".
2 أخرجه النسائي "4/193".
3 ص "104".(5/114)
شَاءَ أَفْطَرَ" لَهُ طُرُقٌ, فِيهِ كَلَامٌ يَطُولُ, رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ, وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَضَعَّفَهُ, وَالتِّرْمِذِيُّ1 وَقَالَ: فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ, وَضَعَّفَهُ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ, كَصَوْمِ مُسَافِرٍ فِي رَمَضَانَ لَهُ الْخُرُوجُ لِكَوْنِهِ كَانَ مُخَيَّرًا حَالَةَ دُخُولِهِ فِيهِ. وَكَفِعْلِ الْوُضُوءِ وَالِاعْتِكَافِ, سَلَّمَهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الْأَصَحِّ عَنْهُ, وَكَشُرُوعِهِ فِي أَرْبَعٍ بِتَسْلِيمَةٍ, لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ "وَ" خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَغَيْرِهِ, وَكَدُخُولِهِ فِيهِ ظَانًّا أَنَّهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ, سَلَّمَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ وَأَشْهَبُ وَعَنْ أَحْمَدَ: يَجِبُ إتْمَامُ الصَّوْمِ وَيَلْزَمُ الْقَضَاءُ, ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّاءِ. وَفِي الْكَافِي2 "وهـ م" لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَقَدْ أَفْطَرَتَا "لَا عَلَيْكُمَا صُومَا يَوْمًا مَكَانَهُ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ3, وَضَعَّفُوهُ, ثُمَّ هُوَ لِلِاسْتِحْبَابِ, لِقَوْلِهِ: "لَا عَلَيْكُمَا" وَعَنْ شَدَّادٍ مَرْفُوعًا "أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي الشِّرْكَ وَالشَّهْوَةَ الْخَفِيَّةَ" وَفِيهِ: "وَالشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ: أَنْ يُصْبِحَ أحدهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أحمد "26893" وأبو داود "2456" والترمذي "732" والنسائي في السنن الكبرى "3302".
2 "2/271".
3 أبو داود "2457" بلفظ "لا عليكما صوما مكانه يوما آخر" وابن حبان "3517".(5/115)
صَائِمًا فَتَعْرِضَ لَهُ شَهْوَةٌ مِنْ شَهَوَاتِهِ فَيَتْرُكَ صَوْمَهُ" رَوَاهُ أَحْمَدُ1 مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ شَيْخُ الصُّوفِيَّةِ مَتْرُوكٌ بِالِاتِّفَاقِ وَكَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ, وَسَبَقَ مَا يُبَيِّنُ الْفَرْقَ, وَلِأَنَّ نَفْلَ الْحَجِّ كَفَرْضِهِ فِي الْكَفَّارَةِ وَتَقْرِيرِ الْمَهْرِ بِالْخَلْوَةِ مَعَهُ, بِخِلَافِ الصَّوْمِ.
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: إنْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَأَفْطَرَ بِلَا عُذْرٍ أَعَادَ, قَالَ الْقَاضِي: أَيْ نَذْرَهُ, وَخَالَفَهُ ابْنُ عَقِيلٍ, وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي النَّفْلِ وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ, وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ لَا يَقْضِي, وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَقْضِي الْمَعْذُورُ, وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا, وَعِنْدَ مَالِكٍ لَا يَقْضِي, وَعَنْ مَالِكٍ: فيمن أفطر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في مسنده "17120".(5/116)
لِسَفَرٍ رِوَايَتَانِ. وَلَوْ أَكَلَ نَاسِيًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ عِنْدَهُمَا, لِصِحَّةِ صَوْمِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ, وَعُذْرِهِ عِنْدَ مَالِكٍ, وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يَقْضِي مَعْذُورٌ إجْمَاعًا, وَلَعَلَّ مُرَادَهُ عُذْرٌ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ كَالْحَيْضِ وَنَحْوِهِ, فَإِنَّ غَيْرَهُ حَكَاهُ إجْمَاعًا, وَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ يُكْرَهُ خُرُوجُهُ؟ يَتَوَجَّهُ لَا يُكْرَهُ لِعُذْرٍ, وَإِلَّا كُرِهَ, فِي الْأَصَحِّ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيَّةِ.
وَهَلْ يَفْطُرُ لِضَيْفِهِ؟ يَتَوَجَّهُ كَصَائِمٍ دُعِيَ, وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يَفْطُرُ, وَصَرَّحَ أَصْحَابُنَا فِي الِاعْتِكَافِ: يُكْرَهُ تَرْكُهُ بِلَا عُذْرٍ. وَصَلَاةُ التَّطَوُّعِ كَصَوْمِ التَّطَوُّعِ "وَ" وَعَنْهُ: تَلْزَمُهُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ, قَالَ فِي الْكَافِي1: وَمَالَ إلَيْهِ أَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ وَقَالَ: الصَّلَاةُ ذَاتُ إحْرَامٍ وَإِحْلَالٍ كَالْحَجِّ, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَلِلرِّوَايَةِ الَّتِي حَكَاهَا ابْنُ الْبَنَّاءِ فِي الصَّوْمِ تَدُلُّ عَلَى عَكْسِ هَذَا الْقَوْلِ, لِأَنَّهُ خَصَّهُ وَعَلَّلَ رِوَايَةَ لُزُومِهِ بِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَجِبُ بِإِفْسَادِهَا الْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى كَالْحَجِّ, وَالْمَذْهَبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا, وَلَمْ يَذْكُرْ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ سِوَى الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "2/271".(5/117)
وَقِيلَ: الِاعْتِكَافُ كَالصَّوْمِ, عَلَى الْخِلَافِ, يَعْنِي "أَنَّهُ" إذَا دَخَلَ فِي الِاعْتِكَافِ وَقَدْ نَوَاهُ مُدَّةً لَزِمَتْهُ وَيَقْضِيهَا "وم" وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا, لَا بِالنِّيَّةِ, وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ, خِلَافًا لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ, ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.
نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: الْمُعْتَكِفُ يُجَامِعُ يَبْطُلُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِكَافُ مِنْ قَابِلٍ, وَلَعَلَّهُ فِي النَّذْرِ, وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِنَا, وَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ لَا يَلْزَمُهُ, وَعَنْهُ أَيْضًا: يَلْزَمُهُ أَقَلُّ الِاعْتِكَافِ عِنْدَهُ يَوْمٌ, وَرَدَّ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالْمُغْنِي عَلَى كَلَامِ ابْنِ عبد البر: وصلى صلى الله عليه وسلم الصُّبْحَ مُرِيدًا لِلِاعْتِكَافِ فِي الْمَسْجِدِ, وَكُلُّهُ مَوْضِعٌ لَهُ, ثُمَّ قَطَعَهُ لَمَّا رَأَى أَخْبِيَةَ نِسَائِهِ قَدْ ضُرِبَتْ فِيهِ وَلَمْ يَقْضِينَ1, وَمُجَرَّدُ قَضَائِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ, بِدَلِيلِ قَطْعِهِ, وَمَا فِي السُّنَنِ2 أَنَّهُ كَانَ إذَا تَرَكَ الِاعْتِكَافَ لِسَفَرٍ اعْتَكَفَ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ عِشْرِينَ.
وَلَوْ نَوَى الصَّدَقَةَ بِمَالٍ مُقَدَّرٍ وَشَرَعَ فِي الصَّدَقَةِ فَأَخْرَجَ بَعْضَهُ لَمْ تَلْزَمْهُ الصَّدَقَةُ بِبَاقِيهِ, إجْمَاعًا, قاله الشيخ وغيره "قال: " وهو نظير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 رواه البخاري "2041".
2 أبو داود "2463" وابن ماجه "1770" عن أبي بن كعب.(5/118)
الِاعْتِكَافِ, قَالُوا: وَمَا مَضَى مِنْ اعْتِكَافِهِ لَا يَبْطُلُ "بِتَرْكِ" اعْتِكَافِ الْمُسْتَقْبَلِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي1: وَسَائِرُ التَّطَوُّعَاتِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَافِ وَغَيْرِهِمَا كَالصَّوْمِ إلَّا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ, ثُمَّ ذَكَرَ مَا سَبَقَ فِي الصَّلَاةِ2, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةِ تَطَوُّعٍ قَائِمًا لَمْ يَلْزَمْهُ إتْمَامُهَا قَائِمًا بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ "وَ" خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ أَنَّ الطَّوَافَ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَحْكَام إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَالصَّلَاةِ هُنَا "وم" وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ, وَيَتَوَجَّهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَنَّ فِي طَوَافِ شَوْطٍ أَوْ شَوْطَيْنِ أَجْرًا, وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ تَمَامُ الْأُسْبُوعِ, كَالصَّلَاةِ وَلِهَذَا قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: رَأَيْت سُفْيَانَ يَفِرُّ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ, إذَا كَثَرُوا عَلَيْهِ دَخَلَ الطَّوَافَ فَطَافَ شَوْطًا أَوْ شَوْطَيْنِ ثُمَّ يَخْرُجُ وَيَدْعُهُمْ.
وَلَا تَلْزَمُ الصَّدَقَةُ وَالْقِرَاءَةُ وَالْأَذْكَارُ بِالشُّرُوعِ وِفَاقًا. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي قَوْلِهِ: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} الآية [الحديد: 27] : قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: وَالِابْتِدَاعُ قَدْ يَكُونُ بِالْقَوْلِ, وَبِمَا يُنْذِرُهُ وَيُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ, وَقَدْ يَكُونُ بِالْفِعْلِ بِالدُّخُولِ فِيهِ, وَعُمُومُ الْآيَةِ يَقْتَضِي الْأَمْرَيْنِ, فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ ابْتَدَعَ قُرْبَةً قَوْلًا أَوْ فِعْلًا فَعَلَيْهِ رِعَايَتُهَا وَإِتْمَامُهَا, كَذَا قَالَ. وَيَلْزَمُ إتْمَامُ نَفْلِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ "وَ" لِانْعِقَادِ الْإِحْرَامِ لَازِمًا, لِظَاهِرِ آيَةِ الْإِحْصَارِ, فَإِنْ أَفْسَدَهُمَا أَوْ فَسَدَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ "وَ"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "2/270".
2 ص "115".(5/119)
قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِخِلَافِهِمْ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَالِانْتِصَارِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ لِابْنِ شِهَابٍ رِوَايَةٌ: يَلْزَمُ الْقَضَاءُ, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: لَا أَحْسِبُهَا إلَّا سَهْوًا, وَيَأْتِي فِي الْحَجِّ1.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ص "204".(5/120)
فَصْلٌ: سَبَقَ فِي الصَّلَاةِ فِي الْمَغْصُوبِ هَلْ يُثَابُ عَلَى الْعِبَادَةِ عَلَى وَجْهٍ مُحَرَّمٍ
أَوْ مَكْرُوهٍ, وَسَبَقَ كَلَامُ شَيْخِنَا فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ2, وَسَبَقَ هُنَاكَ هَلْ يُعْمَلُ بِالْخَبَرِ الضَّعِيفِ فِي هَذَا؟ وَذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي آدَابِ الْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ مِنْ الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ نَحْوِ نِصْفِ الْكِتَابِ, وَالْكَلَامُ عَلَى الْأَخْبَارِ فِي ذَلِكَ, كَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ "مَا جَاءَكُمْ عَنِّي مِنْ خَيْرٍ قُلْتُهُ أَوْ لَمْ أَقُلْهُ فَأَنَا أَقُولُهُ, وَمَا أَتَاكُمْ مِنْ شَرٍّ فَأَنَا لَا أَقُولُ الشَّرَّ" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ3 مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَعْشَرٍ وَاسْمُهُ نَجِيحٌ فِيهِ لِينٌ مَعَ أَنَّهُ صَدُوقٌ حَافِظٌ, وَكَحَدِيثِ جَابِرٍ "مَنْ بَلَغَهُ عَنْ اللَّهِ شَيْءٌ لَهُ فِيهِ فَضِيلَةٌ فَأَخَذَهُ إيمَانًا بِهِ وَرَجَاءَ ثَوَابِهِ أَعْطَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ" رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ فِي جُزْئِهِ, وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ إسْنَادَهُ حَسَنٌ, وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ4 مِنْ طُرُقٍ, وَلَمْ يَذْكُرْهُ مِنْ الطَّرِيقِ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ عَرَفَةَ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَمَّا إذَا قَطَعَ الصَّلَاةَ أَوْ الصَّوْمَ فهل انعقد الجزء المؤدي وحصل به قربة أَمْ لَا؟ وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ بَطَلَ حُكْمًا لا أنه أبطله؟ كمريض صلى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ص "204".
2 "2/405".
3 أحمد "10269" والبزار كشف الأستار "188".
4 "2/337".(5/120)
جُمُعَةً بَعْدَ ظُهْرِهِ, أَوْ لَا يَبْطُلُ؟ اخْتَلَفَ كَلَامُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ وَكَلَامُ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ. وَفِي كَلَامِ جَمَاعَةٍ بُطْلَانُهُ وَعَدَمُ صِحَّتِهِ "م 5" وَحَمَلَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ حَدِيثَ عُبَادَةَ فِيمَنْ تَرَكَ مِنْ الصَّلَاةِ شَيْئًا عَلَى مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا كَخُشُوعٍ وَتَسْبِيحٍ, فَلَمْ يَذْكُرُوا تَرْكَ رُكْنٍ وَشَرْطٍ, وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّ تَرْكَ رُكْنٍ وَشَرْطٍ كَتَرْكِهَا كُلِّهَا, قَالَ جَمَاعَةٌ: لِأَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ ذَلِكَ وُجُودُهَا كَعَدَمِهَا, وَمُرَادُهُمْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلَاةِ لَا أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَى قِرَاءَةٍ وَذِكْرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَقَالَ شَيْخُنَا فِي رَدِّهِ عَلَى الرَّافِضِيِّ1: جَاءَتْ السُّنَّةُ بِثَوَابِهِ عَلَى مَا فَعَلَهُ وَعِقَابِهِ عَلَى مَا تَرَكَهُ, وَلَوْ كَانَ بَاطِلًا كَعَدَمِهِ وَلَا ثَوَابَ فِيهِ لَمْ يُجْبَرْ بِالنَّوَافِلِ شَيْءٌ. وَالْبَاطِلُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ ضِدُّ الصَّحِيحِ فِي عُرْفِهِمْ, وَهُوَ مَا أَبْرَأَ الذِّمَّةَ, فَقَوْلُهُمْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَوْمُهُ وَحَجُّهُ لِمَنْ تَرَكَ رُكْنًا بِمَعْنَى وَجَبَ الْقَضَاءُ, لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ فِي الْآخِرَةِ, إلَى أَنْ قَالَ: فَنَفَى الشَّارِعُ الْإِيمَانَ عَمَّنْ تَرَكَ وَاجِبًا مِنْهُ أَوْ فَعَلَ مُحَرَّمًا فِيهِ كَنَفْيِ غَيْرِهِ, كَقَوْلِهِ: "لَا صَلَاةَ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ" 2 وَقَوْلِهِ لِلْمُسِيءِ: "فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ" 3 وَ "لَا صَلَاةَ لِفَذٍّ" 4 وَقَالَ شَيْخُنَا أَيْضًا فِي قوله تعالى:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 6" قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا قَطَعَ الصَّلَاةَ أَوْ الصوم فهل انعقد الجزء المؤدي وحصل به قُرْبَةٌ أَمْ لَا؟ وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ بَطَلَ حُكْمًا لَا أَنَّهُ أَبْطَلَهُ؟ كَمَرِيضٍ صَلَّى جُمُعَةً بَعْدَ ظُهْرِهِ, أَوْ لَا يَبْطُلُ؟ اخْتَلَفَ كَلَامُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ وَكَلَامُ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ وَفِي كَلَامِ جَمَاعَةٍ بُطْلَانُهُ وَعَدَمُ صِحَّتِهِ, انتهى. في ضمن كلام المصنف مسألتان.
__________
1 منهاج السنة "3/51".
2 أخرجه بنحوه أبو داود في سننه "824" والنسائي في المجتبى "2/141".
3 تقدم "2/255".
4 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "3/105" بنحوه.(5/121)
{وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] : الْبُطْلَانُ هُوَ بُطْلَانُ الثواب, وَلَا نُسَلِّمُ بُطْلَانَ جَمِيعِهِ, بَلْ قَدْ يُثَابُ عَلَى مَا فَعَلَهُ, فَلَا يَكُونُ مُبْطِلًا لِعَمَلِهِ, والله أعلم.(5/122)
فَصْلٌ: مَنْ دَخَلَ فِي وَاجِبٍ مُوَسَّعٍ,
كَقَضَاءِ رَمَضَانَ كُلَّهُ قَبْلَ رَمَضَانَ, وَالْمَكْتُوبَةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا, وَغَيْرِ ذَلِكَ, كَنَذْرٍ مُطْلَقٍ وَكَفَّارَةٍ إنْ قُلْنَا: يَجُوزُ تَأْخِيرُهُمَا حُرِّمَ خُرُوجُهُ مِنْهُ بِلَا عُذْرٍ "وَ".
قَالَ الشَّيْخُ: بِغَيْرِ خِلَافٍ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا, لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ مُتَعَيَّنٌ, وَدَخَلَتْ التَّوْسِعَةُ فِي وَقْتِهِ رِفْقًا وَمَظِنَّةَ الْحَاجَةِ, فَإِذَا شَرَعَ تَعَيَّنَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي إتْمَامِهِ, وَجَازَ لِلصَّائِمِ فِي السَّفَرِ الْفِطْرُ, لِقِيَامِ الْمُبِيحِ وَهُوَ السَّفَرُ, كَالْمَرَضِ, وَخَالَفَهُ جَمَاعَةٌ شَافِعِيَّةٌ فِي الصَّوْمِ, وَوَافَقُوا عَلَى الْمَكْتُوبَةِ أَوَّلَ وَقْتِهَا, وَإِذَا بَطَلَ فَلَا كَفَّارَةَ, وَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِيهِ, قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ: وَيُكَفِّرُ إن أفسد قضاء رمضان.(5/122)
فصل: ليلة القدر لَيْلَةٌ شَرِيفَةٌ مُعَظَّمَةٌ,
زَادَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: والدعاء فيها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 6" إذَا قَطَعَهَا فَهَلْ انْعَقَدَ الْجُزْءُ الْمُؤَدَّى وَحَصَلَ بِهِ قُرْبَةٌ أَمْ لَا.
"الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 7" عَلَى الْأَوَّلِ هَلْ بَطَلَ حُكْمًا أَمْ لَا؟ "قُلْت": الصَّوَابُ فِي ذَلِكَ انْعِقَادُ الْجُزْءِ الْمُؤَدَّى وَحُصُولُ الثَّوَابِ بِهِ لِلْمَعْذُورِ وَالْبُطْلَانُ حُكْمًا, وَفِي كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَالْمُصَنِّفِ مَا يدل على ذلك, والله أعلم.(5/122)
مُسْتَجَابٌ. قِيلَ: سُورَتُهَا مَكِّيَّةٌ, قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ1, هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَقِيلَ: مَدَنِيَّةٌ, قَالَ الثَّعْلَبِيُّ2: هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ "م 8" قَالَ مُجَاهِدٌ وَالْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْلِهِ: {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] : أَيْ قِيَامُهَا وَالْعَمَلُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ خَالِيَةٍ مِنْهَا, وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ "مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"3 وَسُمِّيَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ فِيهَا مَا يَكُونُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ, رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ4.
قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ لِقَوْلِهِ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4,3] فَإِنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ, قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَعَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ, لِقَوْلِهِ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر:1] وَمَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا لَيْلَةُ النِّصْفِ "مِنْ شَعْبَانَ" ضَعِيفٌ. قِيلَ: سُمِّيَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لِعِظَمِ قدرها عند الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 8" قَوْلُهُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ شَرِيفَةٌ عَظِيمَةٌ قِيلَ سُورَتُهَا مَكِّيَّةٌ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ, وَقِيلَ مَدَنِيَّةٌ, قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ, انْتَهَى هَذَانِ الْقَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ, وَلَيْسَ ذَلِكَ مَخْصُوصًا بِالْأَصْحَابِ وَلَكِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا رَأَى الْخِلَافَ قَوِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَتَى بِهَذِهِ الْعَبَّارَةِ "قُلْت" الصَّوَابُ أنها مدنية, وقطع به البغوي وغيره.
__________
1 هو: أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري الماوردي الشافعي من مصنفاته "النكت" "أدب الدنيا والدين" "الأحكام السلطانية" وغيرها "ت 450 هـ" السير "18/64".
2 هو أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري من مصنفاته التفسير الكبير العرائس في قصص الأنتياء توفي "427 هـ" السير "17/435 – 437".
3 البخاري "1901" ومسلم "670" "175".
4 تفسير ابن عباس "515".(5/123)
وَقِيلَ الْقَدْرُ بِمَعْنَى الضِّيقُ, لِضِيقِ الْأَرْضِ عَنْ الملائكة التي تنزل فيها, فَرَوَى أَحْمَدُ1 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا "إنَّ الْمَلَائِكَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ الْحَصَى".
وَلَمْ تُرْفَعْ "وَ" لِلْأَخْبَارِ بِطَلَبِهَا وَقِيَامِهَا. وَعَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ: رُفِعَتْ, وَحَكَى رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ فِي رَمَضَانَ "وَ" لَا فِي كُلِّ السَّنَةِ, خِلَافًا لِابْنِ مَسْعُودٍ2, وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ كَقَوْلِهِ, وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ, وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّ الْأَوَّلَ أَشْهَرُ عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ, وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِالْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْهُ, عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ 3مِنْ الصَّحَابَةِ3 وَغَيْرِهِمْ "وم ش" وَلَيَالِي وِتْرِهِ آكَدُ, وَأَرْجَاهَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ, نَصَّ عَلَيْهِ, لَا لَيْلَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ "ش" وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ كُلُّ الْعَشْرِ سَوَاءٌ "م وَ" وَمَذْهَبُ "م" أَرْجَاهَا فِي تِسْعٍ بَقِينَ أَوْ سَبْعٍ أَوْ خَمْسٍ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: هِيَ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ, وَعَنْ الْعُلَمَاءِ فِيهَا أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ, وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ: قَالَ الْجُمْهُورُ: تَخْتَصُّ بِرَمَضَانَ, وَقَالَ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ: تَخْتَصُّ بِالْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْهُ, وَأَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ تَدُلُّ عَلَيْهِ, وَقَالَ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ: تَخْتَصُّ بِلَيَالِي الْوِتْرِ مِنْهُ, وَالْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ تَدُلُّ عَلَيْهِ, كَذَا قَالَ, وَالْمَذْهَبُ لَا تَخْتَصُّ, بَلْ الْمَذْهَبُ أَنَّهَا آكَدُ وَأَبْلَغُ مِنْ لَيَالِي الشَّفْعِ, وَعَلَى اخْتِيَارِ "صَاحِبِ" الْمُحَرَّرِ كُلُّهَا سَوَاءٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في مسنده "10734".
2 أخرجه مسلم بنحوه في صحيحه "762" "220".
3 3 ليست في الأصل و"ط".(5/124)
وَقَالَ فِي الْمُغْنِي1 وَالْكَافِي2: تُطْلَبُ فِي جَمِيعِ رَمَضَانَ, قَالَ فِي الْكَافِي: وَأَرْجَاهُ الْوِتْرُ مِنْ لَيَالِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ, كَذَا قَالَ. قَالَ: وَتَتَنَقَّلُ فِيهَا, وَقَالَ غَيْرُهُ: تَتَنَقَّلُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ, قَالَهُ أَبُو قِلَابَةَ التَّابِعِيُّ, وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ, وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَظَاهِرُ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ أَنَّهَا لَيْلَةٌ مُتَعَيَّنَةٌ, ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ, وَقَالَهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيَّةُ. فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ قَبْلَ مُضِيِّ لَيْلَةِ الْعَشْرِ وَقَعَ فِي اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ, وَمَعَ مُضِيِّ لَيْلَةٍ مِنْهُ يَقَعُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لَيْلَةَ قَوْلِهِ فِيهَا. وَعَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ النِّصْفُ الثَّانِي مِنْ رمضان, كالعشر عندنا, وحكى صاحب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ: فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ قَبْلَ مُضِيِّ لَيْلَةِ الْعَشْرِ, انْتَهَى. الظَّاهِرُ أَنَّ هُنَا سَقْطًا, وَتَقْدِيرُهُ: قَبْلَ مُضِيِّ لَيْلَةٍ مِنْ الْعَشْرِ أَوْ لَيْلَةٍ مِنْ أَوَّلِ الْعَشْرِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ, فَهَذِهِ ثَمَانِ مَسَائِلَ قد أطلق فيها الخلاف وصحح أكثرها.
__________
1 "4/449".
2 "2/271".(5/125)
الْوَسِيطِ الشَّافِعِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ: إنْ قَالَ فِي نِصْفِ رَمَضَانَ أَنْتِ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَمْ تَطْلُقْ مَا لَمْ تَنْقَضِ سَنَةٌ, لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ, فَلَا تَقَعُ بِالشَّكِّ, وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا فِي كَوْنِهَا تَتَنَقَّلُ.
وَعَلَى قَوْلِنَا الْأَوَّلِ إنَّهَا فِي الْعَشْرِ وَتَتَنَقَّلُ إنْ كَانَ قَبْلَ مُضِيِّ لَيْلَةٍ مِنْهُ وَقَعَ فِي اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ, وَمَعَ مُضِيِّ لَيْلَةٍ مِنْهُ يَقَعُ فِي اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ, وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ, وَهُوَ أَظْهَرُ, لِلْأَخْبَارِ أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ, وَأَنَّهَا فِي لَيَالٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْهُ.
قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ, وَيَتَخَرَّجُ حُكْمُ الْعِتْقِ وَالْيَمِينِ عَلَى مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ. وَمَنْ نَذَرَ قِيَامَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ قَامَ الْعَشْرَ, وَنَذْرُهُ فِي أَثْنَاءِ العشر كطلاق, عَلَى مَا سَبَقَ, ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ فِي النُّذُورِ. وَقَالَ شَيْخُنَا: الْوِتْرُ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْمَاضِي, فَتُطْلَبُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةَ إحْدَى وَلَيْلَةَ ثَلَاثٍ1 إلَى آخِرِهِ, وَيَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْبَاقِي, لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "لِتَاسِعَةٍ تَبْقَى" 2 الْحَدِيثَ فَإِذَا كَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أي ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين المغني "4/452 – 453".
2 أحمد "11679".(5/126)
الشَّهْرُ ثَلَاثِينَ يَكُونُ ذَلِكَ لَيَالِي الْإِشْفَاعِ, فَلَيْلَةُ الثَّانِيَةِ تَاسِعَةٌ تَبْقَى, وَلَيْلَةُ أَرْبَعٍ سَابِعَةٌ تَبْقَى, كَمَا فَسَّرَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ1, وَإِنْ كَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ كَانَ التَّارِيخُ بِالْبَاقِي كَالتَّارِيخِ بِالْمَاضِي.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ فِيهَا, لِقَوْلِ عَائِشَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ وَافَقْتهَا مَا أَقُولُ؟ قَالَ قُولِي: "اللَّهُمَّ إنَّك عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ, وَالتِّرْمِذِيُّ2 وَصَحَّحَهُ, عَنْهَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ عَلِمْت لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَقُولُهُ؟ قَالَ: قُولِي وَذَكَرَهُ, قَالَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَأَمَارَتُهَا أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِهَا بَيْضَاءَ لَا شُعَاعَ لَهَا" رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ, وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ3, وَلِأَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَقِيلٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرَهُ, وَحَدِيثُهُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ عَنْ عُبَادَةَ مَرْفُوعًا "مَنْ قَامَهَا إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ" وَلَهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ عُبَادَةَ وَلَمْ يُدْرِكْهُ وَقَالَ فِيهِ "وَاحْتِسَابًا, ثُمَّ وَقَعَتْ لَهُ" 4 وَذَكَرَهُ, وَفِيهِ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه أحمد في المسند "11076".
2 أحمد "25384" ابن ماجه "3850" الترمذي "3513" والرواية الثانية هي رواية الترمذي "3513" وأخرجها أحمد "25505" والنسائي في الكبرى "10710" وفي عمل اليوم والليلة "872".
3 مسلم "762" الترمذي "793".
4 هكذا في النسخ الخطية و"ط" وأما لفظ الحديث "ثم وفقت له".(5/127)
إنَّ أَمَارَةَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَنَّهَا صَافِيَةٌ بَلْجَةٌ, كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا سَاطِعًا سَاكِنَةٌ سَاجِيَةٌ, لَا بَرْدَ فِيهَا وَلَا حَرَّ, وَلَا يَحِلُّ لِلْكَوْكَبِ أَنْ يُرْمَى بِهِ فِيهَا حَتَّى يُصْبِحَ, وَإِنَّ أَمَارَتَهَا أَنَّ الشَّمْسَ صَبِيحَتَهَا تَخْرُجُ مُسْتَوِيَةً لَيْسَ فِيهَا شُعَاعٌ, مِثْلَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ, لَا يَحِلُّ لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَخْرُجُ مَعَهَا يَوْمَئِذٍ1.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُسَنُّ أَنْ يَنَامَ مُتَرَبِّعًا مُسْتَنِدًا إلَى شَيْءٍ, نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ, وَيَأْتِي "إنْ شَاءَ الله تعالى" في المعتكف2.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 رواية عمر بن عبد الرحمن في المسند "22713" ورواية خالد بن معدان: في المسند "22765".
2 ص "193".(5/128)
فَصْلٌ: وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ أَفْضَلُ اللَّيَالِي,
وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ, لِلْآيَةِ, وَذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ إجْمَاعًا وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا هَذَا, وَالثَّانِيَةُ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ, وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهَا تَتَكَرَّرُ, وَبِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِمَا هُوَ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَهِيَ اخْتِيَارُ ابْنِ بَطَّةَ وَأَبِي الْحَسَنِ الْخَرَزِيِّ(5/128)
وَأَبِي حَفْصٍ الْبَرْمَكِيِّ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ اللَّيْلَةَ تَابِعَةٌ لِيَوْمِهَا, وَفِيهِ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِي فَضْلِ يَوْمِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ, وَلِبَقَاءِ فَضْلِهَا فِي الْجَنَّةِ, لِأَنَّ فِي قَدْرِ يَوْمِهَا تَقَعُ الزِّيَارَةُ إلَى الْحَقِّ سُبْحَانَهُ, كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ1 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ, وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ: لَيْلَةُ الْقَدْرِ الَّتِي أُنْزِلَ فِيهَا الْقُرْآنُ أَفْضَلُ مِنْ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ, فَأَمَّا أَمْثَالُهَا مِنْ لَيَالِي الْقَدْرِ فَلَيْلَةُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ, وَذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ فِي الْمُعَارَضَةِ وَذَكَرَ غَيْرَهُ أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ.
وَقَالَ شَيْخُنَا: هُوَ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ إجْمَاعًا, وَقَالَ: يَوْمُ النَّحْرِ أَفْضَلُ "أَيَّامِ" الْعَامِ, وَكَذَا ذَكَرَ جَدُّهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ مِنْ شَرْحِهِ مُنْتَهَى الْغَايَةِ أَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ أَفْضَلُ, وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو حَكِيمٍ أَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ أَفْضَلُ, وَهَذَا أَظْهَرُ, وَقَالَهُ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ, وَبَعْضُهُمْ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ, وَظَهَرَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا, وَيَتَوَجَّهُ عَلَى اخْتِيَارِ شَيْخِنَا بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ يَوْمُ الْقَرِّ الَّذِي يَلِيهِ, لِأَنَّهُ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "أعظم الأيام عند الله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 الترمذي "2549" ابن ماجه "4336" بلفظ "إن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا الدنيا فيزورون ربهم....." الحديث.(5/129)
يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ" 1 قَالَ فِي الْغُنْيَةِ: إنَّ اللَّهَ اخْتَارَ مِنْ الْأَيَّامِ أَرْبَعَةً: الْفِطْرَ وَالْأَضْحَى وَعَرَفَةَ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ, وَاخْتَارَ مِنْهَا يَوْمَ عَرَفَةَ. وَقَالَ أَيْضًا: إنَّ اللَّهَ اخْتَارَ لِلْحُسَيْنِ الشَّهَادَةَ فِي أَشْرَفِ الْأَيَّامِ وَأَعْظَمِهَا وَأَجَلِّهَا وَأَرْفَعِهَا عِنْدَهُ مَنْزِلَةً, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ أَفْضَلُ, عَلَى ظَاهِرِ مَا فِي الْعُمْدَةِ وَغَيْرِهَا وَسَبَقَ كَلَامُ شَيْخِنَا فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ2. وَقَالَ أَيْضًا: قَدْ يُقَالُ ذَلِكَ وَقَدْ يُقَالُ: لَيَالِي عَشْرِ رَمَضَانَ الْأَخِيرِ وَأَيَّامُ ذَلِكَ أَفْضَلُ, قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ, لِوُجُودِهِ, وَذَكَرَهَا. وَرَمَضَانُ أَفْضَلُ, ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ, وَذَكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ فِيمَنْ زَالَ عُذْرُهُ, وَذَكَرُوا أَنَّ الصَّدَقَةَ فِيهِ أَفْضَلُ, وَعَلَّلُوا ذَلِكَ.
قَالَ شَيْخُنَا وَيَكْفُرُ مَنْ فَضَّلَ رَجَبًا عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ: إنَّ اللَّهَ اخْتَارَ مِنْ الشُّهُورِ أَرْبَعَةً: رَجَبًا وَشَعْبَانَ وَرَمَضَانَ وَالْمُحَرَّمَ, وَاخْتَارَ مِنْهَا شَعْبَانَ, وَجَعَلَهُ شَهْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَكَمَا أَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ فَشَهْرُهُ أَفْضَلُ الشُّهُورِ, كَذَا قَالَ, قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي قَوْله تَعَالَى: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36] إنَّمَا سَمَّاهَا حُرُمًا لِتَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِيهَا, وَلِتَعْظِيمِ انْتِهَاكِ الْمَحَارِمِ فِيهَا أَشَدُّ مِنْ تَعْظِيمِهِ فِي غَيْرِهَا, وَكَذَلِكَ تَعْظِيمُ الطَّاعَاتِ, ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36] أَيْ فِي الْأَرْبَعَةِ, وَأَنَّ أَحَدَ الْأَقْوَالِ أَنَّ الظُّلْمَ الْمَعَاصِي, قَالَ فَتَكُونُ فَائِدَةُ تخصيص بها أن شأن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أحمد "19075" عن عبد الله بن قرط.
2 "2/338".(5/130)
تَعْظِيمِ الْمَعَاصِي فِيهَا أَشَدُّ مِنْ تَعْظِيمِهِ فِي غَيْرِهَا, وَذَلِكَ لِفَضْلِهَا عَلَى مَا سِوَاهَا, كَتَخْصِيصِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ, وَقَوْلِهِ: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] وَكَمَا أَمَرَ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ الْوُسْطَى, وَقَالَ: وَهَذَا قَوْلُ الأكثرين. والله سبحانه وتعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(5/131)
باب الإعتكاف
مدخل
...
باب الاعتكاف
الِاعْتِكَافُ لُغَةً لُزُومُ الشَّيْءِ وَمِنْهُ {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138] يُقَالُ: عَكَفَ بِفَتْحِ الْكَافِ يَعْكُفُ بِضَمِّهَا وَكَسْرِهَا, قِرَاءَتَانِ.
وَشَرْعًا لُزُومُ مَسْجِدٍ بِصِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: وَهَذَا الِاعْتِكَافُ لَا 1يَحِلُّ أَنْ1 يُسَمَّى خَلْوَةً, وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا, وَلَعَلَّ الْكَرَاهَةَ أَوْلَى, وَيُسَمَّى جِوَارًا, لِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا, عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2, وَفِيهِمَا3 مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: كُنْت أُجَاوِرُ هَذِهِ الْعَشْرَ يَعْنِي الْأَوْسَطَ ثُمَّ قَدْ بَدَا لِي أَنْ أُجَاوِرَ هَذِهِ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرِ فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَثْبُتْ فِي مُعْتَكَفِهِ.
وَهُوَ سُنَّةٌ "ع" وَيَجِبُ بِنَذْرِهِ "ع".
وَإِنْ عَلَّقَهُ أَوْ غَيْرُهُ4 بِشَرْطٍ, فَلَهُ شَرْطُهُ, نَحْوَ لِلَّهِ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرَ رَمَضَانَ إنْ كُنْت مُقِيمًا أَوْ مُعَافًى, فَكَانَ فِيهِ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. وَهَلْ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ أَوْ بِالنِّيَّةِ؟ سَبَقَ آخِرَ الْبَابِ قَبْلَهُ5.
وَلَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ6 إلَّا مَا نُهِيَ عَنْ صِيَامِهِ, للاختلاف في جوازه بغير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 1 ليست في "س".
2 البخاري "2028" ومسلم "297".
3 البخاري "2018" ومسلم "1167" "213".
4 أي العبادات المنذورة معونة أولي النهى "3/113".
5 ص "118".
6 في "س" "بمكان".(5/132)
صَوْمٍ, وَآكَدُهُ رَمَضَانُ, "ع" وَآكَدُهُ الْعَشْرُ الْأَخِيرُ "ع" وَلَمْ يُفَارِقْ الْأَصْحَابُ بَيْنَ الثَّغْرِ وَغَيْرِهِ, وَهُوَ وَاضِحٌ, وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا يَعْتَكِفُ فِي الثَّغْرِ لِئَلَّا يَشْغَلَهُ نَفِيرٌ.
وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ "وَ" وَيَجِبُ تَعْيِينُ الْمَنْذُورِ بِالنِّيَّةِ لِيَتَمَيَّزَ, وَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْهُ فَقِيلَ: يَبْطُلُ, لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ بِالْفَسَادِ, كَالصَّلَاةِ, وَقِيلَ: لَا1, لِتَعَلُّقِهِ2 بِمَكَانٍ, كَالْحَجِّ "م 1" وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ, وَإِنْ خَرَجَ لِمَا لَا يُبْطِلُ وَلَمْ يَكُنْ نَوَى مُدَّةً مُقَدَّرَةً ابْتِدَاءَ النِّيَّةِ, وَإِلَّا فَلَا, ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ, وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: لَا يَبْتَدِئُهَا.
وَلَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ وَمَجْنُونٍ وَطِفْلٍ, كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا, وَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُهُ, لِخُرُوجِهِ3 بِالْجُنُونِ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ, عَلَى مَا سَبَقَ فِي بَابِ الْغُسْلِ4, لَكِنْ يَتَوَجَّهُ: هَلْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 1" قَوْلُهُ: وَيَجِبُ تَعْيِينُ الْمَنْذُورِ بِالنِّيَّةِ لِيَتَمَيَّزَ, وَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْهُ فَقِيلَ: يَبْطُلُ, لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ بِالْفَسَادِ, كَالصَّلَاةِ, وَقِيلَ: لَا, لِتَعَلُّقِهِ بِمَكَانٍ, كَالْحَجِّ, انْتَهَى, وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ فَقَالَ: لِأَصْحَابِنَا. وَجْهَانِ, وَعَلَّلَهُمَا بِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ, وَأَطْلَقَهُمَا أَيْضًا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
أَحَدُهُمَا يَبْطُلُ, لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِالْفَسَادِ مِنْهُ, فَهُوَ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ "قُلْت": وَهُوَ الصَّوَابُ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ.
وَالثَّانِي لَا يَبْطُلُ, لِمَا عَلَّلَهُ الْمُصَنِّفُ.
__________
1 ليست في الأصل.
2 في "ب" "كتعلقه".
3 في "ب" "كخروجه".
4 "2/262".(5/133)
يَبْنِي أَوْ يَبْتَدِئُ؟ الْخِلَافُ فِي بُطْلَانِ الصَّوْمِ.
وَلَا يَبْطُلُ بِإِغْمَاءٍ, جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ وغيرها, ويأتي في النذر نذر الكافر1 والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ص "142".(5/134)
فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَكِفَ الْعَبْدُ 2بِلَا إذْنِ2 سَيِّدِهِ,
وَلَا الْمَرْأَةُ بِلَا إذْنِ زَوْجِهَا, "وَ", لِتَفْوِيتِ مَنَافِعِهِمَا3 الْمَمْلُوكَةِ لَهُمَا, فَإِنْ شَرَعَا فِي نَذْرٍ أَوْ نَفْلٍ بِلَا إذْنٍ فَلَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا, وِفَاقًا, لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ "لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ يَوْمًا مِنْ غَيْرِ رَمَضَانَ إلَّا بِإِذْنِهِ" إسْنَادُهُ جَيِّدٌ, رَوَاهُ الْخَمْسَةُ4, وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَضَرَرُ الِاعْتِكَافِ أَعْظَمُ, وَالْحَجُّ آكَدُ, وَخَرَّجَ5 فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ: لَا يُمْنَعَانِ مِنْ اعْتِكَافٍ مَنْذُورٍ, كَرِوَايَةٍ فِي الْمَرْأَةِ فِي صَوْمٍ وَحَجٍّ مَنْذُورَيْنِ, ذَكَرَهَا فِي الْمُجَرَّدِ وَالتَّعْلِيقِ, وَنَصَرَهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ, وَالْعَبْدُ يَصُومُ النَّذْرَ, وَيَأْتِي هَذَا الْوَجْهُ فِي الْوَاضِحِ فِي النَّفَقَاتِ6, قَالَ: وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ ثَالِثٌ: مَنْعُهُمَا وَتَحْلِيلُهُمَا مِنْ نَذْرٍ مُطْلَقٍ فَقَطْ, لِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي, كَوَجْهٍ لِأَصْحَابِنَا فِي صَوْمٍ وَحَجٍّ مَنْذُورَيْنِ, قَالَ: وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ رَابِعٌ: مَنْعُهُمَا وَتَحْلِيلُهُمَا إلَّا مِنْ مَنْذُورٍ مُعَيَّنٍ قَبْلَ النكاح والملك, كوجه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ص "142".
2 2 في "س" "إلا بإذن".
3 في "ب" "منافعها".
4 أحمد "7343" وأبو داود "2458" والترمذي "782" والنسائي في السنن الكبرى "2920" وابن ماجه "1761".
5 في "س" "جزم".
6 "9/265".(5/134)
لِأَصْحَابِنَا فِي سُقُوطِ نَفَقَتِهَا1, وَيَتَوَجَّهُ: إنْ لَزِمَ بِالشُّرُوعِ فِيهِ فَكَالْمَنْذُورِ, وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ,
فَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ لَمْ يُحَلِّلَاهُمَا صَحَّ وَأَجْزَأَ "وَ", وَقَالَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ ابْنُ الْبَنَّا: يَقَعُ بَاطِلًا, لِتَحْرِيمِهِ, كَصَلَاةٍ فِي مَغْصُوبٍ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ, وَكَذَا فِي الرِّعَايَةِ, وَذَكَرَهُ نَصُّ أَحْمَدَ فِي الْعَبْدِ.
وَإِنْ أَذِنَّا لَهُمَا ثُمَّ أَرَادَا تَحْلِيلَهُمَا فَلَهُمَا ذَلِكَ إنْ كَانَ تَطَوُّعًا, وَإِلَّا فَلَا "وش" لأنه صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَزَيْنَبَ فِي الِاعْتِكَافِ ثُمَّ منعهن منه بعد أن دخلن فيه2, وَلِأَنَّ حَقَّهُمَا وَاجِبٌ, وَالتَّطَوُّعُ لَا يَلْزَمُ بِالْمَشْرُوعِ, عَلَى مَا سَبَقَ, فَهِيَ هِبَةُ مَنَافِعَ تَتَجَدَّدُ, وَلَا يَلْزَمُ مِنْهَا مَا لَمْ يُقْبَضْ, عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْعَارِيَّةِ3.
وَمَذْهَبُ "م" مَنْعُ تَحْلِيلِهِمَا مُطْلَقًا, لِلُزُومِهِ بِالشُّرُوعِ عِنْدَهُ.
وَمَذْهَبُ "هـ" لَهُ تَحْلِيلُ الْعَبْدِ فِيهِمَا لِأَنَّهُ لَا يُمْلَكُ بالتمليك, و4يكره لِإِخْلَافِهِ الْوَعْدَ, وَلَا يَمْلِكُ تَحْلِيلَ الزَّوْجَةِ فِيهِمَا, لِمِلْكِهَا بِالتَّمْلِيكِ4.
وَلَوْ رَجَعَا بَعْدَ الْإِذْنِ قَبْلَ الشُّرُوعِ جَازَ "ع", بِخِلَافِ حَقِّ الشُّفْعَةِ وَالْقِصَاصِ فَإِنَّهُ إسْقَاطٌ لِأَمْرٍ مَضَى لَا يَتَجَدَّدُ, وَاخْتَارَ صاحب المحرر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س" و"ط" "نفقتها".
2 أخرجه البخاري "2045" من حديث عائشة رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان فاستأذنه عائشة فاستأذن لها وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت....." الحديث.
3 7/275".
4 4 ليست في "ب" و"س".(5/135)
فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ الَّذِي يَجُوزُ تَفْرِيقُهُ كَنَذْرِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ مُتَفَرِّقَةٍ أَوْ مُتَتَابِعَةٍ إذَا اخْتَارَا فِعْلَهُ مُتَتَابِعًا وَأَذِنَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ تَحْلِيلُهُمَا مِنْهُ 1عِنْدَ مُنْتَهَى1 كُلِّ يَوْمٍ, لِجَوَازِ الْخُرُوجِ لَهُ مِنْهُ إذَنْ, كَالتَّطَوُّعِ, قَالَ: وَتَعْلِيلُ أَصْحَابِنَا يَدُلُّ عَلَيْهِ, وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ, وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْمَنْعُ كَغَيْرِهِ. وَفِي الرِّعَايَةِ: لَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا فِي غَيْرِ نَذْرٍ, وَقِيلَ: فِي غَيْرِ وَقْتٍ مُعَيَّنٍ2, وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ.
وَالْإِذْنُ فِي عَقْدِ النَّذْرِ إذْنٌ فِي فِعْلِهِ إنْ نَذَرَ زَمَنًا مُعَيَّنًا بالإذن, وإلا فلا, "وش" لِأَنَّ زَمَنَ الشُّرُوعِ لَمْ يَقْتَضِهِ الْإِذْنُ السَّابِقُ وَقَدَّمَ الشَّيْخُ مَنْعَ تَحْلِيلِهِمَا أَيْضًا, كَالْإِذْنِ فِي الشُّرُوعِ.
وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَعْتَكِفَ بِلَا إذْنٍ, نَصَّ عَلَيْهِ, لِمِلْكِهِ مَنَافِعِهِ, كَحُرٍّ مَدِينٍ, بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ, قَالَ جَمَاعَةٌ: مَا لَمْ يَحِلَّ نَجْمٌ, وَلَهُ أَنْ يَحُجَّ بِلَا إذْنٍ نَصَّ عَلَيْهِ, كَالِاعْتِكَافِ, وَأَوْلَى, لِإِمْكَانِ التَّكَسُّبِ مَعَهُ, وَلَا يُمْنَعُ مِنْ إنْفَاقِهِ لِلْمَالِ فِيهِ, كَالِاعْتِكَافِ, وَكَتَرْكِهِ التَّكَسُّبِ مُدَّةً, وَيُنْفِقُ فِيهَا عَلَيْهِ مِمَّا قَدْ جَمَعَهُ, وَاخْتَارَ الشَّيْخُ: يَجُوزُ إنْ لَمْ يَحْتَجْ أَنْ يُنْفِقَ فِيهِ مِمَّا قَدْ جَمَعَهُ مَا لَمْ يَحِلَّ نَجْمٌ, وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: لَهُ الْحَجُّ مِنْ الْمَالِ الَّذِي جَمَعَهُ مَا لَمْ يَأْتِ نجمه, وحمله القاضي وابن عقيل والشيخ على إذنه له, ويجوز بإذنه,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنْ يَحُجَّ بِلَا إذْنٍ يَعْنِي الْمُكَاتَبُ يَأْتِي فِي بَابِ الْكِتَابَةِ بَيَانُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ نَاقَضَ فِي كَلَامِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ, وتحرير ذلك3.
__________
1 1 ليست في "س".
2 بعدها في الأصل "غير".
3 "8/123".(5/136)
أَطْلَقَهُ1 جَمَاعَةٌ وَقَالُوا: نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مَا لَمْ يَحِلَّ نَجْمٌ, وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ, وَعَنْهُ: الْمَنْعُ مُطْلَقًا, "وق".
وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّيِّدِ مُهَايَأَةٌ2 فَلَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ وَيَحُجَّ فِي نَوْبَتِهِ بِلَا إذْنِهِ, لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لَهُ فِيهَا, وَإِلَّا فَلِسَيِّدِهِ منعه. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "نقله".
2 المهايأة: المناوبة بأن يكون لسيده يوما ولنفسه يوما أو لسيده أسبوعا ومثله لنفسه وهكذا.(5/137)
فَصْلٌ: وَلَا يَصِحُّ مِنْ رَجُلٍ تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ جَمَاعَةً فِي مُدَّةِ اعْتِكَافِهِ إلَّا فِي مَسْجِدٍ تقام فيه الجماعة, ولو من رجلين معتكفين,
...
فَصْلٌ: وَلَا يَصِحُّ مِنْ رَجُلٍ تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ3 جَمَاعَةً فِي مُدَّةِ اعْتِكَافِهِ إلَّا فِي مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ, "وهـ", وَلَوْ مِنْ رَجُلَيْنِ معتكفين,
وَإِلَّا صَحَّ مِنْهُ فِي مَسْجِدِ غَيْرِهِ, وَفِي الِانْتِصَارِ: وَلَا يَصِحُّ مِنْ الرَّجُلِ مُطْلَقًا إلَّا فِي مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ, وَظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ, وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ مَا رَوَاهُ سَعِيدٌ4: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ جَامِعٍ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ: لَقَدْ عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ" أَوْ قَالَ "فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ" حَدِيثٌ صَحِيحٌ, وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ لَا يَعُودَ مَرِيضًا وَلَا يَشْهَدَ جِنَازَةً وَلَا يَمَسَّ امْرَأَةً وَلَا يُبَاشِرَهَا وَلَا يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ إلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ, 5وَلَا اعتكاف إلا بصوم5,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
3 ليست في الأصل.
4 وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه "8016" وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه "8009" أيضا عن علي ين أبي طالب قال: لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة.
5 5 ليست في "ب".(5/137)
وَلَا اعْتِكَافَ, إلَّا فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد1 وَقَالَ: غَيْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ لَا يَقُولُ فِيهِ: قَالَتْ: السُّنَّةُ, يَعْنِي أَنَّهُ مَوْقُوفٌ, وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ, وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ, وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثٍ عَنْهَا, وَفِيهِ "وَإِنَّ السُّنَّةَ" وَذَكَرَهُ. وَفِي آخِرِهِ وَيَأْمُرُ مَنْ اعْتَكَفَ أَنْ يَصُومَ وَقَالَ: يُقَالُ: "إنَّ السُّنَّةَ" إلَى آخِرِهِ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ, وَمَنْ أَدْرَجَهُ فِي الْحَدِيثِ فَقَدْ وَهَمَ, وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ وَغَيْرُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ, وَلِأَنَّ الْجَمَاعَةَ وَاجِبَةٌ, فَيَحْرُمُ تَرْكُهَا.
وَيَفْسُدُ الِاعْتِكَافُ بِتَكْرَارِ الْخُرُوجِ, وَظَهَرَ مِنْ هَذَا إنْ قُلْنَا لَا تَجِبُ الْجَمَاعَةُ يَصِحُّ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ, "وم ش", لِظَاهِرِ الْآيَةِ3.
وَلَا يَصِحُّ إلَّا فِي مَسْجِدٍ, إجْمَاعًا, حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ, وَجَوَّزَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِ. وَيَصِحُّ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ, إجْمَاعًا, حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ, وَعَنْ حُذَيْفَةَ4 وَابْنِ الْمُسَيِّبِ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِيهَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَحَبَةُ الْمَسْجِدِ لَيْسَتْ مِنْهُ, فِي رِوَايَةٍ, وهي ظاهر كلام الخرقي, وعنه:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في سننه "2473".
2 في سننه "2/201".
3 وهي قوله تعالى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] .
4 تقدم في الصفحة السابقة.(5/138)
بَلَى, جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ, وِفَاقًا, وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ, وَجَمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي مَوْضِعٍ, فَقَالَ: إنْ كَانَتْ مَحُوطَةً فَهِيَ مِنْهُ, وَإِلَّا فَلَا, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ فَقَالَ: إذَا سَمِعَ أَذَانَ الْعَصْرِ فِي رَحَبَةِ مَسْجِدِ الْجَامِعِ انْصَرَفَ وَلَمْ يُصَلِّ, لَيْسَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَسْجِدِ, حَدُّ الْمَسْجِدِ الَّذِي جُعِلَ عَلَيْهِ حَائِطٌ وَبَابٌ. وَقَدَّمَ هَذَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ, وَصَحَّحَهُ أَيْضًا وَقَالَ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ "م 2" وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ: الرَّحَبَةُ الْمُتَّصِلَةُ به منه. والله أعلم.
وظهر المسجد منه "وهـ ش", وَمَذْهَبُ "م" لَا يَعْتَكِفُ فِيهِ وَلَا فِي بَيْتِ قَنَادِيلِهِ. وَقَالَ "م" أَيْضًا: يُكْرَهُ, والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 2 قَوْلُهُ: وَرَحَبَةُ الْمَسْجِدِ لَيْسَتْ مِنْهُ, فِي رِوَايَةٍ, وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَعَنْهُ: بَلَى, جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ, وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ, وَجَمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي مَوْضِعٍ, فَقَالَ: إنْ كَانَتْ مَحُوطَةً فَهِيَ مِنْهُ, وَإِلَّا فَلَا, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ فَقَالَ: إذَا سَمِعَ أَذَانَ الْعَصْرِ فِي رَحَبَةِ مَسْجِدِ الْجَامِعِ انْصَرَفَ وَلَمْ يُصَلِّ, لَيْسَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَسْجِدِ, حَدُّ الْمَسْجِدِ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ حَائِطٌ وَبَابٌ, وَقَدَّمَ هَذَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا وَقَالَ: وَمِنْ أصحابنا من جعل الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ انْتَهَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ فِي الْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ.
إحْدَاهُمَا لَيْسَتْ مِنْ الْمَسْجِدِ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَجَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّارِحُ وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِمْ, وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ, وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي مَوْضِعٍ, وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ, قَالَ الْحَارِثِيُّ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ: اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ, انْتَهَى وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ مِنْ الْمَسْجِدِ, قَالَ الْمُصَنِّفُ: جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ "قلت" جزم به(5/139)
وَالْمَنَارَةُ الَّتِي لِلْمَسْجِدِ إنْ كَانَتْ فِيهِ أَوْ بَابُهَا فِيهِ فَهِيَ مِنْهُ, بِدَلِيلِ مَنْعِ جُنُبٍ وَالْأَشْهَرُ عَنْ مَالِكٍ: يُكْرَهُ, وَقَالَهُ اللَّيْثُ. وَإِنْ كَانَ بَابُهَا خَارِجًا مِنْهُ بِحَيْثُ لَا يَسْتَطْرِقُ إلَيْهَا إلَّا خَارِجَ الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَتْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنْهُ كَمَا جَزَمَ "بِهِ" بَعْضُهُمْ فَخَرَجَ لِلْأَذَانِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ, لِأَنَّهُ مَشَى حَيْثُ يَمْشِي جُنُبٌ, لِأَمْرٍ مِنْهُ بُدٌّ, كَخُرُوجِهِ إلَيْهَا لِغَيْرِ الْأَذَانِ, وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ, وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّا وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّهَا بُيِّتَتْ لَهُ, فَكَأَنَّهَا مِنْهُ. وقال أبو الخطاب: لأنها1 كالمتصلة بِهِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: لِأَنَّهَا بُنِيَتْ لِلْمَسْجِدِ لِمَصْلَحَةِ الْأَذَانِ, فَكَأَنَّهَا مِنْهُ فِيمَا بُنِيَتْ لَهُ, وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ "ثُبُوتُ" بَقِيَّةِ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ, لِأَنَّهَا لَمْ تُبْنَ لَهُ, وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ, وَثَالِثٌ: إنْ أَلِفَ النَّاسُ صَوْتَ الْمُؤَذِّنِ جَازَ, لِلْحَاجَةِ وَإِلَّا فَلَا, وَإِنْ كَانَتْ فِي الرَّحَبَةِ فَهِيَ مِنْهَا 2"وَإِلَّا فَلَا"2 وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْأَفْضَلُ اعْتِكَافُ الرَّجُلِ فِي الْجَامِعِ إذَا كَانَ اعْتِكَافُهُ تَتَخَلَّلُهُ جُمُعَةٌ, وَلَا يَلْزَمُ وِفَاقًا لِأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ, مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ, وَحَكَاهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ, لِمَا سَبَقَ, وَلِأَنَّهُ خرج لما لا بد منه, وكأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ فِي مَوْضِعٍ فَقَالَا: وَرَحْبَةُ الْمَسْجِدِ كَهُوَ, وَجَمَعَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَقَالَ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ, وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى اخْتِلَافِ الْحَالَيْنِ, انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ الرِّعَايَةُ الْكُبْرَى فِي مَوْضِعٍ, وَكَذَا فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى والوسطى.
__________
1 في الأصل "كأنها".
2 2 ليست في "ب" و"س".(5/140)
اسْتَثْنَى الْجُمُعَةَ, وَلَا1 تَتَكَرَّرُ, بِخِلَافِ الْجَمَاعَةِ. وَفِي الِانْتِصَارِ وَجْهٌ: يَلْزَمُ, فَإِنْ اعْتَكَفَ فِي غَيْرِهِ بَطَلَ بِخُرُوجِهِ إلَيْهَا, "وم", لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ أَنْ يَحْتَرِزَ مِنْهُ, كَالْخَارِجِ مِنْ صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ إلَى صَوْمِ رَمَضَانَ, وَنَحْنُ نَمْنَعُهُ, عَلَى مَا يَأْتِي, فَأَمَّا إنْ عَيَّنَ بِنَذْرِهِ الْمَسْجِدَ الْجَامِعَ تَعَيَّنَ مَوْضِعُ الْجُمُعَةِ, وَإِنْ عَيَّنَ غَيْرَ مَوْضِعِهَا لَمْ يَتَعَيَّنْ مَوْضِعُهَا, وَلَا يَصِحُّ إنْ وَجَبَتْ الْجَمَاعَةُ بِالِاعْتِكَافِ فِيمَا تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَحْدُهَا, وَيَصِحُّ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَلِمَنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي غَيْرِ الْجَامِعِ, وَتَبْطُلُ بِخُرُوجِهِ إلَيْهَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ, كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ.
وَيَصِحُّ مِنْ الْمَرْأَةِ فِي كُلِّ مَسْجِدِ, لِلْآيَةِ, وَالْجَمَاعَةُ لَا تَلْزَمُهَا. وَفِي الِانْتِصَارِ: فِي مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ, وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ, وَظَاهِرُ رِوَايَةِ الْخِرَقِيِّ. لِمَا رَوَاهُ حَرْبٌ وَغَيْرُهُ2 بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ جَعَلَتْ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدِ نَفْسِهَا فِي بَيْتِهَا, فَقَالَ: بِدْعَةٌ, وَأَبْغَضُ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ الْبِدَعُ, فَلَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدٍ. تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ, وَلَا يَصِحُّ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا وهو ما اتخذته لصلاتها لما سبق3,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ب".
2 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "4/316" بنحوه عن علي الأزدي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
3 ص "138".(5/141)
وَهَذَا لَيْسَ بِمَسْجِدٍ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا, وَيَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ, وَأَنَّهُ أَفْضَلُ, وَفِي كُتُبِهِمْ كَالْمُخْتَارِ1: الْمَرْأَةُ تَعْتَكِفُ فِي بَيْتِهَا, قَالَ الْأَصْحَابُ: فلم2 يُنَبِّهْ أَزْوَاجَهُ عَلَى ذَلِكَ؟ وَإِنَّمَا خَافَ عَلَيْهِنَّ التَّنَافُسَ فِي الْكَوْنِ مَعَهُ, وَتَرْكَ الْمُسْتَحَاضَةِ فِيهِ وَالطَّسْتُ تَحْتَهَا3, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: إنَّنَا نَكْرَهُهُ لَهَا إذَا لَمْ تَتَحَفَّظْ بِخِبَاءٍ وَنَحْوِهِ, وَاسْتَحَبَّهُ غَيْرُهُ, وَأَنْ لَا يَكُونَ بِمَوْضِعِ الرِّجَالِ, نَقَلَ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ: يَعْتَكِفْنَ فِي الْمَسَاجِدِ وَيَضْرِبْنَ لَهُنَّ فِيهَا الْخِيَمَ, قَالَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَتِرَ الرَّجُلُ أَيْضًا, لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ, لِأَنَّهُ أَخْفَى لِعَمَلِهِ, وَنَقَلَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ وغيره: لا4 إلَّا لِبَرْدٍ شَدِيدٍ, وَنَقَلَ صَالِحٌ وَابْنُ مَنْصُورٍ: لبرد "والله أعلم".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 هو لابن مودود الموصلي وشرحه المسمى "الاختيار".
2 بعدها في "ب" و"س" "لم"
3 أخرجه البخاري "2037" عن عائشة قالت: اعتكفت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امرأة من أزواجه مستحاضة فكانت ترى الحمرة والصفرة فربما وضعنا الطست تحتها وهي تصلي.
4 ليست في "ب" و"س".(5/142)
فَصْلٌ: وَيَصِحُّ بِغَيْرِ صَوْمٍ,
هَذَا الْمَذْهَبُ"وش", لأن عمر سأله صلى الله عليه وسلم: إنِّي نَذَرْت فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: يَوْمًا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ, قَالَ أَوْفِ بِنَذْرِك زَادَ الْبُخَارِيُّ: "فَاعْتَكِفْ لَيْلَةً" 5, ولحديث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
5 البخاري "2042" ومسلم "1656" "27" من حديث عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنهما.(5/142)
ابْنِ عَبَّاسٍ "لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صِيَامٌ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ" رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 وَقَالَ: رَفَعَهُ السُّوسِيُّ أَبُو بَكْرٍ2, وَغَيْرُهُ لَا يَرْفَعُهُ, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: هُوَ ثِقَةٌ فَيُقْبَلُ رَفْعُهُ وَزِيَادَتُهُ. قَالَهُ الْخَطِيبُ: دَخَلَ بَغْدَادَ وَحَدَّثَ أَحَادِيثَ مُسْتَقِيمَةً. وَلِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ. وَتَفَرَّدَ عَبْدُ اللَّهِ بن بديل وله مناكير بقوله صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ: "اعْتَكِفْ وَصُمْ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد3, وَضَعَّفَهُ وَزِيَادَتُهُ أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُمَا4, ثُمَّ أَمَرَهُ اسْتِحْبَابًا أَوْ نَذَرَهُ مَعَ الِاعْتِكَافِ, بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: إنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الشِّرْكِ وَيَصُومَ, قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادٌ حَسَنٌ تَفَرَّدَ بِهِ سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ, وَأَقْوَالُ الصَّحَابَةِ مُخْتَلِفَةٌ.
فَعَلَى هَذَا أَقَلُّهُ5 تَطَوُّعًا, أَوْ نَذَرَ اعْتِكَافًا وَأَطْلَقَ مَا يُسَمَّى بِهِ مُعْتَكِفًا لَابِثًا, فَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَحْظَةً وِفَاقًا لِلْأَصَحِّ لِلشَّافِعِيَّةِ, وَأَقَلُّهُ عِنْدَهُمْ مُكْثٌ يَزِيدُ عَلَى طُمَأْنِينَةِ الرُّكُوعِ أَدْنَى زِيَادَةٍ, وَفِي كَلَامِ جَمَاعَةٍ أَقَلُّهُ سَاعَةٌ لَا لَحْظَةٌ, وَلَا يَكْفِي عُبُورُهُ, خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ, وَيَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي أَيَّامِ النَّهْيِ الَّتِي لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا. وَلَوْ صَامَ ثُمَّ أَفْطَرَ عَمْدًا لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ.
وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ بِغَيْرِ صَوْمٍ, وهـ م", فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ لَيْلَةً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في سننه "2/199".
2 هو أبو بكر بن إسحاق بن عبد الرحيم السوسي نسبة إلى السوس بلدة من كور الأهواز من بلاد خورستان الأنساب "7/190".
3 في سننه "2474".
4 سنن الدارقطني "2/200" والكامل في الضعفاء لابن عدي "4/1529".
5 في "س" "فله".(5/143)
مُفْرَدَةً, وَفِي أَقَلِّهِ وَجْهَانِ قَالَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ: أَحَدُهُمَا يَوْمٌ, اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وِفَاقًا لِرِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ, لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يَتَأَتَّى فِيهِ الصَّوْمُ. الثَّانِي أَقَلُّهُ مَا يَقَعُ عليه الاسم إذا وجد "في" الصوم, لوجود اللُّبْثِ بِشَرْطِهِ, وَجَزَمَ بِهَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ "م 3" وَهُوَ أَصَحُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَجَزَمَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا: إنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا وَأَطْلَقَ يَلْزَمُهُ يَوْمٌ, وَمُرَادُهُمْ إذَا لَمْ يَكُنْ صَائِمًا, كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِيمَا إذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ أَجْزَأَهُ بَقِيَّةُ النَّهَارِ إنْ كَانَ صَائِمًا, وَجَزَمُوا فِي النَّذْرِ عَلَى الْأَوَّلِ بِأَنَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْلَى, لَا يَوْمًا "ش" لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ, وَمَذْهَبُ مَالِكٍ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَعَنْهُ أَيْضًا: ثَلَاثَةٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 3" قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ بِغَيْرِ صَوْمٍ, هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ "الِاعْتِكَافُ" بِغَيْرِ صَوْمٍ, فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ فِي لَيْلَةٍ مُفْرَدَةٍ, وَفِي أَقَلِّهِ وَجْهَانِ, قَالَهُ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ: أَحَدُهُمَا يَوْمٌ, قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَالثَّانِي أَقَلُّهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ إذا وجد في الصوم, لوجود اللبث بشرطه, وَجَزَمَ بِهَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ, انْتَهَى.
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ اخْتَارَهُ1 أَبُو الْخَطَّابِ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي2 وَالشَّرْحُ3 وَالْفَائِقُ, وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُقْنِعِ4 وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْإِفَادَاتِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ, وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ "قُلْت" وَهُوَ الصَّوَابُ, وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَالزَّرْكَشِيُّ, وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا, وَبَيَّنَ مرادهم.
__________
1 في النسخ الخطية و"ط" "قاله" والمثبت من "الفروع".
2 "4/461".
3 المقنع مع الشرح الكبير والانصاف "7/569 – 570".
4 المقنع مع الشرح الكبير والانصاف "7/566".(5/144)
وَلَا يَصِحُّ فِي أَيَّامِ النَّهْيِ الَّتِي لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا "وهـ م" وَاعْتِكَافُهَا نَذْرًا وَنَفْلًا كَصَوْمِهَا نَذْرًا وَنَفْلًا, فَإِنْ أَتَى عَلَيْهِ يَوْمُ الْعِيدِ فِي أَثْنَاءِ اعْتِكَافٍ مُتَتَابِعٍ, فَإِنْ قُلْنَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ فِيهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ مَكَانَهُ, وَيَجُوزُ خُرُوجُهُ لِصَلَاةِ الْعِيدِ, وَلَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ, خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَعَبْدِ الْمَلِكِ الْمَالِكِيِّ, وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ خَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى إنْ شَاءَ وَإِلَى أَهْلِهِ, وَعَلَيْهِ حُرْمَةُ الْعُكُوفِ ثُمَّ يَعُودُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِهِ لِتَمَامِ أَيَّامِهِ, هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ, قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ.
وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَصُومَ لِلِاعْتِكَافِ مَا لَمْ يَنْذُرْ لَهُ الصَّوْمَ, لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ. وَكَمَا يَصِحُّ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي رَمَضَانَ تَطَوُّعًا أَوْ بِنَذْرٍ عَيَّنَهُ بِهِ "وَ",
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(5/145)
وَشَرَطَهُ الْحَنَفِيَّةُ لِلِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ فِي الذِّمَّةِ. فَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ رَجَبٍ فَتَرَكَهُ وَاعْتَكَفَ رَمَضَانَ أَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ رَمَضَانَ فَتَرَكَهُ وَاعْتَكَفَ رَمَضَانَ الْمُقْبِلَ لَمْ يُجْزِئْهُ. وَكَذَا عِنْدَهُمْ الِاعْتِكَافُ الْمُطْلَقُ إذَا فَعَلَهُ فِي رَمَضَانَ, لِوُجُوبِ صَوْمٍ فِي ذِمَّتِهِ, فَلَا يَتَأَدَّى بِرَمَضَانَ, كَنَذْرِ الصَّوْمِ الْمُفْرَدِ. وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ. وَأَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي أَيِّ صَوْمٍ كَانَ. كَمَنْ نَذَرَ صَلَاةً وَهُوَ مُحْدِثٌ ثُمَّ تَطَهَّرَ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِهِ. وَلِأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ رَمَضَانَ فَأَفْطَرَهُ لِعُذْرٍ فَقَضَاهُ وَاعْتَكَفَ مَعَ الْقَضَاءِ أَجْزَأَهُ "وَ".
وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ رَمَضَانَ فَفَاتَهُ لَزِمَهُ شَهْرٌ غَيْرُهُ "وَ" خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ, لِأَنَّ كُلَّ قُرْبَةٍ مُعَلَّقَةٌ "بِزَمَنٍ" لَا تَسْقُطُ بِفَوَاتِهِ كَنَذْرِ صَلَاةٍ فِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ, أَوْ الصَّدَقَةِ, وَكَنَذْرِ اعْتِكَافِ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ غَيْرِ رَمَضَانَ, وَخَالَفَ فِيهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ, لِفَوَاتِ الْمُلْتَزَمِ, وَيَبْطُلُ هَذَا بِالصَّوْمِ الْمُعَيَّنِ "ع" وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ إذَا لَزِمَ شَهْرٌ غَيْرُهُ فَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ لَا يَلْزَمُهُ صَوْمٌ1, لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ, وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ, قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ أَوْلَى, ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ: إنْ شَرَطْنَاهُ فِيهِ لَزِمَهُ2, وَإِلَّا فَلَا, وَهَذَا هُوَ الَّذِي فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَمُنْتَهَى الغاية, تحقيقا لشرط الصحة "م 4".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 4" قَوْلُهُ: وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ رَمَضَانَ فَفَاتَهُ لَزِمَهُ شَهْرٌ غَيْرُهُ. ثُمَّ إذَا لَزِمَ شَهْرٌ غَيْرُهُ فَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ لَا يَلْزَمُهُ صَوْمٌ, لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ, وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ, قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ أَوْلَى, ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ, إنْ شَرَطْنَاهُ فِيهِ لَزِمَهُ, وَإِلَّا فَلَا, وَهَذَا "هُوَ" الَّذِي فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَمُنْتَهَى الْغَايَةِ, تَحْقِيقًا لِشَرْطِ الصِّحَّةِ, انْتَهَى, فَقَوْلُهُ "قَدَّمَ بَعْضُهُمْ لَا يَلْزَمُهُ صوم" البعض صاحب الرعايتين والحاويين والفائق
__________
1 ليس في الأصل.
2 في الأصل "لزم".(5/146)
وَيُجْزِئُ مَعَ شَرْطِ الصَّوْمِ رَمَضَانُ آخَرُ. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا1: لَا يُجْزِئُهُ, وَهُوَ كَقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ السَّابِقِ, وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ, وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي خِلَافًا فِي نَذْرِ الِاعْتِكَافِ الْمُطْلَقِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ صَوْمُ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ, وَهَذَا خِلَافُ نَصِّ أَحْمَدَ. وَمُتَنَاقِضٌ, لِأَنَّ الْمُطْلَقَ أَقْرَبُ إلَى الْتِزَامِ الصَّوْمِ, فَهُوَ أَوْلَى, ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ, وَلَمْ يَرُدَّ الْقَاضِي هَذَا وَإِنْ دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ, وَالْقَوْلُ بِهِ فِي الْمُطْلَقِ مُتَعَيَّنٌ, وَعَلَّلَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"قُلْت": الصَّوَابُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ, وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُنَافٍ لِمَا قَدَّمَهُ في الرعايتين والحاويين والفائق, والله أعلم.
__________
1 ليست في الأصل.(5/147)
الإجزاء بأنه لم يلزمه بِالنَّذْرِ صِيَامٌ, وَإِنَّمَا أَوْجَبَ ذَلِكَ عَنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَعَلَّلَ عَدَمَهُ بِأَنَّهُ لَمَّا فَاتَهُ لَزِمَهُ اعْتِكَافُ شَهْرٍ بِصَوْمٍ, فَلَمْ يَقَعْ صِيَامُهُ عَنْهُ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ عَشْرِهِ الْأَخِيرِ فَنَقَصَ أَجْزَأَهُ وِفَاقًا, بِخِلَافِ نَذَرَ عَشْرَةِ أَيَّامٍ من آخر الشهر فنقص يقضي يوما, "و".
وَإِنْ فَاتَهُ الْعَشْرُ فَقَضَاهُ خَارِجَ رَمَضَانَ جَازَ, ذكره القاضي, وفاقا, لقضائه صلى الله عليه وسلم فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ شَوَّالٍ1, مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2, وَكَقَضَاءِ نَذَرَ صَوْمِ عَرَفَة أَوْ عَاشُورَاءَ فِي غَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى3: يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ مِنْ قَابِلٍ, وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَابْنِ مَنْصُورٍ فِي الْمُعْتَكِفِ يَقَعُ عَلَى امْرَأَتِهِ عَلَيْهِ الِاعْتِكَافُ مِنْ قَابِلٍ, لِاشْتِمَالِهِ عَلَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ, وَسَبَقَ أَنَّ مَنْ نَذَرَ قِيَامَهَا لَزِمَهُ, فَكَذَا اعْتِكَافُهَا, ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ مِنْ رَمَضَانَ الْآتِي, فِي الْأَشْهَرِ, قَالَ مِنْ عِنْدَهُ, وَيَحْتَمِلُ "أَنْ يُجْزِئَهُ" مِثْلُهُ مِنْ شَهْرٍ غَيْرِهِ. وَيَتَوَجَّهُ مِنْ تَعْيِينِ الْعَشْرِ تَعْيِينُ رَمَضَانَ فِي الَّتِي قَبْلِهَا, وَلِهَذَا لَمَّا ذَكَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى. فَذَكَرَ قَوْلَهُ وَلَمْ يزد, ولعل الثاني أظهر, لأن فعله صلى الله عليه وسلم تطوع, والصوم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س" "شعبان".
2 البخاري "2034" ومسلم "1173" "6" من حديث عائشة رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أن يعتكف فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف إذا أخبية: خباء عائشة وخباء حفصة وخباء زينب فقال: "البر تقولون بهن" ثم انصرف فلم يعتكف حتى اعتكف عشرا من شوال واللفظ للبخاري.
3 في الإرشاد ص "155".(5/148)
يُجْزِئُ الْمَفْضُولُ فِيهِ عَنْ الْفَاضِلِ, بِدَلِيلِ أَيَّامِ الأسبوع والأشهر والله أعلم.(5/149)
فَصْلٌ: مَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ صَائِمًا
أَوْ بِصَوْمٍ لَزِمَاهُ مَعًا, فَلَوْ فَرَّقَهُمَا أَوْ اعْتَكَفَ وَصَامَ فَرْضَ رَمَضَانَ وَنَحْوَهُ لَمْ يجزئه, لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صِيَامٌ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ" 1 وَلِأَنَّ الصَّوْمَ صِفَةٌ مَقْصُودَةٌ فِيهِ, كَالتَّتَابُعِ وَكَالْقِيَامِ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: يَلْزَمُهُ الْجَمِيعُ لَا الْجَمْعُ, فَلَهُ فِعْلُ كُلِّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا. وَقَالَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ صَائِمًا أَوْ بِالْعَكْسِ, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: لَا نُسَلِّمُهُ وَنَقُولُ: يَلْزَمُهُ الْجَمْعُ كَمَا قَالَ, ثُمَّ سَلَّمَهُ وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ, لِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا ليس بمقصود في الآخر ولا سبته. وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ مُعْتَكِفًا فَالْوَجْهَانِ لَنَا وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا, قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ, وَفَرَّقَ فِي التَّلْخِيصِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ من شعاره الاعتكاف,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 تقدم تخريجه "143".(5/149)
وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ. وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ مُصَلِّيًا فَالْوَجْهَانِ فِي الْمَذْهَبَيْنِ. وَفِيهِمَا وَجْهٌ ثَالِثٌ: لَا يَلْزَمُهُ الْجَمْعُ هُنَا, لِتَبَاعُدِ مَا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ, وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ كَفٌّ يُعْتَبَرُ بِالزَّمَانِ, فَلَزِمَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِالنَّذْرِ, كَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ, وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ جَمِيعَ الزَّمَانِ, ذكر ذلك صاحب المحرر, وَالْمُرَادُ رَكْعَةٌ أَوْ رَكْعَتَانِ, وَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الصُّورَةَ فِي التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ, وَذَكَرَ أَنْ يُصَلِّيَ مُعْتَكِفًا وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ, وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا.
وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً وَيَقْرَأَ فِيهَا سُورَةً بِعَيْنِهَا لَزِمَهُ الْجَمْعُ, فَلَوْ قَرَأَهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ لَمْ يُجْزِئْهُ, ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ, وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَيَتَخَرَّجُ لَنَا مِثْلُهُ, وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: لَا يَلْزَمُ حَالَ النَّاذِرِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ إذَا كَانَتْ عِبَادَةً مُفْرَدَةً, فَإِذَا نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ مُعْتَكِفًا أَوْ بِالْعَكْسِ, 1أَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ مُصَلِّيًا أَوْ بِالْعَكْسِ, أَوْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مُعْتَكِفًا أَوْ بِالْعَكْسِ1, وَنَحْوِهِ, لَزِمَهُ الْأَوَّلُ لَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ: "وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومُ مُعْتَكِفًا فَالْوَجْهَانِ" وَكَذَا قَوْلُهُ: "وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ مُصَلِّيًا فَالْوَجْهَانِ" يَعْنِي الْمُتَقَدِّمَيْنِ قَبْلُ, وَالْمُصَنِّفُ قَدْ قَدَّمَ أَنَّهُمَا يَلْزَمَانِهِ مَعًا فِيمَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا أَوْ يَصُومَ, فَكَذَا هُنَا, والله أعلم.
__________
1 1 ليست في "ب".(5/150)
الثَّانِي, لَا مُنْفَرِدًا وَلَا مَعَ الْأَوَّلِ, لِأَنَّهُ لم يلتزمه1 مُنْفَرِدًا, وَلَيْسَ بِصِفَةٍ مَقْصُودَةٍ لِيَلْزَمَ بِالنَّذْرِ, وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا لَزِمَهُ الصَّوْمُ2, لِكَوْنِهِ شَرْطًا فِيهِ عَلَى أَصْلِهِمْ, وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ مُعْتَكِفًا فَلَهُمْ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا لَا يَلْزَمُهُ سوى الصوم3, كَمَا سَبَقَ, وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ الِاعْتِكَافُ, لِأَنَّهُ لَيْسَ عِبَادَةً مُسْتَقِلَّةً, فَجَازَ جَعْلُهُ شَرْطًا فِي الْعِبَادَةِ الَّتِي جُعِلَتْ شَرْطًا لَهُ. وَنَصَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وُجُوبَ الْجَمْعِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ, لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ كذلك فيدخل فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ نَذَرَ نَذْرًا أَطَاقَهُ فَلْيَفِ بِهِ" 4 وَلِأَنَّهُ طَاعَةٌ, لِاسْتِبَاقِهِ إلَى الْخَيْرَاتِ, وَلِكَوْنِهِ أَشَقَّ. قَالَ: وَمَا عَلَّلَ بِهِ الْمُخَالِفَ يَبْطُلُ بِالتَّتَابُعِ فِي الصَّوْمِ يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ, وَكُلُّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "س" "يلزمه".
2 ليست في الأصل.
3 في "ب" و"س" "الأول".
4 أخرجه أبو داود "3323" وابن ماجه "2128" مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.(5/151)
فَصْلٌ: مَنْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ
أَوْ الصَّلَاةَ فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لَمْ يُجْزِئْهُ فِي غَيْرِهَا "هـ" لِفَضْلِ الْعِبَادَةِ فِيهَا عَلَى غَيْرِهَا, وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ: يَتَعَيَّنُ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فَقَطْ. وَإِنْ عَيَّنَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لَمْ يُجْزِئْهُ غَيْرُهُ, لِأَنَّهُ أَفْضَلُهَا, احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ, فَدَلَّ إنْ قُلْنَا إنَّ الْمَدِينَةَ أَفْضَلُ أَنَّ مَسْجِدَهَا أَفْضَلُ "ر م" وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ, وَصَرَّحَ بِهِ صاحب الرعاية.(5/151)
وَإِنْ عَيَّنَ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ لَمْ يُجْزِئْهُ غَيْرُهُ, لِأَنَّهُ دُونَهُ, إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ عَلَى مَا سَبَقَ. وَإِنْ عَيَّنَ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى أَجْزَأَهُ الْمَسْجِدَانِ فَقَطْ, نَصَّ عَلَيْهِ, لِأَفْضَلِيَّتِهِمَا عَلَيْهِ "م" فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ. وَإِنْ عَيَّنَ مَسْجِدًا غَيْرَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَتَعَيَّنْ, لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ" وَذَكَرَهَا, مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ1, وَلِمُسْلِمٍ2 فِي رِوَايَةٍ: "إنَّمَا يُسَافَرُ إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ" فَلَوْ تَعَيَّنَ احْتَاجَ إلَى شَدِّ رَحْلٍ, كَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ, وَهُوَ صَحِيحٌ فِيمَا إذَا احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ, وَخَالَفَ فِيهِ اللَّيْثُ, وَيَتَوَجَّهُ إلَّا مَسْجِدَ قُبَاءَ, وِفَاقًا لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْمَالِكِيِّ, لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُ قُبَاءَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا. وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ يَأْتِي قُبَاءَ كُلَّ سَبْتٍ, كَانَ يَأْتِيهِ رَاكِبًا وَمَاشِيًا وَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ, مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ3. وَلِلنَّسَائِيِّ "وَابْنِ مَاجَهْ"4 مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ: "إنَّ مَنْ خَرَجَ حَتَّى يَأْتِيَهُ فَيُصَلِّيَ فِيهِ كَانَ لَهُ عَدْلُ عُمْرَةٍ" , وَعَنْ أُسَيْدَ بْنِ ظُهَيْرٍ مَرْفُوعًا: "الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ كَعُمْرَةٍ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ5 وَقَالَ: غَرِيبٌ, ولا نعرف لأسيد شيئا يصح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 البخاري "1189" ومسلم "1397" "511".
2 في صحيحه "1397" "513".
3 البخاري "1191" "1193" ومسلم "1399" "515, 520, 521"
4 النسائي في المجتبى "2/37" وابن ماجه "412" بنحوه.
5 في سننه "324".(5/152)
غَيْرُ هَذَا. وَفِيهِ تَخْصِيصُ بَعْضِ الْأَيَّامِ بِالزِّيَارَةِ, وَكَرِهَهُ 1مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْمَالِكِيُّ. أَمَّا مَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى شَدِّ رَحْلٍ فَمَفْهُومُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي2 يَلْزَمُ فِيهِ1, وَهُوَ ظَاهِرُ الِانْتِصَارِ, فَإِنَّهُ قَالَ: الْقِيَاسُ لُزُومُهُ تَرَكْنَاهُ لِقَوْلِهِ: "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ...." 3. وَذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ احْتِمَالًا فِي تَعْيِينِ الْمَسْجِدِ الْعَتِيقِ لِلصَّلَاةِ, وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّ الْقَاضِيَ ذَكَرَ تَعْيِينَهُ لَهَا, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: لِأَنَّهُ أَفْضَلُ, قَالَ: وَنَذْرُ الِاعْتِكَافِ مِثْلُهُ, وَأَطْلَقَ شَيْخُنَا وَجْهَيْنِ فِي تَعْيِينِ مَا امْتَازَ بمزية شرعية, كقدم وكثرة جمع, واختار في مَوْضِعٍ آخَرَ: يَتَعَيَّنُ, وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِهَذَا فِي الْمَسْجِدِ الْقَرِيبِ, وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ الْجَلَّابِ مِنْهُمْ, وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ, وَذَكَرَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَجْهًا, وَبَعْضُهُمْ قَوْلًا فِي تَعْيِينِ الْمَسَاجِدِ لِلِاعْتِكَافِ, وَاحْتَجُّوا لِعَدَمِ التَّعْيِينِ بِأَنَّهُ لَا مِزْيَةَ لِبَعْضِ الْمَسَاجِدِ عَلَى بَعْضٍ بِمِزْيَةٍ أَصْلِيَّةٍ, وَهَذَا يَبْطُلُ بِقُبَاءَ, ثُمَّ هِيَ طَاعَةٌ, فَتَدْخُلُ فِي الْخَبَرِ, ثُمَّ مَا الْفَرْقُ؟ وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُعَيِّنْ لِعِبَادَتِهِ مَكَانًا: وَيَبْطُلُ بِبِقَاعِ الْحَجِّ. وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: الِاعْتِكَافُ وَالصَّلَاةُ لَا يَخْتَصَّانِ بِمَكَانٍ, بِخِلَافِ الصَّوْمِ, كَذَا قَالَا "م هـ" فَعَلَى الْمَذْهَبِ الأول يعتكف في غير المسجد الذي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 1 ليست في الأصل.
2 "4/493 – 494".
3 تقدم تخريجه ص "152".(5/153)
عَيَّنَهُ, وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ إنْ وَجَبَتْ فِي غَيْرِ الْمُسْتَحَبِّ. وَكَذَا الصَّلَاةُ "م 6".
وَظَاهِرُ كَلَامِ جماعة: يصلي في غير مسجد أَيْضًا, وَلَعَلَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِمْ, وَهُوَ مُتَّجَهٌ. وَإِنْ أَرَادَ الذَّهَابَ إلَى مَا عَيَّنَهُ فَإِنْ احْتَاجَ إلى شد رحل خير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 5" قَوْلُهُ: وَإِنْ عَيَّنَ مَسْجِدًا غَيْرَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَتَعَيَّنْ. أَمَّا مَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى شَدِّ رَحْلٍ فَمَفْهُومُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي يَلْزَمُ فِيهِ, وَهُوَ ظَاهِرُ الِانْتِصَارِ, فَإِنَّهُ قَالَ: الْقِيَاسُ لُزُومُهُ تَرَكْنَاهُ لِقَوْلِهِ: "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ" 1, وَذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ احْتِمَالًا فِي تَعْيِينِ الْمَسْجِدِ الْعَتِيقِ لِلصَّلَاةِ, وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّ الْقَاضِيَ ذَكَرَ تَعْيِينَهُ لَهَا, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: لِأَنَّهُ أَفْضَلُ, قَالَ: وَنَذْرُ الِاعْتِكَافِ مِثْلُهُ, وَأَطْلَقَ شَيْخُنَا وجهين في تعيين ما امتاز بمزية شرعية, كَقِدَمٍ وَكَثْرَةِ جَمْعٍ, وَاخْتَارَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يَتَعَيَّنُ وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: الِاعْتِكَافُ وَالصَّلَاةُ لَا يَخْتَصَّانِ بِمَكَانٍ, بِخِلَافِ الصَّوْمِ, كَذَا قَالَا, انْتَهَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ, وَمُلَخَّصُهُ أَنَّهُ إذَا نَذَرَ اعْتِكَافًا فِي مَسْجِدٍ وَلَمْ يَحْتَجْ, إلَى شَدَّ رَحْلٍ فَهَلْ يَلْزَمُهُ إتْيَانُهُ وَيَتَعَيَّنُ فِيهِ أَمْ لَا؟.
وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ غَيْرَ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَلَوْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى شَدِّ رَحْلٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ, بَلْ هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ, وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
"مَسْأَلَةٌ 6" قَوْلٌ: فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ يَعْتَكِفُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الَّذِي عَيَّنَهُ, وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ إنْ وَجَبَتْ فِي غَيْرِ الْمُسْتَحَبِّ, وَكَذَا الصَّلَاةُ, انْتَهَى, وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِق وَالْمُجَرَّدِ, ذَكَرَهُ فِي بَابِ النَّذْرِ.
إحْدَاهُمَا لَا كَفَّارَةَ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, جَزَمَ بِهِ الْمُقْنِعُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ, قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ, فِي وَجْهٍ, فَدَلَّ عَلَى أَنْ الْمُقَدَّمَ وَالْمَشْهُورَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ "قُلْت": وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ, جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تذكرته.
__________
1 تقدم ص "152".(5/154)
عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ, وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِإِبَاحَتِهِ, وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِي الْقَصِيرِ, وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ قُبَاءَ1, وَحَمَلَ النَّهْيَ عَلَى أَنَّهُ لَا فَضِيلَةَ فِيهِ, وَقَالَهُ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ, وَحَكَاهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ, وَلَمْ يُجَوِّزْهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَشَيْخُنَا "م 7" "وم" وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ, وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ عَنْهُ: يُكْرَهُ, وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُ فِي التَّخْلِيصِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ لَا يَتَرَخَّصُ, وَذَكَرَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ2 فِي شرح المقنع: يكره إلى الْقُبُورِ وَالْمَشَاهِدِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ, وَنَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَشِنْدِيّ أَنَّ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَأْتِي الْمَشَاهِدَ وَيَذْهَبُ إلَيْهَا: تَرَى ذَلِكَ؟ قَالَ: أَمَّا عَلَى حَدِيثِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ3 أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى يَتَّخِذَ ذَلِكَ مُصَلًّى, وَعَلَى نَحْوِ مَا كَانَ يَفْعَلُ ابْنُ عُمَرَ يَتْبَعُ مَوَاضِعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَثَرَهُ4, فَلَيْسَ بِذَلِكَ بَأْسٌ, إلَّا أَنَّ النَّاسَ أَفْرَطُوا فِي هَذَا جِدًّا وَأَكْثَرُوا, قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ, فذكر قبر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 7" قَوْلُهُ: وَإِنْ أَرَادَ الذَّهَابَ إلَى مَا عَيَّنَهُ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى شَدِّ رَحْلٍ خُيِّرَ عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ, وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِإِبَاحَتِهِ, وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِي الْقَصِيرِ وَلَمْ يُجَوِّزْهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَشَيْخُنَا, انْتَهَى, مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ هُوَ الصواب, واختاره الشارح أيضا.
__________
1 تقدم ص "152".
2 يعني أبا البركات المنجا بن عثمان التنوخي "ت 695 هـ" وشرحه يسمى "الممتع في شرح المقنع".
3 كذا في النسخ ولعل الصواب: عتبان بن مالك وحديثه في البخاري "667" ومسلم "33" "263" بنحوه أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إنها تكون الظلمة والسيل وأنا رجل ضرير البصر فصل يا رسول الله في بيتي مكانا أتخذه مصلى فجاء رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "أين تحب أن أصلي؟ فأشار إلى مكان من البيت فصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما ابن أم مكتوم فالمحفوظ عنه ما أخرجه أبو داود في سننه " 552" أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ في بيته فقال: "هل تسمع النداء"؟ قال: نعم قال: "لا أجد لك رخصة".
4 أخرجه ابن سعد في طبقاته "4/145" عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما كان أحد يتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم في منازله كما كان يتبعه ابن عمر.(5/155)
الْحُسَيْنِ وَمَا يَفْعَلُ النَّاسُ عِنْدَهُ, وَحَكَى شَيْخُنَا وَجْهًا: يَجِبُ السَّفَرُ الْمَنْذُورُ إلَى الْمَشَاهِدِ, وَمُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الرِّعَايَةِ. وَقَالَ شَيْخُنَا أَيْضًا: مَا شُرِعَ جِنْسُهُ وَالْبِدْعَةُ اتِّخَاذُهُ عَادَةً كَأَنَّهُ وَاجِبٌ كَصَلَاةٍ وَقِرَاءَةٍ "وَدُعَاءٍ" وَذِكْرٍ جَمَاعَةً وَفُرَادَى وَقَصْدِ بَعْضِ الْمَشَاهِدِ وَنَحْوِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْكَثِيرِ الظَّاهِرِ مِنْهُ وَالْقَلِيلِ الْخَفِيِّ وَالْمُعْتَادِ وَغَيْرِهِ. قَالَ: وَيَتَرَتَّبُ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَكَرَاهَتِهِ حُكْمُ نَذْرِهِ وَشَرْطِهِ فِي وَقْفٍ وَوَصِيَّةٍ وَنَحْوِهِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَمَّا مَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى شَدِّ رَحْلٍ فَيُخَيَّرُ, ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: الْأَفْضَلُ الْوَفَاءُ, وَهَذَا أَظْهَرُ.(5/156)
فَصْلٌ: مَنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا مُعَيَّنًا مُتَتَابِعًا
لَيْلًا أَوْ نَهَارًا مُطْلَقًا, أَوْ1 شَرَطَ تَتَابُعَهُ, أَوْ نَوَاهُ فِي يَوْمَيْنِ أَوْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ, أَوْ أَطْلَقَ وَقُلْنَا يَجِبُ تَتَابُعُهُ فِي وَجْهٍ كَمَا يَأْتِي لَزِمَهُ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَقَطْ, نَصَّ عَلَيْهِ "وش" لِأَنَّ الْيَوْمَ اسْمٌ لِبَيَاضِ النَّهَارِ, وَاللَّيْلَةَ اسْمٌ لِسَوَادِ اللَّيْلِ, وَالتَّثْنِيَةُ وَالْجَمْعُ تَكْرَارُ الْوَاحِدِ, وَإِنَّمَا يَدْخُلُ مَا تَخَلَّلَهُ مِنْ الْأَيَّامِ أَوْ1 اللَّيَالِي تَبَعًا لِلُّزُومِ التَّتَابُعِ ضِمْنًا, وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَلْزَمُهُ مَا تَخَلَّلَهُ, لِأَنَّ لَفْظَهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ, وَاخْتَارَهُ أَبُو حَكِيمٍ وَخَرَّجَهُ مِنْ اعْتِكَافِ يَوْمٍ لَا يلزمه معه ليلة, وهو الأصح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "و".(5/156)
لِلشَّافِعِيَّةِ, وَحُكِيَ لَنَا قَوْلٌ: لَا يَلْزَمُهُ لَيْلًا, وَمَذْهَبُ "هـ م" يَلْزَمُهُ بِعَدَدِ مَا لَفَظَ بِهِ, لِأَنَّ ذِكْرَ الْعَدَدِ مِنْ أَحَدِ جِنْسَيْ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي عِبَارَةٌ عَنْهُمَا مَعَ الْإِطْلَاقِ, لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً} [مريم: 10] وَقَالَ: {ثَلاثَةَ أَيَّامٍ} [آل عمران: 41] وَأُجِيبُ بِأَنَّ اللَّهَ نَصَّ عَلَيْهِمَا, كَمَا يُعْمَلُ بِالنِّيَّةِ فِي اللُّزُومِ وَعَدَمِهِ "وَ".
وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا مُعَيَّنًا أَوْ مُطْلَقًا دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ قَبْلَ فَجْرِهِ الثَّانِي وَخَرَجَ بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِهِ "وهـ ش" لِأَنَّهُ اسْمُ الْيَوْمِ, قَالَهُ الْخَلِيلُ, وَلَا تَلْزَمُهُ اللَّيْلَةُ الَّتِي قَبْلَهُ "م" لِأَنَّ اللَّيْلَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْيَوْمِ, وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً: يَدْخُلُ مُعْتَكَفَهُ قَبْلَ وَقْتِ صَلَاةِ الْفَجْرِ, وَكَذَا عِنْدَ مَالِكٍ إنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ لَيْلَةً لَزِمَتْهُ بِيَوْمِهَا. وَتَلْزَمُهُ عِنْدَنَا اللَّيْلَةُ فَقَطْ, فَيَدْخُلُ قَبْلَ الْغُرُوبِ, وَيَخْرُجُ بَعْدَ فَجْرِهَا الثَّانِي "وش" وَإِنْ اعْتَبَرْنَا الصَّوْمَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ "وهـ".
وَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ لَمْ يَجُزْ تَفْرِيقُهُ بِسَاعَاتٍ مِنْ الْأَيَّامِ "وهـ م" لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(5/157)
يُفْهَمُ مِنْهُ التَّتَابُعُ, كَقَوْلِهِ: مُتَتَابِعًا. وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ, وَإِنْ قَالَ فِي وَسَطِ النَّهَارِ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا مِنْ وَقْتِي هَذَا لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى مِثْلِهِ, لِتَعْيِينِهِ ذَلِكَ بِنَذْرِهِ. وَفِي دُخُولِ اللَّيْلِ الْخِلَافُ السَّابِقُ. وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ إنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ فَمِنْ الْوَقْتِ إلَى مِثْلِهِ.
وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ وَخَرَجَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِهِ, نَصَّ عَلَيْهِ "وَ" وَعَنْهُ: أَوْ يَدْخُلُ قَبْلَ فَجْرِهَا الثَّانِي, رُوِيَ عَنْ اللَّيْثِ وَأَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ.
وَإِنْ نَذَرَ عَشْرًا مُعَيَّنًا دَخَلَ قَبْلَ لَيْلَتِهِ الْأُولَى "وَ" وَعَنْهُ: أَوْ قَبْلَ فَجْرِهَا الثَّانِي, وَعَنْهُ: أَوْ بَعْدَ صَلَاتِهِ.
وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ الْعَشْرَ الْأَخِيرَ تَطَوُّعًا دَخَلَ قبل ليلته الأولى, نص عليه, لرؤياه صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَيْلَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ, فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ1, وَحَضَّ أَصْحَابَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ على اعتكاف العشر, وليلته الأولى كغيرها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه البخاري "2027" ومسلم "1167" "213" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعتكف في العشر الأواسط من رمضان فاعتكف عاما حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرون وهي الليلة التي يخرج من صبحتها من اعتكافه قال: "من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر وقد أريت هذه الليلة ثم أنسيها وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبحتها....." فبصرت عيناي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرون.(5/158)
وَهُوَ عَدَدٌ مُؤَنَّثٌ وَعَنْهُ: بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْهُ, وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ, لِقَوْلِ عَائِشَةَ: كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ, مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ1, وَحَمَلَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ عَلَى الْجَوَازِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي يَوْمِ الْعِشْرِينَ لِيَسْتَظْهِرَ بِبَيَاضِ يَوْمٍ زِيَادَةً قَبْلَ دُخُولِ الْعَشْرِ, قَالَ: وَنُقِلَ هَذَا عَنْهُ, ثُمَّ ذَكَرَهُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ, وَلَمْ أَجِدْهُ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ.
وَيَخْرُجُ بَعْدَ فَرَاغِ مُدَّةِ الِاعْتِكَافِ "ع" فَإِنْ اعْتَكَفَ رَمَضَانَ أَوْ الْعَشْرَ الْأَخِيرَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَبِيتَ2 لَيْلَةَ الْعِيدِ فِي مُعْتَكَفِهِ, وَيَخْرُجَ مِنْهُ إلَى الْمُصَلَّى, نَصَّ عَلَيْهِ, وَقَالَ: هَكَذَا حَدِيثُ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ, وَقَالَهُ مَالِكٌ وَذَكَرَ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ أَهْلِ الْفَضْلِ الَّذِينَ مَضَوْا3. وَقَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ ذَلِكَ4, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: لِيَصِلَ طَاعَةً بِطَاعَةٍ, قَالَ فِي الْكَافِي5: وَلِأَنَّهَا لَيْلَةٌ تتلو العشر, ورد الشرع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 البخاري "2033" ومسلم "1173" "6".
2 في الأصل "يلبث" وفي "س" يثبت".
3 الموطأ "1/315 – 316".
4 أخرجه ابن ابي شيبة في مصنفه "3/92".
5 "2/295".(5/159)
بِالتَّرْغِيبِ فِي قِيَامِهَا1 فَأَشْبَهَتْ لَيَالِيَ الْعَشْرِ, وَأَوْجَبَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ وَقَالَ: إنَّهُ السُّنَّةُ الْمُجْمَعُ عليها, فإن خرج ليلة العيد بنيتة2 فَسَدَ اعْتِكَافُهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَقُلْ بِقَوْلِهِمَا أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَّا رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ, وَلَمْ يَسْتَحِبَّهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ, لِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ, كَالْعَشْرِ الْأَوَّلِ أَوْ الْأَوْسَطِ والله أعلم.
وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ أَيَّامَ الْعَشْرِ لَزِمَهُ مَا يَتَخَلَّلُهُ3 مِنْ لَيَالِيهِ لَا لَيْلَتِهِ الْأُولَى, نَصَّ عَلَيْهِ, وَفِيهَا وَفِي لَيَالِيه الْمُتَخَلِّلَةِ الْخِلَافُ السَّابِقُ أَوَّلَ الْفَصْلِ, وَفِي الْكَافِي4: إنْ نَذَرَ أَيَّامَ الشَّهْرِ أَوْ لَيَالِيَهُ أَوْ شَهْرًا بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ لَزِمَهُ مَا نَذَرَهُ فَقَطْ, وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا, وَإِنْ نَذَرَ شَهْرًا مُطْلَقًا لزمه تتابعه, نص عليه "وهـ م" لأنه معنى يصح ليلا ونهارا,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهَانِ:
أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ: فَإِنْ خَرَجَ لَيْلَةَ الْعِيدِ بِنِيَّةٍ. فَسَدَ اعْتِكَافُهُ, انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ. كَذَا فِي النُّسَخِ, وَلَعَلَّهُ إلى بيته, انتهى, "قلت": يحتمل أن
__________
1 أخرجه أبن ماجه في سننه "1782" عن أبي أمامة عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "من قام ليلتي العيدين محتسبا لله لم يمت قبله يوم تموت القلوب".
2 ليست في الأصل وفي "ب" بيته".
3 في "ب" و"س" تخلله".
4 "2/282".(5/160)
كَمُدَّةِ الْعِدَّةِ وَالْعُنَّةِ وَالْإِيلَاءِ, وَلِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ إطْلَاقِهِ, بِدَلِيلِ فَهْمِهِ مِنْ إطْلَاقِهِ فِي الْعِدَّةِ والإيلاء, فعلم أن التصريح به فِي الْكَفَّارَةِ تَأْكِيدٌ وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ, اخْتَارَهُ الآجري, وصححه ابن شهاب وغيره "وش" لِأَنَّهُ يَصِحُّ إطْلَاقُهُ عَلَى ذَلِكَ, وَلِهَذَا يَصِحُّ تَقْيِيدُهُ بِالتَّتَابُعِ, وَلَا يَلْزَمُهُ الشُّرُوعُ فِيهِ عَقِبَ النَّذْرِ, بِخِلَافِ لَا كَلَّمْتُ زَيْدًا شَهْرًا.
وَيَدْخُلُ مُعْتَكَفَهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ. وَعَنْهُ: أَوْ وَقْتَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ, وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَعَنْهُ: أَوْ قَبْلَ الْفَجْرِ الثَّانِي مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ. وَلَا يَخْرُجُ إلَّا بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ أَيَّامِهِ. وَيَكْفِي شَهْرٌ هِلَالِيٌّ نَاقِصٌ بِلَيَالِيِهِ أَوْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا1. قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ عَلَى رِوَايَةٍ لَا يَجِبُ التَّتَابُعُ: يَجُوزُ إفْرَادُ اللَّيَالِي عَنْ الْأَيَّامِ إذَا لَمْ نَعْتَبِرْ الصَّوْمَ, وَإِنْ اعْتَبَرْنَاهُ لَمْ يَجُزْ وَوَجَبَ اعْتِكَافُ كُلِّ يَوْمٍ مَعَ لَيْلَتِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَيْهِ. وَإِنْ ابْتَدَأَ الثَّلَاثِينَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ فَتَمَامُهُ فِي مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ مِنْ الْيَوْمِ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ "وَإِنْ ابْتَدَأَهُ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ تَمَّ فِي مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ مِنْ اللَّيْلَةِ الْحَادِيَةِ وَالثَّلَاثِينَ" إنْ لَمْ نَعْتَبِرْ الصَّوْمَ, وَإِنْ اعْتَبَرْنَاهُ فَثَلَاثِينَ لَيْلَةً صِحَاحًا بِأَيَّامِهَا الْكَامِلَةِ, فَيَتِمُّ اعْتِكَافُهُ بِغُرُوبِ شَمْسِ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ فِي الصُّورَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
يَكُونَ هُنَا نَقْصٌ, وَتَقْدِيرُهُ بِنِيَّةِ إقَامَتِهِ, أَوْ بِنِيَّةِ قَطْعِهِ, وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَصِحُّ بِهِ الْحُكْمُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عليه.
__________
1 بعدها في "ب" "ثلاثين ليلة".(5/161)
الْأُولَى, أَوْ الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ فِي الثَّانِيَةِ, لِئَلَّا يَعْتَكِفَ بَعْضَ يَوْمٍ أَوْ بَعْضَ لَيْلَةٍ دُونَ يَوْمِهَا الَّذِي يَلِيهَا, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ أَوْ1 لَيَالٍ مَعْدُودَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّتَابُعُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ لِعَدَمِ دَلَالَتِهَا عَلَيْهِ, وَكَذَا احْتَجَّ ابْنُ عَبَّاسٍ2 فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ بِقَوْلِهِ: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وَاحْتَجَّ غَيْرُهُ فِي الْكَفَّارَةِ بِقَوْلِهِ: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196] وَعِنْدَ الْقَاضِي: يَلْزَمُهُ "وهـ م" كَلَفْظِ الشَّهْرِ, وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ إلَّا فِي ثَلَاثِينَ يَوْمًا, لِلْقَرِينَةِ, لِأَنَّ الْعَادَةَ فِيهِ لَفْظُ الشَّهْرِ, فَإِنْ تَابَعَ لَزِمَهُ مَا يَتَخَلَّلُهَا مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ, فِي الْأَشْهَرِ.
وَيَدْخُلُ فِي الْأَيَّامِ مُعْتَكَفَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ الثَّانِي, وَعَنْهُ: أَوْ بَعْدَ صَلَاتِهِ.
وَإِنْ نَذَرَ شَهْرًا مُتَفَرِّقًا فَلَهُ تَتَابُعُهُ "وش" قَالَ صاحب المحرر: لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س" "و".
2 أخرجه البخاري في صحيحه معلقا إثر حديث "1949".(5/162)
أَفْضَلُ كَاعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ نَذْرِ غَيْرِهِ, قَالَ: وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَهْلِ الرَّأْيِ, فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِيمَنْ أَوْصَى بِحَجَّتَيْنِ فِي عَامَيْنِ فَأُخْرِجَا فِي عَامٍ: جَازَ, فَهَذَا أَوْلَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: فَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْقِيَاسِ, فَدَلَّ عَلَى مُخَالَفَةِ لَفْظُ الْمُوصِي لِلْأَفْضَلِيَّةِ لِمَصْلَحَتِهِ, فَمَعَ إطْلَاقِهِ أَوْلَى, وَسَبَقَ فِي الصَّوْمِ عَنْ الْمَيِّتِ1, وَيَأْتِي كَلَامُ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِلَفْظِ الْمُوصِي, وَسَبَقَ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ كَلَامُ شيخنا2.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ص "74".
2 ص "156".(5/163)
فصل: من لزمه تتابع اعتكافه
مَنْ لَزِمَهُ تَتَابُعُ اعْتِكَافِهِ لَمْ يَجُزْ خُرُوجُهُ إلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ, فَيَخْرُجُ لِبَوْلٍ وَغَائِطٍ "ع" وَقَيْءٍ بَغْتَةً, وَغُسْلِ مُتَنَجِّسٍ يَحْتَاجُهُ3, وَلَهُ الْمَشْيُ عَلَى عَادَتِهِ وَقَصْدٍ بَيْتِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا يَلِيقُ بِهِ لَا ضَرَرَ "عَلَيْهِ" فِيهِ وَلَا مِنَّةَ, كَسِقَايَةٍ لَا يَحْتَشِمُ مِثْلُهُ مِنْهَا وَلَا نَقْصَ عَلَيْهِ, قَالُوا: وَلَا مُخَالَفَةَ لِعَادَتِهِ, وَفِي هَذَا نَظَرٌ, وَيَلْزَمُهُ قَصْدُ أَقْرَبِ مَنْزِلَيْهِ لِدَفْعِ حَاجَتِهِ بِهِ4, بِخِلَافِ مَنْ اعْتَكَفَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَبْعَدِ مِنْهُ, لِعَدَمِ تَعْيِينِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ دُخُولِهِ لِلِاعْتِكَافِ, وَإِنْ بَذَلَ لَهُ صَدِيقُهُ أَوْ غَيْرُهُ مَنْزِلَةَ الْقَرِيبِ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ, لِلْمَشَقَّةِ بِتَرْكِ الْمُرُوءَةِ وَالِاحْتِشَامِ مِنْهُ.
وَيَحْرُمُ بَوْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ فِي إنَاءٍ, وَلِعُمُومِ قوله عليه السلام: "إن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
3 في "س" "يعتاده".
4 ليست في "ب".(5/163)
الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا إنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ" 1 أَوْ كَمَا قَالَ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ, وَصَحَّ عَنْ أَبِي وَائِلٍ2 أَنَّهُ فَعَلَهُ, وَاحْتِمَالٌ آخَرُ: لِكِبَرٍ وَضَعْفٍ وِفَاقًا لِإِسْحَاقَ, وَكَذَا فَصْدٌ وَحِجَامَةٌ, فَيَخْرُجُ لِحَاجَةٍ كَثِيرَةٍ, وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ, كَمَرَضٍ يُمْكِنُهُ احْتِمَالُهُ, وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ احْتِمَالًا: يَجُوزُ فِي إنَاءٍ "وش" كَالْمُسْتَحَاضَةِ "و" مَعَ أَمْنِ تَلْوِيثِهِ, وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهَا التَّحَرُّزُ مِنْهُ إلَّا بِتَرْكِ الِاعْتِكَافِ, وَقِيلَ: الْجَوَازُ لِضَرُورَةٍ, وَكَذَا النَّجَاسَةُ فِي هَوَاءِ الْمَسْجِدِ, كَالْقَتْلِ عَلَى نِطْعٍ, وَدَمٍ فِي قِنْدِيلٍ, أَظُنُّهُ فِي الْفُصُولِ.
قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: يُكْرَهُ الْجِمَاعُ فَوْقَ الْمَسْجِدِ وَالتَّمَسُّحُ بِحَائِطِهِ وَالْبَوْلُ عَلَيْهِ, نَصَّ عَلَيْهِ, قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْإِجَارَةِ فِي الْفُصُولِ فِي التَّمَسُّحِ بِحَائِطِهِ: مُرَادُهُ الْحَظْرُ فَإِنْ بَالَ خَارِجًا وَجَسَدُهُ فِيهِ لَا ذَكَرُهُ كُرِهَ, وَعَنْهُ: يَحْرُمُ, وَقِيلَ: فِيهِ وَجْهَانِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ لِغُسْلِ جَنَابَةٍ, وَكَذَا غُسْلُ جُمُعَةٍ إنْ وَجَبَ, وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ "وَ" كَتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ, وَيَخْرُجُ لِلْوُضُوءِ لِحَدَثٍ, نَصَّ عَلَيْهِ وَإِنْ قلنا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه مسلم "285" "100" من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
2 هو أبو وائل شقيق بن سلمة الأسدي خزيمة الكوفي شيخها في زمانه مخضرم أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وما رآه "ت 82 هـ" سير أعلام النبلاء "4/161".(5/164)
لَا يُكْرَهُ "فِيهِ" فِعْلُهُ فِيهِ بِلَا ضَرَرٍ, وَسَبَقَ فِي آخِرِ بَابِ الْوُضُوءِ1, وَيَخْرُجُ لِيَأْتِيَ بِمَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ يَحْتَاجُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ من يأتيه به, نص عليه "وهـ ش" وَعِنْدَ "م" لَا يَخْرُجُ وَلَا يَعْتَكِفُ حَتَّى يُعِدَّ مَا يُصْلِحُهُ, كَذَا قَالَ.
وَلَا يَجُوزُ خُرُوجُهُ لِأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ فِي بَيْتِهِ, فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ, وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي2 والمحرر "وهـ" لِعَدَمِ الْحَاجَةِ لِإِبَاحَتِهِ وَلَا نَقْصَ فِيهِ, وَذَكَرَ القاضي أنه يتوجه الجواز, واختاره أبو حكيم, وحمل كلام أبي الخطاب عليه "وش" لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْمُرُوءَةِ وَيَسْتَحْيِ أَنْ يَأْكُلَ وَحْدَهُ وَيُرِيدَ أَنْ يُخْفِيَ جِنْسَ قُوَّتِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ خَرَجَ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ إلَى مَنْزِلِهِ أَكَلَ فِيهِ يَسِيرًا كَلُقْمَةٍ وَلُقْمَتَيْنِ, لَا كُلَّ أَكْلِهِ. وَلَهُ غَسْلُ يَدِهِ فِي إنَاءٍ مِنْ وَسَخٍ وَزَفَرٍ وَنَحْوِهِمَا, وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَفِي غَيْرِ إنَاءٍ, وَلَا يَجُوزُ خُرُوجُهُ لِغَسْلِهَا, وَسَبَقَ أَوَّلَ الْبَابِ3 هَلْ يَخْرُجُ لِلْجُمُعَةِ؟ وَلَهُ التَّكْبِيرُ إلَيْهَا, نَصَّ عَلَيْهِ, وإطالة المقام بعدها "وهـ" ولا يكره, لصلاحية الموضع للاعتكاف, ويستحب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"الثَّانِي" قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ خُرُوجُهُ لِأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ 4فِي بَيْتِهِ4, فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ, وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ يتوجه الجواز, واختاره أبو حكيم, وحمل كلام أَبِي الْخَطَّابِ عَلَيْهِ, انْتَهَى. ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ إطْلَاقُ الْخِلَافِ, وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذَاهِبِ عَدَمُ الْجَوَازِ, وَعَلَيْهِ الأكثر, وقطع به أكثرهم.
__________
1 "1/189".
2 "4/467 – 468".
3 ص "140".
4 4 ليست في "ص".(5/165)
عَكْسُ ذَلِكَ, ذَكَرَهُ الْقَاضِي, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ, وَذَكَرَ الشَّيْخُ احْتِمَالًا: يُخَيَّرُ فِي الْإِسْرَاعِ إلَى مُعْتَكَفِهِ. وَفِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ احْتِمَالُ تَبْكِيرِهِ أَفْضَلُ, وَأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ, لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ الْمُعْتَكِفَ. وَفِي الْفُصُولِ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَضِيقَ الْوَقْتُ. وَأَنَّهُ إنْ تَنَفَّلَ بَعْدَهَا فَلَا يَزِيدُ عَلَى أَرْبَعٍ, وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد فِي التَّبْكِيرِ: أَرْجُو. وَأَنَّهُ يَرْجِعُ بَعْدَهَا عَادَتَهُ, وَإِنَّمَا جَازَ التَّبْكِيرُ كَحَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَتَقْدِيمِ وُضُوءِ الصَّلَاةِ لِيُصَلِّيَ بِهِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ. وَلَا يَلْزَمُهُ سُلُوكُ الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ, وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ يَلْزَمُهُ, كَقَضَاءِ الْحَاجَةِ, قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الْأَفْضَلُ خُرُوجُهُ كَذَلِكَ وَعَوْدُهُ فِي أَقْصَرِ طَرِيقٍ لَا سِيَّمَا فِي النَّذْرِ, وَالْأَفْضَلُ سُلُوكُ أَطْوَلِ الطُّرُقِ إنْ خَرَجَ لِجُمُعَةٍ وَعِيَادَةٍ وَغَيْرِهَا, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيَخْرُجُ لِمَرَضٍ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْقِيَامُ فِيهِ, أَوْ لَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ. بِأَنْ يَحْتَاجَ إلَى خِدْمَةٍ وَفِرَاشٍ "وَ" وَإِنْ كَانَ خَفِيفًا كَالصُّدَاعِ وَالْحُمَّى الْخَفِيفَةِ لَمْ يَجُزْ "وَ" إلَّا أَنْ يُبَاحَ بِهِ الْفِطْرُ فَيُفْطِرُ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ إنْ قُلْنَا بِاشْتِرَاطِ الصَّوْمِ وَإِلَّا فَلَا, وَتَخْرُجُ الْمَرْأَةُ لِحَيْضٍ وَنِفَاسٍ "وَ" فَإِنْ لَمْ يَكُنْ "لِلْمَسْجِدِ" رَحَبَةٌ رَجَعَتْ إلَى بَيْتِهَا, فَإِذَا طَهُرَتْ رَجَعَتْ إلَى الْمَسْجِدِ "وَ" وَإِنْ كَانَ لَهُ رَحَبَةٌ يُمْكِنُهَا ضَرْبُ خِبَاءٍ فِيهَا بِلَا ضَرَرٍ فَعَلَتْ ذَلِكَ, فَإِذَا طَهُرَتْ عَادَتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(5/166)
إلَى الْمَسْجِدِ, ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ وَابْنُ أَبِي مُوسَى, لِمَا رَوَى ابْنُ بَطَّةَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ, قَالَ ابْنُ بَطَّةَ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنَّ الْمُعْتَكِفَاتُ إذَا حِضْنَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِخْرَاجِهِنَّ عَنْ الْمَسْجِدِ وَأَنْ يَضْرِبْنَ الْأَخْبِيَةَ فِي رَحَبَةِ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَطْهُرْنَ1, إسْنَادٌ جَيِّدٌ, وَرَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ أَيْضًا, وَنَقَلَهُ يَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ عَنْ أَحْمَدَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ أَنْ تُضْرَبَ قُبَّةٌ فِي رَحَبَةِ الْمَسْجِدِ, رَوَاهُ ابْنُ بَطَّةَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ يَعْقُوبَ, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَهَذَا مِنْ أَحْمَدَ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ الْخَبَرِ عِنْدَهُ, وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ: تَذْهَبُ إلَى بَيْتِهَا فَإِذَا طَهُرَتْ بَنَتْ عَلَى اعْتِكَافِهَا, وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْحَسَنِ, وَكَبَقِيَّةِ الْأَعْذَارِ, وَالْفَرْقُ أَنَّ مَقْصُودَ تِلْكَ الْأَعْذَارِ لَا يَحْصُلُ مَعَ الْكَوْنِ فِي الرَّحَبَةِ, وَعَلَى الْأَوَّلِ: إقَامَتُهَا فِي الرَّحَبَةِ اسْتِحْبَابٌ, فِي اخْتِيَارِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَالْمُغْنِي وَغَيْرِهِمَا, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا, لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: كَانَ لَهَا الْمُضِيُّ إلَى مَنْزِلِهَا, ذَكَرَهُ فِي الْمُجَرَّدِ, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ شَبِيهٌ بِالْحَائِضِ تُوَدِّعُ الْبَيْتَ تَقِفُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ فَتَدْعُو, فَكَذَا هُنَا, لِتَقْرَبَ مِنْ مَحَلِّ العبادة, واختار صاحب الرعاية يسن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أورده ابن قدامة في المغني "4/487" هكذا وقد أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "3/94" عن أبي قلابة قال: المعتكفة تضرب ثيابها على باب المسجد إذا حاضت.(5/167)
أَنْ تَجْلِسَ فِي الرَّحَبَةِ غَيْرِ الْمَحُوطَةِ. وَإِنْ خَافَتْ تَلْوِيثَهُ فَأَيْنَ شَاءَتْ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَا يَخْرُجُ لِشَهَادَةٍ "وَ" إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا فَيَلْزَمَ الْخُرُوجُ "م" لِظَوَاهِرِ الْآيَاتِ1, وَكَالْخُرُوجِ إلَى الْجُمُعَةِ, وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ "م" وَلَوْ لَمْ يُعَيَّنْ عَلَيْهِ التَّحَمُّلُ "ش" كَالنِّفَاسِ, وَلَوْ كَانَ سَبَبُهُ اخْتِيَارِيًّا: وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ إنْ كَانَ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ وَأَدَاؤُهَا خَرَجَ لَهَا وَإِلَّا فَلَا وَيَلْزَمُ الْمَرْأَةُ أَنْ تَخْرُجَ لِعِدَّةِ الْوَفَاةِ فِي مَنْزِلِهَا, لِوُجُوبِهِ شَرْعًا "م" كَالْجُمُعَةِ, وَهُوَ حَقٌّ لِلَّهِ وَلِآدَمِيٍّ لَا يُسْتَدْرَكُ إذَا تُرِكَ وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ "ق". وَيَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِجِهَادٍ مُتَعَيَّنٍ, وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ, لِمَا ذَكَرْنَا, وَكَذَا إنْ تَعَيَّنَ خُرُوجُهُ لِإِطْفَاءِ حَرِيقٍ أَوْ إنْقَاذِ غَرِيقٍ وَنَحْوَهُ, وَإِنْ وَقَعَتْ فِتْنَةٌ خَافَ مِنْهَا إنْ أَقَامَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ حُرْمَتِهِ أَوْ مَالِهِ نَهْبًا أَوْ حَرِيقًا وَنَحْوَهُ فَلَهُ الْخُرُوجُ, وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ, لِأَنَّهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الجمعة, فهنا أولى.
وَمَنْ أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ أَوْ غَيْرُهُ عَلَى الْخُرُوجِ لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ وَلَوْ بِنَفْسِهِ "ق" كَحَائِضٍ, وَمَرِيضٍ, وَخَائِفٍ أَنْ يَأْخُذَهُ السُّلْطَانُ ظُلْمًا فَخَرَجَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 الآيات كقوله تَعَالَى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] وقوله تعالى: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة: 283](5/168)
وَاخْتَفَى "وش" وَإِنْ أَخْرَجَهُ لِاسْتِيفَاءِ حَقٍّ عَلَيْهِ فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ بِلَا عُذْرٍ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ "وَ" وَإِلَّا لَمْ يَبْطُلْ "م" لِأَنَّهُ خُرُوجٌ وَاجِبٌ, وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ: إنْ ثَبَتَ الْحَقُّ بِإِقْرَارِهِ وَإِلَّا لَمْ يَبْطُلْ. وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ نَاسِيًا لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ, كَالصَّوْمِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُجَرَّدِ وَذَكَرَ فِي الْخِلَافِ وَالْفُصُولِ: يَبْطُلُ, لِمُنَافَاتِهِ الِاعْتِكَافَ, كَالْجِمَاعِ, وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَحَدَ الْوَجْهَيْنِ: لَا يَنْقَطِعُ وَيَبْنِي, كَمَرَضٍ وَحَيْضٍ, وَاخْتَارَهُ أَيْضًا, وَذَكَرَهُ قِيَاسَ مَذْهَبِنَا فِي الْمُظَاهِرِ يَطَأُ فِي نَهَارِ صَوْمِهِ غَيْرِ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا نَاسِيًا, أَوْ يَأْكُلُ فِيهِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ لَيْلٌ فَيَبِينُ نَهَارًا يَقْضِي الْيَوْمَ وَلَا يَنْقَطِعُ تَتَابُعُهُ, جَعْلًا لَهُ بِالنِّسْيَانِ وَالْخَطَأِ كَالْمَرِيضِ. فَكَذَا هُنَا, وَفَرَّقَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الِاعْتِكَافَ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ مُتَّصِلَةٌ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ, كَصَوْمِ الْيَوْمِ الْوَاحِدِ, وَأَجَابَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِأَنَّ الْخُرُوجَ لِعُذْرٍ مُوجِبٍ لِلْقَضَاءِ لَا يُبْطِلُ الْمَاضِيَ مِنْ الِاعْتِكَافِ, بِخِلَافِ صَوْمِ الْيَوْمِ الْوَاحِدِ, فَعُلِمَ أَنَّهُ كَعِبَادَاتٍ, قَالَ: فَنَظِيرُ صَوْمِ الْيَوْمِ مِنْ الِاعْتِكَافِ أَنْ يَطَأَ فِي يَوْمٍ مِنْهُ نَاسِيًا وَهُوَ صَائِمٌ وَقُلْنَا مِنْ شَرْطِهِ الصَّوْمُ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ عَلَيْهِ اعْتِكَافَ ذَلِكَ الْيَوْمِ كُلَّهُ, وَلَا يُفْسِدُ مَا مَضَى, عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ, وَجَزَمَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: لَا يَنْقَطِعُ تَتَابُعُ الْمُكْرَهِ, كَمَا سَبَقَ1, وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ فِيهِمَا وَجْهَيْنِ, وَلَا فَرْقَ.
وَمَتَى زَالَ الْعُذْرُ رَجَعَ وَقْتَ إمْكَانِهِ, فَإِنْ أَخَّرَهُ بَطَلَ مَا مَضَى, عَلَى مَا يَأْتِي فِيمَنْ خَرَجَ لِمَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ2, وَلَا يَبْطُلُ بِدُخُولِهِ لِحَاجَتِهِ تَحْتَ سَقْفٍ "وَ"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ص "168".
2 ص "181".(5/169)
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: لَا يَدْخُلُ تَحْتَ سَقْفٍ1, وَقَالَهُ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَإِسْحَاقُ, وَعَنْ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِ: يَبْطُلُ, وَقَيَّدَهُ الْحَسَنُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَإِسْحَاقُ بِسَقْفٍ لَيْسَ فِيهِ مَمَرُّهُ, لِأَنَّ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ, فَهُوَ كَالْقَوْلِ الْأَوَّلِ, وَمَنْ أَرَادَ الْمَنْعَ مُطْلَقًا فَلَا وَجْهَ لَا, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "3/90" عن عطاء قال: كان ابن عمر إذا أراد أن يعتكف ضرب خباء أو فسطاطا فقضى فيه حاجته ولا يأتي أهله ولا يدخل سقفا.(5/170)
فَصْلٌ: وَالْمُعْتَادُ مِنْ هَذِهِ الْأَعْذَارِ
وَهُوَ حَاجَةُ الْإِنْسَانِ "عِ" وَطَهَارَةُ الْحَدَثِ "عِ" وَالطَّعَامُ وَالشَّرَابُ "عِ" وَالْجُمُعَةُ, كَمَا لَا يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ, فَلَا تَنْقُصُ مُدَّتُهُ وَلَا يَقْضِي شَيْئًا مِنْهُ, لِأَنَّ الخروج له كالمستثنى2, لكونه معتادا, ولا تلزمه كَفَّارَةٌ.
وَبَقِيَّةُ الْأَعْذَارِ إنْ لَمْ تَطُلْ, فَذَكَرَ الشَّيْخُ لَا يَقْضِي الْوَقْتَ الْفَائِتَ بِذَلِكَ, لِكَوْنِهِ يَسِيرًا مُبَاحًا أَوْ وَاجِبًا, كَحَاجَةِ الْإِنْسَانِ, وَيُوَافِقُهُ كَلَامُ الْقَاضِي فِي النَّاسِي, فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ, وَعَلَى هَذَا يَتَوَجَّهُ: لَوْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ مُكْرَهًا أَنْ يُخَرَّجَ بُطْلَانُهُ عَلَى الصَّوْمِ, وَإِنَّمَا مَنَعَهُ صاحب المحرر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
2 في الأصل "كالمشي".(5/170)
لِقَضَاءِ زَمَنِ الْخُرُوجِ فِيهِ بِالْإِكْرَاهِ, وَفِي الصَّوْمِ يَعْتَدُّ بِزَمَنِ الْإِكْرَاهِ, وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِ أنه يقضي, واختاره صاحب المحرر "وش" كَمَا لَوْ طَالَتْ "م 8" وَذَكَرَ أَنَّ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ الْمَذْكُورَ مُوهِمٌ, وَأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بِهِ قَائِلًا, وَأَنَّهُ أَرَادَ الْبِنَاءَ مَعَ قَضَاءِ زَمَنِ الْخُرُوجِ, قَالَ: وَكَنَذْرِهِ اعْتِكَافَ يَوْمٍ فَخَرَجَ لِبَقِيَّةِ الْأَعْذَارِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْهُ زَمَنٌ يَسِيرٌ, كَذَا قَالَ, وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ خِلَافُهُ, كَمَا لَوْ خَرَجَ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ, قَالَ: وَكَالْأَجِيرِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً لَا تَتَنَاوَلُ الْعَقْدَ الْمُعْتَادَ, بِخِلَافِ غَيْرِهِ, كَذَا هُنَا, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ وَالِاعْتِكَافُ مَنْذُورٌ فَلَهُ أَحْوَالٌ:
أَحَدُهَا, نَذَرَ أَيَّامًا مُتَتَابِعَةً غير معينة, فيخير بين البناء والقضاء وم ش" مَعَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ, لِكَوْنِ النَّذْرِ حَلْفَةً "م ش" وَبَيْنَ الِاسْتِئْنَافِ بِلَا كَفَّارَةٍ "وَ" كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ غَيْرَ معين وشرع ثم أفطر لعذر,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 8" قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَادُ مِنْ هَذِهِ الْأَعْذَارِ وَهُوَ حَاجَةُ الْإِنْسَانِ وَطَهَارَةُ الْحَدَثِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْجُمُعَةِ وَبَقِيَّةُ الْأَعْذَارِ إنْ لَمْ تَطُلْ, فَذَكَرَ الشَّيْخُ لَا يَقْضِي الْوَقْتَ الْفَائِتَ بِذَلِكَ, لِكَوْنِهِ يَسِيرًا مُبَاحًا أَوْ وَاجِبًا وَيُوَافِقُهُ كَلَامُ الْقَاضِي فِي النَّاسِي. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَقْضِي, وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ, كَمَا لَوْ طَالَتْ, انْتَهَى.
مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ هُوَ الصَّوَابُ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الشَّارِحُ وغيره.(5/171)
وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ: يَبْنِي, وَفِي الْكَفَّارَةِ الْخِلَافُ, وَقِيلَ: أَوْ1 يَسْتَأْنِفُهُ إنْ شَاءَ كَذَا قَالَ. وَمَذْهَبُ "هـ" يَلْزَمُ الِاسْتِئْنَافُ بِعُذْرِ الْمَرَضِ, كَمَذْهَبِهِ فِي الْمَرَضِ فِي شَهْرَيْ الْكَفَّارَةِ, وَيَتَخَرَّجُ كَقَوْلِهِ فِي مَرَضٍ يُبَاحُ الْفِطْرُ بِهِ2, وَلَا يَجِبُ, بناء على أحد الوجهين في انقطاع صوم الْكَفَّارَةِ مِمَّا يُبِيحُ الْفِطْرَ وَلَا يُوجِبُهُ وَوَافَقَتْ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى عُذْرِ الْحَيْضِ هُنَا وَفِي شَهْرَيْ الْكَفَّارَةِ, وَاخْتَارَ فِي الْمُجَرَّدِ أَنَّ كُلَّ خُرُوجٍ لِوَاجِبٍ كَمَرَضٍ لَا يُؤْمَنُ مَعَ تَلْوِيثِ الْمَسْجِدِ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ, وَإِلَّا فَفِيهِ الْكَفَّارَةُ, وَاخْتَارَ الشَّيْخُ: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ إلَّا لِعُذْرِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ, لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ كَحَاجَةِ الْإِنْسَانِ, وَضَعَّفَهُمَا صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِأَنَّا سَوَّيْنَا فِي نَذْرِ الصَّوْمِ بَيْنَ الْأَعْذَارِ, وَبِأَنَّ زَمَنَ الْحَيْضِ يَجِبُ قَضَاؤُهُ لَا زَمَنَ حاجة الْإِنْسَانِ, كَذَا قَالَ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ: لَا يَقْضِي, وَلَعَلَّهُ أَظْهَرُ وَيَتَوَجَّهُ مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي هُنَا فِي الصَّوْمِ, وَلَا فَرْقَ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهَانِ:
الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَيَتَخَرَّجُ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَرَضٍ يُبَاحُ الْفِطْرُ به ولا يجب, بناء على أحد الوجهين فِي انْقِطَاعِ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ بِمَا يُبِيحُ الْفِطْرُ وَلَا يُوجِبُهُ, انْتَهَى, هَذَانِ الْوَجْهَانِ لَيْسَا مِنْ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ, وَإِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ اسْتِشْهَادًا, وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ, قَدَّمَهُ المصنف وغيره في باب الظهر3.
"الثَّانِي" قَوْلُهُ: "وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ لَا يَقْضِي, وَلَعَلَّهُ أَظْهَرُ" قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ: صَرَّحَ فِي الْمُغْنِي4 بِأَنَّ الْحَائِضَ إذَا طهرت رجعت فأتمت اعتكافها
__________
1 في الأصل "و".
2 في الأصل "فيه".
3 "9/175".
4 "4/487".(5/172)
وَالثَّانِيَةُ: نَذَرَ اعْتِكَافًا مُعَيَّنًا فَيَقْضِي مَا تَرَكَهُ وَيُكَفِّرُ, لِتَرْكِهِ فِي النَّذْرِ فِي وَقْتِهِ, نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى الْكَفَّارَةِ فِي الْخُرُوجِ لِفِتْنَةٍ, وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ فِيهَا وَالْخُرُوجُ لِنَفِيرٍ وَعِدَّةٍ, وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى1 فِي عِدَّةٍ, وَعَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَمَرِضَ فِيهِ أَوْ حَاضَتْ فِيهِ الْمَرْأَةُ فِي الْكَفَّارَةِ مَعَ الْقَضَاءِ رِوَايَتَانِ, وَالِاعْتِكَافُ مِثْلُهُ, هَذَا مَعْنَى كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ, وَقَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرُهُمَا. قَالَ: فَيَتَخَرَّجُ جَمِيعُ الْأَعْذَارِ فِي الِاعْتِكَافِ عَلَى روايتين2 عدم وجوب الكفارة "وم ش" كرمضان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَقَضَتْ مَا فَاتَهَا وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا, نَصَّ عَلَيْهِ, هَذَا لَفْظٌ بِحُرُوفِهِ, فَكَيْفَ يَقُولُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ لَا يَقْضِي؟ انْتَهَى.
"الثَّالِثُ" قَوْلُهُ: "فَيَتَخَرَّجُ جَمِيعُ الْأَعْذَارِ فِي الْكَفَّارَاتِ فِي الِاعْتِكَافِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ" صَوَابُهُ رِوَايَتَيْ عَدَمِ, بِإِسْقَاطِ النُّونِ لِلْإِضَافَةِ.
"الرَّابِعُ" قَوْلُهُ فِيمَا إذَا نَذَرَ اعْتِكَافًا مُعَيَّنًا وَخَرَجَ وَتَطَاوَلَ: يَقْضِي مَا تَرَكَهُ وَيُكَفِّرُ, لِتَرْكِهِ النَّذْرَ فِي وَقْتِهِ, نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى الْكَفَّارَةِ فِي الْخُرُوجِ لِفِتْنَةٍ وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ فِيهَا وَفِي الْخُرُوجِ لِنَفِيرٍ وَعِدَّةٍ, وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي عِدَّةٍ, ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَعَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَمَرِضَ فِيهِ أَوْ حَاضَتْ فِيهِ الْمَرْأَةُ فِي الْكَفَّارَةِ مَعَ الْقَضَاءِ رِوَايَتَانِ, وَالِاعْتِكَافُ مِثْلُهُ, هَذَا مَعْنَى كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ. وقال صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرُهُمَا, قَالَ: فَيَتَخَرَّجُ جَمِيعُ الْأَعْذَارِ فِي الِاعْتِكَافِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ عَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ كَرَمَضَانَ, انْتَهَى, الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِي الْجَمِيعِ مَعَ الْقَضَاءِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الأصحاب, وقد قدمه المصنف,
__________
1 في اٌلإرشاد ص "155".
2 في النسخ الخطية "روايتين" والتصويب من "تصحيح الفروع".(5/173)
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِطْرَهُ لَا كَفَّارَهُ فِيهِ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ, وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ وَحَنْبَلٌ عَدَمَ الْكَفَّارَةِ فِي الِاعْتِكَافِ. وَحَمَلَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ وُجُوبِهَا فِي الصَّوْمِ وَسَائِرِ الْمَنْذُورَاتِ, وَكَلَامِ الْقَاضِي وَالشَّيْخِ وَالْحَنَفِيَّةِ هُنَا أَيْضًا.
وَإِنْ تَرَكَ اعْتِكَافَ1 الزَّمَنِ الْمُعَيَّنِ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ قَضَاهُ متتابعا "وم ش" بِنَاءً عَلَى التَّتَابُعِ فِي الْأَيَّامِ الْمُطْلَقَةِ, أَوْ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى لَفْظِ النَّاذِرِ, لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ الشَّهْرِ الْمُعَيَّنِ الْمُطْلَقِ فَتَضَمَّنَ نَذْرُهُ التَّتَابُعَ وَالتَّعْيِينَ, وَالْقَضَاءَ يُحْكَى الْأَدَاءُ فِيمَا يُمْكِنُ, وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ إلَّا بِشَرْطِهِ أَوْ بِنِيَّتِهِ "وش" كَرَمَضَانَ, وَعِنْدَ زُفَرَ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ: لَا يَلْزَمُهُ تَتَابُعٌ وَلَوْ شَرَطَهُ, لِأَنَّ ذِكْرَهُ فِي الْمُعِينِ لَغْوٌ وَمَذْهَبُ "م" لَا يَقْضِي مَعْذُورٌ. فَعَلَى المذهب الأول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْخُرُوجِ لِأَجْلِ الْفِتْنَةِ, وَالْخِرَقِيُّ فِيهَا وَفِي النَّفِيرِ وَالْعِدَّةِ, وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا نَحْنُ بِصَدَدِهِ, وَلَكِنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَشْهَدَ بِمَا يُعْطِي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى روايتين في المذهب, والله أعلم.
__________
1 في "ب" "الاعتكاف".(5/174)
مَا خَرَجَ عَنْ الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ يَقْضِيهِ مُتَتَابِعًا "ش" مُتَّصِلًا بِهَا "ش". الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ نَذَرَ أَيَّامًا مُطْلَقَةً, فَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ التَّتَابُعُ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي السَّابِقِ فَكَالْحَالَةِ الْأُولَى, وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجِبُ تَمَّمَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ, لَكِنَّهُ يَبْتَدِئُ الْيَوْمَ الَّذِي خَرَجَ فِيهِ مِنْ أَوَّلِهِ ليكون متتابعا ولا كفارة عليه لِإِتْيَانِهِ بِالْمَنْذُورِ عَلَى وَجْهِهِ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ يُخَيَّرُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْبِنَاءِ عَلَى بَعْضِ الْيَوْمِ, وَيُكَفِّرُ, وَقِيَاسُ مَذْهَبِ "ش" يَبْنِي بِلَا كَفَّارَةٍ.(5/175)
فَصْلٌ: قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ خُرُوجُ الْمُعْتَكِفِ إلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ,
فَلَا يَخْرُجَ لِكُلِّ قُرْبَةٍ لَا تَتَعَيَّنُ كَعِيَادَةِ مَرِيضٍ وَزِيَارَةٍ وَشُهُودِ جِنَازَةٍ وَتَحَمُّلِ شَهَادَةٍ وَأَدَائِهَا وَتَغْسِيلِ مَيِّتٍ وَغَيْرِهِ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَاخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ "وَ" لِمَا سَبَقَ أَوَّلُ الْبَابِ1, وَلِأَنَّ مِنْهُ بُدًّا كَغَيْرِهِ, وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُ فَرِيضَةٍ وَهُوَ النَّذْرُ لِفَضِيلَةٍ, وَعَنْهُ: لَهُ ذَلِكَ, رَوَى أَحْمَدُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: الْمُعْتَكِفُ يَعُودُ الْمَرِيضَ وَيَشْهَدُ الْجِنَازَةَ وَيَشْهَدُ الْجُمُعَةَ2. إسْنَادٌ صَحِيحٌ, قَالَ أَحْمَدُ: عَاصِمٌ حُجَّةٌ وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا "الْمُعْتَكِفُ يَتْبَعُ الْجِنَازَةَ وَيَعُودُ الْمَرِيضَ" , رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ3 مِنْ حَدِيثِ عَنْبَسَةَ بن عبد الرحمن وهو متروك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ص "137" وما بعدها.
2 لم نجد في مسند أحمد وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه بنحوه "4/356" وابن أبي شيبة في مصنفه "3/87 – 88".
3 في سننه "1777".(5/175)
وَرَوَى سَعِيدٌ1: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانُوا يُحِبُّونَ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَشْتَرِط هَذِهِ الْخِصَالَ, وَهِيَ لَهُ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عِيَادَةَ الْمَرِيضِ. وَلَا يَدْخُلُ سَقْفًا وَيَأْتِي الْجُمُعَةَ وَيَشْهَدُ الْجِنَازَةَ وَيَخْرُجُ فِي الْحَاجَةِ وَقَاسَ الشَّيْخُ عَلَى الْمَشْيِ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ لِيَقْضِيَهَا, كَذَا قَالَ, فَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ كَانَ الِاعْتِكَافُ تَطَوُّعًا فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ لِذَلِكَ, لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ, وَمُقَامُهُ عَلَى اعْتِكَافِهِ أَفْضَلُ, لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَخْرُجُ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ2, وَلِقَوْلِ عائشة إنه صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يُعَرِّجُ يَسْأَلُ عَنْ الْمَرِيضِ, رَوَاهُ أَبُو دَاوُد3. وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: خُرُوجُهُ لِجِنَازَةٍ أَفْضَلُ, لِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ.
وَإِنْ تَعَيَّنَتْ صَلَاةُ جِنَازَةٍ خَارِجَ الْمَسْجِدِ أَوْ دَفْنُ مَيْتٍ وَتَغْسِيلِهِ فَكَشَهَادَةٍ مُتَعَيِّنَةٍ, عَلَى مَا سَبَقَ4.
وَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ فَلَهُ فِعْلَهُ, نَصَّ عَلَيْهِ, ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ5 وَغَيْرُهُ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ, وَالثَّوْرِيِّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقُ, وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ6 عَنْ عَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَقَتَادَةَ, وَذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ, جَمَعَا بَيْنَ مَا سَبَقَ, وَلِأَنَّ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ مِنْ قَوْلِ علي: وليأت أهله وليأمرهم بالحاجة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "3/88" بنحوه.
2 أخرجه البخاري "2029" ومسلم "297" "6" من حديث عائشة رضي الله عنها.
3 في سننه "2472".
4 ص "168".
5 في سننه إثر حديث "805" ونصه: رأى بعض أهل العلم مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم أن يعود المريض ويشيع الجنازة ويشهد الجمعة إذا اشترط ذلك وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك.
6 في مصنفه "8043" "8046" "8042" على الترتيب المذكور.(5/176)
وَهُوَ قَائِمٌ. وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ الْمَنْعَ "وَ" لِمَا سَبَقَ. فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَقْضِي زُمْنَ الْخُرُوجِ إذَا نَذَرَ شَهْرًا مُطْلَقًا, فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَصْحَابِنَا, كَمَا لَوْ عَيَّنَ الشَّهْرَ, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: لَوْ قَضَاهَا صَارَ الْخُرُوجُ الْمُسْتَثْنَى وَالْمَشْرُوط فِي غَيْر الشَّهْرِ. وَعِنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ: يَقْضِي, لِإِمْكَانِ حَمْلِ شَرْطِهِ عَلَى نَفْيِ انْقِطَاعِ التَّتَابُعِ فَقَطْ, فَنَزَلَ عَلَى الْأَقَلِّ.
فَأَمَّا إنْ شَرْطَ مَا لَهُ مِنْهُ بد وليس بقربة ويحتاجه كالعشاء في منزله وَالْمَبِيتِ "فِيهِ" فَعَنْهُ: يَجُوزُ, جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ, لِأَنَّهُ يَجِبُ بِعَقْدِهِ, كَالْوَقْفِ, لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ نَذَرَ مَا أَقَامَهُ, وَلِتَأَكُّدِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَامْتِنَاعِ النِّيَابَةِ فِيهَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَأَطْلَقَ غَيْرُهُ. وَعَنْهُ: الْمَنْعُ, وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ "وَغَيْرُهُمَا" وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ "م 9" لِمُنَافَاتِهِ الِاعْتِكَافَ صُورَةً وَمَعْنًى, كَشَرْطِ تَرْكِ الْإِقَامَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَالنُّزْهَةِ وَالْفُرْجَةِ, لِأَنَّهُ زَمَنُ الْخُرُوجِ فِي حُكْمِ الْمُعْتَكِفِ, لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ فِيهِ غَيْرُ الْمَشْرُوطِ. وَشَرْطُهُ مَا فِيهِ قُرْبَةٌ يُلَائِمُ الِاعْتِكَافَ بِخِلَافِ هَذَا, وَالْوَقْفُ لَا يَصِحُّ فِيهِ شَرْطُ مَا يُنَافِيهِ, فَكَذَا الِاعْتِكَافُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 9" قَوْلُهُ: فَأَمَّا إنْ شَرَطَ مَالَهُ مِنْهُ بد وليس بقربة ويحتاجه كالعشاء في منزله وَالْمَبِيتِ, فَعَنْهُ: يَجُوزُ, جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ, وَعَنْهُ: الْمَنْعُ, وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا, وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ, انْتَهَى.
إحْدَاهُمَا الْجَوَازُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرُهُمْ, وَهُوَ الصَّوَابُ, وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ, اخْتَارَهُ مَنْ ذَكَرَهُ المصنف.(5/177)
وَإِنْ "شَرَطَ الْخُرُوجَ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِلتِّجَارَةِ", أَوْ التَّكَسُّبِ بِالصِّنَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ, لَمْ يَجُزْ, بِلَا خِلَافٍ عَنْ أَحْمَدَ1 وَأَصْحَابِهِ, قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ, سَأَلَ أَبُو طَالِبٍ لِأَحْمَدَ: الْمُعْتَكِفُ يَعْمَلُ عَمَلَهُ مِنْ الْخِيَاطَةِ وَغَيْرِهَا, قَالَ: مَا يُعْجِبُنِي, قُلْت: إنْ كَانَ يَحْتَاجُ؟ قَالَ: إنْ كَانَ يَحْتَاجُ فَلَا يَعْتَكِفُ. وَسَبَقَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ, وَأَجَازَ هُوَ وَعَطَاءٌ وَقَتَادَةُ شَرْطَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ قَالَ: مَتَى مَرِضْتُ أَوْ عَرَضَ لَيَّ عَارِضٌ خَرَجْتُ, فَلَهُ شَرْطُهُ "م" أَطْلَقَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ, كَالشَّرْطِ فِي الْإِحْرَامِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: فَائِدَةُ الشَّرْطِ هُنَا سُقُوطُ الْقَضَاءِ فِي المدة المعينة, فأما المطلقة, كنذر شهر مُتَتَابِعٍ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهُ إلَّا لِمَرَضٍ, فَإِنَّهُ يَقْضِي زَمَنَ الْمَرَضِ, لِإِمْكَانِ حَمْلُ شَرْطِهِ هُنَا عَلَى نَفْيِ انْقِطَاعِ التَّتَابُعِ فَقَطْ, فَنَزَلَ عَلَى الْأَقَلِّ, وَيَكُونُ الشَّرْطُ أَفَادَ هُنَا 2الْبِنَاءَ مَعَ سُقُوطِ2 الْكَفَّارَةِ, عَلَى أَصْلِنَا, وَهَذَا الْقَوْلُ مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ السَّابِقِ, فَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُهُمَا على الوجهين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في النسخ الخطية "لأحمد" والمثبت من "ط" كما في الإنصاف "7/612".
2 2 في الأصل "التتابع".(5/178)
فَصْلٌ: وَإِنْ خَرَجَ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ
فَسَأَلَ عَنْ الْمَرِيضِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ: أَوْ غَيْرِهِ فِي طَرِيقِهِ وَلَمْ يَعْرِجْ جَازَ "وَ" لِمَا سَبَقَ3, وكبيعه وشرائه ولم يقف لذلك,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
3 ص "175".(5/178)
فَأَمَّا إنْ وَقَفَ لِمَسْأَلَتِهِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ "وَ" وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهٌ: لَا بَأْسَ بِقَدْرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ, وَعَنْ مَالِكٍ: إنْ خَرَجَ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ فَلَقِيَهُ وَلَدُهُ أَوْ شَرِبَ مَاءً وَهُوَ قَائِمٌ أَرْجُو أَنْ لَا بَأْسَ, وَلَمْ يَرَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَأْسًا إذَا خَرَجَ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ أَنْ يَقِفَ عَلَيْهِ فَيَسْأَلُهُ, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: الْمَسْأَلَةُ هَذِهِ فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَمَعْنَاهَا, وَالْخُرُوجُ لِمَرَضٍ وَحَيْضٍ لَهُ الْوَقْفَةُ وَالتَّعْرِيجُ وَغَيْرُهُمَا, فَالْخُرُوجُ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ لَا يَجُوزُ مَعَهُ مَا يُزَادُ بِهِ زَمَانُهُ مِمَّا مِنْهُ بُدٌّ, لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ بِهِ جُزْءًا مُسْتَحَقًّا مِنْ اللُّبْثِ بِلَا عُذْرٍ, كَمَا لَوْ خَرَجَ لَهُ, وَيَجُوزُ مَعَهُ مَا لَا يَزْدَادُ بِهِ زَمَانُهُ غَيْرُ المباشرة1 لأنه لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "المباشر".(5/179)
يُفَوِّتُ بِهِ حَقًّا, فَأَمَّا الْمُبَاشَرَةُ فَلَا تَجُوزُ فِيهِ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يُقْضَى وَقْتُهُ, وَخَالَفَ فِيهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ, وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ, وَإِلَّا جَازَتْ "م" كَغَيْرِهَا, 1لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَكِفٍ1, بِدَلِيلِ أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ, لَا تُحْتَسَبُ لَهُ وَيَقْضِيهَا, بِخِلَافِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ, وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرًا فَخَرَجَ لِعُذْرٍ يَقْضِي زمنه 2غير أنه2 لَمْ يَبَرَّ مَا لَمْ 3يَعْتَكِفْ ذَلِكَ, وَلِأَنَّ الصَّوْمَ الْمُتَتَابِعَ لَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ فِي لَيَالِيهِ مَا لَمْ3 يَكُنْ مِنْ مَدَّتِهِ, كَذَا هُنَا, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ خَرَجَ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَدَخَلَ مَسْجِدًا يُتِمُّ اعْتِكَافُهُ فِيهِ جَازَ إنْ كَانَ الثَّانِي أَقْرَبَ إلَى مَكَانِ حَاجَتِهِ مِنْ الْأَوَّلِ "وش" لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ لُبْثًا مُسْتَحَقًّا, كَانْهِدَامِهِ أَوْ إخْرَاجِهِ فَخَرَجَ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ فَأَتَمَّ فِيهِ, أَوْ خَرَجَ لِلْجُمُعَةِ وَأَقَامَ فِي الْجَامِعِ يَوْمًا وَلَيْلَةً, وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ أَوْ خَرَجَ إلَيْهِ ابْتِدَاءً بِلَا عُذْرٍ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ "وَ" لِتَرْكِهِ لُبْثًا مُسْتَحَقًّا. وَلَمْ يُبْطِلْهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي الْحَالَتَيْنِ, بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا فِي الزَّمَنِ الْيَسِيرِ, عَلَى مَا يَأْتِي4. وَأَبْطَلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِيهِمَا, لِتَعَيُّنِ الْمَسْجِدِ, كَتَعْيِينِ يَوْمٍ بِشُرُوعِهِ فِي صَوْمٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَسْجِدَ لَا يَتَعَيَّنُ بِنَذْرِهِ, بِخِلَافِ الصَّوْمِ, وَالصَّوْمُ لَا يُمْكِنُ الْبِنَاءُ مَعَ نَقْلِهِ, بِخِلَافِ الِاعْتِكَافِ.
وَلَوْ تَلَاصَقَ مَسْجِدَانِ فَانْتَقَلَ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ, فَإِنْ مَشَى فِي انْتِقَالِهِ خَارِجًا مِنْهُمَا بَطَلَ, وَإِلَّا فَلَا, وَيَبْطُلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُطْلَقًا, وعند أبي يوسف ومحمد عكسه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 1 ليست في الأصل.
2 2 ليست في الأصل وفي "ب" "عشرا".
3 3 ليست في "ب".
4 ص "181".(5/180)
فَصْلٌ: وَإِنْ خَرَجَ لِمَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ
فَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا فَقَدْ سَبَقَ فِي الْأَعْذَارِ1, وَإِنْ أَخْرَجَ بَعْضَ جَسَدِهِ لَمْ يَبْطُلْ, فِي الْمَنْصُوصِ "وَ" لِأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تُرَجِّلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ وَهِيَ فِي حُجْرَتِهَا يُنَاوِلهَا رَأْسَهُ, مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2.
وَإِنْ أَخْرَجَ جَمِيعَهُ مُخْتَارًا عَمْدًا بَطَلَ وَإِنْ قَلَّ "وَ" كَالْجِمَاعِ, لِتَحْرِيمِهِمَا, وَكَمَا لَوْ زَادَ عَلَى نِصْفِ يَوْمٍ, وَأَبْطَلَهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ فَقَطْ, وَأَبْطَلَهُ الثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ إنْ دَخَلَ تَحْتَ سَقْفٍ لَيْسَ مَمَرُّهُ فِيهِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ إنْ كَانَ مُتَتَابِعًا بِشَرْطٍ أَوْ نِيَّةٍ, أَوْ قُلْنَا تَتَابَعَ فِي الْمُطْلَقِ, اسْتَأْنَفَ "و" لِإِمْكَانِهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْمَنْذُورِ عَلَى صِفَتِهِ3 كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ, وَكَمَنْ عَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرَيْنِ فِي كَفَّارَةٍ, أَوْ نَذْرٍ فِي الذِّمَّةِ وَلَا وَكَفَّارَةِ "وَ". وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَسْتَأْنِفُ الْمُطْلَقُ الْمُتَتَابِعُ بِلَا كَفَّارَةٍ, وَقِيلَ: أَوْ يَبْنِي وَيُكَفِّرُ, كَذَا قَالَ وَإِنْ كَانَ مُتَتَابِعٌ مُتَعَيِّنًا كَنَذْرِهِ شَعْبَانَ مُتَتَابِعًا, اسْتَأْنَفَ: "وم ش" كَالْقَسَمِ قَبْلِهِ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِمَا, وَالتَّتَابُعُ أَوْلَى مِنْ الْوَقْتِ, لِكَوْنِهِ قُرْبَةً مَقْصُودَةً, وَيُكَفِّرُ "م ش". وَمَذْهَبُ "هـ" وَصَاحِبَيْهِ يَبْنِي وَلَا يَسْتَأْنِفُ, لِأَنَّ التَّعْيِينَ أَصْلٌ, وَالتَّتَابُعُ وَصْفٌ, وَحِفْظُ الْأَصْلِ أَوْلَى, وَلَا كَفَّارَةَ عندهم إلا أن يريد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ص "169".
2 البخاري "2028" ومسلم "297" "6".
3 في "س" "صفة".(5/181)
بِهِ الْيَمِينَ فَيُكَفِّرَ مَعَ الْقَضَاءِ, وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ أَرَادَ الْيَمِينَ كَفَّرَ بِلَا قَضَاءٍ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ كَانَ مُتَعَيِّنًا وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالتَّتَابُعِ كَنَذْرِهِ اعْتِكَافِ شَهْرِ شَعْبَانَ فَقِيلَ: يَبْنِي "وهـ ش" لِأَنَّ التَّتَابُعَ هُنَا حَصَلَ ضَرُورَةَ التَّعْيِينِ, فَسَقَطَ بِفَوَاتِهِ كَقَضَاءُ رَمَضَانَ, وَوَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ عَلَى تَتَابُعِ قَضَائِهِ إذَا فَوَّتَهُ, وَقِيلَ: يَسْتَأْنِفُ لِتَضَمُّنِ نَذْرِهِ التَّتَابُعَ, وَلِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ الْمُدَّةِ الْمُطْلَقَةِ, وَلِهَذَا قَالَ مَالِكٌ: يَسْتَأْنِفُ هُنَا دُونَ الصَّوْمِ, لِعَدَمِ تَقْيِيدِ الْأَيَّامِ الْمُطْلَقَةِ فِيهِ بِالتَّتَابُعِ عِنْدَهُ.
وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ أَصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ, وَأَنَّهُ قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ, وَأَصْلُ الْوَجْهَيْنِ مَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَأَفْطَرَ فِيهِ فَإِنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ "م 10" وَيُكَفِّرُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ "م ش" لِتَرْكِهِ الْمَنْذُورَ فِي وَقْتِهِ الْمُعَيَّنِ, وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا سَبَقَ1.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 10" قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مُتَعَيَّنًا وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالتَّتَابُعِ كَنَذْرِ اعْتِكَافِ شَهْرِ شَعْبَانَ فَقِيلَ: يَبْنِي. وَقِيلَ: يَسْتَأْنِفُ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ أَصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ, وَأَنَّهُ قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ, وَأَصْلُ الْوَجْهَيْنِ مَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَأَفْطَرَ فِيهِ فَإِنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ, انْتَهَى. وَأَطْلَقَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُقْنِعِ وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ, وَالشَّارِحُ, وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ, وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ والرعايتين والحاويين وغيرهم,
__________
1 آنفا.(5/182)
فَصْلٌ:وَإِنْ وَطِئَ الْمُعْتَكِفُ فِي الْفَرْجِ عَمْدًا
بطل اعتكافه "ع" للآية2,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 10" قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مُتَعَيَّنًا وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالتَّتَابُعِ كَنَذْرِ اعْتِكَافِ شَهْرِ شَعْبَانَ فَقِيلَ: يَبْنِي. وَقِيلَ: يَسْتَأْنِفُ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ أَصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ, وَأَنَّهُ قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ, وَأَصْلُ الْوَجْهَيْنِ مَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَأَفْطَرَ فِيهِ فَإِنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ, انْتَهَى. وَأَطْلَقَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُقْنِعِ وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ, وَالشَّارِحُ, وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ, وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ والرعايتين والحاويين وغيرهم,
__________
1 آنفا.
2 وهي قوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187] .(5/182)
وَالنَّهْيُ لِلْفَسَادِ, وَكَذَا إنْ وَطِئَ نَاسِيًا, نَصَّ عَلَيْهِ, لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إذَا جَامَعَ الْمُعْتَكِفُ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ, رَوَاهُ حَرْبٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ1, وَكَالْعَمْدِ وَكَالْحَجِّ, وَخَرَّجَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ مِنْ الصَّوْمِ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ. وَقَالَ: الصَّحِيحُ عِنْدِي "أَنَّهُ" يَبْنِي, وَقَدْ سَبَقَ فِي الْإِعْذَارِ2, وَفِي الْفَصْلِ بَعْدهَا الْوَطْءُ زَمَنَ الْعُذْرِ.
وَلَا كَفَّارَةَ بِالْوَطْءِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ "وَ" نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ إبْرَاهِيمَ, وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ منهم صاحب المغني3 والمحرر,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
أَحَدُهُمَا يَسْتَأْنِفُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, اخْتَارَهُ الْمَجْدُ, كَمَا تَقَدَّمَ, وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ, وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ والخلاصة. والقول الثاني يبني.
__________
1 وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه "8081" وابن أبي شيبة في مصنفه "3/92".
2 ص "169".
3 "4/473".(5/183)
لِعَدَمِ الدَّلِيلِ, وَكَالصَّلَاةِ وَأَنْوَاعِ الصَّوْمِ غَيْرِ رَمَضَانَ, وَاخْتَارَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ, كَرَمَضَانَ وَالْحَجِّ, وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ, وَاحْتَجُّوا بِرِوَايَةِ حَنْبَلٍ, وَالْأَوْلَى أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهَا, عَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ, وَمَالَ إلَيْهِ الشَّيْخُ,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(5/184)
وَخَصَّ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ الْوُجُوبَ بِالْمَنْذُورِ, وَذَكَرَ فِي الْفُصُولِ أَنَّهَا تَجِبُ فِي التَّطَوُّعِ, فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: لَا وَجْهَ لَهُ, وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْقَاضِي وَلَا وَقَفْتُ عَلَى لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا عَنْ أَحْمَدَ, فَهَذِهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ, وَهِيَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَفِي التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ, وَحَكَى رِوَايَةً, وَمُرَادُهُ مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ المغني1 والمحرر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "4/474 – 475".(5/185)
وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ أَفْسَدَ الْمَنْذُورَ بِالْوَطْءِ, وَهُوَ كَمَا أَفْسَدَهُ بِالْخُرُوجِ لِمَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ, عَلَى مَا سَبَقَ1, وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ, وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ قِيلَ: إنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي نَذْرٍ, وَقِيلَ: مُعَيَّنٍ, فَلِهَذَا قِيلَ: تَجِبُ الْكَفَّارَتَانِ, وَكَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ فِي عَامٍ بِعَيْنِهِ فَأَحْرَمَ ثُمَّ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِالْوَطْءِ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ لِلْوَطْءِ وَكَفَّارَةُ يَمِينٍ لِلنَّذْرِ.
وَلَا تَحْرُمُ الْمُبَاشَرَةُ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ بِلَا شَهْوَةٍ "و" وَذَكَرَ الْقَاضِي احْتِمَالًا: تَحْرُمُ, كَشَهْوَةٍ, 2فِي الْمَنْصُوصِ "وَ" وَمَتَى أَنْزَلَ بِهَا فَسَدَ اعْتِكَافُهُ "ق" وَإِلَّا فَلَا2 "م ق" كَالصَّوْمِ, وَمَتَى فَسَدَ خَرَجَ فِي كَفَّارَةِ الْوَطْءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ص "181".
2 2 ليست في "ط".(5/186)
الْخِلَافُ, ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: يَتَخَرَّجُ وَجْهٌ ثَالِثٌ: يَجِبُ بِالْإِنْزَالِ عَنْ وَطْءٍ لَا عَنْ لَمْسٍ وَقُبْلَةٍ, قَالَ: وَمُبَاشَرَةُ النَّاسِي كالعامد, على إطلاق أصحابنا "وهـ م" وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ هُنَا لَا يُبْطِلُهُ, كالصوم(5/187)
فَصْلٌ: وَإِنْ سَكِرَ فِي اعْتِكَافِهِ فَسَدَ1,
وَلَوْ سَكِرَ لَيْلًا "هـ" لِخُرُوجِهِ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ كَالْحَيْضِ. وَلَا يَبْنِي, لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ, وَإِنْ ارْتَدَّ "فِيهِ"2 فَسَدَ, كَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِ, وَمَذْهَبٌ "ش" لَا يَفْسُدُ وَيَبْنِي, لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْمُقَامِ فِي الْمَسْجِدِ, 3وَمَنَعَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ3, وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ فِيهِ كَذِمِّيٍّ, عَلَى مَا يَأْتِي فِي أَحْكَامِهِمْ4. وَإِنْ شَرِبَ خَمْرًا وَلَمْ يَسْكَرْ أَوْ أَتَى كَبِيرَةً فَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي لَا يَفْسُدُ, لِأَنَّهُ مِنْ أهل الْعِبَادَةِ وَالْمُقَامِ فِيهِ, وَمَذْهَبٌ "م" يَفْسُدُ, وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ "هـ ش" وَقَالَ عَطَاءٌ وَالزُّهْرِيُّ: إن أتى ذنبا فسد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"تَنْبِيهَانِ": الْأَوَّلُ قَوْلِهِ: وَمَتَى فَسَدَ خَرَجَ فِي كَفَّارَةِ الْوَطْءِ الْخِلَافُ, ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. مُرَادُهُ بِالْخِلَافِ الْخِلَافَ الَّذِي فِي الصَّوْمِ. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ في شرحه.
__________
1 في الأصل "بطل".
2 ليست في "ب" و"س".
3 3 ليست في الأصل.
4 "10/309" وما بعدها.(5/187)
فَصْلٌ: يُسْتَحَبُّ لِلْمُعْتَكِفِ التَّشَاغُلُ بِفِعْلِ الْقُرَبِ
وَاجْتِنَابُ مَا لَا يَعْنِيهِ "وَ" مِنْ جِدَالٍ وَمِرَاءٍ وَكَثْرَةِ كَلَامٍ وَغَيْرِهِ, قَالَ الشَّيْخُ: لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي غَيْرِ الِاعْتِكَافِ فَفِيهِ أَوْلَى, وَلَا بَأْسَ أَنْ تَزُورَهُ زَوْجَتُهُ فِي الْمَسْجِدِ وَتَتَحَدَّثَ مَعَهُ وَتُصْلِحَ رَأْسَهُ أَوْ غَيْرُهُ, مَا لَمْ يَلْتَذَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا, وَلَهُ أَنْ يَتَحَدَّثَ مَعَ مَنْ يَأْتِيهِ, مَا لَمْ يُكْثِرْ, لِأَنَّ صَفِيَّةَ زَارَتْهُ صلى الله عليه وسلم فَتَحَدَّثَتْ مَعَهُ1, وَرَجَّلَتْ عَائِشَةُ رَأْسَهُ2, وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْمُرَ بِمَا يُرِيدُ خَفِيفًا لَا يَشْغَلَهُ, نَصَّ عَلَيْهِ "وَ" وَلَيْسَ الصَّمْتُ مِنْ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ, قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُكْرَهُ الصَّمْتُ إلَى اللَّيْلِ, قَالَ فِي الْمُغْنِي3 وَمُنْتَهَى الْغَايَةِ: وَظَاهِرُ الْأَخْبَارِ تَحْرِيمُهُ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي4, رَأَى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ امْرَأَةً لَا تَتَكَلَّمُ فَقِيلَ لَهُ: حَجَّتْ مُصْمِتَةٌ, فَقَالَ لَهَا: تَكَلَّمِي فَإِنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ, هَذَا مِنْ عَمَلِ5 الْجَاهِلِيَّةِ, رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ6. وَرَوَى أَبُو دَاوُد7: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَدٍ الْمَدِينِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رُقَيْشٍ أَنَّهُ سَمِعَ شُيُوخًا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَمِنْ خَالِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أحمد قال: قال علي: حفظت عن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه البخاري "2035" ومسلم "2175" "24".
2 تقدم ص "181".
3 "4/481".
4 "2/293"
5 في "ب" "أعمال".
6 في صحيحه "3834" من حديث قيس بن أبي حازم.
7 في سننه "2873".(5/188)
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ وَلَا صُمَاتَ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ" حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ الْأَزْدِيُّ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ: لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ.
وَإِنْ نَذَرَهُ لَمْ يَفِ بِهِ "وَ" لِمَا سَبَقَ1. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ: لَهُ فِعْلُهُ إذا كان أسلم, لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَمَتَ نَجَا" 2 وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الصَّمْتِ عَمَّا لَا يَعْنِيهِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الْقُرْآنَ بَدَلًا مِنْ الْكَلَامِ, ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ, وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي3 وَالْمُحَرَّرِ, لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لَهُ فِي غَيْرِ مَا هُوَ لَهُ, كَتَوَسُّدِ الْمُصْحَفِ أَوْ الْوَزْنِ بِهِ, وَجَاءَ: لَا تُنَاظِرْ بِكِتَابِ اللَّهِ4. قِيلَ: مَعْنَاهُ لَا تَتَكَلَّمُ بِهِ عِنْدَ الشَّيْءِ تَرَاهُ, مِثْلَ أَنْ تَرَى رَجُلًا جَاءَ فِي وَقْتِهِ فَتَقُولَ: وَ {جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} [طه: 40] ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ نَحْوَ هَذَا الْمَعْنَى, وَجَزَمَ فِي التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ, وَذَكَرَ شَيْخُنَا إنْ قَرَأَ عِنْدَ الْحُكْمِ الَّذِي أُنْزِلَ لَهُ أَوْ مَا يُنَاسِبُهُ وَنَحْوَهُ فَحَسَنٌ كَقَوْلِهِ لِمَنْ دَعَاهُ لِذَنْبٍ تَابَ مِنْهُ: {مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا} [النور: 16] وَقَوْلُهُ عِنْدَمَا أَهَمَّهُ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86] وفي الصحيحين5 أن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ حَدَّثَ ثَابِتٌ وَجَمَاعَةٌ حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ, فَدَخَلُوا عَلَى الْحَسَنِ فَحَدَّثُوهُ الْحَدِيثَ فَقَالَ: هِيهِ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ص "188".
2 أخرجه الترمذي "2501" من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
3 "4/482".
4 أورده ابو عبيد في غريب الحديث "4/475" والزمخشري في الفائق "3/446" من كلام الزهري.
5 البخاري "7510" ومسلم "193" "326".(5/189)
الثَّانِيَةِ, قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: يُقَالُ فِي اسْتِزَادَةِ الْحَدِيثِ: إيهِ, وَيُقَالُ هِيهِ بِالْهَاءِ بَدَلَ الْهَمْزَةِ, قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: إيهِ اسْمٌ سُمِّيَ بِهِ الْفِعْلُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ, تَقُولُ لِلرَّجُلِ إذَا اسْتَزَدْتَهُ مِنْ حَدِيثٍ أَوْ عَمَلٍ: إيهِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ, قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: فَإِنْ وَصَلْت نَوَّنْت فَقُلْت إيهٍ حَدِّثْنَا, قَالَ ابْنُ السَّرِيِّ: إذَا قُلْت إيهِ, فَإِنَّمَا تَأْمُرُهُ أَنْ يَزِيدَك مِنْ الْحَدِيثِ الْمَعْهُودِ بَيْنكُمَا وَإِنْ قُلْت إيهٍ بِالتَّنْوِينِ, كَأَنَّك قُلْت: هَاتِ حَدِيثًا مَا, لِأَنَّ التَّنْوِينَ تَنْكِيرٌ, فَأَمَّا إذَا أَسْكَنْتَهُ1 وَكَفَفْتَهُ قُلْتَ: إلَيْهَا عَنَّا قَالُوا لِلْحَسَنِ: قُلْنَا مَا زَادَنَا, قَالَ: قَدْ حَدَّثَنَا مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً وَهُوَ يَوْمَئِذٍ جَمِيعٌ, أَيْ مُجْتَمَعُ الْقُوَّةِ وَالْحِفْظِ, وَلَقَدْ تَرَكَ شَيْئًا مَا أَدْرِي أَنَسِيَ الشَّيْخُ أَوْ كَرِهَ أَنْ يُحَدَّثَكُمْ فَتَتَّكِلُوا, قُلْنَا: فَحَدِّثْنَا, فَضَحِكَ وَقَالَ: {خُلِقَ الْأِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37] مَا ذَكَرْت لَكُمْ هَذَا إلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُحَدِّثَكُمُوهُ.
قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ2 فِيهِ "إنَّهُ" لَا بَأْسَ بِضَحِكِ الْعَالِمِ بِحَضْرَةِ أَصْحَابِهِ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ أُنْسٌ, وَلَمْ يَخْرُجْ ضَحِكُهُ إلَى حَدٍّ يُعَدُّ تَرْكًا لِلْمُرُوءَةِ, وَفِيهِ جَوَازُ الِاسْتِشْهَادِ بِالْقُرْآنِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ, وَفِي الصَّحِيحِ3 مِثْلِهِ مِنْ فِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا طَرَقَ فَاطِمَةَ وَعَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ يَقُولُ {وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} [الكهف: 54] قال: ونظائره كثيرة,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ب" و"ط" "أسكنته".
2 "3/65" وفي العبارة بعض تصرف من المصنف – وقد سقطت عبارة شرح مسلم من النسخة "ب".
3 البخاري "1127" ومسلم "775" "206" من حديث علي رضي الله عنه.(5/190)
وَنَزَلَتْ {خُلِقَ الْأِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37] لَمَّا اسْتَعْجَلَتْ قُرَيْشٌ الْعَذَابَ, وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْإِنْسَانِ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَقِيلَ: آدَم "عَلَيْهِ السَّلَامُ" فَعَلَى هَذَا قَالَ الْأَكْثَرُ: خُلُقَ عَجُولًا فَوَجَدَ فِي أَوْلَادِهِ وَأَوْرَثَهُمْ الْعَجَلَةَ, وَقِيلَ: خُلِقَ بِعَجَلٍ, اسْتَعْجَلَ بِخَلْقِهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ, وَقِيلَ: الْإِنْسَانُ اسْمُ جِنْسٍ, فَقِيلَ: الْمَعْنَى خُلِقَ عَجُولًا.
قَالَ الزَّجَّاجُ: الْعَرَبُ تَقُولُ لِلَّذِي يَكْثُرُ مِنْهُ اللَّعِبُ إنَّمَا خُلِقْتَ مِنْ لَعِبٍ, يُرِيدُونَ الْمُبَالَغَةَ فِي وَصْفِهِ بِذَلِكَ, وَقِيلَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ, وَالْمَعْنَى خُلِقَتْ الْعَجَلَةُ فِي الْإِنْسَانِ, وَالْآيَةُ الْأُخْرَى رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ, وَكَانَ جِدَالُهُ فِي الْقُرْآنِ1, وَقِيلَ فِي أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ, وَكَانَ جِدَالُهُ فِي الْبَعْثِ, قَالَ الزَّجَّاجُ: كُلُّ مَا يَعْقِلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ يُجَادِلُ, وَالْإِنْسَانُ أَكْثَرُ هذه الأشياء جدلا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه الطبري في تفسيره "5/191".(5/191)
فَصْلٌ: وَلَا يُسْتَحَبُّ لِلْمُعْتَكِفِ إقْرَاءُ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ
والمناظرة فيه ونحوه "وم" ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ أَصْحَابِنَا, نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: لَا يُقْرِئُ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ, وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ أَيْضًا: يُقْرِئُ "الْقُرْآنَ" أَعْجَبُ إلَى مِنْ أَنْ يَعْتَكِفَ, لِأَنَّهُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: لَوْلَا أَنَّ الْإِقْرَاءَ يُكْرَهُ فِيهِ لَقَالَ يَعْتَكِفُ وَيُقْرِئُ, قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يُقْرِئُ وَلَا يَكْتُبُ الْحَدِيثَ وَلَا يُجَالِسُ الْعُلَمَاءَ, لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ, فَإِنَّهُ كَانَ يَحْتَجِبُ فِيهِ, وَاعْتَكَفَ فِي قُبَّةٍ, وَكَالطَّوَافِ, وَذَكَرَ(5/191)
الْآمِدِيُّ فِي اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ, وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمَا يُسْتَحَبُّ "وهـ ش"1 لِظَوَاهِرِ الْأَدِلَّةِ, وَكَالصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ, وَلَا يَتَّسِعُ الطَّوَافُ لِمَقْصُودِ الْإِقْرَاءِ وَنَحْوِهِ, بِخِلَافِ2 الِاعْتِكَافِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ فِعْلُهُ لِذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ الِاعْتِكَافِ, لِتَعَدِّي نَفْعِهِ, كَمَا سَبَقَ3.
قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَيَتَخَرَّجُ فِي كَرَاهَةِ الْقَضَاءِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْإِقْرَاءِ فَإِنَّهُ 4فِي مَعْنَاهُ4, وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَقْضِي إلَّا فيما خف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س" "وهـ م ش".
2 بعدها في "ب" "الطواف والذي في الأصل الأصح"
3 ص "191".
4 4 في الأصل "مثله".(5/192)
فَصْلٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ,
وَيَشْهَدَ النِّكَاحَ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ, وَيُصْلِحَ بَيْنَ الْقَوْمِ, وَيَعُودَ الْمَرِيضَ, وَيُصَلِّيَ عَلَى الْجِنَازَةِ, وَيُعَزِّيَ, وَيُهَنِّئَ وَيُؤَذِّنَ, وَيُقِيمَ, كل ذلك في المسجد "وش" وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ إلَّا فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ, لِكَرَاهَتِهَا عِنْدَهُمْ فِيهِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَعُودُ مَرِيضًا فِيهِ إلَّا أَنْ يُصَلِّيَ إلَى جَنْبِهِ, وَلَا يَقُومَ لِيُهَنِّئَ, أَوْ يُعَزِّيَ أَوْ يَعْقِدَ نِكَاحًا فِيهِ إلَّا أَنْ يَغْشَاهُ فِي مَجْلِسِهِ, وَلَا يُصْلِحَ فِيهِ بَيْنَ الْقَوْمِ إلَّا فِي مَجْلِسِهِ خَفِيفًا, وَأَكْرَهُ أَنْ يُقِيمَ الصَّلَاةَ مَعَ الْمُؤَذِّنِينَ, لِأَنَّهُ يَمْشِي, وَهُوَ عَمَلٌ, وَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى جِنَازَةٍ فِيهِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.(5/192)
وَلَعَلَّ ظَاهِرَ الْإِيضَاحِ: يَحْرُمُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْ يزوج.(5/193)
فصل: يستحب له ترك لبس رفيع الثياب,
قال صاحب المحرر: قال أصحابنا: وَالتَّلَذُّذِ بِمَا يُبَاحُ لَهُ قَبْلَ الِاعْتِكَافِ. وَأَنْ لَا يَنَامَ إلَّا عَنْ غَلَبَةٍ وَلَوْ مَعَ قُرْبِ الْمَاءِ, وَأَنْ لَا يَنَامَ مُضْطَجِعًا بَلْ مُتَرَبِّعًا مُسْتَنِدًا. وَلَا يُكْرَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ, وَكَرِهَ لَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ "لِبْسَ"1 رَفِيعِ الثِّيَابِ, وَلَا بَأْسَ بِأَخْذِ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ, فِي قِيَاسِ مَذْهَبِنَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ, كَغَسْلِ يَدِهِ فِي طِشْتٍ وَتَرْجِيلِ شَعْرِهِ, وَكَرِهَ مَالِكٌ أَخْذَ2 شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ وَلَوْ جَمَعَهُ وَأَلْقَاهُ, لِحُرْمَةِ الْمَسْجِدِ, وَكَرِهَ ابْنُ عَقِيلٍ إزَالَةَ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا صِيَانَةً لَهُ. وَذَكَرَ غَيْرُهُ: يُسَنُّ ذَلِكَ, وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا, وَإِلَّا3 يَحْرُمُ إلْقَاؤُهُ فِيهِ. وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَتَطَيَّبَ. نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: لَا يَتَطَيَّبُ, وَنَقَلَ أَيْضًا: لَا يُعْجِبُنِي وَقَالَهُ مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ وَقَالَهُ عَطَاءٌ فِي الْمُعْتَكِفَةِ. وَنَقَلَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ: يَتَطَيَّبُ "وَ" كَالتَّنَظُّفِ, وَلِظَوَاهِرِ الْأَدِلَّةِ, وَهَذَا أَظْهَرُ, وَقَاسَ أَصْحَابُنَا الْكَرَاهِيَةَ4 عَلَى الْحَجِّ وَعَدَمِ التَّحْرِيمِ عَلَى الصَّوْمِ, وَأَطْلَقَ فِي الرِّعَايَةِ فِي كَرَاهَةِ لِبْسِ الثَّوْبِ الرَّفِيعِ وَالتَّطَيُّبِ وَجْهَيْنِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "س".
2 في الأصل "أخذه".
3 في "س" "لا".
4 في الأصل و"ط" "الكراهية".(5/193)
فَصْلٌ: لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْمُعْتَكِفِ وَغَيْرِهِ,
نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ, وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ وَصَاحِبُ الْوَسِيلَةِ وَالْإِفْصَاحِ وَغَيْرُهُمْ, كَمَا رَوَى أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ حَدَّثَنِي عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ, وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ الْأَشْعَارُ, وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ الضَّالَّةُ, وَعَنْ الْحِلَقِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ, وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ, وَالنَّسَائِيُّ1 وَلَمْ يَذْكُرْ إنْشَادَ الضَّالَّةِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا "إذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَك" إسْنَادُهُ جَيِّدٌ, رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ2 وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَصَحَّتْ الْأَخْبَارُ بِالْمَنْعِ مِنْ إنشاد الضالة, 3والبيع و3 الِاعْتِكَافِ أَوْلَى, قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: مَنَعَ صِحَّتَهُ وَجَوَّزَهُ أَحْمَدُ, وَقِيلَ: إنْ حُرِّمَ فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ, وَجَزَمَ فِي الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ "وم ش"4 وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ. وَيُكْرَهُ إحْضَارُ السِّلَعِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى قَوْلِنَا يُكْرَهُ وَيُكْرَهُ لِلْمُعْتَكِفِ فِيهِ الْيَسِيرُ "خ" كَالْكَثِيرِ "وَ" وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ الْمَالِكِيُّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مَا عُقِدَ مِنْ الْبَيْعِ فِي الْمَسْجِد لَا يجوز نقضه, كذا قال,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أحمد "6676" وأبو داود "1079" والترمذي "322" والنسائي في المجتبى "2/47 – 48" وابن ماجه "749".
2 في سننه "1321".
3 3 في "ب" و"س" و"ط" "فالبيع".
4 في الأصل "و".(5/194)
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ فِي الْمَسْجِدِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا يَجُوزُ خُرُوجُهُ لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَأْتِيهِ بِهِ1, كَمَا سَبَقَ فِي الْأَعْذَارِ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَبِيعُ وَلَا يَشْتَرِي إلَّا مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ2, فَأَمَّا التِّجَارَةُ وَالْأَخْذُ وَالْعَطَاءُ فَلَا يَجُوزُ, فَهَذَا عَامٌّ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ, ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ, وَقَالَهُ إِسْحَاقُ, وَظَاهِرُهُ الْمَنْعُ مِنْهُ, وَلَوْ خَرَجَ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَمْ يَقِفْ لَهُ وَسَبَقَ جَوَازُهُ فِي فَصْلٍ لَهُ السُّؤَالُ عَنْ الْمَرِيضِ فِي طَرِيقِهِ مَا لَمْ يُعَرِّجْ3 فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَجُوزُ فِي الْمَسْجِدِ ويخرج له, وعلى الثاني يَجُوزُ فَلَا يَخْرُجُ لَهُ "وَ" وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَكَسَّبَ بِالصَّنْعَةِ فِي الْمَسْجِدِ كَالْخِيَاطَةِ وَغَيْرِهَا, وَالْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ وَالْمُحْتَاجُ وَغَيْرُهُ سواء, قاله القاضي وغيره "وم" وجزم به
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"الثَّانِي" قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْمُعْتَكِفِ وَغَيْرِهِ, نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ فِي الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ, فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَجُوزُ فِي الْمَسْجِدِ. وَيَخْرُجُ لَهُ4, وَعَلَى الثَّانِي يَجُوزُ وَلَا يَخْرُجُ لَهُ انْتَهَى. لَعَلَّهُ: فَعَلَى المذهب لا يصح في المسجد, وعلى الثَّانِي يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَيَجُوزُ, لِأَنَّهُ قَدْ صَدَّرَ الْمَسْأَلَةَ بِلَا يَجُوزُ وَبِيُكْرَهُ فَلَوْ جَعَلْنَا الْبِنَاءَ كَذَلِكَ لَكَانَ عَيْنَ الْأَوَّلِ وَتَحَصَّلَ الْحَاصِلُ وَهُوَ الصَّوَابُ, فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَدْ قَدَّمَ الْمَصَفُّ هُنَا أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ, وقد أطلق الروايتين في كتاب الوقف5, فِي الصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا, فَيَكُونُ قَدْ قَدَّمَ حُكْمًا فِي مَكَان وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.
__________
1 ليست في "س".
2 ص "178".
3 ص "178".
4 في النسختين الخطيتين و"ط" "منه" والنثبت من الفروع.
5 "7/383".(5/195)
في المذهب والإيضاح1 قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: قَالَهُ جَمَاعَةٌ, وَنَقَلَ حَرْبٌ التَّوَقُّفَ فِي اشْتِرَاطِهِ, فَقِيلَ لَهُ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَخِيطَ فِي الْمَسْجِدِ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. وَقَالَ لَهُ الْمَرُّوذِيُّ: تَرَى أَنْ يَخِيطَ؟ قَالَ: مَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْتَكِفَ إذَا 2كَانَ يُرِيدُ2 أَنْ يَعْمَلَ, وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَعْمَلَ فَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ فَلَا يَعْتَكِفُ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُ غَيْرِ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ الْعِبَادَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّجِرَ وَلَا يَصْنَعَ الصَّنَائِعَ, قَالَ: وَقَدْ مَنَعَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ الْإِقْرَاءِ وَإِمْلَاءِ الْحَدِيثِ, كَذَا قَالَ. وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّاءِ: يُكْرَهُ أَنْ يَتَّجِرَ أَوْ يَتَكَسَّبَ بِالصَّنْعَةِ, حَكَاهُ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ, وَأَبَاحَهُ الْحَسَنُ وَأَهْلُ الرَّأْيِ كَالْكَلَامِ وَالنَّوْمِ. وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ في اليسير, وكره الكثير, والله أَعْلَمُ.
وَإِنْ احْتَاجَ لِلُبْسِهِ خِيَاطَةً أَوْ غَيْرَهَا3 لَا لِلتَّكَسُّبِ فَقَالَ ابْنُ الْبَنَّاءِ: لَا يَجُوزُ, وَحَكَاهُ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ, وَاخْتَارَهُ هُوَ وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمَا يَجُوزُ "م 11" قَالُوا: وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ, كلف عمامته والتنظيف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 11" قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَكَسَّبَ بِالصَّنْعَةِ فِي الْمَسْجِدِ كَالْخِيَاطَةِ وَغَيْرِهَا وَإِنْ احْتَاجَ لِلُبْسِهِ خِيَاطَةً أَوْ غَيْرَهَا لَا لِلتَّكَسُّبِ فَقَالَ ابْنُ الْبَنَّاءِ لَا يَجُوزُ, حَكَاهُ فِي مُنْتَهَى الغاية, واختاره هو والشيخ وغيرهما يجوز4 قالوا وهو ظاهر كلام الخرقي انتهى.
5ما اختاره الشيخ والمجد وغيرهما5 هو الصحيح, وعليه كثير من الأصحاب
__________
1 في الأصل و"ط" "الإفصاح".
2 2 في الأصل "أراد".
3 في الأصل "نحوها".
4 ليست في "ح".
5 5 ليست في "ط".(5/196)
وَلَا يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ بِالْبَيْعِ وَعَمَلِ الصَّنْعَةِ لِلتَّكَسُّبِ, لِأَنَّهُ إنَّمَا يُنَافِي حُرْمَةَ الْمَسْجِدِ, وَلِهَذَا أُبِيحَ فِي مَمَرِّهِ, وَذَكَر فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ قَوْلًا: يَبْطُلُ. إنْ حُرِّمَ, لِخُرُوجِهِ1 بِالْمَعْصِيَةِ عَنْ وُقُوعِهِ قُرْبَةً, وَقَالَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ 2فِي الْقَدِيمِ2 مُطْلَقًا, لمنافاته الاعتكاف, والله أعلم.
__________
1 في "ب" "كخروجه".
2 2 ليست في الأصل.(5/197)
فَصْلٌ: يَنْبَغِي لِمَنْ قَصْدَ الْمَسْجِدَ لِلصَّلَاةِ
أَوْ غَيْرِهَا أَنْ يَنْوِيَ الِاعْتِكَافَ مُدَّةَ لُبْثِهِ فِيهِ, لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ صَائِمًا, ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمِنْهَاجِ, وَمَعْنَاهُ فِي الْغُنْيَةِ, وِفَاقًا للشافعية, ولم يره شيخنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ أَيْضًا, لِأَنَّهُمْ قَالُوا: لَا يَتَكَسَّبُ بِالصَّنْعَةِ, وَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّاءِ سَبَقَهُ إلَيْهِ الْقَاضِي فَقَالَ: لَا تَجُوزُ الْخِيَاطَةُ فِي الْمَسْجِدِ سَوَاءٌ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ, قَلَّ أَوْ كَثُرَ, انْتَهَى, فَجَعَلَهُ الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ فِي الْخِيَاطَةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ لِلُبْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ, وَيَأْتِي آخِرَ الْوَقْفِ3 هَلْ يَجُوزُ عَمَلُ الصَّنْعَةِ فِي الْمَسْجِدِ؟ فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ أَطْلَقَ الْخِلَافَ هُنَاكَ, وَقَدَّمَ هُنَا عَدَمَ الْجَوَازِ فَحَصَلَ الْخَلَلُ 4إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمُعْتَكِفِ وَغَيْرِهِ4.
فَهَذِهِ إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةٍ فِي هَذَا الْبَابِ تكلمنا عليها, والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
3 "7/383".
4 لييست في "ح".(5/197)
كتاب المناسك
مدخل
حكم الحج والعمرة
...
كتاب المناسك
الْحَجُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ لَا بِكَسْرِهَا فِي الْأَشْهَرِ, وَعَكْسُهُ شَهْرُ الْحِجَّةِ. وَالْحَجُّ
لُغَةً: الْقَصْدُ إلَى مَنْ تُعَظِّمُهُ, وَقِيلَ: كَثْرَةُ الْقَصْدِ إلَيْهِ.
وَشَرْعًا: قَصْدُ مَكَّةَ لِلنُّسُكِ.
وَالْعُمْرَةُ
لُغَةً الزِّيَارَةُ, يُقَالُ: اعْتَمَرَهُ إذَا زَارَهُ. وَقِيلَ: الْقَصْدُ.
وَشَرْعًا: زِيَارَةُ الْبَيْتِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ.
وَالْحَجُّ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ حُرٍّ مُسْتَطِيعٍ1, فِي الْعُمْرِ مَرَّةً وَاحِدَةً. وَفَرْضُ الْحَجِّ سَنَةَ تِسْعٍ2 فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ وَقِيلَ: سَنَةَ عَشْرَةٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: سَنَةَ سِتٍّ, وَبَعْضُهُمْ: سَنَةَ خَمْسٍ:
وَالْعُمْرَةُ فَرْضٌ كَالْحَجِّ, ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: أَطْلَقَ أَحْمَدُ وُجُوبَهَا فِي مَوَاضِعَ, فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَكِّيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ3: وَهُوَ قَوْلُ شَيْخِنَا, فَدَلَّ أَنَّ أَحْمَدَ لَمْ يُصَرِّحْ بِوُجُوبِهَا عَلَى الْمَكِّيِّ, وَصَرَّحَ بِأَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَتَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ.
وَفَرْضُ الْعُمْرَةِ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصحابة4 وغيرهم وفاقا للشافعية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ب".
2 في الأصل "ستع".
3 ليست في "س".
4 في "ب" "أصحاب". وذكره البخاري تعليقا قبل الحديث "1773" قال ابن عمر رضي الله عنهما "ليس أحد إلا وعليه حجة وعمرة وقال ابن عباس رضي الله عنهما إنها لقرينتها في كتاب الله {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196](5/201)
فِي الْجَدِيدِ, وَلِلْمَالِكِيَّةِ قَوْلَانِ, لِقَوْلِ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, هَلْ عَلَى النِّسَاءِ مِنْ جِهَادٍ؟ قَالَ: "نَعَمْ, عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ1 بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَعَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ 2وَلَا الْعُمْرَةَ2 وَلَا الطَّعْنَ, فَقَالَ: "حُجَّ عَنْ أَبِيك وَاعْتَمِرْ" إسْنَادُهُ جَيِّدٌ, رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ3. وَجَاءَ جِبْرِيلُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: "أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ, وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ, وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ, وَتَحُجَّ الْبَيْتَ وَتَعْتَمِرَ" وَذَكَرَ الْحَدِيثَ, وَهُوَ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ, رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ, وَالدَّارَقُطْنِيّ4 وَقَالَ: إسْنَادٌ صَحِيحٌ, وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْجَوْزَقِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُخَرَّجِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ, وَعَنْ الصُّبَيّ5 بْنِ مَعْبَدٍ قَالَ: أَتَيْت عُمَرَ فَقُلْت: إنِّي وَجَدْت الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مَكْتُوبَيْنِ عَلَيَّ فَأَهْلَلْت بِهِمَا, فَقَالَ عُمَرُ: هُدِيت لِسُنَّةِ نَبِيِّك صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم. إسناده جيد, رواه النسائي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أحمد "25322" وابن ماجه "2901".
2 2 ليست في "س".
3 أحمد في المسند "16184" وأبو داود "1810" والترمذي "930" والنسائي في المجتبى "5/111" وابن ماجه "2906".
4 صحيح ابن خزيمة "3065" وسنن الدارقطني "2/281".
5 في "ب" و"ط" الضبي بالضاد وهو الصبي بن معبد الكوفي تابعي ثقة وخضرم رأى عمر بن الخطاب وعامة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تهذيب التهذيب "4/409 – 410".(5/202)
وَغَيْرُهُ1. وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] .
وَعَنْهُ: الْعُمْرَةُ سُنَّةٌ "وهـ م ق" اخْتَارَهُ شَيْخُنَا, لِأَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: زَعَمَ رَسُولُك أَنَّ عَلَيْنَا. فَذَكَرَ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَصَوْمَ رَمَضَانَ وَحَجَّ الْبَيْتِ, فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَدَقَ" , فَقَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ وَلَا أُنْقِصُ مِنْهُنَّ, فَقَالَ: "لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ2, وَأُجِيبَ بِأَنَّ اسْمَ الْحَجِّ يَتَنَاوَلُ الْعُمْرَةَ, رَوَى مُسْلِمٌ3 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" , وَفِي كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ مَعَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ "وَإِنَّ الْعُمْرَةَ الْحَجُّ الْأَصْغَرُ" رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَالدَّارَقُطْنِيّ4, وَعَنْ حَجَّاجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ قَالَ: "لَا, وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَك" رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَالتِّرْمِذِيُّ5 وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ, كَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِهِ, وَحَجَّاجٌ هُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ, ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ مُدَلِّسٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ اتِّفَاقًا.
6قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ حَجَّاجٍ وَابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ المنكدر عن جابر موقوفا6. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 النسائي في المجتبى "5/147 – 148" ورواه أحمد "83" وأبو داود "1799".
2 في صحيحه "12" "10" من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
3 في صحيحه "1241" "203".
4 سنن الدارقطني "2/284".
5 أحمد "14397" والترمذي "931".
6 6 ليست في الأصل و"س" و"ط" قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ حجاج وابن جريج عن ابن المنكر عن جابر موقوفا والمثبت من السنن "2/294".(5/203)
وَلِلطَّبَرَانِيِّ1 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ 2عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُفَيْرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ2 مَرْفُوعًا مِثْلُهُ, وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 عَنْ ابْنِ أَبِي دَاوُد عَنْ مُحَمَّدٍ وَجَعْفَرِ بْنِ مُسَافِرَ وَيَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ ابْنُ عُفَيْرٍ, فَذَكَرَهُ.
يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ثِقَةٌ, رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ, لَكِنْ لَهُ مَنَاكِيرُ عِنْدَهُمْ كَهَذَا الْحَدِيثِ, مَعَ أَنَّ أَحْمَدَ "قَدْ" قَالَ فِيهِ: سَيِّئُ الْحِفْظِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَابْنُ الْقَطَّانِ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: فِي بَعْضِ حَدِيثِهِ اضْطِرَابٌ.
وَأَمَّا تَضْعِيفُ خَبَرِ جَابِرٍ لِضَعْفِ عُبَيْدِ اللَّهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ مُتَابَعَةً لِأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ فَلَا يَتَوَجَّهُ, لِأَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ ثِقَةٌ عِنْدَهُمْ, وَثَّقَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوقٌ, ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ أَوْ الْعُمْرَةَ مَعَ حَجَّتِهِمْ فَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً عَلَى مَنْ اعْتَمَرَ.
وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا "الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ" إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ, رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ4, وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ5 عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْحَنَفِيِّ مُرْسَلًا وَقَالَ: لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ ثَابِتٌ بِأَنَّهَا تَطَوُّعٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رُوِيَ ذَلِكَ بِأَسَانِيدَ لَا تَصِحُّ وَلَا تَقُومُ بِمِثْلِهَا الْحُجَّةُ, وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَجِبُ إتْمَامُهَا, كَمَا سبق آخر صوم التطوع6.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في المعجم الأوسط "6568" والمعجم الصغير "1015".
2 2ليست في "ب".
3 في السنن "2/285".
4 في سننه "2989".
5 في المسند "1/281".
6 ص "119".(5/204)
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: تَجِبُ إلَّا عَلَى الْمَكِّيِّ, نَقَلَهَا عَبْدُ اللَّهِ وَالْأَثْرَمُ وَالْمَيْمُونِيُّ وَبَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ, اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَقَالَ شَيْخُنَا: عَلَيْهِ نُصُوصُهُ وَتَأَوَّلَهَا الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُ نَفَى عَنْهُمْ دَمَ التَّمَتُّعِ, كَذَا قَالَ, وَقَدْ سَأَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ وَغَيْرُهُ: مِنْ أَيْنَ يَعْتَمِرُ أَهْلُ مَكَّةَ؟ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِمْ عُمْرَةٌ, لِأَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ1, لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ, وَهُوَ ضَعِيفٌ, وَقَالَهُ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ, لِأَنَّ مُعْظَمَهَا الطَّوَافُ وَهُمْ يَفْعَلُونَهُ, وَأَجَابَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَطُفْ, وَمَنْ طَافَ يَجِبُ أَنْ لَا يجزئه عنها, كالآفاقي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه ابن أبي شيبة "4/87 – 88" عن ابن عباس "لا يضركم يا أهل مكة أن لا تعتمروا قإن أبيتم فاجعلوا بينكم وبين الحرم بطن الوادي وعنه: أنتم يا أهل مكة لا عمرة لكم إنما عمرتكم الطواف.... وأخرج الدارقطني "2/283" عنه الحج والعمرة فريضتان على الناس كلهم إلا أهل مكة فإن عمرتكم الطواف.(5/205)
فَصْلٌ: لَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى كَافِرٍ أَصْلِيٍّ
"ع" وَيُعَاقَبُ عَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ فُرُوعِ الْإِسْلَامِ "وش" كَالتَّوْحِيدِ "ع". وَعَنْهُ: لَا, وَهُوَ الْأَشْهَرُ لِلْحَنَفِيَّةِ وَلِلْمَالِكِيَّةِ وَجْهَانِ
وَعَنْهُ: يُعَاقَبُ عَلَى النَّوَاهِي لَا الْأَوَامِرِ.
وَالْمُرْتَدُّ مِثْلُهُ, "و" وَهَلْ يَلْزَمُ الْحَجُّ بِاسْتِطَاعَةٍ فِي رِدَّتِهِ إذَا أَسْلَمَ, إنْ1 قُلْنَا يَقْضِي مَا فَاتَهُ مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ لَزِمَهُ "وش" وإلا فلا؟ "وهـ م" وَلَا تَبْطُلُ اسْتِطَاعَتُهُ بِرِدَّتِهِ إنْ قَضَى صَلَاةً تَرَكَهَا قَبْلَ رِدَّتِهِ "هـ م" وَإِنْ حَجَّ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ فهل يلزمه حج ثان؟ "وهـ م" أم لا؟ "وش" فِيهِ رِوَايَتَانِ, وَسَبَقَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ "م 1".
وَلَا يَصِحُّ الْحَجُّ مِنْ كَافِرٍ "ع" وَيَبْطُلُ إحرامه ويخرج منه بردته فيه "وهـ" كَالصَّوْمِ, وَالْجِمَاعِ قَدْ يُعْتَدُّ بِمَا فَعَلَهُ مَعَهُ, وَيَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ مَعَهُ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ الرِّدَّةِ "ع" وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي خُرُوجِهِ مِنْهُ وَكَوْنِهِ كَالْمُجَامِعِ وَبَقَائِهِ إذا أسلم أوجه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 1" قَوْلُهُ: وَإِنْ حَجَّ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ فَهَلْ يَلْزَمُهُ حَجٌّ ثَانٍ أَمْ لَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ, وَسَبَقَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ, انْتَهَى.
"قُلْت": أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَيْضًا2, وَقَدْ ذَكَرْنَا هُنَاكَ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ وَمَنْ اخْتَارَ كُلَّ رِوَايَةٍ, فَلْيُرَاجَعْ إذ لا حاجة إلى إعادته.
__________
1 في الأصل "و".
2 "2/17".(5/206)
فَصْلٌ: وَلَا يَجِبُ عَلَى مَجْنُونٍ
"ع" وَلَا تَبْطُلُ اسْتِطَاعَتُهُ بِجُنُونِهِ "و" وَلَا يَصِحُّ الْحَجُّ مِنْهُ إنْ عَقَدَهُ1 بِنَفْسِهِ "ع"2 وَكَذَا إنْ عَقَدَهُ لَهُ الْوَلِيُّ, اقْتِصَارًا عَلَى النَّصِّ فِي الطِّفْلِ, وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَفِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ: اخْتَارَهُ أبو بكر "وم ش".
وَهَلْ يَبْطُلُ الْإِحْرَامُ بِالْجُنُونِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَاتِ "م" أَمْ لَا؟ كَالْمَوْتِ, فِيهِ وَجْهَانِ "م 3" فَإِنْ لَمْ يَبْطُلْ فَكَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ, ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ, وَأَطْلَقَ ابْنُ عَقِيلٍ وَجْهَيْنِ فِي بُطْلَانِهِ بِجُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ, وَالْمَعْرُوفُ لَا يَبْطُلُ بِإِغْمَاءٍ, كَالسُّكْرِ, فَيَتَوَجَّهُ فِيهِ مثله.
__________
1 في "س" "عقد".
2 ليست في الأصل و"ب".(5/207)
فَصْلٌ: وَلَا يَجِبُ عَلَى عَبْدٍ
"و" كَالْجِهَادِ, وَفِيهِ نَظَرٌ, لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ الشَّهَادَةُ, وَلِلْخَبَرِ الْآتِي فِي الْأَمْرِ بِإِعَادَتِهِ إذَا عَتَقَ, وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ, وَيَصِحُّ مِنْهُ "و" وَكَذَا مُكَاتَبٌ وَمُدَبَّرٌ وَأُمُّ وَلَدٍ وَمُعْتَقٌ بَعْضُهُ "و".
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ "و" لتفويت حقه, فإن فعل انعقد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 2" قَوْلُهُ: وَهَلْ يَبْطُلُ الْإِحْرَامُ بِالْجُنُونِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَاتِ أَمْ لَا؟ كَالْمَوْتِ, فِيهِ وَجْهَانِ, انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ, أَحَدُهُمَا لَا يَبْطُلُ "قُلْت": وَهُوَ قِيَاسُ الصَّوْمِ إذَا أَفَاقَ جُزْءًا مِنْ الْيَوْمِ, وَالصَّحِيحُ هُنَاكَ الصِّحَّةُ, وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ, وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ, وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَبْطُلُ, وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْمَجْدِ في الصوم.(5/207)
"و" خِلَافًا لِدَاوُدَ, كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ كَذَا ذَكَرَ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَيَتَخَرَّجُ بُطْلَانُ إحْرَامِهِ بِغَصْبِهِ لِنَفْسِهِ, فَيَكُونُ قَدْ حَجَّ فِي بَدَنٍ غُصِبَ فَهُوَ آكَدُ مِنْ الْحَجِّ بِمَالٍ غُصِبَ, وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ لَيْسَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مُؤَثِّرٌ, فَيَكُونُ هُوَ الْمَذْهَبَ, وَسَبَقَ مِثْلُهُ فِي الِاعْتِكَافِ1 عَنْ جَمَاعَةٍ, فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُ عِبَادَةٍ قَدْ تُفَوِّتُ حَقَّ السَّيِّدِ إلَّا بِإِذْنِهِ, وَتَعْلِيلُهُمْ يَدُلُّ عَلَيْهِ, وَمِنْهُ صَلَاةٌ وَصَوْمٌ, وَقَدْ يَكُونُ زَمَنُ الِاعْتِكَافِ التَّطَوُّعِ أَقَلَّ, وَلَا يَجُوزُ صَوْمُ الْمَرْأَةِ إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ, وَحَقُّ السَّيِّدِ آكَدُ, وَقَدْ سَوَّوْا بَيْنَهُمَا فِي الِاعْتِكَافِ وَالْحَجِّ بِلَا إذْنٍ لِمَعْنًى وَاحِدٍ, وَدَلَّ اعْتِبَارُ الْمَسْأَلَةِ بِالْغَصْبِ عَلَى تَخْرِيجِ رِوَايَةِ: إنْ أُجِيزَ صَحَّ وَإِلَّا بَطَلَ.
وَعَلَى الْأَوَّلِ: لِسَيِّدِهِ تَحْلِيلُهُ, فِي رِوَايَةِ "و" اخْتَارَهَا ابْنُ حَامِدٍ وَالشَّيْخُ وَجَمَاعَةٌ, وَجَزَمَ بِهَا آخَرُونَ, لِتَفْوِيتِ حَقِّهِ, وَقَاسَ الشَّيْخُ عَلَى صَوْمٍ يَضُرُّ بَدَنَهُ, وَمُرَادُهُ لَا يُفَوَّتُ بِهِ حَقٌّ, وَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ, فِي رِوَايَةٍ نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ, وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَابْنُهُ وَغَيْرُهُمْ "3 م" كَتَطَوُّعِ نَفْسِهِ, وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ قَوْلَ أَحْمَدَ: لَا يُعْجِبُنِي مَنْعُ السيد عبده من المضي في الإحرام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 3" قَوْلُهُ عَنْ الْعَبْدِ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. فَإِنْ فَعَلَ انْعَقَدَ فَعَلَى هَذِهِ لِسَيِّدِهِ تَحْلِيلُهُ, فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا ابْنُ حَامِدٍ وَالشَّيْخُ وَجَمَاعَةٌ, وَجَزَمَ بِهَا آخَرُونَ وَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ فِي رِوَايَةٍ نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ, وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَابْنُهُ وَغَيْرُهُمْ, انْتَهَى, وأطلقهما في المذهب ومسبوك الذهب,
__________
1 ص "134".(5/208)
زَمَنَ1 الْإِحْرَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ, وَقَالَ: إنْ لَمْ يُخْرِجْ مِنْهُ وُجُوبَ النَّوَافِلِ بِالشُّرُوعِ2 كَانَ بَلَاهَةً.
وَإِنْ أَذِنَ لَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ تَحْلِيلُهُ "هـ" لِلُزُومِهِ, كَنِكَاحٍ وَإِعَارَةٍ لِرَهْنٍ, وَعَنْهُ: لَهُ تَحْلِيلُهُ.
وَإِنْ بَاعَهُ فَمُشْتَرِيهِ كَبَائِعِهِ فِي تَحْلِيلِهِ, وَلَهُ الْفَسْخُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا أَنْ يَمْلِكَ بَائِعُهُ تَحْلِيلَهُ فَيُحَلِّلَهُ.
وَإِنْ عَلِمَ الْعَبْدُ بِرُجُوعِ سَيِّدِهِ عَنْ إذْنِهِ فَكَمَا لَوْ لَمْ يَأْذَنْ, وَإِلَّا فَالْخِلَافُ فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ قَبْلَ عِلْمِهِ.
وَإِنْ نَذَرَ الْعَبْدُ الْحَجَّ لَزِمَهُ "و" قال صاحب المحرر: لا نعلم فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
إحْدَاهُمَا لِسَيِّدِهِ تَحْلِيلُهُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ3 وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ, وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمَا, وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ, نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ, وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَابْنُهُ وَغَيْرُهُمْ, قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: هَذَا الْأَشْهَرُ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ.
__________
1 في "ب" "ومن".
2 في "ب" "بالشروح".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/27".(5/209)
خِلَافًا, وَهَلْ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهُ إذَا لَمْ يكن نذره بإذنه "وش" أَمْ لَا؟ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ كَوَاجِبِ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ ولعل المراد بأصل الشرع1 فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ النَّذْرُ عَلَى الْفَوْرِ لَمْ يَمْنَعْهُ "م 4" وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ فِي مَمْلُوكٍ قَالَ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ لَمْ يُحْرِمْ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ, قَالَ: يُحْرِمُ وَلَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ, قُلْت: فَإِنْ مَنَعَهُ سَيِّدُهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مَكَّةَ؟ قَالَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إذَا عَلِمَ مِنْهُ رُشْدًا. ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْمَمْلُوكِ مِنْ حَقِّ مَوْلَاهُ وَمَا يَجِبُ مِنْ حَقِّ الْمَمْلُوكِ عَلَى سَيِّدِهِ. وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ, وَسَبَقَ ذَلِكَ أَوَّلَ الْجَنَائِزِ2.
وَإِنْ أَفْسَدَ الْعَبْدُ حَجَّهُ بِالْوَطْءِ لَزِمَهُ الْمُضِيُّ فيه والقضاء "وش" كَالْحُرِّ, وَيَصِحُّ الْقَضَاءُ فِي رِقِّهِ, فِي الْأَصَحِّ, لِلُزُومِهِ لَهُ, كَالنَّذْرِ, بِخِلَافِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهُ إنْ كَانَ شُرُوعُهُ فِيمَا أَفْسَدَهُ بِإِذْنِهِ, لِأَنَّ إذْنَهُ فِيهِ إذْنٌ فِي مُوجَبِهِ, وَمِنْ مُوجَبِهِ قَضَاءُ مَا أَفْسَدَهُ عَلَى الْفَوْرِ.
وَلِلْمَالِكِيَّةِ قَوْلَانِ, وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِهِ ففي منعه من القضاء وجهان,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 4" قَوْلُهُ: وَإِنْ نَذَرَ الْعَبْدُ الْحَجَّ لَزِمَهُ وَهَلْ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ نَذَرَهُ بِإِذْنِهِ؟ أَمْ لَا؟ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ كَوَاجِبِ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ, وَقِيلَ: إنْ كَانَ النَّذْرُ عَلَى الْفَوْرِ لَمْ يَمْنَعْهُ, انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ, إحْدَاهُمَا لَهُ مَنْعُهُ مِنْهُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ, وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالنَّظْمِ, "قُلْت": وَهُوَ الصَّوَابُ, وَالرِّوَايَةُ الثانية ليس له منعه, وجزم به المحرر.
__________
1 في "س" "الشروع".
2 "3/241".(5/210)
كالمنذور "م 5" وَهَلْ يَلْزَمُ الْعَبْدَ الْقَضَاءُ لِفَوَاتٍ أَوْ إحْصَارٍ؟ فِيهِ الْخِلَافُ, كَالْحُرِّ.
وَإِنْ أُعْتِقَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ خَالَفَ فَحُكْمُهُ كَالْحُرِّ يَبْدَأُ بِنَذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ, وَإِنْ أُعْتِقَ فِي الْحَجَّةِ الْفَاسِدَةِ فِي حَالٍ يُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْفَرْضِ لَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً فإنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 5" قَوْلُهُ: "وَإِنْ أَفْسَدَ الْعَبْدُ حَجَّهُ بِالْوَطْءِ لَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِيهِ وَالْقَضَاءُ "كَالْحُرِّ" وَيَصِحُّ الْقَضَاءُ فِي رِقِّهِ. وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ إنْ كَانَ شُرُوعُهُ فِيمَا أَفْسَدَهُ بِإِذْنِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِهِ فَفِي مَنْعِهِ مِنْ الْقَضَاءِ وَجْهَانِ, كَالْمَنْذُورِ, وفيه مسألتان:
"الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 5" إذَا كَانَ الْحَجُّ تَطَوُّعًا وَأَفْسَدَهُ فَهَلْ لِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ مِنْ الْقَضَاءِ إذَا كَانَ شُرُوعُهُ فِيمَا أَفْسَدَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ.
أَحَدُهُمَا لَهُ مَنْعُهُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, وَقَدْ قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ1 فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا, وَهَذِهِ مِنْ جُمْلَةِ الْمَسَائِلِ الَّتِي أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهَا الْخِلَافَ وَقَدَّمَ فِيهَا حُكْمًا, كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي الْمُقَدِّمَةِ2.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ.
"الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 6" إذَا كَانَ حَجُّهُ مَنْذُورًا وَأَفْسَدَهُ, وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا مَا يُشَابِهُ هَذِهِ, وَلَكِنْ تِلْكَ الْخِلَافُ فِي مَنْعِهِ مِنْ فِعْلِهِ, وَهُنَا مَنْعُهُ مِنْ قَضَائِهِ, وَعَلَى كُلِّ حَالٍ الصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ مَنْعَهُ كَالْمَسْأَلَةِ الْمَقِيسَةِ وَاَلَّتِي قبلها, والله أعلم.
__________
1 ص "455".
2 "1/18".(5/211)
يَمْضِي فِيهَا, وَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَالْقَضَاءِ "وش".
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ لَوْ صَحَّتْ أَجْزَأَتْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَضَاؤُهَا كَهِيَ, كما قلنا فيمن نذر صوم يوم يقدم فُلَانٌ, فَقَدِمَ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ, فَإِنَّهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ يُجْزِئُهُ عَنْ النَّذْرِ وَالْفَرْضِ لَوْ أَفْطَرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَزِمَهُ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ, وَلَا يَكُونُ الِاعْتِبَارُ فِي الْقَضَاءِ بِمَا كان في الأداء.
ويلزمه حكم جنايته, كَحُرٍّ مُعْسِرٍ, وَإِنْ تَحَلَّلَ بِحَصْرٍ أَوْ حَلَّلَهُ سَيِّدُهُ لَمْ يَتَحَلَّلْ قَبْلَ الصَّوْمِ, وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْهُ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَقِيلَ فِي إذْنِهِ فِيهِ وَفِي صَوْمٍ آخَرَ فِي إحْرَامٍ بِلَا إذْنِهِ وَجْهَانِ, كَنَذْرٍ, وَسَيَأْتِي1, وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: إنْ تَعَمَّدَ الْمَأْذُونُ السَّبَبَ فَلِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ إنْ أَضَرَّ بِهِ فِي عَمَلِهِ, فِي الْأَشْهَرِ عِنْدَهُمْ, وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ مِثْلِهِ, وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ وَوَجَدَ الهدي لزمه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ص "226".(5/212)
وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ وَلَمْ يَصُمْ فَلِسَيِّدِهِ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ, ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ, وَإِنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ صَامَ, وَكَذَا إنْ تَمَتَّعَ أَوْ قَرَنَ, لِأَنَّ الْحَجَّ لَهُ كَالْمَرْأَةِ, وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ عَلَى سَيِّدِهِ إنْ أَذِنَ فِيهِ, كَمَا لَوْ فَعَلَهُ نَائِبٌ بِإِذْنِ مُسْتَنِيبٍ.(5/213)
فَصْلٌ: وَلَا يَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ,
وَيَصِحُّ مِنْهُ, فَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا أَحْرَمَ بِنَفْسِهِ, وَإِلَّا أَحْرَمَ وَلِيُّهُ عَنْهُ, وَيَقَعُ لَازِمًا, وَحُكْمُهُ كَالْمُكَلَّفِ, نَصَّ عَلَيْهِ "وم ش" لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّ امْرَأَةً رَفَعَتْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَبِيًّا فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: "نَعَمْ, وَلَكِ أَجْرٌ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ1. وَقَالَ السَّائِبُ بْنُ زَيْدٍ2: حُجَّ بِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ, رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ3, وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ الْحِنْثَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى, وَأَيُّمَا أَعْرَابِيٍّ حَجَّ ثُمَّ هَاجَرَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى, وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ ثُمَّ عَتَقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى4. وَانْفَرَدَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ بِرَفْعِهِ وَهُوَ يُحْتَجُّ بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا, وَكَانَ آيَةً فِي الْحِفْظِ وَلِهَذَا صَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ حَزْمٍ, وَأَجَابَ بِنَسْخِهِ لِكَوْنِ فيه الأعرابي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1في صحيحه "1336" "410".2 هو السائب بن يزيد بن سعيد بن ثمامة أبو عبد الله وأبو يزيد الكندي المدني بن أخب نمر وذلك شيء عرفوا به قال الزهري ما اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضيا ولا أبو بكر ولا عمر حتى قال عمر للسائب ابن أخت نمر: لو روحت عني بعض الأمر "ت 91 هـ" سير أعلام النبلاء "3/437".3 في صحيحه "1858".4 أخرجه البيهقي في سننه "4/325". بلفظ(5/213)
وَقَدْ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ حَسَّانُ بْنُ مُحَمَّدِ مِنْ وَلَدِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ, وَهُوَ إمَامُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي عَصْرِهِ بِخُرَاسَانَ, قَالَهُ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ وَقَالَ: دَرَسَ الْفِقْهَ عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ. صَنَّفَ الْمُخَرَّجَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ, وَالْمُخَرَّجَ عَلَى الصَّحِيحِ لِمُسْلِمٍ, وَكَانَ أَزْهَدَ مَنْ رَأَيْت مِنْ الْعُلَمَاءِ وَأَكْثَرَهُمْ تَقَشُّفًا وَلُزُومًا لِمَدْرَسَتِهِ وَبَيْتِهِ وَأَكْثَرَهُمْ اجْتِهَادًا فِي الْعِبَادَةِ, سَمِعْت أَبَا الْوَلِيدِ وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَيُّمَا أَعْرَابِيٍّ حَجَّ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ إذَا هَاجَرَ" قَالَ: مَعْنَاهُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ فَعَبَّرَ بِاسْمِ الْهِجْرَةِ 1عَنْ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُمْ إذَا أَسْلَمُوا هَاجَرُوا, وَفَسَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامَ بِاسْمِ الْهِجْرَةِ1, وَإِنَّمَا سُمُّوا مُهَاجِرِينَ لِأَنَّهُمْ هَجَرُوا الْكُفَّارَ إجْلَالًا لِلْإِسْلَامِ. سَمِعْت أَبَا الْوَلِيدِ سَمِعْت ابْنَ سُرَيْجٍ سَمِعْت إسْمَاعِيلَ بْنَ إِسْحَاقَ الْقَاضِي يَقُولُ: دَخَلْت عَلَى الْمُعْتَضِدِ فَدَفَعَ إلَيَّ كِتَابًا نَظَرْت فِيهِ, وَكَانَ قَدْ جَمَعَ لَهُ الزَّلَلَ مِنْ رُخَصِ الْعُلَمَاءِ وَمَا احْتَجَّ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمْ لِنَفْسِهِ, فَقُلْت لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ, مُصَنِّفُ هَذَا الْكِتَابِ زِنْدِيقٌ, فَقَالَ لَمْ تَصِحَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ؟ قُلْت: الْأَحَادِيثُ عَلَى مَا رُوِيَتْ, وَلَكِنْ مَنْ أَبَاحَ الْمُسْكِرَ لَمْ يُبِحْ الْمُتْعَةَ. وَمَنْ أَبَاحَ الْمُتْعَةَ لَمْ يُبِحْ الْغِنَاءَ وَالْمُسْكِرَ, وَمَا مِنْ عَالِمٍ إلَّا وَلَهُ زَلَّةٌ, وَمَنْ جَمَعَ زَلَلَ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ أَخَذَ بِهَا ذَهَبَ دِينُهُ, فَأَمَرَ الْمُعْتَضِدُ فَأُحْرِقَ ذَلِكَ الْكِتَابُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ: ذَكَرَهُ هبة الله الطبري2 في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 1 ليست في الأصل.
2 هو أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري الرازي الشافعي اللالكائي الحافظ المجود مفيد بغداد في وقته صنف كتابا في السنة "ت 410 هـ" سير أعلام النبلاء "17/419".(5/214)
سُنَنِهِ وَقَالَ: أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ وُضُوءُهُ1 كَالْبَالِغِ, بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ, وَلِأَنَّهُ إذَا صَحَّ إحْرَامُهُ يَجِبُ أَنْ يَصِحَّ عَلَى حُكْمِ الْبَالِغِ فِي الضَّمَانِ, كَالنِّكَاحِ, وَلِأَنَّهُ الْتِزَامٌ بِالْفِعْلِ, وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْقَوْلِ, 2بِخِلَافِ نَذْرِهِ وَيَمِينِهِ.
وَكَفَّارَةُ الْحَجِّ تَتَعَلَّقُ بِالْحَجِّ الْفَاسِدِ وَتُحْرِمُ رُفْقَةُ, الْمُغْمَى عَلَيْهِ عَنْهُ عِنْدَهُمْ2, بِخِلَافِ الصَّوْمِ فِيهِمَا, وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ يَصِحُّ إحْرَامُهُ وَلَا يَلْزَمُ, فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ كَفَّارَةٌ. وَيُرْتَفَضُ بِرَفْضِهِ, وَيُجْتَنَبُ الطِّيبُ اسْتِحْبَابًا, وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا أَنَّهُ يُخْرِجُهُ مِنْ ثَوَابِ الْحَجِّ, وَسَبَقَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ3, وَهَذَا الْقَوْلُ مُتَّجَهٌ أَنَّهُ يَصِحُّ إحْرَامُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ حُكْمُهُ, وَيُثَابُ عَلَيْهِ إذَا أَتَمَّهُ صَحِيحًا, لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِالْتِزَامِ, وَلَيْسَ عَلَى لُزُومِهِ دَلِيلٌ صَحِيحٌ.
وَيُحْرِمُ مُمَيِّزٌ وَهُوَ ابْنُ سَبْعٍ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ, كَالْبَيْعِ, وَقِيلَ: يَصِحُّ مِنْهُ بِدُونِهِ, وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ, كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ, فَعَلَى هَذَا يُحَلِّلُهُ الْوَلِيُّ منه إن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ب" "صومه".
2 2 ليست في "س".
3 "1/411".(5/215)
رَآهُ ضَرَرًا, فِي الْأَصَحِّ, كَعَبْدٍ, وَلِلشَّافِعِيَّةِ كَالْوَجْهَيْنِ.
وَلَا يُحْرِمُ الْوَلِيُّ عَنْ مُمَيِّزٍ "وم ش" لِعَدَمِ الدَّلِيلِ, وَالْوَالِي مَنْ يَلِي مَالَهُ, وَيَصِحُّ عَنْ الطِّفْلِ وَلَوْ كَانَ مُحْرِمًا أَوْ لَمْ يَحُجَّ كَعَقْدِ النِّكَاحِ لَهُ, وَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ الْوَلِيِّ, ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ, كَالْأَجْنَبِيِّ, وَظَاهِرُ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ يَصِحُّ مِنْ الْأُمِّ أَيْضًا "وش" لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ, وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي عَصَبَتِهِ كَالْعَمِّ وَابْنِهِ وَجْهَانِ, وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ الصِّحَّةَ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَكُلُّ مَا أَمْكَنَهُ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ كَالْوُقُوفِ وَالْمَبِيتِ لَزِمَهُ, وَسَوَاءٌ أَحْضَرَهُ1 الْوَلِيُّ: فِيهَا أَوْ غَيْرُهُ, وَمَا عَجَزَ عَنْهُ عَمِلَهُ عَنْهُ الْوَلِيُّ, رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الرَّمْيِ, وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ طَافَ بِابْنِ الزُّبَيْرِ فِي خِرْقَةٍ, رَوَاهُمَا الْأَثْرَمُ2.
وَكَانَتْ عَائِشَةُ تُجَرِّدُ الصِّبْيَانَ لِلْإِحْرَامِ3, وِفَاقًا لِأَكْثَرِ العلماء منهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "حضره".
2 الأول أخرجه أيضا ابن أبي شيبة الجزء العمري ص "246" والثاني أخرجه أيضا عبد الرزاق في مصنفه "5/70".
3 أخرجه ابن أبي شيبة نشرة العمري ص "407".(5/216)
الشَّافِعِيُّ, وَقَالَهُ عَطَاءٌ, إلَّا الصَّلَاةَ, وَاسْتَثْنَى مَالِكٌ التَّلْبِيَةَ أَيْضًا, وَعَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَنَا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَأَحْرَمْنَا عَنْ الصِّبْيَانِ. رَوَاهُ سَعِيدٌ1, وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ2: فَلَبَّيْنَا عَنْ الصِّبْيَانِ وَرَمَيْنَا عَنْهُمْ. وَلِلتِّرْمِذِيِّ3: فَكُنَّا نُلَبِّي عَنْ النِّسَاءِ وَنَرْمِي عَنْ الصِّبْيَانِ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَ عَنْهُ إلَّا مَنْ رَمَى عَنْ نَفْسِهِ, كَالنِّيَابَةِ فِي الْحَجِّ, فَإِنْ قُلْنَا بِالْإِجْزَاءِ هُنَاكَ فَكَذَا هُنَا, وَإِلَّا وَقَعَ الرَّمْيُ عَنْ نَفْسِهِ إنْ كَانَ مُحْرِمًا بِفَرْضٍ, وَإِنْ كَانَ حَلَالًا لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ, وَإِنْ قُلْنَا يَقَعُ الْإِحْرَامُ بَاطِلًا هُنَاكَ فَكَذَا الرَّمْيُ هُنَا.
وَإِنْ أَمْكَنَ الصَّبِيَّ أَنْ يُنَاوِلَ النَّائِبَ الْحَصَى نَاوَلَهُ وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ أَنْ تُوضَعَ الْحَصَاةُ فِي كَفِّهِ ثُمَّ تُؤْخَذَ مِنْهُ فَتُرْمَى عَنْهُ. فَإِنْ وَضَعَهَا النَّائِبُ فِي يَدِهِ وَرَمَى بِهَا فَجَعَلَ يَدَهُ كَالْآلَةِ فَحَسَنٌ, وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَطُوفَ فَعَلَهُ وإلا طيف به محمولا أو راكبا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 وأخرجه ابن أبي شيبة نشرة العمري ص "246".
2 أحمد "4370" وابن ماجه "3038".
3 في سننه "927".(5/217)
وَتُعْتَبَرُ النِّيَّةُ مِنْ1 الطَّائِفِ بِهِ وَكَوْنُهُ مِمَّنْ يَصِحُّ أَنْ يَعْقِدَ لَهُ الْإِحْرَامَ, فَإِنْ نَوَى الطَّوَافَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ الصَّبِيِّ وَقَعَ عَنْ الصَّبِيِّ, كَالْكَبِيرِ يُطَافُ بِهِ مَحْمُولًا لِعُذْرٍ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَطُوفَ عَنْهُ الْحَلَالُ وَالْمُحْرِمُ, طَافَ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ لَا "وم ش" لِوُجُودِ الطَّوَافِ مِنْ الصَّبِيِّ, كَمَحْمُولٍ مَرِيضٍ, وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْحَامِلِ إلَّا النِّيَّةُ كَحَالَةِ الْإِحْرَامِ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا لَا يُجْزِئُ 2"عَنْ الصَّبِيِّ"2 كَالرَّمْيِ عَنْ الْغَيْرِ, فَعَلَى هَذَا يَقَعُ عَنْ الْحَامِلِ, لِأَنَّ النِّيَّةَ هُنَا شَرْطٌ, فَهِيَ كَجُزْءٍ3 مِنْهُ شَرْعًا, وَقِيلَ: يَقَعُ هُنَا عَنْ نَفْسِهِ, كَمَا لَوْ نَوَى الْحَجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ, وَالْمَحْمُولُ الْمَعْذُورُ وُجِدَتْ4 النِّيَّةُ مِنْهُ5, وَهُوَ أَهْلٌ, وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَلْغُوَ نِيَّتُهُ هُنَا لِعَدَمِ التَّعْيِينِ, لِكَوْنِ الطَّوَافِ لَا يَقَعُ عَنْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ.
وَنَفَقَةُ الْحَجِّ فِي مَالِ وَلِيِّهِ, فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا أبو الخطاب وأبو الوفاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ب" "عن".
2 2 ليست في "ب".
3 في الأصل "حزء".
4 في الأصل "وجوب".
5 ليست في الأصل.(5/218)
والشيخ وغيرهم "وم ق" لِأَنَّهُ السَّبَبُ فِيهِ, قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ كَإِتْلَافِهِ مَالَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ لَهُ, وَمِنْهُ: فِي مَالِهِ, اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ, وَاخْتَلَفَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي "م 7" لِأَنَّهُ لِمَصْلَحَتِهِ كَأُجْرَةِ حَامِلِهِ إلَى الْجَامِعِ وَالطَّبِيبِ ونحوه, ومحل1 الْخِلَافِ يَخْتَصُّ بِمَا يَزِيدُ عَلَى نَفَقَةِ الْحَضَرِ, وَإِنْشَاءِ السَّفَرِ لِلْحَجِّ بِهِ تَمْرِينًا عَلَى الطَّاعَةِ. زَادَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَمَالُهُ كَثِيرٌ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 7" قَوْلُهُ: وَنَفَقَةُ الْحَجِّ فِي مَالِ وَلِيِّهِ, فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا أَبُو الْخَطَّابِ وَأَبُو الْوَفَاءِ وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ: فِي مَالِهِ, اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ, وَاخْتَلَفَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي, انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي2 وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ.
إحْدَاهُمَا هِيَ فِي مَالِ وَلِيِّهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ, جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ, قَالَ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: يَلْزَمُ ذَلِكَ الْوَلِيَّ, فِي أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ, وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ, وَالشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي3, وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ, قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ, وَهُوَ أَصَحُّ, وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي بَعْضِ كُتُبِهِ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُقْنِعِ4 وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ, قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: فَعَلَى وَلِيِّهِ إجْمَاعًا, ثُمَّ حَكَى الْخِلَافَ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَكُونُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ, قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرِهِمْ, وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ "قُلْت": وَهُوَ ضَعِيفٌ, وَمَا عُلِّلَتْ بِهِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ, وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ فيه نظر.
__________
1 في الأصل "ومشكل".
2 "2/308".
3 "5/54".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/24".(5/219)
فَأَمَّا سَفَرُهُ مَعَهُ لِلتِّجَارَةِ أَوْ خِدْمَةٍ أَوْ إلَى مَكَّةَ لِاسْتِيطَانِهَا أَوْ1 الْإِقَامَةِ بِهَا لِعِلْمٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُبَاحُ لَهُ السَّفَرُ بِهِ فِي وَقْتِ الْحَجِّ وَغَيْرِهِ وَمَعَ الْإِحْرَامِ وَعَدَمِهِ فَلَا نَفَقَةَ عَلَى الْوَلِيِّ, رِوَايَةً وَاحِدَةً, بَلْ عَلَى الْجِهَةِ الْوَاجِبَةِ فِيهَا بِتَقْدِيرِ عَدَمِ الْإِحْرَامِ. وَيُؤْخَذُ هَذَا مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ لِمَصْلَحَتِهِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ, وَكَذَا الْمَالِكِيَّةُ وَإِنْ كَانُوا اسْتَثْنَوْا خَوْفَ الضَّيْعَةِ عَلَيْهِ فَقَطْ.
وَهَلْ الْفِدْيَةُ وَجَزَاءُ الصَّيْدِ عَلَى الْوَلِيِّ كَنَفَقَتِهِ؟ أم عليه كحنايته؟ فيه روايتان "م 8". . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 8" "قَوْلُهُ" وَهَلْ الْفِدْيَةُ وَجَزَاءُ الصَّيْدِ عَلَى الْوَلِيِّ كَنَفَقَتِهِ؟ أَمْ عَلَيْهِ كَجِنَايَتِهِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ, انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي2 وَالْكَافِي3 وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ.
إحْدَاهُمَا يَكُونُ فِي مَالِ وَلِيِّهِ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, قَالَ فِي الْمُذْهَبِ, وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: يَلْزَمُ الْوَلِيَّ, فِي أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ, قَالَ ابْنُ مُنَجَّى: هَذَا الْمَذْهَبُ, وَهُوَ أَصَحُّ, قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: نَفَقَةُ الْحَجِّ وَمُتَعَلِّقَاتُهُ الْمُجْحِفَةُ بِالصَّبِيِّ تَلْزَمُ الْمُحْرِمَ بِهِ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُقْنِعِ4 وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ, وَحَكَاهُ إجْمَاعًا
__________
1 في الأصل "و".
2 "5/54".
3 "2/308".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/24".(5/220)
وَلِلشَّافِعِيِّ وَالْمَالِكِيَّةِ قَوْلَانِ, كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ وَسَوَّى جَمَاعَةٌ بَيْنَهُمَا وَيَخْتَصُّ الْخِلَافُ بِمَا فَعَلَهُ الصَّبِيُّ.
وَيَلْزَمُ الْبَالِغَ كَفَّارَتُهُ مَعَ خَطَأٍ وَنِسْيَانٍ قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: أَوْ فَعَلَهُ بِهِ الْوَلِيُّ لِمَصْلَحَتِهِ, كَتَغْطِيَةِ رَأْسِهِ لِبَرْدٍ أَوْ تَطْيِيبِهِ1 لِمَرَضٍ. وَإِنْ فَعَلَهُ بِهِ الْوَلِيُّ لَا لِعُذْرٍ فَالْفِدْيَةُ عَلَيْهِ, وَمَا لَا يَلْزَمُ الْبَالِغَ كَفَّارَتُهُ مَعَ خطأ ونسيان لا يلزم الصبي, لأن عمده خطأ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
, كَمَا تَقَدَّمَ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ, وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرُهُمْ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَكُونُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ, قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ, وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ.
"تَنْبِيهٌ": حُكْمُ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالْفِدْيَةِ حُكْمُ نَفَقَةِ الْحَجِّ, خِلَافًا وَمَذْهَبًا, وَلِذَلِكَ جَمَعَهُمَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ, وَحَكَوْا الْخِلَافَ فِي الْجَمِيعِ, وَهُوَ الصَّوَابُ, وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ, لِقَوْلِهِ عَنْ الطَّرِيقَةِ الْأُخْرَى "كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ" وَلَنَا طَرِيقَةٌ أُخْرَى وَهِيَ هَلْ يُلْحَقَانِ بِالنَّفَقَةِ فَيَكُونَ فِيهِمَا الْخِلَافُ الَّذِي فِيهَا؟ أَوْ يَكُونَانِ كَجِنَايَتِهِ فَيَجِبَ عَلَيْهِ قَوْلًا وَاحِدًا؟ وَهِيَ طَرِيقَةُ الشَّيْخِ الْمُوَفَّقِ وَجَمَاعَةٍ, وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ, وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ ضَعِيفَةٌ.
__________
1 في "ب" "بطنه".(5/221)
وَمَتَى وَجَبَتْ عَلَى الْوَلِيِّ وَدَخَلَهَا الصَّوْمُ صَامَ عَنْهُ, لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ ابْتِدَاءً, كَصَوْمِهَا عَنْ نَفْسِهِ, وَمَذْهَبُ مَالِكٍ. لَا يَفْدِي إلَّا بِالْمَالِ, لِأَنَّ الْغَيْرَ لَا يُصَامُ عَنْهُ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَوَطْءُ الصَّبِيِّ كَوَطْءِ الْبَالِغِ نَاسِيًا يَمْضِي فِي فَاسِدِهِ وَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ. وَلَا يَصِحُّ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِهِ, نَصَّ عَلَيْهِ, لِلْجَمْعِ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ, وَنَظِيرُهُ احْتِلَامُ الْمَجْنُونِ يُوجِبُ الْغُسْلَ وَيُعْتَبَرُ لِصِحَّتِهِ إفَاقَتُهُ, لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ قَبْلَ بُلُوغِهِ كَالْبَالِغِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ, لِئَلَّا تَلْزَمَهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ, وَعَنْ الشَّافِعِيِّ كَالْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ. وَكَذَا قَضَاؤُهُ لِفَوَاتٍ أَوْ1 إحْصَارٍ, وَصِحَّتُهُ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْقَضَاءِ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَإِجْزَائِهِ2 عَنْهُ وَعَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ كما سبق في العبد3.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س" "و".
2 في الأصل "وإحرامه".
3 ص "211".(5/222)
فَصْلٌ: وَإِنْ عَتَقَ الْعَبْدُ
أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ بَعْدَ إحْرَامِهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَوْ وَهُوَ بِهَا أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ فَوْتِ وَقْتِهِ فَعَادَ فَوَقَفَ بِهَا أَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ, وَإِلَّا فَلَا, نَصَّ عَلَى ذَلِكَ "وش" وَاحْتُجَّ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ1, وَكَمَا لَوْ أَحْرَمَ إذَنْ, وَلِأَنَّهَا حَالَةٌ تَصْلُحُ لِتَعْيِينِ الْإِحْرَامِ, كَحَالَةِ الْإِحْرَامِ, قَالَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ: إنَّمَا اُعْتُدَّ لَهُ بِإِحْرَامِهِ الْمَوْجُودِ إذَنْ وَمَا قَبْلَهُ تَطَوُّعٌ لَمْ يَنْقَلِبْ فَرْضًا, وَمِثْلُهُ الْوُقُوفُ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ: يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ مَوْقُوفًا فَتَتَبَيَّنُ الْفَرْضِيَّةُ كَزَكَاةٍ مُعَجَّلَةٍ, وَكَالصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ, وَكَذَا فِي الْخِلَافِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الزَّكَاةَ, وَكَذَا فِي الِانْتِصَارِ, قَالَا: كَمَا يَقِفُ عَلَى الْوُقُوفِ فِي إدْرَاكِ الْحَجِّ وَفَوَاتِهِ, فَقِيلَ لَهُمَا: يَلْزَمُ بَعْدَ فَوَاتِ الْوُقُوفِ, فَأَجَابَ الْقَاضِي بِأَنَّ الْأَفْعَالَ وُجِدَتْ في حال النقص, وهنا في الكمال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه عبد الله بن أحمد في مسائله "975" عن ابن عباس قال إذا أعتق العبد بعرفة أجزأت عنه ذلك الحجة وإذا أعتق بجمع لم تجزئ عنه.(5/223)
وَأَجَابَ1 أَبُو الْخَطَّابِ بِأَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُجْزِئُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ, تَرَكْنَاهُ لِخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَأَجَابَ أَيْضًا عَنْ أَصْلِ السُّؤَالِ: بِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَيْسَ بِرُكْنٍ بَلْ شُرِطَ عَلَى وَجْهٍ لَنَا. فَهُوَ كَوُضُوءِ الصَّبِيِّ, وَإِنْ سَلَّمْنَا فَلَيْسَ بِرُكْنٍ مَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ.
وَعَنْهُ: لَا يُجْزِئُهُ "وم" وَقَالَهُ "هـ" فِي الْعَبْدِ. وَقَالَ فِي الصَّبِيِّ: إنْ جَدَّدَ إحْرَامًا بَعْدَ بُلُوغِهِ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَلَا, لِعَدَمِ لُزُومِهِ عِنْدَهُ.
وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا سَعَى قَبْلَ الْوُقُوفِ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَقُلْنَا السَّعْيُ رُكْنٌ فَقِيلَ: يُجْزِئُهُ, لِحُصُولِ الْكَمَالِ فِي مُعْظَمِ الْحَجِّ, وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُهُ اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ, قَالَ: وَهُوَ أَشْبَهُ بِتَعْلِيلِ أَحْمَدَ "م 9": الإجزاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 9" قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا سَعَى قَبْلَ الْوُقُوفِ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَقُلْنَا السَّعْيُ رُكْنٌ فَقِيلَ: يُجْزِئُهُ, لِحُصُولِ الْكَمَالِ فِي مُعْظَمِ الْحَجِّ, وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُهُ, اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ, قَالَ: وَهُوَ أَشْبَهَ بِتَعْلِيلِ أَحْمَدَ, وَذَكَرَهُ, انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَالزَّرْكَشِيُّ.
أَحَدُهُمَا يُجْزِئُهُ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ, وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ, وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُجْزِئُهُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شرحه, وَالْقَاضِي فِي الْمُحَرَّرِ وَقَالَ: وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ, وَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمْ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصغرى والحاويين والفائق وغيرهم
__________
1 في "ب" "فأجاب".(5/224)
بِاجْتِمَاعِ الْأَرْكَانِ حَالَ الْكَمَالِ, فَعَلَى هَذَا لَا يجزئه إن أعاد السعي, ذكره صاحب الْمُحَرَّرِ, لِأَنَّهُ لَا يُشْرِعُ مُجَاوَزَةَ1 عَدَدِهِ وَلَا تَكْرَارَهُ, وَاسْتِدَامَةُ الْوُقُوفِ مَشْرُوعٌ, وَلَا قَدْرَ لَهُ مَحْدُودٌ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يُعِيدُهُ, عَلَى الْأَصَحِّ.
وَإِنْ عَتَقَ أَوْ بَلَغَ فِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ طَوَافِهَا أَجْزَأَهُ, عَلَى الْخِلَافِ "و" وَإِلَّا فَلَا "و" وَفِي أَثْنَاءِ طَوَافِهَا "و" وَلَا أَثَرَ لِإِعَادَتِهِ "و" وَحَيْثُ قُلْنَا بِالْإِجْزَاءِ فَلَا دَمَ "ق" لنقصهما في ابتداء الإحرام كاستمراره "وش" والله أعلم.
__________
1 في "ب" "مجاورة".(5/225)
فَصْلٌ: وَلَيْسَ لِوَلِيِّ السَّفِيهِ الْمُبَذِّرِ مَنْعُهُ مِنْ حَجِّ الْفَرْضِ
وَلَا تَحْلِيلُهُ, وَيَدْفَعُ نَفَقَتَهُ إلَى ثِقَةٍ لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقِ, وَإِنْ أَحْرَمَ بِنَفْلٍ وَزَادَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى "نَفَقَةِ" حَضَرِهِ وَلَمْ يَكْتَسِبْ الزَّائِدَ فَقِيلَ كَعَبْدٍ بِلَا إذْنٍ, وَقِيلَ: لَهُ فِي الْأَصَحِّ مَنْعُهُ مِنْهُ2 وَتَحْلِيلُهُ بِصَوْمٍ, وَإِلَّا فَلَا "م 10" فَإِنْ مَنَعَهُ فَأَحْرَمَ فَهُوَ كمن ضاعت نفقته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 10" قَوْلُهُ: وَإِنْ أَحْرَمَ أَيْ السَّفِيهُ الْمُبَذِّرُ بِنَفْلٍ وَزَادَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى نَفَقَةِ حَضَرِهِ وَلَمْ يَكْتَسِبْ الزَّائِدَ فَقِيلَ كَعَبْدٍ بِلَا إذْنٍ, وَقِيلَ: لَهُ فِي الْأَصَحِّ مَنْعُهُ.
وَتَحْلِيلُهُ بِصَوْمٍ, وَإِلَّا فَلَا "انْتَهَى".
أَحَدُهُمَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْعَبْدِ إذَا أَحْرَمَ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَهُ مَنْعُهُ مِنْهُ وَتَحْلِيلُهُ بِصَوْمٍ, وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ, صَحَّحَهُ النَّاظِمُ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْحَجْرِ, قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَلَهُ فِي الْأَصَحِّ منعه منه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
2 ليست في الأصل.(5/225)
فَصْلٌ: وَلِلزَّوْجِ تَحْلِيلُ الْمَرْأَةِ مِنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ
فِي رِوَايَةٍ "و" اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ, وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ, وَتَكُونُ كَالْمُحْصَرِ, كَالْعَبْدِ يُحْرِمُ بِلَا إذْنٍ, وَظَاهِرُهُ حُكْمُهَا حُكْمُهُ فِي التَّحْرِيمِ وَالصِّحَّةِ, وَهُوَ مُتَّجَهٌ, وَقَاسَ الشَّيْخُ عَلَى الْمَدِينَةِ تُحْرِمُ بِلَا إذْنِ غَرِيمِهَا عَلَى وَجْهٍ يَمْنَعُهُ إيفَاءَ1 دَيْنِهِ الْحَالِّ عَلَيْهَا, وَمُرَادُهُ لَهُ تَحْلِيلُهَا, أَيْ مَنْعُهَا, وَلَا يَجُوزُ لَهَا التَّحَلُّلُ, وَعَنْهُ: لَا يَمْلِكُ تَحْلِيلُهَا, اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي وَابْنُهُ أبو الحسين وغيرهم "م 11" كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهَا "و" وَلَهُ الرُّجُوعُ ما لم تحرم,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَتَحْلِيلُهُ بِصَوْمٍ, وَإِلَّا فَلَا, انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ فِي بَابِ الْحَجْرِ: فَإِنْ لَمْ يكن له كسب فَلِوَلِيِّهِ تَحْلِيلُهُ, لِمَا فِي مُضِيِّهِ فِيهِ مِنْ تَضْيِيعِ مَالِهِ, وَيَتَحَلَّلُ بِالصِّيَامِ كَالْمُعْسِرِ, لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ, وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَمْلِكَ تَحْلِيلَهُ بِنَاءً عَلَى الْعَبْدِ إذَا أَحْرَمَ بغير إذن سيده, انتهى.
"مَسْأَلَةٌ 11" قَوْلُهُ: وَلِلزَّوْجِ تَحْلِيلُ الْمَرْأَةِ مِنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ, فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ, وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ: لَا يَمْلِكُ تَحْلِيلَهَا, اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَابْنُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُمْ, انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرِهِمْ.
إحْدَاهُمَا لَهُ تَحْلِيلُهَا, وَهُوَ الصَّحِيحُ, قَالَ الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ, وَاخْتَارَهُمَا ابْنُ حَامِدٍ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ, وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي وَالنَّظْمِ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْمُنَوِّرِ ومنتخب الآدمي وغيرهم,
__________
1 في الأصل و "ب" "إيقاء".(5/226)
فَعَلَى الْأَوَّلِ فِي الْحَجِّ الْمَنْذُورِ رِوَايَتَانِ وَقِيلَ: يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ "م 12".
وَإِنْ حَلَّلَهَا فَلَمْ تَقْبَلْ أَثِمَتْ, وَلَهُ مُبَاشَرَتُهَا, وَذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ, وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ لِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَالْإِحْرَامِ بها إن لم تكمل شروطها,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَمْلِكُ تَحْلِيلَهَا, اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَابْنُهُ وَغَيْرُهُمْ, قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: هَذَا أَشْهَرُ, قَالَ الزَّرْكَشِيّ: هِيَ أَصْرَحُهُمَا, وَقَدَّمَهُ في المحرر.
"مَسْأَلَةٌ 12" قَوْلُهُ: فَعَلَى الْأَوَّلِ فِي الْحَجِّ الْمَنْذُورِ رِوَايَتَانِ, وَقِيلَ: يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ, انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ1 وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْقَوَاعِدِ وَغَيْرِهِمْ.
إحْدَاهُمَا لَا يَمْلِكُ تَحْلِيلَهَا, وَهُوَ الصَّحِيحُ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ قَالَ فِي الْمُغْنِي2 فِي مَكَان: وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْحَجِّ الْمَنْذُورِ, قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ, وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخَانِ, انْتَهَى. وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَى إطْلَاقِهِ الْخِلَافَ فِي الْمُغْنِي فِي مَكَان آخَرَ, وَاعْتَمَدَ عَلَى الْقَطْعِ بِهِ فِي الْمَكَانِ الْآخَرِ.
والرواية الثانية يملك تحليلها, وهو ظاهر كلام بعضهم.
"تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ: "وَقِيلَ: يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ".
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَإِنْ أَحْرَمَتْ بِهِ لَمْ يَمْلِكْ تَحْلِيلَهَا إنْ كَانَ وَقْتُهُ مُعَيَّنًا وَإِلَّا مَلَكَهُ, انْتَهَى, مَعَ أَنَّهُ أَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ قَبْلَ ذَلِكَ, فَمُرَادُهُ فِيهِمَا غَيْرُ مَا جَزَمَ بِهِ, بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/35".
2 "5/35".(5/227)
فَلَوْ أَحْرَمَتْ إذَنْ بِلَا إذْنِهِ لَمْ يَمْلِكْ تَحْلِيلَهَا, فِي الْأَصَحِّ, وَإِنْ كَمَلَتْ شُرُوطُهَا لَمْ يَمْلِكْ مَنْعَهَا وَلَا تَحْلِيلَهَا "و" وَنَفَقَتُهَا عَلَيْهِ1 قَدْرَ نَفَقَةِ الْحَضَرِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَسْتَأْذِنَهُ, وَنَقَلَ صَالِحٌ: لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا, وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَخْرُجَ حَتَّى تَسْتَأْذِنَهُ, وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: إنْ كَانَ غَائِبًا كَتَبَتْ إلَيْهِ, فَإِنْ أَذِنَ وَإِلَّا حَجَّتْ بِمَحْرَمٍ, وَعَنْهُ: لَهُ تَحْلِيلُهَا, فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ مَنْعُهَا, وَهُوَ قَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيِّ, وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ كَأَدَاءِ الصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ "و" وَقَضَاءِ رَمَضَانَ "و"2 وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَحْرَمَتْ قَبْلَ الْمِيقَاتِ, وَالْأَشْهَرُ لِلْمَالِكِيَّةِ لَهُ تَحْلِيلُهَا.
وَمَنْ أَحْرَمَتْ بِوَاجِبٍ فَحَلَفَ زَوْجُهَا بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَا تَحُجُّ الْعَامَ لَمْ يَجُزْ أَنْ تُحِلَّ, وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ, هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُحْصَرِ, وَرَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ, وَاخْتَارَهُ3 ابْنُ أَبِي مُوسَى كَمَا لَوْ مَنَعَهَا عَدُوٌّ مِنْ الْحَجِّ إلَّا أَنْ تَدْفَعَ إلَيْهِ مَالَهَا, وَنَقَلَ مُهَنَّا وَسُئِلَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ: قَالَ عَطَاءٌ: الطَّلَاقُ هَلَاكٌ4, هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُحْصَرِ, وَسَبَقَ ` أَوَّلَ الْجَنَائِزِ5.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في الأصل.
2 في "ب" "وفاقا فيهما".
3 في "س" "واختار".
4 ليست في "س".
5 "3/240".(5/228)
فَصْلٌ: لَا يَجُوزُ لِوَالِدٍ مَنْعُ وَلَدِهِ مِنْ حَجٍّ وَاجِبٍ,
وَلَا تَحْلِيلُهُ مِنْهُ, وَلَا يَجُوزُ لِلْوَلَدِ طَاعَتُهُ فِيهِ, وَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ التَّطَوُّعِ, كَالْجِهَادِ, فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ سَفَرٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(5/228)
مُسْتَحَبٌّ بِلَا إذْنٍ, وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي بَحْثِ مَسْأَلَةِ الْجِهَادِ, وَيَتَوَجَّهُ: يُسْتَحَبُّ اسْتِئْذَانُهُ. فَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ يَنْضَرُّ بِهِ وَجَبَ وَأَنَّهُ1 وَاجِبٌ لِلْجِهَادِ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلشَّهَادَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ, كَمَا فَرَّقَ الْأَصْحَابُ بَيْنَ السَّفَرِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَدِينِ.
وَلَا يَجُوزُ تَحْلِيلُهُ مِنْهُ, لِوُجُوبِهِ بِشُرُوعِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ فِي الْفَرْضِ: إنْ لَمْ تَأْذَنْ لَك أُمُّك وَكَانَ عِنْدَك زَادٌ وَرَاحِلَةٌ فَحُجَّ وَلَا تَلْتَفِتْ إلَى إذْنِهَا وَاخْضَعْ لَهَا وَدَارِهَا.
وَيَلْزَمُهُ طَاعَةُ وَالِدَيْهِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ, وَيَحْرُمُ فِيهَا, وَلَوْ أَمَرَهُ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ لِيُصَلِّيَ بِهِ أَخَّرَهَا, نَصَّ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ, قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: وَلَوْ كَانَا فَاسِقَيْنِ, وَهُوَ إطْلَاقُ كَلَامِ أَحْمَدَ.
وَقَالَ شَيْخُنَا: هَذَا فِيمَا فِيهِ نَفْعٌ لَهُمَا وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ, فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَضُرَّهُ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا, وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيِّدْهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لِسُقُوطِ فَرَائِضِ اللَّهِ بِالضَّرَرِ, وَعَلَى هَذَا بَنَيْنَا تَمَلُّكَهُ مِنْ مَالِهِ, فَنَفْعُهُ كَمَالِهِ, فَلَيْسَ الْوَلَدُ بِأَكْثَرَ مِنْ الْعَبْدِ, هَذَا كَلَامُهُ.
وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ فِيمَنْ تَسْأَلُهُ أُمُّهُ شِرَاءَ مِلْحَفَةٍ للخروج إن كان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 الضمير يعود على الاستئذان.(5/229)
خُرُوجُهَا فِي بِرٍّ وَإِلَّا فَلَا يُعِينُهَا عَلَى الْخُرُوجِ, وَنَقَلَ جَعْفَرٌ: إنْ أَمَرَنِي أَبِي بِإِتْيَانِ السُّلْطَانِ لَهُ عَلَيَّ طَاعَةٌ؟ قَالَ: لَا, فَيُحْمَلُ فِي هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ أَنَّهُ وَسِيلَةٌ وَمَظِنَّةٌ فِي الْمُحَرَّمِ, فَلَا مُخَالَفَةَ لِمَا سَبَقَ, وَظَاهِرُهُمَا الْمُخَالَفَةُ, وَأَنَّهُ1 لَا طَاعَةَ إلَّا فِي الْبِرِّ.
وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: مَا أُحِبُّ أَنْ يُقِيمَ مَعَهُمَا عَلَى الشُّبْهَةِ, لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: "مَنْ تَرَكَ الشُّبْهَةَ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ" 2 وَلَكِنْ يُدَارِي, فَظَاهِرُهُ لَا طَاعَةَ فِي مَكْرُوهٍ, وَنَقَلَ غَيْرُهُ فِيمَنْ تَعْرِضُ عَلَيْهِ أُمُّهُ شُبْهَةً بِأَكْلٍ فَقَالَ: إنْ عَلِمَ أَنَّهُ حَرَامٌ بِعَيْنِهِ فَلَا يأكل.
وقال أحمد: إن منعاه3 الصلاة نفلا4 يُدَارِيهِمَا وَيُصَلِّي, فَظَاهِرُهُ لَا طَاعَةَ فِي تَرْكِ مُسْتَحَبٍّ. وَقَالَ: إنْ نَهَاهُ أَبُوهُ عَنْ الصَّوْمِ لا يعجبني صومه ولا أحب لأبيه5 أن يَنْهَاهُ, فَظَاهِرُهُ لَا تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي تَرْكِهِ.
وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَتَبِعَهُ ابْنُ تَمِيمٍ لَا يَجُوزُ مَنْعُ وَلَدِهِ مِنْ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ وَأَنَّ مِثْلَهُ الْمُكْتَرِي وَالزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ, فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى الْإِثْمِ بِتَرْكِ سُنَّةٍ "رَاتِبَة" وَيَأْتِي فِي الْعَدَالَةِ فِي الشَّهَادَةِ6, وَسَبَقَ كَلَامُ الْقَاضِي فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَفِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ وَإِهْدَاءِ القرب7, وقوله: ندب إلى طاعة أبيه,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س" "ولأنه".
2 أخرجه بنحوه البخاري "52" ومسلم "1599" "107" من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
3 في "ب" "معناه".
4 في "س" "فلا".
5 في "ب" لابنه".
6 "11/317".
7 "3/427".(5/230)
وَقَوْلُ أَحْمَدَ فِيمَنْ يَتَأَخَّرُ مِنْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ1 لِأَجْلِ أَبِيهِ: لَا يُعْجِبُنِي, هُوَ يَقْدِرُ يَبَرُّ أَبَاهُ بِغَيْرِ هَذَا, وَيَأْتِي أَوَّلَ الطَّلَاقِ "إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى2" "كَلَامُ أَحْمَدَ" فِيمَنْ يَأْمُرُهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ بِالطَّلَاقِ, وَكَلَامُ شَيْخِنَا فِي أَمْرِهِ بِنِكَاحِ مُعَيَّنَةٍ.
وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ: يَجُوزُ تَرْكُ النَّوَافِلِ لِطَاعَتِهِمَا3, بَلْ الْأَفْضَلُ طَاعَتُهُمَا, وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ4 نَحْوَ ثُلُثِ الْكِتَابِ, وَاَللَّهُ أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "س".
2 "9/5".
3 في "ب" "طاعتها".
4 "1/460 – 482".(5/231)
فَصْلٌ: الشَّرْطُ الْخَامِسُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مِلْكُ الزاد والراحلة,
نَصَّ عَلَيْهِ "وهـ ش" وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ, وَمَذْهَبُ "م" لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ إلَّا لِمَنْ يَعْجَزُ عَنْ السَّفَرِ وَلَا حِرْفَةَ لَهُ, فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْمَشْيُ وَالتَّكَسُّبُ بِالصَّنْعَةِ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ, وَفِيمَنْ عَادَتُهُ السُّؤَالُ وَالْعَادَةُ إعْطَاؤُهُ قَوْلَانِ لِلْمَالِكِيَّةِ, وَاعْتَبَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كَشْفِ الْمُشْكِلِ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ فِي حَقِّ مَنْ يَحْتَاجُهُمَا كَقَوْلِ مَالِكٍ.
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ: مَنْ قَدَرَ أَنْ يَمْشِيَ عَنْ مَكَّةَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ لَزِمَهُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ, لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ, فَيَدْخُلُ فِي الْآيَةِ5, وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْكَسْبِ كَالْمَالِ فِي حِرْمَانِ الزكاة ووجوب الجزية ونفقة القريب الزمن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
5 وهي قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: 97] .(5/231)
وَالْمَدِينِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ, فَكَذَا هُنَا.
وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الْأَوَّلِينَ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَمْكَنَهُ الْمَشْيُ وَالْكَسْبُ بِالصَّنْعَةِ, وَيُكْرَهُ لِمَنْ حِرْفَتُهُ الْمَسْأَلَةُ: وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ يَدْخُلُ الْبَادِيَةَ بِلَا زَادٍ وَلَا رَاحِلَةٍ لَا أُحِبُّ لَهُ ذَلِكَ يَتَوَكَّلُ عَلَى أَزْوَادِ النَّاسِ, وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي قَوْلِهِ: لَا أُحِبُّ, هَلْ هُوَ لِلتَّحْرِيمِ؟ وَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ وَاجِبٌ. قَالَ شَيْخُنَا: بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الدِّينِ.
وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلًا قِيلَ: يَا رسول الله, ما السبيل؟ قال: "لزاد وَالرَّاحِلَةُ" وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ هُشَيْمٍ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلًا, وَرَوَاهُ أَحْمَدُ1 عَنْ هُشَيْمٍ, سَأَلَ مُهَنَّا أَحْمَدَ: هَلْ شَيْءٌ يَجِيءُ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: هُوَ صَحِيحٌ مَا نَكَادُ نَجِدُهَا إلَّا صَحِيحَةً وَلَا سِيَّمَا مِثْلَ هَذَا الْمُرْسَلِ, فَلَا يَضُرُّ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ: لَيْسَ فِي الْمُرْسَلَاتِ أَضْعَفُ مِنْ مُرْسَلَاتِ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ, كَأَنَّهُمَا كَانَا يَأْخُذَانِ مِنْ كُلٍّ, ولعله أراد مرسلات خاصة.
عن قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ, لَهُ غَيْرُ طَرِيقٍ. وَبَعْضُهَا جَيِّدٌ, رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُوَيْهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ, وَالْحَاكِمُ2 وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ, وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ: الْمَحْفُوظُ عَنْ قَتَادَةَ وَغَيْرِهِ عَنْ الْحَسَنِ مرسلا3 كذا قال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه عنه ابنه عبد الله في مسائله "910".
2 سنن الدارقطني "2/216" والمستدرك "1/441 – 442".
3 السنن الكبرى "4/330".(5/232)
وَقَالَ الْحَافِظُ ضِيَاءُ الدِّينِ: بَعْضُ طُرُقِهِ لَا بَأْسَ بِهَا. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: إسْنَادُهُ جَيِّدٌ, وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ1 وَغَيْرُهُ هَذَا الْخَبَرَ عَنْ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مَرْفُوعًا, وَلَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ, وَتَوَقَّفَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ مِنْهَا, وَرَدَّدَ النَّظَرَ فِيهِ, وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ, وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ2 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو قَالَ: وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ, وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَيْسَ بِحَسَنٍ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ الْخُوزِيِّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ, وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ3 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَفِيهِ عُمَرُ بن عطاء بن وراز4 وهو ضعيف.
قياسا عَلَى الْجِهَادِ. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ زاد ولا راحلة,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في سننه "2/215 – 218" عن جابر بن عبد الله وعمر وبن شعيب عن أبيه عن جده وعبد الله بن مسعود وابن عمر رضي الله عنه.
2 في سننه "813".
3 في سننه "2897".
4 في الأصل و"ب" "وراد".(5/233)
فَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} [التوبة: 92] الْآيَةَ, وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ وَالْكَفَّارَةُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ, فَكَذَا الْحَجُّ, وَقَدْ تَزُولُ الْقُدْرَةُ فِي الطَّرِيقِ فَيُفْضِي إلَى ضَرَرٍ كَثِيرٍ, بِخِلَافِ مَا ذَكَرُوهُ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيُعْتَبَرُ الزَّادُ قَرُبَتْ1 الْمَسَافَةُ أَوْ بَعُدَتْ "وهـ ش" وَالْمُرَادُ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ, وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: الْحَجُّ بَدَنِيٌّ محض, ولا يجوز دعوى أن المال شربط فِي وُجُوبِهِ, لِأَنَّ الشَّرْطَ لَا يَحْصُلُ الْمَشْرُوطُ دُونَهُ, وَهُوَ الْمُصَحِّحُ لِلْمَشْرُوطِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَكِّيَّ يَلْزَمُهُ وَلَا مَالَ, وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ.
وَتُعْتَبَرُ الرَّاحِلَةُ مَعَ بُعْدِهَا وَهُوَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَقَطْ, "وهـ ش" إلَّا مَعَ عَجْزٍ, كَشَيْخٍ كَبِيرٍ, لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ, قَالَ فِي الْكَافِي2: لَا حَبْوًا وَلَوْ أَمْكَنَهُ, وَهُوَ مُرَادُ غَيْرِهِ.
وَيُعْتَبَرُ مِلْكُ3 الزَّادِ, فَإِنْ وَجَدَهُ فِي الْمَنَازِلِ لَمْ يَلْزَمْهُ حمله, وإلا لزمه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ب" "قريب".
2 "2/303".
3 في "ب" "مالك".(5/234)
"وهـ ش" 1وَأَنْ يَجِدَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ, وَإِنْ وَجَدَهُ بِزِيَادَةٍ فَهِيَ كَمَسْأَلَةِ شِرَاءِ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ, كَمَا سَبَقَ2 "وهـ ش"1 وَفَرَّقَ أَبُو الْخَطَّابِ فَاشْتَرَطَ لِوُجُوبِ بَذْلِ3 الزِّيَادَةِ كَوْنَهَا يَسِيرَةً فِي الْمَاءِ, لِتَكَرُّرِ عَدَمِهِ, وَلَهُ بَدَلٌ, بِخِلَافِ الْحَجِّ, وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ فِيهِ الْمَشَاقَّ, فَكَذَا زِيَادَةُ ثَمَنٍ لَا يُجْحِفُ, لِئَلَّا يَفُوتَ, وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي4 وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا.
وَتُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ عَلَى وِعَاءِ الزَّادِ, لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ, وَتُعْتَبَرُ الرَّاحِلَةُ وَمَا يَحْتَاجُ مِنْ آلَتِهَا بِشِرَاءٍ أَوْ كِرَاءٍ صَالِحًا لِمِثْلِهِ عَادَةً, لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ, لِأَنَّ اعْتِبَارَ الرَّاحِلَةِ لِلْقَادِرِ عَلَى الْمَشْيِ لِدَفْعِ الْمَشَقَّةِ, كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ, كَالشَّيْخِ, وَلَمْ يَذْكُرْهُ بَعْضُهُمْ, لِظَاهِرِ النَّصِّ, وَاعْتَبَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ إمْكَانَ الرُّكُوبِ, مَعَ أَنَّهُ قَالَ: رَاحِلَةٌ تَصْلُحُ لِمِثْلِهِ.
إن لَمْ يَقْدِرْ عَلَى خِدْمَةِ نَفْسِهِ وَالْقِيَامِ بِأَمْرِهِ اعْتَبَرَ مَنْ يَخْدُمُهُ, لِأَنَّهُ مِنْ سَبِيلِهِ, كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ, وَظَاهِرُهُ لَوْ أَمْكَنَهُ "لَزِمَهُ"5 عَمَلًا بِظَاهِرِ النَّصِّ, وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَالرَّاحِلَةِ, لِعَدَمِ الْفَرْقِ, 6وَالْمُرَادُ بِالزَّادِ أَنْ لَا يَحْصُلَ معه ضرر لرداءته.
أما عَادَةُ مِثْلِهِ فَقَدْ يَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ كَالرَّاحِلَةِ6, وَظَاهِرُ كلامهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 1 ليست في "ب".
2 "1/278".
3 "2/301".
4 في "ب" "بدل".
5 ليست في الأصل.
6 6 ليست في "س".(5/235)
يَلْزَمُهُ, لِظَاهِرِ النَّصِّ, وَلِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى تَرْكِ الْحَجِّ, بِخِلَافِ الرَّاحِلَةِ.
وَيَعْتَبِرُ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ1 لِذَهَابِهِ وَعَوْدِهِ, خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي بَلَدِهِ أَهْلٌ لَمْ يَعْتَبِرْ لِلْعَوْدِ, لِأَنَّهُ وَإِنْ تَسَاوَى الْمَكَانَانِ فَإِنَّهُ يَسْتَوْحِشُ الْوَطَنَ وَالْمُقَامَ بِالْغُرْبَةِ "وهـ ش".
وَيَعْتَبِرُ أَنْ يَجِدَ الْمَاءَ وَالْعَلَفَ فِي الْمَنَازِلِ الَّتِي يَنْزِلُهَا بِحَسَبِ الْعَادَةِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ أَوْ بِالزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ, وَلَا يَلْزَمُهُ حَمْلُهُ لِجَمِيعِ سَفَرِهِ, لِمَشَقَّتِهِ عَادَةً, وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَلْزَمُهُ حَمْلُ عَلَفِ الْبَهَائِمِ إنْ أَمْكَنَهُ, كَالزَّادِ, وَأَظُنُّ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْمَاءِ أَيْضًا.
وَيَعْتَبِرُ كَوْنَ ذَلِكَ فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُهُ لِنَفْسِهِ وَعَائِلَتِهِ مِنْ مَسْكَنٍ "وش" وَخَادِمٍ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ "وهـ ش" خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ, وَيَشْتَرِيهِمَا بِنَقْدٍ بِيَدِهِ, خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِي الْمَسْكَنِ, لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ فِي دَيْنِ الْآدَمِيِّ, عَلَى مَا يَأْتِي, وَتَضَرُّرُهُ بِذَلِكَ فَوْقَ مَشَقَّةِ الْمَشْيِ2 فِي حَقِّ الْقَادِرِ عَلَيْهِ. وَإِنْ فَضَلَ مِنْ ثَمَنِ ذَلِكَ مَا يَحُجُّ بِهِ بَعْدَ شِرَائِهِ مِنْهُ مَا يَكْفِيهِ لَزِمَهُ.
وَيَعْتَبِرُ كَوْنَهُ فَاضِلًا عَنْ قَضَاءِ دَيْنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ لِآدَمِيٍّ أَوْ لِلَّهِ, وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ إلَى أَنْ يَعُودَ "وهـ ش" وَأَنْ يَكُونَ لَهُ إذَا رَجَعَ مَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ3 عَلَى الدَّوَامِ مِنْ عَقَارٍ أَوْ بِضَاعَةٍ أو صناعة, جزم به صاحب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ب".
2 في "ب" "الشيء".
3 في "ب" و"س" "عائلته".(5/236)
الْهِدَايَةِ وَمُنْتَهَى الْغَايَةِ وَجَمَاعَةٌ, لِتَضَرُّرِهِ بِذَلِكَ, كَمَا سَبَقَ1. وَكَالْمُفْلِسِ "عَلَى" مَا يَأْتِي "إنْ شَاءَ اللَّهُ"2 وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْكَافِي3: إلَى أَنْ يَعُودَ فَقَطْ, وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ "وهـ ش" فَيَتَوَجَّهُ أَنَّ الْمُفْلِسَ مِثْلُهُ وَأَوْلَى. وَقَدْ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ إذَا كَانَ مَعَهُ نَفَقَةٌ تُبَلِّغُهُ مَكَّةَ وَيَرْجِعُ, وَيُخَلِّفُ نَفَقَةً لِأَهْلِهِ حَتَّى يَرْجِعَ.
وَيُقَدِّمُ النِّكَاحَ مَنْ خَافَ الْعَنَتَ, نَصَّ عَلَيْهِ "وهـ ش" لِوُجُوبِهِ إذَنْ, زَادَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: بِالْإِجْمَاعِ, وَلِحَاجَتِهِ إلَيْهِ. وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الْحَجَّ "وم" كَمَا لَوْ لَمْ يَخَفْهُ "ع" وَلِأَنَّهُ أَهَمُّ الْوَاجِبَيْنِ, وَيُمْكِنُ تَحْصِيلُ مَصَالِحِهِ بَعْدَ إحْرَازِ الْحَجِّ, قَالَ الشَّيْخُ: وَمَنْ احْتَاجَ إلَى كُتُبِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ بَيْعُهَا. وَمَنْ اسْتَغْنَى بِإِحْدَى نُسْخَتَيْنِ بِكِتَابٍ بَاعَ الْأُخْرَى, وَسَبَقَ ذَلِكَ وَحُكْمُ الْحُلِيِّ أَوَّلَ زَكَاةِ الْفِطْرِ4, "وَاَللَّهُ أَعْلَمُ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ص "236".
2 "6/465".
3 "2/302".
4 "4/212".(5/237)
فَصْلٌ: وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَجِدَ طَرِيقًا آمِنًا
وَلَوْ كَانَ غَيْرَ الطَّرِيقِ الْمُعْتَادِ وَيُمْكِنُ سُلُوكُهُ بَرًّا أَوْ بَحْرًا "خِلَافًا لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ" غَالِبُهُ السَّلَامَةُ, لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو "لَا يَرْكَبُ البحر 5إلا حاجا أو معتمرا أو غاز5 في سبيل الله" رواه أبو داود6
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
5 5 في النسخ الخطية "إلا حاجا أو معتمرا أو غازيا" والمثبت من مصدر التخريج.
6 في سننه "2489" وتمامه "فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا".(5/237)
وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ, قَالَ الْبُخَارِيُّ: لَا يَصِحُّ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يُصَحِّحُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ, رُوَاتُهُ مَجْهُولُونَ لَا يُعْرَفُونَ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: ضَعَّفُوهُ, وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ, وَذَكَرَ مَالِكٌ عَنْ عُمَرَ1 وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُمَا مَنَعَا مِنْ رُكُوبِهِ مُدَّةَ زَمَانِهِمَا, وَضَعَّفَهُ بَعْضُهُمْ, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ سُلُوكُهُ بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى, فَأَشْبَهَ الْبَرَّ.
وَإِنْ سَلِمَ فِيهِ قَوْمٌ وَهَلَكَ2 قَوْمٌ وَلَا غَالِبَ, فَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ الْقَاضِي: يَلْزَمُهُ, وَلَمْ يُخَالِفْهُ, وَجَزَمَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ: لَا يَلْزَمُهُ. وَقَالَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ: الظَّاهِرُ يُخَرَّجُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ إذَا استوى الحرير والكتان "م 13".
وقال ابْنُ الْجَوْزِيِّ: الْعَاقِلُ إذَا أَرَادَ سُلُوكَ طَرِيقٍ يستوي فيها احتمال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تنبيه: قَوْلُهُ "وَإِنْ سَلِمَ فِيهِ قَوْمٌ وَهَلَكَ قَوْمٌ" لَيْسَ هَذَا فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ وَإِنَّمَا فِيهَا "وإن سلم قَوْمٌ وَنَجَا قَوْمٌ" فَأُصْلِحَ كَمَا تَرَى وَهُوَ صحيح والله أعلم.
"مَسْأَلَةٌ 13" قَوْلُهُ: وَإِنْ سَلِمَ فِيهِ قَوْمٌ وَهَلَكَ قَوْمٌ وَلَا غَالِبَ فَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ الْقَاضِي: يَلْزَمُهُ, وَلَمْ يُخَالِفْهُ, وَجَزَمَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ: لَا يَلْزَمُهُ. وَقَالَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ: الظَّاهِرُ يُخَرَّجُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ إذَا اسْتَوَى الْحَرِيرُ وَالْكَتَّانُ, انْتَهَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي وَلَمْ يُخَالِفْهُ ابْنُ عَقِيلٍ جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَالنَّظْمِ, وَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ3, وَهُوَ الصَّوَابُ, قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الكبرى: ويركب البحر مع أمنه غالبا.
__________
1 أخرجه ابن سعد في طبقاته "3/284" أن عمر قال: لا يسألني الله عن ركوب المسلمين البحر أبدا.
2 في الأصل "مجا".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/67".(5/238)
السَّلَامَةِ وَالْهَلَاكِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْكَفُّ عَنْ سُلُوكِهَا, وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا وَقَالَ: أَعَانَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ شَهِيدًا, وَإِنْ غَلَبَ الْهَلَاكُ لَمْ يَلْزَمْهُ سُلُوكُهُ, كَذَا ذَكَرُوهُ وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ إجْمَاعًا فِي الْبَحْرِ, وَأَنَّ عَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ1 مَرْفُوعًا: "مَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ عِنْدَ ارْتِجَاجِهِ2 فَمَاتَ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ" وَيَعْتَبِرُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الطَّرِيقِ خِفَارَةٌ, لِأَنَّهَا رِشْوَةٌ, وَلَا يَتَحَقَّقُ الْأَمْنُ بِبَذْلِهَا3.
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ كَانَتْ الْخِفَارَةُ لَا تُجْحِفُ بِمَالِهِ لَزِمَهُ بَذْلُهَا, وَقَيَّدَهُ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ بِالْيَسِيرَةِ, وَأَمْنِ الْغَدْرِ مِنْ الْمَبْذُولِ لَهُ, لِتَوَقُّفِ إمْكَانِ الْحَجِّ عَلَيْهَا, كَثَمَنِ الْمَاءِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ شَيْخُنَا: الْخِفَارَةُ تَجُوزُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي الدَّفْعِ عَنْ الْمُخْفَرِ, وَلَا يَجُوزُ مَعَ عَدَمِهَا, كَمَا يَأْخُذُهُ السُّلْطَانُ مِنْ الرَّعَايَا.
وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْوَقْتِ مُتَّسِعًا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ إلَيْهِ فِيهِ وَالسَّيْرُ حَسَبَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ, وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي أَمْنِ الطَّرِيقِ وَسَعَةِ الْوَقْتِ بِحَسَبِ الْعَادَةِ, فَعَنْهُ: هُمَا مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ. وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ "وهـ ش" لِعَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ, وَلِتَعَذُّرِ فِعْلِ الْحَجِّ مَعَهُ, كَعَدَمِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فَلَوْ حَجَّ وَقْتَ وُجُوبِهِ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ تَبَيَّنَّا عَدَمَهُ "وهـ ش" وعنه: من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في المسند "20748" من حديث أبي عمران الجوني عن رجل.
2 في "س" "ارتجاعه" وارتجاع البحر: اضطرابه.
3 في الأصل "ببذلها".(5/239)
شَرَائِطِ لُزُومِ الْأَدَاءِ, اخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا "م 14" وَهُوَ الْأَصَحُّ لِلْمَالِكِيَّةِ وَقَالَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ, لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَسَّرَ السَّبِيلَ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ1, وَلِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْأَدَاءُ دُونَ الْقَضَاءِ, كَالْمَرَضِ الْمَرْجُوِّ بُرْؤُهُ, وَعَدَمُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْجَمِيعُ, فَعَلَى هَذَا هَلْ يَأْثَمُ إنْ لَمْ يَعْزِمْ 2عَلَى الْفِعْلِ إذَا قَدَرَ؟ يَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ الَّذِي فِي الصَّلَاةِ, قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَأْثَمُ إنْ لَمْ يعزم2 كما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 14" قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي أَمْنِ الطَّرِيقِ وَسَعَةِ الْوَقْتِ بِحَسَبِ الْعَادَةِ, فَعَنْهُ: هُمَا مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ. وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ. "وَعَنْهُ": مِنْ شَرَائِطِ لُزُومِ الْأَدَاءِ, اخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا, انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُبْهِجِ وَالْإِيضَاحِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي3 وَالْكَافِي4 وَالشَّرْحِ5 وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَغَيْرِهِمْ, إحْدَاهُمَا هُمَا مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَغَيْرِهِمْ, قَالَ الزَّرْكَشِيّ: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي فِي الْجَامِعِ, وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ, وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ هُمَا مِنْ شَرَائِطِ لُزُومِ الْأَدَاءِ, قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا: اخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ, وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُقْنِعِ5 وَالتَّلْخِيصِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ.
"قُلْت": وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ, وهو الصواب.
__________
1 تقدم في ص "232".
2 2 في "س" جاءت هذه العبارة بعد قوله "في عدم الإثم".
3 "5/7".
4 "2/303".
5 5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/66".(5/240)
نَقُولُ فِي طَرَآنِ1 الْحَيْضِ وَتَلَفِ الزَّكَاةِ قَبْلَ إمْكَانِ الْأَدَاءِ, وَالْعَزْمُ فِي الْعِبَادَاتِ مَعَ الْعَجْزِ يقوم مقام الأداء في عدم الإثم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل و"ب" "طريان".(5/241)
فَصْلٌ: وَيُشْتَرَطُ لِلْمَرْأَةِ مَحْرَمٌ, نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ
وَأَنَّهُ قَالَ: الْمَحْرَمُ مِنْ السَّبِيلِ, وَصَرَّحَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ وَحَرْبٍ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الشَّابَّةِ وَالْعَجُوزِ "وِفَاقًا وَأَنْكَرَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ التَّفْرِقَةَ فَقَالَ: مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الشَّابَّةِ وَالْعَجُوزِ؟ ".
لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ "لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ" فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ, قَالَ: "اُخْرُجْ مَعَهَا" عَزَاهُ بَعْضُهُمْ إلَى الصَّحِيحَيْنِ, وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَفْظُ أَحْمَدَ2, وَفِيهِمَا3: إنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا, قَالَ: " انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَهَا".
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا "لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ4 تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا مَحْرَمٌ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ5:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
2 في المسند "1934" وهو في البخاري "1862" وبنحوه في مسلم "1341" "424".
3 البخاري "3061" ومسلم "1341"424".
4 ليست في "ب".
5 البخاري "1088" ومسلم "1339" "421".(5/241)
"ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا" وَلَهُ1 أَيْضًا 2 "مَسِيرَةَ يَوْمٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا" وَلَهُ3 أَيْضًا2 "مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ إلَّا وَمَعَهَا رَجُلٌ ذُو حُرْمَةٍ مِنْهَا" وَلِأَبِي دَاوُد نَحْوُهُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ "بَرِيدًا" وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ4, وَلِمُسْلِمٍ5 أَيْضًا "ثَلَاثًا".
وَهَذَا مَعَ ظَاهِرِ الْآيَةِ6 بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ, وَخَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ خَاصٌّ, وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ7: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الرِّجَالِ حَدَّثَنَا أَبُو حُمَيْدٍ سَمِعْت حَجَّاجًا يَقُولُ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَوْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: "لَا تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ" أَبُو حُمَيْدٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ تَمِيمٍ, وَحَجَّاجٌ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ, ثِقَتَانِ, وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خَبَرٌ حَسَنٌ. وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ8 فِي الشَّافِي, وَكَالسَّفَرِ لِحَجٍّ التَّطَوُّعُ "و" وَالزِّيَارَةُ "و" وَالتِّجَارَةُ "و" وَلِأَنَّ تَقْيِيدَ الْآيَةِ بِمَا سَبَقَ أَوْلَى مِنْ مُجَرَّدِ الرَّأْيِ. وَيَأْتِي حُكْمُ سَفَرِ الْهِجْرَةِ وَتَغْرِيبِ الزَّانِيَةِ9.
وَعَنْهُ: الْمَحْرَمُ مِنْ شَرَائِطِ لُزُومِ الْأَدَاءِ. وَقَالَهُ بعض الحنفية, لوجود
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أي مسلم في صحيحه "1339" "420".
2 2 ليست في "س".
3 أي مسلم في صحيحه "1339" "419".
4 سنن أبي داود "1725" في المستدرك "1/442". السنن الكبرى "3/139 – 140".
5 في صحيحه "1339" "422".
6 وهي قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97]
7 في سننه "2/222 – 223".
8 يعني عبد العزيز بن جعفر المعروف بـ غلام الخلال.
9 "10/43".(5/242)
السَّبَبِ فَهُوَ كَسَلَامَتِهَا مِنْ مَرَضٍ, فَعَلَى هَذَا يُحَجُّ عَنْهَا لِمَوْتٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ. وَيَلْزَمُهَا أَنْ تُوصِيَ بِهِ, وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ أَنَّ الْمَحْرَمَ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ دُونَ أَمْنِ الطَّرِيقِ وَسَعَةِ الْوَقْتِ, حَيْثُ شَرْطُهُ دُونَهُمَا وَقَدَّمَهُ فِي الْمُقْنِعِ1 وَغَيْرِهِ, وَشَرَطَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ لِلْوُجُوبِ.
وَذَكَرَ فِي الْمَحْرَمِ2 هَلْ هُوَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ؟ رِوَايَتَيْنِ, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَالتَّفْرِقَةُ عَلَى كِلَا الطَّرِيقَتَيْنِ مُشْكِلَةٌ. وَالصَّحِيحُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ3 هَذِهِ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ إمَّا نَفْيًا وَإِمَّا إثْبَاتًا, لِمَا سَبَقَ, وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ, وَلِذَا سَوَّى ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ, وَأَشَارَ إلَى أَنَّهَا تُرَادُ للحفظ, والراحلة تراد4 لِنَفْسِ السَّعْيِ وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: لَا يُشْتَرَطُ الْمَحْرَمُ فِي الْحَجِّ الْوَاجِبِ, قَالَ أَحْمَدُ: لِأَنَّهَا تَخْرُجُ مَعَ النِّسَاءِ وَمَعَ كُلِّ مَنْ أَمِنَتْهُ.
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: مَعَ مُسْلِمٍ لَا بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: مَعَ قَوْمٍ عُدُولٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ النِّسَاءِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَعَ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ ثِقَةٍ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: وَحْدَهَا مَعَ الْأَمْنِ, وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ يَلْزَمُهَا مَعَ نِسْوَةٍ ثقات, ويجوز لها مع واحدة لتفسيره صلى الله عليه وسلم السَّبِيلَ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ.
وَقَوْلِهِ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ "إنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَجِلُ مِنْ الْحِيرَةِ5 حَتَّى تَطُوفَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "8/77".
2 في "س" "المحرر".
3 في "ب" و"س" "من".
4 ليست في "ب" و"س".
5 في "س" "الحرة".(5/243)
بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إلَّا اللَّهَ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ1, وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ عَنْ الْوَاقِعِ. وَاحْتَجَّ ابْنُ حزم بقوله صلى الله عليه وسلم: "لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ" 2 وَقَوْلِهِ: "إذَا اسْتَأْذَنَتْكُمْ نِسَاؤُكُمْ إلَى الْمَسَاجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ" 3 وَقَالَ4 عَنْ سَفَرِ الْمَرْأَةِ فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ: لَمْ يَأْمُرْ بِرَدِّهَا, وَلَا عَابَ سَفَرَهَا, وَجَوَابُهُ أَنَّهُ عُرِفَ مِنْ النَّهْيِ, وَلَمْ يَأْمُرْ بِرَدِّهَا لِأَمْرِ الزَّوْجِ بِالسَّفَرِ مَعَهَا.
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَعَنْهُ رِوَايَةٌ رَابِعَةٌ: لَا يُشْتَرَطُ الْمَحْرَمُ فِي الْقَوَاعِدِ مِنْ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يُخْشَى5 مِنْهُنَّ وَلَا عَلَيْهِنَّ فِتْنَةٌ.
سُئِلَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ عَنْ امْرَأَةٍ عَجُوزٍ كَبِيرَةٍ لَيْسَ لَهَا مَحْرَمٌ وَوَجَدْت قَوْمًا صَالِحِينَ فَقَالَ: إنْ تَوَلَّتْ هِيَ النُّزُولَ وَالرُّكُوبَ وَلَمْ يَأْخُذْ رَجُلٌ بِيَدِهَا فَأَرْجُو لِأَنَّهَا تُفَارِقُ غَيْرَهَا فِي جَوَازِ النَّظَرِ إلَيْهَا, لِلْأَمْنِ مِنْ الْمَحْذُورِ, فَكَذَا هُنَا, كَذَا قَالَ6, فَأُخِذَ مِنْ جَوَازِ النَّظَرِ الْجَوَازُ هُنَا, فَتَلْزَمُهُ فِي شَابَّةٍ قَبِيحَةٍ7 وَفِي كُلِّ سَفَرٍ وَالْخَلْوَةِ, كَمَا يَأْتِي فِي آخِرِ الْعَدَدِ, مَعَ أَنَّ الرِّوَايَةَ فِيمَنْ لَيْسَ لَهَا مَحْرَمٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه البخاري "3595" والحديث بهذه الجملة ليس في مسلم.
2 أخرجه البخاري "900" ومسلم "442" "136" من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
3 أخرجه البخاري "865" ومسلم "442" "137" من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
4 يعني ابن جزم.
5 في "ب" "يخشى".
6 ليست في الأصل.
7 بعدها في "س" و"ب" "لا" وبعدها في "ب" بياض.(5/244)
وَعِنْدَ شَيْخِنَا: تَحُجُّ كُلُّ امْرَأَةٍ آمِنَةٍ مَعَ عَدَمِ الْمَحْرَمِ, وَقَالَ: إنَّ هَذَا مُتَوَجِّهٌ فِي كُلِّ سَفَرِ طَاعَةٍ, كَذَا قَالَ, وَنَقَلَهُ الْكَرَابِيسِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي حَجَّةِ التَّطَوُّعِ, وَقَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ1 فِيهِ وَفِي كُلِّ سَفَرٍ غَيْرِ وَاجِبٍ, كَزِيَارَةٍ وَتِجَارَةٍ, وَقَالَهُ الْبَاجِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي كَبِيرَةٍ غَيْرِ مُشْتَهَاةٍ, وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةَ الْمَرُّوذِيِّ ثُمَّ قَالَ: وَظَاهِرُهُ جَوَازُ خُرُوجِهَا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ, ذَكَرَهُ شَيْخُنَا فِي مَسْأَلَةِ الْعَجُوزِ تَحْضُرُ الْجَمَاعَةَ, هَذَا كَلَامُهُ.
وَعَنْهُ: لَا يُعْتَبَرُ الْمَحْرَمُ إلَّا فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ "وهـ" كَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي أَطْرَافِ الْبَلَدِ مَعَ عَدَمِ الْخَوْفِ "و" وَعَنْ ابْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا "لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2.
وَفِي رِوَايَةٍ أَيْضًا "ثَلَاثَةً" 3 وَفِي رِوَايَةٍ "فَوْقَ ثَلَاثٍ" 4 وَفِي الْبُخَارِيِّ5 فِي بَعْضِ طُرُقِهِ "ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ" وَلِمُسْلِمٍ6 مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ "يَوْمَيْنِ" وَلَهُ7 أَيْضًا "ثَلَاثَةً" وَلَهُ8 أَيْضًا "أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ".
وَالظَّاهِرُ أَنَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ لِاخْتِلَافِ السَّائِلِينَ وسؤالهم, فخرجت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "أصحابنا".
2 البخاري "1087" ومسلم "1338" "414" واللفظ لمسلم.
3 البخاري "1086" ومسلم "1338" "413".
4 أخرجه مسلم "1338" "413".
5 في صحيحه "1086".
6 في صحيحه "827" "416".
7 في صحيحه "827" "417".
8 في صحيحه "827" "418".(5/245)
جَوَابًا. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ: يُعْتَبَرُ الْمَحْرَمُ لِلْمَرْأَةِ مَنْ لِعَوْرَتِهَا حُكْمٌ, وَهِيَ بِنْتُ سَبْعٍ, عَلَى مَا سَبَقَ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ1. وَيَأْتِي فِي النِّكَاحِ وَآخِرِ الْعَدَدِ2 "إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى".
قَالَ الْقَاضِي: اعْتَبَرَ أَحْمَدُ الْمَحْرَمَ فِيمَنْ يُخَافُ أَنْ يَنَالَهَا الرِّجَالُ, فَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ: مَتَى لَا يَحِلُّ سَفَرُهَا إلَّا بِمَحْرَمٍ؟ قَالَ: إذَا صَارَ لَهَا سَبْعُ سِنِينَ, أَوْ قَالَ: تِسْعٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ شَيْخُنَا: إمَاءُ الْمَرْأَةِ يُسَافِرْنَ مَعَهَا وَلَا يَفْتَقِرْنَ إلَى مَحْرَمٍ, لِأَنَّهُ لَا مَحْرَمَ لَهُنَّ فِي الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ. فَأَمَّا عُتَقَاؤُهَا مِنْ الْإِمَاءِ. وَبَيَّضَ لِذَلِكَ. وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ أَنَّهُنَّ كَالْإِمَاءِ, عَلَى مَا قَالَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ مَحْرَمٌ, وَاحْتِمَالُ عَكْسِهِ لِانْقِطَاعِ التَّبَعِيَّةِ وَمِلْكِ أَنْفُسِهِنَّ بِالْعِتْقِ, فَلَا حَاجَةَ, بِخِلَافِ الْإِمَاءِ, وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اعْتِبَارُ الْمَحْرَمِ لِلْكُلِّ, وَعَدَمُهُ كَعَدَمِ الْمَحْرَمِ لِلْحُرَّةِ, لِمَا سَبَقَ, وَاَللَّهُ أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "3/283".
2 "8/161".(5/246)
فَصْلٌ: وَالْمَحْرَمُ زَوْجُهَا أَوْ مَنْ تُحَرَّمُ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ
بِنَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ مُبَاحٍ, كَرَضَاعٍ وَمُصَاهَرَةٍ وَوَطْءٍ مُبَاحٍ بِنِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ, وَرَابُّهَا وَهُوَ زَوْجُ أُمِّهَا وَرَبِيبُهَا وَهُوَ ابْنُ زَوْجِهَا نَصَّ عَلَيْهِمَا "و" خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي ابْنِ زَوْجِهَا.
وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ فِي أُمِّ امْرَأَتِهِ3 يَكُونُ محرما لها في حج الفرض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "3/283".
2 "8/161".
3 في الأصل "امرأة".(5/246)
فَقَطْ "خ" قَالَ الْأَثْرَمُ: كَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ فِي قَوْلِهِ: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] الْآيَةَ, وَعَنْهُ الْوَقْفُ فِي نَظَرِ شَعْرِهَا وَشَعْرِ الرَّبِيبَةِ, لِعَدَمِ ذِكْرِهِمَا فِي الْآيَةِ, "خ".
وَلَا مَحْرَمِيَّةٌ بِوَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًا, فَلَيْسَ بِمَحْرَمٍ لِأُمِّ الْمَوْطُوءَةِ وَابْنَتِهَا, لِأَنَّ السَّبَبَ غَيْرُ مُبَاحٍ, قَالَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ: كَالتَّحْرِيمِ بِاللِّعَانِ, وَأَوْلَى, لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ تَعُمُّهُ فَاعْتُبِرَ إبَاحَةُ سَبَبِهَا كَسَائِرِ الرُّخَصِ, وَعَنْهُ: بَلَى, وَاخْتَارَهُ فِي الْفُصُولِ فِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ لَا الزِّنَا, وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا وَذَكَرَهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ, لِثُبُوتِ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ فَيَدْخُلُ فِي الْآيَةِ, بِخِلَافِ الزِّنَا.
وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالشُّبْهَةِ مَا جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ: الْوَطْءُ الْحَرَامُ مَعَ الشُّبْهَةِ كَالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ1 وَنَحْوِهَا, لَكِنْ ذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ فِي مَسْأَلَةِ تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ وَذَكَرَهُ شَيْخُنَا أَنَّ الْوَطْءَ فِي نِكَاحٍ فِي فَاسِدٍ كَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ, وَلَيْسَ بِمَحْرَمٍ, لِلْمُلَاعَنَةِ, مَعَ دُخُولِهَا فِي إطْلَاقِ بَعْضِهِمْ, فَلِهَذَا قِيلَ: سَبَبٌ مُبَاحٌ لِحُرْمَتِهَا, وَذَكَرَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ صَاحِبُ الْوَجِيزِ وَالْآدَمِيِّ الْبَغْدَادِيَّانِ, وَلَمْ أَجِدْ الْحَنَفِيَّةَ اسْتَثْنَوْهَا بَلْ الشَّافِعِيَّةَ. قَالَ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ: وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ فِي التَّحْرِيمِ دُونَ الْمَحْرَمِيَّةِ "و".
وَلَيْسَ الْعَبْدُ بِمَحْرَمٍ لِسَيِّدَتِهِ, نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ, لِأَنَّهَا لَا تُحَرَّمُ أَبَدًا, وَلَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا, كَالْأَجْنَبِيِّ, وَلَا يَلْزَمُ من النظر المحرمية, وروى سعيد وغيره2
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ب" "المشركه".
2 وأخرجه البزار في "1076" "زوائد" والطبراني في الأوسط "6635".(5/247)
عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ بُزَيْعِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا "سَفَرُ الْمَرْأَةِ مَعَ عَبْدِهَا ضَيْعَةٌ" بَزِيعٌ ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ.
وَعَنْهُ: هُوَ مَحْرَمٌ, قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: لِأَنَّ الْقَاضِيَ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ أَنَّ مَذْهَبَ أَحْمَدَ أَنَّهُ مَحْرَمٌ "وش".
وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَحْرَمِ ذَكَرًا مُكَلَّفًا مُسْلِمًا "هـ ش" نَصَّ عَلَيْهِ, لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا, كَالْحَضَانَةِ1, وَكَالْمَجُوسِيِّ, لِاعْتِقَادِهِ حِلَّهَا "و" وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ مِثْلَهُ مُسْلِمٌ لَا يُؤْمَنُ, وَذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ لِلْحَنَفِيَّةِ, وَيَتَوَجَّهُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ إسْلَامُهُ إنْ أُمِنَ عَلَيْهَا, لِمَا سَبَقَ, وَالْحَضَانَةُ2 يُنَافِيهَا الْكُفْرُ, لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ, وَلِهَذَا نَافَاهَا الْفِسْقُ3, وَلِأَنَّهُ يُرَبِّيهِ4 وَيَنْشَأُ عَلَى طَرِيقَتِهِ, بِخِلَافِ هَذَا.
وَقَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: يَحْتَمِلُ أَنَّ الذِّمِّيَّ الْكِتَابِيَّ5 مَحْرَمٌ لِابْنَتِهِ الْمُسْلِمَةِ إنْ قُلْنَا يَلِي نِكَاحَهَا كَالْمُسْلِمِ.
وَنَفَقَةُ الْمَحْرَمِ عَلَيْهَا, نَصَّ عَلَيْهِ, لِأَنَّهُ مِنْ سَبِيلِهَا. وَذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ الْحَنَفِيُّ, فَيُعْتَبَرُ أَنْ تَمْلِكَ زَادًا وَرَاحِلَةً لَهُمَا, وَذَكَرَ الطَّحْطَاوِيُّ الْحَنَفِيُّ: لَا نَفَقَةَ لَهُ6 وَلَا يَلْزَمُهَا حَجٌّ, وَإِنْ بَذَلَتْ النفقة لم يلزم المحرم غير عبدها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ب" "كالحضانة".
2 في "ب" "والحضانة".
3 في "ب" "العتق".
4 في الأصل و"ط" "ولا".
5 ليست في "ب".
6 في "ب" "لها".(5/248)
السَّفَرُ بِهَا, عَلَى الْأَصَحِّ, لِلْمَشَقَّةِ, كَحَجِّهِ عَنْ مريضه.
ووجه الثانية أمره صلى الله عليه وسلم لِلزَّوْجِ فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ1. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ أَمْرٌ بَعْدَ حَظْرٍ, أَوْ أَمْرُ تَخْيِيرٍ2 وَعَلِمَ صلى الله عليه وسلم مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يُعْجِبُهُ أَنْ يُسَافِرَ.
وَإِنْ أَرَادَ أُجْرَةً فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يَلْزَمُهَا, وَيَتَوَجَّهُ: كَنَفَقَتِهِ, كَمَا ذَكَرُوهُ فِي التَّغْرِيبِ فِي الزِّنَا وَفِي قَائِدِ الْأَعْمَى, فَدَلَّ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَبَرَّعَ لَمْ يَلْزَمْهَا, لِلْمِنَّةِ, وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَجِبَ لِلْمَحْرَمِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ لَا النَّفَقَةُ, كَقَائِدِ الْأَعْمَى, وَلَا دَلِيلَ يَخُصُّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 تقدم في ص "241".
2 في "ب" "يختبر".(5/249)
فَصْلٌ: فَإِنْ حَجَّتْ الْمَرْأَةُ بِلَا مَحْرَمٍ
حُرِّمَ وَأَجْزَأَ "و" وَإِنْ أَيِسَتْ مِنْهُ فَيَأْتِيَ فِي الْمَعْضُوبِ3, لِأَنَّهُ لِحِفْظِهَا. وَمَنْ تَرَكَ حَقًّا يَلْزَمُهُ مِمَّا4 سَبَقَ مِنْ دَيْنٍ وَغَيْرِهِ حُرِّمَ وَأَجْزَأَ, لِتَعَلُّقِهِ بِذِمَّتِهِ.
وَيَصِحُّ مِنْ مَعْضُوبٍ وَأَجِيرِ خِدْمَةٍ بِأُجْرَةٍ أَوْ لَا, وَتَاجِرٍ5 وَلَا إثْمَ6. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ "و". وَقَالَ فِي الْفُصُولِ وَالْمُنْتَخَبِ وغيرهما: والثواب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
3 ص "257" وجاء في "س" "المغصوب" و"ب" "المغضوب".
4 في الأصل "كما".
5 في "ب" "وبأجر".
6 في "ب" "أتم".(5/249)
بِحَسَبِ الْإِخْلَاصِ, قَالَ أَحْمَدُ: لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَك تِجَارَةٌ كَانَ أَخْلَصَ, وَرَخَّصَ فِي التِّجَارَةِ وَالْعَمَلِ فِي الْغَزْوِ ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ كَمَنْ لَا يَشُوبُ غَزْوَهُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا. وَسَبَقَ فِيمَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ1. وَسَبَقَ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ2 الْحَجُّ بِمَالٍ مَغْصُوبٍ, وَالْأَبَوَانِ كَغَيْرِهِمَا إلَّا مَنْ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَ فَيَتَمَلَّكَ. وَقِيلَ3: مَا فَعَلَ بمال ابنه جاز "والله أعلم"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "2/297" وما بعدها.
2 "2/46".
3 في الأصل و"ر" "وقيل".(5/250)
فصل: يلزم الأعمى أن يحج بنفسه بالشروط المذكورة,
...
فَصْلٌ: يَلْزَمُ الْأَعْمَى أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ "هـ" بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ,
لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ, كَالْبَصِيرِ4, بِخِلَافِ الْجِهَادِ, وَيُعْتَبَرُ لَهُ قَائِدٌ, كَبَصِيرٍ يَجْهَلُ الطَّرِيقَ, وَقَائِدُهُ كَالْمَحْرَمِ, ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَأَطْلَقُوا الْقَائِدَ.
وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: يَشْتَرِطُ لِلْأَدَاءِ قَائِدًا يُلَائِمُهُ, أَيْ يُوَافِقُهُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِي قَائِدٌ لَا يُلَائِمُنِي5, وَأَمَرَهُ بِالْجَمَاعَةِ, فَقَدْ يَحْتَمِلُ مِثْلُهُ هَاهُنَا, وَالْفَرْقُ أَظْهَرُ, وَيَلْزَمُهُ أُجْرَةُ قَائِدٍ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ, وَقِيلَ: وَزِيَادَةٌ يَسِيرَةٌ, وَقِيلَ: وَغَيْرُ مجحفة, ولو بتبرع لم6 يلزمه, للمنة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
4 في "ب" "كالتصبير".
5 أخرجه أبو داود في سننه "552" وابن ما جه "792".
6 ليست في الأصل.(5/250)
فَصْلٌ: مَنْ لَزِمَهُ الْحَجُّ أَوْ الْعُمْرَةُ,
لَمْ يجز تأخيره, بَلْ يَأْتِي بِهِ عَلَى الْفَوْرِ, نَصَّ عَلَيْهِ "وهـ م ر" وَأَبِي يُوسُفَ وَدَاوُد, بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى الْفَوْرِ, وَلِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ "تَعَجَّلُوا إلَى الْحَجِّ" يَعْنِي الْفَرِيضَةَ, وَحَدِيثُهُ أَوْ حَدِيثُ الْفَضْلِ "مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ" رَوَاهُمَا أَحْمَدُ1, وَلِابْنِ مَاجَهْ الثَّانِي2, وَفِيهِمَا أَبُو إسْرَائِيلَ الْمُلَائِيُّ إسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيفَةَ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ إلَّا رِوَايَةً عَنْ ابْنِ مَعِينٍ, وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد3 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ, رَوَاهُ عَنْهُ مِهْرَانُ, تَفَرَّدَ عَنْهُ الْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو, وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
وَلِمَا يَأْتِي فِي الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ, وَكَالْجِهَادِ وَكَحَجِّ الْمَعْضُوبِ4 بِالِاسْتِنَابَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَذَا احْتَجَّ بِهِ بَعْضُهُمْ, وَلِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ عَاصِيًا, لِلْأَخْبَارِ5, وَهُوَ الْأَصَحُّ لِلشَّافِعِيَّةِ, وَقِيلَ: لَا. وَقِيلَ: لَا, فِي الشَّابِّ. وَكَذَا الْخِلَافُ لَهُمْ فِي صَحِيحٍ لَمْ يَحُجَّ حَتَّى زَمِنَ, قَالُوا: فَإِنْ عَصَى اُسْتُنِيبَ عَنْهُ عَلَى الْفَوْرِ, لِخُرُوجِهِ بِتَقْصِيرِهِ عَنْ اسْتِحْقَاقِ التَّرَفُّهِ, وَقِيلَ: لَا, كَمَنْ بَلَغَ مَعْضُوبًا. وَيَعْصِي عِنْدَهُمْ مِنْ السَّنَةِ الْآخِرَةِ مِنْ "آخِرِ" سِنِي الْإِمْكَانِ, لِجَوَازِ التَّأْخِيرِ إلَيْهَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في المسند "2867" و"1834".
2 في سننه "2883".
3 أحمد "1973" وأبو داود "1732".
4 في "ب" "المغصوب".
5 أخرجه الترمذي في سننه "812" عن علي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "من ملك زادا وراحلة تبلغه ألى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا" وذلك أن الله يقول في كتابه {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: 97] .(5/251)
وَقِيلَ: مِنْ الْأُولَى, لِاسْتِقْرَارِ الْفَرْضِ فِيهَا, وَقِيلَ: لَا يُسْنَدُ عِصْيَانُهُ1 إلَى سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ, وَحَيْثُ عَصَى لَمْ يُحْكَمْ بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ, لِبَيَانِ فِسْقِهِ, وَإِنْ حُكِمَ بِهَا فِيمَا بَيْنَ الْأُولَى وَالْآخِرَةِ. وَقِيلَ: يَعْصِي, فَقَدْ بَانَ فِسْقُهُ, فَفِي نَقْضِهِ الْقَوْلَانِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقِيلَ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُؤَخِّرْهُ, فَإِنَّهُ فُرِضَ سَنَةَ عَشْرٍ, وَالْأَشْهَرُ سَنَةَ تِسْعٍ, فَقِيلَ: أَخَّرَهُ لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ, وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَرِهَ رُؤْيَةَ الْمُشْرِكِينَ عُرَاةً2 حَوْلَ الْبَيْتِ3, وَقِيلَ: بِأَمْرِ اللَّهِ لِتَكُونَ حَجَّتُهُ حَجَّةَ الْوَدَاعِ فِي السَّنَةِ الَّتِي استدار فيها الزمان4 وتتعلم منه أمته المناسك التي استقر أمره عليها "م 15"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 15" قَوْلُهُ: وَقِيلَ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُؤَخِّرْهُ فَإِنَّهُ فُرِضَ سَنَةَ عَشْرٍ, وَالْأَشْهَرُ سَنَةَ تِسْعٍ: فَقِيلَ: أَخَّرَهُ لِعَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَرِهَ رُؤْيَةَ الْمُشْرِكِينَ عُرَاةً5 حَوْلَ الْبَيْتِ, وَقِيلَ: بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى لِتَكُونَ حَجَّتُهُ حَجَّةَ الْوَدَاعِ فِي السَّنَةِ الَّتِي اسْتَدَارَ فيها الزمان وتتعلم منه أمته المناسك التي اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ عَلَيْهَا, انْتَهَى.
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ حَكَاهُ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي6 وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَالشَّارِحُ
__________
1 في "س" "عصابة".
2 في "ب" "غزاة".
3 أخرجه البخاري "1622" ومسلم "1347" "435" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أبا بكر الصديق بعثه في الحجة التي أمره عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ حجة الوداع يوم النحر في رهط يؤذن في الناس: ألا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان.
4 أخرجه البخاري "4406" ومسلم "1679" "29" عن أبي بكرة عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض....." في حجة الوداع.
5 في "ح" "غزاة".
6 "8/37".(5/252)
وظاهر قَوْله تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] يقتضي الإتمام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
احْتِمَالًا, قَالَ الْمَجْدُ: حَكَى ذَلِكَ جَدِّي1 فِي تَفْسِيرِهِ. فَقَالَ: يَكُونُ تَأْخِيرُهُ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ, إمَّا فِي حَقِّهِ وَحَقِّ اللَّهِ لِخَوْفِهِ عَلَى الْمَدِينَةِ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودِ, وَإِمَّا لِحَاجَةٍ وَفَقْرٍ فِي حَقِّهِ مَنَعَهُ مِنْ الْخُرُوجِ, وَمَنَعَ أَكْثَرَ أَصْحَابِنَا خَوْفًا عَلَيْهِ, انْتَهَى مَا حَكَاهُ الْمَجْدُ عَنْ جَدِّهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي احْتِمَالٌ أَيْضًا لِلشَّيْخِ فِي الْمُغْنِي2 وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ, وَقَوَّاهُ الْمَجْدُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِأَشْيَاءَ وَمَالَ إلَيْهِ "والقول الثالث" احتمال أيضا لمن ذكرنا, وَمَالَ إلَيْهِ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ "قُلْت": وَهُوَ قَوِيٌّ جِدًّا, "3قَالَ الْمَجْدُ3": وَقَالَهُ4 أَبُو زَيْدٍ الْحَنَفِيُّ.
"قُلْت": تَأْخِيرُ ذَلِكَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى, وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ, وَفِي تَأْخِيرِهِ حِكَمٌ كَثِيرَةٌ, مِنْهَا: لِئَلَّا يَرَى الْمُشْرِكِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ, فَتَكُونُ حِكْمَةُ اللَّهِ فِي تَأْخِيرِهِ لِمَجْمُوعِ ذَلِكَ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ, وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنَّمَا أَخَّرَهُ لِأَنَّهُ قَدْ حَجَّ قَبْلَ الْهِجْرَةِ5, فَاكْتَفَى بِهِ فِي حَقِّهِ, عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ خَاصَّةً لِاخْتِصَاصِهِ بِالدِّينِ الْحَنِيفِيِّ, فَكَمُلَتْ أَرْكَانُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ, وَلَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ, لِعَدَمِ حَجِّ غَيْرِهِ بَعْدَ إسْلَامِهِ قَبْلَ فَرْضِهِ, ذكره ابن نصر الله في حواشيه.
__________
1 هكذا في النسخ الخطية و"ط" ولعله عمه فخر الدين محمد بن الخضر ابن تيمية المفسر له التفسير الكبير في أكثر من ثلاثين مجلد ذيل طبقات الحنابلة "2/151".
2 "8/37".
3 ليست في "ص".
4 في "ح" "وقال".
5 أخرجه الترمذي "815" وابن ماجه "3076" عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: حج رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حجات حجتين قبل أن يهاجر وحجة بعد ما هاجر.(5/253)
بَعْدَ الشُّرُوعِ, وَلِهَذَا قَالَ: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البقرة: 196] وَلَا حَصْرَ قَبْلَ الشُّرُوعِ, وَسَبَبُ النُّزُولِ إحْرَامُهُمْ بِالْعُمْرَةِ وَحَصْرُهُمْ عَنْهَا, فَبَيَّنَ حُكْمَ النُّسُكَيْنِ.
وَيُحْمَلُ1 قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ: إتْمَامُهُمَا أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِك2 عَلَى النَّدْبِ عِنْدَهُمَا, وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَجْهًا ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ رِوَايَةً أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ, زَادَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: مَعَ الْعَزْمِ عَلَى فِعْلِهِ فِي الْجُمْلَةِ "وش" وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ, لِمَا سَبَقَ3, وَلِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَهُ4 لَمْ يُسَمَّ قَضَاءً, وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ يُسَمَّى فِيهِ وَفِي الزَّكَاةِ, وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَجْهًا ثُمَّ يَبْطُلُ بِتَأْخِيرِهِ إلَى سَنَةٍ يَظُنُّ مَوْتَهُ فيها, وسبق العزم في الصوم والصلاة5.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "ويحتمل".
2 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "4/341" عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن إتمام الحج فقال: تمام الحج أن تحرم من دويرة أهلك. وأورد في نفس الموضع عن ابن مسعود رضي الله عنه.
3 ص "251".
4 في "ب" "أجره".
5 ص "63" و "1/410".(5/254)
فَصْلٌ: وَمَنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ لِكِبَرٍ
أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ, زَادَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(5/254)
أَوْ1 كَانَ نِضْوَ الْخَلْقِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الثُّبُوتِ عَلَى الرَّاحِلَةِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ غَيْرِ مُحْتَمَلَةٍ قَالَ أَحْمَدُ: أَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ ثَقِيلَةً لَا يَقْدِرُ مِثْلُهَا يَرْكَبُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ, وَأَطْلَقَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ عَدَمَ الْقُدْرَةِ, وَيُسَمَّى الْمَعْضُوبُ2 وَوَجَدَ زَادًا وَرَاحِلَةً, جَازَ وَصَحَّ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَأْتِي بِهِ عَنْهُ "م" وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا "وهـ ر ش" لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إنَّ أَبِي أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِهِ, أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: "فَحُجِّي عَنْهُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ3.
وَسَبَقَ خَبَرُ أَبِي رَزِينٍ فِي الْعُمْرَةِ4, وَخَبَرُ: مَا السَّبِيلُ؟ قَالَ: "الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ" 5 وَكَالصَّوْمِ يُفْدَى مَنْ عَجَزَ عَنْهُ, سَوَاءٌ وَجَبَ عَلَيْهِ حَالَ الْعَجْزِ "هـ ر م" أَوْ قَبْلَهُ "م" وَيَلْزَمُهُ عَلَى الْفَوْرِ "ش" كَنَفْسِهِ, مِنْ حَيْثُ وَجَبَ أَوْ مِنْ الْمِيقَاتِ, كَمَا يأتي,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ب" "لو".
2 في "ب" "المغصوب".
3 تقدم ص "202".
4 تقدم ص "232".
5 في "د" "حج".(5/255)
وَإِنْ وَجَدَ نَفَقَةَ رَاجِلٍ لَمْ يَلْزَمْهُ, خِلَافًا لِصَاحِبِ الرِّعَايَةِ وَالْأَصَحُّ لِلشَّافِعِيَّةِ. وَإِنْ وَجَدَ مَالًا وَلَمْ يَجِدْ نَائِبًا فَفِي وُجُوبِهِ فِي ذِمَّتِهِ وَجْهَانِ, بِنَاءً عَلَى إمْكَانِ الْمَسِيرِ "م 16" زَادَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: فَإِنْ قُلْنَا يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ كان المال الْمُشْتَرَطُ فِي الْإِيجَابِ عَلَى الْمَعْضُوبِ1 بِقَدْرِ مَا نُوجِبُهُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ صَحِيحًا, وَإِنْ قُلْنَا لَا يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ اُشْتُرِطَ لِلْمَالِ الْمُوجِبِ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ نَفَقَةِ الْمِثْلِ لِلنَّائِبِ, لِئَلَّا يَكُونَ النَّائِبُ بَاذِلًا لِلطَّاعَةِ فِي الْبَعْضِ. وَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيَّةُ وُجُودَ مَالٍ يَسْتَأْجِرُ مَنْ يَحُجُّ بِهِ فَاضِلًا عَنْ حَاجَتِهِ لَوْ حَجَّ بِنَفْسِهِ, وَلَمْ يَعْتَبِرُوا مُؤْنَةَ أَهْلِهِ بَعْدَ فَرَاغِ النَّائِبِ مِنْ الْحَجِّ, وَالْأَصَحُّ لَهُمْ: وَلَا مُدَّةَ ذَهَابِهِ, لِإِمْكَانِهِ تَحْصِيلَ نَفَقَتِهِمْ. وَإِنْ لَمْ يَسْتَنِبْ فَلَهُمْ فِي الْحَاكِمِ وَجْهَانِ, وَهِيَ مُحْتَمَلَةٌ, وَعِنْدَهُمْ: إنْ طَلَبَ الْأَجِيرُ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ2 مِثْلِهِ لَمْ يَلْزَمْ الِاسْتِئْجَارُ, وَيَلْزَمُ إنْ رَضِيَ بِأَقَلَّ.
وَتَنُوبُ امْرَأَةٌ عَنْ رَجُلٍ, خِلَافًا لِلْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ, وَأَضْعَفُ مِنْهُ قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ: لَا يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ. وَلَا إساءة ولا كراهة في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 16" قَوْلُهُ: وَإِنْ وَجَدَ مَالًا وَلَمْ يَجِدْ نَائِبًا فَفِي وُجُوبِهِ فِي ذِمَّتِهِ وَجْهَانِ, بِنَاءً عَلَى إمْكَانِ الْمَسِيرِ, انْتَهَى. تَقَدَّمَ الصَّحِيحُ مِنْ الْخِلَافِ فِي سَعَةِ الْوَقْتِ هَلْ هُوَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ أَوْ مِنْ شَرَائِطِ لُزُومِ الْأَدَاءِ, قريبا3, فليعاود.
__________
1 في "ب" "المغصوب".
2 في الأصل و"س" "نفقة".
3 ص "239".(5/256)
نِيَابَتِهَا عَنْهُ "وم ش" خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ, وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ مِثْلِهِ1 لِفَوَاتِ رَمَلٍ وَحَلْقٍ وَرَفْعِ صَوْتٍ بِتَلْبِيَةٍ وَنَحْوِهَا.
وَيُجْزِئُ الْحَجُّ عَنْ الْمَعْضُوبِ2 وَلَوْ عُوفِيَ, نَصَّ عَلَيْهِ "هـ ش" لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ, وَالْمُعْتَبَرُ لِجَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ الْإِيَاسُ ظَاهِرًا. وَلَوْ اعْتَدَّتْ مَنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا لَمْ تَبْطُلْ عدتها بعوده, قال صاحب المحرر3: وَهِيَ نَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا, فَدَلَّ عَلَى خِلَافٍ هُنَا لِلْخِلَافِ هُنَاكَ, كَمَا سَبَقَ فِي الصَّوْمِ4 وَإِنْ عُوفِيَ قَبْلَ فَرَاغِهِ أَجْزَأَهُ, فِي الْأَصَحِّ, لِأَنَّ الشُّرُوعَ5 هُنَا مُلْزِمٌ, وَإِنْ بَرِئَ قَبْلَ إحْرَامِ النَّائِبِ لَمْ يُجْزِئْهُ و".
6لَيْسَ لِمَنْ يُرْجَى زَوَالُ عِلَّتِهِ أَنْ يَسْتَنِيبَ, فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُجْزِئْهُ "و"6 خِلَافًا لِمَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ "هـ" وَلَا يَكُونُ مُرَاعًى "هـ" وَقَالَهُ أَصْحَابُهُ أَيْضًا فِي مَحْبُوسٍ دَامَ حَبْسُهُ, وَبَعْضُهُمْ فِي الْمَرْأَةِ لِعَدَمِ مَحْرَمٍ وَدَامَ عَدَمُهُ, لِأَنَّهُ يَرْجُو الْحَجَّ بِنَفْسِهِ, فَهُوَ كَصَحِيحٍ مُوسِرٌ افْتَقَرَ بَعْدَ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ "و" وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ, وليس هو مثل المنصوص عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "س".
2 في "ب" "المغصوب".
3 بعدها في "س" "وغيره".
4 ص "66" وما بعدها.
5 قي "س" "المشروع".
6 6 ليست في الأصل.(5/257)
فَصْلٌ: وَإِنْ أَيِسَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ مَحْرَمٍ
وَقُلْنَا يُشْتَرَطُ لِلُّزُومِ السَّعْيُ, أَوْ كَانَ وُجِدَ وَفَرَّطَتْ بِالتَّأْخِيرِ حَتَّى عُدِمَ, فَنَقَلَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم فِي الْمَرْأَةِ لَا مَحْرَمَ لَهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(5/257)
هَلْ تَدْفَعُ إلَى رَجُلٍ يَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: إذَا كَانَتْ يَئِسَتْ مِنْ الْمَحْرَمِ فَأَرَى أَنْ تُجَهِّزَ رَجُلًا يَحُجُّ عَنْهَا, وَكَذَا نَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَرْبٍ: تُعْطِي مَنْ يَحُجُّ عَنْهَا فِي حَيَاتِهَا. وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ, نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ فِي امْرَأَةٍ لَهَا خَمْسُونَ سَنَةً لَا مَحْرَمَ لَهَا: لَا تَخْرُجُ إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ, وَأَرْجُو أَنْ تُرْزَقَ زَوْجًا "م 17".
قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: يُمْكِنُ حَمْلُ الْمَنْعِ عَلَى أَنَّ تزوجها1 لَا يَبْعُدُ عَادَةً وَالْجَوَازُ عَلَى مَنْ أَيِسَتْ مِنْهُ ظَاهِرًا وَعَادَةً, لِزِيَادَةِ سِنٍّ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهَا عَدَمُهُ. ثُمَّ إنْ تَزَوَّجَتْ أَوْ اسْتَنَابَتْ مَنْ لَهَا مَحْرَمٌ ثُمَّ فُقِدَ فَكَالْمَعْضُوبِ2, وَإِنْ جَهِلَتْ الْمَحْرَمَ ثُمَّ ظَهَرَ لَهَا رَحِمٌ مَحْرَمٌ. وَبَيَّضَ3 صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ. وَيَتَوَجَّهُ إنْ ظَنَّتْ عَدَمَهُ أَجْزَأَهَا, عَلَى مَا سَبَقَ "4وَإِلَّا فَلَا, أَوْ كَجَهْلِ الْمُتَيَمِّمِ الماء, على ما سبق54", وقد قال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 17" قَوْلُهُ: وَإِنْ أَيِسَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ مَحْرَمٍ وَقُلْنَا يُشْتَرَطُ لِلُّزُومِ السَّعْيُ, أَوْ كَانَ وُجِدَ وَفَرَّطَتْ بِالتَّأْخِيرِ حَتَّى عُدِمَ, فَنَقَلَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم فِي الْمَرْأَةِ لَا مَحْرَمَ لَهَا هَلْ تَدْفَعُ إلَى رَجُلٍ يَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: إذَا كَانَتْ يَئِسَتْ مِنْ الْمَحْرَمِ فَأَرَى أَنْ تُجَهِّزَ رَجُلًا يَحُجُّ عَنْهَا, وَكَذَا نَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَرْبٍ: تُعْطِي مَنْ يَحُجُّ عَنْهَا فِي حَيَاتِهَا, وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ, نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ فِي امْرَأَةٍ لَهَا خَمْسُونَ سَنَةً لَا مَحْرَمَ لَهَا: لَا تَخْرُجُ إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ, وَأَرْجُو أَنْ تُرْزَقَ زَوْجًا, انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ.
"قُلْت": الصَّوَابُ أَنَّ لَهَا أَنْ تَسْتَنِيبَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهَا كَالْمَعْضُوبِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ الْآجُرِّيُّ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ, وَهُوَ في كلام المصنف.
__________
1 في الأصل "تزويجها".
2 في "ب" و"س" "فكالمغصوب".
3 في "ب" "وبنص".
4 4 ليست في "س".
5 "1/284".(5/258)
الْآجُرِّيُّ: إنْ لَمْ يَكُنْ مَحْرَمٌ سَقَطَ فَرْضُ الْحَجِّ بِبَدَنِهَا1 وَوَجَبَ2 أَنْ يَحُجَّ عَنْهَا غَيْرُهَا, وَكَذَا قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ, وَكَلَامُهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى الْإِيَاسِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: إنْ لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا فَرِوَايَتَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِتَرَدُّدِ3 النَّظَرِ فِي حصول الإياس منه "والله أعلم".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س" "ببذلها".
2 في "س" "وأوجب".
3 في الأصل "لتردد".(5/259)
فَصْلٌ: وَلَا يَصِيرُ مُسْتَطِيعًا بِبَذْلِ غَيْرِهِ
"وهـ م" لِمَا سَبَقَ فِي الِاسْتِطَاعَةِ4, وَكَالْبَذْلِ فِي الزَّكَاةِ, وَكَذَا الْكَفَّارَةُ, بِلَا خِلَافٍ, لِلْمِنَّةِ, وَهِيَ هنا, وفيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
4 ص "231".(5/259)
نَظَرٌ, لِأَنَّهُ تَمَلُّكٌ, وَلَا يَجِبُ, بِخِلَافِ الْحَجِّ, وَكَتَمَكُّنِهِ1 مِنْ حِيَازَةِ مَالٍ مُبَاحٍ, وَلَا يَلْزَمُ بَذْلُ2 إعَانَةِ الْمَعْضُوبِ3 فِي وُضُوئِهِ, لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُهُ, ثُمَّ الْفَرْقُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ لَوْ وَجَدَهُ مُبَاحًا, ذَكَرَهُ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ, وَجَزَمَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: بِلُزُومِهِ لِأَنَّهَا لَا تُرَادُ لِنَفْسِهَا, وَلِأَنَّ الْوُضُوءَ يَجِبُ عِنْدَ بَذْلِ4 الْمَاءِ5 بِالْحَدَثِ السَّابِقِ, فَلَمْ تُؤَثِّرْ طَاعَةُ غَيْرِهِ فِي الْوُجُوبِ, وَلِأَنَّ الأصل عدم دليل الوجوب,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "وكتمكنه".
2 في "س" و"ط" "بدل".
3 في "ب" و"س" "المغصوب".
4 في "ب" "بدل".
5 في "س" "المال".(5/260)
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ يُلْزِمُ هَذَا الْمَعْضُوبَ1 بِبَذْلِ وَلَدِهِ لَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ إذَا كَانَ الْوَلَدُ يَجِدُ زَادًا وَرَاحِلَةً وَقَدْ أَدَّى عَنْ نَفْسِهِ فَرْضَ الْحَجِّ, وَيَلْزَمُهُ. أَنْ يَأْمُرَهُ بِهِ, وَلِأَصْحَابِهِ فِيمَا إذَا كَانَ الْبَاذِلُ فَقِيرًا يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ أَوْ أَجْنَبِيًّا أَوْ بَذَلَ الْمَالَ وَجْهَانِ, وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ جَوَازُ الرُّجُوعِ لِلْبَاذِلِ مَا لَمْ يُحْرِمْ, وَلَا وَجْهَ لِتَمَسُّكِهِمْ بِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ مُطْلَقَةٌ وَبِخَبَرِ الخثعمية2, وكقدرته بنفسه, لما سبق والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ب" و"س" "المغصوب".
2 بقدم بخريجه ص "255".(5/261)
فَصْلٌ: مَنْ لَزِمَهُ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ فَتُوُفِّيَ قَبْلَهُ
وَجَبَ قَضَاؤُهُ فَرَّطَ أَوْ لَا مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(5/261)
رَأْسِ مَالِهِ كَالزَّكَاةِ وَالدَّيْنِ, وَلَوْ لَمْ يُوصِ بِهِ, وَسَبَقَ فِي الزَّكَاةِ1 وَفِي فِعْلِهِ عَنْ الميت2.
وَلِلْبُخَارِيِّ3 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَلَمْ تَحُجَّ "4حَتَّى مَاتَتْ4", أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: "نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا, أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّك دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟ اقْضُوا اللَّهَ فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ".
وَيُخَرَّجُ عَنْهُ حَيْثُ وَجَبَ, نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِصِفَةِ الْأَدَاءِ كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ. وَقَاسَ الْقَاضِي عَلَى مَعْضُوبٍ5 أَحَجَّ عَنْ نَفْسِهِ.
وَيُسْتَنَابُ مِنْ أَقْرَبِ وَطَنَيْهِ6 لِتَخْيِيرِ الْمَنُوبِ عَنْهُ, وَقِيلَ: مَنْ لَزِمَهُ بِخُرَاسَانَ فَمَاتَ بِبَغْدَادَ أُحِجَّ مِنْهَا, نَصَّ عَلَيْهِ, كَحَيَاتِهِ, وَقِيلَ: هَذَا هُوَ الْأَوَّلُ7, لَكِنْ اُحْتُسِبَ لَهُ سَفَرُهُ8 مِنْ بَلَدِهِ, وَفِيهِ نَظَرٌ, لِأَنَّهُ مُتَّجِهٌ لَوْ سَافَرَ لِلْحَجِّ.
وَيُجْزِئُ دُونَ الْوَاجِبِ دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ, لأنه كحاضر, وإلا9 لم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "3/485".
2 "3/423 – 424".
3 في صحيحه "1852".
4 4 ليست في "س".
5 في "ب" و"س" "المغصوب".
6 في الأصل و"س" "وطنه".
7 في الأصل و"ب" "الأولى".
8 في "ب" و"س" "سفره".
9 في الأصل "وإن".(5/262)
يُجْزِئْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ الْوَاجِبَ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ أَنَّهُ "1لَا يَصِحُّ1" دُونَ مَحَلِّ وُجُوبِهِ وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ, كَمَنْ أَحْرَمَ دُونَ مِيقَاتٍ, وقيل: يجزئ أن2 "يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ مِيقَاتِهِ لَا3 مِنْ حَيْثُ وجب "وم ش" وَيَقَعُ الْحَجُّ عَنْ الْمَحْجُوجِ" عَنْهُ
وَتَجُوزُ النيابة "4بلا مال4" "وم ش" لِلْخَبَرِ السَّابِقِ "وَتَشْبِيهُهُ بِالدَّيْنِ وَلِلْحَنَفِيَّةِ كَقَوْلِنَا: "5قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَهُمْ: هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ5" ولهم6:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهَانِ: "الْأَوَّلُ" قَوْلُهُ: وَقِيلَ "يُجْزِئُ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ مِيقَاتِهِ" كَذَا فِي النُّسَخِ وَالصَّوَابُ "وَقِيلَ: يجزئ أن يحج" بزيادة أن.
__________
1 1 ليست في "س".
2 ليست في "ب".
3 في "ب" و"ط" "لأنه".
4 4 ليست في "س".
5 5 ليست في "ب".
6 في الأصل "ولم".(5/263)
يَقَعُ الْحَجُّ لِلْحَاجِّ, وَلِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ ثَوَابُ النَّفَقَةِ فَقَطْ. ثُمَّ فِي إجْزَائِهِ لِلْحَاجِّ قَوْلَانِ. وَعِنْدَهُمْ: يَجِبُ أَنْ يُحِجَّ عَنْهُ مِنْ ثُلُثِهِ1 مِنْ بَلَدِهِ رَاكِبًا, وَلَا يُجْزِئُهُ مَاشِيًا إلَّا أَنْ لَا يَبْلُغَ مِنْهُ إلَّا مَاشِيًا, فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: يُخَيَّرُ رَاكِبًا مِنْ حَيْثُ بَلَغَ, وَمَاشِيًا مِنْ بَلَدِهِ, وَعَنْ مُحَمَّدٍ: رَاكِبًا. وَلَوْ أَوْصَى بِبَعِيرِهِ لِرَجُلٍ لِيَحُجَّ عَنْهُ فَأَكْرَاهُ الرَّجُلُ وَأَنْفَقَهُ فِي طَرِيقِهِ وَحَجَّ عَنْهُ مَاشِيًا جَازَ اسْتِحْسَانًا2. ثُمَّ يُرَدُّ الْبَعِيرُ إلَى وَرَثَتِهِ.
وَيُكْرَهُ "حَجُّهُ" عَلَى حِمَارٍ, كَذَا قَالُوا وَإِنْ مَاتَ هُوَ أَوْ نَائِبُهُ فِي الطَّرِيقِ حُجَّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ فِيمَا بَقِيَ نَصَّ عَلَيْهِ مَسَافَةً وَفِعْلًا وَقَوْلًا. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: مِنْ مَنْزِلِهِ, وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ سَفَرَهُ هَلْ بَطَلَ أَمْ لَا؟ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَيُحَجُّ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ, وَعِنْدَ أبي يوسف: مما3 بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ, وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: بِمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ الَّذِي أَخَذَهُ, وَإِلَّا بَطَلَتْ4 وَجَدِيدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ: إنْ مَاتَ الْحَاجُّ عَنْ نَفْسِهِ بَطَلَ مَا أَتَى بِهِ إلَّا فِي الثَّوَابِ, وَلَا بِنَاءَ بَعْدَ التَّحْلِيلَيْنِ, عِنْدَهُمْ, وَيُجْبَرُ بِدَمٍ, وَمَعْنَاهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا, وَإِنْ صُدَّ فَعِنْدَنَا: فِيمَا بَقِيَ, لِأَنَّهُ أَسْقَطَ بَعْضَ الْوَاجِبِ.
وَمَنْ ضَاقَ مَالُهُ أَوْ لَزِمَهُ دَيْنٌ أُخِذَ لِلْحَجِّ بِحِصَّتِهِ وَحُجَّ بِهِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ, نَصَّ عَلَيْهِ, لِقُدْرَتِهِ5 عَلَى بَعْضِ الْمَأْمُورِ بِهِ, وَعَنْهُ: يَسْقُطُ الْحَجُّ عُيِّنَ فَاعِلُهُ أَمْ لَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل و"ب" "يليه" وقوله ولهم يعني للحنفية قول آخر: يقع. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .إلخ.
2 في "ب" "استحبابا".
3 في "ب" و"س" "ما".
4 في الأصل "بطل" وبطلت أي: الوصية كما في البناية شرح الهداية "3/861".
5 في "ب" "كقجته".(5/264)
وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ الدَّيْنُ, لِتَأَكُّدِهِ, وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: إنْ سَمَّى الْمُوصِي مَا لَا يَبْلُغُ لَمْ يَصِحَّ قِيَاسًا, وَحُجَّ بِهِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ اسْتِحْسَانًا. ومن وصى بحج نفل أو1 أطلق جَازَ مِنْ مِيقَاتٍ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ, مَا لَمْ تَمْنَعْ قَرِينَةٌ2, وَقِيلَ: مِنْ مَحَلِّ وَصِيَّتِهِ, وَقَدَّمَهُ فِي التَّرْغِيبِ, كَحَجٍّ وَاجِبٍ, وَمَعْنَاهُ للشيخ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ب" و"س" "و".
2 في "ب" "قريبه".(5/265)
فَصْلٌ: مَنْ نَابَ بِلَا إجَارَةٍ وَلَا جُعْلٍ جَازَ,
نَصَّ عَلَيْهِ "و" كَالْغَزْوِ, وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَأْخُذَ دَرَاهِمَ وَيَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ, وَمُرَادُهُ الْإِجَارَةُ أَوْ حَجَّةٌ بِكَذَا, وَقَدْ يَحْتَمِلُ حَمْلُهُ عَلَى إطْلَاقِهِ, لَمْ يَفْعَلْهُ السَّلَفُ.
وَالنَّائِبُ أَمِينٌ, يَرْكَبُ وَيُنْفِقُ بِالْمَعْرُوفِ مِنْهُ أَوْ مِمَّا اقْتَرَضَهُ3 أَوْ اسْتَدَانَهُ لِعُذْرٍ عَلَى رَبِّهِ, أَوْ يُنْفِقُ مِنْ نَفْسِهِ وَيَنْوِي رُجُوعَهُ بِهِ, وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ: يَرْجِعُ إنْ أَنْفَقَ4 بِحَاكِمٍ5, وَكَذَا يَنْبَغِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ, وَيَتَوَجَّهُ لَنَا الْخِلَافُ فِيمَنْ أَدَّى عَنْ غَيْرِهِ وَاجِبًا, وَلَوْ تَرَكَهُ وَأَنْفَقَ مِنْ نَفْسِهِ فَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا يَضْمَنُ. "6وَفِيهِ نَظَرٌ, وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: إنْ كَانَ مِنْ نَفْسِهِ أَكْثَرُ أَوْ مَشَى أَكْثَرَ الطَّرِيقِ ضَمِنَ, وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الأصحاب6": ويضمن ما زاد على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
3 في "س" "أقرضه".
4 في "ب" "اتفق".
5 في الأصل "الحاكم".
6 6 ليست في "ب" و"س".(5/265)
الْمَعْرُوفِ, وَيَرُدُّ مَا فَضَلَ إلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فِيهِ, لِأَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهُ بَلْ أَبَاحَهُ. فَيُؤْخَذُ مِنْهُ: لَوْ أَحْرَمَ ثُمَّ مَاتَ مُسْتَنِيبُهُ أَخَذَهُ الْوَرَثَةُ, وَضَمِنَ مَا أَنْفَقَ بَعْدَ مَوْتِهِ, وَقَالَهُ1 الْحَنَفِيَّةُ, وَيَتَوَجَّهُ: لَا2, لِلُّزُومِ مَا أَذِنَ فِيهِ, قَالَ فِي الْإِرْشَادِ3 وَغَيْرِهِ فِي: حُجَّ عَنِّي بِهَذَا فَمَا فَضَلَ فَلَكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ "بِهِ"4 تِجَارَةً قَبْلَ حَجِّهِ. وَكَذَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ, قَالُوا: فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَضْمَنْ, وَأَجْزَأَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَيَتَوَجَّهُ: يَجُوزُ لَهُ صَرْفُ نَقْدٍ بِآخِرٍ لِمَصْلَحَةٍ وَشِرَاءِ مَاءٍ لِطَهَارَةٍ وَتَدَاوٍ وَدُخُولِ حَمَّامٍ, وَمَنَعَ ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ, وَلَهُمْ فِي دُهْنِ سِرَاجٍ خِلَافٌ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُنْفِقُ عَلَى خَادِمِهِ إنْ كَانَ مِثْلَهُ لَا يَخْدُمُ نَفْسَهُ, وَهَذَا مُتَّجِهٌ.
وَإِنْ مَاتَ أَوْ ضَلَّ أَوْ صُدَّ أَوْ مَرِضَ5 "أَوْ تَلِفَ" بِلَا تَفْرِيطٍ أَوْ أُعْوِزَ بَعْدَهُ لَمْ يَضْمَنْ. وَيَتَوَجَّهُ مِنْ كَلَامِهِمْ: يُصَدَّقُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَمْرًا ظَاهِرًا فَيُبَيِّنَهُ, وَلَهُ نَفَقَةُ رُجُوعِهِ, خِلَافًا لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ, وَعَنْهُ: إنْ رَجَعَ لِمَرَضٍ رَدَّ مَا أَخَذَ, كَرُجُوعِهِ لِخَوْفِهِ مَرَضًا, وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ احْتِمَالٌ, وَإِنْ سَلَكَ مَا يُمْكِنُهُ أَقْرَبُ مِنْهُ بِلَا ضَرَرٍ ضَمِنَ مَا زَادَ, قَالَ الشيخ: أو تعجل عجلة يمكنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل و"س" و"ط" "وقال".
2 في "س" "إلا".
3 ص "179".
4 ليست في "ب".
5 ليست في "ب".(5/266)
تَرْكُهَا "1كَذَا قَالَ1" وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: يَضْمَنُ مَا زَادَ عَلَى مَا أُمِرَ بِسُلُوكِهِ, وَلَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مَحِلًّا ثُمَّ رَجَعَ لِيُحْرِمَ ضَمِنَ نَفَقَةَ تَجَاوُزِهِ وَرُجُوعِهِ, وَإِنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ فَوْقَ مُدَّةِ قَصْرٍ بِلَا عُذْرٍ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ: وَلَا عَادَةَ بِهِ, كَبَعْضِ2 الْحَنَفِيَّةِ فَمِنْ مَالِهِ, وَلَهُ نَفَقَةُ رُجُوعِهِ, خِلَافًا لِمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَأَبِي يُوسُفَ, إلَّا أَنْ يَتَّخِذَهَا دَارًا وَلَوْ سَاعَةً فَلَا, لِسُقُوطِهَا فَلَمْ تُعَدَّ إنْفَاقًا3.
نَقَلَ أَبُو دَاوُد فِيمَنْ ضَمِنَ أَنْ يَحُجَّ عَنْ امْرَأَتِهِ فَاسْتُؤْجِرَ لِحَمْلِ مَتَاعٍ إلَى مِنًى يَبِيعُهُ بَعْدَ الْمَوْسِمِ قَالَ: لَا يُنْفِقُ فِي إقَامَتِهِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهَا. وَظَاهِرُهُ: كَثُرَتْ إقَامَتُهُ أَوْ لَا, وَأَنَّ لَهُ نَفَقَةَ رُجُوعِهِ.
وَهَلْ الْوَحْدَةُ عُذْرٌ إنْ قَدَرَ أَنْ يَخْرُجَ وَحْدَهُ؟ يَتَوَجَّهُ خِلَافٌ كالحنفية,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 1 ليست في "ب".
2 في الأصل "لبعض".
3 في الأصل "إنفاقا".(5/267)
وَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا مُخْتَلِفٌ, وَالْأَوْلَى أَنَّهُ عُذْرٌ, وَمَعْنَاهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا, لِلنَّهْيِ, وَحَمْلُهُ عَلَى الْخَوْفِ "1فِيهِ نَظَرٌ1" لِأَنَّ مِنْهُ الْمَبِيتَ وَحْدَهُ, وَظَهَرَ مِنْ هَذَا: يَضْمَنُ إنْ خَرَجَ, وَذَكَرَ الشَّيْخُ إنْ شَرَطَ الْمُؤَجِّرُ عَلَى أَجِيرِهِ أَنْ لا يتأخر عن القافلة أو2 لا يَسِيرُ فِي آخِرِهَا أَوْ وَقْتَ الْقَائِلَةِ أَوْ لَيْلًا فَخَالَفَ ضَمِنَ, فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِلَا شَرْطٍ, وَالْمُرَادُ مَعَ الْأَمْنِ.
وَمَتَى وَجَبَ الْقَضَاءُ فَمِنْهُ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ, وَيَرُدُّ مَا أَخَذَ, لأن الحجة لم تقع عن مستنيبه3, لجنايته وَتَفْرِيطِهِ, كَذَا مَعْنَى كَلَامِ الشَّيْخِ, وَكَذَا فِي الرِّعَايَةِ: نَفَقَةُ الْفَاسِدِ وَالْقَضَاءِ عَلَى النَّائِبِ, وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ وَفِيهِ نَظَرٌ, وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: يَضْمَنُ, فَإِنْ حَجَّ مِنْ قَابِلٍ بِمَالِ نَفْسِهِ أَجْزَأَهُ, وَمَعَ عُذْرٍ ذَكَرَ الشَّيْخُ إنْ فَاتَ بِلَا تَفْرِيطٍ اُحْتُسِبَ لَهُ بِالنَّفَقَةِ. فَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ الْقَضَاءُ فَعَلَيْهِ, كَدُخُولِهِ4 فِي حَجٍّ ظَنَّهُ عَلَيْهِ فلم يكن وفاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 1 ليست في "ب".
2 في "ب" و"ط" "و".
3 في "ب" "مشيئته".
4 في "ب" "لدخوله".(5/268)
وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ: إنْ فَاتَ بِلَا تَفْرِيطٍ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا إلَّا وَاجِبًا عَلَى مُسْتَنِيبٍ فَيُؤَدِّي عَنْهُ بِوُجُوبٍ سَابِقٍ, وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: لَا يَضْمَنُ إنْ فَاتَ, لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ, بَلْ إنْ أَفْسَدَهُ. وَعَلَيْهِ فِيهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ بِمَالِ نَفْسِهِ, وَالدِّمَاءُ عَلَيْهِ, وَالْمَنْصُوصُ: وَدَمُ تَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ, كَنَهْيِهِ1 عَنْهُ, وَعَلَى مُسْتَنِيبِهِ إنْ أَذِنَ, خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ كَدَمِ الْإِحْصَارِ, خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ, وَأَطْلَقَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي دَمِ إحْصَارٍ وَجْهَيْنِ.
وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إنْ أَمَرَ مَرِيضٌ مَنْ يَرْمِي عَنْهُ فَنَسِيَ الْمَأْمُورُ أَسَاءَ وَالدَّمُ عَلَى الْآمِرِ. وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ مَا سَبَقَ مِنْ نَفَقَةِ تَجَاوُزِهِ2 وَرُجُوعِهِ وَالدَّمِ مَعَ عُذْرٍ عَلَى مُسْتَنِيبِهِ, كَمَا ذَكَرُوهُ فِي النَّفَقَةِ فِي فَوَاتِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ, وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ.
وَإِنْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا أَنَّ الدَّمَ3 الْوَاجِبَ عَلَيْهِ عَلَى غَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ شَرْطُهُ4, كَأَجْنَبِيٍّ. وَيَتَوَجَّهُ: إنْ شَرَطَهُ عَلَى نَائِبٍ لَمْ يَصِحَّ, اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الرِّعَايَةِ, فَيُؤْخَذُ مِنْهُ: يَصِحُّ عَكْسُهُ.
وَفِي صِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ لِحَجٍّ5 أَوْ عُمْرَةٍ روايتا الإجارة على القرب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "لنهيه".
2 في "ب" "مجاورة".
3 بعدها في "س" "على".
4 بعدها في "س" "على غيره".
5 في "ب" "كحج".(5/269)
أَشْهَرُهُمَا لَا يَصِحُّ "م ش" لِاخْتِصَاصِ كَوْنِ فَاعِلِهِ مُسْلِمًا, كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَكَعِتْقٍ بِعِوَضٍ لَا يُجْزِئُ عَنْ كَفَّارَةٍ, فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقَعَ إلَّا عِبَادَةً, فَيَخْرُجَ عَنْهَا بِالْأُجْرَةِ1, بِخِلَافِ بِنَاءِ مَسْجِدٍ, وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِنَابَةٍ إجَارَةٌ, بِدَلِيلِ اسْتِنَابَةِ قَاضٍ وَفِي عَمَلِ مَجْهُولٍ وَمُحْدِثٍ فِي صَلَاةٍ, كَذَا قَالُوا, وَيَأْتِي فِي إجَارَةٍ2.
وَاخْتَارَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا: يَصِحُّ, لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى أَجِيرٍ بِخِلَافٍ أَذَانٌ وَنَحْوُهُ, وَذَكَرَ فِي الْوَسِيلَةِ الصِّحَّةَ عَنْهُ وَعَنْ الْخِرَقِيِّ, فَعَلَى هَذَا تُعْتَبَرُ شُرُوطُ إجَارَةٍ, وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ بِنَفْسِهِ فتأتى, والمنع قول "ش".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ب" "فالأجرة".
2 "7/147 – 148".(5/270)
وَالْجَوَازُ قَوْلُ "م". وَإِنْ اسْتَأْجَرَ عَيْنَهُ لَمْ يَسْتَنِبْ, وَيَتَوَجَّهُ كَتَوْكِيلٍ وَأَنْ يَسْتَنِيبَ لِعُذْرٍ. وَإِنْ ألزم1 ذِمَّتَهُ تَحْصِيلُ حَجَّةٍ لَهُ اسْتَنَابَ, فَإِنْ قَالَ بِنَفْسِك فَيَتَوَجَّهُ فِي بُطْلَانِ الْإِجَارَةِ تَرَدُّدٌ, فَإِنْ صَحَّتْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَنِيبَ, كَمَا سَبَقَ2.
قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إجَارَةُ الْعَيْنِ: اسْتَأْجَرْتُك لِتَحُجَّ3 عَنِّي أَوْ عَنْ مَيِّتِي, فَإِنْ قَالَ: بِنَفْسِك, فَتَأْكِيدٌ. وَالذِّمَّةُ: أَلْزَمْت ذِمَّتَك تَحْصِيلَ الْحَجِّ وَكُلٌّ مِنْهُمَا قَدْ يُعَيِّنُ زَمَنَ الْعَمَلِ وَقَدْ لَا. فَإِنْ عَيَّنَ غَيْرَ السَّنَةِ الْأُولَى صَحَّ إلَّا فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ, عَلَى أَصْلِهِمْ فِي اسْتِئْجَارِ الدَّارِ لِلشَّهْرِ الْمُسْتَقْبِلِ, إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَسَافَةُ بَعِيدَةً لَا يُمْكِنُ قَطْعُهَا فِي سَنَةٍ, وَإِنْ أَطْلَقَ فِيهِمَا4 حُمِلَ عَلَى السَّنَةِ الْأُولَى, وَلَا يَسْتَنِيبُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ, وَيَجُوزُ فِي الذِّمَّةِ, فَإِنْ قَالَ فِيهَا: بِنَفْسِك, لَمْ يَجُزْ, فِي وَجْهٍ, وفي آخر: تبطل الإجارة, لتناقض الذمية5 مَعَ الرَّبْطِ بِمُعَيَّنٍ, كَمَنْ أَسْلَمَ فِي ثَمَرَةِ بستان بعينه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"الثَّانِي" قَوْلُهُ فِي النِّيَابَةِ "وَلَا يَسْتَنِيبُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ6, وَيَجُوزُ فِي الذِّمَّةِ فَإِنْ قَالَ فِيهَا: بِنَفْسِك, لَمْ يَجُزْ فِي وَجْهٍ, وَفِي آخر تبطل الإجارة, لتناقض الذمية7 مَعَ الرَّبْطِ بِمُعَيَّنٍ, كَمَنْ أَسْلَمَ فِي ثَمَرَةِ بُسْتَانٍ بِعَيْنِهِ" انْتَهَى, 8هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ, بِدَلِيلِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ ذلك: وما ذكروه حسن8.
__________
1 في "ب" و"ط" "لزم".
2 ص "270".
3 في الأصل "للحج".
4 في "س" "فيها".
5 في الأصل "الذمة".
6 في النسخ الخطية و"ط" "المعين" والمثبت من "الفروع".
7 في النسخ الخطية و"ط" "الذمة" والمثبت من "الفروع".
8 8 ليست في "ح".(5/271)
وَمَا ذَكَرُوهُ حَسَنٌ قَالَ الْآجُرِّيُّ: وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ فَقَالَ: يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِ كَذَا لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَقُولَ يُحْرِمُ عَنْهُ مِنْ مِيقَاتِ كَذَا "وَإِلَّا"1 فَمَجْهُولَةٌ2, فَإِذَا وَقَّتَ مَكَانًا يُحْرِمُ مِنْهُ فَأَحْرَمَ قَبْلَهُ فَمَاتَ فَلَا أُجْرَةَ, وَالْأُجْرَةُ مِنْ إحْرَامِهِ مِمَّا عَيَّنَهُ إلَى فَرَاغِهِ, وَيَتَوَجَّهُ: لَا جَهَالَةَ, وَيُحْمَلُ عَلَى عَادَةِ ذَلِكَ الْبَلَدِ غَالِبًا, وَمَعْنَاهُ كَلَامُ أَصْحَابِنَا وَمُرَادُهُمْ "وش" وَيَتَوَجَّهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَلَدِ إلَّا مِيقَاتٌ وَاحِدٌ جَازَ, فَعَلَى قَوْلِهِ يَقَعُ الْحَجُّ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ.
وَيُعْتَبَرُ تَعْيِينُ النُّسُكِ وَانْفِسَاخُهَا بِتَأْخِيرٍ يَأْتِي فِي الْإِجَارَةِ3, وَإِنْ قَدِمَ فَيَتَوَجَّهُ4 جَوَازُهُ لِمَصْلَحَةٍ, وَعَدَمُهُ بِعَدَمِهَا, وَإِلَّا فَاحْتِمَالَانِ, أَظْهَرُهُمَا يَجُوزُ. وَأَطْلَقَ الشَّافِعِيَّةُ يَجُوزُ, وَأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا, وَمَعْنَاهُ كَلَامِ الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ.
وَيَمْلِكُ مَا يَأْخُذُهُ وَيَتَصَرَّفُ, وَيَلْزَمُهُ الْحَجُّ; وَلَوْ أُحْصِرَ أَوْ ضَلَّ أَوْ تَلِفَ مَا أَخَذَهُ فَرَّطَ أَوْ لَا, وَلَا5 يُحْتَسَبُ لَهُ بِشَيْءٍ, وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: لَا يَضْمَنُ بِلَا تَفْرِيطٍ. وَالدِّمَاءُ عَلَيْهِ6 "وَأَطْلَقَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي دَمِ إحْصَارٍ وَجْهَيْنِ" وَمِثْلُهُ مَنْ ضَمِنَ الْحَجَّةَ, وَإِنْ أَفْسَدَهُ كَفَّرَ وَمَضَى فِيهِ وَقَضَاهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إنْ كَانَتْ إجَارَةُ عين انفسخت وقضاه الأجير عنه7, وإن كانت في الذمة فعنه أيضا في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ب".
2 في "ب" "فمجهول".
3 "7/155".
4 في "ب" "ويتوجه".
5 ليست في الأصل.
6 بعدها في "ط" وأطلق الشافعية في المستوعب في دم إحصار وجهين.
7 في "ب" "الآخرة.(5/272)
أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ, لِوُقُوعِ الْأَدَاءِ عَنْهُ, فَيَلْزَمُهُ حَجَّةٌ أُخْرَى لِلْمُسْتَأْجِرِ, وَإِنْ1 أُحْصِرَ, فَإِنْ تَحَلَّلَ فَمَا2 أَتَى بِهِ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ, فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ, فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ وَالْأُجْرَةُ, كَمَوْتِهِ, وَإِنْ لَمْ يَتَحَلَّلْ انْقَلَبَ إلَيْهِ بِأَحْكَامِهِ, وَإِنْ فَاتَ بِغَيْرِ حَصْرٍ انْقَلَبَ إلَيْهِ, وَلَا شَيْءَ لِلْأَجِيرِ هُنَا عِنْدَهُمْ. وَمَا فَضَلَ لَهُ, وَيَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ, كَبَهِيمَةٍ, وَعَنْهُ وَارِثُهُ مِثْلُهُ, وَتَجِبُ أُجْرَةُ مَسَافَةٍ قَبْلَ إحْرَامِهِ, جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ "وم" وَقِيلَ: لَا "وش" وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ, وَعَلَى الْأَوَّلِ: قَسَّطَ مَا سَارَهُ, لَا أُجْرَةَ الْمِثْلِ, خِلَافًا لِصَاحِبِ الرِّعَايَةِ, وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ رُكْنٍ لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْبَاقِي, وَيَسْتَحِقُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ, فَيُقَسِّطُ عَلَى السَّيْرِ3, وَقِيلَ: عَلَى الْعَمَلِ, فَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَيْنِ انْفَسَخَتْ. وَلَا يَسْتَأْجِرُ الْمُسْتَأْجِرُ مَنْ يَبْنِي فِي جَدِيدِ قَوْلَيْهِ, وَفِي الذِّمَّةِ: تَبْنِي وَرَثَتُهُ4, إنْ جَازَ الْبِنَاءُ, وَإِلَّا اسْتَأْجَرُوا مَنْ يَسْتَأْنِفُهُ, فَإِنْ تَأَخَّرَ إلَى "5السَّنَةِ الْقَابِلَةِ5" فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ.
وَمَنْ ضَمِنَ الْحَجَّةَ بِأُجْرَةٍ أَوْ جُعْلٍ فلا شيء له, ويضمن ما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في الأصل.
2 في "ب" "فيما".
3 في "ب" "اليسير".
4 في "ب" "ورتبة".
5 5 في الأصل "سنة قابلة".(5/273)
تَلِفَ بِلَا تَفْرِيطٍ, كَمَا سَبَقَ1.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: إنْ مَاتَ بَعْدَ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ أَجْزَأَ, لِوُجُودِ أَكْثَرِهِ, قَالُوا: لَوْ رَجَعَ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَمُحْرِمٌ أَبَدًا عَنْ النِّسَاءِ, فَيَرْجِعُ بِنَفَقَتِهِ2, وَيَقْضِي مَا بَقِيَ, لِأَنَّهُ مِنْ جِنَايَتِهِ3 وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ مِنْ مِيقَاتٍ فَمَاتَ قَبْلَهُ فَلَا, وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْهُ ثُمَّ مَاتَ اُحْتُسِبَ مِنْهُ إلى موته4. وَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَنْ مَيِّتٍ فَهَلْ تَصِحُّ الْإِقَالَةُ أَمْ لَا وِفَاقًا لِلشَّافِعِيَّةِ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمَيِّتِ؟ يتوجه احتمالان "18 م".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
5 "مَسْأَلَةٌ 18" قَوْلُهُ: وَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَنْ مَيِّتٍ فَهَلْ تَصِحُّ الْإِقَالَةُ أَمْ لَا لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمَيِّتِ؟ يَتَوَجَّهُ احْتِمَالَانِ, انْتَهَى5, يَعْنِي إذَا قُلْنَا تَصِحُّ الإجارة "قلت":
__________
1 ص "272".
2 في "س" "بنفسه".
3 ليست في "ب" و"س".
4 في "ب" "فوته".
5 5 ليست في "ح".(5/274)
فَصْلٌ: فِي مُخَالَفَةِ النَّائِبِ
مَنْ أُمِرَ بِحَجٍّ فَاعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ حَجَّ فَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: يَرُدُّ كُلَّ النَّفَقَةِ, لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ "وهـ" وَنَصَّ أَحْمَدُ وَاخْتَارَهُ1 الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ: إنْ أَحْرَمَ به2 من ميقات فلا "وش" وَمِنْ مَكَّةَ يَرُدُّ مِنْ النَّفَقَةِ مَا بَيْنَهُمَا "م 19".
وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ: تُوَزَّعُ الْأُجْرَةُ عَلَى حَجَّةٍ مِنْ الْبَلَدِ إحْرَامُهَا مِنْ الْمِيقَاتِ, وَعَلَى حَجَّةٍ مِنْ الْبَلَدِ إحْرَامُهَا مِنْ مَكَّةَ, فَإِذَا كَانَتْ الْأُولَى مِائَةً وَالثَّانِيَةُ خَمْسِينَ حَطَّ نِصْفَ المسمى ويلزمه3 دم لميقاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الصَّوَابُ الْجَوَازُ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ, فَهُوَ كَالشَّرِيكِ وَالْمُضَارِبِ, وَالصَّحِيحُ جَوَازُ4 الْإِقَالَةِ مِنْهُمَا, فَكَذَا هُنَا.
"مَسْأَلَةٌ 19" قَوْلُهُ فِي مُخَالَفَةِ النَّائِبِ: مَنْ أُمِرَ بِحَجٍّ فَاعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ حَجَّ فَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: يَرُدُّ كُلَّ النَّفَقَةِ وَنَصَّ أَحْمَدُ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ: إنْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ مِيقَاتٍ فَلَا, وَمِنْ مَكَّةَ يَرُدُّ مِنْ النَّفَقَةِ مَا بَيْنَهُمَا. انْتَهَى.
مَا قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي باب الإحرام, وقال هو وَصَاحِبُ الْحَاوِي: تَقَعُ الْحَجَّةُ عَنْ نَفْسِهِ دُونَ الْمُسْتَنِيبِ, وَضَمِنَ جَمِيعَ مَا أَنْفَقَ, هَذَا إنْ كَانَ الْمَنُوبُ عَنْهُ حَيًّا, فَأَمَّا إنْ كَانَ مَيِّتًا وَقَعَتْ الْحَجَّةُ عَنْهُ وَضَمِنَ النَّائِبُ جَمِيعَ النَّفَقَةِ أَيْضًا, انْتَهَى.
وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ, وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي5 وَغَيْرِهِ, وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ6 وَنَصَرَهُ, وَكَذَلِكَ ابن رزين في شرحه.
__________
1 في "س" "اختار".
2 بعدها في "ب" "لا".
3 في "س" "يلزم".
4 ليست في "ص".
5 "5/27".
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/63".(5/275)
وَمَنْ أُمِرَ بِإِفْرَادٍ فَقَرَنَ لَمْ يَضْمَنْ "هـ" ووافقنا صاحباه, لأنه زاد, لوقوع الْعُمْرَةِ عَنْهُ كَتَمَتُّعِهِ1 كَبَيْعِ وَكِيلٍ2 بِأَكْثَرَ مِمَّا سَمَّى. وَفِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ هَدَرٌ, كَذَا قَالَ, وَاحْتَجَّ الْحَنَفِيَّةُ بِمُخَالَفَتِهِ لِأَمْرِهِ بِنَفَقَتِهِ فِي سَفَرِهِ لِلْحَجِّ فَقَطْ. وَلَا تَقَعُ الْعُمْرَةُ لِلْمَيِّتِ, كَذَا قَالُوا, وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى عَيْنٍ وَالْعُمْرَةُ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا, وَإِلَّا لَزِمَ الْأَجِيرَ الدَّمُ, وَفِي جَبْرِ الْخَلَلِ بِهِ الْخِلَافُ. وَكَذَا إنْ تَمَتَّعَ3, إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَيْنِ وَقَدْ أَمَرَهُ بِتَأْخِيرِ الْعُمْرَةِ فَيَرُدُّ حِصَّتَهَا, فَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ كَانَ أَمَرَهُ بَعْدَ حَجَّةٍ بِعُمْرَةٍ فَتَرَكَهَا رَدَّ بِقَدْرِهَا مِنْ النَّفَقَةِ.
وَمَنْ أُمِرَ بِتَمَتُّعٍ فَقَرَنَ لَمْ يَضْمَنْ. وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إن لم تتعدد4 أفعال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ب" "ليمنعه" وفي "س" "لتمنعه".
2 ليست في "ب".
3 في "ب" يمنع".
4 في الأصل "يتعدد".(5/276)
النُّسُكَيْنِ فَفِي نَقْصِ1 الْأُجْرَةِ وَأَيِّهِمَا2 يَلْزَمُ الدَّمُ وَجْهَانِ. وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: يَرُدُّ نِصْفَ النَّفَقَةِ, لِفَوَاتِ فَضِيلَةِ التَّمَتُّعِ. وَعُمْرَةٌ مُفْرَدَةٌ كَإِفْرَادِهِ وَلَوْ اعْتَمَرَ, لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِهَا مِنْ الْمِيقَاتِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إنْ كَانَتْ إجَارَةُ عَيْنٍ انْفَسَخَتْ فِي الْعُمْرَةِ, لِفَوَاتِ وَقْتِهَا الْمُعَيَّنِ, وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الذِّمَّةِ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ لَزِمَهُ دَمٌ. وَفِي نَقْصِ الْأُجْرَةِ الْخِلَافُ.
وَمَنْ أُمِرَ بِقِرَانٍ فَتَمَتَّعَ أَوْ أَفْرَدَ فَلِلْآمِرِ. وَيَرُدُّ نَفَقَةَ قَدْرِ مَا تَرَكَهُ, مِنْ إحْرَامِ النُّسُكِ الْمَتْرُوكِ مِنْ الْمِيقَاتِ, ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ. وَفِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهَا: يَرُدُّ نِصْفَ النَّفَقَةِ, وَأَنَّ مَنْ تَمَتَّعَ لَا يَضْمَنُ, لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا, وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إنْ تَمَتَّعَ فَإِنْ كَانَتْ إجَارَةَ عَيْنٍ لَمْ يَقَعْ الْحَجُّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ, وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الذِّمَّةِ فَمُخَالِفٌ, فِي الْأَصَحِّ, فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ, وَفِي نَقْصِ1 الْأُجْرَةِ الْخِلَافُ.
وَإِنْ حَجَّ ثُمَّ اعْتَمَرَ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى عَيْنٍ رَدَّ حِصَّتَهَا مِنْ الأجرة,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ب" "بعض" وفي الأصل "نقض".
2 في "ب" "وأنهما".(5/277)
لِتَأْخِيرِ الْعَمَلِ عَنْ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ, وَإِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ لَزِمَهُ دَمٌ. وَفِي نَقْصِ1 الْأُجْرَةِ الْخِلَافُ.
وَإِنْ اسْتَنَابَهُ "وَاحِدٌ" فِي حَجٍّ وَآخَرُ فِي عُمْرَةٍ فَقَرَنَ وَلَمْ يَأْذَنَا "لَهُ"2 صَحَّا لَهُ وضمن الجميع, كمن أمر بحج فاعتمر أو عَكْسِهِ, ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ, وَاخْتَارَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ3: يَقَعُ عَنْهُمَا وَيَرُدُّ نِصْفَ نَفَقَةِ مَنْ لَمْ يَأْذَنْ, لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي صِفَتِهِ, وَفِي الْقَوْلَيْنِ نَظَرٌ, لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ تُشْبِهُ مَنْ أُمِرَ بِالتَّمَتُّعِ فَقَرَنَ, وَالتَّفْرِقَةُ بِأَنَّ النُّسُكَيْنِ هُنَاكَ عَنْ وَاحِدٍ لَا أَثَرَ لَهُ. وَسَبَقَ قَوْلُهُمَا فِي ذَلِكَ, فَيَتَوَجَّهُ مِنْهَا4: لَا ضَمَانَ هُنَا, وَهُوَ مُتَّجِهٌ5 إنْ عَدَّدَ أَفْعَالَ النُّسُكَيْنِ وَإِلَّا فَاحْتِمَالَانِ "م 20".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 20" قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَنَابَهُ فِي حَجٍّ وَآخَرُ فِي عُمْرَةٍ فَقَرَنَ وَلَمْ يَأْذَنَا لَهُ صَحَّا له وضمن الجميع, كمن أمر بحج فاعتمر أَوْ عَكْسِهِ, ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ, وَاخْتَارَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ: يَقَعُ عَنْهُمَا وَيَرُدُّ نِصْفَ نَفَقَةِ مَنْ لَمْ يَأْذَنْ, لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي صِفَتِهِ, وَفِي الْقَوْلَيْنِ نَظَرٌ, لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ تُشْبِهُ مَنْ أُمِرَ بالتمتع فقرن, والتفرقة بأن
__________
1 في"ب" "بعض" وفي الأصل "نقض".
2 ليست في "ب" و"س".
3 ليست في "س".
4 في "س" "منها".
5 في الأصل و"ب" "متجه".(5/278)
وَإِنْ أُمِرَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَقَرَنَ لِنَفْسِهِ فالخلاف. وَإِنْ فَرَّغَهُ ثُمَّ حَجَّ أَوْ اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ صَحَّ وَلَمْ يَضْمَنْ وَعَلَيْهِ نَفَقَةُ نَفْسِهِ مُدَّةَ مُقَامِهِ لِنَفْسِهِ, فَإِنْ أَرَادُوا1 إقَامَةً تَمْنَعُ2 الْقَصْرَ فَوَاضِحٌ, وَإِلَّا فَظَاهِرُهُ يُخَالِفُ مَا سَبَقَ, لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ إقَامَتِهِ عَبَثًا3 أَوْ لِمَصْلَحَتِهِ4 ولعل مرادهم التفرقة بذلك, وفيه نظر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
النُّسُكَيْنِ هُنَاكَ عَنْ وَاحِدٍ لَا أَثَرَ لَهُ, وَسَبَقَ قَوْلُهُمَا فِي ذَلِكَ, فَيَتَوَجَّهُ مِنْهَا5: لَا ضَمَانَ هُنَا, وَهُوَ مُتَّجِهٌ إنْ عَدَّدَ أَفْعَالَ النُّسُكَيْنِ, وَإِلَّا فَاحْتِمَالَانِ, انْتَهَى.
مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ, وَالشَّارِحُ وَنَصَرَهُ.
وَمَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ "قُلْت": وَهُوَ الصَّوَابُ, وَمَا وَجَّهَهُ الْمُصَنِّفُ قَوِيٌّ يُقَابِلُ قَوْلَيْهِمَا فِي الْقُوَّةِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ, وَأَوْلَى الاحتمالين الضمان.
__________
1 في الأصل "زادوا".
2 في "ب" و"س" "تمتع".
3 في "ب" "عينا".
4 في الأصل "لمصلحة".
5 في "ح" "منهما".(5/279)
فَصْلٌ: وَإِنْ أُمِرَ بِإِحْرَامٍ مِنْ مِيقَاتٍ
فَأَحْرَمَ قَبْلَهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ مِنْ بَلَدِهِ فَأَحْرَمَ مِنْ مِيقَاتٍ أَوْ فِي عَامٍ أَوْ فِي شَهْرٍ فَخَالَفَ, فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَسَاءَ لِمُخَالَفَتِهِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ: يَجُوزُ, لِإِذْنِهِ فِيهِ1 فِي الْجُمْلَةِ. وَفِي الِانْتِصَارِ: لَوْ نَوَاهُ بِخِلَافِ مَا أَمَرَهُ بِهِ وَجَبَ رَدُّ مَا أَخَذَهُ. وَفِيهِ2 فِي ذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ بِلَا أَمْرِهِ لَا يَضْمَنُ بِتَفْوِيتِ الْفَضْلِ مَعَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ, كَحَبْسِهِ عَنْ تَبْكِيرِ الْجُمُعَةِ, وَقَوْلِهِ: اشْتَرِ لِي أَفْضَلَ الرِّقَابِ وَأَعْتِقْ عَنْ كَفَّارَتِي فَاشْتَرَى مَا يُجْزِئُهُ, وَيَتَوَجَّهُ الْمَنْعُ فِي تَرْكِهِ الْأَفْضَلَ شَرْعًا, وَمَنْعُ مَا ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ فِي أَمْرِهِ بِشِرَاءِ أَفْضَلِ رَقَبَةٍ.
فَعَلَى هَذَا "الْمُخْتَارِ" يَحْتَمِلُ أَنْ يَجِبَ دَمٌ لِلْمُخَالَفَةِ, وَفِيهِ نَظَرٌ, لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ, وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقَعَ النُّسُكُ لِلنَّائِبِ وَيَرُدَّ مَا أَخَذَهُ, لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ تَمْنَعُ وُقُوعَهُ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ, كَتَصَرُّفِ3 الْوَكِيلِ مَعَ الْمُخَالَفَةِ, وَيَحْتَمِلُ وُقُوعُهُ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ وَتَنْجَبِرُ الْمُخَالَفَةُ بِنَقْصِ4 النَّفَقَةِ بِقِسْطِهِ, وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَرُدَّ شَيْئًا, لِأَنَّهُ كَعَيْبٍ يَسِيرٍ فلا أثر له, والله أعلم "م 21".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 21" قَوْلُهُ: وَإِنْ أُمِرَ بِإِحْرَامِ مِنْ مِيقَاتٍ فَأَحْرَمَ قَبْلَهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ مِنْ بَلَدِهِ فَأَحْرَمَ مِنْ مِيقَاتٍ أَوْ فِي عَامٍ أَوْ فِي شَهْرٍ فَخَالَفَ, فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَسَاءَ لِمُخَالَفَتِهِ, وَذَكَرَ الشَّيْخُ يَجُوزُ, لِإِذْنِهِ "فِيهِ" فِي الْجُمْلَةِ, وَفِي الِانْتِصَارِ: لَوْ نَوَاهُ بِخِلَافِ
__________
1 ليست في "س".
2 يعني "الانتصاف".
3 في "س" "لتصرف".
4 في "س" "بنقض".(5/280)
وَيُشْبِهُ شَرْطُ الْإِحْرَامِ مِنْ مَكَان أَوْ زَمَانٍ, أَوْ نَظِيرِهِ شَرْطَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ رَاكِبًا أَوْ اللبث فيها أو المبيت جميع اللَّيْلِ أَوْ1 أَكْثَرَهُ, وَنَحْوِ ذَلِكَ, فَيُخَالِفُ. قَالَ أَصْحَابُنَا: وَإِنْ لَزِمَهُ بِمُخَالَفَتِهِ زِيَادَةٌ فَمِنْ النَّائِبِ, وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: إنْ أَخَذَ طَرِيقًا أَبْعَدَ وَأَكْثَرَ نَفَقَةً وَهِيَ مَسْلُوكَةٌ جَازَ.
وَلَوْ عَيَّنَ سَنَةً فَحَجَّ بَعْدَهَا جَازَ, كَبِعْهُ2 غَدًا فَيَبِيعُهُ بَعْدَهُ, وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ, وَلَوْ وَصَّى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِثُلُثِهِ كُلَّ سَنَةٍ حَجَّةً فَعَنْ مُحَمَّدٍ كَإِطْلَاقِهِ يُحَجُّ عَنْهُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ حِجَجًا3, وهو أفضل, للمسارعة إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَا أَمَرَهُ وَجَبَ رَدُّ مَا أَخَذَهُ, قَالَ الْمُصَنِّفُ وَيُتَوَجَّهُ الْمَنْعُ فِي تَرْكِهِ الْأَفْضَلَ شَرْعًا فَعَلَى هَذَا الْمُخْتَارِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَجِبَ دَمٌ, للمخالفة. وفيه نظر, لأنه لا دليل, "4يحتمل أَنْ4" يَقَعَ النُّسُكُ لِلنَّائِبِ وَيَرُدَّ مَا أَخَذَهُ, لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ تَمْنَعُ وُقُوعَهُ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ, كَتَصَرُّفِ الْوَكِيلِ مَعَ الْمُخَالَفَةِ, وَيَحْتَمِلُ وُقُوعُهُ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ وَتَنْجَبِرُ الْمُخَالَفَةُ بِنَقْصِ النَّفَقَةِ بِقِسْطِهِ, وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَرُدَّ شَيْئًا, لِأَنَّهُ كَعَيْبٍ يَسِيرٍ فَلَا أَثَرَ لَهُ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ, انْتَهَى, جَزَمَ بِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ الشَّارِحُ وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى "قُلْت": الصَّوَابُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ إلَّا فِيمَا إذَا كَانَ مَا فَعَلَهُ أَفْضَلَ, وَلَعَلَّهُ كَمَا لَوْ أُمِرَ بِالْإِحْرَامِ مِنْ بَلَدِهِ فَأَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ فَإِنَّهُ لَا إسَاءَةَ فِي ذَلِكَ, لِأَنَّهُ فَعَلَ الْأَفْضَلَ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالِاحْتِمَالُ الثَّالِثُ هُوَ الصَّوَابُ على ما بناه المصنف, والله أعلم.
__________
1 في الأصل "و".
2 في "س" "كبيعه".
3 في "ب" "حجا".
4 4 ليست في "ح".(5/281)
الطَّاعَةِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ. وَفِي الْيَنَابِيعِ1 مِنْ كُتُبِهِمْ: إنْ كَانَ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ وَإِلَّا ضَمِنَ الْوَصِيُّ, وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ كُتُبِهِمْ: أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالْمُسَمَّى, فَلَوْ أَحَجَّ2 الْوَصِيُّ عَنْهُ بِأَقَلَّ مِنْهُ جَازَ, لِأَنَّ الْمُوصَى بِهِ وَهُوَ الْحَجُّ لَا يَخْتَلِفُ.
وَفِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى مِنْ كُتُبِهِمْ: أَحِجُّوا مِنْ ثُلُثِي حَجَّتَيْنِ يَكْتَفِي بِوَاحِدَةٍ, وَمَا فَضَلَ لِوَرَثَتِهِ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إنْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ لَمْ يَفْسُدُ حَجُّهُ وَلَمْ يَضْمَنْ النَّفَقَةَ, لِحُصُولِ مَقْصُودِ الْأَمْرِ3, وَعَلَى الْحَاجِّ دَمُ جِنَايَتِهِ4, لِأَنَّهُ الْجَانِي عَنْ اخْتِيَارٍ, وَكَذَا سَائِرُ دِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ, وَلِلشَّافِعِيَّةِ خِلَافٌ: هَلْ الْمَشْرُوطُ كَالشَّرْعِيِّ؟ فَلَوْ عَيَّنَّا الْكُوفَةَ لَزِمَ الْأَجِيرَ الدَّمُ بِمُجَاوَزَتِهَا, فِي الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ, فَلَا يَنْجَبِرُ بِهِ الْخَلَلُ حَتَّى لَا تُنْقَصَ الْأُجْرَةُ, فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ, فَيُوَزَّعُ الْمُسَمَّى عَلَى حَجَّةٍ مِنْ بَلْدَةِ5 الْكُوفَةِ إحْرَامُهَا مِنْهُ, وَعَلَى حَجَّةٍ مِنْ بَلَدِهِ6 إحْرَامُهَا مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ, وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ الدَّمُ نُقِصَ قِسْطٌ مِنْ الْأُجْرَةِ. وَكَذَا لَوْ لَزِمَهُ دَمٌ7 بِتَرْكِ مَأْمُورٍ.
وَلَا تَنْقُصُ بِفِعْلِ مَحْظُورٍ, وَإِنْ شَرَطَ الإحرام أول شوال فأخره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 هو الينابيع في معرفة الأصول والتفاريع للشيخ أبي عبد الله محمد بن رمضان الرومي الحنفي شرح فيه مختصر القدوري لأبي الحسن أحمد بن محمد القدوري وهو في مجلد كشف الظنون "2/1634".
2 في الأصل "حج".
3 في "ب" و"س" و"ط" "الأمر".
4 في الأصل و"س" "حناية".
5 ليست في "س".
6 في "ب" و"س" "بلده".
7 في الأصل "دين".(5/282)
فَالْخِلَافُ, وَكَذَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَحَجَّ رَاكِبًا, لِأَنَّهُ تَرَكَ مَقْصُودًا, كَذَا خَصُّوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِالذِّكْرِ, وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَكْسُهَا مِثْلَهَا وَأَوْلَى, لِأَنَّ الْحَجَّ رَاكِبًا أَفْضَلُ عِنْدَهُمْ, وَلَهُمْ فِيهِ قَصْدٌ صَحِيحٌ.
قَالُوا: وَلَوْ صَرَفَ إحْرَامَهُ إلَى نَفْسِهِ ظَنًّا مِنْهُ يَنْصَرِفُ1 "2وَأَتَمَّ الْحَجَّ2" عَلَى هَذَا لَمْ يَضُرَّ, وَقِيلَ: لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً, لِإِعْرَاضِهِ عَنْهَا, وَسَبَقَ قَوْلُهُمْ فِيمَا إذَا عَيَّنَ عَامًا فَقَدِمَ عَلَيْهِ. وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ الْمَالَ الْمَأْخُوذَ لِعَمَلِ قُرْبَةٍ عَلَى وَجْهِ النَّفَقَةِ وَالرِّزْقِ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ جَعَالَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ وَقْفٍ سَوَاءٌ, فَإِمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ الشَّرْطُ وَالصِّفَةُ فِيهِ أَوْ لَا, أَوْ يُعْتَبَرُ الْأَفْضَلُ شَرْعًا لَا الْمَفْضُولُ.
وَلَا يَظْهَرُ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَبْوَابِ وَجْهٌ شَرْعِيٌّ, وَلَمْ أَجِدْهُمْ تَعَرَّضُوا لَهُ. وَهَذَا إلْزَامٌ لِلْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّ بَابَ الْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ وَاحِدٌ, وَقَدْ ذَكَرُوا مَا سَبَقَ فِي الْوَصِيَّةِ, وَنَحْنُ وَالشَّافِعِيَّةُ لَا نَقُولُ بِهِ, وَلَيْسَ الْوَقْفُ عِنْدَهُمْ كَذَلِكَ, فَمَا الْفَرْقُ؟ وَنَفْرِضُ الْمَسْأَلَةَ فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى الْحَجِّ عَنْهُ كُلَّ عَامٍ, أَوْ شَرَطَ الْإِحْرَامَ مِنْ مَكَان أَوْ فِي زَمَانٍ, فَإِنْ قِيلَ فِيهِ مَا ذَكَرُوهُ هُنَا فَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَيَجِبُ تَعْمِيمُهُ فِي كُلِّ وَقْفٍ عَلَى عَمَلِ قُرْبَةٍ, وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ, وَيَظْهَرُ أنه عسر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ب" "بتصرف".
2 2في "س" "واثم بالحج".(5/283)
جِدًّا, يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا يَأْتِي فِي الْوَقْفِ1 مِنْ الْخِلَافِ فِيمَا أُخِذَ مِنْهُ2 لِعَمَلِ قُرْبَةٍ هَلْ هُوَ إجَارَةٌ أَوْ جَعَالَةٌ أَوْ رِزْقٌ وَإِعَانَةٌ فَمَا3 خَرَجَ حُكْمُهُ عَنْ ذَلِكَ. وَهَذَا عِنْدَ تَأَمُّلِ الْعَالِمِ الْمُنْصِفِ قَاطِعٌ, فَإِنْ لَمْ يُسَوَّ بَيْنَ الْجَمِيعِ أُعْطِيَ حُكْمُ كُلِّ بَابٍ مَا فِي الْآخَرِ بِالنَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ, وَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ اُعْتُبِرَ فِي وَقْفٍ لَا يَكُونُ تَرْكُهُ مَانِعًا "4مِنْ اسْتِحْقَاقِ شَيْءٍ رَأْسًا, كَمَا قَالَهُ بَعْضُ النَّاسِ, وَقَدْ يُقَالُ: إنَّمَا يُوَزَّعُ وينقص بقدره4", والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "7/347".
2 بعدها في "ب" "لا".
3 في "ب" "مما".
4 4 ليست في "ب".(5/284)
فَصْلٌ: مَنْ لَزِمَهُ الْحَجُّ فَأَحْرَمَ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ
حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ فَرْضًا أَوْ نَذْرًا أَوْ نَفْلًا لَمْ يَجُزْ وَيَقَعُ عَنْ فَرْضِ نَفْسِهِ, هَذَا الْمَذْهَبُ "وش" لِحَدِيثِ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عُزْرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ "رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا" أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ, قَالَ: "حَجَجْت عَنْ نَفْسِك"؟ قَالَ: لَا, قَالَ: "حُجَّ عَنْ نَفْسِك ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ" 5 إسْنَادُهُ جَيِّدٌ, احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ, قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادٌ صَحِيحٌ, وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ وَابْنُ حبان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
5 لم نجده عند أحمد وأخرجه أبو يعلى في مسنده "2440" وابن حبان في صحيحه "3988" والطبراني ف يالمعجم الكبير "12419". وانظر التلخيص الحبير "2/223" والفتح الرباني "11/27".(5/284)
وَالطَّبَرَانِيُّ, وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: ذَاكَ خَطَأٌ, رَوَاهُ عَبْدَةُ مَوْقُوفًا1, وَنَقَلَ مُهَنَّا: لَا يَصِحُّ, إنَّمَا هُوَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ2, قَالَ: وَرَوَاهُ إسْمَاعِيلُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ مُرْسَلًا3, وَرَوَاهُ هُشَيْمٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4, "5وَرَوَاهُ إسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مُرْسَلًا6 5", وَرَوَاهُ هُشَيْمٌ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مُرْسَلًا7, قَالَ لَهُ مُهَنَّا: سَمِعَ أَبُو قِلَابَةَ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَوْ رَآهُ؟ قَالَ: لَا, وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ عَنْهُ.
وَرَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ. وَعَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَيُّوبَ, كَمَا سَبَقَ, فَمَنْ يُصَحِّحُهُ يَقُولُ: تَفَرَّدَ بِرَفْعِهِ مُتَّصِلًا عَبْدَةُ وَقَدْ تَابَعَهُ, غَيْرُهُ, وَهُوَ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحَيْنِ الْأَثْبَاتِ, وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ, وَعَزْرَةُ هُوَ ابْنُ ثَابِتٍ كَمَا فِي إسْنَادِ ابْنِ مَاجَهْ8, وَهُوَ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحَيْنِ, وَمَنْ يُضَعِّفُهُ يَقُولُ. رَوَاهُ الْأَثْبَاتُ مَوْقُوفًا وَمُرْسَلًا, وَقَتَادَةُ مُدَلِّسٌ, وَعَزْرَةُ قِيلَ: لَيْسَ بِابْنِ ثَابِتٍ, وَقِيلَ: لَا يُعْرَفُ حَالُهُ. وَمِمَّنْ ضَعَّفَهُ ابْنُ المنذر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "س".
2 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "4/337" والدارقطني في سننه "2/271".
3 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "4/336".
4 أخرجه الدارقطني في سننه "2/270".
5 5ليست في "ب".
6 لم نجده عن ابن عباس بهذا الإسناد وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى "4/337" من طريق عبد الوهاب الثقفي عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ ابْنِ عباس.
7 أخرجه الدارقطني في سننه "2/270" البيهقي في السنن الكبرى "4/337".
8 في سننه "2903".(5/285)
وَلَكِنْ مَنْ يَحْتَجُّ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ فَالْمُرْسَلُ1 حُجَّةٌ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: "حُجَّ عَنْ نَفْسِك" أَيْ اسْتَدِمْهُ. كَقَوْلِهِ لِلْمُؤْمِنِ: آمِنْ. وَلِهَذَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ2 مِنْ طَرِيقَيْنِ وَفِيهِ ضَعْفٌ "هَذِهِ عَنْك وَحُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ" وَخَبَرُ الْخَثْعَمِيَّةِ3 قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ, وَلِأَنَّ, الْإِحْرَامَ رُكْنٌ, فَبَقَاؤُهُ يَمْنَعُ أَدَاءَهُ عَنْ غَيْرِهِ. كَطَوَافِ الزِّيَارَةِ, وَبِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّكَاةِ. فَإِنَّهُ لَا يَطُوفُ مَنْ لَمْ يَطُفْ عَنْ نَفْسِهِ, وَيَنُوبُ فِيهَا مَنْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُهَا, لَا يُقَالُ: الطَّوَافُ مُوجَبٌ بِالْإِحْرَامِ فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى غَيْرِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ, وَيَجُوزُ قَبْلَهُ, كَالصَّلَاةِ لَوْ أَحْرَمَ بِنِيَّةِ النَّفْلِ لَمْ يَجُزْ صَرْفُ مُوجَبِهَا مِنْ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ إلَى الْفَرْضِ, وَلَهُ صَرْفُهَا إلَيْهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ, لِأَنَّهُ يُقَالُ: موجبها يتبع إحرامها, لأنه4 لا5
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ب" و"س" "فالمرسل".
2 في سننه "2/268 – 269".
3 تقدم ص "255".
4 ليست في الأصل.
5 ليست في "ب".(5/286)
يُنْفَرَدُ بِنِيَّةٍ وَوَقْتٍ وَمَكَانٍ, بِخِلَافِ الطَّوَافِ, وَالْقِيَاسُ عَلَى الصَّبِيِّ لَا يَتَّجِهُ. وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ: يَنْعَقِدُ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ ثُمَّ يَقْبَلُهُ الْحَاجُّ عَنْ نَفْسِهِ, نَقَلَ إسْمَاعِيلُ الشَّالَنْجِيُّ: لَا يُجْزِئُهُ, لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمَنْ لَبَّى1 عَنْ غَيْرِهِ وَهُوَ صَرُورَةٌ2: "اجْعَلْهَا عَنْ نَفْسِك" رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ3 مِنْ حَدِيثِ عَبْدَةَ السَّابِقِ, وَأَجَابَ الْقَاضِي: أَرَادَ التَّلْبِيَةَ, لِقَوْلِهِ: "هَذِهِ عَنْك".
وَلَمْ يَجُزْ فَسْخُ حَجٍّ إلَى حَجٍّ, وَعَنْهُ: يَقَعُ بَاطِلًا, نَقَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ب" "أتى".
2 في النسخ الخطية و"ط" "ضرورة" بالضاد المعجمة والمثبت من حاشية ابن قندس.
3 تقدم ص "284.(5/287)
اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ, لِتَعْيِينِ1 النِّيَّةِ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ, وَهَذَا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ إحْرَامِهِ, وَعَنْهُ: يَجُوزُ عَنْ غَيْرِهِ وَيَقَعُ عَنْهُ, جَعَلَهَا الْقَاضِي ظَاهِرَ نَقْلِ مُحَمَّدِ بْنِ مَاهَانَ فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا مَالَ لَهُ: أَيَحُجُّ2 عَنْ غَيْرِهِ حَتَّى يَقْضِيَ دَيْنَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ "وهـ م" وَدَاوُد, وَفِي الِانْتِصَارِ رِوَايَةً: عَمَّا نَوَاهُ بِشَرْطِ عَجْزِهِ عَنْ حَجِّهِ لِنَفْسِهِ, وَقَالَهُ الثَّوْرِيُّ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا يَنُوبُ مَنْ لَمْ يَسْقُطْ فَرْضُ نَفْسِهِ. وَيَتَوَجَّهُ مَا قِيلَ يَنُوبُ فِي نَفْلٍ عَبْدٌ وَصَبِيٌّ وَيُحْرِمُ, كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى, وَرَجَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْمَنْعَ. وَمَتَى وَقَعَ الْحَجُّ لِلْحَاجِّ لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا. وَفِي الْفُصُولِ احْتِمَالٌ, كَمَنْ بَنَى حَائِطًا يَعْتَقِدُهُ الْبَانِي لِنَفْسِهِ لَمْ تَسْقُطْ الْأُجْرَةُ بِاعْتِقَادِهِ, كَذَا قَالَ: وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ: لَا يَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى وَيَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ, فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ, قَالَ الْمُتَوَلِّي3 مِنْ أَصْحَابِهِ: وَإِنْ لَمْ يَجْهَلْ الْأَجِيرُ فَسَادَ الإجارة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ب" "كتعيين".2 في النسخ الخطية "الحج" والمثبت من "ط" و" المبدع" "3/103".3 لعله أبو سعد عبد الرحمن بن مأمون بن علي أحد أئمة الشافعية برع في المذهب وبعد صيته له من المصنفات التتمة على إبانة شيخه الفوراني وله مختصر في الفرائض وكتاب في الخلاف "ت 478 هـ" طبقات الشافعية "5/106".(5/288)
لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا, بِلَا خِلَافٍ, قَالَ: وَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِي الْمَعْضُوبِ1, فَإِنْ أَوْصَى الْمَيِّتُ بِنَفْلٍ وَقُلْنَا لَا نِيَابَةَ وَقَعَ حَجُّ الْأَجِيرِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ, بِلَا خِلَافٍ, كَذَا قَالَ. وَلَمْ أَجِدْ خِلَافَهُ, وَتَتَوَجَّهُ لَنَا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْجَاهِلِ وَغَيْرِهِ وَبِعَدَمِهِ مِنْ الشُّرُوطِ "فِي البيع"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ب" "المغصوب".(5/289)
فَصْلٌ: وَإِنْ أَحْرَمَ مَنْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ بِنَذْرٍ أَوْ نَفْلٍ
لَمْ يَجُزْ, وَيَقَعُ عَنْهَا, هَذَا الْمَذْهَبُ, نَصَّ عَلَيْهِ "وش" لِأَنَّهُ قَوْلُ ابن عمر وأنس2. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
2 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "4/339" عن زيد بن جبير قال: إني لعند عبد الله بن عمر إذ سئل عن هذه فقال: هذه حجة الإسلام فليلتمس أن يقضي نذره. يعني: من عليه الحج ونذر حجا.(5/289)
فَإِنْ صَحَّ انْبَنَى عَلَى قَوْلِ الصَّحَابِيِّ, وَكَإِحْرَامٍ مُطْلَقٍ عَلَى الْأَصَحِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ, وَفَرَّقُوا بِأَنَّهُ مُطْلَقٌ, فَانْصَرَفَ إلَى الْمَعْرُوفِ, كَمَا فِي نَقْدٍ غَالِبٍ, فَيَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي الصَّلَاةِ, وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَجِبُ بِإِفْسَادِهَا الْكَفَّارَةُ, كَصَوْمِ رَمَضَانَ, وَفَرَّقُوا بِتَعْيِينِهِ1, بِخِلَافِ الْحَجِّ, فَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَدَّعِيَ وَيُزَادَ في القياس, فإن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "بتبعيته".(5/290)
مَنَعَ اُسْتُدِلَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: عَمَّا نَوَاهُ "وهـ م" لِقَوْلِهِ "وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى" 1 وَأُجِيبُ: الْمُرَادُ: لَا قُرْبَةَ إلَّا بِنِيَّةٍ, أَوْ يُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ الْحَجِّ, لِمَا سَبَقَ.
وَعَنْهُ: "يَقَعُ" بَاطِلًا, وَلَمْ يَذْكُرْهَا بَعْضُهُمْ "هُنَا", فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْمَنْذُورَةِ, نَصَّ عَلَيْهِ, لِأَنَّهُ "هُنَا" قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ, وَكَنَذْرِ حَجَّتَيْنِ, فَيَحُجُّ وَاحِدَةً, وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: تُجْزِئُهُ عَنْهُمَا, وَأَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ, اخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ, وَرَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ. وَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَصَلَّى الْعَصْرَ أَلَيْسَ يُجْزِئُ عَنْهُمَا؟ قَالَ: وَذَكَرْت ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: أَصَبْت أَوْ أَحْسَنْت كَذَا قَالَ, فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَالْمَنْعُ وَاضِحٌ, وَلَا دَلِيلَ, وَغَايَتُهُ كَمَسْأَلَتِنَا, قَالَ الشَّيْخُ بَعْدَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: وَصَارَ كَنَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَقَدِمَ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَنَوَاهُ عَنْ فَرْضِهِ وَنَذْرِهِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ فِي رِوَايَةٍ, ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ2. كَذَا قَالَ: نَوَاهُ عَنْ فَرْضِهِ وَنَذْرِهِ, وَالْمَنْقُولُ هُنَا: نَوَاهُ عَنْ نَذْرِهِ فَقَطْ. ويأتي ما ذكره في النذر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 تقدم تخريجه "1/163".
2 في "ب" و"س" "الحربي".(5/291)
وَمَذْهَبُ "م": إنْ نَوَاهُمَا فَعَنْ الْمَنْذُورَةِ, وَإِنْ أَحْرَمَ بِنَفْلٍ مَنْ عَلَيْهِ نَذْرٌ فَالرِّوَايَاتُ. وَيَتَوَجَّهُ أن هذا وغيره الأشهر في أنه يسلك1 في بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ الْوَاجِبِ لَا النَّفْلِ.
وَالْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ, فِيمَا سَبَقَ2.
وَمَنْ أَتَى بِوَاجِبِ أَحَدِهِمَا فَلَهُ فِعْلُ نَذْرِهِ وَنَفْلِهِ قَبْلَ الْآخَرِ3, وَقِيلَ: لَا, لوجوبهما على الفور.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل و"ط" "سلك".
2 ص "289".
3 في "س" "الإحرام".(5/292)
وَالنَّائِبُ كَالْمَنُوبِ عَنْهُ, فَلَوْ أَحْرَمَ بِنَذْرٍ أَوْ نَفْلٍ عَمَّنْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَقَعَ عَنْهَا, عَلَى الْمَذْهَبِ. وَلَوْ اسْتَنَابَ عَنْهُ أَوْ عَنْ مَيِّتٍ وَاحِدًا فِي فَرْضِهِ وَآخَرَ فِي نَذْرِهِ فِي سَنَةٍ جَازَ, قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ التَّأْخِيرِ, لِوُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ كَذَا قَالَ, فَيَلْزَمُهُ وُجُوبُهُ إذَنْ, وَلْيُحْرِمْ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْآخَرِ, وَأَيُّهُمَا أَحْرَمَ أَوَّلًا فَعَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ الْأُخْرَى عَنْ النَّذْرِ, وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: و1لو لَمْ يَنْوِهِ. وَفِي الْفُصُولِ: يَحْتَمِلُ الْإِجْزَاءُ, لِأَنَّهُ قَدْ يُعْفَى عَنْ التَّعْيِينِ فِي بَابِ الْحَجِّ وَيَنْعَقِدُ مُبْهَمًا2 ثُمَّ يُعَيَّنُ, قَالَ: وَهُوَ أَشْبَهُ, وَيَحْتَمِلُ عَكْسُهُ, لِاعْتِبَارِ تَعْيِينِهِ, بِخِلَافِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "س".
2 في الأصل "بهما" وفي "ب" منهما".(5/293)
فَصْلٌ: تَصِحُّ الِاسْتِنَابَةُ عَنْ الْمَعْضُوبِ3
وَالْمَيِّتِ فِي النفل "و" وللشافعي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
3 في "ب" و"س" "المغصوب".(5/293)
قَوْلٌ مَرْجُوحٌ: لَا. وَقَوْلٌ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ حَجَّ وَلَا لَزِمَهُ. وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي وَالِانْتِصَارِ رِوَايَةً: لَا نِيَابَةَ فِي نَفْلٍ مُطْلَقًا لانه1 يَثْبُتُ فِي الْوَاجِبِ لِلْحَاجَةِ.
وَيَصِحُّ أَنْ يَسْتَنِيبَ الْقَادِرُ بِنَفْسِهِ فِيهِ وَفِي بَعْضِهِ, عَلَى الْأَصَحِّ "ش" كَالصَّدَقَةِ. وَالْخِلَافُ فِي عَجْزِ مَرْجُوِّ الزَّوَالِ, وَذَكَرَ الشَّيْخُ: يَجُوزُ, لِئَلَّا يَتَأَخَّرَ أَوْ يَفُوتَ, وَفِي آخِرِ الْفَصْلِ قَبْلَ الْفَصْلِ قَبْلَهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا2.
وَمَنْ أَوْقَعَ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا عَنْ حَيٍّ بِلَا إذْنِهِ أَوْ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ كَأَمْرِهِ بِحَجٍّ فَيَعْتَمِرُ أَوْ عَكْسُهُ لَمْ يَجُزْ, كَالزَّكَاةِ, فَيَقَعُ عَنْهُ وَيَرُدُّ مَا أَخَذَهُ. وَيَجُوزُ عَنْ الْمَيِّتِ وَيَقَعُ عَنْهُ, لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمْرٌ بِالْحَجِّ عَنْهُ وَلَا إذْنَ لَهُ3, وَكَالصَّدَقَةِ, ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَتَبِعَهُ مَنْ بَعْدَهُ, قَالَ: لِأَنَّ الْمَيِّتَ إذَا عُزِّيَ إلَيْهِ الْعِبَادَةُ وَقَعَتْ عَنْهُ, وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ مُهْدٍ إلَيْهِ ثَوَابَهَا4, وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ الْكَسْبِ, بِخِلَافِ الْحَيِّ. وَسَوَّى الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ بَيْنَهُمَا5, لِعَدَمِ الْإِذْنِ, وَالْأَوْلَى مَا سَبَقَ "فِي" آخِرِ الْجَنَائِزِ فِي وُصُولِ الْقُرَبِ6, وَيَتَعَيَّنُ النَّائِبُ7 بِتَعْيِينِ وَصِيٍّ جُعِلَ إلَيْهِ التَّعْيِينُ, فَإِنْ أَبَى عَيَّنَ غَيْرُهُ, وَيَكْفِي النَّائِبَ أن ينوي المستنيب,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل و"ب" "لا".
2 ص "288".
3 تقدم ذلك في حديث الخثعمية ص "255".
4 في "ب" "نواها".
5 في الأصل "بينها".
6 "3/423".
7 ليست في الأصل.(5/294)
فَلَا تُعْتَبَرُ تَسْمِيَتُهُ لَفْظًا, نَصَّ عَلَيْهِ.
وَإِنْ جَهِلَ اسْمَهُ أَوْ نَسَبَهُ لَبَّى عَمَّنْ سَلَّمَ إلَيْهِ الْمَالَ لِيَحُجَّ بِهِ عَنْهُ. وَقَدْ نَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ: إذَا حَجَّ عَنْ رَجُلٍ فَيَقُولُ أَوَّلَ مَا يُحْرِمُ, ثُمَّ لَا يُبَالِي أَنْ يَقُولَ بَعْدَ. "ذَلِكَ" وَالْمُرَادُ يُسْتَحَبُّ.(5/295)
فَصْلٌ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَحُجَّ عَنْ أَبَوَيْهِ,
قَالَ بَعْضُهُمْ, إنْ لَمْ يَحُجَّا, وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَغَيْرُهُمَا, وَيُقَدِّمُ أُمَّهُ لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِالْبِرِّ. وَيُقَدِّمُ وَاجِبَ أَبِيهِ عَلَى نَفْلِهَا, نَصَّ عَلَيْهِمَا, نَقَلَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ: مَنْ حَجَّ وَيُرِيدُ الْحَجَّ وَلَمْ يَحُجَّ وَالِدُهُ يَجْعَلُ حَجَّةَ التَّطَوُّعِ عَنْهُمَا, عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ حَجَّةً, نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ يُقَدِّمُ دَيْنَ أَبِيهِ عَلَى نَفْلِهِ لِنَفْسِهِ, فَأُمُّهُ أَوْلَى, وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد: أُرِيدُ أَنْ أَحُجَّ عَنْ أُمِّي أَتَرْجُو أَنْ يَكُونَ لِي أَجْرُ حَجَّةٍ أَيْضًا, قَالَ: "نَعَمْ, تَقْضِي عَنْهَا دَيْنًا عَلَيْهَا". وَقِيلَ لَهُ: أَحُجُّ عَنْهَا فَأُنْفِقُ مِنْ مَالِي وَأَنْوِي عَنْهَا أَلَيْسَ جَائِزًا؟ قَالَ: "نَعَمْ".
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ مَرْفُوعًا "إذَا حج الرجل عنه وعن والديه تقبل1 مِنْهُ وَمِنْهُمَا وَاسْتَبْشَرَتْ أَرْوَاحُهُمَا فِي السَّمَاءِ وَكُتِبَ عِنْدَ اللَّهِ بَرًّا" فِيهِ أَبُو أُمَيَّةَ الطَّرَسُوسِيُّ وَأَبُو سَعِيدٍ2 الْبَقَّالُ ضَعِيفَانِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مرفوعا "من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل و"ب" و"ط" "قبل".
2 في النسخ الخطية و"ط" "أبو سعيد" والمثبت من سنن الدارقطني.(5/295)
حَجَّ عَنْ أَبَوَيْهِ أَوْ قَضَى عَنْهُمَا مَغْرَمًا بُعِثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الْأَبْرَارِ" فِيهِ صِلَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ مَتْرُوكٌ, وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْبَصْرِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا "مَنْ حَجَّ عَنْ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ فَقَدْ قَضَى عَنْهُ حَجَّتَهُ وَكَانَ لَهُ فَضْلُ عَشْرِ حِجَجٍ" ضَعِيفٌ, رَوَاهُنَّ الدَّارَقُطْنِيُّ1.
وَلِكُلٍّ2 مِنْهُمَا مَنْعُ وَلَدِهِ مِنْ نَفْلٍ لَا تَحْلِيلُهُ, لِلُزُومِهِ بِشُرُوعِهِ قَالَ أَحْمَدُ "3فِي الْفَرْضِ3": إنْ لَمْ تَأْذَنْ لَك أُمُّك وَكَانَ عِنْدَك زَادٌ وَرَاحِلَةٌ فَحُجَّ وَلَا تَلْتَفِتْ إلَى إذْنِهَا وَاخْضَعْ لَهَا وَدَارِهَا.
وَيَلْزَمُهُ طَاعَتُهُمَا4 فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ, وَيَحْرُمُ فِيهَا, وَلَوْ أَمَرَهُ أَبُوهُ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ لِيُصَلِّيَ بِهِ أَخَّرَ5, نَصَّ عَلَى الْجَمِيعِ, وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. وَقَالَ شَيْخُنَا: هَذَا فِيمَا فِيهِ نَفْعٌ6 لَهُمَا وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ, فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَضُرَّهُ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا, وَلَمْ يُقَيِّدْهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ, لِسُقُوطِ فَرَائِضِ الله بالضرر, وعلى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في سننه "2/259 – 260".
2 من هنا إلى آخر الفصل سبق معظمه في فصل أوله: لا يجوز لوالد منع ولده. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .ص "228" إلخ.
3 3 ليست في "س".
4 في "س" "طاعتها".
5 بعدها في "س" "الوقت".
6 في "ب" "يقع".(5/296)
هَذَا بَنَيْنَا1 تَمَلُّكَهُ مِنْ مَالِهِ, فَنَفْعُهُ كَمَالِهِ فَلَيْسَ الْوَلَدُ بِأَكْثَرَ مِنْ الْعَبْدِ. وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ فِيمَنْ تَسْأَلُهُ أُمُّهُ شِرَاءَ مِلْحَفَةٍ لِلْخُرُوجِ: إنْ كَانَ خُرُوجُهَا فِي بِرٍّ وَإِلَّا فَلَا يُعِينُهَا عَلَى الْخُرُوجِ.
وَنَقَلَ جَعْفَرٌ: إنْ أَمَرَنِي أَبِي بِإِتْيَانِ السُّلْطَانِ, لَهُ عَلَيَّ طَاعَةٌ؟ قَالَ: لَا, وَهَذَا وَمَا قَبْلَهُ خَاصَّانِ, فَلَعَلَّهُ لِمَظِنَّةِ الْفِتْنَةِ, فَلَا يُنَافِي مَا سَبَقَ وَكَذَا مَا نقل المروذي: ما أحب يُقِيمَ مَعَهُمَا2 عَلَى الشُّبْهَةِ, لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: "مَنْ تَرَكَ الشُّبْهَةَ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَلَكِنْ يُدَارِي" وَهَذَا لِقَوْلِهِ3 عَلَيْهِ السَّلَامُ: "مَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ4, وَلِهَذَا نَقَلَ غَيْرُهُ فِيمَنْ تَعْرِضُ عَلَيْهِ أُمُّهُ شُبْهَةً بِأَكْلٍ5 فَقَالَ: إنْ عَلِمَ أنه حرام بعينه6 فلا يأكل. وقال أحمد: إنْ مَنَعَاهُ7 الصَّلَاةَ نَفْلًا يُدَارِيهِمَا وَيُصَلِّي. وَقَالَ: إنْ نَهَاهُ عَنْ الصَّوْمِ لَا يُعْجِبُنِي صَوْمَهُ وَلَا أُحِبُّ لِأَبِيهِ أَنْ يَنْهَاهُ, وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَتَبِعَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ: لَا يَجُوزُ مَنْعُ وَلَدِهِ مِنْ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ. وَأَنَّ مِثْلَهُ مُكْرٍ وَزَوْجٌ وَسَيِّدٌ, وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِإِثْمِهِ بِتَرْكِهَا, كما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ب" "شيئا".
2 في الأصل و"س" "معها".
3 في "ب" و"س" "لقوله".
4 تقدم ص "230".
5 في الأصل و"س" "يأكل".
6 ليست في "س".
7 في "ب" "منعناه".(5/297)
يَأْتِي فِي الْعَدَالَةِ مِنْ الشَّهَادَةِ1 وَإِلَّا فَلِتَغَيُّرِ أَوْضَاعِ الشَّرْعِ2, كَأَمْرِهِ يُسِرُّ فِي الْفَجْرِ وَيَجْهَرُ فِي الظُّهْرِ وَنَحْوِهِ, وَسَبَقَ كَلَامُ الْقَاضِي فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ. وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ: يَجُوزُ تَرْكُ النَّوَافِلِ لِطَاعَتِهِمَا, بَلْ الْأَفْضَلُ طَاعَتُهُمَا. فَإِنْ أراد ظاهره فخلاف ما سبق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "11/317".
2 ليست في "ب".(5/298)
فَصْلٌ: مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيُبَادِرْ
وَلْيَجْتَهِدْ فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ وَيَجْتَهِدُ فِي رَفِيقٍ حَسَنٍ. قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ: كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْخَيْرِ يُبَادِرُ بِهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ: يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ, ثُمَّ يَسْتَخِيرُ فِي خُرُوجِهِ, وَيُبَكِّرُ, وَيَكُونُ يَوْمَ خَمِيسٍ, وَيُصَلِّي فِي مَنْزِلِهِ رَكْعَتَيْنِ, وَيَقُولُ إذَا نَزَلَ مَنْزِلًا أَوْ دَخَلَ بَلَدًا مَا وَرَدَ3, وَكَذَا قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُ, يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يَدْعُو بَعْدَهُمَا بِدُعَاءِ الِاسْتِخَارَةِ, وَيُصَلِّي فِي مَنْزِلِهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا دِينِي وَأَهْلِي وَمَالِي وَدِيعَةٌ عِنْدَك. اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ, وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ. وَإِنَّهُ يَخْرُجُ يَوْمَ خَمِيسٍ أَوْ اثْنَيْنِ, وَذَكَرَ شَيْخُنَا: يَدْعُو قَبْلَ السَّلَامِ أَفْضَلُ, وَمَا سَبَقَ مِنْ الِاسْتِخَارَةِ فَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ جَابِرٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها. كما يعلمنا السورة من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
3 يعني من الأدعية والأذكار المأثور من ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه "2708" "55" من حديث خولة بنت حكيم رضي الله عنها عَنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إذَا نزل أحدكم منزلا فليقل: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلث فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل منه".(5/298)
القرآن. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ1 وَيَسْتَخِيرُ: هَلْ يَحُجُّ الْعَامَ أَوْ غَيْرَهُ, وَإِنْ كَانَ الْحَجُّ نَفْلًا, أَوْ لَا يَحُجُّ.
وَتَوْدِيعُ الْمَنْزِلِ بِرَكْعَتَيْنِ لَمْ أَجِدْهَا فِي السُّنَّةِ وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ2 عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِجْرِ قَالَ: "لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ إلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ ثُمَّ قَنَعَ رَأْسَهُ وَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى أَجَازَ الْوَادِيَ". وَيَأْتِي فِي الْأَطْعِمَةِ3 قَوْلُ أَحْمَدَ لَا يُقِيمُ بها, وحكم مائها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ "وَيَسْتَخِيرُ هَلْ يَحُجُّ الْعَامَ أَوْ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ نَفْلًا أَوْ لَا يَحُجُّ" كَذَا فِي النُّسَخِ "وَإِنْ" بِزِيَادَةِ وَاوٍ, وَالصَّوَابُ حَذْفُهَا.
فَهَذِهِ إحْدَى وَعِشْرُونَ مسألة في الباب.
__________
1 في صحيحه "1162".
2 أحمد "5342" والبخاري "3380" ومسلم "2980" "39".
3 "10/341".(5/299)
باب المواقيت
مدخل
...
بَابُ الْمَوَاقِيتِ
ذُو الْحُلَيْفَةِ لِلْمَدِينَةِ, بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ عَشْرَةُ أَيَّامٍ وَيَلِيه فِي الْبُعْدِ الْجُحْفَةُ وَهِيَ لِلشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ. ثُمَّ يَلَمْلَمَ لِلْيَمَنِ وَقَرْنٌ لِنَجْدِ الْيَمَنِ وَبِحَدِّ الْحِجَازِ وَالطَّائِفِ. وَذَاتِ عِرْقٍ لِلْعِرَاقِ وَخُرَاسَانُ وَالْمَشْرِقِ.
وَهَذِهِ الثَّلَاثُ مِنْ مَكَّةَ لَيْلَتَانِ. وَهَذِهِ الْمَوَاقِيتُ ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ "و" عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ, وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ "وَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ" ذَاتُ عِرْقٍ بِاجْتِهَادِ عُمَرَ, وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خَفِيُّ النَّصِّ فَوَافَقَهُ, فَإِنَّهُ مُوَفَّقٌ لِلصَّوَابِ.
وَلَيْسَ الْأَفْضَلُ لِلْعِرَاقِيِّ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْعَقِيقِ وَهُوَ وَادٍ وَرَاءَ ذَاتِ عِرْقٍ يَلِي الشَّرْقَ "ش" وَغَيْرُهُ, كَبَقِيَّةِ الْمَوَاقِيتِ, وَلِأَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ وَأَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ الْعَقِيقَ1 تَفَرَّدَ بِهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ2, شِيعِيٌّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. قَالَ ابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ الْجُوزَجَانِيُّ: سَمِعْتُهُمْ يُضَعِّفُونَهُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ3: مَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ: وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا تَرَكَ حَدِيثَهُ. وَقَالَ الْعِجْلِيُّ, جَائِزُ الْحَدِيثِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ذَاتُ عِرْقٍ ميقاتهم بإجماع, والاعتبار بمواضعها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أحمد "3205" والترمذي "832" وأبو داود "1740".
2 هو أبو عبد الله يزيد بن أبي زياد القرشي الهاشي مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل رأى أنس بن مالك تهذيب الكمال "8/126".
3 في "س" "عبد البر".(5/300)
وَهُنَّ مَوَاقِيتُ لِمَنْ مَرَّ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا, كَالشَّامِّي يَمُرُّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ يُحْرِمُ مِنْهَا, نُصَّ عَلَيْهِ, قَالَ النَّوَاوِيُّ: بِلَا خِلَافٍ, كَذَا قَالَ, وَمَذْهَبُ عَطَاءٍ وَمَالِكٍ وَأَبِي ثَوْرٍ: لَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْجُحْفَةِ, وَيَتَوَجَّهُ لَنَا مِثْلُهُ, فَإِنَّهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ, وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ, حَتَّى أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ, يَعُمُّ مِنْ مِيقَاتِهِ بَيْنِ يَدِي هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ الَّتِي مَرَّ بِهَا وَمَنْ لَا وَقَوْلُهُ: لِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ1, يَعُمُّ مَنْ مَرَّ بِمِيقَاتٍ آخَرَ أَوْ لَا, وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْوُجُوبِ, وَعِنْدَ دَاوُد: لَا حَجَّ لَهُ, وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: يُحْرِمُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَمَنْ مَرَّ بِهَا مِنْ شَامِيٍّ وَغَيْرِهِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ, وَلَهُمْ أَنْ يُحْرِمُوا مِنْ الْجُحْفَةِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: عَلَيْهِ دَمٌ, وَلِلشَّافِعِيِّ2 أَنْبَأْنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنْ عَائِشَةَ اعْتَمَرَتْ فِي سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ, مَرَّةً مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَمَرَّةً مِنْ الْجُحْفَةِ. وَذَكَرَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ كَانَتْ إذَا أَرَادَتْ الْحَجَّ أَحْرَمَتْ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ, وَإِذَا أَرَادَتْ الْعُمْرَةَ مِنْ الْجُحْفَةِ3, قَالَ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْجُحْفَةُ مِيقَاتًا لِذَلِكَ لَمَا جَازَ تَأْخِيرُ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ; لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ للآفاقي. وفي كلام بعضهم هنا نظر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 البخاري "1524" ومسلم "1181" "11".
2 في مسند "1/380".
3 أورده ابن عبد البر في الاستذكار "11/84".(5/301)
وَقَوْلُهُ آفَاقِيُّ, وَصَوَابُهُ أُفُقِيُّ, قِيلَ بِفَتْحَتَيْنِ وَقِيلَ بِضَمَّتَيْنِ "م 1" نِسْبَةً إلَى الْمُفْرَدِ, وَالْآفَاقُ الْجَمْعُ.
فأما إن مر الشامي أَوْ الْمَدَنِيُّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ ذِي الْحُلَيْفَةِ فَمِيقَاتُهُ الْجُحْفَةُ, لِلْخَبَرِ1.
وَمَنْ عَرَجَ عَنْ الْمَوَاقِيتِ أَحْرَمَ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ حَاذَى أَقْرَبَهَا مِنْهُ, وَيُسْتَحَبُّ "لَهُ" الِاحْتِيَاطُ, فَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الْقُرْبِ إلَيْهِ فَمِنْ أَبْعَدِهِمَا عَنْ مَكَّةَ, وَأَطْلَقَ الْآجُرِّيُّ أَنَّ مِيقَاتَ مَنْ عَرَجَ إذَا حَاذَى الْمَوَاقِيتَ, قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَالشَّافِعِيَّةُ: وَمَنْ لَمْ يُحَاذِ مِيقَاتًا أَحْرَمَ عَنْ مَكَّةَ بِقَدْرِ مَرْحَلَتَيْنِ. وَذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ مِثْلَهُ إنْ تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ الْمُحَاذَاةِ. وَهَذَا مُتَّجِهٌ, وَمَنْ مَنْزِلُهُ دُونَهَا فَمِنْهُ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ.
وَيَجُوزُ مِنْ أَقْرَبِهِ إلَى الْبَيْتِ, وَالْبَعِيدُ أَوْلَى, وَقِيلَ: سَوَاءٌ, وَكُلُّ مِيقَاتٍ فَحَذْوُهُ مِثْلُهُ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: مَنْ مَنْزِلُهُ دُونَهَا لَهُ تَأْخِيرُ إحْرَامِهِ إلى الحرم,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 1" قَوْلُهُ: وَصَوَابُهُ أُفُقِيٌّ قِيلَ بِفَتْحَتَيْنِ وَقِيلَ بِضَمَّتَيْنِ, انْتَهَى. لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ الَّذِي اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْخُطْبَةِ, وَلَكِنْ لِعُلَمَاءِ اللُّغَةِ فِيهِ قَوْلَانِ, وَلَمَّا كَانَ أَحَدُهُمَا لَيْسَ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ أَتَى بِهَذِهِ الصِّيغَةِ, وَتَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ فِي الْمُقَدَّمَةِ2, وَالْأَفْصَحُ الضَّمُّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا فَتَحُوا ذلك تخفيفا, قاله ابن خطيب الدهشة
__________
1 تقدم تخريجه ص "301".
2 "1/8".(5/302)
وَلَا يَجُوزُ دُخُولُهُ إلَّا مُحْرِمًا لِمَنْ قَصَدَ النُّسُكَ, وَلَمْ يُجِيبُوا عَنْ الْخَبَرِ السَّابِقِ1.
وَمِيقَاتُ مَنْ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ مَكِّيٌّ أَوْ لَا مِنْهَا. وَظَاهِرُهُ: وَلَا تَرْجِيحَ, وَأَظْهَرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ: مِنْ بَابِ دَارِهِ. وَيَأْتِي الْمَسْجِدَ مُحْرِمًا وَالثَّانِي: مِنْهُ, كَالْحَنَفِيَّةِ, نَقَلَهُ حَرْبٌ عَنْ أَحْمَدَ, وَلَمْ أَجِدْ عَنْهُ خِلَافَهُ, وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابُ إلَّا فِي الْإِيضَاحِ, قَالَ: يُحْرِمُ بِهِ مِنْ الْمِيزَابِ, وَيَجُوزُ مِنْ الْحَرَمِ وَالْحِلِّ, نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَابْنُ مَنْصُورٍ, وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ "وم" كَمَا لَوْ خَرَجَ إلَى الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ, وَكَالْعُمْرَةِ, وَمَنَعُوا وُجُوبَ إحْرَامِهِ مِنْ الْحَرَمِ وَمَكَّةَ. وَعَنْهُ: عَلَيْهِ دَمٌ, وَعَنْهُ: إنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ, وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ, لِإِحْرَامِهِ دُونَ الْمِيقَاتِ, قَالَ: وَإِنْ مَرَّ فِي الْحَرَمِ يَعْنِي قَبْلَ مُضِيِّهِ إلَى عَرَفَةَ فَلَا دَمَ, لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ مِيقَاتِهِ, كَمُحْرِمٍ. قَبْلَ الْمَوَاقِيتِ "وهـ ش" إلَّا أَنَّ الصَّحِيحَ عَنْهُ كَرِوَايَتِنَا قَبْلَ هَذِهِ نَفْسُ مَكَّةَ, فَيَلْزَمُ لِدَمِ مَنْ أَحْرَمَ مُفَارِقًا بُنْيَانَهَا إنْ لَمْ يَعُدْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 تقدم ص "301".(5/303)
وَقَدْ قَالَ جَابِرٌ: أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُحْرِمَ إذَا تَوَجَّهْنَا فَأَهْلَلْنَا مِنْ الْأَبْطَحِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ1. وَأَبُو حَنِيفَةَ يَعْتَبِرُ مُرُورَهُ فِي الْحَرَمِ مُلَبِّيًا. وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ صَاحِبَاهُ. وَعَنْ أَحْمَدَ: الْمُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ عَنْ غَيْرِهِ إذَا قَضَى نُسُكَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ نَفْسِهِ وَاجِبًا أَوْ نَفْلًا, أَوْ أَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ أَرَادَ عَنْ غَيْرِهِ أَوْ عَنْ إنْسَانٍ ثُمَّ عَنْ آخَرَ, يَخْرُجُ يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ. وَإِلَّا لَزِمَهُ دَمٌ, اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ, وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ.
وَفِي التَّرْغِيبِ: لَا خِلَافَ فِيهِ, كَذَا قَالَ; لِأَنَّهُ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ فَأَحْرَمَ "مِنْ" دُونِهِ, وَإِحْرَامُهُ عَنْ غَيْرِهِ كَالْمَعْدُومِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ, وَاخْتَارَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ خِلَافَ هَذَا, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِ, وَكَذَا أَحْمَدَ, لَكِنْ أَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ; لِأَنَّ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ كَالْمَكِّيِّ, كَمَا سَبَقَ, وَكَالنُّسُكَيْنِ عَنْ وَاحِدٍ, وَفَرَّقَ الْقَاضِي بِأَنَّ الثَّانِيَ تَابِعٌ لِلْأَوَّلِ, فَكَأَنَّهُ أَحْرَمَ بِهِمَا مَعًا مِنْ الْمِيقَاتِ, كَذَا قَالَ, وَعَنْهُ: مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَطْلَقَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَزَادَ غَيْرُ وَاحِدٍ: مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ, وَإِلَّا لَزِمَهُ دَمٌ, وَهِيَ ضَعِيفَةٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَأَوَّلهَا. بَعْضُهُمْ بِسُقُوطِ دَمِ الْمُتْعَةِ عَنْ الْآفَاقِيِّ بِخُرُوجِهِ إلَى الْمِيقَاتِ, وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى مَنْ "كَانَ" بِمَكَّةَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا إنْ أَرَادَ عُمْرَةً وَاجِبَةً فَمِنْ الْمِيقَاتِ وَإِلَّا لَزِمَهُ دَمٌ, كَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ وَأَحْرَمَ دُونَهُ.
وَإِنْ أَرَادَ نَفْلًا فَمِنْ أَدْنَى الْحِلِّ, وَالْأَصَحُّ أَنَّ مِيقَاتَ مَنْ بِمَكَّةَ أَوْ الْحَرَمِ مَكِّيٌّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ, لِأَمْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَبْدَ الرحمن بن أبي بكر أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في صحيحه "1214" "139".(5/304)
يَخْرُجَ مَعَ عَائِشَةَ إلَى التَّنْعِيمِ لِتَعْتَمِرَ1 وَلِيَجْمَعَ فِي النُّسُكِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ; لِأَنَّ أَفْعَالَهَا فِي الْحَرَمِ بِخِلَافِ الْحَجِّ, قِيلَ2 التَّنْعِيمُ أَفْضَلُ "وهـ" وفي المستوعب وغيره: الجعرانة, لاعتماره صلى الله عليه وسلم منها, ثم منه, ثم من الحديبية3 "وش", وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ سَوَاءٌ. "م 2" وَعَيَّنَ مَالِكٌ التنعيم لمن بمكة, والعلماء بِخِلَافِهِ.
وَقَدْ نَقَلَ صَالِحٌ وَغَيْرُهُ فِي الْمَكِّيِّ: أَفْضَلُهُ الْبَعْدُ, هِيَ عَلَى قَدْرِ تَعَبِهَا قَالَ فِي الْخِلَافِ: مُرَادُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ, بَيْنَهُ فِي رواية بكر بن محمد: يخرج
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 2" قَوْلُهُ فِي أَحْكَامِ الْعُمْرَةِ: قِيلَ التَّنْعِيمُ أَفْضَلُ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: الْجِعْرَانَةُ يَعْنِي أَفْضَلَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ سَوَاءٌ, انْتَهَى.
أَحَدُهُمَا التَّنْعِيمُ أَفْضَلُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ ومسبوك الذهب والخلاصة والشرح4 و"5شرح ابن منجا5" وَالْمُقْنِعِ4, رَأَيْته فِي نُسْخَةٍ مَقْرُوءَةٍ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَعَلَيْهَا شَرْحُ الشَّارِحِ وَابْنِ مُنَجَّى. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَةِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ.
"تَنْبِيهَاتٌ"
الْأَوَّلُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: "وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ سَوَاءٌ" الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ فِي الْمُغْنِي وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَى نُسْخَةِ الْمُقْنِعِ الَّتِي فِيهَا ذَلِكَ, مَعَ أَنَّ كِتَابَ الْمُصَنِّفِ المقنع وهو من حافظيه, والله أعلم
__________
1 أخرجه البخاري "1784ط ومسلم "1212" "135".
2 في النسخ الخطية "قيل" والمثبت من "ط".
3 أخرجه البخاري "1778" ومسلم "1253" "217".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "9/279".
5 5 ليست في "ص".(5/305)
إلَى الْمَوَاقِيتِ أَحَبُّ إلَيَّ; لِأَنَّهُ عَزِيمَةٌ, وَمِنْ أَدْنَى الْحِلِّ رُخْصَةٌ لِلْمَكِّيِّ, وَمُرَادُهُ فِي الْوَاجِبَةِ. كَمَا ذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى, كَذَا قَالَ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعَائِشَةَ "هِيَ عَلَى قَدْرِ سَفَرِك وَنَفَقَتِك" وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَوْ مُسْلِمٍ1, وَقَوْلُ عَلِيٍّ: أَحْرِمْ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ2. مُحْتَجًّا بِذَلِكَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ هَذِهِ الْعُمْرَةِ أَيُّ شَيْءٍ فِيهَا؟ إنَّمَا الْعُمْرَةُ الَّتِي تَعْتَمِرُ مِنْ مَنْزِلِك, وَمُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الَّتِي يُنْشِئُ لَهَا السَّفَرَ, وَإِحْرَامُهَا مِنْ الْمِيقَاتِ, كَقَوْلِهِ فِي الْحَجِّ: وَمَا الْفَرْقُ؟ وَكَفِعْلِهِ وَفِعْلِ أَصْحَابِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ, وَحَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لَا يَتَّجِهُ, وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ, وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ, وَنَقَلَ صَالِحٌ: لَا بَأْسَ قَبْلَهُ, وَنَقَلَ "ابْنُ" إبْرَاهِيمَ: كُلَّمَا تَبَاعَدْت فَلَكَ أَجْرٌ, وَمُرَادُهُ الْمَكِّيُّ.
وَإِنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مَكَّةَ أَوْ الْحَرَمِ لَزِمَهُ دَمٌ, خِلَافًا لِعَطَاءٍ, وَيُجَزِّئُهُ إنْ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ قَبْلَ طَوَافِهَا, وَكَذَا بَعْدَهُ, كَإِحْرَامِهِ دُونَ مِيقَاتِ الْحَجِّ بِهِ "وَاَللَّهُ أَعْلَمُ" ولنا وللشافعي قول: لا3 "وم"; لأنه نسك فاعتبر فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه البخاري "1787" ومسلم "1211" "126" ولفظهما: "على قدر نفقتك أو نصبك".
2 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه نشرة العمري ص "81" والبيهقي في السنن الكبرى "4/341".
3 ليستفي "ط" وفي "ب" و"س" "قولان".(5/306)
الْجَمْعُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ, كَالْحَجِّ, فَيَخْرُجُ1 ثُمَّ يَعُودُ يَأْتِي بِهَا, وَلَا عِبْرَةَ بِفِعْلِهِ قَبْلَهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س" "فيحرم".(5/307)
وَإِنْ حَلَقَ أَوْ أَتَى مَحْظُورًا فَدَى. وَإِنْ وَطِئَ فَدَى وَمَضَى فِي فَاسِدِهَا وَقَضَاهَا بِعُمْرَةٍ مِنْ الْحِلِّ وَيُجَزِّئُهُ عَنْهَا, وَلَا يَسْقُطُ دَمُ الْمُجَاوَزَةِ بِخُرُوجِهِ, وَالْمُرَادُ عَلَى الرَّاجِحِ "ش" وَلِلْحَنَفِيَّةِ الخلاف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(5/308)
فَصْلٌ: إذَا أَرَادَ حُرٌّ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ نُسُكًا أَوْ مَكَّةَ نَصَّ عَلَيْهِ أَوْ الْحَرَمَ
لَزِمَهُ إحْرَامٌ مِنْ مِيقَاتِهِ "وهـ م" إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُجَوِّزُ لِمَنْ مَنْزِلُهُ الْمِيقَاتُ أَوْ دَاخِلُهُ مِنْ أُفُقِيٍّ وَغَيْرِهِ دُخُولَ الْحَرَمِ وَمَكَّةَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ نُسُكًا, وَلَا وَجْهَ لِلتَّفْرِقَةِ, وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ مُطْلَقًا لَا أَنْ يُرِيدَ نُسُكًا, وَعَنْ أَحْمَدَ مِثْلُهُ, ذَكَرَهَا الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ, وَصَحَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ, وَهِيَ أَظْهَرُ, لِلْخَبَرِ السَّابِقِ1. وَيَنْبَنِي عَلَى عُمُومِ الْمَفْهُومِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْوُجُوبِ. وَجْهِ الْأَوَّلِ: رَوَى حَرْبٌ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا يَدْخُلَن إنْسَانٌ مَكَّةَ إلَّا مُحْرِمًا إلَّا الْحَمَّالِينَ وَالْحَطَّابِينَ وَأَصْحَابُ مَنَافِعِهَا2, احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ وَقَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: يَدْخُلُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ3, وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا "لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مَكَّةَ إلَّا بِإِحْرَامٍ مِنْ أهلها وغيرهم" 4 فيه حجاج ضعيف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ص "301".
2 أخرجه ابن أبي شيبة نشرة العمري ص "200".
3 أخرجه ابن أبي شيبة نشرة العمري ص "201".
4 رواه ابن عدي في الكامل "6/273".(5/309)
مُدَلِّسٌ, وَمُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ, وَابْنُ عَدِيٍّ وَقَالَ: لَا أَعْرِفُهُ مُسْنَدًا إلَّا بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَاقْتَصَرَ الشَّيْخُ عَلَى لُزُومِ الْإِحْرَامِ بِنَذْرِ دُخُولِهَا, وَفِيهِ الْخِلَافُ, ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ, وَهُوَ مُتَّجِهٌ. ثُمَّ النَّذْرُ قَرِينَةٌ فِي إرَادَةِ النُّسُكِ الْمُخْتَصِّ بِهَا كَالسَّبَبِ الدَّالِّ عَلَى النِّيَّةِ, وَاحْتَجَّ الْقَاضِي وَابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِتَحْرِيمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مَكَّةَ, وَذَا فِي الْقِتَالِ, قَالَ فِي الِانْتِصَارِ وَمَعْنَاهُ فِي الخلاف: الإحرام شرط إباحة دخوله ولا توجيه1 لِدُخُولِهِ, لِئَلَّا يُقَالَ لَا يَنُوبُ عَنْهُ إحْرَامٌ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ, كَمَا لَمْ يَنُبْ عَنْ مَنْذُورَةٍ, أَيْ كَمَا قَالَهُ زُفَرُ.
وَمِنْ تَجَاوَزَهُ بِلَا إحْرَامٍ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الْإِحْرَامِ, ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ, وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ "وم ش" كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ رَاتِبَةً وَلَا تُقْضَى, احْتَجَّ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمَا, وَالْمُرَادُ بَعْدَ انْصِرَافِهِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: مُطْلَقًا, وَسَبَقَ دُخُولُهُ في خطبة الجمعة2, وكما لو لم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ب" و"س" "يوجبه".
2 "3/181".(5/310)
يَدْخُلْ الْحَرَمَ. وَذَكَر الْقَاضِي أَيْضًا وَأَصْحَابُهُ: يَقْضِيه وَأَنَّ أَحْمَدَ أَوْمَأَ إلَيْهِ كَنَذْرِ الْإِحْرَامِ, فَإِنْ أَدَّى بِهِ نُسُكًا مِنْ سَنَتِهِ سَقَطَ عَنْهُ, وَإِنْ أَخَّرَهُ فَدَخَلَتْ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ لَمْ يُجَزِّئْهُ وَلَزِمَهُ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ, لِتَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ "وهـ".
وَمَنْ أَرَادَ مَكَّةَ لِقِتَالٍ مُبَاحٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ حَاجَةٍ تُكَرَّرُ, وَتَرَدَّدَ الْمَكِّيُّ إلَى قَرِيبِهِ بِالْحِلِّ لَمْ يَلْزَمْهُ, لِدُخُولِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ يَوْمَ الْفَتْحِ بِلَا إحْرَامٍ1, قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ, وَكَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فِي حَقٍّ قَيَّمَهُ لِمَا تَكَرَّرَ لِلْمَشَقَّةِ, وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الْمَنْعُ لِمَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِيقَاتِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ مَنْ لَمْ يَلْزَمْهُ أَوْ لَمْ يُرِدْ الْحَرَمَ إنْ بَدَا لَهُ أَحْرَمَ حَيْثُ بَدَا لَهُ "وم ش" لِلْخَبَرِ السَّابِقِ2; وَلِأَنَّ مَنْ مَنْزِلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ لَوْ خَرَجَ إلَيْهِ ثُمَّ عَادَ لَمْ يَلْزَمْهُ وَعَنْ أَحْمَدَ: يَلْزَمُهُ كَمَنْ جَاوَزَهُ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ, وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: يُحْرِمُ حَيْثُ شَاءَ مِنْ الْحِلِّ, وَكَذَا تَجَدُّدُ إسْلَامٍ وَعِتْقٌ وَبُلُوغٌ نُصَّ عليهن,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 رواه مسلم "1358" "451" عن جابر.
2 ص "301".(5/311)
وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ; لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِحْرَامُ "مِنْهُ" كَالْقِسْمِ قَبْلَهُ, وَكَالْمَجْنُونِ, قَالَ الْقَاضِي: وَلِهَذَا نَقُولُ: لَوْ أَذِنَ لَهُمَا الْوَلِيُّ فِي الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ فَلَمْ يُحْرِمَا لَزِمَهُمَا دَمٌ, كَذَا قَالَ, وَكَلَامُ غَيْرِهِ خِلَافُهُ. وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ دَمٌ, كَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: يَلْزَمُ مَنْ أَسْلَمَ, نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ; لِأَنَّهُ حُرٌّ بَالِغٌ عَاقِلٌ, كَالْمُسْلِمِ, وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ زَوَالِ الْمَانِعِ; وَلِهَذَا مَنْ لَمْ يَصِلْ مَعَ حَدَثِهِ كَتَرْكِهَا مُتَطَهِّرًا. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: عَلَى الْعَبْدِ دَمٌ, وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: عَلَى الْكَافِرِ, وَفِيهِمَا قَوْلَانِ, وَمَنْ جَاوَزَهُ مَرِيدًا لِلنُّسُكِ أَوْ كَانَ فَرْضُهُ لَزِمَهُ أَنْ يَرْجِعَ فَيُحْرِمَ مِنْهُ إنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْحَجِّ أَوْ غَيْرَهُ, وَأُطْلِقَ فِي الرِّعَايَةِ وَجْهَيْنِ, وَظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ أَنَّهُمَا بَعْدَ إحْرَامِهِ, وَكُلٌّ مِنْهُمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(5/312)
ضَعِيفٌ, فَإِنْ رَجَعَ فَأَحْرَمَ مِنْهُ فَلَا دَمَ, وَحُكِيَ فِيهِ وَجْهٌ.
وَإِنْ أَحْرَمَ دُونَهُ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ صَحَّ وَلَزِمَهُ دَمٌ "و". وَعَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ: لَا يَلْزَمُهُ, وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالظَّاهِرِيَّةِ: لَا يَصِحُّ نُسُكُهُ, وَلَمْ أَجِدْ لِمَنْ احْتَجَّ لِلصِّحَّةِ دَلِيلًا صَحِيحًا, ثُمَّ لَا يَسْقُطُ الدَّمُ بِرُجُوعِهِ إلَى الْمِيقَاتِ, نَصَّ عَلَيْهِ "وم" لِظَاهِرِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا "مَنْ تَرَكَ نُسُكًا فَعَلَيْهِ دَمٌ" 1 وَلِأَنَّهُ وَجَبَ لِتَرْكِ إحْرَامِهِ مِنْ مِيقَاتِهِ; وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ, وَكَمَا لَوْ لَمْ يَرْجِعْ أَوْ لَمْ يَطُفْ أَوْ لَمْ يُلَبِّ عِنْدَ مَنْ سَلَّمَ: وَعَنْ أَحْمَدَ:. يَسْقُطُ: وَكَذَا عَنْ الشَّافِعِيِّ, وَظَاهِرُ مَذْهَبِهِ: إنْ رَجَعَ قَبْلَ طَوَافِ قُدُومٍ أَوْ عَرَفَةَ سَقَطَ, وَذَكَرَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ, وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ رَجَعَ إلَيْهِ مُلَبِّيًا, وَالْجَاهِلُ وَالنَّاسِي كَالْعَالَمِ الْعَامِدِ, وَلَا يَأْثَمُ نَاسٍ. وَسَبَقَ حُكْمُ الْجَاهِلِ آخَرَ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ2, وَذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ لَا يَأْثَم, وَيَتَوَجَّهُ أَنْ لَا دَمَ عَلَى مُكْرَهٍ, أَوْ أَنَّهُ كَإِتْلَافٍ.
وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَلْزَمُهُ, وَقَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَلْزَمُهُ, وَلَوْ أَفْسَدَ نُسُكَهُ هَذَا لَمْ يَسْقُطُ دَمُ الْمُجَاوَزَةِ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ, كَدَمٍ مَحْظُورٍ; وَلِأَنَّهُ الْأَصْلُ, وَنَقَلَ مُهَنَّا يَسْقُطُ بِقَضَائِهِ "وهـ" لِفِعْلِ الْمَتْرُوكِ وَهُوَ قَضَاءُ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ, وَأُجِيبُ لم يفعله لدليل المسألة قبلها..
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 الموقوف رواه مالك في الموطأ "1/319" والمرفوع عزاه ابن حجر في باب المواقيت في كتاب الحج لابن حجر التلخيص الحبير "2/229".
2 "2/449".(5/313)
فَصْلٌ: يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ قَبْلَ الْمِيقَاتِ
وَيَصِحُّ, قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ أَعْجَبُ إلَيَّ, وَقَالَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَالْمُغْنِي1 وَالْمُسْتَوْعِبُ وَغَيْرُهُمْ "وم" لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يُحْرِمْ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ, وَحَجَّ مَرَّةً وَاعْتَمَرَ مِرَارًا, وَكَذَا عَامَّةُ أَصْحَابِهِ, وَأَنْكَرَهُ عُمَرُ عَلَى عِمْرَانَ, وَعُثْمَانُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ, رَوَاهُمَا سَعِيدٌ وَالْأَثْرَمُ2, قَالَ الْبُخَارِيُّ, كَرِهَهُ عُثْمَانُ3, وَكَإِحْرَامِهِ قَبْلَ مِيقَاتِهِ الزَّمَانِيِّ, وَلِعَدَمِ أَمْنِهِ مِنْ مَحْظُورٍ, وَفِيهِ مَشَقَّةٌ, كَوِصَالِ الصَّوْمِ, وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْأَمْنُ مَعَ احْتِمَالِ مَا لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ؟ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَنْبَأْنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا وَقَّتَ الْمَوَاقِيتَ قَالَ: "يَسْتَمْتِعُ الْمَرْءُ بِأَهْلِهِ وَثِيَابِهِ حَتَّى يَأْتِيَ كَذَا وَكَذَا" لِلْمَوَاقِيتِ, وَرَوَاهُ. أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ4.
وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الْجَوَازَ, وَالْمُسْتَحَبُّ الْمِيقَاتُ, هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ. وَنَقَلَ صَالِحٌ. إنْ قَوِيَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَفْضَلُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: إنْ أَمِنَ مَحْظُورًا, وَلِلشَّافِعِيِّ خِلَافٌ فِي الْأَفْضَلِ, وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي التَّرْجِيحِ, وبعض أصحابه:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "5/65".
2 وأخرج الأول الطبراني في الكبير "18/107" والثاني البيهقي في السنن الكبرى "5/31" وأوردهما ابن عبد البر في الاستذكار "11/80".
3 أورده البخاري في صحيحه إثر حديث "1559" أن عثمان كره أن يحرم من خراسان أو كرمان.
4 مسند الشافعي "1/287" ولم نجده عند أبي يعلى في مسنده.(5/314)
يَكْرَهُ, وَبَعْضُهُمْ: يَسْتَحِبُّ إنْ أَمِنَ مَحْظُورًا, لِخَبَرِ "1أم حكيم عن1" أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا "مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ غُفِرَ لَهُ" رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ2 مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ مُدَلِّسِ "الْحَدِيثِ" وَصَرَّحَ بِالسَّمَاعِ وَلِأَحْمَدَ3 مِنْ رِوَايَتِهِ وَصَرَّحَ بِالسَّمَاعِ "مَنْ أَهَلَّ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" فَرَكِبَتْ أُمُّ حَكِيمٍ عَنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ حَتَّى أَهَلَّتْ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ. وَفِي لَفْظٍ لَهُ4 مِنْ رِوَايَةٍ ابْنِ لَهِيعَةَ "مَنْ أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ غَفَرَ لَهُ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" وَفِي لَفْظِ "مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ" 5 أَوْ "وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ" شَكَّ عَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَيَّتَهمَا قَالَ: إسْنَادُهُ جَيِّدٌ, لَيْسَ فِيهِ ابْنُ إِسْحَاقَ, وَلَا وَجْهَ لِلْكَلَامِ فِيهِ مِنْ قِبَلِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ, فَإِنَّهُ ثِقَةٌ عِنْدَهُمْ يُحْتَجُّ بِهِ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ, وَانْفَرَدَ ابْنُ سَعْدٍ بِقَوْلِهِ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ, فالجواب عن هذا الخبر. بِتَضْعِيفِهِ نَظَرٌ, وَكَذَا جَوَابُ الْقَاضِي: قَوْلُهُ: "مَنْ أَهَلَّ" مَعْنَاهُ: مَنْ قَصْدَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَيَكُونُ إحْرَامُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ. وَقَالَ الشَّيْخُ: يَحْتَمِلُ اخْتِصَاصَ هَذَا بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدَيْنِ بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ, وَلِذَلِكَ أَحْرَمَ ابْنُ عمر منه6 ولم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"الثَّانِي" قَوْلُهُ, رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ مُدَلِّسٍ, كَذَا فِي النُّسَخِ, وَصَوَابُهُ: وهو مدلس, أو وابن إسحاق مدلس.
__________
1 1 ليست في "ط".
2 في سننه "3001".
3 في مسنده "26558".
4 في مسنده "26557".
5 أخرجه أبو داود "1741".
6 أخرجه مالك في الموطأ "1/331" أن ابن عمر أهل من إيلياء.(5/315)
يَكُنْ يُحْرِمُ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا مِنْ الْمِيقَاتِ. وَعِنْدَ الظَّاهِرِيَّةِ: لَا يَصِحُّ الْإِحْرَامُ قَبْلَ الْمِيقَاتِ, وَذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ الصِّحَّةَ إجْمَاعًا; لِأَنَّهُ فِعْلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ, وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ قَبْلَ الْمُخَالِفِ: لَا يَصِحُّ.(5/316)
فَصْلٌ: يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ,
وَيَصِحُّ حَجُّهُ "وهـ م" نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ وَشِنْدِيّ: يَلْزَمُهُ الْحَجُّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ فَسْخَهُ بِعُمْرَةٍ فَلَهُ ذَلِكَ. قَالَ الْقَاضِي: بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي فَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ, وَعَنْ أَحْمَدَ: تَنْعَقِدُ عُمْرَةً, اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَابْنُ حَامِدٍ "وش" وَدَاوُد, وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: يَجْعَلُهُ عُمْرَةً, ذَكَرَهُ الْقَاضِي مُوَافِقًا لِلْأَوَّلِ, وَلَعَلَّهُ أَرَادَ إنْ صَرَفَهُ إلَى عُمْرَةٍ1 أَجْزَأَ عَنْهَا وَإِلَّا تَحَلَّلَ بِعَمَلِهَا وَلَا يُجَزِّئُ عَنْهَا. وَقَوْلُ: يَتَحَلَّلُ بِعَمَلِهَا وَلَا يُجَزِّئُ عَنْهَا. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: يُكْرَهُ, قَالَ الْقَاضِي: أَرَادَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ, وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الْعُكْبَرِيُّ رِوَايَةً: لَا يَجُوزُ, وَجْهُ الْأَوَّلِ {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] وكلها مواقيت. للناس, فكذا للحج,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 بعدها في "ب" "أخرى".(5/316)
وَأَحَدُ الْمِيقَاتَيْنِ كَمِيقَاتِ الْمَكَانِ, وَقَوْلُهُ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ} [البقرة: 197] أَيْ مُعْظَمُهُ فِيهَا, كَقَوْلِهِ: "الْحَجُّ عَرَفَةَ" 1, أَوْ أَرَادَ حَجَّ الْمُتَمَتِّعِ.
وَإِنْ أَضْمَرَ الْإِحْرَامَ أَضْمَرْنَا الْفَضِيلَةَ. وَالْخَصْمُ يُضْمِرُ الْجَوَازَ, وَالْمُضْمَرُ لَا يَعُمُّ, وَقَوْلُ الْخَصْمِ: الْحَجُّ مُجْمَلٌ فِي الْقُرْآنِ بَيَّنَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِفِعْلِهِ وَقَالَ: "خُذُوا عَنِي مَنَاسِكَكُمْ" 2 أَجَابَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: بَيْنَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْوَاجِبِ وَالْمُسْتَحَبِّ, وَيَجِبُ عَلَيْنَا أَخْذُ الْمُسِنُّونَ مِنْهُ كَالْوَاجِبِ, وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إلَّا فِي شَهْرِ الْحَجِّ3, عَلَى الِاسْتِحْبَابِ, وَالْإِحْرَامُ تَتَرَاخَى الْأَفْعَالُ عَنْهُ, فَهُوَ كالطهارة ونية الصوم, بخلاف الصلاة والصوم,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 رواه أبو داود "1949" والترمذي "889" والنسائي في المجتبى "5/256, 264" وابن ماجه "3015" عن عبد الرحمن بن يعمر الديلمي.
2 أخرجه مسلم "1297" "310".
3 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "4/343".(5/317)
وَأَمَّا أَبُو الْخَطَّابِ فَقَالَ: الْإِحْرَامُ عِنْدَنَا شَرْطٌ; لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِالنِّيَّةِ, وَهِيَ مُجَرَّدُ الْعَزْمِ أَوْ الْقَصْدِ إلَى فِعْلِ الْحَجِّ, وَالْعَزْمُ عَلَى الْفِعْلِ غَيْرُ الْفِعْلِ, فَلَمْ يَكُنْ مِنْ جُمْلَةِ الْفِعْلِ, وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رُكْنٌ, فَلَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَى وَقْتِ العبادة كبقية الأركان.(5/318)
فصل: أشهر الحج شَوَّالُ وَذُو الْقِعْدَةِ وَعَشْرُ "ذِي", الْحِجَّةِ. مِنْهُ يَوْمُ النَّحْرِ,
وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ, نَصَّ عَلَى ذَلِكَ "أَحْمَدُ", "وهـ" وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: آخِرُهُ لَيْلَةُ النَّحْرِ, وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ. وَعِنْدَ مَالِكٍ: جَمِيعُ الْحِجَّةُ مِنْهَا. وَجْهُ الْأَوَّلِ: رَوَى الْبُخَارِيُّ1 عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَنْ يَوْمِ النَّحْرِ "يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ" , وَالْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ "أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالُ وَذُو الْقِعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ" 2 وَلِلنَّجَّادِ وَالدَّارَقُطْنِيّ3 مِثْلُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ. وَلَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ خِلَافِهِ عَنْ غَيْرِهِمْ.
قَالَ الْقَاضِي: وَالْعَشْرُ بِإِطْلَاقِهِ لِلْأَيَّامِ شَرْعًا. قَالَ تَعَالَى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة: 234] وقال هو والشيخ وغيرهما:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في صحيحه تعليقا بعد حديث "1742".
2 رواه البخاري تعليقا قبل حديث "1560".
3 في سننه "2/226 – 227".(5/318)
الْعَرَبُ تُغَلِّبُ التَّأْنِيثَ فِي الْعَدَدِ خَاصَّةً لَسَبَقَ اللَّيَالِي فَتَقُولُ: سِرْنَا1 عَشْرًا: وقَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [البقرة: 197] أَيْ فِي أَكْثَرِهِنَّ, وَإِنَّمَا فَاتَ الْحَجُّ بِفَجْرِ يَوْم النَّحْرِ لِفَوَاتِ الْوُقُوفِ لَا لِخُرُوجِ وَقْتِ الْحَجِّ. وَقَوْلُهُ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ} [البقرة: 197] أَيْ فِي بَعْضِهَا, كَقَوْلِهِ: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً} [نوح: 16] ثُمَّ الْجَمْعُ يَقَعُ عَلَى اثْنَيْنِ وَعَلَى بَعْضٍ آخَرَ كَعِدَّةِ ذَات الْقُرُوءِ.
وَعِنْدَ مَالِكٍ: شَوَّالُ وَذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ, وَاخْتَارَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَعَلُّقُ الْحِنْثِ بِهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ جَوَازُ الْإِحْرَامِ فِيهَا, وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ, على خلاف سبق2. وعند
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"الثَّالِثُ" قَوْلُهُ: ثُمَّ الْجَمْعُ يَقَعُ عَلَى اثْنَيْنِ وَعَلَى بَعْضٍ آخَرَ. كَذَا فِي النُّسَخِ وَصَوَابُهُ يَقَعُ عَلَى اثْنَيْنِ وَبَعْضٍ آخَرَ. بِإِسْقَاطِ "عَلَى" نَبَّهَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا, فَفِي هَذَا الْبَابِ مَسْأَلَتَانِ. والله أعلم.
__________
1 في "ب" "سريا".
2 ص "316".(5/319)
مَالِكٍ: تَعَلُّقُ الدَّمِ بِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْهَا. وَقَالَ الْمُتَوَلِّي مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: لَا فَائِدَةَ فِيهِ إلَّا فِي كَرَاهَةِ الْعُمْرَةِ عِنْدَ مَالِكٍ فِيهَا. وَحُجَّةُ أَبِي بَكْرٍ لَمَّا بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ فِي ذِي الْحِجَّة, عِنْدَ أَحْمَدَ, وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ أُنَادِي يَوْم الْحَجِّ الْأَكْبَرِ1, قَالَ أَحْمَدُ: فَهَلْ هَذَا إلَّا فِي ذِي الْحِجَّةِ, رواه البيهقي في مناقب أَحْمَدَ.
وَالْأَشْهَرُ فِي ذِي الْقِعْدَةِ, وَذَكَرَهُ شَيْخُنَا اتِّفَاقًا, فَعَلَى هَذَا قَالَ فِي الْخِلَافِ: مَنْ حَجَّ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ لَمْ يَسْقُطْ فَرْضُهُ, فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحُجَّ عَلَى وَجْهٍ يَقَعُ بِهِ الْإِجْزَاءُ يُقْتَدَى بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ, وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ احْتَجَّ مَنْ قَالَ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ بِعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ" 2 فَأَجَابَ: يَحْتَمِلُ. أَنَّهُ قَالَهُ لِمَنْ حَجَّ فِي سَنَةِ تِسْعٍ مَعَ أَبِي بَكْرٍ, كَذَا قَالَ, وَهَذَا اللَّفْظُ لَا نُسَلِّمُ صِحَّتَهُ, وَالْمَعْرُوفُ "مَنْ أَحَبَّ أن يحرم في عمرة فليفعل" 3.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 رواه البيهقي في السنن الكبرى "9/186 – 207".
2 رواه الحاكم "1/484" وصححه وأقر الذهبي.
3 لم نقف عليه.(5/320)
فصل: الْعُمْرَةُ فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ,
فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ "عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حِجَّةً" أَوْ قَالَ: "حِجَّةً مَعِي" وَرَوَوْا أَيْضًا "تَعْدِلُ" 4, وَلِأَبِي دَاوُد5 "تَعْدِلُ حِجَّةً مَعِي عمرة في رمضان" ,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
3 لم نقف عليه.
4 أحمد "2925" والبخاري "1863" ومسلم "1226" "221".
5 في سننه "1819".(5/320)
قَالَ بَعْضُهُمْ: فِي الثَّوَابِ.
وَقَالَتْ أُمُّ مَعْقِلٍ لِزَوْجِهَا: قَدْ عَلِمْت أَنَّ عَلَيَّ حِجَّةٌ, إلَى أَنْ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ قَدْ سَقِمْت وَكَبِرْت, فَهَلْ مِنْ عَمَلٍ يُجْزِئُ عَنِّي مِنْ حِجَّتِي؟ فَقَالَ: "عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تُجْزِئُ حِجَّةً" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد1.
وَفِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَفْضَلُ عِنْدَنَا, ذَكَرَهُ فِي الْخِلَافِ, قَالَ: لِأَنَّهُ يَكْثُرُ الْقَصْدُ إلَى الْبَيْتِ فِي كُلِّ السَّنَةِ وَيَتَّسِعُ الْخَيْرُ عَلَى أَهْلِ الْحَرَمِ, وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ, نَقَلَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ "هِيَ" فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ, وَفِي غَيْرِ أَشْهُرِ. الْحَجِّ أَفْضَلُ, وَكَذَا نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ, قَالَ: لِأَنَّهَا أَتَمُّ; لِأَنَّهُ يُنْشِئُ لَهَا سَفَرًا, وَرُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ عُمَرَ2 وَعُثْمَانَ3 وَعَلِيٍّ, قَالَ فِي الْخِلَافِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ: إنَّمَا قَالَ أَحْمَدُ ذَلِكَ فِي عُمْرَةٍ لَا تَمَتُّعَ بِهَا, بِدَلِيلِ مَا قَدَّمْنَا عَنْهُ مِنْ الْقَوْلِ, وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةِ التَّسْوِيَةِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: وَقِيلَ: يُحْمَلُ قَوْلُهُ: إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ يَكُونُ فِعْلُهَا فِي غَيْرِهَا أَفْضَلُ; لِأَنَّ التَّشَاغُلَ بِالْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْ الْعُمْرَةِ, وَلِأَبِي دَاوُد4 بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر عمرتين:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أحمد "27107" وأبو داود "1988".
2 أخرجه مالك في الموطأ أم عمر بن الخطاب قال: افصلوا بين حجكم وعمرتكم فإن ذلك أتم لحج أحدكم وأتم لعمرته أن يعتمر في غير أشهر الحج.
3 أخرجه مالك في الموطأ "1/347" أن عثمان بن عفان كان إذا اعتمر ربما لم يحطط عن راحلته حتى يرجع.
4 في سننه "1991ط.(5/321)
عُمْرَةً فِي ذِي الْقِعْدَةِ وَعُمْرَةً فِي شَوَّالٍ.
وَلِلشَّافِعِيِّ1 بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ عَلِيٍّ: فِي كُلِّ شَهْرٍ عُمْرَةٌ, وَسَبَقَ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ كَلَامُ الْمُتَوَلِّي عَنْ مَالِكٍ2.
وَلَا يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ بِهَا يَوْمَ عَرَفَةَ وَالنَّحْرِ وَالتَّشْرِيقِ, نَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: يَعْتَمِرُ مَتَى شَاءَ "وم ش" وَدَاوُد, كَالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ, وَكَالطَّوَافِ الْمُجَرَّدِ, وَكَبَقِيَّةِ الْأَيَّامِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ وَلَا دَلِيلَ, وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً: يُكْرَهُ "وهـ" رَوَاهُ النِّجَادُ عَنْ عَائِشَةَ, وَلِلْأَثْرَمِ عَنْهَا: يَوْمَ النَّحْرِ وَيَوْمَيْنِ مِنْ التَّشْرِيقِ3, فَقَدْ اخْتَلَفَ وَهُوَ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ; لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي إحْرَامِهَا وَلَيْسَ مِنْهَا وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً: يُكْرَهُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ, وَنَقَلَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ فِيمَنْ وَاقَعَ قَبْلَ الزِّيَارَةِ: يَعْتَمِرُ إذَا انْقَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ.
قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُهُ لَمْ يَرَ الْعُمْرَةَ فِيهَا, وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ, لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: الْعُمْرَةُ بَعْدَ الْحَجِّ لَا بَأْسَ بِهَا, كَذَا قَالَ, وَإِنَّمَا أَرَادَ أَحْمَدُ لَا يُحْرِمُ بِهَا مَعَ الْمَبِيتِ وَالرَّمْيِ, كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ لِأَهْلِ مِنًى فِي الْخَمْسَةِ الْأَيَّامِ المذكورة, ويجوز لغيرهم, والاختيار تركه..
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في مسنده "1/379".
2 ص "320".
3 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه نشرة العمري ص "86".(5/322)
باب الإحرام
مدخل
...
باب الإحرام
وَهُوَ نِيَّةُ النُّسُكِ, لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِنِيَّةٍ, وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ ضَعِيفٌ: يَنْعَقِدُ بِالتَّلْبِيَةِ.
وَنِيَّةُ النُّسُكُ كَافِيَةٌ, نَصَّ عَلَيْهِ "وم ش" وَفِي الِانْتِصَارِ رِوَايَةٌ: مَعَ تَلْبِيَةٍ أَوْ سَوْقِ هَدْيٍ "وهـ" اخْتَارَهَا شَيْخُنَا, وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ, وَحَكَى قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ, وَبَعْضُهُمْ حَكَى قَوْلًا: يَجِبُ, وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ, وَابْنُ حَبِيبٍ1 الْمَالِكِيُّ اعْتَبَرَ مَعَ النِّيَّةِ التَّلْبِيَةِ. وَجْهُ الْأَوَّلِ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ لَيْسَ فِي آخِرِهَا نُطْقٌ وَاجِبٌ, فَكَذَا أَوَّلُهَا, كَصَوْمٍ, بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَبِخِلَافِ هَدْيٍ وَأُضْحِيَّةٍ فَإِنَّهُ إيجَابُ مَالٍ, كَالنَّذْرِ.
وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا لَا يَجِبُ فَلَا يَجِبُ تَابِعُهُ, ثُمَّ للندب, لما سبق,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 هو أبو مروان عبد الملك بن حبيب بن سليمان بن هارون السلمي العباسي القرطبي المالكي "ت 23هـ" سير أعلام النبلاء "12/102".(5/323)
وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ: تَجِبُ التَّلْبِيَةُ, وَالِاعْتِبَارُ بِمَا نَوَاهُ لَا بِمَا سَبَقَ لِسَانُهُ إلَيْهِ "و" قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَيْهِ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ مَالِكٌ: الِاعْتِبَارُ بِالْعَقْدِ دُونَ النِّيَّةِ.
وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَهُ التَّنَظُّفُ لَهُ بِأَخْذِ شَعْرٍ وَظُفْرٍ وَنَحْوِهِمَا وَقَطْعِ رَائِحَةٍ, قَالَ إبْرَاهِيمُ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ ذَلِكَ. ثُمَّ يَلْبَسُونَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِمْ رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَسَبَقَ أَنَّهُ يَغْتَسِلُ لَهُ1.
وَهَلْ يَتَيَمَّمُ لِعَدَمٍ أَمْ لَا؟ وَلَا يَضُرُّ حَدَثُهُ بَعْدَ غُسْلِهِ قَبْلَ إحْرَامِهِ. وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ لِلْحَنَفِيَّةِ: لَمْ يَنَلْ فَضْلَهُ, كَالْجُمُعَةِ, كَذَا فِي كَلَامِهِمْ.
وَيُسْتَحَبُّ لَهُ التَّطَيُّبُ, سَوَاءً بَقِيَ عَيْنُهُ. كَالْمِسْكِ, أَوْ أَثَرُهُ كَالْبَخُورِ "وهـ ش" وَلَفْظُ أَحْمَدَ, لَا بَأْسَ أَنْ يَتَطَيَّبَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ, لِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ, وَيَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ2. ولمسلم3: كأني أنظر إلى وبيص
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "1/264".
2 البخاري "267" ومسلم "1191" واللفظ له.
3 في صحيحه "1190" "39". والوبيض: البرق.(5/324)
الطِّيبِ فِي مَفْرِقِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَهَذَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ, وَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ وَعُثْمَانَ1, وَذَكَرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ عَنْ مَالِكٍ: لَا يَجُوزُ. وَإِنْ اسْتَدَامَهُ فَلَا كَفَّارَةَ, لِخَبَرِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ رَجُلًا أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ, مُتَضَمِّخٌ بِالْخَلُوقِ. وَأَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "أَمَّا الطَّيِّبُ فَاغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَأَمَّا الْجُبَّةَ فَانْزَعْهَا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2, وَهَذَا عَامَ حُنَيْنٍ سَنَةَ ثَمَانٍ بِلَا خِلَافٍ, قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ, مَعَ أَنَّ التَّزَعْفُرَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِلرَّجُلِ مُطْلَقًا. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مَنْعِ ابْتِدَائِهِ مَنْعُ اسْتِدَامَتِهِ, كَالنِّكَاحِ. وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ سَوَاءٌ. عَنْ عَائِشَةَ: كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مَكَّةَ فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالسُّكِّ3 الْمُطَيِّبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ, فَإِذَا عَرِقَتْ إحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا, فَيَرَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَنْهَانَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد4.
وَالْمَذْهَبُ: يُكْرَهُ تَطْيِيبُ ثَوْبِهِ. وَحَرَّمَهُ الْآجُرِّيُّ. وَقِيلَ: هُوَ كَبَدَنِهِ, وَهُوَ أَصَحُّ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَإِنْ نَقَلَهُ مِنْ بَدَنِهِ مِنْ مَكَان إلَى آخَرَ أَوْ نَقَلَهُ عَنْهُ ثُمَّ رَدَّهُ أَوْ مَسَّهُ بِيَدِهِ أَوْ نَزَعَهُ ثُمَّ لبسه فدى, بخلاف سيلان بعرق وشمس.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أثر عمر أخرجه مالك في الموطأ "1/329" وأثر ابن عمر أخرجه أحمد "25421" وأما أثر عثمان فأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه نشرة العمري ص "197 – 198" وفيه أن إبراهيم رأى رجلا قد تطيب. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . والصواب أن عثمان رأى رجلا قد تطيب..... انظر التمهيد "19/308".
2 البخاري "1536" مسلم "1180" "8".
3 في النسخ و"ط" "المسك" والمثبت من مصدر التخريج وحاشية ابن قندس.
4 في سننه "1830".(5/325)
وَيُسْتَحَبُّ لُبْسُهُ1 إزَارًا وَرِدَاءً أَبْيَضَيْنِ2 نَظِيفِينَ, وَنَعْلَيْنِ, بَعْدَ تَجَرُّدِ الرَّجُلِ عَنْ الْمَخِيطِ, لَفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ3, وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا "لِيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ" رَوَاهُ أَحْمَدُ4, قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ ذَلِكَ. وَفِي تَبْصِرَةِ الْحَلْوَانِيِّ: إخْرَاجُ كَتِفِهِ الْأَيْمَنِ مِنْ الرِّدَاءِ أَوْلَى, وَيَجُوزُ إحْرَامُهُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ. وَفِي التَّبْصِرَةِ: بَعْضُهُ على عاتقه.(5/326)
فَصْلٌ: ثُمَّ يُحْرِمُ عَقِيبَ مَكْتُوبَةٍ أَوْ نَفْلٍ,
نَصَّ عَلَيْهِ "وهـ" قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ5: هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ الْبَغَوِيّ: عَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ, وَعَنْهُ: عَقِيبَهَا, وَإِذَا رَكِبَ وَإِذَا سَارَ سَوَاءٌ, وَاخْتَارَ شَيْخُنَا عَقِبَ فَرْضٍ إنْ كَانَ وَقْتُهُ, وَإِلَّا فَلَيْسَ لِلْإِحْرَامِ صَلَاةٌ تَخُصُّهُ, وَعِنْدَ مَالِكٍ: إذَا رَكِبَ; لِأَنَّهُ أَصَحُّ مِنْ غَيْرِهِ; لِأَنَّهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ6 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَلِلْبُخَارِيِّ7 مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَقَالَ: رَوَاهُ أَنَسٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ. وَفِي الْمُوَطَّإِ8 عَنْ عُرْوَةَ مُرْسَلًا: كَانَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ, فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ أَهَلَّ, وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي الصَّحِيحِ أَظُنُّهُ من حديث ابن عمر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ب" "لبسها".
2 في "ب" "أبيض".
3 روى الترمذي "830" عن زيد بن ثابت قال: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجرد لإهلاله واغتسل.
4 في مسنده "4899".
5 هو أبو الحسن علي بن خلف بن بطال البكري القرطبي ويعرف بابن اللحام "ت 449 هـ" سير أعلام النبلاء "8/4 7".
6 البخاري "1552" ومسلم "1187" "25".
7 في صحيحه "1515".
8 "1/332".(5/326)
وَإِنَّ اسْتِحْبَابَ الرَّكْعَتَيْنِ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ, وَلَا يَرْكَعُهُمَا وَقْتَ نَهْيٍ. وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ خِلَافُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَلَا مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ, وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِنَا, وَأَظْهَرُهُمَا إذَا سَارَ, رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ1 عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَلَمَّا عَلَا عَلَى جَبَلِ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ.
وَجْهُ الْأَوَّلِ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي خُصَيْفٌ الْجَزَرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: عَجَبًا "2لِاخْتِلَافِ أَصْحَابُ2" رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إهْلَالِهِ, فَقَالَ: إنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ, خَرَجَ حَاجًّا, فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْهِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْهُمَا, فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ فَحَفِظُوا عَنْهُ, فَلَمَّا اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ أَهَلَّ, فَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ فَحَفِظُوا عَنْهُ, وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ إنَّمَا كَانُوا يَأْتُونَ أَرْسَالًا, فَقَالُوا: إنَّمَا أَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ, فَلَمَّا عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ, فَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ3 أَقْوَامٌ4 فَقَالُوا إنَّمَا أَهَلَّ حِينَ عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد5. وَفِي لَفْظٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ. رواه جماعة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أحمد "13153" وأبو داود "1774" والنسائي في المجتبى "5/127".
2 2 في النسخ الخطية "لأصحاب" والمثبت من "ط".
3 ليست في النسخ والمثبت من "ط".
4 في "ب" "قوم".
5 أحمد "2358" وأبو داود "1770".(5/327)
مِنْهُمْ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ1 مِنْ رِوَايَةِ خُصَيْفٍ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَقَالَ: هُوَ الَّذِي يَسْتَحِبُّهُ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنْ يُحْرِمَ دُبُرَ الصَّلَاةِ, وَأَكْثَرُهُمْ يُوَثِّقُ ابْنَ إِسْحَاقَ وَيَخْشَى مِنْهُ التَّدْلِيسَ. وَقَدْ زَالَ. وَخُصَيْفٌ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَابْنُ سَعْدٍ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: صَالِحٌ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: إذَا حَدَّثَ عَنْهُ ثِقَةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ: كُنَّا نَجْتَنِبهُ. وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ, وَفِيهِ زِيَادَةٌ وَجَمَعَ بَيْنَ الْأَخْبَارِ وَأَحْوَطُ وَأَسْرَعُ إلَى الْعِبَادَةِ فَهُوَ أَوْلَى, وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ إنْ كَانَ لِلْمِيقَاتِ مَسْجِدٌ اُسْتُحِبَّ صَلَاةُ. الرَّكْعَتَيْنِ فِيهِ, وَقَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ عِنْدَ إحْرَامِهِ, صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ2. وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَيْضًا.
وَيُسْتَحَبُّ تَعْيِينُ النُّسُكِ لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَفِعْلِ مَنْ مَعَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ3, وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ: إطْلَاقُ الْإِحْرَامِ أَفْضَلُ.
وَيُسْتَحَبُّ "وهـ ش"4 قَوْلُهُ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ نُسُكَ كَذَا فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ "مِنِّي". وَلَمْ يَذْكُرُوا هَذَا فِي الصَّلَاةِ لِقِصَرِ مُدَّتِهَا وَتَيَسُّرِهَا5 عَادَةً وَذَكَرَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ فِيهَا, وَكَلَامُهُ فِي الرِّعَايَةِ هُنَا فِيهِ نَظَرٌ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْتَرِطَ: وَمَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي أَوْ مَعْنَاهُ, نَحْوُ أريد كذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 النسائي في المجتبى "5/162" والترمذي "819".
2 أخرجه البخاري "1553".
3 أخرجه البخاري "1557".
4 من أول باب الإحرام إلى هنا سقط من الأصل.
5 في الأصل و"س" "تيسيرها".(5/328)
إنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا فَلَا حَرَجَ عَلَيَّ, أَوْ قَوْلُ عَائِشَةَ لِعُرْوَةِ: قُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَإِنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا فَعُمْرَةٌ "وش" لِقَوْلِ ضُبَاعَةَ1: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَأَجِدُنِي وَجِعَةً, فَقَالَ: "حُجِّي وَاشْتَرِطِي, وَقُولِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2, زَادَ النَّسَائِيُّ3 فِي رِوَايَةٍ إسْنَادُهَا جَيِّدٌ "فَإِنَّ لَك عَلَى رَبِّك مَا اسْتَثْنَيْت" , وَلِأَحْمَدَ4 بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ "فَإِنْ حُبِسْت أَوْ مَرِضْت فَقَدْ حَلَلْت مِنْ ذَلِكَ بِشَرْطِك عَلَى رَبِّك" , فَمَتَى حُبِسَ بِمَرَضٍ وَخَطَإِ طَرِيقٍ وَغَيْرِهِ حَلَّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ, نَصَّ عَلَيْهِ.
قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ هَدْيٌ فَيَلْزَمُهُ نَحْرُهُ, وَلَوْ قَالَ: فَلِي أَنْ أَحِلَّ خَيْرٌ, وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَحِلَّ مَتَى شَاءَ أَوْ إنْ أَفْسَدَهُ لَمْ يَقْضِهِ لَمْ يَصِحَّ, ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ; لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ فِي ذَلِكَ. وَقِيلَ: يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ بِقَلْبِهِ5, لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْإِحْرَامِ, وَيَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ, فَكَذَا هُوَ, وَاسْتَحَبَّ شَيْخُنَا الِاشْتِرَاطَ لِلْخَائِفِ6 خَاصَّةً, جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: إنْ اشْتَرَطَ فَلَا بَأْسَ.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ: لَا فَائِدَةَ فِي الِاشْتِرَاطِ, لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كان ينكر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 هي ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب الهاشمية بنت عم رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ المهاجرات لها أحاديث يسيرة "ت بعد 40 هـ" سير أعلام النبلاء "2/274".
2 البخاري "5089" ومسلم "1207" "104".
3 في المجتبى "5/168".
4 في مسنده "6/419".
5 في الأصل "لقلبه".
6 في "ب" "للحالف".(5/329)
الِاشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ وَيَقُولُ: أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يشترط؟ رواه النسائي, وصححه الترمذي1.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 النسائي في السنن الكبرى "3750" والترمذي "942".(5/330)
فصل: يخير بين التمتع والإفراد والقران ذكره جماعة إجماعا,
...
فَصْلٌ: يُخَيَّرُ بَيْنِ التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ "و" ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ إجْمَاعًا,
قَالَتْ عَائِشَةُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: "مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ, وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيُهْلِلْ, وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهْلِلْ" قَالَتْ: وَأَهَلَّ بِالْحَجِّ وَأَهَلَّ بِهِ نَاسٌ مَعَهُ, وَأَهَلَّ مَعَهُ نَاسٌ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ, وَأَهَلَّ نَاسٌ بِعُمْرَةٍ, وَكُنْت فِيمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2. وَفِي مُسْلِمٍ3 عَنْهَا لَا نَرَى إلَّا الْحَجَّ. وَفِيهِ أَيْضًا4 خَرَجْنَا مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ, وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ الْأَكْثَرُ عَنْهَا. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ5: "مَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهْلِلْ, فَلَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْت لَأَهْلَلْت بِعُمْرَةٍ" وَفِي الصَّحِيحَيْنِ6 عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْهَا بِعُمْرَةٍ, وَعِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ: لَا يَجُوزُ إلَّا التَّمَتُّعُ, وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ7 وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ, وَطَائِفَةٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ نَهَوْا عَنْ التَّمَتُّعِ وعاقبوا من تمتع. وكره التمتع عمر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
2 البخاري "1562" مسلم "1211" "114".
3 برقم "1211" "116".
4 برقم "1211" "123".
5 البخاري "1568" ومسلم "1211" "115".
6 البخاري "15698" ومسلم "1211" "136".
7 أخرجه الشافعي في مسنده "1/375".(5/330)
وَعُثْمَانُ. وَمُعَاوِيَةُ وَابْنُ الزُّبَيْرِ1 وَغَيْرُهُمْ. وَبَعْضُهُمْ: وَالْقِرَانَ, رَوَى الشَّافِعِيُّ2 عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُهُ, وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيهِمَا, فَمِنْ مُوجِبٍ لِذَلِكَ, وَمِنْ مَانِعٍ, وَمِنْ كَارِهٍ, وَمِنْ مُسْتَحِبٍّ وَمِنْ مُبِيحٍ.
وَأَفْضَلُ الْأَنْسَاكِ التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْإِفْرَادُ ثُمَّ الْقِرَانُ, قَالَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ "وَعَبْدِ اللَّهِ" الَّذِي يَخْتَارُ الْمُتْعَةَ; لِأَنَّهُ آخَرُ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَهُوَ يَعْمَلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: سَمِعْته يَقُولُ: نَرَى التَّمَتُّعَ أَفْضَلَ, وَسَمِعْته قَالَ لِرَجُلٍ يُرِيدُ أَنْ يَحُجَّ عَنْ أُمِّهِ: تَمَتُّعٌ أَحَبُّ إلَيَّ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم: كَانَ اخْتِيَارُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الدُّخُولَ بِعُمْرَةٍ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت مَا سُقْت الْهَدْيَ وَلَأَحْلَلْت مَعَكُمْ" 3, وَسَمِعْته يَقُولُ: الْعُمْرَةُ كَانَتْ آخَرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ; لِأَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا4 مِنْ طُرُقٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ لَمَّا طَافُوا وَسَعَوْا أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً إلَّا مَنْ سَاقَ هَدْيًا, وَثَبَتَ عَلَى إحْرَامِهِ لِسَوْقِهِ الْهَدْيَ وَتَأَسَّفَ, كَمَا سَبَقَ, وَلَا يَنْقُلُهُمْ إلَّا إلَى الْأَفْضَلِ, وَلَا يَتَأَسَّفُ إلَّا عَلَيْهِ, فَإِنْ قِيلَ: لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْفَسْخِ لِفَضْلِ التَّمَتُّعِ, بَلْ لِاعْتِقَادِهِمْ عَدَمَ جَوَازِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ, رد: لم يعتقدوه. ثم لو كان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أما حديث عمر فأخرجه البخاري "1724" ومسلم "1221" "154" وأما حديث عثمان فأخرجه مسلم "1223" وأما حديث معاوية فأخرجه مسلم "1225" "164" وأما حديث ابن الزبير فأخرجه أحمد في مسنده "26962".
2 في مسنده "1/371".
3 أخرجه البخاري "2505" ومسلم "1216" "141".
4 البخاري "2505: ومسلم "1216" "144" وأبو داود "1783".(5/331)
لَمْ يَخُصَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ؟ لِأَنَّهُمْ سَوَاءٌ فِي الِاعْتِقَادِ, ثُمَّ لَوْ كَانَ, لَمْ يَتَأَسَّفْ لِاعْتِقَادِهِ جَوَازَهَا فِيهَا وَجَعَلَ الْعِلَّةَ فِيهِ سَوْقَ الْهَدْيِ؟ وَلِأَنَّ التَّمَتُّعَ فِي الْكِتَابِ دُونَ غَيْرِهِ.
قَالَ عِمْرَانُ: نَزَلَتْ آيَةُ التَّمَتُّعِ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَأَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ثُمَّ لَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُ آيَةَ مُتْعَةِ الْحَجِّ, لَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, رواه مسلم وغيره1, وللبخاري2 معناه, ولإتيانه بأفعالهما3 كَامِلَةً عَلَى وَجْهِ الْيُسْرِ, وَصَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا4, وَقَوْلُهُ: "إنَّ هَذَا الدَّيْنَ يُسْرٌ" 5 وَقَوْلُهُ: "بُعِثْت بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ" 6.
وَتُجَزِّئُ عُمْرَةُ التَّمَتُّعِ, بِلَا خِلَافٍ, وَفِي عُمْرَةِ الْإِفْرَادِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ وَعُمْرَةُ الْقِرَانِ الْخِلَافُ; وَلِأَنَّ عَمَلَ الْمُفْرَدِ أَكْثَرُ مِنْ الْقَارِنِ, فَكَانَ أَوْلَى; وَلِأَنَّ فِي التَّمَتُّعِ زِيَادَةٌ عَلَى الْإِفْرَادِ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُوَازِيه7 وَهُوَ الدَّمُ, وَهُوَ دَمُ نُسُكٍ لَا جُبْرَانَ, وَإِلَّا لَمَا أُبِيحَ لَهُ التَّمَتُّعُ بِلَا عُذْرٍ, لِعَدَمِ جَوَازِ إحْرَامٍ نَاقِصٍ يَحْتَاجُ أَنْ يَجْبُرَهُ8 بِدَمٍ قَالَ فِي رِوَايَةِ أبي طالب: إذا دخل بعمرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 مسلم "1226" "165" وابن ماجه "2978".
2 في صحيحه "1571".
3 في الأصل و"ط" "بأفعالها".
4 أخرجه البخاري "3560" ومسلم "23327" عن عائشة.
5 أخرحه البخاري "39" عن أبي هريرة.
6 أخرجه أحمد "22291" وعلقه البخاري إثر حديث "39".
7 في "س" يوازيه.
8 في "ب" "يخيره".(5/332)
يَكُونُ قَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ حَجَّةً وَعُمْرَةً وَدَمًا.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ دَمُ نُسُكٍ لَمْ يَدْخُلْهُ الصَّوْمُ كَالْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ, وَلَا يَسْتَوِي فِيهِ جَمِيعُ الْمَنَاسِكِ, قِيلَ: دُخُولُ الصَّوْمِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ نُسُكًا; وَلِأَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ وَالْقُرَبُ يَدْخُلُهَا الْإِبْدَالَ, وَاخْتِصَاصُهُ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ نُسُكًا, كَالْقِرَانِ نُسُكٌ وَيَقْتَصِرُ عَلَى طَوَافٍ وَسَعْيٍ; وَلِأَنَّ سَبَبَ التَّمَتُّعِ مِنْ جِهَتِهِ, كَمَنْ نَذْرَ حِجَّةً يُهْدِي فِيهَا هَدْيًا, ثُمَّ إنَّمَا اخْتَصَّ لِوُجُودِ1 سَبَبِهِ, وَهُوَ التَّرَفُّه بِأَحَدِ السَّفَرَيْنِ, فَإِنْ قِيلَ: نُسُكٌ لَا دَمَ فِيهِ أَفْضَلُ كَإِفْرَادٍ لَا دَمَ فِيهِ, رُدَّ: تَمَتُّعُ الْمَكِّيِّ وَتَمَتُّعُ غَيْرِهِ الَّذِي فِيهِ الدَّمُ سَوَاءٌ عِنْدَك.
وَإِنَّمَا كَانَ إفْرَادُ لَا دَمَ فِيهِ أَفْضَلَ; لِأَنَّ مَا يَجِبُ فِيهِ الدَّمُ دَمُ2 جِنَايَةٍ; وَلِهَذَا إفْرَادٌ فِيهِ دَمُ2 تَطَوُّعٍ. أَفْضَلُ, فَإِنْ قِيلَ: فِي الْقِرَانِ مُسَارَعَةٌ إلَى فِعْلِ الْعِبَادَتَيْنِ, وَهُوَ أَوْلَى لِلْآيَةِ وَكَالصَّلَاةِ أَوَّلَ وَقْتِهَا, قِيلَ: الْعِبْرَةُ بمسارعة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ب" "بوجود".
2 ليست في الأصل.(5/333)
شَرْعِيَّةٍ; وَلِهَذَا تَخْتَلِفُ الصَّلَاةُ أَوَّلَ وَقْتِهَا وَآخِرَهُ, وَتُؤَخَّرُ لِطَلَبِ الْمَاءِ أَوْ الْجَمَاعَةِ.
وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ: إنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَالْقِرَانُ أَفْضَلُ ثُمَّ التَّمَتُّعُ; لِأَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ1 عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا "مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا" اخْتَارَهُ شَيْخُنَا, قَالَ: وَإِنْ اعْتَمَرَ وَحَجَّ فِي سُفْرَتَيْنِ أَوْ اعْتَمَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَالْإِفْرَادُ2 أَفْضَلُ, بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ, وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى, وَذُكِرَ فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ, وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الثَّانِيَةِ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَسَبَقَتْ الثَّانِيَةُ آخِرَ الْبَابِ قَبْلَهُ3.
وَقَالَ شَيْخُنَا: وَمَنْ أَفْرَدَ الْعُمْرَةَ بِسُفْرَةٍ ثُمَّ قَدِمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ مُتَمَتِّعٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عَنْهُمْ اعْتَمَرُوا عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ ثُمَّ تَمَتَّعُوا.
وَعِنْدَ 4أَبِي حَنِيفَةَ4 الْقِرَانُ أَفْضَلُ, وَعِنْدَ مَالِكٍ الْإِفْرَادُ, وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ ثم التمتع ثم القران, وله قول:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 البخاري "1561" ومسلم "1211" "111".
2 في "ب" "والإفراد".
3 ص "321".
4 4 في "ب" و"س" "الحنفية".(5/334)
التَّمَتُّعُ, وَقَوْلٌ: الْقِرَانُ, وَمَذْهَبُهُ: شَرْطُ أَفْضَلِيَّةِ الْإِفْرَادِ أَنْ يَعْتَمِرَ تِلْكَ السَّنَةَ, فَلَوْ أَخَّرَ الْعُمْرَةَ عَنْ سَنَتِهِ فَالتَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ أَفْضَلُ مِنْهُ, لِكَرَاهَةِ تَأْخِيرِ الْعُمْرَةِ عَنْ سَنَةِ الْحَجِّ, أَمَّا حَجَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتُلِفَ فِيهَا بِحَسَبِ الْمَذَاهِبِ, حَتَّى اخْتَلَفَ كَلَامُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: هَلْ حَلَّ. مِنْ عُمْرَتِهِ؟ وَفِيهِ1 وَجْهَانِ, وَالْأَظْهَرُ قَوْلُ أَحْمَدَ: لَا شَكَّ أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا وَالْمُتْعَةُ أَحَبُّ إلَيَّ. قَالَ شَيْخُنَا: وَعَلَيْهِ مُتَقَدِّمُو أَصْحَابِهِ2 وَهُوَ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ, كَذَا قَالَ. وَجْهٌ أَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا قَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ, وَأَهْدَى فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ. وَبَدَأَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ, وَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ, فَكَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ, فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حُرِمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ, وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحْلِلْ تَمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ وَلِيُهْدِ, فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثِهِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلُهُ وَأَمَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِالْمُتْعَةِ3 وَقَالَ: سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِنَّ4. وَقَالَ نَاسٌ لِابْنِ عُمَرَ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "وفيها".
2 في "ب" "أصحابنا".
3 في "س" "بالعمرة".
4 الحديث الأول عن ابن عمر أخرجه البخاري "1691" ومسلم "1227" "174" والحديث الثاني عن عائشة أخرجه البخاري "1692" ومسلم "1228" "175" والحديث عن ابن عباس أخرجه البخاري "1688" ومسلم "1242" "204".(5/335)
كَيْفَ تُخَالِفُ أَبَاك وَقَدْ نَهَى عَنْهَا؟ فَقَالَ: وَيْلَكُمْ أَلَا تَتَّقُونَ اللَّهَ, إنْ كَانَ عُمَرُ نَهَى عَنْهَا يَبْتَغِي فِيهِ الْخَيْرَ يَلْتَمِسُ بِهِ تَمَامَ الْعُمْرَةِ فَلِمَ تُحَرِّمُونَ ذَلِكَ وَقَدْ أَحَلَّهُ اللَّهُ وَعَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ; فَرَسُولُ اللَّهِ, أَحَقُّ أَنْ تَتَّبِعُوا سَنَتَهُ أَمْ سَنَةَ عُمَرَ؟ لَمْ يَقُلْ لَكُمْ: إنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ حَرَامٌ, وَلَكِنَّهُ قَالَ: إنْ أَتَمَّ لِلْعُمْرَةِ أَنْ تُفْرِدُوهَا مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ. رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ هَذَا الْمَعْنَى1. وَلِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ2 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَهَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ3, وَأَهَلَّ أَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ, فَلَمْ يُحِلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَحَلَّ بَقِيَّتُهُمْ. وَلِأَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ4 وَحَسَّنَهُ عَنْهُ: تَمَتَّعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ كَذَلِكَ, وَأَوَّلُ مَنْ نَهَى عَنْهَا مُعَاوِيَةُ. فِيهِ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُ5.
فَإِنْ قِيلَ: قَالَ أَنَسٌ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا يَقُولُ لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ6, وَفِيهِمَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَنْكَرَهُ, وَأَنَّ أَنَسًا قَالَ: مَا تَعُدُّونَا إلَّا صَبِيَّانَا7. وَلِمُسْلِمٍ8: أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا "لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا" وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الصيقل عن أنس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أحمد "5700" والترمذي "824" والنسائي في المجتبى "5/152".
2 مسلم "1239" "196" وأبو داود "1804".
3 في الأصل و"س" "بعمرة".
4 أحمد "2664" والترمذي "822".
5 في "ب" "الأثرم".
6 البخاري "4353" مسلم "1232" "185".
7 مسلم "1232" 186".
8 في صحيحه "1232" "185".(5/336)
مَرْفُوعًا "لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت لَجَعَلْتهَا عُمْرَةً, وَلَكِنْ سُقْت الْهَدْيَ وَقَرَنْتُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ" 1 أَبُو أَسْمَاءَ تَفَرَّدَ عَنْهُ أَبُو إِسْحَاقَ. وَقَالَ عُمَرُ: سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي فَقَالَ: "صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ" وَفِي رِوَايَةٍ "قُلْ عُمْرَةً وَحِجَّةً" رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ2. وَأَهَلَّ الصُّبَيّ بْنِ مَعْبَدٍ بِهِمَا جَمِيعًا, وَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هُدِيت لِسُنَّةِ نَبِيِّك. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ3, قِيلَ: يَحْتَمِلُ أَنَّ أَنَسًا سَمِعَهُ يُلَقِّنُ قَارِنًا تَلْبِيَتَهُ فَظَنَّهُ يُلَبِّي بِهِمَا عَنْ نَفْسِهِ; أَوْ سَمِعَهُ فِي وَقْتَيْنِ, أَوْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لَمَّا أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ, أَوْ قَرَنَ بِهِمَا أَيْ فَعَلَ الْحِجَّةَ بَعْدَهَا, وَيُسَمَّى قِرَانًا لُغَةً. وَخَبَرُ عُمَرَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ عُمْرَةً دَاخِلَةً فِي حِجَّةٍ كَقَوْلِهِ: "دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" 4 وَخَبَرُ الصُّبَيّ5 فِيهِ أَنَّ الْقِرَانَ سُنَّةٌ, وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِ, فَإِنْ قِيلَ عن عائشة: إن النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الْحَجَّ, رَوَاهُ مُسْلِمٌ6, وَلِلشَّافِعِيِّ وَالنَّسَائِيُّ7: أَهَلَّ بِالْحَجِّ, وَلِمُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ8 عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ بالحج مفردا. وفي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه أحمد "12502".
2 البخاري "1534" وأبو داود "1800".
3 تقدم تخريجه عند أحمد وأبي داود والنسائي ص "213" وابن ماجه "2970".
4 أخرجه مسلم "1218" "147".
5 في "ط" "الضبي".
6 في صحيحه "1211" "122".
7 الشافعي في مسنده "1/376" والنسائي في المجتبى "5/145".
8 مسلم "1231" "184" والترمذي "820".(5/337)
الصَّحِيحَيْنِ1 عَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَهَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ, وَهُوَ فِيهِمَا2 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَسَبَقَ خَبَرُ عَائِشَةَ "لَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْت لَأَهْلَلْت بِعُمْرَةٍ" 3 قِيلَ: أَفْرَدَ عَمَلَ الْحَجِّ عَنْ عَمَلِ الْعُمْرَةِ, أَوْ4 أَهَلَّ بِالْحَجِّ فِيمَا بَعْدُ. وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ جَابِرٍ إنَّمَا ذَكَرَ الصَّحَابَةَ فَقَطْ, وَسَبَقَ خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا, وَأَجَابَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ بِالْمَدِينَةِ, وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ فِي ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ بِالْمَدِينَةِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ, فَلَمَّا وَصَلَ إلَى مَكَّةَ فَسَخَ. عَلَى أَصْحَابِهِ وَتَأَسَّفَ عَلَى التَّمَتُّعِ لِأَجَلِ سَوْقِ الْهَدْيِ, فَكَانَ الْمُتَأَخِّرُ أَوْلَى ثُمَّ أَخْبَارُ التَّمَتُّعِ أَكْثَرُ وَأَصَحُّ وَأَصْرَحُ, فَكَانَتْ أَوْلَى. عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ السَّابِقَ أَوْلَى مِنْ فِعْلِهِ, لِاحْتِمَالِهِ5 اخْتِصَاصُهُ بِهِ.
وَمِنْ الْعَجَبِ قَوْلُ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَاخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ قَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْأَخْبَارِ, وَأَوْسَعُهُمْ نَفْسًا الطَّحْطَاوِيُّ, تَكَلَّمَ فِيهِ فِي زِيَادَةٍ عَلَى أَلْفِ وَرَقَةٍ, وَتَكَلَّمَ مَعَهُ الطَّبَرِيُّ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَأَوْلَى مَا يُقَالُ عَلَى مَا فَحَصْنَاهُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ أَحْرَمَ مفردا بالحج ثم أدخل عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 البخاري "1568" ومسلم "1216" "141".
2 البخاري "564" ومسلم "1240" "198".
3 سبق تخريجه ص "331".
4 في الأصل "و".
5 في الأصل "س" "لاختمال".(5/338)
الْعُمْرَةَ مُوَاسَاةً لِأَصْحَابِهِ وَتَأْنِيسًا لَهُمْ فِي فِعْلِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ, لِكَوْنِهَا كَانَتْ مُنْكَرَةً عِنْدَهُمْ فِيهَا, وَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّحَلُّلُ بِسَبَبِ الْهَدْيِ. وَاعْتَذَرَ إلَيْهِمْ, فَصَارَ قَارِنًا آخِرَ أَمْرِهِ.
وَأَمَّا كَرَاهَةُ عُمَرَ فَفِي مُسْلِمٍ1 أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي مُوسَى: لَقَدْ عَلِمْت أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ فَعَلَهُ وَأَصْحَابُهُ, وَلَكِنْ كَرِهْت أَنْ يَظَلُّوا مُعَرِّسِينَ بِهِنَّ فِي الْأَرَاكِ ثُمَّ يَرُوحُونَ إلَى2 الْحَجِّ تَقْطُرُ رُءُوسُهُمْ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ3 أَنَّ أَبَا مُوسَى كَانَ يُفْتِي بِذَلِكَ فِي إمَارَتِهِ وَإِمَارَةِ عُمَرَ, وَذَكَرَ الْخَبَرَ, إلَى أَنْ قَالَ لِعُمَرَ: مَا هَذَا الَّذِي أَحْدَثْت فِي شَأْنِ النُّسُكِ؟ قَالَ: إنْ تَأْخُذْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَإِنْ تَأْخُذْ بِسَنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ. فَهَذَا رَأْيٌ مِنْهُ كَمَا قَالَ عُثْمَانُ لَمَّا قَالَ لَهُ عَلِيٌّ وَكَانَ يَأْمُرُ بِالْمُتْعَةِ: أَنْتَ تَنْهَى عَنْ الْمُتْعَةِ؟ 4 فَقَالَ: هَذَا رَأْيٌ5. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ مِنْ طُرُقٍ اخْتِيَارُ التَّمَتُّعِ, رَوَاهُ أبو عبيد والأثرم والنجاد وغيرهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 برقم "1222" "157".
2 في "ب" و"س" "في".
3 البخاري "1559" ومسلم "1221" "155".
4 في "س" "العمرة".
5 أخرجه البخاري "1563" "ومسلم "1223" "158".(5/339)
وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ سَعْدٌ1 وَعَجِبَ مِنْهُ ابْنُ عَبَّاسٍ2. وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةٌ عَلَى الْجَمِيعِ, وَلِهَذَا رَوَى أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ3 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: تَمَتَّعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ عُرْوَةُ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنْ الْمُتْعَةِ فَقِيلَ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: أَرَاهُمْ سَيَهْلِكُونَ, أَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَيَقُولُ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ.
فَإِنْ قِيلَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ. كَانَتْ مُتْعَةُ الْحَجِّ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً, رَوَاهُ مُسْلِمٌ4, وَعَنْ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ, فَسُنَّ الْحَجُّ لَنَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً؟ قَالَ: "بَلْ لَنَا خَاصَّةً" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ, وَأَبُو دَاوُد5 وَلَفْظُهُ "لَكُمْ خَاصَّةً". وَعَنْ أَبِي عِيسَى الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى عُمَرُ فَشَهِدَ عِنْدَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ يَنْهَى عَنْ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ6 قِيلَ: قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي داود: ليس يصح حديث في أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه مسلم "1225" "164" عن غنيم بن قيس قال: سألت سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن المتعة؟ فقال: فعلناها وهذا يومئذ كافر بالعرس يعني بيوت مكة.
2 أخرجه أحمد "2664" عن ابن عباس قال: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى مات وأبو بكر حتى مات وعمر حتى مات وعثمان حتى مات وكان أول من نهى عنها معاوية قال ابن عباس فعجب منه وقد حدثني أنه قصر عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمشقص.
3 أحمد "3121" والترمذي "822".
4 في صحيحه "1228" "160".
5 أحمد "15853" والتسائي في المجتبى "5/179" وابن ماجه "2984" وأبو داود "1808".
6 أخرجه أبو داود "1793".(5/340)
الْفَسْخَ كَانَ لَهُمْ خَاصَّةً. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ عَنْ قَوْلِ أَبِي ذَرٍّ: مَنْ يَقُولُ هَذَا وَالْمُتْعَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَأَجْمَعَ النَّاسُ عَلَيْهَا؟
وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يُثْبِتُ حَدِيثَ بِلَالٍ وَلَا يُعْرَفُ الْحَارِثُ, وَلَمْ يَرْوِهِ إلَّا الدَّرَاوَرْدِيَّ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ رَبِيعَةُ, وَتَفَرَّدَ بِهِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْهُ, وَلَمْ أَجِدْ مَنْ وَثَّقَ أَبَا عِيسَى سِوَى ابْنِ حِبَّانَ, وَلَا يَخْفَى تَسَاهُلُهُ. وَلَوْ صَحَّ هَذَا عِنْدَ عُمَرَ اُحْتُجَّ بِهِ فِي مَوْضِعٍ وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: لَا يُعْرَفُ حَالُهُ.
وَيَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ1 ذَلِكَ قَوْلُ جَابِرٍ, أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَحِلَّ, فَقَالَ سُرَاقَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت مُتْعَتَنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ: "بَلْ هِيَ لِلْأَبَدِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2 زَادَ مُسْلِمٌ3: "دخلت العمرة في الحج" مَرَّتَيْنِ "لَا بَلْ لِأَبَدِ أَبَدٍ".
وَفِي مُسْلِمٍ4 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا "هَذِهِ عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بِهَا, فَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ الْهَدْيُ فَلْيَحْلِلْ الْحِلَّ كُلَّهُ, فَإِنَّ الْعُمْرَةَ قَدْ دَخَلَتْ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" وَصَحَّ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ عَلِيٍّ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَسْمَاءَ وَعِمْرَانَ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ5 "وَهُمْ" أكثر وأعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س" "ضعفه".
2 البخاري "1785" ومسلم "1216" 141".
3 في صحيحه "1218" "147".
4 في صحيحه "1241" "203".
5 حديث علي أخرجه مالك في الموطأ "1/336" وأما حديث سعد فأخرجه مسلم "1225" "164" وأما حديث أسماء فأخرجه مسلم أيضا "1238" "194" وأما حديث عمران فأخرجه البخاري "1571" ومسلم "1226" "169" وأما حديث ابن عمر فأخرجه البخاري "1640" ومسلم "1230" "180" وأما حديث ابن غباس فأخرجه مسلم "1239" "196" وفيه عن جابر أخرجه مسلم "1216" "146".(5/341)
وَأَصَحُّ وَمَعَهُمْ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ, فَالْعَمَلُ بِذَلِكَ أَحَقُّ وأولى, والله أعلم.(5/342)
فَصْلٌ: التَّمَتُّعُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ,
أَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ, وَجَزَمَ آخَرُونَ مِنْ الْمِيقَاتِ أَيْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ, أَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْكَافِي1, وَمُرَادُهُمْ مَا جَزَمَ بِهِ آخَرُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ, وَهُوَ نَصُّ أَحْمَدَ; لِأَنَّ الْعُمْرَةَ عِنْدَهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي يهل "2يها" فِيهِ2", وَرُوِيَ مَعْنَاهُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ جَابِرٍ, لا الشهر الذي يحل منها فيه,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "2/331".
2 2 في "ب" "هل به فيها".(5/342)
قَالَ الْأَصْحَابُ: وَيَفْرُغُ مِنْهَا, قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَيَتَحَلَّلُ, قَالُوا: ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ عَامِهِ, زَادَ جَمَاعَةٌ: مِنْ مَكَّةَ, زَادَ بَعْضُهُمْ: أَوْ قُرْبِهَا, وَنَقَلَهُ حَرْبٌ وَأَبُو دَاوُد.
وَالْإِفْرَادُ أَنْ يَحُجَّ ثُمَّ يَعْتَمِرَ, ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَالشَّافِعِيَّةُ, قَالَ جَمَاعَةٌ: يُحْرِمُ بِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ, ثُمَّ يُحْرِمُ بِهَا مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ, زَادَ بَعْضُهُمْ: وَعَنْهُ: بَلْ مِنْ الْمِيقَاتِ. وَفِي الْمُحَرَّرِ أَنْ لَا يَأْتِيَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بِغَيْرِهِ, قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: وَلَوْ تَحَلَّلَ مِنْهُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ ثُمَّ أَحْرَمَ فِيهِ بِعُمْرَةٍ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ, فِي ظَاهِرِ مَا نَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ: لَيْسَ عَلَى مُعْتَمِرٍ بَعْدَ الْحَجِّ هَدْيٌ; لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ مَا لَيْسَ مِنْ أَشْهُرِهِ, بِدَلِيلِ فَوْتِ الْحَجِّ فِيهِ, وَكَذَا فِي مُفْرَدَاتِ ابْنِ عَقِيلٍ, فَدَلَّ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ1 مِنْ الْأَوَّلِ صَحَّ.
وَفِي الْفُصُولِ: الْإِفْرَادُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ, فَإِذَا تَحَلَّلَ مِنْهُ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ.
وَالْقِرَانُ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مَعًا, قَالَ جَمَاعَةٌ: مِنْ الْمِيقَاتِ, أَوْ بِالْعُمْرَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهَاتٌ:
"الْأَوَّلُ" قَوْلُهُ: فَدَلَّ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ مِنْ2 الْأَوَّلِ صَحَّ, انْتَهَى, لَعَلَّهُ "بَعْدَ تَحَلُّلِهِ الْأَوَّلِ" بِإِسْقَاطٍ "مِنْ" أَوْ يُقَالَ: وتقديره بعد تحلله من النسك الأول
__________
1 في الأصل "تحليه".
2 ليست في "ح".(5/343)
مِنْهُ ثُمَّ بِالْحَجِّ, قَالَ جَمَاعَةٌ: مِنْ مَكَّةَ أَوْ "مِنْ" قُرْبِهَا. وَإِنْ شَرَعَ فِي طَوَافِهَا لَمْ يَصِحَّ "وش" كَمَا لَوْ سَعَى, إلَّا لِمَنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَيَصِحُّ وَيَصِيرُ قَارِنًا, بِنَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ, وَلَا يُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ إدْخَالِهِ الْإِحْرَامَ بِهِ فِي أَشْهُرِهِ, عَلَى الْمَذْهَبِ, وَاعْتَبَرَهُ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَصْلِهِمْ, وَلَهُمْ وَجْهَانِ لَوْ أَدْخَلَهُ فِيهَا وَكَانَ أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَهَا, لِتَرَدُّدِ النَّظَرِ هَلْ هُوَ أَحْرَمَ بِهِ قَبْلَ أَشْهُرِهِ؟
وَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يَصِرْ قَارِنًا, بِنَاءً. عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالْإِحْرَامِ الثَّانِي شَيْءٌ "وم ش" وَفِيهِ خِلَافٌ لَنَا, وَالصِّحَّةُ1 قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ مَعَ أَنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ وَأَسَاءَ عِنْدَهُمْ, قَالُوا: فَإِنْ كَانَ طَافَ لِلْحَجِّ طَوَافَ الْقُدُومِ فَعَلَيْهِ دَمٌ, لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا; لِأَنَّهُ بَانٍ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ مِنْ وَجْهٍ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفُضَهَا لِتَأَكُّدِ الْحَجِّ بِفِعْلِ بَعْضِهِ, وَعَلَيْهِ لِرَفْضِهَا دَمٌ وَيَقْضِيهَا.
وَمَذْهَبُنَا أَنَّ عَمَلَ الْقَارِنِ2 كَالْمُفْرِدِ فِي الْإِجْزَاءِ, نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ3, وَيَسْقُطُ تَرْتِيبُ الْعُمْرَةِ وَيَصِيرُ التَّرْتِيبُ لِلْحَجِّ, كَمَا يَتَأَخَّرُ4 الْحِلَاقُ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ, فَوَطْؤُهُ قَبْلَ طَوَافِهِ لَا يُفْسِدُ عُمْرَتَهُ, قَالَتْ عَائِشَةُ: وَأَمَّا الذين جمعوا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "ولصحيح".
2 في "س" "القادر".
3 من هنا بدأ السقط من "ب".
4 في الأصل "لو أخر".(5/344)
الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا, مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ1, وَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يَسَعُك طَوَافُك لِحَجِّك وَعُمْرَتِك فَأَبَتْ, فَبَعَثَ بِهَا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ". وَفِي لَفْظٍ "يُجْزِئُ عَنْك طَوَافُك بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَنْ حَجِّك وَعُمْرَتِك" رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ2. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ3 مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: "قَدْ حَلَلْت مِنْ حَجِّك وَعُمْرَتِك جَمِيعًا قَالَتْ: أَجِدُ فِي نَفْسِي أَنِّي لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتَّى حَجَجْت, قَالَ فَاذْهَبْ بِهَا يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَأَعْمِرْهَا مِنْ التَّنْعِيمِ" زَادَ مُسْلِمٌ4: "وَكَانَ رَجُلًا سَهْلًا, إذَا هَوِيَتْ الشَّيْءَ تَابَعَهَا عَلَيْهِ".
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا "مَنْ قَرَنَ بَيْنَ حَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ أَجْزَأَهُ لَهُمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ" إسْنَادُهُ جَيِّدٌ, رَوَاهُ أَحْمَدُ "وَأَبُو دَاوُد" وَابْنُ مَاجَهْ5. وَفِي لَفْظٍ " مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ عَنْهُمَا حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 البخاري "1638" ومسلم "1211" "111".
2 في صحيحه "1211" 123" "133".
3 البخاري "1785" ومسلم "1213" "136".
4 في صحيحه "1213" 137".
5 أحمد "5350" وابن ماجه "2975".(5/345)
جَمِيعًا" إسْنَادُهُ جَيِّدٌ, رَوَاهُ النَّسَائِيُّ, وَالتِّرْمِذِيُّ1 وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَقَالَ: رَوَاهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ غَيْرُ وَاحِدٍ وَلَمْ يَرْفَعُوهُ, وَهُوَ أَصَحُّ, كَذَا قَالَ, وَرَفَعَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ نَافِعٍ مِنْ رِوَايَةِ النَّسَائِيّ وَغَيْرِهِ. وَكَعُمْرَةِ الْمُتَمَتِّعِ, وَكَمَا يُجْزِئُهُ الْحَجُّ.
وَعَنْ أَحْمَدَ: عَلَى القارن طوافان وسعيان "وهـ" رَوَاهُ سَعِيدٌ وَالْأَثْرَمُ عَنْ عَلِيٍّ, وَفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ, مَعَ أَنَّهُ لَا يَرَى إدْخَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ, فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُقَدِّمُ الْقَارِنُ فعل العمرة على فعل الحج "وهـ" كَمُتَمَتِّعٍ سَاقَ هَدْيًا, فَلَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ لَهَا2 فَقِيلَ: تُنْتَقَضُ عُمْرَتُهُ وَيَصِيرُ مفردا بالحج يتمه ثم يعتمر3 "وهـ", وَقِيلَ: لَا تُنْتَقَضُ, فَإِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ طَافَ لَهَا ثُمَّ سَعَى ثُمَّ طَافَ لَهُ ثُمَّ سَعَى "م 1" وَيَأْتِي فِيمَنْ حَاضَتْ فَخَشِيَتْ4 فَوَاتَ الحج بعد "فصل" فسخ القارن والمفرد5.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 1" قَوْلُهُ: وَعَنْ أَحْمَدَ: عَلَى الْقَارِنِ طَوَافَانِ وَسَعَيَانِ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُقَدِّمُ الْقَارِنُ فِعْلَ الْعُمْرَةِ عَلَى فِعْلِ الْحَجِّ, كَمُتَمَتِّعٍ سَاقَ هَدْيًا, فَلَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ لَهَا ثُمَّ سَعَى ثُمَّ طَافَ لَهُ ثُمَّ سَعَى, انْتَهَى. "الْقَوْلُ الْأَوَّلُ" قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
"وَالْقَوْلُ الثَّانِي" لَمْ أَرَ مَنْ اخْتَارَهُ "قُلْت": وهو الصواب, وظاهر كلام أكثر الأصحاب.
__________
1 النسائي في المجتبى "5/158" والترمذي "948".
2 في "س" "لها".
3 ليست في "س".
4 في الأصل "وخشيت".
5 ص "376".(5/346)
وَعَنْ أَحْمَدَ: عَلَى الْقَارِنِ عُمْرَةٌ مُفْرَدَةٌ, اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو حَفْصٍ, لِعَدَمِ طَوَافِهَا, وَلِاعْتِمَارِ عَائِشَةَ, وَسَبَقَ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ: لَا تُجْزِئُ الْعُمْرَةُ من أدنى الْحِلِّ, وَالْحَجُّ يُجْزِئُ لِلْمُتَمَتِّعِ مِنْ مَكَّةَ, فَالْعُمْرَةُ لِلْمُفْرِدِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ أَوْلَى.(5/347)
فَصْلٌ: يَلْزَمُ الْمُتَمَتِّعَ دَمٌ, بِالْإِجْمَاعِ,
وَهُوَ دَمُ نُسُكٍ لَا جُبْرَانَ, وَسَبَقَ فِي أَفْضَلِيَّةِ التَّمَتُّعِ1, وَإِنَّمَا يَجِبُ بِشُرُوطٍ:
"أَحَدُهَا" أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ, قَالَ أَحْمَدُ: عُمْرَتُهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي أَهَلَّ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ جَابِرٍ السَّابِقِ2; وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ نُسُكٌ يُعْتَبَرُ لِلْعُمْرَةِ أَوْ مِنْ أَعْمَالِهَا, فَاعْتُبِرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ, كَالطَّوَافِ.
فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ مِنْهَا, وَإِنَّمَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَيْهَا ثُمَّ اسْتِدَامَتُهُ كَابْتِدَائِهِ كَحُرِّيَّةِ الْعَبْدِ بِعَرَفَةَ. قِيلَ: مِنْ أَعْمَالِهَا أَنَّهُ يَعْتَبِرُ لَهُ مَا يَعْتَبِرُ لها, وينافيه ما ينافيها, وليس. اسْتَدَامَتْهُ كَابْتِدَائِهِ, كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا وَاسْتَدَامَهُ. وَإِنَّمَا أَجْزَأَهُ إذَا أَعْتَقَ; لِأَنَّ عَرَفَةَ مُعْظَمُ الْحَجِّ لَا لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ كَاسْتِدَامَتِهِ, وَعِنْدَ مَالِكٍ: عُمْرَتُهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ, وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: إنْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ, وَإِلَّا فَمُتَمَتِّعٌ, لِأَمْنِهِ إفْسَادَهَا بِوَطْءٍ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ, عِنْدَهُ, وَالْأَظْهَرُ, عَنْ الشَّافِعِيِّ: إنْ أَتَى بِأَفْعَالِهَا أَوْ بَعْضِهَا فِي أَشْهُرِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ. ثُمَّ قِيلَ عِنْدَهُمْ: يَلْزَمُهُ دَمُ الْإِسَاءَةِ, لِإِحْرَامِهِ بالحج
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ص "331".
2 ص "345".(5/347)
مِنْ مَكَّةَ, وَالْأَصَحُّ: لَا, لِأَنَّهُ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُحْرِمًا.
"الثَّانِي" أَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ "و" خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ; لِأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ الْمُوَالَاةُ; وَلِأَنَّهُ أَوْلَى لَوْ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ, لِكَثْرَةِ التَّبَاعُدِ.
"الثَّالِثُ" أَنْ لَا يُسَافِرَ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ, فَإِنْ سَافَرَ مَسَافَةَ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ أَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ, وَلَعَلَّ مُرَادُهُمْ: فَأَحْرَمَ بِهِ. فَلَا دَمَ عَلَيْهِ, نَصَّ "عَلَيْهِ" وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَنْ رَجَعَ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ1. وَهُوَ عَامٌّ; وَلِأَنَّهُ مُسَافِرٌ لَمْ يَتَرَفَّهْ بِتَرْكِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ كَمَحِلِّ الْوِفَاقِ. وَلَا يَلْزَمُ الْمُفْرِدَ; لِأَنَّ عُمْرَتَهُ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ. وَفِي الْفُصُولِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُحَرَّرِ: فَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ فَلَا دَمَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ "وش" وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّ بَيْنَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 رواه أبو حفص العكبري كما ذكر ذلك الزركشي في شرحه "3/298".(5/348)
وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةُ قَصْرٍ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: بَلْ هُوَ رِوَايَةٌ كَمَذْهَبِ "ش" وَفِي التَّرْغِيبِ: إنْ سَافَرَ إلَيْهِ فَأَحْرَمَ مِنْهُ فَوَجْهَانِ; لِأَنَّ الدَّمَ وَجَبَ لِتَرَك الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ, رُدَّ بِالْمَنْعِ بِدَلِيلِ الْقَارِنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ رَجَعَ. إلَى أَهْلِهِ فَلَا دَمَ1, رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ2. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ أَوْ بِقَدَرِهِ فَلَا دَمَ1. وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ: يَلْزَمُهُ دَمٌ وَإِنْ رَجَعَ. وَقَالَهُ الْحَسَنُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ, وَمَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ3, لِظَاهِرِ الْآيَةِ.
قَالَ الْقَاضِي فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا يَمْنَعُ أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ لَكِنْ عَلَيْهِ دَمٌ. وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا فَالْخِلَافُ.
"الرَّابِعُ" أَنْ يُحِلَّ مِنْ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ, تَحَلَّلَ4 أَوْ لَا فَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ قَبْلَ حِلِّهِ مِنْهَا صَارَ قَارِنًا.
"الْخَامِسُ" أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ "ع" لِلْآيَةِ, وَهُمْ أَهْلُ الْحَرَمِ وَمَنْ كَانَ مِنْهُ, وَذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ, وَقِيلَ: مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 1 ليست في الأصل.
2 ذكره الهندي في كنز العمال "12479" وعزاه لابن أبي شيبة ولم نجده.
3 لم نجده.
4 في الأصل "بحل" والمثبت من "س" و"ط".(5/349)
مَكَّةَ, وَقَالَهُ أَحْمَدُ دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ, نَصَّ عَلَيْهِ "وش" لِأَنَّ. حَاضِرَ الشَّيْءِ مَنْ حَلَّ فِيهِ أَوْ قَرُبَ مِنْهُ وَجَاوَرَهُ1, بِدَلِيلِ رُخَصِ السَّفَرِ. وَالْبَعِيدُ يَتَرَخَّصُ, فَأَشْبَهَ مَنْ وَرَاءَ الْمِيقَاتِ إلَيْنَا. وَقَالَ "م" هُمْ أَهْلُ مَكَّةَ. وَقَالَ "هـ" أَهْلُ الْمَوَاقِيتِ وَمَنْ دُونَهُمْ إلَى مَكَّةَ, وَمَنْ مَنْزِلُهُ قَرِيبٌ وَبَعِيدٌ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ; لِأَنَّ بَعْضَ أَهْلِهِ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ, فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ, وَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْقَرِيبِ, وَاعْتُبِرَ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ إقَامَتُهُ أَكْثَرَ بِنَفْسِهِ, ثم بماله, ثم بنيته2, ثُمَّ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ "وش".
وَإِنْ دَخَلَ أُفُقِيٌّ مَكَّةَ مُتَمَتِّعًا نَاوِيًا لِلْإِقَامَةِ بِهَا بَعْدَ فَرَاغِ نُسُكِهِ أَوْ نَوَاهَا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الدَّمُ "و" وَحُكِيَ وَجْهٌ, وَإِنْ اسْتَوْطَنَ أُفُقِيٌّ مَكَّةَ فَحَاضِرٌ. وَإِنْ اسْتَوْطَنَ مَكِّيٌّ بِالشَّامِ ثُمَّ عَادَ مُقِيمًا مُتَمَتِّعًا لَزِمَهُ الدَّمُ. وَفِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ: لَا, كَسَفَرِ غَيْرِ مَكِّيٍّ ثُمَّ عاد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س" "وجاوزه".
2 في "ط" "ببيته".(5/350)
"السَّادِسُ" أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ وَالْحَلْوَانِيُّ, وَذَكَرَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا إنْ بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَأَحْرَمَ مِنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمُ الْمُتْعَةِ; لِأَنَّهُ مِنْ حَاضِرِ الْمَسْجِدِ, بَلْ دَمُ الْمُجَاوَزَةِ, وَقَالَهُ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضُهُمْ كَالْأَوَّلِ.
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ: إذَا أَحْرَمَ مِنْهُ لَزِمَهُ الدَّمَانِ; لِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ وَلَمْ يَنْوِهَا بِهِ, وَلَيْسَ بِسَاكِنٍ, وَنَصَّ أَحْمَدُ. فِي أُفُقِيٍّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ وَاعْتَمَرَ مِنْ التَّنْعِيمِ فِي أَشْهُرِهِ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ عَلَيْهِ دَمٌ. قَالَ: فَالصُّورَةُ1 الْأُولَى أَوْلَى. وَقَالَ: قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِهِ وَحَلَّ مِنْهَا وَلَيْسَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَلَالًا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ عَلَيْهِ دَمٌ.
"السَّابِعُ" نِيَّةُ التَّمَتُّعِ فِي ابْتِدَاءِ الْعُمْرَةِ أَوْ أَثْنَائِهَا, ذَكَرَهُ الْقَاضِي, وَتَبِعَهُ الْأَكْثَرُ, وَاخْتَارَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ: لَا, وَهُوَ أَصَحُّ لِلشَّافِعِيَّةِ, لِظَاهِرِ الْآيَةِ, وَحُصُولُ التَّرَفُّهِ, وَلَا يُعْتَبَرُ وُقُوعُ النُّسُكَيْنِ عَنْ وَاحِدٍ, ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ.
وَلَا تُعْتَبَرُ هَذِهِ الشُّرُوطُ فِي كَوْنِهِ مُتَمَتِّعًا, وَهُوَ أَصَحُّ لِلشَّافِعِيَّةِ, وَمَعْنَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "في الصورة".(5/351)
كَلَامِ الشَّيْخِ: يُعْتَبَرُ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ إلَّا الشَّرْطَ السَّادِسَ, فَإِنَّ الْمُتْعَةَ لِلْمَكِّيِّ كَغَيْرِهِ "وم ش" نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ, كَالْإِفْرَادِ وَكَسَائِرِ الطَّاعَاتِ, بَلْ هُمْ أَوْلَى; لِأَنَّهُمْ سُكَّانُ حَرَمِ اللَّهِ, وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: لَيْسَ لِأَهْلِ مَكَّةَ مُتْعَةٌ, قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: مَعْنَاهُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ دَمُ الْمُتْعَةِ, وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً: لَا يَصِحُّ مِنْهُمْ.
وَقَالَ "هـ": لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْمُتْعَةُ وَالْقِرَانُ, وَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ, وَمَتَى فَعَلَهُ لَزِمَهُ دَمُ جِنَايَةٍ. وَتَحْرِيرُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَكِّيَّ لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ بِحَجٍّ فَإِنَّهُ يَرْفُضُ الْحَجَّ وَعَلَيْهِ لِرَفْضِهِ دَمٌ, وَعَلَيْهِ حِجَّةٌ وَعُمْرَةٌ, وَعِنْدَ صَاحِبِيهِ: يَرْفُضُ الْعُمْرَةَ, وَيَقْضِيهَا, وَعَلَيْهِ دَمٌ, لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رَفْضِ أَحَدِهِمَا; لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا1 لَا يُشْرَعُ لِلْمَكِّيِّ, وَرَفْضُهَا أَوْلَى; لِأَنَّهَا أَدْنَى, وَأَقَلُّ عَمَلًا, وَأَيْسَرُ قَضَاءً, لِعَدَمِ تَوْقِيتِهَا, وَعِنْدَ "هـ" تَأَكُّدِ إحْرَامِهَا بِفِعْلِهِ بَعْضِهَا, وَفِي رَفْضِهَا إبْطَالُ الْعَمَلِ, وَالْحَجُّ لَمْ يَتَأَكَّدْ, وَفِي رَفْضِهِ امْتِنَاعٌ عَنْهُ, وَإِنَّمَا لَزِمَهُ بِالرَّفْضِ دَمٌ لِتَحَلُّلِهِ قَبْلَ أَوَانِهِ, لَتَعَذُّرِ الْمُضِيِّ فِيهِ, كَالْمَحْصَرِ, وَفِي رَفْضِ الْعُمْرَةِ قَضَاؤُهَا, وَفِي رَفْضِ الْحَجِّ قَضَاؤُهُ وَعُمْرَةٌ; لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ, وَإِنْ مَضَى عَلَيْهِمَا أَجْزَأَهُ لِتَأْدِيَةِ مَا الْتَزَمَهُ, لَكِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ, وَلَا يَمْنَعُ تَحَقُّقِ الْفِعْلِ, عَلَى أَصْلِهِمْ, وَعَلَيْهِ دَمٌ, لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا, لِتَمَكُّنِ النَّقْصِ فِي عَمَلِهِ, لِلنَّهْيِ, فَهُوَ دَمُ جبر, وفي حق الأفقي دم شكر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "س".(5/352)
وَإِنْ كَانَ طَافَ لِلْعُمْرَةِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ رَفَضَهُ; لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ, فيتعذر رفضها, كفراغها, والله أعلم.(5/353)
فصل: يلزم القارن دم, نص عليه واحتج جماعة منهم الشيخ بالآية,
...
فَصْلٌ: يَلْزَمُ الْقَارِنَ1 دَمٌ, نَصَّ عَلَيْهِ "و" وَاحْتَجَّ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ بِالْآيَةِ,
وَبِأَنَّهُ تَرَفَّهَ بِسُقُوطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ, كَالْمُتَمَتِّعِ, وَنَقَلَ بَكْرٌ. عَلَيْهِ هَدْيٌ وَلَيْسَ كَالْمُتَمَتِّعِ. إنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ هَدْيًا فِي كِتَابِهِ وَالْقَارِنُ إنَّمَا يُرْوَى عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِلضَّبِّيِّ: اذْبَحْ تَيْسًا2, كَذَا قَالَ. وَهُوَ مُنْقَطِعٌ ضَعِيفٌ, وَسَأَلَهُ ابْنُ مُشَيْشٍ: الْقَارِنُ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ وُجُوبًا؟ فَقَالَ: كَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ وُجُوبًا؟ وَإِنَّمَا شَبَّهُوهُ بِالْمُتَمَتِّعِ, فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ رِوَايَةٌ: لَا يَلْزَمُهُ, كَقَوْلِ دَاوُد.
ثُمَّ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا: هُوَ دَمُ نُسُكٍ. وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ: لَيْسَ بِدَمِ نُسُكٍ. أي دم جبران3, كَأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ. وَلَا يَلْزَمُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ, خِلَافًا لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ. وَظَاهِرُ اعْتِمَادِهِمْ عَلَى الْآيَةِ, وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَنْ سَافَرَ سَفَرَ قَصْرٍ أَوْ إلَى الْمِيقَاتِ إنْ قُلْنَا بِهِ, كَظَاهِرِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ, وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي لُزُومَهُ; لِأَنَّ اسْمَ الْقِرَانِ بَاقٍ بَعْدَ السَّفَرِ بخلاف التمتع4.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س" "القادر".
2 أخرجه ابن أبي شيبة نشرة العمري ص "248".
3 في "ب" و"ط" "جبر".
4 في "س" "المتمتع".(5/353)
فَصْلٌ: لَا يَسْقُطُ دَمُ تَمَتُّعٍ1 وَقِرَانٍ بِإِفْسَادِ نسكهما,
نص عليه "وم ش" لِأَنَّ مَا وَجَبَ الْإِتْيَانُ بِهِ فِي الصَّحِيحِ وَجَبَ فِي الْفَاسِدِ, كَالطَّوَافِ وَغَيْرِهِ, وَعَنْهُ يسقط "وهـ" لِأَنَّهُ لَمْ يَتَرَفَّهُ بِسُقُوطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ, قَالَ الْقَاضِي: إنْ قُلْنَا يَلْزَمُ الْقَارِنَ لِلْإِفْسَادِ دَمَانِ سَقَطَ دَمُ الْقِرَانِ. وَلَا يَسْقُطُ دَمُهُمَا بِفَوَاتِهِ أَيْضًا وَالْمُرَادُ عَلَى الْأَصَحِّ.
وَإِذَا قَضَى الْقَارِنُ قارنا فدمان لفوانه2 الْأَوَّلَ وَالثَّانِي, وَفِي دَمِ فَوَاتِهِ الرِّوَايَتَانِ وَقَالَ الشَّيْخُ: يَلْزَمُهُ دَمَانِ لِقِرَانِهِ3 وَفَوَاتِهِ وَلَوْ قَضَى الْقَارِنُ مُفْرَدًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ; لِأَنَّهُ أَفْضَلُ, جزم به. الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ, وَجَزَمَ غَيْرُ وَاحِدٍ: يَلْزَمُهُ دَمٌ لفواته الأول "وش" لأن القضاء كالأداء, وهو ممنوع, وفيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"الثَّانِي" قَوْلُهُ: وَإِذَا قَضَى الْقَارِنُ قَارِنًا فَدَمَانِ, لفوانه4 الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ, وَفِي دَمِ فَوَاتِهِ5 الرِّوَايَتَانِ. أَيْ الْمَذْكُورَتَانِ بِقَوْلِهِ قُبَيْلَ ذَلِكَ "وَلَا يَسْقُطُ دَمُهُمَا بِفَوَاتِهِ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ, وَكَذَا قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ" وَفِيهِ لِفَوَاتِهِ الْخِلَافُ "يَعْنِي الْخِلَافَ الَّذِي ذكرناه قبل.
__________
1 في "س" "المتمتع".
2 في الأصل و"ط" "لفواته".
3 في الأصل "لفواته".
4 في "ط" "بفواته" وفي النسخ "كقرانه" والتصحيح من الفروع.
5 في النسخ "قرانه" والتصحيح من الفروع.(5/354)
لِفَوَاتِهِ الْخِلَافُ. وَزَادَ فِي الْفُصُولِ: وَدَمٌ ثَالِثٌ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ, كَذَا قَالَ.
وَإِذَا فَرَغَ حَجُّهُ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْأَبْعَدِ, كَمَنْ فَسَدَ حَجُّهُ وَإِلَّا لَزِمَهُ دَمٌ, وَكَذَا إنْ قَضَى مُتَمَتِّعًا فَتَحَلَّلَ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْأَبْعَدِ..(5/355)
فَصْلٌ: يَلْزَمُ دَمُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ بِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ,
جَزَمَ بِهِ فِي الْخِلَافِ, وَرَدَّ مَا نَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ بِخِلَافِهِ إلَيْهِ, وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ, وَقَدَّمَهُ جَمَاعَةٌ, لِقَوْلِهِ: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] "أَيْ" فَلْيُهْدِ, وَحَمْلُهُ عَلَى أَفْعَالِهِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى إحْرَامِهِ, لِقَوْلِهِ: "الْحَجُّ عَرَفَةَ" 1 و "يَوْمُ النَّحْرِ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ" 2; ولأن إحرام الحج تتعلق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 تقدم تخريجه "317".
2 تقدم تخريجه ص "252".(5/355)
بِهِ صِحَّةُ التَّمَتُّعِ, فَلَمْ يَكُنْ وَقْتًا لِلْوُجُوبِ كَإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ; وَلِأَنَّ الْهَدْيَ مِنْ جِنْسِ "مَا" يَقَعُ بِهِ التَّحَلُّلُ, فَكَانَ وَقْتُ وُجُوبِهِ بَعْدَ وَقْتِ الْوُقُوفِ كَطَوَافٍ وَرَمْيٍ وَحَلْقٍ وَعَنْهُ: بِإِحْرَامِ الْحَجِّ لِلْآيَةِ "وهـ ش" وَلِأَنَّهُ غَايَةٌ, فَكَفَى أَوَّلُهُ. كَأَمْرِهِ بِإِتْمَامِ الصَّوْمِ إلَى اللَّيْلِ, وَعَنْهُ: بِوُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ "وم" وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي, لِأَنَّهُ تَعَرَّضَ لِفَوَاتٍ قَبْلَهُ, وَعَنْهُ: بِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ, لِنِيَّتِهِ التَّمَتُّعَ إذَنْ, وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَنْبَنِي عَلَيْهَا مَا إذَا مَاتَ بَعْدَ سَبَبِ الْوُجُوبِ يُخْرَجُ عَنْهُ مَنْ تَرِكَتِهِ, وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ, وَالثَّانِي: لَا يُخْرَجُ شَيْءٌ, وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: فَائِدَةُ الرِّوَايَاتِ إذَا تَعَذَّرَ الدَّمُ وَأَرَادَ الِانْتِقَالَ إلَى الصَّوْمِ فَمَتَى ثَبَتَ التَّعَذُّرُ فِيهِ الرِّوَايَاتُ.
أَمَّا وَقْتُ ذَبْحِهِ فَجَزَمَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمُسْتَوْعِبُ وَالرِّعَايَةُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَحْرُهُ قَبْلَ وَقْتِ وُجُوبِهِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: "لَا يَجُوزُ" قَبْلَ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ "وهـ م" فَظَاهِرُهُ يجوز إذا وجب, لقوله: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] فَلَوْ جَازَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ لَجَازَ الْحَلْقُ, لِوُجُودِ الْغَايَةِ. وَفِيهِ نَظَرٌ; لِأَنَّهُ فِي الْمُحْصِرِ, وَيَنْبَنِي عَلَى عموم المفهوم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(5/356)
وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَنَحَرَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ, وَصَارَ كَمَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ. وَفِيهِ نَظَرٌ; لِأَنَّهُ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا أَوْ كَانَ لَهُ نِيَّةُ أَوْ فِعْلُ الْأَفْضَلِ; وَلِمَنْعِ التَّحَلُّلِ بِسَوْقِهِ, وَسَيَأْتِي1, وَقَاسُوهُ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ, وَهِيَ دَعْوَى; وَلِأَنَّ جَوَازَ تَقْدِيمِهِ يُفْتَقَرُ إلَى دَلِيلٍ, الْأَصْلُ عَدَمُهُ, فَإِنْ احْتَجَّ بِمَا سَبَقَ فَسَبَقَ جَوَابُهُ.
وَإِنْ قِيلَ كَالصَّوْمِ وَهُوَ بَدَلُهُ قِيلَ هَذَا يَخْتَصُّ2 بِمَكَانٍ فَاخْتَصَّ بِزَمَنٍ, كَطَوَافٍ وَرَمْيٍ وَوُقُوفٍ, بِخِلَافِ الصَّوْمِ, وَهَذَا الْبَدَلُ يُخَالِفُ الْأَبْدَالَ; لِأَنَّ كُلَّ وَقْتٍ جَازَ فِيهِ بَعْضُ الْبَدَلِ جَازَ كُلُّهُ وَهُنَا تَجُوزُ الثَّلَاثَةُ لَا السَّبْعَةُ.
وَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا جَازَ الصَّوْمُ لِوُجُودِ السَّبَبِ, كَنَظَائِرِهِ, فَمِثْلُهُ هُنَا, أَشْكَلَ جَوَابُهُ. وَاخْتَارَ فِي الِانْتِصَارِ: لَهُ نَحْرُهُ بِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ, وَأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ الصَّوْمِ; لِأَنَّهُ مُبَدَّلٌ, وَحَمَلَ رِوَايَةَ ابْنِ مَنْصُورٍ بذبحه يوم النحر على وجوبه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ص "360".
2 في "س" "مختص".(5/357)
يَوْمَ النَّحْرِ. وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: لَهُ نَحْرُهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَتَأْخِيرُهُ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ, وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: إنْ قَدِمَ قَبْلَ الْعَشْرِ وَمَعَهُ هَدْيٌ نَحَرَهُ لَا يَضِيعُ أَوْ يَمُوتُ أَوْ يُسْرَقُ. وَكَذَا قَالَ عَطَاءٌ, وَهَذَا ضَعِيفٌ, وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ, وَظَاهِرُ مَذْهَبِهِ: وَبَعْدَ حِلِّهِ مِنْ الْعُمْرَةِ, لَا إذَا أَحْرَمَ بِهَا, فَإِنْ عَدِمَ الْهَدْيَ فِي مَوْضِعِهِ وَلَوْ وَجَدَهُ بِبَلَدِهِ أَوْ وَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ, نَصَّ عَلَيْهِ, لِتَوْقِيتِهَا1, كَمَاءِ الْوُضُوءِ, بِخِلَافِ رَقَبَةِ الْكَفَّارَةِ فَصِيَامُ عَشْرَةِ أَيَّامٍ كَامِلَةً كَمَّلَتْ الْحَجَّ وَأَمْرَ الْهَدْيِ, قَالَهُ أَحْمَدُ, وَمَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ2.
قَالَ الْقَاضِي: كَمَّلَ اللَّهُ الثَّوَابَ بِضَمِّ سَبْعٍ إلَى ثَلَاثٍ. وَقَالَ عَنْ قَوْلِهِ: {تِلْكَ عَشَرَةٌ} [البقرة: 196] لِأَنَّ الْوَاوَ "تَقَع و" تَكُونُ بِمَعْنَى أَوْ. وقيل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في النسخ و"ط" "لتوافيتها" والمثبت من المغني.
2 انظر تفسير ابن عباس ص "27".(5/358)
تَوْكِيدُ {ثَلاثَةِ} {فِي الْحَجِّ} وَالْأَشْهَرُ عَنْ أَحْمَدَ وَعَلَيْهِ أَصْحَابُهُ الْأَفْضَلُ أَنَّ آخِرَهَا عَرَفَةُ, "وهـ" وَعَلَّلَ بِالْحَاجَةِ. وَفِيهِ نَظَرٌ, وَأَجَابَ الْقَاضِي بِأَنَّ عَدَمَ اسْتِحْبَابِ صَوْمِهِ يَخْتَصُّ بِالنَّفْلِ.
وَعَنْهُ: يَوْمِ التَّرْوِيَةِ "وم ش". وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ1. وَفِي الْبُخَارِيِّ2 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَصُومُ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ, وَفِي يَوْمِ عَرَفَةَ لَا جُنَاحَ; وَلِأَنَّ صَوْمَهُ بِعَرَفَةَ لَا يُسْتَحَبُّ, وَلَهُ تَقْدِيمُهَا بِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَهُوَ أَشْهَرُ; لِأَنَّ الْعُمْرَةَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ صَوْمِ الْمُتْعَةِ; لِأَنَّ إحْرَامَهَا يَتَعَلَّقُ بِهِ صِحَّةُ التَّمَتُّعِ, فَكَانَ سَبَبًا لِوُجُودِ الصَّوْمِ3, كَإِحْرَامِ الْحَجِّ, وَكُلُّ شَيْئَيْنِ تَعَلَّقَ الْوُجُوبُ بِهِمَا وَجَازَ اجْتِمَاعُهُمَا كَانَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا سَبَبًا, كَالنِّصَابِ وَالْحَوْلِ, وَالظِّهَارِ وَالْعَوْدِ, وَلَيْسَ صَوْمُ رَمَضَانَ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ, وَإِنْ لَمْ تَجِبْ إلَّا بِهِ وَبِالْجِمَاعِ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُمَا.
قِيلَ لِلْقَاضِي: فَيَكُونُ إحْرَامُهَا سَبَبًا لِهَدْيِ الْمُتْعَةِ وَيَثْبُتُ حكمه فيها,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ينظر الاستذكار لابن عبد البر "11/224".
2 صحيحه "4521".
3 إلى هنا نهاية السقط في "ب".(5/359)
فَأَجَابَ: نَعَمْ, إذَا أَحْرَمَ وَسَاقَهُ كَانَ هَدْيَ مُتْعَةٍ وَمَنَعَهُ التَّحَلُّلَ, وَلَمْ يَجُزْ ذَبْحُهُ, لِمَا سَبَقَ, كَذَا قَالَ.
وَعَنْ أَحْمَدَ "رَحِمَهُ اللَّهُ": بِالْحَلِّ مِنْ الْعُمْرَةِ وَعَنْ أَحْمَدَ: وَقَبْلَ إحْرَامِهَا, وَالْمُرَادُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ, وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ, فَيَكُونُ السَّبَبَ, قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَحَدُ نُسُكَيْ الْمُتَمَتِّعِ فَجَازَ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ, كَالْحَجِّ, قَالَ: وَقَالَهُ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ, وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ: لَا يَجُوزُ حَتَّى يُحْرِمَ بِالْحَجِّ, لِلْآيَةِ, أَيْ فِي إحْرَامِ الْحَجِّ لَا "فِي" وَقْتِهِ; لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ إحْرَامٍ, فَفِيهِ زِيَادَةُ إضْمَارٍ, قَالَ الْقَاضِي: وَفِي إحْرَامِهِ مَجَازٌ; لِأَنَّهُ فِعْلٌ, فَلَا يَكُونُ ظَرْفًا لِفِعْلٍ, قَالَ: وَقِيلَ: فِي جَوَابِهَا: إنَّهَا أَفَادَتْ وُجُوبَ الصَّوْمِ, وَالْكَلَامُ فِي الْجَوَازِ. وَعِنْدَنَا: يَجِبُ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ, وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَشِنْدِيّ وَسُئِلَ عَنْ صِيَامِ الْمُتْعَةِ: مَتَى يَجِبُ؟ قَالَ: إذَا عَقَدَ الْإِحْرَامَ, كَذَا قَالَ, وَوَقْتُ وُجُوبِ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ وَقْتَ وُجُوبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(5/360)
الْهَدْيِ, ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ; لِأَنَّهُ بَدَلٌ كَسَائِرِ الْأَبْدَالِ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا: لَا خِلَافَ أَنَّ الصَّوْمَ يَتَعَيَّنُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إلَيْهَا, بِخِلَافِ الْهَدْيِ فَإِذَا اخْتَلَفَا فِي وَقْتِ الْوُجُوبِ جَازَ أَنْ يَخْتَلِفَا فِي وَقْتِ الْجَوَازِ, وَمِنْ تَتِمَّةِ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَشِنْدِيّ: إذَا عَقَدَ الْإِحْرَامَ فَصَامَ أَجْزَأَهُ إذَا كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ, وَهَذَا يَدْخُلُ عَلَى مَنْ قَالَ لَا تُجْزِئُ الْكَفَّارَةُ إلَّا بَعْدَ الْحِنْثِ, وَلَعَلَّ هَذَا يَنْصَرِفُ وَلَا يَحُجُّ.
قَالَ الْقَاضِي: إذَا عَقَدَ الْإِحْرَامَ أَرَادَ بِهِ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ; لِأَنَّهُ شَبَّهَهُ بِالْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ, وَإِنَّمَا يَصِحُّ الشَّبَهُ إذَا كَانَ صَوْمُهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ; لِأَنَّهُ قَدْ وَجَدَ أَحَدَ السَّبَبَيْنِ, وَلِأَنَّهُ قَالَ: إذَا عَقَدَ الْإِحْرَامَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ, وَهَذَا إنَّمَا يُقَالُ فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ; لِأَنَّ مَنْ شَرْطِ التَّمَتُّعِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَالْمُسْتَوْعِبُ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ إنْ أَخَّرَهَا إلَى يَوْمِ النَّحْرِ فَقَضَاءٌ, وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَنْعِ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ, وَإِلَّا كَانَ أَدَاءً, وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّيْخِ, فِي تَتَابُعِ الصَّوْمِ. وَقَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ, وَظَهَرَ أَنَّ جَوَازَ التَّأْخِيرِ إلَيْهَا مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ, وَسَبَقَ كَلَامُ الْقَاضِي, وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَنْعِ صَوْمِهَا, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(5/361)
وَكَذَا تَكَلَّمَ الْأَصْحَابُ هَلْ يَلْزَمُهُ دَمٌ لِتَأْخِيرِهِ عَنْ وَقْتِ وُجُوبِهِ؟ وَسَيَأْتِي1. وَفِي كَلَامِهِمْ مِنْ النَّظَرِ مَا لَا يَخْفَى.
وَالثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ. وَيُعْمَلُ بِظَنِّهِ فِي عَجْزِهِ, وَيُلْزِمُ الشَّافِعِيَّةُ أَنْ. يَجِبَ تَقْدِيمُ إحْرَامِ الْحَجِّ لِيَصُومَهَا فِيهِ. وَحَكَى بَعْضُهُمْ وَجْهًا: يَجِبُ, وَفِي التَّشْرِيقِ خِلَافٌ, وَسَبَقَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ2.
وَأَمَّا السَّبْعَةُ فَلَا يَجُوزُ صَوْمُهَا فِي التَّشْرِيقِ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ, لِبَقَاءِ أَعْمَالٍ "مِنْ" الْحَجِّ قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: بِلَا خِلَافٍ, وَحَكَى بَعْضُهُمْ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ: يَجُوزُ إذَا رَجَعَ مِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ, وَيَأْتِي كَلَامُ الْقَاضِي فِيمَنْ قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ فِي الصوم ويجوز بعد التشريق, نص عليه "وهـ م" وَالْمُرَادُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي. وَقَدْ طَافَ, يَعْنِي طَوَافَ الزِّيَارَةِ, لِلْآيَةِ, وَالْمُرَادُ: رَجَعْتُمْ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ; لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ وَمُعْتَبَرٌ لِجَوَازِ الصَّوْمِ; ولأنه لزمه, وإنما أخره تحفيفا3 كَتَأْخِيرِ رَمَضَانَ لِسَفَرٍ وَمَرَضٍ, وَمَنَعَ الْمُخَالِفُ لُزُومَهُ قَبْلَ عَوْدِهِ إلَى وَطَنِهِ, وَاحْتَجَّ الْقَاضِي بِحُجَّةٍ ضَعِيفَةٍ, لَكِنْ وُجِدَ سَبَبُهُ فَجَازَ عَلَى أَصْلِنَا, كَمَا سَبَقَ, وَعَلَى هَذَا لَا يَصِيرُ4 قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ" 5 أي يجب إذن, وأجاب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الثالث: قوله: وَعَلَى هَذَا لَا يَصِيرُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "وسبعة إذا رجع" كذا في النسخ ولعله: وعلى هذا يصير بإسقاط "لا" والمعنى يساعده والسياق يدل عليه.
__________
1 ص "364".
2 ص "93".
3 في "س" و"ط" "تحقيقا".
4 في الأصل و"ب" "يضر".
5 تقدم تخريجه ص "335".(5/362)
الْقَاضِي: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ إذَا ابْتَدَأَ بِالرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ.
وَلِلشَّافِعِيِّ كَقَوْلِنَا, وَظَاهِرُ مَذْهَبِهِ: بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَى وَطَنِهِ, قِيلَ: وَفِي الطَّرِيقِ. فَلَوْ تَوَطَّنَ مَكَّةَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ صَامَ بِهَا وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ, فَإِنْ لَمْ يَجُزْ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ فِي التَّشْرِيقِ أَوْ جَازَ وَلَمْ يَصُمْهَا صَامَ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَشَرَةَ "وم ش" لِوُجُوبِهِ, فَقَضَاهُ بِفَوَاتِهِ, كَرَمَضَانَ; وَلِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ, كَصَوْمِ الظِّهَارِ لَوْ مَسَّهَا لَمْ يَسْقُطْ; وَلِأَنَّهُ أَحَدُ مُوجِبِي الْمُتْعَةَ, كَالْهَدْيِ. وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ, فِي الْأَشْهَرِ عِنْدَنَا. وَلَا تَلْزَمُ الْجُمُعَةُ إذَا فَاتَ وَقْتُهَا; لِأَنَّهَا الْأَصْلُ,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(5/363)
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَصُومُ وَيَسْتَقِرُّ الْهَدْيُ, رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ1 وَابْنِ عَبَّاسٍ1 وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٌ1 وَعَطَاءٍ1 وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ1, ثُمَّ هَلْ يَلْزَمُهُ دَمٌ؟ فِيهِ رِوَايَاتٌ, وَالتَّرْجِيحُ مُخْتَلِفٌ.
إحْدَاهُنَّ: يَلْزَمُهُ لِتَأْخِيرِهِ; لِأَنَّهُ صَوْمٌ مُؤَقَّتٌ بَدَلٌ, كَقَضَاءِ رَمَضَانَ, بِخِلَافِ صَوْمِ الظِّهَارِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ, وَصَوْمُ رَمَضَانَ أَصْلٌ; وَلِأَنَّهُ نُسُكٌ وَاجِبٌ أَخَّرَهُ عن وقته, كرمي الجمار.
والثانية: لا "وم ش" وَعَلَّلَهُ فِي الْخِلَافِ بِأَنَّهُ نُسُكٌ أَخَّرَهُ إلَى وَقْتِ جَوَازِ فِعْلِهِ, كَالْوُقُوفِ إلَى اللَّيْلِ وَالطَّوَافِ وَالْحَلْقِ عَنْ التَّشْرِيقِ, كَذَا قَالَ. وَالثَّالِثَةُ: لَا يَلْزَمُهُ مَعَ عُذْرٍ "م 2 وم 3" وَفِي الانتصار: يحتمل أن. يهدي فقط
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"تَنْبِيهٌ": قَوْلُهُ بَعْدَ إطْلَاقِ الرِّوَايَاتِ "وَالتَّرْجِيحُ مُخْتَلَفٌ" تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ; لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ2 إذَا اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ أَطْلَقْت الْخِلَافَ, وَتَقَدَّمَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ3, وَتَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ فِي مُقَدَّمَةِ الْكِتَابِ2.
"مَسْأَلَةٌ 2" قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَجُزْ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ فِي التَّشْرِيقِ أَوْ جَازَ وَلَمْ يَصُمْهَا صَامَ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَشَرَةَ ثُمَّ هَلْ يَلْزَمُهُ دَمٌ؟ فِيهِ رِوَايَاتٌ, وَالتَّرْجِيحُ مُخْتَلِفٌ, إحْدَاهُنَّ يَلْزَمُهُ لِتَأْخِيرِهِ. وَالثَّانِيَةُ لَا وَالثَّالِثَةُ لَا يَلْزَمُهُ مَعَ عُذْرٍ, انْتَهَى. اشْتَمَلَ كَلَامُهُ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ:
"مَسْأَلَةُ 2" الْمَعْذُورِ. و "مَسْأَلَةُ 3" غَيْرِهِ. وَفِي مَجْمُوعِهِمَا ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ, أطلقهن في المستوعب والمغني4 والكافي5 والشرح6
__________
1 أخرجه هذه الأثار ابن أبي شيبة نشرة العمري "4/121, 122".
2 "1/6".
3 "4/211".
4 "5/364, 365".
5 "2/340".
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/397, 398".(5/364)
قادر. إن اعترف فِي الْكَفَّارَةِ بِالْأَغْلَظِ. وَأَمَّا إنْ صَامَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَجَازَ فَلَا دَمَ. جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ وَالرِّعَايَةُ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمْ بِتَأْخِيرِ الصَّوْمِ عَنْ أَيَّامِ الْحَجِّ. وَالرِّوَايَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي تَأْخِيرِ الْهَدْيِ عَنْ أَيَّامِ النحر هل يلزمه دم "م 4 و 5"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ, وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ:
إحْدَاهُنَّ عَلَيْهِ دَمٌ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ, وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُقْنِعِ1 وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَلْزَمُهُ, اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ, قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَهِيَ الَّتِي نَصَّهَا الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ لَا يَلْزَمُهُ مَعَ الْعُذْرِ, اخْتَارَهَا الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ فِي الْمَعْذُورِ دُونَ غَيْرِهِ, وَقَدَّمَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ وُجُوبَ الدَّمِ إذَا أَخَّرَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ, وَأَطْلَقَ الخلاف في المعذور.
"مَسْأَلَةٌ 4 و 5" قَوْلُهُ: وَالرِّوَايَاتُ الْمَذْكُورَةُ2 فِي تَأْخِيرِ الْهَدْيِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ هَلْ يَلْزَمُهُ دَمٌ؟ انْتَهَى. وَفِيهِ أَيْضًا مَسْأَلَتَانِ.
"مَسْأَلَةُ 4" الْمَعْذُورِ. و "مَسْأَلَةُ 5" غَيْرِهِ, وَفِيهِمَا ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ, وَأَطْلَقَهُنَّ أَيْضًا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْحَاوِيَيْنِ. إحْدَاهُنَّ: يَلْزَمُهُ دَمٌ آخَرُ, قدمه في المحرر والفائق.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُهُ سِوَى الْهَدْيِ, قَدَّمَهُ في إدراك الغاية في غير المعذور.
__________
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/396".
2 في النسخ المذكورات والمثبت موافق للفروع.(5/365)
وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَلْزَمُهُ هَدَيَانِ, وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ: لَا دَمَ, وَعِنْدَ أَبِي حنيفة: عليه هديان إذا أيسر:
أَحَدُهُمَا" لِحِلِّهِ بِلَا هَدْيٍ وَلَا صَوْمٍ.
"وَالثَّانِي" هَدْيُ الْمُتْعَةِ أَوْ الْقِرَانِ.
وَلَا يَجِبُ تَتَابُعٌ وَلَا تَفْرِيقٌ1 فِي الثَّلَاثَةِ وَلَا السَّبْعَةِ "و" لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ وَكَذَا التَّفْرِيقُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ إذَا قَضَى, كَسَائِرِ الصَّوْمِ, وَمَنَعَ الشَّيْخُ وُجُوبَ التَّفْرِيقِ فِي الْأَدَاءِ بِأَنْ صَامَ أَيَّامَ مِنًى وأتبعها السبعة, ثم إنما كان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: إنْ أَخَّرَهُ لِعُذْرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ, وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ, وَصَحَّحَهُ فِي الْكُبْرَى, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي2 وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ3 وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ, وَكَذَا قَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ فِي الْمَعْذُورِ دُونَ غَيْرِهِ.
"قُلْت" الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ عَدَمُ الْوُجُوبِ عَلَى الْمَعْذُورِ, وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي4 وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ5 وَغَيْرِهِمْ.
"تَنْبِيهٌ" حَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ الْخِلَافَ فِي الْمَعْذُورِ وَجْهَيْنِ, وفي غير المعذور روايتين.
__________
1 في "ب" "ولا يفرق".
2 "2/340".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/397, 398".
4 "5/364, 365".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/398".(5/366)
مِنْ حَيْثُ الْوَقْتِ فَسَقَطَ بِفَوَاتِهِ, كَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ, بِخِلَافِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ مِنْ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ فَإِنَّهُ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلِ لَمْ يَسْقُطْ وَأَوْجَبَهُ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ فَقِيلَ: يُفَرَّقُ بِيَوْمٍ, وَقِيلَ: بِأَرْبَعَةٍ, وَقِيلَ: بِمُدَّةِ إمْكَانِ السَّيْرِ إلَى الْوَطَنِ, وَقِيلَ: بِهِمَا, وَهُوَ الْمَذْهَبُ.
وَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَصُمْ تَمَكَّنَ مِنْهُ أَوْ لَا فَكَصَوْمِ رَمَضَانَ, عَلَى مَا سَبَقَ1, نَصَّ عَلَيْهِ "وش" وَإِنْ وَجَبَ الصَّوْمُ وَشَرَعَ فِيهِ ثُمَّ وَجَدَ هَدْيًا لَمْ يَلْزَمْهُ وَأَجْزَأَهُ الصَّوْمُ "وم ش" وَفِي الْفُصُولِ وغيره تخريج من اعتبار الأغلظ. فِي الْكَفَّارَةِ, وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُظَاهِرَ ارْتَكَبَ الْمُحَرَّمَ, فَنَاسَبَهُ الْمُعَاقَبَةُ, وَالْحَاجُّ فِي طَاعَةٍ, فَخُفِّفَ عَلَيْهِ, وَاخْتَارَ الْمُزَنِيّ: يَلْزَمُهُ. وَفِي وَاضِحِ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ: إنْ فَرَّغَهُ ثُمَّ قَدَرَ يَوْمَ النَّحْرِ نَحَرَهُ وَإِنْ وَجَبَ إذَنْ. وَأَنَّ دَمَ الْقِرَانِ يَجِبُ بِإِحْرَامِهِ, كَذَا قَالَ, وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِنَا, إلَّا أَنْ يَجِدَهُ فِي صَوْمِ الثَّلَاثَةِ أَوْ بَعْدَهَا, وَقَبْلَ حِلِّهِ فَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا الْهَدْيُ. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ السَّبْعَةَ بَدَلٌ أَيْضًا, لِلْآيَةِ; ولأنه صوم لزمه عند عدم الهدي,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ص "65".(5/367)
كَصَوْمِ الْكَفَّارَةِ الْمَرْتَبَةِ, بِخِلَافِ صَوْمِ فِدْيَةِ الْأَذَى, وَاخْتِلَافُ وَقْتِهِمَا لَا يَمْنَعُ الْبَدَلِيَّةَ, كَمَا اخْتَلَفَ وَقْتُهُ وَوَقْتُ الْهَدْيِ, وَإِنَّمَا جَازَ مَعَ الْهَدْيِ; لِأَنَّهُ بَعْضُ الْبَدَلِ.
قَالَ الْقَاضِي: وَإِنَّمَا جَازَ فِعْلُهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ لِدُخُولِ وَقْتِهِ, قَالُوا: الصَّوْمُ الْقَائِمُ مَقَامَ الْهَدْيِ فِي الْإِحْلَالِ1 صَوْمُ الثَّلَاثَةِ, فَهِيَ الْبَدَلُ; لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْمُبْدَلِ رُدَّ: لَيْسَ لِأَجْلِ التَّحَلُّلِ; بَلْ لِأَنَّ وَقْتَهَا أَنْ يَصُومَ فِي الْحَجِّ, بِخِلَافِ السَّبْعَةِ, وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُتَيَمِّمِ2 يَجِدُ الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ إنْ قُلْنَا تَبْطُلُ: بِأَنَّ ظُهُورَ الْمُبْدَلِ هُنَاكَ يبطل حكم البدل من أصله, ويبطل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ب" "الحلال".
2 في "ب" "التيمم".(5/368)
مَا مَضَى مِنْ الصَّلَاةِ, وَهُنَا صَوْمُهُ صَحِيحٌ يُثَابُ عَلَيْهِ, وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَشْرُوطٍ, لِإِبَاحَةِ الْإِحْلَالِ, وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ فِعْلُهُ لِدُخُولِ وَقْتِهِ, وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَيْضِهَا فِي عِدَّتِهَا بِالْأَشْهُرِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهُ لِلْمَشَقَّةِ "بِأَنْ يَجِدَهُ" بِبَلَدِهِ, وَلَا يَبِيعَ مَسْكَنَهُ لِأَجَلِهِ, وَالْمَرْأَةُ إذَا حَاضَتْ لَمْ تَعْتَدَّ إلَّا بِهِ مَا لَمْ. تَيْأَسْ.
وَإِنْ وَجَدَهُ قَبْلَ شُرُوعِهِ فَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ1; لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ, وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ "م 6" كَالْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ. وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إنْ اُعْتُبِرَ حَالُ الْوُجُوبِ, وبالأغلظ, وهو نص الشافعي هنا.
__________
1 في "س" "لا يلزم".(5/369)
فَصْلٌ: جَزَمَ جَمَاعَةٌ
مِنْهُمْ الشَّيْخُ وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ والرعاية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 6" قَوْلُهُ: "وَإِنْ وَجَبَ الصَّوْمُ وَشَرَعَ فِيهِ ثُمَّ وَجَدَ هَدْيًا لَمْ يَلْزَمْهُ وَأَجْزَأَهُ الصَّوْمُ وَإِنْ وَجَدَهُ قَبْلَ شُرُوعِهِ فَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي2 وَالْكَافِي3 وَالْمُقْنِعِ4 وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ والزركشي وغيرهم.
"إحْدَاهُمَا" يَلْزَمُهُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ والمذهب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
2 "5/366".
3 "2/341".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/400".(5/369)
بِالِاسْتِحْبَابِ, وَمَعْنَاهُ عَنْ أَحْمَدَ, وَعَبَّرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمْ بِالْجَوَازِ, وَإِنَّمَا أَرَادُوا فَرَضَ الْمَسْأَلَةِ مَعَ الْمُخَالِفِ, وَلِهَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي اسْتِحْبَابَهُ فِي بِحَثِّ الْمَسْأَلَةِ.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا لِلْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ أَنْ يَفْسَخَا نِيَّتَهُمَا بِالْحَجِّ زَادَ الشَّيْخُ: إذَا طَافَا وَسَعَيَا فَنَوَيَا بِإِحْرَامِهِمَا ذَلِكَ عُمْرَةً مُفْرَدَةً, فَإِذَا فَرَغَاهَا وحلا منها أحرما بالحج ليصيرا متمتعين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ, قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هَذَا الْمَذْهَبُ, فَعَلَى هَذَا لَوْ قَدَرَ عَلَى الشِّرَاءِ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ مُوسِرٌ فِي بَلَدِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ, بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَغَيْرِهِمَا, قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ" يَلْزَمُهُ, صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَمَنَاسِكِ الْقَاضِي مُوَفَّقِ الدِّينِ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ, وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرُهُمْ; لِأَنَّهُمْ قَالُوا: لَا يَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ بَعْدَ الشُّرُوعِ, قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَتَبِعْهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَمَبْنَى الْخِلَافِ هَلْ الِاعْتِبَارُ فِي الْكَفَّارَاتِ بِحَالِ الْوُجُوبِ أَوْ بِأَغْلَظِ الْأَحْوَالِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ, انْتَهَى. "قُلْت": الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْكَفَّارَاتِ مَجَالُ الْوُجُوبِ, كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ, فَعَلَى هَذَا الْبِنَاءِ أَيْضًا يَكُونُ الصَّحِيحُ مَا صَحَّحْنَاهُ أَوَّلًا, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ, وَإِنْ سَلِمَ هَذَا الْبِنَاءُ كَانَ فِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافَ نَظَرٌ وَاضِحٌ, وَلَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ عدم البناء.
تَنْبِيهَانِ:
"الْأَوَّلُ" قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: فَإِنْ قُلْنَا الِاعْتِبَارُ بِحَالِ الْوُجُوبِ صَارَ الصَّوْمُ أَصْلًا لَا(5/370)
وَقَالَ "هـ م ش" وَدَاوُد: لَا يَجُوزُ, وَلَنَا وَلَهُمْ مَا سَبَقَ فِي أَفْضَلِ الْأَنْسَاكِ1.
قَالُوا: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] رُدَّ بِالْفَسْخِ, نَقَلَهُ إلَى غَيْرِهِ لَا إبْطَالُهُ, مِنْ أَصْلِهِ, زَادَ الْقَاضِي: عَلَى أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ مَسْأَلَتِنَا. قَالُوا: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ} [البقرة: 196] رُدَّ: الْآيَةَ اخْتَصَّتْ2 الِابْتِدَاءَ بِهِمَا لَا الْبِنَاءَ. قَالُوا: أَحَدُ النُّسُكَيْنِ كَالْعُمْرَةِ. رُدَّ: فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ, ثُمَّ لَا فَائِدَةَ, وَهُنَا فَضِيلَةُ التَّمَتُّعِ, وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَضِيلَةُ الإفراد إن كان. قَارِنًا.
فَإِنْ قِيلَ: صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ فِعْلَ الْحَجِّ مِنْ عَامِهِ, قِيلَ: مَنَعَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ, نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا بُدَّ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ مِنْ عَامِهِ لِيَسْتَفِيدَ فَضِيلَةَ التَّمَتُّعِ; وَلِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ. فَلَا يُؤَخِّرُهُ, كَمَا لَوْ لَمْ يُحْرِمْ, فَكَيْفَ وَقَدْ أَحْرَمَ؟ وَاخْتَلَفَ كلام القاضي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
بَدَلًا, وَعَلَى هَذَا فَهَلْ يُجْزِئُهُ فِعْلُ الْأَصْلِ وَهُوَ الْهَدْيُ؟ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ, وَقَطَعَ بِهِ فِي الْكَافِي3 وَغَيْرِهِ, وَحَكَى الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ.
__________
1 ص "331".
2 في "س" "اقتضت".
3 "2/341".(5/371)
وَقَدَّمَ الصِّحَّةَ; لِأَنَّ بِالْفَسْخِ حَصَلَ عَلَى صِفَةٍ يَصِحُّ 1مِنْهُ التَّمَتُّعُ1; وَلِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَصِيرُ حَجًّا, وَالْحَجُّ يَصِيرُ عُمْرَةً لِمَنْ حُصِرَ عَنْ عَرَفَةَ أَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ.
قَالُوا: لَا يَجُوزُ قَبْلَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ كَذَا بَعْدَهُ, نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: يَجْعَلُهَا عُمْرَةً إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ, وَلَا يَجْعَلُهَا وَهُوَ فِي الطَّرِيقِ. رُدَّ: لِأَنَّ هَذَا الْفَسْخَ لَمْ يَجُزْ فِي زَمَنِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ; لِأَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ2 أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي مُوسَى: "طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حِلَّ" , وَلِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ الْفَسْخُ لِيَصِيرَ مُتَمَتِّعًا, فَإِذَا فَسَخَ قَبْلَ فِعْلِ الْعُمْرَةِ لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ, وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: افْسَخْ وَاسْتَأْنِفْ عُمْرَةً; لِأَنَّ الْإِحْرَامَ الْأَوَّلَ تَعَرَّى عَنْ نُسُكٍ, كَذَا قَالَهُ الْقَاضِي.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: يَجُوزُ, فَيَنْوِي إحْرَامَهُ بِالْحَجِّ عُمْرَةً, وَخَبَرُ أَبِي مُوسَى أَرَادَ أَنَّ الْحَلَّ يَتَرَتَّبُ3 عَلَى الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ لَيْسَ فِيهِ الْمَنْعُ من قلب النية,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 1 في الأصل "من المتمتع".
2 البخاري "1559" ومسلم "1221" "155".
3 في "س" "مرتب".(5/372)
وَلِهَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ1 عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: نَزَلْنَا بِسَرِفٍ, فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعَلْ, وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلَا" وَفِيهِمَا2 أَيْضًا عَنْهَا: "حَتَّى إذَا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ". وَفِيهِمَا3 أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ لِأَرْبَعٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ, فَصَلَّى الصُّبْحَ بِالْبَطْحَاءِ وَقَالَ لَمَّا صَلَّى الصُّبْحَ: " مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَجْعَلْهَا" وَفِي الِانْتِصَارِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ: لَوْ ادَّعَى مُدَّعٍ وُجُوبَ الْفَسْخِ لَمْ يَبْعُدْ وَاخْتَارَ ابْنُ حَزْمٍ وُجُوبَهُ, وَقَالَ: هُوَ4 قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَإِسْحَاقَ.
وَفِي مُسْلِمٍ5 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ مَنْ طَافَ حَلَّ, وَقَالَ: سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَابْنُ عَبَّاسٍ إنَّمَا يَرْوِي التَّخْيِيرَ أَوْ الْأَمْرَ بِالْحِلِّ, فَالتَّخْيِيرُ كَانَ أَوَّلًا ثُمَّ حَتَّمَهُ عَلَيْهِمْ آخِرًا لَمَّا امْتَنَعُوا, فَعِلَّةُ الْحَتْمِ زَالَتْ. وَفِي مُسْلِمٍ6 أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ قَالَ لِعَطَاءٍ: مِنْ أَيْنَ يَقُولُ ذَلِكَ؟ يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ. قَالَ: مِنْ قَوْلِ اللَّهِ {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] قُلْت: فَإِنَّ ذَلِكَ بَعْدَ الْمُعَرَّفِ, فَقَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: هُوَ بَعْدَ الْمُعَرَّفِ وَقَبْلَهُ كَانَ يَأْخُذُ ذَلِكَ من أمر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 البخاري "1560" ومسلم "1211" "123".
2 البخاري "1709" ومسلم "1211" "125".
3 البخاري "1545" ومسلم "1240" "199".
4 في "س" "هذا".
5 برقم "1244" "206".
6 برقم "1245" "208".(5/373)
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ, وَلَا يَصِحُّ الْفَسْخُ إلَّا قَبْلَ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ, لِعَدَمِ جَوَازِهِ فِي وَقْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَلَا يَسْتَفِيدُ بِهِ فَضِيلَةَ التَّمَتُّعِ, وَلَا يَصِحُّ الْفَسْخُ مِمَّنْ مَعَهُ هَدْيٌ مِنْهُمَا.
وَكَذَا لَا يَحِلُّ مُتَمَتِّعٌ سَاقَ هَدْيًا فَيُحْرِمُ بِالْحَجِّ إذَا طَافَ وَسَعَى لِعُمْرَتِهِ قَبْلَ تَحَلُّلِهِ بِالْحَلْقِ, فَإِذَا ذَبَحَهُ يَوْمَ النَّحْرِ حَلَّ مِنْهُمَا مَعًا, نَصَّ عَلَيْهِ, وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ فِي الْعَشْرِ وَلَمْ يَحِلَّ, وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: الْهَدْيُ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّحَلُّلِ مِنْ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ فِي الْعَشْرِ وَغَيْرِهِ "وهـ" وَنَقَلَ أَيْضًا فِيمَنْ يَعْتَمِرُ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا وَمَعَهُ هَدْيٌ: لَهُ أَنْ يُقَصِّرَ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ خَاصَّةً, لِقَوْلِ مُعَاوِيَةَ: قَصَّرْت مِنْ رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْمَرْوَةِ بِمِشْقَصٍ1. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2. قَالَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ الْحَبَشِيُّ3 وَهُوَ الَّذِي خَلَفَ عَطَاءً فِي مَجْلِسِهِ بِمَكَّةَ فِي الْفُتْيَا, وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ: النَّاسُ يُنْكِرُونَ هَذَا عَلَى مُعَاوِيَةَ.
وَنَقَلَ يُوسُفُ بْنُ مُوسَى فِيمَنْ قَدِمَ مُتَمَتِّعًا مَعَهُ هَدْيٌ: إنْ قَدِمَ فِي شَوَّالَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 المشقص: هو النصل العريض أو سهم فيه ذلك القاموس "شقص".
2 البخاري "1730" ومسلم "1246" "109".
3 هو أبو عبد الملك ويقال: أبو عبد الله الحبشي قيس بن سعد مولى نافع بن علقمة روى عن سعيد بن جبير وطاووس وعطاء بن أبي وباح وغيرهم قليل الحديث ولم تعمر "ت 119 هـ" تهذيب الكمال "6/138".(5/374)
نَحَرَهُ وَعَلَيْهِ هَدْيٌ آخَرُ, وَإِنْ قَدِمَ فِي الْعَشْرِ لَمْ يَحِلَّ, فَقِيلَ لَهُ خَبَرُ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: إنَّمَا حَلَّ بِمِقْدَارِ التَّقْصِيرِ.
قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُهُ يَتَحَلَّلُ قَبْلَ الْعَشْرِ لَا بَعْدَهُ إلَّا بِتَقْصِيرِ الشَّعْرِ. قَالَ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْهَدْيَ لَا يَمْنَعُ التَّحَلُّلَ, وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ الْمَقَامُ فِي الْعَشْرِ; لِأَنَّهُ لَا يَطُولُ إحْرَامُهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَهُ التَّحَلُّلُ وَيَنْحَرُ هَدْيَهُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ: وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ, وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ, وَعَنْهُ أَيْضًا كَقَوْلِنَا. وَجْهُ الْأَوَّلِ الْأَخْبَارُ السَّابِقَةُ, وَكَامْتِنَاعِهِ في وقته صلى الله عليه وسلم; وَلِأَنَّ التَّمَتُّعَ1 أَحَدُ نَوْعَيْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ, كَالْقِرَانِ. وَفِيهِ نَظَرٌ, وَحَيْثُ صَحَّ الْفَسْخُ لَزِمَهُ دَمٌ, نَصَّ عَلَيْهِ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ; لأن نية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س" "المتمتع".(5/375)
التَّمَتُّعِ إنْ اُعْتُبِرَتْ فَمَا حَلَّ حَتَّى نَوَى أَنَّهُ يَحِلُّ ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ وَذَكَرَ الشَّيْخُ عَنْ الْقَاضِي: لَا, لِعَدَمِ النِّيَّةِ, قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: لَا يُسْتَحَبُّ الْإِحْرَامُ بِنِيَّةِ الْفَسْخِ, قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يُكْرَهُ ذَلِكَ.(5/376)
فصل: من حاضت وهي متمتعة قَبْلَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ
فَخَافَتْ فَوَاتَ الْحَجِّ أَوْ خَافَهُ غَيْرُهَا أَحْرَمَ بِحَجٍّ وَصَارَ قَارِنًا, نَصَّ عَلَيْهِ "وم ش" وَلَمْ يَقْضِ طَوَافَ الْقُدُومِ.
وَقَالَ "هـ": يَصِيرُ رَافِضًا لِلْعُمْرَةِ, قَالَ أَحْمَدُ مَا قَالَهُ غَيْرُهُ, لِخَبَرِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أنها أهلت بعمرة فحاضت, فقال صلى الله عليه وسلم "انقضي رأسك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(5/376)
وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ فَفَعَلَتْ. فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ مِنْهُ فَقَالَ: "هَذِهِ عُمْرَةٌ مَكَانَ عُمْرَتِك" 1 لَنَا مَا سَبَقَ فِي صِفَةِ الْقِرَانِ; وَلِأَنَّ إدْخَالَ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ خَشْيَةِ الْفَوَاتِ, فَمَعَهُ أَوْلَى وَخَبَرُ عُرْوَةَ رُوِيَ فِيهِ أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ. فَلَمْ يَسْمَعْهُ, وَالْإِثْبَاتُ عَنْ عَائِشَةَ بِخِلَافِهِ, وَخَبَرُ جَابِرٍ2 السَّابِقُ, وَمُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ رَفْضُ نُسُكٍ يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ وَيُحْتَمَلُ: دَعِي الْعُمْرَةَ وأهلي معها بالحج, أو: دعي أفعالها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه البخاري "1556" ومسلم "1211" "111".
2 تقدم تخريجه ص "345".(5/377)
وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ وَقَفَ الْقَارِنُ بِعَرَفَةَ قَبْلَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ لَزِمَهُ رَفْضُ الْعُمْرَةِ; لِأَنَّهُ صَارَ بَانِيًا أَفْعَالَهَا عَلَى أَفْعَالِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ, وَلِكَرَاهَتِهَا عِنْدَهُمْ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ, فَإِنْ رَفَضَهَا لَزِمَهُ دَمٌ لِرَفْضِهَا وَعُمْرَةٌ مَكَانَهَا, فَإِنْ مَضَى عَلَيْهِمَا1 أَجْزَأَهُ, لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا, لِاشْتِغَالِهِ بِأَدَاءِ بَقِيَّةِ الْحَجِّ, وَعَلَيْهِ دَمُ كَفَّارَةٍ لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا حَلَقَ لَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ لَا يَرْفُضُهَا, عَلَى ظَاهِرِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ وَقِيلَ: بَلَى, لِلنَّهْيِ, قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ2 مِنْهُمْ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا: وَعِنْدَنَا يَجِبُ دَمُ الْقِرَانِ وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْعُمْرَةُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ; لِأَنَّ الْوُقُوفَ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ, فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ رَفْضُ الْعُمْرَةِ, كَإِحْرَامِ الْحَجِّ; وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يُرْتَفَضُ بِرَفْضِهِ, وَلَا يتحلل بوطء مع تأكده, فالوقوف أولى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "عليها".
2 هو الطحاوي صاحب شرح معاني الآثار وقد تقدم في الجزء الثاني.(5/378)
وَلَيْسَ كَإِحْرَامٍ بِحَجَّتَيْنِ, لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْمُضِيُّ فِيهِمَا وَالْوَقْتُ لَا يَصْلُحُ لَهُمَا, وَهَذَا بِخِلَافِهِ, وَسَبَقَ فِي صِفَةِ الْقِرَانِ إذَا لَزِمَهُ طَوَافَانِ وسعيان1 "والله أعلم".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ص "346".(5/379)
فَصْلٌ: وَإِنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا,
بِأَنْ نَوَى نَفْسَ الْإِحْرَامِ وَلَمْ يُعَيِّنْ نُسُكًا صَحَّ "و" كَإِحْرَامِهِ بِمِثْلِ إحْرَامِ فُلَانٍ, ثُمَّ يَجْعَلُهُ مَا شَاءَ, نَصَّ عَلَيْهِ "وهـ م" بِالنِّيَّةِ لَا بِاللَّفْظِ, وَلَا يُجْزِئُهُ الْعَمَلُ قَبْلَ النِّيَّةِ, كَابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ, وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: فَإِنْ طَافَ شَوْطًا كَانَ لِلْعُمْرَةِ; لِأَنَّهُ رُكْنٌ فِيهِ, فَكَانَ أَهَمَّ, وَكَذَا لَوْ أُحْصِرَ أَوْ جَامَعَ; لِأَنَّهُ أَقَلُّ, وَإِنْ2 وَقَفَ بِعَرَفَةَ كَانَ لِلْحَجِّ, كَذَا قَالُوا.
وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: يَجْعَلُهُ عُمْرَةً, كَإِحْرَامِهِ بِمِثْلِ إحْرَامِ فُلَانٍ. وَقَالَهُ الْقَاضِي إنْ كَانَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ, وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ أَوْلَى, كَابْتِدَاءِ إحْرَامِ الْحَجِّ فِي غَيْرِهَا. عَلَى مَا سَبَقَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إنْ جَعَلَهُ حَجًّا بَعْدَ دُخُولِ أَشْهُرِهِ لَمْ يُجْزِئْ فِي الْأَصَحِّ, بِنَاءً عَلَى انْعِقَادِهِ عُمْرَةً لَا مُبْهَمًا. وَفِي الرِّعَايَةِ: إنْ شَرَطْنَا تَعْيِينَ مَا أَحْرَمَ بِهِ بَطَلَ الْمُطْلَقُ, كَذَا قَالَ. وَإِنْ أَبْهَمَ إحْرَامَهُ فَأَحْرَمَ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ أَوْ بِمِثْلِهِ صَحَّ, لِخَبَرِ جَابِرٍ أَنَّ عَلِيًّا قَدِمَ مِنْ الْيَمَنِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بِمَ أَهْلَلْت"؟ قَالَ: بِمَا أَهْلَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ "فَاهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا" وَفِي خَبَرِ أَنَسٍ: أَهْلَلْت بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم. وعن أبي موسى أنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
2 في "س" "ولو".(5/379)
أَحْرَمَ كَذَلِكَ قَالَ: "سُقْت مِنْ هَدْيٍ"؟ قَالَ: لَا, قَالَ: "فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حِلَّ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا1, فَإِنْ عَلِمَ انْعَقَدَ بِمِثْلِهِ, فَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فَكَمَا سَبَقَ, فَظَاهِرُهُ لَا يَلْزَمُهُ صَرْفُهُ إلَى مَا يُصْرَفُ إلَيْهِ, كَظَاهِرِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ, وَلَا إلَى مَا كَانَ صَرْفُهُ إلَيْهِ, كَأَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لَهُمْ, وَأَطْلَقَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا احْتِمَالَيْنِ, وَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا: يُعْمَلُ بِقَوْلِهِ لَا بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِهِ, وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ.
وَإِنْ كَانَ إحْرَامُهُ فَاسِدًا فَيَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ2 لَنَا وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِيمَا إذَا نَذَرَ عِبَادَةً فَاسِدَةً هَلْ تَنْعَقِدُ بِصَحِيحَةٍ؟ وَإِنْ جَهِلَهُ فَكَمَنْسِيٍّ عَلَى مَا يَأْتِي3. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يَجْعَلُ نَفْسَهُ قَارِنًا, وَكَذَا عِنْدَنَا إنْ شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ, ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي4, وَالْأَشْهَرُ كَمَا لَوْ لَمْ يُحْرِمْ, فَيَكُونُ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا, وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ عِلْم بِأَنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ, كَظَاهِرِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ, لِجَزْمِهِ بِالْإِحْرَامِ, بِخِلَافِ: إنْ كَانَ مُحْرِمًا فَقَدْ أَحْرَمْت, فَلَمْ يَكُنْ مُحْرِمَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في النسخ الخطية و"ط" "عليها" الأول البخاري "4352" ومسلم "1216" "141" والثاني البخاري "1558" ومسلم "1250" "213" والثالث اليخاري "1559" ومسلم "1221" "156".
2 في الأصل "الاختلاف".
3 ص "381 و383".
4 "2/329".(5/380)
وَلَوْ قَالَ: إنْ أَحْرَمَ زَيْدٌ فَأَنَا مُحْرِمٌ, فَيَتَوَجَّهُ أَنْ لَا يَصِحَّ "و" وَلَوْ قَالَ: أَحْرَمْت يَوْمًا أَوْ بِنِصْفِ نُسُكٍ وَنَحْوِهِمَا فَيَتَوَجَّهُ خِلَافٌ, أَوْ يَصِحُّ, كَالشَّافِعِيَّةِ.
وَإِنْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ وَنَسِيَهُ جَعَلَهُ عُمْرَةً, نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد, كَمَا لَوْ نَذَرَ الْإِحْرَامَ بِنُسُكٍ وَنَسِيَهُ; لِأَنَّهَا الْيَقِينُ. احْتَجَّ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا, وَمُرَادُهُمْ: لَهُ جَعْلُهُ عُمْرَةً, لَا تَعْيِينُهَا, وَعَنْهُ: مَا شَاءَ, جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(5/381)
وَجَمَاعَةٌ, وَحَمَلَ نَصَّ أَحْمَدَ عَلَى النَّدْبِ. وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ: هَلْ يَجْعَلُهُ مَا شَاءَ أَوْ عُمْرَةً؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: فَإِنْ عَيَّنَهُ بِقِرَانٍ صَحَّ حَجُّهُ, وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ دَمُ قِرَانٍ, احْتِيَاطًا, وَقِيلَ: وَتَصِحُّ عُمْرَتُهُ, بِنَاءً عَلَى إدْخَالِ الْعُمْرَةِ 1عَلَى الْحَجِّ لِحَاجَةٍ, فَيَلْزَمُهُ دَمُ قِرَانٍ.
وَإِنْ عَيَّنَهُ بِتَمَتُّعٍ فَكَفَسْخِ حَجٍّ إلَى عُمْرَةٍ, وَيَلْزَمُهُ دَمُ الْمُتْعَةِ وَيُجْزِئُهُ عَنْهُمَا. وَإِنْ كَانَ شَكُّهُ بَعْدَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ جَعَلَهُ عُمْرَةً, لِامْتِنَاعِ إدْخَالِ الْحَجِّ إذْن لِمَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ, فَإِذَا سَعَى وَحَلَقَ فمع بقاء وقت الوقوف يحرم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ب" "عمرة".(5/382)
بِالْحَجِّ وَيُتِمُّهُ1 وَيُجْزِئُهُ, وَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِلْحَلْقِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ إنْ كَانَ حَاجًّا, وَإِلَّا فَدَمُ مُتْعَةٍ.
وَإِنْ كَانَ شَكُّهُ بَعْدَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَجَعَلَهُ حَجًّا أَوْ قِرَانًا تَحَلَّلَ بِفِعْلِ الْحَجِّ وَلَمْ يُجْزِئْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا, لِلشَّكِّ2, لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَنْسِيَّ عُمْرَةٌ, فَلَا يَصِحُّ إدْخَالُهُ عَلَيْهَا بَعْدَ طَوَافِهَا, وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ حَجٌّ فَلَا يَصِحُّ إدْخَالُهَا عَلَيْهِ, وَلَا دَمَ وَلَا قَضَاءَ, لِلشَّكِّ فِي سَبَبِهِمَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إنْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ وَنَسِيَهُ جَعَلَهُ قِرَانًا, فِي الْجَدِيدِ, فَيُتِمُّهُ وَيُجْزِئُهُ عَنْ الْحَجِّ, وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْعُمْرَةِ, فِي الْأَصَحِّ, إلَّا إنْ جَازَ إدْخَالُهَا عَلَى الْحَجِّ فَيَلْزَمُهُ دَمُ الْقِرَانِ إذَنْ, وَإِلَّا فَلَا, فِي الْأَصَحِّ, قَالَ أَصْحَابُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّافِعِيُّ الْقِرَانَ; لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ, فَلَوْ جَعَلَهُ "حَجًّا وَأَتَى بِعَمَلِهِ أَجْزَأَهُ, وَإِنْ جَعَلَ عُمْرَةً" وَأَتَى بأعمال القران أجزأه عنها3 وإن جَازَ إدْخَالُهَا عَلَى الْحَجِّ, وَلَوْ لَمْ يَجْعَلْهُ شَيْئًا وَأَتَى بِعَمَلِ الْحَجِّ تَحَلَّلَ وَلَمْ يُجْزِئْهُ واحد منهما للشك4 فِيمَا أَتَى بِهِ, وَلَوْ أَتَى بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ لَمْ يَتَحَلَّلْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِحَجٍّ وَلَمْ يُتِمَّ عَمَلَهُ.
وَإِنْ عَرَضَ شَكُّهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَقَبْلَ الطَّوَافِ أَجْزَأَهُ الْحَجُّ إنْ وَقَفَ ثَانِيًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ مُعْتَمِرًا, فَلَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ الوقوف عن الحج, وإن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 من هنا بدأ السقط في "ب".
2 في "س" للنسك".
3 في الأصل "عنهما".
4 في "س" و"ط" "لشكه".(5/383)
عَرَضَ بَعْدَ الطَّوَافِ وَقَبْلَ الْوُقُوفِ فَنَوَى قَارِنًا وَأَتَى بِعَمَلِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: يُتِمُّ أَعْمَالَ الْعُمْرَةِ وَمِنْهَا الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ, وَيَأْتِي بِهِ فَيَصِحُّ حَجُّهُ. قَالَ أَكْثَرُهُمْ: إنْ فَعَلَ هَذَا صَحَّ حَجُّهُ. وَلَا نُفْتِيه بِهِ, لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ, وَإِنَّ هَذَا الْحَلْقَ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُبَاحُ بِالْعُذْرِ, قَالُوا: وَيَلْزَمُ غَيْرَ الْمَكِّيِّ دَمٌ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ. وَلَا يُعَيِّنُ جِهَتَهُ; لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُعْتَمِرًا فَدَمُ مُتْعَةٍ, وَإِلَّا فَقَدْ حَلَقَ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ, فَإِنْ عَجَزَ صَامَ كَمُتَمَتِّعٍ, وَلَا يُعَيِّنُ الْجِهَةَ فِي صِيَامِ1 ثَلَاثَةٍ, فَإِنْ صَامَ ثَلَاثَةً فَقَطْ فَفِي بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَجْهَانِ.
وَكَذَا إنْ عَرَضَ الشَّكُّ بَعْدَ الطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ. وَفِي الْقَدِيمِ: يَتَحَرَّى وَيَعْمَلُ بِظَنِّهِ, وَالْأَصَحُّ: يُجْزِئُهُ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إنْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ وَنَسِيَهُ أَوْ شَكَّ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِفِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِهِ وَتَحَرَّى فَلَمْ يَظْهَرَ لَهُ لَزِمَهُ أَنْ يكون قارنا, احتياطا
__________
1 في "س" "صوم".(5/384)
فَصْلٌ: وَإِنْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ
انْعَقَدَ بواحدة "وم ش" لِأَنَّ الزَّمَانَ يَصْلُحُ لِوَاحِدَةٍ, فَيَصِحُّ بِهِ, كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ, فَدَلَّ عَلَى خِلَافٍ هُنَا, كَأَصْلِهِ, وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ, وَلَا يَنْعَقِدُ بِهِمَا, كَبَقِيَّةِ أَفْعَالِهِمَا, وَكَنَذْرِهِمَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ, تَجِبُ إحْدَاهُمَا وَلَمْ تَجِبْ الْأُخْرَى; لِأَنَّ الْوَقْتَ لَا يَصْلُحُ لَهُمَا, قاله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"الثَّانِي" قَوْلُهُ: فَإِنْ صَامَ ثَلَاثَةً فَقَطْ فَفِي بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَجْهَانِ انْتَهَى. الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ كلام الشافعية.(5/384)
الْقَاضِي وَغَيْرُهُ, وَيَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ, وَكَنِيَّةِ صَوْمَيْنِ فِي يَوْمٍ, وَإِنْ أَحْرَمَ بِصَلَاتَيْ نَفْلٍ أَوْ إحْدَاهُمَا قَالَهُ فِي الْخِلَافِ وَالِانْتِصَارِ وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ: مُطْلَقًا انْعَقَدَ بِالنَّافِلَةِ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ التَّعْيِينِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَنْعَقِدُ بِالنُّسُكَيْنِ وَيَقْضِي وَاحِدَةً, فَلَوْ أَفْسَدَهُ قَضَاهُمَا, عِنْدَهُ. وَقَالَ دَاوُد: لَا يَنْعَقِدُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا, لِقَوْلِهِ: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" 1 وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ, وَأَجَابَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ يَحْمِلُهُ عَلَى. غَيْرِ مَسْأَلَتِنَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: مَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ ثُمَّ يَوْمَ النَّحْرِ بِأُخْرَى لَزِمَتَاهُ, فَإِنْ حَلَقَ فِي الْأُولَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ, وَإِلَّا لَزِمَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ, قَصَّرَ أَوْ لَمْ يُقَصِّرْ. وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ: إنْ لَمْ يُقَصِّرْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ; لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ بِدْعَةٍ, كَالْجَمْعِ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْعُمْرَةِ, فَإِذَا حَلَقَ فَهُوَ أَوْلَى إنْ كَانَ نُسُكًا فِي الْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ فَهُوَ جِنَايَةٌ عَلَى الثَّانِي; وَلِأَنَّهُ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ, وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ حَتَّى حَجَّ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ فَقَدْ أَخَّرَ الْحَلْقَ عَنْ وَقْتِهِ فِي الْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ, وَذَلِكَ يُوجِبُ الدَّمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ, وَعِنْدَهُمَا: لَا.
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَمَنْ فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ "إلَّا" التَّقْصِيرَ فَأَحْرَمَ بِأُخْرَى فَعَلَيْهِ دَمٌ, لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ الْوَقْتِ; لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْعُمْرَةِ, وَهَذَا مَكْرُوهٌ. قَالُوا: فَلَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ الْأَفْعَالُ وَبَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ إحْرَامًا, فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْفُضَهَا, كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِهِمَا معا ويقضيها لصحة الشروع فيها, ودم لرفضهما2 بتحلله قبل أوانه, بناء على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه البخاري "2697" ومسلم "1718" "17" "18" من حديث عائشة.
2 في "ط" "لرفضها".(5/385)
أَصْلِهِمْ أَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقَلِبَ إحْرَامُهُ إحْرَامَهَا, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ أَهَلَّ لِعَامَيْنِ, فَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ رِوَايَةَ أَبِي طَالِبٍ إذَا قَالَ لَبَّيْكَ الْعَامَ وَعَامَ قَابِلٍ. فَإِنَّ عَطَاءً يَقُولُ: يَحُجُّ الْعَامَ وَيَعْتَمِرُ قَابِلَ.
وَإِنْ أَحْرَمَ عَنْ اثْنَيْنِ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ "و" لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ عَنْهُمَا وَلَا أَوْلَوِيَّةَ. وَكَإِحْرَامِهِ عَنْ زَيْدٍ وَنَفْسِهِ, وَكَذَا إنْ أَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ, لِأَمْرِهِ بِالتَّعْيِينِ, وَاخْتَارَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ: لَهُ جَعْلُهُ لِأَيِّهِمَا شَاءَ, لِصِحَّتِهِ بِمَجْهُولٍ, فَصَحَّ عَنْهُ, قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: هُوَ الِاسْتِحْسَانُ; لِأَنَّ الْإِحْرَامَ وَسِيلَةٌ إلَى مَقْصُودٍ, وَالْمُبْهَمُ يَصْلُحُ وَسِيلَةً بِوَاسِطَةِ التَّعْيِينِ, فَاكْتُفِيَ بِهِ شَرْطًا, فَلَوْ طَافَ شَوْطًا أَوْ سَعَى أَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ جَعْلِهِ تَعَيَّنَ عَلَى نَفْسِهِ; لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ فَسْخٌ وَلَا يَقَعُ عَنْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ.
وَعَنْهُ: يَبْطُلْ إحْرَامُهُ, كَذَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَيَضْمَنُ وَيُؤَدَّبُ مَنْ أَخَذَ مِنْ اثْنَيْنِ حَجَّتَيْنِ لِيَحُجَّ عَنْهُمَا فِي عَامٍ, لِفِعْلِهِ مُحَرَّمًا, نَصَّ عَلَيْهِ. فَإِنْ اسْتَنَابَهُ اثْنَانِ فِي عَامٍ فِي نُسُكٍ فَأَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَنَسِيَهُ وَتَعَذَّرَ مَعْرِفَتُهُ فَإِنْ فَرَّطَ أَعَادَ الْحَجَّ عَنْهُمَا.
وَإِنْ فَرَّطَ الْمُوصَى إلَيْهِ بِذَلِكَ غَرِمَ ذَلِكَ, وَإِلَّا فَمِنْ تَرِكَةِ الْمُوصِيَيْنِ إنْ كَانَ النَّائِبُ غَيْرَ مُسْتَأْجَرٍ لِذَلِكَ, وَإِلَّا لَزِمَاهُ. وَإِنْ أَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَنْسَهُ1 صَحَّ وَلَمْ يَصِحَّ إحْرَامُهُ لِلْآخَرِ بَعْدَهُ, نَصَّ عَلَيْهِ, وظاهر ما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "ينسبه".(5/386)
سَبَقَ فِيمَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ عَنْ أَبَوَيْهِ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ عَنْهُمَا أَجْزَأَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا عَنْ أَحَدِهِمَا, لَا مَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ, فَإِنَّمَا يَجْعَلُ ثَوَابَ حَجِّهِ لَهُ1, وَذَلِكَ بَعْدَ أَدَاءِ الْحَجِّ, فَلَغَتْ نِيَّتَهُ قَبْلَ أَدَائِهِ, وَصَحَّ جَعْلُهُ ثَوَابَهُ لِأَحَدِهِمَا بَعْدَ الْأَدَاءِ, بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ, كَذَا قَالُوا, وَسَبَقَ آخِرَ المناسك في فصل الاستنابة عن المعضوب2..
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 من هنا بداية السقط في "س".
2 ص "294".(5/387)
فصل: التلبية سُنَّةٌ لَا تَجِبُ,
وَسَبَقَ أَوَّلَ الْبَابِ3, وَتُسْتَحَبُّ عَقِبَ إحْرَامِهِ, جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ, لِمَا سَبَقَ, وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ إذَا رَكِبَ, وَالْمُرَادُ: وَاسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً; لِأَنَّهُ4 فِي الصَّحِيحَيْنِ5 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ, وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ6 مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَأَنَسٍ: أَهَلَّ. وَنَقَلَ حَرْبٌ: يُلَبِّي مَتَى شَاءَ سَاعَةَ يُسْلِمُ وَإِنْ شَاءَ بَعْدُ, وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ هِيَ كَالْإِحْرَامِ.
وَصِفَتُهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ7 عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ, لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ, إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك, وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك" قَالَ الطَّحْطَاوِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ: أجمع العلماء على هذه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
3 ص "323"
4 الأصل "لأن".
5 البخاري "1552" ومسلم "1187" "28".
6 في صحيحه "1651" و"1546".
7 البخاري "1549" ومسلم "1184" "19".(5/387)
التَّلْبِيَةِ, وَيَقُولُ "لَبَّيْكَ إنْ". بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عِنْدَ أَحْمَدَ, قَالَ شَيْخُنَا: هُوَ أَفْضَلُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالْجُمْهُورِ, فَإِنَّهُ حُكِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَالْكِسَائِيِّ وَالْفَرَّاءِ وَغَيْرِهِمْ, وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ, وَحَكَى الْفَتْحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَآخَرِينَ.
قَالَ ثَعْلَبٌ: مَنْ كَسَرَ فَقَدْ عَمَّ يَعْنِي حَمِدَ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ, قَالَ: وَمَنْ فَتَحَ فَقَدْ خَصَّ, أَيْ لِأَنَّ الْحَمْدَ لَك أَيْ لِهَذَا السَّبَبِ.
وَلَبَّيْكَ لَفْظُهُ مُثَنَّى, وَلَيْسَ بِمُثَنًّى, لِأَنَّهُ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ, وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّثْنِيَةَ بَلْ لِلتَّكْثِيرِ1. وَالتَّلْبِيَةُ مِنْ لَبَّ بِالْمَكَانِ إذَا أَقَامَ بِهِ, أَيْ أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِك إقَامَةً بَعْدَ إقَامَةٍ, كَمَا قَالُوا: حَنَانَيْكَ وَنَحْوَهُ, وَالْحَنَانُ الرَّحْمَةُ وَعِنْدَ يُونُسَ لَفْظُهَا مُفْرَدٌ, وَالْيَاءُ فِيهَا كَالْيَاءِ فِي عَلَيْك وَإِلَيْك وَلَدَيْك, قُلِّبَتْ الْبَاءُ الثَّالِثَةُ يَاءً اسْتِثْقَالًا لِثَلَاثِ بَاءَاتٍ, ثُمَّ أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا, ثُمَّ يَاءً لِإِضَافَتِهَا إلَى مُضْمَرٍ, كَمَا فِي لَدَيْكَ2, وَرَدَّهُ سِيبَوَيْهِ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ3:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... .... "فَلَبَّيْ يَدَيْ مِسْوَرٍ"
بِالْيَاءِ دُونَ الْأَلِفِ مَعَ إضَافَتِهِ إلَى الظَّاهِرِ, وَهِيَ جَوَابُ الدُّعَاءِ. وَالدَّاعِي قِيلَ: هُوَ اللَّهُ, وَقِيلَ: مُحَمَّدٌ, وَقِيلَ: إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ والسلام "م 7"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 7" قَوْلُهُ فِي التَّلْبِيَةِ: هِيَ جَوَابُ الدُّعَاءِ, وَالدَّاعِي قِيلَ: هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَقِيلَ مُحَمَّدٌ وَقِيلَ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِمَا مِنْ اللَّهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ, انْتَهَى. "قُلْت" أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ إبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَقَدْ قَطَعَ به البغوي وغيره من أهل التفسير.
__________
1 في الأصل "التكبير".
2 في الأصل "ويديك".
3 هذا عجز اليت وتمامه:
دعوت لما نابني مسورا
فلبى فلبي يدي مسورا
ينظر الخزانة "2/92" وسيبويه "1/352".(5/388)
وَلَا تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا "هـ" وَلَا يُكْرَهُ, نَصَّ عَلَيْهِ "وم ش" لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ1. وَزَادَ ابْنُ عُمَرَ فِي آخِرِهَا لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ2 وَسَعْدَيْكَ, وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْك, وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك وَالْعَمَلُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ3. وَفِي الْمُوَطَّإِ وَأَبِي دَاوُد4 فِي زِيَادَتِهِ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ, ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَزَادَ عُمَرُ مَا زَادَهُ ابْنُهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ5 وَعَنْهُ أَيْضًا: لَبَّيْكَ ذَا النَّعْمَاءِ وَالْفَضْلِ الْحَسَنِ, لَبَّيْكَ مَرْغُوبًا وَمَرْهُوبًا إلَيْك. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ6 وَلِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد7 مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ كَخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ, والناس يزيدون8 ذَا الْمَعَارِجِ وَنَحْوُهُ مِنْ الْكَلَامِ, وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمَعُ فَلَا يَقُولُ لَهُمْ شَيْئًا, وَلَزِمَ تَلْبِيَتَهُ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "فِي تَلْبِيَتِهِ لَبَّيْكَ إلَهَ الْحَقِّ لَبَّيْكَ" حَدِيثٌ حَسَنٌ, رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ9. وَفِي الْإِفْصَاحِ لِابْنِ هُبَيْرَةَ: تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ, وَقِيلَ لَهُ: الزِّيَادَةُ بَعْدَهَا لَا فِيهَا, وَلِلْبُخَارِيِّ10 التَّلْبِيَةُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ كَابْنِ عُمَرَ, وليس فيه "والملك لا شريك لك"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه البخاري "5915" ومسلم "1184" "21".
2 ليست في الأصل.
3 البخاري "1549" ومسلم "1184" "21".
4 الموطأ "1/331" وأبو داود "1812".
5 البخاري "1549" ومسلم "1184" "21".
6 وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه نشرة العمري ص "193".
7 مسلم "1218" "147" وأبو داود "1813".
8 ليست في الأصل و"ط" والمثبت من مصادر البخريج.
9 أحمد "8497" والنسائي في المجتبى "5/161" وابن ماجه "2920" وابن حبان "3800" والحاكم "1/619".
10 في صحيحه "1550".(5/389)
وَقَدْ نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: كَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ "وَالْمُلْكُ لَا شَرِيكَ لَك" فَتَرَكَهُ لِأَنَّ النَّاسَ تَرَكُوهُ, وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيَّةُ إذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ: لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ, لِرِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ1 عَنْ مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا: تَلْبِيَةَ ابْنِ عُمَرَ حَتَّى إذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَالنَّاسُ يَنْصَرِفُونَ2 عَنْهُ كَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ مَا هُوَ فِيهِ فَزَادَ فِيهِ ذَلِكَ, وَكَذَا ذَكَرَ الْآجُرِّيُّ إذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ قَالَ: اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إلَّا عَيْشَ الْآخِرَةِ3.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُلَبِّيَ عَنْ أَخْرَسَ وَمَرِيضٍ, نَقَلَهُ ابْنُ إبْرَاهِيمَ, قَالَ جَمَاعَةٌ: وَجُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ, زَادَ بَعْضُهُمْ: وَنَوْمٍ, وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ إشَارَةَ الْأَخْرَسِ الْمَفْهُومَةِ4 كَنُطْقِهِ.
وَتَتَأَكَّدُ التَّلْبِيَةُ إذَا عَلَا نَشَزًا أَوْ هَبَطَ وَادِيًا أَوْ لَقِيَ رُفْقَةً, أَوْ سَمِعَ مُلَبِّيًا, وَعَقِيبَ مَكْتُوبَةٍ, أَوْ أَتَى مَحْظُورًا نَاسِيًا, وَأَوَّلَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ, أَوْ رَكِبَ, زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: أَوْ نَزَلَ, وَقَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ, وَلَمْ يُقَيِّدُوا الصَّلَاةَ بِمَكْتُوبَةٍ. قَالَ النَّخَعِيُّ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ التَّلْبِيَةَ دُبُرَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَإِذَا هَبَطَ وَادِيًا أَوْ عَلَا نَشَزًا أَوْ لَقِيَ رَكْبًا أَوْ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ. وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُلَبِّي فِي حَجَّتِهِ. كَذَلِكَ, وَلَمْ يَذْكُرْ: إذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ, وَزَادَ: وَمِنْ آخَرِ اللَّيْلِ5, وَعِنْدَ مَالِكٍ: لَا يلبي عند لقاء الرفقة, وفي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في مسنده "1/304".
2 في "ط" "ينصفون".
3 أخرجه البخاري "4099".
4 في الأصل "المفهمة".
5 أخرجه مسلم "1218" "147".(5/390)
الْمُسْتَوْعِبِ: يُسْتَحَبُّ عِنْدَ تَنْقُلْ الْأَحْوَالِ بِهِ, وَذَكَرَ كَمَا سَبَقَ, وَزَادَ: وَإِذَا رَأَى الْبَيْتَ.
وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُ صَوْتِهِ بِهَا, لِخَبَرِ السَّائِبِ بْنِ خَلَّادٍ "أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ وَالتَّلْبِيَةِ" أَسَانِيدُهُ جَيِّدَةٌ, رَوَاهُ الْخَمْسَةُ, وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ1, وَلِأَحْمَدَ2 مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ "أَنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لَهُ: كُنْ عَجَّاجًا ثَجَّاجًا" وَالْعَجُّ: التَّلْبِيَةُ, وَالثَّجُّ: نَحْرُ الْبُدْنِ. وَعَنْ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ "رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ" أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "الْعَجُّ وَالثَّجُّ"3 عَبْدُ الرَّحْمَنِ تَفَرَّدَ عَنْهُ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ, قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ, وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ, وَمَنْ رَوَاهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ أَخْطَأَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا: أَصْلُ الْحَدِيثِ مَعْرُوفٌ, وَيَخْتَلِفُونَ فِي إسْنَادِهِ.
وَكَرِهَ مَالِكٌ إظْهَارَهَا فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ, حَكَاهُ بَعْضُهُمْ, وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَظِهَارَهَا مَسْنُونٌ فِي الصَّحَارِي, وَلَا يُسْتَحَبُّ إظْهَارُهَا فِي مَسَاجِدِ الْحِلِّ وَأَمْصَارِهَا "هـ" ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ, وَالْمَنْقُولُ عَنْ أَحْمَدَ: إذَا أَحْرَمَ فِي مِصْرِهِ. لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُلَبِّيَ حَتَّى يَبْرُزَ, لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِمَنْ سَمِعَهُ يُلَبِّي بِالْمَدِينَةِ: إنَّ هذا لمجنون, إنما التلبية إذا برزت4.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أبو داود "1814" والترمذي "829" والنسائي في المجتبى "5/162" وابن ماجه "2922" وأحمد "16557/1".
2 في مسنده "16566".
3 أخرجه الترمذي "827".
4 أخرجه الإمام أحمد في مسائله برواية أبي داود ص "99".(5/391)
وَاحْتَجَّ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ بِأَنَّ إخْفَاءَ التَّطَوُّعِ أَوْلَى خَوْفَ الرِّيَاءِ عَلَى مَنْ لَا يُشَارِكُهُ فِي تِلْكَ الْعِبَادَةِ, بِخِلَافِ الْبَرَارِي وَعَرَفَاتٍ وَالْحَرَمِ وَمَكَّةَ, وَاحْتَجَّ الشَّيْخُ بِكَرَاهَةِ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ. وَجَدِيدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ كَمَا سَبَقَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَصْلِ التَّلْبِيَةِ, فَإِنْ اُسْتُحِبَّتْ اُسْتُحِبَّ إظْهَارُهَا وَإِلَّا فَلَا, وَبَعْضُهُمْ فِي إظْهَارِهَا وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يُسْتَحَبَّ فَفِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَجْهَانِ, وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ كَقَوْلِنَا.
وَعِنْدَ شَيْخِنَا: لَا يُلَبِّي بِوُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ, لِعَدَمِ نَقْلِهِ, كَذَا قَالَ, وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَتْرُكُهَا إذَا رَاحَتْ إلَى الْمَوْقِفِ, وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَقْطَعُهَا إذْ زَاغَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ, رَوَاهُمَا مَالِكٌ1, وَيَأْتِي مَتَى يَقْطَعُهَا2.
وَالْإِكْثَارُ مِنْهَا, لِخَبَرِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُلَبِّي إلَّا لَبَّى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ حَتَّى تَنْقَطِعَ الْأَرْضُ مِنْ هَاهُنَا وَهُنَا" رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ الْمَدَنِيِّينَ, وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْهُمْ, وَكَذَا التِّرْمِذِيُّ3, وَرَوَاهُ4 أَيْضًا بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. وَعَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا "مَا مِنْ مُحْرِمٍ يُضَحِّي لِلَّهِ يَوْمَهُ يلبي حتى تغيب الشمس إلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الموطأ "1/338".
2 ص "395".
3 ابن ماجه "2921" والترمذي "828".
4 الترمذي في سننه إثر حديث "828".(5/392)
غَابَتْ بِذُنُوبِهِ فَعَادَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ" إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ, رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ1.
وَالدُّعَاءُ بَعْدَهَا "م" لِخَبَرِ خُزَيْمَةَ: إنَّهُ كَانَ يَسْأَلُ اللَّهَ رِضْوَانَهُ وَالْجَنَّةَ, وَيَسْتَعِيذُ بِرَحْمَتِهِ مِنْ النَّارِ, إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ, رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ2.
وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ3 بَعْدَهَا "م" لِقَوْلِ الْقَاسِمِ "ابْنِ مُحَمَّدٍ" كَانَ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ, فِيهِ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ, قَوَّاهُ أَحْمَدُ, وَضَعَّفَهُ الْجَمَاعَةُ, رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4; وَلِأَنَّهُ يُشْرَعُ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ كَصَلَاةٍ وَأَذَانٍ.
وَلَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ التَّلْبِيَةِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ. قَالَهُ أَحْمَدُ, وَقَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ, وَقَالَ لَهُ الْأَثْرَمُ: مَا شَيْءٌ يَفْعَلُهُ الْعَامَّةُ يُكَبِّرُونَ دُبُرَ الصَّلَاةِ ثَلَاثًا؟ فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: لَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ جَاءُوا بِهِ, قُلْت: أَلَيْسَ يُجْزِئُهُ مَرَّةً؟ قَالَ: بَلَى; لِأَنَّ الْمَرْوِيَّ التَّلْبِيَةُ مُطْلَقًا. وَاسْتَحَبَّهُ فِي الْخِلَافِ, لِتَلَبُّسِهِ بِالْعِبَادَةِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ: حَسَنٌ, فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا, وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ5, وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد6 أَنَّهُ كَانَ يعجبه أن يدعو ثلاثا ويستغفر ثلاثا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أحمد "15008" وابن ماجه "2925".
2 الشافعي "1/307" والدارقطني "2/237".
3 إلى هنا نهاية السقط في "س".
4 في سننه "2/237".
5 في صحيحه "1794" "107".
6 أحمد "3744" وأبو داود "1524".(5/393)
وَلِلْبُخَارِيِّ1 عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ وَفِي الرِّعَايَةِ: يُكْرَهُ تكرارها في حالة واحدة, كذا قال
قَالَ وَتُسَنُّ نَسَقًا, وَمِثْلُهَا التَّكْبِيرُ دُبُرَ الصَّلَاةِ فِي الْأَضْحَى وَالتَّشْرِيقِ, ذَكَرَهُ الشَّيْخُ, وَيُعْتَبَرُ أَنْ تُسْمِعَ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا بِهَا "و" وَالسُّنَّةُ أَنْ لَا تَرْفَعَ صَوْتَهَا, حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ "ع". وَيُكْرَهُ جَهْرُهَا أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ2 سَمَاعِ رفيقها, خوف الفتنة "وش" وَمَنَعَهَا فِي الْوَاضِحِ, وَمِنْ أَذَانٍ أَيْضًا, وَعَلَى. قَوْلِنَا: صَوْتُهَا عَوْرَةٌ تُمْنَعُ, كَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ, وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: تَقْتَصِرُ عَلَى إسْمَاعِ3 نَفْسِهَا, وهو متجه "وش" وَفِي كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ وَالشَّيْخِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَجَمَاعَةٍ: لَا تَرْفَعُ إلَّا بِقَدْرِ مَا تُسْمِعُ رَفِيقَتَهَا.
وَلَا تُشْرَعُ إلَّا بِالْعَرَبِيَّةِ إنْ قُدِرَ, كَأَذَانٍ وَذِكْرٍ وَصَلَاةٍ, وَلَمْ يُجَوِّزْ أَبُو الْمَعَالِي الْأَذَانَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ إلَّا لِنَفْسِهِ مَعَ عَجْزِهِ وَهَلْ يستحب ذكر نسكه فيها؟ فيه وجهان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 8" قَوْلُهُ: وَهَلْ يُسْتَحَبُّ ذِكْرُ نُسُكِهِ فِيهَا يَعْنِي فِي التَّلْبِيَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ, انْتَهَى.
"أَحَدُهُمَا" يُسْتَحَبُّ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, قَدَّمَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي4 وَالشَّارِحُ وَنَصَرَاهُ, وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ, وَابْنُ رَزِينٍ في شرحه, واختاره في الرعاية الكبرى.
__________
1 في صحيحه "94".
2 ليست في "س".
3 في "س" "سماع".
4 "5/104".(5/394)
ويستحب للقارن ذكر العمرة قبل الحج1, نُصَّ عَلَيْهِ, لِقَوْلِ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2, وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ الْحَجَّةَ قَبْلَ الْعُمْرَةِ, وَأَنَّهُ يَذْكُرُ نُسُكَهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ.
وَيَقْطَعُ الْحَاجُّ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ رَمْيِ أَوَّلِ حَصَاةٍ مِنْ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ, قَالَ أَحْمَدُ: يُلَبِّي حَتَّى يَرْمِيَ جمرة العقبة يقطع عند أول حصاة "وهـ ش" لِأَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ3 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أُسَامَةَ كَانَ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ, ثُمَّ أَرْدَفَ الْفَضْلَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إلَى مِنًى, فَكِلَاهُمَا قَالَ: لَمْ يَزَلْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. وَلِلنَّسَائِيِّ4: فَلَمَّا رَمَى قَطَعَ التَّلْبِيَةَ, وَرَوَاهُ حَنْبَلٌ: قَطَعَ عِنْدَ أَوَّلِ حَصَاةٍ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِعَرَفَةَ فَقَالَ: مَالِي لَا أَسْمَعُ النَّاسَ يُلَبُّونَ؟ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَخَافُونَ مِنْ مُعَاوِيَةَ. فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ فُسْطَاطِهِ فَقَالَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ, فَإِنَّهُمْ قَدْ تَرَكُوا السُّنَّةَ عَنْ بُغْضِ عَلِيٍّ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ5 بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ, وَفِيهِ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ ثِقَةٌ, لَكِنَّهُ شِيعِيٌّ لَهُ مَنَاكِيرُ. وَلَبَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُزْدَلِفَةَ, قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ, رَوَاهُ مُسْلِمٌ6. وَلَبَّى مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَةَ, فَقِيلَ لَهُ: لَيْسَ يَوْمَ تَلْبِيَةٍ بَلْ يَوْمُ تَكْبِيرٍ, فَقَالَ: أَجَهِلَ النَّاسُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْوَجْهُ "الثَّانِي" لَا يُسْتَحَبُّ, جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ "قُلْت": وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ, فَهَذِهِ ثَمَانُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الباب.
__________
1 في الأصل و"ط" "الحجة".
2 تقدم تخريجه ص "336".
3 البخاري "1670" ومسلم "1280" "266".
4 في المجتبى "5/258".
5 في المجتبى "5/253".
6 في صحيحه "1283" "271".(5/395)
أَمْ نَسُوا؟ خَرَجْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا تَرَكَ التَّلْبِيَةَ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ إلَّا أَنْ يُخَالِطَهَا تَكْبِيرٌ أَوْ تَهْلِيلٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ1, وَلِأَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِشُرُوعِهِ فِي الرَّمْيِ فَيَقْطَعُهَا كَالْمُعْتَمِرِ بِشُرُوعِهِ فِي الطَّوَافِ, بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ.
وَأَصَحُّ رِوَايَتَيْ مَالِكٍ: يَقْطَعُ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ, لِمَا سَبَقَ فِي إظْهَارِهَا, وَلِمَالِكٍ2 عَنْ نَافِعٍ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ فِي الْحَجِّ إذَا انْتَهَى إلَى الْحَرَمِ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ يسعى ثم يلبي حين3 يَغْدُوَ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَةَ, فَإِذَا غَدَا تَرَكَ التَّلْبِيَةَ, وَكَانَ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ فِي الْعُمْرَةِ حِينَ يَدْخُلُ الْحَرَمَ.
وَيَقْطَعُهَا الْمُعْتَمِرُ وَالْمُتَمَتِّعُ بِشُرُوعِهِ فِي الطَّوَافِ, نَصَّ عَلَيْهِ "وهـ ش" وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ, فَلَا وَجْهَ لِذِكْرِهِ, خِلَافًا لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ4 وَصَحَّحَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ أَنَّهُ كَانَ يُمْسِكُ عَنْ التَّلْبِيَةِ فِي الْعُمْرَةِ إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُلَبِّي الْمُعْتَمِرُ حَتَّى يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ, صَحِيحٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ, وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد5 مَرْفُوعًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى, وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ; وَلِأَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ قَبْلَهُ, فَلَا يَقْطَعُهَا, كَمَا قَبْلَ مَحَلِّ النِّزَاعِ, وَعِنْدَ مَالِكٍ: يَقْطَعُ إذَا وَصَلَ الْحَرَمَ إنْ أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ, وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ فَإِذَا رَأَى الْبَيْتَ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَقْطَعُهَا إذَا وَصَلَ الْبَيْتَ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ, وعن أحمد:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في مسنده "3961".
2 في الموطأ "1/343".
3 في "ط" "حتى".
4 في سننه "919".
5 في سننه "1817".(5/396)
بِرُؤْيَتِهِ, وَحَمْلًا عَلَى الْأَوَّلِ. وَلَا بَأْسَ بِهَا فِي طَوَافِ الْقُدُومِ, قَالَهُ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ, لِمَا سَبَقَ, وَلِإِمْكَانِ الْجَمْعِ, وَلَا دَلِيلَ لِلْكَرَاهَةِ.
وَحَكَى الشَّيْخُ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ: لَا يُلَبِّي; لِأَنَّهُ مُشْتَغِلٌ بِذِكْرٍ يَخُصُّهُ, قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مَا رَأَيْنَا أَحَدًا يَقْتَدِي بِهِ يُلَبِّي حَوْلَ الْبَيْتِ إلَّا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ, وَهُوَ جَدِيدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ, وَالْقَدِيمُ: يُسْتَحَبُّ, قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يُظْهِرُهَا فِيهِ "و" وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: لَا يُسْتَحَبُّ.
وَمَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي: يُكْرَهُ, وَصَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ, قَالَ: لِئَلَّا يُشَوِّشَ عَلَى الطَّائِفِينَ. وَفِي الرِّعَايَةِ وَجْهٌ1: يُسَنُّ, وَالسَّعْيُ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ يَتَوَجَّهُ أَنَّ حُكْمَهُ كَذَلِكَ, وَهُوَ مُرَادُ أَصْحَابِنَا; لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ "وش" وَلَا بَأْسَ أَنْ يُلَبِّيَ الْحَلَالُ, ذَكَرَهُ الشَّيْخُ "وهـ ش" كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ, وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ: يُكْرَهُ "وم" لِعَدَمِ نَقْلِهِ, وَلَوْ صَحَّ اعْتِبَارُهَا بِسَائِرِ الْأَذْكَارِ كَانَتْ مُسْتَحَبَّةً, وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي أَثْنَائِهَا وَمُخَاطَبَتَهُ حَتَّى بِسَلَامٍ وَرَدَّهُ مِنْهُ كَأَذَانٍ, وَاَللَّهُ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى", أَعْلَمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 بيست في "س".(5/397)
باب محظورات الإحرام وكفارات وما يتعلق بذلك
مدخل
...
باب محظورات الإحرام وكفارات وما يتعلق بذلك
وَهِيَ تِسْعٌ: إزَالَةُ الشَّعْرِ:
بِحَلْقٍ أَوْ قَطْعٍ أَوْ نَتْفٍ أَوْ غَيْرِهِ بِلَا عُذْرٍ يَتَضَرَّرُ بِإِبْقَاءِ الشَّعْرِ, بِالْإِجْمَاعِ, لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] وَقَالَ كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ كَانَ بِي أَذًى مِنْ رَأْسِي فَحُمِلْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي, فَقَالَ: "مَا كُنْتُ أَرَى الْجَهْدَ قَدْ بَلَغَ بِك مَا أَرَى, أَتَجِدُ شَاةً"؟ قُلْتُ: لَا, فَنَزَلَتْ الْآيَةُ {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] قَالَ: "هُوَ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ نِصْفَ صَاعٍ نِصْفَ صَاعٍ طَعَامًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ1. وَلِمُسْلِمٍ2: أَتَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنُ الْحُدَيْبِيَةِ فَقَالَ: كَأَنَّ هَوَامَّ رَأْسِك تُؤْذِيك فَقُلْتُ: أَجَلْ, فَقَالَ: "فَاحْلِقْهُ وَاذْبَحْ شَاةً أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ تَصَدَّقْ بِثَلَاثَةِ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ"
وَالْفِدْيَةُ فِي ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ, هَذَا الْمَذْهَبُ, قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ, وَنَصَرَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ, نَصَّ عَلَيْهِ "وش"; لِأَنَّ الثَّلَاثَ جَمْعٌ, وَاعْتُبِرَتْ فِي مَوَاضِعَ, كَمَحَلِّ الْوِفَاقِ, بِخِلَافِ رُبْعِ الرَّأْسِ وَمَا يُمَاطُ به الأذى,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 البخاري "1816" ومسلم "1201" "85".
2 في صحيحه "1201" "80".(5/398)
وَعَنْهُ: فِي أَرْبَعٍ. نَقَلَهَا جَمَاعَةٌ, وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ, لِأَنَّ الْأَرْبَعَ كَثِيرٌ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً فِي خَمْسٍ, اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ, وَلَا وَجْهَ لَهَا.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: فِي رُبْعِ الرَّأْسِ, وَكَذَا فِي الرَّقَبَةِ كُلِّهَا أَوْ الْإِبْطِ الْوَاحِدِ أَوْ الْعَانَةِ; لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ. وَقَالَ صَاحِبَاهُ: إذَا حَلَقَ عُضْوًا لَزِمَهُ دَمٌ, وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَطَعَامٌ, أَيْ الصَّدْرُ وَالسَّاقُ وَشِبْهُهُ. وَإِنْ أَخَذَ مِنْ شَارِبِهِ نُسِبَ, فَيَجِبُ فِي رُبْعِهِ قِيمَةُ رُبْعِ دَمٍ وَإِنْ حَلَقَ مَوْضِعَ الْمَحَاجِمِ لَزِمَهُ دَمٌ, عِنْدَهُ, وَقَالَا: صَدَقَةٌ.
وَعِنْدَ مَالِكٍ: فِيمَا يُمَاطُ بِهِ الْأَذَى, وَيَتَوَجَّهُ بِمِثْلِهِ احْتِمَالٌ.
وَالْفِدْيَةُ دَمٌ أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مساكين لكل مسكين مد1 بر, في رواية وَهِيَ "أَشْهَرُ" كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ. وَفِي رِوَايَةٍ: نِصْفُ صاع "م 1" "وم ش" كغيره;
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 1" قَوْلُهُ: وَالْفِدْيَةُ يَعْنِي فِي حَلْقِ الرَّأْسِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ دَمٌ أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ لكل مسكين مد بر, في رواية وهي أَشْهَرُ, كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَفِي رِوَايَةٍ: نِصْفُ صَاعٍ, انْتَهَى.
وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ هُوَ الْأَوَّلُ, وَهُوَ أَشْهَرُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ2 وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ, وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ جَزَمَ بِهَا فِي الْكَافِي3. وأطلقها في المغني4 والشرح2.
__________
1 بعدها في الأصل "من".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/223".
3 "2/377".
4 "5/1/38".(5/399)
لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ, فَيُعْتَبَرُ بِالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِمَا كَالشَّعِيرِ. وَعَنْ الْحَنَفِيَّةِ: مِنْ الْبُرِّ نِصْفُ صَاعٍ, وَمِنْ غَيْرِهِ صَاعٌ.
وَاخْتَارَ شَيْخُنَا: يُجْزِئُ خُبْزٌ رِطْلَانِ عِرَاقِيَّةً, وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِأَدَمٍ وَإِنَّ مِمَّا يَأْكُلُهُ أَفْضَلُ مِنْ بُرٍّ وَشَعِيرٍ. قَالَ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ: أَوْ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أيام, واختار الْآجُرِّيُّ: يَصُومُ ثَلَاثَةً فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَنَافِعٌ وَعِكْرِمَةُ: يَصُومُ عَشَرَةً وَالصَّدَقَةُ عَلَى عَشَرَةٍ, كَذَا قَالُوا.
وَغَيْرُ الْمَعْذُورِ مِثْلُهُ فِي التَّخْيِيرِ, نَقَلَ جَعْفَرٌ وَغَيْرُهُ: كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ "أَوْ" فَهُوَ مُخَيَّرٌ, ذَكَرَهُ الشَّيْخُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ "وم ش"; لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمَعْذُورِ, وَالتَّبَعُ لَا يُخَالِفُ أَصْلَهُ; وَلِأَنَّ كُلَّ كَفَّارَةٍ خُيِّرَ فِيهَا لِعُذْرٍ خُيِّرَ بِدُونِهِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ, وَلَمْ يُخَيِّرْ اللَّهُ بِشَرْطِ الْعُذْرِ, بَلْ الشَّرْطُ لِجَوَازِ الْحَلْقِ.
وَعَنْهُ: مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ يَتَعَيَّنُ الدَّمُ, فَإِنْ عَدِمَهُ أَطْعَمَ, فَإِنْ تَعَذَّرَ صَامَ, جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ "وهـ"; لِأَنَّهُ دَمٌ يَتَعَلَّقُ بِمَحْظُورٍ يَخْتَصُّ الْإِحْرَامَ, كَدَمٍ يَجِبُ بِتَرْكِ رَمْيٍ وَمُجَاوَزَةِ مِيقَاتٍ, وَلَهُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحَلْقِ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ.
وَفِي كُلِّ شَعْرَةٍ إطْعَامُ مِسْكِينٍ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ; لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا وَجَبَ شَرْعًا فِدْيَةً, وَعَنْهُ: قَبْضَةُ طَعَامٍ, لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِيهِ, فَدَلَّ1 أَنَّ الْمُرَادَ يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ. وَعَنْهُ: دِرْهَمٌ, وَعَنْهُ: نِصْفُهُ, وَعَنْهُ: دِرْهَمٌ أَوْ نِصْفُهُ, ذَكَرَهَا أَصْحَابُ الْقَاضِي, وَخَرَّجَهَا هُوَ من ليالي منى, وعند الحنفية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "مما".(5/400)
كَالْأَوَّلِ, وَفِي كَلَامِهِمْ أَيْضًا: عَلَيْهِ صَدَقَةٌ, وَعَنْ مَالِكٍ مِثْلُهُ, وَعَنْهُ أَيْضًا: لَا ضَمَانَ فِيمَا1 لَمْ يُمَطْ بِهِ الْأَذَى.
وَعَنْ الشَّافِعِيِّ ثُلُثُ دِرْهَمٍ, وَعَنْهُ: إطْعَامُ مِسْكِينٍ, وَعَنْهُ: دِرْهَمٌ, وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ كَقَوْلِهِ الْأَوَّلِ, لِأَنَّ مَا ضُمِنَتْ بِهِ الْجُمْلَةُ ضُمِنَ بَعْضُهُ بِنِسْبَتِهِ كَصَيْدٍ, وَبَعْضُ شَعْرٍ كَهِيَ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِمِسَاحَةٍ بَلْ كَمُوضِحَةٍ يَسْتَوِي صَغِيرُهَا وَكَبِيرُهَا. وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ وَجْهًا بِنِسْبَتِهِ كَأُنْمُلَةِ أُصْبُعٍ.
وَشَعْرِ الْبَدَنِ كَالرَّأْسِ فِي الْفِدْيَةِ "و" خِلَافًا لِدَاوُدَ, لِحُصُولِ التَّرَفُّهِ بِهِ2, بَلْ أَوْلَى, أَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَدْعُو إلَيْهِ.
وَشَعْرُ الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ وَاحِدٌ فِي رِوَايَةٍ "اخْتَارَهَا" جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ وَالشَّيْخُ; لِأَنَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ كَسَائِرِ الْبَدَنِ, وَكَلُبْسِهِ قَمِيصًا وَسَرَاوِيلَ وَفِي رِوَايَةٍ: لِكُلِّ "وَاحِدٍ" مِنْهُمَا حُكْمٌ مُنْفَرِدٌ3 نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ4, وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ "م 2" "و" لِأَنَّهُمَا كجنسين, لتعلق النسك بالرأس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 2" قَوْلُهُ: وَشَعْرُ الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ وَاحِدٌ, فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ وَالشَّيْخُ. وَفِي رِوَايَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمٌ مُنْفَرِدٌ, نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ, وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ, انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرِهِمْ.
"إحْدَاهُمَا" أَنَّ شَعْرَ الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ وَاحِدٌ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَقَالَا: هذا ظاهر المذهب, وهو ظاهر كلام
__________
1 بعدها في الأصل "على".
2 ليست في الأصل.
3 في النسخ الخطية "مفرد".
4 في الأصل "جماعة".(5/401)
فَقَطْ, فَهُوَ كَحَلْقٍ وَلُبْسٍ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: إنْ لَبِسَ أَوْ تَطَيَّبَ فِي رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ فَالرِّوَايَتَانِ, وَنَصُّ أَحْمَدَ "رَحِمَهُ اللَّهُ" فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ. وَجَزَمَ به القاضي وابن عقيل وأبو الخطاب وَغَيْرُهُمْ; لِأَنَّ الْحَلْقَ إتْلَافٌ, فَهُوَ آكَدُ, وَالنُّسُكُ يَخْتَصُّ بِالرَّأْسِ, وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي اللُّبْسِ.
وَإِنْ حَلَقَ مُحْرِمٌ أَوْ حَلَالٌ رَأْسَ مُحْرِمٍ بِإِذْنِهِ فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ, ولا شيء على الحالق "وم ش"; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْفِدْيَةَ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ غَيْرَهُ يَحْلِقُهُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: عَلَيْهِ صَدَقَةٌ.
وَفِي الْفُصُولِ: احْتِمَالُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ, كَشَعْرِ الصَّيْدِ, كَذَا قَالَ: وَإِنْ سَكَتَ لَمْ يَنْهَهُ فَقِيلَ: عَلَى الْحَالِقِ, كَإِتْلَافِهِ مَالَهُ وَهُوَ سَاكِتٌ, وَقِيلَ: عَلَى الْمُحْرِمِ; لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ كَوَدِيعَةٍ "م 3" وَإِنْ حَلَقَهُ مُكْرَهًا أَوْ نَائِمًا فالفدية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْخِرَقِيِّ, وَجَزَمَ بِهِ الْهَادِي وَالْمُنَوِّرُ, وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ. "وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ" لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمٌ مُنْفَرِدٌ, اخْتَارَهَا الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرُهُ وَابْنُ عَقِيلٍ وَجَمَاعَةٌ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وَقَالَ:
بِنِيَّتِهَا عَلَى الصَّحِيحِ الأشهر
وهو ظاهر كلامه في الوجيز.
"مَسْأَلَةٌ 3" قَوْلُهُ: وَإِنْ حَلَقَ مُحْرِمٌ أَوْ حَلَالٌ رَأْسَ مُحْرِمٍ بِإِذْنِهِ فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ, وَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَالِقِ وَإِنْ سَكَتَ وَلَمْ يَنْهَهُ فَقِيلَ: عَلَى الْحَالِقِ, كَإِتْلَافِهِ مَالَهُ وَهُوَ سَاكِتٌ, وَقِيلَ: عَلَى الْمُحْرِمِ, لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ كَوَدِيعَةٍ, انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي1 وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ2 وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ.
__________
1 "5/386".
2 "8/228".(5/402)
على الحالق, نص عليه "وم" لِأَنَّهُ أَزَالَ مَا مُنِعَ مِنْهُ, كَحَلْقِ مُحْرِمٍ رَأْسَ نَفْسِهِ; وَلِأَنَّهُ لَا صُنْعَ مِنْ الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ, كَإِتْلَافِ وَدِيعَةٍ بِيَدِهِ, وَقِيلَ: عَلَى الْمَحْلُوقِ رأسه "وهـ" وَلِلشَّافِعِيِّ الْقَوْلَانِ. وَفِي الْإِرْشَادِ1 وَجْهٌ: الْقَرَارُ عَلَى الْحَالِقِ. وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ لَا فِدْيَةَ2 عَلَى أَحَدٍ; لأنه لا دليل.
وَإِنْ حَلَقَ مُحْرِمٌ حَلَالًا فَهَدَرٌ, نَصَّ عَلَيْهِ "وم ش" لِإِبَاحَةِ إتْلَافِهِ. وَفِي الْفُصُولِ احْتِمَالٌ; لِأَنَّ الْإِحْرَامَ لِلْآدَمِيِّ كَالْحَرَمِ لِلصَّيْدِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ, وَمَنْ طَيَّبَ غَيْرَهُ وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَوْ أَلْبَسَهُ فَكَالْحَلْقِ3.
وَإِنْ نَزَلَ شَعْرُهُ فَغَطَّى عَيْنَيْهِ أَزَالَ مَا نَزَلَ, أَوْ خَرَجَ فِيهَا أَزَالَهُ, وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ, كَقَتْلِ صَيْدٍ صَائِلٍ, أَوْ قَطَعَ جِلْدًا بِشَعْرٍ, أَوْ افْتَصَدَ فَزَالَ; لِأَنَّ التَّابِعَ لَا يُضْمَنُ, كَقَلْعِ أَشْفَارِ عَيْنٍ لَمْ يَضْمَنْ هَدْيَهَا أَوْ حَجَمَ أَوْ احْتَجَمَ وَلَمْ يَقْطَعْ شَعْرًا, وَيَتَوَجَّهُ فِي الْفَصْدِ احتمال مثله.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
إحْدَاهُمَا4 الْفِدْيَةُ عَلَى الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, صَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُنَوِّرِ, فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ حَلَقَ مُكْرَهٌ فَدَى الْحَالِقُ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي5.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: الْفِدْيَةُ عَلَى الْحَالِقِ, قَالَ الْآدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ: وَإِنْ حَلَقَ بِلَا إذْنِهِ فَدَى الْحَالِقُ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ, وهو ظاهر كلامه في المقنع6.
__________
1 ص "162".
2 في الأصل و"س" "ط" "القرار" والتصويب من الإنصاف "8/229" والإرشاد إلا أن عبارة الإرشاد: الفدية على الحلال دون المحرم.
3 في "س" و"ط" "فكالحلق".
4 في "ح" و"ط" "إحداهما".
5 "2/376".
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/228".(5/403)
وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: إنْ أَزَالَ شَعْرَ الْأَنْفِ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ, لِعَدَمِ التَّرَفُّهِ, كَذَا قَالَ, وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ خِلَافُهُ, وَهُوَ أَظْهَرُ, وَإِنْ حَصَلَ أَذًى مِنْ غَيْرِ الشَّعْرِ كَشِدَّةِ حَرٍّ وَقُرُوحٍ وَصُدَاعٍ أَزَالَهُ وَفَدَى, كَأَكْلِ صَيْدٍ لِضَرُورَةٍ. وَلَهُ تَخْلِيلُ لِحْيَتِهِ وَلَا فِدْيَةَ بِقَطْعِهِ بِلَا تَعَمُّدٍ, نَقَلَهُ ابْنُ إبْرَاهِيمَ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ بَانَ بِمُشْطٍ أَوْ تَخْلِيلٍ فَدَى, قَالَ أَحْمَدُ: وَإِنْ خَلَّلَهَا فَسَقَطَ إنْ كَانَ شَعْرًا مَيِّتًا فَلَا شَيْءَ, وَتُسْتَحَبُّ الْفِدْيَةُ مَعَ شَكِّهِ.
وَفِي الْفُصُولِ: إنْ شَكَّ فِي عَدَدِ بَيْضِ صَيْدٍ احْتَاطَ, كَشَكِّهِ. فِي عَدَدِ صَلَوَاتٍ تَرَكَهَا وَلَهُ حَكُّ رَأْسِهِ وَيَدَيْهِ بِرِفْقٍ, نَصَّ عَلَيْهِ, مَا لَمْ يَقْطَعْ شَعْرًا, وَقِيلَ غَيْرُ الْجُنُبِ لَا يُخَلِّلُهُمَا بِيَدَيْهِ وَلَا يَحُكُّهُمَا بِمُشْطٍ أَوْ ظُفْرٍ وَلَهُ غُسْلُهُ فِي حَمَّامٍ وَغَيْرِهِ بِلَا تَسْرِيحٍ, رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَغَيْرِهِمْ "وهـ ش"; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "غَسَلَ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا, وَأَدْبَرَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ, وَاغْتَسَلَ عُمَرُ وَقَالَ: "لَا يَزِيدُ الْمَاءُ الشَّعْرَ إلَّا شُعْثًا" , رَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ, وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ لِي عُمَرُ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ بِالْجُحْفَةِ: تَعَالَ أُبَاقِيكَ أَيُّنَا أَطْوَلُ نَفَسًا فِي الْمَاءِ رواه سعيد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(5/404)
وَكَرِهَ مَالِكٌ غَطْسَهُ فِي الْمَاءِ وَتَغْيِيبَ رَأْسِهِ فِيهِ, وَالْكَرَاهَةُ تَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ, وَيَتَوَجَّهُ قَوْلُ: تَرْكُهُ أَوْلَى أَوْ الْجَزْمُ بِهِ; لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَغْسِلُ رَأْسَهُ إلَّا مِنْ احْتِلَامٍ, رَوَاهُ مَالِكٌ1. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يَدْخُلُ الْمُحْرِمُ الْحَمَّامَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ2, وَلِلشَّافِعِيِّ3 عَنْهُ: أَنَّهُ دَخَلَ حَمَّامًا بِالْجُحْفَةِ وَقَالَ: مَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِأَوْسَاخِنَا. وَيُحْمَلُ هَذَا وَمَا سَبَقَ عَلَى الْحَاجَةِ, أَوْ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ, وَإِلَّا فَالْجَزْمُ بِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ مَعَ أَنَّهُ مُزِيلٌ لِلشُّعْثِ وَالْغُبَارِ, مَعَ الْجَزْمِ بِالنَّهْيِ عَنْ النَّظَرِ فِي الْمِرْآةِ لِإِزَالَةِ شُعْثٍ وَغُبَارٍ, فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ, مَعَ أَنَّ الْحُجَّةَ "اُنْظُرُوا إلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا" 4 وَهِيَ هُنَا, فَيَتَوَجَّهُ مِنْ عَدَمِ النَّهْيِ هُنَا عَدَمُهُ هُنَاكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى, لِزَوَالِ الْغُسْلِ مِنْ الشُّعْثِ وَالْغُبَارِ مَا لَا يُزِيلُ النَّظَرُ فِي الْمِرْآةِ وَاحْتِمَالُهُ إزَالَةَ الشَّعْرِ, كَمَا سَيَأْتِي5; فَلِهَذَا يَتَوَجَّهُ مِنْ الْكَرَاهَةِ هُنَاكَ الْقَوْلُ بِهَا هُنَا.
وَإِنْ غَسَلَهُ بِسِدْرٍ أَوْ خِطْمِيٍّ وَنَحْوِهِمَا6 جَازَ "وش" قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ, وَاحْتَجَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ7, وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: يُكْرَهُ, وَجَزَمَ به في المستوعب والشيخ, وحكاه عن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "الموطأ" "1/324".
2 في صحيحه تعليقا قبل حديث "1840" بدون أداة النهي.
3 في مسنده "1/314".
4 أخرجه في مسنده "7089" و"8037" و"8047" من حديث عبد الله بن عمرو وحديث أبي هريرة.
5 ص "526".
6 في الأصل: "ونحوها".
7 سير ذكره مع تخريجه ص "411".(5/405)
"هـ م ش" لِتَعَرُّضِهِ لَقَطْعِ الشَّعْرِ, وَكَرِهَهُ جَابِرٌ1, وَاحْتَجَّ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ النَّظَافَةُ وَإِزَالَةُ الْوَسَخِ, كَالْأُشْنَانِ وَالْمَاءِ, وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَسْتَلِذُّ رَائِحَتَهُ, ثُمَّ يَبْطُلَ بِالْفَاكِهَةِ2 وَالدُّهْنِ يَقْصِدُ بِهِ التَّرْجِيلَ وَإِزَالَةَ الشُّعْثِ, مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَرِهَ الْمَحْلَبَ3 وَالْأُشْنَانَ, وعنه: يحرم"م4" ويفدي "وهـ م" نَقَلَ صَالِحٌ: قَدْ رَجَّلَ شَعْرَهُ وَلَعَلَّهُ يَقْطَعُهُ مِنْ الْغَسْلِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ صَدَقَةٌ, كَذَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ يُكْرَهُ, وَفِي الْفِدْيَةِ رِوَايَتَانِ. وَقِيلَ: هُمَا فِي تَحْرِيمِهِ, فَإِنْ أَحْرَمَ فَدَى وَإِلَّا فلا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 4" "قَوْلُهُ": وَإِنْ غَسَلَهُ بِسِدْرٍ أَوْ خِطْمِيٍّ وَنَحْوِهَا جَازَ, وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: يُكْرَهُ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالشَّيْخُ وَعَنْهُ: يَحْرُمُ, انْتَهَى.
الصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ, وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي4 وَغَيْرِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي يُكْرَهُ, جَزَمَ بِهِ في المستوعب والشيخ في المغني5 والشارح وَابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ, "قُلْتُ": وَهُوَ قَوِيٌّ إذَا خَافَ مِنْ قَطْعِ الشَّعْرِ, وَعَنْهُ: يَحْرُمُ "قُلْتُ": وهي ضعيفة. والله أعلم.
"تَنْبِيهٌ": قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَعَنْهُ: يَحْرُمُ وَيَفْدِي وَذَكَرَ صَاحِبٌ الْمُسْتَوْعِبِ وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ يُكْرَهُ. وَفِي الْفِدْيَةِ رِوَايَتَانِ, وَقِيلَ: هُمَا فِي تَحْرِيمِهِ, فَإِنْ حَرُمَ فَدَى وَإِلَّا فَلَا, انْتَهَى.
__________
1 أخرجه اين أبي شيبة في مصنفه نشرة العمري ص "410".
2 أي ينتقض تعليل المنع باستلذاذ رائحته بالفاكهة فهي ذات رائحة ولا يحرم للمحرم أن يشمها.
3 المحلب بفتح الميم: شجر له حب يجعل في الطيب والعطر "تاج العروس" "حلب".
4 "2/372".
5 "5/118".(5/406)
وَقَالَ شَيْخُنَا فِيمَنْ احْتَاجَ1 وَقَطَعَهُ لِحِجَامَةٍ أَوْ غسل ولم يضره كذا قال.
وَيَحْرُمُ أَنْ يَتَفَلَّى الْمُحْرِمُ أَوْ يَقْتُلَ قَمْلًا بِزِئْبَقٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ صِئْبَانًا; لِأَنَّهُ بَيْضُهُ, لِتَرَفُّهِهِ, كَإِزَالَةِ الشَّعْرِ, وَلِظَاهِرِ خَبَرِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ2, وَعَنْهُ: يَجُوزُ كَسَائِرِ مَا يُؤْذِي, وَكَالْبَرَاغِيثِ, كَذَا قَالُوا, وَظَاهِرُ تَعْلِيقِ الْقَاضِي أَنَّ الْبَرَاغِيثَ كَقَمْلٍ, وَهُوَ مُتَّجَهٌ3, وَكَذَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ فِي مَوْضِعٍ: لَا يَقْتُلُهُ وَلَا بَعُوضًا, وَذَكَرَهُ فِي مَوْضِعٍ قَوْلًا وَزَادَ: وَلَا قُرَادًا.
وَقَالَ شَيْخُنَا: إنْ قَرَصَهُ ذَلِكَ قَتَلَهُ مَجَّانًا, وإلا فلا يقتله, ورمي القمل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"قُلْتُ": قَالَ فِي الْمُغْنِي4 وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَابْنُ رَزِينٍ: يُكْرَهُ غَسْلُ رَأْسِهِ بِالسِّدْرِ وَالْخِطْمَيِّ وَنَحْوِهِمَا, فَإِنْ فَعَلَ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ, وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَنَصَرُوا عَدَمَ الْفِدْيَةِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: فَإِنْ غَسَلَ رَأْسَهُ بِالسِّدْرِ وَالْخِطْمَيِّ كُرِهَ لَهُ, وَهَلْ تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ, انْتَهَى. "قُلْتُ": الصواب أن مَحَلَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ, فَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ فَبَعِيدٌ جِدًّا, إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمَ; لِأَنَّهَا فِي عُرْفِ الْمُتَقَدِّمِينَ لِذَلِكَ. إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ أَوْ الْجَوَازِ لَا فِدْيَةَ, عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ, وَإِنْ كَانَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ قَدْ ذَكَرُوا الْخِلَافَ فِي الْفِدْيَةِ مَعَ الْكَرَاهَةِ, فَهُمْ قَدْ صَحَّحُوا عَدَمَ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ, وَعَلَى رِوَايَةِ التَّحْرِيمِ تَجِبُ الْفِدْيَةُ, عَلَى الصَّحِيحِ, وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: "وَعَنْهُ: يَحْرُمُ وَيَفْدِي" وَقِيلَ: فِيهِ رِوَايَتَانِ, كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. والله أعلم
__________
1 في الأصل "احتجم".
2 تقدم تخريجه ص "398".
3 في الأصل "متوجه".
4 "5/118".(5/407)
كَقَتْلِهِ, فِي قَوْلٍ, وَقِيلَ: مِنْ غَيْرِ ظَاهِرِ ثَوْبِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: الرِّوَايَتَانِ فِيمَا "إذَا"1 أَزَالَهُ مِنْ شَعْرِهِ وَبَدَنِهِ وَبَاطِنِ ثَوْبِهِ.
وَيَجُوزُ مِنْ ظَاهِرِهِ, وَحَكَى الشَّيْخُ عَنْ الْقَاضِي أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا أَزَالَهُ مِنْ شَعْرِهِ "م 5".
فَإِنْ حَرُمَ قَتْلُ الْقَمْلِ2 فَعَنْهُ: يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ, روي عن ابن عمر3 "وهـ م" وعنه: لَا لِخَبَرِ كَعْبٍ; وَلِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ, كسائر المحرم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 5" قَوْلُهُ: وَرَمْيُ الْقَمْلِ كَقَتْلِهِ, فِي قَوْلٍ, وَقِيلَ: مِنْ غَيْرِ ظَاهِرِ ثَوْبِهِ, وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: الرِّوَايَتَانِ فِيمَا إذَا أَزَالَهُ مِنْ شَعْرِهِ وَبَدَنِهِ وَبَاطِنِ ثَوْبِهِ, وَيَجُوزُ مِنْ ظَاهِرِهِ, وَحَكَى الشَّيْخُ عَنْ الْقَاضِي أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا أَزَالَهُ مِنْ شَعْرِهِ, انْتَهَى.
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي4 وَالشَّارِحُ, وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي إنَّمَا يَكُونُ كَقَتْلِهِ إذَا رَمَاهُ مِنْ5 غَيْرِ ظَاهِرِ ثَوْبِهِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ: قَالَ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ: وَمَوْضِعُ الرِّوَايَتَيْنِ إذَا أَلْقَاهَا مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ لَحْمِهِ أَمَّا إنْ أَلْقَاهَا مِنْ ظَاهِرِ بَدَنِهِ أَوْ ثِيَابِهِ أَوْ بَدَنِ مَحِلٍّ أَوْ مُحْرِمٍ غَيْرِهِ فَهُوَ جَائِزٌ, انْتَهَى.
"مَسْأَلَةٌ 6" قَوْلُهُ: فَإِنْ حَرُمَ قَتْلُ الْقَمْلِ, فَعَنْهُ: يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ وَعَنْهُ لا, انتهى. وأطلقهما في الكافي6 والزركشي.
__________
1 ليست في "س".
2 في الأصل "القملة".
3 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "5/213".
4 "5/116".
5 في "ص" "في".
6 "2/368".(5/408)
الْمُؤْذِي, وَلَهُ قَتْلُهُ فِي الْحَرَمِ إجْمَاعًا لِإِبَاحَةِ التَّرَفُّهِ فِيهِ بِقَطْعِ الشَّعْرِ وَغَيْرِهِ. وَلَهُ قَتْلُ الْقُرَادِ عَنْ بَعِيرِهِ, رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وابن عباس1 "وهـ ش" كَسَائِرِ الْمُؤْذِي, وَعِنْدَ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ, وَكَرِهَهُ عِكْرِمَةُ. وَفِي الْمُوَطَّإِ2 أَنَّ عُمَرَ فَعَلَهُ, وأن ابنه كرهه.
__________
1 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "5/212, 213" وفي الأصل و"ط" "ابن عمر" والمثبت من مصدر التخريج.
2 "1/357".(5/409)
فصل: وَحُكْمُ الْأَظْفَارِ كَالشَّعْرِ;
لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ لِلتَّرَفُّهِ, ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا وَسَبَقَ قَوْلُ دَاوُد فِي تَخْصِيصِهِ بِالرَّأْسِ خَاصَّةً, وَيَتَوَجَّهُ هُنَا احْتِمَالٌ; لِأَنَّهُ إنْ سُلِّمَ التَّرَفُّهُ بِهِ فَهُوَ دُونَ الشَّعْرِ, فَيَمْتَنِعُ الْإِلْحَاقُ, وَلَا نَصَّ يُصَارُ إلَيْهِ, وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا سَبَقَ فِي الْمَنْهَجِ3 فِي شَعْرِ الْأَنْفِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى: لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ; لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِهِ, فَظَاهِرُهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ أَحْمَدَ, وَلَمْ أجده لغيره وعند الحنفية: إن قص
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"إحْدَاهُمَا" لَا شَيْءَ عَلَيْهِ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, قَالَ فِي الْعُمْدَةِ4: وَلَا شَيْءَ فِيمَا حَرُمَ أَكْلُهُ إلَّا الْمُتَوَلِّدَ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي5 وَالشَّرْحِ6 وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالنَّظْمِ وَصَحَّحَهُ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ" يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ, جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ والرعايتين والحاويين وغيرهم.
"تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ فِي حُكْمِ الْأَظْفَارِ بَعْدَ أَنْ قدم أن حكمها حكم الشعر: وقال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
3 ص "404".
4 العدة شرح "1/254".
5 "5/116".
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/311".(5/409)
أَظْفَارَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ لَزِمَهُ دَمٌ, فَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ فَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ, وَعِنْدَهُمَا: أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ إنْ قَلَّمَ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ يَدًا أَوْ رِجْلًا. وَإِنْ قَصَّ يَدًا أَوْ رِجْلًا لزمه دم, إقامة لِلرُّبْعِ مَقَامَ الْكُلِّ. وَإِنْ قَصَّ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَظْفَارٍ فَلِكُلِّ ظُفُرٍ صَدَقَةٌ.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ: تَجِبُ بِقَصِّ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا, وَإِنْ قَصَّ خَمْسَةَ أَظَافِيرَ فَأَكْثَرَ مُتَفَرِّقَةً مِنْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ: طَعَامُ مِسْكِينٍ لِكُلِّ ظُفْرٍ; لِأَنَّ فِي قَصِّهَا كَذَلِكَ يَتَأَذَّى بِهِ وَيَشِينُهُ, بِخِلَافِ حَلْقِ رُبْعِ الرَّأْسِ مِنْ مَوَاضِعَ; لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ, وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: يَلْزَمُ1 الدَّمُ, وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: يُطْعِمُ عَنْ كُلِّ كَفٍّ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ, رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 مِنْ رِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَشْعَثِ, قَالَ الْعُقَيْلِيُّ: لَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ, وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ كَمَا سَبَقَ فِي الشَّعْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الشَّيْخُ: وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى: لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ, لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِهِ, قَالَ: فَظَاهِرُهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ أَحْمَدَ وَلَمْ أَجِدْهُ لِغَيْرِهِ, انْتَهَى مَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّيْخِ. وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَتَهُ فِي الْمُغْنِي3 فِي بَابِ الْفِدْيَةِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ أَخْذِ أَظْفَارِهِ, وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ بِأَخْذِهَا, فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ: حَمَّادٍ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ, وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ, وَعَنْهُ: لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ, لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِهِ بِفِدْيَةٍ, انْتَهَى. هَذَا لَفْظُهُ, وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: "وَعَنْهُ" يَعُودُ إلَى عَطَاءٍ لَا إلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ, وَذَكَرَهَا بَعْدَ ذِكْرِ عَطَاءٍ, وَهَذَا وَاضِحٌ جِدًّا, فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: "فَظَاهِرُهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ أَحْمَدَ" غَيْرُ مُسَلَّمٍ, وَقَدْ رَأَيْت لَفْظَهُ, وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ. وَاَللَّهُ أعلم.
__________
1 في "س" و"ط" "يلزم".
2 في سننه "2/289".
3 "5/388".(5/410)
وَإِنْ وَقَعَ بِظُفْرِهِ مَرَضٌ فَأَزَالَهُ أَوْ انْكَسَرَ فَقَصَّ مَا احْتَاجَهُ فَقَطْ "و" أَوْ قَلَعَ إصبعا بظفرها فهدر وإن لم يمكنه1 مُدَاوَاةُ قُرْحِهِ إلَّا بِقَصِّهِ قَصَّهُ وَيَفْدِي, خِلَافًا لِابْنِ الْقَاسِمِ الْمَالِكِيِّ قِيلَ لِأَحْمَدَ: يَنْكَسِرُ ظُفْرُهُ, قَالَ: يُقَلِّمُهُ. وَلَعَلَّ ظَاهِرَهُ أَكْثَرُ مِمَّا انْكَسَرَ, وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: إنْ انْكَسَرَ فَآذَاهُ قَطَعَهُ وَفَدَى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل و"ب" و"ط" "يمكن".(5/411)
فصل: تغطية الرأس إجماعا
الثَّالِثُ تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَهَى الْمُحْرِمَ عَنْ لُبْسِ الْعَمَائِمِ وَالْبَرَانِسِ, وَقَوْلُهُ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ: "لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا2.
وَالْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ, نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ "وهـ م" وَعَنْهُ: عُضْوَانِ مُسْتَقِلَّانِ, ذَكَرَهَا ابْنُ عَقِيلٍ "وش" وَعَنْ الزُّهْرِيِّ وَالثَّوْرِيِّ: مِنْ الْوَجْهِ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَإِسْحَاقَ: مَا أَقْبَلَ مِنْهُمَا مِنْ الْوَجْهِ, وَمَا أَدْبَرَ مِنْ الرَّأْسِ, وَالْبَيَاضُ الَّذِي فَوْقَهَا دُونَ الشَّعْرِ مِنْ الرَّأْسِ, ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَجَمَاعَةٌ, وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حُكْمُ الْمُوضِحَةِ فِيهِ. وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي رَأْسٍ أَوْ وَجْهٍ وَلَيْسَ مِنْ الْوَجْهِ, وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الرَّأْسِ إجْمَاعًا.
وَالصُّدْغُ وَهُوَ فَوْقَ الْعِذَارِ هَلْ هُوَ مَا3 يحاذي رأس الأذن أو ينزل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
2 الأصل سيرد تخريجه في الصفحة "420" والثاني أخرجه البخاري "1265" ومسمل "1206" "94".
3 في الأصل "مما".(5/411)
قَلِيلًا؟ فِيهِ 1وَجْهَانِ لَنَا وَلِلشَّافِعِيَّةِ, وَهَلْ هُوَ مِنْ الرَّأْسِ كَأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ, أَوْ مِنْ الْوَجْهِ؟ فِيهِ1 وَجْهَانِ: وَذَكَرَ أَبُو الْحُسَيْنِ رِوَايَتَيْنِ "م 7 و 8".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 7, 8" قَوْلُهُ: وَالصُّدْغُ وَهُوَ فَوْقَ الْعِذَارِ هَلْ هُوَ مَا يُحَاذِي رَأْسَ الْأُذُنِ أَوْ يَنْزِلُ قَلِيلًا؟ فِيهِ وَجْهَانِ وَهَلْ هُوَ مِنْ الرَّأْسِ أَوْ مِنْ الْوَجْهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَذَكَرَ أَبُو الحسين روايتين, انتهى. ذكر المصنف مسألتين:
"الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 7" فِي مَحَلِّ الصُّدْغِ هَلْ هُوَ مَا يُحَاذِي رَأْسَ الْأُذُنِ أَوْ يَنْزِلُ قَلِيلًا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِ.
"أَحَدُهُمَا" هُوَ الشَّعْرُ الَّذِي بَعْدَ انْتِهَاءِ الْعِذَارِ وَيُحَاذِي رَأْسَ الْأُذُنِ وَيَنْزِلُ عَنْ رَأْسِهَا قَلِيلًا, وَهُوَ الصَّحِيحُ, جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي2 وَالشَّرْحِ3 وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرِهِمْ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" هُوَ مَا يُحَاذِي رَأْسَ الْأُذُنِ, وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ, وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ تَابَعُوا الْمَجْدَ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: هُوَ مَا حَاذَى مُقَدَّمَ أَعْلَى الْأُذُنِ, وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الشَّعْرُ فِي حَقِّ الْغُلَامِ يُحَاذِي طَرَفَ الْأُذُنِ الْأَعْلَى, انْتَهَى. وَيُصْلَحُ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ, وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ يَسِيرٌ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ, وَلَمْ نَرَ مَنْ حَكَى الْخِلَافَ غَيْرَ الْمُصَنِّفِ, وَيُمْكِنُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَهُوَ حَمْلُ الْقَوْلِ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ عَكْسُهُ.
"الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 8" هَلْ الصُّدْغُ مِنْ الرَّأْسِ أَوْ مِنْ الْوَجْهِ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ, وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرُهُمْ.
__________
1 1 ليست في "س".
2 "1/163".
3 "1/332".(5/412)
وَالتَّحْذِيفُ الشَّعْرُ الْخَارِجُ إلَى طَرَفِ الْجَبِينِ فِي جَانِبَيْ الْوَجْهِ بَيْنَ النَّزْعَةِ وَمُنْتَهَى الْعِذَارِ هَلْ هُوَ مِنْ الرَّأْسِ؟ كَأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ, أَوْ مِنْ الوجه؟ فيه وجهان "م 9".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"أَحَدُهُمَا" هُوَ مِنْ الرَّأْسِ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, اخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي1 وَالْكَافِي2 وَالْمَجْدُ, وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ, قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْ الرَّأْسِ, قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ, قَالَ الشَّارِحُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ الرَّأْسِ, وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ, وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ, قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي هُوَ مِنْ الْوَجْهِ, اخْتَارَهُ ابن عقيل, ذكره الشارح.
"مَسْأَلَةٌ 9" قَوْلُهُ: وَالتَّحْذِيفُ الشَّعْرُ الْخَارِجُ إلَى طَرَفِ الجبين في جانبي الوجه بين النزعة ومنتهى الْعِذَارِ هَلْ هُوَ مِنْ الرَّأْسِ أَوْ مِنْ الْوَجْهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ, انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
أَحَدُهُمَا هُوَ مِنْ الرَّأْسِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ, اخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِي الْكَافِي, وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ, وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ, قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْ الرَّأْسِ, قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ.
"وَالْوَجْهُ الثَّانِي" هُوَ مِنْ الْوَجْهِ, اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ, قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي وَالشَّيْخُ وَالشَّارِحُ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي1, وَتَقَدَّمَ هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ فِي بَابِ الْوُضُوءِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ3, وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ هناك أيضا, فحصل تكرار, والله أعلم.
__________
1 1 "1/163".
2 "1/60".
3 "1/174".(5/413)
وَالنَّزَعَتَانِ بِفَتْحِ الزَّايِ, وَإِسْكَانِهَا لُغَةً: مَا انْحَسَرَ عَنْهُ الشَّعْرُ مِنْ الرَّأْسِ مُتَصَاعِدًا فِي جَانِبَيْهِ مِنْ الرَّأْسِ, كَالشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ, خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ وَبَعْضِ الْعُلَمَاءِ. وَالنَّاصِيَةُ الشَّعْرُ الَّذِي بَيْنَ النَّزَعَتَيْنِ مِنْ الرَّأْسِ "و" وَبَعْضُ الْمَنْهِيِّ 1عَنْهُ مثله في التحريم1, فيحرم تَغْطِيَتُهُ بِلَاصِقٍ مُعْتَادٍ أَوْ لَا, كَعِمَامَةٍ وَطِينٍ وَنُورَةٍ وَحِنَّاءٍ وَقِرْطَاسٍ فِيهِ دَوَاءٌ أَوْ لَا دَوَاءَ وَعِصَابَةٍ. قَالَ أَحْمَدُ: وَشَدُّ سَيْرٍ2 فِيهِ. وَيَفْدِي لِصُدَاعٍ وَنَحْوِهِ "و".
وَإِنْ حَمَلَ عَلَى رَأْسِهِ شَيْئًا فَلَا فِدْيَةَ "ش" كَسُتْرَةٍ بِيَدِهِ, وَلَا أَثَرَ لِلْفَصْدِ وَعَدَمِهِ فِيمَا فِيهِ فِدْيَةٌ وَمَا لَا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ قَصَدَ بِهِ السِّتْرَ فَدَى, كَجُلُوسِهِ عِنْدَ عَطَّارٍ لِقَصْدِ شَمِّ الطِّيبِ. وَإِنْ لَبَّدَهُ بِغَسْلٍ أَوْ صَمْغٍ وَنَحْوِهِ فَلَا يَدْخُلُهُ غُبَارٌ وَلَا دَبِيبٌ وَلَا يُصِيبُهُ شُعْثٌ جَازَ, لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ مُلَبِّدًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ3.
وَإِنْ اسْتَظَلَّ فِي مَحْمَلٍ أَوْ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ نَازِلًا أَوْ رَاكِبًا قَالَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ حَرُمَ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ, فِي رِوَايَةٍ, اخْتَارَهُ أكثر الأصحاب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"تَنْبِيهٌ": أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الصُّدْغِ وَالتَّحْذِيفِ وَاحِدٌ فِي الْخِلَافِ, هَلْ هُمَا مِنْ الرَّأْسِ أَوْ مِنْ الْوَجْهِ؟ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي بَابِ الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: التَّحْذِيفُ مِنْ الْوَجْهِ دُونَ الصُّدْغِ, اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي4, كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُمَا, وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الصُّدْغُ مِنْ الْوَجْهِ, قَالَهُ الشَّارِحُ, وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ في الفصول
__________
1 1 ليست في "س".
2 السير: الذي يقد من الجلد المصباح "يسير".
3 البخاري "1540" ومسلم "1184" "21".
4 "1/163".(5/414)
"وم". رُوِيَ "عَنْ" ابْنِ عُمَرَ مِنْ طُرُقٍ النَّهْيُ عَنْهُ1, وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ; وَلِأَنَّهُ قَصَدَهُ بِمَا يَقْصِدُ بِهِ التَّرَفُّهَ كَتَغْطِيَتِهِ. وَعَنْهُ: لَا فِدْيَةَ, وَعَنْهُ: بَلَى إنْ طَالَ, وَعَنْهُ يُكْرَهُ, قَالَ الشَّيْخُ: هِيَ الظَّاهِرُ عَنْهُ.
وَعَنْهُ: يَجُوزُ "م 10 و 11" "وهـ ش"; لأن أسامة أو بلالا رفع ثوبه يستر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 10 و 11" قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَظَلَّ فِي مَحْمَلٍ أَوْ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ نَازِلًا أَوْ رَاكِبًا قَالَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ حَرُمَ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ, فِي رِوَايَةٍ, اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ: لَا فِدْيَةَ, وَعَنْهُ: بَلَى إنْ طَالَ, وَعَنْهُ: يُكْرَهُ, قَالَ الشَّيْخُ: هِيَ الظَّاهِرُ عَنْهُ, وَعَنْهُ: يَجُوزُ, انْتَهَى.
اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَقِيلٍ "يَحْتَمِلُ أَنْ" يَعُودُ إلَى لُزُومِ الْفِدْيَةِ لَا غَيْرَ, وَيَكُونُ قَدْ قَدَّمَ التَّحْرِيمَ وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي لُزُومِ الْفِدْيَةِ, وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ, وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ إلَى التَّحْرِيمِ وَإِلَى لُزُومِ الْفِدْيَةِ, فَيَكُونُ الْخِلَافُ قَدْ أَطْلَقَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي التَّحْرِيمِ وَعَدَمِهِ, وَفِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَعَدَمِهَا عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ. وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ نَذْكُرُ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَنَذْكُرُ النقل في كل مسألة منهما:
"الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 10" هَلْ يَحْرُمُ اسْتِظْلَالٌ بِالْمَحْمَلِ وَنَحْوِهِ, أَوْ يُكْرَهُ أَوْ يَجُوزُ؟ فِيهِ رِوَايَاتٌ:
إحْدَاهُنَّ يَحْرُمُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ, قَالَ الزَّرْكَشِيّ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ لِأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ, حَتَّى أَنَّ الْقَاضِيَ فِي التَّعْلِيقِ وَفِي غَيْرِهِ وَابْنَ الزَّاغُونِيِّ وَصَاحِبَ التَّلْخِيصِ وَعُقُودَ ابْنِ الْبَنَّا وَجَمَاعَةً لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُمْ, انْتَهَى. وَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ "حَرُمَ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ" عَائِدٌ إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ, وَأَنَّ الْخِلَافَ مُطْلَقٌ فِي التَّحْرِيمِ أَيْضًا.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ, اخْتَارَهُ الشَّيْخُ والشارح وقالا: هي الظاهر عنه,
__________
1 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "5/70".(5/415)
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الْحَرِّ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ1. وأجاب أَحْمَدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ, وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي2 وَالْمُقْنِعِ3 وَالْمُذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ.
"الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 11" إذَا قُلْنَا "يَحْرُمُ الِاسْتِظْلَالُ بِالْمَحْمَلِ وَنَحْوِهِ" فَهَلْ يَلْزَمُهُ فِدْيَةٌ أَوْ لَا, أَوْ يَلْزَمُهُ إنْ طَالَ؟ فِيهِ رِوَايَاتٌ.
"إحْدَاهُنَّ" لَا يَلْزَمُهُ بِذَلِكَ فِدْيَةٌ, صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ, قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ أَظْهَرُ, قَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَلَا يُظَلَّلُ بِمَحْمَلٍ فِي رِوَايَةٍ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وغيرهم وهو الصحيح على ما اصطلحناه.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ" يَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ بِفِعْلِ ذَلِكَ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ, وَابْنُ عَقِيلٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَابْنُ الْبَنَّا فِي عُقُودِهِ, وَالشِّيرَازِيُّ فِي إيضَاحِهِ, وَابْنُ حَمْدَانَ فِي إفَادَتِهِ, وَصَحَّحَهُ فِي الْفُصُولِ وَالْمُبْهِجِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ, وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ, وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ, وَغَيْرُهُمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي وَالْمُقْنِعِ وَالْحَاوِي وَالْمُذَهَّبِ الْأَحْمَدِ وَالْمُحَرَّرِ وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ" إنْ كَثُرَ الِاسْتِظْلَالُ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ, وَإِلَّا فَلَا, وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ, فِي رِوَايَةُ جَمَاعَةٍ, وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَيْضًا وَالزَّرْكَشِيُّ "قُلْتُ": وَهُوَ أَقْوَى وَأَوْلَى مِنْ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ, وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ والفائق وغيرهم.
__________
1 في صحيحه "1298" "312".
2 "2/356".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/236".(5/416)
وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ سِتْرٌ لَا يُرَادُ لِلِاسْتِدَامَةِ. زَادَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَوْ كَانَ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ, أَوْ بِهِ عُذْرٌ وَفَدَى, أَوْ لَمْ يَعْلَمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم به.
ويجوز بخيمة وَنَصْبِ ثَوْبٍ وَبَيْتٍ وَنَحْوِهِمَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضُرِبَتْ لَهُ قُبَّةٌ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَهَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ1 مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ; وَلِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّرَفُّهُ فِي الْبَدَنِ عَادَةً, بَلْ جَمْعُ الرِّجَالِ فِيهِ, وَفِيهِ نَظَرٌ.
وَيَجُوزُ تغطية الوجه, في رواية اختارها الأكثر "وش" فَعَلَهُ عُثْمَانُ, رَوَاهُ مَالِكٌ2, وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ عَنْهُ, وَعَنْ زَيْدٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ3, وَأَنَّهُ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَجَابِرٌ4, وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رِوَايَتَانِ, رَوَى النَّهْيَ عَنْهُ مَالِكٌ5.
وَلِأَنَّهُ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ سُنَّةُ التَّقْصِيرِ مِنْ الرَّجُلِ فَلَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ حُرْمَةُ التخمير كسائر بدنه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"تَنْبِيهٌ" ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَلْ هُوَ كَالصَّرِيحِ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي لُزُومِ الْفِدْيَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي وَالشِّيرَازِيُّ فِي الْمُبْهِجِ, وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ, وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَالشَّيْخُ فِي الْكَافِي6 وَالْمَجْدُ وَالشَّارِحُ وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ: هُمَا مَبْنِيَّتَانِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي جَوَازِ الِاسْتِظْلَالِ وَعَدَمِهِ, فَإِنْ قُلْنَا يَحْرُمُ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ وَإِلَّا فَلَا, وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ حمدان.
__________
1 في صحيحه "1218" "147".
2 في الموطأ "1/327".
3 وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه نشرة العمري ص "308".
4 وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى "5/54".
5 في الموطأ "1/327".
6 "2/356".(5/417)
وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ, نَقَلَهَا الْأَكْثَرُ, فَتَكُونُ1 كَالرَّأْسِ "م 12" "وهـ" وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَفْعَلُهُ, فَإِنْ فَعَلَهُ فَلَا فِدْيَةَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فِيهَا رِوَايَتَانِ, لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ: "وَلَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ" وَفِي لَفْظٍ "وَلَا تُغَطُّوا رَأْسَهُ" انْفَرَدَ بِهِمَا مُسْلِمٌ2, وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ: "ولا تخمروا رأسه" 3
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 12" قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ, فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ, نَقَلَهَا الْأَكْثَرُ, فَيَكُونُ كَالرَّأْسِ, انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي4 وَالْمُقْنِعِ5 وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ.
إحْدَاهُمَا يُبَاحُ وَلَا فِدْيَةَ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, قَالَ الْمُصَنِّفُ: اخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ "قُلْتُ": مِنْهُمْ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ, قَالَ فِي الرِّوَايَةِ: وَالْجَوَازُ أَصَحُّ, وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالْفُصُولِ, وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّا فِي عُقُودِهِ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا, وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ وَالْمُذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ, لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ, وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي6 وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ" لَا يَجُوزُ وَعَلَيْهِ الفدية, قدمه في المبهج
__________
1 في "ط" "فتكون".
2 في صحيحه "1206" "98" "1206" "103" بلفظ "ولا تغطوا وجهه".
3 تقدم ص "405 – 411".
4 "5/153".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/243".
6 "2/356".(5/418)
وَرُوِيَ فِي الْخَبَرِ "وَخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا تُخَمِّرُوا رأسه" 1, ولا تتجه صحته. ولا يخفى وَجْهُ التَّرْجِيحِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا فِي الْمُحْرِمِ يَمُوتُ قَالَ: "خَمِّرُوهُمْ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ" وَفِي لَفْظٍ: "خَمِّرُوا وُجُوهَ مَوْتَاكُمْ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ" رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ2 الْأَوَّلَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ, ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُ, وَهُوَ كَثِيرُ الْغَلَطِ وَالْخَطَأِ مَعَ تَمَادِيهِ عَلَيْهِ, وَرَوَى الثَّانِيَ3 مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَالِحٍ الْأَزْدِيِّ, ثِقَةٌ شِيعِيٌّ, قَالَ, أَبُو أَحْمَدَ الْحَاكِمُ: خُولِفَ فِي بَعْضِ حَدِيثِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ فِي غَيْرِ الْمُحْرِمِ, قَالَ الْفَضْلُ لِأَحْمَدَ: لَمْ كُرِهَ الرُّكُوبُ فِي الْمَحْمَلِ فِي الشِّقِّ الْأَيْمَنِ؟ قَالَ: لِمَوْضِعِ الْبُصَاقِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه البيهقي "3/393".
2 في سننه "2/296".
3 الدارقطني في سننه "2/297".(5/419)
فصل: لبس المخيط في بدنه أو بعضه
الرَّابِعُ: لُبْسُ الْمَخِيطِ فِي بَدَنِهِ أَوْ بَعْضِهِ بِمَا عُمِلَ عَلَى قَدْرِهِ إجْمَاعًا وَلَوْ دِرْعًا مَنْسُوجًا أَوْ لَبَدًا مَعْقُودًا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(5/419)
يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ, قَالَ: "لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا الْعِمَامَةَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ وَلَا زَعْفَرَانٌ وَلَا الْخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ1 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. زَادَ الْبُخَارِيُّ: "وَلَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ" قَالَ جَمَاعَةٌ بِمَا عُمِلَ عَلَى قَدْرِهِ وَقُصِدَ بِهِ.
وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُعْتَادٍ, كَجَوْرَبٍ فِي كَفٍّ وَخُفٍّ فِي رَأْسٍ, كَفَّرَ, وَفِي صَيْفٍ.
وَقَلِيلُ اللُّبْسِ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ "وش" لِظَاهِرِ قَوْلِهِ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً} [البقرة: 196] الْآيَةَ; وَلِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ, فَاعْتُبِرَ فِيهِ مُجَرَّدُ الْفِعْلِ, كَوَطْءٍ فِي فَرْجٍ أَوْ مَحْظُورٍ فَلَا تَتَقَدَّرُ فِدْيَتُهُ بِزَمَنٍ كَغَيْرِهِ وَاللُّبْسُ فِي الْعَادَةِ مُخْتَلِفٌ, وَلَا يَحْرُمُ أَنْ يَأْتَزِرَ بِقَمِيصٍ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: فِي أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ أَوْ مِنْ لَيْلَةٍ صَدَقَةٌ, وَعِنْدَ مَالِكٍ: إنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ انْتِفَاعٌ مَا بِأَنْ نَزَعَهُ فِي الْحَالِ فَلَا فِدْيَةَ, فَإِنْ أَحْرَمَ فِي قَمِيصٍ وَنَحْوِهِ خَلَعَهُ وَلَمْ يَشُقَّهُ وَلَا فِدْيَةَ; لِأَنَّ يَعْلَى بْنَ أمية أحرم في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 البخاري "134" و"1838" ومسلم "1177" "1".(5/420)
جُبَّةٍ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَلْعِهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ1, وَلِأَبِي دَاوُد2: فَخَلَعَهَا مِنْ رأسه. ولم يأمره بشق ولا فدية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"تنبيه" قَوْلُهُ فِي فَصْلٍ "الرَّابِعُ": وَلَا فِدْيَةَ; لِأَنَّ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَلْعِهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ 3وَلِأَبِي دَاوُد فَخَلَعَهَا مِنْ رَأْسِهِ وَلَمْ يأمره بشقها ولا فدية وقال بعض العلماء....لئلا يتغطى رأسه بنزعته انتهى3.
وَقَوْلُهُ فِي فَصْلٍ "الْخَامِسُ": لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ بِغَسْلِ الطِّيبِ, انْتَهَى قَالَ: ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: الْمَعْرُوفُ أَنَّ يَعْلَى رَاوِي الْحَدِيثِ, وَصَاحِبَ الْقِصَّةِ غَيْرُهُ, انْتَهَى. "قُلْتُ", لَيْسَ كَمَا قَالَ: بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ يَعْلَى رَاوِي الْقِصَّةِ. قَالَهُ أَئِمَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ. وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ وَابْنُ الْمُلَقَّنِ وَغَيْرُهُمَا وَقَدْ وَرَدَ مَعْنًى بِهِمَا وَهُوَ رَاوِي الْقِصَّةِ كَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي حَدِيثِ الرُّقْيَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ4. نَبَّهْتُ عَلَى ذَلِكَ لِاغْتِرَارِ بَعْضِهِمْ بِمَا قَالَ.
__________
1 البخاري "1789" ومسلم "1180" "6".
2 في سننه "1820".
3 3 ليست في "ح".
4 رواه البخاري "22276" ومسلم "2201".(5/421)
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ1 يَشُقُّهُ لِئَلَّا يَتَغَطَّى رَأْسُهُ بِنَزْعِهِ. وَإِنْ اسْتَدَامَ لُبْسَهُ لَحْظَةً فَوْقَ الْمُعْتَادِ فِي خَلْعِهِ فَدَى, عَلَى مَا سَبَقَ.
وَإِنْ عَدِمَ إزَارًا لَبِسَ سَرَاوِيلَ نَصَّ عَلَيْهِ "وش" لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ: "مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ, وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ لِلْمُحْرِمِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2 رَوَاهُ الْأَثْبَاتُ, وَلَيْسَ فِيهِ بِعَرَفَاتٍ "قَالَ مُسْلِمٌ: لَمْ يُذْكَرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ" بِعَرَفَاتٍ "غَيْرُ شُعْبَةَ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: تَابَعَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُمَرَ, وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّهُ تَابَعَهُ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ أَخُو حَمَّادٍ وَلِمُسْلِمٍ3 عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ, وَلَيْسَ فِيهِ يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ.
أَجَازَ لُبْسَ السَّرَاوِيلِ مُطْلَقًا لِعَدَمِ الْإِزَارِ. فَلَوْ اُعْتُبِرَ فَتْقُهُ لَمْ يُعْتَبَرْ عَدَمُهُ, وَلَمْ يُشْتَبَهْ عَلَى أَحَدٍ, وَلَمْ يُوجِبْ فِدْيَةً, وَحَمْلُهَا أَوْلَى مِنْ جَوَازِ اللُّبْسِ; وَلِأَنَّهُ جَعَلَهُ بَدَلًا, وَهُوَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُبْدَلِ.
وَمَتَى وَجَدَ إزَارًا خَلَعَ السَّرَاوِيلَ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ: إنْ لَبِسَ سَرَاوِيلَ فَدَى, قَالَ الطَّحْطَاوِيُّ, لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ حَتَّى يُفَتِّقَهُ, وَمَعْنَاهُ فِي الْمُوَطَّإِ4 وَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ بِلُبْسِهِ; لِأَنَّهُ لَمْ يرو الخبر فيه, وجوزه أصحابه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "المالكية".
2 البخاري "1841" ومسلم "1178" "4".
3 في صحيحه "1179" "5".
4 "1/325".(5/422)
وَالرَّازِيُّ بِلَا فَتْقٍ, وَيَفْدِي. وَفِي الِانْتِصَارِ احْتِمَالٌ يَلْبَسُ سَرَاوِيلَ لِلْعَوْرَةِ فَقَطْ.
وَإِنْ عَدِمَ نَعْلَيْنِ لَبِسَ خُفَّيْنِ بِلَا فِدْيَةٍ, نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ, وَلَا يَقْطَعُ خُفَّيْهِ, قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ فَسَادٌ, وَاحْتَجَّ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ بِالنَّهْيِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ, وَجَوَّزَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ, وَقَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَإِنَّ فَائِدَةَ التَّخْصِيصِ كَرَاهَتُهُ لِغَيْرِ إحْرَامٍ, لِخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ, قَالَ أَبُو الشَّعْثَاءِ لِابْنِ عَبَّاسٍ: لَمْ يَقُلْ: لِيَقْطَعْهُمَا, قَالَ: لَا, رَوَاهُ أَحْمَدُ1: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْهُ. صَحِيحٌ. وَطَافَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِخُفَّيْنِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: وَالْخُفَّانِ مَعَ الْقَبَّاءِ؟ قَالَ: لَبِسْتُهُمَا مَعَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْك يَعْنِي: النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ2. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ: الْخُفَّانِ نَعْلَانِ لِمَنْ لَا نَعْلَ لَهُ3. وَمِنْ رِوَايَةِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَأَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ لَبِسَهُمَا وَهُوَ مُحْرِمٌ وَقَالَ: أمرتنا به عائشة4;
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في المسند "2015".
2 ورواه أحمد في السمند "1668".
3 هذه الآثار الثلاثة رواها ابن أبي شيبة "4/101" عن عمرو علي وابن عباس.
4 لم نجد أثر المسور عن عائشة وقد عزاه الزركشي في شرحه "3/113" إلى أبي بكر النجاد بإسناده وروى أبو داود "1831" عن عائشة أن رسول صلى عليه وسلم قد كان رخص للنساء في الخفين.(5/423)
وَلِأَنَّ فِي قَطْعِهِ ضَرَرًا, كَالسَّرَاوِيلِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ فَتْقُهُ وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَلَا يَلْبَسُهُ عَلَى هَيْئَتِهِ وَيَلْبَسُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَةِ أَحَدٍ.
وَعَنْهُ: إنْ لَمْ يَقْطَعْهُمَا دُونَ كَعْبَيْهِ فَدَى "و" لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ1.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ زِيَادَةَ الْقَطْعِ لَمْ يَذْكُرْهَا جَمَاعَةٌ مِمَّنْ رَوَى الْخَبَرَ عَنْ نَافِعٍ وَرَوَاهَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ "عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ" مِنْ قَوْلِهِ, وَرَوَاهَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ بَشْرَانَ2 فِي أَمَالِيهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ قَوْلِ نَافِعٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّهْقَانِ عَنْ الْعَبَّاسِ الدَّوْرِيِّ عَنْ كَثِيرِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْهُ, وَرَوَاهَا مَالِكٌ3 وَأَيُّوبُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ فَرَفَعُوهَا, فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا, فَإِنْ صَحَّتْ فَهِيَ بِالْمَدِينَةِ, لِرِوَايَةِ أَحْمَدَ4 عَنْ ابْنِ عُمَرَ: سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ وَذَكَرَهُ وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ5 أَنَّ رَجُلًا نَادَى فِي الْمَسْجِدِ: مَا يَتْرُكُ الْحَرَامُ مِنْ الثِّيَابِ؟ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيَّ يَقُولُ: هُوَ فِي حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَلَيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَجُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ, وَخَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِعَرَفَاتٍ.
فَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ وَاجِبًا لَبَيَّنَهُ لِلْجَمْعِ الْعَظِيمِ الَّذِينَ لَمْ يَحْضُرْ أَكْثَرُهُمْ أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ كَلَامَهُ بِالْمَسْجِدِ فِي مَوْضِعِ البيان ووقت الحاجة, لا يقال:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 سيأتي بخريجه قريبا.
2 هو أبو القاسم عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران الأموي البغدادي صاحب الأمالي الكثير "ت 426 هـ" سير أعلام النبلاء "17/450".
3 في الموطأ "1/324 – 325".
4 في المسند "4868".
5 في سننه "2/229".(5/424)
اكْتَفَى بِمَا سَبَقَ; لِأَنَّهُ يُقَالُ: فَلِمَ ذَكَرَ لُبْسَهُمَا؟ وَالْمَفْهُومُ مِنْ إطْلَاقِهِ لُبْسَهُمَا بِلَا قَطْعٍ, ثُمَّ يُحْمَلُ عَلَى الْجَوَازِ كَمَا سَبَقَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي وَأَجَابَ عَنْ قَوْلِهِمْ: الْمُقَيَّدُ يَقْضِي عَلَى الْمُطْلَقِ بِالْمَنْعِ فِي رِوَايَةٍ, ثُمَّ إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَأْوِيلُهُ, وَعَنْ قَوْلِهِمْ: فِيهِ زِيَادَةُ لَفْظٍ: بِأَنَّ خَبَرَنَا فِيهِ زِيَادَةُ حُكْمِ جَوَازِ اللُّبْسِ بِلَا قَطْعٍ, يَعْنِي: وَهَذَا الْحُكْمُ لَمْ يُشْرَعْ بِالْمَدِينَةِ, وَقَالَهُ شَيْخُنَا, وَهُوَ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى الشَّيْخِ, كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي1 وَالْمُحَرَّرِ. وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي مِنْ كَلَامِ أَبِي دَاوُد وَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّ ابْنَ أَبِي مُوسَى رَوَاهُ نَظَرٌ.
وَإِنْ لَبِسَ مَقْطُوعًا دُونَهُمَا مَعَ وُجُودِ نَعْلٍ لَمْ يَجُزْ وَفَدَى, نَصَّ عَلَيْهِ "وهـ م" لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ شَرَطَ لِجَوَازِ لُبْسِهِمَا عَدَمَ النَّعْلَيْنِ, وَأَجَازَهُ; لِأَنَّهُ يُقَارِبُ النَّعْلَيْنِ, وَلَمْ يُجِزْهُ لِإِسْقَاطِ الْفِدْيَةِ; وَلِأَنَّهُ مُحِيطٌ لِعُضْوٍ بِقَدْرِهِ, كَغَيْرِهِ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى جَوَازَهُ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَشَيْخُنَا; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخُفٍّ, وَإِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالْقَطْعِ أَوَّلًا; لِأَنَّ رُخْصَةَ الْبَدَلِ لَمْ تَكُنْ شُرِعَتْ; لِأَنَّ الْمَقْطُوعَ يَصِيرُ كَنَعْلٍ, فَإِبَاحَتُهُ أَصْلِيَّةٌ, وَإِنَّمَا الْمُبَاحُ بِطَرِيقِ الْبَدَلِ الْخُفُّ الْمُطْلَقُ, وَإِنَّمَا شَرَطَ عَدَمَ النَّعْلِ; لِأَنَّ الْقَطْعَ مَعَ وُجُودِهِ إفْسَادٌ, وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ.
وَلُبْسُ اللَّالَكَةِ2 وَالْجُمْجُمِ3 وَنَحْوِهِمَا يَجُوزُ على الثاني لا الأول,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "5/112".
2 اللالكة: النعال المصنوعة من الجلد المدبوغ.
3 الجمجم: المداس.(5/425)
وَإِنْ وَجَدَ نَعْلًا لَا يُمْكِنُهُ لُبْسُهَا لَبِسَ الْخُفَّ وَلَا فِدْيَةَ, وَعِنْدَ أَحْمَدَ: يَفْدِي. وَتُبَاحُ النَّعْلُ كَيْفَ كَانَتْ, لِإِطْلَاقِ إبَاحَتِهَا, وَعَنْهُ: فِي عَقِبِ النَّعْلِ أَوْ قَيْدِهَا السَّيْرُ الْمُعْتَرِضُ عَلَى الزِّمَامِ الْفِدْيَةُ, وَذَكَرَهُ فِي الْإِرْشَادِ1.
قَالَ الْقَاضِي: مُرَادُهُ الْعَرِيضَيْنِ, وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ; لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ فِيهَا, وَرُبَّمَا تَعَذَّرَ الْمَشْيُ بِدُونِهِ, وَكَمَا لَا يَجِبُ قَطْعُ الْخُفِّ وَأَوْلَى, وَالرَّانُّ2 كَخُفٍّ.
وَإِنْ شَقَّ إزَارَهُ وَشَدَّ كُلَّ نِصْفٍ عَلَى سَاقٍ فَكَسَرَاوِيلَ "وَلَا يُزِرُّهُ" وَلَا يَعْقِدُ عَلَيْهِ شَيْئًا, نَصَّ عَلَيْهِ, وَلَا بِشَوْكَةٍ أَوْ إبْرَةٍ أَوْ خَيْطٍ, وَلَا يَغْرِزُ أَطْرَافَهُ, فَإِنْ فَعَلَ أَثِمَ وَفَدَى; لِأَنَّهُ كَمَخِيطٍ, لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ لِمُحْرِمٍ: وَلَا تَعْقِدْ عَلَيْك شَيْئًا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ3, وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنُ جُرَيْجٍ مُرْسَلًا: رَأَى رَجُلًا مُحْتَزِمًا بِحَبْلٍ فَقَالَ: انْزِعْ الْحَبْلَ, مَرَّتَيْنِ. وَرَوَى هُوَ وَمَالِكٌ4 عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ لُبْسَ الْمِنْطَقَةِ لِلْمُحْرِمِ, وَرَوَى الْأَثْرَمُ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقَ وَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لِمَوْلَاهُ: يَا أَبَا مَعْبَدٍ زُرَّ عَلَيَّ طَيْلَسَانِي, فَقَالَ لَهُ: كُنْتُ تَكْرَهُ هَذَا. فَقَالَ: أُرِيدُ أَنْ أفتدي5.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ص "165".
2 الرأن: كالخف إلا أنه لا قدم له وهو أطول من الخف.
3 في مسنده "1/311".
4 مسند الشافعي "1/318" الموطأ "1/326".
5 رواه ابن أبي شيبة في مصنفه "4/50".(5/426)
قَالَ أَحْمَدُ فِي مُحْرِمٍ حَزَّمَ عِمَامَةً عَلَى وَسَطِهِ: لَا يَعْقِدُهَا وَيُدْخِلُ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ. وَلَهُ أَنْ يَلْتَحِفَ بِقَمِيصٍ وَيَرْتَدِيَ بِهِ وَبِرِدَاءٍ مُوصِلٍ وَلَا يَعْقِدَهُ, وَيَعْقِدَ إزَارَهُ; لِأَنَّهُ يَحْتَاجُهُ لستر العورة وسترة نفقته1.
وَيُبَاحُ الْهِمْيَانُ, قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجَازَهُ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ مُتَقَدِّمُوهُمْ وَمُتَأَخِّرُوهُمْ, فَمَتَى كَانَ فِيهِ نَفَقَتُهُ فَإِنْ ثَبَتَ بِغَيْرِ عَقْدٍ بِأَنْ أَدْخَلَ السُّيُورَ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ لَمْ يَعْقِدْهُ, لِعَدَمِ الْحَاجَةِ, وَإِلَّا جَازَ عَقْدُهُ, نَصَّ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ إبْرَاهِيمُ: كَانُوا يُرَخِّصُونَ فِي عَقْدِهِ لَا فِي عَقْدِ غَيْرِهِ, وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ نَحْوُهُ2, وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا أَنَّهُ كَرِهَ الْهِمْيَانَ لِلْمُحْرِمِ3, يَعْنِي مَا لَا نَفَقَةَ فِيهِ.
وَلَا يَجُوزُ عَقْدُهُ إذَنْ, لِعَدَمِ الْحَاجَةِ. وَفِي رَوْضَةِ الْفِقْهِ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا: لَا يَعْقِدُ سُيُورَهُ, وَقِيلَ: لَا بَأْسَ, احْتِيَاطًا عَلَى النَّفَقَةِ. وَإِنْ كَانَ فِي الْمِنْطَقَةِ نَفَقَةٌ فَكَهِمْيَانٍ.
وَإِنْ لَبِسَهَا لِوَجَعٍ أَوْ حَاجَةٍ افْتَدَى, نَصَّ عَلَيْهِ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ رِوَايَةٌ: الْمِنْطَقَةُ كَهِمْيَانٍ, اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَابْنُ أَبِي مُوسَى وَابْنُ حَامِدٍ, وَذَكَرَ الشَّيْخُ, وَغَيْرُهُ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا النَّفَقَةُ وَعَدَمُهَا, وَإِلَّا فَهُمَا سَوَاءٌ, وَهُوَ أَظْهَرُ, وَقِيلَ: لَهُ شَدُّ وسطه بحبل وعمامة ونحوهما, وعند
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "نفتقه" وفي "ط" "تفقته".
2 رواه ابن أبي شيبة في مصنفه "4/50".
3 رواه ابن أبي شيبة في مصنفه "4/51".(5/427)
شَيْخِنَا: وَرِدَاءٌ لِحَاجَةٍ. وَيَحْمِلُ قِرْبَةَ الْمَاءِ وَلَا يُدْخِلُهُ فِي صَدْرِهِ. نَقَلَهُ صَالِحٌ, وَيَتَقَلَّدُ بِسَيْفٍ لِحَاجَةٍ "و" لِقَضِيَّةِ1 صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ, رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ2. وَلَا يَجُوزُ بِلَا حَاجَةٍ, نَقَلَ صَالِحٌ: إذَا خَافَ مِنْ عَدُوٍّ, وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ. لَا, إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ3.
قَالَ الشَّيْخُ: وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: لَا يَحْمِلُ الْمُحْرِمُ السِّلَاحَ فِي الْحَرَمِ4, قَالَ: وَالْقِيَاسُ إبَاحَتُهُ, لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى اللُّبْسِ.
وَلَوْ حَمَلَ قِرْبَةً فِي عُنُقِهِ لَمْ يَحْرُمْ وَلَا فِدْيَةَ, وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الْمُحْرِمِ يُلْقِي جِرَابَهُ فِي عُنُقِهِ كَهَيْئَةِ الْقِرْبَةِ فَقَالَ: أَرْجُو أَلَا بَأْسَ, كَذَا قَالَ الشَّيْخُ, وَظَاهِرُهُ يُبَاحُ عِنْدَهُ فِي الْحَرَمِ, وَعَنْ أَحْمَدَ: لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَقَلَّدَ بِسَيْفٍ بِلَا حَاجَةٍ, وَاخْتَارَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ, وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ الْمُرَادَ فِي غَيْرِ مَكَّةَ; لِأَنَّ حَمْلَ السِّلَاحِ بِهَا لَا يَجُوزُ إلَّا لِحَاجَةٍ "و" نَقَلَ الْأَثْرَمُ: لَا يَتَقَلَّدُهُ بِمَكَّةَ إلَّا لِخَوْفٍ, رَوَى مُسْلِمٌ5 عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: "لَا يَحِلُّ أَنْ يُحْمَلَ السِّلَاحُ بِمَكَّةَ" , وَإِنَّمَا مَنَعَ أَحْمَدُ مِنْ تَقْلِيدِ السَّيْفِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ; لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى اللُّبْسِ عِنْدَهُ, وَلِهَذَا نَقَلَ صَالِحٌ: يَحْمِلُ قِرْبَةَ الْمَاءِ وَلَا يُدْخِلُهُ فِي صَدْرِهِ, وَمِثْلُهَا جِرَابُهُ, وَإِنْ جَازَ فِيهِمَا; فَلِأَنَّهُمَا فِي مَعْنَى هِمْيَانِ النفقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س" "لقصة".
2 في صحيحه "1844".
3 في "س" "صورة".
4 رواه ابن أبي شيبة نشرة العمري ص "328".
5 في صحيحه "1356" 449".(5/428)
وَيَفْدِي بِطَرْحِ قَبَاءٍ وَنَحْوِهِ عَلَى كَتِفِهِ, نَصَّ عَلَيْهِ "اخْتَارَهُ" الْأَكْثَرُ "وم ش" لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ لُبْسِهِ لِلْمُحْرِمِ, رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ1 ورواه النجاد2 عَنْ عَلِيٍّ; وَلِأَنَّهُ مَخِيطٌ لُبْسُهُ3 "عَادَةً" كَالْقَمِيصِ.
وَعَنْهُ: إنْ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ فَدَى وَإِلَّا فَلَا, اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالتَّرْغِيبُ, وَرَجَّحَهُ فِي الْمُغْنِي4 وَغَيْرِهِ, لِمَا سَبَقَ فِي الْخُفِّ لِعَدَمِ نَعْلٍ, وَكَالْقَمِيصِ يَتَّشِحُ بِهِ وَرِدَاءٍ مُوصِلٍ. وَفِي الواضح: أو أدخل إحدى يديه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ورواه البيهقي في سننه "5/50" عن ابن عمر.
2 في الأصل و"ب" و"ط" "البخاري" والصواب ما أثبتناه كما في المبدع "3/145" وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "4/119" عن علي أنه قال: من اضطر إلى ثوب وهو محرم ولم يكن له إلا قباء فلينكسه يجعل أعلاه أسفله ثم ليليسه.
3 ليست في "ط".
4 "5/128".(5/429)
فصل: الطيب بالإجماع;
الخامس: الطيب بالإجماع; لأنه صلى الله عليه وسلم أَمَرَ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ بِغَسْلِ الطِّيبِ وَقَالَ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ: "لَا تُحَنِّطُوهُ" متفق عَلَيْهِمَا5 وَلِمُسْلِمٍ6 "لَا تُمِسُّوهُ بِطِيبٍ".
فَإِنْ طَيَّبَ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ نَصَّ عَلَيْهِ أَوْ ثَوْبِهِ أو مس منه ما يعلق به7
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
5 حديث يعلى تقدم ص "421" وحديث الذي وقصه راحلته تقدم ص "405 و 411".
6 في صحيحه "1206" "99".
7 في "س" "بيده".(5/429)
كَمَاءِ وَرْدٍ وَمِسْكٍ مَسْحُوقٍ. أَوْ لُبْسٍ أَوْ اسْتَعْمَلَ1 مَا صُبِغَ بِطِيبٍ أَوْ بُخِّرَ بِهِ أَوْ غُمِسَ فِي مَاءِ وَرْدٍ فَدَى.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ طَيَّبَ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ, قَالَ: وَإِنْ كَانَ رَطْبًا يَلِي بَدَنَهُ أَوْ يَابِسًا يُنْفَضُ عَلَيْهِ فَدَى وَإِلَّا فَلَا, أَوْ لَبِسَهُ مُبَخَّرًا بِعُودٍ أَوْ نِدٍّ2 فَلَا فِدْيَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ بِالطِّيبِ انْتِفَاعٌ مَا بِأَنْ غَسَلَهُ فِي الْحَالِ فَلَا فِدْيَةَ.
وَإِنْ قَصَدَ شَمَّ طِيبٍ كَعَنْبَرٍ وَكَافُورٍ وَزَعْفَرَانٍ وَوَرْسٍ وَمَاءٍ وَرْدٍ وَنَحْوِهَا بِأَنْ قَصَدَ الْعَطَّارَ أَوْ الْكَعْبَةَ حَالَ تَجْمِيرِهَا حَرُمَ وَفَدَى, نَصَّ عَلَيْهِ, كَمَا لَوْ بَاشَرَهُ.
وَفِي التَّعْلِيقِ وَالِانْتِصَارِ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ يُبَاحُ "وش" وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي حَمْلِ مَا فِيهِ مِسْكٌ لِيَشُمَّهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَقْصِدْ, وَالْفَرْقُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزَ.
وَإِنْ لَبِسَ ثَوْبًا مُطَيَّبًا يَفُوحُ رِيحُهُ بِرَشِّ مَاءٍ فَدَى, كَظُهُورِهِ بِنَفْسِهِ, وَكَذَا إنْ افْتَرَشَهُ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَلَوْ تَحْتَ حَائِلٍ غَيْرَ ثِيَابِ بَدَنِهِ لَا يَمْنَعُ رِيحَهُ وَمُبَاشَرَتَهُ, وَإِنْ مَنَعَ فَلَا, وَأَطْلَقَ الْآجُرِّيُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ كُرِهَ وَلَا فِدْيَةَ.
وَإِنْ طُيِّبَ بِإِذْنِهِ فَدَى, وَكَذَا إنْ اكْتَحَلَ به أو استعط أو احتقن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س" "انتقل".
2 الند: الطيب, أو العنبر القاموس "ندد".(5/430)
لِاسْتِعْمَالِهِ كَشَمِّهِ. وَإِنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ مَا فِيهِ طِيبٌ يَظْهَرُ رِيحُهُ فَدَى; لِأَنَّهَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَلَوْ طُبِخَ أَوْ مَسَّتْهُ النَّارُ "هـ م" لِبَقَاءِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ, وَإِنْ ذَهَبَتْ رَائِحَتُهُ وَبَقِيَ طَعْمُهُ فَدَى, نَصَّ عَلَيْهِ, اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ; لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى بَقَائِهَا وَقِيلَ: لَا, كَبَقَاءِ لَوْنِهِ فَقَطْ وَلَوْ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ "هـ م" 1لِبَقَاءِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ. وَإِنْ ذَهَبَتْ رَائِحَتُهُ وبقي طعمه فدى1. وَلِمُشْتَرِيهِ حَمْلُهُ وَتَقْلِيبُهُ إنْ لَمْ يَمَسَّهُ, ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ, وَلَوْ ظَهَرَ رِيحُهُ; لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ التَّطَيُّبَ وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ, وَيَتَوَجَّهُ, وَلَوْ عَلِقَ بِيَدِهِ, لِعَدَمِ الْقَصْدِ, وَلِحَاجَةِ التِّجَارَةِ.
وَعَنْ ابْنِ عَقِيلٍ: إنْ حَمَلَهُ مَعَ ظُهُورِ رِيحِهِ لَمْ يَجُزْ, وَإِلَّا جَازَ.
وَنَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُصْلَحُ لِلْعَطَّارِ بِحَمْلِهِ لِلتِّجَارَةِ إلَّا مَا لَا رِيحَ لَهُ.
وَلَهُ شَمُّ الْعُودِ "و" لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ التَّبْخِيرُ, وَالْفَوَاكِهِ كلها كأترج وتفاح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 1 ليست في الأصل و"ب" و"ط".(5/431)
"و" وَنَبَاتِ الصَّحْرَاءِ "و" كَشِيحٍ, وَمَا يُنْبِتُهُ آدَمِيٌّ لَا لِقَصْدِ الطِّيبِ كَحِنَّاءٍ وَعُصْفُرٍ "و" لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ, وَلَا يُتَّخَذُ مِنْهُ طِيبٌ, وَلَا يُسَمَّى مُتَطَيِّبًا عَادَةً, وَكَذَا قُرُنْفُلٌ وَدَارُ صِينِيِّ1 وَنَحْوُهُمَا.
وَلَهُ شَمُّ مَا لَا يُتَّخَذُ مِنْهُ طِيبٌ كَرَيْحَانٍ فَارِسِيٍّ وَنَمَّامٍ2 وَبَرَمٍ3 وَنَرْجِس وَمَرْزَجُوشٍ4, فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ, لِمَا سَبَقَ.
وَقَالَهُ عُثْمَانُ, وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَيَحْرُمُ فِي رِوَايَةٍ وَيَفْدِي, وَهُوَ أَصَحُّ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ, لِقَوْلِ جَابِرٍ: لَا يَشُمُّهُ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ5 وَغَيْرُهُ, وَكَرِهَهُ ابْنُ عُمَرَ6, قَالَهُ أَحْمَدُ وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ وَكَالْوَرْدِ, وَذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ: لَا فِدْيَةَ, وَأَنَّ قَوْلَ أَحْمَدَ: لَيْسَ مِنْ آلَةِ الْمُحْرِمِ7, للكراهة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 هو شحر صيني وأوراقه كالجوز وله أنواع مختلفة معرب عن دار شين "المعتمد في الأدوية المفردة" ص "145".
2 هو نبت طيب مدر سمي كذلك لسطوع رائحته لأنه يدل بها على نفسه يستعمله الناس في الأكلة "المعتمد" ص "527".
3 هو زهر أصفر طيب الرائحة لشجرة تسمى شجرة إبراهيم تكملة المعاجم العربية لدوزي "1/311".
4 نبات كثير الأغصان ينبسط على الأرض في نباته وله ورق مستدير واسمه بالعربية السمسق المعتمد في الأدوية ص "488".
5 في مسنده "1/312" وأخرجه ابن أبي شيبة نشرة العمري ص "360".
6 أخرجه ابن أبي شيبة نشرة العمري ص "360".
7 الريحان كما في الشرح الكبير "8/267".(5/432)
"وهـ م" وَذَكَرَ أَيْضًا رِوَايَةً: يَحْرُمُ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ "م 13".
وَكَذَا مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ طيب كورد وبنفسج وَلَيْنُوفَرٍ1 وَيَاسَمِينٍ وَهُوَ الَّذِي يُتَّخَذُ مِنْهُ الزَّنْبَقُ وَمَنْثُورٍ, فِي رِوَايَةٍ. وَفِي رِوَايَةٍ يَحْرُمُ وَيَفْدِي, اختاره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 13" قَوْلُهُ: وَلَهُ شَمُّ مَا لَا يُتَّخَذُ مِنْهُ طِيبٌ, كَرَيْحَانٍ فَارِسِيٍّ وَنَمَّامٍ وَبَرَمٍ وَنَرْجِس وَمَرْزَحُوشٍ, فِي رِوَايَةٍ, اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ وَيُحْرِمُ فِي رِوَايَةٍ وَيَفْدِي وَذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ: لَا فِدْيَةَ, وَأَنَّ قَوْلَ أَحْمَدَ: لَيْسَ مِنْ آلَةِ الْمُحْرِمِ, لِلْكَرَاهَةِ, وَذَكَرَ أَيْضًا رِوَايَةً: يَحْرُمُ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ, انْتَهَى. وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْبِدَايَةِ وَعُقُودِ ابْنِ الْبَنَّا وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي2 وَالْكَافِي3 وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ4 وَالْمُذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
إحْدَاهُمَا يُبَاحُ شَمُّهُ وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ, وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ" يَحْرُمُ شَمُّهُ, فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَصَحَّحَ فِي التَّصْحِيحِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي شَمِّ الرِّيحَانِ, وَأَوْجَبَ الْفِدْيَةَ فِي شَمِّ النِّرْجِسَ وَالْبُرَمَ "قُلْتُ": وَالْقَوْلُ بِالتَّفْرِقَةِ غَرِيبٌ, أَعْنِي التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الرَّيْحَانِ وَغَيْرِهِ.
"تَنْبِيهٌ": فِي إطْلَاقِهِ الْخِلَافَ مَعَ قَوْلِهِ عَنْ الرواية الأولى: اختاره الأصحاب" نظر,
__________
1 هو اسم فارسي معرب معناه أرياش الأجنحة نبات ينبت في الآجام والمياه القائمة له ورق كثير وزهر أبيض المعتمد في الأدوية ص "530".
2 "5/141".
3 "2/358".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/265".(5/433)
الْقَاضِي وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمَا, وَهِيَ أَظْهَرُ, كَمَاءِ وَرْدٍ "م 14"; وَلِأَنَّهُ يَنْبُتُ لِلطِّيبِ وَيُتَّخَذُ مِنْهُ, كَزَعْفَرَانٍ, وماء ريحان ونحوه كهو. وفي الفصول احتمال بِالْمَنْعِ كَمَا وَرَدَ, وَيَتَوَجَّهُ عَكْسُهُ "م 15" وَلَهُ الادهان بدهن لا طيب فيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
لِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ التَّرْجِيحُ حَتَّى يُطْلِقَ الْخِلَافَ, وَتَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ فِي الْمُقَدِّمَةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ "اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ" فسبق القلم, أو سقط من الناسخ.
"مَسْأَلَةٌ 14": قَوْلُهُ: وَكَذَا مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ طِيبٌ كَوَرْدٍ وَبَنَفْسَجٍ وَنَيْلُوفَرَ وَيَاسَمِينٍ وَهُوَ الَّذِي يُتَّخَذُ مِنْهُ الزِّئْبَقُ وَمَنْثُورٌ فِي رِوَايَةٍ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَحْرُمُ وَيَفْدِي, اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمَا, وَهِيَ أَظْهَرُ, كَمَاءِ وَرْدٍ, انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ والمستوعب والخلاصة والهادي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْمُذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
إحْدَاهُمَا لَيْسَ لَهُ شَمُّهُ, فَإِنْ فَعَلَ فَدَى, وَهُوَ الصَّحِيحُ, اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ, قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَهُوَ أَظْهَرُ, وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالْكَافِي1 وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ, وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُ, وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّا فِي عُقُودِهِ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَغَيْرُهُمَا.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ" لَهُ شَمُّهُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ, جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
"مَسْأَلَةٌ 15": قَوْلُهُ: وَمَاءُ رَيْحَانٍ وَنَحْوِهِ كَهُوَ, وَفِي الْفُصُولِ احْتِمَالٌ بِالْمَنْعِ كَمَاءِ وَرْدٍ, وَيَتَوَجَّهُ عَكْسُهُ, انْتَهَى. ذَكَرَ, الْمُصَنِّفُ فِي مَاءِ الرَّيْحَانِ وَنَحْوِهِ ثَلَاثَ طُرُقٍ, أَصَحُّهَا أَنَّهُ كَأَصْلِهِ, وَالْأَصْلُ أَطْلَقَ فِيهِ الْخِلَافَ, فَكَذَا يَكُونُ فِي مَائِهِ, وَقَدْ عَلِمْتَ الصَّحِيحَ فِي أَصْلِهِ, فَكَذَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِي مائه, والله أعلم.
__________
1 "2/358".(5/434)
كزيت وشيرج, نص عَلَيْهِ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ, رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ1 مِنْ رِوَايَةِ فَرْقَدٍ السِّنْجِيِّ, وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ, وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ2, وَلِعَدَمِ الدَّلِيلِ.
وَعَنْهُ: الْمَنْعُ وَيَفْدِي, ذَكَرَ القاضي أنه اختيار الخرقي "وهـ" كَالْمُطَيَّبِ; وَلِأَنَّهُمَا أَصْلُ الْأَدْهَانِ وَلَمْ يُكْتَسَبُ الدُّهْنُ إلَّا لِلرَّائِحَةِ وَلَا أَثَرَ لَهَا مُنْفَرِدَةً وَمَنَعَ الْقَاضِي ذَلِكَ, وَهُوَ وَاضِحٌ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَنْعَ لِلْكَرَاهَةِ وَلَا فِدْيَةَ, وَاقْتَصَرَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ عَلَى زَيْتٍ وَشَيْرَجٍ, وَقَاسَا الْجَوَازَ عَلَى سَمْنٍ, فَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ, وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ السَّمْنَ كَزَيْتٍ, وَذَكَرَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ الشَّحْمَ وَالْأَدْهَانُ مِثْلُهُ, وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ صُدِّعَ فَقَالُوا: أَلَا نَدْهُنُك بِالسَّمْنِ؟ قَالَ: لَا, قَالُوا: أَلَيْسَ تأكله؟ قال: ليس أكله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"تَنْبِيهَانِ": الْأَوَّلُ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ, وَتَابَعَ عَلَى ذَلِكَ أَبَا الْخَطَّابِ وَصَاحِبَ الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالْمُذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ, وَحَكَى الشَّيْخُ فِي الْكَافِي3: في الريحان الفارسي الروايتين. ثُمَّ قَالَ: فِي سَائِرِ النَّبَاتِ الطَّيِّبِ الرَّائِحَةُ الَّذِي لَا يُتَّخَذُ مِنْهُ طِيبٌ وَجْهَانِ قِيَاسًا عَلَى الرَّيْحَانِ, وَقَدَّمَ ابْنُ رَزِينٍ أَنَّ جَمِيعَ الْقِسْمَيْنِ فِيهِ وَجْهَانِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ فِي الْجَمِيعِ رِوَايَتَانِ, انْتَهَى. فَتُلَخَّصُ لِلْأَصْحَابِ فِي حكاية الخلاف ثلاث طرق, والله أعلم
__________
1 المسند "4783" والترمذي "962" وابن ماجه "3083".
2 في صحيحه قبل الحديث "1537".
3 "2/356".(5/435)
كَأَدْهَانٍ بِهِ1 وَعَنْ مُجَاهِدٍ: إنْ تَدَاوَى بِهِ فَدَى, قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: وَالرِّوَايَتَانِ فِي رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْبَدَنِ شَيْئًا. وَخَصَّ الشَّيْخُ الْخِلَافَ بِالرَّأْسِ; لِأَنَّهُ مَحَلُّ الشَّعْرِ, فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ, وَالْوَجْهُ كَالشَّافِعِيَّةِ; وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا "هُمَا" فِي دَهْنِ شَعْرِهِ, وَفِي الْوَاضِحِ رِوَايَةُ لَا فِدْيَةَ بِادِّهَانِهِ بِدُهْنٍ فِيهِ طِيبٌ, لِعَدَمِ قَصْدِهِ, وَفِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ: يَحْرُمُ شَمُّ دُهْنٍ مُطَيَّبٍ وَأَكْلُهُ مَعَ ظُهُورِ رِيحِهِ أَوْ طَعْمِهِ, وَفِي غَيْرِ مُطَيَّبٍ رِوَايَتَانِ كَذَا قَالَ.
وَيُقَدَّمُ غَسْلُ طِيبٍ عَلَى نَجَاسَةٍ يَتَيَمَّمُ لَهَا.
وَفْدِيَّةُ تَغْطِيَةٍ وَلِبَاسٍ وَطِيبٍ كَحَلْقٍ وَمَنْ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ فَعَلَهُ وَقْتَ حَاجَتِهِ فَقَطْ وَفَدَى, كَحَلْقٍ لِعُذْرٍ, وَمَنْ بِهِ شَيْءٌ لَا يُحِبُّ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ أَحَدٌ لَبِسَ وَفَدَى, نَصَّ عَلَيْهِ, وَلَا يَحْرُمُ دَلَالَةً عَلَى طِيبٍ وَلِبَاسٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُمَا; لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالسَّبَبِ; ولأنه لا يتعلق بهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"الثَّانِي" قَوْلُهُ فِي الِادِّهَانِ بِدُهْنٍ لَا طِيبَ فِيهِ: قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: الرِّوَايَتَانِ فِي رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ وَخَصَّ الشَّيْخُ الْخِلَافَ بِالرَّأْسِ; لِأَنَّهُ مَحَلُّ الشعر, فكان ينبغي أَنْ يَقُولَ: وَالْوَجْهُ انْتَهَى. طَرِيقَةُ الْقَاضِي عَلَيْهَا الْأَكْثَرُ, كَالشَّيْخِ فِي الْكَافِي2 وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ والرعايتين والحاويين والفائق وغيرهم,
__________
1 لم نجده بهذا اللفظ لكن أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه نشرة العمري ص "115" عن ابن عمر أنه كره أن يداوي المحرم يده بالدسم.
2 "2/256".(5/436)
حُكْمٌ مُخْتَصٌّ, وَالدَّلَالَةُ عَلَى الصَّيْدِ يَتَعَلَّقُ بِهَا حكم مختص, وهو تحريم الأكل والإثم.(5/437)
فصل: فإن تزوج أو زوج محرمة
"السَّادِسُ" النِّكَاحُ, فَإِنْ تَزَوَّجَ أَوْ زَوَّجَ مُحْرِمَةً أَوْ كَانَ وَلِيًّا أَوْ وَكِيلًا لَمْ يَصِحَّ, نقله الجماعة "وم ش" تَعَمَّدَ أَوْ لَا. لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ1 عَنْ عُثْمَانَ مَرْفُوعًا "لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا ينكح ولا يخطب" ولمالك وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي دَاوُد2 أَنَّ عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَرْسَلَ إلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَأَبَانُ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْحَاجِّ وَهُمَا مُحْرِمَانِ: إنِّي قَدْ أَرَدْت أَنْ أُنْكِحَ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ بِنْتَ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرٍ, وَأَرَدْت أَنْ تَحْضُرَ. فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَقَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ وَلَا يَخْطِبُ".
وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ "لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ وَلَا يَخْطِبُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ" رَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ, وَرَفَعَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3.
وَلِأَحْمَدَ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْهُ4: أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَقَالَ: لَا تَتَزَوَّجْهَا وَأَنْتَ مُحْرِمٌ, نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ. وَلِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ5 أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهُوَ مُحْرِمٌ فَرَدَّ عُمَرُ نِكَاحَهُ, وَعَنْ عَلِيٍّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَطَرِيقَةُ الشَّيْخِ تَابَعَهُ عَلَيْهَا الشَّارِحُ وَابْنُ مُنَجَّى وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ, وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إطْلَاقُ الْخِلَافِ في محل الروايتين
__________
1 في صحيحه "1409" "41".
2 الموطأ "1/349" مسند الشافعي "1/316" وأبو داود "1841".
3 الموطأ "1/349" ومسند الشافعي "1/316" وسنن الدارقطني "3/261".
4 المسند "5958" وسنن الدارقطني "3/260".
5 الموطأ "1/349" مسند الشافعي "1/316".(5/437)
وَزَيْدٍ مَعْنَاهُ, رَوَاهُمَا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ1; وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ الْوَطْءَ وَدَوَاعِيَهُ, فَمَنَعَ عَقْدُ النِّكَاحِ كَالْعِدَّةِ; وَلِأَنَّ الْعَقْدَ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ, فَمَنَعَهُ الْإِحْرَامُ, كَالطِّيبِ, أَوْ عَقْدٌ لَا يَتَعَقَّبُهُ اسْتِمْتَاعٌ, كَالْمُعْتَدَّةِ.
وَأَجَازَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ, لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ, مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2 وَلِلْبُخَارِيِّ3: وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَمَاتَتْ بِسَرِفٍ. وَلِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيُّ4: وَهُمَا مُحْرِمَانِ. وَالْجَوَابُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ5 عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا حَلَالًا وَبَنَى بِهَا حَلَالًا وَمَاتَتْ بِسَرِفٍ إسْنَادُهُ جَيِّدٌ, رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَالتِّرْمِذِيُّ6 وَقَالَ: غَرِيبٌ, رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ مُرْسَلًا, وَكَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ7.
وَلِمُسْلِمٍ8 عَنْهُ عَنْ مَيْمُونَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ قَالَ: وَكَانَتْ خَالَتِي وَخَالَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَلِأَبِي دَاوُد9: تَزَوَّجَنِي ونحن حلالان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ورواهما البيهقي "5/66".
2 البخاري "1837" ومسلم "1410" "46".
3 في صحيحه "4258".
4 المسند "2200" والنسائي في المجتبى "5/191".
5 هو أبو عوف يزيد بن عمرو بن عبيد الأصم لقب وأمه برزة بنت الحارث أخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم "ت 103هـ" الإصابة في تمييز الصحابة "1/379" وأسد الغابة "5/477".
6 أحمد "26828" الترمذي "845".
7 في مسنده "1/317".
8 في صحيحه "1411".
9 في سننه "1843".(5/438)
بِسَرِفٍ, وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ حَلَالًا وَبَنَى بِهَا حَلَالًا وَكُنْت الرَّسُولَ بَيْنَهُمَا إسْنَادُهُ جَيِّدٌ, رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ1 وَحَسَّنَهُ وَقَالَا: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ غَيْرَ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مَطَرِ بْنِ رَبِيعَةَ.
وَلِمَالِكٍ2 عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ مُرْسَلًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا رَافِعٍ مَوْلَاهُ وَرَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَزَوَّجَاهُ مَيْمُونَةَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ, وَكَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ, وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَهِلَ. وَقَالَ أَيْضًا: أَوْهَمَ, رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ3, أَيْ ذَهَبَ وَهْمُهُ إلَى ذَلِكَ, وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَا بِمَعْنَى غَلِطَ وَسَهَا, يُقَالُ وَهِلَ فِي الشَّيْءِ وَعَنْ الشَّيْءِ يَوْهَلُ وَهَلًا بِالتَّحْرِيكِ. وَلِلْبُخَارِيِّ4 وَأَبِي دَاوُد5 هَذَا الْمَعْنَى, عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ, وَهَذَا يَدُلُّ "عَلَى" أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ خَطَأٌ, وَكَذَا نَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ خَطَأٌ, ثُمَّ قِصَّةُ مَيْمُونَةَ مُخْتَلِفَةٌ, كَمَا سَبَقَ, فَيَتَعَارَضُ ذَلِكَ, وَمَا سَبَقَ لَا مُعَارِضَ لَهُ, ثُمَّ رِوَايَةُ الْحِلِّ أَوْلَى; لِأَنَّهُ أَكْثَرُ, وَفِيهَا صَاحِبُ الْقِصَّةِ وَالسَّفِيرُ فِيهَا, وَلَا مَطْعَنَ فِيهَا, وَيُوَافِقُهَا مَا سَبَقَ, وَفِيهَا زِيَادَةٌ, مَعَ صِغَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ إذَنْ, وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنْ ظَهَرَ تَزْوِيجُهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ, أَوْ فِعْلُهُ خَاصٌّ بِهِ, وعليه عمل الخلفاء الراشدين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أحمد "27197" الترمذي "841".
2 في الموطأ "348".
3 في مسنده "1/317 – 318".
4 لم نجده في مظانه.
5 في سننه "1845".(5/439)
قَالَ أَحْمَدُ فِيمَا سَبَقَ1 عَنْ عُمَرَ: وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ لَا يُنْكِرُونَهُ.
وَعَقْدُ النِّكَاحِ يُرَادُ بِهِ الْوَطْءُ غَالِبًا, وَيَحْرُمُ بِالْعِدَّةِ وَالرِّدَّةِ وَاخْتِلَافِ الدِّينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ, بِخِلَافِ شِرَاءِ الْأَمَةِ, فَافْتَرَقَا, وَيُعْتَبَرُ حَالَةَ عَقْدِ النِّكَاحِ, فَإِنْ وَكَّلَ مُحْرِمٌ حَلَالًا فِيهِ فَعَقَدَهُ بَعْدَ حِلِّهِ, صَحَّ فِي الْأَشْهَرِ, وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ, فَإِنْ وَكَّلَ ثُمَّ أَحْرَمَ لَمْ يَنْعَزِلْ وَكِيلُهُ, فِي الْأَصَحِّ فَإِذَا حَلَّ فَلِوَكِيلِهِ عَقْدُهُ لَهُ. فِي الْأَقْيَسِ وَإِنْ قَالَ: عُقِدَ قَبْلَ إحْرَامِي, قُبِلَ قَوْلُهُ.
وَكَذَا إنْ عَكَسَ; لِأَنَّهُ يَمْلِكُ فَسْخَهُ فَيَمْلِكُ إقْرَارَهُ بِهِ, لَكِنْ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الْمَهْرِ, وَيَصِحُّ مَعَ جَهْلِهِمَا وُقُوعُهُ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ تَعَاطِي الصَّحِيحَ, وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي تَزْوِيجِ مُعْتَدَّةٍ فَفَرَغَتْ فَعَقَدَهُ "لَهُ" فَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَصِحَّ, وَلَوْ قَالَ تَزَوَّجْتُ وَقَدْ حَلَلْتُ قَالَتْ: بَلْ مُحْرِمَةٌ, صُدِّقَ, وَتُصَدَّقُ هِيَ فِي نَظِيرِهَا فِي الْعِدَّةِ; لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ, ذَكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ وَعَنْ أَحْمَدَ: إنْ زَوَّجَ الْمُحْرِمُ غَيْرَهُ صَحَّ; لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِإِبَاحَةِ مَحْظُورٍ لحلال, فلم يمنعه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ص "437".(5/440)
الْإِحْرَامُ, كَحَلْقِهِ رَأْسَ حَلَالٍ, وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ, وَهُوَ نِكَاحٌ فَاسِدٌ يَأْتِي "إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى" آخِرَ الصَّدَاقِ1.
وَإِنْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ فَفِي التَّعْلِيقِ: لَمْ يَجُزْ أَنْ يُزَوِّجَ, وَيُزَوِّجُ خُلَفَاؤُهُ, ثُمَّ سَلَّمَهُ; لِأَنَّهُ يَجُوزُ بِوِلَايَةِ الْحُكْمِ مَا لَا يَجُوزُ بِوِلَايَةِ النَّسَبِ, لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَ الْكَافِرُ وَلَا يَجُوزُ بِوِلَايَةِ النَّسَبِ, وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ احْتِمَالَيْنِ: الْمَنْعُ وَعَدَمُهُ, لِلْحَرَجِ; لِأَنَّ الْحُكَّامَ إنَّمَا يُزَوِّجُونَ بِإِذْنِهِ وَوِلَايَتِهِ. وَاخْتَارَ هُوَ الْجَوَازَ, لِحِلِّهِ حَالَ وِلَايَتِهِ, وَالِاسْتِدَامَةُ أَقْوَى; لِأَنَّ الْإِمَامَةَ لَا تَبْطُلُ بِفِسْقٍ طَرَأَ, وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنْ أَحْرَمَ نَائِبُهُ كَهُوَ "م 16" وَفِي إبَاحَةِ الرَّجْعَةِ فِيهِ وَصِحَّتِهَا رِوَايَتَانِ: الْمَنْعُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ كَالنِّكَاحِ وَالْإِبَاحَةُ, اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وجماعة "م 17" "وم ش" لأنها إمساك; ولأنها مُبَاحَةٌ, فَلَا إحْلَالَ, وَلَوْ حَرُمَتْ فَلَا مَانِعَ, كالتكفير للمظاهر, وأجاب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 16" قَوْلُهُ: وَإِنْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ فَفِي التَّعْلِيقِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُزَوِّجَ, وَيُزَوِّجُ خُلَفَاؤُهُ, ثُمَّ سَلَّمَهُ وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ احْتِمَالَيْنِ: الْمَنْعُ وَعَدَمُهُ, لِلْحَرَجِ; لِأَنَّ الْحُكَّامَ إنَّمَا يُزَوِّجُونَ بِإِذْنِهِ وَوِلَايَتِهِ, وَاخْتَارَ هُوَ الْجَوَازَ لِحِلِّهِ حَالَ وِلَايَتِهِ, وَالِاسْتِدَامَةُ أَقْوَى وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنْ أَحْرَمَ نَائِبُهُ كَهُوَ, انْتَهَى. اقْتَصَرَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ2 عَلَى حِكَايَةِ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ: وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَنَائِبِهِ أَنْ يُزَوِّجَ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ, انْتَهَى. "قُلْتُ": ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ عَدَمُ الصِّحَّةِ مِنْهُمَا, كَغَيْرِهَا, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
"مَسْأَلَةٌ 17": قَوْلُهُ: وَفِي إبَاحَةِ الرَّجْعَةِ "فِيهِ" وَصِحَّتِهَا رِوَايَتَانِ: الْمَنْعُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ كالنكاح والإباحة, اختاره الخرقي وجماعة,
__________
1 "8/313".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/328".(5/441)
الْقَاضِي بِأَنَّهَا أَبَاحَتْ الْوَطْءَ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْعِدَّةِ, وَالتَّكْفِيرُ لَيْسَ بِعَقْدٍ, وَلَيْسَ الْقَصْدُ بِالْكَفَّارَةِ حِلَّ الْوَطْءِ; لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ ثُمَّ وَطِئَ أَوْ مَاتَتْ كَفَّرَ وَالْكَفَّارَةُ تَجُوزُ فِي حَالَةٍ لَا يَجُوزُ فِيهَا عَقْدُ النِّكَاحِ, كَتَكْفِيرِ مَنْ ظَاهَرَ مِنْ إحْدَى نِسَائِهِ الْأَرْبَعِ أَوْ زَوْجَتِهِ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ.
وَتُكْرَهُ خِطْبَةُ الْمُحْرِمِ كَخُطْبَةِ الْعَقْدِ وشهوده, وحرمها ابن عقيل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْإِرْشَادِ1 وَالْهِدَايَةِ وَالْمُبْهِجِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمْ, ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ وَأَطْلَقَهُمَا هُنَا فِي الْمُقْنِعِ2 وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرِهِمْ.
"أَحَدُهُمَا" يُبَاحُ وَيَصِحُّ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ, وَصَحَّحَهُ فِي الْبِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعَبِ هُنَا وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ الْكُبْرَى وَالتَّصْحِيحِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ, قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: عَلَيْهَا الْجُمْهُورُ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ, وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي3 وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ" الْمَنْعُ وَعَدَمُ الصِّحَّةِ, نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ, وَنَصَرَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ, قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَصِحُّ, عَلَى الْمَشْهُورِ, قَالَ فِي الْإِيضَاحِ: وَهِيَ أَصَحُّ, وَنَصَرَهَا فِي الْمُبْهِجِ, قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَهِيَ أَشْهَرُ عَنْ أَحْمَدَ.
"تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ: "لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ ثُمَّ وَطِئَ أَوْ مَاتَتْ كَفَّرَ" قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ وَلَعَلَّهُ لَوْ عَزَمَ أَوْ وَطِئَ ثُمَّ مَاتَتْ كفر
__________
1 ص "176".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/328".
3 "2/348".(5/442)
لِتَحْرِيمِ دَوَاعِي الْجِمَاعِ وَأَطْلَقَ أَبُو الْفَرَجِ تَحْرِيمَ الْخِطْبَةِ, وَتُكْرَهُ شَهَادَتُهُ فِيهِ, وَحَرَّمَهَا ابْنُ عَقِيلٍ, وَقَدَّمَهُ الْقَاضِي وَاحْتَجَّ بِنَقْلِ حَنْبَلٍ: لَا يَخْطِبُ, قَالَ: وَمَعْنَاهُ: لَا يَشْهَدُ النِّكَاحَ, ثُمَّ سَلَّمَهُ, كَالْمُصَلِّي يَشْهَدُ النِّكَاحَ وَالْمُحْرِمِ يَشْهَدُ شِرَاءَ الصَّيْدِ وَلَا يَعْقِدَانِ, وَلَا فِعْلَ لِلشَّاهِدِ فِي الْعَقْدِ, أَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الْخَبَرِ: "وَلَا يَشْهَدُ" فَلَا تَصِحُّ. وَفِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا: يُكْرَهُ, لِمُحِلٍّ خِطْبَةِ مُحْرِمَةٍ, وَإِنَّ فِي كَرَاهَةِ شَهَادَتِهِ "فِيهِ" وَجْهَيْنِ:, كَذَا قَالَ, وَلَا فِدْيَةَ بِمَا سَبَقَ كَشِرَاءِ الصَّيْدِ.
وَيَصِحُّ شِرَاءُ أَمَةٍ لِوَطْءٍ وَغَيْرِهِ, لِمَا سَبَقَ, قَالَ الشَّيْخُ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا.(5/443)
فصل: الْوَطْءُ فِي قُبُلٍ يَفْسُدُ بِهِ النُّسُكُ فِي الجملة إجماعا.
السَّابِعُ: الْوَطْءُ فِي قُبُلٍ يَفْسُدُ بِهِ النُّسُكُ فِي الْجُمْلَةِ إجْمَاعًا. فِي الْمُوَطَّإِ1: بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا وَأَبَا هُرَيْرَةَ سُئِلُوا عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ أَهْلَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالُوا: يَنْفُذَانِ لِوَجْهِهِمَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا ثُمَّ عَلَيْهِمَا حَجٌّ قَابِلٌ وَالْهَدْيُ. قَالَ: وَقَالَ عَلِيٌّ: وَإِذَا أَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ تَفَرَّقَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا وَفِيهِ2 أَيْضًا وَهُوَ صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وَقَعَ بِأَهْلِهِ وَهُوَ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ, فَأَمَرَهُ بِنَحْرِ بَدَنَةٍ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: لَا أَظُنُّهُ إلَّا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الَّذِي يُصِيبُ أَهْلَهُ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ يَعْتَمِرُ وَيُهْدِي3 وَرَوَاهُ النَّجَّادُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْهُ, وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ4 أَنَّ رَجُلًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 الموطأ "1/381".
2 يعني الموطأ "1/384".
3 الموطا "1/384".
4 في سننه "2/272" عن ابن عباس.(5/443)
أَتَى أَهْلَهُ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ يَوْمَ النَّحْرِ, قَالَ: يَنْحَرُ جَزُورًا بَيْنَهُمَا وَلَهُ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ1 إلَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَسْأَلُهُ عَنْ مُحْرِمٍ وَقَعَ بِامْرَأَةٍ, فَأَشَارَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ: اذْهَبْ إلَى ذَلِكَ وَاسْأَلْهُ, قَالَ شُعَيْبٌ فَلَمْ يَعْرِفْهُ الرَّجُلُ, فَذَهَبْتُ مَعَهُ, فَسَأَلَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: بَطَلَ حَجُّك. قَالَ الرَّجُلُ: أَفَأَقْعُدُ؟ قَالَ: لَا. بَلْ تَخْرُجُ مَعَ النَّاسِ وَتَصْنَعُ مَا يَصْنَعُونَ, فَإِذَا أَدْرَكْتَ قَابِلَ حُجَّ وَأَهْدِ. فَرَجَعَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْبَرَهُ, ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَاسْأَلْهُ. قَالَ شُعَيْبٌ: فَذَهَبْتُ مَعَهُ, فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ, فَرَجَعَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْبَرَهُ, ثُمَّ قَالَ: مَا تَقُولُ أَنْتَ؟ قَالَ: أَقُولُ مِثْلَ مَا قَالَا وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَزَادَ: وَحُلَّ إذَا حَلُّوا, فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ فَاحْجُجْ أَنْتَ وَامْرَأَتُك وَأَهْدَيَا هَدْيًا, فَإِنْ لَمْ تَجِدَا فَصُومَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعْتُمَا وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَيَتَفَرَّقَانِ مِنْ حَيْثُ يُحْرِمَانِ حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبَ حَدِيثُهُ حَسَنٌ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: رَأَيْتُ عَلِيًّا وَأَحْمَدَ وَالْحُمَيْدِيَّ وَإِسْحَاقَ يَحْتَجُّونَ بِهِ, قِيلَ لَهُ: فَمَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ مَاذَا يَقُولُ؟ قَالَ: يَقُولُونَ أَكْثَرَ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ ونحو هذا2, وسبق في زكاة العسل3.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في سننه "3/50 – 51".
2 انظر سنن الدارقطني "3/51".
3 "4/121 – 122".(5/444)
وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ"1 قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِيهِ ثُمَّ يَحْجُجَانِ مِنْ قَابِلٍ وَيُحْرِمَانِ مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَا وَيَتَفَرَّقَانِ وَيُهْدِيَانِ جَزُورًا وَرَوَاهُ أَيْضًا1" مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ: عَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ ثُمَّ يَفْتَرِقَانِ مِنْ حَيْثُ يُحْرِمَانِ وَلَا يَجْتَمِعَانِ حَتَّى يَقْضِيَا نُسُكَهُمَا وَعَلَيْهِمَا الْهَدْيُ.
وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ السُّلَمِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلًا جَامَعَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا مُحْرِمَانِ فَسَأَلَ الرَّجُلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمَا: "أَتِمَّا حَجَّكُمَا ثُمَّ ارْجِعَا وَعَلَيْكُمَا حَجَّةٌ أُخْرَى قَابِلَ حَتَّى إذَا كُنْتُمَا فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَصَبْتهَا فِيهِ فَأَحْرِمَا وَتَفَرَّقَا وَلَا يُؤَاكِلْ وَاحِدٌ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ ثُمَّ أَتِمَّا مَنَاسِكَكُمَا وَأَهْدَيَا" 2 رِوَايَةُ الْعَبَادِلَةِ كَابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ صَحِيحَةٌ عِنْدَ عَبْدِ الْغَنِيّ بْنِ سَعِيدٍ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يَعْتَبِرُ بِذَلِكَ, وَبَعْضُهُمْ يُضَعِّفُهَا, وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ وَسُئِلَ عَنْ الْمُحْرِمِ يَأْتِي امْرَأَتَهُ؟ قَالَ: كَانَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ فَقَالَ: يَمْضِيَانِ بِحَجِّهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَجِّهِمَا ثُمَّ يَرْجِعَانِ حَلَالًا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ, حَتَّى إذَا كَانَ مِنْ قَابِلٍ حَجًّا وَأَهْدَيَا, وَتَفَرَّقَا مِنْ حَيْثُ أَصَابَهَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا. وَرَوَى مَعْنَاهُ سَعِيدٌ وَالْأَثْرَمُ عَنْهُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ3.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ورواه البيهقي في السنن الكبرى "5/168".
2 لم نقف على من خرجه من هذا الطريق لكن أورده الزيلعي في نصب الراية "3/125" نقلا عن ابن القطان فانظره.
3 ورواه البيهقي في السنن الكبرى "5/167".(5/445)
وَيَفْسُدُ النُّسُكُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وَلَوْ بَعْدَ الْوُقُوفِ, نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ "وم ش" وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يَفْسُدُ بَعْدَهُ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ. لَنَا أَنَّ مَا سَبَقَ مُطْلَقٌ; وَلِأَنَّهُ "إنَّمَا" صَادَفَ إحْرَامًا تَامًّا, كَقَبْلِ الْوُقُوفِ, وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَمَّنْ وَقَفَ: "بِعَرَفَةَ تَمَّ حَجُّهُ" 1 يَعْنِي قَارَبَهُ, لبقاء طواف الزيارة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه أبو داود "1950" الترمذي "891" والنسائي في المجتبى "5/263" وابن ماجه "3016" عن عروة بن مضرس الطائي.(5/446)
وَلَا يَلْزَمُ مِنْ أَمْنِ الْفَوَاتِ أَمْنُ الْفَسَادِ, بِدَلِيلِ الْعُمْرَةِ, وَإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ مِنْ الْجُمُعَةِ, وَنِيَّةِ الصَّوْمِ قَبْلَ الزَّوَالِ.
وَوَطْءُ امْرَأَةٍ فِي الدُّبُرِ وَاللِّوَاطُ وَبَهِيمَةٍ كَالْقُبُلِ "وم ش" لِوُجُوبِ الْحَدِّ وَالْغُسْلِ كَالْقُبُلِ, وَخَرَّجَ بَعْضُهُمْ: لَا يَفْسُدُ بِوَطْءِ بَهِيمَةٍ مِنْ عَدَمِ الْحَدِّ, وَأَطْلَقَ الْحَلْوَانِيُّ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا لَا يَفْسُدُ وَعَلَيْهِ شَاةٌ, وَلَنَا خِلَافٌ فِي الْحَدِّ بِذَلِكَ.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يَفْسُدُ; لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ, وَعَنْهُ كَقَوْلِنَا.
وَالنَّاسِي وَالْجَاهِلُ وَالْمُكْرَهُ وَنَحْوُهُ كَغَيْرِهِ, نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ "وهـ م" لِمَا سَبَقَ عَنْ الصَّحَابَةِ, وَفِيهِ نَظَرٌ; وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ يَجِبُ بِهِ الْقَضَاءُ, كَالْفَوَاتِ "وَفِيهِ نَظَرٌ"; لِأَنَّهُ تَرْكُ رُكْنٍ فَأَفْسَدَ, وَالْوَطْءُ فِعْلٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ, وَقَاسُوا عَلَى الصَّلَاةِ; لِأَنَّ حَالَاتِ الْإِحْرَامِ مُدْرَكَةٌ, كَحَالَاتِهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ. وَفِيهِ نَظَرٌ, لِتَرْكِ شَرْطِهَا. وَفِي الْفُصُولِ رِوَايَةٌ: لَا يَفْسُدُ, اخْتَارَهُ شَيْخُنَا وَأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ, وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَجَدِيدُ1 قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ, وَتَجِبُ به بدنة, نص عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 عطف على "متجه" يعني وهو جديد قولي الشافعي.(5/447)
لِمَا سَبَقَ عَنْ الصَّحَابَةِ, وَكَسَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ "وم ش" وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: قَبْلَ الْوُقُوفِ شَاةٌ, وَبَعْدَهُ بَدَنَةٌ, وَالْقَارِنُ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ, نَصَّ عَلَيْهِ "وم ش" لِإِطْلَاقِ مَا سَبَقَ, وَكَالْمُفْرِدِ وَكَسَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ; وَلِأَنَّهُ إحْرَامٌ وَاحِدٌ, فَتَدَاخَلَتْ الْكَفَّارَةُ, كَحُرْمَةِ الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ. وَعَنْهُ: وَشَاةٌ لِلْعُمْرَةِ إنْ لَزِمَهُ طَوَافَانِ وَسَعَيَانِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: إنْ وَطِئَ قَبْلَ فَوَاتِ الْعُمْرَةِ فَسَدَتْ, وَعَلَيْهِ شَاةٌ لَهَا وَشَاةٌ لِلْحَجِّ, وَبَعْدَ طَوَافِهَا لَا تَفْسُدُ, بَلْ حَجَّةٌ وَعَلَيْهِ دَمٌ. قَالَ الْقَاضِي: وَيَتَخَرَّجُ مِثْلُ هَذَا عَلَى رِوَايَتِنَا: عَلَيْهِ طَوَافَانِ وَسَعَيَانِ, كَذَا قَالَ.
وَالْمَرْأَةُ الْمُطَاوِعَةُ كَالرَّجُلِ, لِوُجُودِ الْجِمَاعِ مِنْهُمَا, بِدَلِيلِ الْحَدِّ; وَلِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ, كَمَا لَوْ قَتَلَا رَجُلًا أَوْ حَلَفَ لَا يَطَؤُهَا وَحَلَفَتْ مِثْلَ ذَلِكَ فَوَطِئَهَا, نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ "وهـ م" وَدَاوُد, وَكَنَفَقَةِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُطَاوِعَةِ; وَلِأَنَّهُ آكَدُ مِنْ الصَّوْمِ, وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُمَا هَدْيٌ وَاحِدٌ "وش" لِأَنَّهُ جِمَاعٌ وَاحِدٌ, وَسَبَقَ كَلَامُ الصَّحَابَةِ.
وَعَنْهُ: لَا فِدْيَةَ عَلَيْهَا; لِأَنَّهُ لَا وَطْءَ مِنْهَا, ذَكَرَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ, وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ, كَالصَّوْمِ, وَلَا فِدْيَةَ عَلَى مُكْرَهَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ, كَالصَّوْمِ; وَلِأَنَّ الْمُكْرَهَ لَا يُضَافُ الْفِعْلُ إلَيْهِ. وَعَنْهُ: بَلَى "وهـ" كَمُطَاوِعَةٍ, وَعَنْهُ: يَفْدِي عَنْهَا الْوَاطِئُ, لِأَنَّ الْإِفْسَادَ مِنْهُ "وم" كَإِفْسَادِ حَجِّهِ, وَكَنَفَقَةِ الْقَضَاءِ.
نَقَلَ الْأَثْرَمُ: عَلَى الزَّوْجِ حَمْلُهَا وَلَوْ طَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ وَيُجْبَرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(5/448)
الزَّوْجُ الثَّانِي عَلَى أَنْ يَدَعَهَا. وَفِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ الرِّوَايَةُ الَّتِي فِي الْمُكْرَهَةِ عَلَى الْوَطْءِ فِي الصَّوْمِ تُكَفِّرُ وَتَرْجِعُ بِهَا عَلَى الزَّوْجِ; لِأَنَّهُ الْمُلْجِئُ لَهَا إلَى ذَلِكَ, كَمَا قُلْنَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنَفَقَةِ الْقَضَاءِ فِي الْحَجِّ, وَكَمَا قُلْنَا فِي مُحْرِمٍ حُلِقَ رَأْسَهُ مُكْرَهًا أَوْ نَائِمًا: إنَّ الْفِدْيَةَ عَلَى الْحَالِقِ, كَذَا قَالَ, وَقَدْ عُرِفَ الْكَلَامُ فِيهِ, فَتَتَوَجَّهُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ هُنَا. وَفِي الرَّوْضَةِ: الْمُكْرَهَةُ يَفْسُدُ صَوْمُهَا وَلَا تَلْزَمُهَا كَفَّارَةٌ وَلَا يَفْسُدُ حَجُّهَا وَعَلَيْهَا بَدَنَةٌ, كَذَا قَالَ.
وَيَلْزَمُهُمَا1 الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ, وَحُكْمُهُ كَإِحْرَامٍ صَحِيحٍ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ, وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَنْ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ, وَنُصِبَ الْخِلَافُ مَعَ دَاوُد, وَذَكَرَ الشَّيْخُ عَنْ الْحَسَنِ وَمَالِكٍ: يَجْعَلُ الْحَجَّةَ عُمْرَةً.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إبْرَاهِيمَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَعْتَمِرَ مِنْ التَّنْعِيمِ, وَإِلَيْهِ يَذْهَبُ مَالِكٌ. لَنَا ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَمَا سَبَقَ مِنْ السُّنَّةِ, وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" 2 الْحَجُّ عَلَيْهِ أَمْرُهُ, وَالْوَطْءُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ, فَهُوَ مَرْدُودٌ, وَيَلْزَمُهُمَا قَضَاؤُهُ إنْ كَانَ فَرْضًا, وَتُجْزِئُهُ الْحَجَّةُ مِنْ قَابِلٍ; لِأَنَّ الْقَضَاءَ يُجْزِئُ عَمَّا يُجْزِئُ عَنْهُ الْأَوَّلُ لَوْ لَمْ يُفْسِدْهُ, لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ, وَقِيلَ لِأَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ: أَيَّتُهُمَا حَجَّةُ الْفَرِيضَةِ؟ الَّتِي أَفْسَدَ أَوْ التي قضى؟ قال: لا أدري.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س" و"ط" "يلزمهما".
2 تقدم تخريجه ص "385".(5/449)
وَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ النَّفْلِ, نَصَّ عَلَيْهِ "و" وَجَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ, لِإِطْلَاقِ مَا سَبَقَ مِنْ السُّنَّةِ, وَلِوُجُوبِهِ بِدُخُولِهِ فِي الْإِحْرَامِ, كَمَنْذُورٍ, كَذَا قَالُوا, وَالْمُرَادُ وُجُوبُ إتْمَامِهِ لَا وُجُوبُهُ فِي نَفْسِهِ, لِقَوْلِهِمْ: إنَّهُ تَطَوُّعٌ "كَغَيْرِهِ" فَيُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ نَفْلٍ, وَسَبَقَ1 عِنْدَ مَنْ دَخَلَ فِي تَطَوُّعِ صَوْمٍ رِوَايَةٌ غَرِيبَةٌ لَا يَقْضِيهِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ, لِتَعْيِينِهِ بِالدُّخُولِ فِيهِ.
وَيَلْزَمُ الْإِحْرَامُ مِنْ أَبْعَدِ الْمَوْضِعَيْنِ: الْمِيقَاتُ أَوْ إحْرَامُهُ الْأَوَّلُ, نَصَّ عَلَيْهِ "وش" لِمَا سَبَقَ مِنْ السُّنَّةِ وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ بِصِفَةِ الْأَدَاءِ, بِدَلِيلِ الْمَسَافَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ إلَى مَكَّةَ, وَكَالصَّلَاةِ; وَلِأَنَّ دُخُولَهُ فِي النُّسُكِ سبب لوجوبه, فتعلق بموضع الإيجاب, كالنذر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ص "114".(5/450)
قَالَ الْقَاضِي: فَإِنَّهُ لَوْ نَذَرَ حَجَّةً مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَلَزِمَهُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ, وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إذَا نَزَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا وَلَمْ يَنْوِ مِنْ أَيْنَ يَمْشِي يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ حَلَفَ, قَالَ: وَلَمْ يُسَلِّمْ بَعْضُهُمْ هَذَا اعْتِبَارًا بِالْفَرْضِ, وَهَذَا مُسَلَّمٌ بِالْإِجْمَاعِ, كَذَا قال. وفيه نظر, وسبق أنه1 يُكْرَهُ, فَلَا يَلْزَمُهُ, وَإِلَّا لَزِمَهُ.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ وَالْعُمْرَةِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ, وَعِنْدَ مَالِكٍ: هُمَا مِنْ الْمِيقَاتِ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا يُجْزِئُهُمَا إلَّا مِنْ حَيْثُ أَهَلَّا, الْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد فِيمَنْ أَحْرَمَ مِنْ بَغْدَادَ فَحُبِسَ فِي السِّجْنِ ثُمَّ خُلِّيَ عَنْهُ أَيُحْرِمُ مِنْ بَغْدَادَ؟ قَالَ: يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَحَبُّ إلَيَّ, قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْ الْحَجِّ لَمْ يَكُنْ بِإِفْسَادٍ, كَذَا قَالَ, وَيَتَوَجَّهُ نَقْلُ حُكْمِ مَسْأَلَةٍ إلَى الْأُخْرَى, لِلْقِيَاسِ السَّابِقِ وَإِطْلَاقِ الصَّحَابَةِ, وَظَاهِرُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ, لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ, وَلِكَرَاهَةِ تَقَدُّمِ الْإِحْرَامِ, ولأنه تبرع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 بعدها في "ط".(5/451)
بِتَقْدِيمِ إحْرَامِهِ, كَمَا لَوْ أَحْرَمَ فِي شَوَّالٍ ثُمَّ أَفْسَدَهُ.
وَأَجَابَ الْقَاضِي بِتَأْكِيدِ الْمَكَانِ, لِوُجُوبِ الدَّمِ بِمُجَاوَزَتِهِ, كَذَا قَالَ. وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْعُ, وَسَبَقَ عِنْدَ سُقُوطِ دَمِ الْمُتْعَةِ بِفَسَادِ النُّسُكِ أَوْ فَوَاتِهِ.
وَيُسْتَحَبُّ تَفَرُّقُهُمَا فِي الْقَضَاءِ "وم ش" قَالَ أَحْمَدُ: يَتَفَرَّقَانِ فِي النُّزُولِ وَالْمَحْمَلِ وَالْفُسْطَاطِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ; لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَذْكُرُ إذَا بَلَغَ الْمَوْضِعَ فَتَاقَتْ نَفْسُهُ فَوَاقَعَ الْمَحْذُورَ فَفِي الْقَضَاءِ دَاعٍ بِخِلَافِ الْأَدَاءِ, وَلَمْ يَتَفَرَّقَا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ إذَا أَفْسَدَاهُ; لِأَنَّ الْحَجَّ أَبْلَغُ فِي مَنْعِ الدَّاعِي, لِمَنْعِهِ مُقَدَّمَاتِ الْجِمَاعِ وَالطِّيبِ, بِخِلَافِ الصَّوْمِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يَتَفَرَّقَانِ لِتَذَكُّرِ شِدَّةِ الْمَشَقَّةِ بِسَبَبِ لَذَّةٍ يَسِيرَةٍ فَيَنْدَمَانِ وَيَتَحَرَّزَانِ.
وَلَنَا وَجْهٌ: يَجِبُ, وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ, لِإِطْلَاقِ مَا سَبَقَ مِنْ السُّنَّةِ1.
وَيَتَفَرَّقَانِ مِنْ مَوْضِعِ الْوَطْءِ, فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ "وش" لِمَا سَبَقَ مِنْ الْخَبَرِ الْمَرْفُوعِ وَالْمَعْنَى, وَعَنْهُ: مِنْ حَيْثُ يُحْرِمَانِ "وم" وَزُفَرُ إلَى حِلِّهِمَا لِأَنَّ التَّفْرِيقَ خَوْفُ الْمَحْظُورِ, فَجَمِيعُ الْإِحْرَامِ سَوَاءٌ, وَالْفَرْقُ تَذَكُّرُهُ بِالْمَوْضِعِ وَسَبَقَ مَعْنَى التَّفَرُّقِ في رواية الأثرم, ولعل ظاهره أنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ص "445".(5/452)
مَحْرَمُهَا كَظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ, وَذَكَرَ الشَّيْخُ: يَكُونُ بِقُرْبِهَا يُرَاعِي حَالَهَا; لِأَنَّهُ مَحْرَمُهَا وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا مَحْرَمٌ غَيْرُ الزَّوْجِ.
وَالْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ, فَإِنْ كَانَ مَكِّيًّا أَوْ حَصَلَ بِهَا مُجَاوِرًا أَحْرَمَ لِلْقَضَاءِ1 مِنْ الْحِلِّ, لِأَنَّهُ مِيقَاتُهَا, سَوَاءً كَانَ أَحْرَمَ بِهَا مِنْهُ أَوْ مِنْ الْحَرَمِ. وَإِنْ أَفْسَدَ الْمُتَمَتِّعُ عُمْرَتَهُ وَمَضَى فِيهَا فَأَتَمَّهَا فَقَالَ أَحْمَدُ: يَخْرُجُ إلَى الْمِيقَاتِ فَيُحْرِمُ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ, فَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ مَكَّةَ وَفَدَى, لِتَرْكِهِ. فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ الَّتِي أَفْسَدَهَا وَفَدَى بِمَكَّةَ لِمَا أَفْسَدَ مِنْ عُمْرَتِهِ, وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ وَالْمَيْمُونِيُّ: فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ أَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ مَا أَفْسَدَ.
قَالَ الْقَاضِي وَمَنْ تَبِعَهُ تَفْرِيعًا عَلَى رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ أَنَّ دَمَ الْمُتْعَةِ يَسْقُطُ بِالْإِفْسَادِ: إنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ لِلْقَضَاءِ, فَهَلْ هو متمتع؟: إن أنشأ سفر قصر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س" "القصاص".(5/453)
فَمُتَمَتِّعٌ وَإِلَّا فَلَا, عَلَى ظَاهِرِ نَقْلِ ابْنِ إبْرَاهِيمَ إذَا أَنْشَأَ سَفَرَ قَصْرٍ فَمُتَمَتِّعٌ, وَنَقَلَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ رِوَايَةً أُخْرَى تَقْتَضِي إنْ بَلَغَ الْمِيقَاتَ فَمُتَمَتِّعٌ "1فَقَالَ: لَا تَكُونُ مُتْعَةً حَتَّى يَخْرُجَ إلَى مِيقَاتِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَمُتَمَتِّعٌ1" وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ جَاوَزَ مِيقَاتًا مِنْ الْمِيقَاتِ فَمُتَمَتِّعٌ.
ثُمَّ احْتَجَّ الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْمِيقَاتِ 2أَنَّهُ لَمَّا2" أَفْسَدَ الْعُمْرَةَ حَصَلَ السَّفَرُ لِغَيْرِ الْمُتَمَتِّعِ; لِأَنَّهُ لَوْ اعْتَمَرَ مِنْ التَّنْعِيمِ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا, فَلَمَّا تَعَلَّقَ بِذَلِكَ السَّفَرُ حُكْمٌ وَهُوَ بُطْلَانُ التَّمَتُّعِ لَمْ يَبْطُلْ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِمُجَاوَزَتِهِ الْمِيقَاتَ, كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ مِنْ بَلَدِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَمْ يُفْسِدْهَا لَمَّا تَعَلَّقَ بِذَلِكَ السَّفَرِ حُكْمٌ وَهُوَ صِحَّةُ التَّمَتُّعِ; لِأَنَّهُ لَوْ مَضَى فِيهَا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ كَانَ مُتَمَتِّعًا لَمْ يَبْطُلْ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ كذا هنا كذا قال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 1 ليست في الأصل.
2 2 في الأصل "لما" وفي "س" "لأنه لما".(5/454)
وقضاء العبد كنذره, قيل: يصح في رقه; لِأَنَّهُ وَجَبَ فِيهِ بِإِيجَابِهِ, وَهُوَ مِنْ أَهْلِ صِحَّةِ الْعِبَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ, بِخِلَافِ حَائِضٍ, وَحَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَجَبَتْ شَرْعًا, فَوَقَفَتْ عَلَى شَرْطِ الشَّرْعِ, وقيل: لا, والأول أشهر "م 18" وَإِنْ كَانَ مَا أَفْسَدَهُ مَأْذُونًا فِيهِ قَضَى مَتَى قَدَرَ نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ وَلَمْ يَمْلِكْ مَنْعَهُ مِنْهُ; لِأَنَّ إذْنَهُ فِيهِ إذْنٌ فِي مُوجِبِهِ وَمُقْتَضَاهُ, وَإِلَّا مَلَكَ مَنْعَهُ, لِتَفْوِيتِ حَقِّهِ, وَقِيلَ: لَا, لِوُجُوبِهِ.
وَإِنْ أُعْتِقَ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَنَوَاهُ انْصَرَفَ إلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ, عَلَى الْمَذْهَبِ. وَكَذَا يَلْزَمُ الصَّبِيَّ الْقَضَاءُ نَصَّ عَلَيْهِ; لِأَنَّهُ تَلْزَمُهُ الْبَدَنَةُ وَالْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ, كَبَالِغٍ, وَقِيلَ: لَا, لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ, وَيَقْضِيهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ, نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: قَبْلَهُ, وَتَكْفِيهِمَا الْمَقْضِيَّةُ عَنْ حَجَّةِ الإسلام, والقضاء إن كفت لو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 18" "قَوْلُهُ": وَقَضَاءِ الْعَبْدُ كَنَذْرِهِ, قِيلَ: يَصِحُّ فِي رِقِّهِ; لِأَنَّهُ وَجَبَ فِيهِ بِإِيجَابِهِ. وَهُوَ مِنْ أَهْلِ صِحَّةِ الْعِبَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ وَقِيلَ: لَا, وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ انْتَهَى. الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ صِحَّةُ قَضَاءِ الْعَبْدِ فِي حَالِ رِقِّهِ, جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي1 وَالشَّرْحِ2 وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وغيرهم قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: هَذَا أَشْهَرُ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْمَنَاسِكِ3: وَيَصِحُّ الْقَضَاءُ فِي رِقِّهِ, فِي الْأَصَحِّ, لِلُزُومِهِ لَهُ, كَالنَّذْرِ, انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَمَنْ وَطِئَ فِي نُسُكٍ وَهُوَ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ صَغِيرٌ فَسَدَ حَيْثُ يَفْسُدُ بِهِ نُسُكُ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ وَيُتِمَّانِهِ إذْن ثُمَّ يَقْضِيَانِهِ إذَا زَالَ الصِّغَرُ وَالرِّقُّ, فَإِنْ زَالَا فِي فَاسِدِهِ بِحَيْثُ لَوْ صَحَّ كَفَاهُمَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ كَفَاهُمَا قَضَاؤُهُ عَنْهُمَا. وَإِلَّا فَلَا, انتهى.
"تَنْبِيهٌ": إتْيَانُ الْمُصَنِّفِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ هُنَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ قَوِيٌّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَشْهَرُ, وَلَكِنْ صَحَّحَ فِي كِتَابِ المناسك فتناقض قوله.
__________
1 "5/49".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/32".
3 تقدم ص "210".(5/455)
صَحَّتْ كَالْأَدَاءِ, وَخَالَفَ ابْنُ عَقِيلٍ قَالَ: كَمَا قلنا فيمن نذر صوم يوم يقدم فلان فَقَدِمَ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَقُلْنَا يُجْزِئُهُ عَنْهُمَا فَأَفْطَرَهُ قَضَى يَوْمَيْنِ. وَمَنْ أَفْسَدَ الْقَضَاءَ قَضَى الْوَاجِبَ لَا الْقَضَاءَ "و" لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَزْدَادُ, كَإِفْسَادِ قَضَاءِ صَوْمٍ وَصَلَاةٍ.
وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ الْأَوَّلِ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ "و" لِقَوْلِهِ: "الْحَجُّ عَرَفَةَ"1 وَإِنَّ مَنْ وَقَفَ بِهَا تَمَّ حَجُّهُ. وَلِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ2, خِلَافًا لِلنَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَحَمَّادٍ. وَيَتَوَجَّهُ لَنَا مِثْلُهُ إنْ بَقِيَ إحْرَامُهُ وَفَسَدَ بِوَطْئِهِ, وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ أَنَّ مَنْ وَطِئَ فِي الحج قَبْلَ الطَّوَافِ فَسَدَ حَجُّهُ: وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَا قَبْلَ التَّحَلُّلِ. وَهَلْ هُوَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الأول محرم؟ ذكر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 تقدم تخريجه ص "317".
2 رواه مالك في الموطأ "1/384".(5/456)
الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَنَّهُ مُحْرِمٌ, لِبَقَاءِ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ الْمُنَافِي وُجُودُهُ صِحَّةَ الْإِحْرَامِ, فَقِيلَ لَهُ: فَلَا يَصِحُّ إدْخَالُ عُمْرَةٍ عَلَى حَجٍّ؟ فَقَالَ: إنَّمَا لَا يَصِحُّ عَلَى إحْرَامٍ كَامِلٍ, وَهَذَا قَدْ تَحَلَّلَ مِنْهُ. وَقَالَ أَيْضًا: إطْلَاقُ الْمُحْرِمِ مَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ الْكُلُّ. وَفِي فُنُونِ ابْنِ عَقِيلٍ: يَبْطُلُ إحْرَامُهُ عَلَى احْتِمَالٍ, وَقَالَ فِي مُفْرَدَاتِهِ: هُوَ مُحْرِمٌ, لِوُجُوبِ الدَّمِ, وَذَكَرَ الشَّيْخُ هُنَا أَنَّهُ مُحْرِمٌ, وَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ مَا يُبَاحُ بالتحلل الأول: يمنع أنه محرم وإنما بقي بَعْضُ أَحْكَامِ الْإِحْرَامِ.
وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ وَالْمَيْمُونِيُّ وابن الحكم فيمن وطئ بعد الرمي: ينتقض إحرامه "م 19".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 19" قَوْلُهُ: وَهَلْ هُوَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ مُحْرِمٌ؟ ذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَنَّهُ مُحْرِمٌ, لِبَقَاءِ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ الْمُنَافِي وُجُودُهُ صِحَّةَ الْإِحْرَامِ وَقَالَ أَيْضًا: إطْلَاقُ الْمُحْرِمِ مَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ الْكُلُّ. وَفِي فُنُونِ ابْنِ عَقِيلٍ: يَبْطُلُ إحْرَامُهُ عَلَى احتمال وقال(5/457)
وَيَعْتَمِرُ مِنْ التَّنْعِيمِ, فَيَكُونُ إحْرَامٌ مَكَانَ إحْرَامٍ.
فَهَذَا الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَفْسُدُ الْإِحْرَامُ بِالْوَطْءِ بَعْدَ رمي جمرة العقبة, ويلزمه أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْحِلِّ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ, لِيَطُوفَ فِي إحْرَامٍ صَحِيحٍ; لِأَنَّهُ رُكْنُ الْحَجِّ, كَالْوُقُوفِ, وَإِذَا أَحْرَمَ طَافَ لِلزِّيَارَةِ وَسَعَى مَا لَمْ يَكُنْ سَعَى, وَتَحَلَّلَ; لِأَنَّ الْإِحْرَامَ إنَّمَا وَجَبَ لِيَأْتِيَ1 بِمَا بَقِيَ مِنْ الْحَجِّ, هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ, وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ وَقَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّ "الْإِمَامَ" أَحْمَدَ وَالْأَئِمَّةَ أَرَادُوا هَذَا وَسَمَّوْهُ عُمْرَةً; لِأَنَّ هَذِهِ أَفْعَالُهَا, وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدُوا عُمْرَةً حَقِيقَةً فَيَلْزَمُهُ سَعْيٌ وَتَقْصِيرٌ.
وَاخْتَارَ شَيْخُنَا كَالشَّيْخِ, قَالَ: سَوَاءٌ بَعُدَ أَوْ لَا, وَمَعْنَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ, وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَقَالَ شَيْخُنَا أَيْضًا: يَعْتَمِرُ مُطْلَقًا, وَعَلَيْهِ نُصُوصُ أَحْمَدَ, وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي, فِي الْخِلَافِ, وَابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ, وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كتاب أسباب الهداية وغيرهم "وم" لِمَا سَبَقَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلِأَنَّ حُكْمَ الْإِحْرَامِ الْمُبْتَدَإِ طَوَافٌ وَسَعْيٌ وَتَقْصِيرٌ, وَالْعُمْرَةُ تَجْرِي مجرى الحج, بدليل القران بينهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
فِي مُفْرَدَاتِهِ: هُوَ مُحْرِمٌ, لِوُجُوبِ الدَّمِ, وَذَكَرَ الشَّيْخُ هُنَا أَنَّهُ مُحْرِمٌ وَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ ما يباح بالتحلل الأول يمنع أنه محرم وَإِنَّمَا بَقِيَ بَعْضُ أَحْكَامِ الْإِحْرَامِ, وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ وَالْمَيْمُونِيُّ وَابْنُ الْحَكَمِ فِيمَنْ وَطِئَ بَعْدَ الرَّمْي: يُنْتَقَضُ إحْرَامُهُ, انْتَهَى.
"قُلْتُ": الصَّوَابُ أَنَّهُ مُحْرِمٌ. كَمَا قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِمْ, وَتَبِعَهُمْ الشَّارِحُ وَابْنُ رزين
__________
1 في الأصل "الثاني".(5/458)
وَاحْتَجَّ الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَسَبُ بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ عَنْ طَوَافِ الْحَجِّ بِنَقْلِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْبٍ فِيمَنْ نَسِيَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ يَدْخُلُ مُعْتَمِرًا فَيَطُوفُ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ يَطُوفُ طَوَافَ الزِّيَارَةِ.
وَعِنْدَ "هـ ش": لَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ وَحَجُّهُ صَحِيحٌ وَلَا يَفْسُدُ إحْرَامُهُ, وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ; لِأَنَّهُ لَا يَفْسُدُ كُلُّهُ فَلَا يَفْسُدُ بَعْضُهُ, كَبَعْدِ التَّحَلُّلَيْنِ.
وَهَلْ يلزمه بدنة "وش" لِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَمَا قَبْلَ رَمْيِ جمرة العقبة؟ أم شاة "وهـ م" لِعَدَمِ إفْسَادِهِ لِلْحَجِّ كَوَطْءٍ دُونَ الْفَرْجِ بلا إنزال ولخفة1 الجناية; فيه روايتان "م 20"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 20": قَوْلُهُ: وَهَلْ يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ أَوْ شَاةٌ.؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ, انْتَهَى. يَعْنِي إذَا وَطِئَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُقْنِعِ2 وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
"إحْدَاهُمَا": يَلْزَمُهُ شَاةٌ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, نَصَّ عَلَيْهِ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ, وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ ابْنُ الْبَنَّا فِي عُقُودِهِ, وَأَبُو الْمَعَالِي فِي خُلَاصَتِهِ: يَلْزَمُهُ دَمٌ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ3 وَالْإِيضَاحِ وَالْكَافِي4 وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ, وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي5 وَالشَّرْحِ6 وَابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ" يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ, جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ, وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ والفائق وغيرهم.
__________
1 في الأصل و"ب" و"ط" والمثبت من "س" "لحقه".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/346".
3 ص "176".
4 "2/381".
5 "5/375".
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/350".(5/459)
وَإِنْ طَافَ وَلَمْ يَرْمِ ثُمَّ وَطِئَ, فَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ كَمَا سَبَقَ, وَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ, لِوُجُودِ أَرْكَانِ الْحَجِّ, وَالْقَارِنُ كَالْمُفْرَدِ, عَلَى مَا سَبَقَ; لِأَنَّ التَّرْتِيبَ لِلْحَجِّ لَا لِلْعُمْرَةِ, بِدَلِيلِ تَأْخِيرِ الْحَلْقِ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ.
وَالْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ, فِيمَا سَبَقَ. وَتَفْسُدُ قَبْلَ فَرَاغِ الطَّوَافِ, وَكَذَا قَبْلَ سَعْيِهَا إنْ قُلْنَا رُكْنٌ أَوْ وَاجِبٌ. وَفِي التَّرْغِيبِ: إنْ وَطِئَ قَبْلَهُ خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي كَوْنِهِ رُكْنًا أَوْ غَيْرَهُ, وَلَا تَفْسُدُ قَبْلَ الْحَلْقِ إنْ لَمْ يَجِبْ وَكَذَا إنْ وَجَبَ, وَيَلْزَمُهُ دَمٌ.
وَقَدَّمَ فِي التَّرْغِيبِ: تَفْسُدُ وَفِي التَّبْصِرَةِ فِي فِدَاءِ مَحْظُورِهَا قَبْلَ الْحَلْقِ الرِّوَايَتَانِ. وَفِي الرِّعَايَةِ وَعَنْهُ: يَفْسُدُ الْحَجُّ فَقَطْ, كَذَا قَالَ. وَلَا يَجِبُ بإفسادها إلَّا" شَاةٌ, نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ, لِنَقْصِ حُرْمَةِ إحْرَامِهَا عَنْ الْحَجِّ, وَلِنَقْصِ أَرْكَانِهَا وَدُخُولِ أَفْعَالِهَا فِيهِ إذَا اجْتَمَعَتْ مَعَهُ.
وَالنَّقْصُ يَمْنَعُ كَمَالَ الْكَفَّارَةِ, كَبَعْدِ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ فِي الْمُوجَزِ: الْأَشْبَهُ بَدَنَةٌ "وش" كَالْحَجِّ, وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِنَا إلَّا أَنْ يَطَأَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ فَلَا يَفْسُدُ وَعَلَيْهِ شَاةٌ, لَنَا أَنَّهُ وَطِئَ فِي إحْرَامٍ تَامٍّ كَقَبْلِ الْأَرْبَعَةِ. قِيلَ لِأَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَسَدَتْ بِجِمَاعٍ ثُمَّ اعْتَمَرَ مِنْ عَامِهِ لَا يَنْوِيهِ يَعْنِي الْقَضَاءَ قَالَ: لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِعُمْرَةٍ أُخْرَى وَعَلَيْهِ دَمٌ.
وَلَوْ أَحْرَمَ حَالَ وَطْئِهِ فَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ: لَا يَجِبُ مُضِيُّهُ فِيهِ, وَمُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا يَنْعَقِدُ, لِمُنَافَاتِهِ لَهُ. وَسَبَقَ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(5/460)
الرِّدَّةِ1 فِي الْأَذَانِ قَوْلُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ: قَدْ يُعْتَدُّ بِمَا فَعَلَهُ الْوَاطِئُ, وَيَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ ابْتِدَاءً, بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ, وَيَأْتِي "إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى" في فصل من كرر محظورا2.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "2/17 – 18".
2 ص "538".(5/461)
فصل: المباشرة بلمس أو نظر لشهوة
"الثَّامِنُ" الْمُبَاشَرَةُ بِلَمْسٍ أَوْ نَظَرٍ لِشَهْوَةٍ "و" فَإِنْ وَطِئَ دُونَ الْفَرْجِ أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ لِشَهْوَةٍ فَأَنْزَلَ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ, نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ, فَذُكِرَ لَهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ قَوْلُ سُفْيَانَ: يَقُولُونَ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ, فَقَالَ: جَيِّدٌ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: ابْنُ عَبَّاسٍ جَعَلَ عَلَيْهِ بَدَنَةً3, وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَاسُوهُ عَلَى الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ.
وَعَنْهُ شَاةٌ إنْ لَمْ يَفْسُدْ "وهـ ش" ذَكَرَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ, وَأَطْلَقَهَا الْحَلْوَانِيُّ, كَمَا لَوْ لَمْ يُنْزِلْ, وَالْقِيَاسَانِ ضعيفان, وفي فساد نسكه روايتان:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
3 تقدم تخريجه ص "443".(5/461)
إحْدَاهُمَا يَفْسُدُ, نَصَرَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ, وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْوَطْءِ دُونَهُ وَأَنْزَلَ "وَم" لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يُفْسِدُهَا الْوَطْءُ فَأَفْسَدَهَا الْإِنْزَالُ عَنْ مُبَاشَرَةٍ, كَالصَّوْمِ, وَاحْتَجَّ الْقَاضِي بِنَهْيِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ الرَّفَثِ1, وَهُوَ عَامٌّ فِيهِ, وَالنَّهْيُ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.
وَالثَّانِيَةُ لَا يَفْسُدُ, اختارها الشيخ وغيره "وهـ ش" لِعَدَمِ الدَّلِيلِ, وَالصَّوْمُ يَفْسُدُ بِجَمِيعِ مَحْظُورَاتِهِ "م 21" والحج بالجماع فقط, والرفث مختلف فِيهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ, فَلَمْ نَقُلْ بِجَمِيعِهِ, مَعَ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْقَوْلُ بِهِ فِي الْفُسُوقِ والجدال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 21": قَوْلُهُ: فَإِنْ وَطِئَ دُونَ الْفَرْجِ أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ فَأَنْزَلَ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ. وَعَنْهُ: شَاةٌ إنْ لَمْ يَفْسُدْ وَفِي فَسَادِ نُسُكِهِ رِوَايَتَانِ:
"إحْدَاهُمَا": يَفْسُدُ, نَصَرَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ, وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْوَطْءِ دُونَهُ وَأَنْزَلَ.
وَ"الثَّانِيَةُ" لَا يَفْسُدُ, اخْتَارَهَا2 الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ, انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْإِرْشَادِ3 وَالْإِيضَاحِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعَبِ وَالْمُقْنِعِ4 وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وغيرهم.
__________
1 في قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ.....} [البقرة: 197]
2 في النسخ الخطية و"ط" "اختاره" والمثبت من الفروع.
3 ص "175".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/352".(5/462)
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: إنْ أَمْنَى بِالْمُبَاشَرَةِ فَسَدَ, وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَفْسُدْ "و" قَالَ الشَّيْخُ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا كَالصَّوْمِ وَكَعَدِمِ1 الشَّهْوَةِ, وَسَبَقَ فِي الصَّوْمِ خِلَافٌ2, وَمِثْلُهُ هُنَا, وَظَاهِرُ كَلَامِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّ لَنَا فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ قَبَّلَ أَهْلَهُ: أَفْسَدْت حَجَّك3. وَمَعْنَاهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَغَيْرِهِ, وَحَمَلَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ عَلَى الْإِنْزَالِ, وَسَيَأْتِي قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "الْحَجُّ عَرَفَةَ"4 وَأَنَّ مَنْ وَقَفَ بِهَا تَمَّ حَجُّهُ. وَعَلَيْهِ شَاةٌ فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ, مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ وَالشَّيْخُ "و" وَفِي رِوَايَةٍ: بَدَنَةٌ, نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ, كَالْوَطْءِ "م 22" وَإِنْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَمْنَى لم يفسد "م" لعدم الدليل,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
إحْدَاهُمَا لَا يَفْسُدُ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَغَيْرُهُ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ, وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ, قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: هَذَا أَصَحُّ, وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يفسد, نصره القاضي وأصحابه قال5 فِي الْمُبْهِجِ: فَسَدَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ, وَصَحَّحَهُ فِي الْبُلْغَةِ, وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ, وَاخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ, وَكَذَا الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ إذَا أَنْزَلَ. وَقَالَ الزركشي: هذه أشهرها.
"مَسْأَلَةٌ 22" قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَفْسُدْ وَعَلَيْهِ شَاةٌ, فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ, مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ وَالشَّيْخُ. وَفِي رِوَايَةٍ: بَدَنَةٌ, نَصَرَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ, كَالْوَطْءِ, انْتَهَى. يَعْنِي إذَا وَطِئَ دُونَ الْفَرْجِ أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ لِشَهْوَةٍ وَلَمْ ينزل, وأطلقهما
__________
1 في الأصل "عدم".
2 ص "10".
3 تقدم تخريجه ص "444".
4 تقدم تخريجه "317".
5 ليست في "ط".(5/463)
وَالْمُبَاشَرَةُ أَبْلَغُ, وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ, نَصَّ عَلَيْهِ, اخْتَارَهُ الخرقي, وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ, لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ, كَقُبْلَةٍ وَطِيبٍ, وَعَنْهُ: شَاةٌ, وَرَوَى النَّجَّادُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الْقَوْلَيْنِ, وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْهُ الثَّانِيَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَنْزَلَ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى لَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْهُمْ: لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ الْجِمَاعُ وَلَمْ يُوجَدْ, فَصَارَ كَمَا لَوْ تَفَكَّرَ فَأَمْنَى, وَالِاسْتِمْنَاءُ مِثْلُهُ. وَإِنْ مذى بتكرار نظر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى.
إحْدَاهُمَا عَلَيْهِ شَاةٌ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, اخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ فِي الْمُغْنِي1 وَالشَّارِحُ وَالنَّاظِمُ, وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْكَافِي وَالْوَجِيزِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرُهُمْ, وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ2 وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ, نَصَرَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. كَمَا قَالَ المصنف
__________
1 "5/169".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "8/415".(5/464)
أَوْ أَمْنَى بِنَظْرَةٍ وَفِي الرَّوْضَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ: أَوْ مَذَى1 بِنَظْرَةٍ فَشَاةٌ; لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْمَنِيِّ حَصَلَ بِهِ لَذَّةٌ. وَفِي الْكَافِي2: لَا فِدْيَةَ بِمَذْيٍ بِتَكْرَارِ نَظَرٍ, فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ تَخْرِيجٌ: وَلَا بِمَذْيٍ بِغَيْرِهِ, وَجَزَمَ بِهِ الْآمِدِيُّ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ إنْ مَذَى بِاسْتِمْنَاءٍ وَذَكَرَ الْقَاضِي رِوَايَةً: يَفْدِي بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ, أَنْزَلَ أَوْ لَا, وَمُرَادُهُ إنْ كَرَّرَهُ. وَأَخَذَهَا مِنْ نَقْلِ الْأَثْرَمِ فِيمَنْ جَرَّدَ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ غَيْرُ التَّجْرِيدِ: عَلَيْهِ شَاةٌ, وَحَمَلَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ عَلَى لَمْسٍ أو مذي, لنظره صلى الله عليه وسلم إلَى نِسَائِهِ, وَكَذَا أَصْحَابُهُ, وَلَا حُجَّةَ فِيهِ; لِأَنَّهُ قَضِيَّةُ عَيْنٍ, وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ هَذَا جَوَازُهُ لِشَهْوَةٍ, وَلِهَذَا فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ إنْ كَرَّرَ النَّظَرَ حَرُمَ, وَإِلَّا كُرِهَ. وَإِنْ فكر فأنزل فلا شيء عليه, لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س" "منى".
2 "2/382".(5/465)
لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ نَفْسَهَا مَا لَمْ تُكَلِّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ1, وَلِأَنَّهُ دُونَ النَّظَرِ.
وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ الْبَرْمَكِيِّ وَابْنِ عَقِيلٍ: إنَّهُ كَالنَّظَرِ, لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ.
وَخَطَأٌ كَعَمْدٍ, كَوَطْءٍ, وَقِيلَ: لَا, كَمَا سَبَقَ فِي الصَّوْمِ, لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ نِسْيَانٌ غَالِبًا, وَتَفْسُدُ الْعِبَادَةُ بِمُجَرَّدِهِ, وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ مَعَ شَهْوَةٍ, وَيَتَوَجَّهُ فِي خَطَأِ مَا سَبَقَ2.
وَمَنْ عَدِمَ بَدَنَةَ الْوَطْءِ وَالْمُبَاشَرَةِ لَزِمَهُ صَوْمٌ كَصَوْمِ الْمُتْعَةِ, لِوُجُوبِهَا بِقَوْلِ الصَّحَابَةِ السَّابِقِ, فَكَذَا بَدَلُهَا.
قَالَ الشَّيْخُ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْقَاضِي يَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهَا طَعَامًا, فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ عَنْ إطْعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا, كَجَزَاءِ الصَّيْدِ لَا يَنْتَقِلُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إلَى الْإِطْعَامِ مَعَ وُجُودِ الْمِثْلِ, وَلَا إلَى الصِّيَامِ مَعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 البخاري "2528" ومسلم "211".
2 ص "447".(5/466)
الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِطْعَامِ, وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: يُخَيَّرُ فِي الْجَمِيعِ, كَفِدْيَةِ الْأَذَى, أَمَّا الشَّاةُ فَيُخَيَّرُ كَمَا يُخَيَّرُ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى لِلتَّرَفُّهِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَنْ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ التَّقْصِيرِ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أو صدقة أو نسك1 رواه الأثرم
__________
1 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "5/172".(5/467)
فصل: قَتْلُ صَيْدِ الْبَرِّ الْمَأْكُولِ وَاصْطِيَادُهُ,
التَّاسِعُ: قَتْلُ صَيْدِ الْبَرِّ الْمَأْكُولِ وَاصْطِيَادُهُ, بِالْإِجْمَاعِ, لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] وَقَوْلِهِ: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} [المائدة: 96] وَيَأْتِي حُكْمُ الْخَطَإِ وَالْعَمْدِ, وَيُحْرِمُ وَيَفْدِي مَا يُولَدُ مِنْهُ مَعَ أَهْلِيٍّ أَوْ غَيْرِ مَأْكُولٍ, وَقِيلَ: لَا يَفْدِي مَا تَوَلَّدَ مِنْ مأكول وغيره, قدمه, في الرعاية لِأَنَّ اللَّهَ إنَّمَا حَرَّمَ صَيْدَ الْبَرِّ, وَهَذَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ, وَذَكَرَ الشَّيْخُ: الْأَوَّلُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ, تَغْلِيبًا لِتَحْرِيمِ قَتْلِهِ, كَمَا غَلَّبُوا تَحْرِيمَ أَكْلِهِ, وَيَضْمَنُ إنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ هُوَ أَوْ بَعْضُهُ بِمَا يَضْمَنُ بِهِ آدَمِيًّا وَمَالًا بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ سَبَبٍ, وَمِنْهُ جِنَايَةُ دَابَّتِهِ, عَلَى مَا سَيَأْتِي "إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى" فِي الْغَصْبِ2 وَعِنْدَ مَالِكٍ وَدَاوُد: جُرْحُ الصَّيْدِ لَا يُضْمَنُ. لَنَا أَنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ تَنْفِيرِهِ, وَقَدْ منعه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ فِي أَوَّلِ فَصْلِ قَتْلِ صَيْدِ الْبَرِّ: وَقِيلَ لَا يَفْدِي مَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ, انْتَهَى. "قُلْتُ": ليس كما قال "3عن الرعاية3", فإنه قال فيها: وَمَا أَكَلَ أَبَوَاهُ فَدَى وَحَرُمَ قَتْلُهُ, وَكَذَا مَا أَكَلَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ دُونَهُ, وَقِيلَ لَا يَفْدِي كَمُحْرِمِ الْأَبَوَيْنِ, انْتَهَى. وَجَزَمَ بِالْفِدْيَةِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى, وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ "ذَكَرَهُ" فسبق القلم فقال "قدمه" والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
2 "7/249".
3 3 ليست في "ح".(5/467)
الشَّارِعُ. وَكُلُّ عَيْنٍ مَضْمُونَةٍ ضُمِنَتْ أَبْعَاضُهَا كَالْآدَمِيِّ وَالْمَالِ, وَلَا حُجَّةَ فِي الْآيَةِ1 "لِأَنَّهُ"2 أَوْجَبَ الْجَزَاءَ بِقَتْلِهِ, وَإِنَّمَا يَجِبُ مَا نَقَصَهُ.
وَتَحْرُمُ الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ وَالْإِشَارَةُ وَالْإِعَانَةُ وَلَوْ بِإِعَارَةِ سِلَاحٍ لِيَقْتُلَهُ بِهِ3, سَوَاءً كَانَ مَعَهُ مَا يَقْتُلُهُ بِهِ أَوْ لَا, أَوْ بِمُنَاوَلَتِهِ سِلَاحَهُ أَوْ سَوْطَهُ أَوْ أَمَرَهُ بِاصْطِيَادِهِ. قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: أَوْ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ فَرَسًا لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِ الصَّيْدِ إلَّا بِهِ; لِأَنَّ فِي خَبَرِ أَبِي قَتَادَةَ لَمَّا صَادَ الْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ وَأَصْحَابُهُ مُحْرِمُونَ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ أَشَارَ إلَيْهِ إنْسَانٌ مِنْكُمْ أَوْ أَمَرَهُ بِشَيْءٍ"؟ قَالُوا: لَا. وَفِيهِ: أَبْصَرُوا حِمَارًا وَحْشِيًّا فَلَمْ يُؤْذِنُونِي وَأَحَبُّوا لَوْ أَنِّي أَبْصَرْتُهُ, فَالْتَفَتُّ فَأَبْصَرْتُهُ, ثُمَّ رَكِبْتُ وَنَسِيتُ السَّوْطَ وَالرُّمْحَ, فَقُلْتُ لَهُمْ: نَاوَلُونِي السَّوْطَ وَالرُّمْحَ, قَالُوا: لَا وَاَللَّهِ لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ. وَفِيهِ: إذْ بَصُرْتُ بِأَصْحَابِي يتراءون شيئا, فنظرت فإذا حمار وحش4. وفيه: فبينما أنا مع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .} [المائدة: 95] .
2 ليست في الأصل.
3 ليست في "س".
4 في الأصل و"ط" "وحشي".(5/468)
أَصْحَابِي يَضْحَكُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ إذْ نَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِحِمَارٍ وَحْشٍ, فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ, فَاسْتَعَنْتُهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي مُتَّفَقٌ عَلَى ذَلِكَ1. وَيَضْمَنُهُ بِذَلِكَ, نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ إبْرَاهِيمَ وَأَبُو الْحَارِثِ فِي الدَّالِّ, وَنَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ فِي الْمُشِيرِ, وَنَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ فِيهِ وَفِي الَّذِي يُعِينُ "وهـ" لِخَبَرِ أَبِي قَتَادَةَ, وَرَوَاهُ النَّجَّادُ2 عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي مُحْرِمٍ أَشَارَ.
وَأَمَّا مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ: لَا جَزَاءَ عَلَى الدَّالِّ, فَقَالَ الْقَاضِي: الْمَعْرُوفُ عَنْهُ مَا رَوَاهُ3 النَّجَّادُ: لَا يَدُلُّ الْمُحْرِمُ عَلَى صَيْدٍ وَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ. ثُمَّ حَمَلَهُ عَلَى دَلَالَةٍ لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا التَّلَفُ, قَالَ: وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْإِعَانَةَ تُوجِبُ الْجَزَاءَ, كَذَا الْإِشَارَةُ; وَلِأَنَّ الدَّلَالَةَ سَبَبٌ يُؤَثِّرُ فِي تَحْرِيمِ أَكْلِهِ يَخْتَصُّهُ كقتله وكحفر4 بِئْرٍ وَنَصْبِ سِكِّينٍ وَشَرَكٍ وَإِمْسَاكِهِ, وَضَمَانُهُ آكَدُ مِنْ ضَمَانِ الْمَالِ, ذَكَرَهُ فِي الْخِلَافِ وَالِانْتِصَارِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ وَغَيْرُهُمْ, وَلِهَذَا يَضْمَنُهُ بِحَفْرِ بِئْرٍ أَوْ شَرَكٍ يَمْلِكُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَعَ بِهِ وَلَوْ نَفَّرَهُ ضَمِنَهُ, وَلَوْ أَفْزَعَ عَبْدًا فَأَبَقَ فَلَا, زَادَ فِي الْخِلَافِ: وَلَوْ أَمْسَكَهُ فَتَلِفَ فَرْخُهُ ضَمِنَهُ, وَلَوْ غَصَبَهُ فَمَاتَ فَرْخُهُ فَلَا. وَفِي الِانْتِصَارِ احْتِمَالٌ: يَضْمَنُهُ قَادِرٌ لَمْ يَكُفَّ الضَّرَرُ عَنْهُ: وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا: الدَّلَالَة يُضْمَنُ بِهَا الْمَالُ بِدَلِيلِ الْمُودِعُ يَدُلُّ عَلَى الْوَدِيعَةِ. فَقِيلَ لَهُ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 البخاري "1821" مسلم "1196" "56" و"64".
2 في الأصل "البخاري".
3 في الأصل "روى".
4 في الأصل و"ط" "حفر".(5/469)
لِتَفْرِيطِهِ فِي الْحِفْظِ؟ فَقَالَ قَدْ جَعَلْتَ سَبَبًا فِي التَّفْرِيطِ فِي الْحِفْظِ, فَكَذَا فِي ضَمَانِ الصَّيْدِ, كَالْإِتْلَافِ1, كَذَا قَالَ; وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِإِحْرَامِهِ عدم التفريط2, فَيَضْمَنُ بِتَرْكِ مَا الْتَزَمَهُ, كَالْمُودَعِ, بِخِلَافِ الْمُحِلِّ فَإِنَّهُ3 لَمْ يَلْتَزِمْ, وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ: عَلَيْهِ الْجَزَاءُ أَيْضًا. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ فِي الْمُبْهِجِ: إنْ كَانَتْ الدَّلَالَةُ مُلْجِئَةً لَزِمَ الْمُحْرِمَ الْجَزَاءُ, كَقَوْلِهِ: دَخَلَ الصَّيْدُ فِي هَذِهِ الْمَغَارَةِ, وَإِلَّا4 لَمْ يَلْزَمْهُ, كَقَوْلِهِ: ذَهَبَ إلَى تِلْكَ الْبَرِّيَّةِ; لِأَنَّهُ لَا يُضْمَنُ بِالسَّبَبِ مَعَ الْمُبَاشَرَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُلْجِئًا, لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْقَاتِلِ وَالدَّافِعِ دُونَ الْمُمْسِكِ وَالْحَافِرِ, وَأَجَابَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: بِأَنَّ الْمُمْسِكَ غَيْرُ مُلْجِئٍ وَيَضْمَنُ الصَّيْدَ, وَالدَّلَالَةُ سَبَبٌ غَيْرُ مُلْجِئٍ "5وَيَضْمَنُ بِهَا الْمُودَعُ5" وَسَبَقَ أَنَّ ضَمَانَ الصَّيْدِ آكَدُ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا شَيْءَ عَلَى الدَّالِّ, لِمَا سَبَقَ, وَسَوَاءً كَانَ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ ظَاهِرًا أَوْ خَفِيَا لا يعلمه إلا بدلالته عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "كإتلاف".
2 في "ط" "التعرض" وفي "س" "التعريض".
3 في "س" "لأنه".
4 في "س" ولا".
5 5 في "ق" "لا يضمن".(5/470)
وَلَا شَيْءَ عَلَى دَالٍّ وَمُشِيرٍ لِمَنْ رَأَى الصَّيْدَ قَبْلَ دَلَالَتِهِ وَإِشَارَتِهِ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ سَبَبًا فِي تَلَفِهِ, وَكَذَا لَوْ وُجِدَ مِنْ الْمُحْرِمِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الصَّيْدِ ضَحِكٌ أَوْ1 اسْتِشْرَافٌ فَفَطَنَ لَهُ غَيْرُهُ فَصَادَهُ, أَوْ أَعَارَهُ آلَةً لِغَيْرِ الصَّيْدِ فَاسْتَعْمَلَهَا فِيهِ وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ: لَوْ دَلَّهُ فَكَذَّبَهُ لَمْ يَضْمَنْ, وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ.
وَإِنْ نَصَبَ شَبَكَةً ثُمَّ أَحْرَمَ أَوْ أَحْرَمَ ثُمَّ حَفَرَ بِئْرًا بِحَقٍّ, كَدَارِهِ أَوْ لِلْمُسْلِمِينَ فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ لَمْ يَضْمَنْ, وَإِلَّا ضَمِنَ, كَالْآدَمِيِّ فيها2 وَأَطْلَقَ فِي الِانْتِصَارِ ضَمَانَهُ وَأَنَّهُ لَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةُ قَتْلٍ.
وَاحْتَجَّ جَمَاعَةٌ فِي الْفَارِّ مِنْ الزَّكَاةِ بِنَصْبِ الْيَهُودِ الشَّبَكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَأَخَذُوا يَوْمَ الْأَحَدِ مَا سَقَطَ فِيهَا, وَأَنَّهُ شُرِعَ لَنَا, وَمُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا لَمْ يَتَحَيَّلْ فَالْمَذْهَبُ رِوَايَةٌ واحدة, وإذا يَتَحَيَّلْ3 فَالْخِلَافُ وَعَدَمُهُ أَشْهَرُ وَأَظْهَرُ.
وَفِي الْفُصُولِ فِي أَوَاخِرِ الْحَجِّ: فِي دِبْقٍ4 قَبْلَ إحْرَامِهِ لَا يَضْمَنُ بِهِ بَلْ بَعْدَهُ, كَنَصْبِ أُحْبُولَةٍ وحفر بئر ورمي, اعتبارا بحال النصب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "و".
2 في "ط" و"س" "فيهما".
3 في النسخ الخطية و"ط" "لم يتحيل" والمثبت من الإنصاف "8/280".
4 في "س" "زبيق" والدبق: شيء يلتصق كالغراء تصاد به الطير مختار الصحاح "دبق".(5/471)
وَالرَّمْيِ, وَيَحْتَمِلُ الضَّمَانَ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْإِصَابَةِ, كَرَمْيِهِ عَبْدًا فَأَصَابَ حُرًّا, وَقَالَ: يَتَصَدَّقُ مَنْ آذَاهُ أو1 أفزعه بِحَسَبِ أَذِيَّتِهِ2, وَقَالَ: أَظُنُّهُ اسْتِحْسَانًا3 كَالْآدَمِيِّ. قَالَ: وَتَقْرِيبُهُ كَلْبًا مِنْ مَكَانِ الصَّيْدِ جِنَايَةٌ, كَتَقْرِيبِهِ الصَّيْدَ مِنْ مَهْلَكَةٍ.
وَمَنْ نَفَّرَ صَيْدًا فَتَلِفَ أَوْ نَقَصَ فِي حَالِ نُفُورِهِ ضَمِنَ, وَإِنْ كَانَ مَكَانَهُ بَعْدَ أَمْنِهِ مِنْ نُفُورِهِ فَلَا, وَقِيلَ: بَلَى; لِأَنَّ عُمَرَ دَخَلَ دَارَ النَّدْوَةِ فَأَلْقَى رِدَاءَهُ عَلَى وَاقِفٍ فِي الْبَيْتِ فَوَقَعَ عَلَيْهِ طَيْرٌ مِنْ هَذَا الْحَمَامِ فَأَطَارَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُلَطِّخَهُ بِسُلْحِهِ4 فَوَقَعَ عَلَى وَاقِفٍ آخَرَ فَانْتَهَزَتْهُ5 حَيَّةٌ فَقَتَلَتْهُ, فَقَالَ لِعُثْمَانَ وَنَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ6: إنِّي وَجَدْت فِي نَفْسِي أَنِّي أَطْرَتْهُ مِنْ مَنْزِلٍ كَانَ فِيهِ7 آمِنًا إلَى مَوْقِعَةٍ كَانَ فِيهَا حَتْفُهُ, فَقَالَ نَافِعٌ لِعُثْمَانَ: كَيْفَ تَرَى فِي غَيْرِ ثَنِيَّةٍ عَفْوًا تَحْكُمُ بِهَا عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: أَرَى ذلك فأمر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س" "و".
2 في "س" "أذنيه".
3 في "س" "استحبابا".
4 سلح الطائر سلحا من باب نفع وهومنه كالتغوط من الإنسان المصباح "سلح".
5 في "س" "فانتهزته".
6 نافع بن عبد الحارث بن خالد الخزاعي أسلم يوم الفتح وأمره عمر على مكة الإصابة "6/408". تهذيب التهذيب "10/407".
7 ليست في الأصل.(5/472)
بِهَا عُمَرُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ1.
وَإِنْ تَلِفَ فِي حَالِ نُفُورِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَوَجْهَانِ "م 23". وَإِنْ رَمَاهُ فَأَصَابَهُ ثُمَّ سَقَطَ عَلَى آخَرَ فَمَاتَا ضَمِنَهُمَا, وَإِنْ مَشَى الْمَجْرُوحُ قَلِيلًا ثُمَّ سَقَطَ عَلَى الْآخَرِ ضَمِنَ الْمَجْرُوحَ فَقَطْ, وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ يَضْمَنُهُمَا.
وَإِنْ دَلَّ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا أَوْ أَعَانَهُ أَوْ أَشَارَ فَقَتَلَهُ أَوْ اشْتَرَكَا فِي قتله فروايات: إحداهن جزاء واحد على الجميع, اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ. وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُشْتَرِكِينَ; لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْمِثْلَ فَلَا يجب غيره, {وَمَنْ قَتَلَهُ} [المائدة: 95] ظَاهِرٌ فِي الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ, فَالْقَتْلُ هُوَ الْفِعْلُ الْمُؤَدِّي إلَى خُرُوجِ الرُّوحِ, وَهُوَ فِعْلُ الْجَمَاعَةِ لا فعل كل واحد, كقوله: من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 23" قَوْلُهُ: وَإِنْ تَلِفَ فِي حَالِ نُفُورِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَوَجْهَانِ, انْتَهَى.
أَحَدُهُمَا, وَهُوَ الصَّحِيحُ, قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ, وَهُوَ الصَّوَابُ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ حَيْثُ قَالُوا: لَوْ نَفَّرَهُ فَتَلِفَ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ. وَأَطْلَقُوا التَّلَفَ. فَشَمَلَ كَلَامُهُمْ الْآفَةَ السَّمَاوِيَّةَ وَغَيْرَهَا, وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي كَلَامِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ, وَلَا يُمْكِنُ إحَالَتُهُ عَلَى غَيْرِ السَّبَبِ, فَتَعَيَّنَ إحَالَتُهُ عَلَيْهِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَضْمَنُ, قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وقيل: لا بآفة سماوية, في الأصح.
__________
1 في مسنده "1/333".(5/473)
جَاءَ بِعَبْدِي فَلَهُ دِرْهَمٌ, فَجَاءَ بِهِ جَمَاعَةٌ; لِأَنَّ الْمَجِيءَ مُشْتَرَكٌ, بِخِلَافِ: مَنْ دَخَلَ "1دَارِي فَلَهُ دِرْهَمٌ. فَدَخَلَهَا جَمَاعَةٌ, لِوُجُودِ الدُّخُولِ, وَهُوَ الِانْفِصَالُ مِنْ خَارِجٍ إلَى دَاخِلٍ1" مُنْفَرِدًا, وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "فِي الضَّبُعِ كَبْشٌ" "1وَلَمْ يُفَرِّقْ1" وَرَوَاهُ النَّجَّادُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ, وَكَذَا رَوَاهُ النَّجَّادُ وَالدَّارَقُطْنِيّ, وَرَوَيَاهُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ2. وَلَمْ يعرف لهم مُخَالِفٌ; وَلِأَنَّهُ جَزَاءٌ عَنْ مَقْتُولٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِ, وَيَحْتَمِلُ التَّبْعِيضَ, فَكَانَ وَاحِدًا, كَقِيَمِ الْعَبِيدِ وَالْمُتْلَفَاتِ, وَكَذَا الدِّيَةُ, لَا كَفَّارَةَ الْقَتْلِ, عَلَى الْأَشْهَرِ الْأَصَحِّ فِيهِمَا.
قَالَ الْقَاضِي: وَجَزَاءُ الصَّيْدِ يَتَبَعَّضُ; لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ بَعْضَ الْجَزَاءِ لَزِمَهُ إخْرَاجُهُ وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ لَا تَتَبَعَّضُ, فَلَا يَخْرُجُ بَعْضُ الرَّقَبَةِ وَيَصُومُ, وَمَتَى ثَبَتَ اتِّحَادُ3 الْجَزَاءِ فِي الْهَدْيِ ثَبَتَ فِي الصَّوْمِ, لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً} [المائدة: 95] وَلِمَا سَبَقَ.
"وَالثَّانِيَةُ" عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ جَزَاءٌ, اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ "وهـ" وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُشْتَرِكِينَ, كَكَفَّارَةِ قَتْلِ الْآدَمِيِّ وَيَأْتِي خِلَافُ الْحَنَفِيَّةِ فِي الِاشْتِرَاكِ فِي صيد الحرم4.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 1 ليست في "س".
2 الشافعي في مسنده "1/331" والدارقطني في سننه "2/246, 247".
3 في الأصل "إيجاب".
4 ص "475".(5/474)
"وَالثَّالِثَةُ": جَزَاءٌ وَاحِدٌ, إلَّا أَنْ يَكُونَ صَوْمًا فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ صَوْمٌ تَامٌّ, وَمَنْ أَهْدَى فَبِحِصَّتِهِ وَعَلَى الْآخَرِ صَوْمٌ تَامٌّ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ, وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ, وَذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِ; لِأَنَّ الْجَزَاءَ بَدَلٌ لَا كَفَّارَةٌ; لِأَنَّ اللَّهَ عَطَفَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ, وَالصَّوْمُ كَفَّارَةٌ, فَتَكْمُلُ كَكَفَّارَةِ قَتْلِ الْآدَمِيِّ1; وَلِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ: لَوْ وَطِئَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ يَتَحَمَّلُهَا "الزَّوْجُ" عَنْهَا إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ, وَإِلَّا فَعَلَى "2كُلٍّ مِنْهُمَا2" صَوْمٌ كَامِلٌ, وَهِيَ طَرِيقٌ جَيِّدَةٌ عَلَيْهِمْ, قَالَهُ الْقَاضِي, وَقِيلَ: لَا جَزَاءَ عَلَى مُحْرِمٍ مُمْسِكٍ مَعَ مُحْرِمٍ قَاتِلٍ, فَيُؤْخَذُ مِنْهُ: لَا يَلْزَمُ مُتَسَبِّبًا مَعَ مُبَاشِرٍ. وَلَعَلَّهُ أَظْهَرُ, لَا سِيَّمَا إذَا أَمْسَكَهُ ليملكه فقتله محل, وقيل: القرار عليه "وهـ" لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي جَعَلَ فِعْلَ الْمُمْسِكِ عِلَّةً وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ, وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ شِهَابٍ أَنَّهُ على الممسك, لتأكده "م 24" وأن عَكْسَهُ الْمَالُ, كَذَا قَالَ, وَإِنْ كَانَ الدَّلِيلُ وَالشَّرِيكُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ, كَالْمُحِلِّ "3فِي الْحِلِّ3" فالجزاء جميعه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"الْمَسْأَلَةُ 24" قَوْلُهُ: وَإِنْ دَلَّ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا أَوْ أَعَانَهُ أَوْ أَشَارَ فَقَتَلَهُ أَوْ اشْتَرَكَا فِي قتله فروايات: إحداهن جزاء واحد على الجميع, اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ وَالثَّانِيَةُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ جَزَاءٌ, اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالثَّالِثَةُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَوْمًا فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ صَوْمٌ تَامٌّ, وَمَنْ أَهْدَى فَبِحِصَّتِهِ وَعَلَى الْآخَرِ صَوْمٌ تَامٌّ, نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ, وَذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِ وَقِيلَ: لَا جَزَاءَ عَلَى مُحْرِمٍ مُمْسِكٍ مَعَ مُحْرِمٍ قَاتِلٍ, فَيُؤْخَذُ مِنْهُ: لَا يَلْزَمُ مُتَسَبِّبًا4
__________
1 في "س" "آدمي".
2 2 في الأصل "كل واحد منهم".
3 3 ليست في الأصل.
4 في النسخ الخطية و"ط" "ممسكا" والتصحيح من الفروع.(5/475)
عَلَى الْمُحْرِمِ, فِي الْأَشْهَرِ, قَالَ ابْنُ الْبَنَّا: نَصَّ عَلَيْهِ, كَذَا قَالَ, وَإِنَّمَا أَطْلَقَ أَحْمَدُ الْقَوْلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ, قَالَ الْقَاضِي: فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يريد به جميعه, ويحتمل بحصته "وش" وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ: لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ مُوجِبٌ وَمُسْقِطٌ, فَغَلَبَ الْإِيجَابُ, كَمُتَوَلِّدٍ بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ, وَصَيْدِ بَعْضِهِ فِي الْحِلِّ وَبَعْضِهِ فِي الْحَرَمِ, وَجَزَاءُ الصَّيْدِ آكَدُ مِنْ دِيَةِ النَّفْسِ, لِمَا سَبَقَ في الدال1, وكذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَعَ مُبَاشِرٍ, وَلَعَلَّهُ أَظْهَرُ لَا سِيَّمَا إذَا أَمْسَكَهُ لِيَمْلِكَهُ فَقَتَلَهُ مُحِلٌّ, وَقِيلَ: الْقَرَارُ عَلَيْهِ وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ, وَجَزَمَ "بِهِ" ابْنُ شِهَابٍ أَنَّهُ عَلَى الْمُمْسِكِ, لِتَأَكُّدِهِ, انْتَهَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ.
إحْدَاهُنَّ عَلَى الْجَمِيعِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ, وَهُوَ الصَّحِيحُ, اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَيْضًا وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ2 وَالْهِدَايَةِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ3 فِي مَوْضِعٍ, وَقَدَّمَهُ فِي آخَرَ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ, وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي4 وَقَالَ: هَذَا أَوْلَى, قَالَ الزَّرْكَشِيّ: هَذَا الْمُخْتَارُ مِنْ الرِّوَايَاتِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ جَزَاءٌ, اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ, وَحَكَاهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَجْهَيْنِ وأطلقهما.
وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ إنْ كَفَّرُوا بِالْمَالِ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ, وَإِنْ كَفَّرُوا بِالصِّيَامِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ كَفَّارَةٌ, وَمَنْ أَهْدَى فَبِحِصَّتِهِ وَعَلَى الْآخَرِ صَوْمٌ تَامٌّ, نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ, وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ, وَذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِ, كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ, وَقَدَّمَهُ فِي الْمُبْهِجِ وَقَالَ: هَذَا أَظْهَرُ, انْتَهَى. وَالْأَقْوَالُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بَعْدَ الرِّوَايَةِ, الْمَذْهَبُ خِلَافُهَا, وَقَدْ قدمه المصنف وغيره.
__________
1 ص "470".
2 ص "169".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "9/33".
4 "2/362".(5/476)
الْخِلَافُ إنْ كَانَ الشَّرِيكُ سَبُعًا. فَإِنْ سَبَقَ1 حَلَالٌ وَسَبُعٌ فَجَرَحَهُ2 فَعَلَى الْمُحْرِمِ جَزَاؤُهُ3 مَجْرُوحًا, وَإِنْ سَبَقَ هُوَ فَعَلَيْهِ أَرْشُ جُرْحِهِ, فَلَوْ كَانَا مُحْرِمَيْنِ ضَمِنَ الْجَارِحُ نَقْصَهُ وَالْقَاتِلُ تَتِمَّةَ الْجَزَاءِ.
وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ صَيْدٌ صَادَهُ أَوْ ذَبَحَهُ إجْمَاعًا, وَكَذَا إنْ دَلَّ حَلَالًا أَوْ أَعَانَهُ أَوْ أَشَارَ "و" وَكَذَا أَكْلُهُ مَا صيد له, نقله الجماعة "وم ش" لِأَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ4 مِنْ حَدِيثِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ5 أَنَّهُ أَهْدَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا فَرَدَّهُ عَلَيْهِ, فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِي قَالَ: "إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْك إلَّا أَنَّا حُرُمٌ".
وَلِمُسْلِمٍ6 هَذِهِ الْقِصَّةُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِيهِ: رِجْلَ حِمَارٍ, وَفِي لَفْظٍ: شِقَّ حِمَارٍ. وَفِي لَفْظٍ: عَجُزَ حِمَارٍ يَقْطُرُ دَمًا.
وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ7 بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ السَّابِقِ قَالَ: وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ حِينَ أَخْبَرْته أَنِّي اصْطَدْته لَهُ, قَالَ أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ غَيْرُ مَعْمَرٍ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ8: أنه أكل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س" "كان".
2 في النسخ الخطية "يجرحه" والمثبت من "ط".
3 في الأصل "جزاءان".
4 البخاري "18825" ومسلم "1193" "50".
5 الصعب بن جثامة بن قيس بن ربيعة بن عبد الله الليثي حليف قريش مات في خلافة أبي بكر رضي الله عنه وقيل في آخر خلافة عمر الإصابة "5/139".
6 في صحيحه "1194" "53" "54".
7 أحمد "222590" وابن ماجه "3093" والدارقطني "2/290".
8 البخاري "2854" ومسلم "1196" "63".(5/477)
مِنْهُ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ1 عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا "لَحْمُ الصَّيْدِ لَكُمْ فِي الْإِحْرَامِ حَلَالٌ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَدْ لَكُمْ" رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ: وَالتِّرْمِذِيُّ2 وَقَالَ: لَا نَعْرِفُ لِلْمُطَّلِبِ سَمَاعًا مِنْ جَابِرٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ3: يُشْبِهُ أَنَّهُ أَدْرَكَهُ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ4 أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَمْرٍو عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَمِنْ حَدِيثِهِ أَيْضًا5: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ ثِقَةٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ عَنْ جَابِرٍ. وَعَمْرو مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحَيْنِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو حَاتِمٍ وَابْنُ عَدِيٍّ: لَا بَأْسَ بِهِ, وَوَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ. وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ, وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِهَذَا الْخَبَرِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا وَقَالَ: إلَيْهِ أَذْهَبُ.
وَصَحَّ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ أُتِيَ بِلَحْمِ صَيْدٍ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا فَقَالُوا: أَلَا تَأْكُلُ أَنْتَ؟ فَقَالَ: إنِّي لَسْت كَهَيْئَتِكُمْ, إنَّمَا صِيدَ مِنْ أَجْلِي. رَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ6.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: يَجُوزُ أَكْلُهُ مَا صِيدَ لَهُ, وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الِانْتِصَارِ; لِأَنَّ خَبَرَ أَبِي قَتَادَةَ يَدُلُّ عَلَى تَعَلُّقِ التَّحْرِيمِ بِالْإِشَارَةِ والإعانة فقط, قلنا: وبالأمر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س" "خطب" وهو المطلب بن عبد الله بن حنطب القرشي المخزومي المدني أحد الثقات السير "5/317".
2 الشافعي في مسنده "1/323: وأحمد "14894" وأبو داود "1851" والنسائي في المجتبى "5/187" والترمذي "846".
3 في "س" "جابر".
4 في مسنده "15158".
5 أحمد "15185".
6 مالك في الموطأ "1/354" والشافعي في مسنده "1/324".(5/478)
وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ مِنْهُمْ الْجَوَازَ فِيهِ, وَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ, قَالَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ. وَفِي الْهِدَايَةِ لَهُمْ: يَأْكُلُ إذَا لَمْ يَدُلَّ وَلَا أَمَرَ. فَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الدَّلَالَةَ مُحْرِمَةٌ, قَالُوا: وَفِيهِ رِوَايَتَانِ, وَوَجْهُ الْحُرْمَةِ خَبَرُ أَبِي قَتَادَةَ هَذَا كَلَامُهُ, فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ, وَمَا سَبَقَ أَخَصُّ.
وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَكْلُ غَيْرِهِ, نَصَّ عَلَيْهِ "و" لِأَنَّ فِي خَبَرِ أَبِي قَتَادَةَ "هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ1, وَقَالَ ابْنُ أَخِي طَلْحَةَ: كُنَّا مَعَ طَلْحَةَ وَنَحْنُ حُرُمٌ, فَأُهْدِيَ لَنَا طَيْرٌ وَطَلْحَةُ رَاقِدٌ, فَمِنَّا مَنْ أَكَلَ, وَمِنَّا مَنْ تَوَرَّعَ فَلَمْ يَأْكُلْ, فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ طَلْحَةُ, وَفَّقَ مَنْ أَكَلَهُ وَقَالَ: أَكَلْنَاهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ2. وَأَفْتَى بِهِ, أَبُو هُرَيْرَةَ, وَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَوْ أَفْتَيْتهمْ بِغَيْرِهِ لَأَوْجَعْتُك رَوَاهُ مَالِكٌ3.
وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ4 وَغَيْرِهِمْ: يَحْرُمُ, وَقَالَهُ طَاوُسٌ, وَكَرِهَهُ الثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ لِخَبَرِ الصَّعْبِ5 وَكَمَا لَوْ دَلَّ عَلَيْهِ, وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ, وَمَا سَبَقَ أَخَصُّ, وَالْجَمْعُ أَوْلَى.
وَمَا حَرُمَ عَلَى الْمُحْرِمِ لِدَلَالَةٍ أَوْ إعَانَةٍ وَصَيْدٍ لَهُ لَا يَحْرُمُ عَلَى محرم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 تقدم تخريجه ص "469".
2 في صحيحه "1197" "65".
3 الموطأ "1/352".
4 أثر علي أخرجه أبو داود في سننه "1849" وأما أثر ابن عباس فأخرجه البيهقي في السنن الكبرى "5/194" وابن أبي شيبة في مصنفه نشرة العمري ص "341" وأما أثر عائشة فأخرجه مالك في الموطأ "1/354" وابن أبي شيبة في مصنفه نشرة العمري ص "341".
5 تقدم ص "477".(5/479)
غَيْرِهِ, كَحَلَالٍ, لِمَا سَبَقَ, وَلَنَا قَوْلٌ: يَحْرُمُ; لِأَنَّ ظَاهِرَ خَبَرِ أَبِي قَتَادَةَ تَحْرِيمُهُ إشَارَةٌ وَاحِدٌ قُلْنَا: نَعَمْ, عَلَى الْمُشِيرِ.
وَإِنْ قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا ثُمَّ أَكَلَهُ ضَمِنَهُ, لِقَتْلِهِ لَا لِأَكْلِهِ, نَصَّ عَلَيْهِ "وم ش" وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ; لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْجَزَاءِ, فَلَمْ يَتَكَرَّرْ, كَإِتْلَافِهِ بِغَيْرِ أَكْلِهِ, وَكَصَيْدِ الْحَرَمِ قَتَلَهُ حَلَالٌ وَأَكَلَهُ; وَلِأَنَّهُ حَرَمٌ وَلِأَنَّهُ مَيْتَةٌ وَلَا يَضْمَنُ; وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُهُ مُحْرِمٌ آخَرُ "و" وَكَذَا إنْ دَلَّ أَوْ أَعَانَ أَوْ أَشَارَ فَأَكَلَ مِنْهُ وَفِي الْغُنْيَةِ: عَلَيْهِ الْجَزَاءُ.
وَإِنْ أَكَلَ مَا صِيدَ لِأَجْلِهِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ, خِلَافًا لِأَصَحِّ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ, لَنَا أَنَّهُ إتْلَافٌ مُنِعَ مِنْهُ لِلْإِحْرَامِ, كَقَتْلِ الصَّيْدِ, وَلِهَذَا يُبَاحُ لِغَيْرِهِ, فَلَوْ حَرَقَهُ بِنَارٍ فَظَاهِرُ مَا سَبَقَ يَضْمَنُهُ, وَفِي الْخِلَافِ: لَا نَعْرِفُ الرِّوَايَةَ فِيهِ, وَلَوْ سَلَّمْنَا فَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ, وَكَالطِّيبِ لَوْ أَتْلَفَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ, وَلَوْ تَطَيَّبَ ضَمِنَهُ, وَيَضْمَنُ بَعْضَهُ بِمِثْلِهِ لَحْمًا, لِضَمَانِ أَصْلِهِ بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ, وَلَا مَشَقَّةَ فِيهِ, لِجَوَازِ عُدُولِهِ إلَى عَدْلِهِ مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَوْمٍ. وَفِي الْخِلَافِ: لَا يُعْرَفُ فِيمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(5/480)
دُونَ النَّفْسِ, فَلَوْ قُلْنَا بِهِ لَمْ يَمْتَنِعْ, وَإِنْ سَلَّمْنَا وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِأُصُولِهِ; لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ فِي شَعْرِهِ ثُلُثَ دَمٍ; لِأَنَّ النَّقْصَ فِيمَا يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ لَا يُضْمَنُ بِهِ, كَطَعَامِ سَوَّسَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ; وَلِأَنَّهُ يَشُقُّ, فَلَمْ يَجِبْ, كَمَا فِي الزَّكَاةِ, وَأَطْلَقَ غَيْرُهُ وَجْهَيْنِ. وَبَيْضُ الصَّيْدِ مِثْلُهُ, فِيمَا سَبَقَ.
وَإِنْ قَتَلَهُ لِصِيَالِهِ عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْ, فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ وَقِيَاسِ قَوْلِهِ, قَالَهُ الْقَاضِي, وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ "و"; لِأَنَّهُ قَتَلَهُ لِدَفْعِ شَرِّهِ, كَآدَمِيٍّ وَكَجَمْلٍ صَائِلٍ, وَسَلَّمَهُ1 الْحَنَفِيَّةُ; لِأَنَّهُ أُذِنَ مِنْ صَاحِبِ الحق وهو العبد, وهنا أذن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "وسلم".(5/481)
الشَّارِعُ لِإِذْنِهِ فِي الْفَوَاسِقِ1 لِدَفْعِ أَذًى مُتَوَهَّمٍ, فَالْمُتَحَقَّقُ أَوْلَى, وَفِي التَّنْبِيهِ: عَلَيْهِ الْجَزَاءُ, وَقَالَهُ زُفَرُ, كَجَمَلٍ صَائِلٍ عِنْدَهُمْ, وَكَقَتْلِهِ2 لِحَاجَةِ أَكْلِهِ, فِي الْأَصَحِّ "و" خِلَافًا لِلْأَوْزَاعِيِّ, وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ, وَسَوَاءٌ خَشِيَ مِنْهُ تَلَفًا أَوْ مَضَرَّةً أَوْ عَلَى بَعْضِ مَالِهِ. وَكَذَا إنْ خَلَّصَهُ مِنْ شَبَكَةٍ أَوْ سَبُعٍ وَنَحْوِهِ فَتَلِفَ قَبْلَ إرْسَالِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ, فِي الْأَشْهَرِ "و" لِأَنَّهُ فِعْلٌ مباح لحاجته3, كَمُدَاوَاةِ الْوَلِيِّ مُوَلِّيهِ, وَلَوْ أَخَذَهُ لِيُدَاوِيَهُ فَوَدِيعَةٌ, وَلَهُ أَخْذُ مَا لَا يَضُرُّهُ, كَيَدٍ مُتَأَكِّلَةٍ, وَإِنْ أَزْمَنَهُ فَجَزَاؤُهُ "و" لِأَنَّهُ كَتَالِفٍ, وَكَجُرْحٍ تُيُقِّنَ بِهِ مَوْتُهُ, وَقِيلَ: مَا نَقَصَ, لِئَلَّا يَجِبَ جَزَاءَانِ لَوْ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ; وَلِأَنَّ اللَّهَ إنَّمَا أَوْجَبَ الْجَزَاءَ بِقَتْلِهِ.
وَإِنْ جَرَحَهُ غَيْرَ مُوحٍ فَوَقَعَ فِي مَاءٍ أَوْ تَرَدَّى فَمَاتَ ضَمِنَهُ, لِتَلَفِهِ بِسَبَبِهِ, وَإِنْ جَهِلَ خَبَرَهُ فَأَرْشُ الْجُرْحِ, فَيُقَوِّمُهُ صَحِيحًا وَجَرِيحًا غَيْرَ مُنْدَمِلٍ, لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ انْدِمَالِهِ, فَيَجِبُ مَا بَيْنَهُمَا, فَإِنْ كَانَ سُدُسُهُ وَهُوَ مِثْلِيٌّ فَقِيلَ: يَجِبُ سُدُسُ مِثْلِهِ, وَقِيلَ: قِيمَةُ سُدُسِ مِثْلِهِ, وَقِيلَ: يَضْمَنُهُ كله "م 25"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 25": قَوْلُهُ: وَإِنْ جَرَحَهُ غَيْرَ مُوحٍ فَوَقَعَ فِي مَاءٍ أَوْ تَرَدَّى فَمَاتَ ضَمِنَهُ. وَإِنْ جَهِلَ خَبَرَهُ فَأَرْشُ الْجُرْحِ, فَيُقَوِّمُهُ صَحِيحًا وَجَرِيحًا غير مندمل, لعدم
__________
1 أخرجه البخاري في صحيحه "1829" من حديث عائشة رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ يُقْتَلْنَ فِي الحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور".
2 في الأصل "وكقتل".
3 في الأصل و"ط" "كحاجته".(5/482)
وكذا إن وجد1 ميتا ولم يعلم موته بالجرح, وقيل: يضمن كُلَّهُ, إحَالَةً لِلْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ الْمَعْلُومِ, وَهُوَ أظهر, كنظائره "م 26" وإن كان موحيا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَعْرِفَةِ انْدِمَالِهِ فَيَجِبُ مَا بَيْنَهُمَا, فَإِنْ كَانَ سُدُسُهُ وَهُوَ مِثْلِيٌّ فَقِيلَ يَجِبُ سُدُسُ مِثْلِهِ, وَقِيلَ: قِيمَةُ سُدُسِ مِثْلِهِ, وَقِيلَ, يَضْمَنُ كُلَّهُ, انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعَبِ.
"إحْدَاهُمَا": يَجِبُ سُدُسُ مِثْلِهِ "قُلْتُ": وَهُوَ الصَّوَابُ, وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ, قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْ الصَّيْدِ, فَإِنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ بِمِثْلِهِ مِنْ مِثْلِهِ كَمَا قَدْ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعَبِ وَغَيْرِهِمْ بِذَلِكَ, وَكَذَا صَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ, وَقَدَّمُوا وُجُوبَ مِثْلِهِ مِنْ مِثْلِهِ لَحْمًا, فَكَذَا هَذَا, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَجِبُ قِيمَةُ سُدُسِ مِثْلِهِ, قَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ, وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ قِيمَةِ مِثْلِهِ فِيمَا إذَا أَتْلَفَ2 جُزْءًا مِنْ الصَّيْدِ, وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ فِي الْمُقْنِعِ3, وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ, وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ, وَلَعَلَّ الْخِلَافَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَبْنِيٌّ عَلَى هذا الخلاف, والله أعلم.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَدَّمَ خِلَافَهُ قَدْ اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرُهُ.
"مَسْأَلَةٌ 26" قَوْلُهُ: وَكَذَا "4إنْ وَجَدَهُ4" مَيِّتًا وَلَمْ يُعْلَمْ مَوْتُهُ بِالْجُرْحِ, وَقِيلَ: يَضْمَنُ كُلَّهُ إحَالَةً لِلْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ الْمَعْلُومِ, وَهُوَ أَظْهَرُ, كَنَظَائِرِهِ, انْتَهَى. ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَتَيْنِ لِلْأَصْحَابِ, وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ أَنَّهَا كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا, فِيهَا الْخِلَافُ الْمُطْلَقُ, وَقَدْ عَلِمْتَ الصَّحِيحَ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِيهَا, فَكَذَا فِي هَذِهِ.
وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ كُلَّهُ, قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ أَظْهَرُ. "قُلْتُ": وَهُوَ الصواب.
__________
1 في "ط" "وجده".
2 في "ص" "تلف".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "9/37".
4 4 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".(5/483)
و1 غَابَ غَيْرَ مُنْدَمِلٍ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ, كَقَتْلِهِ, وَأَطْلَقَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ إذَا جَرَجَهُ وغاب وجهل خبره فعليه جزاؤه "وم" لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْمَوْتِ, كَمَا لَوْ ضَرَبَ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا, وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: لَا يَضْمَنُهُ; لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَيَاةُ فَلَا2 يَضْمَنُ بِالشَّكِّ.
وَأَجَابَ3 "الْقَاضِي" بِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الضَّمَانَ, كَالْجَنِينِ, كَذَا قَالُوا, وَلَا يَخْفَى فَسَادُهُ, وَسَبَقَ قَوْلُ مَالِكٍ وَدَاوُد أَوَّلَ الْفَصْلِ4.
وَإِنْ أَحْرَمَ وَفِي مِلْكِهِ صَيْدٌ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ وَلَا يَدُهُ الْحُكْمِيَّةُ, كَبَيْتِهِ وَنَائِبِهِ فِي غَيْرِ مَكَانِهِ وَلَا يَضُمُّهُ وَلَهُ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِ, وَمَنْ غَصَبَهُ لَزِمَهُ رَدُّهُ, وَإِنْ كَانَ بِيَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ كَرَحْلِهِ وَخَيْمَتِهِ وَقَفَصِهِ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ, وَمِلْكُهُ بَاقٍ, فَيَرُدُّهُ مَنْ أَخَذَهُ, وَيَضْمَنُهُ مَنْ قَتَلَهُ, وَإِنْ لَمْ يُرْسِلْهُ, فَقِيلَ: يَضْمَنُهُ, وَجَزَمَ الشَّيْخُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ: إنْ أَمْكَنَهُ, وَإِلَّا فَلَا, لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ "م 27" نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْيَدَيْنِ, وَعَلَيْهِ الأصحاب "وهـ م"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 27" قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ بِيَدِهِ الْمُشَاهَدَةُ كَرَحْلِهِ وخيمته وقفصه لزمه
__________
1 في الأصل "أو".
2 في الأصل "فلم".
3 بعدها في "ط" "القاضي".
4 ص "467".(5/484)
وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا يَزُولُ مِلْكُهُ مُطْلَقًا, وَالثَّانِي لَا.
وَلَهُ فِي لُزُومِ إرْسَالِهِ مُطْلَقًا قَوْلَانِ, وَالْأَشْهَرُ لِلْحَنَفِيَّةِ: لَا يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ مِنْ قَفَصٍ مَعَهُ, وَلَهُمْ قَوْلٌ: إنْ كَانَ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضِيعُ, لَنَا عَلَى بَقَاءِ مِلْكِهِ قِيَاسُهُ عَلَى سَائِرِ أَمْلَاكِهِ, وَلَا يَلْزَمُ مَنْ مُنِعَ ابْتِدَاءَ تَمَلُّكِهِ زَوَالُهُ, بِدَلِيلِ الْبُضْعِ, وَلَا مَنْ رَفَعَ يَدَهُ الْمُشَاهَدَةَ; لِأَنَّهُ فِعْلٌ فِي الصَّيْدِ, وَالْمُشْتَرِي يَلْزَمُهُ رَفْعُ يَدِهِ عَنْ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ وَمِلْكُهُ ثَابِتٌ, وَلَنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إزَالَةُ يَدِهِ الْحُكْمِيَّةِ أَنَّهُ إنَّمَا نُهِيَ عَنْ فِعْلِهِ فِي الصَّيْدِ وَلَمْ يَفْعَلْ, وَلِهَذَا لَوْ جَرَحَهُ حَلَالًا فَمَاتَ بَعْدَ إحْرَامِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ, بِخِلَافِ يَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
إرْسَالُهُ, وَمِلْكُهُ بَاقٍ. وَإِنْ لَمْ يُرْسِلْهُ فَقِيلَ: يَضْمَنُهُ, وَجَزَمَ الشَّيْخُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ: إنْ أَمْكَنَهُ, وَإِلَّا فَلَا, لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ, انْتَهَى.
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الضَّمَانُ مُطْلَقًا ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ فِي الْمُقْنِعِ1 وَالنَّاظِمُ وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَغَيْرُهُمْ, وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِابْنِ عَقِيلٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ, وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ فِي الْمُغْنِي2, وَكَذَا الشَّارِحُ وَابْنُ رَزِينٍ. وَابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ, وَغَيْرُهُ, وَقَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ, وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ: نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى التَّفْرِقَةِ بين اليدين, وعليه الأصحاب.
__________
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "9/36".
2 "5/422 – 423".(5/485)
فَإِنَّهُ فَعَلَ الْإِمْسَاكَ, وَاسْتِدَامَتُهُ كَابْتِدَائِهِ, وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُمْسِكُ شَيْئًا حَنِثَ بِاسْتِدَامَتِهِ, فَهُوَ كَاللُّبْسِ.
وَإِنْ أَرْسَلَهُ إنْسَانٌ مِنْ يَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ لَمْ يَضْمَنْهُ, ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ "وم ش" وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ; لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا تَعَيَّنَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِعْلُهُ فِي هَذِهِ الْعَيْنِ خَاصَّةً, كَالْمَغْصُوبِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُهُ; لِأَنَّ مِلْكَهُ مُحْتَرَمٌ, فَلَا يَبْطُلُ بِإِحْرَامِهِ, وَقَدْ أَتْلَفَهُ الْمُرْسِلُ, وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُ, وَيُمْكِنُهُ ذَلِكَ بِتَخْلِيَتِهِ بِنِيَّتِهِ, بِخِلَافِ أَخْذِهِ فِي الْإِحْرَامِ, فَإِنَّهُ1 لَمْ يَمْلِكْهُ, فَلَا يَضْمَنُهُ مُرْسِلُهُ "و" قِيلَ لِلْقَاضِي: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ حَتَّى يَلْحَقَ بِالْوَحْشِ, بَلْ يَرْفَعُ يَدَهُ وَيَتْرُكُهُ فِي مَنْزِلِهِ وَفِي قَفَصِهِ, فَقَالَ: أَمَّا عَلَى أَصْلِنَا فَيَلْزَمُهُ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: يُرْسِلُهُ, وَأَمَّا عَلَى قَوْلِكُمْ, ثُمَّ قَاسَهُ عَلَى مَا اصْطَادَهُ حَالَ الْإِحْرَامِ, وَهَذَا الْفَرْعُ فِيهِ نَظَرٌ, وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ خِلَافُهُ, وَقَدْ فَرَّقَ هُوَ فِي بَحْثِهِ مَعَ الشَّافِعِيِّ بِمَنْعِ ابْتِدَاءِ التَّمْلِيكِ; وَلِهَذَا قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ: لَا يُرْسِلُهُ بَعْدَ حِلِّهِ, كَمَا لَا يَتْرُكُ اللُّبْسَ بَعْد حِلِّهِ, وَيَلْزَمُهُ قَبْلَهُ, وَاعْتَبَرَهُ فِي الْمُغْنِي2 بِعَصِيرٍ تَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ قَبْلَ إرَاقَتِهِ, فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ مُتَوَجِّهٌ.
وَفِي الْكَافِي3: يُرْسِلُهُ بَعْدَ حِلِّهِ, كَمَا لَوْ صَادَهُ, كَذَا قَالَ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ, وَلَا يَصِحُّ نَقْلُ مِلْكِهِ 4عَمَّا بِيَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ. وَفِيهِ نَظَرٌ.
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: إنْ أَحْرَمَ وَعِنْدَهُ صَيْدٌ زَالَ مِلْكُهُ4 عَنْهُ; لِأَنَّهُ لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س" "لأنه".
2 "5/423".
3 "2/392".
4 4 ليست في "س".(5/486)
يَجُوزُ ابْتِدَاءُ تَمَلُّكِهِ, وَالنِّكَاحُ يُرَادُ لِلِاسْتِدَامَةِ وَالْبَقَاءِ; فَلِهَذَا لَا يَزُولُ. كَذَا قَالَ.
وَإِنْ مَلَكَ صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَأَدْخَلَهُ الْحَرَمَ لَزِمَهُ رَفْعُ يَدِهِ وَإِرْسَالُهُ, فَإِنْ أَتْلَفَهُ أَوْ تَلِفَ ضَمِنَهُ, كَصَيْدِ الْحِلِّ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ, نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ, وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ "وهـ". وَيَتَوَجَّهُ: لَا يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ وَلَهُ ذَبْحُهُ وَنَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِ وم ش" لِأَنَّ الشَّارِعَ إنَّمَا نَهَى عَنْ تَنْفِيرِ صَيْدِ مَكَّةَ, وَلَمْ يُبَيِّنْ مِثْلَ هَذَا الْحُكْمِ الْخَفِيِّ مع كثرة وقوعه والصحابة مختلفون فيه1, وَقِيَاسُهُ عَلَى الْإِحْرَامِ فِيهِ نَظَرٌ; لِأَنَّهُ آكَدُ لِتَحْرِيمِهِ مَا لَا يُحَرِّمُهُ.
وَلَا يَمْلِكُ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ إرْثٍ "و" لِخَبَرِ الصَّعْبِ السَّابِقِ2, فَلَيْسَ مَحَلًّا لِلتَّمْلِيكِ; لِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُ عَلَيْهِ كَالْخَمْرِ. وَإِنْ قَبَضَهُ ثُمَّ تَلِفَ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ, وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْمُعَيَّنِ لِمَالِكِهِ أَيْضًا. وَفِي الرِّعَايَةِ: لَا شَيْءَ لِوَاهِبِهِ, وَإِنْ قَبَضَهُ رَهْنًا فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ فَقَطْ وَعَلَيْهِ رَدُّهُ3. وَإِنْ أَرْسَلَهُ ضَمِنَهُ لِمَالِكِهِ وَلَا جَزَاءَ, وَيَرُدُّ الْمَبِيعَ, وَقِيلَ: يُرْسِلُهُ لِئَلَّا تَثْبُتَ يَدُهُ الْمُشَاهَدَةُ عَلَيْهِ "وهـ م" وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ, وَمِثْلُهُ مُتَّهِبُهُ عَلَى وَاهِبِهِ, فَإِنْ تَلِفَ بَعْدَ رَدِّهِ فَهَدَرٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في الأصل.
2 ص "477".
3 أي: إن لم يتلف.(5/487)
وَلَا يُتَوَكَّلُ فِي صَيْدٍ, وَلَا يَصِحُّ عَقْدُهُ وَلَا فَسْخُ بَائِعِهِ بِعَيْبٍ أَوْ خِيَارٍ بَلْ فَسْخُ الْمُشْتَرِي بِهِمَا, وَلَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُحْرِمِ وَيُرْسِلُهُ.
وَيَمْلِكُهُ بِإِرْثٍ; لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ مِنْهُ. وَيَمْلِكُ بِهِ الْكَافِرُ, فَجَرَى مَجْرَى الِاسْتِدَامَةِ. وَقِيلَ: لَا, كَغَيْرِهِ, فَيَكُونُ أَحَقَّ بِهِ فَيَمْلِكُهُ إذَا حَلَّ. وَفِي الرِّعَايَةِ: يَمْلِكُهُ بِشِرَاءٍ وَاتِّهَابٍ.
وَإِنْ ذَبَحَ صَيْدًا أَوْ قَتَلَهُ فَمَيْتَةٌ, نَصَّ عَلَيْهِ "و" قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: وَلَوْ قَتَلَهُ لِصُولِهِ; لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ لِمَعْنًى فِيهِ, لِحَقِّ اللَّهِ, كَذَبِيحَةِ الْمَجُوسِ, فَسَاوَاهُ فِيهِ, وَإِنْ خَالَفَهُ فِي غَيْرِهِ; وَلِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ فَلَمْ يَحِلَّ لِغَيْرِهِ, كَذَبْحٍ لَمْ يُقْطَعْ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ, وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِجُرْحِهِ, وَالْمِلْكُ أوسع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ: وَيَمْلِكُهُ بِإِرْثٍ, وَقِيلَ: لَا. وَفِي الرعاية: يملكه بشراء واتهاب, انْتَهَى.
قُلْتُ: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَا يَمْلِكُ صَيْدًا بِاصْطِيَادِهِ بِحَالٍّ وَلَا بِشِرَاءٍ وَلَا اتِّهَابٍ فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا, انْتَهَى. فَلَعَلَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَقْصًا, وَتَقْدِيرُهُ: وَفِي الرِّعَايَةِ قَوْلٌ: يَمْلِكُهُ بشراء واتهاب, والله أعلم.(5/488)
مِنْ الْإِبَاحَةِ, بِدَلِيلِ الْمَجُوسِيِّ, فَتَحْرِيمُهُ أَوْلَى, وَهَذَا أَخَصُّ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] ومن قوله صلى الله عليه وسلم: "مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ" 1.
وَعَنْ الْحَكَمِ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ إبَاحَتُهُ, وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ, وَلَهُ قَوْلٌ: يَحِلُّ لِغَيْرِهِ. وَأَبَاحَهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ2 وَأَيُّوبُ3 لِحَلَالٍ.
وَإِنْ اُضْطُرَّ فَذَبَحَهُ فَمَيْتَةٌ أَيْضًا, ذَكَرَهُ الْقَاضِي, وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ أَحْمَدَ "رَحِمَهُ اللَّهُ" كُلُّ مَا اصْطَادَهُ الْمُحْرِمُ أَوْ قَتَلَهُ فَإِنَّمَا هُوَ قَتْلٌ قَتَلَهُ, كَذَا قَالَهُ الْقَاضِي, وَيَتَوَجَّهُ حِلُّهُ لِحِلِّ فِعْلِهِ وَإِنْ ذَبَحَ مُحِلٌّ صَيْدَ حَرَمٍ فَكَالْمُحْرِمِ وَلِلْحَنَفِيَّةِ قَوْلَانِ.
وَإِنْ كَسَرَ مُحْرِمٌ بَيْضَ صَيْدٍ حَلَّ لِمُحِلٍّ, كَكَسْرِ مَجُوسِيٍّ, وَحَرَّمَهُ الْقَاضِي, لِأَنَّهُ كَالذَّبْحِ, لِحِلِّهِ لِمُحْرِمٍ بِكَسْرِ مُحِلٍّ لَا بكسر محرم. وفي الرعاية: يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا كَسَرَهُ, وَقِيلَ: وَعَلَى حَلَالٍ ومحرم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه البخاري "5503" ومسلم "1968" "20".
2 عمرو بن دينار المكي أبو محمد الأثرم الجمحي مولاهم أحد الأعلام ثقة ثبت كثير الحديث وكان مفتي أهل مكة في زمانه "ت 126 هـ" تهذيب التهذيب "3/268".
3 أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني أبو بكر البصري وكان ثقة ثبتا في الحديث جامعا كثير العلم حجة عدلا "ت 131 هـ" تهذيب التهذيب "1/200 – 201".(5/489)
وَإِنْ أَمْسَكَ مُحْرِمٌ صَيْدًا حَتَّى حَلَّ ضَمِنَهُ بِتَلَفِهِ, لِتَحْرِيمِ إمْسَاكِهِ, كَغَصْبٍ, وَكَذَا بِذَبْحِهِ, وَهُوَ مَيْتَةٌ, لِضَمَانِهِ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ, كَحَالِ إحْرَامِهِ, وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يَأْكُلُهُ وَيَضْمَنُهُ كَصَيْدِهِ بَعْدَ الْحِلِّ, كَذَا قَالَ, وَكَذَا إنْ أَمْسَكَ صَيْدَ حَرَمٍ وَخَرَجَ إلَى الْحِلِّ.
وَإِنْ جَلَبَهُ ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ "و". وَهَلْ يَحْرُمُ أَمْ لَا؟ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الصَّيْدِ لِعَارِضٍ فِيهِ احْتِمَالَانِ, قَالَهُ فِي الْفُنُونِ, فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ بَيْضُهُ "م 28" وَيَضْمَنُ الصَّيْدَ بِمِثْلِهِ, نص عليه "وم ش" وَدَاوُد.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ: بِقِيمَتِهِ, ثُمَّ لَهُ صَرْفُهَا فِي النَّعَمِ الَّتِي تَجُوزُ فِي الْهَدَايَا فَقَطْ. لَنَا {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ} [المائدة: 95] الْآيَةَ.
{فَجَزَاءٌ} مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ يُقْرَأُ في السبع بتنوينه1, {مِثْلُ} صِفَةٌ أَوْ بَدَلٌ, وَيُقْرَأُ شَاذًّا2 بِنَصَبِ {مِثْلُ} , أَيْ يَخْرُجُ مِثْلُ. وَقَدَّرْنَا لِأَنَّ الْجَزَاءَ يَتَعَدَّى بِحَرْفِ الْجَرِّ, وَيُقْرَأُ بِإِضَافَةِ الْجَزَاءِ إلَى {مِثْلُ} 3, فمثل في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 28" قَوْلُهُ: وَكَذَا إنْ أَمْسَكَ صَيْدَ حَرَمٍ وَخَرَجَ إلَى الْحِلِّ. ضَمِنَهُ بِتَلَفِهِ وَإِنْ جَلَبَهُ ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ, وَهَلْ يَحْرُمُ أَمْ لَا؟ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الصَّيْدِ لِعَارِضٍ فِيهِ احْتِمَالَانِ, قَالَهُ فِي الْفُنُونِ, فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ بَيْضِهِ, انْتَهَى. "قُلْتُ": الصَّوَابُ التَّحْرِيمُ كَأَصْلِهِ, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ, وَاَللَّهُ أعلم.
__________
1 قرأ بالتنوين من السبعة الكوفيين عاصم وحمزة والكسائي التيسير في القراءات السبع للداني ص "100".
2 هذه القراءة الشاذة قراءة أبي عبد الرحمن السلمي البحر المحيط "4/18".
3 قرأ بالإضافة باقي السبعة نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر التيسير في القراءات السبع ص "100".(5/490)
حُكْمِ الزَّائِدِ, كَقَوْلِهِمْ: مِثْلِي لَا يَقُولُ ذَلِكَ, أَيْ أَنَا لَا أَقُولُ, وَقَدَّرْنَا; لِأَنَّ الَّذِي يجب به الجزاء المقتول لا مثله, و {مِنَ النَّعَمِ} صِفَةٌ لِجَزَاءٍ إنْ نَوَّنْته, أَيْ جَزَاءٌ كَائِنٌ مِنْ النَّعَمِ, وَيَجُوزُ تَعَلُّقُهُ بِهِ إنْ نصبت {مِثْلُ} , لِعَمَلِهِ فِيهِمَا; لِأَنَّهُمَا مِنْ صِلَته, لَا إنْ رَفَعْته; لِأَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ صِلَتِهِ, وَلَا يُفْصَلُ بَيْنَ الصِّلَةِ وَالْمَوْصُولِ بِصِفَةٍ أَوْ بَدَلٍ, وَيَجُوزُ تَعَلُّقُهُ بِهِ إنْ أَضَفْته. وَيَجُوزُ مُطْلَقًا جَعْلُهُ حَالًا مِنْ الضَّمِيرِ فِي {قَتَلَ} ; لِأَنَّ الْمَقْتُولَ يَكُونُ مِنْ النَّعَمِ و {يَحْكُمُ بِهِ} صِفَةُ جَزَاءٍ إذَا نَوَّنْته1, وَإِذَا أَضَفْته فَفِي مَوْضِعِ حَالٍ عَامِلُهَا مَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ الْمُقَدَّرِ فِي الْخَبَرِ الْمَحْذُوفِ.
وَقَالَ جَابِرٌ سَأَلْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الضَّبُعِ فَقَالَ: "هُوَ صَيْدٌ وَيُجْعَلُ فِيهِ كَبْشٌ إذَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد2.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْهُ. حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ3.
عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الضَّبُعِ إذَا أَصَابَهَا الْمُحْرِمُ: "جَزَاءٌ كَبْشٌ مُسِنٌّ وَتُؤْكَلُ" إسْنَادُهُ جَيِّدٌ, رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4 وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَالِحٌ, وَلَهُ أَيْضًا عَنْ ابن عباس مرفوعا بإسناد حسن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س" "نويته".
2 في سننه "3801".
3 في سننه "3085".
4 في سننه "2/245".(5/491)
وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ1 عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا, وَلَهُ2 عَنْ الْأَجْلَحِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: فِي الضَّبُعِ إذَا أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ كَبْشٌ, وَفِي الظَّبْيِ شَاةٌ, وَفِي الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ. وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ وَالْجَفْرَةُ: الَّتِي قَدْ أَرْبَعَتْ.
الْأَجْلَحُ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَالْعِجْلِيُّ, وَضَعَّفَهُ النَّسَائِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: صَدُوقٌ, وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: مَا أَقْرَبَهُ مِنْ فِطْرٍ وَفِطْرٌ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَالْأَكْثَرُ. وَكِلَاهُمَا شِيعِيٌّ. وَلِمَالِكٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ قَضَى فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ, وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ, وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ, وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: أَذْهَبُ إلَيْهِ, وَحَكَمَ عُمَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي ظَبْيٍ بِعَنْزٍ, رَوَاهُ مَالِكٌ3 مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْهُ, وَلَمْ يُدْرِكْهُ.
وَعَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ أَنَّ أَرْبَدَ أَوْطَأَ ظَبْيًا فَفَزَرَ ظَهْرَهُ فَسَأَلَ أَرْبَدَ عُمَرَ فَقَالَ: اُحْكُمْ يَا أَرْبَدُ فِيهِ. فَقَالَ: أَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي يَا أمير المؤمنين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في مسنده "1/329".
2 الدارقطني "2/246".
3 في الموطأ "1/414".(5/492)
وَأَعْلَمُ, فَقَالَ عُمَرُ: إنَّمَا أَمَرْتُك أَنْ تَحْكُمَ فِيهِ وَلَمْ آمُرْك أَنْ تُزَكِّيَنِي, فَقَالَ أَرْبَدُ: أَرَى فِيهِ جَدْيًا قَدْ جَمَعَ الْمَاءَ وَالشَّجَرَ فَقَالَ عُمَرُ: فَذَلِكَ فِيهِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ1, وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَضَى فِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ, رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ2, وَقَضَى ابْنُ عُمَرَ عَلَى جَمَاعَةٍ فِي ضَبُعٍ بِكَبْشٍ, رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3, وَقَضَى ابْنُ عَبَّاسٍ فِي حَمَامَةٍ بِشَاةٍ, قَالَ عَطَاءٌ: مِنْ حَمَامِ مَكَّةَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ4.
قَالَ أَصْحَابُنَا هُوَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ, وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْقِيمَةِ, لِمَا سَبَقَ مِنْ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ, وَقَوْلِهِ لِعُمَرَ: قَدْ جَمَعَ الْمَاءَ وَالشَّجَرَ, وَلِاخْتِلَافِ الْقِيمَةِ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالسِّعْرِ وَصِفَةِ الْمُتْلَفِ, وَلَمْ يُوصَفْ لَهُمْ وَلَمْ يَسْأَلُوا عَنْهُ; وَلِأَنَّ الْجَفْرَةَ لَا تُجْزِئُ فِي الْهَدَايَا; وَلِأَنَّهَا خَيْرٌ مِنْ الْيَرْبُوعِ, وَالشَّاةُ خَيْرٌ مِنْ الْحَمَامَةِ, وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مُخْرَجٌ عَلَى وَجْهِ التَّكْفِيرِ, فَكَانَ أَصْلًا, كَالْعِتْقِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ, وَبَعْضُهُ هَلْ يَضْمَنُهُ بِمِثْلِهِ أَمْ بِقِيمَتِهِ؟ سَبَقَ فِيمَا إذَا أَكَلَ مِمَّا صِيدَ لَهُ5.
وَإِنْ كَانَ الصَّيْدُ مَمْلُوكًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ لَزِمَهُ مَعَ ضَمَانِ قِيمَتِهِ لربه "و"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في مسنده "1/332".
2 في مسنده "1/331".
3 في سننه "2/250".
4 في مسنده "1/334".
5 ص "468 – 469".(5/493)
الْجَزَاءُ نَصَّ عَلَيْهِ "و" فَإِنْ حَرُمَ أَكْلُهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ, وَإِنْ حَلَّ ضَمِنَ نَقْصَهُ, لِعُمُومِ الْآيَةِ1 وَالْخَبَرِ1; لِأَنَّهُ صَيْدٌ حَقِيقَةً; وَلِأَنَّهُ مُنِعَ مِنْ قَتْلِهِ لِلْإِحْرَامِ, كَغَيْرِهِ; وَلِأَنَّهُ كَفَّارَةٌ فَاجْتَمَعَا, كَالْعَبْدِ وَعِنْدَ دَاوُد: لَا جَزَاءَ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَمَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ فِي الْحَرَمِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ يَضْمَنُ مُتْلِفُهُ قِيمَتَهُ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ, وَقِيمَةً أُخْرَى لِمَالِكِهِ. كَصَيْدِ حَرَمِيٍّ, وَمَعْنَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِمْ: إنْ مَلَكَ الْأَرْضَ بِمَا نَبَتَ فِيهَا. وَيُعْتَبَرُ الْمِثْلُ بِقَضَاءِ الصَّحَابَةِ نَقَلَ إسْمَاعِيلُ الشَّالَنْجِيُّ: هُوَ عَلَى مَا حَكَمَ الصَّحَابَةُ, زَادَ أَبُو نَصْرٍ الْعِجْلِيُّ: لَا يُحْتَاجُ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى "وش" لِأَنَّهُمْ أَعْرَفُ وَأَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ.
واحتج الشيخ "وغيره" بقوله صلى الله عليه وسلم: "اقْتَدُوا بِاَلَّذِينَ مِنْ بَعْدِي" 2 "وَأَصْحَابِي كَالنُّجُومِ"3 وَعِنْدَ مالك: يستأنف الحكم ولا يكتفى به,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 تقدما ص "467 – 468".
2 أخرجه الترمذي "3662" وابن ماجه "97" من حديث حذيفة ين اليمان رضي الله عنه.
3 أخرجه عبد بن حميد في مسنده عن ابن عمر ص "250" وانظر التلخيص الحبير "4/190".(5/494)
لِقَوْلِهِ: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] .
وَاحْتَجَّ بِهِ الْقَاضِي لَنَا وَقَالَ لِخَصْمِهِ: لَا يَقْتَضِي تَكْرَارَ الْحُكْمِ, كَقَوْلِهِ: لَا تَضْرِبْ زَيْدًا وَمَنْ ضَرَبَهُ فَعَلَيْهِ دِينَارٌ, لَا يَتَكَرَّرُ الدِّينَارُ بِضَرْبٍ وَاحِدٍ, كَذَا مَثَّلَ وَقَاسَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى مَا حَكَمَ فِيهِ بِمِثْلِهِ صَحَابِيَّانِ فِي وَقْتِهِمَا. وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ فَرْضَ الْأَصْحَابِ الْمَسْأَلَةَ فِي الصَّحَابِيِّينَ إنْ كَانَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ قُلْنَا فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَإِنْ كَانَ لِسَبْقِ الْحُكْمِ فِيهِ فَحُكْمُ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ مِثْلُهُ فِي هَذَا1, لِلْآيَةِ. وَقَدْ احْتَجَّ بِهَا الْقَاضِي.
وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: كُلُّ مَا تَقَدَّمَ فِيهِ مِنْ حُكْمٍ فَهُوَ عَلَى ذَلِكَ. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: يَتْبَعُ مَا جَاءَ, قَدْ حَكَمَ وَفَرَغَ مِنْهُ. وَقَدْ رَجَعَ الْأَصْحَابُ فِي بَعْضِ الْمِثْلِيِّ إلَى غَيْرِ الصَّحَابِيِّ, كَمَا يَأْتِي, فَإِنْ عُدِمَ فَقَوْلُ عَدْلَيْنِ وَلَا يَكْفِي وَاحِدٌ, خِلَافًا لِأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ خَبِيرَيْنِ, لِاعْتِبَارِ الْخِبْرَةِ بِمَا يَحْكُمُ بِهِ, فَيَعْتَبِرَانِ الشَّبَهَ خِلْقَةً لَا قِيمَةً, كَفِعْلِ الصَّحَابَةِ, وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا الْقَاتِلَ, نَصَّ عَلَيْهِ "م" وَهُمَا أَيْضًا "م" لِظَاهِرِ الْآيَةِ, وَلِقِصَّةِ أَرْبَدَ السَّابِقَةِ2; وَلِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ, كَتَقْوِيمِهِ عَرَضَ الزَّكَاةِ لِإِخْرَاجِهَا, قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ إذَا قَتَلَ خَطَأً; لِأَنَّ الْعَمْدَ يُنَافِي الْعَدَالَةَ, إلَّا جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ لِعَدَمِ فِسْقِهِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَعَلَى قِيَاسِهِ قَتْلُهُ لِحَاجَةِ أَكْلِهِ, فَمِنْ الْمِثْلِيِّ, فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ رُوِيَ عَنْ عمر وعثمان وعلي وزيد وابن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في الأصل "هذه".
2 ص "492".(5/495)
عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ1 وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ, لِأَنَّهَا تُشْبِهُهَا, وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قِيمَتُهَا. وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ.
وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ2 وَعُرْوَةَ وَمُجَاهِدٍ وَالشَّافِعِيِّ, وَعَنْ أَحْمَدَ: بَدَنَةٌ, رُوِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ3.
وَفِي بَقَرَةِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ, رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ4 وَعَطَاءٍ وَعُرْوَةَ وَقَتَادَةُ وَالشَّافِعِيُّ.
وَفِي الْأُيَّلِ بَقَرَةٌ, رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ5. وَالتَّيْتَلُ "وَالْوَعْلُ" كَالْأُيَّلِ.
وَعَنْهُ: فِي كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ بَدَنَةٌ, ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْوَاضِحِ وَالتَّبْصِرَةِ.
وَعَنْهُ: لَا جَزَاءَ لِبَقَرَةِ الْوَحْشِ, كَجَامُوسٍ.
وَفِي صِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ: التَّيْتَلُ الْوَعْلُ الْمُسِنُّ, قال: والوعل هي الأروى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "5/182".
2 لم نجده مسندا عن عمر قال في المغني "5/402" وحكم أبو عبيدة وابن عباس في حمار الوحش ببدنة وحكم عمر فيه ببقرة انتهى.
3 أثر أبي عبيدة أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "5/182" وروي عن ابن عباس وفي الحماربقرة أخرجه الدارقطني في سننه "2/247".
4 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "8209".
5 أخرجه البيهقي في معرفة السنن والآثار "7/404".(5/496)
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ1 فِي الْأَرْوَى بَقَرَةٌ.
وَفِي الضَّبُعِ كَبْشٌ "وش" لِمَا سَبَقَ قَالَ أَحْمَدُ: حَكَمَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشٍ2. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: كَانَ الْعُلَمَاءُ بِالشَّامِ يَعُدُّونَهَا مِنْ السِّبَاعِ وَيَكْرَهُونَ أَكْلَهَا قَالَ الشَّيْخُ: وَهُوَ الْقِيَاسُ, إلَّا أَنَّ السُّنَّةَ أَوْلَى.
وَفِي الظَّبْيِ وَهُوَ الْغَزَالُ شَاةٌ "وش" كَمَا سَبَقَ, وَكَذَا الثَّعْلَبُ إنْ أُكِلَ "وم ش" لِأَنَّهُ يُشْبِهُهُ, وَعَنْ قَتَادَةَ وَطَاوُسٍ: فِيهِ الْجَزَاءُ, وَلَنَا وَجْهٌ أَوْ حُرِّمَ تَغْلِيبًا, وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً وَأَنَّ عَلَيْهَا لَا يَقُومُ, وَنَقَلَ بَكْرٌ: عَلَيْهِ جَزَاءٌ, هُوَ صَيْدٌ لَكِنْ لَا يُؤْكَلُ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِيهِ وَفِي السِّنَّوْرِ: يَحْرُمُ أَكْلُهُمَا وَقَتْلُهُمَا, وَفِي الْقِيمَةِ بِقَتْلِهِمَا رِوَايَتَانِ, وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِي السِّنَّوْرِ أَهْلِيًّا أَوْ بَرِّيًّا حُكُومَةً, وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى النَّدْبِ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: فِي سِنَّوْرِ الْبَرِّ حُكُومَةٌ, وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمُسْتَوْعِبُ: مَا فِي حِلِّهِ خِلَافٌ كَثَعْلَبٍ وَسِنَّوْرٍ وَهُدْهُدٍ وَصُرَدٍ وَغَيْرِهَا فَفِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ الْخِلَافُ, وَفِي الرِّعَايَةِ: إنْ أُبِحْنَ, وَفِيهِنَّ السِّنَّوْرُ الْأَهْلِيُّ عَلَى قَوْلٍ, وَمُرَادُهُ بِالْإِبَاحَةِ غَيْرُهُ, وَفِي الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ "وش" لِمَا سَبَقَ, وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ3 فيه جمل وعن عطاء شاة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 لم نقف عليه من رواية ابن عمر لكن أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "8211" عن عطاء.
2 تقدم تخريجه ص "493".
3 أخرجه البيهقي في معرفة السنن والآثار "7/410" عن ابن عباس في الأرنب شاة.(5/497)
وَالْعَنَاقُ أُنْثَى مِنْ وَلَدِ الْمَعْزِ دُونَ الْجَفْرَةِ.
وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ, "وش" نَصَّ عَلَيْهِ, لِمَا سَبَقَ, وَهِيَ مِنْ الْمَعْزِ لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ. وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فُطِمَتْ وَرَعَتْ, وَقِيلَ: يَرُوحُ بِهَا الرَّاعِي عَلَى يَدَيْهِ وَعَنْ أَحْمَدَ, جَدْيٌ, وَقِيلَ: شَاةٌ, وَقِيلَ: عَنَاقٌ.
وَفِي الضَّبِّ جَدْيٌ "وش" لِمَا سَبَقَ, وَعَنْهُ: شَاةٌ; لِأَنَّهُ قَوْلُ جابر1
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 لم نجده.(5/498)
وَعَطَاءٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: قِيمَتُهُ.
وَالْوَبَرُ كَالضَّبِّ, وَقَالَ الْقَاضِي: فِيهِ جَفْرَةٌ "وش" لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَكْبَرَ مِنْهَا: وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ: شَاةٌ.
وَفِي الْحَمَامِ: شَاةٌ, نَصَّ عَلَيْهِ "وش" لِمَا سَبَقَ. وَلِلنَّجَّادِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ, جَابِرٍ قَالَ: قَضَى عُمَرُ فِي الْمُحْرِمِ فِي الطَّيْرِ إذَا أَصَابَهُ شَاةٌ1, وَلِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ لِحَقِّ اللَّهِ, كَحَمَامِ الْحَرَمِ, وَقِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى جِنْسِهِ أَوْلَى; وَلِأَنَّ الشَّاةَ إذَا كَانَتْ مِثْلًا فِي الْحَرَمِ فَكَذَا الْحِلُّ, وَعِنْدَ مَالِكٍ فِي حَمَامِ الْحَرَمِ: فِيهِ شَاةٌ, وَفِي الْحِلِّ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا شَاةٌ, وَالثَّانِيَةُ حُكُومَةٌ. كَحَمَامِ الْحِلِّ.
وَالْحَمَامُ كُلُّ مَا عَبَّ الْمَاءَ أَيْ يَضَعُ مِنْقَارَهُ فِيهِ فَيَكْرَعُ وَيَهْدُرُ كَالشَّاةِ وَيُشْبِهُهَا فِيهِ, لَا يَشْرَبُ قَطْرَةً قَطْرَةً كَبَقِيَّةِ الطَّيْرِ, فَمِمَّا شَرِبَ كَالْحَمَّامِ وَالْعَرَبِ تُسَمِّيهِ حَمَامًا القطا2 والفواخيت3 والوراشين والقمري والدبسي والشفانين4.
وَفِي التَّبْصِرَةِ وَالْغُنْيَةِ وَغَيْرِهِمَا: فِي كُلِّ مُطَوَّقٍ شَاةٌ; لِأَنَّهُ حَمَامٌ, وَقَالَهُ الْكِسَائِيُّ, فَالْحَجَلُ مُطَوَّقٌ وَلَا يَعُبُّ, فَفِيهِ الْخِلَافُ.
وَيَضْمَنُ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ والصحيح والمعيب والذكر والأنثى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه الشافعي بمعناه في الأم "2/195" وأخرجه أيضا في مسنده عن ابن عباس "1/334".
2 القطا: ضرب من الحمام الواحدة قطاة ويجمع أيضا على قطوات المصباح "قطو".
3 الفواخت: جمع فاختة وهي ضرب من الحمام المطوق لسان العرب "فخت".
4 الشفانين: جمع شفنين هو الذي تسميه العامة اليمام صوت كصوته الرباب وفيه تحزين حياة الجيوان الكبرى للدميري "2/53".(5/499)
وَالْحَامِلَ وَالْحَائِلَ بِمِثْلِهِ, لِظَاهِرِ الْآيَةِ, وَالْهَدْيُ فِيهَا مُقَيَّدٌ بِالْمِثْلِ, وَلِهَذَا فِيهِ مَا لَا يَجُوزُ هَدْيًا مُطْلَقًا كَالْجَفْرَةِ وَالْعَنَاقِ وَالْجَدْيِ وَلَا يَضْمَنُ بِالْيَدِ وَالْجِنَايَةِ, فَاخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِهِ, كَالْمَالِ, بِخِلَافِ كَفَّارَةِ قَتْلِ الْآدَمِيِّ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بَدَلًا عَنْهُ, وَلَا يَجِبُ فِي أَبْعَاضِهِ وَلَا يُضْمَنُ بِالْيَدِ وَقِيَاسُ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ فِي الزَّكَاةِ يُضْمَنُ مَعِيبًا بِصَحِيحٍ, ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ. وَخَرَّجَهُ فِي الْفُصُولِ احْتِمَالًا مِنْ الرِّوَايَةِ هُنَاكَ, وَفِيهَا تَعْيِينُ الْكَبِيرِ أَيْضًا, فمثله هنا, كقول1 مالك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س" "قول".(5/500)
وقال القاضي: يضمن الحامل بقيمة مثلها "وش" لِأَنَّ قِيمَتَهَا أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ لَحْمِهَا وَقِيلَ أَوْ بِحَائِلٍ1 لِأَنَّ هَذِهِ لَا تَزِيدُ فِي لَحْمِهَا كَلَوْنِهَا, وَإِنْ جَنَى عَلَيْهَا فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا2 مَيِّتًا ضَمِنَ نَقْصَ الْأُمِّ فَقَطْ, كَمَا لَوْ جَرَحَهَا; لِأَنَّ الْحَمْلَ فِي الْبَهَائِمِ زِيَادَةٌ. وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: إذَا صَادَ حَامِلًا فَإِنْ تَلِفَ حَمْلُهَا ضَمِنَهُ.
وَفِي الْفُصُولِ: يَضْمَنُهُ إنْ تَهَيَّأَ لنفخ الروح3 لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَصِيرُ حَيَوَانًا, كَمَا يَضْمَنُ جَنِينَ امْرَأَةٍ بِغُرَّةٍ قَالَ جَمَاعَةٌ: وَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَجَزَاؤُهُ.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ: وَمِثْلُهُ يَعِيشُ, وَقِيلَ: يَضْمَنُهُ مَا لَمْ يَحْفَظْهُ إلَى أَنْ يَطِيرَ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ وَلَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ لَكِنْ هُوَ لَمْ يَجْعَلْهُ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ, فَهُوَ كَطَيْرٍ غير ممتنع أمسكه ثم تركه.
وَيَجُوزُ فِدَاءُ ذَكَرٍ بِأُنْثَى, قَالَ جَمَاعَةٌ: بَلْ أفضل; لأنها أطيب وأرطب, وفي أنثى بذكر وَجْهَانِ: الْجَوَازُ; لِأَنَّ لَحْمَهُ أَوْفَرُ4, وَالْمَنْعُ "م 29" لأن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ بَعْدَ ذِكْرِهِ ضَمَانَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالصَّحِيحَ وَالْمَعِيبَ وَالذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالْحَامِلَ وَالْحَائِلَ بِمِثْلِهِ وَقِيلَ: يَضْمَنُهُ مَا لَمْ يَحْفَظْهُ إلَى أَنْ يَطِيرَ, انْتَهَى. هَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ مُنَاسِبًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَا مُوَافِقًا لَهُ, لِأَنَّ كَلَامَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْحَمْلِ, فَلَعَلَّ هُنَا نَقَصَا, وَهُوَ الظَّاهِرُ, أَوْ يُقَدَّرُ مَا يُصَحِّحُ ذِكْرَ هَذَا الْقَوْلِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
"مَسْأَلَةٌ 29" قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ فِدَاءُ ذَكَرٍ بِأُنْثَى, قَالَ جَمَاعَةٌ, بل أفضل; لأنها أطيب
__________
1 في الأصل "بحامل".
2 في "س" "جنينا".
3 بعدها في "ط" "فيه".
4 في "س" "أطيب".(5/501)
زِيَادَتَهُ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ زِيَادَتِهَا, وَكَالزَّكَاةِ.
وَيَجُوزُ فِدَاءُ أَعْوَرَ مِنْ عَيْنٍ بِأَعْوَرَ مِنْ أُخْرَى وَأَعْرَجَ مِنْ قَائِمَةٍ بِأَعْرَجَ مِنْ أُخْرَى; لِأَنَّهُ يَسِيرٌ, لَا أَعْوَرَ بِأَعْرَجَ وَعَكْسُهُ, لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ.
وَكَفَّارَةُ جَزَاءِ الصَّيْدِ عَلَى التَّخْيِيرِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ "و". وَعَنْهُ: يَلْزَمُ الْمِثْلُ, فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَطْعَمَ, فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ, نقلها محمد بن الحكم, روي عن ابْنِ عَبَّاسٍ1 وَابْنِ سِيرِينَ وَالثَّوْرِيِّ "وَزُفَرَ" وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ.
وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: لَا إطْعَامَ فِيهَا, وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْآيَةِ لِيَعْدِلَ بِهِ الصِّيَامَ; لأن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَأَرْطَبُ, وَفِي أُنْثَى بِذَكَرٍ وَجْهَانِ: الْجَوَازُ وَالْمَنْعُ, انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي2 وَالْمُغْنِي3 وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ4 وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ.
"أَحَدُهُمَا" الْجَوَازُ, وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ, وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمَا, وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي الْمَنْعُ, وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ, قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَالْأُنْثَى أَفْضَلُ. فَيَفْدِي بِهِ, وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ, وَقِيلَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمُنَوِّرِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ: تُفْدَى أُنْثَى بِمِثْلِهَا, انْتَهَى, فَظَاهِرُ كَلَامِ هؤلاء المنع, والله أعلم.
__________
1 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "5/186".
2 "2/387".
3 "5/406".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "9/21".(5/502)