المجلد الأول
مقدمة
...
مقدمة صاحب الفروع مع التصحيح
بسم الله الرحمن الرحيم
1رب يسر وأعن1
قال الشيخ الإمام العالم العلامة، 2شيخ الإسلام2، 3مفتي المسلمين، آخر المجتهدين3، أبو عبد الله، محمد بن مفلح المقدسي، الحنبلي، رضي الله عنه:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
بسم الله الرحمن الرحيم
4وبه نستعين وصلى الله على سيدنا حمد وخاتم النبيين وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا4.
قال الشيخ الإمام العلامة أقضى القضاة علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المقدسي5 الحنبلي:
__________
1 ليست في الأصل، وبعدها في "س": "على تمامه".
2 ليست في الأصل.
3 ليست في الأصل و"س".
4 ليست في "ح".
5 هذه المقدمة من كلام أبي بكر ابن الجرعي من فقهاء الحنابلة المتأخرين من مصنفاته غاية المطلب وحيلة الطراز في مسائل الألغاز "ت 883 هـ" السحب الوابلة "1/304".(1/3)
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُتَفَضِّلِ عَلَى خَلْقِهِ بِكَثْرَةِ الْأَفْضَالِ وَالنِّعَمِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، الْمُنْفَرِدِ بِالْبَقَاءِ وَالْقِدَمِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَاحِبُ اللِّوَاءِ وَالْعَطَاءِ الْخِضَمِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ أولي الفضائل والحكم، وسلم تسليما كثيرا1.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الحمد لله على ما من وأنعم وجاد وتفضل وتكرم والصلاة والسلام على أفضل الخلق على الله وأكرم وعلى آله وأصحابه وأولي العزمات العلية والهمم.
وأما بعد: فإن كتاب الفروع - تأليف الشيخ الإمام العالم العلامة أبي عبد الله محمد بن مفلح أجزل الله له الثواب وضاعف له الأجر يوم الحساب - من أعظم ما صنف في فقه الإمام الرباني أبي عبد الله أحمد بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني - قدس الله روحه ونور ضريحه - نفعا وأكثرها جمعا وأتمها تجريرا وأحسنها تحبيرا وأكملها تحقيقا وأقربها إلى الصواب طريقا وأعدلها تصحيحا وأقومها ترجيحا وأغزرها علما وأوسطها حجما قد اجتهد في تحريره وتصحيحه وشمر عن ساعد2 جده في تهذيبه وتنقيحه فحرر نقوله وهذب أصوله وصحح فيه المذهب ووقع فيه على حصنا وعدة ومرجع الأصحاب في هذه الأيام إليه وتعويلهم في التصحيح والتحرير3 وعليه لأنه اطلع على كتب كثيرة ومسائل غزيرة مع تحرير وتحقيق وإمعان نظر وتدقيق فجزاه الله أحسن الجزاء وأثابه جزيل النعماء.
__________
1 ليست في الأصل.
2 في النسخ الخطية "ساق" والمثبت من "ط".
3 ليست في "خ".(1/4)
أَمَّا بَعْدُ: فَهَذَا كِتَابٌ فِي الْفِقْهِ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ الشَّيْبَانِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اجتهدت في اختصاره وتحريره، ليكون نافعا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وقد التزم فيه أن يقدم - غالبا - المذهب وإن اختلف الترجيح أطلق الخلاف والذي يظهر أن غير الغالب مما لم يطلق الخلاف فيه قد بين المذهب فيه أيضا فيقول بعد ما يقدم غيره: والمذهب أو: والمشهور أو: الأشهر أو: والأصح أو: والصحيح كذا وهو في كتابه كثير.
وقد تتبعنا كتابه فوجدنا ما قاله صحيحا وما التزمه صريحا إلا أنه رحمه الله تعالى عثر له على بعض مسائل قدم فيه حكما نوقش على كونه المذهب وكذلك عثر له على تعض مسائل أطلق فيها الخلاف - لا سيما في النصف الثاني - والمذهب فيها مشهور كما ستراه إن شاء الله تعالى وما ذاك إلا أنه رحمه الله تعالى لم يبيضه كله ولم يقرأ عليه فحصل بسبب ذلك تعض خلل في بعض مسائله.
وقد حرر فيه شيخنا البعلي1 والقاضي محب الدين بن نصر الله البغدادي2 - تغمدهما الله برحمته - جملة من مسائله في حواشيهما عليه وحررت بعض مسائله في هذا التصحيح كما ستراه3 إن شاء الله تعالى.
ولقد أجاد الشيخ العلامة أو الفرج عبد الرحمن بن رجب4 رحمه الله تعالى في قواعده حيث قال: والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه ولو لم يكن
__________
1 يعني ابن قندس صاحب الحاشية المنشورة بضميمة هذا الكتاب.
2 هو أحمد بن نصر الله البغدادي قاضي القضاة بمصر له حواشي حسنه على المحرر والفروع "ت 844 هـ" المقصد الأرشد "1/202".
3 ليست في "ص" و"ط".
4 هو أبو الفرج زين الدين عبد الرخمن بن أحمد بن رجب البغدادي الدمشقي من مصنقاته فتح الباري في شرح البخاري ذيل طبقات الحنابلة القواعد "ت 795هـ" المقصد الأرشد "2/81".(1/5)
وَكَافِيًا لِلطَّالِبِ، وَجَرَّدْته عَنْ دَلِيلِهِ وَتَعْلِيلِهِ: غَالِبًا، لِيَسْهُلَ حِفْظُهُ وَفَهْمُهُ عَلَى الرَّاغِبِ، وَأُقَدِّمُ غَالِبًا الرَّاجِحَ فِي الْمَذْهَبِ، فَإِنْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ أَطْلَقْت الْخِلَافَ، "وَعَلَى الْأَصَحِّ" أَيْ أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَ "فِي الْأَصَحِّ" أَيْ أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَإِذَا قُلْت: وَعَنْهُ كَذَا، أَوْ وَقِيلَ1: كَذَا فَالْمُقَدَّمُ خِلَافُهُ.
وَإِذَا قُلْت: وَيُتَوَجَّهُ، أَوْ2 يُقَوَّى، أَوْ عَنْ قَوْلٍ، أَوْ رِوَايَةٍ: وَهُوَ، أَوْ3 هِيَ أَظْهَرُ، أَوْ أَشْهَرُ، أَوْ مُتَّجَهٌ، أَوْ غَرِيبٌ، أَوْ بَعْدَ حُكْمِ مَسْأَلَةِ: فَدَلَّ، أَوْ هَذَا يَدُلُّ، أَوْ ظَاهِرُهُ، أَوْ يُؤَيِّدُهُ، أَوْ الْمُرَادُ كَذَا، فَهُوَ مِنْ عِنْدِي. وَإِذَا قُلْت: الْمَنْصُوصُ، أَوْ الْأَصَحُّ، أَوْ الْأَشْهَرُ، أَوْ الْمَذْهَبُ كَذَا، فَثَمَّ قَوْلٌ.
وَأُشِيرُ إلَى ذِكْرِ الْوِفَاقِ وَالْخِلَافِ، فَعَلَامَةُ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ "ع" وَمَا وَافَقَنَا عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ "رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى" أَوْ كَانَ الأصح في مذهبهم "و" وخلافهم "خ"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
من ترجمته إلا ما حكي عن العلامة ابن القيم4 أنه قال: ما تحت قبة الفلك أعلم بمذهب الإمام أحمد من الشيخ محمد بن مفلح5 لكان فيه كفاية وناهيك بهذا الكلام من هذا الإمام في حقه وأنا أقول: إذا أردت أن تفهم قدر هذا الكتاب وقدر مصنفه فانظر إلى مسألة من المسائل التي فيه وما فيها من النقول والتحرير وانظر فيها في غيره من
__________
1 في الأصل: "قيل".
2 ليست في "ط".
3 في "س": "و".
4 هو أبو عبد الله شمس الدين بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي ثم الدمشقي الفقيه الأصولي والمفسر النحوي لازم الشيح تقي الدين ابن تيمية وأخذ عنه تفنن في علوم كثيرة من مصنفاته زاد المعاد في هذي حير العباد وإعلام الموقعين عن رب العالمين والطرق الحكمية وغيرها "ت 751هـ" الذيل على الطبقات "2/447".
5 المقصد الأرشد "2/447".(1/6)
وَعَلَامَةُ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ "هـ" وَمَالِكٍ "م" فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا رِوَايَتَانِ فَبَعْدَ عَلَامَتِهِ "ر" وَلِلشَّافِعِيِّ "ش" وَلِقَوْلَيْهِ "ق" وَعَلَامَةُ وِفَاقِ أَحَدِهِمْ ذلك، وقبله "و".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الكتب تجد ما يحصل لك به الفرق الجلي والواضح.
وقد أحببت أن 1أتتبع ما أطلق فيه1 الخلاف من المسائل وأمشي عليه وأنقل ما تيسر من كلام الأصحاب في كل مسألة منها وأحرر الصحيح2 من المذهب من ذلك إن شاء الله تعالى وهي تزيد على ألفين ومئتين وعشرين مسألة على ما بيانه في كل باب وجمعها آخر الكتاب.
وربما نبهت على بعض مسائل فيها بعض خلل إما في العبارة أو الحكم أو التقديم أو الإطلاق ولكن على سبيل التبعية وهي تزيد على ست مئة وثلاثين تنبيها.
فإن هذا الكتاب جدير بالاعتناء به والاهتمام لأنه قد حوى غلب مسائل المذهب وأصوله ونصوص الإمام أحمد فإذا انضم هذا التصحيح إلى ما حرره وقدمه وصححه حصل بذلك تحرير المذهب وتصحيحه إن شاء الله تعالى.
وهو مسلك وعر وطريق صعب عسر لم يتقدمنا أحد إليه ولا سلكه لنتبعه ونعتمد عليه ولكن أعاننا على ذلك توفيق الله تعالى لنا على إكمال كتابنا المسمى بـ "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف" وتصحيحه فإن غالب المسائل التي في المذهب مما أطلق الأصحاب فيها الخلاف أو بعضهم تتبعتها فيه وصححت ما يسر الله تعالى علينا تصحيحه فجاء بحمد الله تعالى وافيا بالمراد في معناه فبذلك هان علينا ما قصدنا فعله في هذا الكتاب وما أردناه ولكن فيه بعض مسائل لم تذكر في كتابنا وفي كتابنا مسائل مصححة لم تذكر فيه.
فإذا وجدت نقلا في مسألة من هذه المسائل التي أطلق فيها الخلاف ذكرت من اختار كل قول ومن قدم وصحح وضعف وأطلق وأبين الراجح من ذلك بقولي:
__________
1 1 في "ط" "أصحح" وبعدها بياض بقدر كلمة.
2 ليست في "ط".(1/7)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وهو الصحيح وربما اخترت مع قولي ذلك غيره فإن لم أجد في المسألة نقلا – وما ذاك إلا لعدم الكتب التي اطلع عليها المصنف ولم نطلع عليها- فإني أذكر المسألة بلفظ المصنف وأدعها على حالها لعل من رآها ووجد فيها نقلا أضافه إليها وقد قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وربما ظهر لي ترجيح أحد القولين أو الأقوال فأنبه على ذلك بقولي: قلت الصحيح أو: الصواب كذا وربما كان في المسألة المطلقة بعض أقوال أو طرق لم يذكرها المصنف فأذكرها.
وقد أذكر مسألة من كلام المصنف مصححة أو مجزوما بها, توطئة لما بعدها لتعلقها بها لتفهم المسألة الآتية بعدها التي أطلق فيها الخلاف وهو كثير.
واعلم أن للمصنف في كتابه في إطلاق الخلاف مصطلحات كثيرة أحببت أن أتتبع غالبها وأجمعها هنا ليعرف مصطلحه فإنه تارة يقول مثلا: الحكم كذا في إحدى الروايتين أو الروايات أو الوجهين أو الأوجه أو الاحتمالين أو الاحتمالات والخلاف بهذه الصيغة مطلق وقد قيل في مثلها في كتاب المقنع1 إنه تقدم ونقل عن الشيخ2 أنه قال ذلك وهو مصطلح جماعة من الأصحاب.
أو يقول: وهل يفعل؟ ثالثها: الفرق كما ذكره في باب الهبة "7/418" وهذه العبارة في غاية الاختصار أو يقول: في كذا روايات: الثالثة. كذا كما ذكره في باب الاستطابة "125" وغيره.
وتارة يقول: هل يكون كذا أم لا؟ فيه وجهان كذا قيل كما ذكره في باب ما يفسد الصوم "5/24".
وتارة يطلقه بقوله: ولأصحابنا في كذا وجهان كما ذكره في باب محظورات
__________
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "1/6".
2 إذا أطلق الشيح في الفروع وتصحيحه وغيرهما فهو: أبو محمد موفق الدين عبد الله بن محمد بن أحمد ابن قدامة المقدسي الأصل ثم الدمشقي الصالحي شيخ المذهب الحنبلي من مصنفاته المغني والكافي والمقنع والعمدة وغيرها "ت 62هـ" ذيل الطبقات "2/133" السير "22/165 – 173".(1/8)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الإحرام "5/515" أو يقول: وللأصحاب وجهان: هل الحكم كذا أو كذا؟ كما ذكره في باب زكاة السائمة "4/5" أو يقول: فال الأصحاب: وكذا الوجهان في كذا كما ذكره1 في باب النية "2/140" أو يقول: وفيه وجهان للأصحاب كما ذكره في باب الأطعمة "10/349" فتحتمل عبارته في هذه المسائل أن يكون الخلاف مطلقا عنده وهو الأظهر لأنه في الغالب لا يحيل ذلك إلا على ما فيه الخلاف مطلق ويحتمل أن يكون ذكر ذلك على سبيل الحكاية وعلى كلا الاحتمالين لا يد من تصحيح المسألة.
وتارة يقول: وفي نحو كذا وجهان كما ذكره في باب الإقرار بالمجمل في موضعين "11/448 و11/452" كقوله: وفي نحو كلاب وجهان فدخلت الكلاب في الخلاف الذي أطلقه بطريق أولى وهذه العبارة في كلامه كثير وفي غير الخلاف المطلق أيضا.
وتارة يقول مثلا: هل يكون كذا أو لا؟ فيه روايتان أو وجهان ثم يقول: وعنه: كذا أو: وقيل: كذا والذي يظهر أن القول الثالث أضعف من القولين المطلقين عنده أولا لا أنه من جملة الخلاف المطلق بخلاف قوله: فيه روايات أو: أوجه والله أعلم.
وتارة يطلق الخلاف بقوله: فعنه: كذا وعنه: كذا وتقع منه هذه الصيغة ثم يقول بعدها والمذهب أو: والمشهور أو: و2الأشهر أو: والأصح: كذا ونحوه وهو كثير في كلامه فيكون هنا قد بين المذهب ولكن ذكره للخلاف بهذه
__________
1 ليست في "ص" و"ط".
2 ليست في "ط".(1/9)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الصيغة يقتضي قوته من الجانبين وإن كان المذهب أو المشهور أحدهما.
وقد تكون الروايات ثلاثا والثالثة المذهب وهي الفرق كما ذكره في باب الموصي له "7/456" فربما تعرضنا للتصحيح من الروايتين اللتين هما غير المذهب لتعادلهما عنده.
وتارة يذكر الخلاف بهذه الصيغة فيقول: فعنه كذا اختاره الأصحاب وعنه: كذا أو: هل يكون الحكم كذا كما اختاره الأصحاب أو لا؟ فيه روايتان ونحوه ذلك على ما يأتي التنبيه عليه في السؤالات الآتية على قوله: "فإن اختلف الترجيح أطلقت الخلاف" آخر هذه المقدمة وهذا أيضا يدل على قوة القول الثاني ومساواته لما قاله الأصحاب عند المصنف.
وربما عدد مسائل وأطلق فيها الخلاف ويكون الراجح1 في بعضها غير المصحح2 في البعض الآخر كما سبراه إن شاء الله تعالى.
وتارة يطلقه بقوله: فنصه: كذا وعنه: أو: كذا فيكون مقابل المنصوص: إما رواية غير منصوص هو المذهب كما يأتي بيانه.
وتارة يقول: وفي كذا: وجهان ونصه: كذا كما ذكره في باب الهبة "7/424" وشروط من تقبل شهادته "11/364" وغيرهما وهو كثير.
وتارة يطلقه بقوله: فقيل: كذا وقيل: كذا أو: قيل وقيل وهو كثير في كلامه.
وتارة يطلقه بقوله: الحكم: كذا في رواية وفي رواية: الحكم: كذا أو: وعنه: الحكم: كذا كما ذكره في باب زكاة الزرع والثمر وغيره "4/83".
وتارة يقول: وفي رواية يفعل كذا ونقل الأكثر كذا كما ذكره في أول باب حد الزنا
__________
1 في "ح" "المرجح".
2 في "ح" المرجح" وفي "ص" الصحيح" والمثبت من "ط".(1/10)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"10/49" وفي هذه العبارة نوع خفاء على المصطلح المعروف والظاهر أن الخلاف مطلق وأن الواو الأولى استئنافية ووقع مثل ذلك في باب القرض "6/351" بصيغة: وقيل وقيل وتكلمنا عليها هناك ووقع له في أول باب السواك أيضا ص "145" بصيغة: وعنه وعنه.
وتارة يطلقه بقوله: فقال فلان: كذا وقال فلان: كذا وهو كثير وتارة بقوله مثلا ويجوز عند فلان ولا يجوز عند فلان أو: فعند فلان كذا وعند فلان كذا أو: الحكم كذا في اختيار فلان وقال فلان: كذا كما ذكره في باب زكاة الزرع والثمر وغيره "4/72 - 73" أو يقول: هل الحكم كذا كما اختاره فلان أو لا؟ كما اختاره فلان فيه وجهان كما ذكره في الباب المذكور.
وتارة يذكر حكما1 ثم يقول: كذا في الكتاب الفلاني ثم يقول: وقيل: كذا وهو أظهر كما ذكره في باب ميراث الحمل "8/41" وتارة يطلقه بقوله: فقال في الكتاب الفلاني كذا وقيل كذا كما ذكره في باب2 الشهادة على الشهادة "11/390". وتارة يطلقه بفوله: في الكتاب الفلاني كذا وقال في الكتاب الفلاني: كذا وهو كثير في كلامه.
وقد يذكر مسألة متفقا على حكمه أصلها ولكن اختلف في بعض شروطها فيطلق الخلاف في ذلك فيقول بعد ذكرها: قيل كذا وقيل: كذا أو: في كلام بعضهم كذا وفي كلام بعضهم كذا أو: قال جماعة: كذا ولم يذكره آخرون أو: قال
__________
1 في "ط" "حكاية".
2 في "ص" و"ط" "كتاب".(1/11)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
جماعة كذا وقال آخرون كذا أو: قال فلان: كذا وقال فلان: كذا ونحوه كما ذكره في كتاب الطهارة "ص 54 – 55" والآنية "ص 613" والجمعة "3/161" والاستثناء في الطلاق "9/80" والقسمة "11/241" وشروط من تقبل شهادته "11/335" وغيرهما وهو كثير في كلامه.
وتارة يقول: لا يفعل كذا لكذا أو لكذا فيردد النظر في العلة كما ذكره في باب أحكام الذمة "10/349" وتارة يقدم حكما ثم يذكر رواية ثم يقول: بناه فلان على كذا وبناه فلان على كذا كما ذكره في باب أواخر باب/ السلم "6/342" فأطلق الخلاف في البناء.
وتارة يقول: وفي كذا منع وتسليم كما ذكره في باب الوكالة "7/47" والظهار "9/194" وقسمة الغنيمة "10/ 294" وغيرها فينبغي تحريره وتصحيحه فإنه في حكم الخلاف المطلق.
وتارة يطلق الخلاف ثم يقول: مأخذهما كذا كما ذكره في باب اللقيط "7/327" فيحرر المأخذ أو يقول: أصلهما كذا كما ذكره في باب القسامة "10/21" فيحرر الأصل.
وتارة يقول: فإن فعل كذا توجه كذا في قياس قولهم ويتوجه احتمال ككذا كما ذكره في باب صفة الحج والعمرة "6/38" فينبغي أن يحرر قياس قولهم.
وتارة يطلقه بقوله: هل الحكم كذا أم لا؟ فيه خلاف كما ذكره في باب الموصي به "7/455" أو فيه خلاف في الكتاب الفلاني كما ذكره في باب نكاح الكفار "8/304" وغيره أو يقول: في الكتاب الفلاني الصحة وعدمها كما ذكره في باب العيوب في النكاح "8/291" وتارة يطلقه بقوله: واختلف كلام الأصحاب في كذا أو: واختلفت الرواية في كذا كما ذكره في باب سبر العورة "2/61" وغيره.
وتارة يذكر صورة مسألة ثم يقول: فقد يقال فيها: كذا وقد يقال فيها: كذا كما(1/12)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
ذكره في باب "7/15" فالخلاف فيها مطلق والظاهر: أن ذلك من عنده وتارة يقول في حكم مسألة: ظاهر كلامهم مختلف في كذا وكذا كما ذكره في باب حد الزنى "10/59" وكتاب القضاء "11/958" أو يقول: يفعل كذا في ظاهر الكتاب الفلاني 1وفي الكتاب الفلاني1 وغيره: يفعل كذا كما ذكره في باب الدعاوي "11/262".
أو يقول: وكلامهم في كذا يحتمل وجهين كما ذكره في باب ما يستحب وما يكره في الصلاة "2/259" في موضعين "2/288" وغيره وليس للأصحاب في هذا ترجيح.
وتارة يطلقه على بعض الأقوال الضعيفة فيكون الخلاف مفرعا عليه فنصحح ذلك إن تيسر وتارة يطلقه بقوله: هل الحكم كذا أو2لا؟ يحتمل وجهين وهذا يحتمل أن يكون من عنده ويحتمل أن يكون تابع غيره وهو أولى وهو في كلام الأصحاب كثير.
وتارة يقول: فلو فعل كذا فقد توقف أحمد فيحتمل وجهين كما ذكره في باب صريح الطلاق وكنايته "9/43" وغيره وقد يصرح بعد ذلك بأصحاب الوجهين كما ذكره في باب شروط3 من تقبل شهادته "11/356" وغيره وسيأتي في الكلام على الخلاف المطلق الذي في الخطبة فيما إذا توقف الإمام أحمد في مسألة أنها تلحق بما يشابهها هَلْ هُوَ بِالْأَخَفِّ أَوْ الْأَثْقَلِ أَوْ التَّخْيِيرِ؟ ويأتي تصحيح ذلك وتوقفه الأول أعم من هذه.
وتارة يذكر مسألة فيها خلاف ويعطف عليها أخرى فيها الخلاف مطلق فيحتمل أن يكون الخلاف المطلق عائدا إلى المسألتين ويحتمل أن يكون عائدا إلى الأخيرة كما ذكره في باب محظورات الإحرام "5/414 – 415". ويأتي ذلك هناك.
__________
1 1 ليست في "ص".
2 في النسخ الخطية: "أم" والمثبت من "ط".
3 ليست في "ح".(1/13)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وتارة يذكر مسائل1 فيها الخلاف مطلق1 ويدخل بينها مسألة فيها خلاف ضعيف فيذكر قولا فيها ويعطف بعده مسألة يحتمل أن تكون معطوفة على المسائل الأول2 التي فيها الخلاف المطلق ويحتمل أن تكون معطوفة على القول الضعيف المتحلل بين ذلك كما ذكره في باب الرهن "6/360" وغيره فنذكر المسألة ونصحح المذهب فيها.
وربما كان محل الخلاف في بعض المسائل التي أطلق فيها الخلاف مشكلا محتملا لأشياء فننبه على ذلك كما ذكره في باب صلاة العيدين "3/208" وزكاة الزرع والثمر "4/101 – 102" وكتاب البيع "6/137" والرهن "6/371" والكتابة "8/156" وغيرها وربما أطلق الخلاف من عنده كما ذكره في باب الاستطابة "ص 127" والصلاة على الجنازة "3/352" والظهار "9/189" وغيرها وهو كثير قال في الاستطابة: وفي إرخاء ذيله يتوجه وجهان.
وقد يطلق الخلاف ويختار أحدهما فيقول: وهو أظهر كما ذكره في باب محظورات الإحرام "5/487" وصفة الحج والعمرة "6/43" وغيرهما.
وتارة يطلق الخلاف في مسألة ثم يقول بعدها: وهما في كذا كما ذكره في باب كتاب البيع "6/125" وباب الوكالة "7/77" والإقرار بالمجمل "11/450" وغيرها أو يقول: كما في كذا كما ذكره في باب نكاح الكفار "8/289" أو يقول: وعلى قياس قياسه كذا كما ذكره في باب الشفعة "7/278" أو يقول: والوجهان أو: الأوجه في كذا كما ذكره في باب النية "2/140" وقتال أهل البغي "10/175" ونفقة القريب "9/313" وغيرها أو: وفي كذا الوجهان كما ذكره في باب الإقرار بالمجمل "11/464" أو: الروايتان أو: الروايات في كذا كما ذكره في باب الإحرام
__________
1 1 ليست في "ح".
2 في "ص" و"ط" "الأولى.(1/14)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"5/354" وغيره أو يقول: كالمسألة الفلانية كما ذكره في باب عشرة النساء "8/388 – 389" والظهار "9/180" والدعاوي "11/255" وغيرها. أو يقول: وكذا لو فعل كذا كما ذكره في باب النذر "11/71" وذكر المشهور به "11/375" أو يقول: ومثلها كذا أو الشيء الفلاني ككذا مما أطلق فيه الخلاف كما ذكره في باب الوكالة "7/35".
أو يقول: ومثله كذا كما ذكره في باب الصيد "10/413" والنذر "11/83" أو يقول: والمسالة الفلانية حكم كذا وكذا كما وقع له في باب الاستطابة "ص 128" والوضوء "ص 169" وغيرهما أو يقول: وكذالك كذا أو يقول: فيها الخلاف الذي في المسألة الفلانية كما ذكره في باب نية الصوم "4/459" أو يقول: في كذا وكذا ما تقدم كما ذكره في باب الوكالة "7/68" ويكون قد أطلق الخلاف في المسألة المقيس عليها ويحتمل أن يكون ذكره لذلك كذلك1 مجرد إخبار 2لا أنه2 أطلق الخلاف ويقوى ذلك في بعض المسائل على ما يأتي والله أعلم.
أو يقول: فيها الروايتان أو: الوجهان أو: فالروايتان أو: فالوجهان أو: فالخلاف أو: فيه الخلاف كما ذكره في باب الصداق "8/316" وغيره وهو كثير جدا في كلامه والذي يظهر أن حكم الثانية حكم الأولى من هذه المسائل الأخيرة في التقديم والإطلاق فلهذا لم أذكر المحالة3 على المصححة وربما ذكرتها وذكرت النقل فيها. وأما المحالة على المطلقه فلا بد من ذكرها إن شاء الله تعالى وربما كان قوله: فالروايتان أو: فالوجهان أو: فالخلاف عائدا إلى مسألة في غير ذلك الباب كما وقع له في باب الشروط في النكاح "8/273" والصداق "8/346" وغيرهما ويعرف ذلك من قواعد المذهب في المسألة.
__________
1 ليسن في "ح".
2 2 في "ص" "لأنه".
3 في "ص" "المخلفة".(1/15)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وتارة يقدم حكم مسألة ثم يحكي قولا ثم يقول عقبه: ككذا في أحد الوجهين كما وقع له في باب الحجر "7/16" والوديعة "7/214" وغيرهما فيكون قد أطلق الخلاف في الثانية وتارة يقدم حكما في مسألة ثم يقول: وقيل: فيها وجهان كمسألة كذا وكذا كما ذكره في باب الموصي إليه "7/497" فيكون أيضا الخلاف مطلقا في الثانية.
وتارة يقول: الحكم كذا في رواية أو في وجه ويقتصر عليه وفي ذلك إشعار بأن المسكوت عنه هو المشهور وقد قال في الرعاية في النفقات: وإن كان الخادم لها: فنفقته على الزوج وكذا نفقة المؤجر والمعار في وجه انتهى. قال المصنف هناك: وقوله: في وجه يدل على الأشهر خلافه انتهى فلهذا لم أذكر المسألة في الغالب وربما ذكرتها.
وتارة يقول: فإن فعل كذا فقيل: كذا ويقتصر عليه كما ذكره في باب صلاة الكسوف "3/183" وباب الصلاةعلى الميت "3/331" وباب الهدي والأضاحي "6/93" وباب أحكام أمهات الأولاد "8/167" وما في آخر باب الإمامة "3/32" وآخر الرجعة وباب أحكام الذمة "10/355" محتمل لهذا على ما يأتي بيانه في أبوابه.
أو يقول: فقال فلان: كذا ويقتصر عليه كما ذكره في آخر باب حكم الركاز "4/183" وقد أجبت عن هذا هناك أو يقول: ففي الكتاب الفلاني كذا ويقتصر عليه كما ذكره في باب الطلاق في الماضي والمستقبل "9/88" ويأتي الجواب عن هذا في الأجوبة عن الإشكالات الآتية في آخر هذه المقدمة.
وتارة يذكر حكم مسألة ثم يقول في مسألة بعدها: قيل: كذلك وقيل: لا يعني: هل حكمها حكم التي قبلها أم لا؟ أطلق فيه الخلاف وهو كثير في كلامه وتارة يطلق الخلاف في مسألة ثم يقول بعدها: وكذا قيل في كذا وقيل: لا كما ذكرهفي باب الوضوء "ص 169" وقي آخر باب حد الزنى "10/70".(1/16)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وتارة يحكي الخلاف مطلقا عن شخص أو كتاب ويقتصر عليه وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ الَّذِي اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ إلا ترجيح للأصحاب في ذلك وإتيان المصنف بهذه الصيغة يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ قَوِيٌّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ويحتمل أن يكون نقله على صفته وعلى كل حال لا يد من ذكر الصحيح من القولين إن تيسر إذ الخلاف فيه مطلق وأما إذا قدم المصنف حكما ثم ذكر بعده قولين مطلقين إما على شخص أو كتاب فإنا لا نعرج على ذلك إذ هو قدم المذهب وقد نتعرض لذلك لإزالة وهم والله أعلم.
وتارة يحكي الخلاف مطلقا عن جماعة أو عن الأصحاب ولكن على سبيل الاستشهاد على حكم كما ذكره في كتاب الصيام "4/407" وكتاب الإقرار في ثلاثة1 مواضع "11/389 و401 و402" وغيرها وينبغي تتبع تلك المسائل وتحريرها.
وللمصنف في كتابه مصطلحات في إطلاق الخلاف عير ما تقدم تأتي صفتها في هذا التصحيح إن شاء الله فلا حاجة إلى الإطالة بذكرها وفيما ذكرناه كفاية.
واعلم أن المصنف أيضا تارة يطلق الخلاف في موضع ويقدم حكما في موضع آخر في تلك المسألة بعينها كما وقع له2 في كتاب المناسك ومحظورات الإحرام في3 أحكام العبد فيما إذا أفسد حجه بالوطء فقال فِي كِتَابِ الْمَنَاسِكِ: وَيَصِحُّ الْقَضَاءُ فِي رِقِّهِ وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهُ إنْ كَانَ شُرُوعُهُ فِيمَا أَفْسَدَهُ بِإِذْنِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِهِ ففي منعه من القضاء وجهان "5/211" وقال في محظورات الإحرام: وَإِنْ كَانَ مَا أَفْسَدَهُ مَأْذُونًا فِيهِ قَضَى مَتَى قَدَرَ. نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ4 وَلَمْ يَمْلِكْ منعه منه وإلا ملك منعه, وقيل: لا لوجوه "5/455" انتهى فأطلق الخلاف هناك وقدم هنا.
__________
1 في النسخ الخطية "ثلاث" والمثبت من "ط".
2 ليست في "ح".
3 في "ط" "من".
4 أحمد بن محمد المشكاني صحب أحمد قديما إلى أن مات روى عنه مسائل كثيرة "ت 244 هـ" طبقات الحنابلة "1/39".(1/17)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
ووقع له قريب من ذلك في هذه المسائل بعينها في المكانين في صحة القضاء في رقه فإنه صحح في كتاب المناسك الصحة "5/211" وأطلق الخلاف في محظورات الإحرام "5/455" بقيل مع قوله: والصحة أشهر على ما يأتي هناك.
ووقع له أيضا في الاعتكاف والوقف في البيع والشراء في المسجد فقال في أواخر الاعتكاف: ولا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْمُعْتَكِفِ وَغَيْرِهِ نص عليه يرواية حنبل وجزم في الفصول والمستوعب بأنه يكره "5/194" وقال في أواخر كتاب الوقف وفي صحة بيع فيه وتحريمه وعمل صنعة روايتان "7/398" فقدم هناك التحريم وأطلق الخلاف هنا.
ووقع له أيضا في باب الآنية وباب سبر العورة في لبس جلد مختلف فيه فقال في باب الآنية وَفِي لُبْسِ جِلْدِ ثَعْلَبٍ وَافْتِرَاشِ جِلْدِ سَبُعٍ روايتان "ص 116" وقال في آخر1 باب سبر العورة: ويكره لبسه وافتراشه جلدا مختلفا في نجاسته وقيل: لا. وعنه: يحرم "2/81" فقدم الكراهة وأطلق الخلاف في الآنية في لبس جلد الثعلب وافتراش جلد السبع وهي فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي فِي سَتْرِ العورة ومن حملة صورها فيما يظهر.
ووقع له أيضا في باب التيمم وصلاة الخوف وكتاب الصيام في فوت المطلوب فقال في التيمم: وفي فوت مطلوبه روايتان "ص 277" وكذا في الصيام "4/438" لكن على سبيل الاستشهاد وقال في صلاة الخوف: ولطالب عدو ويخاف فوته الصلاة كذلك يعني: كالصلاة في شدة الخوف وعنه: لا وكذا التيمم له "3/131" فأطلق الخلاف هناك فيهما وقدم هنا الجواز2.
__________
1 ليسن في "ح" والمثبت من "ط".
2 في "ح" "المنع".(1/18)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
ووقع له أيضا في قريب من ذلك في باب الحيض وما يفسد الصوم في الكفارة فقال في باب الحيض: وفي سقوطها بالعجز روايتان "ص 360" وقال في باب ما يفسد الصوم: ولا يسقط غير كفارة الوطء في الصوم بِالْعَجْزِ مِثْلُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَكَفَّارَاتِ الْحَجِّ. نص عليه وعنه: يسقط وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ: تَسْقُطُ كَفَّارَةُ وَطْءِ الْحَائِضِ بالعجز ونحوه ذلك على الأصح "5/58 – 59" انتهى فأطلق الخلاف هناك وقدم هنا السقوط فيما يظهر.
ووقع له أيضا في باب التيمم وكتاب الصيام في جواز التيمم في الخوف على نفسه فقال في التيمم: وهو بدل حضرا وسفرا لعادم الماء بحبس أو غيره وعنه: وفي غاز بفوبه الْمَاءُ يَخَافُ – إنْ ذَهَبَ – عَلَى نَفْسِهِ: لَا يتيمم ويؤخر "273 – 277" انتهى. وقال في كتاب الصيام: وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِيمَنْ هُوَ فِي الْغَزْوِ وَتَحْضُرُ الصَّلَاةُ وَالْمَاءُ إلَى جَنْبِهِ يَخَافُ إنْ ذَهَبَ إلَيْهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ فَوْتَ مَطْلُوبِهِ فَعَنْهُ: يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعَنْهُ: لَا يَتَيَمَّمُ وَيُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ وَعَنْهُ: إنْ لَمْ يَخَفْ "4/438" انتهى. فقدم هناك جواز التيمم وأطلق هنا. وقد يقال: إنما ذكر ذلك في كتاب الصيام عن جماعة في معرض الاستشهاد لمسألة ما إذا أحاط العدو ببلده والصوم يضعفهم لا أنه ابتداء مسألة فلذلك قال: وسبق في التيمم "4/438" لكن إتيانه بصيغة إطلاق الخلاف يقتضي القوة من الجانبين والله أعلم.
ووقع له أيضا في باب الظهار في مسألة عتق المغصوب في موضعين فقال في موضع منهما: فإن أعتق مغصوبا لم يجزئه وفيه وجه "9/191" وقال بعد ذلك بقريب من عشرة أسطر: وفي مغصوب وجهان في الترغيب "9/194" انتهى. فقدم أولا عدم الإجزاء وأطلق ثانيا الخلاف في الإجزاء وهو عجيب منه من وجهين:
أحدهما: كونه يقدم حكما ثم يطلق الخلاف مع قرب المحل.(1/19)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الثاني كونه في المحل الثاني لم ينسب الخلاف إلا إلى صاحب الترغيب مع إطلاق النقل قبل ذلك بيسير.
ووقع له أيضا في باب الغصب وكتاب الديات في حفر بئر في السابلة فقال في باب الغصب: وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي سَابِلَةٍ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ ولا ضرر لم يضمن وعنه: بإذن حاكم وعنه: بلى "7/257" انتهى. وقال في كتاب الديات: وفي الترغيب إن رش الماء ليسكن الغبار فمصلحة عامة كحفر بئر سابلة وفيه روايتان "9/417" فقدم هناك عدم الضمان وأطلق الخلاف هنا والذي يظهر أن إطلاق الخلاف من تتمة كلام صاحب الترغيب أو أنه مجرد حكاية خلاف فلا اعتراض عليه.
ووقع له أيضا في باب الهبة وباب أحكام أمهات الأولاد في ثبوت الدين في ذمة الوالد لولده فقال في الهبة: وهل يثبت لولد في ذمة أبيه دَيْنٌ أَوْ قِيمَةُ مُتْلَفٍ أَوْ غَيْرِهِ؟ فِيهِ وجهان ونصه: لا "7/424" انتهى. وقال في باب أحكام أمهات الأولاد: وإن وطء حر أو والد أمة لأهل غنيمة هو منهم فعليه المهر فَإِنْ أَحَبْلَهَا فَأُمُّ وَلَدِهِ وَوَلَدُهُ حُرٌّ وَيَلْزَمُهُ قيمتها وَكَذَا الْأَبُ يُوَلِّدُ جَارِيَةَ وَلَدِهِ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ هُنَا: لَا يَثْبُتُ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ شَيْءٌ وهو ظاهر نصه1 "8/168" فحصل الاختلاف من وجهين ولكن النص اختلف فيه الأصحاب فالشيخ الوفق ومن تابعه تأوله وكثير من الأصحاب لم يتأوله فتابع الشيخ تارة وغيره أخرى أو يقال: ورد نص وظاهر وهو بعيد ويأتي بيان ذلك في موضعه.
2ووقع له أيضا في باب ذكر أصناف الزكاة وكتاب البيع في قبض مميز من2
__________
1 بعدها في "ح" "انتهى" فأطلق هناك وقدم هنا الثبوت في شيء مخصوص وقال في الهبة: ونصه: لا يثبت وقال هنا: وهو ظاهر نصه.
2 2 لييست في"ح".(1/20)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
هبة ونحوه فقال في آخر أصناف الزكاة: ويقبل ويقبض لصغير من زكاة وهبة وكفارة وليه ثم قال: ومميز كغيره وجزم في المغني بصحة قبوله بلا إذن وكذا قبضه "4/373 - 374" وقال في كتاب البيع: وفي قبول صغير ومميز وسفيه وعبد هبة ووصية بلا إذن أوجه "6/126" فأطلق هنا وقدم هناك1.
ووقع له أيضا في باب الكتابة وكتاب الحدود في إجزاء إقامة الحد من المكاتب على رقيقه فقال في باب الكتابة عن المكاتب: وفي بيعه نساء وقوده من بعض رقيقه الجاني على بعض وحده وجهان "8/146" وقال في الحدود: ولسيد مكلف عالم به إقامة حد والأصح: حر "10/29" انتهى, فأطلق في الإجزاء هناك وصحح هنا عدم الإجزاء منه.
ووقع له في باب النية والإمامة في بطلان صلاة الإمام الأمي إذا صلى خلفه قارئ فقال في الإمامة: وإن بطلت صلاة قارئ خلف أمي ففي إمام وجهان "3/31", وقال في النية: وإن اعتقد كل منهما أنه إمام الآخر أو مأمومه لم يصح. نص عليه وكذا إن نوى إمامة من لا يصح أن يؤمه كامرأة تؤم رجلا لا تصح صلاة الإمام في الأشهر وكذا أمي قارئا "2/148" انتهى. فقوله: وكذا أمي قارئا هة مسألة التي قي الإمامة فيما يظهر وقد أطلق الخلاف فيها هناك وجعل هنا الأشهر البطلان والله أعلم.
ووقع له أيضا ما يشابه ذلك في كتاب الديات وكتاب الحدود في ضمان السفينة إذا ألقي فيها شيء فغرقها فقال في كتاب الحدود: وإن زاد سوطا فديته كضربه بسوط لا يحتمله وإلقاء حجر في سفينة مثله لا يغرقها اتفاقا ذكره ابن عقيل وفي واضحه إن وضع في سفينة كرا2 فلم تغرق ثم وضع قفزا فغرقت فغرقها بهما في أقوى
__________
1 ليست في "ح".
2 الكر: كيل معروف وهو اثنا عشر وسقا = 1560 كغم تقريبا.(1/21)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الوجهين والثاني: بالفقز قال: ويحسن أن يقال: أغرق السفينة هذا القفز وجزم أيضا أن القفيز المغرق لها "10/36 - 37" انتهى.
وقال في كتاب الديات: وَهَلْ يَضْمَنُ مَنْ أَلْقَى عِدْلًا مَمْلُوءًا بِسَفِينَةٍ مَا فِيهَا أَوْ نِصْفِهِ أَوْ بِحِصَّتِهِ؟ يَحْتَمِلُ أوجها "9/423" انتهى فأطلق الخلاف هنا والحكم في التي قبلها غير مطلق الخلاف فيه أنه تابع في كلامه نظر من وجهين:
أحدهما: هذا والثاني أنه تابع ابن حمدان1 في رعايته فنقل كلامه بحروفه والأوجه التي ذكرها ابن حمدان إنما هي من عنده لم يسبق إليها بل هي خرجها فأوهم كلام المصنف أن الأوجه للأصحاب مع أن المصنف قد نقل كلام ابن عقيل وغيره في الحدود إلا أن تكون المسألتان متغايرتين2 وهو بعيد وقد التزم المصنف أنه لا يطلق3 إلا إذا اختلف الترجيح فأين اختلاف4 الأصحاب في هذا؟ والله أعلم.
5ووقع له أيضا ماشابه ذلك في باب القسامة والدعاوى فيما إذا ادعى عليه ما يوجب قصاصا فقال في باب القسامة: وَمَتَى فُقِدَ اللَّوَثُ6 حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينًا وعنه: خمسين وَعَنْهُ: لَا يَمِينَ فِي عَمْدٍ وَهِيَ أَشْهَرُ "10/18" وقال5
__________
1 هو أبو عبد الله نحم الدين أحمد بن شبيب النميري الحراني الفقيه الأصولي القاضي من مصنفابه الرعاية الكبرى والرعاية الصغرى والوافي "ت 695 هـ" الدر المنضد "1/436".
2 في النسخ الخطية "متغايرتان" والمثبت من "ط".
3 بعدها في "ح" "الخلاف".
4 بعدها في "ح" "ترجيح".
5 5 ليست في "ح".
6 اللوث هو: العداوة الظاهرة بين المقتول والمدعى عليه أو هو: ما يغلب على الظن صذق المدعي المغني "12/193 - 194".(1/22)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
في باب الدعاوى ويستحلف في كل حق آدمي في رواية واستثنى الخرقي2 القود والنكاح واستثنى أبو بكر النكاح والطلاق واستثنى أبو الخطاب3 ذلك وأشياء عددها وقال القاضي: في طلاق وقود وقذف روايتان والبقية لا يستحلف فيها. وقدم في المحرر كأبي الخطاب وزاد: الإيلاء وفي الجامع الصغير ما لا يجوز بدله - وهو ما ثبت بشاهدين - لا يستحلف فيه وعنه: يستحلف فيما يقضى فيه بالنكول فقط "11/273" انتهى فقدم في القسامة أن يحلق في دعوى القود أو لا يحلق وهو أشهر وأطلق في باب الدعاوى1.
ووقع له أيضا في باب زكاة السائمة في وجوب الزكاة فيما غذي باللبن فقال في أول الباب تجب في الإبل والبقر والغنم للدر والنسل وأطلق بعضهم فيما إذا كان نتاج النصاب رضيعا غير سائم4 وجهين ويعضهم احتمالين وسيأتي "4/5" انتهى.
وقال في أثناء الباب فإن تغذت باللبن فقيل تجب لوجوبها تبعا للأمات كما تتبعها في الحول وقيل لا لعدم السوم المعتبر "4/32" انتهى. فقدم أول وأطلق ثانيا.
ووقع له أيضا قريب5 من ذلك في باب الحجر والخلع في تعلق دين الرقيق غير المأذوم له فقال في الحجر: ويتعلق دين غير المأذوم له برقبته نقله الجماعة وعنه: بذمته "7/20" وقال في الخلع: وخلع الأمة كاستدانتها يصج بإذن سيد
__________
1 ليست في "ح".
2 هو أبو القاسم عمر بن عبد الله البغدادي الخرقي الحنبلي صاحب المختصر المشهور في مذهب أحمد كانت له مصنفات كثيرة لكنها أحرقت بعد خروجه من بغداد "ت 334 هـ" سير أعلام النبلاء "15/363" المقصد الأرشد "3/20".
3 هو محفوظ بن أحمد بن الحسن بن أحمد الكلوذاني البغدادي من مصنفابه الهداية الانتصار التمهيد وغيرها "ت 510 هـ" المقصد الأرشد "3/20".
4 في "ط" "سليم".
5 في النسخ الخطية: "قريبا" والمثبت من "ط".(1/23)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وقيل دونه فعنه: بِرَقَبَتِهَا. وَاخْتَارَ الْخِرَقِيُّ تَتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهَا "8/419" فقدم هناك بأنه يتعلق برقبته وأطلق الخلاف هنا والمسألة هنا من جملة الدين فيما يظهر.
ووقع له أيضا قريب1 من ذلك في باب الرهن والضمان فيما إذا قضى دَيْنِهِ أَوْ أُبْرِئَ مِنْهُ وَبِبَعْضِهِ رَهْنٌ أَوْ كفيل فقال في ابرهن: يكون عما نواه فإن أطلق فإلى أيهما شاء وقيل: بالحصص "6/381" انتهى.
وقال في الضمان: ومن عليهما مئة فيضمن كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ فَقَضَاهُ أَحَدُهُمَا نِصْفَهَا أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ وَلَا نِيَّةَ فَقِيلَ: إنْ شَاءَ صَرَفَهُ إلَى الْأَصْلِ أَوْ الضَّمَانِ وَقِيلَ: بَيْنَهُمَا نصفان "6/409" انتهى. فقدم في الأولى أن له صرفه مع الإطلاق إلى أيهما شاء وأطلق هنا الخلاف وهي فرد من أفراد المسألة التي في الرهن فيما يظهر.
ووقع له أيضا قريب1 من ذلك في باب الخيار لاخلاف المتبايعين وكتاب الإقرار فيما إذا قال: لم أكن بالغا حال التصرف فقال في الإقرار: وإن قال: لم أكن بالغا فوجهان "11/402" وقال في الخيار: وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي شَرْطٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ فعنه: التحالف وعنه: قول منكره كمفسده للعقد. نَصَّ عَلَيْهِ فِي دَعْوَى عَبْدٍ عُدِمَ الْإِذْنُ ودعوى الصغير وفيه وجه "6/270 - 271" انتهى. فأطلق الخلاف في الإقرار وقدم في الخيار عدم القبول قوله وقال: نص عليه ولا فرق بين الإقرار وغيره في دعوى الصبي ذلك صرح به الإئمة منهم: الشيخ تقي الدين2 وابن رجب وغيرهما.
__________
1 في لنسخ الخطية "قريبا" والمثبت من "ط".
2 هو: أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني شيخ الإسلام من مصنفاته السياسة الشرعية شرح العمدة الفتاوى وغيرها "ت 728 هـ" ذيل طبقات الحنابلة "2/387" الأعلام "1/144".(1/24)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وما في الوكالة فيما إذا حصلت زيادة في مدة الخيار محتمل لهذا على ما يأتي بيانه هناك. وكذا ما في كتاب الطهارة وباب الوقف: فيما إذا سبل ماء للشرب على ما يأتي في كتاب الطهارة "ص 62".
وكذا ما في كتاب النكاح في الخصائص "ص 8/198" وباب القذف في تحريم نكاح من فارقها عليه أفضل الصلاة والسلام قبل الدخول على أمته على ما يأتي في القذف "10/90".
فهذه ثمان1 عشرة مسألة أو أقل قد من الله الفتاح بالاطلاع عليها ويأتي الاعتذار عن ذلك في التنبيه الثاني قريبا "ص 38" وقد أجبت عن بعض ذلك في موضعه بما يقتضي التغاير والله أعلم.
وتارة يطلق المصنف الخلاف في مسألة في موضع ثم يطلق فيها بعينها في موضع آخر فتارة ينبه على ذلك بقوله: قد سبق كما ذكره في باب المسح على الخفين "ص 208" والصلاة "2/23" والحج "5/208" والتيمم "ص 292" والصيام "4/428" وغيرها على ما يأتي التنبيه عليه وتارة لا ينبه عليه كما وقع له في باب صلاة الجماعة في مراعاة أول الوقت أو كيرة الجمع "2/415" وكما وقع له في حكم الركاز "4/176" وآخر باب زكاة الفطر "4/240" وأواخر باب أصناف الزكاة "4/378" في مسألة جواز دفع الزكاة إلى من أخذت منه فوقع له التكرار في هذه المسألة في ثلاثة2 أماكن كما يأتي ذلك مبينا في مواضعه "4/172 و4/235 و 176 و240 و378" وكما وقع لع في آخر باب السلم "6/343" وباب التصرف في المبيع وبلفه "6/273" في مسألة ما إذا قبضه جزافا هل له أن يتصرف في قدر حقه أو لا؟ على ما يأتي.
__________
1 في "ح" "سبع".
2 في النسخ الخطية: "ثلاث" والمثبت من "ط".(1/25)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وكما وقع له في أوائل كتاب الزكاة "3/422" وباب ميراث الحمل "8/40" في مسألة وجوب الزكاة في مال الحمل على ما يأتي ذلك في البابين.
وكما وقع له في باب الوكالة وباب أوكان النكاح في مسألة الوكيل في قبول النكاح إذا كان فاسقا على ما يأتي "7/31 و 8/225".
وكما وقع له في كتاب البيع "6/177" والصداق "8/324" فيما إذا أسرا الثمن, ثم عقداه على أكثر منه.
وكما وقع له في باب ذكر أصناف الزكاة "4/334" وباب الولاء في عقل السيد عمن أعتقه في واجب "8/78" إذا قلنا: لا ولاء له عليه.
وكما وقع له في باب الوضوء "ص 180" وباب محظورات الإحرام "5/413" في الصدغ1 والتحذيف2 هَلْ هُمَا مِنْ الرَّأْسِ أَوْ مِنْ3 الْوَجْهِ وكما وقع له في باب بيع الأصول والثمار "6/200 – 2001" وباب المساقاة في بيع الثمر الذي لم يبد صلاحه لمالك الأصل من غير شرط القطع "7/122".
ووقع له قريب4 من ذلك في باب جامع الأيمان "11/23 و11/61 – 62" فيما نقلا هل يصح صرفها في عام واحد أم لا؟ وذكر شيئا من ذلك في باب حكم قضاء الصوم "5/73 – 74" ولم يطلع المصنف على النقل كاملا في المسألة على ما يأتي ذلك مبينا في باب الموصي به "7/470".
__________
1 هو الشعر المتدلي ما بين العين والأذن القاموس "صدغ".
2 هو الشعر الداخل في الوجه ما بين انتهاء العذار والنزعة المغني "1/163".
3 ليست في "ط".
4 في النسخ الخطية "قريبا" والمثبت من "ط".(1/26)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وكما وقع له في كتاب البيع "6/137" وباب الإجارة في إجارة المصحف "7/143" وما في الوكالة "7/37" فيما إذا تعدى الوكيل باللبس أو بالاستعمال محتمل لذلك على ما يأتي هناك.
وكذا ما في الضمان في المسألة الثانية والأخيرة "6/393 – 394 و 6/410" في ضامن الضامن محتمل لذلك.
وكذا ما في الرهن "6/379" والوكالة في بيع العدل أو المرتهن والوكيل البدل محتمل لذلك على ما يأتي بيانه في أبوابه فهذه اثنتا عشرة مسألة أو أكثر حصل فيها التكرار من غير تنبيه منه عليها والظاهر: أنه ما ذكر حال التكرار فإن من شأن الاختصار.
بل ربما يقع من المصنف أنه يقدم حكما في مسألة في مكان ثم يقدم غيره في موضع آخر في تلك المسألة بعينها وهذا عجيب منه كما ذكره في باب الوكالة, وأركان النكاح في توكيل الولي فقالفي باب الوكالة "7/44" وَلَهُ التَّوْكِيلُ إنْ جَعَلَهُ لَهُ وَعَنْهُ: مُطْلَقًا ثم قال: وكذا حاكم ووصي ومضارب وولي في نكاح في غير مجبر وقيل: يجوز فظاهر مَا قَدَّمَهُ: أَنَّ الْوَلِيَّ غَيْرُ الْمُجْبَرِ لَا يوكل إلا بإذن وقال فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ "8/223 – 224" وَوَكِيلُهُ كَهُوَ وَقِيلَ: لَا يوكل غير مجبر بلا إذن إلا حاكم. انتهى. فقدم هنا أَنَّ لَهُ الْوَكَالَةَ إذَا كَانَ غَيْرَ مُجْبَرٍ من غير إذن وهذا الصحيح من المذهب على ما يأتي بيانه.
وكما وقع له في الاعتكاف والكتابة في حج المكاتب فقال فِي الِاعْتِكَافِ "5/136" وَلَهُ أَنْ يَحُجَّ بِلَا إذْنٍ نَصَّ عَلَيْهِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ: يَجُوزُ إنْ لَمْ يَحْتَجْ أَنْ ينفق عليه مما جمعه ما لم يحل نجم1 وَيَجُوزُ بِإِذْنِهِ أَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ وَقَالُوا: نَصَّ عَلَيْهِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مَا لَمْ يَحِلَّ نَجْمٌ1 وَصَرَّحَ به بعضهم وعنه: المنع مطلقا انتهى. وقال في الكتابة "8/144" ويكفربإذن سَيِّدِهِ وَعَنْهُ: الْمَنْعُ وَعَنْهُ: عَكْسُهُ وَكَذَا حَجُّهُ بماله ما لم يحل نجم وعنه: مُطْلَقًا وَأَطْلَقَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ وَقَالُوا: نَصَّ
__________
1 النجم" وقت جلول الأداء وكانت العرب توقت به لأنهم ما كانوا يعرفون الحساب المصباح "مجم".(1/27)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
عليه انتهى فقدم في الاعتكاف الجواز من غير إذن 1وظاهر ما قدمه في الكتابة: عدم الجواز من غير إذن1 وقيده في الكتابة بعدم حلول نجم 1إذا كان بإذن1 وظاهر ما قدمه في الاعتكاف: عدم التقييد إذا كان بغير إذنه وإن كان بإذن فقدم عدم التقييد قال: ولعل المراد: ما لم يحل نجم.
ووقع له ذلك في باب نفقة القريب "9/313 – 314" في نفقة ذوي الأرحام من عمودي نسبه فناقض كلامه في مكانين قريب بعضهما من بعض على ما يأتي هناك فليراجع.
وقد وقع للمصنف أنه جزم بحكم في مسألة في مكان ثم حكى فيها خلافا في مكان آخر واطلقه كما وقع له في باب الوكالة وأركان النكاح أيضا في اشتراط تسمية الوكيل للموكل في عقد النكاح فقال في باب الوكالة: وَيُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ عَقْدِ نِكَاحٍ فَقَطْ تَسْمِيَةُ مُوَكِّلٍ ذكره في الانتصار والمنتخب والمغني انتهى "7/51" واقتصر عليه. وقال في أركان النكاح: ويقول لوكيل الزوج: زوجتك بنتي أو موليتي فلانة لفلان أو زوجت موكلك فلانا فلانة ولا يقول: منك فيقول: قبلت تزويجها أو نِكَاحَهَا لِفُلَانٍ فَلَوْ لَمْ يَقُلْ: لِفُلَانٍ فَوَجْهَانِ في الترغيب انتهى "8/223 – 224".
ووقع له قريب من ذلك في باب نية الصوم وباب الظهار في تعيين نية الكفارة فقال في باب نية الصوم: وَيَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ فِي كُلِّ صَوْمٍ وَاجِبٍ وهو أن يعتقد أن يصوم من رمضان أو نذره أو كفارته. نص عليه وعنه: لا يجب تعيين النية لرمضان "4/453". "9/196 – 197" والظاهر: أن هذه المسألة من جملة المسألة التي في الصوم.
ووقع له أيضا ما يشابه ذلك في الإجارة وكتاب الحدود فيما إذا زاد سوطا في الحد فقال في الإجارة فيما إذا جاوز المكان أو زاد على ما اتفقا على حمله: ويلزمه
__________
1 ليست في "ح".(1/28)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
قيمة الدابة إذا تلفت وقيل: نصفها كسوط في حد "7/171" وقال في الحدود: وإن زاد سوطا فديته وقيل: نصفها "10/36" فقدم وجوب الدية كاملة وظاهر ما قطع به في الإجارة أن عليه نصفها.
ووقع له قريب من ذلك في الإجارة والعارية في إعارة العبد المسلم للذمي فقال في الإجارة: وتجوز إجارة مسلم لذمي في الذمة وفي مدة روايتانلا لخدمة على الأصح وكذا إعارته "7/150" وقال في العارية: وتجوز إعَارَةُ كُلِّ ذِي نَفْعٍ جَائِزٌ مُنْتَفِعٌ بِهِ مع بقاء عيبه إلَّا الْبُضْعَ وَمَا حُرِّمَ اسْتِعْمَالُهُ لِمُحْرِمٍ وَفِي التبصير: وَعَبْدًا مُسْلِمًا لِكَافِرٍ وَيَتَوَجَّهُ كَإِجَارَةٍ انْتَهَى "7/197" فَقَطَعَ أولا أن إعارته كإجارته وصحح أنه لا يجوز للخدمة وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْعَارِيَّةِ: الْجَوَازُ وَمَا منع إلا صاحب التبصير ثم وجه من عنده أنه كإجارته مع قطعه أولا أنه كإجارة فحصل الخلل من وجهين فيما يظهر.
ووقع له قريب من ذلك في باب التصرف في المبيع وكتاب الصداق فيما إذا تصرف في المبيع قبل قبضه فقال في باب التصرف في المبيع: ولا يتصرف في مكيل وموزون ومعدود ومذروع ولا بإجارة وجوز شيخنا التصرف فيه بغير بيع "6/278 - 279" وقال في كتاب الصداق ما معناه: ولو تزوجها على مبيع1 لم يقبضه صح في الأصح "8/313" فقدم أولا عدم صحة التصرف وصحح هنا صحة التصرف فيه بجعله مهرا وليس المراد في المهر غير المكيل والموزون والمعدود والمذروع لأنه قرنه بما هو أكثر غررا من ذلك وصحح جعله مهرا.
2ووقع له قريب من ذلك في باب التيمم في موضعين فقال في الأول: وإن دل عليه أو علمه فريبا لزمه قصده في الوقت "ص 280" وقال بعد ذلك: وَإِنْ وَصَلَ مُسَافِرٌ إلَى مَاءٍ وَقَدْ ضَاقَ الوقت - إلى أن قال - أو دله ثقة فقيل: يتيمم2
__________
1 في "ط" "مبلغ".
2 2 ليست في "ح".(1/29)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
ويصلي وقيل: يحصله ولو خرج الوقت "ص 290 - 291" فقطع أولا وأطلق ثانيا فيما إذا دل عليه ولكن الأول من المفهوم والظاهر: أنهما مسألة واحدة وتأتي.
وربما وقع منه أن يقطع في مسألة بحكم ثم يقتصر على ضده فيها بعينها في مكان آخر كما وقع في باب تبرع المريض في أول الفصل الأول منه فيما إذا وهب المريض لعير وارث فصار وارثا أو عكسه فقال: ومن وهب أو وصى لوارث فصار غير وارث عند الموت صحت وعكسه بعكسه اعبارا بالموت "7/447" وقال في كتاب الإقرار: وإن أقر لوارث فصار عند الموت أجنبيا أو عكسه اعتبر بحال الإقرار لا الموت على الأصح فيصح في الثانية دون الأولى "11/411" ثم قال: وكذا الحكم إن أعطاه وهو غير وارث ثم صار وارثا ذكره في الترغيب وغيره. انتهى. فقطع في الهبة أنه لا يصح اعتبارا بحال الموت وألحق العطية بالاقرار في كتاب الإقرار "11/411" وحكاه عن صاحب الترغيب واقتصر عليه والعطية هبة فصحح عطية هنا وأبطلها هناك1.
واعلم أنه قد يكون الوجه المسكوت عنه من الوجهين المطلقين مقيد فأذكره وكذا الرواية.
ومرادي بالشارح شيخ الإسلام: الشيخ شمس الدين ابن أبي عمر2 وبالشرح شرحه وبالتصحيح تصحيحه الخلاف المطلق الذي في المقنع للشيخ شمس الدين النابلسي3 وبتصحيح المحرر تصحيح شيخنا القاضي عز الدين الكناني4.
__________
1 ليست في "ح".
2 هو أبو الفرج شمس الدين عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي الأصل أول من ولي قضاء الحنابلة بدمشق من مصنفاته: الشرح الكبير "ت 682 هـ" الدر المنضد "1/424" الأعلام "3/329".
3 هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمود النابلسي قاضي قضاة الحنابلة بدمشق له تصحبح المقنع "ت 805هـ" الجوهر المنضد ص "152".
4 هو أبو البركات عز الدين أحمد بن إبراهيم بن نصر الله الكناني العسقلاني الإصل المصري الحنبلي فقيه مؤرخ انتهت إليه رئاسة الحنابلة بمصر من مصنفاته: طبقات الحنابلة صفوة الخلاصة "ت 876هـ" الضوء اللامع "1/205".(1/30)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تنبيهان
الأول: اعلم أن مرجع معرفة الصحيح والترجيح في المذهب إلى أصحابه وقد حرر ذلك الأئمة المتأخرون فالاعتماد في معرفة الصحيح من المذهب على ما قالوه ومن أعظمهم الشيخ الموفق لا سيما في الكافي والمجد1 المسدد والشارح والشيخ تقي الدين والشيخ زين ابن رجب وصاحب الرعايتين خصوصا في الكبرى والخلاصة والنطم1 والحاويين والوجيز والمنور ومنتخب الأدمي وتذكرة ابن عبدوس والزركشي2 وأضرابهم فإنهم هذبوا كلام المتقدمين ومهدوا قواعد المذهب بيقين.
فإن اختلفوا فالمرجع إلى ما قاله الشيخان: أعني: الموفق والمجد3 ثم ما وافق أحدهما الآخر في أحد اختياريه فإن اختلفا من غير مشارك لهما فالموفق ثم المجد وإلا ينظر فيمن شاركهما من الأصحاب لا سيما إن كان الشيخ تقي الدين أو ابن رجب وقد قال العلامة ابن رجب في طبقاته4 في ترجمة ابن المني5: وأهل زماننا ومن قبلهم إنما يرجعون في الفقه من جهة الشيوخ والكتب إلى الشيخين الموفق والمجد. انتهى. فإن لم يكن لهما ولا لأحدهما في ذلك تصحيح ووجد لغيرهما 6ممن ذكرته6 - ممن تقدم ذكره أو غيرهم – تصحيح أو تقديم أو اختيار ذكرته.
__________
1 في "ط" "النحم".
2 هو أبو عبد الله شمس الدين محمد بن عبد الله بن محمد الزركشي المصري الحنبلي له شرح الخرقي "ت 772هـ" المنهج الأحمد "5/137".
3 هو أبو البركات مجد الدين عبد السلام بن عبد الله بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي من مصنفاته: تفسير القرآن العظيم المحرر المنتقى في أحاديث الأحكام "ت 652هـ" الأعلام "4/6" المقصد الأرشد "2/162".
4 ذيل طبقات الحنابلة "1/360".
5 هو أبو الفتح نصر بن فتيان بن مطر النهرواني ثم البغدادي الفقيه الزاهد المعروف بابن المني له: تعليقه في الخلاف "ت 583هـ" ذيل طبقات الحنابلة "1/351" الدلا المنضد "1/292".
6 6 ليست في "ح".(1/31)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وهذا الذي قلته من حيث الجملة وفي الغالب وإلا فهذا لا يطرد البتة بل قد يكون المذهب ما قاله أحدهم في مسألة ويكون الصحيح من المذهب ما قاله الآخر أو غيره في أخرى وإن كان أدنى منه منزلة باعتبار النصوص وأدلة والعلل والمآخذ والاطلاع عليها والموافق من الأصحاب وربما كان الصحيح مخالفا لما قاله الشيخان وكل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم هذا ما ظهر لي من كلامهم ويؤيده كلام المصنف في إطلاق الخلاف ويظهر ذلك بالتأمل لمن تتبع كلامهم وعرفه.
وقد قيل: إن المذهب فيما إذا اختلف الترجيح ما قاله الشيخ الموفق ثم المجد ثم صاحب الوجيز ثم صاحب الرعايتين ورأيت في تصحيح المحرر: لا يعدل بصاحب الوجيز أحد في الغالب وقال بعضهم: إذا اختلفا في المقنع والمحرر فالمذهب ما قاله في الكافي وكل هذه الأقوال ضعيفة على الإطلاق لا يلبفت إليها.
وقد قال في آداب المفتي: إذا وجد من ليس أهلا للتخريج بالدليل اختلافا بين أئمة المذهب في الأصحمن القولين أو الوجهين فينبغي أن يرجع في الترجيح إلى صفاتهم الموجبة لزيادة الثقة بآرائهم فيعمل بقول الأكثر والأعلم والأورع فإن اختص أحدهما بصفة منها والآخر بصفة أخرى قدم الذي هو أحرى منهما بالصواب فالأعلم الأورع العالم وكذا إذا وجد قولين أو وجهين لم يبلغه عن أحد من أئمة مذهبه بيان الأصح منهما اعتبر أوصاف ناقليهما ويرجع إلى ما وافق منهما أئمة أكثر المذاهب المتبوعة أو أكثر العلماء انتهى. ونقله الشيخ تقي الدين في المسودة وأقره عليه. قلت: وفي تعض ما قاله نظر.
وقد سئل الشيخ تقي الدين عن معرفة المذهب في مسائل الخلاف فيها مطلق في الكافي والمحرر والمقنع والرعاية والخلاصة والهداية وغيرها. قال: طالب العلم يمكنه معرفة ذلك من كتب أخرى مثل كتاب التعليق للقاضي(1/32)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
والانتصار لأبي الخطاب وعمد الأدلة لابن عقيل وتعليق القاضي يعقوب1 وابن الزغوني2 وعير ذلك من الكتب الكبار التي يذكر فيها مسائل الخلاف ويذكر فيها الراجح وقد اختصرت هذه الكتب في كتب مختصرة مثل رؤوس المسائل للقاضي أبي يعلى وللشريف أبي جعفر3 ولأبي الخطاب وللقاضي أبي الحسين4. وقد نقل عن أبي البركات جدنا أنه كان يقول لمن يسأله عن ظاهر المذهب: أنه ما رجحه أبوالخطاب في رؤوس مسائله. قال: ومما يعرف منه ذلك المغني لأبي محمد وشرح الهداية لجدنا. ومن كان خبيرا بأصول أحمد ونصوصه عرف الراجح من مذهبه في عامة المسائل انتهى كلام الشيخ تقي الدين وهو موافق لما قلناه والله أعلم. وقد ذكرت المصنفات التي نقلت منها في كتاب الإنصاف5 وفيها بحمد الله كفاية.
التنبيه الثاني: ظاهر قوله: فإن اختلف الترجيح أطلفت الخلاف أن اختلاف الترجيح يكون بين الأصحاب وهو المتبادر إلى الفهم ويشكل على ذلك أشياء:
أحدهما: أنه يقول في كتابه في غير ما موضع: فعنه: يكون كذا اختياره الأصحاب وعنه: لا. كما ذكره في باب المسح على الخفين "ص 216" وباب الحجر "7/18" أو يقول: وهل يكون الحكم كذا؟ اختاره الأصحاب أو: كذا؟ فيه روايتان
__________
1 هو يعقوب بن إبراهيم بن أحمد بن سطور العكبري البرزبيني القاضي من مصنفاته: التعليقة في الفقه "ت 486هـ" الدر المنضد "1/215" الأعلام "8/194".
2 هو أبو الحسن علي بن عبد الله بن نصر بن السري مؤرخ فقيه من أعيان الحنابلة من مصنفاته: الإقناع الواضح المفردات وغيرها "ت 527هـ" المقصد الأرشد "2/232" الأعلام "4/310".
3 هو عبد الخالق بن عيسى ينتهي نسبه إلى العباس رضي الله عنه من مصنفاته: رؤوس المسائل أدب الفقه "ت 470هـ" المقصد الأرشد "2/144" الأعلام "3/292".
4 هو محمد بن محمد بن الحسين بن محمد بن الفراء القاضي الشهير بابن شيخ المذهب القاضي أبي يعلى من مصنفاته: المجموع في الفروع رؤوس المسائل المفردات في الفقه "ت 526هـ" الدر المنضد "1/241" المقصد الأرشد "2/499".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "1/16 – 23".(1/33)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
كما ذكره في باب ما يفسد الصوم "5/42 – 43" أو يقول: يكون الحكم كذا في رواية اختارها فلان أو: كذا في رواية اختارها الأصحاب كما ذكره في باب ما يفسد الصوم أيضا "5/50" وعندي أنه يتعين عمل الأصحاب في مثل ذلك على غالبهم أو على من وقف على كلامه منهم بدليل قوله في بعض المواضع: لكن الحكم كذا في رواية اختارها فلان أو: كذا في رواية اختارها الأصحاب والله أعلم مع أن في كلام المصنف في هذه المسألة نظرا من ثلاثة أوجه يأتي بيانها في محلها وكذا الذي في باب الحجر "7/18".
أو يقول: يكون الحكم كذا في رواية اختارها الأصحاب وكذا في رواية كما ذكره في باب محظورات الإحرام "5/414" وما أشبه ذلك فأين الاختلاف بين الأصحاب في الترجيح وهو قد قطع بأن الأصحاب قد اختاروا إحدى الروايتين؟ فيمكن الجواب بأن يقال: هذه الصيغ ليست من الخلاف المطلق وهو ضعيف 1وإنما يطلفه نظرا إلى اختلاف الترجيح من غالب الأصحاب ثم يذكر ما هو مشهور بين باختيار بعض المحققين أو بقوة دليله في نظر المؤلف ونحو ذلك1 والصواب أن يقال: بقرينة قوله: اختاره الأصحاب انتفى إطلاق الخلاف الذي اصطلح عليه ويكون المذهب ما قاله الأصحاب وإنما أتى بهذه الصيغة لتدل على قوة الرواية الأخرى عندهم حتى تقاوم ما اختاره الأصحاب كما تقدم التنبيه عليه, ويكون كقوله: فعنه: كذا والمذهب أو: الأشهر: كذا والله أعلم.
الثاني: أنه يطلق الخلاف ثم يقول: والأشهر كذا أو: المشهور كذا ونحوه فدل أن ذلك أكثر ترجيحا وأشهر بين الأصحاب والجواب كما تقدم ويراد هنا بأن بعض الأصحاب قد اختار غير الأشهر فاختلف الترجيح ولكن بعضه أشهر.
__________
1 1 ليست في "ح" و"ط".(1/34)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الثالث: أنه يقول: في بعض المسائل – بعد إطلاق الخلاف – والترجيح مختلف كما ذكره في باب زكاة الفطر "4/211" وباب الإحرام "5/364" وليس فيه غيرهما وهل هذا إلا تحصيل الحاصل؟ ويمكن الجواب بأنه قال ذلك تأكيدا وفيه نظر لقلة ذكره لهذه الصيغة أو يقال: ذكر ذلك لنكتة خفيت على بعض الأصحاب فصرح بذلك, ليعلم, أو ليحصل الاعتناء والتنبيه على تحريرها أو يقال: لم يستحضر المصنف حال ذكر ذلك ما اصطلح عليه في الخطية وهو الظاهر أو حرر الخطية بعد فراغه من الكتاب ويحتمل أن يكون الترجيح في الموضعين باعتبار سببين1 فيحمل كل واحد على محمل وهو بعيد والله أعلم.
الرابع: أنه يطلق الخلاف في مسائل لم يعلم للأصحاب فيها كلام كما ذكره في باب إزالة النجاسة "ص 396" في ماهية الزناد والعنبر من أي شيء هما؟ 2وكما وقع له في باب صلاة التطوع "2/396: في حذف ياء الثماني: هل هو خطأ أو شاذ3؟ 2 وكما ذكره في باب صوم التطوع "5/84 – 85" في تسمية يوم التروية ويوم عرفة وكما ذكره في قول4 2عائشة رضي الله عنها: كان يصوم شعبان كله هل المراد غالبه أو كله وقت2. وكما ذكره في سورة القدر هل هي مكية أو مدنية؟ في الباب المذكور وكما ذكره في باب الاعتكاف "5/191" في {خُلِقَ الْأِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الانبياء: 37] وكما ذكره في باب المواقيت "5/302" في الأفقي نسبة هل هو بضم الهمزة والفاء أو بفتحهما؟ وكما ذكره في كتاب البيع في ضبط المجر "6/147" هل هو بفتح الجيم أو
__________
1 في النسخ الخطية: "شيئين" والمثبت من "ط".
2 2 ليست في "ح" وقوله: "وقت" كذا في النسخ ولعله سقط: "في" ليكون المعنى بقدير الساقط يصومه كله في وقت دون وقت والله أعلم.
3 في "ص" "نسيان".
4 ليست في "ح".(1/35)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
كسرها؟ ويمكن الجواب عن ذلك بأن يقال: لا نسلم أن الأصحاب ليس لهم في هذا كلام لا سيما في يوم عرفة والتروية فإن الخلاف فيهما مشهور بين العلماء ولا يلزم من عدم اطلاعنا على ذلك عدم اطلاعه وهو ثقة فيما ينقل أويقال: سلمنا أن الأصحاب ليس لهم كلام في ذلك ولكن لما رأى هذه الأقوال ولم يترجح عنده أحدهما أطلق الخلاف فشابه ما اختلف ترجيح الأصحاب فيه والله أعلم ولكن فيه نوع اشتباه.
الخامس: أنه يقول في بعض المسائل فقيل: كذا أو: فقال فلان: كذا أو: ففي الكتاب الفلاني كذا ويقتصر عليه كما تقدم التنبيه عليه. ومسألة كراهة إمامة قوم أكثرهم له كارهون "3/16" مثل ذلك على بعض النسخ فما ثم هنا خلاف البتة حتى يختلف الترجيح فيه فيجاب: بأن هذا لم يدخل فيما اشترطه المصنف ولكن إتيانه بهذه الصيغة لا يخلو من نكتة ثم وجدته في جمع الجوامع في أصول الفقه للسبكي1 ذكر مثل هذه العبارة في مسألة الكلام في الأزل: هل يسمى خطابا؟ فقال بعض شراحه2: ذكر المصنف قولين من غير ترجيح فحكم بأن في المسألة قولين2 من غير ترجيح ولكن لا يتأتى لنا القطع بذلك في كلام المصنف وغيره بل يتتبع كلامهم: هل يوجد فيها منقول بذلك أم لا؟ وقد أجبت عن بعض ذلك في موضعه على ما يأتي والله أعلم.
السادس: أنه في بعض المسائل يحكي الخلاف ويطلقه عن شخص أو كتاب ويقتصر عليه وليس في المسألة نقل غير ما ذكره عن ذلك المصنف أو الكتاب فأين اختلاف الترجيح في ذلك بين الأصحاب؟ ويجاب بأنه نقل ذلك على سبيل الحكاية كما وجده لا أن الخلاف فيه مطلق أو أنه لم يظهر له ترجيح أحد القولين على الآخر فأطلق الخلاف أو أنه بقرينة اختصاصه بهذا المصنف أو الكتاب يدل
__________
1 هو: أبو نصر تاج الدين عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي قاضي القضاة, من مصنفاته: طبقات الشافعية الكبرى جمع الجوامع منع الموانع "ت 771 هـ" الدرر الكامنة "2/425".
2 ليست في "ص".(1/36)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
على أن مراده غير ما اصطلح1 عليه من إطلاق الخلاف وهو الصواب والله أعلم.
السابع: أنه يخرج أو يوجه من2 عنده روايتين أو وجهين أو احتمالين ويطلقهما وهذا أيضا مما ليس للأصحاب فيه كلام ولا اختلف ترجيحهم فيه. ويمكن أن يجاب بأن يقال: إنما خرج المصنف الروايتين أو الوجهين أو الاحتمالين لجامع بين المسألة التي خرجها وبين المسألة المخرج منها, والمسألة المخرج منها فيها خلاف مطلق أو مرجح فأطلق الخلاف إحالة على ذلك وهو قوي أو قال ذلك من غير نظر إلى مصطلحه والصواب: أن الجواب هنا كالأخير في التي قبلها والله أعلم.
الثامن: أنه يطلق الخلاف في مسائل كثيرة متابعة لمن قبله حتى في نفس العبارة كما وقع له في الخطبة "ص 50" وباب الصلح "6/429" والإجارة "7/156" وكتاب الديات "9/423" وغيرها فإنه تابع ابن حمدان في رعايته الكبرى في إطلاق الخلاف بحروفه والخلاف الذي أطلقه ابن حمدان إنما هو من عند نفسه وبخريجه لم يسبق إليه وهذا مشكل جدا كونه لم ينسبه إلى قائله فأوهم أن الخلاف مطلق, وأن الأصحاب اختلفوا في الترجيح. وكذا يقع 3منه مثل ذلك3 متابعة للشيخ في المغني فيتابعه حتى في الدليل والتعليل والإطلاق وغيرها ولم يبين ذلك بل يتابعه في إطلاق الاحتمالين اللذين له ولغيره وهذا كثير في النصف الثاني مكا ستراه إن شاء الله تعالى وعذره أنه لم يبيضه ولم يعاود النظر فيه أو يكون المصنف اطلع على غير ذلك والله أعلم ويأتي التنبيه على ذلك في أماكنه إن شاء الله تعالى.
__________
1 في "ص" "اطلع".
2 ليست في "ص".
3 3 في "ص" "من".(1/37)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
التاسع: أنه يطلق الخلاف في موضع ويقدم حكما في موضع آخر في مسألة واحدة1 فيشتبه الصحيح من المذهب في ذلك فيمكن أن يقال في المسألة الأولى حيث أطلق الخلاف فلاختلاف الأصحاب في الترجيح وحيث قدم فلظهور المذهب عنده فعلى هذا الاعتماد على ما قاله أخيرا من إطلاق أو تقديم لكن لا يكفي هذا في هذا المقام بل يطلب المذهب من خارج أو يقال: قال ذلك ذهولا أو فعله متابعة لبعض الأصحاب ولم يعاود النقل ولا استحضر ذلك والله أعلم.
وأما تقديمه حكما في موضع وتقديم غيره في موضع آخر فهذا - والله أعلم – سهو منه أو يقال: ظهر له المذهب في ذلك المكان الآخر أو يقال: تابع بعض الأصحاب المحققين في مكان وتابع غيره في مكان آخر ولم يستحضر ما قاله أولا فحصل الخلل والله أعلم وعلى كل حال لا بد من التنبيه على الصحيح من المذهب في ذلك إن شاء الله تعالى.
العاشر: ما المراد باختلاف الترجيح؟ إن أراد تعادل الأصحاب وتقاومهما من الجانبين في ذلك فهو يطلق الخلاف وأكثر الأصحاب على أحد القولين ويصرح بذلك في بعض المسائل في حكايته القول كما ذكره في باب محظورات الإحرام "5/414" وغيره وهو كثير في كلامه بل هو يقدم2 في مسائل كثيرة حكما والأكثر على خلافه ويصرح به كما ذكره في كتاب البيع فيما إذا تقدم القبول على الإيجاب وغيره "6/122".
وإن أراد الأقل يقاوم الأكثر في التحقيق فهو في بعض المسائل يقدم حكما والحالة هذه من الجانبين وهو كثير لمن تتبع كلامه ويأتي في بعض المسائل ما
__________
1 بعدها في "ح" "كما تقدم التنبيه عليه أو يقدم حكما في موضع ويقدم الآخر في موضع آخر في مسألة واحدة.
2 بعدها في "ص" "بعد".(1/38)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
يشهد لذلك.
وإن أراد مجرد اختلاف الترجيح مع أنه ظاهر عبارته فيرد عليه مسائل كثيرة يقدم فيها حكما مع أن جماعة كثيرة أو أكثر الأصحاب – كما بقدم – اختاروا القول المؤخر وربما صرح بذلك المصنف فيقول: وعنه: كذا أو: كذا اختاره جماعة أو الأكثر أو فلان وفلان ونحو ذلك.
والقول بأن مراده التعاودل من الجانبين في التحقيق أقرب فلا يضرنا كثرة الأصحاب في أحد الجانبين لأن الأقل يعادل الأكثر لأجل التحقيق أو لظهور الدليل أو المدرك أو المأخذ أو العلة أو غير ذلك من أسباب الترجيح لكن لا يسلم له أيضا هذا لمن تتبع كلامه في المسائل التي قدم فيها حكما أو أطلق فيها الخلاف على ما يأتي1 التنبيه على بعضه إن شاء الله تعالى2.
والذي يظهر أن الغالب في إطلاق الخلاف ما قلناه من التعادل في التحقيق وتارة يقوى عنده الدليل في مسألة يقاوم من قال بالقول الآخر وإن كان ما اختاره إلا القليل من الأصحاب لكن قوي قولهم بالدليل أو بالقياس أو بنوع من أنواع الترجيح ولذلك تجده يطلق الخلاف مع أن أحد القولين عليه الأصحاب أو هو المشهور أو الصحيح في المذهب ولكن لقوة الدليل قاوم دليل الأصحاب والله أعلم. ويرد بعض ذلك على قوله: وأقدم غالبا المذهب والله أعلم.
فهذه نبذة يسيرة قد فتح الله بها على عبد ضعيف معترف بالعجز والتقصير ليس أهلا لذلك والله أسأل الإعانة والتوفيق على ما أردت من التصحيح والتحقيق وإليه رجعت وأنبت وعليه توكلت واعتمدت وهو حسبي ونعم الوكيل فنقول وبالله التوفيق:
__________
1 بعدها في "ص" "مع".
2 ص "145".(1/39)
وَإِذَا أَحَلْتُ حُكْمَ مَسْأَلَةٍ عَلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى1 فَالْمُرَادُ عِنْدَنَا، وَإِذَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ فِي مَسْأَلَةٍ قَوْلَانِ؛ فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ وَفِي الْأَصَحِّ وَلَوْ بِحَمْلِ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ، وَمُطْلَقٍ عَلَى مُقَيَّدٍ فَهُمَا مَذْهَبُهُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ وَعُلِمَ التَّارِيخُ فقيل: الثاني مذهبه، و2قيل: الْأَوَّلُ "م 1" وَقِيلَ وَلَوْ رَجَعَ عَنْهُ. وَإِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ - 1: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْخُطْبَةِ: "وإذا نقل عن الإمام في مسألة
__________
1 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
2 ليست في "ط".(1/40)
جهل؛ فمذهبه أقربهما من الأدلة، أو قواعده.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
قَوْلَانِ فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ وَفِي الْأَصَحِّ وَلَوْ بِحَمْلِ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ وَمُطْلَقٍ عَلَى مُقَيَّدٍ فَهُمَا مَذْهَبُهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ وَعُلِمَ التَّارِيخُ فَقِيلَ الثَّانِي مَذْهَبُهُ وَقِيلَ1: الْأَوَّلُ. انْتَهَى.
اعْلَمْ: أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يُعْلَمَ التَّارِيخُ، أَوْ لَا، فَإِنْ عُلِمَ التَّارِيخُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ فَأَطْلَقَ فِي كَوْنِ الْأَوَّلِ مَذْهَبَهُ أَيْضًا كَالثَّانِي الْخِلَافَ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَكُونُ مَذْهَبُهُ، بَلْ الثَّانِي لَا غَيْرُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَآدَابِ الْمُفْتِي، وَنَصَرَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي أُصُولِهِ: فَإِنْ عُلِمَ أَسْبَقُهُمَا فَالثَّانِي مَذْهَبُهُ وَهُوَ نَاسِخٌ، اخْتَارَهُ فِي التَّمْهِيدِ، وَالرَّوْضَةِ، وَالْعِدَّةِ، وَذَكَرَ كَلَامَ الْخَلَّالِ2 وَصَاحِبِهِ3، لِقَوْلِهِ: هَذَا قَوْلٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عَنْهُ، وَجَزَمَ بِهِ الْآمِدِيُّ4 وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ الطُّوفِيُّ5 فِي مُخْتَصَرِهِ، وَنَصَرَهُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ اللَّحَّامِ6 فِي أُصُولِهِ وَغَيْرِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَكُونُ الْأَوَّلُ أَيْضًا مَذْهَبَهُ كَالثَّانِي، وَكَمَا إذَا جُهِلَ رجوعه عنه،
__________
1 بعدها في النسخ الخطية: "و".
2 هو: أبو بكر، أحمد بن محمد بن هارون، المعروف بالخلال. من مصنفاته: "الجامع لعلوم أحمد". و"العلل"، "السنة"، "طبقات أصحاب أحمد"، وغيرها. "ت311هـ". و"المقصد الأرشد" 1/166.
3 يعني: غلام الخلال، أبو بكر، عبد العزيز بن جعفر بن أحمد، الإمام المحدث. من مصنفاته: "الشافي"، "المقنع"، "التنبيه". "ت363هـ". "طبقات الحنابلة" 2/119.
4 أبو الحسن، علي بن محمد بن عبد الرحمن البغدادي، الآمدي، الحنبلي. له: "عمدة الحاضر وكفاية المسافر" في الفقه. "ت467هـ". "ذيل طبقات الحنابلة" 1/8.
5 أبو الربيع، نجم الدين، سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم الطوفي، الصرصري، الحنبلي، من مصنفاته: "معراج الوصول"، "بغية السائل في أمهات المسائل"، "الإكسير في قواعد التفسير". "ت716هـ". "المقصد الأرشد" 1/426، "الأعلام" 3/127.
6 أبو الحسن، علاء الدين، علي بن محمد بن عباس بن شيبان البعلي، الحنبلي. له: "القواعد الأصولية". "ت803هـ". "المقصد الأرشد" 2/237.(1/41)
وَيَخُصُّ عَامَّ كَلَامِهِ بِخَاصَّةٍ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْأَصَحِّ؛ وَالْمَقِيسُ عَلَى كَلَامِهِ مَذْهَبُهُ فِي الْأَشْهَرِ. فَإِنْ أَفْتَى فِي مَسْأَلَتَيْنِ مُتَشَابِهَتَيْنِ بِحُكْمَيْنِ مختلفين في وقتين قال بعضهم: وبعد الزمن؛ فَفِي جَوَازِ النَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ وَلَا مَانِعَ وَجْهَانِ "م 2".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
اختاره ابن حامد1، وغيره، كَمَنْ صَلَّى صَلَاتَيْنِ بِاجْتِهَادَيْنِ إلَى جِهَتَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ أَخْطَأَ، وَرَدَّهُ الطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَشَرْحِهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ فِي الْمُسَوَّدَةِ2: قُلْت؛ وَقَدْ تَدَبَّرْت كَلَامَهُمْ فَرَأَيْته يَقْتَضِي أَنْ يُقَالَ بِكَوْنِهِمَا مَذْهَبًا لَهُ وَإِنْ صَرَّحَ بِالرُّجُوعِ، انْتَهَى وَأَمَّا إذَا جُهِلَ التَّارِيخَ فَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَدْ حَكَمَا3.
مَسْأَلَةٌ 2- قَوْلُهُ: "فَإِنْ أَفْتَى فِي مَسْأَلَتَيْنِ مُتَشَابِهَتَيْنِ بِحُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ قَالَ بعضهم: وبعد الزمن، ففي جواز النقل والتخريج وَلَا مَانِعَ وَجْهَانِ انْتَهَى ". وَأَطْلَقَهُمَا فِي آدَابِ الْمُفْتِي:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، كَقَوْلِ الشَّارِعِ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ وَغَيْرِهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمَجْدُ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ فِي الرَّوْضَةِ، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أُصُولِهِ، وَالطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَشَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرُهُمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ ذَلِكَ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُطْلِعِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَقَالَ: إذَا كَانَ بَعْدَ الْجِدِّ وَالْبَحْثِ.
قُلْت: وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ عمل به الشيخ الموفق، والمجد
__________
1 هو: الحسن بن حامد بن علي بن مروان البغدادي، إمام الحنابلة في زمانه. من مصنفاته "الجامع في المذهب"، "شرح الخرقي"، "تهذيب الأجوبة". "ت403هـ". "المقصد الأرشد" 1/319.
2 ص 527.
3 في "ص": "وقدم حكماً"، وفي "ط": "وقد حكما".(1/42)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ الصَّوَابُ. فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ الْقَوْلُ الْمُخَرَّجُ وَجْهًا لِمَنْ خَرَّجَهُ، وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ رِوَايَةً مُخَرَّجَةً، ذَكَرَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ أَيْضًا: قُلْت: إنْ عُلِمَ التَّارِيخُ وَلَمْ يَجْعَلْ أَوَّلَ قَوْلَيْهِ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ مَذْهَبًا لَهُ جَازَ1 نَقْلُ حُكْمِ الثَّانِيَةِ إلَى الْأُولَى فِي الْأَقْيَسِ، وَلَا عَكْسَ، إلَّا أَنْ يجعل أول قوليه في مسألة واحدة مذهبا له مع معرفة التاريخ، وإن جهل التَّارِيخُ جَازَ نَقْلُ حُكْمِ أَقْرَبِهِمَا مِنْ كِتَابٍ، أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ إجْمَاعٍ، أَوْ أَثَرٍ، أَوْ قَوَاعِدِ الْإِمَامِ وَنَحْوِهِ إلَى الْأُخْرَى فِي الْأَقْيَسِ، وَلَا عَكْسَ، إلَّا أَنْ يَجْعَلَ أَوَّلَ قَوْلَيْهِ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ مَذْهَبًا لَهُ مَعَ مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ، وَأَوْلَى، لِجَوَازِ كَوْنِهَا الْأَخِيرَةَ دُونَ الرَّاجِحَةِ. انْتَهَى.
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ "قَالَ بَعْضُهُمْ وَبَعُدَ الزَّمَنُ" مِنْ الْبَعْضِ صَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَآدَابِ الْمُفْتِي فَإِنَّهُ قَطَعَ بِذَلِكَ.
التَّنْبِيهُ الثَّانِي: قَوْلُهُ "وَلَا مَانِعَ" يَعْنِي إذَا أَفْضَى النَّقْلُ وَالتَّخْرِيجُ إلَى خَرْقِ الْإِجْمَاعِ أَوْ رَفْعِ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْجَمُّ الْغَفِيرُ مِنْ الْعُلَمَاءِ، أَوْ عَارَضَهُ نَصُّ كِتَابٍ، أَوْ سُنَّةٍ امْتَنَعَ النَّقْلُ وَالتَّخْرِيجُ، قَالَهُ فِي آدَابِ الْمُفْتِي.
التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ: الْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَا قِيسَ عَلَى كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مَذْهَبٌ لَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرُهُ. "وَاعْلَمْ" أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ مَا قِيسَ عَلَى كَلَامِهِ مَذْهَبٌ لَهُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: "وَالْمَقِيسُ عَلَى كَلَامِهِ مَذْهَبُهُ فِي الْأَشْهَرِ" انْتَهَى، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَثْرَمِ2، وَالْخِرَقِيِّ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَقَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَآدَابِ الْمُفْتِي،
__________
1 ليست في "ص".
2 هو أبو بكر، أحمد بن محمد بن هانئ الطائي، البغدادي، الحافظ الشهير بالأثرم. له: "السنن"، "علل الحديث"، وغيرهما. توفي بعد الستين ومئتين. "المقصد الأرشد" 1/161، و"الأعلام" 1/205.(1/43)
وقوله: لَا يَنْبَغِي، أَوْ لَا يَصْلُحُ. أَوْ اسْتَقْبَحَهُ، أَوْ هُوَ قَبِيحٌ، أَوْ لَا أَرَاهُ لِلتَّحْرِيمِ. وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِرَاقُ غَيْرِ الْعَفِيفَةِ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ أَحْمَدَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُمْسِكَهَا. وَسَأَلَهُ أَبُو طَالِبٍ: يُصَلَّى إلَى الْقَبْرِ، وَالْحَمَّامِ، وَالْحَشِّ، قَالَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ، لَا يُصَلَّى إلَيْهِ قُلْت فَإِنْ كَانَ؟ قَالَ: يُجْزِئُهُ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِيمَنْ قَرَأَ فِي الْأَرْبَعِ كُلِّهَا بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْحُسَيْنِ بْنِ حَسَّانَ فِي الإمام يقصر في الْأُوَلِ، وَيُطَوِّلُ فِي الْأَخِيرَةِ: لَا يَنْبَغِي هَذَا1. قَالَ الْقَاضِي: كُرِهَ ذَلِكَ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، فَدَلَّ على خلاف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: لَيْسَ بِمَذْهَبٍ لَهُ، قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: عَامَّةُ مَشَايِخِنَا مِثْلُ الْخَلَّالِ، وَأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَبِي عَلِيٍّ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَسَائِرِ مَنْ شَاهَدْنَاهُمْ لَا يُجَوِّزُونَ نِسْبَتَهُ إلَيْهِ، وَأَنْكَرُوا عَلَى الْخِرَقِيِّ مَا رَسَمَهُ فِي كِتَابِهِ2 مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَاسَ عَلَى قَوْلِهِ انْتَهَى، وَنَصَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ، وَذَكَرَهُ فِي الْمُسَوَّدَةِ.
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسَوَّدَةِ وَالْمُصَنِّفُ فِي أُصُولِهِ، وَقِيلَ: إنْ جَازَ تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ فَهُوَ مَذْهَبُهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَآدَابِ الْمُفْتِي: وَقُلْتُ: إنْ نَصَّ الْإِمَامُ عَلَى عِلَّتِهِ، أَوْ أَوْمَأَ إلَيْهَا، كَانَ مَذْهَبًا، وَإِلَّا فَلَا، إلَّا أَنْ تَشْهَدَ أَقْوَالُهُ وَأَفْعَالُهُ أَوْ أَحْوَالُهُ لِلْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ بِالصِّحَّةِ، وَالتَّعْيِينِ انْتَهَى. قَالَ الْمُوَفَّقُ فِي الرَّوْضَةِ، وَالطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهَا، وَغَيْرُهُمَا: إنْ بَيَّنَ الْعِلَّةَ فَمَذْهَبُهُ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ وُجِدَتْ فِيهَا تِلْكَ الْعِلَّةُ، كَمَذْهَبِهِ فِيمَا نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْعِلَّةَ فَلَا وَإِنْ أَشْبَهَتْهَا، إذْ هُوَ إثْبَاتُ مَذْهَبٍ بِالْقِيَاسِ، وَلِجَوَازِ ظُهُورِ الْفَرْقِ لَهُ لَوْ عُرِضَتْ عليه.
__________
1 زاد الموفق في "المغني" 2/278: يقال له ويؤمر.
2 يعني: مختصره في الفقه.(1/44)
وَفِي "أَكْرَهُ" أَوْ لَا "يُعْجِبُنِي" أَوْ "لَا أُحِبُّهُ" أَوْ "لَا أَسْتَحْسِنُهُ" أَوْ "يَفْعَلُ السَّائِلُ كَذَا احْتِيَاطًا" وَجْهَانِ "م 3".
وَ "أُحِبُّ كَذَا" أو "يعجبني" أو "أعجب إلي" للندب، وَقِيلَ لِلْوُجُوبِ، وَقِيلَ: وَكَذَا "هَذَا أَحْسَنُ أَوْ حَسَنٌ".
وَقَوْلُهُ: أَخْشَى، أَوْ أَخَافُ أَنْ يَكُونَ، أو ألا1: كيجوز، أو لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ - 3: قَوْلُهُ وَفِي "أَكْرَهُ، وَلَا يُعْجِبُنِي، أَوْ لَا أُحِبُّهُ، أَوْ لَا أَسْتَحْسِنُهُ، أَوْ يَفْعَلُ السَّائِلُ كَذَا احْتِيَاطًا: وَجْهَانِ" انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي آدَابِ الْمُفْتِي، فِي أَكْرَهُ أَوْ لَا يُعْجِبُنِي:
أَحَدُهُمَا: هُوَ لِلنَّدْبِ وَالتَّنْزِيهِ إنْ لَمْ يُحَرِّمْهُ قَبْلُ، ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: أَكْرَهُ النَّفْخَ فِي الطَّعَامِ، وَإِدْمَانَ اللَّحْمِ، وَالْخُبْزَ الْكُبَارِ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأُوَلِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: فِي أَكْرَهُ، أَوْ لَا يُعْجِبُنِي.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي ذَلِكَ لِلتَّحْرِيمِ، كَقَوْلِ أَحْمَدَ: أَكْرَهُ الْمُتْعَةَ، وَالصَّلَاةَ فِي الْمَقَابِرِ، وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَصَاحِبُهُ، وَابْنُ حَامِدٍ فِي قوله: أكره كذا، أَوْ لَا يُعْجِبُنِي، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ فِيمَا إذَا قَالَ لِلسَّائِلِ: يَفْعَلُ كَذَا احْتِيَاطًا، أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَآدَابِ الْمُفْتِي: الْأَوْلَى النَّظَرُ إلَى الْقَرَائِنِ فِي الْكُلِّ، فَإِنْ دَلَّتْ عَلَى وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ، أَوْ تَحْرِيمٍ، أَوْ كَرَاهَةٍ، أَوْ إبَاحَةٍ حُمِلَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ تَقَدَّمَتْ، أَوْ تَأَخَّرَتْ، أَوْ تَوَسَّطَتْ، انْتَهَى. "قُلْت" وَهُوَ الصَّوَابُ وَكَلَامُ أحمد يدل على ذلك.
__________
1 في الأصل: "لا".(1/45)
يَجُوزُ، وَقِيلَ: وَقَفَ.
وَإِنْ أَجَابَ عَنْ شَيْءٍ ثُمَّ قَالَ عَنْ غَيْرِهِ: هَذَا أَهْوَنُ، أَوْ أَشَدُّ، أَوْ أَشْنَعُ فَقِيلَ: هُمَا سواء؛ وقيل بالفرق وأجبن عنه "م 4".
و: أجبنا عَنْهُ1 مَذْهَبُهُ كَقُوَّةِ كَلَامٍ لَمْ يُعَارِضْهُ أَقْوَى. وَقِيلَ يُكْرَهُ، وَقَوْلُ أَحَدِ صَحْبِهِ فِي تَفْسِيرِ مذهبه، وإخباره عن رأيه، ومفهوم كلامه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ -4: قَوْلُهُ: "وَإِنْ أَجَابَ عَنْ شَيْءٍ ثُمَّ قَالَ عَنْ غَيْرِهِ: هَذَا أَهْوَنُ، أَوْ أَشَدُّ، أَوْ أَشْنَعُ، فَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ، وَقِيلَ بِالْفَرْقِ" انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى:
أَحَدُهُمَا: هُمَا عِنْدَهُ سَوَاءٌ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَالْقَاضِي.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: بِالْفَرْقِ. قُلْت: وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ فِي تَهْذِيبِ الْأَجْوِبَةِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: قُلْت إنْ اتَّحَدَ الْمَعْنَى وَكَثُرَ التَّشَابُهُ فَالتَّسْوِيَةُ أَوْلَى، وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ: قَوْلُهُ هَذَا أَشْنَعُ عِنْدَ النَّاسِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ، وَقِيلَ: لَا انْتَهَى. وَقَالَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي: وَالْأَوْلَى النَّظَرُ إلَى الْقَرَائِنِ فِي الْكُلِّ، وَمَا عُرِفَ من عادة أحمد
__________
1 قوله: وأجبن عنه فسره ابن حامد بقوله: وجملة المذهب أنه إذا قال: أجبن عنه فإنه إذن بأنه مذهب ضعيف لا يقوى القوة التي يقطع لها ولا يضعف الضعف الذي يوجب الرد: تهذيب الأجوبة ص "147".(1/46)
وَفِعْلِهِ: مَذْهَبُهُ فِي الْأَصَحِّ كَإِجَابَتِهِ فِي شَيْءٍ بدليل، والأشهر: أو قول صحابي.
وَفِي إجَابَتِهِ بِقَوْلٍ: فَفِيهِ1 وَجْهَانِ "م 5" وَمَا انفرد به واحد وقوى دليله، أو صحح الْإِمَامُ خَبَرًا، أَوْ حَسَّنَهُ، أَوْ دَوَّنَهُ وَلَمْ يُرِدْهُ: فَفِي كَوْنِهِ مَذْهَبَهُ وَجْهَانِ "م 6، 7" فَلِهَذَا أَذْكُرُ رِوَايَتَهُ لِلْخَبَرِ وَإِنْ كَانَ فِي الصَّحِيحَيْنِ"م6،7".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
فِي ذَلِكَ وَنَحْوِهِ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِهِ، وَحَمْلِهِ عَلَى أَصَحِّ الْمَحَامِلِ وَأَرْجَحِهَا وَأَنْجَحِهَا وَأَرْبَحِهَا انْتَهَى.
مَسْأَلَةٌ - 5: قَوْلُهُ: وَفِي إجَابَتِهِ بِقَوْلٍ فَفِيهِ1 وَجْهَانِ انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَآدَابِ الْمُفْتِي.
أَحَدُهُمَا: لَا يَكُونُ مَذْهَبَهُ، اخْتَارَهُ فِي آدَابِ الْمُفْتِي.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَكُونُ مَذْهَبَهُ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، قُلْت: وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ، وَيُعَضِّدُهُ مَنْعُ الْإِمَامِ مِنْ اتِّبَاعِ آرَاءِ الرِّجَالِ.
مَسْأَلَةٌ 6-7: قَوْلُهُ: وما انفرد به واحد وقوى دليله، أو صَحَّحَ الْإِمَامُ خَبَرًا أَوْ حَسَّنَهُ، أَوْ دَوَّنَهُ، وَلَمْ يَرُدُّهُ فَفِي كَوْنِهِ مَذْهَبَهُ وَجْهَانِ، فَلِهَذَا أَذْكُرُ رِوَايَتَهُ لِلْخَبَرِ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّحِيحَيْنِ انتهى.
__________
1 في "ط": "ففيه".(1/47)
وَإِنْ ذَكَرَ قَوْلَيْنِ وَفَرَّعَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَقِيلَ: هو مذهبه، كتحسينه إياه، أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَتَيْنِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى -6: مَا انْفَرَدَ بِهِ وَاحِدٌ مِنْ الرُّوَاةِ عَنْهُ وَقَوِيَ دَلِيلُهُ: فَهَلْ يَكُونُ مَذْهَبَهُ، أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِ:
أَحَدُهُمَا: يَكُونُ مَذْهَبَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَآدَابِ الْمُفْتِي وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْمُسَوَّدَةِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَقَالَ: يَجِبُ تَقْدِيمُهَا عَلَى سَائِرِ الرِّوَايَاتِ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ فِي الْحَدِيثِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، فَكَيْفَ وَالرَّاوِي عَنْهُ ثِقَةٌ خَبِيرٌ بِمَا رَوَاهُ قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَكُونُ مَذْهَبَهُ، بَلْ مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ بِخِلَافِهِ أَوْلَى، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَصَاحِبُهُ، لِأَنَّ نِسْبَةَ الْخَطَأِ إلَى الْوَاحِدِ أَوْلَى مِنْ نِسْبَتِهِ إلَى جَمَاعَةٍ، وَالْأَصْلُ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ. قُلْت: وَهَذَا ضَعِيفٌ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَقْدِيمِ ذَلِكَ خَطَأُ الْجَمَاعَةِ، وَانْفِرَادُهُ بِذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى تَعَدُّدِ الْمَجْلِسِ، وَكَوْنُهُمَا فِي مَجْلِسَيْنِ أَوْلَى، لِلْجَمْعِ، وَعَدَمِ الْخَطَأِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَّحِدَ الْمَجْلِسُ، وَيَحْصُلُ ذُهُولٌ، أَوْ غَفْلَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ - 7: إذَا صَحَّحَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ خَبَرًا أَوْ حَسَّنَهُ أَوْ دَوَّنَهُ وَلَمْ يَرُدَّهُ فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ مَذْهَبَهُ أَوْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ وأطلقه في آداب المفتي:
أَحَدُهُمَا: يَكُونُ مَذْهَبَهُ، اخْتَارَهُ وَلَدَاهُ: عَبْدُ اللَّهِ، وصالح، والمروذي1، والأثرم،
__________
1 هو: أبو بكر، أحمد بن محمد بن الحجاج بن عبد الله المروذي، كان هو المقدم من أصحاب أحمد، نقل عنه مسائل كثيرة. "ت275هـ". "المقصد الأرشد" 1/157، "الأعلام" 1/205.(1/48)
تَعْلِيلِهِ، وَقِيلَ: لَا "م 8" وَإِلَّا فَمَذْهَبُهُ أَقْرَبُهُمَا مِنْ الدَّلِيلِ، وَقِيلَ: لَا، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ جَوَابِهِ: وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ، أَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ يُرِيدُ خِلَافَهُ؛ فَلَيْسَ مَذْهَبًا. وَفِيهِ احْتِمَالٌ كَقَوْلِهِ: يَحْتَمِلُ قَوْلَيْنِ. وَقَدْ أَجَابَ أَحْمَدُ فِيمَا إذَا سَافَرَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ: هَلْ يَقْصُرُ؟ وَفِي غير موضع بمثل هذا، وأثبت1 الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ رِوَايَتَيْنِ.
وَفِي كَوْنِ سُكُوتِهِ رُجُوعًا وجهان "م 9".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
قَالَهُ فِي آدَابِ الْمُفْتِي، وَغَيْرِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَتَهْذِيبِ الْأَجْوِبَةِ وَنَصَرَهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَكُونُ مَذْهَبَهُ، كَمَا لَوْ أَفْتَى بِخِلَافِهِ قَبْلُ، أَوْ بَعْدُ.
قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ، لَا سِيَّمَا فِيمَا إذَا دَوَّنَهُ مِنْ غَيْرِ تَصْحِيحٍ، وَلَا تَحْسِينٍ، وَلَا رَدٍّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَسْأَلَةٌ - 8: قَوْلُهُ: "وَإِنْ ذَكَرَ قَوْلَيْنِ وَفَرَّعَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَقِيلَ: هُوَ مَذْهَبُهُ، كَتَحْسِينِهِ إيَّاهُ، أَوْ تَعْلِيلِهِ، وَقِيلَ لَا" انْتَهَى.
أَحَدُهُمَا: لَا يَكُونُ مَذْهَبَهُ: إلَّا أَنْ يُرَجِّحَهُ أَوْ يُفْتِيَ بِهِ "قُلْت" وَهُوَ الصَّوَابُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَمْدَانَ فِي آدَابِ2 الْمُفْتِي.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَكُونُ مَذْهَبَهُ، قَدَّمَهُ فِي آدَابِ الْمُفْتِي، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَتَبِعَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْمُسَوَّدَةِ "قُلْت" وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالْمَذْهَبُ لَا يَكُونُ بِالِاحْتِمَالِ.
مَسْأَلَةٌ - 9: قَوْلُهُ: "وَفِي كَوْنِ سُكُوتِهِ رُجُوعًا وَجْهَانِ" انتهى، وأطلقهما في
__________
1 في "ط": "وأثبته".
2 من هنا بداية سقط في النسخة "ص" إلى غاية الصفحة 140.(1/49)
وَمَا عَلَّلَهُ بِعِلَّةٍ تُوجَدُ فِي مَسَائِلَ فمذهبه فيها كالمعللة، وَقِيلَ: لَا. وَيُلْحَقُ مَا تُوُقِّفَ فِيهِ بِمَا يُشْبِهُهُ، هَلْ هُوَ بِالْأَخَفِّ، أَوْ الْأَثْقَلِ، أَوْ التَّخْيِيرِ؟ يَحْتَمِلُ أَوْجُهًا "م 10".
وَاَللَّهَ أَسْأَلُ النَّفْعَ بِهِ، وَإِصْلَاحَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، إنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
آدَابِ الْمُفْتِي، يَعْنِي: إذَا أَفْتَى بِحُكْمٍ، فَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ فَسَكَتَ وَنَحْوُهُ فَهَلْ يَكُونُ سُكُوتُهُ رُجُوعًا أَمْ لَا؟
أَحَدُهُمَا: لَا يَكُونُ رُجُوعًا، قَدَّمَهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَجْوِبَةِ1، وَنَصَرَهُ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَتَابَعَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْمُسَوَّدَةِ، قَالَ فِي آدَابِ المفتي: اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ "قُلْت" وَهُوَ أَوْلَى، أَوْ يَرْجِعُ إلَى حَالِ السَّاكِتِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَكُونُ رُجُوعًا، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ.
مَسْأَلَةٌ 10" قَوْلُهُ: "وَيَلْحَقُ ما توقف فيه بما يشبهه هل هو بِالْأَخَفِّ، أَوْ الْأَثْقَلِ، أَوْ التَّخْيِيرِ؟ يَحْتَمِلُ أَوْجُهًا" انْتَهَى، تَابَعَ الْمُصَنِّفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ الْكُبْرَى، وَآدَابِ الْمُفْتِي، فَقَالَ فِيهِمَا: وَإِذَا تَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي مَسْأَلَةٍ تُشْبِهُ مَسْأَلَتَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ أَحْكَامُهَا مُخْتَلِفَةٌ، فَهَلْ تَلْحَقُ بِالْأَخَفِّ، أَوْ الْأَثْقَلِ، أَوْ يُخَيَّرُ الْمُقَلِّدُ بَيْنَهُمَا؟ قُلْت أَوْجُهًا انْتَهَى، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْمُسَوَّدَةِ: قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ مِنْ عِنْدِهِ: يَحْتَمِلُ ذَلِكَ أَوْجُهًا ثَلَاثَةً، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ، بَلْ أَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ.
وَاعْلَمْ: أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ إذَا تَوَقَّفَ فِي مَسْأَلَةٍ: فَإِنْ أَشْبَهَتْ مَسْأَلَةً حُكْمُهَا أرجح من
__________
1 بعدها في "ط": "نصره".(1/50)
وبالإجابة جدير، وحسبنا الله ونعم الوكيل1.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
غَيْرِهِ فَهُنَا يَجُوزُ إلْحَاقُهَا بِمَا يُشْبِهُهَا، وَإِنْ أَشْبَهَتْ مَسْأَلَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مُخْتَلِفَةً بِالْخِفَّةِ وَالثِّقَلِ فَهَذِهِ مَحَلُّ الْخِلَافِ، فَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَتَبِعَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَالْأَوْلَى الْعَمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا لِمَنْ هُوَ أَصْلَحُ لَهُ، وَالْأَظْهَرُ عَنْهُ هُنَا التَّخْيِيرُ، وَمَعَ تَعَادُلِ الْأَمَارَاتِ فَلَا وَقْفَ، وَلَا تَخْيِيرَ، وَلَا تَسَاقُطَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ وَأَطْلَقَهُ: أَظْهَرُهَا عَنْهُ التَّخْيِيرُ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا تَتَعَادَلُ الْأَمَارَاتُ، قُلْت: فَلَا تَخَيُّرَ، وَلَا وَقْفَ، وَلَا تَسَاقُطَ، وَالْأَوْلَى الْعَمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا لِمَنْ هُوَ أَصْلَحُ لَهُ انْتَهَى. "قُلْت" الْأَوْلَى إلْحَاقُهَا بِالْأَخَفِّ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَفِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافَ نَظَرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُصْطَلَحِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَهَذِهِ عَشْرُ مَسَائِلَ قَدْ من الله الكريم بتصحيحها.
__________
1 ليست في الأصل.(1/51)
كتاب الطهارة
أقسام الماء الثلاثة
فصل: القسم الأول: طهور
...
كتاب الطهارة
أَقْسَامُ الْمَاءِ ثَلَاثَةٌ:
طَهُورٌ: يَرْفَعُ وَحْدَهُ الْحَدَثَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْبَاقِي عَلَى خِلْقَتِهِ مُطْلَقًا، وَلَا يُكْرَهُ مُتَغَيِّرٌ بِنَجِسٍ مُجَاوِرٍ "ش" أَوْ مُسَخَّنٌ بِطَاهِرٍ لِذَلِكَ، بَلْ لِشِدَّةِ حَرِّهِ "وَ" فِي الْكُلِّ. وَيَأْتِي فِي نَجَاسَةِ الرِّيحِ مَا يتعلق بذلك1.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ص 346.(1/55)
وَعَنْ "هـ" رِوَايَةٌ فِي نَبِيذٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ فِي سَفَرٍ لِعَدَمٍ، فَتُعْتَبَرُ النِّيَّةُ عِنْدَهُ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ يَتَيَمَّمُ مَعَهُ. وَنَصُّ أَحْمَدَ لَا يُسَوَّغُ الِاجْتِهَادُ فِي حِلِّ الْمُسْكِرِ، فَكَيْفَ الطَّهَارَةُ بِهِ؟ قَالَهُ شَيْخُنَا، وَسَلَّمَ الْقَاضِي أَنَّهُ يُسَوَّغُ.
قَالَ ثَعْلَبٌ1: طَهُورٌ بِفَتْحِ الطَّاءِ الطَّاهِرُ فِي ذَاتِهِ، الْمُطَهِّرُ لِغَيْرِهِ. قَالَ أَصْحَابُنَا: فَهُوَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُتَعَدِّيَةِ بِمَعْنَى الْمُطَهِّرِ، وِفَاقًا لِلْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ. وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: الطَّهَارَةُ النَّزَاهَةُ، فَطَاهِرٌ: نَزِهٌ، وَطَهُورٌ: غَايَةٌ فِي النَّزَاهَةِ، لَا لِلتَّعَدِّي، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "خُلِقَ الْمَاءُ طَهُورًا، لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ" 2 فَفَسَّرَ كَوْنَهُ طَهُورًا بِالنَّزَاهَةِ3، لا ينجس بغيره لا بأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 هو أبو العباس، أحمد بن يحيى بن زيد الشيباني، إمام الكوفة في النحو واللغة. من مصنفاته: "الفصيح"، "قواعد الشعر"، "معاني القرآن" وغيرها. "ت291هـ". "طبقات الحنابلة" 1/83، "الأعلام" 1/267.
2 أخرجه أبو داود "66"، والترمذي "66"، والنسائي في "المجتبى" 1/174، من حديث أبي سعيد الخدري.
3 ليست في "ط".(1/56)
يُطَهِّرُ غَيْرَهُ. فَمَنْ تَعَاطَى فِي طَهُورٍ غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِعُ فَقَدْ أَبْعَدَ. فَحَصَلَ عَلَى كَلَامِهِ الْفَرْقُ بَيْنَهَا بِغَيْرِ التَّعَدِّي.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إنَّهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ اللَّازِمَةِ بِمَعْنَى الطَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ مَصْدَرٌ، كَالطَّهَارَةِ1، وَإِنَّمَا الشَّرْعُ جَعَلَ الْمَاءَ مُطَهِّرًا، وَرَدَّ الْمُطَرِّزِيُّ2 قَوْلَ ثَعْلَبٍ، وَقَالَ: لَيْسَ فَعُولٌ مِنْ التَّفْعِيلِ فِي شَيْءٍ، وَقِيَاسُهُ عَلَى الْأَفْعَالِ الْمُتَعَدِّيَةِ كَالْقَطُوعِ غَيْرُ سَدِيدٍ.
وَقَالَ الْيَزِيدِيُّ3: الطُّهُورُ بِالضَّمِّ الْمَصْدَرُ، وَحُكِيَ فِيهِمَا الضَّمُّ وَالْفَتْحُ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ4: الطَّهُورُ اسْمٌ لِمَا تَطَهَّرْت بِهِ. وَكَذَا قَالَ شَيْخُنَا: التَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَيْسَ مَعْدُولًا عَنْ طَاهِرٍ حَتَّى يُشَارِكَهُ فِي اللُّزُومِ وَالتَّعَدِّي بِحَسَبِ اصْطِلَاحِ النُّحَاةِ، كَضَارِبٍ وَضَرُوبٍ، وَلَكِنَّهُ مِنْ أَسْمَاءِ الْآلَاتِ الَّتِي يُفْعَلُ بِهَا كَوَجُورٍ5، وَفَطُورٍ، وَسَحُورٍ، وَنَحْوِهِ، وَيَقُولُونَ ذَلِكَ بِالضَّمِّ لِلْمَصْدَرِ نَفْسُ الْفِعْلِ، فَأَمَّا طَاهِرٌ فَصِفَةٌ مَحْضَةٌ لَازِمَةٌ، لَا تدل على ما يتطهر به.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 جائت هذه العبارة في "ب" بعد قوله: "وقال في الفنون" في الصفحة السابقة.
2 هو: أبو الفتح، برهان الدين، ناصر بن عبد السيد الخوارزمي، المطرزي، من فقهاء الحنفية. كان رأساً في الاعتزال. من مصنفاته: "الإيضاح"، "المغرب في ترتيب المعرب"، "المصباح". "ت610هـ". "الجواهر المضية" 2/190.
3 هو: أبو محمد، يحيى بن المبارك بن المغيرة العدوي، اليزيدي، من أهل البصرة، عالم باللغة والأدب. من مصنفاته: "النوادر"، "المقصور والممدود"، "مناقب بني العباس". "ت202هـ". "طبقات النحويين" ص 60.
4 هو: أبو نصر، إسماعيل بن حماد الجوهري، صاحب كتاب "الصحاح". "ت393هـ". "معجم الأدباء" 2/269.
5 الوجور، بفتح الواو وزان رسول: الدواء يصب في الحلق. "المصباح": "وجر".(1/57)
وَفَائِدَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَائِعَاتِ لَا تُزِيلُ النَّجَاسَةَ، قَالَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. قَالَ شَيْخُنَا: وَفَائِدَةٌ ثَانِيَةٌ، وَلَا تَدْفَعُهَا عَنْ نَفْسِهَا، وَالْمَاءُ يُدْفَعُ بِكَوْنِهِ مُطَهِّرًا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "خُلِقَ الْمَاءُ طَهُورًا لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ" 1 وَغَيْرُهُ لَيْسَ بِطَهُورٍ، فَلَا يُدْفَعُ. وَأَجَابَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ المالكية عن قولهم في طهارة2 الْمُسْتَعْمَلِ: الطَّهُورِ مَا تَكَرَّرَ مِنْهُ التَّطْهِيرُ أَنَّ المراد جنس الماء أو3 كل جُزْءٍ مِنْهُ إذَا ضُمَّ إلَى غَيْرِهِ وَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ، أَوْ أَنَّ مَعْنَاهُ يَفْعَلُ التَّطْهِيرَ، وَلَوْ أُرِيدَ مَا ذَكَرُوهُ لَمْ يَصِحَّ وَصْفُهُ بِذَلِكَ إلا بعد الفعل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 تقدم ص 56.
2 في "ط": "طهورية".
3 في "ط": "و".(1/58)
وَلَا يُكْرَهُ مُشَمَّسٌ قَصْدًا "ش" وَمُتَغَيِّرٌ بِمُكْثِهِ "وَ" وَقِيلَ: يُكْرَهَانِ، وَقِيلَ، أَوْ غَيْرُ قَصْدٍ مِنْ مَاءِ آنِيَةٍ فِي جَسَدِهِ، وَلَوْ فِي طَعَامٍ يَأْكُلُهُ، فَإِنْ بَرَدَ مُشَمَّسٌ فَاحْتِمَالَانِ "م 1" وفي النصيحة للآجري1: يكره المشمس، يقال: يُورِثُ الْبَرَصَ2.
وَإِنْ غَيَّرَهُ غَيْرُ مُمَازِجٍ، كَدُهْنٍ وَقِطَعِ كَافُورٍ، فَطَهُورٌ، فِي الْأَصَحِّ "م" وَكَذَا ملح مائي "و".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ - 1 قَوْلُهُ: "وَلَا يُكْرَهُ مُشَمَّسٌ قَصْدًا" وَقِيلَ: يُكْرَهُ، "وَقِيلَ: أَوْ غَيْرَ قَصْدٍ مِنْ مَاءِ آنِيَةٍ ... ، وَلَوْ فِي طَعَامٍ يَأْكُلُهُ، فَإِنْ بَرَدَ ... فاحتمالان" انتهى.
أحدهما: لَا تَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِذَلِكَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَزُولُ، قُلْت: يُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى أرباب الخبرة، فإن
__________
1 هو: أبو بكر، محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري، البغدادي، فقيه، محدث، أخباري. من مصنفاته: "آداب االعلماء"، "الشريعة"، "النصيحة"، وغيزها. "ت360هـ". "طبقات الشافعية" 3/149.
2 أخرجه الدارقطني في "سننه" 1/38، عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد سخنت ماء في الشمس، فقال: "لا تفعلي يا حميرا، فإنه يورث البرص".(1/59)
وهل يكره المسخن بنجس أم لا "وم" فِيهِ رِوَايَتَانِ وَكَذَا مُسَخَّنٌ بِمَغْصُوبٍ، وَكَذَا رَفْعُ حَدَثٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، وَقِيلَ يَحْرُمُ كَإِزَالَةِ نَجَاسَةٍ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ "م 2 - 5" وَحَرَّمَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ حيث تَنَجَّسَ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ تَعْظِيمُهُ، وقد زال بنجاسته،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
قَالُوا حُكْمُهُ إذَا بَرَدَ: حُكْمُهُ حَالَ التَّشْمِيسِ كَانَ كَذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا.
مَسْأَلَةٌ -2-5: قَوْلُهُ: "وَهَلْ يُكْرَهُ الْمُسَخَّنُ بِنَجِسٍ أَمْ لَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَكَذَا مُسَخَّنٌ بِمَغْصُوبٍ، وَكَذَا رَفْعُ حَدَثٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ، كَإِزَالَةِ نَجَاسَةٍ1 بِهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ" انْتَهَى. ذَكَرَ مَسَائِلَ وَأَطْلَقَ فِيهَا الْخِلَافَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى-2: الْمَاءُ الْمُسَخَّنُ بِنَجِسٍ هَلْ يُكْرَهُ أَمْ لَا أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُقْنِعِ2، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمِحْوَرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرِهِمْ:
إحْدَاهُمَا: يُكْرَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُجَرَّدِ لِلْقَاضِي، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ3 وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ لِأَبِي الْخَطَّابِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَيُكْرَهُ الْمُسَخَّنُ بِالنَّجَاسَاتِ عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَإِنْ سُخِّنَ بِنَجَاسَةٍ كُرِهَ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ: اخْتَارَهُ الأكثر، قال ناظم المفردات: هذا الأشهر.
__________
1 بعدها في "ص" و"ط": "به".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/47.
3 هو: تقي الدين، أحمد بن محمد الأدمي، البغدادي. صاحب "المنور في راجح المحرر"، و"المنتخب". ولم تؤرخ وفاته. "المنهج الأحمد" 5/72، "الدر المنضد" 2/500.(1/60)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُكْرَهُ، قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ سُخِّنَ بِنَجَاسَةٍ لَا تَصِلُ إلَيْهِ لَمْ يُكْرَهْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَفِي كَرَاهَةِ مُسَخَّنٍ بِنَجَاسَةٍ رِوَايَةٌ، فَدَلَّ أَنَّ الْمُقَدَّمَ عِنْدَهُ لَا يُكْرَهُ، وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي "رُءُوسِ الْمَسَائِلِ".
تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ في محل الخلاف طريقتين، وقد ذَكَرْت فِي الْإِنْصَافِ1 فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ طَرِيقَةً، وَذَكَرْت مَنْ اخْتَارَ كُلَّ طَرِيقَةٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ- 3: حَكَى فِي كَرَاهَةِ الْمُسَخَّنِ بِالْمَغْصُوبِ رِوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا، وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْحَاوِيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يُكْرَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ صَحَّحَهُ النَّاظِمُ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى كُرِهَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي مُذَكِّرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْآمِدِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُكْرَهُ. قُلْت وَيُحْتَمَلُ التَّحْرِيمُ، وَلَمْ أَرَهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ- 4: رَفْعُ الْحَدَثِ بِمَاءِ زَمْزَمَ: هَلْ يُكْرَهُ، أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمْ:
إحْدَاهُمَا لَا يُكْرَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ2، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَشَرْحِ ابْن عُبَيْدَانَ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي3 وَالشَّرْحِ4، وَقَالَا: هَذَا أَوْلَى، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هذا أقوى الروايتين،
__________
1 "المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف" 1/49.
2 أبو عبد الله، محمد بن تميم الحراني. صنف مختصراً في الفقه، وصل فيه إلى أثناء الزكاة. توفي قريباً من سنة خمس وسبعين وست مئة. "المقصد الأرشد" 2/386.
3 1/29.
4 "المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف" 1/51.(1/61)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَصَحَّحَهُ فِي نَظْمِهِ وَابْنُ رَزِينٍ1 فِي شَرْحِهِ، وإليه ميل المجد في المنتقى.
والرواية الثانية يُكْرَهُ، جَزَمَ بِهِ نَاظِمُ "الْمُفْرَدَاتِ"، وَقَدْ قَالَ:
بَنَيْتهَا عَلَى الصَّحِيحِ الْأَشْهَرِ.
وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي "شَرْحِهِ". وَقَالَ نَصَّ عَلَيْهِ، وَابْنُ رَزِينٍ. وَقَوْلُهُ: وَقِيلَ يُكْرَهُ الْغُسْلُ، لَا الْوُضُوءُ، هُوَ رِوَايَةٌ فِي التَّلْخِيصِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ- 5: لَوْ أَزَالَ بِهِ نَجَاسَةً: هَلْ يَحْرُمُ أَوْ يُكْرَهُ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِ:
أَحَدُهُمَا: يُكْرَهُ فَقَطْ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُغْنِي2 وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالشَّرْحِ3 وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يحرم، ولم أر من اختاره. "وإطلاق" الْخِلَافِ مِنْ الْمُصَنِّفِ هُنَا فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ فِي كَلَامِهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّ الْمُقَدَّمَ التَّحْرِيمُ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ، وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ، أَوْ يَكُونَ اطَّلَعَ عَلَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِمَّا لَمْ نَطَّلِعْ عَلَيْهِ، وَالْمُصَنِّفُ لَهُ مِنْ الِاطِّلَاعِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ، وَهَذَا أَوْلَى.
تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ: وَمَاءُ زَمْزَمَ كَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ الْغُسْلُ مِنْهَا، فَظَاهِرُهُ أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ كَالطَّهَارَةِ بِهِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ قَوْلٌ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِهِ، بَلْ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَيَحْتَمِلُهُ الْقَوْلُ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ فِي النَّظْمِ قَالَ ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ4 فِي مُصَنَّفِهِ: وَيُكْرَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ فِي الأصح، فظاهر ضد الأصح
__________
1 هو: عبد الرحمن بن رزين بن عبد العزيز الغساني، الحوراني، الدمشقي. له كتاب "التهذيب" اختصر فيه "المغني". "ت656هـ". "المقصدر الأرشد" 2/88.
2 1/30.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/51.
4 هو: أبو المحاسن، جمال الدين، يوسف بن ماجد بن أبي المجد المرداوي، الحنبلي. له تبييض على "الفروع" ناقش فيه مصنفه، وله "شرح المحرر". "ت 783". "الجوهر المنضد" 179، و"معجم المؤلفين" 4/178.(1/62)
وَقَدْ قِيلَ إنَّ سَبَبَ النَّهْيِ اخْتِيَارُ الْوَاقِفِ وَشَرْطُهُ، فَعَلَى هَذَا اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ: لَوْ سُبِّلَ مَاءٌ لِلشُّرْبِ، هَلْ يَجُوزُ الْوُضُوءُ1 مِنْهُ مَعَ الكراهة، أم يحرم على وجهين "م 6".
وَقِيلَ يُكْرَهُ الْغُسْلُ "خ" لَا الْوُضُوءُ "وَ" واختاره شيخنا. وفي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
دُخُولُ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فِيهِ "قُلْت" وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَسْأَلَةَ، وَلَمْ أَرَ من صرح به.
المسألة- 6 قَوْلُهُ: وَقَدْ قِيلَ إنَّ سَبَبَ النَّهْيِ اخْتِيَارُ الْوَاقِفِ وَشَرْطُهُ، فَعَلَى هَذَا اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ: لَوْ سُبِّلَ مَاءٌ لِلشُّرْبِ: هَلْ يَجُوزُ الْوُضُوءُ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَمْ يَحْرُمُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، انْتَهَى.
قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي الْوَقْفِ التَّحْرِيمُ، لِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ قَطَعَ بِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ مَصْرِفُ الْوَقْفِ إلَى الْجِهَةِ الْمُعَيَّنَةِ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ2، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُشْبِهُ تِلْكَ، بَلْ لَوْ قِيلَ إنَّهَا فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهَا فِي بَعْضِ صُوَرِهَا لَكَانَ قَوِيًّا، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِخُصُوصِيَّتِهَا هُنَاكَ، فَقَالَ: وَيَتَعَيَّنُ مَصْرِفُ الْوَقْفِ إلَى الْجِهَةِ الْمُعَيَّنَةِ لَهَا، وَقِيلَ: إنْ سُبِّلَ مَاءٌ لِلشُّرْبِ جَازَ الْوُضُوءُ مِنْهُ، فَظَاهِرُ مَا قُدِّمَ عَدَمُ الْجَوَازِ. وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَتَقَدَّمَ وَجْهٌ بِتَحْرِيمِ الْوُضُوءِ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ الْمُنْفَصِلِ وَاضِحٌ "وَقِيلَ" لِمُخَالَفَةِ شَرْطِ الْوَاقِفِ، وَأَنَّهُ لَوْ سُبِّلَ مَاءٌ لِلشُّرْبِ فَفِي كَرَاهَةِ الْوُضُوءِ مِنْهُ وَتَحْرِيمِهِ وَجْهَانِ فِي فَتَاوَى ابْنِ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرِهَا انتهى، فحكى ذلك وأن المقدم تَعْيِينُ مَصْرِفِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ هَذَا بِوَقْفٍ، وَإِنَّمَا هُوَ إبَاحَةُ الْمَاءِ لِلشُّرْبِ، قُلْت يَشْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ صُوَرًا:
مِنْهَا: أَنْ يُوقَفَ شَيْئًا لِظُهُورِ الْمَاءِ، فَإِذَا ظَهَرَ جَعَلَهُ لِلشُّرْبِ، فَهَذَا مِثْلُ نَمَاءِ الْوَقْفِ، فَيَتَعَيَّنُ مَصْرِفُهُ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ يَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ فَيُوقَفُ عَلَيْهِ
__________
1 بعدها في "ب" و"ط": "منه".
2 7/360.(1/63)
مَنْسَكِ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ: يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ وَقِيلَ: إنْ ظَنَّ وُصُولَ النَّجَاسَةِ كُرِهَ وَإِنْ ظَنَّ عَدَمَهُ فَلَا، وَإِنْ تَرَدَّدَ فَرِوَايَتَانِ، وَإِنْ وَصَلَ دُخَانُهَا فَهَلْ هُوَ كَوُصُولِ نَجِسٍ أَوْ طَاهِرٍ؟ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاسْتِحَالَةِ.
وَعَنْهُ يُكْرَهُ مَاءُ الْحَمَّامِ لِعَدَمِ تَحَرِّي مَنْ يُدْخِلُهُ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: أُحِبُّ أَنْ يُجَدِّدَ مَاءً غَيْرَهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يُكْرَهُ مَاءٌ جَرَى عَلَى الْكَعْبَةِ، وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَإِنْ غَيَّرَهُ مَا شَقَّ صَوْنُهُ عَنْهُ لَمْ يُكْرَهْ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ وُضِعَ قَصْدًا أَوْ خَالَطَهُ مَا لَمْ يَشُقُّ وَقِيلَ حَتَّى التُّرَابُ وَغَيَّرَ كَثِيرًا وَقِيلَ أَوْ قَلِيلًا صِفَةً، وَقِيلَ أو أكثر فطاهر. اختاره الأكثر "وم. ش" لأنه ليس بماء مطلق،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ لَا يَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ، وَيَجْعَلُهُ لِلشُّرْبِ، فَهَذَا شَبِيهٌ بِالْوَقْفِ، بَلْ قَدْ قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيَجُوزُ وَقْفُ الْمَاءِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْوَقْفِ1 وَفِي الْجَامِعِ: يَصِحُّ وَقْفُ الْمَاءِ، وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَا النقول في ذلك في الإنصاف2.
__________
1 7/333.
2 "المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف" 16/378-379.(1/64)
لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً فَشَرِبَهُ لَمْ يَحْنَثْ. وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ مَاءٍ فَاشْتَرَاهُ لَمْ يَلْزَمْ الْمُوَكِّلَ، وَأَجَابَ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ: بِأَنَّ تَنَاوُلَ الِاسْمِ لِمُسَمَّاهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَغَيُّرٍ أَصْلِيٍّ وَطَارِئٍ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، أَوْ لَا، وَإِنَّمَا الْفَرْقُ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ، لِحَاجَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً، أو وكله في شراء ماء، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا. وَقَالَ أَيْضًا: لَا يَتَنَاوَلُ مَاءَ الْبَحْرِ، فَكَذَا مَا كَانَ مِثْلَهُ فِي الصِّفَةِ.
وَعَنْهُ: طَهُورٌ، نَقَلَهُ الْأَكْثَرُ، قَالَهُ فِي الْكَافِي1 "وَ. هـ" وَهُوَ كَمَا قَالَ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ أَبُو بَكْرٍ الصَّاغَانِيُّ2، وَالثَّانِي نَقَلَهُ جَمَاعَةٌ كَمَا لَوْ زَالَ تَغَيُّرُهُ، وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ وَشَيْخُنَا. وَعَنْهُ: مَعَ عَدَمِ غَيْرِهِ. وَخَصَّ الْخِرَقِيُّ الْعَفْوَ بِقَلِيلِ الرَّائِحَةِ، وَفِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ مَاءِ الْحَوْضِ "أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ" 3 دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِ مَا يَقُولُهُ قَوْمٌ: إنَّ الْمَاءَ لَا لَوْنَ لَهُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ هبيرة4.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 1/9.
2 هو: أبو بكر، محمد بن إسحاق بن جعفر الصاغاني ثم البغدادي، الحافظ المجود الحجة، كان ذا معرفة واسعة، ورحلة شاسعة. كان أحد الأثبات المتقنين، مع صلابة في الدين، واشتهار بالسنة، واتساع في الرواية، "ت270هـ". "السير" 12/592.
3 أخرجه البخاري "6579"، من حديث عبد الله بن عمرو.
4 هو: أبو المظفر، عون الدين، يحيى بن محمد بن هبيرة الشيباني، البغدادي، الوزير. من مصنفاته: "الإفصاح عن معاني الصحاح"، "المقتصد"، وغيرهما. "ت560هـ". "الدر المنضد" 1/268.(1/65)
وَلَا تَزُولُ طَهُورِيَّةُ مَاءٍ يَكْفِي طُهْرُهُ بِمَائِعٍ طَاهِرٍ لَمْ يُغَيِّرْهُ فِي الْأَصَحِّ "وَ" فَإِنْ لم يكف فروايتان "م 7".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ -7: قَوْلُهُ "وَلَا تَزُولُ طَهُورِيَّةُ مَاءٍ يَكْفِي طُهْرُهُ بِمَائِعٍ طَاهِرٍ لَمْ يُغَيِّرْهُ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ لَمْ يَكْفِ فَرِوَايَتَانِ" انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ.
إحْدَاهُمَا: لَا تَزُولُ طَهُورِيَّتُهُ، وَتَصِحُّ الطَّهَارَةُ بِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي1 وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ قَالَ فِي الْمُغْنِي2 وَالشَّرْحِ3: هَذَا أَوْلَى، وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ تَابَعُوا الْمَجْدَ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَصِحُّ الطَّهَارَةُ بِهِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَقَالَ: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَحَمَلَ ابْنُ عَقِيلٍ كَلَامَ الْقَاضِي عَلَى أَنَّ الْمَائِعَ لَمْ يُسْتَهْلَكْ.
تَنْبِيهٌ: تَابَعَ الْمُصَنِّفُ فِي عِبَارَاتِهِ ابْنَ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتَيْهِ، فَفَرَضَا الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي زَوَالِ طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ وَعَدَمِهِ، وَفَرَضَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ فِي مَنْعِ الطَّهَارَةِ مِنْهُ وَعَدَمِهِ، مِنْهُمْ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ4، وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ، وَنَصَرَهُ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِيهِ، وَرَدَّ الْأَوَّلَ بأدلة جيدة ووجوه كثيرة، وملخصه أَنَّ كَلَامَ الْأَكْثَرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّاهِرَ هَلْ يَصِيرُ طَهُورًا تَبَعًا أَمْ هُوَ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ؟ وَأَمَّا الطَّهُورُ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِزَوَالِ طَهُورِيَّتِهِ، وَالْمُصَنِّفُ حَكَى الْخِلَافَ فِي زَوَالِ طَهُورِيَّتِهِ فَخَالَفَ الْأَكْثَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 1/7.
2 1/27.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/110.
4 أبو عبد الله، شمس الدين، محمد بن عبد القوي بن بدارن المقدسي. له: "منظومة الآدب"، و"الفرائد" و"نظم المفردات". "ت699هـ". "المقصد الأرشد" 2/460، "الأعلام" 6/214.(1/66)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ(1/67)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ(1/68)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ(1/69)
ويأتي في الأطعمة1 حكم آبار الحجر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 10/377 -378.(1/70)
فصل: القسم الثاني: طاهر
...
فَصْلٌ: الثَّانِي: طَاهِرٌ،
كَمَاءِ وَرْدٍ وَنَحْوِهِ،. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/70)
وَطَهُورٍ طُبِخَ فِيهِ، أَوْ غَلَبَ مُخَالِطُهُ.
وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ قَلِيلٌ فِي رَفْعِ حَدَثٍ فَطَاهِرٌ "و. م. ر. ق" نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَعَنْهُ طَهُورٌ "وَ. هـ. ر" وَ "م. ر. ق" وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْبَقَاءِ1 وَشَيْخُنَا. وَعَنْهُ نَجِسٌ "وَ. هـ. ر" وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي ثَوْبِ الْمُتَطَهِّرِ. وَقَطَعَ عَلَيْهَا جَمَاعَةٌ بِالْعَفْوِ فِي بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ. وَيُسْتَحَبُّ غَسْلُ ذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ. وَفِي رِوَايَةٍ لَا "م 8" صَحَّحَهُ الْأَزَجِيُّ وشيخنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ – 8: قَوْلُهُ: "وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ قَلِيلٌ فِي رَفْعِ حَدَثٍ فَطَاهِرٌ، وَعَنْهُ طَهُورٌ، وَعَنْهُ نَجِسٌ، وَقَطَعَ عَلَيْهَا جَمَاعَةٌ بِالْعَفْوِ فِي ثَوْبِهِ وَبَدَنِهِ، وَيُسْتَحَبُّ غَسْلُ ذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا" انْتَهَى.
قُلْت: الصَّحِيحُ عَدَمُ الِاسْتِحْبَابِ صَحَّحَهُ الْأَزَجِيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يُسْتَحَبُّ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: "وَقَطَعَ عَلَيْهَا جَمَاعَةٌ بِالْعَفْوِ" قُلْت: مِنْهُمْ الْمَجْدُ، وَابْنُ حمدان، وابن عبيدان.
__________
1 هو: عبد الله بن الحسين العكبري ثم البغدادي الأزجي. من مصنفاته: "تفسير القرآن"، و"المرام في نهاية الأحكام" و"مذاهب الفقهاء"، وغيرها. "ت616هـ". "الدر المنضد" 2/49.(1/71)
وَلَوْ اشْتَرَى مَاءً لِيَشْرَبَهُ فَبَانَ قَدْ تُوُضِّئَ بِهِ فَعَيْبٌ، لِاسْتِقْذَارِهِ عُرْفًا، وَذَكَرَهُ فِي "النَّوَادِرِ"1.
وَإِنْ غَمَسَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ يَدَهُ، وَقِيلَ: أَوْ بَعْضَهَا قَائِمٌ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ، وَعَنْهُ وَالنَّهَارِ، وَقِيلَ غَسَلَهَا ثَلَاثًا، وَقِيلَ بَعْدَ النِّيَّةِ، وَقِيلَ نِيَّةُ الْوُضُوءِ: لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ "فَأَرَادَ الطَّهُورَ" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ2 فَطَاهِرٌ. وَإِنْ3 لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ اسْتَعْمَلَهُ، وَيَتَيَمَّمُ مَعَهُ.
وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ في شرب وغيره، وقيل يكره، وقيل يحرم، صححه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 النوادر: لابن الصيرفي، واسم الكتاب: "نوادر المذهب"، ذكره ابن رجب في "الذيل"2/297، وقال: فيها فوائد غريبة، وهو: أبو زكريا، جمال الدين، يحيى بن أبي منصور الحراني، الحنبلي. من مصنفاته: "نوادر المذهب"، "انتهاز الفرص"، "دعائم الإسلام". "ت678هـ". "الذيل على الطبقات" 2/295، "معجم المؤلفين" 4/118.
2 المسند "9139"، من حديث أبي هريرة، ولم نقف على هذا اللفظ عند غير أحمد.
3 في "ط": "وإن".(1/72)
الْأَزَجِيُّ لِلْأَمْرِ بِإِرَاقَتِهِ مِنْ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ بْنِ صَبِيحٍ وَفِيهِ ضَعْفٌ عَنْ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ1، لَكِنَّهُ صَحَّ عَنْ الْحَسَنِ، وَعَنْهُ طَهُورٌ "وَ" وَعَنْهُ نَجِسٌ. وَإِنْ حَصَلَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ غَمْسٍ فَعَنْهُ كَغَمْسِهِ، وَعَنْهُ طَهُورٌ "م 9" وَفِي تَأْثِيرِ غمس كافر ومجنون وطفل وجهان "م 10".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ- 9: قَوْلُهُ: "وَإِنْ حَصَلَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ غَمْسٍ فَعَنْهُ كَغَمْسِهِ، وَعَنْهُ طَهُورٌ" انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ:
إحْدَاهُمَا: هُوَ كَغَمْسِ يَدِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ وَالْإِفَادَاتِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَقَدَّمَهُ فِي الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ بَلْ هُوَ طَهُورٌ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى الْأَوْلَى أَنَّهُ طَهُورٌ.
مَسْأَلَةٌ -10: قَوْلُهُ: "وَفِي تَأْثِيرِ غَمْسِ كَافِرٍ وَمَجْنُونٍ وَطِفْلٍ وَجْهَانِ" انْتَهَى.
وأطلقهما في "الفصول"، و"المغني"2 و"الشرح"3، و"شرح ابن عبيدان"،
__________
1 هو عمر بن محمد بن رجاء العكبري، حدث عن كثير، منهم: عبد الله بن الإمام أحمد، وكان عابداً صالحاً. "ت339هـ". "طبقات الحنابلة" 2/ 56.
2 1/143.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/74.(1/73)
وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي طُهْرٍ مُسْتَحَبٍّ فَفِي بَقَاءِ طَهُورِيَّتِهِ رِوَايَتَانِ "م 11" وَلَا أَثَرَ لِغَمْسِهَا1 فِي مائع طاهر فِي الْأَصَحِّ.
وَإِنْ نَوَى جُنُبٌ بِانْغِمَاسِهِ أَوْ بَعْضِهِ فِي قَلِيلٍ رَاكِدٍ رَفْعَ حَدَثِهِ لَمْ يَرْتَفِعْ "ش. هـ. ر" وَصَارَ مُسْتَعْمَلًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بِأَوَّلِ جُزْءٍ لَاقَى، كَمَحَلِّ نَجَسٍ لاقاه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ:
إحْدَاهُمَا: لَا تَأْثِيرَ لِغَمْسِهِمْ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّيْخِ فِي الْمُغْنِي2، وَالشَّارِحِ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَا يُؤَثِّرُ غَمْسُهُمْ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُؤَثِّرُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.
مَسْأَلَةٌ- 11: قَوْلُهُ: "وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي طُهْرٍ مُسْتَحَبٍّ فَفِي بَقَاءِ طَهُورِيَّتِهِ رِوَايَتَانِ" يَعْنِي إذَا قُلْنَا بِزَوَالِ طَهُورِيَّتِهِ إذَا رُفِعَ به حدث، وأطلقهما في "الهداية"، و"تذكرة ابن عقيل" و"فصوله"، و"المبهج"، و"خصال ابن البنا"، و"المذهب"، و"المستوعب"، و"الخلاصة، والمقنع"3، و"المذهب الأحمد"، و"التلخيص"،
__________
1 في الأصل: "لغمسهما".
2 1/143.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/67.(1/74)
"وَ" قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: وَذَلِكَ الْجُزْءُ لَا يعلم، لاختلاف أجزاء العضو، كما هو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
و"البلغة"، و"الشرح"1، و"شرح ابن منجى"2، و"الفائق"، وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ:
إحْدَاهُمَا: هُوَ بَاقٍ عَلَى طُهُورِيَّتِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ فِي "التصحيح"، و"النظم" و"الحاوي الكبير"، و"شرح ابْنِ عُبَيْدَانَ" وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي "تَذْكِرَتِهِ" قَالَ الشَّارِحُ: أَظْهَرُهُمَا طُهُورِيَّتُهُ، قَالَ فِي "مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ": طَهُورٌ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَهُوَ ظاهر ما جزم به في "الإرشاد"3، و"العمدة4"، و"الوجيز"، و"المنور"، و"منتخب الْآدَمِيِّ" وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ في "الكافي"5، و"المحرر"، و"الرعايتين"، و"الحاوي الصَّغِيرِ"، وَابْنُ رَزِينٍ فِي "شَرْحِهِ" وَغَيْرُهُمْ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُسْلِبُهُ الطَّهُورِيَّةَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وجزم به القاضي في
__________
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/67.
2 هو: أبو البركات، زين الدين، منجى بن عثمان بن أسعد بن المنجى التنوخي. له: "شرح المقنع". "ت695هـ". "المقصد الأرشد" 3/41.
3 ص 20.
4 العدة شرح العمدة 1/11.
5 1/10.(1/75)
مَعْلُومٌ فِي الرَّأْسِ، وَقِيلَ بِأَوَّلِ جُزْءٍ انْفَصَلَ، كَالْمُتَرَدِّدِ عَلَى الْمَحَلِّ "م 12" وَقِيلَ لَيْسَ مُسْتَعْمَلًا، وَقِيلَ يَرْتَفِعُ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْمُنْفَصِلُ عَنْ الْعُضْوِ لَوْ غُسِلَ بِمَائِعٍ ثُمَّ صُبَّ فِيهِ أَثَرٌ: أَثَّرَ هُنَا، وَكَذَا نِيَّتُهُ بَعْدَ غَمْسِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْمُجَرَّدِ وَصَاحِبُ التَّسْهِيلِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ صَاحِبُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي مُخْتَصَرِهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ.
مَسْأَلَةٌ -12: قَوْلُهُ: "وَإِنْ نَوَى جُنُبٌ بِانْغِمَاسِهِ أَوْ بَعْضِهِ فِي قَلِيلٍ رَاكِدٍ رَفْعَ حَدَثِهِ لَمْ يَرْتَفِعْ وَصَارَ - مُسْتَعْمَلًا، نَصَّ عَلَيْهِ قِيلَ بِأَوَّلِ جُزْءٍ لَاقَى كَمَحَلٍّ نَجِسٍ لَاقَاهُ وَقِيلَ بِأَوَّلِ جُزْءٍ انْفَصَلَ كَالْمُتَرَدِّدِ عَلَى الْمَحَلِّ انْتَهَى.
الْقَوْلُ الثَّانِي: هُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ كَوْنُهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِأَوَّلِ جُزْءٍ انْفَصَلَ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي1، وَالْكَافِي2 وَالشَّرْحِ3 قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَهُوَ أَظْهَرُ، وَأَشْهَرُ قَالَ فِي الصُّغْرَى: وَهُوَ أَظْهَرُ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَهُوَ أَشْهَرُ وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَالَ: هَذَا أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ، وَنَصَرَاهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا تابعا المجد.
والقول الْأَوَّلُ: وَهُوَ كَوْنُهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِأَوَّلِ جُزْءٍ لَاقَى قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَقَالَ: عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَحَكَى الْأَوَّلَ احْتِمَالًا. قُلْت: فَيَتَقَوَّى بِالنَّصِّ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ فِي مُخْتَصَرِهِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ وَكَذَا نِيَّتُهُ بَعْدَ غَمْسِهِ انْتَهَى ظَاهِرُهُ أَنَّ فِي مَحَلِّ كَوْنِهِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا الْخِلَافَ الْمُطْلَقَ الَّذِي فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ انْغَمَسَ فِي قَلِيلٍ رَاكِدٍ بِنِيَّةِ رَفْعِ حَدَثِهِ، أَوْ نَوَاهُ بعد انغماسه فمستعمل عند لقيه
__________
1 1/35.
2 1/11.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/77.(1/76)
وَقِيلَ يَرْتَفِعُ، وَلَا أَثَرَ لَهُ بِلَا نِيَّةٍ لِطَهَارَةِ بَدَنِهِ "وَ" وَعَنْهُ يُكْرَهُ، وَإِنْ كَانَ كثيرا كره أن يغتسل فيه "وش" قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي وَعَنْهُ لَا يَنْبَغِي، وَهَلْ يَرْتَفِعُ بِاتِّصَالِهِ أَوْ انْفِصَالِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ "م 13".
وَإِنْ اغْتَرَفَ بِيَدِهِ مِنْ الْقَلِيلِ بَعْدَ نِيَّةِ غَسْلِهِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا، نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَعَنْهُ: لَا، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ لِصَرْفِ النِّيَّةِ بِقَصْدِ اسْتِعْمَالِهِ خارجه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَنِيَّتِهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْكُبْرَى أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِثْلُ الَّتِي قَبْلَهَا فِي كَوْنِ الْمَاءِ يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا، لَا فِي وَقْتِ مَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَهُوَ الصَّوَابُ، قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَلَوْ لَمْ يَنْوِ الطَّهَارَةَ حَتَّى انْغَمَسَ فِيهِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ عَنْ أَوَّلِ جُزْءٍ يَرْتَفِعُ مِنْهُ، فَيَحْصُلُ غَسْلُ مَا سِوَاهُ بِمَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ، انْتَهَى، فَقَطَعَ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِأَوَّلِ جُزْءٍ انْفَصَلَ، وَعَزَاهُ إلَى الْأَصْحَابِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَابَعَ الْمَجْدَ وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا، فَقَوْلُهُ وَكَذَا نِيَّتُهُ بَعْدَ غَمْسِهِ: يَعْنِي يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا، وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ الصَّوَابُ مَا نَقَلَهُ فِي الْحَاوِي عَنْ الْأَصْحَابِ.
مَسْأَلَةٌ - 13: قَوْلُهُ: "وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا كُرِهَ أَنْ يَغْتَسِلَ فِيهِ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي، وَعَنْهُ لَا يَنْبَغِي، وَهَلْ يَرْتَفِعُ بِاتِّصَالِهِ أَوْ انْفِصَالِهِ، فِيهِ وَجْهَانِ" انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ فِي مُخْتَصَرِهِ:
أَحَدُهُمَا: يَرْتَفِعُ بَعْدَ انْفِصَالِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَقْيَسُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ قَالَ: فِي الْمُغْنِي1 وَالشَّرْحِ2 وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَغَيْرِهِمْ. فَإِنْ كَانَ قُلَّتَيْنِ فَصَاعِدًا ارْتَفَعَ الحدث، والماء باق على إطلاقه.
__________
1 1/35.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/77.(1/77)
وَهُوَ أَظْهَرُ. وَهَلْ رِجْلٌ أَوْ فَمٌ وَنَحْوُهُ كَيَدٍ، أَمْ يُؤَثِّرُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ "م 14". وَقِيلَ: اغْتِرَافُ مُتَوَضِّئٍ بِيَدِهِ بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ لَمْ يَنْوِ غَسْلَهَا فِيهِ كَجُنُبٍ، وَالْمَذْهَبُ طَهُورٌ لِمَشَقَّةِ تَكَرُّرِهِ، وَيَصِيرُ الْمَاءُ بِانْتِقَالِهِ إلَى عُضْوٍ آخَرَ مُسْتَعْمَلًا "وَ. ر. ش"1 وَعَنْهُ لَا "وَ. هـ" وعنه لا في الجنب،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
والثاني: يرتفع قبل انفصاله، قدمه2 في الرعايتين.
مَسْأَلَةٌ- 14: قَوْلُهُ: "وَإِنْ اغْتَرَفَ بِيَدِهِ مِنْ الْقَلِيلِ بَعْدَ نِيَّةِ غَسْلِهِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا ... وَعَنْهُ لَا ... وَهُوَ أَظْهَرُ، وَهَلْ رِجْلٌ وَفَمٌ وَنَحْوُهُ كَيَدٍ، أم يؤثر فيه وجهان" انتهى.
__________
1 في "ط": "ورش".
2 ليست في "ط".(1/78)
وَعَنْهُ يَكْفِيهِمَا مَسْحُ اللُّمْعَةِ بِلَا غَسْلٍ لِلْخَبَرِ1، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. وَإِنْ خُلِطَ طَهُورٌ بِمُسْتَعْمَلٍ: فَإِنْ كَانَ لَوْ خَالَفَهُ فِي الصِّفَةِ غَيْرُهُ أَثَّرَ، وَعِنْدَ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ الْحُكْمُ لِلْأَكْثَرِ قَدْرًا، وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ: إنْ غَيَّرَهُ لَوْ كَانَ خَلًّا أَثَّرَ، وَنَصُّهُ فِيمَنْ انْتَضَحَ مِنْ وُضُوئِهِ فِي إنَائِهِ لَا بَأْسَ.
وَإِنْ بَلَغَ بَعْدَ خَلْطِهِ قُلَّتَيْنِ، أَوْ كَانَا مُسْتَعْمَلَيْنِ فَطَاهِرٌ، وقيل: طهور.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
أَحَدُهُمَا: يُؤَثِّرُ مَنْعًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَلَوْ وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْمَاءِ لَا لِغَسْلِهَا، وَقَدْ نَوَى أَثَّرَ، عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ نَوَاهُ ثُمَّ وَضَعَ رِجْلَهُ فِيهِ لَا لِغَسْلِهَا بِنِيَّةٍ تَخُصُّهَا فَظَاهِرٌ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ غَمَسَ فِيهِ فَمَه احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ انْتَهَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ حكم اليد.
__________
1 أخرج البيهقي في "السنن الكبرى" 1/237، من حديث إسحاق بن سويد عن العلاء بن زياد عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ اغتسل فرأى لمعة في منكبه لم يصبها الماء، فأخذ خصلة من شعر رأسه، فعصرها على منكبه، ثم مسح يدع على ذلك المكان.(1/79)
وَإِنْ خَلَتْ بِهِ وَقِيلَ: وَبِكَثِيرٍ امْرَأَةٌ، وَقِيلَ: أَوْ مُمَيِّزَةٌ فِي غَسْلِ أَعْضَائِهَا، وَقِيلَ: أَوْ بَعْضِهَا عَنْ حَدَثٍ، وَقِيلَ: أَوْ خَبَثَ وَطُهْرٍ مُسْتَحَبٍّ فَطَهُورٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يَرْفَعُ حَدَثَ رَجُلٍ، وَقِيلَ: "وَلَا صَبِيٍّ، وَعَنْهُ يَرْفَعُ "وَ" بِلَا كَرَاهَةٍ كَاسْتِعْمَالِهِمَا مَعًا، وَكَإِزَالَتِهِ بِهِ نَجَاسَةً، وَكَامْرَأَةٍ أُخْرَى، وَكَتَطْهِيرِهَا بِمَاءٍ خَلَا بِهِ فِي الْأَصَحِّ فِيهِنَّ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ فِي الْأَخِيرَةِ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ "ع" وَرِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ، وَيُكْرَهُ، وَمَعْنَاهُ اخْتِيَارُ الْآجُرِّيِّ، كَرِوَايَةِ فِي خَلْوَةٍ لِشُرْبٍ، وَالْخُنْثَى كَرَجُلٍ، وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ كَامْرَأَةٍ، وَتَزُولُ الْخَلْوَةُ بِمُشَارَكَتِهِ لَهَا فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَعَلَى الْأَصَحِّ: وَبِالْمُشَاهَدَةِ فَقِيلَ: مُشَاهَدَةُ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ، وَقِيلَ: كَخَلْوَةِ النِّكَاحِ "م 15".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ – 15: قَوْلُهُ وَعَلَى الْأَصَحِّ وَبِالْمُشَاهَدَةِ، فَقِيلَ: مُشَاهَدَةُ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ وَقِيلَ: كَخَلْوَةِ النِّكَاحِ انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي1، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ:
أَحَدُهُمَا: هِيَ كَخَلْوَةِ النِّكَاحِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَتَزُولُ الْخَلْوَةُ بِمُشَاهَدَةِ مُمَيِّزٍ، وَكَافِرٍ، وَامْرَأَةٍ، اخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَالشِّيرَازِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي2، وَنَظْمِهِ، وَالشَّرْحِ3، وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَزُولُ إلَّا بِمُشَاهَدَةِ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، والحاوي الصغير، وقيل: لا تزول إلا
__________
1 1/282.
2 1/136.
3 "المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف" 1/83.(1/80)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
بِمُشَاهَدَةِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ حُرٍّ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فَقَالَ: وَلَمْ يَرَهَا ذَكَرٌ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ، وَقِيلَ أَوْ عَبْدٌ، وَقِيلَ أَوْ مُمَيِّزٌ، وَقِيلَ أَوْ مَجْنُونٌ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَقِيلَ إنْ شَاهَدَ طهارتها أنثى أو كافر فوجهان انتهى.(1/81)
فصل: القسم الثالث: نجس
...
فَصْلٌ: الثَّالِثُ: نَجِسٌ،
وَهُوَ مَا تَغَيَّرَ بِنَجَاسَةٍ "وَ" وَكَذَا قَلِيلٌ لَاقَى نَجَاسَةً. وَفِي عُيُونِ المسائل يدركها طرف "وش". وَقِيلَ: إنْ مَضَى زَمَنٌ تَسْرِي فِيهِ، وَعَنْهُ لا ينجس "وم" وعنه إن كان جاريا "وهـ" اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ، وَحَكَى عَنْهُ أَبُو الْوَقْتِ الدِّينَوَرِيُّ1 طَهَارَةَ مَا لَمْ يُدْرِكْهُ الطَّرَفُ، ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ. وَعَنْهُ تُعْتَبَرُ كُلُّ جَرِيَّةٍ بِنَفْسِهَا، وَهِيَ أَشْهَرُ، فَيُفْضِي إلَى تَنَجُّسِ نَهْرٍ كَبِيرٍ بِنَجَاسَةٍ قَلِيلَةٍ لَا كَثِيرَةٍ، لِقِلَّةِ مَا يُحَاذِي الْقَلِيلَةَ.
وَالْجَرِيَّةُ: مَا أَحَاطَ بِالنَّجَاسَةِ فَوْقَهَا وَتَحْتَهَا وَيَمْنَةً ويسرة. وقال الشيخ: وما انتشرت إليه عادة أَمَامَهَا وَوَرَاءَهَا، وَإِنْ امْتَدَّتْ النَّجَاسَةُ فَقِيلَ: وَاحِدَةٌ، وقيل: كل جرية نجاسة منفردة "م 16".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ- 16: قَوْلُهُ "وَالْجَرِيَّةُ مَا أَحَاطَ بِالنَّجَاسَةِ فَوْقَهَا، وتحتها، ويمنة، ويسرة وقال الشيخ: وما انتشرت إلَيْهِ عَادَةً أَمَامَهَا وَوَرَاءَهَا، وَإِنْ امْتَدَّتْ النَّجَاسَةُ فَقِيلَ وَاحِدَةٌ، وَقِيلَ: كُلُّ جَرِيَّةٍ نَجَاسَةٌ مُنْفَرِدَةٌ" انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَتَبِعَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ:
أَحَدُهُمَا: كُلُّ جَرِيَّةٍ نَجَاسَةٌ مُنْفَرِدَةٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ2 وَالشَّارِحُ3 وَجَزَمَا بِهِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شرحه
__________
1 هو: إبراهيم بن عبد الله بن مهران الدينوري. نقل عن الإمام أحمد أشياء. "طبقات الحنابلة" 1/95.
2 في المغني 1/48.
3 في المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/125.(1/82)
وَلَا يُؤَثِّرُ تَغَيُّرُهُ فِي مَحَلِّ التَّطْهِيرِ، وَفِيهِ قَوْلٌ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا، قَالَ: وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا بِوَصْفٍ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ لُغَةً وَشَرْعًا.
وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْكَثِيرُ لَمْ يَنْجُسْ، إلَّا بِبَوْلٍ أَوْ عَذِرَةٍ رَطْبَةٍ أَوْ يَابِسَةٍ ذَابَتْ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: أولا من آدمي، فيه روايتان "م 17" وقيل بل عذرة مائعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: الْكُلُّ نَجَاسَةٌ وَاحِدَةٌ، فَعَلَى هَذَا يَنْجُسُ نَهْرٌ كَبِيرٌ بِنَجَاسَةٍ قَلِيلَةٍ لَا كَثِيرَةٍ لِقِلَّةِ مَا يُحَاذِي الْقَلِيلَةَ، إذْ لَوْ فَرَضْنَا كَلْبًا فِي جَانِبِ نَهْرٍ وَشَعْرَةً مِنْهُ فِي جَانِبِهِ الْآخَرَ لَكَانَ مَا يُحَاذِيهَا لَا يَبْلُغُ قُلَّتَيْنِ لِقِلَّتِهِ، وَالْمُحَاذِي لِلْكَلْبِ يَبْلُغُ قِلَالًا، وَهَذَا الْوَجْهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ وَغَيْرِهِمْ، حَيْثُ اخْتَارَا اعْتِبَارَ كُلِّ جَرِيَّةٍ بِنَفْسِهَا.
مَسْأَلَةٌ- 17: قَوْلُهُ: "وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْكَثِيرُ لَمْ يَنْجُسْ، إلَّا بِبَوْلٍ، أَوْ عَذِرَةٍ رَطْبَةٍ أَوْ(1/83)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
يَابِسَةٍ ذَابَتْ ... مِنْ آدَمِيٍّ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ" وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْإِرْشَادِ1، وَالْمُغْنِي2، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ3، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ:
إحْدَاهُمَا: لَا يَنْجُسُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْإِيضَاحِ وَالْعُمْدَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ، وَالتَّسْهِيلِ وَغَيْرِهِمْ، لِعَدَمِ ذِكْرِهِمْ لَهُمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ، اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ، قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: هَذَا قول الجمهور، قال في4 الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّفْرِيعُ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: لَمْ يَنْجُسْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: عَدَمُ النَّجَاسَةِ أَصَحُّ، انْتَهَى، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ، وَالْمَجْدُ، وَالنَّاظِمُ فِي شَرْحِهِ وَنَظْمِهِ وَغَيْرُهُمْ قُلْت: وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَنْجُسُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ لِكَثْرَتِهِ فَلَا يَنْجُسُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُتَقَدِّمِينَ، قَالَ فِي الْكَافِي5: أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الْبَوْلَ وَالْغَائِطَ يُنَجِّسُ الْمَاءَ الْكَثِيرَ، قَالَ فِي الْمُغْنِي6 وَتَبِعَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: الْأَشْهَرُ أَنَّهُ يُنَجِّسُ،
__________
1 ص 21.
2 1/38.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/101.
4 ليست في "ط".
5 1/18.
6 1/46.(1/84)
وَلَمْ يَسْتَثْنِ فِي التَّلْخِيصِ إلَّا بَوْلَ آدَمِيٍّ، وَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ. وَنَقَلَ مُهَنَّا1 فِي بِئْرٍ وَقَعَ فِيهِ ثَوْبٌ تَنَجَّسَ بِبَوْلِ آدَمِيٍّ: يُنْزَحُ، وَيُتَوَجَّهُ مِنْ تَقْيِيدِ الْعَذِرَةِ بِالْمَائِعَةِ لَا يُنْزَحُ، اخْتَارَ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يَنْجُسُ "وَ. ش" قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ وَاخْتَارَهُ شُيُوخُ أَصْحَابِنَا: يَنْجُسُ، إلَّا أَنْ تعظم مشقة نزحه كمصانع2 بطريق3 مكة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَكَذَا قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَقَالَ: اخْتَارَهَا الشَّرِيفَانِ وَالْقَاضِي، وَقَالَ اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَشُيُوخُ أَصْحَابِنَا، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. هَذَا أَظْهَرُ عَنْهُ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ: هِيَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ نَقْلًا، وَاخْتَارَهَا الْأَكْثَرُونَ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: اخْتَارَهَا أَكْثَرُ الْمُتَقَدِّمِينَ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَأَكْثَرُ الْمُتَوَسِّطِينَ كَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفِ، وَابْنِ الْبَنَّا4، وَابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ في الفصول.
__________
1 أبو عبد الله مهنا بن يحيى الشامي. من كبار أصحاب الإمام أحمد، روى عنه مسائل كثيرة. "طبقات الحنابلة" 1/345.
2 هي: أحباس تتخذ للماء، واحدها مصنعة ومصنع. "معجم البلدان" 5/136.
3 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
4 هو: أبو علي، الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البناء البغدادي، الحنبلي. من مصنفاته: "شرح الخرقي"، "طبقات الفقهاء"، "تجريد المذاهب"، "ت471هـ"، و"المقصد الأرشد" 1/309. "الأعلام" 2/180.(1/85)
وَإِنْ تَغَيَّرَ بَعْضُ الْكَثِيرِ فَفِي نَجَاسَةِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ مَعَ كَثْرَتِهِ وَجْهَانِ "م 18" وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ؛ أَنَّ نَجَاسَةَ الْمَاءِ النَّجِسِ عَيْنِيَّةٌ. وَذَكَرَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ لَا، لِأَنَّهُ يُطَهِّرُ غَيْرَهُ، فَنَفْسُهُ أَوْلَى، وَأَنَّهُ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي كُتُبِ الْخِلَافِ: أَنَّ نَجَاسَتَهُ مُجَاوِرَةٌ سَرِيعَةُ الْإِزَالَةِ، لَا عَيْنِيَّةٌ، فَلِهَذَا يَجُوزُ بيعه، وحرم الحلواني1 وغيره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ – 18: قَوْلُهُ: "وَإِنْ تَغَيَّرَ بَعْضُ الْكَثِيرِ فَفِي نَجَاسَةِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ مَعَ كَثْرَتِهِ وَجْهَانِ" انْتَهَى.
وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ:
أَحَدُهُمَا: يَكُونُ طَهُورًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي2، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، أَوْ الْمُغْنِي3 وَالشَّرْحِ4، وَنَصَرَاهُ، وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَكُونُ نَجِسًا اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقِيلَ: الْبَاقِي طَهُورٌ وَإِنْ قَلَّ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، واختاره القاضي، وذكره في المستوعب.
__________
1 هو: أبو الفتح، محمد بن علي بن محمد المراق الحلواني، صاحب "كفاية المبتدي". "ت505هـ". "المقصد الأرشد" 2/472.
2 1/19.
3 1/50.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/108.(1/86)
تَنْبِيهَاتٌ:
أَحَدُهَا: قَوْلُهُ: "وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ نَجَاسَةَ الماء النجس عينية، وذكر شيخنا(1/86)
اسْتِعْمَالَهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّ سَقْيَهُ لِلْبَهَائِمِ كَالطَّعَامِ النَّجِسِ. وَفِي نِهَايَةِ الْأَزَجِيِّ: لَا يَجُوزُ قُرْبَانُهُ بِحَالٍ، بَلْ يُرَاقُ، وَقَالَهُ فِي التَّعْلِيقِ فِي الْمُتَغَيِّرِ، وَأَنَّهُ فِي حُكْمِ عَيْنٍ نَجِسَةٍ، بِخِلَافِ قَلِيلٍ نَجِسٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ، فَيَجُوزُ بَلُّ الطِّينِ بِهِ، وَسَقْيُ الدَّوَابِّ، وَيَأْتِي كَلَامُ الْأَزَجِيِّ فِي الِاسْتِحَالَةِ1.
وَالْكَثِيرُ قُلَّتَانِ2، وَالْقَلِيلُ دُونَهُمَا "هـ" وَهُمَا خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ عِرَاقِيَّةٍ، وَالرِّطْلُ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، فَهُوَ سُبْعُ الدِّمَشْقِيِّ وَنِصْفُ سُبْعِهِ، فَالْقُلَّتَانِ بِالدِّمَشْقِيِّ مِائَةُ رطل، وسبعة أرطال وسبع "وش" وَعَنْهُ أَرْبَعُمِائَةٍ عِرَاقِيَّةٌ، وَالتَّقْدِيرُ تَقْرِيبٌ عَلَى الْأَصَحِّ "وش".
وَيَطْهُرُ الْكَثِيرُ النَّجِسُ بِزَوَالِ تَغَيُّرِهِ بِنَفْسِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، أَوْ إضَافَةِ قُلَّتَيْنِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ لِلْمَشَقَّةِ، وَاعْتَبَرَ الْأَزَجِيُّ وَالْمُسْتَوْعِبُ الِاتِّصَالَ فِي صَبِّ الْمَاءِ، أَوْ بِنَزْحٍ يَبْقَى بَعْدَهُ قُلَّتَانِ. وَهُوَ طَهُورٌ، وقيل: طاهر لزوال النجاسة به.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ لَا، لِأَنَّهُ يُطَهِّرُ غَيْرَهُ فَنَفْسُهُ أَوْلَى، وَأَنَّهُ كَثَوْبٍ نَجِسٍ، انْتَهَى. مَا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هُوَ الصَّوَابُ، وَفِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنَّهَا عَيْنِيَّةٌ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا النَّجَاسَةُ الْعَيْنِيَّةُ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهَا، وَهَذَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا حُكْمِيَّةٌ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ.
الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ النَّجِسِ، وَقَدْ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ بِحَالٍ: إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَزَادَ جَوَازَ سَقْيِهِ لِلْبَهَائِمِ، قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ فِي الطَّعَامِ النَّجِسِ وهو الصواب.
__________
1 ص 323.
2 القلة: الجرة، أو القربة الكبيرة، وتساوي في المقاييس الحديثه حوالي سبعين سنتمتراً مكعباً.(1/87)
وَلَا يَطْهُرُ الْقَلِيلُ النَّجِسُ1 إلَّا بِقُلَّتَيْنِ، فَإِنْ أُضِيفَ إلَى ذَلِكَ قَلِيلُ طَهُورٍ، أَوْ مَائِعٍ وَبَلَغَ الْقَلِيلُ قُلَّتَيْنِ أَوْ تُرَابٍ وَنَحْوِهِ غَيْرَ مِسْكٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَطْهُرْ، لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ، فَغَيْرُهُ أَوْلَى، وَقِيلَ بَلَى لِخَبَرِ الْقُلَّتَيْنِ2، وَلِزَوَالِ التَّغَيُّرِ، وَقِيلَ: بِالْمَاءِ، لِأَنَّ غَيْرَهُ يَسْتُرُ النَّجَاسَةَ، وَقِيلَ بِهِ فِي النَّجِسِ الْكَثِيرِ فَقَطْ.
جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، وأطلق في الإيضاح روايتين في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
2 أخرج أبو داود "63"، والترمذي "67"، من حديث عبد الله من عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إذا كان الماء قلتين، لم يحمل الخبث".(1/88)
التُّرَابِ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ. وَإِنْ أُضِيفَ إلَى الْقَلِيلِ قَلِيلٌ وَلَمْ يَبْلُغَا قُلَّتَيْنِ، أَوْ تُرَابٌ وَنَحْوُهُ، لَمْ يَطْهُرْ، لِبَقَاءِ عِلَّةِ التَّنْجِيسِ، وَهِيَ الْمُلَاقَاةُ.
وَيَطْهُرُ مَا لَا يَشُقُّ، نَزْحُهُ بِمَا يَشُقُّ، وَقِيلَ: أَوْ هُمَا يَشُقَّانِ، وَقِيلَ: وَبِقُلَّتَيْنِ، وَيُعْتَبَرُ زَوَالُ التَّغَيُّرِ فِي الْكُلِّ.
وَإِنْ اجْتَمَعَ مِنْ نَجِسٍ وَطَهُورٍ وَطَاهِرٍ قُلَّتَانِ بِلَا تَغَيُّرٍ فَكُلُّهُ نَجِسٌ، وَقِيلَ: طَاهِرٌ، وَقِيلَ: طَهُورٌ، وَإِنْ أُضِيفَ قُلَّةٌ نَجِسَةٌ إلَى مِثْلِهَا وَلَا تَغَيُّرَ لَمْ يَطْهُرْ فِي الْمَنْصُوصِ "ش" كَكَمَالِهَا بِبَوْلٍ أَوْ نَجَاسَةٍ أُخْرَى، "وَ" وَفِي غَسْلِ جَوَانِبِ بِئْرٍ نزحت1 أرضها روايتان "م 19".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الثَّالِثُ: قَوْلُهُ فِي تَطْهِيرِ مَا لَا يَشُقُّ نَزْحُهُ، وَقِيلَ وَبِقُلَّتَيْنِ، قَالَ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِيهِ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ سَهْوٌ، إذْ لَا وَجْهَ لَهُ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي بَوْلِ الْآدَمِيِّ، وَلَا يَدْفَعُ الْمَجْمُوعُ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ، فَمِنْ أين يحصل التطهير؟ انتهى.
مَسْأَلَةٌ – 19: وَفِي غَسْلِ جَوَانِبِ بِئْرٍ نُزِحَتْ وَأَرْضِهَا روايتان، انتهى.
__________
1 ليست في "ط".(1/89)
وَلَهُ اسْتِعْمَالُ كَثِيرٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَلَوْ مَعَ قِيَامِ النَّجَاسَةِ فِيهِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهَا قَلِيلٌ، وَمَا اُنْتُضِحَ مِنْ قَلِيلٍ لِسُقُوطِهَا فِيهِ نَجِسٌ.
وَإِنْ شَكَّ فِي كَثْرَةِ الْمَاءِ، أَوْ نَجَاسَةِ عَظْمٍ، أَوْ رَوْثَةٍ أَوْ جَفَافِ نَجَاسَةٍ عَلَى ذُبَابٍ وَغَيْرِهِ، أَوْ وُلُوغِ كَلْبٍ أَدْخَلَ رَأْسَهُ فِي إنَاءٍ ثُمَّ وُجِدَ1 بِفِيهِ رُطُوبَةٌ فَوَجْهَانِ "م 20 - 24" ونقل حَرْبٌ2 وَغَيْرُهُ فِيمَنْ وَطِئَ رَوْثَةً فَرَخَّصَ فِيهِ: إذا لم يعرف ما هي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ:
إحْدَاهُمَا: لَا يَجِبُ غَسْلُ ذَلِكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا الصَّحِيحُ، دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ، وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجِبُ غَسْلُهُ، وَيَأْتِي كَلَامُ ابْنِ رَزِينٍ وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ: يَجِبُ غَسْلُ الْبِئْرِ الضَّيِّقَةِ وَجَوَانِبِهَا وَحِيطَانِهَا، وَعَنْهُ وَالْوَاسِعَةُ أَيْضًا، انْتَهَى، قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: الرِّوَايَتَانِ فِي الْوَاسِعَةِ، وَالضَّيِّقَةِ يَجِبُ غَسْلُهَا رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: وَإِنْ تَنَجَّسَتْ جَوَانِبُ بِئْرٍ وَجَبَ غَسْلُهَا، كَرَأْسِ الْبِئْرِ، وَعَنْهُ لَا يَجِبُ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ. انْتَهَى.
مَسْأَلَةٌ 20 – 24: قَوْلُهُ: فَإِنْ شَكَّ فِي كَثْرَةِ الْمَاءِ أَوْ نَجَاسَةِ عَظْمٍ، أو روثة، أو
__________
1 ليست في النسخ الخطية، وهي من "ط".
2 هو: أبو محمد، حرب بن إسماعيل الكرماني، الفقيه، تلميذ الإمام أحمد. له مسائل معروفة هي من أنفس كتب الحنابلة كما وصفها الذهبي. قيد تاريخ وفاته عبد الباقي بن قانع في سنة ثمانين ومئتين. "طبقات الحنابلة" 1/ 145، "سير أعلام النبلاء" 13/244.(1/90)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
جَفَافِ نَجَاسَةٍ عَلَى ذُبَابٍ وَغَيْرِهِ، أَوْ وُلُوغِ كَلْبٍ أَدْخَلَ رَأْسَهُ فِي إنَاءٍ ثُمَّ بِفِيهِ رُطُوبَةٌ فَوَجْهَانِ، انْتَهَى، ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى -20: إذَا شَكَّ فِي كَثْرَةِ الْمَاءِ، يَعْنِي: إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَشَكَّ هَلْ هُوَ قُلَّتَانِ أَوْ دُونَهُمَا، فَفِي نَجَاسَتِهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي1، وَالشَّرْحِ2، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ:
أَحَدُهُمَا: هُوَ نَجِسٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، فَقَالَ: هَذَا الصَّحِيحُ، لِأَنَّهُ قَدْ تَعَارَضَ الْأَصْلَانِ، فَيَتَعَيَّنُ الْأَحْوَطُ نَقَلَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هَذَا الْمُرَجَّحُ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُغْنِي1 وَالْمُحَرَّرِ، انْتَهَى، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ نَجِسٌ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ طَاهِرٌ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ. وَهُوَ أَظْهَرُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ- 21: لَوْ شَكَّ فِي نَجَاسَةِ عَظْمٍ وَقَعَ فِي مَاءٍ، فَهَلْ يُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ فِيهِ الْخِلَافَ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ، بَلْ هُوَ طَاهِرٌ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَةُ الْمَاءِ، فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ فِي تَنْجِيسِهِ، وَأَيْضًا قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ كَالرَّوْثَةِ الْمَشْكُوكِ فِي طَهَارَتِهَا وَنَجَاسَتِهَا الْآتِيَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَمَالَ إلَيْهِ صَاحِبُ تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ نَجِسٌ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ- 22: لَوْ شَكَّ فِي رَوْثَةٍ وَقَعَتْ فِي مَاءٍ: هَلْ هِيَ طاهرة أو نجسة؟ فأطلق فيها الخلاف:
__________
1 1/44.
2 "المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف" 1/ 123.(1/91)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
أَحَدُهُمَا: هُوَ طَاهِرٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: هَذَا الْمُرَجَّحُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي1 وَالشَّرْحِ2، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَقَدْ نَقَلَ حَرْبٌ وَغَيْرُهُ فِيمَنْ وَطِئَ رَوْثَةً فَرَخَّصَ فِيهِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ مَا هِيَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ نَجِسٌ، قَالَ الشَّيْخ تَقِيُّ الدِّينِ: الْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَرْوَاثِ الطَّهَارَةُ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ، وَهُوَ الصَّوَابُ، أَوْ النَّجَاسَةُ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ انْتَهَى.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ – 23: لَوْ شَكَّ فِي جَفَافِ نَجَاسَةٍ عَلَى ذُبَابٍ وغيره وعدمه، فأطلق فِيهِ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى:
أَحَدُهُمَا: الْحُكْمُ بِعَدَمِ الْجَفَافِ "قُلْت" وَهُوَ الصَّوَابُ، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَالْفَرْضُ مَعَ الشَّكِّ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: الْحُكْمُ بِأَنَّهَا جَفَّتْ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ -24: إذَا شَكَّ فِي وُلُوغِ كَلْبٍ أَدْخَلَ رَأْسَهُ فِي إنَاءٍ ثُمَّ وُجِدَ بِفِيهِ رُطُوبَةٌ. فَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ وَعَدَمِهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ، وَنَقَلَهُمَا عَنْ الْأَزَجِيِّ:
أَحَدُهُمَا: هُوَ طَاهِرٌ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُلُوغِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ نَجِسٌ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، لِأَنَّ الْقَرَائِنَ الْمُحْتَفَّةَ بِذَلِكَ تَقْتَضِي مَا قُلْنَا، وَتُوجِبُ ضعف الأصل، وهو ظاهر كلام جماعة.
__________
1 1/64.
2 "المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف" 2/344.(1/92)
وإن احتمل تغيره1 بِمَا فِيهِ مِنْ نَجَسٍ أَوْ غَيْرِهِ عُمِلَ بِهِ، وَإِنْ احْتَمَلَهُمَا فَوَجْهَانِ "م 25".
وَإِنْ شَكَّ فِي طَهَارَةِ شَيْءٍ، أَوْ نَجَاسَتِهِ بَنَى عَلَى أصله "و" وإن أخبره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ – 25: قَوْلُهُ: "وَإِنْ اُحْتُمِلَ تَغَيُّرُهُ مِنْ نَجِسٍ أَوْ غَيْرِهِ عُمِلَ بِهِ، وَإِنْ احْتَمَلَهُمَا فَوَجْهَانِ" وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي فُصُولِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، فَقَالَ: وَمَتَى وَجَدَ مَاءً مُتَغَيِّرًا وَشَكَّ فِيمَا تَغَيَّرَ بِهِ فَهُوَ طَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يُغَيِّرَهُ مِنْ نَجَاسَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أُضِيفَ التَّغَيُّرُ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ لَمْ يُضَفْ، وَإِنْ احْتَمَلَهُمَا فَوَجْهَانِ، انْتَهَى، وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: إذَا وَقَعَ فِي مَاءٍ يَسِيرٍ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ، وَشَكَّ: هَلْ هُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنْ النَّجَاسَةِ أَمْ لَا؟ كَانَ هُنَاكَ بِئْرٌ، وَحُشٌّ: فَإِنْ كَانَ إلَى الْبِئْرِ أَقْرَبَ، أَوْ هُوَ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ فَهُوَ طَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ إلَى الْحُشِّ أَقْرَبَ فَوَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: نَجِسٌ، وَالْآخَرُ طَاهِرٌ، مَا لَمْ يُعَايِنْ خُرُوجَهُ مِنْ الْحُشِّ، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْمُهِمِّ2 عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ تَمِيمٍ، انْتَهَى.
قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُ طَاهِرٌ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، ثُمَّ وَجَدْت شَيْخَنَا فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ نَقَلَ أَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ قَطَعَ في الفتاوى المصرية بعدم نجاسته.
__________
1 في النسخ الخطية: والمثبت من "ط".
2 هو: عبد الله كتيلة بن أبي بكر الحربي الشيخ الفقيه الحنبلي، له "اللمهم شرح الخرقي". "ت681هـ". "ذيل طبقات الحنابلة" 2/301.(1/93)
عَدْلٌ بِنَجَاسَتِهِ، قِيلَ: إنْ عَيَّنَ السَّبَبَ1، وَقِيلَ: مُطْلَقًا، وَفِي الْمَسْتُورِ، وَالْمُمَيِّزِ، وَلُزُومِ السُّؤَالِ عَنْ السبب وجهان "م 26،28".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ -26 - 28 قَوْلُهُ: "وَإِنْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِنَجَاسَتِهِ قِيلَ: إنْ عَيَّنَ السَّبَبَ، وَقِيلَ مُطْلَقًا وَفِي الْمَسْتُورِ وَالْمُمَيِّزِ وَلُزُومِ السُّؤَالِ عَنْ السَّبَبِ وَجْهَانِ" انْتَهَى. ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى- 26: لَوْ أَخْبَرَهُ مَسْتُورُ الْحَالِ بِنَجَاسَةِ مَاءٍ، فَهَلْ يُقْبَلُ كَالْعَدْلِ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ فِيهِ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ ابْنُ تَمِيمٍ:
أَحَدُهُمَا: يُقْبَلُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي2 وَالشَّرْحِ3، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيَكْفِي خَبَرُ مَسْتُورِ الْحَالِ فِي الْأَصَحِّ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُقْبَلُ قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ- 27: لَوْ أَخْبَرَهُ مُمَيِّزٌ فَهَلْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى:
أَحَدُهُمَا: لَا يُقْبَلُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي4، وَالْمُغْنِي 2 وَالشَّرْحِ5، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ والحاوي الكبير: يقبل6 قول المميز إذا قلنا: تقبل شهادته. انتهى. والمذهب: لا تقبل شهادته.
الوجه الثاني: يُقْبَلُ6 وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْفُصُولِ، قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُ: وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ بِالْقَبُولِ بِنَاءً عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ فِي الْجِرَاحِ، انْتَهَى. قُلْت: الْقَوْلُ بِالْقَبُولِ مُطْلَقًا قَوِيٌّ، لِأَنَّهُ خَبَرٌ لَا شَهَادَةٌ، وَقَدْ قَبِلَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ قَوْلَ مَسْتُورِ الْحَالِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، مَعَ أَنَّهُ لَا تقبل شهادته، على الصحيح من المذهب.
__________
1 في الأصل و"ط": "سببها".
2 1/68.
3 "المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف" 1/129.
4 1/23.
5 "المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف" 1/128.
6 ليست في "ط".(1/94)
وَإِنْ أَصَابَهُ مَاءُ مِيزَابٍ وَلَا أَمَارَةَ كُرِهَ سُؤَالُهُ عَنْهُ، نَقَلَهُ صَالِحٌ، لِقَوْلِ عُمَرَ لِصَاحِبِ الْحَوْضِ: لَا تُخْبِرْنَا1، فَلَا يَلْزَمُ الْجَوَابُ، وَقِيلَ: بَلَى، كَمَا لَوْ سُئِلَ عَنْ الْقِبْلَةِ، وَقِيلَ: الأولى السؤال وَالْجَوَابُ، وَقِيلَ بِلُزُومِهَا، وَأَوْجَبَ الْأَزَجِيُّ إجَابَتَهُ إنْ عَلِمَ نَجَاسَتَهُ، وَإِلَّا فَلَا.
وَيُنَجَّسُ كُلُّ مَائِعٍ، كزيت وسمن بنجاسة، نقله الجماعة "وم ش" وَذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ2 "ع" فِي سَمْنٍ، كذا قال، وعنه حكمه كالماء "وهـ" وَعَنْهُ إنْ كَانَ الْمَاءُ أَصْلًا لَهُ. وَقَالَ شَيْخُنَا: وَلَبَنٌ كَزَيْتٍ.
وَإِنْ اشْتَبَهَ طَهُورٌ بِنَجِسٍ لَمْ يَتَحَرَّ "ش" كَمَيْتَةٍ بِمُذَكَّاةٍ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِتَيَمُّمِهِ إرَاقَتُهُمَا، أَوْ خَلْطُهُمَا أَمْ لَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ "م 29" وَإِنْ عَلِمَ النَّجِسَ وَقَدْ تَيَمَّمَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ- 28: هَلْ يَلْزَمُ السُّؤَالُ عَنْ السَّبَبِ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ وَأَطْلَقَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ، وَضَعَّفَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
مَسْأَلَةٌ- 29: قَوْلُهُ: "وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِتَيَمُّمِهِ إرَاقَتُهُمَا أَوْ خَلْطُهُمَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ" انْتَهَى.
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُصُولِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي3، وَالْمُقْنِعِ4، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ:
إحْدَاهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ، بَلْ يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ مَعَ بَقَائِهِمَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ فِي
__________
1 أخرجه مالك في "الموطأ" 1/14.
2 هو: أبو محمد، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، عالم الأندلس في عصره. من مصنفاته: "الفصل في الملل والأهواء والنحل"، "المحلى"، "جمهرة الأنساب". "ت456هـ". "فوات الوفيات" 1/340.
3 1/24.
4 "المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف" 1/135.(1/95)
وصلى فَلَا إعَادَةَ فِي الْأَصَحِّ، وَعَنْهُ لَهُ التَّحَرِّي إذا زاد عدد الطهور "وهـ" وَقِيلَ: عُرْفًا.
وَهَلْ يَلْزَمُ مَنْ عَلِمَ النَّجِسَ إعْلَامُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ؟ فِيهِ احْتِمَالَاتٌ، الثَّالِثُ يَلْزَمُ إنْ شُرِطَتْ إزَالَتُهَا لِصَلَاةٍ "م 30".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْمُذْهَبِ: هَذَا أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَوْلَى، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَاحِبِ التَّسْهِيلِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَالنُّورِ، وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ إدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُشْتَرَطُ الْإِعْدَامُ بِخَلْطٍ أَوْ إرَاقَةٍ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْعُدَ عَنْهُمَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الطَّلَبُ. وَقَالَ فِي الصُّغْرَى أَرَاقَهُمَا، وَعَنْهُ أَوْ خَلَطَهُمَا. وَقَالَ فِي الْكُبْرَى: خَلَطَهُمَا، أَوْ أَرَاقَهُمَا، وَعَنْهُ تَعْيِينُ1 الْإِرَاقَةِ. انْتَهَى، وَقَطَعَ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرُهُ أَنَّ حُكْمَ الْخَلْطِ حُكْمُ الْإِرَاقَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ: فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَذْفٌ، وَتَقْدِيرُهُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِتَيَمُّمِهِ إرَاقَتُهُمَا أَوْ خَلْطُهُمَا أَمْ لَا؟ وَهُوَ وَاضِحٌ، وَكَذَلِكَ مِنْ عِبَارَتِهِ كَذَلِكَ.
مَسْأَلَةٌ -30: قَوْلُهُ وَهَلْ يَلْزَمُ مَنْ عَلِمَ النَّجِسَ إعْلَامُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ؟ فِيهِ احْتِمَالَاتٌ، وَالثَّالِثُ يَلْزَمُ إنْ شُرِطَتْ إزَالَتُهَا لِصَلَاةٍ، انْتَهَى:
أَحَدُهَا يَلْزَمُ إعْلَامُهُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي هَذَا الْبَابِ. وَفِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَفَرَضَهُ فِي إرَادَةِ التَّطَهُّرِ به.
__________
1 في "ط": "تعيين".(1/96)
وَهَلْ يَلْزَمُ التَّحَرِّي لِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ "م 31" ثُمَّ فِي غَسْلٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ "م 32".
وَلَا يَتَحَرَّى أَحَدٌ مَعَ وُجُودِ غَيْرِ مُشْتَبَهٍ "ش" وَمُحَرَّمٍ كَنَجِسٍ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَقِيلَ: يَتَحَرَّى مُطْلَقًا. وَإِنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ ثُمَّ عَلِمَ نجاسته أعاد، نقله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَالثَّالِثُ يَلْزَمُهُ إنْ قِيلَ إنَّ إزَالَتَهَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِصَاحِبِ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَفِيهِ ضَعْفٌ.
مَسْأَلَةٌ -31: قَوْلُهُ "هَلْ يَلْزَمُ التَّحَرِّي لِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ"، انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ:
إحْدَاهُمَا يَلْزَمُ التَّحَرِّي، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي1، وَالشَّرْحِ2، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَلْزَمُ.
مَسْأَلَةٌ- 32: قَوْلُهُ: "ثُمَّ فِي غَسْلٍ، فِيهِ وَجْهَانِ". وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي3، وَالشَّرْحِ4، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، صَحَّحَهُ المجد في شرحه، وابن عبد القوي في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ.
__________
1 1/85.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/138.
3 1/84.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/36.(1/97)
الجماعة "و" خِلَافًا لِلرِّعَايَةِ، وَإِنْ لَمْ نَقُلْ: إزَالَةُ النَّجَاسَةِ شَرْطٌ، كَذَا قَالَ، وَنَصُّهُ: حَتَّى يَتَيَقَّنَ بَرَاءَتَهُ. وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ بَعْدَ ظَنِّهِ نَجَاسَتَهُ، وَذَكَرَ فِي الْفُصُولِ وَالْأَزَجِيُّ: إنْ شَكَّ، هَلْ كَانَ وُضُوءُهُ قَبْلَ نَجَاسَةِ الْمَاءِ، أَوْ بَعْدَهُ، لَمْ يُعِدْ، لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ، وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ غيرهما، لعدم العلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجِبُ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصغير.(1/98)
أَنَّهُ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ، لَكِنْ يُقَالُ: شَكُّهُ فِي الْقَدْرِ الزَّائِدِ كَشَكِّهِ مُطْلَقًا، فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُعِيدَ إلَّا مَا تَيَقَّنَهُ بِمَاءٍ نَجِسٍ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ، وِفَاقًا لِأَبِي يُوسُفَ ومحمد وبعض الشافعية، لشكه1 فِي شَرْطِ الْعِبَادَةِ بَعْدَ فَرَاغِهَا، فَهُوَ كَشَكِّهِ فِي النِّيَّةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَغْسِلُ ثِيَابَهُ، وَآنِيَتَهُ.
وَنَصُّ أَحْمَدَ يَلْزَمُهُ "و" وَيَأْتِي2: أَنَّ مَنْ صَلَّى وَوَجَدَ عَلَيْهِ نَجَاسَةً لَا يَعْلَمُ: هَلْ كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ؟ أَنَّهَا تَصِحُّ فِي الْأَشْهَرِ، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، قَالَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ: وَلِهَذَا لَوْ رَأَى نَجَاسَةً فِي ماء يسير، أو أصابته جنابة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س" و"ط": "كشكه".
2 في الفصل الأول من باب اجتناب النجاسة 2/97.(1/99)
وَلَمْ يَعْلَمْ زَمَنَ ابْتِدَائِهِمَا لَكَانَا فِي وَقْتِ الشَّكِّ كَالْمَعْدُومَيْنِ يَقِينًا، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، كَذَا قَالَ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ شَكَّ: هَلْ صَلَّى مَعَ الْمَانِعِ أَصْلًا، أَمْ لَا؟ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِتَأَكُّدِ رَفْعِ الْحَدَثِ، بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ اشْتَبَهَ طَهُورٌ بِطَاهِرٍ تَوَضَّأَ مِنْهُمَا وُضُوءًا وَاحِدًا1، وَقِيلَ: مِنْ كُلٍّ وَاحِدٌ، وَلَا يَتَحَرَّى فِي مُطْلَقٍ وَمُسْتَعْمَلٍ "ش" وَيُصَلِّي صَلَاةً وَاحِدَةً1، وَإِنْ تَوَضَّأَ مِنْهُمَا مَعَ طَهُورٍ بِيَقِينٍ وُضُوءًا وَاحِدًا صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا.
وَإِنْ اشْتَبَهَتْ ثِيَابٌ طَاهِرَةٌ بِنَجِسَةٍ صَلَّى بِعَدَدِ النَّجَسِ، وَزَادَ صَلَاةً، وَنَوَى بِكُلِّ صَلَاةٍ الْفَرْضَ، احْتِيَاطًا كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ، وَقَدْ فَرَّقَ أَحْمَدُ بَيْنَ الثِّيَابِ وَالْأَوَانِي بِأَنَّ الْمَاءَ يَلْصَقُ بِالْبَدَنِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: ولأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".(1/100)
لَيْسَ عَلَيْهَا أَمَارَةٌ، وَلَا لَهَا بَدَلٌ يَرْجِعُ إلَيْهِ، وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ سَوَاءٌ، وَقِيلَ: يَتَحَرَّى مَعَ كَثْرَةِ الثِّيَابِ النَّجِسَةِ لِلْمَشَقَّةِ "و. هـ. ش م ر" لَا مُطْلَقًا خِلَافًا لِلْفُنُونِ. وَقَالَهُ أَيْضًا فِي مُنَاظَرَاتِهِ، وَقِيلَ: يُصَلِّي فِي وَاحِدٍ بِلَا تَحَرٍّ، وَفِي الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ، وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا بَانَ طَاهِرًا كَنَظِيرِهِ1 فِي مَاءٍ مُشْتَبَهٍ فِي وَجْهٍ، وَلَا تَصِحُّ فِي الثِّيَابِ الْمُشْتَبِهَةِ مَعَ طَاهِرٍ يَقِينًا "ش" وَكَذَا الْأَمْكِنَةُ. وَيُصَلِّي فِي فَضَاءٍ وَاسِعٍ حَيْثُ شَاءَ بِلَا تَحَرٍّ.
وَإِنْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ لَمْ يَتَحَرَّ، وَقِيلَ: بَلَى فِي عَشْرٍ، وَفِي قَبِيلَةٍ كَبِيرَةٍ لَهُ النِّكَاحُ، وَفِي لُزُومِ التَّحَرِّي وَجْهَانِ "م 33"
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ- 33: "وَإِنْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ لَمْ يَتَحَرَّ، وَقِيلَ بَلَى فِي عَشْرٍ، وَفِي قَبِيلَةٍ كَبِيرَةٍ لَهُ النِّكَاحُ، وَفِي لُزُومِ التَّحَرِّي وَجْهَانِ" انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُ التَّحَرِّي، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي2، وَالشَّرْحِ3، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: لَوْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِنِسَاءِ أَهْلِ مِصْرٍ جَازَ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى النِّكَاحِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَحَرٍّ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي. قَالَ فِي الْفَائِقِ: لَوْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِنِسَاءِ أَهْلِ بَلَدٍ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ نِكَاحِهِنَّ، وَيُمْنَعُ فِي عَشْرٍ، وَفِي مِائَةٍ وَجْهَانِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَقِيلَ يَتَحَرَّى فِي مِائَةٍ، وَهُوَ بَعِيدٌ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: لَوْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِعَدَدٍ مَحْصُورٍ مِنْ الْأَجْنَبِيَّاتِ مُنِعَ مِنْ التَّزَوُّجِ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ حَتَّى يعلم أخته من
__________
1 في الأصل: "كتطهيره".
2 1/82.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/130.(1/101)
ويتوجه مثله فِي1 الْمَيْتَةِ بِالْمُذَكَّاةِ "م 34" قَالَ أَحْمَدُ: أَمَّا شَاتَانِ: فَلَا2 يَجُوزُ التَّحَرِّي، فَأَمَّا إذَا كَثُرَتْ فَهَذَا غَيْرُ هَذَا، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ أَنَّهُ قِيلَ له فثلاثة؟ قال: لا أدري.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
غَيْرِهَا. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فَإِنْ كُنَّ الْأَجْنَبِيَّاتُ عَشْرَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَحَرَّى فِي أصح الوجهين، انتهى.
والوجه الثاني: يلزمه التحري3، قدمه في المستوعب، والله أعلم.
مسألة-34: قوله: "ويتوجه مثله في4 الْمَيْتَةُ بِالْمُذَكَّاةِ" انْتَهَى. قَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَقَدْ قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: لَوْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِنِسَاءِ أَهْلِ مِصْرٍ جَازَ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى النِّكَاحِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّحَرِّي عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وكذلك5 لَوْ اشْتَبَهَتْ مَيْتَةٌ بِلَحْمِ أَهْلِ مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ انْتَهَى، فَنَقَلَ أَنَّهَا مِثْلُهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَهَذِهِ أَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ مَسْأَلَةً فِي هَذَا الْبَابِ قد يسر الله بتصحيحها.
__________
1 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
2 في النسخ الخطية: "لا" والمثبت من "ط".
3 ليست في "ص" و"ط".
4 ليست في "ح" و"ط".
5 في "ص" و"ط": "كذا".(1/102)
باب الآنية
الأحكام المتعلقة بالآنية
...
باب الآنية
يُبَاحُ اسْتِعْمَالُ كُلِّ إنَاءٍ طَاهِرٍ مُبَاحٍ حَتَّى الثَّمِينِ "و" وَيَحْرُمُ فِي الْمَنْصُوصِ اسْتِعْمَالُ آنِيَةِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى "و" حَتَّى الْمِيلُ وَنَحْوُهُ وَيَأْتِي كَلَامُ شَيْخِنَا فِي اللِّبَاسِ1 وَكَذَا اتِّخَاذُهَا عَلَى الْأَصَحِّ "هـ" وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ التَّمِيمِيَّ قَالَ: إذَا اتَّخَذَ مِسْعَطًا2، أَوْ قِنْدِيلًا، أَوْ نَعْلَيْنِ، أَوْ مِجْمَرَةً، أَوْ مِدْخَنَةً، ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً كُرِهَ وَلَمْ يَحْرُمْ.
وَيَحْرُمُ سَرِيرٌ وَكُرْسِيٌّ، ويكره عمل خفين من فضة، وَلَا يَحْرُمُ كَالنَّعْلَيْنِ. قَالَ: وَمُنِعَ مِنْ الشُّرْبَةِ3 وَالْمِلْعَقَةِ، كَذَا حَكَاهُ وَهُوَ غَرِيبٌ. وَتَصِحُّ الطَّهَارَةُ مِنْهَا، وَفِيهَا "و" لِأَنَّ الْإِنَاءَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَلَا رُكْنٍ فِي الْعِبَادَةِ، بَلْ أَجْنَبِيٌّ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهَا، وَعَنْهُ: لَا اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي4، وَابْنُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ كَمَاءٍ مَغْصُوبٍ عَلَى الْأَصَحِّ "خ".
وَلَوْ جَعَلَهَا مَصَبًّا صَحَّتْ فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا إنَاءٌ مَغْصُوبٌ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ، وَثَمِينٌ، كَبِلَّوْرٍ، وَيَاقُوتٍ، جَزَمَ بِهِ أَبُو الْوَقْتِ الدِّينَوَرِيُّ، ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 يأتي في 2/85.
2 المسعط، بضم الميم: الوعاء يجعل فيه السعوط، وهو دواء يصب في الأنف. "المصباح": "سعط".
3 في النسخ الخطية و"ط": "الشربة"، والشرابة، جمعها شراريب: ضمة من خيوط توضع على طرف الحزام أو الثوب أو على الطربوش للزركشة. "معجم الألفاظ العامية" ص 92.
4 في "ط": "أبو بكر القاضي".(1/103)
ويحرم المضبب بذهب "وش" وقيل: كثير1، وقيل: لحاجة، ويحرم بفضة "وش" وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ أَبْوَابٌ ذَهَبٌ، وَفِضَّةٌ، وَرُفُوفٌ، وَإِنْ كَانَ تَابِعًا بِمَا يَقْضِي أَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ، فَإِنْ كَثُرَتْ الضَّبَّةُ لِحَاجَةٍ، أَوْ قلت لغيرها فوجهان "م 1 - 2" فإن قلت لحاجة أبيح "و" وقيل: يكره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ فِي ضَبَّةِ الذَّهَبِ، وَقِيلَ لِحَاجَةٍ، قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: كَذَا فِي النُّسَخِ، وَلَعَلَّهُ لَا لِحَاجَةٍ. وَقَالَ شَيْخُنَا: فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَقِيلَ كَثِيرٌ أَنَّ الْقَلِيلَ لَا يَحْرُمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَعَ الْحَاجَةِ، وَعَدَمِهَا، فَذَكَرَ قَوْلًا لَا يَحْرُمُ لِحَاجَةٍ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَيَحْرُمُ الْقَلِيلُ، وَقِيلَ لَا يَحْرُمُ، وَقِيلَ لَا يَحْرُمُ لِحَاجَةٍ، فَهُوَ عَائِدٌ إلَى الْقَلِيلِ الْمَفْهُومِ مِنْ الكثير2، انْتَهَى، وَهُوَ الصَّوَابُ وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتَارَهُ فِي الرعاية.
مَسْأَلَةٌ 1 – 2: قَوْلُهُ "فَإِنْ كَثُرَتْ الضَّبَّةُ لِحَاجَةٍ أَوْ قَلَّتْ لِغَيْرِهَا فَوَجْهَانِ"، انْتَهَى، شَمِلَ كَلَامُهُ مَسْأَلَتَيْنِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى-1: إذَا كَثُرَتْ الضَّبَّةُ لِحَاجَةٍ فَهَلْ تَحْرُمُ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ ابْنُ تميم:
__________
1 في "ط": "كبير".
2 في "ص" و"ط": "انتهى"، وبعدها في "ح": "لا إلى الكثير".(1/104)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
أَحَدُهُمَا تَحْرُمُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. انْتَهَى، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي "المحرر"، و"الوجيز"، و"المنور" و"منتخب الْآدَمِيِّ"، وَغَيْرِهِمْ، لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى إبَاحَةِ الْيَسِيرَةِ، وَجَزَمَ به في "الهداية"، و"فروع القاضي أبي الحسين"، و"خصال ابن البنا"، و"المذهب"، و"المستوعب"، و"الخلاصة"، و"المغني"1، و"الكافي"2، و"المقنع"3، و"الهادي"، و"شرح ابن منجى"، و"ابن رزين"، و"النظم"، وغيرهم، وقدمه في "الرعايتين" و"الحاويين"، و"مجمع البحرين"، و"الفائق" و"شرح العمدة" للشيخ تقي الدين، و"شرح ابْنِ عُبَيْدَانَ" وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ فِي "تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ"، وَغَيْرِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْرُمُ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَهُوَ مُقْتَضَى اخْتِيَارِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ بطريق أولى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ -2: إذَا كَانَتْ الضَّبَّةُ يَسِيرَةً لِغَيْرِ حَاجَةٍ: فَهَلْ يُبَاحُ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ فِي "الْمُغْنِي"1، و"الكافي"، و"المحرر4"، و"الشرح" 5، و"مختصر ابن تميم"، و"شرح الزَّرْكَشِيّ" وَغَيْرِهِمْ:
أَحَدُهُمَا لَا تُبَاحُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي "الهداية"، و"فروع القاضي أبي الحسين"، و"خصال ابن البنا"، و"الخلاصة"، وغيرهم، وقدمه في "الحاوي الكبير"، و"شرح العمدة" للشيخ تقي الدين6 و"شرح ابن رزين"، وابن عبيدان، و"مجمع الْبَحْرَيْنِ"، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي "الْمُذْهَبِ" و"التلخيص"،
__________
1 1/104.
2 1/37.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/ 145.
4 1/36.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/150.
6 ليست في "ص" و"ط".(1/105)
وَتُبَاحُ مُبَاشَرَتُهَا لِحَاجَةٍ، وَبِدُونِهَا قِيلَ: تَحْرُمُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَقِيلَ تُكْرَهُ، وَقِيلَ تُبَاحُ "م 3".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْبُلْغَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ النَّاظِمُ: وَهُوَ الْأَقْوَى، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، لَا تُبَاحُ الْيَسِيرَةُ لِزِينَةٍ فِي الْأَظْهَرِ، قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ: وَإِذَا كَانَ التَّضْبِيبُ بِالْفِضَّةِ وَكَانَ يَسِيرًا عَلَى قَدْرِ حَاجَةِ الْكَسْرِ فَمُبَاحٌ، انْتَهَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْرُمُ، اختاره جماعة، قاله1 الزَّرْكَشِيّ. قُلْت: مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَتُبَاحُ الْيَسِيرَةُ كغيرها2 فِي الْمَنْصُوصِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الشَّيْخِ فِي الْمُقْنِعِ3.
تَنْبِيهٌ: عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّحْرِيمِ تُبَاحُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ الشِّيرَازِيُّ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّيْخُ فِي الْكَافِي4، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُلْت: وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا إذَا كَانَتْ يَسِيرَةً لِحَاجَةٍ، فَإِنَّهُ قَدَّمَ الْإِبَاحَةَ وَإِذَا انْتَفَى التَّحْرِيمُ هُنَا كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ مَا إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ.
مَسْأَلَةٌ- 3: قَوْلُهُ: "وَتُبَاحُ مُبَاشَرَتُهَا لِحَاجَةٍ، وَبِدُونِهَا قِيلَ: تَحْرُمُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَقِيلَ: تُكْرَهُ، وَقِيلَ: تُبَاحُ" انْتَهَى، وأطلقهن ابن تميم، وابن عبيدان:
__________
1 في "ص" و"ط": "قال".
2 في "ص" و"ط": "لغيرها".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/150.
4 1/63-73.(1/106)
والكثير مَا كَثُرَ عُرْفًا، وَقِيلَ: مَا اُسْتُوْعِبَ أَحَدُ جَوَانِبِهِ، وَقِيلَ: مَا لَاحَ عَلَى بُعْدٍ.
وَالْحَاجَةُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ غَرَضٌ غَيْرُ الزِّينَةِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ بَعْضِهِمْ قَالَ شَيْخُنَا: مُرَادُهُمْ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى تِلْكَ الصُّورَةِ، لَا إلَى كَوْنِهَا مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، فَإِنَّ هَذِهِ ضَرُورَةٌ، وَهِيَ تُبِيحُ الْمُفْرَدَ1 وَقِيلَ: عَجْزُهُ مِنْ إنَاءٍ آخَرَ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
أَحَدُهُمَا2: تَحْرُمُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، قَالَ فِي الْمُقْنِعِ3: فَلَا بَأْسَ بِهَا إذَا لم يباشرها بالاستعمال.
وقال في "الخلاصة"4، و"الرعاية الصغرى"، و"الحاويين": ولا تباشر بِالِاسْتِعْمَالِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: حَرَامٌ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، انْتَهَى. وَلَعَلَّهُ أَرَادَ فِي الْمُقْنِعِ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ صَاحِبُ الْقَاضِي.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُكْرَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَخِصَالِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي5، وَالْكَافِي6، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ7، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ، وَحَمَلَ ابْنُ مُنَجَّى كَلَامَهُ فِي الْمُقْنِعِ7 عَلَى ذَلِكَ، وَقَدَّمَهُ في الرعاية الكبرى.
والوجه الثالث: يباح.
__________
1 "ب" و"س": "المنفرد".
2 في "ص" و"ط": "أحدهما".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/150.
4 ليست في "ص" و"ط".
5 1/150.
6 1/36-37.
7 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/153.(1/107)
وَاضْطِرَارُهُ إلَيْهِ، وَقِيلَ: عَجْزُهُ عَنْ ضَبَّةٍ غَيْرِهَا "م 4".
وَالْمُمَوَّهُ، وَالْمَطْلِيُّ، وَالْمُطَعَّمُ، وَالْمُكَفَّتُ1 وَنَحْوُهُ بِأَحَدِهِمَا كَالْمُصْمَتِ "هـ" وَقِيلَ: لَا، قَالَ أَحْمَدُ: لَا تُعْجِبُنِي الْحَلْقَةُ، وَعَنْهُ هِيَ مِنْ الْآنِيَةِ، وَعَنْهُ أَكْرَهُهَا، وَعِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ كَضَبَّةٍ.
وَثِيَابُ الْكُفَّارِ وأوانيهم مباحة إن جهل حالها "وهـ" وعنه: الكراهة "وم ش" وَعَنْهُ الْمَنْعُ2، وَعَنْهُ فِيمَا وَلِيَ عَوْرَاتِهِمْ، وَعَنْهُ الْمَنْعُ فِي الْكُلِّ مِمَّنْ تَحْرُمُ ذَبِيحَتُهُ؟ وكذا حكم ما صبغوه3، وآنية من لَابِسِ النَّجَاسَةِ كَثِيرًا4 وَثِيَابُهُ، وَقِيلَ لِأَحْمَدَ عَنْ صَبْغِ الْيَهُودِ بِالْبَوْلِ فَقَالَ: الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ فِي هَذَا سَوَاءٌ، وَلَا تَسْأَلْ عَنْ هَذَا، وَلَا تَبْحَثْ عَنْهُ، فَإِنْ عَلِمْت فَلَا تُصَلِّ فِيهِ حَتَّى تَغْسِلَهُ. وَاحْتَجَّ غَيْرُ وَاحِدٍ بِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ "نَهَانَا اللَّهُ عَنْ التَّعَمُّقِ وَالتَّكَلُّفِ"5، وَبِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ: "نُهِينَا عَنْ التَّكَلُّفِ وَالتَّعَمُّقِ" وَسَأَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ6: اللَّحْمُ يُشْتَرَى مِنْ الْقَصَّابِ؟ قَالَ: يُغْسَلُ. وقال شيخنا: بدعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
7 مَسْأَلَةٌ- 4: قَوْلُهُ وَالْحَاجَةُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ غَرَضٌ غَيْرُ الزِّينَةِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ بَعْضِهِمْ وَقِيلَ: عَجْزُهُ عَنْ إنَاءٍ آخَرَ، وَاضْطِرَارُهُ إلَيْهِ، وَقِيلَ عَجْزُهُ عَنْ ضَبَّةٍ غَيْرِهَا، انْتَهَى. الْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ، قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي8، وَالْكَافِي9،
__________
1 الكفت: أن يبرد الإناء حتى يصير فيه شبه المجاري في غاية الدقة، ويوضع فيها شريط دقيق من ذهب أو فضة، ويدق عليها حتى يلصق. "دقائق أولي النهى" 1/ 53.
2 بعدها في "س" و"ب" و"ط": و"عنه".
3 في الأصل "صنعوه".
4 بعدها في "ط": "وثيابه".
5 أورده ابن حجر في "الفتح" 13/271، من حديث ثابت بلفظ: نهينا عن التعمق والتكلف.
6 هو: أحمد بن محمد، الصائغ، ذكره أبو بكر الخلال، فقال: كان أبو عبد الله يأنس به، وكان يقدمه ويكرمه، وجود الرواية عن أبي عبد الله ولم تذكر مصادر الترجمة تاريخ وفاته. "طبقات الحنابلة" 1/74.
7 ليست في "ح".
8 1/150.
9 1/36-37.(1/108)
وَبَدَنُ الْكَافِرِ طَاهِرٌ، وَعِنْدَ جَمَاعَةٍ كَثِيَابِهِ، وَقِيلَ وَكَذَا طَعَامُهُ1 وَمَاؤُهُ.
وَلَا يَطْهُرُ جِلْدٌ نَجِسٌ بِمَوْتِهِ بِدَبْغِهِ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي يابس على الأصح، قيل بعد دبغه "وم" وقيل: وقبله "م 5" "وش" فَإِنْ جَازَ أُبِيحَ الدَّبْغُ، وَإِلَّا احْتَمَلَ التَّحْرِيمَ، وَاحْتَمَلَ الْإِبَاحَةَ، كَغَسْلِ نَجَاسَةٍ بِمَائِعٍ، وَمَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ وَإِنْ لَمْ يَطْهُرْ، كَذَا قَالَ الْقَاضِي، وَكَلَامُ غيره خلافه وهو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالشَّرْحِ2، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ احْتِمَالٌ لِصَاحِبِ النِّهَايَةِ، وَالْقَوْلُ الثاني ظاهر كلام جماعة.
مَسْأَلَةٌ -5: قَوْلُهُ: "وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ"، يَعْنِي الْجِلْدَ النَّجِسَ إذَا قُلْنَا لَا يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ "فِي يَابِسٍ عَلَى الْأَصَحِّ، قِيلَ بَعْدَ دَبْغِهِ وَقِيلَ وَقَبْلَهُ"، انْتَهَى.
أَحَدُهُمَا: لَا يُبَاحُ إلَّا بَعْدَ الدَّبْغِ لَا غَيْرُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالشَّرْحِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيّ، وَعَلَيْهِ شَرْحُ ابْنِ مُنَجَّى، وَابْنِ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَابْنِ عُبَيْدَانَ وَالْمُقْنِعِ3، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: لَا يُبَاحُ اسْتِعْمَالُهُ في
__________
1 بعدها في "س": "شرابه".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/153.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/164-165.(1/109)
أظهر "م 6" ويأتي آخِرَ بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ1. وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ أَخِيرًا طهارته "وهـ ش م ر" وَعَنْهُ مَأْكُولُ اللَّحْمِ، اخْتَارَهُمَا جَمَاعَةٌ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، لِعَدَمِ رَفْعِ المتواتر بالآحاد، وخالف شيخنا وغيره،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْيَابِسَاتِ، مَعَ الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَهُوَ أَظْهَرُ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُبَاحُ بَعْدَهُ وَقَبْلَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي2، وَالنَّظْمِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، لَكِنَّ تَدْلِيلَهُ3 يَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ، قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهَا فِي الْيَابِسَاتِ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، انْتَهَى فَخَالَفَ هُنَا مَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ وَقَدَّمَهُ فِي الرعاية الكبرى، وقال: على الأظهر.
مَسْأَلَةٌ- 6: قَوْلُهُ فَإِنْ جَازَ يَعْنِي الِاسْتِعْمَالَ أُبِيحَ الدَّبْغُ، وَإِلَّا احْتَمَلَ التَّحْرِيمَ، وَاحْتَمَلَ الْإِبَاحَةَ، كَغَسْلِ نَجَاسَةٍ بِمَائِعٍ وَمَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ، وَإِنْ لَمْ يَطْهُرْ، كَذَا قَالَ الْقَاضِي وَكَلَامُ غَيْرِهِ خِلَافُهُ، وَهُوَ أَظْهَرُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَيُبَاحُ فِعْلُ الدِّبَاغِ وَإِنْ لَمْ نَقُلْ أَنَّهُ4 مُطَهِّرٌ، إذَا قُلْنَا: يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْيَابِسِ، وَإِلَّا فَفِيهِ وَجْهَانِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَإِنْ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ فِي يَابِسٍ جَازَ دَبْغُهُ، وَإِنْ حُرِّمَ فَوَجْهَانِ، انْتَهَى، قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّحْرِيمِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ عَبَثٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَكَلَامُ غَيْرِهِ خِلَافُهُ، وَهُوَ أَظْهَرُ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ أَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ لَا يطهر بالدبغ: ونقل جماعة أخيرا
__________
1 ص 346.
2 1/92-93.
3 في ح: "تعليله".
4 ليست في "ص".(1/110)
وَيُؤَيِّدُهُ نَقْلُ الْجَمَاعَةِ لَا يَقْنُتُ فِي الْوِتْرِ إلَّا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَنَقَلَ خَطَّابُ بْنُ بَشِيرٍ1: كُنْت أَذْهَبُ إلَيْهِ ثُمَّ رَأَيْت السَّنَةَ كُلَّهَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْقَاضِي: وَعِنْدِي أَنَّ أَحْمَدَ رَجَعَ عَنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ خطاب بن بشر1.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
طَهَارَتَهُ وَعَنْهُ مَأْكُولُ اللَّحْمِ، اخْتَارَهُمَا جَمَاعَةٌ، انْتَهَى، قَدْ يُقَالُ: لَمْ يُقَدِّمْ الْمُصَنِّفُ حُكْمًا فِي هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَهُوَ مَا إذَا قُلْنَا يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ: هَلْ يَشْمَلُ كُلَّ مَا كَانَ طَاهِرًا في حال2 الْحَيَاةِ، أَوْ لَا يَطْهُرُ إلَّا مَا كَانَ مَأْكُولَ اللَّحْمِ؟ فَالْمُصَنِّفُ حَكَى رِوَايَتَيْنِ، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ حَكَى وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ3:
أَحَدُهُمَا4: يَطْهُرُ كُلُّ مَا كَانَ طَاهِرًا فِي حَالِ الْحَيَاةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتَيْهِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ، لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ5 لِابْتِدَائِهِ بِهَا.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَطْهُرُ إلا ما كان مأكولا في حال2 الْحَيَاةِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ "قُلْت" مِنْهُمْ المجد في شرحه، وابن عبد القوي في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ، وَجَزَمَ بِهِ في الفصول.
__________
1 في "ط": "بشير" وبشر هو: أبو عمر، خطاب بن بشر بن مطر، البغدادي، حدث عن عبد الصمد بن النعمان ومن بعده. "ت264هـ". "طبقات الحنابلة" 1/ 152.
2 في "ص" و"ط": "حالة".
3 في "ص": "وغيره".
4 في "ص" و"ط": "أحدهما".
5 في "ح": "الآخرتين".(1/111)
وَفِي اعْتِبَارِ غَسْلِهِ وَجَعْلِ تَشْمِيسِهِ دِبَاغًا وَجْهَانِ ويتوجهان في تتريبه، أو ريح "م 7 - 9"، وَلَا يَحْصُلُ بِنَجِسٍ. وَفِي الرِّعَايَةِ بَلَى1 وَيُغْسَلُ بعده "وهـ ش" وينتفع بما طهر "و" وقيل: ويأكل المأكول "وق" ويجوز بيعه، وعنه لا "وم" كَمَا لَوْ لَمْ يَطْهُرْ "و" أَوْ بَاعَ قبل الدبغ "و" نقله الجماعة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ -7 – 9: قَوْلُهُ: "وَفِي اعْتِبَارِ غَسْلِهِ وَجَعْلِ تَشْمِيسِهِ دِبَاغًا وَجْهَانِ، وَيَتَوَجَّهَانِ فِي تَتْرِيبِهِ، أَوْ رِيحٍ" انْتَهَى، شَمِلَ كَلَامُهُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى- 7: هَلْ يُعْتَبَرُ غَسْلُ الْمَدْبُوغِ بَعْدَ الدَّبْغِ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِ وَأَطْلَقَهُ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْكَافِي2، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ3، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ:
أَحَدُهُمَا: يُشْتَرَطُ غَسْلُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ، وَالْمَجْدُ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: يُشْتَرَطُ غَسْلُهُ فِي أَظْهَرْ الْوَجْهَيْنِ، قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: اشْتِرَاطُ الْغَسْلِ أَظْهَرُ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَحَوَاشِي الْمُصَنِّفِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَذَلِكَ يُخَرَّجُ عَلَى اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْأَثَرِ بعد الاستجمار بالأحجار، هل هو4 طَاهِرٌ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، انْتَهَى، قُلْت: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ غَيْرُ طَاهِرٍ، وَقَدَّمَهُ المصنف في باب إزالة النجاسة5 وغيره.
__________
1 في "س": "لا"، وفي هامشها: "بلى" نسخة.
2 1/42.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/174-175.
4 ليست في "ط".
5 ص 312.(1/112)
وَأَطْلَقَ فِيهِ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ نَجَاسَتِهِ، كَثَوْبٍ نَجِسٍ، فَيُتَوَجَّهُ مِنْهُ بَيْعُ نَجَاسَةٍ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا، وَلَا فَرْقَ وَلَا إجْمَاعَ كَمَا قِيلَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْمَالِكِيُّ1: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الزِّبْلِ، قَالَ اللَّخْمِيُّ2: هَذَا من قوله يدل على بيع العذرة. و3قال ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْعَذِرَةِ، لِأَنَّهُ مِنْ مَنَافِعِ النَّاسِ، وَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ أَوَّلَ الْبَيْعِ4، فعلى المنع يتوجه أنهما في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ – 8: هَلْ يَحْصُلُ الدِّبَاغُ بِتَشْمِيسِهِ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ فِيهِ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَحْصُل الدِّبَاغُ بِذَلِكَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَحَوَاشِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ5. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، لِاشْتِرَاطِهِمْ الدَّبْغَ، وَأَنْ يَكُونَ يَابِسًا6، وَلَمْ يَذْكُرُوا هَذَا مِنْهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَحْصُلُ الدَّبْغُ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ 7 الثَّالِثَةُ - 9: قَوْلُهُ: "وَيَتَوَجَّهَانِ فِي تَتْرِيبِهِ أَوْ رِيحٍ" قُلْت: قَدْ صَرَّحَ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ بِإِجْرَاءِ الْخِلَافِ فِي التَّتْرِيبِ، وَكَذَا صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ، وَهُوَ الصَّوَابُ فِيهِمَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ والله أعلم.
__________
1 هو أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم العتقي من أجل فقهاء المالكية عالم الديار المصرية ومفتيها "ت 191 هـ" السير "9/120".
2 أبو الحسن علي بن محمد الربعي المعروف باللخمي تلميذ الإمام مالك له تعليق كبير على المدونة سماه التبصير من مصنفاته: فضائل الشام "ت 478 هـ" ترتيب المدارك "4/797" الأعلام "4/328".
3 ليست في "ط".
4 "6/128".
5 ليست في "ح".
6 في "ح" "ناشئا".
7 في "ص" و"ط" الثانية".(1/113)
الْإِثْمِ سَوَاءٌ لِقَوْلِهِ1 عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الرِّبَا: "الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ" 2 وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَسْهَلُ، لِلْحَاجَةِ، كَرِوَايَةٍ فِي أَرْضِ الشَّامِ وَنَحْوِهَا، قَالَ أَشْهَبُ الْمَالِكِيُّ3 فِي شِرَاءِ الزِّبْلِ: الْمُشْتَرِي أَعْذَرُ فِيهِ مِنْ الْبَائِعِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: هُمَا سِيَّانِ فِي الْإِثْمِ لَمْ يَعْذُرْ اللَّهُ وَاحِدًا مِنْهُمَا.
وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ جِلْدِ آدَمِيٍّ "ع" قَالَ فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ: وَلَا يَطْهُرُ بِدَبْغِهِ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ، وَجَعَلَ الْمُصْرَانَ وترا دِبَاغٍ، وَكَذَا الْكِرْشُ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَيُتَوَجَّهُ لا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط": "لقوله".
2 أخرجه مسلم "1584" "82"، من حديث أبي سعيد الخدري.
3 هو: أبو عمرو، أشهب بن عبد العزيز بن داود، المصري الفقيه. قال أبو عمر بن عبد البر: كان فقيهاً حسن الرأي والنظر. "السير" 9/500.(1/114)
وفي الخرز بشعر خنزير روايات الجواز "وهـ م" والكراهة، والتحريم "م 10" "وش" وَيَجِبُ غَسْلُ مَا خَرِزَ بِهِ1 رَطْبًا لِتَنْجِيسِهِ، وعنه لا، لإفساد المغسول.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ -10: قَوْلُهُ: "وَفِي الْخَرْزِ بِشَعْرِ خِنْزِيرٍ رِوَايَاتٌ، الْجَوَازُ، وَالْكَرَاهَةُ، وَالتَّحْرِيمُ"، انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ عُبَيْدَانَ فِي شَرْحِهِ:
إحْدَاهَا: يَحْرُمُ، وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: يُكْرَهُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. قُلْت: وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ، وَأَطْلَقَ الْجَوَازَ وَالْكَرَاهَةَ فِي المغني2 والشرح3 وآداب المستوعب.
__________
1 ليست في الأصل.
2 1/109.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/184.(1/115)
وَفِي لُبْسِ جِلْدِ ثَعْلَبٍ وَافْتِرَاشِ جِلْدِ سَبُعٍ روايتان "م 11 - 12".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ -11 – 12: قَوْلُهُ: "وَفِي لُبْسِ جِلْدِ ثَعْلَبٍ وَافْتِرَاشِ جِلْدِ سَبُعٍ رِوَايَتَانِ"، انْتَهَى، شَمِلَ كَلَامُهُ مَسْأَلَتَيْنِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى -11: أَطْلَقَ فِي لُبْسِ جِلْدِ الثَّعْلَبِ رِوَايَتَيْنِ. وَاعْلَمْ: أَنَّ فِيهِ رِوَايَاتٌ:
إحْدَاهُنَّ: الْإِبَاحَةُ مُطْلَقًا، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَقَدَّمَهَا فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَأَمَّا الثَّعْلَبُ فَفِيهِ نِزَاعٌ، وَالْأَظْهَرُ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِيهِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: الْإِبَاحَةُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ نَصَّ عَلَيْهَا، وَقَدَّمَهَا فِي الْفَائِقِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: الْكَرَاهَةُ فِي الصَّلَاةِ دُونَ غَيْرِهَا.
وَالرِّوَايَةُ الرَّابِعَةُ: التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا، اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ نَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّلْخِيصِ وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي التَّلْخِيصِ وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْآدَابِ الْكُبْرَى وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ يُبَاحُ لُبْسُهُ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَفِي كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَجْهَانِ انْتَهَى.
وَقَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَابْنُ رَزِينٍ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ: الْخِلَافُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي حِلِّهَا، انْتَهَى وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ عَدَمُ الْحِلِّ فَيَكُونُ الْمَذْهَبُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ تَحْرِيمَ لُبْسِهِ عَلَى القول بأن الدبغ لا يطهر.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ – 12: أَطْلَقَ فِي افْتِرَاشِ جِلْدِ سَبُعٍ رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَحَكَاهُمَا وَجْهَيْنِ:
إحْدَاهُمَا: عَدَمُ الْجَوَازِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ، وَالشَّارِحُ1، وَابْنُ رَزِينٍ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: الْجَوَازُ اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَبَالَغَ حتى قال1 بِجَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِجُلُودِ الْكِلَابِ فِي الْيَابِسِ وَشَدِّ البنوق2 ونحوه، ولم يشترط دباغا.
__________
1 ليست في "ص" و"ط".
2 البنيقة، كسفينة: لبنة القميص. "اللسان": "بنق".(1/116)
ويجوز الانتفاع بالنجاسات في رواية1 "وهـ م ر" لَكِنْ2 كَرِهَهُ أَحْمَدُ، وَجَمَاعَةٌ، وَعَنْهُ: وشحم لميتة "وش" أَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ3، وَمَالَ إليه شيخنا، وعنه المنع "م 13" "وم ر" ويعتبر أن لا يَنْجُسَ، وَقِيلَ مَائِعًا4. وَصَرَّحَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِالرِّوَايَتَيْنِ فِي ثَوْبٍ نَجِسٍ، وَحَمَلَهُ صَاحِبُ النَّظْمِ عَلَى ظَاهِرِهِ لِكَوْنِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ قَرَنَهُ بِنَجَسِ الْعَيْنِ. واحتج بعضهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهٌ: قَدْ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ كَابْنِ حَمْدَانَ صَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ كَرَاهَةَ لُبْسِ وَافْتِرَاشِ جِلْدٍ مُخْتَلَفٍ فِي نَجَاسَتِهِ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَأَحْكَامِ اللِّبَاسِ5: وَيُكْرَهُ لبسه وافتراشه جلدا مختلفا في نجاسته، وقيل لَا، وَعَنْهُ يَحْرُمُ. وَفِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا إنْ طَهُرَ بِدَبْغِهِ لَبِسَهُ بَعْدَهُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، انْتَهَى. "فَمَسْأَلَةُ" الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا الْبَابِ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. "قُلْت" وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِالرِّوَايَتَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِالنَّجَاسَةِ وَبِالْخِلَافِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ بِالنَّظَرِ إلَى كَوْنِهِ مُخْتَلَفًا فِيهِ، لَا إلَى كَوْنِهِ نَجِسًا، فَعَلَى هَذَا يَنْتَفِي التَّكْرَارُ وَالِاعْتِرَاضُ، وَلَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى تَصْرِيحٍ بِالْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ خَارِجٍ، وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ حِكَايَةُ الْخِلَافِ فِي الصَّلَاةِ6، وَاَللَّهُ أعلم.
مسألة- 13: قوله: "وَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِالنَّجَاسَاتِ فِي رِوَايَةٍ، لَكِنْ كَرِهَهُ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ ... وَعَنْهُ الْمَنْعُ" انْتَهَى:
إحْدَاهُمَا: الْجَوَازُ قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، فَقَالَ: وَيَجُوزُ إيقَادُ السَّرْجَيْنِ النَّجِسِ، انْتَهَى، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْأَقْيَسِ، وَإِلَيْهِ ميل ابن عبيدان
__________
1 في "ب": "وهـ".
2 ليست في "ب".
3 هو: أبو يعقوب، إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج، المروزي، من تلاميذ الإمام أحمد الذين دونوا عنه المسائل في الفقه. "ت251هـ". "طبقات الحنابلة" 1/113، "المقصد الأرشد" 1/252.
4 تقديره: إن كان مائعاً.
5 2/81.
6 ليست في "ح".(1/117)
بِتَجْوِيزِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ الِانْتِفَاعَ بِالنَّجَاسَةِ لِعِمَارَةِ الْأَرْضِ لِلزَّرْعِ مَعَ الْمُلَابَسَةِ لِذَلِكَ عَادَةً. قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ: "إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى سُبَاطَةَ1 قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا" 2، قَالَ فِيهِ إنَّ الْإِنْسَانَ إذَا قَضَى حَاجَتَهُ أَوْ بَالَ فِي سُبَاطَةِ غَيْرِهِ يَجُوزُ، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ: أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ، وَمَا يُذْكَرُ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَهُمْ. كَذَا قَالَ، وَفِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التُّرَابَ الْمُلْقَى إذَا خَالَطَهُ زِبْلٌ أَوْ نَجَاسَةٌ لَمْ يَحْرُمْ اسْتِعْمَالُهُ3 تَحْتَ الشَّجَرِ وَالنَّخْلِ وَالْمَزَارِعِ وَسَأَلَهُ الْفَضْلُ4 عَنْ غَسْلِ الصَّائِغِ الْفِضَّةَ بِالْخَمْرِ، هَلْ يَجُوزُ؟ قَالَ: هَذَا غِشٌّ، لِأَنَّهَا تَبْيَضُّ بِهِ.
وَلَا يَطْهُرُ جِلْدٌ غَيْرُ مَأْكُولٍ وَلَوْ آدَمِيًّا، قُلْنَا: يَنْجُسُ بِمَوْتِهِ "و. ر" قَالَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ بِذَبْحِهِ "هـ" كَلَحْمِهِ "و" فَلَا يَجُوزُ ذَبْحُ الْحَيَوَانِ لِذَلِكَ "هـ" قَالَ شَيْخُنَا وَلَوْ فِي النَّزْعِ.
وَلَبَنُ الْمَيْتَةِ وَإِنْفَحَتهَا5 وَجِلْدَتُهَا نَجِسٌ، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ في الجلدة، وذكره فيها6 في الخلاف اتفاقا، وعنه طاهر مباح "وهـ"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَابْنِ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الشيخ تقي الدين. قلت: و7هو الصَّوَابُ، وَتَقَدَّمَ كَلَامُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ إيقَادُ النَّجِسِ أَشْبَهَ دُهْنَ الْمَيْتَةِ انتهى. "قلت" وهو ظاهر كلام جماعة.
__________
1 السباطة: الكناسة تطرح بأفنية البيوت. "القاموس": "سبط".
2 أخرجه البخاري "224"، ومسلم "273" "73"، من حديث أبي وائل.
3 في "س" و"ب": "استعمالها".
4 هو: أبو العباس القطان، الفضل بن زياد، البغدادي. ذكره أبو بكر الخلال، فقال: كان من المتقدمين عند أبي عبد الله، فوقع له منه مسائل كثيرة جياد. "طبقات الحنابلة" 1/251، "المنهج الأحمد" 2/148.
5 الإنفحة، بكسر الهمزة وفتح الفاء: كرش الحمل أو الجدي ما لم يأكل، فإذا أكل فهو كرش. "المطلع" ص 10.
6 ليست في "س" و"ط".
7 ليست في "ص" و"ط".(1/118)
وَصُوفُهَا وَشَعْرُهَا وَرِيشُهَا طَاهِرٌ مُبَاحٌ، نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ1: صُوفُ الْمَيْتَةِ: مَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَرِهَهُ، وَعَنْهُ نجس "وش" اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، قَالَ: لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ، وَكَذَا مِنْ حَيَوَانٍ حَيٍّ لَا يُؤْكَلُ، وَعَنْهُ مِنْ طَاهِرٍ طاهر2 وافق الشافعية عليه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ "وَصُوفُهَا وَشَعْرُهَا وَرِيشُهَا طَاهِرٌ مُبَاحٌ، وَعَنْهُ نَجِسٌ، وَكَذَا مِنْ حَيَوَانٍ حَيٍّ لَا يُؤْكَلُ، وَعَنْهُ مِنْ طَاهِرٍ طَاهِرٌ" انْتَهَى، فِي كلامه نظر من أوجه3:
أَحَدُهَا: أَنَّ كَلَامَهُ شَمِلَ الطَّاهِرَ وَالنَّجِسَ وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ شَعْرُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ قَطْعًا.
الثَّانِي: أَنَّ ظَاهِرَ مَا قَدَّمَهُ أَنَّ هَذِهِ الْأَجْزَاءَ المنفصلة من الحيوان النجس4 طَاهِرَةٌ، وَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا مِنْ الْحَيَوَانِ الطَّاهِرِ طَاهِرَةٌ وَمِنْ النَّجِسِ نَجِسَةٌ عَلَى مَا بَيَّنْتُهُ فِي الْإِنْصَافِ5، وَهُوَ الرِّوَايَةُ الْأَخِيرَةُ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ "كَجَزِّهِ إجْمَاعًا" أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَائِدٌ إلَى شَعْرِ الْحَيَوَانِ الطَّاهِرِ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْإِجْمَاعُ عائد إلى شعر الحيوان المأكول
__________
1 هو: عبد الملك بن عبد الحميد بن مهران، الفقيه، كان عالم الرقة ومفتيها في زمانه، صحب الإمام أحمد. له عنه مسائل جياد. "ت274هـ". "المقصد الأرشد" 2/142.
2 ليست في "ب" و"س" و"ط".
3 في "ص" و"ط": "وجوه".
4 في "ص" و"ط": "الذي لا يأكل".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/184.(1/119)
كجزه من مأكول1 "ع" وَكَشَعْرِ آدَمِيٍّ "ق" وَإِنْ لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ على الأصح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الرَّابِعُ: قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ "وَكَشَعَرِ آدَمِيٍّ" فِيهِ عُمُومٌ وَيُسْتَثْنَى مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ شَعْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "قُلْت" وَكَذَا شَعْرُ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلَمْ أَرَهُ والله أعلم.
__________
1 ليست في الأصل و"ب" و"ط".(1/120)
فِيهِمَا لِحُرْمَتِهِ، وَقِيلَ: يَنْجُسُ شَعْرُ هِرٍّ وَمَا دُونَهَا بِمَوْتِهِ لِزَوَالِ عِلَّةِ الطَّوْفِ1 بِهِ.
وَإِنْ لَمْ يَنْجُسْ شَعْرُ غَيْرِ آدَمِيٍّ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ، وَإِلَّا فَفِي اسْتِعْمَالِهِ فِي يَابِسٍ وَلُبْسِهِ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ رِوَايَتَانِ "م 14" وَاسْتَثْنَى جَمَاعَةٌ شَعْرَ كلب وخنزير وجلدهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ – 14: قَوْلُهُ: "وَإِنْ لَمْ يَنْجُسْ شَعْرُ غَيْرِ الْآدَمِيِّ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ وَإِلَّا فَفِي اسْتِعْمَالِهِ فِي يَابِسٍ وَلُبْسِهِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ رِوَايَتَانِ"، انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهَلْ يُبَاحُ ثَوْبٌ مِنْ شَعْرِ مَا لَا يُؤْكَلُ مَعَ نَجَاسَتِهِ غَيْرَ جِلْدِ كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَقِيلَ: هُمَا بِنَاءٌ عَلَى طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ، وَفِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ فِي يَابِسٍ أَوْ2 لُبْسِهِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ رِوَايَتَانِ، وَعَنْهُ هُوَ مُبَاحٌ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ نَجِسَ بِمَوْتِهِ، لَا مِنْ حَيَوَانٍ نَجِسٍ حَيًّا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الثَّوْبِ مِنْ شَعْرِ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَعَنْهُ هُوَ طَاهِرٌ مُبَاحٌ، وَعَنْهُ هُوَ نَجِسٌ، وَفِي اسْتِعْمَالِهِ فِي الْيَابِسِ، وَلُبْسِهِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ رِوَايَتَانِ، وَعَنْهُ مَا كَانَ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ فَمُبَاحٌ، وَمَا كَانَ مِنْ نَجِسٍ فَلَا، انْتَهَى، فَأَطْلَقَا الْخِلَافَ أَيْضًا كَالْمُصَنِّفِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ الْمَنْعُ قُلْت: الصَّوَابُ جَوَازُ اسْتِعْمَالِهِ فِي يَابِسٍ وَلُبْسِهِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ قِيَاسًا عَلَى اسْتِعْمَالِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ بَعْدَ الدَّبْغِ فِي الْيَابِسَاتِ إذَا قُلْنَا لَا يَطْهُرُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا قَبْلَ الدَّبْغِ عَلَى قَوْلٍ، وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ وَاسْتِعْمَالِ الْمُنْخُلِ مِنْ شَعْرٍ نَجِسٍ3 وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَابْنُ حَمْدَانَ وَلَكِنْ اخْتَارَ الْكَرَاهَةَ وغيرهم.
__________
1 يريد قوله صلى الله عليه وسلم في الهرة: "إنها ليست بنجس؛ إنها من الطوافين عليكم والطوافات". أخرجه أبو داود "75"، والترمذي "92"، والنسائي في "المجتبى" 1/55، من حديث أبي قتادة.
2 في "ص" و"ط": "و".
3 ليست في "ص" و"ط".(1/121)
وفي طهارة رطوبة أصله بغسله1، وذكر 2 شيخنا: وهو3 وَجْهَانِ "م 15" وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا بَأْسَ بِهِ إذَا غُسِلَ. وَكَذَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ4 عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَنَقَلَ أَبُو طالب ينتفع بصوفها5 إذَا غُسِلَ، قِيلَ: فَرِيشُ الطَّيْرِ؟ قَالَ: هَذَا أَبْعَدُ. وَحَرَّمَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ نَتْفَ ذَلِكَ مِنْ حي لإيلامه، وكرهه في النهاية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ- 15: قَوْلُهُ: "وَفِي طَهَارَةِ رُطُوبَةِ أَصْلِهِ بِغَسْلِهِ ... وَجْهَانِ"، انْتَهَى، وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْفُصُولِ، وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي6 وَالشَّرْحِ7 وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ:
وَأَحَدُهُمَا يَطْهُرُ، نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا غُسِلَ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ يُنْتَفَعُ بِصُوفِهِمَا إذَا غُسِلَ، قِيلَ: فَرِيشُ الطَّيْرِ؟ قَالَ: هَذَا أَبْعَدُ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَطْهُرُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَقَدَّمَهُ فِي الْكُبْرَى وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَطْهُرُ قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ وَحَرَّمَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ نَتْفَ صُوفٍ وَشَعْرٍ وَرِيشٍ مِنْ حَيٍّ لِإِيلَامِهِ وَكَرِهَهُ فِي النِّهَايَةِ، انْتَهَى، ظَاهِرُهُ إطْلَاقُ الْخِلَافِ، وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ إن حصل إيلام، و8 قطع به في الرعاية الكبرى.
__________
1 ليست في الأصل و"ط".
2 في "ط": "ذكره".
3 بعدها في "ط": "بغسله".
4 في سننه 1/46 بلفظ: "لا بأس بمسك الميتة إذا دبغ، ولا بأس بصوفها وشعرها وقرونها إذا غسل".
5 في "ط": "بصوفهما".
6 1/107.
7 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/181-182.
8 ليست في "ص" و"ط".(1/122)
وَعَظْمُهَا وَقَرْنُهَا وَظُفْرُهَا وَعَصَبُهَا نَجِسٌ، وَعَنْهُ طَاهِرٌ "وهـ" قَالَ بَعْضُهُمْ: فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، اخْتَارَهُ ابْنُ وَهْبٍ الْمَالِكِيُّ1، فَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَا حَيَاةَ فيه "وهـ" وَقِيلَ: وَهُوَ أَصَحُّ، لِانْتِفَاءِ سَبَبِ التَّجْنِيسِ، وَهِيَ الرُّطُوبَةُ، وَعَلَى نَجَاسَةِ ذَلِكَ لَا يُبَاعُ كَمَا سبق "وم" وَجَوَّزَ مُطَرِّفٌ2 وَابْنُ الْمَاجِشُونِ الْمَالِكِيَّانِ بَيْعَ أَنْيَابِ الْفِيلِ، وَأَجَازَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَأَصْبَغُ3 إذَا دُبِغَتْ بأن تغلى وتسلق.
وَإِنْ صَلُبَ قِشْرُ بَيْضَةِ دَجَاجَةٍ مَيِّتَةٍ فَبَاطِنُهَا طَاهِرٌ "م" وَإِلَّا فَوَجْهَانِ "م 16" وَلَا يَحْرُمُ بِسَلْقِهِ فِي نَجَاسَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ -16: قَوْلُهُ "وَإِنْ صَلُبَ قِشْرُ بَيْضَةِ دَجَاجَةٍ مَيِّتَةٍ فَبَاطِنُهَا طَاهِرٌ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ" انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي4 وَالشَّرْحِ5 وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ:
أَحَدُهُمَا: هِيَ نَجِسَةٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْن فِي فُرُوعِهِ وَغَيْرُهُ، قَالَ فِي الْفُصُولِ: قَالَهُ6 أَصْحَابُنَا وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي7 وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وابن رزين والفائق وغيرهم.
__________
1 هو: أبو محمد، عبد الله بن وهب بن مسلم الفهري، الحافظ. من مصنفاته: "الجامع"، "المناسك"، "المغازي"، وغيرها. "ت197هـ". "السير" 9/ 223.
2 هو: أبو مصعب، مطرف بن عبد الله بن مطرف بن سليمان بن يسار، اليساري الهلالي. قال القاضي أبو الوليد الباجي: مطرف الفقيه، صاحب مالك. "ت220هـ". "شجرة النور" ص /57.
3 هو: أبو عبد الله، أصبغ بن الفرج بن سعيد بن نافع، المصري المالكي، مفتي الديار المصرية وعالمها، حدث عنه البخاري، والترمذي، ويحيى بن معين، وغيرهم. "ت25هـ". "السير" 10/656.
4 1/101.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/177.
6 في "ص" و"ط": "قال".
7 1/44.(1/123)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هِيَ طَاهِرَةٌ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ وَإِلَيْهِ مَيْلُهُ فِي الْمُغْنِي1.
فَهَذِهِ سِتَّ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً قَدْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْنَا بِتَصْحِيحِهَا.
__________
1 1/101.(1/124)
باب الاستطابة
الأقوال في استقبال القبلة واستدبارها حال التخلي
...
بَابُ الِاسْتِطَابَةِ
قَالَ فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ: اسْتَطَابَ، وَأَطَابَ إذَا اسْتَنْجَى.
اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارُهَا حَالَ التَّخَلِّي: فِيهِ رِوَايَاتٌ، الثالثة جوازهما في بناء، اختاره الأكثر، "وم ش" الرَّابِعَةُ جَوَازُ الِاسْتِدْبَارِ فِيهِمَا، الْخَامِسَةُ جَوَازُهُ فِي بِنَاءٍ "م 1" وَيَكْفِي انْحِرَافُهُ عَنْ الْجِهَةِ، نقله أبو داود1، ومعناه في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ- 1: قَوْلُهُ: اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارُهَا حَالَ التَّخَلِّي فِيهِ رِوَايَاتٌ: الثَّالِثَةُ جَوَازُهُمَا فِي بِنَاءٍ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، الرَّابِعَةُ جَوَازُ الِاسْتِدْبَارِ فِيهِمَا، الْخَامِسَةُ جَوَازُهُ فِي بِنَاءٍ انْتَهَى.
إحْدَاهُنَّ: جَوَازُ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ فِي الْبُنَيَّانِ دُونَ الْفَضَاءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا الْمَنْصُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، انْتَهَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ وَالْعُمْدَةِ وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ وَالْمُنَوِّرِ وَالتَّسْهِيلِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا تَفْصِيلُ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي2 وَالشَّارِحُ3 وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ.
الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَحْرُمُ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ فِي الْفَضَاءِ وَالْبُنْيَانِ جَزَمَ فِي الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِبُ الْهَدْيِ وَالْفَائِقِ وَابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: يَجُوزُ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ فِيهِمَا. قُلْت: وَهِيَ بَعِيدَةٌ جِدًّا وإدخال
__________
1 هو: سليمان بن الأشعث السجستاني، صاحب "السنن". "ت275هـ". "مختصر طبقات الحنابلة" ص 118.
2 1/220.
3 في المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/ 203.(1/125)
الخلاف وفي جامعه الكبير، احتج لوجوب توجه المصلي إلى العين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْمُصَنِّفِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ وَرَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ1 لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الْبُنْيَانِ أَوْ مُسْتَتِرًا بِشَيْءٍ فَلَا يُقَاوِمُ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ2.
وَالرِّوَايَةُ الرَّابِعَةُ: يَجُوزُ الِاسْتِدْبَارُ فِي الْفَضَاءِ وَالْبُنْيَانِ3، وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِقْبَالُ فِيهِمَا.
وَالرِّوَايَةُ الْخَامِسَةُ: يَجُوزُ الِاسْتِدْبَارُ فِي الْبُنْيَانِ فَقَطْ، وَحَكَاهَا ابْنُ الْبَنَّا فِي كَامِلِهِ وَجْهًا وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ فِي الْمُقْنِعِ4 وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ، وَيَجُوزُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ إذَا كَانَ رِيحٌ فِي غَيْرِ جِهَتِهَا، انْتَهَى.
قُلْت: مَتَى حَصَلَ ضَرَرٌ بِعَدَمِ اسْتِقْبَالِهَا سَاغَ اسْتِقْبَالُهَا، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ وَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ: يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِي الصَّحَارَى وَلَا يُمْنَعُ فِي الْبُنْيَانِ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ: لَا يَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَلَا اسْتِدْبَارُهَا فِي الْفَضَاءِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْبُنْيَانِ جَازَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْأُخْرَى لَا يَجُوزُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. وَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ: يَحْرُمُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ إذَا كَانَ فِي الْفَضَاءِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَفِي الِاسْتِدْبَارِ رِوَايَتَانِ، 3 فَإِنْ كَانَ فِي الْبُنْيَانِ فَفِي جَوَازِ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ رِوَايَتَانِ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، وَفِي الِاسْتِدْبَارِ رِوَايَتَانِ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْبُنْيَانِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَالَ فِي الْمُقْنِعِ4: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فِي الْفَضَاءِ وَفِي اسْتِدْبَارِهَا فِيهِ وَاسْتِقْبَالِهَا فِي الْبُنْيَانِ رِوَايَتَانِ، انْتَهَى، فَتَلَخَّصَ فِي الْمَسْأَلَةِ طُرُقٌ.
__________
1 هو: ما أخرجه ابن ماجة "324"، عن عائشة قالت: ذكر عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوم يكرهون أن يستقبلوا بفروجهم القبلة، فقال: "أراهم قد فعلوا، استقبلوا بمقعدي القبلة".
2 أخرج البخاري "144"، ومسلم "264" "59" عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا أتى أحدكم الغائط، فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره، شرقوا أو غربوا".
3 ليست في "ح".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/203-204.(1/126)
بِأَنَّ التَّوَجُّهَ ثَبَتَ لِلْكَعْبَةِ لِلتَّعْظِيمِ، فَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُوَاجَهَةُ، وَالْغَيْبَةُ، كَالْمَنْعِ مِنْ الِاسْتِقْبَالِ بِالْبَوْلِ. قَالَ: وَمَنْ ذَهَبَ إلَى تَوَجُّهِ الْمُصَلِّي إلَى الْجِهَةِ يَقُولُ: الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ بِالْبَوْلِ يَحْصُلُ إلَى الْجِهَةِ فِي حَالِ الْغَيْبَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَحَفِيدِهِ1: لَا يَكْفِي.
وَيَكْفِي الِاسْتِتَارُ فِي الْأَشْهَرِ بِدَابَّةٍ، وَجِدَارٍ، وَجَبَلٍ وَنَحْوِهِ، وَفِي إرْخَاءِ ذَيْلِهِ وَيُتَوَجَّهُ وَجْهَانِ "م 2" وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يُعْتَبَرُ قربه مِنْهَا كَمَا لَوْ كَانَ فِي بَيْتٍ، وَيُتَوَجَّهُ وجه:2 كَسُتْرَةِ صَلَاةٍ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ نَحْوُ آخِرَةِ الرَّجُلِ، لِتَسَتُّرِ أَسَافِلِهِ.
وَيُكْرَهُ اسْتِقْبَالُهَا فِي فَضَاءٍ باستنجاء واستقبال الشمس، والقمر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ- 2: قَوْلُهُ: "وَيَكْفِي الِاسْتِتَارُ فِي الْأَشْهَرِ بِدَابَّةٍ وَجِدَارٍ وَجَبَلٍ وَنَحْوِهِ وَفِي إرْخَاءِ ذَيْلِهِ يَتَوَجَّهُ وَجْهَانِ" انْتَهَى. قُلْت: الصَّوَابُ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ حَيْثُ أمن التنجيس وهو موجود في تعليلهم.
__________
1 يعني: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
2 ليست في "ط".(1/127)
كَالرِّيحِ، وَقِيلَ: لَا كَبَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي ظَاهِرِ نَقْلِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ1، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا في الخلاف، وحمل النهي حين كان قبلة، وَلَا يُسَمَّى بَعْدَ النَّسْخِ قِبْلَةً، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي النَّسْخِ بَقَاءَ حُرْمَتِهِ، وَظَاهِرُ نَقْلِ حنبل2 فيه يكره "وش" وَعِنْدَ أَبِي الْفَرَجِ: حُكْمُ شَمْسٍ وَقَمَرٍ كَالْقِبْلَةِ، وَهُوَ سَهْوٌ.
وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ رِجْلِهِ الْيُسْرَى دَاخِلًا، وَقَوْلُ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ، رَوَى الْبُخَارِيُّ3 إذَا أَرَادَ دُخُولَهُ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ4: "أَعُوذ بِاَللَّهِ". وَفِي كَلَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ أَعُوذُ بِاَللَّهِ، وَالْأَمْرُ بِهِ.
وَيُكْرَهُ دُخُولُهُ بِمَا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى بِلَا حَاجَةٍ، وَعَنْهُ لَا. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ تَرْكُهُ أَوْلَى وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِتَحْرِيمِهِ، كَمُصْحَفٍ، وَيُجْعَلُ فَصُّ خَاتَمٍ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فِي بَاطِنِ كَفِّهِ وَلَا بَأْسَ بِدَرَاهِمَ وَنَحْوِهَا، نَصَّ عليهما، ويتوجه في حرز مثلها، وقال صاحب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهَانِ:
أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ: "وَيُكْرَهُ ... اسْتِقْبَالُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ كَالرِّيحِ وَقِيلَ لَا كَبَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي ظَاهِرِ نَقْلِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا في الخلاف وحمل النهي حين كان قبلة، وَلَا يُسَمَّى بَعْدَ النَّسْخِ قِبْلَةً، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي النَّسْخِ بَقَاءَ حُرْمَتِهِ، وَظَاهِرُ نَقْلِ حَنْبَلٍ فِيهِ يُكْرَهُ" انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوَجُّهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ إطْلَاقُ الْخِلَافِ قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ، كَمَا قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ.
الثَّانِي: قَوْلُهُ: "وَلَا بَأْسَ بِدَرَاهِمَ وَنَحْوِهَا نَصَّ عَلَيْهِمَا" انْتَهَى، فَجَزَمَ بِأَنَّهُ لا
__________
1 هو: إبراهيم بن الحارث بن مصعب، من أهل طرسوس. من كبار أصحاب الإمام أحمد. "ت265هـ" "طبقات الحنابلة" 1/94، "المقصد الأرشد" 1/221.
2 هو: "أبو علي، حنبل بن إسحاق بن حنبل، ابن عم الإمام أحمد. له عنه مسائل جيدة. "ت273هـ" "طبقات الحنابلة" 1/ 143، "المقصد الأرشد" 1/ 365، العبر 2/51.
3 في صحيحه "142"، من حديث أنس.
4 في صحيحه "375".(1/128)
النَّظْمِ: وَأَوْلَى.
وَيَنْتَعِلُ، وَيَعْتَمِدُ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى، وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَلَوْ رَدُّ سَلَامٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَكَلَّمَ، وَكَرِهَهُ الْأَصْحَابُ، وَإِنْ عَطَسَ حَمِدَ بِقَلْبِهِ، وَعَنْهُ وَبِلَفْظِهِ، وَكَذَا إجَابَةُ الْمُؤَذِّنِ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ صَاحِبُ النَّظْمِ بِتَحْرِيمِ الْقِرَاءَةِ فِي الْحُشِّ وَسَطْحِهِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ عَلَى حَاجَتِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ تُكْرَهُ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ الْحَمَّامِ لِمَظِنَّةِ نَجَاسَتِهِ، وَكَرَاهَةِ ذِكْرِ اللَّهِ فِيهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَفِي الْغُنْيَةِ1 لَا يَتَكَلَّمُ، وَلَا يَذْكُرُ اللَّهَ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى التَّسْمِيَةِ وَالتَّعَوُّذِ.
وَلُبْثُهُ فَوْقَ حَاجَتِهِ مُضِرٌّ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ، وَهُوَ كَشْفٌ لِعَوْرَتِهِ خَلْوَةً بِلَا حَاجَةٍ، وفي تحريمه وكراهته روايتان "م 3" وَاخْتَارَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ الْكَرَاهَةَ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ التَّحْرِيمَ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ سَتْرِهَا عَنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَيَأْتِي فِي أَحْكَامِ الجن في آخر صلاة الجماعة2، ومعناه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
بَأْسَ بِذَلِكَ فِي الْخَلَاءِ وَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ كَرَاهَةِ دُخُولِ الْخَلَاءِ بِمَا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تعالى بلا حاجة، وَقَدْ جَزَمَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ "قُلْت" ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ حَمْلَ الدَّرَاهِمِ وَنَحْوِهَا فِي الْخَلَاءِ كَغَيْرِهَا فِي الْكَرَاهَةِ، ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ رَجَبٍ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْخَوَاتِمِ أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَى كَرَاهَةِ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ هَانِئٍ، فَقَالَ فِي الدَّرَاهِمِ: إذَا كَانَ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ أَوْ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] يُكْرَهُ أَنْ يُدْخَلَ اسْمُ اللَّهِ الْخَلَاءَ، انْتَهَى.
مَسْأَلَةٌ- 3: قَوْلُهُ: "وَلُبْثُهُ فَوْقَ حَاجَتِهِ مُضِرٌّ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ وَهُوَ كَشْفٌ لِعَوْرَتِهِ خَلْوَةً بِلَا حَاجَةٍ، وَفِي تَحْرِيمِهِ وكراهته روايتان" انتهى، وأطلقهما ابن تميم:
__________
1 1/146.
2 2/468.(1/129)
فِي الرِّعَايَةِ، وَيُوَافِقُهُ كَلَامُ صَاحِبِ الْمُجَرَّدِ فِي ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ، فَإِنَّهُ احْتَجَّ لِلتَّحْرِيمِ بِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ1 عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: "إيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّي، فإن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
إحْدَاهُمَا: يَحْرُمُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، فَقَالَ: وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عبيدان وابن عبد القوي في مجمع البحرين، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَقَدَّمَ فِي النَّظْمِ أَنَّهُ غَيْرُ مُحَرَّمٍ، وَعَنْهُ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي النُّكَتِ وَهُوَ وَجْهٌ ذَكَرَهُ أَبُو المعالي وصاحب الرعاية.
تَنْبِيهَانِ:
الْأَوَّلُ: عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ أَوْ الْكَرَاهَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي ظُلَّةٍ2 أَوْ حَمَّامٍ، أَوْ بِحَضْرَةِ مَلَكٍ، أَوْ جِنِّيٍّ، أَوْ حَيَوَانٍ يَهِيمُ أَوْ لَا، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: هِيَ مَسْأَلَةُ سَتْرِهَا عَنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي.
الثَّانِي: فِي لُبْثِهِ فَوْقَ حَاجَتِهِ رِوَايَتَانِ:
إحْدَاهُمَا الْكَرَاهَةُ لَا غَيْرُ جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَالْكَافِي3 وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَحَوَاشِي الْمُصَنَّفِ عَلَى الْمُقْنِعِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: التَّحْرِيمُ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ. إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ غَيْرُ تِلْكَ، لِقَطْعِهِمْ هنا بالكراهة،
__________
1 في سننه "2800".
2 في "ح": "ظلمة".
3 1/113.(1/130)
مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ إلَّا عِنْدَ الْغَائِطِ وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إلَى أَهْلِهِ، فَاسْتَحْيُوهُمْ، وَأَكْرِمُوهُمْ". وَكَذَا رَفْعُ ثَوْبِهِ قَبْلَ دُنُوِّهِ مِنْ الْأَرْضِ "م 4" بِلَا حَاجَةٍ. وَحَيْثُ لَمْ يَحْرُمْ "ش" كره، وَفِي كَلَامِ ابْنِ تَمِيمٍ جَازَ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ، كَذَا قَالَ.
وَيُكْرَهُ بَوْلُهُ فِي شِقٍّ وَسِرْبٍ1 وَمَاءٍ رَاكِدٍ وَقَلِيلٍ جَارٍ فِي الْمَنْصُوصِ، وَفِي إنَاءٍ بِلَا حَاجَةٍ، وَمُسْتَحَمٍّ غَيْرِ مُبَلَّطٍ، وَعَنْهُ وَمُبَلَّطٍ، وَفِي مُقَيَّرٍ رِوَايَتَانِ "م 5" وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ وَنَارٍ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ وَقَزَعٍ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الْمُتَجَرِّدُ مِنْ النَّبْتِ بَيْنَ بَقَايَا مِنْهُ. وَفِي الرعاية ورماد، وفي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَذِكْرِهِمْ الْخِلَافَ هُنَاكَ فِي التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ، فَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى عِنْدَ هَؤُلَاءِ هِيَ كَشْفُ الْعَوْرَةِ فِي خَلْوَةٍ بِلَا حَاجَةٍ. وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ زِيَادَةُ لُبْثِهِ فَوْقَ حَاجَتِهِ، وَالْفَرْقُ قَدْ يُتَّجَهُ بِأَنْ يُقَالَ زِيَادَةُ لُبْثِهِ فِي الْخَلَاءِ تَبَعٌ لِمُبَاحٍ، بِخِلَافِ فِعْلِ ذَلِكَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، لِأَنَّهُ قَدْ يَثْبُتُ تَبَعًا مَا لَا يَثْبُتُ اسْتِقْلَالًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَسْأَلَةٌ -4: قَوْلُهُ: "وَكَذَا رَفْعُ ثَوْبِهِ قَبْلَ دُنُوِّهِ مِنْ الْأَرْضِ" يَعْنِي هَلْ يُحَرَّمُ أَمْ يُكْرَهُ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ:
إحْدَاهُمَا: يُكْرَهُ، وهو الصحيح، جزم به في الفصول، وَالْمُغْنِي2 وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَشَرْحِ الْعُمْدَةِ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَحْرُمُ.
مَسْأَلَةٌ -5: قَوْلُهُ: "وَيُكْرَهُ بَوْلُهُ فِي شِقٍّ" وَكَذَا وَكَذَا ثُمَّ قَالَ: "في مقير روايتان".
__________
1 السرب، بفتحتين: البيت في الأرض لا منفذ له وهو الوكر. "المصباح": "سرب".
2 1/224.(1/131)
تَحْرِيمِهِ فِي طَرِيقٍ مَأْتِيٍّ، وَمَوْرِدِ مَاءٍ، وَظِلٍّ نافع، وتحت شجرة مثمرة، وتغوطه في1 جار وَجْهَانِ "م 6 - 10"، وَأَطْلَقَ أَحْمَدُ النَّهْيَ عَنْ بَوْلِهِ في راكد، وأطلق الآمدي البغدادي تحريمه فيه. وفي النهاية1: يكره تغوطه فيه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
انْتَهَى، وَهُوَ عَمَلَ الْمُقَيَّرَ مَكَانَ الْبَلَاطِ فِي الْمُسْتَحَمِّ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ.
إحْدَاهُمَا: لَا يُكْرَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ جَزَمَ بِهِ فِي المجد في شرحه وابن عبد القوي في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ قَالَ فِي المغني2 والشرح3 وغيرهما وَلَا يَبُولُ فِي مُغْتَسَلِهِ وَأَطْلَقُوا.
مَسْأَلَةٌ -6 – 10: قَوْلُهُ: "وَفِي تَحْرِيمِهِ فِي طَرِيقٍ مَأْتِيٍّ وَمَوْرِدِ مَاءٍ وظل نافع وتحت شجرة مثمرة وتغوطه في جَارٍ وَجْهَانِ" انْتَهَى، اشْتَمَلَ كَلَامُهُ عَلَى مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى- 6: هَلْ يَحْرُمُ الْبَوْلُ فِي طَرِيقٍ مَأْتِيٍّ أَمْ يُكْرَهُ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ:
أَحَدُهُمَا: يُكْرَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْكَافِي4 وَالشَّرْحِ5 وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُقْنِعِ5 وَغَيْرِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَحْرُمُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي6 وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ.
قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَقَوَاعِدُ المذهب تقتضيه.
__________
1 ليست في الأصل.
2 1/226.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/199.
4 1/112.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/197.
6 1/224.(1/132)
وَيَحْرُمُ عَلَى مَا نُهِيَ عَنْ الِاسْتِجْمَارِ بِهِ لحرمته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ – 7: هَلْ يَحْرُمُ الْبَوْلُ فِي مَوْرِدِ الْمَاءِ أَمْ يُكْرَهُ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ:
أَحَدُهُمَا: يُكْرَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي1 وَالشَّرْحِ2 وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَحْرُمُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي3 وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ. قُلْت: هِيَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ- 8: هَلْ يَحْرُمُ الْبَوْلُ فِي الظِّلِّ النَّافِعِ، أَمْ يُكْرَهُ؟ أطلق الخلاف.
أحدهما: يكره، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْكَافِي1 وَالشَّرْحِ4 وَغَيْرِهِمْ. وَفِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ فِي الْمُقْنِعِ4 وَغَيْرِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَحْرُمُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي5 وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ- 9: هَلْ يَحْرُمُ الْبَوْلُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ الْمُثْمِرَةِ أَمْ يُكْرَهُ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ:
__________
1 1/112.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/198.
3 1/224.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/197.
5 1/225.(1/133)
وَفِي النِّهَايَةِ يُكْرَهُ عَلَى الطَّعَامِ كَعَلَفِ دَابَّةٍ، وَهُوَ سَهْوٌ.
وَيُقَدِّمُ الْيُمْنَى خَارِجًا، وَيَقُولُ: غُفْرَانَك، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي1.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
أَحَدُهُمَا: يُكْرَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْكَافِي1 وَالشَّرْحِ 2 وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَحْرُمُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي3 وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ.
قُلْت: التَّحْرِيمُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ قَوِيٌّ. وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: إنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ لَهُ كُرِهَ، وَإِنْ كانت لغيره حرم، انتهى.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ -10: هَلْ يَحْرُمُ تَغَوُّطُهُ فِي الْمَاءِ الْجَارِي أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ:
أَحَدُهُمَا: يَحْرُمُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي4 وَالشَّرْحِ3، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْرُمُ بَلْ يُكْرَهُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ وَابْنُ تَمِيمٍ فِي مُخْتَصَرِهِ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِمْ، وَنَصَرَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَلَا يَتَغَوَّطُ فِي مَاءٍ جَارٍ "قُلْت" إنْ نَجِسَ بِهِ انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ إنْ كَانَ الْمَاءُ يَسِيرًا وَعَلَيْهِ مُتَوَضِّئٌ حُرِّمَ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا، وَكُلُّ جَرِيَّةٍ مِنْهُ لَا تَتَغَيَّرُ بِبَوْلِهِ لَمْ يَحْرُمْ، انتهى.
__________
1 قوله صلى الله عليه وسلم: "غفرانك"، أخرجه داود "30"، والترمذي من حديث عائشة: وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله الذي ... " الحديث، فقد أخرجه ابن ماجه "301" من حديث أنس.
2 1/112.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/197-199.
4 1/225.(1/134)
وَلَا يُكْرَهُ الْبَوْلُ قَائِمًا "وم" بِلَا حَاجَةٍ إنْ أَمِنَ تَلَوُّثًا وَنَاظِرًا، وَعَنْهُ يُكْرَهُ. وَفِي النَّصِيحَةِ لِلْآجُرِّيِّ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ، وَقَدْ عَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ مِنْ الْأَدَبِ فِي ذَلِكَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ عِلْمُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ.
وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَبُولُ وَلَا يَقُولُ أُرِيقُ الْمَاءَ. وَفِي الْفُصُولِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ. وَفِي النَّهْيِ خَبَرٌ ضَعِيفٌ1، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ 2 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي إسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ: "أَنَّ عَلِيًّا قَالَ لَهُ: إنْ رَأَيْت شَيْئًا أَخَافُ عَلَيْك، قُمْت كَأَنِّي أُرِيقُ الْمَاءَ". قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ، وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ أَنَّهُ نَهَى عَنْهُ قَالَ: وَكِلَاهُمَا لَهُ مَعْنًى.
وَيَبْعُدُ فِي الْفَضَاءِ؛ وَيَسْتَتِرُ، وَيَقْصِدُ مكانا رخوا، وفي التبصرة علوا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرج ابن عدي في "الكامل" 7/19، من رواية نعيم بن حماد بسند إلى أبي هريرة رفعه. "لاتقل: أهريق الماء، ولكن قل: أبول". واستنكر رفعه. وضعفه الحافظ عبد الحق في "الأحكام الوسطى" 1/132، وقد صح عند مسلم "1280"، أن أسامة قال: أفاض رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عرفات، فما انتهى إلى الشعب، نزل فبال. قال النووي في "شرح مسلم" 5/41: فيه استعمال صرائح الألفاظ التي تستبشع.
2 البخاري "3861"، مسلم "2474".(1/135)
فَصْلٌ: فَإِذَا فَرَغَ مَسَحَ بِيَسَارِهِ ذَكَرَهُ مِنْ أصله،
وهو الدرز1؛ أَيْ مِنْ حَلْقَةِ الدُّبُرِ إلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ يَنْتُرُهُ ثَلَاثًا، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ كُلُّهُ، ثَلَاثًا، وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ وَيَتَنَحْنَحُ، زَادَ بَعْضُهُمْ وَيَمْشِي خُطُوَاتٍ، وَعَنْ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَحْوُ ذَلِكَ. وَقَالَ شَيْخُنَا: ذَلِكَ كُلُّهُ بِدْعَةٌ، وَلَا يَجِبُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ قَوْلًا يُكْرَهُ نَحْنَحَةٌ وَمَشْيٌ وَلَوْ احْتَاجَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ وَسْوَاسٌ. وَقَالَ الشَّيْخُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْكُثَ بَعْدَ بَوْلِهِ قَلِيلًا، وَيُكْرَهُ بَصْقُهُ عَلَى بَوْلِهِ لِلْوَسْوَاسِ.
ثُمَّ يَتَحَوَّلُ لِلِاسْتِنْجَاءِ مَعَ خَوْفِ التَّلَوُّثِ وَهُوَ وَاجِبٌ "م ر" وَلَوْ لَمْ يَزِدْ عَلَى دِرْهَمٍ "هـ" لِكُلِّ خَارِجٍ، وَقِيلَ نَجِسٌ مُلَوِّثٌ وَهُوَ أَظْهَرُ "وش" لَا مِنْ رِيحٍ "و" قَالَ فِي الْمُبْهِجِ لِأَنَّهَا عَرَضٌ بِإِجْمَاعِ الْأُصُولِيِّينَ، كَذَا قَالَ. وَفِي الِانْتِصَارِ مَنَعَ الشَّرْعُ مِنْهُ2، وَهِيَ طَاهِرَةٌ. وَفِي النِّهَايَةِ نَجِسَةٌ، فَتُنَجِّسُ مَاءً يَسِيرًا، وَالْمُرَادُ عَلَى الْمَذْهَبِ، أَوْ إنْ تَغَيَّرَ بِهَا. وَفِي الِانْتِصَارِ طَاهِرَةٌ لَا يَنْتَقِضُ3 الْوُضُوءُ بِنَفْسِهَا، بَلْ بِمَا يَتْبَعُهَا مِنْ النَّجَاسَةِ فَتُنَجِّسُ مَاءً يَسِيرًا.
وَيُعْفَى عَنْ خَلْعِ السَّرَاوِيلِ لِلْمَشَقَّةِ، كَذَا قَالَ4، وَقِيلَ: لا استنجاء من نوم وريح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا اسْتِنْجَاءَ مِنْ نَوْمٍ وريح، انتهى، قال شيخنا في
__________
1 في "ط": "الدبر".
2 روي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "من استنجى من ريح فليس منا". ابن عدي في "الكامل" "4/1352. ط. دار الفكر".
3 في النسخ الخطية: "ينتقض"، والمثبت من "ط".
4 يعني: أبا الخطاب الكلوذاني في "الانتصار" 1/350.(1/136)
وَأَنَّ أَصْحَابَنَا بِالشَّامِ قَالَتْ: الْفَرْجُ تُرْمَصُ1 كَمَا تُرْمَصُ2 الْعَيْنُ، وَأَوْجَبَتْ غَسْلَهُ، ذَكَرَهُ أَبُو الْوَقْتِ الدِّينَوَرِيُّ، ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ.
وَيَبْدَأُ رَجُلٌ وَبِكْرٌ بِقُبُلٍ: وَقِيلَ: بِالتَّخْيِيرِ كَثَيِّبٍ، وَقِيلَ فِيهَا يُبْدَأُ بِالدُّبُرِ، وَيُبْدَأُ بِالْحَجَرِ، فَإِنْ بَدَأَ بِالْمَاءِ فَقَالَ أَحْمَدُ يُكْرَهُ. وَيُجْزِئُهُ أَحَدُهُمَا وَجَمْعُهُمَا أَوْلَى "و" وَالْمَاءُ أَفْضَلُ، وَعَنْهُ الْحَجَرُ، فَإِنْ تَعَدَّى الْخَارِجُ مَوْضِعَ الْعَادَةِ وَجَبَ الْمَاءُ كَتَنْجِيسِهِ بِغَيْرِ الْخَارِجِ، وَقِيلَ: عَلَى الرَّجُلِ، وَنَصُّ أَحْمَدَ لَا يَسْتَجْمِرُ فِي غَيْرِ الْمَخْرَجِ، وَقِيلَ: يَسْتَجْمِرُ فِي الصَّفْحَتَيْنِ والحشفة "وش" وَاخْتَارَ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ ذَلِكَ، لِلْعُمُومِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يَمْنَعُ الْقِيَامُ الِاسْتِجْمَارَ مَا لَمْ يَتَعَدَّ الخارج "ش".
ولا يجب الْمَاءُ لِغَيْرِ الْمُتَعَدِّي نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ بَلَى، وَيُتَوَجَّهُ مَعَ اتِّصَالِهِ، وَلَا لِلنَّادِرِ "م".
وَيَجِبُ ثَلَاثُ مَسَحَاتٍ "هـ م" مَعَ الْإِنْقَاءِ "و" فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا اُسْتُحِبَّ الْقَطْعُ عَلَى وِتْرٍ. وَالْإِنْقَاءُ بِالْحَجَرِ بَقَاءُ أَثَرٍ لَا يُزِيلُهُ إلَّا الماء، وقال الشيخ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
حَوَاشِيهِ كَذَا فِي النُّسَخِ، وَلَعَلَّهُ وَقِيلَ بِالِاسْتِنْجَاءِ مِنْ نَوْمٍ وَرِيحٍ، أَوْ وَقِيلَ يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْ نَوْمٍ وَرِيحٍ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقَدْ قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَا يَجِبُ مِنْ نَوْمٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَأَوْجَبَهُ حَنَابِلَةُ الشَّامِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الصيرفي، انتهى.
__________
1 في الأصل: "رمض".
2 ص 229.(1/137)
خُرُوجُ الْحَجَرِ الْأَخِيرِ لَا أَثَرَ بِهِ إلَّا يَسِيرًا، وَلَوْ بَقِيَ مَا يَزُولُ بِالْخِرَقِ أَوْ الْخَزَفِ لَا بِالْحَجَرِ؛ أُزِيلَ عَلَى ظَاهِرِ الْأَوَّلِ، لَا الثَّانِي، وَالْإِنْقَاءُ بِالْمَاءِ خُشُونَةُ الْمَحَلِّ كَمَا كَانَ، وَاكْتَفَى فِي الْمَذْهَبِ بِالظَّنِّ، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ. وَفِي النِّهَايَةِ بِالْعِلْمِ، وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُ طَهَارَةُ الْحَدَثِ. وَذَكَرَ أَبُو الْبَرَكَاتِ وَغَيْرُهُ يَكْفِي، لِخَبَرِ عَائِشَةَ: "حَتَّى إذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ" 1 وَيَأْتِي فِي الشَّكِّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ2. وَفِي تَعْمِيمِ الْمَحَلِّ بِكُلِّ مَسْحَةٍ رِوَايَتَانِ "م 11"، وَفِي وُجُوبِ غَسْلِ مَا أَمْكَنَ مِنْ دَاخِلِ فرج ثيب في نجاسة وجنابة وجهان،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ -11: قَوْلُهُ: "وَفِي تَعْمِيمِ الْمَحِلِّ بِكُلِّ مَسْحَةٍ رِوَايَتَانِ" انْتَهَى وَحَكَاهُمَا الزَّرْكَشِيّ وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا هُوَ وَابْنُ تَمِيمٍ:
إحْدَاهُمَا: يَجِبُ تَعْمِيمُ الْمَحِلِّ بِكُلِّ مَسْحَةٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ اخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي3، وَالشَّرْحِ4، وشرح ابن عبيدان وغيرهم قلت: وهو ظاهر كَلَامِ الْأَصْحَابِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجِبُ تَعْمِيمُ الْمَحِلِّ بِكُلِّ مَسْحَةٍ، ذَكَرَهَا ابْنُ الزَّاغُونِيِّ قَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْزِئَهُ لِكُلِّ جِهَةٍ مسحة، لظاهر الخبر5، قال في
__________
1 أخرجه البخاري "272".
2 2/317.
3 1/210.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/230-231.
5 أخرج الدارقطني في "السنن" 1/56، والبيهقي في "السنن" 1/114 عن سهل بن سعد: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عن الاستطابة فقال: "أو لا يجد أحدكم ثلاثة أحجار: حجرين للصفحتين، وحجر للمسربة".(1/138)
وَالنَّصُّ عَدَمُهُ "م 12 - 13" فَلَا تُدْخِلُ يَدَهَا وَإِصْبَعَهَا بل ما ظهر "وش" نَقَلَ جَعْفَرٌ إذَا اغْتَسَلَتْ فَلَا تُدْخِلُ يَدَهَا فِي فَرْجِهَا، قَالَ فِي الْخِلَافِ: أَرَادَ مَا غمض في1 الْفَرْجِ، لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ تَلْحَقُ فِيهِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: هُوَ بَاطِنٌ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَالرِّعَايَةُ وَغَيْرُهُمَا: هُوَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ، وَذَكَرَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يُسَنُّ أَنْ يَعُمَّ الْمَحَلَّ بِكُلِّ مَسْحَةٍ بِحَجَرٍ مَرَّةً، وَعَنْهُ بَلْ كُلُّ جَانِبٍ مِنْهُ بِحَجَرٍ مَرَّةً، وَالْوَسَطُ بِحَجَرٍ مَرَّةً، وَقِيلَ: يَكْفِي كُلَّ جِهَةٍ مَسْحُهَا ثَلَاثًا بِحَجَرٍ، وَالْوَسَطَ مَسْحُهُ ثَلَاثًا بِحَجَرٍ انْتَهَى.
مَسْأَلَةٌ: 12-13: قَوْلُهُ "وَفِي وُجُوبِ غَسْلِ مَا أَمْكَنَ مِنْ دَاخِلِ فَرْجِ ثَيِّبٍ فِي نَجَاسَةٍ وَجَنَابَةٍ وَجْهَانِ، وَالنَّصُّ عَدَمُهُ" انْتَهَى.
أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَحَفِيدُهُ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَالْفَائِقِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجِبُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَتَغْسِلُ الْمَرْأَةُ الثَّيِّبُ نَجَاسَةَ بَاطِنِ فَرْجِهَا إنْ قُلْنَا بِنَجَاسَةِ رُطُوبَتِهِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ، فَإِنْ نَجِسَ أَوْ مَخْرَجُ الْحَيْضِ بِبَوْلٍ أَوْ غَيْرِهِ وَجَبَ غَسْلُهُ فِي رِوَايَةٍ، وَقِيلَ يُسَنُّ غَسْلُهُ: ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَالنَّصُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ بَاطِنِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ مِنْ جَنَابَةٍ وَلَا نَجَاسَةٍ، انْتَهَى، وَقَدْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ أَبِي الْمَعَالِي وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ، وَأَنَّ صَاحِبَ الْمُطْلِعِ ذَكَرَهُ عَنْ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِ الْفَرْجِ، إلَى حَيْثُ يَصِلُ الذَّكَرُ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا، انْتَهَى، وَقِيلَ: إنْ كَانَ فِي غُسْلِ الْحَيْضِ وَجَبَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِ الْفَرْجِ، وَلَا يَجِبُ مِنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ.
__________
1 في "ط": "من".(1/139)
في المطلع عن أصحابنا، واختلف كلام القاضي. وعلى ذَلِكَ يُخَرَّجُ إذَا خَرَجَ مَا احْتَشَّتْهُ بِبَلَلٍ: هَلْ يُنْقَضُ؟ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَا، لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ ابْتَلَّ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَكَانِهِ فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الشَّفْرَيْنِ نُقِضَ، وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا لَمْ يُنْقَضْ، وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ، قَالُوا: وَإِنْ أَدْخَلَتْ إصْبَعَهَا فِيهِ انْتَقَضَ، لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ بَلَّةٍ، وَيُتَوَجَّهُ عِنْدَنَا الْخِلَافُ، وَيَخْرُجُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا فَسَادُ الصَّوْمِ بِوُصُولِ إصْبَعِهَا أَوْ حَيْضٍ إلَيْهِ، وَالْوَجْهَانِ فِي حَشَفَةِ الْأَقْلَفِ1، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ حُكْمَ طَرَفِ الْقُلْفَةِ كَرَأْسِ الذَّكَرِ "م 14" وَأَوْجَبَ الْحَنَفِيَّةُ مَا لَا مَشَقَّةَ فِيهِ مِنْ الْفَرْجِ، دون الأقلف، والدبر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ: "قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ هُوَ بَاطِنٌ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَالرِّعَايَةُ وَغَيْرُهُمَا: هو في حكم الظاهر، وذكره في المطلع عَنْ أَصْحَابِنَا، وَاخْتَلَفَ كَلَامُ الْقَاضِي" أَنَّ الْخِلَافَ مُطْلَقٌ فِي ذَلِكَ، أَعْنِي هَلْ مَا أَمْكَنَ غَسْلُهُ مِنْ الْفَرْجِ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ أَوْ الْبَاطِنِ، وَيَكُونُ كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ مُوَافَقَةً لِلنَّصِّ وَهَذِهِ2
مَسْأَلَةٌ- 13: أُخْرَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ هُنَاكَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ غَسْلُهُ لِلْمَشَقَّةِ، وَاَللَّهُ أعلم.
مَسْأَلَةٌ -14: قَوْلُهُ: "وَالْوَجْهَانِ فِي حَشَفَةِ الْأَقْلَفِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ حُكْمَ طَرَفِ الْقُلْفَةِ كَرَأْسِ الذَّكَرِ" انتهى. وقد علمت الصحيح من الوجهين في ذَلِكَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بَعْدَ أَنْ جَعَلَ حُكْمَهُمَا وَاحِدًا، وَقِيلَ وُجُوبُ غَسْلِ حَشَفَةِ الْأَقْلَفِ الْمَفْتُوقِ أَظْهَرُ، انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي3، وَالشَّرْحِ4، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ، وقدمه
__________
1 هو الذي لم يختتن. "القاموس": "قلف".
2 هنا نهاية السقط في النسخة "ص".
3 1/218.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/ 216.(1/140)
فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ لِإِفْسَادِ الصَّوْمِ بِنَحْوِ الْحُقْنَةِ، وَلَا يَجِبُ غَسْلُ نَجَاسَتِهِ. وَأَثَرُ الِاسْتِجْمَارِ نَجِسٌ "و" وَيُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ "و" وَعَنْهُ طَاهِرٌ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ.
وَمَنْ اسْتَنْجَى نَضَحَ فَرْجَهُ وَسَرَاوِيلَهُ، وَعَنْهُ لَا، كَمَنْ اسْتَجْمَرَ.
وَمَنْ ظَنَّ خُرُوجَ شَيْءٍ فَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ حَتَّى يتيقن واله1عَنْهُ، فَإِنَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهُ يَذْهَبُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَمْ يَرَ أَحْمَدُ حَشْوَ الذَّكَرِ فِي ظَاهِرِ مَا نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ فَصَلَّى ثُمَّ أَخْرَجَهُ فَوَجَدَ بَلَلًا فَلَا بَأْسَ، مَا لَمْ يَظْهَرْ خَارِجًا، وَكُرِهَ الصَّلَاةُ فِيمَا أَصَابَهُ الِاسْتِجْمَارُ حَتَّى يَغْسِلَهُ، وَنَقَلَ صَالِحٌ أَوْ يَمْسَحَهُ وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ.
وَيَجُوزُ بِكُلِّ طَاهِرٍ مُنَقٍّ مُبَاحٍ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ، وَيَحْرُمُ فِي الْأَصَحِّ بِجِلْدِ سَمَكٍ أَوْ حَيَوَانٍ مُذَكًّى، وَقِيلَ: مَدْبُوغٍ، وَحَشِيشٍ رَطْبٍ، وَلَا يَجُوزُ بِمَطْعُومٍ وَلَوْ بِطَعَامِ2 بَهِيمَةٍ، صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ أَبُو الْفَرَجِ وَرَوْثٍ "هـ م" وَعَظْمٍ "هـ م" وَمُحْتَرَمٍ كَمَا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ، قَالَ جَمَاعَةٌ وَكُتُبِ حَدِيثٍ وَفِقْهٍ وَفِي الرِّعَايَةِ وَكِتَابَةٍ مُبَاحَةٍ وَمُتَّصِلٍ بحيوان "وش" خلافا للأزجي، وفي النهاية وذهب وفضة "وش" وَلَعَلَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ لِتَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِهِ وَفِيهَا أَيْضًا وحجارة الحرم "وش" وَهُوَ سَهْوٌ، وَانْفَرَدَ شَيْخُنَا بِإِجْزَائِهِ بِرَوْثٍ وَعَظْمٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ وَبِمَا نَهَى عَنْهُ، قَالَ: لِأَنَّهُ لَمْ يُنْهَ عَنْهُ، لِأَنَّهُ لَا يُنَقِّي بَلْ لِإِفْسَادِهِ، فَإِذَا قِيلَ: يَزُولُ بِطَعَامِنَا مَعَ التَّحْرِيمِ، فهذا أولى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
فِي "الْكُبْرَى" قُلْت: وَهَذَا الصَّوَابُ وَالظَّاهِرُ: أَنَّ محل الخلاف فيما إذا كانت الحشفة
__________
1 في "ط": "زواله".
2 في "ط": "بطعام".(1/141)
وَإِنْ اسْتَجْمَرَ بَعْدَهُ فَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ، وَقِيلَ: بَلَى، وَقِيلَ إنْ أَزَالَ شَيْئًا "م 15" وَعَنْهُ يَخْتَصُّ الِاسْتِجْمَارُ بِالْحَجَرِ "خ" فَيَكْفِي وَاحِدٌ، وَعَنْهُ ثلاثة. ويكره بيمينه "وش" وَقِيلَ بِتَحْرِيمِهِ، وَإِجْزَائِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَنَقَلَ صَالِحٌ أَكْرَهُ أَنْ يَمَسَّ فَرْجَهُ بِيَمِينِهِ، فَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا، وَذَكَرَ1 صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ، وَحَمَلَهُ أَبُو الْبَرَكَاتِ ابْنُ مُنَجَّا عَلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ لِسِيَاقِهِ فِيهَا، وَتَرْجَمَ الْخَلَّالُ رِوَايَةَ صَالِحٍ كَذَلِكَ.
وَلَا يَصِحُّ تَقْدِيمُ الْوُضُوءِ عَلَيْهِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَعَنْهُ يَصِحُّ "و" وَكَذَا التَّيَمُّمُ، وَقِيلَ: لا يصح "وش" فَلَوْ كَانَتْ عَلَى غَيْرِ الْمَحَلِّ فَوَجْهَانِ "م 16".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مُسْتَتِرَةً بِالْقُلْفَةِ، وَعَلَى الْحَشَفَةِ نَجَاسَةٌ وَأَمْكَنَ كَشْفُهَا.
مَسْأَلَةٌ – 15: قَوْلُهُ: "وَإِنْ اسْتَجْمَرَ بَعْدَهُ" يَعْنِي لَوْ اسْتَجْمَرَ أَوَّلًا بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ ثُمَّ اسْتَجْمَرَ بَعْدَهُ بِمُبَاحٍ "فَقِيلَ لَا يُجْزِئُ، وَقِيلَ بَلَى، وَقِيلَ إنْ أَزَالَ شَيْئًا"، انْتَهَى. وَأَطْلَقَ الْإِجْزَاءَ وَعَدَمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُجْزِئُ مُطْلَقًا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَإِطْلَاقُهُ الْوَجْهَيْنِ إنَّمَا حَكَاهُ طَرِيقَةً.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يُجْزِئُ مُطْلَقًا.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: إنْ أَزَالَ شَيْئًا أَجْزَأَ، وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ لِابْنِ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ الْكُبْرَى وَاخْتَارَهُ إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَفِي إدْخَالِهِ الْقَوْلَ الثالث في إطلاق الخلاف شيء.
مَسْأَلَةٌ -16: قَوْلُهُ: "وَلَا يَصِحُّ تَقْدِيمُ الْوُضُوءِ عَلَيْهِ، اختاره الأكثر، وعنه:
__________
1 في "ط": "وذكر".(1/142)
قَالَ شَيْخُنَا: وَيَحْرُمُ مَنْعُ الْمُحْتَاجِ إلَى الطَّهَارَةِ وَلَوْ وَقَفَتْ عَلَى طَائِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ، كَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ، وَلَوْ فِي مِلْكِهِ، لِأَنَّهَا بِمُوجَبِ الشَّرْعِ وَالْعُرْفِ مَبْذُولَةٌ لِلْمُحْتَاجِ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْوَاقِفَ صَرَّحَ بِالْمَنْعِ فَإِنَّمَا يُسَوَّغُ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ، وَإِلَّا فَيَجِبُ بَذْلُ الْمَنَافِعِ الْمُخْتَصَّةِ لِلْمُحْتَاجِ كَسِكِّينِ1 دَارِهِ، وَالِانْتِفَاعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
يَصِحُّ وَكَذَا التَّيَمُّمُ، وَقِيلَ لَا يَصِحُّ، فَلَوْ كَانَتْ2 عَلَى غَيْرِ الْمَحَلِّ فَوَجْهَانِ، انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي3 وَابْنُ تَمِيمٍ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَحَوَاشِي الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمُقْنِعِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ:
أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ تَقْدِيمُ التَّيَمُّمِ عَلَى غَسْلِهَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى هَذَا الْبِنَاءِ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي4 وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ وَالْأَشْبَهُ الْجَوَازُ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ5 وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى قَالَ فِي الْمُذْهَبِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا، انْتَهَى، وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي6 وَالشَّارِحِ وَتَبِعَهُمَا الزَّرْكَشِيّ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ أَنَّهُ قَالَ: حُكْمُ النَّجَاسَةِ عَلَى غَيْرِ الْفَرْجِ حُكْمُهَا عَلَى الْفَرْجِ. وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْفُصُولِ الْقَطْعُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ حِكَايَتِهِ الْخِلَافَ فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَإِطْلَاقِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَسْأَلَةَ فِي التَّذْكِرَةِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: "وَإِلَّا فَيَجِبُ بَذْلُ الْمَنَافِعِ الْمُخْتَصَّةِ
__________
1 في "ط": "كسكين".
2 في النسخ الخطية: "ولو كان"، والمثبت من "ط".
3 1/120.
4 1/15-156.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/235.
6 ليست في "د".(1/143)
بِمَاعُونِهِ، وَلَا أُجْرَةَ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ: وَإِنْ كَانَ فِي دُخُولِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مَطْهَرَةَ1 الْمُسْلِمِينَ تَضْيِيقٌ أَوْ تَنْجِيسٌ، أَوْ إفْسَادُ مَاءٍ وَنَحْوِهِ وَجَبَ مَنْعُهُمْ. قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَرَرٌ وَلَهُمْ مَا يَسْتَغْنُونَ بِهِ عَنْ مَطْهَرَةِ الْمُسْلِمِينَ، فليس لهم مزاحمتهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
لِلْمُحْتَاجِ كَسُكْنَى، قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ وَشَيْخُنَا لَعَلَّهُ كَسِكِّينٍ، فَإِنَّ السُّكْنَى لَا تُبْذَلُ بِلَا عِوَضٍ، وَهَذَا مُحْتَمَلٌ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ بَذْلُ السُّكْنَى لِمُحْتَاجٍ2.
فَهَذِهِ سِتَّ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً قَدْ يَسَّرَ الله الكريم بتصحيحها.
__________
1 من النسخ الخطية: "طهارة"، والمثبت من "ط".
2 في النسخ الخطية: "محتاج"، والمثبت من "ط".(1/144)
باب السواك وغيره
الأحكام المتعلقة بالسواك وغيره
...
باب السواك وغيره
يُسْتَحَبُّ فِي كُلِّ وَقْتٍ "وَ" وَيُكْرَهُ لِلصَّائِمِ بعد الزوال "وش" وَعَنْهُ يُبَاحُ، وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا، وَهِيَ أَظْهَرُ1، وَعَنْهُ يُكْرَهُ قَبْلَهُ بِعُودٍ رَطْبٍ اخْتَارَهُ القاضي وغيره، وجزم به الحلواني وغيره "وم" وَعَنْهُ فِيهِ لَا، اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ لأنه قول عمر وابنه، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَالْمَضْمَضَةِ الْمَسْنُونَةِ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: لَا يُعْجِبُنِي، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَاكَ بالعشي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهَانِ – الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ: "وَعَنْهُ يُكْرَهُ قَبْلَهُ بِعُودٍ رَطْبٍ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ الْحَلْوَانِيُّ وَعَنْهُ فِيهِ لَا، اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ" وَغَيْرُهُ، انْتَهَى، فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ نَوْعُ خَفَاءٍ لِأَنَّهَا لَمْ يُفْهَمْ مِنْهَا إطْلَاقُ الْخِلَافِ وَلَا تَقَدُّمُ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى وَوُجِدَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: "وَعَنْهُ يُكْرَهُ قَبْلَهُ وَبِعُودٍ" بِزِيَادَةِ وَاوٍ أَوَّلًا وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُزِيلُ الْإِشْكَالَ بَلْ يَبْقَى ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّ لَنَا رِوَايَةً بِكَرَاهَةِ السِّوَاكِ قَبْلَ الزَّوَالِ مُطْلَقًا لِلصَّائِمِ وَلَمْ نَطَّلِعْ عَلَيْهَا فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ، وَإِنْ جَعَلْنَا الْبَاءَ متعلقة بِيُسْتَحَبُّ أَوَّلَ الْبَابِ فَلَمْ نَعْلَمْ بِهِ قَائِلًا. قَالَ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِيهِ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ لَفَظَّةَ عَنْهُ الْأُولَى زَائِدَةٌ، فَعَلَى قَوْلِهِ يَكُونُ قد قدم الكراهة، و2 على كُلِّ تَقْدِيرٍ فِي كَرَاهَةِ السِّوَاكِ بِعُودٍ رَطْبٍ قَبْلَ الزَّوَالِ لِلصَّائِمِ رِوَايَتَانِ، أَوْ ثَلَاثٌ، وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْفُصُولِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي3 وَالشَّرْحِ4 وَغَيْرِهِمْ فِي الصَّوْمِ وَالتَّلْخِيصِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تميم والحاوي الكبير والفائق
__________
1 نقل الموفق في "الكافي" عن ابن عقيل: أنه لا يختلف المذهب أنه لا يستحب السواك للصائم بعد الزوال؛ لأنه يزيل خلوف فم الصائم، وخلوف فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ المسك، ولأنه أثر عبادة مستطاب شرعاً، فلم يستحب إزالته، كدم الشهداء.
2 ليست في "ط".
3 1/138.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/ 241.(1/145)
وَيَتَأَكَّدُ عِنْدَ صَلَاةٍ وَانْتِبَاهٍ وَتَغَيُّرِ فَمٍ وَوُضُوءٍ وَقِرَاءَةٍ، وَيَسْتَاكُ عَرْضًا، وَقِيلَ: طُولًا، بِعُودٍ لَا يَضُرُّهُ وَلَا يَتَفَتَّتُ، وَظَاهِرُهُ التَّسَاوِي، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ أن الأراك أولى، لفعله صلى الله عليه وسلم1. وَقَالَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَبَعْضُ الْأَطِبَّاءِ، وَإِنَّهُ قِيَاسُ قَوْلِهِمْ فِي اسْتِحْبَابِ الْفِطْرِ عَلَى التَّمْرِ، وَأَنَّهُ أولى في الفطرة، لفعله2. وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ أَنَّهُ لَا يَعْدِلُ عَنْهُ، وَعَنْ الزيتون
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ:
إحْدَاهُمَا: لَا يُكْرَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ فِي الصَّوْمِ وَابْنُ أَبِي الْمَجْدِ فِي مُصَنَّفِهِ. قال أبو المعالي في النهاية3 -وتبعه ابن عبيدان-: و4 الصَّحِيحِ: أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، انْتَهَى، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَلَمْ يَطَّلِعْ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى مَحَلِّ اخْتِيَارِ الْمَجْدِ، فَلِهَذَا قَالَ: لَمْ نَجِدْ ذَلِكَ فِي شَرْحِهِ وَلَا هُوَ فِي الْمُحَرَّرِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى5: وَعَنْهُ يُبَاحُ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ، وَقَطَعَ بِهِ الْحَلْوَانِيُّ وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وغيرهم وصححه في الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ لَا يَجُوزُ، نَقَلَهَا سُلَيْمٌ الرَّازِيّ قَالَهُ6 ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ ونقل المصنف رواية الأثرم
__________
1 أخرج أبو يعلى الموصلي في مسنده "5310" من حديث ابن مسعود، قال: كنت أجتني لرسول الله صلى الله عليه وسلم سواكاً من أراك، وكان الريح تكفؤه. الحديث.
2 أخرجه أبو داود "2356" والترمذي "696" عن أنس قال: "كان رسول الله يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن، فعلى تمرات، فإن لم تكن، حسا حسوات من ماء".
3 في "ط": "الهداية".
4 في "ط": "في".
5 ليست في "ص" و"ط".
6 في ط: "قال ابن المجد".(1/146)
وَالْعُرْجُونِ إلَّا لِتَعَذُّرِهِ. وَقَالَ صَاحِبُ التَّيْسِيرِ1 مِنْ الْأَطِبَّاءِ: زَعَمُوا أَنَّ التَّسَوُّكَ مِنْ أُصُولِ الْجَوْزِ فِي كُلِّ خَامِسٍ مِنْ الْأَيَّامِ يُنَقِّي الرَّأْسَ، وَيُصَفِّي الْحَوَاسَّ، وَيَحُدُّ الذِّهْنَ.
وَالسِّوَاكُ بِاعْتِدَالٍ يُطَيِّبُ الْفَمَ، وَالنَّكْهَةَ، وَيَجْلُو الْأَسْنَانَ، وَيُقَوِّيهَا، وَيَشُدُّ اللِّثَةَ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُسَمِّنُهَا، وَيَقْطَعُ الْبَلْغَمَ، وَيَجْلُو الْبَصَرَ، وَيَمْنَعُ الْحَفَرَ وَيَذْهَبُ بِهِ، وَيُصِحُّ الْمَعِدَةَ، وَيُعِينُ عَلَى الْهَضْمِ، وَيُشَهِّي الطَّعَامَ، وَيُصَفِّي الصَّوْتَ، وَيُسَهِّلُ مَجَارِيَ الْكَلَامِ، وَيُنَشِّطُ، وَيَطْرُدُ النَّوْمَ، وَيُخَفِّفُ عَنْ الرَّأْسِ، وَفَمِ الْمَعِدَةِ.
قَالَ الْأَطِبَّاءُ: وَأَكْلُ السُّعْدِ2، وَالْأُشْنَانِ يُنَقِّي رَأْسَ الْمَعِدَةِ، وَيَشُدُّ اللِّثَةَ وَيُطَيِّبُ النَّكْهَةَ، وَمَضْغُ السُّعْدِ دَائِمًا لَهُ تَأْثِيرٌ عَظِيمٌ فِي تَطْيِيبِ النَّكْهَةِ. وَمَنْ اسْتَفَّ مِنْ الزَّنْجَبِيلِ الْيَابِسِ وَاللِّبَانِ الْخَالِصِ أَذْهَبَا عَنْهُ رَائِحَةَ خُلُوفِ الْفَمِ وَمَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ الْخَلُوفِ.
وَاللَّوْزُ أَكْلُهُ قَوِيٌّ فِي مَنْعِ ارْتِقَاءِ الْبُخَارِ إلَى فَوْقٍ، وَيُرَطِّبُ الْبَدَنَ، وَلَا يُكْثَرُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُرْخِي الْمَعِدَةَ. وَالرُّمَّانُ الْحَامِضُ يَمْنَعُ الْبُخَارَ، وَلَكِنَّهُ يَضُرُّ بِالْحَشَا، وَالْمَعِدَةِ، وَتُصْلِحُهُ الْحَلْوَى السُّكَّرِيَّةُ وَالْكُسْفُرَةُ تَمْنَعُهُ، لَكِنَّهَا تُظْلِمُ الْبَصَرَ، وَتُجَفِّفُ3 الْمَنِيَّ، وَالْكُمَّثْرَى تمنعه لخاصية4 فيه، والسفرجل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وحنبل وقيل يباح في صوم النفل.
__________
1 هو: أبو بكر بن عبد الملك بن زهر الإيادي، الإشبيلي، طبيب أندلسي بارع، له كتاب: "التيسير في المداواة والتدبير". "ت595هـ". "سير أعلام النبلاء". 21/325.
2 السُعْدُ: الضم، وكحبارى: طيب معروف، وفيه منفعة عجيبة في القروح التي عسر اندمالها. "القاموس": "سعد".
3 في "س": "تخفف".
4 في "ط": "لخاصية".(1/147)
يَمْنَعُهُ لِشِدَّةِ قَبْضِهِ وَكَثْرَةِ أَرْضِيَّتِهِ، وَلَا يُكْثِرُ لِأَنَّهُمَا يُحْدِثَانِ الْقُولَنْجَ. وَإِنْ أَكْثَرَ أَكْلَ مَعْجُونًا حَارًّا أَوْ عَسَلًا.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي أَوَّلِ الْجَنَائِزِ يَكُونُ الْخِلَالُ1 مِنْ شَجَرٍ لَيِّنٍ، وَلِهَذَا مَنَعْنَا مِنْ السِّوَاكِ بِالْعُودِ الَّذِي يَجْرَحُ الحي، والميت منهي عن أذية جسمه لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا" 2. قَالَ: وَالْمَيِّتُ كَالْحَيِّ فِي الْحُرْمَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ قَصَدَ جُثَّةَ مَيِّتٍ لِيَأْخُذَهَا مِنْ أوليائه فينالها بسوء من حرق أو3 إتلاف جَازَ أَنْ يُحَامُوا عَنْهَا بِالسِّلَاحِ وَلَوْ آلَ ذَلِكَ إلَى قَتْلِ الطَّالِبِ لَهَا كَمَا يُحَامُونَ عَنْ وَلِيِّهِمْ الْحَيِّ.
وَيُكْرَهُ بِقَصَبٍ كَرَيْحَانٍ وَرُمَّانٍ وَآسٍ وَنَحْوِهَا، وَقِيلَ: يَحْرُمُ، وَكَذَا تَخَلُّلُهُ بِهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا يَتَسَوَّكُ بِمَا يَجْهَلُهُ لِئَلَّا يَكُونَ مِنْ ذَلِكَ.
وَيَسْتَاكُ بِيَسَارِهِ نَقَلَهُ حَرْبٌ قَالَ شَيْخُنَا: مَا عَلِمْت إمَامًا خَالَفَ فِيهِ كَانْتِثَارِهِ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِيَمِينِهِ: يستاك بيمينه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
نَجِدْ ذَلِكَ فِي "شَرْحِهِ"، وَلَا هُوَ فِي "المحرر" النتهى. وقال في "الرعاية الكبرى"1:
1 في "ط": "وفي".
2 ليست في "ص" و"ط".
"6-6" في ط: "قال ابن المجد".
3 هو: أبو بكر بن عبد الملك بن زهر الإيادي، الإشبيلي، طبيب أندلسي بارع، له كتاب: "التيسير في المداواة والتدبير". "ت595هـ". "سير أعلام النبلاء" 21/325.(1/148)
وَيَبْدَأُ بِجَانِبِهِ الْأَيْمَنِ، وَيَتَيَامَنُ فِي انْتِعَالِهِ وَتَرَجُّلِهِ، وَلَا يُصِيبُ السُّنَّةَ بِأُصْبُعِهِ، أَوْ خِرْقَةٍ، وَقِيلَ بلى "وهـ" وَقِيلَ بِقَدْرِ إزَالَتِهِ.
وَيَدَّهِنُ غِبًّا، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَهَى عَنْ التَّرَجُّلِ إلَّا غِبًّا1، وَنَهَى أَنْ يَمْتَشِطَ أَحَدُهُمْ كُلَّ يَوْمٍ2، فَدَلَّ أَنَّهُ يُكْرَهُ غَيْرَ الْغِبِّ. وَالتَّرْجِيلُ تَسْرِيحُ الشَّعْرِ وَدَهْنُهُ، وَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّ اللِّحْيَةَ كَالرَّأْسِ، وَفِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ وَدَهْنُ الْبَدَنِ. وَالْغِبُّ يَوْمًا وَيَوْمًا، نَقَلَهُ يَعْقُوبُ3، وَفِي الرِّعَايَةِ مَا لَمْ يَجِفَّ الْأَوَّلُ، لَا مُطْلَقًا لِلنِّسَاءِ "ش" وَيَفْعَلُهُ لِلْحَاجَةِ للخبر4.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وعنه: يباح.
__________
1 السعد الضم، وكحبارى: طيب معروف، وفيه منفعة عجيبة في القروح التي عسر اندمالها. "القاموس": "سعد".
2 في "س": "تخفف".
3 في "ط": "لخاصية".
4 الخلال، ككتاب: ما تخلل به الأسنان. "القاموس": "خلل".(1/149)
وَاخْتَارَ شَيْخُنَا فِعْلَ الْأَصْلَحِ بِالْبَلَدِ كَالْغَسْلِ بِمَاءٍ حَارٍّ بِبَلَدٍ رَطْبٍ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَرْجِيلُ الشَّعْرِ، وَلِأَنَّهُ فِعْلُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَأَنَّ مِثْلَهُ نَوْعُ اللُّبْسِ وَالْمَأْكَلِ، وَأَنَّهُمْ لَمَّا فَتَحُوا الْأَمْصَارَ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَأْكُلُ مِنْ قُوتِ بَلَدِهِ، وَيَلْبَسُ مِنْ لِبَاسِ بَلَدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدُوا قُوتَ الْمَدِينَةِ وَلِبَاسَهَا.
قَالَ وَمِنْ هَذَا أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1 وَعَلَى أَصْحَابِهِ الْإِزَارُ وَالرِّدَاءُ، فَهَلْ هُمَا أَفْضَلُ لِكُلِّ أَحَدٍ وَلَوْ مَعَ الْقَمِيصِ، أَوْ الْأَفْضَلُ مَعَ الْقَمِيصِ السَّرَاوِيلُ فَقَطْ؟ هَذَا مِمَّا تَنَازَعَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ، وَالثَّانِي أَظْهَرُ، فَالِاقْتِدَاءُ بِهِ: تَارَةً يَكُونُ فِي نَوْعِ الْفِعْلِ وَتَارَةً فِي جِنْسِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَفْعَلُ الْفِعْلَ لِمَعْنًى يَعُمُّ ذَلِكَ النَّوْعَ وَغَيْرَهُ، لَا لِمَعْنًى يَخُصُّهُ، فَيَكُونُ الْمَشْرُوعُ هُوَ الْأَمْرُ الْعَامُّ قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ مَخْصُوصًا بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ أَصْحَابِهِ، بَلْ وَبِكَثِيرٍ مِمَّا أَمَرَهُمْ بِهِ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ.
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ إيَاسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ مَرْفُوعًا: "أَنَّ الْبَذَاذَةَ مِنْ الْإِيمَانِ" يَعْنِي التَّقَحُّلَ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ2، وَفِي لَفْظٍ يَعْنِي التَّقَشُّفَ. وَقَالَ أَحْمَدُ الْبَذَاذَةُ التَّوَاضُعُ فِي اللِّبَاسِ.
وَعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ3 قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْإِرْفَاهِ، وَيَأْمُرُنَا أَنْ نَحْتَفِيَ أَحْيَانًا. رَوَاهُ أبو داود4، وعن عبد الله ابن شقيق5
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ، وَقَطَعَ به الحلواني وصاحب
__________
1 أخرجه أحمد "16793"، وأبو داود "4159"، من حديث عبد الله بن مغفل.
2 أخرجه أحمد "17011"، وأبو داود "28"، من طريق عبد الرحمن الحميري عن رجل مِنْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
3 هو: أبو يوسف، يعقوب بن إسحاق بن بختان، سمع مسلم بن إبراهيم، والإمام أحمد. قال أبو بكر بن أبي الدنيا: أبو يوسف بن بختان: كان من خيار المسلمين. "طبقات الحنابلة" 1/415.
4 لعله قوله صلى الله عليه وسلم: "من كان له شعر فليكرمه". أخرجه أبو داود. "4163" من حديث أبي هريرة.
5 أبو عبد الله، عبيد الله بن محمد بن حمدان العكبري الحنبلي، ابن بطة، من مصنفاته: "الإبانة الكبرى". "ت387هـ". "السير" 16/529.(1/150)
عَنْ صَحَابِيٍّ عَامِلٍ بِمِصْرَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا عَنْ الْإِرْفَاهِ وَالتَّرْجِيلِ كُلَّ يَوْمٍ1. وَذَكَرَ صَاحِبُ النَّظْمِ هَذَا الْمَعْنَى وَيَأْتِي فِي آخِرِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ2.
وَيَكْتَحِلُ ثَلَاثًا فِي كُلِّ عَيْنٍ، وَقِيلَ اثْنَتَيْنِ فِي يسراه. ويتخذ3 الشَّعْرَ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ: لَا إنْ شَقَّ إكْرَامُهُ "وش" وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ سُنَّةٌ لَوْ نقوى4 عَلَيْهِ اتَّخَذْنَاهُ، وَلَكِنْ لَهُ كُلْفَةٌ وَمُؤْنَةٌ. وَيُسَرِّحُهُ، وَيُفَرِّقُهُ، وَيَكُونُ إلَى أُذُنَيْهِ، وَيَنْتَهِي إلَى مَنْكِبَيْهِ، كَشَعْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَلَا بَأْسَ بِزِيَادَتِهِ عَلَى مَنْكِبَيْهِ وَجَعْلِهِ ذُؤَابَةً. قَالَ أَحْمَدُ: أَبُو عُبَيْدَةَ كَانَتْ لَهُ عَقِيصَتَانِ، وَكَذَا عُثْمَانُ5.
وَيُعْفِي لِحْيَتَهُ، وَفِي الْمَذْهَبِ مَا لَمْ يُسْتَهْجَنْ طُولُهَا "وم" وَيَحْرُمُ حَلْقُهَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا. وَلَا يُكْرَهُ أَخْذُ مَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَةِ، وَنَصُّهُ لَا بَأْسَ بِأَخْذِهِ وَمَا تَحْتَ حَلْقِهِ لِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ، لكن إنما فعله إذ6 حَجَّ أَوْ اعْتَمَرَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ7، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَتَرْكُهُ أَوْلَى. وَقِيلَ يُكْرَهُ. وَأَخَذَ أَحْمَدُ مِنْ حَاجِبَيْهِ وَعَارِضَيْهِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ.
وَيَحُفُّ شَارِبَهُ "م" أَوْ يَقُصُّ طَرَفَهُ، وَحَفُّهُ أَوْلَى فِي الْمَنْصُوصِ "وهـ ش" وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ "م" وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ الْإِجْمَاعَ أَنَّ قَصَّ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءَ اللِّحْيَةِ فَرْضٌ، وَأَطْلَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ الِاسْتِحْبَابَ، وأمر صلى الله عليه وسلم بذلك وقال:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه النسائي في "المجتبى" 8/132.
2 2/88.
3 في "ط": "يرجل".
4 في "ط": "قدرنا".
5 ذكره الخلال في كتاب "الترجل" ص 118.
6 في "س" و"ط": "إذا".
7 في صحيحه "5892".(1/151)
"خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ1، وَلِمُسْلِمٍ2: "خَالِفُوا الْمَجُوسَ". وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ مَرْفُوعًا: "وَمَنْ لَمْ يَأْخُذْ شَارِبَهُ فَلَيْسَ مِنَّا" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ3 وَصَحَّحَهُ، وَهَذِهِ الصِّيغَةُ تَقْتَضِي عِنْدَ أَصْحَابِنَا التَّحْرِيمَ، وَيَأْتِي فِي الْعَدَالَةِ4: هَلْ هُوَ كَبِيرَةٌ؟ وَيَأْتِي فِي آخِرِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ5 وَالْوَلِيمَةِ6 حُكْمُ التَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ.
وَلَمْ يَذْكُرُوا شَعْرَ الْأَنْفِ وَظَاهِرُ هَذَا إبْقَاؤُهُ، وَيَتَوَجَّهُ أَخْذُهُ إذَا فَحُشَ، وَأَنَّهُ كَالْحَاجِبَيْنِ وَأَوْلَى مِنْ الْعَارِضَيْنِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: الشَّعْرُ فِي الْأَنْفِ أَمَانٌ مِنْ الْجُذَامِ، وَرُوِيَ مَرْفُوعًا، وَهُوَ بَاطِلٌ7.
وَيُقَلِّمُ ظُفْرَهُ مُخَالِفًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ8، وَقِيلَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَقِيلَ يُخَيَّرُ، وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَحِيفَ عَلَيْهَا فِي الْغَزْوِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى حَلِّ حَبْلٍ أَوْ شَيْءٍ نَصَّ عَلَيْهِ. وَيَنْتِفُ إبِطَهُ، وَيَحْلِقُ عَانَتَهُ، وَلَهُ قَصُّهُ وَإِزَالَتُهُ بِمَا شَاءَ.
وَالتَّنْوِيرُ9 فِي الْعَوْرَةِ10 وَغَيْرِهَا، فَعَلَهُ أَحْمَدُ، وَكَذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ11 مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، وَقَدْ أُعِلَّ بِالْإِرْسَالِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 البخاري "5892"، ومسلم "259" "54"، من حديث ابن عمر.
2 في صحيحه "260" "55"، من حديث أبي هريرة.
3 أحمد في "مسنده" "19263"، النسائي في "الكبرى" "14"، الترمذي "2761".
4 11/336.
5 2/85.
6 8/374.
7 أخرجه ابن عدي في "الكامل" 2/977، وابن الجوزي في "الموضوعات" 1/168.
8 وفيه خبر موضوع، ذكره ابن الجوزي في "الموضوعات" 3/53.
9 تنور: اطلى بالنورة، ونورته: طليته بها، والنورة، بالضم: حجر الكلس، ثم غلبت على أخلاط تضاف إلى الكلس، من زرنيخ وغيره، وتستعمل لإزالة الشعر. "المصباح": "نور".
10 في هامش "ب": "العانة".
11 في سننه "3751".(1/152)
وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ قَتَادَةَ قَالَ: مَا اطَّلَى1 النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2. كَذَا قَالَهُ أَحْمَدُ.
وَفِي الْغُنْيَةِ وَيَجُوزُ حَلْقُهُ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إزَالَتُهُ كَالنُّورَةِ وَإِنْ ذُكِرَ خَبَرٌ بِالْمَنْعِ حُمِلَ عَلَى التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ، وَكَرِهَ الْآمِدِيُّ كَثْرَةَ التَّنْوِيرِ.
وَيُدْفَنُ ذَلِكَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيَفْعَلُهُ3 كُلَّ أُسْبُوعٍ، وَلَا يَتْرُكُهُ فَوْقَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عِنْدَ أَحْمَدَ. وَفِي الْغُنْيَةِ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ احتج بالخبر فيه4. وصححه، و5روي عَنْهُ إنْكَارُهُ، وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ سِنْدِيٍّ: حَلْقُ الْعَانَةِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ كَمْ يُتْرَكُ؟ قَالَ أَرْبَعِينَ لِلْحَدِيثِ. فَأَمَّا الشَّارِبُ فَفِي كُلِّ جُمُعَةٍ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ وَحِشًا، وَقِيلَ عِشْرِينَ، وَقِيلَ لِلْمُقِيمِ.
وَيُكْرَهُ نَتْفُ الشَّيْبِ "وَ" وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ يَحْرُمُ، لِلنَّهْيِ، لَكِنَّهُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وحسنه الترمذي6، ويختضب ونقل7 ابْنُ هَانِئٍ8 عَنْهُ كَأَنَّهُ فَرْضٌ، وَقَالَ: اخْتَضِبْ ولو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ب": "أطلى".
2 لم نقف عليه.
3 في الأصل: "يفعل".
4 أخرجه الطبراني في "الكبير" 20/322، عن ميل بنت مشرح قالت: رأيت أبي قلم أظفاره ثم دفنها: وقال: أبي بنية، وهكذا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل.
5 في النسخ الخطية: "أو"، والمثبت من "ط".
6 أخرجه أحمد "6672" وأبو دَاوُد "4202"، وَالتِّرْمِذِيِّ "2821"، وَالنَّسَائِيُّ 8/136، وَابْنِ مَاجَهْ "3821"، عَنْ عَبْدِ الله بن عمرو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تنتفوا الشيب فإنه نور المسلم".
7 في "ط": "نقله".
8 مسائل أحمد لابن هانئ 2/148.(1/153)
مَرَّةً. وَقَالَ: مَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ إلَّا أَنْ يُغَيِّرَ الشَّيْبَ، وَلَا يَتَشَبَّهُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ.
وَيُسْتَحَبُّ بِحِنَّاءٍ وَكَتَمٍ1، قَالَ صَاحِبُ الْمُجَرَّدِ وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ: وَلَا بَأْسَ بِوَرْسٍ، وَزَعْفَرَانٍ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ: خِضَابُهُ بِغَيْرِ سَوَادٍ مِنْ حُمْرَةٍ وَصُفْرَةٍ سُنَّةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ "وش" وَيُكْرَهُ بِسَوَادٍ "وَ" نَصَّ عَلَيْهِ وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْغُنْيَةِ فِي غَيْرِ حَرْبٍ، وَلَا يَحْرُمُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أبي المعالي في مسألة لبس الحرير2 في الحرب: يَحْرُمُ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ خِلَافٌ، وَاسْتَحَبَّهُ فِي الفنون به فيه –3بالسواد في الحرب- وأن مَا وَرَدَ فِي ذَمِّهِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ فَإِنَّهُ فِي بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ كَسَائِرِ التَّدْلِيسِ مِنْ التَّصْرِيَةِ4.
وَيَنْظُرُ فِي الْمِرْآةِ وَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ كَمَا حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي" رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ5 مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَزَادَ "وَحَرِّمْ وَجْهِي على النار".
ويتطيب، ويستحب6 الرَّجُلُ بِمَا ظَهَرَ رِيحُهُ وَخَفِيَ لَوْنُهُ، وَالْمَرْأَةُ عَكْسُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِمَّا يَنُمُّ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ} [النور: 31] ، وَإِنَّ ابْنَ عَقِيلٍ قَالَ: يُقَاسُ عَلَيْهِ تَحْرِيمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 الكتم، بالتحريك: نبات يخلط مع الوسمة للخضاب الأسود. "اللسان": "كتم".
2 ليست في "ط".
3 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
4 التصرية: ترك الحلب ليجتمع اللبن في الضرع. يقال: صريت الناقة تصرية: إذا تركت حلبها فاجتمع لبنها في ضرعها. "المصباح": "صرر".
5 في "الشعب" "8542"، عن عبد الله بن مسعود.
6 ليست في "ط".(1/154)
الصَّرِيرِ فِي النَّعْلِ، وَكَرِهَهُ أَحْمَدُ لِلزِّينَةِ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى.
وَإِذَا أَمْسَى خَمَّرَ الْإِنَاءَ، وَأَغْلَقَ الْبَابَ وَأَطْفَأَ الْمِصْبَاحَ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ.
وَلَا يُكْرَهُ حَلْقُ رَأْسِهِ كَقَصِّهِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ لِغَيْرِ نُسُكٍ وَحَاجَةٍ "وم" كَالْقَزَعِ وَحَلْقِ الْقَفَا زَادَ فِيهِ جَمَاعَةٌ لِمَنْ لَمْ يَحْلِقْ رَأْسَهُ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ لِحِجَامَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَيْضًا: هُوَ مِنْ فِعْلِ الْمَجُوسِ وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَلْقُ الْقَفَا يَزِيدُ فِي الْحِفْظِ، وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ الْحِجَامَةِ فِي نُقْرَةِ الْقَفَا، وَكَرِهَهُ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ لِلنِّسْيَانِ، وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْهُمْ.
وَكَحَلْقِهِ قَصُّهُ لِامْرَأَةٍ، وَقِيلَ: يَحْرُمَانِ عَلَيْهَا، نَقَلَ الْأَثْرَمُ، أَرْجُو أَنْ لَا بَأْسَ لِضَرُورَةٍ، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ1: دَخَلْت عَلَى عَائِشَةَ وَأَنَا أَخُوهَا مِنْ الرضاعة، فسألها2 عَنْ غُسْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الجنابة إلى أن قال3: وكان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ب": "أسلمة". وأبو سلمة ابن أخت عائشة من الرضاعة، أرضعته أم كلثوم بنت أبي بكر، وأخو عائشة من الرضاعة هو: عبد الله بن يزيد.
2 في "ط": "فسألتها".
3 في الأصل و"س" وهامش "س" و"ط": "قالت".(1/155)
أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذْنَ1 مِنْ رُءُوسِهِنَّ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الْوَفْرَةِ2. فَفِيهِ جَوَازُ تَخْفِيفِ الشُّعُورِ لِلنِّسَاءِ، لَا مَعَ إسْقَاطِ حَقِّ الزَّوْجِ، وَكَلَامُهُمْ فِي تَقْصِيرِهِنَّ فِي الْحَجِّ يُخَالِفُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يَحْرُمُ حَلْقُ رَأْسِ رَجُلٍ، وَحَرَّمَ بَعْضُهُمْ حَلْقَهُ عَلَى مُرِيدٍ لِشَيْخِهِ، لِأَنَّهُ ذُلٌّ وَخُضُوعٌ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَيَجِبُ الْخِتَانُ "هـ" وَعَنْهُ عَلَى غَيْرِ امْرَأَةٍ، وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ، قَالَ شَيْخُنَا: يَجِبُ إذَا وَجَبَتْ الطَّهَارَةُ وَالصَّلَاةُ. وَيُعْتَبَرُ أَخْذُ جِلْدَةِ الْحَشَفَةِ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ "وش" وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ أَوْ أَكْثَرِهَا، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ.
وَيُؤْخَذُ فِي خِتَانِ الْأُنْثَى جِلْدَةٌ فَوْقَ مَحَلِّ الْإِيلَاجِ تُشْبِهُ عُرْفَ الدِّيكِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُؤْخَذَ كُلُّهَا نَصَّ عَلَيْهِ لِلْخَبَرِ3.
وَإِنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ أَحْمَدُ، لَا بَأْسَ أَنْ لَا4 يُخْتَنَ، كَذَا قَالَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، مَعَ أَنَّ الْأَصْحَابَ اعْتَبَرُوهُ بِفَرْضِ طَهَارَةٍ وَصَلَاةٍ وصوم من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الثَّانِي5: قَوْلُهُ: "وَإِنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ أحمد: لا بأس أن لا يختتن 6".
__________
1 في الأصل: "يأخذون".
2 أخرجه مسلم "320"، من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن، ولفظه في مسلم: " ... حتى تكون كالوفرة". والوفر ة: "الشعر إلى الأذنين، لأنه وفر على الأذن، أي: تم عليها واجتمع. "المصباح": "وفر".
3 أخرجه أبو داود في "سننه" "5271"، عن أم عطية الأنصارية، أن امرأة كانت تختن بالمدينة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تنهكي، فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى البعل".
4 ليست في الأصل، وهي نسخة في هامش "ب".
5 تقدم التنبيه الأول في الصفحة 145.
6 في النسخ الخطية: "يختن" والمثبت من "ط".(1/156)
طَرِيقِ الْأَوْلَى. وَفِي الْفُصُولِ يَجِبُ إذَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ التَّلَفَ، فَإِنْ خِيفَ فَنَقَلَ حَنْبَلٌ يُخْتَنُ فَظَاهِرُهُ يَجِبُ، لِأَنَّهُ قَلَّ مَنْ يَتْلَفُ مِنْهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالْعَمَلُ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَأَنَّهُ مَتَى خَشِيَ عَلَيْهِ لَمْ يختن ومنعه صاحب المحرر "وش".
وَإِنْ أَمَرَهُ1 بِهِ وَلِيُّ الْأَمْرِ فِي حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ فَتَلِفَ فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ "م 1"،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
كَذَا قَالَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ" انْتَهَى. قَالَ شَيْخُنَا في "الحواشي الفروع": وجد2 في بعض النسخ: لا بأس أن يختتن، بِإِسْقَاطٍ "لَا"، قَالَ: وَلَعَلَّهُ أَقْرَبُ؛ لِقَوْلِهِ: كَذَا قال أحمد، وغيره، وهو كما قال.
مَسْأَلَةٌ- 1: قَوْلُهُ فِي الْخِتَانِ: "وَإِنْ أَمَرَهُ بِهِ وَلِيُّ الْأَمْرِ فِي حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ فَتَلِفَ فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ" انْتَهَى:
أَحَدُهُمَا: يَضْمَنُ، قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ، قَالَ فِي الْفُصُولِ: إنْ فَعَلَ بِهِ فِي شِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، أَوْ مرض يخاف من مثله الموت من الختان فَحُكْمُهُ كَالْحَدِّ فِي ذَلِكَ يَضْمَنُ، وَهُوَ مِنْ خَطَإِ الْإِمَامِ فِيهِ الرِّوَايَتَانِ انْتَهَى. قُلْتُ: قَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْوَجْهَيْنِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ3 فِيهِمَا4 إذَا أَمَرَهُ وَلِيُّ الْأَمْرِ بِزِيَادَةٍ فِي الْحَدِّ فَزَادَ عَالِمًا بِذَلِكَ هَلْ يَضْمَنُ الْآمِرُ أَوْ الْفَاعِلُ؟ وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ أَنَّ الْآمِرَ يَضْمَنُ، و5قال: الْأَوْلَى أَنَّ الضَّارِبَ هُوَ الَّذِي يَضْمَنُ، انْتَهَى، وَهَذَا الصَّوَابُ. وَقَالَ أَيْضًا فِي الرِّعَايَةِ فِي كتاب الحدود: وإن جلده
__________
1 في "ط": "أمر".
2 في "ط": "ووجد".
3 10/37.
4 في "ط": "فيهما".
5 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".(1/157)
وإن أمر1 بِهِ، وَزَعَمَ الْأَطِبَّاءُ أَنَّهُ يَتْلَفُ أَوْ ظَنَّ تَلَفَهُ ضَمِنَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ. وَفِي الْفُصُولِ إنْ فَعَلَ بِهِ فِي شِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ فِي مَرَضٍ يُخَافُ مِنْ مِثْلِهِ الموت من الختان فحكمه كالحد2 في ذلك يَضْمَنُ، وَهُوَ مِنْ خَطَإِ الْإِمَامِ فِيهِ الرِّوَايَتَانِ.
وَفِعْلُهُ زَمَنَ الصِّغَرِ أَفْضَلُ "هـ" وَقِيلَ التَّأْخِيرُ وَزَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْأَوَّلِ إلَى التَّمْيِيزِ، قَالَ شَيْخُنَا: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَفِي التَّلْخِيصِ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ عَشْرٍ وَفِي الرِّعَايَةِ بَيْنَ سَبْعٍ وَعَشْرٍ وَعَنْ أَحْمَدَ لَمْ أَسْمَعْ فِي ذَلِكَ شَيْئًا. وَيُكْرَهُ يوم السابع للتشبيه باليهود "ش" وعنه: لا3. قَالَ الْخَلَّالُ الْعَمَلُ عَلَيْهِ وَكَذَا مِنْ الْوِلَادَةِ إلَيْهِ "ش" وَلَمْ يَذْكُرْ كَرَاهَتَهُ4 الْأَكْثَرُ.
وَلَا تُقْطَعُ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ، نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ. وَيُكْرَهُ ثَقْبُ أُذُنِ صَبِيٍّ لَا جَارِيَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ يَحْرُمُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَقِيلَ عَلَى الذَّكَرِ. وَفِي الْفُصُولِ يُفَسَّقُ بِهِ فِي الذَّكَرِ، وَفِي النِّسَاءِ يَحْتَمِلُ الْمَنْعَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُ.
وَيَحْرُمُ نَمْصٌ. وَوَشْرٌ5، وَوَشْمٌ فِي الْأَصَحِّ "وَ" وكذا وصل شعر بشعر "وهـ" وقيل يجوز بإذن زوج "وش" وفي تحريمه بشعر بهيمة وتحريم نظر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْإِمَامُ فِي حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ مَرَضٍ وَتَلِفَ فَهَدَرٌ فِي الْأَصَحِّ، انْتَهَى لَكِنْ قَدَّمَ أَنَّ الْجَلْدَ لَا يُؤَخَّرُ لِذَلِكَ، فَحَصَلَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يضمن. قلت: وهو بعيد.
__________
1 في "ط": "أمر".
2 في "ب": "في الحد".
3 ليست في "ط".
4 في "ط": "كراهته".
5 وشرت المرأة أنيابها وشراً، من باب وعد، إذا حددتها، "المصباح": "وشر".(1/158)
لِشَعْرِ أَجْنَبِيَّةٍ وَزَادَ فِي التَّلْخِيصِ وَلَوْ كَانَ بائنا وجهان "م 2 - 3".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ -2 -3: قَوْلُهُ: "وَيَحْرُمُ وَصْلُ شَعْرٍ بِشَعْرٍ وَقِيلَ يَجُوزُ بِإِذْنِ زَوْجٍ وَفِي تَحْرِيمِهِ بِشَعْرِ بَهِيمَةٍ وَتَحْرِيمِ نَظَرِ شَعْرِ أَجْنَبِيَّةٍ زَادَ فِي التَّلْخِيصِ وَلَوْ كَانَ بَايِنًا وَجْهَانِ" انْتَهَى. ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَتَيْنِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى- 2: هَلْ يَحْرُمُ وَصْلُ شَعْرِهَا بِشَعْرِ بَهِيمَةٍ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ:
أَحَدُهُمَا: يَحْرُمُ. قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ ثُمَّ وَجَدْت الْمَجْدَ فِي شَرْحِهِ قَالَ: لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصِلَ شَعْرَهَا بِشَعْرٍ آخَرَ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غيره مطلقا، خلافا للحنفية في قولهم يَجُوزُ بِشَعْرِ الْبَهِيمَةِ لَا الْآدَمِيِّ لِحُرْمَتِهِ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ لِلْأَوَّلِ وَنَصَرَهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْرُمُ، وَقَدْ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَيُكْرَهُ وَصْلُ شَعْرِهَا بِشَعْرٍ آخَرَ، وَقِيلَ يحرم، فظاهره إدخال شعر البهيمة.
تنبيه: أخل المصنف – رحمه الله-1 بالقول2 بِالْكَرَاهَةِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا وَصَلَتْ شَعْرَهَا بِشَعْرٍ مِنْ جِنْسِهِ قَوْلٌ قَوِيٌّ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْآدَابِ الْكُبْرَى وَالْوُسْطَى وَغَيْرِهِمْ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ- 3: هَلْ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى شَعْرِ الْأَجْنَبِيَّةِ أَمْ لَا، أَطْلَقَ الْخِلَافَ وَأَطْلَقَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ:
أَحَدُهُمَا: يَحْرُمُ. قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ فِي غَيْرِ الْبَائِنِ، بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ كَمَا قِيلَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ.
__________
1 ليست في "ص" و"ط".
2 في "ص" و"ط": "القول".(1/159)
وَمَتَى حَرُمَ وَقِيلَ أَوْ كَانَ نَجِسًا فَفِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَجْهَانِ "م 4" وَعَنْهُ وَبِغَيْرِ شَعْرٍ1 بلا حاجة "وم" إنْ أَشْبَهَهُ كَصُوفٍ وَأَبَاحَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ النَّمْصَ وَحْدَهُ، وَحَمَلَ النَّهْيَ عَلَى التَّدْلِيسِ، أَوْ أَنَّهُ كان شعار الفاجرات. وفي الغنية وجه2: يجوز بطلب زوج.
وَلَهَا حَلْقُهُ وَحَفُّهُ، نَصَّ عَلَيْهِمَا وَتَحْسِينُهُ بِتَحْمِيرٍ ونحوه، وكره ابن عقيل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْرُمُ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ الْجَوَازُ.
مَسْأَلَةٌ- 4: قَوْلُهُ3: "وَمَتَى حَرُمَ وَقِيلَ أَوْ كَانَ نَجِسًا فَفِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَجْهَانِ"، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ إنْ كَانَ الشَّعْرُ نَجِسًا لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ مَعَهُ، وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا وَقُلْنَا بِالتَّحْرِيمِ فَفِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَجْهَانِ، انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ كَانَ الشَّعْرُ نَجِسًا أَوْ طَاهِرًا، وَقُلْنَا: يَحْرُمُ، فَفِي صِحَّةِ الصلاة معه وجهان: الأولى4: الْبُطْلَانُ مَعَ نَجَاسَتِهِ وَإِنْ قَلَّ، انْتَهَى فَأَطْلَقَا الْخِلَافَ أَيْضًا. قُلْتُ: الَّذِي يُقْطَعُ بِهِ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ إذَا كَانَ الشَّعْرُ نَجِسًا وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُحَرَّمًا مَعَ طَهَارَتِهِ فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ5:
أَحَدُهُمَا: تَصِحُّ. قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ، لِأَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى شَرْطِ الْعِبَادَةِ، فَهُوَ كَالْوُضُوءِ مِنْ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَكَلُبْسِ عِمَامَةِ حرير في الصلاة وجزم فِي الْفُصُولِ بِالصِّحَّةِ فِيمَا إذَا وَصَلَتْهُ بِشَعْرِ ذمية.
__________
1 بهدها في "س": "بهيمة".
2 ليست في "س" و"ط".
3 ليست في "ص" و"ط".
4 في "ط": "الأول".
5 ليست في "ح".(1/160)
حَفَّهُ كَالرَّجُلِ، كَرِهَهُ أَحْمَدُ لَهُ، وَالنَّتْفَ وَلَوْ بِمِنْقَاشٍ لَهَا.
وَيُكْرَهُ لَهُ التَّحْذِيفُ1 وَهُوَ إرْسَالُ الشَّعْرِ الَّذِي بَيْنَ الْعِذَارِ وَالنَّزْعَةِ2، لَا لَهَا، لِأَنَّ عَلِيًّا كَرِهَهُ رَوَاهُ الْخَلَّالُ3.
وَيُكْرَهُ لَهُ النَّقْشُ وَالتَّطْرِيفُ4 ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ5 عَنْ عُمَرَ وَبِمَعْنَاهُ6 عَنْ عَائِشَةَ، وَأَنَسٍ وَغَيْرِهِمَا7، قَالَ فِي الْإِفْصَاحِ: كَرِهَ الْعُلَمَاءُ أَنْ تُسَوِّدَ شَيْبًا بَلْ تَخْضِبُ بِأَحْمَرَ، وَكَرِهُوا النَّقْشَ فَقَالَ أَحْمَدُ لِتَغْمِسْ يَدَهَا غَمْسًا، وَيَتَوَجَّهُ وَجْهُ إبَاحَةِ تَحْمِيرٍ وَنَقْشٍ وَتَطْرِيفٍ بِإِذْنِ زَوْجٍ فَقَطْ.
وَيُكْرَهُ كَسْبُ الْمَاشِطَةِ، وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ أَحْمَدَ وَالْمَنْقُولُ عَنْهُ أَنَّ مَاشِطَةً قَالَتْ لَهُ: إنِّي أحل رأس المرأة بقرامل8 وَأُمَشِّطُهَا أَفَأَحُجُّ مِنْهُ؟ قَالَ: لَا وَكَرِهَ كَسْبَهُ، لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ9 وَقَالَ: يَكُونُ مِنْ أَطْيَبَ منه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ. قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: "وَالنَّتْفُ أَوْ بِمِنْقَاشٍ لَهَا" يَعْنِي كَرِهَ ذَلِكَ أَحْمَدُ لَهَا وَالصَّوَابُ وَلَوْ بِمِنْقَاشٍ، لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُنْتَفُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ قَدْ يَسَّرَ اللَّهُ تصحيحها.
__________
1 ليست في النسخ الخطية.
2 النزعة، محركة: موضع النزع من الرأس، وهو انحسار الشعر من جانبي الجبهة. "القاموس": "نزع".
3 ليست في النسخ الخطية.
4 النقش: تلوين الشيء بلونين أو بألوان، والتطريف: تخضيب أطراف الأصابع "القاموس": "نقش"، "طرف".
5 لم أجده في الترمذي، وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" "7929".
6 في "ب": "عمرو بمعناه".
7 حديث عائشة وأنس لم أقف عليه.
8 القرامل: ضفائر من شعر أو صوف أو إبرايسم، تصل به المرأة شعرها. "النهاية" 4/51.
9 أخرجه البخاري في "صحيحه" "5934"، من حديث عائشة: " ... لعن الله الواصلة والمستوصلة".(1/161)
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَيَحْرُمُ التَّدْلِيسُ، وَالتَّشَبُّهُ بِالْمُرْدَانِ، وَكَذَا عِنْدَهُ تَحْمِيرُ الْوَجْهِ وَنَحْوِهِ. وَفِي الْفُنُونِ يُكْرَهُ كَسْبُهَا.
وَكَرِهَ أَحْمَدُ الْحِجَامَةَ يَوْمَ سَبْتٍ، وَأَرْبِعَاءٍ، نَقَلَهُ حَرْبٌ، وَأَبُو طَالِبٍ، وَعَنْهُ الْوَقْفُ فِي الْجُمُعَةِ، وَفِيهِ خَبَرٌ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ1، وَذَكَرَ جماعة يكره فيه و2الْمُرَادُ: بِلَا حَاجَةٍ، قَالَ حَنْبَلٌ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَحْتَجِمُ أَيْ وَقْتَ هَاجَ بِهِ الدم، وأي ساعة كانت ذكره الخلال.
وَالْفَصْدُ فِي مَعْنَاهَا، وَهِيَ أَنْفَعُ مِنْهُ فِي بَلَدٍ حَارٍّ، وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ، وَهُوَ بِالْعَكْسِ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ يُكْرَهُ3 كُلَّ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ 4 لِخَبَرِ أَبِي بَكْرَةَ5، وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَلَعَلَّهُ اخْتِيَارُ أَبِي دَاوُد لِاقْتِصَارِهِ عَلَى رِوَايَتِهِ، وَيَتَوَجَّهُ تَرْكُهَا فِيهِ أَوْلَى، وَأَنَّهُ يَحْتَمِلُ مِثْلَهُ فِي يَوْمِ الْأَحَدِ، لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَفِيهِ الأمر بالحجامة ليوم الثلاثاء والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 لعله ما أخرجه ابن ماجه "3488"، من حديث ابن عمر مرفوعاً: "احتجموا يوم الخميس، واجتنبوا يوم الأربعاء والجمعة والسبت، ويوم الأحد، واحتجموا يوم الإثنين والثلاثاء".
2 ليست في "ط".
3 بعدها في "ط": "كل".
4 في "س": "وفيه خبر ضعيف".
5 أخرج أبو داود "3862" عن أبي بكرة يرفعه: أن يوم الثلاثاء يوم الدم، وفيه ساعة لا يرقأ.(1/162)
باب الوضوء
اشتراط النية في الطهارة
...
بَابُ الْوُضُوءِ
سُمِّيَ وُضُوءًا لِتَنْظِيفِهِ الْمُتَوَضِّئَ وَتَحْسِينِهِ.
النِّيَّةُ: شَرْطٌ لِطَهَارَةِ الْحَدَثِ "هـ" لِأَنَّ الْإِخْلَاصَ مِنْ1 عَمَلِ الْقَلْبِ وَهُوَ النِّيَّةُ، مَأْمُورٌ بِهِ وَلِخَبَرِ: "إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ" 2 أَيْ لَا عَمَلٌ جَائِزٌ وَلَا فَاضِلٌ. وَلِأَنَّ النَّصَّ دَلَّ عَلَى الثَّوَابِ فِي كُلِّ وُضُوءٍ، وَلَا ثَوَابَ فِي غَيْرِ مَنْوِيٍّ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ النِّيَّةَ لِلتَّمْيِيزِ، وَلِأَنَّهُ عبادة و3 مِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةُ، لِأَنَّ مَا لَمْ يُعْلَمْ إلَّا مِنْ الشَّارِعِ فَهُوَ عِبَادَةٌ كَصَلَاةٍ وَغَيْرِهَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْفَخْرِ إسْمَاعِيلَ وَأَبِي الْبَقَاءِ وَغَيْرِهِمَا، الْعِبَادَةُ مَا أُمِرَ بِهِ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ اطِّرَادٍ عُرْفِيٍّ وَلَا اقْتِضَاءٍ عَقْلِيٍّ. قِيلَ لِأَبِي الْبَقَاءِ: الْإِسْلَامُ وَالنِّيَّةُ عِبَادَتَانِ وَلَا يَفْتَقِرَانِ إلَى النِّيَّةِ؟ فَقَالَ: الْإِسْلَامُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ لِصُدُورِهِ مِنْ الْكَافِرِ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، سَلَّمْنَا، لَكِنْ لِلضَّرُورَةِ، لِأَنَّهُ لَا يَصْدُرُ إلَّا مِنْ كَافِرٍ، وَأَمَّا النِّيَّةُ فَلِقَطْعِ التَّسَلْسُلِ، وَفِي الْخِلَافِ لِأَنَّ مَا كَانَ طَاعَةً لِلَّهِ فَعِبَادَةٌ، قِيلَ لَهُ: فقضاء الدين ورد الوديعة عبادة؟
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ب" و"س".
2 أخرجه البخاري "1"، ومسلم "1907"، من حديث عمر.
3 ليست في "ط".(1/163)
فَقَالَ: كَذَا نَقُولُ. فَقِيلَ لَهُ الْعِبَادَةُ مَا كَانَ مِنْ شَرْطِهِ النِّيَّةُ؟ فَقَالَ: إذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ فِي الطَّاعَةِ لِلَّهِ وَالْمَأْمُورِ بِهِ هُوَ الَّذِي مِنْ شَرْطِهِ النِّيَّةُ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْعِبَادَةِ، وَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُهُ، وَذَكَرَ بَعْضُ1 أَصْحَابِنَا عَنْ أَصْحَابِنَا وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْعِبَادَةِ النِّيَّةُ، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، وَنِيَّةُ الصَّلَاةِ تَضَمَّنَتْ السُّتْرَةَ وَاسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ لِوُجُودِهِمَا فِيهَا حَقِيقَةً، وَلِهَذَا يَحْنَثُ بِالِاسْتِدَامَةِ. ويأتي غسل كافرة في الحيض2.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ب": "ذكره".
2 ص 357.(1/164)
وَالنِّيَّةُ قَصْدُ رَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ اسْتِبَاحَةُ مَا تَجِبُ لَهُ الطَّهَارَةُ، وَقِيلَ: إنْ نَوَى مَعَ الْحَدَثِ النَّجَاسَةَ وَيَحْتَمِلُ أَوْ التَّنْظِيفَ أَوْ التَّبَرُّدَ لَمْ يُجْزِهِ.
وَيَنْوِي مِنْ حَدَثِهِ دَائِمَ الِاسْتِبَاحَةِ، وَقِيلَ: أَوْ رَفَعَهُ وَقِيلَ: هُمَا. وَمَحِلُّهَا الْقَلْبُ "وَ" وَيُسَنُّ نُطْقُهُ بِهَا سِرًّا وَقِيلَ لَا "وَم" قَالَ أَبُو دَاوُد لِأَحْمَدَ: أَنَقُولُ قَبْلَ التَّكْبِيرِ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا1، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا وَأَنَّهُ مَنْصُوصُ أَحْمَدَ، قَالَ: وَاتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ الْجَهْرُ بِهَا وَلَا تَكْرِيرِهَا، بَلْ مَنْ اعْتَادَهُ يَنْبَغِي تَأْدِيبُهُ وَكَذَا بَقِيَّةُ الْعِبَادَاتِ، وَقَالَ الْجَاهِرُ بِهَا مُسْتَحِقٌّ لِلتَّعْزِيرِ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ، لَا سِيَّمَا إذَا آذَى بِهِ أَوْ كَرَّرَهُ. وَقَالَ الْجَهْرُ بِلَفْظِ النِّيَّةِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَسَائِرِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَفَاعِلُهُ مُسِيءٌ، وَإِنْ اعْتَقَدَهُ دِينًا خَرَجَ عَنْ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَجِبُ نَهْيُهُ، ويعزل عن الإمامة إن لم ينته، فإن2 فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد3: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم مر بِعَزْلِ الْإِمَامِ لِأَجْلِ بُصَاقِهِ فِي الْقِبْلَةِ، فَإِنَّ الْإِمَامَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يصلي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 مسائل أحمد لأبي داود ص30.
2 في "ط": "قال".
3 برقم "481"، عن أبي سهلة السائب بن خلاد.(1/165)
وَلَا يَضُرُّ سَبْقُ لِسَانِهِ بِخِلَافِ قَصْدِهِ وَالْأَصَحُّ ولا إبطالها بعد فراغه، أو1شكه فيها بعده2 كَوَسْوَاسٍ.
وَإِنْ نَوَى صَلَاةً مُعَيَّنَةً لَا غَيْرَهَا. ارْتَفَعَ مُطْلَقًا، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي وَجْهَيْنِ كَمُتَيَمِّمٍ نَوَى إقَامَةَ فَرْضَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ، وَإِنْ نَوَى طهارة مطلقة أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط": "و".
2 في "ط": "بعد".(1/166)
وُضُوءًا مُطْلَقًا فَفِي رَفْعِهِ وَجْهَانِ "م 1" وَإِنْ نوى جنب الغسل وحده أو لمروره لَمْ يَرْتَفِعْ، وَقِيلَ بَلَى وَقِيلَ فِي الثَّانِيَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ -1: قَوْلُهُ: "وَإِنْ نَوَى طَهَارَةً أَوْ وُضُوءًا مُطْلَقًا فَفِي رَفْعِهِ وَجْهَانِ", انْتَهَى وَأَطْلَقَهَا فِي الشَّرْحِ1 وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ والحاويين وغيرهم:
أحدهما: لَا يَرْتَفِعُ وَهُوَ الصَّحِيحُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي2 وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. وَقَالَ أَيْضًا إنْ قَالَ هَذَا الْغُسْلُ لِطَهَارَتِي انْصَرَفَ إلَى مَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَدَثِ وَكَذَا يَخْرُجُ وَجْهَانِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ لَا خِلَافَ أَنَّ الْجُنُبَ إذَا نَوَى الْغُسْلَ وَحْدَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ لِأَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ عِبَادَةً، وَتَارَةً يَكُونُ غَيْرَ عِبَادَةٍ فَلَا يَرْتَفِعُ حُكْمُ الْجَنَابَةِ انْتَهَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَرْتَفِعُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ مُصَحَّحًا فِي الْمُغْنِي3 وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. قُلْتُ: وَهُوَ قَوِيٌّ، وَيَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ فِيمَا إذَا نَوَى وُضُوءًا مُطْلَقًا، دُونَ مَا إذَا نَوَى طَهَارَةً مُطْلَقَةً وَلَمْ أَرَهُ وَاَللَّهُ أعلم.
__________
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/313.
2 1/53.
3 1/159.(1/167)
وَإِنْ نَوَى مَا تُسَنُّ الطَّهَارَةُ لَهُ كَغَضَبٍ وَرَفْعِ شَكٍّ، وَنَوْمٍ، وَذِكْرٍ، وَجُلُوسِهِ بِمَسْجِدٍ، وَقِيلَ: وَدُخُولِهِ، وَقِيلَ وَحَدِيثٍ وَتَدْرِيسِ عِلْمٍ وَكِتَابَتِهِ وَفِي النِّهَايَةِ وَزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1، وَفِي الْمُغْنِي2 وَأَكْلٍ فَعَنْهُ يَرْتَفِعُ، وَعَنْهُ لا "م 2" "وم ش".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ -2: قَوْلُهُ: "وَإِنْ نَوَى مَا تُسَنُّ لَهُ الطَّهَارَةُ وَعَدَّدَ ذَلِكَ فَعَنْهُ يَرْتَفِعُ وَعَنْهُ لَا" انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي3 وَالْمُقْنِعِ4 وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ:
إحْدَاهُمَا: يَرْتَفِعُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ اخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالْمُغْنِي2 وَالشَّرْحِ4 قَالَ المجد في شرحه وتبعه في مجمع البحرين هَذَا أَقْوَى وَجَزَمَ بِهِ فِي وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَرْتَفِعُ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَالشِّيرَازِيُّ وَأَبُو الْخَطَّابِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَالسَّامِرِيُّ فِي الوضوء هذا أصح الوجهين، وصححه النَّاظِمُ وَقَدَّمَهُ فِي "الْمُحَرَّرِ".
تَنْبِيهٌ: حَكَى الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ رِوَايَتَيْنِ وَكَذَا صَاحِبُ الْمُذْهَبِ وَالْكَافِي3 وَالْمُقْنِعِ4 وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ4 وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْفَائِقُ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَحَكَاهُ وَجْهَيْنِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ. وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي2 وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ عُبَيْدَانَ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فِي الكل روايتان وقيل وجهان.
__________
1 سيأتي الكلام عليه في آخر الحج 6/65.
2 1/158.
3 1/52.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/311.(1/168)
وكذا قيل في التجديد إن سن، وقيل لَا، وَقِيلَ: إنْ لَمْ يَرْتَفِعْ فَفِي حُصُولِ التجديد احتمالان "م 3".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ- 3: قَوْلُهُ: "وَكَذَا قِيلَ فِي التَّجْدِيدِ إنْ سَنَّ وَقِيلَ لَا" يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ فِي التَّجْدِيدِ وَإِنْ ارْتَفَعَ فِيمَا قَبْلَهُ، "وَقِيلَ إنْ لَمْ يَرْتَفِعْ فَفِي حُصُولِ التَّجْدِيدِ احْتِمَالَانِ" انْتَهَى، ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا إذَا نَوَى التَّجْدِيدَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا قَبْلَهُ ثَلَاثُ طُرُقٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَا إذَا نَوَى مَا تُسَنُّ لَهُ الطَّهَارَةُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ الصَّحِيحُ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ فِي الْغُسْلِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي1 وَالْكَافِي2 وَالْمُقْنِعِ3 وَالشَّرْحِ3 وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرُهُمْ فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمُقَدَّمُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ يَرْتَفِعُ فِي تِلْكَ فَكَذَا فِي هَذِهِ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى هُنَا وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ.
أَوْ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَرْتَفِعُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقَالَ عَلَى الْأَقْيَسِ وَالْأَشْهَرِ وَقَالَ فِي الصُّغْرَى هَذَا أَصَحُّ وَكَذَا قَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي2 وَالْمُقْنِعِ3 وَالتَّلْخِيصِ وَابْنُ مُنَجَّى وَابْنُ عُبَيْدَانَ فِي شَرْحِهِمَا وَابْنُ تَمِيمٍ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرُهُمْ. وَمَحِلُّ: الْخِلَافِ عَلَى الْقَوْلِ بِاسْتِحْبَابِ التَّجْدِيدِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ.
الطَّرِيقُ الثَّانِي: لَا يَرْتَفِعُ هُنَا وَإِنْ ارْتَفَعَ فِيمَا تُسَنُّ لَهُ الطَّهَارَةُ وَقَدْ أَطْلَقَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتَيْهِ الْخِلَافَ فِيمَا تُسَنُّ لَهُ الطَّهَارَةُ. وَصَحَّحَ هُنَا أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ وَقَالَ إنه الأقيس والأشهر والأصح.
__________
1 1/158.
2 1/52.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/311.(1/169)
وكذا نيته غسلا مسنونا وعليه واجب "م 4" فإن لم يرتفع حصل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الطَّرِيقُ الثَّالِثُ: إذَا قُلْنَا لَا يَرْتَفِعُ فَفِي حُصُولِ التَّجْدِيدِ احْتِمَالَانِ وَهُمَا لِابْنِ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَقَالَ وَإِنْ جَدَّدَ مُحْدِثٌ وُضُوءَهُ نَاسِيًا حَدَثَهُ لَمْ يَرْتَفِعْ حَدَثُهُ وَفِي حُصُولِ التَّجْدِيدِ إذَنْ احْتِمَالَانِ انْتَهَى.
قُلْتُ: حُصُولُ التَّجْدِيدِ مَعَ قِيَامِ الْحَدَثِ بَعِيدٌ جِدًّا لَا يُعْلَمُ لَهُ نَظِيرٌ، وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ التَّجْدِيدَ لَا يَحْصُلُ لَهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّالِثَ لَيْسَ مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُطْلَقَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ. قُلْت: وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ طَرِيقَةٌ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ فِيمَا إذَا نَوَى مَا تُسَنُّ لَهُ الطَّهَارَةُ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِي التَّجْدِيدِ رِوَايَتَانِ مُطْلَقَتَانِ فَقَالَ: وَإِنْ نَوَى تَجْدِيدَ الْوُضُوءِ فَهَلْ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، فَإِنْ نَوَى فِعْلَ مَا لَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْوُضُوءُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَرْتَفِعْ حَدَثُهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَفِي الْآخَرِ يَرْتَفِعُ انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا فِيمَا إذَا نَوَى غُسْلَ الْجُمُعَةِ هَلْ يُجْزِئُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ أَمْ لَا؟ ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْغُسْلِ1.
مَسْأَلَةٌ- 4: قَوْلُهُ: "وَكَذَا نِيَّتُهُ غُسْلًا مَسْنُونًا وَعَلَيْهِ وَاجِبٌ" انْتَهَى. وَاعْلَمْ: أَنَّ الْحُكْمَ هُنَا كَالْحُكْمِ فِيمَا إذَا نَوَى مَا تُسَنُّ لَهُ الطَّهَارَةُ الصُّغْرَى خِلَافًا وَمَذْهَبًا صَرَّحَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ مُخَالِفٌ لِهَذَا كَمَا تَقَدَّمَ لَفْظُهُ قَرِيبًا وَعِنْدَ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ بِالْغُسْلِ الْمَسْنُونِ وَيَرْتَفِعُ بِالْوُضُوءِ الْمَسْنُونِ وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَاخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ وسوى بينهما في المحرر كأكثر الأصحاب2.
__________
1 ص 265.
2 ليست في "ح".(1/170)
الْمَسْنُونُ، وَقِيلَ لَا. وَكَذَا وَاجِبٌ عَنْ مَسْنُونٍ "م 5" وَقِيلَ يُجْزِئُهُ، لِأَنَّهُ أَعْلَى، وَإِنْ نَوَاهُمَا حَصَلَا، نص عليه. وقيل يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ.
وَإِنْ اجْتَمَعَتْ مُوجِبَاتٌ لِلْوُضُوءِ أَوْ الغسل متنوعة قيل معا وقيل أو متفرقة "م 6" فَنَوَى أَحَدَهَا، وَقِيلَ: وَعَلَى أَنْ لَا يرتفع غيره ارتفع غيره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ – 5: قَوْلُهُ: "وَكَذَا وَاجِبٌ عَنْ مَسْنُونٍ" يَعْنِي هَلْ يَحْصُلُ بِغُسْلِهِ الْوَاجِبِ غُسْلُهُ الْمَسْنُونُ؟ الْحُكْمُ كَمَا تَقَدَّمَ خِلَافًا وَمَذْهَبًا عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَقَدْ عَلِمْتَ الصَّحِيحَ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَقِيلَ يُجْزِئُهُ هُنَا وَإِنْ قُلْنَا لَا يُجْزِئُهُ هناك لأنه أعلى والله أعلم.
مَسْأَلَةٌ – 6: قَوْلُهُ: "وَإِنْ اجْتَمَعَتْ مُوجِبَاتٌ لِلْوُضُوءِ أَوْ الغسل متنوعة قيل معا وقيل أو متفرقة" انْتَهَى.
قُلْتُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُقْنِعِ1 وَالتَّلْخِيصِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَابْنُ مُنَجَّى وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ يَشْمَلُ الْمُتَفَرِّقَةَ وَالْمُجْتَمِعَةَ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَإِنْ اجْتَمَعَ سَبَبَانِ يَقْتَضِيَانِ الْغُسْلَ أَوْ الْوُضُوءَ فَتَطَهَّرَ لَهَا صَحَّ انْتَهَى.
قُلْت: وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يُشْتَرَطُ أَنْ تُوجَدَ مَعًا قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَإِنْ نَوَى أحداثه التي نقضت وضوءه معا انتهى.
__________
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/316.(1/171)
في الأصح "وم ش".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
قُلْتُ: هَذَا فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ وُجُودَ الثَّانِي لَا يُسَمَّى وَالْحَالَةُ هَذِهِ حَدَثًا لِأَنَّ الْحَدَثَ هُوَ النَّاقِضُ لِلطَّهَارَةِ وَلَيْسَ هُنَا طَهَارَةٌ يَنْقُضُهَا لَكِنْ عَلَى هَذَا يَضْعُفُ الْمَذْهَبُ وَهُوَ كَوْنُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ لَمْ يُقَيِّدُوا بِذَلِكَ وَقَدْ قَالُوا يَرْتَفِعُ فَكَانَ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْتَفِعَ الْحَدَثُ إلَّا إذَا نَوَى الْأَوَّلَ لَا غَيْرُ وَقَدْ زَادَ فِي الرِّعَايَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَقَالَ إنْ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهَا ارْتَفَعَتْ كُلُّهَا، وَقِيلَ مَا نَوَاهُ وَحْدَهُ، وَقِيلَ وَغَيْرُهُ إنْ سَبَقَ أَحَدُهَا وَنَوَاهُ انْتَهَى.(1/172)
وَيَجِبُ تَقْدِيمُهَا1 عَلَى الْمَفْرُوضِ، وَيُسْتَحَبُّ عَلَى الْمُسْتَحَبِّ، وَاسْتِصْحَابُ ذِكْرِهَا، وَيُجْزِئُ اسْتِصْحَابُ حُكْمِهَا، وَهُوَ أَنْ لَا يَنْوِيَ قَطْعَهَا، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا بِزَمَنٍ يَسِيرٍ كَالصَّلَاةِ.
ثُمَّ يُسَمِّي وَهَلْ هِيَ فَرْضٌ أَوْ وَاجِبَةٌ تَسْقُطُ سَهْوًا2؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ "م 7" وَإِنْ ذكر في بعضه ابْتَدَأَ وَقِيلَ بَنَى وَعَنْهُ تُسْتَحَبُّ "وَ" اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَابْنُ أَبِي مُوسَى وَالشَّيْخُ وَذَكَرَهُ الْمَذْهَبُ.
وَيُسَنُّ غَسْلُ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا وَالْمَنْصُوصُ وَلَوْ تَيَقَّنَ طَهَارَتَهُمَا. وَيَجِبُ عَلَى الْأَصَحِّ "خ" مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ نَاقِضٍ لِلْوُضُوءِ وَقِيلَ زَائِدٍ عَلَى النِّصْفِ وقيل:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ- 7: قَوْلُهُ: "ثُمَّ يُسَمِّي وَهَلْ هِيَ فَرْضٌ أَوْ وَاجِبَةٌ تَسْقُطُ سَهْوًا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ". انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيّ:
أَحَدُهُمَا: هِيَ وَاجِبَةٌ تَسْقُطُ سَهْوًا؟ وَهُوَ الصَّحِيحُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْإِفَادَاتِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: هِيَ فَرْضٌ لَا تَسْقُطُ سَهْوًا اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّم وَالْمَجْدُ وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ.
__________
1 أي: النية.
2 نقل الموفق في "الكافي" 1/24 عن الخلال قوله: الذي استقرت الروايات عنه، أي الإمام أحمد، أنه لا بأس به إذا ترك التسمية؛ لأنها عبادة فلا تجب فيها التسمية كغيرها، وضعف أحمد الحديث فيها، يعني الحديث: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله". أخرجه أحمد "9418".(1/173)
وَنَهَارٍ. وَغَسْلُهُمَا تَعَبُّدٌ كَغَسْلِ الْمَيِّتِ فَتُعْتَبَرُ النِّيَّةُ وَالتَّسْمِيَةُ فِي الْأَصَحِّ.
وَالْأَصَحُّ لَا يُجْزِئُ عَنْ نِيَّةِ غَسْلِهِمَا نِيَّةُ الْوُضُوءِ وَأَيُّهُمَا طَهَارَةٌ مُفْرَدَةٌ لَا مِنْ الْوُضُوءِ وَقِيلَ مُعَلَّلٌ بِوَهَمِ النَّجَاسَةِ كَجَعْلِ الْعِلَّةِ فِي النَّوْمِ اسْتِطْلَاقَ الْوِكَاءِ بِالْحَدَثِ وَهُوَ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَقِيلَ لِمَبِيتِ يَدِهِ مُلَابِسَةً لِلشَّيْطَانِ وَهُوَ لِمَعْنًى فِيهِمَا فَلَوْ اسْتَعْمَلَ الْمَاءَ وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ لَمْ يَصِحَّ وضوءه وفسد الماء وقيل: بلى1، وَذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ رِوَايَةً لِإِدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ فَيَصِحُّ.
ثُمَّ يَغْسِلُ وَجْهَهُ وَهُوَ فَرْضٌ إجْمَاعًا مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ إلَى النَّازِلِ مِنْ اللَّحْيَيْنِ وَالذَّقَنِ طُولًا وَمَا بَيْنَ الْأُذُنَيْنِ فَيَجِبُ غَسْلُ مَا بَيْنَ الْعِذَارِ وَالْأُذُنِ "م" فِي حَقِّ الْمُلْتَحِي. وَالْفَمِ وَالْأَنْفِ مِنْهُ فَتَجِبُ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وعنه في الكبرى2 "وهـ" وَعَنْهُ عَكْسُهَا نَقَلَهَا الْمَيْمُونِيُّ وَعَنْهُ يَجِبُ الِاسْتِنْشَاقُ وحده وعنه يجب في الوضوء ذكرها صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَعَنْهُ عَكْسُهَا ذَكَرَهَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ.
وَفِي تَسْمِيَتِهَا فَرْضًا وَسُقُوطِهَا سَهْوًا رِوَايَتَانِ "م 8 - 9" وعنه هما سنة "وم ش" كَانْتِثَارِهِ وَعَنْهُ3: تَجِبُ فِي الصُّغْرَى ذَكَرَهُ ابن حزم قال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مسألة- 8 – 9: قوله: "ثُمَّ يَغْسِلُ وَجْهَهُ ... وَالْفَمَ وَالْأَنْفَ مِنْهُ ... وَفِي تَسْمِيَتِهَا فَرْضًا وَسُقُوطِهِمَا سَهْوًا رِوَايَتَانِ" انْتَهَى، ذَكَرَ مسألتين:
__________
1 ليست في الأصل و"ب" و"ط".
2 أي: الطهارة من حدث الجنابة.
3 بعدها في النسخ الخطية: "فيه".(1/174)
عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَبِي1: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "اسْتَنْثِرُوا مَرَّتَيْنِ بَالِغَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا" قال أبي وأنا أذهب إلَى هَذَا لِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2 وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّثْرَةِ وَهِيَ طَرَفُ الأنف3 أو أو هو2.
فِي تَرْتِيبٍ وَمُوَالَاةٍ كَغَيْرِهِمَا وَعَنْهُ لَا وَعَنْهُ: لا في ترتيب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى- 8: إذَا قُلْنَا: بِوُجُوبِهَا هَلْ يُسَمَّيَانِ فَرْضًا أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ وَأَطْلَقَهُ ابْنُ تميم وصاحب الفائق والقواعد الأصولية.
المسألة الثانية -9: هَلْ يَسْقُطَانِ سَهْوًا يَعْنِي عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ فِيمَا يَظْهَرُ أَمْ لَا أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِ وَأَطْلَقَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ.
وَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ: هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْوَاجِبِ هَلْ يُسَمَّى فَرْضًا أَمْ لَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُسَمَّى فَرْضًا فَيُسَمَّيَانِ فَرْضًا انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ هُمَا وَاجِبَانِ لَا فَرْضًا وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ حَيْثُ قِيلَ بِالْوُجُوبِ فَتَرْكُهُمَا أَوْ أَحَدِهِمَا وَلَوْ سَهْوًا لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى لَا يَسْقُطَانِ سَهْوًا عَلَى الْأَشْهَرِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَالْمُعْتَمَدُ وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ إنْ قِيلَ وُجُوبُهُمَا بِالسُّنَّةِ صَحَّ مَعَ السَّهْوِ وَحُكِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: وُجُوبُهُمَا بِالْكِتَابِ.
وَالثَّانِيَةُ: بِالسُّنَّةِ انْتَهَى.
قُلْتُ: نَصَّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَابْنِ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُمَا لَا يُسَمَّيَانِ فَرْضًا وَإِنَّمَا يُسَمَّيَانِ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً أَوْ وَاجِبًا وَنَقَلَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: إنْ تَرَكَهُمَا يُعِيدُ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَذَا يدل على تسميتها فرضا.
__________
1 في مسنده "2000".
2 مسائل أحمد لابنه عبد الله 1/103.
3 ليست في "ط".(1/175)
وَيُسَنُّ تَقْدِيمُ الْمَضْمَضَةِ عَلَيْهِ وَالْأَصَحُّ لِلشَّافِعِيَّةِ تَجِبُ وَيَتَوَجَّهُ لَنَا مِثْلُهُ عَلَى قَوْلِنَا لَمْ يَدُلَّ الْقُرْآنُ عَلَيْهِ وَكَذَا تَقْدِيمُهَا عَلَى بَقِيَّةِ الْوَجْهِ وقيل يجب "وش".
وَتُسَنُّ الْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا إلَى أَقَاصِيهِمَا وَفِي الرِّعَايَةِ1 أَوْ أَكْثَرِهِ لَا فِي اسْتِنْشَاقٍ فَقَطْ، خِلَافًا لِابْنِ الزَّاغُونِيِّ وَعَنْهُ تَجِبُ، وَقِيلَ فِي اسْتِنْشَاقٍ، وَيُكْرَهُ لِلصَّائِمِ، وَحَرَّمَهُ أَبُو الْفَرَجِ.
وَهَلْ يَكْفِي وَضْعُ الْمَاءِ فِيهِ بِدُونِ إدَارَتِهِ فِيهِ وَجْهَانِ "م 10" ثُمَّ لَهُ بَلْعُهُ، وَلَفْظُهُ، وَلَا يَجْعَلُ المضمضة أولا وجورا2، ولا الاستنشاق سعوطا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ -10: قَوْلُهُ: "وَهَلْ يَكْفِي وَضْعُ الْمَاءِ ... بِدُونِ إدَارَتِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ" انْتَهَى.
أَحَدُهُمَا: لَا يَكْفِي مِنْ غَيْرِ إدَارَتِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَجَزَمَ بِهِ أَيْضًا فِي الرِّعَايَةِ وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيّ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَكْفِي قَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَمَنْ تَابَعَهُ لَا تَجِبُ الْإِدَارَةُ فِي جَمِيعِ الْفَمِ وَلَا الْإِيصَالُ إلَى جَمِيعِ بَاطِنِ الْأَنْفِ وَهَذَا أَيْضًا أَيْضًا مُوَافِقٌ لِلْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِ وَقَدْرُ الْمُجْزِئِ وُصُولُ الْمَاءِ إلَى دَاخِلٍ قَالَ فِي الْمُطْلِعِ الْمَضْمَضَةُ فِي الشَّرْعِ وَضْعُ الْمَاءِ فِي فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُحَرِّكْهُ، قَالَ الزركشي وليس بشيء.
__________
1 ليست في "س".
2 الوجور، بفتح الواو: دواء يصب في الفم. "المصباح": "وجر".(1/176)
وَيَجِبُ عَلَى الْأَصَحِّ "هـ" غَسْلُ اللِّحْيَةِ وَمُسْتَرْسِلِهَا ويستحب تخليل الساتر للبشرة وقيل لا "وم"1 كَتَيَمُّمٍ وَقِيلَ: يَجِبُ كَمَا لَوْ وَصَفَهَا2 "هـ" وَشَعْرُ غَيْرِ اللِّحْيَةِ مِثْلُهَا وَقِيلَ: يَجِبُ غَسْلُ باطنه "وش".
وَفِي اسْتِحْبَابِ غَسْلِ دَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ مَعَ أَمْنِ الضَّرَرِ وَجْهَانِ "م 11" وَعَنْهُ يَجِبُ "خ" وَعَنْهُ فِي الْكُبْرَى وَلَا يَجِبُ لِنَجَاسَةٍ فِي الْأَصَحِّ "هـ ش".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ -11: قَوْلُهُ: "وَفِي اسْتِحْبَابِ غَسْلِ دَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ مَعَ أَمْنِ الضَّرَرِ وَجْهَانِ" انْتَهَى.
أَحَدُهُمَا: لَا يُسْتَحَبُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، بَلْ يُكْرَهُ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي3 وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْنُونٍ، وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَابَعَ الْمَجْدَ فِي شَرْحِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ4 وَابْنُ تَمِيمٍ وَحَوَاشِي الْمُقْنِعِ لِلْمُصَنِّفِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ وَالشَّيْخَانِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُسْتَحَبُّ، قَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفُصُولِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَخِصَالِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ فِي الجنابة دون الوضوء.
__________
1 في "س": "هـ م".
2 وصف الشعر البشرة، أي: ظهرت من تحته ولم سترها. "المغني" 1/164.
3 1/152.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/338.(1/177)
فَصْلٌ: ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ،
وَهُوَ فَرْضٌ إجْمَاعًا، وَيَجِبُ إدْخَالُهَا عَلَى الْأَصَحِّ "وَ" وَغَسْلُ أَظْفَارِهِ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ "ع" وَقَاسَهُ فِي الْفُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالنِّهَايَةِ عَلَى الْمُسْتَرْسِلِ مِنْ اللِّحْيَةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ نَادٌّ1 لَا مَشَقَّةَ فِيهِ مُقَصِّرٌ بِتَرْكِهِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَمَعْنَاهُ فِي الْفُصُولِ أَنَّ حَدَّ الْيَدَيْنِ مِنْ أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ.
ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ، وَهُوَ فَرْضٌ إجْمَاعًا، وَيَجِبُ مسح ظاهره "ش" كله "وم" وَعَفَا فِي الْمُتَرْجِمِ وَالْمُبْهِجِ عَنْ يَسِيرٍ لِلْمَشَقَّةِ، وعنه يجزئ أكثره، وعنه قدر الناصية "وهـ م" ففي تعيينها وجهان "م 12" وهي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تنيبه: قوله في غسل اليدين كالمرفقين في غسل الأظفار: "والفرق نادر1" قال شيخنا ابن نصر الله: لعله باد بالباء الموحدة.
مَسْأَلَةٌ -12: قَوْلُهُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَعَنْهُ: "يُجْزِئُ قَدْرُ النَّاصِيَةِ فَفِي تَعْيِينِهَا وَجْهَانِ". وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ:
أَحَدُهُمَا: لَا تَتَعَيَّنُ النَّاصِيَةُ لِلْمَسْحِ، بَلْ لَوْ مَسَحَ قَدْرَهَا مِنْ وَسَطِهِ أَوْ مِنْ أَيِّ جَانِبٍ مِنْهُ أَجْزَأَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَجَزَمَ به ابن
__________
1 في "ط": "ناد".(1/178)
مقدمه وقيل: قصاص الشعر، وعنه وبعضه "وش" وَفِي الِانْتِصَارِ احْتِمَالٌ فِي التَّجْدِيدِ. وَفِي التَّعْلِيقِ لِلْعُذْرِ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا، وَأَنَّهُ يَمْسَحُ مَعَهُ الْعِمَامَةَ وَيَكُونُ كَالْجَبِيرَةِ فَلَا تَوْقِيتَ. وَلَا يَكْفِي أُذُنَيْهِ فِي الْأَشْهَرِ. وَعَنْهُ بَعْضُهُ لِلْمَرْأَةِ، وَهِيَ الظَّاهِرَةُ عنه عند الخلال، والشيخ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي1، وَالشَّرْحِ2، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ "قَالَ" الزَّرْكَشِيّ: لَا تَتَعَيَّنُ النَّاصِيَةُ عَلَى الْمَعْرُوفِ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَإِيجَازُ ابْنِ حَمْدَان هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ انْتَهَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَتَعَيَّنُ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَحْتَمِلُ أَنْ تَتَعَيَّنَ النَّاصِيَةُ لِلْمَسْحِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، إذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَفِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافَ والحالة ما ذكر شيء!!
__________
1 1/177.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/350-351.(1/179)
بِيَدَيْهِ، وَيُجْزِئُ بَعْضُ يَدِهِ، وَعَنْهُ أَكْثَرُهَا، وَيُجْزِئُ بحائل في الأصح "وهـ ش".
وَيُسْتَحَبُّ مِنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ يَمُرُّهُمَا إلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَرُدُّهُمَا، وَعَنْهُ بِمَاءٍ جَدِيدٍ إلَى مُقَدَّمِهِ، وَعَنْهُ لَا يَرُدُّهُمَا مَنْ انْتَشَرَ شَعْرُهُ، وَيَرُدُّهُمَا مَنْ لَا شَعْرَ لَهُ أَوْ كَانَ مَضْفُورًا "ش" وَعَنْهُ تَبْدَأُ الْمَرْأَةُ بِمُؤَخَّرِهِ، وَتَخْتِمُ بِهِ، وَعَنْهُ فِيهَا كُلُّ نَاحِيَةٍ لِمُنْصَبِّ الشَّعْرِ، وَقِيلَ يُجْزِئُ بَلُّ الرَّأْسِ بِلَا مَسْحٍ "وهـ ش".
وَإِنْ غَسَلَهُ أَجْزَأَ فِي الْأَصَحِّ إنْ أمر يده، وعنه أو لا "وهـ ش" وإن أَصَابَهُ مَاءٌ أَجْزَأَهُ إنْ أَمَرَّ يَدَهُ، وَعَنْهُ وَقَصَدَهُ. وَإِنْ لَمْ يَمُرَّهَا وَلَمْ يَقْصِدْهُ فَكَغَسْلِهِ. وَالنَّزْعَتَانِ مِنْهُ فِي الْأَصَحِّ، وَفِي صُدْغٍ وَتَحْذِيفٍ وجهان "م 13 - 14".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مسألة - 13 -14: قَوْلُهُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ: "وَالنَّزْعَتَانِ مِنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي صُدْغٍ وَتَحْذِيفٍ وَجْهَانِ" انْتَهَى، وَيَعْنِي هَلْ هُمَا مِنْ الرَّأْسِ أَوْ مِنْ الْوَجْهِ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَالْمُصَنَّفِ فِي مَحْظُورَات الْإِحْرَام1 أَيْضًا وَغَيْرِهِمْ:
أَحَدُهُمَا: هُمَا مِنْ الرَّأْسِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِي الْكَافِي2، الْمَجْدُ، وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ، فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: الْأَظْهَرُ أَنَّهَا مِنْ الرَّأْسِ. وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي الصُّدْغِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هُمَا مِنْ الْوَجْهِ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ فِي الصُّدْغِ رِوَايَتَيْنِ، وَقِيلَ التَّحْذِيفُ مِنْ الْوَجْهِ، وَالصُّدْغُ من الرأس، اختاره
__________
1 5/414.
2 1/63-65-66.(1/180)
والأذنان منه "وهـ م" ففي وجوب مسحهما1 "خ"، واستحباب1 وأخذ ماء جديد لهما "وهـ ش" كَمَا لَوْ لَمْ يَبْقَ بِيَدِهِ بَلَلٌ روايتان "م 15 - 16".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
أَبُو حَامِدٍ، قَالَهُ جَمَاعَةٌ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي2. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ الصُّدْغُ مِنْ الْوَجْهِ قَالَهُ الشَّارِحُ وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ رَزِينٍ فِي التَّحْذِيفِ.
تَنْبِيهٌ: يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ3 إطْلَاقُ الْخِلَافِ فِي مَحَلِّ الصُّدْغِ وَتَفْسِيرُ التَّحْذِيفِ، وَهَلْ هُمَا مِنْ الرَّأْسِ، أَوْ مِنْ الْوَجْهِ أَيْضًا، فحصل التكرار.
مسألة -15 – 16: قَوْلُهُ: "وَالْأُذُنَانِ مِنْهُ، فَفِي وُجُوبِ مَسْحِهِمَا وَاسْتِحْبَابِ أَخْذِ مَاءٍ جَدِيدٍ لَهُمَا كَمَا لَوْ لَمْ يَبْقَ فِي يَدِهِ بَلَلٌ رِوَايَتَانِ" انْتَهَى، ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَتَيْنِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى – 15: هَلْ يَجِبُ مَسْحُهُمَا إذَا قُلْنَا: هُمَا مِنْ الرَّأْسِ، قُلْنَا بِوُجُوبِ مَسْحِ جَمِيعِهِ أَمْ لَا يَجِبُ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَغَيْرِهِمْ:
إحْدَاهُمَا: لَا يَجِبُ مَسْحُهُمَا بَلْ يُسْتَحَبُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَهِيَ الْأَشْهَرُ نَقْلًا. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ: قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، هَذَا أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَالشَّيْخُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي4: وَالظَّاهِرُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَسْحُهُمَا وَإِنْ وَجَبَ الِاسْتِيعَابُ، قَالَ الشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَالْأَوْلَى مَسْحُهُمَا، يَعْنِيَانِ لِأَجْلِ الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجِبُ مَسْحُهُمَا، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، انْتَهَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ،
__________
1 لست في "ط".
2 1/163.
3 5/411.
4 1/117.(1/181)
وَيُسْتَحَبُّ مَسْحُهُمَا بَعْدُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَيَتَوَجَّهُ، تَخْرِيجٌ، واحتمال،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْمُقْنِعِ1، وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ1 وَشَرْحِ ابن رزين وهو من مفردات المذهب. قلت: وهو المذهب على المصطلح، لاتفاق الشيخين عليه2.
تَنْبِيهٌ: حَكَى الْخِلَافَ رِوَايَتَيْنِ كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ ابن عبد القوي في مجمع البحرين، وابن تَمِيمٍ، وَصَاحِبِ الْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَحَكَاهُمَا، وَجْهَيْنِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ- 16: هَلْ يُسْتَحَبُّ أَخْذُ مَاءٍ جَدِيدٍ لَهُمَا أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِمْ:
إحْدَاهُمَا: يُسْتَحَبُّ مَسْحُهُمَا بِمَاءٍ جَدِيدٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي، فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالشِّيرَازِيُّ وَابْنُ الْبَنَّا وَالشَّيْخُ وَالشَّارِحُ وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: يُسْتَحَبُّ عَلَى الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْكَافِي3 وَالْمُقْنِعِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ فِي سُنَنِ الوضوء وشرح ابن منجى، والإفادات وَالْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُسْتَحَبُّ بَلْ يَمْسَحَانِ بِمَاءِ الرَّأْسِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ "قُلْتُ" وَهُوَ أولى وقال ابن رجب في
__________
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/348.
2 ليست في "ح".
3 1/66.(1/182)
وذكر الأزجي يمسح الأذنين معا "وش" وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِخِلَافِهِ وَعَنْهُ هُمَا عُضْوَانِ مُسْتَقِلَّانِ "وش" فَيَجِبُ مَاءٌ جَدِيدٌ فِي وَجْهٍ "خ" وَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ يَجِبُ التَّرْتِيبُ.
وَلَا يَأْخُذُ لِصِمَاخَيْهِ مَاءً غير ظاهر أُذُنَيْهِ "ش" وَالْبَيَاضُ فَوْقَهُمَا دُونَ الشَّعْرِ مِنْ الرَّأْسِ كَبَقِيَّتِهِ، بِدَلِيلِ الْمُوضِحَةِ1، وَلَمْ يُجَوِّزْ شَيْخُنَا الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِ.
وَلَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ الْمَسْحِ، وَعَنْهُ بَلَى، بِمَاءٍ جَدِيدٍ. نَصَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ الجوزي "وش" وَكَذَا أُذُنَيْهِ "وَ" ذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ، وَلَا مَسْحُ الْعُنُقِ، وَعَنْهُ بَلَى، اخْتَارَهُ فِي الْغَنِيمَةِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ. وَأَبُو الْبَقَاءِ وابن الصيرفي وابن رزين "وهـ" وَالرِّجْلَانِ كَالْيَدَيْنِ فِيمَا تَقَدَّمَ "وَ" وَالْكَعْبَانِ: الْعَظْمَاتُ النَّاتِئَانِ "وَ".
وَيُسْتَحَبُّ تَخَلُّلُ أَصَابِعِ يَدَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ "ش" كَرِجْلَيْهِ "وَ" زَادَ جَمَاعَةٌ، فَيُخَلِّلُ أصابع2 رجليه بخنصره لخبر المستورد3، رواه أحمد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الطَّبَقَاتِ ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ أَنَّ أَبَا الْفَتْحِ بْنَ جَلَبَةَ4 قَاضِي حَرَّانَ كَانَ يَخْتَارُ مَسْحَ الْأُذُنَيْنِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ بَعْدَ مَسْحِهِمَا بِمَاءِ الرَّأْسِ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ وَهُوَ غَرِيبٌ بَعِيدٌ انْتَهَى، وَاَلَّذِي رَأَيْنَاهُ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ إنَّهُ قَالَ: ذَكَرَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَابْنُ حَامِدٍ أَنَّهُمَا يُمْسَحَانِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ بَعْدَ أَنْ يَمْسَحَهُمَا بِمَاءِ الرَّأْسِ، قَالَ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ انْتَهَى، فَزَادَ ابْنُ حَامِدٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ عَبْدَ الْوَهَّابِ هَذَا هُوَ ابن جلبة قاضي حران.
__________
1 الشجة التي تبدي وضح العظم، أي: بياضه. "القاموس": "وضح".
2 ليست في الأصل و"ب" و"ط".
3 هو المستورد بن شداد بن عمرو القرشي، الفهري، صحابي من أهل مكة، سكن الكوفة مدة، وشهد فتح مصر. توفي بالإسكندرية عام "45هـ". "الأعلام" 7/ 215.
4 هو أبو الفتح، عبد الوهاب بن أحمد بن عبد الوهاب بن جلبة البغدادي، الحراني، القاضي. له كتب في أصول الدين وأصول الفقه وغير ذلك. "ت476هـ"، "طبقات الحنابلة" 2/245 "الأعلام" 4/180.(1/183)
وَغَيْرُهُ1، وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ. وَيَبْدَأُ مِنْ الْيُمْنَى بِخِنْصَرِهَا، وَالْيُسْرَى بِالْعَكْسِ، لِلتَّيَامُنِ، زَادَ فِي التَّلْخِيصِ، وَيُخَلِّلُ بِالْيُسْرَى مِنْ أَسْفَلِ الرِّجْلِ. وَفِي نِهَايَةِ الْأَزَجِيِّ بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُمْنَى.
وَيُسْتَحَبُّ التَّيَامُنُ "وَ" وَقِيلَ يُكْرَهُ تَرْكُهُ "وش" وَالْغَسِيلُ ثَلَاثًا "وَ" حَتَّى طهارة المستحاضة، ذكره فِي الْخِلَافِ، وَيَعْمَلُ فِي عَدَدِهَا2 بِالْأَقَلِّ "وهـ ش" وَفِي النِّهَايَةِ بِالْأَكْثَرِ، وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ "و" وَقِيلَ تَحْرُمُ، قَالَ جَمَاعَةٌ يُكْرَهُ الْكَلَامُ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الْعُلَمَاءِ، وَالْمُرَادُ: بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَالْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ تَرْكُ الْأَوْلَى "وَ" لِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، مَعَ أَنَّ ابْنَ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرَهُ لَمْ يَذْكُرُوهُ فِيمَا يُكْرَهُ وَيُسَنُّ.
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: يَقُولُ عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ مَا وَرَدَ3، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، لِضَعْفِهِ جِدًّا، مَعَ أَنَّ كُلَّ مَنْ وَصَفَ وُضُوءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَذْكُرْهُ، وَلَوْ شَرَعَ لَتَكَرَّرَ مِنْهُ، وَلَنُقِلَ عَنْهُ.
قَالَ أَبُو الْفَرَجِ: وَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَيْهِ وَفِي الرِّعَايَةِ: وَرَدُّهُ، مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ لَا يُكْرَهُ رَدُّ مُتَخَلٍّ، وَهُوَ سَهْوٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ لَا يُكْرَهُ السَّلَامُ، ولا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أحمد "18010"، وأبو داود "148"، والترمذي "40" بلفظ: "رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا توضأ خلل أصابع رجليه بخنصره".
2 في النسخ الخطية: "في عدها" والمثبت من "ط".
3 أي: من الأذكار، قال العلامة ابن القيم: وكل حديث في أذكار الوضوء الذي يقال عليه، فكذب مختلق، لم يقل رسول الله شيئاً منه، ولا علمه لأمته". "زاد المعاد" 1/188.(1/184)
الرَّدُّ، وَإِنْ كَانَ الرَّدُّ عَلَى طُهْرٍ أَكْمَلَ لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ1. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ2: أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ سَلَّمَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَغْتَسِلُ، فَقَالَ: "مَنْ هَذِهِ؟ " قُلْتُ: أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: "مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ". فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا تُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ عند كل عضو "هـ".
وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، وَلَا تَصْرِيحَ بِخِلَافِهِ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ فِي كُلِّ طَاعَةٍ إلَّا لِدَلِيلٍ.
وَالْأَقْطَعُ يَغْسِلُ الْبَاقِيَ أَصْلًا، وَكَذَا تَبَعًا فِي الْمَنْصُوصِ "م" وَمَنْ تَبَرَّعَ بِتَطْهِيرِهِ لَزِمَهُ، وَيَتَوَجَّهُ لَا، وَيَتَيَمَّمُ "وهـ م" وَيَأْتِي فِي اسْتِطَاعَةِ الْحَجِّ3 وَيَلْزَمُهُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ، وَقِيلَ لَا "وهـ" لِتَكْرَارِ الضَّرَرِ دَوَامًا، وَإِنْ عَجَزَ صلى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه أبو داود في "سننه" "17"، عن المهاجر بن قنقذ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يبول فسلم عليه، فلم يرد عليه حتى توضأ، ثم اعتذر إليه، فقال: "إني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طهر". أو قال: "على طهارة".
2 البخاري "357"، مسلم "336" "70".
3 5/235.(1/185)
وَفِي الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ كَعَادِمِ مَاءٍ وَتُرَابٍ "م 17" ويتوجه في استنجاء مثله وَفِي الْمَذْهَبِ يَلْزَمُهُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ وَزِيَادَةٍ لَا تُجْحِفُ1، بِمَالٍ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ.
وَإِنْ مَنَعَ يسير وسخ ظفر ونحوه وصول الماء ففي صحة طهارته وجهان "م 18" "وش" وَقِيلَ يَصِحُّ مِمَّنْ يَشُقُّ تَحَرُّزُهُ مِنْهُ، وَجَعَلَ شيخنا مثله كل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مسألة – 17: قوله: "ويلزمه2 الْعَاجِزُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ، وَقِيلَ لَا" يَلْزَمُ "لِتَكَرُّرِ الضَّرَرِ دَوَامًا، وَإِنْ عَجَزَ صَلَّى، وَفِي الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ كَعَادِمِ مَاءٍ وَتُرَابٍ" انْتَهَى، وَكَذَا قَالَ في الْمُغْنِي3 وَالشَّرْحِ4 وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُعِيدُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: صَلَّى وَلَمْ يُعِدْ فِي أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُمَا: صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَلَمْ يَذْكُرُوا إعَادَةً وَلَا عَدَمَهَا "قُلْتُ" هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدْ صَحَّحَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالْمَجْدُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالتَّصْحِيحِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ النَّاظِمُ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَنَصَرَاهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ، إنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ فِيمَا إذَا عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ، وَقَدْ قَاسَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ وَالشَّارِحُ ابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ هُنَا عَلَى مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ، وَكَانَ الْأَلْيَقُ بِالْمُصَنِّفِ تَقْدِيمُهُ هُنَا، وَلَكِنَّهُ تَابَعَ الشَّيْخَ فِي الْمُغْنِي3.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ.
مَسْأَلَةٌ – 18: قَوْلُهُ: وَإِنْ مَنَعَ يَسِيرُ وَسَخِ ظُفْرٍ وَنَحْوِهِ وُصُولَ الْمَاءِ فَفِي صِحَّةِ طَهَارَتِهِ وَجْهَانِ انْتَهَى، وأطلقهما في الحاويين:
__________
1 بعدها في "ط": "بالمال".
2 في النسخ الخطية للتصحيح و"ط": "ويلزم العاجز"، والمثبت من "الفروع".
3 1/318.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/364.(1/186)
يسير مَنَعَ حَيْثُ كَانَ كَدَمٍ، وَعَجِينٍ، وَاخْتَارَ الْعَفْوَ.
وَإِذَا فَرَغَ اُسْتُحِبَّ رَفْعُ بَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ، وَقَوْلِ: "أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ"1، وَمَا وَرَدَ2، وَيَتَوَجَّهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْغَسْلِ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ.
وَالتَّرْتِيبَ "هـ م" كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى3، وَالْمُوَالَاةُ "هـ ش" فَرْضَانِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: يَسْقُطُ تَرْتِيبٌ، وَقِيلَ: وَمُوَالَاةٌ سهوا "وم ر" وَاخْتَارَ فِي الِانْتِصَارِ لَا تَرْتِيبَ فِي نَفْلِ وُضُوءٍ، وَإِنَّهُ يَصِحُّ بِالْمُسْتَعْمَلِ مَعَ كَوْنِهِ طَاهِرًا، وَمَعْنَاهُ فِي الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَتَوَضَّأَ عَلِيٌّ فَمَسَحَ وَجْهَهُ، وَيَدَيْهِ، وَرَأْسَهُ، وَرِجْلَيْهِ وَقَالَ: هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ، وَأَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صنع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
أَحَدُهُمَا: لَا تَصِحُّ طَهَارَتُهُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي تَصِحُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْمُصَنِّفُ فِي حَوَاشِي الْمُقْنِعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّيْخِ الْمُوَفَّقِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: اخْتَارَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ الْمُوَفَّقَ، وَمَالَ إلَيْهِ هُوَ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: "وَقِيلَ تَصِحُّ مِمَّنْ يَشُقُّ تَحَرُّزُهُ مِنْهُ" كَأَرْبَابِ الصَّنَائِعِ، وَالْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ من الزراعة وغيرها واختاره في التلخيص.
__________
1 أخرجه مسلم "234" "17" من حديث عقبة بن عامر.
2 يعني: قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين". أخرجه الترمذي "55"، من حديث عمر بن الخطاب.
3 في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] .(1/187)
مِثْلَهُ1، قَالَ شَيْخُنَا: إذَا كَانَ مُسْتَحَبًّا لَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْبَعْضِ، كَوُضُوءِ ابْنِ عُمَرَ لنومه جنبا، إلا رجليه. وفي الصحيحين2 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَأَتَى حَاجَتَهُ يَعْنِي الْحَدَثَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ نَامَ. وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذَا الْغَسْلَ لِلتَّنْظِيفِ، وَالتَّنْشِيطِ لِلذِّكْرِ وَغَيْرِهِ.
وَإِنْ انْغَمَسَ فِي رَاكِدٍ كَثِيرٍ ثُمَّ أَخْرَجَهَا مُرَتِّبًا نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: أَوْ مَكَثَ بِقَدْرِهِ أَجْزَأَ، كَجَارٍ. وَفِي الِانْتِصَارِ لَمْ يُفَرِّقْ أَحْمَدُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ تَحَرَّكَ فِي رَاكِدٍ يَصِيرُ كَجَارٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ التَّرْتِيبِ.
وَالْمُوَالَاةُ: أَنْ لَا يُؤَخِّرَ غَسْلَ عُضْوٍ حَتَّى يَجِفَّ الْعُضْوُ قَبْلَهُ، وَقِيلَ أَيَّ عُضْوٍ كَانَ، وَقِيلَ: بَلْ الْكُلُّ، وَيُعْتَبَرُ زَمَنٌ مُعْتَدِلٌ، وَقَدْرُهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ جَفَّ لِاشْتِغَالِهِ فِي الْآخَرِ بِسُنَّةٍ كَتَخْلِيلٍ، أَوْ إسْبَاغٍ، أَوْ إزَالَةِ شَكٍّ لَمْ يَضُرَّ، وَلِوَسْوَسَةٍ وَإِزَالَةِ نَجَاسَةٍ وَجْهَانِ ولتحصيل الماء روايتان"م 19 - 21"، ويضر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 19 – 21: قَوْلُهُ: "وَلِوَسْوَسَةٍ وَإِزَالَةِ نَجَاسَةٍ وَجْهَانِ وَلِتَحْصِيلِ الْمَاءِ رِوَايَتَانِ"، يَعْنِي: إذَا أَخَلَّ بِالْمُوَالَاةِ بِسَبَبِ ذَلِكَ، هَلْ يَضُرُّ أَمْ لَا؟ إذَا قُلْنَا هِيَ فَرْضٌ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ثَلَاثَ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى- 19: هَلْ تَضُرُّ وَتَقْطَعُ الْمُوَالَاةُ الْإِطَالَةَ بِسَبَبِ الْوَسْوَسَةِ فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الخلاف وأطلقه ابن تميم والزركشي:
__________
1 أخرجه البخاري "5616".
2 البخاري "6316"، ومسلم "763".(1/188)
إسْرَافٌ؛ وَإِزَالَةُ وَسَخٍ، وَنَحْوِهِ، وَعَنْهُ يُعْتَبَرُ طُولُ الْفَصْلِ عُرْفًا، قَالَ الْخَلَّالُ: هُوَ أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ.
وَيُسَنُّ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ لِلْأَخْبَارِ1، وَعَنْهُ لَا، كَمَا لَوْ لَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ، كَمَا لَوْ لَمْ يَفْعَلْ بينهما ما يستحب له
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
أَحَدُهُمَا: لَا يَضُرُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي2، وَالشَّرْحِ3 وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَضُرُّ، جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ ... وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُمَا تَابَعَا الْمَجْدَ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ -20: هَلْ تَضُرُّ الْإِطَالَةُ بِسَبَبِ إزَالَةِ نَجَاسَةٍ فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ أَمْ لَا تَضُرُّ؟ أَطْلَقَ فِيهِ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيِّ.
أَحَدُهُمَا: يَضُرُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَضُرُّ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ -21: هَلْ تَضُرُّ الْإِطَالَةُ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ الْمَاءِ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ وَأَطْلَقَهُ ابْنُ تَمِيمٍ.
أَحَدُهُمَا: يَضُرُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يضر، ولا تقطع الموالاة.
__________
1 فمن ذلك ما أخرجه أحمد في "مسنده" "7513"، من حديث أبي هريرة مرفوعاً: "لولا أن أشق على أمتي، لأمترهم عند كل صلاة بوضوء".
2 1/192.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/305.(1/189)
الْوُضُوءُ، وَكَتَيَمُّمٍ، وَكَغُسْلٍ، خِلَافًا لِشَرْحِ الْعُمْدَةِ فِيهِ، وَحُكِيَ عَنْهُ يُكْرَهُ الْوُضُوءُ، وَقِيلَ لَا يُدَاوِمُ عَلَيْهِ، وَيَأْتِي فِعْلُ الْوَارِثِ لَهَا1 وَنَذْرُهَا، وَهَلْ هي عبادة2 مَقْصُودَةٌ فِي نَفْسِهَا، فَيَلْزَمُ مِنْهُ اسْتِحْبَابُهُ وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ بِهِ شَيْئًا، كَقَوْلِ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَعَلَّلَ ابْنُ عَقِيلٍ اسْتِحْبَابَهُ بِأَنَّهُ عِبَادَةٌ يُشْتَرَطُ لَهَا3 النِّيَّةُ، فَكَانَ لَهُ نَفْلٌ مَشْرُوعٌ كَالصَّلَاةِ.
وَتُبَاحُ مَعُونَتُهُ "و" وَتَنْشِيفُ أَعْضَائِهِ "وَ" وَعَنْهُ يُكْرَهَانِ كَنَفْضِ يَدِهِ، لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ: "إذَا تَوَضَّأْتُمْ فَلَا تَنْفُضُوا أَيْدِيَكُمْ فَإِنَّهَا مَرَاوِحُ الشَّيْطَانِ" 4.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 5/82.
2 ليست في "ب" و"س" و"ط".
3 في "ط": "لها".
4 هو في "المجروحين" لابن حبان 1/203، و"تلخيص الحبير" 1/99.(1/190)
رَوَاهُ الْمَعْمَرِيُّ، وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ الْبَخْتَرِيِّ بْنِ عُبَيْدٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُغْنِي1 وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا لَا يُكْرَهُ، وَهُوَ أَظْهَرُ "و" وَقِيلَ لأحمد عن مسح بلل الخف2، فَكَرِهَهُ، وَقَالَ: لَا أَدْرِي، لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَيَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ.
وَإِنْ وَضَّأَهُ غَيْرُهُ وَنَوَاهُ، وَقِيلَ: وَمُوَضِّئُهُ الْمُسْلِمُ صَحَّ "و" وَعَنْهُ لَا، وَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ، وَيَقِفُ عَنْ يَسَارِهِ، وَقِيلَ عَنْ يَمِينِهِ.
وَتُسَنُّ الزيادة على موضع الفرض، وعنه لا "وم" وَيُبَاحُ هُوَ وَغُسْلٌ فِي مَسْجِدٍ إنْ لَمْ يُؤْذِ بِهِ أَحَدًا، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا، وعنه يكره "وهـ م" وإن نجس حرم، كاستنجاء، وذبح3، وَهَلْ يُكْرَهُ إرَاقَتُهُ فِيمَا يُدَاسُ فِيهِ؟ رِوَايَتَانِ "م 22". ويكره في مَسْجِدٍ، قَالَ شَيْخُنَا: وَلَا يُغَسَّلُ فِيهِ مَيِّتٌ، قَالَ: وَيَجُوزُ عَمَلُ مَكَان فِيهِ لِلْوُضُوءِ لِلْمَصْلَحَةِ بلا محظور.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ -22: قَوْلُهُ: "وَهَلْ يُكْرَهُ إرَاقَتُهُ" يَعْنِي الْمَاءَ الْمُتَوَضَّأَ بِهِ "فِيمَا يُدَاسُ فِيهِ؟ رِوَايَتَانِ" انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَغَيْرِهِمْ:
إحْدَاهُمَا: يُكْرَهُ فِيمَا يُدَاسُ فِيهِ كَالطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَمْدَانَ فِي الْإِيجَازِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْجَامِعِ خِلَافَهُ.
وَالرِّوَايَةُ الثانية لا يكره.
__________
1 1/196.
2 في "ط": "الكف".
3 في "ط": "وريح".(1/191)
ويحل1 الْحَدَثِ جَمِيعُ الْبَدَنِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَأَبُو الْوَفَاءِ، وَأَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ2 كَالْجَنَابَةِ، وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ: أَعْضَاءُ الْوُضُوءِ، وَيَجِبُ الْوُضُوءُ بِالْحَدَثِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. وَفِي الِانْتِصَارِ بِإِرَادَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَهُ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَا تَجِبُ الطَّهَارَةُ عَنْ حَدَثٍ وَنَجَسٍ قَبْلَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ، وَيَتَوَجَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ إذَنْ، وَوُجُوبُ الشَّرْطِ بِوُجُوبِ الْمَشْرُوطِ، وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي غُسْلٍ، قَالَ شَيْخُنَا وَهُوَ لَفْظِيٌّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهٌ: عَلَى الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ تَكُونُ تَنْزِيهًا لِلْمَاءِ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقِيلَ لِلطَّرِيقِ، لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي نَجَاسَتِهِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَهَلْ ذَلِكَ تَنْزِيهٌ لِلْمَاءِ أَوْ لِلطَّرِيقِ عَلَى وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا أَيْضًا فِي الْفُصُولِ.
فَهَذِهِ اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ مَسْأَلَةً قَدْ فتح الله علينا بتصحيحها.
__________
1 في "ط": "ومحل".
2 هو: محمد بن محمد بن محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن الفراء، القاضي أبو يعلى الصغير، شيخ المذهب في وقته سمع الحديث وتفقه، وبرع في المذهب والخلاف والمناظرة، له: "التعليقة". "ت560هـ". "ذيل طبقات الحنابلة" 1/244.(1/192)
وَلَا يُكْرَهُ طُهْرُهُ مِنْ إنَاءِ نُحَاسٍ وَنَحْوِهِ فِي الْمَنْصُوصِ، وَلَا مِنْ إنَاءٍ بَعْضُهُ نَجِسٌ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ. وَفِي الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ يُكْرَهُ، وَلَا مِمَّا بَاتَ مَكْشُوفًا، قَالَ فِي الْفُصُولِ: وَمِنْ مُغَطًّى أَفْضَلُ، وَاحْتَجَّ بِنُزُولِ الْوَبَاءِ فِيهِ، وَأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ هَلْ يَخْتَصُّ الشُّرْبَ، أَوْ يَعُمُّ؟ وَيَأْتِي فَرْضُ الْوُضُوءِ، وَمَتَى فُرِضَ؟ وَهَلْ يَخْتَصُّ هَذِهِ الْأُمَّةَ أَوَّلُ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ1.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 2/ 90.(1/193)
باب مسح الحائل
مدخل
...
باب مسح الحائل
وَهُوَ أَفْضَلُ، وَعَنْهُ الْغُسْلُ "و" وَعَنْهُ هُمَا سَوَاءٌ.
وَلَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَلْبَسَ لِيَمْسَحَ، كَالسَّفَرِ لِيَتَرَخَّصَ، وَيَأْتِي فِي الْقَصْرِ1.
وَالْمَسْحُ رُخْصَةٌ، وَعَنْهُ عَزِيمَةٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِنْ فَوَائِدِهَا الْمَسْحُ فِي سفر المعصية، وتتعين2 الْمَسْحُ عَلَى لَابِسِهِ، وَيُكْرَهُ فِي الْمَنْصُوصِ لُبْسُهُ مَعَ مُدَافَعَةٍ أَحَدٍ الْأَخْبَثِينَ "وم".
وَيَجُوزُ الْمَسْحُ حَتَّى لِزَمِنٍ3، وَامْرَأَةٍ، وَفِي رِجْلٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَبْقَ مِنْ فَرْضِ الْأُخْرَى شَيْءٌ: فِي حَدَثٍ أَصْغَرَ عَلَى سَائِرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ، ثَابِتٌ بِنَفْسِهِ لَا بِشَدِّهِ: فِي الْمَنْصُوصِ، وَقِيلَ: وَلَا يَبْدُو بَعْضُهُ لَوْلَا شَدُّهُ "هـ ش" مُبَاحٌ عَلَى الأصح "هـ ش"4، وفي "الفصول"، "النهاية"، و"المستوعب": إلا لضرورة برد4.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 3/84.
2 في الأصل و"ب": "وتعين"، وفي "ط": "يتعين".
3 هو: المبتلى بمرض يدوم طويلاً. "المصباح": "زمن".
4 وردت في "ط" بعد قوله: ذكره القاضي وغيره. في الصفحة التالية.(1/194)
لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَخْتَصُّ اللُّبْسَ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ لَمْ يَزُلْ إثْمُ الْغَصْبِ، بِخِلَافِ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ خَرَجَ مِنْهَا ذَكَرَهُ القاضي وغيره.
لا يصف القدم لصفائه 1 فِي الْأَصَحِّ "هـ" يُمْكِنُ الْمَشْيُ فِيهِ، وَقِيلَ: يعتاد2 "وهـ" وقيل: ويمنع نفوذ الماء "وش" وَفِي3 اعْتِبَارِ طَهَارَةِ عَيْنِهِ فِي الضَّرُورَةِ وَجْهَانِ "م 1" من خف "و" وموق، وهو الجرموق: خف قصير، ولو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ -1: قَوْلُهُ: "وَفِي اعْتِبَارِ طَهَارَةِ عَيْنِهِ فِي الضَّرُورَةِ وَجْهَانِ" وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَنِهَايَةِ أَبِي الْمَعَالِي، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَفِي النَّجَسِ الْعَيْنِ، وَقِيلَ: لِضَرُورَةِ بَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِ وَجْهَانِ انْتَهَى.
أَحَدُهُمَا: يُشْتَرَطُ طَهَارَةُ عَيْنِهِ، فَلَا يصح المسح على جلد الكلب. وَالْخِنْزِيرِ، وَالْمَيْتَةِ قَبْلَ الدَّبْغِ فِي بِلَادِ الثُّلُوجِ إذا خشي سقوط أصابعه بخلعه4 وَنَحْوَهُ، بَلْ يَتَيَمَّمُ لِلرِّجْلَيْنِ، وَهَذَا الصَّحِيحُ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ هَذَا الْأَظْهَرُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي حَوَاشِي الْمُقْنِعِ: لَا يَجُوزُ المسح على الأصح.
__________
1 في "ط": "بصفاته".
2 في "ط": "يعتاد".
3 بعدها في "ط": "رواية".
4 ليست في "ط".(1/195)
فَوْقَ خُفٍّ "ش م ر" لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ، وَلَا يَضُرُّ عَدَمُهَا كَخُفِّ1 الْخَشَبِ، وَجَوْرَبِ صَفِيقٍ2 "م" كَمُجَلَّدٍ، وَمُنَعَّلٍ، وَنَحْوِهِ "وَ" فَإِنْ ثُبِّتَ بِنَعْلٍ3 فَقِيلَ: يَجِبُ مَسْحُهُمَا، وعنه، أو أحدهما "م 2".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ طَهَارَةُ عَيْنِهِ، فَيَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ4 لَأَنْ فِيهِ إذْنًا، وَنَجَاسَةُ الْمَاءِ حَالَ الْمَسْحِ لَا يَضُرُّ، انْتَهَى، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَمَفْهُومُ كَلَامِ الشَّيْخِ اخْتِيَارُ عَدَمِ اشْتِرَاطِ إبَاحَتِهِ.
مَسْأَلَةٌ- 2: فَإِنْ ثَبَتَ بِنَعْلِهِ فَقِيلَ يَجِبُ مَسْحُهُمَا وَعَنْهُ5 أَحَدُهُمَا، انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ:
أَحَدُهُمَا: يَجِبُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَسُيُورِ النَّعْلَيْنِ قَدْرَ الْوَاجِبِ، قَالَهُ الْقَاضِي وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ مَسْحَهُمَا، فَجَزَمَا بِمَسْحِهِمَا قَالَ فِي الْكُبْرَى: وَقِيلَ يُجْزِئُ مَسْحُ الْجَوْرَبِ وَحْدَهُ، وَقِيلَ أَوْ النَّعْلِ وَحْدَهُ، انْتَهَى، وَعَنْهُ يَجِبُ مَسْحُ أَحَدِهِمَا قَالَ الْمَجْدُ وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ إجْزَاءُ الْمَسْحِ عَلَى أَحَدِهِمَا قَدْرَ الواجب وقدموه.
__________
1 في النسخ الخطية: "لخف"، والمثبت من "ط".
2 الكثيف النسيج. "المعجم الوسيط": "صفق".
3 في "ط": "بنعل".
4 هو: الشيخ الموفق ابن قدامة.
5 ليست في "ط".(1/196)
وَإِنْ كَانَ فِيهِ خَرْقٌ يَنْضَمُّ بِلُبْسِهِ جاز، وإلا فلا "وش" فِي الْمَنْصُوصِ فِيهِمَا، وَإِنْ كَانَ تَحْتَ مُخَرَّقٍ جَوْرَبٌ أَوْ خُفٌّ جَازَ الْمَسْحُ، لَا لِفَافَةٌ فِي الْمَنْصُوصِ فِيهِمَا، وَعَنْهُ فِي الْأُولَى هُمَا كنعل مَعَ جَوْرَبٍ. وَفِي مُخَرَّقٍ عَلَى مُخَرَّقٍ يَسْتَتِرُ بِهِمَا الْقَدَمُ وَجْهَانِ "م 3".
وَيَمْسَحُ صَحِيحًا عَلَى مُخَرَّقٍ، أَوْ لِفَافَةٍ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا مَسْحَ الْقَدَمِ وَنَعْلِهَا الَّتِي يَشُقُّ نَزْعُهَا إلَّا بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ، قَالَ: وَالِاكْتِفَاءُ هَاهُنَا بِأَكْثَرِ الْقَدَمِ نَفْسِهَا أَوْ الظَّاهِرِ1 مِنْهَا غُسْلًا أَوْ مَسْحًا أَوْلَى مِنْ مَسْحِ بَعْضِ الْخُفِّ، وَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّتُ، وَكَمَسْحِ عِمَامَةٍ، وَأَنَّهُ يَمْسَحُ خُفًّا مُخَرَّقًا إلَّا إنْ تَخَرَّقَ أَكْثَرُهُ فكالنعل، وكذا ملبوس دون كعب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
قُلْت: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، لَكِنْ يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ السيور2 قدر الواجب.
مَسْأَلَةٌ- 3: قَوْلُهُ: "وَفِي مُخَرَّقٍ عَلَى مُخَرَّقٍ يَسْتُرُ الْقَدَمَ بِهِمَا وَجْهَانِ"، انْتَهَى. وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْمُغْنِي3، وَالْكَافِي4، وَالشَّرْحِ5، وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَبَنَاهُمَا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ مَسْحِ الْمُخَرَّقِ فَوْقَ الصَّحِيحِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: فَلَا مَسْحَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُجْزِئُ قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.
__________
1 في الأصل و"ب": "الطاهر".
2 في "ح": "اليسير".
3 1/364 -365.
4 1/79.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/414.(1/197)
وَلَا يَمْسَحُ لَفَائِفَ فِي الْمَنْصُوصِ "و" وَتَحْتَهَا نَعْلٌ، أَوْ لَا، وَلَوْ مَعَ مَشَقَّةٍ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا خُفَّيْنِ لُبِسَا عَلَى مَمْسُوحَيْنِ؛ لِأَنَّ اللُّبْسُ بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ الْمُدَّةِ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ، وَيَسْتَأْنِفُهَا بِدَلِيلِ مَا لَوْ مَسَحَ ثُمَّ خَلَعَهُمَا ثم لبس استأنف المدة، ويتوجه الجواز "وم".
وَلَوْ تَيَمَّمَ ثُمَّ لَبِسَهُ ثُمَّ وَجَدَ مَاءً لَمْ يَمْسَحْ "وَ" لِبُطْلَانِ طَهَارَتِهِ، وَنَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَنَقَلَ مَنْ قَالَ لَا يَنْقُضُهَا إلَّا وُجُودُ الْمَاءِ: يَمْسَحُ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ. وقاله1 أَشْهَبُ الْمَالِكِيُّ وَابْنُ سُرَيْجٍ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَزْمٍ: وَإِنْ لَبِسَ خُفًّا عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا عِمَامَةً أَوْ عَكْسُهُ فَوَجْهَانِ، وَكَذَا إنْ شَدَّ جبيرة مسح فيها عَلَيْهِمَا، أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَقِيلَ: يَجُوزُ، لِأَنَّ مَسْحَهُمَا عَزِيمَةٌ "م 4 - 6" وَإِنْ لَبِسَ خُفًّا عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا جَبِيرَةً مَسَحَ، وَقِيلَ إنْ كانت في رجله ومسح عليها ثم لبس الخف لم يمسح عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 4 – 6: قَوْلُهُ: "وَإِنْ لَبِسَ خُفًّا عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا عِمَامَةً أَوْ عَكْسُهُ فَوَجْهَانِ وَكَذَا، وَإِنْ شَدَّ جَبِيرَةً مَسَحَ عَلَيْهِمَا، أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَقِيلَ يَجُوزُ، لِأَنَّ مَسْحَهَا عَزِيمَةٌ". انْتَهَى، ذكر المصنف مسائل:
__________
1 في "ط": "وقال".(1/198)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى- 4: لَوْ لَبِسَ خُفًّا عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا عِمَامَةً.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ -5: عَكْسُهَا لَبِسَ عِمَامَةً عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا خُفًّا، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ وَعَدَمِهِ فِيهِمَا، وَأَطْلَقَهُ فِيهِمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ فِي شَرْحِهِ: قَالَ أَصْحَابُنَا: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ، انْتَهَى، قَالَ فِي الْفُصُولِ وَالْمُغْنِي1 وَالشَّرْحِ2: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ابْنَ عُبَيْدَانَ تَابَعَهُمْ، وَسَقَطَتْ لَفْظَةُ بَعْضٍ فِي الْكِتَابَةِ وَقَالَ الْقَاضِي يُحْتَمَلُ جَوَازُ الْمَسْحِ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ أَصَحُّهُمَا، عِنْدَ أَبِي الْبَرَكَاتِ الْجَوَازُ جَرْيًا عَلَى قَاعِدَتِهِ، مِنْ أَنَّ الْمَسْحَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ انْتَهَى، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ أَيْضًا فِي مَكَان آخَرَ.
قُلْتُ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَسْحَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ جَوَازُ الْمَسْحِ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ وَلَا يُجْزِئُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ كَمَا تَقَدَّمَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ -6: لَوْ شَدَّ جَبِيرَةً عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا عَلَى خُفٍّ وَعِمَامَةٍ أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا خِلَافًا وَمَذْهَبًا، وَقَدَّمَهُ الْمُسْتَحَبُّ، وَقَدْ جَزَمَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ هُنَا بِالْجَوَازِ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ فَتَأَكَّدَ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ هُنَا، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَضَعَّفَ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى هَذَا، وَصَحَّحَ الْمَنْعَ وأطلق الوجهين هنا في المغني1 والشرح2
__________
1 1/365.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/391.(1/199)
وَيَمْسَحُ عِمَامَةً مُحَنَّكَةً "ح" سَاتِرَةً مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةَ. وَفِي ذَاتِ ذُؤَابَةِ وَجْهَانِ "م 7" وذكرها ابن شهاب1، وجماعة في صماء وَقَالُوا: لَمْ يُفَرِّقْ أَحْمَدُ. وَفِي مُفْرَدَاتِ ابْنِ عَقِيلٍ هُوَ مَذْهَبُهُ، وَالظَّاهِرُ إنْ لَمْ يَكُنْ يقينا قد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وشرح ابن عبيدان وغيرهم وقيل يجوز الْمَسْحُ هُنَا، وَإِنْ مَنَعْنَاهُ فِي الْأُولَى لِأَنَّ مَسْحَهَا عَزِيمَةٌ، وَجَزَمَ بِهَذَا الْقَوْلِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَصَحَّحَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى الْمَنْعَ هُنَا وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ هُنَاكَ فَتَلَخَّصَ ثَلَاثُ طُرُقٍ:
أَحَدُهُمَا: هِيَ مِثْلُ الَّتِي قَبْلَهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَالثَّانِي: جَوَازُ الْمَسْحِ هُنَا وَإِنْ مَنَعْنَاهُ هُنَاكَ.
وَالثَّالِثُ: مَنْعُهُ هُنَا وَإِطْلَاقُ الْخِلَافِ هُنَاكَ وَهِيَ طَرِيقَتُهُ فِي الْكُبْرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَسْأَلَةٌ- 7: قَوْلُهُ: "وَفِي ذَاتِ ذُؤَابَةٍ وَجْهَانِ". انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَشَرْحِ أَبِي الْبَقَاءِ وَالْمُغْنِي2 وَالْكَافِي3 وَالْمُقْنِعِ4 وَالْهَادِي وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْمَجْدِ وَالنَّظْمِ ومجمع البحرين وشرح الخرقي
__________
1 هو: أبو علي، الحسن بن شهاب بن الحسن العكبري. له مصنفات في الفقه والأدب والحديث. "ت428هـ". "طبقات الحنابلة" 2/186، "الأعلام" 2/193.
2 1/381.
3 1/83.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/ 419.(1/200)
اطَّلَعُوا عَلَى كَرَاهَةِ أَحْمَدَ لِلُبْسِهَا، وَإِنَّمَا رَأَوْا أَنَّ الْكَرَاهَةَ لَا تَمْنَعُ الرُّخْصَةَ، وَيَأْتِي قَرِيبًا النهي عن الكي1.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
لِلطُّوفِيِّ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَشَرْحِ الْعُمْدَةِ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَالتَّسْهِيلِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَإِلَيْهِ مَيْلُ ابْنِ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَهُوَ مقتضى اختيار الشيخ تقي الدين بطريق أولى، فَإِنَّهُ اخْتَارَ جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ الصَّمَّاءِ. وَفِي الْفَائِقِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اخْتَارَهُ صَرِيحًا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ قَالَهُ فِي الْفُصُولِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ وَالْوَجِيزِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُبْهِجِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا مُحَنَّكَةٌ، وَاقْتَصَرُوا عَلَيْهِ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، قَالَ الشَّارِحُ وَهُوَ أَظْهَرُ، وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ، قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَفِي اشْتِرَاطِ التَّحْنِيكِ وَجْهَانِ، اشْتَرَطَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَأَلْغَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَشَيْخُنَا، وَخَرَجَ مِنْ الْقَلَانِسِ، وَقِيلَ الذُّؤَابَةُ كَافِيَةٌ، وَقِيلَ بِعَدَمِهِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ، انْتَهَى، وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الشيخ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ فِي الْعُمْدَةِ، وَلَمْ أَرَ فِي كُتُبِهِ مَا يُخَالِفُهُ، بَلْ صَرَّحَ الشَّارِحُ أن الجواز اختيار الشيخ، والله أعلم.
__________
1 ص 208.(1/201)
وَاخْتَارَ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ الْمَسْحَ، وَقَالَ: هِيَ كَالْقَلَانِسِ، وكره أحمد لبس غير1 الْمُحَنَّكَةِ، وَنَقَلَ الْحَسَنُ أَبُو ثَوَّابٍ2: كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً، وَلَمْ يُصَرِّحْ الْأَصْحَابُ بِإِبَاحَةِ لُبْسِهَا، بَلْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ كَرَاهَةَ أَحْمَدَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تُبَاحُ مَعَ النَّهْيِ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا رُخْصَةٌ، وَعَلَّلَهُ بعضهم بعدم المشقة، كالكتلة3، وَبِأَنَّهَا تُشْبِهُ عَمَائِمَ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَقَدْ نَهَى عَنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ، وَيَأْتِي فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ4.
وَقَالَ شَيْخُنَا: الْمَحْكِيُّ عَنْ أَحْمَدَ الْكَرَاهَةُ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهَا كَرَاهَةٌ لَا تَرْتَقِي إلَى التَّحْرِيمِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَمْنَعُ التَّرَخُّصَ كَسَفَرِ النُّزْهَةِ، كَذَا قَالَ، وَيَأْتِي فِي الْقَصْرِ5، وَلَعَلَّ ظَاهِرَ مَنْ جَوَّزَ الْمَسْحَ إبَاحَةُ لُبْسِهَا، وَهُوَ مُتَّجَهٌ، لِأَنَّهُ فِعْلُ أَبْنَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَتُحْمَلُ كَرَاهَةُ السَّلَفِ عَلَى الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، لِجِهَادٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا، أَوْ عَلَى تَرْكِ الْأَوْلَى، وَحَمَلَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ عَلَى غَيْرِ ذَاتِ ذُؤَابَةٍ، مع أن الكراهة إنما هي عن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ط".
2 أبو علي، الحسن بن ثواب بن علي المخرمي، البغدادي، من أصحاب الإمام أحمد، كان له جزء كبير فيه مسائل عن الإمام. "ت268هـ". "طبقات الحنابلة" 1/131، و"المقصد الأرشد" 1/317.
3 ضرب من القلانس يلبسه أرباب السيوف في الدولة الأيوبية. "متن اللغة": "كلت". وينظر: "المغني" 1/284.
4 2/57.
5 3/80.(1/202)
عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَالْحَسَنِ، وَطَاوُسٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَفِي الصِّحَّةِ نَظَرٌ.
وَلَا يَمْسَحُ مَعَهَا مَا الْعَادَةُ كَشْفُهُ، وَعَنْهُ يَجِبُ، وَعَنْهُ حَتَّى الْأُذُنَيْنِ، وَلَا يَمْسَحُ قَلَنْسُوَةً، وَعَنْهُ بَلَى، وَقِيلَ الْمَحْبُوسَةُ تَحْتَ حَلْقِهِ، وَلَا سَاتِرًا كَخِضَابٍ نَصَّ عَلَيْهِ.
وَلَا تَمْسَحُ امْرَأَةٌ عِمَامَةً، وَلِحَاجَةِ بَرْدٍ وَغَيْرِهِ وَجْهَانِ "م 8" وَإِنْ قِيلَ: يُكْرَهُ التَّشَبُّهُ، فَوَجْهُ الْخِلَافِ، كَصَمَّاءَ. وَمِثْلُ الْحَاجَةِ لَوْ لَبِسَ مُحْرِمٌ خُفَّيْنِ لِحَاجَةٍ هل يمسح "م 9".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ – 8: قَوْلُهُ: "وَلَا تَمْسَحُ امْرَأَةٌ عِمَامَةً وَلِحَاجَةِ بَرْدٍ وَغَيْرِهِ وَجْهَانِ":
أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي1 وَالشَّرْحِ2 وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْعُمْدَةِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَحَّحَهُ، وَغَيْرُهُمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ وَيَصِحُّ.
قُلْتُ: وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَى ذَلِكَ وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِمَا إذَا لَبِسَ نَجَسَ الْعَيْنِ فِي الضَّرُورَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ3.
مَسْأَلَةٌ- 9: قَوْلُهُ: "وَمِثْلُ الْحَاجَةِ لَوْ لَبِسَ مُحْرِمٌ خُفَّيْنِ لِحَاجَةٍ هَلْ يَمْسَحُ؟ " انتهى، وقد علمت الصحيح من الوجهين في التي قبلها. قلت: الصواب جواز المسح
__________
1 1/383.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/224.
3 ص117.(1/203)
وَتَمْسَحُ قِنَاعَهَا وَهُوَ الْخِمَارُ الْمُدَارُ تَحْتَ الْحَلْقِ، وَعَنْهُ الْمَنْعُ وَيَجِبُ مَسْحُ الْجَبِيرَةِ كُلِّهَا فِي الطَّهَارَتَيْنِ إلَى حِلِّهَا إذَا لَمْ يَتَعَدَّ بِشَدِّهَا محل الحاجة، وعنه الإعادة، وعنه يتيمم "وش" مَعَ الْمَسْحِ فَلَا يَمْسَحُهَا بِتُرَابٍ، وَإِنْ عَمَّمَتْ1 مَحَلَّ التَّيَمُّمِ سَقَطَ، وَقِيلَ يُعِيدُ إذَنْ، وَقِيلَ هَلْ يَقَعُ التَّيَمُّمُ عَلَى حَائِلٍ فِي مَحِلِّهِ كَمَسْحِهِ بِالْمَاءِ أَمْ لَا لِضَعْفِ التُّرَابِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَتَقَيَّدُ الْجَبِيرَةُ بِالْوَقْتِ، وعنه بلي كالتيمم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
هُنَا وَإِنْ مَنَعْنَاهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، 2وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ بَلْ تَتَبَّعْتُ كَلَامَ أَكْثَرِهِمْ فَلَمْ أَرَهُمْ ذَكَرُوا الْمَسْأَلَةَ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا ذَكَرَهَا غَيْرَ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ عُمْدَةٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَرَّجَ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ2.
__________
1 في "ط": "عممت".
2 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".(1/204)
فَصْلٌ: يُشْتَرَطُ لِلْمَسْحِ اللُّبْسُ عَلَى طَهَارَةٍ
وَيُعْتَبَرُ كَمَا لَهَا، وَعَنْهُ لَا، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا "وهـ" فَلَوْ غَسَلَ رِجْلًا ثُمَّ أَدْخَلَهَا الْخُفَّ خَلَعَ، ثم لبس بعد1 غَسَلَ الْأُخْرَى2، ثُمَّ لَبِسَ، وَإِنْ لَبِسَ الْأُولَى طَاهِرَةً ثُمَّ الثَّانِيَةَ خَلَعَ الْأُولَى، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ وَالثَّانِيَةُ، أَوْ لَبِسَهُ مُحْدِثًا وَغَسَلَهُمَا فيه خلع على الأولى، ثم لبسه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط": "ثم".
2 بعدها في "ط": "ثم لبس".(1/205)
قَبْلَ الْحَدَثِ وَإِلَّا لَمْ يَمْسَحْ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ لَا يَخْلَعُهُ، وَيَمْسَحُ، وَجَزَمَ الْأَكْثَرُ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ الطَّهَارَةُ لِابْتِدَاءِ اللُّبْسِ، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا، وَهِيَ كَمَالُ الطَّهَارَةِ، فَذَكَرُوا فِيهَا الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَوْ نَوَى جُنُبٌ رَفْعَ حَدَثَيْهِ، وَغَسْلَ رِجْلَيْهِ وَأَدْخَلَهُمَا فِي خُفِّهِ، ثُمَّ تَمَّمَ طَهَارَتَهُ، أَوْ فَعَلَهُ محدث1 وَلَمْ يَعْتَبِرْ التَّرْتِيبَ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ، وَعَلَى الْأُولَى لَا. وَكَذَا لُبْسُ عِمَامَةٍ قَبْلَ2 طُهْرٍ كَامِلٍ، فَلَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ لَبِسَهَا ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ مَسَحَ عَلَى الثَّانِيَةِ، وَعَلَى الْأُولَى يَخْلَعُ ثُمَّ يَلْبَسُ.
وَإِنْ لَبِسَهَا مُحْدِثًا ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَرَفَعَهَا رَفْعًا فَاحِشًا فَكَذَلِكَ، قَالَ شَيْخُنَا: كَمَا لَوْ لَبِسَ الْخُفَّ مُحْدِثًا، فَلَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ رَفَعَهَا إلَى السَّاقِ، ثُمَّ أَعَادَهَا، وَإِنْ لَمْ يَرْفَعْهَا فَاحِشًا احْتَمَلَ أَنَّهُ كَمَا لَوْ غَسَلَ رِجْلَهُ فِي الْخُفِّ، لِأَنَّ الرَّفْعَ الْيَسِيرَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ حُكْمِ اللُّبْسِ، وَلِهَذَا لَا تَبْطُلُ الطَّهَارَةُ بِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَابْتِدَاءِ اللُّبْسِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا عُفِيَ عَنْهُ هُنَاكَ لِلْمَشَقَّةِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط": "كمحدث".
2 في الأصل: "بعد".(1/206)
قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ الْعِمَامَةَ لَا يَشْتَرِطُ فِيهَا ابْتِدَاءُ اللُّبْسِ عَلَى طَهَارَةٍ، وَيَكْفِي فِيهَا الطَّهَارَةُ الْمُسْتَدَامَةُ، لِأَنَّ الْعَادَةَ إنَّ مَنْ تَوَضَّأَ رَفَعَ الْعِمَامَةَ وَمَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ أَعَادَهَا. فَلَا يَبْقَى مَكْشُوفَ الرَّأْسِ إلَى آخِرِ الْوُضُوءِ، وَلَا أَنَّهُ يَخْلَعُهَا بَعْدَ وُضُوئِهِ ثُمَّ يَلْبَسُهَا بِخِلَافِ الْخُفِّ، وَهَذَا مُرَادُ ابْنِ هُبَيْرَةَ فِي الْإِفْصَاحِ فِي الْعِمَامَةِ هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ لَبِسَهَا عَلَى طَهَارَةٍ؟ عَنْهُ رِوَايَتَانِ، أَمَّا مَا لَا يَعْرِفُ عَنْ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ فَتَبْعُدُ إرَادَتُهُ جِدًّا، فَلَا يَنْبَغِي حَمْلُ الْكَلَامِ الْمُحْتَمَلِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ قَوْلَ الظَّاهِرِيَّةِ وَحَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ دَاوُد فِي الْخُفِّ أَيْضًا وَفِي ذَلِكَ إثْبَاتُ خِلَافٍ بِالِاحْتِمَالِ فِي مَوْضِعٍ لَا يُعْرَفُ لِغَيْرِهِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ.
وَيُشْتَرَطُ لِلْجَبِيرَةِ الطَّهَارَةُ "وش" وَعَنْهُ لا، اختاره الخلال وصاحبه1 وَالشَّيْخُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ شَدَّ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةِ نَزَعَ فَإِنْ خَافَ تَيَمَّمَ، وَقِيلَ يَمْسَحُ "وش" وَقِيلَ: هُمَا، وَكَذَا لَوْ تَعَدَّى بِالشَّدِّ محل الحاجة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ط".(1/207)
وَخَافَ، وَإِنْ كَانَ شَدَّ عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا حَائِلًا، فَإِنْ كَانَ جَبِيرَةً جَازَ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، وَكَذَا لُبْسُهُ خُفًّا عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا عِمَامَةً وَعَكْسُهُ، وَقِيلَ أَوْ مَسَحَ فِيهَا جَبِيرَةً فِي رِجْلَيْهِ "م 10" وَسَبَقَ ذَلِكَ1.
وَالدَّوَاءُ كَجَبِيرَةٍ، وَلَوْ جَعَلَ فِي شِقٍّ قَارًا وَتَضَرَّرَ بِقَلْعِهِ فَعَنْهُ يَتَيَمَّمُ، لِلنَّهْيِ عَنْ الْكَيِّ مَعَ ذِكْرِهِمْ كَرَاهَةَ الْكَيِّ، وَعَنْهُ لَهُ الْمَسْحُ، وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ يَغْسِلُهُ، وَعِنْدَ الْقَاضِي إنْ خَافَ تلفا صلى وأعاد "م 11"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مسألة -10: قوله: "وإن كان شَدَّ" يَعْنِي الْجَبِيرَةَ عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا حَائِلًا فَإِنْ كَانَ جَبِيرَةً جَازَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، وَكَذَا لَوْ لَبِسَ خُفًّا عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا عِمَامَةً أَوْ عَكْسُهُ، وَقِيلَ: أَوْ مَسَحَ فِيهَا جَبِيرَةً فِي رِجْلَيْهِ انْتَهَى. قُلْت: تَقَدَّمَ حُكْمُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَقَدْ صَحَّحْنَا ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ أَطْلَقَ الْخِلَافَ أَيْضًا قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهَا وَلَكِنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَهَا هُنَا اسْتِطْرَادًا، وَلِذَلِكَ قَالَ وَسَبَقَ ذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرَ هُنَاكَ قَوْلًا لَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا وَذَكَرَ هُنَا قَوْلًا، وَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى لَمْ يَذْكُرْهَا هُنَاكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَسْأَلَةٌ -11: قَوْلُهُ: "وَلَوْ جَعَلَ فِي شِقٍّ قَارًا وَتَضَرَّرَ بِقَلْعِهِ فَعَنْهُ يَتَيَمَّمُ لِلنَّهْيِ عَنْ الْكَيِّ مَعَ ذِكْرِهِمْ كَرَاهَةَ الْكَيِّ، وَعَنْهُ لَهُ الْمَسْحُ، وَعَنْ ابْنِ عَقِيلٍ يَغْسِلُهُ، وَعِنْدَ الْقَاضِي إنْ خَافَ تَلَفًا صَلَّى وَأَعَادَ" انْتَهَى، وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَشَرْحِ ابن عبيدان والزركشي وغيرهم:
__________
1 ص198.(1/208)
وَيَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَالْمُسَافِرُ سَفَرَ الْقَصْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ ثُمَّ يَخْلَعُ "م" "وَقِيلَ فِي الْمُسَافِرِ" لَا تَوْقِيتَ فَإِنْ خَافَ فَوَاتَ رُفْقَةٍ، أَوْ تَضَرُّرَ رَفِيقِهِ 1بِانْتِظَارٍ تَيَمَّمَ، فَلَوْ مَسَحَ وَصَلَّى أَعَادَ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَمْسَحُ كَالْجَبِيرَةِ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَمْسَحَ عَاصٍ بِسَفَرِهِ كَغَيْرِهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ، وَقِيلَ: لَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
إحْدَاهُمَا: يُجْزِئُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي2 وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ وَابْنُ تَمِيمٍ وَالْمُصَنِّفُ فِي حَوَاشِي الْمُقْنِعِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُجْزِئُهُ فَيَتَيَمَّمُ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَ ابْنِ عَقِيلٍ وَالْقَاضِي وَكَلَامُ ابن عقيل مذكور في الفصول.
__________
1 في "ط": "بانتظار".
2 1/87.(1/209)
يَمْسَحُ وَمَنْ أَقَامَ عَاصِيًا كَمَنْ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ بِسَفَرٍ فَأَقَامَ مَسَحَ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي: هَلْ هُوَ كَعَاصٍ بِسَفَرِهِ فِي مَنْعِ التَّرْخِيصِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ حَدَثِهِ بَعْدَ لُبْسِهِ "وَ" أَيْ مِنْ وَقْتِ جَوَازِ مَسْحِهِ بَعْدَ حَدَثِهِ، فَلَوْ مَضَى مِنْ الْحَدَثِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ؛ أَوْ ثَلَاثَةٌ، وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا وَلَمْ يَمْسَحْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، وَمَا لَمْ يُحْدِثْ لَا تُحْتَسَبُ الْمُدَّةُ، فَلَوْ بَقِيَ بَعْدَ لُبْسِهِ يَوْمًا عَلَى طَهَارَةِ اللُّبْسِ ثُمَّ أَحْدَثَ اسْتَبَاحَ بَعْدَ الْحَدَثِ الْمُدَّةِ.
وَانْتِهَاءُ الْمُدَّةِ وَقْتُ جَوَازِ مَسْحِهِ بَعْدَ حَدَثِهِ، وَعَنْهُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ مَسْحِهِ بَعْدَ حَدَثِهِ، وَانْتِهَاؤُهَا وَقْتُ الْمَسْحِ.
وَإِنْ مَسَحَ مُسَافِرًا ثُمَّ أقام أتم على بقية مسح مقيم "و" وَفِي الْمُبْهِجِ مَسْحُ مُسَافِرٍ إنْ كَانَ مَسَحَ مُسَافِرًا فَوْقَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَإِنْ مَسَحَ أَقَلَّ مِنْ مَسْحِ مُقِيمٍ ثُمَّ سَافَرَ فَكَذَلِكَ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ "هـ" وَعَنْهُ عَلَى الْبَاقِي مِنْ مَسْحِ مُسَافِرٍ، قَالَ الْخَلَّالُ: نَقَلَهُ أَحَدَ عَشَرَ نَفْسًا، وَرَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَتَوَجَّهُ إنْ صَلَّى بِطَهَارَةِ الْمَسْحِ فِي الْحَضَرِ غَلَبُ جَانِبِهِ، قَالَ فِي الْخِلَافِ مُلْزِمًا لِمَنْ قَالَ يَمْسَحُ مَسْحَ مُسَافِرٍ: لَوْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ أَحَدَ خُفَّيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/210)
وَسَافَرَ ثُمَّ مَسَحَ الْأُخْرَى فِي السَّفَرِ، فَعِنْدَهُمْ يَمْسَحُ مَسْحَ مُسَافِرٍ، وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ شَكَّ فِي ابْتِدَائِهِ حَضَرًا أَوْ سَفَرًا.
وَإِنْ أَحْدَثَ مُقِيمًا وَمَسَحَ مُسَافِرًا أَتَمَّ مَسْحَ مُسَافِرٍ "و" وَعَنْهُ مَسْحُ مُقِيمٍ ذَكَرَهَا فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ، وجعلها كمن1 سَافَرَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَلَمْ يُحْرِمْ بِالصَّلَاةِ، وَقِيلَ: إنْ مَضَى وَقْتُ صَلَاةٍ ثُمَّ سَافَرَ أَتَمَّ مَسْحَ مُقِيمٍ.
وَإِنْ شَكَّ فِي بَقَاءِ الْمُدَّةِ لَمْ يَمْسَحْ "و" لِأَنَّ الْأَصْلَ الْغُسْلُ، فَإِنْ مَسَحَ فَبَانَ بَقَاؤُهَا صَحَّ وُضُوءُهُ، وَقِيلَ: لَا، كَمَا يُعِيدُ مَا صَلَّى بِهِ مَعَ شَكِّهِ بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ.
وَتَمْسَحُ الْمُسْتَحَاضَةُ وَنَحْوُهَا فِي الْمَنْصُوصِ كَغَيْرِهَا "وم" 2وَقِيلَ: لَا، وَقِيلَ: لوقت كل صلاة "وهـ" وقيل: لوقت كل صلاة "وهـ" 3 لا إنَّهَا لَا تَمْسَحُ إلَّا بِقَدْرِ مَا تُصَلِّي بِطَهَارَتِهَا ذَاتُ الْغُسْلِ ثُمَّ تَخْلَعُ. "وش" وَمَتَى انْقَطَعَ الدَّمُ اسْتَأْنَفَتْ الْوُضُوءَ، وَجْهًا وَاحِدًا كَالْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ بِخِلَافِ ذِي الطُّهْرِ الْكَامِلِ يَخْلَعُ الْخُفَّ4، أَوْ تَنْقَضِي الْمُدَّةُ.
وَمَنْ غَسَلَ صَحِيحًا وَتَيَمَّمَ لِجُرْحٍ، فَهَلْ يَمْسَحُ الْخُفَّ؟ قَالَ غَيْرُ واحد: هو كالمستحاضة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط": "لمن".
2 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
3 في "ط": "وقيل: إنها لا".
4 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".(1/211)
وَيَجِبُ مَسْحُ أَكْثَرِ أَعْلَى الْخُفِّ، وَقِيلَ: قَدْرِ النَّاصِيَةِ مِنْ الرَّأْسِ، وَقِيلَ: هُوَ الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: جَمِيعُهُ "وم" لَا قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ "هـ" أَوْ مَا سُمِّيَ مَسْحًا "ش".
وَيُجْزِئُ مَسْحُ أكثر العمامة على الأصح، ويستحب إمرار أصابع1 يَدِهِ مَرَّةً مِنْ أَصَابِعِهِ إلَى سَاقِهِ، وَلَا يُجْزِئُ أَسْفَلُهُ وَعَقِبُهُ "و" وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ "هـ" وَمَسْحُهُ بِأُصْبُعٍ أَوْ حَائِلٍ أَوْ غَسْلُهُ كَالرَّأْسِ، وَيُكْرَهُ تَكْرَارُ مَسْحِهِ وَغَسْلِهِ.
وَإِنْ ظَهَرَ بَعْضُ قَدَمِ مَاسِحٍ، أَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ ابْتَدَأَ الطَّهَارَةَ، وَعَنْهُ يُجْزِئُهُ مَسْحُ رَأْسِهِ وَغَسْلُ رِجْلَيْهِ "هـ م و"2 وَهَلْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُوَالَاةِ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ط".
2 في "ط": "هـ م و".(1/212)
"وم" جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ، أَوْ رَفَعَ الْحَدَثَ؟ جَزَمَ بِهِ أَبُو الْحُسَيْنِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْبَرَكَاتِ وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي أَنَّهُ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ، وَيَرْفَعُهُ فِي الْمَنْصُوصِ "و" أَوْ مَبْنِيٌّ عَلَى غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ بِنِيَّةٍ، أَوْ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَتَبَعَّضُ فِي النَّقْضِ، وَإِنْ تَبَعَّضَتْ فِي الثُّبُوتِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ؛ وَاخْتَارَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَقَالَهُ فِي الْخِلَافِ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ "م 12" وَهُوَ كَقُدْرَةِ الْمُتَيَمِّمِ عَلَى الْمَاءِ وَقِيلَ كَسَبْقِ الحدث، قال صاحب المحرر: إن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ -12: قَوْلُهُ: "وَإِنْ ظَهَرَ بَعْضُ قَدَمِ مَاسِحٍ أَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ ابْتَدَأَ الطَّهَارَةَ وَعَنْهُ يُجْزِئُهُ مسح رأسه وغسل رجليه1، وَهَلْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُوَالَاةِ، وَجَزَمَ بِهِ الشيخ، أو رفع الحدث؟ جزم به أبو الْحُسَيْنِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْبَرَكَاتِ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي أَنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ، وَيَرْفَعُهُ فِي الْمَنْصُوصِ، أَوْ مَبْنِيٌّ عَلَى غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ بِنِيَّةٍ أَوْ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَتَبَعَّضُ فِي النَّقْضِ وَإِنْ تَبَعَّضَتْ فِي الثُّبُوتِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ؟ اخْتَارَهُ فِي الِانْتِصَارِ، وَقَالَهُ فِي الْخِلَافِ فِيهِ أَوْجُهٌ انْتَهَى.
اعْلَمْ: أَنَّ الْأَصْحَابَ اخْتَلَفُوا فِي بِنَاءِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى طُرُقٍ أَطْلَقَهَا الْمُصَنِّفُ. فَقِيلَ: هِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُوَالَاةِ، قَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي2 وَالشَّارِحُ وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فَعَلَى هَذَا لو حصل ذلك قبل فوات الْمُوَالَاةِ أَجْزَأَهُ مَسْحُ رَأْسِهِ وَغَسْلُ قَدَمَيْهِ قَوْلًا وَاحِدًا، لِعَدَمِ الْإِخْلَالِ بِالْمُوَالَاةِ، وَإِنْ فَاتَتْ الْمُوَالَاةُ ابْتَدَأَ الطَّهَارَةَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْمُوَالَاةِ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أن الموالاة فرض، وضعف
__________
1 في نسخ التصحيح و"ط": "قدميه"، والمثبت من "الفروع".
2 1/367.(1/213)
رفعه1، وإن رَفَعَ الْعِمَامَةَ يَسِيرًا لَمْ يَضُرَّ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ للمشقة، قال أحمد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَمَنْ تَابَعَهُ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرُهُ: وَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ طَهَارَةَ الْمَسْحِ لَا تَرْفَعُ الْحَدَثَ، وَإِنَّمَا تُبِيحُ الصَّلَاةَ كَالتَّيَمُّمِ، فَإِذَا ظَهَرَتْ الرِّجْلَانِ ظَهَرَ حُكْمُ الْحَدَثِ السَّابِقِ "قَالَ" الزَّرْكَشِيّ وَوَقَعَ ذَلِكَ لِلْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ أَيْضًا فِي تَوْقِيتِ الْمَسْحِ مُصَرِّحًا بِأَنَّ طَهَارَةَ الْمَسْحِ تَرْفَعُ الْحَدَثَ: إلَّا عَنْ الرِّجْلَيْنِ، انْتَهَى، وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي التَّعْلِيقِ كَمَا قَالَ.
وَقِيلَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ، وَقَطَعَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ. وَقَالَ: هُوَ وَأَبُو الْمَعَالِي بْنُ مُنَجَّى وَحَفِيدُهُ أَبُو الْبَرَكَاتِ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِمْ: هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ، انْتَهَى. قُلْتُ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الطُّرُقِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ نَصَّ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، فَبَنَوْا ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَنْ الرِّجْلَيْنِ، وَعَلَى أَنَّ الْحَدَثَ لَا يَتَبَعَّضُ، فَإِذَا خَلَعَ عَادَ الْحَدَثُ إلَى الرِّجْلَيْنِ فَيَسْرِي إلَى بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ، فَيَسْتَأْنِفُ الْوُضُوءَ، وَإِنْ قَرُبَ الزَّمَنُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ لِإِطْلَاقِهِ الْقَوْلَ بِالِاسْتِئْنَافِ بَلْ. قِيلَ: إنَّهُ مَنْصُوصُهُ، قَالَ فِي الْكَافِي2: أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ تَبْطُلُ الطَّهَارَةُ لِأَنَّ الْمَسْحَ أُقِيمَ مَقَامَ الْغَسْلِ، فَإِذَا زَالَ بَطَلَتْ الطَّهَارَةُ فِي الْقَدَمَيْنِ، فَتَبْطُلُ فِي جَمِيعِهَا لِكَوْنِهَا لَا تَتَبَعَّضُ، انْتَهَى، وَأَطْلَقَ الطَّرِيقَتَيْنِ ابْنُ تَمِيمٍ.
وَقِيلَ: مَبْنِيَّةٌ عَلَى صِحَّةِ غَسْلِ كل عضو بنية، فإن قلنا: يَصِحُّ تَفْرِيقُ النِّيَّةِ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَجْزَأَ غسل قدميه، وإلا ابتدأ الطهارة.
__________
1 بعدها في الأصل: "أي: إن رفع المسح المحدث، فكسبق الحدث".
2 1/82.(1/214)
إذَا زَالَتْ عَنْ رَأْسِهِ فَلَا بَأْسَ مَا لَمْ يَفْحُشْ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: مَا لم يرفعها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَاعْلَمْ: أَنَّ فِي صِحَّةِ طَهَارَةِ مَنْ فَرَّقَ النِّيَّةَ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَجْهَيْنِ، وَأَنَّ الصَّحِيحَ الصِّحَّةُ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الصَّحِيحُ إجْزَاءَ مَسْحِ رَأْسِهِ وَغَسْلِ قَدَمَيْهِ.
وَقِيلَ: مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَتَبَعَّضُ فِي النَّقْضِ وَإِنْ تَبَعَّضَتْ فِي الثُّبُوتِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ. قُلْتُ: قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: فَإِنْ قِيلَ: لَا تَبَعُّضَ فِي الصِّحَّةِ فَيَصِحَّانِ جُزْءًا فَجُزْءًا، وَلَا يَتَبَعَّضَانِ فِي الِانْتِقَاضِ، انْتَهَى.
تَنْبِيهَانِ
الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيَّتَانِ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ اللَّاتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ أُصُولًا. قَالَ: الشَّارِحُ بَعْدَ أَنْ حَكَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ الْمُوَالَاةِ، فَمَنْ لَمْ يُوجِبْهَا فِي الْوُضُوءِ جَوَّزَ غَسْلَ الْقَدَمَيْنِ، وَمَنْ أَوْجَبَهَا أَبْطَلَ الْوُضُوءَ إذَا فَاتَتْ وَإِلَّا أَجْزَأَهُ غَسْلُهُمَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ وَالزَّرْكَشِيِّ خِلَافُ ذَلِكَ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يُجْزِئُهُ غَسْلُ قَدَمَيْهِ وَبَنَوْهَا عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ تَتَبَعَّضُ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ تَفْرِيقُهَا كَالْغَسْلِ وَإِذَنْ إمَّا أَنْ نَقُولَ الْحَدَثُ لَمْ يَرْتَفِعْ عَنْ الرِّجْلَيْنِ فَيُغْسَلَانِ بِحُكْمِ الْحَدَثِ السَّابِقِ، أَوْ نَقُولَ ارْتَفَعَ وَعَادَ إلَيْهِمَا فَقَطْ وَأَمَّا الْمَذْهَبُ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عِنْدَ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ وَأَبِي مُحَمَّدٍ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي اشْتِرَاطِ الْمُوَالَاةِ وَبَنَاهُ أَبُو الْبَرَكَاتِ عَلَى شَيْئَيْنِ "أَحَدُهُمَا" أَنَّ الْمَسْحَ يَرْفَعُ حَدَثَ الرِّجْلَيْنِ رَفْعًا مُؤَقَّتًا. وَالثَّانِي: أَنَّ الْحَدَثَ لَا يَتَبَعَّضُ انْتَهَى، فَظَاهِرُ هَذَا بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّ كُلَّ رِوَايَةٍ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَصْلٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ خَلَعَ مَا مَسَحَهُ أَوْ ظَهَرَ بَعْضُ مَحَلِّ فَرْضِهِ فِي رَأْسِهِ أَوْ قَدَمِهِ أَوْ تَمَّتْ مُدَّتُهُ تَوَضَّأَ ثَانِيًا إنْ فَاتَتْ الْمُوَالَاةُ، وَقِيلَ أَوْ لَمْ تَفُتْ، وَقُلْنَا الْمَسْحُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ، وَعَنْهُ يجزئ مسح رَأْسِهِ وَغَسْلُ قَدَمَيْهِ، وَمَحِلُّ الْجَبِيرَةِ وَمَا بَعْدَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي اعْتِبَارِ التَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةِ، وَقِيلَ بَلْ هَذَا إنْ قُلْنَا الْمَسْحُ لَا يَرْفَعُ الحدث مع(1/215)
بِالْكُلِّيَّةِ، لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ، وَظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ تَبْطُلُ لِظُهُورِ شَيْءٍ مِنْ رَأْسِهِ.
وَخُرُوجِ الْقَدَمِ أَوْ بَعْضِهِ إلَى سَاقِ الْخُفِّ كَخَلْعِهِ "وَ" مَعَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُحْرِمُ فِدْيَةٌ ثَانِيَةٌ، لِأَنَّ ظُهُورَ بعض القدم كظهوره هنا، وعنه لَا، وَعَنْهُ لَا بِبَعْضِهِ.
وَإِنْ اُنْتُقِضَ بَعْضُ الْعِمَامَةِ فَرِوَايَتَانِ "م 13". وَإِنْ نَزَعَ خُفًّا فَوْقَانِيًّا مَسَحَهُ، فَعَنْهُ يَلْزَمُهُ نَزْعُ التَّحْتَانِيِّ، اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ فَيَتَوَضَّأُ، أَوْ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ عَلَى الْخِلَافِ "م 14" وعنه لا يلزمه "وهـ م" فيتوضأ أو يمسح التحتاني
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْمُوَالَاةِ وَعَدَمِهَا، وَإِنْ قُلْنَا يَرْفَعُهُ تَوَضَّأَ، وَقِيلَ بَلْ هَذَا إنْ قُلْنَا يُجْزِئُ كُلُّ عُضْوٍ بِنِيَّتِهِ، وَإِلَّا تَوَضَّأَ انْتَهَى.
الثَّانِي: قَوْلُهُ: "وَعَنْهُ يُجْزِئُهُ مَسْحُ رَأْسِهِ وَغَسْلُ رِجْلَيْهِ"1 لَعَلَّهُ "وَعَنْهُ يُجْزِئُهُ غَسْلُ رِجْلَيْهِ" لِأَنَّ الرَّأْسَ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ فِي كَلَامِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ سَقْطٌ وَتَقْدِيرُهُ وَإِنْ ظَهَرَ قَدَمُ الْمَاسِحِ أَوْ رَأْسُهُ وَهُوَ أَوْلَى، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الرِّوَايَةُ وَرَّدَتْ كَذَلِكَ أَوْ أَنَّ الْحُكْمَ لَمَّا كَانَ وَاحِدًا ذَكَرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَسْأَلَةٌ- 13: قَوْلُهُ: وَإِنْ انْتَقَضَ بَعْضُ الْعِمَامَةِ فَرِوَايَتَانِ انْتَهَى، ذَكَرَهَا ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَأَطْلَقَهُمَا هُوَ وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي2 وَالشَّرْحِ3 وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَابْنُ تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ:
إحْدَاهُمَا: يَبْطُلُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ اخْتَارَهَا الْمَجْدُ وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي شَرْحَيْهِمَا وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ الصَّوَابُ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَلَوْ انْتَقَضَ بَعْضُ عِمَامَتِهِ وَفَحُشَ وَقِيلَ وَلَوْ دَوْرَةً بَطَلَ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَبْطُلُ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَقَالَ الْقَاضِي: لَوْ اُنْتُقِضَ
__________
1 تقدم هذا القول في الصفحة 212.
2 1/382.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/384.(1/216)
مُفْرَدًا عَلَى الْخِلَافِ، وَكُلٌّ مِنْ الْفَوْقَانِيِّ وَالتَّحْتَانِيِّ بَدَلٌ مُسْتَقِلٌّ عَنْ الْغَسْلِ، وَقِيلَ: الْفَوْقَانِيُّ بَدَلٌ عَنْ الْغَسْلِ، وَالتَّحْتَانِيُّ كَلِفَافَةٍ، وَقِيلَ: الْفَوْقَانِيُّ بَدَلٌ عَنْ التَّحْتَانِيِّ، وَالتَّحْتَانِيُّ بَدَلٌ عَنْ الْقَدَمِ، وَقِيلَ: هما كظهارة وبطانة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مِنْهَا كَوْرٌ وَاحِدٌ بَطَلَ، وَهُوَ الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ فَتَلَخَّصَ أَنَّ فِي مَحَلَّ الْخِلَافِ طَرِيقَتَيْنِ مَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ.
مَسْأَلَةٌ – 14: قَوْلُهُ: "وَإِنْ نَزَعَ خُفًّا فَوْقَانِيًّا مَسَحَهُ، فَعَنْهُ يَلْزَمُهُ نَزْعُ التَّحْتَانِيِّ فَيَتَوَضَّأُ أَوْ يَغْسِلُ قَدَمَهُ عَلَى الْخِلَافِ، وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ، فَيَتَوَضَّأُ أَوْ يَمْسَحُ التَّحْتَانِيَّ مُفْرَدًا عَلَى الْخِلَافِ" انْتَهَى.
اعْلَمْ أَنَّ قَرِينَةَ قَوْلِهِ: "اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ" يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ الْإِتْيَانَ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ يَقْتَضِي قوة الخلاف من الجانبين وَإِنْ كَانَ الْأَصْحَابُ اخْتَارُوا إحْدَاهُمَا، وَالْمُصَنَّفِ تَابَعَ الْمَجْدَ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ، وَكَذَا ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ وَابْنُ عُبَيْدَانَ فِي شَرْحَيْهِمَا، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ وَابْنُ عُبَيْدَانَ عَدَمَ اللُّزُومِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى لَكِنْ قَالَ: الْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْحَاوِيَيْنِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ: يَعْنِي بِهِ فِيهِمَا الَّذِي فِيمَا إذَا ظَهَرَ قَدَمُ الْمَاسِحِ، أَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ الَّذِي ذَكَرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ.
فَهَذِهِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً قَدْ فَتَحَ اللَّهُ بِتَصْحِيحِهَا والله أعلم.(1/217)
وَإِنْ أَحْدَثَ قَبْلَ وُصُولِ الْقَدَمِ مَحِلَّهَا لَمْ يَمْسَحْ عَلَى الْأَصَحِّ، لِهَذَا لَوْ غَسَلَهَا فِيهِ ثُمَّ أَدْخَلَهَا مَحِلَّهَا مَسَحَ، وَإِنْ زَالَتْ الْجَبِيرَةُ فَكَالْخَفِّ "وم ش" وَقِيلَ طَهَارَتُهُ بَاقِيَةٌ قَبْلَ الْبُرْءِ "وهـ" اخْتَارَهُ شَيْخُنَا مُطْلَقًا كَإِزَالَةِ الشَّعْرِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/218)
باب نواقض الطهارة الصغرى
الأول: الخارج من السبيلين
...
بَابُ نَوَاقِضِ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى
وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ:
الْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ، وَالْمُرَادُ إلَى مَا هُوَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ وَيَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ وَلَوْ نَادِرًا كَاسْتِحَاضَةٍ "م".
وَقِيلَ: لَا يَنْقُضُ رِيحُ قُبُلٍ "وهـ" وقيل من ذكر. وفي خروج ما تحمله1 فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ بِلَا بَلَّةٍ كَقُطْنَةٍ أَوْ مِيلٍ2 فِيهَا وَقِيلَ وَمَعَ بَلَّةٍ، وَظَاهِرُ نَقْلِ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّهُ3 لَا يَنْقُضُ إلَّا خُرُوجُ بَوْلٍ، قَالَهُ الْقَاضِي وَمُجَرَّدُ الْحُقْنَةِ أَوْجُهٌ: الثالث ينقض من دبره، وكذا لو دب ماؤه، أو استدخلته، أو مني امرأة ولم يُخَرَّجْ ذَلِكَ "م 1 - 3" وَإِنْ خَرَجَ تَوَضَّأَتْ وَقِيلَ تغتسل لمنيه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 1 – 3: قَوْلُهُ: "وَفِي خُرُوجِ مَا يَحْمِلُهُ1 فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ بِلَا بَلَّةٍ كَقُطْنَةٍ أَوْ مِيلٍ ... وَمُجَرَّدِ الْحُقْنَةِ أَوْجُهٌ: الثَّالِثُ يُنْقَضُ مِنْ دبره وكذا لو دب ماؤه أو استدخلته أَوْ مَنِيِّ امْرَأَةٍ وَلَمْ يَخْرُجْ ذَلِكَ" انْتَهَى. اشْتَمَلَ كَلَامُهُ عَلَى مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى-1: لَوْ احْتَشَى فِي قُبُلِهِ أَوْ دُبُرِهِ قُطْنًا أَوْ مِيلًا ثُمَّ خَرَجَ بِلَا بَلَّةٍ فَقِيلَ لَا يُنْقَضُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ الإمام أحمد ذكره القاضي في
__________
1 في "ط": "تجعله".
2 بعدها في "ب" و"س" و"ط": "فيها".
3 ليست في الأصل و"س".(1/219)
وإن خرج مَعَهُ مَنِيُّهَا فَكَبَقِيَّةِ الْمَنِيِّ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِيمَا يَحْمِلُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ طَرَفِهِ خَارِجًا، أَوْ لَا. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إنْ لَمْ يَكُنْ طَرَفُهُ خَارِجًا ثُمَّ أَخْرَجَهُ، أَوْ خَرَجَ نَقَضَ، وَأَفْسَدَ الصَّوْمَ، وَإِنْ كَانَ طَرَفُهُ خَارِجًا فَلَا، إلَّا مع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْمُجَرَّدِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَمْدَانَ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَقِيلَ يُنْقَضُ صَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَخُرُوجُهُ بِلَا بَلَّةٍ نَادِرٌ جِدًّا، بَلْ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ عَلَى الظَّنِّ وَأَطْلَقَهُمَا الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَالشَّارِحُ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرُهُمْ، وَقِيلَ: إذَا خَرَجَ مِنْ الدُّبُرِ خَاصَّةً ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُجَرَّدِ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُ، وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالصَّحِيحُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ-2-3: لَوْ احْتَقَنَ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْحُقْنَةِ شَيْءٌ أَوْ دَبَّ مَاؤُهُ أَوْ اسْتَدْخَلَتْهُ أَوْ مَنِيُّ امْرَأَةٍ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَقِيلَ لَا يُنْقَضُ، لَكِنْ إنْ كَانَ الْمُحْتَقِنُ أَدْخَلَ رَأْسَ الزَّرَّاقَةِ1 نُقِضَ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي الْمَنِيِّ، وَالْحُقْنَةِ مِثْلُهُ. قُلْتُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَالشَّيْخِ فِي الْمُقْنِعِ2 وَغَيْرِهِمَا وَقِيلَ: يُنْقَضُ. قُلْتُ: وَهُوَ قَوِيٌّ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي3، وَالشَّرْحِ2 وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ يُنْقَضُ إذَا كَانَتْ الْحُقْنَةُ فِي الدُّبُرِ دُونَ الْقُبُلِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الْقَاضِي الْمُتَقَدِّمِ وَتَعْلِيلِهِ، وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى4، وَالْمُصَنِّفُ فِي حَوَاشِي الْمُقْنِعِ وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْفُصُولِ في الحقنة.
__________
1 الزراقة: أنبوبة من الزجاج ونحوه، أحد طرفيها واسع والآخر ضيق، في جوفها عود يجذب السائل ثم يدفعه. "المعجم الوسيط": "زرق".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/9.
3 1/231.
4 من هنا بداية السقط في "ص".(1/220)
بَلَّةٍ وَرَائِحَةٍ، فَيَنْقُضُ، وَعِنْدَ أَكْثَرِ1 الشَّافِعِيَّةِ إنْ بَقِيَ بَعْضُهُ خَارِجًا، أَوْ بَلَغَ بَعْضَ خَيْطٍ فَوَصَلَ الْمَعِدَةَ ثَبَتَ حُكْمُ النَّجَاسَةِ، فَلَا تَصِحُّ صَلَاةٌ، وَلَا طَوَافٌ. وَإِنْ ظَهَرَتْ مَقْعَدَتُهُ يَعْلَمُ أَنَّ عَلَيْهَا بَلَلًا، وَقِيلَ أَوْ يَجْهَلُهُ، وَلَمْ يَنْفَصِلْ انْتَقَضَ، فِي الْمَنْصُوصِ، وَكَذَا طَرَفُ مُصْرَانٍ، أَوْ رَأْسِ دُودَةٍ.
وَلَوْ صَبَّ دُهْنًا فِي أُذُنِهِ فَوَصَلَ إلَى دِمَاغِهِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا لَمْ يُنْتَقَضْ، وَكَذَا لَوْ خَرَجَ مِنْ فِيهِ في ظاهر كلامهم "وهـ" خِلَافًا لِأَبِي الْمَعَالِي. وَفِي نَجَاسَةِ دُهْنٍ قَطَّرَهُ فِي إحْلِيلِهِ وَجْهَانِ، لِنَجَاسَةِ بَاطِنِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ باطن فلم يتنجس به، كنخامة الحلق، وهو مَخْرَجُ الْقَيْءِ "م 4" وَفِي الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَنِيِّ طَهَارَةُ حَصَاةٍ خَرَجَتْ مِنْ الدُّبُرِ وَهُوَ غريب بعيد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ- 4: قَوْلُهُ: "وَفِي نَجَاسَةِ دُهْنٍ قَطَّرَهُ فِي إحْلِيلِهِ وَجْهَانِ لِنَجَاسَةِ3 بَاطِنِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ بَاطِنٌ فلم يتنجس به، كنخامة3 الحلق وهو مخرج الْقَيْءِ" انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَابْنُ عُبَيْدَانَ:
أَحَدُهُمَا: لَا ينجس، وصححه فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَطَعَ بِهِ فِي بَحْثِهِ. قُلْتُ: هِيَ قَرِيبَةُ الشَّبَهِ مِنْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ، وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ.
وَالْوَجْهُ: الثَّانِي يَنْجُسُ. قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ إنْ خَرَجَ، لِأَنَّهُ يُخَالِطُهُ وَيَكْتَسِبُ مِنْهُ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قُلْتُ: إنْ خَرَجَ الدُّهْنُ بِبَلَلٍ نَجِسَ، وَإِلَّا فَلَا، انْتَهَى، وَخُرُوجُهُ بلا بلل بعيد جدا، والله أعلم.
__________
1 في الأصل: "بعض".
2 في "ط": "اختارها".
3 في "ح": "كنجاسة".(1/221)
الثَّانِي: خُرُوجُ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ مِنْ بَقِيَّةِ لبدن
...
الثَّانِي: خُرُوجُ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ مِنْ بَقِيَّةِ الْبَدَنِ
"ش" وَخُرُوجُ نَجَاسَةٍ فَاحِشَةٍ فِي نُفُوسِ أوساط الناس، في رواية اختاره1 الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وغيره، نقل الجماعة وذكر الشيخ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط": "اختارها".(1/221)
الْمُذْهَبَ كُلُّ أَحَدِ بِحَسَبِهِ "م هـ".
وَعَنْهُ ينقض اليسير "وهـ" وقال شيخنا: لا ينقض مطلقا "وم ش" وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ فِي غَيْرِ الْقَيْءِ، وَإِنْ شَرِبَ مَاءً وَقَذَفَهُ فِي الْحَالِ فَنَجَسٌ كَالْقَيْءِ، وَذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، وَمِنْهُمْ الْقَاضِي، وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ وَاحْتِمَالٌ إنْ تَغَيَّرَ كَدُهْنٍ قَطَّرَهُ فِي إحْلِيلِهِ. وَقَالَ أبو الحسين: لا ينقض بلغم كثير في إحدى الروايتين "وهـ" وَعَنْهُ بَلَى، وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَأَصْلُهَا1: هَلْ يُفْطِرُ الصَّائِمَ؟ لَنَا: إنَّهَا تُخْلَقُ مِنْ الْبَدَنِ كَبَلْغَمِ الرَّأْسِ، فَإِنْ قِيلَ: الْبَلْغَمُ يَخْتَلِطُ بِنَجَاسَةِ الْمَعِدَةِ فَيَنْجُسُ كَمَاءٍ شَرِبَهُ ثُمَّ قَاءَهُ؛ قِيلَ: الْبَلْغَمُ يَتَمَيَّزُ مِنْ نَجَاسَةٍ تُجَاوِرُهُ، وَالنَّجَاسَةُ الَّتِي مَعَهُ لَوْ انْفَرَدَتْ لَمْ تَكُنْ كَثِيرَةً، وَفَارَقَ مَاءً شَرِبَهُ ثُمَّ قَاءَهُ، لِأَنَّهُ إذَا حَصَلَ فِي الْجَوْفِ خَالَطَتْهُ أَجْزَاءٌ نَجِسَةٌ لَا تميز عنه، فيصير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مسألة -5: قوله: "وَخُرُوجُ نَجَاسَةٍ فَاحِشَةٍ فِي أَنْفُسِ أَوْسَاطِ النَّاسِ في رواية اختاره2 الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ. وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ الْمَذْهَبُ كُلُّ أَحَدٍ بِحَسْبِهِ" انْتَهَى:
الرِّوَايَةُ الْأُولَى: اخْتَارَهَا الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذَا الْأَظْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْإِفَادَاتِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: هِيَ الصَّحِيحَةُ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهَا فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ "قَالَ" الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، قَالَ الْخَلَّالُ الَّذِي اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ حَدَّ الْفَاحِشِ مَا اسْتَفْحَشَهُ كُلُّ إنْسَانٍ فِي نَفْسِهِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: ظَاهِرُ المذهب أنه ما يفحش في القلب.
__________
1 في "ط": "أصلها".
2 في "ط": "اختارها".(1/222)
عَيْنَ النَّجَاسَةِ، كَذَا قَالَ: لَكِنْ فِيهِ إنَّ مَا قَاءَهُ لَا يَنْجُسُ إلَّا بِوُصُولِهِ إلَى الْجَوْفِ، وَكَذَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ، قَالُوا: لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ بِوُصُولِهِ إلَى الْجَوْفِ لَا بِالِاسْتِحَالَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَبَقَ فِي دُهْنٍ قُطِّرَ فِي إحْلِيلِهِ، وَلَمْ أَجِدْ تَصْرِيحًا بِخِلَافِهِ.
وَيَنْقُضُ دَمٌ كَثِيرٌ مَصَّهُ عَلَقٌ أَوْ قُرَادٌ، لَا ذُبَابٌ وَبَعُوضٌ، لِقِلَّتِهِ وَمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إنْ كَانَ صَغِيرًا كَذُبَابٍ وَبَعُوضٍ لَمْ يَنْقُضْ، وَإِلَّا نَقَضَ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ الدَّمُ بِنَفْسِهِ بَلْ بِقُطْنَةٍ وَنَحْوِهَا نقض "وهـ".
وَلَا يَنْقُضُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ حَصَاةٌ، وَلَا قِطْعَةُ لَحْمٍ، وَلَا دُودٌ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ إذَا خَرَجَ مِنْ الْفَرْجِ، وَلَا يَنْقُضُ عِنْدَهُمْ الْقَيْءُ إلَّا مِلْءَ الْفَمِ، وَإِنْ غَلَبَ الرِّيقَ الدَّمُ لَمْ يَنْقُضْ عِنْدَهُمْ.
وَإِنْ انْسَدَّ الْمَخْرَجُ وَفَتَحَ غَيْرَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: أَسْفَلُ الْمَعِدَةِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ أَحْكَامُ الْمُعْتَادِ، وَقِيلَ إلَّا فِي النَّقْضِ بِرِيحٍ مِنْهُ، وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ، وَفِي إجْزَاءِ الِاسْتِجْمَارِ، وَقِيلَ حَتَّى مَعَ بَقَاءِ المخرج وجهان "م 6"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ -6: قَوْلُهُ: "وَفِي إجْزَاءِ الِاسْتِجْمَارِ وَقِيلَ حَتَّى مَعَ بَقَاءِ الْمَخْرَجِ وَجْهَانِ" يَعْنِي إذَا انْسَدَّ الْمَخْرَجُ وَفَتَحَ غَيْرَهُ وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُجْزِئُ الِاسْتِجْمَارُ فِيهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالشَّيْخُ وَالشَّارِحُ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ النَّاظِمُ وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ونصره.(1/223)
وَأَحْكَامُ الْمَخْرَجِ بَاقِيَةٌ، قَالَ فِي النِّهَايَةِ: إلَّا أن يكون سَدّ حَلْقَهُ، فَسَبِيلُ الْحَدَثِ الْمُنْفَتِحِ وَالْمَسْدُودِ كَعُضْوٍ زائد من الخنثى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُجْزِئُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالشِّيرَازِيُّ، وَقَدَّمَهُ في الرعايتين والحاوي الكبير.
__________
1 في "ط": "حلقه".(1/224)
الثالث: زوال العقل أو تغطيته
"و" على الأصح1 وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ تَلَجَّمَ فَلَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ، إلْحَاقًا بِالْغَالِبِ عَلَى الْأَصَحِّ، إلَّا النوم اليسير "وم" عُرْفًا وَقِيلَ: مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ هَيْئَتِهِ كَسُقُوطٍ، وَقِيلَ مَعَ بَقَاءِ نَوْمِهِ، وَعَنْهُ وَالْكَثِيرُ من جالس "وش" إنْ اعْتَمَدَ بِمَقْعَدَتِهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَهَلْ يُنْتَقَضُ مِنْ قَائِمٍ وَرَاكِعٍ وَسَاجِدٍ "هـ" فِيهِ رِوَايَتَانِ "م 7 - 8" وعنه القائم كجالس اختاره جماعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مسألة - 7 – 8: قَوْلُهُ: وَهَلْ يَنْقُضُ النَّوْمُ مِنْ قَائِمٍ وَرَاكِعٍ وَسَاجِدٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ، انْتَهَى، ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى- 7: هَلْ يَنْقُضُ النَّوْمُ مِنْ الْقَائِمِ أَوْ يَلْحَقُ بِالْجَالِسِ، أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ:
إحْدَاهُمَا: هُوَ كَالْجَالِسِ فَلَا يَنْقُضُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الْخَلَّالُ وَالْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَالشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ وَابْنُ عَقِيلٍ، وابن البنا1 وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا قال في
__________
1 ليست في "ط".(1/224)
وَإِنْ رَأَى رُؤْيَا فَهُوَ كَثِيرٌ "هـ ش" وَعَنْهُ: لَا، وَهِيَ أَظْهَرُ. وَمُسْتَنِدٌ وَمُتَّكِئٌ وَمُحْتَبٍ كمضطجع، وعنه لا "وهـ ر ش" وَعَنْ أَحْمَدَ لَا يَنْقُضُ نَوْمٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْكَافِي1: الْأَوْلَى إلْحَاقُ الْقَائِمِ بِالْجَالِسِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْمُقْنِعِ وَالْبُلْغَةِ وَالْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ.
فَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُنْقَضُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُنْقَضْ مِنْ الْجَالِسِ، قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، ابْنُ رَزِينٍ وَالْفَائِقُ وَغَيْرُهُمْ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ لَا تُقَاوِمُ الْأُولَى فِي التَّرْجِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ- 8: نَوْمُ الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ هَلْ يَلْحَقُ بالجالس أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُغْنِي2 وَالشَّرْحِ2 وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَغَيْرِهِمْ:
إحْدَاهُمَا: يَنْقُضُ وَهُوَ الْمُرَجَّحُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ، قَالَ فِي الْكَافِي3: الْأَوْلَى إلْحَاقُ الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ بِالْمُضْطَجِعِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ وَالْعُمْدَةِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ، وَالتَّسْهِيلِ وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُقْنِعِ4 وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَنْقُضُ، وَعَلَيْهَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، ابْنُ عَقِيلٍ وَالشِّيرَازِيُّ وَابْنُ الْبَنَّا وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُمْ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ.
__________
1 1/93.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/19.
3 1/234.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/21.(1/225)
مُطْلَقًا، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا إنْ ظَنَّ بَقَاءَ طُهْرِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/226)
الرابع: مس فرج آدمي بيده 1
عَلَى الْأَصَحِّ "وش" وَعَنْهُ عَمْدًا، وَعَنْهُ، مَعَ شَهْوَةٍ، وَعَنْهُ مَعَهَا وَلَوْ بِحَائِلٍ "وم" وَعَنْهُ لَا يُنْقَضُ طُهْرُ امْرَأَةٍ بِمَسِّ فَرْجِ أُنْثَى "م ر" كإسكتيها2، وَعَنْهُ: لَا3 يَنْقُضُ بِمَسِّ دُبُرٍ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، وَهِيَ أَظْهَرُ "وم" وَعَنْهُ يَنْقُضُ مَسُّ الْحَشَفَةِ، وَعَنْهُ الثَّقْبُ، وَعَنْهُ وَلَا مس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في النسخ، والمثبت من "ط".
2 الإسكة، وزان سدرة: جانب فرج المرأة، وهما اسكتان. "المصباح": "أسك".
3 ليست في "ط".(1/226)
ذَكَرِ مَيِّتٍ وَمَيِّتَةٍ وَصَغِيرٍ، وَقِيلَ: دُونَ سَبْعٍ.
وَيَنْقُضُ مَسُّهُ بِيَدِهِ، وَعَنْهُ وَبِذِرَاعِهِ وَعَنْهُ بِكَفِّهِ فقط "وم ش" فَفِي حَرْفِ كَفِّهِ وَجْهَانِ "م 9" وَاخْتَارَ الأكثر ينقض مَسُّهُ بِفَرْجٍ "ح" وَالْمُرَادُ: لَا ذَكَرُهُ بِذَكَرِ غَيْرِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي، وَفِي مَسِّ ذَكَرٍ بَائِنٍ أَوْ مَحِلِّهِ رِوَايَتَانِ "10 و 11" وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ وَأَبُو الْمَعَالِي يَنْقُضُ مَحِلُّهُ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالذَّكَرِ الْبَائِنِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْخِتَانَيْنِ لِأَنَّهُ كيد بائنة، بخلاف فرج بائن.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ- 9: قَوْلُهُ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّ الْفَرْجِ بِيَدِهِ، "وَعَنْهُ يَنْقُضُ مَسُّهُ بِكَفِّهِ، فَفِي حَرْفِ كفه وجهان". انتهى. وأطلقهما1 ابْنُ تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَنْقُضُ. قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَنْقُضُ وهو الاحتياط.
مسألة -10 – 11: قَوْلُهُ: "وَفِي مَسِّ ذَكَرٍ بَائِنٍ أَوْ2 مَحِلِّهِ رِوَايَتَانِ" انْتَهَى.
ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى -10: مَسُّ الذَّكَرِ الْبَائِنِ هَلْ يَنْقُضُ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ، والمذهب، ومسبوك الذهب، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي وَالْمُقْنِعِ3، وَالْمُغْنِي4، وَالْكَافِي5، وَالتَّلْخِيصِ والمحرر
__________
1 في "ط": "أطلقه".
2 في النسخ الخطية: "و"، والمثبت من "ط".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/33.
4 1/244.
5 1/97.(1/227)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالنَّظْمِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَابْنُ مُنَجَّى، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيِّ فِي شُرُوحهمْ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ:
إحْدَاهُمَا: لَا يَنْقُضُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: عَدَمُ النَّقْضِ أَقْوَى، لِعَدَمِ الْحُرْمَةِ، وَالْمَظِنَّةِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، فَقَالُوا: يَنْقُضُ مَسُّ الذَّكَرِ الْمُتَّصِلِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ قَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ يَنْقُضُ مَسُّهُ وَلَوْ مُنْفَصِلًا فِي وَجْهٍ، انْتَهَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَنْقُضُ جَزَمَ بِهِ الشِّيرَازِيُّ.
تَنْبِيهٌ: حَكَى الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ رِوَايَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ حَكَاهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ، وَحَكَاهُ وَجْهَيْنِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي1، والكافي2، وَالْمُقْنِعِ3، وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ3، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ -11: حُكْمُ مَسِّ مَحِلِّهِ حُكْمُ مَسِّهِ وَهُوَ بَائِنٌ، عَلَى الصَّحِيحِ، قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَدْ عَلِمْتَ الْمَذْهَبَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، فَكَذَا فِي هَذِهِ، وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ وَأَبُو الْمَعَالِي يَنْقُضُ مَحِلُّهُ. قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ، قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: لَوْ جَبَّ الذَّكَرَ فَمَسَّ مَحَلَّ الْجَبِّ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ، وَإِنْ لم يبق منه شيء شَاخِصٌ، وَاكْتَسَى بِالْجِلْدِ، لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الذَّكَرِ، ذكره صاحب النهاية4، انتهى، فقدم ابن عبيدان هذا.
__________
1 1/224.
2 1/97.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/33.
4 في "ط": "الهداية".(1/228)
وَالْقُلْفَةُ كَالْحَشَفَةِ، وَلَا يَنْقُضُ مَسُّهَا بَعْدَ قَطْعِهَا لِزَوَالِ الِاسْمِ وَالْحُرْمَةِ.
وَالْمَسُّ بِزَائِدٍ يَنْقُضُ، وَعَنْهُ لَا، كَمَسٍّ زَائِدٍ فِي الْأَصَحِّ فَلَا يَنْقُضُ مَسُّ أَحَدِ فَرْجَيْ خُنْثَى مُشْكِلٍ إلَّا مَسَّ رَجُلٍ ذَكَرَهُ لِشَهْوَةٍ، أَوْ مَسَّ امْرَأَةٍ قُبُلَهُ لَهَا، وَلَا يَسْتَجْمِرُ فِيهِ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ، وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ.
وَلَا يَنْقُضُ يَسِيرُ نَجَاسَةٍ سِوَى بَوْلٍ وَغَائِطٍ، وَقِيلَ: يُنْتَقَضُ بِانْتِشَارِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/229)
بِنَظَرٍ، أَوْ فِكْرٍ، وَفِي مَسِّ فَرْجِ بَهِيمَةٍ احْتِمَالٌ، وَحُكِيَ عَنْ اللَّيْثِ، وَأَشَلُّ كَصَحِيحٍ، وَقِيلَ كزائد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/230)
الخامس: لمسه أنثى لشهوة
"وم" 1 نص عليه، وعنه مطلقا "وش" وَعَنْهُ عَكْسُهُ، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَشَيْخُنَا، وَلَوْ بَاشَرَ مُبَاشَرَةً فَاحِشَةً "هـ" وَقِيلَ إنْ انْتَشَرَ يَنْقُضُ، وَإِذَا لَمْ يَنْقُضْ مَسُّ فَرْجِ2 أُنْثَى اُسْتُحِبَّ الْوُضُوءُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ شَيْخِنَا لِشَهْوَةٍ، وَكَذَا لَمْسُهَا لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ "م" وَفِي الْمَيْتَةِ والصغيرة والعجوز "وذات" المحرم وجهان "م 12 - 15".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 12 – 15: قَوْلُهُ: وَفِي مَسِّ الْمَيْتَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْعَجُوزِ وَالْمَحْرَمِ وَجْهَانِ، انْتَهَى. يَعْنِي إذَا قُلْنَا يَنْقُضُ مَسُّ الْمَرْأَةِ، ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى -12: مَسُّ الْمَيْتَةِ هَلْ يَنْقُضُ كَالْحَيَّةِ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُغْنِي3، وَالشَّرْحِ4، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَالْحَاوِيَيْنِ، والفائق وغيرهم:
__________
1 ليست في "ب" و"س" و"ط".
2 في "ط": "انتقض بمس فرج و".
3 في "ط": "م".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/47.(1/230)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
إحْدَاهُمَا: هِيَ كَالْحَيَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَالْكَافِي1، والمحرر، والوجيز، وغيرهم، وجزم به فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْإِفَادَاتِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّم، وَابْنُ الْبَنَّا، وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَنْقُضُ اخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ- 13: الصَّغِيرَةُ هَلْ هِيَ كَالْكَبِيرَةِ، أَمْ لَا يَنْقُضُ مَسُّهَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ:
أَحَدُهُمَا: هِيَ كَالْكَبِيرَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي2، وَالْكَافِي1 وَالتَّلْخِيصِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَنَصَرَهُ.
وَالْوَجْهُ: الثَّانِي لَا يَنْقُضُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى.
تَنْبِيهٌ: صَرَّحَ الْمَجْدُ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ مَسُّ الطِّفْلَةِ، وَإِنَّمَا يَنْقُضُ لَمْسُ الَّتِي تُشْتَهَى "قُلْت" الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ، وَالْوَاقِعُ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ- 14: مَسُّ الْعَجُوزِ هَلْ يَنْقُضُ كَغَيْرِهِ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ فِيهَا الْخِلَافَ:
أَحَدُهُمَا: هِيَ كَغَيْرِهَا فَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ مَسُّهَا، وَهُوَ الصحيح، وهو ظاهر كلام أكثر
__________
1 1/99-100.
2 1/260.(1/231)
ولا نقض مع حائل، وأمرد، نص عليهما، وعنه بلى فيهما لشهوة "وم" وَلَا لَمْسُ سِنٍّ وَشَعْرٍ وَظُفْرٍ فِي الْأَصَحِّ "م" وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَكَذَا اللَّمْسُ بِهِ، وَهُوَ مُتَوَجَّهٌ، وَكَذَا مَسُّ ذَكَرٍ بِظُفْرٍ، وَلَا مَلْمُوسَ "ش" وَمَمْسُوسُ فَرْجِهِ "و" عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَمْسٌ زائد، وبه، كأصلي في الأصح، وكذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي1، وَالْكَافِي2 وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ3، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالْإِفَادَاتِ وَالزَّرْكَشِيُّ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ عُبَيْدَانَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا ينقض. قلت: وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافَ فِيهِ نَظَرٌ إذًا الْحُكْمُ مَنُوطٌ بِحُصُولِ الشَّهْوَةِ، وَهِيَ أَهْلٌ لِذَلِكَ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ- 15: هَلْ مَسُّ الْمَحْرَمِ كَالْأَجْنَبِيَّةِ أَمْ لَا يَنْقُضُ مَسُّهَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ:
أَحَدُهُمَا: هِيَ كَالْأَجْنَبِيَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي1، وَالْكَافِي2 وَالتَّلْخِيصِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ، وَصَحَّحَهُ الناظم، وغيره، وَقَدَّمَهُ فِي4 الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ.
الوجه الثاني: لا ينقض. قدمه في4الرعاية الصغرى. قلت: وَهُوَ ضَعِيفٌ.
تَنْبِيهٌ: حَكَى الْخِلَافَ فِي الْعَجُوزِ والمحرم روايتين ابن عبيدان وغيره.
__________
1 1/260.
2 1/99.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/46-47.
4 ليست في "ط".(1/232)
أَشَلُّ، وَقِيلَ: يَنْقُضُ مَسُّ رَجُلٍ رَجُلًا، أَوْ امرأة لشهوة، فينقض مس أحدهما الخنثى1، ومسه لهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط": "كخنثى".(1/233)
السَّادِسُ: أَكْلُ لَحْمِ الْجَزُورِ
عَلَى الْأَصَحِّ "ح" وَعَنْهُ إنْ عَلِمَ النَّهْيَ اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَغَيْرُهُ، قَالَ: وَعَلَيْهِ اسْتَقَرَّ قَوْلُهُ، لِخَفَاءِ الدَّلِيلِ، وَعَنْهُ لَا يُعِيدُ مَعَ الْكَثْرَةِ، وَعَنْهُ مُتَأَوَّلٌ، وَقِيلَ فِيهِ مُطْلَقًا رِوَايَتَانِ، وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِيمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْأَثَرُ، بِخِلَافِ تَرْكِهِ الطُّمَأْنِينَةَ، وَتَوْقِيتَ مَسْحٍ نَصَّ عَلَيْهِ، وَمَعْنَاهُ كَلَامُ شَيْخِنَا، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ لَا يُعِيدُ مُتَأَوِّلٌ مُطْلَقًا، وَذَكَرَهُ شَيْخُنَا وَجْهًا فِي "الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ"1 وَأَنَّ نَصَّ أَحْمَدَ خِلَافُهُ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا أُعَنِّفُ مَنْ قَالَ شَيْئًا لَهُ وَجْهٌ وَإِنْ خَالَفْنَاهُ. وَذَكَرَ صَاحِبُ النوادر وجهين في ترك التسمية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 يشير إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الماء من الماء"، وقد أخرجه مسلم في "صحيحه" "343"، من حديث أبي سعيد الخدري.(1/233)
على الوضوء متأولا. وفي بقية الأجزاء و1 المرق واللبن روايتان "م 16 و 17".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مسألة 16 – 17: قَوْلُهُ فِي النَّقْضِ بِأَكْلِ لَحْمِ الْجَزُورِ: "وَفِي بَقِيَّةِ الْأَجْزَاءِ وَالْمَرَقِ وَاللَّبَنِ رِوَايَتَانِ" انْتَهَى. فِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى- 16: فِي اللَّبَنِ هَلْ هُوَ فِي النَّقْضِ كَاللَّحْمِ أَمْ لَا يَنْقُضُ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْإِرْشَادِ2، وَالْمُجَرَّدِ، وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي3 وَالْمُغْنِي4، وَالْمُقْنِعِ5، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ5 وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وابن عبيدان ومختصر ابن تميم والرعاية الكبرى وَالْفَائِقِ6، وَغَيْرِهِمْ:
إحْدَاهُمَا: لَا يَنْقُضُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: اخْتَارَهَا كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: قَالَ الزَّرْكَشِيّ: اخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ، وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَالْعُمْدَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُصُولِهِ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ، قَالَ النَّاظِمُ، هَذَا الْمَنْصُورُ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: هُوَ كَاللَّحْمِ، قَدَّمَهُ فِي الرعاية6 الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ.
تَنْبِيهٌ: حَكَى الْأَصْحَابُ الْخِلَافَ رِوَايَتَيْنِ، وحكاها في الإرشاد2 وجهين.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ- 17: فِي الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ هَلْ هُمَا فِي النَّقْضِ كَاللَّحْمِ، أَمْ لَا يَنْقُضَانِ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِمَا، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ ومسبوك الذهب، والمستوعب7 والخلاصة، والكافي3
__________
1 في "ط": "أو".
2 ص 19.
3 1/95.
4 1/254.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/58.
6 ليست في "ط".
7 ليست في "ح".(1/234)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْمُغْنِي1، وَالْمُقْنِعِ2 وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ2 وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وابن عبيدان ومختصر ابن تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ:
إحْدَاهُمَا: لَا يَنْقُضُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَالْعُمْدَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى النَّقْضِ بِاللَّحْمِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ فَقَالَ: وَالصَّحِيحُ لَا يَنْقُضُ، وَإِنْ قُلْنَا يَنْقُضُ اللَّحْمُ وَاللَّبَنُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَنْقُضُ، إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَظَهَرَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ فِي الْكَبِدَ وَالطِّحَالَ طَرِيقَتَيْنِ، هَلْ يَلْحَقُ بِاللَّبَنِ أَمْ بِاللَّحْمِ، فَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ جَعَلُوا حُكْمَ اللَّبَنِ وَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ وَاحِدًا، وَابْنُ عُبَيْدَانَ حَكَى الْخِلَافَ فِي إلْحَاقِهَا بِاللَّبَنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَمْ نَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ.
تَنْبِيهَانِ:
الْأَوَّلُ: حَكَى الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ رِوَايَتَيْنِ، وَكَذَا الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَصَاحِبُ الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَحَكَى أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
الثَّانِي: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَفِي بَقِيَّةِ الْأَجْزَاءِ وَالْمَرَقِ روايتان، فجعل الخلاف عَلَى اللَّبَنِ وَالْكَبِدِ3 وَالطِّحَالِ، وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ المصنف، قال في المغني1 والشرح4:
__________
1 1/254.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/59.
3 ليست في "ص".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/60.(1/235)
وَلَا يَنْقُضُ طَعَامٌ مُحَرَّمٌ، وَعَنْهُ بَلَى، وَعَنْهُ اللحم، وعنه لحم الْخِنْزِيرِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَبَقِيَّةُ النَّجَاسَاتِ، يُخَرَّجُ عَلَيْهِ، حَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَقَالَ شَيْخُنَا: الْخَبِيثُ المباح للضرورة كلحم السباع أبلغ من لحم1 الْإِبِلِ، فَالْوُضُوءُ مِنْهُ أَوْلَى، قَالَ: وَالْخِلَافُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَحْمَ الْإِبِلِ تَعَبُّدِيٌّ، أَوْ عقل معناه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وحكم سائر أجزائه غير اللحم، كالسنام2 وَالْكِرْشِ، وَالدُّهْنِ وَالْمَرَقِ وَالْمُصْرَانِ وَالْجِلْدِ حُكْمُ الطِّحَالِ وَالْكَبِدِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَفِي سَنَامِهِ، وَدُهْنِهِ، وَمَرَقِهِ، وَكِرْشِهِ، وَمُصْرَانِهِ، وَقِيلَ وَجِلْدِهِ، وَعَظْمِهِ وَجْهَانِ، وَقِيلَ رِوَايَتَانِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَفِي شُحُومِهَا وَجْهَانِ، وَحَكَى الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وغيرهم.
__________
1 ليست في "ب" و"س" و"ط".
2 ليست في "ط".(1/236)
السَّابِعُ: غُسْلُ الْمَيِّتِ،
وَعَنْهُ لَا، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ "وَ" كَمَا لَوْ يَمَّمَهُ، وَفِيهِ قَوْلٌ، وَفِي غُسْلِ بَعْضِهِ احْتِمَالٌ، وَلَا يَنْقُضُ، نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ، لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ حَمْلِ الْجِنَازَةِ، لَيْسَ يَثْبُتُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يَغْتَسِلُ مِنْ الْحِجَامَةِ، لَيْسَ يَثْبُتُ، وَالْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ لَيْسَ يَثْبُتُ، وَفِي هَذَيْنِ رِوَايَةٌ أُخْرَى1، فَيَتَوَجَّهُ فِي الْحَمْلِ، لِتَسْوِيَةِ أَحْمَدَ بين الثلاثة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 رجح الموفق في "المغني" 1/ 153": أنه لا وضوء من غسل الميت، قال: وهو الصحيح إن شاء الله؛ لأن الوجوب من الشرع، ولم يرد في هذا نص، ولا هو في معنى المنصوص عليه، فبقي على الأصل، ولأنه آدمي، فأشبه غسل الحي.(1/236)
الثَّامِنُ: الرِّدَّةُ
"وش" فِي التَّيَمُّمِ، وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ، لِقَوْلِهِ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/236)
الِاسْتِنْجَاءِ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مُبِيحٌ، وَلَا إبَاحَةَ مَعَ قيام المانع، والوضوء رَافِعٌ، وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ لَا يَنْقُضُ مُطْلَقًا، وَلَا نَصَّ فِيهَا، وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ رِوَايَتَيْنِ، وَالطَّهَارَةُ الْكُبْرَى زَالَ حُكْمُهَا، فَرَجَعَ إلَى أَصْلِهِ، لِأَنَّهُ طَارِئٌ بِخِلَافِ الْحَدَثِ، وَلِأَنَّهَا كَالْحَدَثِ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ تَبْطُلُ.
وَلَا يَنْقُضُ غَيْبَةٌ ونحوها، نقلها الجماعة "و"1، وَحَكَى رِوَايَةً وَاقْتَصَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ يُوسُفُ بْنُ الْجَوْزِيِّ2 فِي كِتَابِهِ الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ عَلَى النَّقْضِ بالخمسة السابقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ط".
2 هو: أبو محمد: محيي الدين، يوسف بن عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله بن عبد الله، أستاذ الدار للخلافة المستعصمية، قتل في صفر سنة "656هـ". "المنهج الأحمد" 4/273.(1/237)
وَكُلِّ مَا أَوْجَبَ غُسْلًا كَإِسْلَامٍ وَإِيلَاجٍ بِحَائِلٍ أوجب وضوءا وقيل: لا1 وَلَوْ مَيِّتًا "و".
وَلَا يُنْقَضُ بِقَهْقَهَةٍ فِي صَلَاةٍ فِيهَا رُكُوعٌ وَسُجُودٌ "هـ" وَفِي اسْتِحْبَابِهِ وَلِمَا مَسَّتْهُ النَّارُ وَجْهَانِ "م 18 - 19" وَسَبَقَ فِي مَسْأَلَةِ التَّجْدِيدِ2 مَا يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ لَهُ، وَالْمَنْصُوصُ: ولا ينقض بإزالة شَعْرٍ وَظُفْرٍ وَنَحْوِهِ.
وَمَنْ شَكَّ فِي طَهَارَةٍ أَوْ حَدَثٍ بَنَى عَلَى أَصْلِهِ، وَلَوْ فِي غير صلاة "م"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مسألة 18 -19: قَوْلُهُ: وَفِي اسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ لِلْقَهْقَهَةِ وَلِمَا مَسَّتْهُ النَّارُ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ عُبَيْدَانَ فِيهِمَا. ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَتَيْنِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى- 18: هَلْ يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ لِلْقَهْقَهَةِ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُسْتَحَبُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، اخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُسْتَحَبُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. قُلْتُ: وَهُوَ قَوِيٌّ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ- 19: هَلْ يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ لِمَا مَسَّتْهُ النَّارُ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ وَأَطْلَقَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُسْتَحَبُّ أَيْضًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ بَحْثِهِ فِي الْمُغْنِي3، وَالشَّرْحِ4.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُسْتَحَبُّ، وَفِيهِ قُوَّةٌ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، وَلَكِنْ صحة الأحاديث تبطل هذه الشبهة.
__________
1 ليست في "ط".
2 ص 189.
3 1/255.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/60.(1/238)
كَمَنْ بِهِ وَسْوَاسٌ "و" وَإِنْ تَيَقَّنَهُمَا وَجَهِلَ أَسْبَقَهُمَا فَهُوَ عَلَى ضِدِّ حَالِهِ قَبْلَهُمَا، وَقِيلَ: يتطهر "وم"1، كَمَا لَوْ جَهِلَهُ.
وَإِنْ تَيَقَّنَ فِعْلَهُمَا رَفْعًا لحدث ونقضا لطهارة، كان فعلى2 مثل حاله قبلهما، فإن جهل حاله3 أَوْ أَسْبَقَهُمَا أَوْ عَيَّنَ وَقْتًا لَا يَسَعُهُمَا: فهل هو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ط".
2 في "ط": "كان".
3 في "س": "حالهما".(1/239)
كَحَالِهِ قَبْلَهُمَا أَوْ ضِدِّهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ روايتان "م 20 - 21".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مسألة 20-21: قَوْلُهُ: وَإِنْ تَيَقَّنَ فِعْلَهُمَا، رَفْعًا لِحَدَثٍ وَنَقْضًا لطهارة، فعل مِثْلِ حَالِهِ قَبْلَهُمَا، فَإِنْ جَهِلَ حَالَهُمَا وَأَسْبَقَهُمَا أَوْ عَيَّنَ وَقْتًا , لَا يَسَعُهُمَا , فَهَلْ هُوَ كَحَالِهِ قَبْلَهُمَا أَوْ ضِدِّهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ , وَقِيلَ رِوَايَتَانِ" , انْتَهَى. وَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي حَوَاشِي الْمُقْنِعِ , وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ ابْنَ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى , فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ جَهِلَ فَاعِلُهَا حَالَهُمَا وَأَسْبَقَهُمَا , أَوْ عَيَّنَ لَهُمَا وَقْتًا لَا يَسَعُهُمَا فَهَلْ هُوَ بَعْدَهُمَا كَحَالِهِ قَبْلَهُمَا أَوْ بِضِدِّهِ؟ وَفِيهِ وَجْهَانِ , وَقِيلَ رِوَايَتَانِ , انْتَهَى إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ.
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى-20: إذَا جَهِلَ حَالَهُمَا وَأَسْبَقَهُمَا فَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِمَا
أَحَدُهُمَا يَكُونُ عَلَى ضِدِّ حَالِهِ قَبْلَهُمَا , وَهُوَ الصَّحِيحُ , اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ , وَالْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ الْمُحَرَّرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ , وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ , وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ.
الْوَجْهُ الثَّانِي يَكُونُ كَحَالِهِ قَبْلَهُمَا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ , وَجَمَاعَةٌ , وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَحَوَاشِي الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمُقْنِعِ.
تَنْبِيهٌ: مَعْنَى جَهِلَ حَالَهُمَا وَأَسْبَقَهُمَا: إذَا جهل حال الطهارة التي أوقعها بعد الزوال مَثَلًا, وَحَالَ الْحَدَثِ هَلْ كَانَتْ الطَّهَارَةُ عَنْ حَدَثٍ أَوْ عَنْ تَجْدِيدٍ؟ وَهَلْ كَانَ الْحَدَثُ عَنْ طَهَارَةٍ أَوْ عَنْ حَدَثٍ آخَرَ وَجَهِلَ أَيْضًا الْأَسْبَقَ مِنْهُمَا؟ قَالَ الْمَجْدُ وَمَنْ تَابَعَهُ: فَإِنْ وُجِدَ الْفِعْلَانِ وَفُقِدَ الِابْتِدَاءُ لَمْ يَخْلُ: إمَّا أَنْ يَفْقِدَ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا مِثَالٌ فِقْدَانه فِيهِمَا أَنْ يَقُولَ إنِّي أَتَحَقَّقُ أَنِّي بَعْدَ الزَّوَالِ تَوَضَّأْتُ وُضُوءًا لَا أَدْرِي عن حدث كان أو تجديدا وَإِنِّي بُلْتُ وَلَا أَدْرِي كُنْتُ حِينَ الْبَوْلِ مُحْدِثًا أَوْ مُتَطَهِّرًا وَلَا أَعْلَمُ السَّابِقَ مِنْ الْفِعْلَيْنِ , فَهَذَا يَكُونُ عَلَى عَكْسِ حَالِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ , انْتَهَى وَعَلَّلَهُ بِتَعْلِيلٍ جَيِّدٍ , فَهَذِهِ صُورَةُ مسألة المصنف.(1/240)
وَإِنْ تَيَقَّنَ طَهَارَةً وَفِعْلَ حَدَثٍ فَضِدُّ حَالِهِ قبلهما، وإن تَيَقَّنَ أَنَّ الطَّهَارَةَ مِنْ حَدَثٍ وَلَا يَدْرِي الْحَدَثَ عَلَى طُهْرٍ أَمْ لَا فَمُتَطَهِّرٌ مُطْلَقًا، وعكس هذه الصورة بعكسها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ -21: إذَا عَيَّنَ وَقْتًا لَا يَسَعُهُمَا فَهَلْ يَكُونُ كَحَالِهِ قَبْلَهُمَا أَوْ ضِدِّهِ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَحَوَاشِي الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمُقْنِعِ:
أَحَدُهُمَا: يَكُونُ كَحَالِهِ قَبْلَهُمَا، اخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَالَيْنِ أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ فِعْلَهُمَا فِي وَقْتٍ لَا يَتَّسِعُ1 لَهُمَا تَعَارَضَ هَذَا الْيَقِينُ وَسَقَطَ، وَكَانَ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ حَدَثٍ أَوْ طَهَارَةٍ، قَالَ فِي النُّكَتِ وَأَظُنُّ أَنَّ أَبَا الْمَعَالِي وَجِيهَ الدِّينِ أَخَذَ اخْتِيَارَهُ مِنْ هَذَا، وَنَزَّلَ كَلَامَ مَنْ أَطْلَقَ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ، انْتَهَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَكُونُ عَلَى ضِدِّ حَالِهِ قَبْلَهُمَا. قلت: الصواب وجوب الطهارة مطلقا لأن يقين2 الطَّهَارَةِ قَدْ عَارَضَهُ يَقِينُ الْحَدَثِ، وَعَكْسُهُ فَيَسْقُطَانِ، فَيَتَوَضَّأُ احْتِيَاطًا، لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا لِلصَّلَاةِ بِيَقِينٍ مِنْ الطَّهَارَةِ إذَا مَا قِيلَ ذَلِكَ مَشْكُوكٌ بِمَا حصل بعده، والله أعلم.
__________
1 في النسخ الخطية: "يسع"، والمثبت من "ط".
2 في "ط": "تعين".(1/241)
ما يحرم على المحدث
...
وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ
الصَّلَاةُ "ع" فَلَوْ صَلَّى مَعَهُ لَمْ يَكْفُرْ "هـ" وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَجِلْدِهِ وحواشيه لشمول اسم1 الْمُصْحَفِ لَهُ، بِدَلِيلِ الْبَيْعِ2، وَلَوْ بِصَدْرِهِ "و" وَقِيلَ: كِتَابَتِهِ، وَاخْتَارَهُ فِي الْفُنُونِ، لِشُمُولِ اسْمِ المصحف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ط".
2 عقد المصنف باباً نافعاً لآداب التعامل مع المصحف في كتابه الآداب الشرعية 2/271-317.(1/241)
لَهُ فَقَطْ، لِجَوَازِ جُلُوسِهِ عَلَى بِسَاطٍ: عَلَى حَوَاشِيهِ كِتَابَةٌ، كَذَا قَالَ، وَالْأَصَحُّ وَلَوْ بِعُضْوٍ رَفَعَ حَدَثَهُ وَقُلْنَا يَرْتَفِعُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ "م 22".
وَيَجُوزُ حَمْلُهُ بِعِلَاقَتِهِ، أَوْ فِي غِلَافِهِ، أو كمه وتصفحه به، وبعود، ومسه من وراء حائل "وهـ" كَحَمْلِهِ رُقًى وَتَعَاوِيذَ فِيهَا قُرْآنٌ "و" وَلِأَنَّ غِلَافَهُ لَيْسَ بِمُصْحَفٍ بِدَلِيلِ الْبَيْعِ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَعَنْهُ لَا، وَقِيلَ إلَّا لِوَرَّاقٍ، لِلْحَاجَةِ وَيَجُوزُ في رواية مس صبي لوحا كتب فيه، "و"1 وعنه ومسه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ -22: قَوْلُهُ فِي حَمْلِ الْمُصْحَفِ "وَالْأَصَحُّ لَا يَجُوزُ مَسُّهُ لِعُضْوٍ رَفَعَ حَدَثَهُ وَقُلْنَا يَرْفَعُ في أحد الوجهين" انتهى.
أَحَدُهُمَا: لَا يَرْتَفِعُ، قَالَ فِي الْمُغْنِي2 وَالشَّرْحِ3 وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ: لَا يَكُونُ مُتَطَهِّرًا إلَّا بِغَسْلِ الْجَمِيعِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَلَوْ طَهُرَ بَعْضُ عُضْوٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسُّ بِهِ لِأَنَّ الْمَاسِّ غَيْرُ طَاهِرٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، انْتَهَى، فَظَاهِرُ كَلَامِ هَؤُلَاءِ أَنَّ الْحَدَثَ لَا يَرْتَفِعُ عَنْ ذَلِكَ الْعُضْوِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَرْتَفِعُ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَوْ رَفَعَ الْحَدَثَ عَنْ عُضْوٍ لَمْ يَمَسَّهُ بِهِ قَبْلَ إكْمَالِ الطَّهَارَةِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ عَدِمَ الْمَاءَ لِتَكْمِيلِهِ تَيَمَّمَ لِلْبَاقِي وَلَمَسَهُ بِهِ، وَقِيلَ لَهُ لَمْسُهُ قَبْلَ إكْمَالِهِ بِالتَّيَمُّمِ، بِخِلَافِ الْمَاءِ، وَهُوَ سَهْوٌ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، انْتَهَى، وَكَذَا قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: هُوَ سَهْوٌ، وَنَسَبَ الْقَوْلَ إلَى ابْنِ عَقِيلٍ، فَقَالَ وَلَوْ رَفَعَ الْحَدَثَ عَنْ عُضْوٍ لَمْ يَمَسَّ بِهِ الْمُصْحَفَ حَتَّى تَكْمُلَ طَهَارَتُهُ، فَإِنْ عَدِمَ الْمَاءَ لِتَكْمِيلِهَا تَيَمَّمَ لِمَا بَقِيَ، ثُمَّ لَمَسَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَهُ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَهَا بِالتَّيَمُّمِ بِخِلَافِ الْمَاءِ، وَهُوَ سَهْوٌ انْتَهَى.
تَنْبِيهَانِ:
الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ: "وَيَجُوزُ فِي رِوَايَةِ مَسُّ صَبِيٍّ لَوْحًا كُتِبَ فِيهِ" انْتَهَى ظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ للصبي مس اللوح المكتوب
__________
1 ليست في "ب" و"ط".
2 1/204.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 1/77.(1/242)
الْمَكْتُوبَ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ رِوَايَةً، وَمَسُّهُ الْمُصْحَفِ.
وَيَجُوزُ فِي الْأَشْهَرِ حَمْلُ خُرْجٍ فِيهِ مَتَاعٌ فَوْقَهُ أَوْ تَحْتَهُ.
وَيَجُوزُ فِي رِوَايَةٍ مس ثوب رقم به "هـ"1، وَفِضَّةٍ نُقِشَتْ بِهِ "هـ" وَظَاهِرُهُ فِيهَا وَلَوْ لكافر، ويتوجه وجه "وم" وَظَاهِرُهُ أَيْضًا وَلَوْ خَاتَمٌ فِضَّةٌ، وَجَزَمَ صَاحِبُ المحرر بالجواز وَيَأْتِي حُكْمُ الْكِتَابَةِ عَلَى الْخَاتَمِ، وَالْفِضَّةِ الْمَضْرُوبَةِ في زكاة الأثمان2.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، صَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جزم به في التلخيص، فَإِنَّهُ قَالَ: وَفِي مَسِّ الصِّبْيَانِ كِتَابَةَ الْقُرْآنِ رِوَايَتَانِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، فَظَاهِرُهُ جَوَازُ مَسِّ اللَّوْحِ وجزم به المنور.
والرواية الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ وَجْهٌ ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمَا، قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي3 وَالْكَافِي4 وَالشَّرْحِ5 وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ: لَا بَأْسَ بِمَسِّهِ لِبَعْضِ الْقُرْآنِ، وَيُمْنَعُ مِنْ حَمْلِهِ. وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُمْنَعَ مَنْ لَهُ عَشْرُ سِنِينَ فَصَاعِدًا بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ.
الثَّانِي: قَوْلُهُ "وَيَجُوزُ فِي رِوَايَةِ مس ثوب رقم به، وفضة نقشت به" انتهى.
__________
1 ليست في "ط".
2 4/150.
3 1/204.
4 1/105.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/75.(1/243)
وَعَلَى الْأَصَحِّ، وَكِتَابَةِ تَفْسِيرٍ وَنَحْوِهِ "وَ" وَقِيلَ: وهما في حمله، وقيل: وفي مَسِّ الْقُرْآنِ الْمَكْتُوبِ فِيهِ، وَذَكَرَ فِي الْخِلَافِ مِنْ ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ فِي الرَّجُلِ يَكْتُبُ الْحَدِيثَ وَالْكِتَابَةَ لِلْحَاجَةِ فَيَكْتُبُ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَكْرَهُهُ، وَكَأَنَّهُ كَرِهَهُ، وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ مِنْ حَمْلِ ذَلِكَ، وَمَسِّهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
ظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَيْضًا أَنَّ الْمَشْهُورَ عَدَمُ الْجَوَازِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا رِوَايَتَانِ، أَوْ وَجْهَانِ قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ فِي الثَّوْبِ الْمُطَرَّزِ بِالْقُرْآنِ روايتان1: وَقِيلَ وَجْهَانِ، انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي2 وَالْمُغْنِي3 وَالشَّرْحِ4 وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ فِي الْفِضَّةِ الْمَنْقُوشَةِ:
إحْدَاهُمَا: لَا يَجُوزُ، نَصَّ عَلَيْهَا فِي رواية المروذي في أنه لا يجوز للجنب5 مَسُّ الدَّرَاهِمِ بِيَدِهِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي صُرَّةٍ فَلَا بَأْسَ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْمُغْنِي3 وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ الْكَاغَدِ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي ابْنُ مُنَجَّى عَلَى مَا يَأْتِي.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ نَصَّ عَلَيْهَا فِي رِوَايَةِ الْمَطَالِبِ وَابْنِ مَنْصُورٍ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ مَسُّ الدَّرَاهِمِ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ ظَاهِرُ كَلَامِهِ الْجَوَازُ، قَالَ النَّاظِمُ عَنْ الدِّرْهَمِ المنقوش:
__________
1 ليست في "ط".
2 1/104.
3 1/204.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/75-76.
5 ليست في "ط".(1/244)
وَيَجُوزُ1 فِي الْأَصَحِّ مَسُّ2 الْمَنْسُوخِ، وَتِلَاوَتُهُ، وَالْمَأْثُورِ عَنْ اللَّهِ، وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ "و" وَيَحْرُمُ مَسُّهُ بِعُضْوٍ نَجَسٍ لَا بِغَيْرِهِ فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَكَذَا مَسُّ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِنَجَسٍ.
وَكَرِهَ أَحْمَدُ تَوَسُّدَهُ، وَفِي تَحْرِيمِهِ وَجْهَانِ "م 23" وكذا كتب العلم "م 24" التي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
هَذَا الْمَنْصُورُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّخْرِيجِ مَا لَا يَتَعَامَلُ بِهِ النَّاسُ: غَالِبًا مِنْ الذَّهَبِ وَالدَّرَاهِمِ الْمَنْقُوشِ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ لَا يَجُوزُ مَسُّهُ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، وَاخْتَارَ الْجَوَازَ أَبُو الْمَعَالِي ابْنُ مُنَجَّى فِي النِّهَايَةِ وَاخْتَارَ أَيْضًا فِيهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ مَسُّ ثَوْبٍ كُتِبَ فِيهِ قُرْآنٌ، وَقَالَ وَجْهًا وَاحِدًا وَقَطَعَ الْمَجْدُ بِالْجَوَازِ فِي مَسِّ الْخَاتَمِ الْمَرْقُومِ فِيهِ انْتَهَى.
مَسْأَلَةٌ- 23: قَوْلُهُ: "وَكَرِهَ أَحْمَدُ تَوَسُّدَهُ يَعْنِي الْمُصْحَفَ وَفِي تَحْرِيمِهِ وَجْهَانِ":
أَحَدُهُمَا: يَحْرُمُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي3 وَالشَّرْحِ3 نَقَلَهُ عَنْهُمَا فِي الْآدَابِ، ثُمَّ رَأَيْته فِيهِمَا فِي أَوَاخِرِ الِاعْتِكَافِ، وَاخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: يَحْرُمُ الِاتِّكَاءُ عَلَى الْمُصْحَفِ، وَعَلَى كُتُبِ الْحَدِيثِ، وَمَا فِيهِ مِنْ القرآن اتفاقا، انتهى.
والوجه الثَّانِي: لَا يَحْرُمُ، بَلْ يُكْرَهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْآدَابِ الْكُبْرَى وَالْوُسْطَى، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَقَالَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: كَرِهَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَنْ يَضَعَ الْمُصْحَفَ تَحْتَ رَأْسِهِ، فَيَنَامَ عَلَيْهِ، قَالَ الْقَاضِي إنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ ابْتِذَالًا لَهُ وَنُقْصَانًا مِنْ حُرْمَتِهِ.
مَسْأَلَةٌ – 24: قَوْلُهُ: "وَكَذَا كُتُبُ الْعِلْمِ" يَعْنِي الَّتِي فِيهَا قُرْآنٌ، يَعْنِي أَنَّ فِي جَوَازِ تَوَسُّدِهَا وَعَدَمِهِ الْوَجْهَيْنِ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الأذانين:
أحدهما: يحرم، وهو الصَّحِيحُ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَمْدَانَ أَيْضًا، وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ في
__________
1 ليست في الأصل و"س".
2 بعدها في الأصل و"س": "و".
3 لم أقف عليه في الموضعين.(1/245)
فِيهَا قُرْآنٌ، وَالْإِكْرَاهُ، قَالَ أَحْمَدُ فِي كُتُبِ الحديث: إن خَافَ سَرِقَةً فَلَا بَأْسَ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا مَدَّ الرِّجْلَيْنِ إلَى جِهَةِ ذَلِكَ، وَتَرْكُهُ أَوْلَى وَيُكْرَهُ، وَكَرِهَهُ الْحَنَفِيَّةُ، وَكَذَا فِي مَعْنَاهُ اسْتِدْبَارُهُ، وَقَدْ كَرِهَ أَحْمَدُ إسْنَادَ الظَّهْرِ إلَى الْقِبْلَةِ، فَهُنَا أَوْلَى، لَكِنْ اقْتَصَرَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ عَلَى اسْتِحْبَابِ اسْتِقْبَالِهَا، فَتَرْكُهُ أَوْلَى وَلَعَلَّ هَذَا أَوْلَى. وفي الصحيحين1 حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ: "فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ".
وَلِأَحْمَدَ2 بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إلَى الْكَعْبَةِ: وَرَبِّ هَذِهِ الْكَعْبَةِ لَقَدْ لَعَنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُلَانًا وَمَا وُلِدَ مِنْ صُلْبِهِ.
وَلِأَحْمَدَ3 عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْنَدِي ظُهُورِنَا إلَى قِبْلَتِهِ إذْ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ التَّخَطِّي وَرَمْيُهُ إلَى الْأَرْضِ بِلَا وَضْعٍ، وَلَا حَاجَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ، بَلْ هُوَ بِمَسْأَلَةِ التَّوَسُّلِ أَشْبَهُ، وَقَدْ رَمَى رَجُلٌ بِكِتَابٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فغضب. وقال: هكذا يفعل بكلام الأبرار!!.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مجمع البحرين في التي قبلها.
والوجه الثاني: يكره، وهذه المسألة كالتي قبلها.
__________
1 البخاري "3207"، ومسلم "162"، من حديث أنس.
2 في مسنده "16128".
3 في مسنده "18132".(1/246)
وَيُكْرَهُ تَحْلِيَتُهُ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ "وم ش" نَصَّ عَلَيْهِ وَعَنْهُ لَا "وهـ" كَتَطْيِيبِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ كَكِيسِهِ الْحَرِيرِ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: الْمَسْأَلَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ قَدْرٌ يسير، ومثل ذَلِكَ لَا يَحْرُمُ، كَالطِّرَازِ وَالذَّيْلِ، وَالْجَيْبِ، كَذَا قَالُوا.
وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ تَحْلِيَتُهُ لِلنِّسَاءِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ، جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ، كَكُتُبِ الْعِلْمِ فِي الْأَصَحِّ، وَاسْتَحَبَّ الْآمِدِيُّ تَطْيِيبَهُ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ طَيَّبَ الْكَعْبَةَ1، وَهِيَ دُونَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي لِأَمْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِتَطْيِيبِ الْمَسَاجِدِ2، وَالْمُصْحَفُ أَوْلَى. وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: يَحْرُمُ كَتْبُهُ بِذَهَبٍ، لِأَنَّهُ مِنْ زَخْرَفَةِ الْمُصْحَفِ، وَيُؤْمَرُ بِحَكِّهِ، فَإِنْ كَانَ تَجَمَّعَ مِنْهُ مَا يُتَمَوَّلُ زَكَّاهُ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ يُزَكِّيهِ إنْ كَانَ نِصَابًا، وَلَهُ حَكُّهُ، وَأَخْذُهُ.
وَاسْتِفْتَاحُ الْفَأْلِ فِيهِ، فَعَلَهُ ابْنُ بَطَّةَ، وَلَمْ يَرَهُ غَيْرُهُ، وَذَكَرَهُ شَيْخُنَا، وَاخْتَارَهُ.
وَيَحْرُمُ كَتْبُهُ حَيْثُ يُهَانُ بِبَوْلِ حَيَوَانٍ، أَوْ جُلُوسٍ، وَنَحْوِهِ، وَذَكَرَهُ شَيْخُنَا إجْمَاعًا، فَتَجِبُ إزَالَتُهُ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَنْبَغِي تَعْلِيقُ شَيْءٍ فِيهِ قُرْآنٌ يُسْتَهَانُ بِهِ، قَالَ جَمَاعَةٌ: وَيُكْرَهُ كِتَابَتُهُ، زَادَ بَعْضُهُمْ فِيمَا هُوَ مَظِنَّةُ بَذْلِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ كِتَابَةُ غَيْرِهِ مِنْ الذِّكْرِ فيم لم يدنس3، وإلا كره شديدا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 المشهور في تطييب الكعبة قول عائشة رضي الله عنها: "لأن أطيب الكعبة أحب إلي من أن أهدي لها ذهباً أو فضة". أخرجه الأزرقي في أخبار مكة: 257، وفي إسناده إبراهيم بن أبي يحيى، متروك، كما في التقريب "241". وانظر مثير العزم الساكن 1/361. لابن الجوزي.
2 أخرجه أبو داود "455"، والترمذي "594"، وابن ماجة "759"، أن عائشة قالت: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب".
3 في النسخ الخطية: "يدس" والمثبت من "ط".(1/247)
وَيَحْرُمُ دَوْسُهُ، وَالْمُرَادُ غَيْرُ حَائِطِ الْمَسْجِدِ، قَالَ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرُهُ: يُكْرَهُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَى حِيطَانِ الْمَسْجِدِ ذِكْرٌ وَغَيْرُهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُلْهِي الْمُصَلِّيَ، وَكَرِهَ أَحْمَدُ شِرَاءَ ثَوْبٍ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ يُجْلَسُ عَلَيْهِ وَيُدَاسُ.
وَمَا تَنَجَّسَ أَوْ كُتِبَ عَلَيْهِ بِنَجِسٍ غُسِلَ، قَالَ فِي الْفُنُونِ: يَلْزَمُ غَسْلُهُ. وَقَالَ: فَقَدْ جَازَ غَسْلُهُ وَتَحْرِيقُهُ لِنَوْعِ صِيَانَةٍ وَقَالَ إنْ قَصَدَ بِكَتْبِهِ بِنَجِسٍ إهَانَتَهُ فَالْوَاجِبُ قَتْلُهُ. وَفِي الْبُخَارِيِّ1: أَنَّ الصَّحَابَةَ حَرَّقَتْهُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، لَمَّا جَمَعُوهُ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: ذَلِكَ لِتَعْظِيمِهِ وَصِيَانَتِهِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي دَاوُد رَوَى بِإِسْنَادِهِ عن طلحة بن مصرف2 قَالَ: دَفَنَ عُثْمَانُ الْمَصَاحِفَ بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ3، وَبِإِسْنَادٍ عَنْ طَاوُسٍ إنْ لَمْ يَكُنْ يَرَى بَأْسًا أَنْ يُحَرِّقَ الْكُتُبَ، وَقَالَ: إنَّ الْمَاءَ وَالنَّارَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ4.
وَذَكَرَ أَحْمَدُ أَنَّ أَبَا الْجَوْزَاءِ5 بَلِيَ مُصْحَفٌ لَهُ فَحَفَرَ لَهُ فِي مَسْجِدِهِ فَدَفَنَهُ، وَقِيلَ: يُدْفَنُ كَمَا لَوْ بَلِيَ الْمُصْحَفُ أَوْ انْدَرَسَ، نَصَّ عَلَيْهِ.
وَفِي كَرَاهَةِ نَقْطِهِ وَشَكْلِهِ وَكِتَابَةِ الْأَعْشَارِ فِيهِ وأسماء السور وعدد
__________
1 في صحيحه "4987"، من حديث أنس بن مالك أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشأم في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب ... وفي آخر الحديث: حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في صحيفة أو مصحف أن يحرق.
2 هو: أبو محمد، طلحة بن مصرف بن عمرو بن كعب، الحافظ المقرئ. حدث عن أنس بن مالك، وعبد الله بن أبي أوفى، ومجاهد وغيرهم. "ت112هـ". "السير" 5/191.
3 المصاحف ص 34.
4 المصاحف ص 195.
5 هو: أوس بن عبد الله الربعي البصري، من كبار العلماء، روى عن عائشة، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وكان أحد العباد الذين قاموا على الحجاج، فقيل: إنه قتل يوم الجماجم. "83هـ". "السير" 4/371.(1/248)
الْآيَاتِ رِوَايَتَانِ "م 25" وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ نَقْطُهُ، وَعَلَّلَهُ أَحْمَدُ بِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لِلنَّاسِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُنَادِي1، وَمَعْنَى كَلَامِهِ وَكَلَامِ الْقَاضِي أَنَّ شَكْلَهُ كَنَقْطِهِ، وَعَلَيْهِ تَعْلِيلُ أَحْمَدَ، قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ لِأَحْمَدَ: تُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ سُورَةُ كَذَا وَكَذَا؟؟ قَالَ: لَا أَدْرِي مَا هُوَ؟ قَالَ الْخَلَّالُ: يَعْنِي لَا أَدْرِي كَرَاهَتَهُمْ لِذَلِكَ مَا هُوَ، إلَّا أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ، وَاحْتَجَّ الْخَلَّالُ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ بِالْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ2. وَقَالَ الْقَاضِي ظاهره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ – 25: قَوْلُهُ: "وَفِي كَرَاهَةِ نَقْطِهِ وَشَكْلِهِ وَكِتَابَةِ الْأَعْشَارِ فِيهِ وَأَسْمَاءِ السُّوَرِ وَعَدَدِ الْآيَاتِ رِوَايَتَانِ" انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْآدَابِ الْكُبْرَى وَالْوُسْطَى وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي النَّقْطِ، وَقَالَ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُكْتَبَ فِي الْمُصْحَفِ مَا لَيْسَ مِنْ الْقُرْآنِ كَالْأَخْمَاسِ، وَالْأَعْشَارِ، وَعَدَدِ آيِ السُّوَرِ، انْتَهَى:
إحْدَاهُمَا: لَا يُكْرَهُ. قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ وَقَبْلَهَا بِكَثِيرٍ، وَإِنَّمَا تُرِكَ ذَلِكَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ اسْتَحَبَّ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُنَادِي نَقْطَهُ، وَعَلَّلَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لِلنَّاسِ، وَمَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي وَابْنِ الْمُنَادِي وَشَكْلَهُ أَيْضًا. قلت: وهو قوي.
والرواية الثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ لِعَدَمِ فِعْلِهِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَمَنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، فَهَذِهِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ مَسْأَلَةً، بَلْ أَكْثَرُ بِاعْتِبَارِ تَعْدَادِ الْمَسَائِلِ قَدْ فَتَحَ الله بتصحيحهما فله الحمد والمنة.
__________
1 هو: أحمد بن جعفر، كان ثقة ثبتاً، وله تصانيف كثيرة لم تنتشر عنه، مات سنة 336هـ، له ترجمة في "طبقات الحنابلة" 2/3.
2 فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأ بهما كفتاه". أخرجه البخاري "5040" في: باب من لم ير بأساً أن يقول: سورة البقرة، وسورة كذا وكذا.(1/249)
التوقف عن جوازه، وكراهته، وَقَدْ رَوَى خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّازُ1 وَهُوَ إمَامٌ مَشْهُورٌ بِإِسْنَادِهِ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: "لَا تَقُولُوا سُورَةُ الْبَقَرَةِ، وَلَا سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ، وَلَا سُورَةُ النِّسَاءِ، وَكَذَلِكَ الْقُرْآنُ كُلُّهُ، وَلَكِنْ قُولُوا: السُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا الْبَقَرَةُ، وَاَلَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا آلُ عِمْرَانَ، وَكَذَلِكَ الْقُرْآنُ كُلُّهُ" 2. قَالَ الْقَاضِي: وَظَاهِرُ كَرَاهَتِهِ، وَهُوَ أَشْبَهُ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ يُعَضِّدُهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ} [محمد: 20] قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ3: جَوَازُ ذَلِكَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ سَلَفًا وَخَلَفًا، وَكَرِهَهُ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ.
وَيَجُوزُ تَقْبِيلُهُ، وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ، لِفِعْلِ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ الْوَقْفَ فِيهِ، وَفِي جَعْلِهِ عَلَى عَيْنَيْهِ، لِعَدَمِ التَّوْقِيفِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ رِفْعَةٌ وَإِكْرَامٌ، لِأَنَّ مَا طَرِيقُهُ الْقُرْبُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقِيَاسِ فِيهِ مَدْخَلٌ، لَا يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَعْظِيمٌ إلَّا بِتَوْقِيفٍ، وَلِهَذَا قَالَ عمر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 وفي المطبوع: البزاز بالزاي المعجمة، وليس بصحيح، ينظر ضبطه في التقريب "1737" وهو خلف بن هشام بن ثعلب المقرئ البغدادي، ثقة، له اختيار في القراءات، مات سنة 229هـ، له ترجمة في "تهذيب التهذيب" 1/549.
2 أخرجه الطبراني في الأوسط "5755"، من طريق خلف بن هشام، وفي إسناده عبيس بن ميمون البصري متروك الحديث.
3 صحيح مسلم بشرح النووي 3/327.(1/250)
عَنْ الْحَجَرِ: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُك مَا قَبَّلْتُك1، وَلَمَّا قَبَّلَ مُعَاوِيَةُ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْبَيْتِ مَهْجُورًا، فَقَالَ: إنَّمَا هِيَ السُّنَّةُ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الزِّيَادَةَ عَلَى فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَعْظِيمٌ2، ذَكَرَ ذَلِكَ الْقَاضِي، وَلِهَذَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ رِوَايَةً تُكْرَهُ، وَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُقَامُ لَهُ، لِعَدَمِ التَّوْقِيفِ، وَذَكَرَ الْحَافِظُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ3 مِنْ أَصْحَابِنَا فِيمَنْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ4 فِي تَرْجَمَةِ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَذُكِرَ عِنْدَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ5 وَكَانَ مُتَّكِئًا، مِنْ عِلَّةٍ فَاسْتَوَى جَالِسًا، وَقَالَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ الصَّالِحُونَ فَيُتَّكَأَ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ أَنَّهُ كَانَ مُسْتَنِدًا فَأَزَالَ ظَهْرَهُ. وَقَالَ: لَا يَنْبَغِي أَنَّهُ تَجْرِي ذِكْرَى الصَّالِحِينَ وَنَحْنُ مُسْتَنِدُونَ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، فَأَخَذْتُ مِنْ هَذَا حُسْنَ الْأَدَبِ فِيمَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ عِنْدَ ذِكْرِ إمَامِ الْعَصْرِ مِنْ النُّهُوضِ لِسَمَاعِ تَوْقِيعَاتِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَسْأَلَتَنَا أَوْلَى. وَقَالَ شَيْخُنَا: إذَا اعْتَادَ النَّاسُ قِيَامَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فَهُوَ أَحَقُّ.
وَيَجُوزُ: كِتَابَةُ آيَتَيْنِ فَأَقَلَّ إلَى الْكُفَّارِ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ يَجُوزُ أَنْ يُكْتَبَ إلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ كِتَابٌ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ، قَدْ كَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُشْرِكِينَ6، وَفِي النِّهَايَةِ لِحَاجَةِ التَّبْلِيغِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِلَافِ. وَقَالَ ابْنُ عقيل: لا بأس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه البخاري "1610" ومسلم "1270".
2 وهذه قاعدة شريفة في ضبط الأفعال الشرعية، وضرورة تجريد المتابعة فيها، كما بسطه العالم المتفنن الشاطبي في كتابه "الاعتصام"، والفقيه النظار ابن عبد الهادي في "الصارم المنكي": 335.
3 عبد العزيز بن محمود الجنابذي، من فقهاء الحنابلة البارعين، له مصنفات غزيرة النفع، مات سنة 621هـ، له ترجمة في "ذيل الطبقات" 2/79.
4 اسم الكتاب كاملاً: "المقصد الأرشد، في ذكر من روى عن الإمام أحمد" في مجلدين كما ذكره الزين ابن رجب في "ذيل الطبقات" 2/8.
5 من أعيان الحنفية، وأحد رجال الستة، مات سنة 163هـ، له ترجمة في "الجواهر المضية" 1/85.
6 أخرجه الخلال في "أحكام أهل الملل": 395.(1/251)
بِتَضْمِينِهِ لِمَقَاصِدَ تُضَاهِي مَقْصُودَهُ تَحْسِينًا لِلْكَلَامِ، كَأَبْيَاتٍ فِي الرَّسَائِلِ لِلْكُفَّارِ مُقْتَضِيَةٍ الدِّعَايَةَ، وَلَا يَجُوزُ فِي نَحْوِ كُتُبِ الْمُبْتَدِعَةِ، بَلْ فِي الشِّعْرِ لِصِحَّةِ الْقَصْدِ، وَسَلَامَةِ الْوَضْعِ.
وَيَحْرُمُ السَّفَرُ بِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ "وم ش" نَقَلَ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ؛ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَغْزُوَ وَمَعَهُ مُصْحَفٌ، وَقِيلَ: إلَّا مَعَ غَلَبَةِ السَّلَامِ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ يُكْرَهُ بِدُونِهَا "وهـ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/252)
باب الغسل
موجبات الغسل
...
بَابُ الْغُسْلِ
وَمُوجِبُهُ سِتَّةٌ: خُرُوجُ الْمَنِيِّ مِنْ مخرجه بلذة، ولو دما، وعنه وبغيرها "وش" وَيُخْلَقُ مِنْهُ الْحَيَوَانُ، لِخُرُوجِهِ مِنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَيَنْقُصُ بِهِ جُزْءٌ مِنْهُ، وَبِهَذَا يَضْعُفُ مُكْثِرُهُ، فَجُبِرَ بِالْغُسْلِ.
وَإِنْ أَحَسَّ بِخُرُوجِهِ فَحَبَسَهُ وَجَبَ، وَعَنْهُ لَا، حَتَّى يَخْرُجَ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ "و" فَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يَثْبُتُ حُكْمُ الْبُلُوغِ وَالْفِطْرِ وَغَيْرِهِمَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ "م 1" وَعَلَيْهِمَا أَيْضًا إنْ خَرَجَ بَعْدَ غُسْلِهِ أَوْ خَرَجَتْ بَقِيَّةُ مَنِيٍّ اغتسل له: لم يجب "وم" وعنه يجب "وش".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ – 1: قَوْلُهُ: "وَإِنْ أَحَسَّ بِخُرُوجِهِ فَحَبَسَهُ وَجَبَ، وَعَنْهُ لَا، حَتَّى يَخْرُجَ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يَثْبُتُ حُكْمُ الْبُلُوغِ وَالْفِطْرِ وَغَيْرِهِمَا؟؟ عَلَى وَجْهَيْنِ" انْتَهَى. وَذَكَرَهُمَا الْقَاضِي فِيمَنْ بَعْدَهُ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْبُلُوغِ وَغَيْرُهُ بِذَلِكَ قَبْلَ الْخُرُوجِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا اخْتَارَهُ في الرعاية الكبرى. قلت: وهو بعيد.(1/253)
وعنه إن خرج بوله "وهـ" وَعَنْهُ بَعْدَهُ، وَكَذَا لَوْ جَامَعَ فَلَمْ يُنْزِلْ وَاغْتَسَلَ، ثُمَّ خَرَجَ لِغَيْرِ شَهْوَةِ، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ يَغْتَسِلُ. وَقَالَ شَيْخُنَا: قِيَاسُ الْمَنِيِّ انْتِقَالُ حَيْضٍ.
وَإِنْ انْتَبَهَ بَالِغٌ أَوْ مَنْ يُحْتَمَلُ بُلُوغُهُ فَوَجَدَ بَلَلًا جَهِلَ أَنَّهُ مَنِيٌّ وَجَبَ "م ش" كتيقنه "و" وعنه مع الحلم، وَعَنْهُ لَا، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَعَلَى الأولى يغسل بدنه1 وَثَوْبَهُ احْتِيَاطًا، وَلَعَلَّ ظَاهِرَهُ لَا يَجِبُ، وَلِهَذَا قَالُوا: وَإِنْ وَجَدَهُ يَقَظَةً وَشَكَّ فِيهِ تَوَضَّأَ، وَلَا يَلْزَمُ غَسْلُ ثَوْبِهِ، وَلَا يَدَيْهِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ حُكْمُ غَيْرِ الْمَنِيِّ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ حُكْمِهِمَا، وخيره أكثر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
والوجه الثَّانِي: يَثْبُتُ ذَلِكَ قَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ الْتِزَامًا، وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيّ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، قَالَ في الرعاية وهو بعيد.
__________
1 في "ط": "يديه".(1/254)
الشَّافِعِيَّةِ بَيْنَ حُكْمِ الْمَنِيِّ وَالْمَذْيِ.
وَإِنْ سَبَقَ نَوْمَهُ بَرْدٌ أَوْ نَظَرٌ وَنَحْوُهُ لَمْ يَجِبْ، وَعَنْهُ يَجِبُ، وَعَنْهُ مَعَ الْحُلْمِ وِفَاقًا، وَإِنْ تَيَقَّنَهُ مَذْيًا فَلَا "هـ" وَإِنْ رَأَى مَنِيًّا بِثَوْبٍ يَنَامُ فِيهِ وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَالْأَزَجِيُّ لَا بِظَاهِرِهِ لِجَوَازِهِ مِنْ غَيْرِهِ اغْتَسَلَ وَيَعْمَلُ فِي الْإِعَادَةِ بِالْيَقِينِ، وَقِيلَ بِظَنِّهِ.
وَلَا يَجِبُ بِحُلْمٍ بِلَا بَلَلٍ، وَلَا بِمَنِيٍّ فِي ثَوْبٍ يَنَامُ فِيهِ اثْنَانِ عَنْ الْأَصَحِّ فِيهِمَا "و" وَفِي الْأُولَى رِوَايَةٌ يَجِبُ إنْ وَجَدَ لَذَّةَ الْإِنْزَالِ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ إنْ انْتَبَهَ ثُمَّ خَرَجَ إذَنْ لَزِمَهُ، وَإِنْ وَجَبَ بِالِاحْتِلَامِ تَبَيَّنَّا وُجُوبَهُ مِنْ الِاحْتِلَامِ، فَيُعِيدُ مَا صَلَّى بَعْدَ الِانْتِبَاهِ قبل خروجه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/255)
وَتَغْيِيبُ حَشَفَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ "و" أَوْ قَدْرِهَا لِعَدَمٍ بِلَا حَائِلٍ، وَقِيلَ وَمَعَهُ "وش" وَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَرَارَةً "هـ" وَالْمَذْهَبُ وَلَوْ نَائِمًا وَمَجْنُونًا، وَقِيلَ: وَلَوْ مَيِّتًا فَيُعَادُ غُسْلُهُ، كَمَنْ اسْتَدْخَلَتْهُ فِي قُبُلٍ، وَالْأَصَحُّ أَصْلِيٌّ مِنْ آدَمِيٍّ، "و" أَوْ غَيْرِهِ "هـ" نَصَّ عَلَيْهِ حَتَّى سَمَكَةٍ، وَقِيلَ حَيٌّ "وهـ" وَكَذَا دُبُرٌ فِي الْمَنْصُوصِ "و" وَقِيلَ: عَلَى الْوَاطِئِ، وَالْمَنْصُوصُ وَلَوْ غَيْرُ بَالِغٍ "هـ" وَالْأَصَحُّ يَلْزَمُهُ إنْ أَرَادَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْغُسْلِ، أَوْ الْوُضُوءِ، أَوْ مَاتَ قَبْلَ فِعْلِهِ شَهِيدًا، وَعَدَّ بَعْضُهُمْ هَذَا قَوْلًا، وَالْأَوْلَى أَنَّهُ مُرَادُ الْمَنْصُوصِ، أَوْ يُغْسَلُ لَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/256)
لَوْ مَاتَ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْإِمَامِ، وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ لِوُجُوبِهِ مُجَامَعَةَ مِثْلِهِ، وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ لِلذَّكَرِ1 إذَا كَانَ ابْنَ عَشْرٍ، وَالْأُنْثَى بِنْتَ تِسْعٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا قَبْلَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، لَيْسَ عَنْهُ خِلَافُهُ.
وَيَجِبُ الْوُضُوءُ بِمُوجِبَاتِهِ "و" وَجَعَلَ شَيْخُنَا مِثْلَهُ مَسْأَلَةَ الْغُسْلِ إلْزَامُهُ بِاسْتِجْمَارٍ، وَنَحْوِهِ فِي فَتَاوَى ابْنِ الزَّاغُونِيِّ لَا نُسَمِّيهِ جُنُبًا، لِأَنَّهُ لَا مَاءَ لَهُ، ثُمَّ إنْ وَجَدَ شَهْوَةً لَزِمَهُ، وَإِلَّا أُمِرَ بِهِ لِيَعْتَادَهُ، وأن الميتة يعاد غسلها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 بعدها في "ط": "إذا كان".(1/257)
لِلصَّلَاةِ، وَإِلَّا فَالْوَجْهَانِ، وَأَجَابَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْأُولَى مِثْلُهُ.
وَلَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ بَهِيمَةٍ فَكَوَطْءِ بَهِيمَةٍ، وَيَأْتِي كَلَامُ ابْنِ شِهَابٍ فِي الْحَدِّ بِوَطْءِ بَهِيمَةٍ1، وَلَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ: لِي جِنِّيٌّ يُجَامِعُنِي كَالرَّجُلِ فَلَا غُسْلَ، لِعَدَمِ الْإِيلَاجِ وَالِاحْتِلَامِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: فِي قَوْله تَعَالَى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن: 56] دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجِنِّيَّ يَغْشَى الْمَرْأَةَ كَالْإِنْسِيِّ2.
وَإِسْلَامُ الْكَافِرِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: جُنُبٌ، وَقِيلَ يَجِبُ بِالْكُفْرِ، وَالْإِسْلَامُ شَرْطٌ، فَعَلَى الْأَشْهَرِ لَوْ وُجِدَ سَبَبُهُ فِي كُفْرِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ لَهُ غُسْلٌ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: أَسْبَابُهُ الْمُوجِبَةُ لَهُ فِي الْكُفْرِ كَثِيرَةٌ، وَبَنَاهُ أَبُو الْمَعَالِي عَلَى مُخَاطَبَتِهِمْ، بِالْفُرُوعِ، وَيَلْزَمُهُ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ كَالْوُضُوءِ، فَلَوْ اغْتَسَلَ فِي كُفْرِهِ أَعَادَ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا، لَا إنْ اعْتَقَدَ وُجُوبَهُ.
وَقَالَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُثَابُ طَاعَةً فِي الْكُفْرِ إذَا أَسْلَمَ، وَأَنَّهُ كَمَنْ تَزَوَّجَ مُطَلَّقَتَهُ ثَلَاثًا مُعْتَقِدًا حِلَّهَا، وَفِيهِ روايتان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 10/56.
2 زاد المسير 7/ 315.(1/258)
وقيل: لا غسل على كافر مطلقا "وم" كَغُسْلِ حَائِضٍ لِوَطْئِهِ فِي الْأَصَحِّ، قَالَ أَحْمَدُ: وَيَغْسِلُ ثِيَابَهُ، قَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ قُلْنَا بِنَجَاسَتِهَا وَجَبَ، وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ.
وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُ إسْلَامٍ لِغُسْلٍ وَلِغَيْرِهِ، وَلَوْ اسْتَشَارَ مُسْلِمًا فَأَشَارَ بِعَدَمِ إسْلَامِهِ، أَوْ أَخَّرَ عَرْضَ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ بِلَا عُذْرٍ لَمْ يَجُزْ، وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ1: أَنَّهُ يَصِيرُ مُرْتَدًّا، وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ وَالْمَوْتُ، وَهُوَ تَعَبُّدٌ "لَا" عَنْ حَدَثٍ "ش".
وَالْحَيْضُ والنفاس، وقيل: بانقطاعه "وهـ ر" وَعَلَيْهِمَا يُخَرَّجُ غُسْلُ شَهِيدٍ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي احْتِمَالَيْنِ عَلَى الْأَوَّلِ، لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ بِالْمَوْتِ، وَهُوَ غَيْرُ مُوجِبٍ، وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهٌ 2: قَوْلُهُ: وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ، وَقِيلَ بِانْقِطَاعِهِ، وَعَلَيْهِمَا يَخْرُجُ غُسْلُ شَهِيدَةٍ انْتَهَى. وَقَالَ فِي بَابِ غُسْلِ الْمَيِّتِ3 فِي غُسْلِ الشَّهِيدِ: وَيُغَسَّلُ لِجَنَابَةٍ، أَوْ طُهْرٍ مِنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَسَبَقَتْ أَسْئِلَةُ النَّهْيِ، فَذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّهَا تُغَسَّلُ إذَا كَانَتْ شَهِيدَةً، لِأَنَّهُ قَدَّمَ وُجُوبَ الْغُسْلِ بِخُرُوجِهَا وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ ثَانِيًا أَنَّهَا لَا تُغَسَّلُ إذَا لَمْ تَطْهُرْ وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِلْأَوَّلِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَابَعَ أَوَّلًا الْمَجْدَ وَابْنَ حُمَيْدَانِ وَالنَّاظِمَ وَغَيْرَهُمْ، وَتَابَعَ ثَانِيًا الشَّيْخَ الْمُوَفَّقَ وَمَنْ تَبِعَهُ، فَحَصَلَ مَا حَصَلَ، وَاَللَّهُ أعلم 2.
__________
1 هو: أبو العباس، نجم الدين، أحمد بن محمد بن علي الأنصاري، فقيه شافعي، من مصنفاته: "بذل النصائح الشرعية"، "كفاية النبيه في شرح التنبيه"، وغيرهما. "ت710هـ" "طبقات الشافعية" 9/24 "الأعلام" 1/222.
2 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
3 3/296.(1/259)
وَعَنْهُ وَالْوِلَادَةُ "وَ" وَالْوَلَدُ طَاهِرٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي غُسْلِهِ مَعَ دَمٍ وَجْهَانِ "م 2" وَفِي اسْتِحْبَابِ غُسْلِ حَائِضٍ لِجَنَابَةٍ قَبْلَ انْقِطَاعِهِ رِوَايَتَانِ "م 3" ويصح وعنه: لا "وش" وعنه يجب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ – 2: قَوْلُهُ: "وَالْوَلَدُ طَاهِرٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي غُسْلِهِ مَعَ دَمٍ وَجْهَانِ" انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ:
أَحَدُهُمَا: يُغَسَّلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمُنَاسَبَتِهِ الدَّمَ وَمُخَالَطَتِهِ لَهُ، وَلَا يَسْلَمُ مِنْهُ غَالِبًا بَعْدَ خُرُوجِهِ، فَعَلَّقْنَا الْحُكْمَ عَلَى الْمَظِنَّةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُغَسَّلُ.
مَسْأَلَةٌ -3: قَوْلُهُ: "وَفِي اسْتِحْبَابِ غُسْلِ حَائِضٍ لِجَنَابَةٍ قَبْلَ انْقِضَائِهِ رِوَايَتَانِ" انْتَهَى.
إحْدَاهُمَا: يُسْتَحَبُّ لِذَلِكَ. قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَيُسْتَحَبُّ غسلها عند الجمهور، واختاره المجد. انتهى.
والرواية الثَّانِيَةُ: لَا يُسْتَحَبُّ، قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ غُسْلُهَا لِجَنَابَةٍ حَالَ الْحَيْضِ، وَعَنْهُ يَصِحُّ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ، وعنه لا يستحب. انتهى.(1/260)
وَيُمْنَعُ جُنُبٌ مِنْ قِرَاءَةِ آيَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ، زَادَ الْخَطَّابِيُّ1: وَعَنْ أَحْمَدَ يَجُوزُ آيَةٌ وَنَحْوُهَا وَلَا يَجُوزُ آيَاتٌ يَسِيرَةٌ لِلتَّعَوُّذِ. وَفِي وَاضِحِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي مَسْأَلَةِ الْجَوَازِ لَا يَحْصُلُ التَّحَدِّي بِآيَةٍ، وَاثْنَتَيْنِ، وَلِهَذَا جَوَّزَ الشَّرْعُ لِلْجُنُبِ الْحَائِضِ تِلَاوَتَهُ، لِأَنَّهُ لَا إعْجَازَ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا طَالَ.
وَيَجُوزُ بَعْضُ آيَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ "هـ ش" وَلَوْ كَرَّرَ: مَا لَمْ يَتَحَيَّلْ عَلَى قِرَاءَةٍ تَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَلَهُ تَهْجِئَةٌ فِي الْأَصَحِّ، فَيَتَوَجَّهُ بُطْلَانُ صَلَاةٍ بِتَهْجِئَةٍ، هَذَا الْخِلَافُ.
فِي الْفُصُولِ: تَبْطُلُ لِخُرُوجِهِ عَنْ نَظْمِهِ وَإِعْجَازِهِ، وَلَهُ قِرَاءَةٌ لَا تُجْزِئُ فِي الصَّلَاةِ لِأَسْرَارِهَا فِي ظَاهِرِ نِهَايَةِ الْأَزَجِيِّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَهُ تَحْرِيكُ شَفَتِهِ بِهِ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْحُرُوفَ.
وَلَهُ قَوْلُ مَا وَافَقَ قُرْآنًا وَلَمْ يَقْصِدْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَالذِّكْرُ، وَعَنْهُ مَا أُحِبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ، لِأَنَّهُ فِي الْقُرْآنِ. وَفِي التَّعْلِيلِ نَظَرٌ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَعَلَّلَهُ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ بِأَنَّهُ كَلَامٌ مَجْمُوعٌ، وَكَرِهَ شَيْخُنَا الذِّكْرَ لَهُ؛ لَا لِحَائِضٍ، وَقِيلَ: مَتَى قَصَدَ بِقِرَاءَتِهِ مَعْنَى غَيْرِ التِّلَاوَةِ جَازَ "وهـ".
وَلَهُ دُخُولُ مَسْجِدٍ "وش" وقيل: لحاجة، ويمنع سكران. وفي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 هو: أبو سليمان، حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي، من أهل بست من بلاد كابل، فقيه محدث. له: "معالم السنن"، و"بيان إعجاز القرآن"، و"غريب الحديث". "ت388هـ" "الأعلام" 2/273.(1/261)
"الْخِلَافِ" جَوَابٌ: لَا وَمَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ، وَالْمُرَادُ تَتَعَدَّى "وَ" كَظَاهِرِ كَلَامِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ وَلَكِنْ قَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ يَتَيَمَّمُ لَهَا لِلْعُذْرِ وَهَذَا ضَعِيفٌ.
وَمَجْنُونٌ1، وَقِيلَ فِيهِ يُكْرَهُ كَصَغِيرٍ، وَفِيهِ فِي النَّصِيحَةِ يُمْنَعُ لِلَّعِبِ، لَا لِصَلَاةٍ وَقِرَاءَةٍ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ بَطَّةَ وَغَيْرِهِ، وَأَطْلَقَ فِي الْخِلَافِ مَنْعَ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ، وَنَقَلَ مُهَنَّا يَنْبَغِي أَنْ يُجَنَّبَ الصِّبْيَانُ الْمَسَاجِدَ.
وَلِلْجُنُبِ اللُّبْثُ فِيهِ بِوُضُوءٍ، وَعَنْهُ لَا "وَ" وَفِي الرِّعَايَةِ رِوَايَةٌ يَجُوزُ لِجُنُبٍ مُطْلَقًا وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَحْمَدَ وَإِنْ تَعَذَّرَ وَاحْتَاجَ فَبِدُونِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَهُمْ الْمَسْجِدَ2، كَمُسْتَحَاضَةٍ وَنَحْوِهَا وَيَأْمَنُونَ تَلَوُّثَهُ وَعِنْدَ أَبِي الْمَعَالِي والشيخ يتيمم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 معطوف على قوله: "ويمنع سكران".
2 أخرجه البخاري "53"، ومسلم "17" "23".(1/262)
"وش" كَلُبْثِهِ لِغُسْلِهِ فِيهِ وَفِيهِ قَوْلٌ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ مُصَلَّى الْعِيدِ مَسْجِدٌ "وش" لِأَنَّهُ أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ حَقِيقَةً؛ لَا مُصَلَّى الْجَنَائِزِ ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَلَمْ يَمْنَعْ فِي النَّصِيحَةِ حَائِضًا مِنْ مُصَلَّى الْعِيدِ، وَمَنَعَهَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَأَمَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِرَجْمِ مَاعِزٍ فِي الْمُصَلَّى، قَالَ جَابِرٌ: رَجَمْنَاهُ فِي الْمُصَلَّى. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ1. وَنَهَى عَنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ يُسْتَقَادُ فِيهِ أَوْ تُنْشَدُ فِيهِ الْأَشْعَارُ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ2، وَلَهُ انْقِطَاعٌ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، وَضَعَّفَهُ عَبْدُ الْحَقِّ وَغَيْرُهُ.
وَيُمْنَعُ فِي الْمَنْصُوصِ كَافِرٌ الْقِرَاءَةَ "هـ" وَلَوْ رُجِيَ إسْلَامُهُ "ش" وَنَقَلَ مُهَنَّا أَكْرَهُ أَنْ يَضَعَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، قَالَ الْقَاضِي: جَعَلَهُ في حكم الجنب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 البخاري "6826"، مسلم "1619" "16".
2 أحمد في "مسنده" "15579"، "15580"، أبو داود "4490"، الدارقطني 3/85-86.(1/263)
فَصْلٌ: يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ لِلْجُمُعَةِ
"وَ" فِي يَوْمِهَا لِحَاضِرِهَا إنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ لَا لِامْرَأَةٍ، وَقِيلَ: وَلَهَا "وش" وَعَنْهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ وَكَذَا الْعِيدُ الْغُسْل لِلْعِيدِ "وَ" لِحَاضِرِهَا إنْ صَلَّى، وَقِيلَ إنْ صَلَّى جَمَاعَةً، وَفِي التَّلْخِيصِ لِمَنْ حَضَرَهُ وَلَوْ لَمْ يُصَلِّ "وم ش" وَإِنَّ مِثْلَهُ الزِّينَةُ، وَالطِّيبُ، لِأَنَّهُ يَوْمُ الزِّينَةِ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ، وَعَنْهُ لَهُ الْغُسْلُ بَعْدَ نِصْفِ لَيْلَتِهِ "وم ش" وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي جَمِيعِهَا أَوْ بَعْدَ نِصْفِهَا، كَالْأَذَانِ، فَإِنَّهُ أَقْرَبُ، فَيَجِيءُ مِنْ قَوْلِهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/263)
يَخْتَصُّ بِالسَّحَرِ كَأَذَانٍ.
وَيُسْتَحَبُّ لِكُسُوفٍ، وَاسْتِسْقَاءٍ فِي الْأَصَحِّ "وش" وَمِنْ غُسْلِ مَيِّتٍ عَلَى الْأَصَحِّ "و" وَعَنْهُ يَجِبُ مِنْ كَافِرٍ، وَقِيلَ: وَمُسْلِمٍ، وَلِجُنُونٍ، وَإِغْمَاءٍ، وَاسْتِحَاضَةٍ "و" وَعَنْهُ يَجِبُ لَهُنَّ، وَلِإِحْرَامٍ حَتَّى حَائِضٌ وَنُفَسَاءَ "و".
وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ: لَا يُسْتَحَبُّ لَهُمَا، وَجَعَلَهُ دَاوُد فَرْضًا لِلنُّفَسَاءِ، وَاسْتَحَبَّهُ لِغَيْرِهَا وَأَوْجَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الدَّمَ بِتَرْكِهِ.
وَيُسْتَحَبُّ لِدُخُولِ مَكَّةَ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ حَتَّى لِحَائِضٍ، وَعِنْدَ شَيْخِنَا لَا، وَمِثْلُهُ اغْتِسَالُ الْحَجِّ، وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَطَوَافِ زِيَارَةٍ وَوَدَاعٍ "وَ" فِي الْكُلِّ، وَمَبِيتٍ بِمُزْدَلِفَةَ، وَرَمْيِ جِمَارٍ، وَخَالَفَ شَيْخُنَا فِي الثَّلَاثَةِ، وَنَقَلَ صَالِحٌ، وَلِدُخُولِ الْحَرَمِ، وَفِي مَنْسَكِ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ وَالسَّعْيِ وَفِيهِ وَالْإِشَارَةِ وَالْمَذْهَبِ: وَلَيَالِي مِنًى، وَعَنْهُ، وَلِحِجَامَةٍ "وهـ" وَقِيلَ وَلِدُخُولِ الْمَدِينَةِ. وَقَالَ شَيْخُنَا نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: وَلِكُلِّ اجْتِمَاعٍ مُسْتَحَبٍّ، وَغُسْلُ الْجُمُعَةِ آكَدُ، وَقِيلَ: وَغُسْلُ الْمَيِّتِ "وق".
وَيَتَيَمَّمُ فِي الْأَصَحِّ لِحَاجَةٍ "وش" نَقَلَهُ صَالِحٌ فِي الْإِحْرَامِ، وَقِيلَ: بَلْ لِغَيْرِهِ، وَلَمْ يَسْتَحِبَّهُ "م هـ" وَيَتَيَمَّمُ لِمَا يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ لَهُ لِعُذْرٍ "وَ" وَظَاهِرُ مَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/264)
قدمه في الرعاية لا كغير1 الْعُذْرِ، وَتَيَمُّمُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِرَدِّ السَّلَامِ2 يُحْتَمَلُ عَدَمُ الْمَاءِ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ فِي رَدِّ السَّلَامِ، لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ3 لِئَلَّا يَفُوتَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ رَدُّهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَأَجَابَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهِ، فَقِيلَ لَهُ فَالطَّهَارَةُ شَرْطٌ فِي كَمَالِ الرَّدِّ فَلَمَّا خَافَ فَوْتَهُ كَمُلَ بِالتَّيَمُّمِ مَعَ الْقُدْرَةِ؟ فَأَجَابَ إنَّهُ إنَّمَا كَمُلَ بِالتَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ لِجَوَازِهِ بِلَا طَهَارَةٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا؟ وَجَوَّزَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ مُطْلَقًا، لِأَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ فَخَفَّ أَمْرُهَا، وَسَبَقَ فِي مثله التجديد لما يستحب له الوضوء4.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط": "لغير".
2 أخرج البخاري "337"، ومسلم "369" "114"، عن أبي جهم قال: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه ويديه ثم رد عليه السلام.
3 أخرج مسلم في صحيحه "373" "117"، عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله في كل أحيانه".
4 ص 169.(1/265)
فصل: في صفة الغسل
كَامِلٌ بِنِيَّةٍ وَتَسْمِيَةٍ وَغَسْلِ يَدَيْهِ ثَلَاثًا وَمَا لوثه ثم يتوضأ "و" كاملا "وم ش" وعنه يؤخر غسل رجليه "وهـ" إنْ كَانَتَا فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَعَنْهُ سَوَاءٌ وَيُرْوَى رَأْسُهُ، وَالْأَصَحُّ ثَلَاثًا "وَ" ثُمَّ بقية بدنه، قيل مرة "وم" وَقِيلَ ثَلَاثًا "م 4" وَيُدَلِّكُهُ، وَيَتَيَامَنُ، وَيُعِيدُ غَسْلَ رجليه بمكان آخر، وقيل لا يعيد "وهـ" لا لطين ونحوه "وش" كَالْوُضُوءِ "وَ" وَيُجْزِئُ بِنِيَّةٍ "هـ".
وَتَعْمِيمُ بَدَنِهِ حَتَّى شَعْرٍ وَفِيهِ وَجْهٌ وَالْأَصَحُّ وَبَاطِنُهُ "م ر" وَالْأَصَحُّ لِلْحَنَفِيَّةِ لَا يَلْزَمُهَا غَسْلُ الشَّعْرِ النَّازِلِ مِنْ رَأْسِهَا لِلْحَرَجِ، وَيَكْفِي الظَّنُّ فِي الْإِسْبَاغِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُحَرِّكُ خَاتَمَهُ لِيَتَيَقَّنَ وُصُولَ الْمَاءِ وَسَبَقَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ1، وَيَأْتِي فِي الشَّكِّ في عدد الركعات2.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ – 4: قَوْلُهُ: فِي صِفَةِ الْغُسْلِ "ثُمَّ بَقِيَّةُ بَدَنِهِ، قِيلَ: مَرَّةً وَقِيلَ: ثَلَاثًا" انْتَهَى "أَحَدُهُمَا": يَغْسِلُهُ مَرَّةً وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَالْعُمْدَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْخُلَاصَةِ وَجَمَاعَةٍ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قال الزركشي وهو ظاهر الأحاديث.
والقول الثَّانِي: يُغْسَلُ ثَلَاثًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ وَالْإِيضَاحِ وَالْفُصُولِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي3 وَالْمُقْنِعِ4 وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْوَجِيزِ وَالْفَائِقِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ الزَّرْكَشِيّ عليه عامة الأصحاب.
__________
1 ص 132-133.
2 2/325.
3 1/131.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/127.(1/266)
وَالتَّسْمِيَةِ كَالْوُضُوءِ. وَلَا يَجِبُ مُوَالَاةُ عَلَى الْأَصَحِّ "وهـ" كَالتَّرْتِيبِ "و" وَلِلْحَاجَةِ إلَى تَفْرِيقِهِ كَثِيرًا وَكَثْرَةِ الْمَشَقَّةِ بِإِعَادَتِهِ وَلِخَبَرِ اللُّمْعَةِ1 وَظَاهِرِ النَّصِّ، وَلَا مُعَارِضَ، وَحَيْثُ فَاتَتْ الْمُوَالَاةُ فِيهِ أَوْ في وضوء وقلنا لا يجوز فَلَا بُدَّ لِلْإِتْمَامِ مِنْ نِيَّةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ "ش" بِنَاءً عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِ النِّيَّةِ الْحُكْمِيَّةِ قُرْبُ الْفِعْلِ مِنْهَا، كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ، فَدَلَّ عَلَى الْخِلَافِ كَمَا يَأْتِي فِي نِيَّةِ الصَّلَاةِ2 وَنِيَّةِ الْحَجِّ فِي دُخُولِ مَكَّةَ3.
وَيَجِبُ نَقْضُ الشَّعْرِ لِحَيْضٍ "خ" لَا لِجَنَابَةٍ "وَ" فِي الْمَنْصُوصِ فِيهِمَا. وَيُسْتَحَبُّ السِّدْرُ فِي غُسْلِ الْحَيْضِ، وَظَاهِرُ نَقْلِ الْمَيْمُونِيُّ وَكَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ يَجِبُ، وَقَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَأَنْ تَأْخُذَ مِسْكًا فَتَجْعَلَهُ فِي قُطْنَةٍ أَوْ شَيْءٍ وَتَجْعَلَهُ فِي فَرْجِهَا بَعْدَ غُسْلِهَا، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَطِيبًا، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَطِينًا لِيَقْطَعَ الرَّائِحَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ الطِّينَ. وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا فِي غُسْلِ حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ كَمَيِّتٍ، قَالَ الْقَاضِي فِي جَامِعِهِ معناه يجب مرة، ويستحب ثلاثا ويكون
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 تقدم ص 79.
2 2/137.
3 6/38.(1/267)
السِّدْرُ وَالطِّيبُ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ، وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ لَا يَجِبُ طِيبٌ إجْمَاعًا, وَيُسْتَحَبُّ فِي غُسْلِ الْكَافِرِ السِّدْرُ كَإِزَالَةِ شَعْرِهِ وَأَوْجَبَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْإِرْشَادِ1.
وَيَرْتَفِعُ حَدَثٌ قَبْلَ زَوَالِ نَجَاسَةٍ "وَ" كَالطَّهَارَةِ، وَعَنْهُ بَلْ مَعَهَا.
وَيَغْتَسِلُ بِصَاعٍ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ عِرَاقِيَّةً نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ "وم ش" وَأَوْمَأَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مُشَيْشٍ2: أَنَّهُ ثَمَانِيَةٌ فِي الْمَاءِ، اخْتَارَهُ فِي الْخِلَافِ، وَمُنْتَهَى الْغَايَةِ، لَا مُطْلَقًا "هـ" وَيَتَوَضَّأُ بِمُدٍّ وَهُوَ ربعه، ويجزئ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ص 34.
2 هو: محمد بن موسى بن مشيش، كان من كبار أصحاب أحمد، روى عنه مسائل. "طبقات الحنابلة" 1/323، "المقصد الأرشد" 2/495.(1/268)
فِي الْمَنْصُوصِ دُونَهُمَا "وَ" وَفِي كَرَاهَتِهِ وَجْهَانِ "م 5".
وَإِنْ نَوَى الْحَدَثَيْنِ وَقَالَ شَيْخُنَا أَوْ الْأَكْبَرِ وَقَالَهُ الْأَزَجِيُّ ارْتَفَعَا، وَعَنْهُ يَجِبُ الْوُضُوءُ "خ" وَقِيلَ يَكْفِي وُجُودُ تَرْتِيبِهِ وَمُوَالَاتِهِ، وَإِنْ نَوَى أَحَدَهُمَا لَمْ يَرْتَفِعْ غَيْرُهُ "م ش" فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ وَأَطْلَقَ ارْتَفَعَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ عَكْسُهُ كَالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: وَقِيلَ يَجِبُ الْوُضُوءُ، وَلَوْ نَوَتْ مَنْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا بِغُسْلِهَا حِلَّ الْوَطْءِ صَحَّ، وَقِيلَ لَا، لِأَنَّهَا نَوَتْ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ. وَهُوَ الْوَطْءُ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي.
وَيُسْتَحَبُّ لِلْجُنُبِ، وَعَنْهُ لِلرَّجُلِ غَسْلُ فَرْجِهِ وَوُضُوءٌ لِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ، وَعَنْهُ يَغْسِلُ يده، ويتمضمض "وهـ" وَلِمُعَاوَدَةِ وَطْءٍ "وَ" وَلَا يُكْرَهُ فِي الْمَنْصُوصِ تَرْكُهُ فِي ذَلِكَ "وَ" وَلِنَوْمٍ، وَفِي كَلَامِهِ مَا ظَاهِرُهُ وُجُوبُهُ، قَالَهُ شَيْخُنَا.
وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ فِي الْأَصَحِّ "هـ": وَلَا يُسَنُّ لِحَائِضٍ قَبْلَ انقطاعه لعدم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ – 5: قَوْلُهُ: وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ وَهُوَ رُبْعُهُ وَيُجْزِئُ فِي الْمَنْصُوصِ دُونَهُمَا وَفِي كَرَاهَتِهِ وَجْهَانِ، انْتَهَى.
أَحَدُهُمَا: يُكْرَهُ جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُكْرَهُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ لِفِعْلِ السَّلَفِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ.(1/269)
صِحَّتِهِ بَلْ بَعْدَهُ، وَمَنْ أَحْدَثَ بَعْدَهُ لَمْ يَعُدَّهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ لِتَعْلِيلِهِمْ بِخِفَّةِ الْحَدَثِ، أَوْ بِالنَّشَاطِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ شَيْخِنَا يَتَوَضَّأُ لِمَبِيتِهِ عَلَى إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ، وَغُسْلُهُ عِنْدَ كُلِّ امْرَأَةٍ أَفْضَلُ.
وَكَرِهَ أَحْمَدُ بِنَاءَ الْحَمَّامِ وَبَيْعَهُ وَإِجَارَتَهُ، وَحَرَّمَهُ الْقَاضِي، وَحَمَلَهُ شَيْخُنَا عَلَى غَيْرِ الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ، قَالَ جَمَاعَةٌ يُكْرَهُ كَسْبُ الْحَمَّامِيِّ. وَفِي نِهَايَةِ الْأَزَجِيِّ الصَّحِيحُ لَا، وَلَهُ دُخُولُهُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا، يُكْرَهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْغُنْيَةِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ أَحْمَدَ لَمْ يَدْخُلْهُ لِخَوْفِ وُقُوعِهِ فِي مُحَرَّمٍ، وَإِنْ عَلِمَهُ حَرُمَ. وَفِي التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ لَهُ دُخُولُهُ مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ غَالِبًا.
وَلِلْمَرْأَةِ دُخُولُهُ لِعُذْرٍ، وَإِلَّا حَرُمَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَرِهَهُ بِدُونِهِ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ. وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ لَا يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ دُخُولُهُ إلَّا مِنْ عِلَّةٍ يُصْلِحُهَا الْحَمَّامُ، وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ عَائِشَةَ الْمَشْهُورِ1. وَاعْتَبَرَ الْقَاضِي وَالشَّيْخُ مَعَ الْعُذْرِ: تَعَذُّرُ غُسْلِهَا فِي بَيْتِهَا لِتَعَذُّرِهِ، أَوْ خَوْفِ ضَرَرِهِ وَنَحْوِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ لَا يُعْتَبَرُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَقِيلَ اعْتِيَادُ دُخُولِهَا عُذْرٌ لِلْمَشَقَّةِ "خ" وَقِيلَ لَا تَتَجَرَّدُ، فَتَدْخُلُهُ بِقَمِيصٍ خَفِيفٍ، وَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ2، فَإِنَّ الْمَرُّوذِيَّ ذَكَرَ لَهُ قَوْلَ ابْنِ أَسْلَمَ: لَا تَخْلَعُ قَمِيصًا، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "الْمَرْأَةُ إذَا خَلَعَتْ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ زَوْجِهَا هَلَكَتْ السِّتْرَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى" قُلْت فَأَيُّ شَيْءٍ تَقُولُ أَنْتَ؟ قَالَ ما أحسن ما احتج به! وهذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه أحمد "25407"، وأبو داود "4010"، والترمذي "2803"، وسيأتي بنصه بعد خمسة أسطر.
2 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".(1/270)
الْخَبَرُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا1، وَلَهُ طُرُقٌ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَلَعَلَّهُ حَسَنٌ.
وَيَتَوَجَّهُ فِي الْمَرْأَةِ تَبِيتُ عِنْدَ أَهْلِهَا: الْخِلَافُ، وَالظَّاهِرُ رِوَايَةُ الْمَرُّوذِيِّ الْمَذْكُورَةُ الْمَنْعُ.
وَنَقَلَ حَرْبٌ عَنْ إِسْحَاقَ يُكْرَهُ، وَلَا يُكْرَهُ قُرْبَ الْغُرُوبِ وَبَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ، خِلَافًا لِلْمِنْهَاجِ لِانْتِشَارِ الشَّيَاطِينِ.
وَيُكْرَهُ فِيهِ الْقِرَاءَةُ فِي الْمَنْصُوصِ، وَنَقَلَ صَالِحٌ: لَا تُعْجِبُنِي الْقِرَاءَةُ2: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ خَفَضَ صَوْتَهُ. وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِيهِ فَقَالَ: الْقِرَاءَةُ بِكُلِّ مَكَان حَسَنٌ، وَلَيْسَ الْحَمَّامُ بِمَوْضِعِ قِرَاءَةٍ فَمَنْ قَرَأَ الْآيَاتِ فَلَا بَأْسَ.
وَالْأَشْهَرُ يُكْرَهُ السَّلَامُ "هـ" وَقِيلَ وَالذِّكْرُ "خ" وَسَطْحِهِ، وَنَحْوِهِ كَبَقِيَّتِهِ، ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ كَصَلَاةٍ.
وَهَلْ ثَمَنُ الْمَاءِ عَلَى الزَّوْجِ أَوْ عَلَيْهَا، أو ماء غسل الْجَنَابَةِ فَقَطْ عَلَيْهِ3، أَوْ عَكْسُهُ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ "م 6".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ- 6: قَوْلُهُ: "وَهَلْ ثَمَنُ الْمَاءِ عَلَى الزَّوْجِ، أو عليها، أو ماء الجنابة فقط
__________
1 تقدم تخريجه آنفاً.
2 ليست من النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
3 ليست في "ط".(1/271)
وَمَاءُ الْوُضُوءِ كَالْجَنَابَةِ "م 7" وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي ويتوجه يلزم السَّيِّدَ شِرَاءُ ذَلِكَ لِرَقِيقِهِ، وَلَا يَتَيَمَّمُ فِي الْأَصَحِّ.
وَيُكْرَهُ الِاغْتِسَالُ فِي مُسْتَحَمٍّ وَمَاءٍ عُرْيَانًا قَالَ شَيْخُنَا: عَلَيْهِ أَكْثَرُ نُصُوصِهِ، عَنْهُ لَا، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ "وَ" وَعَنْ أَحْمَدَ لَا يُعْجِبُنِي، إنَّ لِلْمَاءِ سُكَّانًا. وَاحْتَجَّ أَبُو الْمَعَالِي لِلتَّحْرِيمِ خَلْوَةً بِهَذَا الْخَبَرِ، وَنَقَلَ حَرْبٌ أَنَّ أَحْمَدَ كَرِهَهُ شَدِيدًا، وَسَبَقَ فِي الِاسْتِطَابَةِ1 كَشْفُهَا بِلَا حاجة خلوة. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
عَلَيْهِ، أَوْ عَكْسُهُ فِيهِ أَوْجُهٌ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ فِي آخِرِ الْحَيْضِ: وَثَمَنُ مَاءِ الْحَيْضِ عَلَى الزَّوْجِ فِي وَجْهٍ، وَعَلَى الزَّوْجَةِ في آخر، انتهى، وأطلقها في الفصول:
أحدها2: هُوَ عَلَى الزَّوْجِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدْ صَارَ عَادَةً وَعُرْفًا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ وَقَبْلَهَا بِكَثِيرٍ، قال فِي الْمُغْنِي3 وَالشَّرْحِ4 فِي بَابِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ: إنْ احْتَاجَتْ إلَى شِرَاءِ الْمَاءِ فَثَمَنُهُ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي هَذَا الْبَابِ: وَثَمَنُ مَاءِ الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْجَنَابَةِ عَلَى الزَّوْجِ، وَقِيلَ عَلَى الزَّوْجَةِ5 انْتَهَى.
وَ "الْوَجْهُ الثَّانِي": عَلَى الزَّوْجَةِ، قَالَ فِي الْوَاضِحِ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا اختاره في عيون المسائل.
والوجه الثَّالِثُ: عَلَيْهِ مَاءُ الْجَنَابَةِ فَقَطْ، لِأَنَّهُ فِي الْغَالِبِ سَبَبُهُ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: مَاءُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَنَحْوِهِمَا عَلَيْهِ دُونَ مَاءِ الْجَنَابَةِ.
مَسْأَلَةٌ- 7: قَوْلُهُ: "وَمَاءُ الْوُضُوءِ كَالْجَنَابَةِ ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي" انْتَهَى، وَقَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْجَنَابَةِ6، فَكَذَا هُنَا، بَلْ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، فَهَذِهِ سَبْعُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ قَدْ صُحِّحَتْ.
__________
1 ص 129.
2 في النسخ الخطية: "أحدهما"، والمثبت من "ط".
3 10/222.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 21/395.
5 في النسخ الخطية: "المرأة".
6 ص 271.(1/272)
باب التيمم
مدخل
...
باب التيمم
وَهُوَ بَدَلٌ مَشْرُوعٌ إجْمَاعًا لِكُلِّ مَا يُفْعَلُ بِالْمَاءِ، كَمَسِّ الْمُصْحَفِ "وَ" وَقَالَ الشَّيْخُ فِيهِ: إنْ احْتَاجَ، وَكَوَطْءِ حَائِضٍ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِالْوَاطِئِ جِرَاحٌ "م" أَوْ لَمْ يُصَلِّ بِهِ ابْتِدَاءً "هـ" وَقِيلَ يَحْرُمُ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً، وَصَحَّحَهَا، ذَكَرَهُ ابن الصيرفي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/273)
وهل يكره لمن لم يخف العنت "وم" فِيهِ رِوَايَتَانِ "م 1" حَضَرًا وَسَفَرًا "وَ" وَقِيلَ مُبَاحًا طَوِيلًا لِعَادِمِ الْمَاءِ بِحَبْسٍ أَوْ غَيْرِهِ "و" وعنه سفرا، فعلى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ -1: قَوْلُهُ: "وَهَلْ يُكْرَهُ لِمَنْ لَمْ يَخَفْ الْعَنَتَ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ" هَلْ يُكْرَهُ الْوَطْءُ لِعَادِمِ الْمَاءِ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُصُولِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُغْنِي1، وَالشَّرْحِ2، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ:
إحْدَاهُمَا: لَا يُكْرَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ قَالَ فِي الْمُغْنِي1 وَتَبِعَهُ فِي الشَّرْحِ2: وَالْأَوْلَى إصَابَتُهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، قَالَ ابْنُ رَزِينٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، قَالَ فِي الْفَائِقِ يُفْعَلُ بِهِ كُلُّ مَا يُفْعَلُ بِالْمَاءِ مِنْ صَلَاةٍ وَقِرَاءَةٍ وَطَوَافٍ وَوَطْءٍ وَنَحْوِهَا.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يُكْرَهُ إنْ لَمْ يَخَفْ الْعَنَتَ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَصَحَّحَهُ أبو المعالي.
__________
1 1/354.
2 "المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف" 2/270.(1/274)
الْأُولَى يُعِيدُ عَلَى الْأَصَحِّ "وم" أَوْ لِخَائِفٍ بِاسْتِعْمَالِهِ ضَرَرًا فِي بَدَنِهِ، أَوْ بَقَاءِ شَيْنٍ1، أَوْ بُطْءِ بُرْءٍ "و" وَعَنْهُ بَلْ خَوْفُ التَّلَفِ "ح" وَيَأْتِي بَيَانُ الْخَوْفِ فِي صَلَاةِ الْمَرِيضِ.
وَإِنْ عَجَزَ مَرِيضٌ عَنْ حَرَكَةٍ وَعَمَّنْ يُوَضِّئُهُ فَكَعَادِمٍ. وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ إنْ انْتَظَرَ مَنْ يُوَضِّئُهُ فَالْأَصَحُّ يَتَيَمَّمُ، وَيُصَلَّى وَلَا إعَادَةَ أَوْ ضَرَرَ آدَمِيٍّ مُحْتَرَمٍ أَوْ حَيَوَانٍ "و" وقيل له، أو فوت رُفْقَتِهِ أَوْ مَالِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ وَلَوْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا بِفَوْتِ الرُّفْقَةِ لِفَوْتِ الْأُلْفَةِ وَالْأُنْسِ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ أَوْ خَافَتْ امْرَأَةٌ عَلَى نَفْسِهَا فُسَّاقًا نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ، بَلْ يَحْرُمُ خُرُوجُهَا إلَيْهِ، وَعَنْهُ لَا أَدْرِي، وَقِيلَ يُعِيدُ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَوْ احْتَاجَهُ لِعَجِينٍ أَوْ طَبْخٍ، وَقِيلَ يَتَيَمَّمُ مَنْ اشْتَدَّ خَوْفُهُ جنبا ويعيد. وفي وجوب حبس الماء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 المعنى: أن يخاف بقاء تشوه العضو باستعمال الماء في بدنه. "المغني" 1/336، "المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف" 1/ 172.(1/275)
لِتَوَقُّعِ عَطَشِ غَيْرِهِ كَخَوْفِ عَطَشِ نَفْسِهِ وَجْهَانِ، وهما في خوفه عطش نفسه بعد دخول الْوَقْتِ "م 2 و 3" وَيَشْرَبُهُ مَعَ عَطَشِهِ إذَنْ، وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ يَشْرَبُ مَاءً نَجِسًا، وَقِيلَ: لَا يجب بَذْلُهُ لِعَطْشَانَ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ ثُمَّ يَجْمَعَهُ وَيَشْرَبَهُ فَإِطْلَاقُ كَلَامِهِمْ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ، وَلَوْ مَاتَ رَبُّ الْمَاءِ يَمَّمَهُ رَفِيقُهُ الْعَطْشَانُ، وَغَرِمَ ثَمَنَهُ مَكَانَهُ وَقْتَ إتْلَافِهِ لِوَرَثَتِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ غُرْمَهُ مَكَانَهُ فَمِثْلُهُ، وَقِيلَ الْمَيِّتُ أَوْلَى بِهِ، وَقِيلَ رَفِيقُهُ إنْ خَافَ الْمَوْتَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ – 2-3: قَوْلُهُ: "وَفِي وُجُوبِ حَبْسِ الْمَاءِ لِتَوَقُّعِ عَطَشِ غَيْرِهِ كَخَوْفِ عَطَشِ نَفْسِهِ وَجْهَانِ، وَهُمَا في خوفه عطش نفسه بعد دخول الوقت1"، انْتَهَى، ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَتَيْنِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى -2: هَلْ يَجِبُ حَبْسُ الْمَاءِ لِتَوَقُّعِ عَطَشِ غَيْرِهِ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ وَأَطْلَقَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ بَلْ يُسْتَحَبُّ قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجِبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ -3: لَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَطَشَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ: الْوَجْهَانِ فِيهَا أَيْضًا، ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ. وَقَالَ أَيْضًا: وَلَوْ خَافَ أَنْ يَعْطَشَ بَعْدَ ذَلِكَ هُوَ أَوْ أَهْلُهُ أَوْ عَبْدُهُ أَوْ أَمَتُهُ لَمْ يَجِبْ دَفْعُهُ إلَيْهِ، وَقِيلَ: بَلَى بِثَمَنِهِ إنْ وَجَبَ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِ الْعَطْشَانِ، وَإِلَّا فَلَا، انْتَهَى.
قُلْت: الصَّوَابُ الْوُجُوبُ أَيْضًا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ ضَعِيفٌ جدا فيما يظهر.
__________
1 بعدها في نسخ التصحيح: "النهي" وحذفت موافقة للفروع.(1/276)
وَهَلْ يُؤْثِرُ أَبَوَيْهِ لِغُسْلٍ وَوُضُوءٍ وَيَتَيَمَّمُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ "م 4" وَعَنْهُ فِي غَازٍ بِقُرْبِهِ الْمَاءُ يَخَافُ إنْ ذَهَبَ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَتَيَمَّمُ وَيُؤَخِّرُ. وَفِي فَوْتِ مَطْلُوبِهِ رِوَايَتَانِ "م هـ" ويأتي في صوم المريض1.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ – 4: قَوْلُهُ: "وَهَلْ يُؤْثِرُ أَبَوَيْهِ لِغُسْلٍ وَوُضُوءٍ وَيَتَيَمَّمُ فِيهِ وَجْهَانِ" انْتَهَى، وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْفُصُولِ، وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي التَّلْخِيصِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَيْضًا كَانَ لِلْحَيِّ فَآثَرَ بِهِ غَيْرَهُ لَمْ يَتَيَمَّمْ مَعَ وُجُودِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ أَخَذَهُ أَوْ عَدِمَ الْمَاءَ جَازَ التَّيَمُّمُ عَلَى الْأَصَحِّ، انْتَهَى:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدْ قَدَّمَ ابْنُ عُبَيْدَانَ عَدَمَ جَوَازِ بَذْلِهِ لِغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي2: فَإِنْ آثَرَ بِهِ وَتَيَمَّمَ لَمْ يَصِحَّ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مِلْكًا لِأَحَدِهِمْ تَعَيَّنَ، وَقَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: إنْ كَانَ الْمَاءُ مِلْكًا لِأَحَدِهِمْ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَجُوزُ بَذْلُهُ لِغَيْرِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: فَإِنْ وَهَبَهُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ لَمْ يَصِحَّ، فَإِنْ تَيَمَّمَ مَعَ بَقَائِهِ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ مَنْ وُهِبَ لَهُ فَهُوَ كَإِرَاقَتِهِ، انْتَهَى، وَكَلَامُهُمْ عَامٌّ فِي الْأَبِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ.
مَسْأَلَةٌ – 5: قَوْلُهُ: "فِي فَوْتِ مَطْلُوبِهِ رِوَايَتَانِ" انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَذَلِكَ كَالْخَائِفِ فَوْتَ عَدُوِّهِ إذَا تَوَضَّأَ:
إحداهما: يجوز له التيمم وهو الصحيح، قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ3، فَقَالَ: "وَلِطَالِبِ عَدُوٍّ يَخَافُ فَوْتَ الصَّلَاةِ كَذَلِكَ"، يَعْنِي كصلاة الخوف إذا
__________
1 4/438-439.
2 1/155.
3 3/131.(1/277)
وخوف نزلة أَوْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ لِبَرْدٍ مُبِيحٌ، وَلَا إعَادَةَ "وهـ م" وعنه بلى "وش" وَعَنْهُ حَضَرًا، وَفِي أَيِّهِمَا فَرْضُهُ؟ وَجْهَانِ "م 6". وإن لم يخف لم يبح، وقيل: مَا لَمْ يَخَفْ خُرُوجَ الْوَقْتِ.
وَيَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ "وَ" عَادَةُ مَكَانِهِ، وَكَذَا بِزِيَادَةٍ يَسِيرَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ "هـ ش" كَضَرَرٍ يَسِيرٍ فِي بَدَنِهِ مِنْ صُدَاعٍ وَبَرْدٍ فَهَاهُنَا أَوْلَى، وعنه لو كثرت ولم يجحف به "خ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
اشْتَدَّ، وَعَنْهُ لَا، وَكَذَلِكَ التَّيَمُّمُ لَهُ، انْتَهَى، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فَقَالَ: وَلِلْغَازِي التَّيَمُّمُ بِحَضْرَةِ الْمَاءِ إذَا خَافَ فَوْتَ مَطْلُوبِهِ بِطَلَبِ الْمَاءِ، انْتَهَى، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَمَنْ خَافَ فَوْتَ غَرَضِهِ الْمُبَاحِ بِطَلَبِ الْمَاءِ تَيَمَّمَ، وَصَلَّى وَأَعَادَ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْمَاءُ فِي عَمَلِهِ أَعَادَ، وَإِلَّا فَلَا، انْتَهَى، وَاخْتَارَ جَوَازَ التَّيَمُّمِ، أَيْضًا أَبُو بَكْرٍ قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ.
تَنْبِيهٌ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ عَلَى مَا إذَا خَافَ فَوْتَ عَدُوِّهِ، وَيُحْمَلُ مَا أَطْلَقَهُ هُنَا عَلَى مَا إذَا خَافَ فَوْتَ غَرَضِهِ غَيْرِ الْعَدُوِّ لِيَحْصُلَ عَدَمُ التناقض في كلامه، ولكن كلامه عام. والله أعلم.
مَسْأَلَةٌ- 6: قَوْلُهُ: "وَخَوْفُ نَزْلَةٍ أَوْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ كَبَرْدٍ مُبِيحٍ وَلَا إعَادَةَ، وَعَنْهُ بَلَى، وَعَنْهُ حَضَرًا، وَفِي أَيِّهِمَا فَرْضُهُ، وَجْهَانِ" انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا في الرعاية الكبرى:(1/278)
وَإِنْ احْتَمَلَ وُجُودَهُ لَزِمَهُ طَلَبُهُ كَظَنِّهِ "وَ" عنه لا "وهـ" كَعَدَمِهِ "وَ" وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ إنْ ظَنَّ عَدَمَهُ، ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ وَلَا أَثَرَ لِطَلَبِهِ قَبْلَ الْوَقْتِ، فَعَلَى الْأُولَى إنْ رَأَى مَا يَشُكُّ مَعَهُ فِي الْمَاءِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ، وَقِيلَ لا، كما لو كان في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
أَحَدُهُمَا: الثَّانِيَةُ فَرْضُهُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَإِلَّا لَمَّا كَانَ فِي إعَادَتِهَا كَبِيرُ فَائِدَةٍ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ لَوْ حُبِسَ فِي الْحَضَرِ تَيَمَّمَ، وَلَا يُعِيدُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيَتَخَرَّجُ فِي الْإِعَادَةِ رِوَايَةٌ أُخْرَى بِنَاءً عَلَى التَّيَمُّمِ، لِشِدَّةِ الْبَرْدِ أَنَّهُ يُعِيدُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، ثُمَّ قَالَ فَإِذَا قُلْنَا يَجِبُ الْإِعَادَةُ كَانَتْ الثَّانِيَةُ فَرْضَهُ، لِأَنَّهَا هِيَ الْكَامِلَةُ، وَلِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَا الْأُولَى فَرْضَهُ لَسَقَطَ بِهَا فَرْضُهُ، وَلَمْ تَجِبْ الْإِعَادَةُ، انْتَهَى فَهَذَا كَالصَّرِيحِ فِي الْمَسْأَلَةِ.
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِيمَنْ صَلَّى عَلَى الْأَرْضِ النَّجِسَةِ وَقَالَ يُعِيدُ فَأَيُّهُمَا فَرْضُهُ، قَالَ شَيْخُنَا أَبُو يَعْلَى الثَّانِيَةُ فَرْضُهُ، وَقِيَاسًا عَلَى مَا قُلْنَا فِيمَنْ تَيَمَّمَ حَضَرًا لِعَدَمِ الْمَاءِ، أَوْ تَيَمَّمَ لِبَرْدٍ شَدِيدٍ عَلَى القول بالإعادة، والوجه أنه لو كان الْفَرْضُ سَقَطَ بِالْأُولَى لَمَا كَانَ لِإِيجَابِ الثَّانِيَةِ مَعْنًى، فَلَمَّا وَجَبَتْ الثَّانِيَةُ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأُولَى وَجَبَتْ لِشَغْلِ الْوَقْتِ، لَا لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ، كَالْحُجَّةِ الْفَاسِدَةِ، انْتَهَى، فَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَقَدْ قَطَعَ هُوَ وَشَيْخُهُ بِأَنَّ الثَّانِيَةَ فَرْضُهُ، فوافق ما قلنا، ولله الحمد.
والوجه الثاني: الأولى فرضه.(1/279)
صَلَاةٍ، جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِ بَعْضِهِمْ لِتَوَجُّهِ الطَّلَبِ.
وَإِنْ دُلَّ عَلَيْهِ أَوْ علمه قريبا عرفا وعنه أو بعيدا "وم" لَزِمَهُ قَصْدُهُ فِي الْوَقْتِ.
وَيَلْزَمُهُ قَبُولُ الْمَاءِ قَرْضًا وَكَذَا ثَمَنُهُ، وَالْمُرَادُ وَلَهُ مَا يُوفِيهِ، وَقَالَهُ شَيْخُنَا.
وَيَلْزَمُهُ قَبُولُ الْمَاءِ هِبَةً فِي الْأَصَحِّ وَقِيلَ: إنَّ لَهُ يَتَعَزَّزُ، وَعَكْسُهُ ثَمَنُهُ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ اقْتِرَاضُ ثَمَنِهِ، وَعَنْهُ وَاتِّهَابُهُ.
وَحَبْلٌ وَدَلْوٌ كَالْمَاءِ، وَيَلْزَمُ قَبُولُهُمَا عَارِيَّةً، وَفِي طَلَبِهِمَا واتهاب الماء وجهان "م 7 و 8".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مسألة- 7 – 8: قَوْلُهُ: "وَحَبْلٌ وَدَلْوٌ كَالْمَاءِ، وَيَلْزَمُ قَبُولُهُمَا عَارِيَّةً، وَفِي طَلَبِهِمَا وَاتِّهَابِ الْمَاءِ وَجْهَانِ" انْتَهَى، يَعْنِي فِي لُزُومِ طَلَبِ الْحَبْلِ وَالدَّلْوِ وَاتِّهَابِ الْمَاءِ، وهو مشتمل على مسألتين:(1/280)
ويلزمه طلبه من رفيقه في الأشهر "وهـ ش" وَفِي الْمُغْنِي1: إنْ دُلَّ عَلَيْهِ.
وَمَنْ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ إلَى أَرْضِهِ لِحَرْثٍ وَصَيْدٍ وَنَحْوِهِ حَمَلَهُ عَلَى الْمَنْصُوصِ إنْ أَمْكَنَهُ، وَتَيَمَّمَ إنْ فَاتَتْ حَاجَتُهُ بِرُجُوعِهِ، وَلَا يُعِيدُ فِي الأصح فيهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى- 7: هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ طَلَبُ الدَّلْوِ والحبل، أم لا؟ أطلق الخلاف "أَحَدُهُمَا": يَجِبُ عَلَيْهِ طَلَبُ ذَلِكَ، وَهُوَ الصَّوَابُ.
والوجه الثَّانِي: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ طَلَبُ ذَلِكَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ- 8: هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُ اتِّهَابِ الْمَاءِ أم لا، أطلق الخلاف:
أحدهما: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَإِنَّهُ قَالَ: وَقِيلَ يَجِبُ اقْتِرَاضِ الثَّمَنِ، وَعَنْهُ أَوْ اتِّهَابُهُ، انْتَهَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَجِبُ عَلَيْهِ وَلَمْ أَرَ هَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ فِي غَيْرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وكلامه في الرعاية يشعر بالفرع الثاني.
__________
1 1/314.(1/281)
وَمَنْ أَرَاقَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ، أَوْ شَرِبَهُ فِيهِ، أَوْ مَرَّ بِهِ فِيهِ، وَأَمْكَنَهُ الْوُضُوءُ قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ: وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَجِدُ غَيْرَهُ أَوْ بَاعَهُ فِيهِ، أَوْ وَهَبَهُ حرم، وفي الصحة وجهان "م 9".
لَوْ فَعَلَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ1 وَتَيَمَّمَ، وَصَلَّى، أو لم يقبله هبة فتيمم،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ – 9: قَوْلُهُ: "وَمَنْ أَرَاقَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ أَوْ مَرَّ بِهِ فِيهِ وَأَمْكَنَهُ الْوُضُوءُ قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَجِدُ غَيْرَهُ، أَوْ بَاعَهُ فِيهِ" أَيْ فِي الْوَقْتِ "أَوْ وَهَبَهُ حَرُمَ وَفِي الصِّحَّةِ وَجْهَانِ" انْتَهَى:
أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا2: "وَقَوْلُنَا وَفِي الصِّحَّةِ وَجْهَانِ، أَشْهَرُهُمَا لَا يَصِحُّ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَأَبُو الْمَعَالِي، وَغَيْرُهُمْ" قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَمْ يَصِحَّ فِي أَظْهَرْ الْوَجْهَيْنِ، لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ بِهِ فَهُوَ حَقٌّ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ شَرْعًا وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ واختاره الشيخ الموفق والشارح وغيرهما.
والوجه الثَّانِي: يَصِحُّ، لِأَنَّ تَوَجُّهَ الْفَرْضِ وَتَعَلُّقَهُ لَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ، كَتَصَرُّفِهِ فِيمَا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَتَصَرُّفِ الْمَدِينِ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَهَذَا احتمال لابن عقيل وأطلقهما في الفائق.
__________
1 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
2 ص 283.(1/282)
وَقَدْ تَلِفَ وَصَلَّى فَفِي الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ "م 10 و 11".
وَقَوْلُنَا وَفِي الصِّحَّةِ وَجْهَانِ أَشْهَرُهُمَا لَا يَصِحُّ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَأَبُو الْمَعَالِي وَأَبُو الْبَرَكَاتِ وَغَيْرُهُمْ، لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ تعالى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مسألة -10 – 11: قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: "لَوْ فَعَلَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ" مِنْ الْإِرَاقَةِ وَالْمُرُورِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَتَيَمَّمَ وصلى أو لم يقبله هبة "وتيمم وَقَدْ تَلِفَ وَصَلَّى فَفِي الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ" انْتَهَى ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَتَيْنِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى -10: إذَا تَصَرَّفَ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ثُمَّ تَيَمَّمَ وَصَلَّى فَهَلْ تَلْزَمُ الْإِعَادَةُ أَمْ لَا أَطْلَقَ الْخِلَافَ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْإِرَاقَةِ وَالْهِبَةِ فِي التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْإِرَاقَةِ وَالْمُرُورِ فِي الْمُغْنِي1 وَالشَّرْحِ2 وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالْفَائِقِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْإِرَاقَةِ وَالْمُرُورِ وَالْهِبَةِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُعِيدُ فِي الْجَمِيعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، نَصَرَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قَالَ فِي الْفُصُولِ فِي الْإِرَاقَةِ وَالْأَشْبَهُ أَنْ لا إعادة عليه "قلت" وهو الصواب.
والوجه الثَّانِي: يُعِيدُ جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ فِي الْإِرَاقَةِ وَالْهِبَةِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي الْمُرُورِ بِهِ وَالْإِرَاقَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الصُّغْرَى فِي الْمُرُورِ بِهِ، وَقِيلَ يُعِيدُ إنْ أَرَاقَهُ وَلَا يُعِيدُ إنْ مَرَّ بِهِ وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ -11: إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ قَبُولِ الِاتِّهَابِ وَلَمْ يَقْبَلْ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ بَعْدَ أَنْ تَلِفَ فَهَلْ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ أَمْ لَا، أَطْلَقَ الْخِلَافَ:
أَحَدُهُمَا يُعِيدُ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَمَنْ تَرَكَ مَا لَزِمَهُ قَبُولُهُ وَتَحْصِيلُهُ مِنْ مَاءٍ وَغَيْرِهِ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى أَعَادَ، انْتَهَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُعِيدُ. قُلْت: وَهُوَ قوي.
__________
1 1/318.
2 "المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف" 2/200.(1/283)
بِهِ، فَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ شَرْعًا، وَالثَّانِي يَصِحُّ لِأَنَّ تَوَجُّهَ الْفَرْضِ وَتَعَلُّقَهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ، كَتَصَرُّفِهِ فِيمَا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وتصرف المدين، والفرق ظاهر.
وإن نَسِيَهُ بِمَحَلٍّ يُمْكِنُهُ اسْتِعْمَالُهُ أَعَادَ عَلَى الْأَصَحِّ "وش" كَمَا لَوْ نَسِيَ الرَّقَبَةَ وَكَفَّرَ بِالصَّوْمِ "و" وَيَتَوَجَّهُ فِيهَا تَخْرِيجٌ، وَلِهَذَا سَوَّى الْأَصْحَابُ بَيْنَهُمَا.
وَنِسْيَانُ السُّتْرَةِ كَمَسْأَلَتِنَا عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، بِخِلَافِ نِسْيَانِ الْقِيَامِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ النَّاسِيَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، يَدُلُّ عَلَيْهِ لَوْ نَسِيَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَالطَّهَارَةَ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ، كَذَا هُنَا.
قِيلَ: إنَّمَا وَجَبَ الْقَضَاءُ بَدَلًا لَهُ، فَأَجَابَ يَجِبُ مِثْلُهُ هُنَا لِمُسَاوَاتِهِ لَهَا.
وَمِثْلُهُ الْجَاهِلُ بِهِ، وَيَتَوَجَّهُ أَوْ ثَمَنُهُ، وَقِيلَ يُعِيدُ مَنْ ضَلَّ عَنْ رَحْلِهِ وَبِهِ الْمَاءُ وَقَدْ طَلَبَهُ، وَمَنْ بَانَ بِقُرْبِهِ بِئْرٌ خَفِيَّةٌ لَمْ يَعْرِفْهَا.
وَإِنْ ضَلَّ عَنْ الْمَاءِ فِي رَحْلِهِ، أَوْ أَدْرَجَهُ أَحَدٌ فِيهِ وَلَمْ يَعْلَمْ1، أَوْ ضَلَّ عَنْ مَوْضِعِ بِئْرٍ كان عرفها فوجهان "م 12 - 14".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ -12 - 14: قَوْلُهُ: "وَإِنْ ضَلَّ عَنْ الْمَاءِ فِي رحله أو أدرجه أحد فيه ولم
__________
1 بعدها في النسخ الخطية: "به".(1/284)
وإن لم يَعْلَمْ بِهِ سَيِّدٌ مَعَ عَبْدِهِ فَنَسِيَ الْعَبْدُ حتى صلى سيده بالتيمم،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
يَعْلَمْ أَوْ ضَلَّ عَنْ مَوْضِعِ بِئْرٍ كَانَ عَرَفَهَا فَوَجْهَانِ، انْتَهَى، ذَكَرَ ثَلَاثَ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى – 12: إذَا ضَلَّ عَنْ الْمَاءِ الَّذِي فِي رَحْلِهِ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى فَهَلْ يُعِيدُ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ:
أَحَدُهُمَا: يُعِيدُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ أَضَلَّهُ فِي رَحْلِهِ أَعَادَ الصَّلَاةَ عَلَى الْأَصَحِّ، انْتَهَى وَهُوَ ظَاهِرُ بَحْثِ الْمَجْدِ، بَلْ الْإِعَادَةُ عِنْدَهُ1 فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَوْلَى، فَإِنَّهُ اخْتَارَ هُوَ وَغَيْرُهُ الْإِعَادَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ بَعْدَ هَذِهِ، مَعَ أَنَّهُ لَا يُعَدُّ فِيهَا مُفَرِّطًا، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُعِيدُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ- 13: إذَا أَدْرَجَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَهَلْ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ:
أحدهما: يُعِيدُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وابن عبد القوي في مجمع البحرين، وصاحب الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُعِيدُ، اخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ، فَقَالَ: وَاَلَّذِي يَقْطَعُ بِهِ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُفَرِّطًا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ – 14: وَلَوْ ضَلَّ عَنْهُ مَوْضِعُ الْبِئْرِ التي يعرفها وصلى بالتيمم فَهَلْ تَلْزَمُ2 الْإِعَادَةُ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُعِيدُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي3 وَالشَّرْحِ4 وَالرِّعَايَةِ الكبرى وغيرهم.
__________
1 في النسخ الخطية: "عنه"، والمثبت من "ط".
2 في النسخ الخطية: "تكره"، والمثبت من "ط".
3 1/319.
4 "المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف" 2/203.(1/285)
فَقِيلَ: لَا يُعِيدُ، لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْ غَيْرِهِ، وَقِيلَ كَالنَّاسِي: كَنِسْيَانِهِ رَقَبَةً مَعَ عَبْدِهِ لَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ "م 15" وَيَتَوَجَّهُ فِيهَا تَخْرِيجٌ. وَالْجَرِيحُ، ونحوه يتيمم1 الْمُحْتَاجُ وَيَغْسِلُ غَيْرَهُ وَلَا يُعْتَبَرُ الْأَكْثَرُ "هـ م" وَقِيلَ وَيُمْسَحُ الْجُرْحُ بِالتُّرَابِ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَضْبِطُهُ إنْ قَدَرَ، وَهَلْ يَلْزَمُهُ عن حدث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُعِيدُ، وَقَدَّمَ ابْنُ رَزِينٍ أَنَّهُ كَالنَّاسِي وَذَكَرَ فِي الْفُصُولِ احْتِمَالًا أَنَّهُ كَالنَّاسِي يعيد واقتصر عليه.
مسألة – 15: قوله: "وإن لم يَعْلَمْ بِهِ سَيِّدٌ مَعَ عَبْدِهِ فَنَسِيَ الْعَبْدُ حَتَّى صَلَّى سَيِّدُهُ بِالتَّيَمُّمِ، فَقِيلَ لَا يُعِيدُ، لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْ غَيْرِهِ، وَقِيلَ كَالنَّاسِي، كَنِسْيَانِهِ رَقَبَةً مَعَ عَبْدِهِ لَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ" انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي2 وَالشَّرْحِ3، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُعِيدُ، لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْ غَيْرِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُعِيدُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ فِي الْفَائِقِ يُعِيدُ إذَا جَهِلَ الْمَاءَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَيَقْتَضِيهِ مَا اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَغَيْرُهُ فِيمَا إذَا أُدْرِجَ فِي رَحْلِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ، لِأَنَّ الْعَبْدَ مِنْ جُمْلَةِ رَحْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 ليست في "ط".
2 1/319.
3 "المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف" 2/203.(1/286)
أَصْغَرَ مُرَاعَاةُ تَرْتِيبٍ وَمُوَالَاةٍ، أَمْ لَا، فَلَا يُعِيدُ غُسْلَ الصَّحِيحِ مَا لَمْ يُحْدِثْ؟ فِيهِ وَجْهَانِ "م 16" وَقَالَ شَيْخُنَا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا ترتيب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ – 16: قَوْلُهُ: "وَهَلْ يَلْزَمُهُ عَنْ حَدَثٍ أَصْغَرَ مُرَاعَاةُ تَرْتِيبٍ وَمُوَالَاةٍ، أَمْ لَا فَلَا يُعِيدُ غُسْلَ الصَّحِيحِ مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ وَجْهَانِ" انتهى. يعني إذا توضأ وبه جُرْحٌ فِي بَعْضِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَأَرَادَ التَّيَمُّمَ لَهُ هَلْ يَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ1 لَهُ حِينَ وُصُولِهِ فِي الْوُضُوءِ إلَى ذَلِكَ الْعُضْوِ الْمَجْرُوحِ يُرَتِّبُ وَيُوَالِي كَالْوُضُوءِ الْكَامِلِ، أَمْ لَا أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ:
أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَابْنُ عُبَيْدَانَ يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ تَابَعُوا الْمَجْدَ فِي ذَلِكَ قَالَ الزَّرْكَشِيّ أَمَّا الْجَرِيحُ الْمُتَوَضِّئُ فَعِنْدَ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ يَلْزَمُهُ أَنْ لَا يَنْتَقِلَ إلَى مَا بَعْدَهُ حَتَّى يَتَيَمَّمَ لِلْجُرْحِ نَظَرًا لِلتَّرْتِيبِ وَأَنْ يَغْسِلَ الصَّحِيحَ مَعَ التَّيَمُّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ إنْ اُعْتُبِرَتْ الْمُوَالَاةُ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ هَذَا هُوَ1 الْمَشْهُورُ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَيُرَتِّبُهُ غَيْرُ الْجُنُبِ وَنَحْوُهُ وَيُوَالِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِمَا إنْ جُرِحَ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهَا وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَجِبُ تَرْتِيبٌ وَلَا مُوَالَاةٌ فِي ذَلِكَ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَهُوَ أَصَحُّ قَالَ الشيخ الموفق
__________
1 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".(1/287)
ولبسه خفا ومسحه إذا أَحْدَثَ كَمُسْتَحَاضَةٍ ذَكَرَهُ الْأَزَجِيُّ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ من مسحه فهل هو فرضه "وم" أو التيمم؟ "وش" فيه روايتان "م 17" وعنه هما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجِبَ التَّرْتِيبُ وَكَذَا الْمُوَالَاةُ وَجْهًا وَاحِدًا وَعَلَّلَهُ بِعِلَلٍ جَيِّدَةٍ وَمَالَ إلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يُرَتِّبَ وَقَالَ أَيْضًا لَا يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ وَقَالَ الْفَصْلُ بَيْنَ أَبْعَاضِ الْوُضُوءِ بِتَيَمُّمٍ بِدْعَةٌ، انْتَهَى، فَتَلَخَّصَ أَنَّ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ أَوْجَبُوهُمَا وَأَنَّ الشَّيْخَ الْمُوَفَّقَ وَالْمَجْدَ وَالشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ وَجَمَاعَةً لَمْ يُوجِبُوهُمَا وَهَذَا الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ وَالصَّوَابُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
تَنْبِيهٌ: عَلَى الْمُقَدَّمِ يَكُونُ مَحَلُّ التَّيَمُّمِ فِي مَكَانِ الْعُضْوِ الَّذِي يَتَيَمَّمُ بَدَلًا عَنْهُ فَلَوْ كَانَ الْجُرْحُ فِي وَجْهِهِ لَزِمَهُ التَّيَمُّمُ أَوَّلًا ثُمَّ يُكْمِلُ1 الْوُضُوءَ وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ وَجْهِهِ خُيِّرَ بَيْنَ غَسْلِ صَحِيحِ وَجْهِهِ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ الْبَاقِي وَبَيْنَ أَنْ يَتَيَمَّمَ ثُمَّ يَغْسِلَ صَحِيحَ وَجْهِهِ ثُمَّ يُكْمِلَ وُضُوءَهُ1 وَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ فِي عُضْوٍ آخَرَ لزمه غسل ما قبله ثم2 كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْوَجْهِ وَإِنْ كَانَ فِي وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ احْتَاجَ في كل عضو إلى تيمم فِي مَحَلِّ غَسْلِهِ لِيَحْصُلَ التَّرْتِيبُ وَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ أَيْضًا يَلْزَمُهُ أَنْ يَغْسِلَ الصَّحِيحَ مَعَ التَّيَمُّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَيُبْطِلَ تَيَمُّمَهُ مَعَ وُضُوئِهِ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ إنْ اُعْتُبِرَتْ الْمُوَالَاةُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ.
مَسْأَلَةٌ – 17: قَوْلُهُ: "وَإِنْ لَمْ يَخَفْ مِنْ مَسْحِهِ فَهَلْ هُوَ فَرْضُهُ أَوْ التَّيَمُّمُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ". انْتَهَى. يَعْنِي: إذَا كَانَ بِهِ جُرْحٌ وَلَمْ يَخَفْ مِنْ مَسْحِهِ بِالْمَاءِ، وَمَسَحَهُ، فهل
__________
1 ليست في "ح".
2 ليست في "ط".(1/288)
وَظَاهِرُ نَقْلِ ابْنُ هَانِئٍ مَسْحُ الْبَشَرَةِ لِعُذْرٍ كَجَرِيحٍ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا، وَأَنَّهُ أَوْلَى.
وَإِنْ وَجَدَ الْجُنُبُ مَاءً يَكْفِي بَعْضَ أَعْضَائِهِ لَزِمَهُ عَلَى الأصح "وش" ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لِلْبَاقِي، وَكَذَا الْمُحْدِثُ فِي الْأَصَحِّ "وش" وَفِي النَّوَادِرِ رِوَايَتَانِ وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لِلْجُنُبِ التَّيَمُّمُ، أَوَّلًا، وَلَا تَلْزَمُ إرَاقَتُهُ، وَفِي الْوَاضِحِ الروايتان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْمَسْحُ فَرْضُهُ، أَوْ التَّيَمُّمُ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيِّ:
أَحَدُهُمَا: يُجْزِئُهُ مَسْحُهُ بِالْمَاءِ مِنْ غَيْرِ تَيَمُّمٍ، فَيَكُونُ الْفَرْضُ الْمَسْحَ وَهُوَ الصَّحِيحُ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَوْ كَانَ بِهِ جُرْحٌ وَيَخَافُ مِنْ غَسْلِهِ فَمَسْحُهُ بِالْمَاءِ أَوْلَى مِنْ مَسْحِ الْجَبِيرَةِ وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ التَّيَمُّمِ، وَنَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَالْفَائِقِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ فَرْضُهُ التَّيَمُّمُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالشَّرْحِ1، وَقَالَ هَذَا اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، انْتَهَى.
قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ وعنه: هما، يعني أن
__________
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/188.(1/289)
فَصْلٌ: وَلَا يَتَيَمَّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ فَرْضٍ
"م" نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، خِلَافًا لِشَيْخِنَا، إنْ انْتَبَهَ أَوَّلَ الْوَقْتِ، وَقَالَ فِيمَنْ يُمْكِنُهُ الذَّهَابُ إلَى الْحَمَّامِ لَكِنْ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ حَتَّى يَفُوتَ الْوَقْتُ كَالْغُلَامِ، وَالْمَرْأَةِ الَّتِي مَعَهَا أَوْلَادُهَا وَلَا يُمْكِنُهَا الْخُرُوجُ حَتَّى تَغْسِلَهُمْ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَالْأَظْهَرُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي خَارِجَ الْحَمَّامِ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْحَمَّامِ، وَبَعْدَ الْوَقْتِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا.
قَالَ الْأَصْحَابُ: وَكَذَا جنازة، وعنه بلى "وهـ" وَيُرِيدُ بِهِ فَوْتَهَا مَعَ الْإِمَامِ، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، قَالَ جَمَاعَةٌ: وَإِنْ أَمْكَنَهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْقَبْرِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ، فَتَعْظُمُ الْمَشَقَّةُ، وَعَنْهُ: وَعِيدَ، "وهـ" وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ وَجَدَا الْمَاءَ فِي صَلَاتِهِمَا لَمْ تَبْطُلْ، بِنَاءً عَلَى هَذَا الأصل.
وسجود تلاوة "وهـ" اخْتَارَ شَيْخُنَا وَجُمُعَةٍ، وَأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ الْجِنَازَةِ لأنها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
فَرْضَهُ الْمَسْحُ وَالتَّيَمُّمُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي "مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ"، وَأَطْلَقَ الْأُولَى، وَهَذِهِ فِي "التَّلْخِيصِ". وَمَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَهُ إذَا كَانَ الْجُرْحُ طَاهِرًا، فَأَمَّا إنْ كَانَ نَجِسًا، فَلَا يَمْسَحُ عَلَيْهِ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَقَالَهُ غَيْرُهُ.(1/290)
لَا تُعَادُ، وَجَعَلَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَصْلًا لِلْمَنْعِ، وَأَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهَا.
وَإِنْ وَصَلَ مُسَافِرٌ إلَى مَاءٍ وَقَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ، أَوْ عَلِمَ أَنَّ النَّوْبَةَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَهُ، أَوْ عَلِمَهُ قَرِيبًا وَخَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ، أَوْ دُخُولَ وَقْتِ الضَّرُورَةِ إنْ حَرُمَ التَّأْخِيرُ إلَيْهِ أو دله ثقة فقيل: يتيمم ويصلي "وق" وَقِيلَ: لَا، كَقُدْرَتِهِ عَلَى مَاءِ بِئْرٍ بِثَوْبٍ يَبُلُّهُ ثُمَّ1 يَعْصِرُهُ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ، إنْ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمَاءِ "م 18 - 21" وَلَوْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ - 18 – 21: قَوْلُهُ: "وَإِنْ وَصَلَ مُسَافِرٌ إلَى مَاءٍ وَقَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ، أَوْ عَلِمَ أَنَّ النَّوْبَةَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَهُ، أَوْ عَلِمَهُ قَرِيبًا وَخَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ أَوْ دُخُولَ وَقْتِ الضَّرُورَةِ إنْ حَرُمَ التَّأْخِيرُ إلَيْهِ، أَوْ دَلَّهُ ثِقَةٌ فَقِيلَ: يَتَيَمَّمُ ويصلي، وقيل لا2، كقدرته
__________
1 في الأصل: "ولم".
2 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".(1/291)
وَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتِعْمَالُ مَاءٍ وَتُرَابٍ وَهُوَ مَعْنَى قولهم من لم يجد ماء ولا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
عَلَى مَاءِ بِئْرٍ بِثَوْبٍ يَبُلُّهُ ثُمَّ يَعْصِرُهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إنْ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمَاءِ، انْتَهَى. اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَلَى مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى – 18: إذَا وَصَلَ الْمُسَافِرُ إلَى مَاءٍ وَقَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ أَطْلَقَ الْخِلَافَ:
أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ وَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي1، وَالشَّرْحِ2، وَشَرْحِ ابْنِ رزين وغيرهم، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَتَيَمَّمُ وَيُجْزِئُهُ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ، وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَقَالَ: مَا أَدَقُّ هَذَا النَّظَرُ. وَلَوْ طَرَدَهُ فِي الْحَضَرِ لَكَانَ قَدْ أَجَادَ وَأَصَابَ، قُلْت وَهُوَ الصَّوَابُ، وَكَذَا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ 19 وَالثَّالِثَةُ 20 وَالرَّابِعَةُ 21 كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ.
وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ الْمَسْأَلَةَ الثَّانِيَةَ وَجَزَمَ بِالتَّيَمُّمِ، وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى، وَقَدَّمَ جَوَازَ التَّيَمُّمِ، وَأَطْلَقَ فِي الثَّانِيَةِ الْوَجْهَيْنِ قَالَ: وَإِنْ قَدَرَ عَلَى نُزُولِهِ الْبِئْرَ، وَمَا يَنْزِلُ بِهِ إلَيْهِ وَنَحْوِهِ وَأَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ فَاتَهُ الْوَقْتُ وَلَا تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَلَمْ يَعُدْ وَكَذَلِكَ راكب السفينة انتهى.
تَنْبِيهٌ 3: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ هَذَا فِيمَا إذَا عَلِمَ الْمَاءَ قَرِيبًا وَخَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ أَوْ دَلَّهُ ثِقَةٌ هَلْ يَتَيَمَّمُ مُرَاعَاةً لِلْوَقْتِ أَوْ يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ، وَيَتَوَضَّأُ وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ، وَقَطَعَ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ إنْ دَلَّ عَلَيْهِ أَوْ عَلِمَهُ قَرِيبًا عُرْفًا يَلْزَمُهُ قَصْدُهُ فِي الْوَقْتِ، فَظَاهِرُهُ هُنَا أَنَّهُ إذَا خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ أَنَّهُ لَا يَطْلُبُهُ وَيَتَيَمَّمُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ فَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَسَائِلِ الَّتِي قَطَعَ فِيهَا بِحُكْمٍ فِي مَوْضِعٍ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ3.
__________
1 1/345.
2 "المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف" 2/262.
3 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".(1/292)
تُرَابًا وَقِيلَ لِلْقَاضِي فِي التَّيَمُّمِ فِي حَضَرٍ عُذْرٌ نَادِرٌ وَغَيْرُ مُتَّصِلٍ فَأَعَادَ كَمَا لَوْ مُنِعَ مِنْ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ وَالتُّرَابِ؟ فَأَجَابَ بِالرِّوَايَتَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْعَدَمِ صَلَّى فَرْضًا فَقَطْ وَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا يُجْزِئُ، وَعِنْدَ شَيْخِنَا يَتَوَجَّهُ فِعْلُ مَا شَاءَ، لِأَنَّهُ لَا تَحْرِيمَ مَعَ الْعَجْزِ، وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى مَا يُجْزِئُ فِي ظَاهِرِ قَوْلِهِمْ، كَذَا قَالَ وَجَزَمَ جَدُّهُ وَجَمَاعَةٌ بِخِلَافِهِ.
وَلَا إعَادَةَ وَعَنْهُ بَلَى، نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ "وش م ر" وَلَوْ بِتَيَمُّمٍ فِي الْمَنْصُوصِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ، فَعَلَيْهِ إنْ قَدَرَ فِيهَا خَرَجَ، وَإِلَّا فَكَمُتَيَمِّمٍ يَجِدُ الْمَاءَ وَكَذَا مُتَيَمِّمٌ زَالَ عُذْرُهُ فِيهَا، فِي إعَادَتِهِ خِلَافٌ، وَفَرْضُهُ الثَّانِيَةُ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَقِيلَ الْأُولَى وَقِيلَ هُمَا، وَاخْتَارَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/293)
شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ، وَقِيلَ: لَا بِعَيْنِهَا وعنه يستحب صلاته، وعنه يحرم، ويقضي "وهـ".
وَتَبْطُلُ بِحَدَثٍ وَنَحْوِهِ "وَ" قَالَ بَعْضُهُمْ وَبِخُرُوجِ الْوَقْتِ رِوَايَتَانِ "م 22" وَبِغُسْلِ مَيِّتٍ مُطْلَقًا وَتُعَادُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِهِ، وَالْأَصَحُّ وَبِالتَّيَمُّمِ، وَيَجُوزُ نَبْشُهُ لأحدهما مع أمن تفسخه؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ -22: قَوْلُهُ: فِيمَنْ لَا يَجِدُ مَاءً وَلَا تُرَابًا: وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِحَدَثٍ وَنَحْوِهِ وِفَاقًا؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَبِخُرُوجِ الْوَقْتِ رِوَايَتَانِ، انْتَهَى، الْبَعْضُ الَّذِي عَنَاهُ الْمُصَنِّفُ، هُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَهُوَ فِيهَا؟ أَفِيهِ رِوَايَتَانِ انْتَهَى:
إحْدَاهُمَا لَا تَبْطُلُ، قُلْت وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقَدْ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِحَدَثٍ وَنَحْوِهِ وَهُوَ وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَبْطُلُ(1/294)
وَيَتَيَمَّمُ لِنَجَاسَةِ بَدَنٍ عَلَى الْأَصَحِّ "ح" لِعَدَمِ ماء، أو ضرر، وَلَا إعَادَةَ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَعَنْهُ بَلَى وَعَنْهُ لِعَدَمٍ.
وَفِي النِّيَّةِ لِتَيَمُّمِهِ لَهَا وَجْهَانِ وَالْمَنْعُ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ "م 23" قَالَ لِأَنَّ طَهَارَةَ الْحَدَثِ يَسْرِي مَنْعُهَا كَمَا لَوْ اغْتَسَلَ الْجُنُبُ إلَّا ظُفْرًا، لَمْ يَجُزْ دُخُولُ مسجد، ورفعها كمنع محدث مس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مسألة - 23: قوله: "وَيَتَيَمَّمُ لِنَجَاسَةِ بَدَنٍ عَلَى الْأَصَحِّ لِعَدَمِ مَاءٍ أَوْ ضَرُورَةٍ وَلَا إعَادَةَ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَعَنْهُ بَلَى، وَعَنْهُ لِعَدَمٍ، وَفِي النِّيَّةِ لِتَيَمُّمِهِ لَهَا وَجْهَانِ، الْمَنْعُ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَابْنُ عَقِيلٍ" انْتَهَى:
أَحَدُهُمَا: تَجِبُ النِّيَّةُ لَهَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، صَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي1 وَالشَّرْحِ2 فِي مَوْضِعٍ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِابْنِ عَقِيلٍ، فِي الْفُصُولِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَجِبُ لَهَا كَمُبَدِّلِهِ، وَهُوَ الْغُسْلُ، بِخِلَافِ تَيَمُّمِ الْحَدَثِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَفِي الْمُغْنِي3 وَالشَّرْحِ4 فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.
تَنْبِيهٌ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ وَالْمَنْعُ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَابْنُ عَقِيلٍ أَيْ مَنْعُ الصِّحَّةِ فَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَكَلَامُهُ فِي الْفُصُولِ يَدُلُّ عَلَيْهِ، لَا أَنَّ الْمُرَادَ منع الوجوب.
__________
1 1/351.
2 "المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف" 2/228.
3 لم أجده في مظانه.
4 "المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف" 2/206-207.(1/295)
مُصْحَفٍ بِغَيْرِ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ كَبَطْنِهِ وَصَدْرِهِ وَلَا يَتَيَمَّمُ لِنَجَاسَةِ سُتْرَةٍ كَالْمَكَانِ وَحُكِيَ قَوْلٌ.
وَيَتَيَمَّمُ بِتُرَابٍ طَهُورٍ لَهُ غُبَارٌ وَالْأَصَحُّ غَيْرُ مُحْرَقٍ "وش" وَعَنْهُ وَبِسَبْخَةٍ1 "وش" وَعَنْهُ وَرَمْلٍ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إنْ كَانَ لَهُمَا غُبَارٌ.
وَعَنْهُ فِيهِمَا لِعَدَمِ تُرَابٍ، وَقِيلَ وَبِمَا تَصَاعَدَ عَلَى الْأَرْضِ لِعَدَمٍ لَا مُطْلَقًا "هـ" وَلَا بِمُتَّصِلٍ بِهَا كَنَبَاتٍ "م".
وَمَا تَيَمَّمَ بِهِ كَمَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ، وَقِيلَ يَجُوزُ كَمَا تَيَمَّمَ مِنْهُ فِي الْأَصَحِّ.
وَتُرَابٍ مَغْصُوبٍ كَالْمَاءِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ تُرَابُ مسجد "وش" وغيره2 وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ بِتُرَابِ زَمْزَمَ، مَعَ أَنَّهُ مَسْجِدٌ.
وَقَالُوا يُكْرَهُ إخْرَاجُ حصى الْمَسْجِدِ وَتُرَابِهِ لِلتَّبَرُّكِ وَغَيْرِهِ وَالْكَرَاهَةُ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ، وَلِأَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ بِتُرَابِ الْغَيْرِ جَازَ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ لِلْإِذْنِ فِيهِ عَادَةً وَعُرْفًا، كَالصَّلَاةِ فِي أَرْضِهِ، وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ لِمَنْ اسْتَأْذَنَهُ فِي الْكِتَابَةِ مِنْ دَوَاتِهِ: هَذَا مِنْ الْوَرَعِ الْمُظْلِمِ. وَاسْتَأْذَنَ هُوَ فِي مَكَان آخَرَ فَحَمَلَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ عَلَى الْكِتَابَةِ الْكَثِيرَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 السبخة، محركة ومسكنة: أرض ذات نز وملح. "القاموس": "سبخ".
2 ليست في "ط".(1/296)
وَقَدْ تَيَمَّمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الْجِدَارِ1، حَمَلَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَلَى أَنَّهُ لِإِنْسَانٍ يَعْرِفُهُ وَيَأْذَنُ فِيهِ، وَقَدْ يَتَوَجَّهُ أَنَّ تُرَابَ الْغَيْرِ يَأْذَنُ فِيهِ مَالِكُهُ عَادَةً وَعُرْفًا بِخِلَافِ تُرَابِ الْمَسْجِدِ، وَقَدْ قَالَ الْخَلَّالُ فِي الْأَدَبِ: التَّوَقِّي أَنْ لَا يُتَرِّبَ الْكِتَابَ إلَّا مِنْ الْمُبَاحَاتِ، ثُمَّ رُوِيَ عَنْ الْمَرُّوذِيِّ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ كَانَ يَجِيءُ مَعَهُ بِشَيْءٍ، وَلَا يَأْخُذُ مِنْ تُرَابِ الْمَسْجِدِ.
وَإِنْ خَالَطَ التُّرَابَ رَمْلٌ ونحوه فكالماء، وقيل يمنع "وش" وَلَوْ تَيَمَّمَ عَلَى شَيْءٍ طَاهِرٍ لَهُ غُبَارٌ جَازَ وَلَوْ وَجَدَ تُرَابًا "م".
وَلَا يَتَيَمَّمُ بِطِينٍ، قَالَ فِي الْخِلَافِ بِلَا خِلَافٍ، بَلْ يُجَفِّفُهُ إنْ أَمْكَنَهُ، وَالْأَصَحُّ فِي الْوَقْتِ.
وَإِنْ وَجَدَ ثَلْجًا وَتَعَذَّرَ تَذْوِيبُهُ لَزِمَهُ مَسْحُ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ فِي الْمَنْصُوص، وَفِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ "م 24" وَأَعْجَبَ أَحْمَدُ حَمْلَ تُرَابٍ لِلتَّيَمُّمِ، وَعِنْدَ شَيْخِنَا وغيره لا وهو أظهر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ – 24: قَوْلُهُ: "وَإِنْ وَجَدَ ثَلْجًا وَتَعَذَّرَ تَذْوِيبُهُ لَزِمَهُ مَسْحُ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ بِهِ فِي الْمَنْصُوصِ، وفي الإعادة روايتان" انتهى.
__________
1 تقدم ص 265.(1/297)
وَصِفَتُهُ أَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ مَا يَتَيَمَّمُ لَهُ، ويعتبر معه تعيين الحدث كَمَا يَأْتِي1، وَقِيلَ: إنْ ظَنَّ فَائِتَةً فَلَمْ تَكُنْ أَوْ بَانَ غَيْرُهَا لَمْ يَصِحَّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ إنْ نَوَى التَّيَمُّمَ فَقَطْ صَلَّى نَفْلًا. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ نَوَى فَرْضَ التَّيَمُّمِ، أَوْ فَرْضَ الطَّهَارَةِ فَوَجْهَانِ، وَقِيلَ يصح بنية رفع الحدث "وهـ".
ثُمَّ يُسَمِّي، وَيَضْرِبُ بِيَدَيْهِ مُفَرِّجَتَيْ الْأَصَابِعِ، وَاحِدَةً يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِبَاطِنِ أَصَابِعِهِ، وَكَفَّيْهِ بِرَاحَتَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاسْتَحَبَّ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ضَرْبَتَيْنِ: وَاحِدَةً لِوَجْهِهِ، وَأُخْرَى لِيَدَيْهِ إلَى مِرْفَقَيْهِ، وَحَكَى رِوَايَةً وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ "هـ ش م ر".
وَمَسَحَ جَمِيعَ وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ، وَالنِّيَّةُ فَرْضُ "وَ" وَفِيمَا تحت شعر خفيف وجهان "م 25"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
إحْدَاهُمَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الْكُبْرَى وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ.
وَالرِّوَايَةُ الثانية: لا يلزمه، قلت: وهو قوي.
مَسْأَلَةٌ – 25: قَوْلُهُ: وَمَسْحُ جَمِيعِ وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ، وَالنِّيَّةُ فَرْضٌ وَفِيمَا تَحْتَ شَعْرٍ خَفِيفٍ وَجْهَانِ، انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ مَسْحُ ذَلِكَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي2، وَالشَّرْحِ3، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَيَمْسَحُ مَا أَمْكَنَ مَسْحُهُ مِنْ ظَاهِرِ وَجْهِهِ وَلِحْيَتِهِ، وَقِيلَ مَا نَزَلَ مِنْ ذَقَنِهِ.
__________
1 ص 301.
2 1/331.
3 "المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف" 2/222 - 223.(1/298)
وَلَا يُسْتَحَبُّ مَضْمَضَةٌ، وَاسْتِنْشَاقٌ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ، والمراد يكره.
والنية فرض.
وَالتَّسْمِيَةُ كَالْوُضُوءِ "وَ" وَعَنْهُ سُنَّةٌ، وَكَذَا التَّرْتِيبُ وَالْمُوَالَاةُ "وَ" وَقِيلَ سُنَّةٌ، وَقِيلَ: التَّرْتِيبُ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَلِهَذَا يُجْزِئُهُ مَسْحُ بَاطِنِ أَصَابِعِهِ مَعَ مَسْحِ وَجْهِهِ، وَلَا يَجِبَانِ فِي تَيَمُّمِ حَدَثٍ أَكْبَرَ، وَقِيلَ بَلَى "وش" وَقِيلَ الْمُوَالَاةُ.
وَإِنْ تَيَمَّمَ بِبَعْضِ يَدِهِ، أَوْ بِحَائِلٍ فَكَالْوُضُوءِ، وَكَذَا لَوْ يَمَّمَهُ غَيْرُهُ، وَاخْتَارَ الأزجي وغيره لا يصح، لعدم قصده.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجِبُ، قَالَ فِي الْمُذَهَّبِ مَحَلُّ التَّيَمُّمِ جَمِيعُ مَا يَجِبُ غَسْلُهُ مِنْ الْوَجْهِ، مَا عَدَا الْفَمَ وَالْأَنْفَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: وَيَجِبُ مَسْحُ جَمِيعِ الْوَجْهِ، فَلَا يَسْقُطُ سوى المضمضة والاستنشاق.(1/299)
وإن سفت الريح غبارا فَمَسَحَ وَجْهَهُ بِمَا عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ فَصَلَهُ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ، أَوْ مَسَحَ بِغَيْرِ مَا عَلَيْهِ صَحَّ، وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ إنْ نَقَلَهُ مِنْ الْيَدِ إلَى الْوَجْهِ أَوْ عَكْسه فَفِيهِ تَرَدُّدٌ، وَلَوْ نَوَى وَصَمَدَ لِلرِّيحِ فَعَمَّ التُّرَابُ فَقِيلَ يَصِحُّ، وَقِيلَ إنْ مَسَحَهُ بِيَدَيْهِ، وَقِيلَ لَا "م 26 و 27" وَقِيلَ إنْ تَيَمَّمَ بِيَدٍ، أَوْ أَمَرَّ الْوَجْهَ عَلَى التُّرَابِ لَمْ يَصِحَّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مسألة – 26- 27: قَوْلُهُ: "وَلَوْ نَوَى وَصَمَدَ لِلرِّيحِ فَعَمَّ التُّرَابُ فَقِيلَ يَصِحُّ، وَقِيلَ إنْ مَسَحَهُ بِيَدَيْهِ، وَقِيلَ لَا" انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ:
أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمَجْدِ، وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَقَدَّمَهُ فِي شَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يصح، قال الشارح: قال شيخنا: والصحيح أنه لا يجزئه، وهو اختيار ابن عقيل؛ لأنه لم يمسح. انتهى. قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي1، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وغيره، وأطلقهما الشارح والزركشي.
والوجه الثالث: إنْ مَسَحَ أَجْزَأَ، وَإِلَّا فَلَا، جَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَالرَّأْسِ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالشَّرِيفُ: وَعِنْدَهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يُمِرَّ يَدَهُ، لِأَنَّ مُرُورَ التُّرَابِ عَلَى الْوَجْهِ لَا يُسَمَّى مَسْحًا، حَتَّى يُمِرَّ مَعَهُ الْيَدَ أَوْ شَيْئًا يَتْبَعُهُ التُّرَابُ، انْتَهَى، قَالَ الشَّارِحُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ اخْتِيَارَ الشَّيْخِ وَهُوَ ابْنُ عَقِيلٍ فَعَلَى هَذَا: إنْ مَسَحَ وَجْهَهُ بِمَا عَلَيْهِ أَجْزَأَ لِحُصُولِ مَسْحٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ، انْتَهَى، وَصَحَّحَ فِي الْمُغْنِي2 عَدَمَ الْإِجْزَاءِ إذَا لَمْ يَمْسَحْ، وَمَعَ الْمَسْحِ أَطْلَقَ احْتِمَالَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
تَنْبِيهٌ: اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ: مَسْأَلَةُ 26 مَا إذَا نَوَى وَصَمَدَ لِلرِّيحِ فَعَمَّ التُّرَابُ وَلَمْ يَمْسَحْهُ بِيَدَيْهِ، وَمَسْأَلَةُ 27 مَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ ومسحه بيديه.
__________
1 1/141.
2 1/324.(1/300)
فَصْلٌ: وَإِنْ تَيَمَّمَ لِحَدَثٍ أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ نَاوِيًا أَحَدَهُمَا اخْتَصَّ بِهِ
"هـ ش م ر" نَصَّ عَلَيْهِ فِيمَنْ تَيَمَّمَ لِحَدَثٍ وَنَسِيَ الْجَنَابَةَ ثُمَّ طَافَ لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ نَوَاهُمَا أَجْزَأَ. وَإِنْ تَنَوَّعَتْ أَسْبَابُ أَحَدِهِمَا فَنَوَى أَحَدَهُمَا فَقِيلَ كَالْوُضُوءِ، وَقِيلَ مَا نَوَاهُ، لِأَنَّهُ مُبِيحٌ "م 28".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ – 28: قَوْلُهُ: "وَإِنْ تَنَوَّعَتْ أَسْبَابُ أَحَدِهِمَا" يَعْنِي الحدث الأكبر والأصغر "فنوى أحدها فَقِيلَ كَالْوُضُوءِ، وَقِيلَ مَا نَوَاهُ، لِأَنَّهُ مُبِيحٌ" انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ عُبَيْدَانَ.
اعْلَمْ: أَنَّهُ إذَا تَنَوَّعَتْ أَسْبَابُ أَحَدِ الْحَدَثَيْنِ وَنَوَى أَحَدَهُمَا فَإِنْ قُلْنَا فِي الْوُضُوءِ لَا يُجْزِئُهُ عَمَّا لَمْ يَنْوِهِ فَهُنَا لَا يُجْزِئُهُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى، وَإِنْ قُلْنَا يُجْزِئُ هُنَاكَ فَهَلْ يُجْزِئُ هُنَا أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ:
أَحَدُهُمَا: يُجْزِئُ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَالْوُضُوءِ، صَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُجْزِئُ هُنَا، وَإِنْ أَجْزَأَ فِي الْوُضُوءِ فَلَا يَحْصُلُ لَهُ إلَّا مَا نَوَاهُ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ مُبِيحٌ، وَالْوُضُوءَ رَافِعٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى فِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ.(1/301)
وَمَنْ نَوَى شَيْئًا اسْتَبَاحَهُ وَمِثْلُهُ وَدُونَهُ "وم ش" فَالنَّذْرُ دُونَ مَا وَجَبَ شَرْعًا. وَقَالَ شَيْخُنَا: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا فَرْقَ. وَفَرْضُ كِفَايَةٍ دُونَ فَرْضِ عَيْنٍ، وَفَرْضُ جِنَازَةٍ أَعْلَى مِنْ نَافِلَةٍ، وَقِيلَ يُصَلِّيهَا بِتَيَمُّمٍ1 نَافِلَةً. وَقَالَ شَيْخُنَا: يَتَخَرَّجُ لَا يُصَلِّي نَافِلَةً بِتَيَمُّمٍ جِنَازَةً، لِأَنَّ أَحْمَدَ جَعَلَ الطَّهَارَةَ لَهَا أَوْكَدَ.
وَيُبَاحُ الطَّوَافُ بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ فِي الْأَشْهَرِ، كَمَسِّ الْمُصْحَفِ قَالَ شَيْخُنَا: وَلَوْ كَانَ الطَّوَافُ فَرْضًا. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي لَا، وَلَا تُبَاحُ نَافِلَةٌ بِنِيَّةِ مَسِّ المصحف وطواف ونحوهما في الأشهر.
وَإِنْ تَيَمَّمَ جُنُبٌ لِقِرَاءَةٍ أَوْ مَسِّ مُصْحَفٍ فَلَهُ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ. وَقَالَ الْقَاضِي: وَجَمِيعُ النَّوَافِلِ، لِأَنَّهَا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إن تيمم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "ب" و"س": "يتمم".(1/302)
لِمَسِّ الْمُصْحَفِ فَلَهُ الْقِرَاءَةُ لَا الْعَكْسُ، وَلَا يَسْتَبِيحُهُمَا بِنِيَّةِ اللُّبْثِ، وَقِيلَ فِي الْقِرَاءَةِ وَجْهَانِ، وَتُبَاحُ الثَّلَاثَةُ بِنِيَّةِ الطَّوَافِ لَا الْعَكْسُ، وَقِيلَ: بَلَى.
وَإِنْ تَيَمَّمَ لِمَسِّ مُصْحَفٍ فَفِي نَفْلِ طَوَافٍ وَجْهَانِ "م 29" وَفِي الْمُغْنِي1 إنْ تَيَمَّمَ جُنُبٌ لِقِرَاءَةٍ، أَوْ لُبْثٍ أَوْ مَسِّ مُصْحَفٍ لَمْ يُسْتَبَحْ غَيْرُهُ، كَذَا قَالَ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ فِيهِ بعد، وقيل من نوى الصلاة فعلها2 فقط،
وعنه وأعلى منه "وهـ" إلَّا أَنَّهُ لَا يُصَلِّي فَرْضًا بِتَيَمُّمِهِ لِجِنَازَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ: إنْ أَطْلَقَ نِيَّةَ الصَّلَاةِ صَلَّى فَرْضًا، وَإِنْ نَوَى فَرِيضَةً وَقِيلَ وعينها فله فعل سنة راتبة قبلها و3على الأصح، والتنفل قبلها "م" ثم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مسألة – 29: قوله: "فَإِنْ تَيَمَّمَ لِمَسِّ مُصْحَفٍ فَفِي نَفْلِ طَوَافٍ وَجْهَانِ" انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ، وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ جِنْسَ الطَّوَافِ أَعْلَى مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ وَقَدْ قَالَ فِي الْمُغْنِي1 وَمَنْ تَبِعَهُ لَيْسَ له ذلك. 4وقال المصنف قبل ذلك5: "ولا تباح نافلة بنية مس مصحف" والطواف بالبيت صلاة، فرضه كفرضها، ونفله كنفلها4.
والوجه الثاني يجوز.
__________
1 1/331.
2 في "ط": "فنفلها".
3 ليست في "ط".
4 ليست في "ص".
5 ص 302.(1/303)
يُصَلِّيهَا بِهِ "م" وَمَا شَاءَ إلَى آخِرِ وَقْتِهَا عَنْ أَيِّ شَيْءٍ تَيَمَّمَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/304)
1وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ تَيَمُّمٌ1 عَنْ حَدَثٍ أَكْبَرَ وَنَجَاسَةٍ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، لِتَجَدُّدِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ بِتَجَدُّدِ الْوَقْتِ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ.
وَقِيلَ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ إلَى دُخُولِ آخَرَ، وَقِيلَ لَا يَجْمَعُ فِي وَقْتِ الْأُولَى.
وَيَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ مُطْلَقًا، لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الَّتِي دَخَلَ وَقْتُهَا فِي الْمَنْصُوصِ، وَكَذَا إنْ تَيَمَّمَ جُنُبٌ لِقِرَاءَةٍ، وَحَائِضٌ لِوَطْءٍ، وَنَحْوُهُمَا، فِي بُطْلَانِهِ لِذَلِكَ بِخُرُوجِهِ الخلاف، وكذا إنْ اسْتَبَاحُوا ذَلِكَ بِالتَّيَمُّمِ لِلصَّلَاةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْطُلَ هُنَا. وَفِي الرِّعَايَةِ وَكَذَا إنْ تَيَمَّمَ عَنْ نَجَاسَةِ بَدَنِهِ. وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ فِيهَا فَقِيلَ تَبْطُلُ، وَقِيلَ لَا لِخُرُوجِهِ فِي الْجُمُعَةِ، وقيل لوجود الماء فيها "م 30".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ -30: قَوْلُهُ: وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ فِيهَا فَقِيلَ تَبْطُلُ، وَقِيلَ لَا، كَخُرُوجِهِ فِي الْجُمُعَةِ، وَقِيلَ كَوُجُودِ الْمَاءِ فِيهَا، انْتَهَى.
أَحَدُهُمَا: تَبْطُلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ بُطْلَانُهَا
__________
1 ليست في الأصل.(1/305)
وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ لِطَوَافٍ وَجِنَازَةٍ وَنَافِلَةٍ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ كَالْفَرِيضَةِ، وَعَنْهُ إنْ تَيَمَّمَ لِجِنَازَةٍ ثُمَّ جِيءَ بِأُخْرَى فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَقْتٌ يُمْكِنُهُ التَّيَمُّمُ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهَا حَتَّى يَتَيَمَّمَ لَهَا. وَإِلَّا صَلَّى، قَالَ الْقَاضِي: هَذَا لِلِاسْتِحْبَابِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ لِلْإِيجَابِ، لِأَنَّ التَّيَمُّمَ إذَا تَعَدَّدَ بِالْوَقْتِ فَوَقْتُ كُلِّ صَلَاةِ جِنَازَةٍ قَدْرُ فِعْلِهَا، وَكَذَا قَالَ شَيْخُنَا، لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُتَوَاصِلَ هُنَا كَتَوَاصُلِ الْوَقْتِ لِلْمَكْتُوبَةِ، قَالَ وَعَلَى قِيَاسِهِ مَا لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَحْدُودٌ، كَمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَطَوَافٍ فَعَلَى هَذَا: النَّوَافِلُ الْمُوَقِّتَةُ كَالْوِتْرِ وَالسُّنَنِ الرَّاتِبَةِ وَالْكُسُوفِ يَبْطُلُ التَّيَمُّمُ لَهَا بِخُرُوجِ وَقْتِ تِلْكَ النَّافِلَةِ، وَالنَّوَافِلُ الْمُطْلَقَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهَا تَوَاصُلُ الْفِعْلِ كَالْجِنَازَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَمْتَدَّ وَقْتُهَا إلَى وقت النهي عن تلك النافلة "م 31".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، وَلَوْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ انْتَهَى، وَهُوَ كَمَا قَالَ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُغْنِي1 وَالْكَافِي2 وَالشَّرْحِ3 وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ وابن عبيدان، وغيرهم.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَبْطُلُ وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ شَرْطًا. وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ وَجَدَ الْمَاءَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ خَرَّجَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ عَلَى رِوَايَةِ وُجُودِ الْمَاءِ فِي الصَّلَاةِ.
مَسْأَلَةٌ – 31: قَوْلُهُ: "فَعَلَى هَذِهِ النَّوَافِلِ الْمُؤَقَّتَةِ كَالْوِتْرِ وَالسُّنَنِ الراتبة
__________
1 1/350.
2 1/151.
3 "المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف" 2/251.(1/306)
وعنه لا يجمع به1 بين فرضين "وم ش" اختاره الآجري فَعَلَيْهَا لَهُ فِعْلُ غَيْرِهِ، مِمَّا شَاءَ، وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ، وَقِيلَ: لَا يَطَأُ1 بِتَيَمُّمِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَطَأَ قَبْلَهَا، ثُمَّ لَا يُصَلِّي بِهِ.
وَيَتَيَمَّمُ لِكُلِّ وَقْتٍ، وَظَاهِرُ نَقْلِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَبُو بَكْرٍ2: تَفْتَقِرُ كُلُّ نَافِلَةٍ إلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْكُسُوفِ يَبْطُلُ التَّيَمُّمُ لَهَا بِخُرُوجِ وَقْتِ تِلْكَ النَّافِلَةِ، وَالنَّوَافِلُ الْمُطْلَقَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهَا تَوَاصُلُ الْفِعْلِ فِيهَا كَالْجِنَازَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَمْتَدَّ وَقْتُهَا إلَى وَقْتِ النَّهْيِ عَنْ تِلْكَ النَّافِلَةِ، انْتَهَى، هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى رِوَايَةِ أَنَّ تَيَمُّمَهُ لِجِنَازَةٍ يَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ بِهِ عَلَى أُخْرَى، إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا وَقْتٌ لَا يُمْكِنُهُ التَّيَمُّمُ فِيهِ:
أَحَدُهُمَا: يَمْتَدُّ وَقْتُهَا إلَى وَقْتِ النَّهْيِ عَنْ تِلْكَ النَّافِلَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي: حُكْمُهَا حُكْمُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، فَيُعْتَبَرُ تَوَاصُلُ الْفِعْلِ، قُلْت وَهُوَ أَقْرَبُ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: "وَعَنْهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ فَرْضَيْنِ، فَعَلَيْهَا لَهُ فِعْلُ غَيْرِهِ مِمَّا شَاءَ، وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ3" انْتَهَى، فَقَوْلُهُ: وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ انْتَهَى فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي4 والشرح5 وغيرهما وهو الصواب.
__________
1 ليست في الأصل.
2 في "ط"" "وأبو بكر"، والصواب ما أثبت.
3 في النسخ الخطية: "وقت النهي"، والمثبت من "ط".
4 1/350.
5 "المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف" 2/238.(1/307)
تَيَمُّمٍ، قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ.
وَإِنْ تَيَمَّمَ لِجِنَازَةٍ فَفِي صَلَاتِهِ بِهِ عَلَى أُخْرَى وَجْهَانِ فِي الْمُذَهَّبِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ إنْ تَعَيَّنَتَا لَمْ يُصَلِّ، وَإِلَّا صَلَّى "م 32".
وَإِنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ خَمْسٍ فَفِي إجْزَاءِ تَيَمُّمٍ وَجْهَانِ "م 33".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ – 32: قَوْلُهُ: "وَإِنْ تَيَمَّمَ لِجِنَازَةٍ فَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ عَلَى أُخْرَى وَجْهَانِ فِي الْمُذَهَّبِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ إنْ تَعَيَّنَتَا لَمْ يُصَلِّ، وَإِلَّا صَلَّى" انْتَهَى، يَعْنِي أَنَّ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ مَبْنِيَّانِ عَلَى رِوَايَةِ أَنَّ التَّيَمُّمَ يَجِبُ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَرْضٌ، فَبَنَى الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَسَائِلَ مِنْ جُمْلَتِهَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عِنْدَ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذَهَّبِ، فَقَالَ فِي الْمُذَهَّبِ: وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ لَا يُصَلِّي إلَّا فَرْضًا وَاحِدًا، وَيَنْتَفِلُ، فَإِنْ تَيَمَّمَ لِجِنَازَةٍ فَهَلْ يُصَلِّي عَلَى أُخْرَى؟ فِيهِ وَجْهَانِ، انْتَهَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ مَا وَجَدَ نَصًّا1 صَرِيحًا بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كَلَامِ أَحَدٍ إلَّا فِي كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذَهَّبِ، وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي كَلَامِهِمْ، وَاَللَّهُ أعلم.
مَسْأَلَةٌ – 33: قَوْلُهُ: "وَإِنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ خَمْسٍ فَفِي إجْزَاءِ تَيَمُّمٍ وَجْهَانِ" انْتَهَى. وَهَذَا أَيْضًا مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ إلَّا فَرِيضَةً وَاحِدَةً.
__________
1 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".(1/308)
وعنه يصلي به إلى حدثه "وهـ" اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَشَيْخُنَا فَيَرْفَعُ الْحَدَثَ فِي الْأَصَحِّ لَنَا وَلِلْحَنَفِيَّةِ إلَى الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ.
وَيَتَيَمَّمُ لِفَرْضٍ وَنَفْلٍ مُعَيَّنٍ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَلِنَفْلٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ لَا سَبَبَ لَهُ وَقْتَ النَّهْيِ، وَعَلَى مَا قَبْلَهَا لَا، فَيَتَيَمَّمُ لِلْفَائِتَةِ إذَا أَرَادَ فِعْلَهَا، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَالْأَزَجِيُّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، إذَا ذَكَرَهَا وَهُوَ أَوْلَى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
أَحَدُهُمَا: لَا بُدَّ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْ تَيَمُّمٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُجْزِيهِ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ، قُلْت وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَيْهِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بَعْدَ أَنْ حَكَى الرِّوَايَةَ: قُلْت فَعَلَيْهَا مَنْ نَسِيَ صَلَاةَ فَرْضٍ مِنْ يَوْمٍ كَفَاهُ لِصَلَاةِ الْخَمْسِ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ صَلَاتَيْنِ وَجَهِلَ عَيْنَهُمَا أَعَادَهُمَا بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَتَا مُتَّفِقَتَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ، وَجَهِلَ جِنْسَهُمَا، صَلَّى الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ بِتَيَمُّمَيْنِ، وَكَذَا إنْ كَانَتَا مُخْتَلِفَتَيْنِ فِي يَوْمَيْنِ وَجَهِلَهُمَا، وَقِيلَ يَكْفِي صَلَاةٌ بِتَيَمُّمَيْنِ، وَإِنْ كَانَتَا مُخْتَلِفَتَيْ يَوْمٍ، فَلِكُلِّ صَلَاةٍ تَيَمُّمٌ، وَقِيلَ فِي الْمُخْتَلِفَتَيْنِ مِنْ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ يُصَلِّي الْفَجْرَ وَالظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِتَيَمُّمٍ، وَالظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِتَيَمُّمٍ آخَرَ، انْتَهَى.(1/309)
وَلِلْكُسُوفِ عِنْدَ وُجُودِهِ، وَلِلِاسْتِسْقَاءِ إذَا اجْتَمَعُوا، وَلِلْجِنَازَةِ إذَا غُسِّلَ الْمَيِّتُ أَوْ يُمِّمَ لِعَدَمٍ، فَيُقَالُ شَخْصٌ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ حَتَّى يُيَمَّمَ غَيْرُهُ وَفِي الِانْتِصَارِ يَرْفَعُهُ مُؤَقَّتًا عَلَى رِوَايَةٍ بِالْوَقْتِ.
وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ عَنْ حَدَثٍ أَصْغَرَ بِمَا يُبْطِلُ الْوُضُوءَ، وَعَنْ أَكْبَرَ بِمَا يُوجِبُ الْغُسْلَ، وَعَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ بِحَدَثَيْهِمَا، فَلَوْ تَيَمَّمَتْ بَعْدَ طُهْرِهَا مِنْ الْحَيْضِ لَهُ ثُمَّ أَجْنَبَتْ فَلَهُ الْوَطْءُ لبقاء حكم تيمم الحيض، وَالْوَطْءُ إنَّمَا يُوجِبُ حَدَثَ الْجَنَابَةِ، وَإِنْ وَطِئَ تَيَمَّمَ أَيْضًا عَنْ نَجَاسَةِ الذَّكَرِ، إنْ نَجَّسَتْهُ رُطُوبَةُ فَرْجِهَا.
وَلَهُ التَّيَمُّمُ أَوَّلَ الْوَقْتِ "وَ" وَعَنْهُ حَتَّى يَضِيقَ، وَتَأْخِيرُهُ أَفْضَلُ "وَ" وَعَنْهُ وَلَوْ ظَنَّ عَدَمَ "خ" الْمَاءِ، وَعَنْهُ أَوْ عَلِمَهُ، وَقِيلَ: إنْ عَلِمَ وُجُودَهُ أَخَّرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/310)
فقط "وش" وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ فِي الْوَقْتِ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَمْ يَجِبْ إعَادَتُهَا "وَ" وَعَنْهُ يُسَنُّ.
وَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ صَلَاةِ جِنَازَةٍ، وَعَنْهُ الْوَقْفُ، وَإِنْ لَزِمَ إعَادَةُ غُسْلِهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ "م 34" وَإِنْ قَدَرَ فِي تَيَمُّمِهِ بَطَلَ، وَكَذَا بَعْدَهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ، ذَكَرَ بَعْضُهُمْ "ع" خِلَافًا لِأَبِي سَلِمَةَ وَالشَّعْبِيِّ، وَرِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ، ذَكَرَ أَحْمَدُ في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ – 34: قَوْلُهُ: "وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَمْ تَجِبْ إعَادَتُهَا وَعَنْهُ يُسَنُّ، وَلَا يَلْزَمُ إعَادَةُ صَلَاةِ جِنَازَةٍ، وَعَنْهُ الوقف، وإن لزم إعادة غسله في أحد الْوَجْهَيْنِ" انْتَهَى. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَلَوْ يُمِّمَ الْمَيِّتُ لِعَدَمِ الْمَاءِ ثُمَّ وُجِدَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لَزِمَ الْخُرُوجُ مِنْهَا وَفِيهِ وَجْهٌ هُوَ كَالْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ يَلْزَمُ تَغْسِيلُ الْمَيِّتِ. وَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لَزِمَ تَغْسِيلُهُ، انْتَهَى، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي1 وَالشَّرْحِ2 وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ عَدَمُ لُزُومِ غَسْلِهِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: وَلَوْ يُمِّمَ مَيِّتًا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ، لِأَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ مُمْكِنٌ غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى إبْطَالِ الْمُصَلِّي صَلَاتَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ كَوِجْدَانِ الْمَاءِ فِي الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: فَإِنْ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ قَدْ يُمِّمَ لِعَدَمِ الْمَاءِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ يَخْرُجُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَيُغَسَّلُ الْمَيِّتُ وَتُعَادُ الصَّلَاةُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَمْضِيَ فِي الصَّلَاةِ كَمَا نَقُولُ فِي صَلَاةِ الْوَقْتِ، وَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَوَقَّفَ. وَقَالَ الْخَلَّالُ: الْحُكْمُ فيه كالتي قبلها، وأنه لا تجب
__________
1 1/349.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/250.(1/311)
رواية ابن إبراهيم عَنْ أَبِي قُرَّةَ مُوسَى بْنُ طَارِقٍ1 عَنْ "م" وَتَعَجَّبَ أَحْمَدُ مِنْهُ. وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ فِيهَا بطلت "وهـ" وقيل: يتطهر، ويبني، وعنه يمضي "وم ش" اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، فَيَجِبُ، وَقِيلَ هُوَ أَفْضَلُ، وقيل خروجه أفضل "وش" وَإِنْ عَيَّنَ نَفْلًا أَتَمَّهُ، وَإِلَّا لَمْ يَزِدْ عَلَى أَقَلِّ الصَّلَاةِ.
وَمَتَى فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ انْقَلَبَ الْمَاءُ فِيهَا قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ عَلِمَ بِتَلَفِهِ فِيهَا بَقِيَ تَيَمُّمُهُ. وَقَالَهُ الشَّيْخُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَمَّا فَرَغَ شَرَعَ فِي طَلَبِهِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ، وَعَلَيْهَا لَوْ وَجَدَ فِي صَلَاةٍ عَلَى مَيِّتٍ يُمِّمَ بطلت، وغسل في الأصح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْإِعَادَةُ، انْتَهَى، وَقَدَّمَ ابْنُ عُبَيْدَانَ طَرِيقَتَهُ فِي الْمُغْنِي2 وَقَالَ: قَالَ فِي النِّهَايَةِ فِيهِ وَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ عَلَى بُطْلَانِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ:
أَحَدُهُمَا: يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ وَيُغَسَّلُ الْمَيِّتُ، وَتُعَادُ الصلاة.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَمْضِي فِي الصَّلَاةِ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، انْتَهَى. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ كَغَيْرِهِمَا.
فَهَذِهِ أَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ مسألة قد من الله الكريم بتصحيحها.
__________
1 هو: أبو قرة، موسى بن طارق اليماني الزبيدي، قاضي زبيد، صنف في الحديث والفقه. "ت203هـ". "سير أعلام النبلاء" 9/346، "الأعلام" 7/323.
2 1/349.(1/312)
فِيهِمَا وَيَلْزَمُ مَنْ تَيَمَّمَ لِقِرَاءَةٍ وَوَطْءٍ وَنَحْوِهِ التَّرْكُ "وَ" وَحُكِيَ وَجْهٌ.
وَالطَّوَافُ كَالصَّلَاةِ إنْ وَجَبَتْ الْمُوَالَاةُ.
وَمَنْ تَيَمَّمَ وَعَلَيْهِ مَا يَجُوزُ مسحه بطل تيممه بخلعه في المنصوص "خ".
وَإِنْ بَذَلَ مَاءً لِلْأُولَى مِنْ حَيٍّ وَمَيِّتٍ فَالْمَيِّتُ أَحَقُّ "وش" وَعَنْهُ الْحَيُّ، فَيُقَدَّمُ الْحَائِضُ، وَقِيلَ: الْجُنُبُ "وهـ" وَقِيلَ: الرَّجُلُ، وَقِيلَ: يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: يُقْرَعُ، وَمَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ أَحَقُّ، وَقِيلَ: الْمَيِّتُ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَحَفِيدُهُ "وش".
وَيُقَدَّمُ جُنُبٌ عَلَى مُحْدِثٍ، وَقِيلَ سَوَاءٌ، وَقِيلَ الْمُحْدِثُ، إلَّا أَنْ يَكْفِيَ مَنْ تَطَهَّرَ بِهِ منهما، وإن كفاه فَقَطْ قُدِّمَ، وَقِيلَ الْجُنُبُ، وَإِنْ تَطَهَّرَ بِهِ غَيْرَ الْأُولَى أَسَاءَ وَأَجْزَأَهُ، وَعِنْدَ شَيْخُنَا أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي الْمَاءِ الْمُشْتَرَكِ أَيْضًا، وَأَنَّهُ ظَاهِرُ مَا نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ، لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ التَّشْقِيصِ1، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْهَدْيِ فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُؤْثِرَ مَالِكُ الماء من يتوضأ، ويتيمم هو.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 جاء في "القاموس": "شقص"؛ وتشقيص الذبيحة: تفصيل أعضائها سهاماً معتدلة بين الشركاء.(1/313)
باب ذكر النجاسة وإزالتها
مدخل
...
بَابُ ذِكْرِ النَّجَاسَةِ وَإِزَالَتِهَا
الْمَذْهَبُ: نَجَاسَةُ كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ أَحَدِهِمَا "م" وَعَنْهُ غير شعر، اختاره أبو بكر وشيخنا "وهـ".
وتغسل نجاسة كلب "وش" نص عليه، وقيل: ولوغه "وم" تعبدا سبعا "وم ش" وَعَنْهُ ثَمَانِيًا، بِتُرَابٍ فِي أَيِّ غَسْلَةٍ شَاءَ، وَهَلْ الْأُولَى أَوْلَى، أَوْ الْآخِرَةُ، أَوْ سَوَاءٌ؟ فِيهِ رِوَايَاتٌ "م 1" وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ إنْ غسله ثمانيا ففي الثامنة أولى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ – 1: قَوْلُهُ فِي غَسْلِ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ سَبْعًا أَوْ ثَمَانِيًا بِتُرَابٍ فِي أَيِّ غَسْلَةٍ شَاءَ، وَهَلْ الْأُولَى أَوْلَى أَوْ الْأَخِيرَةُ أَوْ سَوَاءٌ فِيهِ رِوَايَاتٌ، انْتَهَى.
إحْدَاهُنَّ: الْأُولَى أَنْ يَكُونَ فِي الْغَسْلَةِ الْأُولَى، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي1، وَالْكَافِي2 وَالشَّرْحِ3 وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيُّ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ الْأَوْلَى جَعَلَهُ فِي الْأُولَى إنْ غَسَلَ سَبْعًا قَالَ فِي الْإِفَادَاتِ: لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْأَخِيرَةِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ جَعْلُهُ فِي الْأَخِيرَةِ أَوْلَى.
وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ الْكُلُّ سَوَاءٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُقْنِعِ4 وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَبِنَاءً عَلَى قَاعِدَةٍ أُصُولِيَّةٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ إنَّ غَسْلَهُ ثَمَانِيًا فَفِي الثَّامِنَةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ وغيره وقال نص عليه.
__________
1 1/77.
2 1/190.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/285.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/277.(1/314)
وَلَا يَكْفِي ذَرُّهُ عَلَى الْمَحَلِّ، فَيُعْتَبَرُ مَائِعٌ يوصله إليه، ذكره أبو المعالي والتلخيص "وش" وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكْفِيَ ذَرُّهُ وَيَتْبَعَهُ الْمَاءُ، وَهُوَ ظاهر كلام جماعة، وَهُوَ أَظْهَرُ.
وَهَلْ يُعْتَبَرُ اسْتِيعَابُ مَحَلِّ الْوُلُوغِ بِهِ، أَمْ مُسَمَّى التُّرَابِ، أَمْ مُسَمَّاهُ فِيمَا يَضُرُّهُ، أَمْ مَا يُغَيِّرُ الْمَاءَ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ "م 2".
وَالنَّجَاسَةُ مِنْ كَلْبٍ وَكِلَابٍ وَاحِدَةٌ، وَيُحْسَبُ الْعَدَدُ بِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْعَيْنِيَّةِ قَبْلَ زَوَالِهَا فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ بَلْ بعده.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ – 2: وَقَوْلُهُ: "وَهَلْ يُعْتَبَرُ اسْتِيعَابُ مَحَلِّ الْوُلُوغِ بِهِ أَمْ مُسَمَّى التُّرَابِ أَمْ مُسَمَّاهُ فِيمَا يَضُرُّ، أَمْ مَا يُغَيِّرُ الْمَاءَ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ" انْتَهَى، هَذِهِ الْأَوْجُهُ فَتَاوَى لِلْأَصْحَابِ أَفْتَوْا بِهَا:
أَحَدُهَا: يُعْتَبَرُ اسْتِيعَابُ مَحَلِّ الْوُلُوغِ بِالتُّرَابِ، وَبِهِ أَفْتَى أَبُو الْخَطَّابِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَكْفِي مُسَمَّى التُّرَابِ مُطْلَقًا وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ يَكْفِي مُسَمَّاهُ فِيمَا يَضُرُّ دُونَ غَيْرِهِ، قُلْت وَهُوَ الصَّوَابُ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ.
وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ يَكْفِي مَا يُغَيِّرُ الْمَاءَ قاله ابن عقيل.(1/315)
وعنه استحباب التراب "وهـ م" وَقِيلَ: إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ الْمَحَلُّ، وَقِيلَ: يَجِبُ فِي إنَاءٍ، وَحَكَى رِوَايَةً، وَكَذَا نَجَاسَةُ خنزير في الأصح "وش م ر" وَلَمْ يَذْكُرْ أَحْمَدُ فِيهِ عَدَدًا، وَنَقَلَ ابْنُ إبْرَاهِيمُ هُوَ شَرٌّ مِنْ الْكَلْبِ، وَقِيلَ: لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا عَدَدٌ، حَكَاهُ ابْنُ شِهَابٍ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمُذَهَّبِ رِوَايَةً "وهـ".
وهل يقوم أشنان ونحوه وقيل: لعذر1 مقام تراب؟ "وق" فِيهِ وَجْهَانِ "م 3" لَا غَسْلَةَ ثَامِنَةً، وَعَنْهُ بلى "وق" وقيل: فيما يخاف تلفه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مسألة – 3: "وهل يقوم أشنان ونحوه وقيل لعذر2 مَقَامِ تُرَابٍ، فِيهِ وَجْهَانِ" انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي3 وَالْكَافِي4، وَالْمُقْنِعِ5 وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ:
أَحَدُهُمَا: يُجْزِئُ ذَلِكَ، وَيَقُومُ مَقَامَ التُّرَابِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ، هَذَا أَقْوَى الْوُجُوهِ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَقُومُ مَقَامَ التُّرَابِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَالْفُصُولِ وَالْعُمْدَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَالتَّسْهِيلِ وَغَيْرِهِمْ، لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى التُّرَابِ قَالَ فِي الْمُذَهَّبِ، هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: "قِيلَ لِعُذْرٍ" انْتَهَى، الْمَذْهَبُ مَا قدمه المصنف وهو أن
__________
1 في "ط": "لعدم".
2 في النسخ الخطية و"ط": "لعدم"، والمثبت من عبارة "الفروع".
3 1/74.
4 1/190.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/283.(1/316)
وَيَغْسِلُ مَا نَجُسَ بِبَعْضِ الْغَسَلَاتِ مَا بَقِيَ بعد تلك الغسلة "وش" وقيل: مَعَهَا، وَعَلَيْهِمَا1 بِتُرَابٍ إنْ لَمْ يَكُنْ غَسَلَ بِهِ، وَقِيلَ: سَبْعًا بِتُرَابٍ.
وَبَاقِي النَّجَاسَاتِ سَبْعًا، نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَعَنْهُ ثَلَاثًا، اخْتَارَهُ فِي الْعُمْدَةِ، وَعَنْهُ الْمُعْتَبَرُ زَوَالُ الْعَيْنِ بِمُكَاثِرَتِهَا، اخْتَارَهُ فِي الْمُغْنِي2، وَالطَّرِيقُ الْأَقْرَبُ "وَ" وَعَنْهُ لَا عَدَدَ فِي بَدَنٍ، وَعَنْهُ يَجِبُ إلَّا فِي خَارِجٍ مِنْ السَّبِيلِ، وَفِي اعْتِبَارِ التُّرَابِ عَلَى الأولى، وقيل والثانية روايتان "م 4" ونصه لا في السَّبِيلِ.
وَفِي اعْتِبَارِ التُّرَابِ – عَلَى الْأُولَى، وَقِيلَ: والثانية – روايتان "م4" ونصه:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْخِلَافَ مُطْلَقٌ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ اخْتِيَارُ ابْنُ حَامِدٍ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّمَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْ التُّرَابِ عِنْدَ عَدَمِهِ أَوْ فَسَادِ الْمَغْسُولِ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَقَدْ اخْتَارَ الْمَجْدُ وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْمَحَلَّ إذَا تَضَرَّرَ بِالتُّرَابِ يَسْقُطُ التُّرَابُ.
مَسْأَلَةٌ – 4: قَوْلُهُ: "وَبَاقِي النَّجَاسَاتِ سَبْعًا ... وَعَنْهُ ثَلَاثًا، وَفِي اعْتِبَارِ التُّرَابِ عَلَى الْأُولَى وَقِيلَ الثَّانِيَةُ، رِوَايَتَانِ" انْتَهَى، أَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخِلَافِيَّةِ، وَالْمُغْنِي2، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي3، وَالْمُقْنِعِ4، وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَابْنُ مُنَجَّى، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرِهِمْ:
إحْدَاهُمَا: يُشْتَرَطُ التُّرَابُ، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَجَزَمَ بِهِ في الإرشاد5، وابن البنا
__________
1 في الأصل: "وعليها".
2 1/75-77.
3 1/194.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/286-287.
5 ص 26.(1/317)
لا في سبيل.
وَتَطْهُرُ نَجَاسَةُ أَرْضٍ وَالْمَنْصُوصُ وَنَحْوُ صَخْرٍ، وَأَجْرِنَةٍ1 وحمام بالمكاثرة، وعنه إن انفصل الماء "وهـ".
وقيل بالعدد من كلب وخنزير "وش" وعنه ومن غير البول.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
فِي عُقُودِهِ، وَالشِّيرَازِيُّ فِي إيضَاحِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، قَالَ الشَّارِحُ: وَفِي تَعْلِيلِهِمْ لعدم الِاشْتِرَاطِ نَظَرٌ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُشْتَرَطُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ لَا يُشْتَرَطُ التُّرَابُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا الْمَشْهُورُ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، قَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ يُشْتَرَطُ فِي وَجْهٍ فَظَاهِرُهُ أن المشهور عدم الاشتراط.
__________
1 أجرنة، جمع جرن – بالضم: حجر منقور يتوضأ منه. "القاموس": "جرن".(1/318)
وَالْمُنْفَصِلُ عَنْ مَحَلٍّ طَاهِرٍ طَاهِرٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: بِطَهَارَتِهِ عَنْ مَحَلٍّ نَجِسٍ مَعَ عَدَمِ تَغَيُّرِهِ، لِأَنَّهُ وَارِدٌ. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ كَلَامَ أَحْمَدَ يَحْتَمِلُ رِوَايَتَيْنِ فِيمَا أُزِيلَتْ بِهِ النَّجَاسَةُ، يُحْتَمَلُ أَنَّهُ طَاهِرٌ لِأَنَّهُ قَالَ: إذَا غَسَلَ ثَوْبَهُ فِي إجَّانَةٍ1 طَهُرَ، وَقَالَ: الْمُنْفَصِلُ عَنْ مَحَلٍّ نَجِسٍ مِنْ الْأَرْضِ طَاهِرٌ، وَقَالَ: يَغْسِلُ مَا يُصِيبُهُ مِنْ مَاءِ الِاسْتِنْجَاءِ، فَعَلَى هَذَا إنَّمَا حَكَمْنَا بِنَجَاسَتِهِ لِأَنَّهُ مَاءٌ قَلِيلٌ حَلَّتْهُ نَجَاسَةٌ، وَالْمُسْتَعْمَلُ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ لَمْ يَحِلَّهُ غَيْرَ الْعُضْوِ الَّذِي لَاقَاهُ فَلَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَتِهِ.
قَالَ شَيْخُنَا: هَذَا مِنْ الْقَاضِي يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي نَجَاسَةِ الْمُزَالِ بِهِ النَّجَاسَةُ مُطْلَقًا: حَالَ اتِّصَالِهِ، وَانْفِصَالِهِ قَبْلَ طَهَارَةِ الْمَحَلِّ، وَعَنْ أَحْمَدَ طَهَارَةُ مُنْفَصِلٍ عَنْ أَرْضِ أَعْيَانٍ النَّجَاسَةُ فِيهِ غَيْرُ مُشَاهَدَةٍ.
وَفِي طَهَارَةِ الْمَحَلِّ مَعَ نَجَاسَةِ الْمُنْفَصِلِ وَجْهَانِ، جَزَمَ فِي الِانْتِصَارِ بِنَجَاسَتِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَلْوَانِيِّ وَصَرَّحَ الْآمِدِيُّ بِطَهَارَتِهِ، وَمَعْنَاهُ كلام القاضي "م 5".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ – 5: قَوْلُهُ: "وَفِي طَهَارَةِ الْمَحَلِّ مَعَ نَجَاسَةِ الْمُنْفَصِلِ وَجْهَانِ". قَالَ الْمُصَنِّفُ: "جَزَمَ فِي الِانْتِصَارِ بِنَجَاسَتِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْحَلْوَانِيِّ، وَصَرَّحَ الْآمِدِيُّ بِطَهَارَتِهِ، وَمَعْنَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي" انْتَهَى، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَمَا انْفَصَلَ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ مُتَغَيِّرًا بها فَهُوَ وَالْمَحَلُّ نَجِسَانِ وَإِنْ اسْتَوْفَى الْعَدَدَ. وَقَالَ الآمدي يحكم بطهارة المحل، انتهى، فقدم
__________
1 الإجانة، بالتشديد: إناء يغسل فيه الثياب، والجمع أجانين. "المصباح": "أجن".(1/319)
ويعتبر في الأصح وقيل في غير الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ الْعَصْرُ، مَعَ إمْكَانِهِ فِيمَا يَشْرَبُ نجاسته، أو دقه أو تثقيله "وهـ ش" وَفِي تَجْفِيفِهِ وَجْهَانِ "م 6".
وَإِنْ طَهُرَ مَاءٌ نَجِسٌ فِي إنَاءٍ لَمْ يَطْهُرْ مَعَهُ، فَإِذَا انْفَصَلَ فَغَسْلَةٌ، وَقِيلَ يَطْهُرُ تَبَعًا كَالْمُحْتَفَرِ مِنْ الْأَرْضِ، وَقِيلَ إنْ مَكَثَ بِقَدْرِ الْعَدَدِ، وَكَذَا الثَّوْبُ إذَا لَمْ يُعْتَبَرْ عَصْرُهُ، أَوْ إنَاءٌ غُمِسَ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ.
وَاعْتِبَارُ تَكْرَارِ غَسْلِهِ1 مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَدَدِ، وَلَا يَكْفِي تَحْرِيكُهُ وَخَضْخَضَتُهُ فِيهِ، وَقِيلَ بَلَى. وَفِي الْمُغْنِي2 إن مر عليه أجزاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَا جَزَمَ بِهِ فِي الِانْتِصَارِ. وَقَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ لَمَّا نَصَرَ أَنَّ الْمَاءَ الْمُنْفَصِلَ بَعْدَ طَهَارَةِ الْمَحَلِّ طَاهِرٌ: وَلَنَا أَنَّ الْمُنْفَصِلَ بَعْضُ الْمُتَّصِلِ فَيَجِبُ أَنْ يُعْطَى حُكْمَهُ فِي الطَّهَارَةِ، وَالنَّجَاسَةِ، كَمَا لَوْ أَرَاقَ مَاءً مِنْ إنَاءٍ وَلَا يَلْزَمُ الْغُسَالَةُ الْمُتَغَيِّرَةُ بَعْدَ طَهَارَةِ الْمَحَلِّ، لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ تَصَوُّرَ ذَلِكَ، بَلْ نَقُولُ مَا دَامَتْ الْغُسَالَةُ مُتَغَيِّرَةً فَالْمَحَلُّ لَمْ يَطْهُرْ، انْتَهَى. وَقَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا تَابَعَا الْمَجْدَ فِي شَرْحِهِ.
مَسْأَلَةٌ – 6: وَفِي تَجْفِيفِهِ وَجْهَانِ، انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تميم وابن عبيدان والفائق وغيرهم:
__________
1 في "ط": "غسله".
2 1/78-79.(1/320)
لَمْ تُلَاقِهِ، وَإِنْ كَاثَرَ مَا فِيهِ نَمَاءٌ كَثِيرٌ لَمْ يَطْهُرْ الْإِنَاءُ فِي الْمَنْصُوصِ بِدُونِ إراقته.
وَإِنْ وَضَعَ ثَوْبًا فِي إنَاءٍ ثُمَّ غَمَرَهُ بِمَاءٍ وَعَصَرَهُ فَغَسْلَةٌ يَبْنِي عَلَيْهَا وَيَطْهُرُ، نَصَّ عَلَيْهِ "وَ" لِأَنَّهُ وَارِدٌ كَصَبِّهِ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ إنَاءٍ، وَعَنْهُ لَا يَطْهُرُ، لِأَنَّ مَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
أَحَدُهُمَا: لَا يُجْزِئُ تَجْفِيفُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَصَحَّحَهُ المجد في شرحه، وابن عبد القوي في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُجْزِئُ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ: وَجَفَافُهُ كَعَصْرِهِ فِي أصح الوجهين.(1/321)
يَنْفَصِلُ بِعَصْرِهِ لَا يُفَارِقُهُ عَقِبَهُ، وَعَنْهُ بَلَى إن تعذر بدونه.
وَإِنْ عَصَرَ الثَّوْبَ فِي الْمَاءِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ مِنْهُ فَوَجْهَانِ "م 7".
وَيَطْهُرُ مَا غَسَلَهُ مِنْهُ "وَ" فَإِنْ أَرَادَ غَسْلَ بَقِيَّتِهِ غَسَلَ مَا لَاقَاهُ.
وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ لَوْنٍ، أَوْ رِيحٍ، أَوْ هُمَا عَجْزًا "وَ" قَالَ جَمَاعَةٌ أَوْ يشق،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ – 7: قَوْلُهُ: "وَإِنْ عَصَرَ الثَّوْبَ فِي الْمَاءِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ مِنْهُ فَوَجْهَانِ" انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ:
إحْدَاهُمَا: لَا يَطْهُرُ حَتَّى يُخْرِجَهُ ثُمَّ يُعِيدَهُ، قَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا تَابَعَا الْمَجْدَ فِي شَرْحِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَطْهُرُ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.(1/322)
وذكر الشيخ وغيره أو يتضرر1 الْمَحَلُّ، وَقِيلَ يَكْتَفِي بِالْعَدَدِ، وَقِيلَ بَلَى، كَطَعْمٍ فِي الْأَصَحِّ "وَ" فَعَلَى الْأَوَّلِ يَطْهُرُ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ يُعْفَى عَنْهُ، وَقِيلَ فِي زَوَالِ لَوْنِهَا فَقَطْ وَجْهَانِ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: إنْ ثَبَتَ أَنَّ أَصْبَاغَ الدِّيبَاجِ الرُّومِيِّ مِنْ دِمَاءِ الْآدَمِيِّينَ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ فِي ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ يُبَاحُ لَهُ لُبْسُهُ، وَمُرَادُهُ مَا لَمْ يُغْسَلْ، لِأَنَّهُ قَالَ إنْ صُبِغَ فِيمَا وَقَعَ فِيهِ النَّجَاسَةُ لَمْ يَجُزْ الصَّلَاةُ فِيهِ حَتَّى يُغْسَلَ، وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّ بَقَاءُ اللَّوْنِ، لِأَنَّهُ عَرَضٌ كَالرَّائِحَةِ.
وَإِنْ لَمْ تَزُلْ النَّجَاسَةُ إلَّا بِمِلْحٍ أَوْ غَيْرِهِ مَعَ الْمَاءِ لَمْ يَجِبْ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ أَحْمَدَ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي التُّرَابِ تَقْوِيَةً لِلْمَاءِ.
فَعَلَى هَذَا أَثَرُ الْمِدَادِ يُلَطَّخُ بِعَسَلِ قَصَبٍ ثُمَّ يُحَطُّ فِي الشَّمْسِ، ثُمَّ يُغْسَلُ بِمَاءٍ وصابون، ويلطخ أثر الحبر بخردل مصحون2 معجبول3 بِمَاءٍ ثُمَّ يُغْسَلُ بِمَاءٍ وَصَابُونٍ.
وَأَثَرُ الْخَوْخِ بِلَبَنٍ حَامِضٍ وَكِشْكٍ حَامِضٍ، أَوْ يُنْقَعُ الْمَكَانُ بِمَاءِ بَصَلٍ، ثُمَّ يُحَطُّ فِي الشَّمْسِ، ثُمَّ يُغْسَلُ بِمَاءٍ وَصَابُونٍ.
وَأَثَرُ الزَّعْفَرَانِ يُلْقَى فِي قرطم4 مدقوق، قد غلى على النَّارِ، أَوْ فِي تِبْنٍ مَغْلِيٍّ، وَأَثَرُ الْقَطْرَانِ يُلْقَى فِي لَبَنِ حَلِيبٍ مَغْلِيٍّ.
وَأَثَرُ الزِّفْتِ يعرك بالطحينة جيدا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط": "يتغير".
2 أي: مضروب.
3 في "ط": "معجون".
4 القرطم، بكسر القاف والطاء: حب العصفر. "القاموس": "قرطم".(1/323)
وَأَثَرُ التُّوتِ الشَّامِيِّ يُنْحَرُ بِالْكِبْرِيتِ.
وَأَثَرُ الزَّيْتِ يُفَتَّرُ زَيْتُ طِيبٍ عَلَى النَّارِ، ثُمَّ يُسْقَى بِهِ الْمَكَانُ، ثُمَّ يُلَطَّخُ الْمَكَانُ بِالصَّابُونِ، ثُمَّ يُجَفَّفُ فِي الشَّمْسِ، ثُمَّ يُغْسَلُ.
وَأَثَرُ الرُّمَّانِ يعرك بليمون أخضر مشوي، ومائه.
وَأَثَرُ الدَّمِ يُذْبَحُ عَلَيْهِ فَرْخُ حَمَامٍ وَيُعْرَكُ بِدَمِهِ ثُمَّ يُغْسَلُ ذَلِكَ، وَأَثَرُ الْجَوْزِ يُنْقَعُ فِي بَوْلِ حِمَارٍ ثُمَّ يُغْسَلُ بِمَاءٍ وَصَابُونٍ.
وَيَجِبُ الْحَتُّ وَالْقَرْصُ، قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ: إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ الْمَحَلُّ بِهِمَا، وَإِنْ شَكَّ هَلْ النَّجَاسَةُ مِمَّا يُعْتَبَرُ لَهُ الْعَدَدُ؟ تَوَجَّهَ وَجْهَانِ "م 8".
وَلَا تَطْهُرُ أَرْضٌ بِشَمْسٍ، أَوْ رِيحٍ، أَوْ جَفَافٍ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ بلى "وهـ" وَقِيلَ وَغَيْرُهَا، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي حَبْلِ غَسِيلٍ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا وَقَالَ: وَإِحَالَةُ التُّرَابِ لَهَا وَنَحْوِهِ كَشَمْسٍ، وَقَالَ: إذَا أَزَالَهَا التُّرَابُ عَنْ النَّعْلِ: فَعَنْ نَفْسِهِ إذَا خَالَطَهَا أَوْلَى، كَذَا قَالَ.
ولا بالاستحالة1 أو نار، وعنه بلى "وهـ" فَحَيَوَانٌ مُتَوَلِّدٌ مِنْ نَجَاسَةٍ كَدُودِ الْجُرُوحِ وَالْقُرُوحِ، وَصَرَاصِرُ الْكَنِيفِ طَاهِرٌ، لَا مُطْلَقًا نَصَّ عَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ – 8: قَوْلُهُ: "وَإِنْ شَكَّ هَلْ النَّجَاسَةُ مِمَّا يُعْتَبَرُ لَهُ الْعَدَدُ تَوَجَّهَ وَجْهَانِ" انْتَهَى، قُلْت الصَّوَابُ: عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَهُوَ الْأَصْلُ، وَالِاحْتِيَاطُ: الْفِعْلُ.
__________
1 معطوف على قوله: "ولا تطهر أرض بشمس".(1/324)
"ش" وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ رِوَايَتَيْنِ فِي نَجَاسَةِ وَجْهِ تَنُّورٍ سُجِرَ بِنَجَاسَةٍ، وَنَقَلَ الْأَكْثَرُ يُغْسَلُ، وَنَقَلَ ابْنُ أَبِي حَرْبٍ1: لَا بَأْسَ، وَعَلَيْهِمَا يُخَرَّجُ عَمَلُ زَيْتٍ نَجِسٍ صَابُونًا وَنَحْوَهُ، وَتُرَابُ جَبَلٍ بِرَوْثِ حِمَارٍ.
فَإِنْ لَمْ يَسْتَحِلْ عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ فِي رِوَايَةٍ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا، وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ إنْ تنجس التنور بِذَلِكَ طَهُرَ بِمَسْحِهِ بِيَابِسٍ، فَإِنْ مُسِحَ بِرَطْبٍ تَعَيَّنَ الْغُسْلُ، وَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيَّةُ، وَحَمَلَ الْقَاضِي قَوْلَ أَحْمَدَ يُسْجَرُ التَّنُّورُ مَرَّةً أُخْرَى عَلَى ذَلِكَ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّ الرِّوَايَةَ صَرِيحَةٌ فِي التطهير بالاستحالة، وأن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ب" و"ط": "ابن أبي حرب".(1/325)
هَذَا مِنْ الْقَاضِي يَقْتَضِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِالْمَسْحِ إذَا لَمْ يَبْقَ لِلنَّجَاسَةِ أَثَرٌ، كَقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْجِسْمِ الصَّقِيلِ.
وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ أَنَّ نَجَاسَةَ الْجَلَّالَةِ وَالْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ بِالنَّجَاسَةِ نَجَاسَةٌ مُجَاوِرَةٌ وَقَالَ: فَلْيُتَأَمَّلْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مِنْ دَقِيقِ النَّظَرِ كَذَا قَالَ.
وَالْبُخَارُ الْخَارِجُ مِنْ الْجَوْفِ طَاهِرٌ، لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ لَهُ صِفَةٌ بِالْمَحَلِّ، وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: مَا اسْتَتَرَ فِي الْبَاطِنِ اسْتِتَارَ خِلْقَةٍ لَيْسَ بِنَجِسٍ، بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ بِحَمْلِهِ، كَذَا قَالَ، وَيَأْتِي فِي اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ1.
وَالْقَصْرُ مَلٌّ2 وَدُخَانُ النَّجَاسَةِ وَنَحْوِهِمَا نَجِسٌ، وَعَلَى الثَّانِي طَاهِرٌ، وَكَذَا مَا تَصَاعَدَ مِنْ بُخَارِ الْمَاءِ النَّجِسِ إلَى الْجِسْمِ الصَّقِيلِ ثُمَّ عَادَ فقطر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ص 2/95.
2 في الأصل: "العصر". والقصر مل: الرماد من الروث النجس. "كشاف القناع" 1/173.(1/326)
فَإِنَّهُ نَجِسٌ عَلَى الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ نَفْسُ الرُّطُوبَةِ الْمُتَصَاعِدَةِ، وَإِنَّمَا يَتَصَاعَدُ فِي الْهَوَاءِ كَمَا يَتَصَاعَدُ بُخَارُ الْحَمَّامَاتِ فَدَلَّ أَنَّ مَا يَتَصَاعَدُ فِي الْحَمَّامَاتِ وَنَحْوِهَا طَهُورٌ، وَيُخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْخِلَافُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/327)
فصل: والخمر نجاسة
...
فَصْلٌ: وَالْخَمْرُ نَجِسَةٌ
"وَ" فَإِنْ انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا طَهُرَتْ فِي الْمَنْصُوصِ "وَ" وَفِي التَّعْلِيقِ: لَا نَبِيذَ تَمْرٌ، لِأَنَّ فِيهِ مَاءً.
وَدَنُّهَا مِثْلُهَا. وَيَتَوَجَّهُ فِيمَا لَمْ يُلَاقِ الْخَلَّ مِمَّا فَوْقَهُ مِمَّا أَصَابَهُ الْخَمْرُ فِي غَلَيَانِهِ وَجْهَانِ "م 9". وفي الفنون شذرة غَرِيبَةٌ فِي اسْتِحَالَةِ الْخَمْرِ فِي الثَّوْبِ خَلًّا بِأَنْ تَشَرَّبَ خَمْرًا ثُمَّ تُرِكَ مَطْوِيًّا فَيَتَخَلَّلُ فِيهِ، بِأَنْ حَمُضَ، بِحَيْثُ لَوْ عُصِرَ نَزَلَ خلا.
ويحرم تخليلها فلا تحل "وش" فَفِي النَّقْلِ أَوْ التَّفْرِيغِ مِنْ مَحَلٍّ إلَى آخَرَ أَوْ إلْقَاءِ جَامِدٍ فِيهَا وَجْهَانِ "م 10" في الوسيلة في آخر الرهن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ – 9: قَوْلُهُ: "وَيَتَوَجَّهُ فِيمَا لَمْ يُلَاقِ الْخَلَّ مِمَّا فَوْقَهُ مِمَّا أَصَابَهُ الْخَمْرُ فِي غَلَيَانِهِ وَجْهَانِ" انْتَهَى.
اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَنَّ دَنَّ الْخَمْرِ مِثْلُهَا فِي الطَّهَارَةِ، فَتَطْهُرُ بِطَهَارَتِهَا مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، فَيَطْهُرُ مَا أَصَابَهُ الْخَمْرُ فِي غَلَيَانِهِ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَسْأَلَةٌ – 10: قَوْلُهُ: "وَيَحْرُمُ تَخْلِيلُهَا فَلَا تَحِلُّ، فَفِي النَّقْلِ وَالتَّفْرِيغِ مِنْ مَحَلٍّ(1/327)
رواية تحل "وم ر" عنه يكره "وم ر" وعنه يجوز "وهـ" وَعَلَيْهِمَا تَطْهُرُ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ يُكْرَهُ، وَأَنَّ عَلَيْهَا لَا تَطْهُرُ عَلَى الْأَصَحِّ.
وَفِي إمْسَاكِ خَمْرٍ ليتخلل بنفسه أوجه، ثالثها يجوز فِي خَمْرَةِ الْخَلَّالِ، وَهُوَ أَشْهَرُ وَعَلَى الْمَنْعِ يَطْهُرُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَإِنْ اُتُّخِذَ عَصِيرًا لِلْخَمْرِ فَلَمْ يَتَخَمَّرْ وَتَخَلَّلَ بِنَفْسِهِ فَفِي حِلِّهِ الرِّوَايَتَانِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
إلَى آخَرَ أَوْ إلْقَاءِ جَامِدٍ فِيهَا وَجْهَانِ، انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي النَّقْلِ وَالتَّفْرِيغِ فِي الْفَائِقِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ1 فِي النَّقْلِ، وَهُمَا روايتان في الرعاية الكبرى، وهي طريقة مؤخرة2 فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى:
أَحَدُهُمَا: لَا يَطْهُرُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُقْنِعِ1 وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَطْهُرُ كَمَا لَوْ نَقَلَهَا لِغَيْرِ قَصْدِ التَّخْلِيلِ وَتَخَلَّلَتْ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَقِيلَ تَطْهُرُ بِالنَّقْلِ فَقَطْ، وَهُوَ أَصَحُّ، ثُمَّ قَالَ قُلْت: وَكَذَا إنْ كَشَفَ الزِّقَّ فَتَخَلَّلَ بِشَمْسٍ، أَوْ ظِلٍّ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: "وَفِي إمْسَاكِ خَمْرٍ لِيَتَخَلَّلَ بِنَفْسِهِ أَوْجُهٌ، ثَالِثُهَا يَجُوزُ فِي خَمْرِ
__________
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/301.
2 في "ط": "موجزة".(1/328)
وَالْخَلُّ الْمُبَاحُ أَنْ يَصُبَّ عَلَى الْعِنَبِ أَوْ الْعَصِيرِ خَلًّا قَبْلَ غَلَيَانِهِ، حَتَّى لَا يَغْلِيَ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ صُبَّ عَلَيْهِ خَلٌّ فَغَلَى؟ قَالَ يُهْرَاقُ.
وَالْحَشِيشَةُ الْمُسْكِرَةُ قِيلَ طاهرة "وهـ ش" وَقِيلَ نَجِسَةٌ، وَقِيلَ إنْ أُمِيعَتْ "م 11".
وَلَا يَطْهُرُ بَاطِنُ حَبٍّ نُقِعَ فِي نَجَاسَةٍ بِتَكْرَارِ غَسْلِهِ، وَتَجْفِيفِهِ كُلَّ مَرَّةٍ "وَ" كَعَجِينٍ، وَعَنْهُ بَلَى، وَمِثْلُهُ إنَاءٌ تَشَرَّبَ نَجَاسَةً، وَسِكِّينٌ سُقِيَتْ مَاءً نَجِسًا، وَمِثْلُهُ لَحْمٌ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِي مَسْأَلَةِ الْجَلَّالَةِ طَهَارَتَهُ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَاعْتُبِرَ أَنَّهُ يَغْلِي كَالْعَصْرِ لِلثَّوْبِ، وَقِيلَ لَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ عَدَدٌ.
وَلَا يَطْهُرُ جِسْمٌ صقيل بمسحه "وش" وعنه بلى، اختاره في الانتصار "وم هـ" وَأَطْلَقَ الْحَلْوَانِيُّ وَجْهَيْنِ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا هَلْ يَطْهُرُ أَوْ يُعْفَى عَمَّا بَقِيَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَعَنْهُ يَطْهُرُ سِكِّينٌ مِنْ دَمِ الذَّبِيحَةِ فَقَطْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْخَلَّالِ وَهُوَ أَشْهَرُ" انْتَهَى. الْأَشْهَرُ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَهُوَ أَظْهَرُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا أَطْلَقَ لِقُوَّتِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَذْهَبُ مَشْهُورًا عَلَى مَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ في المقدمة.
مَسْأَلَةٌ – 11: وَالْحَشِيشَةُ الْمُسْكِرَةُ قِيلَ طَاهِرَةٌ، وَقِيلَ نَجِسَةٌ، وَقِيلَ إنْ أُمِيعَتْ، انْتَهَى.
أَحَدُهَا: هِيَ نَجِسَةٌ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي طَاهِرَةٌ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَحَوَاشِي الْمُصَنِّفِ عَلَى(1/329)
وَيَطْهُرُ لَبَنٌ وَتُرَابٌ نَجِسٌ بِبَوْلٍ وَنَحْوِهِ، وَقِيلَ لَا؛ وَقِيلَ يَطْهُرُ ظَاهِرُهُ، كَمَا لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ أَعْيَانًا، وَطُبِخَ ثُمَّ غُسِلَ ظَاهِرُهُ، وَالْأَصَحُّ وَبَاطِنُهُ إنْ سُحِقَ لِوُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ، وَقِيلَ يَطْهُرُ بِالنَّارِ.
وَلَا يَطْهُرُ دُهْنٌ نَجِسٌ بِغَسْلِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ يَطْهُرُ زِئْبَقٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لا يجوز، ذكره فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ.
وَإِنْ خَفِيَتْ نَجَاسَةُ غَسْلٍ حَتَّى يَتَيَقَّنَ غَسْلَهَا نَصَّ عَلَيْهِ "وَ" وَعَنْهُ يَكْفِي الظَّنُّ فِي مَذْيٍ، وَعِنْدَ شَيْخِنَا وَفِي غَيْرِهِ، وَلَا يَلْزَمُ تَطْهِيرُ مَا شَكَّ فِي نجاسته بالنضح "و".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْمُقْنِعِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ نَجِسَةٌ إنْ أُمِيعَتْ وإلا فلا.(1/330)
وَمَنْ غَسَلَ فَمَه مِنْ قَيْءٍ بَالِغٍ فَيَغْسِلُ كُلَّ مَا هُوَ فِي حَدِّ الظَّاهِرِ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا: فَهَلْ يُبَالِغُ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ دُخُولَ الْمَاءِ؟ أَوْ مَا لَمْ يَظُنَّ؟ أَوْ مَا لَمْ يَحْتَمِلْ؟ يَتَوَجَّهُ احْتِمَالَاتٌ "م 12".
وَلَا يَبْتَلِعُ شَرَابًا قَبْلَ غَسْلِهِ، لِأَكْلِهِ النَّجَاسَةَ.
وَإِنْ تَنَجَّسَ أَسْفَلَ خُفٍّ أَوْ حِذَاءٍ بِالْمَشْيِ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ، أَوْ طَرَفُهُ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ لَمْ يَجُزْ دَلْكُهُ، أَوْ حَكُّهُ بِشَيْءٍ، نَقَلَهُ واختاره الأكثر "وش م ر وهـ" فِي الْبَوْلِ وَالْخَمْرِ، وَعَنْهُ يُجْزِئُ مِنْ غَيْرِ بول وغائط "وم ر"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ – 12: قَوْلُهُ: "وَمَنْ غَسَلَ فَمَهُ مِنْ قَيْءٍ بَالِغٍ، لِيَغْسِلَ كُلَّ مَا هُوَ فِي حَدِّ الظَّاهِرِ فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَهَلْ يُبَالِغُ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ دُخُولَ الْمَاءِ، أَوْ مَا لَمْ يَظُنَّ، أَوْ مَا لَمْ يَحْتَمِلْ، يَتَوَجَّهُ احْتِمَالَاتٌ" انْتَهَى، قُلْت الظَّاهِرُ الثَّانِي لِأَنَّ غَالِبَ الْأَحْكَامِ منوطة بالظنون.(1/331)
وَزَادَ وَدَمٍ، وَعَنْهُ وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ أَظْهَرُ، وَعَنْهُ وَتَطْهُرُ بِهِ "خ" اخْتَارَهُمَا جَمَاعَةٌ، وَقِيلَ يُجْزِئُ مِنْ الْيَابِسَةِ لَا الرَّطْبَةِ، وَقِيلَ كَذَا الرَّجُلُ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا، وَاخْتَارَهُ.
وَذَيْلُ الْمَرْأَةِ قِيلَ كَذَلِكَ، وَقِيلَ يُغْسَلُ "وَ" وَنَقَلَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ1: يَطْهُرُ بِمُرُورِهِ عَلَى طَاهِرٍ يُزِيلُهَا، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا "م 13".
وإن نَضَحَ بَوْلَ غُلَامٍ لَمْ يَأْكُلْ طَعَامًا بِشَهْوَةٍ بِأَنْ يَغْمُرَهُ بِمَاءٍ، وَإِنْ لَمْ يَقْطُرْ أَجْزَأَهُ وَطَهُرَ "هـ م" لَا بَوْلَ جَارِيَةٍ "وَ" نص عليه وجزم ابن رزين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: "وَإِنْ تَنَجَّسَ أَسْفَلَ خُفٍّ أَوْ حِذَاءٍ بِالْمَشْيِ لَمْ يَجُزْ دَلْكُهُ، أَوْ حَكُّهُ بِشَيْءٍ ... ، وَعَنْهُ يُجْزِئُ، مِنْ غَيْرِ بَوْلٍ وَغَائِطٍ ... ، وَعَنْهُ وَغَيْرِهِمَا" انْتَهَى. وَصَوَابُهُ وَعَنْهُ وَمِنْهُمَا وَجَعْلُ "فِي" مَكَانَ "مِنْ" فِي الرِّوَايَتَيْنِ أَوْضَحُ.
مَسْأَلَةٌ – 13: قَوْلُهُ بَعْدَ ذِكْرِهِ حُكْمَ تَنَجُّسِ أَسْفَلِ خُفٍّ أو حذاء بالمشي: "وذيل الْمَرْأَةِ قِيلَ كَذَلِكَ، وَقِيلَ يُغْسَلُ، وَنَقَلَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ يَطْهُرُ بِمُرُورِهِ عَلَى طَاهِرٍ يُزِيلُهَا اختاره شيخنا" انتهى.
__________
1 هو: أبو إسحاق، إسماعيل بن سعيد الشالنجي، من أصحاب الإمام أحمد، عنده مسائل كثيرة. "ت230هـ". "المقصد الأرشد" 1/261.(1/332)
بِطَهَارَةِ بَوْلِهِ، وَقَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ بْنِ شَاقِلَا1: لَكِنْ قَالَ يُعِيدُ الصَّلَاةَ، وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا، كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ: إذَا صَلَّى فِي ثَوْبٍ فِيهِ مَنِيٌّ وَلَمْ يَغْسِلْهُ وَلَمْ يَفْرُكْهُ يُعِيدُ، كَذَا قَالَ.
وَمَا لَمْ يُؤْكَلْ مِنْ الطَّيْرِ وَالْبَهَائِمِ نَجِسٌ "هـ" فِي الطَّيْرِ، قَالَ أَحْمَدُ: يَجْتَنِبُ مَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ، وَعَنْهُ غَيْرُ بَغْلٍ وَحِمَارٍ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ، وَعَنْهُ فِي الطَّيْرِ: لَا يُعْجِبُنِي عِرْقُهُ إنْ أَكَلَ الْجِيَفَ. فَدَلَّ أَنَّهُ كَرِهَهُ لِأَكْلِهِ النَّجَاسَةَ فَقَطْ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا، وَمَالَ إلَيْهِ. وَفِي الْخِلَافِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ، ثُمَّ قَالَ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا كَالسِّبَاعِ، وَذَكَرَ الرِّوَايَةَ بَعْدَ هَذَا، وَقَالَ: فَحَكَمَ بِنَجَاسَةِ الْعِرْقِ، وَعَنْهُ طَاهِرٌ، اختاره الآجري "وم ش".
وَالْهِرَّةُ وَمَا دُونَهَا فِي الْخِلْقَةِ طَاهِرٌ "وَ" وَقِيلَ فِيمَا دُونَهَا مِنْ طَيْرٍ، وَقِيلَ وَغَيْرُهُ وَجْهَانِ، وَلَا يُكْرَهُ سُؤْرُ ذَلِكَ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْهِرِّ خِلَافًا "هـ" لِتَشْبِيهِ الشَّارِعِ عليه السلام لها بالطوافين وَالطَّوَّافَاتِ، وَهُمْ الْخَدَمُ، أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى: {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ} [النور: 58] ، وَلِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ كَحَشَرَاتِ الأرض كالحية، قاله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
أَحَدُهُمَا: حُكْمُهُ حُكْمُ الْخُفِّ فِي الْحِذَاءِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّسْهِيلِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَقَالَ ذَيْلُ ثَوْبِ آدَمِيٍّ أَوْ إزَارِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي يُغْسَلُ، وَإِنْ قُلْنَا يَطْهُرُ الْخُفُّ وَالْحِذَاءُ بِالدَّلْكِ، وَالْمُرُورِ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، حَيْثُ اقْتَصَرُوا عَلَى الْخُفِّ وَالْحِذَاءِ قَالَ الْقَاضِي لَا يَطْهُرُ بِغَيْرِ الْغُسْلِ رِوَايَةً وَاحِدَةً.
__________
1 هو: إبراهيم بن أحمد بن عمر بن حمدان بن شاقلا البزاز. من الفقهاء الأعيان. "ت369هـ". "طبقات الحنابلة" 2/128.(1/333)
الْقَاضِي، فَدَلَّ أَنَّ مِثْلَ الْهِرِّ كَهِيَ.
وَلَبَنُ حيوان طاهر قيل نجس "وش" نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ فِي لَبَنِ حِمَارٍ، قَالَ الْقَاضِي وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِهِ فِي لَبَنِ سِنَّوْرٍ، لِأَنَّهُ كَلَحْمٍ مُذَكًّى لَا يُؤْكَلُ مِثْلُهُ، وَقِيلَ طاهر "وم" كَلَبَنِ آدَمِيٍّ، وَمَأْكُولٍ، وَكَذَا مَنِيُّ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ نَجِسِ الْبَوْلِ، غَيْرِ آدَمِيٍّ، وَقِيلَ طَاهِرٌ مِنْ مأكول "م 14 - 16".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ – 14-16: قَوْلُهُ: "وَلَبَنُ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ قِيلَ نَجِسٌ، نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ فِي لَبَنِ حِمَارٍ قَالَ الْقَاضِي وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِهِ فِي لَبَنِ سِنَّوْرٍ ... ، وَقِيلَ طَاهِرٌ ... ، وَكَذَا مَنِيُّ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ نَجِسِ الْبَوْلِ، غَيْرِ آدَمِيٍّ، وَقِيلَ طَاهِرٌ مِنْ مَأْكُولٍ" انتهى فيه مسائل:
المسألة – 14: لَبَنُ الْحَيَوَانِ الطَّاهِرِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ: هَلْ هُوَ طَاهِرٌ أَوْ نَجِسٌ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْعَائِقِ وَغَيْرِهِمْ:
أَحَدُهُمَا: هُوَ نَجِسٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَطَعَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرِهِ وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: طَاهِرٌ.
تَنْبِيهٌ: حُكْمُ بَيْضِهِ حُكْمُ لَبَنِهِ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ وصاحب الحاويين وغيرهم ولم يذكره المصنف.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ-15: مَنِيُّ الْحَيَوَانِ الطَّاهِرِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ النَّجَسِ الْبَوْلُ غَيْرِ الْآدَمِيِّ: هَلْ هُوَ طَاهِرٌ، أَوْ نَجِسٌ، أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وابن حمدان في(1/334)
ومني الآدمي طاهر "وش" كالبصاق، وعنه نجس، "وهـ" وعنه كالبول "وم" وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَنِيِّ خَصِيٍّ، لِاخْتِلَاطِهِ بِمَجْرَى بَوْلِهِ، وَقِيلَ: وَقْتُ جِمَاعٍ، وَقِيلَ مِنْ الْمَرْأَةِ.
وَالْمَذْيُ نَجِسٌ، "وَ" وَلَا يَطْهُرُ بِنَضْحِهِ "وَ" وَلَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ "هـ" وَعَنْهُ بَلَى فِيهِمَا وَهَلْ يُغْسَلُ مَا أَصَابَهُ "وهـ ش" أو ذكره "وم" أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الرِّعَايَتَيْنِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ:
أَحَدُهُمَا: هُوَ نَجِسٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَطَعَ بِهِ فِي الشَّرْحِ1، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَغَيْرِهِمَا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: طَاهِرٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي2.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ -16: مَنِيُّ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ إذَا قُلْنَا بِنَجَاسَةِ بَوْلِهِ هَلْ هُوَ نَجِسٌ أَوْ طَاهِرٌ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى:
أَحَدُهُمَا: هُوَ نَجِسٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي3، وَالشَّرْحِ4، وشرح ابن عبيدان وغيرهم قُلْتُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ حَيْثُ حَكَمُوا بِنَجَاسَةِ الْمَنِيِّ حِينَ حَكَمُوا بِنَجَاسَةِ الْبَوْلِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: هُوَ طَاهِرٌ، وَفِيهِ بُعْدٌ، وَحَكَى الْمُصَنِّفُ قَوْلًا بِطَهَارَةِ مَنِيِّ مَأْكُولٍ دُونَ غَيْرِهِ وهو ظاهر كلام جماعة.
__________
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/328.
2 2/490.
3 2/485.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/347.(1/335)
و1 أُنْثَيَيْهِ؟ فِيهِ رِوَايَاتٌ "م 17" وَأُجِيبَ عَنْ أَمْرِهِ بِغُسْلِهِمَا بِمَنْعِ صِحَّتِهِ2، ثُمَّ لِتَبْرِيدِهِمَا وَتَلْوِيثِهِمَا غَالِبًا، لِنُزُولِهِ مُتَسَبْسِبًا3.
وَالْوَدْيُ نَجِسٌ "وَ" وَعَنْهُ كَمَذْيٍ، وَبَلْغَمِ الْمَعِدَةِ "ش" وَرُطُوبَةُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ "ق" وبول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيه طاهر "ش وهـ" فِي غَيْرِ الطَّيْرِ إلَّا الدَّجَاجَ، وَالْبَطَّ، وَعَنْهُ نَجَاسَةُ، ذَلِكَ، وَقِيلَ هُمَا فِي بَلْغَمِ الرَّأْسِ إنْ انْعَقَدَ وَازْرَقَّ، وَبَلْغَمُ صَدْرٍ، وَقِيلَ فِيهِ نَجِسٌ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَالْأَشْهَرُ طَهَارَتُهُمَا "و".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ – 17: قَوْلُهُ: فِي الْمَذْيِ إذَا قُلْنَا يُغْسَلُ فَهَلْ "يُغْسَلُ مَا أَصَابَهُ، أَوْ ذَكَرُهُ" فَقَطْ، أَوْ ذَكَرُهُ "وَأُنْثَيَيْهِ؟ فِيهِ رِوَايَاتٌ":
إحْدَاهُنَّ: يُغْسَلُ مَا أَصَابَهُ فَقَطْ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَهُوَ أَظْهَرُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا تَابَعَا الْمَجْدَ فِي شَرْحِهِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجِبُ غُسْلُ مَا أَصَابَهُ الْمَذْيُ، وَمَا لَمْ يُصِبْهُ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: يُغْسَلُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَيَيْنِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، نَصَّ عَلَيْهِ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ4، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَالَ بَنَيْتهَا عَلَى الصَّحِيحِ الْأَشْهَرِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الْكُبْرَى فِي الْقِسْمِ الثَّانِي طَاهِرٌ مِنْ بَابِ الْمِيَاهِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَالْمُصَنِّفُ في حواشي المقنع.
__________
1 ليست في "ط".
2 أخرج أبو داود "209" واللفظ له، والنسائي 1/96، عن علي بن أبي طالب أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "ليغسل ذكره وأنثييه".
3 أي: سائلاً، من قولهم: تسبسب الماء، إذا سال وجرى. "القاموس": "سبب".
4 ص 17.(1/336)
وَبَوْلُ سَمَكٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يَنْجُسُ بِمَوْتِهِ طَاهِرٌ، جَزَمَ بِهِ أَبُو الْبَرَكَاتِ وَغَيْرُهُ "وهـ م" وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرُهُ رِوَايَةً نَجِسٌ "وش" وَمَاءُ قُرُوحٍ نَجِسٌ فِي ظَاهِرِ قَوْلِهِ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ إنْ تَغَيَّرَ، وَمَا سَالَ مِنْ الْفَمِ وَقْتَ النَّوْمِ طَاهِرٌ فِي ظَاهِرِ قَوْلِهِمْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/337)
فَصْلٌ: وَدُودُ الْقَزِّ وَالْمِسْكِ وَفَأْرَتِهِ1 طَاهِرٌ
"وَ" وَقَالَ الْأَزَجِيُّ فَأْرَتُهُ طَاهِرَةٌ، وَيُحْتَمَلُ نَجَاسَتُهَا، لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ حَيَوَانٍ حَيٍّ، لَكِنَّهُ يَنْفَصِلُ بِطَبْعِهِ كَالْجَنِينِ، وَهُوَ صُرَّةُ الْغَزَالِ، وَقِيلَ مِنْ دَابَّةٍ فِي الْبَحْرِ لَهَا أَنْيَابٌ. وَفِي التَّلْخِيصِ فَيَكُونُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ. وَفِي الْفُنُونِ مَا يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ يَسْتَحِيلُ عِرْقًا، كَمَا أَحَالَ فِي النَّحْلِ الشَّهْدَ، وَمِنْ دَمِ الْغِزْلَانِ الْمِسْكُ، وَيَأْتِي فِي زَكَاةِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ2.
وَهَلْ الزَّبَادُ لَبَنُ سِنَّوْرٍ بَحْرِيٍّ، أَوْ عِرْقُ سِنَّوْرٍ بري؟ فيه خلاف "م 18".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ – 18: قَوْلُهُ: "وَهَلْ الزَّبَادُ لَبَنُ سِنَّوْرٍ بَحْرِيٍّ، أَوْ عِرْقُ سِنَّوْرٍ بَرِّيٍّ؟ فِيهِ خِلَافٌ" انْتَهَى. الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ بِصَدَدِهِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ3: "فَإِنْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ أَطْلَقْت الْخِلَافَ" وَلَكِنَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَمَّا لَمْ يَتَرَجَّحْ عِنْدَهُ قَوْلٌ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ "عَبَّرَ" بِهَذِهِ الصِّيغَةِ وَهُمَا قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ لَكِنْ قَالَ فِي الْقَامُوسِ4: الزَّبَادُ عَلَى وَزْنِ سَحَابٍ مَعْرُوفٌ، وَغَلِطَ الْفُقَهَاءُ وَاللُّغَوِيُّونَ فِي قَوْلِهِمْ الزَّبَادُ5: دَابَّةٌ يُجْلَبُ مِنْهَا الطِّيبُ، وَإِنَّمَا الدَّابَّةُ السِّنَّوْرُ، وَالزَّبَادُ الطِّيبُ، وَهُوَ وَسَخٌ يَجْتَمِعُ تَحْتَ ذَنَبِهَا عَلَى الْمَخْرَجِ فَتُمْسَكُ الدَّابَّةُ وَتُمْنَعُ الِاضْطِرَابَ، وَيُسْلَتُ ذَلِكَ الْوَسَخُ الْمُجْتَمِعُ هُنَاكَ بِلِيطَةٍ6، أَوْ خِرْقَةٍ، انْتَهَى، وَلَمْ يُفْصِحْ بِكَوْنِ الدَّابَّةِ بَرِّيَّةً أَوْ بَحْرِيَّةً، وَلَكِنْ بِقَوْلِهِ وَسَخٌ دَلَّ أَنَّهُ غَيْرُ لَبَنٍ، وَأَنَّهُ مِنْ سنور
__________
1 فأرة المسك: النافجة، وهي: وعاء المسك. "القاموس": "نفج".
2 3/443.
3 ص 6.
4 القاموس: "زبد".
5 في النسخ الخطية: "الزيادة"، والمثبت من "ط".
6 الليطة، بالكسر، قشر القصبة. "القاموس": "ليط".(1/337)
وَالْعَنْبَرُ، قِيلَ: هُوَ نَبَاتٌ يَنْبُتُ فِي قَعْرِ الْبَحْرِ فَيَبْتَلِعُهُ بَعْضُ دَوَابِّهِ، فَإِذَا ثَمِلَتْ مِنْهُ قَذَفَتْهُ رَجِيعًا فَيَقْذِفُهُ الْبَحْرُ إلَى سَاحِلِهِ.
وَقِيلَ: طَلٌّ يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ فِي جَزَائِرِ الْبَحْرِ فَتُلْقِيهِ الْأَمْوَاجُ إلَى السَّاحِلِ، وَقِيلَ: رَوْثُ دَابَّةٍ بَحْرِيَّةٍ تُشْبِهُ الْبَقَرَةَ، وَقِيلَ: هُوَ جَثَا مِنْ جَثَا الْبَحْرِ أَيْ زَبَدٌ، وَقِيلَ هُوَ فِيمَا يَظُنُّ يَنْبُعُ مِنْ عَيْنٍ فِي الْبَحْرِ "م 19".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
بَرِّيٍّ، وَقَدْ شُوهِدَ ذَلِكَ كَثِيرًا. وَقَالَ ابْنُ الْبَيْطَارِ1 فِي مُفْرَدَاتِهِ قَالَ الشَّرِيفُ الْإِدْرِيسِيُّ الزَّبَادُ نَوْعٌ مِنْ الطِّيبِ يُجْمَعُ مِنْ بَيْنِ أَفْخَاذِ حَيَوَانٍ مَعْرُوفٍ يَكُونُ بِالصَّحْرَاءِ، يُصَادُ وَيُطْعَمُ اللَّحْمَ، ثُمَّ يَعْرَقُ فَيَكُونُ مِنْ عِرْقٍ بَيْنَ فَخِذَيْهِ حِينَئِذٍ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ الْهِرِّ الْأَهْلِيِّ. انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ.
مَسْأَلَةٌ – 19: قَوْلُهُ: "وَالْعَنْبَرُ قِيلَ هُوَ نَبَاتٌ يَنْبُتُ فِي قَعْرِ الْبَحْرِ، فَيَبْتَلِعُهُ بَعْضُ دَوَابِّهِ فَإِذَا ثَمِلَتْ مِنْهُ قَذَفَتْهُ رَجِيعًا فَيَقْذِفُهُ الْبَحْرُ إلَى سَاحِلِهِ، وَقِيلَ طَلٌّ يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ فِي جَزَائِرِ الْبَحْرِ فَتُلْقِيهِ الْأَمْوَاجُ إلَى السَّاحِلِ، وَقِيلَ رَوْثُ دَابَّةٍ بَحْرِيَّةٍ تُشْبِهُ الْبَقَرَةَ، وَقِيلَ هُوَ جُثًى مِنْ جُثَى الْبَحْرِ، أَيْ زَبَدٌ، وَقِيلَ هُوَ فِيمَا يَظُنُّ بِنَبْعٍ مِنْ عَيْنٍ فِي الْبَحْرِ" انْتَهَى.
الظَّاهِرُ: أَنَّ الشَّيْخَ لَمَّا لَمْ يَجِدْ إلَى تَصْحِيحِ ذَلِكَ طَرِيقًا أَتَى بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَيْسَتْ فِي الْمُذَهَّبِ، وَإِنَّمَا هِيَ أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ فِي الْجُمْلَةِ، وَهِيَ كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْعَنْبَرُ شَيْءٌ دَسَرَهُ الْبَحْرُ، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ2 عَنْهُ، وَمَعْنَى دَسَرَهُ دَفَعَهُ وَرَمَى بِهِ إلَى السَّاحِلِ. وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ3 فِي كِتَابِ السَّلَمِ أَخْبَرَنِي عَدَدٌ مِمَّنْ أَثِقُ بِخَبَرِهِ أَنَّهُ نَبَاتٌ يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي جَنَبَاتِ4 الْبَحْرِ، قَالَ: وَقِيلَ إنَّهُ يَأْكُلُهُ حُوتٌ فَيَمُوتُ فَيُلْقِيهِ الْبَحْرُ فَيَنْشَقُّ بطنه، فيخرج منه.
__________
1 هو: ضياء الدين، عبد الله بن أحمد ابن الببطار المالقي، النباتي، الطبيب، مصنف كتاب "الأدوية المفردة". "ت646هـ". "سير الأعلام" 23/256.
2 تعليقاً قبل الحديث "1498".
3 3/137.
4 في "الأم": "حشاف"، جمع حشفة، وهي الصخرة النابتة في البحر. "القاموس": "حشف".(1/338)
ودم السمك طاهر في الأصح "وهـ" وَيُؤْكَلُ "وَ".
وَدَمُ الْقَمْلِ وَالْبَقِّ وَالذُّبَابِ وَنَحْوِهِ طاهر "وهـ" وَعَنْهُ نَجِسٌ، يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ. وَهَلْ الْعَلَقَةُ يُخْلَقُ مِنْهَا الْآدَمِيُّ أَوْ حَيَوَانٌ طَاهِرٌ أَوْ الْبَيْضَةُ تَصِيرُ دَمًا نَجِسَةً؟ "هـ م" وَجْهَانِ "م 20 - 21" وذكر ابن عقيل في العلقة روايتين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَحَكَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ يَنْبُتُ فِي الْبَحْرِ بِمَنْزِلَةِ الْحَشِيشِ فِي الْبَرِّ، وَقِيلَ هُوَ شَجَرٌ يَنْبُتُ فِي الْبَحْرِ فَيَنْكَسِرُ فَيُلْقِيهِ الْمَوْجُ إلَى السَّاحِلِ، ذَكَرَ ذَلِكَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُحِبِّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ دَابَّةٍ بَحْرِيَّةٍ، وَقَالَ وَفِي كِتَابِ الْحَيَوَانِ لِأَرِسْطُو: إنَّ الدَّابَّةَ الَّتِي تُلْقِي الْعَنْبَرَ مِنْ بَطْنِهَا تُشْبِهُ الْبَقَرَةَ، انْتَهَى، وَقِيلَ هُوَ رَجِيعُ سَمَكَةٍ، وَذَكَرَ ابْنُ الْمُحِبِّ حَدِيثًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْعَنْبَرُ مِنْ دَابَّةٍ كَانَتْ بِأَرْضِ الْهِنْدِ تَرْعَى فِي الْبَرِّ ثُمَّ إنَّهَا صَارَتْ إلَى الْبَحْرِ" 1 رَوَاهُ الشِّيرَازِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَالسِّيرَافِيُّ فِي الْغَايَةِ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ، وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْعَنْبَرُ رَوْثُ دَابَّةٍ بَحْرِيَّةٍ، أَوْ نَبْعُ عَيْنٍ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ الْبَيْطَارِ فِي مُفْرَدَاتِهِ قَالَ ابْنُ حَسَّانَ الْعَنْبَرُ رَوْثُ دَابَّةٍ بَحْرِيَّةٍ، وَقِيلَ هُوَ شَيْءٌ يَنْبُتُ فِي قَعْرِ الْبَحْرِ فَيَأْكُلُهُ بَعْضُ دَوَابِّ الْبَحْرِ فَإِذَا امْتَلَأَتْ مِنْهُ قَذَفَتْهُ رَجِيعًا. وَقَالَ ابْنُ سَيْنَاءَ الْعَنْبَرُ فِيمَا نَظُنُّ نَبْعُ عَيْنٍ فِي الْبَحْرِ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ: إنَّهُ زَبَدُ الْبَحْرِ، أَوْ رَوْثُ دَابَّةٍ بَعِيدٌ، انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ جُمَيْعٍ وَالشَّرِيفُ مَنْ قَالَ إنَّهُ رَجِيعُ دَابَّةٍ فَقَدْ أَخْطَأَ. وَقَالَ الشَّرِيفُ أَيْضًا فِي مُفْرَدَاتِهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا فَحَصَ عَنْهُ كَفَحْصِي، وَاَلَّذِي أَجْمَعُ عَلَيْهِ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ وَمِنْ الْمُسَافِرِينَ فِي جَمِيعِ الْأَقْطَارِ أَنَّهُ يُخْرَجُ مِنْ عُيُونٍ تَنْبُعُ مِنْ أَسْفَلِ الْبَحْرِ مِثْلُ مَا يَنْبُعُ الْقَارُ فَتُلْقِيهِ الْأَمْوَاجُ إلَى الشَّطِّ، انْتَهَى، قَالَ بَعْضُهُمْ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ.
مَسْأَلَةٌ – 20-21: قَوْلُهُ: "وَهَلْ الْعَلَقَةُ يُخْلَقُ مِنْهَا الْآدَمِيُّ، أَوْ حَيَوَانٌ طَاهِرٌ، وَالْبَيْضُ يَصِيرُ دَمًا نَجِسَةً وَجْهَانِ" انتهى. ذكر المصنف مسألتين:
__________
1 لم نقف عليه.(1/339)
وَالْوَجْهَانِ فِي دَمِ شَهِيدٍ، وَعَلَيْهِمَا يُسْتَحَبُّ بَقَاؤُهُ، فَيُعَايَا بِهَا، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمَنْثُورِ، وقيل طاهر ما دام عليه "م 22" "وهـ".
وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي وَالتَّلْخِيصُ نَجَاسَةُ بَيْضِ مَذِرٍ1.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى-20: الْعَلَقَةُ الَّتِي يُخْلَقُ مِنْهَا الْآدَمِيُّ أو حيوان ظاهر هَلْ هِيَ طَاهِرَةٌ أَوْ نَجِسَةٌ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهَا وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُذَهَّبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَغَيْرِهِمْ وَحَكَاهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا: هِيَ نَجِسَةٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَ فِي الْمُغْنِي2: وَالصَّحِيحُ نَجَاسَتُهَا قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ نَجِسَةٌ فِي أَظْهَرْ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي3 وَالشَّرْحِ4.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: طَاهِرَةٌ صَحَّحَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَابْنُ تَمِيمٍ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ – 21: الْبَيْضَةُ تَصِيرُ دَمًا هَلْ هِيَ طَاهِرَةٌ أَوْ نَجِسَةٌ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِ:
أَحَدُهُمَا: هِيَ نَجِسَةٌ قَالَ الْمَجْدُ حُكْمُهَا حُكْمُ الْعَلَقَةِ قُلْت وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: طَاهِرَةٌ صَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ.
مَسْأَلَةٌ – 22: قَوْلُهُ: "وَالْوَجْهَانِ فِي دَمِ شَهِيدٍ وَعَلَيْهِمَا يُسْتَحَبُّ بَقَاؤُهُ وَقِيلَ طَاهِرٌ مَا دَامَ عَلَيْهِ" انْتَهَى:
أَحَدُهَا: هُوَ طَاهِرٌ صَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: نَجِسٌ قُلْت وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ وَهُوَ أولى من الأول.
__________
1 أي: فاسد. "القاموس": "مذر".
2 2/499.
3 1/187.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/323.(1/340)
وَلَا يَنْجُسُ عَلَى الْأَصَحِّ آدَمِيٌّ "هـ" وَقِيلَ مُسْلِمٌ بِمَوْتِهِ، فَلَا يَنْجُسُ مَا غَيَّرَهُ، ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِلْمُسْتَوْعِبِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: قَالَ أَصْحَابُنَا رِوَايَةُ التَّنْجِيسِ حَيْثُ اعْتَبَرَ كَثْرَةَ الْمَاءِ لِخَارِجٍ يَخْرُجُ مِنْهُ، لَا لِنَجَاسَةٍ فِي نَفْسِهِ، قَالَ: وَلَا يَصِحُّ كَمَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَقِيَّةِ الْحَيَوَانِ، وَعَنْهُ يَنْجُسُ طَرَفُهُ، صَحَّحَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَأَبْطَلَ قِيَاسَ الْجُمْلَةِ على الطرف فِي النَّجَاسَةِ بِالشَّهِيدِ، فَإِنَّهُ يَنْجُسُ طَرَفُهُ بِقَطْعِهِ، وَلَوْ قُتِلَ كَانَ طَاهِرًا، أَوْ لِأَنَّ لِلْجُمْلَةِ مِنْ الْحُرْمَةِ مَا لَيْسَ لِلطَّرَفِ، بِدَلِيلِ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ.
وَلَا عَلَى الْأَصَحِّ مَا لَا نَفْسَ له سائلة "وهـ م" وَقِيلَ يَنْجُسُ وَلَا يَنْجُسُ مَا مَاتَ فيه "وش" وَقِيلَ إنْ شَقَّ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَلَا يُكْرَهُ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ.
وَلَا يَنْجُسُ دُودُ مَأْكُولٍ تَوَلَّدَ مِنْهُ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ نَجَّسَهُ عند الخصم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ هُوَ طَاهِرٌ مَا دَامَ عَلَيْهِ جَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَابْنُ عُبَيْدَانَ قُلْت وَهُوَ أَوْلَى منهما.(1/341)
وَبَوْلُهُ وَرَوْثُهُ طَاهِرٌ "وهـ م" وَعَنْهُ نَجِسٌ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ، وَعَنْهُ وَغَيْرُهُ "وش".
وَهُوَ نَجِسٌ مِمَّا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ لَا يُؤْكَلُ، وَقِيلَ: طَاهِرٌ مِنْ خُفَّاشٍ، وَيَتَوَجَّهُ طَرْدُهُ فِي الطَّيْرِ لِلْمَشَقَّةِ "وهـ".
وَلِلْوَزَغِ نَفْسٌ سَائِلَةٌ فِي الْمَنْصُوصِ "ش" كَالْحَيَّةِ "وَ" لَا لِلْعَقْرَبِ "وَ" وَفِي الرِّعَايَةِ فِي دُودِ الْقَزِّ، وَبِزْرِهِ وَجْهَانِ.
وَأَنَّ سُمَّ الْحَيَّةِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ طَهَارَتُهُ كَسُمِّ مَأْكُولٍ، وَنَبَاتٍ طَاهِرٍ.
وَيَنْجُسُ ضُفْدَعٌ وَنَحْوُهُ مِنْ بَحْرِيٍّ مُحَرَّمٍ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ "هـ" نَصَّ عَلَيْهِ، وَلِلْحَنَفِيَّةِ وَجْهَانِ هَلْ يَنْجُسُ غَيْرُ الْمَائِيِّ1؟
وَيُعْفَى عَلَى الْأَصَحِّ عَنْ يَسِيرِ دَمٍ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ "وَ" وَقِيلَ مِنْ بدنه.
وفي يسير دم حيض أو خارج السبيل وحيوان طاهر لا يؤكل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في النسخ الخطية: "الماء" والمثبت من "ط".(1/342)
وَجْهَانِ "م 23 - 25" وَفِي دَمِ حَيَوَانٍ نَجِسٍ احْتِمَالٌ "هـ" وَعَنْهُ طَهَارَةُ قَيْحٍ وَمِدَّةٍ، وَصَدِيدٍ، وَدَمٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ - 23 – 25: قَوْلُهُ: "وَيُعْفَى عَلَى الْأَصَحِّ عَنْ يَسِيرِ دَمٍ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ وَقِيلَ مِنْ بَدَنِهِ وَفِي يَسِيرِ دَمِ حَيْضٍ أَوْ خَارِجٌ مِنْ السَّبِيلِ وَحَيَوَانٌ طَاهِرٌ لَا يُؤْكَلُ وَجْهَانِ" انْتَهَى، اشْتَمَلَ كَلَامُهُ عَلَى مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى – 23: يَسِيرُ دَمِ الْحَيْضِ وَكَذَا دَمُ النِّفَاسِ هَلْ يُعْفَى عَنْهُ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِ، وَأَطْلَقَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيُّ:
أَحَدُهُمَا: يُعْفَى عَنْهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ لِإِطْلَاقِهِمْ الْعَفْوَ عَنْ يَسِيرِ الدَّمِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي1، وَالشَّرْحِ2 وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَهُوَ الصَّوَابُ، بَلْ لَوْ قِيلَ أَنَّهُ أَوْلَى بِالْعَفْوِ مِنْ غَيْرِهِ لَكَانَ مُتَّجَهًا لمشقة التحرز منه، وكثرة وجوده.
__________
1 1/247 -248.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/321.(1/343)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ، فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ – 24: الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ هَلْ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِ، وَأَطْلَقَهُ الزَّرْكَشِيّ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ، اخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، قُلْت: وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ مَنْ اخْتَارَ عَدَمَ الْعَفْوِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا بِطَرِيقٍ أَوْلَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرِ الْأَصْحَابِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ – 25: يَسِيرُ دَمِ الْحَيَوَانِ الطَّاهِرِ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ غَيْرُ الْآدَمِيِّ هَلْ يُعْفَى عَنْهُ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِ، وَأَطْلَقَهُ ابْنُ تَمِيمٍ:
أَحَدُهُمَا: يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي1، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْإِفَادَاتِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُذَهَّبِ، وَالْمُغْنِي2 وَالشَّرْحِ3، وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَابْنُ مُنَجَّى وَالتَّسْهِيلِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُعْفَى عَنْهُ، جَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ، فَإِنَّهُمَا قَالَا وَمَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَلَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ لَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ، وَتَابَعَا الْمَجْدَ فِي شَرْحِهِ، فَإِنَّهُ جَزَمَ بِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْعَفْوِ: مِنْ حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ.
__________
1 1/196.
2 2/484.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/321.(1/344)
وَعِرْقُ الْمَأْكُولِ طَاهِرٌ "خ" وَلَوْ ظَهَرَتْ حُمْرَتُهُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَيُؤْكَلُ "وَ" لِأَنَّ الْعُرُوقَ لَا تَنْفَكُّ مِنْهُ، فَيَسْقُطُ حُكْمُهُ، لِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْخِلَافِ فِيمَا إذَا جَبَرَ سَاقَهُ بِنَجَاسَةٍ نَجَاسَتُهُ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: الْمُحَرَّمُ مِنْ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ الْقَاضِي فَأَمَّا الدَّمُ الَّذِي يَبْقَى فِي خُلَلِ اللَّحْمِ بَعْدَ الذبح، وما يبقى فِي الْعُرُوقِ فَمُبَاحٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ جَمَاعَةٌ إلَّا دَمَ الْعُرُوقِ، قَالَ شَيْخُنَا: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي الْعَفْوِ عَنْهُ، وَأَنَّهُ لَا يُنَجِّسُ الْمَرَقَةَ، بَلْ يُؤْكَلُ مَعَهَا.
وَمَا ظُنَّتْ نَجَاسَتُهُ مِنْ طِينِ شَارِعٍ طَاهِرٌ "ق" وَعَنْهُ نَجِسٌ، وَفِي الْعَفْوِ عَنْ يَسِيرِهِ وَيَسِيرِ دُخَانِ نَجَاسَةٍ وَنَحْوِهَا1 وجهان "م 26 و 27".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مسألة -26 -27: قَوْلُهُ: "وَمَا ظُنَّتْ نَجَاسَتُهُ مِنْ طِينِ شَارِعٍ طَاهِرٌ، وَعَنْهُ نَجِسٌ، وَفِي الْعَفْوِ عَنْ يَسِيرِهِ وَيَسِيرِ دُخَانِ نَجَاسَةٍ وَنَحْوِهَا وَجْهَانِ" انْتَهَى. ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى -26: إذَا ظُنَّتْ نَجَاسَةُ طِينِ شَارِعٍ وَقُلْنَا بِنَجَاسَتِهِ فَهَلْ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ:
أَحَدُهُمَا: يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَمَجْمَعِ البحرين، قال في الرعايتين و"الحاويين" يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ مِنْ عِنْدِهِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُعْفَى عَنْهُ، قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلَمْ أَعْرِفْ لِأَصْحَابِنَا فِيهِ قولا
__________
1 في النسخ الخطية: "ونحوه".(1/345)
ولو هبت ريح فَأَصَابَ شَيْئًا رَطْبًا غُبَارٌ نَجِسٌ مِنْ طَرِيقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ النَّجَاسَةَ بِهِ، وَأَطْلَقَ أَبُو الْمَعَالِي الْعَفْوَ عَنْهُ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْيَسِيرِ، لِأَنَّ التَّحَرُّزَ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ، وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ، وَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيَّةُ لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ.
وَلَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ بول خفاش، ونبيذ مختلف فيه "هـ" ووذي1، وَقَيْءٍ، وَبَوْلِ بَغْلٍ، وَحِمَارٍ، وَعَرَقِهِ وَسُؤْرِهِ وَجَلَّالَةٍ قبل حبسها، وعنه بلى "وهـ" وكذا في رواية إن نجس بول مأكول وَرَوْثُهُ ذَكَرَهَا شَيْخُنَا فِي بَوْلِ فَأْرٍ، وَعَنْهُ سُؤْرُ بَغْلٍ وَحِمَارٍ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَيَتَيَمَّمُ مَعَهُ، فلو توضأ به
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
صَرِيحًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: اخْتَارَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا نَجَاسَةَ طِينِ الشَّوَارِعِ، وَجَعَلَ فِي الْعَفْوِ عَنْ يَسِيرِهَا وَجْهَيْنِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ – 27: هَلْ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ دُخَانِ نَجَاسَةٍ وَنَحْوِهًا أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ فِيهِ الْخِلَافَ:
أَحَدُهُمَا: يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ دُخَانِ النَّجَاسَةِ وَغُبَارِهَا، وَبُخَارِهَا، مَا لَمْ تَظْهَرْ لَهُ صِفَةٌ، وَهَذَا الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي2، وَابْنُ تميم، قال في الرعايتين والحاويين وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَغَيْرِهِمْ: يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ، مَا لَمْ يَتَكَاثَفْ، زَادَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ مَا لَمْ يُجْمَعْ مِنْهُ شَيْءٌ، أَوْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ صِفَةٌ، أَوْ تَعَذَّرَ أَوْ تَعَسَّرَ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، انْتَهَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُعْفَى عَنْهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كثير من الأصحاب.
تنبيهان:
الأول: قَوْلُهُ: "وَلَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ بَوْلِ خُفَّاشٍ ونبيذ مختلف فيه وودي،
__________
1 في الأصل و"ط": "ودي". والوذي، هو: المني، "اللسان": "وذي".
2 1/189.(1/346)
ثُمَّ لَبِسَ خُفًّا ثُمَّ أَحْدَثَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ وَصَلَّى بِهِ فَهُوَ لَبِسَ عَلَى طَهَارَةٍ لا يصلى بها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَقَيْءٍ، وَبَوْلِ بَغْلٍ، وَحِمَارٍ، وَعَرَقِهِ، وَسُؤْرِهِ، وَجَلَّالَةٍ قَبْلَ حَبْسِهَا، وَعَنْهُ بَلَى، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ إنْ نَجُسَ بَوْلُ مَأْكُولٍ وَرَوْثُهُ، وَذَكَرَهَا شَيْخُنَا فِي بَوْلِ فَأْرٍ" انْتَهَى.
ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَكَذَا فِي رِوَايَةٍ أَنَّ الْمَشْهُورَ الْعَفْوُ عَنْ يَسِيرِ بَوْلِ الْمَأْكُولِ وَرَوْثِهِ إذَا قُلْنَا يَنْجُسُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي1 وَالشَّرْحِ2 وَاخْتَارَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُقْنِعِ3، وَغَيْرِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَزَادَ وَمَنِيِّهِ وَقَيْئِهِ.
4 الثاني: قوله: 5 "واليسير قدر ما نقض" انتهى. الظاهر: أنه سهو، والصواب أن يقال: واليسير قدر ما لم ينقض، أو: والكثير قدر ما نقض. وقال شيخنا في حواشيه: يحتمل أن يكون "قدر" منوناً، و"ما" نافية. قلت: وفيه تعسف، والله أعلم4.
__________
1 2/486.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/329 -330.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/317.
4 ليست في "ط".
5 يأتي في الصفحة 350.(1/347)
وَإِنْ أَكَلَتْ هِرَّةٌ نَجَاسَةً ثُمَّ وَلَغَتْ فِي مَاءٍ يَسِيرٍ فَقِيلَ يَنْجُسُ1، وَقِيلَ طَاهِرٌ، وَقِيلَ إن غابت، وقيل واحتمل تطهير فمها، وكذا أفواه الأطفال والبهائم "م 28 - 30".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ - 28 – 30: قَوْلُهُ: "وَإِنْ أَكَلَتْ هِرَّةٌ نَجَاسَةً ثُمَّ وَلَغَتْ فِي مَاءٍ يَسِيرٍ فَقِيلَ نَجِسٌ، وَقِيلَ طَاهِرٌ، وَقِيلَ إنْ غَابَتْ، وَقِيلَ وَاحْتَمَلَ تَطْهِيرَ فَمِهَا، وَكَذَا أَفْوَاهُ، الْأَطْفَالِ وَالْبَهَائِمِ" انْتَهَى، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ثَلَاثَ مَسَائِلَ:
مَسْأَلَةُ – 28: الْهِرَّةِ، مَسْأَلَةُ – 29: أَفْوَاهِ الْأَطْفَالِ، مَسْأَلَةُ – 30: أَفْوَاهِ الْبَهَائِمِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْهِرَّةَ إذَا أَكَلَتْ نَجَاسَةً ثُمَّ وَلَغَتْ فِي مَاءٍ يَسِيرٍ فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ غَيْبَتِهَا أَوْ قَبْلَهَا؟ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ غَيْبَتِهَا فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَاءَ طَاهِرٌ،
__________
1 في "ط": ينجس.(1/348)
وَلَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ نَجَاسَةٍ فِي الْأَطْعِمَةِ، ولا غير ما تقدم "وم ش" وَخَالَفَ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ فِيهَا، وَذَكَرَهُ قَوْلًا فِي الْمُذَهَّبِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا حَرَّمَ الدَّمَ الْمَسْفُوحَ، وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ كَوْنِهِ فِي مَرَقَةِ الْقِدْرِ أَوْ مَائِعٍ آخَرَ، أَوْ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي1، وَالْمُغْنِي2، وَالشَّرْحِ3، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَاخْتَارَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ.
وَقِيلَ نَجِسٌ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَالْأَقْوَى عِنْدِي أَنَّهَا إنْ وَلَغَتْ عَقِيبَ الْأَكْلِ نَجِسٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ بِزَمَنٍ يَزُولُ فِيهِ أَثَرُ النَّجَاسَةِ بِالرِّيقِ لَمْ يَنْجُسْ، قَالَ وَكَذَلِكَ جَعَلَ الرِّيقَ مُطَهِّرًا أَفْوَاهَ الْأَطْفَالِ، وَبَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ، وَكُلُّ بَهِيمَةٍ طَاهِرَةٌ كَذَلِكَ، انْتَهَى، وَاخْتَارَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَجَزَمَ فِي الْفَائِقِ أَنَّ أَفْوَاهَ الْأَطْفَالِ وَالْبَهَائِمِ طَاهِرَةٌ، وَاخْتَارَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَنَقَلَ فِيهِ عَنْ بِنْتِ الشَّيْخِ مُوَفَّقِ الدِّينِ أَنَّ أَبَاهَا سُئِلَ عَنْ أَفْوَاهِ الْأَطْفَالِ فَقَالَ الشَّيْخُ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْهِرِّ: "إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ" 4 قَالَ الشَّيْخُ: وَهُمْ الْبَنُونَ وَالْبَنَاتُ، فَشَبَّهَ الْهِرَّ بِهِمْ فِي الْمَشَقَّةِ، انْتَهَى.
وَقِيلَ طَاهِرٌ إنْ غَابَتْ غَيْبَةً يُمْكِنُ وُرُودُهَا عَلَى مَاءٍ يُطَهِّرُ فَمَهَا، وَإِلَّا فَنَجِسٌ، وَقِيلَ طَاهِرٌ إنْ كَانَتْ الْغَيْبَةُ قَدْرَ مَا يُطَهِّرُ فَمَهَا، وَإِلَّا فَنَجِسٌ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَهُوَ بَعْضُ قَوْلِ الْمَجْدِ الْمُتَقَدِّمِ فِيمَا يَظْهَرُ5، وَإِنْ كَانَ الْوُلُوغُ قَبْلَ غَيْبَتِهَا فَقِيلَ طَاهِرٌ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَاخْتَارَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، قَالَ الْآمِدِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا، قُلْت وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَقِيلَ نَجِسٌ، اخْتَارَهُ، الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذَهَّبِ وَقَدَّمَهُ ابن
__________
1 1/30.
2 1/72.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/361.
4 أخجره أبو داود "75"، والترمذي "92"، والنسائي 1/55، وابن ماجة "367"، من حديث أبي قتادة.
5 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".(1/349)
السِّكِّينِ، أَوْ غَيْرِهِ؟ وَكَانَتْ أَيْدِي الصَّحَابَةِ تَتَلَوَّثُ بِالْجُرْحِ، وَالدُّمَّلِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ التَّحَرُّزُ مِنْ الْمَائِعِ حَتَّى يَغْسِلُوهُ، وَلِعُمُومِ الْبَلْوَى بِبَعْرِ الْفَأْرِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ أَيْضًا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي الدَّمِ، وَهُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ، وَمَعْنَاهُ اخْتِيَارُ صَاحِبِ النَّظْمِ، وَكَرِهَ أَحْمَدُ شَدِيدًا دِيَاسَ الزَّرْعِ بِالْحَمِيرِ لنجاسة بولها وروثها، وقال: لا ينبغي.
واليسير1: قَدَّرَ مَا نُقِضَ "هـ" فِي تَقْدِيرِ الْمُغَلَّظَةِ بِعَرْضِ الْكَفِّ. وَالْمُخَفَّفَةِ وَهِيَ مَا تَعَارَضَ فِيهَا نَصَّانِ بِدُونِ رُبْعِ الْمَحَلِّ، وَيُضَمُّ فِي الْأَصَحِّ مُتَفَرِّقٌ بِثَوْبٍ، وَقِيلَ أَوْ شَيْئَيْنِ.
وَلَا يُكْرَهُ سُؤْرُ الْفَأْرِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ يُكْرَهُ، لِأَنَّهُ يُنْسَى، وَحَكَى رِوَايَةً.
وَإِنْ وَقَعَتْ فَأْرَةٌ أَوْ سِنَّوْرَةٌ وَنَحْوُهُمَا مِمَّا ينضم دبره إذا وقع في مائع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
رزين في شرحه، وتقدم كلام الْمَجْدُ بِمَا يَحْتَمِلُ دُخُولَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي2، وَالْمُغْنِي3 وَالشَّرْحِ4 وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ، فَهَذِهِ ثَلَاثُونَ مَسْأَلَةً قَدْ فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى بتصحيحها، والله أعلم.
__________
1 في "ط": "الكثير".
2 1/30-31.
3 1/72.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/361.(1/350)
فَخَرَجَتْ حَيَّةً فَطَاهِرٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا. 1قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ: هُوَ أَشْبَهُ، وَالْأَوَّلُ أَصْلَحُ لِلنَّاسِ1، وَكَذَا فِي جَامِدٍ، وَهُوَ مَا يَمْنَعُ انْتِقَالَهَا فِيهِ، وَقِيلَ: إذَا فُتِحَ وِعَاؤُهُ لَمْ يُسَلَّ.
وَإِنْ مَاتَتْ أَوْ وَقَعَتْ وَمَعَهَا رُطُوبَةٌ فِي دَقِيقٍ وَنَحْوِهِ أُلْقِيَتْ وَمَا حولها، وَإِنْ اخْتَلَطَ وَلَمْ يَنْضَبِطْ حَرُمَ، نَقَلَهُ صَالِحٌ وَغَيْرُهُ.
وَلَا يَجُوزُ إزَالَةُ نَجَاسَةٍ إلَّا بِمَاءٍ طَهُورٍ "وم ش" وَقِيلَ مُبَاحٍ "خ" وَقِيلَ أَوْ طَاهِرٍ، وَعَنْهُ بِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ مُزِيلٍ كَخَلٍّ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَشَيْخُنَا "وهـ".
قَالَ: وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ طَعَامٍ، أَوْ شَرَابٍ فِي إزَالَتِهَا، لِإِفْسَادِ الْمَالِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ مَعْنَاهُ، وَقَالَهُ أَبُو الْبَقَاءِ وَغَيْرُهُ، وَسَبَقَ كَلَامُ الْقَاضِي فِي الدِّبَاغِ.
وَلَا يُعْتَبَرُ النِّيَّةُ "وَ" لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهَا التَّرْكُ، وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ مَا يُزِيلُهَا لَمْ يَتَيَمَّمْ لَهَا، فَلَمْ تُعْتَبَرْ النِّيَّةُ كَسَائِرِ التُّرُوكِ، وَلِهَذَا غُسَالَةُ النَّجَاسَةِ مَعَ النِّيَّةِ وَعَدَمِهَا سَوَاءٌ.
وَلَوْ لَمْ يَنْوِ الْوُضُوءُ لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا، وَلِأَنَّهَا نَقْلُ عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ، فَهِيَ كَرَدِّ وَدِيعَةٍ، وَمَغْصُوبٍ، وَإِطْلَاقِ مُحْرِمٍ صَيْدًا، وَقِيلَ: بَلَى، وَقِيلَ فِي بَدَنٍ. وَفِي الِانْتِصَارِ: فِي طَهَارَتِهِ بِصَوْبِ الْغَمَامِ، وَفِعْلِ مَجْنُونٍ، وَطِفْلٍ احْتِمَالَانِ.
وَلَا يُعْقَلُ لِلنَّجَاسَةِ مَعْنًى، ذَكَرَهُ ابْنُ عقيل وغيره. والله تعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".(1/351)
باب الحيض
مدخل
...
باب الحيض
وَهُوَ دَمُ طَبِيعَةٍ، يُمْنَعُ الطَّهَارَةُ لَهُ "و" وَالْوُضُوءُ، وَالصَّلَاةُ "ع" وَلَا تَقْضِيهَا "ع" قِيلَ لِأَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: فَإِنْ أَحَبَّتْ أَنْ تَقْضِيَهَا؟ قَالَ: لَا، هَذَا خِلَافٌ، فَظَاهِرُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ، وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالُ يُكْرَهُ، لَكِنَّهُ بِدْعَةٌ كَمَا رَوَاهُ الْأَثْرَمُ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ إلَّا رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، لِأَنَّهَا نُسُكٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/352)
لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ، فَيُعَايَا بِهَا.
وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ وَصْفَهُ لَهَا عَلَيْهِ السَّلَامُ بِنُقْصَانِ الدِّينِ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ زَمَنَ الْحَيْضِ1، يَقْتَضِي أَنْ لَا تُثَابَ عليها، أو لأن نيتها2 تركها زمن الحيض، وفضل الله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ عَنْ الْحَائِضِ: وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ -: "وَلَعَلَّ الْمُرَادَ إلَّا رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، لِأَنَّهَا نُسُكٌ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ فَيُعَايَا بِهَا" انْتَهَى، رَدَّ شَيْخُنَا وَابْنُ نَصْرِ اللَّهِ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي كَوْنِهَا تَقْضِي، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا قُلْنَا تَطُوفُ الْحَائِضُ، فَإِذَا طَافَتْ فَإِنَّهَا لَا تُصَلِّي حَتَّى تَطْهُرَ، وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ شَيْخُنَا أَيْضًا.
3قُلْت وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِيمَا إذَا طَافَتْ ثُمَّ حَاضَتْ قَبْلَ صَلَاةِ الرَّكْعَتَيْنِ وَجْهَانِ فِي قَضَائِهِمَا، اخْتَارَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ4 عَدَمَ الْقَضَاءِ، وَاخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَاصِّ، وَالْجُرْجَانِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وحكي عن الأصحاب، القضاء3.
__________
1 لعله يريد قوله صلى الله عليه وسلم: "أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم، فذلك نقصان دينها". أخرجه البخاري "1951"، ومسلم "79" "132"، من حديث عبد الله بن عمر.
2 بعدها في "ط": "أَيْ كَأَنَّ عَقْدَ الصَّلَاةِ بِالنِّسْبَةِ لَهَا هُوَ".
3 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
4 هو: الحسين بن الحسين بن أبي هريرة الشافعي، انتهت إليه إمامة الشافعية في العراق. له: "شرح مختصر المزني". "ت345هـ". "الأعلام" 2/188.(1/353)
يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ.
وَيَمْنَعُ الْحَيْضُ أَيْضًا الصَّوْمَ "ع" وَتَقْضِيهِ "ع" هِيَ، وَكُلُّ مَعْذُورٍ بِالْأَمْرِ السَّابِقِ لَا بِأَمْرٍ جَدِيدٍ فِي الْأَشْهَرِ. وَفِي الرِّعَايَةِ يَقْضِيهِ مُسَافِرٌ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ، وَحَائِضٌ وَنُفَسَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ عَلَى الْأَصَحِّ، كذا قال.
ويمنع الحيض الطَّوَافَ "و" وَعِنْدَ شَيْخِنَا بِلَا عُذْرٍ، وَعَنْهُ يَصِحُّ، وَيَجْبُرُهُ بِدَمٍ "وهـ" وَلَا يَلْزَمُهَا بَدَنَةٌ "هـ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/354)
وَسُنَّةُ الطَّلَاقِ، وَقِيلَ: لَا بِسُؤَالِهَا كَالْخُلْعِ، وَفِيهِ وَجْهٌ، وَفِيهِ فِي الْوَاضِحِ رِوَايَتَانِ، وَمِثْلُهُ طَلَاقٌ بِعِوَضٍ.
وَمَسَّ الْمُصْحَفِ "و" وَقِيلَ: لَا، وَحَكَى رِوَايَةً، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا، قَالَ إنْ ظَنَّتْ نِسْيَانَهُ وَجَبَتْ، وَنَقَلَ الشَّالَنْجِيُّ كَرَاهَتَهَا "الْقِرَاءَةَ" لَهَا، وَلِجُنُبٍ، وَعَنْهُ لَا يَقْرَآنِ وَهِيَ أَشَدُّ، وَنَقَلَ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ فِيهَا أَحَادِيثُ كَرَاهِيَةٍ لَيْسَتْ قَوِيَّةً، وَكَرِهَهَا لَهَا.
وَيَمْنَعُ اللُّبْثَ فِي الْمَسْجِدِ "و" وَقِيلَ: لَا بِوُضُوءٍ، وَقِيلَ: وَيَمْنَعُ دُخُولَهُ، وَحَكَى رِوَايَةً كَخَوْفِهَا تَلْوِيثَهُ فِي الْأَشْهَرِ، وَنَصُّهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إبْرَاهِيمَ: تَمُرُّ وَلَا تَقْعُدُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/355)
وَالْوَطْءَ "ع" وَلَيْسَ بِكَبِيرَةٍ فِي ظَاهِرِ مَا يَأْتِي "ش".
وَإِنْ انْقَطَعَ الدَّمُ أُبِيحَ فِعْلُ الصَّوْمِ "وم ش" وَطَلَاقٌ "وش وهـ" فِيهِمَا إنْ انْقَطَعَ لِأَقَلِّهِ وَلَمْ يَمْضِ وَقْتُ صَلَاةٍ، وَكَذَا الْوَطْءُ عِنْدَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَعَنْهُ وَقِرَاءَةٌ اخْتَارَهُ الْقَاضِي "خ" وَلَمْ يُبِحْ الْبَاقِيَ قَبْلَ غُسْلِهَا.
وَلَوْ أَرَادَ وَطْأَهَا فَادَّعَتْ حَيْضًا وَأَمْكَنَ قَبَّلَ، نَصَّ عَلَيْهِ "ش" فِيمَا خَرَّجَهُ فِي مَجْلِسِهِ، لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ وَيُتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ مِنْ الطَّلَاقِ، وَأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعْمَلَ بِقَرِينَةٍ وَأَمَارَةٍ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: اتَّفَقُوا عَلَى قَبُولِ قَوْلِ الْمَرْأَةِ: تَزُفُّ الْعَرُوسَ إلَى زَوْجِهَا تَقُولُ: هَذِهِ زَوْجَتُك وَعَلَى اسْتِبَاحَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/356)
وَطْئِهَا بِذَلِكَ وَعَلَى تَصْدِيقِهَا فِي قَوْلِهَا: أَنَا حَائِضٌ، وَقَوْلِهَا: قَدْ طَهُرْت.
وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَأَبُو دَاوُد فِيمَنْ اشْتَرَى أَمَةً فَأَرَادَ اسْتِبْرَاءَهَا فَادَّعَتْ حَيْضًا أَيْضًا، قَالَ: يُعْجِبُنِي أَنْ يَحْتَاطَ، وَيَسْتَظْهِرَ حَتَّى يَرَى دَلَائِلَهُ، رُبَّمَا كَذَبَتْ.
وَتُغَسَّلُ الْمُسْلِمَةُ الْمُمْتَنِعَةُ قَهْرًا، وَلَا نِيَّةَ هُنَا لِلْعُذْرِ، كَالْمُمْتَنِعِ مِنْ زَكَاةٍ، وَالصَّحِيحُ لَا تُصَلِّي بِهِ، ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ.
وَيُغَسِّلُ الْمَجْنُونَةَ، وَيُتَوَجَّهُ وَيَنْوِيهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُغَسِّلَهَا لِيَطَأَهَا، وَيَنْوِيَ غُسْلَهَا تَخْرِيجًا عَلَى الْكَافِرَةِ، وَيَأْتِي غُسْلُ الْكَافِرَةِ فِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ1. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِيهَا: لَا نِيَّةَ، لِعَدَمِ تَعَذُّرِهَا، بِخِلَافِ الْمَيِّتِ، وَأَنَّهَا تُعِيدُهُ إذَا فَاقَتْ، وَأَسْلَمَتْ وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي فِي الْكَافِرَةِ: إنَّمَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ، لِأَنَّ حَقَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لَهُ النِّيَّةُ، فَيَجِبُ عَوْدُهُ إذَا أَسْلَمَتْ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ، وَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، فِي حَقِّ الْمُسْلِمَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 8/394.(1/357)
وَلَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ مِنْ الْحَائِضِ بِغَيْرِ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ، وَعَنْهُ لَا بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ، لِخَوْفِهِ مُوَاقَعَةَ الْمَحْظُورِ، وَقِيلَ يَلْزَمُ سَتْرُ الْفَرْجِ.
وَإِنْ وَطِئَ فِيهِ بِحَائِلٍ أَوْ لَا لَزِمَهُ دِينَارٌ أَوْ نِصْفُهُ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، 1وَعَنْهُ نِصْفُهُ2 فِي إدْبَارِهِ، وَعَنْهُ بَلْ فِي أَصْفَرَ3، وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ بَلْ لِعُذْرٍ، وَاعْتَبَرَ شَيْخُنَا كَوْنَهُ مَضْرُوبًا، وَهُوَ أظهر، وفي القيمة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ط".
2 يعني: إدبار الدم وقرب نهايته.
3 يعني: إذا كان الدم أصفر.(1/358)
وَغَيْرُ مُكَلَّفٍ وَجْهَانِ "م 1 - 2".
وَذَكَرَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ هل الدينار هنا عشرة دراهم أَوْ اثْنَا عَشَرَ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، وَمُرَادُهُ إذَا أَخْرَجَ دَرَاهِمَ كَمْ يُخْرِجُ؟ وَإِلَّا فَلَوْ أَخْرَجَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 1 – 2: قَوْلُهُ: فِي أَحْكَامِ كَفَّارَةِ الْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِهَا قَالَ فَفِي إجْزَاءِ الْقِيمَةِ وَوُجُوبِهَا عَلَى "غَيْرِ مُكَلَّفٍ وَجْهَانِ" انْتَهَى، ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى -1: إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فَهَلْ تُجْزِئُ الْقِيمَةُ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ:
أَحَدُهُمَا لَا تُجْزِئُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ فِي إخْرَاجِ الْقِيمَةِ كَالزَّكَاةِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ لَا يُجْزِئُ إخْرَاجُهَا فِي الزَّكَاةِ، وَقَدَّمَ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ هُنَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: الْأَظْهَرُ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ كَالزَّكَاةِ، انْتَهَى، قُلْت وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ.
والوجه الثَّانِي تُجْزِئُ كَالْخَرَاجِ، وَالْجِزْيَةِ صَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي1، وَالشَّرْحِ2، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ.
فَعَلَى الْأَوَّلِ يُجْزِئُ إخْرَاجُ الْفِضَّةِ عَنْ الذَّهَبِ، عَلَى الصَّحِيحِ، صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي 1 وَالشَّرْحِ2 وَالْفَائِقِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ بْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ، وَقَالَ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ هَذَا، انْتَهَى، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ، وَقِيلَ لَا يُجْزِئُ، حَكَاهُ فِي الْمُغْنِي1 وَغَيْرِهِ قَالَ: فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَحُكْمُهُ فِي إخْرَاجِ قِيمَتِهِ أَوْ غَيْرِهَا حُكْمُ الزَّكَاةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ – 2: هَلْ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى غَيْرِ الْمُكَلَّفِ، أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الْكُبْرَى، وَصَاحِبُ الفائق والقواعد الأصولية وغيرهم، وحكاه في الفائق روايتين:
__________
1 1/419.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/383.(1/359)
ذَهَبًا لَمْ يَعْتَبِرْ قِيمَتَهُ1 بِلَا شَكٍّ.
وَهُوَ كَفَّارَةٌ. قَالَ الْأَكْثَرُ: يَجُوزُ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ، كَنَذْرٍ مُطْلَقٍ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا وَجْهًا، وَمَنْ لَهُ أَخْذُ زَكَاةٍ لِحَاجَتِهِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ وَكَذَا صَدَقَةٌ مُطْلَقَةٌ، وَيَأْتِي أَوَّلَ بَابِ ذِكْرِ أَهْلِ الزَّكَاةِ2.
وَذَكَرُوا فِي صَرْفِ الْوَقْتِ الْمُنْقَطِعِ رِوَايَةً إلَى الْمَسَاكِينِ، قَالُوا: لِأَنَّهُمْ مَصْرِفٌ لِلصَّدَقَاتِ، وَحُقُوقُ اللَّهِ مِنْ الْكَفَّارَاتِ وَنَحْوِهَا. فَإِذَا وَجَدَ صَدَقَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةِ الْمَصْرِفِ انْصَرَفَتْ إلَيْهِمْ، كَمَا لَوْ نَذَرَ صَدَقَةً مُطْلَقَةً، وَعَلَّلُوا رِوَايَةَ صَرْفِهِ إلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ بِأَنَّهُمْ أَهْلُ الصَّدَقَاتِ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ، وَكَذَا قَالُوا فِيمَا إذَا أَوْصَى فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ أَنَّ الْمَسَاكِينَ مَصَارِفُ الصَّدَقَاتِ وَالزَّكَوَاتِ.
وَعَنْهُ لَا كَفَّارَةَ "و" وَكَالْوَطْءِ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ قَبْلَ غُسْلِهَا فِي الْمَنْصُوصِ، وَنَاسٍ، وَجَاهِلٍ، وَمُكْرَهٍ، وَامْرَأَةٌ كَذَلِكَ. قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: بِنَاءً عَلَى الصَّوْمِ، وَالْإِحْرَامِ، وَبَانَ بِهَذَا أَنَّ مَنْ كَرَّرَ الْوَطْءَ فِي حَيْضَةٍ أَوْ حَيْضَتَيْنِ أَنَّهُ في تكرار الكفارة كالصوم. وفي سقوطها بالعجز
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
إحْدَاهُمَا3: يَلْزَمُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: انْبَنَى عَلَى وَطْءِ الْجَاهِلِ، وَالْمَذْهَبُ الْوُجُوبُ عَلَى الْجَاهِلِ، انْتَهَى، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي4، وَالشَّرْحِ5، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ، وهو احتمال فِي الْمُغْنِي4، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ قُلْت وَهُوَ الصَّوَابُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ.
__________
1 في النسخ الخطية: "قيمة"، والمثبت من "ط".
2 4/297.
3 الضمير عائد إلى مضمون "الخلاف المطلق" أي: وجهان. فهو تفصيل له، وليس تفصيلاً لروايتي صاحب "الفائق".
4 1/418.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/381.(1/360)
رِوَايَتَانِ "م 3".
وَعَنْهُ يَلْزَمُ بِوَطْءِ دُبُرٍ، ذَكَرَهَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ.
وَبَدَنُ الْحَائِضِ وَعَرَقُهَا، وَسُؤْرُهَا طَاهِرٌ، وَكَذَا لَا يُكْرَهُ طَبْخُهَا وَعَجْنُهَا، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَلَا وَضْعُ يَدَيْهَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْمَائِعَاتِ، ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ جَرِيرٍ1 وَغَيْرُهُ "ع" سَأَلَهُ حَرْبٌ: تُدْخِلُ يَدَهَا فِي طَعَامٍ وَشَرَابٍ، وَخَلٍّ، وَتَعْجِنُ وَغَيْرُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مَا لَا يَفْسُدُ مِنْ الْمَائِعَاتِ بِمُلَاقَاتِهِ بَدَنَهَا، وَإِلَّا تَوَجَّهَ الْمَنْعُ فِيهَا، وَفِي الْمَرْأَةِ الْجُنُبِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةُ – 3: قَوْلُهُ: "وَفِي سُقُوطِهَا بِالْعَجْزِ رِوَايَتَانِ" وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ:
إحْدَاهُمَا لَا تَسْقُطُ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ2، فَإِنَّهُ قَالَ: تَسْقُطُ كَفَّارَةُ الْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ بِالْعَجْزِ، وَلَا يَسْقُطُ غَيْرُهَا بِالْعَجْزِ مِثْلُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَالْيَمِينِ، وَكَفَّارَاتِ الْحَجِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: وَعَلَيْهِ أَصْحَابُنَا، انْتَهَى، فَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ دُخُولُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ تَسْقُطُ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ: وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ تَسْقُطُ كَفَّارَةُ وَطْءِ الْحَائِضِ بِالْعَجْزِ عَلَى الْأَصَحِّ، انْتَهَى، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَعَنْهُ تَسْقُطُ بِالْعَجْزِ عَنْهَا كُلِّهَا، لَا عَنْ بَعْضِهَا، لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ فِيهَا، وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ، وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِالْقُدْرَةِ على بعض صاع في الفطرة.
__________
1 هو: أبو جعفر، محمد بن جرير بن يزيد الطبري، المفسر المؤرخ، كان من أفراد الدهر علماً، وذكاء، كثرة تصانيف. "ت310هـ". "سير أعلام النبلاء" 14/267.
2 5/58.(1/361)
فَصْلٌ: وَلَا حَيْضَ قَبْلَ تَمَامِ تِسْعِ سِنِينَ
"و" وَقِيلَ عَشْرٍ، وَعَنْهُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قِيلَ تقريب، وقيل تحديد "م 4".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةُ – 4: قَوْلُهُ: "وَلَا حَيْضَ قَبْلَ تَمَامِ تِسْعِ سِنِينَ، وَقِيلَ عَشْرٍ، وَقِيلَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، قِيلَ تَقْرِيبٌ، وَقِيلَ تَحْدِيدٌ" انْتَهَى.
الْقَوْلُ بِالتَّحْدِيدِ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ وَالْمُبْهِجِ وَالْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالْعُمْدَةِ وَالْمُقْنِعِ وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالنِّهَايَةِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْفَائِقِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَغَيْرِهِمْ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ: لَا حَيْضَ قَبْلَ تِسْعِ سِنِينَ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَأَقَلُّ سِنٍّ تَحِيضُ لَهُ الْمَرْأَةُ تِسْعُ سِنِينَ كَامِلَةً، انْتَهَى، قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: وَالْمُرَادُ كَمَالُ التسع كما صرح به غير واحد.
والقول الثاني ذلك تقريب، قلت وهو الصواب.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: "لَا حَيْضَ قَبْلَ تَمَامِ تِسْعِ سِنِينَ، وَقِيلَ عَشْرٍ، وَقِيلَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ" كَالصَّرِيحِ أَوْ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: "قِيلَ تَقْرِيبٌ، وَقِيلَ تَحْدِيدٌ" كَالْمُنَاقِضِ لَهُ، لَكِنْ بِقَرِينَةِ ذِكْرِ الْخِلَافِ انْتَفَى التَّصْرِيحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِيهِ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ إعَادَةُ الْخِلَافِ إلَى الْقَوْلِ الْأَخِيرِ1كَمَا تَقَدَّمَ، وَيُرَشِّحُهُ عَدَمُ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْخِلَافِ لَكِنَّ1 الْخِلَافَ عَلَى هَذَا القول لم نره أيضا.
__________
1 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".(1/362)
وَلِانْقِطَاعِهِ غَايَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ "هـ ش" هَلْ هِيَ سِتُّونَ سَنَةً، أَوْ خَمْسُونَ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وعنه خمسون للعجم وم" وَعَنْهُ بَعْدَ الْخَمْسِينَ حَيْضٌ إنْ تَكَرَّرَ، وَعَنْهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ "م 5".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةُ – 5: قَوْلُهُ: "وَلِانْقِطَاعِهِ حَدٌّ، هَلْ هُوَ سِتُّونَ سَنَةً أَوْ خَمْسُونَ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَعَنْهُ خَمْسُونَ، وَعَنْهُ بَعْدَ الْخَمْسِينَ حَيْضٌ إنْ تَكَرَّرَ، وَعَنْهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ" انْتَهَى، أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي كَوْنِ أَكْثَرِ سِنِّ الْحَيْضِ خَمْسِينَ أَمْ سِتِّينَ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُغْنِي1، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ2 ابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرِهِمْ:
إحْدَاهُمَا: أَكْثَرُهُ خَمْسُونَ مُطْلَقًا وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الدِّرَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي، وَالتَّرْغِيبِ وَنَظْمِ هِدَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْإِفَادَاتِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وَهُوَ مِنْهَا وَغَيْرِهِمْ، قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: هُوَ اخْتِيَارُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ، قَالَ فِي نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ أَكْثَرُهُ خَمْسُونَ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمَنْهَجِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُقْنِعِ2 وَالتَّلْخِيصِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: اخْتَارَهَا الشِّيرَازِيُّ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَكْثَرُهُ سِتُّونَ سَنَةً، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ3، وَالْإِيضَاحِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيُّ وَالتَّسْهِيلِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي دُرُوسِ الْمَسَائِلِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هِيَ اخْتِيَارُ الْخَلَّالِ، وَالْقَاضِي.
وَعَنْهُ خَمْسُونَ لِلْعَجَمِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَعَنْهُ الْخَمْسُونَ لِلْعَجَمِ، وَالنَّبَطِ وَنَحْوِهِمْ، وَالسِّتُّونَ للعرب ونحوهم، انتهى، وأطلقهن الزركشي، وأطلق الأولى،
__________
1 1/445.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/386.
3 ص 47.(1/363)
وأقل الحيض يوم وليلة "وش" وَعَنْهُ يَوْمٌ، لَا ثَلَاثَةٌ "هـ" وَلَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ "م" ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ عَكْسَهُ "ع".
وأكثره خمسة عشر يوما "وم ش" وعنه سبعة عشر، 1وقيل عليهما: وعليهما: وليلة لا عشرة بلياليها1 "هـ". وَغَالِبُهُ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ "و".
وَأَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَعَنْهُ خمسة عشر "و"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَهَذِهِ فِي الْفُصُولِ فِي الْعَدَدِ، وَعَنْهُ بَعْدَ الْخَمْسِينَ حَيْضٌ إنْ تَكَرَّرَ، ذَكَرَهَا الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهَا فِي الْكَافِي2 قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ جِدًّا قَالَ فِي الْمُغْنِي3 فِي الْعَدَدِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مَتَى بَلَغَتْ خَمْسِينَ سَنَةً فَانْقَطَعَ حَيْضُهَا عَنْ عَادَتِهَا مَرَّاتٍ لِغَيْرِ سَبَبٍ فَقَدْ صَارَتْ آيِسَةً، وَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ عَلَى الْعَادَةِ الَّتِي كَانَتْ تَرَاهُ فِيهَا فَهُوَ حَيْضٌ عَلَى الصَّحِيحِ، انْتَهَى، فَلِلشَّيْخِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ اخْتِيَارَاتٍ.
وَعَنْهُ بَعْدَ الْخَمْسِينَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَنَاظِمُهُ، قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، فَعَلَيْهَا تَصُومُ وُجُوبًا عَلَى الصَّحِيحِ، قَدَّمَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَعَنْهُ اسْتِحْبَابًا، ذَكَرَهَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أنه لا حد لأكثر سن الحيض.
__________
1 ليست في "ط".
2 1/165.
3 11/211.(1/364)
وَقِيلَ عَلَيْهِمَا: وَلَيْلَةٌ.
وَعَنْهُ لَا تَوْقِيتَ فِيهِ، كَأَكْثَرِهِ، وَعَنْهُ إلَّا فِي الْعِدَّةِ.
وَأَقَلُّ زَمَنِ الْحَيْضِ أَنْ يَكُونَ النَّقَاءُ خَالِصًا لَا تَتَغَيَّرُ مَعَهُ الْقُطْنَةُ إذَا احْتَشَتْ بِهَا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ، نَقَلَ أَبُو بَكْرٍ هِيَ طَاهِرٌ إذَا رَأَتْ الْبَيَاضَ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا إنْ كَانَ الطُّهْرُ سَاعَةً.
وَعَنْهُ: أَقَلُّهُ سَاعَةٌ، وَعَنْهُ يَوْمٌ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ، وَقَالَ إلَّا أَنْ تَرَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.
وَلَا حَيْضَ مَعَ الْحَمْلِ نَصَّ عَلَيْهِ "وهـ" وَعَنْهُ بَلَى، ذَكَرَهَا أَبُو الْقَاسِمِ التَّمِيمِيُّ1، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَشَيْخُنَا، وَاخْتَارَهَا وَهِيَ أَظْهَرُ، ذَكَرَ عُبَيْدَةُ بْنُ الطَّيِّبِ أَنَّهُ سَمِعَ إِسْحَاقَ نَاظَرَ أَحْمَدَ، وَرَجَعَ إلَى قَوْلِهِ هذا، ورواه الحاكم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 هو: عبد الوهاب بن رزق الله بن عبد الوهاب التميمي، من فقهاء الحنابلة الأعيان. "ت493هـ". "المقصد الأرشد" 2/131.(1/365)
وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد لَا تَلْتَفِتُ إلَى الدَّمِ الْأَسْوَدِ، وَتُصَلِّي، قِيلَ لَهُ: فَتَغْتَسِلُ؟ قَالَ: نَعَمْ1، قَالَ الْقَاضِي: هَذَا عَلَى طَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ، وَالْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، لَا لِلْوُجُوبِ.
وَعِنْدَ شَيْخِنَا مَا أَطْلَقَهُ الشَّارِعُ عُمِلَ بِمُطْلَقِ مُسَمَّاهُ وَوُجُودِهِ، وَلَمْ يجز تقديره، وَتَحْدِيدُهُ بَعْدَهُ2؛ فَلِهَذَا عِنْدَهُ الْمَاءُ قِسْمَانِ: طَاهِرٌ طَهُورٌ، وَنَجَسٌ وَلَا حَدَّ لِأَقَلِّ الْحَيْضِ، وَأَكْثَرِهِ، مَا لَمْ تَصِرْ مُسْتَحَاضَةً، وَلَا لِأَقَلِّ سِنِّهِ وَأَكْثَرِهِ، وَلَا لِأَقَلِّ السَّفَرِ، لَكِنَّ خُرُوجَهُ إلَى بَعْضِ عَمَلِ أَرْضِهِ، وَخُرُوجَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إلَى قُبَاءَ لَا يُسَمَّى سَفَرًا، وَلَوْ كَانَ بَرِيدًا، وَلِهَذَا لَا يَتَزَوَّدُ، وَلَا يَتَأَهَّبُ لَهُ أُهْبَتَهُ، هَذَا مَعَ قِصَرِ الْمُدَّةِ، فَالْمَسَافَةُ الْقَرِيبَةُ فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ سَفَرٌ، لَا الْبَعِيدَةُ فِي الْقَلِيلَةِ، وَلَا حَدَّ لِلدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ، فَلَوْ كَانَ أَرْبَعَةَ دَوَانِقَ، أَوْ ثَمَانِيَةً خَالِصًا أَوْ مَغْشُوشًا، لَا دِرْهَمًا أَسْوَدَ عُمِلَ بِهِ فِي الزَّكَاةِ وَالسَّرِقَةِ وَغَيْرِهِمَا.
وَلَا تَأْجِيلَ فِي الدِّيَةِ، وَأَنَّهُ نَصُّ أَحْمَدَ فِيهَا، وَالْخُلْعُ فَسْخٌ مُطْلَقًا، وَالْكَفَّارَةُ فِي كُلِّ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ.
وَلَهُ فِي ذَلِكَ قَاعِدَةٌ مَعْرُوفَةٌ، وَقَالَ فِي قَاعِدَةٍ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي تَعَيَّنَتْ بِالنَّصِّ مُطْلَقًا، وَاَلَّتِي تَعَيَّنَتْ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ تَأْجِيلُ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْ هَذَا، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ3 يُؤَجِّلُهَا، وَعُمَرُ أَجَّلَهَا فَأَيَّهُمَا رَأَى الْإِمَامُ فَعَلَ، وإلا فإيجاب أحدهما لا يسوغ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 مسائل الإمام أحمد لابن الأشعث: 25.
2 أي: بعد الشارع. أي: لا يجوز تحديد ما أطلقه الشارع عن الحد بعد إطلاقه إياه.
3 ليست في "ط".(1/366)
وَلَهُ1 فِي تَقْدِيرِ الدِّيَاتِ وَأَنْوَاعِهَا كَلَامٌ يُنَاسِبُ هَذَا، فَإِنَّ حُكْمَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْقَضِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ تَارَةً يَكُونُ عَامًّا فِي أَمْثَالِهَا، وَتَارَةً يَكُونُ مُقَيَّدًا بِقَيْدٍ يَتَعَلَّقُ بِالْأَئِمَّةِ وَالِاجْتِهَادِ، كَحُكْمِهِ فِي السَّلَبِ: هَلْ هُوَ مُطْلَقٌ، أَمْ مُعَيَّنٌ في تلك الغزاة استحق بشرطه؟
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أي: شيخ الإسلام ابن تيمية الذي نقل عنه.(1/367)
فَصْلٌ: وَالْمُبْتَدَأَةُ بِدَمٍ أَسْوَدَ
وَالْأَصَحُّ وَأَحْمَرَ "و" وَفِي صُفْرَةٍ أَوْ كُدْرَةٍ وَجْهَانِ "م 6" تَجْلِسُ بِرُؤْيَتِهِ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ بِمُضِيِّ أَقَلِّهِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةُ – 6: قَوْلُهُ: "وَالْمُبْتَدَأَةُ بِدَمٍ أَسْوَدَ، وَالْأَصَحُّ وَأَحْمَرَ، وَفِي صُفْرَةٍ أَوْ كُدْرَةٍ وَجْهَانِ" انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيّ:
أَحَدُهُمَا: حُكْمُهُ حُكْمُ الدَّمِ الْأَسْوَدِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي1، وَالشَّرْحِ2، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ أَيْضًا، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا تَجْلِسُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي شَرْحِهِمَا، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
2 1/413.
2 المقنع مع الشرح الكبير والانصاف 2/449.(1/367)
فتترك الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ أَقَلَّ الْحَيْضِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ، وَإِنْ انْقَطَعَ لِدُونِ أَقَلِّهِ فَلَا حَيْضَ وَلِأَقَلِّهِ حَيْضٌ.
وَإِنْ جَاوَزَ أَقَلَّهُ اغْتَسَلَتْ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ، وَلَمْ تَجْلِسْ مَا جَاوَزَهُ حَتَّى يَتَكَرَّرَ ثَلَاثًا، فَتَجْلِسَ فِي الرَّابِعِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ، وَقِيلَ فِي الثَّالِثِ، وَعَنْهُ يَتَكَرَّرُ مَرَّتَيْنِ فَتَجْلِسُ فِي الثَّالِثِ، وَقِيلَ فِي الثَّانِي، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا، وَإِنَّ كَلَامَ أَحْمَدَ يَقْتَضِيهِ، وَيَصِيرُ عَادَةً.
وَتُعِيدُ وَاجِبَ صَوْمٍ وَنَحْوِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ قَبْلَ تَكْرَارِهِ احْتِيَاطًا، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا لَا يَجِبُ إعَادَةٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/368)
وَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا قَبْلَ تَكْرَارِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا، وَعَنْهُ يُكْرَهُ، ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَةِ، وَأَطْلَقَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي إبَاحَتِهِ رِوَايَتَيْنِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، هِيَ كَمُسْتَحَاضَةٍ.
وَإِنْ انْقَطَعَ فَفِي كَرَاهَتِهِ إلَى تَمَامِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ رِوَايَتَانِ "م 7" فَإِنْ عَادَ فكما لو لم يَنْقَطِعْ، وَعَنْهُ لَا بَأْسَ.
وَلَا عَادَةَ بِمَرَّةٍ "خ" وَعَنْهُ تَجْلِسُ غَالِبَ الْحَيْضِ، وَعَنْهُ عَادَةَ نِسَائِهَا، وَعَنْهُ أَكْثَرَهُ، اخْتَارَهُ فِي الْمُغْنِي1 "و" وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، الرِّوَايَاتُ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ، وَإِنْ جاوز أكثره فمستحاضة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةُ – 7: قَوْلُهُ: فِي الْمُبْتَدَأَةِ: "وَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا قَبْلَ تكراره2 ونص عليه ... فإن انْقَطَعَ فَفِي كَرَاهَتِهِ إلَى تَمَامِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ رِوَايَتَانِ" انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي3 وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ بِالْوَضْعِ وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَالْحَاوِيَيْنِ:
إحْدَاهُمَا: يُكْرَهُ إنْ أَمِنَ الْعَنَتَ، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ فِي بَابِ النِّفَاسِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُبَاحُ وَطْؤُهَا فِي طُهْرِهَا يَوْمًا فَأَكْثَرَ قَبْلَ تَكْرَارِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ4 وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، ذَكَرَهُ عَنْهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ فِي أَحْكَامِ النفاس وهو الصواب.
__________
1 1/409.
2 بعدها في "ط": "و".
3 1/410.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/402.(1/369)
وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ بِالتَّمْيِيزِ، كَثُبُوتِهَا بِانْقِطَاعِ الدَّمِ.
وَيُعْتَبَرُ التَّكْرَارُ فِي الْعَادَةِ كَمَا سَبَقَ وَفِي اعْتِبَارِهِ فِي التَّمْيِيزِ خِلَافٌ يَأْتِي، فَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ فَهَلْ يُقَدَّمُ وَقْتُ هَذِهِ الْعَادَةِ عَلَى التَّمْيِيزِ بعدها؟ فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/370)
وَجْهَانِ. وَهَلْ يُعْتَبَرُ فِي الْعَادَةِ التَّوَالِي؟ فِيهِ وجهان، قال بعضهم: وعدمه أشهر"8-9".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مسألة - 8 - 9: قوله فِي الْمُبْتَدَأَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ: "وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ بِالتَّمْيِيزِ، كَثُبُوتِهَا بِانْقِطَاعِ الدَّمِ، وَيُعْتَبَرُ التَّكْرَارُ فِي الْعَادَةِ كَمَا سَبَقَ، وَفِي اعْتِبَارِهِ فِي التَّمْيِيزِ خِلَافٌ يَأْتِي فَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ فَهَلْ يُقَدَّمُ وَقْتُ هَذِهِ الْعَادَةِ عَلَى التَّمْيِيزِ بَعْدَهَا، فِيهِ وَجْهَانِ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ فِي الْعَادَةِ التَّوَالِي فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَعَدَمُهُ أَشْهَرُ" انْتَهَى. ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَتَيْنِ أَطْلَقَ فِيهِمَا الْخِلَافَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى- 8: إذَا لَمْ يُعْتَبَرْ التَّكْرَارُ فِي التَّمْيِيزِ فَهَلْ يُقَدَّمُ وَقْتُ هَذِهِ الْعَادَةِ عَلَى التَّمْيِيزِ بَعْدَهَا أَوْ لَا، أطلق الخلاف فيه.(1/371)
وَلَوْ لَمْ تَعْرِفْ الْمُبْتَدَأَةُ وَقْتَ ابْتِدَاءِ دَمِهَا فكمتحيرة ناسية كما يأتي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ – 9: هَلْ يُعْتَبَرُ فِي الْعَادَةِ التَّوَالِي أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: "وَفِي اعْتِبَارِهِ فِي التَّمْيِيزِ خِلَافٌ يَأْتِي1" فَقَدْ صَحَّحَ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ عَدَمَ اعْتِبَارِ التَّكْرَارِ فَقَالَ: "وَلَا يعتبر تكراره في الأصح" انْتَهَى.
إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فَقَالَ فِي الْمُغْنِي2 وغيره وإذا كانت التي استمر بها الدم متميزة3 جَلَسَتْ التَّمْيِيزَ فِيمَا بَعْدَ الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ. وَقَالَ، ابْنُ عَقِيلٍ وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهَا تَرُدُّ إلَى التَّمْيِيزِ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي، وَلَا يُعْتَبَرُ تَكْرَارُ التَّمْيِيزِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَجْلِسُ مِنْهُ إلَّا مَا تَكَرَّرَ، فَعَلَى هَذَا لَوْ رَأَتْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةً أَحْمَرَ، ثُمَّ خَمْسَةً أَسْوَدَ ثُمَّ أَحْمَرَ وَاتَّصَلَ جَلَسَتْ الْأَسْوَدَ، وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةٌ، ولو رأت عشرة4 أَحْمَرَ ثُمَّ خَمْسَةً أَسْوَدَ ثُمَّ أَحْمَرَ وَاتَّصَلَ فَالْحُكْمُ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا، فَإِنْ اتَّصَلَ الْأَسْوَدُ وَعَبَرَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ فَلَيْسَ لَهَا تَمْيِيزٌ، وَحَيْضُهَا مِنْ الْأَسْوَدِ، وَلَوْ رَأَتْ الْأَوَّلَ أَحْمَرَ كُلَّهُ وَفِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ خَمْسَةً أَسْوَدَ ثُمَّ أَحْمَرَ وَاتَّصَلَ، وَفِي الْخَامِسِ كُلَّهُ أَحْمَرَ فَإِنَّهَا تَجْلِسُ فِي الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ الْيَقِينَ وَفِي الرَّابِعِ الْأَسْوَدَ، وَفِي الْخَامِسِ تَجْلِسُ خَمْسَةً أَيْضًا، لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ مُعْتَادَةً، قَالَ الْقَاضِي لَا تَجْلِسُ فِي الرَّابِعِ إلَّا الْيَقِينَ، إلَّا أَنْ نَقُولَ بِثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّتَيْنِ، وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ أَكْثَرَ مَا يُقَدَّرُ فِيهَا أَنَّهَا لَا عَادَةَ لَهَا وَلَا تَمْيِيزَ، وَلَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَجَلَسَتْ سِتًّا أَوْ سَبْعًا فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ، فَكَذَا هُنَا، زَادَ الشَّارِحُ قُلْت فَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ لَا تَجْلِسَ بِالتَّمْيِيزِ وَإِنَّمَا تَجْلِسُ غَالِبَ الْحَيْضِ لِمَا ذَكَرْنَا، انْتَهَى.
وَمَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ التَّكْرَارَ فِي التَّمْيِيزِ فَهَذِهِ مُمَيِّزَةٌ، وَمَنْ قَالَ: إنَّ الْمُمَيِّزَةَ تَجْلِسُ بِالتَّمْيِيزِ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي قَالَ إنَّهَا تَجْلِسُ الدَّمَ الْأَسْوَدَ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ، لِأَنَّهَا لَا تَعْلَمُ أَنَّهَا مُمَيِّزَةٌ قَبْلَهُ، وَلَوْ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ خَمْسَةً أَسْوَدَ ثُمَّ صَارَ أَحْمَرَ ثُمَّ صَارَ أَسْوَدَ وَاتَّصَلَ جَلَسَتْ الْيَقِينَ مِنْ الْأَشْهُرِ الثَّالِثِ، وَالرَّابِعُ لَا تَمْيِيزَ لَهَا فِيهِ، فَتَصِيرُ فِيهِ إلَى سِتَّةِ أَيَّامٍ، أَوْ
__________
1 في الصفحة 379.
2 1/412.
3 في النسخ الخطية: "متميزة"، وفي "ط": "متميز"، والمثبت من "المغني" 1/412.
4 في "ط": "خمسة".(1/372)
وَإِنْ تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ بِزِيَادَةٍ، أَوْ تَقَدُّمٍ، أَوْ تَأَخُّرٍ، فَكَدَمٍ زَائِدٍ عَلَى أَقَلِّ حَيْضِ الْمُبْتَدَأَةِ، وأطلق ابن تميم فِي وُجُوبِ إعَادَةِ وَاجِبِ صِيَامٍ وَنَحْوِهِ قَبْلَ التكرار روايتين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
سبعة1 فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ إلَّا أَنْ نَقُولَ: الْعَادَةُ تَثْبُتُ بِمَرَّتَيْنِ فَتَجْلِسُ فِي الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ خَمْسَةً خَمْسَةً. وَقَالَ الْقَاضِي، وَلَا تَجْلِسُ فِي الْأَرْبَعَةِ إلَّا الْيَقِينَ وَهُوَ بَعِيدٌ، لِمَا ذَكَرْنَا، انْتَهَى كَلَامُهُ فِي الْمُغْنِي، وَمَنْ تَبِعَهُ.
وَالْخِلَافُ، بَيْنَ صَاحِبِ الْمُغْنِي، وَالْقَاضِي هُوَ الْخِلَافُ الَّذِي أَطْلَقَهُ المصنف وأطلقه ابن رزين في شرحه وَالصَّوَابُ مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْعَادَةِ التَّوَالِي فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ أَيْضًا: وَمَتَى بَطَلَتْ دَلَالَةُ التَّمْيِيزِ فَهَلْ تَجْلِسُ مَا تَجْلِسُهُ مِنْهُ، أَوْ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ عَلَى وَجْهَيْنِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْعَادَةِ التَّوَالِي فِي الْأَشْهُرِ، وَهُوَ الَّذِي عَنَاهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالصَّوَابُ اشْتِرَاطُ التَّوَالِي، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ2.
__________
1 بعدها في "ط": "أيام".
2 يأتي بعدها في النسخ الخطية: مسألة – 10 – وهي التي ستأتي برقم 11 في الصفحة 381.(1/373)
وَإِنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا وَلَمْ يَعُدْ أَوْ أَيِسَتْ قَبْلَ التَّكْرَارِ لَمْ تَقْضِ، وَيُحْتَمَلُ لُزُومُهُ، كَصَوْمِ النِّفَاسِ الْمَشْكُوكِ، لِقِلَّةِ مَشَقَّتِهِ، بِخِلَافِ صَوْمِ مُسْتَحَاضَةٍ فِي طُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ.
وَلَا عَادَةَ بِمَرَّةٍ "وهـ" وَلَوْ اتَّصَلَ بِهَا بَعْدَهَا تَبَعًا لَهَا "هـ" وَعَنْهُ لَا يَحْرُمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/374)
الْوَطْءُ، وَأَنَّهَا لَا تَغْتَسِلُ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ، وَعَنْهُ تَكُونُ حَيْضًا، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ "وش". وَإِنْ انْقَطَعَ دَمُهَا فِي عَادَتِهَا طَهُرَتْ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ الْوَطْءُ، وَخَرَّجَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ عَلَى رِوَايَتَيْنِ مِنْ الْمُبْتَدَأَةِ، فِي الِانْتِصَارِ هُوَ كَنَقَاءِ مُدَّةِ النِّفَاسِ فِي رِوَايَةٍ. وَفِي رِوَايَةٍ النِّفَاسُ آكَدُ، لِأَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ، فَلَا مَشَقَّةَ.
وَعَنْهُ يَجِبُ قَضَاءُ وَاجِبِ صَوْمٍ وَنَحْوِهِ إنْ عَادَ فِي الْعَادَةِ، وَإِنْ عَادَ فِيهَا جَلْسَتُهُ، وَعَنْهُ إنْ تَكَرَّرَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهُوَ الْغَالِبُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي الرِّوَايَةِ، لِأَنَّ التَّكْرَارَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي دَمِ النِّفَاسِ، وَفَرَّقَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/375)
بَيْنَهُمَا عَلَى الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْعَادَةَ تَثْبُتُ بِالْمُعَاوَدَةِ فَهِيَ آكَدُ، فَلَمْ تَنْتَقِلْ عَنْهَا، وَدَمُ النِّفَاسِ لَمْ يَثْبُتْ بِالْمُعَاوَدَةِ، فَهُوَ أَضْعَفُ، فَانْتَقَلَتْ عَنْهُ بِالطُّهْرِ الْمُتَخَلِّلِ، وَعَنْهُ هُوَ مَشْكُوكٌ فِيهِ كَدَمِ نُفَسَاءَ عَادَ.
وَالصُّفْرَةُ زَمَنَ الْعَادَةِ حَيْضٌ، وَعَنْهُ وَبَعْدَهَا "و" إنْ تَكَرَّرَ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، وَشَرَطَ جماعة اتصالها بالعادة، وذكر شيخنا وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا لَيْسَتْ حَيْضًا مُطْلَقًا، وَعَكْسُهُ.
وَمَنْ رَأَتْ دَمًا مُتَفَرِّقًا يَبْلُغُ مَجْمُوعُهُ أَقَلَّ الْحَيْضِ وَنَقَاءً فَالنَّقَاءُ طُهْرٌ. وَعَنْهُ أَيَّامُ الدَّمِ وَالنَّقَاءِ حَيْضٌ "وهـ ش"
وَقِيلَ إنْ تَقَدَّمَ مَا نَقَصَ عَلَى الْأَقَلِّ دَمٌ يَبْلُغُ الْأَقَلَّ فَهُوَ حَيْضٌ تَبَعًا لَهُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/376)
وَإِلَّا فَلَا.
وَمَتَى انْقَطَعَ قَبْلَ بُلُوغِ الْأَقَلِّ فَفِي وُجُوبِ الْغُسْلِ إذَنْ وَجْهَانِ "م 10".
وَإِنْ جَاوَزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ فَمُسْتَحَاضَةٌ، كَمَنْ تَرَى يَوْمًا دَمًا، وَيَوْمًا نَقَاءً، إلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَعِنْدَ الْقَاضِي كُلُّ مُلَفِّقَةٍ غَيْرُ مُعْتَادَةٍ لَمْ يَتَّصِلْ دمها المجاوز
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةُ – 10: قَوْلُهُ فِي الْمُلَفِّقَةِ: "وَمَتَى انْقَطَعَ قَبْلَ بُلُوغِ الْأَقَلِّ فَفِي وُجُوبِ الْغُسْلِ إذًا وَجْهَانِ" انْتَهَى. وَكَذَا قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَجِبُ كَمَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، وَالثَّالِثِ، وَكَمَا لَوْ كَانَتْ أَيَّامُ الدَّمِ، وَأَيَّامُ النَّقَاءِ صِحَاحًا، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي1 وَالشَّرْحِ2، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ، قَالَ الشَّارِحُ: فَإِنْ كَانَ الدَّمُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ مِثْلَ أَنْ تَرَى نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا، وَنِصْفًا طُهْرًا، أَوْ سَاعَةً، وَسَاعَةً، فَقَالَ أَصْحَابُنَا هُوَ كَالْأَيَّامِ، يُضَمُّ الدَّمُ إلَى الدَّمِ، فَيَكُونُ حَيْضًا وَمَا بَيْنَهُمَا طُهْرٌ، إذَا بَلَغَ الْمَجْمُوعُ أَقَلَّ الْحَيْضِ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، لَا يَكُونُ الدَّمُ حَيْضًا إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَهُ دَمٌ صَحِيحٌ مُتَّصِلٌ، انْتَهَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجِبُ حَتَّى يَمْضِيَ مِنْ الدَّمِ مَا يَكُونُ مَجْمُوعُهُ حَيْضًا، إذْ بِذَلِكَ يَتَيَقَّنُ وُجُوبَهُ، وَقَبْلَهُ يُحْتَمَلُ دَوَامُ الِانْقِطَاعِ، قَالَ في الرعاية الكبرى، وهو أولى.
__________
1 1/441.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/397.(1/377)
الْأَكْثَرَ بِدَمِ الْأَكْثَرِ فَالنَّقَاءُ بَيْنَهُمَا فَاصِلٌ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الزَّائِدَ اسْتِحَاضَةٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/378)
فَصْلٌ: الْمُسْتَحَاضَةُ
مَنْ جَاوَزَ دَمُهَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ، فَتَعْمَلُ بِعَادَتِهَا، فَإِنْ عَدِمَتْ فَبِتَمْيِيزِهَا، فَتَجْلِسُ زَمَنَ دَمٍ أَسْوَدَ، أَوْ ثَخِينٍ، أَوْ مُنْتِنٍ، إنْ بَلَغَ أَقَلَّ الْحَيْضِ وَلَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَهُ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي يُعْتَبَرُ اللَّوْنُ فَقَطْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/378)
وَعَنْهُ لَا تَبْطُلُ دَلَالَةُ التَّمْيِيزِ بِمُجَاوَزَةِ الْأَكْثَرِ، فَتَجْلِسُ الْأَكْثَرَ، فَعَلَى الْأَوَّلِ رَأَتْ أَحْمَرَ ثُمَّ أَسْوَدَ وَجَاوَزَ الْأَكْثَرَ جَلَسَتْ مِنْ الْأَحْمَرِ، وَقِيلَ مِنْ الْأَسْوَدِ، لِأَنَّهُ أَشْبَهَ بِدَمِ الْحَيْضِ، فَفِي التَّكْرَارِ وَجْهَانِ.
وَلَوْ رَأَتْ أَحْمَرَ سِتَّةَ عَشَرَ، ثُمَّ أَسْوَدَ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ جَلَسَتْ الْأَسْوَدَ، وَقِيلَ: وَمِنْ الْأَحْمَرِ أَقَلَّ الْحَيْضِ، لِإِمْكَانِ حَيْضَةٍ أُخْرَى.
وَلَا تَبْطُلُ دَلَالَةُ التَّمْيِيزِ بِزِيَادَةِ الدَّمَيْنِ عَلَى شهر، ولا يعتبر تكراره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ: "وَقِيلَ مِنْ الْأَسْوَدِ، لِأَنَّهُ أَشْبَهَ بِدَمِ الْحَيْضِ، فَفِي التَّكْرَارِ الْوَجْهَانِ"، يَعْنِي الْمَذْكُورَيْنِ فِي التَّمْيِيزِ، هَلْ يُشْتَرَطُ التَّكْرَارُ أَمْ لَا؟ وَهُوَ قَدْ صَحَّحَ عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ1.
__________
1 في النسخ الخطية: "التكرار"، والمثبت من "ط".(1/379)
فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا، وَعَنْهُ يُقَدَّمُ التَّمْيِيزُ عَلَى الْعَادَةِ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ "وش" وَعَنْهُ "هـ" لَا عِبْرَةَ بِالتَّمْيِيزِ، وَعَنْهُ "م" لَا عِبْرَةَ بِالْعَادَةِ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُبْهِجِ إنْ اجْتَمَعَا عُمِلَ بِهِمَا، إنْ أَمْكَنَ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ سَقَطَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/380)
وَإِنْ عُدِمَ التَّمْيِيزُ وَهِيَ مُبْتَدَأَةٌ جَلَسَتْ غَالِبَ الْحَيْضِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَتَجْتَهِدُ فِي السِّتِّ، وَالسَّبْعِ، وَقِيلَ تُخَيَّرُ، وَعَنْهُ أَقَلُّهُ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ "وش" وعنه أكثره "وهـ م" قَالَ "م" ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ إلَى انْقِضَاءِ مُدَّةِ الطُّهْرِ، فَإِنْ انْقَطَعَ قَبْلَهَا ثُمَّ رَأَتْهُ بَعْدَ مُضِيِّهَا فَحَيْضٌ مُسْتَأْنَفٌ، لِأَنَّ مُضِيَّ الْمُدَّةِ الْفَاصِلَةِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ تُوجِبُ أَنَّ الدَّمَ الثَّانِيَ حَيْضٌ، وَإِنْ اتَّصَلَ الدَّمُ بِهَا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ أَقَلِّ الطُّهْرِ: فَإِنْ كَانَ مُتَغَيِّرًا إلَى صِفَةِ دَمِ الْحَيْضِ فَحَيْضٌ مِنْ تَغَيُّرِهِ، سَوَاءً تَغَيَّرَ عِنْدَ مُضِيِّ أَقَلِّ الطُّهْرِ بِلَا فَصْلٍ، أَوْ بَعْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَاسْتِحَاضَةٌ حَتَّى يُوجَدَ التَّغَيُّرُ، فَلَا يُعْتَبَرُ التَّمْيِيزُ إلَّا بَعْدَ الْمُدَّةِ كَمَا ذَكَرَ.
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ رَابِعَةٌ تَجْلِسُ عَادَةَ نِسَائِهَا كَأُمٍّ وَأُخْتٍ، وَعَمَّةٍ، وَخَالَةٍ، قَالَ بَعْضُهُمْ: الْقُرْبَى، فَالْقُرْبَى، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ عَادَتُهُنَّ فَذَكَرَ الْقَاضِي تَجْلِسُ الْأَقَلَّ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي تَتَحَرَّى، وَقِيلَ: الْأَكْثَرُ "م 11".
فَإِنْ عُدِمَ الْأَقَارِبُ اُعْتُبِرَ الْغَالِبُ، زَادَ بَعْضُهُمْ مِنْ نِسَاءِ بلدها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةُ – 11: قَوْلُهُ فِي الْمُبْتَدَأَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَجْلِسُ عَادَةَ نِسَائِهَا: "فَإِنْ اخْتَلَفَتْ عَادَتُهُنَّ فَذَكَرَ الْقَاضِي تَجْلِسُ الْأَقَلَّ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي تَتَحَرَّى، وَقِيلَ الْأَكْثَرَ" انْتَهَى. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَتَبِعَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ عَادَةُ الْأَقَارِبِ فَوَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: تَجْلِسُ الْأَقَلَّ، وَالثَّانِي: الْأَقَلُّ وَالْأَكْثَرُ سَوَاءٌ فِي الرُّجُوعِ إلَيْهِ، حَكَاهُمَا الْقَاضِي انْتَهَيَا، وَحَكَى ابْنُ حَمْدَانَ الْخِلَافَ كَالْمُصَنِّفِ، أَحَدُهُمَا تَجْلِسُ الْأَقَلَّ، قَالَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت وَهُوَ الصَّوَابُ، احْتِيَاطًا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَجْلِسُ الْأَكْثَرَ وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ التَّحَرِّي، اخْتَارَهُ أبو المعالي، قلت وهو قوي.(1/381)
وَيُعْتَبَرُ تَكْرَارُ الِاسْتِحَاضَةِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ لَا: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، فَتَجْلِسُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَتْ نَاسِيَةً لِقَدْرِ الْعَادَةِ، أَوْ الْوَقْتِ، أَوْ لَهُمَا، فَكَذَلِكَ، إلَّا أَنَّ اسْتِحَاضَتَهَا لَا تَفْتَقِرُ إلَى تَكْرَارٍ فِي الْأَصَحِّ، وَالْمَشْهُورُ فِيهَا النَّقَاءُ، رِوَايَةً الْأَكْثَرُ، وَعَادَةُ نِسَائِهَا.
وَمَذْهَبُ "هـ" تَجْلِسُ أَقَلَّ الْحَيْضِ بِالتَّحَرِّي، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ تَجْلِسُهُ، لَكِنْ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ هِلَالِيٍّ، وَلَنَا الْوَجْهَانِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ "م" لَا تَحِيضُ أَصْلًا، بَلْ يَخْتَلِطُ فَتُصَلِّي أَبَدًا، تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ مَعَ النَّاسِ، فَيَصِحُّ لَهَا بِيَقِينٍ عِنْدَ أكثر1 الشَّافِعِيَّةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، إنْ كَانَ نَاقِصًا، وَإِلَّا أَرْبَعَةَ عَشَرَ ...
وَلَهُمْ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ وَجْهَانِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الترجيح. فتغتسل للظهر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ط".(1/382)
أَوَّلَ وَقْتِهَا وَتُصَلِّيهَا فِيهِ، ثُمَّ لِلْعَصْرِ كَذَلِكَ، ثُمَّ لِلْمَغْرِبِ كَذَلِكَ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَقْتَ الْمَغْرِبِ غُسْلَيْنِ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَتُعِيدُهُمَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ لِلْعِشَاءِ أَوَّلَ وَقْتِهَا وَتُصَلِّيهَا فِيهِ، ثُمَّ الْفَجْرِ كَذَلِكَ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ غُسْلَيْنِ لِلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَقْتَ الْفَجْرِ وَتُعِيدُهُمَا، فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ اغْتَسَلَتْ وَقَضَتْ الْفَجْرَ.
وَلَا تَقْرَأُ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَلَا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ، وَلَا تَمَسُّ الْمُصْحَفَ، وَلَهُمْ فِي نَفْلِ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَطَوَافٍ وَجْهَانِ.
وَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا، وَعِنْدَ مَالِكٍ لَا لِلْمَشَقَّةِ.
وَإِنْ نَسِيَتْ وَقْتَهَا خَاصَّةً جَلَسَتْ أَوَّلَ كُلِّ شَهْرٍ هِلَالِيٍّ، لِخَبَرِ حَمْنَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا1، وَلِأَنَّهُ الْغَالِبُ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَلَمْ يُفَرِّقُوا.
وَقِيلَ تَجْلِسُ مِنْ تَمْيِيزٍ لَا يُعْتَدُّ بِهِ إنْ كَانَ، لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِدَمِ حَيْضٍ، وَقِيلَ تَتَحَرَّى، لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْهِلَالِ فِي أَمْرِ الْحَيْضِ بِوَجْهٍ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ إنْ ذَكَرَتْ أَوَّلَ الدَّمِ كَمُعْتَادَةٍ انْقَطَعَ حَيْضُهَا أَشْهُرًا ثُمَّ جَاءَ الدَّمُ خَامِسَ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ مَثَلًا وَاسْتَمَرَّ وَقَدْ نَسِيَتْ الْعَادَةَ فَالْوَجْهَانِ الْأَخِيرَانِ.
وَالثَّالِثُ تَجْلِسُ مَجِيءَ الدَّمِ مِنْ خَامِسِ كُلِّ شَهْرٍ، قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ "لأنه عليه الصلاة والسلام أَمَرَ حَمْنَةَ ابْتِدَاءً بِجُلُوسِ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ، ثم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 لعله يريد حديثها الطويل: يا رسول الله، إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فما ترى فيها؟ قد منعتني الصلاة والصيام ... الحديث، وفيه: " ... فصلى ثلاثاً وعشرين ليلة أو أربعاً وعشرين ليلة وأيامها ... " أخرجه أبو داود "287"، والترمذي "128".(1/383)
تَصُومُ، وَتُصَلِّي ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ، أَوْ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ، وَقَالَ: "فَافْعَلِي فِي كُلِّ شَهْرٍ كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ، وَكَمَا يَطْهُرْنَ" 1.
وَلَيْسَ حَيْضُ النِّسَاءِ عِنْدَ رُءُوسِ الْأَهِلَّةِ غَالِبًا فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ الشَّهْرَ الْعَدَدِيَّ، وَأَنَّهُ أَمَرَهَا بِالْحَيْضِ مِنْ الْأَوَّلِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: "إذَا رَأَيْت أَنْ قَدْ طَهُرْت" 1 رَاجِعًا إلَى السِّتِّ أَوْ السَّبْعِ، لِأَنَّ دَمَ الْحَيْضِ هُوَ الْأَصْلُ، وَرُبَّمَا انْقَطَعَ الدَّمُ بَعْدَهُ فَيُفْضِي التَّأْخِيرُ إلَى تَرْكِ إجْلَاسِهَا أَصْلًا، وَلِهَذَا ذَهَبَ "هـ وش" إلَى أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِمُتَحَيِّرَةٍ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ، وَحَيْضُهَا فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا سُلُوكِ الْيَقِينِ عند الشافعي كما قالا في غيرها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 تقدم تخريجه في الصفحة السابقة.(1/384)
وَمَتَى تَعَذَّرَ التَّحَرِّي بِأَنْ يَتَسَاوَى عِنْدَهَا الْحَالُ وَلَمْ تَظُنَّ شَيْئًا، أَوْ تَعَذَّرَ الْأَوَّلِيَّةُ عَمِلَتْ بِالْآخَرِ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إنْ تَعَذَّرَ التَّحَرِّي عَمِلَتْ بِالْيَقِينِ كَالشَّافِعِيِّ وَلَمَّا ذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي الْوَجْهَيْنِ فِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ، أَوْ التَّحَرِّيَ قَالَ: وَهَذَا إذَا لَمْ تَعْرِفْ ابْتِدَاءَ الدَّمِ، فَإِنْ عَرَفَتْ فَهُوَ أَوَّلُ دُورِهَا وَجَعَلْنَاهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، لِأَنَّهُ الْغَالِبُ قَالَ: وَإِنْ لَمْ تَذْكُرْ ابْتِدَاءً الدَّمِ لَكِنْ تَذَكَّرَتْ أَنَّهَا كَانَتْ طَاهِرَةً فِي وَقْتٍ جَعَلْنَا ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا عَقِبَ ذَلِكَ الطُّهْرِ.
وَمَتَى ضَاعَتْ أَيَّامُهَا فِي مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ فَمَا عَدَا الْمُدَّةَ طُهْرٌ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ أَيَّامُهَا نِصْفَ الْمُدَّةِ فَأَقَلُّ فَحَيْضُهَا بِالتَّحَرِّي أَوْ مِنْ أَوَّلِهَا، وَإِنْ زَادَتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/385)
ضم الزائد إلى مثله مما1 قبله فهو حيض بيقين، وإن شئت2 أُسْقِطَ الزَّائِدُ عَلَى أَيَّامِهَا مِنْ آخِرِ الْمُدَّةِ، وَمِثْلُهُ مِنْ أَوَّلِهَا، فَمَا بَقِيَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ، وَالشَّكُّ فِيمَا بَقِيَ.
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي فِي شَرْحِهِمَا فِيمَنْ عَلِمَتْ قَدْرَ الْعَادَةِ فَقَطْ: لَمْ تَجْلِسْ وَتَغْتَسِلْ كُلَّمَا مَضَى قَدْرُهَا، وَتَقْضِي مِنْ رَمَضَانَ بِقَدْرِهَا وَالطَّوَافِ، وَلَا تُوطَأُ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ رِوَايَةً لَا تَجْلِسُ شَيْئًا. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ إنْ تَعَذَّرَ التَّحَرِّي وَالْأَوَّلِيَّةُ بِأَنْ قَالَتْ حَيْضَتِي خَمْسَةُ أَيَّامٍ فِي كُلِّ عِشْرِينَ يَوْمًا، وَلَمْ تَذْكُرْ أَوَّلَ الدَّمِ، وَلَمْ تَظُنَّ شَيْئًا عَمِلَتْ بِالْيَقِينِ فِي مَذْهَبِ "هـ وش" كَمَا سَبَقَ قَالَ: وَلَا أَعْرِفُ لِأَصْحَابِنَا فِيهَا كَلَامًا، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ لَا يَلْزَمُهَا طَرِيقُ الْيَقِينِ.
وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَقْضِي مِنْهُ قَدْرَ حَيْضِهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ، وَتُصَلِّي أَبَدًا، فَتَغْتَسِلُ فِي الْحَالِ غُسْلًا، ثُمَّ عَقِبَ انْقِضَاءِ قَدْرِ حَيْضِهَا غُسْلًا ثَانِيًا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط": "فما".
2 في "ط": "نسيت".(1/386)
وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ فِيمَا بَيْنَهُمَا، وَفِيمَا بَعْدَهُمَا بِقَدْرِ مُدَّةِ طُهْرِهَا إنْ ذَكَرَتْهُ، وَإِلَّا جُعِلَ قَدْرُ طُهْرِهَا تَمَامَ شَهْرٍ، لِأَنَّهُ الْغَالِبُ، وَإِذَا انْقَضَتْ لَزِمَهَا غُسْلَانِ بَيْنَهُمَا قَدْرُ الْحَيْضَةِ هَكَذَا أَبَدًا، كُلَّمَا مَضَى قَدْرُ الطُّهْرِ اغْتَسَلَتْ غُسْلَيْنِ بَيْنَهُمَا قَدْرُ الْحَيْضَةِ؛ بِكَذَا قَالَ: وَالْمَعْرُوفُ خِلَافُهُ.
وَمَا جَلَسَتْهُ النَّاسِيَةُ فِي الْحَيْضِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ كَالْحَيْضِ يَقِينًا، وَمَا زَادَ عَلَى مَا تَجْلِسُهُ إلَى الْأَكْثَرِ قِيلَ: كَمُسْتَحَاضَةٍ، وَقِيلَ: طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فيه "م 12" وهو كيقين الطهر، وَجَزَمَ الْأَزَجِيُّ بِمَنْعِهَا مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِتَرْكِهِ إثم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةُ1 - 12: قَوْلُهُ: "وَمَا جَلَسَتْهُ النَّاسِيَةُ مِنْ الْحَيْضِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ كَالْحَيْضِ يَقِينًا وَمَا زَادَ عَلَى مَا تَجْلِسُهُ إلَى الْأَكْثَرِ قِيلَ كَمُسْتَحَاضَةٍ، وَقِيلَ طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ" انْتَهَى.
أَحَدُهُمَا: هُوَ كَالطُّهْرِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: هُوَ طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الطُّهْرِ بِيَقِينٍ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ، إلَّا فِي جَوَازِ وَطْئِهَا، فَإِنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَالْحَيْضُ وَالطُّهْرُ مَعَ الشَّكِّ كَالْمُتَيَقَّنِ فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ وَيَجِبُ وَيَسْقُطُ. وَقَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَإِنْ قلنا تجلس الأقل والغالب
__________
1 هذه المسألة بكاملها ليست في النسخ الخطية، وهي من المطبوع.(1/387)
كَمَسِّ مُصْحَفٍ، وَدُخُولِ مَسْجِدٍ، وَقِرَاءَةٍ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَنَفْلِ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَنَحْوِهِ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ وَسُنَّةُ صَلَاةٍ رَاتِبَةٍ، وَقِيلَ: تَقْضِي مَا صَامَتْهُ فِيهِ، وَقِيلَ: وَيَحْرُمُ وَطْءٌ فِيهِ، وَقِيلَ بِهِ فِي مُبْتَدَأَةٍ اسْتَحَاضَتْ وَقُلْنَا لَا تَجْلِسُ الْأَكْثَرَ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ خَبَرُ حَمْنَةَ1، وَكَالْمُبْتَدَأَةِ وَالْمُعْتَادَةِ، فَإِنَّ الشَّكَّ قَائِمٌ فِي حَقِّهَا، وَلِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ تَطُولُ مُدَّتُهَا غَالِبًا وَلَا غَايَةَ لِانْقِطَاعِهَا تُنْتَظَرُ، فَتَعْظُمُ مَشَقَّةُ الْقَضَاءِ، بِخِلَافِ النِّفَاسِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ، عَلَى رِوَايَةٍ، لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ غَالِبًا، بِخِلَافِ مَا زَادَ عَلَى الْأَقَلِّ فِي الْمُبْتَدَأَةِ وَلَمْ يُجَاوِزْ الْأَكْثَرَ، وَعَلَى عادة المعتادة لانكشاف أمره قريبا بالتكرار.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
فَبَقِيَّةُ زَمَنِ الشَّكِّ طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي2 وَالشَّرْحِ3 وَغَيْرِهِمَا: حُكْمُ الْحَيْضِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ حُكْمُ الْمُتَيَقَّنِ فِي تَرْكِ الْعِبَادَاتِ، وَحُكْمُ الطُّهْرُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ حُكْمُ الطُّهْرِ فِي وُجُوبِ الْعِبَادَاتِ، انْتَهَى. قُلْت وَهَذَا الْقَوْلُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: حُكْمُهُمَا حُكْمُ الْمُسْتَحَاضَةِ.
__________
1 سبق في ص 383.
2 1/407.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/434.(1/388)
فَصْلٌ: وَتَغْسِلُ الْمُسْتَحَاضَةُ فَرْجَهَا وَتَعْصِبُهُ،
وَلَا يَلْزَمُهَا إعَادَةُ شَدِّهِ، وَغَسْلُ الدَّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ "وهـ" وَقِيلَ بَلَى "وش" وَقِيلَ: إنْ خَرَجَ شَيْءٌ.
وَتَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ، إلَّا أَنْ لَا يَخْرُجَ شَيْءٌ، نَصَّ عَلَيْهِ فِيمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ وَقِيلَ: يَجِبُ وَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ "وش".
وَتُصَلِّي مَا شَاءَتْ، وَعَنْهُ تَبْطُلُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/388)
وعنه بخروجه،. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/389)
وَعَنْهُ لَا تَجْمَعُ بَيْنَ فَرْضَيْنِ "وش" أَطْلَقَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ، وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/390)
الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ وَقَيَّدَهَا بَعْضُهُمْ بِوُضُوءٍ لِلْأَمْرِ بِوُضُوءٍ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَلِخِفَّةِ عُذْرِهَا، فَإِنَّهَا لَا تُفْطِرُ، وَتُصَلِّي قَائِمَةً بِخِلَافِ الْمَرِيضِ، قَالَ1 فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ: تَجْمَعُ بِالْغُسْلِ لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ فِيهِ، وَفِي جَامِعِهِ1 الْكَبِيرِ تَجْمَعُ وَقْتَ الثَّانِيَةِ، وَتُصَلِّي عقب طهرها، ولها التأخير، وقيل لمصلحة "وش".
وَإِنْ كَانَتْ لَهَا عَادَةٌ بِانْقِطَاعِهِ زَمَنًا يَتَّسِعُ لِلْفِعْلِ فِيهِ تَعَيَّنَ، وَإِنْ عَرَضَ هَذَا الِانْقِطَاعُ لِمَنْ عَادَتُهَا الِاتِّصَالُ فَفِي بَقَاءِ طَهَارَتِهَا وَجْهَانِ "م 13".
وَعَنْهُ لَا عِبْرَةَ بِانْقِطَاعِهِ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، وَمِثْلُهَا مَنْ بِهِ حَدَثٌ دَائِمٌ كَرُعَافٍ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَحْتَشِيَ، نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَهُ ابْنُ هانئ لا "وش".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةُ- 13: قَوْلُهُ فِي طَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ: "وَإِنْ كَانَ لها عادة بانقطاعه زمنا يتسع للفعل فيه تَعَيَّنَ، وَإِنْ عَرَضَ هَذَا الِانْقِطَاعُ لِمَنْ عَادَتُهَا الِاتِّصَالُ، فَفِي بَقَاءِ طَهَارَتِهَا وَجْهَانِ" انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُغْنِي2 وَالشَّرْحِ3: طَهَارَتُهَا صَحِيحَةٌ وَفِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ؟: قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: لَمْ تَبْطُلْ الطَّهَارَةُ وَالصَّلَاةُ، وَقِيلَ تَبْطُلَانِ. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَطَهَارَتُهَا صَحِيحَةٌ، وَفِي الصَّلَاة وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا لَا يَصِحُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فَطَهَارَتُهَا صَحِيحَةٌ وَتَجِبُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَكَذَا قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ فَهَؤُلَاءِ الْأَصْحَابُ يَقُولُونَ: طَهَارَتُهَا صَحِيحَةٌ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي إعَادَةِ الصَّلَاةِ، وَالْمُصَنِّفُ جَعَلَ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي بَقَاءِ الطَّهَارَةِ، وَمَنْ لَازَمَهُ الْخِلَافُ فِي الصَّلَاةِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ دَامَ الِانْقِطَاعُ عَلَى خِلَافِ عَادَتِهَا فَفِي إعَادَةِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَجْهَانِ، وَكَلَامُ ابْنِ رَزِينٍ الْمُتَقَدِّمُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَالصَّحِيحُ إعَادَةُ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أعلم.
__________
1 يعني القاضي أبا يعلى.
2 1/425.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 2/465.(1/391)
وَلَوْ قَدَرَ عَلَى حَبْسِهِ1 حَالَ الْقِيَامِ لَا حَالَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ رَكَعَ وَسَجَدَ نَصَّ عَلَيْهِ، كَالْمَكَانِ النَّجَسِ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يُومِئَ، جَزَمَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي لِأَنَّ فَوَاتَ الشَّرْطِ لَا بَدَلَ لَهُ، قَالَ: وَلَوْ امْتَنَعَتْ الْقِرَاءَةُ أَوْ لَحِقَهُ السَّلَسُ إنْ صَلَّى قَائِمًا صَلَّى قَاعِدًا، قَالَ: وَلَوْ كَانَ لَوْ قَامَ أَوْ قَعَدَ لَمْ يَحْبِسْهُ، وَلَوْ اسْتَلْقَى حَبَسَهُ صَلَّى قَائِمًا، أَوْ قَاعِدًا، لِأَنَّ الْمُسْتَلْقِيَ لَا نَظِيرَ لَهُ اخْتِيَارًا.
وله وطء المستحاضة خوف العنت مِنْهَا، أَوْ مِنْهُ، وَقِيلَ: وَعَدَمُ الطَّوْلِ، وَيَحْرُمُ مَعَ عَدَمِ الْعَنَتِ، اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا، وَقِيلَ: وَيُكَفِّرُ وَعَنْهُ يُكْرَهُ "وش" وَعَنْهُ يُبَاحُ "وهـ م".
وَلَهَا شُرْبُ دَوَاءٍ مُبَاحٍ لِقَطْعِ الْحَيْضِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: بِإِذْنِ زَوْجٍ كَالْعَزْلِ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي بَعْضِ جَوَابِهِ.
وَالزَّوْجَةُ تَسْتَأْذِنُ زَوْجَهَا، وَيُتَوَجَّهُ يُكْرَهُ، وَفِعْلُهُ ذَلِكَ بِهَا بِلَا علم يتوجه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 يعني: الحدث الدائم كالرعاف.(1/392)
تَحْرِيمُهُ، لِإِسْقَاطِ حَقِّهَا مُطْلَقًا، مِنْ النَّسْلِ الْمَقْصُودِ، ويتوجه في الكافور ونحوه كقطع1 الْحَيْضِ.
وَيَجُوزُ شُرْبُهُ لِإِلْقَاءِ نُطْفَةٍ، ذَكَرَهُ فِي الْوَجِيزِ. وَفِي أَحْكَامِ النِّسَاءِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ مُحَرَّمٌ.
وَفِي فُنُونِ ابْنِ عَقِيلٍ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْعَزْلِ، فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ الْمَوْءُودَةُ، لِأَنَّهُ يَقْطَعُ النَّسْلَ، فَأَنْكَرَ عَلِيٌّ ذَلِكَ، وَقَالَ: إنَّمَا الْمَوْءُودَةُ بَعْدَ التَّارَاتِ السَّبْعِ وَتَلَا: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ} – إلَى - {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ} [المؤمنون: 14] قَالَ: وَهَذَا مِنْهُ فِقْهٌ عَظِيمٌ، وَتَدْقِيقٌ حَسَنٌ حَيْثُ سمع {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:9] . وَكَانَ يَقْرَأُ "سَأَلَت بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَت"2 وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِالْحَالِ، وَأَبْلُغُ فِي التَّوْبِيخِ، وَهَذَا لِمَا حَلَّتْهُ الرُّوحُ، لِأَنَّ مَا لَمْ تَحُلَّهُ الرُّوحُ لَا يُبْعَثُ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ لَا يَحْرُمُ إسْقَاطُهُ، وَلَهُ وَجْهٌ.
وَيَجُوزُ لِحُصُولِ الْحَيْضِ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا إلَّا قُرْبَ رَمَضَانَ لتفطره، ذكره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط": "لقطع".
2 "البحر المحيط" 8/433، و"معجم القراءات القرآنية" للدكتور أحمد مختار عمر والدكتور عبد العال سالم مكرم 8/82 -83.(1/393)
أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ.
وَمَنْ اسْتَمَرَّ دَمُهَا يَخْرُجُ مِنْ فَمِهَا بِقَدْرِ الْعَادَةِ فِي وَقْتِهَا وَوَلَدَتْ فَخَرَجَتْ الْمَشِيمَةُ وَدَمُ النِّفَاسِ مِنْ فَمِهَا فَغَايَتُهُ نَقْضُ الْوُضُوءِ، لِأَنَّا لَا نَتَحَقَّقُهُ حَيْضًا كَزَائِدٍ عَلَى الْعَادَةِ، وَكَمَنِيٍّ خَرَجَ مِنْ غَيْرِ مَخْرَجِهِ ذكره في الفنون.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/394)
فصل: لَا حَدَّ لِأَقَلِّ النِّفَاسِ
"و" وَعَنْهُ يَوْمٌ، وَأَكْثَرُهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا "وهـ" وَعَنْهُ سِتُّونَ "وم ش" وَإِنْ جَاوَزَ أَكْثَرَهُ وَصَادَفَ عَادَةَ حَيْضِهَا وَلَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَهُ فَحَيْضٌ، وَإِلَّا فَاسْتِحَاضَةٌ إنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ.
وَلَا تَدْخُلُ الِاسْتِحَاضَةُ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ "هـ ش" وَأَوَّلُ مُدَّتِهِ مِنْ الْوَضْعِ "و" إلَّا أَنْ تَرَاهُ قَبْلَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ بِأَمَارَةٍ، وَعَنْهُ بِيَوْمَيْنِ فَنِفَاسٌ، وَلَا تُحْسَبُ مِنْ الْمُدَّةِ نَصَّ عَلَيْهِ "وهـ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/394)
وَيَثْبُتُ حُكْمُهُ بِوَضْعِ شَيْءٍ فِيهِ خَلْقُ إنْسَانٍ، نص عليه "وهـ" وعنه ومضغة "وش" وَعَنْهُ وَعَلَقَةٌ، وَقِيلَ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهَا رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ مِنْ الْعِدَّةِ وَغَيْرِهَا.
وَالنَّقَاءُ مِنْ النِّفَاسِ طُهْرٌ، وَيُكْرَهُ وَطْؤُهَا، وَعَنْهُ لَا، وَعَنْهُ يَحْرُمُ "خ" وَقِيلَ، مَعَ عَدَمِ الْعَنَتِ، وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ دَمِ الْمُبْتَدَأَةِ إذَا انْقَطَعَ بِأَنَّ تَحْرِيمَ النِّفَاسِ آكَدُ، لِأَنَّ أَكْثَرَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَكْثَرِ الْحَيْضِ، فَجَازَ أَنْ يَلْحَقَهُ التَّغْلِيظُ فِي الِامْتِنَاعِ، مِنْ الْوَطْءِ فِي الطُّهْرِ.
وَإِنْ عَادَ الدَّمُ فِي الْأَرْبَعِينَ فَالنَّقَاءُ طُهْرٌ عَلَى الْأَصَحِّ "هـ ش" وَالْعَائِدُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، كَمَا لَوْ لَمْ تَرَهُ ثُمَّ رَأَتْهُ فِي الْمُدَّةِ فِي الْأَصَحِّ، تَتَعَبَّدُ وَتَقْضِي واجب صوم ونحوه، ولا يأتيها زوجها، وفي غُسْلِهَا لِكُلِّ صَلَاةٍ رِوَايَتَانِ "م 14" وَعَنْهُ هُوَ نفاس "وهـ وش" إن نقص النقاء عن طهر كامل "وم" إن عاد بعد ثلاثة أيام فأقل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةُ- 14: قَوْلُهُ فِي النِّفَاسِ: "وَإِنْ عَادَ النِّفَاسُ فِي الْأَرْبَعِينَ ... فَالْعَائِدُ مَشْكُوكٌ فِيهِ نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، تَتَعَبَّدُ وَتَقْضِي وَاجِبَ صَوْمٍ، وَنَحْوَهُ، وَلَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَفِي غُسْلِهَا لِكُلِّ صَلَاةٍ رِوَايَتَانِ" انْتَهَى.
لَمْ أَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِعَيْنِهَا فِي كَلَامِ مَنْ اطَّلَعْت عَلَى كَلَامِهِ وَقَدْ تُشْبِهُ مَسْأَلَةَ الِاسْتِحَاضَةِ، فَإِنَّ دَمَ هَذِهِ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وكذلك تلك، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا الدَّمَ أَقْرَبُ إلَى كَوْنِهِ دَمَ نِفَاسٍ مِنْ دَمِ الْمُسْتَحَاضَةِ، فَإِنَّ الدَّمَ الَّذِي لَمْ يُجْلِسْهَا فِيهِ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ حَيْضٌ، لَكِنَّ احْتِمَالَ عَدَمِهِ أَقْوَى، لِأَنَّنَا قَدْ جَعَلْنَا لِوَقْتِ جُلُوسِهَا عَلَامَةً فِي غَالِبِ أَحْوَالِهَا، وَأَيْضًا الدَّمُ الْعَائِدُ مِنْ النُّفَسَاءِ عَائِدٌ فِي وَقْتِهِ قَطْعًا.
إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي وُجُوبِ غُسْلِ الْمُسْتَحَاضَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَاَلَّتِي عَلَيْهَا الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بَلْ يُسْتَحَبُّ وَلَنَا رِوَايَةٌ بِالْوُجُوبِ فَمَسْأَلَتُنَا إنْ جَعَلْنَاهَا كَهَذِهِ فَيَكُونُ الْخِلَافُ فِي الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ، قُلْت وَهُوَ بَعِيدٌ جدا(1/395)
وَالنِّفَاسُ كَالْحَيْضِ "و" وَفِي وَطْئِهَا مَا فِي وَطْءِ حَائِضٍ نَقَلَهُ حَرْبٌ، وَقَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ.
وَقِيلَ تَقْرَأُ، وَنَقَلَ ابْنُ تَوَّابٍ1: تَقْرَأُ إذَا انْقَطَعَ الدَّمُ اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَالْمَذْهَبُ إنْ صَارَتْ نُفَسَاءَ بِتَعَدِّيهَا لَمْ تَقْضِ، لِأَنَّ وُجُودَ الدَّمِ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ مِنْ جِهَتِهَا، فَقِيلَ لِلْقَاضِي وَغَيْرِهِ: وَخَوْفُ التَّلَفِ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ لَيْسَ مَعْصِيَةً مِنْ جِهَتِهِ، فَقَالَ: إلَّا أَنَّهُ يُمْكِنُهُ قَطْعُهُ، وَالنِّفَاسُ لَا يُمْكِنُهُ كَالسُّكْرِ يُعَلَّقُ عَلَيْهِ حُكْمٌ بِسَبَبِهِ وَهُوَ الشُّرْبُ، وَإِنْ كَانَ حَدَثَ بِغَيْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
لِكَوْنِ الْمُصَنِّفِ أَطْلَقَ الْخِلَافَ هُنَا وَقَدَّمَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ الِاسْتِحْبَابَ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَوْ نَقُولُ الْخِلَافَ فِي الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ مَعَ قُوَّةِ الْخِلَافِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلَيْسَتْ كَالْمُسْتَحَاضَةِ، وَهُوَ أَوْلَى لِمَا تَقَدَّمَ، فَعَلَى هَذَا الصَّوَابُ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الِاسْتِحْبَابِ وَعَدَمِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، فَعَلَى هَذَا يَقْوَى الِاسْتِحْبَابُ. فَهَذِهِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً قَدْ يَسَّرَ اللَّهُ الْكَرِيمَ بِتَصْحِيحِهَا، فَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ عَلَى ذَلِكَ.
__________
1 تقدمت ترجمته ص 202.(1/396)
فِعْلِهِ، إلَّا أَنَّ سَبَبَهُ مِنْ جِهَتِهِ، فَهُمَا سَوَاءٌ كَذَا قَالَ.
وَقَالَ أَيْضًا: السُّكْرُ جُعِلَ شَرْعًا كَمَعْصِيَةٍ مُسْتَدَامَةٍ يَفْعَلُهَا شَيْئًا فَشَيْئًا بِدَلِيلِ جَرَيَانِ الْإِثْمِ وَالتَّكْلِيفِ وَلِأَنَّ الشُّرْبَ يُسْكِرُ غَالِبًا، فأضيف إليه، كالقتل يحصل مَعَهُ خُرُوجُ الرُّوحِ فَأُضِيفَ إلَيْهِ، وَأَجَابَ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ فِي تَخْلِيلِ الْخَمْرِ بِأَنَّ الْعَاقِلَ لَا يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَيُدْخِلُ عَلَيْهَا الْأَلَمَ لِيُسْقِطَ عَنْهُ الصَّلَاةَ وَالْقِيَامَ.
وَإِنْ وَضَعَتْ تَوْأَمَيْنِ فَأَوَّلُ النِّفَاسِ وَآخِرُهُ مِنْ الْأَوَّلِ "وهـ م" فَلَوْ كان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/397)
بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ فَلَا نِفَاسَ لِلثَّانِي1 فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ1. نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ تَبْدَؤُهُ بِنِفَاسٍ، اخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَالْأَزَجِيُّ، وَقَالَ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ، وَعَنْهُ أَوَّلُهُ مِنْ الْأَوَّلِ، وَآخِرُهُ مِنْ الثاني، 2 فتبدأ الثاني بنفاس2، وَعَنْهُ: هُمَا مِنْ الثَّانِي، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ كَالرِّوَايَاتِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
2 ليست في "ط".(1/398)
كتاب الصلاة
مدخل
معناها لغة واصطلاحا
...
كتاب الصلاة
وَهِيَ لُغَةً: الدُّعَاءُ، وَشَرْعًا أَفْعَالٌ وَأَقْوَالٌ مَخْصُوصَةٌ: سُمِّيَتْ صَلَاةً لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الدُّعَاءِ، هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهَا ثَانِيَةٌ لِشَهَادَةِ التَّوْحِيدِ، كَالْمُصَلِّي مِنْ السَّابِقِ فِي الْخَيْلِ، وَقِيلَ: لِرَفْعِ الصَّلَا؛ وَهُوَ مَغْرَزُ الذَّنَبِ مِنْ الْفَرَسِ، وَقِيلَ: أَصْلُهَا الْإِقْبَالُ عَلَى الشَّيْءِ، وَقِيلَ مِنْ صَلَّيْت الْعُودَ إذَا لَيَّنْته: وَالْمُصَلِّي يَلِينُ وَيَخْشَعُ.
وَفُرِضَتْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَهُوَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِنَحْوِ خَمْسِ سِنِينَ، وَقِيلَ بِسِتٍّ، وَقِيلَ: بَعْدَ الْبَعْثَةِ بِنَحْوِ سَنَةٍ، وقَوْله تعالى في آل حم1: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْأِبْكَارِ} [غافر: 55] وَالْمُرَادُ بِهِ الصَّلَوَاتُ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ2 وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: صَلَاتَا الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ، وَعَنْ الْحَسَنِ رَكْعَتَانِ قَبْلَ فَرْضِ الصَّلَوَاتِ رَكْعَتَانِ بُكْرَةً، وَرَكْعَتَانِ عَشِيَّةً، وَكَذَا قَالَ إبْرَاهِيمُ الْخِرَقِيُّ: كَانَ قَبْلَ الْإِسْرَاءِ صَلَاةٌ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَصَلَاةٌ قَبْلَ غُرُوبِهَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 آل حم: سور في القرآن، قال ابن مسعود رضي الله عنه: آل حم ديباج القرآن. قال الفراء: إنما هو كقولك: آل فلان، كأنه نسب السور كلها إلى حم. "الصحاح": "حم".
2 تفيسر البغوي 4/101.(1/401)
حكمها وعلى من تجب
...
وَهِيَ فَرْضُ عَيْنٍ
يَلْزَمُ كُلَّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ غَيْرَ حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ "ع" فِي الْكُلِّ، وَيَقْضِي الْمُرْتَدُّ "وش" وَعَنْهُ لَا "وهـ م" كَأَصْلِيٍّ1 "ع" وَالْمَذْهَبُ قَضَاءُ مَا تَرَكَهُ قَبْلَ رِدَّتِهِ، لَا زَمَنَهَا، وَفِي خِطَابِهِ بِالْفُرُوعِ رِوَايَتَا أَصْلِيٍّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أي: ككافر أصلي.(1/401)
وَإِنْ طَرَأَ جُنُونٌ قَضَى، لِأَنَّ عَدَمَهُ رُخْصَةٌ تَخْفِيفًا، وَقِيلَ: لَا، كَحَيْضٍ، وَالْخِلَافُ فِي زَكَاةٍ "ق"1 إنْ بَقِيَ مِلْكُهُ، وَصَوْمٍ وَحَجٍّ، فَإِنْ لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ أَخَذَهَا الْإِمَامُ وَيَنْوِيهَا لِلتَّعَذُّرِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قُرْبَةً كَسَائِرِ الْحُقُوقِ الْمُمْتَنِعِ مِنْهَا، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ.
وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ أَخْذِ الْإِمَامِ أجزأته ظاهرا، وفيه باطنا وجهان "م 1"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةُ – 1: قَوْلُهُ فِي الْمُرْتَدِّ: إذَا أَخَذَ الْإِمَامُ الزَّكَاةَ مِنْهُ وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ أَخْذِ الْإِمَامِ أَجْزَأَتْهُ ظَاهِرًا وَفِيهِ بَاطِنًا وَجْهَانِ انْتَهَى.
لَمْ أَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ صَرِيحًا وَلَكِنْ لَهَا نَظَائِرُ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ فِي بَابِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ وَلَا تُجْزِئُ نِيَّةُ الْإِمَامِ عَنْ نِيَّةِ رَبِّ الْمَالِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعًا، فَيُجْزِئُ فِي الظاهر، وفي
__________
1 ليست في الأصل.(1/402)
وَقِيلَ: إنْ أَسْلَمَ قَضَاهَا عَلَى الْأَصَحِّ.
وَلَا يُجْزِئُهُ إخْرَاجُهُ زَمَنَ كُفْرِهِ "ش" زَادَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَقِيلَ وَلَا قَبْلَهُ، وَلَمْ يَنْقَطِعْ حَوْلُهُ بِرِدَّتِهِ فِيهِ، وَإِلَّا انْقَطَعَ.
وَفِي بُطْلَانِ اسْتِطَاعَةِ قَادِرٍ عَلَى الْحَجِّ بِرِدَّتِهِ وَوُجُوبُهُ بِاسْتِطَاعَتِهِ فَقَطْ فِي رِدَّتِهِ الرِّوَايَتَانِ، وَمَذَاهِبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ عَلَى أصلهم السابق، وَلَا يَلْزَمُ1 إعَادَةُ حَجٍّ فَعَلَهُ قَبْلَ رِدَّتِهِ في رواية "وش" وعنه يلزمه "م 2" "وهـ م"2 قِيلَ لِحُبُوطِ الْعَمَلِ، وَقِيلَ: لَا، كَإِيمَانِهِ، فإنه لا يبطل، ويلزمه ثانيا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْبَاطِنِ وَجْهَانِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَيُجْزِئُ الْمَالِكَ أَخْذُ الْإِمَامِ الْمُسْلِمِ لَهَا فِي الْأَظْهَرِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ بَلْ مَعَ نِيَّةِ رَبِّهَا وَكَمَا لَوْ بَذَلَهَا طَوْعًا وَقِيلَ يُجْزِئُ الْمُمْتَنِعَ نِيَّةُ الْإِمَامِ وَحْدَهُ فِي الظَّاهِرِ. وَقِيلَ وَالْبَاطِنِ، انْتَهَى، تَقَدَّمَ الْإِجْزَاءُ مُطْلَقًا وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَدَّمَ عَلَى الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ عَدَمَهُ.
مَسْأَلَةُ – 2: قَوْلُهُ فِي الْمُرْتَدِّ وَلَا يَلْزَمُ إعَادَةُ حَجٍّ فَعَلَهُ قَبْلَ رِدَّتِهِ فِي رِوَايَةٍ، وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ، انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَجْدِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ إحْدَاهُمَا لَا يَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. هَذَا الصَّحِيحُ، وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي مُوَفَّق الدِّينِ فِي شَرْحِ مَنَاسِكِ المقنع؛ قال
__________
1 في "س" و"ط": "يلزمه".
2 ليست في "ط".(1/403)
والوجهان في كلام القاضي وغيره "م 3".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَلَا تَبْطُلُ عِبَادَاتُهُ فِي إسْلَامِهِ إذَا عَادَ وَلَوْ الْحَجَّ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ1 وَغَيْرِهِ فِي بَابِ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرُهُمْ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ فِي بَابِ الْحَجِّ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَلْزَمُهُ إعادته، جزم به2 في "الفصول" في كتاب الحج، وجزم به3 في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْإِفَادَاتِ وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ قَالَ أبو الحسن الجزري4. وَجَمَاعَةٌ يَبْطُلُ الْحَجُّ بِالرِّدَّةِ.
مَسْأَلَةُ – 3: قَوْلُهُ: عَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِ إعَادَةِ الْحَجِّ "قِيلَ: لِحُبُوطِ الْعَمَلِ، 4وَقِيلَ لَا كَإِيمَانِهِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ، وَيَلْزَمُهُ ثَانِيًا، وَالْوَجْهَانِ فِي كَلَامِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ". انْتَهَى:
أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِحُبُوطِ الْعَمَلِ4، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي5 وَالشَّرْحِ6، وَغَيْرِهِمَا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ،/ لَا لِحُبُوطِ الْعَمَلِ، وَهُوَ ظَاهِرُ بَحْثِ الْمَجْدِ فِي "شَرْحِهِ" وَمَنْ تَابَعَهُ، وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الأكثر أن الرد لَا تُحْبِطُ الْعَمَلَ إلَّا بِالْمَوْتِ عَلَيْهَا. قَالَ جَمَاعَةٌ: الْإِحْبَاطُ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الثَّوَابِ دُونَ حَقِيقَةِ الْعَمَلِ، لِبَقَاءِ صِحَّةِ صَلَاةِ مَنْ صَلَّى خلفه، وحل ما كان ذبحه، وعدم نقض تصرفه، قاله المصنف، والله أعلم
__________
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 27/149.
2 ليست في "ط".
3 في النسخ الخطية: "الخرزي". والمثبت من "ط". وهو: أبو الحسن الجزري البغدادي، تخصص بصحبة أبي علي النجاد وكان له قدم في المناظرة، ومعرفة الأصول والفروع. "طبقات الحنابلة" 2/167.
4 ليست في "ص".
5 4/370.
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 27/ 150. وفيه: أنه لا يجب عليه إعادتها، وليس كما ذكر.(1/404)
وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ الْجَوْزِيِّ1 وَجَمَاعَةٌ بُطْلَانَهُ بِهَا، وَجَعَلْته حُجَّةً فِي بُطْلَانِ الطَّهَارَةِ الَّتِي هِيَ شَطْرُهُ2، قَالَ شَيْخُنَا: اخْتَارَ الْأَكْثَرُ أَنَّهَا لَا تُحْبِطُهُ إلَّا بِالْمَوْتِ عَلَيْهَا، قَالَ جَمَاعَةٌ وَالْإِحْبَاطُ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الثَّوَابِ دُونَ حَقِيقَةِ الْعَمَلِ، لِبَقَاءِ صِحَّةِ صَلَاةِ مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ، وَحِلِّ مَا كَانَ ذَبَحَهُ، وَعَدَمُ نَقْضِ تَصَرُّفِهِ3.
قَالَ الْأَصْحَابُ: وَلَا تَبْطُلُ عِبَادَةٌ فَعَلَهَا فِي إسْلَامِهِ إذَا عَادَ. وَفِي الرِّعَايَةِ إنْ صَامَ قَبْلَهَا فَفِي الْقَضَاءِ وَجْهَانِ، وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا فَكَالْحَجِّ "م 4" وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُعِيدُ، لِفِعْلِهَا فِي إسْلَامِهِ الثَّانِي، وَيَقْضِيهَا مُسْلِمٌ قَبْلَ بلوغ الشرع "وم ش" وَقِيلَ: لَا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّرَائِعَ لَا تَلْزَمُ إلَّا بعد العلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةُ -4: قَوْلُهُ: 4"وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا فَكَالْحَجِّ" انْتَهَى، يَعْنِي هَلْ يَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا أَمْ لَا كَالْحَجِّ؟ وَقَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ في الحج فكذا هنا4.
__________
1 في النسخ الخطية: "الخزري"، والمثبت من "ط".
2 في "س": "شرطه".
3 تقدم هذا النقل في الصفحة السابقة.
4 ليست في "ح".(1/405)
وقيل حربي "وهـ" وقال شيخنا والوجهان فِي كُلِّ مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا قَبْلَ بُلُوغِ الشَّرْعِ، كَمَنْ لَمْ يَتَيَمَّمْ لِعَدَمِ الْمَاءِ لِظَنِّهِ عَدَمَ الصِّحَّةِ بِهِ، أَوْ لَمْ يَتْرُكْ1، أَوْ أَكَلَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ، لِظَنِّهِ ذَلِكَ، أَوْ لَمْ تُصَلِّ مُسْتَحَاضَةٌ وَنَحْوَهُ.
وَالْأَصَحُّ لَا قَضَاءَ قَالَ وَلَا إثْمَ اتِّفَاقًا، لِلْعَفْوِ عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ وَمَعْنَاهُ وَلَمْ يُقَصِّرْ وَإِلَّا أَثِمَ وَكَذَا لَوْ عَامَلَ بِرِبًا، أَوْ أَنْكَحَ فَاسِدًا ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ التَّحْرِيمُ وَنَحْوَهُ.
وَإِنْ صَلَّى كَافِرٌ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ2 فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ إنْ صَلَّى جَمَاعَةٌ "وهـ" وَزَادَ أَوْ بِمَسْجِدٍ "وم" إنْ صَلَّى غَيْرَ خَائِفٍ "وش" فِي الْمُرْتَدِّ إنْ صَلَّى بِدَارِ الْحَرْبِ.
وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى تُخَالِفُ الْإِسْلَامَ، ذَكَرَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَمُنْتَهَى الْغَايَةِ، وَغَيْرُهُمَا كَالشَّهَادَتَيْنِ، وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ إلَّا مَعَ قَرِينَةٍ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "س": "ينزل".
2 هو: أبو محمد، رزق الله بن عبد الوهاب التميمي، البغدادي، الحنبلي، كانت له المعرفة الحسنة بالقرآن والحديث والفقه والأصول، وغير ذلك. له: "شرح الإرشاد" و"الخصال والأقسام". "ت488هـ". "طبقات الحنابلة" 2/250.(1/406)
وَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ فِي الظَّاهِرِ وَجْهَانِ، وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: رِوَايَتَيْنِ "م 5" فَإِنْ صَحَّتْ1 لَمْ تصح إمامته في المنصوص وكذا إن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةُ – 5: قَوْلُهُ: "وَإِنْ صَلَّى كَافِرٌ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ ... وَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ فِي الظَّاهِرِ وَجْهَانِ، وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ رِوَايَتَيْنِ" انْتَهَى: أَحَدُهُمَا لَا تَصِحُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدْ قَطَعَ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرُهُمْ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ، قَالَ الْقَاضِي صَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي النُّكَتِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ شَرْطُ الصَّلَاةِ تَقَدُّمُ الشَّهَادَةِ الْمَسْبُوقَةِ بِالْإِسْلَامِ، فَإِذَا تَقَرَّبَ بِالصَّلَاةِ يَكُونُ بِهَا مُسْلِمًا، وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا، وَلَا يَصِحُّ الِائْتِمَامُ بِهِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ، لَا لِفَقْدِ الْإِسْلَامِ، وعلى هذا عليه أن يعيد. انتهى.
__________
1 ليست في "س" و"ط".(1/407)
أَذِنَ، وَقِيلَ فِي وَقْتِهِ وَمَحَلِّهِ وَلَا يُعْتَدُّ به.
وَفِي حَجِّهِ وَصَوْمِهِ قَاصِدًا رَمَضَانَ وَزَكَاةَ مَالِهِ، وقيل وبقية الشرائع والأقوال المختصة بنا كجنازة1 "هـ" وَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ وَجْهَانِ "م 6" وَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَا يُكَفَّرُ الْمُسْلِمُ بِإِنْكَارِهِ إذَا أَقَرَّ به الكافر، وهذا متجه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَصِحُّ فِي الظَّاهِرِ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، فَعَلَيْهِ لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ تَصِحُّ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ الأصوب أنه إن قال بعد الفراغ إنَّمَا فَعَلْتهَا وَقَدْ اعْتَقَدْت الْإِسْلَامَ، قُلْنَا صَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، وَصَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ، وَإِنْ قَالَ فَعَلْتهَا تَهَيُّؤًا قَبِلْنَا مِنْهُ فِيمَا عَلَيْهِ مِنْ إلْزَامِ الْفَرَائِضِ، وَلَمْ نَقْبَلْ مِنْهُ فِيمَا يُؤْثِرُهُ مِنْ دِينِهِ انْتَهَى، قَالَ فِي الْمُغْنِي2 وَمَنْ تَبِعَهُ إنْ عُلِمَ أَنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَصَلَّى بِنِيَّةٍ صَحِيحَةٍ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، انْتَهَى، قُلْت الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا عَيْنُ الصَّوَابِ، وَأَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ الشِّقِّ الْأَوَّلِ مِنْ كَلَامِهِ.
مَسْأَلَةُ -6: قَوْلُهُ: "وَفِي حَجِّهِ وَصَوْمِهِ قَاصِدًا رَمَضَانَ وَزَكَاةَ مَالِهِ، وَقِيلَ وبقية الشرائع والأقوال المختصة بنا كجنازة3 وَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ وَجْهَانِ" انْتَهَى، يَعْنِي إذَا فَعَلَ ذَلِكَ هَلْ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ أَمْ لَا، أَمَّا الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ فَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهَا وَأَطْلَقَهُ ابْنُ تميم وابن حمدان:
__________
1 في "ط": "كختان".
2 3/37.
3 في النسخ الخطية و"ط": "كختان"، والتصويب من "الفروع".(1/408)
وَيَلْزَمُ مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِمُحَرَّمٍ "و" خِلَافًا لِشَيْخِنَا فَلَوْ جُنَّ مُتَّصِلًا فَفِي زَمَنِ جُنُونِهِ احتمالان "م 7"، وكذا بمباح "وهـ" وقيل لا يلزمه "وم ش"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
أَحَدُهُمَا: لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ، قُلْت وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي1 فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَبْصِرَةِ الْوَعْظِ وَالْتَزَمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَمَنْ تَابَعَهُ فِي غَيْرِ الْحَجِّ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَاخْتَارَ الْقَاضِي الْحُكْمَ بِإِسْلَامِهِ بِالْحَجِّ فَقَطْ، نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَالْتَزَمَهُ الْمَجْدُ وَمَنْ تَابَعَهُ فِيهِ أَيْضًا.
مَسْأَلَةُ – 7: قَوْلُهُ: "وَيَلْزَمُ مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِمُحَرَّمٍ ... فَلَوْ جُنَّ مُتَّصِلًا فَفِي زَمَنِ جُنُونِهِ احْتِمَالَانِ" انْتَهَى، يَعْنِي فِي لُزُومِ قَضَاءِ مَا فَاتَهُ حَالَ جُنُونِهِ احْتِمَالَانِ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي بْنُ مُنَجَّى فِي النِّهَايَةِ: لَوْ شَرِبَ مُحَرَّمًا فَسَكِرَ بِهِ ثُمَّ جُنَّ مُتَّصِلًا بِالسُّكْرِ لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ فِي وَقْتِ السُّكْرِ، وَجْهًا وَاحِدًا، وَهَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ فِي حَالِ الْجُنُونِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لِاتِّصَالِهِ بِالسُّكْرِ، لأنه هو الذي تعاطى سببا أثر فِي وُجُودِ الْجُنُونِ.
وَالثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ طَرَيَانَ الْجُنُونِ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ كَمَا لَوْ وُجِدَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً، انْتَهَى، قُلْت الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ، وَيُعَضِّدُهُ مَا قَطَعَ بِهِ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ لَوْ جُنَّ الْمُرْتَدُّ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ زَمَنَ جُنُونِهِ، لِأَنَّ سُقُوطَهَا بِالْجُنُونِ رُخْصَةٌ، وَتَخْفِيفٌ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ فَكَذَا، يُقَالُ في هذا، والله أعلم.
__________
1 12/291.(1/409)
وَذَكَرَهُ فِي الْخِلَافِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ فِي السُّكْرِ كَرِهَا، كَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ فِي الْحَضَرِ يُصَلِّي وَلَا يَقْضِي، وَإِنْ كَانَ نَادِرًا. وَقِيلَ إنْ طَالَ زَمَنُهُ.
وَتَلْزَمُ مُغْمًى عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ "وهـ" فِي خَمْسِ صَلَوَاتٍ كَنَائِمٍ "ع" وَقِيلَ لَا، كَمَجْنُونٍ عَلَى الْأَصَحِّ "و" وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ لَا يَجِبُ عَلَى الْأَبْلَهِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ. وَقَالَ فِي الصَّوْمِ: لَا يَجِبُ عَلَى الْمَجْنُونِ، وَلَا عَلَى الْأَبْلَهِ اللَّذَيْنِ لَا يُفِيقَانِ، وَفِي الرِّعَايَةِ: يَقْضِي، مَعَ قَوْلِهِ فِي الصَّوْمِ: الْأَبْلَهُ كَالْمَجْنُونِ، كَذَا ذَكَرَ، وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ وَقَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ إنْ زَالَ عَقْلُهُ بِغَيْرِ جُنُونٍ لَمْ يَسْقُطْ.
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: يُقَالُ رَجُلٌ أَبْلَهُ بَيْنَ الْبَلَهِ وَالْبَلَاهَةِ، وَهُوَ الَّذِي غَلَبَ عَلَيْهِ سَلَامَةُ الصَّدْرِ، وَقَدْ بَلِهَ بِكَسْرِ اللَّامِ وَتَبَّلَهُ، وَالْمَرْأَةُ بَلْهَاءُ. وَفِي الْحَدِيثِ: "أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْبُلْهُ" 1. يَعْنِي فِي أَمْرِ الدُّنْيَا لِقِلَّةِ اهْتِمَامِهِمْ بِهَا وَهُمْ أَكْيَاسٌ فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ، وَتَبَالَهَ: أَرَى مِنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي لُزُومِ إعْلَامِ النَّائِمِ بِدُخُولِ وَقْتِهَا احْتِمَالَاتٌ، الثَّالِثُ يَلْزَمُ مَعَ ضِيقِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّمْهِيدِ، وَجَعَلَهُ دَلِيلًا لِعَدَمِ وُجُوبِ الْعَزْمِ أَوَّلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه البزار "1983"، والطحاوي في "مشكل الآثار" "2982"، وابن عدي في "الكامل" 3/1160، والقضاعي في "مسند الشهاب" "990"، والبيهقي في "شعب الإيمان" "1367". بلفظ: "إن أكثر أهل الجنة البله".(1/410)
الْوَقْتِ "م 8".
وَتَصِحُّ مِنْ مُمَيِّزٍ "و" صَلَاةُ كذا. وفي التعليق وَهُوَ مَنْ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرعاية وست1 نَفْلًا، وَيُقَالُ لِمَا فَعَلَهُ صَلَاةُ كَذَا. وَفِي التَّعْلِيقِ مَجَازٌ، وَثَوَابُ فِعْلِهِ لَهُ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَذَكَرَهُ شَيْخُنَا وَذَكَرَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي حَجِّهِ أَنَّهُ صَحِيحٌ يَقَعُ تَطَوُّعًا يُثَابُ عَلَيْهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ فِي أَوَائِلِ الْمُجَلَّدِ التَّاسِعَ عَشَرَ: وَعِنْدِي أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى طَاعَاتِ بَدَنِهِ، وَمَا يَخْرُجُ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ مِنْ مَالِهِ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي الْحَجِّ: مَعْنَى قَوْلِهِمْ يَصِحُّ مِنْهُ أَيْ يكتب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةُ -8: قَوْلُهُ: "وَفِي لُزُومِ إعْلَامِ النَّائِمِ بِدُخُولِ وَقْتِهَا احْتِمَالَاتٌ، الثَّالِثُ يَلْزَمُ مَعَ ضِيقِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّمْهِيدِ، وَجَعَلَهُ دَلِيلًا لِعَدَمِ وُجُوبِ العزم أول الوقت" انتهى.
قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَيَلِيهِ فِي الْقُوَّةِ الْقَوْلُ بِعَدَمِ لُزُومِ الْإِعْلَامِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَهَلْ يَجِبُ إعْلَامُ النَّائِمِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ لِيُصَلِّيَ، قُلْت يَحْتَمِلُ أَوْجُهًا، الثَّالِثُ يَجِبُ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَخَافَ الْفَوْتَ، انْتَهَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَابَعَهُ، فَيَكُونُ فِي إطْلَاقِهِ الْخِلَافَ نَظَرٌ، وَاَللَّهُ أعلم.
__________
1 في "ط": "وتثبت".(1/411)
لَهُ، قَالَ: وَكَذَا أَعْمَالُ الْبِرِّ كُلِّهَا فَهُوَ يُكْتَبُ لَهُ وَلَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ، وَعَلَّلَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْجَنَائِزِ تَقْدِيمَ النِّسَاءِ عَلَى الصِّبْيَانِ بِالتَّكْلِيفِ فَفَضْلُهُنَّ بِالثَّوَابِ وَالتَّعْوِيضِ، وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ كَذَا قَالَ.
وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا فِي مَسْأَلَةِ تَصَرُّفِهِ: ثَوَابُهُ لِوَالِدَيْهِ، وَلِأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: "أَنَّ حَسَنَاتِ الصَّبِيِّ لِوَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا" وَذَكَرَهُ ابن الجوزي فِي الْمَوْضُوعَاتِ1.
وَالْمُتَسَبِّبُ يُثَابُ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ، وَلِأَنَّهُ دَلَّ عَلَى هُدًى، وَلِأَنَّ امْرَأَةً رَفَعَتْ صَبِيًّا فِي خِرْقَةٍ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: "نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا2.
وَلَا تَلْزَمُهُ "و" كَبَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ وَعَنْهُ بَلَى، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ وَأَنَّهُ مُكَلَّفٌ، وَذَكَرَهَا فِي الْمُذَهَّبِ وَغَيْرِهِ فِي الْجُمُعَةِ.
وَعَنْهُ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ يَضْرِبُهُ عَلَيْهَا وُجُوبًا، وَعَنْهُ مراهقا اختاره أبو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 لم نهتد إليه.
2 أحمد "1898"، ومسلم "1336" "409"، وأبو داود "1736" من حديث ابن عباس بلفظ: كان النبي صلى الله عليه وسلم بالروحاء، فلقي ركبا، فسلم عليهم، فقال: "من القوم؟ " قالوا: المسلمون. قالوا فمن أنتم؟ قال: "رسول الله". ففزعت امرأة، فأخذت بعضد صبي، فأخرجته من محفتها، فقالت: يا رسول الله، هل لهذا حج؟ قال: "نعم، ولك أجر".(1/412)
الْحُسَيْنِ التَّمِيمِيُّ، فَعَلَى الْأُولَى يَلْزَمُ الْوَلِيَّ أَمْرُهُ بِهَا وَتَعْلِيمُهُ إيَّاهَا وَالطَّهَارَةَ، نَصَّ عَلَيْهِ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُنَاظَرَاتِهِ وَبَعْضِ الْعُلَمَاءِ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَكَإِصْلَاحِ مَالِهِ، وَكَفِّهِ عَنْ الْمَفَاسِدِ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَا يَجِبُ عَلَى وَلِيٍّ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ أَنْ يُنَزِّهَهُمَا عَنْ النَّجَاسَةِ، وَلَا أَنْ يُزِيلَهَا عَنْهُمَا، بَلْ يُسْتَحَبُّ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا وَجْهًا فِي أَنَّ الطَّهَارَةَ تَلْزَمُ الْمُمَيِّزَ، وَيَأْتِي فِي الظِّهَارِ1 قَوْلُ2 بَعْضِهِمْ يَصِحُّ لِدُونِ سَبْعٍ، وَهُوَ الشَّيْخُ أَوْ غَيْرُهُ.
وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ ظَاهِرَ الْخِرَقِيِّ تَصِحُّ صَلَاةُ الْعَاقِلِ مِنْ غير تقدير بسن "وش" وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ ابْنَ ثَلَاثٍ وَنَحْوِهِ يَصِحُّ إسْلَامُهُ إذَا عَقَلَهُ، وَكَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ تَعْلِيمَ الْأَبِ وَسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ مَا يَحْتَاجُهُ الِابْنُ لِدِينِهِ يَجِبُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ: وَكَذَا الْأُمُّ لِعَدَمِ الْأَبِ، وَيُتَوَجَّهُ لَنَا مِثْلُهُ، لِحَدِيثِ عَبْدِ الله بن عمرو3: "وَإِنَّ لِوَلَدِك عَلَيْك حَقًّا". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ4.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: "وَيَأْتِي فِي الظِّهَارِ قَوْلُ بَعْضِهِمْ يَصِحُّ لِدُونِ سَبْعٍ وَهُوَ الشَّيْخُ أَوْ غَيْرُهُ" انْتَهَى. لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي الظِّهَارِ، وَقَوْلُهُ "وَهُوَ الشَّيْخُ" قَدْ نُقِلَ وَهُوَ عَنْ الشَّيْخِ ضِدُّ ذَلِكَ فَقَالَ: لَا يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ ظِهَارٌ وَلَا إيلَاءٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَهَذِهِ ثمان مسائل قد فتح الله بتصحيحها.
__________
1 ينظر ما علق عليه المرداوي في هذا التنبيه.
2 بعدها في الأصل: "أن ضابطه العقل وفاقاً للشافعية على الأصح".
3 في "ط": "عمر".
4 مسلم "1159" "183" بهذا اللفظ، وأحمد "6867"، بلفظ: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع".(1/413)
قَالُوا وَالْأُجْرَةُ مِنْ الصَّبِيِّ، ثُمَّ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ مِثْلُهُ، وَفِيهِ نَظَرُهُ.
وَحَيْثُ وَجَبَتْ لَزِمَهُ إتْمَامُهَا وَإِلَّا فَالْخِلَافُ فِي النَّفْلِ، وَيَلْزَمُهُ عَلَى الْأَوْلَى إعَادَتُهَا بِبُلُوغِهِ فِيهَا، أَوْ فِي وَقْتِهَا بَعْدَ فِعْلِهَا فِي الْمَنْصُوصِ فِيهِمَا "ش" لَا إعَادَةُ طَهَارَةٍ، لِأَنَّ الْقَصْدَ غَيْرُهَا، وَكَذَا إسْلَامٌ، لِأَنَّ أَصْلَ الدِّينِ لَا يَصِحُّ نَفْلًا، فَإِذَا وُجِدَ فَعَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ، وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ بِفِعْلِ غَيْرِهِ، وَهُوَ الْأَبُ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي خِلَافًا. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: الْإِسْلَامُ أَصْلُ الْعِبَادَاتِ وَأَعْلَاهَا، فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ، وَمَعَ التَّسْلِيمِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ.
وَلَهُ تَأْخِيرُهَا مَا لَمْ يُظَنُّ مَانِعٌ كَمَوْتٍ، وَقَتْلٍ، وَحَيْضٍ، وَكَمَنْ أُعِيرَ سُتْرَةً أَوَّلَ الْوَقْتِ فَقَطْ، أَوْ مُتَوَضِّئٍ عَدِمَ الْمَاءَ سَفَرًا لَا تَبْقَى طَهَارَتُهُ إلَى آخِرِهِ، وَلَا يَرْجُو وُجُودَهُ مَعَ عَزْمِهِ، وَقِيلَ وَبِدُونِهِ، وَعَلَيْهِمَا هل يأثم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/414)
الْمُتَرَدِّدُ حَتَّى يَضِيقَ وَقْتُهَا عَنْ بَعْضِهَا، فَيَحْرُمُ لِغَيْرِ جَمْعٍ، أَوْ شَرْطٍ قَرِيبٍ؟.
وَيَأْثَمُ مَنْ عَزَمَ عَلَى التَّرْكِ إجْمَاعًا، وَمَتَى فُعِلَتْ فِي وَقْتِهَا فَهِيَ أَدَاءٌ. وَقَالَ شَيْخُنَا أَوْ شَرْطٌ قَرِيبٌ لَيْسَ مَذْهَبًا لِأَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ، وَأَنَّ الْوَقْتَ يُقَدَّمُ، وَاخْتَارَ تَقْدِيمَ الشَّرْطِ إنْ انْتَبَهَ قُرْبَ طُلُوعِهَا.
وَمَنْ صَحَّتْ مِنْهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَالْحَاقِنِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالطَّهَارَةِ إنْ خَرَجَ الْوَقْتُ "و".
وَيَحْرُمُ التَّأْخِيرُ بِلَا عُذْرٍ إلَى وَقْتِ ضَرُورَةٍ فِي الْأَصَحِّ، وَقَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ فِي الْعَصْرِ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ لَا يُكْرَهُ أَدَاؤُهَا، وَكَرِهَ الْحَنَفِيَّةُ التَّأْخِيرَ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَدَاءِ، لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ فَلَا يُكْرَهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/415)
وَمَنْ لَهُ التَّأْخِيرُ فَمَاتَ قَبْلَ الْفِعْلِ لَمْ يَأْثَمْ فِي الْأَصَحِّ "و" وَتَسْقُطُ إذَنْ بِمَوْتِهِ "و" قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ، فَلَا فَائِدَةَ فِي بَقَائِهَا فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ، وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ وَالْحَقُّ فِي الذِّمَّةِ كَدَيْنٍ مُعْسِرٍ لَا يَسْقُطُ بِمَوْتِهِ، وَلَا يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ لِدُخُولِ النِّيَابَةِ لِجَوَازِ الْإِبْرَاءِ، أَوْ قَضَاءِ الْغَيْرِ عَنْهُ، وَقِيلَ لَهُ لَوْ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ لَطُولِبَ بِهَا فِي الْآخِرَةِ وَلَحِقَهُ الْمَأْثَمُ كَمَا لَوْ أَمْكَنَهُ فَقَالَ: هَذَا لَا يَمْنَعُ مِنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ فِي الذِّمَّةِ بِدَلِيلِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ وَالْمُعْسِرِ بِالدَّيْنِ، وَلِابْنِ عَقِيلٍ مَعْنَى ذَلِكَ فِي الْفُنُونِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/416)
وَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَهَا كُفِّرَ إجْمَاعًا، وَمَنْ جَهِلَهُ عَرَفَهُ، فَإِنْ أَصَرَّ كُفِّرَ.
وَإِنْ تَرَكَهَا تَهَاوُنًا وَكَسَلًا دَعَاهُ إمَامٌ أَوْ مَنْ فِي حُكْمِهِ: فَإِنْ أَبَى حَتَّى ضَاقَ وَقْتُ الثَّانِيَةِ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَعَنْهُ الْأَوْلَى، اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ، وَهِيَ أَظْهَرُ "وم ش" وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: إنْ لَمْ يَجْمَعْ وَحَسَّنَهُ الشَّيْخُ، وَعَنْهُ إنْ تَرَكَ ثَلَاثًا، وَعَنْهُ: وَيَضِيقُ وَقْتُ الرَّابِعَةِ قَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَفِي الْمُبْهِجِ وَالْوَاضِحِ وَتَبْصِرَةِ الْحَلْوَانِيِّ رِوَايَةُ ثَلَاثِهِ أَيَّامٍ قُتِلَ1 "هـ" وُجُوبًا بِضَرْبِ عُنُقِهِ نَصَّ عَلَيْهِ "وم ش" كُفْرًا اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ فَحُكْمُهُ كَالْكُفَّارِ وَذَكَرَ الْقَاضِي يُدْفَنُ مُنْفَرِدًا، وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ: مَنْ قُتِلَ مُرْتَدًّا تُرِكَ بِمَكَانِهِ، وَلَا يُدْفَنُ، وَلَا كَرَامَةَ.
وَعَنْهُ حَدًّا2 "وم ش" فَحُكْمُهُ كَأَهْلِ الْكَبَائِرِ قَالَ شَيْخُنَا كَذَا فَرَضَ الْفُقَهَاءُ، وَيُمْتَنَعُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَهَا وَلَا يَفْعَلُهَا وَيَصْبِرُ عَلَى الْقَتْلِ، هَذَا لَا يَفْعَلُهُ أَحَدٌ قَطُّ.
وَاسْتِتَابَتُهُ كَمُرْتَدٍّ نَصُّ "م ر" وَذَكَرَ الْقَاضِي يُضْرَبُ، ثُمَّ يُقْتَلُ، وَيَنْبَغِي الْإِشَاعَةُ عَنْهُ بِتَرْكِهَا حَتَّى يُصَلِّيَ، قَالَهُ شَيْخُنَا قَالَ: وَلَا يَنْبَغِي السَّلَامُ عَلَيْهِ، وَلَا إجَابَةُ دَعْوَتِهِ، وَمَتَى رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ قَضَى صَلَاةَ مُدَّةِ امْتِنَاعِهِ.
وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ لَا، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُرْتَدِّينَ، لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَلَا يَلْزَمُ إبْطَالُ كُفْرِهِ، وَيُتَوَجَّهُ أَيْضًا يَقْضِي مَا كُفِّرَ بِهِ، لَا ما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 جواب: وإن تركها تهاوناً ... إلخ.
2 تقديره: يقتل حداً لا كفراً.(1/417)
تَرَكَهُ مُدَّةَ الِاسْتِتَابَةِ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ، وَاحْتَجَّ الشَّيْخُ بِأَنَّ تَكْلِيفَهُ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ، وَاحْتَجَّ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ عَلَى قَضَائِهَا، وَقَاسَهَا عَلَى الْإِسْلَامِ فِي حَقِّ الْمُرْتَدِّ.
وَيَصِيرُ مُسْلِمًا بِالصَّلَاةِ، نَقَلَ صَالِحٌ: تَوْبَتُهُ أَنْ يُصَلِّيَ. وَفِي الْفُنُونِ الشَّهَادَتَانِ يَحْكِي مَا فِي نَفْسِهِ مِنْ الْإِيمَانِ، وَلَيْسَ قَوْلُهُ لَهَا حِينَ ترك الصلاة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/418)
وَلَا يَعْمَلُ بِهَا إذَا تَابَ وَنَدِمَ، وَالزِّنْدِيقُ يَتَظَاهَرُ بِالْإِسْلَامِ حَتَّى يَكُونَ مُؤَذِّنًا، ثُمَّ إذَا تَابَ قُبِلَتْ وَأَعَدْنَاهُ إلَى الْإِسْلَامِ بِنَفْسِ الْكَلِمَتَيْنِ لَا غَيْرِ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ، قَالَ شَيْخُنَا: الْأَصْوَبُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِالصَّلَاةِ، لِأَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/419)
كُفْرَهُ بِالِامْتِنَاعِ كَإِبْلِيسٍ وَتَارِكِ الزَّكَاةِ، وَصِحَّتُهَا قَبْلَ الشهادتين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/420)
كمرتد1، قَالَ: وَالْأَشْبَهُ أَيْضًا أَنَّ الزِّنْدِيقَ لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ أَنَّهُ تَائِبٌ بَاطِنًا، وَإِنْ لَمْ يقل2 فلعل باطنه تغير.
وَالْمُحَافِظُ عَلَيْهَا أَقْرَبُ إلَى الرَّحْمَةِ مِمَّنْ لَا يُصَلِّيهَا وَلَوْ فَعَلَ مَا فَعَلَ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا، وَمَنْ تَرَكَ شَرْطًا أَوْ رُكْنًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ كَالطَّهَارَةِ فَكَتَرْكِهَا، وَكَذَا مُخْتَلِفًا فِيهِ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، وَعِنْدَ الشَّيْخِ لَا، وَزَادَ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا فِي الْفُصُولِ لَا بَأْسَ بِوُجُوبِ قَتْلِهِ، كَمَا نَحُدُّهُ بِفِعْلِ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ، وَفِي الْأَصْلِ نَظَرٌ، مَعَ أَنَّ الْفَرْقَ وَاضِحٌ.
وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي قَوْلِ حُذَيْفَةَ: وَقَدْ رَأَى رَجُلًا لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ: مَا صَلَّيْت، وَلَوْ مِتَّ مِتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ3 فِيهِ أَنَّ إنْكَارَ الْمُنْكِرِ فِي مِثْلِ هَذَا يُغَلَّظُ لَهُ لَفْظُ الْإِنْكَارِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى تَكْفِيرِ تَارِكِ الصَّلَاةِ، وَإِلَى تَغْلِيظِ الْأَمْرِ فِي الصَّلَاةِ، حَتَّى إنَّ مَنْ أَسَاءَ فِي صَلَاتِهِ وَلَا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا فإن حكمه حكم تاركها.
ولا يكفر بترك، وزكاة4، وصوم وَحَجٍّ، وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهُ تَهَاوُنًا، وَبُخْلًا بِزَكَاةٍ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ "و" وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ.
وَيُقْتَلُ عَلَى الْأَصَحِّ "وم" فِي الصَّوْمِ، وَعَنْهُ يُكَفَّرُ بِزَكَاةٍ، وَعَنْهُ وَلَوْ لَمْ يُقَاتَلْ عَلَيْهَا، وَعَنْهُ يُقْتَلُ بها فقط.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 "ط": "مرتد".
2 في الأصل و"ب": "يفعل".
3 أخرجه البخاري "791".
4 في "س": "صلاة".(1/421)
وَقَوْلُنَا فِي الْحَجِّ يَحْرُمُ تَأْخِيرُهُ، 1لِعَزْمِهِ عَلَى تَرْكِهِ1، أَوْ ظَنِّهِ الْمَوْتَ مِنْ عَامِهِ، وَبِاعْتِقَادِهِ الْفَوْرِيَّةَ يَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْحَدِّ بِوَطْءٍ فِي نِكَاحٍ مُخْتَلِفٍ فِيهِ، قَالَهُ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ، وَحَمَلَ كَلَامَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَهَذَا أَوْضَحُ، وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا، كَذَا قَالَ، وَلَا وَجْهَ لَهُ، ثُمَّ اخْتَارَ إنْ قُلْنَا بِالْفَوْرِيَّةِ، قِيلَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِلَافِ، فَإِنَّهُ قَالَ قِيَاسُ قَوْلِهِ يُقْتَلُ كَالزَّكَاةِ، قَالَ وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الْخِلَافِ، وَقَالَ الْحَجُّ وَالزَّكَاةُ وَالصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ سَوَاءٌ، يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ فِيمَنْ لَا اعْتِقَادَ لَهُ، وَإِلَّا فَالْعَمَلُ بِاعْتِقَادِهِ أَوْلَى، وَقَدْ سَبَقَ قَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ، وَيَأْتِي فِيمَنْ أَتَى فَرْعًا مُخْتَلِفًا فِيهِ هَلْ يُفَسَّقُ؟
قَالَ الْأَصْحَابُ: وَلَا قَتْلَ بِفَائِتَةٍ لِلْخِلَافِ فِي الْفَوْرِيَّةِ، وَيُتَوَجَّهُ فِيهِ مَا سَبَقَ، وَقِيلَ يُقْتَلُ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْفَوْرِ فَعَلَى هَذَا لَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَضِيقَ وَقْتُ الثَّانِيَةِ.
وَحَيْثُ كُفِّرَ فَلَا يَرِقُّ وَلَا يُسْبَى وَلَدٌ وَلَا أَهْلٌ نَصَّ عَلَيْهِ.
وَلَا قَتْلَ، وَلَا تَكْفِيرَ قَبْلَ الدِّعَايَةِ، وَلَا بِتَرْكِ كَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ، وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ يُكَفَّرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، وَذَكَرَ أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّ إبْلِيسَ كَفَرَ بِتَرْكِ السُّجُودِ لَا بِجُحُودِهِ وَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي صَوْمِ جُنُبٍ لَمْ يَغْتَسِلْ يَوْمًا، وَسَبَقَ قَرِيبًا كَلَامُ ابْنِ هُبَيْرَةَ، وَيُوَافِقُهُ مَا احْتَجَّ بِهِ الشَّيْخُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَفَّرَ ثَبَتَتْ أَحْكَامُهُ، وَلَمْ تَثْبُتْ مَعَ كَثْرَةِ تاركي الصلاة، واحتج في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في الأصل.(1/422)
رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ عَلَى مَنْ قَالَ يُقْتَلُ، أَوْ يُكَفَّرُ بِتَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتِهَا بِإِخْبَارِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِتَأْخِيرِ الْأُمَرَاءِ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا1، وَكَذَا نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ، وَنَقَلَ أَيْضًا إذَا تَرَكَهَا حَتَّى يُصَلِّيَ صَلَاةً أُخْرَى فَقَدْ تَرَكَهَا، قُلْت فَقَدْ كَفَرَ، قَالَ: الْكُفْرُ لَا يُوقَفُ عَلَى حَدِّهِ، وَلَكِنْ يُسْتَتَابُ، وَسَأَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ عَنْ تَرْكِهَا اسْتِخْفَافًا وَمُجُونًا أَيُسْتَتَابُ؟ قَالَ أَيُّ شَيْءٍ بَقِيَ؟
وَمَنْ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي تَرْكِ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ فَمُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الطَّهَارَةُ، لِأَنَّهَا كَالصَّلَاةِ، وَلَا يَلْزَمُ بَقِيَّةُ الشَّرَائِطِ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ النِّيَّةِ لَهَا، وَلِهَذَا صَنَّفَ أَبُو الْخَطَّابِ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسَ. وَقَالَ الْفُقَهَاءُ: رُبُعُ الْعِبَادَاتِ، وَحَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى الصِّحَّةِ أَوْلَى ومتعين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرج مسلم "534" "26"، عن ابن مسعود رضي الله عنه: "إنه ستكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن ميقاتها، ويخنقونها إلى شرق الموتى، فإذا رأيتموهم قد فعلوا ذلك، فصلوا الصلاة لميقاتها، واجعلوا صلاتكم معهم سبحة ... " الحديث. قال النووي في "شرح مسلم" 5/16: شرق الموتى: قال ابن الأعرابي: فيه معنيان: أحدهما: أن الشمس في ذلك الوقت وهو آخر النهار إنما تبقى ساعة ثم تغيب. والثاني: أنه من قولهم: شرق الميت بريقه، إذا لم يبق بعده إلا يسيراً ثم يموت والسبحة: النافلة.(1/423)
باب المواقيت
مدخل
...
باب المواقيت
سَبَبُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ الْوَقْتُ، لِأَنَّهَا تُضَافُ إلَيْهِ، وَهِيَ "أَيْ الْإِضَافَةُ" تَدُلُّ عَلَى السَّبَبِيَّةِ، وَتَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ، وَهُوَ سَبَبُ نَفْسِ الْوُجُوبِ إذْ سَبَبُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ الْخِطَابُ.
وَقْتُ الظُّهْرِ: وَهِيَ الْأَوْلَى لِبُدَاءَةِ جِبْرِيلَ بِهَا لَمَّا صَلَّى بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ1، وَإِنَّمَا بَدَأَ أَبُو الْخَطَّابِ بِالْفَجْرِ لِبِدَايَتِهِ عليه السلام بالسائل2، من زوال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 سيأتي في الحاشية.
2 أخرج مسلم "613" "177" والترمذي "152"، وابن ماجة "667"، وأحمد "22955" عن بريدة قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل، فسأله عن وقت الصلاة، فقال: "صل معنا هذين" فأمر بلالاً حين طلع الفجر، فأذن ... الحديث.(1/424)
الشَّمْسِ1 "ع" حَتَّى يَتَسَاوَى مُنْتَصِبٌ وَفَيْئِهِ سِوَى ظِلِّ الزَّوَالِ "وش" وَهُوَ زِيَادَةُ الظِّلِّ بَعْدَ تَنَاهِي قِصَرِهِ، لِأَنَّ الظِّلَّ يَكُونُ أَوَّلًا طَوِيلًا لِمُقَابَلَةِ قُرْصِهَا، وَكَذَا كُلُّ مُنْتَصِبٍ فِي مُسَامَتَةِ2 نَيِّرٍ، وَكُلَّمَا صَعِدَتْ قَصَرَ الظِّلُّ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ، فَإِذَا أَخَذَتْ فِي النُّزُولِ مُغْرِبَةً طَالَ، لِابْتِدَاءِ الْمُسَامَتَةِ وَمُحَاذَاةِ الْمُنْتَصِبِ قُرْصَهَا.
وَيَقْصِرُ الظِّلُّ فِي الصَّيْفِ، لِارْتِفَاعِهِ إلَى الْجَوِّ، وَفِي الشِّتَاءِ يَطُولُ، لِأَنَّهَا مُسَامَتَةٌ لِلْمُنْتَصِبِ وَيَقْصِرُ الظِّلُّ جِدًّا فِي كُلِّ بَلَدٍ تَحْتَ وَسَطِ الْفُلْكِ وَالْأَبْعَدُ عَنْهُ طَوِيلٌ، لِأَنَّ الشَّمْسَ نَاحِيَةٌ عَنْهُ، فَصَيْفُهَا كشتاء غيرها، قال تعالى: {يَتَفَيَّؤا ظِلالُهُ} [النحل: 48] . أَيْ تَدُورُ وَتَرْجِعُ. قَالَ ابْنُ الجوزي: قال المفسرون، إذا طلعت وأنت مُتَوَجِّهٌ إلَى الْقِبْلَةِ فَالظِّلُّ قُدَّامَك، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَعَنْ يَمِينِك، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ خَلْفَك، ثُمَّ عَنْ يَسَارِك لِخَبَرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 خبر لقوله: "ووقت الظهر".
2 أي: المقابلة والموازاة. "المصباح": "سمت".(1/425)
"وَقْتَ الظُّهْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ، مَا لَمْ تَحْضُرْ الْعَصْرُ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ1، وَلِئَلَّا يَصِيرَ آخِرُ وَقْتِهَا مَجْهُولًا.
وَفِي الْخِلَافِ لَا وَقْتَ لِظُهْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَكُونَ أَوَّلُهُ الزَّوَالَ، يَعْنِي فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَعْذُورِ، وَعَنْهُ آخِرُهُ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ وِفَاقًا لِمَالِكٍ، فَبَيْنَهُمَا وَقْتٌ مُشْتَرَكٌ قَدْرَ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، وَعِنْدَ "هـ" مَثَلًا الْمُنْتَصَفُ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِنَا، وَقَالَهُ صَاحِبَاهُ.
وَالزَّوَالُ فِي جَمِيعِ الدُّنْيَا وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ، قَالَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا، وَأَنْكَرَ عَلَى الْمُنَجِّمِينَ أَنَّهُ يَتَغَيَّرُ فِي الْبُلْدَانِ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ مَا تَأْوِيلُهُ مع العلم باختلافه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في صحيحه "612" "174" عبد الله بن عمرو بن العاص.(1/426)
بِالْأَقَالِيمِ وَكَذَا فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ اخْتِلَافُهُ.
وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهَا بِأَنْ يَتَأَهَّبَ لَهَا بِدُخُولِ الْوَقْتِ، وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ قَوْلًا لَا يَتَطَهَّرُ قَبْلَهُ إلَّا مَعَ حر "وهـ م" وَقِيلَ لِقَاصِدِ جَمَاعَةٍ، قَالَ جَمَاعَةٌ لِيَمْشِيَ في الفيء، وقيل في بلد حار "وش" وَفِي الْوَاضِحِ لَا بِمَسْجِدِ سُوقٍ.
وَلَا تُؤَخَّرُ هي والمغرب لغيم في رواية "وم ش" وعنه بلى "وهـ" فَلَوْ صَلَّى وَحْدَهُ فَوَجْهَانِ "م1،2"، وَقِيلَ: يُؤَخَّرُ الظهر لا المغرب، وتعجل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهٌ: لَمْ يُفْصِحْ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ تَأْخِيرَ الظُّهْرِ لِلْحَرِّ مُسْتَحَبٌّ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ اسْتِحْبَابُهُ لِذَلِكَ قَطَعَ بِهِ الْمُغْنِي1 وَالْكَافِي2 وَالشَّرْحِ3، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ الْأَرْجَحُ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَقِيلَ إنَّ التَّأْخِيرَ رُخْصَةٌ وَيُفْهَمُ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ منجا.
مَسْأَلَةُ -1-2: قَوْلُهُ: "وَلَا تُؤَخَّرُ" يَعْنِي: الظُّهْرَ "وَالْمَغْرِبَ لغيم في رواية،
__________
1 2/32.
2 1/204.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/133.(1/427)
الْجُمُعَةُ مُطْلَقًا "و".
ثُمَّ يَلِيهِ وَقِيلَ بَعْدَ زيادة شيء وقت العصر، وآخره المختار حَتَّى يَصِيرَ فَيْءُ الشَّيْءِ مِثْلَيْهِ سِوَى ظِلِّ الزَّوَالِ، وَعَنْهُ حَتَّى تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ وَهِيَ أَظْهَرُ "ش" وَفِي التَّلْخِيصِ مَا بَيْنَهُمَا وقت جَوَازٍ، ثُمَّ هُوَ وَقْتُ ضَرُورَةٍ إلَى غُرُوبِهَا "و".
وهي الوسطى لا الفجر "وش" وتعجيلها أفضل "وم ش" وعنه مع غيم "وهـ" نَقَلَهُ صَالِحٌ قَالَهُ الْقَاضِي، وَلَفْظُ رِوَايَتِهِ: يُؤَخَّرُ الْعَصْرُ أَحَبُّ إلَيَّ؛ آخِرُ وَقْتِ الْعَصْرِ عِنْدِي مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، فَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا، وَالْعِبْرَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِتَغَيُّرِ الْقُرْصِ بِحَيْثُ لَا تَحَارُ فيه العين، قال القاضي: وقت الظهر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَعَنْهُ بَلَى وَعَلَى فَلَوْ صَلَّى وَحْدَهُ فَوَجْهَانِ، انْتَهَى، ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَتَيْنِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى -1: هَلْ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ مَعَ غَيْمٍ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، أَمَّا تَأْخِيرُ الظُّهْرِ فَالصَّحِيحُ اسْتِحْبَابُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ1 وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَالْإِفَادَاتِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَالشَّارِحُ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَابْنُ عَبْدِ القوي ونصروه وابن حمدان في الرعايتين.
__________
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/133.(1/428)
عَلَى مَذْهَبِ أَحْمَدَ مِثْلُ وَقْتِ الْعَصْرِ، لِأَنَّهُ لا خلاف بين العلماء أن من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَجَمَاعَةٍ لِعَدَمِ ذِكْرِهِمْ ذَلِكَ، وَإِلَيْهِ مِيلُ الشَّيْخِ الْمُوَفَّقِ، وَالشَّارِحُ، وَأَمَّا تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الظُّهْرِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَحَكَى الْمُصَنِّفُ قَوْلًا أَنَّ الظُّهْرَ تُؤَخَّرُ دُونَ الْمَغْرِبِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ1 وَالْوَجِيزِ لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى الظُّهْرِ فِي الْغَيْمِ، وَاسْتِحْبَابِهِمْ تَعْجِيلَ الْمَغْرِبِ إلَّا لَيْلَةَ مُزْدَلِفَةَ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، لِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ -2: عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّأْخِيرِ: هَلْ يُسْتَحَبُّ إذَا كَانَ وَحْدَهُ أَمْ لَا يُسْتَحَبُّ إلَّا إذَا كَانَ فِي جَمَاعَةٍ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الْكُبْرَى:
أَحَدُهُمَا: لَا يُسْتَحَبُّ التَّأْخِيرُ إذَا كَانَ وَحْدَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُقْنِعِ2 وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْوَجِيزِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُسْتَحَبُّ التَّأْخِيرُ، قَالَ الْمَجْدُ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمَا، قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا سِيَّمَا فِي الْمَغْرِبِ.
تَنْبِيهَاتٌ:
الْأَوَّلُ: عَلَّلَ الْأَصْحَابُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ3 بِأَنَّ الغيم مظنة العوارض
__________
1 1/204.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/133.
3 تقدم في الصفحة 427 عند قول المصنف: "ولا تؤخر هي والمغرب لغيم".(1/429)
الزَّوَالِ إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ رُبُعُ النَّهَارِ، وَيَبْقَى الرُّبُعُ إلَى الْغُرُوبِ، وَقَالَ لَهُ الْخَصْمُ: طَرَفُ الشَّيْءِ مَا يَقْرُبُ مِنْ نِهَايَتِهِ، فَقَالَ الطَّرَفُ مَا زَادَ عَنْ النِّصْفِ، وَهَذَا مَشْهُورٌ فِي اللُّغَةِ، ثُمَّ بَيَّنَ صحته بتفسير الآيتين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْمَوَانِعِ مِنْ الْبَرْدِ وَالْمَطَرِ، وَالرِّيحِ فَتَلْحَقُ الْمَشَقَّةُ بالخروج لكل صلاة، وفي تأخير الصَّلَاةِ الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الْجَمْعِ وَتَعْجِيلِ الثَّانِيَةِ دَفْعٌ لِهَذِهِ الْمَشَقَّةِ بِالْخُرُوجِ إلَيْهِمَا خُرُوجًا وَاحِدًا قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، هَذَا يُوَافِقُ مَا صَحَّحْنَاهُ وَقَالَ الْمَجْدُ فِي الْعِلَّةِ لِمَنْ يُصَلِّي وَحْدَهُ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ إذَا وُجِدَتْ فِي الْأَغْلَبِ سُحِبَ حُكْمُهُ عَلَى النَّادِرِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْقَوْلِ الثَّانِي.(1/430)
ثُمَّ يَلِيهِ وَقْتُ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ الأحمر، وعنه الأبيض "وهـ" وَعَنْهُ حَضَرَا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا الْأَحْمَرُ، وَقَالَهُ صَاحِبَاهُ، لَا بِقَدْرِ طُهْرٍ وَسَتْرِ عَوْرَةٍ وَأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ "م ش" وَفِي النَّصِيحَةِ لِلْآجُرِّيِّ لَهَا وَقْتٌ وَاحِدٌ لِخَبَرِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ1، وَأَنَّ مَنْ أَخَّرَ حَتَّى يَبْدُوَ النَّجْمُ أَخْطَأَ.
وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهَا، إلَّا لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ لِمُحْرِمٍ قَصَدَهَا إجْمَاعًا. وَقَالَ فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ: وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا، يَعْنِي لِغَيْرِ مُحْرِمٍ، وَاقْتَصَرَ فِي الْفُصُولِ عَلَى قَوْلِهِ: الْأَفْضَلُ تَعْجِيلُهَا إلَّا بِمِنًى "بِمُزْدَلِفَةَ" يُؤَخِّرُهَا لِأَجْلِ الْجَمْعِ بِالْعِشَاءِ وَذَلِكَ نُسُكٌ وَفَضِيلَةٌ، كَذَا قَالَ، وَنَظِيرُهُ فِي حَمْلِ النَّهْيِ عَنْ عُلُوِّ الْإِمَامِ عَلَى الْكَرَاهَةِ، لِفِعْلِهِ فِي خَبَرِ سَهْلٍ2، وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي لَوْ دَفَعَ عَنْ عَرَفَةَ قَبْلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الثَّانِي: قَوْلُهُ: "وَالْأَفْضَلُ تَعْجِيلُهَا إلَّا بِمِنًى، يُؤَخِّرُهَا لِأَجْلِ الْجَمْعِ بِالْعِشَاءِ" انْتَهَى، صَوَابُهُ إلَّا بِمُزْدَلِفَةَ، وَالْمُصَنِّفُ قَدْ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ صَاحِبِ الْفُصُولِ، وَاَلَّذِي فِي الْفُصُولِ إلَّا بِمُزْدَلِفَةَ وَهَذَا مِمَّا لا شك فيه.
__________
1 تقدم ص 424.
2 أخرج البخاري "917"، ومسلم "544" "44"، عن سهل بن سعد الساعدي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسل إلى فلانة. امرأة قد سماها سهل: "مري غلامك النجار أن يعمل لي أعواداً أجلس عليها إذا كلمت الناس"، فأمرته فعملها من طرفاء الغابة، ثم جاء بها، فأرسلت إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمر بها، فوضعت ههنا ثم رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى عليها وكبر وهو عليها ثم ركع وهو عليها، ثم نزل القهقرى، فسجد في أصل المنبر ثم عاد، فلما فرغ أقبل على الناس فقال: "أيها الناس، إنما صنعت هذا لتأتموا ولتعلموا صلاتي".(1/431)
الْغُرُوبِ وَحَصَلَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَقْتَ الْغُرُوبِ لَمْ يُؤَخِّرْهَا، وَيُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا وَذَكَرَهُ فِي الْخِلَافِ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ فِي فَرْضِ الْوَقْتِ: هَلْ هُوَ الْجُمُعَةُ أَوْ الظُّهْرُ؟؟ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي الْمُوَافَقَةَ، وَهُوَ وَاضِحٌ.
وَلَا يُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا بِالْعِشَاءِ، وَبِالْمَغْرِبِ أَوْلَى، وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ1: يُكْرَهُ.
ثُمَّ يَلِيهِ وَقْتُ الْعِشَاءِ الْمُخْتَارُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَعَنْهُ نصفه، اختاره جماعة، وهي أظهر "وهـ ق" وَفِي التَّلْخِيصِ مَا بَيْنَهُمَا وَقْتُ جَوَازٍ.
وتأخيرها إلى آخره أفضل "ق" مَا لَمْ يُؤَخِّرْ الْمَغْرِبَ، وَيُكْرَهُ إنْ شق على بعضهم على الأصح "وهـ" ثُمَّ هُوَ وَقْتُ ضَرُورَةٍ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثاني
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الثَّالِثُ: قَوْلُهُ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ: "وَفِي التَّلْخِيصِ مَا بَيْنَهُمَا وَقْتُ جَوَازٍ" يَعْنِي مَا بَيْنَ ثُلُثِ اللَّيْلِ وَنِصْفِهِ، وَلَيْسَ فِي التَّلْخِيصِ ذَلِكَ، بَلْ الَّذِي فِيهِ وَقْتُ الْجَوَازِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَقَدْ نَقَلَهُ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ، والظاهر أنه ذهول، والله أعلم.
__________
1 أخرج البخاري في "صحيحه" "563" عن عبد الله المزني، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب". قال: وتقول الأعراب: هي العشاء.(1/432)
الْمُسْتَطِيرِ، وَهُوَ الْبَيَاضُ الْمُعْتَرِضُ فِي الْمَشْرِقِ لَا ظُلْمَةَ بَعْدَهُ "و" وَالْفَجْرُ الَّذِي قَبْلَهُ الْكَاذِبُ الْمُسْتَطِيلُ بِلَا اعْتِرَاضٍ، أَزْرَقُ، لَهُ شُعَاعٌ، ثُمَّ يُظْلِمُ، وَلِدِقَّتِهِ يُسَمَّى ذَنَبَ السِّرْحَانِ وَهُوَ الذِّئْبُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَسْنَوَيْهِ1: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: الْفَجْرُ يَطْلُعُ بِلَيْلٍ، وَلَكِنَّهُ يَسْتُرُهُ أَشْجَارُ جِنَانِ عَدْنٍ، وَهَذَا مِنْ جِنْسِ قَوْلِ أَبِي الْمَعَالِي وَغَيْرِهِ فِي زَوَالِ الشَّمْسِ لَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِهِ لَنَا، وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ مَيْلِهَا عَنْ كَبَدِ السَّمَاءِ.
وَقِيلَ: يَخْرُجُ الْوَقْتُ مُطْلَقًا بِخُرُوجِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ فِي الصَّلَاتَيْنِ. وَفِي الْكَافِي2: بَعْدَهُ فِي الْعَصْرِ وَقْتُ جَوَازٍ. وَفِي التَّلْخِيصِ مِثْلُهُ فِي الْعِشَاءِ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُمَا أَنَّ الْأَدَاءَ بَاقٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْوَجِيزِ لِلْعِشَاءِ وَقْتَ ضَرُورَةٍ، وَلَعَلَّهُ اكْتَفَى بِذِكْرِهِ فِي الْعَصْرِ، وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ.
وَيُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَهَا "وم ش" وَعَنْهُ بِلَا مُوقِظٍ "وهـ" لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَخَّصَ لِعَلِيٍّ، رَوَاهُ أَحْمَدُ3 وَاحْتَجَّ بِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ4، جَزَمَ بِهَا فِي جَامِعِ الْقَاضِي، وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا فِي الْجُمْلَةِ "و" إلَّا لشغل، وشيء يسير، والأصح وأهل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 من أصحاب الإمام أحمد، نقل عنه أشياء منها ما ذكره المصنف، وهو خبر يحتاج إلى توقيف، لأنه ليس مما يقال بالرأي والاجتهاد. ترجمته في "طبقات الحنابلة" 1/292، "المقصد الأرشد" 2/398.
2 1/206.
3 في مسنده "892".
4 أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" "2146" عن نافع: أن ابن عمر كان ربما رقد عن العشاء الآخرة ويأمر أهله أن يوقظوه.(1/433)
وَلَا تُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا عَتَمَةً1، وَالْفَجْرُ بِصَلَاةِ الْغَدَاةِ فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا "ش" وَقِيلَ يُكْرَهُ فِي الْأَخِيرَةِ، وَقِيلَ فِي الْأُولَى، وَفِيهَا فِي "اقْتِضَاءِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ" أَنَّ الْأَشْهَرَ عِنْدَنَا إنَّمَا يُكْرَهُ الْإِكْثَارُ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الِاسْمِ الْآخَرِ، وَأَنَّ مِثْلَهَا فِي الْخِلَافِ الْمَغْرِبُ بِالْعِشَاءِ. وَفِي حَوَاشِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمِصْرِيِّ رِوَايَةُ أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ بَشْرَانَ عَنْهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: "مَنْ سَمَّى الْعِشَاءَ الْعَتَمَةَ فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ".
ثُمَّ يَلِيهِ وَقْتُ الْفَجْرِ "ع" حَتَّى تطلع الشمس، وقيل: إن أسفر فضرورة "وش" وَهِيَ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ، وَهَلْ تَعْجِيلُهَا أَفْضَلُ؟ وهي أظهر "وم ش" أَوْ مُرَاعَاةُ أَكْثَرِ الْمَأْمُومِينَ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ "م 3".
وعنه الأسفار أفضل، أطلقها بعضهم "وهـ" لغير الحاج بمزدلفة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةُ – 3: قَوْلُهُ: فِي الْفَجْرِ: "وَهَلْ تَعْجِيلُهَا أَفْضَلُ وَهِيَ أَظْهَرُ أَمْ مُرَاعَاةُ الْمَأْمُومِينَ فِيهِ رِوَايَتَانِ" انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذَهَّبِ وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَغَيْرِهِمْ:
إحْدَاهُمَا: تَعْجِيلُهَا أَفْضَلُ مُطْلَقًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَصَحَّحَهُ فِي مجمع البحرين، وإدراك الغاية، قال
__________
1 وذلك لما ثبت عند البخاري "615"، ومسلم "437" "129"، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "ولو يعلمون ما في العتمة والصبح، لأتوهما ولو حبواً".(1/434)
وَكَلَامُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ وِفَاقٌ، زَادَ الْحَنَفِيَّةُ بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَى قِرَاءَةٍ مَسْنُونَةٍ، وَإِعَادَتُهَا وَإِعَادَةُ الْوُضُوءِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَوْ ظَهَرَ سَهْوٌ، وَلَهُمْ فِي الْأَسْفَارِ بِسُنَّةِ الْفَجْرِ خِلَافٌ.
وَوَقْتُ الْعِشَاءِ فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ يَتْبَعُ النَّهَارَ، فَيَكُونُ فِي الصَّيْفِ أَطْوَلَ، كَمَا أَنَّ وَقْتَ الْفَجْرِ يَتْبَعُ اللَّيْلَ فَيَكُونُ فِي الشِّتَاءِ أَطْوَلَ، قَالَ شَيْخُنَا: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ وَقْتَ الْعِشَاءِ بِقَدْرِ حِصَّةِ الْفَجْرِ فِي الشِّتَاءِ وَفِي الصَّيْفِ، فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا بَيِّنًا بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، وَسَبَبُ غَلَطِهِ أَنَّ الْأَنْوَارَ تَتْبَعُ الْأَبْخِرَةَ، فَفِي الشِّتَاءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي1 وَالْكَافِي2، وَالْمُقْنِعِ3 وَالشَّرْحِ3 وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ، وَنَصَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالشَّارِحِ وَغَيْرِهِمْ، فعليها يكره التأخير بلا عذر إلى الإسفار.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ الْأَفْضَلُ مُرَاعَاةُ أَكْثَرِ الْمَأْمُومِينَ، اخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ، فِي الْمَنْهَجِ، وَنَصَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، نَقَلَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَمَالَ إلَيْهِ.
قُلْت: الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ فِيهِ نَظَرٌ لَا سيما مع قوله وهي أظهر.
__________
1 2/44.
2 1/210.
3 المقنع مع الشرح والكبير والإنصاف 3/166.(1/435)
يَكْثُرُ الْبُخَارُ فِي اللَّيْلِ فَيَظْهَرُ النُّورُ فِيهِ، وفي الصيف تَقِلُّ الْأَبْخِرَةُ بِاللَّيْلِ وَفِي الصَّيْفِ يَتَكَدَّرُ الْجَوُّ بِالنَّهَارِ بِالْأَغْبِرَةِ، وَيَصْفُو فِي الشِّتَاءِ، وَلِأَنَّ النُّورَيْنِ تَابِعَانِ لِلشَّمْسِ، هَذَا يَتَقَدَّمُهَا، وَهَذَا يَتَأَخَّرُ عَنْهَا، فَإِذَا كَانَ فِي الشِّتَاءِ طَالَ زَمَنُ مَغِيبِهَا فَيَطُولُ زَمَنُ الضَّوْءِ التَّابِعِ لَهَا، وَإِذَا كَانَ فِي الصَّيْفِ طَالَ زَمَنُ ظُهُورِهَا فَيَطُولُ زَمَنُ الضَّوْءِ التَّابِعِ لَهَا، وَأَمَّا جَعْلُ هَذِهِ الْحِصَّةِ بِقَدْرِ هَذِهِ وَأَنَّ الْفَجْرَيْنِ أَطْوَلُ، وَالْعِشَاءُ فِي الشِّتَاءِ أَطْوَلُ، وَجَعْلُ الْفَجْرِ تَابِعًا لِلنَّهَارِ يَطُولُ فِي الصَّيْفِ، وَيَقْصُرُ فِي الشِّتَاءِ، وَجَعْلُ الشَّفَقِ تَابِعًا لِلَّيْلِ: يَطُولُ فِي الشِّتَاءِ وَيَقْصُرُ فِي الصيف، فهو قلب للحس، والعقل، والشرع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط": "عصر شمسه تغرب".(1/436)
فَصْلٌ: وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِخُرُوجِ وَقْتِهَا وَهُوَ فِيهَا
"هـ" فِي الْفَجْرِ، لِوُجُوبِهَا كَامِلَةً، فَلَا تؤدى ناقصة، ومثله 1عصر أمسه تَغْرُبُ1 وَهُوَ فِيهَا.
وَهِيَ أَدَاءٌ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ "وش" وَلَوْ كَانَ صَلَّى دُونَ رَكْعَةٍ "ش" وَلِهَذَا يَنْوِيهِ، وَقَطَعَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي فِي الْمَعْذُورِ، وَقِيلَ قَضَاءٌ "وهـ" وَقِيلَ الْخَارِجُ عن الوقت.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط": "عصر شمسه تغرب".(1/436)
وَيُدْرِكُ بِإِدْرَاكِهِ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ فِي وَقْتِهَا، قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ، وَعَنْهُ بِرَكْعَةٍ، وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ بِنَاءً مَا خَرَجَ عَنْ وَقْتِهَا على التحريمة، وأنها لا تبطل، وظاهر المغني1: أَنَّهَا مَسْأَلَةُ الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ.
وَيَرْجِعُ إلَى مَنْ يَثِقُ بِهِ فِي دُخُولِهِ عَنْ عِلْمٍ. أَوْ أَذَانِ ثِقَةٍ عَارِفٍ، قَالَ فِي الْفُصُولِ، وَنِهَايَةِ أَبِي الْمَعَالِي. وَابْنُ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةُ: إنْ عَلِمَ إسْلَامَهُ بِدَارِ حَرْبٍ، لَا عَنْ اجْتِهَادٍ، إلَّا لِعُذْرٍ. وَفِي كِتَابِ أَبِي عَلِيٍّ الْعُكْبَرِيِّ وَأَبِي الْمَعَالِي وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا: لَا أَذَانَ فِي غَيْمٍ، لِأَنَّهُ عَنْ اجْتِهَادِهِ، وَيَجْتَهِدُ هُوَ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَوْ عُرِفَ أَنَّهُ يَعْرِفُ الْوَقْتَ بِالسَّاعَاتِ أَوْ تَقْلِيدِ عَارِفٍ عَمِلَ بِهِ، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ.
فَإِنْ ظَنَّ دُخُولَهُ فَلَهُ الصَّلَاةُ، فَإِنْ بَانَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَنَفْلٌ، وَيُعِيدُ "و" لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ، وَالْيَقِينُ مُمْكِنٌ، وَعَنْ "م ش" قَوْلٌ لَا يُعِيدُ، وَعَنْهُ لَا يُصَلِّي حَتَّى يَتَيَقَّنَ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ "وم" كَمَا لَوْ وَجَدَ مَنْ يُخْبِرُهُ عَنْ يَقِينٍ، أَوْ أَمْكَنَهُ مُشَاهَدَةَ الْوَقْتِ.
وَقَالَ شَيْخُنَا، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يَعْمَلُ بِقَوْلِ الْمُؤَذِّنِ مَعَ إمْكَانِ الْعِلْمِ بِالْوَقْتِ، وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ. وَخِلَافُ مَا شَهِدَتْ بِهِ النُّصُوصُ، كذا قال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط": "المعنى"، وانظر: "المغني" 2/47.(1/437)
وَالْأَعْمَى الْعَاجِزُ يُقَلِّدُ، فَإِنْ عَدِمَ أَعَادَ، وَقِيلَ إنْ أَخْطَأَ.
وَإِنْ دَخَلَ الْوَقْتُ بِقَدْرِ تَكْبِيرَةٍ، وَأَطْلَقَهُ أَحْمَدُ، فَلِهَذَا قِيلَ يُجْزِئُ وَعَنْهُ وَأَمْكَنَهُ الْأَدَاءُ اخْتَارَهُ1 وَجَمَاعَةٌ "وش" وَاخْتَارَ شَيْخُنَا أَنْ يُضَيِّقَ "وم" ثُمَّ طَرَأَ جُنُونٌ أَوْ حَيْضٌ وَجَبَ الْقَضَاءُ "هـ" وَعَنْهُ وَالْمَجْمُوعَةُ إلَيْهَا بَعْدَهَا "خ".
وَإِنْ طَرَأَ تَكْلِيفُ وَقْتِ صَلَاةٍ وَلَوْ بِقَدْرِ تَكْبِيرَةٍ "وهـ ق" وَقِيلَ بِجُزْءٍ، وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي حِكَايَةَ الْقَوْلِ بِإِمْكَانِ الْأَدَاءِ، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ حِكَايَةُ الْقَوْلِ بِرَكْعَةٍ، فَيَكُونُ فَائِدَةً الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا الْخِلَافَ عِنْدَنَا فِيمَا إذَا طَرَأَ مَانِعٌ أَوْ تَكْلِيفٌ، هَلْ يُعْتَبَرُ بِتَكْبِيرَةٍ أَوْ رَكْعَةٍ، وَاخْتَارَ بِرَكْعَةٍ فِي التَّكْلِيفِ "وم".
وَلَا يُعْتَبَرُ زَمَنٌ يَتَّسِعُ الطَّهَارَةَ نَصَّ عَلَيْهِ "هـ وم ق" قَضَاهَا "وش" وَقَضَى الْمَجْمُوعَةَ إلَيْهَا قَبْلَهَا "هـ" وَلَوْ لَمْ يَتَّسِعْ لِفِعْلِهَا وَقَدَّرَ مَا تَجِبُ به الثانية "م".
وَيَجِبُ قَضَاءُ الْفَوَائِتِ "و" عَلَى الْفَوْرِ فِي الْمَنْصُوصِ: إنْ لَمْ يَضُرَّ فِي بَدَنِهِ أَوْ مَعِيشَةٍ يَحْتَاجُهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَحَوَّلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَصْحَابِهِ لَمَّا نَامُوا وَقَالَ: "إنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ" 2. لِأَنَّهُ سُنَّةٌ، كَفِعْلِ سنة قبل الفرض.
ويجوز التأخير لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَانْتِظَارِ رُفْقَةٍ، أَوْ جَمَاعَةٍ لِلصَّلَاةِ، وإن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 بعدها في "ط": "و".
2 أخرجه مسلم "680" "310"، من حديث أبي هريرة.(1/438)
كَثُرَتْ الْفَوَائِتُ فَالْأَوْلَى تَرْكُ سُنَنِهَا، لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ1، وَاسْتَثْنَى أَحْمَدُ سُنَّةَ الْفَجْرِ، وَقَالَ: لَا يُهْمِلُهَا، وَقَالَ فِي الْوِتْرِ: إنْ شَاءَ قَضَاهُ، وَإِنْ شَاءَ فَلَا، وَنَقَلَ مُهَنَّا يَقْضِي سُنَّةَ الْفَجْرِ: لَا الْوِتْرَ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: لِأَنَّهُ عِنْدَهُ دُونَهَا، وَأَطْلَقَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَقْضِي السُّنَنَ، وَقَالَ بَعْدَ رِوَايَةِ مُهَنَّا الْمَذْكُورَةِ وَغَيْرِهِ: وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَقْضِي الْوِتْرَ كَمَا يَقْضِي غَيْرَهُ مِنْ الرَّوَاتِبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ هَذَا مِنْ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَقْضِي الْوِتْرَ فِي رِوَايَةٍ خَاصَّةٍ.
وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ لَا يَتَطَوَّعُ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ مُتَقَدِّمَةٌ إلَّا الْوِتْرَ، فَإِنَّهُ يُوتِرُ. وَفِي الْفُصُولِ يَقْضِي سُنَّةَ الْفَجْرِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَفِي بَقِيَّةِ الرَّوَاتِبِ مِنْ النَّوَافِلِ رِوَايَتَانِ، نَصَّ عَلَى الْوِتْرِ لَا يَقْضِي، وَعَنْهُ يَقْضِي.
وَلَا يَصِحُّ نَفْلٌ مُطْلَقٌ عَلَى الْأَصَحِّ لِتَحْرِيمِهِ كَأَوْقَاتِ النَّهْيِ، قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ الخلاف في الجواز، وأن على المنع لا يَصِحُّ، قَالَ: وَكَذَا بِتَخَرُّجٍ فِي النَّفْلِ الْمُبْتَدَأِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ أَوْ عِنْدَ ضِيقِ وَقْتِ الْمُؤَدَّاةِ مع علمه بذلك وتحريمه.
وَيَجِبُ تَرْتِيبُهَا "ش" وَعَنْهُ لَا، وَقِيلَ يَجِبَانِ في خمس "وهـ م" في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرج الترمذي "179"، والنسائي في "المجتبى" 2/17، عن ابن مسعود أن المشركين شغلوا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر بلالاً فأذن ثم أقام، فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء.(1/439)
التَّرْتِيبِ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَتَّبَ1، وَفِعْلُهُ بَيَانٌ لِمُجْمَلِ الْأَوَامِرِ الْمُطْلَقَةِ، وَهِيَ تَشْمَلُ الْأَدَاءَ وَالْقَضَاءَ مَعَ عُمُومِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي" 2.
وَالصَّوْمُ وَكَذَا الزَّكَاةُ لَا يُعْتَبَرُ التَّرْتِيبُ فِي جِنْسِهِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، بِدَلِيلِ الْمَجْمُوعَتَيْنِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَالْمُرَادُ لَا يَجِبُ فِي الصَّوْمِ تَرْتِيبٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَيَأْتِي فِيمَا إذَا اشْتَبَهَتْ الْأَشْهُرُ عَلَى الْأَسِيرِ3.
وَسُقُوطُهُ سَهْوًا لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ شَرْطًا، كَالْإِمْسَاكِ فِي الصَّوْمِ، وَتَرْكِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 يعني: في حديث ابن مسعود المتقدم في الصفحة السابقة.
2 أخرجه البخاري "631"، من حديث مالك بن الحويرث.
3 4/427.(1/440)
الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ مُخَالِفِينَا، وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَجِبُ التَّرْتِيبُ، وَلَا يُعْتَبَرُ لِلصِّحَّةِ، وَلَهُ نَظَائِرُ، قَالَ شَيْخُنَا: إنْ عَجَزَ فَمَاتَ بَعْدَ التَّوْبَةِ غُفِرَ لَهُ.
قَالَ: وَلَا تَسْقُطُ بِحَجٍّ، وَلَا تَضْعِيفِ صَلَاةٍ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ "ع".
وَيَسْقُطُ التَّرْتِيبُ لِخَشْيَةِ فَوَاتِ الْحَاضِرَةِ لِئَلَّا يَصِيرَا فَائِتَتَيْنِ، وَلِأَنَّ تَرْكَ التَّرْتِيبِ أَيْسَرُ مِنْ تَرْكِ الْوَقْتِ، وَعَنْهُ مَعَ الْكَثْرَةِ "وم" وَبِنِسْيَانِ التَّرْتِيبِ عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/441)
الْأَصَحِّ فِيهِمَا "م" وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ: يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ الْمَاضِيَةِ كَالنِّسْيَانِ، قَالَ: وَلَوْ شَكَّ فِي صَلَاةٍ هَلْ صَلَّى مَا قَبْلَهَا؟ وَدَامَ حَتَّى فَرَغَ فَبَانَ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ أَعَادَهُمَا كَمُتَيَمِّمٍ شَكَّ: هَلْ رَأَى مَاءً أَوْ سَرَابًا فَكَانَ مَاءً، وَيُتَوَجَّهُ فِيهَا احْتِمَالٌ.
وَقِيلَ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِجَهْلِ وُجُوبِهِ "هـ" وَالْمَذْهَبُ لَا لِأَنَّهُ نَادِرٌ، وَلِأَنَّهُ اعْتَقَدَ بِجَهْلِهِ خِلَافَ الْأَصْلِ، وَهُوَ التَّرْتِيبُ فَلَمْ يُعْذَرْ، فَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ الْفَجْرَ جَاهِلًا، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ فِي وَقْتِهَا. صَحَّتْ عَصْرُهُ لِاعْتِقَادِهِ لَا صَلَاةَ عَلَيْهِ كَمَنْ صَلَّاهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ بِلَا وُضُوءٍ أَعَادَ الظُّهْرَ، وَعَنْهُ وَبِخَشْيَةِ فَوْتِ الجماعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(1/442)
وَتَصِحُّ الْبِدَايَةُ بِغَيْرِ الْحَاضِرَةِ فِي الْمَنْصُوصِ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ "و" وَلَا نَافِلَةَ إذًا فِي الْأَصَحِّ عَالِمًا عَمْدًا كَمَا سَبَقَ.
وَإِنْ ذَكَرَ فَائِتَةً فِي حَاضِرَةٍ أَتَمَّهَا غَيْرَ الْإِمَامِ "وهـ م" وَعَنْهُ وَهُوَ1 نَفْلًا، وَقِيلَ فَرْضًا، وَعَنْهُ تَبْطُلُ.
وَإِنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمِ يَجْهَلُ عَيْنَهَا صَلَّى خَمْسًا نَصَّ عَلَيْهِ "و" بِنِيَّةِ الْفَرْضِ، زَادَ الْقَاضِي فَقَالَ فِيمَا إذَا اخْتَلَطَ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ بِمَنْ. لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ: وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّ فِعْلَ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ بِنِيَّةِ الْوَاجِبِ مُحَرَّمٌ كَمَا تَحْرُمُ الصَّلَاةُ عَلَى الْكَافِرِ.
وَعَنْهُ فَجْرًا، ثُمَّ مغربا، ثم رباعية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 يعني: الإمام.(1/443)
وَإِنْ تَرَكَ عَشَرَ سَجَدَاتٍ مِنْ صَلَاةِ شَهْرٍ قَضَى صَلَاةَ عَشْرَةِ أَيَّامٍ، لِجَوَازِ تَرْكِهِ كُلَّ يَوْمٍ سَجْدَةً، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، قَالَ: وَيُعْتَبَرُ فِيمَا فَاتَهُ فِي مَرَضِهِ وَصِحَّتِهِ وَقْتُ الْأَدَاءِ، قَالَ: هُوَ وَغَيْرُهُ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ.
وَإِنْ نَسِيَ ظُهْرًا وَعَصْرًا مِنْ يَوْمَيْنِ وَجَهِلَ السَّابِقَةَ فَعَنْهُ يَبْدَأُ بِالظُّهْرِ، وَعَنْهُ يَتَحَرَّى "م" فَإِنْ اسْتَوَيَا فَعَنْهُ بِمَا شَاءَ، وَعَنْهُ يُصَلِّي ظُهْرَيْنِ بينهما عصر، أو عكسه "م 4،5".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةُ 4 -5: قَوْلُهُ: "وَإِنْ نَسِيَ ظُهْرًا وَعَصْرًا مِنْ يَوْمَيْنِ وَجَهِلَ السَّابِقَةَ فَعَنْهُ يَبْدَأُ بِالظُّهْرِ، وَعَنْهُ يَتَحَرَّى، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَعَنْهُ بِمَا شَاءَ، وَعَنْهُ يُصَلِّي ظُهْرَيْنِ بَيْنَهُمَا عَصْرٌ، وَعَكْسُهُ" انْتَهَى. ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَتَيْنِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى -1: إذَا نَسِيَ ظُهْرًا وَعَصْرًا مِنْ يَوْمَيْنِ وَجَهِلَ السَّابِقَةَ فَهَلْ يَبْدَأُ بِالظُّهْرِ، أَوْ يَتَحَرَّى، أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُغْنِي1 وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالشَّرْحِ2 وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ:
إحْدَاهُمَا يَتَحَرَّى، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي3 وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَبْدَأُ بِالظُّهْرِ، ثُمَّ الْعَصْرِ مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ، نَقَلَهَا مُهَنَّا، قُلْت وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْعَصْرِ وَلَمْ أَرَهُ، لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَسِيَ الْعَصْرَ مِنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، كَمَا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يكون نسي الظُّهْرَ مِنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، فَلَيْسَتْ لِلظُّهْرِ مَزِيَّةٌ فِي الِابْتِدَاءِ بِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى نِسْيَانِهِ، فَيَكُونُ كَالظُّهْرِ، فَيَأْتِي فِيهَا قَوْلٌ كَالظُّهْرِ، وَلَا تَأْثِيرَ لكون الظهر قبلها،
__________
1 2/345.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/191.
3 1/215، وفيه: أنه يلزمه ثلاث صلوات، وليس كما ذكر.(1/444)
ومن شك فيما عليه وتيقن سَبَقَ الْوُجُوبُ أَبْرَأَ ذِمَّتَهُ يَقِينًا نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِلَّا مَا تَيَقَّنَ وُجُوبَهُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ شَكَّ هَلْ صَلَّى وَقَدْ خَرَجَ الْوَقْتُ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي لَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ إلَّا بِيَقِينٍ أَوْ ظَنٍّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ فِي الْمُغْنِي1 بَعْدَ أَنْ أَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ ثَلَاثُ صَلَوَاتٍ، عَصْرٌ بَيْنَ ظُهْرَيْنِ أَوْ عَكْسُهُ، قَالَ وَهَذَا أَقْيَسُ، لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ أَدَاءُ فَرْضِهِ بِيَقِينٍ، فَلَزِمَهُ، كَمَا لَوْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ لَا يَعْلَمُ عَيْنَهَا وَقَدْ نَقَلَ أَبُو دَاوُد مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا، انْتَهَى، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ وَأَبُو الْمَعَالِي وَابْنُ مُنَجَّى، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ أَنَّهُ يُصَلِّي ظُهْرًا ثُمَّ عَصْرًا ثُمَّ ظُهْرًا، قَالَ وَقِيلَ: أَوْ عَصْرًا ثُمَّ ظُهْرًا ثُمَّ عَصْرًا، انْتَهَى، وَفِي هَذَا الْقَوْلِ الثَّانِي نَوْعُ الْتِفَاتٍ إلَى مَا وَجَّهْته.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ -2: عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحَرِّي: لَوْ تَحَرَّى: فَلَمْ يَتَرَجَّحْ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَعَنْهُ يَبْدَأُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَنَصَرَهُ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يُصَلِّي ظُهْرَيْنِ بَيْنَهُمَا عَصْرٌ، أَوْ عَكْسُهُ وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد، وَهُوَ الَّذِي مَالَ إلَيْهِ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي1، لَكِنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَسْتَوِيَ عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ أَمْ لَا، وَالْمُصَنِّفُ فَرَّقَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَهَذِهِ خَمْسُ مسائل قد صححت بحمد الله تعالى.
__________
1 2/345.(1/445)
وَفِي الْغُنْيَةِ إنْ شَكَّ فِي تَرْكِ الصَّوْمِ أَوْ النِّيَّةِ فَلْيَتَحَرَّ، وَلِيَقْضِ مَا ظَنَّ أَنَّهُ تَرَكَهُ فَقَطْ، وَإِنْ احْتَاطَ فَقَضَى الْجَمِيعَ كَانَ حَسَنًا، وَكَذَا قَالَ فِي الْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ، مَعَ أَنَّهُ قَالَ فِي الصَّلَاةِ مَا يَتَيَقَّنُهُ لَا يَقْضِيهِ وَيَقْضِي غَيْرَهُ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَأْمُومُ: هَلْ صَلَّى الْإِمَامُ الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ؟ اعْتَبَرَ بِالْوَقْتِ، فإن أشكل فالأصل عدم الإعادة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
انتهى الجزء الأول من كتاب الفروع وتصحيحه وحاشية ابن قندس ويليه الجزء الثاني ويبدأ بباب الآذان والإقامة(1/446)
المجلد الثاني
تابع كتاب الصلاة
باب الأذان والإقامه
مدخل
...
بَابُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ
وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي الْأَصَحِّ، وَمِنْ الْإِمَامَةِ عَلَى الْأَصَحِّ "وش" وَلَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا "و" وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي أَنَّهُ أَفْضَلُ "وش" وَأَنَّ مَا صَلَحَ لَهُ فَهُوَ أَفْضَلُ.
وَهُمَا فَرْضُ كِفَايَةٍ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ، وَقِيلَ: وَفَائِتَةٍ وَمَنْذُورَةٍ عَلَى الرِّجَالِ، وَعَنْهُ: وَالرَّجُلُ حَضَرًا، وَعَنْهُ فِي الْمِصْرِ، وَعَنْهُ وَسَفَرًا.
وَعَنْهُ هُمَا سُنَّةٌ "و" وَفِي الرَّوْضَةِ هُوَ فَرْضٌ وَهِيَ سُنَّةٌ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: وَعَلَى أَنَّهُمَا سُنَّةٌ يُقَاتَلُونَ عَلَى تَرْكِهِمَا "هـ" وَعَنْهُ يَجِبُ لِلْجُمُعَةِ فَقَطْ.
وَيَكْفِي مُؤَذِّنٌ فِي الْمِصْرِ، نَصَّ عليه، وأطلقه جماعة، وقال جماعة: بحيث يَسْمَعُهُمْ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ مَتَى أَذَّنَ وَاحِدٌ سَقَطَ عَمَّنْ صَلَّى مَعَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/5)
مُطْلَقًا خَاصَّةً، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ اثْنَانِ، وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ فِي الْفَجْرِ فَقَطْ، كَبِلَالٍ وَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَلَا يُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا. وَقَالَ الْقَاضِي عَلَى أَرْبَعَةٍ، لِفِعْلِ عُثْمَانَ إلَّا مِنْ حَاجَةٍ.
وَالْأَوْلَى أَنْ يُؤَذِّنَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، وَيُقِيمُ مَنْ أَذَّنَ أَوَّلًا، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْإِعْلَامُ بِوَاحِدٍ زِيدَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، كُلُّ وَاحِدٍ فِي جَانِبٍ، أَوْ دَفْعَةً وَاحِدَةً بِمَكَانٍ وَاحِدٍ.
وَيُقِيمُ أَحَدُهُمْ، وَالْمُرَادُ بِلَا حَاجَةٍ، فَإِنْ تَشَاحُّوا أَقُرِعَ.
وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ بِدُونِهِمَا، فَعَلَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ1، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: وَلِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنًى فِي الصَّلَاةِ، بَلْ إلَى الدُّعَاءِ إلَيْهَا، وَعَلَى أَنَّ كَوْنَ الْبُقْعَةِ حَلَالًا لَا يَجِبُ فِيهَا. وَلَا تَبْطُلُ بِعَدَمِهِمَا لكن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أورد صاحب المغني 2/73 عن علقمة والأسود أنهما قالا: دخلنا على عبد الله فصلى بنا بلا أذان أو إقامة.
رواه الأثرم.(2/6)
يُكْرَهُ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: إلَّا بِمَسْجِدٍ صَلَّى فِيهِ، وَنَصُّهُ أَوْ اقْتَصَرَ مُسَافِرٌ وَمُنْفَرِدٌ عَلَى الْإِقَامَةِ.
وَهُمَا أَفْضَلُ لِكُلِّ مُصَلٍّ، إلَّا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يُشَرَّعُ، بَلْ حَصَلَ لَهُمْ الْفَضِيلَةُ كَقِرَاءَةِ الْإِمَامِ لِلْمَأْمُومِ. وَهَلْ صَلَاةُ مَنْ أَذَّنَ لِصَلَاتِهِ بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ فَضْلٌ يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ، أم يحتمل أنها وصلاة من أذن له سَوَاءٌ بِحُصُولِ سُنَّةِ الْأَذَانِ،؟ ذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ أَحْمَدَ تَوَقَّفَ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ "م 1" وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ يُكْرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي بَيْتِهِ مِنْ بُعْدٍ عَنْ الْمَسْجِدِ، لِئَلَّا يُضَيِّعَ مَنْ يَقْصِدُهُ. وَفِي التَّلْخِيصِ يُشْرَعَانِ لِلْجَمَاعَةِ الثَّانِيَةِ غَيْرَ مَسْجِدَيْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: غَيْرُ الْجَوَامِعِ الْكِبَارِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةُ 1: قَوْلُهُ: وَهَلْ صَلَاةُ مَنْ أَذَّنَ لِصَلَاتِهِ بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ فَضْلٌ يَخْتَصُّ الصَّلَاةَ أَمْ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا وَصَلَاةُ مَنْ أُذِّنَ لَهُ سَوَاءٌ لِحُصُولِ سُنَّةِ الْأَذَانِ؟ ذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ تَوَقَّفَ نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ، انْتَهَى، قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ فِعْلُ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ والله أعلم.(2/7)
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يُؤَذِّنُ مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ إنْ لَمْ يَسْمَعْ آذَانَ الْجَمَاعَةِ وَإِلَّا لَمْ يُشْرَعْ.
وَفِي كَرَاهَتِهِمَا لِلنِّسَاءِ بِلَا رَفْعِ صَوْتٍ وَقِيلَ مطلقا: روايتان، وعنه تسن لهن الإقامة "وش" لَا الْأَذَانُ "م 2" "م" وَيُتَوَجَّهُ فِي التَّحْرِيمِ جَهْرًا الْخِلَافُ فِي قِرَاءَةٍ وَتَلْبِيَةٍ، وَقَدْ قَالَ فِي الْفُصُولِ: تَجْمَعُ نَفْسَهَا فِي السُّجُودِ لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ، وَلِهَذَا مَنَعْنَاهَا مِنْ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ وَبِالْأَذَانِ وَمِنْ الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ، وَمِنْ التَّجَرُّدِ فِي الْإِحْرَامِ، كَذَا قَالَ، فَأَخَذَ قَدْرًا مُشْتَرَكًا وَإِنْ اختلف المنع،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةُ 2 قَوْلُهُ: "وَفِي كَرَاهَتِهِمَا لِلنِّسَاءِ بِلَا رَفْعِ صَوْتٍ وَقِيلَ مُطْلَقًا رِوَايَتَانِ، وَعَنْهُ تُسَنُّ لَهُنَّ الْإِقَامَةُ لَا الْأَذَانُ" انْتَهَى.
إحْدَاهُمَا: يُكْرَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ فِي الْمَجْدِ: لَا يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ: الْكَرَاهَةُ أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ، وَقَدَّمَ الْكَرَاهَةَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ، وَقَدَّمَ ابْنُ عُبَيْدَانَ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ.
وَالرِّوَايَةُ الثانية يباحان، ذكرها في الرِّعَايَةِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ يُسْتَحَبَّانِ ذَكَرَهَا فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ، وَرِوَايَةُ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ تَحْتَمِلُ الْإِبَاحَةَ وَالِاسْتِحْبَابَ، وَكَلَامُ الْمَجْدِ مُحْتَمِلٌ الْكَرَاهَةَ وَالْإِبَاحَةَ، وَكَذَا ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَعَنْهُ تُسَنُّ لَهُنَّ الْإِقَامَةُ لَا الْأَذَانُ ذَكَرَهَا الْقَاضِي فَمَنْ بَعْدَهُ.
"تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ: وَيُتَوَجَّهُ فِي التَّحْرِيمِ جَهْرًا الْخِلَافُ فِي قِرَاءَةٍ وَتَلْبِيَةٍ، تَأْتِي الْقِرَاءَةُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ إذَا لَمْ يَسْمَعْهَا أَجْنَبِيٌّ قِيلَ: كَرَجُلٍ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ، وَيَأْتِي تَصْحِيحُ ذَلِكَ، وَتَأْتِي التَّلْبِيَةُ فِي مَحَلِّهَا فِي قَوْلِهِ: وَحَرَّمَ جَمَاعَةٌ لَا تَرْفَعُ صَوْتَهَا فِيهَا إلَّا بِمِقْدَارِ مَا يُسْمِعُ رَفِيقَتَهَا، وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ فِيمَا زَادَ على ذلك، وقوله: ويكره(2/8)
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلِلْأَذَانِ الْمُخْتَارِ خَمْسَ عَشْرَةَ كَلِمَةً وِفَاقًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَبِلَا تَرْجِيعِ الشَّهَادَتَيْنِ خِفْيَةً "م ش" بِتَرْبِيعِ التَّكْبِيرِ أَوَّلَهُ، لَا مَرَّتَيْنِ "م".
ويجوز ترجيعه، وعنه لا يعجبني "وهـ" وَعَنْهُ هُمَا سَوَاءٌ. وَفِي التَّعْلِيقِ أَنَّ حَنْبَلًا نَقَلَ فِي مَوْضِعِ: أَذَانِ أَبِي مَحْذُورَةَ أَعْجَبُ إلَيَّ وَعَلَيْهِ أَهْلُ مَكَّةَ إلَى الْيَوْمِ1.
وَيُسْتَحَبُّ قَوْلُ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ بَعْدَ حيعلة آذان الفجر "وهـ م" وَقَدِيمُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ، وَقِيلَ يَجِبُ "خ" وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَيُكْرَهُ التَّثْوِيبُ فِي غَيْرِهَا "و" خِلَافًا لِمَا اسْتَحَبَّهُ متأخرو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
التثويب في غيرها لعلة في غيره
__________
1 أخرجه مسلم "379" عن أبي محذورة أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان: "الله أكبر الله أكبر أشهد ان لاإله إلا الله أشهد ان لاإله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله" ثم يعود فيقول: "أشهد ان لاإله إلا الله أشهد أشهد ان لاإله إلا الله أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله" حي على الصلاة مرتين حي على الفلاح مرتين. زاد إسحاق "اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا الله".
أما أذان بلال فقد أخرجه أبو داود "499" والترمذي 189 وابن ماجه "706" عن عبد الله بن زيد وهو مثل حديث أبي محذورة لكن من غير أن يذكر الشهادتين مرتين مرتين. وهو مايسمى: الترجيع
وأذان بلال هو اختيار أحمد رحمه الله. كما ذكر الموفق في "المغني" 2/56..(2/9)
الحنفية، وبعد الأذان.
والنداء إذَنْ بِالصَّلَاةِ خِلَافًا لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فِيهِمَا، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عُلَمَاءِ الْكُوفَةِ.
وَالْأَشْهَرُ: [كَرَاهَةُ] 1 نِدَاءِ الْأُمَرَاءِ اكْتِفَاءً بِالنِّدَاءِ الْأَوَّلِ رَوَاهُ ابْنُ بَطَّةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَصَنَّفَ ابْنُ بَطَّةَ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَرُوِيَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: كُنَّا مَعَ ابْنِ عُمَرَ فِي سَفَرٍ فَنَزَلْنَا بِذِي الْمَجَازِ عَلَى مَاءٍ لِبَعْضِ الْعَرَبِ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنُ ابْنِ عُمَرَ، ثُمَّ أَقَامَ الصَّلَاةَ، فَقَامَ رَجُلٌ فَعَلَا2 رَحْلًا2 مِنْ رَحَالَاتِ الْقَوْمِ، ثُمَّ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا أَهْلَ الْمَاءِ "الصَّلَاةَ" فَجَعَلَ ابْنُ عُمَرَ يُسَبِّحُ فِي صَلَاتِهِ، حَتَّى إذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ الصَّائِحُ بِالصَّلَاةِ؟ قَالُوا أَبُو عَامِرٍ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: لَا صَلَّيْت وَلَا تَلَيْت، أَيُّ شَيَاطِينِك أَمَرَك بِهَذَا؟ أَمَا كَانَ فِي اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ مَا أَغْنَى عَنْ بِدْعَتِك هَذِهِ3؟ وَهَذَا إنْ صَحَّ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ سَمِعَ الْأَذَانَ أَوْ الْإِقَامَةَ، وَإِلَّا لَمْ يُكْرَهْ.
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ عَنْ قَوْلِ الرَّجُلِ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ: الصَّلَاةَ الْإِقَامَةَ. بِدْعَةٌ، يُنْهَوْنَ عَنْهُ إنَّمَا جُعِلَ الأذان ليستمع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في النسخ الخطية, والمثبت من "ط".
2 ليست في النسخ الخطية, والمثبت من "ط".
3 لم نقف عليه.(2/10)
النَّاسُ، فَمَنْ سَمِعَ جَاءَ.
وَقَالَ رَجُلٌ لِإِبْرَاهِيم الْحَرْبِيِّ: خَاصَمَنِي رَجُلٌ، فَقَالَ لِي يَا سِفْلَةُ، فَقُلْت وَاَللَّهِ مَا أَنَا بِسِفْلَةٍ، فَقَالَ إبْرَاهِيمُ هَلْ تَمْشِي خَلْفَ النَّاقَةِ وَتَصِيحُ يَا مَعْلُوفُ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ: هَلْ تَصِيحُ "الصَّلَاةَ الْإِقَامَةَ" قَالَ: لَا، قَالَ: لَسْتَ بِسِفْلَةٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ بَيْنَ التَّرَاوِيحِ: الصَّلَاةَ قَالَ: لَا يَقُولُ الصَّلَاةَ، كَرِهَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، إنَّمَا كَرِهَهُ لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ، وَتَبِعَ الْقَاضِيَ فِي الْجَامِعِ لِابْنِ بَطَّةَ عَلَى ذَلِكَ.
وَفِي الْفُصُولِ يُكْرَهُ بَعْدَ الْأَذَانِ نِدَاءُ الْأُمَرَاءِ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ فِي الْأَذَانِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَصِلَهُ بِمَا لَيْسَ مِنْهُ كَالْخُطْبَةِ، وَالصَّلَاةِ، وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ الْبِدْعَةِ فِعْلُهُ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ، وَلَعَلَّهُ اقْتِدَاءً بِفِعْلِ بِلَالٍ، حَيْثُ آذَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلَاةِ وَكَانَ نَائِمًا، وَجَعَلَ يَثُوبُ لِذَلِكَ، وَأَقَرَّهُ على ذلك1.
وَالْإِقَامَةُ إحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً "وش" وَعَنْهُ أَوْ يثنيها إلا قد قامت مرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه ابن ماجه "716".(2/11)
"م" لَا مَرَّتَيْنِ وَأَنَّهَا كَالْأَذَانِ "هـ" وَلَا يُكْرَهُ التَّثْنِيَةُ "م ش" وَيُسْتَحَبُّ التَّرَسُّلُ فِيهَا وَإِحْدَارُهَا، وَأَذَانُهُ أَوَّلُ الْوَقْتِ، وَيَتَوَلَّاهُمَا وَاحِدٌ، وَعَنْهُ سواء، ذكره أبو الحسين "وهـ م" وَقِيلَ: بَلْ يُكْرَهُ، وَعِنْدَ أَبِي الْفَرَجِ إلا أن يؤذن المغرب بمنارة.
وَإِنْ أَذَّنَ أَوْ أَقَامَ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا فعنه: لايكره1، وَعَنْهُ: بَلَى، وَعَنْهُ حَضَرًا، وَعَنْهُ فِي الْإِقَامَةِ وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ أَذَّنَ قَاعِدًا أَوْ مشى فيه2 كَثِيرًا بَطَلَ "خ" وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الثَّانِيَةِ، وعنه في الأولى لا يعجبني "م 3".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةُ 3" وَإِنْ أَذَّنَ أَوْ أَقَامَ رَاكِبًا أَوْ ماشيا [فعنه] لَا يُكْرَهُ، وَعَنْهُ بَلَى، وَعَنْهُ حَضَرًا وَعَنْهُ فِي الْإِقَامَةِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ أَذَّنَ قاعدا أو مشى فيه كثيرا ... , وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الثَّانِيَةِ, وَعَنْهُ فِي الْأُولَى، لَا يُعْجِبُنِي، انْتَهَى.
إذَا أَذَّنَ أَوْ أَقَامَ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا لِغَيْرِ عُذْرٍ فَقَدَّمَ ابْنُ تَمِيمٍ الْكَرَاهَةَ، وَقَطَعَ بِهَا فِي التَّلْخِيصِ لِلْمَاشِي، وَبِعَدَمِهَا لِلرَّاكِبِ الْمُسَافِرِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى يُبَاحَانِ لِلْمُسَافِرِ مَاشِيًا، وَرَاكِبًا فِي السَّفِينَةِ، وَقَالَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَقَالَ فِي الْكُبْرَى وَيُكْرَهَانِ لِلْمَاشِي حَضَرًا، وَيُبَاحَانِ لِلْمُسَافِرِ مَاشِيًا، حَالَ مَشْيِهِ، وَرُكُوبِهِ، فِي رِوَايَةٍ، وَقَالَ فِي مَكَان آخَرَ: وَلَا يَمْشِي فِيهِمَا، وَلَا يَرْكَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ فَعَلَ كُرِهَ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيُبَاحَانِ لِلْمُسَافِرِ مَاشِيًا، وَرَاكِبًا، انْتَهَى. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ المسافر راكبا وتكره له الإقامة بِالْأَرْضِ، نَصَّ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: وَلَا يَجُوزُ الْأَذَانُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا أَرَادَا فِي السَّفَرِ. وَيَأْتِي كَلَامُهُمَا فِي التَّنْبِيهِ الْآتِي. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ أَذَّنَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا حَضَرًا كُرِهَ، نَقَلَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ، قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فِي الْأَذَانِ لِلْمُسَافِرِ رَاكِبًا وماشيا، والكراهة في غير ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
"تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ إنْ أَذَّنَ قَاعِدًا أَوْ مَشَى فِيهِ كثيرا بطل، ظاهر
__________
1 ففي "ط": يكره.
2 ففي "ط": ففيهما.(2/12)
وذكر عياض أن مذهب الْعُلَمَاءِ كَافَّةً لَا يَجُوزُ قَاعِدًا، إلَّا أَبَا ثَوْرٍ، وَوَافَقَهُ أَبُو الْفَرَجِ الْمَالِكِيِّ1.
وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ مُتَطَهِّرًا، عَلَى عُلُوٍّ، وَيُقِيمُ [لِلصَّلَاةِ] مَقَامَهُ كَالْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ، لِأَنَّ بِلَالًا لَوْ أَقَامَ أَسْفَلَ لَمَا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ2، احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ: إلَّا أَنْ يَشُقَّ. لَا مَكَانَ صَلَاتِهِ "م ش".
وَفِي النَّصِيحَةِ: السُّنَّةُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِالْمَنَارَةِ، وَيُقِيمَ أَسْفَلَ، وَرَوَى أَبُو حَفْصٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ ذَلِكَ، وَنَقَلَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِيَلْحَقَ آمِينَ مَعَ الْإِمَامِ.
وَيَجْعَلُ سَبَّابَتَهُ فِي أُذُنَيْهِ "و" وَعَنْهُ يَجْعَلُ يَدَيْهِ عَلَى أُذُنَيْهِ مَضْمُومَةً سِوَى الْإِبْهَامِ، وَعَنْهُ مَعَ قَبْضِهِمَا عَلَى كَفَّيْهِ، وَيَرْفَعُ وَجْهَهُ إلَى السَّمَاءِ، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ عِنْدَ كلمة الإخلاص، وقيل والشهادتين، ويجزمهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
هَذَا: أَنَّ الْمُقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ مِنْ الْقَاعِدِ وَالْمَاشِي كَثِيرًا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا: فَإِنْ أَذَّنَ قَاعِدًا لِغَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ كَرِهَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ، وَيَصِحُّ فَقَطَعَا بِالصِّحَّةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَمَّا عُدِمَ الْإِجْزَاءُ مِنْ الْقَاعِدِ. وَحَكَى أَبُو الْبَقَاءِ فِي شَرْحِهِ رِوَايَةً أَنَّهُ إذَا أَذَّنَ قَاعِدًا قَالَ الْقَاضِي: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الِاسْتِحْبَابِ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى نَفْيِ الِاعْتِدَادِ بِهِ.
__________
1 هو القاضي أبو الفرج عمر بن محمد الليثي الغدادي الفقيه الحافظ العمدة الثقة. تفقه بالقاضي إسماعيل وعنه أخذ أبو بكر الأبهري وابن السكن وغيرهما "ت331 هـ" شجرة النور الكية ص 79.
2 أخرجه أبو داود "937".(2/13)
فَلَا يُعْرِبُهُمَا, وَيَلْتَفِت يَمْنَةً وَيَسْرَةً "و" فِي الْحَيْعَلَةِ "هـ" وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ مذهبه، كقولنا.
وَقِيلَ: يَقُولُ يَمِينًا: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، ثُمَّ يُعِيدُهُ يَسَارًا، ثُمَّ كَذَلِكَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، وَقِيلَ: يَقُولُ يَمِينًا: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَسَارًا حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، ثُمَّ كَذَلِكَ ثَانِيَةً، وَهُوَ سَهْوٌ. وَفِي الْتِفَاتِهِ فِيهَا فِي الْإِقَامَة وَجْهَانِ "م 4"، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَجَزَمَ الْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ بِعَدَمِهِ فِيهَا.
وَلَا يُزِيلُ قَدَمَيْهِ لِفِعْلِ بِلَالٍ1، وَكَالْخُطْبَةِ، لَا يَنْتَقِلُ فِيهَا، ذَكَرَهُ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةُ 4" قَوْلُهُ: وَفِي الْتِفَاتِهِ يَعْنِي عَنْ يَمْنَةٍ وَيَسْرَةٍ عِنْدَ قَوْلِهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فِي الْإِقَامَةِ وَجْهَانِ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَجَزَمَ الْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ بِعَدَمِهِ فِيهَا انْتَهَى، قُلْت وَهُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ؛ لِذِكْرِهِمْ ذَلِكَ فِي الْأَذَانِ وَتَرْكِهِمْ لَهُ فِي الْإِقَامَةِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حواشيه.
__________
1 أخرجه البخاري "634", ومسلم "503".(2/14)
الْفُصُولِ وَظَاهِرُهُ: يُزِيلُ صَدْرَهُ "ش" نَقَلَ حَرْبٌ: يَلْتَفِتُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً، وَكَأَنَّهُ لَمْ يُعْجِبْهُ الدَّوَرَانَ فِي الْمَنَارَةِ، وَعَنْهُ يُزِيلُ قَدَمَيْهِ فِي مَنَارَةٍ، وَنَحْوِهَا، نَصَرَهُ فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ، اخْتَارَهُ صَاحِبُ المحرر "وهـ م" وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَبُو الْفَرَجِ حَفِيدُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ الْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، زَادَ أَبُو الْمَعَالِي مَعَ كُبْرِ الْبَلَدِ لِلْحَاجَةِ.
وَيَرْفَعُ صوته قدر طاقته1، مَا لَمْ يُؤَذِّنْ لِنَفْسِهِ، وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ، وَعَنْهُ يَتَوَسَّطُ.
وَلَا يَصِحُّ إلَّا مُرَتَّبًا "و" مُتَوَالِيًا "و" عُرْفًا مَنْوِيًّا مِنْ وَاحِدٍ. فَظَاهِرُهُ لَا يعتبر موالاة بين الإقامة، وَالصَّلَاةِ "ش" إذَا أَقَامَ عِنْدَ إرَادَةِ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ، لِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ لِأَبِي بَكْرٍ: أَتُصَلِّي فَأُقِيمَ2؟ وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ ذَهَبَ فَاغْتَسَلَ3، وَظَاهِرُهُ طُولُ الْفَصْلِ وَلَمْ يُعِدْهَا، وَيَأْتِي كَلَامُ الْقَاضِي فِي أَذَانِ الْفَجْرِ4.وَفِي تَقْدِيمِ النِّيَّةِ5.
وَرَفْعُ صَوْتِهِ بِهِ رُكْنٌ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: بِحَيْثُ يَسْمَعُ مَنْ تَقُومُ به
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ: وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَبُو الْفَرَجِ حَفِيدُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ الْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، انْتَهَى، فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْمَذْهَبَ الْأَحْمَدَ لِأَبِي الْمَحَاسِنِ وَأَبِي مُحَمَّدٍ يُوسُفَ بْنِ الشَّيْخِ أَبِي الْفَرَجِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْجَوْزِيِّ فَقَوْلُهُ: أَبُو الفرج غير مسلم، وكذا
__________
1 في "ط": الحاجة.
2 أخرجه البخاري "684", ومسلم "421".
3 أخرجه البخاري "275" , ومسلم "605" "157" من حديث أبي هريرة.
4 ص 20.
5 ص 138.(2/15)
الْجَمَاعَةُ رُكْنٌ.
وَيُكْرَهُ فِيهِ كَلَامٌ وَسُكُوتٌ يَسِيرٌ بِلَا حَاجَةٍ كَإِقَامَةٍ، وَعَنْهُ: لَا.
وَيَرُدُّ السَّلَامَ "هـ م" وعنه: لا1يبطل بِالرِّدَّةِ فِيهِ "و" وَقِيلَ لَا إنْ عَادَ فِي الْحَالِ كَجُنُونِهِ وَإِفَاقَتِهِ.
وَإِنْ أَتَى بِيَسِيرِ كَلَامٍ مُحَرَّمٍ فَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ، "و" وَقِيلَ بَلَى "م 5"، فَعَلَّلَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِأَنَّهُ قَدْ يظنه سامعه متلاعبا فأشبه المستهزئ، وعلله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
قَوْلُهُ: حَفِيدُ الْجَوْزِيِّ، وَإِنَّمَا هُوَ وَلَدُ الشَّيْخِ أَبِي الْفَرَجِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَيُعْرَفُ وَالِدُهُ بِابْنِ الجوزي، فلعل هذا نقص، والله أعلم.
مَسْأَلَةُ 5" وَإِنْ أَتَى بِيَسِيرِ كَلَامٍ مُحَرَّمٍ فَقِيلَ لَا يَبْطُلُ، وَقِيلَ بَلَى، انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفَائِقِ.
أَحَدُهُمَا تَبْطُلُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُقْنِعِ2 وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّهُمْ أَبْطَلُوهُ بِالْكَلَامِ الْمُحَرَّمِ، وَأَطْلَقُوا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ، وَالْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَالتَّسْهِيلِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَلَا يَقْطَعُهُمَا بِفَصْلٍ كَثِيرٍ، وَلَا كَلَامٍ مُحَرَّمٍ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَلَا يَقْطَعُ الْأَذَانَ بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ، فَإِنْ قَطَعَهُ وَكَانَ كثيرا لم يعتد بأذانه.
__________
1 ليست في "ط".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/84.(2/16)
الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ: بِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ فِيهِ، زَادَ بَعْضُهُمْ كَالرِّدَّةِ، فَدَلَّ أَنَّ كُلَّ مُحَرَّمٍ سَوَاءٌ. وَقَالَ الْقَاضِي إنْ: ارْتَدَّ بَعْدَهُ بَطَلَ "خ" قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ فِي الطَّهَارَةِ، فَدَلَّ أَنَّهَا مِثْلُهُ لَوْ ارْتَدَّ فِيهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ يَبْطُلُ كَرِدَّتِهِ فِي صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَحَجٍّ، فَحُكْمُهُ فِيهِ كَمَنْ وَطِئَ فِيهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، وَجَزَمَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِبُطْلَانِهِ لِبُطْلَانِ عَمَلِهِ، وَكَالصَّوْمِ، وَلِأَنَّهُ قد يعتد1 بما فعله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط": يعيد.(2/17)
الْوَاطِئُ، وَيَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ ابْتِدَاءً، بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ، وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَبْنِي كَالْأَذَانِ وَأَوْلَى.
قَالَ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ: وَيَبْطُلُ بِنَوْمٍ كَثِيرٍ لَا يَسِيرٍ.
وَيَصِحُّ جُنُبًا "و" عَلَى الْأَصَحِّ، ثُمَّ يُتَوَجَّهُ فِي إعَادَتِهِ احْتِمَالَانِ "م 6"وَلَا يَصِحُّ مِنْ مُمَيِّزٍ لبالغ في رواية اختارها جماعة "وم" لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَفِعْلُهُ نَفْلٌ، وَعَلَّلَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي1 وَالْمُحَرَّرِ: بِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ، كَذَا قال2، وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. وَقَالَ شَيْخُنَا: يَتَخَرَّجُ فِيهِ رِوَايَتَانِ كَشَهَادَتِهِ وَوِلَايَتِهِ، كَذَا قَالَ وَوِلَايَتِهِ وَعَنْهُ يَصِحُّ أَذَانُهُ، نَصَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ "وهـ ش" ونقل حنبل: إذا راهق "م 7".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةُ 6" قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ جُنُبًا عَلَى الْأَصَحِّ ثُمَّ يُتَوَجَّهُ فِي إعَادَتِهِ، احْتِمَالَانِ، انْتَهَى، قُلْت الصَّوَابُ عَدَمُ الْإِعَادَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ حَصَلَ.
"مَسْأَلَةُ 7" قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ مِنْ مُمَيِّزٍ لِبَالِغٍ فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ، وَعَنْهُ يَصِحُّ أَذَانُهُ، نَصَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ إذَا رَاهَقَ، انْتَهَى، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي3 وَالْمُقْنِعِ4، وشرح ابن عبيدان، والقواعد الأصولية،
إحداهما يُجْزِئُ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الأصحاب، قال الشيخ
__________
1 2/68.
2 بعدها في "ط": وولايته.
3 1/221.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/100.(2/18)
وَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِ امْرَأَةٍ "هـ" وَخُنْثَى، قَالَ جماعة: ولا يصح، لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ كَالْحِكَايَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ صِحَّتُهُ، لِأَنَّ الْكَرَاهِيَةَ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ، فَتَوَجَّهَ عَلَى هَذَا بَقَاءُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ مَنْ هُوَ فُرِضَ عَلَيْهِ، وَفِي كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ.
وَلَا يُكْرَهُ مُحْدِثًا. نص عليه "هـ" وقيل بلى "وش" كَالْجُنُبِ "و" كَالْإِقَامَةِ "و" لِلْفَصْلِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ.
وَيَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ الْمُلَحَّنُ وَالْمَلْحُونُ مَعَ بَقَاءِ الْمَعْنَى: مَعَ الْكَرَاهَةِ، قَالَ الْقَاضِي: كَقِرَاءَةِ الْأَلْحَانِ، قَالَ أَحْمَدُ: كُلُّ شَيْءٍ مُحْدَثٍ أَكْرَهُهُ مِثْلَ التَّطْرِيبِ. وَعَنْهُ وَيَصِحُّ مِنْ فَاسِقٍ "و" وتكره لثغة فاحشة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَقِيُّ الدِّينِ اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَالْحَوَاشِي لِلْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ، وَالشَّارِحُ وَابْنُ عُبَيْدَانَ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ وَالْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ، فِي الْمُحَرَّرِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُجْزِئُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، قال فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَا يُجْزِئُ أَذَانُ الْمُمَيِّزِ لِلْبَالِغِينَ فِي أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَنَصَرَهُ وَمَالَ إلَيْهِ المجد في شرحه واختاره الشيخ تقي.(2/19)
فَصْلٌ: وَيَصِحُّ لِلْفَجْرِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ،
وَقِيلَ: بَلْ قَبْلَ الْوَقْتِ بِيَسِيرٍ، وَنَقَلَ صَالِحٌ لَا بَأْسَ بِهِ قَبْلَ الْفَجْرِ إذَا كَانَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، يَعْنِي الْكَاذِبِ، وَقِيلَ سُنَّةٌ، وَعَنْهُ لا يصح "وهـ" كَغَيْرِهَا "ع" وَعِنْدَ أَبِي الْفَرَجِ إلَّا لِلْجُمُعَةِ.
وَكَالْإِقَامَةِ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى التَّفْرِقَةِ، قَالَ الْقَاضِي: لأنها لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْخُطْبَتَيْنِ، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ الْأَذَانِ عَلَيْهِمَا، قَالَ وَلِأَنَّ الْإِقَامَةَ لِافْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْرِمَ بِالصَّلَاةِ عَقِبَ الْفَرَاغِ مِنْهَا، وَالْأَذَانُ لِلْغَائِبَيْنِ.
وَيُكْرَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ فِي الْمَنْصُوصِ، وَقِيلَ: مِمَّنْ لَا عَادَةَ لَهُ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ مُطْلَقًا، وَعَنْهُ مَا لَمْ يعد.
ويستحب كَوْنِهِ1 أَمِينًا صَيِّتًا عَالِمًا بِالْوَقْتِ. وَفِي الْإِفْصَاحِ حُرٌّ، وَحَكَاهُ "و" وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ لَا فَرْقَ. وَقَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي، قَالَ: وَيَسْتَأْذِنُ سَيِّدَهُ، قَالَ هُوَ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَالْبَصِيرُ أَوْلَى، وَلَا يُكْرَهُ مِنْ أَعْمَى يَعْرِفُ بِالْوَقْتِ2 "هـ".
وَيُشْتَرَطُ ذُكُورِيَّتُهُ وَعَقْلُهُ "و" وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَعِلْمُهُ بِالْوَقْتِ.
وَمَعَ التَّشَاحُنِ يُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ الْأَدْيَنُ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ هُوَ، ثُمَّ اخْتِيَارُ الْجِيرَانِ، ثُمَّ الْقُرْعَةُ، وَعَنْهُ هِيَ قَبْلَهُمْ، نَقَلَهُ الجماعة. وقاله القاضي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الدِّينِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ يُجْزِئُ أَذَانُ الْمُرَاهِقِ، قَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ أَذَانُ الْمُرَاهِقِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً وَقَدَّمَهُ في الرعاية الكبرى.
__________
1 أي: المؤذن.
2 في الأصل و "ب" و "ط": بالوقت.(2/20)
وعنه يقدم عليهما بمزيد عِمَارَةٍ1، وَقِيلَ: أَوْ سَبَقَهُ بِآذَانٍ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي تَقْدِيمِ رِضَا الْجِيرَانِ أَنَّهُمْ أَخَصُّ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَوْ تَشَاحُّوا فِي الْعِمَارَةِ كَانَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ أَحَقَّ، وَكَذَا ثَمَرَتُهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرُهُ التَّقْدِيمَ فِيهِمَا، بَلْ ظَاهِرُهُ التَّقْدِيمُ هُنَا فَقَطْ، وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ بِالتَّسْوِيَةِ، فَيَكُونُ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الْخِلَافُ.
وَيُسْتَحَبُّ الْفَصْلُ بَيْنَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ وَإِقَامَتِهَا "ش" قِيلَ: بِقَدْرِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، وَقِيلَ: بِجِلْسَةٍ خَفِيفَةٍ "م 8"، وِفَاقًا لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، قَالَ جماعة:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مسألة 8" قوله: وَيُسْتَحَبُّ الْفَصْلُ بَيْنَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ وَإِقَامَتِهَا، قِيلَ: بِقَدْرِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، وَقِيلَ: بِجِلْسَةٍ خَفِيفَةٍ، انْتَهَى.
أَحَدُهُمَا يَكُونُ الْفَصْلُ بِقَدْرِ جِلْسَةٍ خَفِيفَةٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي2 وَالْكَافِي3 وَالْمُقْنِعِ4 والتلخيص والبلغة4 والشرح
__________
1 يعني عمارة الميسجد المعنوية وهي كثيرة التردد عليه واللبث فيه.
2 2/66.
3 1/288.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/93.(2/21)
وَالْوُضُوءُ وَالسَّعْيُ وَنَحْوُهُ، لَا بِسَكْتَةٍ نَحْوَ قَدْرِ ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ "هـ" وَفِي التَّعْلِيقِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ إنْ كَانَتْ الْمَغْرِبُ أَوَّلَ الْفَوَائِتِ أَنْ يَفْصِلَ بِجِلْسَةٍ، وَكَذَا صَلَاةٌ يُسَنُّ تَعْجِيلُهَا.
وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ: بِقَدْرِ حَاجَتِهِ وَوُضُوئِهِ، وَصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ. وَفِي الْمَغْرِبِ بِجِلْسَةٍ. وَفِي التَّبْصِرَةِ فِي الْكُلِّ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ وَوُضُوئِهِ.
وَلَا يُكْرَهُ الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ فِي الْمَنْصُوصِ "خ" وَعَنْهُ تُسَنُّ "خ" وَعَنْهُ بَيْنَ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ1، وَقَالَهُ: ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي غَيْرِ الْمَغْرِبِ.
وَإِنْ جَمَعَ أَوْ صَلَّى فَوَائِتَ أَذَّنَ لِلْأُولَى وَأَقَامَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَعَنْهُ أَوْ يُقِيمُ فَقَطْ، وَعَنْهُ وَلَوْ وَاحِدَةً وَفِي النَّصِيحَةِ يُقِيمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ: إلَّا أَنْ يَجْمَعَ فِي وَقْتِ الْأُولَى فَيُؤَذِّنُ لَهَا أَيْضًا؛ وعند "هـ" يجمع بأذان وإقامة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالنَّظْمِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْوَجِيزِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَكُونُ بِقَدْرِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَتَرَكَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يَقْعُدُ الرَّجُلُ مِقْدَارَ رَكْعَتَيْنِ، قَالَ فِي الْإِفَادَاتِ: يَفْصِلُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ بِقَدْرِ وُضُوءٍ وَرَكْعَتَيْنِ، فَزَادَ الْوُضُوءَ.
__________
1 وذلك لما صح عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "بين كل أذانين صلاة لمن شاء". أخرجه مسلم "838 "304" من حيث عبد الله بن مغفل المزني.(2/22)
وَيُكَرِّرُهُمَا لِلْفَوَائِتِ. وَعِنْدَ مَالِكٍ: يُكَرِّرُهُمَا لِلْجَمْعِ؛ وَلَا يُؤَذِّنُ عِنْدَهُ؛ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِفَائِتَةٍ؛
وَفِي صِحَّةِ نَافِلَةٍ بَعْدَ إقَامَةٍ الْوَجْهَانِ كَمَا سَبَقَ1 فِي نَفْلٍ قَبْلَ قَضَاءِ فَرْضٍ "م 9".
وَلَا يُشْرَعُ فِيهَا "هـ" فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ يَرْكَعُهُمَا بِبَابِ الْمَسْجِدِ إنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً "م" إنْ لَمْ تفته ركعة رَكَعَهَا خَارِجَهُ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ بَطَّالٍ2 عَنْ أَصْحَابِهِ الْمَالِكِيَّةِ بِالرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَا يَأْتِي بِغَيْرِهَا "هـ" إنْ لَمْ تَفُتْهُ رَكْعَةٌ أَتَى بِهَا خَارِجَ المسجد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةُ 9" قَوْلُهُ: وَفِي صِحَّةِ نَافِلَةٍ بَعْدَ إقَامَةٍ وَجْهَانِ كَمَا سَبَقَ فِي نَفْلٍ قَبْلَ قَضَاءِ فَرْضٍ، انْتَهَى، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْمَوَاقِيتِ: وَلَا يَصِحُّ نَفْلٌ مُطْلَقٌ عَلَى الْأَصَحِّ، لِتَحْرِيمِهِ لِأَوْقَاتِ النَّهْيِ، قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، الْخِلَافُ فِي الجواز، وأن على المنع لا يصح، قال الْمَجْدُ: وَكَذَا يَتَخَرَّجُ فِي النَّفْلِ الْمُبْتَدَإِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ، أَوْ عِنْدَ ضِيقِ وَقْتِ الْمُؤَدَّاةِ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ وَتَحْرِيمِهِ، انْتَهَى، نَقَلَ الْمُصَنِّفُ، فَإِلْحَاقُ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِتِلْكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَخَرَّجَ هَذِهِ عَلَى تِلْكَ، وَهُوَ الصَّوَابُ، أَعْنِي عَدَمَ الصِّحَّةِ فِيهِمَا، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ هُنَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ.
فَهَذِهِ تِسْعُ مَسَائِلَ قَدْ صُحِّحَتْ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى.
__________
1 1/439.
2 أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال عالم الحديث من أهل قرطبة له "شرح البخاري". يغرف بابن اللجام وكان من كبار المالكية. "ت449هـ" السير 18/47, الأعلام 4/285.(2/23)
وَيُتِمُّ النَّافِلَةَ مَنْ هُوَ فِيهَا وَلَوْ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ "م" وَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ قَطَعَهَا "وش" وَعَنْهُ يُتِمُّهَا "وهـ" خَفِيفَةً رَكْعَتَيْنِ إلَّا أَنْ يَشْرَعَ فِي الثَّالِثَةِ فَيُتِمَّ الْأَرْبَعَ، نَصَّ عَلَيْهِ لِكَرَاهَةِ الِاقْتِصَارِ عَلَى ثَلَاثٍ، أَوْ لَا يَجُوزُ، وَلِلْحَنَفِيَّةِ خِلَافٌ فِي الِاكْتِفَاءِ بِآيَةٍ وَضَمِّ السُّورَةِ، وَلَا فَرْقَ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ فِي الشُّرُوعِ فِي نَافِلَةٍ بِالْمَسْجِدِ أَوْ خَارِجِهِ، وَلَوْ بِبَيْتِهِ، وَقَدْ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ إذَا سَمِعَ الْإِقَامَةَ وَهُوَ بِبَيْتِهِ فَلَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بِبَيْتِهِ، وَالْمَسْجِدِ سَوَاءٌ، وَأَلْزَمَنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/24)
بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِمَا إذَا عَلِمَ الْإِقَامَةَ بِبَيْتِهِ وَلَمْ يَسْمَعْهَا، وَهَذَا سَهْوٌ.
وَإِنْ جَهِلَ الْإِقَامَةَ فَكَجَهْلِ وَقْتِ نَهْيٍ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، لِأَنَّهُ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَلَوْ أَرَادَ الصَّلَاةَ مَعَ غَيْرِ ذَلِكَ الْإِمَامِ، وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ كَمَا لَوْ سَمِعَهَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ، فَإِنَّهُ يُبْعِدُ الْقَوْلَ بِهِ، لِأَنَّ إطْلَاقَ الْخَبَرِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمَفْهُومِ الْمُعْتَادِ.
وَيَحْرُمُ أَخْذُ أُجْرَةٍ عَلَيْهِمَا عَلَى الْأَصَحِّ "وهـ" وَنَقَلَ حَنْبَلٌ يُكْرَهُ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مُتَطَوِّعٌ بِهِمَا رَزَقَ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، كَالْقَضَاءِ، وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ إلَّا مَعَ امْتِيَازٍ بِحُسْنِ صَوْتٍ "وش" وَغَيْرُهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/25)
وَيُسْتَحَبُّ "و" لِلْمُؤَذِّنِ وَسَامِعِهِ نَصَّ عَلَيْهِمَا وَلَوْ كَانَ فِي طَوَافٍ أَوْ امْرَأَةٍ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ مُتَابَعَةَ قَوْلِهِ بِمِثْلِهِ خُفْيَةً، وَفِي الْحَيْعَلَةِ "م" فِيهِمَا فَيَقُولُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، نَصَّ عَلَيْهِ لِلْخَبَرِ1، وَلِأَنَّهُ خِطَابٌ فَإِعَادَتُهُ عَبَثٌ، بَلْ سَبِيلُهُ الطَّاعَةُ وَسُؤَالُ الحول والقوة، وقيل يجمع بينهما "وش"2 وَقَالَ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ: يَقُولُ كَمَا يَقُولُ، وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ تَجِبُ إجَابَتُهُ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يُجِيبُ مُؤَذِّنًا ثَانِيًا فَأَكْثَرَ، وَمُرَادُهُمْ حَيْثُ يُسْتَحَبُّ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ لَا يُجِيبُ نَفْسَهُ، وَحَكَى رِوَايَةً ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ3، ثُمَّ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْته4" وَقَالَ جماعة: المقام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرج مسلم "385" "12" عن عمر بن الخطاب قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا قال المؤمن: الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر ... " حتى قله: "دخل الجنة".
2 قي "ب" و "س" و "ط": "هـ ش.
3 3 أخرج مسلم "384" "11" عن ابن عمرو أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ... " الحديث.
4 أخرجه البخاري "614" من حديث جابر بن عبد الله.(2/26)
الْمَحْمُودَ" ثُمَّ يَدْعُو، قَالَ أَحْمَدُ إذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ حَاجَةً فَقُولُوا: فِي عَافِيَةٍ.
وَفِي جَامِعِ الْقَاضِي ظَاهِرُ نَقْلِ الْمَرُّوذِيُّ يَدْعُو الْمُؤَذِّنُ فِي خِلَالِ أَذَانِهِ، وَسَبَقَ يُكْرَهُ الْكَلَامُ، وَإِذَا لَمْ يَرُدَّ السَّلَامَ فَهُنَا أَوْلَى.
وَيُجِيبُ فِي التَّثْوِيبِ: صَدَقْت وَبَرَرْت، وَقِيلَ يَجْمَعُ1، وَفِي الْإِقَامَةِ أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا، وَقِيلَ يَجْمَعُ، وَيَدْعُو عِنْدَ إقَامَتِهِ فَعَلَهُ أَحْمَدُ، وَذَكَرَهُ الْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ لَا بَعْدَهَا، وَعَنْهُ أَنَّهُ فَعَلَهُ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ ظَاهِرَ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا يُجِيبُهُ فِيهَا، قَالَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ لَا يَرُدُّ الدُّعَاءَ، أَوْ قَلَّمَا يَرُدُّ الدُّعَاءَ عِنْدَ النِّدَاءِ وَالصَّفِّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ2 أَبِي حَازِمٍ عَنْهُ، وَرَوَاهُ الْمَعْمَرِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ مَرْفُوعًا، وَكَذَا أَبُو دَاوُد، وَالْحَاكِمُ وَلَهُمَا فِي رِوَايَةِ "وَقْتَ الْمَطَرِ"3. 4وَاسْتَحَبَّهُ فِيهِ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي خَبَرِ أَنَسٍ، وَفِيهِ "وَعِنْدَ الْقِرَاءَةِ "4.
وَلِلْمَعْمَرِيِّ وَالْحَاكِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا "إذَا نَادَى الْمُنَادِي فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَاسْتُجِيبَ الدُّعَاءُ" 5.
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: يُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَلِلِقَاءِ الزَّحْفِ، وَلِنُزُولِ الْقَطْرِ، وَلِدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ، وَلِلْأَذَانِ إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، رَوَاهُ الحاكم6.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أي يجمع بين التثويب وهو قول المؤذن: الصلاة خير من النوم وبين قوله: صدقت وبررت.
2 بعدها في "ب": قيس ابن.
3 أخرجه مالك في "موطئه" 1/83 وابن حبان في "صحيحه" 1720 وأبو داود في "سننه" 2540 والحاكم في "مستدركه" 1/198.
4 ليست في "س".
5 أخرجه الحاكم في مستدركه 1/546.
6 لم نقف عليه في المستدرك. أخرجه الطبراني في المعجم الصغير "471".(2/27)
وَيُجِيبُهُ الْقَارِئُ، لَا الْمُصَلِّي وَلَوْ نَفْلًا "م" وَتَبْطُلُ بِالْحَيْعَلَةِ "هـ" وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ فَرِوَايَتَا سَاهٍ، وَقَالَ: وَتَبْطُلُ بِغَيْرِهَا إنْ نَوَى الْأَذَانَ لَا الذِّكْرَ.
وَيُجِيبُهُ إذَا فَرَغَ، وَكَذَا الْمُتَخَلِّي، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ، وَعِنْدَ شَيْخِنَا يُجِيبُهُ فِيهَا، وَكَذَا عِنْدَ ذِكْرٍ وَدُعَاءٍ وَنَحْوِهِ وَجَدَ سَبَبَهُ فِيهَا، وَسَيَأْتِي1.
وَلَا يُحْرِمُ إمَامٌ وَهُوَ فِيهَا، نَصَّ عَلَيْهِ "هـ" عِنْدَ الْإِقَامَةِ، وَيَقُومُ عِنْدَ كَلِمَةِ الْإِقَامَةِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ الْقِيَامُ عِنْدَهَا، وَمُرَادُهُ يُسْتَحَبُّ لَا عِنْدَ حَيْعَلَةِ الْفَلَاحِ "هـ" وَلَا إذَا فَرَغَ "م ش" وَذَكَرَ عِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ وَعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ يَقُومُونَ بِشُرُوعِهِ فِي الْإِقَامَةِ.
وَيَقُومُ مَأْمُومٌ عِنْدَهَا بِرُؤْيَةِ الْإِمَامِ "وهـ" وَقِيلَ إنْ كَانَ بِمَسْجِدٍ "وش" وَذَكَرَهُ الْآجُرِّيُّ عَنْ أَحْمَدَ، وَقِيلَ أَوْ قَرِيبًا، جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَعَنْهُ مُطْلَقًا، جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ.
وَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْ مَسْجِدٍ بَعْدَ أَذَانٍ بِلَا عُذْرٍ، أَوْ نِيَّةِ الرُّجُوعِ، وَكَرِهَهُ أَبُو الْوَفَا وَأَبُو الْمَعَالِي "وهـ ش" وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يخرج.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ص 232.(2/28)
1ونقل صالح: لَا يَخْرُجَ1. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا يَنْبَغِي، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ2. وَيُتَوَجَّهُ يَخْرُجُ لِبِدْعَةٍ، فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ خَرَجَ لِلتَّثْوِيبِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَقَالَ: فَإِنَّ هَذِهِ بِدْعَةٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد3، وَإِنْ لَمْ تَحْرُمْ الْبِدْعَةُ، فَيُتَوَجَّهُ كَالْخُرُوجِ مِنْ وَلِيمَةٍ.
وَلِمَنْ كَانَ صَلَّى، الْخُرُوجُ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا بَعْدَ الْأَخْذِ فِي الْإِقَامَةِ لِظُهْرٍ وَعِشَاءٍ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ.
وَوَقْتُ إقَامَةٍ إلَى الْإِمَامِ، وَأَذَانٍ إلَى الْمُؤَذِّنِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ4 أَنَّ الْمُؤَذِّنَ كَانَ يَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفِيهِ إعْلَامُ الْمُؤَذِّنِ بِالصَّلَاةِ وَإِقَامَتِهَا، وَفِيهِمَا5 قَوْلُ عُمَرَ: الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَقَدَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 لسيت في "ط".
2 أخرجه مسلم في "صحيحه" "655" "258 عن أبي الشعثاء: قال كنا قعودا في المسجد مع أبي هريرة فأذن المؤذن فقام رجل من المسجد يمشي فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد فقال أبوهريرة: أما هذل فقد عصى أبا القاسم.
3 في سننه "538".
4 البخاري "626 مسلم "736" "121" من حديث عائشة.
5 في النسخ الخطية: إمام والمثبت من الفروع.(2/29)
وَفِي مُسْلِمٍ1 قَوْلُ عَائِشَةَ: لَمَّا لَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ فِي اللَّيْلَةِ الرَّابِعَةِ، فَطَفِقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يَقُولُ: الصَّلَاةَ..
وفي الفصول إن تأخر الإمام، أو أماثل2 الْجِيرَانِ فَلَا بَأْسَ بِإِعْلَامِهِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ جَاءَ الْغَائِبُ لِلصَّلَاةِ أَقَامَ حِينَ يَرَاهُ، لِلْخَبَرِ.
وَلَا يُؤَذِّنُ قَبْلَهُ، مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ وَقْتِهِ، كَالْإِمَامِ، وَجَزَمَ أَبُو الْمَعَالِي بِتَحْرِيمِهِ، وَمَتَى جَاءَ وَقَدْ أَذَّنَ قَبْلَهُ أَعَادَ نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي يُمْنَعُ غَيْرُ إمَامِ الْحَيِّ أَنْ يُؤَذِّنَ، وَيُقِيمَ وَيَؤُمَّ بِالْمَسْجِدِ.
وَلَا بَأْسَ بِالنَّحْنَحَةِ قُبَيْلَهُمَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَأَذَانٌ وَاحِدٌ بمسجدين لجماعتين، ولا يركع دَاخِلِ الْمَسْجِدِ التَّحِيَّةَ قَبْلَ فَرَاغِهِ، وَعَنْهُ لَا بَأْسَ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ غَيْرُ أَذَانِ الْجُمُعَةِ، لِأَنَّ سماع الخطبة أهم، واختاره صاحب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 برقم "761" "178".
2 الأمثل: الأفضل جمعه أماثل "القاموس": مثل.(2/30)
النَّظْمِ، وَلَا يَقُومُ الْقَاعِدُ حَتَّى يَقْرَبَ فَرَاغَهُ.
وَيُنَادَى لِكُسُوفٍ لِأَنَّهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ1 وَاسْتِسْقَاءٍ وَعِيدٍ "الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ" أَوْ الصَّلَاةَ بِنَصْبِ الْأَوَّلِ عَلَى الْإِغْرَاءِ، أَوْ الثَّانِيَ عَلَى الْحَالِ. وَفِي الرِّعَايَةِ بِرَفْعِهِمَا وَنَصْبِهِمَا.
وَقِيلَ: لَا يُنَادَى، وَقِيلَ: لَا فِي عِيدٍ كَجِنَازَةِ وَتَرَاوِيحَ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ: لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ الْفِطْرِ حِينَ خُرُوجِ الْإِمَامِ، وَلَا بَعْدَمَا يَخْرُجُ، وَلَا إقَامَةَ، وَلَا نِدَاءَ وَلَا شَيْءَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2.
وَيُكْرَهُ النِّدَاءُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، ذكره ابن عقيل وغيره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه البخاري "1045" وسلم "9100" "20" عن ابن عمرو قال: لما كسفت الشمس عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نودي: الصلاة جامعة.
2 البخاري "960" ومسلم "886" "5".(2/31)
باب ستر العورة وأحكام اللباس
مدخل
...
باب ستر العورة وأحكام اللباس
يشترط للصلاة سترها: عَنْ نَفْسِهِ "وش" وَلِهَذَا لَا تَصِحُّ صَلَاةُ قَادِرٍ خَالِيًا، وَغَيْرِهِ "م ر" قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَهُوَ مُرَادُ غَيْرِهِ، مَعَ أَنَّ كَلَامَهُمْ مُطْلَقٌ: لَا مِنْ أَسْفَلَ، وَاشْتَرَطَهُ فِي الْأَظْهَرِ إنْ تَيَسَّرَ النَّظَرُ "وش" بَلْ مِنْ فَوْقٍ "هـ" بِمَا لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ "و" السَّوَادَ وَالْبَيَاضَ، لَا الْخِلْقَةَ أَيْ حَجْمَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/32)
الْعُضْوِ، فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ نَصَّ عَلَيْهِ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ، وَنَقَلَ مُهَنَّا تُغَطِّي خُفَّهَا لِأَنَّهُ يَصِفُ قدميها، واحتج به القاضي1 عَلَى أَنَّ الْقَدَمَ عَوْرَةٌ.
وَيَكْفِي نَبَاتٌ وَنَحْوُهُ، وَقِيلَ: لَا حَشِيشَ وَثَمَّ ثَوْبٌ. وَفِي لُزُومِ طِينٍ وَمَاءٍ كَدِرٍ، لِعَدَمٍ: وَجْهَانِ "م 1" لَا بِآرِيَةٍ2 وَحَصِيرٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَضُرُّ3، وَلَا حَفِيرَةٍ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ يَجِبُ الطِّينُ لَا الْمَاءُ.
ويكفي متصل به4: كَيَدِهِ، وَلِحْيَتِهِ، عَلَى الْأَصَحِّ "و" وَسَأَلَهُ أَبُو دَاوُد إنْ رَأَى عَوْرَتَهُ؟ قَالَ: إنْ كَانَ رآها في كل حالاته أعاد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 1" قَوْلُهُ: وَيَكْفِي نَبَاتٌ وَنَحْوُهُ، ... وَفِي لُزُومِ طِينٍ وَمَاءٍ كَدِرٍ لِعَدَمٍ وَجْهَانِ، انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي5 وَالْإِفَادَاتِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَالشَّارِحُ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ فِي الْمَاءِ، وَقَدَّمُوهُ فِي الطِّينِ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ: أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُطَيِّنَ بِهِ عَوْرَتَهُ، وَجَزَمَ فِي التَّلْخِيصِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ السَّتْرُ بِالْمَاءِ، وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الطِّينِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِتَارُ بِالطِّينِ عِنْدَ الْآمِدِيِّ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ، وَقِيلَ إنَّهُ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ يَجِبُ بِالطِّينِ لَا بِالْمَاءِ الْكَدِرِ، فَتَلَخَّصَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ثَالِثُهَا الْفَرْقُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ.
__________
1 في "ط": المازني.
2 البارية والبارياء: الحصير فارسي معرب. المعجم الوسيط: "بور".
3 في "س": لايضر.
4 ليست في "ط".
5 1/247.(2/33)
وَيُتَوَجَّهُ عَلَى الْخِلَافِ لُزُومُ سَتْرِ عَادِمٍ: بِيَدَيْهِ، وَمَعْنَاهُ فِي كَلَامِ الْقَاضِي، وَلِهَذَا قَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، وَهَلْ يَجِبُ سَتْرُهَا فِي غَيْرِ صَلَاةٍ؟ تَقَدَّمَ فِي الِاسْتِطَابَةِ1، وَيَأْتِي فِي كِتَابِ النِّكَاحِ2.
وَقَوْلُهُ: فِي الرِّعَايَةِ يَجِبُ سَتْرُهَا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا حَتَّى خَلْوَةٍ عَنْ نَظَرِ نَفْسِهِ أَيْ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ كَشْفُهَا خَلْوَةً بِلَا حَاجَةٍ، فَيَحْرُمُ نَظَرُهَا، لِأَنَّهُ اسْتِدَامَةٌ لِكَشْفِهَا الْمُحَرَّمِ، وَلَمْ أَجِدْ تَصْرِيحًا بِخِلَافِ هَذَا. لَا أَنْ يَحْرُمَ نَظَرُ عَوْرَتِهِ حَيْثُ جَازَ كَشْفُهَا، فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ هُوَ وَلَا لَمْسُهَا اتِّفَاقًا، وَقَدْ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إذَا وَجَبَ سَتْرُهَا فِي الصَّلَاةِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ الْأَجَانِبِ فَعَنْ نَفْسِهِ إذَا خَلَا فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَجِبُ السَّتْرُ عَنْ الْجِنِّ وَالْمَلَائِكَةِ، وَالثَّانِي يَجُوزُ.
وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ "وش" وعنه والركبة، لخبر ضعيف3، 4وعنه: عنهما4، قِيلَ لِلْقَاضِي: لَا يُمْكِنُهُ عَادَةً سَتْرُ الْفَخِذِ إلَّا بِسَتْرِ بَعْضِ الرُّكْبَةِ، وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلى أداء الصلاة إلا به يكون فَرْضًا مِثْلَهَا. وَلِهَذَا دَخَلَتْ الْمِرْفَقُ فِي الْوُضُوءِ، فَأَلْزِمْ بِالسُّرَّةِ5. وَعَنْهُ الْفَرْجَانِ "وم" اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ أَظْهَرُ، قَالَ: وَسَمَّى الشَّارِعُ الْفَخِذَ عَوْرَةً لِتَأَكُّدِ الِاسْتِحْبَابِ، وَتَكَلَّمَ بَعْضُهُمْ فِي الخبر6.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 1/129.
2 8/159.
3 أخرجه الدارقطني في سننه من حديث علي بلفظ: "الركبة من العورة".
4 في "ط": عندهما.
5 يعني: فألزم السائل بأن السرة ليست واجبة الستر مع وجوب ستر ما دونها.
6 وهو قوله صلى الله عليه وسلم لجرهد الأسلمي حينما مر به وهو كاشف عن فخذه: "أما علمت أن الفخذ عورة" أخرجه أبو داود "4014".(2/34)
وَلِلْمَالِكِيَّةِ كَالْأَوَّلِ، وَأَنَّ السُّرَّةَ عَوْرَةٌ، وَأَنْ لَا يَجِبَ سَتْرُ جَمِيعِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَذَا خُنْثَى مشكل، وعنه كامرأة1.
وَالْحُرَّةُ الْبَالِغَةُ كُلُّهَا عَوْرَةٌ حَتَّى ظُفْرُهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، إلَّا الْوَجْهَ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَعَنْهُ وَالْكَفَّيْنِ "وم ش" وقال شيخنا والقدمين "وهـ" وفي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تنبيهات
الأول: قوله والحرة كلها عورة.... إلَّا الْوَجْهَ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَعَنْهُ وَالْكَفَّيْنِ، انْتَهَى.
قَدَّمَ الْكَفَّيْنِ عَوْرَةً، وَقَالَ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، قُلْت هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَقَطَعَ بِهِ الْآدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ وَمُنَوَّرِهِ، وَصَاحِبُ الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ، وَصَحَّحَهُ، فِي التَّصْحِيحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْإِيضَاحِ وَخِصَالِ ابْنِ الْبَنَّا وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَيْسَا بِعَوْرَةٍ، قَطَعَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَالنِّهَايَةِ، وَنَظْمِهَا وَالتَّسْهِيلِ وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَأَبُو الْبَرَكَاتِ بْنُ مُنَجَّى وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ صَاحِبُ النَّظْمِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ فِي شُرُوحِهِمْ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُطْلِقَ الْخِلَافَ أَوْ لِعَدَمِ هَذَا، وَقَدْ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْبِدَايَةِ، وَالْمُبْهِجِ، وَالْفُصُولِ، وَالتَّذْكِرَةِ لَهُ، وَالْمُذَهَّبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي2، وَالْكَافِي3 وَالْمُقْنِعِ4، وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ3، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
__________
1 في "ط": كالسرة.
2 2/328.
3 1/242.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/206.(2/35)
الْوَجْهِ رِوَايَةٌ، وَذَكَرَ الْقَاضِي عَكْسَهَا إجْمَاعًا، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَمُرَاهِقَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَمُمَيِّزَةٌ كَأَمَةٍ، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِي شَعْرٍ وَسَاقٍ وَسَاعِدٍ لَا يَجِبُ سَتْرُهُ حَتَّى تَحِيضَ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: هِيَ بَعْدَ تِسْعٍ، وَالصَّبِيُّ بَعْدَ عَشْرٍ كَبَالِغٍ، ثُمَّ ذُكِرَ عَنْ أَصْحَابِنَا إلَّا فِي كَشْفِ الرَّأْسِ، وَقَبْلَهُمَا وَبَعْدَ السَّبْعِ، الْفَرْجَانِ، وَأَنْ يَجُوزَ نظر ما سواه.
والأمة كالرجل "وش" وعنه ما لا يظهر غالبا "وهـ م" وَكَذَا أُمُّ وَلَدٍ، وَمُعْتَقٌ بَعْضُهَا، وَمُدَبَّرَةٌ وَمُكَاتَبَةٌ، وَعَنْهُ كَحُرَّةٍ "خ" وَقِيلَ: أُمُّ وَلَدٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الثَّانِي: قَوْلُهُ: قَالَ بَعْضُهُمْ وَمُرَاهِقَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَمُمَيِّزَةٌ كَأَمَةٍ، انْتَهَى، ظَاهِرُ كَلَامِهِ إطْلَاقُ الْخِلَافِ، قَالَ فِي النُّكَتِ: وَكَلَامُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَالْبَالِغَةِ فِي عَوْرَةِ الصَّلَاةِ، وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي1 فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَابْنُ تَمِيمٍ وَالنَّاظِمُ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ وابن عبد القوي، في مجمع البحرين وابن عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ الْمُرَاهِقَةَ كَالْأَمَةِ وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرُهُ، وَنَقْلُ أَبِي طَالِبٍ يُوَافِقُ ذَلِكَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَقِيلَ الْمُمَيِّزَةُ كَالْأَمَةِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَ أَبِي الْمَعَالِي، وَالصَّحِيحُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ مَا قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمَا وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ أَبِي طَالِبٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: وَكَذَا مُعْتَقٌ بَعْضُهَا يَعْنِي كَالْأَمَةِ وعنه كحرة، انْتَهَى، تَقَدَّمَ أَنَّهَا كَالْأَمَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُقْنِعِ2 وَالْفَائِقِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي
__________
1 لم نقف عليهما.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/309.(2/36)
كَحُرَّةٍ، وَقِيلَ: الْمُعْتَق بَعْضُهَا، وَقِيلَ: هُمَا.
وَسَتْرُ الْمَنْكِبَيْنِ شَرْطٌ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، قَالَ الْقَاضِي: وَعَلَيْهِ أَصْحَابُنَا، وَعَنْهُ وَاجِبٌ، وَعَنْهُ سُنَّةٌ "و" وَفِي الْوَاضِحِ رِوَايَةٌ يَكْفِي خَيْطٌ وَنَحْوُهُ، وَقِيلَ: أَقَلُّ لِبَاسٍ. وَفِي النَّفْلِ1 وَالِاكْتِفَاءُ بِسَتْرِ أَحَدِهِمَا روايتان "م 2,3".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْعُمْدَةِ, وَرِوَايَةٌ أَنَّهَا كَحُرَّةٍ جَزَمَ بِهَا فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ، قَالَ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهَا كَالْحُرَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا الصَّحِيحُ، قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَوْلَى، قَالَ الزَّرْكَشِيّ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ هَذَا الْأَظْهَرُ، وَهُوَ الصَّوَابُ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالطَّرِيقِ الْأَحْمَدِ وَشَرْحِ ابْنِ عبيدان.
مَسْأَلَةٌ 2-3: قَوْلُهُ: فِي سَتْرِ الْمَنْكِبَيْنِ وَفِي النَّفْلِ وَالِاكْتِفَاءِ بِسَتْرِ أَحَدِهِمَا رِوَايَتَانِ، انْتَهَى، ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَتَيْنِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى-2: هَلْ النَّفَلُ كَالْفَرْضِ فِي ستر المنكبين أَمْ لَا، أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
إحْدَاهُمَا: لَيْسَ النَّفَلُ كَالْفَرْضِ، بَلْ يُجْزِئُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ سَتْرِ الْمَنْكِبَيْنِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَابْنُ عُبَيْدَانَ فِي شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَشْهُورَةُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ،
__________
1 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".(2/37)
وتسن صلاته في ثوبين "و" وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ "ع" قَالَ جَمَاعَةٌ: مَعَ سَتْرِ رَأْسِهِ، وَالْإِمَامُ أَبْلَغُ، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ لِلْإِمَامِ ثَوْبَانِ. وَصَلَاتُهَا فِي دِرْعٍ وخمار وَمِلْحَفَةٌ "و" رَوَى ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ1 فِي جُزْئِهِ عَنْ عُمَرَ بِإِسْنَادِ صحيح، وتكره في نقاب وبرقع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ، لِاقْتِصَارِهِ عَلَى وُجُوبِهِ فِي الْفَرْضِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي2 وَالنَّظْمِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: النَّفَلُ كَالْفَرْضِ فِي ذَلِكَ، جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، قَالَ فِي الْإِفَادَاتِ وَعَلَى الرَّجُلِ الْقَادِرِ سَتْرُ عَوْرَتِهِ وَمَنْكِبَيْهِ، وَأَطْلَقَ، وَكَذَا قَالَ فِي الْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُقْنِعِ3، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ اخْتِيَارُ غَيْرِ الْقَاضِي وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ-3: هَلْ يَكْتَفِي بِسَتْرِ أَحَدِ الْمَنْكِبَيْنِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ سَتْرِهِمَا؟ أَطْلَقَ فِيهِ الْخِلَافَ. أَحَدُهُمَا: يُجْزِئُ سَتْرُ أَحَدِهِمَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُثَنَّى بْنِ جَامِعٍ4، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ ظَاهِرُ كلام
__________
1 هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري عاش سبعا وتسعين سنة وكان أسند أهل زمانه وله جزء مشهور من العوالي تفرد به التاج الكندي. "ت215". السيرة 9/532.
2 2/291.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/218.
4 هو أبو الحسن مثنى بن جامه الأنباري حدث عن سعيد بن سليمان الواسطي ومحمد بن صباح الدولابي وعمار بن نصر الخرساني وغيرهم. ونقل عن الإمام أحمد مسائل حسانا. "طبقات الحنابلة" 1/336 "المنهج الأحمدي" 2/158.(2/38)
نَصَّ عَلَى ذَلِكَ وَلَا تَبْطُلُ بِكَشْفٍ يَسِيرٍ لَا يَفْحُشُ فِي النَّظَرِ عُرْفًا، وَقِيلَ وَلَوْ عمدا كالمشي في الصلاة وعنه بلى "وش" اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَقِيلَ فِي الْمُغَلَّظَةِ، وَكَذَا كَثِيرٌ قَصُرَ زَمَنُهُ "ش".
وَقِيلَ: إنْ احْتَاجَ عَمَلًا كثيرا في أخذها فَوَجْهَانِ، وَمَذْهَبُ "هـ" يَمْنَعُ الصِّحَّةَ كَشْفُ رُبْعِ السَّاقِ، أَوْ رُبْعِ الذَّكَرِ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَنَّ مِثْلَهُ الشَّعْرُ.
: وَلَا تَصِحُّ، وَعَنْهُ مِنْ عَالِمٍ بِالنَّهْيِ فِي ثَوْبِ حَرِيرٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ بُقْعَةِ غَصْبِ أَرْضٍ، أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِ للملك أو المنفعة أو جزءا مشاعا فيها1، وَعَنْهُ بَلَى مَعَ التَّحْرِيمِ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَالْفُنُونُ "و" كَعِمَامَةٍ، وَخَاتَمِ ذَهَبٍ، وَخُفٍّ، وَتِكَّةٍ فِي الأصح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْخِرَقِيِّ وَقَدَّمَهُ فِي الْإِقْنَاعِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا بُدَّ مِنْ سَتْرِ الْمَنْكِبَيْنِ، وَهُمَا عَاتِقَاهُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْإِفَادَاتِ وغيرهم.
__________
1 في "ط": فيهما.(2/39)
وقيل: بل مع الْكَرَاهَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَعَنْهُ الْوَقْفُ فِي التِّكَّةِ، وَعَنْهُ يَقِفُ على إجازة المالك، وعنه إن كان:1 لَمْ يَصِحَّ.
وَقِيلَ خَاتَمُ حَدِيدٍ وَصُفْرُ [نُحَاسٍ] كَذَهَبٍ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ لِأَنَّ النَّهْيَ لَمْ يَعُدْ إلَى شَرْطِهَا، وَلِهَذَا صَحَّ النَّفَلُ2 لِأَنَّ الْمَنْعَ لَا يَخْتَصُّ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ أَنْ لَا يَخْتَصَّ الصَّلَاةَ وَيُفْسِدَهَا كَذَا قَالَ هنا، ويأتي كلامه في: مواضع النهي3.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في "ط": شفافا.
2 بعده في النسخ الخطية: لا.
3 ص 105.(2/40)
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الصَّلَاةُ فِي مَكَان أَوْ ثَوْبٍ مَغْصُوبٍ أَوْ حَرِيرٍ مَكْرُوهَةٌ كَبَقِيَّةِ الْمَكْرُوهَاتِ فِي الصَّلَاةِ، قَالُوا: وَلَيْسَتْ بِنَاقِضَةٍ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِلْغَصْبِ، لِأَنَّهُ غَاصِبٌ، وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ، وَنَفْسُ الْغَصْبِ لَيْسَ فِعْلَ الصَّلَاةِ، لِأَنَّ فِعْلَهَا قَائِمٌ بِالْمُصَلِّي، وَفِعْلُ الْغَصْبِ شَغْلُ الْأَرْضِ وَهُوَ قَائِمٌ بِالْأَرْضِ، وَلِهَذَا صَحَّ نَفْلُهُ، وَلَزِمَهُ بِالشُّرُوعِ فِيهَا، وَيَصْلُحُ لِإِسْقَاطِ صَلَاةٍ وَاجِبَةٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَأَمَّا ظَرْفُ الزَّمَانِ وَهُوَ الْوَقْتُ الْمَكْرُوهُ وَهُوَ سَبَبُهَا فَنُقْصَانُ السَّبَبِ يُوجِبُ نُقْصَانَ الْمُسَبَّبِ، فَالنَّفَلُ الْكَامِلُ وَهُوَ مَا وَجَبَ كَامِلًا فِي وَقْتٍ صَحِيحٍ لَا يَتَأَدَّى بِهَذَا النَّاقِصِ، لِأَنَّ كَمَالَهَا دَاخِلٌ تَحْتَ الْأَمْرِ، فَفَوَاتُهُ أَوْجَبُ نُقْصَانًا بِالْمَأْمُورِ بِهِ، قَالُوا: وَالْمَكَانُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْأَمْرِ، فَلَا يُوجِبُ نُقْصَانًا، وَكَذَا مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا كَالْفَاتِحَةِ في الأداء والقضاء1، سَوَاءٌ كَانَ سَاهِيًا يَنْجَبِرُ بِسُجُودِ السَّهْوِ، أَوْ عَامِدًا فَلَا يَنْجَبِرُ لِثُبُوتِهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ بِطَرِيقِ الزيادة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ط".(2/41)
وَيَضْمَنُ النَّفَلُ النَّاقِصَ بِالشُّرُوعِ فِيهِ عِنْدهمْ، خِلَافًا لِزُفَرَ، قَالُوا فِي صَوْمِ الْعِيدِ: الصَّوْمُ يَقُومُ بِالْوَقْتِ، لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ، وَدَاخِلٌ فِي حَدِّهِ وَيُعْرَفُ بِهِ، وَالْمِعْيَارُ سَبَبٌ وَوَصْفٌ. فَيَكُونُ فَاسِدًا وَإِذَا شَرَعَ فِيهِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ لَا قَضَاءَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ صَاحِبِيهِ يَقْضِي، لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزَمٌ كَالنَّذْرِ، وَيَصِحُّ، وَيَلْزَمُ الْقَضَاءُ، لِأَنَّ صَوْمَهُ طَاعَةٌ فِي نَفْسِهِ، قَبِيحٌ بِوَصْفِهِ.
وَذَكَرَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: لَوْ لَزِمَتْهُ الصَّلَاةُ فِي غَيْرِ مَكَانِ غَصْبٍ فَأَدَّاهَا فِيهِ لَا تُجْزِئُهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَإِنْ جَهِلَ أَوْ نَسِيَ كَوْنَهُ غَصْبًا أَوْ حَرِيرًا أَوْ حُبِسَ بِغَصْبٍ صَحَّتْ، وَعَنْهُ لَا، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ الصِّحَّةَ "ع" لِزَوَالِ عِلَّةِ الْفَسَادِ وَهِيَ اللِّبْسُ الْمُحَرَّمُ، وَأَطْلَقَ الْقَاضِي فِي حَبْسِهِ بِغَصْبٍ رِوَايَتَيْنِ، ثُمَّ جَزَمَ بِالصِّحَّةِ فِي ثَوْبٍ يُجْهَلُ غَصْبُهُ لِعَدَمِ إثْمِهِ، كَذَا قَالَ.
وَلَا يَصِحُّ نَفْلُ آبِقٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، لِأَنَّ زَمَنَ فَرْضِهِ مُسْتَثْنًى شَرْعًا، فَلَمْ يَغْصِبْهُ. وَقَالَ شَيْخُنَا وَبُطْلَانُ فَرْضِهِ قَوِيٌّ. وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ "إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ". وَفِي لَفْظٍ "إذَا أَبَقَ مِنْ مَوَالِيه فقد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/42)
كَفَرَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِمْ" رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ1، قَالَ: أَرَاهُ عَلَى مَعْنَى إذَا اسْتَحَلَّ الْإِبَاقَ، وَبِذَلِكَ يَكْفُرُ، كَذَا قَالَ، وَظَاهِرُهُ صِحَّةُ صَلَاتِهِ عِنْدَهُ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ2 عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: "ثَلَاثَةٌ لَا تُقْبَلُ لَهُمْ صَلَاةٌ، وَلَا تَصْعَدُ لَهُمْ حَسَنَةٌ: الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى مَوَالِيه فَيَضَعَ يَدَهُ فِي أَيْدِيهمْ، وَالْمَرْأَةُ السَّاخِطُ عَلَيْهَا زَوْجُهَا حَتَّى يَرْضَى، وَالسَّكْرَانُ حتى يصحو".
وإن غير هيئة مسجد فكغيره وَإِنْ مَنَعَهُ غَيْرُهُ، وَقِيلَ: أَوْ زَحَمَهُ فَصَلَّى مَكَانَهُ فَوَجْهَانِ "م 4" وَعَلَّلَ ابْنُ عَقِيلٍ الصِّحَّةَ فيما إذا منعه كغصبه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهُ: قَوْلُهُ: وَإِنَّ غَيَّرَ هَيْئَةَ مَسْجِدٍ فَكَغَيْرِهِ لعله فكغصبه كما في الرعاية.
"مَسْأَلَةٌ 4" قَوْلُهُ فِي أَحْكَامِ الْمَغْصُوبِ: وَإِنْ مَنَعَهُ غَيْرَهُ أَيْ مَنَعَ الْمَسْجِدَ غَيْرَهُ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ وَصَلَّى هُوَ فِيهِ، وَقِيلَ أَوْ زَحَمَهُ وَصَلَّى مَكَانَهُ فَوَجْهَانِ، يَعْنِي فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ وأطلقهما ابن عقيل وابن تميم:
__________
1 في صحيحه: الأول برقم "70" "124" والثاني برقم "68" "122" بلفظ: "أيما عبد أَبَقَ مِنْ مَوَالِيه فَقَدْ كَفَرَ حَتَّى يَرْجِعَ إليهم".
2 برقم "940".(2/43)
سِتَارَ الْكَعْبَةِ وَصَلَاتَهُ فِيهَا، كَذَا قَالَ، وَعَدَمُ الصِّحَّةِ فِيهَا أَوْلَى، لِتَحْرِيمِ صَلَاتِهِ فِيهَا.
1وَلَا يَضْمَنُهُ بِمَنْعِهِ1 كَجُزْءٍ وَقَالَ شَيْخُنَا: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: يَضْمَنُهُ، وَتَصِحُّ مِمَّنْ طُولِبَ بِوَدِيعَةٍ أَوْ غَصْبٍ، وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا تَصِحُّ. وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ مَعَ تَضَرُّرِ الطالب، زاد بَعْضُهُمْ مَا لَمْ يُفْلِتْ الْوَقْتِ، وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُ الْمَسْأَلَةِ مَنْ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ يَذْهَبُ إلَى مَكَان فخالفه وأقام2.
وَيَصِحُّ وُضُوءٌ وَأَذَانٌ وَزَكَاةٌ وَصَوْمٌ وَعَقْدٌ فِي بقعة غصب لأن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
أَحَدُهُمَا يَصِحُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالصَّحِيحُ الصِّحَّةُ، قَالَ فِي الْفَائِقِ: صَحَّتْ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَصِحُّ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَالْأَقْوَى الْبُطْلَانُ، قُلْت وهو قوي.
__________
1 في "ب": ولابمنعه يضمنه.
2 ليست في "ط".(2/44)
الْكَوْنَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّتِهِ، بِدَلِيلِ إتْيَانِهِمَا بِهِ وَهُمَا يُسَبِّحَانِ أَوْ يُهَوِّيَانِ مِنْ عُلُوٍّ، وَلِهَذَا يَصِحُّ تَجَدُّدُ الطَّهَارَةِ فِيهَا، بِخِلَافِ نَفْلِ الصَّلَاةِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ كَخِتَانٍ، وَعِتْقٍ، وَطَلَاقٍ، لِأَنَّهُ إتْلَافٌ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ، وَقِيلَ هُوَ كَصَلَاةٍ، وَنَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الشَّرَى، وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ فِي بَابِ الْغَصْبِ. وَقَالَ الْقَاضِي بَعْدَ ذِكْرِهِ هَذَا: يُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْغَصْبِ، وَحَمَلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَالتَّغْلِيظِ أَوْ الْوَرَعِ، لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْهُ أَنْ يَبِيعَ طَعَامًا مَغْصُوبًا، وَالْبُقْعَةُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي الْبَيْعِ، وَلَا عُلْقَةَ لَهَا بِالْبَيْعِ، وَلَا تَأْثِيرَ لِغَصْبِ الْبِقَاعِ فِي الْعُقُودِ فِيهَا، وَسَلَّمَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ صِحَّةَ إسْلَامِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ بِهِ فِيهَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/45)
وَحَجُّهُ بِغَصْبٍ كَصَلَاةٍ، وَلَا يُقَالُ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ يَتَقَدَّمَانِ الْعِبَادَةَ، وَلَا يُصَاحِبَانِهَا، لِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَوْ مِنْ الْمِيقَاتِ وَسَارَ عَلَى رَاحِلَةٍ مُحَرَّمَةٍ فَالتَّحْرِيمُ مُصَاحِبٌ لِلْعِبَادَةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَهُمْ، وَلِأَنَّ الْحَجَّ مِنْ نَتِيجَةِ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ وَفَائِدَتِهِ، وَمِنْ أَصْلِنَا أَنَّ فَائِدَةَ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ لَا تَكُونُ لِلْغَاصِبِ، وَلَا يُمْكِنُ الْحَجُّ لِلْمَالِكِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ وَلَا نَوَاهُ، ذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَكَلَامُ غَيْرِهِ يُخَالِفُهُ، وَأَنَّ الْمُؤْثَرَ حَجُّهُ لَا قَبْلَ إحْرَامِهِ، وَهُوَ أَظْهَرُ، وَفَرَّقَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ ليسا شرطا للصحة بل للوجوب وفقا1. فَقَالُوا: نَفْلُهُ كَفَرْضِهِ كَثَوْبٍ نَجِسٍ، وَقِيلَ يَصِحُّ، لِأَنَّهُ أَخَفُّ وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ لَا، وَجَعَلُوهُ حُجَّةً عَلَى الْمُخَالِفِ، فَلِهَذَا قَالُوا: لَا يُثَابُ عَلَى فَرْضِهِ إنْ صَحَّ، وَقِيلَ لَهُ فِي التمهيد في مسألة النهي:.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في "ط".(2/46)
خِلَافُنَا فِي الصَّلَاةِ عَلَى صِفَةٍ مَكْرُوهَةٍ مِنْ الِالْتِفَاتِ وَالصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْغَصْبِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الدِّينِ؟ فَقَالَ: فِعْلُ الْعِبَادَاتِ عَلَى وَجْهِ النَّهْيِ لَيْسَ فِي الدِّينِ، وَلِهَذَا لَا يُثَابُ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ، وَمَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ وَلَمْ يُبَحْ لَهُ فَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الدِّينِ مَرْدُودٌ، كَذَا قَالَ، وَقَدْ يُتَوَجَّهُ مِنْ صِحَّةِ نَفْلِهِ إثَابَتُهُ عَلَيْهِ، فَيُثَابُ عَلَى فَرْضِهِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي صِحَّةِ نَفْلِهِ، وَلَا ثَوَابَ لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ يُثَابُ عَلَى كُلِّ عِبَادَةٍ كُرِهَتْ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ فِي الْأُصُولِ: الْمَكْرُوهُ لَا ثَوَابَ فِي فِعْلِهِ. مَا كُرِهَ بِالذَّاتِ لَا بِالْعَرْضِ، وَيَأْتِي1 صِحَّةُ حَجِّ التَّاجِرِ وَإِثَابَتُهُ، وَهَلْ يُثَابُ عَلَى عَمَلٍ مَشُوبٍ.؟
وَقَدْ يُحْمَلُ قَوْلُهُمْ فِي الْأُصُولِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلِهَذَا لَمَّا احْتَجَّ مَنْ كَرِهَ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ بِالْخَبَرِ الضَّعِيفِ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ2: مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ3 فِي الْمَسْجِدِ3 فَلَيْسَ لَهُ مِنْ الأجر شيء. لم يقل أحد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 5/235.
2 أحمد في مسنده "9730" وابو داود "3191" وابن ماجه "1517" من جديث أبي هريرة.
3 ليست في "ط".(2/47)
بِالْأَجْرِ مَعَ الْكَرَاهَةِ، لَا اعْتِقَادًا وَلَا بَحْثًا، وَاحْتُجَّ فِي الْخِلَافِ لِمَنْ لَمْ يَمْنَعْ قِرَاءَةَ الْجُنُبِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ"1. وَأَجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْمُتَطَهِّرُ، لِأَنَّ الْجُنُبَ تُكْرَهُ لَهُ الْقِرَاءَةُ عِنْدَهُمْ، فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الظَّاهِرِ، وَيَأْتِي فِي الْبَابِ بَعْدَهُ2 قَوْلُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ: إنَّ صَلَاةَ مَنْ شَرِبَ خَمْرًا تَصِحُّ وَلَا ثَوَابَ فِيهَا، وَنَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا أَجْرَ لِمَنْ غَزَا عَلَى فَرَسٍ غَصْبٍ. وَقَالَهُ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ فِي حَجٍّ، وَكَذَا ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَلَا ثَوَابَ. وَقَالَ ابْنُ مَنْصُورِ3 ابْنِ أَخِي أَبِي نَصْرِ بْنِ الصَّبَّاغِ مِنْهُمْ ذَكَرَ شَيْخُنَا4 فِي الْكَامِلِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ وَيَحْصُلُ الثَّوَابُ، فَيَكُونُ مُثَابًا عَلَى فِعْلِهِ، عَاصِيًا بِمَقَامِهِ، فَإِذَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ صِحَّتِهَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ حُصُولِ الثَّوَابِ، قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ: وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ،.
وَلَوْ تَقَوَّى عَلَى عِبَادَةٍ بِأَكْلِ مُحَرَّمٍ لِزَوَالِ عَيْنِهِ، وَلَا أَثَرَ لَهُ بَعْدَ زَوَالِهَا، قَالَ أَحْمَدُ فِي بِئْرٍ حُفِرَتْ بِمَالٍ غَصْبٍ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْهَا، وَعَنْهُ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا: لَا أَدْرِي.
وَلَوْ صَلَّى عَلَى أَرْضِهِ أَوْ مُصَلَّاهُ بِلَا غَصْبٍ صح في الأصح، وقيل:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه ابن عدي في الكامل 7/2506 من حديث عمر بن الخطاب.
2 ص 104.
3 هو أحمد نب محمد بن عبد الواحد بن الصباغ البغدادي تفقه على القاضي أبي الطيب الطبري وعلى عمه الشيخ أبي النصر. قال ابن النجار: كان فقيها فاضلا حافظا للمذهب متدينا يصوم الدهر ويكثر الصلاة. "ت494هـ".
"طبقات الشافعية الكبرى" 4/85.
4 هو: عمه أبو نصر بن الصباغ صاحب الشامل والكامل وعدة العالم والطريق السالم" وغيرها. "477هـ"
"طبقات الشافعية الكبرى" 5/122.(2/48)
حَمْلُهَا عَلَى الْكَرَاهَةِ أَوْلَى، وَظَاهِرُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ هُنَا أَوْلَى مِنْ الطَّرِيقِ، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَأَنَّ الْأَرْضَ الْمَزْرُوعَةَ كَغَيْرِهَا، وَالْمُرَادُ وَلَا ضَرَرَ، وَلَوْ كَانَتْ لِكَافِرٍ، وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ لِعَدَمِ رِضَاهُ بِصَلَاةِ مُسْلِمٍ بِأَرْضِهِ "وهـ" وَقِيلَ لِلْقَاضِي: لَوْ صَلَّى فِي بَرَاحٍ لِرَجُلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ سَتْرٌ، فَقَالَ: لَا رِوَايَةَ فِيهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ نُسَلِّمَهُ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَالِكَهُ لَا يَمْنَعُ.
ولا تصح في الأصح وَإِنْ بَسَطَ طَاهِرًا عَلَى غَصْبٍ أَوْ غَصْبًا على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/49)
طَاهِرٍ إنْ غَصَبَ الْأَبْنِيَةَ فَقَطْ فَرِوَايَتَانِ إنْ اسْتَنَدَ، وَقِيلَ: أَوْ لَا "م 5".
وَيُصَلِّي فِي حرير لعدم "و" وعنه ويعيد "وم" وَكَذَا فِي ثَوْبٍ نَجِسٍ وَيُعِيدُ، وَعَنْهُ: لَا، جَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ كَمَكَانٍ نجس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ: وَإِنْ بَسَطَ طَاهِرًا عَلَى غَصْبٍ، أَوْ غَصْبًا عَلَى طَاهِرٍ، انْتَهَى.
الظَّاهِرُ أَنَّ هُنَا نَقْصًا لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ ذَلِكَ، وَتَقْدِيرُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ كَذَلِكَ، وَجَزَمَ ابْنُ تَمِيمٍ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ، وَنَبَّهَ عَلَيْهِ أَيْضًا شَيْخُنَا فِي حَوَاشِيهِ، وَالصِّحَّةُ إذَا بَسَطَ غَصْبًا عَلَى طاهر ضعيف جدا، والله أعلم.
مَسْأَلَةٌ- 5: قَوْلُهُ: "وَإِنْ غَصَبَ الْأَبْنِيَةَ فَقَطْ فَرِوَايَتَانِ إنْ اسْتَنَدَ، وَقِيلَ أَوْ لَا" انْتَهَى. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَإِنْ صَلَّى فِي بُقْعَةٍ حَلَالٍ وَالْأَبْنِيَةُ غَصْبٌ فَرِوَايَتَانِ، فَظَاهِرُهُ مُوَافِقٌ لِلْقَوْلِ الثَّانِي. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَإِنْ صَلَّى فِي أَرْضٍ لَهُ وَالْأَبْنِيَةُ مَغْصُوبَةٌ فَرِوَايَتَانِ، قُلْت هَذَا إنْ اعْتَمَدَ عَلَيْهَا أَوْ اسْتَنَدَ إلَيْهَا، وَإِلَّا كُرِهَتْ الصَّلَاةُ، وَصَحَّتْ، انْتَهَى، فَظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ هَؤُلَاءِ أَنَّ مَحَلَّ الرِّوَايَتَيْنِ يَشْمَلُ الِاسْتِنَادَ وعدمه، ويقويه مَا اخْتَارَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَقَدْ جَعَلَ الْمُصَنِّفُ مَحَلَّهُمَا مَعَ الِاسْتِنَادِ عَلَى الْمُقَدَّمِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، والصواب أيضا الصحة مطلقا، والله أعلم.(2/50)
"هـ" وَخَرَّجَ جَمَاعَةٌ فِيهِ رَاوِيَةً مِنْ الْإِعَادَةِ فِي الثَّوْبِ وَخَرَّجُوا فِي الثَّوْبِ مِنْ الْمَكَانِ، وَلَمْ يُخَرِّجْ آخَرُونَ، وَهُوَ أَظْهَرُ لِظُهُورِ الْفَرْقِ، وَخَرَّجَ فِي التَّعْلِيقِ رِوَايَةَ عَدَمِ الْإِعَادَةِ فِي الثَّوْبِ مِنْ عَدَمِ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ، وَعَنْهُ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ صَلَّى فِي الثَّوْبِ، وَقِيلَ: يُصَلِّي عريانا "وش" كَغَصْبٍ "و" وَقِيلَ: وَيُعِيدُ وَمَذْهَبٌ "هـ": تَجِبُ الصَّلَاةُ فِي ثَوْبٍ رُبْعُهُ طَاهِرٌ، وَإِلَّا فَهِيَ فِيهِ أَفْضَلُ. وَهَلْ يُصَلِّي بِمَكَانٍ نَجِسٍ إيمَاءً أَمْ يَسْجُدُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ "م 6".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 6" قَوْلُهُ: وَهَلْ يُصَلِّي بِمَكَانٍ نَجِسٍ إيمَاءً، أَمْ يَسْجُدُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذَهَّبِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا صَلَّى فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ رَطْبَةً أَوْ يَابِسَةً؛ فَإِنْ كَانَتْ يَابِسَةً فَفِيهَا الرِّوَايَتَانِ:
أَحَدُهُمَا يَسْجُدُ بِالْأَرْضِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَابَعَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَهِيَ الصَّحِيحَةُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ تَقْدِيمًا لِرُكْنِ السُّجُودِ، لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ، وَمُجْمَعٌ عَلَى افْتِرَاضِهِ، وَعَلَى عَدَمِ سُقُوطِهِ بِالنِّسْيَانِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُومِئُ غَايَةَ مَا يُمْكِنُهُ، وَلَا يَسْجُدُ، قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَمَنْ مَحَلُّهُ نَجِسٌ ضَرُورَةً أَوْمَأَ وَلَمْ يَعُدْ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ كَمَنْ صلى في ماء وطين،(2/51)
فَصْلٌ: وَمَنْ وَجَدَ مَا يَسْتُرُ مَنْكِبَيْهِ وَعَجُزَهُ فَقَطْ سَتَرَهُ وَصَلَّى جَالِسًا.
نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَتَّزِرُ وَيُصَلِّي قَائِمًا، وَكَمَا لَوْ لَمْ يَكْفِ. وَقَالَ الْقَاضِي يُصَلِّي فِيهِ جَالِسًا، وَيَسْتُرُ مَنْكِبَيْهِ "خ". وَسَتْرُ الْفَرْجَيْنِ مُقَدَّمٌ، فَإِنْ عَجَزَ فَعَنْهُ الدُّبُرُ أَوْلَى، وَقِيلَ الْقُبُلُ، وَقِيلَ بِالتَّسَاوِي، وَقِيلَ أَكْثَرُهُمَا سَتْرًا "م 7".
وَيَجِبُ سَتْرُ دُونَ الرُّبْعِ "هـ" بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ لَهُ حُكْمَ الْكُلِّ لَا لِمَا دُونَهُ وَإِنْ أُعِيرَ سُتْرَةً لَزِمَهُ قَبُولُهَا "و" وَقِيلَ لَا، كَالْهِبَةِ في الأصح، و1 يلزمه تَحْصِيلُهَا بِقِيمَةِ الْمِثْلِ "هـ" فِي الزِّيَادَةِ كَمَاءِ الوضوء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: يُقَرِّبُ أَعْضَاءَهُ مِنْ السُّجُودِ بِحَيْثُ لَوْ زَادَ شَيْئًا لَمَسَّتْهُ النَّجَاسَةُ، وَيَجْلِسُ عَلَى رَجُلَيْهِ، وَلَا يَضَعُ عَلَى الْأَرْضِ غَيْرَهُمَا. انْتَهَى. وَإِنْ كَانَتْ رَطْبَةً أَوْمَأَ غَايَةَ مَا يُمْكِنُهُ، وَجَلَسَ عَلَى قَدَمَيْهِ قَوْلًا وَاحِدًا، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي2، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي الصورتين، والفرق ظاهر، والله أعلم.
مَسْأَلَةٌ- 7: قَوْلُهُ: وَسَتْرُ الْفَرْجَيْنِ مُقَدَّمٌ، فَإِنْ عَجَزَ فَعَنْهُ الدُّبُرُ أَوْلَى، وَعَنْهُ الْقُبُلُ، وَقِيلَ بِالتَّسَاوِي، وَقِيلَ أَكْثَرُهُمَا سَتْرًا، انْتَهَى.
إحْدَاهُمَا: سَتْرُ الدُّبُرِ أَوْلَى، وَهُوَ الصَّحِيحُ، صَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ، قَالَ الْمَجْدُ: هَذَا الصَّحِيحُ عِنْدَنَا، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: سَتْرُهُ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهَادِي، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ والمنور
__________
1 في "ط": هـ في.
2 1/237.(2/52)
وإن عدم صلى جالسا ندبا "وهـ" وقيل: وجوبا يُومِئُ، وَعَنْهُ يَسْجُدُ وَلَا يَتَرَبَّعُ هُنَا، بَلْ يَتَضَامُّ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَالْمَيْمُونِيُّ. وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ حَبِيبٍ يَتَرَبَّعُ، وَعَنْهُ تَلْزَمُهُ قَائِمًا وَيَسْجُدُ بِالْأَرْضِ "وم ش" اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَقِيلَ يُومِئُ، وَقِيلَ يُعِيدُ عَارٍ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ إنْ تَوَارَى بَعْضُ الْعُرَاةِ عَنْ بَعْضٍ فَصَلَّوْا قِيَامًا فَلَا بَأْسَ، قَالَ الْقَاضِي ظَاهِرُهُ لَا يُكْرَهُ الْقِيَامُ خَلْوَةً، وَنَقَلَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُصَلُّوا قُعُودًا، فَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَلْوَةِ وَغَيْرِهَا، قَالَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ1.
وَإِنْ وَجَدَهَا فِي الصَّلَاةِ قَرِيبَةً عُرْفًا بَنَى "هـ م و" وَإِلَّا ابْتَدَأَ، وَقِيلَ:
بِالْبِنَاءِ وَعَدَمِهِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ إنْ انْتَظَرَ مَنْ يُنَاوِلُهَا له لم تبطل، لأن الانتظار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرُهُمْ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُقْنِعِ2 وَالْمُحَرَّرِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالشَّرْحِ2 وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرُهُمْ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: سَتْرُ الْقُبُلِ أَوْلَى، حَكَاهَا غَيْرُ وَاحِدٍ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْمُقْنِعِ2 وَغَيْرِهِ، قُلْت وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَيْهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُصُولِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي3، وَقِيلَ: بِالتَّسَاوِي، قَالَ فِي الْعُمْدَةِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ: فَإِنْ لَمْ يَكْفِهِمَا سُتِرَ أَحَدُهُمَا وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ، وَقِيلَ سَتْرُ أَكْثَرِهِمَا أَوْلَى، وَاخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: لَوْ قِيلَ بِالْوُجُوبِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَكَانَ مُتَّجِهًا وَإِنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي غير هذه الصورة لكان له وجه.
__________
1 بعدها في الأصل و "ب" و "ط": وقيل: يومئ وقيل: يعيد عار.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/234.
3 1/247.(2/53)
وَاحِدٌ، كَانْتِظَارِ الْمَسْبُوقِ، وَكَذَا الْمُعْتَقَةُ فِيهَا، وَإِنْ جَهِلَتْ الْعِتْقَ، أَوْ وُجُوبَ السِّتْرِ، أَوْ الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ أَعَادَتْ، كَخِيَارِ مُعْتَقَةٍ تَحْتَ عَبْدٍ، ذَكَره القاضي وغيره.
ويصلي الْعُرَاةُ جَمَاعَةً وُجُوبًا لَا فُرَادَى، "هـ م" فِي غَيْرِ ظُلْمَةٍ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ جُلُوسًا وُجُوبًا "هـ" إنَّ فِي مُنْفَرِدٍ رِوَايَتَيْنِ، وَإِمَامُهُمْ وَسَطًا، لَا مُتَقَدِّمًا "هـ م" وَقِيلَ يَجُوزُ.
وَيُصَلِّي كُلُّ نَوْعٍ وَحْدَهُ، لِأَنَّهَا إنْ وَقَفَتْ خَلْفَهُ شَاهَدَتْ الْعَوْرَةَ وَمَعَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/54)
خِلَافٌ لِسُنَّةِ الْمَوْقِفِ، وَرُبَّمَا أَفْضَى إلَى الْفِتْنَةِ، وَيَأْتِي كَلَامُ الْقَاضِي فِي الْعُرْيَان يَؤُمُّ امْرَأَةً، فَإِنْ شَقَّ صَلَّى نَوْعٌ، وَاسْتَدْبَرَهُ الْآخَرُ، ثُمَّ الْعَكْسُ.
وَمَنْ صَلَّى عُرْيَانًا وَأَعَارَ سُتْرَتَهُ لَمْ تَصِحَّ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيرَ إذَا صَلَّى، وَيُصَلِّي بِهَا وَاحِدٌ وَاحِدٌ، وَهَلْ يَلْزَمُ انْتِظَارُهَا وَلَوْ خرج الوقت "وش" أَمْ لَا، كَالْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ بَعْدَهُ؟ وَفِيهِ وَجْهَانِ "م 8".
وَجَعَلَ الشَّيْخُ وَاجِدَ الْمَاءِ أَصْلًا لِلُّزُومِ، كَذَا قَالَ، وَلَا فَرْقَ، وَأَطْلَقَ أَحْمَدُ فِي مَسْأَلَةِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ بَعْدَهُ الِانْتِظَارَ، وَحَمَلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَلَى اتِّسَاعِ الْوَقْتِ، وَالْأَصَحُّ يُقَدَّمُ إمَامٌ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ.
وَالْمَرْأَةُ أَوْلَى، وَيُصَلِّي بِهَا عَارٍ، ثُمَّ يُكَفَّنُ مَيِّتٌ، وَقِيلَ: يقدم هو.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 8" قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ كَانَ لَهُ سُتْرَةٌ أَنْ يُعِيرَ غَيْرَهُ إذَا صَلَّى بِهَا، وَيُصَلِّي بِهَا وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، وَهَلْ يَلْزَمُ انْتِظَارُهَا وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ أَمْ لَا، كَالْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ بَعْدَهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، انْتَهَى:
أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُ انْتِظَارُهَا، بَلْ يُصَلِّي عُرْيَانًا فِي الْوَقْتِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي1، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي2 وَالشَّرْحِ3 وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ: وَإِنْ بُذِلَتْ لِلْعُرَاةِ سُتْرَةٌ صَلَّى بِهَا وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، زَادَ فِي الْكُبْرَى وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ، ثُمَّ قَالَا: وَيُقَدَّمُ الْإِمَامُ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، انْتَهَى، وَلَعَلَّ هَذَا مفيد للوجهين
__________
1 1/249.
2 2/322.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/245.(2/55)
وَيُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ السَّدْلُ "م" وَعَنْهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ تَحْتَهُ ثَوْبٌ، أَوْ إزَارٌ، وَعَنْهُ: يُعِيدُ "خ" وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ1 عَنْ أَحْمَدَ: لَا يُكْرَهُ، وَهُوَ: طَرْحُ ثَوْبٍ عَلَى كَتِفَيْهِ لَا يَرُدُّ طَرَفَهُ عَلَى كَتِفِهِ الْآخَرِ، وَنَقَلَ صَالِحٌ طرحه عَلَى أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَرُدَّ طَرَفَيْهِ عَلَى الْآخَرِ، وَعَنْهُ وَلَا يَضُمُّ طَرَفَيْهِ بِيَدِهِ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ يُرْخِي ثَوْبَهُ عَلَى عَاتِقِهِ، ثُمَّ لَا يَمَسُّهُ، وَقِيلَ هُوَ إسْبَالُ الثَّوْبِ عَلَى الْأَرْضِ، وَقِيلَ: وَضْعُ وَسَطِ الرِّدَاءِ عَلَى رَأْسِهِ وَإِرْسَالِهِ مِنْ وَرَائِهِ عَلَى ظَهْرِهِ، وَهِيَ لُبْسَةُ الْيَهُودِ، وَقِيلَ: وَضْعُهُ عَلَى عُنُقِهِ وَلَمْ يَرُدَّهُ عَلَى كَتِفَيْهِ.
وَاخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي كَرَاهَةِ السَّدْلِ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ، وَظَاهِرُ قَوْلِنَا: لَا يُكْرَهُ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ لِبْسَةُ الْيَهُودِ، أَوْ أنه إسبال الثوب على الأرض فالخلاف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
اللَّذَيْنِ أَطْلَقَهُمَا، فَيَكُونُ قَدْ صَحَّحَ الْمَذْهَبَ كَمَا قُلْنَاهُ أَوَّلًا وَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْأَصَحُّ يُقَدَّمُ إمَامٌ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْكُبْرَى أَيْضًا فَإِنْ أَعَادَهَا لَهُمْ صَلَّى بِهَا وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ صَلَّى بِهَا وَاحِدٌ، قُلْت إنْ عَيَّنَهُ، "رَبّهَا" وَإِلَّا اقْتَرَعُوا إنْ تَشَاحُّوا، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي2 وَالشَّرْحِ3 أَيْضًا وَإِنْ صَلَّى صَاحِبُ الثَّوْبِ وَقَدْ بَقِيَ وَقْتُ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُعِيرَهُ لِمَنْ يَصْلُحُ لِإِمَامَتِهِمْ، وَإِنْ أَعَارَهُ لِغَيْرِهِ جَازَ، وَصَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ صَاحِبِ الثَّوْبِ، انْتَهَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُ انْتِظَارُهَا وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ، وَذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي2 احْتِمَالًا وَقَالَ: هَذَا ليس عندي.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ فِي السَّدْلِ: وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَبِسَهُ الْيَهُودُ وَأَنَّهُ إسْبَالُ الثَّوْبِ عَلَى الْأَرْضِ
__________
1 في سننه عقب حديث 378.
2 2/322.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/245.(2/56)
وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى: أَنَا أَكْرَهُ السَّدْلَ، وَالنَّهْيُ فِيهِ صَحِيحٌ عَنْ عَلِيٍّ1.
وَخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَقَلَ مُهَنَّا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، لَكِنْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ لَمْ يُضَعِّفْهُ أَحْمَدُ.2 وَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ كَانُوا يَكْرَهُونَ السَّدْلَ فِي الصَّلَاةِ، وَأَطْلَقَ ابْنُ عَقِيلٍ كَرَاهَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَلِأَنَّ مَا نُهِيَ عَنْهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَفِي الصَّلَاةِ أَشَدُّ.
وَاشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ "م" وَهُوَ اضْطِبَاعُهُ بِثَوْبٍ، وَعَنْهُ: وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَعَنْهُ يُعِيدُ "خ" وَقِيلَ: يَلْتَفُّ بِثَوْبٍ يَرُدُّ طَرَفَيْهِ إلَى أَحَدِ جَانِبَيْهِ وَلَا يُبْقَى لِيَدَيْهِ مَا تَخْرُجُ مِنْهُ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعَرَبِ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ3: وَهُمْ أَعْلَمُ بِالتَّأْوِيلِ.
وَيُكْرَهُ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ وَالتَّلَثُّمُ عَلَى الْفَمِ، وَلَفُّ الْكُمِّ بِلَا سَبَبٍ وَعَنْهُ لَا، وفي التلثم على الأنف روايتان "م 9".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
فَالْخِلَافُ، يَعْنِي: الْخِلَافَ الَّذِي فِي التَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ، وَالْخِلَافُ الَّذِي فِي إسْبَالِ الثَّوْبِ عَلَى الْأَرْضِ، وقد ذكر حكمهما المصنف.
مَسْأَلَةٌ 9: قَوْلُهُ: "وَيُكْرَهُ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ وَالتَّلَثُّمُ عَلَى الْفَمِ وَلَفُّ الْكُمِّ بِلَا سَبَبٍ وَعَنْهُ لَا وَفِي التَّلَثُّمِ عَلَى الْأَنْفِ رِوَايَتَانِ" انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ والخلاصة والتلخيص والبلغة وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَالْحَاوِيَيْنِ والفائق وغيرهم:
__________
1 أخرج عبد الرزاق في "مصنفه" 1423 والبيهقي في "السنن الكبرى" 2/243 عن علي رضي الله عنه أنه أخرج فرأى قوما يصلون قد سدلوا ثيابهم فقال: كأنهم اليهود خرجوا من فهرهم. والفهر: مدارس اليهود تجتمع إليه في عيدهم. "القاموس": الفهر.
2 أخرج أبو داود 643 وأحمد 7934 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم نهى عن السدل في الصلاة.
3 في "ط": أبو عبيدة والصواب ما أثبت وهو: أبو عبيد القاسم بن سلام بن عبد الله. من مصنفاته: كتاب "الأموال", و "الغريب" و "الناسخ والمنسوخ" وغيرها. "ت224هـ" السير 10/490.(2/57)
وشد وسطه بما يشبه الزُّنَّارَ1. نَصَّ عَلَيْهِ وَعَنْهُ لَا، زَادَ بَعْضُهُمْ: إلَّا أَنْ يَشُدَّهُ لِعَمَلِ الدُّنْيَا فَيُكْرَهُ، نَقَلَهُ ابْنُ إبْرَاهِيمُ، وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ الْمِنْطَقَةُ، زَادَ بَعْضُهُمْ وَفِي غَيْرِ صَلَاةٍ، وَنَقَلَ حَرْبٌ يُكْرَهُ شَدُّ وَسَطِهِ عَلَى الْقَمِيصِ، لِأَنَّهُ مِنْ زِيِّ الْيَهُودِ، وَلَا بَأْسَ بِهِ عَلَى الْقَبَاءِ، قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَرَاهَةُ شَدِّ وَسَطِهِ بِمَا يُشْبِهُ الزُّنَّارَ لَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ، ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، لِأَنَّهُ يُكْرَهُ التَّشَبُّهُ بِالنَّصَارَى فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَسَبَقَ فِي الْمَسْحِ2، وَيَأْتِي فِي آخَرِ الْبَابِ تَحْرِيمُهُ3، وَفِي الْوَلِيمَةِ4 فِي الْأَقْوَالِ ثَلَاثَةٌ فِي كُلٍّ تُشْبِهُ، لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ إلَّا بِمَا يَتَمَيَّزُونَ به من اللباس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
إحْدَاهُمَا: يُكْرَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ فِي الْفُصُولِ: يُكْرَهُ التَّلَثُّمُ عَلَى الْأَنْفِ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي5 وَالْمُقْنِعِ6 وَالْهَادِي وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ6.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُكْرَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَسْأَلَةَ فِي الْكَافِي.
__________
1 الزنار: حزام يشده النصراني على وسطه. "المعجم الوسيط": "زنر".
2 1/202.
3 ص 85.
4 8/330.
5 2/299.
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/250.(2/58)
وَلَا يُكْرَهُ بِمَا لَا يُشْبِهُ، زَادَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بَلْ يُسْتَحَبُّ، نَصَّ عَلَيْهِ لِلْخَبَرِ1، لِأَنَّهُ أَسْتُرُ لِعَوْرَتِهِ، وَلَمَّا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّمَّاءِ لَمْ يُقَيِّدُهُ بِالصَّلَاةِ، وَقَرَنَهُ بِالِاحْتِبَاءِ2، فَظَاهِرُ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ.
وَيَجُوزُ الِاحْتِبَاءُ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، وَعَنْهُ الْمَنْعُ، وَيَحْرُمُ مع كشف عورة.
ويحرم في الْأَصَحِّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، بَلْ كَبِيرَةٌ عَلَى مَا يَأْتِي3 مِنْ نَصِّهِ إسْبَالُ ثِيَابِهِ خيلاء في غير حرب بلا حاجة، نحو كَوْنِهِ خَمْشَ السَّاقَيْنِ، وَالْمُرَادُ: وَلَمْ يُرِدْ التَّدْلِيسُ عَلَى النِّسَاءِ، وَيُتَوَجَّهُ هَذَا فِي قَصِيرَةٍ اتَّخَذَتْ رجلين من خشب فلم تعرف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تنبيه: قوله: "وَيَحْرُمُ فِي الْأَصَحِّ إسْبَالُ ثِيَابِهِ خُيَلَاءَ فِي غير حرب بلا حاجة نحو كونه خمش السَّاقَيْنِ" انْتَهَى. الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَحْرُمُ فِعْلُهُ خُيَلَاء، وَلَوْ كَانَ بِهِ حَاجَةٌ إلَى الْإِسْبَالِ، فَقَوْلُهُ بِلَا حَاجَةٍ نَحْوَ كَوْنِهِ خَمْشَ السَّاقَيْنِ يُعْطِي أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْمُبَاحُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْإِسْبَالُ فَقَطْ، لَا الْإِسْبَالُ مَعَ الْخُيَلَاءِ، وَلَعَلَّ التَّمْثِيلَ عَائِدٌ إلَى الْإِسْبَالِ فَقَطْ، فَيَزُولَ الْإِشْكَالُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 وهو حديث أبي هريرة الذي سيورده ابن قندس لاحقا.
2 أخرج البخاري 367 عن أبي سعيد الخدري أنه قال: مهى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اشتمال الصماء وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شئ وأخرجه مسلم 2099 من حديث جابر.
3 في الصفحة التالية.(2/59)
وَيُكْرَهُ فَوْقَ نِصْفِ سَاقَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَيْضًا: يُشْهِرُ نَفْسَهُ، وَيُكْرَهُ عَلَى الْأَصَحِّ تَحْتَ كَعْبَيْهِ بِلَا حَاجَةٍ، وَعَنْهُ مَا تَحْتَهُمَا فِي النَّارِ وَذَكَرَ صَاحِبُ النَّظْمِ مَنْ لَمْ يَخَفْ خُيَلَاءَ لَمْ يُكْرَهُ، وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ.
وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ إلَى ذِرَاعٍ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: ذَيْلُ نِسَاءِ الْمُدُنِ فِي الْبَيْتِ كَرَجُلٍ.
قَالَ جَمَاعَةٌ: وَيُسَنُّ تَطْوِيلُ كُمِّ الرَّجُلِ إلَى رُءُوسِ أَصَابِعِهِ، أَوْ أَكْثَرَ يَسِيرًا وَتَوْسِيعُهَا قَصْدًا "م 10"، وَقَصْرُ كُمِّهَا، وَاخْتَلَفَ كلامهم في سعته قصدا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 10: قَوْلُهُ: "وَيُسَنُّ تَطْوِيلُ كُمِّ الرَّجُلِ إلَى رُءُوسِ أَصَابِعِهِ أَوْ أَكْثَرَ يَسِيرًا، وَتَوْسِيعُهَا قَصْدًا، وَقَصْرُ كُمِّهَا، وَاخْتَلَفَ كَلَامُهُمْ فِي سَعَتِهِ قَصْدًا" انْتَهَى، يَعْنِي لِلْمَرْأَةِ.
قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَتَوْسِيعُ الْكُمِّ مِنْ غَيْرِ إفْرَاطٍ حَسَنٌ فِي حَقِّ النِّسَاءِ، وَبِخِلَافِ الرِّجَالِ. وَقَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى وَالْوُسْطَى وَيُسَنُّ سَعَةُ كُمِّ قَمِيصِ الْمَرْأَةِ يَسِيرًا، وَقَصْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ حَمَدٍ: إنْ قُلْت دُونَ رُءُوسِ أَصَابِعِهَا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَتَوْسِيعُ كم المرأة قصدا حسن.(2/60)
وَكَرِهَ أَحْمَدُ الزِّيقَ1 الْعَرِيضَ لِلرَّجُلِ، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِيهِ لِلْمَرْأَةِ "م 11"، قَالَ الْقَاضِي: إنَّمَا كَرِهَهُ لِإِفْضَائِهِ إلَى الشُّهْرَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: "2إنَّمَا كَرِهَ الْإِفْرَاطَ جَمْعًا بَيْنَ قَوْلَيْهِ2". قَالَ أَحْمَدُ فِي الدُّرَّاعَةِ: الْفُرَجُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهَا قَدْ سَمِعْتُ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ خَلْفِهَا إلَّا أَنَّ فِيهِ سعة عند الركوب، ومنفعة.
وَيُكْرَهُ إنْ وَصَفَ الْبَشَرَةَ لِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ حَيٍّ وَمَيِّتٍ نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ: لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ، وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ لَا يُكْرَهُ لِمَنْ لَمْ يَرَهَا إلَّا زَوْجٌ وَسَيِّدٌ، وَذَكَرَ أَيْضًا أَبُو الْمَعَالِي وَإِنْ وَصَفَ اللِّينَ وَالْخُشُونَةَ وَالْحَجْمَ كُرِهَ لِلنِّسَاءِ فَقَطْ.
وَكَرِهَ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ: زِيَّ الْأَعَاجِمِ كَعِمَامَةٍ صَمَّاءَ، وَكَنَعْلِ صِرَّارَةٍ3 لِلزِّينَةِ لَا لِلْوُضُوءِ وَنَحْوُهُ.
وَيُكْرَهُ شُهْرَةٌ وَخِلَافُ زِيِّ بَلَدِهِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ وَنَصُّهُ لَا، قَالَ شَيْخُنَا: يَحْرُمُ شُهْرَةٌ وَهُوَ مَا يَقْصِدُ بِهِ الِارْتِفَاعَ، وإظهار التواضع، كما كان السلف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 11: قَوْلُهُ: وَكَرِهَ أَحْمَدُ الزِّيقَ الْعَرِيضَ لِلرَّجُلِ، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِيهِ لِلْمَرْأَةِ، انْتَهَى.
أَحَدُهُمَا لَا يُكْرَهُ، قُلْت وَهُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ كَلَامِ النَّاظِمِ فِي آدَابِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُكْرَهْ ذَلِكَ إلَّا لِلرَّجُلِ. وَقَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى قَالَ الْمَرُّوذِيُّ سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُخَاطُ لِلنِّسَاءِ هَذِهِ الزِّيقَاتُ الْعِرَاضُ؟ فَقَالَ إنْ كَانَ شَيْءٌ عَرِيضٌ أَكْرَهُهُ، هُوَ مُحْدَثٌ، وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ وَسَطٌ لَمْ نَرَ بِهِ بَأْسًا، انْتَهَى، وَاقْتَصَرَ عليه، والرواية الثانية: يكره كالرجل.
__________
1 الزيق: مايكف به جيب القميص. "المعجم الوسيط": زيق.
2 ليست في "ب".
3 صر صريرا: صوت. "المعجم الوسيط": صرر.(2/61)
يكرهون الشهرة من اللباس الْمُرْتَفِعِ، وَالْمُنْخَفِضِ وَلِهَذَا فِي الْخَبَرِ "مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ" 1. فَعَاقَبَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ يُكْرَهُ، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنَّ هَذَا مِنْ الرِّيَاءِ.
وَقَدْ كَرِهَ أَحْمَدُ الْكِلَّةَ: وَهِيَ قُبَّةٌ لَهَا بَكْرَةٌ تُجْرِيهَا، وَقَالَ: هِيَ مِنْ الرِّيَاءِ لَا تَرُدُّ حَرًّا، وَلَا بَرْدًا.
وَكَرِهَ أَبُو الْمَعَالِي الْجُلُوسَ مُتَرَبِّعًا عَلَى وَجْهِ التَّكَبُّرِ وَالتَّجَبُّرِ.
وَيُسَنُّ غَسْلُهُ مِنْ عَرَقٍ وَوَسَخٍ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيُّ وَغَيْرِهِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَمَا يَجِدُ هَذَا مَا يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ" وَرَأَى رَجُلًا شَعِثًا فَقَالَ: "أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ رَأْسَهُ". وهذا الخبر رواه أحمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ2، وَاحْتَجَّ الْقَاضِي بِمَا رَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْ عُمَرَ "مِنْ مُرُوءَةِ الرَّجُلِ نَقَاءُ ثَوْبِهِ" 3. وَعَلَّلَهُ أَحْمَدُ بِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ. وَقَالَ: يَنْبَغِي غَسْلُهُ، فَيُتَوَجَّهُ مِنْ تَعْلِيلِهِ الْوُجُوبُ، وَفِي "يَنْبَغِي" الْخِلَافُ، وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا ما يروى عن عمر: "ألا يتجمل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه أبو داود 4030 والنسائي في الكبرى وابن ماجه 3606 من حديث ابن عمر.
2 أحمد 14850 وأبو داود 4062 والنسائي في المجتبى 8/138-184.
3 رواه الطبري في "الكبير" من حديث ابن عمر بلفظ: "من كرامة المؤمن على الله نقاء ثوبه" وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 5/231.(2/62)
أَحَدُكُمْ لِامْرَأَتِهِ كَمَا تَتَجَمَّلُ لَهُ" قِيلَ لِأَحْمَدَ: يُؤْجَرُ فِي تَرْكِ الشَّهَوَاتِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَمُرَادُهُ لَا أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهَا مُطْلَقًا، قَالَ شَيْخُنَا: مَنْ فَعَلَ هَذَا فَجَاهِلٌ ضَالٌّ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ1 مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: أَنَّهُ بَلَغَهُ هَذَا عَنْ أُنَاسٍ فَخَطَبَ وَقَالَ: "مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي".
وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ2 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنًا، فَقَالَ: "إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجمال". وعن عبد الله بن عمرو3 مَرْفُوعًا: "كُلُوا، وَاشْرَبُوا، وَالْبَسُوا، وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ إسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ4 وَزَادَ: "فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ". وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ5 هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَحَسَّنَهَا وَقَالَ: "أَثَرَ نِعْمَتِهِ".
وَلِأَحْمَدَ6، ثَنَا رَوْحٌ، ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْفُضَيْلِ بْنِ فَضَالَةَ7: ثَنَا أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَعَلَيْهِ مُطَرَّفَةٌ8 مِنْ خَزٍّ لَمْ نَرَهَا عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا بَعْدَهُ، فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من أنعم الله عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
__________
1 البخاري 5036 ومسلم 1401.
2 أحمد 17206 و 17207 من جديث أبي ريحانة ومسلم "91" "147" من حديث عبد الله بن مسعود.
3 في "ط": عمر.
4 البخاري تعليقا على النبي صلى الله عليه وسلم قبل حديث 5783 وأحمد 6695.
5 في سننه 2819.
6 في مسنده 19934.
7 في الأصل: "عياض".
8 المطرف: الثوب من خز له أعلام. "المصباح": طرف.(2/63)
نِعْمَةً1 فَلْيُظْهِرْهَا فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى خَلْقِهِ" قَالَ رَوْحٌ مَرَّةً: عَلَى عَبْدِهِ إسْنَادُهُ جَيِّدٌ مَعَ تَفَرُّدِ شُعْبَةُ عَنْ الْفُضَيْلِ.
وَعَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا: "مَنْ تَرَكَ أَنْ يَلْبَسَ صَالِحَ الثِّيَابِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ تَوَاضُعًا لِلَّهِ دَعَاهُ اللَّهُ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فِي حُلَل الْإِيمَانِ أَيَّتُهُنَّ شَاءَ". فِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ2. وَقَالَ صَاحِبُ النظم:
ويكره مع طول الغنا3 لبسك الردي
فَأَطْلَقَ وَاقْتَصَرَ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَقَالَ:
وَمَنْ يَرْتَضِي دُونَ اللِّبَاسِ تَوَاضُعًا ... سَيُكْسَى الثِّيَابَ الْعَبْقَرِيَّاتِ فِي غَدٍ4
وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ، لَا لِعَجَبٍ، وَلَا شُهْرَةٍ، وَلَا غَيْرِهِ، قَالَ جَمَاعَةٌ: وَالتَّوَسُّطُ فِي الْأُمُورِ أَوْلَى، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ بِحَسَبِ الْحَالِ لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ مَوْجُودٍ، وَلَا يَتَكَلَّفُونَ مَفْقُودًا، فَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُهْدِيَنَا طَرِيقَهُمْ.
فَأَمَّا الْإِسْرَافُ فِي الْمُبَاحِ فَالْأَشْهَرُ لَا يَحْرُمُ، عَلَى ما يأتي في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
__________
1 ليست في النسخ الخطية ولا في مطبوع مسند الإمام أحمد.
2 أحمد 15619 والترمذي 2481.
3 الطول: الفضل والقدرة والغنى والسعة. والغناء بالفتح والمد: ضد الفقر. "القاموس": طولى, غني
4 في النسخ الخطية: عدن. والمثبت من "ط".(2/64)
الْحَجْرِ1، وَتَبَرُّعِ الْمَرِيضِ، وَحَرَّمَهُ شَيْخُنَا، وَقَدْ سَبَقَ خَبَرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَأَمَّا شُكْرُ اللَّهِ فَمُسْتَحَبٌّ، وَيَأْتِي فِي الْوَلِيمَةِ2 خِلَافٌ فِي الْحَمْدِ لِلَّهِ عَلَى الطَّعَامِ فَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي اللِّبَاسِ، ثُمَّ إنْ وَجَبَ فَعَدَمُهُ لَا يَمْنَعُ الْحِلَّ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْأَطْعِمَةِ3.
وَقَالَ شَيْخُنَا بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ فِعْلِ الْمُبَاحَاتِ كَأَكْلٍ وَلُبْسٍ وَيَظُنُّ أَنَّ هَذَا مُسْتَحَبٌّ جَاهِلٌ، ضَالٌّ، فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالْأَكْلِ مِنْ الطَّيِّبِ، وَالشُّكْرِ لَهُ، وَهُوَ الْعَمَلُ بِطَاعَتِهِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ، وَتَرْكِ الْمَحْظُورِ، وَمَنْ أَكَلَ وَلَمْ يَشْكُرْ كَانَ مُعَاقَبًا عَلَى مَا تَرَكَهُ مِنْ فِعْلِ الْوَاجِبَاتِ، وَلَمْ تَحِلَّ لَهُ الطَّيِّبَاتُ، فَإِنَّ اللَّهَ أَحَلَّهَا لِمَنْ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى طَاعَتِهِ كَمَا قَالَ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة:93] الْآيَةُ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَانَ الْإِنْسَانُ بِالْمُبَاحَاتِ عَلَى الْمَعَاصِي وقَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:8] أَيْ عَنْ الشُّكْرِ، فَطَالَبَ الْعَبْدَ بِأَدَاءِ شُكْرِ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُعَاقِبُ إلَّا عَلَى تَرْكِ مَأْمُورٍ وَفِعْلِ مَحْظُورٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
__________
1 7/8.
2 8/321.
3 10/331.(2/65)
فصل: يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِ أُنْثَى لُبْسِ حَرِيرٍ "و" حَتَّى تِكَّةٍ أَوْ شَرَابَةٍ1.
نَصَّ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ: شَرَابَةٌ مُفْرَدَةٌ، كَشَرَابَةِ الْبَرِيدِ لَا تَبَعًا، فَإِنَّهَا كَزِرٍّ، وَعَلَّلَ الْقَاضِي وَالْآمِدِيُّ فَقَطْ إبَاحَةَ كِيسِ الْمُصْحَفِ بِأَنَّهُ يَسِيرُ.
وَيَحْرُمُ افْتِرَاشُهُ "هـ" وَاسْتِنَادُهُ إلَيْهِ "هـ" وَمَا غَالِبُهُ حَرِيرٌ قِيلَ ظُهُورًا، وَقِيلَ وَزْنًا، بِلَا ضَرُورَةٍ، وَإِنْ اسْتَوَيَا فَوَجْهَانِ "م 12 - 13".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ-12-13: قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ مَا غَالِبُهُ الْحَرِيرُ "2قِيلَ: وَزْنًا2" وَقِيلَ ظُهُورًا بِلَا ضَرُورَةٍ فَإِنْ اسْتَوَيَا فَوَجْهَانِ، انْتَهَى، ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ:
"الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى" هَلْ الِاعْتِبَارُ بِمَا غَالِبُهُ الْحَرِيرُ ظُهُورًا أَوْ وَزْنًا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ وَأَطْلَقَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي حَوَاشِي الْمُقْنِعِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرُهُمْ، أَحَدُهُمَا مِمَّا غَالِبُهُ ظُهُورًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي الِاعْتِبَارُ بِذَلِكَ وَزْنًا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
"الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ" لَوْ اسْتَوَيَا ظُهُورًا وَوَزْنًا فَهَلْ يَحْرُمُ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي3، وَالْكَافِي4، وَالْمُقْنِعِ5، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ،
__________
1 شرابة والجمع شراريب: ضمة من خيوط توضع على طرف الحزام أو الثوب أو على الطربوش للزركشة والزينة "معجم الألفاظ العامية": شرب.
2 في النسخ الخطية و"ط": قيل وزنا وقيل ظهورا والمثبت من الفروع.
3 2/307.
4 1/251.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/260.(2/66)
وَكَذَا الْخَزُّ عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ، وَأَبَاحَهُ أحمد "م ر" وفرق. بأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالشَّرْحِ1، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَابْنِ رَزِينٍ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرُهُمْ، لَكِنْ إنَّمَا أَطْلَقَ فِي الْكُبْرَى فِيمَا إذَا اسْتَوَيَا وَزْنًا بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمَهُ:
أَحَدُهُمَا مُحَرَّمٌ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: فِي الْفُصُولِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: الْأَشْبَهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ، لِعُمُومِ الْخَبَرِ، قَالَ فِي الْفُصُولِ: لِأَنَّ النِّصْفَ كَثِيرٌ، وَلَيْسَ تَغْلِيبُ التَّحْلِيلِ بِأُولَى مِنْ التَّحْرِيمِ، وَلَمْ يَحْكِ خِلَافَهُ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَإِلَيْهِ أَشَارَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لِبْسُ الْقَسِّيِّ وَالْمُلْحَمِ2.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْرُمُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَقَالَ صَحَّحَهُ الْمَجْدُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ وَالْإِفَادَاتِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَالتَّسْهِيلِ وَغَيْرَهُمْ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْمُحَرَّمِ: أَوْ مَا غَالِبُهُ الْحَرِيرُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ ابْنُ الْبَنَّاءِ بِقَوْلِهِ لَا بَأْسَ بِلِبْسِ الْخَزَنْقَلَةِ عَنْهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ.
"تَنْبِيهَاتْ"
الْأَوَّلُ: قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُبَاحُ، قَالَ شَيْخُنَا مَعَ الْكَرَاهَةِ.
الثَّانِي: قَوْلُهُ: وَكَذَا الْخَزُّ عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ وَأَبَاحَهُ أَحْمَدَ، انْتَهَى، يَعْنِي:
أَنَّ الْخَزَّ عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ كَالْحَرِيرِ فِي الْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ، فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ عَقِيلٍ يَكُونُ فِيهِ الْخِلَافُ الْمُطْلَقُ إذَا اسْتَوَيَا، وَقَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْهُ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ إبَاحَتُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ وَقَطَعَ به في المغني3، والكافي4 والشرح5,
__________
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/260.
2 الملحم: جنس من الثياب يختلف نوع سداه ونوع لحمته كالصوف والقطن أو الحرير والقطن.
3 1/309.
4 1/250.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/269.(2/67)
لُبْسَةُ الصَّحَابَةِ وَبِأَنَّهُ لَا سَرَفَ فِيهِ وَلَا خُيَلَاءَ.
وَيَحْرُمُ سِتْرُ الْجُدُرِ بِهِ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ يُكْرَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ مَنْ ذَكَرَ تَحْرِيمَ لُبْسِهِ فَقَطْ، وَمِثْلُهُ تَعْلِيقُهُ، وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ وَغَيْرُهُ: لَا يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِمَا لَا يُنَقِّي كَالْحَرِيرِ الناعم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْآدَابِ وَغَيْرِهِ، وَتَابَعَ ابْنُ عَقِيلٍ ابْنَ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذَهَّبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالسَّامِرِيُّ وَابْنُ حَمْدَانَ أَيْضًا.
الثَّالِثُ: الْخَزُّ مَا عُمِلَ مِنْ صُوفٍ وَإِبْرَيْسَمٍ، قَالَ فِي الْمُطْلِعِ فِي النَّفَقَاتِ وَقَالَ فِي الْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ مَا عَمَلِ مِنْ إبْرَيْسَمٍ وَوَبَرٍ طَاهِرٍ، كَالْأَرْنَبِ وَغَيْرِهِمَا، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الرِّعَايَةِ وَالْآدَابِ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ: الْخَزُّ مَا سُدِيَ بِالْإِبْرَيْسَمِ، وَأُلْحِمَ بِوَبَرٍ، أَوْ صُوفٍ وَنَحْوِهِ، لغلبة اللحمة على الحرير، انتهى.(2/68)
وَحَرَّمَ الْأَكْثَرُ اسْتِعْمَالَهُ مُطْلَقًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فِي بُشْخَانَتِهِ، وَالْخَيْمَةِ، وَالْبُقْجَةِ، وَكَمِرَانِهِ، وَنَحْوُهُ الْخِلَافُ.
وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ مَنْسُوجٌ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَقِيلَ فِي الرِّعَايَةِ أَوْ فِضَّةٍ، وَالْمُمَوَّهُ بِهِ: بِلَا حَاجَةٍ فَيَلْبَسُهُ، وَالْحَرِيرُ لِحَاجَةِ بَرْدٍ أَوْ حَرٍّ وَنَحْوِهِ لِعَدَمٍ، وَحُكِيَ الْمَنْعُ رِوَايَةً وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ يَلْبَسُهُ فِي الْحَرْبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/69)
لِحَاجَةٍ، وَقَالَ: وَلِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَأَرَادَ لِحَاجَةٍ مَا احْتَاجَهُ، وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهُ كَذَا قَالَ.
فَإِنْ اسْتَحَالَ لَوْنُهُ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَقِيلَ مُطْلَقًا أُبِيحَ فِي الْأَصَحِّ، "و" وَقِيلَ الْمَنْسُوجُ بِذَهَبٍ كَحَرِيرٍ كَمَا سَبَقَ.
وَلَهُ لُبْسُ حَرِيرٍ عَلَى الْأَصَحِّ لِمَرَضٍ وَحَكَّةٍ "م ر" وَقِيلَ: يُؤَثِّرُ فِي زَوَالِهَا. وَفِي حَرْبٍ مُبَاحٌ بِلَا حَاجَةٍ فِي رِوَايَةٍ "وش" وَعَنْهُ لَا، وَقِيلَ الرِّوَايَتَانِ، وَلَوْ احْتَاجَهُ فِي نَفْسِهِ وَوَجَدَ غَيْرَهُ، وَقِيلَ يُبَاحُ عِنْدَ الْقِتَالِ. "م 14"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 14: قَوْلُهُ: وَلُبْسُ حَرِيرٍ فِي حَرْبٍ مُبَاحٌ بِلَا حَاجَةٍ فِي رِوَايَةٍ وَعَنْهُ لَا وَقِيلَ الرِّوَايَتَانِ، وَلَوْ احْتَاجَهُ فِي نَفْسِهِ وَوَجَدَ غَيْرَهُ، وَقِيلَ يُبَاحُ عِنْدَ الْقِتَالِ، انْتَهَى، وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُغْنِي1، وَحَكَاهُمَا وَجْهَيْنِ، وَالْكَافِي2 وَالْمُقْنِعِ3 وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ4، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وغيرهم:
__________
1 2/306-307.
2 1/251.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/246.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/266.(2/70)
وَيَحْرُمُ عَلَى وَلِيِّ صَبِيٍّ إلْبَاسُهُ حَرِيرًا أَوْ ذهبا نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ "هـ" فَعَلَى هَذَا: لَوْ صَلَّى فِيهِ لَمْ تَصِحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ لَا يَحْرُمُ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ. وَقَالَ سَعِيدٌ: ثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ الْعَوَّامِ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ: كَانُوا يُرَخِّصُونَ لِلصَّبِيِّ فِي خَاتَمِ الذَّهَبِ، فَإِذَا بَلَغَ أَلْقَاهُ هُشَيْمٌ1 مُدَلِّسٌ.
وَذَكَرَ الْآمِدِيُّ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ كَرِهَ إلْبَاسَ الصِّبْيَانِ الْقَرَامِزَ2 السُّودَ، لِمَا فيه من التعريض للفتنة. وقد3 جَزَّ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَعْرَ نَصْرِ بن حجاج، وجنبه الزينة4.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
إحْدَاهُمَا: يُبَاحُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ يُبَاحُ عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَقْوَى، قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى وَالْوُسْطَى يُبَاحُ فِي الْحَرْبِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فِي أَرْجَحِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ يُبَاحُ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُبَاحُ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ لِلْإِبَاحَةِ إلَّا الْمَرَضَ، وَالْحِكَّةَ، وَعَنْهُ يُبَاحُ مَعَ نِكَايَةِ الْعَدُوِّ بِهِ، وَقِيلَ يُبَاحُ عِنْدَ مُفَاجَأَةِ الْعَدُوِّ وَضَرُورَةٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التلخيص، وغيره، وقيل يُبَاحُ عِنْدَ الْقِتَالِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِ حَاجَةٌ فِي الْحَرْبِ حَرُمَ، قولا واحدا، وإن
__________
1 هو أبو معاوية هشيم بن بشير بن أبي خازم السلمي الواسطي محدث بغداد وحافظها. قال الذهبي: كان رأسا في الحفظ إلا أنه صاحب تدليس كثير قد عرف ذلك. "ت233هـ". السير 8/287-294.
2 لعلها الثياب المصبوغة بالقرمز وهو صبغ أرمني أحمر ... وورد في تفسير قوله تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} [القصص: 79] قال: كالقرمز. اللسان: حبر-قرمز.
3 في "ط": وقال.
4 أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 3/285.(2/71)
وله حشو جباب وفرش بحرير "وش" وَقِيلَ: لَا، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً كَبِطَانَةٍ "وهـ" وَفِي تَحْرِيمِ كِتَابَةِ الْمَهْرِ فِيهِ وَجْهَانِ "م 15".
وَيُبَاحُ مِنْهُ الْعَلَمُ إذَا كَانَ أَرْبَعَ أَصَابِعَ مضمومة فأقل "و" نص عليه، وفي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
كَانَ بِهِ حَاجَةٌ إلَيْهِ كَالْجُنَّةِ لِلْقِتَالِ فَلَا بَأْسَ، انْتَهَى، وَقِيلَ: يُبَاحُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَقِيلَ يَجُوزُ حَالَ شِدَّةِ الْحَرْبِ ضَرُورَةً، وَفِي لُبْسِهِ فِي أَيَّامِ الْحَرْبِ بِلَا ضَرُورَةٍ رِوَايَتَانِ، وَهَذِهِ طَرِيقَتُهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَجَعَلَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ الْحَاجَةِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ وَقِيلَ الرِّوَايَتَانِ فِي الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ فِي الْمُقْنِعِ1، قَالَ وَمَعْنَى الْحَاجَةِ مَا هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ، وَإِنْ قَامَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ، وَقَالَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ.
مَسْأَلَةٌ 15 قَوْلُهُ: وَفِي تَحْرِيمِ كِتَابَةِ الْمَهْرِ فِيهِ وَجْهَانِ، انْتَهَى.
إحْدَاهُمَا: لَا يَحْرُمُ، بَلْ يُكْرَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَتَبِعَهُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى وَالْوُسْطَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَحْرُمُ فِي الْأَقْيَسِ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قُلْت: لَوْ قِيلَ بالإباحة لكان له وجه، والله أعلم.
__________
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/264.(2/72)
الوجيز: دونها وفي المحرر وَغَيْرِهِ قَدْرُ كَفٍّ، وَإِنْ كَثُرَ فِي أَثْوَابٍ فقيل: لا بأس به، وقيل يكره"م 16"، وَلَبِنَةِ جَيْبٍ1، وَسَجَفِ فِرَاءٍ وَخِيَاطَةٍ بِهِ، وَالْأَزْرَارِ.
وَيَحْرُمُ بِيَسِيرِ ذَهَبٍ تَبَعًا نَصَّ عَلَيْهِ، كَالْمُفْرَدِ "و" وعنه: لا "وهـ" اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَحَفِيدُهُ. وَقَالَ: يَجُوزُ بَيْعُ حَرِيرٍ لِكَافِرٍ، وَلُبْسُهُ لَهُ، لِأَنَّ عُمَرَ بَعَثَ بِمَا أَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَخٍ لَهُ مُشْرِكٌ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٍ2، "3وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ التَّحْرِيمُ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْأَخْبَارِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ3" وَغَيْرِهِ، وَقَالَ عَنْ خِلَافِهِ: قَدْ يَتَوَهَّمُهُ مُتَوَهِّمٌ؛ بَاطِلٌ، وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي لُبْسِهَا: وَقَدْ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ4 ولم يلزم منه إباحة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 16: قَوْلُهُ: وَيُبَاحُ مِنْهُ الْعَلَمُ إذَا كَانَ أَرْبَعَ أَصَابِعَ مَضْمُومَةٍ فَأَقَلَّ، نَصَّ عَلَيْهِ وَأَكْثَرَ فِي أَثْوَابٍ، فَقِيلَ لَا بَأْسَ، وَقِيلَ يُكْرَهُ، انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى وَالْوُسْطَى.
أَحَدُهُمَا: لَا بَأْسَ، فَيُبَاحُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يكره جزم به في الرعاية الكبرى.
__________
1 لبنة الجيب بفتح اللام وكسر الباء: الزيق المحيط بطوق القميص الذي يخرج منه الرأس. "المطلع" ص 64.
2 أحمد 5795 البخاري 886 مسلم 2068 "6".
3 ليست في الأصل.
4 أخرجه مسلم "2068" "7".(2/73)
لُبْسِهِ كَذَا قَالَ، ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْ مُخَاطَبَةِ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا فَائِدَةُ الْمَسْأَلَةِ زِيَادَةُ الْعِقَابِ فِي الْآخِرَةِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَعَلَى قِيَاسِهِ بَيْعُ آنِيَةِ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ لِلْكُفَّارِ، وَإِذَا جَازَ بَيْعُهَا لَهُمْ جَازَ صَبْغُهَا لِبَيْعِهَا مِنْهُمْ، وَعَمَلُهَا لَهُمْ بِالْأُجْرَةِ، كَذَا قَالَ.
وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي قَوْلِ1 حُذَيْفَةَ لَمَّا اسْتَسْقَى فَسَقَاهُ مَجُوسِيٌّ فِي إنَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ فَرَمَى بِهِ، وَقَالَ: إنِّي قَدْ أَمَرْتُهُ أَنْ لَا يَسْقِيَنِي فِيهِ: يدل على جواز اقْتِنَاءِ آنِيَةِ الْفِضَّةِ مَعَ تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِهَا، وَإِنْ كَانَتْ لِلْمَجُوسِيِّ فَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ إقْرَارِ آنِيَةِ الْفِضَّةِ فِي أَيْدِي الْمَجُوسِيِّ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى هَذَا فِي شَرْحِ مُسْلِم، وَذَكَرَ عُمُومَ التَّحْرِيمِ.
وَيَحْرُمُ عَلَى الْكُلِّ لُبْسُ مَا فِيهِ صُورَةُ حيوان. قال أحمد: لا ينبغي،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
__________
1 يعني حديث "لاتلبسوا الحرير ولا الديباج ... ". أخرجه البخاري "5426" ومسلم "2067".(2/74)
كَتَعْلِيقِهِ "و" وَسِتْرِ الْجُدُرِ بِهِ "و" وَتَصْوِيرِهِ "و" وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَشَيْخُنَا رِوَايَةً، كَافْتِرَاشِهِ، وَجَعْلِهِ مِخَدًّا فَلَا يُكْرَهُ فِيهِمَا، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اتَّكَأَ عَلَى مِخَدَّةٍ فِيهَا صُورَةٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ1 بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ.
وَفِي الْبُخَارِيِّ2 عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ، قَالَتْ: فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ، قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُوبُ إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مَاذَا أَذْنَبْت؟ قَالَ: "مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ"؟ قُلْت اشْتَرَيْتُهَا لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَتَوَسَّدَهَا فَقَالَ:"إنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّورَةِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ". وَقَالَ: "إنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ" وَيُوَافِقُهُ ظَاهِرُ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ3. وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، عَنْ جَابِرٍ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصُّورَةِ فِي الْبَيْتِ، وَنَهَى أَنْ يُصْنَعَ ذَلِكَ".
وَإِنْ أُزِيلَ مِنْ الصُّورَةِ مَا لَا تَبْقَى مَعَهُ حَيَاةٌ لَمْ يُكْرَهْ فِي الْمَنْصُوصِ، وَمِثْلُهُ صُورَةُ شَجَرَةٍ وَنَحْوُهُ، وَتِمْثَالٌ، وَكَذَا تَصْوِيرُهُ، وَأَطْلَقَ بعضهم تحريم التصوير.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
__________
1 مسند أحمد "26103" البخاري "2479" مسلم "2107".
2 في صحيحه "2105".
3 في سننه "1749".(2/75)
"خ" وفي الوجيز يحرم التصوير وَاسْتِعْمَالُهُ، وَكَرِهَ الْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ الصَّلَاةَ عَلَى مَا فِيهِ صُورَةٌ. وَفِي الْفُصُولِ: يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ صُورَةٌ، وَلَوْ عَلَى مَا يُدَاسُ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ" 1. وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ هُنَا ظَاهِرٌ، وَبَعْضُهُ صَرِيحٌ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تُمْنَعُ مِنْ دُخُولِهِ، تَخْصِيصًا لِلنَّهْيِ، وَذَكَرَهُ فِي التَّمْهِيدِ فِي تَخْصِيصِ الْأَخْبَارِ. وَفِي تَتِمَّةِ الْخَبَرِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ "وَلَا كَلْبٌ، وَلَا جُنُبٌ"2. إسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَوْ صَرِيحُ بَعْضِهِمْ الْمُرَادُ كَلْبٌ مَنْهِيٌّ عَنْ اقْتِنَائِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرْتَكِبْ نَهْيًا، كَرِوَايَةِ النَّسَائِيّ3 عَنْ سُلَيْمَان بْنِ بَابَيْهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا"لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ جَرَسٌ، وَلَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا جَرَسٌ" سُلَيْمَانَ تَفَرَّدَ عنه ابْنِ جُرَيْجٍ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالُ، وَكَذَا الْجُنُبُ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ عليه إلا إذا توضأ.
__________
1 أخرجه البخاري "3225" ومسلم "2106" من حديث أبي طلحة.
2 أخرجه أبو داود "4152" والنسائي في "المجتبى" 1/141.
3 في المجتبى 8/180.(2/76)
وَفِي الْإِرْشَادِ1: الصُّوَرُ وَالتَّمَاثِيلُ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَهُ فِي الْأَسِرَّةِ وَالْجُدَرَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، إلَّا أَنَّهَا فِي الرَّقْمِ أَيْسَرُ.
وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: يُكْرَهُ صُورَةٌ بِسِتْرٍ، أَوْ حَائِطٍ؛ لَا صُورَةُ شَجَرٍ، وَيُكْرَهُ الصَّلِيبُ فِي الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ، وَيَحْتَمِلُ تَحْرِيمُهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ.
نَقَلَ صَالِحٌ: وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ لُبْسِ الْمُزَعْفَرِ، وَالْمُعَصْفَرِ، وَالْأَحْمَرِ الْمُصْمَتِ، وَقِيلَ: لَا، وَنَقَلَهُ الْأَكْثَرُ فِي الْمُزَعْفَرِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ وغيره "وم" وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا تَحْرِيمَ الْمُزَعْفَرِ لَهُ "وهـ ش" وَقِيلَ: يُعِيدُ مَنْ صَلَّى بِهِ، أَوْ بِمُعَصْفَرٍ، أَوْ مُسْبِلًا وَنَحْوُهُ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ هَذَا الْمَعْنَى.
وَكَرِهَ أَحْمَدُ الْمُعَصْفَرَ لِلرَّجُلِ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً، قَالَهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ فَقَالَ: "أُمُّك أَمَرَتْك بِهَذَا"؟ قُلْتُ أَغْسِلُهُمَا؟ قَالَ:"بَلْ احْرِقْهُمَا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ2. وَلَهُ3 أَيْضًا "إنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهُمَا".
وَمَذْهَبُ "هـ م ش" لَا يُكْرَهُ الْمُعَصْفَرُ، وَكَذَا الْأَحْمَرُ، وَاخْتَارَهُ الشيخ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
__________
1 ص 537.
2 في صحيحه "2077" "28".
3 في صحيحه "2077" "28".(2/77)
وَهُوَ أَظْهَرُ، وَالْمَذْهَبُ: يُكْرَهُ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: يُكْرَه لِلْمَرْأَةِ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً لِغَيْرِ زِينَةٍ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ شَدِيدِ الْحُمْرَةِ، قَالَ: وَيُقَالُ أَوَّلُ مَنْ لَبِسَهُ آلُ قَارُونَ، أَوْ آلُ فِرْعَوْنَ.
وَحَمَلَ الْخَلَّالُ النَّهْيَ عَنْ التَّزَعْفُرِ عَلَى بَدَنِهِ فِي صَلَاتِهِ، وَحَمَلَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ عَلَى التَّطَيُّبِ بِهِ، وَالتَّخَلُّقِ بِهِ، لِأَنَّ خَيْرَ طِيبِ الرِّجَالِ مَا خَفِيَ لَوْنُهُ وَظَهَرَ رِيحُهُ، قَالَ شَيْخُنَا: بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْقَبُولِ عَدَمُ الصِّحَّةِ، أَوْ عَدَمُ الثَّوَابِ فَقَطْ.
وَالصُّوفُ مُبَاحٌ، قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: وَكَرِهَ التَّخْصِيصَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمْ الثَّوْرِيُّ. وَالْبَيَاضُ أَفْضَلُ اتِّفَاقًا.
وَيُبَاحُ الْكَتَّانُ إجْمَاعًا، وَالنَّهْيُ عَنْهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بَاطِلٌ1، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّهُ كرهه للرجال.
وَعَنْهُ: يُكْرَهُ لِبْسُ سَوَادٍ لِلْجُنْدِ، وَقِيلَ: فِي غَيْر حَرْبٍ، وَقِيلَ: إلَّا لِمُصَابٍ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ يَحْرِقُهُ الْوَصِيُّ، وَهُوَ بَعِيدٌ، وَعَلَّلَهُ أَحْمَدُ بِأَنَّهُ لِبَاسُ الْجُنْدِ أَصْحَابِ السُّلْطَانِ وَالظَّلَمَةِ، وَلَمْ يَرُدَّ أحمد سلام لابسه. وفي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
__________
1 لم نقف عليه.(2/78)
كَرَاهَةِ الطَّيْلَسَانِ1 وَجْهَانِ "م 17".
وَيُسَنُّ الرِّدَاءُ، وَقِيلَ: يُبَاحُ، كَفَتْلِ طَرَفِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ وَظَاهِرُ نَقْلِ الْمَيْمُونِيُّ فِيهِ يُكْرَهُ، قَالَهُ الْقَاضِي.
وَيُسَنُّ إرْخَاءُ ذُؤَابَةٍ خَلْفَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ شَيْخُنَا: إطَالَتُهَا كَثِيرًا مِنْ الْإِسْبَالِ. وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: وَإِنْ أَرْخَى طَرَفَيْهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَحَسَنٌ، ثُمَّ ذَكَرَ خَبَرَ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، وَعَلِيٍّ2.
وَيُسَنُّ السَّرَاوِيلُ وَفِي التَّلْخِيصِ لَا بَأْسَ، قَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ: وَفِي مَعْنَاهُ التُّبَّانُ3، وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِإِبَاحَتِهِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ خلافا للرعاية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 17: قَوْلُهُ: وَفِي كَرَاهَةِ الطَّيْلَسَانِ وَجْهَانِ انْتَهَى.
أَحَدُهُمَا يُكْرَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَابْنُ تَمِيمٍ وَكَرِهَ السَّلَفُ الطَّيْلَسَانَ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، زَادَ فِي التَّلْخِيصِ، وَهُوَ الْمُقَوَّرُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لُبْسُ الطَّيْلَسَانِ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي السُّنَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا مِنْ فِعْلِ أَصْحَابِهِ، بَلْ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ يَخْرُجُ مَعَ الدَّجَّالِ سَبْعُونَ أَلْفًا مُطَيْلَسِينَ مِنْ يَهُودَ أَصْبَهَانَ4، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُكْرَهُ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْآدَابِ الْكُبْرَى وَالْوُسْطَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ يُكْرَهُ الْمُقَوَّرُ وَالْمُدَوَّرُ، وقيل، وغيرهما غير المربع.
__________
1 الطيلسان: فارسي معرب وهو من لباس العجم. "الصباح": طلس.
2 حديث عمرو بن حريث أخرجه مسلم "1359" "453" ولفظه: كأني أنظر إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المنبر وعليه عمامة سوداء وقد ارخى طرفيها بين كتفيه.
أما حديث علي فقد أخرجه ابن عدي في "الكامل" 4/1490. ولفظه: عممني رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ غدير خم بعمامة سدل بين طرفيها على منكبي.
3 التبان: سراويل قصيرة إلى الركبة أو مافوقها تستر العورة وقد يلبس في البحر. "المعجم الوسيط": تبن.
4 أخرجه مسلم "2944" من حديث أنس بن مالك.(2/79)
قَالَ أَحْمَدُ: السَّرَاوِيلُ أَسْتُرُ مِنْ الْإِزَارِ، وَلِبَاسُ الْقَوْمِ كَانَ الْإِزَارُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ أَظْهَرُ، خِلَافًا لِلرِّعَايَةِ، وَسَبَقَ حُكْمُ الرِّدَاءِ، وَكَذَا قَالَ شَيْخُنَا: الْأَفْضَلُ مَعَ الْقَمِيصِ السَّرَاوِيلُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ، وَسَبَقَ كَلَامُهُ فِي بَابِ السِّوَاكِ1.
وَرَوَى أَحْمَدُ2: ثَنَا زَيْدُ بْنُ يَحْيَى: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَشْيَخَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَذَكَرَ الْخَبَرَ. وَفِيهِ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَسَرْوَلَونَ وَلَا يَتَّزِرُونَ. فَقَالَ: "تَسَرْوَلَوا وَاتَّزِرُوا وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ". حَدِيثٌ جَيِّدٌ وَالْقَاسِمُ وَثَّقَهُ الْأَكْثَرُ، وَحَدِيثه حَسَنٌ، وَقَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ وَابْنِ الْجَوْزِيِّ ضَعِيفٌ بِمُرَّةٍ: فِيهِ نَظَرٌ.
وَفِي كِتَابِ اللِّبَاسِ لِلْقَاضِي يُسْتَحَبُّ لِبْسُ الْقَمِيصِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ أُمِّ سَلَمَةَ كَانَ أَحَبُّ الثِّيَابِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَمِيصَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ3، قَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ: وَلِأَنَّهُ أَسْتَرُ مِنْ الرِّدَاءِ، مع الإزار.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
__________
1 1/150.
2 في مسند 22283.
3 أبو داود "4025" الترمذي "1761".(2/80)
وَقَدْ عُرِفَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَدِيدِ وَالْعَتِيقِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الْمُحَافَظَةُ عَلَى شَيْءٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ، كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيُّ الْمُلَقَّبُ بِشَيْخِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَصْحَابِنَا1: يَنْبَغِي لِلْفَقِيهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَبَدًا ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ جَدِيدَةٍ: سَرَاوِيلُهُ، وَمَدَاسُهُ، وَخِرْقَةٌ يُصَلِّي عَلَيْهَا، كَذَا قَالَ.
وَيُبَاحُ الْقَبَاءُ2. قَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ: وَلَوْ لِلنِّسَاءِ، وَالْمُرَادُ وَلَا تَشَبُّهَ، وَنَعْلُ خَشَبٍ، وَنَقَلَ فِيهِ حَرْبٌ لَا بَأْسَ لِضَرُورَةٍ.
وَمَا حُرُمَ اسْتِعْمَالُهُ حُرُمَ بَيْعُهُ، وَخِيَاطَتُهُ، وَأُجْرَتُهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَالْأَمْرُ بِهِ كَبَيْعِ عَصِيرٍ لِمَنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا عَلَى مَا يَأْتِي3.
وَيُكْرَهُ لِبْسُهُ وَافْتِرَاشُهُ جِلْدًا مُخْتَلَفًا فِي نَجَاسَتِهِ، وَقِيلَ لَا، وَعَنْهُ يَحْرُمُ لِعُمُومِ النَّهْيِ، لَا لِبْسِهِ فَقَطْ "م" وَفِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا إنْ طَهُرَ بِدَبْغِهِ لَبِسَهُ بَعْدَهُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، وَلَهُ إلْبَاسُهُ دَابَّةً، وَقِيلَ مُطْلَقًا، كَثِيَابٍ نَجِسَةٍ. وَفِي الِانْتِصَارِ جِلْدُ كَلْبٍ لِإِبَاحَتِهِ فِي الْحَيَاةِ فِي الْجُمْلَةِ، لَا جِلْدَ خِنْزِيرٍ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي عَنْ أَبِي الْوَفَاءِ أَنَّهُ خَرَجَ إلْبَاسُهَا "أَيْ الدَّابَّةِ" جِلْدَ الْمَيْتَةِ، قَبْلَ دَبْغِهِ، وَبَعْدَهُ، إذَا لَمْ يَطْهُرْ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي اليابسات.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
__________
1 هو أبو إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي الأنصاري الهروي شيخ الإسلام. له: "ذم الكلام" ,"الفاروق", "منازل السائرين" وغيرها. "ت 481هـ". "الدر المنضد" 1/215.
2 هو ثوب يلبس فوق الثياب أو القميص ويتمنطق عليه. "المعجم الوسيط": "قبو".
3 6/165.(2/81)
وَإِنْ لَبِسَهُ لِنَفْسِهِ يُكْرَهُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: كَثَوْبٍ نَجِسٍ، وَحَرَّمَهُ الْقَاضِي كَجِلْدِ كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ.
ويحرم إلباسها1 ذَهَبًا وَفِضَّةً، وَقَالَ شَيْخُنَا وَحَرِيرًا. وَيُكْرَهُ الْمَشْيُ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ بِلَا حَاجَةٍ، وَنَصُّهُ: وَلَوْ يَسِيرًا لِإِصْلَاحِ الْأُخْرَى، خِلَافًا لِلْقَاضِي، وَالْفُصُولِ، وَالْغُنْيَةِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "لَا يَمْشِي أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ،. وَلِمُسْلِمٍ3 فِي رِوَايَةٍ "إذَا انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَمْشِ فِي الْأُخْرَى حَتَّى يُصْلِحَهَا" وَرَوَاهُ أَيْضًا4 مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَفِيهِ "وَلَا خُفٍّ وَاحِدٍ".
وَمَشَى عَلِيٌّ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ، وَعَائِشَةُ فِي خُفٍّ وَاحِدٍ. رَوَاهُمَا سَعِيدٌ5.
وَقَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ: وَلَعَلَّهُ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي، وَدَلِيلُ الرُّخْصَةِ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِهِ مَشَى فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ، وَالْأُخْرَى فِي يَدِهِ حَتَّى يَجِدَ شِسْعًا6. وَأَحْسَبُ هَذَا لَا يَصِحُّ، قَالَ جَمَاعَةٌ: وَالْمُرَادُ لِأَنَّهُ مِنْ الشُّهْرَةِ.
وَيُسَنُّ كَوْنُ النَّعْلِ أَصْفَرَ، وَالْخُفِّ أَحْمَرَ، وذكر أبو المعالي عن
__________
1 يعني: الدابة.
2 البخاري "5855", مسلم "2097" "68".
3 في صحيحه "2098" "69".
4 في صحيحه "2098" "71".
5 وذكرهما في المصنف في "الآداب الشرعية" 3/415 وخرج إسناد حديث عائشة من "طسنن سعيد". وأخرج الترمذي في "سننه" 1788 عن عائشة أنها مشت بنعل واحدة.
6 أخرجه الطبراني في "الأوسط" 4014.(2/82)
أَصْحَابِنَا: أَوْ أَسْوَدَ، وَأَنْ يُقَابِلَ بَيْنَ نَعْلَيْهِ،. وَكَانَ لِنَعْلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قِبَالَانِ بِكَسْرِ الْقَافِ، وَهُوَ السَّيْرُ بَيْنَ الْوُسْطَى وَاَلَّتِي تَلِيهَا، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَفِي الْمُخْتَارِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ1.وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ2.
وَلِمُسْلِمٍ3 عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا "اسْتَكْثِرُوا مِنْ النِّعَالِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَزَالُ رَاكِبًا مَا انْتَعَلَ". قَالَ الْقَاضِي: يَدُلُّ عَلَى تَرْغِيبِ اللُّبْسِ لِلنِّعَالِ، وَلِأَنَّهَا قَدْ تَقِيهِ الْحَرَّ، وَالْبَرْدَ، وَالنَّجَاسَةَ.
وَعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَمِيرًا بِمِصْرَ قَالَ لَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ: لَا أَرَى عَلَيْك حِذَاءً، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَحْتَفِيَ أَحْيَانًا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد4، وَيُرْوَى هَذَا الْمَعْنَى عَنْ عُمَرَ5.
وَاسْتَحَبَّ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ الصَّلَاةَ فِي النَّعْلِ، قَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ الْأَوْلَى حَافِيًا، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ الِاسْتِحْبَابَ، وَعَدَمَهُ، للخبرين6.
__________
1 الترمذي في "الشمائل" 77 وابن ماجه 3614.
2 البخاري 5857 أبو داود 4034 النسائي 8/217 ابن ماجه 3615 الترمذي 1773.
3 في صحيحه 2069 "66".
4 في سننه "4160".
5 أخرجه أبو عوانة في "مسنده" 5/456.
6 أما الاستحباب فمستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنهم لايصلون في خفافهم ولا نعالهم". أخرجه أبو داود 652. وأما عدم الاستحباب فمستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم فخلع نعليه فلا يؤذ بهما أحدا ليجعلهما بين رجليه أو ليصل فيهما". أخرجه أبو داود "65".(2/83)
وَفِي كَرَاهَةِ الِانْتِعَالِ قَائِمًا رِوَايَتَانِ "م 18" لِاخْتِلَافِ قَوْلِهِ فِي صِحَّةِ الْأَخْبَارِ، وَصَحَّحَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ الْكَرَاهَةَ، وَخَالَفَهُمْ غَيْرُهُمْ، وَظَاهِرُ مَا ذَكَرُوهُ أَنَّهُ يَلْبَسُ ذَلِكَ وَيُجَدِّدُ الْعِمَامَةَ كَيْفَ شَاءَ.
وَذَكَرَ صَاحِبُ النَّظْمِ يُكْرَهُ لُبْسُ الْخُفِّ، وَالْإِزَارِ وَالسَّرَاوِيلِ قَائِمًا، لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ كَشْفِ الْعَوْرَةِ، وَلَعَلَّهُ أَوْلَى، وَفِي كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ: يَنْقُضُ الْعِمَامَةَ كَمَا لَفَّهَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 18: قَوْلُهُ: وَفِي كَرَاهَةِ الِانْتِعَالِ قَائِمًا رِوَايَتَانِ انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَتَبِعْهُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى وَالْوُسْطَى.
إحْدَاهُمَا: يُكْرَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ فِي الْآدَابِ1: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ: لَا يَنْتَعِلُ قَائِمًا، زَادَ فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ وَالْأَثْرَمِ، الْأَحَادِيثُ فِيهِ عَلَى الكراهة، واختاره القاضي، وغيره، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي آخَرِ بَابِ مَوَاضِعِ الصَّلَاةِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُكْرَهُ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ فِي آدَابِهِمَا: وَلَا يُكْرَهُ عَلَى الْأَصَحِّ الِانْتِعَالُ قَائِمًا، مَعَ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، قَالَ النَّاظِمُ فِي آدَابِهِ:
وَلَا تَكْرَهَنَّ الشُّرْبَ مِنْ قَائِمٍ وَلَا
انْتِعَالَ الْفَتَى فِي الْأَظْهَرِ الْمُتَأَكَّدِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالِ: سَأَلَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْإِمَامَ أَحْمَدَ عَنْ الِانْتِعَالِ قَائِمًا قَالَ لَا يَثْبُتُ فِيهِ شَيْءٌ قَالَ الْقَاضِي: فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ ضَعَّفَ الْأَحَادِيثَ فِي النَّهْيِ، وَالصَّحِيحُ عَنْهُ مَا ذَكَرْنَاهُ، يَعْنِي مِنْ الْكَرَاهَةِ.
فَهَذِهِ ثَمَانِي عَشْرَةَ مَسْأَلَةً قد صحح معظمها بعون الله تعالى.
__________
1 3/511.(2/84)
وَيَحْرُمُ تَشَبُّهُ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ، وَعَكْسُهُ فِي لِبَاسٍ، وَغَيْرِهِ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِلَعْنِ فَاعِلِ ذَلِكَ1. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ يُكْرَهُ، وَقَدْ كَرِهَ أَحْمَدُ أَنْ يَصِيرَ لِلْمَرْأَةِ مِثْلُ ثَوْبِ الرِّجَالِ، وَيَأْتِي فِي زَكَاةِ الْأَثْمَانِ2.
وَيُكْرَهُ نَظَرُ مَلَابِسِ الْحَرِيرِ، وَآنِيَةِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، إنْ رَغِبَهُ فِي التَّزَيُّنِ بِهَا، وَالْمُفَاخَرَةِ، وَحَرَّمَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَالَ: وَالتَّفَكُّرُ الدَّاعِي إلَى صُوَرِ الْمَحْظُورِ مَحْظُورٌ، ثُمَّ ذَكَرَ تَفَكُّرَ الصَّائِمِ وَأَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِدَامَةُ رِيحِ الْخَمْرِ كَاسْتِمَاعِ الْمَلَاهِي، وَأَنَّهُ يَحْرُمُ التَّشَبُّهُ بِالشَّرَابِ فِي مَجْلِسِهِ، وَآنِيَتِهِ، لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ التَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ3، وَقَالَ فِي مُنَاظَرَاتِهِ: مَعْلُومٌ أَنَّ التَّشَبُّهَ بِالْعَجَمِ لَا يَظْهَرُ مُنَاسَبَتُهُ لِلتَّحْرِيمِ، وَاحْتَجَّ فِي الْخِلَافِ بهذا الْخَبَرِ، وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ" عَلَى تَحْرِيمِ إنَاءٍ مُفَضَّضٍ، وَقَالَ فِي مَكَان آخَرَ: يُكْرَهُ لُبْسُ مَا يُشْبِهُ زِيَّ الْكُفَّارِ دُونَ الْعَرَبِ، وَقَالَهُ أَيْضًا غَيْرُهُ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ4، قَالَ شَيْخُنَا: أَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَقْتَضِيَ تَحْرِيمَ التَّشَبُّهِ. وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي كُفْرَ الْمُتَشَبِّهِ بِهِمْ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:
{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51] قِيلَ: "مَنْ يتولهم" في الدين "فإنه منهم"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
__________
1 أخرج البخاري "5885" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لَعَنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال".
2 4/159.
3 فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوموا كم ايقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضا". أخرجه أبو داود "5230".
4 أحمد 5115, أبو داود "4031".(2/85)
في الكفر, وقيل: من يتولهمفي العهد فَإِنَّهُ مِنْهُمْ فِي مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ، وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْلِهِ {لا تَجِدُ قَوْماً} [المجادلة:22] الْآيَةُ أَنَّ اللَّهَ يُبَيِّنُ أَنَّ الْإِيمَانَ يَفْسُدُ بِمَوَدَّةِ الْكُفَّارِ، وَإِنَّ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا لَمْ يُوَالِ كَافِرًا وَلَوْ كَانَ قَرِيبُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بَيَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَنَّ ذَلِكَ يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْإِيمَانِ وَلَمْ يَرِدْ أَنَّهُ يَصِيرُ كَافِرًا بِذَلِكَ، وَكَانَ الْمَرُّوذِيُّ مَعَ أَحْمَدَ بِالْعَسْكَرِ فِي قَصْرٍ فَأَشَارَ إلَى شَيْءٍ عَلَى الْجِدَارِ قَدْ نُصِبَ، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: لَا تَنْظُرْ إلَيْهِ، قَالَ قُلْت "فَقَدْ نَظَرْت إلَيْهِ" قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ، لَا تَنْظُرْ إلَيْهِ.
قَالَ: وَسَمِعْته يَقُولُ: تَفَكَّرْت فِي هَذِهِ الْآيَةِ {وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131] ,
ثم قال: تفكرت في وفيهم, وأشار نحو العسكر, وقال: ورزق ربك خير وأبقى, قَالَ: رِزْقُ يَوْمٍ بِيَوْمٍ خَيْرٌ، قَالَ وَلَا تَهْتَمَّ لِرِزْقِ غَدٍ.
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: وَذَكَرْت رَجُلًا مِنْ الْمُحَدِّثِينَ فَقَالَ: أَنَا أَشَرْت بِهِ أَنْ يُكْتَبَ عَنْهُ، وَإِنَّمَا أَنْكَرْت عَلَيْهِ حُبَّهُ لِلدُّنْيَا.
وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرَهُ، وَقَالَ: كَمْ تَمَتَّعُوا مِنْ الدُّنْيَا إنِّي لِأَعْجَب مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُحَدِّثِينَ حِرْصَهُمْ عَلَى الدُّنْيَا.
قَالَ وَذَكَرْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ رَجُلًا مِنْ الْمُحَدِّثِينَ، فَقَالَ: إنَّمَا أَنْكَرْت عَلَيْهِ أَنْ لَيْسَ زِيُّهُ زِيَّ النُّسَّاكِ.
قَالَ: ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قَالَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ: مَنْ لَمْ يَتَعَزَّ بِعَزَاءِ اللَّهِ1 تَقَطَّعَتْ نَفْسُهُ حَسَرَاتٍ عَلَى الدنيا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
__________
1 يشير إلى قوله تعالى: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ} الآية [طه: 131](2/86)
وَلِمُسْلِمٍ1 عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: كَتَبَ إلَيْنَا عُمَرُ يَا عُتْبَةَ بْنَ فَرْقَدٍ "إنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَدِّك، وَلَا مِنْ كَدِّ أَبِيك، وَلَا مِنْ كَدِّ أُمِّك، فَأَشْبِعْ الْمُسْلِمِينَ فِي رِحَالِهِمْ مِمَّا تَشْبَعُ مِنْهُ فِي رَحْلِك، وَإِيَّاكَ وَالتَّنَعُّمَ، وَزِيَّ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَلَبُوسَ الْحَرِيرِ.
وَهُوَ فِي مُسْنَدِ أَبِي عَوَانَةَ الْإسْفَرايِينِيّ2، وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، "أَمَّا بَعْدُ فَاتَّزِرُوا وَارْتَدَوْا، وَأَلْقَوْا الْخِفَافَ، وَالسَّرَاوِيلَاتِ، وَعَلَيْكُمْ بِلِبَاسِ أَبِيكُمْ إسْمَاعِيلَ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ وَزِيَّ الْأَعَاجِمِ، وَعَلَيْكُمْ بِالشَّمْسِ، فَإِنَّهَا حَمَّامُ الْعَرَبِ، وَتَمَعْدَدُوا وَاخْشَوْشِنُوا، وَاقْطَعُوا الرَّكْبَ، وَاتَّزِرُوا، وَارْمُوا الْأَعْرَاضَ" [زِيٌّ بِكَسْرِ الزَّايِ وَلَبُوسُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّ الْبَاءِ] وَرَوَاهُ أَحْمَدُ3: حَدَّثَنَا يَزِيدُ وَهُوَ ابْنُ هَارُونَ، ثَنَا عَاصِمٌ وَهُوَ الْأَحْوَلُ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: اتَّزَرُوا وَارْتَدُّوا وَانْتَعِلُوا، وَأَلْقَوْا الْخِفَافَ، وَالسَّرَاوِيلَاتِ. وَأَلْقَوْا الرَّكْبَ، وَانْزُوا نَزْوًا وَعَلَيْكُمْ بِالْمَعِدِيَّةِ وَارْمُوا الْأَعْرَاضَ، وَذَرُوا التنعم وزي العجم، وإياكم والحرير "حديث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
__________
1 في صحيحه "2069" "12".
2 5/456.
3 في مسنده "301".(2/87)
صحيح، وقوله: وانزوا، أَيْ ثِبُوا وَثْبًا، وَالْمَعِدِيَّةُ اللُّبْسَةُ الْحَسَنَةُ، إشَارَةٌ إلَى مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ1 عَنْ أَبِي حَدْرَدَ الْأَسْلَمِيِّ مَرْفُوعًا"تَمَعْدَدُوا وَاخْشَوْشِنُوا" وَعَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا "اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، اهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ، وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ". قُلْت: مَا هَدْيُ عَمَّارٍ؟ قَالَ:"الْقُشْفُ، وَالتَّشْمِيرُ" رَوَى أَوَّلَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ2. وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ غَيْرُهُ: وَهُوَ ثِقَةٌ.
وَعَنْ مُعَاذٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ قَالَ: "إيَّاكَ وَالتَّنَعُّمَ، فَإِنَّ عِبَادَ اللَّهِ لَيْسُوا بِمُتَنَعِّمِينَ" رَوَاهُ أَحْمَدُ3. قَالَ فِي كَشْفِ الْمُشْكَلِ: الْآفَةُ فِي التَّنَعُّمِ مِنْ أوجه:
أحدها أن المشتغل به لا يكاد يوفي التكليف حقه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
__________
1 الكبير 19/4.
2 ابن ماجه "97" الترمذي "3799" ابن حبان "6902" الحاكم 3/75.
3 في مسنده "22105".(2/88)
الثَّانِي: أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الْأَكْلِ يُورِثُ الْكَسَلَ، وَالْغَفْلَةَ، وَالْبَطَرَ، وَالْمَرَحَ، وَمِنْ اللِّبَاسِ مَا يُوجِبُ لِينَ الْبَدَنِ، فَيَضْعُفُ عَنْ عَمَلٍ شَاقٍّ، وَيَضُمُّ ضِمْنَهُ الْخُيَلَاءَ، وَمِنْ "حَيْثُ" النِّكَاحِ يُضْعِفُ عَنْ أَدَاءِ اللَّوَازِمِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ مَنْ أَلِفَه صَعُبَ عَلَيْهِ فِرَاقُهُ، فَيَفْنَى زَمَانُهُ فِي اكْتِسَابِهِ، خُصُوصًا فِي النِّكَاحِ، فَإِنَّ الْمُتَنَعِّمَةَ تَحْتَاجُ إلَى أَضْعَافِ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ غَيْرُهَا.
قَالَ: وَالْإِشَارَةُ بِزِيِّ أَهْلِ الشِّرْكِ إلَى مَا يَتَفَرَّدُونَ بِهِ، فَنَهَى عَنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ، بَلْ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: يَنْبَغِي غَضُّ الْبَصَرِ عَنْ أَهْلِ الْمَعَاصِي، وَالظُّلْمِ، وَزَخَارِفِ الدُّنْيَا، وَمَا يُحَبِّبُهَا إلَى الْقَلْبِ، وَيَأْتِي فِي تَكْفِينِ الْمَيِّتِ، وَدَفْنِهِ1، وَزَكَاةِ الْأَثْمَانِ2 مَا يَتَعَلَّقُ بِاللِّبَاسِ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا: "إذَا لَبِسْتُمْ وَإِذَا تَوَضَّأْتُمْ فَابْدَءُوا بِأَيْمَانِكُمْ" إسْنَادُهُ جَيِّدٌ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ3 وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ4 عَنْهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا سَمَّاهُ بِاسْمِهِ: عِمَامَةً، أَوْ قَمِيصًا، أَوْ رِدَاءً، ثُمَّ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ، أَنْتَ كَسَوْتنِيهِ، أَسْأَلُك خَيْرَهُ وَخَيْرَ مَا صُنِعَ لَهُ، وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ له" إسناده جيد رواه أحمد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
__________
1 3/302.
2 4/159.
3 أحمد "8652" وأبو داود "4141" ابن ماجه "402".
4 الترمذي "1766" النسائي في "الكبرى" "9669".(2/89)
وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ1.
وَعَنْ أَبِي مَرْحُومٍ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا: "مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا، وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ، وَالْحَاكِمُ2. وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَعِنْدَهُمْ أَيْضًا "مَنْ أَكَلَ طَعَامًا فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا هَذَا ... ".
وَذَكَرُوهُ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ3 وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ وَلَمْ أَجِدْ عِنْدَهُمْ "وَمَا تَأَخَّرَ" وَإِسْنَادُ هَذَا الْخَبَرِ لَيِّنٌ، وَغَايَتُهُ أنه حسن وهو إلى الضعف أقرب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
__________
1 أحمد 11248 وأبو داود 4020 الترمذي 1767.
2 أبو داود 4023 والبيهقي في "الشعب" 6285 ولم نجده عند ابن ماجه.
3 أحمد 15632 والترمذي 3458 ولم نجده عند ابن ماجه.(2/90)
باب اجتناب النجاسة "1ومواضع الصلاة1"
مدخل
...
باب اجتناب النجاسة "1ومواضع الصلاة1"
طَهَارَةُ مَوَاضِعِ الصَّلَاةِ وَطَهَارَةُ بَدَنِ الْمُصَلِّي وَسُتْرَتِهِ وَبُقْعَتِهِ مَحَلِّ بَدَنِهِ وَالْمَذْهَبِ وَثِيَابِهِ مِمَّا لَا يُعْفَى عَنْهُ شَرْطٌ "وَ" كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ "ع" وعنه: واجب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
__________
1 في "ط": طهارة مواضع الصلاة.(2/91)
وَطَهَارَةُ الْحَدَثِ فُرِضَتْ قَبْلَ التَّيَمُّمِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ وَالشَّيْخُ، وَأَصْحَابُ الْأُصُولِ فِي قِيَاسِ الْوُضُوءِ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي النِّيَّةِ مَعَ تَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ، وَأَنَّ الْحَنَفِيَّةَ اعْتَرَضُوا بِهَذَا، وَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مَسْأَلَةَ النِّيَّةِ لِلْوُضُوءِ، وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَالصَّحِيحَيْنِ1 أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "أُنْزِلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ" ذَكَرَ الْقُشَيْرِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ2: أَنَّهَا آيَةُ الْمَائِدَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ3: فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ، وَهِيَ آيَةُ الْوُضُوءِ الْمَذْكُورَةُ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} إلَخْ مَائِدَةُ أَوْ الْآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} إلَخْ نِسَاءُ لَيْسَ التَّيَمُّمُ مَذْكُورًا فِي غَيْرِهِمَا، وهما مدنيتان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
__________
1 أحمد "24299" والبخاري "334" ومسلم "367" "108" هو طرف من حديث طويل في قصة رجوعهم من غزوة المريسيع.
2 القشيري هو: أبو نصر عبد الكريم بن هوازن ابن الأستاذ أبي القاسم القشيري وهو الرابع من أولاده. "ت514هـ" السير 19/424 "طبقات السبكي" 7/159.
وابن عطية هو: عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن عطية المحاربي الغرناطي المفسر له: "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز". ن542هـ. نفح الطيب 2/523 بغية الوعاء 2/72.
3 في التمهيد 19/269.(2/92)
وقال أبو بكر ابن الْعَرَبِيِّ1: لَا يُعْلَمُ أَيَّةُ آيَةٍ عَنَتْ عَائِشَةَ بِقَوْلِهَا فَأُنْزِلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ، قَالَ: وَحَدِيثُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا وَلَا مَفْعُولًا لَهُمْ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ2: مَعْلُومٌ أَنَّ غُسْلَ الْجَنَابَةِ لَمْ يُفْرَضْ قَبْلَ الْوُضُوءِ، كَمَا أَنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ السِّيَرِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ اُفْتُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ بِمَكَّةَ لَمْ يُصَلِّ إلَّا بِوُضُوءٍ مِثْلَ وُضُوئِنَا الْيَوْمَ، قَالَ: فَدَلَّ أَنَّ آيَةَ الْوُضُوءِ إنَّمَا نَزَلَتْ لِيَكُونَ فَرْضُهَا الْمُتَقَدِّمُ مَتْلُوًّا فِي التَّنْزِيلِ، وَفِي قَوْلِهَا فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ، وَلَمْ تَقُلْ آيَةَ الْوُضُوءِ مَا يُبَيِّنُ أَنَّ الَّذِي ظَهَرَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ حُكْمَ التَّيَمُّمِ، لَا حُكْمَ الْوُضُوءِ.
وَقَالَ صَاحِبُ الشفا3: ذَهَبَ ابْنُ الْجَهْمِ4 إلَى أَنَّ الْوُضُوءَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ كَانَ سُنَّةً، ثُمَّ نَزَلَ فَرْضُهُ فِي آيَةِ التَّيَمُّمِ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: بَلْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فَرْضًا، وَيُتَوَجَّهُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا، وَالْجُمْهُورِ وَكَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ؛ وَلِهَذَا قَالَتْ عَنْ الَّذِينَ ذَهَبُوا فِي طَلَبِ الْقِلَادَةِ "فَأَدْرَكَتْهُمْ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ ماء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
__________
1 في "أحكام القرآن" 1/441.
2 في "الجامع لأحكام القرآن" 5/233.
3 وهو القاضي عياض إمام المالكية في زمانه النتوفى 544هـ.
4 هو أبوبكر محمد بن أحمد بن الجهم ويعرف بابن الوراق المروزي. من مصنفاته: "بيان السنة"و "مسائل الخلاف" و "الحجة في مذهب مالك". ت329هـ. شجرة النور الزكية ص 78.(2/93)
فَصَلُّوا بِغَيْرِ وُضُوءٍ: فَلَمَّا أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرُوا ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ.
وَيَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ التَّيَمُّمِ بَدَلًا وَاجِبًا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وُجُوبُ الْمُبْدَلِ، وَهَذَا وَاضِحٌ جِدًّا، وَيُوَافِقُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ1 مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا: أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَاهُ فِي أَوَّلِ مَا أُوحِيَ إلَيْهِ فَعَلَّمَهُ الْوُضُوءَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْوُضُوءِ، أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ الْمَاءِ فَنَضَحَ بِهَا فَرْجَهُ. وَرَوَيَاهُ2 أَيْضًا عَنْ أُسَامَةَ مَرْفُوعًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ رشدين3. بْنِ سَعْدٍ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْخَبَرِ أَصْلًا، وَنِسْبَةُ هَذَا إلَى أَحْمَدَ يُخَرَّجُ عَلَى أَنَّ مَا رَوَاهُ وَلَمْ يَرُدَّهُ: هَلْ يَكُونُ مَذْهَبًا لَهُ؟ وَسَبَقَ فِيهِ فِي الْخُطْبَةِ4 وَجْهَانِ، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ فِي فَصْلِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَشُرُوطِهَا مِنْ صِفَةِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْوُضُوءِ إنَّمَا هُوَ فِي آيَةِ الْمَائِدَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: "مَنْ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا فَذَلِكَ وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي". إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمَا5. وَزَادَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ6 وَغَيْرُهُ فِي آخره: "ووضوء خليلي إبراهيم".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
__________
1 أحمد 17480 سنن الدارقطني 1/111.
2 أحمد 21771 سنن الدارقطني 1/111.
3 في "ط": ابن رشد.
4 وهو قوله في مقدمة الكتاب 1/47: أَوْ صَحَّحَ الْإِمَامُ خَبَرًا أَوْ حَسَّنَهُ أَوْ دونه ولم يرده ففي كونه مذهبه وجهان.
5 أحمد 5735 وابن ماجه 419 والدارقطني 1/81.
6 في "مسنده" 5598.(2/94)
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ وَلَفْظُهُ فِي آخِرِهِ "وَوُضُوءُ إبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ" إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ1: غَيْرُ ثَابِتٍ.
وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا وَقَالَ: "هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْمُرْسَلِينَ قَبْلِي" إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ2.
وَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ الْوُضُوءُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأَمَةِ، وَقَالَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَتْنُ حَسَنًا لِكَثْرَةِ طُرُقِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا التَّيَمُّمَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأَمَةِ، لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ3، فَدَلَّ أَنَّ الْوُضُوءَ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ الْمَالِكِيُّ وَغَيْرُهُ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمُرَادُ بِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ: "أَنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ" 4. أَنَّهُمْ امْتَازُوا بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ، لَا بِالْوُضُوءِ، وَيُحْتَجُّ بِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا، لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ بِاتِّبَاعِهِمْ بِمَكَّةَ فِي قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90] وَفِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} [النحل:123] وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ5: قَدْ يَجُوزُ أَنَّ يكون
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
__________
1 في السنن الكبرى 1/80 وفي معرفة السنن والآثار 1/299 حيث قال: الحديث ينفرد به المسيب ابن واضح وليس بالقوي وروي من وجه آخر عن ابن عمر.
2 ابن ماجه "420" والدارقطني 1/81.
3 لعله يشير إلى ما أخرج البخاري 355 ومسلم 521 مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من امتي أدركته الصلاة فليصل.." الحديث.
4 أخرجه البخاري "136" ومسلم "246" "35".
5 في الاستذكار 2/179.(2/95)
الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ يَتَوَضَّئُونَ فَيَكْتَسِبُونَ بِذَلِكَ الْغُرَّةَ وَالتَّحْجِيلَ، وَلَا يَتَوَضَّأُ أَتْبَاعُهُمْ، كَمَا جَاءَ عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: "أَجِدُ أُمَّةً كُلُّهُمْ كَالْأَنْبِيَاءِ، فَاجْعَلْهُمْ أُمَّتِي" قَالَ: "تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ". فِي حَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ. قَالَ: وَقَدْ قِيلَ إنَّ سَائِرَ الْأُمَمِ كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ، وَلَا أعرفه من وجه صحيح، والله أعلم.
وَلَوْ جَهِلَ الْحَدَثَ أَوْ نَسِيَ وَصَلَّى لَمْ يَصِحَّ، ذَكَرُوهُ فِي اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ "وَ" لِأَنَّهَا آكَدُ، لِأَنَّهَا فِعْلٌ، وَلَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهَا. وَفِي أَحْكَامِ الْآمِدِيِّ1 الشَّافِعِيِّ فِي تَفْسِيرِ الْأَجْزَاءِ بِالِامْتِثَالِ أَوْ سُقُوطِ الْقَضَاءِ: لَا يُعِيدُ عَلَى قَوْلٍ لَنَا، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ2 فِي أُصُولِهِ، فَقَالَ: وَأُجِيبَ بِالسُّقُوطِ لِلْخِلَافِ، وَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَوَّلُ الْفَصْلِ الْأَخِيرِ مِنْ صِفَةِ الصَّلَاةِ3.
وَأَمَّا اجْتِنَابُ النَّجَاسَةِ فَاحْتَجَّ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:4] قَالَ ابْنُ سِيرِينَ، وَابْنُ زَيْدٍ اغْسِلْهَا بِالْمَاءِ، وَنَقِّهَا، وَهَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ السِّتَّةِ فِيهَا، فَيَكُونُ شرطا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
__________
1 واسمه الكامل "الإحكام في أصول الأحكام".
2 هو أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس الكردي المالكي صاحب التصانيف قال عنه أبو الفتح ابن الحاجب في ترجمته: هو فقيه مفت مناظر مبرز في عدة علوم متبحر مع دين وورع وتواضع واحتمال واطراف للتكلف. السير 23/264.
3 ص 241.(2/96)
بِمَكَّةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي سَاجِدًا فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ، فَجَاءَ بِسَلَا جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ وَدَمِهَا وَفَرْثِهَا فَطَرَحَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، حَتَّى أَزَالَتْهُ فَاطِمَةُ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ1 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ أَتَى بِدَمِهَا، ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهُ بِمَكَّةَ قَبْلَ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ، وَلَعَلَّ الْخَمْسَ لَمْ تَكُنْ فُرِضَتْ، وَالْأَمْرُ بِتَجَنُّبِ النَّجَاسَةِ مَدَنِيٌّ مُتَأَخِّرٌ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ احْتَجَّتْ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ الْمَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:4] وَلَمْ يُفَرِّقْ، فَهُوَ عَلَى عُمُومِهِ، وَأَجَابَ بِأَنَّهُ قِيلَ: مَعْنَاهُ قَلْبَك، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ قَصِّرْ، قَالَ: مَعَ أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ، وَخَبَرُنَا خَاصٌّ، والخاص يقضي على العام.
__________
1 في صحيحه 520 ومسلم 1794 "107" ولفظ الحديث: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة وجمع قريش في مجالسهم إذ قا قائل منهم: ألا تنظرون إلى هذا المرائي أيكم يقوم إلى جزور آل فلان فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها فيجئ به ثم يمهله حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه.."الحديث.(2/97)
فَصْلٌ: فَعَلَى رِوَايَةِ: وُجُوبِ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ،
وَاخْتَارَ صاحب المغني2
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
2 2/465.(2/97)
وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمَا، وَعَلَى الْأُولَى تَصِحُّ صَلَاةُ جَاهِلٍ بِهَا، أَوْ نَاسٍ حَمَلَهَا، أَوْ لَاقَاهَا "هـ ش" وَالْأَشْهَرُ الْإِعَادَةُ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُمَا فِي نَاسٍ، قَالَ جَمَاعَةٌ: وَكَذَا إنْ عَجَزَ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ: أَوْ زَادَ مَرَضُهُ بِتَحْرِيكِهِ، أَوْ نَقْلِهِ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ؛ أَوْ احْتَاجَهُ لِحَرْبٍ. وَفِي الرِّعَايَةِ: أَوْ جَهْلِ حُكْمِهَا، وَكَذَا إنْ عَلِمَهَا فِي صلاته،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/98)
وَقِيلَ: تَبْطُلُ، فَإِنْ لَمْ تُزَلْ إلَّا بِعَمَلٍ كَثِيرٍ أَوْ فِي زَمَنٍ طَوِيلٍ بَطَلَتْ، وَقِيلَ: يَبْنِي.
وَإِنْ حَمَلَ بَيْضَةً مَذِرَةً، أَوْ عُنْقُودًا حَبَّاتُهُ مُسْتَحِيلَةٌ خَمْرًا فَقِيلَ: يَصِحُّ لِلْعَفْوِ عَنْ نَجَاسَةِ الْبَاطِنِ "و" كَالْحَيَوَانِ الطَّاهِرِ "وَ" وَجَوْفُ المصلي، وسبق في الاستحالة1، وَقِيلَ: لَا، كَقَارُورَةٍ، أَوْ آجُرَّةٍ بَاطِنُهَا نَجِسٌ "م 1"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 1: قَوْلُهُ: وَإِنْ حَمَلَ بَيْضَةً مَذِرَةً، أَوْ عُنْقُودًا حَبَّاتُهُ مُسْتَحِيلَةٌ خَمْرًا، فَقِيلَ تَصِحُّ صَلَاتُهُ، لِلْعَفْوِ عَنْ نَجَاسَةِ الْبَاطِنِ، كَالْحَيَوَانِ الطَّاهِرِ، وَجَوْفِ الْمُصَلِّي، وَقِيلَ لَا تَصِحُّ، كَقَارُورَةٍ، أَوْ آجُرَّةٍ بَاطِنُهَا نَجِسٌ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتَيْهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ لَوْ حَمَلَ بَيْضَةً فِيهَا فَرْخٌ مَيِّتٌ وَجْهَانِ، وَلَمْ أَرَ مَسْأَلَةَ الْعُنْقُودِ إلَّا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَقَدْ حكم بأنها كالبيضة.
__________
1 في "ط": الاستنجاء له.(2/99)
وَإِنْ مَسَّ ثَوْبُهُ ثَوْبًا أَوْ حَائِطًا نَجِسًا لم يستند إليه أو قابلها رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا وَلَمْ يُلَاقِهَا "وَ" أَوْ حَمَلَ مُسْتَجْمَرًا "وَ" أَوْ جَهِلَ كَوْنَهَا فِي الصلاة "و"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ النَّاظِمُ، وَمَال إلَيْهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، فَإِنَّهُ قَاسَ الْبَيْضَةَ الْمَذِرَةَ عَلَى الْقَارُورَةِ، وَقَالَ: بَلْ أَوْلَى بِالْمَنْعِ، قُلْت وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي تَصِحُّ صَلَاتُهُ، جزم به في المنور.(2/100)
أَوْ سَقَطَتْ عَلَيْهِ فَأَزَالَهَا، أَوْ زَالَتْ سَرِيعًا صحت "و" فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ طِينًا نَجِسًا، أَوْ بَسَطَ عَلَيْهِ ظَاهِرًا، أَوْ غَسَلَ وَجْهٌ آخَرُ نَجِسٌ صَحَّتْ عَلَى الْأَصَحِّ "وَ" كَسَرِيرٍ تَحْتَهُ نَجَسٌ، أَوْ عُلُوٍّ سُفْلُهُ غَصْبٌ، وَيُكْرَهُ عَلَى الْأَصَحِّ.
وَحَيَوَانٌ نَجِسٌ كَأَرْضٍ، وَقِيلَ تَصِحُّ، وَكَذَا مَا وُضِعَ عَلَى حَرِيرٍ يَحْرُمُ جُلُوسُهُ عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، فَيُتَوَجَّهُ إنْ صَحَّ جَازَ جُلُوسُهُ، وإلا فلا. رأى ابْنُ عُمَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى خَيْبَرَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.1 قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ: هُوَ غَلَطٌ مِنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، وَالْمَعْرُوفُ صَلَاتُهُ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَالْبَعِيرِ، لَكِنَّهُ مِنْ فِعْلِ أَنَسٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
__________
1 في صحيحه "700" "31".(2/101)
وتصح عَلَى طَاهِرٍ مِنْ بِسَاطٍ طَرَفُهُ نَجَسٌ "وَ" أَوْ عَلَى حَبْلٍ بِطَرَفِهِ نَجَاسَةٌ، وَالْمَذْهَبُ وَلَوْ تَحَرَّكَ النَّجِسُ بِحَرَكَتِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِهِ يَنْجَرُّ مَعَهُ "وش".
وَإِنْ كَانَ بِيَدِهِ أَوْ وَسَطُهُ شَيْءٌ مَشْدُودٌ فِي نَجَسٍ، أَوْ سَفِينَةٌ صَغِيرَةٌ فِيهَا نَجَاسَةٌ تَنْجَرُّ مَعَهُ إذَا مَشَى لَمْ تَصِحُّ، كَحَمْلِهِ مَا يُلَاقِيهَا، وَإِلَّا صَحَّتْ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَتْبِعٍ لَهَا، جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ: كَمَا لَوْ أَمْسَكَ غُصْنًا مِنْ شَجَرَةٍ عَلَيْهَا نَجَاسَةٌ، أَوْ سَفِينَةً عَظِيمَةٍ فِيهَا نَجَاسَةٌ، كَذَا قَالَ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: إن كان الشد في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/102)
موضع نجس مِمَّا لَا يُمْكِنُ جَرُّهُ مَعَهُ كَالْفِيلِ لَمْ يَصِحَّ، كَحَمْلِهِ مَا يُلَاقِيهَا، وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهَا حَبْلٌ بِيَدِهِ طَرَفُهُ عَلَى نَجَاسَةٍ يَابِسَةٍ، وَأَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ الصِّحَّةُ، وَلِهَذَا أَحَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ عَدَمَ الصِّحَّةِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا عَلَيْهَا، تَسْوِيَةً بَيْنَهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَلِهَذَا جَزَمَ فِي الْفُصُولِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ لِحَمْلِهِ لِلنَّجَاسَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَا لَا يَنْجُسُ يَصِحُّ لَوْ انْجَرَّ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ خِلَافُهُ، وَهُوَ أَوْلَى.
وَلَوْ جَبَرَ كَسْرًا لَهُ بِعَظْمٍ نَجَسٍ فَجُبِرَ قُلِعَ، فَإِنْ خَافَ ضَرَرًا فَلَا، عَلَى الْأَصَحِّ "ق" لِخَوْفِ التَّلَفِ "و" وَإِنْ لَمْ يُغَطِّهِ لَحْمٌ تَيَمَّمَ لَهُ، وَقِيلَ: لَا.
وَلَوْ مَاتَ مَنْ يَلْزَمُهُ قَلْعُهُ قُلِعَ "ش" وَأَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ: مَا لَمْ يُغَطِّهِ لَحْمٌ، لِلْمُثْلَةِ، وَإِنْ أَعَادَ سِنَّهُ بِحَرَارَتِهَا فَعَادَتْ فَطَاهِرَةٌ، وَعَنْهُ نَجِسَةٌ، كَعَظْمٍ نَجِسٍ.
وَلَا يَلْزَمُ شَارِبَ خَمْرٍ قَيْءٌ، نَصَّ عَلَيْهِ "وهـ م" وَيُتَوَجَّهُ يَلْزَمُهُ "وش" لِإِمْكَانِ إزَالَتِهَا، وَادَّعَى فِي الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/103)
الْأَئِمَّةِ. وَأَمَّا عَدَمُ قَبُولِهَا فِي خَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ1 فِي تَرْجَمَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَأَجَابَ عَنْهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِنَفْيِ ثَوَابِهَا، لَا صِحَّتِهَا، لِقَوْلِهِ فِي خَبَرٍ آخَرَ "لَمْ يُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا".رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ2، وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ3 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَرَوَاهُ سَعِيدٌ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد4 مِنْ حديث ابن عباس، وفي لفظه "بخست"5. ذكره وَرَوَاهُ أَحْمَدُ6 مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، وَفِيهِ ضَعْفٌ.
قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِمَا فِي مَسَائِلَ الِامْتِحَانِ: إذَا قِيلَ مَا شَيْءٌ فِعْلُهُ مُحَرَّمٌ، وَتَرْكُهُ مُحَرَّمٌ، فَالْجَوَابُ إنَّهَا صَلَاةُ السَّكْرَانِ: فِعْلُهَا مُحَرَّمٌ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَتَرْكُهَا مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا عَلَى أَنَّهُ مُكَلَّفٌ كَمَا نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقَالَهُ "ش" وَغَيْرُهُ، وَخَالَفَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وغيرهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
__________
1 1/354 ولفظه: "لايقبل الله عز وجل لشارب الخمر صلاة مادام في جسده منها شئ".
2 أحمد "4917" والنسائي 8/316 والترمذي "1862".
3 أحمد "6644" والنسائي 8/317 وابن ماجه "3377".
4 في سننه "3680".
5 في "ط": نجست ومعنى بخست: نقصت.
6 في مسنده "21502".(2/104)
فَصْلٌ: وَلَا تَصِحُّ فِي الْمَقْبَرَةِ، وَالْحَمَّامِ، وَالْحَشِّ، وَأَعْطَانِ الْإِبِلِ:
وَأَحَدُهَا، عَطَنٌ "بِفَتْحِ الطَّاءِ" وَهِيَ الْمَعَاطِنُ وَأَحَدُهَا مَعْطِنٌ "بِكَسْرِهَا" وَهِيَ مَا تُقِيمُ فِيهِ، وَتَأْوِي إلَيْهِ، قَالَهُ أَحْمَدُ، وَقِيلَ مَكَانُ اجْتِمَاعِهَا إذَا صَدَرَتْ عَنْ الْمَنْهَلِ، زَادَ بَعْضُهُمْ وَمَا تَقِفُ فِيهِ لِتَرِدَ الْمَاءَ، وَزَادَ الشَّيْخُ بَعْدَ كَلَامِ أَحْمَدَ: وَقِيلَ مَا تَقِفُ لِتَرِدَ فِيهِ الْمَاءَ، قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَجْوَدُ، لِأَنَّهُ جَعَلَهُ فِي مُقَابِلَةِ مَرَاحِ الْغَنَمِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، ثُمَّ الثَّانِيَ، وَأَبْطَلَهُ بِمَا أَبْطَلَهُ به الشيخ لا بروكها1 فِي سَيْرِهَا قَالَ جَمَاعَةٌ أَوْ لِعَلَفِهَا لِلنَّهْيِ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهَا نُطْقًا كَالْبُقْعَةِ النَّجِسَةِ، بِخِلَافِ صَلَاةِ مَنْ لَزِمَتْهُ الْهِجْرَةُ بِدَارِ الْحَرْبِ، لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا اسْتِدْلَالًا، لَا نُطْقًا كَذَا قَالُوا. وَقَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ لِنَفْسِهِ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ عَلَيْهِ مَا يَفُوتُ مِنْ فُرُوضِ الدِّينِ مِنْ تَرْكِ الْهِجْرَةِ، لَا نَفْسِ الْمُقَامِ، وَمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ فِيهِ، فَهُوَ كَمَنْ صَلَّى فِي مِلْكِهِ وَعَلَيْهِ فُرُوضٌ لَا يُمْكِنُ أَدَاؤُهَا إلَّا بِخُرُوجِهِ مِنْهُ.
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ2 عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أُسَامَةَ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: "لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ مُشْرِكٍ أَشْرَكَ بَعْدَمَا أَسْلَمَ عَمَلًا، حَتَّى يُفَارِقَ الْمُشْرِكِينَ إلَى الْمُسْلِمِينَ". حَدِيثٌ جَيِّدٌ، وَحَدِيثُ بَهْزٍ حُجَّةٌ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَأَبِي دَاوُد، وَيَأْتِي فِي مَانِعِ الزَّكَاةِ3، وَسَبَقَ فِي الْبَابِ: "هَلْ يَلْزَمُ من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
__________
1 في "ب" و "ط": نزولها.
2 في سننه 2536.
3 4/241.(2/105)
عَدَمِ الْقَبُولِ عَدَمُ الصِّحَّةِ1.
وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ إنْ عَلِمَ النَّهْيَ، لِخَفَاءِ دَلِيلِهِ، وَالْأَوَّلُ أَشْهُرُ، وَأَصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ، قَالَ غَيْرُ واحد للعموم، وعنه تحرم وتصح، وعنه يكره "وَ". وَلَمْ يَكْرَهْ "م" الصَّلَاةَ فِي مَقْبَرَةٍ، وَاحْتَجَّ بِمَسْجِدِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ2، "وَهَلْ الْمَنْعُ تَعَبُّدٌ، أَوْ مُعَلَّلٌ بِمَظِنَّةِ النَّجَاسَةِ" فِيهِ وَجْهَانِ "م 2" وَنَصُّهُ قَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ الْمَذْهَبُ: لَا يُصَلِّي فِي مَسْلَخِ حَمَّامٍ، وَمِثْلُهُ أَتُونُهُ، وَمَا تَبِعَهُ فِي بَيْعٍ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمَا: الحش ممنوع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: وَسَبَقَ فِي الْبَابِ هَلْ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْقَبُولِ عَدَمُ الصِّحَّةِ، إنَّمَا سَبَقَ هَذَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَفْظَةَ قَبْلَهُ سَقَطَتْ مِنْ الْكَاتِبِ، أَوْ حَصَلَ ذهول، والله أعلم.
مَسْأَلَةٌ 2: قَوْلُهُ فِي مَوَاضِعِ النَّهْيِ عَنْ الْمَقْبَرَةِ وَغَيْرِهَا: وَهَلْ الْمَنْعُ تَعَبُّدٌ أَوْ مُعَلَّلٌ بِمَظِنَّةِ النَّجَاسَةِ، فِيهِ وَجْهَانِ، انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ.
أَحَدُهُمَا هُوَ تَعَبُّدٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ تَعَبُّدٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: هَذَا أَظْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُعَلَّلُ، وَإِلَيْهِ يَمِيلُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الحاوي الكبير.
__________
1 ص 78.
2 يعني: أن أرض المسجد النبوي كانت قبورا دارسة للمشركين كا في البخاري "428" ومسلم "524" "9" من حديث أنس.(2/106)
مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ، زَادَ الشَّيْخُ وَالْكَلَامُ، فَهُوَ أَوْلَى.
وَيُصَلِّي فِيهِمَا لِلْعُذْرِ، وَفِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ "م3". وَفِيمَا حَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ نظر، ولا يصلي فيها من أمكنه الخروج ولو فات الوقت.
ومجزرة ومزبلة، وَقَارِعَةُ طَرِيقٍ كَمَقْبَرَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وقيل ومدبغة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 3" قَوْلُهُ: وَيُصَلِّي فِيهَا، يَعْنِي الْأَمْكِنَةَ الْمَنْهِيَّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا الَّتِي عَدَّدَهَا لِلْعُذْرِ، وَفِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ، انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ.
إحْدَاهُمَا: لَا يُعِيدُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَإِنْ تَعَذَّرَ تَحُولُهُ عَنْهَا صَحَّتْ، قُلْت وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُعِيدُ، وَقَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِي ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا تَعَبُّدٌ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ إن أمكنه الخروج من الموضع المغصوب وَقِيلَ: وَغَيْرُهُ لَمْ يُصَلِّ فِيهِ بِحَالٍ، وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ، وَفِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ، انْتَهَى، قَالَ الْمُصَنِّفُ وَفِيمَا حَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ نَظَرٌ، انْتَهَى.(2/107)
وَتَصِحُّ الْجُمُعَةُ وَنَحْوُهَا فِي طَرِيقٍ ضَرُورَةً، وَحَافَّتَيْهَا. نَصَّ عَلَيْهَا، وَعَلَى رَاحِلَةٍ فِيهَا، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: وَطَرِيقُ أَبْيَاتٍ يَسِيرَةٍ، وَالْأَشْهَرُ لِلْحَنَفِيَّةِ لَا يُكْرَهُ فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ.
وَأَسْطُحَةِ الْكُلِّ كَهِيَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْأَكْثَرِ، وَعَنْهُ تَصِحُّ، قَالَ أَبُو الْوَفَاءِ لَا سَطْحَ نَهْرٍ، لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ كَالطَّرِيقِ.
وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ، وَكَرِهَهَا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَجَعْفَرٍ عَلَى نَهْرٍ وَسَابَاطٍ1.
وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيمَا تَجْرِي فِيهِ سَفِينَةٌ كَطَرِيقِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْهَوَى تَابِعٌ لِلْقَرَارِ، وَاخْتَارَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ الصِّحَّةَ كَالسَّفِينَةِ، قَالَ: وَلَوْ جَمَدَ الْمَاءُ فَكَالطَّرِيقِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ الصِّحَّةَ، وَإِنْ حَدَثَ الطَّرِيقُ بَعْدَهُ فَوَجْهَانِ "م 4"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 4: قَوْلُهُ: وَإِنْ حَدَثَ الطَّرِيقُ بَعْدَهُ فَوَجْهَانِ، انْتَهَى، يَعْنِي إذَا حَدَثَ الطَّرِيقُ بَعْدَ بِنَاءِ سَابَاطٍ، وَصَلَّى عَلَى السَّابَاطِ سَوَاءٌ بَنَى عَلَى السَّابَاطِ مَسْجِدًا وَصَلَّى فِيهِ؛ أَوْ صَلَّى عَلَى السَّابَاطِ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
أَحَدُهُمَا يَصِحُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، قَالَ فِي الْمُغْنِي2 وَالشَّرْحِ3 وَغَيْرِهِمَا: فَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ سَابِقًا فَحَدَثَ تَحْتَهُ طَرِيقٌ أَوْ عَطَنٌ، أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْ مَوَاضِعِ النَّهْيِ لَمْ تُمْنَعْ الصَّلَاةُ فِيهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتْبَعْ مَا حَدَثَ بَعْدَهُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيمَا إذَا حَدَثَ تَحْتَ الْمَسْجِدِ طَرِيقٌ وَجْهًا فِي كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَمَنْ تَبِعَهُ: إذَا كَانَ إحْدَاثُ السَّابَاطِ جَائِزًا صَحَّتْ الصَّلَاةُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى طَرِيقًا، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا أُحْدِثَ تَحْتَهُ طَرِيقٌ أَوْ نَهْرٌ، انْتَهَى، وَقَدْ قَدَّمَ الْأَصْحَابُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ فِيمَا إذَا حَدَثَتْ قُدَّامُهُ بَعْدَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَهَذَا مثله.
__________
1 الساباط: سقيفة تحتها ممر نافذ.
2 2/475.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/309.(2/108)
وَيَأْتِي الْبِنَاءُ فِي الطَّرِيقِ آخِرَ الْغَصْبِ1 فِي حفر البئر فيها.
وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَيْهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ، وَقِيلَ: إلَى مَقْبَرَةٍ، اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي2 وَالْمُحَرَّرِ، وَهُوَ أَظْهَرُ، وَعَنْهُ وَحَشٍّ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَقِيلَ وَحَمَّامٍ، وَلَا حَائِلَ، وَلَوْ كَمُؤَخَّرَةِ الرَّحْلِ، وَظَاهِرُهُ لَيْسَ كَسُتْرَةِ صَلَاةٍ، فَيَكْفِي الْخَطُّ، بَلْ كَسُتْرَةِ الْمُتَخَلِّي، كَمَا سَبَقَ3، وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ مُرَادَهُمْ لَا يَضُرُّ بُعْدٌ كَثِيرٌ عَرْفًا، كَمَا لا أثر له في مار مبطل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَصِحُّ.
وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يَشْمَلُ مَا إذَا حَدَثَ الطَّرِيقُ بَعْدَ بِنَاءِ السَّابَاطِ سَوَاءٌ بُنِيَ عَلَيْهِ مَسْجِدٌ، أَوْ لَا، كَمَا تَقَدَّمَ4، وَابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ إنَّمَا ذَكَرَا الْخِلَافَ فِيمَا إذَا حَدَثَ الطَّرِيقُ بَعْدَ الْمَسْجِدِ عَلَى السَّابَاطِ، وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ والشارح، فكلام المصنف أعم،
__________
1 7/247.
2 2/473.
3 127.
4 ص 108.(2/109)
وَعَنْهُ لَا يَكْفِي حَائِطُ الْمَسْجِدِ، جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ، لِكَرَاهَةِ السَّلَفِ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدٍ فِي قِبْلَتِهِ حَشٌّ، وَتَأَوَّلَ ابْنُ عَقِيلٍ النَّصَّ عَلَى سِرَايَةِ النَّجَاسَةِ تَحْتَ مُقَامِ الْمُصَلِّي، وَاسْتَحْسَنَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوُهُ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُبَيِّنُ صِحَّةَ تَأْوِيلِي لَوْ كَانَ الْحَائِلُ كَآخِرَةِ الرَّحْلِ لَمْ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِمُرُورِ الْكَلْبِ، وَلَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي الْقِبْلَةِ كَهِيَ تَحْتَ الْقَدَمِ لَبَطَلْت، لِأَنَّ نَجَاسَةَ الْكَلْبِ آكَدُ مِنْ نَجَاسَةِ الْخَلَاءِ، لِغُسْلِهَا بِالتُّرَابِ، فَلَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ بِالْخَطِّ هُنَا، وَلَا وَجْهَ لَهُ، وَعَدَمُهُ يدل على الفرق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَكَلَامُهُمْ لَا يُنَافِي كَلَامَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَظَاهِرُ كلام الشيخ والشارح وغيرهما أن محل(2/110)
ولا يَضُرُّ قَبْرٌ وَقَبْرَانِ، وَقِيلَ؛ بَلَى، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا، وَهُوَ أَظْهَرُ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ هَلْ يُسَمَّى مَقْبَرَةً أَمْ لَا؟ وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ الْخَشْخَاشَةَ فِيهَا جَمَاعَةٌ قَبْرٌ وَاحِدٌ وَأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ يُفْرَدُ كُلُّ مَيِّتٍ بِقَبْرٍ: نَدْبًا، أَوْ وُجُوبًا، وَأَنَّ مَعَ الْحَاجَةِ يُجْعَلُ بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ حَاجِزٌ مِنْ تُرَابٍ، وَهَذَا مَعْنَى الْخَشْخَاشَةِ. وَقَالَ فِي الْمُذَهَّبِ وَغَيْرِهِ: وَمَنْ دُفِنَ بِدَارِهِ مَوْتَى لَمْ تَصِرْ مَقْبَرَةً.
وَإِنْ غَيَّرَ مَوْضِعَ النَّهْيِ بِمَا يُزِيلُ اسْمَهَا كَجَعْلِ حَمَّامٍ دَارًا، أَوْ نَبْشِ مَقْبَرَةٍ صَحَّتْ الصَّلَاةُ، وَحُكِيَ لَا: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ "يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا" وَنَبَشَ قُبُورَ الْمُشْرِكِينَ مِنْهُ، وَبَنَى مَسْجِدَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ1.
وَالْمَسْجِدُ إنْ حَدَثَ بِمَقْبَرَةٍ كَهِيَ وَإِنْ حَدَثَ حَوْلَهُ أَوْ فِي قِبْلَتِهِ فَكَالصَّلَاةِ إلَيْهَا، وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَصِحُّ حَوْلَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْجِدِ الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: إنْ بَنَى فِيهَا مَسْجِدًا بَعْدَ أَنْ انْقَلَبَتْ أَرْضُهَا بِالدَّفْنِ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ، لِأَنَّهُ بُنِيَ فِي أَرْضٍ الظَّاهِرُ نَجَاسَتُهَا، كَالْبُقْعَةِ النَّجِسَة، وَإِنْ بني في ساحة طاهرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْخِلَافِ فِي الْكَرَاهَةِ وَعَدَمِهَا كَمَا تَقَدَّمَ2، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَابْنِ حَمْدَان أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي الصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَا يَخْلُو إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ مِنْ نَوْعِ نَظَرٍ لِمَا تَقَدَّمَ من كلام الأصحاب.
__________
1 البخاري "428" ومسلم "524" من حديث أنس.
2 ص 108-109.(2/111)
وَجُعِلَتْ فِي السَّاحَةِ مَقْبَرَةٌ جَازَتْ، لِأَنَّهُ فِي جِوَارِ مَقْبَرَةٍ، وَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي الْبِنَاءِ عَلَى الْقُبُورِ1.
وَفِي صِحَّةِ صَلَاةِ جِنَازَةٍ فِي مَقْبَرَةٍ وكراهتها "وش" وعدمها روايات "م 5, 6".
ويصح النفل "و" على الأصح فِي الْكَعْبَةِ، وَعَلَيْهَا، وَعَنْهُ إنْ جَهِلَ النَّهْيَ، وَعَنْهُ وَالْفَرْضُ، وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، كَمَنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ في الكعبة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 5-6: وَقَوْلُهُ فِي صِحَّةِ صَلَاةِ جِنَازَةٍ فِي مَقْبَرَةٍ وَكَرَاهَتِهَا وَعَدَمِهَا رِوَايَاتٌ انْتَهَى.
إحْدَاهَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ تُبَاحُ فِي مَسْجِدٍ وَمَقْبَرَةٍ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ لَا تُكْرَهُ فِي الْمَقْبَرَةِ، قَالَ فِي الْكَافِي2: وَتَجُوزُ فِي الْمَقْبَرَةِ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِمْ لا بأس بصلاة الْجِنَازَةِ فِي الْمَقْبَرَةِ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْإِفَادَاتِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ لَا يَصِحُّ صَلَاةٌ فِي مَقْبَرَةٍ لِغَيْرِ جِنَازَةٍ، وَقَدَّمَ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَصِحُّ، وَتُكْرَهُ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُقْنِعِ3 وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ، لِعُمُومِ قَوْلِهِمْ لَا تَصِحُّ فِي الْمَقْبَرَةِ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَأَطْلَقَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ فِي الْمُذَهَّبِ، وَالْمُغْنِي4، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ.
تَنْبِيهٌ: اشْتَمَلَ كَلَامُ المصنف على مسألتين:
__________
1 3/367.
2 2/38.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/296.
4 3/423.(2/112)
وَكَمَنْ وَقَفَ عَلَى مُنْتَهَاهُ فِي الْمَنْصُوصِ. وَإِنْ سَجَدَ عَلَى غَيْرِ مُنْتَهَاهُ وَلَا شَاخِصٍ مُتَّصِلٍ بها فعنه لا يصح "وش" كَسُجُودِهِ عَلَى مُنْتَهَاهُ "و" وَعَنْهُ:
يَصِحُّ، كَصَلَاتِهِ عَلَى مَكَان أَعْلَى مِنْهُ "م 7" وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ عَلَى ظَهْرِهَا، وَقِيلَ لَا يَصِحُّ فِيهَا إن نقض البناء وصلى إلى الموضع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى 5: هَلْ تَصِحُّ الصَّلَاةُ أَمْ لَا؟
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 6: إذَا قُلْنَا بِالصِّحَّةِ فَهَلْ تُكْرَهُ أَمْ لَا؟ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ.
مَسْأَلَةٌ 7: قَوْلُهُ: وَإِنْ سَجَدَ عَلَى غَيْرِ مُنْتَهَاهُ وَلَا شَاخِصٍ مُتَّصِلٍ بِهَا فَعَنْهُ لَا تَصِحُّ كَسُجُودِهِ عَلَى مُنْتَهَاهُ، وَعَنْهُ تَصِحُّ كَصَلَاتِهِ عَلَى مَكَان أَعْلَى مِنْهُ، انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمْ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ يَحْكِي الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: تَصِحُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ1 اخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي2، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَصِحُّ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ شَاخِصٌ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْمُغْنِي2 وَالشَّرْحِ3: فَإِنْ لَمْ يكن بين يديه شاخص، أو كان بَيْنَ يَدَيْهِ آجُرٌّ مُعَبًّى غَيْرُ مَبْنِيٍّ، أَوْ خَشَبٌ غَيْرُ مَسْمُورٍ فِيهَا، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: لَا تصح صلاته، قال المجد في
__________
1 1/8.
2 2/476.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/315.(2/113)
وَيُسْتَحَبُّ نَفْلُهُ فِيهَا، وَعَنْهُ لَا، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ، يُصَلِّي فِيهِ إذَا دَخَلَهُ وِجَاهَهُ، كَذَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يُصَلِّي حَيْثُ شَاءَ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ يَقُومُ كَمَا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الأسطوانتين1.
ويجوز الفرض على الراحلة واقفة "وهـ م" وَسَائِرَةً "هـ" وَعَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ وَمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لِأَذَى مَطَرٍ، أَوْ وَحَلٍ عَلَى الْأَصَحِّ "ش" لَا لِمَرَضٍ نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَعَنْهُ بلى "وهـ" وَقَيَّدَهَا فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ النُّزُولَ، وَلَمْ يُصَرِّحْ أَحْمَدُ بِخِلَافِهِ، وَقِيلَ: إنْ ازْدَادَ تَضَرُّرُهُ. وَأُجْرَةُ مَنْ يُنْزِلُهُ كَمَاءِ الْوُضُوءِ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي.
وَإِنْ خَافَ انْقِطَاعًا عَنْ رُفْقَتِهِ أَوْ عَجَزَ عَنْ رُكُوبِهِ صَلَّى عَلَيْهَا كَخَائِفٍ، وَكَذَا غَيْرُ الْمَرِيضِ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ، وَمَعْنَاهُ نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ "و" وَلَا إعَادَةَ "ش" وَلَوْ كَانَ عُذْرًا نَادِرًا، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى إنْ لَمْ يَسْتَقْبِلْ لَمْ يَصِحَّ إلَّا فِي الْمُسَايَفَةِ، وَمُقْتَضَى كلام الشيخ جوازه لخائف ومريض.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ، وقدمه ابن رزين في شرحه وغيره.
__________
1 أخرج البخاري "468" ومسلم "1329" "389" مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قدم مكة فدعا عثمان ففتح الباب فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وبلال وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة ثم أغلق الباب فلبث فيه ساعة ثم خرجوا قال ابن عمر: فبدرت فسألت بلالا فقال صلى فيه فقلت في أي قال: بين الاسطوانتين. قال ابن عمر: فذهب عبي أن أسأله: كم صلى.(2/114)
وَمَنْ كَانَ فِي مَاءٍ أَوْ طِينٍ أَوْمَأَ كَمَصْلُوبٍ وَمَرْبُوطٍ، وَعَنْهُ يَسْجُدُ عَلَى مَتْنِ الْمَاءِ كَغَرِيقٍ، وَقِيلَ فِيهِ يُومِئُ، وَعَنْهُ وَيُعِيدُ الْكُلُّ.
وَلَا يَصِحُّ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ فِي سَفِينَةٍ وَلَوْ سَائِرَةً "هـ" وَتُقَامُ الْجَمَاعَةُ، وَعَنْهُ إنْ صَلُّوا جُلُوسًا فَلَا.
وَمَنْ أَتَى بِالْمَأْمُورِ وَصَلَّى على الراحلة بِلَا عُذْرٍ قَائِمًا، أَوْ عَلَى السَّفِينَةِ مَنْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ وَاقِفَةً أَوْ سَائِرَةً صَحَّ، وَعَنْهُ لَا، وَقَطَعَ بِهِ فِي الرَّاحِلَةِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ والمغني1 وغيرهما "وهـ"و" م ش" فِي السَّائِرَةِ وَقَدَّمَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ، وَفِي الْفُصُولِ فِي السَّفِينَةِ هَلْ تَصِحُّ كَمَا لَوْ كَانَتْ وَاقِفَةً أَمْ لَا كَالرَّاحِلَةِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ.
وَكَذَا الْعَجَلَةُ وَالْمِحَفَّةُ2 وَنَحْوُهُمَا، وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ لَا تَصِحُّ، كَمُعَلَّقٍ فِي الْهَوَاءِ وَلَا ضَرُورَةَ، وَظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ تَصِحُّ فِي وَاقِفَةٍ، وَجَزَمَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ لَا تَصِحُّ فِي أُرْجُوحَةٍ، لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ عُرْفًا، وَعَلَّلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ بِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ بِالْأَرْضِ، كَسُجُودِهِ عَلَى بَعْضِ أَعْضَاءِ السُّجُودِ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ شِهَابٍ: وَمِثْلُهَا زَوْرَقٌ صَغِيرٌ، وَكَذَا جَزَمَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ عِنْدَ مُقَارَنَةِ النِّيَّةِ لِلتَّكْبِيرِ3: لَا تَصِحُّ فِي أُرْجُوحَةٍ أَوْ مُعَلَّقٍ فِي الْهَوَاءِ أَوْ سَاجِدٍ عَلَى هَوَاءٍ مَا قُدَّامَهُ، أَوْ عَلَى حَشِيشٍ، أَوْ قُطْنٍ أَوْ ثَلْجٍ وَلَمْ يَجِدْ حَجْمَهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، لِعَدَمِ الْمَكَانِ المستقر عليه، ومتى لم يصح في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 2/326.
2 العجلة: خشب يحمل عليها. المصباح: عجل. والمحفة بكسر الميم: مركب من مراكب النساء كالهودج.
المصباح: حفف.
3 في الأصل: للتكفير.(2/115)
سَفِينَةٍ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَزِمَ الْخُرُوجُ، زَادَ بَعْضُهُمْ: إلَّا أَنْ يَشُقَّ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ.
وَلَا يُعْتَبَرُ كَوْنُ مَا يُحَاذِي الصَّدْرَ مَقَرًّا، فَلَوْ حَاذَاهُ رَوْزَنَةٌ1 وَنَحْوُهَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ، بِخِلَافِ مَا تَحْتَ الْأَعْضَاءِ، فَلَوْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَى قُطْنٍ مُنْتَفِشٍ وَنَحْوِهِ لَمْ تَصِحَّ.
وَتَصِحُّ فِي أَرْضِ السِّبَاخِ2 عَلَى الْأَصَحِّ. وَفِي الرِّعَايَةِ يُكْرَهُ، كَأَرْضِ الْخَسْفِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد3 عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: إنَّ حَبِيبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانِي أَنْ أُصَلِّيَ فِي أَرْضِ بَابِلَ فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ. لَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ فِي التَّحْرِيمِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ مَقَالٌ، ولَا أَعْلَمُ أَحَدًا حَرَّمَهَا. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ لَا يَصِحُّ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ4: فَلَيْسَ النَّهْيُ لِمَعْنًى يَرْجِعُ إلَى الصَّلَاةِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْآمِدِيِّ وَأَبِي الْوَفَاءِ فِيهَا لَا يَصِحُّ، قَالَهُ شَيْخُنَا وَقَوَّاهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 الروزنة: الكوة وهي خرق في الجدار. القاموس: "رزن-كوي".
2 السبخة بياء محركة ومسكنة: أرض ذات نز وملح. القاموس: سبخ.
3 في سننه 490.
4 في السنن الكبرى 2/451 ومعرفة السنن والآثار 3/402.(2/116)
السَّبَخَةُ بِفَتْحِ الْبَاءِ: وَاحِدَةُ السِّبَاخِ، وَأَرْضٌ سَبِخَةٌ بِكَسْرِ الْبَاءِ ذَاتُ سِبَاخٍ.
وَيَأْتِي حُكْمُ حَائِلٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ فِيمَا يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ1. وَحُكْمُ بَيْعَةٍ وَكَنِيسَةٍ تَأْتِي فِي الْوَلِيمَةِ2.
وَيُكْرَهُ فِي مَقْصُورَةٍ تُحْمَى، وَقِيلَ: أَوْ لَا إنْ قُطِعَتْ الصُّفُوفُ، كَذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ وَأَكْرَهُ الصَّلَاةَ فِي الْمَقْصُورَةِ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنَّمَا كَرِهَهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ تَخْتَصُّ بِالظَّلَمَةِ، وَأَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَكَرِهَ الِاجْتِمَاعَ بِهِمْ، قَالَ: وَقِيلَ كَرِهَهَا لِقَصْرِهَا عَلَى أَتْبَاعِ السُّلْطَانِ وَمَنْعِ غَيْرِهِمْ، فَيَصِيرُ الْمَوْضِعُ كَالْمَغْصُوبِ.
وَمَنْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ أَوْ بَيْتٍ سَقْفُهُ قَصِيرٌ وَتَعَذَّرَ الْقِيَامُ أَوْ الْخُرُوجُ، أَوْ خَافَ عَدُوًّا إنْ انْتَصَبَ صَلَّى جَالِسًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: قَائِمًا مَا أَمْكَنَهُ كَحَدَبٍ، وَكِبَرٍ وَمَرَضٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ جَلَسَ انْحَنَى، ثُمَّ إذَا رَكَعَ فَقِيلَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ قَلِيلًا، "3وَقِيلَ: يَزِيدُ3" فَإِنْ عَجَزَ حَنَى رَقَبَتَهُ، فَظَاهِرُهُ يَجِبُ "م 8".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 8: قَوْلُهُ: وَمَنْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ أَوْ بَيْتٍ سَقْفُهُ قَصِيرٌ وَتَعَذَّرَ الْقِيَامُ أَوْ الْخُرُوجُ أَوْ خَافَ عَدُوًّا إنْ انْتَصَبَ صَلَّى جَالِسًا نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ قَائِمًا مَا أَمْكَنَهُ، كَحَدَبٍ وَكِبَرٍ، وَمَرَضٍ، ثُمَّ إذَا رَكَعَ فَقِيلَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ قَلِيلًا، وَقِيلَ يَزِيدُ، فَإِنْ عَجَزَ حتى رقبته فظاهره يجب، انتهى.
__________
1 ص 280.
2 8/328.
3 ليست في "ط".(2/117)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أَحَدُهُمَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ، قُلْت وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَجِبُ، قُلْت وَهُوَ الظَّاهِرُ، لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ الرُّكُوعِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ: فَإِنْ رَكَعَ زَادَ فِي انْحِنَائِهِ قَلِيلًا زَادَ فِي الرِّعَايَةِ فَإِنْ تَعَذَّرَ انْحِنَاؤُهُ حَنَى رَقَبَتَهُ نَحْوَ قِبْلَتِهِ، انْتَهَى، فَالْوُجُوبُ فِي كَلَامِهِ ظَاهِرٌ وَهُوَ الصَّوَابُ.
فَهَذِهِ ثَمَانِ مَسَائِلَ قَدْ صُحِّحَتْ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تعالى.(2/118)
باب استقبال القبلة
مدخل
...
باب استقبال القبلة1
يُشْتَرَطُ لِلصَّلَاةِ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَيَسْقُطُ بِالْعُذْرِ فَلَا يُعِيدُ وَلَوْ نَادِرًا، نَحْوُ مَرِيضٍ عَاجِزٍ وَمَرْبُوطٍ "هـ ش" قَالَ الْأَصْحَابُ كَمَنْعِ الْمُشْرِكِينَ حَالَ الْمُسَايَفَةِ وَيُتَوَجَّهُ رِوَايَةٌ مِنْ غَرِيقٍ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ، وَجَزَمَ ابْنُ شِهَابٍ بِأَنَّ التَّوَجُّهَ لَا يَسْقُطُ حَالَ سَيْرِ2 السَّفِينَةِ مَعَ أَنَّهَا حَالَةُ عُذْرٍ لِأَنَّ التَّوَجُّهَ إنَّمَا سقط3 حَالَ الْمُسَايَفَةِ لِمَعْنًى مُتَعَدٍّ إلَى غَيْرِ الْمُصَلَّى وَهُوَ الْخِذْلَانُ عِنْدَ ظُهُورِ الْكُفَّارِ، كَذَا قَالَ.
وَيَدُورُ فِي سَفِينَتِهِ فِي فَرْضٍ وَقِيلَ لَا يَجِبُ كَنَفْلٍ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ "م 1" "م ش" وأطلق في رواية أبي طالب وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَدُورُ، وَالْمُرَادُ غَيْرُ الْمَلَّاحِ لِحَاجَتِهِ "و"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 1: قَوْلُهُ: وَيَدُورُ فِي سَفِينَةٍ فِي فَرْضٍ، وَقِيلَ لَا يَجِبُ، كَنَفْلٍ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، انْتَهَى.
أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ انْحَرَفُوا عَنْ الْقِبْلَةِ انْحَرَفُوا إلَيْهَا فِي الْفَرْضِ، وَقِيلَ لَا يَجِبُ كَالنَّفْلِ، فِي الْأَصَحِّ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، فَقَالَ: مَنْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ فِيهَا، وَكُلَّمَا دَارَتْ انْحَرَفَ إلَى الْقِبْلَةِ فِي الْفَرْضَ، وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ فِي النَّفْلِ، انْتَهَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجِبُ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ ابْنِ تَمِيمٍ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ السَّفِينَةِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَغَيْرِهَا وَالْمُسَافِرُ كَالْمُقِيمِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَقِيلَ: لِلْمُسَافِرِ التَّنَفُّلُ فِيهَا وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا كَالرَّاحِلَةِ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يَدُورَ كُلَّمَا دَارَتْ إلَى الْقِبْلَةِ، انْتَهَى، فَجَعَلَ هَذَا طريقة أخرى بعدما صحح عدم الوجوب.
__________
1 بعدها في "ط": وهو الشرط الخامس.
2 في النسخ الخطية: كسر والمثبت من "ط".
3 في "ط": يوجه.(2/119)
وَيَسْقُطُ فِي النَّفْلِ فِي سَفَرٍ مُبَاحٍ قَصِيرٍ "م" نَصَّ عَلَيْهِ فِيمَا دُونَ فَرْسَخٍ كَطَوِيلٍ "و" رَاكِبًا، وَعَنْهُ وَحَضَرَ، فَعَلَهُ أَنَسٌ1 "وهـ" خَارِجَ الْمِصْرِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا وَفِي الْمِصْرِ. وَقَالَهُ أَبُو يُوسُفَ، وَقَالَهُ مُحَمَّدٌ مَعَ الْكَرَاهَةِ، لِكَثْرَةِ الْغَلَطِ فِيهِ، فَرُبَّمَا غَلِطَ، وَعَلَى الأصح: وماشيا سفرا "وش" إلا راكب التعاسيف2.
وَيُعْتَبَرُ فِي رَاكِبٍ طَهَارَةُ مَحِلِّهِ، نَحْوُ سَرْجٍ وَرِكَابٍ، وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ لَا يُعْتَبَرُ، قَالُوا: لِأَنَّ بَاطِنَ الدَّابَّةِ لَا يَخْلُو عَنْ نَجَاسَةٍ، قَالَ بَعْضُهُمْ لَا اعْتِبَارَ بِنَجَاسَتِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ حَمَلَ حَيَوَانًا طَاهِرًا فَصَلَّى بِهِ صَحَّتْ، بَلْ الْعِلَّةُ لِأَنَّهُ تَرَكَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ مَعَ إمْكَانِهِمَا عَلَى الْأَرْضِ، وَالرُّكْنُ أَقْوَى مِنْ الشَّرْطِ.
وَيَلْزَمُ الرَّاكِبَ الْإِحْرَامُ إلَى الْقِبْلَةِ بِلَا مَشَقَّةٍ، نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُونَ وَذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي. وَغَيْرُ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ لَا "وهـ م" نَقَلَ صَالِحٌ وَأَبُو دَاوُد يُعْجِبُنِي ذَلِكَ.
وَإِنْ أَمْكَنَهُ فِعْلُهَا رَاكِعًا وَسَاجِدًا بِلَا مَشَقَّةٍ لَزِمَهُ نَصَّ عَلَيْهِ "وش" لِأَنَّهُ كَسَفِينَةٍ، قَالَهُ جَمَاعَةٌ، فَدَلَّ أَنَّهَا وِفَاقٌ، وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ رِوَايَةً، لِلتَّسَاوِي فِي الرُّخَصِ الْعَامَّةِ، فَدَلَّ أَنَّ السَّفِينَةَ كَذَلِكَ كَالْعِمَارِيَّةِ3.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: نَفْلٌ أَفْسَدَهُ وَنَذْرٌ، وَسَجْدَةٌ تُلِيَتْ عَلَى الْأَرْضِ كَنَفْلٍ، وَيُتَوَجَّهُ لَنَا مثله في النذر، وله نظائر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 لم نقف عليه.
2 هو: السائر في الطريق على غير قصد ولا هداية. اللسان: عسف.
3 نوع من القباب توضع على بغل وبداخلها رجلان كل منهما في جانب تستخدم لأغراض السفر لمسافات بعيدة.
"معجم المصطلحات والألقاب التاريخية" ص 327.(2/120)
وَإِنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ عَلَيْهَا جَازَ، وَذَكَرَ الْقَاضِي قولا: لا فيتوجه مِثْلُهُ فِيمَنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي الْكَعْبَةِ.
وَإِنْ عُذِرَ مَنْ عَدَلَتْ بِهِ دَابَّتُهُ عَنْ جِهَةِ سيره، أو هو1 إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَطَالَ بَطَلَتْ، وَقِيلَ: لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ، كَسَاهٍ، وَقِيلَ: يَسْجُدُ بِعُدُولِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْذَرْ بِأَنْ عَدَلَتْ دَابَّتُهُ وَأَمْكَنَهُ رَدُّهَا أَوْ عَدَلَ إلَى غَيْرِهَا مَعَ عِلْمِهِ بَطَلَتْ.
وَإِنْ انْحَرَفَتْ عَنْ جِهَةِ سَيْرِهِ فَصَارَ قَفَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ عَمْدًا بَطَلَتْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا انْحَرَفَ إلَيْهِ جِهَةَ الْقِبْلَةِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الِالْتِفَاتِ الْمُبْطِلِ، وَقَدْ سَبَقَ.
وَمَتَى لَمْ يَدُمْ سَيْرُهُ فَوَقَفَ لِتَعَبِ دَابَّتِهِ، أَوْ مُنْتَظِرًا لِلرُّفْقَةِ، أَوْ لَمْ يَسِرْ كَسَيْرِهِمْ أَوْ نَوَى النُّزُولَ بِبَلَدٍ دَخَلَتْهُ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَإِنْ نَزَلَ فِي أَثْنَائِهَا نَزَلَ مُسْتَقْبِلًا وَأَتَمَّهَا نَصَّ عَلَيْهِ.
وَإِنْ رَكِبَ فِي نَفْلٍ بَطَلَ، وَقِيلَ يُتِمُّهُ كَرُكُوبِ مَاشٍ فِيهِ.
وَالْمَاشِي يُحْرِمُ إلَى الْقِبْلَةِ، وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ إلَيْهَا "وش" وَقِيلَ يُومِئُ بِهِمَا إلَى جِهَةِ سَيْرِهِ، وَقِيلَ مَا سِوَى الْقِيَامِ يَفْعَلُهُ إلَى الْقِبْلَةِ غَيْرَ مَاشٍ.
وَيَلْزَمُ قَادِرًا أَوْمَأَ جَعْلُ سُجُودِهِ أَخْفَضَ "و" وَالطُّمَأْنِينَةُ.
وَفَرْضُ الْمُشَاهَدِ لِمَكَّةَ، أَوْ لِمَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "و" أَوْ القريب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أي: عدل هو كما في الإنصاف 3/328 وقد تحرفت في "ط" على: هوى.(2/121)
مِنْهُمَا. وَقَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ: وَمَسْجِدُ الْكُوفَةِ، لِاتِّفَاقِ الصحابة عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/122)
إصَابَةُ الْعَيْنِ بِبَدَنِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: أَوْ بِبَعْضِهِ.
وَإِنْ تَعَذَّرَ اجْتَهَدَ إلَى عَيْنِهَا، وَعَنْهُ أَوْ إلَى جِهَتِهَا، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ إنْ تَعَذَّرَ فَكَبَعِيدٍ. وَفِي الْوَاضِحِ1 إنْ قَدَرَ عَلَى الرُّؤْيَةِ إلَّا أَنَّهُ مُسْتَتِرٌ بِمَنْزِلٍ وَغَيْرِهِ كَمُشَاهِدٍ. وَفِي رِوَايَةٍ كَبَعِيدٍ.
وَلَا يَضُرُّ الْعُلُوُّ وَالنُّزُولُ، وَعِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ لَا يَصِحُّ إلَى الْحَجَرِ، وَجَزَمَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 4/225-226.(2/123)
بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي النُّسَخِ، وَجَزَمَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي فِي الْمَكِّيِّ، وَنَصَّ أَحْمَدُ: الْحِجْرُ مِنْ الْبَيْتِ.
وَفَرْضُ مَنْ بَعُدَ عَنْهَا الِاجْتِهَادُ إلَى جِهَتِهَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِلْحَنَفِيَّةِ، فَيُعْفَى عَنْ الِانْحِرَافِ قَلِيلًا، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مَا جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ [لَا يَضُرُّ] التَّيَامُنُ وَالتَّيَاسُرُ فِي الْجِهَةِ.
وَعَنْهُ إلَى عَيْنِهَا، فَيُمْنَعُ اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي أَنَّهُ الْمَشْهُورُ "وم ر ق" وَفِي الرِّعَايَةِ عَلَيْهَا1: إنْ رَفَعَ وَجْهَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ فَخَرَجَ بِهِ عَنْ الْقِبْلَةِ مُنِعَ.
وَنَقَلَ مُهَنَّا وَغَيْرُهُ: إذَا تَجَشَّأَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ يَنْبَغِي أَنْ يَرْفَعَ وَجْهَهُ إلَى فَوْقٍ، لِئَلَّا يُؤْذِيَ مَنْ حَوْلَهُ بِالرَّائِحَةِ، وَمَا سَبَقَ أَوَّلَا عَلَيْهِ كَلَامُ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابُ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ: الرِّوَايَةُ الْأُولَى مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ، فَإِنْ انْحَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ قَلِيلًا لَمْ يُعِدْ، وَلَا يَتَبَالَى مَغْرِبُ الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ، وَمَشْرِقُ الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ إذَا صَلَّى بَيْنَهُمَا، وَبَيَّنَ الْقَاضِي أَنَّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ مَشْرِقٍ وَمَغْرِبٍ فَالْقِبْلَةُ مَا بَيْنَهُمَا، قَالَ: ويستحب أن يتحرى الوسط.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 يعني: على الرواية بوجوب استقبال عينها.(2/124)
وَلَمْ أَجِدْ الثَّانِيَةَ صَرِيحَةً. وَفِي ظُهُورِهَا نَظَرٌ، فَإِنَّهُ قَالَ: مَشَارِقُ الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ سَوَاءٌ، إنَّمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَحَرَّى أَوْسَطَ ذَلِكَ، لَا يَتَيَامَنُ، وَلَا يَتَيَاسَرُ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَيَسْتَدِيرُ الصَّفُّ الطَّوِيلُ. وَفِيهِ فِي فَتَاوَى ابْنِ الزَّاغُونِيِّ رِوَايَتَانِ، إحْدَاهُمَا لَا، لِخَفَائِهِ وَعُسْرِ اعْتِبَارِهِ، وَالثَّانِيَةُ يَنْحَرِفُ طَرَفُ الصَّفِّ يَسِيرًا، يَجْمَعُ بِهِ تَوَجُّهَ الْكُلِّ إلَى الْعَيْنِ، وَأَجَابَ أَبُو الْخَطَّابِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الصَّفِّ يَجْتَهِدُ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَى عَيْنِهَا مِنْ أَيِّ النَّوَاحِي كَانَ، وَاحْتَجَّ جَمَاعَةٌ بِصِحَّةِ صَلَاةِ صَفٍّ طَوِيلٍ عَلَى خَطٍّ مُسْتَوٍ، مَعَ أَنَّهُ لَا يُصِيبُ عَيْنَهَا إلَّا مَنْ كَانَ بِقَدْرِهَا، وَإِنَّمَا يَتَّسِعُ الْمُحَاذِي مَعَ الْبُعْدِ مَعَ التَّقَوُّسِ، لَا مَعَ عَدَمِهِ.
وَلَوْ وَجَبَ التَّوَجُّهُ إلَى الْعَيْنِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاةُ مَنْ خَرَجَ عَنْهَا كَالْمَكِّيِّ، وَلَمْ أَجِدْهُمْ ذَكَرُوا هُنَا أَنَّ الْبُعْدَ مَسَافَةُ قَصْرٍ، بَلْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمُعَايَنَةِ، وَلَا على من يخبره عن علم..(2/125)
فَصْلٌ: وَإِنْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ،
وَقِيلَ: أَوْ مَسْتُورٌ، وَقِيلَ: أَوْ مُمَيِّزٌ، عَنْ عِلْمٍ لَزِمَهُ تَقْلِيدُهُ فِي الْأَصَحِّ "ش" وَفِي التَّلْخِيصِ لَيْسَ لِلْعَالِمِ تَقْلِيدُهُ، وَإِنْ أَخْبَرَهُ عَنْ اجْتِهَادِهِ لَمْ يَجُزْ تَقْلِيدُهُ فِي الْأَصَحِّ "و" وَقِيلَ: إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، وَقِيلَ: أَوْ كَانَ أَعْلَمَ قَلَّدَهُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/125)
وَفِي آخِرِ التَّمْهِيدِ يُصَلِّيهَا عَلَى حَسَبِ حَالِهِ ثُمَّ يُعِيدُ إذَا قَدَرَ، فَلَا ضَرُورَةَ إلَى التَّقْلِيدِ كَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ يُصَلِّي وَيُعِيدُ.
وَيَلْزَمُهُ السُّؤَالُ، فَظَاهِرُهُ: يَقْصِدُ الْمَنْزِلَ فِي اللَّيْلِ لِيَسْتَخْبِرَ، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ مِثْلِهِ، وَلَعَلَّ الظَّاهِرَ غَيْرُ مُرَادٍ، كَمَا لَا يَخْرُجُ مَنْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا لَيْلًا، وَلَا يُسَلِّمُ الْوَدِيعَةَ لَيْلًا.
وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِمَحَارِيبَ يَعْلَمُهَا لِلْمُسْلِمِينَ عُدُولًا أَوْ فُسَّاقًا، وَعَنْهُ يَجْتَهِدُ، وَعَنْهُ وَلَوْ بِالْمَدِينَةِ، وَفِي الْمُغْنِي1 أَوْ يَعْلَمُهَا لِلنَّصَارَى. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: لَا يَجْتَهِدُ فِي مِحْرَابٍ لَمْ يُعْرَفْ بِمُظْعِنٍ بِقَرْيَةٍ مَطْرُوقَةٍ، قَالَ: وَأَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ لَا يَنْحَرِفُ، لِأَنَّ دَوَامَ التَّوَجُّهِ إلَيْهِ كَالْقَطْعِ، كَالْحَرَمَيْنِ.
وَبِالنُّجُومِ، وَأَصَحُّهَا الْقُطْبُ، ثُمَّ الْجَدْيُ، وَهُمَا مِنْ الشِّمَالِ، وَحَوْلَ الْقُطْبِ أَنْجُمٌ دَائِرَةٌ وَعَلَيْهِ تَدُورُ بَنَاتُ نَعْشٍ، وَلَا يَقْرَبُ مِنْهُ غَيْرُ الْفَرْقَدَيْنِ.
وَبِالشَّمْسِ، وَهِيَ تُقَارِبُ الْجَنُوبَ شِتَاءً، وَالشِّمَالَ صَيْفًا.
وَبِالْقَمَرِ، وَمَنَازِلُهُ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ، كُلُّ لَيْلَةٍ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا أَوْ قُرْبِهِ، وَكُلُّهَا تَطْلُعُ مِنْ الْمَشْرِقِ، وَتَغْرُبُ فِي الْمَغْرِبِ، فَظِلُّك يَسَارُك.
وَبِالرِّيَاحِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: الِاسْتِدْلَال بِهَا ضَعِيفٌ، فَالْجَنُوبُ تَهُبُّ بَيْنَ الْقِبْلَةِ وَالْمَشْرِقِ، وَالشِّمَالُ تَهُبُّ مُقَابِلُهَا، وَالدَّبُورُ تَهُبُّ بَيْنَ الْقِبْلَةِ وَالْمَغْرِبِ، وَالصَّبَا تُقَابِلُهَا، وَتُسَمَّى الْقَبُولُ، لِأَنَّ بَابَ الْكَعْبَةِ وَعَادَةَ أَبْوَابِ الْعَرَبِ إلَى مَطْلَعِ الشَّمْسِ، فَتُقَابِلُهُمْ، وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْقِبْلَةُ، وَبَقِيَّةُ الرِّيَاحِ عَنْ جَنُوبِهِمْ، وَشَمَائِلِهِمْ، وَمِنْ وَرَائِهِمْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 2/102.(2/126)
وَقَالَ جَمَاعَةٌ: وَبِالْأَنْهَارِ الْكِبَارِ غَيْرِ الْمُحَدَّدَةِ، فَكُلُّهَا بِخِلْقَةِ الْأَصْلِ تَجْرِي مِنْ مَهَبِّ الشِّمَالِ مِنْ يَمْنَةِ الْمُصَلِّي إلَى يَسْرَتِهِ، عَلَى انْحِرَافٍ قَلِيلٍ، إلَّا نَهْرًا بِخُرَاسَانَ، وَنَهْرًا بِالشَّامِ، عَكْسُ ذَلِكَ، فَلِهَذَا سُمِّيَ الْأَوَّلُ: الْمَقْلُوبَ، وَالثَّانِي: الْعَاصِيَ.
قَالُوا: وَبِالْجِبَالِ، فَكُلُّ جَبَلٍ لَهُ وَجْهٌ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْقِبْلَةِ يَعْرِفُهُ أَهْلُهُ وَمَنْ مَرَّ بِهِ، وَذَلِكَ
ضَعِيفٌ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ جَمَاعَةٌ.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ الْمَجَرَّةَ فِي السَّمَاءِ، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ فِي بَعْضِ الصَّيْفِ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَعَلَّمَ أَدِلَّةَ الْقِبْلَةِ وَالْوَقْتِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: يَتَوَجَّهُ وُجُوبُهُ، وَأَنَّهُ يُحْتَمَلُ عَكْسُهُ لِنُدْرَتِهِ، قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ فَإِنْ دَخَلَ الْوَقْتُ وَخَفِيَتْ الْقِبْلَةُ عَلَيْهِ لَزِمَهُ قَوْلًا وَاحِدًا، أَيْ تَعَلُّمُ الْقِبْلَةِ أَوْ الِاجْتِهَادُ لِقِصَرِ زَمَنِهِ، وَيُقَلِّدُ لِضِيقِ الْوَقْتِ، لِأَنَّ الْقِبْلَةَ يَجُوزُ تَرْكُهَا لِلضَّرُورَةِ، وَهِيَ شِدَّةُ الْخَوْفِ، وَلَا يُعِيدُ، بِخِلَافِ الطَّهَارَةِ، وَلِأَنَّهُ يَجْتَهِدُ فِيهَا مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ هُنَاكَ نَصَّا خَفِيَ عَلَيْهِ؛ هُوَ عَيْنُ الْقِبْلَةِ، بِخِلَافِ الْحَاكِمِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ لَا يلزم جاهلا التعلم.(2/127)
فصل: وَإِنْ اخْتَلَفَ مُجْتَهِدَانِ فِي جِهَتَيْنِ,
وَقِيلَ: أَوْ جِهَةٍ لَمْ يَتَّبِعْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، وَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ "و" لِظَنِّهِ خَطَأَهُ بِإِجْمَاعٍ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ قِيَاسَ الْمُذْهَبِ يَصِحُّ، وَقِيلَ صَلَاةُ الْإِمَامِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَصِحُّ ائْتِمَامُهُ بِهِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ، وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الْقُدْوَةِ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِهَةِ صِحَّتُهُ فِي الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ، لِاعْتِقَادِهِ فَسَادَهَا، لِأَنَّهُ لم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/127)
يخاطب بها.
وَمَنْ اتَّفَقَ اجْتِهَادُهُمَا فَائْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَمَنْ بَانَ لَهُ الْخَطَأُ انْحَرَفَ وَأَتَمَّ، وَيَنْوِي الْمَأْمُومُ الْمُفَارَقَةَ لِلْعُذْرِ، وَيُتِمُّ وَيَتَّبِعُهُ مَنْ قَلَّدَهُ فِي الْأَصَحِّ.
وَيَجِبُ عَلَى جَاهِلٍ وَأَعْمَى تَقْلِيدُ الْأَوْثَقِ، وَيُتَخَرَّجُ لَا، قَدَّمَهُ فِي التَّبْصِرَةِ "و" لِعَامِّيٍّ فِي الْفُتْيَا عَلَى الْأَصَحِّ "و" وَلَوْ تَسَاوَيَا فَمَنْ شَاءَ. وَقَالَ أَبُو الْوَفَاءِ: إنْ اخْتَلَفَا فَإِلَى الْجِهَتَيْنِ.
وَلَوْ سَأَلَ مُفْتِيَيْنِ فَاخْتَلَفَا فَهَلْ يأخذ بالأرجح،، أو الأشد، أو الأخف أو يخير؟ فيه أوجه "2 - 3"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 2 – 3: وَلَوْ سَأَلَ مُفْتِيَيْنِ وَاخْتَلَفَا فَهَلْ يَأْخُذُ بالأرجح، أو الأخف، أو "1الأشد، أو الأخف1" يُخَيِّرُهُ فِيهِ أَوْجُهٌ، انْتَهَى، أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي عِدَّةِ أَقْوَالِ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ يُخَيَّرُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ فِي الرَّوْضَةِ، نَقَلَهُ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ فِي أُصُولِهِ، وَلَمْ أَرَهُ فِيهَا وَقَطَعَ بِهِ الْمَجْدُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمُسَوَّدَةِ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أُصُولِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَأْخُذُ بِالْأَرْجَحِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّاءِ، وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أُصُولِهِ، قَالَ فِي إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَرَّى، وَيَبْحَثَ عَنْ الرَّاجِحِ بِحَسْبِهِ وَهُوَ أَرْجَحُ الْمَذَاهِبِ السَّبْعَةِ، انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ فِي الروضة: إذا سألهما فاختلفا عليه لَزِمَهُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْأَفْضَلِ فِي عِلْمِهِ وَدِينِهِ، فَقَدَّمَ هَذَا. وَقَالَ الطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهَا2: فِيهِ خِلَافٌ، وَالظَّاهِرُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْأَفْضَلِ فِي عِلْمِهِ وَدِينِهِ، وَقَدَّمَ الشَّيْخُ فِي الرَّوْضَةِ، وَالطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ2، وَالشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ بْنُ اللَّحَّامِ فِي أُصُولِهِ، وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُمَا إذَا اسْتَوَيَا عِنْدَهُ لَهُ اتِّبَاعُ أَيِّهِمَا شَاءَ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْمُسَوَّدَةِ. وَقَالَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي أصوله
__________
1 في النسخ الخطية و "ط": الأخف أو الأشد والمثبت من الفروع.
2 مختصر الروضة مع شرحها 3/669.(2/128)
وإن سأل فلم تسكن نفسه ففي تكراره وَجْهَانِ "م 4"
وَمَنْ صَلَّى بِلَا اجْتِهَادٍ وَلَا تقليد أو ظن جهة باجتهاده فخالفها أعاد "وم ش" وَإِنْ تَعَذَّرَ الْأَمْرَانِ تَحَرَّى، وَقِيلَ: وَيُعِيدُ "وش". وإن صلى بلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْمُخْتَلِفَةِ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ وَلَمْ يَمْنَعْهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَالصَّوَابُ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: يَأْخُذُ بالأخف.
الوجه الرَّابِعُ: يَأْخُذُ بِالْأَشَدِّ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّا أَيْضًا، وَقِيلَ يَأْخُذُ بِأَرْجَحِهَا دَلِيلًا، وَقِيلَ سَأَلَ مُفْتِيًا آخَرَ، قَالَ الطُّوفِيُّ1 وَغَيْرُهُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَسْقُطَا، وَيُرْجَعُ إلَى غَيْرِهِمَا إنْ وُجِدَ، وَإِلَّا فَإِلَى مَا قَبْلَ السَّمْعِ.
"تَنْبِيهٌ" ذَكَرَ ذَلِكَ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: 2 إذَا سَأَلَهُمَا وَاخْتَلَفَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَسَاوَيَا فَهُنَا الصَّحِيحُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْأَفْضَلِ فِي عِلْمِهِ وَدِينِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إذَا تَسَاوَيَا عِنْدَهُ فَهُنَا الصَّحِيحُ الْخِيَرَةُ كَمَا فَعَلَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ.
مَسْأَلَةٌ 4: قَوْلُهُ: وَإِنْ سَأَلَ فَلَمْ تَسْكُنُ نَفْسُهُ فَفِي تَكْرَارِهِ وَجْهَانِ، انْتَهَى.
أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ، قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أُصُولِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: يَلْزَمُ الْمُفْتِي تَكْرِيرَ النَّظَرِ عِنْدَ تَكْرِيرِ الْوَاقِعَةِ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يَلْزَمُ، ثُمَّ قَالَ: وَلُزُومُ السُّؤَالِ ثَانِيًا فِيهِ الْخِلَافُ، انْتَهَى، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ، قُلْت: الصَّوَابُ فِي ذَلِكَ الِاحْتِيَاطُ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَا يَكْفِيه مَنْ لَمْ تَسْكُنْ نَفْسُهُ إلَيْهِ، نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ فِي أُصُولِهِ.
فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ فِي هَذَا الْبَابِ قَدْ صُحِّحَتْ بِحَمْدِ الله تعالى.
__________
1 في شرح مختصر الروضة 3/671.(2/129)
تَحَرٍّ أَعَادَ، وَعَنْهُ: وَيُعِيدُ إنْ تَعَذَّرَ التَّحَرِّي "ش" وَقِيلَ: وَيُعِيدُ فِي الْكُلِّ إنْ أَخْطَأَ، وَإِلَّا فَلَا.
وَلَا إعَادَةَ عَلَى مُخْطِئٍ مَعَ اجْتِهَادٍ أَوْ تَقْلِيدٍ سَفَرًا "ش" وَخَرَّجَ فِي الْوَاضِحِ رِوَايَةَ مَا لَوْ بَانَ الْفَقِيرُ غَنِيًّا يُعِيدُ، وَفَرَّقَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بِقُدْرَتِهِ عَلَى الْيَقِينِ بِأَخْذِ إمَامٍ1.
وَعَنْهُ: لَا يُعِيدُ حَضَرًا. وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِقَضِيَّةِ أَهْلِ قُبَاءَ2، وَعَنْهُ مَا لَمْ يخطئ جرما.
وَفِي التَّعْلِيقِ: وَمَكِّيٌّ كَغَيْرِهِ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِهِ، لِأَنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ يَجْزِيه، قَدْ تَحَرَّى، فَجَعَلَ الْعِلَّةَ فِي الْإِجْزَاء وُجُودَ التَّحَرِّي، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْمَكِّيِّ، وَعَلَى أَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا عَلِمَ الْخَطَأَ فَهُوَ رَاجِعٌ مِنْ اجْتِهَادِهِ إلَى يَقِينٍ، فَيَنْتَقِلُ اجْتِهَادُهُ كَحَاكِمٍ اجْتَهَدَ ثُمَّ وَجَدَ النَّصَّ. وَفِي الِانْتِصَارِ: لَا نُسَلِّمُهُ، وَالْأَصَحُّ تَسْلِيمُهُ.
وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَجْتَهِدَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، كَالْحَادِثِ فِي الْأَصَحِّ، فِيهَا لِمُفْتٍ وَمُسْتَفْتٍ، وَأَلْزَمَهُ فِيهَا أَبُو الْخَطَّابِ وَأَبُو الْوَفَاءِ إنْ لَمْ يَذْكُرْ طريق الاجتهاد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 يعني: أن القاضي أبدى فارقا بين المسألتين وهو أن المزكي قادر عبى إصابة اليقين بدفع زكاته إلى الإمام بخلاف طالب القبلة فإنه عاجز عن اليقين.
2 أخرج البخاري 403 ومسلم "526" "13" عن ابن عمر قال: بينا الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة.(2/130)
وَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ الْمُصَلِّي عَمِلَ بِالْآخِرِ، وَلَوْ كَانَ فِي صَلَاةٍ بَنَى، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ "وهـ" وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لِقِصَّةِ أَهْلِ قُبَاءَ.
وَالصَّلَاةُ تَتَّسِعُ لِاجْتِهَادَيْنِ لِطُولِهَا، بِخِلَافِ حُكْمِ الْحَاكِمِ، فَنَظِيرُهُ يَتَبَيَّنُ الْخَطَأَ بَعْدَ تَلَبُّسِهِ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَا يُكْمِلُهَا بِاجْتِهَادَيْنِ كَالْحُكْمِ سَوَاءٌ، ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ، وَكَشَكِّهِ فِي الصَّلَاةِ فَقَطْ.
وَعَنْهُ: تَبْطُلُ "وم ش" وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ جُمُعَتُهُ الْأَوِّلَةُ، وَإِنْ ظَنَّ الْخَطَأَ فَقَطْ بَطَلَتْ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ بَانَ لَهُ صِحَّةُ مَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَطُلْ زَمَنُهُ اسْتَمَرَّ، وَصَحَّتْ، وَإِنْ بَانَ لَهُ الْخَطَأُ فِيهَا بَنَى، وَقِيلَ: إنْ أَبْصَرَ فِيهَا وَفَرْضُهُ الِاجْتِهَادُ وَلَمْ يَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى صَوَابِهِ بَطَلَتْ، وَمَنْ أُخْبِرَ وَهُوَ فِيهَا بِالْخَطَأِ يَقِينًا لَزِمَهُ قَبُولُهُ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّانِي يَلْزَمُهُ تَقْلِيدُهُ، فَكَمَنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ، وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ عَلَى مَنْصُوصِهِ فِي الثِّيَابِ الْمُشْتَبِهَةِ وُجُوبُ الصَّلَاةِ إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ، وَهُوَ فِي التَّبْصِرَةِ رِوَايَةٌ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: الْأَمْرُ بِذَلِكَ أَمْرٌ بِالْخَطَأِ، فَلِهَذَا أَمَرَ بِالِاجْتِهَادِ، فَعَلَى الْأَوْلَى لَوْ فَعَلَهُ لَمْ يُجِزْهُ إلَّا أَنْ يَتَحَرَّى فَيَجْزِيَهُ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْ "و" وَذَكَرَهُ الْقَاضِي أَيْضًا، وَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ الشَّكِّ فِي الصَّلَاةِ لِخَصْمِهِ الْحَنَفِيِّ، يُمْكِنُهُ أَدَاءُ فَرْضِهِ بِيَقِينٍ بِأَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ، وَصَلَّى عَلَيْهِ السَّلَامُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِالْمَدِينَةِ، قِيلَ: سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَقِيلَ: ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا1، وَقِيلَ: سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، وقيل: بسنة، وقاله أكثر العلماء.
"2وقيل: بقرآن2"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه البخاري "4486" ومسلم "525" "12".
2 ليست في "ط".(2/131)
وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِصَلَاتِهِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَسُئِلَ عَنْهَا ابْنُ عَقِيلٍ فَقَالَ: الْجَوَابُ: ذَكَرَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ1 فِي تَارِيخِهِ أَنَّهُ قِيلَ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى إلَى الْكَعْبَةِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَصَلَّى إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِالْمَدِينَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
__________
1 أبوبكر أحمد بن زهير بن حرب النسائي ثم البغدادي مؤرخ من حفاظ الحديث. له: كتاب "التاريخ الكبير".
"ت 279هـ". المقصد الأرشد 1/105-106.(2/132)
باب النية
مدخل
...
باب النية
تُعْتَبَرُ لِلصَّلَاةِ إجْمَاعًا، وَلَا تَسْقُطُ بِوَجْهٍ، وَلَا يَضُرُّ مَعَهَا قَصْدُ تَعْلِيمِهَا لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ1 فِي صَلَاتِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَغَيْرِهِ، أَوْ خَلَاصًا مِنْ خَصْمٍ، أَوْ إدْمَانِ سَهَرٍ، كَذَا وَجَدْت ابْنَ الصَّيْرَفِيِّ نَقَلَهُ، وَالْمُرَادُ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ بَعْدَ إتْيَانِهِ بِالنِّيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ، لَا أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ ثَوَابُهُ، وَلِهَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِيمَا يَنْقُصُ الْأَجْرَ، وَمِثْلُهُ قَصْدُهُ مَعَ نِيَّةِ الصَّوْمِ هَضْمَ الطَّعَامِ، أَوْ قَصْدُهُ مَعَ نِيَّةِ الْحَجِّ رُؤْيَةَ الْبِلَادِ النَّائِيَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَيَأْتِي فِيمَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ2 قَوْلُهُ فِي الْعَمَلِ الْمُمْتَزِجِ بِشَوْبٍ مِنْ الرِّيَاءِ وَحَظِّ النَّفْسِ، كَذَا قَالَ، وَهُوَ يَقْتَضِي صِحَّةَ الْعَمَلِ مَعَ شَوْبٍ مِنْ الرِّيَاءِ وحظ النفس، ولعل مراده أنهما واحد، وَلِهَذَا ذُكِرَ أَنَّهُ يَأْثَمُ، وَإِلَّا فَكَلَامُ غَيْرِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَوْبِ الرِّيَاءِ مُبْطِلٌ، وَأَنَّ حَظَّ النَّفْسِ كَقَصْدِهِ مَعَ نِيَّةِ الْعِبَادَةِ الْخَلَاصَ مِنْ خَصْمٍ، أَوْ هَضْمِ الطَّعَامِ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ، لِأَنَّهُ قَصْدُ مَا يَلْزَمُ ضَرُورَةً كَنِيَّةِ التَّبَرُّدِ، أَوْ النَّظَافَةِ مَعَ نِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ، وسبق فيه احتمال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 تقدم تخريجه 1/431.
2 ص 302.(2/133)
وَقَالَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّة وَابْنُ حَزْمٍ، فَيُتَوَجَّهُ هُنَا مِثْلُهُ، وَيَأْتِي فِيمَا إذَا قَصَدَ فِي طَوَافِهِ غَرِيمًا أَوْ صَيْدًا1.
وَهِيَ الشَّرْطُ السَّادِسُ، وَقِيلَ: فَرْضٌ. وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ2: هِيَ قَبْلَ الصَّلَاةِ شَرْطٌ، وَفِيهَا رُكْنٌ. وَقَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ: فيلزم في بقية الشروط مثلها.
وَيَجِبُ تَعْيِينُهَا لِفَرْضٍ وَنَفْلٍ مُعَيَّنٍ عَلَى الْأَصَحِّ "وم ش" وَفِي التَّرْغِيبِ فِي نَفْلٍ مُعَيَّنٍ، لَا، كَمُطْلَقٍ "و" وَأَبْطَلَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ عَدَمَ التَّعْيِينِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ صَلَوَاتٌ فَصَلَّى أَرْبَعًا يَنْوِيهَا مِمَّا عَلَيْهِ لَمْ يُجِزْهُ "ع" فَلَوْلَا اشْتِرَاطُ التَّعْيِينِ أَجْزَاهُ، كَالزَّكَاةِ.
لَوْ أَخْرَجَ شَاةً أَوْ صَاعًا مَنْ عَلَيْهِ شِيَاهٌ: مِنْ إبِلٍ، أَوْ غَنَمٍ، أَوْ عُشْرٍ، أَوْ فِطْرَةٍ يَنْوِيهَا مِمَّا عَلَيْهِ، كَذَا قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ غيره لا فرق، وهو متوجه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 6/38.
2 هو: أبو محمد عبد القادر بن أبي صالح بن عبد الله الجبلي شيخ الحنابلة في عصره له: "فتوح الغيبة", "الغنية لطالبي طريق الحق" وغيرها. "ت561هـ". ذيل طبقات الحنابلة 1/290 شذرات الذهب 4/198.(2/134)
إنْ لَمْ يَصِحَّ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ.
وَتَجِبُ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ لِلْفَرْضِ، وَالْأَدَاءِ لِلْحَاضِرَةِ، وَالْقَضَاءِ لِلْفَائِتَةِ عَلَى الْأَصَحِّ: لَا إضَافَةُ الْفِعْلِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى في جميع العبادات في النية في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: وَيَجِبُ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ لِلْفَرْضِ، وَالْأَدَاءِ لِلْحَاضِرَةِ، وَالْقَضَاءِ لِلْفَائِتَةِ، عَلَى الْأَصَحِّ، انْتَهَى، قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: الْمَذْهَبُ عَدَمُ الْوُجُوبِ فِي الثَّلَاثَةِ، انْتَهَى، قُلْت وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ مَا يَسَّرَ اللَّهُ بِهِ.
أَمَّا اشْتِرَاطُ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فِي الْفَرْضِ، فَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَيَنْوِي الصَّلَاةَ الْحَاضِرَةَ فَرْضًا، انْتَهَى.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُشْتَرَطُ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، قَالَ فِي الْكَافِي1 قَالَهُ غَيْرُ ابْنِ حَامِدٍ، قَالَ الْمَجْدُ وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَصَاحِبِ الْحَاوِي الْكَبِيرِ: لَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْفَرْضِ لِلْمَكْتُوبَةِ إذَا أَتَى بِنِيَّةِ التَّعْيِينِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، قَالُوا: وَهُوَ أَوْلَى، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْبِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ2، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُقْنِعِ3 وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ3 وَالنَّظْمِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ.
وَأَمَّا اشْتِرَاطُ نِيَّةِ الْقَضَاءِ فِي الْفَائِتَةِ فَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي
__________
1 1/276.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/364.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/361.(2/135)
الْأَصَحِّ. وَيَصِحُّ الْقَضَاءُ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ وَعَكْسِهِ إذَا بَانَ خِلَافُ ظَنِّهِ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، قَالُوا: وَلَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ وَعَكْسِهِ أَيْ مَعَ العلم.
وقال الأصحاب رحمهم الله فِي الصَّلَاةِ فِي الْمَغْصُوبِ: إنَّ نِيَّةَ التَّقَرُّبِ بِالصَّلَاةِ شَرْطٌ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أُلْجِئَ إلَى النِّيَّةِ كَمَا سَبَقَ بِيَمِينٍ أَوْ غَيْرِهَا وَلَمْ يَنْوِ الْقُرْبَةَ لَمْ يَصِحَّ. وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُكْرَهَ إذَا كَانَ إقْدَامُهُ عَلَى الْعِبَادَةِ لِلْخَلَاصِ مِنْ الْإِكْرَاهِ لَمْ يَكُنْ طَاعَةً، وَلَا مُجِيبًا دَاعِيَ الشَّرْعِ، وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ لَا يَصِحُّ ظَاهِرًا، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بَاطِنًا، وَقَدْ ذَكَرُوا لَوْ أَخَذَ الْإِمَامُ الزَّكَاةَ كرها أجزأت المكره ظاهرا لا باطنا,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُشْتَرَط، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِي الْكَافِي1، وَالشَّارِحُ وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْبِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُقْنِعِ2، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ3 ابْنِ مُنَجَّى وَالنَّظْمِ، وَالزَّرْكَشِيِّ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِمْ.
وَأَمَّا نِيَّةُ الْأَدَاءِ لِلْحَاضِرَةِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ لِلْفَرْضِ، قُلْت: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَقْصٌ، وَتَقْدِيرُهُ وَلَا يَجِبُ بِزِيَادَةِ "لَا" فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِمَا قُلْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَحَكَى الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ رِوَايَتَيْنِ، وَحَكَاهُ أكثرهم وجهين. وقال ابن تميم:
__________
1 1/276.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/361.(2/136)
كَالْمُصَلِّي كُرْهًا.
وَقِيلَ: مَنْ ظَنَّ فَائِتَةً فَنَوَاهَا وَقْتَ حَاضِرَةٍ مِثْلَهَا فَبَانَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ عَنْ الْحَاضِرَةِ، وَأَنَّ مَنْ نَوَى حَاضِرَةً وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا فَائِتَةً أَجْزَأَهُ عَنْهَا، وَنَظِيرُهُ تَعْيِينُهُ زَكَاةَ مَالٍ حَاضِرٍ، فَتَبَيَّنَ تَالِفًا أَوْ عَكْسَهُ.
وَلَوْ نَوَى مَنْ عَلَيْهِ ظُهْرَانِ فَائِتَتَانِ ظُهْرًا مِنْهُمَا لَمْ يُجْزِهِ عَنْ أَحَدَيْهِمَا حَتَّى تُعَيَّنَ السَّابِقَةُ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ، وَقِيلَ بَلَى، كَصَلَاتَيْ نَذْرٍ، لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ هُنَا فِي التَّرْتِيبِ كَإِخْرَاجِ نِصْفِ دِينَارٍ عَنْ أَحَدِ نِصَابَيْنِ، أَوْ كَفَّارَةٍ عَنْ إحْدَى أَيْمَانٍ حَنِثَ فِيهَا، وَيُتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ، وَاحْتِمَالٌ يُعَيِّنُ السَّابِقَةَ.
وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا1 عَلَى التَّكْبِيرِ بِزَمَنٍ يَسِيرٍ "م ش" خِلَافًا لِلْآجُرِّيِّ كَالصَّوْمِ، وَقِيلَ لِلْقَاضِي فَيَجُوزُ بِزَمَنٍ كَثِيرٍ كَصَوْمٍ؟ فَقَالَ: الْإِقَامَةُ تَتَقَدَّمُ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ كَتَقْدِيمِ نِيَّةِ الصَّوْمِ لَهُ، وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا بِزَمَنٍ كَثِيرٍ، قَالَ: وَرَأَيْت مَنْ قَالَ يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْإِقَامَةِ بِزَمَنٍ كَثِيرٍ وَلَا يُعِيدُهَا، وَاحْتَجَّ الْقَاضِي بِمَنْ سَلَّمَ عَنْ نَقْصٍ، أَوْ نَسِيَ سُجُودَ السَّهْوِ وَطَالَ عرفا أعاد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وجهان، وقيل روايتان.
__________
1 أي: النية.(2/137)
وَكَذَا هُنَا.
وَفِي الْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِ: بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَتُعْتَبَرُ مَا لَمْ يَفْسَخْهَا. وَفِي التَّعْلِيقِ وَالْوَسِيلَةِ وَغَيْرِهِمَا أَوْ يَشْتَغِلُ بِعَمَلٍ وَنَحْوِهِ، كَعَمَلِ مَنْ سَلَّمَ عَنْ نَقْصٍ، أَوْ نَسِيَ سُجُودَ السَّهْوِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ أَوْ يَتَعَمَّدُ حَدَثًا، وَقِيلَ: أَوْ يَتَكَلَّمُ. وَفِي التَّلْخِيصِ لَا نِيَّةَ فَرْضٍ مِنْ قَاعِدٍ، وَأَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ نَفْلًا.
وَقِيلَ بِزَمَنٍ كَثِيرٍ1. نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ وَغَيْرُهُ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فَهُوَ نِيَّةٌ، أَتُرَاهُ كَبَّرَ وَهُوَ لَا يَنْوِي الصَّلَاةَ؟ وَاحْتَجَّ بِهِ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ تَتْبَعُ الْعِلْمَ، فَمَنْ عَلِمَ مَا يُرِيدُ فِعْلَهُ قَصَدَهُ ضَرُورَةً.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَهُ تَقْدِيمُهَا، مَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَقْطَعُهَا، وَهُوَ عَمَلٌ لَا يَلِيقُ بِالصَّلَاةِ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ بِهِ، فَكَذَا النِّيَّةُ، وَإِنْ فَسَخَهَا بَطَلَتْ "هـ" وَقِيلَ وَلَمْ يَنْوِ قَرِيبًا، فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَوْ افْتَتَحَ الظُّهْرَ ثُمَّ افْتَتَحَهَا لَغَتْ نِيَّتُهُ وَبَنَى، إلَّا أَنَّ الْمَسْبُوقَ إنْ كَبَّرَ نَاوِيًا الِاسْتِئْنَافَ خَرَجَ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا، لِأَنَّهُ بَانٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 معطوف على قوله: "بزمن يسير".(2/138)
فِي حَقِّ التَّحْرِيمَةِ فَأَفَادَ الِانْفِرَادَ فِي حَقِّ التحريمة.
وَإِنْ عَزَمَ عَلَى الْفَسْخِ أَوْ تَرَدَّدَ فَوَجْهَانِ "م 1 - 2" لا بعزمه على محظور
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 1: قَوْلُهُ: وَإِنْ عَزَمَ عَلَى الْفَسْخِ، أَوْ تَرَدَّدَ فَوَجْهَانِ، انْتَهَى، ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى-1: إذَا تَرَدَّدَ فِي قَطْعِ النِّيَّةِ فَهَلْ تَبْطُلُ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْبِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي1، وَالْمُغْنِي2، وَالْمُقْنِعِ3، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ، وَالشَّرْحِ3، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَشَرْحِ الْعُمْدَةِ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
أَحَدُهُمَا: تَبْطُلُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَنَصَرَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالْمَجْدُ فِي شَرَحَهُ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَبْطُلُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ في شرحه.
__________
1 1/276.
2 2/134.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/368.(2/139)
"و" وَالْوَجْهَانِ إنْ شَكَّ: هَلْ نَوَى فَعَمِلَ مَعَهُ عَمَلًا ثُمَّ ذَكَرَ "م 3" قَالَ ابْنُ حَامِدٍ:
يَبْنِي، لِأَنَّ الشَّكَّ لَا يُزِيلُ حُكْمَ النِّيَّةِ. وَقَالَ الْقَاضِي: تَبْطُلُ لِخُلُوِّهِ عَنْ نِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: إنْ كَانَ الْعَمَلُ قولا لم تبطل كتعمد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ-2: إذَا عَزَمَ عَلَى فَسْخِهَا فَهَلْ تَبْطُلُ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَقَدْ حَكَمَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ التَّرَدُّدِ فِي الْقَطْعِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَيُعْطَى حُكْمُهُ خِلَافًا وَمَذْهَبًا، وَقِيلَ: تَبْطُلُ بِالْعَزْمِ عَلَى فَسْخِهَا، وَإِنْ لَمْ تَبْطُلْ بِالتَّرَدُّدِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَابْنُ تَمِيمٍ: إنْ عَزَمَ عَلَى قَطْعِهَا فَأَوْجُهٌ: الثَّالِثُ تَبْطُلُ مَعَ الْعَزْمِ دُونَ التَّرَدُّدِ. وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ: وَإِنْ قَطَعَهَا أَوْ عَزَمَ عَلَى قَطْعِهَا عَاجِلًا بَطَلَتْ، وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهِ، أَوْ تَوَقَّفَ، أَوْ نَوَى أَنَّهُ سَيَقْطَعُهَا، أَوْ عَلَّقَ قَطَعَهَا، عَلَى شَرْطٍ فَوَجْهَانِ، انْتَهَى. وَقَالَ أَيْضًا: وَإِنْ عَلَّقَهُ عَلَى شَرْطٍ، أَوْ نَوَى أَنَّهُ سَيَقْطَعُهَا لَمْ تَبْطُلْ فِي الْأَصَحِّ، انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ فِي فُرُوعِهِ: إذَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ سَيَقْطَعُهَا، أَوْ تَوَقَّفَ يَرْتَابُ فِي قَطْعِهَا فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، الْبُطْلَانُ اخْتَارَهُ الْوَالِدُ، وَعَدَمُهُ، وَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ: اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ يَعْنِي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، فَقَالَ شَيْخُنَا: تَبْطُلُ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لا تبطل، واستدل لقول شيخه فقط.
مَسْأَلَةٌ -3 قَوْلُهُ: وَالْوَجْهَانِ إنْ شَكَّ هَلْ نَوَى فَعَمِلَ مَعَهُ أَيْ مَعَ الشَّكِّ عَمَلًا ثُمَّ ذَكَرَ، انْتَهَى، قَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا تَقَدَّمَ، فَكَذَا هُنَا، قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَبْنِي، لِأَنَّ الشَّكَّ لَا يُزِيلُ حُكْمَ النِّيَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَقَالَ الْقَاضِي: تَبْطُلُ لِخُلُوِّهِ عَنْ نِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ أَنَّهُ حَيْثُ طَالَ يَسْتَأْنِفُهَا، وَذِكْرُ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ طَرِيقَةٌ. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَالْأَقْوَى أَنَّهُ إنْ كَانَ الْعَمَلُ قَوْلًا لَمْ تَبْطُلْ، كَتَعَمُّدِ زِيَادَتِهِ، وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِعْلًا بَطَلَتْ، لِعَدَمِ جَوَازِهِ كَتَعَمُّدِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، انْتَهَى، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهَذَا أَحْسَنُ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: إنَّمَا قَالَ الْأَصْحَابُ عَمَلًا، وَالْقِرَاءَةُ لَيْسَتْ عَمَلًا عَلَى أَصْلِنَا وَلِهَذَا لو نوى قطع القراءة(2/140)
زِيَادَتِهِ، وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِعْلًا بَطَلَتْ، لِعَدَمِ جَوَازِهِ، كَتَعَمُّدِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، قَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ: إنَّمَا قَالَ الْأَصْحَابُ عَمَلًا، وَالْقِرَاءَةُ لَيْسَتْ عَمَلًا عَلَى أَصْلِنَا، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ نَرْجُو الثَّوَابَ لِمَنْ تَلَا مُطْلَقًا، وَلِهَذَا لَوْ نَوَى قَطْعَ الْقِرَاءَةِ وَلَمْ يَقْطَعْهَا لَمْ تَبْطُلْ، قَوْلًا وَاحِدًا، قَالَ الْآمِدِيُّ: وَإِنْ قَطَعَهَا بَطَلَتْ بِقَطْعِهِ، لَا بِنِيَّتِهِ، قَالَ: لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ، قَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ: لَوْ كَانَتْ عَمَلًا لَاحْتَاجَتْ إلَى نِيَّةٍ كَسَائِرِ أَعْمَالِ الْعِبَادَاتِ، قَالَ الْآمِدِيُّ كَانَ فِي دِيَارِ بَكْرٍ رَجُلٌ مُبْتَدِعٌ، يَقُولُ. يَحْتَاجُ أَنْ يَنْوِيَ حَالَ ابْتِدَاءِ الْقِرَاءَةِ مَنْ يُرِيدُ يَقْرَأُ: مِنْ أجله، يُمَوَّهُ عَلَى الْعَوَامّ، وَيَجْعَلُ الْقِرَاءَةَ فِعْلًا لِلْقَارِئِ فَيَقْرِنُ بِهَا النِّيَّةَ، قَالَ: وَنَحْنُ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا الْمَذْهَبِ، كَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النَّظْمِ، وَهُوَ خِلَافُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَالْقِرَاءَةُ عِبَادَةٌ تُعْتَبَرُ لَهَا النِّيَّةُ، وَيَأْتِي فِي الْأَيْمَانِ1: مَنْ حَلَفَ لَا يَعْمَلُ عَمَلًا فَقَالَ قَوْلًا هَلْ يَحْنَثُ؟ وَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ الْأَخِيرَةُ فِي إهْدَاءِ الْقُرْبِ2.
قَالَ الْأَصْحَابُ: وَكَذَا شَكُّهُ؛ هَلْ أَحْرَمَ بِظُهْرٍ أو عصر وذكر فيها؟ "م 4"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَلَمْ يَقْطَعْهَا لَمْ تَبْطُلْ، قَوْلًا وَاحِدًا قَالَ الْآمِدِيُّ: وَإِنْ قَطَعَهَا بَطَلَتْ بِقَطْعِهِ لَا بِنِيَّتِهِ.
مَسْأَلَةٌ 4: قَوْلُهُ: وَكَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ، وَكَذَا شَكُّهُ: هَلْ أَحْرَمَ بِظُهْرٍ، أَوْ عَصْرٍ وَذَكَرَ فِيهَا.
__________
1 11/46.
2 6/93.(2/141)
وَقِيلَ: يُتِمُّهَا نَفْلًا، كَشَكِّهِ: هَلْ أَحْرَمَ بِفَرْضٍ، أَوْ نَفْلٍ؟ فَإِنَّ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ إمَامٍ صَلَّى بِقَوْمٍ الْعَصْرَ، فَظَنَّهَا الظُّهْرَ، فَطَوَّلَ الْقِرَاءَةَ ثم ذكر. فقال: يعيد. وإعادتهم على اقتداء مُفْتَرِضٍ بِمُنْتَفِلٍ.
وَأَمَّا إنْ أَحْرَمَ بِفَرْضٍ رَبَاعِيَةٍ، ثُمَّ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ يَظُنُّهَا جُمُعَةً أَوْ فَجْرًا، أَوْ التَّرَاوِيحَ، ثُمَّ ذَكَرَ بَطَلَ فَرْضُهُ، وَلَمْ يَبْنِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ فِعْلَهُ لَمَّا نَافَى الْأَوْلَى قَطَعَ نِيَّتَهَا، كَمَا لَوْ كَانَ عالما، ويتوجه احتمال، وتخريج يبني "وهـ" وكظنه تمام مَا أَحْرَمَ بِهِ. وَقَالَ شَيْخُنَا: يَحْرُمُ خُرُوجُهُ لِشَكِّهِ فِي النِّيَّةِ، لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ مَا دَخَلَ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَكَشَكِّهِ هَلْ أَحْدَثَ؟
وَإِنْ أَحْرَمَ بِفَرْضٍ فَبَانَ عَدَمُهُ كَمَنْ أَحْرَمَ بِفَائِتَةٍ فَلَمْ تَكُنْ، أَوْ بَانَ قَبْلَ وَقْتِهِ انْقَلَبَتْ نَفْلًا "وهـ ق" لِبَقَاءِ أَصْلِ النِّيَّةِ، وَعَنْهُ لَا يَنْعَقِدُ، لأنه لم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
انتهى. وقد علمت الصحيح من الوجهين في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَهَذِهِ كَذَلِكَ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، فَهُوَ كَشَكِّهِ فِي النِّيَّةِ، وَقِيلَ يُتِمُّهَا نَفْلًا، كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِفَرْضٍ فَبَانَ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي1، وَالشَّرْحِ2 كَشَكِّهِ هَلْ أَحْرَمَ بِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ فَإِنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ سُئِلَ عَلَى إمَامٍ صَلَّى بِقَوْمٍ الْعَصْرَ فَظَنَّهَا الظُّهْرَ فَطَوَّلَ الْقِرَاءَةَ ثُمَّ ذَكَرَ، فَقَالَ: يُعِيدُ، وَإِعَادَتُهُمْ عَلَى اقْتِدَاءٍ مُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ، قَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالْمَجْدُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ. لَوْ شَكَّ هَلْ نَوَى فَرْضًا أَوْ نَفْلًا أَتَمَّهَا نَفْلًا، إلَّا أَنْ يَذْكُرَ أَنَّهُ نَوَى الْفَرْضَ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ عَمَلًا فَيُتِمَّهَا فَرْضًا، وَإِنْ ذَكَرَهُ بَعْدَ أَنْ أَحْدَثَ عَمَلًا خَرَجَ فِيهَا الْوَجْهَانِ، قَالَ الْمَجْدُ وَالصَّحِيحُ بُطْلَانُ فَرْضِهِ، انْتَهَى، وَكَلَامُهُمْ هَذَا يَصْلُحُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ لِمَسْأَلَتِنَا والله أعلم.
__________
1 2/153.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/371.(2/142)
يَنْوِهِ كَعَالِمٍ فِي الْأَصَحِّ. وَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ فِي وَقْتِهِ ثُمَّ قَلَبَهُ نَفْلًا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ صَحَّ، عَلَى الْأَصَحِّ "و" لِأَنَّهُ إكْمَالٌ فِي الْمَعْنَى كَنَقْصِ الْمَسْجِدِ لِلْإِصْلَاحِ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ، وَكَذَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إكْمَالُ مَعْنًى كَهَدْمِ الْمَسْجِدِ لِلْبِنَاءِ وَالْعِمَارَةِ، وَالتَّوْسِعَةِ، وَلَوْ صَلَّى ثَلَاثَةً مِنْ أَرْبَعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ "هـ م" قَالُوا: لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ، قَالَ أَصْحَابُنَا: لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لَهُ نِيَّةٌ.
وَفِي أَفْضَلِيَّتِهِ وَتَحْرِيمِهِ لِغَيْرِ غَرَضٍ فَلَا يَصِحُّ، أَمْ يكره فيصح؟ فيه روايتان "م5, 6"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 5-6: قَوْلُهُ: وَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ فِي وَقْتِهِ ثُمَّ قَلَبَهُ نَفْلًا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ صَحَّ عَلَى1 الْأَصَحِّ، وَفِي أَفْضَلِيَّتِهِ وَتَحْرِيمِهِ لِغَيْرِ غَرَضٍ فَلَا يَصِحُّ أَمْ يُكْرَهُ فِيهِ رِوَايَتَانِ، انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ فِيهِمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَتَيْنِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى-5: إذَا أَحْرَمَ بِفَرْضٍ فِي وَقْتِهِ ثُمَّ قَلَبَهُ نَفْلًا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ وَقُلْنَا يَصِحُّ فَهَلْ الْأَفْضَلُ فِعْلُهُ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ.
إحْدَاهُمَا لَا فَضِيلَةَ فِي فِعْلِهِ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الكبرى.
__________
1 في النسخ الخطية و "ط": والمثبت من عبارة "الفروع".(2/143)
وَلَا يَقْطَعُهُ، وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِسَجْدَتَيْ الْأُولَى "هـ" لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الصَّلَاةِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ فِيمَنْ صَلَّى مِنْ فَرْضٍ رَكْعَةً مُنْفَرِدًا ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ: أَعْجَبُ إلَيَّ يَقْطَعُهُ، وَيَدْخُلُ مَعَهُمْ "وش" فَقَطْعُ نَفْلٍ أَوْلَى، وَإِنْ دخل معهم قبل قَطْعِهِ فَسَيَأْتِي1.
وَإِنْ انْتَقَلَ مِنْ فَرْضٍ إلَى فَرْضٍ وَالْمُرَادُ لَمْ يَنْوِ الثَّانِي مِنْ أَوَّلِهِ بتكبيرة إحرام،. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ الْأَفْضَلُ فِعْلُهُ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ إنْ كَانَ الْغَرَضُ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ، بَلْ لَوْ قِيلَ بِوُجُوبِ ذَلِكَ لَكَانَ حَسَنًا، وَإِلَّا فَلَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ-6: إذَا قَلَبَهُ لِغَيْرِ غَرَضٍ فَهَلْ يَحْرُمُ فَلَا يَصِحُّ، أَوْ يَكْرَهُ فَيَصِحُّ؟ أَطْلَقَ الْخِلَافَ.
إحْدَاهُمَا: يُكْرَهُ وَيَصِحُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُقْنِعِ2 وَالشَّرْحِ2، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ: ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ، هَذَا الْمَذْهَبُ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَحْرُمُ فِعْلُ ذَلِكَ، وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُقْنِعِ2، قَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ: لَا تَصِحُّ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. وَقَالَ فِي الجامع: يخرج على روايتين.
__________
1 ص 150.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/372.(2/144)
وَإِلَّا صَحَّ الثَّانِي "وَ" بَطَل فَرْضُهُ "و" وفي نفله الخلاف، وكذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهَانِ
الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ: وَإِنْ انْتَقَلَ مِنْ فَرْضٍ إلَى فَرْضٍ بَطَلَ فَرْضُهُ، وَفِي نَفْلِهِ الْخِلَافُ يَعْنِي بِهِ الَّذِي أَحْرَمَ بِفَرْضٍ ثُمَّ قَلَبَهُ نَفْلًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَكَذَا حُكْمُ مَا يُفْسِدُ الْفَرْضَ فَقَطْ، إذَا وُجِدَ فِيهِ كَتَرْكِ قِيَامٍ، وَالصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ، وَالِائْتِمَامِ بِمُتَنَفِّلٍ، وَبِصَبِيٍّ إنْ اعْتَقَدَ جَوَازَهُ صَحَّ نَفْلًا فِي الْمَذْهَبِ، وَإِلَّا فَالْخِلَافُ، وَهِيَ فَائِدَةٌ حَسَنَةٌ.
الثَّانِي: قَوْلُهُ: قَالَ بَعْضُهُمْ وَإِنْ عَيَّنَ جِنَازَةً فَأَخْطَأَ فَوَجْهَانِ، انْتَهَى، مُرَادُهُ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: صَاحِبُ الرِّعَايَةِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْجَنَائِزِ: فَإِنْ عَيَّنَ مَيِّتًا فَبَانَ غَيْرُهُ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ، انْتَهَى، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْجَنَائِزِ1 عَنْ أَبِي الْمَعَالِي أَنَّهُ قَالَ: لَا تَصِحُّ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فَلَا نُعِيدُهُ، وَالْمُصَنِّفُ إنَّمَا ذَكَرَ كَلَامَ صَاحِبِ الرِّعَايَةِ
__________
1 3/328.(2/145)
مَا يُفْسِدُ الْفَرْضَ فَقَطْ، إذَا وُجِدَ فِيهِ، كَتَرْكِ قِيَامٍ، وَالصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ، وَالِائْتِمَامِ بِمُتَنَفِّلٍ، وَبِصَبِيٍّ إنْ اعْتَقَدَ جَوَازَهُ صَحَّ نَفْلًا فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
ضِمْنًا، لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا عين إماما أو مأموما فأخطأ.(2/146)
المذهب. وإلا فالخلاف.(2/147)
فَصْلٌ: وَيُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْمَأْمُومِ لِحَالِهِ "و" وَكَذَا نِيَّةُ الْإِمَامِ عَلَى الْأَصَحِّ "خ" كَالْجُمُعَةِ "و" وَعَنْهُ فِي الْفَرْضِ،
وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْمَأْمُومُ امْرَأَةً لَمْ يَصِحَّ ائْتِمَامُهَا بِهِ إلَّا بِالنِّيَّةِ "وهـ" لِأَنَّ صَلَاتَهُ تَفْسُدُ إذَا وَقَفَتْ بِجَنْبِهِ، وَنَحْنُ نَمْنَعُهُ، وَلَوْ سَلَّمَ فَالْمَأْمُومُ مِثْلُهُ، وَلَا يَنْوِي كَوْنَهَا مَعَهُ فِي الْجَمَاعَةِ، فَلَا عِبْرَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/147)
بِالْفَرْقِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ نَوَى الْإِمَامَةَ بِرَجُلٍ صَحَّ ائْتِمَامُ الْمَرْأَةِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا "هـ" كَالْعَكْسِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَعَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تُصَحِّحُ عَدَمَ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ لِلْإِمَامَةِ يَصِحُّ الِائْتِمَامُ بِمُنْفَرِدٍ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مُتَابَعَتُهُ، فَلَا يَلْزَمُهُ نِيَّةُ صَلَاتِهِ، كَالْمَأْمُومِ مَعَ الْمَأْمُومِ، تَحْصُلُ لَهُ فضيلة الجماعة وحده فيعايا بها وعند أبي الفرج ينوي المنفرد حاله.
وَإِنْ اعْتَقَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ إمَامُ الْآخَرِ أَوْ مَأْمُومُهُ لَمْ يَصِحَّ، نَصَّ عَلَيْهِمَا، وقيل تصح فُرَادَى "خ" جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، فِي الثَّانِيَةِ. وَإِنْ لَمْ تُعْتَبَرْ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ صَحَّتْ فِي الْأُولَى فُرَادَى، "و" وَكَذَا إنْ نَوَى إمَامَةَ مَنْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَؤُمَّهُ كَامْرَأَةٍ تؤم رجلا وَكَذَا أُمِّيٌّ قَارِئًا.
وَإِنْ شَكَّ فِي كَوْنِهِ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا لَمْ تَصِحَّ، لِعَدَمِ الْجَزْمِ بالنية. وفي المجرد: ولو بعد الفراغ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْإِمَامِ فِي الْأَشْهَرِ"خ".
وَإِنْ انْتَقَلَ مَأْمُومٌ أَوْ إمَامٌ مُنْفَرِدًا جَازَ، لِعُذْرٍ "هـ م" يُبِيحُ تَرْكَ الْجَمَاعَةِ، وَعَنْهُ وَغَيْرُ عُذْرٍ، كَزَوَالِهِ فِيهَا لَا يَلْزَمُهُ الدُّخُولُ مَعَهُ، وَكَمَسْبُوقٍ مُسْتَخْلِفٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/148)
أَثِمَ مَنْ خَلْفَهُ صَلَاتُهُمْ. وَفِي الْفُصُولِ إنْ زَالَ عُذْرُهُ فِيهَا لَزِمَهُ الِاتِّبَاعُ، لِزَوَالِ الرُّخْصَةِ، كَقَادِرٍ عَلَى قِيَامٍ بَعْدَ الْعَجْزِ. قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ تَعَجَّلَ وَلَا يَتَمَيَّزُ انْفِرَادُهُ عَنْهُ بِنَوْعِ تَعْجِيلٍ لَمْ يَجُزْ انْفِرَادُهُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الِانْفِرَادَ إذَا اسْتَفَادَ بِهِ تَعْجِيلَ لُحُوقِهِ لِحَاجَتِهِ، وَلَمْ أَجِدْ خِلَافَهُ، وَيُعَايَا بِهَا، وَإِنْ فارقه في قيام أَتَى بِبَقِيَّةِ الْقِرَاءَةِ.
وَإِنْ ظَنَّ فِي صَلَاةِ سِرٍّ أَنَّ الْإِمَامَ قَرَأَ لَمْ يَقْرَأْ، وَعَنْهُ يَقْرَأُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ الرُّكُوعَ.
وَلَوْ سَلَّمَ مَنْ لَهُ عُذْرٌ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ فَلَعَلَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ لَا يَجُوزُ، فَيُحْمَلُ فِعْلُ من فارق معاذا1 عَلَى ظَنِّ الْجَوَازِ، لَكِنْ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِ، وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْخِلَافِ وَالْمُحَرَّرِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرج البخاري "701" ومسلم "465" "178" عن جابر بن عبد الله قال: كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع فيؤم قومه فصلى ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم أتى قومه فأمهم فافتتح بسورة البقرة فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف.. الحديث.(2/149)
وَإِنْ فَارَقَهُ فِي ثَانِيَةِ الْجُمُعَةِ لِعُذْرٍ أَتَمَّ جُمُعَةً كَمَسْبُوقٍ، وَإِنْ فَارَقَهُ فِي الْأُولَى فَكَمَزْحُومٍ فِيهَا حَتَّى تَفُوتَهُ الرَّكْعَتَانِ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَصِحُّ الظُّهْرُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَتَمَّ نَفْلًا فَقَطْ.
وَلَا يَنْتَفِلُ مُنْفَرِدٌ مَأْمُومًا عَلَى الْأَصَحِّ "وهـ م ر" وَلَا إمَامًا، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَعَنْهُ يَصِحُّ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ، وَشَيْخُنَا، وَأَصْحَابُنَا "و" وَعَنْهُ نَفْلًا فَقَطْ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ.
وَإِنْ نَوَى الْإِمَامَةَ ظَانًّا حُضُورَ مَأْمُومٍ صَحَّ، لَا مَعَ الشَّكِّ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ، أَوْ أَحْرَمَ بِحَاضِرٍ فَانْصَرَفَ قَبْلَ إحْرَامِهِ، أَوْ عَيَّنَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا وَقِيلَ: أَوْ ظَنَّهُمَا، وَقُلْنَا: لَا يَجِبُ تَعْيِينَهُمَا فِي الْأَصَحِّ فَأَخْطَأَ، لَمْ يَصِحَّ، وَقِيلَ بَلَى، مُنْفَرِدًا، كَانْصِرَافِ الْحَاضِرِ بَعْدَ دُخُولِهِ مَعَهُ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَإِنْ عَيَّنَ جِنَازَةً فَأَخْطَأَ فَوَجْهَانِ، قَالَ شَيْخُنَا: إنْ عَيَّنَهُ وَقَصَدَهُ خَلْفَ مَنْ حَضَرَ، وَعَلَى مَنْ حَضَرَ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا.
وَإِذَا بَطَلَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ أَتَمَّهَا إمَامُهُ مُنْفَرِدًا، قَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ، لِأَنَّهَا لَا ضِمْنَهَا وَلَا مُتَعَلِّقَةً بِهَا، بِدَلِيلِ سَهْوِهِ وَعِلْمِهِ بِحَدَثِ نَفْسِهِ، وَعَنْهُ تَبْطُلُ، وَذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي1 قِيَاسَ الْمُذْهَبِ. وَتَبْطُلُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ إمَامِهِ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 2/511.(2/150)
"وهـ" وَعَنْهُ: لَا "وش" وَيُتِمُّونَهَا فُرَادَى وَالْأَشْهُرُ أَوْ جَمَاعَةً، وَكَذَا جَمَاعَتَيْنِ.
وَقِيلَ: هَلْ1 تَبْطُلُ بِتَرْكِ فَرْضٍ، وَبِمَنْهِيٍّ عَنْهُ كَحَدَثٍ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، اختاره القاضي، وغيره وَقِيلَ: تَبْطُلُ بِتَرْكِ شَرْطٍ، أَوْ رُكْنٍ، أَوْ تعمد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 ليست في الأصل و "س".(2/151)
الْمُفْسِدِ، وَإِلَّا فَلَا، عَلَى الْأَصَحِّ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ، "وم".
وإن سبق الإمام الحدث بطلت صلاته "وق" كتعمده، وعنه من السبيلين، وعنه يبني "وهـ م"، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رِوَايَةً تُجْبَرُ، وَهُوَ فِي كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ، قَالُوا: وَالِاسْتِئْنَافُ أَفْضَلُ لِبُعْدِهِ عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ، وَعِنْدَنَا فِي الْبِنَاءِ مَعَ حَاجَتِهِ عَمَلًا كَثِيرًا وَجْهَانِ "م 7" وَالْأَشْهَرُ و1 بطلانها نَقَلَهُ صَالِحٌ وَابْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ هَانِئٍ، وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَهُ فِي الْكَافِي2 وَالْمُذْهَبِ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَبَقَاءُ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ. وَلَهُ أَنْ يستخلف على الأصح "وهـ م"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 7: قَوْلُهُ: وَإِنْ سَبَقَ الْإِمَامُ الْحَدَثَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ.... وَعَنْهُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ وَعَنْهُ يَبْنِي، وَعَنْهُ يُخَيَّرُ، ... وَعِنْدَنَا فِي الْبِنَاءِ مَعَ حَاجَتِهِ عَمَلًا كَثِيرًا وَجْهَانِ، انْتَهَى.
أَحَدُهُمَا لَهُ الْبِنَاءُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي3 وَالشَّرْحِ4. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَإِنْ تَطَهَّرَ قَرِيبًا ثُمَّ عَادَ وَأَتَمَّ الصَّلَاةَ بِهِمْ جَازَ، وَقَالَ فِي مَكَان آخَرَ: وَإِنْ احْتَاجَ إلَى عَمَلٍ كَثِيرٍ فَوَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا لَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَوْ تَطَهَّرَ الْإِمَامُ وَأَتَمَّ بِهِمْ قَرِيبًا وَبَنَى صَحَّ، وَقَالَ فِي مَكَان آخَرَ وَعَنْهُ بَلْ يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي إنْ قَرُبَ زَمَنُهُ لِقُرْبِ الْمَاءِ مِنْهُ وَنَحْوِهِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَمْ يُحْدِثْ عَمَلًا وَلَا فَعَلَ شَيْئًا آخَرَ منهيا عنه، وقيل كثيرا. انتهى.
__________
1 ليست في "ط".
2 1/385.
3 2/507.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/385-386.(2/152)
وَلِفِعْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ1. وَالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَخْلِفْ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ أَوْ لِلْجَوَازِ، وَاحْتَجَّ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ حُكْمَ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ لَا يَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْمَأْمُومِ بِأَنْ يُحْدِثَ وَيَجِيءَ مَأْمُومٌ آخَرُ، فَكَذَا هُنَا وَالْمَنْصُوصُ وَلَوْ مَسْبُوقًا، وَأَنَّهُ يَسْتَحْلِفُ الْمَسْبُوقُ مَنْ يُسَلِّمُ بِهِمْ، قَالَ بَعْضُهُمْ أَوْ يَسْتَخْلِفُونَ هُمْ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ سَلَامُهُمْ قَبْلَهُ، وَكَذَا في المنصوص يستخلف من لم يدخل مع2 "هـ م" فَيَقْرَأُ الْحَمْدَ، لَا مَنْ ذَكَرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: وَكَذَا فِي الْمَنْصُوصِ يَسْتَخْلِفُ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ فَيَقْرَأُ الْحَمْدَ، انْتَهَى، قَطَعَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ يَقْرَأُ الْحَمْدَ، وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْقِرَاءَةِ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ الْأَوَّلُ، قَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ. وقال
__________
1 أخرج عبد الرزاق في مصنفه "3670" والبيهقي في السنن الكبرى 3/114 عن أبي رزين قال: صليت خلف عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فرعف فالتفت فأخذ بيد رجل فقدمه فصلى وخرج علي رضي الله عنه.
2 أخرج قصة استخلاف عمر لعبد الرحمن بن عوف البخاري في صحيحه "3700".(2/153)
الْحَدَثَ "م".
وَمَنْ اسْتَخْلَفَ فِيمَا لَا يُعْتَدُّ لَهُ بِهِ اعْتَدَّ بِهِ الْمَأْمُومُ، ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ: وَلَوْ اسْتَخْلَفَ مَسْبُوقًا فِي الرُّكُوعِ لَغَتْ تِلْكَ الرَّكْعَةُ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ استخلفه فيه أو بعده قرأ لنفسه وانتظره1 الْمَأْمُومُ ثُمَّ رَكَعَ وَلَحِقَ الْمَأْمُومُ.
وَلَوْ أَدَّى إمَامٌ جُزْءًا مِنْ صَلَاتِهِ بَعْدَ حَدَثِهِ بِأَنْ أحدث رَاكِعًا فَرَفَعَ وَقَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، أَوْ سَاجِدًا فَرَفَعَ وَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ إنْ قُلْنَا يَبْنِي، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَبْطُلُ، وَلَوْ لَمْ يُرِدْ أَدَاءَ رُكْنٍ "هـ ر" وَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ وَصَلَّوْا وُحْدَانًا صَحَّ "م" وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا طُعِنَ صلى الناس وحدانا2.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
بَعْضُ الْأَصْحَابِ: لَا بُدَّ مِنْ قِرَاءَةِ مَا فَاتَهُ مِنْ الْفَاتِحَةِ سِرًّا، وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ به المصنف هنا، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ يَقْرَأُ مَا فَاتَهُ مِنْ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ لِئَلَّا تَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ، ثُمَّ يَبْنِي عَلَى قِرَاءَةِ الْأَوَّلِ جَهْرًا إنْ كَانَتْ صَلَاةَ جَهْرٍ. وَقَالَ عَنْ الْمَنْصُوصِ: لَا وَجْهَ لَهُ عِنْدِي إلَّا أَنْ نَقُولَ بِأَنَّ هَذِهِ الرَّكْعَةَ لَا يُعْتَدُّ لَهُ بِهَا، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهَا بِفَرْضِ الْقِرَاءَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُسْقِطُهُ عَنْهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَأْمُومًا بِحَالٍ. أَوْ نَقُولُ: إنَّ الْفَاتِحَةَ لَا تَتَعَيَّنُ فَيَسْقُطُ فَرْضُ الْقِرَاءَةِ بِمَا يَقْرَأْهُ، انْتَهَى، وَمَا قَالَهُ هُوَ الصَّوَابُ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا قَوِيَ عِنْدَهُ مَا قَالَهُ الْمَجْدُ قَطَعَ بِهِ، وَقَدْ قَالَ الشَّارِحُ: وَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ، وَلَا يَبْنِي عَلَى قِرَاءَةِ الْإِمَامِ، لِأَنَّ الْإِمَامَ يَتَحَمَّلُ الْقِرَاءَةَ هُنَا، انْتَهَى، وَلَكِنْ كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَحْكِيَ الْخِلَافَ وَلَوْ كَانَ ضَعِيفًا، أَوْ يَذْكُرَ تَأْوِيلَ الْمَنْصُوصِ، فَإِنَّهُ يَذْكُرُ مَا هُوَ أَضْعَفُ مِنْ هَذَا، والله أعلم.
__________
1 في "ط": انتظر.
2 أخرجه البيهقي في سننه الكبرى 3/114 عن خالد بن عبد الله بن رباح السلمي.(2/154)
وَإِنْ اسْتَخْلَفُوا لِأَنْفُسِهِمْ صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ "هـ" إنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، لِأَنَّ خُلُوَّ مَكَانِ الْإِمَامِ عَنْ الْإِمَامِ يُفْسِدُ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي، وَلِهَذَا مَذْهَبُهُ لَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ وَاحِدًا لَصَارَ إمَامَ نَفْسِهِ بِلَا نِيَّةٍ، وَلَا اسْتِخْلَافٍ، لِئَلَّا تَبْطُلَ صَلَاتُهُ.
وَإِذَا تَوَضَّأَ الْإِمَامُ دَخَلَ مَعَهُ فِي صَلَاتِهِ لِتَحَوُّلِ الْإِمَامَةِ إلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُومُ الْوَاحِدُ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً فَالْأَصَحُّ فِي مَذْهَبِهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فَقَطْ، لِبَقَائِهِ بِلَا إمَامٍ.
وَيَبْنِي الْخَلِيفَةُ عَلَى فِعْلِ الْأَوَّلِ، وَعَنْهُ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ إنْ شَاءَ.
وَلَوْ قَامَ مَوْضِعَ جُلُوسِهِمْ فَظَاهِرُ الِانْتِصَارِ وَغَيْرُهُ يَسْتَخْلِفُ أُمِّيًّا فِي تَشَهُّدٍ أَخِيرٍ، وَكَذَا الِاسْتِخْلَافُ لِمَرَضٍ، أَوْ خَوْفٍ، أَوْ حَصْرٍ عَنْ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ، أَوْ قَصْرٍ وَنَحْوِهِ، وَظَاهِرُهُ وَجُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ وَاحْتِلَامٍ، وَوَافَقْنَا "هـ" عَلَى الْحَصْرِ، وَخَالَفَ صَاحِبَاهُ، وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فِي إغْمَاءٍ، وَمَوْتٍ، وَمُتَيَمِّمٍ رَأَى مَاءً. وَفِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ أَوْ بِلَا عُذْرٍ وَيُقَالُ: حَصِرَ يَحْصَرُ حَصْرًا، مِثْلُ تَعِبَ يَتْعَبُ تَعَبًا، وَهُوَ الْعِيُّ، وَالْحَصَرُ بِفَتْحَتَيْنِ أَيْضًا ضِيقُ الصَّدْرِ، وَحَصُرَ أَيْضًا بِمَعْنَى بَخِلَ، وَكُلُّ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ شَيْءٍ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَقَدْ حُصِرَ عَنْهُ، وَلِهَذَا قِيلَ حُصِرَ فِي الْقِرَاءَةِ وَحُصِرَ عَنْ أهله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/155)
وَيَأْتِي الِاسْتِخْلَافُ فِي جُمُعَةٍ1.
وَلَوْ خَرَجَ يَظُنُّ مَا خَرَجَ مِنْهُ حَدَثًا فَلَمْ يَكُنْ فَلَعَلَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ لَا يَبْنِي، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ، وَتَخْرُجُ لِخُرُوجِهِ لِإِصْلَاحِ صَلَاتِهِ، لَا لِرَفْضِهَا، كَمُتَيَمِّمٍ رَأَى سرابا ظنه ماء، وَهَلْ خَوْفُ سَبْقِ حَدَثٍ كَسَبْقِهِ فِي الْبِنَاءِ؟ يُتَوَجَّهُ خِلَافٌ "م 8".
وَفِي صِحَّةِ إمَامَةِ مَسْبُوقٍ لِآخَرَ فِي قَضَاءِ مَا فَاتَهُمَا، أَوْ مُقِيمٍ بِمِثْلِهِ إذَا سَلَّمَ إمَامٌ مُسَافِرٌ وَجْهَانِ "م 9" بناء على الاستخلاف، وعنه لا يصح هنا، اختاره صاحب المحرر "وهـ ق" وَبِلَا عُذْرِ السَّبَقِ كَاسْتِخْلَافِ إمَامِ بِلَا عُذْرٍ.
وَلَيْسَ لِأَحَدِ مَسْبُوقَيْنِ بِرَكْعَةٍ فِي جُمُعَةٍ صَلَاةُ الْأُخْرَى جَمَاعَةً، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، لِأَنَّهَا إذَا أُقِيمَتْ فِي الْمَسْجِدِ مَرَّةً لَمْ تُقَمْ فِيهِ ثانية والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 8: قَوْلُهُ وَهَلْ خَوْفُ سَبْقِ حَدَثٍ كَسَبْقِهِ فِي الْبِنَاءِ، يُتَوَجَّهُ خِلَافٌ، يَعْنِي إذَا لَمْ يُحْدِثْ وَلَكِنْ خَافَ سَبَقَهُ هَلْ يَكُونُ فِي الْبِنَاءِ كَمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ أَمْ لَا؟ وَجَّهَ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا؟ قُلْت: جَوَازُ الْبِنَاءِ هُنَا أَقْرَبُ مِمَّنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَسْأَلَةٌ 9-10: قَوْلُهُ: وَفِي صِحَّةِ إمَامَةِ مَسْبُوقٍ لِآخَرَ فِي قَضَاءِ مَا فَاتَهُمَا، وَمُقِيمٍ بِمِثْلِهِ إذَا سَلَّمَ إمَامٌ مُسَافِرٌ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى الِاسْتِخْلَافِ، انْتَهَى، وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي2 وَالشَّارِحُ وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمْ.
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَتَيْنِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى-9: إمَامَةُ مَسْبُوقٍ بِمِثْلِهِ فِي قَضَاءِ مَا فَاتَهُمَا هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا؟ أَطْلَقَ
__________
1 3/173.
2 3/76.(2/156)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الْخِلَافَ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي1 وَالْمُقْنِعِ2، وَالْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ، وَأَكْثَرُهُمْ حَكَى الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ، وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ رِوَايَتَيْنِ، مِنْهُمْ ابْنُ تَمِيمٍ.
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدْ عُلِمَ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّيْخِ، وَالشَّارِحِ، وَابْنِ حَمْدَانَ وَغَيْرِهِمْ لِبِنَائِهِمْ ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِخْلَافِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ جَوَازُ الِاسْتِخْلَافِ، فَكَذَا هُنَا، وَجَزَمَ هُنَا بِالْجَوَازِ صَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَغَيْرِهِمْ: قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، هَذَا ظَاهِرُ رِوَايَةِ مَهَنَّا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَجُوزُ، وَلَا يَصِحُّ، قَالَ الْمَجْدُ: هَذَا مَنْصُوصُ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ هُنَا، وإن جوزنا الاستخلاف، اختاره المجد في شرح
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ 10: لَوْ أَمَّ مُقِيمٌ مِثْلَهُ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ الْمُسَافِرُ فَهَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا؟ جَعَلَهَا الْمُصَنِّفُ كَاَلَّتِي قَبْلهَا حُكْمًا، وَقَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا فَكَذَا فِي هَذِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَهَذِهِ عَشْرُ مَسَائِلَ قَدْ صَحَّحْت ولله الحمد.
__________
1 1/404.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/389-390.(2/157)
باب صفة الصلاة
مدخل
...
بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ
يُسْتَحَبُّ الْخُرُوجُ إلَيْهَا بِسَكِينَةٍ، وَوَقَارٍ، لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ1 زَادَ مُسْلِمٌ2 "فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا كَانَ يَعْمِدُ إلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ" وَيُقَارِبُ خُطَاهُ، وَيَقُولُ مَا وَرَدَ3، وَلَا يُشَبِّكُ أَصَابِعَهُ، وَإِنْ سَمِعَ الْإِقَامَةَ لَمْ يَسْعَ إلَيْهَا، ذَكَرَهُ عَنْهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَنَصُّهُ لَا بَأْسَ بِهِ يَسِيرًا إنْ رَجَا التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ جَاءَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ.
وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك"، وَيَقُولُهُ إذَا خَرَجَ، إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ "أَبْوَابَ فَضْلِك" 4. نَصَّ عَلَيْهِ، وَيُتَوَجَّهُ: يَتَعَوَّذُ إذَا خَرَجَ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَجُنُودِهِ لِلْخَبَرِ5، ثُمَّ يُسَوِّي الْإِمَامُ الصُّفُوفَ بِالْمَنَاكِبِ وَالْأَكْعُبِ، وَيُكْمِلُ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، فَيَتَرَاصُّونَ، وَيَمِينُهُ وَالصَّفُّ الْأَوَّلُ لِلرِّجَالِ أَفْضَلُ، قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: وَلَهُ ثَوَابُ مَنْ وَرَاءَهُ مَا اتصلت الصفوف لاقتدائهم به.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرج البخاري "366" ومسلم "602" "151" عن أبي هريرة رضي الله عنهعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم الإقامة فامشوا وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا".
2 في صحيحه "602" "152".
3 من ذلك قوله: "اللهم اجعل في قلبي نورا وفي لساني نورا واجعل في سمعي نورا واجعل في بصري نوار واجعل من خلفي نورا ومن أمامي نورا والجعل من فوقي نورا ومن تحتي نورا اللهم أعطني نورا". أخرجه مسلم "763".
4 هذا نص حديث أخرجه مسلم "713" "68".
5 أخرج ابن السني في "عمل اليوم والليلة" 155 من حديث أبي أمامة: "فإن أحدكم إذا أراد أن يخرج من المسجد تداعت جنود إبليس وأجلبت واجتمعت كما تجتمع النحل على يعسوبها فإذا قام أحدكم على باب المسجد فليقل: اللهم إني أعوذ بك من إبليس وجنوده. فإنه إذا قالها لم يضره"(2/158)
قَالَ الْأَصْحَابُ: وَكُلَّمَا قَرَّبَ مِنْهُ أَفْضَلُ، وَقَرَّبَ الْأَفْضَلَ وَالصَّفَّ مِنْهُ. وَلِلْأَفْضَلِ تَأْخِيرُ الْمَفْضُولِ، وَالصَّلَاةُ مَكَانَهُ، ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، لِأَنَّ أُبَيًّا نَحَّى قَيْسَ بن عباد1، وَقَامَ مَكَانَهُ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: يَا بُنَيَّ لَا يَسُؤْك اللَّهُ، فَإِنِّي لَمْ آتِك الَّذِي أَتَيْت بِجَهَالَةٍ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنَا: "كُونُوا فِي الصَّفِّ الَّذِي يَلِينِي" وَإِنِّي نَظَرْت فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ فَعَرَفْتُهُمْ غَيْرَك، إسْنَادُهُ جَيِّدٌ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ2، وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُنَحِّيه مِنْ مَكَانِهِ فَهُوَ رَأْيُ صَحَابِيٍّ، مَعَ أَنَّهُ فِي الصَّحَابَةِ مَعَ التَّابِعِينَ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: فِي الْإِيثَارِ بِمَكَانِهِ، وَفِيمَنْ سَبَقَ إلَى مَكَان لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ "م 1" وَيَأْتِي في الجنائز3.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 1: قَوْلُهُ: وَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُ الْمَفْضُولِ وَالصَّلَاةِ مَكَانَهُ، ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: فِي الْإِيثَارِ بِمَكَانِهِ، وَفِيمَنْ سَبَقَ إلَى مَكَان لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، انْتَهَى.
ظَاهِرُ كَلَامِهِ: تَقْوِيَةُ الثَّانِي وَهُوَ عَدَمُ الْجَوَازِ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَطَعَ بِهِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي4 وَالشَّرْحِ5، قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: يُؤَخِّرُ الصِّبْيَانَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّمَانِينَ. وَقَالَ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ حَمَلَ فِعْلَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَعَ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، انْتَهَى، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ فِي النُّكَتِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ النَّقْلَ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ هَلْ يُؤَخَّرُ الْمَفْضُولُ بحضور الفاضل، أو لا
__________
1 هو: أبو عبد الله قيس بن عباد القيسي البضعي البصري قدم المدينة في خلافة عمر "تهذيب الكمال" 6/124.
2 أحمد "21264". والنسائي 2/88.
3 3/321.
4 3/17.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/344.(2/159)
وَخَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَالنِّسَاءُ بِالْعَكْسِ1، وَأَمَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِتَأْخِيرِهِنَّ، فَلِهَذَا تُكْرَهُ صَلَاةُ رَجُلٍ بَيْنَ يَدَيْهِ امْرَأَةٌ تُصَلِّي، وَإِلَّا فلا، نص عليه وكرهه "م" إلَّا أَنْ تَكُونَ مَحْرَمًا لَهُ، وَيَأْتِي كَلَامُ الْقَاضِي فِي صَلَاةِ مَنْ يَلِيَهَا.
وَظَاهِرُ مَا حَكَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: أَنَّ تَقَدُّمَهُ أفضل. وفي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
أو يُؤَخَّرُ، أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْجِنْسِ وَالْأَجْنَاسِ، أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْجَنَائِزِ، وَمَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ، فِيهِ أقوال. انتهى
__________
1 أخرج مسلم "440" "132" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها".(2/160)
وَصِيَّةٍ ابْنِ الْجَوْزِيِّ لِوَلَدِهِ أَقْصِدُ وَرَاءَ الْإِمَامِ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ أَنَّ بَعْدَ يَمِينِهِ لَيْسَ أَفْضَلَ من قرب يَسَارِهِ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/161)
وَفِي كَرَاهَةِ تَرْكِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ لِقَادِرٍ وَجْهَانِ "م 2" وَهُوَ مَا يَقْطَعُهُ الْمِنْبَرُ "و" وَعَنْهُ:
مَا يَلِيه، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يُحَافِظُ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَإِنْ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ، وَيَتَوَجَّهُ مِنْ نَصِّهِ يسرع إلى الأولى1 لِلْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، وَالْمُرَادُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ إذَا لَمْ تَفُتْهُ الْجَمَاعَةُ مُطْلَقًا، وَإِلَّا حَافَظَ عَلَيْهَا فَيُسْرِعُ2 لَهَا. وَيَتَوَجَّهُ لِخَبَرِ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ شَيْخِنَا، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، رَأَى رَجُلًا بَادِيًا صَدْرُهُ فَقَالَ: "لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ": فَيُحْتَمَل أَنَّهُ يَمْنَعُ الصِّحَّةَ، وَيُحْتَمَلُ لَا، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا3، وَتَمَامُ الشَّيْءِ يَكُونُ وَاجِبًا، وَمُسْتَحَبًّا "م 3"، لكن قد يدل على حقيقة الصَّلَاةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 2: قَوْلُهُ: وَفِي كَرَاهَةِ تَرْكِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ لِقَادِرٍ وَجْهَانِ، انْتَهَى.
أَحَدُهُمَا: يُكْرَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ، هَذَا الْمَشْهُورُ، وَهُوَ أَوْلَى، انْتَهَى، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، قُلْت وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُكْرَهُ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، فَإِنَّهُ قَالَ لَا يُكْرَهُ تَطَوَّعُ الْإِمَامُ فِي مَوْضِعِ الْمَكْتُوبَةِ، وَقَاسَهُ عَلَى تَرْكِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ لِلْمَأْمُومِينَ، قُلْت وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا.
مَسْأَلَةٌ 3: قَوْلُهُ: ثُمَّ يُسَوِّي الْإِمَامُ الصُّفُوفَ، وَيَتَوَجَّهُ يَجِبُ تَسْوِيَةُ الصُّفُوفِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ شَيْخِنَا، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَمْنَعَ الصِّحَّةَ، وَيُحْتَمَلُ لَا، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ" 3. وَتَمَامُ الشَّيْءِ يكون
__________
1 في "ط": الأول.
2 في الأصل و "ب": فيشرع. وانظر المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/405.
3 الأول: البخاري "717". ومسلم "436" "717". الثاني: البخاري "723" ومسلم "433" "124".(2/162)
بِدُونِهِ، وَكَالْجَمَاعَةِ، لَكِنْ رَوَى الْبُخَارِيُّ1: أَنَّ أَنَسًا قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَقَالَ: مَا أَنْكَرْت شَيْئًا إلَّا أنكم لا تقيمون الصفوف، وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ2: إثْمَ مَنْ لَمْ يُقِمْ الصُّفُوفَ، وَمَنْ ذَكَرَ الْإِجْمَاعَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فَمُرَادُهُ ثُبُوتُ اسْتِحْبَابِهِ، لَا نَفْيُ وُجُوبِهِ.
وَلَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِقَوْلِهِ قَائِمًا فِي فَرْضٍ: اللَّهُ أَكْبَرُ. مرتبا "وم" لَا اللَّهُ الْأَكْبَرُ "ش" أَوْ اللَّهُ جَلِيلٌ، وَنَحْوُهُ "هـ" وَلَوْ زَادَ أَكْبَرُ "ش" وَاَللَّهُ أَقْبُرُ بِالْقَافِ "هـ" قَالُوا: لِأَنَّ الْعَرَبَ تُبَدِّلُ الْكَافَ بِهَا، وَلَا اللَّهُ، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ، وَسَلَّمَ الْحَنَفِيَّةُ الْأَذَانَ لِيَحْصُلَ الْإِعْلَامُ، وَقَوْلُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، لِأَنَّهُ سُؤَالٌ، وَكَذَا اللَّهُمَّ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ، لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ يَا اللَّهُ أَمِّنَّا بِخَيْرٍ، وَتَصِحُّ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ يَا اللَّهُ، وَالْمِيمُ الْمُشَدَّدَةُ بَدَلٌ عَنْ حَرْفِ النِّدَاءِ. وَفِي الرِّعَايَةِ وَجْهٌ فِي اللَّهُ أَكْبَرُ وَالْكَبِيرُ، أَوْ التَّنْكِيسُ، وَفِي التَّعْلِيقِ أَكْبَرُ كَالْكَبِيرِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ أَبْلُغَ إذَا قِيلَ: أَكْبَرُ مِنْ كَذَا، وَهَذَا لَا يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ كَذَا قَالَ، وَإِنْ تَمَّمَهُ رَاكِعًا أَوْ أَتَى بِهِ فِيهِ، أَوْ كَبَّرَ قَاعِدًا، أَوْ أَتَمَّهُ قَائِمًا انْعَقَدَتْ فِي الْأَصَحِّ نَفْلًا، وَتُدْرَكُ الرَّكْعَةُ إنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي نَفْلٍ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي.
وَلَا تَنْعَقِدُ إنْ مَدَّ هَمْزَةَ اللَّهِ، أَوْ أَكْبَرَ، أَوْ قَالَ "أَكِبَارُ" "و" وَلَا يَضُرُّ لَوْ خَلَّلَ الْأَلِفَ بَيْنَ اللَّامِ وَالْهَاءِ، لِأَنَّهُ إشْبَاعٌ، وحذفها أولى، لأنه يكره تمطيطه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَاجِبًا وَمُسْتَحَبًّا، انْتَهَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي النُّكَتِ وَعَلَى هَذَا فَفِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِهِ مَحَلُّ نَظَرٍ، انْتَهَى، قُلْت: الصَّوَابُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يذكر هذا التفريع غير المصنف.
__________
1 في صحيحه "724".
2 في صحيحه قبل الحديث "724". ينظر: فتح الباري 2/245.(2/163)
وَالزِّيَادَةُ عَلَى التَّكْبِيرِ. قِيلَ يَجُوزُ، وَقِيلَ يُكْرَهُ "م 4" ويتعلمه من جهله، فقيل فِيمَا قَرُبَ، وَقِيلَ: يَلْزَمُ الْبَادِيَ قَصْدُ الْبَلَدِ "م هـ" وَإِنْ عَلِمَ بَعْضَهُ أَتَى بِهِ وَإِنْ عَجَزَ أَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ كَبَّرَ بِلُغَتِهِ، وعنه لا "وم" كَقَادِرٍ "هـ" فَيُحْرِمُ بِقَلْبِهِ، وَقِيلَ: يَجِبُ تَحْرِيكُ لسانه "وش" ومثله أخرس ونحوه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 4: قَوْلُهُ: وَالزِّيَادَةُ عَلَى التَّكْبِيرِ قِيلَ تَجُوزُ، وَقِيلَ تُكْرَهُ، انْتَهَى وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، أَوْ اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَجَلُّ، أَوْ وَأَعْظَمُ وَنَحْوُهُ.
أَحَدُهُمَا: يُكْرَهُ، قَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَجُوزُ، قَالَ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ جَازَ، وَلَمْ يُسْتَحَبَّ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَمْ يُسْتَحَبَّ، قَالَ فِي الْمُغْنِي1 وَالشَّرْحِ2 وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ: لَوْ قَالَ ذَلِكَ لَمْ يُسْتَحَبَّ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَصَحَّتْ الصَّلَاةُ فَكَلَامُهُمْ مُحْتَمِلٌ لِلْقَوْلَيْنِ. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: لَوْ قَالَ ذَلِكَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ كَرَاهَةً وَلَا غَيْرَهَا.
مَسْأَلَةٌ 5: قَوْلُهُ: وَيَتَعَلَّمُهُ مَنْ جَهِلَهُ قِيلَ فِيمَا قَرُبَ، وَقِيلَ: يَلْزَمُ الْبَادِيَ قَصْدُ الْبَلَدِ، انْتَهَى، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَمَنْ جَهِلَهُ تَعَلَّمَهُ فِي مَكَانِهِ، أَوْ فِيمَا قَرُبَ مِنْهُ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَإِنْ كَانَ فِي الْبَادِيَةِ لَزِمَهُ قَصْدُ الْبَلَدِ لِتَعَلُّمِهِ، انْتَهَى، فَظَاهِرُ هَذَا لُزُومُ التَّعَلُّمِ مُطْلَقًا، قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يُعَلِّمُهُ قصد البلد، والله أعلم.
__________
1 2/129.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/410.(2/164)
وَيُسْتَحَبُّ جَهْرُ إمَامٍ بِهِ، بِحَيْثُ يُسْمِعُ مَنْ خَلْفَهُ، وَأَدْنَاهُ سَمَاعُ غَيْرِهِ، وَيُكْرَهُ جَهْرُ غَيْرِهِ بِهِ، وَلَا يُكْرَهُ لِحَاجَةٍ، وَلَوْ بِلَا إذْنِ إمَامٍ "و" بَلْ يُسْتَحَبُّ بِهِ وَبِالتَّحْمِيدِ، لَا بِالتَّسْمِيعِ، وَجَعَلَهُ الْقَاضِي دَلِيلًا لِعُلُوِّ الْإِمَامِ عَلَى الْمَأْمُومِ لِلتَّعْلِيمِ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ، كَإِسْمَاعِ أَبِي بَكْرٍ تَكْبِيرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ1، وَيُتَوَجَّهُ فِي ذَلِكَ الرِّوَايَةُ فِي خِطَابِ آدَمِيٍّ بِهِ، لِأَنَّ أَحْمَدَ عَلَّلَ الْفَسَادَ بِأَنَّهُ خَاطَبَ آدَمِيًّا، وَفِي التَّعْلِيقِ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِهِ، وَإِنْ
كَانَ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ فالوجه وجوب الإسرار، وقاله بعض المالكية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه البخاري "664" ومسلم "418" "90" عن عائشة قالت: لما مرض رسول الله مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن فقال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس ... " الحديث.(2/165)
وَهُوَ رُكْنٌ بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ، وَمَعَ عُذْرٍ بِحَيْثُ يَحْصُلُ السَّمَاعُ مَعَ عَدَمِهِ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا الِاكْتِفَاءَ بِالْحُرُوفِ وَإِنْ لَمْ يُسْمِعْهَا، وَذَكَرَهُ وجها "وم" وَكَذَا ذُكِرَ وَاجِبٌ، وَالْمُرَادُ إلَّا أَنَّ الْأَمَامَ يُسِرُّ التَّحْمِيدَ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي. وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ كَقَوْلِ شَيْخِنَا، وَاعْتَبَرَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا سَمَاعَ مَنْ بِقُرْبِهِ، وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُ، كُلَّمَا تَعَلَّقَ بِالنُّطْقِ، كَطَلَاقٍ وَغَيْرِهِ، وِفَاقًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَسَبَقَ فِي قِرَاءَةِ الْجُنُبِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/166)
وَمَنْ تَرْجَمَ عَنْ مُسْتَحِبٍّ بَطَلَتْ، نَصَّ عَلَيْهِ "وم" وَقِيلَ: إنْ لَمْ يُحْسِنْهُ أَتَى بِهِ، "وش".
وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ "و" نَدْبًا. نَصَّ عَلَيْهِ، أَوْ إحْدَاهُمَا عَجْزًا مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ، "وش" وَيُنْهِيَهُ مَعَهُ نَصَّ عَلَيْهِ وَعَنْهُ يَرْفَعُهُمَا قَبْلَهُ، ثُمَّ يَحُطُّهُمَا بَعْدَهُ، وِفَاقًا لِلْحَنَفِيَّةِ، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا حَطَّهُمَا بَعْدَهُ، لِأَنَّهُ يَنْفِي الْكِبْرِيَاءَ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ، وَبِالتَّكْبِيرِ يُثْبِتُهَا لِلَّهِ، وَالنَّفْيُ مُقَدَّمٌ، كَكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ، وَقِيلَ يُخَيَّرُ، وَهُوَ أَظْهَرُ، وَلَا يَرْفَعُهُمَا مَعَهُ، ثُمَّ يَحُطُّهُمَا بَعْدَهُ "ش".
وَيَجْعَلُ أَصَابِعَهُمَا مَضْمُومَةً، وَعَنْهُ مُفَرَّقَةً "وش" مُسْتَقْبِلًا بِبُطُونِهِمَا الْقِبْلَةَ "وش" وَقِيلَ: قَائِمَةً حَالَ الرَّفْعِ وَالْحَطِّ "وم ر" وَيَجْعَلُ رُءُوسَهُمَا إلَى مَنْكِبَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/167)
"وم ش" وَعَنْهُ إلَى فُرُوعِ أُذُنَيْهِ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ "وهـ" وَعَنْهُ يُخَيَّرُ، وَهِيَ أَشْهُرُ، وَعَنْهُ إلَى صَدْرِهِ، وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ يُجَاوِزُ بِهَا أُذُنَيْهِ، وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَعَلَهُ1. وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: يَجْعَلُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِبْهَامَيْهِ عِنْدَ شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ، وَقَالَهُ فِي التَّعْلِيقِ، وَأَنَّ الْيَدَ إذَا أُطْلِقَتْ اقْتَضَتْ الْكَفَّ، وَأَنَّ أَحْمَدَ أَوْمَأَ إلَى هَذَا الْجَمْعِ، وَهُوَ تَحْقِيقُ مَذْهَبِ "ش" وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مَكْشُوفَتَانِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ هُنَا وَفِي الدُّعَاءِ، وَرَفْعُهُمَا إشَارَةٌ إلَى رَفْعِ الْحِجَابِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، كَمَا أَنَّ السَّبَّابَةَ إشَارَةٌ إلَى الْوَحْدَانِيَّةِ ذَكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ.
وَيَرْفَعُ لِعُذْرٍ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ، وَيُسْقِطُ بِفَرَاغِ التَّكْبِيرِ كُلِّهِ، ثُمَّ يَجْمَعُ الْيُمْنَى عَلَى كُوعِ الْيُسْرَى "م" نَصَّ عَلَيْهِ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ بَعْضُهَا عَلَى الْكَفِّ، وَبَعْضُهَا عَلَى الذِّرَاعِ، لَا بَطْنُهَا عَلَى ظَاهِرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى "هـ" وَجَزَمَ بِمِثْلِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَزَادَ الرُّسْغَ وَالسَّاعِدَ، وَقَالَ: وَيَقْبِضُ بِأَصَابِعِهِ عَلَى الرُّسْغِ، وَفَعَلَهُ أَحْمَدُ، وَمَعْنَاهُ ذُلٌّ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ عَزَّ، نَقَلَهُ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الرَّقِّيُّ2. تَحْت سُرَّتِهِ "وهـ" قِيلَ لِلْقَاضِي: هُوَ عَوْرَةٌ فَلَا يَضَعُهَا عَلَيْهِ كَالْعَانَةِ وَالْفَخِذِ، فَأَجَابَ بِأَنَّ الْعَوْرَةَ أَوْلَى وَأَبْلَغُ بِالْوَضْعِ عَلَيْهِ، لِحِفْظِهِ، ثُمَّ يُقَابِلُهُ بِقِيَاسٍ سَبَقَ، وَعَنْهُ تَحْتَ صَدْرِهِ "وم ش" وَعَنْهُ يُخَيَّرُ، اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ3 وَالْمُحَرَّرِ، وَعَنْ أَحْمَدَ أَوْ يرسلهما، وعنه: نفلا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرج البخاري "736" ومسلم "391" "25" عن ابن عمر قال: رأيت رسول صلى الله عليه وسلم إذا قام في الصلاة رفع بيديه حتى يكونا حذو منكبيه وكان يفعل ذلك إذا رفع رأسه من الركوع ويقول: سمع الله لمن حمده. ولايفعل ذلك في السجود.
2 أحمد بن يحى بن حيان الرقي أحد من روى عن الإمام أحمد. "طبقات الحنابلة" 1/48.
3 ص 55.(2/168)
وَيُكْرَهُ وَضْعُهُمَا عَلَى صَدْرِهِ نَصَّ عَلَيْهِ1 مَعَ أَنَّهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ2.
وَيَنْظُرُ مَحَلَّ سُجُودِهِ لَا أَمَامَهُ "م" أَطْلَقَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ، قَالَ الْقَاضِي وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ: إلَّا حَالَ إشَارَتِهِ بِالتَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إلَى سَبَّابَتِهِ، لِخَبَرِ ابْنِ الزُّبَيْرِ3 وَفِي الْغُنْيَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ إلْصَاقُ الْحَنَكِ بِالصَّدْرِ، وَعَلَى الثَّوْبِ، وَأَنَّهُ يُرْوَى عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ مِنْ الصَّحَابَةِ كَرِهَتْهُ.
ثُمَّ يَسْتَفْتِحُ "م" سِرًّا "و" "بِسُبْحَانِك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك"4 "وهـ" نَصَّ عَلَيْهِ، وَصَحَّحَ قَوْلَ عُمَرَ بِمَحْضَرِ الصَّحَابَةِ، وَبِأَنَّهُ يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وُجُوهٍ لَيْسَتْ بِذَاكَ، وَقَالَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَخْبَارِ إنَّمَا هِيَ عِنْدِي فِي التَّطَوُّعِ وَاحْتَجَّ الْقَاضِي بِقَوْلِهِ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور:48] يَعْنِي إلَى الصَّلَاةِ، فَمَنَعَ غَيْرُهُ مِنْ الْإِذْكَارِ وَمَعْنَى الْوَاوِ وَبِحَمْدِك سَبَّحْتُك. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: تَنْوِينُ إلَهٍ أَفْضَلُ لِزِيَادَةِ حَرْفٍ.
وَلَيْسَ: وَجَّهْت وَجْهِي، وَالْآيَةُ بَعْدَهَا أَفْضَلُ" "ش" لِخَبَرِ عَلِيٍّ5 كُلِّهِ، وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ قَوْلَ مَا فِي خَبَرِ عَلِيٍّ، وَاخْتَارَ ابْنُ هُبَيْرَةَ وَشَيْخُنَا جَمَعَهُمَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 مسائل الإمام احمد لأبي داود: 31.
2 لم نجده عند أحمد في "مسنده" وأخرجه أبو داود "759". عن طاوس قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضع يده اليمنى على يده اليسرى ثم يشد بينهما على صدره وهو في الصلاة.
3 هو قوله: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا جلس في الصلاة وضع كفة اليسرى على فخذه اليسرى وكفه اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بأصبعة السبابة لايجاوز بصره إشارته. أخرجه أبو داود "990" النسائي 3/39.
4 هذا نص حديث أخرجه أبو داود "766" والترمذي "243".
5 أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا قام إلى الصلاة قَالَ: "وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حنيفا وما أنا من المشركين" الحديث أخرجه مسلم "771" "201" مطولا.(2/169)
وَيَجُوزُ بِمَا وَرَدَ نَصٌّ عَلَيْهِ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَقُولُ "وَجَّهْت وَجْهِي" إلَى آخِرِهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ لِخَبَرِ عَلِيٍّ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي غَيْرِهِ، وَقَدْ قِيلَ لِأَحْمَدَ: تَقُولُ قَبْلَ التَّكْبِيرِ شَيْئًا؟ قَالَ لَا. وَقَالَ شَيْخُنَا أَيْضًا: الْأَفْضَلُ أَنْ يَأْتِيَ بِكُلِّ نَوْعٍ أَحْيَانَا، وَكَذَا قَالَهُ فِي أَنْوَاعِ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَنَّ الْمَفْضُولَ قَدْ يَكُونُ أَفْضَلَ لِمَنْ انْتِفَاعُهُ بِهِ أَتَمُّ.
ثُمَّ يَتَعَوَّذُ "م" سِرًّا "و" أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ "و" وَكَيْفُ تَعَوَّذَ فَحَسَنٌ، وَلَيْسَا وَاجِبَيْنِ. نَصَّ عَلَيْهِ "و" وَعَنْهُ بَلَى، اخْتَارَهُ ابْنُ بَطَّةَ، وَعَنْهُ:
التَّعَوُّذُ، وَيَسْقُطَانِ بِفَوَاتِ مَحِلِّهِمَا، وَاسْتَحَبَّ شَيْخُنَا التَّعَوُّذَ أَوَّلَ كُلِّ قُرْبَةٍ.
ثُمَّ يَقْرَأُ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:1] "م" سِرًّا "وهـ" وَعَنْهُ جَهْرًا "وش" وَعَنْهُ بِالْمَدِينَةِ، وَعَنْهُ يَجْهَرُ فِي نَفْلٍ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/170)
يَجْهَرُ بِهَا وَبِالتَّعَوُّذِ وَبِالْفَاتِحَةِ فِي الْجِنَازَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ أَحْيَانًا، فَإِنَّهُ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ تَعْلِيمًا لِلسُّنَّةِ، وَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَيْضًا لِلتَّأْلِيفِ، كَمَا اسْتَحَبَّ أَحْمَدُ تَرْكَ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ تَأْلِيفًا لِلْمَأْمُومِ.
وَيُخَيَّرُ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ فِي الْجَهْرِ بِهَا، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، قَالَ الْقَاضِي:
كَالْقِرَاءَةِ وَالتَّعَوُّذِ، وَعَنْهُ يَجْهَرُ، وَعَنْهُ لَا.
وَلَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ عَلَى الْأَصَحِّ "وهـ م" كَغَيْرِهَا "ق" وَذَكَرَهُ الْقَاضِي "ع" سَابِقًا وَهِيَ قُرْآنٌ عَلَى الْأَصَحِّ "م" آيَةٌ مِنْهُ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى هَذَا الْمُصْحَفِ. وَهِيَ بَعْضُ آيَةٍ فِي النَّمْلِ "عِ" فَلِهَذَا نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ لَا تُكْتَبُ أَمَامَ الشِّعْرِ، وَلَا مَعَهُ، وَذَكَرَ عَنْ الشَّعْبِيِّ إنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَهُ، قَالَ الْقَاضِي وَلِأَنَّهُ يَشُوبُهُ الْكَذِبُ، وَالْهَجْوُ غَالِبًا، وَذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ1: أَنَّهُ كَرِهَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَالزُّهْرِيُّ، وَأَجَازَهُ النَّخَعِيُّ، وَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ، قَالَ شَيْخُنَا: وَتُكْتَبُ أَوَائِلَ الْكُتُبِ كَمَا كَتَبَهَا سُلَيْمَانُ، وَكَتَبَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلح الحديبية2، وإلى قيصر3,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 هو: أبو أحمد بن محمد بن إسماعيل المرادي المصري النحاس مفسر أديب. له "تفسير القرآن".
"الأعلام" 1/208.
2 أخرج قصة صلح الحديبية البخاري "2731" "2732".
3 أخرجه البخاري "7" ومسلم "1773" "74".(2/171)
وَغَيْرِهِ. فَتُذْكَرُ فِي ابْتِدَاءِ جَمِيعِ الْأَفْعَالِ، وَعِنْدَ دُخُولِ الْمَنْزِلِ، وَالْخُرُوجِ، لِلْبَرَكَةِ، وَهِيَ تَطْرُدُ الشَّيْطَانَ، وَإِنَّمَا اسْتَحَبَّ إذَا ابْتَدَأَ فِعْلًا تَبَعًا لِغَيْرِهَا لَا مُسْتَقِلَّةً، فَلَمْ تُجْعَلْ كَالْحَمْدَلَةِ، وَالْهَيْلَلَةِ وَنَحْوِهِمَا.(2/172)
فَصْلٌ: ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ،
وَهِيَ رُكْنٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ "وم ش" وَعَنْهُ: فِي الْأَوَّلَيْنِ، وَعَنْهُ تَكْفِي آيَةٌ مِنْ غَيْرِهَا "وهـ" وَظَاهِرُهُ وَلَوْ قَصُرَتْ "وهـ" وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ كَلِمَةً، وَلِلْحَنَفِيَّةِ خِلَافٌ، لَا بَعْضَ آيَةٍ طَوِيلَةٍ "هـ" وَعِنْدَ صَاحِبِيهِ يَكْفِي آيَةٌ طَوِيلَةٌ، أَوْ ثَلَاثٌ قِصَارٌ، وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ رِوَايَةَ سَبْعٍ، وَعَنْهُ مَا تَيَسَّرَ، وَعَنْهُ لَا تَجِبُ قِرَاءَةٌ فِي غَيْرِ الْأَوَّلِيَّيْنِ وَالْفَجْرِ "وهـ" فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ شَاءَ سَبَّحَ، وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ مَعَ أَنَّ مَذْهَبَ "هـ" لَوْ اسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ، قَالَ أَصْحَابُهُ كَأَنَّ قِرَاءَةَ الْأَوَّلِيَّيْنِ مَوْجُودَةً فِي الْأُخْرَيَيْنِ تَقْدِيرًا، وَالشَّيْءُ إنَّمَا يَثْبُتُ تَقْدِيرًا لَوْ أَمْكَنَ تَحْقِيقًا، وَالْأُمِّيُّ لِعَجْزِهِ لَا تَقْدِيرَ فِي حَقِّهِ، وَكَذَا لَوْ قَدَّمَهُ عِنْدَهُ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، وَعَنْهُ إنْ نَسِيَهَا فِيهِمَا قَرَأَهَا فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، رَوَاهُ النَّجَّادُ1 بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، زَادَ عَبْدُ اللَّهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: وَإِنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الثَّلَاثِ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الرَّابِعَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَاسْتَأْنَفَهَا، وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَقْضِي الْفَاتِحَةَ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ، وَعِنْدَ أَكْثَرِهِمْ يَقْضِي السُّورَةَ فِيهِمَا، قِيلَ نَدْبًا، وَقِيلَ وُجُوبًا، ثُمَّ هَلْ يَجْهَرُ بِهَا أَمْ بِالسُّورَةِ أَمْ لَا؟ فِيهِ رِوَايَاتٌ عَنْ "هـ".
وَهِيَ أَفْضَلُ سُورَةٍ قَالَهُ شَيْخُنَا، وَذَكَرَ مَعْنَاهُ ابْنُ شهاب وغيره، قال عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 هو أبوبكر بن سليمان بن الحسن النجاد شيخ علماء بغداد. له: السنن والخلاف. "ت348هـ".
السير 15/502 الأعلام 1/131.(2/172)
السَّلَامُ فِيهَا: "أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ، وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيته" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ1 مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى.
وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ أَعْظَمُ آيَةً، كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ2 عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَرَوَى أَحْمَدُ3 ذَلِكَ، فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يَقُولُ بِهِ، وَلِلتِّرْمِذِيِّ4 وَغَيْرِهِ: "أَنَّهَا سَيِّدَةُ آيِ الْقُرْآنِ"، وَقَالَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَغَيْرُهُ وَقَالَهُ شَيْخُنَا، قَالَ: كَمَا نَطَقَتْ بِهِ النُّصُوصُ، وَلَكِنْ عَنْ إِسْحَاقَ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَقِلَّتِهِ، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الْعِدَّةِ فِي النُّسَخِ، فِي قَوْله تَعَالَى: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} [البقرة:106] ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ فِي بَعْضِهَا مِنْ الْإِعْجَازِ أَكْثَرُ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ5 فِي {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:] "ثُلُثُ الْقُرْآنِ، وَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ" وَرَوَاهُ أَحْمَدُ6، قَالَ شَيْخُنَا: مَعَانِي الْقُرْآنِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ. تَوْحِيدٌ، وَقَصَصٌ، وَأَمْرٌ وَنَهْيٌ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ مُضَمَّنَةٌ ثُلُثَ التَّوْحِيدِ، وَإِذَا قِيلَ ثَوَابُهَا يَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فَمُعَادِلَةُ الشَّيْءِ لِلشَّيْءِ تَقْتَضِي تَسَاوِيهُمَا فِي الْقَدْرِ، لَا تَمَاثُلِهِمَا فِي الْوَصْفِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ
{أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً} [المائدة:95] وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَغْنَى بِقِرَاءَتِهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عَنْ قِرَاءَةِ سَائِرِ الْقُرْآنِ، لِحَاجَتِهِ إلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَالْقَصَصِ، كَمَا لَا يُسْتَغْنَى مَنْ مَلَكَ نَوْعًا مِنْ الْمَالِ شَرِيفًا عَنْ غَيْرِهِ، وَسَأَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ قَرَأَ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 في صحيحيه "4474".
2 في صحيحيه "810" "258" من حديث أبي بن كعب.
3 في مسنده "21278".
4 في سننه "2878" من حديث أبي هريرة.
5 البخاري "5013" ومسلم "812" "261" من جديث أبي هريرة.
6 في مسنده "9535".(2/173)
" {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ" 1. فَلَمْ يَقُمْ عَلَى أَمْرٍ بَيِّنٍ، قَالَ الْقَاضِي: وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ أَحْمَدَ لَمْ يَأْخُذْ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَأَنَّ ثَوَابَ قَارِئَهَا ثَوَابُ مَنْ قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَفَاضَلَ، وَالْجَمِيعُ صِفَةٌ لِلَّهِ، وَيَكُونُ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى تَعْلِيمِهِ وَالتَّرْغِيبِ فِي قِرَاءَتِهِ، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ إِسْحَاقُ، وَكَذَا قَالَ: وَلَا تَحْتَمِلُ الرِّوَايَةُ مَا قَالَهُ، فَأَيْنَ ظَاهِرُهَا؟ وَلَا يُعْرَفُ فِي الْمَذْهَبِ قَبْلَ الْقَاضِي كَمَا لَا يُعْرَفُ قَبْلَ الْأَشْعَرِيِّ2.
وَفِي الْفَاتِحَةِ إحْدَى عَشْرَةَ تَشْدِيدَةً فَلَوْ تَرَكَ وَاحِدَةً ابْتَدَأَ "وش" وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ بِتَرْكِهِ، لِأَنَّهُ صِفَةٌ فِي الْكَلِمَةِ يَبْقَى مَعْنَاهَا بِدُونِهِ كَالْحَرَكَةِ، ويقال قرأ الفاتحة، وقيل بتليينه.
وَإِنْ قَطَعَهَا بِذِكْرٍ أَوْ قُرْآنٍ أَوْ دُعَاءٍ أَوْ سُكُوتٍ وَكَانَ ذَلِكَ غَيْرَ مَشْرُوعٍ طَوِيلًا، وَقِيلَ أَوْ قَصِيرًا عَمْدًا، وَقِيلَ أَوْ لَا أو ترك ترتيبها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" 686.
2 هو: أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق من نسل أبي موسى الأشعري مؤسس مذهب الأشاعرة. من مصنفاته: "مقالات الإسلاميين", "الإبانة عن أصول الديانة", "إمامة الصديق" وغيرها. "ت 324هـ". الأعلام 4/263.(2/174)
وَقِيلَ: عَمْدًا ابْتَدَأَ، لَا بِنِيَّةِ قَطْعِهَا، وَقِيلَ: وَلَمْ يَسْكُتْ.
و {مَالِكِ} أَحَبُّ إلَى أَحْمَدَ مِنْ {مَلِكِ} وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ1:
قَالَ ثَعْلَبٌ: "مَالِكِ" أَمْدَحُ مِنْ مَلِكِ، لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الِاسْمِ وَالصِّفَةِ.
وَإِذَا فَرَغَ قَالَ آمِينَ "و" يَجْهَرُ بِهَا الْإِمَامُ، وَالْمَأْمُومُ فِيمَا يجهر به "وش" قيل: بعده، وقيل: معه "م 6" "وش" وعنه ترك الجهر "وهـ م".
والأولى المد، ويحرم تشديد الْمِيمِ، وَإِنْ تَرَكَهُ الْإِمَامُ أَتَى بِهِ الْمَأْمُومُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 6: قَوْلُهُ: فَإِذَا فَرَغَ قَالَ آمِينَ يَجْهَرُ بِهَا الْإِمَامُ، وَالْمَأْمُومُ فِيهَا يَجْهَرُ بِهِ قِيلَ بَعْدَهُ، وَقِيلَ مَعَهُ انْتَهَى:
أَحَدُهُمَا: يَقُولُهُ مَعَ الْإِمَامِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي2، وَالْكَافِي3 وَالتَّلْخِيصِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالشَّرْحِ4، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَقُولُهُ بَعْدَ الْإِمَامِ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَحَوَاشِي الْمُصَنِّفِ، على المقنع وتجريد العناية وغيرهم.
__________
1 1/165.
2 2/161.
3 1/292.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/448.(2/175)
كَالتَّعَوُّذِ، وَيَجْهَرُ بِالتَّأْمِينِ لِيُذَكِّرَهُ، وَلَوْ أَسَرَّهُ الْإِمَامُ جَهَرَ بِهِ الْمَأْمُومُ.
وَمَنْ قَرَأَ غَيْرُهُ لَمْ يُعِدْهُ، وَإِنْ قَالَ: آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فَقِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ لَا يُسْتَحَبُّ، "ش" لِأَنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إبْرَاهِيمَ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا قَالَ مَا سَمِعْت ذِكْرَهُ القاضي.
وَيُسْتَحَبُّ سُكُوتُهُ بَعْدَهَا قَدْرَ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ "وش" وَعَنْهُ يَسْكُتُ قَبْلَهَا، وَعَنْهُ لَا يَسْكُتُ لِقِرَاءَةِ مَأْمُومٍ مُطْلَقًا "وهـ م" حَتَّى فِي كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ يَحْرُمُ سُكُوتُهُ، لِأَنَّ السُّكُوتَ بِلَا قِرَاءَةٍ حَرَامٌ، حَتَّى لَوْ سَكَتَ طَوِيلًا سَاهِيًا لَزِمَهُ سُجُودُ السَّهْوِ.
وَيَلْزَمُ الْجَاهِلَ تَعَلُّمُهَا، وَيَسْقُطُ بِضِيقِ الْوَقْتِ، وَقِيلَ: لَا، إلَّا أَنْ يُطَوِّلَ. قَالَ فِي الْفُنُونِ: وَيَحْرُمُ بَذْلُ الْأُجْرَةِ وَأَخْذُهَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِنَا فِي الْأُجْرَةِ عَلَى الْقُرَبِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ قَوْلَهُ {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا} [البقرة:159] الْآيَةُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ إظْهَارِ عُلُومِ الدِّينِ مَنْصُوصَةً أَوْ مُسْتَنْبَطَةً، وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ لِوُجُوبِ فِعْلِهِ.
وَيَقْرَأُ قَدْرَهَا فِي الْحُرُوفِ وَالْآيَاتِ، وَقِيلَ أَوْ أحدهما، وقيل: الآيات، وعنه تجزئ آيَةٌ، وَيُكَرِّرُ مَنْ عَرَفَ آيَةً بِقَدْرِهَا، وَعَنْهُ لَا يَجِبُ، وَقِيلَ: يَقْرَأُ الْآيَةَ وَشَيْئًا مِنْ غَيْرِهَا.
وَمَنْ جَهِلَهُ حَرُمَ تَرْجَمَتُهُ عَنْهُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ فِي الْمَنْصُوصِ "وم ش" كَعَالِمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/176)
"هـ" وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ، مَعَ أَنَّ عِنْدَهُمْ يُمْنَعُ مِنْ اعْتِيَادِ الْقِرَاءَةِ، وَكِتَابَةِ الْمُصْحَفِ بِغَيْرِهَا، لَا من فعله في آيتين قال: أَصْحَابُنَا: تَرْجَمَتُهُ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا تُسَمَّى قُرْآنًا، فَلَا تَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ، وَلَا يَحْنَثُ بِهَا مَنْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ. قَالَ أَحْمَدُ: الْقُرْآنُ مُعْجِزٌ بِنَفْسِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِعْجَازَ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى.
وَفِي بَعْضِ آيِهِ إعْجَازٌ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَفِي كَلَامِهِ فِي التَّمْهِيدِ فِي النُّسَخِ وَكَلَامِ أَبِي الْمَعَالِي لَا. وَهُوَ فِي كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ وَالْآيَةُ، قَالَ ابْنُ حَامِدٍ فِي أُصُولِهِ: الْأَظْهَرُ فِي جَوَابِ أَحْمَدَ بَقَاءُ الْإِعْجَازِ فِي الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ.
وَقِيلَ لِلْقَاضِي: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِعْجَازَ فِي اللَّفْظِ بَلْ فِي الْمَعْنَى، فَقَالَ: الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الْإِعْجَازَ فِي اللَّفْظِ وَالنَّظْمِ دُونَ الْمَعْنَى أَشْيَاءُ: مِنْهَا أَنَّ الْمَعْنَى يُقَدَّرُ عَلَى مِثْلِهِ كُلُّ أَحَدٍ، يُبَيِّنُ صِحَّةَ هَذَا قَوْلُهُ: {قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود:13] وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ التَّحَدِّيَ بِأَلْفَاظِهَا وَلِأَنَّهُ قَالَ: {مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} ، وَالْكَذِبُ لَا يَكُونُ مِثْلَ الصِّدْقِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مِثْلُهُ فِي اللَّفْظِ وَالنَّظْمِ.
قَالَ شَيْخُنَا: يَحْسُنُ لِلْحَاجَةِ تَرْجَمَتُهُ لِمَنْ يَحْتَاجُ إلَى تَفَهُّمِهِ إيَّاهُ بِالتَّرْجَمَةِ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ هَذَا الْمَعْنَى، وَحَصَلَ الْإِنْذَارُ بِالْقُرْآنِ دُونَ تِلْكَ اللُّغَةِ كَتَرْجَمَةِ الشَّهَادَةِ.
وتلزمه الصلاة خلف قارئ في وجه "وم" وَقَالَهُ "هـ" إنْ صَادَفَهُ حَاضِرًا مُطَاوِعًا، وَيُتَوَجَّهُ عَلَى الْأَشْهَرِ يَلْزَمُ غَيْرَ حَافِظٍ يَقْرَأُ مِنْ مصحف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
تَنْبِيهٌ" قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُهُ، يَعْنِي: مَنْ لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ الصَّلَاةُ خَلْفَ قَارِئٍ فِي وَجْهٍ، انْتَهَى. ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْمَشْهُورَ عَدَمُ اللُّزُومِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي الإمامة والقول باللزوم جزم به الناظم.(2/177)
"وش" وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ.
وَيَلْزَمُهُ "وش" قَوْلُ: "سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ" وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، لِخَبَرِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى1 وَلَمْ يَأْمُرْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالصَّلَاةِ خَلْفَ قَارِئٍ.
وَعَنْهُ يُكَرِّرُهُ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي يَأْتِي بِالذِّكْرِ الْمَذْكُورِ، وَيَزِيدُ كَلِمَتَيْنِ مِنْ أَيِّ ذِكْرٍ شَاءَ، وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ يَحْمَدُ وَيُكَبِّرُ، وَذَكَرَ ابْنُهُ فِي التَّبْصِرَةِ يُسَبِّحُ، وَنَقَلَهُ صَالِحٌ وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ وَيَعْقُوبُ وَيُكَبِّرُ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ وَيُهَلِّلُ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ يَحْمَدُ وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ، وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ رِفَاعَةَ2، فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ الْكُلَّ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَلَا شَيْءَ مُعَيَّنٍ.
وَإِنْ عَرَفَ بَعْضَهُ كَرَّرَهُ بِقَدْرِهِ وَإِلَّا وَقَفَ بِقَدْرِ الْقِرَاءَةِ "و" وَمَنْ صَلَّى وَتَلَقَّفَ الْقِرَاءَةَ مِنْ غيره صحت، ذكره في النوادر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 قال: جاء رجل إلى النبي فقال: إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا ما يجزئني منه قال: "قل سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا الله، والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله". قال: يارسول الله هذا لله عز وجل فمالي قال: "قل: اللهم ارحمني وارزقني وعافني واهدني". فلما قام قال هكذا فقال رسول الله "أما هذا فقد ملأ يده من الخير". أخرجه أبو داود 832.
2 في سنن أبي داود 861 ولفظه: "فتوضأ كما أمرك الله عز وجل ثم تشهد فأقم ثم كبر فإن كان معك قرآن فاقرأ به وإلا فاحمد الله وكبره وهلله".(2/178)
فَصْلٌ: ثُمَّ يَقْرَأُ الْبَسْمَلَةَ
"هـ وم" فِي غَيْرِ رَمَضَانَ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .(2/178)
لَا يَدَعُهَا، قِيلَ لَهُ: يَقْرَؤُهَا فِي بَعْضِ سُورَةٍ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ، وَسُورَةٌ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ فِي الْفَجْرِ، وَهُوَ مِنْ قَافٍ. وَفِي الْفُنُونِ مِنْ الْحُجُرَاتِ. وَفِي الْمَغْرِبِ مِنْ قِصَارِهِ، وَفِي الْبَاقِي مِنْ الْوَسَطِ.
وَعَنْهُ يَجِبُ بَعْدَهَا قِرَاءَةٌ "خ" فَظَاهِرُهُ وَلَوْ بَعْضَ آيَةٍ، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَعَلَى الْمُذْهَبِ تُكْرَهُ الْفَاتِحَةُ فَقَطْ، وَيُسْتَحَبُّ سُورَةٌ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: يَجُوزُ آيَةٌ، إلَّا أَنَّ أَحْمَدَ اسْتَحَبَّ كَوْنَهَا طَوِيلَةً. فَإِنَّهُ قَالَ: تُجْزِئُ مَعَ الْحَمْدِ آيَةٌ، مِثْلُ آيَةِ الدَّيْنِ، وَالْكُرْسِيِّ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَجِبُ الْفَاتِحَةُ وَسُورَةٌ بَعْدَهَا، أَوْ ثَلَاثُ آيَاتٍ، عَمَلًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، حَتَّى تُكْرَهُ الصَّلَاةُ بِدُونِهِمَا. وَلَا تَفْسُدُ.
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: وَفِي الظُّهْرِ أَزْيَدُ مِنْ الْعَصْرِ، وَنَقَلَ حَرْبٌ فِي الْعَصْرِ نِصْفَ الظُّهْرِ، لِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ1.
وَإِنْ عَكَسَ بِلَا عُذْرٍ فَقِيلَ يُكْرَهُ، وَقِيلَ لَا، كَمَرِيضٍ وَمُسَافِرٍ وَنَحْوِهِمَا، وَاسْتَحَبَّهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ لِذَلِكَ، وَنَصُّهُ تُكْرَهُ الْقِصَارُ فِي الْفَجْرِ، لَا الطِّوَالُ فِي الْمَغْرِبِ "م 7".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 7: قَوْلُهُ: فَإِنْ عَكَسَ بِلَا عُذْرٍ، يَعْنِي أَوْ قَرَأَ فِي الْفَجْرِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْمَغْرِبِ بِطِوَالِهِ فَقِيلَ يُكْرَهُ، وَقِيلَ لَا، وَنَصُّهُ تُكْرَهُ الْقِصَارُ فِي الْفَجْرِ، لَا الطِّوَالُ فِي الْمَغْرِبِ، انْتَهَى الْمَنْصُوصُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ فِي الْفَجْرِ وَجَزَمُوا بِهِ في
__________
1 أخرجه مسلم "452" "156" ولفظه: كنا نحرز قيام رسول الله في الظهر والعصر فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر قراءة آلم تنزيل السجدة وحزرنا قيامه في الأخريين قدر النصف من ذلك. وحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الأخريين من الظهر وفي الأخريين من العصر على النصف من ذلك.(2/179)
وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ أَنَّ الْمَرِيضَ وَالْمُسَافِرَ كَصَحِيحٍ وَحَاضِرٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْكَرَاهَةِ، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ فِي اسْتِحْبَابِ الْقِصَارِ لِضَرُورَةٍ، وَإِلَّا تَوَسَّطَ، وَالْأَشْهَرُ لِلْحَنَفِيَّةِ: الظُّهْرُ كَالْفَجْرِ.
قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: وَلَا يعتد بالسورة قبل الفاتحة. ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْمَغْرِبِ، وَصَرَّحَ فِي الْوَاضِحِ بِالْكَرَاهَةِ فِي الْمَغْرِبِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي حَوَاشِي الْمُقْنِعِ: الْكَرَاهَةُ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ، وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ، مِنْ أَعْيَانِ الْأَصْحَابِ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَالشَّارِحُ وَابْنُ رَزِينٍ وَالزَّرْكَشِيُّ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي1 وَالْأَمْرُ فِي هَذَا وَاسِعٌ، انْتَهَى، قُلْت: الصَّوَابُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ أَحْيَانًا لَمْ يُكْرَهْ، وَهُوَ ظَاهِرُ بَحْثِ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ وغيرهم.
__________
1 2/164.(2/180)
وَلَهُ قِرَاءَةُ أَوَاخِرِ السُّوَرِ "م" وَأَوْسَاطِهَا. وَجَمْعُ سُورَتَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي الْفَرْضِ "وم ش" كَتَكْرَارِ سُورَةٍ فِي رَكْعَتَيْنِ، وَتَفَرُّقِ سُورَةٍ فِي رَكْعَتَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِمَا لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ1، مَعَ أَنَّهُ لَا تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَى سُورَةٍ فِي رَكْعَةٍ، ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَدَلَّ أَنَّ فِي سُورَةٍ وَبَعْضِ أُخْرَى كَسُورَتَيْنِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ "وهـ" وَعَنْهُ الْمُدَاوَمَةُ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ جَمْعُ سُورَتَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي فَرْضٍ، قَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ فِي جَمْعِ سُوَرٍ فِي فَرْضٍ: الْعَمَلُ عَلَى مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ: لَا بَأْسَ. وَكَذَا صَحَّحَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَأَنَّهُ رِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ، وَأَنَّ عَكْسَهُ نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ.
وَتَجُوزُ قِرَاءَةُ أَوَائِلِهَا "م" وقيل أواخرها أولى.
وَتُكْرَهُ قِرَاءَةُ كُلِّ الْقُرْآنِ فِي فَرْضٍ لِعَدَمِ نَقْلِهِ وَلِلْإِطَالَةِ، وَعَنْهُ لَا.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا تُكْرَهُ مُلَازَمَةُ سُورَةٍ مَعَ اعْتِقَادِ جَوَازِ غَيْرِهَا، وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ وَتَخْرِيجٌ وِفَاقًا لِأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ لِعَدَمِ نقله.
وتكره البسملة أول براءة2، وَالْفَصْلُ بِهَا بَيْنَ أَبْعَاضِ السُّوَرِ، وَيَحْرُمُ إنْ اعْتَقَدَهُ قُرْبَةً، نَقَلَ أَبُو دَاوُد فِيمَنْ يَقْرَأُ الْعَشْرَ أَوْ السَّبْعَ يُبَسْمِلُ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ كَمَا فِي الْمُصْحَفِ. وَيُكْرَهُ تنكيس السور "وش" في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرج النسائي في "المجتبى" 2/170 عن عائشة رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ في صلاة المغرب بسورة الأعراف وفرقها ركعتين.
2 في "ط": بدئه.(2/181)
رَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ كَالْآيَاتِ "و": وَعَنْهُ: لَا. اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ لِلْأَخْبَارِ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ، فَدَلَّ عَلَى التَّسْوِيَةِ "وم" فِي رَكْعَتَيْنِ، وَكَرِهَهُ فِي رَكْعَةٍ، وَفِي غَيْرِ صَلَاةٍ، وَعِنْدَ شَيْخِنَا تَرْتِيبُ الْآيَاتِ وَاجِبٌ، لِأَنَّ تَرْتِيبَهَا بِالنَّصِّ "ع"، وَتَرْتِيبُ السُّوَرِ بِالِاجْتِهَادِ، لَا بِالنَّصِّ فِي قَوْلِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمْ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، قَالَ شَيْخُنَا: فَيَجُوزُ قِرَاءَةُ هَذِهِ قَبْلَ هَذِهِ، وَكَذَا فِي الْكِتَابَةِ، وَلِهَذَا تَنَوَّعَتْ مَصَاحِفُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي كِتَابَتِهَا، لَكِنْ لَمَّا اتَّفَقُوا عَلَى الْمُصْحَفِ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ صَارَ هَذَا مِمَّا سَنَّهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، وَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ1 عَلَى أَنَّ لَهُمْ سُنَّةً يَجِبُ اتِّبَاعُهَا، وَسَأَلَهُ حَرْبٌ عَمَّنْ يَقْرَأُ أَوْ يَكْتُبُ مِنْ آخِرِ السُّورَةِ إلَى أَوَّلِهَا فَكَرِهَهُ شَدِيدًا.
وَفِي التَّعْلِيقِ فِي أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ: مَوَاضِعُ الْآيِ كَالْآيِ أَنْفُسِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ رَامَ إزَالَةَ تَرْتِيبِهَا كَمَنْ رَامَ إسْقَاطِهَا، وإثبات الآي لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين. عضوا عليها بالنواجذ" رواه أبو داود "4607", والترمذي "2676", عن أبي نجيح العرباض بن سارية.(2/182)
يَجُوزُ إلَّا بِالتَّوَاتُرِ، كَذَلِكَ مَوَاضِعُهَا. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّ تَنْكِيسَ الْآيَاتِ يُكْرَهُ "ع" لِأَنَّهُ مُظِنَّةُ تَغْيِيرِ الْمَعْنَى، بِخِلَافِ السُّورَتَيْنِ، كَذَا قَالَ، فَيُقَالُ فَيَحْرُمُ لِلْمَظِنَّةِ، وَالْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِخَوْفِ تَغْيِيرِ الْمَعْنَى، قَالَ: إلَّا مَا ارْتَبَطَتْ وَتَعَلَّقَتْ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ كَسُورَةِ الْفِيلِ مَعَ سُورَةِ قُرَيْشٍ عَلَى رَأْيٍ. فَحِينَئِذٍ يُكْرَهُ، وَلَا يَبْعُدُ تَحْرِيمُهُ عَمْدًا، لِأَنَّهُ تَغْيِيرُ لِمَوْضِعِ السُّورَةِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ1 عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكٍ2 "أَنَّ رَجُلًا عِرَاقِيًّا جَاءَ عَائِشَةَ فَقَالَ: أَيُّ الْكَفَنِ خَيْرٌ؟ فَقَالَتْ: وَيْحَكَ، وَمَا يَضُرُّك؟ قَالَ: أَرِينِي مُصْحَفَك؛ قَالَتْ: لِمَ؟ قَالَ: لَعَلِّي أُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُقْرَأُ غَيْرَ مُؤَلَّفٍ، قَالَتْ: وَمَا يَضُرُّك أَيُّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ، إلَى أَنْ قَالَتْ: فَأَخْرَجْتُ لَهُ الْمُصْحَفَ فَأَمْلَيْت عَلَيْهِ آيَ السُّوَرِ.
وَتَنْكِيسُ الْكَلِمَاتِ مُحَرَّمٌ مُبْطِلٌ "و" وَتَصِحُّ بِمَا وَافَقَ مُصْحَفَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "و" زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْعَشَرَةِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ إلَّا بِقِرَاءَةِ حَمْزَةَ، وَعَنْهُ وَالْكِسَائِيِّ، وَلَمْ يَكْرَهْ أَحْمَدُ غَيْرَهُمَا، وَعَنْهُ وَإِدْغَامُ أَبِي عَمْرٍو الْكَبِيرِ، وَحُكِيَ عَنْهُ يَحْرُمُ، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ إنَّمَا كَرِهَ قِرَاءَةَ حَمْزَةَ لِلْإِدْغَامِ الشَّدِيدِ، فَيَتَضَمَّنُ إسْقَاطَ حَرْفٍ بِعَشْرِ حَسَنَاتٍ، وَالْإِمَالَةُ الشَّدِيدَةُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمُنَادِي3 عَنْ زَيْدِ بْنِ ثابت مرفوعا: "أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 برقم "4993".
2 هو: يوسف بن ماهك بن بهزاد الفارسي المكي من موالي أهل مكة. "ت 113هـ". سير أعلام النبلاء 5/68.
3 هو: الحسين أحمد بن جعفر بن محمد بن عبيد الله بن أبي داود ابن المنادي البغدادي المقرئ صاحب التآليف. "ت 336هـ". سير أعلام النبلاء 15/326.(2/183)
الْقُرْآنَ نَزَلَ بِالتَّفْخِيمِ" 1.وَلِكَرَاهَةِ السَّلَفِ. وَالْقِرَاءَةُ سُنَّةٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي لُغَةِ قُرَيْشٍ، فَعَلَى هَذَا إنْ أَظْهَرَ وَلَمْ يُدْغِمْ وَفَتَحَ وَلَمْ يُمِلْ فَلَا كَرَاهَةَ، نَقَلَهُ جَمَاعَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الْكَرَاهَةِ. وَاخْتَارَ قِرَاءَةَ نَافِعٍ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ2 عَنْهُ، لِأَنَّ إسْمَاعِيلَ قَرَأَ عَلَى شَيْبَةَ3 شَيْخِ نَافِعٍ.
وَعَنْهُ قِرَاءَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ سَوَاءٌ، قَالَ: لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَدٌّ وَلَا هَمْزٌ كَأَبِي جَعْفَرٍ يَزِيدَ بْنِ الْقَعْقَاعِ4، وَشَيْبَةَ، وَمُسْلِمٍ5، وَقَرَأَ نَافِعٌ عَلَيْهِمْ، وَظَاهِرُ تَعْلِيلِهِ السَّابِقِ إلَّا قِرَاءَةَ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدُبٍ المدني لأنه يهمز، ذكره القاضي,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أخرجه الحاكم في "المستدرك" 2/231.
2 هو: أبو إسحاق إسماعيل بن جعفر الأنصاري المدني قرأ على نافع وكان مقرئ المدينة في زمانه.
"ت 180هـ" سير أعلام النبلاء 8/228..
3 هو: شيبة بن نصاح بن يعقوب المخزومي المدني قاضي المدينة وإمام أهلها في القراءات.
"ت 130هـ". الأعلام 3/181.
4 هو: أبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني أحد الإئمة العشرة في علوم القراءات. "ت 127هـ". سير أعلام النبلاء 5/287.
5 أبو عبد الله مسلم بن جندب الهذلي مولاهم المددني القاص تابعي مشهور. مات بعد سنة عشر ومئة تقريبا, "غاية النهاية في طبقات القراء" 2/297.(2/184)
ثُمَّ قِرَاءَةُ عَاصِمٍ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ لِأَنَّهُ قَرَأَ عَلَى أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ1، وَقَرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَزَيْدٍ، وَأُبَيِّ بن كعب، وابن مسعود، وظاهركلام أَحْمَدَ: أَنَّهُ اخْتَارَهَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ2 عَنْهُ، لِأَنَّهُ أَضْبَطُ مَنْ أَخَذَهَا عَنْهُ مَعَ عِلْمٍ وَعَمَلٍ وَزُهْدٍ، وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ اخْتَارَ قِرَاءَةَ أَهْلِ الْحِجَازِ، قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا يَعُمُّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ، وَقَالَ لَهُ الْمَيْمُونِيُّ: أَيُّ الْقِرَاءَاتِ تَخْتَارُ لِي فَأَقْرَأُ بِهَا؟ قَالَ: قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ لُغَةُ قُرَيْشٍ وَالْفُصَحَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَفِي الْمُذْهَبِ تُكْرَهُ قِرَاءَةُ مَا خَالَفَ عُرْفَ الْبَلَدِ وَإِنْ كَانَ فِي قِرَاءَةٍ زِيَادَةُ حَرْفٍ مِثْلَ "فَازَ لَهُمَا فَازَا لَهُمَا وَوَصَّى وَأَوْصَى" فَهِيَ أَوْلَى لِأَجَلِ الْعَشْرِ حَسَنَاتٍ، نَقَلَهُ حَرْبٌ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا أَنَّ الْحَرْفَ الْكَلِمَةُ. وَتُكْرَهُ بِمَا خَالَفَ الْمُصْحَفَ وَصَحَّ سَنَدُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَتَصِحُّ فِي رِوَايَةٍ، لِصَلَاةِ الصَّحَابَةِ بَعْضُهُمْ خَلْفَ بَعْضٍ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّهَا أَنَصُّهُمَا، وَأَنَّ قَوْلَ أَئِمَّةِ السَّلَفِ وَغَيْرِهِمْ إنَّ مُصْحَفَ عُثْمَانَ أَحَدُ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ، وَعَنْهُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ "و" وَأَنَّهُ يَحْرُمُ لِعَدَمِ تَوَاتُرِهِ "م 8" وفي تعليق الأحكام به
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 8: وَيُكْرَهُ بِمَا خَالَفَ الْمُصْحَفَ، وَصَحَّ سَنَدُهُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَيَصِحُّ فِي رِوَايَةٍ لِصَلَاةِ الصَّحَابَةِ بَعْضُهُمْ خَلْفَ بَعْضٍ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّهَا أَنَصُّهُمَا، وَأَنَّ قَوْلَ أَئِمَّةِ السَّلَفِ وَغَيْرِهِمْ إنَّ مُصْحَفَ عُثْمَانَ أَحَدُ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ، وَعَنْهُ أَنَّهَا لَا تصح، وأنه يَحْرُمُ لِعَدَمِ تَوَاتُرِهِ، انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي3، وَالشَّرْحِ4، وَالنَّظْمِ، وَظَاهِرُ شَرْحِ الْمَجْدِ إطلاق الخلاف أيضا:
__________
1 هو: أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن محمد بن موسى الأزدي السلمي الأم النيسابوري شيخ خراسان وصاحب التصانيف. "ت 412هـ". سير أعلام النبلاء 17/247.
2 هو: أبوبكر شعبة بن عياش بن سالم الأسدي الكوفي المقرئ "ت 193هـ". سير أعلام النبلاء 8/495.
3 2/166.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/469.(2/185)
الرِّوَايَتَانِ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: لَا تَبْطُلُ وَلَا تُجْزِئُ عَنْ رُكْنِ الْقِرَاءَةِ.
وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ فِي الْفَجْرِ وَالْأُولَيَيْنِ مِنْ الْعِشَاءَيْنِ "ع" وَيُخَيَّرُ الْمُنْفَرِدُ "وهـ" وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ "هـ" وَعَنْهُ يسن "وم ش" وَقِيلَ: يُكْرَهُ كَالْمَأْمُومِ "و" وَحُكِيَ فِيهِ قَوْلٌ.
وَالْمَرْأَةُ إذَا لَمْ يَسْمَعْهَا أَجْنَبِيٌّ قِيلَ: تَجْهَرُ كَرَجُلٍ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ "م 9" قَالَ أَحْمَدُ: لا ترفع صوتها، قال القاضي: أطلق المنع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ1، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ، وَيَصِحُّ إذَا صَحَّ سَنَدُهُ، اخْتَارَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَ الْمَجْدِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: وَفِي تَعْلِيقِ الْأَحْكَامِ بِهِ الرِّوَايَتَانِ، يَعْنِي بِهِمَا هاتين، وقد علمت المذهب منهما.
مَسْأَلَةٌ 9: وَالْمَرْأَةُ إذَا لَمْ يَسْمَعْهَا أَجْنَبِيٌّ قِيلَ: تَجْهَرُ كَرَجُلٍ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ، انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ:
أَحَدُهُمَا: يَحْرُمُ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا تَرْفَعُ صَوْتَهَا، قَالَ الْقَاضِي أَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْمَنْعَ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: تَجْهَرُ كَالرَّجُلِ إذَا لَمْ يسمع صوتها أجنبي، قلت وهو الصواب،
__________
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/469.(2/186)