فلا يكريها بطعام مسمى) رواه أبو داود وابن ماجه.
وروى ظهير بن رافع قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (ما تصنعون بمحاقلكم؟) قلت نؤاجرها على الربع أو على الأوسق من التمر أو الشعير قال (لا تفعلوا أزرعوها أو أمسكوها) متفق عليه.
وروى أبو سعيد قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمحاقلة إستكراء الأرض بالحنطة ولنا قول رافع فاما بشئ معلوم مضمون فلا بأس به ولأنه عوض معلوم مضمون لا يتخذ وسيلة إلى الربا فجازت إجارتها بها كالأثمان وحديث رافع وظهير قد سبق الكلام عليه في المزارعة على انه يحتمل النهي عن إجارتها بذلك إذا كان خارجاً منها، ويحتمل النهي عنه إذا أجرها بالربع والأوسق وحديث أبي سعيد يحتمل المنع من كرائها بالحنطة إذا أكتراها لزرع الحنطة (القسم الثاني) إجارتها بطعام معلوم من جنس ما يزرع فيها كإجارتها بقفزان حنطة ليزرعها فقال أبو الخطاب فيها روايتان (إحداهما) المنع وهي التي ذكرها القاضي مذهبا وهي قوال مالك لما ذكرنا من الأحاديث ولأنه ذريعة إلى المزارعة عليها بشئ معلوم من الخارج منها لأنه يجعل مكان قوله زارعتك أجرتك فتصير(5/597)
مالك بما روى رافع بن خديج عن بعض عمومته قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كانت له أرض(5/598)
فلا يكريها بطعام مسمى) رواه أبو داود وابن ماجه.
وروى ظهير بن رافع قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (ما تصنعون بمحاقلكم؟) قلت نؤاجرها على الربع أو على الأوسق من التمر أو الشعير قال (لا تفعلوا أزرعوها أو أمسكوها) متفق عليه.
وروى أبو سعيد قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمحاقلة إستكراء الأرض بالحنطة ولنا قول رافع فاما بشئ معلوم مضمون فلا بأس به ولأنه عوض معلوم مضمون لا يتخذ وسيلة إلى الربا فجازت إجارتها بها كالأثمان وحديث رافع وظهير قد سبق الكلام عليه في المزارعة على انه يحتمل النهي عن إجارتها بذلك إذا كان خارجاً منها، ويحتمل النهي عنه إذا أجرها بالربع والأوسق وحديث أبي سعيد يحتمل المنع من كرائها بالحنطة إذا أكتراها لزرع الحنطة (القسم الثاني) إجارتها بطعام معلوم من جنس ما يزرع فيها كإجارتها بقفزان حنطة ليزرعها فقال أبو الخطاب فيها روايتان (إحداهما) المنع وهي التي ذكرها القاضي مذهبا وهي قوال مالك لما ذكرنا من الأحاديث ولأنه ذريعة إلى المزارعة عليها بشئ معلوم من الخارج منها لأنه يجعل مكان قوله زارعتك أجرتك فتصير(5/597)
مزارعة بلفظ الإجارة والذرائع معتبرة (والثانية) جواز ذلك اختارها أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة والشافعي لما ذكرنا في القسم الأول ولأن ما جازت إجارته بغير المطعوم جازت به كالدور (القسم الثالث) إجارتها بجزء مشاع مما يخرج منها كنصف وثلث فالمنصوص عن أحمد جوازه وهو قول أكثر الأصحاب، واختار أبو الخطاب أنها لا تصح وهو قول أبي حنيفة والشافعي وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لما تقدم من الأحاديث في النهي من غير معارض لها، ولأنها إجارة بعوض مجهول فلم تصح كإجارتها بثلث ما يخرج من أرض أخرى، فأما نص أحمد في الجواز فيتعين حمله على المزارعة بلفظ الإجارة فيكون حكمها حكم المزراعة فيما ذكرنا من أحكامها، ذكرناه في المساقاة (تم بحمد الله وعونه الجزء الخامس.
)(5/598)
بسم الله الرحمن الرحيم (باب الإجارة) والأصل في جوازها الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) وقال تعالى قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين * قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج) وروى ابن ماجة في سننه عن عتبة بن الندر قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ (طس) حتى إذا بلغ قصة موصى قال " إن موسى عليه السلام أجر نفسه ثماني حجج أو عشراً على عفة فرجه وطعام بطنه " وقال الله تعالى (قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا) وهذا يدل على جواز أخذ الأجرة على إقامة الجدار وأما السنة فثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر استأجرا رجلا من بني الديل هادياً خريتاً.
وروي البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " قال الله عزوجل ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل(6/2)
أعطى بى ثمن غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يوفه أجره " وأجمع أهل العلم في كل عصر على جواز الإجارة إلا ما يحكى عن عبد الرحمن بن الأصم أنه قال: لا يجوز
ذلك لأنه غرر يعني أنه يعقد على منافع لم تخلق.
وهذا غلط لا يمنع انعقاد الإجماع الذي سبق في الأعصار وسائر الأمصار.
والعبرة أيضا دالة عليها فإن الحاجة إلى المنافع كالحاجة إلى الأعيان فلما جاز العقد على الأعيان وجب أن تجوز الإجارة على المنافع، ولا تخقى حاجة النا س إلى ذلك فإنه ليس لكل أحد دار يملكها ولا يقدر كل مسافر على بعير أو دابة يملكها ولا يلزم أصحاب الأملاك إسكانهم وحملهم تطوعا، وكذلك أصحاب الصنائع يعملون بأجر ولا يمكن كل أحد عمل ذلك ولا يجد متطوعا به، فلابد من الإجارة لذلك بل ذلك مما جعله الله تعالى طريقا إلى الرزق حتى إن أكثر المكاسب بالصنائع، وما ذكره من الغرر لا يلتفت إليه مع ما ذكرنا من الحاجة فإن العقد على المنافع لا يمكن بعد وجودها لأنها تتلف بمضي الأوقات فاحتيج إلى العقد عليها قبل وجودها كالسلم في الأعيان.
واشتقاق الإجارة من الأجر وهو العوض، قال الله تعالى (قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا) ومنه سمي الثواب أجراً لأن الله تعالى يعوض العبد به على طاعته، أو صبره على مصيبته * (مسألة) * (وهي عقد على المنافع تنعقد بلفظ الإجارة والكراء وما في معناهما، وفي لفظ البيع وجهان) الإجارة عقد على المنافع في قول أكثر العلماء منهم أبو حنيفة ومالك وأكثر الشافعية، وذكر(6/3)
بعضهم أن المعقود عليه العين لأنها الموجودة والعقد يضاف إليها فيقول أجرتك داري ولنا أن المعقود على المستوفى بالعقد وذلك هو المنافع دون الأعيان ولان الأجر في مقابلة المنفعة وبهذا يضمن دون العين وما كان العوض في مقابلته فهو المعقود عليه وإنما أضيف العقد إلى العين لأنها محل المنفعة، وكما يضاف عقد المساقاة إلى البستان والمعقود عليه الثمرة، ولو قال أجرتك منفعة داري جاز (فصل) وهي نوع من البيع لأنها تمليك من كل واحد منهما لصاحبه فهي بيع المنافع والمنافع كالأعيان لأنها يصح تمليكها في الحياة وبعد الموت وتضمن باليد والإتلاف وتكون عوضا عينا ودينا وإنما اختصت باسم كالصرف والسلم مع كونه بيعا، فعلى هذا تنعقد بلفظ الإجارة والكراء لأنهما موضوعان لها، وكذلك كل ما يؤدي معناهما لحصول المقصود به، وهل تنعقد بلفظ البيع؟ فيه
وجهان [أحدهما] تنعقد به لأنها بيع فانعقدت بلفظه كالصرف [والثاني] لا تنعقد به لأن فيها معنى خاصا فافتقرت إلى لفظ يدل على ذلك المعنى، ولأن الإجارة تضاف إلى العين التي يضاف إليها البيع إضافة واحدة فاحتيج إلى لفظ يعرف ويفرق بينهما كالعقود المتباينة.
ولأنها عقد يخالف البيع في الحكم والاسم أشبه النكاح (فصل) ولا تصح إلا من جائز التصرف لأنه عقد تمليك في الحياة أشبه البيع(6/4)
* (مسألة) * (ولا تصح إلا بشروط ثلاثة (أحدها) معرفة المنفعة إما بالعرف كسكنى الدار شهراً وخدمة العبد سنة وإما بالوصف كحمل زبرة حديد وزنها كذا إلى موضع معين أو بناء حائط يذكر طوله وعرضه وسمكه وآلته) وجملة ذلك أنه لابد من معرفة المنفعة في الإجارة لأنها المقعود عليها فاشترط العلم بها كالمبيع فإن معرفته شرط في صحة البيع فكذلك معرفة المنفعة في الاجارة فإن بيع المجهول لا يصح إجماعاً، فإن كان لها عرف كسكنى الدار شهراً لم يحتج إلى ذكرها لأنه لا يكتري إلا لذلك فاستغني عن ذكرها كالبيع بثمن مطلق في موضع فيه نقد معروف، وخدمة العبد سنة كسكنى الدار لأنها معلومة بالعرف، وأما إن اكترى لحمل زبرة حديد إلى موضع معين فلابد من ذكر الوزن ههنا والمكان الذي تحمل إليه لأن المنفعة إنما تعرف بذلك * (مسألة) * (أو بناء حائط بذكر طوله وعرضه وسمكه وآلته وإجارة أرض معينة لزرع كذا أو غرس أو بناء معلوم) وجملة ذلك أنه يجوز الاستئجار للبناء ويقدر بالزمان والعمل، فإن قدر بالعمل فلابد من معرفة موضعه لأنه يختلف بقرب الماء وسهولة التراب ولابد من ذكر طوله وعرضه وسمكه وآلة البناء من طين أو لبن أو آجر أو حجارة أو شيد أو غير ذلك.
قال ابن أبي موسى: وإذا استأجره لبناء ألف لبنة(6/5)
في جدار أو استأجره يبني له فيه يوما فعمل ما استؤجر عليه ثم سقط الحائط فله أجره لأنه وفى العمل
فإن قال ارفع لي هذا الحائط عشرة أذرع فرفع بعضه فسقط فعليه إعادة ما سقط وإتمام ما وقعت عليه الإجارة من الذرع، هذا إذا لم يكن سقوطه في الأول لأمر من جهة العامل فأما إن فرط أو بناه محلولا أو نحو ذلك فسقط فعليه إعادته وغرامة ما تلف به (فصل) ويجوز الاستئجار لتطيبن السطوح والحيطان وتجصيصها ولا يجوز على عمل معين لأن الطين يختلف في الرقة والغلط، والأرض تختلف منها العالي والنازل، وكذلك الحيطان فلذلك لم يجز إلا على مدة (فصل) وإذا استأجر داراً جاز إطلاق العقد ولم يحتج إلى ذكر السكنى ولا صفتها لما ذكرنا، وهذا مذهب الشافعي وأصحاب الرأي.
وقال أبو ثور لا يجوز حتى يقول أبيت تحتها أنا وعيالي لأن السكنى تختلف، ولو اكتراها ليسكنها فتزوج امرأة لم يكن له أن يسكنها معه ولنا أن الدار لا تكترى إلا للسكنى فاستغني عن ذكره كإطلاق الثمن في بلد فيه نقد معروف والتفاوت في السكنى يسير فلم يحتج إلى ضبطه لما ذكرنا.
وما ذكروه لا يصح فإن الضرر لا يكاد يختلف بكثرة من يسكن وقلتهم ولا يمكن ضبط ذلك فاجتزئ فيه بالعرف كما في دخول الحمام وشبهه، ولو اشترط ما ذكره لوجب أن يذكر عدد السكان وأن لا يبيت عنده ضيف ولا غير من ذكره ولكان ينبغي أن يعلم صفة الساكن كما يعلم ذلك فيها إذا اكترى للركوب(6/6)
(فصل) قد ذكرنا أنه يجوز الاستئجار للخدمة كل شهر بشئ معلوم وسواء كان الأجير رجلاً أو امرأة حرا أو عبدا وبهذا قال الشافعي وابو حنيفة وابو ثور لانه يجوز النيابة فيه ولا يختص فاعله بكونه من أهل القربة.
قال أحمد أجير المشاهرة يشهد الأعياد والجمعة وإن لم يشترط ذلك، قيل له فيتطوع بالركعتين قال ما لم يضر صاحبه، وإنما أباح ذلك لأن أوقات الصلاة مستثناة من الخدمة ولهذا وقعت مستثناة في حق المعتكف لترك معتكفه لها، وقال ابن المبارك لا بأس أو يصلي الأجير ركعات من السنة وقال أبو ثور وابن المنذر ليس له منعه منها، قال أحمد يجوز أن يستأجر الأمة والحرة للخدمة ولكن يصرف وجهه عن النظر ليست الأمة مثل الحرة ولا يخلو معها في بيت ولا ينظر إليها متجردة ولا إلى شعرها إنما قال ذلك لأن حكم
النظر بعد الإجارة كحكمه قبلها وفرق بين الحرة والأمة لأنهما يختلفان قبل الإجارة فكذلك بعدها (فصل) إذا استأجر أرضاً احتاج إلى ذكر ما تكترى له من غراس أو بناء أو زرع لأنها تكترى لذلك كله وضرره يختلف فوجب بيانه، وفي إجارة الأرض للزرع اختلاف ذكرناه في باب المساقاة (فصل) ويجوز الاستئجار لضرب اللبن لما ذكرنا ويكون على مدة أو عمل فإن قدره بالعمل احتاج إلى تعيين عدده وذكر قالبه وموضع الضرب لأن الأرض تختلف باختلافه لكون التراب في بعض الأماكن أسهل والماء أقرب فإن كان هناك قالب معروف لا يختلف جاز كما إذا كان المكيال معروفا، وإن قدره بالطول(6/7)
والعرض والسمك جاز ولا يكتفى بمشاهدة قالب الضرب إذا لم يكن معروفا لان فيه غرار وقد يتلف القالب فلا يصح كما لو اسلم في مكيال بعينه * (مسألة) * (وإن استأجر للركوب ذكر المركوب فرساً أو بعيراً أو نحوه) لأن منافعها تختلف وتشترط معرفته برؤية أو صفة لأنه يصح بيعه بهما وذكر المهمليج والقطوف لأن سيرهما يختلف ومعرفة ما يركب به من سرج أو غيره لأنه يختلف بالركوب والراكب ولا يحتاج إلى ذكر الذكورة والأنوثة لأن التفاوت بينهما يسير وقال القاضي يفتقر لتفاوتهما ولابد من معرفة الراكب برؤية أو صفة ذكره الخرقي وقال الشريف لا يجزئ فيه إلا بالرؤية لأن الصفة لا تأتي عليه ولابد من معرفة المحامل والأوطئة والأغطية والمعاليق كالقدر والسطحة ونحوهما إما برؤية أو صفة أو وزن * (مسألة) * (فإن كان للحمل لم يحتج إلى ذكره) لعدم الغرض في معرفته فإن اتفق وجود غرض في الحمولة مثل أن يكون المحمول شيأ تضره كثرة الحركة كالفاكهة والزجاج أو كون الطريق مما يعسر على بعضها دون بعض فينبغي أن يذكره في الإجارة ذكره شيخنا، وتشترط معرفة المتاع برؤية أو صفة ويذكر جنسه من حديد أو قطن أو نحوه لأن ضرره يختلف وقدره بالوزن إن كان موزونا أو بالكيل إن كان مكيلاً لأن البيع يصح بكلا الأمرين، ويحصل بالمشاهدة لأنها من أعلى طرق العلم وبالصفة إذا ذكر القدر والجنس، وذكر ابن عقيل أنه إذا قال أجرتكها لتحمل عليها(6/8)
ثلثمائة رطل مما شئت جاز وملك ذلك لكن لا يحمله حملا يضر بالحيوان فلو أراد حمل حديد أو زئبق ينبغي أن يفرقه على ظهر الحيوان فلا يجتمع في موضع واحد من ظهره ولا يجعله في وعاء يموج فيه فيكد البهيمة ويتعبها وإن اكترى ظهرا للحمل موصوفا بجنس فأراد حمله على غير ذلك الجنس وكان الطالب لذلك المستأجر لم يقبل منه لأنه لا يملك المطالبة بما لم ينعقد عليه، ان طلبه المؤجر وكان يقوت به غرض المستأجر مثل أن يكون غرضه الاستعجال في السير أو أن لا ينقطع عن القافلة فيتعين الخيل أو البغال أو يكون غرضه السكون لكون المحمول مما يضره الهز أو قوتها وصبرها لطول الطريف وثقل الحمولة فيعين الإبل لم يجز العدول عنه لأنه يفوت غرض المستأجر فلم يجز ذلك كما في المركوب، وإن لم يفوت غرضا جاز كما يجوز لمن اكترى على حمل شئ حمل مثله، فإن اكترى بهيمة لحمل ما شاء لم يصح لأنه يدخل فيه ما يقتل البهيمة وكذلك إن شرط طاقتها لأنه لا ضابط له * (فصل) * قال رضي الله عنه (الثاني معرفة الأجرة بما يحصل به معرفة الثمن قياسا عليه ولا نعلم في ذلك خلافا وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من استأجر أجيراً فليعلمه أجره " ويعتبر العلم بالرؤية أو بالصفة كالبيع، فإن كان العوض معلوما بالمشاهدة دون القدر كالصبرة جاز في أحد الوجهين كالثمن في البيع والثاني لا يجوز لأنه قد ينفسخ العقد بعد تلف الصبرة فلا يدرى بكم يرجع فاشترط معرفة قدره كعوض السلم والأول أولى لما ذكرنا، وما قاسوا عليه ممنوع ثم الفرق بينهما أن المنفعة ههنا أجريت مجرى الأعيان(6/9)
لأنها متعلقة بعين حاضرة والسلم يتعلق بمعدوم فافترقا وللشافعي نحو ما ذكرنا في هذا الفصل (فصل) وكل ما جاز أن يكون ثمناً في البيع جاز عوضا في الإجارة لأنه عقد معاوضة أشبه البيع (1) * (مسألة) * (يجوز أن يستأجر الأجير بطعامه وكسوته وكذلك الظئر) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله فمن استأجر أجيراً بطعامه وكسوته أو جعل له أجراً وشرط طعامه وكسوته فروي عنه جواز ذلك وهو مذهب مالك وإسحاق، وروي عن أبي بكر وعمر وأبي موسى رضي الله عنهم أنهم استأجروا الأجراء بطعامهم وكسوتهم.
وروي عنه أن ذلك جائز في الظئر دون غيرها.
اختاره القاضي وهو مذهب أبي حنيفة لأن ذلك مجهول وإنما جاز في الظئر لقول
الله تعالى (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) أوجب لهن النفقة والكسوة على الرضاع ولم يفرق بين المطلقة وغيرها بل في الآية قرينة تدل على طلاقها لأن الزوجة تجب نفقتها وكسوتها بالزوجية وإن لم ترضع، ولأن الله تعالى قال (وعلى الوارث مثل ذلك) والوارث ليس بزوج.
ولأن المنفعة في الرضاع والحضانة غير معلومة فجاز أن يكون عوضها كذلك.
وروي عنه رواية ثالثة أن ذلك لا يجوز بحال في الظئر ولا في غيرها وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور وابن المنذر لأن ذلك يختلف اختلافا كثيرا متبايناً فيكون مجهولاً والأجر من شرطه أن يكون معلوما ولنا ما روى ابن ماجة عن عتبة بن الندر قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ (طس) حتى إذا
__________
(1) هذا الفصل بنصه مكرر مع ما ينافي له في صحيفة 17 ولا معنى لذكره ههنا(6/10)
بلغ قسة موسى عليه السلام قال " إن موسى آجر نفسه ثماني سنين أو عشراً على عفة فرجه وطعام بطنه " وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يثبت نسخه.
وعن أبي هريرة أنه قال كنت أجيراً لابنة غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي أحطب لهم إذا نزلوا وأحدوا بهم إذا ركبوا.
رواه الاثرم وابن ماجة، ولأنه فعل من ذكرنا من الصحابة فلم ينكر فكان اجماعا، ولأنه قد ثبت في الظئر في الآية فيثبت في غيرها بالقياس عليها، ولأنه عوض منفعة فقام العرف فيه مقام التسمية كنفقة الزوجة، ولأن للكسوة عرفاً وهي كسوة الزوجات وللإطعام عرف وهو الاطعام في الكفارات فجاز إطلاقه كنقد البلد.
ونخص أبا حنيفة بأن ما جاز عوضا في الرضاع جاز في الخدمة كالأثمان إذا ثبت هذا وتشاحا في قدر الطعام والكسوة رجع في القوت إلى الإطعام في الكفارة وفي الملبوس إلى أقل ملبوس مثله لأن الإطلاق فيه يجزئ فيه أقل ما يتناوله اللفظ كالوصية.
ويحتمل أن يحمل على الملبوس في الكفارة كالمطعوم.
قال أحمد إذا تشاحا في الطعام حكم به بمد كل يوم ذهب به إلى ظاهر ما أمر الله من إطعام المساكين ففسرت ذلك السنة بأنه مد لكل مسكين، ولأن الإطعام مطلق في الموضعين فما فسر به أحدهما يفسر به الآخر، وليس له إطعام الأجير إلا ما يوافقه من الأغذية لأن عليه ضرراً ولا يمكنه استيفاء الواجب له منه
(فصل) فإن شرط الأجير كسوة ونفقة معلومة موصوفة كصفتها في السلم جاز عند الجميع وإن لم يشرط(6/11)
طعاماً ولا كسوة فنفقته وكسوته على نفسه وكذلك الظئر، قال إبن المنذر لا أعلم عن أحد خلافاً فيما ذكرت وإن شرط للأجير طعام غيره وكسوته موصوفاً جاز لأنه معلوم فهو كما لو شرط دراهم معلومة ويكون ذلك للأجير إن شاء أطعمه وإن شاء تركه، وإن لم يكن موصوفاً لم يجز لأن ذلك مجهول احتمل فيما إذا شرطه للأجير للحاجة إليه وجري العادة به فلا يلزم احتمالها مع عدم ذلك ولو استأجر دابة بعلفها أو بأجر مسمى وعلفها لم يجز لأنه مجهول ولا عرف له يرجع إليه ولا نعلم احدا قال بجوازه إلا أن يشترطه موصوفاً فيجوز (فصل) فإن استغنى الأجير عن طعام المستأجر بطعام نفسه أو غيره أو عجز عن الأكل بمرض أو غيره لم تسقط نفقته وكان له المطالبة بها لأنه عوض فلا يسقط بالغنى عنه كالدراهم، وإن احتاج الى دواء لمرضه لم يلزم المستأجر لأنه لم يشترط له إلا طعام الأصحاء لكن يلزمه بقدر طعام الصحيح لأن ما زاد على ذلك لم يقع العقد عليه فلم يلزم كالزائد في القدر (فصل) فإن قبض الأجير طعامه فأحب أن يستفضل بعضه لنفسه وكان المستأجر دفع إليه أكثر من الواجب له ليأكل منه قدر حاجته ويفضل الباقي أو كان في تركه لأكله كله ضرر على المستأجر بأن يضعف عن العمل أو يقل لان الظئر منع منه لأنه في الصورة الأولى لم يملكه وإنما أباحه قدر حاجته وفي الثانية على المستأجر ضرر بتفويت بعض منفعته عليه فمنع منه كالجمال إذا امتنع من علف الجمال وإن دفع إليه قدر الواجب فقط أو أكثر منه فملكه إياه ولم يكن في تفضيله لبعضه ضرر بالمستأجر جاز لأنه ضرر لاحق فيه(6/12)
على المستأجر أشبه الدراهم (فصل) فإن قدم إليه طعاماً ما فنهب أو تلف قبل أكله وكان على مائدة لا يخصه فيها بطعامه فهو من ضمان المستأجر لكونه لم يسلم إليه وإن خصه بذلك وسلمه إليه فهو من مال الأجير لأنه يسلم عوضه على وجه التمليك أشبه البيع (فصل) قال أحمد في رواية مهنا لا بأس ان يحصد الزرع ويصرم النخل بسدس ما يخرج منه
وهو أحب إلي من المقاطعة إنما جاز ههنا لأنه معلوم بالمشاهدة وهي أعلى طرق العلم ومن علم شيئا علم جزأه المشاع فيكون أجراً معلوماً.
واختاره على المقاطعة مع وجودها لأنه ربما يخرج من الزرع مثل الذي قاطع عليه وههنا هو أقل منه يقيناً (فصل) يجوز استئجار الظئر بطعامها وكسوتها وفيه خلاف ذكرناه.
وقد أجمع أهل العلم على استئجار الظئر وهي المرضعة لقول الله تعالى [فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن] واسترضع النبي صلى الله عليه وسلم لولده إبراهيم.
ولأن الحاجة تدعو إليه أكثر من الحاجة الى غيره فإن الطفل في العادة إنما يعيش بالرضاع وقد يتعذر رضاعه من أمه فجاز ذلك كالإجارة في سائر المنافع، فإن استأجرها للرضاع دون الحضانة أو للحضانة دون الرضاع أو لهما جاز، وإن أطلق العقد على الرضاع دخلت فيه الحضانة في أحد الوجهين وهو قول أصحاب الرأي لأن العرف جار بأن المرضعة تحضن الصبي فحمل الإطلاق عليه(6/13)
[الثاني] لا تدخل وهو قول أبي ثور وابن المنذر لأن العقد ما تناولها ولأصحاب الشافعي كهذين الوجهين، والحضانة تربية الصبي وحفظه وجعله في سريره وربطه ودهنه وكحله وتنظيفه وغسل خرقه أشباه ذلك واشتقاقه من الحضن وهو ما تحت الإبط وما يليه وسميت التربية حضانة تجوزا من حضانة الطير لبيضه وفراخه لأنه يجعلها تحت جناحه فسميت تربية الصبي بذلك أخذاً من فعل الطائر (فصل) ولهذا العقد أربعة شروط أحدها العلم بمدة الرضاعة لأنه لا يمكن تقديره إلا بها لأن السقي والعمل فيها يختلف (الثاني) معرفة الصبي بالمشاهدة لأن الرضاع يختلف بكبر الصبي وصغره وتهمته وقناعته وقال القاضي يعرف بالصفة كالراكب (الثالث) موضع الرضاع لأنه يختلف فيشق عليها في بيته ويسهل في بيتها (الرابع) معرفة العوض لما ذكرنا (فصل) والمعقود عليه في الرضاع خدمة الصبي وحمله ووضع الثدي في فيه واللبن تبع كالصبغ في إجارة الصباغ وماء البئر في الدار لأن اللبن عين فلا يعقد عليه في الإجارة كلبن غير الآدمي، وقيل هو اللبن قال القاضي وهو أشبه لأنه المقصود دون الخدمة ولهذا لو أرضعته ولم تخدمه استحقت الأجرة ولو خدمته ولم ترضعه لم تستحق شيئاً ولأن الله تعالى قال (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) فجعل الأجر
مرتباً على الرضاع فيدل على أنه المعقود عليه ولأن العقد لو كان على الخدمة لما لزمها سقيه لبنها وإنما جاز العقد عليه مع كونه عيناً رخصة لأن غيره لا يقول مقامه ولا ضرورة تدعوا إلى استيفائه وإنما جاز في الآدميين(6/14)
دون سائر الحيوان للضرورة إلى حفظ الآدمي والحاجة إلى بقائه (فصل) وعلى المرضعة أن تأكل وتشرب ما يدر لبنها ويصلح به وللمكتري مطالبتها بذلك لأنه من تمام التمكين من الرضاع وفي تركه إضرار بالصبي فإن لم ترضعه لكن سقته لبن الغنم أو أطعمته فلا أجر لها لأنها لم توف المعقود عليه أشبه ما لو استأجرها لخياطة ثوب فلم تخطه فإن دفعته إلى خادمها فأرضعته فكذلك وبه قال أبو ثور وقال أصحاب لها أجرها لأن رضاعه حصل بفعلها ولنا أنها لم ترضعه أشبه ما لو سقته لبن الغنم فإن قالت أرضعته فأنكر المسترضع فالقول قولها لأنها مؤتمنة * (مسألة) * (ويستحب أن تعطى عند الفطام عبداً أو وليدة إذا كان المسترضع موسراً) لما روى أبو داود بإسناده عن هشام بن عروة عن أبيه عن حجاج بن حجاج الأسلمي عن أبيه قال قلت يا رسول الله ما يهب عني مذمة الرضاع قال " الغرة أو الأمة " قال الترمذي حسن صحيح المذمة بكسر الذال من الذمام وبفتحها من الذم قال ابن عقيل إنما خص الرقبة بالمجازاة دون غيرها لأن فعلها من الرضاعة والحضانة سبب حياة الولد وبقائه وحفظ رقبته فاستحب جعل الجزاء هبتها رقبة للتناسب بين النعمة والشكر ولهذا جعل الله تعالى المرضعة أماً فقال سبحانه (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) وقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكاً فيعتقه " وإن كانت المرضعة مملوكة استحب إعتاقها لأنه يحصل أخص الرقاب بها لها وتحصل به المجازاة التي جعلها النبي صلى الله عليه وسلم مجازاة للوالد من النسب(6/15)
(فصل) ويجوز للرجل أن يؤجر أمته ومدبرته وأم ولده والمعلق عتقها بصفة والمأذون لها في التجارة للإرضاع لأنه عقد على منفعتها أشبه إجارتها للخدمة وليس لواحدة منهن إجارة نفسها لأن منفعتها لسيدها فان كان لها ولد لم يجز إجارتها للإرضاع إلا أن يكون فيها فضل عن ريه لأن الحق لولدها ليس لسيدها إلا الفاضل عنه فإن كانت مزوجة لم تجز إجارتها لذلك إلا بإذن الزوج لأنه يفوت حقه
لاشتغالها عنه بالرضاع والحضانة فإن أجرها للرضاع ثم زوجها صح النكاح ولا تنفسخ الإجارة وللزوج الاستمتاع بها وقت فراغها من الرضاع والحضانة وقال مالك ليس لزوجها وطؤها الا برضى المستأجر لأنه ينقص اللبن وقد يقطعه ولنا أن وطئ الزوج مستحق فلا يسقط لأمر مشكوك فيه، وليس للسيد إجارة مكاتبته لأن منافعها لها ولذلك لا يمكن تزويجها ولا وطؤها ولا إجارتها لغير الرضاع ولها أن تؤجر نفسها لأنه من الاكتساب * (مسألة) * (وإن دفع ثوبه إلى خياط أو قصار ليعملاه ولهما عادة بأجرة صح ولهما ذلك وإن لم يعقدا عقد إجارة وكذلك دخول الحمام والركوب في سفينة الملاح) إذا دفع ثوبه الى خياط ليخيطه أو قصار ليقصره من غير عقد ولا شرط ولا تعريض بأجر مثل أن يقول خذ هذا فاعمله وأنا أعلم أنك إنما تعمله بأجر وكان الخياط والقصار منتصبين لذلك ففعلا ذلك فلهما الأجر وقال أصحاب الشافعي لا أجر لهما لأنهما فعلا ذلك من غير عوض جعل لهما أشبه ما لو تبرعا بعمله(6/16)
ولنا أن العرف الجاري بذلك يقوم مقام القول فصار كنقد البلد وكما لو دخل حماما أو جلس في سفينة ملاح ولأن شاهد الحال يقتضيه فصار كالتعريض فأما إن لم يكونا منتصبين لذلك لم يستحقا أجرا إلا بعقد أو شرط العو ض أو تعريض به لأنه لم يجر عرف يقوم مقام العقد فهو كما لو تبرع به أو عمله بغير إذن مالكه وكذلك لو دفع ثوبه إلى رجل ليبيعه وكان منتصبا يبيع للناس بأجر مثله فهو كالقصار والخياط فيما ذكرنا له الأجر نص عليه أحمد، وإن لم يكن كذلك فلا شئ له لما تقدم، ومتى دفع ثوبه الى أحد هؤلاء ولم يقاطعه على أجر فله أجر المثل لأن الثياب يختلف أجرها ولم يعين شيأ فجرى مجرى الإجارة الفاسدة، فإن تلف الثوب من حرزه أو بغير فعله فلا ضمان عليه لأن ما لا يضمن في العقد الصحيح لا يضمن في الفاسد (فصل) إذا استأجر رجلا ليحمل له كتابا إلى مكة أو غيرها إلى إنسان فحمله فوجد المحمول إليه غائباً فرده استحق الأجر لحمله في الذهاب والرد لأنه حمله في الذهاب بإذن صاحبه صريحا وفي الرد تضمنا لأن تقدير كلامه وإن لم تجد صاحبه فرده إذ ليس سوى رده إلا تضييعه وقد علم أنه لا يرضى تضييعه فتعين رده * (مسألة) * (ويجوز إجارة دار بسكنى دار وخدمة عبد وتزويج امرأة)
وجملة ذلك أن كل ما جاز أن يكون ثمنا في البيع جاز عوضا في الإجارة لأنه عقد معاوضة أشبه البيع فعلى هذا يجوز أن يكون العوض عينا أو منفعة أخرى سواء كان الجنس واحدا كمنفعة دار بمنفعة أخرى ومختلفة كمنفعة دار بمنفعة عبد قال أحمد لا بأس أن يكتري بطعام موصوف معلوم وبه قال الشافعي قال(6/17)
الله تعالى إخبارا عن شعيب أنه قال (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج) فجعل النكاح عوض الإجارة، وقال أبو حنيفة فيما حكى عنه لا تجوز إجارة دار بسكنى أخرى ولا يجوز إلا أن يختلف جنس المنفعة كسكنى دار بمنفعة بهيمة لأن الجنس الواحد عنده يحرم النساء فيه، وكره الثوري الإجارة بطعام موصوف والصحيح جوازه وهو قول إسحاق وأصحاب الرأي وقياس قول الشافعي لأنه عوض يجوز في البيع فجاز في الإجارة كالذهب والفضة وما قاله أبو حنيفة لا يصح لأن المنافع في الإجارة ليست في تقدير النسيئة ولو كانت نسيئة ما جاز في جنسين لأنه يكون بيع دين بدين * (مسألة) * (وتجوز إجارة الحلي بأجرة من جنسه وقيل لا يصح) تجوز إجارة الحلي نص عليه أحمد في رواية ابنه عبد الله وبه قال الثوري والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وروى عن أحمد أنه قال في إجارة الحلي ما أدري ما هو؟ قال القاضي هذا محمول على إجارته بأجرة من جنسه فأما بغير جنسه فلا بأس لتصريح أحمد بجوازه وقال مالك في إجارة الحلي والثياب هو من المشتبهات ولعله يذهب إلى أن المقصود بذلك الزينة وليس ذلك من المقاصد الأصلية ومن منع ذلك بأجر من جنسه احتج بأنها تحتك بالاستعمال فيذهب منه أجزاء وان كانت بسيرة فيحصل الأجر في مقابلتها ومقابلة الانتفاع بها فيفضي إلى بيع ذهب بذهب وشئ آخر ولنا أنها عين ينتفع بها منفعة مباحة مقصودة مع بقاء عينها فأشبهت سائر ما يجوز إجارته والزينة من(6/18)
المقاصد الأصلية فإن الله تعالى امتن بها علينا بقوله (لتركبوها وزينة) وقوله (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده) وأباح الله تعالى من التحلي واللباس ما حرم على الرجال لحاجتهن إلى التزين للأزواج وأسقط الزكاة عن حليهن معونة لهن على اقتنائه، وما ذكروه من نقصها بالاحتكاك لا يصح لأن ذلك يسير لا يقابل
بعوض ولا يكاد يظهر في وزن ولو ظهر فالأجر في مقابلة الانتفاع لا في مقابلة الأجزاء لأن الأجر في الإجارة إنما هو عوض المنفعة كما في سائر المواضع ولو كان في مقابلة الجزء الذاهب لما جاز إجارة أحد النقدين بالآخر لإفضائه إلى التفرق في معاوضة أحدهما بالآخر قبل القبض (فصل) ولو استأجر من يسلخ له بهيمة بجلدها لم يجز لأنه لا يعلم هل يخرج الجلد سليماً أو لا وهل هو ثخين أو رقيق؟ ولأنه لا يجوز أن يكون عوضاً في البيع فلا يجوز أن يكون عوضاً في الإجارة كسائر المجهولات فإن سلخه بذلك فله أجر مثله وإن استأجره لطرح ميتة بجلدها فهو أبلغ في الفساد لأن جلد الميتة نجس لا يجوز بيعه وقد خرج بموته عن كونه ملكا وله أجر مثل إن فعل (فصل) ولو استأجر راعياً لغنم بثلث درها وصوفها وشعرها ونسلها أو نصفه أو جميعه لم يجز نص عليه أحمد في رواية سعيد بن محمد النسائي لأن الأجر غير معلوم ولا يصلح عوضاً في البيع، قال اسمعيل بن سعيد سألت أحمد عن الرجل يدفع البقرة إلى الرجل على أن يعلفها ويحفظها وولدها بينهما فقال أكره ذلك وبه قال أبو أيوب وأبو خيثمة ولا أعلم فيه مخالفاً لأن العوض معدوم مجهول لا يدرى ايو جدام لا، والأصل عدمه(6/19)
ولا يصلح أن يكون ثمنا، فإن قيل فقد جوزتم دفع الدابة إلى من يعمل عليها بنصف مغلها قلنا إنما جاز ثم تشبيهاً بالمضاربة ولأنها عين تنمى بالعمل فجاز اشتراط جزء من النماء كالمضاربة والمساقاة وفي مسئلتنا لا يمكن ذلك لأن النماء الحاصل في الغنم لا يقف حصوله على عمله فيها فلم يمكن إلحاقه بذلك، وذكر صاحب المحرر رواية أخرى أنه يجوز بناء على ما إذا دفع دابته أو عبده يجزء من كسبه والأول ظاهر المذهب لما ذكرنا من الفرق، وعلى قياس ذلك إذا دفع نحله إلى من يقوم عليه بجزء من عسله وشمعه يخرج على الروايتين فإن اكتراه على رعيها مدة معلومة بجزء معلوم منها صح لأن العمل والمدة والأجر معلوم فصح كما لو جعل الأجر دراهم ويكون النماء الحاصل بينهما بحكم الملك لأنه ملك الجزء المجعول له منها في الحال فكان له نماؤه كما لو اشتراه * (مسألة) * وإن قال إن خطت الثوب اليوم فلك درهم وإن خطته غدا فلك نصف درهم فهل يصح؟ على روايتين)
(إحداهما) لا يصح وله أجر المثل نقلها أبو الحارث عن أحمد وهو مذهب ملك والثوري والشافعي واسحاق وابو ثور لأنه عقد واحد اختلف فيه العوض بالتقديم والتأخير فلم يصح كما لو قال بعتك بدرهم نقدا وبدرهمين نسيئة (والثانية) يصح وهو قول الحارث العكلي وأبي يوسف ومحمد لأنه سمى لكل عمل عوضا معلوما فصح كما لو قال كل دلو بتمرة، وقال أبو حنيفة إن خاطه اليوم فله درهم وإن خاطه غدا لم يزد على درهمين وقد ينقص عن نصف درهم لأن المؤجر قد جعل له نصف درهم فلا ينقص منه وقد رضي في أكثر العمل(6/20)
بدرهم فلا يزاد عليه وهذا لا يصح لأنه إن صح العقد فله المسمى وإن فسد فوجوده كعدمه فيجب أجر المثل كسائر العقود الفاسدة * (مسألة) * (وإن قال إن خطته روميا فلك درهم، وإن خطته فارسيا فلك نصف درهم فهل يصح؟ على وجهين) بناء على التي قبلها والخلاف فيها كالتي قبلها إلا أن أبا حنيفة وافق صاحبيه في الصحة ههنا ولنا أنه عقد معاوضة لم يتعين فيه العوض ولا المعوض فلم يصح كما لو قال بعتك هذا بدرهم أو هذا بدرهمين، وفارق هذا كل دلو بتمرة من وجهين (أحدهما) أن العمل الثاني ينضم إلى العمل الأول ولكل واحد منهما عوض مقدر فأشبه ما لو قال بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم وههنا الخياطة واحدة يشرط فيها عوضا إن وجدت على صفة وعوضا إن وجدت على أخرى أشبه ما لو باعه بعشرة صحاح أو إحدى عشرة مكسرة (والثاني) أنه وقف الإجارة على شرط بقوله إن خطته كذا فلك كذا وإن خطته كذا فلك كذا بخلاف قوله كل دلو بتمرة (فصل) نقل مهنا عن أحمد فيمن استأجر من جمال إلى مصر بأربعين دينارا فإن نزل دمشق فكراؤه ثلاثون فإن نزل الرقة فكراؤه عشرون، فقال إن اكترى إلى الرقة بعشرة واكترى إلى دمشق بعشرة وإلى مصر بعشرة جاز ولم يكن للجمال أن يرجع فظاهر هذا أنه لم يحكم بصحة العقد الأول(6/21)
لأنه في معنى بيعتين في بيعة لكونه خيره بين ثلاثة عقود، ويتخرج فيه أن يصح بناء على المسئلتين قبل
هذا، ونقل عن أحمد في رجل استأجر رجلا يحمل له كتابا إلى الكوفة وقال إن أوصلت الكتاب يوم كذا فلك عشرون وإن تأخرت بعد ذلك بيوم فلك عشرة فالإجارة فاسدة وله أجر مثله مثل الذي قبله * (مسألة) * (وإن أكراه دابة وقال إن رددتها اليوم فكراؤها خمسة وإن رددتها غذا فكراؤها عشرة فقال أحمد لا بأس به نقل عبد الله فيمن اكترى دابة وقال إن رددتها غدا فكراؤها عشرة، وإن رددتها اليوم فكراؤها خمسة لا بأس به، وهذه الرواية تدل على صحة الإجارة والظاهر عن أحمد برواية الجماعة فيما ذكرنا فساد العقد على قياس بيعتين في بيعه، وقال القاضي يصح في اليوم الأول دون الثاني وقياس حديث علي والأنصاري صحته فإن عليا أجر نفسه ليهودي يستقي له كل دلو بتمرة وكذلك الأنصاري وسنذكره * (مسألة) * (وإن أكراه دابة عشرة أيام بعشرة دراهم فما زاد فله بكل يوم درهم فقال أحمد في رواية أبي الحارث هو جائز) ونقل ابن منصور عنه فيمن اكترى دابة من مكة إلى جدة بكذا فإن ذهب إلى عرفات بكذا فلا بأس، ونقل عبد الله عنه لو قال اكتريتها بعشرة فما حبسها فعليه في كل يوم عشرة أنه يجوز وهذه الروايات تدل على أن مذهبه أنه متى قدر لكل عمل معلوم أجراً معلوما صح، وتأول القاضي هذا كله على أنه يصح في الأول ويفسد في الثاني لأن مدته(6/22)
غير معلومة فلم يصح العقد فيه كما لو قال استأجرتك لتحمل لي هذه الصبرة وهي عشرة أقفزة بدرهم وما زاد فبحساب ذلك.
قال شيخنا: والظاهر عن أحمد خلاف هذا فإن قوله فهو جائز عاد إلى جميع ما قبله وذلك قوله لا بأس، ولأن لكل عمل عوضا معلوما فيصح كما لو استقى له كل دلو بتمرة وقد ثبت الأصل بالخبر الوارد فيه ومسائل الصبرة لا نص فيها عن الإمام وقياس نصوصه صحة الإجارة وإن سلم فسادها فلان القفزان التي شرط عملها غير معلومة بتعيين ولا صفة وهي مختلفة فلم يصح العقد لجهالتها بخلاف الأيام فإنها معلومة * (مسألة) * (ونص أحمد على أنه لا يجوز أن يكتري لمدة غزاته) وهذا قول أكثر أهل العلم منهم الاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، وقال مالك قد عرف وجه ذلك وأرجو أن يكون خفيفا
ولنا أن المدة مجهولة والعمل مجهول فلم يجز كما لو اكتراها لمدة سفره في تجارته ولأن مدة الغزاة تطول وتقصر ولا حد لها تعرف به والعمل فيها يقل ويكثر ونهاية سفرهم تقرب وتبعد فلم يجز التقدير بها كغيرها من الأسفار المجهولة فان فعل ذلك فله أجر المثل كالإجارات الفاسدة * (مسألة) * (وإن سمى لكل يوم شيئا معلوما فجائز)(6/23)
وقال الشافعي لا يصح لأن مدة الإجارة مجهولة.
ولنا أن علياً رضي الله عنه أجر نفسه كل دلو بتمرة وكذلك الأنصاري فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم ولأن كل يوم معلوم مدت وأجره فصح كما لو أجره شهراً كل يوم بدرهم أو استأجره لنقل صبرة معلومة كل قفيز بدرهم.
إذا ثبت هذا فلا بد من تعيين ما يستأجر له من ركوب أو حمل معلوم، ويستحق الأجر المسمى لكل يوم سواء أقامت أو سارت لأن المنافع ذهبت في مدته أشبه ما لو اكترى دارا وغلقها ولم يسكنها * (مسألة) * (وإن أكراه كل شهر بدرهم أو كل دلو بتمرة فالمنصوص عن أحمد أنه يصح وكلما دخل شهر لزمهما حكم الإجارة ولكل واحد منهما الفسخ عند انقضاء كل شهر، وقال أبو بكر وابن حامد لا يصح) اختلف أصحابنا في ذلك فقال القاضي يصح ونص عليه أحمد في رواية ابن منصور وهو اختيار الخرقي لأن الشهر الأول تلزم الإجارة فيه بإطلاق العقد لأنه معلوم يلي العقد وأجره معلوم وما بعده من الشهور يلزم العقد فيه بالتلبس به وهو السكنى في الدار إن أجره دارا لأنه مجهول حال العقد فإذا تلبس به تعين الدخول فيه فصح بالعقد الأول، وإن لم تتلبس به أو فسخ العقد عند انقضاء الأول انفسخ وكذلك حكم كل شهر يأتي وهذا مذهب ابي ثور وأصحاب الرأي، وحكي عن مالك نحو هذا إلا أن الإجارة لا تكون لازمة عنده لأن المنافع مقدرة بتقدير الأجر فلا يحتاج إلى ذكر المدة إلا في اللزوم واختار أبو بكر عبد العزيز وابن حامد وابن عقيل أن العقد لا يصح وهو قال الثوري والصحيح(6/24)
من قولي الشافعي لأن كل اسم للعدد فإذا لم يقدره كان مجهولا فيكون فاسداً كقوله أجرتك أشهرا وحمل أبو بكر وابن حامد كلام أحمد على أنه وقع على أشهر معينة، ووجه الأول أن عليا استقى لرجل
من اليهود كل دلو بتمرة وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأكل منه قال كنت أدلو الدلو بتمرة واشترطها جلدة وعن رجل من الانصار أنه قال ليهودي أسقي نخلك؟ قال نعم كل دلو بتمرة فاشترط الأنصاري أن لا يأخذه خدرة ولا تارزة ولا حشفة ولا يأخذ إلا جلدة فاستقى بنحو من صاعين فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
رواهما ابن ماجة وهو نظير مسألة إجارة الدار، ونص في المسألة الأخرى، ولأن شروعه في كل شهر مع ما تقدم العقد من الاتفاق على تقدير أجره والرضى ببذله به جرى مجرى ابتداء العقد عليه وصار كالبيع بالمعاطاة إذا وجد من المساومة مادل على التراضي بها.
فعلى هذا متى ترك التلبس به في شهر لم تلزم الإجارة فيه لعدم العقد وكذلك إن فسخ وليس بفسح في الحقيقة لأن العقد الثاني ما ثبت والقياس يقتضي عدم الصحة لأن العقد تناول جميع الأشهر وذلك مجهول ثم لا وجه لاعتبار الشروع في الشهر الذي يلي الأول مع كون الشهور كلها داخلة في اللفظ، فأما أبو حنيفة فذهب إلى أنهما إذا تلبسا بالشهر الثاني فقد اتصل القبض بالعقد الفاسد، قال شيخنا ولا يصح هذا العذر لأن العقد الفاسد في الأعيان لا يلزم بالقبض ولا يضمن بالمسمى تم ثم لم يحصل القبض ههنا إلا فيما استوفاه وقول مالك لا يصح لأن الإجارة من العقود اللازمة فلا يجوز أن تكون جائزة(6/25)
(فصل) إذا قال أجرتك داري عشرين شهرا كل شهر بدرهم جاز بغير خلاف لأن المدة معلومة والأجر معلوم وليس لواحد منهما فسخ بحال لأنها مدة واحدة فأشبه ما لو قال أجرتك عشرين شهراً بعشرين درهما، فإن قال أجرتكها شهرا بدرهم وما زاد فبحساب ذلك صح في الشهر الأول لأنه أفرده بالعقد وبطل في الزائد لأنه مجهول، ويحتمل أن يصح في كل شهر تلبس به كما لو قال أجرتكها كل شهر بدرهم لأن معناهما واحد، ولو قال أجرتكها هذا الشهر بدرهم وكل شهر بعد ذلك بدرهم أو بدرهمين صح في الأول وفيما بعده وجهان لما ذكرنا (فصل) في مسائل الصبرة وهي عشر مسائل (إحداها) أن يقول استأجرتك لحمل هذه الصبرة إلى مصر بعشرة فهي صحيحة بغير خلاف نعلمه لأن الصبرة معلومة بالمشاهدة فجاز الاستئجار عليها كما لو علم كيلها (الثانية) قال استأجرتك لتحملها كل قفيز بدرهم فيصح وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة يصح في قفيز ويبطل
فيما زاد، ومبني الخلاف على الخلاف في بيعها وقد ذكرناه (الثالثة) قال لتحملها لي نفيرا بدرهم وما زاد فبحساب ذلك فيجوز كما لو قال كل قفيز بدرهم وكذلك كل لفظ يدل على إرادة حمل جميعها كقوله لتحمل قفيزاً منها بدرهم وسائرها أو باقيها بحساب ذلك أو قال وما زاد بحساب ذلك يريد باقيها كله إذا فهما ذلك من اللفظ لدلالته عندهما عليه أو لقرينة صرفت إليه (الرابعة) قال لتحمل قفيزاً منها بدرهم وما زاد فبحساب ذلك يريد مهما حملته من باقيها فلا يصح ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لأن المعقود عليه بعضها وهو مجهول.
ويحتمل أن يصح لأنه في معنى كل دلو بتمرة (الخامسة) قال لتنقل لي منها كل(6/26)
قفيز بدرهم فهي كالرابعة سواء (السادسة) قال لتحمل لي منها قفيزاً بدرهم على أن تحمل الباقي بحساب ذلك فلا يصح لأنه في معنى بيعتين في بيعه.
ويحتمل أن يصح لأن معناه لتحمل لي كل قفيز منها بدرهم (السابعة) قال لتحمل لي هذه الصبرة كل قفيز بدرهم وتنقل لي صبرة أخرى في البيت بحساب ذلك، فإن كانا يعلمان الصبرة التي في البيت بالمشاهدة صح فيهما لأنهما كالصبرة الواحدة وإن جهل أحدهما صح في الأولى وبطل في الثانية لأنهما عقدان أحدهما على معلوم والثاني على مجهول فصح في المعلوم وبطل في المجهول كما لو قال بعتك عبدي هذا بعشرة وعبدي الذي في البيت بعشرة [الثامنة] قال لتحمل لي هذه الصبرة والتي في البيت بعشرة فإن كانا يعلمان التي في البيت صح فيهما وإن جهلاها بطل فيهما لأنه عقد واحد بعوض واحد على معلوم ومجهول بخلاف التي قبلها، فإن كانا يعلمان التي في البيت لكنها مغصوبة أو امتنع تصحيح العقد فيها لمانع اختص بها بطل العقد فيها، وفي صحته في الأخرى وجهان بناء على تفريق الصفقة إلا أنها إن كانت قفزانها معلومة أو قدر إحداهما معلوم من الأخرى فالأولى صحته لان قسط لاجر فيها معلوم، وإن لم يكن كذلك فالأولى بطلانه لجهالة العوض فيها (التاسعة) قال لتحمل لي هذه الصبرة وهي عشرة أقفزة بدرهم فإن زادت على ذلك فالزائد بحساب ذلك صح في العشرة لأنها معلومة ولم يصح في الزيادة لأنها مشكوك فيها ولا يجوز العقد على ما يشك فيه (العاشرة) قال لتحمل لي هذه الصبرة كل قفيز بدرهم فإن قدم لي طعام فحملته فبحساب ذلك صح أيضا في الصبرة وفسد في الزيادة لما ذكرنا(6/27)
* (فصل) * قال المصنف رحمه الله [الثالث أن تكون المنفعة مباحة مقصودة فلا يجوز على الزنا والزمر والغناء ولا إجارة دار ليجعلها كنيسة أو بيت نار، أو لبيع الخمر أو القمار] وجملة ذلك أن من شرط صحة الإجارة أن تكون المنفعة مباحة فإن كانت محرمة كالزنا والزمر والنوح والغناء لم يجز الاستئجار لفعله وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وصاحباه وأبو ثور، وكره ذلك الشعبي والنخعي لأنه محرم فلم يجز الاستئجار عليه كإجارة الأمة للزنا.
قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال إجارة النائحة والمغنية (فصل) ولا يجوز استئجار كاتب ليكتب له غناء أو نوحا، وقال أبو حنيفة يجوز.
ولنا أنه انتفاع بمحرم اشبه ما ذكرنا، ولا يجوز الاستئجار على كتب شعر محرم ولا بدعة ولا شئ محرم لذلك (فصل) ولا تجوز إجارة داره لمن يتخذها كنيسة أو بعية أو لبيع الخمر أو القمار وبه قال الجماعة، وقال أبو حنيفة إن كان بيتك في السواد فلا بأس وخالفه صاحباه، واختلف أصحابه في تأويل قوله ولنا أنه فعل محرم فلم تجز الإجارة عليه كإجارة عبده للفجور، ولو اكترى ذمي من مسلم داراً فأراد بيع الخمر فيها فلصاحب الدار منعه، وبذلك قال الثوري.
وقال أبو حنيفة إن كان بيتك في السواد والجبل فله أن يفعل ما يشاء.
ولنا أنه محرم جاز المنع منه في المصر فجاز في السواد كقتل النفس المحرمة(6/28)
* (مسألة) * (ولا يجوز الاستئجار على حمل الميتة والخمر وعنه يصح للحر أكل أجرته) لا يجوز الاستئجار على حمل الخمر لمن يشتريها أو يأكل الميتة ولا على حمل خنزير لذلك، وبه قال أبو يوسف ومحمد والشافعي.
وقال أبو حنيفة يجوز لأن العمل لا يتعين عليه بدليل أنه لو حمله مثله جاز لأنه لو قصد إراقته أو طرح الميتة جاز.
وقد روي عن أحمد فيمن حمل خنزيراً لذمية أو خمراً لنصراني أكره أكل كرائه ولكن يقضى للحمال بالكراء فإذا كان لمسلم فهو أشد.
قال القاضي: هذا محمول على أنه استأجره ليريقها فأما للشرب فمحظور لا يحل أخذ الأجر عليه قال شيخنا: وهذا تأويل بعيد لقوله: أكره أكل كراة وإذا كان لمسلم فهو أشد والمذهب خلاف
هذه الرواية لأنه استئجار لفعل محرم فلم يصح كالزنا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ صلى الله عليه وسلم؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ والمحمولة إليه.
وقول أبي حنيفة لا يتعين يبطل بما لو إستأجر أرضا ليتخذها مسجدا، فأما حمل الخمر لإراقتها والميتة لطرحها والاستئجار لكسح الكنيف فجائر لأن ذلك مباح، وقد استأجر النبي صلى الله عليه وسلم أبا طيبة فحجمه.
وقال أحمد في رواية ابن منصور فيمن يؤاجر نفسه لنظارة كرم نصراني: يكره ذلك لأن الأصل في ذلك راجع إلى الخمر (فصل) قد ذكرنا أن الاستئجار لكسح الكنيف جائز إلا أنه يكره له أكل أجرته كأجرة الحجام بل هذا أولى.
وقد روى سعيد بن منصور أن رجلا حج وأتى ابن عباس فقال له إني رجل أكنس فما ترى في مكسبي؟ قال أي شئ تكنس؟ قال العذرة، قال: ومنه حججت ومنه تزوجت؟ قال نعم.
قال أنت خبيث وحجك خبيث وما تزوجت خبيث.
ونحو هذا.
ولأن فيه دناءة فكره(6/29)
كالحجامة.
وإنما قلنا بجواز الإجارة عليه لدعو الحاجة إليه ولا يندفع ذلك إلا بالإباحة فجاز كالحجامة (فصل) ويشترط أن تكون المنفعة مقصودة فلا يجوز استئجار شمع ليتجمل به وبرده ولا طعام ليتجمل به على مائدته ثم يرده ولا النقود ليتجمل بها الدكان لأنها لم تخلق لذلك ولا تراد له فبذل العوض فيه سفه وأخذه من أكل المال بالباطل، وكذلك استئجار ثوب ليوضع على سرير الميت لما ذكرنا * (فصل) * (قال الشيخ رحمه الله) والإجارة على ضربين (أحدهما) إجارة عين.
فتجوز إجارة كل عين يمكن استيفاء المنفعة المباحة منها مع بقائها) كالأرض والدار والعبد والبهيمة والثياب والفساطيط والحبال والخيام والمحامل والسرج واللجام والسيف والرمح وأشباه ذلك.
وقد ذكرنا بعض ذلك في مواضعه * (مسألة) * (ويجوز له استئجار حائط ليضع عليه أطراف خشبه) إذا كان الخشب معلوماً والمدة معلومة وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة لا يجوز.
ولنا أن هذه منفعة مقصودة مقدور على تسليمها واستيفائها فجازت الإجارة عليها كاستئجار السطح للنوم عليه * (مسألة) * (ويجوز استئجار حيوان ليصيد به إلا الكلب) يجوز استئجار الفهد والبازي والصقر ونحوه للصيد في مدة معلومة لأن فيه نفعاً مباحا تجوز إعارته فجازت إجارته له كالدابة، فأما إجارة سباع البهائم والطير التي لا تصلح للصيد فلا تجوز إجارتها لأنه
لا نفع فيها وكذلك إجارة الكلب والخنزير لأنه لا يجوز بيعه.
ويتخرج جواز إجارة الكلب الذي يباح اقتناؤه لأن فيه نفعا مباحا تجوز إعارته له فجاز إجارته له كغيره.
ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين(6/30)
* (مسألة) * (ويجوز استئجار كتاب ليقرأ فيه إلا المصحف في أحد الوجهين) تجوز إجارة كتب العلم التي يجوز بيعها للانتفاع بها من القراءة فيها والنسخ منها والرواية وغير ذلك من الانتفاع المقصود المحتاج إليه.
وهذا مذهب الشافعي، ومقتضى قول أبي حنيفة أنه لا تجوز إجارتها لأنه علل منع إجارة المصحف بأنه ليس في ذلك أكثر من النظر إليه ولا تجوز الإجارة لمثل ذلك كما يجوز أن يستأجر سقفا لينظر إلى عمله ولنا أن فيه نفعاً مباحا يحتاج إليه تجوز الإعارة له فجازت الإجارة له كسائر المنافع.
وفارق النظر إلى السقف فإنه لا حاجة إليه ولا جرت العادة بالإعارة من أجله، وتجوز إجارة كتاب فيه خط حسن ينقل منه ويكتب عليه على قياس ذلك (فصل) وفي اجارة المصحف وجهل [أحدهما] لا يصح إجارته لأنه لا يصح بيعه إجلالا لكتاب الله تعالى وكلامه عن المعاوضة به وابتذاله بالثمن في البيع والاجرة في الإجارة [والثاني] يصح وهو مذهب الشافعي لأنه انتفاع مباح تجوز الإعارة من أجله فجازت إجارته كسائر الكتب، ولا يلزم من عدم جواز البيع عدم جواز الإجارة كالحر (فصل) والذي يحرم بيعه تحرم إجارته إلا الحر والوقف وأم الولد فإنه يجوز إجارتها وإن حرم بيعها، وما عدا ذلك لا تجوز إجارته، وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى(6/31)
* (مسألة) * (ويجوز استئجار النقد للتحلي والوزن لا غير) إذا كان في مدة معلومة وبه قال أبو حنيفة وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والوجه الآخر أنه لا تجوز إجارتها لأن هذه المنفعة ليست المقصود منها ولذلك لا نضمن منفعتها بعصبها فاشبهت الشمع ولنا أنها عين أمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها منفعة مباحة فاشبهت الحلي، وفارق الشمع فإنه لا ينتفع به
إلا بما يتلف عينه * (مسألة) * (فإن أطلق الإجارة لم يصح في أحد الوجهين ويصح في الآخر وينتفع بها في ذلك) وهذا اختيار أبي الخطاب لأن منفعتها في الإجارة متعينة في التحلي والوزن وهما متقاربان فوجب أن نحمل الإجارة عند الإطلاق عليهما كاستئجار الدار مطلقا فإنه يتناول السكنى ووضع المتاع فيها، فعلى هذا ينتفع بها فيما شاء منهما، وقال القاضي لا تصح الإجارة وتكون قرضاً وهذا مذهب أبي حنيفة لأن الإجارة تقتضي الانتفاع والانتفاع المعتاد بالدراهم والدنانير إنما هو بأعيانها فإذا أطلق الانتفاع حمل على الانتفاع المعتاد، وقال أصحاب الشافعي لا تصح الإجارة ولا تكون قرضا لأن التحلي ينقصها والوزن لا ينقصها فقد اختلفت جهة الانتفاع فلم يجز إطلاقها، ولا يجوز أن يعبر بها عن القرض لأن القرض تمليك للعين والإجارة تمليك المنفعة تقتضي الانتفاع مع بقاء العين فلم يجز التعبير بأحدهما عن الآخر، ولأن التسمية والالفاظ تؤخذ نقلا ولم يعهد في اللسان التعبير بالإجارة عن القرض، قال شيخنا وقول أبي الخطاب أصح(6/32)
إن شاء الله تعالى لأن العقد متى أمكن حمله على الصحة كان أولى من إفساده وقد أمكن حملها على إجارتها للجهة التي تجوز إجارتها فيها، وقول القاضي لا يصح لما ذكرنا، وما ذكر أصحاب الشافعي من نقص العين بالاستعمال في التحلي فبعيد فإن ذلك يسير لا أثر له فوجوده كعدمه (فصل) ويجوز أن يستأجر نخلا ليجفف عليه الثياب ويبسطها عليه ليستظل بظلها ولأصحاب الشافعي في ذلك وجهان لما ذكروه في الأثمان ولنا أنها لو كانت مقطوعة لجاز استئجارها لذلك فكذلك النابتة وذلك لأن الانتفاع يحصل بهما على السواء في الحالتين فما جاز في إحداهما يجوز في الأخرى ولأنها شجرة فجاز استئجارها لذلك كالمقطوعة ولأنها منفعة مقصودة يمكن استيفاؤها مع بقاء العين فجاز العقد عليها كما لو كانت مقطوعة (فصل) ويجوز استئجار ما يبقى من الطيب والصندل وقطع الكافور والند لشمه للمرضى وغيرهم مدة ثم يرده لأنها منفعة أشبهت الوزن والتحلي مع أنه لا ينفك من أخلاق وبلى (فصل) يجوز استئجار دار يتخذها مسجدا يصلي فيه وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا يجوز
لأن فعل الصلاة لا يجوز استحقاقه بعقد الإجارة بحال فلا تجوز الإجارة لذلك ولنا أن هذه منفعة مباحة يمكن استيفاؤها من العين مع بقائها فجاز استئجار العين لها كالسكنى ويفارق الصلاة فإنها لا تدخل النيابة فيها بخلاف المسجد * (مسألة) * (ويجوز استئجار ولده لخدمته وامرأته لرضاع ولده وحضانته)(6/33)
يجوز استئجار ولده لخدمته كالأجنبي واستئجار أمه وأخته وابنته لرضاع ولده وكذلك سائر أقاربه بغير خلاف كالأجانب، فأما استئجار امرأته لرضاع ولده منها فيجوز في الصحيح من المذهب قال الخرقي إن أرادت الأم أن ترضع ولدها بأجرة مثلها فهي أحق به من غيرها سواء كانت في جبال الزوج أو مطلقة وقال القاضي لا يجوز وتأول كلام الخرقي على أنها في حبال زوج آخر وهو قول أصحاب الرأي وحكى عن الشافعي لأنه قد استحق حبسها والاستمتاع بها بعوض فلا يجوز أن يلزمه آخر لذلك ولنا أن كل عقد يصح أن تعقده مع غير الزوج يصح أن تعقده معه كالبيع ولأن منافعها في الرضاع والحضانة غير مستحقة للزوج بدليل أنه لا يملك إجبارها على ذلك ويجوز أن تأخذ عليها العوض من غيره فجاز لها أخذه منه كثمن مالها، قولهم أنها استحقت عوض الحبس والاستمتاع قلنا هذا غير الحضانة واستحقاق منفعة من وجه لا يمنع استحقاق منفعة سواها بعوض آخر كما لو استأجرها ثم تزوجها، وتأويل القاضي كلام الخرقي يخالف الظاهر من وجهين (أحدهما) أن الألف واللام في الزوج للمعهود وهو أبو الطفل (الثاني) أنها إذا كانت في حبال زوج آخر لا تكون أحق به بل يسقط حقها من الحضانة ثم ليس لها أن ترضع إلا بإذن زوجها ففسد التأويل * (مسألة) * (ولا تصح الإجارة إلا بشروط خمسة أحدها أن يعقد على نفع العين دون أجزائها)(6/34)
لأن الإجارة بيع المنافع فأما الأجزاء فلا تدخل في الإجارة فلا يصح إجارة الطعام للأكل ولا الشمع ليشعله لأن هذا لا ينتفع به إلا بإتلاف عينه فلم يجز كما لو استأجر ديناراً لينفقه، فإن استأجر شمعة ليسرجها ويرد بقيتها وثمن ما ذهب وأجر الباقي فهو فاسد لأنه يشمل بيعا وإجارة وما وقع عليه البيع
مجهول وإذا جهل البيع جهل المستأجر أيضا فيفسد العقدان * (مسألة) * (ولا يجوز استئجار حيوان ليأخذ لبنه) كاستئجار الإبل والبقر والغنم ليأخذ لبنها أو ليسترضعها لسخالها ونحوها ولا ليأخذ صوفها وشعرها ووبرها ولا استئجار شجرة ليأخذ ثمرتها أو شيئاً من عينها لما ذكرناه * (مسألة) * (إلا في الظئر ونفع البئر يدخل تبعا) أما الظئر فقد سبق ذكرها، وأما نفع البئر فقال ابن عقيل يجوز استئجار البئر ليستقي منه أياما معلومة ودلاء معلومة لأن هواء البئر وعمقها فيه نوع انتفاع بمرور الدلو فهى، فأما الماء فيؤخذ على أصل الإباحة (فصل) ولا يجوز استئجار الفحل الضرب وهو ظاهر مذهب الشافعي وأصحاب الرأي(6/35)
وخرج أبو الخطاب وجهاً في جوازه بناء على إجارة الظئر للرضاع لأن الحاجة تدعو إليه وهو قول الحسن وابن سيرين ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن عسب الفحل متفق عليه ولأن المقصود الماء الذي يخلق منه الولد فيكون عقد الإجارة لاستيفاء عين فهو كإجارة الغنم لأخذ لبنها، ولأن الماء محرم لا قيمة له فلم يجز أخذ العوض عنه كالميتة، فأما من أجازه فينبغي أن يوقع العقد على العمل ويقدره بمرة أو مرتين، وقيل يقدره بالمدة وهو بعيد فإن من أراد إطراق فرسه مرة فقدره بمدة تزيد على قدر الفعل لم يكن استيعابها به وربما لا يحصل الفعل في المدة ويتعذر ضبط مقدار الفعل فيتعين التقدير بالفعل إلا أن يكتري فحلا لإطراق ماشية كثيرة كتيس يتركه في غنمه فإنه إنما يكتريه مدة معلومة.
والمذهب أنه لا يجوز إجارته لما ذكرنا فإن احتاج إلى ذلك ولم يجد من يطرق له جاز له أن يبذل الكراء، وليس للمطرق أخذه لأن ذلك بذل مال لتحصيل منفعة مباحة تدعو الحاجة إليها فجاز كشراء الأسير ورشوة الظالم ليدفع ظلمه، وإن أطرق إنسان فحله بغير إجارة ولا شرط فأهديت له هدية أو أكرم بكرامة لذلك فلا بأس لأنه فعل معروفا فجازت مجازاته عليه كما لو أهدى هدية فجوزي عليها
* (مسألة) * (الثاني معرفة العين برؤية أو صفة في أحد الوجهين ويصح في الآخر بدونه وللمستأجر خيار الرؤية)(6/36)
يشترط معرفة العين المستأجرة بالمشاهدة إن كانت لا تنضبط بالصفات، أو بالصفة إن كانت تنضبط قياساً على البيع، وفيه وجه آخر أنه لا يشترط ويثبت للمستأجر خيار الرؤية وهو قول أصحاب الرأي، والخلاف ههنا مبني على الخلاف في البيع، وقد ذكرناه والمشهور الأول.
فعلى هذا إذا كانت مما لا ينضبط بالصفة كالدور والحمام فلابد من رؤيتها كالبيع لأن الغرض يختلف بصغرها وكبرها ومرافقها ومشاهدة قدر الحمام ليعلم كبرها من صغرها ومعرفة مائه ومشاهدة الإيوان ومطرح الرماد وموضع الزبل ومصرف ماء الحمام، فمتى أخل بهذا أو بعضه لم يصح للجهالة بما يختلف به الغرض، وقد كره أحمد كراء الحمام لأنه يدخله من يكشف عورته فيه قال ابن حامد هو على طريق كراهة التنزيه دون التحريم فأما العقد فصحيح في قول أكثر أهل العلم، قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن كراء الحمام جائز إذا حدده وذكر جميع آلته شهوراً مسماة وهذا قول مالك والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي لأن المكتري إنما يأخذ الأجر عوضا عن دخول الحمام والاغتسال بمائه وأحوال المسلمين محمولة على السلامة وإن وقع من بعضهم فعل ما لا يجوز لم يحرم الأجر المأخوذ منه كما لو اكترى دارا ليسكنها فشرب فيها خمراً * (مسألة) * (الثالث القدرة على التسليم فلا تصح إجارة الآبق والشارد والمغصوب من غير غاصبه إذا لم يقدر على أخذه منه) لأنه لا يمكن تسليم المعقود عليه فلم تصح إجارته كبيعه * (مسألة) * (ولا تجوز إجارة المشاع مفرداً لغير شريكه وعنه ما يدل على الجواز(6/37)
قال أصحابنا لا تجوز إجارة المشاع لغير الشريك إلا أن يؤجر الشريكان معا وهذا قول أبي حنيفة وزفر لأنه لا يقدر على تسليمه فلم تصح إجارته كالمغصوب، يحقق ذلك أنه لا يقدر على تسليمه إلا بتسليم نصيب الشريك ولا ولاية له على مال شريكه، واختار أبو حفص العكبري جوازه، وقد أومأء إليه أحمد وهو قول مالك والشافعي وأبي يوسف ومحمد لأنه معلوم يجوز بيعه فجازت إجارته
كالمفرد ولأنه عقد في ملكه يجوز مع شريكه فجاز مع غيره كالبيع، ومن نصر الأول فرق بين محل النزاع وبين ما إذا أجره الشريكان أو أجره لشريكه فإنه يمكن التسليم إلى المستأجر فأشبه إجارة المغصوب من غاصبه دون غيره، وإن كانت لواحد فأجر نصفها صح لأنه يمكنه تسليمه ثم إن أجر نصفها الآخر للمستأجر الأول صح لإمكان تسليمه إليه، وإن أجره لغيره ففيه وجهان كالمسألة التي قبلها لأنه لا يمكنه تسليم ما أجره إليه، وإن أجر الدار لاثنين لكل واحد منهما نصفها فكذلك لأنه لا يمكنه تسليم نصيب كل واحد إليه (فصل) ولا تجوز إجارة المسلم للذمي لخدمته نص عليه أحمد في رواية الأثرم فقال إن أجر نفسه من الذي في خدمته لم يجز، وإن كان في عمل شئ جاز وهذا أحد قولي الشافعي، وقال في الآخر تجوز لأنه يجوز له إجارة نفسه في غير الخدمة فجاز فيها كإجارته من المسلم ولنا أنه عقد يتضمن حبس المسلم عند الكافر وإذلاله له واستخدامه أشبه البيع، يحققه أن عقد(6/38)
الإجارة للخدمة يتعين فيها حبسه مدة الإجارة واستخدامه، والبيع لا يتعين فيه ذلك فإذا منع فالمنع من الإجارة أولى، فأما إن أجر نفسه منه في عمل معين في الذمة كخياطة ثوب جاز بغير خلاف نعلمه لأن علياً رضي الله عنه أجر نفسه من يهودي يستقي له كل دلو بتمرة وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فلم ينكره، وكذلك الأنصاري ولأنه عقد معاوضة لا يتضمن إذلال المسلم ولا استخدامه فأشبه مبايعته فإن آجر نفسه منه لغير الخدمة مدة معلومة جاز أيضا في ظاهر كلام أحمد لقوله: وإن كان في عمل شئ جاز ونقل عنه أحمد بن سعيد لا بأس ان يؤجر نفسه من الذمي وهذا مطلق في نوعي الإجارة، وذكر بعض أصحابنا أن ظاهر كلام أحمد منع ذلك وأشار إلى ما رواه الأثرم واحتج بأنه عقد يتضمن حبس المسلم أشبه البيع، والصحيح ما ذكرنا فإن كلام أحمد يدل على خلاف ما قاله، وإنه خص المنع بالإجارة للخدمة وأجاز إجارته للعمل وهذا إجارة للعمل، ويفارق البيع فإن فيه إثبات الملك على المسلم ويفارق إجارته للخدمة لتضمنها الإذلال (فصل) نقل إبراهيم الحربي أنه سئل عن الرجل يكتري الديك ليوقظه لوقت الصلاة
لا يجوز لأن ذلك يقف على فعل الديك، ولا يمكن استخراج ذلك منه بضرب ولا غيره وقد يصيح وقد لا يصيح وربما صاح بعد الوقت * (مسألة) * (الشرط الرابع اشتمال العين على المنفعة)(6/39)
فلا يجوز استئجار بهيمة زمنة للحمل ولا أرض لا تنبت الزرع لأن الإجارة عقد على المنفعة ولا يمكن تسليم هذه المنفعة من هذه العين فلا تجوز إجارتها كالعبد الآبق * (مسألة) * (الخامس كون المنفعة مملوكة للمؤجر أو مأذونا له فيها) لأنه تصرف فيما لا يملكه ولا أذن فيه مالكه فلم يجز كبيعه، ويحتمل أن يجوز ويقف على إجازة المالك بناء على بيع العين بغير إذن مالكها * (مسألة) * (يجوز للمستأجر إجارة العين لمن يقوم مقامه من المؤجر وغيره) يجوز للمستأجر إجارة العين المستأجرة إذا قبضها نص عليه أحمد وهو قول سعيد بن المسيب وابن سبرين ومجاهد وعكرمة وأبي سلمة بن عبد الرحمن والنخعي والشعبي والثوري والشافعي وأصحاب الرأي، وذكر القاضي فيه رواية أخرى أنه لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن والمنافع لم تدخل في ضمانه، ولأنه عقد على ما لم يدخل في ضمانه فلم يجز كبيع المكيل والموزون قبل قبضه، والأول أصح لأن قبض العين قام مقام قبض المنافع بدليل أنه يجوز التصرف فيها فجاز العقد عليها كبيع الثمرة على الشجرة وبهذا الأصل يبطل قياس الرواية الأخرى.
إذا ثبت هذا فإنه لا تجوز إجارته إلا لمن يقوم مقامه أو دونه في الضرر لأن هذه المنفعة صارت مملوكة له فله أن يستوفيها بنفسه وبنائه، والمستأجرة لا يجوز إجارتها لمن هو أكثر ضرراً منه ولا لمن يخالف ضرره ضرره لما نذكره(6/40)
(فصل) فأما إجارتها قبل قبضها فتجوز من غير المؤجر في أحد الوجهين وهو قول بعض الشافعية لأن قبض العين لا ينتقل به الضمان إليه فلم يقف جواز التصرف عليه، والثاني لا يجوز وهو قول أبي حنيفة، والمشهور من قولي الشافعي لأن المنافع مملوكة بعقد معاوضة فاعتبر في جواز العقد عليها
القبض كالأعيان، وأما إجارتها للمؤجر قبل القبض فإذا قلنا لا يجوز من غير المؤجر ففيها ههنا وجهان (أحدهما) لا يجوز كغيره (والثاني) يجوز لأن القبض لا يتعذر عليه بخلاف الأجنبي وأصلهما بيع الطعام قبل قبضه وهل يصح من بائعه؟ على روايتين وتجوز إجارتها من المؤجر بعد قبضها وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لا يجوز لأنه يؤدي إلى تناقض الأحكام لأن التسليم مستحق من المكري فإذا اكتراها صار مستحقاً له فيصير مستحقا لما يستحق عليه وهو تناقض ولنا أن كل عقد جاز مع الأجنبي جاز مع العاقد كالبيع وما ذكروه لا يصح لأن التسليم قد حصل وهذا المستحق له تسليم آخر ثم يبطل بالبيع فإنه يستحق عليه تسليم العين، فإذا اشتراها استحق تسليمها فإن قبل التسليم ههنا مستحق في جميع المدة قلنا المستحق تسليم العين، وقد حصل وليس عليه تسليم آخر غير أن العين من ضمان المؤجر فإذا تعذرت المنافع بتلف الدار أو غصبها رجع عليها لأنها تعذرت بسبب كان في ضمانه(6/41)
* (مسألة) * (وتجوز إجارتها بمثل الأجرة وزيادة، وعنه لا تجوز بزيادة، وعنه إن جدد فيها عمارة جازت الزيادة وإلا فلا) إذا قلنا بجواز إجارة العين المستأجرة جازت بمثل الأجرة وزيادة نص عليه أحمد، وروي عن عطاء والحسن والزهري وبه قال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر، وعن أحمد لا تجوز بزيادة تروى كراهة ذلك عن ابن المسيب وأبي سلمة وابن سيرين ومجاهد وعكرمة والنخعي وعنه إن جدد فيها عمارة جازت الزيادة وإلا فلا فإن فعل تصدق بالزيادة روى ذلك عن الشعبي وبه قال الثوري وأبو حنيفة لأنه يربح بذلك فيما لم يضمن، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن ولأنه يربح فيما لم يضمن فلم يجز كما لو ربح في الطعام قبل قبضه ويخالف ما إذا عمل فيها فإن الربح في مقابلة العمل، وعن أحمد رواية أخرى أن أذن له المالك في الزيادة جاز وإلا لم يجز ولنا أنه عقد يجوز برأس المال فجاز بزيادة كبيع المبيع بعد قبضه وكما لو أحدث فيها عمارة لا يقابلها جزء من الأجر، وأما الخبر فإن المنافع قد دخلت في ضمانه من وجه بدليل أنها لو فاتت من غير
استيفائه كانت من ضمانه، والقياس على بيع الطعام قبل قبضه لا يصح فإنه لا يجوز وإن لم يربح فيه، وتعليلهم بأن الربح في مقابلة عمله ملغي بما إذا كنس الدار ونظفها فإن ذلك يزيد في أجرها عادة والله أعلم(6/42)
(فصل) وسئل أحمد عن الرجل يتقبل العمل من الأعمال فيقبله بأقل من ذلك أيجوز له الفضل؟ قال ما أدري هي مسألة فيها بعض الشئ، قلت أليس كان الخياط أسهل عندك إذا قطع الثوب أو غيره إذا عمل في العمل شيئا؟ قال إذا عمل فهو أسهل.
قال النخعي لا بأس ان يتقبل الخياط الثياب بأجر معلوم ثم يقبلها بعد ذلك بعد أن يعين فيها أو يقطع أو يعطيه سلوكا أو إبراً فإن لم يعين فيها بشئ فلا يأخذن فضلا.
وهذا يحتمل أن يكون النخعي قاله بناء على مذهبه في أن من استأجر شيئاً لا يؤجره بزيادة، وقياس المذهب جواز ذلك سواء أعان فيها بشئ أو لم يعن لأنه إذا جاز أن يقبله بمثل الأجر الأول جاز بزيادة عليه كالبيع وكإجارة العين * (مسألة) * (وللمستعير إجارتها إذا أذن له المعير مدة بعينها) لأنه لو أذن له في بيعها جاز فكذلك إذا أذن له في إجارتها ولأن الحق له فجاز باذنه ولابد من تعيين المدة في الإذن لأن الإجارة عقد لازم لا تجوز إلا مدة معينة * (مسألة) * (وتجوز إجارة الوقف) لأن منافعه مملوكة للموقوف عليه فجاز إجارتها كالمستأجر * (مسألة) * (فإن مات المؤجر فانتقل إلى من بعده لم تفسخ الإجارة في أحد الوجهين) وللثاني حصته من الأجر لأنه أجر ملكه في زمن ولايته فلم تبطل بموته كما لو أجر ملكه الطلق(6/43)
(والثاني) تنفسخ الإجارة فيما بقي من المدة لأنا تبينا أنه أجر ملكه وملك غيره فصح في ملكه دون ملك غيره كما لو أجر دارين إحداهما له والأخرى لغيره بخلاف الطلق فإن المالك يملك من جهة الموروث فلا يملك إلا ما خلفه، وما تصرف فيه في حياته لا ينتقل الى الوارث والمنافع التي أجرها قد خرت عن ملكه بالإجارة فلا تنتقل الى الوارث، والبطن الثاني في الوقف يملكون من جهة الواقف
فما حدث فيها بعد البطن الأول كان ملكا لهم فقد صادف تصرف المؤجر في ملكهم من غير إذنهم ولا ولاية له عليهم ويتخرج أن تبطل الإجارة كلها بناء على تفريق الصفقة وهذا التفصيل مذهب الشافعي فعلى هذا إن كان المؤجر قبض الأجر كله وقلنا تنفسخ الإجارة فلمن انتقل إليه الوقف أخذه ويرجع المستأجر على ورثة المؤجر بحصة الباقي من الأجر.
وإن قلنا لا تنفسخ رجع من انتقل إليه الوقف على التركة بحصته * (مسألة) * (وإن أجر الولي اليتيم أو ماله مدة فبلغ في أثنائها فليس له فسخ الإجارة ذكره أبو الخطاب) لأنه عقد لازم عقده بحق الولاية فلم يبطل بالبلوغ كما لو باع داره أو زوجه، ويحتمل أن تبطل الاجارة فيما يعد البلوغ لزوال الولاية لما ذكرنا في إجارة الوقف.
ويحتمل أنه إذا أجره مدة يتحقق فيها بلوغه وهو أن يؤجر ابن أربع عشرة سنتين فيبطل في السادس عشر لأننا نتيقن أنه أجره فيها بعد بلوغه، وهل يصح في الخامس عشر؟ على وجهين بناء على تفريق الصفقة، وإن لم يتحقق فيها بلوغه(6/44)
كالذي أجره الخامس عشر وحده فبلغ في أثنائه فيكون فيه ما ذكرنا في صدر الفصل، لأنا لو قلنا يلزم الصبي بعقد الولي مدة يتحقق فيها بلوغه أفضى إلى أن يعقد على منافعه طول عمره وإلى أن يتصرف فيه في غير زمن ولايته عليه، ولا يشبه النكاح لأنه لا يمكن تقدير مدته فإنه إنما يعقد للأبد، وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة إذا بلغ لصبي فله الخيار لأنه عقد على منافعه في حال لا يملك التصرف في نفسه فإذا ملك ثبت له الخبيار كالأمة إذا عتقت تحت زوج ولنا أنه عقد لازم عقد عليه قبل أن يملك التصرف فإذا ملكه لم يثبت له الخيار كالأب إذا زوج ولده والأمة إنما ثبت لها الخيار إذا عتقت تحت عبد لأجل العيب لا لما ذكره، بدليل أنها لو عتقت تحت حر لم يثبت لها الخيار، إن مات الولي المؤجر للصبي أو ماله أو عزل وانتقلت الولاية إلى غيره لم يبطل عقده لأنه تصرف وهو من أهل التصرف في محل ولايته فلم يبطل تصرفه بموته أو عزله كما لو مات ناظر الوقف أو عزل أو مات الحاكم بعد تصرفه فيما له النظر فيه، ويفارق ما لو أجر الموقوف عليه الوقف مدة ثم مات في أثنائها لأنه أجر ملك غيره بغير إذنه في مدة لا ولاية له فيها، وههنا إنما يثبت للوالي الثاني التصرف
فيما لم يتصرف فيه الاولى وهذا العقد قد تصرف فيه الأول فلم يثبت للثاني ولاية على ما تناوله الخبر * (مسألة) * (فإن أجر السيد عبده مدة ثم أعتقه في أثنائها صح العتق) ولم يبطل عقد الإجارة في قياس المذهب ولا يرجع العبد على مولاه بشئ.
وهذا أحد قولي(6/45)
الشافعي، وقال في القديم يرجع على مولاه بأجر المثل لانه المنافع تستوفى منه بسبب كان من جهة السيد فرجع عليه كما لو أكرهه بعد عتقه على ذلك العمل ولنا أنها منفعة استحقت بالعقد قبل العتق فلم يرجع ببدلها كما لو زوج أمته ثم أعتقها بعد دخول الزوج بها فإن ما يستوفيه السيد لا يرجع به عليه.
ويخالف المكره فإنه تعدى بذلك، وقال أبو حنيفة للعبد الخيار في الفسخ أو الإمضاء كالصبي إذا بلغ للمعنى الذي ذكره.
ثم ولنا أنه عقد لازم على ما يملك فلم ينفسخ بالعتق ولا يزول ملكه عنه كما لو زوج أمته ثم باعها إذا ثبت هذا فإن نفقة العبد إذا لم تكن مشروطة على المستأجر فهي على معتقه لأنه كالباقي في ملكه لكونه يملك عوض نفعه، ولأن العبد عاجز عن نفقته لأنه مشغول بالإجارة ولم تجب على المستأجر لأنه استحق منفعته بعوض غير نفقته لم يبق إلا أنها على المولى، ويتخرج أن تنفسخ الإجارة كالصبي والله أعلم * (فصل) * قال رحمه الله (وإجارة العين تنقسم إلى قسمين (أحدهما) أن تكون على مدة كإجارة الدار شهراً والأرض عاما والعبد للخدمة أو للرعي مدة معلومة ويسمى الأجير فيها الأجير الخاص) تكون في الآدمي وغيره، فأما غير الآدمي فمثل إجارة الدار شهراً والأرض عاما.
وأما إجارة الآدمي فمثل أن يستأجر رجلا يبني معه يوما أو يخيط له شهراً فهذا يسمى الأجير الخاص لأن المستأجر يختص بمنفعته في مدة الإجارة لا يشاركه فيها غيره * (مسألة) * (ويشترط أن تكون المدة معلومة يغلب على الظن بقاء العين فيها وإن طالت)(6/46)
أما ضبطها بالشهر والسنة فلا نعلم فيه خلافاً وإنما اشترط العلم بالمدة لأنها هي الضابطة فاشترط معرفتها كعدد المكيلات فيما بيع بالكيل، فإن قدر المدة بسنة مطلقة حمل على السنة الهلالية لأنها المعهودة
قال الله تعالى (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) فوجب أن يحمل العقد عليه، فإن قال هلالية كان توكيداً، وإن قال عددية أو سنة بالأيام فهي ثلثمائة وستون يوماً لأن الشهر العددي ثلاثون يوما.
وإن استأجر سنة هلالية في أولها عد اثني عشر شهرا بالأهلة سواء كان الشهر تاما أو ناقصاً لأن الشهر الهلالي ما بين هلالين ينقص مرة ويزيد أخرى.
وكذلك إن كان العقد على أشهر دون السنة، وإن جعلا المدة سنة رومية أو شمسية أو فارسية أو قبطية وهما يعلمانها جاز وهي ثلثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم وإن جهلا ذلك أو أحدهما لم يصح (فصل) فإن أجره إلى العيد انصرف إلى الذي يليه وتعلق بأول جزء منه لأنه جعل غاية فتنتهي مدة الإجارة بأوله.
وقال القاضي: لابد من تعيين العيد فطراً أو أضحى من هذه السنة أو من سنة كذا.
وكذلك الحكم إن علقه بشهر يقع اسمه على شهرين كجمادى وربيع يجب على قوله ان يذكر الأول أو الثاني من سنة كذا.
وإن علقه بشهر مفرد كرجب فلابد أن يبينه من أي سنة، وإن علقه بيوم بينه من أي أسبوع، وإن علقه بعيد من أعياد الكفار وهما يعلمانه صح وإلا لم يصح (فصل) ولا تتقدر أكثر مدة الإجارة بل يجوز أجرة العين مدة يغلب على الظن بقاء العين فيها(6/47)
وإن طالت.
وهذا قول عامة أهل العلم، غير أن أصحاب الشافعي اختلفوا في مذهبه فمنهم من قال له قولان (أحدهما) كما ذكرنا وهو الصحيح (والثاني) لا يجوز أكثر من سنة لأن الحاجة لا تدعو إلى أكثر منها ومنهم من قال له قول ثالث أنها لا تجوز أكثر من ثلاثين سنة.
وحكى القاضي في كتاب الخلاف عن ابن حامد أن أصحابنا اختلفوا في مدة الإجارة فمنهم من قال لا تجوز أكثر من سنة.
واختاره ومنهم من قال إلى ثلاثين سنة لأن الغالب أن الأعيان لا تبقى أكثر منها وتتغير الأسعار والأجر ولنا قوله تعالى إخبارا عن شعيب عليه السلام أنه قال (على أن تأجرني ثماني حجج) وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يقم على نسخه دليل.
ولأن ما جاز العقد عليه سنة جاز أكثر منها كالبيع والنكاح والمساقاة والتقدير بسنة وثلاثين تحكم لا دليل عليه وليس هو بأولى من التقدير بزيادة عليه أو نقصان منه (فصل) إذا استأجر سنين لم يحتج إلى تقسيط الأجر على كل سنة في ظاهر كلام أحمد كما لو
استأجر سنة لم يحتج إلى تقسيط أجر كل شهر بالاتفاق، وكذلك لا يفتقر إلى تقسيط أجر كل يوم إذا استأجر شهراً، ولأن المنفعة كالأعيان في البيع، ولو اشتملت الصفقة على أعيان لم يلزمه تقدير ثمن كل عين كذلك، ههنا وقال الشافعي في أحد قوليه يفتقر إلى تقسيط أجر كل سنة لأن المنافع تختلف باختلاف السنين فلا يأمن ان ينفسخ العقد فلا يعلم بم يرجع وهذا يبطل بالشهور فإنه لا يفتقر الى تقسيط الأجر على كل شهر مع الاحتمال الذي ذكروه(6/48)
* (مسألة) * (ولا يشترط أن تلي العقد فلو أجره سنة خمس في سنة أربع صح) سواء كانت العين مشغولة وقت العقد أو لم تكن وكذلك إن أجره شهر رجب في المحرم وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي لا يصح إلا أن يستأجرها من هي في إجارة، ففيه قولان لأنه عقد على ما يمكن تسليمه في الحال فأشبه إجارة العين المغصوبة قال ولا يجوز أن يكتري بعيراً بعينه إلا عند خروجه لذلك ولنا أنها مدة يجوز العقد عليها مع غيرها فجاز العقد عليها مفردة مع عموم الناس كالتي تلي العقد وإنما تشترط القدرة على التسليم عند وجوبه كالسلم فانه لا يشترط وجود القدرة عليه حين العقد، ولا فرق بين كونها مشغولة أو غير مشغولة لما ذكرناه، وما ذكره يبطل بما إذا أجرها من المكتري فان يصح مع ما ذكروه.
إذا ثبت هذا فإن الإجارة إن كانت على مدة تلي العقد لم يحتج الى ذكر ابتدائها من حين العقد وإن كانت لا تليه فلابد من ذكره لأنها أحد طرفي العقد فاحتيج إلى معرفته كالانتهاء، وإن أطلق فقال أجرتك سنة أو شهراً صح وكان ابتداؤها من حين العقد وهو قول أبي حنيفة ومالك وقال الشافعي وبعض أصحابنا لا يصح حتى يسمي الشهر ويذكر أي سنة هي قال أحمد في رواية إسماعيل ابن سعيد إذا استأجر أجيراً شهراً فلا يجوز حتى يسمي الشهر ولنا قول الله تعالى حكاية عن شعيب عليه السلام قال (على أن تأجرني ثماني حجج) لم يذكر ابتداءها ولأنه تقدير بمدة ليس فيها قربة فإذا أطلقها وجب أن تلي السبب كمدة السلم والايلاء وتفارق النذر فإنه قربة(6/49)
(فصل) إذا تمت الإجارة وكانت على مدة ملك المستأجر المنافع المعقود عليها إلى المدة وتحدث
على ملكه وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة تحدث على ملك المؤجر ولا يملكها المستأجر بالعقد لأنها معدومة فلا تكون مملوكة كالولد والتمرة ولنا أن الملك عبارة عن حكم يحصل به تصرف مخصوص وقد ثبت ان المنفعة المستقبلة كان لمالك العين أن يتصرف فيها كتصرفه في العين فلما أجرها كان المستأجر مالكا للتصرف فيها كما كان يملكه المؤجر فثبت أنها كانت مملوكة لمالك العين ثم انتقلت إلى المستأجر بخلاف الولد والتمرة فإن المستأجر لا يملك التصرف فيها قولهم إن المنفعة معدومة قلنا هي مقدرة الوجود لأنها جعلت موردا للفعل والقدر لا يرد إلا على موجود * (مسألة) * (وإذا أجره في أثناء شهر سنة استوفى شهراً بالعدد وسائرها بالأهلة) لأنه تعذر إتمامه بالهلال فتممناه بالعدد وأمكن استيفاء ما عداه بالهلال فوجب ذلك لأنه الأصل وعنه يستوفي الجميع بالعدد لأنها مدة يستوفى بعضها بالعدد فوجب استيفاء جميعها به كما لو كانت المدة شهراً واحداً ولأن الشهر الأول ينبغي أن يكمل من الشهر الذي يليه فيحصل ابتداء الشهر الثاني في أثنائه وكذلك كل شهر يأتي بعده ولابي حنيفة والشافعي كالروايتين، وكذلك الحكم في كل ما يعتبر فيه الأشهر كعدة الوفاة وشهري صيام الكفارة(6/50)
(فصل) ومن اكترى دابة إلى العشاء فآخر المدة غروب الشمس وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة وأبو ثور آخرها زوال الشمس لأن العشاء آخر النهار وآخره النصف الآخر من الزوال وكذلك جاء في حديث ذي اليدين عن أبي هريرة قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاة العشي يعني الظهر أو العصر هكذا تفسيره ولنا قوله تعالى (من بعد صلاة العشاء) يعني العتمة وقال النبي صلى الله عليه وسلم " لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى ثلث الليل " وإنما تعلق الحكم بغروب الشمس لأن هذه الصلاة تسمى العشاء الآخرة فيدل على أن الأولى المغرب وهو في العرف كذلك فوجب أن يتعلق الحكم به لأن المدة إذا جعلت إلى وقت تعلقت بأوله كما لو جعلتا إلى الليل، وما ذكروه لا يصح لأن لفظ العشي غير لفظ
العشاء فلا يجوز الاحتجاج بأحدهما على الآخر حتى يقوم دليل على أن معنى اللفظين واحد ثم لو ثبت أن معناهما واحد غير أن أهل العرف لا يعرفون غير ما ذكرنا، فإن اكتراها إلى الليل فهو إلى أوله وكذلك إن اكتراها إلى النهار فهو إلى أوله، ويتخرج أن يدخل الليل في المدة الأولى والنهار في الثانية لما ذكرنا في مدة الخيار، وإن اكتراها نهاراً فهو إلى غروب الشمس وإن اكتراها ليلة فهي إلى طلوع الفجر في قول الجميع لأن الله تعالى قال في ليلة القدر (سلام هي حتى مطلع الفجر) وقال (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) ثم قال (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا(6/51)
واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل) (فصل) وإن اكترى فسطاطا إلى مكة ولم يقل متى اخرج فالكراء فاسد وبه قال أبو ثور وهو قياس قول الشافعي وقال أصحاب الرأي يجوز استحسانا بخلاف القياس ولنا أنها مدة غير معلومة الابتداء فلم يجز كما لو قال أجرتك داري من حين يخرج الحاج إلى رأس السنة وقد اعترفوا بمخالفته الدليل وما ادعوه دليلا تمنع كونه دليلا (القسم الثاني) إجارتها العمل معلوم كإجارة الدابة للركوب إلى موضع معين أو بقر لحرث مكان أو دياس زرع واستئجار عبد ليدله على طريق أو رحى لطحن قفزان معلومة فيشترط معرفة العمل وضبطه بما لا يختلف لأن الإجارة عقد معاوضة فوجب أن يكون العوض فيها معلوما لئلا يفضي إلى الاختلاف والتنازع كقولنا في البيع، والعلم بمقدار المنفعة إما أن يحصل بتقدير المدة كما ذكرنا في إجارة الدار وخدمة العبد مدة معلومة وإما بتقدير العمل ووصف ما يعمله وضبطه بما لا يختلف فيه كالمبيعات (فصل) يجوز أن يكتري بقرا لحرث مكان لأن البقر خلقت للحرث ولذلك وقال النبي صلى الله عليه وسلم " بينما رجل يسوق بقرة أراد أن يركبها فقالت إني لم أخلق لهذا إنما خلقت للحرث " متفق عليه، ويحتاج إلى معرفة الأرض وتقدير العمل، فأما الأرض فلا تعرف إلا بالمشاهدة فإنها تختلف فتكون صلبة تتعب(6/52)
البقر والحراث وتكون فيها حجارة تتعلق فيها السكة وتكون رخوة يسهل حرثها، ولا تنضبط بالصفة فتحتاج إلى الرؤية.
وأما تقدير العمل فيجوز بأحد شيئين إما بالمدة كيوم وإما بمعرفة الأرض كهذه
القطعة أو من ههنا إلى ههنا أو بالمساحة كجريب أو جريبين أو كذا ذراعا في كذا كل ذلك جائز لحصول العلم به فان قدره بالمدة فلابد من معرفة البقر التي يعمل عليها لأن الغرض يختلف باختلافها بالقوة والضعف ويجوز أن يستأجر البقر مفردة ليتولى رب الأرض الحرث بها ويجوز أن يستأجرها مع صاحبها ويجوز استئجارها بآلتها وبدونها وتكون الآلة من عند صاحب الأرض ويجوز استئجار البقر وغيرها لدواس الزرع لأنها منفعة مباحة مقصودة أشبهت الحرث ويجوز على مدة أو زرع معين أو موصوف كما ذكرنا في الحرث، ومتى كان على مدة احتيج إلى معرفة الحيوان لأن الغرض يختلف به فمنه ما روثه ظاهر ومنه نجس، ولا يحتاج إلى معرفة عين الحيوان ويجوز أن يستأجر الحيوان بآلته وغيرها مع صاحبه ومنفرداً كما ذكرنا في الحرث (فصل) ويجوز استئجار غنم لتدوس له طينا أو زرعا ولأصحاب الشافعي فيه وجه أنه لا يجوز لأنها منفعة غير مقصودة من هذا الحيوان.
ولنا أنها منفعة مباحة يمكن استيفاؤها أشبهت سائر المنافع المباحة وكالتي قبلها (فصل) وإن اكترى حيوانا لعمل لم يخلق له كمن استأجر البقر للركوب أو الحمل أو الإبل(6/53)
والحمير للحرث جاز لأنها منفعة مقصودة أمكن استيفاؤها من الحيوان لم يرد الشرع بتحريمها فجاز كالتي خلقت له، ولأن مقتضى الملك جواز التصرف بكل ما تصلح له العين المملوكة ويمكن تحصيلها منها ولا يمتنع ذلك إلا بمعارض راجح أو ما ورد بتحريمه نص أو قياس صحيح أو رجحان مضرة على منفعة ولم يوجد شئ منها، كثير من الناس يحملون على البقر ويركبونها وفي بعض البلاد يحرث على الإبل والبغال والحمير فيكون معنى خلقها للحرث إن شاء الله تعالى أنه معظم نفعها ولا يمنع ذلك الانتفاع بها في شئ آخر كما أن الخيل خلقت للركوب والزينة ويباح أكلها، واللؤلؤ خلف للحلية ويجوز استعماله في الأدوية وغيرها (فصل) ويجوز استئجار بهيمة لإدارة الرحى ويفتقر لشيئين معرفة الحجر بالمشاهدة أو الصفة لأن عمل البهيمة يختلف فيه بثقله وخفته فيحتاج صاحبها إلى معرفته (الثاني) تقدير العمل بالزمان كيوم
أو يومين أو بالطعام فيقول قفيزاً أو قفيزين وذكر جنس المطحون إن كان يختلف لأن منه ما يسهل طحنه ومنه ما يشق، وإن اكتراها لإدارة دولاب فلابد من مشاهدته ومشاهدة دلائه لاختلافها وتقدير ذلك بالزمان أو ملء، هذا الحوض، وكذلك إن اكتراها للسقي بالغرب فلابد من معرفته ولأنه يختلف بكبره وصغره، ويقدر بالزمان أو الغروب أو بملء بركة، يجوز تقدير ذلك بسقي أرض لأن ذلك يختلف فقد تكون الأرض شديدة العطش لا يرويها القليل وتكون قريبة العهد بالماء فيرويها(6/54)
اليسير، وإن قدره بسقي ماشية احتمل أن لا يجوز لذلك ويحتمل الجواز لأن شربها يتقارب في الغالب ويجوز استئجار دابة ليستقي عليها ماء، ولابد من معرفة الآلة التي يسقي فيها من راوية أو قرب أو جرار إما بالرؤية والماء بالصفة، ويقدر العمل بالزمان أو بالعدد أو بملء شئ معين، فإن قدره بعدد المرات احتاج إلى معرفة المكان الذي يستقي منه والذي يذهب إليه لأن ذلك يختلف بالقرب والبعد والسهولة والحزونة، وإن قدره إلى شئ معين احتاج إلى معرفته ومعرفة ما يستقي منه، ويجوز أن يكتري البهيمة بآلتها وبدونها مع صاحبها ووحدها، فإن اكتراها لبل تراب معروف جاز لأنه يعلم بالعرف وكل موضع وقع العقد على مدة فلابد من معرفة الظهر الذي يعمل عليه لأن الغرض يختلف باختلافها في القوة والضعف وإن وقع على عمل معين لم يحتج إلى ذلك لأنه لا يختلف ويحتمل أن يحتاج إلى ذلك في استقاء الما عليه لأن منه ما روثه وجسمه طاهر كالخيل والبقر ومنه ما روثه نجس وفي جسمه اختلاف كالبغال فربما نجس يد المستقي أو دلوه فيتنجس الماء به فيختلف الغرض بذلك فاحتيج إلى معرفته * (مسألة) * (يجوز استئجار رجل ليدله على طريق) لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر استأجرا عبد الله بن الأريقط هاديا خريتا وهو الماهر بالهداية ليدلهما على الطريق إلى المدينة(6/55)
* (مسألة) * (ويصح استئجار رحى لطحن قفزان معلومة)
ويحتاج إلى معرفة جنس المطحون براً أو شعيراً أو ذرة أو غيره لأن ذلك يختلف فمنه ما يسهل طحنه ومنه ما يعسر فاحتيج إلى معرفته لتزول الجهالة (فصل) يجوز استئجار كيال أو وزان لعمل معلوم أو في مدة معلومة وبه قال مالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي لا نعلم فيه خلافاً، وقد روي في حديث سويد بن قيس أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشترى رجل منا سراويل وثم رجل يزن بأجر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " زن وأرجح " رواه أبو داود (فصل) ويجوز استئجار رجل ليلازم غريما تستحق ملازمته وقد روي عن أحمد أنه كره ذلك وقال: غير هذا أعجب إلي وإنما كرهه لأنه يؤول إلى الخصومة وفيه تضييق على المسلم ولا يأمن أن يكون ظالما فيساعده على ظلمه وروي عنه أنه قال لا بأس به لأن الظاهر أنه بحق فإن الحاكم في الظاهر لا يحكم إلا بحق ولهذا أجزنا للموكل فعله (فصل) ويجوز الاستئجار لحفر الآبار والأنهار والقني لأنها منفعة معلومة يجوز التطوع بها فجاز الاستئجار عليها كالخدمة ولابد من تقدير العمل بمدة أو عمل معين فإن قدره بمدة نحو أن يستأجره شهرا ليحفر له بئراً أو نهراً لم يحتج إلى معرفة القدر وعليه الحفر في ذلك الشهر قليلا حفر أو كثير(6/56)
قال شيخنا ويفتقر إلى معرفة الأرض التي يحفر فيها وقال بعض أصحابنا لا يحتاج إلى ذلك لأن الغرض لا يختلف بذلك والأول أولى إن شاء الله تعالى لأن الأرض الصلبة يشق حفرها واللينة يسهل، وإن قدره بالعمل فلابد من معرفة الموضع بالمشاهدة لكونها تختلف بالسهولة والصلابة وذلك لا ينضبط بالصفة، ويعرف دور البئر وعمقها وطول النهر وعرضه وعمقه لأن العمل يختلف بذلك، وإذا حفر بئراً فعليه شيل التراب لأنه لا يمكنه الحفر إلا بذلك فقد تضمنه العقد، فإن تهور تراب من جانبيها أو سقطت فيه بهيمة أو نحو ذلك لم يلزمه شيله وكان على صاحب البئر لأنه سقط فيها من ملكه ولا يتضمن عقد الإجارة رفعه، وإن وصل إلى صخرة أو جماد يمنع الحفر لم يلزمه حفره لأن ذلك مخالف لما شاهده من الأرض وإنما اعتبرت مشاهدة الأرض لأنها تختلف فإذا ظهر فيها ما يخالف المشاهدة كان له
الخيار في الفسخ فإن فسخ كان له الأجر بحصة ما عمل فيقسط الأجر على ما بقي وما عمل، فيقال كم أجر ما عمل وكم أجر ما بقي؟ فيقسط الأجر المسمى عليهما ولا يجوز تقسيطه على عدد الأذرع، لأن أعلى البئر يسهل نقل التراب منه وأسفله يشق ذلك فيه، وإن نبع منه ما منعه من الحفر فهو كالصخرة على ما ذكرنا (فصل) ويجوز استئجار ناسخ ينسخ له كتباً من الفقه والحديث والشعر المباح وسجلات نص عليه في رواية مثنى ابن جامع، وسأله عن كتابة الحديث بالأجر فلم ير به بأسا، ولابد من التقدير بالمدة(6/57)
أو العمل فإن قدره بالعمل ذكر عدد الورق وقدره وعدد السطور في كل ورقة وقدر الحواشي ودقة القلم وغلظ فإن عرف الخط بالمشاهدة جاز وإن أمكن ضبطه بالصفة ضبطه والا فلابد من المشاهدة لأن الأجر يختلف باختلافه، ويجوز تقدير الأجر بأجزاء الفرع وبأجزاء الأصل، وإن قاطعه على نسخ الأصل بأجر واحد جاز فان أخطأ بالشئ اليسير عفي عنه لأنه لا يمكن التحرز منه، وإن كان كثيراً بحيث يخرج عن العادة فهو عيب يرد به، قال ابن عقيل ليس له محادثة غيره حال النسخ ولا التشاغل بما يشغل سره ويوجب غلطه ولا لغير تحديثه وشغله، وكذلك الأعمال التي تختل بشغل السر والقلب كالقصارة والنساجة ونحوهما، ويجوز أن يستأجر على نسخ مصحف في قول أكثر أهل العلم، منهم جابر بن زيد ومالك بن دينار وبه قال أبو حنيفة والشافعي وابو ثور وابن المنذر، وقال ابن سيرين لا بأس ان يستأجر الرجل شهراً ويستكتبه مصحفا، وكره علقمة كناية المصحف بالأجر ولعله يرى ذلك مما يختص كون فاعله من أهل القربة فكره الأجر عليه كالصلاة ولنا أنه فعل مباح يجوز أن ينوب فيه الغير عن الغير فجاز أخذ الأجرة عليه ككتابة الحديث، وقد جاء في الخبر " أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله " (فصل) يجوز أن يستأجر لحصاد زرعه لا نعلم فيه خلافا وكان إبراهيم بن أدهم يؤجر نفسه لحصاد الزرع، ويجوز تقديره بمدة وبعمل مثل أن يقاطعه على حصاد زرع معين، ويجوز أن يستأجر رجلا لسقي(6/58)
زرعه وتنقيته ودياسه ونقله إلى موضع معين، ويجوز أن يستأجر رجلا يحتطب له لأنه عمل مباح تدخله النيابة أشبه حصاد الزرع.
قال أحمد في رجل استأجر أجيراً على أن يحتطب له على حمارين كل يوم فكان الرجل ينقل عليهما وعلى حمير لرجل آخر ويأخذ منه الأجرة فإن كان يدخل عليه ضرر يرجع عليه بالقيمة، وظاهر هذا أن المستأجر يرجع على الأجير بقيمة ما استضر باشتغاله عن عمله لقوله إن كان يدخل عليه ضرر رجع بالقيمة فاعتبر الضرر.
وظاهر هذا أنه إذا لم يستضر لا يرجع بشئ لأنه اكتراه لعمل فوفاه على التمام فلم يلزمه شئ كما لو استأجره بعمل فكان يقرأ القرآن في حال عمله فإن ضر المستأجر رجع عليه بقيمة ما فوت عليه.
ويحتمل أنه أراد أنه يرجع عليه بقيمة ما عمله لغيره لأنه صرف منافعه المعقود عليها إلى عمل غير المستأجر فكان عليه قيمتها كما لو عمل لنفسه.
وقال القاضي معناه أنه يرجع عليه بالأجر الذي أخذه من الآخر لأن منافعها في هذه المدة مملوكة لغيره فما حصل في مقابلتها يكون الذي استأجره (فصل) يجوز الاستئجار لاستيفاء القصاص في النفس وما دونها، وبه قال مالك والشافعي وأبو ثور، وقال أبو حنيفة لا يجوز في النفس لأن عدد الضربات يختلف وموضع الضربات غير متعين إذ يمكن أن يضرب مما يلي الرأس ومما يلي الكتف فكان مجهولا ولنا أنه حق يجوز التوكيل في استيفائه لا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة فجاز الاستئجار(6/59)
عليه كالقصاص في الطرف.
وقوله إن عدد الضربات يختلف وهو مجهول يبطل بخياطه الثوب فإن عدد الغرزات مجهول، وقوله إن محله غير متعين، قلنا هو متقارب فلا يمنع ذلك صحته كموضع الخياطة من حاشية الثوب (فصل) ويجوز أن يستأجر سمساراً يشتري له ثيابا، ورخص فيه ابن سيرين وعطاء والنخعي، وكرهه الثوري وحماد ولنا أنها منفعة مباحة تجوز النيابة فيها فجاز الاستئجار عليها كالبناء، وتجوز على مدة معلومة مثل أن يستأجره عشرة أيام يشتري له فيها لأن المدة معلومة والعمل معلوم فأشبه الخياط والقصار، وإن عين
العمل دون الزمان فجعل له من كل ألف درهم شيئا معلوما صح أيضا، وإن قال كلما اشتريت ثوباً فلك درهم أجراً وكانت الثياب معلومة بصفة أو مقدرة بثمن جاز، وإن لم تكن كذلك فظاهر كلام أحمد أنه لا يجوز لأن الثياب تختلف باختلاف أثمانها والأجر يختلف باختلافها فإن اشترى فله أجر مثله، وهذا قول أبي ثور وابن المنذر لأنه عمل عملا بعوض لم يسلم له فكان له أجر المثل كسائر الإجارات الفاسدة (فصل) وإن استأجره ليبيع له ثيابا بعينها صح وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لا يصح لأن ذلك يتعذر عليه فأشبه ضراب الفحل وحمل الحجر الكبير ولنا أنه عمل مباح معلوم تجوز النيابة فيه فجاز الاستئجار عليه كشراء الثياب، ولأنه يجوز الاستئجار(6/60)
عليه مقدراً بزمن فجاز مقدراً بالعمل كالخياطة وقولهم أنه يتعذر ممنوع فإن الثياب لا تنفك عن راغب فيها ولذلك صحت المضاربة ولا تكون إلا بالبيع والشراء بخلاف ما قاسوا عليه فإنه يتعذر، وإن استأجره على شراء ثياب معينة من رجل معين احتمل أن لا يصح لأنه قد يتعذر لامتناع صاحبها من البيع فيتعذر تحصيل العمل بحكم الظاهر بخلاف البيع ويحتمل أن يصح لأنه ممكن في الجملة فإن حصل من ذلك شئ استحق الأجر وإلا بطلت الإجارة كما لو لم يعين البائع ولا المشتري * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (الضرب الثاني عقد على منفعة في الذمة مضبوطة بصفات السلم كخياطة ثوب وبناء دار وحمل إلى موضع معين ولا يكون الأجير فيها إلا آدمياً جائز التصرف، ويسمى الأجير المشترك) يجوز للآدمي أن يؤجر نفسه بغير خلاف وقد أجر موسى عليه السلام نفسه لرعاية الغنم، واستأجر النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه رجلا ليدلهما على الطريق ولأنه يجوز الانتفاع به مع بقاء عينه أشبه الدور، ثم إن إجارته تقع على مدة بعينها وعمل بعينه كإجارة موسى عليه السلام نفسه للرعي، وتقع على عمل موصوف في الذمة كالسلم، ومتى كان على عمل موصوف في الذمة لم يكن الأجير فيها إلا آدمياً جائز التصرف لأن الذمة لا تكون لغير الآدمي ولا تثبت المعاوضة لعمل في الذمة لغير جائز التصرف، ولابد أن يكون العمل الذي يتعلق بالذمة مضبوطا بصفات السلم ليحصل العلم به(6/61)
ويسمى الأجير فيها الأجير المشترك مثل الخياط الذي يتقبل الخياطة لجماعة وكذلك القصار ومن في معناه فتكون منفعة مشتركة بينهم * (مسألة) * (ولا يجوز الجمع بين تقدير المدة والعمل كقوله استأجرتك لتخيط لي هذا الثوب في يوم، وعنه يجوز) لا يجوز الجمع بين تقدير المدة والعمل كقوله استأجرتك لتخيط لي هذا الثوب في يوم أو تبني هذه الدار في شهر وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأن الجمع بينهما بزبد الإجارة غرراً لا حاجة إليه لأنه قد يفرغ من العمل قبل انقضاء المدة فإن استعمل في بقية المدة فقد زاد على ما وقع عليه العقد وإن لم يعمل كان تاركا للعمل في بعض المدة، فهذا غرر قد أمكن التحرز منه ولم يوجد مثله في محل الوفاق فلم يجز العقد معه، وروى عن أحمد فيمن اكترى دابة إلى موضع على أن يدخله في ثلاث فدخله في ست قال قد أضربه فقيل يرجع عليه بالقيمة؟ قالا لا ويصالحه، وهذا يدل على جواز تقديرهما جميعا وهو قول أبي يوسف ومحمد لأن الإجارة معقودة على العمل فالمدة إنما ذكرت للتعجيل فلا تمنع ذلك، فعلى هذا إذا تم العمل قبل انقضاء المدة لم يلزمه العمل في بقيتها لأنه وفى ما عليه قبل مدته فلم يلزمه شئ آخر كما لو قضى الدين قبل أجله، وإن مضت المدة قبل العمل فللمستأجر فسخ الإجارة لأن الأجير لم يف له بشرطه، فإن رضي بالبقاء عليه لم يملك الأجير الفسخ لأن الإخلال بالشرط منه فلا يكون ذلك وسيلة(6/62)
له إلى الفسخ كما لو تعذر المسلم فيه في وقته لم يملك المسلم إليه الفسخ وملكه المسلم، فإن اختار إمضاء العقد طالبه بالعمل لا غير كالمسلم إذا صبر عند تعذر المسلم فيه إلى حين وجوده لم يكن له أكثر من المسلم فيه وإن فسخ العقد قبل العمل سقط الأجر والعمل، وإن كان بعد عمل بعضه فله أجر المثل لأن العقد قد انفسخ فسقط المسمى ورجع إلى أجر المثل * (مسألة) * (ولا تجوز الإجارة على عمل يختص فاعله أن يكون من أهل القربة كالحج والأذان، وعنه تجوز) معنى قوله يختص فاعله أن يكون من أهل القربة أنه يكون مسلما، وقد اختلفت الرواية عن أحمد
رحمه الله في الاستئجار على عمل يختص فاعله أن يكون مسلما كالإمامة والحج والأذان وتعليم القرآن فروي عنه أنها لا تصح وبه قال عطاء والضحاك بن قيس وأبو حنيفة والزهري، وكره إسحاق تعليم القرآن بأجر، قال عبد الله بن شقيق: هذه الزغفان التي يأخذها المسلمون من السحت، وكره أجر المعلم مع الشرط الحسن وابن سيرين وطاوس والشعبي والنخعي، وعن أحمد رواية أخرى أنه يجوز حكاها أبو الخطاب، ونقل أبو طالب عن أحمد أنه قال: التعليم أحب إلي من أن يتوكل لهؤلاء السلاطين، ومن أن يتوكل لرجل من عامة الناس في ضيعة، ومن أن يستدين ويتجر لعله لا يقدر على الوفاء فيلقى الله بأمانات الناس التعليم أحب إلى، وهذا يدل على أن منعه منه في موضع منعه للكراهة لا للتحريم(6/63)
وممن أجاز ذلك مالك والشافعي، ورخص في أجور المعلمين أبو قلابة وأبو ثور وابن المنذر لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج رجلاً بما معه من القرآن متفق عليه، فإذا جاز تعليم القرآن عوضاً في النكاح وقام مقام المهر جاز أخذ الأجرة عليه في الإجارة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله " حديث صحيح، وفي حديث أبي سعيد أن رجلا رقى رجلا بفاتحة الكتاب على جعل فبرأ وأخذ أصحابه الجعل فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه وسألوه فقال " لعمري لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق، كلوا واضربوا لي معكم بسهم " حديث صحيح.
وإذا جاز أخذ الجعل جاز أخذ الأجر لأنه في معناه، ولأنه يجوز أخذ الرزق عليه من بيت المال فجاز أخذ الأجر عليه كبناء المساجد ولأن الحاجة تدعو إلى الاستنابة في الحج عمن وجب عليه وعجز عن فعله ولا يكاد يوجد متبرع بذلك فيحتاچ إلى بذل الأجر فيه ووجه الرواية الأولى ما روى عثمان بن أبي العاص قال إن آخر ما عهد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجراً.
قال الترمذي هذا حديث حسن.
وروي عبادة بن الصامت قال(6/64)
علمت أناسا من أهل الصفة القرآن والكتابة فأهدى إلي رجل منهم قوسا قال قلت قوس وليست بمال قال قلت أتقلدها في سبيل الله وذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقص عليه القصة قال إن سرك أن
يقلدك الله قوسا من نار فاقبلها " وعن أبي بن كعب أنه علم رجلا سورة من القرآن فأهدى له خميصة أو ثوبا فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال " لو أنك لبستها أو أخذتها ألبسك الله مكانها ثوبا من نار " وعن أبي قال: كنت أختلف إلى رجل مسن قد أصابته علة قد احتبس في بيته أقرئه القرآن فكان عند فراغه مما أقرئه يقول لجارية له هلمي طعام أخي فيؤتى بطعام لا آكل مثله بالمدينة فحاك في نفسي منه شئ فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال " إن كان ذاك الطعام طعامه وطعام أهله فكل منه، وإن كان يتحفك به فلا تأكله " وعن عبد الرحمن بن شبل الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " اقرءوا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا تستكتروا به " روى هذه الأحاديث كلها الأثرم في سننه، ولأن من شرط صحة هذه الأفعال كونها قربة إلى الله تعالى فلم يجز أخذ الأجر عليها كما لو إستأجر قوما يصلون خلفه الجمعة أو التراويح.
فاما الاخد على الرقية فإن أحمد اختار جوازه وقال لا بأس، وذكر حديث أبي سعيد، والفرق بينه وبين ما اختلف فيه أن الرقية نوع مداواة والمأخوذ عليها جعل والمداواة يباح أخذ الأجر عليها والجعالة أوسع من الإجارة ولهذا تجوز مع جهالة العمل والمدة وقوله عليه السلام " أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله " يعني الجعل أيضاً في الرقية لأنه ذكر ذلك في سياق خبر(6/65)
الرقية، وأما جعل تعليم القرآن صداقا فعنه فيه اختلاف، وليس في الخبر تصريح بأن التعليم صداق إنما قال " زوجتكها بما معك من القرآن " فيحتمل أنه زوجها إياه بغير صداق إكراما له كما زوج أبا طلحة أم سليم على إسلامه ونقل عنه جوازه، والفرق بين المهر والأجر أن المهر ليس بعوض محض وإنما وجب نحلة ووصلة ولهذا جاز خلو العقد عن تسميته وصح مع فساده بخلاف الأجر في غيره (فصل) فأما الرزق من بيت المال فيجوز على ما يتعدى نفعه من هذه الأمور لأن بيت المال من مصالح المسلمين فإذا كان بذله لمن يتعدى نفعه إلى المسلمين محتاجا إليه كان من المصالح وكان له أخذه لأنه من أهله وجرى مجرى الوقف على من يقوم بهذه المصالح بخلاف الأجر (فصل) فإن أعطى المعلم شيئا من غير شرط جاز في ظاهر كلام أحمد فإنه قال في رواية أيوب ابن سافري لا يطلب ولا يشارط فإن أعطي شيئا أخذه، وقال في رواية أحمد بن سعيد أكره أجر
المعلم إذا شرط، وقال إذا كان المعلم لا يشارط ولا يطلب من أحد شيئاً إن أتاه شئ قبله كأنه يراه أهون، وكرهه طائفة من أهل العلم لما تقدم من حديث الفرس والخميصة التي أعطيها أبي وعبادة من غير شرط، ولأن ذلك قربة فلم يجز أخذ العوض عنه بشرط ولا بغيره كالصلاة والصيام ووجه الأول قول النبي صلى الله عليه وسلم " ما أتاك من هذا المال من غير مسألة ولا إشراف نفس فخذه وتموله فإنه رزق ساقه الله إليك " وقد أرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكل طعام الذي كان يعلمه إذا كان طعامه وطعام أهله ولأنه إذا(6/66)
كان بغير شرط كان هبة مجردة فجاز كما لو لم يعلمه شيئاً، فأما حديث القوس والخميصة فقضيتان في عين فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أنهما فعلا ذلك خالصا فكره أخذ العوض عنه من غير الله تعالى، ويحتمل غير ذلك، فأما ان أعطى المعلم أجراً على تعليم الخط وحفظه جاز نص عليه أحمد فقال: إن كان المعطي ينوي أنه يعطيه لحفظ الصبي وتعليمه فأرجو إذا كان كذا ولأن هذا مما يجوز أخذ الأجر عليه مفرداً فجاز مع غيره كسائر ما يجوز الاستئجار عليه وهكذا لو كان إمام المسجد قيما يكنسه ويسرج قناديله ويغلق بابه ويفتحه فأخذ أجراً على خدمته، أو كان النائب في الحج يخدم المستنيب له في طريق الحج وليشد له ويحج عن قريبه فدفع إليه أجراً لخدمته جاز ذلك انشاء الله تعالى (فصل) فأما ما لا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة كتعليم الخط والحساب والشعر وشبهه وبناء المساجد والقناطر فيجوز أخذ الأجرة عليه لأنه يقع تارة قربة وتارة غير قربة فلم يمنع من الاستئجار لفعله كغرس الأشجار وبناء البيوت وكذلك في تعليم الفقه والحديث ذكره شيخنا، وذكر القاضي في الخلاف أنهما من القسم الأول، والأولى ما ذكره شيخنا لكون فاعله لا يختص أن يكون من أهل القربة، وأما ما لا يتعدى نفعه فاعله من العبادات المحضة كالصيام وصلاة الإنسان لنفسه وحجه عن نفسه، وأداء زكاة نفسه فلا يجوز أخذ الأجرة عليه بغير خلاف لأن الأجر عوض للانتفاع ولم يحصل لغيره ههنا انتفاع فأشبه إجارة الأعيان التي لا نفع فيها(6/67)
* (مسألة) * وإن استأجر من بحجمه صح، ويكره للحر أكل أجرته ويطعمه الرقيق والبهائم،
وقال القاضي لا يصح) يجوز أن يستأجر حجاما ليحجمه وأجره مباح اختاره أبو الخطاب وهو قول ابن عباس قال أنا آكله وبه قال عكرمة والقاسم ومحمد بن علي بن الحسين وربيعة ويحيي الانصاري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي، وقال القاضي لا يجوز وذكر أن أحمد نص عليه قال وإن أعطي شيئا من غير عقد ولا شرط فله أخذه وبصرفه في علف دابته وطعم عبيده ومؤنة صناعته ولا يحل أكله وممن كره كسب الحجام عثمان وأبو هريرة والحسن والنخعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كسب الحجام خبيث " متفق عليه وقال أطعمه ناضحك ورقيقك ولنا ما روى ابن عباس قال: احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره ولو علمه حراما لم يعطه متفق عليه، وفي لفظ ولو علمه خبيثا لم يعطه ولأنها منفعة مباحة لا يختص فاعلها أن يكون من أهل القربة فجاز الاستئجار عليها كالختان ولأن بالناس حاجة إليها ولا يجد كل أحد متبرعا بها فجاز الاستئجار عليها كالرضاع ولأن قول النبي صلى الله عليه وسلم في كسب الحجام " أطعمه رقيقك " دليل على إباحته إذ غير جائز أن يطعم رقيقه ما يحرم أكله فإن الرقيق آدمي يحرم عليه أكل ما حرم على الحر وتخصيص ذلك بما(6/68)
أعطيه من غير استئجار تحكم لا دليل عليه، فعلى هذا تسمية كسبه خبيثا لا يلزم منه التحريم فقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الثوم والبصل خبيثين مع إباحتهما وإنما كره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك للحر تنزيها له لدناءة صناعته وليس عن أحمد نص في تحريم كسب الحجام ولا استئجاره عليها وإنما قال نحن نعطيه كما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم ونقول له كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أكله نهاه، وقال " أعلفه الناضح والرقيق " هذا معنى كلامه في جميع الروايات وليس هذا صريحاً في تحريمه بل فيه دليل على إباحته كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم على ما بينا، فإن إعطاءه للحجام دليل إباحته إذ لا يعطيه ما يحرم عليه وهو عليه السلام يعلم الناس وينهاهم عن المحرمات فكيف يعطيهم إياها؟ فعلى هذا يكون نهيه عليه السلام عن أكله نهي كراهة لا نهي تحريم وكذلك قول الإمام أحمد فإنه لم يخرج عن قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله بل قصد اتباعه، وكذلك سائر من كرهه من الأئمة يتعين حمل قولهم على الكراهة فلا يكون في المسألة قائل بالتحريم.
إذا ثبت هذا فإنه
يكره للحر أكل أجرة الحجام ويكره تعلم صناعة الحجامة وإجارة نفسه لها لما ذكرنا من الأخبار ولأن فيها دناءة فكره الدخول فيها كالكسح، وفيما ذكرناه إن شاء الله جمع بين الأخبار وتوفيق بين الأدلة الدالة عليها فعلى هذا يطعمه الرقيق والبهائم كما جاء في الأخبار الصحيحة والله أعلم (فصل) فأما استئجار الحجام لغير الحجامة كالفصد وحلق الشعر وتقصيره والختان وقطع شئ من الجسد للحاجة إليه فجائز لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم " كسب الحجام خبيث " يريد بالحجامة كما نهى عن مهر البغي(6/69)
أي في البغاء، ولذلك لو كسب في بضاعة أخرى لم يكن خبيثا بغير خلاف وهذا النهي يخالف القياس فيختص بالمحل الذي ورد فيه ولأن هذه الأمور تدعو الحاجة إليها، ولا تحريم فيها فجازت الإجارة فيها كسائر المنافع المباحة (فصل) ويجوز أن يستأجر كحالا ليكحل عينه لأنه عمل جائز ويمكن تسليمه ويقدر على ذلك بالمدة لأن العمل غير مضبوط ويحتاج إلى بيان عدد ما يكحله في كل يوم مرة أو مرتين فإن قدرها بالبرء فقال القضي لا يجوز لأنه غير معلوم، وقال ابن أبي موسى لا بأس بمشارطة الطبيب على البرء، لأن أبا سعيد حين رقى الرجل شارطه على البرء، قال شيخنا والصحيح إن شاء الله جواز ذلك لكي يكون جعالة لا إجارة فإن الإجارة لابد فيها من مدة معلومة أو عمل معلوم والجعالة تجوز على عمل مجهول كرد اللقطة والآبق وحديث أبي سعيد في الرقية إنما كان جعالة فيجوز ههنا مثله.
إذا ثبت هذا فإن الكحل إن كان من العليل جاز لأن آلات العمل تكون من المستأجر كاللبن في البناء والطين والآجر ونحوها وإن شرطه على الكحال جاز، وقال القاضي يحتمل أن لا يجوز لأن الأعيان لا تملك بعقد الإجارة فلا يصح اشتراطه على العامل كلبن الحائط ولنا أن العادة جارية به ويشق على العامل تحصيله وقد يعجز عنه بالكلية فجاز ذلك كالصبغ من الصباغ والحبر والأقلام من الوراق وما ذكره ينتقض بهذين الأصلين، وفارق لبن الحائط لأن العادة تحصيل(6/70)
المستأجر إياه ولا يشق ذلك بخلاف مسئلتنا، وقال أصحاب مالك يجوز أن يستأجر من يبني له جداراً
والآجر من عنده لأنه اشترى ما تتم به الصنعة التي عقد عليها فإذا كان معروفا جاز كما لو استأجره ليصبغ له ثوبا والصبغ من عنده ولنا أن عقد الإجارة عقد على المنفعة فإذا شرط بيع العين صار كبيعتين في بيعة ويفارق الصبغ من حيث إن الحاجة داعية إليه، لأن تحصيل الصبغ يشق على صاحب الثوب وقد يكون الصبغ لا يحصل إلا في خنب يحتاج إلى مؤنة كثيرة لا يحتاج إليها في صبغ هذا الثوب فجاز لمسيس الحاجة إليه بخلاف مسئلتنا (فصل) فإن استأجره مدة فكحله فيها فلم تبرأ عينه استحق الأجر وبه قال الجماعة، وحكي عن مالك انه لا يستحق أجراً حتى تبرأ عينه ولم يحك ذلك أصحابه وهو فاسد لأن المستأجر قد وفى العمل الذي وقع العقد عليه فوجب له الأجر وإن لم يحصل الغرض كما لو استأجره لبناء حائط يوما أو لخياطة قميص فلم يتمه فيه فإن برأت عينه في أثناء المدة انفسخت الإجارة فيما بقي من المدة لتعذر العمل فهو كما لو حجز عنه أمر غالب وكذلك لو مات فإن امتنع عن الاكتحال مع بقاء المرض استحق الكحال الأجر بمضي المدة كما لو استأجره يوما للبناء فلم يستعمله فيه، فأما إن شارطه على البرء فهي جعالة لا يستحق شيئاً حتى يوجد البرء سواء وجد قريباً أو بعيداً فإن برئ بغير كحله أو تعذر الكحل(6/71)
لموته أو غير ذلك من الموانع التي من جهة المستأجر فله أجر مثله كما لو عمل العامل في الجعالة ثم فسخ العقد فإن امتنع لأمر من جهة الكحال أو غير المستأجر فلا شئ له وإن فسخ الجاعل الجعالة بعد عمل الكحال فعليه أجر عمله وإن فسخ الكحال فلا شئ له على ما يذكر في باب الجعالة إن شاء الله تعالى (فصل) ويصح أن يستأجر طبيبا لمداواته والكلام فيه كالكلام في الكحال سواء لأنه لا يجوز اشتراط الدواء على الطبيب لأنه إنما جاز في الكحال على خلاف الأصل للحاجة إليه وجري العادة به ولم يوجد ذلك المنع ههنا فيثبت الحكم فيه على وفق الأصل (فصل) ويجوز أن يستأجر من يقلع ضرسه لأنها منفعة مباحة مقصودة فجاز ذلك عليها كالختان فإن أخطأ فقلع غير ما أمر بقلعه ضمنه لأنه من جنايته وإن برأ الضرس قبل قلعه انفسخت الإجارة
لأن قلعه لا يجوز وإن لم يبرأ لكن امتنع المستأجر من قلعه لم يجبر عليه لأن إتلاف جزء الآدمي محرم في الأصل وإنما أبيح إذا صار بقاؤه ضرراً وذلك مفوض إلى كل إنسان في نفسه إذا كان أهلا لذلك فصاحب الضرس أعلم بمضرته ونفعه وقدر ألمه * (فصل) * قال رضي الله عنه (وللمستأجر استيفاء المنفعة بنفسه وبمثله فإذا اكترى داراً للسكنى فله أن يسكنها مثله لأنه لم يزد على استيفاء حقه ولأنه حقه فجاز أن يستوفيه بنفسه وبوكيله إذا كان مثله في الضرر أو دونه كقبض المبيع واستيفاء الدين ويضع فيه ما جرت عادة الساكن به من الرحل(6/72)
والطعام ويخزن فيه الثياب وغيرها مما لا يضر بها ولا يسكنها من يضر بها كالقصارين والحدادين ولا يجعل فيها الدواب لأنها تروث فيها وتفسدها، ولا يجعل فيها السرجين ولا رحى ولا ما يضر بها ولا شيئا ثقيلا فوق سقف لأنه يثقله وقد يكسر خشبه فإن شرط ذلك جاز وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفاً ولا يملك فعل ما يضر بها لأنه فوق المعقود عليه فلم يكن له فعله كما لو اشترى شيئا لم يملك أخذ أكثر منه فان جعل الدار مخزنا للطعام فقال أصحابنا يجوز ذلك لأنه يجوز أن يجعلها مخزنا لغيره ويحتمل أن لا يجوز لأنه يفضي إلى تخريق الفأر أرضها وحيطانها وذلك ضرر لا يرضى به صاحب الدار (فصل) وإن اكترى ظهرا ليركبه فله أن يركبه مثله ومن هو أخف منه ولا يركبه من هو أثقل منه لأن العقد اقتضى استيفاء منفعة مقدرة بذلك الراكب فكان له أن يستوفي ذلك بنفسه ونائبه وله استيفاء أقل منه لأنه بعض حقه وليس له استيفاء أكثر منه لأنه أكثر مما عقد عليه ولا يشترط التساوي في الطول والقصر ولا المعرفة بالركوب، وقال القاضي يشترط أن يكون مثله في هذه الأوصاف كلها لأن قلة المعرفة بالركوب يثقل على المركوب ويضر به قال الشاعر لم يركبوا الخيل إلا بعدما كبروا * فهم ثقال على أكفالها عنف(6/73)
ولنا أن التفاوت في هذه الأمور مع التساوي في الثقل يسير فعفي عنه ولهذا لا يشترط ذكره
في الإجارة ولو اعتبر ذلك لاشتترطت معرفته في الإجارة كالثقل والخفة (فصل) فإن شرط أن لا يستوفي المنفعة بمثله ولا بمن دونه فقياس قول أصحابنا صحة العقد وبطلان الشرط فإنهم قالوا فيمن شرط أن يزرع في الأرض حنطة ولا يزرع غيرها يبطل الشرط ويصح العقد، يحتمل أن يصح الشرط وهو أحد الوجهين للشافعية لأن المستأجر يملك المنافع من جهة المؤجر فلا يملك ما لم يرض به ولأنه قد يكون له غرض في تخصيصه باستيفاء هذه المنفعة وقالوا في الوجه الآخر يبطل الشرط لأنه ينافي موجب العقد إذ موجبه ملك المنفعة والتسليط على استيفائها بنفسه ونائبه واستيفاء بعضها بنفسه وبعضها بنائبه والشرط ينافي ذلك فكان باطلا ولا يبطل به العقد في أصح الوجهين لأنه لا يؤثر في حق المؤجر نفعاً ولا ضراً فألغي وبطل العقد على مقتضاه والآخر يبطله لأنه ينافي مقتضاه أشبه ما لو شرط أن لا يستوفي المنافع * (مسألة) * (وله استيفاء المنفعة وما دونها في الضرر من جنسها) قال أحمد إذا استأجر دابة ليحمل عليها تمراً فحمل عليها حنطة أرجو أن لا يكون به بأس إذا كان الوزن واحداً وإن كانت المنفعة التي يستوفيها أكثر ضرراً أو مخالفة للمعقود عليها في الضرر لم يجز لأنه يستوفي أكثر من حقه أو غير ما يستحقه(6/74)
* (مسألة) * (فإذا استأجر أرضا لزرع الحنطة فله زرع الشعير ونحوه وليس له زرع الدخن ونحوه ولا يملك الغرس ولا البناء ولو اكتراها لأحدهما لم يملك الآخر) وجملة ذلك أن إجارة الأرض صحيحة وقد ذكرناه ولا يصح حتى يرى الأرض لأن المنفعة تختلف باختلافها ولا تعرف إلا بالرؤية لكونها لا تنضبط بالصفة ولا يصح حتى يذكر ما يكتري له من زرع أو غرس أو بناء لأن الأرض تصلح لذلك كله وتأثيره في الأرض يختلف فوجب بيانه فإن قال أجرتكها لتزرعها أو تغرسها لم يصح لأنه لم يعين أحدهما لأنه أشبه ما لو قال بعتك أحد هذين العبدين، فإن قال لتزرعها ما شئت وتغرسها ما شئت صح وهذا منصوص الشافعي وخالفه أكثر أصحابه فقالوا لا يجوز لأنه لا يدري كم يزرع ويغرس وقال بعضهم يصح ويزرع نصفها ويغرس نصفها
ولنا أن العقد اقتضى إباحة هذين الشيئين فصح كما لو قال لتزرعها ما شئت ولأن اختلاف الجنسين كاختلاف النوعين، وقوله لتزرعها ما شئت إذن في نوعين وأنواع وقد صح فكذلك في الجنسين وله أن يغرسها كلها وأن يزرعها كلها كما لو أذن له في أنواع الزرع كله كان له زرعها نوعا واحداً وزرعها جميعها من نوعين وكذلك ههنا (فصل) فإن أكراها للزرع وحده ففيه أربع مسائل (إحداهن) أكراها للزرع مطلقا أو قال لتزرع ما شئت فيصح وله زرع ما شاء وهذا مذهب الشافعي وحكي عن ابن سريج أنه لا يصح(6/75)
حتى يبين الزرع لأن ضرره يختلف فلم بصح بدون البيان كما لو لم يذكر ما يكتري له من زرع أو غرس أو بناء ولنا أنه يجوز استئجارها لأكثر الزرع ضرراً ويباح له جميع الأنواع لأنها دونه فإذا عمم أو أطلق تناول الأكثر وكان له ما دونه، ويخالف الأجناس المختلفة فإنه لا يدخل بعضها في بعض، فإن قيل فلو اكترى دابة للركوب لوجب تعيين الراكب قلنا لأن إجارة المركوب لأكثر الركاب ضررا لا تجوز بخلاف المزروع ولأن للحيوان حرمة في نفسه فلم يجز إطلاق ذلك فيه بخلاف الأرض، فإن قيل فلو استأجر داراً للسكنى مطلقا لم يجز أن يسكنها من يضر بها كالقصار والحداد فلم قلتم إنه يزرعها ما يضر بها؟ قلنا السكنى لا تقتضي ضرراً فلذلك منع من إسكان من يضر بها لأن العقد لم يقتضه والزرع يقتضي الضرر فإذا أطلق كان راضيا بأكثره فلهذا جاز، وليس له أن يغرس في هذه الأرض ولا يبني لأن ضرره أكثر من المعقود عليه (المسألة الثانية) أكراها لزرع حنطة أو نوع بعينه فإن له زرع ما عينه وما ضرره كضرره أو دونه ولا يتعين ما عينه في قول عامة أهل العلم إلا أهل الظاهر فإنهم قالوا لا يجوز له زرع غير ما عينه حتى لو وصف الحنطة بأنها سمراء لم يجز أن يزرع بيضاء لأنه عينه بالعقد فلم يجز العدول عنه كما لو عين المركوب أو عين الدراهم في الثمن ولنا أن المعقود عليه منفعة الأرض دون القمح ولهذا يستقر عليه الأجر بمضي المدة إذا تسلم الأرض ولم يزرعها وإنما ذكر القمح لتقدر به المنفعة فلم يتعين كما لو استأجر دارا ليسكنها فله أن(6/76)
يسكنها غيره، وفارق المركوب والدراهم في الثمن فإنه معقود عليهما فتعينا والمعقود عليه ههنا منفة مقدرة وقد تعينت أيضا ولم يتعين ما قدرت به كما لا يتعين المكيال والميزان في المكيل والموزون، فعلى هذا يجوز له زرع القمح والشعير والباقلا لأنه أقل ضررا وليس له زرع الدخن والذرة والقطن لأنه إما أن يكون أكثر ضرراً فيأخذ فوق حقه أو يكون ضرره مخالفاً لضرر القمح فيأخذ ما لم يتناوله العقد ولا شيئاً من جنسه (المسألة الثالثة) قال ازرعها حنطة وما ضرره كضررها أو دونه فهذه كالتي قبلها إلا أنه لا مخالف فيها لأنه شرط ما اقتضاه الإطلاق وبين ذلك بصريح نصه فزال الإشكال (المسألة الرابعة) قال ازرعها حنطة ولا تزرع غيرها فذكر القاضي أن الشرط باطل لمنافاته مقتضى العقد لأنه يقتضي استيفاء المنفعة كيف شاء فلم يصح الشرط كما لو شرط عليه استيفاء المبيع بنفسه والعقد صحيح لأنه لا ضرر فيه ولا غرض لأحد المتعاقدين لأن ما ضرره مثله لا يختلف في غرض المؤجر فلم يؤثر في العقد فأشبه شرط استيفاء المبيع أو الثمن بنفسه وقد ذكرنا فيما إذا اشترط مكتري الدار أن لا يسكنها غيره وجها في صحة الشرط ووجها في فساد العقد فيخرج ههنا مثله (فصل) فإن أكراها للغراس ففيه ما ذكرنا من المسائل إلا أن يزرعها لأن ضرر الزرع أقل من ضرر الغراس وهو من جنسه لأن كل واحد منهما يضر بباطن الأرض وليس له البناء لأن ضرره مخالف لضرره فإنه يضر بظاهر الأرض وإن اكتراها للزرع لم يملك الغراس ولا البناء لأن ضرر الغرس أكثر(6/77)
وضرر البناء مخالف لضرره، وإن اكتراها للبناء لم يكن له الغرس ولا الزرع لأن ضررهما يخالف ضرره (فصل) ولا تخلو الأرض من قسمين (أحدهما) أن يكون لها ماء دائم إما من نهر لم تجر العادة بانقطاعه أو لا ينقطع إلا مدة لا تؤثر في الزرع أو من عين تنبع أو بركة من مياه الأمطار يجتمع فيها الماء ثم تسقى به أو من بئر يقوم بكفايتها أو ما يشرب بعروقه لنداوة الأرض وقرب الماء الذي تحت الأرض فهذا كله دائم ويصح استئجاره للغرس والزرع وكذلك الأرض التي تشرب من مياه الأمطار ويكتفي بالمعتاد منها لأن ذلك بحكم العادة لا تنقطع إلا نادرا فهي كسائر الصور المذكورة (والثاني) أن لا يكون لها ماء دائم وهي نوعان (أحدهما) ما يشرب من زيادة معتادة تأتي وقت الحاجة كأرض
مصر الشاربة من زيادة النيل وما يشرب من زيادة الفرات وأشباه وأرض البصرة الشاربة من المد والجزر وأرض دمشق الشاربة من زيادة برد أو ما يشرب من الأودية الجارية من ماء المطر فتصح إجارتها قبل وجود الماء الذي تسقى به وبعده وحكي ابن الصباغ ذلك مذهباً للشافعي وقال أصحابه إن أكراها بعد الزيادة صح ولا تصح قبلها لأنها معدومة لا يعلم هل يقدر عليها أو لا ولنا أن هذا معتادا لظاهر وجوده فجازت إجارة الأرض الشاربة منه كالشاربة من مياه الأمطار ولأن ظن القدرة على التسليم في وقته يكفي في صحة العقد كالسلم في الفاكهة إلى أوانها (النوع الثاني) أن يكون مجئ الماء نادرا أو غير ظاهر كالأرض التي لا يكفيها إلا المطر الشديد الكثير الذي يدر(6/78)
وجوده أو يكون شربها من فيض ماء وجوده نادر أو من زيادة نادرة في نهر أو عين غالبة فهذه أن أجرها بعد وجود ما يسقيها به صح لأنه أمكن الانتفاع بها وزرعها فجازت إجارتها كذات الماء الدائم، وإن أجرها قبله لم يصح لأنه يتعذر الزرع غالبا أو يتعذر المعقود عليه في الظاهر فلم تصح إجارتها كالآبق والمغصوب، وإن اكتراها على أنها لا ماء لها جاز لأنه يتمكن من الانتفاع بها بالنزول فيها ووضع رحله وجمع الحطب فيها وله أن يزرعها رجاء الماء وإن حصل له ماء قبل زرعها فله زرعها لأن ذلك من منافعها الممكن استيفاؤها، وليس له أن يبني ولا يغرس لأن ذلك يراد للتأبيد وتقدير الإجارة بمدة يقتضي تفريغها عند انقضائها، فإن قيل فلو استأجرها للغراس والبناء صح مع تقدير المدة؟ قلنا التصريح بالبناء والغراس صرف التقدير عن مقتضاه بظاهره في التفريغ عند انقضاء المدة إلا أن يشترط قلع ذلك عند انقضاء المدة فيصرف الغراس والبناء عما يراد له بظاهره بخلاف مسئلتنا، وإن أطلق إجارة هذه الأرض مع العلم بحالها وعدم مائها صح لأنهما دخلا في العقد على أنها لا ماء لها فأشبه ما لو شرطاه، وإن لم يعلم عدم مائها أو ظن المكتري أنه يمكن تحصيل ماء لها بوجه من الوجوه لم يصح العقد لأنه ربما دخل في العقد بناء على أن المالك يحصل لها ماء وأنه يكتريها للزراعة مع تعذرها وقيل لا يصح العقد على الإطلاق وإن علم حالها لأن إطلاق كراء الأرض يقتضي الزراعة والأولى صحته لأن العلم بالحال يقوم مقام الاشتراط كالعلم بالعيب يقوم مقام شرطه، ومتى كان لها ماء غير(6/79)
دائم أو الظاهر انقطاعه قبل الزرع أو لا يكفي الزرع فهي كالتي لا ماء لها ومذهب الشافعي في هذا كله كما ذكرنا (فصل) وإن اكترى أرضا غارقة بالماء لا يمكن زرعها قبل انحساره عنها وقد ينحسر ولا ينحسر فالعقد باطل لان لانتفاع بها في الحال غير ممكن ولا يزول المانع غالبا، وإن كان ينحسر عنها وقت الحاجة إلى الزراعة كأرض مصر في وقت مد النيل صح لأن المقصود يتحقق بحكم العادة المستمرة، فإن كانت الزراعة فيها ممكنة ويخاف غرقها والعادة غرقها لم تجز إجارتها لأنها في حكم الغارقة بحكم العادة المستمرة (فصل) ومتى زرع فغرق الزرع أو هلك بحريق أو جراد أو برد أو غيره فلا ضمان على المؤجر ولا خيار للمكتري نص عليه أحمد ولا نعلم فيه خلافا وهو مذهب الشافعي، لأن التالف غير المعقود عليه وإنما تلف مال المكتري فيه فأشبه من اكترى دكانا فاحترق متاعه فيه ثم ان أمكن المكتري الانتفاع بالاض بغير الزرع أو بالزرع في بقية المدة فله ذلك، وان تعذر ذلك لزمه الأجر لأن تعذره لفوات وقت الزراعة بسبب غير مضمون على المؤجر لا لمعنى في العين، وإن تعذر الزرع بسبب غرق الأرض وانقطاع مائها فللمستأجر الخيار لأنه لمعنى في العين، وإن تلف الزرع بذلك فليس على المؤجر ضمانه لأنه لم يتلف بمباشرة ولا سبب، وإن قل الماء بحيث لا يكفي الزرع فله الفسخ لأنه عيب فإن كان ذلك بعد الزرع فله الفسخ أيضا ويبقى الزرع في الأرض إلى أن يستحصد وعليه من المسمى بحصته إلى(6/80)
حين الفسخ وأجر المثل لما بقي من المدة لأرض لها مثل ذلك الماء وكذلك إن انقطع الماء بالكلية أو حدث بها عيب من غرق يهلك به بعض الزرع أو تسوء حالته به * (مسألة) * (وإن اكترى دابة للركوب أو الحمل لم يملك الآخر، وإن اكتراها لحمل الحديد أو القطن لم يملك الآخر) إذا اكترى دابة للركوب لم يملك الحمل عليها لأن الراكب يعين الظهر بحركته، وإن اكتراها ليحمل عليها فليس له ركوبها لأن الراكب يقعد في موضع واحد فيشتد على الظهر والمتاع يتفرق على
جنبيها، وإن اكتراها ليركبها عريا لم يجز أن يركب بسرج لأنه يحمل عليه أكثر مما عقد عليه، وإن اكتراها ليركبها بسرج فليس له ركوبها عريا لأن الركوب بغير سرج يحمى به الظهر فربما عقرها، وإن اكتراها ليركب بسرج لم يجز أن يركب بأثقل منه فإن اكترى حماراً بسرج لم يجز أن يركبه بسرج البرذون إن كان أثقل من سرجه، وإن اكترى دابة بسرج فركبها بأثقل منه أو أضر منه لم يجز، وإن كان أخف أو أقل ضرراً فلا بأس، وإن اكترى دابة ليحمل عليها حديداً لم يحمل عليها قطنا لأنه يتجافى وتهب فيه الربح فيتعب الظهر، وإن اكتراها لحمل القطن فليس له حمل الحديد لأنه يجتمع في موضع واحد فيثقل عليه والقطن يتفرق ويكثر ضرره ومتى فعل ما ليس له فعله كان ضامنا وعليه أجر المثل وهذا كله مذهب الشافعي وأبي ثور(6/81)
(فصل) وإن اكترى دابة ليركبها في مسافة معينة معلومة أو يحمل عليها فيها فأراد العدول بها إلى ناحية أخرى مثلها في القدر وهي أضر منها أو يخالف ضررها ضررها بأن تكون إحداهما أخوف والأخرى أخشن لم يجز وإن كانت مثلها في السهولة والحزونة والأمن أو التي يعدل إليها أقل ضرراً فذكر القاضي أنه يجوز وهو قول أصحاب الشافعي لان المسافة عينت ليستوفي بها المنفعة ويعلم قدرها بها فلم تتعين كنوع المحمول والراكب قال شيخنا ويقوى عندي أنه متى كان للمكتري غرض في تلك الجهة المعينة لم يجز العدول إلى غيرها مثل من يكري جماله إلى مكة ليحج معها فلا يجوز له أن يذهب بها إلى غيرها، ولو أكراها إلى بغداد لكون أهله بها أو ببلد العراق فليس له الذهاب إلى مصر، ولو أكرى جماله جملة إلى بلد لم يجز التفريق بينها بالسفر ببعضها إلى جهة وبباقيها إلى غيرها وذلك لأنه عين المسافة لغرض في فواته ضرر فلم يجز تفويته كما في حق المكتري فإنه لو أراد حمله إلى غير المكان الذي اكترى إليه لم يجز وكما لو عين طريقا سهلا أو آمنا فأراد سلوك ما يخالفه في ذلك (فصل) إذا اكترى قميصاً ليلبسه جاز لأن الانتفاع به ممكن مع بقاء عينه ويجوز بيعه أشبه العقار ولابد من تقدير المنفعة بالمدة فإن كانت العادة في بلده نزع ثيابهم عند نوم الليل فعليه نزعه لان الإطلاق يحمل على العادة وله لبسه فيما سوى ذلك ولا يلزمه نزعه إذا نام نهاراً لأنه العرف ويلبس
القميص على ما جرت العادت به لا أن يتزر به لأنه يعتمد عليه فيشقه، وفي اللبس لا يعتمد ويجوز(6/82)
الارتداء به لأنه أخف من اللبس ومن ملك شيئاً ملك ما هو أخف منه وقيل لا يجوز لأنه استعمال له بما لا تجري العادة به في القميص أشبه الاتزار به والله أعلم * (مسألة) * (وإن فعل ما ليس له فعله فعليه أجر المثل) لأنه استوفى منفعة غير التي عقد عليها لا يجوز له استيفاؤها فلزمه أجر المثل كالغاصب * (مسألة) * (وإن اكتراها لحمولة شئ فزاده أو إلى موضع فجاوزه فعليه الأجرة المذكورة وأجرة المثل للزائد، وقال أبو بكر عليه أجرة المثل للجميع) وجملة ذلك أن من اكترى دابة لحمولة شئ فزاد عليه كمن اكترى لحمل قفيزين فحمل ثلاثة أو إلى موضع فجاوزه مثل أن يكتريها من دمشق إلى القدس فيركبها إلى مصر وجب عليه الأجر المسمى وأجر المثل لما زاد وضمانها إن تلفت وهذا مذهب الشافعي ونص عليه أحمد فيما إذا استأجرها إلى موضع فجاوزه وإليه ذهب ابن شبرمة والحكم، والظاهر من قول الفقهاء السبعة، وقال الثوري وأبو حنيفة لا أجر عليه لما زاد لأن منافع الغصب غير مضمونة عندهما، وحكي عن مالك أنه إذا تجاوز بها إلى مسافة بعيدة خير صاحبها بين أجر المثل وبين المطالبة بقيمتها يوم التعدي لأنه متعدى بإمساكها فكان لصاحبها تضمينها إياه ولنا أن العين باقية بحالها يمكن أخذها فلم تجب قيمتها كما لو كانت المسافة قريبة وما ذكروه تحكم(6/83)
لا دليل عليه ولا نظير له فلا يجوز المصير إليه وسيأتي الكلام مع أبي حنيفة في باب الغصب إن شاء الله وحكى القاضي أن قول أبي بكر فيما إذا اكترى لحمولة شئ فزاد عليه وجوب أجر المثل للجميع آخذاً من قوله فيمن استأجر أرضاً ليزرعها شعيراً فزرعها حنطة أن عليه أجر المثل للجميع لأنه عدل عن المعقود عليه إلى غيره فأشبه ما لو إستأجر أرضا فزرع أخرى فجمع القاضي بين مسألة الخرقي ومسألة أبي بكر وقال ينقل قول كل واحد من إحدى المسئلتين إلى الأخرى لتساويهما في أن الزيادة لا تتميز فيكون في
المسئلتين وجهان، وليس الأمر كذلك فإن بين المسئلتين فرقا ظاهراً فإن الذي حصل التعدي فيه في الحمل متميز عن المعقود عليه وهو القفيز الزائد بخلاف الزرع، ولأنه في مسألة الحمل استوفى المنفعة المعقود عليها وزاد وفي الزرع لم يزرع ما وقع العقد عليه ولهذا علله أبو بكر بأنه عدل عن المعقود عليه ولا يصح هذا القول في مسألة الحمل فإنه قد حمل المعقود عليه وزاد عليه بل إلحاق هذه المسألة بما إذا اكترى إلى مسافة فزاد عليها أشد وشبهها بها أشد لأنه في مسألة الحمل متعد بالزيادة وحدها وفي مسألة الزرع متعد بالزرع كله فأشبه الغاصب (فصل) فأما مسألة الزرع فيما إذا اكترى لزرع الشعير فزرع حنطة فقد نص أحمد في رواية عبد الله فقال: ينظر ما يدخل على الأرض من النقصان ما بين الحنطة والشعير فيعطى رب الأرض فجعل هذه المسألة كمسئلتي الخرقي في إيجاب المسمى وأجر المثل المزائد ووجهه أنه لما عين الشعير لم يتعين(6/84)
ولم يتعلق العقد بعينه كما سبق ذكره ولهذا قلنا له زرع مثله وما هو دونه في الضرر فإذا زرع حنطة فقد استوفى حقه وزيادة أشبه ما لو اكتراها إلى موضع فجاوزه، وقد ذكرنا قول أبي بكر أن له أجر المثل لأنه عدل عن المعقود فإن الحنطة ليست بشعير وزيادة، وإن قلنا إنه قد استوفى المعقود عليه وزبادة غير أن الزبادة ليست متميزة عن المعقود عليه بخلاف مسئلتي الخرقي، وقال الشافعي المكري مخير بين أخذ الكراء وما نقصت الأرض عما ينقصها الشعير وبين أخذ كراء مثلها للجميع لأن هذه المسألة أخذت شبهاً من أصلين (أحدهما) إذا ركب دابة فجاوز بها المسافة المشترطة لكونه استوفى المعقود عليه وزيادة (والثاني) إذا استأجر أرضا فزرع غيرها لأنه زرع متعديا فلهذا خيره بينهما ولأنه وجد سبب يقتضي كل واحد من الحكمين وتعذر الجمع بينهما فكان له أوفرهما وفوض اختياره إلى المستحق كقتل العمد، والأولى إن شاء الله قول أبي بكر فإن هذا متعد بالزرع كله فكان عليه أجر المثل كالغاصب ولهذا ملك رب الأرض منعه من زرعه ويملك أخذه بنفقته إذا زرعه، ويفارق من زاد على حقه زيادة متميزة في كونه لم يتعد بالجميع إنما تعدى بالزبادة فقط ولهذا لا يملك المكري منعه من الجميع، ونظير هاتين المسئلتين من اكترى غرفة ليجعل فيها أقفزة حنطة فجعل أكثر منها ومن
اكتراها ليجعل فيها قنطار قطن فجعل فيها قنطار حديد ففي الأولى له المسمى وأجر الزيادة، وفي الثانية يخرج فيها من الخلاف كقولنا في مسألة الزرع وحكم المستأجر الذي يزرع أضر مما اكترى له(6/85)
حكم الغاصب لرب الأرض منعه في الابتداء لما يلحقه من الضرر فإن زرع فرب الأرض مخير بين ترك الزرع بالأجر وبين أخذه ودفع النفقة، وإن لم يعلم حتى أخذ المستأجر زرعه فله الأجر على ما نذكر في الغصب (فصل) وإن اكترى دابة إلى مسافة فسلك أشق منها فهي كمسألة الزرع يخرج فيها وجهان وقياس منصوص أحمد أن له الأجر المسمى وزيادة لكون المسافة لا تتعين على قول اصحابنا وقياس قول أبي بكر أن له أجر المثل لأن الزيادة غير متميزة ولأنه متعد بالجميع بدليل أن لرب الدابة منعه من سلوك تلك الطريق كلها بخلاف من سلك تلك الطريق وجاوزها فإنه إنما يمنعه الزيادة لا غير، وإن اكترى لحمل قطن فحمل بوزنه حديداً أو بالعكس فعليه أجر المثل لأن ضرر أحدهما مخالف لضرر الآخر فلم يتحقق كون المحمول مشتملا على المستحق بعقد الإجارة وزيادة عليه بخلاف ما قبلها من المسائل وسائر مسائل العدوان يقاس على ما ذكرنا من المسائل ما كان متميزاً وما لم يكن متميزاً فتلحق كل مسألة بنظيرتها (فصل) وإن اكتراه لحمل قفيزين فحملهما فوجدهما ثلاثة فإن كان المكتري تولى الكيل ولم يعلم المكري بذلك فهو كمن اكترى لحمولة شئ فزاد عليه وإن كان المكري تولى كيله وتعبيته ولم يعلم المكتري فهو غاصب لا أجر له في حمله الزائد وإن تلفت دابته فلا ضمان لها لأنها تلفت بعدوان صاحبها(6/86)
وحكمه في ضمان الطعام حكم من غصب طعام غيره، وإن تولى ذلك أجنبي ولم يعلما فهو متعد عليهما عليه لصاحب الدابة الأجر ويتعلق به ضمانها وعليه لصاحب الطعام ضمان طعامه وسواء كاله أحدهما ووضعه الآخر على ظهر الدابة أو كان الذي كاله وعبأه وضعه على ظهرها، وقال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين إذا كاله المكتري ووضعه المكري على ظهر البهيمة لا ضمان على المكتري لأن المكري مفرط في حمله
ولنا أن التدليس من المكتري إذ أخبره بكيلها بخلاف ما هو به فلزمه الضمان كما لو أمر أجنبيا بتحميلها، فأما إن كالها المكتري ووضعها المكري على الدابة عالما بكيلها لم يضمن المكتري الدابة إذا تلفت لأنه فعل ذلك من غير تدليس ولا تغرير وله أجر القفيز الزائد في أحد الوجهين لأنهما اتفقا على حمله على سبيل الإجارة فجرى مجرى المعاطاة في البيع ودخول الحمام من غير تقدير أجر (والثاني) لا أجر له لأن المكتري لم يجعل له على ذلك أجراً، وإن كاله المكري وحمله المكتري على الدابة عالما بذلك من غير أن يأمره بحمله فعليه أجر القفيز الزائد وإن أمره بحمله ففي وجوب الأجر وجهان كما لو حمله المكري عليها لأنه إذا أمر به كان كفعله، وإن كاله أحدهما وحمله أجنبي فهو كما لو حمله الذي كاله وإن كان بأمر الآخر فهو كما لو حمله الآخر وإن حمله بغير أمرهما فهو كما لو كاله ثم حمله * (مسألة) * (وإن تلفت ضمنها إلا أن تكون في يد صاحبها فيضمن نصف قيمتها في أحد الوجهين) إذا تلفت الدابة التي تعدى فيها إما بزيادة على الحمل أو زيادة على المسافة ضمنها بقيمتها سواء(6/87)
تلفت في الزبادة أو بعد ردها إلى المسافة وسواء كان صاحبها مع المكتري أو لم يكن هذا ظاهر كلام الخرقي والفقهاء السبعة إذا تلفت حال التعدي، وقال القاضي إن كان المكتري نزل عنها وسلمها إلى صاحبها ليمسكها أو يسقيها فتلفت فلا ضمان على المكتري وإن هلكت والمكتري راكب عليها أو حمله عليها ضمنها، وقال أبو الخطاب إن كانت يد صاحبها عليها احتمل أن يلزم المكتري جميع قيمتها واحتمل أن يلزمه النصف، وقال أصحاب الشافعي إن لم يكن صاحبها معها لزم المكتري جميع القيمة وإن كان معها فتلفت في يد صاحبها لم يضمنها المكتري لأنها تلفت في يد صاحبها أشبه ما لو تلفت بعد مدة التعدي، وإن تلفت تحت الراكب ففيه قولان (أحدهما) يلزمه نصف القيمة لأنها تلفت بفعل مضمون أشبه ما لو تلفت بجراحته وجراحة مالكها (والثاني) تقسط القيمة على المسافتين فما قابل مسافة الإجارة سقط ووجب الباقي ونحو هذا قول أبي حنيفة فإنه قال فيمن اكترى جملا لحمل تسعة فحمل عشرة فتلف فعلى المكتري عشر قيمته، قال شيخنا وموضع الخلاف في لزوم كمال القيمة إذا كان صاحبها مع راكبها أو تلفت في يد صاحبها، فأما إن تلفت حال التعدي ولم يكن صاحبها مع راكبها فلا
خلاف في ضمانها بكمال قيمتها لأنها تلفت في يد عادية فوجب ضمانها كالمغصوب، وكذلك إذا تلفت تحت الراكب أو تحت حمله وصاحبها معها لأن اليد للراكب وصاحب الحمل بدليل ما لو تنازعا دابة أحدهما راكبها أو له عليها حمل والآخر آخذ بزمامها كانت لصاحب الحمل والراكب ولأن الراكب متعد(6/88)
بالزيادة وسكوت صاحبها لا يسقط الضمان كمن خرق ثياب انسان وهو ساكت ولأنها إن تلفت بسبب تعبها فالضمان على المتعدي كمن ألقى حجراً في سفينة موقرة فغرقها، فأما إن تلفت في يد صاحبها بعد نزول الراكب عنها وكان تلفها بسبب تعبها بالحمل والسير فهو كتلفها تحت الحمل والراكب، وإن كان بسبب آخر من افراس سبع أو سقوط في هوة فلا ضمان فيها لأنها لم تتلف في يد عادية ولا بسبب عدوان، وقولهم تلفت بفعل مضمون وغير مضمون أشبه ما لو تلفت بجراحين يبطل بما إذا قطع السارق ثم قطع آخر يده عدوانا فمات منهما، وفارق ما لو جرح نفسه وجرحه غيره لأن الفعلين عدوان فقسم الضمان عليهما (فصل) ولا يسقط الضمان بردها إلى المسافة وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي وقال محمد يسقط كما لو تعدى في الوديعة ثم ردها ولنا أنها يد صارت ضامنة فلا يزول الضمان عنها إلا بإذن جديد ولم يوجد والأصل ممنوع إلا أن يردها إلى مالكها أو يجدد لها إذنا * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (ويلزم المؤجر كل ما يتمكن به من النفع كزمام الجمل ورحله وحزامه والشد عليه وشد الأحمال والمحامل والرفع والحط ولزوم البعير لينزل لصلاة الفرض ومفاتيح الدار وعمارتها وكل ما جرت عادته به(6/89)
يلزم المكري كل ما جرت العادة أن يوطئ به للركوب من الحداجة للجمل والقتب وما يتمكن به الراكب من النفع كزمام الجمل والبرة التي في أنفه إن كانت العادة جارية بها والسرج واللجام للفرس والبردعة والأكاف للبغل والحمار على ما يقتضيه العرف يحمل الإطلاق عليه، وما زاد على ذلك من المحمل والمحارة والحبل الذي يشد به بين المحملين على المكتري لأنه من مصلحة الحمل وكذلك
الوطاء الذي يشد فوق الحداجة تحت المحمل وعلى المكري رفع المحمل وحطه وشده على الحمل ورفع الأحمال وشدها وحطها لأن هذا هو العرف وبه يتمكن من الركوب، ويلزمه القائد والسائق هذا إذا كان الكراء على أن يذهب مع المكتري، فإن كان على أن يتسلم الراكب البهيمة ليركبها بنفسه فكل ذلك عليه لأن الذي على المكري تسليم البهيمة وقد سلمها، فأما الدليل فهو على المكتري لأن ذلك خارج عن البهيمة المكتراة وآلتها فأشبه الزاد وقيل إن كان اكترى منه بهيمة بعينها فأجرة الدليل على المكتري لأن الذي عليه تسليم الظهر وقد سلمه، وإن كانت الإجارة على حمله إلى مكان معين في الذمة فهو على المكتري لأنه من مؤنة إيصاله إليه وتحصيله فيه، فإن كان الراكب ممن لا يقدر على الركوب والبعير قائم كالمرأة والشيخ والضعيف والسمين فعلى الجمال أن يبرك الجمل لركوبه ونزوله لأنه لا يتمكن منها إلا به وإن كان ممن يمكنه الركوب والنزول مع قيام البعير لم يلزم الجمال أن يبرك الجمل لإمكان استيفاء المعقود عليها، فإن كان قويا حال العقد فتجدد له الضعف أو بالعكس فالاعتبار بحال الركوب لأن العقد اقتضى ركوبه بحسب العادة، ويلزم الجمال أن يقف البعير لينزل لصلاة الفرض وقضاء حاجة الإنسان والطهارة ويدع البعير واقفا حتى يفعل ذلك لأنه لا يمكنه فعل شئ من هذا على ظهر البعير، وما يمكنه فعله عليه(6/90)
من الأكل والشرب وصلاة النافلة لا يلزمه أن يقفه له من أجله فإن أراد المكتري إتمام الصلاة وطالبه الجمال بقصرها لم يلزمه ذلك بل تكون خفيفة في تمام (فصل) إذا اكترى ظهرا في طريق العادة فيه النزول والمشي عند اقتراب المنزل والراكب امرأة أو ضعيف لم يلزمه ذلك لأنه اكترى جميع الطريق كالمتاع، وإن كان جلداً قويا احتمل أن لا يلزمه أيضاً لأنه عقد على جميع الطريق ولم تجر له عادة بالمشي فلزم حمله في جميع الطريق أشبه الضعيف ويحتمل أن يلزمه لأنه متعارف والمتعارف كالمشروط (فصل) فإن كان المكتري داراً أو حماما فعلى المكري ما يتمكن به من الانتفاع كتسليم مفاتيح الدار والحمام لأن عليه التمكين من الانتفاع وتسليم مفاتيحها تمكين من الانتفاع، فإن ضاعت أو تلفت بغير تفريط المستأجر فعلى المؤجر بدلها لكونها أمانة في يد المستأجر فأشبه حيطان الدار وأبوابها وإن
سقط حائط أو خشبة أو انكسرت فعليه إبدالها وبناء الحائط، وعليه تبليط الحمام وعمل الأبواب والبرك ومجرى الماء لأن بذلك يحصل الانتفاع ويتمكن منه وما كان لاستيفاء المنافع كالحبل والدلو والبركة فعلى المكتري فأما التحسين والتزويق فلا يلزم واحدا منهما لأن الانتفاع ممكن بدونه * (مسألة) * (فأما تفريغ البالوعة والكنيف فيلزم المستأجر إذا سلمها فارغة) إن احتيج إلى تفريغ البالوعة والكنيف عند الكراء فعلى المكري لأنه مما يتمكن به من الانتفاع(6/91)
وإن امتلأت بفعل المستأجر فتفريغها عليه وهذا قول الشافعي، وقال أبو ثور هو على رب الدار لأن به يتمكن من الانتفاع أشبه ما لو اكتراها وهي ملأى، وقال أبو حنيفة القياس أنه على المكتري والاستحسان أنه على رب الدار لأن ذلك عادة الناس ولنا أن ذلك حصل بفعل المكتري فكان عليه تنظيفه كما لو طرح فيها قماشا، والقول في تفريغ جية الحمام التي هي مصرف مائه كالقول في بالوعة الدار، وإن انقضت الإجارة وفي الدار زبل أو قمامة من فعل الساكن فعليه نقله وهذا قول الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي (فصل) فإن شرط على مكتري الحمام أو غيره أن مدة تعطيله عليه لم يصح لأنه لا يجوز أن يؤجر مدة لا يمكنه الانتفاع في بعضها ولا يجوز أن يشرط أن يستوفي بقدرها عند انقضاء مدته لأنه يؤدي إلى أن يكون انتهاء مدة الإجارة مجهولا فإن أطلق وتعطل فهو عيب حادث والمكتري بالخيار بين الإمساك بكل الأجر وبين الفسخ ويتخرج أن له أرش العيب، كالمبيع المعيب فإن لم يعلم بالعيب حتى انقضت مدة الإجارة فعليه جميع الأجر لأنه استوفى المعقود عليه فأشبه ما لو علم العيب بعد العقد فرضيه ويتخرج أن له أرش العيب كما لو اشترى معيبا فلم يعلم عيبه حتى تلف في يده أو أكله (فصل) وإن شرط على المكتري النفقة الواجبة على المكري كعمارة الحمام فالشرط فاسد لأن العين ملك للمؤجر فنفقتها عليه، فإن أنفق بناء على هذا الشرط احتسب به على المكتري لأنه أنفقه(6/92)
على ملكه بشرط العوض فإن اختلفا في قدر ما أنفق ولا بينة فالقول قول المكري لأنه منكر فإن لم
يشرط لكن أذن له في الإنفاق ليحتسب له به من الأجر ففعل ثم اختلفا فالقول قول المكري أيضاً، وإن أنفق من غير إذنه لم يرجع بشئ لأنه أنفق على ماله بغير إذنه نفقة غير واجبة على المالك أشبه ما لو عمر له داراً أخرى (فصل) ولا خلاف بين أهل العلم في جواز كراء الإبل وغيرها من الدواب إلى مكة وغيرها قال الله تعالى (والخيل والبغال والحمير لتركبوها) ولم يفرق بين المملوكة والمستأجرة، وروي عن ابن عباس في قوله تعالى (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) أن يحج ويكري ونحوه عن ابن عمر ولأن بالناس حاجة إليه، وقد فرض الله تعالى الحج على الناس وليس لكل أحد بهيمة يملكها ولا يحسن القيام بها والشد عليها فدعت الحاجة إلى استئجارها فجاز ذلك دفعا للحاجة.
إذا ثبت هذا فمن شرط صحة العقد معرفة المتعاقدين المعقود عليه لأنه عقد معاوضة أشبه البيع فأما الجمال فيحتاج إلى معرفة الراكبين بالرؤية أو بالصفة من المعرفة بالصفة تقوم مقام الرؤية إذا وصفهما بالطول والقصر والهزال والسمن والصغر والكبر والذكورية والأنوثية، وقال الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب لا يكفي في ذلك الصفة لأنه يختلف بثقله وخفته وسكونه وحركته ولا ينضبط بالوصف فيجب تعيينه وهذا مذهب الشافعي ولهم في المحمل وجه أنه لا يكتفى فيه بالصفة ويجب تعيينه(6/93)
ولنا أنه عقد معاوضة مضاف إلى حيوان فاكتفي فيه بالصفة كالبيع وكالمركوب في الإجارة ولأنه لو لم يكتف فيه بالصفة لما جاز للراكب أن يقيم غيره مقامه لأنه إنما يعلم كونه مثله لتساويهما في الصفات فما لا تأتي عليه الصفات لا يعلم تساويهما فيه ولأن الوصف يكتفى به في البيع فاكتفي به في الإجارة كالرؤية والتفاوت بعد ذكر الصفات يسير تجري المسامحة فيه كالمسلم فيه ويحتاج إلى معرفة الآلة التي يركبان فيها من محمل ومحارة وقتب وغير ذلك، وهل يكون مغطى أو مكشوفاً؟ فإن كان مغطى احتاج إلى معرفة الغطاء ويحتاج إلى معرفة الوطاء ومعرفة المعاليق التي معه من قربة وسطيحة وقدر وسفرة ونحوها وذكر سائر ما يحمل معه وبه قال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر إلا أن الشافعي قال: يجوز إطلاق غطاء المحمل لأنه لا يختلف اختلافا كثيرا متباينا، وحكي عنه في المعاليق قول أنه يجوز إطلاقها ويحمل على العرف
وحكي عن مالك أنه يجوز إطلاق الراكبين لأن أجسام الناس متقاربة في الغالب، وقال أبو حنيفة إذا قال في المحمل رجلان وما يصلحهما من الوطاء والدثر جاز استحسانا لأن ذلك يتقارب في العادة فحمل على العادة كالمعاليق، وقال القاضي في غطاء المحمل كقول الشافعي ولنا أن هذا يختلف ويتباين كثيراً فاشترطت معرفته كالطعام الذي يحمله معه وقول مالك إن أجسام الناس متقاربة لا يصح فإن منهم الكبير والصغير والطويل والقصير والسمين والهزيل والذكر والأنثى ويختلفون بذلك ويتباينون كثيراً ويتفاوتون أيضاً في المعاليق منهم من يكثر الزاد والحوائج(6/94)
ومنهم من يقنع باليسير ولا عرف له يرجع إليه فاشترطت معرفته كالمحمل والأوطئة، وكذلك غطاء المحمل من الناس من يختار الواسع النقيل الذي يشد على المحمل في الهواء ومنهم من يقنع بالضيق الخفيف فتجب معرفته كسائر ما ذكرنا، فإن رأى الراكبين أو وصفا له وذكر الباقي بأرطال معلومة جاز ذكره الخرقي، وأما الراكب فيحتاج إلى معرفة الدابة التي يركب عليها لأن الغرض يختلف بذلك ويحصل بالرؤية لأنها أعلى طرق العلم إلا أن يكون مما يحتاج إلى معرفة صفة المشي كالرهوال وغيره، وإما أن يجربه فيعلم ذلك برؤيته ويحصل بالصفة فإذا وجدت اكتفي بها لأنه يمكن ضبطه بالصفة فجاز العقد عليه كالبيع، فإذا استأجر بالصفة للركوب احتاج إلى ذكر الجنس فرسا أو بعيراً أو بغلا أو حماراً أو النوع فيقول في الإبل بختي أو عرابي وفي الخيل عرابي أو برذون وفي الحمير مصري أو شامي وإن كان في النوع ما يختلف كالمهملج من الخيل والقطوف احتيج إلى ذكره لأن الغرض يختلف به، وقد ذكرنا ذلك والخلاف فيه، قال شيخنا ومتى كان الكراء إلى مكة فالصحيح أنه لا يحتاج إلى ذكر الجنس ولا النوع لأن العادة أن الذي يحمل عليه في طريق مكة الجمال العراب دون البخاتي (فصل) إذا كان الكراء إلى مكة أو طريق لا يكون السير فيه إلى اختيار المتكاريين فلا وجه لذكر تقدير السير فيه لأن ذلك ليس إليهما ولا مقدور عليه لهما وإن كان في طريق السير فيه إليهما استحب ذكر قدر السير في كل يوم فإن أطلق وللطريق منازل معروفة جاز لأنه معلوم بالعرف، ومتى(6/95)
اختلفا في ذلك وفي وقت السير ليلاً أو نهاراً أو في موضع المنزل إما في داخل البلد أو.
خارج منه حملا على العرف كما لو أطلقا الثمن في بلد فيه نقد معروف، وإن لم يكن للطريق عرف فقال القاضي لا يصح كما لو أطلقا الثمن في بلد لا عرف فيه، والأولى أن هذا ليس بشرط لأنه لو كان شرطا لما صح العقد بدونه في الطريق المخوف لأنه لم تجر العادة بتقدير السير في الطريق فإن اختلفا رجع إلى العرف في غير ملك الطريق (فصل) فإن شرط حمل زاد مقدر كمائة رطل وشرط أنه يبدل منها ما نقص بالأكل أو غيره فله ذلك وان شرط أن ما نقص بالأكل لا يبدله فليس له إبداله فإن ذهب بغير الأكل كسرقة أو سقوط فله إبداله لأن ذلك لم يدخل في شرطه، وإن أطلق العقد فله إبدال ما ذهب بسرقة أو سقوط أو أكل غير معتاد بغير خلاف وإن نقص بالأكل المضاد فله إبداله أيضا لأنه استحق حمل مقدار معلوم فملك إبدال ما نقص منه كما لو نقص بسرقة ويحتمل أن لا يملك ذلك لأن العرف جار بأن الزاد ينقص ولا يبدل فحمل العقد عليه عند الإطلاق وصار كالمصرح به، وقال الشافعي القياس أن له إبداله ولو قيل ليس له إبداله كان مذهبا لأن العادة أن الزاد لا يبقى جميع المسافة ولذلك يقل أجره عن أجر المتاع (فصل) إذا اكترى جملا ليحج عليه فله الركوب عليه إلى مكة ومن مكة إلى عرفة والخروج(6/96)
عليه إلى منى لأن ذلك من تمام الحج، وقيل ليس له الركوب إلى منى لأنه بعد التحلل من الحج، والأولى أن له ذلك لأنه من تمام الحج وتوابعه ولذلك وجب على من وجب عليه دون غيره فدخل في قول الله تعالى (ولله على الناس حج البيت) ولو اكترى إلى مكة فقط فليس له الركوب إلى الحج لأنها زيادة ويحتمل أن له ذلك لأن الكراء إلى مكة عبارة عن الكراء للحج لكونها لا يكترى إليها إلا للحج غالبا فكان بمنزلة المكتري للحج (فصل) قال أصحابنا يصح كراء العقبة وهو مذهب الشافعي، ومعناها الركوب في بعض الطريق يركب شيئاً ويمشي شيئاً لأنه إذا جاز اكتراؤها في الجميع جاز في البعض ولابد من العلم بها إما بالفراسخ وإما بالزمان مثل أن يركب ليلا ويمشي نهاراً ويعتبر في هذا زمان السير دون زمان النزول، وإن
شرط إن يركب يوما ويمشي يوما جاز فإن أطلق احتمل الجواز وإحتمال أن لا يصح لأنه يختلف وليس له ضابط فيكون مجهولا، وإن اتفقا على أن يركب ثلاثة أيام ويمشي ثلاثة أو ما زاد ونقص جاز وإن اختلفا لم يجبر الممتنع منهما لأن فيه ضرراً على كل واحد منهما الماشي لدوام المشي عليه والدابة لدوام الركوب عليها لأنه إذا ركب بعد شدة التعب كان أثقل على البعير، وإن اكترى اثنان جملا يتعاقبان عليه جاز ويكون كراؤه كل الطريق والاستيفاء بينهما على ما يتفقان عليه، وإن تشاحا قسم بينهما لكل(6/97)
واحد منهما فراسخ معلومة أو لأحدهما بالليل وللآخر بالنهار، وإن كان لذلك عرف رجع إليه وإن اختلفا في البادئ منهما أقرع، ويحتمل أن لا يصح كراؤها إلا أن يتفقا على ركوب معلوم لكل واحد منهما لأنه عقد على مجهول بالنسبة إلى كل واحد منهما فلم يصح كما لو اشتريا عبدين على أن لكل واحد منهما عبداً معينا منهما * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (والإجارة عقد لازم من الطرفين ليس لأحدهما فسخها) وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الراي لأنها عقد معاوضة فكانت لازمة كالبيع ولأنها نوع من البيع وإنما اختصت باسم كالصرف والسلم لا أن يجد العين معيبة عيباً لم يكن علم به فله الفسخ بغير خلاف نعلمه قال ابن المنذر إذا اكترى دابة بعينها فوجدها جموحا أو عضوضا أو نفوراً أو بها عيب غير ذلك مما يفسد ركوبها فللمكتري الخيار إن شاء ردها وفسخ الإجارة، وإن شاء أخذها وهذا قول الثوري وأصحاب الرأي لأنه عيب في المعقود عليه فأثبت الخيار كالعيب في بيوع الأعيان، والعيب الذي يرد به ما تنقص به المنفعة كتعثر الظهر في المشي والعرج يتأخر به عن القافلة وربض البهيمة بالحمل وكونها جموحا أو عضوضا ونحو ذلك، وفي المكترى للخدمة ضعف البصر والجنون والجذام والبرص، وفي الدار انهدام الحائط والخوف من سقوطها وانقطاع الماء من بئرها أو تغيره بحيث يمنع الشرب والوضوء(6/98)
وأشباه ذلك من النقائص، فإن رضي بالمقام ولم يفسخ لزمه جميع الأجرة لأنه رضي به ناقصا أشبه ما لو رضي بالمبيع معيبا، وإن اختلفا في الموجود هل هو عيب أو لا؟ رجع فيه الى أهل الخبرة مثل أن تكون
الدابة خشنة المشي أو أنها تتعب راكبها لكونها لا تركب كثيراً فإن قالوا هو عيب فله الفسخ وإلا فلا هذا إذا كان العقد تعلق بعينها فإن كانت موصوفة في الذمة لم ينفسخ العقد وعلى المكري إبدالها كالمسلم فيه إذا وجده معيبا أو على غير صفته فإن عجز عن إبدالها أو امتنع منه ولم يمكن إجباره فللمكتري الفسخ أيضا * (مسألة) * (وان بدا له قبل تقضي المدة فعليه الأجرة) قد ذكرنا أن الإجارة عقد لازم يقتضي تمليك المؤجر الأجر والمستأجر المنافع فإذا فسخ المستأجر الإجارة قبل انقضاء مدتها وترك الانتفاع اختياراً منه لم تنفسخ الإجارة وتلزمه الأجرة ولا يزول ملكه عن المنافع كما لو اشترى شيئاً وقبضه ثم تركه: قال الأثرم قلت لأبي عبد الله رجل اكترى بعيراً فلما قدم المدينة قال له فاسخني؟ قال ليس ذلك له قد لزمه الكراء قلت فإن مرض المستكري بالمدينة؟ فلم يجعل له فسخاً لأنه عقد لازم من الطرفين فلم يملك أحد المتعاقدين فسخه، وإن فسخه لم يسقط العوض الواجب كالبيع (فصل) قد ذكرنا أن المستأجر يملك المنافع بالعقد كما يملك المشتري المبيع بالبيع ويزول ملك المؤجر عنها كما يزول ملك البائع عن المبيع فلا يجوز له التصرف فيها لأنها صارت مملوكة لغيره فإن(6/99)
تصرف فيها وكان ذلك في حال يد المستأجر قبل تقضي المدة مثل أن يكتري داراً سنة فيسكنها شهراً ويتركها فيسكنها المالك بقية السنة أو يؤجرها لغيره احتمل أن ينفسخ العقد فيما استوفاه المالك لأنه تصرف فيه قبل قبض المكتري له أشبه ما لو أتلف المكيل قبل تسليمه وسلم باقيه، فإن تصرف في بعض المدة دون بعض انفسخ العقد في قدر ما تصرف فيه خاصة، وعلى المستأجر أجر ما بقي فإن سكن المستأجر شهراً وسكن المالك عشرة أشهر لزم المستأجر أجر شهرين، وإن سكنها شهراً وسكن المالك شهرين ثم تركها فعلى المستأجر أجر عشرة أشهر واحتمل أن يلزم المستأجر أجر جميع المدة وله على المالك أجر المثل لما سكن أو تصرف فيه يسقط ذلك مما على المستأجر من الأجر ويلزمه الباقي لأنه تصرف فيما ملكه المستأجر عليه بغير إذنه أشبه ما لو تصرف في المبيع بعد قبض المشتري إياه وقبض
الدار ههنا قام مقام قبض المنافع بدليل أنه يملك التصرف في المنافع بالسكنى والإجارة وغيرها، فعلى هذا لو كان أجر المثل الواجب على المالك بقدر الأجر المسمى في العقد لم يجب على المستأجر شئ، وإن فضلت منه فضلة لزم المالك أداؤها إلى المستأجر، والأول أولى وهو ظاهر مذهب الشافعي وان تصرف المال قبل تسليمه العين أو امتنع من تسليمها حتى انقضت مدة الإجارة انفسخت الإجارة وجهاً واحداً لأن العاقد أتلف المعقود عليه قبل تسليمه فانفسخ العقد كما لو باعه طعاما فأتلفه قبل تسليمه، وإن سلمها إليه في أثناء المدة انفسخت فيما مضى، ويجب أجر الباقي بالحصة كالمبيع إذا سلم بعضه وأتلف بعضاً(6/100)
* (مسألة) * (وإن حوله المالك قبل تقضيها فليس له أجر لما سكن نص عليه ويحتمل أن له من الأجرة بقسطه) إذا استأجر مدة فسكنه بعضها ثم أخرجه المالك ومنعه تمام السكنى فلا شئ له من الأجر نص عليه أحمد وذكره الخرقي ويحتمل أن له من الأجر بقسطه وهو قول أكثر الفقهاء لأنه استوفى ملك غيره على وجه المعاوضة فلزمه عوضه كالمبيع إذا استوفى بعضه ومنعه المالك بقيته ولنا أنه لم يسلم إليه ما تناوله عقد الإجارة فلم يستحق شيئاً كما لو استأجره لحمل كتاب إلى بلد فحمله بعض الطريق أو ليحفر له عشرين ذراعا فحفر له عشرا وامتنع من حفر الباقي وقياس الإجارة على الإجارة أولى من قياسها على البيع، والحكم فيمن اكترى دابة فامتنع المكتري من تسليمها في بعض المدة أو أجر نفسه أو عبده للخدمة مدة وامتنع من إتمامها أو أجر نفسه لبناء حائط أو خياطة أو حفر بئر أو حمل شئ إلى مكان وامتنع من إتمام العمل مع القدرة عليه كالحكم في العقار يمتنع من تسليمه وإنه لا يستحق شيئاً لما ذكرنا * (مسألة) * (وإن هرب الأجير حتى انقضت المدة انفسخت الإجارة، وان إن كانت على عمل خير للمستأجر بين الصبر والفسخ)(6/101)
وجملة ذلك أنه إذا هرب الأجير أو شردت الدابة أو أخذ المؤجر العين وهرب بها أو منعه استيفاء المنفعة منها من غير هرب لم تنفسخ الإجارة لكن يثبت للمستأجر خيار الفسخ فإن انفسخ فلا كلام، وإن لم يفسخ وكانت الإجارة على مدة انفسخت بمضي المدة يوما فيوما فإن عادت العين في أثناء المدة استوفى ما بقي منها، وإن انقضت المدة انفسخت الإجارة لفوات المعقود عليه وإن كانت الإجارة على موصوف في الذمة كخياطة ثوب أو بناء حائط أو حمل إلى موضع معين استؤجر من ماله من يعمله كما لو أسلم إليه في شئ فهرب بيع من ماله فإن تعذر فللمستأجر الفسخ فإن لم يفسخ وصبر إلى أن يقدر عليه فله مطالبته بالعمل لأن ما في الذمة لا يفوت بهربه، وكل موضع امتنع الأجير من العمل فيه أو منع المؤجر المستأجر من الانتفاع إذا كان بعد عمل البعض فلا أجر له فيه على ما سبق إلا أن يرد العين قبل انقضاء المدة أو يتم العمل إن لم يكن على مدة قبل فسخ المستأجر فيكون له أجر ما عمل فأما إن شردت الدابة أو تعذر استيفاء المنفعة بغير فعل المؤجر فله من الأجر بقدر ما استوفى بكل حال * (مسألة) * (فإن هرب الجمال أو مات وترك الجمال أنفق عليها الحاكم من مال الجمال أو أذن للمستأجر في الإنفاق فإذا قدم باعها ووفى المنفق وحفظ باقي ثمنها لصاحبه) إذا هرب الجمال في بعض الطريق أو قبل الدخول فيها لم يخل من حالين (أحدهما) أن يهرب بجماله فان لم يجد المستأجر حاكما أو وجد حاكما لم يمكن إثبات الحال عنده أو أمكن ولم يحصل(6/102)
له ما يستوفي به حقه منه فللمستأجر الفسخ لأنه تعذر عليه قبض المعقود عليه أشبه ما إذا أفلس المشتري فإن فسخ العقد وكان الجمال قد قبض الأجر كان ديناً في ذمته وإن اختار المقام على العقد وكانت الإجارة على عمل في الذمة فله ذلك، ومتى قدر على الجمال طالبه به وإن كان العقد على مدة انقضت في هربه انفسخت الإجارة وإن أمكن إثبات الحال عند الحاكم وكان العقد على موصوف غير معين لم ينفسخ العقد ويرفع الأمر إلى الحاكم ويثبت عنده حاله فإن وجد الحاكم للجمال مالا اكترى به وإن لم يجد له مالاً وأمكنه أن يقترض عليه ما يكتري له به فعل فإن دفع الحاكم المال إلى المكتري ليكتري به لنفسه جاز في ظاهر كلام أحمد، وإن كان القرض من المكتري جاز وصار ديناً في ذمة
الجمال وإن كان العقد على معين لم يجز إبداله ولا اكتراء غيره لأن العقد تعلق بعينه فيخير المكتري بين الفسخ أو الصبر إلى أن يقدر عليه فيطالبه بالعلم (الحال الثاني) إذا هرب وترك جماله فإن المكتري يرفع الأمر إلى الحاكم فإن وجد للجمال مالا استأجر به من يقوم مقامه في الإنفاق على الجمال والشد عليها وفعل ما يلزم الجمال فان لم يجد له غير الجمال وكان فيها فضلة عن الكراء باع بقدر ذلك وإن لم يكن فيها فضل أو لم يكن بيعه افترض عليه الحاكم كما ذكرنا، وإن أدان من المكتري وأنفق جاز، وإن أذن للمكتري في الأنفاق من ماله بالمعروف ليكون دينا على الجمال جاز لأنه موضع حاجة فإذا رجع واختلفا فيما أنفق وكان الحاكم قدر النفقة قبل قول(6/103)
المكتري في ذلك دون ما زاد، وإن لم يقدر له قبل قوله في قدر النفقة بالمعروف لأنه أمين فأشبه الوصي إذا ادعى النفقة على الأيتام بالمعروف وما زاد لا يرجع به لأنه متطوع به، وإذا وصل المكتري رفع الأمر إلى الحاكم فيفعل ما يرى الحظ فيه من بيع الجمال فيوفي عن الجمال ما لزمه من الدين للمكتري أو لغيره ويحفظ باقي الثمن له وإن رأى بيع بعضها وحفظ باقيها والإنفاق على الباقي من ثمن ما باع جاز، وإن لم يجد حاكما أو عجز عن استئذانه فله أن ينفق عليها ويقيم مقام الجمال فيما يلزمه ولا يرجع بذلك إن فعله متبرعا وإن نوى الرجوع وأشهد على ذلك رجع به لأنه حال ضرورة وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي، وإن لم يشهد ونوى الرجوع ففي الرجوع وجهان (أحدهما) يرجع به لأن ترك الجمال مع العلم بأنها لابد لها من نفقة إذن في الإنفاق (والثاني) لا يرجع به لأنه يثبت لنفسه حقا على غيره وكذلك إن لم يشهده وأنفق محتسبا بالرجوع، قال شيخنا وقياس المذهب أن له الرجوع كقولنا يرجع بما أنفق على الآبق وعلى عيال الغائب وزوجاته والدابة المرهونة، فإن قدر على استئدان الحاكم فأنفق من غير استئذانه وأشهد على ذلك ففي رجوعه وجهان أيضا، وحكم موت الجمال حكم هربه وقال أبو بكر مذهب احمد ان الموت لا يفسخ الإجارة وله أن يركبها ولا يسرف في علفها ولا يقصر ويرجع بذلك في مال المتوفى، فإن لم يكن في يد المستأجر ما ينفق لم يجز أن يبيع منها شيئاً لأن البيع إنما يجوز من المالك أو نائبه أو ممن لا ولاية عليه(6/104)
* (مسألة) * (وتنفسخ الإجارة بتلف العين المعقود عليها) وجملته أن من استأجر عينا مدة فحيل بينه وبين الانتفاع بها لم يخل من أقسام [أحدها] أن تتلف العين كدابة تنفق أو عبد يموت فتلك على ثلاثة أضرب [أحدها] أن تتلف قبل قبضها فإن الإجارة تنفسخ بغير خلاف نعلمه لأن المعقود عليه تلف قبل قبضه فأشبه ما لو تلف الطعام المبيع قبل قبضه [الثاني] أن تتلف عقيب قبضها فإن الإجارة تنفسخ أيضا ويسقط الأجر في قول عامة الفقهاء الا ابا ثور حكي عنه أنه قال يستقر الأجر لأن المعقود عليه تلف بعد قبضه أشبه المبيع.
وهذا غلط لأن المعقود عليه المنافع وقبضها باستيفائها أو التمكن من استيفائها ولم يحصل ذلك فأشبه تلفها قبل قبض العين [الثالث] أن تتلف بعد مضي شئ من المدة فإن الإجارة تنفسخ فيما بقي من المدة دون ما مضى ويكون للمؤجر من الأجر بقدر ما استوفى من المنفعة، قال أحمد في رواية ابراهيم بن الحارث: إذا اكترى بعيراً بعينه فنفق يعطيه بحساب ما ركب وذلك لما ذكرنا من أن المعقود عليه المنافع وقد تلف بعضها قبل قبضه فبطل العقد فيها تلف دون ما قبض كما لو اشترى صبرتين فقبض إحداهما وتلفت الأخرى قبل قبضها، ثم ننظر فإن كان أجر المدة متساويا فعليه بقدر ما مضى إن كان قد مضى النصف فعليه نصف الأجر وإن كان قد مضى الثلث فعليه الثلث كما يقسم الثمن على المبيع المتساوي، وإن كان مختلفاً كدار أجرها في الشتاء أكثر من أجرها في الصيف وأرض أجرها في الصيف أكثر من الشتاء،(6/105)
أو دار لها موسم كدور مكة رجع في تقويمه الى أهل الخبرة ويسقط الأجر المسمى على حسب قيمة المنفعة كقسمة الثمن على الأعيان المختلفة في البيع، وكذلك لو كان الأجر على قطع مسافة كبعير استأجره على حمل شئ إلى مكان معين وكانت متساوية الأجزاء أو مختلفة وهذا ظاهر مذهب الشافعي * (مسألة) * (وموت الصبي المرتضع) إذا مات الصبي المرتضع انفسخ العقد لأنه يتعذر استيفاء المعقود عليه لأنه لا يمكن إقامة غيره مقامه لاختلاف الصبيان في الرضاع واختلاف اللبن باختلافهم فإنه قد يدر على أحد الولدين
دون الآخر وهذا منصوص الشافعي، وإذا انفسخ العقد عقيبه بطلت الإجارة من أصلها ورجع المستأجر بالأجر كله وإن كان في أثناء المدة رجع بحصة ما بقي وتنفسخ الإجارة بموت المرضعة لفوات المنفعة بهلاك محلها، وحكي عن أبي بكر أنها لا تنفسخ ويجب في مالها أجر من ترضعه تمام الوقت لأنه كالدين ولنا أنه هلك المعقود عليه أشبه ما لو هلكت البهيمة المستأجرة.
* (مسألة) * (وموت الراكب إذا لم يكن له من يقوم مقامه في استيفاء المنفعة) إذا مات المكتري ولم يكن له وارث يقوم مقامه في استيفاء المنفعة أو كان غائباً كمن يموت في طريق مكة ويخلف جمله الذي اكتراه وليس له عليه شئ يحمله ولا وارث له حاضر يقوم مقامه فظاهر كلام أحمد أن الإجارة تنفسخ فيما بقي(6/106)
من المدة لأنه قد جاء أمر غالب يمنع المستأجر منفعة العين فأشبه ما لو غصبت ولان بقاء القعد ضرر في حق المكري والمكتري لأن المكتري يجب عليه الكراء من غير نفع والمكري يمتنع عليه التصرف في ماله مع ظهور امتناع الكراء عليه، وقد نقل عن أحمد في رجل اكترى بعيرا فمات المكتري في بعض الطريق فإن رجع البعير خاليا فعليه بقدر ما وجب له، وإن كان عليه ثقله ووطاؤه فله الكراء إلى الموضع، وظاهر هذا أنه حكم بفسخ العقد فيما بقي من المدة إذا مات المستأجر ولم يبق له به انتفاع لأنه تعذر استيفاء المنفعة بأمر من الله تعالى فأشبه ما لو اكترى من يقلع له ضرسه فبرأ أو انقلع قبل قلعه أو اكترى كحالا ليكحل عينه فبرأت أو ذهبت، ويجب أن يقدر أنه لم يكن ثم من ورثته من يقوم مقامه في الانتفاع لأن الوارث يقوم مقام الموروث وتأولها القاضي على أن المكري قبض البعير ومنع الورثة الانتفاع ولولا ذلك لما انفسخ العقد لأنه لا ينفسخ بعذر في المستأجر مع سلامة المعقود عليه كما لو حبس مستأجر الدار ومنع من سكناها، ولا يصح هذا لأنه لو منع الوارث الانتفاع لما استحق شيئاً من الأجر، ويفارق هذا ما لو حبس المستأجر لأن المعقود عليه انتفاعه وهذا لم يؤبس منه بالحبس لأنه يمكن خروجه في كل وقت من الحبس وانتفاعه ويمكن أن يستنيب من يستوفي المنفعة له إما بأجره أو غيره بخلاف الميت فإنه قد فات انتفاعه بنفسه ونائبه اشبه ما ذكرنا من الصور(6/107)
* (مسألة) * (وانقلاع الضرس الذي اكترى لقلعه أو برؤه) وكذلك إن اكترى كحالا ليكحل عينه فبرأت أو ذهبت انفسخ العقد لأنه تعذر استيفاء المعقود عليه أشبه ما لو تعذر بالموت * (مسألة) * (فإن اكترى داراً فانهدمت أو أرضاً للزرع فانقطع ماؤها انفسخت الإجارة فيما بقي من المدة في أحد الوجهين وفي الآخر يثبت للمستأجر خيار الفسخ) وجملة ذلك أنه إذا حدث في العين المكتراة ما يمنع نفعها كدار انهدمت أو أرض غرقت أو انقطع ماؤها فهذه ينطر فيها فإن لم يبق فيها نفع أصلا فهي كالتالفة سواء، وإن بقي فيها نفع غير ما استأجرها له مثل أن يمكن الانتفاع بعرصة الدار أو الأرض لوضع حطب فيها أو وضع خيمة في الأرض الذي استأجرها للزرع أو صيد السمك من الأرض التي غرقت انفسخت الإجارة أيضا لأن المنفعة التي وقع العقد عليها تلفت فانفسخت الإجارة كما لو استأجر دابة ليركبها فزمنت بحيث لا تصلح إلا لتدور في الرحى.
وقال القاضي في الأرض التي انقطع ماؤها لا تنفسخ الإجارة فيها وهو منصوص الشافعي، لأن المنفعة لم تبطل جملة لأنه يمكن الانتفاع بعرصة الأرض بنصب خيمة أو جمع حطب فيها فأشبه ما لو نقص نفعها مع بقائه، فعلى هذا يخير المستأجر بين الفسخ والإمضاء، فإن فسخ فحكمه حكم العبد إذا مات، وإن اختار إمضاء العقد فعليه جميع الأجرة لأن ذلك عيب فإذا(6/108)
رضي به سقط حكمه فإن لم يختر الفسخ ولا الإمضاء إما لجهله بأن له الفسخ أو لغير ذلك فله الفسخ بعد ذلك والأول أصح لأن بقاء غير المعقود عليه لا يمنع انفساخ العقد بتلف المعقود عليه كالأعيان في البيع، ولو كان النفع الباقي في العين مما لا يباح استيفاؤه بالعقد كدابة استأجرها للركوب فصارت لا تصلح إلا للحمل أو بالعكس انفسخ العقد وجهاً واحداً لأن المنفعة الباقية لا يملك استيفاءها مع سلامتها فلا يملكها مع تعيبها كبيعها، فأما إن أمكن الانتفاع بالعين وفيما اكتراها له على نعت من القصور مثل أن يمكنه زرع الأرض بغير ماء أو كان الماء منحسراً عن الأرض التى عرفت على وجه يمنع بعض الزراعة أو يسوء الزرع أو كان يمكنه سكنى ساحة الدار إما في خيمة أو غيرها لم تنفسخ
الإجارة لأن المنفعة المعقود عليها لم تزل بالكلية فأشبه ما لو تعيبت وللمستأجر خيار الفسخ على ما ذكرنا إلا في الدار إذا انهدمت ففيها وجهان (أحدهما) لا تنفسخ الإجارة (والثاني) تنفسخ لأنه زال اسمها بهدمها وذهبت المنفعة التي تقصد منها ولذلك لا يستأجر أحد عرصة دار ليسكنها فأما إن كان الحادث في العين لا يضرها كغرق الأرض بما ينحسر عن قريب بحيث لا يمنع الزرع ولا يضره وانقطاع الماء عنها إذا ساق المؤجر إليها ماء من مكان آخر أو كان انقطاعه في زمن لا يحتاج إليه فيه فليس للمستأجر الفسخ لأن هذا ليس بعيب، وإن حدث الغرق المضر أو انقطاع الماء أو الهدم ببعض العين المستأجرة فلذلك البعض حكم نفسه في الفسخ أو ثبوت الخيار وللمكتري الخيار في بقية(6/109)
العين لأن الصفقة تبعضت عليه فإن اختار الإمساك أمسك بالحصة من الأجر كما إذا تلف أحد القفيزين من الطعام في يد البائع * (مسألة) * (ولا تنفسخ بموت المكتري أو المكري) وهذا قول مالك والشافعي وإسحاق والتي وأبي ثور وابن المنذر، وقال الثوري وأصحاب الرأي والليث تنفسخ لاجارة بموت أحدهما لأن استيفاء المنفعة يتعذر بالموت لأنه استحق بالعقد استيفاءها على ملك المؤجر فإذا مات زال ملكه عن العين فانتقلت إلى ورثته فالمنافع تحدث على ملك الوارث فلا يستحق المستأجر استيفاءها لأنه ما عقد مع الوارث، وإذا مات المستأجر لم يمكن إيجاب الأجر في تركته ولنا أنه عقد لازم فلم ينفسخ بموت العاقد مع سلامة المعقود عليه كما لو زوج أمته ثم مات، وما ذكروه لا يصح لأنا قد بينا أن المستأجر قد ملك المنافع، وإن الأجرة قد ملكت عليه كاملة في وقت العقد على ما نذكره، ويلزمهم ما لو زوج أمته ثم مات ولو صح ما ذكروه لكن وجوب الأجر ههنا بسبب من المستأجر فوجب في تركته بعد موته كما لو حفر بئراً فوقع فيها شئ بعد موته ضمنه في ماله لأن سبب ذلك كان منه في حياته كذا ههنا * (مسألة) * (ولا تنفسخ بعذر لأحدهما مثل أن يكتري للحج فتضيع نفقته أو دكانا فيحترق متاعه)
وبهذا قال مالك والشافعي وأبو ثور، وقال أبو حنيفة وأصحابه يجوز للمكتري فسخها لعذر(6/110)
في نفسه مثل أن يكتري جملا ليحج عليه فيمرض فلا يتمكن من الخروج أو تضيع نفقته، أو يكتري دكاناً للبز فيحترق متاعه وما أشبه هذا لأن هذا العذر يتعذر معه استيفاء المنفعة المعقود عليها فملك به الفسخ كما لو استأجر عبداً فأبق ولنا أنه عقد لا يجوز فسخه لغير عذر فلم يجز لعذر في غير المعقود عليه كالبيع ولأنه لو جاز فسخه لعذر المكتري لجاز لعذر المكري تسوية بين المتعاقدين ودفعاً للضرر عن كل واحد منهما ولم يجز ثم فلا يجرز ههنا، ويفارق الإباق فإنه عذر في المعقود عليه * (مسألة) * (وإن غصبت العين خير المستأجر بين الفسخ والإمضاء ومطالبة الغاصب بأجرة المثل) إذا غصبت العين المستأجرة فللمستأجر الفسخ لأن فيه تأخر حقه فإن فسخ فالحكم كما لو انفسخ العقد بتلف العين وإن لم يفسخ حتى انقضت مدة لاجارة فله الخيار بين الفسخ والرجوع بالمسمى وبين البقاء على العقد ومطالبة الغاصب بأجر المثل لأن المعقود عليه لم يفت مطلقاً بل الى بدل وهو القيمة فأشبه ما لو أتلف الثمرة لمبيعة آدمي قبل قطعها، ويتخرج افساخ العقد بكل حال على الرواية التي تقول إن منافع الغصب لا تضمن وهو قول أصحاب الرأي ولأصحاب الشافعي في ذلك اختلاف فإن ردت العين في أثناء المدة ولم يكن فسخ استوفى ما بقي منها ويكون فيما مضى من المدة(6/111)
مخيراً كما ذكرنا، وإن كانت الإجارة على عمل كخياطة ثوب أو حمل شئ إلى موضع معين فغصب جمله الذي يحمل عليه أو عبده الذي يخيط له لم ينفسخ العقد، وللمستأجر مطالبة الأجير بعوض المغصوب وإقامة من يعمل العمل لأن العقد على ما في الذمة كما لو وجد بالمسلم فيه عيبا فرده فإن تعذر البدل ثبت للمستأجر الخيار بين الفسخ والصبر إلى أن يقدر على العين المغصوبة فيستوفي منها (فصل) فإن حدث خوف عام يمنع من سكنى المكان الذي فيه العين المستأجرة أو يحصر البلد فيمتنع خروج المستأجر إلى الأرض المستأجرة للزرع ونحو ذلك ثبت للمستأجر خيار الفسخ
لأنه أمر غالب يمنع من استيفاء المنفعة فأثبت الخيار كغصب العين، ولو اكترى دابة ليركبها أو يحمل عليها إلى موضع معين فانقطعت الطريق إليها لخوف حادث أو اكترى إلى مكة فلم يحج الناس ذلك العام من تلك الطريق ملك كل واحد منهما فسخ الإجارة، وإن اختار ابقاها إلى حين إمكان استيفاء المنفعة جاز لأن الحق لهما، فأما إن كان الخوف خاصا بالمستأجر كمن خاف وحده لقرب أعدائه من الموضع المستأجر أو خلوهم في طريقه لم يملك الفسخ لأنه عذر يختص به لا يمنع استيفاء المنفعة بالكلية أشبه مرضه، وكذلك لو حبس أو مرض لأنه ترك استيفاء المنفعة لمعنى من جهته فلم يمنع ذلك وجوب أجرها عليه كما لو تركها اختياراً.
قال الخرقي: فإن جاء أمر غالب يحجر المستأجر عن منفعة ما وقع عليه العقد لزمه من الأجرة بقدر مدة انتفاعه وقد شرحناه(6/112)
* (مسألة) * (ومن استؤجر لعمل شئ فمرض أقيم مقامه من يعمله والأجرة عليه) لا خلاف بين أهل العلم في جواز استئجار الآدمي، وقد أجر موسى عليه السلام نفسه لرعيه الغنم واستأجر النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلا ليدلهما على الطريق، ولأنه يجوز الانتفاع به مع بقاء عينه فجازت إجارته كالدور.
ثم إجارته تنقسم قسمين (أحدهما) استئجاره مدة بعينها لعمل معين كإجارة موسى عليه السلام نفسه ثماني حجج لرعي الغنم (والثاني) استئجاره على معنى في الذمة كاستئجار النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رجلا ليدلهما على الطريق، واستئجار رجل لخياطة قميص أو بناء حائط، ويتنوع ذلك بنوعين (أحدهما) أن تقع الإجارة على عين كإجارة عبده لرعاية الغنم أو ولده لعمل معين (والثاني) أن تقع على عمل في الذمة كخياطة قميص وبناء حائط.
فمتى كانت على عمل في ذمته فمرض وجب عليه أن يقيم مقامه من يعمله لأنه حق وجب في ذمته فوجب عليه إيفاؤه كالمسلم، فيه ولا يلزم المستأجر إنظاره لأن العقد بإطلاقه يقتضي التعجيل وفي التأخير إضرار به، فأما إن كانت الإجارة على عينه في مدة أو غيرها فمرض لم يقم غيره مقامه لأن الإجارة وقعت على عمله بعينه لا على شئ في ذمته وعمل غيره ليس بمعقود عليه فأشبه ما لو اشترى معينا لم يجز أن يدفع إليه غيره ولا يبدله له بخلاف ما لو وقع في الذمة فإنه يجوز إبدال المعيب ولا ينفسخ العقد بتلف ما يسلمه والمبيع المعين بخلافه فكذلك الإجارة فإن كانت الإجارة
على عمل في الذمة لكن لا يقوم غير الأجير مقامه كالنسخ فإنه يختلف القصد فيه باختلاف الخطوط لم يكلف إقامة(6/113)
غيره مقامه ولا يلزم المستأجر قبول ذلك إن بذله الأجير لأن العوض لا يحصل من غير الناسخ كحصوله منه فأشبه ما لو أسلم إليه في نوع فسلم إليه غيره وكذلك كل ما يختلف باختلاف الأعيان * (مسألة) * (وإن وجد العين معيبة فله الفسخ) كما لو وجد المبيع معيبا وقد ذكرناه، وإن حدث بها عيب فله الفسح وأجرة ما مضى لأن البائع لا يحصل قبضها إلا بالاستيفاء فهي كالمكيل يتعيب قبل قبضه فإن بادر المكري إلى إزالة العيب من غير ضرر يلحق المستأجر كدار تشعثت فأصلحها، ولا خيار للمستأجر لعدم الضرر وإلا فله الفسخ، وإن سكنها مع عيبها فعليه الأجرة علم أو لم يعلم لأنه استوفى جميع المعقود عليه معيبا فلزمه البدل كالمبيع المعيب إذا رضيه * (مسألة) * (ويجوز بيع العين المستأجرة ولا تنفسخ الإجارة إلا أن يشتريها المستأجر فتنفسخ في إحدى الروايتين) يصح بيع العين المستأجرة نص عليه أحمد سواء باعها للمستأجر أو لغيره وهو أحد قولي الشافعي وقال في الآخر إن باعها لغير المستأجر لم يصح لأن يد المستأجر تمنع التسليم إلى المشتري فمنعت الصحة كما في بيع المغصوب ولنا أن الإجارة عقد على المنافع فلم تمنع الصحة كبيع الأمة إذا زوجها، قولهم يد المستأجر تمنع(6/114)
التسليم لا يصح لأن يد المستأجر إنما هي على المنافع والبيع على الرقبة فلا يمنع ثبوت اليد على أحدهما تسليم الآخر كما لو باع الأمة المزوجة ولأنها منعت التسليم في الحال فلا تمنع في الوقت الذي يجب التسليم فيه وهو عند انقضاء الإجارة ويكفي القدرة على التسليم حينئذ كالمسلم فيه وقال أبو حنيفة البيع موقوف على إجازة المستأجر فإن أجازه جائز وبطلت الإجارة وإن رده بطل ولنا أن البيع على غير المعقود عليه في الإجارة فلم تعتبر إجازته كبيع الأمة المزوجة.
إذا ثبت هذا
فإن المشتري يملك المبيع مسلوب المنفعة إلى حين انقضاء الإجارة ولا يستحق تسليم العين إلا حينئذ لأن تسليم العين إنما يراد لاستيفاء نفعها وإنما يستحق نفعها إذا انقضت الإجارة فهو كمن اشترى عينا في مكان بعيد لا يستحق تسليمها إلا بعد مضي مدة يمكن إحضارها فيه وكالمسلم إلى وقت لا يستحق تسليم المسلم فيه إلا في وقته، فإن لم يعلم المشتري بالإجارة خير بين الفسخ وإمضاء البيع بكل الثمن لأن ذلك عيب ونقص (فصل) ويصح بيعها للمستأجر لأنه إذا صح بيعها لغيره فله أولى لأن العين في يده وهل تبطل الإجارة؟ فيه وجهان (أحدهما) لا تبطل لأنه ملك المنفعة ثم ملك الرقبة المسلوبة بعقد آخر فلم يتنافيا كما يملك الثمرة بعقد ثم يملك الأصل بعقد آخر، ولو أجر الموصى له بالمنفعة مالك الرقبة صحت الإجارة فدل على أن ملك المنفعة لا ينافي العقد على الرقبة ولذلك لو استأجر المالك العين المستأجرة من مستأجرها جاز، فعلى هذا يكون الأجر باقيا على المشتري وعليه الثمن ويجتمعان للبائع كما لو كان المشتري غيره(6/115)
(والثاني) تبطل الإجارة فيما بقي من المدة لأنه عقد على منفعة العين فبطل بملك العاقد الرقبة كما لو تزوج أمة ثم اشتراها بطل نكاحه ولأن ملك الرقبة يمنع ابتداء الإجارة فمنع استدامتها كالنكاح، فعلى هذا يسقط عن المشتري الأجر فيما بقي من مدة الإجارة كما لو بطلت الإجارة بتلف العين وإن كان المؤجر قد قبض الأجر كله حسبه عليه من الثمن إن كان من جنس الثمن (فصل) فإن رد المستأجر العين المستأجرة فالحكم فيه كما لو اشتراها في بطلان الإجارة وبقائها فلو استأجر إنسان من أبيه داراً ثم مات الأب وخلف ابنين (أحدهما) المستأجر فالدار بينهما نصفين والمستأجر أحق بمنفعتها لأن النصف الذي لأخيه الإجارة باقية فيه والنصف الذي ورثه يستحقه إما بحكم الملك أو بحكم الإجارة وما عليه من الأجرة بينهما نصفين، فان كان أبوه قد قبض الأجر لم يرجع على أخيه بشئ منه ولا على تركة أبيه ويكون ما خلفه أبوه بينهما نصفين لأنه لو رجع بشئ أفضى إلى أن يكون قد ورث النصف بمنفعته وورث أخوه نصفا مسلوب المنفعة والله سبحانه قد سوى بينهما في الميراث ولأنه لو رجع بنصف أجر النصف الذي انتقضت الإجارة فيه لوجب أن يرجع أخوه بنصف المنفعة التي بطلت الإجارة فيها إذ لا يمكن أن يجمع له بين المنفعة وأخذ عوضها من غيره
(فصل) فإن اشترى المستأجر العين فوجدها معيبة فردها فإن قلنا لا تنفسخ الإجارة بالبيع فهي باقية بعد رد العين كما كانت قبل البيع، وإن قلنا قد انفسخت فالحكم فيها كما لو انفسخت بتلف العين(6/116)
فإن كان المشتري أجنبياً فرد المستأجر الإجارة لعيب فينبغي أن تعود المنفعة إلى البائع لأنه يستحق عوضها على المستأجر وإذا سقط العوض عاد إليه المعوض، ولأن المشتري ملك العين مسلوبة المنفعة مدة الإجارة فلا يرجع إليه ما لم يملكه، وقال بعض أصحاب الشافعي يرجع إلى المشتري لأن المنفعة تابعة للرقبة وإنما استحقت بعقد الإجارة فإذا زالت عادت إليه كما لو اشترى أمة مزوجة فطلقها الزوج قال شيخنا ولا يصح هذا القياس لأن منفعة البضع قد استقر عوضها للبائع بمجرد دخول الزوج بها ولا ينقسم العوض على المدة ولهذا لا يرجع الزوج بشئ من الصداق فيما إذا انفسخ النكاح أو وقع الطلاق بخلاف الأجر في الاجارة فإن المؤجر يستحق الأجر في مقابلة المنفعة مقسوما على مدتها فإذا كان له عوض المنفعة المستقبلة فزال بالفسخ رجع اليه بعوضها وهو المنفعة، ولأن منفعة البضع لا يجوز أن تملك بغير ملك الرقبة أو النكاح فلو رجعت إلى البائع لملكت بغيرهما ولأنها مما لا يجوز الزوج نقلها إلى غيره ولا المعاوضة عنها ومنفعة البدن بخلافها (فصل) وإذا وقعت الإجارة على عين كمن استأجر عبداً للخدمة أو للرعي فتلف انفسخ العقد وقد ذكرناه وإن خرجت العين مستحقة تبينا أن العقد باطل وإن وجد بها عيباً فردها انفسخ العقد أيضا ولم يملك إبدالها لأن العقد على معين فتثبت هذه الأحكام كمن اشترى عينا، وإن وقعت على عين موصوفة في الذمة انعكست هذه الأحكام فمن سلم إليه عينا فتلفت أو خرجت مغصوبة أو وجد بها عيباً فردها لم تنفسخ الإجارة(6/117)
ولزم المؤجر إبدالها لأن المعقود عليه غير هذه العين وهذه بدل عنه فلم يؤثر ذلك في إبطال العقد كما لو اشترى بثمن في الذمة على ما قرر في موضعه، فإن قيل فقد قلتم فيمن اكترى جملا ليركبه جاز أن يركبه من هو مثله ولو اكترى أرضا لزرع شئ بعينه جاز له زرع ما هو مثله أو دونه في الضرر فلم قلتم إذا اكترى جملا بعينه لا يجوز أن يبدله؟ قلنا: المعقود عليه منفعة العين فلم يجز أن يدفع إليه غير المعقود عليه كما لو
اشترى عيناً لا يجوز أن يأخذ غيرها والراكب غير معقود عليه إنما هو مستوف للمنفعة وإنما يشترط معرفته ان تقدر به المنفعة لا لكونه معقوداً عليه وكذلك الزرع في الأرض فإنما يعين ليعرف به قدر المنفعة المستوفاة فيجوز الاستيفاء بغيرها كما لو وكل المشتري غيره في استيفاء المبيع ألا ترى أنه لو تلف البعير أو الأرض انفسخت الإجارة ولو مات الراكب أو تلف البذر لم تنفسخ وجاز أن يقوم غيره مقامه فافترقا.
* (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (ولا ضمان على الأجير الخاص وهو الذي يسلم نفسه إلى المستأجر فيما تلف في يده إلا أن يتعدى) وجملته أن الأجير على ضربين خاص ومشترك: فالخاص الذي يقع العقد عليه في مدة معلومة يستحق المستأجر نفعه في جميعها كمن استؤجر لخدمة أو خياطة أو رعاية شهراً أو سنة، سمي خاصاً لأن المستأجر يختص بنفعه في تلك المدة دون سائر الناس والمشترك الذي يقع العقد معه على عمل معين(6/118)
كخياطة ثوب أو بناء حائط وحمل شئ إلى مكان معين أو على عمل في مدة لا يستحق جميع نفعه فيها كالكحال والطبيب سمي مشتركا لأنه يتقبل أعمالا لاثنين أو أكثر في وقت واحد ويعمل لهم فيشتركون في منفعته فسمي مشتركا لاشتراكهم في منفعته، فأما الأجير الخاص فلا ضمان عليه ما لم يتعد قال أحمد في رواية مهنا في رجل أمر غلامه يكيل لرجل بزراً فسقط الرطل من يده فانكسر لا ضمان عليه، فقيل أليس هو بمنزلة القصار؟ قال لا القصار مشترك قيل فرجل اكترى رجلا يستقي ماء فكسر الجرة؟ فقال لا ضمان عليه قيل له فإن اكترى رجلا يحرث له على بقرة فكسر الذي يحرث به؟ قال لا ضمان عليه وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابه وظاهر مذهب الشافعي وله قول آخر أن جميع الأجراء يضمنون وروى في مسنده أن عليا كان يضمن الأجراء ويقول لا يصلح للناس إلا هذا ولنا أن عمله غير مضمون عليه فلم يضمن ما تلف به كالقصاص وقطع يد السارق وخبر علي مرسل والصحيح فيه أنه كان يضمن الصباغ والصواغ وإن روي مطلقاً حمل على هذا فإن المطلق يحمل على المقيد ولأن الأجير الخاص نائب عن المالك في صرف منافعه إلى ما أمره به فلم يضمن من
غير تعد كالوكيل والمضارب.
فأما ما لف بتعديه فعليه ضمانه مثل الخباز الذي يسرف في الوقود أو يلزقه قبل وقته أو يتركه بعد وقته حتى يحترق لأنه تلف بتعديه فضمن كغير الأجير (فصل) وإن استأجر الأجير المشترك أجيراً خاصا كالخياط في دكان يستأجر أجيراً مدة يستعمله(6/119)
فيها فيقبل صاحب الدكان خياطة ثوب ودفعه إلى أجير فخرقه أو أفسده لم يضمنه لأنه أجير خاص ويضمنه صاحب الدكان لأنه أجير مشترك * (مسألة) * (ويضمن الأجير المشترك ما جنت يده من تخريق الثوب وغلطه في تفصيله) قد ذكرنا أن الأجير المشترك هو الصانع الذي لا يختص المستأجر بنفعه فيضمن ما جنت يده كالحائك إذا أفسد حياكته فهو ضامن لما أفسد نص عليه أحمد في رواية ابن منصور والقصار ضامن لما يتخرق من دقه أو مده أو عصره أو بسطه والطباخ ضامن لما أفسد من طبيخه والخباز ضامن لما أفسد من خبزه والحمال يضمن لما يسقط من حمله عن دابته أو تلف من عثرته والجمال يضمن ما تلف بقود وسوقه وانقطاع حبله الذي يشد به حمله والملاح يضمن ما تلف من مده أو جذفه أو ما يعالج به السفينة، روى ذلك عن عمر وعلي وعبد الله بن عتبة وشريح والحسن والحكم، وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحد قولي الشافعي وقال في الآخر لا يضمن ما لم بتعد قال الربيع هذا مذهب الشافعي وإن لم يبح به يروي ذلك عن عطاء وطاوس وزفر ولأنها عين مقبوضة بعقد الإجارة فلم تصر مضمونة كالعين المستأجرة ولنا ما روى جعفر بن محمد عن أبيه عن على أنه كان يضمن الصباغ والصواغ وقال لا يصلح الناس إلا على ذلك وروى الشافعي باسناده عن علي أنه كان يضمن الأجراء ويقول لا يصلح الناس إلا هذا(6/120)
ولأن عمل الأجير المشترك مضمون عليه فما تولد منه يجب أن يكون مضموناً كالعدوان بقطع عضو بخلاف الأجير الخاص والدليل على ان عمله مضمون عليه أنه لا يستحق العوض إلا بالعمل وأن الثوب لو تلف في حرزه بعد عمله لم يكن له أجر فيما عمل فيه وكان ذهاب عمله.
من ضمانه بخلاف الخاص فإنه
إذا أمكن المستأجر من استعماله استحق العوض بمضي المدة وإن لم يعمل وما عمل فيه من شئ فتلف من حرزه لم يسقط أجره بتلفه (فصل) ذكر القاضي أن الأجير المشترك إنما يضمن إذا كان يعمل في ملك نفسه كالخباز يخبز في تنوره والقصار والخياط في دكانيهما قال ولو دعا الرجل خبازا فخبز له في داره أو خياطاً أو قصارا ليقصر ويخيط عنده لا ضمان عليه فيما أتلف ما لم يفرط لأنه سلم نفسه إلى المستأجر فصار كالأجير الخاص ولو كان صاحب المتاع مع الملاح في السفينة أو راكبا على الدابة فوق حمله فعطب الحمل لا ضمان على الملاح والمكاري لأن يد صاحب المتاع لم تزل، ولو كان رب المتاع والجمال راكبين على الحمل فتلف حمله لم يضمن الجمال لأن رب المتاع لم يسلمه إليه ومذهب مالك والشافعي نحو هذا قال أصحاب الشافعي لو كان العمل في دكان الأجير والمستأجر حاضر أو اكتراه ليعمل له شيئا وهو معه لم يضمن لأن يده عليه فلم يضمن من غير جناية ويجب له أجر عمله لأن يده عليه فكلما عمل شيئاً صار مسلماً إليه، وظاهر كلام الخرقي أنه لا فرق بين كونه في ملك نفسه أو ملك مستأجره أو كان صاحب العمل(6/121)
حاضراً عنده أو غائباً أو كونه مع الملاح أو الجمال أو لا ولذلك قال ابن عقيل ما تلف بجناية الملاح بجذفه أو بجناية المكاري بشده المتاع ونحوه فهو مضمون عليه سواء كان صاحب المتاع معه أو لم يكن لأن وجوب الضمان عليه لجناية يده فلا فرق بين حضور المالك وغيبته كالعدوان، ولأن جناية الجمال والملاح إذا كان صاحب المتاع راكباً معه تعم المتاع وصاحبه وتفريطه يعمهما فلم يسقط ذلك الضمان كما لو رمى انسانا متترسا فكسر ترسه وقتله، ولأن الطبيب والختان إذا جنت يداهما ضمنا مع حضور المطبب والمختون، وقد ذكر القاضي أنه لو كان حمالا يحمل على رأسه ورب المتاع معه فعثر فسقط المتاع فتلف ضمن وإن سرق لم يضمن لأنه في العثار تلف بجنايته والسرقة ليست من جنايته ورب المال لم يحل بينه وبينه وهذا يقتضي أن تلفه بجنايته مضمون عليه سواء حضر رب الما أو غاب بل وجوب الضمان في محل النزاع أولى لأن الفعل في ذلك المكان مقصود لفاعله والسقطة من الحمال غير مقصودة له فإذا وجب الضمان ههنا فثم أولى
(فصل) وذكر القاضي أنه إذا كان المستأجر على حمله عبيداً صغاراً أو كباراً فلا ضمان على المكاري فيما تلف من سوقه وقوده إذ لا يضمن بني آدم من جهة الإجارة لأنه عقد على منفعة، والاولى وجوب الضمان لأن الضمان ههنا من جهة الجناية فوجب أن يعم بني آدم وغيرهم كسائر الحيوانات وما ذكره ينتقض بجناية الطبيب والخاتن(6/122)
* (مسألة) * (ولا ضمان عليه فيما تلف من حرزه أو بغير فعله ولا أجرة له فيما عمل فيه وعنه يضمن) اختلفت الرواية عن أحمد في الأجير المشترك إذا تلفت العين من حرزه من غير تعد منه ولا تفريط فروي عنه لا يضمن في رواية ابن منصور وهو قول طاوس وعطئ وأبي حنيفة وزفر وقول للشافعي، وروى عن أحمد أن كان هلاكه بما يستطاع ضمنه وإن كان غرقاً أو عدواً غالبا فلا ضمان عليه قال أحمد في رواية أبي طالب إذا جنت يده أو ضاع من بين متاعه ضمنه وإن كان عدواً أو غرقا فلا ضمان ونحو هذا قال أبو يوسف، والصحيح في المذهب الأول وهذه الرواية تحتمل أنه إنما أوجب عليه الضمان إذا تلف من بين متاعه خاصة لأنه يتهم ولهذا قال في الوديعة في رواية أنه يضمن إذا ذهبت من بين ماله فأما في غير ذلك فلا ضمان عليه لأن تخصيصه التضمين بما إذا أتلف من بين ماله يدل على أنه لا يضمن إذا تلف مع متاعه، ولأنه إذا لم يكن منه تفريط ولا عدوان لم يجب عليه الضمان كما لو تلف بأمر غالب، وقال مالك وابن أبي ليلى يضمن بكل حال لقول النبي صلى الله عليه وسلم " على اليد ما أخذت حتى تؤديه " ولأنه قبض العين لمنفعة نفسه من غير استحقاق فلزمه ضمانها كالمستعير ولنا أنها عين مقبوضة بعقد الإجارة لم يتلفها بفعله فلم يضمنها كالعين المستأجرة ولأنه قبضها بإذن مالكها لنفع يعود إليهما فلم يضمنها كالمضارب والشريك والمستأجر ويخالف العارية فإنه ينفرد بنفعها والخبر مخصوص بما ذكرنا من الأصول فنخص محل النزاع بالقياس عليها.
إذا ثبت هذا(6/123)
فإنه لا أجر له فيما عمل فيها لأنه لم يسلم عمله إلى المستأجر فلم يستحق عوضه كالمبيع من الطعام إذا تلف في يد البائع قبل تسليمه
* (مسألة) * (ولا ضمان على حجام ولا ختان ولا نزاع ولا طبيب إذا علم منهم حذق ولم تجن أيديهم) وجملة ذلك أن هؤلاء إذا فعلوا ما أمروا به لم يضمنوا بشرطين (أحدهما) أن يكونوا ذوي حذق في صناعتهم لأنه إذا لم يكن كذلك لم تحل له مباشرة القطع فإذا قطع مع هذا كان فعلاً محرماً فضمن سرايته كالقطع ابتداء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " من تطبب بغير علم فهو ضامن " رواه أبو داود (والثاني) أن لا تجني أيديهم فيتجاوزوا ما ينبغي أن يقطع.
فإذا وجد هذان الشرطان لم يضمنوا لأنهم قطعوا قطعاً مأذوناً فيه فلم يضمنوا سرايته كقطع الإمام يد السارق، فأما إن كان حاذقاً وجنت يده مثل أن يجاوز قطع الختان إلى الحشفة أو الى بعضها أو يقطع في غير محل القطع أو قطع سلعة من إنسان فتجاوز بها موضع القطع أو يقطع بآلة كالة يكثر ألمها أو في وقت لا يصلح القطع فيه وأشباه هذا ضمن فيه كله لأنه إتلاف لا يختلف ضمانه بالعمد والخطأ فأشبه إتلاف المال ولأنه فعل محرم فيضمن سرايته كالقطع ابتداءً، وكذلك الحكم في النزاع والقاطع في القصاص وقاطع يد السارق وهذا مذهب الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافاً (فصل) فإن ختن صبياً بغير إذن وليه أو قطع سلعة من إنسان بغير إذنه أو من صبي بغير(6/124)
إذن وليه فسرت جنايته ضمن لأنه قطع غير مأذون فيه وان فعل ذلك الحاكم أو وليه أو فعله من أذنا له لم يضمن لأنه مأذون فيه شرعاً * (مسألة) * (ولا ضمان على الراعي إذا لم يتعد) يصح استئجار الراعي بغير خلاف علمناه وقد أجر موسى عليه السلام نفسه لرعاية الغنم.
إذا ثبت ذلك فإنه لا يضمن ما تلف من الماشية إذا لم يتعد أو يفرط في حفظها لا نعلم فيه خلافاً إلا ما روي عن الشعبي أنه كان يضمن الراعي ولنا أنه مؤتمن على حفظها فلم يضمن من غير تعد ولا تفريط كالمودع ولأنه قبض العين بحكم الإجارة فلم يضمنها من غير تعد كالعين المستأجرة، فأما ما تلف بتعديه فيضمنه بغير خلاف مثل أن ينام عن الماشية أو يغفل عنها أو يتركها تتباعد عنه أو تغيب عن نظره وحفظه أو يسرف في ضربها
أو يضربها في غير موضع الضرب أو من غير حاجة إليه أو يسلك بها موضعاً تتعرض فيه للتلف وأشباه هذا مما يعد تفريطا وتعديا فتتلف به فيضمنها لأنها تلفت بعدوانه فضمنها كالمودع إذا تعدى، فإن اختلفا في التعدي وعدمه فالقول قول الراعي لأنه أمين وإن فعل فعلا اختلفا في كونه تعدياً رجع الى أهل الخبرة، ولو جاء بجلد شاة وقال ماتت قبل قوله ولم يضمن وعن أحمد أنه لا يقبل قوله ويضمن والصحيح الأول لأن الأمناء يقبل قولهم كالمودع، ولأنه يتعذر عليه إقامة البينة في الغالب أشبه المودع وكذلك إذا ادعى موتها ولم يأت بجلدها(6/125)
(فصل) ولا يصح العقد في الرعي إلا على مدة معلومة لأن العمل لا ينحصر، ويجوز العقد على رعي ماشية معينة وعلى جنس في الذمة فإن عقد على معينة كمائة شاة معينة فذكر أصحابنا أنه يتعلق بأعيانها كما لو استأجره لخياطة ثوب بعينه فلا يجوز إبداله، ويبطل العقد بتلفها فإن تلف بعضها بطل العقد فيه وله أجر ما بقي بالحصة، وإن ولدت لم يكن عليه رعي سخالها لأنها زيادة لا يتناولها العقد ويحتمل أن لا يتعلق بأعيانها لأنها ليست المعقود عليها إنما لتستوفى المنفعة بها فأشبه ما لو استأجر ظهراً ليركبه فله أن يركب غيره مكانه، ولو استأجر دارا ليسكنها فله أن يسكنها مثله وإنما المعقود عليه منفعة الراعي ولهذا تجب له الأجرة إذا سلم نفسه وإن لم يرع، ويفارق الثوب في الخياطة لأن الثياب في مظنة الاختلاف في سهولة خياطتها ومشقتها بخلاف الرعي.
فعلى هذا له إبدالها بمثلها وإن تلف بعضها لم ينفسخ العقد فيه وكان له إبداله.
(فصل) فإن وقع العقد على موصوف في الذمة فلابد من ذكر جنس الحيوان ونوعه إبلا أو بقراً أو غنما أو ضأنا أو معزاً وإن أطلق ذكر البقر والإبل لم يتناول الجواميس والبخاتي لأن إطلاق الاسم لا يتناولها عرفا إلا أن يقع العقد في مكان يتناولها الاسم فيحتاج إلى ذكر نوع ما يرعاه منها كالغنم لأن كل نوع له أثر في إتعاب الراعي ويذكر الكبر والصغر فيقول كباراً او صغاراً أو عجاجيل أو فصلانا إلا أن يكون ثم قرينة أو عرف صارف إلى بعضها فيكتفي بذلك، ومتى عقد على عدد موصرف كالمائة لم يجب عليه رعي زيادة من سخالها ولا من غيرها، وإن أطلق ولم يذكر(6/126)
عدداً لم يجز وهذا ظاهر مذهب الشافعي، وقال القاضي يصح ويحمل على ما جرت به العادة كالمائة من الغنم ونحوها، وهو قول بعض أصحاب الشافعي، والأول أصح لأن العادة في ذلك تختلف وتتباين كثيراً والعمل يختلف باختلافه * (مسألة) * (وإذا حبس الصانع الثوب على أجرته فتلف ضمنه) لأنه لم يرهنه عنده ولا أذن له في إمساكه فلزمه الضمان كالغاصب * (مسألة) * (فإن أتلف الثوب بعد عمله خير المالك بين تضمينه إياه غير معمول ولا أجرة له وبين تضمينه إياه معمولا ويدفع إليه الأجرة) وكذلك لو وجب عليه ضمان المتاع المحمول فصاحبه مخير بين تضمينه قيمته في الموضع الذي سلمه إليه ولا أجرة له، وبين تضمينه إياه في الموضع الذي أفسده ويعطيه الأجرة إلى ذلك المكان، وإنما كان كذلك لأنه إذا أحب تضمينه معمولا أو في المكان الذي أفسده فيه فله ذلك لأنه ملكه في ذلك الموضع على تلك الصفة فملك المطالبة بعوضه حينئذ، وإن أحب تضمينه قبل ذلك فلأن أجر العمل لا يلزمه قبل تسليمه وما سلم إليه فلا يلزمه (فصل) إذا أخطأ القصار فدفع الثوب إلى غير مالكه فعليه ضمانه لأنه فوته على مالكه قال أحمد يغرم القصار ولا يسع المدفوع إليه لبسه إذا علم أنه ليس بثوبه ويرده إلى القصار ويطالبه بثوبه فإن لم(6/127)
يعلم القابض حتى قطعه ولبسه ثم علم رده مقطوعا وضمن أرش القطع وله مطالبته بثوبه إن كان موجوداً وإن هلك عند القصار ضمنه في إحدى الروايتين لأنه أمسكه بغير إذن صاحبه بعد طلبه فضمنه كما لو علم (والثانية) لا يضمنه لأنه لا يمكنه رده فأشبه ما لو عجز عن دفعه لمرض (فصل) والعين المستأجرة أمانة في يد المستأجر إن تلفت بغير تفريط لم يضمنها قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسئل عن الذين يكرون الخيمة إلى مكة فتذهب من المكتري بسرق هل يضمن قال أرجو أن لا يضمن وكيف يضمن؟ إذا ذهب لا يضمن ولا نعلم في هذا خلافاً لأنه قبض العين لاستيفاء
منفعة يستحقها منها فكانت أمانة كما لو قبض لعبد الموصى له بخدمته سنة أو قبض الزوج امرأته الأمة ويخالف العارية فانه لا يستحق منفعتها وإذا انقضت المدة فعليه رفع يده عنها وليس عليه الرد أومأ إليه في رواية ابن منصور قيل له إذا اكترى دابة أو استعار أو استودع فليس عليه أن يحملها فقال أحمد من استعار شيئا فعليه رده من حيث أخذه فأوجب الرد في العارية ولم يوجبه في الإجارة والوديعة ووجه ذلك أنه عقد لا يقتضي الضمان فلا يقتضي رده ومؤنته كالوديعة بخلاف العارية فإن ضمانها يجب فكذلك ردها.
وعلى هذا متى انقضت المدة كانت العين في يده أمانة كالوديعة إن تلفت من غير تفريط فلا ضمان عليه وهو قول بعض الشافعية، وقال بعضهم يضمن لأنه بعد انقضاء الإجارة غير مأذون له في إمساكه أشبه العارية المؤقتة بعد وقتها(6/128)
ولنا أنها أمانة أشبهت الوديعة ولأنه لو وجب ضمانها لوجب ردها، أما العارية فإنها مضمونة بكل حال بخلاف مسئلتنا ولأنه يجب ردها ومتى طلبها صاحبها وجب تسليمها إليه فإن امتنع من ذلك لغير عذر صارت مضمونة كالمغصوبة (فصل) فإن شرط المؤجر على المستأجر ضمان العين فالشرط فاسد لأنه ينافي مقتضى العقد وتفسد به الإجارة في أحد الوجهين بناء على الشروط الفاسدة في البيع قال أحمد فيما إذا اشترط ضمان العين الكراء والضمان مكروه، روى الأثرم بإسناده عن ابن عمر قال لا يصلح الكراء بالضمان، وعن فقهاء المدينة أنهم كانوا يقولون لا يكري بضمان إلا أنه من شرط على كري ألا ينزل بمتاعه بطن واد ولا يسير به ليلا مع أشباه هذه الشروط فتعدى ذلك فتلف شئ مما حمل في ذلك التعدي فهو ضامن فأما غير ذلك فلا يصح شرط الضمان فيه، وإن شرطه لم يصح لأن ما لا يجب ضمانه لا يصير مضموناً بالشرط وعن أحمد أنه سئل عن ذلك فقال: المسلمون على شروطهم وهذا يدل على وجوب الضمان بشرطه وسنذكر ذلك في العارية فأما إن أكراه عينا وشرط أن لا يسير بها في الليل أو وقت القائلة أو لا يتأخر بها عن القافلة أو لا يجعل سيره في آخرها وأشباه هذا مما فيه غرض مخالف ضمن لأنه متعد لشرط كريه فضمن ما تلف به كما لو شرط عليه ألا يحمل إلا قفيزاً فحمل قفيزين، وحكم الإجارة
الفاسدة حكم الصحيحة في أنه لا يضمن إذا تلفت العين من غير تفريط ولا تعد لأنه عقد لا يقتضي(6/129)
الضمان صحيحه فلا يقتضيه فاسده كالوكالة وحكم كل عقد فاسد في وجوب الضمان وعدمه حكم صحيحه فما وجب الضمان في صحيحه وجب في فاسده ومالا فلا * (مسألة) * (إذا ضرب المستأجر الدابة بقدر العادة أو كبحها أو الرائض الدابة لم يضمن) وجملة ذلك أن للمستأجر ضرب الدابة بما جرت به العادة ويكبحها باللجام للاستصلاح ويحثها على السير ليلحق القافلة فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم نخس بعير جار وضربه وكان ابو بكر رضي الله عنه يحرش بعيره بمحجنه، وللرائض ضرب الدابة للتأدب وترتيب المشي والعد واليسير * (مسألة) * (وكذلك المعلم إذا ضرب الصبي للتأديب) قال الأثرم سئل أحمد عن ضرب المعلم الصبيان قال على قدر ذنوبهم ويتوقى بجهده الضرب، وإذا كان صغيراً لا يعقل فلا يضربه ومتى ضرب من هؤلاء كلهم الضرب المأذون فيه لم يضمن ما تلف في الدابة وبهذا قال مالك والشافعي واسحاق وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد، وقال الثوري وأبو حنيفة يضمن لأنه تلف بجنايته فضمن كغير المستأجر، وكذلك قال الشافعي في المعلم يضرب الصبي لأنه يمكنه تأديبه بغير الضرب ولنا أنه تلف من فعل مستحق فلم يضمن كما لو تلف تحت الحمل ولأن الضرب معنى تضمنه الإجارة فإذا تلف منه لم يضمن كالركوب وفارق غير المستأجر لأنه متعد، وقول الشافعي يمكن التأديب بغير(6/130)
الضرب لا يصح فإن العادة خلافه ولو أمكن التأديب بغير الضرب لما جاز الضرب إذ فيه إيلام لا حاجة إليه فإن أسرف في هذا كله أو زاد على ما يحصل الغنى به أو ضرب من لا عقل له من الصبيان فعليه الضمان لأنه متعد حصل التلف بعدوانه، وحكم ضرب الرجل امرأته في النشوز على ما ذكرنا قياسا على الصبي * (مسألة) * (وإن قال أذنت لي في تفصيله قباء قال بل قميصا فالقول قول الخياط نص عليه) إذا اختلف المؤجر والمستأجر فقال أذنت لي في قطعه قميص امرأة قال أذنت لك في قطعه
قميص رجل أو قال أذنت لي في قطعه قميصا قال بل قباء أو قال الصباغ أمرتني بصبغه أحمر قال بل أسود فالقول قول الخياط والصباغ نص عليه أحمد في رواية ابن منصور وهذا قول ابن أبي ليلى وقال مالك وابو حنيفة وابو ثور القول قول صاحب الثوب واختلف أصحاب الشافعي فمنهم من قال له قولان كالمذهبين ومنهم من قال له قول ثالث إنهما يتحالفان كالمتبايعين يختلفان في الثمن ومنهم من قال الصحيح أن القول قول رب الثوب لأنهما اختلفا في صفة إذنه والقول قوله في أصل الإذن فكذلك في صفته ولأن الأصل عدم الإذن المختلف فيه فالقول قول من ينفيه ولنا أنهما اتفقا على الإذن واختلفا في صفته فكان القول قول المأذون له كالمضارب إذا قال: أذنت لي في البيع نساء فأنكره ولأنهما اتفقا على ملك الخياط القطع والصباغ الصبغ والظاهر أنه فعل ما ملكه واختلفا في لزوم الغرم له والأصل عدمه فعلى هذا يحلف الخياط والصباغ: لقد أذنت لي(6/131)
في قطعه قباء وصبغه أحمر، ويسقط عنه الغرم ويستحق أجر المثل لأنه ثبت وجود فعله المأذون فيه بعوض ولا يستحق المسمى لأن المسمى ثبت بقوله ودعواه فلا يجب بيمينه، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه " أخرجه مسلم فأما المسمى في العقد فإنما يعترف رب الثوب بتسميته أجرا لقطعه قميصا أو صبغه أسود، وأما من قال القول قول رب الثوب فإنه يحلف بالله ما أذنت في قطعه قباء ولا صبغه أحمر ويسقط عنه المسمى ولا يجب للخياط والصباغ أجر لأنهما فعلا غير ما أذن لهما فيه، وذكر ابن أبي موسى رواية أخرى عن أحمد أن صاحب الثوب إذا لم يكن ممن يلبس الأقبية والسواد فالقول قوله وعلى الصانع غرم ما نقص بالقطع وضمان ما أفسد ولا أجر له لأن قرينة حال رب الثوب تدل على صدقه فترجح دعواه بها كما لو اختلف الزوجان في متاع البيت رجحنا دعوى كل واحد منهما فيما يصلح له ولو اختلف صانعان في الآلة التي في دكانهما رجحنا قول كل واحد منهما في آلة صناعته فعلى هذا يحلف رب الثوب ما أذنت لك في قطعه قباء ويكفي هذا لأنه ينتفي به الإذن فيصير قاطعا لغير ما أذن فيه فإذا كان القباء مخيطا بخيوط لمالكه لم يملك الخياط فتقه وكان لمالكه أخذه مخيطا بلا عوض لأنه عمل في ملك
غيره عملا مجرداً عن عين مملوكة له فلم يكن له إزالته كما لو نقل ملك غيره من موضع إلى موضع لم يكن له رده إذا رضي صاحبه بتركه فيه وإن كانت الخيوط للخياط فله نزعها لأنها عين ماله ولا يلزمه(6/132)
أخذ قيمتها لأنها ملكه ولا يتلف بأخذها ماله حرمة فإن اتفقا على تعويضه عنها جاز لأن الحق لهما وإن قال رب الثوب أنا أشد في كل خيط خيطا حتى إذا سلمه عاد خيط رب الثوب في مكانه لم يلزم الخياط الإجابة إلى ذلك لأنه انتفاع بملكه وحكم الصباغ في قلع الصبغ إن اختاره وفي غير ذلك من أحكامه حكم صبغ الصباغ على ما يأتي في بابه قال شيخنا " والذي يقوى عندي أن القول قول رب الثوب لما ذكرنا في دليلهم وما قاسوا عليه فيما إذا قال المضارب أذنت لي في البيع نساء فأنكر رب المال أن القول قول المشارب ممنوع (فصل) إذا دفع إلى خياط ثوبا فقال: إن كان يقطع قميصا فاقطعه، فقال: هو يقطع وقطعه، فلم يكف ضمنه، أو قال انظر هذا يكفيني قميصا؟ قال نعم، قال اقطعه فقطعه فلم يكفه، لم يضمن وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي، وقال أبو ثور لا ضمان عليه في المسئلتين لأنه لو كان غره في الأولى لكان قد غره في الثانية.
ولنا أنه إنما أذن له في الأولى بشرط كفايته فقطعه بدون شرطه، وفي الثانية أذن له من غير شرط فافترقا ولم يجب عليه الضمان في الأولى لتغريره بل لعدم الإذن في قطعه لأن إذنه مقيد بشرط كفايته فلا يكون إذناً في غير ما وجد فيه الشرط بخلاف الثانية.
(فصل) فإن أمره أن يقطع الثوب قميص رجل فقطعه قميص امرأة فعليه غرم ما بين قيمته صحيحا(6/133)
ومقطوعا لأن هذا قطع غير مأذون فيه فأشبه ما لو قطعه من غير إذن وقيل يغرم ما بين قميص رجل وقميص امرأة لأنه مأذون في قميص في الجملة والأول أصح لأن المأذون فيه قميص موصوف بصفة فإذا قطع قميصا غيره لم يكن فاعلا لما أذن فيه فكان متعديا بابتداء القطع ولذلك لا يستحق على القطع أجراً ولو فعل ما أمر به لاستحق أجره
(فصل) إذا دفع إلى حائك غزلا فقال انسجه لي عشرة أذرع في عرض ذراع فنسجه زائداً على ما قدر له في الطول والعرض فلا أجر له في الزيادة لأنه غير مأمور بها وعليه ضمان ما نقص الغزل المنسوج فيها فأما ما عدا الزائد فينظر فيه فإن كان جاءه زائدا في الطول وحده ولم ينقص الأصل بالزيادة فله ما سمى له من الأجر كما لو استأجره أن يضرب له مائة لبنة فضرب له مائتين وإن جاء به زائداً في العرض وحده أو فيهما ففيه وجهان (أحدهما) لا أجر له لأنه مخالف لأمر المستأجر فلم يستحق شيئاً كما لو استأجره على بناء حائط عرض ذراع فبناه عرض ذراعين (والثاني) له المسمى لأنه زاد على ما أمره به فأشبه زيادة الطول ومن قال بالوجه الأول فرق بين الطول والعرض بأنه يمكن قطع الزائد في الطول ويبقى الثوب على ما أراد ولا يمكن ذلك في العرض فأما إن جاء به ناقصاً في الطول والعرض أو في أحدهما ففيه أيضاً وجهان (أحدهما) لا أجر له وعليه ضمان نقص الغزل لأنه مخالف لما أمر به فأشبه ما لو استأجره على بناء حائط عرض ذراع فبناه عرض نصف ذراع (والثاني) له بحصته(6/134)
من المسمى كمن استؤجر على ضرب لبن فضرب بعضه ويحتمل أنه إن جاء به ناقصاً في العرض فلا شئ له وإن كان ناقصاً في الطول فله بحصته من المسمى لما ذكرنا من الفرق بين الطول والعرض وإن جاء به زائداً في أحدهما ناقصاً في الآخر فلا أجر له في الزائد وهو في الناقص على ما ذكرنا من التفصيل فيه.
وقال محمد بن الحسن في الموضعين يتخير صاحب الثوب بين دفع الثوب إلى النساج ومطالبته بثمن غزله وبين أن يأخذه ويدفع إليه المسمى في الزائد وبحصة المنسوج في الناقص لأن غرضه لم يسلم له لأنه ينتفع بالطويل ما لا ينتفع بالقصير وينتفع بالقصير ما لا ينتفع بالطويل فكأنه أتلف عليه غزله ولنا أنه وجد عين ماله فلم يكن له مطالبته بعوض كما لو جاء به زائدا في الطول وحده فأما إن أثرت الزيادة أو النقص في الأصل مثل أن يأمره بنسج عشرة أذرع ليكون الثوب صفيقا فنسجه خمسة عشر فصار خفيفا أو بالعكس فلا أجر له بحال وعليه ضمان نسج الغرل لأنه لم يأت بشئ مما أمر به (فصل) إذا اختلف المتكاريان في قدر الأجر فقال أجرتنيها سنة بدينار قال بل بدينارين تخالفا
ويبدأ بيمين الآجر نص عليه أحمد وهو قول الشافعي لأن الإجارة نوع من البيع فإذا تحالفا قبل مضي شئ من المدة فسخا العقد ورجع كل واحد منهما في ماله وإن رضي أحدهما بما حلف عليه الآخر أقر العقد وإن فسخا العقد بعد المدة أو شئ منها سقط المسمى ووجب أجر المثل كما لو اختلفا في المبيع(6/135)
بعد تلفه وهذا قول الشافعي وبه قال أبو حنيفة إن لم يكن عمل العمل وإن كان عمله فالقول قول المستأجر فيما بينا وبين أجر مثله، وقال أبو ثور القول قول المستأجر لأنه منكر للزيادة في الاحر والقول قول المنكر ولنا أن الإجارة نوع من البيع فيتحالفان عند اختلافهما في عرضها كالبيع وكما قبل أن يعمل العمل عند أبي حنيفة، وقال ابن أبي موسى القول قول المالك لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا اختلفا المتبايعان فالقول ما قال البائع " وهذا يحتمل أن يتناول ما إذا اختلفا في المدة وأما إذا اختلفا في العوض فالصحيح أنهما يتحالفان لما ذكرناه (فصل) فإن اختلفا في المدة فقال أجرتكها سنة بدينار فقال بل سنتين بدينارين فالقول قول المالك لأنه منكر للزيادة فكان القول قوله فيما أنكره كما لو قال بعتك هذا العبد بمائة فقال بل هذين العبدين بمائتين، وإن قال أجرتكها سنة بدينار فقال بل سنتين بدينار فههنا قد اختلفا في قدر العوض والمدة فيتحالفان لأنه لم يوجد الاتفاق منهما على مدة بعوض فصار كما لو اختلفا في العوض مع اتفاق المدة وإن قال المالك أجرتكها سنة بدينار فقال الساكن بل استأجرتني على حفظها بدينار، فقال أحمد القول قول رب الدار إلا أن تكون للساكن بينة وذلك لأن سكنى الدار قد وجد من الساكن واستيفاء منفعتها وهي ملك صاحبها والقول قوله في ملكه والأصل عدم استئجاره للساكن في الحفظ فكان القول قول من ينفيه ويجب على الساكن أجر المثل(6/136)
(فصل) فإن اختلفا في التعدي في العين المستأجرة فالقول قول المستأجر لأنه أمين فأشبه المودع ولأن الأصل عدم العدوان والبراءة من الضمان وإن ادعى أن العبد أبق من يده وأن الدابة شردت
أو نفقت وأنكر المؤجر فالقول قول المستأجر لما ذكرنا ولا أجر عليه إذا حلف أنه ما انتفع بها لأن الأصل عدم الانتفاع وعنه القول قول المؤجر لأن الأصل السلامة فأما إن ادعى أن العبد مرض في يده فإن جاء به صحيحاً فالقول قول المالك سواء وافقه العبد أو خالفه نص عليه أحمد وإن جاء به مريضاً فالقول قول المستأجر وهذا قول أبي حنيفة لأنه إذا جاء به صحيحا فقد ادعى ما يخالف الأصل وليس معه دليل عليه وإن جاء به مريضا فقد وجد ما يخالف الأصل يقينا فكان القول قوله في مدة المرض لأنه أعلم بذلك لكونه في يده وكذلك لو ادعى إباقه في حال إباقه ونقل إسحاق بن منصور عن أحمد أنه يقبل قوله في إباق العبد دون مرضه، وبه قال الثوري واسحاق قال أبو بكر وبالأول أقول لأنهما سواء في تفويت منفعته فكانا سواء في دعوى ذلك وإن هلكت العين فاختلفا في وقت هلاكها أو أبق العبد أو مرض واختلفا في وقت ذلك فالقول قول المستأجر لأن الأصل عدم العمل ولأن ذلك حصل في يده وهو أعلم به * (فصل) * قال المصنف رحمه الله (وتجب الأجرة بنفس العقد إلا أن يتفقا على تأخيرها) متى أطلق العقد في الإجارة ملك المؤجر الأجرة بنفس العقد كما يملك البائع الثمن بالبيع(6/137)
وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يملكها ولا يستحق المطالبة بها إلا يوماً بيوم إلا أن يشترط تعجيلها قال أبو حنيفة إلا أن تكون معينة كالثوب والدار والعبد لأن الله تعالى قال (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) أمر بإيتائهن بعد الرضاع وقال النبي صلى الله عليه وسلم " يقول الله عزوجل ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يوفه أجره " فتوعده على الامتناع من دفع الأجر بعد العمل دل على أنها حالة الوجوب وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال " أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه " رواه ابن ماجه ولأنه عوض لم يملك معوضه فلم يجب تسليمه كالعوض في العقد الفاسد فإن المنافع معدومة لم تلك ولو ملكت فلم يتسلمها لأنه يتسلمها شيئا فشيئا فلا يجب عليه العوض مع تعذر التسليم في العقد ولنا أنه عوض أطلق ذكره في عقد معاوضة فيستحق بمطلق العقد كالثمن والصداق أو نقول عوض
في عقد يتعجل بالشرط فوجب أن يتعجل بمطلق العقد كالذي ذكرنا فأما الآية فيحتمل أنه أراد الإيتاء عند الشروع في الإرضاع أو تسليم نفسها كقوله تعالى (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله) أي إذا أردت القراءة ولأن هذا تمثيل بدليل الخطاب ولا يقولون به وكذلك الحديث يحققه أن الأمر بالإيتاء في وقت لا يمنع وجوبه قبله كقوله تعالى (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) والصداق يجب قبل الاستمتاع وهذا هو الجواب عن الحديث ويدل عليه أنه إنما توعد على ترك الإيفاء بعد الفراغ من العمل وقد(6/138)
قلتم يجب الأجر شيئاً فشيئاً ويحتمل أنه توعده على ترك الوفاء في الوقت الذي تتوجه المطالبة فيه عادة جواب آخر أن الآية والأخبار إنما وردت فيمن استؤجر على عمل فأما إن وقعت الإجارة فيه على مدة فلا تعرض لها به * (مسألة) * (ولا يجب تسليم أجرة العمل في الذمة حتى يتسلمه) إذا استؤجر على عمل فإن الأجر يملك بالعقد أيضاً لكن لا يستحق تسليمه إلا عند تسليم العمل وقال ابن أبي موسى من استؤجر لعمل معلوم استحق الأجر عند إيفاء العمل، وإن استؤجر كل يوم بأجر معلوم فله أجر كل يوم عند تمامه، وقال أبو الخطاب الأجر يملك بالعقد ويستحق التسليم ويستقر بمضي المدة وإنما توقف استحقاق تسليمه على العمل لأنه عوض فلا يستحق تسليمه إلا مع تسليم المعوض كالصداق والثمن في البيع وفارق الإجارة على الأعيان لأن تسليمها أجري مجرى تسليم نفعها ومتى كانت على منفعة في الذمة لم يحصل تسليم المنفعة ولا ما يقوم مقامها فتوقف استحقاق تسليم الأجر على تسليم العمل وقولهم لم يملك المنافع قد سبق الجواب عنه فإن قيل فإن المؤجر إذا قبض الأجر انتفع به كله بخلاف المستأجر فإنه لا يحصل له استيفاء المنفعة كلها قلنا لا يمنع هذا كما لو شرط التعجيل وكانت الأجرة عينا فأما إن شرط التأجيل في الأجر فهو على ما شرط وإن شرط منجما يوماً يوماً أو شهراً شهراً فهو على ما شرطاه لأن إجارة العين كبيعها وبيعها يصح بثمن حال ومؤجل كذلك إجارتها، وفيه وجه آخر أن الإجارة على المنفعة في الذمة لا يجوز تأجيل عوضها كالسلم(6/139)
(فصل) إذا استوفى المستأجر المنافع استقر الأجر لأنه قبض المعقود عليه فاستقر عليه البدل
كما لو قبض المبيع وإن تسلم العين المستأجرة ومضت المدة لا مانع له من الانتفاع استقرت الأجرة أيضاً وإن لم ينتفع لأن المعقود عليه تلف تحت يده وهي حقه فاستقر عليه بدلها كثمن المبيع إذا تلف في يد البائع فإن كانت الإجارة على عمل فسلم المعقود عليه ومضت مدة يمكن استيفاء المنفعة فيها مثل أن يكتري دابة ليركبها إلى حمص فقبضها ومضت مدة يمكن ركوبها فيها فقال أصحابنا يستقر عليه الأجر وهو مذهب الشافعي لأن المنافع تلفت تحت يده باختياره فاستقر الضمان عليه كما لو تلفت العين في يد المشتري وكما لو كانت الإجارة على مدة فمضت وقال أبو حنيفة لا يستقر الأجر عليه حتى يستوفي المنفعة لأنه عقد على المنفعة غير مؤقتة بزمن فلم يستقر بدلها قبل استيفائها كالأجر في الأجير المشترك وإن بذل تسليم العين فلم يأخذها المستأجر حتى انقضت المدة استقر الأجر عليه لأن المنافع تلفت باختياره في مدة الإجارة فاستقر عليه الأجر كما لو كانت في يده وإن بذل تسليم العين وكانت الإجارة على عمل فقال أصحابنا إذا مضت مدة يمكن الاستيفاء فيها استقر عليه الأجر وبهذا قال الشافعي لأن المنافع تلفت باختياره وقال أبو حنيفة لا أجر عليه قال شيخنا وهو الصحيح عندي لأنه عقد على ما في الذمة فلم يستقر عوضه ببذل التسليم كالمسلم فيه ولأنه عقد على منفعة غير مؤقتة بزمن فلم يستقر عوضها بالبذل كالصداق إذا بذلت تسليم نفسها وامتنع الزوج من أخذها(6/140)
* (مسألة) * (وإذا انقضت الإجارة وفي الأرض غراس أو بناء لم يشترط قلعه عند انقضاء الأجل فللمالك أخذه بالقيمة وتركه بالأجرة أو قلعه وضمان نقصه وإن اشترط القلع لزمه ذلك ولا يلزمه تسويق الأرض إلا بشرط) إذا استأجر أرضا للغراس أو للبناء سنة صح لأنه يمكنه تسليم منفعتها المباحة المقصودة فأشبهت سائر المنافع وسواء شرط قلع الغراس والبناء عند انقضاء المدة أو أطلق وله أن يغرس قبل انقضاء المدة فإذا انقضت لم يكن له أن يغرس ولا أن يبني لزوال عقده فإذا انقضت السنة وكان قد شرط القطع عند انقضائها لزمه ذلك وفاء بموجب شرطه وليس على صاحب الأرض غرامة نقصه ولا على المستأجر تسوية الحفر وإصلاح الأرض لأنهما دخلا على هذا لرضاهما بالقلع واشتراطهما
عليه وإن اتفقا على إبقائه بأجرة أو غيرها جاز إذا شرطا مدة معلومة وكذلك لو اكترى الأرض سنة بعد سنة كلما انقضى عقد جدد آخر، وإن أطلق العقد فللمكتري القلع لأنه ملكه فله أخذه كطعامه في الدار التي باعها وإذا قلع فعليه تسوية الحفر لأنه نقص دخل على ملك غيره بغير إذنه وهكذا إن قلعه قبل انقضاء المدة هاهنا وفي التي قبلها لأن القلع قبل الوقت لم يأذن فيه المالك ولأنه تصرف في(6/141)
الأرض تصرفا نقصها لم يقتضه عقد الإجارة وإن أبى القلع لم يجبر عليه إلا أن يضمن له المالك النقص فيخير حينئذ وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك عليه القلع من غير ضمان النقص له لأن تقدير المدة في الإجارة يقتضي التفريغ عند انقضائها كما لو استأجرها للزرع ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس لعرق ظالم حق " مفهومه أن غير الظالم له حق وهذا غير ظالم ولأنه غرس بإذن المالك ولم يشرط قلعه فلم يجبر على القلع من غير ضمان النقص كما لو استعار منه أرضا للغرس مدة فرجع قبل انقضائها ويخالف الزرع فإنه لا يقتضي التأبيد فإن قيل فإن كان إطلاق العقد في الغراس يقتضي التأبيد فشرط القلع ينافي مقتضى العقد فينبغي أن يفسده قلنا إنما اقتضى التأبيد من حيث إن العادة في الغراس التبقية فإذا أطلقه حمل على العادة وإذا شرط خلافه جاز كما إذا باع بغير نقد البلد أو شرط في الإجارة سيراً يخالف العادة إذا ثبت هذا فإن رب الأرض يخير بين ثلاثة أشياء (أحدها) أن يدفع قيمة الغراس والبناء فيملكه مع أرضه لأن الضرر يزول عنهما به أشبه الشفيع في غراس المشتري (الثاني) أن يقلع الغراس والبناء ويضمن أرش نقصه لذلك (الثالث) أن يقر الغراس والبناء ويأخذ منه أجر المثل، وبهذا قال الشافعي لأن الضرر يزول عنهما بذك وقال(6/142)
مالك يتخير بين دفع قيمته فيملكه وبين مطالبته بالقلع من غير ضمان وبين تركه فيكونان شريكين والأول أصح فإن اتفقا على بيع الغرس والبناء للمالك جاز وإن باعهما صاحبهما لغير مالك الارض جاز ومشتريهما يقوم مقام البائع فيهما وقال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين: ليس له بيعهما لغير مالك الأرض لأن ملكه ضعيف بدليل أن لصاحب الأرض تملكه عليه بالقيمة بغير رضاه
ولنا أنه ملك له يجوز بيعه لمالك الأرض فجاز لغيره كالشقص المشفوع وبهذا يبطل ما ذكروه فإن للشفيع تملك الشقص بغير رضى المشتري ويجوز بيعه لغيره (فصل) فإن شرط في العقد تبقية الغراس فذكر القاضي أنه صحيح وحكمه حكم ما لو أطلق العقد سواء وهو قول أصحاب الشافعي، ويحتمل أن يبطل العقد لأنه شرط ما ينافي مقتضى العقد فلم يصح كما لو شرط ذلك في الزرع االذي لا يكمل قبل انقضاء المدة ولأن الشرط باطل بدليل أنه لا يجب الوفاء به وهو مؤثر فأبطله كشرط تبقية الزرع بعد مدة الإجارة * (مسألة) * (وإن كان فيها زرع بقاؤه بتفريط المستأجر فللمالك أخذه بالقيمة وتركه بالأجرة وإن كان بغير تفريط لزم تركه بالأجرة)(6/143)
إذا استأجر أرضا للزراعة مدة فانقضت وفيها زرع لم يبلغ حصاده لم يخل من حالين (أحدهما) أن يكون لتفريط المستأجر مثل أن يزرع زرعاً لم تجر العادة بكماله قبل انقضاء المدة فحكمه حكم زرع الغاصب، يخير المالك بين أخذه بالقيمة أو تركه بالأجرة لما زاد على المدة لأنه أبقى زرعه في أرض غيره بعدوانه وإن اختار المستأجر قطع زرعه في الحال وتفريغ الأرض فله ذلك لأنه يزيل الضرر ويسلم الأرض على الوجه الذي اقتضاه العقد، وذكر القاضي أن على المستأجر نقل الزرع وتفريغ الأرض وإن اتفقا على تركه بعوض أو غيره جاز وهذا مذهب الشافعي بناء على قوله في الغاصب وقياس المذهب ما ذكرناه (الحال الثاني) أن يكون بقاؤه بغير تفريطه مثل أن يزرع زرعاً ينتهي في المدة عادة فأبطأ لبرد أو غيره فيلزم المؤجر تركه بالأجرة إلى أن ينتهي وله المسمى وأجر المثل لما زاد وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي (والوجه الثاني) يلزمه نقله لأن المدة ضربت لنقل الزرع فلزم العمل بموجبه وقد وجه منه تفريط لأنه كان يمكنه أن يستظهر في المدة فلم يفعل ولنا أن الزرع حصل في أرض غيره بإذنه من غير تفريط فله تركه كما لو أعاره أرضاً فزرعها ثم رجع المالك قبل كمال الزرع وقولهم إنه مفرط لا يصح لأن هذه المدة التي جرت العادة بكمال الزرع فيها(6/144)
وفي زيادة المدة تفويت زيادة الأجر بغير فائدة وتضييع زيادة متيقنة لتحصيل شئ متوهم على خلاف العادة هو التفريط فلم يكن تركه تفريطا ومتى أراد المستأجر زرع شئ لا يدرك مثله في مدة الإجارة فللمالك منعه لأنه سبب لوجود زرعه في أرضه بغير حق، فإن زرع لم يملك مطالبته بقلعه قبل المدة لأنه في أرض يملك نفعها ولأنه لا يملك ذلك بعد المدة فقبلها أولى، ومن أوجب عليه قطعه بعد المدة قال إذا لم يكن بد من المطالبة بالنقل فليكن عند المدة التي يستحق تسليمها إلى المؤجر فارغة (فصل) إذا اكترى الأرض لزرع مدة لا يكمل فيها مثل أن اكترى خمسة أشهر لزرع لا يكمل إلا في ستة نظرنا فإن شرط تفريغها عند انقضاء المدة ونقله عنها صح لأنه لا يفضي إلى الزيادة على مدته وقد يكون له غرض في ذلك لأخذه إياه قصيلا أو غيره ويلزمه ما التزم، وإن أطلق العقد ولم يشرط شيئاً احتمل أن يصح لأن الانتفاع في هذه المدة ممكن واحتمل أنه امكن أن ينتفع بالأرض في زرع ضرره كضرر الزرع المشروط ودونه مثل أن يزرعها شعيراً يأخذه قصيلا صح لأن الانتفاع بها في بعض ما اقتضاه العقد ممكن وإن لم يكن كذلك لم يصح لأنه اكترى للزرع مالا ينتفع بالزرع فيه فأشبه إجارة السبخة له، فإن قلنا يصح فإذا انقضت المدة ففيه وجهان: أحدهما حكمه حكم زرع المستأجر لما لا تكمل مدته لأنه ههنا مفرط واحتمل أن يلزم المكري تركه لأن التفريط منه حيث أكراه مدة لزرع لا يكمل فيها، وإن شرط تبقيته حتى يكمل فالعقد فاسد لأنه جمع بين متضادين فإن تقدير المدة(6/145)
يقتضي النقل فيها وشرط التبقية يخالفه ولأن مدة التبقية مجهولة فإن زرع لم يطالب بنقله كالتي تقدمت * (مسألة) * (وإذا تسلم العين بالإجارة الفاسدة فعليه أجرة المثل سكن أو لم يسكن) إذا قبض العين في الإجارة الفاسدة ومضت المدة أو مدة يمكن استيفاء المنفعة فيها أو لا يمكن ففيه روايتان: إحداهما عليه أجرة المثل لمدة بقائها في يده وهذا مذهب الشافعي لأن المنافع تلفت تحت يده بعوض لم يسلم له فرجع إلى قيمتها كما لو استوفاها (والثانية) لا شئ له وهو قول أبي حنيفة لأنه عقد فاسد على منافع لم يستوفها فم يلزمه عوضه كالنكاح الفاسد.
فأما إن بذل له التسليم في الإجارة الفاسدة
فلم يتسلمها فلا أجر عليه لأن المنافع لم تتلف تحت يده ولا في ملكه، وإن استوفى المنفعة في العقد الفاسد فعليه أحر المثل وبه قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة يجب أقل الأمرين من المسمى أو أجر المثل بناء منه على أن المنافع لا تضمن إلا بالعقد.
ولنا أن ما ضمن بالمسمى في العقد الصحيح وجب ضمانه بجميع القيمة في الفاسد كالأعيان وما ذكروه غير مسلم * (مسألة) * (إذا اكترى بدراهم وأعطاه عنها دنانير ثم انفسخ العقد رجع المستأجر بالدراهم) لأن العقد إذا انفسخ رجع كل واحد من المتعاقدين في العوض الذي بذله وعوض العقد هو الدراهم فكان الرجوع بها والدنانير إنما أخذها المؤجر بعقد آخر سوى الإجارة ولم ينفسخ فأشبه ما إذا قبض الدراهم ثم صرفها بالدنانير.(6/146)
باب إحياء الموات وهي الارض الداثرة التي لا يعلم أنها ملكت والموات الأرض الدارسة تسمى ميتة ومواتاً وموتانا بفتح الميم والواو والموتان بضم الميم وسكون الواو الموت الذريع ورحل موتان القلب بفتح الميم وسكون الواو يعني عمي القلب لا يفهم والأصل في إحياء الموات ما روى جابر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من أحيا أرضاً ميتة فهي له " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وروى سعيد ابن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أحيا أرضاً ميتة فهي له " قال الترمذي هذا حديث حسن وروي مالك في موطئه وأبو داود في سننه عن عائشة مثله قال ابن عبد البر وهو مسند صحيح متلقى بالقبول عند ففهاء المدينة وغيرهم وروى أبو عبيد في الأموال عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أحيا أرضاً ليست لأحد فهو أحق بها " قال عروة وقضى بذلك عمر بن الخطاب في خلافته وعامة فقهاء الأمصار على أن الموات يملك بالأحياء وإن اختلفوا في شروطه * (مسألة) * (فإن كان فيها آثار الملك ولا يعلم لها مالك ففيه روايتان) وجملة ذلك أن الموات قسمان (أحدهما) ما لم يجر عليه ملك لأحد ولم يوجد فيه أثر عمارة فهذا يملك بالإحياء بغير خلاف بين القائلين بالإحياء لأن الأخبار المروية متناولة له (القسم الثاني) ما جرى(6/147)
عليه ملك وهو ثلاثة أنواع (أحدهما) ماله مالك معين وهو ضربان (احدهما) ما ملك بشراء أو عطية فهذا لا يملك بالأحياء بغير خلاف قال ابن عبد البر أجمع العلماء أن ما عرف بملك مالك غير منقطع أنه لا يجوز إحياؤه لأحد غير أربابه (الثاني) ما ملك بالإحياء ثم ترك حتى دثر وعاد مواتا فهو كالذي قبله سواء وقال مالك تملك لعموم قوله " من أحيا أرضاً ميتة فهي له " ولأن أصل هذه الأرض مباح فإذا تركت حتى تصير مواتا عادت إلى الإباحة كمن أخذ ماء من نهر ثم رده فيه ولنا أن هذه أرض يعرف مالكها فلم تملك بالأحياء كالتي ملكت بشراء أو عطية والخبر مقيد بغير المملوك بقوله في الرواية الأخرى " من أحيا أرضاً ميتة ليست لأحد " وقوله " من غير حق مسلم " وهذا يوجب تقييد مطلق حديثه وقال هشام بن عروة في تفسير قوله عليه السلام " ليس لعرق ظالم حق " الظالم أن يأتي الرجل الأرض الميتة لغيره فيغرس فيها رواه سعيد بن منصور وفي سننه ثم الحديث مخصوص بما ملك بشراء أو عطية فقيس عليه محل النزاع ولأن سائر الأموال لا يزول الملك عنها بالترك بدليل سائر الأملاك إذا تركت حتى تشعثت وما ذكروه يبطل بالموات إذا أحياه إنسان ثم باعه فتركه المشتري حتى عاد مواتا وباللقطة إذا ملكها ثم ضاعت منه ويخالف ماء النهر فإنه استهلك (النوع الثاني) ما يوجد فيه آثار ملك قديم جاهلي كآثار الروم ومساكن ثمود ونحوهم فهذا يملك بالأحياء في أظهر الروايتين لما ذكرنا من الأحاديث ولأن ذلك الملك لا حرمة له لما روى طاوس عن(6/148)
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " عادي الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم بعد " رواه سعيد في سننه وأبو عبيد في الأموال وقال عادي الأرض التي كان بها ساكن في آباد الدهر فاقرضوا فلم يبق منهم أنيس وإنما نسبها إلى عاد لأنهم كانوا مع تقدمهم ذوي قوة وبطش وآثار كثيرة فينسب كل أثر قديم إليهم والرواية الثانية لا تملك لأنها إما لمسلم أو ذمي أو بيت المال أشبه ما لو تعين مالكه قال شيخنا ويحتمل أن كل ما فيه أثر الملك ولم يعلم زواله قبل الإسلام أنه لا يملك لأنه يحتمل أن المسلمين أخذوه عامراً فاستحقوه فصار موقوفا بوقف عمر له فلم يملك كما لو علم مالكه (النوع الثالث) ما جرى عليه الملك في الإسلام
لمسلم أو ذمي غير معين فظاهر كلام الخرقي أنه لا يملك بالإحياء وهو إحدى الروايتين عن أحمد نقلها عنه أبو داود وأبو الحرث لما روى كثير بن عبد الله بن عوف عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من أحيا أرضاً مواتا في غير حق مسلم فهي له " فقيده بكونه في غير حق مسلم ولأن هذه الأرض لها مالك فلم يجز إحياؤها كما لو كان معينا فإن مالكها إن كان له ورثة فهي لهم وإن لم يكن له ورثة ورثه المسلمون (والثانية) أنها تملك بالإحياء نقلها صالح وغيره وهي مذهب أبي حنيفة ومالك لعموم الأخبار ولأنها أرض موات لا حق فيها لقوم بأعيانهم أشبهت ما لم يجر عليه ملك مالك ولأنها إن كانت في دار الإسلام فهي كلقطة دار الإسلام وإن كانت في دار الكفر فهي كالركاز * (مسألة) * (ومن أحيا أرضاً ميتة فهي له للأخبار التي رويناها مسلما كان أو كافراً في دار الإسلام وغيرها)(6/149)
لعموم الأخبار ولأن عامر دار الحرب إنما يملك بالقهر والغلبة كسائر أموالهم فأما ما عرف أنه كان مملوكاً في دار الحرب ولم يعلم له مالك معين فهو على الروايتين فإن قيل هذا ملك كافر غير محترم فأشبه ديار عاد وقد دل عليه قوله عليه السلام " عادي الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم بعد " ولأن الركاز من أموالهم ويملكه واجده فهذا أولى قلنا قوله " عادي الأرض " يعني ما تقدم ملكه ومضت عليه الأزمان وما كان كذلك فلا حكم لمالكه فأما ما قرب ملكه فيحتمل أن له مالكا باقيا وإن لم يتعين فلهذا قلنا لا يملك على إحدى الروايتين وأما الركاز فإنه ينقل ويحول وهذا يخالف الأرض بدليل أن لقطة دار الإسلام تملك بعد التعريف بخلاف الأرض (فصل) ولا فرق بين المسلم والذمي في الإحياء نص عليه أحمد وبه قال أبو حنيفة وقال مالك لا يملك الذمي بالإحياء في دار الإسلام قال القاضي وهذا مذهب جماعة من أصحابنا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " موتان الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم مني " فجمع المرتان ثم جعله للمسلمين ولأن موتان الأرض من حقوقها والدار للمسلمين فكان مواتها لهم كمرافق المملوك ولنا عموم قوله عليه السلام " من أحيا أرضاً ميتة فهي له " ولأن هذه جهة من جهات التمليك فاشترك فيها المسلم والذمي كسائر جهاته وحديثهم لا نعرفه إنما نعرف قوله " عادي الأرض لله ورسوله ثم هي
لكم بعد ومن أحيا مواتا من الأرض فله رقبتها " هكذا روى سعيد بن منصور وهو مرسل ورواه طاوس(6/150)
عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم لا يمتنع أن يريد بقوله " هي لكم " أي لأهل دار الإسلام والذي من أهل الدار تجري عليه أحكامها وقولهم إنها من حقوق دار الإسلام قلنا هو من أهل الدار فيملكها كما يملكها بالشراء ولأنه يملك مباحاتها من الحشيش والحطب والصيود والركاز والمعدن واللقطة وهي من مرافق دار الإسلام فكذلك الموات * (مسألة) * (ويملكه بإذن الإمام وغير إذنه) وجملة ذلك أن إحياء الموات لا يفتقر إلى إذن الإمام وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة يفتقر إلى إذنه لأن للإمام مدخلا في النظر في ذلك بدليل من تحجر موانا فلم يحيه فإنه يطالبه بالإحياء أو الترك فافتقر إلى إذنه كمال بيت المال ولنا عموم قوله عليه السلام " من أحيا أرضاً ميتة فهي له " ولأن هذه عين مباحة فلا يفتقر تملكها إلى إذن الإمام كأخذ الحشيش والحطب ونظر الإمام في ذلك لا يدل على اعتبار إذنه الا ترى أن من وقف في مشرعة طالبه الإمام أن يأخذ حاجته وينصرف ولم يفتقر ذلك لى إذنه وأما مال بيت المال فهو مملوك للمسلمين وللإمام تعيين مصارفه وترتيبها فافتقر إلى إذنه بخلاف مسئلتا فإن هذا مباح فمن سبق إليه كان أحق الناس به كسائر المباحات * (مسألة) * (إلا ما أحياه مسلم من أرض الكفار التي صولحوا عليها)(6/151)
وجملة ذلك أن جميع البلاد فيما ذكرنا سواء المفتوح عنوة كأرض الشام والعراق وما أسلم أهله عليه كالمدينة، وما صولح أهله على أن الأرض للمسلمين كأرض خيبر إلا الذي صولح أهله على أن الأرض لهم ولنا الخراج عنها فان أصحابنا قالوا لو دخل إليها مسلم فأحيا فيها مواتا لم يملكه لأنهم صولحوا في بلادهم فلا يجوز التعرض لشئ منها عامراً كان أو مواتا لأن الموات تابع للبلد فإذا لم يملك عليهم البلد لم يملك مواته ويفارق دار الحرب حيث يملك مواتها لأن دار الحرب على أصل الإباحة وهذه صالحناهم
على تركها لهم ويحتمل أن يملكها من أحياها لعموم الخبر، ولأنها من مباحات دارهم فجاز أن يملكها من وجد منه سبب تملكها كالحشيش والحطب وقد روي عن أحمد أنه ليس في السواد موات يعني سواد العراق قال القاضي هو محمول على العامر، ويحتمل أن أحمد قال ذلك لكون السواد كان معموراً كله في زمن عمر بن الخطاب حين أخذه المسلمون من الكفار حتى بلغنا أن رجلا سأل أن يعطى خربة فلم يجدوا له خربة فقال أردت أن أعلمكم كيف أخذتموها منا وإذا لم يكن فيها موات حين ملكها المسلمون لم يصر فيها موات بعده لأن ما دثر من أملاك المسلمين لم يصر مواتا على إحدى الروايتين * (مسألة) * (وما قرب من العامر وتعلق بمصالحه لا يملك بالإحياء فإن لم يتعلق بمصالحه فعلى روايتين)(6/152)
كل ما تعلق بمصالح العامر من طرقه ومسيل مائه ومطرح قمامته ولقى ترابه وآلاته لا يجوز إحياؤه بغير خلاف في المذهب وكذلك ما تعلق بمصالح القرية كفنائها ومرعى ماشيتها ومحتطبها وطرقها ومسيل مائها لا يملك بالأحياء لا نعلم فيه أيضاً خلافا بين أهل العلم وكذلك حريم البئر والنهر والعين وكل مملوك لا يجوز إحياء ما تعلق بمصالح لقوله عليه السلام " من أحيا أرضاً ميتة في غير حق مسلم فهي له " مفهومه أن ما تعلق به حق مسلم لا يملك بالإحياء ولأنه تابع للمملوك ولو جوزنا إحياءه لبطل الملك في العامر على أهله، وذكر القاضي أن هذه المرافق لا يملكها المحيي بالإحياء لكن هو أحق بها من غيره لأن الإحياء الذي هو سبب الملك لم يوجد فيها: وقال الشافعي تملك بذلك وهو ظاهر قول الخرقي في حريم البئر لأنه مكان استحقه بالإحياء فملكه كالمحيي، ولأن معنى الملك موجود فيه لأنه يدخل مع الدار في البيع ويختص به صاحبها، فأما ما قرب من العامر ولم يتعلق بمصالحه فيجوز احياؤ في إحدى الروايتين.
قال أحمد في رواية أبي الصقر في رجلين أحييا قطعتين من موات وبقيت بينهما رقعة فجاء رجل ليحييها فليس لهما منعه، وقال في جبانة بين قريتين: من أحياها فهي له وهذا مذهب الشافعي لعموم قوله عليه السلام " من أحيا أرضاً ميتة فهي له " ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث العقيق وهو يعلم أنه من عمارة المدينة، ولأنه موات لم تتعلق به مصلحة العامر فجاز إحياؤه كالبعيد
(والثانية) لا يجوز إحياؤه وبه قال أبو حنيفة والليث لأنه في مظنة تعلق المصلحة به فإنه يحتمل(6/153)
أن يحتاج إلى فتح باب في حائطه إلى فنائه ويجعله طريقا أو يخرب حائطه فيجعل آلات البناء في فنائه وغير ذلك فلم يجز تفويت ذلك عليه بخلاف البعيد.
إذا ثبت هذا فإنما يرجع في القريب والبعيد إلى العرف، وقال الليث حده غلوة وهو خمس خمس الفرسخ، وقال أبو حنيفة حد البعيد هو الذي إذا وقف الرجل في أدناه فصاح بأعلى صوته لم يسمع أدنى أهل المصر إليه (والثاني) أن التحديد لا يعرف إلا بالتوقيف ولا يعرف بالرأي والتحكم ولم يرد من الشرع تحديد له فوجب أن يرجع في ذلك إلى العرف كالقبض والإحراز فقول من حدد بهذا تحكم بغير دليل وليس ذلك بأولى من تحديده بشئ آخر كميل أو نصف ميل وهذا التحديد الذي ذكره والله أعلم يختص بما قرب من المصر أو القرية، ولا يجوز أن يكون حداً لكل ما قرب من عامر لأنه يفضي إلى أن من أحيا أرضاً في موات حرم إحياء شئ من ذلك الموات على غيره ما لم يخرج عن ذلك الحد * (مسألة) * (ولا تملك المعادن الظاهرة كالملح والقار، والكحل والجص، والنفظ بالإحياء وليس للإمام اقطاعه) وجملة ذلك أن المعادن الظاهرة وهي التي يوصل إلى ما فيها من غير مؤنة ينتابها الناس وينتفعون بها كالملح والماء والكبريت والقير والموميا والنفط والكحل والبرام والياقوت ومقاطع الطين وأشباه ذلك لا يملك بالإحياء ولا يجوز اقطاعه لأحد من الناس ولا احتجاره دون المسلمين لأن فيه ضرراً(6/154)
بالمسلمين وتضييقا عليهم، ولما روى أبو عبيد وأبو داود والترمذي بإسنادهم عن أبيض بن حمال أنه استقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الملح الذي بمأرب فلما ولى قيل يا رسول الله أتدري ما أقطعت له إنما أقطعته الماء العد فرجعه منه، قال قلت يارسول الله ما يحمى لي من الأراك؟ قال " ما لم تنله أخفاف الإبل " وهو حديث غريب ورواه سعيد قال حدثني اسماعيل بن عياش عن عمرو بن قيس المأربي عن أبيه عن أبيض بن
حمال المأربي قال: استقطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم معدن الملح بمأرب فاقطعنيه فقيل يا رسول الله أنه بمنزلة الماء العد يعني أنه لا ينقطع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فلا إذن " ولأن هذا يتعلق به مصالح المسلمين العامة فلم يجز إحياؤه ولا اقطاعه كمشارع الماء وطرقات المسلمين.
قال ابن عقيل هذا من مواد الله الكريم وفيض جوده الذي لا غناء عنه، ولو ملكه أحد بالاحتجار ملك منعه فضاق على الناس، فإن أخذ العوض عنه أعلاه فخرج عن الوضع الذي وضعه الله به من تعميم ذوي الحوائج من غير كلفة وهذا مذهب الشافعي ولا أعلم فيه مخالفا (فصل) فأما المعادن الباطنة وهي التي لا يوصل إليها إلا بالعمل والمؤنة كمعادن الذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص والبلور والفيروزج فإن كانت ظاهرة لم تملك أيضا بالإحياء لما ذكرنا في التي قبلها، وإن لم تكن ظاهرة فحفرها إنسان وأظهرها لم يملكها بذلك في ظاهر المذهب وظاهر مذهب(6/155)
الشافعي ويحتمل أن يملكها بذلك وهو قول للشافعي لأنه موات لا ينتفع به إلا بالعمل والمؤنة فملك الإحياء كالأرض ولأنه بإظهاره تهيأ للانتفاع به من غير حاجة إلى تكرار ذلك العمل فأشبه الأرض إذا أحياها بماء أو حاطها ووجه الأول أن الإحياء الذي يملك به هو العمارة التي يتهيأ بها المحيي للانتفاع من غير تكرار عمل وهذا حفر وتخريبه يحتاج إلى تكرار عند كل انتفاع، فإن قيل فلو احتفر بئراً ملكها وملك حريمها قلنا البئر تهيأت للانتفاع بها من غير تجديد حفر ولا عمارة وهذه المعادن تحتاج عند كل انتفاع إلى عمل وعمارة فافترقا، قال أصحابنا وليس للإمام اقطاعها لأنها لا تملك بالإحياء والصحيح جواز ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث معادن القبلية جلسيها وغوريها.
رواه أبو داود وغيره * (مسألة) * (فإن كان بقرب الساحل موضع) إذا حصل فيه الماء صار ملحا ملك بالإحياء وللإمام اقطاعه لا يضيق على المسلمين بإحداثه بل يحدث نفعه بفعله فلم يمنع منه كبقية الموات وإحياء هذا تهيئته لما يصلح له من حفر ترابه وتمهيده وفتح قناة إليه تصب الماء فيه لأنه يتهيأ بهذا للانتفاع به
* (مسألة) * (وإذا ملك المحيي ملك ما فيه من المعادن الباطنة كمعادن الذهب والفضة) إذا ملك الأرض بالإحياء فظهر فيها معدن جامد ملكه ظاهراً كان أو باطنا لأنه ملك الأرض(6/156)
بجميع أجزائها وطبقاتها وهذا منها ويفارق الكنز فإنه مودع فيها وليس من أجزائها ويفارق ما إذا كان ظاهراً قبل احيائها لأنه قطع على المسلمين نفعاً كان واصلا إليهم ومنعهم انتفاعا كان لهم وههنا لم يقطع عنهم شيئا لأنه إنما ظهر بإظهاره، ولو تحجر الأرض أو أقطعها فظهر فيها المعدن قبل إحيائها كان له إحياؤها ويملكها بما فيها لأنه صار أحق بتحجره واقطاعه فلم يمنع من إتمام حقه * (مسألة) * (وإن ظهر فيه عين ماء أو معدن جار أو كلأ أو شجر فهو أحق به لأنه في ملكه) ويملكه في إحدى الروايتين لأنه خارج من أرضه أشبه المعادن الجامدة والزرع (والثانية) لا يملكه وهي أصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الناس شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار " رواه الخلال ولأنها ليست من أجزاء الأرض فلم يملكها بملك الأرض كالكنز * (مسألة) * (ويلزمه بذل ما فضل من مائه لبهائم غيره) لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من منع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ منعه الله فضل رحمته " وهل يلزمه بذله لزرع غيره؟ على روايتين (إحداهما) لا يلزمه لأن الزرع لا حرمة له في نفسه (والثانية) يلزمه لما روي إياس بن عبد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع فضل الماء وعن بهنسة عن أبيها أنه قال يا نبي الله ما الشئ الذي لا يحل منعه؟ قال " الماء " رواه أبو داود (فصل) ولو شرع إنسان في حفر معدن ولم يصل إلى النيل صار أحق به كالمتحجر الشارع في(6/157)
الإحياء فإذا وصل الى النيل صار أحق بالأخذ منه ما دام مقيما على الأخذ منه وهل يملكه بذلك؟ فيه ما قد ذكرنا من قبل فإن حفر آخر من ناحية أخرى لم يكن له منعه وإذا وصل إلى ذلك العرق لم يكن له منعه سواء قلنا إن المعدن يملك بحفره أو لم نقل لأنه إن ملكه فإنما يملك المكان الذي حفره.
وأما العرق الذي في الأرض فلا يملكه بذلك ومن وصل إليه من جهة أخرى فله أخذه، ولو ظهر في ملكه
معدن بحيث يخرج النيل عن أرضه فحفر انسان من خارح أرضه كان له أن يأخذ ما خرج عن أرضه منه لأنه لم يملكه إنما ملك ما هو من أجزاء أرضه وليس لأحد أن يأخذ ما كان داخلا في أرضه من أجزاء الأرض الباطنة كما لا يملك أخذ أجزائها الظاهرة، ولو حفر كافر في دار الحرب معدنا فوصل إلى النيل ثم فتحها المسلمون عنوة لم يصر غنيمة وكان وجود عمله وعدمه واحداً لأن عامره لم يملك بذلك ولو ملكه فإن الارض تصير كلها وقفا للمسلمين وهذا ينصرف إلى مصلحة من مصالحهم فتعين لها كما لو ظهر بفعل الله تعالى (فصل) ومن ملك معدنا فعمل فيه غيره بغير إذنه فما حصله منه فهو لمالكه ولا أجر للغاصب على عمله لأنه عمل في ملك غيره بغير إذنه فهو كما لو حصد زرع غيره، وإن قال مالكه اعمل فيه ولك ما يخرج منه فله ذلك وليس لصاحب المعدن فيه شئ لأنه إباحة من مالكه فملك ما أخذه كما لو أباحه الأخذ من بستانه، وإن قال اعمل فيه على أن ما رزق الله من نيل كان بيننا نصفين فعمل ففيه وجهان(6/158)
(أحدهما) يجوز وما يأخذه يكون بينهما كما لو قال احصد هذا الزرع بنصفه أو ثلثه ولأنها عين تنمى بالعمل عليها فصح العمل فيها ببعضه كالمضاربة في الأثمان (والثاني) لا يصح لأن ما يحصل منه مجهول ولأنه لا يصح أن يكون إجارة لأن العوض مجهول والعمل مجهول ولا جعالة لأن العوض مجهول ولا مضاربة لأن المضاربة إنما تصح بالأثمان على أن يرد رأس المال ويكون له حصة من الربح وليس ذلك ههنا وفارق حصاد الزرع بنصفه أو جزء منه لأن الزرع معلوم بالمشاهدة وما علم جميعه علم جزؤه بخلاف هذا، وإن قال اعمل فيه كذا ولك ما يحصل منه بشرط أن تعطيني ألفاً أو شيئا معلوما لم يصح لأنه بيع لمجهول ولا يصح إن يكون معلوما كالمضاربة لما ذكرنا ولأن المضاربة تكون بجزء من النماء لا دراهم معلومة، قال أحمد إذا أخذ معدنا من قوم على أن يعمره ويعمل فيه ويعطيهم ألفي من أو ألف من صفر فذلك مكروه ولم يرخص فيه (فصل) إذا استأجر رجلا ليحفر له عشرة أذرع في دور كذا بدينار صح لأنها إجارة معلومة وإن ظهر عرق ذهب فقال استأجرتك لتخرجه بدينار لم يصح لأن العمل مجهول، وإن قال إن استخرجته
فلك دينار صح وتكون جعالة لأن الجعالة تصح على عمل مجهول إذا كان العوض معلوما (فصل) وما نضب عنه الماء من الجزائر لم يملك بالإحياء.
قال أحمد في رواية العباس بن موسى إذا نضب الماء عن جزيرة إلى فناء رجل لم يبن فيها لأن فيه ضرراً وهو أن الماء يرجع يعني أنه(6/159)
يرجع إلى ذلك المكان فإذا وجده مبنياً رجع إلى الجانب الآخر فأضر بأهله ولأن الجزائر منبت الكلأ والحطب فجرى مجرى المعادن الظاهرة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا حمى إلا في الاراك " قال أحمد في رواية حرب يروى عن عمر أنه أباح الجزائر يعني أباح ما ينبت في الجزائر من النبات وقال إذا نضب الفرات عن شئ ثم نبت فيه نبات فجاء رجل يمنع الناس منه فليس له ذلك فأما إن غلب الماء على ملك إنسان ثم عاد فنضب عنه فله أخذه ولا يزول ملكه بغلبة الماء عليه فإن كان ما نضب عنه الماء لا ينتفع به أحد فعمره رجل عمارة لا ترد الماء مثل أن يجعله مزرعة فهو أحق به من غيره لأنه متحجر لما ليس للمسلم فيه حق فأشبه التحجر في الموات * (فصل) * قال رحمه الله (وإحياء الأرض أن يحوزها بحائط أو يجري لها) ظاهر كلامه ههنا أن تحويط الأرض إحياء لها سواء أرادها للبناء أو للزرع أو حظيرة للغنم أو الخشب وهو ظاهر كلام الخرقي نص عليه أحمد في رواية علي بن سعيد فقال الإحياء أن يحوط عليها حائطاً أو يحفر فيها بئراً أو نهراً ولا يعتبر في ذلك تسقيف وذلك لما روى الحسن عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من أحاط حائطا على أرض فهي له " رواه أبودواد والإمام أحمد في مسنده وروي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ولأن الحائط حاجر منيع فكان إحياء أشبه ما لو جعلها حظيرة للغنم ويبين هذا أن القصد - لا اعتبار به بدليل ما لو أرادها حظيرة للغنم كما لو جعلها حظيرة للغنم فبناها بجص وآجر وقسمها بيوتاً فإنه يملكها وهذا لا يصنع للغنم مثله ولابد أن يكون الحائط منيعاً يمنع(6/160)
ما وراءه ويكون مما جرت العادة بمثله ويختلف باختلاف البلدان فإن كان ممن جرت عادتهم بالبناء بالحجر وحده كأهل حوران أو بالطين كأهل الغوطة بدمشق أو بالخشب أو القصب كأهل الغور كان ذلك إحياء وإن
بناه بأقوى مما جرت به عادتهم كان أولى، وقال القاضي في صفة الإحياء روايتان (إحداهما) ما ذكرنا (والثانية) الإحياء ما تعارفه الناس إحياء لأن الشرع ورد بتعليق الملك عليه ولم يبينه ولا ذكر كيفيته فيجب الرجوع فيه إلى ما كان إحياء في العرف كما انه لما ورد باعتبار القبض والحرز ولم يبين كيفيته كان المرجع فيه الى العرف ولأن الشارع لو علق الحكم على مسمى باسم لتعلق بمسماه عند أهل اللسان فلذلك يتعلق الحكم بالمسمى إحياء عند أهل العرف ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلق الحكم على ما ليس إلى معرفته طريق فلما لم يبينه تعين العرف طريقاً لمعرفته إذ ليس له طريق سواه إذا ثبت هذا فان الارض تحيا دارا للسكنى وحظيرة ومزرعة، فإحياء كل واحدة من ذلك بما تتهيأ به للانتفاع الذي أريدت له، فأما الدار فبأن يبني حيطانها بما جرت به العادة ويسقفها لأنها لا تصلح للسكنى إلا بذلك، والحظيرة إحياؤها بحائط جرت به العادة لمثلها، وليس من شرطها التسقيف لأن العادة لم تجر به وسواء أرادها حظيرة للماشية أو للخشب أو للحطب أو نحو ذلك فإن جعل عليها خندقا لم يكن إحياء لأنه ليس بحائط ولا عمارة إنما هو حفر تخريب ووكذلك إن حاطها بشوك وشبهه لا يكون(6/161)
إحياء ويكون تحجراً لأن المسافر قد ينزل منزلا ويحوط على رحله بنحو من ذلك ولو نزل منزلا فنصب فيه بيت شعر أو خيمة لم يكن إحياء.
وإن أرادها للزراعة فبأن يهيئها لامكان الزرع فيها فإن كانت لا تزرع الا بالماء فبأن يسوق إليها ماء من نهر أو بئر وإن كان المانع من زرعها كثرة الأحجار كأرض الحجاز فإحياؤها بقلع أحجارها وتنقيتها حتى تصلح للزرع وإن كانت غياضاً أو أشجاراً كأرض الشعرى فبأن يقلع أشجارها ويزيل عروقها المانعة من الزرع، وإن كانت مما لا يمكن زرعه إلا بحبس الماء عنه كأرض البطائح فإحياؤها بسد الماء عنها وجعلها بحال يمكن زرعها لأن بذلك يمكن الانتفاع بها فيما أرادها له من غير حاجة إلى تكرار ذلك في كل عام فكان إحياء كسوق الماء إلى أرض لا ماء لها ولا يعتبر في إحياء الأرض حرثها ولا زرعها لأن ذلك مما يتكرر كلما أراد الانتفاع بها فلم يعتبر في الإحياء كسقيها وكالسكنى في البيوت ولا يحصل الإحياء بذلك إذا فعله بمجرده لما ذكرنا، ولا يعتبر في إحياء الأرض للسكنى نصب الأبواب على البيوت وبه قال الشافعي فيما ذكرنا في الرواية الثانية إلا أن
له وجهاً في أن حرثها وزرعها إحياء لها وأن ذلك معتبر في إحيائها لا يتم بدونه وكذلك نصب الأبواب على البيوت لأنه مما جرت العادة به أشبه السقف ولا يصح هذا لما ذكرنا ولأن السكنى ممكنة بدون نصب الأبواب فأشبه تطيين سطوحها وتبيضها * (مسألة) * (وإن حفر بئراً عادية ملك حريمها خمسين ذراعا وإن لم تكن عادية فحريمها خمسة وعشرون) البئر العادية بتشديد الياء القديمة منسوبة إلى عاد ولم يرد عاداً بعينها لكن لما كانت عاد(6/162)
في الزمن الأول وكانت لها آثار في الأرض نسب إليها كل قديم، فكل من سبق إلى بئر عادية كان أحق بها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له " وله حريمها خمسون ذراعا من كل جانب، وإن حفر بئرا في موات للتمليك فله حريمها خمسة وعشرون ذراعا من كل جانب نص أحمد على هذا في رواية حرب وعبد الله واختاره أكثر أصحابنا، وقال القاضي وابو الخطاب ليس هذا على طريق التحديد بل حريمها في الحقيقة ما يحتاج إليه في ترقية مائها منها فإن كان بدولاب فقدر مد الثور أو غيره وإن كان بساقية فبقدر طول البئر لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " حريم البئر مد رشائها " أخرجه ابن ماجة ولأنه المكان الذي تمشي إليه البهيمة، وإن كان يستقي منها بيده فبقدر ما يحتاج إليه الواقف عندها، وإن كان المستخرج عينا فحريمها القدر الذي يحتاج إليه صاحبها للانتفاع ولا يستضر بأخذه منه ولو كان ألف ذراع، وحريم النهر من جانبيه ما يحتاج إليه لطرح كرايته بحكم العرف وذلك أن هذا إنما ثبت للحاجة فينبغي أن تراعى فيه الحاجة دون غيرها، وقال أبو حنيفة حريم البئر أربعون ذراعا وحريم العين خمسمائة ذراع لأن أبا هريرة روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " حريم البئر أربعون ذراعاً لاعطان الابل والغنم " وعن الشعبي مثله رواه أبو عبيد.
ولنا ما روى أن الدارقطني والخلال بإسنادهما عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال " حريم البئر البدي خمس وعشرون ذراعا وحريم البئر العادي خمسون ذراعا " وهذا نص وروى أبو عبيد بإسناده(6/163)
عن يحي بن سعيد الأنصاري أنه قال السنة في حريم القليب العادي خمسون ذراعا والبدي خمس وعشرون ذراعا
وبإسناده عن سعيد بن المسيب قال حريم البئر البدي خمس وعشرون ذراعا من نواحيها كلها وحريم بئر الزرع ثلثمائة ذراع من نواحيها كلها وحريم البئر العادي خمسون ذراعا من نواحيها كلها، ولأنه معنى يملك به الموات فلا يقف على قدر الحاجة كالحائط ولأن الحاجة إلى البئر لا تنحصر في ترقية الماء فانه يحتاج الى ما حوله عطنا لا بله وموقفا للدوابه وغنمه وموضعاً يجعل فيه أحواضاً يسقي منها ماشيته وموقفاً لدابته التي يستقي عليها وأشباه ذلك فلم يختص الحريم بما يحتاج إليه في ترقية الماء فأما حديث أبي حنيفة فحديثنا أصح منه ورواهما أبو هريرة فيدل على ضعفه * (مسألة) * (وقيل حريمها قدر مد رشائها من كل جانب) لما ذكرنا من الحديث إذا ثبت ذلك فإن ظاهر كلامه في هذا الكتاب وظاهر كلام الخرقي أنه يملك حريم البئر ونقل عن الشافعي وقال القاضي بل يكون أحق به * (مسألة) * (وقيل إحياء الأرض ما عد إحياء وهو عمارتها بما تتهيأ به لما يراد منها) وقد ذكرنا ذلك وقيل ما يتكرر كل عام كالسقي والحرث فليس بإحياء وما لا يتكرر فهو إحياء لأن العرف أن حرث الأرض مرة ليس بإحياء وأن عمل الحائط عليها ونحوه احياء وللشافعي وجه في أن الزرع والحرث إحياء وقد ذكرناه، فإن كانت كثيرة الدغل والحشيش كالمروج التي لا يمكن زرعها إلا بتكرار حرثها وتنقية دغلها وحشيشها المانع من زرعها كان إحياء على قياس ما ذكرنا أولا(6/164)
(فصل) ولابد ان يكون البئر فيها ماء فإن لم تصل إلى الماء فهو كالمتحجر الشارع في الإحياء على ما نذكره، وقوله ومن حفر بئراً عادية يحمل على البئر التي انطمت وذهب ماؤها فجدد حفرها وعمارتها أو انقطع ماؤها فاستخرجه ليكون ذلك إحياء لها فأما البئر التي لها ماء ينتفع به المسلمون فليس لأحد احتجاره ومنعه لأنه بمنزلة المعادن الظاهرة التي يرتفق بها الناس وهكذا العيون النابعة ليس لأحد أن يختص بها ولو حفر رجل بئراً للمسلمين ينتفعون بها أو ينتفع بها مدة إقامته عندها ثم يتركها لم يملكها وكان له الانتفاع بها فإذا تركها كانت للمسلمين كلهم كالمعادن الظاهرة وهو أحق بها ما دام مقيما عندها لأنه سابق إليها فهو كالمتحجر الشارع في الإحياء
(فصل) وإذا كان لإنسان شجرة في موات فله حريمها قدر ما تمد إليه أغصانها حواليها وفي النخلة مد جريدها لما روى أبو سعيد قال اختصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حريم نخلة فأمر بجريدة من جرائدها فذرعت فكانت سبعة أذرع أو خسمة أذرع فقضى بذلك رواه أبو داود، وإن غرس شجرة في موات فهي له وحريمها وإن سبق إلى شجر مباح كالزيتون والخروب فسقاه وأصحه فهو له كالمتحجر الشارع في الإحياء فإن طعمه ملكه بذلك وحريمه لأنه تهيأ للانتفاع به لما يراد منه فهو(6/165)
كسوق المال إلى الارض الوات ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به " (فصل) ومن كانت له بئر فيها ماء فحفر آخر قريباً منها بئراً ينسرق إليها ماء البئر الاولى فليس له ذلك سواء كان محتفر الثانية في ملكه مثل رجلين متجاورين في دارين حفر أحدهما في داره بئراً ثم الآخر بئراً أعمق منها فسرى إليها ماء الأولى أو كانتا في موات فسبق أحدهما فحفر بئراً ثم جاء آخر فحفر قريباً منها بئراً يجتذب ماء الاولى، ووافق الشافعي في هذه الصورة الثانية لأنه ليس له أن يبتدئ ملكه على وجه يضر بالمالك قبله، وقال في الأولى له ذلك لأنه تصرف مباح في ملكه فجاز له فعله كتعلية داره وهكذا الخلاف في كل ما يحدثه الجار مما يضر بجاره مثل أن يجعل داره مدبغة أو حماما يضر بعقار جاره بحمي ناره ورماده ودخانه أو يحفر في أصل حائطه حشا يتأذى جاره برائحته وغيرها أو يجعل داره مخبزاً في وسط العطارين ونحوه مما يؤذي جاره وقال الشافعي له ذلك كله وروي ذلك عن أحمد وهو قول بعض الحنفية لأنه تصرف مباح في ملكه أشبه بناءه ونقضه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا اضرار " ولأنه إحداث ضرر بجاره فلم يجز كالدق الذي يهز الحيطان ويخربها وكإلقاء السماد والتراب في أصل حائطه على وجه يضر به ولو كان(6/166)
لرجل مصنع فأراد جاره غرس شجر مما تسري عروقه فتشق حائط مصنع جاره وتتلفه لم يملك ذلك وكان لجاره منعه وقلعها إن غرسها، ولو كان هذا الذي حصل منه الضرر سابقاً مثل من له في ملكه
مدبغة أو مقصرة فأحيا إنسان إلى جانبه مواتاً وبناه داراً فتضرر بذلك لم يلزمه إزالة الضرر بغير خلاف نعلمه لأنه لم يحدث ضرراً * (مسألة) * (ومن تحجر مواتا لم يملكه وهو أحق به وورثته من بعده ومن ينقله إليه وليس له بيعه وقيل له ذلك) تحجر الموات المشروع في إحيائه مثل أن يدير حول الأرض تراباً أو أحجاراً أو حاطها بجدار صغير لم يملكها بذلك لأن الملك بالإحياء وليس هذا إحياء لكن يصير أحق الناس به لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به " رواه أبو داود، فإن مات فوارثه أحق به لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من ترك حقاً أو مالا فهو لورثته " فإن نقله إلى غيره صار الثاني أحق به لأن صاحبه أقامه مقامه، وليس له بيعه فإن باعه لم يصح لأنه لا يملكه فلم يملك بيعه كحق الشفعة قبل الأخذ به وكمن سبق إلى معدن أو مباح قبل أخذه وقيل له بيعه لأنه أحق به * (مسألة) * (فإن لم يتم إحياءه قيل له إما أن تحييه وإما أن تتركه) إذا طالت المدة بعد التحجر ولم يحييه فينبغي أن يقول السلطان إما أن تحييه أو تتركه ليحييه غيرك لأنه ضيق على الناس في حق مشترك(6/167)
بينهم فلم يمكن من ذلك كما لو وقف في طريق ضيق أو مشرعة ماء أو معدن لا ينتفع به ولا يدع غيره * (مسألة) * (فإن طلب الإمهال أمهل مدة قريبة) كالشهرين والثلاثة ونحوها لأنه يسير فإن بادر غيره فأحياه في مدة المهلة أو قبل ذلك ملكه بالإحياء في أحد الوجهين لأن الإحياء يملك به والتحجر لا يملك به فيثبت الملك بما يملك به دون ما لا يملك به كمن سبق إلى معدن أو مشرعة فجاء غيره فأزاله وأخذ ولعموم الحديث في الإحياء (والثاني) لا يملكه لأن مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام " من أحيا أرضاً ميتة في غير حق مسلم فهي له " أنها لا تكون له إذا كان لمسلم فيها حق وكذلك قوله " من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به " وروى سعيد في سننه أن عمر قال من كانت له أرض - يعني من تحجر أرضاً - فعطلها ثلاث سنين فجاء قوم يعمرونها فهم أحق بها وهذا يدل على أن من عمرها قبل ثلاث سنين لا يملكها ولأن الثاني أحيا في حق غيره فلم يملكه كما لو أحيا
ما تتعلق به مصالح ملك غيره ولأن حق المتحجر أسبق فكان أولى كحق الشفيع يقدم على شراء المشتري (فصل) فإن ضربت للمتحجر مدة فانقضت المدة ولم يعمر فلغيره أن يعمره ويملكه لأن المدة ضربت له لينقطع حقه بمضيها وسواء أذن له السلطان في عمارتها أو لم يأذن، وإن لم يكن للمتحجر عذر في ترك العمارة قيل له إما أن تعمر وإما أن ترفع يدك فإن لم يعمرها كان لغيره عمارتها، فإن لم يقل له شئ واستمر تعطيلها فقد ذكرنا حديث عمر في المسألة قبلها ومذهب الشافعي في هذا الفصل والمسألة قبلها على نحو ما ذكرنا(6/168)
(فصل) وللإمام إقطاع موات لمن يحييه ولا يملك بالإقطاع بل يصير كالمتحجر الشارع في الإحياء على ما ذكرنا، ولا ينبغي أن يقطع إلا ما قدر على إحيائه لأن اقطاعه أكثر منه إدخال ضرر على المسلمين بلا فائدة فيه فإن فعل ثم تبين عجزه عن إحيائه استرجعه منه كما استرجع عمر رضي الله عنه من بلال ابن الحارث ما عجز عن عمارته من العقيق الذي أقطعه النبي صلى الله عليه وسلم فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث العقيق أجمع وأن عمر قال لبلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقطعك لتحجبه عن الناس إنما أقطعك لتعمر فخذ منها ما قدرت على عمارته ورد الباقي رواه أبو عبيد في الأموال، وذكر سعيد في سننه عن عبد العزيز بن محمد عن ربيعة قال سمعت الحارث بن بلال بن الحارث يقول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث العقيق فلما ولي عمر قال ما أقطعته لتحجبه فأقطعه الناس، وروى علقمة بن وائل عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطعه أرضا بحضر موت قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، قال سعيد ثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن عمرو ابن شعيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع ناساً من جهينة أو مزينة أرضا فعطلوها فجاء قوم فاحيوها فخاصمهم الذين أقطعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر بن الخطاب فقال عمر لو كانت قطيعة مني أو من أبي بكر لم أردها ولكنها قطيعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا أردها(6/169)
(فصل) وقد روى وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطعه أرضاً فأرسل معاوية أن
أعطه إياه أو أعلمه إياه.
حديث صحيح، وأقطع الزبير حضر فرسه فأجرى فرسه حتى قام ورمى بسوطه فقال " أعطوه من حيث وقع السوط " رواه سعيد وأبو داود، وذكر البخاري عن أنس قال دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار ليقطع لهم بالبحرين فقالوا يا رسول الله إن فعلت فاكتب لإخواننا من قريش بمثلها، وروي أن أبا بكر أقطع طلحة بن عبيد الله أرضاً، وأقطع عثمان خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير وسعداً وابن مسعود وأسامة بن زيد وخباب بن الأرت وروي عن نافع أبي عبد الله أنه قال لعمران قبلنا أرضاً بالبصرة ليست من أرض الخراج ولا تضر بأحد من المسلمين فان رأيت أن تقطعنيها اتخذ فيها قصيلا لخيلي قال فكتب عمر إلى أبي موسى إن كانت كما يقول فاقطعها إياه.
روى هذه الآثار كلها أبو عبيد في الأموال.
إذا ثبت هذا فإن من أقطعه الإمام شيئاً من الموات لم يملكه بذلك لكن يصير أحق به كالمتحجر الشارع في الإحياء على ما ذكرنا من حديث بلال بن الحارث حيث استرجع منه عمر ما عجز عن إحيائه، ولو ملكه لم يجز استرجاعه ورد عمر أيضاً قطيعة أبي بكر لعيينة بن حصن فسأل عيينه بن حصن أبا بكر أن يجدد له كتاباً فقال والله لا أجدد شيئاً رده عمر رواه أبو عبيد.
فعلى هذا يكون المقطع أحق بها من سائر الناس وأولى بإحيائه وحكمه حكم المتحجر الشارع سواء وقد مر ذكره ومذهب الشافعي على نحو ما ذكرنا * (مسألة) * (وله إقطاع الجلوس في الطرق الواسعة ورحاب المساجد ما لم يضيق على الناس) القطائع ضربان (أحدهما) إقطاع موات لمن يحييه وقد ذكرناه (والثاني) إقطاع إرفاق وذلك كإقطاع مقاعد الأسواق والطرق الواسعة ورحاب المساجد فللإمام اقطاعها لمن يجلس فيها لأن له في ذلك اجتهاداً(6/170)
من حيث أنه لا يجوز الجلوس إلا فيما لا يضر بالمارة فكان للإمام أن يجلس فيها من لا يرى أنه يتضرر بجلوسه، ولا يملكها المقطع بذلك بل يكون أحق بالجلوس فيها من غيره بمنزلة السابق إليها من غير إقطاع إلا في أن السابق إذا نقل متاعه عنها فلغيره الجلوس فيها لأن استحقاقه لها بسبقه إليها ومقامه فيها فإذا انتقل عنها زال استحقاقه لزوال المعنى الذي استحق به وهذا استحق بإقطاع الإمام فلا يزول حقه بنقل متاعه ولا لغيره الجلوس فيه، وحكمه في التظليل على نفسه بما ليس بيتاً ومنعه من
البناء ومنعه إذا طال مقامه حكم السابق على ما نذكره * (مسألة) * فإن لم يقطعها فلمن يسبق إليها الجلوس فيها ويكون أحق بها ما لم ينقل قماشه عنها) ما كان من الشوارع والطرقات والرحاب بين العمران فليس لأحد إحياؤه سواء كان واسعاً أو ضيقاً وسواء ضيق على الناس بذلك أو لم يضيق لأن ذلك يشترك فيه المسلمون وتتعلق به مصلحتهم أشبه مساجدهم ويجوز الإرتفاق بالقعود في الواسع من ذلك للبيع والشراء على وجه لا يضيق على أحد ولا يضر بالمارة لاتفاق أهل الأمصار في جميع الأعصار على إقرار الناس على ذلك من غير إنكار، ولأنه ارتفاق بمباح من غير إضرار فلم يمنع منه كالاجتياز قال أحمد في السابق إلى دكاكين السوق غدوة فهو له إلى الليل وكان هذا في سوق المدينة فيما مضى وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " منى مناخ من سبق " وله أن يظلل على نفسه بما لا ضرر فيه من بارية وكساء ونحوه لأن الحاجة تدعو إليه من غير مضرة فيه، وليس له أن يبني دكة ولا غيرها لأنه يضيق على الناس وتعثر به المارة بالليل والضرير في الليل والنهار وتبقى على الدوام وربما ادعى ملكه بذلك والسابق أحق به ما كان فيه فإن قام وترك متاعه فيه لم يجز لغيره إزالته لأن يد الأول(6/171)
عليه وإن نقل متاعه كان لغيره أن يقعد فيه لأن يده قد زالت * (مسألة) * (فإن طال مقامه منع في أحد الوجهين) لأنه يصير كالملك ويختص بنفع يساويه غيره في استحقاقه (والثاني) لا يمنع لأنه سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم * (مسألة) * (وإن سبق اثنان إليه احتمل أن يقرع بينهما واحتمل أن يقدم الإمام من يرى منهما فإن كان الجالس يضيق على المارة لم يحل له الجلوس فيه وليس للإمام تمكينه بعوض ولا غيره) قال احمد ما كان ينبغي لنا أن نشتري من هؤلاء الذين يبيعون على الطريق قال القاضي هذا محمول على أن الطريق ضيق أو يكون يؤذي المارة لما تقدم وقال لا يعجبني الطحن في العروب إذا كانت في طريق الناس وهي السفن التي يطحن فيها في الماء الجاري إنما كره ذلك لتضييقها طريق السفن المارة في الماء قال أحمد ربما غرقت السفن فأرى للرجل أن يتوقى الشراء مما يطحن بها (فصل) وإن سبق إلى معدن فهو أحق بما ينال منه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سبق
إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به " وسواء كان المعدن ظاهراً أو باطناً إذا كان في موات فإن أخذ قدر حاجته وأراد الإقامة فيه بحيث يمنع غيره منع من ذلك لأنه يضيق على الناس بما لا نفع فيه له أشبه ما لو وقف في مشرعة الماء لغير حاجة * (مسألة) * (وهل يمنع إذا طال مقامه للأخذ؟ على وجهين) (أحدهما) يمنع لأنه يصير كالمتملك والآخر لا يمنع لإطلاق الحديث، وإن استبق إليه اثنان أو أكثر وضاق المكان عنهما أقرع بينهما لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر ويحتمل أن يقسم بينهما لأنه يمكن قسمته وقد(6/172)
تساويا فقسم بينهما كما لو تداعيا عيناً في أيديهما ولا بينة لأحدهما ويحتمل أن يقدم الإمام من يرى منهما لأن له نظراً وذكر القاضي وجها رابعاً وهو أن الإمام ينصب من يقسم بينهما وهذا التفصيل مذهب الشافعي * (مسألة) * (ومن سبق إلى مباح كصيد أو عنبر وحطب وثمر ولقطة ولقيط وما ينبذه الناس رغبة عنه أو يضيع منهم مما لا تتبعه النفس وما يسقط من البلح وسائر المباحات فهو أحق به بإذن الإمام وغير إذنه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به " وإن سبق إليه اثنان قسم بينهما لأن قسمته ممكنة فلا يؤخر حق أحدهما لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر، وإن سبق إلى موات أو بئر عادية فهو أحق بها لما ذكرنا * (مسألة) * (وإذا كان الماء في نهر غير مملوك كمياه الأمطار فلمن في أعلاه أن يسقي ويحبس الماء حتى يصل إلى الكعب ثم يرسل إلى من يليه) وجملة ذلك أنه لا يخلو الماء من حالين إما أن يكون جارياً أو واقفاً والجاري ضربان (أحدهما) أن يكون في نهر غير مملوك وهو قسمان [أحدهما] أن يكون نهراً عظيماً كالنيل والفرات الذي لا يستضر أحد بالسقي منهما فهذا لا تزاحم فيه ولكل أحد أن يسقي منها متى شاء وكيف شاء [القسم الثاني] أن يكون نهراً صغيراً يزدحم الناس فيه ويتشاحون في مائه أو سيل يتشاح فيه أهل الأرضين الشاربة منه فيبدأ بمن في أول النهر فيسقي ويحبس الماء حتى يبلغ الكعب ثم يرسل إلى الذي يليه فيصنع كذلك وعلى هذا حتى تنتهي الأراضي كلها فإن لم يفضل عن الأول شئ أو عن(6/173)
الثاني أو عمن يليهما فلا شئ للباقين لأنهم ليس لهم إلا ما فضل فهم كالعصبة في الميراث وهذا قول فقهاء المدينة ومالك والشافعي ولا نعلم فيه مخالفاً لما روى عبد الله بن الزبير أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير في شراج الحرة التي يسقون بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم " اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك " فغضب الأنصاري فقال يا رسول الله إن كان ابن عمنك؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال " يا زبير اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر " فقال الزبير فوالله إني لأحسب هذه الآية نزلت فيه (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) متفق عليه، وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال نظرنا في قول النبي صلى الله عليه وسلم " ثم احبس حتى يبلغ الجدر " وكان ذلك إلى الكعبين، قال أبو عبيد: الشراج جمع شرج والشرج نهر صغير والحرة أرض ملتبسة بحجارة سود، والجدر الجدار وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الزبير أن يسقي ثم يرسل تسهيلاً على غيره فلما قال الأنصاري ما قال استوفى النبي صلى الله عليه وسلم للزبير حقه وروى مالك في الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر بن عمر بن حزم أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في سيل مهزوز ومذينيب " يمسك حتى يبلغ الكعبين ثم يرسل الأعلى على الأسفل " قال ابن عبد البر: هذا حديث مدني مشهور عند أهل المدينة يعملون به عندهم.
قال عبد الملك بن حبيب: مهزوز ومذينيب واديان من أودية المدينة يسيلان بالمطر يتنافس أهل الحوائط في سيلهما وروى أبو داود بإسناده عن ثعلبة بن أبي مالك أنه سمع كبراءهم يذكرون أن رجلا من قريش كان له سهم في بني قريظة فخاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مهزوز السيل الذي يقتسمون ماءه فقضى بينهم(6/174)
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الماء إلى الكعبين لا يحبس الأعلى على الأسفل، ولأن من أرضه قريبة من رأس النهر سبق إلى المكان فكان أولى به كالسابق إلى المشرعة فإن كانت أرض صاحب الأعلى مختلفة منها عالية ومنها مستفلة سقى كل واحدة منها على حدتها، فإن استوى اثنان في القرب من أول النهر اقتسما الماء بينهما إن أمكن وإلا أقرع بينهما فقدم من تقع له القرعة فإن كان الماء لا يفضل عن أحدهما سقى من تقع له القرعة بقدر حقه من الماء ثم تركه للآخر، وليس له السقي بجميع الماء لمساواة الآخر له في استحقاق
الماء وإنما القرعة للتقديم في استيفاء الحق لا في أصل الحق بخلاف الأعلى مع الأسفل فإنه ليس للأسفل حق إلا في الفاضل عن الأعلى فإن كانت أرض إحداهما أكبر من أرض الآخر قسم الماء بينهما على قدر الارض لان الزائد من أرض أحدهما مساو في القرب فاستحق جزءاً من الماء كما لو كان لثالث * (مسالة) * (فإن أراد إنسان إحياء أرض ليسقيها من ماء النهر جاز ما لم يضر بأهل الأرض الشاربة منه) إذا كان لجماعة رسم شرب من نهر غير مملوك أو سيل فجاء إنسان ليحيي مواتا أقرب من رأس النهر من أرضهم لم يكن له أن يسقي قبلهم لأنهم أسبق إلى النهر منه ولأن من ملك أرضاً ملكها بحقوقها ومرافقها ولا يملك غيره إبطال حقوقها وهذا من حقوقها، وهل لهم منعه من إحياء ذلك الموات؟ فيه وجهان (أحدهما) ليس لهم منعه لأن حقهم في النهر لا في الموات (والثاني) لهم منعه لئلا يصير ذلك ذريعة إلى منعهم حقهم من السقي لتقديمه عليهم في القرب إذا طال الزمان وجهل الحال، فإذا قلنا ليس لهم منعه فسيق إلى مسيل ماء أو نهر غير مملوك فأحيا في أسفله مواتاً ثم أحيا آخر فوقه ثم أحيا ثالث فوق الثاني كان للأسفل السقي أولاً ثم الثاني ثم الثالث، ويقدم السبق إلى الأحياء على السبق إلى أول النهر لما ذكرنا(6/175)
(فصل) الضرب الثاني الجاري في نهر مملوك وهو قسمان (أحدهما) أن يكون الماء مباح الأصل مثل أن يحفر إنسان نهراً صغيراً يتصل بنهر كبير مباح فما لم يتصل الحفر لا يملكه وإنما هو تحجر وشروع في الإحياء فإذا اتصل الحفر ملكه لأن الملك بالإحياء أن تنتهي العمارة إلى قصدها بحيث يتكرر الانتفاع بها على صورتها وهذا كذلك وسواء أجرى فيه الماء أو لم يجره لأن الاحياء يحصل بهيئته للانتفاع به دون حصول المنفعة فيصير مالكاً لقرار النهر وحافتيه، وهواؤه حق له وكذلك حريمه وهو ملقى الطين من جوانبه، وعند القاضي أن ذلك غير مملوك لصاحب النهر وإنما هو حق من حقوق الملك، وظاهر قول الخرقي أنه مملوك لغير صاحبه قياساً على قوله في حريم البئر أنه يملكه.
إذا تقرر ذلك فكان النهر لجماعة فهو بينهم على حسب العمل والنفقة لأنه إنما ملك بالعمارة والعمارة بالنفقة، فإن كفى جميعهم فلا كلام وإن لم يكفهم فتراضوا على قسمته بالمهايأة أو غيرها جاز لأن حقهم لا يخرج عنهم، وأن تشاحوا فيه قسمه الحاكم بينهم على قدر أملاكهم لأن كل واحد منهم يملك من النهر بقدر ذلك فتؤخذ خشبة أو حجر
مستوي الطرفين والوسط فتوضع على موضع مستو من الأرض في مصدم الماء فيه حزوز أو ثقوب متساوية في السعة على قدر حقوقهم من كل حز أو ثقب ساقية مفردة لكل واحد منهم فإذا حصل الماء في ساقيته انفرد به فإن كانت أملاكهم مختلفة قسم على قدر ذلك، فإذا كان لأحدهم نصفه وللثاني ثلثه وللثالث سدسه جعل فيه ستة ثقوب: لصحاب النصف ثلاثة نصب في ساقيته ولصاحب الثلث اثنان ولصاحب(6/176)
قسدس واحد، فإن كان لواحد الخمسان والباقي لاثنين على السواء جعل عشرة ثقوب: لصاحب الخمسين أربعة نصب في ساقيته ولكل واحد من الآخرين ثلاثة، فإن كان النهر لعشرة - لخمسة منهم أراض الريبة من أول النهر ولخمسة أراض بعيدة جعل لأصحاب القريبة خمسة ثقوب لكل واحد ثقب وجعل للباقين خمسة تجري في النهر حتى تصل إلى أرضهم، ثم تقسم بينهم قسمة أخرى فإن أراد أحدهم أن يجري ماءه في ساقية غيره ليقاسمه في موضع آخر لم يجز بغير رضاه لأنه يتصرف في ساقيته ويخرب حابتيها بغير إذنه ويخلط حقه بحق غيره على وجه لا يتميز فلم يجز ذلك، ويجئ على قولنا إن الماء لا يملك أن حكم الماء في هذا النهر حكمه في نهر غير مملوك وإن الاسبق أحق بالسقي ثم الذي يليه على ما ذكرنا، ومذهب الشافعي في هذا الفصل كله على نحو ما ذكرنا (فصل) وإذا حصل نصيب إنسان في ساقية فله أن يسقي به ما شاء من الأرض سواء كان لها رسم شرب من هذا النهر أو لم يكن، وله أن يعطيه من يسقي به، وقال القاضي وأصحاب الشافعي ليس له سقي أرض ليس لها رسم شرب من هذا الماء لأن ذلك دال على أن لها قسما من هذا الماء فربما جعل سقيها منه دليلاً على استحقاقها لذلك فيستضر الشركاء ويصير هذا كما لو كان له دار بابها في درب لا ينفذ ودار بابها في درب آخر ظهرها ملاصق لظهر داره الأولى فأراد تنفيذ إحداهما إلى الأخرى لم يجز لأنه يجعل لنفسه استطراقاً من كل واحدة من الدارين ولنا أن هذا ماء انفرد باستحقاقه فكان له أن يسقي منه ما شاء كما لو انفرد به من أصله ولا نسلم(6/177)
ما ذكره في الدارين وإن سلمنا فالفرق بينهما أن كل دار يخرج منها إلى درب مشترك لأن الظاهر أن
لكل دار سكاناً فيجعل لسكان كل واحدة منهما استطراقاً إلى درب غير نافذ لم يكن لهم حق في استطراقه وههنا إنما يسقي من ساقيته المفردة التي لا يشاركه غيره فيها، فلو صار لتلك الأرض رسم من الشرب من ساقيته لم يتضرر بذلك أحد، ولو كان يسقي من هذا النهر بدولاب فأحب أن يسقي بذلك الماء أرضاً لا رسم لها في الشرب من ذلك النهر فالحكم في ذلك على ما ذكرنا من الخلاف، وإن كان الدولاب يغرف من نهر غير مملوك جاز أن يسقى بنصيبه من الماء أرضاً لا رسم لها في الشرب منه بغير خلاف نعلمه فان ضاق الماء قدم الأسبق فالأسبق على ما مضى (فصل) ولكل واحد منهم أن يتصرف في ساقيته المختصة به بما أحب من إجراء ماء غير هذا الماء فيها أو عمل رحى عليها أو دولاب أو عبارة وهي خشبة تمد على طرفي النهر أو قنطرة يعبر فيها الماء أو غير ذلك من التصرفات لأنها ملكه ولا حق فيها لغيره فأما النهر المشترك فليس لواحد منهم أن يتصرف فيه بشئ من ذلك لأنه تصرف في النهر المشترك أو في حريمه بغير إذن شركائه وقال القاضي في العبارة هذا ينبني على الروايتين فيمن أراد أن يجري ماءه في أرض غيره والصحيح أنه(6/178)
لا يجوز ههنا ولا يصح قياس هذا على إجراء الماء في أرض غيره لأن إجراء الماء في أرض ينفع صاحبها لأنه يسقي عروق شجره ويشربه أولاً وآخراً وهذا لا ينفع النهر بل ربما أفسد حافته ولا يسقي له شيئاً، ولو أراد أحد الشركاء أن يأخذ من النهر قبل قسمته شيئاً يسقي به أرضاً في أول النهر أو في غيره أو أراد إنسان غيرهم ذلك لم يجز لأنهم صاروا أحق بالماء الخاص في نهرهم من غيرهم ولأن الأخذ من الماء ربما احتاج إلى تصرف في حافة النهر المملوك لغيره أو المشترك بينه وبين غيره، ولو فاض ماء هذا النهر إلى أرض إنسان فهو مباح كالطائر يعشش في ملك إنسان ومذهب الشافعي في ذلك على نحو ما ذكرنا.
(فصل) وإن قسموا ماء النهر المشترك بالمهايأة جاز إذا تراضوا به وكان حق كل واحد منهم معلوماً مثل أن يجعلوا لكل حصة يوماً وليلة، وإن قسموا النهار فجعلوا لواحد من طلوع الشمس إلى الزوال وللآخر من الزوال إلى الغروب ونحو ذلك جاز، وإن قسموه ساعات وأمكن ضبط ذلك
بشئ معلوم جاز فإذا حصل الماء لأحدهم في نوبته فأراد أن يسقي به أرضاً ليس لها رسم شرب من هذا أو بؤثر به إنسانا أو يقرضه إياه على وجه لا يتصرف في حافة النهر جاز وعلى قول القاضي وأصحاب الشافعي ينبغي أن لا يجوز لما تقدم، وإن أراد صاحب النوبة أن يجري مع مائه ماء له آخر يسقي(6/179)
به أرضه التي لها رسم شرب من النهر أو أرضاً له أخرى أو سأله إنسان أن يجري له ماء مع مائه في هذا النهر ليقاسمه إياه في موضع آخر على وجه لا يضر بالنهر ولا بأحد جاز ذلك في قياس قول أصحابنا فإنهم قالوا فيمن استأجر أرضاً جاز أن يجري فيها ماء في نهر محفور إذا كان فيها ولأنه مستحق لنفع النهر في نوبته بإجراء الماء فأشبه ما لو استأجرها لذلك.
(فصل) القسم الثاني أن يكون منبع الماء مملوكاً مثل أن اشترك جماعة في استنباط عين وإجرائها فإنهم يملكونها أيضاً لأن ذلك إحياء لها، ويشتركون فيها وفي ساقيتها على حسب ما أنفقوا عليها وعملوا فيها كما ذكرنا في النهر في القسم الذي قبله إلا أن الماء غير مملوك ثم لأنه مباح دخل ملكه فأشبه ما لو دخل بستانه صيد، وههنا يخرج على روايتين أصحهما أنه غير مملوك أيضاً وقد ذكرنا ذلك في كتاب البيع وعلى كل حال فلكل أحد أن يستقي من الماء الجاري لشربه ووضوئه وغسله وغسل ثيابه وينتفع به في أشباه ذلك مما لا يؤثر فيه من غير إذنه إذا لم يدخل إليه في مكان محوط عليه ولا يحصل لصاحبه المنع من ذلك لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاثة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم رجل كان يفضل ماء بالطريق فمنعه ابن السبيل " رواه البخاري وعن بهيسة عن أبيها أنه قال يا نبي الله ما الشئ الذي لا يحل منعه؟ قال الماء قال يا نبي الله ما الشئ الذي لا يحل منعه؟ قال(6/180)
" الملح " قال يا نبي الله ما الشئ الذي لا يحل منعه؟ قال " أن تفعل الخير خير لك " رواه أبو داود ولأن ذلك لا يؤثر في العادة وهو فاضل عن حاجة صاحب النهر، وأما ما يؤثر كسقي الماشية الكثيرة فإن فضل عن حاجته لزمه بذله وإلا لم يلزمه وقد ذكرناه (فصل) إذا كان النهر أو الساقية مشتركاً بين جماعة فأرادوا إكراءه أو سد بثق فيه أو إصلاح
حائطه أو شئ منه كان ذلك عليهم على حسب ملكهم فيه فإن كان بعضهم أدنى إلى أوله من بعض اشترك الكل في إصلاحه وإكرائه إلى أن يصلوا إلى الأول ثم لا شئ على الأول ويشترك الباقون حتى يصلوا الى الثاني ثم يشترك من بعده كذلك كلما انتهى العمل إلى موضع واحد منهم لم يكن عليه فيما بعده شئ وبهذا قال الشافعي وحكي عن أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد يشترك جميعهم في إكرائه كله لأنهم ينتفعون بجميعه فإن ما جاوز الأول مصب لمائه وإن لم يسق أرضه ولنا أن الأول إنما ينتفع بالماء الذي في موضع شربه وما بعده إنما يختص بالانتفاع به من دونه فلا يشاركهم في مؤنته كما لا يشاركهم في نفعه فإن كان يفضل عن جميعهم منه ما يحتاج إلى مصرف فمؤنته على جميعهم لاشتراكهم في الحاجة إليه والانتفاع به فكانت مؤنته عليهم كلهم كأوله(6/181)
* (مسألة) * (وللإمام أن يحمي أرضا من الموات ترعى فيها دواب المسلمين التي يقوم بحفظها ما لم يضيق على الناس، ولا يجوز ذلك لغيره) معنى الحمى أن يحمي أرضا يمنع الناس رعى جشيشها ليختص بها وكانت العرب في الجاهلية تعرف ذلك فكان منهم من إذا انتجع بلداً أقام كلبا على نشز ثم استعواه ووقف له من كل ناحية من يسمع صوته بالعواء فحيث انتهى صوته حماه من كل ناحية لنفسه ويرعى مع الناس فيما سواه فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه لما فيه من التضييق على الناس ومنعهم من الانتفاع بشئ لهم فيه حق فروى الصعب بن جثامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا حمى إلا لله ولرسوله " رواه أبو داود وقال عليه الصلاة والسلام " الناس شركاء في ثلاث في الماء والنار والكلأ " رواه الخلال فليس لأحد من الناس أن يحمي سوى الأئمة لما ذكرنا من الخبر والمعنى، فأما النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان له أن يحمي لنفسه وللمسلمين لقوله " لا حمى إلا لله ولرسوله " ولم يحم لنفسه شيئا وإنما حمى للمسلمين فروى ابن عمر قال حمى النبي صلى الله عليه وسلم النقيع لخيل المسلمين رواه أبو عبيد والنقيع بالنون موضع ينتقع فيه الماء فيكثر فيه الخصب لمكان الماء الذي يصير فيه، وأما سائر أئمة المسلمين فليس لهم أن يحموا لأنفسهم شيئاً ولكن لهم أن يحموا مواضع لترعى فيها خيل المجاهدين ونعم الجزية وإبل الصدقة وضوال(6/182)
الناس التي يقوم الإمام بحفظها وماشية الضعيف من الناس على وجه لا يستضر به من سواه من الناس وبهذا قال أبو حنيفة ومالك والشافعي في صحيح قوليه، وقال في الآخر ليس لغير النبي صلى الله عليه وسلم إن يحمي لقوله " لا حمى إلا لله ولرسوله " ووجه الأول أن عمر وعثمان حميا واشتهر ذلك في الصحابة فلم ينكر عليهما فكان إجماعا فروى أبو عبيد باسناده عن عامر بن عبد الله بن الزبير أحسبه عن أبيه قال أتى أعرابي عمر فقال يا أمير المؤمنين بلادنا قاتلنا عليها في الجاهلية وأسلمنا عليها في الإسلام علام؟ تحميها قال فأطرق عمر وجعل ينفخ ويفتل شاربه وكان إذا كربه أمر فتل شاربه ونفخ فلما رأى الأعرابي ما به جعل يردد ذلك فقال عمر المال مال الله والعباد عباد الله والله لولا ما أحمل عليه في سبيل الله ما حميت من الأرض شبراً في شبر.
قال خالك بلغني أنه كان يحمل في كل عام على أربعين ألفاً من الظهر، وعن أسلم قال سمعت عمر يقول لهني حين استعمله على حمى الربذة يا هني اضمم جناحك عن الناس واتق دعوة المظلوم فإنها مجابة وأدخل رب الصريمة والغنيمة ودعني من نعم ابن عوف ونعم ابن عفان فإنهما إن هلكت ماشيتهما رجعا إلى نخل وزرع وإن هذا المسكين إن هلكت ماشيته جاء يصرخ يا أمير المؤمنين فالكلأ أهون علي أم غرم الذهب والورق إنها أرضهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام وإنهم ليرون أنا نظلمهم ولولا النعم التي نحمل عليها في سبيل الله(6/183)
لما حميت على الناس من بلادهم شيئاً أبداً وهذا اجماع؟؟؟؟؟؟ ولأن ما كان لمصالح المسلمين قامت الأئمة فيه مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ما أطعم الله لنبي طعمة إلا جعلها طعمة من بعده " والخبر مخصوص وما حماه لنفسه يفارق حمى النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه لأن صلاحة يعود إلى صلاح المسلمين وماله كان يرده على المسلمين، وليس لهم أن يحموا إلا قدراً لا يضيق عن المسلمين ويضر بهم لأنه إنما جاز لما فيه من المصلحة لما يحمى وليس من المصلحة إدخال الضرر على أكثر الناس * (مسألة) * (وما حماه النبي صلى الله عليه وسلم فليس لأحد نقضه ولا تغييره مع بقاء الحاجة إليه) لأن ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم نص لا يجوز نقضه بالاجتهاد ومن أحيا منه شيئاً لم يملكه وإن زالت
الحاجة إليه ففيه وجهان أصحهما أنه لا يجوز نقضه لما ذكرنا، فأما ما حماه غيره من الأئمة فغيره هو أو غيره من الأئمة جاز، وإن أحياه إنسان ملكه في أحد الوجهين لأن حمى الأئمة اجتهاد وملك الارض بالاسياء نص والنص يقدم على الاجتهاد والوجه الآخر لا يملكه لأن اجتهاد الامام لا يجوز نقضه كما لا يجوز نقض حكمه والأول أولى لأن الاجتهاد في حماء في تلك المدة دون غيره ولهذا ملك الحامي نقضه ومذهب الشافعي في هذا على نحو ما ذكرنا(6/184)
كتاب الوقف وهو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة وهو مستحب، والأصل فيه ما روى عبد الله بن عمر قال أصاب عمر أرضاً بخير فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها فقال يا رسول الله إني أصبت أرضا بخيبر لم أصب قط مالا أنفس عندي منه فما تأمرني فيه؟ قال " إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها غير أنه لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يوهب ولا يورث " قال فتصدق بها عمر في الفقراء وذوي القربى والرقاب وابن السبيل والضيف لا جناح على من وليها أن يأكل منها أو يطعم صديقاً بالمعروف غير متأثل فيه أو غير متمول فيه متفق عليه وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به من بعده أو ولده صالح يدعو له " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح ورواه مسلم (فصل) والقول بصحة الوقف قول أكثر أهل العلم من السلف ومن بعدهم، قال جابر لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذو مقدرة إلا وقف ولم يره شريح وقال لا حبس عن فرائض الله قال أحمد هذا مذهب أهل الكوفة وحديث ابن عمر حجة على من خالفه وهو صريح في الحكم مع صحته وقول جابر نقل للإجماع فلا يلتفت الى خلاف ذلك(6/185)
* (مسألة) * وفيه روايتان إحداهما أنه يحصل بالقول والفعل الدال عليه مثل أن يبني مسجداً ويأذن للناس في الصلاة فيه أو يجعل أرضه مقبرة ويأذن لهم في الدفن فيها أو سقاية ويشرعها لهم) ظاهر المذهب أن الوقف يحصل بالفعل مع القرائن الدالة عليه التي ذكرناها قال أحمد في رواية أبي داود
وأبي طالب فيمن أدخل بيتاً في المسجد وأذن فيه: لم يرجع فيه وكذلك إذا اتخذ المقابر وأذن للناس والسقاية فليس له الرجوع هذا قول أبي حنيفة، الرواية الأخرى لا يصح إلا بالقول ذكرها القاضي وهو مذهب الشافعي وأخذه القاضي من قول أحمد إذ سأله الأثرم عن رجل أحاط حائط على أرض ليجعلها مقبرة ونوى بقلبه ثم بدا له العود فقال إن كان جعلها لله فلا يرجع قال شيخنا وهذا لا ينافي الرواية الأولى فإنه إن أراد بقوله إن كان جعلها لله أي نوى بتحويطها جعلها لله فهذا تأكيد للرواية الأولى وزيادة عليها إذ منعه من الرجوع بمجرد التحويط مع النية وإن أراد بقوله جعلها لله أي اقترنت بفعله قرائن دالة على إرادة ذلك مع إذنه للناس في الدفن فيها فهو الرواية الأولى بعينها وإن أراد إذا وقفها بقوله فيدل بمفهومه على أن الوقف لا يحصل بمجرد التحويط والنية وهذا لا ينافي الرواية الأولى لأنه في الأولى انضم إلى فعله، إذنه للناس في الدفن ولم يوجد ههنا فلا تنافي بينهما ولم يعلم مراده من هذه الاحتمالات فانتفت هذه الرواية وصار المذهب رواية واحدة واحتجوا بأن هذا تحبيس على وجه القربة فوجب أن لا يصح بدون اللفظ كالوقف على الفقراء(6/186)
ولنا أن العرف جار بذلك وفيه دلالة على الوقف فجاز أن يثبت به كالقول وجرى مجرى من قدم إلى ضيفه طعاماً كان إذناً في أكله ومن ملأ خابية ماء على الطريق كان تسبيلا له ومن نثر نثاراً كان إذناً في أخذه كذلك دخول الحمام واستعمال مائه من غير إذن مباح بدلالة الحال وقد ذكرنا في البيع أنه يصح بالمعاطاة وكذلك الهبة والهدية لدلالة الحال كذلك هذا وأما الوقف على المساكين فلم تجر به عادة بغير لفظ ولو كان شئ جرت به العادة أو دلت الحال عليه كان كمسئلتنا * (مسألة) * وصريحه وقفت وسبلت وحبست فمتى أتي بواحدة منها صار وقفاً من غير انضمام أمر زائد لأن هذه الألفاظ ثبت لها عرف الاستعمال بين الناس وانضم إلى ذلك عرف الشرع بقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر " إن شئت حبست أصلها وسلبت ثمرتها " فصارت هذه الألفاظ في الوقف كلفظ التطليق في الطلاق والكناية تصدقت وحرمت وأبدت فليست صريحة لأن لفظة الصدقة والتحريم مشتركة فإن الصدقة تستعمل في الزكاة والهبات والتحريم يستعمل في الظهار والإيمان ويكون تحريماً على نفسه
وعلى غيره، والتأبيد يحتمل تأبيد التحريم وتأييد الوقف فلم يثبت لهذه الألفاظ عرف الاستعمال فلا يصح الوقف بمجردها ككنايات الظاهر فإذا انضم إليها أحد ثلاثة أشياء حصل الوقف بها (أحدها) أن ينوي الوقف فيكون على ما نوى إلا أن النية تجعله وقفاً في الباطن دون الظاهر لعدم الاطلاع عليها فإن اعترف بما نواه لزم في الحكم لظهوره، وإن قال ما أردت الوقف فالقول قوله لأنه أعلم بما نوى(6/187)
(الثاني) أن يضيف إليها لفظة تخلصها من الألفاظ الخمسة فيقول صدقة موقوفة أو محبسة أو مسبلة أو مؤبدة أو محرمة أو يقول هذه محرمة موقوفة أو محتبسة أو مسبلة أو مؤبدة (الثالث) : أن يصفها بصفات الوقف فيقول صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث لأن هذه القرينة تزيل الاشتراك.
* (مسألة) * (ولا يصح الوقف إلا بشروط أربعة: (أحدها) أن يكون في عين يجوز بيعها ويمكن الانتفاع بها دائما مع بقاء عينها كالحيوان والعقار والأثاث والسلاح) وجملة ذلك أن الذي يصح وقفه ما جاز بيعه مع بقاء عينه وكان أصلاً يبقى بقاء متصلاً كالعقار والحيوان والسلاح والأثاث وأشباه ذلك قال أحمد في رواية الأثرم إنما الوقف في الدور والأرضين على ما وقف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال فيمن وقف خمس نخلات على مسجد: لا بأس به، وهذا قول الشافعي، وقال أبو يوسف لا يجوز وقف الحيوان ولا الرقيق ولا العروض إلا الكراع والسلاح والغلمان والبقر والآلة في الأرض الموقوفة تبعاً لها لأن هذا حيوان لا يقاتل عليه فلم يجز وقفه كما لو كان الوقف إلى مدة، وعن مالك في الكراع والسلاح روايتان ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أما خالد فإنه قد احتبس أدراعه واعتاده في سبيل الله " متفق(6/188)
عليه وفي رواية أعتده أخرجه البخاري قال الخطابي الاعتاد ما يعده الرجل من مركوب وسلاح وآلة
الجهاد، وروي أن أم معقل جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن أبا معقل جعل ناصحه في سبيل الله وإني أريد الحج أفأركبه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اركبيه فإن الحج والعمرة من سبيل الله " ولأنه يحصل فيه تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة فصح وقفه كالعقار والفرس الحبيس أو نقول يصح وقفه مع غيره فصح وحده كالعقار (فصل) قال أحمد رحمه الله في رجل له دار في الربض أو قطيعة فأراد التنزه منها قال يقفها وقال القطائع ترجع إلى الأصل أراد جعلها للمساكين فظاهر هذا إباحة وقف السواد وهو في الأصل وقف ومعناه أن وقفها يطابق الأصل لا أنها تصير بهذا القول وقفاً * (مسألة) * (ويصح وقف المشاع وبهذا قال مالك والشافعي وأبو يوسف، وقال محمد بن الحسن لا يصح وبناه على أصله في أن القبض شرط وهو لا يصح في المشاع ولنا أن في حديث عمر أنه أصاب مائة سهم من خيبر فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فيها فأذن له في وقفها وهذا صفة المشاع ولأنه عقد يجوز على بعض الجملة مقرراً فجاز عليه مشاعا كالبيع ولأن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة وهذا يحصل في المشاع كحصوله في المقرر ولا نسلم اعتبار القبض وان سلمها(6/189)
(فصل) وإن وقف داره على جهتين مختلفتين مثل أن يقفها على أولاده وعلى المساكين نصفين أو أثلاثاً أو كيفما كان جاز وسواء جعل مآل الموقوف على أولاده على المساكين أو على جهة سواهم لأنه إذا جاز وقف الجزء مفرداً جاز وقف الجزئين، وإن أطلق الوقف فقال وقفت داري هذه على أولادي وعلى المساكين فهي بينهما نصفين لأن إطلاق الإضافة إليهما يقتضي التسوية بين الجهتين ولا تتحقق إلا بالتنصيف وإن قال وقفتها على زيد وعمرو والمساكين فهي بينهم أثلاثاً * (مسألة) * (ويصح وقف الحلي على اللبس والعارية) لأن ذلك نفع مباح مقصود يجوز أخذ الأجرة عليه فصح الوقف عليه كوقف السلاح في سبيل الله ولما روى نافع قال ابتاعت حفصة حلياً بعشرين ألفاً فحبسته على نساء آل الخطاب فكانت لا تخرج زكاته رواه الخلال باسناده ولأنه عين يمكن الانتفاع بها مع بقائها دائما فصح وقفها كالعقار وهو قول
الشافعي وروى عن أحمد أنه لا يصح وقفها عليه وأنكر الحديث عن حفصة في وقفه ووجه هذه الرواية إن التحلي ليس هو المقصود الأصلي من الأثمان فلم يصح وقفها عليه كما لو وقف الدنانير والدراهم والمذهب الأول لما ذكرنا، والتحلي من المقاصد المهمة والعادة جارية به وقد اعتبره الشرع في إسقاط الزكاة عن متخذه وجوز إجارته لذلك ويفارق الدراهم والدنانير فإن العادة لم تجر بالتحلي بها ولا اعتبر الشرع ذلك في إسقاط زكاة ولا ضمان نفعه في الغصب بخلاف مسئلتنا(6/190)
* (مسألة) * (ولا يصح الوقف في الذمة كعبد ودار وسلاح غير معين) لأن الوقف إبطال لمعنى الملك فيه فلم يصح في غير معين كالعتق * (مسألة) * (ولا يصح في غير معين كأحد هذين العبدين) لأنه انقل للملك على وجه القربة فلم يصح في غير معين كالهبة * (مسألة) * (ولا يصح وقف ما لا يجوز بيعه كأم الولد والكلب والمرهون وكذلك الخنزير وسائر سباع البهائم التي لا تصلح للصيد وجوارح الطير التي لا يصاد بها) لأنه نقل للملك فيها في الحياة فلم يجز كالبيع ولأن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة وما لا منفعة فيه مباحة فلا يحصل فيه تسبيل المنفعة والكلب أبيح الانتفاع به على خلاف الأصل للضرورة فلم يجز التوسع فيها، والمرهون في وقفه إبطال حق المرتهن منه فلم يجز ابطاله ولا يصح وقف الحمل المنفرد لأنه لا يجوز بيعه.
(فصل) ولا يصح وقف ما لا ينتفع به مع بقائه دائماً كالأثمان والطعوم والرياحين) ما لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه كالدراهم والدنانير والمشروب وأشباهه من الرياحين لا يجوز وفقه في قول عامة الفقهاء وأهل العلم إلا شيئاً حكى عن مالك والاوزاعي في وقف الطعام أنه يجوز ولم يحكه أصحاب مالك وليس بصحيح لأن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة وما لا ينتفع به إلا بالإتلاف لا يصح ذلك(6/191)
فيه وقيل في الدراهم والدنانير يصح وقفها عند من أجاز إجارتها ولا يصح لأن تلك المنفعة ليست المقصود
الذي خلقت له الأثمان ولهذا لا تضمن في الغصب فلم يجز الوقف له كوقف الشجر على نشر الثياب والغنم على دوس الطين والشمع ليتجعل به ولذلك لا يصح وقف الشمع للإشعال لأنه يتلف بالانتفاع به فهو كالمأكول (الثاني) أن يكون على بر كالمساكين والمساجد والقناطر والأقارب مسلمين كانوا أو من أهل الذمة.
وجملة ذلك أن الوقف لا يصح إلا على بر أو معروف لولده وأقاربه والمساجد والقناطر وكتب الفقه والعلم والقرآن والسقايات والمقابر وسبيل الله وإصلاح الطرق ونحو ذلك من القرب ويصح على أهل الذمة لأنهم يملكون ملكا محترما وتجوز الصدقة عليهم قال الله تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) وإذا جازت الصدقة عليهم جاز الوقف عليهم كالمسلمين، وروي أن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم وقفت على أخ لها يهودي ولأن من جاز أن يقف عليه الذمي جاز أن يقف المسلم عليه كالمسلم ولو وقف على من ينزل كنائسهم وبيعهم من المارة والمجتازين من أهل الذمة وغيرهم صح لأن الوقف عليهم لا على الموضع * (مسألة) * (ولا يصح على الكنائس وبيوت النار والبيع وكتب التوراة والإنجيل) لأن ذلك معصية فإن هذه المواضع بنيت للكفر وكتبهم مبدلة منسوخة ولذلك غضب النبي صلى الله عليه وسلم على عمر حين رأى معه صحيفة فيها شئ من التوراة وقال " أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ ألم آت بها بيضاء نقية؟ لو كان أخي موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي " ولولا أن ذلك معصية ما غضب منه.
وحكم(6/192)
الوقف على قناديل البيعة وفرشها ومن يخدمها ومن يعمرها كالوقف عليها لأنه يراد لتعظيمها والمسلم والذمي في ذلك سواء، قال أحمد في نصارى وقفوا على البيعة ضياعاً وماتوا ولهم أبناء نصارى فأسلموا والضياع بيد النصارى فلهم أخذها وللمسلمين عونهم حتى يستخرجوها من أيديهم وهذا مذهب الشافعي قال شيخنا ولا نعلم فيه مخالفاً لأن ما لا يصح من المسلم الوقف عليه لا يصح وقف الذي كغير المعين فإن قيل فقد قلتم إن أهل الكتاب إذا عقدوا عقوداً فاسدة وتقابضوا ثم أسلموا وترافعوا إلينا لم ننقض ما فعلوه فكيف أجزتم الرجوع فيما وقفوه على كنائسهم؟ قلنا الوقف ليس بعقد معاوضة إنما هو إزالة ملك في الموقوف على وجه القربة فإذا لم يقع صحيحاً لم يزل الملك بحاله كالعتق، وقد روي عن أحمد
رحمه الله فيمن أشهد في وصيته أن غلامه فلانا يخدم البيعة خمس سنين ثم هو حر ثم مات مولاه وخدم سنة ثم أسلم ما عليه؟ قال هو حر ويرجع على الغلام بأجر خدمة مبلغ أربع سنين، وروي عنه قال هو حر ساعة مات مولاه لأن هذه معصية وهذه الرواية أصح وأوفق لأصوله، ويحتمل أن قوله يرجع عليه بخدمة أربع سنين لم يكن لصحة الوظيفة بل لأنه إنما أعتقه بعوض يعتقدان صحته فإذا تعذر العوض بإسلامه كان عليه ما يقوم مقامه كما لو تزوج الذمي ذمية على ذلك ثم أسلم فانه يجب عليه المهر كذا ههنا يجب عليه العوض والأول أولى(6/193)
* (مسألة) * (ولا يصح الوقف على حربي ولا مرتد) لأن أموالهم مباحة في الأصل تجوز إزالتها فما يتجدد لهم أولى والوقف يجب أن يكون لازما لأنه تحبيس الأصل * (مسألة) * (ولا يصح على نفسه في إحدى الروايتين، فإن وقف على غيره واستثنى الأكل منه مدة حياته صح) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله فيمن وقف على نفسه ثم على المساكين أو على ولده فقال في رواية أبي طالب وقد سئل عن هذا فقال لا أعرف الوقف إلا ما أخرجه لله تعالى أو في سبيله فإذا وقفه عليه حتى يموت فلا أعرفه، فعلى هذه الرواية يكون الوقف عليه باطلا وهل يبطل على من بعده؟ على وجهين بناء على الوقف المنقطع الابتداء وهذا مذهب الشافعي لأن الوقف تمليك للرقبة أو للمنفعة ولا يجوز أن يملك الإنسان نفسه من نفسه كما لو يجوز أن يبيع ماله من نفسه ولأن الوقف على نفسه إنما حاصله منع نفسه من التصرف في رقبة الملك فلم يصح ذلك كما لو أفرده بأن يقول لا أبيع هذا ولا أهبه ولا أورثه، ونقل جماعة أن الوقف صحيح اختاره ابن أبي موسى.
قال ابن عقيل وهو أصح وهو قول ابن أبي ليلى وابن شبرمة وأبي يوسف وابن شريح لما نذكره في المسألة بعدها ولأنه يصح أن يقف وقفاً عاماً فينتفع به كذلك إذا خص نفسه بانتفاعه والأول أقيس (فصل) ومن وقف وقفاً صحيحاً على إنسان فقد صارت منافعه جميعها للموقوف عليه وزال ملكه(6/194)
عن الوقف وملك منافعه فلم يجز أن ينتفع بشئ منها فأما إن وقف شيئاً للمسلمين دخل في جملتهم مثل أن يقف مسجداً فله إن يصلي فيه أو مقبرة فله الدفن فيها أو بئر للمسليمن فله أن يسقي منها أو سقاية أو شيئاً يعم المسلمين فكيون كأحدهم لا نعلم في ذلك خلافا وقد روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه سبل بئر رومة وكان دلوه فيها كدلاء المسلمين * (مسألة) * (وإن وقف على غيره واستثنى الأكل منه مدة حياته صح) إذا وقف وقفاً على غيره وشرط أن ينفق منه على نفسه صح الوقف والشرط نص عليه أحمد قال الأثرم قيل لأبي عبد الله اشترط في الوقف أني أنفق على نفسي وأهلي؟ قال نعم واحتج قال سمعت ابن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه عن حجر المدري أن في صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكل أهله منها بالمعروف غير المنكر قال القاضي يصح الوقف رواية واحدة لأن أحمد نص عليها في رواية جماعة وبذلك قال ابن أبي ليلى وابن شبرمة وأبو يوسف والزبيري وابن شريح وقال مالك والشافعي ومحمد بن الحسن لا يصح الوقف لأنه إزالة الملك فلم يجز اشتراط نفعه لنفسه كالبيع والهبة وكما لو أعتق عبداً واشترط أن يخدمه ولأن ما ينفقه على نفسه مجهول فلم يصح اشتراطه كما لو باع شيئاً واشترط أن ينتفع به.
ولنا أن الخبر الذي ذكره الإمام أحمد ولأن عمر رضي الله عنه لما وقف قال لا بأس على من(6/195)
وليها أن يأكل منها أو يطعم صديقا غير متمول منه وكان الوقف في يده إلى أن مات ولأنه إذا وقف وقفاً عاما كالمساجد والسقايات والمقابر كان له الانتفاع به وكذلك ههنا ولا فرق بين أن يشترط لنفسه الانتفاع به مدة حياته أو مدة معلومة معينة وسواء قدر ما يأكل منه أو أطلقه فإن عمر لم يقدر ما يأكله الوالي ويطعم إلا بقوله بالمعروف وفي حديث صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه شرط أن يأكل أهله منها بالمعروف غير المنكر إلا أنه إذا شرط أن ينتفع بها مدة معينة فمات فيها فينبغي أن يكون ذلك لورثته كما لو باع داراً واشترط أن يسكنها سنة فمات في أثنائها (فصل) ويصح أن يشترط أن يأكل منها أهله لأن النبي صلى الله عليه شرط ذلك في صدقته وإن
شرط أن يأكل منه من وليه ويطعم صديقا صح لأن عمر شرط ذلك في صدقته التي استأمر فيها رسول الله عليه وسلم فإن وليها الواقف كان له أن يأكل ويطعم صديقا لأن عمر ولي صدقته وإن وليها أحد من أهله فله ذلك لأن حفصة بنت عمر كانت تلي صدقته بعد موته ثم وليها بعدها عبد الله بن عمر (فصل) فإن اشترط أن يبيعه متى شاء أو يهبه أو يرجع فيه بطل الوقف والشرط لا نعلم في بطلان الشرط خلافاً لأنه ينافي مقتضى الوقف ويحتمل أن يبطل الشرط ويصح الوقف بناء على الشروط الفاسدة في البيع وإن شرط الخيار في الوقف فسد نص عليه أحمد وبه قال الشافعي وقال أبو يوسف في رواية عنه يصح لأن الوقف تمليك المنافع فجاز شرط الخيار فيه كالإجارة(6/196)
ولنا أنه شرط ينافي مقتضى العقد فلم يصح كما لو شرط أن له بيعه متى شاء ولأنه إزالة ملك لله تعالى فلم يصح شرط الخيار فيه كالعتق ولأنه ليس بعقد معاوضة فلم يصح اشتراط الخيار فيه كالهبة بخلاف الإجارة فإنها عقد معاوضة وههنا لو ثبت الخيار لثبت مع ثبوت حكم الوقف فافترقا (فصل) وإن شرط في الوقف إن يخرج من شاء من أهل الوقف ويدخل من شاء من غيرهم لم يصح لأنه شرط ينافي مقتضى الوقف فأفسده كما لو شرط أن لا ينتفع به فأما إن شرط للناظر أن يعطي من يشاء من أهل الوقف ويمنع من يشاء جاز لأن ذلك ليس باخراج للموقوف عليه من الوقف وإنما علق استحقاق الوقف بصفة فكأنه جعل له حقاً في الوقف إذا اتصف بإرادة الناظر عطيته ولم يجعل له حقاً إذا انتفت تلك الصفة فيه فأشبه ما لو وقفه على المشتغلين بالعلم من ولده فإنه يستحق منهم من اشتغل دون من لم يشتغل فمتى ترك المشتغل الاشتغال زال استحقاقه فإن عاد إليه عاد استحقاقه * (فصل) * إذا جعل علو داره مسجداً دون أسفلها أو أسفلها دون علوها صح وقال أبو حنيفة لا يصح لأن المسجد يتبعه هواؤه ولنا أنه يصح بيعها كذلك فصح وقفها كالدار جميعها ولأنه تصرف يزيل الملك الى من يثبت له حق الاستقرار والتصرف فجاز فيما ذكرنا كالبيع * (فصل) * فإن جعل وسط داره مسجداً ولم يذكر الاستطراق صح وقال أبو حنيفة لا يصح حتى
يذكر الاستطراق(6/197)
ولنا أنه عقد يبيح الانتفاع من ضرورته الاستطراق فصح وإن لم يذكره كما لو أجر بيتاً من داره * (مسألة) * (الثالث أن يقفه على معين يملك ولا يصح على مجهول كرجل ومسجد) لأنه تمليك أشبه البيع ولأن الوقف تمليك للعين أو للمنفعة فلا يصح على غير معين كالإجارة * (مسألة) * (ولا يصح على حيوان لا يملك كالعبد القن وأم الولد والمدبر والميت والحمل والملك والبهيمة والجن) قال أحمد فيمن وقف على مماليكه لا يصح الوقف حتى يعتقهم وذلك لأن الوقف تمليك فلا يصح على من لا يملك فإن قيل فقد جوزتم الوقف على المساجد والسقايات وأشباهها وهي لا تملك قلنا الوقف هناك على المسلمين إلا أنه عين في نفع خاص لهم فإن قيل فينبغي أن يصح الوقف على الكنائس ويكون الوقف على أهل الذمة والوقف عليهم جائز قلنا على الجهة التي عين صرف الوقف فيها ليست نفعاً بل هي معصية محرمة يزدادون بها عقابا وإثماً بخلاف المساجد فإن قيل فلم لا يصح الوقف على العبد إذا قلنا أنه يملك بالتمليك؟ قلنا لأن الوقف يقتضي تحبيس الأصل والعبد لا يملك ملكا لازما ولا يصح على المكاتب وإن كان يملك لأن ملكه غير مستقر * (مسألة) * (الرابع أن يقف ناجزاً فإذا علقه على شرط لم يصح إلا أن يقول هو وقف بعد(6/198)
موتي فيصح في قول الخرقي وعند أبي الخطاب لا يصح) لا يصح تعليق ابتداء الوقف على شرط في الحياة مثل أن يقول إذا جاء رأس الشهر قداري وقف أو فرسي حبيس أو إذا ولد لي ولد أو إذا قدم غائب ونحو ذلك ولا نعلم في هذا خلافاً لأنه نقل للملك فيما لم يبن على التغليب والسراية فلم يجز تعليقه على شرط في الحياة كالهبة (فصل) فأما إذا قال هو وقف بعد موتي فظاهر كلام الخرقي أنه يصح ويعتبر من الثلث كسائر الوصايا وهو ظاهر كلام أحمد وقال القاضي لا يصح هذا لأنه تعليق للوقف على شرط فلم يصح كما لو علقه
على شرط في حياته وحمل كلام الخرقي علي أنه قال قفوا بعد موتي فتكون وصية بالوقف لا اياقفا ولنا على صحة الوقف المعلق بالموت ما احتح به أحمد أن عمرا وصى فكان في وصيته هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين إن حدث به حدث ان ثمنا صدقة والعبد الذي فيه والسهم الذي بخيبر ورقيقه الذي فيه والمائة وسق الذي أطعمني محمد صلى الله عليه وسلم تليه حفصة ما عاشت ثم يليه ذو الرأي من أهله لا يباع ولا يشترى ينفقه حيث يرى من السائل والمحروم وذوي القربى ولا حرج على من وليه إن أكل أو اشترى رقيقاً رواه أبو داود بنحو من هذا وهذا نص في مسئلتنا ووقفه هذا كان بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه اشتهر في الصحابة ولم ينكر فكان أجماعاً ولأن هذا تبرع معلق بالموت فصح كالهبة والصدقة المطلقة أو نقول صدقة معلقة بالموت فأشبهت غير الوقف وفارق هذا التعليق على شرط في الحياة(6/199)
بدليل الصدقة المطلقة أو الهبة وغيرهما وذلك لأن هذا وصية والوصية أوسع من التصرف في الحياة بدليل جوازها بالمجهول والمعدوم وللمجهول وللحمل وغير ذلك وبهذا يبين فساد قياس من قاس على هذا الشرط بقية الشروط وسوى المتأخرون من أصحابنا بين تعليقه بالموت وتعليقه بشرط في الحياة ولا يصح لما ذكرنا من الفرق بينهما (فصل) ولا يشترط القبول إلا أن يكون على آدمي معين ففيه وجهان أحدهما يشترط فإن لم يقبل أو رده بطل في حقه دون من بعده وصار كما لو وقف على من لا يجوز ثم على من يجوز يصرف في الحال إلى من بعده وجملة ذلك أن الوقف إذا كان على غير معين كالمساكين أو من لا يتصور منه القبول كالمساجد والقناطر لم يفتقر إلى القبول ون كان على آدمي معين ففيه وجهان أحدهما لا يشترط اختاره القاضي لأنه أحد نوعي الوقف فلم يشترط له القبول كالنوع الآخر ولأنه إزالة ملك تمنع البيع والهبة والميراث فلم يعتبر فيه قبول كالعتق والثاني يشترط لأنه تبرع لآدمي معين فكان من شرطه القبول كالهبة والوصية يحققه أن الوصية إذا كانت لآدمي معين وقفت على قبوله وإن كانت لغير معين كالمساكين أو لمسجد أو نحوه لم تفتقر إلى قبول كذا هاهنا والأول أولى والفرق بينه وبين الهبة والوصية أو الوقف لا يختص المعين بل يتعلق
به حق من يأتي من البطون في المستقبل فيكون الوقف على جميعهم إلا أنه مرتب فصار بمنزلة الوقف(6/200)
على الفقراء الذي لا يبطل برد واحد منهم ولا يقف على قبوله والوصية للمعين بخلافه وهذا مذهب الشافعي وإذا قلنا لا يفتقر إلى القبول لم يبطل بالرد كالعتق وإن قلنا يفتقر إلى القبول فرده بطل في حقه دون من بعده وصار كالوقف المنقطع الابتداء يخرج في صحته في حق من سواه وبطلانه وجهان بناء على تفريق الصفقة * (فصل) * إذا وقف على من لا يجوز ثم على من يجوز فهو وقف منقطع الابتداء كالوقف على عبده وأم ولده أو مجهول فإن لم يذكر له مآلا فالوقف باطل وكذلك إن جعل له مآلا لا يجوز الوقف عليه لأنه أخل بأحد شرطي الوقف فبطل كما لو وقف ما لا يجوز وقفه، وإن جعل له مآلا يجوز الوقف عليه كمن يقف على عبده ثم على المساكين ففي صحته وجهان بناء على تفريق الصفقة، وللشافعي قولان كالوجهين، فإذا قلنا يصح وهو قول القاضي وكان من لا يجوز الوقف عليه لا يمكن اعتبار انقراضه كالميت والمجهول والكنائس صرف في الحال إلى من يجوز الوقف عليه لأننا لما صححنا الوقف مع ذكر ما لا يجوز الوقف عليه فقد ألغيناه لتعذر التصحيح مع اعتباره، وإن كان من لا يجوز الوقف عليه يمكن اعتبار انقراضه كأم ولده وعبد معين فكذلك ذكره أبو الخطاب وفيه وجه آخر أنه يصرف في الحال إلى مصرف الوقف المنقطع إلى أن ينقرض من لا يجوز الوقف عليه فإذا انقرض صرف إلى من يجوز ذكره القاضي وابن عقيل لأن الواقف إنما جعله وقفاً على من يجوز بشرط انقراض هذا فلا يثبت بدونه، ويفارق ما لا يمكن اعتبار انقراضه لتعذر اعتباره ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين * (فصل) * فإن كان الوقف صحيح الطرفين منقطع الوسط كمن وقف على ولده ثم على عبيده ثم على(6/201)
المساكين خرج في صحة الوقف وجهان على ما نذكره في الوقف المنقطع الانتهاء، ثم ينظر فيما لا يجوز الوقف عليه فإن لم يمكن اعتبار انقراضه ألغيناه إذا قلنا بالصحة وإن أمكن اعتبار انقراضه فهل يعتبر أو يلغى؟ على وجهين كما تقدم، فإن كان منقطع الطرفين صحيح الوسط كمن وقف على عبده ثم على أولاده ثم على الكنيسة خرج في صحته أيضاً وجهان ومصرفه بعد من يجوز الوقف عليه إلى مصرف الوقف المنقطع
* (مسألة) * (وإن وقف على جهة تنقطع ولم يذكر له مآلاً أو وقف على من يجوز ثم على من لا يجوز أو قال وقفت وسكت انصرف بعد انقراض من يجوز الوقف عليه إلى ورثة الواقف وقفاً عليهم في إحدى الروايتين، والأخرى إلى أقرب عصبته وهل يختص به فقراءهم؟ على وجهين، وقال القاضي في موضع يكون وقفاً على المساكين) وجملة ذلك أن الوقف الذي لا اختلاف في صحته عند القائلين بصحة الوقف ما كان معلوم الابتداء والانتهاء غير منقطع مثل أن يجعل على المساكين أو طائفة لا يجوز بحكم العادة انقراضهم، وإن كان معلوم الانتهاء مثل أن يقف على قوم يجوز انقراضهم بحكم العادة ولم يجعل آخره للمساكين ولا لجهة غير منقطعة فهو صحيح أيضاً وبه قال مالك وابو يوسف والشافعي في أحد قوليه، وقال محمد بن الحسن لا يصح وهو القول الثاني للشافعي لأن الوقف مقتضاه التأبيد فإذا كان منقطعاً صار وقفاً على مجهول فلم يصح كما لو وقف على مجهول في الابتداء(6/202)
ولنا أنه تصرف معلوم المصرف فصح كما لو صرح بمصرفه المتصل ولأن الإطلاق إذا كان له عرف حمل عليه كنقد البلد وعرف الصرف ههنا أولى الجهات به فكأنه عينهم.
إذا ثبت هذا فإنه ينصرف عند انقراض الموقوف عليهم إلى أقارب الواقف وبه قال الشافعي إلا أنه قال يكون وقفاً على أقرب الناس إلى الواقف الذكر والأنثى فيه سواء، وعن أحمد أنه يصرف إلى المساكين اختاره القاضي والشريف أبو جعفر لأنهم مصرف الصدقات وحقوق الله تعالى من الكفارات ونحوها فإذا وجدت صدقة غير معينة الصرف انصرفت إليهم كما لو نذر صدقة مطلقة، وعن أحمد رواية ثالثة انه يجعل في بيت مال المسلمين لأنه مال لا مستحق له فأشبه مال من لا وارث له وقال أبو يوسف يرجع إلى الواقف وإلى ورثته إلا أن يقول صدقة موقوفة ينقق منها على فلان وفلان فإذا انقرض المسمى كانت على الفقراء والمساكين لأنه جعلها صدقة على مسمى فلا تكون على غيره، ويفارق ما إذا كان ينفق منها على فلان وفلان فإنه جعل الصدقة مطلقة.
ولنا أنه أزال ملكه لله تعالى فلم يجز أن يرجع إليه كما لو أعتق عبداً، والدليل على صرفه إلى
أقارب الواقف أنهم أولى الناس بصدقته لقول النبي صلى الله عليه وسلم " صدقتك على غير ذي رحمك صدقة وصدقتك على ذي رحمك صدقة وصلة " وقال " إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس " ولأنهم أولى الناس بصدقاته النوافل والمفروضات فكذلك صدقته المنقولة.
إذا ثبت فإنه يكون(6/203)
للفقراء منهم والأغنياء في إحدى الروايتين عن أحمد وهو ظاهر كلام الخرقي لأن الوقف لا يخص الفقراء ولأنه لو وقف على أولاده تناول الأغنياء والفقراء كذا ههنا، وفيه وجه آخر إنه يختص الفقراء منهم لأنهم أهل الصدقات دون الأغنياء ولأننا خصصنا الأقارب بالوقف لكونهم أولى الناس بالصدقة وأولى الناس بالصدقة الفقراء دون الاغيناء، واختلفت الرواية فيمن يستحق الوقف من أقرباء الواقف ففي إحدى الروايتين يختص بالورثة منهم لأنهم الذين صرف الله إليهم ماله بعد موته واستغنائه عنه فكذلك يصرف إليهم من ماله ما لم يذكر له مصرفا، فعلى هذا يكون بينهم على حسب ميراثهم ويكون وقفاً عليهم نص عليه أحمد وذكره القاضي لأن الوقف يقتضي التأبيد، وإنما صرفناه إلى هؤلاء لأنهم أحق الناس بصدقته فيصرف إليهم مع بقائه صدقة ويحتمل أن يصرف إليهم على سبيل الإرث على ما ذكره الخرقي ويبطل الوقف فيه كقول أبي يوسف والرواية الثانية يكون وقفاً على أقرب غصبة الواقف دون بقية الوراث ودون البعيد من العصبات فيقدم الأقرب فالأقرب على حسب استحقاقهم لولاء الموالي لانهم خصوصا بالعقل عنه وبميراث مواليه فخصوا بهذا أيضاً، قال شيخنا وهذا لا يقوى عندي فإن استحقاقهم لهذا دون غيرهم من الناس لا يكون إلا بدليل من نص أو إجماع ولا نعلم فيه نصاً ولا إجماعاً ولا يصح قياسه على ميراث ولاء الموالي لأن علته لا تتحقق ههنا، وأقرب الأقوال فيه صرفه إلى المساكين لأنهم مصارف مال الله وحقوقه فان كان في أقارب الواقف مساكين كانوا أولى(6/204)
به لا على سبيل الوجوب كما أنهم أولى بزكاته وصلاته مع جواز الصرف إلى غيرهم ولانا إذا صرفناه إلى أقاربه على سبيل التعيين فهي أيضاً جهة منقطعة فلا يتحقق اتصاله إلا بصرفه إلى المساكين فإن لم يكن للواقف أقارب أو كان له أقارب فانقرضوا صرف إلى الفقراء أو المساكين وقفاً عليهم لأن
القصد به الثواب الجاري عليه على وجه الدوام، وإنما قدمنا الأقارب على المساكين لكونهم أولى فإذا لم يكونوا فالمساكين أهل لذلك فصرف إليهم إلا على قول من قال إنه يصرف إلى ورثة الواقف ملكاً لهم فإنه يصرف عند عدمهم الى بيت المال لأنه بطل الوقف فيه بانقطاعه فصار ميراثاً لا وارث له فكان بيت المال أولى به (فصل) وإن وقف على من يجوز ثم على من لا يجوز كمن وقف على أولاده ثم على البيع صح الوقف أيضاً ويرجع بعد انقراض من يجوز الوقف عليه إلى من يصرف إليه الوقف المنقطع كالمسألة قبلها لأن ذكر من لا يجوز الوقف عليه وعدمه واحد ويحتمل أن لا يصبح الوقف لأنه جمع بين ما يجوز وما لا يجوز فأشبه تفريق الصفقة (فصل) فإن قال وقفت هذا وسكت أو قال صدقة موقوفة ولم يذكر سبيله فلا نص فيه وقال ابن حامد يصح الوقف قال القاضي هو قياس قول أحمد فإنه قال في النذر المطلق ينعقد موجباً لكفارة اليمين وهو قول مالك والشافعي في أحد قوليه لأنه إزالة ملك على وجه القربة فوجب أن يصح(6/205)
مطلقاً كالأضحية والوصية، ولو قال وصيت بثلث مالي صح وإذا صح صرف إلى مصارف الوقف المنقطع عند انقراض الموقوف عليه كما ذكرنا * (مسالة) * (وإن قال وقفت داري سنة أو إلى يوم يقدم الحاج لم يصح في أحد الوجهين) لأن مقتضى الوقف التأبيد وهذا ينافيه (والوجه الآخر) يصح لأنه منقطع الانتهاء فهو كما لو وقف على منقطع الانتهاء فإن قلنا يصح فهو كمنقطع الانتهاء يصرف إلى مصرف الوقف المنقطع الانتهاء (فصل) فإن قال هذا وقف على ولدي سنة ثم على المساكين صح وكذلك إن قال وقف على ولدي مدة حياتي ثم هو بعد موتي للمساكين صح لأنه وقف متصل الابتداء والانتهاء، وإن قال وقف على المساكين ثم على أولادي صح ويكون وقفاً على المساكين ويلغو قوله على أولادي لأن المساكين لا انقراض لهم * (مسألة) * (ولا يشترط اخراح الوقف عن يده في إحدى الروايتين)
ظاهر المذهب أن الوقف يزول به ملك الواقف ويلزم بمجرد اللفظ لأن الوقف يحصل به وعن أحمد أنه لا يلزم الا بالقبض وإخراج الوقف عن يده فإنه قال الوقف المعروف أن يخرجه من يده إلى غيره يوكل فيه من يقوم به اختاره ابن أبي موسى وهو قول محمد بن الحسن لأنه تبرع بما لم يخرجه عن المالية فلم يلزمه بمجرده كالهبة والوصية(6/206)
ولنا ما رويناه من حديث عمر ولأنه تبرع يمنع البيع والهبة والميراث فيلزم بمجرده كالعتق، ويفارق الهبة فإنها تمليك مطلق والوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة فهو بالعتق أشبه وإلحاقه به أولى.
* (فصل) * قال رضي الله عنه (ويملك الموقوف عليه الوقف وعنه لا يملكه) ظاهر المذهب أن الملك ينتقل في الموقوف إلى الموقوف عليه قال أحمد إذا وقف داره على ولد أخيه صارت لهم وهذا يدل على أنهم ملكوه وروى عن أحمد أنه لا يملك فإن جماعة نقلوا عنه فيمن وقف على ورثته في مرضه يجوز لأنه لا يباع ولا يورث ولا يصير ملكاً للورثة وإنما ينتفعون بغلتها وهذا يدل بظاهره على أنهم لا يملكون، ويحتمل أن يريد بقوله لا يملكون أي لا يملكون التصرف في الرقبة فإن فائدة الملك وآثاره ثابتة في الوقف وعن الشافعي من الاختلاف نحو ما حكيناه وقال أبو حنيفة لا ينتقل الملك في الوقف اللازم بل يكون حق الله تعالى لأنه إزالة ملك عن العين والمنفعة على وجه القربة بتمليك المنفعة فانتقل إلى الله تعالى كالعتق ولنا أنه سبب يزيل ملك الواقف وجه إلى من يصح تمليكه على وجه لم يخرج المال عن ماليته فوجب أن ينقل الملك إليه كالهبة والبيع ولأنه لو كان تمليك المنفعة المجردة لم يلزم كالعارية والسكنى ولم يزل ملك الواقف عنه كالعارية، ويفارق العتق فإنه أخرجه عن المالية وامتناع التصرف في الرقبة لا يمنع الملك كأم الولد(6/207)
* (مسألة) * (ويملك صوفه ولبنه وثمرته ونفعه) لأنه نماء ملكه ولا نعلم في ذلك خلافاً * (مسألة) * (وليس له وطئ الجارية فإن فعل فلا حد عليه ولا مهر)
لا يجوز للموقوف عليه وطئ الأمة الموقوفة لأنا لا نأمن حبلها فتنقص أو تتلف او تخرج من الوقف بكونها أم ولد ولأن ملكه ناقص فإن وطئ فلا حد عليه للشبهة ولا مهر عليه لأنه لو وجب لوجب له ولا يجب للإنسان شئ على نفسه * (مسألة) * (وإن ولدت فالولد حر) لأنه من وطئ شبهة وعليه قيمته يوم الوضع يشترى بها عبد مكانه لأنه فوت رقه وتصير أم ولد له لأنه أحبلها بحر في ملكه فإذا مات عتقت وتجب قيمتها في تركته لأنه أتلفها على من بعده من البطون فيشتري بها جارية تكون وقفاً مكانها، وإن قلنا لا يملكها الموقوف عليه لم تصر أم ولد له بذلك لأنها أجنبية * (مسألة) * (فإن أعتقها لم ينفذ عتقه) لأنه يتعلق به حق غيره ولأن الوقف لازم فلا يمكن من إبطاله فإن كان نصف العبد وقفاً ونصفه طلقاً فأعتق صاحب الطلق لم يسر عتقه إلى الوقف لأنه إذا لم يعتق بالمباشرة فبالسراية أولى * (مسألة) * (وإن وطئها أجنبي بشبهة فالولد حر)(6/208)
لاعتقاده أنه يطأ في ملكه وإن كان الواطئ عبداً وعليه المهر لأهل الوقف لأنه وطئ جاريتهم في غير ملك أشبه الأمة المطلقة، وتجب قيمته لأنه كان من سبيله أن يكون مملوكاً فمنعه اعتقاد الحرية من الرق فوجبت قيمته يشتري بها عبداً يكون وقفاً وتعتبر قيمته يوم تضعه حياً لأنه لا يمكن تقويمه قبل ذلك وإن وطئها مكرهة أو طاوعته فعليه الحد إذا انتفت الشبهة والمهر لأهل الوقف لأنه وطئ جارية غيره ويكون ولدها وقفاً معها لأنه تبع لها * (مسألة) * (وإن تلفت فعليه قيمتها يشتري بها مثلها) سواء أتلفها أجنبي أو الواقف كما لو اتلف غير الوقف، وإن أتلفه الموقوف عليه فعليه قيمته أيضاً يشتري بها مثله يقوم مقامه لأنه لا يملك التصرف في رقبته إنما له نفعه ويحتمل أن يملك الموقوف عليه قيمة الولد فيما إذا وطئها أجنبي بشبهة فأتت بولد ولا يلزمه قيمته إن أولدها لذلك * (مسألة) * (وله تزويج الأمة وأخذ مهرها وولدها وقف معها ويحتمل أن يملكه)
يجوز للموقوف عليه تزويج الأمة الموقوفة لأنه عقد على منفعتها أشبه الإجارة ولأن الموقوف عليه لا يملك استيفاء هذه المنفعة فلا يتضرر بتمليك غيره إياها والمهر للموقوف عليه لأنه بدل نفعها أشبه الأجرة، ويحتمل أن لا يجوز تزويجها لأنه عقد على منفعتها في العمر فيفضى إلى تفويت منفعتها في حق البطن الثاني، ولأن النكاح يتعلق به حقوق من وجوب تمكين الزوج من استمتاعها ومبيتها عنده فتفوت خدمتها في الليل على البطن الثاني فإن طلبت التزويج وجب تزويجها لأنه حق لها طلبته فنعينت(6/209)
الإجابة إليه وما فات من الحق به يفوت تبعاً لإبقائها حقها فلا يكون مانعاً من تزويجها كغير الموقوفة إذا طلبت ذلك وإذا زوجها فولدت من الزوج فولدها وقف معها لأن ولد كل ذات رحم حكمه حكمها كأم الولد والمكاتبة ويحتمل أن يملك الموقوف عليه ولدها لأنه من نمائها * (مسألة) * (وإن جنى الوقف خطأ فالأرش على الموقوف عليه ويحتمل أن يكون في كسبه) إذا جنى الوقف جناية موجبة للمال لم يتعلق أرشها برقبته لأنه لا يمكن بيعها ويجب أرشها على الموقوف عليه لأنه ملكه تعذر تعلق أرشه برقبته فكان على مالكه كجناية أم الولد ولا يلزمه أكثر من قيمته كأم الولد، فإن قلنا أن الوقف لا يملك فالارش في كسبه لأنه تعذر تعلقه برقبته لكونها لا تباع وبالموقوف عليه لأنه لا يملكه فكان في كسبه كالحر، ويحتمل أن يكون في بيت المال كأرش جناية الحر المعسر.
قال شيخنا: وهذا احتمال ضعيف فإن الجناية إنما تكون في بيت المال في صورة تحملها العاقلة عند عدمها وجناية العبد لا تحملها العاقلة، وإن كان الوقف على المساكين فينبغي أن يكون الارض في كسبه لأنه ليس له مستحق معين يمكن إيجاب الأرش عليه ولا يمكن تعلقه برقبته فتعين في كسبه، ويحتمل أن يكون في بيت المال، وان جنى جناية توجب القصاص وجب سواء كانت على الموقوف عليه أو على(6/210)
غيره، فإن قتل بطل الوقف فيه وإن قطع كان باقيه وقفاً كما لو تلف بفعل الله تعالى (فصل) وإن جني على الوقف جناية موجبة للمال وجب لأن ماليته لم تبطل ولو بطلت ماليته لم يبطل ارش الجناية عليه فإن الحر يجب ارش الجناية عليه فإن قتل وجبت قيمته وليس للموقوف عليه
العفو عنها لأنه لا يختص بها ويشترى مثل المجني عليه يكون وقفاً، وقال بعض الشافعية يختص الموقوف عليه بالقيمة إن قلنا إنه يملك الموقوف لأنها بدل ملكه ولنا أنه ملك لا يختص به فلم يختص ببدله كالعبد المشترك والمرهون، وبيان عدم الاختصاص ظاهر فإنه يتعلق به حق البطن الثاني فلم يجز ابطاله ولا نعلم قدر ما يستحق هذا منه فيعفو عنه فلم يصح العفو عن شئ منه كما لو أتلف رجل رهناً أخذت منه قيمته فجعلت رهناً ولم يصح عفو واحد منهما عنه، وإن كانت الجناية عمداً محضاً من مكافئ له فالظاهر أنه لا يجب القصاص لأنه محل لا يختص الموقوف عليه فلم يجز أن يقتص من قاتله كالعبد المشترك، وقال بعض أصحاب الشافعي يكون ذلك إلى الامام فإن قطعت يد العبد أو بعض أطرافه فله استيفاء القصاص لأنه حق لا يشاركه فيه غيره، وإن كان القطع لا يوجب القصاص أو يوجبه فعفا عنه وجب نصف قيمته، فإن أمكن أن يشترى بها عبد كامل وإلا اشتري شقص من عبد * (مسألة) * (وإذا وقف على ثلاثة ثم على المساكين فمن مات منهم رجع نصيبه إلى الآخرين فإذا ماتا رجع إلى المساكين) لأنه جعله لهم مشروطاً بانقراض الثلاثة فوجب اتباع شرطه في ذلك(6/211)
كسائر شروطه وكما لو وقف على ولده ثم على المساكين فإنه لا يصرف إلى المساكين شئ من الوقف إلا بعد انقراض الولد كذا ههنا * (فصل) * قال رضي الله عنه (ويرجع إلى شرط الواقف في قسمه على الموقوف عليهم في التقديم والتأخير والجمع والترتيب والتسوية والتفضيل وإخراج من شاء بصفة وإدخاله بصفة وفي الناظر فيه والإيقاف عليه وسائر أحواله لأنه ثبت بوقفه فوجب أن يتبع فيه شرطه ولأن ابتداء الوقف مفوض إليه فكذلك تفضيله وترتيبه، وكذلك إن شرط إخراج بعضهم بصفة ورده بصفة مثل أن يقول من تزوج منهم فله ومن فرق فلا شئ له أو عكس ذلك أو من حفظ القرآن فله ومن نسيه فلا شئ له، أو من اشتغل بالعلم فله ومن تركه فلا شئ له أو من كان على مذهب كذا فله ومن خرج منه فلا شئ له، وكذلك إن وقف على أولاده على أن للأنثى سهماً وللذكر سهمين أو على حسب ميراثهم أو بالعكس أو على
أن للكبير ضعف ما للصغير أو للفقير ضعف ما للغني أو عكس ذلك أو عين بالتفضيل واحداً معيناً أو ولده أو ما أشبه هذا فهو على ما قال لما ذكرنا فكل هذا صحيح وهو على ما شرط، وقد روى هشام بن عروة أن الزبير جعل دوره صدقة على بنيه لا تباع ولا توهب وأن للمردودة من بناته أن تسكن غير مضرة ولا مضر بها فإن استغنت بزوج فلا حق لها في الوقف وليس هذا تعليقاً للوقف بصفة بل وقف مطلق والاستحقاق له بصفة وكل هذا مذهب الشافعي ولا نعلم فيه خلافا(6/212)
* (مسألة) * (فإن لم يشرط ناظراً فالنظر للموقوف عليه وقيل للحاكم ينفق عليه من غلته) النظر في الموقف لمن شرطه الواقف لأن عمر رضي الله عنه جعل وقفه إلى حفصة تليه ما عاشت ثم يليه ذو الرأي من أهلها، ولأن مصرف الوقف يتبع فيه شرط الواقف فكذلك النظر فإن جعل النظر لنفسه جاز وإن جعله إلى غيره صح، فإن لم يجعله إلى أحد أو جعله لإنسان فمات فالنظر للموقوف عليه لأنه ملكه يختص بنفعه فكان نظره إليه كملكه المطلق، ويحتمل أن ينظر فيه الحاكم اختاره ابن أبي موسى قال شيخنا ويحتمل أن يكون ذلك مبنياً على أن الملك فيه هل ينتقل إلى الموقوف عليه أو إلى الله تعالى فان قلنا هو للموقوف عليه فالنظر له فيه لأنه يملك عينه ونفعه، وإن قلنا هو لله تعالى فالحاكم يتولاه ويصرفه إلى مصارفه لأنه مال الله فكان النظر فيه إلى حاكم المسلمين كالوقف على المساكين.
فأما الوقف على المساكين والمساجد ونحوها أو على من لا يمكن حصرهم واستيعابهم فالنظر فيه إلى الحاكم لأنه ليس له مالك معين ينظر فيه وللحاكم أن يستنيب فيه لأن الحاكم لا يمكنه تولي النظر بنفسه (فصل) ومتى كان النظر للموقوف عليه إما بجعل الواقف النظر له أو لكونه أحق بذلك عند عدم ناظر سواه أو كان واحداً مكلفاً رشيداً فهو أحق بذلك رجلا كان أو امرأة عدلاً أو فاسقاً لأنه ينظر لنفسه فكان له ذلك في هذه الأحوال كملكه المطلق ويحتمل أن يضم إلى الفاسق أمين حفظا لأصل الوقف عن البيع والتضييع، وإن كان الوقف لجماعة رشيدين فالنظر للجميع لكل إنسان في حصته(6/213)
فان كان الموقوف عليه صغيراً أو مجنوناً أو سفيهاً قام وليه في النظر مقامه كملكه المطلق، وإن كان النظر
لغير الموقوف عليه بتولية الواقف أو الحاكم أو لبعض الموقوف عليهم لم يجز أن يكون إلا أميناً فإن لم يكن أميناً لم تصح ولايته إن كانت من الحاكم وأزيلت يده، وإن ولاه الواقف وهو فاسق أو كان عدلاً ففسق ضم إليه أمين لحفظ الوقف ولم تزل يده لأنه أمكن الجمع بين الحقين، ويحتمل أن لا تصح تولية الفاسق وينعزل إذا فسق لأنها ولاية على حق غيره فنافاها الفسق كما لو ولاه الحاكم وكما لو لم يكن حفظ الوقف منه مع بقاء ولايته فإن يده تزال لأن مراعاة حفظ الوقف أهم من إبقاء ولاية الفاسق عليه (فصل) ونفقة الوقف من حيث شرط الواقف لأنه لما اتبع شرطه في مصرفه وجب اتباعه في نفقته فإن لم يكن شرطه فمن غلته لأن الوقف اقتضى تحبيس أصله وتسبيل نفعه ولا يحصل ذلك إلا بالإنفاق عليه فهو من ضرورته، وكذك عمارة الوقف قياساً على نفقته فإن تعطلت منافع الحيوان الموقوف فنفقته على الموقوف عليه لأنه ملكه ويحتمل وجوبها في بيت المال ويجوز بيعه على ما نذكره * (مسألة) * (وإن وقف على ولده ثم على المساكين فهو لولده الذكور والإناث والحبالى بالسوية) وكذلك إن قال وقفت على أولادي أو على ولد فلان لانه شرك بينهم وإطلاق التشريك يقتضي التسوية كما لو أقر لهم بشئ وكولد الأم في الميراث حين شرك الله تعالى بينهم فيه فقال (فهم شركاء في الثلث) تساووا فيه ولم يفضل بعضهم على بعض وليس كذك في ميراث ولد الأبوين وولد الأب(6/214)
فإن الله تعالى قال (فان كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) ولا نعلم في هذا خلافاً * (مسألة) * (ولا يدخل فيه ولد البنات وهل يدخل فيه ولد البنين؟ على روايتين) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في ذلك فروي عنه ما يدل عى انه يكون وفقا على أولاده وأولاد بنيه الذكور والإناث ما لم تكن قرينة تصرفه عن ذلك دون أولاد البنات.
قال المروذي: قلت لأبي عبد الله ما تقول في رجل وقف ضيعة على ولده فمات الأولاد وتركوا النسوة حوامل؟ فقال كل ما كان من أولاد الذكور بنات كن أو بنين فالضيعة موقوفة عليهم وما كان من أولاد البنات فليس لهم فيه شئ لأنهم من رجل آخر، ووجه ذلك أن الله تعالى لما قال (يوصيكم الله في أولادكم) دخل فيه ولد البنين وإن سفلوا، ولما قال (ولأبويه لكل واحد منهما السدس إن كان له ولد) تناول ولد البنين
فالمطلق من كلام الآدمي إذا خلا عن قرينة ينبغي أن يحمل على المطلق من كلام الله تعالى ويفسر بما يفسر به ولأن ولد الولد ولد بدليل قوله تعالى (يا بني آدم، ويا بني إسرائيل) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " ارموا يا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً " وقال " نحن بنو النضر بن كنانة " ولأنه لو وقف على ولد فلان وهم قبيلة دخل فيه ولد البنين فكذلك اذا لم يكونوا قبيلة (والرواية الثانية) لا يدخل فيه ولد الولد بحال وسواء في ذلك ولد البنين وولد البنات اختاره القاضي وأصحابه لأن الولد حقيقة وعرفاً إنما هو ولده لصلبه وإنما سمي ولد الولد ولداً مجازاً ولهذا يصح نفيه فيقال ما هذا ولدي(6/215)
إنما هو ولد ولدي.
فأما ولد البنات فلا يدخلون بغير خلاف لأنهم لم يدخلوا في قوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم) قال الشاعر: بنونا بنو أبنائنا وبناتنا * بنوهن أبناء الرجال الأباعد (فصل) فإن قال على ولد ولدي لصلبي فهو آكد في اختصاصه بالولد دون ولد الولد، وإن قال على ولدي وولد ولدي ثم على المساكين دخل فيه البطن الأول والثاني ولم يدخل فيه البطن الثالث وإن قال على ولدي وولد ولدي ولد ولد ولدي دخل فيه ثلاثة بطون دون من بعدهم، وموضع الخلاف المطلق، فأما مع وجود دلالة تصرف إلى أحد المحملين فإنه يصرف إليه بغير خلاف، مثل أن يقول على ولد فلان وهم قبيلة ليس فيهم ولد من صلبه أو قال ويفضل الولد الأكبر أو الأفضل أو الأعلم على غيرهم أو قال فإذا خلت الأرض من عقبي عاد إلى المساكين أو قال على ولد ولدي غير ولد البنات أو غير ولد فلان أو قال يفضل البطن الأعلى على الثاني أو قال الأعلى فالأعلى وأشباه ذلك فهذا يصرف لفظه إلى جميع نسله وعقبته، فإن اقترنت به قرينة تقتضي تخصيص أولاده لصلبه بالوقف مثل أن يقول على ولدي لصلبي أو الذين يلونني ونحو هذا فإنه يختص بالبطن الأول دون غيرهم، وإذا قلنا بتعميمهم إما بالقرينة وإما لقولنا إن المطلق يقتضي التعميم ولم يكن في لفظه ما يقتضي تشريكاً ولا ترتيباً احتمل أن يكون بين الجميع على التشريك لأنهم دخلوا في اللفظ دخولاً واحداً فوجب أن يشتركوا(6/216)
فيه كما لو أقر لهم بدين، ويحتمل أن يكون على الترتيب على حسب الترتيب في الميراث، وهذا ظاهر كلام أحمد لقوله فيمن وقف على ولد علي بن إسماعيل ولم يقل إن مات ولد علي بن إسماعيل دفع إلى ولد ولده فمات ولد علي بن إسماعيل وترك ولداً فقال إن مات ولد علي بن إسماعيل: دفع إلى ولده أيضاً لأن هذا من ولد علي بن إسماعيل فجعله لولد من مات من ولد علي بن إسماعيل عند موت أبيه وذلك لأن ولد البنين لما دخلوا في قول الله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) لم يستحق ولد البنين شيئاً مع وجود آبائهم واستحقوا عند فقدهم كذا ههنا فأما إن وصى لولد فلان وهم قبيلة فلا ترتيب ويستحق الأعلى والأسفل على كل حال (فصل) وإن رتب فقال وقفت هذا على ولدي وولد ولدي ما تناسلوا وتعاقبوا الأعلى فالأعلى والأقرب فالأقرب أو الأول فالأول أو البطن الأول ثم البطن الثاني أو على أولادي ثم على أولاد أولادي أو على أولادي فإذا انقرضوا فعلى أولاد أولادي فعلى هذا الترتيب لا يستحق البطن الثاني شيئا حتي ينقرض البطن الأول كله ومتى بقي واحد من البطن الأول كان الجميع له لأن الوقف ثبت بقوله فيتبع مقتضى كلامه وإن قال على أولادي وأولادهم ما تعاقبوا وتناسلوا على أنه من مات منهم عن ولد كان ما كان جارياً عليه جارياً على ولده كان دليلاً على الترتيب لأنه لو اقتضى التشريك لا اقتضى(6/217)
التسوية ولو جعلنا لولد الولد سهماً مثل سهم أبيه ثم دفعنا إليه سهم أبيه صار له سهمان ولغيره سهم وهذا ينافي التسوية ولأنه يفضي إلى تفضيل ولد الابن على الابن والظاهر من إرادة الواقف خلاف هذا فإذا ثبت الترتيب فإنه يترتب بين كل والد وولده وإذا مات عن ولد انتقل إلى ولد سهمه سواء بقي من البطن الأول أحد أو لم يبق (فصل) وإن رتب بعضهم دون بعض فقال وقفت على ولدي وولد ولدي ثم على أولادهم أو على أولادي ثم على أولاد أولادي وأولادهم ما تناسلوا وتعاقبوا أو قال على أولادي وأولاد أولادي ثم على أولادهم وأولاد أولادهم ما تناسلوا فهو على ما قال من شرك بينهم بالواو المقتضية للجمع والتشريك ويرتب من رتبه بحرف الترتيب ففي المسألة الأولى يشترك الولد وولد الولد فإذا انقرضوا صار لمن
بعدهم وفي الثانية يختص به الولد فإذا انقرضوا صار مشتركاً بين من بعدهما وفي الثالثة يشترك فيه البطنان الأولان دون غيرهم فإذا انقرضوا اشترك فيه من بعدهم (فصل) فإن قال وقفت على أولادي ثم على أولاد أولادي على أنه من مات من أولادي عن ولد فنصيبه لولده أو فنصيبه لإخوته أو لولد ولده أو لولد أخيه أو لأخواته أو لولد أخواته فهو على ما شرطه، وان قال: ومن مات منهم عن ولد فنصيبه لولده ومن مات منهم عن غير ولد فنصيبه لأهل الوقف وكان له ثلاثة بنين فمات أحدهم عن ابنين انتقل نصيبه إليهما ثم مات الثاني عن(6/218)
غير ولد فنصيبه لأخيه وابني أخيه بالتسوية لأنهم أهل الوقف فإن مات أحد ابني الابن عن غير ولد انتقل نصيبه إلى أخيه وعمه لأنهما أهل الوقف، ولو مات أحد البنين الثلاثة عن غير ولد وخلف أخويه وابني أخ له فنصيبه لأخويه دون ابني أخيه لأنهما ليسا من أهل الوقف ما دام أبوهما حيا فادا مات أبوهما صار نصيبه لهما فإذا مات الثالث كان نصيبه لابني أخيه بالتسوية إن لم يخلف ولداً فإن خلف ابناً واحداً فله نصيب أبيه وهو النصف ولابني عمه النصف بينهما نصفين، وإن قال: من مات منهم عن غير ولد كان ما كان جارياً عليه جارياً على من هو في درجته وكان الوقف مرتباً بطناً بعد بطن كان نصيب الميت عن غير ولد لأهل البطن الذي هو منه وإن كان مشتركاً بين البطون كلها احتمل أن يكون نصيبه بين جميع أهل الوقف لأنهم في استحقاق الوقف سواء فكانوا في درجته من هذه الجهة ولأننا لو صرفنا نصيبه إلى بعضهم أفضى إلى تفضيل بعضهم على بعض والتشريك يقتضي التسوية فعلى هذا يكون وجود هذا الشرط كعدمه لأنه لو سكت عنه كان الحكم كذلك ويحتمل أن يعود نصيبه إلى سائر البطن الذي هو منه لأنهم في درجته في القرب إلى الحد الذي يجمعهم ويستوي في ذلك إخوته وبنو عمه وبنو عم أبيه لأنهم سواء في القرب ولأننا لو شركنا بين أهل الوقف كلهم في نصيبه لم يكن في هذا الشرط فائدة والظاهر أنه قصد سبباً يفيد فعلى هذا إن لم يكن في درجته أحد بطل هذا الشرط وكان الحكم فيه كما لو لم يذكره وإن كان الوقف على البطن الأول على أنه من مات منهم عن ولد انتقل نصيبه إلى ولده ومن مات عن غير ولد انتقل نصيبه إلى من في درجته ففيه ثلاثة أوجه:(6/219)
(أحدهما) أن يكون نصيبه بين أهل الوقف كلهم يتساوون فيه سواء كانوا من بطن واحد أو من بطون وسواء تساوت أنصباؤهم في الوقف أو اختلفت لما ذكرنا من قبل (والثاني) أن يكون لأهل بطنه سواء كانوا من أهل الوقف أو لم يكونوا مثل أن يكون البطن الأول ثلاثة فمات أحدهم عن ابن ثم مات الثاني عن ابنين فمات أحد الابنين وترك أخاه وابن عمه وعمه وابناً لعمه الحي فكيون نصيبه بين أخيه وابني عمه (والثالث) أن يكون لأهل بطنه من أهل الوقف فيكون على هذا لأخيه وابن عمه الذي مات أبوه، فان كان في درجته في النسب من ليس من أهل الاستحقاق بحال كرجل له أربعة بنين وقف على ثلاثة منهم على هذا الوجه المذكور وترك الرابع فمات أحد الثلاثة عن غير ولد لم يكن للرابع فيه شئ لأنه ليس من أهل الاستحقاق فأشبه ابن عمهم (فصل) وإن وقف على بنيه وهم ثلاثة على أن من مات من فلان وفلان وأولادهم عن ولد فنصيبه لولده وإن مات فلان فنصيبه لأهل الوقف فهو على ما شرط، وكذلك إن كان بنون وبنات فقال: من مات من الذكور فنصيبه لولده، ومن مات من البنات فنصيبها لأهل الوقف فهو على ما قال، وإن قال على أولادي على أن يصرف إلى البنات منه ألف والباقي للبنين لم يستحق البنون شيئاً حتى يستوفي البنات الألف لأنه جعل للبنات مسمى وجعل للبنين الفاضل عنه والحكم فيه على ما قال لأنه(6/220)
جعل البنات كذوي الفروض وجعل البنين كالعصبات الذين لا يستحقون إلا ما فضل عن ذوي الفروض (فصل) فإن كان له ثلاثة بنين فقال وقفت على ولدي فلان وفلان وعلى ولد ولدي كان الوقف على الابنين المسمين وعلى أولادهما وأولاد الثالث ولا شئ للثالث، وقال القاضي يدخل الثالث في الوقف وذكر أن أحمد قال في رجل قال: وقفت هذه الضيعة على ولدي فلان وفلان وعلى ولد ولدي وله ولد غير هؤلاء قال يشتركون في الوقف واحتج القاضي بأن قوله ولدي يستغرق الجنس فيعم الجميع وقوله فلان وفلان تأكيد لبعضهم ولا يوجب إخراج بقيتهم كالعطف في قوله (من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال)
ولنا أنه أبدل بعض الولد من اللفظ المتناول للجميع فاختض بالبعض المبدل كما لو قال علي ولدي فلان وذلك لأن بدل البعض يوجب اختصاص الحكم به كقول الله تعالى (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) لما خص المستطيع بالذكر اختص الوجوب به، ولو قال ضربت زيداً رأسه أو رأيت زيداً وجهه اختص الضرب بالرأس والرؤية بالوجه، ومنه قول القائل: طرحت الثياب بعضها فوق بعض، فإن الفوقية تختص بالبعض مع عموم اللفظ الأول كذا ههنا وفارق العطف فإن عطف الخاص على العام يقتضي تأكيده لا تخصيصه وكلام أحمد: هم شركاء يحتمل إن يعود إلى أولاد أولاده أي يشترك أولاد الموقوف عليهما وأولاد غيرهم لعموم لفظ الواقف فيهم ويتعين حمل كلامه عليه لقيام(6/221)
الدليل عليه، ولو قال علي ولدي فلان وفلان ثم على المساكين خرج فيه من الخلاف مثل ما ذكرنا قال شيخنا ويحتمل أن يدخل في الوقف ولد ولده لأننا قد ذكرنا من قبل أن ظاهر كلام أحمد أن قوله وقفت على ولد ولدي يتناول نسله وعاقبته كلها (فصل) ومن وقف على أولاده أو أولاد غيره وله حمل لم يستحق شيئاً قبل انفصاله لأنه لم تثبت له أحكام الدنيا قبل انفصاله، وقال أحمد في رواية جعفر بن محمد فيمن وقف نخلا على قوم ما توالدوا ثم ولد مولود: فإن كانت النخل قد أبرت فليس له فيه شئ وهي للأول، وإن لم تكن قد أبرت فهو مفهم، وإنما قال ذلك لأنها قبل التأبير تتبع الأصل في البيع وهذا الموجود يستحق نصيبه من الأصل فتتبعه حصته من الثمرة كما لو اشترى ذلك النصيب من الأصل وبعد التأبير لا تتبع الأصل ويستحقها من كان له الأصل فكانت للأول لأن الأصل كان كله له فاستحق ثمرته كما لو باع هذا النصيب منها ولم يستحق المولود منها شيئاً كالمشتري وهكذا الحكم في سائر الثمر الظاهر على الشجر لا يستحق المولود منها شيئاً ويستحق مما ظهر بعد ولادته، وإن كان الوقف أرضاً فيها زرع يستحقه البائع فهو للأول، وإن كان مما يستحقه المشتري فللمولود حصته منه لأن المولود يتجدد استحقاقه للأصل كتجدد ملك المشتري فيه * (مسألة) * (وإن وقف على عقبه أو ولد ولده أو ذريته أو نسله دخل فيه ولد البنين بغير خلاف علمناه)(6/222)
وأما ولد البنات فقال الخرقي لا يدخلون فيه وقد قال أحمد فيمن وقف على ولده: ما كان من ولد البنات فليس لهم فيه شئ فهذا النص يحتمل أن يعدى إلى هذه المسألة ويحتمل أن يكون مقصوداً فيمن وقف على ولده ولم يذكر ولد ولده وممن قال لا يدخل ولد البنات في الوقف الذي على أولاده وأولاد أولاده مالك ومحمد بن الحسن، وكذلك إذا قال على ذريته ونسله وروى عن أحمد أنهم يدخلون في الوصية وذهب إليه بعض أصحابنا وهذا مثله وقال أبو بكر وابن حامد يدخل فيه ولد البنات وهو مذهب الشافعي وأبي يوسف لأن البنات أولاده فأولادهن أولاد أولاده حقيقة فيجب أن يدخلوا في اللفظ لتناوله لهم بدليل قوله تعالى (ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان) إلى قوله (وعيسى) وهو ولد بنته فجعله من ذريته ولذلك ذكر الله تعالى قصة إبراهيم وعيسى وموسى وإسماعيل وإدريس ثم قال (أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل) وعيسى معهم ولما قال الله تعالى (وحلائل أبنائكم) دخل في التحريم حلائل أبناء البنات وقال النبي صلى الله عليه وسلم للحسن " إن ابني هذا سيد " ووجه الرواية الأولى أنهم لم يدخلوا في قول الله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم) ولأنه لو وقف على ولد فلان وقد صاروا قبيلة دخل فيه ولد البنين دون ولد البنات وكذلك قبل أن يصيروا قبيلة لأن ولد البنات منسوبون إلى آبائهم دون أمهاتهم قال الشاعر بنونا بنو أبنائنا وبناتنا * بنوهن أبناء الرجال الأباعد(6/223)
وقولهم انهم أولاده أولاده حقيقة قلنا لأنهم ينتسبون إلى الواقف عرفاً وكذلك لو قال أولاد أولادي المنتسبين إلي لم يدخلوا في الوقف ولأن ولد الهاشمية من غير الهاشمي ليس بهاشمي ولا ينتسب إلى أبيها وأما عيسى عليه السلام فلم يكن له نسب ينسب إليه فنسب إلى الله وقول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن " إن ابني هذا سيد مجاز بالاتفاق " بدليل قول الله تعالى (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله) والقول بأنهم يدخلون يصح وأقوى دليلاً لأنهم أولاد أولاده حقيقة فأما قياسهم على ما إذا كانوا قبيلة فيفارق ما إذا وقف على ولد فلان وليسوا قبيلة لأنه لو وقف على بني فلان وهم قبيلة دخل فيه البنات بخلاف ما إذا وقف على بني إنسان حي أو ميت وليسوا قبيلة وقياسهم على
ما إذا قال وقفت على ولد ولدي المنتسبين إلي لا يصح لأنهم خرجوا من الوقف لكونهم لا ينتسبون وباقي الأدلة ضعيفة جداً * (مسألة) * (فإن قال على ولد ولدي لصلبي أو المنتسبين إلي لم يدخل ولد البنات) والخلاف إنما هو إذا لم يوجد ما يدل على تعيين أحد الأمرين فأما إن وجد ما يصرف اللفظ إلى أحدهما انصرف إليه فلو قال على أولادي وأولاد أولادي على أن لولد البنات سهماً ولولد البنين سهمين أو قال فإذا خلت الأرض ممن يرجع نسبه إلي من قبل أب أو أم كان للمساكين أو كان البطن الأول من أولاده الموقوف عليهم كلهم بنات ونحو هذا ما يدل على إرادة ولد البنات بالوقف دخلوا في الوقف وإن قال على أولادي وأولاد أولادي المنتسبين أو غير ذوي الأرحام أو نحو ذلك لم يدخل(6/224)
فيه ولد البنات وإن قال على ولدي فلان وفلانة وفلانة وأولادهم دخل فيه ولد البنات وكذلك إن قال على أن من مات منهم عن ولد فنصيبه لولده وإن قال الهاشمي وقفت على أولادي وأولاد أولادي الهاشمين لم يدخل في الوقف من أولاد بناته من كان غير هاشمي فأما من كان هاشمياً من غير أولاد بنيه فهل يدخلون؟ على وجهين (أولهما) أنهم يدخلون لأنه اجتمع فيهم الصفتان جميعاً كونهم من أولاد أولاده وكونهم هاشميين (والثاني) لا يدخلون لأنهم لم يدخلوا في مطلق أولاد أولاده فأشبه ما لو لم يقل الهاشمين وإن قال على أولادي وأولاد أولادي ممن ينتسب إلى قبيلتي فكذلك (فصل) والمستحب أن يقسم الوقف على أولاده على حسب قسمة الله تعالى الميراث بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين وقال القاضي المستحب التسوية بين الذكر والأنثى لأن القصد القربة على وجه الدوام وقد استووا في القرابة ولنا أنه إيصال للمال إليهم فينبغي أن يكون بينهم على حسب الميراث كالعطية ولأن الذكر في مظنة الحاجة أكثر من الأنثى لأن كل واحد منهما في العادة يتزوج ويكون له الولد فالذكر تجب عليه نفقة امرأته وأولاده والمرأة ينفق عليها زوجها ولا تلزمها نفقة أولادها وقد فضل الله تعالى االذكر على الأنثى في الميراث على وفق هذا المعنى فيصح تعليله به ويتعدى إلى الوقف والعطايا والصلات وما ذكره(6/225)
القاضي لا أصل له وهو ملغي بالميراث والعطية وإن خالف فسوى بين الذكر والأنثى أو فضلها عليه أو فضل بعض البنين أو بعض البنات على بعض أو خص بعضهم بالوقف دون بعض فقال أحمد في رواية محمد بن الحكم إن كان على طريق الأثرة فأكرهه، وان كان على أن بعضهم له عيال وبه حاجة يعني فلا بأس به.
ووجه ذلك أن الزبير خص المردودة من بناته دون المستغنية منهن بصدقته وعلى قياس قول أحمد لو خص المشتغلين بالعلم من أولاده بوقفه تحريضاً لهم على طلبه، أو ذا الدين دون الفساق أو المريض أو من له فضيلة من أجل فضيلته فلا بأس وقد دل على ذلك أن أبا بكر رضي الله عنه نحل عائشة جذاذ عشرين وسقا دون بسائر ولده وحديث عمر أنه كتب (بسم الله الرحمن الرحيم) هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين إن حدث به حدث أن ثمغا وصرمة بن الأكوع لعبد الذي فيه والمائة سهم التي بخيبر ورقيقه الذي فيه الذي أطعمه محمد صلى الله عليه وسلم بالواد تليه حفصة ما عاشت ثم يليه ذو الرأي من أهلها ان لا يباع ولا يشترى ينفقه حيث رأى من السائل والمحروم وذوي القربى لا حرج على من وليه إن أكل أو أكل أو اشترى رقيقاً منه رواه أبو داود فيه دليل على تخصيص حفصة دون إخوتها وأخواتها * (مسألة) * (وإن وقف على بنيه أو بني فلان فهو للذكور خاصة دون الأناثي والخناثى عند المجهور) وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال الحسن واسحق وأبو ثور هو للذكر والأنثى جميعاً لأنه لو وقف على(6/226)
بني فلان أو أوصى لهم وهم قبيلة دخل فيه الذكر والأنثى وقال الثوري إن كانوا ذكوراً وإناثاً فهو بينهم وإن كن بنات لا ذكر معهن فلا شئ لهن لأنه متى اجتمع الذكور والإناث غلب لفظ التذكير ودخل فيه الإناث كلفظ المسلمين ولنا أن لفظ البنين يختص الذكور قال الله تعالى (أصطفى البنات على البنين) وقال تعالى (أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين؟) وقال تعالى (زين الله للناس حب الشهوات من النساء والبنين) وقال تعالى (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) وقد أخبر أنهم لا يشتهون البنات فقال (ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم
ما يشتهون) وإنما دخلوا في الاسم إذا صاروا قبيلة لأن الاسم نقل فيهم عن الحقيقة إلى العرف ولهذا تقول المرأة أنا من بني فلان إذا انتسبت إلى القبيلة ولا تقول ذلك إذا انتسبت إلى أبيها، فاما ان رقف على بناته أو وصى لهن دخل فيه البنات دون غيرهن ولا يدخل فيهن الخنثى المشكل لأنه لا يعلم كونه أنثى لا نعلم في ذلك خلافا * (مسألة) * إلا أن يكونوا قبيلة فيدخل فيه النساء دون أولادهن من غيرهم أما إذا وقف على بني فلان أو ولد فلان وهم قبيلة كبني هاشم وتميم فإنه يدخل فيه الذكر والأنثى والخنثى ويدخل ولد الرجل معه ولا يدخل فيه ولد بناتهم من غيرهم لأن اسم القبيلة يشتمل ذكرها وأنثاها قال الله تعالى (يا بني آدم - ولقد كرمنا بني آدم) يريد الجميع وروي أن جواري بني النجار ولمن نحن جوار من بني النجار يا حبذا محمد من جار ويقال امرأة من بني هاشم ولا يدخل ولد البنات فيهم لأنهم لا ينتسبون إلى القبيلة.(6/227)
* (مسألة) * (وإن وقف على قرابته أو قرابة فلان فهو للذكر والأنثى من أولاده وأولاد أبيه وجده وجد أبيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجاوز بني هاشم بسهم ذوي القربى) وجملة ذلك أن الرجل إذا وقف على قرابته أو قرابة فلان صرف الوقف إلى الذكر والأنثى من أولاده وأولاد أبيه وجده وجد أبيه ويستوي فيه الذكر والأنثى ولا ينصرف إلى من هو أبعد منهم شئ لأن الله تعالى لما قال (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى) يعني قربى النبي صلى الله عليه وسلم أعطى النبي صلى الله عليه وسلم أولاده وأولاد عبد المطلب وأولاد هاشم ذكرهم وأنثاهم ولم يعط من هو أبعد منهم كبني عبد شمس وبني نوفل شيئاً إلا أنه أعطى بني المطلب بن عبد مناف وعلل عطيتهم بأنهم لم يفارقوا بني هاشم في جاهلية ولا إسلام ولم يعط قرابة أمه وهم بنو زهرة شيئاً ولم يعط منهم إلا مسلماً فحمل مطلق كلام الوقف على ما حمل عليه المطلق من كلام الله تعالى وفسر بما فسر به ويسوي بين قريبهم وبعيدهم وذكرهم وأنثاهم لأن اللفظ يشملهم وبين الكبير والصغير والغني والفقير لذلك ولا يدخل فيه الكفار لأنهم لم يدخلوا في المستحق من قربى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا اختيار الخرقي وقد نقل عبد الله وصالح عن أبيهما رواية أخرى أنه يصرف إلى قرابة أمة إن كان يصلهم في
حياته كإخوته من أمه وأخواله وخالاته، وإن كان لا يصلهم في حياته لم يعطوا شيئاً لأن صلته إياهم في حياته قرينة دالة على إرادتهم بصلته هذه(6/228)
وعنه رواية ثالثة أنه يجاوز بها أربعة آباء ذكرها ابن أبي موسى في الارشاد وهي تدل على أن لفطه لا يتقيد بالقيد الذي ذكرناه فعلى هذا يعطي كل من يعرف بقرابته من قبل أبيه وأمه الذين ينتسبون الى الأب الأدنى، وهذا مذهب الشافعي لأنهم قرابة فيتناولهم الاسم ويدخلون في عمومه وإعطاء النبي صلى الله عليه وسلم بعض قرابته تخصيصاً لا يمنع من العمل بالعموم في غير هذا الموضع وقال أبو حنيفة قرابته كل ذي رحم محرم فيعطى من أدناهم اثنان فصاعداً فإذا كان له عم وخالان أعطى عمه النصف وخاليه النصف.
هكذا روي عنه فيما إذا أوصى لقرابته.
وقال قتادة: للأعمام الثلثان وللأخوال الثلث وهو قول الحسن، قال ويزاد الأقرب بعض الزيادة، وقال مالك يقسم على الأقرب فالأقرب بالاجتهاد ولنا أن هذا له عرف في الشرع وهو ما ذكرناه فيجب حمله عليه وتقديمه على العرف اللغوي كالوضوء والصلاة والصوم والحج ولا وجه لتخصيصه بذي الرحم المحرم فإن اسم القرابة يقع على غيرهم عرفاً وشرعاً وقد يحرم على الرجل ربيبته وأمهات نسائه ولا قرابة لهم وتحل له ابنة عمه وخاله وهن من أقاربه وما ذكروه من التفضيل لا يقتضيه اللفظ ولا يدل عليه دليل فالمصير إليه تحكم.
فأما إن كان في لفظه ما يدل على إرادة قرابة أمه كقوله وتفضل قرابتي من جهة أبي على قرابتي من جهة أمي أو قوله إلا ابن خالتي فلاناً أو نحو ذلك أو قرينة تخرج بعضهم عمل بما دلت عليه القرينة لأنها تصرف اللفظ عن ظاهره إلى غيره(6/229)
* (مسألة) * (وأهل بيته بمنزلة قرابته وقال الخرقى بعطى من قبل أبيه وأمه) المنصوص عن أحمد رحمه الله أن أهل بيته بمنزلة قرابته فإنه قال في رواية عبد الله إذا أوصى بثلث ماله لأهل بيته فهو بمثابة قوله لقرابتي، وحكاه ابن المنذر عن احمد وقال أحمد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تحل الصدقة لي ولأهل
بيتي " فجعل سهم ذوي القربى لهم عوضاً عن الصدقة التي حرمت عليهم فكان ذوي القربى الذين سماهم الله تعالى هم أهل بيته الذين حرمت عليهم الصدقة وذكر حديث زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أذكركم الله في أهل بيتي " قال قلنا من أهل بيته نساؤه؟ قال لا أصله وعشيرته الذين حرمت عليهم الصدقة بعده آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس قال القاضي قال ثعلب أهل البيت عند العرب آباء الرجل وأولادهم كالأجداد والأعمام وأولادهم ويستوي فيه الذكور والإناث وذكر القاضي أن أولاد الرجل لا يدخلون في اسم القرابة وإلا أهل بيته وليس هذا بشئ فإن ولد النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته وأقاربه الذين حرموا الصدقة وأعطوا من سهم ذي القربى وهم أقرب أقاربه فكيف لا يكونون من أقاربه؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة وولديها وزوجها " اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً " ولو وقف على أقارب رجل أو وصى لأقاربه دخل فيه وولده بغير خلاف علمناه والخرقي قد عدهم في القربة بقوله لا يجاوز به أربعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجاوز بني هاشم بسهم ذوي(6/230)
القربى فجعل؟؟؟؟؟ الأب الرابع ولا يكون رابعاً إلا أن يعد النبي صلى الله عليه وسلم أبا لأن هاشماً إنما هو رابع النبي صلى الله عليه وسلم ووجه قول الخرقي أن أمه من أهل بيته فكذلك أقاربها من أولادها وأبويها وإخوتها وأخواتها * (مسألة) * (وقومه ونسباؤه كقرابته لأن قوم الرجل قبيلته وهم نسباؤه) قال الشاعر: فقلت لها أما رفيقي فقومه تميم * وأما أسرتي فيمان وقال أبو بكر هو بمثابة أهل بيته لأن أهل بيته أقاربه وأقاربه قومه ونسباؤه وقال القاضي إذا قال لرحمي أو لأرحامي أو لنسبائي أو لمناسبي صرف إلى قرابته من قبل أبيه وأمه ويتعدى ولد الأب الخامس فعلى هذا يصرف إلى كل من يرث بفرض أو تعصيب أو بالرحم في حال من الأحوال قال شيخنا وقول أبي بكر في المناسبين أولى من قول القاضي لأن ذلك في العرف على من كان من العشيرة التي ينتسبان إليها وإذا كان كل واحد منهما ينتسب إلى قبيلة غير قبيلة صاحبه
فليس بمناسب له.
(فصل) وآله مثل قرابته فإن في بعض ألفاظ حديث زيد بن أرقم من آل رسول صلى الله عليه وسلم؟ قال أصله وعشيرته الذين حرموا الصدقة بعده آل علي وآل عباس وآل جعفر وآل عقيل والأصل في آل أهل فقلبت الهاء همزة كما قالو هرقت الماء وأرقته ومدت لئلا يحتمع همزتان(6/231)
* (مسألة) * (والعترة هم العشيرة الأدنون في عرف الناس وولده الذكور والإناث وإن سفلوا فسره ابن قتيبة وقد توقف أحمد في ذلك وقال ثعلب وابن الأعرابي العترة الأولاد وأولاد الأولاد ولم يدخلا في ذلك العشيرة والأول أصح وأشهر في عرف الناس ووجه الأول قول أبي بكر رضي الله عنه في محفل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيضته التي تفقأت عنه فلم ينكره أحد وهم أهل اللسان فلا يعول على ما خالفه * (مسألة) * (وذوو رحمه كل قرابة له من جهة الآباء والأمهات) قال القاضي ينصرف إلى قرابته من جهة أبيه وأمه ويتعدى ولد الأب الخامس وقد ذكرنا ذلك في مسألة القوم والنسباء * (مسألة) * (والأيامى والعزاب من لا زوج له من الرجال والنساء) ذكره أصحابنا قال شيخنا ويحتمل أن يختص اسم الأيامى النساء اللاتي لا أزواج لمن قال الله تعالى (وأنكحوا الأيامى منكم) وفي الحديث " أعوذ بالله من بوار الأيم " ووجه الأول ما روى سعيد بن المسيب أنه قال: آمت حفصة بنت عمر من زوجها وأم عثمان من رقية قال الشاعر: فإن تنكحي انكح وإن تتأيمي * وإن كنت أفتى منك أنايم وقول شيخنا أولى لأن العرف يختص النساء بهذا الاسم والحكم للاسم العرفي ولأن قول النبي(6/232)
صلى الله عليه وسلم " أعوذ بالله من بوار الأيم " إنما أراد به النساء وأما العزاب فهم الذين لا أزواج لهم من الرجال
والنساء يقال رجل عزب وامرأة عزبة قاله ثعلب وإنما سمي عزباً لانفراده ويحتمل أن يختص الأيامى بالنساء والعزاب بالرجال ولذلك يقال امرأة أيم بغير هاء ولا يقال أيمة ولو كان الرجل مشاركاً لها لقيل أيم وأيمة مثل قائم وقائمة ولأن العرف أن العزب يختص بالرجل * (مسألة) * (فأما الأرامل فهن النساء اللاتي فارقهن أزواجهن بموت أو غيره قال أحمد في رواية حرب وقد سئل عن رجل وصى لأرامل بني فلان فقال قد اختلف الناس فيها فقال قوم للرجال والنساء والذي يعرف من كلام الناس أن الأرامل النساء وقال الشعبي واسحق هو للرجال والنساء وأنشد هذي الأرامل قد قضيت حاجتها * فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر؟ وقال آخر أحب أن أصطاد ضباً سحبلا * رعى الربيع والشتاء أرملا ووجه الأول أن المعروف من كلام الناس أنه للنساء فلا يحمل اللفظ إلا عليه ولأن الأرامل جمع أرملة فلا يكون جمعاً للذكر لأن ما يختلف لفظ الذكر والأنثى في واحده يختلف في جمعه وقد أنكر ابن الأنباري على قائل القول الأول وخطأه فيه والشعر الذي احتج به حجة عليه فإنه لو كان لفظ(6/233)
الأرامل يشمل الذكر والأنثى لقال حاجتهم إذ لا خلاف بين أهل اللسان في أن اللفظ متى كان للذكر والأنثى ثم رد عليه ضمير غلب فيه لفظ التذكير وضميره فلما رد الضمير على الإناث علم أنه موضع لهن على الانفراد وسمى نفسه أرملاً تجوزاً وتشبيهاً بهن ولذلك وصف نفسه بأنه ذكر وكذلك الشعر الآخر ويدل على إرادة المجاز أن اللفظ عند إطلاقه لا يفهم منه إلا النساء ولا يسمى به في العرف غيرهن وهذا دليل على أنه لم يوضع لغيرهن، ثم لو ثبت أنه في الحقيقة للنساء والرجال لكن أهل العرف قد خصوا به النساء وتركت الحقيقة حتى صارت مهجورة لا تفهم من لفظ المتكلم ولا يتعلق بها حكم كسائر الألفاظ العرفية (فصل) وإن وقف على أخواته فهو للإناث خاصة وإن وقف على إخوته دخل فيه الذكر والأنثى جميعاً لأن الله تعالى قال (وإن كانوا إخوة رجالا ونساء) وقال (فإن كان له إخوة فلأمه السدس) وأجمع العلماء على حجبها بالذكر والأنثى وإن قال لعمومته فالظاهر أنه مثل الإخوة لا يشمل الذكر
والأنثى لأنهم إخوة أبيه وإن قال لبني إخوته أو لبني عمه فهو للذكور دون الإناث اذا لم يكونوا قبيلة والفرق بينهما أن الإخوة والعمومة ليس لهما لفظ موضوع يشمل الذكر والأنثى سوى هذا اللفظ وبنو الإخوة والعم لهم لفظ يشمل الجميع وهو لفظ الأولاد فإذا عدل عن اللفظ العام إلى لفظ البنين دل على إرادة الذكور ولأن لفظ العمومة أشبه بلفظ الإخوة ولفظ بني الإخوة والعم يشبه بني فلان وقد دللنا عليهما والحكم في تناول اللفظ للبعيد من العمومة وبني العم والإخوة حكم ما ذكرنا في ولد الولد مع القرينة وعدمها في المسائل المتقدمة(6/234)
* (مسألة) * (وإن وقف على أهل قريته أو قرابته لم يدخل فيهم من يخالف دينه وفيه وجه آخر أن المسلم يدخل فيه وإن كان الواقف كافراً) وجملة ذلك أن الإنسان إذا وقف على أهل قريته أو قرابته أو أتى بلفظ عام يدحل فيه المسلمون والكفار والواقف مسلم فهو للمسلمين خاصة ولا شي للكفار وقال الشافعي يدخل فيه الكفار، لأن اللفظ يتناولهم بعمومه ولنا أن الله تعالى قال (يوصيكم الله في أولادكم) فلم يدخل فيه الكفار إذا كان الميت مسلماً وإذا لم يدخلوا في لفظ القرآن مع عمومه لم يدخلوا في لفظ الواقف ولأن ظاهر حاله لا يريد الكفار لما بينه وبينهم من عداوة الدين وعدم الوصلة المانع من الميراث ووجوب النفقة ولذلك خرجوا من عموم اللفظ في الأولاد والإخوة والأزواج وسائر الألفاظ العامة في الميراث فكذا ههنا، فإن صرح بهم دخلوا لأن إخراجهم بترك به صريح انقال وهو أقوى من قرينة الحال، وإن وقف عليهم وأهل القرية كلهم كفار أو وقف على قرابته وكلهم كفار دخلوا لأنه لا يمكن تخصيصهم إذ في إخراجهم رفع اللفظ بالكلية، فإن كان فيها مسلم واحد والباقي كفار دخلوا أيضاً لأن إخراجهم ههنا بالتخصيص بعيد وفيه مخالفة الظاهر من وجهين (أحدهما) مخالفة لفظ العموم (والثاني) حمل اللفظ الدال على الجمع على المفرد، وإن كان الأكثر كفارا فهو للمسين في ظاهر كلام الخرقي لأنه أمكن حمل اللفظ عليهم وصرفه إليهم والتخصيص يصح وإن كان بإخراج الأكثر ويحتمل أن يدخل الكفار في الوصية لأن التخصيص في مثل هذا بعيد فإن تخصيص الصورة النادرة قريب وتخصيص الأكثر بعيد يحتاج إلى دليل قوي(6/235)
والحكم في سائر ألفاظ العموم كالإخوة والأعمام وبني عمه واليتامى والمساكين كالحكم في أهل قريته فأما إن كان الواقف كافراً فإنه يتناول أهل دينه لأن لفظه يتناولهم والقرينة تدل على إرادتهم فأشبه وقف المسلم يتناول أهل دينه، وهل يدخل فيه المسلمون؟ ينظر فإن وجدت قرينة دالة على دخولهم مثل أن لا يكون في القرية إلا مسلمون دخلوا وكذلك إن لم يكن فيها إلا كافر واحد وباقي أهلها مسلمون وإن انتفت القرائن ففي دخولهم وجهان (أحدهما) لا يدخلون كما لو لم يدخل الكفار في وقف المسلم (والثاني) يدخلون لأن عموم اللفظ يتناولهم وهم أحق بوصيته من غيرهم فلا يصرف اللفظ عن مقتضاه ومن هو أحق بحكمه إلى غيره، فان كان في القرية كافر من غير أهل دين الواقف لم يدخل لأن قرينة، الحال تخرجه ولم يوجد فيه ما وجد في المسلم من الأولى فبقي خارجاً بحاله ويحتمل أن لا يخرج بناء على توريث.
الكفار بعضهم من بعض مع اختلاف دينهم * (مسألة) * (وإن وقف على مواليه وله موال من فوق وموال من أسفل تناول جميعهم، وقال ابن حامد يختص الموالي من فوق) إذا وقف على مواليه وله موال من فوق حسب وهم معتقوه اختص الوقف بهم لأن الاسم يتناولهم وقد تعينوا بوجودهم دون غيرهم، وإن لم يكن له الاموال من أسفل فهو لهم لذلك وإن(6/236)
اجتمعوا فهو لهم جميعا يستوون فيه لأن الاسم يشملهم جميعاً، وقال أصحاب الرأي الوصية باطلة لأنها لغير معين وقال أبو ثور يقرع بينهما لأن أحدهما ليس بأولى من الآخر وقال ابن القاسم هو للموالي من أسفل، ولأصحاب الشافعي أربعة أوجه كقولنا وكقول أصحاب الرأي (والثالث) هو للموالي من فوق لأنهم أقوى لكونهم عصبته ويرثونه بخلاف عتقائه وهو قول ابن حامد (والرابع) يقف الأمر حتى يصطلحوا ولنا أن الاسم يتناول الجميع فدخلوا فيه كما لو وقف على إخوته وقولهم أنها لغير معين غير صحيح فإن التعميم يحصل مع التعين ولذلك لو حلف لا كلمت مولاي حنث بكلام أيهم كان وقولهم أن المولى من فوق أقوى قلنا مع شمول الاسم لهم يدخل فيه الأقوى والأضعف كإخوته ولا يدخل فيه ولد العم
ولا المساكين ولا الحليف ولا غير من ذكرنا لأن الاسم إن تناولهم حقيقة لم يتناولهم عرفاً والأسماء العرفية تقدم على الحقيقة ولا يستحق مولى الله مع وجود مواليه وقال زفر يستحق ولنا أن مولى الله ليس بمولى له حقيقة إذا كان له مولى سواه فإن لم يكن له مولى فقال الشريف أبو جعفر إذا وصى لمواليه وليس له مولى فهو لمولى الله وقال أبو يوسف ومحمد لا شئ له لأنه ليس بمولى، واحتج الشريف بأن الاسم يتناولهم مجازاً فإذا تعذرت الحقيقة وجب صرف الاسم إلى المجاز والعمل به تصحيحاً لكلام المكلف عند إمكان تصحيحه ولأن الظاهر إرادته المجاز لكونه محملاً صحيحاً وإرادة الصحيح أغلب من إرادة الفاسد فإن كان له موالي أب حين الوقف ثم انقرض مواليه(6/237)
لم يكن الموالى الأب على مقتضى ما ذكرناه لأن الاسم يتناول غيرهم فلا يعود إليهم إلا بعقد ولم يوجد ولا يشبه هذا قوله أوصيت لأقرب الناس إلي وله ابن وابن ابن فمات الابن حيث يستحق ابن الابن وإن كان لا يستحق في حياة الابن شيئاً لأن الوصية ههنا الموصوف وجدت الصفة في ابن الابن كوجودها في الابن حقيقة، وفي المولى يقع الإسم على مولى نفسه حقيقة وعلى مولى الله مجازاً فمع وجودهما جميعاً لا يحمل اللفظ إلا على الحقيقة وهذه الصفة لا توجد في مولى الله * (مسألة) * (وإن وقف على جماعة يمكن حصرهم واستيعابهم وجب تعميمهم والتسوية بينهم) لأن اللفظ يقتضي ذلك، وقد أمكن الوفاء به فوجب العمل بمقضاه كقوله سبحانه (فهم شركاء في الثلث) فإنه يجب تعميم الإخوة من الأم والتسوية بينهم، ولأن اللفظ يقتضي التسوية أشبه ما لو أقر لهم * (مسألة) * (فإن لم يمكن حصرهم كالمساكين والقبيلة الكثيرة كبني هاشم وبني تميم صح الوقف عليهم) وكذلك يصح الوقف على المسلمين كلهم وعلى أهل إقليم ومدينة كالشام ودمشق، ويجوز للرجل أن يقف على عشريته وأهل مدينته، وقال الشافعي في أحد قوليه لا يصح الوقف على من لا يمكن استيعابهم وحصرهم في غير المساكين ونحوهم لأنه تصرف في حق الآدمي فلم يصح مع الجهالة كما لو قال وقفت على قوم ولنا أن من صح الوقف عليهم إذا كانوا محصورين صح، وإن لم يحصوا كالفقراء وقياسهم
يبطل بالوقف على المساكين(6/238)
(فصل) ولا يجب تعميمهم إجماعاً لأنه غير ممكن ويجوز تفضيل بعضهم على بعض لأن من جاز حرمانه جاز تفضيل غيره عليه ويجوز الاقتصار على واحد منهم ويحتمل أن لا يجرئه أقل من ثلاثة وهو مذهب الشافعي ووجه القول قد ذكر في الزكاة والأول ظاهر المذهب (فصل) فإن كان الوقف في ابتدائه على من يمكن استيعابه فصار مما لا يمكن استيعابه كرجل وقف على ولده وولد ولده وعقبه ونسله فصاروا قبيلة كثيرة تخرج عن الحصر مثل وقف علي رضي الله عنه على ولده ونسله فإنه يجب تعمم من أمكن منهم والتسوية بينهم لأن التعميم كان واجباً وكذلك التسوية فإذا تعذر وجب منه ما أمكن كالواجب الذي يعجز عن بعضه، ولأن الواقف ههنا أراد التعميم والتسوية لإمكانه وصلاح لفظه لذلك فيجب العمل بما أمكن بخلاف ما إذا كانوا حال الوقف ممن لا يمكن ذلك فيهم * (مسألة) * (ولا يعطى كل واحد أكثر من القدر الذي يعطى من الزكاة يعني إذا كان الوقف على صنف من أصناف الزكاة) وجملة ذلك أن من وقف على سبيل الله أو ابن السبيل أو الرقاب أو الغارمين - فهم الذين يستحقون السهم من الصدقات - لا يدخل معهم غيرهم لأن المطلق من كلام الآدميين يحمل على المعهود(6/239)
في الشرع فينظر من كان يستحق السهم من الصدقات فالوقف مصروف إليه وقد مضى شرح ذلك في الزكاة فإن وقف على الأصناف الثمانية الذين يأخذون الصدقات صرف إليهم ويعطي كل واحد منهم من الوقف مثل القدر الذي يعطى من الزكاة لا يزاد عليه وقد ذكرنا ذلك، وقد اختلف في العقد الذي يحصل به الغنى فقال أحمد في رواية علي بن سعيد في الرجل يعطى من الوقف خمسين درهماً فقال إن كان الواقف ذكر في كتابه المساكين فهو مثل الزكاة وإن كان متطوعاً أعطى من شاء وكيف شاء فقد نص على إلحاقه بالزكاة فيكون الخلاف فيه كالخلاف في الزكاة، واختار أبو الخطاب وابن عقيل زيادة
المسكين على خمسين درهماً لأن لفظ أحمد لا تقييد فيه.
قال أبو الخطاب وفي المسألة وجهان وجههما ما سبق (فصل) فإن وقف على الأصناف كلها أو على صنفين أو أكثر فهل يجوز الاقتصار على صنف واحد أو يجب إعطاء بعض كل صنف؟ فيه وجهان بناء على الزكاة * (مسألة) * (والوصية كالوقف في هذا التفصيل لأن مبناها على لفظ الموصي أشبهت الوقف) (فصل) والوقف عقد لازم لا يجوز فسخه بإقالة ولا غيرها ويلزم بمجرد القول لأنه تبرع يمنع البيع والهبة والميراث فلزم بمجرده كالعتق وعنه لا يلزم الا بالقبض وإخراج الوقف عن يده اختاره ابن أبي موسى كالهبة والصحيح الأول وقد ذكرناه، وذهب أبو حنيفة إلى أن الوقف لا يلزم بمجرده وللواقف الرجوع فيه الا إن يوصي به بعد موته فيلزم أو يحكم بلزومه حاكم وحكاه بعضهم عن علي(6/240)
وابن مسعود وابن عباس وخالف أبا حنيفة صاحباه فقالا كقول سائر أهل العلم واحتج بعضهم بما روي أن عبد الله بن زيد صاحب الأذان جعل حائطه صدقة وجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبواه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا يا رسول الله لم يكن لنا عيش إلا هذا الحائط فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ماتا فورثهما رواه المحاملي في أماليه ولأنه إخراج ماله على وجه القربة من ملكه فلا يلزم بمجرد القول كالصدقة، قلنا هذا القول يخالف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الصحابة رضي الله عنهم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر في وقفه " لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يوهب ولا يورث " قال الترمذي العمل على هذا الحديث عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، لا نعلم بين المتقدمين منهم في ذلك اختلافاً، قال الحميدي تصدق أبو بكر بداره على ولده وعمر بزيعه عند المروة على ولده وعثمان برومة وتصدق علي بأرضه بينبع وتصدق الزبير بداره بمكة وداره بمصر وأمواله بالمدينة على ولده وتصدق سعد بداره بالمدينة وداره بمصر على ولده، وعمرو بن العاص بالوهط وداره بمكة على ولده وحكيم ابن حزام بدره بمكة والمدينة على ولده فذلك كله إلى اليوم، وقال جابر لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم له مقدرة إلا وقف وهذا إجماع منهم فإن الذي قدر على الوقف منهم وقف واشتهر ذلك فلم ينكره أحد فكان ذلك إجماعاً ولأنه إزالة ملك يلزم بالوصية فإذا نجزه في حال الحياة لزم من غير
حكم كالعتق، وحديث عبد الله بن زيد إن ثبت فليس فيه ذكر الوقف، والظاهر أنه جعله صدقة غير(6/241)
موقوف استناب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى والديه أحق الناس بصرفها إليهما ولهذا لم يردها إليه إنما دفعها إليهما ويحتمل أن الحائط كان لهما وكان هو يتصرف فيه بحكم النيابة عنهما فتصرف بهذا التصرف بغير اذنها فلم ينفذاه وأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فرده إليهما والقياس على الصدقة لا يصح لأنها تلزم في الحياة بغير حكم حاكم وإنما يفتقر الى القبض والوقف لا يفتقر إليه فافترقا * (مسألة) * (ولا يجوز بيعه إلا أن تتعطل منافعه فيباع ويصرف ثمنه في مثله وكذلك الفرس الحبيس إذا لم يصلح للغزو بيع واشتري بثمنه ما يصلح للجهاد وكذلك المسجد إذا لم ينتفع به في موضعه وعنه لا تباع المساجد لكن تنقل آلتها إلى مسجد آخر) وجملة ذلك أنه لا يجوز بيع الوقف ولا هبته لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عمر " غير أنه لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يوهب ولا يورث " فإن تعطلت منافعه بالكلية كدار انهدمت أو أرض خربت وعادت مواتاً لا يمكن عمارتها أو مسجد انتقل أهل القرية عنه وصار في موضع لا يصلى فيه أو ضاق بأهله ولم يمكن توسيعه في موضعه فإن أمكن بيع بعضه ليعمر به بقيته جاز بيع البعض وإن لم يمكن الانتفاع بشئ منه بيع جميعه قال أحمد في رواية أبي داود إذا كان في المسجد خشبتان لهما قيمة جاز بيعهما وصرف ثمنهما عليه وقال في رواية صالح يحول المسجد خوفاً من اللصوص وإذا كان موضعه قذراً قال القاضي يعني إذا كان ذلك يمنع الصلاة فيه ونص على جواز بيع عرصته في رواية عبد الله وتكون الشهادة في ذلك على الإمام.
قال أبو بكر وقد روي علي بن سعيد أن المساجد لا تباع وإنما تنقل آلتها قال وبالقول الأول أقول لإجماعهم على بيع الفرس الحبيس يعني الموقوفة على الغزو إذا كبرت فلم تصلح للغزو وأمكن الانتفاع بها في شئ آخر مثل أن تدور في الرحا أو يحمل عليها تراب أو تكون الرغبة في نتاجها أو حصاناً يتخذ للطراق فإنه يجوز بيعها ويشترى بثمنها ما يصلح للغزو نص عليه أحمد وقال محمد بن الحسن إذا خرب المسجد(6/242)
والوقف عاد إلى ملك واقفه لأن الوقف إنما هو تسبيل المنفعة فإذا زالت منفعته زال حق الموقوف
عليه منه فزال ملكه عنه وقال مالك والشافعي لا يجوز بيع شئ من ذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يوهب ولا يورث " ولأن ما لا يجوز بيعه مع بقاء منافعه لا يجوز مع تعطلها كالمعتق والمسجد أشبه الأشياء بالمعتق ولنا ما روى أن عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد لما بلغه أنه قد نقب بيت المال الذي بالكوفة أن انقل المسجد الذي بالتمارين واجعل بيت المال في قبلة المسجد فإنه لن يزال في المسجد مصل وكان هذا بمشهد من الصحابة ولم يظهر خلافه فكان أجماعاً ولأن فيما ذكرناه استبقاء للوقف بمعناه عند تعذر إبقائه بصورته فوجب ذلك كما لو استولد الجارية الموقوفة أو قبلها أو قبلها غيره قال ابن عقيل الوقف مؤبد فإذا لم يمكن تأبيده على وجه تخصيصه استبقينا الغرض وهو الانتفاع على الدوام في عين أخرى وإيصال الأبدال جرى مجرى الأعيان وجمودنا على العين مع تعطلها تضييع للغرض ويقرب هذا من الهدي إذا عطب فإنه يذبح في الحال وإن كان يختص بالموضع، فلما تعذر تحصيل الغرض بالكلية استوفي منه ما أمكن وترك مراعاة المحل الخاص عند تعذره لأن مراعاته مع تعذره تفضي إلى فوات الانتفاع به بالكلية وهكذا الوقف المعطل المنافع.
ولنا على محمد بن الحسن أنه إزالة ملك على وجه القربة فلا يعود إلى مالكه باخنلاله وذهاب منافعه كالعتق * (مسألة) * (ويجوز بيع بعض آلته وصرفها في عمارته) كما يجوز بيع الفرس الحبيس عند تعذر الانتفاع به وصرف ثمنه فيما يقوم مقامه ولأنه إذا جاز بيع الجميع عند الحاجة إلى بيعه فبيع بعضه مع بقاء البعض أولى.
(فصل) واذا بيع الوقف فأي شئ اشترى بثمنه مما يرد على أهل الوقف جاز، وإن كان من غير جنسه في ظاهر كلام الخرقي لكن تكون المنفعة مصروفة إلى المصلحة التي كانت الأولى تصرف(6/243)
فيها لأنه لا يجوز تغيير المصرف مع إمكان المحافظة عليه كما لا يجوز تغيير الوقف بالبيع مع إمكان الانتفاع به (فصل) فإن لم يكف ثمن الفرس الحبيس لشراء فرس أخرى أعين به في شراء حبيس يكون بعض الثمن نص عليه أحمد لأن المقصود استيفاء منفعة الوقف الممكن استيفاؤها وصيانتها عن الضياع
ولا سبيل إلى ذلك إلا بهذه الطريق (فصل) فإن لم تتعطل منفعة الوقف بالكلية لكن قلت وكان غيره أنفع منه وأكثر رداً على أهل الوقف لم يجز بيعه لأن الأصل تحريم البيع وإنما أبيح للضرورة صيانة لمقصود الوقف عن الضياع مع إمكان تحصيله ومع الانتفاع ما يضيع المقصود وإن قل اللهم إلا أن يبلغ في قلة النفع إلى حد لا يعد نفعاً فيكون وجوده كالعدم (فصل) قال أحمد في رواية أبي داود في مسجد أراد أهله رفعه من الأرض ويجعل تحته سقاية وحوانيت فامتنع بعضهم من ذلك ينظر إلى قول أكثرهم واختلف أصحابنا في تأويل كلام أحمد فذهب ابن حامد إلى أن هذا مسجد أراد أهله انشاءه ابتداءا واختلفوا كيف يعمل، وسماه مسجداً قبل بنائه تجوزا لأن مآله إليه، أما بعد بنائه لا يجوز جعله سقاية ولا حوانيت وذهب القاضي إلى ظاهر اللفظ وهو أنه كان مسجداً فأراد أهله رفعه وجعل ما تحته سقاية لحاجتهم إلى ذلك والأول أصح وأولى، وإن خالف الظاهر فإن المسجد لا يجوز نقله وإبداله وبيع ساحته وجعلها سقاية وحوانيت إلا عند تعذر الانتفاع به والحاجة إلى سقاية وحوانيت لا تعطل نفع المسجد فلا يجوز صرفه في ذلك ولو جاز جعل أسفل المسجد سقاية وحوانيت لهذه الحاجة لجاز تخريب المسجد وجعله سقاية وحوانيت ويجعل بدله مسجداً في موضع آخر، وقال أحمد في رواية بكر بن محمد عن أبيه في مسجد ليس بحصين من الكلاب وله منارة فرخص في نقضها وبناء حائط المسجد بها للمصلحة * (مسألة) * (وما فضل من حصره وزيته عن حاجته جاز صرفه إلى مسجد آخر والصدقة به على فقراء المسلمين) وكذلك إن فضل من قصبه أو شئ من نقضه، قال أحمد في مسجد يبنى فيبقى من خشبه أو قصبه أو شئ من نقضه قال يعان به في مسجد آخر أو كما قال، وقال المروذي: سألت أبا عبد الله عن بواري المسجد إذا فضل منه الشئ أو الخشبة قال يتصدق به، وأرى أنه قد احتج بكسوة البيت إذا تخرقت(6/244)
تصدق بها، وقال في موضع آخر قد كان شيبة يتصدق بخلقان الكعبة.
وروى الخلال بإسناده عن علقمة عن أمه أن شيبة بن عثمان الحجبي جاء إلى عائشة رضي الله عنها فقال يا أم المؤمنين إن ثياب الكعبة تكثر عليها فننزعها فنحفر لها آباراً فندفنها فيها حتى لا تلبسها الحائض والجنب قالت عائشة بئس ما ضعت ولم تصب إن ثياب الكعبة إذا نزعت لم يضرها من لبسها من حائض أو جنب ولكن لو بعتها وجعلت ثمنها في سبيل الله والمساكين.
فقال فكان شيبة يبعث بها إلى اليمن فتباع فيضع ثمنها حيث أمرته عائشة، وهذه قضية مثلها ينتشر ولم تنكر فتكون إجماعاً ولأنه مال الله تعالى لم يبق له مصرف فصرف إلى المساكين كالوقف المنقطع * (مسألة) * (ولا يجوز غرس شجرة في المسجد) نص عليه أحمد فقال إن كانت غرست النخلة بعد أن صار مسجداً فهذه غرست بغير حق فلا أحب الأكل منها، ولو قلعها الإمام لجاز، وذلك لأن المسجد لم يبن لهذا إنما بني لذكر الله والصلاة وقواءة القرآن ولأن الشجرة تؤذي المسجد وتمنع المصلين من الصلاة في موضعها ويسقط ورقها في المسجد وثمرها ويسقط عليها الطير وتبول في المسجد وربما اجتمع الصبيان في المسجد من أجلها ورموها بالحجارة ليسقط ثمرها * (مسألة) * (فإن كانت مغروسة جاز الأكل منها) يعني إذا كانت الشجرة في أرض فجعلها صاحبها مسجداً والشجرة فيها فلا بأس، قال أحمد في موضع لا بأس يعني أن يبيعها من الجيران، وقال في رواية أبي طالب في النفقة لا تباع وتجعل للمسلمين وأهل الدرب يأكلونها وذلك والله أعلم، لأن صاحب الأرض لما جعلها مسجداً والشجرة فيها فقد وقف الأرض والشجرة معاً ولم يعين مصرفها فصارت كالوقف المطلق الذي لم يعين له مصرف.
وقد ذكرنا أنه للمساكين في بعض الروايات.
فأما إن قال صاحبها هذه وقف على المسجد فينبغي أن تباع ثمرتها وتصرف إليه كما لو وقفها على المسجد وهي في غيره.
وقال أبو الخطاب عندي أن السجد إذا احتاج إلى ثمن ثمرة الشجرة بيعت وصرفت في عمارته، وقال أحمد يأكلها الجيران محمول على أنهم يعمرونه فان استعنى المسجد عنها فلا بأس بالأكل منها والله سبحانه وتعالى أعلم(6/245)
باب الهبة والعطية وهي تمليك في الحياة بغير عوض، الهبة والعطية والهبة والصدقا معانيهما متقاربة وهي تمليك في الحياة بغير عوض، واسم الهبة والعطية شامل لجميعها، فأما الصدقة والهدية فهما متتغايران وإن دخلا في مسمى الهبة والعطية فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، وقال في اللحم الذي تصدق به على بربرة " هو عليها صدقة ولنا هدية " فالظاهر أن من أعطى شيئاً ينوي به التقرب إلى الله تعالى للمحتاج فهو صدقة، ومن دفع إلى إنسان شيئاً للتقرب إليه والمحبة له فهو هدية وجميع ذلك مندوب إليه فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " تهادوا تحابوا " وأما الصدقة فما ورد في فضلها كثير، وقد قال الله تعالى (أن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتؤها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيأتكم * (مسألة) * (فإن شرط فيها عوضاً معلوماً صارت بيعاً وعنه يغلب فيها حكم الهبة) وجملة ذلك أن الهبة المطلقة لا تقتضي ثواباً سواء كانت لمثله أو دونه أو أعلى منه وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي كقولنا فيما إذا كانت لمثله أو دونه وإن كانت لأعلى منه اقتضت الثواب في أحد القولين وهو قول مالك لقول عمر رضي الله عنه من وهب هبة أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها إذا لم يرض منها(6/246)
ولنا أنها عطية على وجه التيرع فلم تقتض ثواباً كهة المنل والوصية، وقول عمر قد خالفه ابنه وابن عباس فلا يبقى حجة فإن عوضه عن الهبة كانت هبة مبتدأة لا عوضاً أيهما أصاب عيباً لم يكن له الرد وإن خرجت مستحقة أخذها صاحبها ولم يرجع الموهوب له ببدلها، فإن شرط في الهبة ثواباً معلوماً صح نص عليه، لأنه تمليك بعوض معلوم فهو كالهبة وحكمها حكم البيع في ثبوت الخيار والشفعة وبه قال أصحاب الرأي ولأصحاب الشافعي قول أنها لا تصح لأنه شرط في الهبة ما ينافي مقتضاها.
ولنا أنه تمليك بعوض فصح كما لو قال ملكتك هذا بدرهم فإنه لو أطلق التمليك كان هبة فإذا ذكر العوض صار بيعاً وفيه رواية أخرى ذكرها أبو الخطاب أنه يغلب عليها حكم الهبة فلا تثبت فيها أحكام البيع المختصة به * (مسألة) * (وإن شرط ثواباً مجهولاً لم تصح الهبة)
وحكمها حكم البيع اللفاسد لأنه عوض مجهول في معاوضة فلم يصح كالبيع ويردها الموهوب له بزيادتها المتصلة والمنفصلة لأنه نماء ملك الواهب، وإن كانت تالفة رد قيمتها وهذا قول الشافعي وأبي ثور وعنه أنه قال يرضيه بشي وظاهر كلام أحمد أنها تصح فإذا أعطاه عنها عوضاً رضيه لزم العقد بذلك، قال أحمد في رواية محمد ابن الحكم إذا قال الواهب هذا لك على أن تثيبني فله أن يرجع إذا لم يثيه لأنه شرط، وقال في رواية اسماعيل بن سعيد إذا وهب له على وجه الإثابة فلا يجوز إلا أن يثيبه منها فعلى هذا عليه أن(6/247)
يعطيه حتى يرضيه، فان لم يفعل فللواهب الرجوع فيها أو عوضها إن كانت تالفة لأنه عقد معاوضة فاسد فلزم ضمان العين إذا تلفت كالبيع الفاسد ويحتمل أن يعطيه قدر قيمتها والأول أصح لأن هذا بيع فيعتبر له التراضي إلا أنه بيع بالمعاطاة فإذا عوضه عوضاً رضيه حصل البيع بما حصل من المعاطاة مع التراضي بها وإن لم يحصل التراضي لم يصح لعدم العقد فإنه لم يوجد الإيجاب والقبول ولا المعاطاة ولا التراضي والأصل في هذا قول عمر رضي الله عنه: من أوهب هبة أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها ما لم يرض منها، وروي معنى ذلك عن علي وفضالة بن عبيد ومالك بن أنس وهو قول الشافعي على القول الذي يرى أن الهبة المطلقة تقتضي ثواباً، وقد روى أبو هريرة أن أعرابياً وهب النبي صلى الله عليه وسلم ناقة فأعطاء ثلاثاً فأبى فزاده ثلاثاً فلما كملت تسعاً قال رضيت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لقد هممت أن لا أتهب إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي " من المسند، فإن تغيرت العين الموهوبة بزيادة أو نقصان أو لم يثبه منها فقال أحمد لا أرى عليه نقصان ما نقصه عنده إذا رده إلى صاحبه إلا أن يكون ثوباً لبسه أو جارية استخدمها، فأما غير ذلك إذا نقص فلا شئ عليه فكان عندي مثل الرهن الزيادة والنقصان لصاحبه * (مسألة) * (وتحصل الهبة بما يتعارفه الناس هبة من الإيجاب والقبول والمعاطاة المقترنة بما يدل عليها) فالإيجاب أن يقول وهبتك أو أهديت إليك أو ملكتك أو هذا لك ونحوه من الألفاظ(6/248)
الدالة على هذا المعنى، والقبول أن يقول قبلت أو رضيت أو نحو هذا، وتصح بالمعاطاة المقترنة بما يدل عليهما
وإن لم يحصل إيجاب أو قبول، ذكر القاضي وابو الخطاب إن الهبة والعطية لابد فيها من الإيجاب والقبول، ولا تصح بدونه سواء وجد القبض أو لم يوجد وهو قول أكثر أصحاب الشافعي لأنه عقد تمليك فافتقر إلى الإيجاب والقبول كالنكاح، والصحيح أن المعاطاة والأفعال الدالة على الإيجاب والقبول كافية ولا يحتاج إلى لفظ اختاره ابن عقيل فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يهدي ويهدى إليه ويعطي ويعطى ويفرق الصدقات ويأمر سعاته بأخذها وتفريقها وكان أصحابه يفعلون ذلك ولم ينقل عنهم في ذلك إيجاب ولا قبول ولا أمر به ولا تعليمه لأحد ولو كان ذلك شرطاً لنقل عنهم نقلاً مشتهراً، وقد كان ابن عمر على بعير لعمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر " بعنيه " فقال هو لك يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هو لك يا عبد الله بن عمر فاصنع به ما شئت " ولم ينقل قبول النبي صلى الله عليه وسلم من عمر ولا قبول ابن عمر من النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان شرطاً لفعله النبي وعلمه ابن عمر ولم يكن ليأمره أن يصنع به ما شاء قبل أن يقبله، وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتي بطعام سأل عنه فإن قالوا صدقة قال لأصحابه " كلوا " ولم يأكل وإن قالوا هدية ضرب بيده فأكل معهم، ولا خلاف بين العلماء فيما علمنا في أن تقديم الطعام بين يدي الضيفان والإذن في أكله ان ذلك لا يحتاج إلى إيجاب ولا قبول ولأنه وجد ما يدل على التراضي بنقل الملك فاكتفى به كما لو وجد الإيجاب والقبول، قال ابن عقيل إنما يشترط الإيجاب مع الإطلاق وعدم العرف القائم من المعطي والمعطى لأنه إذا لم يكن عرف يدل(6/249)
على الرضي فلابد من قول دال عليه، أما مع قرائن الاحوال والدلال فلا وجه لتوقفه على اللفظ، ألا ترى أنا اكتفينا بالمعاطاة في البيع واكتفينا بدلالة الحال في دخول الحمام وهو إجارة وبيع أعيان فإذا اكتفينا في المعاوضات مع تأكدها بدلالة الحال فإنها تنقل الملك من الجانبين فلأن نكتفي بها في الهبة أولى.
وأما النكاح فإنه يشترط فيه ما لا يشترط في غيره من الإشهاد ولا يقع إلا قليلاً فلا يشق اشتراط الإيجاب والقبول فيه بخلاف الهبة والله سبحانه وتعالى أعلم * (مسألة) * (وتلزم بالقبض وعنه تلزم في غير المكيل والموزون بمجرد الهبة) أما الميكل والموزون الذي لا يتميز إلا بالكيل والوزن فلا تلزم الهبة فيه إلا بالقبض وعلى قياس ذلك المعدود والمذروع،
وهو قول أكثر الفقهاء منهم النخعي والثوري والحسن بن صالح وأبو حنيفة والشافعي وقال مالك وأبو ثور تلزم بمجرد العقد لعموم قوله عليه السلام " العائد في هبته كالعائد في قيئه " ولأنه إزالة ملك بغير عوض فلزم بمجرد العقد كالوقف والعتق ولأنه تبرع فلا يعتبر فيه القبض كالوصية والوقف ولنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم فإنه مروي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ولم نعرف لهما في الصحابة مخالفاً، وقد روى عروة عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر رضي الله عنه نحلها جذاذ عشرين وسقاً من ماله بالعالية فلما مرض قال: يا بنية ما أحد أحب غنىً منك بعدي ولا أحد أعز علي فقراً منك وكنت نحلتك جذاذ عشرين وسقا ووددت أنك حزتيه أو قبضتيه، وهو اليوم مال الوارث أخواك وأختاك فاقتسموا على كتاب الله عزوجل، رواه مالك في موطئه.
وروى ابن عيينة عن(6/250)
الزهري عن عروة عن عبد الرحمن بن عبد القاري أن عمر بن الخطاب قال: ما بال قوم ينحلون أولادهم فإذا مات أحدهم قال مالي وفي يدي فإذا مات هو قال قد كنت نحلت ولدي، لانحلة لانحلة يحوزها الولد دون الوالد، فإن مات ورثه قال المروذي اتفق أبو بكر وعمر وعثمان وعلي على أن الهبة لا تجوز إلا مقبوضة ولأنها هبة غير مقبوضة فلم تلزم كما لو مات الواهب قبل أن يقبض فإن مالكاً يقول لا يلزم الورثة التسليم والخبر محمول على المقبوض ولا يصح القياس على الوقف والوصية والعتق لأن الوقف إخراج ملك إلى الله تعالى فخالف التمليكات والوصية تلزم في حق الوارث والعتق إسقاط حق وليس بتمليك ولان الوقف والعنق لا يكون في محل النزاع لأن النزاع في المكيل والموزون (فصل) وفي غير المكيل والموزون روايتان (إحداهما) ان حكمه حكم المكيل والموزون في أنه لا يلزم إلا بالقبض وهو قول أكثر أهل العلم، قال المروذي: اتفق أبو بكر وعمر وعثمان وعلي على أن الهبة لا تجوز إلا مقبوضة روى ذلك عن النخعي والثوري والعنبري والحسن بن صالح والشافعي وأصحاب الرأي لما ذكرنا في المكيل والموزون (والثانية) أنها تلزم بمجرد العقد وثبت الملك في الموهوب فيه قبل قبضه فروي عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما أنهما قالا الهبة جائزة إذا كانت معلومة قبضت أو لم تقبض وهو قول مالك وأبي ثور لأن الهبة أحد نوعي التمليك فكان منها ما لا يلزم
قبل القبض ومنها ما يلزم قبله كالبيع فإن منه ما لا يلزم إلا بقبض وهو الصرف وبيع الربويات ومنه(6/251)
ما يلزم قبله وهو ما عدا ذلك، فأما حديث أبي بكر في هبته لعائشة فإن جذاذ عشرين وسقا يحتمل أنه أراد به عشرين وسقاً مجذوذة فيكون مكيلاً غير معين وهذا لابد فيه من القبض، وإن أراد نخلاً بجذ عشرين وسقاً فهو أيضاً غير معين فلا تصح الهبة فيه قبل تعيينه فيكون معناه وعدتك بالنحلة، وقول عمر أراد به النهي عن التحيل بنحلة الوالد ولده نحلة موقوفة على الموت فيظهر أني نحلت ولدي شيئاً ويمسكه في يده يستغله فإذا مات أخذه ولده بحكم النحلة التي أظهرها، وإن مات ولده أمسكه ولم يعط ورثته شيئاً وهذا على هذا الوجه محرم فنهاهم عن هذا حتى يحوزها الولد دون والده، فإن مات ورثها ورثته كسائر ماله، وإذا كان المقصود هذا اختص بهبة الولد وشبهه، على أنه قد روي عن علي وابن مسعود خلاف ذلك فتعارضت أقوالهم (فصل) قوله في المكيل والموزون أن الهبة لا تلزم فيه إلا بالقبض محمول على عمومه في كل ما يكال ويوزن وخصه أصحابنا المتأخرون بما ليس بمتعين منه كقفيز من صبرة ورطل من دن وقد ذكرنا ذلك في البيع ورجحنا العموم * (مسألة) * (ولا يصح القبض إلا بإذن الواهب إلا ما كان في يد المتهب فيكفي مضي زمن يتأتى قبضه فيه وعنه لا يصح حتى يأذن في القبض(6/252)
إذا قلنا إن الهبة لا تلزم الا بالقبض لم يصح القبض إلا بإذن الواهب لأنه قبض غير مستحق عليه ولأنه أمر تلزم به الهبة فلم يصح إلا بإذن الواهب كأصل العقد لأن قبضه مستدام فأغنى عنه الابتداء كما لو باعه سلعة في يده وهو الصحيح إن شاء الله تعالى، فأما ما كان في يد المتهب كالوديعة والمغصوب فظاهر كلام أحمد أنها تلزم من غير قبض ولا مضي مدة يتأتى فيها القبض فإنه قال في رواية ابن منصور إذا وهب امرأته شيئاً ولم تقبضه فليس بينه وبينها خيار هي معه في البيت فظاهر هذا أنه لم يعتبر قبضاً ولا مضي مدة يتأتى فيها لكونها معه في البيت
فيدها على ما فيه لأن قبضه مستدام أغنى عن الابتداء كما لو باعه سلعة في يده وهو الصحيح إن شاء الله تعالى.
قال القاضي لابد من مضي مدة يتأتى القبض فيها، وهل يفتقر إلى أذن في القبض؟ فيه روايتان (إحداهما) يفتقر كغير المقبوض (والثانية) لا يفتقر لأنه مقبوض فلا معنى لتجديد الإذن فيه وقد ذكرنا ذلك في الرهن ومذهب الشافعي في الاختلاف في اعتبار الإذن واعتبار مضي مدة يتأتى القبض فيها كمذهبنا (فصل) والواهب بالخيار قبل القبض إن شاء أقبضها وإن شاء رجع فيها فإن قبضها المتهب بغير إذن الواهب لم يصح القبض ولم تتم الهبة وحكي عن أبي حنيفة أنه إذا قبضها في المجلس صح وإن لم يأذن له لأن الهبة قامت مقام الإذن في القبض لكونها دالة على رضاه بالتمليك الذي لا يتم إلا بالقبض(6/253)
ولنا أنه قبض الهبة بغير إذن الواهب فلم يصح كما بعد المجلس وكما لو نهاه ولأن التسليم غير مستحق على الواهب فلم يصح التسليم إلا بإذنه كما لو أخذ المشتري المبيع من البائع قبل قبض ثمنه، ولا يصح جعل الهبة إذناً في القبض كما بعد المجلس ويحتمل أنه إذا قبضها بحضرة الواهب أن يقوم ذلك مقام الإذن كما جعلنا أخذ المتهب لها بإذن الواهب دليلاً على القبول فإن أذن الواهب في القبض ثم رجع عن الإذن أو رجع في الهبة صح رجوعه لأن ذلك ليس بقبض وإن رجع بعد القبض لم يصح رجوعه لأن الهبة تمت * (مسألة) * (فإن مات الواهب قام وارثه مقامه في الإذن والرجوع) وجملة ذلك أنه إذا مات الواهب أو المتهب قبل القبض بطلت الهبة سواء كان قبل الإذن في القبض أو بعده ذكره القاضي في موت الواهب لأنه عقد جائز فبطل بموت أحد المتعاقدين كالوكالة قال أحمد في رواية أبي طالب وأبي الحارث في رجل أهدى هدية فلم تصل إلى المهدي إليه حتى مات فإنها تعود إلى صاحبها ما لم يقبضها وروى بإسناده عن أم كلثوم بنت أبي سلمى قالت لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة قال لها " إني أهديت إلى النجاشي حلة وأواقي مسك ولا أرى النجاشي إلا قد مات ولا أرى هديتي إلا مردودة علي فإن ردت فهي لك " فكان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
وردت عليه هديته فأعطى كل امرأة من نسائه أوقية مسك وأعطى أم سلمة بقية المسك والحلة وإن(6/254)
مات المهدي قبل أن تصل إلى المهدى إليه رجعت إلى ورثة المهدي وليس للرسول حملها إلى المهدي إليه إلا أن يأذن الوارث والهبة كالهدية، وقال أبو الخصاب قام وارثه مقامه في الإذن في القبض والفسخ وهذا يدل على أن الهبة لم تنفسخ بموته وهو قول أكثر أصحاب الشافعي لأنه عقد مآله إلى اللزوم فلم ينفسخ بالموت كالبيع في مدة الخيار وكذلك يخرج فيما إذا مات الموهوب له بعد القبول وإن مات أحدهما قبل القبول أو ما يقوم مقامه بطلت وجهاً واحداً لأن العقد لم يتم فهو كما لو مات المشتري بعد الإيجاب وقبل القبول فإن قلنا أن الهبة لا تبطل فمات أحدهما بعد الإذن في القبض بطل الإذن لأن الميت إن كان هو الواهب فقد انتقل حقه في الرجوع في الهبة إلى وارثه وإن كان المتهب فلم يوجد الإذن لوارثه فلم يملك القبض بغير إذن والله أعلم * (مسألة) * (وإن أبرأ الغريم غريمه من دينه أو وهبه له أو أحله منه برئ وإن رد ذلك ولم يقبله) لأنه إسقاط فلم يفتقر إلى القبول كإسقاط القصاص والشفعة وحد القذف وكالعتق والطلاق وكذلك إن قال تصدقت به عليك فإن القرآن ورد في الإبراء بلفظ الصدقة قال الله تعالى (ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا) وإن قال عفوت لك عنه صح قال الله تعالى (إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) يريد به الإبراء من الصداق، فإن قال أسقطته عنك صح لأنه أتى بحقيقة اللفظ وكذلك إن قال ملكتك لأنه بمنزلة هبته إياه فإن وهب الدين لغير من هو في ذمته لم يصح قياساً على البيع(6/255)
ويحتمل أن يصح لأنه لا غرر فيها على المتهب ولا الواهب فصح كهبة الأعيان (فصل) وتصح البراءة من المجهول إذا لم يكن لهما سبيل إلى معرفته وقال أبو حنيفة تصح مطلقاً وقال الشافعي لا تصح إلا أنه إذا أراد ذلك فقال أبرأتك من درهم إلى ألف لأن الجهالة إنما منعت لأجل الغرر فإذا رضي بالجملة فقد زال الغرر وصحت البراءة ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجلين اختصما إليه في مواريث درست " اقتسما وتوخيا ثم استهما ثم تحالا " رواه
أبو داود ولأنه إسقاط فصح في المجهول كالطلاق والعتاق وكما لو قال من درهم الى ألف، ولأن الحاجة داعية إلى تبرئة الذمة ولا سبيل إلى العلم بما فيها فلو وقفت صحة البراءة على العلم لكان سداً لباب عفو الإنسان عن أخيه المسلم وتبرئة ذمته فلم يجز ذلك كالمنع من العتق، فأما إن كان من عليه الحق يعلمه ويكتمه المستحق خوفاً من أنه إذا علمه لم يسمح بإبرائه منه فينبغي أن لا تصح البراءة فيه لأن فيه تغريراً بالمبرئ وقد أمكن التحرز منه، وقال أصحابنا لو أبرأه من مائة وهو يعتقد أنه لا شئ عليه وكان له عليه مائة ففي صحة البراءة وجهان (أحدهما) صحتها لأنها صادفت ملكه فأسقطته كما لو علمها (والثاني) لا يصح لأنه ابرأه مما لا يعتقد أنه عليه فلم يكن ذلك إبراء في الحقيقة، وأصل الوجهين ما لو باع ما لا كان لموروثه يعتقد أنه باق لموروثه وكان موروثه قد مات وانتقل ملكه إليه فهل يصح؟ فيه وجهان وللشافعي قولان في البيع وفي صحة الإبراء وجهان(6/256)
(فصل) فإن كان الموهوب له طفلاً أو مجنوناً لم يصح قبضه ولا قبوله لأنه من غير أهل التصرف ويقبض له أبوه إن كان أميناً لأنه أشفق عليه وأقرب إليه، فإن لم يكن له أب قبض له وصي إليه لأن الأب أقامه مقام نفسه فجرى مجرى وكيله، وإن كان الأب غير مأمون أو كان مجنوناً أو كان لا وصي له قبل الحاكم، ولا يلي ماله غير هؤلاء الثلاثة وأمين الحاكم يقوم مقامه وكذلك وكيل الأب الأمين ووصيه يقوم كل واحد منهما مقام الصبي والمجنون في القبول والقبض إن احتيج إليه لأنه قبول لما للصبي أو المجنون فيه حظ فكان إلى الولي كالبيع والشراء ولا يصح القبض من غير هؤلاء قال أحمد في رواية صالح في صبي وهبت له هبة أو تصدق عليه بصدقة فقبضت الأم ذلك وأبوه حاضر فقال لا أعرف للأم قبضاً ولا يكون إلا للأب، وقال عثمان رضي الله عنه أحق من يحوز للصبي أبوه وهذا مذهب الشافعي لا أعلم فيه خلافاً لأن القبض إنما يكون من المتهب أو نائبه والولي نائب بالشرع فصح قبضه له، أما غيره فلا نيابة له، قال شيخنا ويحتمل أن يصح القبول والقبض من غيرهم عند عدمهم لأن الحاجة داعية إلى ذلك فإن الصبي قد يكون في مكان لا حاكم فيه وليس له أب ولا وصي ويكون(6/257)
فقيراً لا غنى به عن الصدقات فإن لم يصح قبض غيرهم له انسد باب وصولها إليه فيضيع ويهلك ومراعاة حفظه عن الهلاك أولى من مراعاة الولاية، فعلى هذا للأم القبض له وكل من يليه من أقاربه وغيرهم (فصل) فإن كان الصبي مميزاً فحكمه حكم الطفل في قيام وليه مقامه لأن الولاية لا تزول عنه قبل البلوغ إلا أنه إذا قبل لنفسه وقبض لها صح لأنه من أهل التصرف فإنه يصح بيعه وشراؤه بإذن الولي فههنا أولى، ولا يحتاج إلى إذن الولي ههنا لأنه مصلحة لا ضرر فيه فصح من غير إذن وليه كوصيته وكسبه المباحات، ويحتمل أن يقف صحة القبض منه على إذن وليه دون القبول لأن القبض يحصل به مستولياً على المال فلا يؤمن تضييعه له وتفريطه فيه فيتعين حفظه عن ذلك بتوقفه على إذن وليه كقبضه أوديغته بخلاف القبول فإنه يحصل له به الملك من غير ضرر فجاز من غير إذن كاحتشاشه واصطياده.
(فصل) فإن وهب الأب لولده الصغير شيئاً قام مقامه في القبض والقبول إن احتيج إليه قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ان الرجل اذا وهب لولده الطفل داراً بعينها أو عبداً بعينه وقبضه له من نفسه وأشهد عليه أن الهبة تامة، هذا قول مالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وروي معنى ذلك عن شريح وعمر بن عبد العزيز، فإن كان الموهوب مما يفتقر إلى قبض اكتفى(6/258)
بقوله قد وهبت هذا لابني وقبضته له لأنه يغني عن القبول كما ذكرنا ولا يكفي قوله قد قبلته لأن القبول لا يغني ن القبض، وإن كان مما لا يفتقر اكتفى بقوله قد وهبت هذا لابني ولا يحتاج إلى ذكر قبض ولا قبول، قال إبن المنذر أجمع الفقهاء على أن هبة الأب لولده الصغير في حجره لا يحتاج إلى قبض وإن الإشهاد فيها يغني عن القبض وإن وليها أبوه لما رواه مالك عن الزهري عن ابن المسيب أن عثمان قال من نحل ولداً له صغيراً لم يبلغ أن يحوز نحلة فأعلن ذلك وأشهد على نفسه فهي جائزة وإن وليها أبوه، وقال القاضي لابد في هبة الولد من أن يقول قبلته وهذا مذهب الشافعي لأن الهبة عندهم لا تصح إلا بالإيجاب والقبول وقد ذكرنا من قبل أن قرائن الأحوال ودلالتها تغني عن لفظ القبول ولا أدل على القبول من كون القابل هو الواهب فاعتبار لفظ لا يفيد معنى من غير ورود الشرع
به تحكم لا معنى له مع مخالفته لظاهر حال أمر النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، وليس هذا مذهبا لاحمد فقد قال في رواية حرب في رجل أشهد بسهم من ضيعته وهي معروفة لابنه وليس له ولد غيره فقال أحب أن يقول عند الإشهاد قد قبضته له قال له فإن سها قال إذا كان مفرزاً رجوت فقد ذكر أحمد أنه يكتفي بقوله قد قبضته له وأن يرجو أن يكتفي مع التمييز بالإشهاد فحسب وهذا موافق للإجماع المذكور عن سائر العلماء، وقال بعض أصحابنا يكتفى بأحد لفظين إما أن يقول قد قبلته أو قد قبضت لأن القبول يغني عن القبض وظاهر كلام أحمد ما ذكرناه ولا فرق بين الأثمان وغيرها فيما(6/259)
ذكرنا وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك إن وهب له مالاً يعرف بعينه كالأثمان لم يجز إلا أن يضعها على يد غيره لأن الأب قد يتلف ذلك أو يتلف بغير سببه فلا يمكن أن يشهد على شئ بعينه فلا ينفع القبض شيئاً ولنا أن ذلك مما يصح هبته فإذا وهبه لابنه الصغير وقرضه له صح كالعروض (فصل) فإن كان الواهب للصبي غير الأب من أوليائه فقال أصحابنا لابد أن يوكل من يقبل للصبي ويقبض له ليكون الإيجاب منه والقبول والقبض من غيره كما في البيع بخلاف الأب فإنه يجوز أن يوجب ويقبل ويقبض لكونه يجوز أن يبيع لنفسه، قال شيخنا والصحيح عندي أن الأب وغيره في هذا سواء لأنه عقد يجوز أن يصدر منه ومن وكيله فجاز أن يتولى طرفيه كالأب.
وفارق البيع فإنه يجوز أن يوكل من يشتري له ولأن البيع عقد معاوضة ومرابحة فيتهم في عقده لنفسه والهبة محض مصلحة لا تهمة فيها وهو ولي فجاز أن يتولى طرفي العقد كالأب، ولأن البيع إنما منع منه لما يأخذه من العوض لنفسه من مال الصبي وهو ههنا يعطي ولا يأخذ فلا وجه لمنعه من ذلك وتوقيفه على توكيل غيره ولأننا قد ذكرنا أنه يستغنى بالإيجاب والإشهاد عن القبض والقبول فلا حاجة الى التوكيل فيهما مع غناه عنهما(6/260)
(فصل) فأما الهبة من الصبي لغيره فلا تصح سواء أذن فيها الولي أو لم يأذن لأنه محجور عليه
لحظ نفسه فلا يصح تبرعه كالسفيه، فأما العبد فلا يجوز أن يهب إلا بإذن سيده لأنه مال لسيده وماله مال لسيده فلا يجوز له إزالة ملك سيده عنه بغير إذنه كالأجنبي وقد ذكرنا في جواز الصدقة من قوته بالرغيف ونحوه رواية أن ذلك جائز وذكرنا دليله في الحجر وللعبد أن يقبل الهدية والهبة بغير إذن سيده نص عليه أحمد لأنه تحصيل للمال للسيد فلم يعتبر إذنه فيه كالالتقاط والاصطياد ونحوه: (فصل) والقبض في الهبة كالقبض في البيع وقد ذكرنا ذلك والاختلاف فيه في كتاب البيع وهذا مقيس عليه * (مسألة) * (وتصح هبة المشاع وبه قال مالك والشافعي وسواء في ذلك ما أمكن قسمته أو لم يمكن وقال أصحاب الرأي لا تصح هبة المشاع الذي يمكن قسمته لأن القبض شرط في الهبة ووجوب القسمة يمنع صحة القبض وتمامه وتصح هبة ما لا يمكن قسمته لعدم ذلك فيه فإن وهب واحد اثنين شيئاً مما ينقسم لم يجز عند أبي حنيفة وجاز عند صاحبيه وإن وهب اثنان اثنين شيئاً مما ينقسم لم يصح في قياس قولهم لأن كل واحد من المتهبين قد وهب له جزء مشاع(6/261)
ولنا أن وفد هوازن لما جاءوا يطلبون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم ما غنمه منهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم " رواه البخاري وهو هبة مشاع وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وقد جاء رجل ومعه كبة من شعر فقال أخذت هذه من الغنم لأصلح بها برذعة لي فقال النبي صلى الله عليه وسلم " ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك " وروى عمير بن سلمة الضمري قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتينا الروحاء فرأينا حمار وحش معقوراً فأردنا أخذه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " دعوه فإنه يوشك أن يجئ صاحبه " فجاء رجل من بهز وهو الذي عقره فقال يا رسول الله شأنكم بالحمار فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم بين الناس رواه الإمام أحمد والنسائي ولأنه يجوز بيعه فجازت هبته كالذي لا ينقسم، وقولهم إن وجوب القسمة يمنع صحة القبض لا يصح لأنه
لا يمنع صحته في البيع فكذا ههنا، ومتى كانت الهبة لاثنين فقبضاه بإذنه ثبت ملكهما فيه وإن قبضه أحدهما ثبت الملك في نصيبه دون صاحبه * (مسألة) * (وتصح هبة ما يجوز بيعه لأنه تمليك في الحياة فصح كالبيع وتصح هبة الكلب وما يباح الانتفاع به من النجاسات لأنه تبرع فجاز في ذلك كالوصية، ومتى قلنا إن القبض شرط في الهبة(6/262)
لم تصح الهبة فيما لا يمكن تسليمه كالعبد الآبق والجمل الشارد والمغصوب لغير غاصبه ممن لا يقدر على أخذه منه وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي لأنه عقد يفتقر الى القبض أشبه البيع فإن وهب المغصوب لغاصبه أو لمن يتمكن من أخذه منه صح لإمكان قبضه، وليس لغير الغاصب القبض إلا بإذن الواهب فإن وكل المالك الغاصب في تقبيضه صح وإن وكل المتهب الغاصب في القبض له فقبل في زمن يمكن قبضه فيه صار مقبوضاً وملكه المتهب وبرئ الغاصب من ضمانه وإن قلنا القبض ليس شرطاً في الهبة فما لا يعتبر فيه القبض من ذلك يحتمل أن لا يعتبر في صحة هبته القدرة على التسليم وهو قول أبي ثور لأنه تمليك بلا عوض أشبه الوصية ويحتمل أن لا تصح هبته لأنه لا يصح بيعه أشبه الحمل في البطن وكذلك يخرج في هبة الطير في الهواء أو السمك في الماء إذا كان مملوكاً * (مسألة) * (ولا تصح هبة المجهول كالحمل في البطن واللبن في الضرع) وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وأبو ثور لأنه مجهول معجوز عن تسليمه فلم تصح هبته كما لا يصح بيعه وفي الصوف على الظهر وجهان بناء على صحة بيعه، ومتى أذن له في جز الصوف وحلب الشاة كان إباحة وإن وهب دهن سمسمه قبل عصره أو زيت زيتونه أو جفته لم يصح وبهذا قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم لهم مخالفاً، ولا تصح هبة المعدوم كالذي تحمل أمته أو شجرته لأن الهبة عقد تمليك في الحياة فلم تصح في هذا كله كالبيع (فصل) قد ذكرنا أن هبة المجهول لا تصح نص عليه أحمد في رواية أبي داود وحرب وبه قال الشافعي، قال شيخنا ويحتمل أن الجهل إذا كان من الواهب منع الصحة لأنه غرر في حقه وإن كان من الموهوب له لم يمنعها لأنه لا غرر في حقه فلم يعتبر في حقه العلم بما يوهب له كالوصية، وقال مالك:
تصح هبة المجهول لأنه تبرع فصح في المجهول كالنذر والوصية(6/263)
ولنا أنه عقد تمليك لا يصح تعليقه بالشروط فلم يصح في المجهول كالبيع بخلاف النذر والوصية فأما ما لا يقدر على تسليمه فتصح هبته في أحد الاحتمالين إذا قلنا إن القبض ليس بشرط في صحة الهبة وقد ذكرناه.
* (مسألة) * (ولا يجوز تعليقها على شرط ولا شرط ما ينافي مقتضاها نحو أن لا يبيعها ولا يهبها) لا يصح تعليق الهبة على شرط لأنها تمليك لعين في الحياة فلم يجز تعليقها على شرط كالبيع، فإن علقها على شرط كقول النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة " إن رجعت هديتنا إلى النجاشي فهي لك " كان وعداً لا هبة ومتى شرط شرطاً ينافي مقتضاها نحو أن لا يبيعها ولا يهبها أو بشرط أن يبيعه أو يهبه أو أن يهب فلاناً شيئاً لم يصح الشرط رواية واحدة، وفي صحة الهبة وجهان بناء على الشروط الفاسدة في البيع.
* (مسألة) * (ولا توقيتها كقوله وهبتك هذا سنة) إذا وقت الهبة كقوله وهبتك هذا سنة ثم يعود إلى لم يصح لأنه عقد تمليك لعين فلم تصح مؤقتاً كالبيع (فصل) وإن وهب أمة واستثنى ما في بطنها صح في قياس قول أحمد فيمن أعتق أمة واستثنى ما في بطنها لأنه تبرع بالأم واستثنى ما في بطنها أشبه العتق، وبه يقول في العتق النخعي واسحاق وأبو ثور، ويتخرج أن لا يصح كما لو باع أمة واستثنى ما في بطنها، وقد ذكرناه في البيع، وقال أصحاب الرأي تصح الهبة ويبطل الاستثناء، ولنا أنه لم يهب الولد فلم يملكه الموهوب له كالمنفصل وكالموصى به.
* (مسألة) * (إلا في العمرى والرقبى وهو أن يقول أعمرتك هذه الدار أو أرقبتكها أو جعلتها لك عمرك أو حياتك فإنه يصح وتكون للمعمر ولورثته من بعده) العمرى والرقبى نوعان من أنواع الهبة يفتقران إلى ما يفتقر إليه سائر الهبات من الإيجاب والقبول والقبض أو ما يقوم مقام ذلك عند من اعتبره، وصورة العمرى أن يقول أعمرتك داري هذه أو هي لك عمرك أو ما عشت أو مدة حياتك أو ما حييت أو نحو هذا، سميت عمرى لتقييدها بالعمر، والرقبى(6/264)
أن يقول أرقبتك هذه الدار أو هي لك حياتك على إنك إن مت قبلي عادت إلي وإن مت قبلك فهي لك ولعقبك فكأنه يقول هي لآخرنا موتاً، ولذلك سميت رقبى لأن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه، وهما جائزان في قول أكثر أهل العلم، وحكي عن بعضهم أنها لا تصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تعمروا ولا ترقبوا " ولنا ما روى جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " العمرى جائزة لأهلها والرقبى جائزة لأهلها " رواه أبو داود والترمذي، وقال حديث حسن، فأما النهي فإنما ورد على وجه الإعلام لهم أنكم إن أعمرتم أو أرقبتم يعد للمعمر والمرقب ولم يعد اليكم منه شئ، وسياق الحديث يدل عليه فإنه قال " فمن أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حياً وميتاً وعقبه " ولو أريد به حقيقة النهي لم يمنع ذلك صحتها فإن النهي إنما يمنع صحة ما يفيد المنهي عنه فائدة، أما إذا كان صحة المنهي ضرراً على مرتكبه لم يمنع صحته كالطلاق في زمن الحيض، وصحة العمرى ضرر على المعمر فإن ملكه يزول بغير عوض.
إذا ثبت ذلك فإن العمرى تنقل الملك إلى المعمر، وبهذا قال جابر بن عبد الله وابن عمر وابن عباس وشريح ومجاهد وطاوس والثوري والشافعي وأصحاب الرأي، وروي ذلك عن علي، وقال مالك والليث: العمرى تمليك المنافع لا تملك بها رقبة المعمر بحال ويكون للمعمر السكنى فيه فإن مات عادت إلى المعمر وإن قال له ولعقبه كان سكناها لهم فإذا انقرضوا عادت إلى المعمر، واحتجا بما روي يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم قال سمعت مكحولاً يسأل القاسم بن محمد عن العمرى ما يقول الناس فيها فقال القاسم ما أدركت الناس إلا على شروطهم في أموالهم وما أعطوا، وقال ابراهيم الحربي عن ابن الأعرابي لم يختلف العرب في العمرى والرقبى والافقار والمنحة والعارية والكسنى والإطراق أنها على ملك أربابها ومنافعها لمن جعلت له ولأن التمليك لا يتأقت كما لو باعه إلى مدة فإذا كان لا يتأقت حمل قوله على تمليك المنافع لأنه يصح توقيته ولنا ما روى جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " امسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها(6/265)
فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حياً وميتاً ولعقبه " رواه المسلم وفي لفظ قضى رسول الله صلى
الله عليه وسلم بالعمرى لمن وهبت له متفق عليه، وروى ابن ماجة عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا رقبى، فمن أرقب شيئاً فهو له حياته وموته " وعن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل العمرى للوارث وقد روى مالك حديث العمرى في موطئه وهو صحيح رواه جابر وابن عمر وابن عباس ومعاوية وزيد بن ثابت وأبو هريرة، وقول القاسم لا يقبل في مخالفة من سمينا من الصحابة والتابعين فكيف يقبل في مخالفة سيد المرسلين، ولا يصح دعوى إجماع أهل المدينة لكثرة من قال بها منهم وقضى بها طارق بالمدينة بأمر عبد الملك بن مروان وقول ابن الأعرابي أنها عند العرب تمليك المنافع لا يضر إذا نقلها الشرع إلى تمليك الرقبة كما نقل الصلاة من الدعاء إلى الأفعال المنظومة ونقل الظهار والإيلاء من الطلاق إلى أحكام مخصوصة، قولهم أن التمليك لا يتأقت قلنا فلذلك أبطل الشرع تأقيتها وجعلها تمليكاً مطلقاً فإن قال في العمرى أنها للمعمر وعقبه كان توكيداً لحكمها وتكون للمعمر ولورثته وهو قول جميع القائلين بها * (مسألة) * (وإن شرط رجوعها إلى المعمر عند موته أو قال هي لآخرنا موتاً صح الشرط وعنه لا يصح وتكون للمعمر ولورثته من بعده) أما إذا شرط رجوعها إلى المعمر عند موته أو قال هي لآخرنا موتاً أو إذا مت عادت إلي إن كنت حياً أو إلى ورثتي ففيه روايتان (إحداهما) صحة العقد والشرط ومتى مات المعمر رجعت إلى المعمر، وبه قال القاسم بن محمد ويزيد بن قسيط والزهري وأبو سلمة بن عبد الرحمن وابن أبي ذئب ومالك وأبو ثور وداود وهو أحد قولي الشافعي لما روى جابر قال إنما العمرى التي أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول هي لك ولعقبك فلما إذا قال هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها متفق عليه، وروى مالك في موطئه عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنها للذي أعطيها لا ترجع إلى من أعطاها " لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " المؤمنون على شروطهم وقال القاسم بن محمد: ما أدركت الناس إلا على شروطهم في أموالهم.(6/266)
(والثانية) أنها تكون للمعمر أيضاً ولورثته ويبطل الشرط وهو قول الشافعي في الجديد وأبي حنيفة، قال شيخنا وهو ظاهر المذهب نص عليه أحمد في رواية أبي طالب للأحاديث المطلقة التي ذكرناها ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا رقبى، فمن أرقب شيئاً فهو له حياته وموته "، قال مجاهد والرقبى هو أن يقول هي للآخر مني ومنك موتاً قال مجاهد سميت بذلك لأن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه، وروى الإمام أحمد بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا عمرى ولا رقبى، فمن أعمر شيئاً أو أرقبه فهو له حياته وموته " وهذا صريح في إبطال الشرط لأن الرقبى يشترط فيها عودها إلى المرقب إن مات الآخر قبله فأما حديثهم الذي احتجوا به فمن قول جابر نفسه وإنما نقل لفظ النبي صلى الله عليه وسلم قال " امسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها، فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حياً وميتاً ولعقبه " ولأننا لو أجزنا هذا الشرط كانت هبة مؤقتة والهبة لا يجوز فيها التأقيت وإنما لم يفسدها الشرط لأنه ليس بشرط على المعمر وإنما شرط ذلك على ورثته ومتى لم يكن الشرط مع المعقود معه لم يؤثر فيه ولنا قوله في الحديث الآخر لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث فهذه الزيادة من كلام أبي سلمة بن عبد الرحمن كذلك رواه ابن أبي ذئب، وفصل هذه الزيادة فقال عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى فيمن أعمر عمرى له ولعقبه فهي له بتلة لا يجوز للمعطي فيها شرط ولا مثنوية قال أبو سلمة لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث (فصل) والرقبى كالعمرى قال أحمد هي أن يقول هي لك حياتك فإذا مت فهي لفلان أو هي راجعة إلي وهي كالعمرى فيما إذا شرط عودها إلى المعمر قال علي رضي الله عنه العمرى والرقبى سواء وقال طاوس من أرقب شيئاً فهو سبيل الميراث وقال الزهري الرقبى وصية يعني أن معناها إذا مت فهذا لك وقال الحسن ومالك وأبو حنيفة الرقبى باطلة لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز العمرى وأبطل الرقبى لأن(6/267)
معناها أنها للآخر منا وهذا تمليك معلق بخطر ولا يجوز تعليق التمليك بالخطر ولنا ما ذكرنا من الأحاديث وحديثهم لا نعرفه ولا نسلم أن معناها ما ذكروه بل معناها أنها لك حياتك فإن مت رجعت إلي فتكون كالعمرى سواء لأنه زاد شرطها لورثة المرقب إن مات المرقب قبله
وهذا يبين تأكيدها على العمرى (فصل) وتصح العمرى في الحيوان والثياب لأنها نوع هبة فصحت في ذلك كسائر الهبات وقد روي عن أحمد في الرجل يعمر الجارية أنه قال لا أرى له وطأها قال القاضي لم يتوقف أحمد في وطئ الجارية لعدم الملك فيها لكن على طريق الورع لكون الوطئ استباحة فرج وقد اختلف في العمرى فجعلها بعضهم تمليك المنافع فلم ير له وطأها لهذا ولو وطئها جاز (فصل) وقد ذكرنا أنه لو وقت الهبة في غير العمرى والرقبى كقوله (وهبتك هذا سنة) أو إلى أن يقدم الحاج أو إلى أن يبلغ ولدي أو مدة حياة فلان ونحو هذا لم يصح لأنها تمليك للرقبة فلم تصح موقنة كالبيع وتفارق العمرى والرقبى لأن الإنسان إنما يملك الشئ عمره فإذا ملكه عمره فقد وقته بما هو موقت به في الحقيقة فصار ذلك كالمطلق (فصل) فأما إن قال سكناها لك عمرك فله أخذها في أي وقت أحب وكذلك إن قال اسكنها أو أسكنتكها عمرك أو نحو ذلك فليس هذا عقداً لازماً لأنه في التحقيق هبة المنافع والمنافع إنما تستوفى بمضي الزمان شيئاً فشيئاً فلا تلزم الا في قدر ما قبضه منها واستوفاه بالسكنى فعلى هذا للمسكن الرجوع متى شاء وتبطل بموت من مات منهما وبه قال أكثر أهل العلم منهم الشعبى والنخعي والثوري والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي وقال الحسن وعطاء وقتادة هي كالعمرى يثبت فيها مثل حكمها وحكي عن الشعبي أنه قال إذا قال هي لك اسكن حتى تموت فهي له حياته وموته، وإن قال داري هذه اسكنها حتى تموت فإنها ترجع إلى صاحبها لأنه إذا قال لك فقد جعل له رقبتها فتكون عمرى، وإذا قال اسكن داري هذه فإنما جعل له نفعها دون رقبتها فتكون عارية(6/268)
ولنا أن هذا إباحة المنافع فلم يقع لازماً كالعارية وفارق العمرى فإنها هبة الرقبة فأما قوله هذه لك اسكنها حتى تموت فإنه يحتمل لك سكناها حتى تموت وتفسيرها بذلك دليل على أنه أراد السكنى فأشبه ما لو قال هذه لك سكناها وإذا احتمل أنه يريد به الرقبة واحتمل أن يريد السكنى فلا نزيل ملكه بالاحتمال.
(فصل) إذا وهب هبة فاسدة أو باع بيعاً فاسداً ثم وهب تلك العين أو باعها بعقد صحيح مع علمه
بفساد الأول صح العقد الثاني لأنه تصرف في ملكه، عالماً بأنه ملكه، وإن اعتقد صحة العقد الأول ففي الثاني وجهان (أحدهما) صحته لأنه تصرف صادف ملكه وتم بشروطه فصح كما لو علم فساد الأول (والثاني) لا يصح لأنه تصرف تصرفاً يعتقد فساده ففسد كما لو صلى يعتقد أنه محدث فبان متطهراً وهكذا لو تصرف في عين يعتقد أنها لأبيه فبان انه قد مات وملكها الوارث أو غصب عيناً فباعها يعتقدها مغصوبة فبان أنها ملكه فعلى الوجهين.
قال القاضي: أصل الوجيهن من باشر امرأة بالطلاق يعتقدها أجنبية فبانت امرأته أو باشر بالعتق من يعتقدها حرة فبانت أمته ففي وقوع الطلاق والحرية روايتان وللشافعية في هذه المسألة وجهان كما حكينا والله أعلم * (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (والمشروع في عطية الأولاد القسمة بينهم على قدر ميراثهم) ولا خلاف بين أهل العلم في استحباب التسوية بينهم وكراهية التفضيل قال ابراهيم كانوا يستحبون التسوية بينهم حتى في القبل، إذا ثبت هذا فالتسوية المستحبة أن يقسم بينهم على حسب قسمة الله تعالى الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين، وبه قال عطاء وشريح واسحاق ومحمد بن الحسن قال شريح لرجل قسم ماله بين ولده: ارددهم إلى سهام الله وفرائضه وقال عطاء ما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله تعالى، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي وابن المبارك يعطى الأنثى مثل ما يعطى الذكر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير بن سعد " سو بينهم " وعلل ذلك بقوله " أيسرك ان يستوا في برك " فقال نعم قال " فسو بينهم " والبنت كالابن في استحقاق برها فكذلك في عطيتها وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(6/269)
" سووا بين أولادكم في العطية ولو كنت مؤثراً أحداً لا ترث النساء على الرجال " رواه سعيد في سننه ولأنها عطية في الحياة فاستوى فيها الذكر والأنثى كالنفقة والكسوة ولنا أن الله تعالى قسم بينهم فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين وأولى ما اقتدى به قسمة الله تعالى ولأن العطية في الحياة إحدى حالتي العطية فيجعل للذكر منها مثل حظ الأنثيين كحالة الموت يعني الميراث يحققه أن العطية استعجال لما يكون بعد الموت فينبغي ان تكون على حسبه كما أن معجل الزكاة قبل وجوبها يؤديها على صفة أدائها بعد وجوبها وكذلك الكفارات المعجلة ولأن الذكر أحوج من الأنثى
من قبل أنهما إذا تزوجا جميعاً فالصداق والنفقة ونفقة الأولاد على الذكر، والأنثى لها ذلك فكان أولى بالتفضيل لزيادة حاجته وقد قسم الله الميراث ففضل الذكر مقروناً بهذا المعنى فيعلل به ويتعدى ذلك إلى العطية في الحياة وحديث بشير قضية عين وحكاية حال لا عموم لها إنما يثبت حكمها في مثلها ولا نعلم حال أولاد بشير هل كان فيهم أنثى أو لا؟ ولعل النبي صلى الله عليه وسلم قد علم أنه ليس له إلا ولد ذكر ثم تحمل التسوية على القسمة على كتاب الله تعالى ويحتمل أنه أراد التسوية في أصل العطاء لا في صفته فإن التسوية لا تقتضي التسوية من كل وجه وكذلك الحديث الآخر ودليل ذلك قول عطاء: ما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله تعالى وهذا خبر عن جميعهم على أن الصحيح في خبر ابن عباس أنه مرسل * (مسألة) * (فإن خص بعضهم أو فضله فعليه التسوية بالرجوع أو إعطاء الآخر حتى يستووا) قد ذكرنا أن المشروع أن يسوي بين أولاده في العطية على قدر ميراثهم فإن خص بعضهم بعطيته أو فاضل بينهم أثم إذا لم يختص بمعنى يبيح التفضيل ووجب عليه التسوية إما برد ما فضل به البعض أو إعطاء الآخر حتى يتم نصيبه قال طاوس لا يجوز ذلك ولا رغيف محترق، وبه قال ابن المبارك وروي معناه عن مجاهد وعروة وكان الحسن يكرهه ويخيره في القضاء وقال مالك والليث والثوري والشافعي وأصحاب الرأي يجوز ذلك وروي معنى ذلك عن شريح وجابر بن زيد والحسن بن صالح لأن أبا بكر(6/270)
رضي الله عنه نحل عائشة ابنته جداد عشرين وسقا دون سائر ولده واحتج الشافعي بقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث النعمان بن بشير " أشهد على هذا غيري " فأمره بتأكيدها دون الرجوع فيها ولأنها عطية تلزم بموت الأب فكانت جائزة كما لو سوي بينهم ولنا ما روى النعمان بن بشير قال تصدق علي أبي ببعض ماله فسالت أمي عمرة بنت رواحة لا أرضى حتى تشهد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي فقال " أكل ولدك أعطيت مثله " قال لا قال " فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم " قال فرجع أبي فرد تلك الصدقة وفي لفظ قال " فاردده " وفي لفظ " لا تشهدني على جور " وفي لفظ " فلا تشهدني إذاً " وفي لفظ " فاشهد على هذا غيري " وفي لفظ " سو بينهم " متفق عليه وفيه دليل على التحريم
لأنه اسماه جوراً وأمره برده وامتنع من الشهادة عليه والجور حرام والأمر يقتضي الوجوب ولأن تفضيل بعضهم يورث بينهم العداوة والبغضاء وقطيعة الرحم فمنع منه كترويج المرأة على عمتها وخالتها وقول أبي بكر لا يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم ولا يحتج به معه ويحتمل أن أبا بكر رضي الله عنه خصها لحاجتها وعجزها عن الكسب والسبب مع اختصاصها بفضلها وكونها أم المؤمنين وغير ذلك من فضائلها ويحتمل أن يكون نحلها ونحل غيرها من ولده أو نحلها وهو يريد أن ينحل غيرها فأدركه الموت قبل ذلك ويتعين حمل حديثه على أحد هذه الوجوه لأن حمله على مثل محل النزاع منهي عنه وأقل أحواله الكراهة والظاهر من حال أبي بكر رضي الله عنه اجتناب المكروهات وقول النبي صلى الله عليه وسلم " فأشهد على هذا غيري " ليس بأمر لأن أدنى أحوال الأمر الاستحباب والندب ولا خلاف في كراهة هذا وكيف يجوز أن يأمره بتأكيده مع أمره برده وتسميته إياه جوراً وحمل الحديث على هذا حمل لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على التناقض ولو أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإشهاد غيره لامتثل بشير أمره ولم يرده وإنما هو تهديد له فيفيد ما أفاده النهي عن إتمامه(6/271)
(فصل) فأما إن خص بعضهم لمعنى يقتضيه تخصيصه من حاجة أو زمانة أو عمى أو كثرة عائلة أو لاشتغاله بالعلم أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه أو بدعته ولكونه يعصي الله تعالى بما يأخذه فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك فإنه قال في تخصيص بعضهم بالوقف لا بأس إذا كان لحاجة وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة والعطية في معناه ويحتمل ظاهر لفظه المنع من التفضيل على كال حال لكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل بشيراً في عطيته قال شيخنا والأول أولى إن شاء الله لحديث أبي بكر ولأن بعضهم اختص بمعنى يقتضي العطية فجاز أن يختص بها كما لو اختص بالقرابة وحديث بشير قضية في عين لا عموم لها وترك النبي صلى الله عليه وسلم الاستفصال يجوز أن يكون لعلمه بالحال فإن قيل لو علم الحال لما قال " ألك ولد غيره؟ " قلنا يجوز أن يكون السؤال ههنا لبيان العلة كما قال عليه الصلاة والسلام الذي سأله عن بيع الرطب بالتمر " أينقص الرطب إذا يبس قال نعم " قال " فلا إذاً " وقد علم أن الرطب ينقص لكن نبه السائل بهذا على علة المنع والله أعلم
(فصل) والأم في المنع من المفاضلة بين أولادها كالأب لقول النبي صلى الله عليه وسلم " اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم " ولأنها أحد الوالدين أشبهت الأب ولأن ما يحصل بتخصيص الأب بعض ولده من الحسد والتباغض يوجد مثله في تخصيص الأم فيثبت لها مثل حكمه في ذلك * (مسألة) * (وإن مات قبل ذلك ثبت للمعطى وعنه لا يثبت وللباقين الرجوع اختاره أبو عبد الله بن بطة) إذا فاضل بين ولده في العطايا أو خص بعضهم بعطية ثم مات قبل أن يسترده ثبت ذلك للموهوب له ولزم وليس لبقية الورثة الرجوع هذا المنصوص عن أحمد في رواية محمد بن الحكم والميموني واختاره الخلال وصاحبه أبو بكر وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأكثر أهل العلم وهو الذي ذكره الخرقي، وفيه رواية أخرى أن لباقي الورثة أن يرتجعوا ما وهبه اختاره أبو عبد الله بن بطة وأبو حفص العكبريان وهو قول عروة بن الزبير واسحاق قال أحمد: عروة قد روى الأحاديث الثلاثة حديث(6/272)
عائشة وحديث عمر وحديث عثمان وتركها وذهب إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم " يرد في حياة الرجل وبعد موته " وهو قول إسحاق إلا أنه قال إذا مات الرجل فهو ميراث بينهم لا يسع أن يننفع أحد بما أعطى دون إخوته وأخواته لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمى ذلك جوراً بقوله لبشير " لا نشهدني على جور " والجور لا يحل للفاعل فعله ولا للمعطى تناوله والموت لا يغيره عن كونه جوراً حراماً فيجب رده ولأن أبا بكر وعمر أمرا قيس بن سعد يرد قسمة أبيه حين ولد له ولد لم يكن علم به ولا أعطاه شيئاً وكان ذلك بعد موت سعد فروى سعيد باسناده من طريقين أن سعد بن عبادة قسم ماله بين أولاده وخرج إلى الشام فمات بها ثم ولد له بعد ذلك ولد فمشى أبو بكر وعمر رضي الله عنهما إلى قيس بن سعد فقالا إن سعد قسم ماله ولم يدر ما يكون وإنا نرى أن ترد هذه القسمة فقال لم أكن لأغير شيئاً صنعه سعد ولكن نصيبي له وهذا معنى الخبر، ووجه الرواية الأولى قول أبي بكر لعائشة رضي الله عنهما لما نحلها نحلاً وددت أنك كنت حزتيه فيدل على أنها لو كانت حازته لم يكن لهم الرجوع وقال عمر لا نحلة إلا نحلة يحوزها الولد دون الوالد ولأنها عطية لولده فلزمت بالموت كما لو انفرد ولأنه حق للأب يتعلق بمال الولد فسقط بموته كالأخذ من ماله
(فصل) وليس عليه التسوية بين سائر أقاربه ولا إعطاؤهم على قد ميراثهم سواء كانوا من جهة واحدة كاخوة وأخوات وني عم أو من جهات كبنات وأخوات وغيرهم وقال أبو الخطاب المشروع في عطية سائر الأقارب أن يعطيهم على قدر ميراثهم كالأولاد فإن خالف فعليه أن يرجع أو يعمهم بالنحلة لأنهم في معنى الأولاد فثبت فيهم حكمهم ولنا أنها عطية لغير الأولاد في صحته فلم تجب عليه التسوية كما لو كانوا غير وارثين ولأن الأصل إباحة الإنسان التصرف في ماله كيف شاء وإنما وجبت التسوية بين الأولاد للخبر وليس غيرهم في معناهم لأنهم استووا في بر والدهم فاستوا في عطيته وبهذا علل النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لبشير " أيسرك(6/273)
أن يستوا في برك " قال نعم قال " فسو بينهم " ولم يوجد هذا في غيرهم ولأن للوالد الرجوع فيما أعطى ولده فيمكنه أن يسوي بينهم في الرجوع بما أعطاه لبعضهم ولا يمكن ذلك في غيرهم ولأن الأولاد لشدة محبة الوالد لهم وصرفه ماله إليهم عادة يتنافسون في ذلك ويشتد عليهم تفضيل بعضهم ولا يساويهم في ذلك غيرهم فلا يصح قياسه عليهم ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم أن لبشير زوجة ولم يأمره بإعطائها شيئاً حين أمره بالتسوية بين أولاده ولم يسأله هل لك وارث غير ولدك؟ (فصل) فإن أعطى أحدا بنيه في صحته والآخر في مرضه فقد توقف أحمد فيه فانه سئل عمن زوج ابنه فأعطى عنه الصداق ثم مرض الأب وله ابن آخر هل يعطيه في مرضه كما أعطى الآخر في صحته؟ فقال لو كان أعطاه في صحته فيحتمل وجهين (أحدهما) لا يصح لأن عطيته في مرضه كوصية له ولو وصى له لم يصح فكذلك إذا أعطاه (والثاني) يصح وهو الصحيح إن شا الله تعالى لأن التسوية بينهما واجبة ولا طريق لها في هذا الموضع إلا بعطية الآخر فتكون واجبة فصح كقضاء دينه (فصل) قال أحمد أحب إلي أن لا يقسم ماله ويدعه إلى فرائض الله تعالى لعله أن يولد له فإن أعطى ولده ماله ثم ولد له ولد فأعجب إلى أن يرجع فيسوي بينهم بعني يرجع في الجميع أو يرجع في بعض ما أعطى كل واحد منهم ليدفعه إلى هذا الولد الحادث ليساوي إخوته فإن أعطى ولده ثم مات ثم ولد له ولد استحب للمعطي أن يساوي المولود الحادث بعد أبيه
(1) * (مسألة) * (فإن سوى بينهم في الوقف أو وقف ثلثه في مرضه على بعضهم جاز نص عليه وقياس المذهب أن لا يجوز) إذا سوى بين أولاده في الوقف الذكر والاثى جاز ذكره القاضي وقال هو المستحب لأن القصد القربة على وجه الدوام وقد استووا في القرابة وقال شيخنا المستحب أن يقسم الوقف على أولاده
__________
(1) قال الشيخ رحمه الله هذه المسألة مذكورة في الوقف فلا حاجة الى اعادتها(6/274)
كقسمة الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين كما قسم الله تعالى بينهم الميراث لانه إيصال المال إليهم فينبغي أن يكون بينهم على حسب الميراث كالوصية ولأن الذكر في مظنة الحاجة أكثر من الأنثى لأن الذكر تجب عليه نفقة زوجته وأولاده والمرأة ينفق عليها زوجها ولا تلزمها نفقة ولدها إذا كان لهم أب وقد فضل الله سبحانه الذكر على الأنثى في الميراث على وفق هذا المعنى فيصح تعليله به فينبغي أن يتعدى إلى الوقف وما ذكره القاضي لا أصل له وهو ملغي بالميراث فإن خالف فسوى بين الذكر والأنثى أو فضلها عليه أو فضل بعض البنين على بعض في الوقف أو بعض البنات أو خص بعضهم بالوقف فقد روي عن أحمد في رواية محمد بن الحكم: إن كان على طريق الأثرة فأكرهه وان كان على أن بعضهم له عيال وبه حاجة فلا بأس به وذلك لان الزببر خص المردودة من بناته دون المستغنية منهن بصدقته (1) (فصل) وأما إذا وقف ثلثه في مرضه على بعض ورثته فقد اختلفت الرواية عن احمد في ذلك فروي عنه عدم الحواز فإن فعل وقف على إجازة الورثة فإنه قال في رواية إسحاق بن إبراهيم فيمن وصى لأولاد بنته بأرض توقف عليهم فقال إن لم يرثوه فجائز فظاهر هذا أنه لا يجوز الوقف عليهم في المرض اختاره أبو حفص العكبري وابن عقيل وإليه ذهب الشافعي (والثانية) يجوز أن يقف عليهم ثلثه كالأجانب فإنه قال في رواية جماعة منهم الميموني يجوز للرحل أن يقف في مرضه على ورثته فقيل له أليس تذهب إلى أنه لا وصية لوارث؟ فقال نعم والوقف غير الوصية ولأنه لا يباع ولا يورث ولا يصير ملكاً للورثة بل ينتفعون بغلتها وقال في رواية أحمد بن الحسن أنه صرح في مسئلته بوقف ثلثه على بعض ورثته دون بعض فقال جائز قال الخبري وأجاز هذا الأكثرون واحتج أحمد
بحديث عمر رضي الله عنه أنه قال: هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المومنين إن حدث به حدث
__________
(1) قد ذكرنا ذلك في الوقف(6/275)
أن ثمغا صدقة والعبد الذي فيه والسهم الذي بخيبر ورقيقه الذي فيه والمائة وسق الذي أطعمني محمد صلى الله عليه وسلم تليه حفصة ما عاشت ثم يليه ذو الرأي من أهله لا يباع ولا يشترى ينفقه حيث يرى من السائل والمحروم وذوي القربى، ولا حرج على من وليه إن أكل أو اشترى رقيقاً رواه أبو داود بنحو من هذا فالحجة فيه أنه جعل حفصة تلي وقفه وتأكل منه وتشتري رقيقاً، قال الميموني قلت لاحمد إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر بالإيقاف وليس في الحديث الوارث، قال فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أمره وهوذا قد وقفها على ورثته وحبس الأصل عليهم جميعاً ولأن الوقف ليس في معنى المال لأنه لا يجوز التصرف فيه فهو كعتق الوارث ولنا أنه تخصيص لبعض الورثة بماله في مرضه فمنع منه كالهبات ولأن كل من لا تجوز له الوصية بالعين لا تجوز له بالمنفعة كالأجنبي فيما زاد على الثلث، وأما خبر عمر فإنه لم يخص بعض الورثة بوقفه والنزاع إنما هو في تخصيص بعضهم وأما جعل الولاية إلى حفصة فليس ذلك وقفاً عليها فلا يكون ذلك وارداً في محل النزاع وكونه انتفاعاً بالغلة لا يقتضي جواز التحصيص بدليل ما لو وصى لوارثه بمنفعة عبد لم يجز، ويحتمل أن يحمل كلام أحمد في رواية الجماعة على أنه وقف على جميع الورثة ليكون على وفق حديث عمر وعلى وفق الدليل الذي ذكرناه والله أعلم (فصل) فإن وقف داره وهي تخرج من ثلثه بين ابنه وبنته نصفين في مرض موته صح على رواية الجماعة ولزم لأنه لما كان يجوز تخصيص البنت بوقف الدار كلها فنصفها أولى وعلى الرواية التي نصرناها إن أجازه الابن جاز وإن رده بطل الوقف فيما زاد على نصيب الابن وهو السدس ويرجع إلى الابن ملكاً فيكون له النصف وقفاً والسدس ملكا طقا والثلث جميعه للبنت وقفاً، ويحتمل أن يبطل الوقف في نصف ما وقف على البنت وهو المربع ويبقى ثلاثة أرباع الدار وقفاً نصفها للابن وربعها للبنت والربع الذي بطل الوقف فيه بينهما أثلاثاً، وتصح المسألة من اثني عشر للابن ستة أسهم وقفاً وسهمان ملكاً(6/276)
وللبنت ثلاثة أسهم وقفاً وسهم ملكاً، ولو وقفها على ابنه وزوجته نصفين وهي تخرج من ثلثه فرد الابن صح الوقف على الابن في نصفها وعلى المرأة في ثمنها، وللابن إبطال الوقف في ثلاثة أثمانها وترجع إليه ملكاً على الوجه الأول، وعلى الوجه الثاني يصح الوقف على الابن في نصفها وهو أربعة أسباع نصيبه ويرجع إليه باقي نصيبه ملكاً، ويصح الوقف في أربعة أسباع الثمن الذي للمرأة وباقيه يكون لها ملكاً فاضرب سبعة في ثمانية تكن ستة وخمسين للابن ثمانية وعشرون وقفاً وإحدى وعشرون ملكاً وللمرأة أربعة أسهم وقفاً وثلاثة ملكاً وهكذا ذكر أصحاب الشافعي، فأما إن كانت الدار جميع ملكه فوقفها كلها فعلى ما اخترناه الحكم فيها كما لو كانت تخرج من الثلث فإن الورث في جميع المال كالأجنبي في الزائد عن الثلث، وأما على ما رواه الجماعة فإن الوقف يلزم في الثلث من غير اختيار الورثة وما زاد فلهما إبطال الوقف فيه وللابن إبطال التسوية فإن اختار إبطال التسوية دون إبطال الوقف خرج فيه وجهان (أحدهما) أنه يبطل الوقف في التسع ويرجع إليه ملكاً فيصير له النصف وقفاً والتسع ملكاً وللبنت الثلث وقفاً ونصف التسع ملكاً لئلا تزداد البيت على الابن في الوقف، وتصح المسألة في هذا الوجه من ثمانية عشر للابن تسعة وقفاً وسهمان ملكاً وللبنت ستة وقفاً وسهم ملكاً، وقال أبو الخطاب له إبطال الوقف في الربع كله ويصير له النصف وقفاً والسدس ملكاً ويكون للبنت الربع وقفاً ونصف السدس ملكاً كما لو كانت الدار تخرج من الثلث وتصح من اثني عشر * (مسألة) * (ولا يجوز لواهب أن يرجع في الهبة) لا يختلف المذهب أن غير الأب والأم لا يجوز له الرجوع في الهبة والهدية وبه قال الشافعي، وقال النخعي والثوري وإسحق وأصحاب الرأي: من وهب لغير ذي رحم فله الرجوع ما لم يثب عليها ومن وهب لذي رحم فليس له الرجوع، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها " رواه ابن ماجه لقول عمر رضي الله عنه: من وهب هبة يرى أنه أراد بها صلة الرحم أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع فيها، ومن وهب هبة أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها ما لم يرض منها رواه مالك في الموطأ ولأنه
لم يحصل عنها عوض فجاز له الرجوع فيها كالعارية(6/277)
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " العائد في هبته كالعائد في قيئه وفي لفظ " كالكلب يعود في قيئه " وفي رواية " ليس لنا مثل السوء العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه " متفق عليه، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يرجع واهب في هبته إلا الوالد من ولده " ولأنه واهب لا ولاية له في المال فلم يرجع في هبته لذي الرحم المحرم وأحاديثنا أصح من حديثهم وأول، وقول عمر قد روي عن ابنه وابن عباس خلافه، وأما العارية فهي هبة المنافع ولم يحصل القبض فيها فإن قبضها باستيفائها فنظير مسئلتنا ما استوفى من منافع العارية فإنه لا يجوز الرجوع فيها وقياسهم منقرض بهة الأجنبي فإن فيها ثواباً وقد جوزوا فيها الرجوع فحصل الاتفاق على أن ما وهب الإنسان لذوي رحمه المحرم غير الوالدين لا رجوع فيها وكذلك ما وهب الزوج امرأته والخلاف فيما عدا هذا فعندنا لا يرجع إلا الوالد وعندهم لا يرجع إلا الأجنبي (فصل) فأما الأب فله الرجوع فيما وهب لولده في ظاهر المذهب سواء قصد برجوعه التسوية بين أولاده أولا وبه قال مالك والشافعي والاوزاعي وإسحق وأبو ثور، وعن أحمد رواية أخرى ليس له الرجوع وبها قال أصحاب الرأي والثوري وللعنبري لقول النبي صلى الله عليه وسلم " العائد في هبته كالعائد في قيئه " متفق عليه، ولما ذكرنا من حديث عمر ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لقيس بن سعد " فاردده " وروي " فأرجعه " رواه كذلك عن مالك عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن النعمان فأمره بالرحوع في هبته وأقل أحوال الأمر الجواز، وقد امتثل بشير بن سعد ذلك فرجع في هبته لولده، ألا تراه قال في الحديث: فرجع أبي فرد تلك الصدقة؟ فإن قيل يحمل الحديث على أنه لم يكن أعطاه شيئاً قلنا هذا يخالف ظاهر الحديث لقوله تصدق أبي علي بصدقة، وقول بشير إني نحلت ابني غلاماً يدل على أنه كان قد أعطاه وقول النبي صلى الله عليه وسلمه " فاردده " وروى طاوس عن ابن عمر وابن عباس يرفعان الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال(6/278)
" ليس لأحد أن يعطي عطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده " رواه الترمذي وقال حديث حسن وهذا يخص عموم ما رووه وقياسهم منقرض بهبة الأجنبي فإن فيها أجراً وثواباً فإن النبي صلى الله عليه وسلم ندب إليها وعندهم له الرجوع فيها والصدقة على الولد كمسئلتنا، وقد دل حديث النعمان بن بشير على جواز الرجوع في الصدقة قول تصدق علي أبي بصدقة (فصل) فأما الأم فظاهر كلام أحمد أنه ليس لها الرجوع، قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله الرجوع للمرأة فيما أعطت ولدها كالرجل؟ قال ليس هي عندي كالرجل لأن للأب أن يأخذ من مال ولده والأم لا تأخذ وذكر حديث عائشة " أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه " أي كأنه الرجل، ولا يصح قياس الأم على الأب لأن للاب ولاية على ولده ويحوز جميع المال في الميراث بخلاف الأم، ويحتمل أن لها الرجوع وهو ظاهر كلام الخرقي فإنه قال: وإذا فاضل بين أولاده أمر برده فيدخل فيه الأم وهذا مذهب الشافعي لأنها داخلة في قوله إلا الولد فيما يعطي ولده ولأنها دخلت في قول النبي صلى الله عليه وسلم " سووا بين أولادكم " فينبغي أن يتمكن من الرجوع في الهبة ولأنه طريق إلى التسوية وربما لا يكون لها طريق غيره إذا لم يمكن أعطت الآخر كما أعطت لاول لأنها ساوت الأب في تحريم تفضيل بعض ولدها ينبغي أن تساويه في التمكن من الرجوع فيما فضلته به تخليصاً لها من الاثم وإزلة التفضيل المحرم كالأب وهذا الصحيح إن شاء الله تعالى، وقال مالك للأم الرجوع فيما وهبت ولدها ما كان أبوه حيا فإن كان ميتاً فلا رجوع لها لأنها هبة ليتيم وهبة اليتيم لازمة كصدقة التطوع، ومن مذهبه أنه لا يرجع في صدقة التطوع (فصل) وحكم الصدقة حكم الهبة فيما ذكرنا وهو مذهب الشافعي، وفرق مالك وأصحاب الرأي بينهما فلم يجيزوا الرجوع في الصدقة بحال واحتجوا بحديث عمر: من وهب هبة أراد بها صلة الرحم أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع(6/279)
ولنا حديث النعمان فإنه قال: تصدق أبي علي بصدقة فرجع أبي فرد تلك الصدقة، وأيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم " إلا الوالد فيما يعطي ولده " وهذا يقدم على قول عمر ثم هو خاص في الولد، وحديث
عمر فيجب تقديم الخاص عليه (فصل) وللرجوع في هبة الولد شروط أربعة (أحدها) أن يبقى ملك الابن فيها فإن خرجت عن ملكه ببيع أو هبة أو وقف أو غير ذلك لم يكن له الرجوع فيها لأنه إبطال لملك غير الولد فأشبه غير الموهوب للولد (الثاني) أن تكون العين باقية في تصرف الولد يلك التصرف في رقبتها فإن استولد الأمة لم يملك الرجوع لأن الملك فيها لا يجوز نقله إلى غير سيدها وكذلك إن أفلس وحجر عليه أو رهن العين لأنه يفضي إلى إبطال حق غير الولد فإن زال المانع من التصرف فله الرجوع لأن ملك الابن لم يزل وإن اطرأ معنى قطع التصرف مع بقاء الملك فمنع لرجوع فإذا زال زال المنع والصحيح في التدبير أنه لا يمنع الرجوع فإن قلنا يمنع البيع منع الرجوع كالاستيلاد، وكل تصرف لا يمنع الابن التصرف في الرقبة كالوصية والهبة قبل القبض فيما يفتقر إليه والوطئ والتزويج والإجارة والمزارعة عليها وجعلها مضاربة أو في عقد شركة فكل ذلك لا يمنع الرجوع لأنه لا يمنع تصرف الابن في رقبتها وكذلك تعليق العتق بصفة وإذا رجع وكان التصرف لازماً كالإجارة والتزويج والكتابة فهو باق بحاله لأن الابن لا يملك إبطاله وأما التدبير والمعلق عتقه بصفة فلا يبقى حكمها في حق الأب ومتى عاد إلى الابن عاد حكمها والبيع الذي للابن فيه خيار إما بالشرط أو عيب في الثمن أو غير ذلك فيمنع الرجوع لأن الرجوع يتضمن فسخ ملك الابن في عوض المبيع ولم يثبت ذلك من جهته (فصل) فإن تعلق بها رغبة لغير الولد مثل أن يهب ولده شيئاً فيرغب الناس في معاملته ويداينونه أو في مناكحته فيزوجوه أو يهب بنته فتتزوج لذلك فعن أحمد روايتان (أولاهما ليس له الرجوع قال أحمد في رواية أبي الحارث في الرجل يهب ابنه مالاً فله الرجوع إلا أن يكون غر به قوماً فإن غر به(6/280)
فليس له الرجوع، وهذا مذهب مالك لأنه تعلق بها حق غير الابن ففي الرجوع إبطال حقه وقد قال عليه الصلاة والسلام " لا ضرر ولا اضرار " وفي الرجوع ضرر ولأن في هذا تحيلاً على إلحاق الضرر بالمسلمين ولا يجوز ذلك (والثانية) له الرجوع لعموم الخبر ولأن حق المتزوج والغريم لم يتعلق بعين هذا المال فلم يمنع الرجوع فيه وإن داينه الناس فأفلس ولم يحجر عليه فعلى الروايتين
* (مسألة) * (وإن نقصت العين أو زادت زيادة مفصلة لم تمنع الرجوع والزيادة للابن ويحتمل أنها للأب وهل تمنع المتصلة الرجوع؟ على روايتين) أما الزيادة المنفصلة كالولد وثمرة الشجرة وكسب العبد فلا تمنع الرجوع بغير خلاف نعلمه والزيادة للولد لأنها حادثة في ملكه ولا تتبع في الفسوخ فلا تتبع ههنا، ويحتمل أنها للأب ذكره القاضي كالرد بالعيب، فإن كانت لزيادة ولد أمة لا يجوز التفريق بينه وبين أمه منع الرجوع لأنه يلزم منه التفريق بينه وبين أمه وهو محرم إلا أن نقول أن الزيادة المنفصلة للأب فلا تمنع الرجوع لأنه يرجع فيهما جميعاً أو يرجع في الأم ويتملك الولد من مال ولده (فصل) فإن تلف بعض العين أو نقصت قيمتها لم يمنع الرجوع فيها ولا ضمان على الابن فيما تلف منها لأنه تلف على ملكه سواء تلف بفعل الابن أو بغير فعله وإن جنى العبد جناية تعلق أرشها برقبته فهو كنقصانه بذهاب بعض أجزائه وللأب الرجوع فيه فإن رجع فيه ضمن أرش الجناية وإن جني على العبد فرجع الأب فيه فأرش الجناية عليه للابن لأنه بمنزلة الزيادة المنفصلة فإن قيل فلو أراد الأب الرجوع في الرهن وعليه فككه لم يملك ذلك فكيف يملك الرجوع في العبد الجاني إذا أدى أرش الجناية؟ قلنا الرهن يمنع التصرف في العين بخلاف الجناية ولأن فك الرهن فسخ لعقد عقده الموهوب له وههنا لم يتعلق الحق به من جهة العقد فافترقا (فصل) فأما الزيادة المتصلة كالسمن والكبر وتعلم صنعة إذا زادت بها القيمة فعن أحمد فيها روايتان(6/281)
(إحداهما) لا تمنع الرجوع وهو مذهب الشافعي لأنها زيادة في الموهوب فلم تمنع الرجوع كالزيادة قبل القبض والمنفصلة (والثانية) تمنع وهو مذهب أبي حنيفة لأن الزيادة للموهوب له لكونها نماء ملكه ولم تنتقل إليه من جهة أبيه فلم يملك الرجوع فيها كالمنفصلة وإذا امتنع الرجوع فيها امتنع الرجوع في الأصل لئلا يفضي إلى سوء المشاركة وضرر التشقيص ولأنه فسخ استرجاع المال يفسخ عقد لغير عيب في عوضه فمنعه الزيادة المتصلة كاسترجاع الصداق بفسخ النكاح أو نصفه بالطلاق ورجوع البائع في المبيع لفلس المشتري وفارق الرد بالعيب من جهة أن الرد من المشتري وقد رضي ببذل الزيادة وإن فرض
الكلام فيما إذا باع عرضاً بعرض فراد أحدهما ووجد المشتري بالآخر عيباً قلنا بائع المعيب سلط المشتري على الفسخ ببيعه المعيب فكان الفسخ وجد منه ولهذا قلنا فيما إذا فسخ لزوج النكاح لعيب المرأة قبل الدخول سقط صداقها كما لو فسخته وعلى هذا لا فرق بين الزيادة في العين كالسمن والطول ونحوهما أو في المعاني كتعلم صناعة أو كتابة أو قران أو علم أو إسلام أو قضاء دين عنه وبهذا قال محمد بن الحسن وقال أبو حنيفة الزيادة بتعلم القرآن وقضاء دين عنه لا تمنع الرجوع ولنا أنها زيادة لها مقابل من الثمن فمنعت الرجوع كالسمن وتعلم صنعة وإن زاد ببرئه من مرض أو صمم منع الرجوع كسائر الزيادات وإن كانت زيادة العين أو التعلم لا تزيد في قيمته شيئاً أو تنقص منها لم تمنع الرجوع لأنه ليس بزيادة في المالية (فصل) فإن قصر العين أو فصلها فهي زيادة متصلة هل تمنع الرجوع اولا؟ مبني على الروايتين في السمن قال شيخنا ويحتمل أن تمنع هذه الزيادة الرجوع بكل حال لأنها حاصلة بفعل الابن فجرت مجرى العين الحاصلة بفعله بخلاف السمن فإنه يحتمل أن يكون للأب فلا يمنع الرجوع لأنه نماء العين فيكون نابعا لها وإن وهبه حاملاً فولدت في يد الابن فهي زيادة متصلة في الولد ويحتمل أن يكون الولد زيادة منفصلة إذا قلنا الحمل لا حكم له وإن وهبه حاملاً ثم رجع فيها حاملاً جاز إذا لم تزد قيمتها(6/282)
وإن زادت قيمتها فهي زيادة متصلة، وإن وهب حائلاً فحملت فهي زيادة منفصلة وله الرجوع فيها دون حملها وإن قلنا أن الحمل لا حكم له فزادت به قيمتها فهي زيادة متصلة وإن لم تزد جاز الرجوع فيها وإن وهبه نخلاً فحملت فهي قبل التأبير زيادة متصلة وبعده زيادة منفصلة * (مسألة) * (وإن باعه المتهب ثم رجع إليه بفسخ أو إقالة فهل له الرجوع؟ على وجهين) إذا خرجت العين عن ملك الابن ببيع أو هبة ثم عادت إليه بسبب كبيع أو هبة أو وصية أو إرث أو نحوه لم يملك الأب الرجوع فيها لأنها عادت بملك جديد لم يستفده من قبل أبيه فلا يملك فسخه وإزالته كالذي لم يكن موهوباً وإن عادت إليه بفسخ العيب أو إقالة أو فلس المشتري ففيها وجهان (أحدهما) يملك الرجوع لأن السبب المزيل ارتفع وعاد الملك بالسبب الأول فأشبه
ما لو فسخ البيع بالخيار (والثاني) لا يملك الرجوع لأن الملك عاد إليه بعد استقرار ملك من انتقل إليه عليه أشبه ما لو عاد إليه بالهبة فأما إن عاد إليه بخيار الشرط أو خيار المجلس فله الرجوع لأن الملك لم يستقر عليه.
* (مسألة) * (وإن وهبه المتهب لابنه لم يملك أبوه الرجوع إلا أن يرجع هو) لأن رجوعه إبطال لملك غير ابنه فإن رجع الابن في هبته احتمل أن يملك الأب الرجوع في هبته لأنه فسخ هبته برجوعه فعاد إليه الملك بالسبب الأول ويحتمل أن لا يملك الأب الرجوع لأنه رجع إلى ابنه بعد استقرار ملك غيره عليه فأشبه ما لو وهبه ابن الابن لابنه.
* (مسألة) * (وإن كاتبه أو رهنه لم يملك أبوه الرجوع إلا أن ينفك الرهن وينفسخ) أما إذا رهنه الابن فليس للأب الرجوع قبل انفكاك الرهن لأن في ذلك إبطال حق غير الولد فإن انفك الرهن فله الرجوع لزوال المانع ولأنه عاد إلى صحة تصرف الابن فيه أشبه غير المرهون وحكم الكتابة كذلك عند من لا يرى بيع المكاتب وهو مذهب الشافعي وجماعة غيره فأما من أجاز بيع المكاتب فحكمه عنده كالعين المستأجرة والمزوج على ما ذكرناه(6/283)
(فصل) والرجوع في الهبة أن يقول قد رجعت فيها أو ارتجعتها أو رددتها أو نحو ذلك من الألفاظ الدالة على الرجوع ولا يفتقر إلى حكم حاكم، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يصح الرجوع إلا بقضاء قاض لأن ملك الموهوب له مستقر ولنا أنه خيار في فسخ عقد فلم يفتقر إلى قضاء كالفسخ بخيار الشرط فإن أخذ ما وهبه لولده ونوى به الرجوع كان رجوعاً والقول قوله في نيته لأن ذلك لا يعلم إلا منه، فإن مات الأب ولم يعلم هل نوى الرجوع أو لا؟ ولم توجد قرينة تدل على الرجوع لم نحكم بأنه رجوع لأن الأخذ يحتمل الرجوع وغيره، فلا نزيل حكماً يقينياً بأمر مشكوك فيه فإن اقترنت به قرائن دالة على الرجوع كان رجوعاً في أحد الوجهين اختاره ابن عقيل لأننا اكتفينا في العقد بدلالة الحال في الفسخ ولأن لفظ الرجوع إنما كان رجوعاً لدلالته عليه فكذلك كل ما دل عليه، والآخر لا يكون رجوعاً، وهو مذهب الشافعي لأن الملك
ثابت للموهوب له يقيناً فلا يزول إلا بالصريح، قال شيخنا ويمكن أن ينبني هذا على نفس العقد فمن أوجب الإيجاب والقبول فيه لم يكتف ههنا إلا بلفظ يقتضي زواله، ومن اكتفى في العقد بالمعاطاة الدالة على الرضى به فههنا أولى، فإن نوى الرجوع من غير فعل ولا قول لم يحصل الرجوع وجهاً واحداً لأنه إثباتا لملك على مال مملوك لغيره فلم يحصل بمجرد النية كسائر العقود، وإن علق الرجوع بشرط فقال إذا جاء رأس الشهر فقد رجعت في الهبة لم يصح لأن الفسخ للعقد لا يقف على شرط لا يقف العقد عليه * (مسألة) * (وعن أحمد في المرأة تهب زوجها مهرها إن كان سألها ذلك رده إليها رضيت أو كرهت لأنها لا تهبه له إلا مخافة غضبه أو إضرار بها بأن يتزوج عليها) اختلفت الرواية عن أحمد في هبة المرأة زوجها، فعنه لا رجوع لها، وهذا ظاهر كلام الخرقي واختيار أبي بكر، وبه قال عمر بن عبد العزيز والنخعي وربيعة ومالك والثوري والشافعي وأبي ثور(6/284)
وأصحاب الرأي وعطاء وقتاده لقول الله تعالى (إلا أن يعفون) وقال تعالى (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا) الآية، وعموم الأحاديث وعنه رواية ثانية لها الرجوع.
قال الأثرم سمعت احمد يسئل عن المرأة تهب ثم ترجع فرأيته يجعل النساء غير الرجال ثم ذكر الحديث " إنما يرجع في المواهب النساء وشرار الناس " وذكر حديث عمر: إن النساء يعطين أزواجهن رغبة ورهبة فأيما امرأة أعطت زوجها شيئاً ثم أرادت أن تعتصره فهي أحق، رواه الأثرم، وهذا قول شريح والشعبي وحكاه الزهري عن القضاة.
وعنه رواية ثالثة نقلها عنه أبو طالب: إذا وهبت له مهرها فإن كان سألها ذلك رده إليها رضيت أو كرهت لأنها لا تهب إلا مخافة غضبه أو إضرار بأن يتزوج عليها، وإن لم يكن سألها وترغب به فهو جائز فظاهر هذه الرواية أنه متى كانت مع الهبة قرينة من مسألته لها أو غضب عليها أو ما يدل على خوفها منه فلها الرجوع لأن شاهد الحال يدل على أنها لم تطب به نفساً وإنما أباحه الله تعالى عند طيب نفسها بقوله تعالى (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا فيكون فيها ثلاث روايات
(إحداها) ليس لها الرجوع كالأجنبي (والثانية) لها الرجوع مطلقاً لحديث عمر (والثالثة) التفصيل الذي ذكرناه.
* (فصل) * (قال رضي الله عنه) وللأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء ويتملكه مع حاجته وعدمها في صغره وكبره ما لم تتعلق حاجة الابن به) إنما يجوز ذلك بشرطين (أحدهما) أن لا يجحف بالابن ولا يضر به ولا يأخذ شيئاً تعلقت به حاجته (الثاني) أن لا يأخذ من مال ولد فيعطيه الآخر نص عليه أحمد في رواية اسماعيل بن سعيد لأنه ممنوع من تخصيص بعض ولده بالعطية من مال نفسه فلأن يمنع من تخصيصه بما أخذه من مال ولده الآخر أولى وقد روي أن مسروقاً زوج ابنته بصداق، عشرة آلاف فأخذها فأنفقها في(6/285)
سبيل الله وقال للزوج جهز امرأتك وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي ليس له أن يأخذ من مال ولده إلا بقدر حاجته لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا " متفق عيه وروى الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كل أحد أحق بكسبه من ولده ووالده والناس أجمعين " رواه سعيد في سننه، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه " رواه الدارقطني ولأن لك لابن تام على مال نفسه فلم يجز انتزاعه منه كالذي تعلقت به حاجته ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم " أخرجه سعيد والترمذي وقال حديث حسن، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أبي احتاج مالي فقال " أنت ومالك لأبيك " رواه الطبراني في معجمه مطولاً، ورواه ابن ماجة وروي أبو داود نحوه ورواه غيره وزاد " وإن أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من أموالهم " وروى محمد بن المنكدر والمطلب بن حنطب قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن لي مالاً وعيالاً ولأبي مال وعيال وأبي يريد أن يأخذ مالي فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أنت ومالك لأبيك " رواه سعيد في سننه ولأن الله تعالى جعل الولد موهوباً لأبيه فقال (ووهبنا له إسحاق ويعقوب) وقال (ووهبنا له يحيى) وقال زكريا (هب لي من لدنك وليا) وقال براهيم (الحمد لله الذي وهب لي
على الكبر إسماعيل وإسحاق) وما كان موهوباً له كان له أخذ ماله كعبده قال سفيان بن عيينة في قوله تعالى (ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم) ثم ذكر بيوت سائر القرابات إلا الأولاد لم يذكرهم لأنهم دخلوا في قوله من بيوتكم فلما كانت بيوت أولادهم كبيوتهم لم يذكر بيوت أولادهم ولأن الرجل يلي مال ولده من غير تولية فكان له التصرف فيه كمال نفسه، وأما أحاديثهم فأحاديثنا تخصها وتفسرها فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل مال الابن مالاً لأبيه بقوله " أنت ومالك لأبيك " ولا تنافي بينهما وقوله عليه السلام " أحق به من والده وولده " الحديث مرسل ثم هو يدل على ترجيح حقه على حق(6/286)
أبيه لا على نفي الحق بالكلية والولد أحق من الوالد فيما تعلقت به حاجته.
* (مسألة) * (فإن تصرف فيه قبل تملكه ببيع أو عتق أو إبراء من دين لم يصح تصرفه فيه) نص عليه أحمد قال لا يجوز عتق الأب لعبد ابنه ما لم يقبضه، فعلى هذا لا يصح إبراؤه من دينه ولا هبته لماله ولا بيعه له لأن ملك الابن تام على مال نفسه يصح تصرفه فيه، وذكر ابن أبي موسى في الإرشاد قال إذا وهب الابن من ماله شيئاً فليس لأبيه الاعتراض عليه إلا أن يكون للولد عقار يكفيه ويكفي أباه ولا مال له غيره ولا مال لأبيه فإن أحمد قال إن اعترض عليه الوالد رأيت أن يرده الحاكم على الأب ولا يبقى فقيراً لا حيلة له، ويحل له وطئ جواريه ولو كان الملك مشتركاً لم يحل له الوطئ كما لا يحل وطئ الجارية المشتركة وإنما للاب انزاعه منه كالعين التي وهبها إياه فقبل انتزاعها لا يصح تصرفه لأنه تصرف في ملك غيره بغير ولاية، وإن كان الابن صغيراً لم يصح أيضاً لأنه لا يملك التصرف بما لا حظ للصغير فيه وليس من الحظ إسقاط دينه وعتق عبده وهبة ماله قال أحمد بين الرجل وبين ولده ربا لما ذكرنا من أن ملك الابن على ماله تام * (مسألة) * (وإن وطئ جارية ابنه فأحبلها صارت أم ولد له وولده حر لا تلزمه قيمته ولا حد عليه ولا مهر وفي التعزير وجهان) قال أحمد لا يطأ جارية الابن إلا أن يقبضها يعني يتملكها لأنه إذا وطئها قبل تملكها فقد وطئها وليست زوجة ولا ملك يمين فإن تملكها لم يحل له وطؤها حتى يستبرئها لأنه ابتداء ملك
فوجب الاستبراء فيه كما لو اشتراها، فإن كان الابن قد وطئها لم تحل له بحال فإن وطئها قبل تملكها ولم يكن الابن وطئها كان محرماً من وجهين (أحدهما) أنه وطئها قبل تملكها (والثاني) أنه وطئها قبل استبرائها وإن كان الابن وطئها حرمت بوجه ثالث وهو أنها صارت بمنزلة حليلة ابنه فإن فعل فلا حد عليه لشبهة الملك فإن النبي صلى الله عليه وسلم أضاف مال الولد إلى أبيه فقال " أنت ومالك لأبيك "(6/287)
وإن ولدت منه صارت أم ولد له وولده حر لانه من وطئ سقط فيه الحد للشبهة وليس للابن مطالبته بشئ من قيمتها ولا قيمة ولدها ولا مهر ويجب تعزيره في أحد الوجهين لأنه وطئ وطأً محرما أشبه وطئ الجارية المشتركة.
والثاني لا يعزر لأنه لا يقتص منه بالجناية على ولده فلا يعزر بالتصرف في ماله، والأول أولى لأن التعزير ههنا حق لله تعالى بخلاف الجناية على ولده لأنها حق للولد (فصل) وليس لغير الأب الأخذ من مال غيره بغير إذنه للأحاديث التي ذكرناها لأن الخبر ورد في الأب بدليل قوله عليه السلام " أنت ومالك لأبيك " ولا يصح قياس غيره عليه لأن للاب ولاية على ولده وماله إذا كان صغيراً وله شفقة تامة وحق متأكد، ولا يسقط ميراثه بحال والأم لا تأخذ لأنها لا ولاية لها والجد أيضاً لا يلي على مال ولد ابنه وشفقته قاصرة عن شفقة الأب ويحجب به في الميراث وفي ولاية النكاح، وغيرهما من الاقارب والاحانب ليس لهم الأخذ بطريق التنبيه لأنه إذا امتنع الأخذ في حق الأم والجد مع مشاركتهما للأب في بعض المعاني فغيرهما ممن لا يشارك في ذلك أولى ويحتمل أن يجوز للأم لدخول ولدها في قول الله تعالى (وأولادكم) * (مسألة) * (وليس للابن مطالبة أبيه بدين ولا قيمة متلف ولا أرش جناية ولا غير ذلك) وبه قال الزبير بن بكار ومقتضى قول سفيان بن عيينة وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي له ذلك لأنه دين ثابت فجازت المطالبة به كغيره ولنا أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأبيه يقتضيه ديناً عليه فقال " أنت ومالك لأبيك " رواه الخلال باسناده وروى الزبير بن بكار في الموفقيات أن رجلاً استقرض من أبيه مالاً فحبسه فأطال حبسه فاستعدى عليه الابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وذكر قصته في شعر فأجابه أبوه بشعر
أيضاً فقال علي رضي الله عنه(6/288)
قد سمع القاضي ومن ربى الفهم * المال للشيخ جزاء بالنعم يأكله برغم أنف من رغم * من قال قولاً غير ذا فقد ظلم وجار في الحكم وبئس ما جرم قال الزبير إلى هذا نذهب ولأن المال أحد نوعي الحقوق فلم يملك مطالبة أبيه به كحقوق الأبدان ويفارق الأب غيره بما يثبت له من الحق على ولده فإن مات الابن فانتقل الدين إلى ورثته لم يملكوا مطالبة الأب لأن موروثهم لم يكن له المطالبة فهم أولى، فإن مات الأب فقيل يرجع الابن في تركته بدينه لأن دينه عليه لم يسقط عن الأب وإنما تأخرت المطالبة وعن أحمد إذا مات الأب بطل دين الابن وقال فيمن أخذ من مهر ابنته شيئاً فأنفقه ليس عليه شئ ولا يؤخذ من بعده وما أصابت من المهر من شئ بعينه أخذته وتأول أصحابنا كلام أحمد على أنه أخذه على سبيل التمليك لأن أخذه له وإنفاقه دليل على قصد التمليك فيثبت الملك له بذلك الأخذ والله أعلم * (مسألة) * (والهدية والصدقة نوعان من الهبة) والعطية تشمل الكل وكذلك النحلة ومعانيها كلها متقاربة إلا أنه في الغالب من أعطى شيئاً ينوي به التقرب إلى الله تعالى للمحتاجين سمي صدقة وإن دفع إلى غير محتاج للتقرب والمحبة فهي هبة، ومن بعث على هذا إلى إنسان مع غيره سمي هدية وكل ذلك مستحب مندوب إليه وأحكام ذلك أحكام الهبة ويشترط لها ما يشترط من الشروط على ما سبق.
* (فصل) * في عطية المريض قال الشيخ رحمه الله (أما المريض غير مرض الموت أو مرضاً غير مخوف كالرمد ووجع الضرس والصداع ونحوه فعطاياه كعطايا الصحيح سواء تصح من جميع ماله) وجملة ذلك أن عطايا المريض إذا برأ من مرضه أو كان مرضاً غير مخوف كالذي ذكره وكذلك ما في معناه كالجرب والحمى اليسيرة ساعة أو نحوها والإسهال اليسير من غير دم فعطاياه مثل عطايا الصحيح لأنه لا يخاف منه في العادة(6/289)
* (مسألة) * (وإن كان مرض الموت المخوف كالبرسام وهو بخار يرتقي إلى الرأس ويؤثر في الدماغ فيختل عقل صاحبه، وذات الجنب وهو قرح بباطن الجنب ووجع القلب والرئة فإنها لا تسكن حركتها فلا يندمل جرحها والرعاف الدائم فإنه يصفي الدم فيذهب القوة والقولنج وهو أن ينعقد الطعام في بعض الأعضاء ولا ينزل عنه فهذه مخوفة، وإن لم يكن معها حمى وهي مع الحمى أشد خوفاً وإن ثار الدم واجتمع في عضو كان مخوفاً لأنه من الحرارة المفرطة، وإن هاجت به الصفراء فهي مخوفة لأنها تورث يبوسة وكذلك البلغم إذا هاج لأنه من شدة البرودة وقد تغلب على الحرارة الغريزية فتطفيها، والطاعون مخوف لأنه من شدة الحرارة إلا أنه يكون في جميع البدن، وأما الإسهال فإن كان متحرقاً لا يمكنه إمساكه فهو مخوف وإن كان ساعة لأن من لحقه ذلك أسرع في هلاكه، وإن كان يجري تارة وينقطع أخرى فإن كان يوماً أو يومين فليس بمخوف لأن ذلك قد يكون من فضلة الطعام.
إلا أن يكون معه زحير أو تقطيع كأن يخرج متقطعاً فإنه يكون مخوفاً لأن ذلك يضعف وإن دام الإسهال فهو مخوف سواء كان معه ذلك أو لم يكن، وكذلك الفالج في ابتدائه والسل في انتهائه والحمى المطبقة، وما أشكل من ذلك رجع فيه إلى قول عدلين من الأطباء لأنهم أهل الخبرة بذلك ولا يقبل قول واحد لأنه يتعلق به حق الوارث والمعطي، وقياس قول الخرقي أنه يقبل قول واحد عدل إذا لم يقدر على طبيبين.
فهذا الضرب وما أشبهه عطاياه صحيحة لأن عمر رضي الله عنه أوصى حين جرح فسقاه الطبيب لبناً فخرج من جرحه فقال له الطبيب أعهد إلى الناس فعهد إليهم ووصى فاتفق الصحابة على قبول عهده ووصيته وكذلك ابو بكر رضي الله عنه عهد إلى عمر حين اشتد مرضه فنفذ عهده.
(فصل) فإن كان المريض يتحقق تعجيل موته فإن كان عقله قد اختل مثل من ذبح أو أبينت حشوته فلا حكم لكلامه ولا لعطيته وإن كان ثابت العقل كمن خرقت حشوته واشتد مرضه ولم يتغير عقله صح تصرفه وعطيته لما ذكرنا من حديث عمر وكذلك علي رضي الله عنهما بعد ضرب ابن(6/290)
ملجم وصى وأمر ونهى ولم يختلف في صحة ذلك * (مسألة) * (فعطاياه كالوصية في أنها لا تصح لوارث ولا لأجنبي بزيادة على الثلث إلا بإجازة الورثة كالهبة والعتق والكتابة والمحاباة) وجملة ذلك أن التبرعات المنجزة كالعتق والمحاباة والهبة المقبوضة والصدقة والوقف والإبراء من الدين والعفو عن الجناية الموجبة للمال والكتابة إذا كانت في الصحة فهي من رأس المال لا نعلم في هذا خلافاً، وإن كانت في مرض مخوف اتصل به الموت فهي من ثلث المال في قول الجمهور وحكي عن أهل الظاهر في الهبة المقبوضة أنها من رأس المال ولنا ما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم رواه ابن ماجه وهذا يدل بمفهومه على أنه ليس له أكثر من الثلث، وروى عمران بن حصين أن رجلاً أعتق ستة أعبد له في مرضه لا مال له غيرهم فاستدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزأهم ثلاثة أجزاء وأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة رواه مسلم وإذا لم ينفذ العتق مع سرايته فغيره أولى ولأن هذه الحال الظاهر منها الموت فكانت عطيته فيها في حق ورثته لا يتجاوز الثلث كالوصية (فصل) وحكم العطايا في مرض الموت حكم الوصية في خمسة أشياء (أحدها) أن يقف نفوذها على خروجها من الثلث وإجازة الورثة (الثاني) أنها لا تصح للوارث إلا بإجازة الورثة (الثالث) أن فضيلتها ناقصة عن فضيلة الصدقة في الصحة لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الصدقة قال " أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان " متفق عليه (الرابع) أن العطايا تتزاحم في الثلث إذا وقعت دفعة واحدة كتزاحم الوصايا فيه (الخامس) أن خروجها من الثلث يعتبر حال الموت لا قبله ولا بعده(6/291)
* (مسألة) * (فأما الأمراض الممتدة كالجذام وحمى الربع والسل في ابتدائه والفالج في دوامه فإن صار صاحبها صاحب فراش فهي مخوفة وإلا فلا)
قال القاضي إذا كان يذهب ويجئ فعطاياه من جميع المال هذا تحقيق المذهب وقد روي حرب عن أحمد في وصية المجذوم والمفلوج من الثلث وهو محمول على أنه صار صاحب فراش وبه يقول الاوزاعي والثوري ومالك وأبو حنيفة وأصحابه وأبو، ثور وذكر أبو بكر وجهاً آخر أن عطايا هؤلاء من المال كله وهو مذهب الشافعي لأنه لا يخاف تعجيل الموت فيه وإن كان لا يبرأ منه فهو كالهرم.
ولنا أنه مريض صاحب فراش يخشى التلف أشبه صاحب الحمى الدائمة وأما الهرم فإن صار صاحب فراش فهو كمسئلتنا * (مسألة) * (ومن كان بين الصفين عند التحام الحرب أو في؟؟؟؟ البحر عند هيجانه أو وقع الطاعون ببلده أو قدم ليقتص منه والحامل عند المخاض فهو كالمريض) وجملة ذلك أن الخوف يحصل في هذه المواضع الخمسة المذكورة فيقوم مقام المرض (أحدها) إذا التحم الحرب واختلطت الطائفتان للقتال وكانت كل واحدة منهما مكافئة للأخرى أو مقهورة فأما القاهرة منهما بعد ظهورها فليست خائفة وكذلك إذا لم يختلطوا بل كانت كل واحدة منهما متميزة سواء كان بينهما رمي السهام أو لم يكن فليست حالة خوف، ولا فرق بين كون الطائفتين متفقتين في الدين أو لا وبه مالك والثوري والاوزاعي ونحوه عن مكحول وعن الشافعي قولان (أحدهما) كقول الجماعة (والثاني) ليس بخوف لأنه ليس بمرض ولنا أن توقع التلف ههنا كتوقع المرض أو أكثر فوجب أن يلحق به ولأن المرض إنما جعل مخوفاً لخوف صاحبه التلف وهذا كذلك قال أحمد إذا حضر القتال كان عتقه من الثلث وعنه إذا التحم الحرب فوصيته من المال كله لكن يقف الزائد عن الثلث على إجازة الورثة فإن حكم وصية الصحيح وخائف التلف واحد فيحتمل أن يجعل هذا رواية ثانية وسمى العطية وصية تجوز لكونها في حكم الوصية ويحتمل أن يحمل على حقيقته في صحة الوصية من المال كله (الثانية) إذا قدم ليقتل فهي حالة خوف سواء أريد قتله(6/292)
للقصاص أو لغيره، وللشافعي فيه قولان أحدهما مخوف والثاني إن جرح فهو مخوف وإلا فلا لأنه صحيح البدن والظاهر العفو عنه.
ولنا أن التهديد بالقتل جعل إكراهاً يمنع وقوع الطلاق وصحة البيع ويبيح كثيراً من المحرمات ولولا الخوف لم تثبت هذه الأحكام، وإذا حكم للمريض وحاضر الحرب بالخوف مع ظهور السلامة وبعد وجود التلف فمع ظهور التلف وقربه أولى، ولا عبرة بصحة البدن فإن المرض
لم يكن مثبتاً لهذا الحكم لعينه بل لخوف إفضائه إلى التلف فيثبت الحكم ههنا بطريق التنبيه لظهور التلف (الثالثة) إذا ركب البحر فإن كان ساكناً فليس بمخوف وإن اضطرب وهبت الريح العاصف فهو مخوف، وقد وصفهم الله تعالى بشدة الخوف فقال تعالى (هو الذي يسيركم في البر والبحر) الآية إلى قوله (جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم) (الرابع) الأسير والمحبوس إذا كان من عادتهم القتل فهو خائف عطيته من الثلث وإلا فلا وهذا قول أبي حنيفة ومالك وابن أبي ليلى وأحد، قولي الشافعي وقال الحسن لما حبس الحجاج إياس بن معاوية ليس له من ماله إلا الثلث وقال أبو بكر عطية الأسير من الثلث ولم يفرق وبه قال الزهري والثوري واسحاق وحكاه ابن المنذر عن أحمد وتأول القاضي ما روي وهو على ما ذكرناه من التفصيل ابتداء وقال الشعبي ومالك الغازي عطيته من الثلث وقال مسروق إذا وضع رجله في الغرز وقال الأوزاعي المحصور في سبيل الله والمحبوس ينتظر القتل هو في ثلثه والصحيح إن شاء الله ما ذكرناه من التفصيل لأن مجرد الحبس والأسر من غير خوف القتل ليس بمرض ولا هو في معنى المرض في الخوف فلم يجز إلحاقه به وإذا كان المريض الذي لا يخاف التلف عطيته من رأس ماله فغيره أولى (الخامسة) إذا وقع الطاعون ببلده فعن أحمد أنه مخوف ويحتمل أنه ليس بمخوف فإنه ليس بمريض وإنما يخاف المرض (فصل) وكذلك الحامل عند المخاض لأنه يحصل لها ألم شديد يخاف منه التلف أشبهت سائر أصحاب الأمراض المخوفة وما قبل ذلك فلا ألم بها فلا يكون مخوفاً، وقال الخرقي وكذلك الحامل إذا صار لها ستة أشهر يعني عطيتها من الثلث وبه قال مالك وقال إسحاق إذا ثقلت لا يجوز لها إلا الثلث ولم(6/293)
يحد حداً وحكاه ابن المنذر عن احمد وقال سعيد بن المسيب وعطاء وقتادة عطية الحامل من الثلث وقال أبو الخطاب عطيتها من المال كله ما لم يضر بها المخاض فإذا ضر بها المخاض فعطيتها من الثلث وبه قال النخعي ومكحول ويحيى الانصاري والاوزاعي والثوري والعنبري وابن المنذر وهو ظاهر مذهب الشافعي لأنها لا تخاف إلا إذا ضر بها الطلق فأشبهت صاحب الأمراض الممتدة قبل أن يصير صاحب فراش وقال الحسن والزهري عطيتها كعطية الصحيح وهو القول الثاني للشافعي لأن الغالب سلامتها
ووجه قول الخرقي أن ستة الأشهر وقت يمكن الولادة فيه وهو من أسباب التلف، والصحيح إن شاء الله تعالى ما ذكرناه من أنه إذا ضر بها الطلق كان مخوفاً بخلاف ما قبل ذلك لأنه لا ألم بها واحتمال وجوده خلاف العادة فلا يثبت الحكم باحتماله البعيد مع عدمه كالصحيح وقيل عن أحمد ما يدل على أن عطايا هؤلاء من المال كله لأنه لا مرض بهم وقد ذكرنا الخلاف في ذلك (فصل) فأما بعد الولادة فإن بقيت المشيمة معها فهو مخوف وإن مات الولد معها فهو مخوف لأنه يصعب خروجه فإن وضعت الولد وخرجت المشيمة فحصل ثم ورم أو ضربان شديد فهو مخوف وإن لم يكن شئ من ذلك فقد روي عن أحمد في النفساء إن كانت ترمي الدم فعطيتها من الثلث فيحتمل أنه أراد بذلك إذا كان معه ألم للزومه ذلك في الغالب ويحتمل أن يحمل على ظاهره فإنها إذا كانت ترمي الدم كانت كالمريض وحكمها بعد السقط مثل حكمها بعد الولد التام فإن أسقطت مضغة أو علقة فلا حكم لها إلا أن يكون ثم مرض أو ألم وهذا كله مذهب الشافعي إلا أن مجرد الدم عنده ليس بمخوف (فصل) وما لزم المريض في مرضه من حق لا يمكنه دفعه وإسقاطه كأرش جنايته وجناية عبده وما عاوض عليه بثمن المثل وما يتغابن الناس بمثله فهو من رأس المال لا نعلم فيه خلافاً وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي وكذلك النكاح بمهر المثل يجوز من رأس المال لأنه صرف ماله في حاجة(6/294)
نفسه فقدم بذلك على وارثه وكذلك لو اشترى أمة للاستمتاع بها كثيرة الثمن بثمن مثلها أو اشترى من الأطعمة التي لا يأكل مثله مثلها جاز وصح شراؤه له لأنه صرف ماله في حاجته وان كان عليه دين أو مات وعليه دين قدم بذلك على وارثه لقول الله تعالى (من بعد وصية يوصى بها أو دين) (فصل) فأما إن قضى المريض بعض غرمائه ووفت تركته بسائر الديون صح قضاؤه ولم يكن لسائر الغرماء الإعتراض عليه، وإن لم يف بها ففيه وجهان (أحدهما) أن لسائر الغرماء الرجوع عليه ومشاركته فيما أخذه وهو قول أبي حنيفة لأن حقهم تعلق بماله بمرض فمنع تصرفه فيه بما ينقص ديونهم كتبرعه ولأنه لو وصى بقضاء بعض ديونه لم يجز فكذلك إذا قضاها (والثاني) لا يملكون الاعتراض عليه ولا مشاركته وهو قياس قول أحمد ومنصوص الشافعي لأنه أدى واجباً عليه فصح
كما لو اشترى شيئاً فأدى ثمنه أو باع بعض ماله وسلمه ويفارق الوصية فإنه لو اشترى ثياباً مثمنة صح ولو وصى بتكفينه بثياب مثمنة لم يصح يحقق هذا أن إيفاء ثمن المبيع قضاء لبعض غرمائه وقد صح عقيب البيع فكذلك إذا تراخى إذ لا أثر لتراخيه (فصل) وإذا تبرع المريض أو أعتق ثم أقر بدين لم يبطل تبرعه نص عليه أحمد فيمن أعتق عبده في مرضه ثم أقر بدين عتق العبد ولم يرد إلى الرق لأن الحق ثبت بالتبرع في الظاهر فلم يقبل إقراره فيما يبطل به حق غيره * (مسألة) * (وإن لم يف الثلث بالتبرعات المنجزة بدئ بالأول فالأول سواء كان الأول عتقاً أو غيره) وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة الجميع سواء إذا كانت من جنس واحد وإن كانت من أجناس وكانت المحاباة متقدمة قدمت وإن تأخرت سوي بينها وبين العتق وإنما كان كذلك لأن المحاباة حق آدمي على وجه المعاوضة فقدمت إذا تقدمت كقضاء الدين وإذا تساوى جنسها سوى بينها لأنها عطايا من جنس واحد تعتبر من الثلث فسوى بينها كالوصية وقال أبو يوسف ومحمد يقدم العتق تقدم أو تأخر(6/295)
ولنا أنهما عطيتان منجزتان فكانت أولاهما أولى كما لو كانت الأولى محاباة عند أبي حنيفة أو عتقاً عند صاحبه ولأن العطية المنجزة لازمة في حق المعطي فإذا كانت خارجة من الثلث لزمت في حق الورثة فلو شاركتها الثانية لمنع ذلك لزومها في حق المعطي لأنه يملك الرجوع في بعضها بعطية أخرى بخلاف الوصايا فإنها غير لازمة في حقه وإنما تلزم بالموت في حال واحدة فاستويا لاستوائهما في حال لزومها بخلاف المنجزتين وما قاله في المحاباة لا يصح فإنها بمنزلة الهبة ولو كانت بمنزلة المعاوضة أو الدين لما كانت من الثلث * (مسألة) * (وإن تساوت قسم بين الجميع بالحصص وعنه يقدم العتق) أما إذا وقعت دفعة واحدة بأن وكل جماعة في هذه التبرعات فأوقعوها دفعة واحدة فإن كانت كلها عتقاً أقرعنا بينهم فكملنا العتق في بعضهم وإن لم يكن فيها عتق قسمنا الثلث بينهم على قدر عطاياهم لأنهم تساووا في الاستحقاق فقسم بينهم على قدر حقوقهم كغرماء المفلس وإنما خولف هذا الأصل في العتق لحديث عمران بن حصين
وسنذكر ذلك في موضعه، وإن كان فيها عتق وغيره ففيه روايتان (إحداهما) يقدم العتق لتأكده (والثانية) يسوى بين الكل لأنها حقوق تساوت في استحقاقها فتساوت في تنفيذها كنما لو كات من جنس واحد لأن استحقاقها حصل في حال واحدة (فصل) إذا قال المريض إذا أعتقت سعداً فسعيد حر ثم أعتق سعداً عتق سعيد أن خرج من الثلث وإن لم يخرج من الثلث إلا أحدهما عتق سعد وحده ولم يقرع بينهما لوجهين (أحدهما) أن سعداً سبق بالعتق (والثاني) أن عتقه شرط لعتق سعيد فلو رق بعضه فات إعتاق سعيد أيضاً لفوات شرطه وإن بقي من الثلث ما يعتق به بعض سعيد عتق تمام الثلث منه، وإن قال إن أعتقت سعداً فسعيد وعمرو حران ثم أعتق سعداً ولم يخرج من الثلث إلا أحدهم عتق سعد وحده لما ذكرنا وإن خرج من الثلث اثنان أو واحد وبعض آخر عتق سعد وأقرع بين سعيد وعمرو فيما بقي من الثلث لأن عتقهما في حال(6/296)
واحدة وليس عتق أحدهما شرطاً في عتق الآخر، ولو خرج من الثلث اثنان وبعض الثالث أقرعنا بينهما لتكميل الحرية في أحدهما وحصول التشقيص في الآخر وإن قال إن أعتقت سعداً فسعيد حر أو فسعيد وعمرو حران في حال إعتاقي سعداً فالحكم سواء لا يختلف لأن عتق سعد شرط لعتقهما فلو رق بعضه لفات شرط عتقهما فوجب تقديمه فان كان الشرط في الصحة والإعتاق في المرض فالحكم على ما ذكرناه (فصل) فإن قال ان تزوجت فعبدي حر فتزوج في مرضه بأكثر من مهر المثل فالزيادة محاباة تعتبر من الثلث فان لم يخرج من الثلث إلا المحاباة أو العبد قدمت المحاباة لأنها وجبت قبل العتق لكون التزويج شرطاً في العتق فقد سبقت العتق ويحتمل أن يتساويا لأن التزويج سبب لثبوت المحاباة وشرط للعتق فلا يسبق وجود أحدهما صاحبه فيكونان سواء، ثم هل يقدم العتق على المحاباة؟ على روايتين وهذا فيما إذا ثبتت المحاباة بأن لا ترث المرأة الزوج إما لوجود مانع من الإرث أو لمفارقته إياها في حياته إما بموتها أو طلاقها أو نحوه، فأما إن ورثته تبينا أن المحاباة لا تثبت لها إلا بإجازة الورثة فينبغي أن يقدم العتق عليها لأنه لازم غير موقوف على الإجازة فيكون متقدماً وإن قال أنت حر في حال تزويجي فتزوج بأكثر من مهر المثل فعلى القول الأول يتساويان لأن التزويج جعل حالة لإيقاع العتق كما في عتق
سعد وسعيد وبطلان المحاباة لا يبطل التزويج ولا يؤثر فيه وعلى الاحتمال المذكور يكون العتق سابقاً لأن المحاباة إنما تثبت بتمام التزويج والعتق قبل تمامه فيكون سابقاً على المحاباة فيتقدم لهذا المعنى سيما إذا تأكد بقوته.
وكونه غير وارث (فصل) إذا أعتق المريض شقصاً من عبد ثم أعتق شقصا من آخر ولم يخرج من الثلث إلا العبد الاول عتق وحده لأنه يعتق حين تلفظه بإعتاق بعضه وإن خرج الأول وبعض الثاني عتق ذلك وإن أعتق الشقصين معاً فلم يخرج من الثلث إلا الشقصان عتقاً ورق باقي العبدين وإن لم يخرج إلا أحدهما أقرع بينهما وإن خرج الشقصان وباقئ أحد العبدين ففيه وجهان (أحدهما) تكميل العتق من أحدهما(6/297)
بالقرعة بينهما كما لو أعتق العبدين فلم يخرج من الثلث إلا أحدهما (والثاني) يقسم ما بقي من الثلث بينهما بغير قرعة لأنه أوقع عتقاً مشقصاً فلم يكمله بخلاف ما لو أعتق العبدين ولهذا إذا لم يخرج من الثلث إلا الشقصان أعتقناهما بغير قرعة ولم نكمله من أحدهما ولو وصى بإعتاق النصيبين وإن يكمل عتقهما من تلثه ولم يخرج من الثلث إلا النصيبان وقيمة باقي أحدهما أقرعنا بينهما فمن خرجت قرعته كمل العتق فيه لأن الموصي أوصى بتكميل العتق فجرى مجرى إعتاقهما بخلاف التي قبلها * (مسألة) * (وأما معاوضة المريض بثمن المثل فتصح من رأس المال وإن كانت مع وارث) لأنه ليس بوصية لأن الوصية تبرع وليس هذا تبرعاً فاستوى فيه الوارث وغيره ويحتمل أن لا يصح لوارث لأنه خصه بعين المال أشبه ما لو حاباه * (مسألة) * (وإن حابى وارثه فقال القاضي يبطل في قدر ما حاباه ويصح فيما عداه) مثل أن يبيع شيئاً بنصف ثمنه فله نصفه بجميع الثمن لأنه تبرع له بنصف الثمن فبطل التصرف فيما تبرع له به وللمشتري الخيار لأن الصفقة تبعضت في حقه * (مسألة) * (فإن كان له شفيع فله أخذه فإن أخذه فلا خيار للمشتري) لزوال الضرر عنه لأنه لو فسخ البيع رجع بالثمن وقد حصل له الثمن من الشفيع (فصل) فإن باع أجنبياً وحاباه لم يمنع ذلك صحة العقد عند الجمهور وقال أهل الظاهر
يبطل العقد.
ولنا عموم قوله تعالى (وأحل الله البيع ولأنه تصرف صدر من أهله في محله فصح كغير المريض فعلى هذا لو باع عبداً لا يملك غيره قيمته ثلاثون بعشرة فقد حابى المشتري بثلثي ماله وليس له المحاباة بأكثر من الثلث فإن أجاز الورثة ذلك لزم البيع وإن ردوا فاختار المشترى فسخ البيع فله ذلك لأن الصفقة تبعضت في حقه فإن اختار إمضاء البيع فقال شيخنا عندي أنه يأخذ نصف المبيع بنصف(6/298)
الثمن ويفسخ البيع في الباقي وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والوجه الثاني أنه يأخذ ثلثي المبيع بالثمن كله والى هذا أشار القاضي في نحو هذه المسألة لأنه يستحق الثلث بالمحاباة والثلث الآخر بالثمن وقال أهل العراق يقال له إن شئت أديت عشرة أخرى وأخذت المبيع وإن شئت فسخت ولا شئ لك وعند مالك له أن يفسخ ويأخذ ثلث المبيع بالمحاباة ويسميه أصحابه خلع الثلث ولنا أن ما ذكرناه مقابلة بعض المبيع بقسطه من الثمن عند تعذر أخذ جميعه بجميعه فصح ذلك كما لو اشترى سلعتين بثمن فانفسخ البيع في إحداهما لعيب أو غيره أو كما لو اشترى شقصاً وسيفاً فأخذ الشفيع الشقص أو كما لو اشترى قفيزاً يساوي ثلثين بقفيز قيمته عشرة، وأما الوجه الثاني الذي اختاره القاضي فلا يصح لأنه أوجب له المبيع بثمن فيأخذ بعضه بالثمن كله فلا يصح كما لو قال بعتك هذا بمائة فقال قد قبلت نصفه بها ولأنه إذا فسخ البيع في بعضه وجب أن يفسخه بقدره من ثمنه ولا يجوز فسخ البيع فيه مع بقاء ثمنه كما لا يجوز فسخ البيع في الجميع مع بقاء ثمنه، وأما قول أهل العراق فإن فيه إجباراً للورثة على المعاوضة على غير الوجه الذي عاوض موروثهم، وأما قول مالك فلا يصح لأنه ذا فسخ البيع لم يستحق شيئاً لأن المحاباة إنما حصلت في ضمن البيع فإذا بطل البيع بطلت كما لو وصى لرجل بعينه أن يحج عنه بمائة وأجر المثل خمسون فطلب الخمسين الفاضلة بدون الحج.
وإن اشترى عبداً يساوي عشرة بثلاثين فإنه يأخذ نصفها بنصفها وإن باع العبد الذي يساوي ثلاثين بخمسة عشر جاز البيع في ثلثيه بثلثي الثمن في قول شيخنا وعلى قول القاضي للمشتري خمسة أسداسه بكل الثمن، وطريق هذا أن ينسب الثمن وثلث المبيع إلى قيمته فيصح البيع في مقدار تلك النسبة وهو خمسة
أسداسه وعلى الوجه الأول يسقط الثمن من قيمة المبيع وينسب الثلث إلى الباقي فيصح البيع في(6/299)
قدر تلك النسبة وهو ثلثاه بثلثي الثمن فإن خلف البائع عشرة أخرى فعلى الوجه الأول يصح في ثمانية أتساعه بثمانية أتساع الثمن وعلى الوجه الثاني يأخذ المشتري نصفه وأربعة أتساعه بجميع الثمن * (مسألة) * (وإن باع المريض أجنبياً وحاباه وكان شفيعه وارثاً فله الأخذ بالشفعة) لأن المحاباة لغيره يعني إذا باع شقصاً تجب فيه الشفعة لأن المحاباة إنما وقعت للأجنبي فأشبه ما لو وصى لغريم وارثه ويحتمل أن لا يملك الوارث الشفعة ههنا لإفضائه إلى جعل سبيل للإنسان إلى إثبات حق وارثه في المحاباة وقد ذكرنا ذلك والخلاف فيه في الشفعة * (مسألة) * (ويعتبر الثلث عند الموت لأنه وقت لزوم الوصية واستحقاقها وتثبت له ولاية القبول والرد فلو أعتق عبداً لا يملك غيره ثم ملك مالاً يخرج من ثلثه تبيناً أنه عتق كله لخروجه من الثلث عند الموت وإن صار عليه دين يستغرقه لم يعتق منه شئ لأن الدين يقدم على الوصية لما روي عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية ويحتمل أن يعتق ثلثه لأن تصرف المريض في الثلث كتصرف الصحيح في الجميع * (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (وتفارق العطية الوصية في أربعة أشياء (أحدها) أنه يبدأ بالأول فالأول منها والوصايا سوى بين المتقدم والمتأخر منها) أما العطايا فقد ذكرنا حكمها والخلاف فيها، وأما الوصايا فإنها تبرع بعد الموت فتؤخذ دفعة واحدة ولذلك استوى فيها المتقدم والمتأخر، (الثاني) أنه لا يجوز الرجوع في العطية بخلاف الوصية لأن العطية تقع لازمة في حق المعطي تنتقل إلى المعطى في الحياة إذا اتصل بها القبول والقبض وإن كثرت فلم يكن له الرجوع فيها كالهبة وإنما منع المريض من التبرع بزيادة على الثلث لحق الورثة لا لحقه فلم يملك إجازتها ولا ردها بخلاف الوصية لأن التبرع بها مشروط بالموت ففيما قبل الموت لم يوجد التبرع ولا العطية فهي كالهبة قبل القبول،(6/300)
(الثالث) أنه يعتبر قبوله للعطية عند وجودها ويفتقر إلى شروط الهبة المذكورة لأنها هبة منجزة فاعتبر لها
القبول عند وجودها كعطية الصحيح بخلاف الوصية فإنه لا حكم لقبولها ولا ردها إلا بعد الموت على ما يأتي (فصل) والعطية تقدم على الوصية وهو قول الشافعي وجمهور العلماء وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر إلا في العتق فإنه حكي عنهم تقديمه لأن العتق يتعلق به حق الله تعالى ويسري وينفذ في ملك الغير فيجب تقديمه.
ولنا أن العطية لازمة في حق المريض فقدمت على الوصية كعطية الصحة أو فقدمت على العتق كعطية الصحة (الرابع) أن الملك يثبت في العطية من حينها ويكون مراعى فاذا خرج من الثلث عند الموت تبينا أن الملك كان ثابتاً من حينه لأن العطية في المرض تمليك في الحال لأنها إن كانت هبة فمقتضاها تمليكه الموهوب في الحال ولهذا يعتبر قبولها في المجلس كما لو كانت في الصحة، وكذلك إن كانت محاباة أو إعتاقاً وأما كونها مراعاة فلأنا لا نعلم هل هذا مرض الموت أو لا ولا نعلم هل يستفيد مالا أو يتلف شئ من ماله أو لا فتوقفنا لنعلم عاقبة أمره فنعمل عليها فإذا انكشف الحال علمنا حينئذ ما ثبت حال العقد، ومثل ذلك ما لو أسلم أحد الزوجين بعد الدخول فإنا لا ندري هل يسلم الثاني أم لا فنقف الأمر حتى تنقضي العدة فإن أسلم الآخر في العدة تبينا أن النكاح كان صحيحاً باقياً وإن انقضت العدة قبل إسلامه تبينا أن النكاح انفسخ من حين اختلف دينهما * (مسألة) * (فلو أعتق في مرضه عبداً أو وهبه لإنسان ثم كسب في حياة سيده شيئاً ثم مات سيده فخرج من الثلث كان كسبه له إن كان معتقاً وللموهوب إن كان موهوباً، وإن خرج بعضه فلهما من كسبه بقدر ذلك) إذا أعتق عبداً لا مال له سواه فكسب مثل قيمته قبل موت سيده فللعبد من كسبه بقدر ما عتق منه وباقيه لسيده فيزداد به مال السيد وتزداد الحرية لذلك ويزداد حقه من كسبه فينقص به حق السيد من الكسب وينقص بذلك قدر المعتق منه فيدخل الدور فيستخرج ذلك بالجبر فيقال عتقق من العبد شئ وله من كسبه شئ لأن كسبه مثله وللورثة من العبد شيئان لأن لهم مثلي ما عتق منه وقد عتق منه شئ ولا يحسب على العبد ما حصل له من كسبه لأن استحقه بجزئه الحر لا من جهة سيده فصار للعبد شيئان(6/301)
وللورثة شيئان من العبد وكسبه فيقسم العبد وكسبه نصفين فيعتق منه نصفه وله نصف كسبه وللورثة نصفهما، وإن كسب مثلي قيمته فله من كسبه شيئان صار له ثلاثة أشياء ولهم شيئان فيقسم العبد وكسبه أخماساً يعتق منه ثلاثة أخماس وله ثلاثة أخماس كسبه وللورثة خمساه وخمسا كسبه وإن كسب ثلاثة أمثال قيمته فله من كسبه ثلاثة أشياء مع ما عتق منه وللورثة شيئان فيعتق منه ثلثاه وله ثلثا كسبه وللورثة ثلثهما، وإن كسب نصف قيمته عتق منه شئ وله من كسبه نصف شئ ولهم شيئان فالجميع ثلاثة أشياء ونصف شئ فإذا بسطها إنصافاً صارت سبعة فله ثلاثة أسباعها فيعتق منه ثلاثة أسباعه وله ثلاثة أسباع كسبه والباقي للورثة وذلك مثلا ما عتق منه * (مسألة) * (وإن كان موهوباً لإنسان فللموهوب له من العبد بقدر ما عتق منه وله من كسبه بقدر ذلك) فإن كانت قيمته مائة فكسب تسعة فاجعل له من كل دينار شيئاً فقد عتق منه مائة وله من كسبه تسعة أشياء ولهم مائتا شئ فيعتق منه مائة جزء وتسعة أجزاء من ثلثمائة وتسعة وله من كسبه مثل ذلك ولهم مائتا جزء من كسبه، فإن كان على السيد دين يستغرق قيمته وقيمة كسبه صرفا في الدين ولم يعتق منه شئ لأن الدين مقدم على التبرع وإن لم يستغرق فقيمته وقيمة كسبه صرف من العبد وكسبه ما يقضي به الدين وما بقي منهما يقسم على ما يمل في العبد الكامل وكسبه، فعلى هذا لو كان على الميت دين بقيمة العبد صرف فيه نصف العبد ونصف كسبه وقسم النصف الباقي بين الورثة والعتق نصفين وكذلك بقية الكسب، فإن كسب العبد مثل قيمته وللسيد مال بقدر الكسب قسمت العبد ومثل قيمته على الأشياء الأربعة لكل شئ ثلاثة أرباع فيعتق من العبد ثلاثة أرباعه وله ثلاثة أرباع كسبه (فصل) وإن أعتق عبداً قيمته عشرون ثم أعتق عبداً قيمته عشرة فكسب كل واحد منهما مثل قيمته أكملت الحرية في العبد الأول فيعتق منه شئ وله من كسبه شئ وللورثة شيئان ويقسم العبدان وكسبهما على الأشياء الأربعة لكل شئ خمسة عشر فيعتق منه بقدر ذلك وهو ثلاثة أرباعه وله ثلاثة أرباع كسبه والباقي للورثة، وإن بدأ بعتق الأدنى عتق كله وأخذ كسبه ويستحق الورثة من العبد الآخر وكسبه مثلي العبد الذي عتق وهو نصفه ونصف كسبه ويبقى نصفه ونصف كسبه(6/302)
بينهما نصفين فيعتق ربعه وله ربع كسبه ويرق ثلاثة أرباعه ويتبعه ثلاثة أرباع كسبه وذلك مثلا ما عتق منهما، وإن أعتق العبدين دفعة واحدة أقرعنا بينهما فمن خرجت له قرعة الحرية فهو كما لو بدا بإعتاقه (فصل) فإن اعتق ثلاثة أعبد قيمتهم سواء وعليه دين بقدر قيمة أحدهم وكسب أحدهم مثل قيمته أقرعنا بينهم لإخراج الدين، فإن وقعت على غير المكتسب عتق كله والمكتسب وماله للورثة وإن وقعت قرعة الحرية على المكتسب عتق منه ثلاثة أرباعه وله ثلاثة أرباع كسبه وباقيه وباقي كسبه والعبد الآخر للورثة كما قلنا فيما اذا كان للسيد مال بقدر قيمته، ولو وقعت قرعة الدين ابتداء على المكتسب لقضينا الدين بنصفه ونصف كسبه ثم أقرعنا؟ ين باقيه وبين العبدين الآخرين في الحرية فإن وقعت على غيره عتق كله وللورثة ما بقي، فإن وقعت على المكتسب عتق باقيه وأخذنا باقي كسبه ثم يقرع بين العبدين لإتمام الثلث فمن وقعت عليه القرعة عتق ثلثه ويبقى ثلثاه والعبد الآخر للورثة (فصل) رجل أعتق عبدين متساويي القيمة بكلمة واحدة لا مال له غيرهما ثم مات أحدهما في حياته أقرع بين الحي والميت، فإن وقعت على الميت فالحي رقيق وتبين أن الميت نصفه حر لأن مع الورثة مثلي نصفه، وإن وقعت على الحي عتق ثلثه ولا يحسب المي؟؟؟؟ على الورثة لأنه لم يصل إليهم (فصل) رجل أعتق عبداً لا مال له سواء قيمته عشرة فمات قبل سيده وخلف عشرين فهي لسيده بالولاء وتبين أنه مات حراً، وكذلك إن خلف أربعين وبنتاً وإن خلف عشرة عتق منه شئ وله من كسبه شئ ولسيده شيئان وقد حصل في يد سيده عشرة تعدل ستين فتبين أن نصفه حر وباقيه رقيق والعشرة يستحقها السيد نصفها بحكم الرق ونصفها بالولاء، فإن خلف العبد ابناً فله من رقبته شئ ومن كسبه شئ لابنه بالميراث ولسيده شيئان فتقسم العشرة على ثلاثة للابن ثلثها وللسيد ثلثاها ونتبين أنه عتق من العبد ثثه، وإن خلف بنتاً فلها نصف شئ وللسيد شيئان فصارت العشرة على خمسة، للبنت خمسها وللسيد أربعة أخماسها تعدل ستين فتبين أن خمسي العبد مات حراً، وإن خلف العبد عشرين وابناً فله من كسبه شيئان يكونان لابنه ولسيده شيئان فصارت العشرون بين السيد وبين ابنه نصفين وتبين أنه عتق منه نصفه فإن مات الابن قبل موت السيد كان ابن معتقه(6/303)
ورثه السيد لأننا تبينا أن أباه مات حراً لكون السيد ملك عشرين وهي مثلا قيمته فعتق وجر ولاء ابنه إلى سيده فورثه، وإن لم يكن الابن ابن معتقه لم ينجر ولاؤه ولم يرثه سيد أبيه، وكذلك الحكم لو خلف هذا الابن عشرين ولم يخلف أبوه شيئاً أو ملك السيد عشرين من أي جهة كانت وإن لم يملك عشرين لم ينجر ولاء الابن إليه لأن الأب لم يعتق، وإن عتق بعضه جر من ولاء ابنه بقدره، فلو خلف الابن عشرة وملك السيد خمسة فإنك تقول عتق من العبد شئ ويجر من ولاء ابنه مثل ذلك ويحصل له من ميراثه شئ مع خمسة وهما يعدلان شيئين وباقي العشرة لمولى أمه فيقسم بين السيد وبين مولى الأم نصفين ونتبين أنه قد عتق من العبد نصفه ويحصل للسيد خمسة من ميراث ابنه وكانت له خمسة وذلك مثلا ما عتق من العبد، فإن مات الابن في حياة أبيه قبل موت سيده وخلف مالاً وحكمنا بعتق الأب أو عتق بعضه ورث مال أبيه ان كان حرا أو بقدر ما فيه من الحرية إن كان بعضه حراً ولم يرث سيده منه شيئاً، وفي هذه المسائل خلا ف تركنا ذكره مخافة التطويل * (مسألة) * (وإن اعتق جارية لا مال له غيرها ثم وطئها ومهر مثلها نصف قيمتها فهو كما لو كسبت نصف قيمتها) يعتق منها ثلاثة أسباعها وقد ذكرناه * (فصل) * وإن وهبها مريضاً آخر لا مال له غيرها ثم وهبها الثاني للأول وماتا جميعاً فنقول صحت هبة الاول في شئ وعاد إليه بالهبة الثانية ثلثه بقي لورثة الثاني ثلثا شئ ولورثة الأول شيئان فاضر بها في ثلثه لزوال الكسر يكن ثمانية أشياء تعدل الأمة الموهوبة فلورثة الواهب الأول ثلاثة أرباعها ستة ولورثة الثاني ربعها شيئان وإن شئت قلت المسألة من ثلاثة لأن الهبة صحت في ثلث المال وهبة الناني صحت في ثلث الثلث فتكون من ثلاثة اضر بها في أصل المسألة تكن تسعة أسقط السهم الذي صحت فيه الهبة الثانية لأننا لو رددناه على الأول لوجب رده على جميع السهام الباقية إذ يلزم من زيادة الباقي للواهب الأول زيادة الجزء الذي صحت فيه الهبة الأولى فيسقط كما يسقط الباقي في مسألة الرد إذ العلة في إسقاطه ثم إننا لو رددناه لرددناه على جميع السهام بالسوية فإذا أسقطنا ذكره عاد على جميع السهام كذلك ههنا إذا أسقطنا هذا السهم بقيت المسألة من ثمانية كما ذكرنا(6/304)
(فصول في هبة المريض) رجل وهب أخاه مائة لا يملك غيرها فقبضها ثم مات وخلف بنتاً فقد صحت الهبة في شئ والباقي للواهب ورجع إليه بالميراث نصف الشئ الذي جازت الهبة فيه صار معه مائة إلا نصف شئ يعدل شيئين فالشئ خمسا ذلك رجع إلى الواهب نصفها عشرون صار معه ثمانون وبقي لورثة الموهوب له عشرون وطريقها بالباب أن يأخذ عدداً لثلثه نصف وهو ستة فيأخذ ثلثه اثنين ويلغى نصفه سهماً يبقى سهم فهو للموهوب له ويبقى للواهب أربعة فتقسم المائة بينهما على خمسة والسهم الذي أسقطته لا يذكر لأنه يرجع على جميع السهام الباقية بالتسوية فيجب إطراحه كالسهام الفاضلة عن الفروض في مسألة الرد ولو ترك ابنتين ضربت ثلاثة في ثلاثة صارت تسعة وأسقطت منهما سهماً يبقى سهمان فهي التي تبقى لورثة الموهوب له وتبقى ستة للواهب وهي مثلاً ما جازت الهبة فيه وإن خلف امرأة وبنتا فمسئلتها من ثمانية نضربها في ثلاثة تكن أربعة وعشرين يسقط منهما الثلاثة التي ورثها الواهب يبقى أحد وعشرون فهي المال ويأخذ ثلث الأربعة والعشرين وهي ثمانية يلغى منها الثلاثة يبقى خمسة في الباقية لورثة الموهوب له والباقي للواهب فتقسم المائة على هذه السهام (فصل) وإن وهب رجلاً جارية فقبضها الموهوب له ووطئها ومهرها ثلث قيمتها ثم مات الواهب ولا شئ له سواها وقيمتها ثلاثون ومهرها عشرة فقد صحت الهبة في شئ وسقط عنه من مهرها ثلث شئ وبقي للواهب أربعون إلا شيئاً وثلثاً يعدل شيئين أجبر وقائل يخرچ الشئ خمس ذلك وعشرة وهو اثنا عشر وذلك خمسا الجارية فقد صحت الهبة فيه ويبقى للوارث ثلاثة أخماسها وله على الموهوب له ثلاثة أخماس مهرها وهو ستة ولو كان الواطئ أجنبياً فكذلك ويكون عليه مهرها ثلاثة أخماسه للواهب وخمساه للموهوب له إلا أن تعود الهبة فيما زاد على الثلث منها موقوف على حصول المهر من الوطئ فان لم يحصل منه شئ لم تزد الهبة على ثلثها وكلما حصل من شئ نفذت الهبة في الزيادة بقدر(6/305)
ثلثه فإن وطئها الواهب فعليها من عقرها بقدر ما جازت الهبة فيه وهو ثلث شئ يبقى معه ثلاثون إلا شيئاً وثلثاً يعدل شيئين فالشئ تسعة وهو خمس الجارية وعشرها وسبعة أعشارها لورثة الواطئ
وعليه عقر الذي جازت الهبة فيه ئلاثة فإن أخذ من الجارية بقدرها صار له خمساها (فصل) وإن وهب مريض عبداً لا يملك غيره فقتل العبد الواهب قيل للموهوب له اما ان تفديه وإما أن تسلمه فإن اختار تسلميه سلمه كله نصفه بالجناية ونصفه لانتقاص الهبة وذلك لأن العبد كله قد صار إلى ورثة الواهب وهو مثلا نصفه فتبين أن الهبة جازت في نصفه فإن اختار فداه ففيه روايتان إحداهما يفديه بأقل الأمرين من قيمة نصيبه فيه اوراش جنايته والأخرى يفديه بقدر ذلك من أرش جنايته بالغة ما بلغت فإن كانت قيمته دية فإنك تقول صحت الهبة في شئ ويدفع إليهم نصف العبد وقيمة نصفه وذلك يعدل شيئين فتبين ان الشي نصف العبد وإن كانت قيمته ديتين واختار دفعه فإن الهبة تجوز في شئ ويدفع إليهم نصفه يبقى معهم عبد الا نصف شئ يعدل شيئين فالشئ خمساه ويرد إليهم ثلاثة أخماسه لانتقاض الهبة وخمساً من أجل جنايته فيصير لهم أربعة أخماسه وذلك مثلا ما جازت الهبة فيه وإن اختار فداءه فداه بخمسي الدية أو أقل وقلنا يفديه بأرش جنايته نفذت الهبة في جميعه لأن أرشها أكثر من مثلي قيمته وإن كانت قيمته ثلاثة اخماس الدية فاختار فداءه بالدية فقد صحت الهبة في شئ ويفديه بشئ وثلثين فصار مع الورثة عبد وثلثا شئ يعدل شيئين فالشئ يعدل ثلاثة أرباع فتصح الهبة في ثلاثة أرباع العبد ويرجع إلى الواهب ربعه مائة وخمسون وثلاثة أرباع الدية سبعمائة وخمسون صار الجميع تسعمائة وهو مثلا ما صحت الهبة فيه فإن ترك الواهب مائة دينار فاضممها إلى قيمة العبد فإن اختار دفع العبد دفع ثلثه وربعة وذلك قدر نصف جميع المال بالجناية وباقيه لانتقاص الهبة فيصير للورثة العبد والمائة وذلك ما جازت الهبة فيه وإن اختار الفداء فقد علمت أنه يفدي ثلاثة أرباعه إذا لم يترك شيئاً فزد على ذلك ثلاثة أرباع المائة يصر ذلك سبعة أثمان العبد فيفديه سبعة أثمان الدية (فصل) في إعتاق المريض: مريض أعتق عبداً لا مال سواه قيمته مائة فقطع أصبع سيده خطأ فإنه يعتق نصفه وعليه نصف قيمته ويصير للسيد نصفه ونصف قيمته وذلك مثلا ما عتق منه وأوجبنا(6/306)
نصف قيمته عليه لأن عليه من أرش جنايته بقدر ما عتق منه وحسابها أن تقول عتق منه شئ وعليه شئ للسيد فصار مع السيد عبد إلا شيئا وشئ يعدل شيئين فأسقط بشئ بقي ما معه من العبيد يعدل شيئاً
مثل ما عتق منه، وإن كانت قيمة العبد مائتين عتق خمساه لأنه يعتق منه شئ وعليه نصف شئ للسيد فصار للسيد نصف شئ وبقية العبد تعدل شيئين فتكون بقية العبد تعدل شيئاً ونصفاً وهو ثلاثة أخماسه والشئ الذي عتق خمساه، وإن كانت قيمته خمسين أو أقل عتق كله لأنه يلزمه مائة وهي مثلاه أو أكثر، وإن كانت قيمته شيئين قلنا عتق منه شئ وعليه شئ وثلثا شئ للسيد مع بقية العبد تعدل شيئين فبقية العبد إذا ثلث شئ فيعتق منه ثلاثة أرباعه وعلى هذا القياس الا أن ما زاد من العتق على الثلث ينبغي أن يقف على أداء ما يقابله من القيمة كما إذا ما دبر عبداً وله دين في ذمة غريم له فكلما اقتضي من القيمة شيئاً عتق من الموقوف بقدر ثلثه (فصل) فإن أعتق عبدين دفعة واحدة قيمة أحدهما مائة والآخر مائة وخمسون فجنى الأدنى على الا رفع جناية نقصته ثلث قيمته وأرشها كذلك في جناية السيد ثم مات أقرعنا بين العبدين فإن وقعت على الجاني عتق منه أربعة أخماسه وعليه من أرش الجناية مثل ذلك وبقي لورثة سيده خمسه وأرش جنايته والعبد الآخر وذلك مائة وستون وهو مثلا ما عتق منه وحسابها أن تقول عتق منه شئ وعليه نصف شئ لأن جنايته بقدر نصف قيمته بقي للسيد نصف شئ وبقية العبد تعدل شيئين فعلمت أن بقية العبدين تعدل شيئاً ونصفاً فإذا أضفت إلى ذلك الشئ الذي عتق صارا جميعاً يعدلان شيئين ونصفا، فالشئ الكامل خمساهما وذلك أربعة أخماس أحدهما، وإن وقعت قرعة الحرية على المجني عليه عتق ثلثه وله ثلث أرش جنايته يتعلق برقبة الجاني وذلك تسع الدية لأن الجناية على من ثلثه حر تضمن بقدر ما فيه من الحرية والرق، والواجب من الأرش يستغرق قيمة الجاني فيستحقه بها ولا يبقى لسيده مال سواه فيعتق ثلثه ويرق ثلثاه فإن أعتق عبدين قيمة أحدهما خمسون والآخر قيمته ثلاثون فجنى الأدنى على الا رفع فنقصه حتى صارت قيمته أربعين أقرعنا بينهما فإن خرجت القرعة للأدنى عتق منه شئ وعليه ثلث شئ فبعد الجبر تبين أن العبدين شيئان وثلثان فالشئ ثلاثة أثمانهما وقيمتهما(6/307)
سبعون فثلاثة أثمانهما ستة وعشرون وربع وهي من الأدنى نصفه وربعه وثمنه، وإن وقعت على الآخر عتق ثلثه وحقه من الجناية أكثر من قيمة الجاني فيأخذه بها أو يفديه المعتق وقد ثبتت فروع كثيرة
وفيما ذكرنا ما يستدل به على غيره إن شاء الله تعالى وكل موضع زاد المعتق على ثلث العبدين من أجل وجوب الأرش للسيد تكون الزيادة موقوفة على أداء الأرش كما ذكرنا من قبل والله أعلم * (مسألة) * (وإن باع مريض قفيزاً لا يملك غيره يساوي ثلاثين بقفيز يساوي عشرة وهما جنس واحد فيحتاج إلى تصحيح البيع في جزء منه مع التخلص من الربا لكونه يحرم التفاضل بينهما فالطريق في ذلك إن يسقط قيمة الردئ من قيمة الجيد ثم ينسب الثلث الى ما بقي وهو عشرة من عشرين وذلك نصفها فيصح البيع في نصف الجيد بنصف الردئ ويبطل فيما بقي) وطريق الجبر أن تقول يصح البيع في شئ من الا رفع بشئ من الأدنى وقيمته ثلث شئ فتكون المحاباة بثلثي شئ ألقها من الا رفع يبق قفيز إلا ثلثي شئ يعدل مثلي المحاباة وذلك شئ وثلث فإذا جبر به عدل شيئين والشئ نصف القفيز فإن كانت قيمة الأدنى خمسة عشر فإذا أسقطت قيمة الردئ من قيمة الجيد يبقى خمسة عشر إذا نسبت إليهما الثلث يكن ثلثيها فيصح البيع في ثلثي الجيد بثلثي الردئ فحصلت المحاباة بعشرة وذلك ثلث المال.
فإن كان الأدنى يساوي عشرين صحت في جميع الجيد بجميع الردئ * (مسألة) * (وإن أصدق امرأة عشرة في مرضه لا مال له غيرها) وصداق مثلها خمسة ثم ماتت قبله ومات بعدها ولا مال لها سوى ما أصدقها دخلها الدور فنقول لها خمسة بالصداق وشئ بالمحاباة ويبقى لورثة الزوج خمسة الأشياء ورجع إليهم بموتها نصف ذلك وهو اثنان ونصف ونصف شي صار لهم سبعة ونصف إلا نصف شئ يعدل شيئين أجبرها بنصف شئ وقابل فزد على الشيئين نصف شئ يبقى سبعة ونصف تعدل شيئين ونصفاً فالشئ ثلاثة فلورثته ستة ولورثتها أربعة لأنها كان لها خمسة وشئ وذلك ثمانية رجع إلى ورثته نصفها وهي أربعة صار لهم ستة ولورثتها أربعة على ما ذكرنا فإن ترك الزوج خمسة أخرى قلت يبقى مع ورثة الزوج اثنا عشر ونصف إلا نصف شئ تعدل شيئين فالشئ خمسة فجازت لها المحاباة جميعها ورجع جميع ما حاباها به إلى ورثة(6/308)
الزوج وبقي لورثتها صداق مثلها فإن كان للمرأة خمسة ولم يكن للزوج شئ قلت يبقى مع ورثة الزوج
عشرة إلا نصف شئ يعدل شيئين فالشئ أربعة فيكون لها بالصداق تسعة مع خمستها أربعة عشر رجع إلى ورثة الزوج نصفها مع الدينار الذي بقي لهم صار لهم ثمانية ولورثتها سبعة، وإن كان عليها دين ثلاثة قلت يبقى مع ورثة الزوج ستة إلا نصف شئ يعدل شيئين فالشئ ديناران وخمسان والباب في هذا أن ينظر ما بقي في يد ورثة الزوج فخمساه هو الشئ الذي صحت المحاباة فيه وذلك لأنه بعد الجبر يعدل شيئين ونصفا، والشئ هو خمساها، وإن شئت أسقطت خمسة وأخذت نصف ما بقي * (مسألة) * (وإن مات قبلها ورثته وسقطت المحاباة) لأن حكمها في المرض حكم الوصية في أنها لا تصح لوارث وعنه تعتبر المحاباة من الثلث لأنها محاباة لمن تجوز له الصدقة عليه فاعتبرت من الثلث كمحاباة الأجنبي إلا أن أبا بكر قال هذا قول قديم رجع عنه (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه ولو ملك ابن عمه فأقر في مرضه أنه أعتقه في صحته وهو وارثه عتق ولم يرث ذكره أبو الخطاب لأنه لو ورثه كان إقراره لوارث فيبطل عتقه لأنه مرتب على صحة الإقرار ولا يصح الإقرار للوارث وإذا بطل عتقه سقط الإرث فعلى هذا نثبت الحرية ولا يرث لأن توريثه يفضي الى اسقاط توريثه ويحتمل أن يرث لأنه حين الإقرار لم يكن وارثاً فوجب أن يرث كما لو لم يصر وارثاً وعلى قياس ذلك لو اشترى دار حمه المحرم في مرضه وهو وارثه أو وصي له به أو وهب له فقبله في مرضه فالحكم في ذلك كالمسألة قبلها سواء لما ذكرنا وذكر شيخنا أنه إذا ملكه بغير عوض كالهبة والميراث أنه يعتق ويرث المريض إذا مات وبه قال مالك وأكثر أصحاب الشافعي وقال بعضهم يعتق ولا يرث كما قال أبو الخطاب لأن عتقه وصية فلا تجتمع مع الميراث وهذا لا يصح لأنه لو كان وصية لاعتبر من الثلث كما لو اشتراه وجعل أهل العراق عتق الموهوب وصية يعتبر خروجه من الثلث، وإن خرج من الثلث عتق وورث، وإن لم يخرج من الثلث سعى في قيمة باقيه ولم يرث في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد يحتسب بقيمته من ميراثه فإن فضل من قيمته شئ سعى فيه(6/309)
ولنا أن الوصية هي التبرع بعطية أو إتلاف أو السبب إلى ذلك ولم يوجد واحد منهما لأن العتق
ليس من فعله ولا يقف على اختياره، وقبول الهبة ليس بعطية ولا إتلاف لماله إنما هو تحصيل لشئ يتلف بتحصيله فأشبه قبوله لشئ لا يمكنه حفظه أو لما يتلف ببقائه في وقت لا يمكنه التصرف فيه وفارق الشراء فإنه تضييع لماله في ثمنه قال القاضي هذا المذكور قياس قول أحمد لأنه قال في مواضع إذا وقف في مرضه على ورثته صح ولم تكن وصية لأن الوقف ليس بمال لأنه لا يباع ولا يورث قال الخبري هذا قول أحمد وابن الماجشون وأهل البصرة ولم يذكر فيه عن أحمد خلافه فأما إن اشترى من يعتق عليه فقال القاضي إن حمله الثلث عتق وورثه وهذا قول مالك وأبي حنيفة، وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث ويرث بقدر ما فيه من الحرية وباقيه على الرق فإن كان الوارث ممن يعتق عليه إذا ملكه عتق عليه إذا ورثه، وقال أبو يوسف ومحمد لا وصية لوارث ويحتسب بقيمته من ميراثه وإن فضل من قيمته شئ سعى فيه، وقال بعض أصحاب مالك يعتق من رأس المال ويرث كالموهوب والموروث وهو قياس قول أحمد لكونه لم يجعل الوقف وصية وأجازه للوارث فهذا أولى لأن العبد لا يملك رقبته فيجعل ذلك وصية له ولا يجوز ان يجعل الثمن وصية له لأنه لم يصل إليه ولا وصية للبائع لأنه قد عاوض عنه وإنما هو كبناء مسجد وقنطرة في أنه ليس بوصية لمن ينتفع به فلا يمنعه ذلك الميراث واختلف أصحاب الشافعي في قياس قوله فقال بعضهم إذا حمله الثلث عتق وورث لأن عتقه ليس بوصية له على ما ذكرنا، وقيل يعتق ولا يرث لأنه لو ورث لصارت وصية لوارثه فتبطل وصيته ويبطل عتقه وارثه فيفضي توريثه إلى إبطال توريثه فكان إبطال توريثه أولى، وقيل على مذهبه شراؤه باطل لأن ثمنه وصية والوصية يقف خروجها من الثلث أو إجازة الورثة، والبيع عنده لا يجوز أن يكون موقوفاً، ومن مسائل ذلك مريض وهب له ابنه فقبله وقيمته مائة وخلف مائتي درهم وابنا آخر فإنه يعتق وله مائة ولأخيه مائة وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي، وقيل على قول الشافعي لا يرث والمئتان كلها للابن الآخر، وقال أبو يوسف ومحمد يرث نصف نفسه ونصف المائتين ويحتسب بقيمة نصفه الباقي من ميراثه، وإن كانت قيمته مائتين وبقية التركة مائة عتق من رأس المال والمائة(6/310)
بينه وبين أخيه وبهذا قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة يعتق منه نصفه لأنه قدر ثلث التركة
ويسعى في قيمة باقيه ولا يرث لأن المستسعى عنده كالعبد لا يرث إلا في أربعة مواضع الرجل يعتق أمته على أن تتزوجه، والمرأة تعتق عبدها على أن يتزوجها فيأبيان ذلك، والعبد المرهون يعتقه سيده والمشترى للعبد نصفه قبل قبضه وهما معسران ففي هذه المواضع يسعى كل واحد في قيمته وهو حر يرث وقال أبو يوسف ومحمد يرث نصف التركة وذلك ثلاثة أرباع رقبته ويسعى في ربع قيمته لأخيه فإن وهب له ثلاث أخوات متفرقات لا مال له سواهن ولا وارث عتقن من رأس المال وهذا قول مالك وإن كان اشتراهن فكذلك فيما ذكره الخبري عن أحمد وهو قول ابن الماجشون وأهل البصرة وبعض أصحاب مالك وعلى قول القاضي يعتق ثلثهن في أحد الوجهين وهو قول مالك وفي الآخر يعنقن كلهن لكون وصية من لا وارث له جائزة في جميع ماله في أصح الروايتين، وإن ترك مالا يخرجن من ثلثه عتقن وورثن، وقال أبو حنيفة إذا اشتراهن أو وهبن له ولا مال له سواهن ولا وارث عتقن وتسعى كل واحدة من الأخت للأب والأخت من الأم في نصف قيمتها للأخت للأبوين وإنما لم يرثا لانهما لو ورثتا لكان لهما خمس وذلك رقبة وخمس بينهما نصفين فكان يبقى عليهما سعاية وإذا بقيت عليهما سعاية لم يرثا وكانت لهما الوصية وهي رقبة بينهما نصفين وأما الأخت للأبوين فإذا ورثت عتقت لأن لها ثلاثة أخماس الرقاب وذلك أكثر من قيمتها فورثت وبطلت وصيتها وقال أبو يوسف ومحمد يعتقن وتسعى كل واحدة من الأخت للأب والأخت للأم للأخت من الأبوين في خمسي قيمتها لأن كل واحدة ترث ثلاثة أخماس رقبة وعلى قول الشافعي لا يعتقن (فصل) وإذا اشترى المريض أباه بألف لا مال له سواه ثم مات وخلف ابناً فعلى القول الذي حكاه الخبري يعتق كله على المريض وله ولاؤه وعلى قول القاضي يعتق ثلثه بالوصية ويعتق الباقي على الابن لأنه جده ويكون ثلث ولائه للمشتري وثلثاه لابنه، وهذا قول مالك وقيل هو مذهب للشافعي، وقال أبوحينفة يعتق ثلثه بالوصية ويسعى للابن في قيمة ثلثيه وقال أبو يوسف ومحمد يعتق سدسه لأنه ورثه ويسعى في خمسة أسداس قيمته للابن ولا وصية له وقيل على قول الشافعي ينفسخ البيع إلا أن يجيز الابن عتقه وقيل ينفسخ في ثلثيه ويعتق ثلثه وللبائع الخيار لتفريق الصفقة عليه وقيل لا خيار له لأنه متلف فإن ترك ألفين سواه عتق كله وورث سدس الألفين والباقي للابن، وبهذا قال مالك(6/311)
وأبو حنيفة وقيل نحوه قول الشافعي وقيل على قوله يعتق ولا يرث وقيل شراؤه مفسوخ وقال أبو يوسف ومحمد يرث الأب سدس التركة وخمسمائة يحتسب بها من رقبته ويسعى في نصف قيمته ولا وصية له فإن اشترى ابنه بألف لا يملك غيره ومات وخلف أباه عتق كله بالشراء في الوجه الأول وفي الثاني يعتق ثلثه بالوصية وثلثاه على جده عند الموت وولاؤه بينهما أثلاثاً، وبهذا قال مالك وقول الشافعي فيه على ما ذكرنا في مسألة الأب، وقال أبو حنيفة يعتق ثلثه بالوصية ويسعى في قيمة ثلثيه للأب ولا يرث، وقال أبو يوسف ومحمد يرث خمسة أسداسه ويسعى في قيمة سدسه فإن ترك ألفين سواه عتق كله وورث خمسة أسداس الألفين وللأب السدس، وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد للأب سدس التركة خمسمائة وباقيها للابن يعتق منها ويأخذ ألفاً وخمسمائة وإن خرج مالا يخرج المبيع من ثلثه فعلى الوجه الأول يعتق كله ويرث منه كأنه حر الأصل على الوجه الثاني يعتق منه بقدر ثلث التركة ويرث بقدر ما فيه من الحرية فإن لم يخلف المشتري إلا أخاً حراً ولم يترك مالاً عتق من رأس المال على الوجه الأول ويعتق ثلثه على الثاني ويرث الأخ ثلثيه ثم يعتق عليه وقال أبو حنيفة يعتق ثلثه ويسعى لعمه في قيمة ثلثيه وقال أبو يوسف ومحمد يعتق كله ولا سعاية وإن خلف ألفين سواه عتق وورث الألفين ولا شئ للأخ في الأقوال إلا فيما قيل على قول الشافعي أنه يعتق ولا يرث وقيل شراؤه باطل فإن اشترى ابنه بألف لا يملك غيره وقيمته ثلثا الألف وخلف ابناً آخر فعلى الوجه الأول يعتق من رأس المال ويستقر ملك البائع على قدر قيمته من الثمن وله ثلث الباقي لأن المشتري حاباه ولم يبق من التركة سواه فيكون له ثلثه وهي تسع ألف ويرد التسعين فتكون بين الاثنين، وعلى الوجه الثاني يعتق ثلثه ويرث أخوه ثلثيه ويعتق عليه وللبائع ثلث المحاباة ويرد ثلثيها فيكون ميراثاً، وقال أبو حنيفة الثلث للبائع ويسعى المشتري في قيمته لأخيه وقال أبو يوسف ومحمد يسعى في نصف رقبته ويرث نصفها وقال الشافعي المحاباة مقدمة لتقدمها ويرث الابن الحر أخاه فيملكه وقيل يفسخ البيع في ثلثيه ويعتق ثلثه ولا تقدم المحاباة لأن في تقديمها تقرير ملك الأب على ولده وقيل يفسخ البيع في جميعه فإن كانت قيمته ثلاثة آلاف فعلى الوجه الأول يعتق من رأس المال وتنفذ(6/312)
المحاباة في ثلث الباقي وهو تسعا الألف ويرد البائع أربعة أتساع الألف فتكون بين الابنين وعلى الوجه الآخر يحتمل وجهين (احدهما) يقدم العتق على المحاباة فيعتق جميعه ويرد البائع ثلثي الألف فيكون بينهما (والثاني) يعتق ثلثه ويكون للبائع تسعا ألف ويرد أربعة أتساعها كما قلنا في الوجه الأول، وقال أبو حنيفة للبائع بالمحاباة الثلث ويرد الثلث ويسعى الابن في قيمته لأخيه في قول أبي يوسف ومحمد يرد البائع ثلث الألف فيكون ذلك مع المشتري للابن الحر وقيل غير ذلك وإن اشتراه بألف لا يملك غيره وقيمته ثلاثة آلاف فمن أعتقه من رأس المال جعله حراً ومن جعل ذلك وصية أعتق ثلثه بالشراء ويعتق باقيه على أخيه إلا في قول الشافعي ومن وافقه فإن الحر يملك بقية أخيه فيملك من رقبته قدر ثلثي الثمن وذلك تسعا رقبته لأنه يجعل ثمنه من الثلث دون قيمته وقيل يفسخ البيع في ثلثيه وقيل في جميعه، وقال أبو حنيفة يسعى لأخيه في قيمة ثلثيه وقال أبو يوسف ومحمد يسعى له في نصف قيمته فإن ترك ألفين سواه عتق كله لأن التركة هي الثمن مع الألفين والثمن يخرج من الثلث فيعتق ويرث نصف الألفين وهو قول للشافعي وقيل يعتق ولا يرث وعند أبي حنيفة وأصحابه التركة قيمته مع الألفين وذلك خمسة آلاف فعلى قول أبي حنيفة يعتق منه قدر ثلث ذلك وهو ألف وثلثا الف ويسعى لأخيه في ألف وثلث ألف وفي قول صاحبيه يعتق منه نصف ذلك وهو خمسة أسداسه ويسعى لأخيه في خمسمائة والألفان لأخيه في قولهم جميعاً (فصل) ولو اشترى المريض ابني عم له بألف لا يملك غيره وقيمة كل واحد منهما ألف فأعتق أحدهما ثم وهبه أخاه ثم مات وخلفهما وخلف مولاه فإن قياس قول القاضي أن شاء الله أنه يعتق ثلثا المعتق إلا أن يجيز المولى عتق جميعه ثم يرث بثلثيه ثلثي بقية التركة فيعتق منه ثمانية أتساعه يبقى تسعة وثلث أخيه للمولى ويحتمل أن يعتق كله ويرت أخاه فيعتقان جميعاً لانه يصير بالاعتاق وارثاً لثلثي التركة(6/313)
فتنفذ إجازته في إعتاق باقيه فتكمل له الحرية ثم يكمل له الميراث وفي قياس قول أبي الخطاب يعتق ثلثاه ولا يرث لأنه لو ورث لكان إعتاقه وصية له فيبطل إعتاقه ثم يبطل إرثه فيؤدي توريثه إلى إبطال توريثه وهذا قول الشافعي ويبقى ثلثه وابن العم الآخر للمولى وقال أبو حنيفة يعتق ثلثا المعتق ويسعى
في قيمة ثلثه ولا يرث، وقال أبو يوسف ومحمد يعتق كله ويعتق عليه أخوه بالهبة ويكون أحق بالميراث من المولى فإن كان للميت مال سواهما أخذا ذلك المال بالميراث ويغرم المعتق لأخيه الموهوب نصف قيمة نفسه ونصف قيمة أخيه لأن عتق الأول وصية ولا وصية لوارث وقد صار وارثاً مع أخيه فورث نصف قيمة رقبته ونصف قيمة أخيه وورث أخوه الباقي وكان أخوه الموهوب له هبة من المريض له فيعتق بقرابته له ولم يعتق من المريض فلم يكن عتقه وصية بل استهلكها بالعتق الذي جرى فيها فيغرم الأول نصف قيمته ونصف قيمة أخيه لأخيه وأما قول أبي حنيفة فإن كان الميت لم يدع وارثاً غيرهما عتق وغرم الأول لأخيه نصف قيمة أخيه ولم يغرم له نصف قيمه نفسه لأنه إذا لم يدع وارثاً جازت وصيته لأنهما لا يرثان ولا يعتقان حتى تجوز وصية الأول لأنه متى بقيت عليه سعاية لم يرث واحد منهما ولم يعتق فلابد من أن تنفذ للمعتق وصية ليصير حراً فيعتق أخوه بعتقه وقد جازت له الوصية في جميع رقبته لأن الميت إذا لم يدع وارثاً جازت وصيته بجميع ماله ويرثان جميعاً ويرجع الثاني على الأول بنصف قيمته لأنه يقول قد صرت أنا وأنت وارثين فلا تأخذ من الميراث شيئاً دوني وقد كانت رقبتي لك وصية فعتقت من قبلك فاضمن لي نصف رقبتي فإن كان معسراً أو هناك مال غيرهما أخذ الثاني نصفه ثم أخذ من النصف الثاني نصف قيمة نفسه وكان ما بقي ميراثاً لأخيه الأول * (مسألة) * (ولو أعتق أمته وتزوجها في مرضه فنقل المروذي عن أحمد أنها ترث اختاره القاضي، وقال الشافعي لا ترث لان ترويثها يفضي إلى ابطال عتقها لأنه وصية وإبطال عتقها يبطل توريثها.
ولنا أن العتق في هذه الحال وصية بما لا يلحقه الفسخ فيجب تصحيحه للوارث كالعفو عن العمد في مرضه فإنه لا يسقط ميراثه ولا تبطل الوصية(6/314)
* (مسألة) * (ولو أعتقها وقيمتها مائة ثم تزوجها وأصدقها مائتين لا مال له سواهما وهما مهر مثلها ثم مات صح العتق ولم تستحق الصداق لئلا يفضي إلى بطلان عتقها ثم يبطل صداقها وقال القاضي تستحق المائتين وتعتق) لأن العتق وصيه لها وهي غير وارثة والصداق استحقته بعقد المعاوضة وهي تنفذ من
رأس المال فهو كما لو تزوج أجنبية وأصدقها المائتين وقال أصحاب الشافعي يسقط مهرها ولا ترث لكونها لا تخرج من الثلث وسقوط العتق في بعضها يبطل مهرها ويسقط نكاحها فأسقطنا المهر والميراث وأنفذنا العتق والنكاح قال شيخنا وهذا أولى من القول بصحة العتق والصداق جميعاً لأنه يفضي إلى القول بصحة العتق في مرض الموت من جميع المال ولا خلاف في فساد ذلك ولو أصدق المائتين أجنبية صح وبطل العتق في ثلثي الأمة لأن الخروج من الثلث معتبر بحالة الموت وحالة الموت لم يبق له مال وهكذا لو تلفت المائتان قبل موته لم ينفذ من عتق الامة إلا الثلث وإذا بطل بعض عتقها بذهاب المائتين إلى غيرها فأولى أن يبطل بذهابها إليها وبطلان عتقها يبطل نكاحها فالقول بسقوط المهر وحده أولى * (مسألة) * (وإن تبرع بالثلث ثم اشترى أباه من الثلثين وله ابن فعلى قول من قال: ليس الشراء بوصية يعتق الأب وينفذ من التبرع قدر ثلث المال حال الموت وما بقي فللأب سدسه وباقيه للابن وعلى قول القاضي ومن جعله وصية لا يعتق الأب لأن تبرع المريض إنما ينفذ في الثلث ويقدم الاول فالال وإذا قدم التبرع لم يبق من الثلث شئ ويرثه الابن فيعتق عليه ولا يرث لأنه إنما عتق بعد الموت وإن وهب له أبوه عتق وورث لأن الهبة ليست بوصية وكذلك إن ورثه وإن اشترى أباه ثم أعتقه لم يعتق على قول القاضي لأنه إذا لم يعتق بالملك وهو أقوى من الإعتاق بالقول بدليل نفوذه في حق الصبي والمجنون فأولى أن لا ينفذ بالقول والله سبحانه وتعالى أعلم فصول في تصرف المريض (فصل) إذا أعتق أمة لا يملك غيرها ثم تزوجها فالنكاح صحيح في الظاهر فإذا مات ولم يملك شيئاً آخر تبين أن نكاحها باطل ويسقط مهرها إن كان لم يدخل بها وهذا قول أبي حنيفة والشافعي ويعتق منها ثلثها ويرق ثلثاها فإن كان قد دخل بها ومهرها نصف قيمتها عتق منها ثلاثة أسباعها ويرق أربعة أسباعها وحساب ذلك أن تقول عتق منها شئ ولها بصداقها نصف شئ وللورثة شيئان فيجمع(6/315)
ذلك فيكون ثلاثة أشياء ونصفا نبسطها فتكون سبعة لها منها ثلاثة ولهم أربعة ولا شئ للميت سواها
فنجعل لنفسها منها ثلاثة أسباعها يكون حراً والباقي للورثة وإن أحب لورثة أن يدفعوا إليها حصتها من مهرها وهو سبعاه ويعق منها سبعاها ويسترقوا خمسة أسباعها فلهم ذلك وهذا مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة يحسب مهرها من قيمتها ولها ثلث الباقي ويسعى فيما بقي وهو ثلث قيمتها فإن كان يملك مع الجارية قدر نصف قيمتها ولم يدخل بها عتق منها نصفها ورق نصفها لأن نصفها هو ثلث المال وإن دخل بها عتق منها ثلاثة أسباعها ولها ثلاثة أسباع مهرها وإنما قل العتق فيها لأنها لما أخذت ثلاثة أسباع مهرها نقص المال به فيعتق منها ثلث الباقي وهو ثلاثة أسباعها وطريق حسابها أن تقول عتق منها شئ ولها بمهرها نصف شئ وللورثة شيئان يعدل ذلك الجارية ونصف قيمتها فالشئ سبعاها وسبعا نصف قيمتها وهو ثلاثة أسباعها وهو الذي عتق منها ويأخذ نصف ذلك من المال بمهرها وهو ثلاثة أسباعه فإن كان يملك معها مثل قيمتها ولم يدخل بها عتق ثلثاها ورق ثلثها وبطل نكاحها وإن كان دخل بها عتق أربعة أسباعها ولها أربعة أسباع مهرها ويبقى للورثة ثلاثة أسباعها وخمسة أسباع قيمتها وهو يعدل مثلي ما عتق منها وحسابها أن تجعل السبعة الأشياء معادلة لها ولقيمتها فيعتق منها بقدر سبعي الجميع وهو أربعة أسباعها وتستحق سبع الجميع بمهرها وهو أربعة أسباع مهرها فإن كان يملك معها مثلي قيمتها عتقت كلها وصح نكاحها لأنها تخرج من الثلث إن أسقطت مهرها وإن أبت أن تسقطه لم ينفذ عتقها وبطل نكاحها فإن كان لم يدخل بها فينبغي أن يقضي بعتقها ونكاحها ولا مهر لها لأن إيجابه يفضي إلى إسقاطه وإسقاط عتقها ونكاحها فإسقاطه وحده أولى وإن كان دخل بها عملنا فيها على ما تقدم فيعتق ستة أسباعها ولها ستة أسباع مهرها ويبطل عتق سبعها ونكاحها ولو أعتقها ولم يتزوجها ووطئها كان العمل فيها في هذه المواضع كما لو تزوجها وهذا مذهب الشافعي وذكر القاضي في هذه المسألة التي قبل الأخيرة ما يقتضي صحة نكاحها وعتقها مع وجوب مهرها فيما إذا عتق في مرضه أمة قيمتها مائة وأصدقها مائتين لا مال له سواهما وهو مهر مثلها وهو مذكور في هذا الباب وقال أبو حنيفة فيما إذا ترك مثلي قيمتها وكان مهرها نصف قيمتها تعطى مهرها وثلث الباقي يحسب ذلك من قيمتها وهو نصفها وثلثها فيعتق ذلك وتسعى في سدسها الباقي ويبطل نكاحها فإن خلف أربعة أمثال قيمتها صح عتقها ونكاحها وصداقها في قول الجميع لأن ذك يخرج من الثلث وترث من الباقي في قول أصحابنا وهو(6/316)
قول أبي حنيفة وقال الشافعي لا ترث وهو مقتضى قول الخرقي لأنها لو ورثت لكان عتقها وصية لوارث واعتبار الوصية بالموت (فصل) ولو أن امرأة مريضة أعتقت عبداً قيمته عشرة وتزوجها بعشرة في ذمته ثم ماتت وخلفت مائة اقتضي قول اصحابنا إن تضم العشرة التي في ذمته إلى المائة فيكون ذلك هو التركة وترث نصف ذلك ويبقى للورثة خسمة وخمسون وهذا مذهب أبي حنيفة وقال صاحباه يحسب عليه قيمته أيضاً ويضم إلى التركة ويبقى للورثة ستون وقال الشافعي لا ترث شيئاً وعليه أداء العشرة التي في ذمته لئلا يكون إعتاقه وصية لوارث وهذا مقتضى قول الخرقي إن شاء الله تعالى (فصل) فأما إن أعتق أمته في صحته ثم تزوجها في مرضه صح وورثته بغير خلاف علمناه فأما إن أعتقها في مرضه ثم تزوجها وكانت تخرج من ثلثه عتقت وورثت في اختيار أصحابنا وقول أبي حنيفة ونقله المروذي عن أحمد كما لو كان عتقها في صحته وقال الشافعي لا ترث وقد ذكرناه(6/317)
باب اللقطة وهي المال الضائع من ربه يلتقطه غيره قال الخليل بن أحمد اللقطة بفتح القاف اسم للملتقط لان ما جاه على فعلة فهو اسم لفاعل كالصحلة والصرعة، واللقطة بسكون القاف المال الملقوط مثل الصحلة الذي يصحل منه والهزأة الذي يهزأ به، وقال الاصمعي وابن الاعرابي والفراء هي بفتح القاف اسم المال المقوط أيضاً والأصل فيها ما روى زيد بن خالد الجهني قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لقطة الذهب والورق فقال " اعرف وكاها وعفاصها ثم عرفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فادفعها إليه " وسأله عن ضالة الإبل فقال " مالك ولها دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها " وسأله عن الشاة فقال " خذها فانا هي لك أو لأخيك أو للذئب " متفق عليه الوكاء الخيط الذي يشد به المال في الخرقة، والعفاص الوعاء الذي هي فيه من خرقة أو قرطاس أو غيره، قاله أبو عبيد والأصل في العفاص أنه الجلد الذي يلبسه
رأس القارورة، وقوله " معها حذاءها " يعني خفها لأنه لقوته وصلابته يجري مجرى الحذاء وسقاؤها بطنها تأخذ فيه ماء كثيراً فيبقى معها يمنعها العطش والضالة، اسم للحيوان خاصة دون سائر اللقطة والجمع ضوال ويقال لها أيضاً الهوامي والهوامل.(6/318)
* (مسألة) * (وتنقسم ثلاثة أقسام (أحدها) : مالا تتبعه الهمة كالسوط والشع والرغيف فيملكه بأخذه بلا تعريف) لما روى جابر قال رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العصا والسوط والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل فينتفع به رواه أبو داود وكذلك التمرة والكسرة والخرقة ومالا خطر له يجرز الانتفاع به من غير تعريف لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على واجد التمرة حيث أكلها بل قال له " لو لم تأتها لاتتك " ورأى النبي صلى الله عليه وسلم تمرة فقال " لولا أني أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها " ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم في إباحة اليسير والانتفاع به روى ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وعائشة وبه قال عطاء وجابر بن زيد وطاووس والنخعي ويحيى بن أبي كثير ومالك والشافعي وأصحاب الرأي قال شيخنا وليس عن احمد تحديد اليسير الذي يباح، وروى عن أحمد أبو بكر بن صدقة إذا أخذ درهماً عرفه سنة وقال في رواية عبد الله ما كان نحو التمرة والكسرة والخرقة ومالا خطر له فلا بأس، ونحو ذلك قول الشافعي وذكر القاضي ذلك في كتاب الخلاف ويحتمل أن لا يجب تعريف ما لا يقطع به السارق وهو ربع دينار عند مالك وعشرة دراهم عند أبي حنيفة لأن ما دون ذلك تافه فلا يجب تعريفه كالكسرة والتمرة بدليل قول عائشة رضي الله عنها كانوا لا يقطعون في الشئ(6/319)
التافه وروي عن علي رضي الله عنه أنه وجد ديناراً فتصرف فيه، وروى الجوزجاني عن سلمى بنت كعب قالت وجدت خاتماً من ذهب في طريق مكة فسألت عائشة عنه فقالت تمتعي به، ورخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحبل في حديث جابر وقد تكون قيمته دراهم، وعن سويد بن غفلة قال خرجت مع سلمان بن ربيعة وزيدان بن صوحان حتى إذا كنا بالعذيب التقطت سوطاً فقال لي
ألقه فأبيت فلما قدمنا المدينة أتيت أبي بن كعب فذكرت ذلك له فقال أصبت قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وللشافعية ثلاثة أوجه كالمذاهب الثلاثة ولنا على إبطال تحديده بما ذكره عموم حديث زيد بن خالد في كل لقطة فيجب إبقاؤه على عمومه إلا ما خرج منه لدليل ولم يرد بما ذكروه نص ولا هو في معنى ما ورد به النص ولأن التحديد لا يعلم بالقياس وإنما يؤخذ من نص أو إجماع وليس فيما ذكروه نص ولا إجماع فأما حديث علي فهو ضعيف رواه أبو داود وقال طرقه كلها مضطربة ثم هو مخالف لمذهبهم ولسائر المذاهب فتعين حمله على وجه من الوجوه غير اللقطة إما لكونه مضطراً إليه أو غير ذلك وحديث عائشة قضية في عين لا يدري كم قدر الخاتم؟ ثم هو قول صحابي وهم لا يرون ذلك حجة وسائر الأحاديث ليس فيها تقدير لكن يباح ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم ورخص فيه من السوط والعصا والحبل وما قيمته كقيمة ذلك (فصل) والذي يجوز التقاطه والانتفاع به من غير تعريف كالكسرة والتمرة والعصا ونحو ذلك(6/320)
إذا التقطه إنسان وانتفع به وتلف فلا ضمان فيه ذكره صاحب المستوعب وكذلك ما قيمته كقيمة ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص فيه ولم يذكر عليه ضماناً ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة وكذلك يخرج في السوط والحبل وشبهه المذكور في حديث جابر وقدره الشيخ أبو الفرج بما دون القيراط ولا يصح تحديده لما ذكرناه وذكره القاضي أنه لا يجب تعريف الدافق * (القسم الثاني) * (الضوال التي تمتنع من صغار السباع كالإبل والبقر والخيل والبغال والظباء والطير والفهود ونحوها لا يجوز التقاطها) كل حيوان يقوى على الامتناع من صغار السباع وورود الماء لا يجوز التقاطه سواء كان لكبر جثته كالإبل والخيل أو لطيرانه كالطيور كلها أو لعدوه كالظباء أو أنيابه كالكلاب والفهود قال عمر رضي الله عنه من أخذ الضالة فهو ضال أي مخطئ وبهذا قال الشافعي وابو عبيد، وقال مالك والليث في ضالة الإبل من وجدها في الصحراء لا يقر بها ورواه المزني عن الشافعي وكان الزهري يقول من وجد بدنة فليعرفها فان لم يجد صاحبها فلينحرها قبل أن تنقضي الأيام الثلاثة وقال أبو حنيفة يباح التقاطها لأنها لقطة أشبهت الغنم
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عنها " مالك ولها دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الما وتأكل الشجر حتى يجدها ربها وسئل صلى الله عليه وسلم فقيل يا رسول الله إنا نجد هوامي الإبل فقال " ضالة المسلم حرق النار " وعن جرير بن عبد الله أنه أمر بطرد بقرة لحقت ببقره حتى توارت وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(6/321)
" لا يؤرى الضالة لا ضال " رواه ابودواد بمعناه وقياسهم يعارض صريح النص وكيف يجوز ترك نص النبي صلى الله عليه وسلم وصريح قوله بقياس نصه في موضع آخر؟ على أن الإبل تفارق الغنم لضعفها وقلة صبرها عن الماء والخوف عليها من الذئب (فصل) فإن كانت الصيود مستوحشة إذا تركت رجعت إلى الصحراء وعجز عنها صاحبها جاز التقاطها لأن تركها أضيع لها من سائر الأموال والمقصود حفظها لصاحبها لا حفظها؟ ي نفسها ولو كان المقصود حفظها في نفسها لما جاز التقاط الأثمان فإن الدنيار دينار حيث كان (فصل) والبقر كالإبل نص عليه أحمد وهو قول الشافعي وابي عبيد وحكي عن مالك أن البقرة كالشاة ولنا خبر جرير فإنه طرد البقرة ولم يأخذها ولأنها تمتنع من صغار السباع وتجزئ في الأضحية عن سبعة فأشبهت الإبل، وكذلك الحكم في الخيل والبغال، فأما الحمر فجعلها أصحابنا من هذا الفسم الذي لا يجوز التقاطه لكبر أجسامها فأشبهت الخيل والبغال، قال شيخنا والأولى إلحاقها بالشاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل الإبل بأن معها سقاءها يريد شدة صبرها عن الماء لكثرة ما توعي في بطونها منه وقوتها على وروده وفي إباحته ضالة الغنم بأنها معرضة لأخذ الذئب إياها بقوله " هي لك أو لأخيك أو للذئب " والحمر مساوية للشاة في علتها فإنها لا تمتنع من الذئب وتفارق الإبل في علتها لكونها لا صبر لها عن الماء ولهذا يضرب المثل بقلة صبرها عن الماء فيقال ما بقي من مدته إلا ظمأ حمار والحاق الشئ بما ساواه في علة الحكم وفارقه في الصورة أولى من الحاقه بما قاربه في الصورة وفارقه في العلة(6/322)
(فصل) فأما غير الحيوان فما كان منه ينحفظ بنفسه كأحجار الطواحين والكبير من الخشب وقدور النحاس فهو كالإبل في تحريم أخذه بل أولى منه لأن الإبل معرضة للتلف في الجملة بالأسد وبالجوع
والعطش وغير ذلك وهذه بخلاف ذلك ولأن هذه لا تكاد تضيع عن صاحبها ولا تبرح من مكانها بخلاف الحيوان فإذا حرم أخذ الحيوان فهذه أولى (فصل) فان أخذ الحيوان الذي لا يجوز أخذه على سبيل الالتقاط ضمنه إماماً كان أو غيره لأنه أخذ ملك غيره بغير إذنه ولا إذن الشارع له فهو كالغاصب، فإن رده إلى موضعه لم يبرأ من الضمان وبهذا قال الشافعي وقال مالك يبرأ لأن عمر رضي الله عنه قال أرسله إلى الموضع الذي أصبته فيه وجرير طرد البقرة التي لحقت ببقره ولنا أن ما لزمه ضمانه لا يزول عنه إلا برده إلى صاحبه أو نائبه كالمسروق والمغصوب وأما حديث جرير فإنه لم يأخذ البقرة إنما لحقت بالبقر فطردها فأشبه ما لو دخلت داره فأخرجها وأما عمر فهو كان الإمام فأمره بردها إلى مكانها كأخذها، فعلى هذا متى لم يأخذها بحيث نثبت يده عليها لا يلزمه ضمانها سواء طردها أو لم يطردها فإن دفعها إلى نائب الإمام زال عنه الضمان لأن له نظراً في ضوال الناس بدليل أن له أخذها فكان نائباً عن أصحابها فيها(6/323)
(فصل) وللإمام أو نائبه أخذ الضالة ليحفظها لصاحبها لأن عمر رضي الله عنه حمى موضعاً يقال له النقيع لخيل المجاهدين والضوال ولأن للإمام نظراً في حفظ مال الغائب وفي أخذ هذه حفظ لها عن الهلاك ولا يلزمه تعريفها لأن عمر رضي الله عنه لم يكن يعرف الضوال ولأنه إذا عرف ذلك فمن كانت له ضالة فانه يجئ إلى موضع الضوال فإذا عرف ضالته أقام البينة عليها وأخذها، ولا يكتفى فيها بالصفة لأنها ظاهرة بين الناس فيعرف صفاتها من رآها من غير أهلها فلم تكن الصفة دليلاً على ملكه لها ولأن الضالة كانت ظاهرة للناس حين كانت في يد مالكها فلا يختص هو بمعرفة صفاتها دون غيرها فلم يكن ذلك دليلاً ويمكنه إقامة البينة عليها لظهورها للناس ومعرفة خلطائه وجيرانه تملكه إياها (فصل) وإن أخذها غير الإمام أو نائبه ليحفظها لصاحبها لم يجز له ذلك ولزمه ضمانها لأنه لا ولاية له على صاحبها، وهذا ظاهر مذهب الشافعي ولأصحابه وجه أن له أخذها لحفظها كالإمام أو نائبه ولا يصح القياس على الإمام لأن له ولاية وهذا لا ولاية له، فإن وجدها في موضع يخاف
عليها به كأرض مسبعة يغلب على الظن أن الأسد يفترسها إن تركت به أو قريباً من دار الحرب يخاف عليها من أهلها أو بموضع يستحل أهله أموال المسلمين أو في برية لا ماء بها ولا مرعى فالأولى جواز أخذها للحفظ ولا ضمان على آخذها لأن فيه إنقاذها من الهلاك فأشبه تخليصها من غرق أو(6/324)
حريق وإذا أخذها سلمها إلى نائب الإمام وبرئ من ضمانها ولا يملكها بالتعريف لأن الشرع لم يرد بذلك فيها.
(فصل) ويسم الإمام ما يحصل عنده من الضوال بأنها ضالة ويشهد عليها ثم إن كان له حمى ترعى فيه تركها فيه إن رأى ذلك وإن رأى المصلحة في بيعها أو لم يكن له حمى باعها بعد أن يحليها ويحفظ صفاتها ويحفظ ثمنها لصاحبها فإن ذلك أحفظ لها لأن تركها يفضي إلى أن تأكل جميع ثمنها (فصل) ومن ترك دابة بمهلكة فأخذها إنسان فأطعمها وسقاها وخلصها ملكها وبه قال الليث والحسن بن صالح واسحاق إلا أن يكون تركها لترجع إليه أو ضلت منه وقال مالك هي لمالكها ويغرم ما أنفق عليها وقال الشافعي وابن المنذر هي لمالكها والآخر متبرع بالنفقة لا يرجع بشئ لأنه ملك غيره فلم يملكه بغير عوض من غير رضاه كما لو كانت في غير مهلكة ولا يملك الرجوع بما أنفق لأنه أنفق على مال غيره بغير إذنه فلم يرجع به كما لو بنى داره.
ولنا ما روى الشعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من وجد دابة قد عجز عنها أهلها فسيبوها فأخذها فأحياها فهي له، قال عبد الله بن عبد الرحمن فقلت - يعني للشعبي - من حدثك بهذا؟ قال غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود، وفي لفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من ترك دابة بمهلكة فأحياها رجل فهي لمن أحياها " ولأن في الحكم بملكها إحياؤها وإنقاذها من(6/325)
الهلاك ومحافظة على حرمة الحيوان وفي القول بأنها لا تملك تضييع لذلك كله من غير مصلحة تحصل ولأنه نبذ رغبة عنه وعجز عن أخذه فملكه آخذه كالساقط من السبيل وسائر ما ينتبذه الناس رغبة عنه، فأما أن ترك متاعاً فخلصه إنسان لم يملكه لأنه لا حرمة له في نفسه ولا يخشى عليه التلف كالخشية
على الحيوان فإن الحيوان يموت إذا لم يطعم ويسقى وتأكله السباع والمتاع يبقى حتى يرجع إليه صاحبه وإن كان المتروك عبداً لم يأخذه لأن العبد في العادة يمكنه التخلص إلى الأماكن التي يعيش بها بخلاف البهيمة، وله أخذ العبد والمتاع ليخلصه لصاحبه وله أجر مثله في تخليص المتاع نص عليه، وكذلك العبد على قياسه، قال القاضي يحب أن يحمل قوله في وجوب الأجر على أنه جعل له ذلك أو أمره به فأما إن لم يجعل له شيئا فلا شئ له لأنه عمل في مال غيره بغير جعل فلم يستحق شيئاً كالملتقط وهذا خلاف ظاهر كلام أحمد فإنه لو جعل له جعلاً لاستحقه ولم يجعل له أجر المثل، ويفارق هذا الملتقط فإنه لم يخلص اللقطة من الهلاك، ولو تركها أمكن أن يرجع صاحبها فيطلبها في مكانها فيجدها وههنا ان لم بخ؟ جه هذا ضاع وهلك ولم يرجع إليه صاحبه ففي جعل الأجر فيه حفظ الامول من الهلاك من غيره مضرة فجاز كالجعل في الآبق ولأن اللفطة جعل فيها الشاع ما يحث على أخذها وهو ملكها ان لم يج؟؟ صا؟؟ ها فاكتفي به عن الأجر فينبغي أن يشرع في هذا ما يحث على تخليصه يطريق الأولى وليس إلا الأجر كرد الآبق(6/326)
(فصل) فأما ما لقاه ركاب البحر فيه خوفا من الغرق فلم أعلم لأصحابنا فيه قولا سوى عموم قولهم الذي ذكرناه ويحتمل أن يملك هذا من أخذه وهو قول الليث وبه قال الحسن فيما أخرجه، قال وما نضب عنه الماء فهو لأهله، وقال ابن المنذر يرده على أصحابه ولا شئ له ويقتضيه قول الشافعي والقاضي لما تقدم في الفصل قبله ويقتضي قول الإمام أبي عبد الله أن لمن أنقذه أجر مثله لما ذكرنا، قال شيخنا ووجه ما ذكرنا من الاحتمال أن هذا مال ألقاه أصحابه فيما يتلف ببقائه فيه اختياراً منهم فملكه من أخذه كالذي ألقوه رغبه عنه، ولأن فيما ذكروه تحقيقاً لإتلافه فلم يجز كمباشرته بالإتلاف، فأما إن انكسرت السفينة فأخرجه قوم فقال مالك يأخذ أصحاب المتاع متاعهم ولا شئ للذين أصابوه وهذا قول الشافعي وابن المنذر والقاضي.
وعلى قياس نص أحمد يكون لمستخرجه ههنا أجر المثل لأن ذلك وسيلة إلى تخليصه وحفظه لصاحبه وصيانته عن الغرق فإن الغواص إذا علم أنه يدفع إليه الأجر بادر إلى التخليص ليخلصه، وإن علم أنه يؤخذ منه بغير شئ لم يخاطر بنفسه في استخراجه فينبغي أن يقضى
له بالأجر كجعل رد الآبق (فصل) ذكر القاضي فيما إذا التقط عبداً صغيراً أو جارية إن قياس المذهب أنه لا يملك بالتعريف وقال الشافعي يملك العبد دون الجارية ولأن التمليك بالتعريف عنده افتراض والجارية عنده لا تملك بالقرض.
قال شيخنا وهذه المسألة فيما نظر فان اللفيط محكوم بحريته، وإن كان ممن يعبر عن نفسه(6/327)
فأقر بأنه مملوك لم يقبل إقراره لأن الطفل لا قول له ولو اعتبر قوله في ذلك لاعتبر في تعريفه لسيده * (الثالث) * سائر الأموال كالأثمان والمتاع والغنم والفصلان والعجاجيل وإلا فلا فيجوز التقاطها لمن بقصد تعريفها وتملكها بعده لحديث زيد بن خالد في لقطة الذهب والورق وقوله في الشاة " خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب " ثبت في الذهب والفضة وقسنا عليه المتاع وقسنا على الشاة كل حيوان لا يمتنع بنفسه من صغار السباع وهي الثعلب وابن آوى والذئب وولد الأسد ونحوها ومنه الدجاج والأوز ونحوها يجوز التقاطها، وروى عن أحمد رواية أخرى ليس لغير الإمام التقاطها يعني الشاة ونحوها من الحيوان، وقال الليث بن سعد لا أختار أن يقر بها إلا أن يحرزها لصاحبها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يؤوي الضالة إلا ضال " ولأنه حيوان أشبه الإبل ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في الشاة " خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب " متفق عليه ولأنه يخشى عليه التلف والضياع أشبه لقطة غير الحيوان وحديثنا أخص من حديثهم فنخصه به ولو قدر التعارض قدم حديثنا لأنه أصح ولا يصح قياسه على الإبل فإن النبي صلى الله عليه وسلم علل منع التقاطها بأن معها حذاءها وسقاءها وهذا معدوم في الغنم، ثم قد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما في خبر واحد فلا يجوز الجمع بين ما فرق الشارع بينهما ولا قياس ما أمن بالتقاطه على ما منع منه (فصل) ولا فرق بين أن يجدها بمصر أو مهلكة وقال مالك وابو عبيد وابن المنذر في الشاة(6/328)
وجد في الصحراء اذبحها وكلها وفي المصر ضمها حتى يجدها صاحبها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " هي لك أو لأخيك أو للذئب " ولا يكون الذئب في المصر
ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأخذها ولم يفرق ولم يستقصل ولو افترق الحال لاستفصل ولأنها لقطة فاستوى فيها المصري وغيره كسائر اللقطات، وقولهم لا يكون الذئب في المصر قلنا كونها للذئب في الصحراء لا يمنع كونها لغيره في المصر، ومتى عرفها حولا ملكها، وذكر القاضي وابو الخطاب عن أحمد رواية أنه لا يملكها ولعلها الرواية التي منع من التقاطها فيها ولنا قوله عليه السلام " هي لك " أضافها إليه بلام التمليك ولأن التقاطها مباح فملكت بالتعريف كالأثمان، وقد حكاه ابن المنذر اجماعا * (مسألة) * (فمن لا يأمن نفسه عليها ليس له أخذها فإن أخذها لزمه ضمانها ولا يملكها وإن عرفها) إذا التقط لقطة عازماً على تملكها بغير تعريف فقد فعل محرما ولا يحل له أخذها بهذه النية فإن أخذها لزمه ضمانها سواء تلفت بتفريط أو بغير تفريط، ولا يملكها وإن عرفها لأنه أخذ مال غيره على وجه ليس له أخذه فهو كالغاصب نص عليه أحمد، ويحتمل أن يملكها لأن ملكها بالتعريف والالتقاط وقد وجدا فيملكها بذلك كالاصطياد والاحتشاش إذا دخل ملك غيره بغير إذنه فاصطاد أو احتش(6/329)
منه ملك الصيد والحشيش وإن كان دخوله محرما كذا ههنا، ولأن عموم النص يتناول هذا الملتقط فيثبت حكمة فيه ولأنا لو اعتبرنا نية لتعريف وقت الالتقاط لافترق الحال بين العدل والفاسق والصبي والسفيه لأن الغالب على هؤلاء الالتقاط للتمليك لا للتعريف * (مسألة) * (ومن أمن نفسه عليها وقوي على تعريفها فله أخذها) لما ذكرنا والأفضل تركها قاله أحمد روي معنى ذلك عن ابن عباس وابن عمر وبه قال جابر بن زيد والربيع بن خثم وعطاء، وقال أبو الخطاب إذا وجدها بمضيعة وأمن نفسه عليها فالأفضل أخذها وهذا قول للشافعي وعنه أنه يجب أخذها لقول الله تعالى (والمؤمنون بعضهم أولياء بعض) وإذا كان وليه وجب عليه حفظ ماله كولي اليتيم، وممن رأى أخذها سعيد بن المسيب والحسن بن صالح وأبو حنيفة وأخذها أبي بن كعب وسويد بن غفلة وقال مالك إن كان شيئاً له بال يأخذه أحب إلي ويعرفه ولأن فيه حفظ مال المسلم عليه فكان أولى من تضييعه كتخليصه من الغرق
ولنا قول ابن عمر وابن عباس ولا يعرف لهما مخالف في الصحابه ولأنه يعرض نفسه لأكل الحرام وتضييع الواجب من تعريفها وأداء الأمانة فيها فكان تركه أولى وأسلم كولاية مال اليتيم وما ذكروه يبطل بالضوال فإنه لا يجوز أخذها مع ما ذكروه وكذلك ولاية مال الأيتام * (مسألة) * (ومتى أخذها ثم ردها إلى موضعها ضمنها)(6/330)
روى ذلك عن طاوس وبه قال الشافعي، وقال مالك لا ضمان عليه لأنه روي عن عمر أنه قال لرجل وجد بعيراً أرسله حيث وجدته رواه الأثرم ولما روي عن جرير بن عبد الله أنه رأى في بقره بقرة قد لحقت بها فأمر بها فطردت حتى توارت ولنا أنها أمانة حصلت في يده لزمه حفظها وتركها تضييعها فأما حديث عمر فهو في الضالة التي لا يحل أخذها، فإذا أخذه احتمل أن له رده إلى مكانه ولا ضمان عليه لهذا الآثار ولأنه كان واجباً عليه تركه في مكانه ابتداء فكان له ذلك بعد أخذه ويحتمل أن لا يبرأ من ضمانه برده لأنه دخل في ضمانه فلم يبرأ برده إلى مكانه كالمسروق وما يجوز التقاطه، فعلى هذا لا يبرأ إلا برده إلى الامام أو نائبه وأما عمر فهو كان الإمام فإذا أمر برده فهو كأخذه منه وحديث جرير لا حجة فيه لأنه لم يأخذ البقرة ولا أخذها غلامه إنما لحقت بالبقر من غير فعله ولا اختياره ولذلك يلزمه ضمانها إذا فرط فيها لأنها أمانة فهي كالوديعة.
(فصل) فإن ضاعت اللقطة من ملتقطها في حول التعريف بغير تفريط فلا ضمان عليه لأنها أمانة في يده فهي كالوديعة، فإن التقطها آخر فعلم أنها ضاعت من الأول فعليه ردها إليه لأنه قد ثبت له حق التمول وولاية التعريف والحفظ فلا يزول بالضياع فإن لم يعلم الثاني بالحال حتى عرفها حولاً ملكها لأن سبب الملك وجد منه من غير عدوان فثبت الملك به كالأول ولا يملك الأول انتزاعها منه لأن الملك(6/331)
مقدم على حق التملك فإذا جاء صاحبها أخذها من الثاني وليس له مطالبة الأول لأنه لم يفرط، وان علم الثاني بالاول فردها إليه فأبى اخذها وقال عرفها انت فعرفها ملكها أيضا لان الاول ترك حقه
فسقط، وإن قال عرفها ويكون ملكها لي ففعل فهو نائبه في التعريف ويملكها الاول لأنه وكله في التعريف فصح كما لو كانت في يد الاول، وإن قال عرفها وتكون بيننا ففعل صح أيضا وكانت بينهما لأنه اسقط حقه من نصفها ووكله في الباقي، وإن قصد الثاني بالتعريف تملكها لنفسه دون الاول احتمل وحيهن (أحدهما) يملكها الثاني لأن سبب الملك وجد منه فملكها كما لو أذن له الاول في تعريفها لنفسه (والثاني) لا يملكها لأن ولاية التعريف للاول أشبه ما لو غصبها من الملتقط غاصب فعرفها وكذلك الحكم اذا علم الثاني بالاول فعرفها ولم يعلمه بهاء ويشبه هذا من تحجر مواتا إذا سبقه غيره إلى ما حجره فأحياه بغير إذنه، فأما إن غصبها غاصب من الملتقط فعرفها لم يملكها وجهاً واحداً لأنه تعدى بأخذها ولم يوجد منه سبب تملكها فان الالتقاط من جملة السبب ولم يوجد منه، ويفارق هذا إذا التقطها ثان فانه وجد منه الالتقاط والتعريف (فصل) ومن اصطاد سمكة من البحر فوجد فيها درة أو عنبرة أو شيئا مما يكون في البحر فهو للصياد لأن ذلك يكون في البحر، قال الله تعالى (وتستخرجون حلية تلبسونها) ولأن الأصل عدم ملكها لغيره، فان باعها الصياد ولم يعلم فوجده المشتري في بطنها فهو للصياد نص عليه أحمد لأنه إذا لم(6/332)
يعلم به فما باعه ولا رضي بزوال ملكه عنه فأشبه من باع داراً له مال مدفون فيها، فإن وجد دراهم أو دنانير فهي لقطة لأن ذلك لا يخلق في البحر ولا يكون إلا للآدمي فكان لقطة كما لو وجده في البحر وكذلك الحكم في الدرة والعنبرة إذا كان فيها أثر لآدمي كالمثقوبة والمتصلة بذهب أو فضة أو غيرهما أو كانت العنبرة تفاحة ونحو ذلك مما لا يخلق عليه في البحر تكون لقطة لأنها لم تقع في البحر حتى تثبت اليد عليها فهي كالدينار فمنى وجدها الصياد فعليه تعريفها لأنه ملتقطها، وإن وجدها المشتري فالتعريف عليه لأنه واجدها ولا حاجة الى البداية بالبائع فإنه لا يحتمل أن تكون المسكة ابتلعت ذلك بعد اصطيادها وملك الصياد لها فاستوى هو وغيره، فأما إن اشترى شاة ووجد في بطنها درة أو عنبرة أو دنانير أو دراهم فهو لقطة يعرفها ويبدأ بالبائع لأنه يحتمل أن تكون ابتلعتها من ملكه فيبدأ به كقولنا فيمن اشترى داراً فوجد فيها مالاً مدفوناً، وإن اصطاد السمكة من غير البحر كالنهر
والعين فحكمها حكم الشاة في أن ما وجد في بطنها من ذلك فهو لقطة لأن ذلك لا يكون إلا في البحر عادة، ويحتمل أن النهر إذا كان متصلاً بالبحر فهو كما لو صادها منه لأنها قد تبتلع ذلك في البحر ثم تخرج إلى النهر وإن لم يكن متصلاً به فهو لقطة ويحتمل أن يكون للصياد لقول الله تعالى (ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها) (فصل) وإن وجد عنبرة على الساحل فهي له لأنه يمكن أن البحر ألقاها والأصل عدم الملك(6/333)
فيها فكانت مباحة لآخذها كالصيد، وقد روى سعيد عن إسماعيل بن عياش عن معاوية بن عمرو الصدري قال ألقى بحر عدن عنبرة مثل البعير فأخذها ناس بعدن فكتب إلى عمر بن عبد العزيز فكتب إلينا أن خذوا منها الخمس وادفعوا إليهم سائرها وإن باعوكموها فاشتروها فأردنا أن نزنها فلم نجد ميزاناً يخرجها فقطعناها ثنتين ووزناها فوجدناها ستمائة رطل فأخذنا خمسها ودفعنا سائرها إليهم ثم اشتريناها بخمسة آلاف دينار وبعثنا بها الى عمر فلم يلبث إلا قليلاً حتى باعها بثلاثة وثلاثين ألف دينار (فصل) وإن صاد غزالا فوجده مخضوبا أو في عنقه خرزا أو في أذنه قرط ونحو ذلك مما يدل على ثبوت اليد عليه فهو لقطة لأن ذلك يدل على أنه كان مملوكاً، قال أحمد فيمن ألقى شبكة في البحر فوقعت فيها سمكة فجذبت الشبكة فمرت بها في البحر فصادها رجل فإن السمكة له والشبكة يعرفها ويدفعها إلى صاحبها فجعل الشبكة لقطة لأنها مملوكة لآدمي والسمكة لمن صادها لأنها كانت مباحة ولم يملكها صاحب الشبكة لكون شبكته لم تثبتها فبقيت على الإباحة، وهكذا لو نصب فخاً أو شركاً فوقع فيه صيد من صيود البر فأخذه وذهب به فصاده آخر فهو لمن صاده ويرد الآلة إلى صاحبها فإن لم يعرف صاحبها فهي لقطة، وقال أحمد في رجل انتهى إلى شرك فيه حمار وحش أو ظبي قد شارف الموت فخلصه وذبحه فهو لصاحب الحبالة وما كان من الصيد في الحبالة فهو لمن نصبها، وإن كان بازياً أو(6/334)
صقراً أو عقاباً وسئل عن بازي أو صقر أو كلب معلم أو فهد ذهب عن صاحبه فدعاه فلم يجبه ومر في الأرض حتى أتى لذلك أيام فأتى قرية فسقط على حائط فدعاه رجل فأجابه قال يرده على صاحبه،
قيل له فإن دعاه فلم يجبه فنصب له شركاً فصاده به؟ قال يرده على صاحبه فجعله لصاحبه لأنه قد ملكه أفلم يزل ملكه عنه بذهابه، والسمكة في الشبكة لم يكن ملكها ولا حازها، وكذلك جعل ما وقع في الحبالة من الصقر والعقاب لصاحب الحبالة ولم يجعله ههنا لمن وقع في شركه لأن هذا فيما علم أنه قد كان مملوكاً لإنسان فذهب وإنما يعلم هذا بالخبر أو بوجود ما يدل على الملك فيه كوجود السير في رجله أو آثار التعليم مثل استجابته للذي يدعوه ونحو ذلك فإن لم يوجد ما يدل على أنه مملوك فهو لمن صاده ولان الأصل إباحته وعدم الملك فيه (فصل) ومن أخذت ثيابه في الحمام ووجد بدلها أو أخذ مداسه وترك له بدله لم يملكه بذلك قال أحمد فيمن سرقت ثيابه ووجد غيرها لم يأخذها فإن أخذها عرفها سنة ثم تصدق بها إنما قال ذلك لأن أخذ الثياب لم يقع بينه وبين مالكها معاوضة تقتضي زوال ملكه عن ثيابه فإذا أخذها قد أخذ مال غيره ولا يعرف صاحبه فيعرفه ويتصدق به كالصدقة باللقطة، قال شيخنا ويحتمل أن ينظر في هذا فإن كانت ثم قرينة تدل على السرقة بأن تكون ثيابه أو مداسه خيراً من المتروك له وكانت مما لا يشتبه على الآخذ بثيابه ومداسه فلا حاجة الى التعريف لأن التعريف إنما جعل على المال الضائع من ربه ليعلم به ويأخذه، وتارك هذا عالم به راض ببذله عوضاً عما أخذه ولا يعترف أنه له فلا يحصل من(6/335)
تعريفه فائدة فإذاً ليس بمنصوص عليه ولا هو في معنى المنصوص، وفيما يصنع به ثلاثة أوجه (أحدها) يتصدق بها على ما ذكرنا (والثاني) أنه يباح له أخذها لأن صاحبها في الظاهر تركها له بادلاً إياها عوضاً عما أخذه فصار كالمبيح له أخذها بلسانه فصار كمن قهر إنساناً على أخذ ثوبه ودفع إليه درهماً (والثالث) يرفعها إلى الحاكم ليبيعها ويدفع إليه ثمنها عوضاً عن ماله، والوجه الثاني أقرب إلى الرفق بالناس لأن فيه نفعاً لمن سرقت ثيابه بحصول عوض عنها ونفعاً للسارق بالتخفيف عنه من الإثم وحفظاً لهذه الثياب المتروكة من الضياع، وقد أباح بعض أهل العلم فيمن له على إنسان حق من دين أو غصب أن يأخذ من ماله بقدر حقه إذا عجز عن استيفائه بغير ذلك فههنا مع رضا من عليه الحق بأخذه أولى، وإن كانت ثم قرينة دالة على أن الآخذ للثياب إنما أخذها ظناً منه أنها ثيابه مثل أن تكون
المتروكة مثل المأخوذة أو خيراً منها وهي مما تشتبه بها فينبغي أن يعرفها ههنا لأن صاحبها لم يتركها عمداً فهي بمنزلة الضائعة، والظاهر أنه إذا علم بها أخذها ورد ما كان أخذه فتصير كاللقطة في المعنى، وبعد التعريف إذا لم تعرف ففيها الأوجه الثلاثة المذكورة لا أننا إذا قلنا يأخذها أو يبيعها الحاكم ويدفع إليه ثمنها فإنما يأخذ بقدر قيمة ثيابه من غير زيادة لأن الزائد فاضل عما يستحقه ولم يرض صاحبها بتركها عوضاً عما أخذه فإنه لم يأخذ غيرها اختياراً منه لتركها ولا رضي بالمعارضة بها وإذا قلنا إنه يدفعها إلى الحاكم ليبيعها ويدفع إليه ثمنها فله أن يشتريها بثمن في ذمته ويسقط عنه من ثمنها ما قابل ثيابه ويتصدق بالباقي(6/336)
(فصل) نقل الفضل ابن زياد عن أحمد إذا تنازع صاحب الدار والساكن في دفن في الدار فقال كل منهما أنا دفنته يبين كل واحد منهما ما الذي دفن فكل من أصاب الوصف فهو له وذلك لأن ما يوجد من الدفن في الأرض مما عليه علامة المسلمين فهو لقطة واللقطة تستحق بوصفها ولأن المصيب للوصف في الظاهر هو من كان ذلك في يده فكان أحق به كما لو تنازعه أجنبيان فوصفه أحدهما (فصل) ومن وجد لقطة في دار الحرب فكان في جيش فقال أحمد يعرفها سنة في دار الإسلام ثم يطرحها في المقسم إنما عرفها في دار الإسلام لأن أموال أهل الحرب مباحة ويجوز أن تكون لمسلم وقد لا يمكنه المقام في دار الحرب لتعريفها ومعناه والله أعلم أنه يتم التعريف في دار الإسلام فأما ابتداء التعريف فيكون الجيش الذي هو فيه لأنه يحتمل أن تكون لأحدهم فإذا قفل أتم التعريف في دار الإسلام فأما إن دخل دارهم بأمان فينبغي أن يعرفها في دارهم لأن أموالهم محرمة عليه فإذا لم تعرف ملكها كما يملكها في دار الإسلام وإن كان في الجيش طرحها في المقسم بعد التعريف لأنه وصل إليها بقوة الجيش فأشبهت مباحات دار الحرب إذا أخذ منها شيئاً فإن دخل إليهم متلصصاً فوجد لقطة عرفها في دار الإسلام لأن أموالهم مباحة له ثم يكون حكمها حكم غنيمته ويحتمل أن تكون غنيمة له لا تحتاج إلى تعريف لان الظاهر انما أموالهم وأموالهم غنيمة والله أعلم(6/337)
* (مسألة) * وهي على ثلاثة أضرب (حيوان) فيخير بين أكله في الحال وعليه قيمته وبين بيعه وحفظ ثمنه وبين تركه والإنفاق عليه من ماله وهل يرجع به؟ على وجهين وجملة ذلك أن ملتقط الشاة وما كان مثلها مما يباح أكله يتخير ملتقطها بين ثلاثة أشياء (أحدها) أكلها في الحال وبه قال مالك وابو حنيفة والشافعي وغيرهم قال ابن عبد البر اجمعوا على أن ضالة الغنم في الموضع المخوف عليها له أكلها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " هي لك أو لأخيك أو للذئب " جعلها له في الحال وسوى بينه وبين الذئب والذئب لا يؤخر أكلها ولأن في أكلها في الحال إغناء عن الإنفاق عليها وحراسته لماليتها على صاحبها إذا جاء فإنه يأخذ قيمتها بكمالها وفي إبقائها تضييع للمال بالإنفاق عليها والغرامة في علفها فكان أكلها أولى وإذا أراد أكلها حفظ صفتها فمتى جاء صاحبها غرمها له في قول عامة أهل العلم وقال مالك كلها ولا غرم عليك لصاحبها ولا تعريف لها القول رسول الله صلى الله عليه وسلم " هي لك " ولم يوجب فيها تعريفاً ولا غرماً ولأنه سوى بينه وبين الذئب والذئب لا يعرف ولا يغرم قال ابن عبد البر لم يوافق مالكاً أحد من العلماء على قوله وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله ابن عمر " ورد على أخيك ضالته " دليل على أن الشاة على ملك صاحبها ولأنها لقطة لها قيمة وتتبعها النفس فتجب غرامتها لصاحبها إذا جاء كغيرها ولأنها ملك لصاحبها فلم يجز تملكها عليه بغير عوض من غير رضاه كما لو كانت بين البنيان ولأنها عين يجب ردها مع بقائها فوجب غرمها إذا أتلفها كلقطة الذهب وكون النبي صلى الله عليه وسلم قال " هي لك " لا يمنع وجوب غرامتها فإنه قد أذن في لقطة(6/338)
الذهب والورق بعد تعريفها في أكلها وإنفاقها وقال " هي كسائر مالك " ثم أجمعنا على وجوب غرامتها كذلك الشاة ولا فرق في إباحة أكلها بين وجدانها في الصحراء أو في المصر وقال مالك وابو عبيد وابن المنذر وأصحاب الشافعي ليس له أكلها في المصر لأنه يمكن بيعها بخلاف الصحراء ولنا أن ما جاز أكله في الصحراء جاز في المصر كسائر المأكولات ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال هي لك ولم يستفصل ولان أكلها مطل بما ذكرنا من الاستغناء عن الإنفاق عليها وهذا في المصر أشد منه في الصحراء (الثاني) تركها والإنفاق عليها من ماله ولا يتملكها فإن تركها ولم ينفق عليها ضمنها لأنه فرط فيها وإن أنفق عليها متبرعا لم يرجع على صاحبها فإن أنفق بنية الرجوع على صاحبها وأشهد على ذلك
رجع عليه بما أنفق في إحدى الروايتن نص عليه أحمد في رواية المروذي في طيرة أفرخت عند قوم فقضى أن الفراخ لصاحب الطيرة ويرجع بالعلف إذا لم يكن متطوعاً وقضى عمر بن عبد العزيز فيمن وجد ضالة فأنفق عليها فجاء ربها فإنه يغرم له ما أنفق وذلك أنه أنفق على اللقطة لحفظها فكان من مال صاحبها كمؤنة تجفيف الرطب والعنب، (والثانية) لا يرجع بشئ وهو قول الشعبي والشافعي ولم يعجب الشعبي قضاء عمر بن عبد العزيز لأنه أنفق على مال غيره بغير إذنه فلم يرجع به كما لو بنى داره ويفارق العنب والرطب فإنه قد يكون تجفيفه والإنفاق عليه أحظ لصاحبه لأن النفقة عليه لا تتكرر والحيوان يتكرر الإنفاق عليه فربما استغرق ثمنه فكان بيعه وأكله أحظ فلذلك لم يرجع(6/339)
المنفق عليها بما أنفق (الثالث) بيعها وحفظ ثمنها لصاحبها وله أن يتولى ذلك بنفسه وقال بعض أصحاب الشافعي يبيعها بإذن الإمام ولنا أنه إذا جاز له أكلها من غير إذن فبيعها أولى ولم يذكر أصحابنا لها تعريفاً في هذه المواضع وهو قول مالك لقول النبي صلى الله عليه وسلم " خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب " ولم يأمر بتعريفها كما أمر في لقطة الذهب والورق ولنا أنها لقطة لها خطر فوجب تعريفها كالمطعوم الكثير وإنما ترك ذكر تعريفها لأنه ذكرها بعد بيان التعريف فيما سواها فاستغنى بذلك عن ذكره فيها ولا يلزم من جواز التصرف فيها في الحول سقوط تعريفها كالمطعوم وإذا أراد بيعها أو أكلها لزمه حفظ صفتها لحديث زيد بن خالد وسنذكره إن شاء الله (فصل) وإذا أكلها ثبتت قيمتها في ذمته ولا يلزمه عزلها لعدم الفائدة فيه فإنها لا تنقل من الذمة في المال المعزول ولو عزل شيئاً ثم أفلس كان صاحب اللقطة أسوة الغرماء ولم يختص بالمال المعزول فأما إن باعها وحفظ ثمنها وجاء صاحبها أخذه ولم يشاركه فيه أحد من الغرماء لأنه عين ماله ولا شئ للمفلس فيه فهو كالوديعة * (مسألة) * (الثاني) ما يخشى فساده فيخير بين بيعه وأكله إن كان مما لا يمكن تجفيفه كالفاكهة التي لا تجفف والطبيخ والبطيخ والخضروات فهو مخير بين أكله وبيعه وحفظ ثمنه ولا يجوز إبقاؤه لأنه يتلف(6/340)
فإن تركه حتى تلف ضمنه لأنه فرط في حفظه فهو كالوديعة فإن أكله ثبتت القيمة في ذمته على ما ذكرنا في الشاة وهذا ظاهر مذهب الشافعي وله أن يتولى بيعه بنفسه وقال أصحاب الشافعي ليس له بيعه إلا بإذن الحاكم فإن عجز عنه جاز البيع بنفسه لأنه حال ضرورة فأما مع القدرة على استئذانه فلا يجوز من غير إذنه لأنه مال معصوم لا ولاية عليه فلم يجز لغير الحاكم بيعه كغير الملتقط ولنا أنه مال أبيح للملتقط أكله فأبيح له بيعه كماله ومتى أراد بيعه أو أكله حفظ صفاته ثم عرفه عاماً على ما نذكره فإن تلف الثمن قبل تملكه من غير تفريط أو نقص أو تلفت العين أو نقصت من غير تفريط فلا ضمان عليه وإن تلف أو نقص بتفريطه أو تلفت اللقطة بتفريطه فعليه ضمانه وكذلك إن تلف بعد تملكه أو نقص وإن كان مما يمكن تجفيفه كالعنب والرطب فينظر ما فيه الحظ لمالكه فان كان في التجفيف فعله ولم يكن له إلا ذلك لأنه مال غيره فلزمه ما فيه الحظ لصاحبه كولي اليتيم * (مسألة) * (وغرامة التجفيف منه وله بيع بعضه في ذلك) لأنه موضع حاجة فإن أنفق من ماله رجع به لأن النفقة ههنا لا تكرر بخلاف نفقة الحيوان فإنها تكرر فربما استوعبت قيمته فلا يكون لصاحبها حظ في إمساكها إلا بإسقاط النفقة وإن كان الحظ في بيعه باعه وحفظ ثمنه كالطعام الرطب فإن تعذر بيعه ولم يمكن تجفيفه تعين أكله كالطبيخ وإن كان أكله أنفع لصاحبه فله أكله أيضاً قال شيخنا ويقتضي قول اصحابنا إن العروض لا تملك بالتعريف وأن هذا كله لا يجوز له أكله لكن يخير بين(6/341)
الصدقة به وبين بيعه وقد قال أحمد فيمن وجد في منزله طعاماً لا يعرفه: يعرفه ما لم يخش فساده فإن خشي فساده تصدق به فإن جاء صاحبه غرمه وكذلك قال مالك وأصحاب الرأي في لقطة ما لا يبقى سنة يتصدق به وقال الثوري يبيعه ويتصدق بثمه ولنا على جواز أكله قول النبي صلى الله عليه وسلم في ضالة الغنم " خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب " وهذا تجويز للأكل فإذا جاز أكل ما هو محفوظ بنفسه فما يفسد ببقائه أولى وعن أحمد أنه يبيع اليسير ويرفع الكثير إلى الحاكم لأن الكثير مال لغيره لم يأذن له في بيعه فيكون أمره إلى الحاكم وأما اليسير فتدخله
المسامحة ويشق رفعه إلى السلطان وربما تضيع عند السلطان * (مسألة) * (الثالث) سائر المال فيلزمه حفظه ويعرف الجميع بالنداء عليه في مجامع الناس كالأسواق وأبواب المساجد في أوقات الصلوات حولاً كاملاً من ضاع منه شئ أو نفقة وأجرة المتادي عليه) وجملة ذلك أن في التعريف فصولاً ستة في وجوبه وقدره وزمانه ومكانه ومن يتولاه وكيفيته أما وجوبه فهو واجب على كل ملتقط سواء أراد تملكها أو حفظها لصاحبها إلا في اليسير الذي لا تتبعه النفس وقد ذكرناه وقال الشافعي لا يجب على من أراد حفظها لصاحبها ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به زيد بن خالد وأبي بن كعب ولم يفرق ولأن حفظها لصاحبها إنما فائدته إيصالها إليه وطريقه التعريف إما بقاؤها في يد الملتقط من غير وصولها إلى صاحبها فهو وهلاكها سيان ولأن إمساكها(6/342)
من غير تعريف تضييع لها عن صاحبها فلم يجز كردها إلى موضعها أو إلقائها في غيره ولأنه لو لم يجب التعريف لما جاز الالتقاط لأن بقاءها في مكانها إذا أقرب إلى وصولها إلى صاحبها إما أن يطلبها في الموضع الذي ضاعت منه فيجدها وإما بأن يأخذها من يعرفها واخذ لها يفوت الأمرين فيحرم فلما جاز الالتقاط لزم وجوب التعريف كيلا يحصل هذا الضرر ولأن التعريف واجب على من أراد تملكها وكذلك من أراد حفظها فإن التملك غير واجب فلا تجب الوسيلة إليه فيلزم أن يكون الوجوب في المحل المتفق عليه لصيانتها عن الضياع عن صاحبها وهذا موجود في محل النزاع (الفصل) الثاني في قدر التعريف وذلك سنة روى ذلك عن عمر وعلي وابن عباس وبه قال سعيد بن المسيب والشعبي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وروي عن عمر رواية أخرى يعرفها ثلاثة أشهر وعنه ثلاثة أعوام لأن أبي ابن كعب روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بتعريف مائة الدنيار ثلاثة أعوام وقال أبو أيوب الهاشمي ما دون الخمسين درهماً يعرفها ثلاثة أيام إلى سبعة أيام وقال الحسن بن صالح ما دون عشرة دراهم يعرفها ثلاثة أيام وقال الثوري في الدرهم يعرفه أربعة ايام وقال اسحق ما دون الدنيار يعرفه جمعة أو نحوها وروى أبو إسحق الجوزجاني بإسناده عن يعلى بن أمية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من التقط درهماً أو حبلاً أو شبه ذلك فليعرفه ثلاثة أيام فإن كان فوق ذلك فليعرفه سبعة أيام
ولنا حديث زيد بن خالد الصحيح فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بعام واحد ولأن السنة لا تتأخر عنها(6/343)
القوافل ويمضي فيها الزمان الذي تقصد فيه البلاد من الحر والبرد والاعتدال فصلحت قدراً كمدة أجل العنين فأما حديث أبي فقد قال الراوي لا أدري ثلاثة أعوام أو عام واحد قال أبو داود شك الراوي في ذلك وحديث يعلى لم يقل به قائل على وجهه وحديث زيد وأبي أصح منه وأولى إذا ثبت هذا فإنه يجب أن تكون هذه السنة تلي الالتقاط وتكون متوالية لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتعريفها حين سئل عنها والأمر يقتضي الفور ولأن القصد بالتعريف وصول الخبر إلى صاحبها وذلك يحصل بالتعريف عقيب ضياعها متوالياً لأن صاحبها في الغالب إنما يطلبها عقيب ضياعها فيجب تخصيص التعريف به (الفصل الثالث) في زمانه وهو النهار دون الليل لأن النهار مجمع الناس وملتقاهم بخلاف الليل ويكون ذلك في اليوم الذي وجدها والأسبوع لأن الطلب فيه أكثر ولا يجب فيما بعد ذلك متوالياً وقد روى الجوزجاني بإسناده عن معاوية بن عبد الله بن بدر الجهني قال نزلنا مناخ ركب فوجدت خرقة فيها قريب من مائة دينار فجئت بها الى عمر فقال عرفها ثلاثة أيام على باب المسجد ثم أمسكها حتى قرن السنة ولا يقدمن ركب إلا أنشدتها وقلت الذهب بطريق الشام ثم شأنك بها (الفصل الرابع) في مكانه وهو الأسواق وأبواب المساجد والجوامع في الوقت الذي يجتمعون فيه كأدبار الصلوات في المساجد وكذلك في مجامع الناس لأن المقصود إشاعة ذكرها وإظهارها ليظهر عليها صاحبها فيجب تحري مجامع الناس ولا ينشدها في المسجد ولأن المسجد لم يبن لهذا وروى(6/344)
أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من سمع رجلاً ينشد ضالته في المسجد فليقل لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا " وأمر عمر واجد اللقطة بتعريفها على باب المسجد (الفصل الخامس) في كيفية تعريفها فيذكر جنسها لا غير فيقول من ضاع منه ذهب أو فضة أو أو دراهم أو دنانير أو ثياب ونحو ذلك لقول عمر رضي الله عنه لواجد الذهب قل الذهب بطريق الشام ولا تصفها لأنه لو وصفها لعلم صفتها من يسمعها فلا تبقى صفتها دليلاً على ملكها لمشاركة من يسمعه للمالك
في ذلك ولأنه لا يأمن أن يدعيها من سمع صفتها ويذكر صفتها التي يجب دفعها به فيأخذها فتفوت على مالكها (الفصل السادس) فيمن يتولى تعريفها وللملتقط تولي ذلك بنفسه وأن يستنيب فيه فإن وجد متبرعا بذلك وإلا استأجر والأجرة على الملتقط وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي واختار أبو الخطاب أنه إن قصد حفظها لمالكها دون تملكها رجع بالأجرة عليه وكذلك قال ابن عقيل فيما لا يملك بالتعريف لأنه من مؤنة إيصالها إلى مالكها فكان على مالكها كمؤنة تجفيفها وأجرة مخزنها ولنا أن هذا أجر واجب على المعرف ولأنه لو وليه بنفسه لم يكن له أجر على صاحبها فكذلك(6/345)
إذا استأجر عليه ولأنه سبب لملكها فكان على الملتقط كما لو قصد تملكها، وقال مالك إن أعطى منها شيئاً لمن عرفها فلا غرم عليه كما لو دفع منها شيئاً لمن حفظها وقد ذكرنا الدليل على ذلك (فصل) إذا أخر التعريف عن الحول الأول مع إمكانه أثم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به فيه والأمر يقتضي الوجوب وقال في حديث عياض ابن حمار " لا تكتم ولا تغيب " ولأن ذلك وسيلة الى أن لا يعرف صاحبها لأن الظاهر أنه بعد الحول يسلو عنها وييأس فيترك طلبها ويسقط التعريف بتأخيره عن الحول الأول في المنصوص عن أحمد لأن حكمة التعريف لا تحصل بعده فإن تركه في بعض الحول عرف بقيته ويتخرج أن لا يسقط التعريف بتأخيره لأنه واجب فلا يسقط بتأخيره عن وقته كالعبادات وسائر الواجبات ولأن التعريف في الحول الثاني يحصل به المقصود على نعت من القصور فيجب الإتيان به لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " فعلى هذا إذا أخر التعريف بعض الحول أتى بالتعريف في بقيته وأتمه من الحول الثاني وعلى كلا القولين لا يملكها بالتعريف فيما عد الحول الأول لأن شرط الملك التعريف فيه ولم يوجد ولذلك لو ترك التعريف في بعض الحول الأول لا يملكها بالتعريف بعده لأن الشرط لم يكمل وعدم بعض الشرط كعدم جميعه كما لو اختل بعض الطهارة في الصلاة فأما أن ترك التعريف في الحول الأول لعجزه عنه كالمريض والمحبوس أو لنسيان ونحوه ففيه وجهان (أحدهما) حكمه(6/346)
حكم من تركه لغير عذر لأن تعريفه في الحول الأول سبب الملك والحكم ينتفي لانتقا سببه سواء
انتفى لعذر أو لغيره والثاني يملكها بالتعريف في الحول الثاني لأنه لم يؤخره عن وقت إمكانه أشبه تعريفها في الحول الأول * (مسألة) * فإن لم تعرف دخلت في ملكه بعد الحول حكماً كالميراث نص عليه أحمد في رواية الجماعة وهو ظاهر كلام الخرقي لقوله وإلا كانت كسائر ماله وعند أبي الخطاب لا تدخل ملكه حتى يختار واختلف أصحاب الشافعي فقال بعضهم كقولنا وقال قوم يملكها بالنية ومنهم من قال يملكها بتموله اخترت ملكها ومنهم من قال لا يملكها إلا بقوله والتصرف فيها لأن هذا تملك بعوض فلم يحصل إلا باختيار التملك كالقرض ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " فإن جاء صاحبها وإلا فهي كسائر مالك " وقوله " فاستنفقها " ولو وقف ملكها على تملكها لبينه له ولم يجوز له التصرف قبله وفي لفظ " كلها " وهذه الألفاظ كلها تدل على ما قلنا ولأن الالتقاط والتعريف سبب للتملك فإذا ثم وجب أن يثبت به الملك حكماً كالإحياء والاصطياد ولأنه سبب يملك به فلم يقف الملك بعده على قوله ولا اختياره كسائر الأسباب وذلك لأن المكلف ليس إليه(6/347)
إلا مباشرة الأسباب فإذا انى بها ثيت الحكم قهراً وجبراً من الله عزوجل غير موقوف على اختيار المكلف فأما الاقتراض فهو السبب في نفسه فلم يثبت الملك بدونه فعلى هذا لو التقطها اثنان فعرفاها حولاً ملكاها جميعاً فإن قلنا يقف الملك على الاختيار فاختار أحدهما دون الآخر ملك المختار نصفها وحده (فصل) فإن رأياها معاً فأخذها أحدهما وحده أو رآها أحدهما فأعمل بها صاحبه فأخذها فهي لآخذها لأن استحقاقها بالأخذ لا بالرؤية كالاصطياد وإن قال أحدهما لصاحبه هاتها فأخذها لنفسه فهي له دون الآمر وإن أخذها الآمر فهي له كما لو وكله في الاصطياد له (فصل) ومتى عرف اللقطة حولاً فلم تعرف ملكها غنياً كان أو فقيراً روى ذلك عن عمرو ابن مسعود وعائشة رضي الله عنهم وبه قال عطاء والشافعي واسحق وابن المنذر وروي عن علي وابن عباس والشعبي والنخعي وطاوس وعكرمة نحو ذلك، وقال مالك والحسن بن صالح والثوري وأصحاب الرأي: يتصدق بها فإذا جاء صاحبها خير بين الأجر والغرم لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن اللقطة فقال
" عرفها حولاً " وروي ثلاثة أحوال " فإن جاء ربها وإلا تصدق بها فإذا جاء ربها فرضي بالأجر وإلا غرمها " ولأنها مال لمعصوم لم يرض بزوال ملكه عنها ولا يوجد منه سبب يقتضي ذلك فلم يزل ملكه عنه كغيرها قالوا وليس له أن يتملكها إلا أن أبا حنيفة قال له ذلك ان كان فقيراً من غير ذوي القربى(6/348)
لما روى عياض بن حمار المجاشعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من وجد لقطة فليشهد عليها ذا عدل أو ذوي عدل ولا يكتم ولا يغيب فإن وجد صاحبها فليردها عليه وإلا فهي مال الله يؤتيه من يشاء " رواه النسائي قالوا وما يضاف إلى الله تعالى إنما يتملكه من يستحق الصدقة ونقل حنبل عن أحمد مثل هذا القول فأنكره الخلال وقال ليس هذا مذهبا لاحمد ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث زيد بن خالد " فإن لم تعرف فاستنفقها " وفي لفظ " وإلا فهي كسائر مالك " وفي لفظ " ثم كلها " وفي لفظ " فانتفع بها " وفي لفظ " فشأنك بها " في حديث أبي بن كعب وفي لفظ " فاستمتع بها " وهو حديث صحيح ولأن من ملك بالقرض ملك اللقطة كالفقير ومن جاز له الالتقاط ملك به بعد التعريف كالفقير وحديثهم عن أبي هريرة لم يثبت ولا نقل في كتاب يعتمد عليه ولا به ودعواهم في حديث عياض أن ما يضاف إلى الله تعالى لا يتملكه إلا من يستحق الص؟؟؟؟؟(6/349)
لها وبطلانها ظاهر فإن الأشياء كلها تضاف إلى الله تعالى خلقاً وملكاً قال الله تعالى (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) * (مسألة) * (وعن أحمد لا يملك إلا الأثمان وهو ظاهر المذهب وهل له الصدقة بغيرها؟ على روايتين) كلما جاز التقاطه ملك بالتعريف عند تمامه أثماناً كان أو غيرها وهو ظاهر كلام الخرقي ونقل ذلك عن أحمد فروى عنه محمد بن الحكم في الصياد يقع في شبكته الكيس أو النحاس يعرفه سنة فإن جاء صاحبها وإلا فهو كسائر ماله وهذا نص في النحاس وقال ابن أبي موسى هل حكم العروض في التعريف وجواز التصرف بعد ذلك حكم الأثمان؟ على روايتين أظهرهما أنها كالأثمان قال شيخنا ولا أعلم بين أكثر أهل العلم فرقاً بين الأثمان والعروض في ذلك وقال أكثر أصحابنا لا تملك العروض
بالتعريف قال القاضي نص عليه أحمد في رواية الجماعة واختلفوا فيما يصنع بها فقال أبو بكر وابن عقيل يعرفها أبداً وقال القاضي هو بالخيار بين أن يقيم على تعريفها حتى يجئ صاحبها وبين دفعها إلى الحاكم ليرى رأيه فيها وهل له بيعها بعد الحول والصدقة بها؟ على روايتين (إحداهما) يجوز كما تجوز الصدقة بالغصوب التي لا يعرف أربابها (والثانية) لا يجوز لأنه يحتمل أن يظهر صاحبها فيأخذها وقال الخلال كل من روي عن أحمد روي عنه أنه يعرفه سنة ويتصدق به والذي روي عنه أنه يعرفها أبداً(6/350)
قول قديم رجع عنه واحتجوا بأنه قد روي عن ابن عمر وابن عباس وابن مسعود مثل قولهم ولأنها لقطة لا تملك في الحرم فلا تملك في غيره كالإبل ولأن الخبر ورد في الأثمان وغيرها لا يساويها لعدم الغرض المتعلق بعينها فمثلها لا يقوم مقامها من كل وجه ولنا عموم الأحاديث في اللقطة فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن اللقطة فقال " عرفها سنة " ثم قال في آخره " فشأنك بها - أو - فانتفع بها " وفي حديث عياض بن حمار " من وجد لقطة " وهو لفظ عام وقد روى الجوزجاني والاثرم في كتابيهما ثنا أبو نعيم ثنا هشام بن سعد قال حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف ترى في متاع يوجد في الطريق المعتاد أو في قرية مسكونة؟ قال " عرفه سنة فإن جاء صاحبه وإلا فشأنك به " ورويا أن سفيان بن عبد الله وجد عيبة فأتى بها عمر بن الخطاب فقال عرفها سنة فإن عرفت وإلا فهي لك زاد الجوزجاني فلم تعرف فلقيه بها العام فذكرها له فقال عمر هي لك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك ورواه النسائي وهذا نص في غير الأثمان وروى الجوزجاني بإسناده عن الحر بن الصباح قال كنت عند ابن عمر بمكة إذ جاءه رجل فقال إني وجدت هذا البرد وقد نشدته وعرفته فلم يعرفه أحد وهذا يوم التروية يوم(6/351)
يتفرق الناس فقال إن شئت قومته قيمة عدل ولبسته وكنت له ضامناً متى جاء صاحبه دفعت إليه ثمنه وإن لم يجئ له طالب فهو لك إن شئت ولأن ما جاز التقاطه ملك بالتعريف كالأثمان وما حكوه عن الصحابة إن صح فقد حكينا عن عمر وابنه خلافه وقولهم إنها لقطة لا تملك في الحرم ممنوع ثم هو
منقوض بالأثمان وقياسها على الإبل لا يصح لأن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يأتيها ربها ولا يوجد ذلك في غيرها ولأن الإبل لا يجوز التقاطها فلا تملك وههنا يجوز التقاطها فملك به كالأثمان وقولهم إن النص خاص في الأثمان قلنا بل هو عام في كل لقطة فيجب العمل بعمومه وإن ورد فيها نص خاص فقد روي خبر عام فيعمل بها ثم قد رويناه في العوض فيجب العمل به كما وجب العمل بالخاص في الأثمان ثم لو اختص الخبر بالأثمان لوجب أن يقاس عليها ما في معناها كسائر النصوص التي عقل في معناها ووجد غيرها وههنا قد وجد المعنى فيجب قياسه على المنصوص عليه بل المعنى ههنا آكد فيثبت الحكم فيه بطريق البينة، بيانه أن الأثمان لا تتلف بمضي الزمان عليها وانتظار صاحبها بها أبداً والعروض تتلف بذلك ففي النداء عليها دائماً هلاكها وضياع ماليتها على صاحبها وملتقطها وسائر الناس وفي إباحة الانتفاع بها وملكها بعد التعريف حفظ لماليتها علي صاحبا بدفع(6/352)
قيمتها إليه ونفع لغيره فيجب ذلك لنهي النبي صلى الله عليه وسلم ولما فيه من المصلحة والحفظ لمال المسلم عليه ولأن في إثبات الملك حثاً على التقاطها وحفظها وتعريفها لكونه وسيلة إلى الملك المقصود للآدمي وفي نفي ملكها تضييع لها لما في التقاطها من الخطر والمشقة والكلف من غير نفع يصل إليه فيؤدي الى أن لا يلتقطها أحد فتضيع وما ذكره في الفرق ملغي في الشاة فقد ثبت الملك فيها مع هذا الفرق ثم يمكننا أن نقيس على الشاة فلا يحصل هذا الفرق بين الفرع والأصل ثم نقلب دليلهم فنقول لقطة لا تملك في الحرم فما أبيح التقاطه منها ملك إذا كان في الحل وما لا يباح لا يملك كالإبل * (مسألة) * (وعن أحمد أن لقطة الحرم لا تملك بحال) المشهور عن أحمد وفي المذهب أن لقطة الحرم والحل سواء وهو ظاهر كلام الخرقي روى ذلك عن ابن عمر وابن عباس وعائشة وابن المسيب وهو مذهب مالك وابي حنيفة وروى عن أحمد أنه لا يجوز التقاط لقطة الحرم للتمليك ويجوز لحفظها لصاحبها فإن التقطها عرفا أبداً حتى يأتي صاحبها وهو قول عبد الرحمن بن مهدي وأبو عبيد وعن الشافعي(6/353)
كالمذهبين لقول النبي صلى الله عليه وسلم في مكة " لا تحل ساقطتها إلا لمنشد " متفق عليه والمنشد المعرف قاله أبو عبيد والناشد الطالب وينشد * إصاخة الناشد للمنشد * فيكون معناه لا تحل لقطة مكة إلا لمن يعرفها لأنها خصت بهذا من بين سائر البلدان وروى أبو داود بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لقطة الحاج قال ابن وهب يعني يتركها حتى يجدها صاحبها، ووجه الرواية الأولى عموم الأحاديث، ولأنه أحد الحرمين أشبه حرم المدينة ولأنها أمانة فلم يختلف حكمها بالحل والحرم كالوديعة وقول النبي صلى الله عليه وسلم " إلا لمنشد " يحتمل أنه يريد إلا لمن عرفها عاماً وتخصيصها بذلك لتأكيدها لقوله عليه السلام " ضالة المؤمن حرق النار " وضالة الذمي مقيسة عليها والله أعلم (فصل) ولا يجوز له التصرف في اللقطة حتى يعرف وعاءها ووكاءها وقدرها وجنسها وصفتها، ويستحب ذلك عند وجدانها والإشهاد عليها لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث زيد " اعرف وكاها وعفاصها " وقال في حديث أبي بن كعب " اعرف عفاصها ووكاءها وعددها ثم عرفها سنة " وفي لفظ عن أبي ابن كعب أنه قال وجدت مائة دينار فأتيت بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال " عرفها حولاً " " فعرفها حولاً فلم تعرف فرجعت اليه فقال اعرف " عدتها ووعاءها ووكاءها واخلطها بمالك فإن جاء(6/354)
ربها فأدها إليه " ففي هذا الحديث أمره بمعرفة صفاتها بعد التعريف وفي غيره أمره بمعرفتها بعين التقاطها قبل تعريفها وهو الأولى ليحصل عنده علم ذلك فمتى جاء صاحبها فنعتها غلب على ظنه صدقه فدفعها إليه وإن أخر معرفة ذلك إلى حين مجئ باغيها جاز لأن المقصود يحصل حينئذ فإن لم يجئ طالبها فأراد التصرف فيها بعد الحول لم يجز له حتى يعرف صفاتها لأن عينها تنعدم بالتصرف فلا يبقى له سبيل إلى معرفة صفاتها إذا جاء طالبها ولذلك إن خلطها بماله على وجه لا تتميز منه فيكون أمر النبي صلى الله عليه وسلم لابي بمعرفة صفاتها عند خلطها بماله أمر إيجاب مضيق وأمره لزيد بن خالد بمعرفة ذلك حين الالتقاط أمر استحباب، قال القاضي ينبغي أن يعرف جنسها ونوعها وإن كانت ثياباً عرف لفافتها وجنسها ويعرف قدرها بالكيل أو الوزن أو العدد أو الذرع ويعرف العقد عليها هل هو عقد واحد أو أكثر؟ أنشوطة أو غيرها؟ ويعرف صمام القارورة الذي يدخل رأسها وعفاصها الذي يلبسه ويستحب
أن شهد عليها حين يجدها، قال أحمد لا أحب أن يمسها حتى يشهد عليها.
فظاهر هذا أنه مستحب غير واجب وأنه لا ضمان عليه إذا لم يشهد وهو قول مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة يضمنها إذا لم يشهد عليها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من وجد لقطة فليشهد ذا عدل أو ذوي عدل " وهذا أمر يقتضي الوجوب ولأنه إذا لم يشهد كان الظاهر أنه أخذها لنفسه ولنا خبر زيد بن خالد وأبي بن كعب فإنه أمرهما بالتعريف دون الإشهاد ولو كان واجباً لبينه(6/355)
فإنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة سيما وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم اللقطة فلم يكن ليخل بذكر الواجب فيها فيتعين حمل الأمر في حديث عياض على الاستحباب ولأنه أخذ أمانة فلم يفتقر إلى الإشهاد كالوديعة، والمعنى الذي ذكروه غير صحيح فإنه إذا حفظها وعرفها لم يأخذها لنفسه وفائدة الإشهاد صيانة نفسه من الطمع فيها وحفظها من ورثته ان مات ومن غرمائه إن أفلس وإذا أشهد عليها لم يذكر للشهود صفاتها كما قلنا في التعريف لكن يذكر للشهود ما يذكره في التعريف من الجنس والنوع.
قال أحمد في رواية صالح وقد سأله إذا أشهد عليها هل يبين كم هي؟ قال لا، ولكن يقول قد أصبت لقطة، ويستحب أن يكتب صفاتها ليكون أثبت له مخافة أن ينساها إن اقتصر على حفظها بقلبه فإن الإنسان عرضة النسيان * (مسألة) * (فمتى جاء طالبها فوصفها لزم دفعها إليه بنمائها المتصل وزيادتها المنفصلة لمالكها قبل الحلول ولو أخذها بعده في أصح الوجهين) إذا جاء طالب اللقطة فوصفها وجب دفعها إليه بغير بينة سواء غلب على ظنه صدقه أو لم يغلب.
وبهذا قال مالك وأبو عبيد وداود وابن المنذر، وقال أبو حنيفة والشافعي لا يجبر على ذلك إلا ببينة(6/356)
ويجوز له دفعها إليه اذا غلب على ظنه صدقه، وقال أصحاب الرأي إن شاء دفعها إليه وأخذ كفيلاً بذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " البينة على المدعي " ولأن صفة المدعي لا يستحق بها كالمغصوب ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " فإن جاءك أحد يخبرك بعددها ووعائها ووكائها فادفعها إليه "
وظاهر الأمر الوجوب، وفي حديث زيد " اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها وإن جاء طالبها يوماً من الدهر فأدها إليه " يعني إذا ذكر صفاتها لأن ذلك هو المذكور في صدر الحديث ولم يذكر البينة ولو كانت شرطاً للدفع لذكرها لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ولأن إقامة البينة على اللقطة تتعذر لأنها إنما تسقط حال الغفلة فتوقف دفعها على البينة منع لوصولها إلى صاحبها أبداً وهذا يفوت مقصود الالتقاط ويفضي إلى تفويت أموال الناس وما هذا سبيله يسقط اعتبار البينة فيه كالإنفاق على اليتيم، والجمع بين هذا القول وبين تفصيل الالتقاط على تركه متناقض لأن الالتقاط حينئذ يكون تضييعاً لمال المسلم وإتعاباً لنفسه بالتعريف الذي لا يفيد والمخاطرة بدينه يتركه(6/357)
الواجب من تعريفها وما هذا سبيله يجب أن يكون حراماً فكيف يكون فاضلاً، وعلى هذا نقول لو لم يجب دفعها بالصفة لم يجز التقاطها لما ذكرناه، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " البينة على المدعي " يعني إذا كان ثم منكر لقوله في سياقه " واليمين على من أنكر " ولا منكر ههنا على أن البينة تختلف وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم بينة مدعي اللقطة وصفها فإذا وصفها فقد أقام بينته وقياس اللقطة على المغصوب غير صحيح فإن النزاع ثم في كونه مغصوباً والأصل عدمه وقول المنكر يعارض دعواه فاحتيج إلى البينة وههنا قد ثبت كون هذا المال لقطة وإن له صاحباً غير من هو في يده ولا مدعي له إلا الواصف وقد يرجح صدقه فينبغي أن يدفع إليه.
(فصل) ويدفعها إليه بزيادتها المتصلة والمنفصلة إذا كان قبل الحول لأنها ملكها فإن وجدها زائدة بعد الحول أخذها بزيادتها المتصلة لأنها تتبع في الرد بالعيب والإقالة فتبعت ههنا وإن حدث بعد الحول لها نماء منفصل فهو للملتقط لأنه نماء ملكه متميز لا يتبع في الفسوخ فكان له كنماء المبيع إذا رد بعيب(6/358)
وذكر أبو الخطاب فيه وجهاً آخر أنه يكون لصاحب اللقطة بناء على المفلس إذا استرجعت منه العين بعد أن زادت زيادة متميزة والولد إذا استرجع أبوه ما وهبه له بعد زيادته المنفصلة والصحيح أن الزيادة للملتقط لما ذكرناه وكذلك الصحيح في الموضعين اللذين ذكرهما أن الزيادة لمن حدثت في
ملكه ثم الفرق بينهما أنه في مسئلتنا يضمن النقص فتكون الزيادة له ليكون الخراج بالضمان وثم لا ضمان عليه فأمكن أن لا يكون الخراج ومتى اختلفا في القيمة أو المثل فالقول قول الملتقط مع يمينه إذا كانت اللقطة قد استهلكت في يد الملتقط لأنه غارم * (مسألة) * (وإن تلفت أو نقصت قبل الحول لم يضمنها وبعده يضمنها) لأنها أمانة في يده إلا أن تكون تلفت أو نقصت بتفريطه كالوديعة وإن أتلفها الملتقط أو تلفت بتفريطه ضمنها بمثلها إن كانت من ذوات الأمثال أو بقيمتها إن لم تكن مثلية، قال شيخنا لا أعلم فيه خلافاً(6/359)
وإن تلفت بعد الحول ثبت في ذمته مثلها أو قيمتها بكل حال لأنها دخلت في ملكه وتلفت من ماله وسواء فرط أو لم يفرط وإن وجد العين ناقصة بعد الحول أخذ العين وأرش النقص لأن جميعها مضمون إذا تلف فكذلك أرش نقصها، وهذا قول أكثر العلماء الذين حكموا بملكه لها بمضي حول التعريف، فأما من قال لا يملكها إلا باختياره لم يضمنه إياها حتى يتملكها وحكمها قبل ذلك كحكمها قبل مضي حول التعريف، ومن قال لا يملك اللقطة بحال لم يضمنه إياها وبهذا قال الحسن والنخعي وأبو مجلز والحارث العكلي ومالك وأبو يوسف قالوا لا يضمن، وإن ضاعت بعد الحول وقد ذكرنا فيما تقدم دليل دخولها في ملكه وقال داود إذا تملك العين وأتلفها لم يضمنها وحكى ابن أبي موسى عن أحمد أنه لوح إلى مثل هذا القول لحديث عياض عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال " فإن جاء ربها وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء " وقوله في حديث أبي بن كعب " فإن جاء من يعرفها وإلا فهي كسبيل مالك " وفي حديث زيد " فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها " وروي " فهي لك " ولم يأمره برد بدلها.(6/360)
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فادفعها إليه " قال الأثرم قال أحمد أذهب الى حديث الضحاك بن عثمان جوده ولم يروه أحد مثل ما رواه إن جاء صاحبها بعد سنة وقد أنفقها ردها إليه ولأنها عين يلزمه ردها لو كانت باقية فيلزمه ضمانها إذا أتلفها كما قبل الحول ولأنه مال معصوم فلم يجز إسقاط حقه منه مطلقاً
كما لو اضطر إلى مال غيره (فصل) فإن وجد العين بعد خروجها من ملك الملتقط ببيع أو هبة أو نحوهما لم يكن له أخذها وله أخذ بدلها لأن تصرف الملتقط وقع صحيحاً لأنه ملكها فإن صادفها وقد عادت إلى الملتقط بفسخ أو شراء أو غير ذلك فله أخذها لأنه وجد عين ماله في يد ملتقطه فكان له أخذها كالزوج إذا طلق(6/361)
قبل الدخول فوجد الصداق قد رجع إلى المرأة وسائر الرجوع ههنا كحكم رجوع الزوج على ما نذكره إن شاء الله تعالى.
* (مسألة) * (وإن وصفها اثنان قسمت بينهما في أحد الوجهين ذكره أبو الخطاب) لأنهما تساويا فيما يستحق به الدفع فتساويا فيها كما لو كانت في أيديهما، والوجه الثاني أنه يقرع بينهما فمن وقعت له القرعة حلف وسلمت إليه ذكره القاضي وهكذا إن أقاما بينتين وهذا الوجه أشبه بأصولنا فيما إذا تداعيا عينا في يد غيرهما ولأنهما تداعيا عيناً في يد غيرهما وتساويا في البينة أو عدمها فتكون لمن وقعت له القرعة كما لو ادعيا وديعة في يد إنسان فقال هي لأحدكما لا أعرف عينه، وفارق ما إذا كانت في أيديهما لأن يد كل واحد منهما على نصفه فرجح قوله فيه(6/362)
* (مسألة) * (فإن أقام آخر بينة أنها له قدم لأن البينة أقوى من الوصف فإن كان الواصف قد أخذها ردت إلى صاحب البينة لأننا تبينا أنها له، فإن كانت قد هلكت فلصاحبها تضمين من شاء من الواصف والدافع وبه قال أبو حنيفة والشافعي، ويتخرج أن لا يلزم الملتقط شئ إذا قلنا بوجوب الدفع عليه لأنه فعل ما أمر به ولم يفرط وهو أمين فلم يضمن كما لو دفعها بأمر الحاكم ولأنه إذا كان الدفع واجباً عليه يأثم بتركه فكأنه دفع بغير اختياره فلم يضمن كما لو أخذت منه كرهاً، ووجه الأول أنه دفع مال غيره إلى غير مستحقه اختياراً منه فضمنه كما لو دفع الوديعة إلى غير مالكها اذا غلب على ظنه أنه مالكها.
* (مسألة) * (إلا أن يدفعها بحكم الحاكم فلا يملك صاحبها مطالبته)
لأنها مأخوذة منه على سبيل القهر فلم يضمنها كما لو غصبها غاصب ومتى ضمن الواصف لم يرجع على أحد لأن العدوان منه والتلف عنده وإن ضمن الدافع رجع على الواصف لأنه كان سبب تغريمه إلا أن يكون الملتقط قد أقر للواصف(6/363)
أنها له فإنه لا يرجع عليه لأنه أقر أنه مالكها ومستحقها وأن صاحب البينة ظلمه بتضمينه فلا يرجع على غير ظالمه، وإن كانت اللقطة قد تلفت عند الملتقط فضمنه إياها رجع على الواصف بما غرمه وليس لمالكها تضمين الواصف لأن الذي قبضه إنما هو مال الملتقط لا مال صاحب اللقطة بخلاف ما إذا سلم العين فأما إن وصفها إنسان فأخذها ثم جاء آخر فوصفها وادعاها لم يستحق شيئاً لأن الأول استحقها لوصفه إياها وعدم المنازع فيها وثبتت يده عليها ولم يوجد ما يقتضي انتزاعها منه فوجب إبقاؤها في يده كسائر ماله.
(فصل) ولو جاء مدعي اللقطة فلم يصفها ولا أقام بينة أنها له لم يجز دفعها إليه سواء غلب على ظنه صدقه أو كذبه لأنها أمانة فلم يجز دفعها إلى من لم يثبت أنه صاحبها كالوديعة، فإن دفعها فجاء آخر فوصفها أو أقام بها بينة لزم الدافع غرامتها له لأنه فوتها على مالكها بتفريطه وله الرجوع على مدعيها لأنه أخذ مال غيره ولصاحبها تضمين آخذها فإذا ضمنه لم يرجع على أحد وإن لم يأت أحد يدعيها(6/364)
فللملتقط مطالبة آخذها لأنه لا يأمن مجئ صاحبها فيغرمه إياها ولأنها أمانة في يده فملك الأخذ من غاصبها كالوديعة.
(فصل) فإن كان الملتقط قد مات واللقطة موجودة قام وارثه مقامه في تعريفها أو إتمامه إن مات قبل إتمام الحول ويملكها بعد إتمام التعريف وإن مات بعد تمام الحول ورثها الوارث كسائر أموال الميت، ومتى جاء صاحبها أخذها من الوارث كما يأخذها من الموروث وإن كانت معدومة العين فصاحبها غريم للميت بمثلها إن كانت من ذوات الأمثال أو بقيمتها إن لم تكن كذلك فيأخذ ذلك من تركته إن اتسعت لذلك فإن ضاقت التركة زاحم الغرماء ببدلها سواء تلفت بعد الحول بفعله أو بغير فعله لأنها قد دخلت في ملكه بمضي الحول، وإن علم أنها تلفت قبل الحول بغير تفريط فلا ضمان عليه ولا شئ
لصاحبها لأنها أمانة في يده تلفت بغير تفريط فلم يضمنها كالوديعة وكذلك إن تلفت بعد الحول قبل تملكها بغير تفريط عند من يرى أنها لا تدخل في ملكه حتى يتملكها أو أنها لا تملك بحال وقد(6/365)
مضى الكلام في ذلك، فأما ان لم يعلم تلفها ولا وجدت في تركته فظاهر كلام الخرقي أنه غريم بها سواء كان قبل الحول أو بعده ويحتمل أن لا يلزم الملتقط شئ ويسقط حق صاحبها لأن الأصل براءة ذمة الملتقط منها لأنه يحتمل أن تكون قد تلفت بغير تفريط فلا تشتغل ذمته بالشك ويحتمل أنه إن كان الموت قبل الحول فلا شئ عليه لأنها كانت أمانة عنده ولم تعلم خيانته فيها والأصل براءة ذمته منها وإن مات بعد الحول فهي في تركته لأن الأصل بقاؤها إلى ما بعد الحول ودخولها في ملكه ووجوب بدلها عليه.
فإن قيل فقد قلتم أن صاحبها لو جاء بعد بيع الملتقط إياها أو هبته لم يكن له إلا بدلها فلم قلتم أنها إذا انتقلت إلى الوارث يملك صاحبها أخذها؟ قلنا لأن الوارث خليفة الموروث وإنما ثبت له الملك فيها على الوجه الذي كان ثابتاً لموروثه وملك موروثه فيها كان مراعى مشروطاً بعدم مجئ صاحبها فكذلك ملك وارثه بخلاف ملك المشتري والمتهب فإنهما يملكان ملكا مستقراً(6/366)
* (فصل) * قال رحمه الله (ولا فرق بين كون الملتقط غنياً أو فقيراً مسلماً أو كافراً عدلاً أو فاسقاً يأمن نفسه عليها وقيل يضم إلى الفاسق أمين في تعريفها وحفظها) إذا التقط الغني لقطة وعرفها حولاً ملكها كالفقير روي نحو ذلك عن عمر وابن مسعود وعائشة وعلي وابن عباس وعطاء والشعبى والنخعي وطاوس وعكرمة وبه قال الشافعي وإسحاق وابن المنذر وقال أبو حنيفة ليس له أن يتملكها إلا أن يكون فقيراً من غير ذوي القربى لما روى عياض بن حمار المجاشعي أن النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم قال " من وجد لقطة فليشهد عليها ذا عدل أو ذوي عدل ولا يكتم ولا يغيب فإن وجد صاحبها فليردها عليه وإلا فهي مال الله يؤتيه من يشاء " رواه النسائي، قالوا وما يضاف إلى الله تعالى إنما يتملكه من يستحق الصدقة ونقل حنبل عن أحمد مثل هذا القول وأنكره الخلال وقال ليس هذا مذهبا لاحمد ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث زيد بن خالد " فإن لم تعرف فاستنفقها - وفي لفظ - فشأنك
بها - وفي لفظ - وإلا فهي كسبيل مالك " ولأن من ملك بالقرض ملك اللقطة كالفقير ومن جاز له الالتقاط(6/367)
ملك به بعد التعريف كالفقير ودعواهم في حديث عياض أن ما يضاف إلى الله تعالى لا يتملكه إلا من يستحق الصدقة لا دليل عليه وبطلانها ظاهر فإن الأشياء كلها تضاف إلى الله تعالى ملكاً وخلقاً قال الله تعالى (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) (فصل) ويملك الذمي بالالتقاط كالمسلم وقال بعض أصحاب الشافعي ليس له الالتقاط في دار الإسلام لأنه ليس من أهل الأمانة ولنا أنه نوع اكتساب فكان من أهله كالاحتشاش والاحتطاب وما ذكروه يبطل بالصبي والمجنون فإنه يصح التقاطهما مع عدم الأمانة ومتى عرف اللقطة حولا ملكها كالسلم، وإن علم بها الحاكم أقرها في يده وضم إليه مشرفاً عدلاً يشرف عليه ويعرفها لأننا لا نأمن الكافر على تعريفها ولا نأمن أن نحل في التعريف بشئ من الواجب عليه فيه وأجر المشرف عليه فإذا تم حول التعريف ملكها الملتقط ويحتمل أن تنزع من يد الذمي وتوضع على يدي عدل لأنه غير مأمون عليها(6/368)
(فصل) ويصح التقاط الفاسق لأنها جهة من جهات الكسب فصح التقاطه كالعدل ولأنه إذا صح التقاط الكافر فالمسلم أولى إلا أن الأولى له ألا يأخذها لأنه يعرض نفسه للأمانة وليس من أهلها وإذا التقطها فعرفها حولاً ملكها كالعدل، وإن علم الحاكم أو السلطان بها أقرها في يده وضم إليه مشرفاً يشرف عليه ويتولى تعريفها كما قلنا في الذمي وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال في الآخر ينزعها من يده ويدعها في يد عدل ولنا أن من خلي بينه وبين الوديعة لم تزل يده عن اللقطة كالعدل والحفظ يحصل بضم المشرف إليه فأما إن لم يكن المشرف حفظها منه انتزعت من يده وتركت في يد العدل فإذا عرفها ملكها الملتقط لوجود سبب الملك منه * (مسألة) * (وإن وجدها صبي أو سفيه قام وليه بتعريفها فإذا عرفها فهي لواجدها)
وجملة ذلك أن الصبي والسفيه والمجنون إذا التقط أحدهم لقطة ثبتت يده عليها لعموم الأخبار ولأنه نوع تكسب فصح منه كالاصطياد والاحتطاب فإن تلفت في يده بغير تفريط فلا ضمان عليه وإن تلفت بتفريطه ضمنها في ماله وإذا علم بها وليه لزمه أخذها منه لأنه ليس من أهل الحفظ والأمانة فإن تركها في يده ضمنها لأنه يلزمه حفظ ما يتعلق به حق الصبي وهذا يتلف به حقه فإذا تركها في يده كان مضيعاً لها، ويعرفها الولي إذا أخذها لأن واجدها ليس من أهل التعريف فإذا انقضت مدة(6/369)
التعريف دخلت في ملك واجدها لأن سبب التملك تم بشرطه فثبت الملك له كما لو اصطاد صيداً وهذا مذهب الشافعي إلا أن أصحابه قالوا إذا انقضت مدة التعريف فكان الصبي والمجنون بحيث يستقرض لهما يملكه لهما وإلا فلا وقال بعضهم يتملكه لهم بكل حال لأن الظاهر عدم ظهور صاحبه فيكون تملكه مصلحة له.
ولنا عموم الأخبار ولو جرى هذا مجرى الاقتراض لما صح التقاط صبي لا يجوز الاقتراض له لأنه يكون تبرعاً بحفظ مال غيره من غير فائدة (فصل) قال أحمد في رواية العباس بن موسى في غلام له عشر سنين التقط لقطة ثم كبر فإن وجد صاحبها دفعها إليه وإلا تصدق بها قد مضى أجل التعريف فيما تقدم من السنين ولم ير عليه استقبال أجل التعريف قال وقد كنت سمعته قبل هذا أو بعده يقول في انقضاء أجل التعريف إذا لم يجد صاحبها أيتصدق بمال الغير؟ وهذه المسألة قد مضى نحوها فيما إذا لم يعرف الملتقط اللقطة في حولها الأول فإنه لا يملكها وإن عرفها فيما بعد ذلك لكون التعريف بعده لا يفيد ظاهراً لكون صاحبها ييأس منها ويترك طلبها، وهذه المسألة تدل على أنه إذا ترك التعريف لعذر فهو كتركه لغير عذر لكون الصبي من أهل العذر وقد ذكرنا فيه وجهين فيما تقدم، وقال أحمد في غلام لم يبلغ أصاب عشرة دنانير فذهب بها إلى(6/370)
منزله فضاعت فلما بلغ أراد ردها فلم يعرف صاحبها تصدق بها فان لم يجد عشرة وكان يجحف به تصدق قليلاً قليلاً قال القاضي هذا محمول على أنها تلفت بتفريط الصبي وهو أنه لم يعلم وليه حتى يقوم بتعريفها
* (مسألة) * (وإن التقطها عبد فلسيده أخذها منه وتركها معه يتولى تعريفها إن كان عدلاً فإن لم يأمن العبد سيده عليها لزمه سترها عنه فإن أتلفها قبل الحول فهي في رقبته وإن أتلفها بعده فهي في ذمته) يصح التقاط العبد بغير إذن سيده وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه وقال في الآخر لا يصح التقاطه لأن اللقطة في الحول الأول أمانة وولاية وفي الثاني تملك والعبد ليس من أهل الولايات ولا التملك.
ولنا عموم الخبر ولأن الالتقاط سبب يملك به الصبي ويصح منه فصح من العبد كالاصطياد والاحتطاب ولأن من جاز له قبول الوديعة صح منه الالتقاط كالحر قولهم أن العبد ليس من أهل الولايات والأمانات يبطل بالصبي والمجنون فإنهما أدنى حالاً منه في هذا، وقولهم أن العبد لا يملك ممنوع وان سلما فإنه يتملك لسيده كما يحصل بسائر الاكتسابات ولأن الالتقاط تخليص مال من الهلاك فجاز من العبد بغير إذن سيده كإنقاذ المال الغريق والمغصوب.
إذا ثبت هذا فإن اللقطة تكون أمانة في يد العبد إن تلفت بغير تفريط في حول التعريف لم يضمن فإن عرفها صح تعريفه لأن له قولاً(6/371)
صحيحاً فصح تعريفه كالحر فإذا تم حول التعريف ملكها سيده لأن الالتقاط كسب العبد وكسبه لسيده فإن علم السيد بلقطة عبده كان له انتزاعها منه لأنها من كسب العبد وللسيد انتزاع كسبه من يده فإن انتزعها بعد أن عرفها العبد ملكها وإن كان لم يعرفها عرفها سيده حولاً وإن كان العبد عرفها بعض الحول عرفها السيد تمامه وللسيد إقرارها في يد العبد إن كان أميناً ويكون مستعيناً بعبده في حفظها كما يستعين به في حفظ ماله، فإن كان العبد غير أمين كان السيد مفرطاً بإقرارها في يده ولزمه ضمانها كما لو أخذها من يده وردها لأن يد العبد كيده وما يستحق بها لسيده وإن أعتق العبد بعد الالتقاط فله انتزاع اللقطة من يده لأنها من كسبه وإكسابه لسيده، ومتى علم العبد أن سيده غير مأمون عليها لزمه سترها عنه ويسلمها إلى الحاكم ليعرفها ثم يدفعها إلى سيده بشرط الضمان، فإن أتلفها العبد في الحول الأول فهي في رقبته كجناياته وكذلك إن تلفت بتفريطه وإن أتلفها بعده فهي في ذمته إن قلنا إن العبد يملكها بعد التعريف وإن قلنا لا يملكها فهو كما لو أتلفها في حول التعريف ويصح أن ينبني ذلك على
استدانة العبد هل تتعلق برقبته أو ذمته؟ على روايتين وقد مر ذكره في الحجر * (مسألة) * (والمكاتب كالحر في اللقطة) لأن المال له في الحال واكتسابه له دون سيده وهي من اكتسابه فإن عجز عاد عبدا وصار حكمه في لقطته حكم العبد، وأم الولد والمدبر والمعلق عتقه بصفة كالقن ومن بعضه حر إذا التقط لقطة فهي بينه وبين سيده إذا لم يكن بينهما مهايأة كالحرين إذا(6/372)
التقطا لقطة وإن كان بينهما مهايأة لم تدخل في المهايأة في أحد الوجهين لأنها كسب نادر لا يعلم وجوده ولا يظن فلم يدخل في المهايأة كالإرث.
فعلى هذا يكون بينهما والثاني يدخل في المهايأة لأنها من كسبه أشبهت سائر أكسابه فيكون لمن يوجد في يومه وكذلك الحكم في الهدية والوصية وسائر الأكساب النادرة فيها الوجهان، فإن كان العبد بين اثنين شركة فلقطته بينهما على ما ذكرنا فيمن بعضه حر والله أعلم.(6/373)
باب اللقيط وهو الطفل المنبوذ اللقيط بمعنى الملقوط كالقتيل والجريح والتقاطه واجب لقول الله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى) ولأن فيه إحياء نفسه فكان واجباً كإطعامه إذا اضطر وإنجائه من الغرق، وهو من فروض الكفايات اذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وان تركه الجماعة أثموا كلهم إذا تركوه مع إمكان أخذه، وقد روي عن سنين أبي جميلة قال: وجدت ملقوطاً فأتيت به عمر رضي الله عنه فقال عريفي يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح، فقال عمر: أكذلك هو؟ قال نعم قال: فاذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته، رواه سعيد عن سفيان عن الزهري سمع سنيناً أبا جميلة بهذا وقال وعلينا رضاعه.
* (مسألة) * (وهو حر) اللقيط حر في قول عامة أهل العلم إلا النخعي قال إبن المنذر اجمع عوام أهل العلم على أن اللقيط حر، روي هذا القول عن عمر وعلي رضي الله عنهما، وبه قال عمر بن عبد العزيز والشعبي والحكم وحماد ومالك والثوري والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي ومن تبعهم
وقال النخعي: إن التقطه للحسبة فهو حر وإن كان أراد أن يسترقه فذلك له، وهذا قول شذ فيه عن الخلفاء والعلماء ولا يصح في النظر فان الأصل في الآدميين الحرية فإن الله تعالى خلق آدم وذريته أحراراً وإنما الرق لعارض فاذا لم يعلم ذلك العارض فله حكم الأصل(6/374)
* (مسألة) * (ينفق عليه من بيت المال إن لم يوجد معه ما ينفق عليه) إذا لم يوجد مع اللقيط شئ لم يلزم الملتقط الإنفاق عليه في قول عامة أهل العلم قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن نفقة اللقيط غير واجبة على الملنقط، كوجوب نفقة الولد، وذلك لأن أسباب وجوب النفقة من القرابة والزوجية والملك والولاء منفية فالالتقاط إنما هو تخليص له من الهلاك وتبرع بحفظه فلا يوجب ذلك النفقة كما لو فعله بغير اللقيط، تجب نفقته في بيت المال لقول عمر رضي الله عنه في حديث أبي جميلة: اذهب فهو حر ولك ولاؤه، وعلينا نفقته، وفي رواية: من بيت المال ولأن بيت المال وإرثه وماله مصروف إليه فكانت نفقته عليه كقرابته ومولاه.
فإن تعذر الإنفاق عليه من بيت المال لسكونه لا مال فيه أو كان في مكان لا إمام فيه أو لم يعط شيئاً فعلى من علم حاله من المسلمين الإنفاق عليه لقول الله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى) ولأن في ترك الإنفاق عليه هلاكه، وحفظه من ذلك واجب كإنقاذه من الغرق وهو فرض كفاية، ومن أنفق عليه متبرعا فلا شئ له سواء كان الملتقط أو غيره، وإن لم يتبرع أحد بالإنفاق عليه فأنفق عليه الملتقط أو غيره محتسباً بالرجوع عليه إذا أيسر وكان ذلك بأمر الحاكم لزم اللقيط ذلك إذا كانت النفقة قصداً بالمعروف وبهذا قال الثوري وأصحاب الرأي والشافعي، فإن أنفق بغير أمر الحاكم محتسباً بالرجوع(6/375)
عليه فقال أحمد تؤدى النفقة من بيت المال، وقال شريح والنخعي يرجع عليه بالنفقة إذا أشهد عليه يحلف ما أنفق احتساباً فإن حلف استسعى، وقال الشعبي ومالك والثوري والاوزاعي وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن والشافعي وابن المنذر لا يرجع بشئ لأنه انفق عليه من غير إذنه ولا إذن وليه ولا إذن الحاكم فلم يرجع بشئ كما لو تبرع به.
ولنا أنه أداء مال وجب على غيره فكان له الرجوع على من كان الوجوب عليه كالضامن إذا قضى عن المضمون عنه.
* (مسألة) * (ويحكم بإسلامه إلا أن يوجد في بلد الكفار ولا مسلم فيه فيكون كافراً فان كان فيه مسلم فعلى وجهين) .
إذا وجد اللقيط في دار الإسلام فهو محكوم بإسلامه وإن كان فيها أهل الذمة تغليباً للإسلام ولظاهر الدار ولأن الإسلام يعلو ولا يعلى ودار الإسلام قسمان: (أحدهما) ما اختطه المسلمون كبغداد والبصرة فلقيطها محكوم بإسلامه على ما ذكرنا (الثاني) دار فتحها المسلمون كمدائن الشام فهذه إن كان فيها مسلم حكم بإسلام لقيطها لأنه يحتمل أن يكون لذلك المسلم تغليباً للإسلام وإن لم يكن فيها مسلم بل كان أهلها أهل ذمة حكم بكفره لأن تغليب حكم الإسلام إنما يكون مع الاحتمال.
فأما بلد الكفار فضربان أحدهما بلد كان للمسلمين فغلب الكفار عليه كالساحل(6/376)
فهذا كالقسم الذي قبله وإن كان فيه مسلم حكم بإسلام لقيطه وإن لم يكن فيه مسلم فهو كافر، وقال القاضي يحكم باسلامه أيضاً لأنه يحتمل أن يكون فيه مؤمن يكتم إيمانه بخلاف الذي قبله فإنه لا حاجة به إلى كتم إيمانه في دار الإسلام (الثاني) دار لم تكن للمسلمين أصلاً كبلاد الهند والروم فإن لم يكن فيها مسلم فلقيطها كافر لأن الدار لهم وأهلها منهم، وإن كان فيها مسلمون كالتجار وغيرهم ففيه وجهان (أحدهما) يحكم بإسلامه تغليباً للإسلام والثاني يحكم بكفره تغليببا للدار والأكثر وهذا التفصيل مذهب الشافعي وقال ابن المنذر أجمع عوام أهل العلم على أن الطفل إذا وجد في بلاد المسلمين ميتاً في أي مكان وجد أنه يجب غسله ودفنه في مقابر المسلمين وقد منعوا أن يدفن أطفال المشركين في مقابر المسلمين قال وإذا وجد لقيط في قرية ليس فيها إلا مشرك فهو على ظاهر ما حكموا به أنه كافر هذا قول الشافعي وأصحاب الرأي.
* (مسألة) * (وما وجد معه من فراش تحته أو ثياب أو مال في جيبه أو تحت فراشه أو حيوان مشدود بثيابه فهو له، وإن كان مدفوناً تحته أو مطروحاً قريباً منه فعلى وجهين)
وجملة ذلك أن ما وجد مع اللقيط فهو له ينفق عليه منه وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي لأن الطفل يملك وله يد صحيحة بدليل أنه يرث ويوررث ويصح أن يشتري له وليه ويبيع ومن له ملك(6/377)
صحيح فله يد صحيحة كالبلغ.
إذا ثبت هذا فكل ما كان متصلاً به أو متعلقاً بمنفعته فهو تحت يده ويثبت بذلك ملكاً له في الظاهر، فمن ذلك ما كان لابساً له أو مشدوداً في ملبوسه أو في يديه أو تحته أو مجعولاً فيه كالسرير والسفط وما فيه من فرش أو دراهم والثياب التي تحته والتي عليه، وإن كان مشدوداً على دابة أو كانت مشدودة في ثيابه أو كان في خيمة أو دار فهي له وأما المنفصل عنه فإن كان بعيداً منه فليس في يده، وإن كان قريباً منه كثوب موضوع إلى جانبه ففيه وجهان (أحدهما) ليس له ذلك لأنه منفصل عنه فهو كالبعيد (والثاني) هو له ولأن الظاهر أنه ترك له فهو كالذي تحته ولأن القريب من البالغ يكون في يده، الا ترى أن الرجل يقعد في السوق ومتاعه بقربه ويحكم بأنه في يده والحمال إذا جلس للاستراحة ترك حمله قريباً منه وهذا أصح، فأما المدفون تحته فقال ابن عقيل أن كان الحفر طرياً فهو له وإلا فلا لأن الظاهر أنه إذا كان طرياً فواضع اللقيط حفره وإذا لم يكن طرياً كان مدفوناً قبل وضعه وقيل ليس هو له بحال لأنه بموضع لا يستحقه إذا لم يكن الحفر طرياً فلم يكن له إذا كان طرياً كالبعيد منه، ولأن الظاهر أنه لو كان له لشده واضعه في ثيابه ليعلم به ولم يتركه في مكان لا يطلع عليه وكان ما حكمنا بأنه ليس له فحكمه حكم اللقطة أو الركاز * (مسألة) * (وأولى الناس بحضانته واجده إن كان أميناً لأن عمر رضي الله عنه أقر اللقيط في يد أبي جميلة حين قال عريفه إنه رجل صالح ولأنه سبق إليه فكان أولى به لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من(6/378)
سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به " وهل يجب الإشهاد عليه؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يجب كما لا يجب الإشهاد في اللقطة (والثاني) يجب لأن القصد بالإشهاد حفظ النسب والحرية فاختص بوجوب الشهادة كالنكاح، وفارق اللقطة فإن المقصود منها حفظ المال فلم يجب الإشهاد فيها كالبيع * (مسألة) * (وله الإنفاق عليه مما وجد معه بغير إذن حاكم، وعنه ما يدل على أنه لا ينفق
عليه إلا بإذنه) وجملة ذلك أنه ينفق على اللقيط مما وجد معه وما حكم له به فان كان فيه كفايته لم تجب نفقته على أحد لأنه ذو مال فأشبه غيره من الناس ولملتقطه الإنفاق عليه منه بغير إذن الحاكم ذكره ابن حامد لأنه وليه فلم يعتبر في الإنفاق عليه إذن الحاكم كولي اليتيم ولأن هذا من الأمر بالمعروف فاستوى فيه الإمام وغيره كتبديد الخمر، وروى أبو الحارث عن أحمد في رجل أودع رجلاً مالاً وغاب وطالت غيبته وله ولد ولا نفقة له هل ينفق عليهم هذا المستودع من مال الغائب فقال تقوم امرأته إلى الحاكم حتى يأمره بالإنفاق عليهم فلم يجعل له الإنفاق من غير إذن الحاكم فقال بعض أصحابنا هذا مثله والصحيح أن هذا مخالف له من وجهين (أحدهما) أن الملتقط له ولاية على اللقيط وعلى ماله فإن له ولاية أخذه وحفظه (والثاني) أنه ينفق على اللقيط من ماله وهذا بخلافه ولأن الإنفاق على الصبي من مال الله مشروط بكون الصبي محتاجاً إلى ذلك لعدم ماله وعدم نفقة تركها أبوه برسمه وذلك لا يقيل(6/379)
فيه قول المدوع فاحتيج إلى إثبات ذلك عند الحاكم ولا كذلك في مسئلتنا فلا يلزم من وجوب استئذان الحاكم ثم وجوبه في اللقيط، ومتى لم يجد حاكماً فله الإنفاق بكل حال لأنه حال ضرورة وقال الشافعي ليس له أن ينفق بغير إذن حاكم في موضع يجد حاكماً وإن أنفق ضمنه بمنزلة ما لو كان لأبي الصغير وديعة عند إنسان فأنفق عليه منها وذلك لأنه لا ولاية له على ماله وإنما له حق الحضانة فان لم يجد حاكماً ففي جواز الإنفاق وجهان ولنا ما ذكرناه ابتداء ولا نسلم أنه لا ولاية له على ماله فإنا قد بينا أن له أخذه وحفظه وهو أولى الناس، به وذكرنا الفرق بين اللقيط وبين ما قاسوا عليه.
إذا ثبت هذا فالمستحب أن يستأذن الحاكم في موضع يجد حاكماً لأنه أبعد من التهمة وأقطع للظنة وفيه خروج من الخلاف وحفظ لماله من أن يرجع عليه بما أنفق وينبغي أن ينفق، عليه بالمعروف كما ذكرنا في ولي اليتيم فإن بلغ اللقيط واختلفا في قدر ما أنفق وفي التفريط في الإنفاق فالقول قول المنفق لأنه أمين فكان القول قوله في ذلك كولي اليتيم.
* (مسألة) * (فإن كان الملتقط فاسقاً لم تقر في يده وهو قول الشافعي) لأن حفظه للولاية عليه ولا ولاية لفاسق وظاهر كلام الخرقي أنه يقر في يده لقوله وإن لم يكن من وجد اللقيط أميناً منع من السفر به لئلا يدعي رقه، فعلى قوله ينبغي أن يجب الإشهاد عليه ويضم إليه من يشرف عليه لأننا إذا(6/380)
ضمنا إليه في اللقطة من يشرف عليه فههنا أولى قال القاضي والمذهب أنه ينزع من يده، ويفارق اللقطة من ثلاثة أوجه (أحدها) أن في اللقطة معنى الكسب وليس ههنا إلا الولاية (الثاني) أن اللقطة لو انزعناها منه رددناها إليه بعد الحول فلذلك احتطنا عليها مع بقائها في يده وههنا لا يرد إليه بعد الانتزاع منه بحال فكان الانتزاع أحفظ (والثالث) أن المقصود ثم حفظ المال ويمكن الاحتياط عليه بأن يستظهر عليه في التعريف أو ينصب الحاكم من يعرفها وههنا المقصود حفظ الحرية والنسب ولا سبيل إلى الاستظهار عليه لأنه قد يدعي رقه في بعض البلدان أو في بعض الزمان ولأن اللقطة إنما يحتاج إلى حفظها والاحتياط عليها عاماً واحداً وهذا يحتاج إلى الاحتياط عليه في جميع زمانه وقد ذكرنا أن ظاهر قول الخرقي أنه لا ينزع منه لأنه قد ثبتت له الولاية بالتقاطه إياه وسبقه إليه وأمكن حفظه في يديه بالإشهاد عليه وضم أمين يشارفه إليه ويشيع أمره فيظهر أنه لقيط فينحفظ بذلك من غير زوال ولايته جمعاً بين الحقين كاللقطة وكما لو كان الوصي خائناً، قال شيخنا وما ذكره القاضي من الترجيح للقطة يمكن معارضته بأن اللقيط ظاهر مكشوف لا تخفى الخيانة فيه بخلاف اللقطة فإنها خفية تتطرق إليها الخيانة ولا يعلم بها ويمكن أخذ بعضها وتنقيصها وإبدالها بخلاف اللقيط، ولأن المال محل الخيانة والنفوس إلى أخذه داعية بخلاف النفوس فعلى هذا متى أراد هذا الملتقط السفر باللقيط منع منه لأنه يبعده ممن عرف حاله فلا يؤمن أن يدعي رقه ويبيعه(6/381)
(فصل) فإن كان الملتقط مستور الحال لم تعرف منه حقيقة العدالة ولا خيانة أقر اللقيط في يديه لأن حكمه حكم العدل في لقطة المال والولاية في النكاح والشهادة فيه وفي أكثر الأحكام لأن الأصل في المسلم العدالة ولذلك قال عمر رضي الله عنه المسلمون عدول بعضهم على بعض فإن أراد السفر
بلقيطه ففيه وجهان (أحدهما) لا يقر في يديه وهو مذهب الشافعي لأنه لم تتحقق أمانته فلا تؤمن الخيانة منه فيه (والثاني) يقر في يديه لأنه يقر في يديه في الحضر من غير مشرف يضم إليه فأشبه العدل ولأن الظاهر الستر والصيانة، فأما من عرفت عدالته وظهرت أمانته فيقر اللقيط في يده حضراً وسفراً لأنه مأمون إذا كان سفره لغير النقلة * (مسألة) * (فإن كان الملتقط رقيقاً لم يقر في يده) وجملته أنه ليس للعبد التقاط الطفل المنبوذ إذا وجد من يلتقطه سواه لأن منافعه مملوكة لسيده فلا يذهبها في غير نفعه إلا بإذنه ولأنه لا يثبت على اللقيط إلا الولاية ولا ولاية لعبد فإن التقطه لم يقر في يده إلا بإذن السيد فإن أذن له أقر في يده لأنه استعان به في ذلك فصار كما لو التقطه سيده وسلمه إليه، قال ابن عقيل إذا أذن له السيد لم يكن له الرجوع بعد ذلك وصار كما لو التقطه السيد والحكم في الأمة كالحكم في العبد، فأما إن لم يجد أحداً يلتقطه سواه وجب التقاطه لأنه تخليص له(6/382)
من الهلاك فهو كتخليصه من الغرق، والمدبر وأم الولد والمعلق عتقه بصفة كالقن وكذلك المكاتب لأنه ليس له التبرع بماله ولا بمنافعه إلا أن يأذن له سيده في ذلك * (مسألة) * (أو كافراً واللقيط مسلم) ليس للكافر التقاط من حكم بإسلامه لأنه لا ولاية لكافر على مسلم ولأنه لا يؤمن أن يعلمه الكفر بل الظاهر أنه يربيه على دينه وينشأ على ذلك كولده فإن التقطه لم يقر في يده فإن كان الطفل محكوماً بكفره فله التقاطه لأن الذين كفروا بعضهم أولياء بعض * (مسألة) * (أو بدوياً ينتقل في المواضع ففيه وجهان) (أحدهما) أنه يقر في يده لأن الظاهر أنه ابن بدوبين وإقراره في يد ملتقطه أرجى لكشف نسبه (والثاني) يؤخذ منه فيدفع إلى صاحب قرية لأنه أرفه له وأخف عليه * (مسألة) * (وإن وجده في الحضر وأراد نقله إلى البادية لم يقر في يده لوجهين) (أحدهما) أن مقامه في الحضر أصل له في دينه ودنياه وأرفه له (والثاني) أنه إذا وجد في الحضر
فالظاهر أنه ولد فيه فبقاؤه فيه أرجى لكشف نسبه وظهور أهله واعترافهم به * (مسألة) * (وإن التقطه في البادية مقيم في حلة أقر في يده لأنه ينقله من أرض البؤس والشقاء إلى الرفاهية والدعة والدين(6/383)
* (مسألة) * (وإن التقطه في الحضر من يريد نقله الى بلد آخر للإقامة فيه لم يجز في أحد الوجهين) لأن بقاءه في بلده أرجى لكشف نسبه فلم يقر في يده قياساً على المنتقل به إلى البادية (والثاني) يقر في يده والبلد الثاني كالأول في الرفاهية فيقر في يده كالمنتقل من أحد جانبي البلد إلى الجانب الآخر وفارق المنتقل به إلى البادية لأنه يضر به بتفويت الرفاهية عليه * (مسألة) * (وإن التقطه اثنان قدم الموسر على المعسر والحاضر على المسافر فإن استويا وتشاحا أقرع بينهما) إذا التقطه اثنان وتناولاه تناولاً واحداً لم يخل من ثلاثة أقسام (أحدها) أن يكون أحدهما ممن يقر في يده كالمسلم العدل الحر والآخر لا يقر في يديه كالكافر إذا كان الملتقط التقطه وحده ولأن الشريك لو التقطه وحده لم يسلم إليه فإذا شاركه من هو من أهل الالتقاط كان أولى باالتسليم إليه وإقراره في يده (والثاني) أن يكونا جميعاً ممن لا يقر في يدي واحد منهما فإنه ينزع منهما ويسلم إلى غيرهما (الثالث) أن يكون كل واحد منهما ممن يقر في يده لو انفرد إلا أن أحدهما أحظ للقيط من الآخر بأن يكون أحدهما موسراً والآخر معسراً فالموسر أحق لأن ذلك أحظ للطفل وكذلك إن كان أحدهما مقيماً والآخر مسافراً لأنه أرفق بالطفل (فصل) وإن التقط مسلم وكافر طفلاً محكوماً بكفره فالمسلم أحق وقال أصحابنا وأصحاب الشافعي(6/384)
هما سواء لأن للكافر ولاية على الكافر ويقر في يده إذا انفرد بالتقاطه فساوى المسلم في ذلك ولنا أن دفعه إلى المسلم أحظ له لأنه يصير مسلماً فيسعد في الدنيا والآخرة وينجو من النار ويتخلص من الجزية والصغار، فالترجيح بهذا أولى من الترجيح باليسار الذي إنما يتعلق به توسعة عليه في الإنفاق وقد يكون الموسر بخيلاً فلا تحصل التوسعة فإن تعارض الترجيحان فكان المسلم فقيراً
والكافر موسراً فالمسلم أولى لأن النفع الحاصل له بإسلامه أعظم من النفع الحاصل له بيساره مع كفره وعندهم يقدم الكافر وعلى قياس قولهم في تقديم الموسر ينبغي أن يقدم الجواد على البخيل لأن حظ الطفل عنده أكثر من الجهة التي يحصل له الحظ فيها باليسار، فإن تساويا وتشاحا أقرع ببنهما وإذا تساويا في الأوصاف التي تقتضي تقديم أحدهما على الآخر فرضي أحدهما بتسليمه إلى صاحبه جاز لأن الحق له فلا يمنع من الإيثار به وإن تشاحا أقرع بينهما لقوله تعالى (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم) ولأنه لا يمكن كونه عندهما في حالة واحدة وإن تهايآه يوماً ويوماً أو أكثر أضر بالطفل لاختلاف الأغذية عليه والأنس والألف ولا يمكن دفعه إلى أحدهما من غير قرعة لأن حقهما متساو فتقديم أحدهما بغير قرعة تحكم لا يجوز فتعين الإقراع بينهما كما يقرع بين الشركاء في تعيين السهام في القسمة وبين النساء في البداية بالقسمة وبين العبيد في الإعتاق والرجل والمرأة سواء ولا(6/385)
ترجح المرأة ههنا كما ترجح في حضانة ولدها على أبيه لأنها رجحت ثم لشفقتها على ولدها وتوليها لحضانته بنفسها والأب يحضنه بأجنبية فكانت أمه أحظ له وأرفق به أما ههنا فهي أجنبية من اللقيط والرجل يحضنه بأجنبية فاستوتا، ومذهب الشافعي على ما ذكرنا فإن كان أحدهما مستور الحال والآخر ظاهر العدالة احتمل ترجيح ظاهر العدالة لأن المانع من الالتقاط منتف في حقه بغير شك والآخر مشكوك فيه فيكون الحظ للطفل في تسليمه إليه أتم ويحتمل أن يتساويا لأن احتمال وجود المانع لا يؤثر في المنع فلا يؤثر في الترجيح (فصل) فإن رأياه جميعاً فسبق إليه أحدهما فأخذه أو وضع يده عليه فهو أحق به لقوله عليه السلام " من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به " فإن رآه أحدهما قبل صاحبه فسبق إلى أخذه الآخر فالسابق إلى أخذه أحق لأن الالتقاط هو الأخذ دون الرؤية فإن قال أحدهما لصاحبه ناولنيه فأخذه الآخر نظرنا إلى نيته فإن نوى أخذه لنفسه فهو أحق به كما لو لم يأمره الآخر بمناولته إياه وإن نوى مناولته فهو للآخر لأنه فعل ذلك بنية النيابة عنه فأشبه ما لو توكل له في تحصيل مباح * (مسألة) * (فإن اختلفا في الملتقط منهما قدم من له بينة)
لأنها أقوى فإن كان لكل واحد منهما بينة قدم أسبقهما تاريخاً لأن الثاني إنما أخذ ما قد ثبت الحق فيه لغيره فإن استوى تاريخهما أو اطلقتا أو أرخت إحداهما وأطلقت الأخرى تعارضتا وهل(6/386)
يسقطان أو يستعملان؟ فيه وجهان (أحدهما) يسقطان فيصيران كمن لا بينة لهما (والثاني) يستعملان ويقرع بينهما فمن قرع صاحبه فهو أولى، ونذكر ذلك في بابه إن شاء الله تعالى فإن كان اللقيط في يد أحدهما فهل تقدم بينته أو تقدم بينة الخارج فيه وجهان مبنيان على الروايتين في دعوى المال * (مسألة) * (فإن لم يكن لهما بينة قدم صاحب اليد فيكون القول قوله مع يمينه أنه التقطه) ذكره أبو الخطاب وهو قول الشافعي وقال القاضي قياس المذهب أنه لا يحلف كما في الطلاق والنكاح ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه " رواه مسلم * (مسألة) * (فإن كان في أيديهما أقرع بينهما فيسلم إلى من تقع له القرعة مع يمينه) وعلى قول القاضي لا يشرع اليمين ههنا ويسلم إليه بمجرد وقوع القرعة له * (مسألة) * (فإن لم يكن لهما يد فوصفه أحدهما قدم) نحو أن يقول في ظهره شامة أو بجسده علامة فيقدم بذلك ذكره أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة وقال الشافعي لا يقدم بالصفة كما لو وصف المدعي المدعى فإن دعواه لا تقدم بذلك ولنا أن هـ؟ انوع من اللقطة فقدم بوصفها كلقطة المال ولأن ذلك يدل على قوة يده فكان(6/387)
مقدماً بها، وقياس اللقيط على اللقطة أولى من قياسه على غيرها لأن اللقيط لقطة، وإن لم يصفه أحدهما فقال القاضي وابو الخطاب يسلمه الحاكم إلى من يرى منهما أو من غيرهما لأنه لا حق لهما قال شيخنا والأولى أن يقرع بينهما كما لو كان في أيديهما لأنهما تنازعا حقاً في يد غيرهما أشبه ما لو تنازعا وديعة عند غيرهما * (فصل) * قال رحمه الله (وميراث اللقيط وديته إن قتل لبيت المال إن لم يخلف وارثاً، ولا ولاء عليه) وإنما يرثه المسلمون لأنهم خولوا كل مال لا مالك له ولأنهم يرثون مال من لا وارث له غير اللقيط
فكذلك اللقيط وهو قول مالك والشافعي وأكثر أهل العلم، وقال شريح واسحاق عليه الولاء لملتقطه لقول عمر رضي الله عنه لأبي جميلة في لقيطه هو حر ولك ولاؤه ولما روى واثلة بن الاسقع قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " المرأة تحوز ثلاث مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه " أخرجه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الولاء لمن أعتق " ولأنه لم يثبت عليه رق ولا على آبائه فلم يثبت عليه ولاء كمعروف النسب ولأنه لا ولاء عليه ان كان ابن حرين، وإن كان ابن معتقين فلا يكون عليه ولاء لغير معتقهما وحديث واثلة لا يثبت قاله ابن المنذر وقال في خبر عمر أبو جميلة رجل مجهول لا تقوم بحديثه حجة، ويحتمل أن يكون عمر رضي الله عنه عنى بقوله لك ولاؤه ولاية القيام به وحفظه ولذلك ذكره عقيب قول عريفه إنه رجل صالح وهذا يقتضي تفويض الولاية إليه لكونه مأموناً عليه دون الميراث(6/388)
إذا ثبت هذا فحكم اللقيط في الميراث حكم من عرف نسبه وانقرض أهله يدفع الى بيت المال إذا لم يكن له وارث فإن كانت له زوجة فلها الربع والباقي لبيت المال كمن عرف نسبه والله أعلم فإن قتل خطأ فالدية لبيت المال لأن حكمها حكم الميراث وهو لبيت المال كذلك الدية * (مسألة) * (وإن قتل عمداً فوليه الإمام إن شاء اقتص وإن شاء أخذ الدية) أي ذلك فعل جاز إذا رآه أصلح وبه قال أبو حنيفة والشافعي وابن المنذر إلا أن أبا حنيفة يخيره بين القصاص والمصالحة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " فالسلطان ولي من لا ولي له " ومتى عفا على مال أو صالح عليه كان لبيت المال كجناية الخطأ الموجبة للمال.
* (مسألة) * (وان قطع طرفه عمداً انتظر بلوغه إلا أن يكون فقيراً مجنوناً فللإمام العفو على مال ينفقه عليه) إذا جنى على اللقيط جناية فيما دون النفس توجب المال قبل بلوغه فلوليه أخذ الأرش وإن كانت موجبة للقصاص وله مال يكفيه وقف الأمر على بلوغه ليقتص أو يعفو سواء كان عاقلاً أو معتوهاً وكذلك إن لم يكن له مال وكان عاقلاً وإن كان معتوهاً فللإمام العفو على مال ينفق عليه لأن المعتوه
ليست له حال معلومة تنتظر لأن ذلك قد يدوم به بخلاف العاقل فإن له حالة تنتظر ويحبس الجاني في الحال التي ينتظر بلوغه حتى يبلغ ويستوفي لنفسه وهذا مذهب الشافعي وقد روي عن أحمد أن(6/389)
للإمام استيفاء القصاص له قبل بلوغه وهو مذهب أبي حنيفة لأنه أحد نوعي القصاص فكان للإمام استيفاؤه عن اللقيط كالنفس ولنا أنه قصاص لم يتحتم استيفاؤه فوقف على من هو له كما لو كان بالغاً غائباً، وفارق القصاص في النفس لأن القصاص ليس هو له بل هو لوارثه والإمام المتولي له (فصل) إذا جنى اللقيط جناية تحملها العاقلة فهي على بيت المال لأن ميراثه له ونفقته عليه وان جنى جناية لا تحملها العاقلة فحكمه فيها حكم غير اللقيط إن كانت توجب القصاص وهو بالغ عاقل اقتص منه وإن كانت موجبة للمال وله مال استوفي منه وإلا كان في ذمته حتى يوسر وإن قذف اللقيط بعد بلوغه محصناً حد ثمانين لأنه حر * (مسألة) * وإن ادعى الجاني عليه أو قاذفه رقه وكذبه اللقيط بعد بلوغه فالقول قول اللقيط) إذا قذف اللقيط قاذف وهو محصن فعليه الحد فإن ادعى القاذف رقه فصدقه اللقيط سقط الحد لإقرار المستحق بسقوطه وإن ادعى أنه عبد فصدقه وجب على القاذف التعزير لقذفه من ليس بمحصن وإن كذبه اللقيط فالقول قوله لأنه محكوم بحريته فقوله موافق للظاهر ولذلك أوجبنا عليه حد الحر إذا كان قاذفاً، وإن ادعى الجاني رقه وكذبه اللقيط وادعى الحرية أوجبنا له القصاص وإن كان الجاني(6/390)
حراً لما ذكرنا، قال شيخنا ويحتمل أن يكون القول قول القاذف لأنه يحتمل صحة قوله بأن يكون ابن أمة فيكون ذلك شبهة والحد يندرئ بالشبهات، وفارق القصاص له إذا ادعى الجاني عليه أنه عبد لأن القصاص ليس بحد وإنما وجب حقاً لآدمي ولذلك جازت المصالحة عنه وأخذ بدله بخلاف حد القذف وإن قلنا أن القذف حق لآدمي فهو كالقصاص ويخرج من هذا أن اللقيط إذا كان قاذفاً فادعى أنه عبد ليجب عليه حد العبد قبل منه لذلك والأول أصح لأن من كان محكوماً بحريته لا يسقط الحد عن قاذفه باحتمال رقه بدليل مجهول النسب ولو سقط لهذا الاحتمال لسقط وإن لم يدع القاذف رقه
لأنه موجود وإن لم يدعه.
* (مسألة) * (وإذا ادعى إنسان أنه مملوكه لم يقبل إلا ببينة تشهد أن أمته ولدته في ملكه ويحتمل أن لا يعتبر قولها في ملكه) وجملة ذلك أنه إذا ادعى رق اللقيط مدع سمعت دعواه لأنها ممكنة وإن كانت مخالفة لظاهر الدار فإن لم يكن له بينة فلا شئ له لأنها دعوى تخالف الظاهر، وتفارق دعوى النسب من وجهين (أحدهما) إن دعوى النسب لا تخالف الظاهر ودعوى الرق تخالفه (والثاني) أن دعوى النسب يثبت بها حقاً للقيط ودعوى الرق يثبت بها حقاً عليه فلم تقبل بمجردها كما لو ادعى رق غير اللقيط فإن لم يكن له بينة سقطت الدعوى وإن كانت له بينة فشسهدت بالملك أو باليد لم يقبل فيه إلا شهادة رجلين أو رجل(6/391)
وامرأتين وإن شهدت بالولادة قبل فيه رجل واحد وامرأة واحدة لأنه مما لا يطلع عليه الرجال ومتى شهدت البينة باليد فإن كانت للملتقط لم يثبت بها ملك لأننا عرفنا سبب يده وإن كانت لأجنبي حكم له باليد والقول قوله مع يمينه في الملك، وإن شهدت بالملك فقالت نشهد أنه عبده أو مملوكه حكم بها وإن لم تذكر سبب الملك كما لو شهدت بملك دار أو ثوب فإن شهدت بأن أمته ولدته في ملكه حكم له به لأن أمته لا تلد في ملكه إلا ملكه وإن شهد أنه ابن أمته أو أن أمته ولدته ولم يقل في ملكه احتمل أن يثبت له الملك بذلك كقولها في ملكه لأن أمته ملكه فنماؤها ملكه كسمنها واحتمل أن لا يثبت به الملك لأنه يجوز أن تلده قبل ملكه إياها فلا يكون له وهو ابن أمته (فصل) فإن كانت الدعوى بعد بلوغ اللقيط كلف إجابته فإن أنكر ولا بينة للمدعي لم تقبل دعواه وإن كانت له بينة حكم بها فإن كان اللقيط قد تصرف قبل ذلك ببيع أو شراء نقضت تصرفاته لأن تصرفه كان بغير إذن مالكه.
* (مسألة) * (وإن أقر بالرق بعد بلوغه لم يقبل وعنه يقبل وقال القاضي يقبل فيما عليه رواية واحدة وهل يقبل في غيره؟ على روايتين) إذا ادعى إنسان رق اللقيط بعد بلوغه فصدقه وكان قد اعترف بالحرية لنفسه قبل ذلك لم يقبل
إقراره بالرق لأنه اعترف بالحرية وهي حق لله تعالى فلا يقبل رجوعه في إبطالها، وإن لم يكن اعترف(6/392)
بالحرية احتمل وجهين (أحدهما) يقبل وهو قول أصحاب الرأي لأنه مجهول الحال أقر بالرق فقبل كما لو قدم رجلان من دار الحرب فأقر أحدهما للآخر بالرق وكإقراره بالحد والقصاص في نفسه فإنه يقبل وإن تضمن فوات نفسه ويحتمل أن لا يقبل قال شيخنا وهو الصحيح لأنه يبطل به حق الله تعالى في الحرية المحكوم بها فلم يصح كما لو أقر بالحرية قبل ذلك ولأن الطفل المنبوذ لا يعلم رق نفسه ولا حريتها ولم يتجدد له حال يعرف به رق نفسه لأنه في تلك الحال ممن لا يعقل ولم يتجدد له رق بعد التقاطه فكان إقراره باطلاً وهذا قول ابن القاسم وابن المنذر وللشافعي وجهان كما ذكرنا فإن قلنا يقبل إقراره صارت أحكامه أحكام العبيد فيما عليه خاصة وهذا الذي قاله القاضي، وبه قال أبو حنيفة والمزني وهو أحد قولي الشافعي لأنه أقر بما يوجب حقاً عليه وحقاً له فوجب أن يثبت ما عليه دون ما له كما لو قال لفلان علي ألف ولي عنده رهن وفيه وجه آخر أنه يقبل إقراره في الجميع وهو القول الثاني للشافعي لأنه يثبت ما عليه فيثبت ماله كالبينة ولأن هذه الأحكام تبع للرق فإذا ثبت الأصل بقوله ثبت التبع كما لو شهدت امرأة بالولادة ثبتت وثبت النسب تبعاً لها (فصل) فأما إن أقر بالرق ابتداء الانسان فصدقه فهو كما لو أقر به جواباً وإن كذبه بطل إقراره فإن أقر به بعد ذلك لرجل آخر جاز، وقال بعض أصحابنا يتوجه أن لا يسمع إقراره الثاني لأن إقراره الأول يتضمن الاعتراف بنفي مالك له سوى المقر له فإذا بطل إقراره برد المقر له بقي الاعتراف بنفي مالك له غيره فلم يقبل إقراره بما نفاه كما لو أقر بالحرية ثم أقر بعد ذلك بالرق(6/393)
ولنا أنه إقرار لم يقبله المقر له فلم يمنع إقراره ثانياً كما لو اقر له بثوب ثم أقر به لآخر بعد رد الأول وفارق الإقرار بالحرية فإن الإقرار بها لم يبطل ولم يرد (فصل) فإذا قبلنا إقراره بالرق بعد نكاحه وهو ذكر وكان قبل الدخول فسد النكاح في حقه لأنه عبد تزوج بغير إذن مواليه ولها عليه نصف المهر لأنه حق عليه فلم يسقط بقوله وإن كان بعد الدخول فسد نكاحه
وليه المهر كله لما ذكرنا لأن الزوج يملك الطلاق فإذا أقر به قبل وولده حر تابع لأمه وإن كان متزوجاً بأمة فولده لسيدها ويتعلق المهر برقبته لأن ذلك من جناياته يفديه سيده أو يسلمه وإن كان في يده كسب استوفي المهر منه لأنه لم يثبت إقراره به لسيده بالنسبة إلى امرأته ولا ينقطع حقها منه بإقراره، وإن قلنا يقبل قوله في جميع الأحكام فالنكاح فاسد لكونه تزوج بغير إذن سيده ويفرق بينهما ولا مهر لها عليه إن لم يكن دخل بها، وإن كان دخل بها فلها عليه المهر المسمى في إحدى الروايتين والأخرى خمساه (فصل) وإن كان اللقيط أنثى وقلنا يقبل فيما عليه خاصة فالنكاح صحيح في حقه فإن كان قبل الدخول فلا مهر لها لإقرارها بفساد نكاحها أو أنها أمة تزوجت بغير إذن سيدها والنكاح الفاسد لا يجب المهر فيه إلا بالدخول وإن كان دخل بها لم يسقط مهرها ولسيدها الأقل من المسمى أو مهر المثل لأن المسمى إن كان أقل فالزوج ينكر وجوب الزيادة عليه وقولها غير مقبول في حقه وإن كان الأقل مهر المثل فهي وسيدها يقران بفساد النكاح وإن الواجب مهر المثل فلا يجب أكثر منه إلا(6/394)
على الرواية التي يجب فيها المسمى في النكاح الفاسد فيجب ههنا قل أو كثر لإقرار الزوج بوجوبه، وأما الأولاد فأحرار لا تحب قيمتهم لأنها لو وجبت لوجبت بقولها ولا يجب بقولها حق على غيرها ولا يثبت الرق في حق أولادها بقولها فأما إبقاء النكاح فيقال للزوج قد ثبت أنها أمة ولدها رقيق لسيدها فإن اخترت المقام على ذلك فأقم وإن شئت ففارقها وسواء كان ممن يجوز له نكاح الإماء أو لم يكن لأننا لو اعتبرنا ذلك وأفسدنا نكاحه لكان إفساداً للعقد جميعه بقولها لأن شروط نكاح الأمة لا تعتبر في استدامة العقد إنما تعتبر في ابتدائه فإن قيل فقد قبلتم قولها في أنها أمة في المستقبل وفيه ضرر على الزوج قلنا لم يقبل قولها في إيجاب حق لم يدخل في العقد عليه فأما الحكم في المستقبل فيمكن إبقاء حقه وحق من ثبت له الرق عليها بأن يطلقها فلا يلزمه ما لم يدخل عليه أو يقيم على نكاحها فلا يسقط حق سيدها فإن طلقها اعتدت عدة الحرة لأن عدة الطلاق حق للزوج بدليل أنها لا تجب إلا بالدخول وسببها النكاح السابق فلا يقبل قولها في تنقيصها وإن مات اعتدت عدة الأمة لأن المغلب فيها حق الله تعالى بدليل وجوبها قبل الدخول فقبل قولها فيها وإن قلنا بقبول قولها في جميع
الاحكام فهي أمة تزوجت بغير إذن سيدها فنكاحها فاسد ويفرق بينهما ولا مهر لها إن كان قبل الدخول وإن كان دخل بها وجب لها مهر أمة تزوجت بغير إذن سيدها على ما ذكر في موضعه، وهل يجب مهر المثل أو المسمى؟ فيه روايتان، وتعتد حيضتين لأنه وطئ في نكاح فاسد وأولاده أحرار(6/395)
لاعتقاده حريتها فهو مغرور عليه قيمتهم يوم الوضع وإن مات فليس عليها عدة الوفاة.
(فصل) فإن كان قد تصرف ببيع أو شراء فتصرفه صحيح وما عليه من الحقوق والأثمان يؤدى مما في يده وما بقي ففي ذمته لأن معامله لا يقر برقه وان قلنا بقبوله إقراره في جميع الاحكام فسدت عقوده كلها ووجب رد الأعيان إلى أربابها إن كانت باقية وإن كانت تالفة وجبت قيمتها في رقبته أو في ذمته على ما ذكرنا في استدانة العبد لأنه ثبت برضى صاحبه (فصل) فإن كان قد جنى جناية موجبة للقصاص فعليه القود حراً كان المجني عليه أو عبداً لأن إقراره بالرق يقتضي وجوب القود عليه فيما إذا كان المجني عليه عبداً أو حراً فقبل إقراره فيه وإن كانت الجناية خطأ تعلق أرشها برقبته لان ذك مضر به فإن كان أرشها أكثر من قيمته وكان في يده مال استوفي منه، وإن كان مما تحمله العاقلة لم يقبل قوله في إسقاط الزيادة لان ذك يضر بالمجني عليه فلا يقبل قوله فيه وقيل تجب الزيادة في بيت المال لأن ذلك كان واجباً للمجني عليه فلا يقبل قوله في إسقاطه وإن جنى عليه جناية موجبة للقود وكان الجاني حراً سقط لأن الحر لا يقاد بالعبد وقد أقر المجني عليه بما يسقط القصاص وإن كانت موجبة للمال تقل بالرق وجب أقل الأمرين وإن كان مساوياً للواجب قبل الإقرار وجب ويدفع الواجب إلى سيده وإن كان الواجب يكثر لكونه قيمته عبداً أكثر من ديته حراً لم يجب إلا أرش الجناية على الحر وإن قلنا يقبل قوله في جميع الأحكام وجب(6/396)
أرش الجناية على العبد وإن كان الأرش تحمله العاقلة إذا كان حراً سقط عن العاقلة ولم يجب على الجاني لأن إقراره بالرق يتضمن إقراره بالسقوط عن العاقلة ولم يقبل إقراره على الجاني فسقط، وقيل لا يتحول عن العاقلة وعلى قول من قال: يقبل إقراره في الأحكام كلها يوجب الأرش على الجاني والله أعلم
* (مسألة) * (وإن قال إني كافر لم يقبل قوله وحكمه حكم المرتد، وقيل يقبل إلا أن يكون قد نطق بالإسلام وهو لا يعقله) وجملة ذلك إنا في الموضع الذي حكمنا بإسلام اللقيط إنما ذلك ظاهراً لا يقيناً لاحتمال أن يكون ولد كافرين ولهذا لو أقام كافر بينة انه ولده ولد على فراشه حكمنا له به وسنذكر ذلك، ومتى بلغ اللقيط حداً يصح فيه إسلامه وردته فوصف الإسلام فهو مسلم سواء كان ممن حكم بإسلامه أو كفره ولا يقبل إقراره بالكفر بعد ذلك لأنه إنكار بعد إقراره فلا يقبل كغيره وإن وصف الكفر وهو ممن حكم بإسلامه بالدار فهو مرتد لا يقر على كفره، وبهذا قال أبو حنيفة، وذكر القاضي وجهاً أنه يقر على كفره، وهو منصوص الشافعي لأن قوله أقوى من ظاهر الدار وهذا وجه بعيد لأن دليل الإسلام وجد عرياً عن المعارض فثبت حكمه واستقر فلا تجوز إزالة حكمه كما لو كان ابن مسلم ولأن قوله لا دلالة فيه أصلاً لأنه لا يعرف في الحال من كان أبوه ولا ما كان دينه؟ وإنما يقول هذا من تلقاء نفسه فعلى هذا إذا بلغ استتيب ثلاثاً فإن تاب وإلا قتل فأما على قولهم فقال القاضي إن وصف(6/397)
كفراً يقر عليه بالجزية عقدت له الذمة، فإن امتنع من التزامها ووصف كفراً لا يقر أهله ألحق بمأمنه، قال شيخنا وهذا بعيد جداً فإن هذا اللقيط لا يخلو إما أن يكون ابن حربي فهو حاصل في أيدي المسلمين بغير عهد ولا عقد فيكون لواجده ويصير مسلما باسلام سابيه، أو يكون ابن ذميين أو أحدهما ذمي فلا يقر على الانتقال إلى غير دين أهل الكتاب، أو يكون ابن مسلم أو مسلمين فيكون مسلماً، وقد قال أحمد في أمة نصرانية ولدت من فجور، ولدها مسلم لأن أبويه يهودانه وينصرانه وهذا ليس معه إلا أمه، وإذا لم يكن لهذا الولد حال يحتمل أن يقر فيها على دين لا يقر أهله عليه فكيف يرد إليه دار الحرب؟ * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (وإن أقر إنسان أنه ولده الحق به مسلما كان أو كافراً رجلاً أو امرأة حياً كان اللقيط أو ميتاً) وجملة ذلك أنه إذا ادعى مدع نسب اللقيط لم يخل من قسمين (أحدهما) أن يدعيه واحد ينفرد
بدعوته فإن كان المدعى حراً مسلماً لحقه نسبه إذا أمكن أن يكون منه بغير خلاف بين أهل العلم، لأن الإقرار محض يقع للطفل لإيصال نسبه ولا ضرر على غيره فيه فقبل كما لو أقر له بمال فإن كان المقر به ملتقطه أقر في يده، وإن كان غيره فله أن ينزعه من الملتقط لأنه قد ثبت أنه أبوه فيكون أحق به كما لو قامت به بينة.(6/398)
(فصل) فإن كان المدعي عبداً ألحق به لأن لمائه حرمة فلحق به نسبه كالحر وهذا قول الشافعي وغيره غير أنه لا تثبت له حضانة لأنه مشغول بخدمة سيده ولا تجب عليه نفقته لأنه لا مال له ولا تجب على سيده لأن الطفل محكوم بحريته فعلى هذا تكون نفقته في بيت المال (فصل) فإن كان المدعي ذمياً لحق به لأنه أقوى من العبد في ثبوت الفراش فان يثبت له النكاح والوطئ في الملك وقال أبو ثور لا يلحق به لأنه محكوم بإسلامه ولنا أنه أقر بنسب مجهول النسب يمكن أن يكون منه وليس في إقراره إضرار لغيره فيثبت إقراره كالمسلم.
* (مسألة) * ولا يتبع الكافر في دينه إلا أن يقيم بينة أنه ولد على فراشه) وجملة ذلك أنه يتبع الكافر في النسب لا في الدين ولا حق له في حضانته ولا يسلم إليه لأنه لا ولاية للكافر على المسلم وقال الشافعي في أحد قوليه يتبعه في دينه لأن كل ما لحق به بنسبه لحقه به في دينه كالبينة إلا أنه يحال بينه وبينه ولنا أن هذا محكوم بإسلامه فلا يقبل قول الذمي في كفره كما لو كان معروف النسب ولأنها دعوى تخالف الظاهر فلم تقبل بمجردها كدعوى رقه، ولأنه لو تبعه في دينه لم يقبل إقراره بنسبه لأنه يكون إضراراً به فلا يقبل كدعوى الرق، أما مجرد النسب بدون إتباعه في الدين فمصلحة عارية(6/399)
عن الضرر فقبل قوله فيه ولا يجوز قبوله فيما هو أعظم الضرر والخزي في الدنيا والآخرة، فإن أقام بينة أنه ولد على فراشه لحق به نسباً وديناً كذلك ذكره ههنا وهو قول بعض أصحابنا لأنه ثبت أنه
ابنه ببينة، وقياس المذهب أنه لا يلحقه في الدين إلا أن تشهد البينة أنه ولد كافرين حيين لأن الطفل يحكم بإسلامه بإسلام أحد أبويه أو موته (فصل) فإن كان المدعي امراة فروي عن أحمد أن دعوتها تقبل ويلحقها نسبه لأنها أحد الابوبن أشبهت الأب، ولأنه يمكن كونه منها كما يمكن أن يكون من الرجل بل أكثر لأنها تأتي به من زوج ووطئ شبهة ويلحقها ولدها من الزنا دون الرجل، وقد روي في قصة داود وسليمان عليهما السلام حين تحاكم إليهما امرأتان كان لهما ابنان فذهب الذئب بأحدهما فادعت كل واحدة منهما أن الباقي ابنها فحكم به داود للكبرى وحكم به سليمان للصغرى بمجرد الدعوى منهما، وهذا قول بعض أصحاب الشافعي، فعلى هذه الرواية يلحق بها دون زوجها لأنه لا يجوز أن يلحقه نسب ولد لم يقر به، ولذلك إذا ادعى الرجل نسبه لم يلحق بزوجته، فإن قيل الرجل يمكن أن يكون له ولد من امرأة أخرى ومن أمته والمرأة لا يحل لها نكاح غير زوجها ولا يحل لغيره وطؤها قلنا يمكن أن تلد من وطئ شبهة أو غيره، وإن كان الولد يحتمل أن يكون موجوداً قبل تزوجها بهذا الزوج أمكن أن يكون من زوج آخر، فإن قيل إنما قبل الإقرار بالنسب من الزوج لما فيه من المصلحة ودفع العار عن الصبي وصيانته عن النسبة(6/400)
إلى كونه ولد زنا ولا يحصل هذا بإلحاق نسبه بالمرأة بل في إلحاق نسبه بها دون زوجها يطرق العار إليه وإليها قلنا بل قبلنا دعواه لأنه يدعي حقاً لا منازع له فيه ولا مضرة فيه على أحد فقبل قوله فيه كدعوى المال وهذا متحقق في دعوى المرأة، وروى عن أحمد أنها إن كانت ذات زوج لم يثبت النسب بدعوتها لإفضائه إلى إلحاق النسب بزوجها بغير إقراره ولا رضائه أو إلى أن امرأته وطئت بزنا أو شبهة وفي ذلك ضرر عليه فلا يقبل قولها فيما يلحق الضرر به وإن لم يكن لها زوج قبلت دعوتها لعدم الضرر، وهذا قول بعض أصحاب الشافعي أيضاً، وروى عن أحمد رواية ثالثة نقلها الكوسنج عن أحمد في امرأة ادعت ولداً إن كان لها إخوة أو نسب معروف فلا تصدق إلا ببينة وإن لم يكن لها دافع لم يخل بينهما وبينه لأنه إذا كان لها أهل وناس معروف لم تخف ولادتها عليهم ويتضررون بإلحاق النسب بها لما فيه من تعييرهم بولادتها من غير زوجها وليس كذلك إذا لم يكن لها أهل قال شيخنا
ويحتمل أن لا يثبت النسب بدعوتها بحال وهذا قول الثوري والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن النسب لا يثبت بدعوة المرأة لأنها يمكنها إقامة البينة على الولادة فلا يقبل قولها بمجرده كما لو علق زوجها طلاقها بولادتها ولنا أنها أحد الوالدين أشبهت الأب وإمكان البينة لا يمنع قبول القول كالرجل فان يمكنه إقامة(6/401)
البينة ان هذا ولد على فراشه وإن كان المدعي أمة أي كالحرة إلا أنا إذا قبلنا دعوتها في نسبه لم نقبل قولها في رقه لأننا لا نقبل الدعوى فيما يضره كما لم نقبل الدعوى في كفره إذا ادعى نسبه كافر * (مسألة) * (فإن ادعان اثنان أو أكثر لأحدهما بينة قدم بها فإن استووا في بينة أو عدمها عرض معهما على القافة أو مع أقاربهما إن ماتا) الكلام في ذلك في فصول (أحدها) أنه إذا ادعاه مسلم وكافر وحر وعبد فهما سواء وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة المسلم أولى من الذمي والحر أولى من العبد لأن على اللقيط ضرراً في إلحاقه بالعبد والذمي فيكون إلحاقه بالحر المسلم أولى كما لو تنازعوا في الحضانة ولنا أن كل واحد لو انفرد صحت دعوته فإذا تنازعوا تساووا في الدعوى كالأحرار المسلمين وما ذكروه من الضرر لا يتحقق فإننا لا نحكم برقه ولا كفره ولا يشبه النسب الحضانة بدليل أننا نقدم في الحضانة الموسر والحضري ولا نقدمهما في دعوى النسب ولأن الحضانة انما يراعي فيهما حق الطفل حسب وههنا ينبغي أن يراعى حق المدعي أيضاً قال إبن المنذر إذا كان عند امرأته أمة في أيديهما صبي فادعى رجل من العرب امرأته عربية أنه ابنه من امرأته وأقام العبد بينة بدعواه فهو ابنه في قول أبي ثور وغيره وقال أصحاب الرأي يقضى به للعربي للعتق الذي يدخل فيه وكذلك إن كان المدعي من الموالي عندهم قال شيخنا وهذا غير صحيح لأن العرب وغيرهم في أحكام الله تعالى ولحوق النسب بهم سواء.(6/402)
(الفصل الثاني) أنه إذا ادعاه اثنان أو أكثر وكان لأحدهما بينة فهو ابنه وإن أقام كل واحد
منهم بينة تعارضت وسقطت لأنه لا يمكن استعمالها ههنا لأن استعمالها في المال إما بقسمته بين المتنازعين ولا يمكن ههنا أو بالقرعة لا يثبت بها النسب فإن قيل إنما يثبت ههنا بالبينة لا بالقرعة وإنما القرعة مرجحة قلنا فيلزم أنه إذا اشترك رجلان في وطئ امرأة وأتت بولد أن يقرع بينهما ويكون لحوقه بالوطئ لا بالقرعة (الفصل الثالث) أنه إذا لم تكن بينة أو تعارضت بينتان وسقطتا أري القافة معهما أو مع عصبتهما عند فقدهما فنلحقه بمن ألحقته به منهما هذا قول أنس وعطاء والاوزاعي والليث والشافعي وأبي وقال أصحاب الرأي لا حكم للقافة ويلحق بالمدعيين جميعاً لأن الحكم بالقيافة مبني على الشبه والظن والتخمين فان اشبه يوجد بين الأجانب وينتفي بين الأقارب ولهذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم إن رجلاً أتاه فقال يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلاماً أسود فقال " هل لك من ابل؟ قال نعم - قال - فما الوانها؟ قال حمر - قال فيها من أورق؟ قال - نعم - قال أين أتاها ذلك؟ قال لعل عرقاً نزع قال - وهذا لعل عرقاً نزع " متفق عليه قالوا ولو كان الشبه كافياً لاكتفي به في ولد الملاعنة وفيها إذا أقر أحد الورثة بأخ فأنكره الباقون.
ولنا ما روى عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها مسروراً تبرق(6/403)
أسارير وجهه فقال " ألم تري أن محرزاً نظر آنفاً إلى زيد وأسامة وقد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض؟ " متفق عليه فلولا جواز الاعتماد على القيافة لما سر به النبي صلى الله عليه وسلم ولا اعتمد عليه ولأن عمر رضي الله عنه قضى به بحضرة الصحابة فلم ينكره منكر فكان إجماعاً ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في ولد الملاعنة " انظروها فإن جاءت به حمش الساقين كأنه وحرة فلا أراه إلا قد كذب عليها وإن جاءت به جعداً جمالياً سابغ الإليتين خدلج الساقين فهو الذي رميت به " فأتت به على النعت المكروه فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لولا الأيمان لكان لي ولها شأن " فحكم به النبي صلى الله عليه وسلم الذي أشبهه منهما وقوله " لولا الأيمان لكان لي ولها شأن يدل على أنه لم يمنعه من العمل بالشبه إلا الإيمان فإذا انتفى المانع يجب العمل به لوجود مقتضيه وكذلك قول
النبي صلى الله عليه وسلم في ابن أمة زمعة حين رأى به شبهاً بيناً بعتبة بن أبي وقاص احتجبي منه يا سودة فعمل بالشبه في حجب سودة فإن قيل فالحديثان حجة عليكم إذ لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم بالشبه فيهما بل ألحق الولد بزمعة وقال لعبد بن زمعة " هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر " ولم يعمل بشبه ولد الملاعنة في اقامة الحد عليها لشبهه بالمقذوف قلنا إنما لم يعمل به في ابن أمة زمعة لأن الفراش أقوى وترك العمل بالبينة لمعارضة ما هو أقوى منها لا يوجب الإعراض(6/404)
عنها إذا خلت عن المعارض ولذلك ترك إقامة الحد عليها من أجل إيمانها بدليل قوله " لولا الأيمان لكان لي ولها شأن " على أن ضعف الشبه عن إقامة الحد لا يوجب ضعفه عن إلحاق النسب، فإن الحد في الزنا لا يثبت إلا بأقوى البينات وأكثرها عدداً وأقوى الاقرار حتى يعبر فيه تكراره أربع مرات وتدرأ بالشبهات، والنسب يثبت بشهادة امرأة على الولادة ويثبت بمجرد الدعوى مع ظهور انتفائه حتى لو أن امرأة أتت بولد وزوجها غائب منذ عشرين سنة لحقه ولدها فكيف يجنح إلى نفيه بعدم إقامة الحد؟ ولأنه حكم بظن غالب ورأي راجح ممن هو من أهل الخبرة فجاز كقول المقومين وقولهم أن الشبه يجوز وجوده وعدمه قلنا الظاهر وجوده ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم حين قالت أم سلمة أو ترى ذلك المرأة؟ قال " فمن أين يكون الشبه، والحديث الذي احتجوا به حجة عليهم لأن إنكار الرجل ولده لمخالقة لونه لونه وعزمه على نفيه لذلك يدل على أن العادة خلافه وإن في طباع الناس إنكاره فإن ذلك إنما يوجد نادراً وإنما الحقه النبي صلى الله عليه وسلم به لوجود الفراش وتجوز مخالفة الظاهر للدليل ولا يجوز تركه لغير دليل ولأن ضعفه عن نفي النسب لا يلزم منه ضعفه عن إثباته، فإن النسب يحتاط له لاثباته ويثبت بأدنى دليل ويلزم من ذلك التشديد في نفيه وإنه لا ينتفي إلا بأقوى الأدلة كما أن الحد لما انتفى بالشبهة لم يثبت إلا بأقوى دليل فلا يلزم حينئذ من المنع من نفيه بالشبه في الخبر المذكور أن لا يثبت به(6/405)
النسب في مسئلتنا، فإن قيل فههنا إذا عملتم بالقيافة فقد نفيم النسب عمن لم تلحقه القافة به قلنا إنما انتسب ههنا لعدم دليله لأنه لم يوجد إلا مجرد الدعوى وقد عارضها مثلها فسقط حكمها وكان الشبه مرجحاً
لأحدهما فانتفت دلالة الأخرى فلزم انتفاء النسب لانتفاء دليله، وتقديم اللعان عليه لا يمنع العمل به عند عدمه كاليد تقدم عليها البينة ويعمل بها عند عدمها.
(فصل) والقافة قوم يعرفون الأنساب بالشبه ولا يختص ذلك بقبيلة معينة بل من عرف منه المعرفة بذلك وتكررت منه الإصابة فهو قائف، وقيل أكثر ما يكون في بني مدلج رهط محرز الذي رأى أسامة وزيداً قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض، وكان إياس بن معاوية المزني قائفاً وكذلك قيل في شريح * (مسألة) * (فإن ألحقته بأحدهما لحق به ليرجح جانبه وإن ألحقته بهما لحق بهما وكان ابنها يرثهما ميراث ابن ويرثانه جميعاً ميراث أب واحد) يروي ذلك عن عمر وعلي رضي الله عنهما، وهو قول أبي ثور وقال أصحاب الرأي يلحق بهما بمجرد الدعوى، وقال الشافعي لا يلحق بأكثر من واحد فإن ألحقته بهما سقط قولهما ولم يحكم به واحتج برواية عن عمر رضي الله عنه أن القافة قالت اشتركا فيه، فقال عمر وال أيهما شئت ولأنه لا يتصور كونه من رجلين فإذا ألحقته القافة بهما تبينا كذبهما فسقط قولهما كما لو ألحقته بأمين ولأن المتداعيين(6/406)
لو اتفقا على ذلك لم يثبت، ولو ادعاه كل واحد منهما وأقام بينة سقطتا، ولو جاز أن يلحق بهما لثبت باتفاقهما وألحق بهما عند تعارض بينتهما ولنا ما روى سعيد في سننه ثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن عمر في امرأة وطئها رجلان في طهر فقال الافئف قد اشتركا فيه جميعاً فجعله بينهما، وبإسناده عن الشعبي قال وعلي يقول هو ابنهما وهما أبواه يرثهما ويرثانه، رواه الزبير بن بكار بإسناده عن عمر، وقال الإمام أحمد حديث قتادة عن سعيد عن عمر جعله بينهما، وقال قابوس عن أبيه عن علي جعله بينهما، وروى الأثرم باسناده عن سعيد بن المسيب في رجلين اشتركا في طهر امرأة فحملت فولدت غلاماً يشبههما فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فدعى القافة فنظروا فقالوا نراه يشبههما فألحقه بهما وجعله يرثهما ويرثانه، قال سعيد عصبته الباقي منهما وما ذكروه عن عمر لا نعلم صحته وإن صح فيحتمل أنه ترك
قولهما لأمر آخر إما لعدم ثقتها وإما لأنه ظهر له من قولهما واختلافه ما يوجب تركه فلا ينحصر المانع من قبول قولهما أنهما اشتركا فيه.
قال أحمد إذا ألحقته القافة بهما ورثهما وورثاه، فإن مات أحدهما فهو للباقي منهما ونسبه من الأول قائم لا يزيله شئ، ومعنى قوله هو للباقي منهما والله أعلم أنه يرثه ميراث أب كامل كما أن الجدة إذا انفردت أخذت ما تأخذه الجدات، والزوجة تأخذ وحدها ما يأخذه جميع الزوجات.(6/407)
* (مسألة) *) ولا يلحق بأكثر من أم واحدة) إذا ادعت امرأتان نسب اللقيط فهو مبني على قبول دعوتهما، وقد ذكرنا ذلك، وإن كانت إحداهما ممن تقبل دعوتها دون الأخرى فهو ابنها كالمنفردة، وإن كانتا ممن لا تقبل دعوتهما فوجودها كعدمها وإن كانتا جميعاً ممن تقبل دعوتهما فهما في إثباته بالبينة وكونه يرى القافة عند عدمها أو تعارضهما كالرجلين) .
قال أحمد في رواية بكر بن محمد في يهودية ومسلمة ولدتا فادعت اليهودية ولد المسلمة فتوقف فقيل يرى القافة فقال ما أحسنه، ولأن الشبه يوجد بينهما وبين ابنها كوجوده بين الرجل وابنه بل أكثر لاختصاصها بحمله وتعذيته، والكافرة والمسلمة، والحرة والأمة، في الدعوة واحدة كقولنا في الرجال، وهذا قول أصحاب الشافعي على الوجه الذي يقولون بقبول دعوتها، إذا ثبت ذلك فإنه لا يلحق بأكثر من أم واحدة، فإن ألحقته القافة بأمين سقط قولهما لأننا لا نعلم خصأه قطعاً، وقال أصحاب الرأي يلحق بهما بمجرد الدعوى لأن الأم أحد الأبوين فجاز أن يلحق باثنتين كالآباء ولنا أن هذا محال يقيناً فلم يجز الحكم به كما لو كان أكبر منهما أو مثلهما بخلاف الرجلين فإن كونه منهما ممكن فإنه يجوز اجتماع نطفتي الرجلين في رحم امرأة فيمكن أن يخلق منهما ولدكما يخلق من نطفة الرجل وامرأة ولذلك فال القائف لعمر قد اشتركا فيه ولا يلزم من إلحاقه بمن يتصور كونه منه إلحاقه بمن يستحيل ذلك منه كما لا يلزم من إلحاقه بمن يولد مثله لمثله إلحاقه بأصغر منه(6/408)
(فصل) فإن ادعى نسبه رجل وامرأة فلا تنافي بينهما لإمكان كونه منهما بنكاح كان بينهما أو وطئ شبهة فيلحق
بهما جميعاً ويكون ابنهما بمجرد دعوتهما كما لو انفرد كل واحد منهما بالدعوة وإن قال الرجل هذا ابني من زوجتي وادعت زوجته ذلك وادعته امرأة أخرى فهو ابن الرجل وترجح زوجته على الأخرى لأن زوجها أبوه فالظاهر أنها أمه، ويحتمل أن يستاويا لأن كل واحدة منهما لو انفردت ألحق بها فإذا اجتمعتا تساوتا (فصل) ولو ولدت امرأتان ابناً وبنتاً فادعت كل واحدة منهما أن الابن ولدها احتمل وجهين (أحدهما) أن يرى المرأتان القافة مع الولدين فيلحق كل منهما بمن ألحقته به كما لو لم يكن لهما ولد آخر.
(والثاني) يعرض لبنهما على أهل الطب والمعرفة فإن لبن الذكر يخالف لبن الأنثى في طبعه وزنته وقد قيل لبن الابن ثقيل ولبن البنت خفيف فيعتبران بطباعهما ووزنهما وما يختلفان به عند أهل المعرفة فمن كان لبنها لبن فهو ولدها والبنت للأخرى، فإن لم يوجد قافة اعتبر باللبن خاصة فأما إن تنازعا أحد الوالدين وهما ذكران أو ابنتان عرضوا على القافة كما ذكرنا فيما تقدم (فصل) فإن ادعى اللقيط رجلان فقال أحدهما هو ابني وقال الآخر هو ابنتي فإن كان ابناً فهو لمدعيه وإن كان بنتاً فهي لمدعيها لأن كل واحد منهما لا يستحق غير ما ادعاه فإن كان خنثى مشكلاً أري القافة لأنه ليس قوله كل واحد منهما أولى من الآخر، فإن أقام كل واحد منهما بينة بما ادعاه فالحكم فيها كالحكم فيما لو انفرد كل واحد منهما بالدعوى لأن بينة الكاذب منهما كاذبة فوجودها كعدمها والأخرى صادقة فيتعين الحكم بها(6/409)
* (مسألة) * (فإن ادعاه أكثر من اثنين فألحقته بهم لحق وإن كثروا) وقد نص أحمد في رواية مهنا أنه يلحق بثلاثة، ومقتضى هذا أنه يلحق بمن ألحقته القافة وإن كثروا، وقال ابن حامد لا يلحق بأكثر من اثنين وهو قول أبي يوسف لأننا صرنا إلى ذلك للأثر فيقتصر عليه وقال القاضي: لا يلحق بأكثر من ثلاثة وهو قول محمد بن الحسن وروي ذلك عن أبي يوسف أيضاً ولنا أن المعنى الذي لأجله ألحق باثنين موجود فيما زاد عليه فيقاس عليه، وإذا جاز أن يخلق من اثنين جاز أن يخلق من أكثر منهما، وقولهم: إن إلحاقه باثنين على خلاف الأصل ممنوع وإن سلمناه لكنه ثبت لمعنى موجود في غيره فيجب تعدية الحكم به كما أن إباحة أكل الميتة عند المخمصة أبيح على خلاف
الأصل ولا يمنع من أن يقاس على ذلك مال الغير والصيد الحرمي وغيرهما من المحرمات لوجود المعنى وهو إبقاء النفس وتخليصها من الهلاك، وأما قول من قال يجوز إلحاقه بثلاثة ولا يزاد عليه فتحكم فإنه لم يقتصر على المنصوص عليه ولا عدى الحكم إلى ما في معناه ولا نعلم في الثلاثة معنى خاصاً يقتضي إلحاق النسب بهم دون ما زاد عليهم فلم يجز الاقتصار عليه بالتحكم * (مسألة) * (فإن نفته القافة عنهم أو أشكل عليهم أو لم يوجد قافة ضاع نسبه في أحد الوجهين وفي الآخر يترك حتى يبلغ فينتسب إلى من شاء أومأ إليه أحمد) وجملة ذلك أنه إذا ادعاه أكثر من واحد وأري القافة فنفته عنهم أو لم يوجد قافة أو تعارضت أقوالهم أو لم يوجد من يوثق بقوله لم يرجح أحدهم بذكر علامة في جسده لأن ذك لا يرجح به في سائر الدعاوي سوى الالتقاط في المال واللقيط ليس بمال، فعلى هذا يضيع نسيه، هذا قول أبي بكر لأنه(6/410)
لا دليل لأحدهم أشبه من لم يدع أحد نسبه، وقال ابن حامد نتركه حتى يبلغ فينتسب إلى من شاء منهم قال القاضي وقد أومأ أحمد إلى هذا في رجلين وقعا على امرأة في طهر واحد إلى أن الابن يخير أيهما أحب وهو قول الشافعي في الجديد وقال في القديم حتى يميز لقول عمر: وال أيهما شئت ولأن الإنسان يميل طبعه إلى قريبه دون غيره ولأنه مجهول النسب أقر به من هو من أهل الإقرار فثبت نسبه كما لو انفرد، وقال أصحاب الرأي: يلحق بالمدعيين بمجرد الدعوى لأن كل واحد منهم لو انفرد سمعت دعواه فإذا اجتمعا وأمكن العمل بهما وجب كما لو اقر له بمال ولنا أن دعواهما تعارضت ولا حجة لواحد منهما فلم يثبت كما لو ادعى رقه وليس هو في أيديهما قال شيخنا وقول أبي بكر أقرب لما ذكرنا وقولهم يميل طبعه إلى قرابته قلنا انما يميل إلى قرابته بعد معرفة أنه قرابته فالمعرفة بذلك سبب الميل فلا يثبت قبله ولو سلم ذلك فإنه يميل أيضاً إلى من أحسن إليه فإن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها وقد يميل إليه لإساءة الآخر إليه وقد يميل إلى أحسنهما خلقاً وأعظمهما قدراً أو جاهاً أو مالاً فلا يبقى للميل أثر في الدلالة على النسب، ولا خلاف بين أصحابنا في أنه لا يثبت نسبه بالانتساب قبل البلوغ، قولهم أنه صدق المقر بنسبة
قلنا لا يحل له تصديقه فإن النبي صلى الله عليه وسلم لعن من ادعى إلى غير أبيه وهذا يعلم أنه أبوه فلا نأمن أن يكون ملعوناً بتصديقه، ويفارق ما إذا انفرد فإن المنفرد يثبت النسب بقوله من غير تصديق، وقول عمر رضي الله عنه وال أيهما شئت لم يثبت ولو ثبت لم يكن فيه حجة لأنه إنما أمره بالموالاة لا بالانتساب وعلى قول من جعل له الانتساب إلى أحدهما إذا انتسب إلى أحدهما ثم عاد فانتسب إلى الآخر أو نفى نسبه من الأول ولم(6/411)
ينتسب إلى أحد لم يقبل منه لأنه قد ثبت نسبه فلا يقبل رجوعه عنه كما لو ادعى منفرد نسبه ثم أنكره ويفارق الصبي الذي يخير بين أبويه فيختار أحدهما ثم يرد إلى الآخر إذا اختاره فإنه لا حكم لقول الصبي وإنما تبع اختياره وشهوته فهو كما لو اشتهى طعاماً في يوم وغيره في يوم آخر، فأما إن قامت للآخر بينة بنسبه عمل بها لأنها تبطل قول القافة الذي هو مقدم على الانتساب فأولى أن تبطل الانتساب وإن وجدت قافة بعد انتسابه فألحقته بغير من انتسب إليه بطل انتسابه لأنه أقوى فبطل به الانتساب كالبينة مع القافة * (مسألة) * وكذلك الحكم إن وطئ امرأة اثنان بشبهة أو جارية مشتركة بينهما في طهر واحد أو وطئت زوجة رجل أو أم ولده بشبهة وأتت بولد يمكن أن يكون منه فادعى الزوج أنه من الواطئ أري القافة معهما) كاللقيط فألحق بمن ألحقوه به منهما سواء ادعياه أو جحداه أو أحدهما وقد ثبت الافتراش ذكره القاضي وشرط أبو الخطاب في وطئ الزوجة أن يدعي الزوج أنه من الشبهة ذكره في المحرر وكذلك إن تزوجها كل واحد منهما تزويجاً فاسداً وكان نكاح أحدهما صحيحاً والآخر فاسداً مثل أن يطلق امرأته فينكحها غيره في عدتها ويطؤها أو يبيع أمة فيطؤها المشتري قبل استبرائها وتأتي بولد يمكن أن يكون منهما فإنه يرى القافة معما فبأيهما ألحقوه لحق، والخلاف فيه كالخلاف في اللقيط على ما ذكرنا * (مسألة) * (ولا يقبل قول القائف إلا أن يكون ذكراً عدلاً مجرباً في الإصابة) وفي اعتبار حريته وجهان من المحرر قول القافة قوم يعرفون الأنساب بالشبه ولا يختص ذلك بقبيلة، وقد قيل أكثر ما يكون ذلك في بني مدلج رهط محرز المدلجي وكان إياس بن معاوية المزني قائفاً ولا يقبل قول القائف إلا أن يكون ذكراً عدلاً مجرباً في الإصابة لأن قوله حكم فاعتبرت له هذه الشروط، قال القاضي في معرفة القائف بالتجربة هو أن يترك الصبي مع عشرة رجال غير من يدعيه
ويرى إياهم فإن ألحقه بواحد منهم سقط قوله لتبين خطئه وإن لم يلحقه بواحد منهم أريناه إياه مع عشرين منهم مدعيه فان ألحقه به لحق، ولو اعتبر بأن يرى صبياً معروف النسب مع قوم فيه أبوه أو أخوه فإذا ألحقه بقريبه عرفت إصابته وإن ألحقه بغيره سقط قوله جاز وهذه التجربة عند عرضه على القائف للاحتياط في معرفة إصابته ولو لم يجربه بعد أن يكون مشهوراً بالإصابة وصحة المعرفة في مرات كثيرة جاز، فقد روي أن رجلاً شريفاً شك في ولده من جاريته وأبى أن يستلحقه فمر به إياس بن معاوية في المكتب ولا يعرفه فقال له ادع لي أباك فقال له المعلم ومن أبو هذا؟ قال فلان، قال من أين علمت أنه أبوه؟ قال هو أشبه به من الغراب بالغراب فقام المعلم مسروراً إلى أبيه فأعلمه بقول إياس فخرج(6/412)
الرجل وسأل إياساً من أين علمت أن هذا ولدي؟ فقال سبحان الله وهل يخفى ذلك على أحد أنه لأشبه بك من الغراب بالغراب فسر الرجل واستلحق ولده (فصل) نقل عن أحمد أنه لا يقبل إلا قول اثنين من القافة ولفظ الشهادة منهما فروى عنه الأثرم أنه قيل له إذا قال أحد القافة هو لهذا وقال الآخر هو لهذا قال لا يقبل قول واحد حتى يجتمع اثنان فيكونان شاهدين فإذا شهد اثنان من القافة أنه لهذا فهو لهذا لأنه قول يثبت به النسب أشبه الشهادة ولأنه حكم بالشبه في الخلقة فاعتبر فيه اثنان كالحكم بالمثل في جزاء الصيد، وقال القاضي يقبل قول الواحد لانه حكم ويكتفي في الحكم قول واحد وحمل كلام أحمد على ما إذا تعارض قول القائفين فقال إذا خالف القائف غيره تعارضا وسقطا، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم اكتفى بقول محرز وحده فإن قال اثنان قولاً وخالفهما واحد فقولهما أولى لأنه أقوى من قول واحد، وإن عارض قول اثنين قول اثنين سقط قول الجميع، فإن عارض قول اثنين قول ثلاثة أو أكثر لم يرجح وسقط الجميع كما لو كانت إحدى البينتين اثنين والأخرى ثلاثة فأما إن ألحقته القافة بواحد فجاءت قافة أخرى فألحقته بآخر كان للأول لأن قول القائف جرى مجرى حكم الحاكم إذا حكم حكماً لم ينتقض بمخالفة غيره ولذلك لو ألحقته بواحد ثم عادت فألحقته بغيره كذلك، وإن أقام الآخر بينة أنه ولده حكم له وسقط قول القائف لأنه بدل فسقط بوجود الأصل كالتيمم مع الماء
(فصل) وإذا ألحقته القافة بكافر أو رقيق لم يحكم بكفره ولا رقه لأن الحرية والإسلام ثبتا له بظاهر الدار فلا يزول ذلك بمجرد الشبه والظن كما لم يزل ذلك بمجرد الدعوى من المنفرد لها وإنما قبلنا قول القافة في النسب للحاجة إلى إثباته ولكونه غير مخالف للظاهر ولهذا اكتفينا فيه بمجرد الدعوى من المنفرد ولا حاجة الى إثبات رقه وكفره وإثباتهما يخالف الظاهر (فصل) لو ادعى نسب اللقيط إنسان فألحق نسبه به لانفراده بالدعوى ثم جاء آخر فادعاه لم يزل نسبه عن الأول لأنه حكم له به فلا يزول بمجرد الدعوى فان ألحقته به القافة لحق به وانقطع عن الأول لأنها بينة في إلحاق النسب فيزول بها الحكم الثابت بمجرد الدعوى كالشهادة(6/413)
كتاب الوصايا (وهي الأمر بالتصرف بعد الموت) الوصايا جمع وصية مثل العطايا جمع عطية والوصية بالمال هي المتبرع به بعد المو ت، وقال أبو الخطاب هو التبرع بمال يقف نفوذه على خروجه من الثلث، فعلى قوله تكون العطية في مرض الموت وصية، والصحيح أنها ليست وصية لأنها تخالفها في الاسم والحكم في أشياء ذكرناها في عطية المريض، والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقوله سبحانه (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية) وقوله (من بعد وصية يوصى بها أو دين) وأما السنة فروى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي فقلت يا رسول الله قد بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال " لا " قلت فبالشطر يا رسول الله؟ قال لا قلت فبالثلث؟ قال " الثلث والثلث كثير إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس " متفق عليه وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما حق امرئ مسلم له ما يوصي ففيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده "(6/414)
متفق عليه وعن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وعن علي رضي الله عنه قال
انكم تقرؤن هذه الآية (من بعد وصية يوصى بها أو دين) وأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية رواه الترمذي وأجمع العلما في جميع الامصار والأعصار على جواز الوصية (فصل) ولا تجب إلا على من عليه دين أو عنده وديعة أو عليه واجب يوصي بالخروج منه لأن الله تعالى أوجب أداء الأمانات إلى أهلها وطريقه الوصية فتكون واجبة عليه، فأما الوصية ببعض ماله فليست واجبة عند الجمهور يروي ذلك عن الشعبي والنخعي والثوري ومالك وأصحاب الرأي والشافعي وغيرهم، قال ابن عبد البر اجمعوا على أن الوصية غير واجبة إلا على من عليه حق بغير بينة أو أمانة بغير إشهاد إلا طائفة شذت فأوجبتها فروي عن الزهري أنه قال: جعل الله الوصية حقاً مما قل أو كثر، وقيل لأبي مجلز على كل ميت وصية؟ قال إن ترك خيرا وقال أبو بكر عبد العزيز هي واجبة للأقربين الذين لا يرثون وبه قال داود وحكي ذلك عن مسروق وطاوس واياس وقتادة وابن جرير واحتجوا بالآية وبخبر ابن عمر فقالوا تستحب الوصية للوالدين والأقربين الوارثين وبقيت فيمن لا يرث من الأقربين(6/415)
ولنا أن أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوصوا ولم ينقل لذلك نكير ولو كانت واجبة لم يخلوا بذلك ولنقل عنهم نقلاً ظاهراً ولأنها عطية لا تجب في الحياة فلم تجب بعد الموت كعطية الأجانب فأما الآية فقال ابن عباس نسخها قول سبحانه (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون) الآية وقال ابن عمر نسختها آية الميراث وبه قال عكرمة ومجاهد ومالك والشافعي وذهب جماعة ممن يرى نسخ القرآن بالنسبة إلى أنها نسخت بقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث " وحديث ابن عمر محمول على من عليه واجب أو عنده وديعة * (مسألة) * (وتصح من البالغ الرشيد) عدلاً كان أو فاسقاً رجلاً أو امرأة مسلماً أو كافراً لأن هبتهم صحيحة فالوصية أولى * (مسألة) * (وتصح من السفيه في أصح الوجهين) المحجور عليه للسفه تصح وصيته في قياس قول أحمد قال الخبري وهو قول الأكثرين وفيه وجه
آخر أنها لا نصح حكاه أبو الخطاب لأنه محجور عليه في تصرفانه فلم تصح منه كالهبة ولنا أنه عاقل مكلف فصحت وصيته كالرشيد ولأن وصيته محض مصلحة من غير ضرر لأنه(6/416)
إن عاش لم يذهب من ماله شئ وإن مات فهو محتاج إلى الثواب فصحت وصيته كعباداته (فصل) وتصح من الصبي العاقل إذا جاوز العشر ولا تصح ممن له دون السبع وفيما بينهما روايتان المنصوص من أحمد صحة وصية الصبي العاقل إذا جاوز العشر رواه عنه صالح وحنبل قال أبو بكر لا يختلف المذهب أن من له عشر سنين تصح وصيته ومن له دون السبع لا تصح وصيته وفيما بين السبع والعشر روايتان وقال ابن أبي موسى لا تصح وصية الغلام لدون العشر ولا الجارية لدون تسع قولاً واحداً وما زاد على العشر فيصح على المنصوص وفيه وجه آخر لا تصح حتى يبلغ وقال القاضي وابو الخطاب تصح وصية الصبي إذا عقل وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه أجاز وصية الصبي وهو قول عمر بن عبد العزيز وشريح وعطاء والزهري وإياس وعبد الله بن عتبة والشعبي والنخعي ومالك واسحاق، قال إسحاق إذا بلغ اثنتي عشرة، وحكاه ابن المنذر عن أحمد وعن ابن عباس لا تصح(6/417)
وصيته حتى يبلغ وبه قال الحسن ومجاهد وأصحاب الرأي وللشافعي قولان كالمذهبين ولأنه تبرع بالمال فلا يصح من الصبي كالهبة والعتق ولنا ما روى أن صبياً من غسان له عشر سنين وصى لأخوال له فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأجاز وصيته رواه سعيد، وروى مالك في موطئه عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أن عمرو بن سليم أخبره أنه قيل لعمر بن الخطاب إن ههنا غلاماً يفاعاً لم يحتلم وورثته بالشام وهو ذو مال وليس له ههنا لا ابنة عم فقال عمر فليوص لها فأوصى بمال يقال له بئر خشم قال عمرو بن سليم فبعث ذلك المال بثلاثين ألفاً وابنة عمه التي أوصى لها هي أم عمر بن سليم قال أبو بكر وكان الغلام بن عشر أو اثنتي عشرة سنة وهذه قضية انتشرت ولم تنكر ولأنه تصرف محض نفع للصبي فصح منه كالإسلام والصلاة وذلك لأن الوصية صدقة يحصل ثوابها له بعد غناه عن ملكه فلا يلحقه ضرر في عاجل دنياه
ولا أخراه بخلاف الهبة والمعتق المنجز فإنه يفوت من ماله ما يحتاج اليه وإذا ردت رجعت إليه وههنا لا يرجع إليه بالرد والطفل لا عقل له ولا تصح عباداته ولا إسلامه وأما من له فوق السبع ولم يبلغ العشر فقد ذكرنا فيه روايتين (إحداهما) تصح وصيته وهو ظاهر قول القاضي وأبي الخطاب لأنه عاقل يصح إسلامه(6/418)
يؤمر بالصلاة وتصح منه أشبه من جاوز العشر (والثانية) لا تصح كمن له دون السبع والأول أقيس والله أعلم قال الخرقي ومن جاوز العشر فوصيته جائزة إذا وافق الحق يريد إذا وصى وصية يصح مثلها من البالغ صحت منه ومالا فلا قال شريح وعبد الله بن عتبة وهما قاضيان من أصاب الحق أجزنا وصيته * (مسألة) * (ولا تصح من غير عاقل كالطفل والمجنون والمبرسم، وفي السكران وجهان) أما الطفل ومن له دون سبع سنين والمجنون والمبرسم فلا وصية لهم في قول الأكثرين منهم حميد بن عبد الرحمن ومالك والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي ومن تبعهم قال شيخنا ولا نعلم احداً خالفهم إلا إياس بن معاوتة فإنه قال في الصبي والمجنون إذا وافقت وصيتهما الحق جازت وليس بصحيح فإنه لا حكم لكلامهما ولا تصح عبداتهما ولا شئ من تصرفاتهما فكذلك الوصية بل أولى فإنه إذا لم يصح إسلامه وصلاته التي هي محض نفع لا ضرر فيها فأولى أن لا يصح بذله لمال يتضرر به وارثه فأما من يفيق في الأحيان فإذا أوصى حال جنونه لم يصح، وإن أوصى حال إفاقته صحت وصيته لأنه بمنزلة العقلاء في شهادته ووجوب العبادات عليه فكذلك وصيته ولا تصح وصية السكران في أصح الوجهين وفيه وجه آخر أنها تصح بناء على(6/419)
طلاقه والأول أصح لأنه غير عاقل أشبه المجنون وطلاقه انا أوقعه من أوقعه تغليظاً عليه لارتكابه المعصية فلا يتعدى هذا إلى وصيته فإنه لا ضرر عليه فيها إنما الضرر على وارثه فأما الضعيف في عقله فإن منع ذلك رشده في ماله فهو كالسفيه وإلا فهو كالعاقل والله أعلم * (مسألة) * (وتصح وصية الأخرس بالإشارة ولا تصح ممن اعتقل لسانه بها ويحتمل أن تصح) إذا فهمت إشارة الأخرس صحت وصيته بها لأنها أقيمت مقام نطقه في طلاقه ولعانه وغيرهما فإن لم تفهم إشارته فلا حكم لهاربه قال أبو حنيفة والشافعي وغيرهما فأما الناطق إذا اعتقل لسانه فعرضت
عليه وصيته فاشار بها رفعت إشارته فلا تصح وصيته إذا لم يكن مأيوساً من نطقه ذكره القاضي وابن عقيل وبه قال الثوري والاوزاعي وأبو حنيفة ويحتمل أن يصح وهو قول الشافعي وابن المنذر لأنه غير قادر على الكلام أشبه الأخرس واحتج ابن المنذر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى وهو قاعد فأشار إليهم فقعدوا رواه البخاري وخرجه ابن عقيل وجهاً إذا اتصل باعتقال لسانه الموت ولنا أنه غير مأيوس من نطقه فلم تصح وصيته بالإشارة كالقادر على الكلام والخبر لا يلزم فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان قادراً على الكلام ولا خلاف في أن إشارة القادر لا تصح بها وصيته ولا إقراره وفارق الأخرس فإنه مأيوس من نطقه(6/420)
(فصل) وإن وصى عبد أو مكاتب أو أم ولد وصية ثم ماتوا على الرق فلا وصية لهم لأنه لا مال لهم وإن عتقوا ثم ماتوا ولم يغيروا وصيتهم صحت لأن لهم قولاً صحيحاً وأهلية تامة وفارقوا الحر بأنهم لا مال لهم والوصية تصح مع عدم المال كما لو وصى الفقير ولا شئ له ثم استغنى وإن قال أحدهم متى عتقت ثم مت فثلثي لفلان وصية فعتق ثم مات صحت وصيته وبه قال أبو يوسف ومحمد وأبو ثور ولا أعلم عن غيرهم خلافهم * (مسألة) * (وإن وجدت وصيته بخطه صحت وعنه لا تصح حتى يشهد عليها) نقل إسحاق بن إبراهيم عن أحمد أنه قال من مات فوجدت وصيته مكتوبة عند رأسه ولم يشهد عليها وعرف خطه وكان مشهور الخط يقبل ما فيها ووجه ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم " ما حق امرئ مسلم له شئ يوصي فيه ببيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده ولم يذكر شهادة " ولأن الوصية يتسامح فيها ويصح تعليقها على الخطر والغرر وتصح للحمل وبالحمل وبما لا يقدر على تسليمه فجاز أن يتسامح فيها بقبول الخط كرواية الحديث وكما لو كتب الطلاق ولم يلفظ به وعن أحمد ما يدل على أنه لا يقبل الخط في الوصية ولا يشهد على الوصية المختومة حتى يسمعها الشهود منه أو تقرأ عليه فيقر بما فيه(6/421)
وبهذا قال الحسن وأبو قلابة والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، لأن الحكم لا يجوز برؤية خط
الشاهد بالشهادة فكذا ههنا وأبلغ من هذا أن الحاكم لو رأى حكمه خطه تحت ختمه ولم يذكر أنه حكم به أو رأى الشاهد شهادته بخطه ولم يذكر الشهادة لم يجز للحاكم إنفاذ الحكم بما وجده ولا للشاهد الشهادة بما رأى خطه به فههنا أولى، وإن كتب وصيته وقال اشهدوا علي بما في هذه الورقة أو قال هذه وصيتي فاشهدوا علي بها فقد حكي عن أحمد أن الرجل إذا كتب وصيته وختم عليها وقال للشهود اشهدوا علي بما في هذا الكتاب لا يجوز حتى يسمعوا منه ما فيه أو يقرأ عليه فيقر بما فيه وهو قول من سمينا في المسألة الأولى ويحتمل جوازه على ما نقله عن أحمد إسحاق بن إبراهيم في المسألة قبلها وذكره الخرقي، وممن قال ذلك عبد الملك بن يعلى ومكحول ونمير بن ابراهيم ومالك والليث والاوزاعي ومحمد بن مسلمة وأبو عبيد واسحاق وروي عن سالم بن عبد الله وقتادة وسوار بن عبد الله بن الحسن ومعاذ بن معاذ العنبريين وهو مذهب فقهاء أهل البصرة وقضاتهم واحتج أبو عبيد بكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عماله وأمرائه في أمر ولايته وأحكامه وسننه ثم ما عمل به الخلفاء الراشدون المهديون بعده من كتبهم إلى ولاتهم بالأحكام التي فيها الدماء والفروج والأموال(6/422)
مختومة لا يعلم حاملها ما فيها وأمضوها على وجهها وذكر استخلاف سليمان بن عبد الملك عمر بن عبد العزيز بكتاب كتبه وختم عليه، ولا نعلم احدا أنكر ذلك مع شهريه وانتشاره في علماء العصر فيكون إجماعاً، ووجه القول الأول أنه كتاب لا يعلم الشاهد ما فيه فلم يجز أن يشهد عليه ككتاب القاضي إلى القاضي والأولى الجواز إن شاء الله تعالى لظهور دليله والاصل لنافيه منع (فصل) وأما إذا ثبتت الوصية بشهادة أو إقرار الورثة به فإنه يثبت حكمه ويعمل به ما لم يعلم رجوعه عنه وإن تطاولت مدته وتغيرت أحوال الموصي مثل أن يوصي في مرض فيبرأ منه ثم يموت بعد أو بقتل لأن الأصل بقاؤه فلا يزول حكمه بمجرد الاحتمال والشك كسائر الأحكام (فصل) ويستحب أن يكتب الموصي وصيته وبشهد عليها لأنه أحوط لها وأحفظ لما فيها وقد ذكرنا حديث ابن عمر وروى أنس رضي الله عنه قال كانوا يكتبون في صدور وصاياهم بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به فلان أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده
ورسوله وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأوصى من ترك من أهله أن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين وأوصاهم بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب (يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) أخرجه سعيد عن فضيل بن عياض(6/423)
عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أنس، وروي عن ابن مسعود أنه كتب في وصيته بسم الله الرحمن الرحيم هذا ذكر ما أوصى به عبد الله بن مسعود إن حدث بي حادث الموت من مرضه هذا أن مرجع وصيتي إلى الله تعالى ثم إلى الزبير بن العوام وابنه عبد الله وأنهما في حل وبل مما وليا وقضيا وأنه لا يزوج امرأة من بنات عبد الله ألا بإذنهما، وروى ابن عبد قال كان في وصيته أبي الدرداء بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى أبو الدرداء أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن الجنة حق والنار حق وأن الله يبعث من في القبور وأنه يؤمن بالله ويكفر بالطاغوت على ذلك يحيى ويموت إن شاء الله وأوصى فيما رزقه الله بكذا وكذا وأن هذه وصيته إذ لم يغيرها.
* (فصل) * قال رحمه الله (والوصية مستحبة لمن ترك خيراً وهو المال الكثير بخمس ماله وتكره لغيره إن كان له ورثة) وجملة ذلك أن الوصية مستحبة لمن ترك خيراً لقول الله تعالى (كتب عليكم إذا حضر أحدكم المو ت إن ترك خيرا) الوصية فنسخ الوجوب وبقي الاستحباب في حق من لا يرث، وروى ابن عمر(6/424)
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا ابن آدم جعلت لك نصيباً من مالك حين أخذت بكظمك لا طهرك وأزكيك " وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم " رواهما ابن ماجة، وقال الشعبي من أوصى بوصية فلم يجر ولم يحف كان له من الأجر مثل ما لو أعطاه وهو صحيح، فأما الفقير الذي له ورثة محتاجون فلا يستحب له أن يوصي لأن الله تعالى قال في الوصية إن ترك خيرا وقال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد " إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم
عالة يتكففون الناس " وقال ابدأ بنفسك ثم بمن تعول وقال علي رضي الله عنه لرجل أراد أن يوصي إنك لم تدع طائلاً إنما تركت شيئاً يسيراً فدعه لورثتك، وروي عنه أنه قال في أربعمائة دينار ليس فيها فضل عن الوراث وروي عن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً قال لها لي ثلاثة آلاف درهم وأربعة أولاد أفأوصي؟ فقالت اجعل الثلاثة للأربعة وعن ابن عباس قال من ترك سبعمائة درهم ليس عليه وصية وقال عروة دخل علي على صديق له يعوده فقال الرجل إني أريد أن أوصي فقال له على أن الله تعالى يقول إن ترك خيرا وإنك إنما تدع شيئاً يسيراً فدعه لورثتك، واختلف أهل العلم في القدر الذي(6/425)
لا نستحب الوصية لمالكه فروي عن أحمد إذا ترك دون الألف لا تستحب له الوصية وعن علي أربعمائة دينار وعن ابن عباس إذا ترك الميت سبعمائة درهم فلا يوصي وقال من ترك ستين ديناراً ما ترك خيراً وقال طاوس الخير ثمانون ديناراً، وقال النخعي ألف إلى خمسمائة وقال أبو حنيفة القليل أن يصيب أقل الورثة سهماً خمسون درهماً، قال شيخنا والذي يقوى عندي أنه متى كان المتروك لا يفضل عن غنى الورثة لم تستحب الوصية لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل المنع من الوصية بقوله " إنك إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة، ولأن إعطاء القريب المحتاج خير من إعطاء الأجنبي فمتى لم يبلغ الميراث غناءهم كان تركه لهم كعطيتهم إياه فيكون أفضل من الوصية به لغيرهم.
فعلى هذا تختلف الحال باختلاف الورثة في كثرتهم وقلتهم وغنائهم وحاجتهم فلا يتقيد بقدر من المال وقد قال الشعبي ما من مال أعظم أجراً من مال يتركه الرجل لولده يغنيهم به عن الناس (فصل) والأولى ان لا يستوعب الثلث بالوصية وإن كان غنياً لقول النبي صلى الله عليه وسلم " والثلث كثير " قال ابن عباس لو أن الناس نقصوا من الثلث فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الثلث كثير " متفق عليه وقال القاضي وابو الخطاب إن كان غنياً استحب الوصية بالثلث(6/426)
ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعد " والثلث كثير " مع إخباره إياه بكثرة ماله وقلة عياله فإنه قال في الحديث: إن لي مالاً كثيراً ولا يرثني إلا ابنتي.
وروى سعيد ثنا خالد بن عبد الله ثنا عطاء بن
الساثب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن سعد بن مالك قال مرضت مرضاً فعادني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي " أوصيت؟ " فقلت نعم أوصيت بمالي كله للفقراء وفي سبيل الله فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " أوص بالعشر؟ فقلت يا رسول الله مالي كثير وورثتي أغنياء فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يناقصني وأناقصه حتى قال " أوص بالثلث والثلث كثير " قال أبو عبد الرحمن لم يكن منا من يبلغ في وصيته الثلث حتى ينقص منه شيئاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " الثلث والثلث كثير " إذا ثبت هذا فالأفضل للغني الوصية بالخمس روي نحو هذا عن أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما وهو ظاهر قول السلف وعلماء أهل البصرة، ويروى عن عمر رضي الله عنه أنه جاءه شيخ فقال يا أمير المؤمنين أنا شيخ كبير ومالي كثير ويرثني أعراب موالي كلالة منزوح بينهم أفأوصي بمالي كله؟ قال لا فلم يزل يحطه حتى بلغ العشر وقال إسحاق السنة الربع إلا أن يكون الرجل يعرف في ماله حرمة شبهات أو غيرها فله استيعاب الثلث(6/427)
ولنا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أوصى بالخمس وقال رضيت بما رضي الله به لنفسه يريد قوله تعالى (واعلموا انما غنتم من شئ فأن لله خمسه) وروي أن أبا بكر وعلياً رضي الله عنهما أوصيا بالخمس، وعن علي رضي الله عنه أنه قال لأن أوصي بالخمس أحب إلي من أن أوصي بالربع وعن إبراهيم قال كانوا يقولون صاحب الربع أفضل من صاحب الثلث وصاحب الخمس أفضل من صاحب الربع وعن الشعبي قال كان الخمس أحب إليهم من الثلث فهو منتهى الجامح، وعن العلاء بن زياد قال أوصى أبي أن أسأل العلماء أي الوصية أعدل فما تتابعوا عليه فهو وصية فتتابعوا على الخمس.
(فصل) والأفضل أن يجعل وصيته لأقاربه الذين لا يرثون إذا كانوا فقراء في قول عامة أهل العلم قال ابن عبد البر لا خلاف بين العلماء علمت في ذلك إذا كانوا ذوي حاجة وذك لأن الله تعالى كتب الوصية للوالدين والأقربين فخرج منه الوارثون بقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا وصية لوارث " وبقي سائر الأقارب على الوصية لهم وأقل ذلك الاستحباب، وقد قال الله تعالى (وآت ذا القربى حقه) وقال
تعالى (وآتى المال على حبه ذوي القربى) فبدأ بهم ولأن الصدقة عليهم في الحياة أفضل فكذلك بعد(6/428)
الموت فإن أوصى لغيرهم وتركهم صحت وصيته في قول أكثر أهل العلم منهم سالم وسليمان بن يسار وعطاء ومالك والثوري والاوزاعي وأصحاب الرأي والشافعي واسحاق وحكي عن طاوس والضحاك وعبد الملك بن يعلى أنهم قالوا ينزع عنهم ويرد إلى قرابته، وعن سعيد بن المسيب والحسن وجابر بن زيد للذي أوصى له ثلث الثلث والباقي يرد إلى قرابة الموصي لأنه لو أوصى بماله كله لجاز منه الثلث والباقي يرد على الورثة وأقاربه الذين لا يرثونه في استحقاق الوصية كالورثة في اسحقاق المال كله.
ولنا ما روى عمران بن حصين أن رجلاً أعتق في مرضه ستة أعبد لم يكن له مال غيرهم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فدعاهم فجزأهم ثلاثة أجزاء ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة فأجاز العتق في ثلثه لغير أقاربه ولأنها عطية فجازت لغير أقاربه كالعطية في الحياة * (مسألة) * (فأما من لا وارث له فتجوز وصيته بجميع ماله وعنه لا يجوز إلا الثلث) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله فيمن لم يخلف من وراثه عصبة ولا ذا فرض فروي عنه أن وصيته جائزة بكل ماله ثبت ذلك عن ابن مسعود وبه قال عبيدة السلماني ومسروق واسحاق وأهل العراق والرواية الأخرى لا يجوز إلا الثلث وبه قال مالك والاوزاعي وابن شبرمة والشافعي والعنبري(6/429)
لأن له من يعقل عنه فلم تنفذ وصيته في أكثر من الثلث كما لو ترك وارثاً ولأن المسلمين يرثونه وهو بيت المال.
ولنا أن المنع من الزيادة على الثلث إنما كان لتعلق حق الورثة به بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس " وههنا لا وارث له يتعلق حقه بماله فأشبه حال الصحة ولانه لم ينعق بماله حق وارث ولا غريم أشبه حال الصحة والثلث (فصل) وإن خلف ذا فرض لا يرث جميع المال كبنت أو أم لم تكن له الوصية بأكثر من
الثلث لأن سعداً قال للنبي صلى الله عليه وسلم لا يرثني إلا ابنة فمنعه النبي صلى الله عليه وسلم من الزيادة على الثلث، ولأنها تستحق جميع المال بالفرض والرد فأشبه العصبة وإن كان للميتة زوج أو كان للرجل امرأة فكذلك لأن الوصية تنقص حقه لأنه إنما يستحق فرضه بعد الوصية لقول الله تعالى (من بعد وصية يوصى بها أو دين) وقيل تبطل في قدر فرضه من الثلثين فإذا كان للميتة زوج فله الثلث وإن كان للميت امرأة فلها السدس وهو ربع الباقي بعد الثلث والباقي للموصى له وهذا أولى إن شاء الله تعالى لأن الثلث ليس للوارث فيه أمر إنما إجازته ورده في الثلثين ولم ينقص عليه منهما شئ فأما ذوو(6/430)
الأرحام فظاهر كلام الخرقي أنه لا يمنع الوصية بجميع المال لأنه قال ومن أوصى بجميع ماله ولا عصبة له ولا مولى فجائز وذلك لأن ذا الرحم إرثه كالفضلة والصلة ولذلك لا يصرف إليه شئ إلا عند عدم الرد والمولى، ولا تجب نفقتهم في الصحيح ويحتمل كلام شيخنا في الكتاب المشروح أنه لا تنفذ وصيته فيما زاد على الثلث لأن له وارثاً فيدخل في معنى قوله عليه السلام " إنك إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس " ولأنهم ورثة يستحقون ماله بعد موته فأشبهوا ذوي الفروض والعصبات وتقديم غيرهم عليهم لا يمنع مساواتهم لهم في مسئلتنا كذوي الفروض الذين يحجب بعضهم بعضاً (فصل) فإن خلف ذا فرض لا يرث المال كله بفرضه أو قال أوصيت لفلان بثلثي على أنه لا ينقص ذا الفرض شيئاً من فرضه أو خلف امرأة وقال أوصيت لك بما فضل من المال عن فرضها صح في المسألة الأولى لأن ذا الفرض يرث المال كله لولا الوصية فلا فرق في الوصية بين أن يجعلها من رأس المال أو يجعلها من الزائد على الفرض، فأما المسألة الثانية فتنبني على الوصية بجميع المال فإن قلنا تصح ثم صحت ههنا لأن الباقي عن فرض الزوجة مال لا وارث له فصحت الوصية به كما لو لم تكن زوجة وإن قلنا لا تصح ثم فههنا مثله لأن بيت المال جعل كالوارث فصار كأنه ذو ورثة يستغرقون(6/431)
المال إذا عين الوصية من نصيب العصبة منهم، فعلى هذا يعطى الموصى له الثلث من رأس المال ويسقط تخصيصه.
* (مسألة) * (ولا يجوز لمن له وارث بزيادة على الثلث لأجنبي ولا لوارثه بشئ إلا بإجازة الورثة) وجملة ذلك أن الوصية لغير الوارث تلزم في الثلث من غير إجازة وما زاد على الثلث يقف على إجازة الورثة فإن أجازوه جاز وإن ردوه بطل في قول أكثر العلماء لقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد حين قال أوصي بمالي كله؟ قال " لا - الحديث إلى أن قال - فبالثلث والثلث كثير " وقوله عليه السلام " إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند مماتكم " يدل على أنه لا شئ له في الزائد عليه وحديث عمران ابن حصين في المملوكين السنة الذين أعتقهم المريض ولم يكن له مال سواهم.
فجزأهم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أجزاء فأعتق اثنين وأرث أربعة وقال له قولاً شديداً يدل على أنه لا يصح تصرفه فيها زاد على الثلث إذا لم تجز الورثة وتجوز بإجازتهم لأن الحق لهم وقد قيل إن الوصية بما زاد على الثلث باطلة كما يذكر فيما إذا أوصى للوارث، وحكم الوصية للوارث كالحكم في الوصية لغيره بالزيادة على الثلث في أنها تبطل بالرد بغير خلاف بين العلماء، قال إبن المنذر وابن عبد البر أجمع أهل العلم على هذا(6/432)
وجاءت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فروى أبو أمامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث " رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي ولأن النبي صلى الله عليه وسلم منع من تفضيل بعض ولده عنى بعض في حال الصحة مع إمكان تلافي العدل بينهم بإعطاء الذي لم يعطه فيما بعد ذلك لما فيه من إيقاع العدواة والحسد بينهم ففي حال موته وتعلق الحقوق به وتعذر تلافي العدل بينهم أولى وأحرى فإن أجازها باقي الورثة جازت في قول الجمهور من أهل العلم وقال بعض أصحابنا الوصية باطلة وإن أجازها الورثة إلا أن يعطوه عطية مبتدأة أخذاً من ظاهر قول أحمد رحمه اله في رواية حنبل لا وصية لوارث وهذا قول المزني وأهل الظاهر وقول للشافعي واحتجوا بظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا وصية لوارث " وظاهر مذهب أحمد والشافعي أن الوصية صحيحة في نفسها لأنه تصرف صدر من أهله في محله فصح كما لو وصى لاجنبي والخبر قد روي فيه " إلا أن يجيز الورثة " والاستثناء من النفي إثبات فيكون ذلك دليلاً(6/433)
على صحة الوصية عند الإجازة ولو خلا من الاستثناء جاز أن يكون معناه لا وصية نافذة أو لازمة أو ما أشبه هذا أو يقدر فيه لا وصية لوارث عند عدم الإجازة من غيره من الورثة، وفائدة الخلاف أن الوصية إذا كانت صحيحة فإجازة الورثة تنفيذ وإجازة محضة يكفي فيها قول الوارث أجزت وإن كانت باطلة كانت الإجازة هبة مبتدأة وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى (فصل) وإن أسقط عن وارثه ديناً أو وصى بقضاء دينه أو أسقطت المرأة صداقها عن زوجها أو عفى عن جناية موجبها المال فهي كالوصية له وإن عفي عن القصاص وقلنا الواجب القصاص عيناً سقط إلى غير بدل وإن قلنا الواجب أحد شيئين سقط القصاص ووجب المال وإن عفي عن حد القذف سقط مطلقاً، وإن وصى لغريم وارثه صحت الوصية وكذلك إن وهب له وبهذا قال الشافعي وأبو حنيفة وقال أبو يوسف هي وصية للوارث لأن الوارث ينتفع بهذه الوصية ويستوفى دينه منها ولنا أنه وصى لأجنبي فصح كما لو وصى لمن عادته الإحسان إلى وارثه، وإن وصى لولد وارثه صح فإن كان يقصد بذلك نفع الوارث لم يجز فيما بينه وبين الله تعالى قال طاوس في قوله تعالى فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً قال أن يوصي لولد ابنته وهو يريد ابنته رواه سعيد وقال ابن عباس الجنف في الوصية والإضرار فيها من الكبائر(6/434)
* (مسألة) * (فإن وصى لكل وارث بمعين قدر نصيبه كرجل خلف ابناً وبنتاً وعبداً قيمته مائة وأمة قيمتها خمسون فوصى للابن بالعبد وللبنت بالأمة صحت الوصية في أحد الوجهين) لأن حق الوارث في القدر لا في العين بدليل ما لو عاوض المريض بعض ورثته أو أجنبياً بجميع ماله فإنه يصح إذا كان بثمن المثل وإن تضمن فوات عين المال (والثاني) يقف على إجازة الورثة لأن في الأعيان غرضاً صحيحاً فكما لا يجوز إبطال حق الوارث من قدر حقه لا يجوز من عينه * (مسألة) * (وإن لم يف الثلث بالوصايا تحاصوا فيه وادخل النقص على كل واحد بقدر وصيته وعنه يقدم العتق) إذا خلت الوصايا من العتق وتجاوزت الثلث فرد الورثة الزيادة فإن الثلث يقسم بين الموصى لهم على
قدر وصاياهم ويدخل النقص على كل واحد منهم بقدر ماله في الوصية كمسائل العول إذا زادت الفروض عن المال فلو وصى لرجل بثلث ماله ولآخر بمائة ولآخر بمعين قيمته خمسون ووصى بفداء أسير بثلاثين ولعمارة مسجد بعشرين وثلث ماله مائة جمعت الوصايا كلها فبلغت ثلاثمائة ونسبت منها الثلث فكان(6/435)
ثلثها فيعطى كل واحد منهم ثلث وصيته فلصاحب الثلث ثلث المائة وكذلك صاحب المائة ولصاحب الخمسين سدسها ولفداء الأسير عشرة ولعمارة المسجد ستة وثلثان وإن كان فيها عتق ففيها روايتان (إحداهما) أن الثلث يقسم بين الوصايا والعتق كما لو لم يكن فيها عتق وهذا قول ابن سيرين والشعبي وأبي ثور لأنهم تساووا في سبب الاستحقاق فتساووا فيه كسائر الوصايا (والروية الثانية) يقدم العتق وما فضل منه يقسم بين سائر الوصايا على قدر وصاياهم روى ذلك عن عمر وبه قال شريح ومسروق وعطاء الخراساني وقتادة والزهري ومالك والثوري واسحاق لأن فيه حقاً لله وللآدمي فكان آكد ولأنه لا يلحقه فسخ ويلحق غيره ولأنه أقوى بدليل سرايته ونفوذ من الراهن والمفلس وروي عن الحسن والشافعي كالروايتين (فصل) والعطايا المعلقة بالمو ت كقوله إذا مت فأعطوا فلاناً كذا أو اعتقوا فلاناً ونحوه وصايا حكمها حكم غيرها من الوصايا في مقدمها ومؤخرها والخلاف في تقديم العتق منها لأنها تلزم بالموت فتتساوى كلها.(6/436)
(فصل) إذا أوصى بعتق عبده لزم الوارث إعتاقه ويجبره الحاكم عليه إن أبى لأنه حق واجب عليه فأجبر عليه كتنفيذ الوصية بالعطية وإن أعتقه الوارث أو الحاكم فهو حر من حين أعتقه لأنه حنيئذ عتق وولاؤه للموصي لأنه السبب وهؤلاء نواب عنه ولهذا لزمهم إعتاقه فإن كانت الوصية بعتقه إلى غير الوارث كان الإعتاق اليه لأنه نائب الموصي في إعتاقه فلم يملك ذلك غيره إذا لم يمتنع كالوكيل في الحياة: * (مسألة) * (وإن أجاز الورثة الوصية جازت)
لأن الحق لهم وإن ردوها بطلت بغير خلاف لأن الحق لهم فجاز بإجازتهم وبطل بردهم واجازتهم تنفيد في الصحيح من المذاهب لأن ظاهر المذهب أن الوصية للوارث وللأجنبي بالزيادة على الثلث صحيحة موقوفة على إجازة الورثة فعلى هذا تكون اجازته تنفيذاً وإجازة محضة يكفي فيها قول الوارث أجزت أو أمضيت أو نفذت فإذا قال ذلك لزمت الوصية ولا خلاف في تسميتها إجازة فعلى هذا لا تفتقر إلى شروط الهبة ولا تثبت فيها أحكام الهبة لأنها ليست هبة وقال بعض أصحابنا الوصية باطلة فعلى هذا تكون هبة تفتقر إلى شروط الهبة وتثبت فيها أحكامها فلو كان المجيز أباً للمجاز له لم يكن له الرجوع(6/437)
فيه إذا قلنا إنها إجازة مجردة وإن قلنا هي هبة مبتدأة فله الرجوع ولو أعتق عبدًا لا مال له سواه في مرضه أو وصى بعتقه فأعتقوه بوصيته نفذ العتق في ثلثه ووقف عتق باقيه على إجازة الورثة فإن أجازوه عتق جميعه واختص عصبات الميت بولائه كله على قولنا بصحة إعتاقه ووصيته وكذلك لو تبرع بثلث ماله في مرضه ثم أعتق أو وصى بالإعتاق فالحكم فيه على ما ذكرنا وإن قلنا الوصية باطلة والإجازة عطية مبتدأة اختص عصبات الميت بثلث ولائه وكان ثلثاه لجميع الورثة بينهم على قدر ميراثهم لأنهم باشروه بالإعتاق ولو تزوج رجل ابنة عمه فأوصت له بوصية أو أعطته في مرض موتها ثم ماتت وخلفته وأباه فأجاز أبوه وصيته وعطيته ثم أراد الرجوع فليس له ذلك إن قلنا هي تنفيذ وله الرجوع إن قلنا هي هبة مبتدأة ولو وقف في مرضه على ورثته فأجازوا الوقف صح إن قلنا إجازتهم تنفيذ وإن قلنا هي عطية مبتدأة انبنى على صحة وقف الإنسان على نفسه على ما ذكر من الخلاف فيه (فصل) ولا فرق في الوصية بين المرض والصحة وقد روى حنبل عن أحمد أنه قال إن وصى في المرض فهو من الثلث وإن كان صحيحاً فله أن يوصي بما شاء قال القاضي يريد بذلك العطية أما الوصية فهي عطية بعد الموت فلا يجوز منها إلا الثلث على كل حال(6/438)
* (مسألة) * (ومن أوصى له وهو في الظاهر وارث فصار عند الموت غير وارث صحت الوصية، وإن أوصى له وهو غير وارث فصار عند الموت وارثاً بطلت لأن اعتبار الوصية بالموت)
لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في أن اعتبار الوصية بالموت، فلو وصى لثلاثة إخوة له مفترقين ولا ولد له ومات ولم يولد لم تصح الوصية لغير الأخ من الأب إلا بإجازة الورثة، وإن ولد له ابن صحت الوصية للجميع من غير إجازة إذا لم تتجاوز الثلث، وإن ولد له بنت جازت الوصية لغير الأخ من الأبوين فيكون لهما ثلثا الموصى به بينهما، ولا يجوز للأخ من الأبوين لأنه وارث، وبهذا يقول الشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي، ولا نعلم عن غيرهم خلاف ذلك ولو وصى لهم وله ابن فمات ابنه قبل موته لم تجز الوصية لأخيه من أبويه ولا لأخيه من أمه وجازت لأخيه من أبيه، وإن مات الأخ من الأبوين قبل موته لم تجز الوصية للأخ من الأب أيضاً لأنه صار وارثاً (فصل) ولو وصى لامرأة أجنبية وأوصت له ثم تزوجها لم تجز وصيتها إلا بإجازة الورثة وإن أوصى أحدهما للآخر ثم طلقها جازت الوصية لأنه صار غير وارث إلا أنه إن طلقها في مرض موته(6/439)
فقياس المذهب أنها لا تعطى أكثر من ميراثها لأنه يتهم أنه طلقها ليوصل إليها ماله بالوصية فلم ينفذ لها ذلك كما لو طلقها في مرض موته وأوصى لها بأكثر من ميراثها * (مسألة) * (ولا تصح إجازتهم وردهم إلا بعد موت الموصي وما قبل ذلك لا عبرة به) فلو أجازوا قبل ذلك ثم ردوا أو أذنوا لموروثهم بالوصية في حياته بجميع المال أو بالوصية لبعض الورثة ثم بدا لهم فردوا بعد وفاته فلهم الرد سواء كانت الإجازة في صحة الموصي أو مرضه نص عليه أحمد في رواية أبي طالب وروي ذلك عن ابن مسعود وهو قول شريح وطاوس والحكم والثوري والحسن ابن صالح والشافعي وأبي ثور وابن المنذر وأبي حنيفة وأصحابه وقال الحسن وعطاء وحماد بن أبي سليمان وعبد الملك بن يعلى والزهري وربيعة والاوزاعي وابن أبي ليلى ذلك جائز عليهم لأن الحق للورثة فإذا رضوا بتركه سقط حقهم كما لو رضي المشتري بالعيب وقال مالك إن أذنوا له في صحته فلهم أن يرجعوا وإن كان ذلك في مرضه وحين يحجب عن ماله فكذلك جائز عليهم ولنا أنهم أسقطوا حقوقهم فيما لم يملكوه فلم يلزمهم كالمرأة إذا أصدقت صداقها قبل النكاح أو أسقط الشفيع حقه من الشفعة قبل البيع ولأنها حالة لا يصح فيها ردهم للوصية فلم تصح فيها إجازتهم
كما قبل الوصية.(6/440)
* (مسألة) * (ومن أجاز الوصية ثم قال إنما أجزت لأني ظننت المال قليلاً فالقول قوله مع يمينه وله الرجوع بما زاد على ما ظنه في أظهر الوجهين إلا أن تقوم به بينة) وجملة ذلك أنه إذا وصى بزيادة على الثلث فأجاز الوارث الوصية ثم قال إنما أجزتها ظناً أن المال قليل فبان كثيراً فإن كانت للموصى له بينة تشهد باعترافه بقدر المال أو كان المال ظاهراً لا يخفي عليه لم يقبل قوله إذا قلنا الإجازة تنفيذ فإن قلنا هي هبة مبتدأة فله الرجوع فيما يجوز الرجوع في الهبة في مثله وإن لم تشهد بينة باعترافه ولم يكن المال ظاهراً فالقول قوله مع يمينه لأن الإجازة تنزلت منزلة الإبراء فلا تصح في المجهول فالقول قوله في الجهل به مع يمينه لأن الأصل عدم العلم فإذا وصى بنصف ماله فأجازه الوارث وكان المال ستة آلاف فقال ظننته ثلاثة آلاف فله الرجوع بخمسائة لأنه رضي بإجازة الوصية على أن الزائد على الثلث خمسمائة فكانت ألفاً فيرجع بخمسائة فيحصل للموصى له ألفان وخمسمائة(6/441)
وفيه وجه آخر أنه لا يقبل قوله لأنه أجاز عقداً له الخيار في فسخه فبطل خياره كما لو أجاز البيع من له الخيار في فسخه بعيب أو خيار أو أقر بدين ثم قال غلطت * (مسألة) * (وإن كان المجاز عيناً أو فرساً يزيد على الثلث فأجاز الوصية بها ثم قال ظننت باقي المال كثيراً تخرج الوصية من ثلثه فبان قليلاً أو ظهر عليه دين لم اعلمه تبطلل الوصية) لأن العبد معلوم لا جهالة فيه، وفيه وجه آخر أنه يملك الفسخ لأنه قد يسمح بذلك ظناً منه أن يبقى له من المال ما يكفيه فإذا بأن خلاف ذلك لحقه الضرر في الإجازة فملك الرجوع كالمسألة التي قبلها (فصل) ولا تصح الإجازة إلا من جائز التصرف ولا تصح من الصبي والمجنون والمحجور عليه للسفه لأنها تبرع بالمال فلم تصح منهم كالهبة، فأما المحجور عليه لفلس فتصح منه إن قلنا هي تنفيذ وإن قلنا هي هبة لم تصح منه لأنه ليس له هبة ماله * (مسألة) * (ولا يثبت الملك للموصى له إلا بالقبول بعد الموت فأما رده وقبوله قبل ذلك فلا عبرة به)
يشترط لثبوت الملك للموصى له شرطان (أحدهما) القبول إذا كانت لمعين يمكن القبول منه في قول جمهور الفقهاء لأنها تمليك مال لمن هو من أهل الملك متعين فاعتبر قبوله كالهبة والبيع قال أحمد الهبة(6/442)
والوصية واحد فإن كانت لغير معنى كالفقراء والمساكين أو لمن لا يمكن حصرهم كبني تميم أو على مصلحة كمسجد أو حج لم يفتقر إلى قبول ولزمت بمجرد الموت لأن اعتبار القول من جميعهم متعذر فسقط اعتباره كالوقف عليهم ولا يتعين واحد منهم فيكتفي بقبوله ولذلك لو كان منهم ذو رحم من الموصى به مثل أن يوصي بعبد للفقراء وأبوه فقير لم يعتق عليه ولأن الملك لا يثبت للموصى لهم بدليل ما ذكرنا من المسألة وإنما يثبت لك واحد منهم بالقبض فيقوم قبضه مقام قبوله أما الآدمي المعين فيثبت له الملك فعيتبر قبوله لكن لا يتعين القبول باللفظ بل يحصل بما قام مقامه من الأخذ والفعل الدال على الرضى كقولنا في الهبة والبيع ويجوز القبول على الفور والتراخي (الثاني) أن يقبل بعد موت الموصي لأنه قبل ذلك لم يثبت له حق ولذلك لم يصح رده * (مسألة) * (وإن مات الموصى له قبل موت الموصي بطلت الوصية) هذا قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن علي رضي الله عنه وبه قال الزهري وحماد بن أبي سليمان وربيعة ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وقال الحسن تكون لولد الموصى له وقال عطاء إذا علم المريض بموت الموصى له ولم يحدث فيما أوصى به شيئاً فهو لوارث الموصى له لأنه مات بعد عقد الوصية فيقوم الوارث مقامه كما لو مات بعد موت الموصي وقبل القبول(6/443)
ولنا أنها عطية صادقت المعطى ميتاً فلم تصح كما لو وهب ميتاً وذلك لأن الوصية عطية بعد الموت وإذا مات قبل القبول بطلت الوصية أيضاً وإن سلمنا صحتها فإن العطية صادفت حيا بخلاف مسئلتنا.
* (مسألة) * (وإن ردها بعد موته بطلت أيضاً) لا يخلو رد الوصية من أربعة أحوال (أحدها) أن يردها قبل موت الموصي فلا يصح الرد لأن الوصية لم تقع بعد أشبه رد المبيع قبل إيجاب البيع ولأنه ليس بمحل للقبول فلا
يكون محلاً للرد كما قبل الوصية (الثاني) أن يردها بعد الموت وقبل القبول فيصح الرد وتبطل الوصية لا نعلم فيه خلافا لأنه اسقط حقه في حال يملك قبوله وأخذه فأشبه عفو الشفيع عن الشفعة بعد البيع (الثالث) أن يرد بعد القبول والقبض فلا يصح الرد لأن ملكه قد استقر عليه فأشبه رده لسائر ملكه إلا أن يرضي الورثة بذلك فتكون هبة منه لهم تفتقر إلى شروط الهبة (الرابع) أن يرد بعد القبول وقبل القبض فينظر فإن كان الموصى به مكيلا أو موزونا صح الرد لأنه لا يستقر ملكه عليه قبل قبضه فأشبه رده قبل القبول وإن كان غير ذلك لم يصح لأن ملكه قد استقر عليه فهو كالمقبوض ويحتمل أن يصح الرد بناء على أن القبض معتبر فيه، ولأصحاب الشافعي في هذه الحال وجهان(6/444)
(أحدهما) يصح الرد في الجميع فلا فرق بين المكيل والموزون وغيرهما وهو المنصوص عن الشافعي لأنهم لما ملكوا الرد من غير قبول ملكوا الرد من غير قبض ولأن ملك الوصي لم يستقر عليه قبل القبض فصح رده كما قبل القبول (والثاني) لا يصح الرد لأن الملك يحصل بالقول من غير قبض (فصل) وكل موضع صح الرد فيه فإن الوصية تبطل بالرد ويرجع الموصى به إلى التركة فيكون الجميع للوارث لأن الأصل ثبوت الحق لهم وإنما خرج بالوصية فإذا بطلت رجع إلى ما كان عليه كأن الوصية لم توجد ولو عين بالرد واحداً فقصد تخصيصه بالمردود لم يكن له ذلك وكان لجميعهم لأن رده امتناع من تملكه فبقي على ما كان عليه ولأنه لا يملك دفعه إلى أجنبي فلم يملك دفعه إلى وار ث يخصه به.
وكل موضع امتنع الرد لاستقرار ملكه عليه فله أن يخص به بعض الورثة لأنه ابتداء هبة ولأنه يملك دفعه إلى أجنبي فملك دفعه إلى الوراث فلو قال رددت هذه الوصية لفلان قيل له ما أرددت بقولك لفلان؟ فإن قال أردت تمليكه إياها وتخصيصه بها فقبلها اختص بها وإن قال أردت ردها إلى جميعهم ليرضى فلان عادت إلى الجميع إنما قبلوها فإن قبلها بعضهم دون بعض فمن قبل حصته منها (فصل) ويحصل الرد بقوله رددت الوصية وقوله ما أقبلها وما أدى هذا المعنى قال أحمد إذا(6/445)
وصى لرجل بألف فقال لا أقبلها فهي لورثة الموصى له
* (مسألة) * (وإن مات بعده وقبل الرد والقبول قام وارثه مقامه ذكره الخرقي وقال القاضي يبطل على قياس قوله) إذا مات الموصى له بعد موت الموصي وقبل الرد والقبول قام وارثه مقامه في القبول والرد كذلك ذكره الخرقي لأنه حق يثبت للموروث فثبت للوارث بعد موته لقوله عليه الصلاة والسلام " من ترك حقاً فلورثته " وكخيار الرد بالعيب وقال أبو عبد الله بن حامد تبطل الوصية لأنه عقد يفتقر إلى القبول فإذا مات من له القبول قبل القبول بطل العقد كالهبة قال القاضي هو قياس المذهب لأنه خيار لا يعتاض عنه فبطل كخيار المجلس والشرط وخيار الأخذ بالشفعة، وقال أصحاب الرأي تلزم الوصية في حق الوارث وتدخل في ملكه حكماً بغير قبول لأن الوصية قد لزمت من جهة الموصي وإنما الخيار للموصى له فإذا مات بطل خياره ودخل في ملكه كما لو اشترى شيئاً على أن الخيار له فمات بعد انقضائه ولنا على أن الوصية لا تبطل بموت الوصي أنها عقد لازم من أحد الطرفين فلم يبطل بموت من له الخيار كعقد الرهن والبيع إذا شرط فيه الخيار لأحدهما ولأنه عقد لا يبطل بموت الموجب له فلا يبطل(6/446)
يموت الآخر كالذي ذكرنا، ويفارق الهبة والبيع قبل القبول من الوجهين الذين ذكرناهما وهو أنه جائز من الطرفين ويبطل بموت الموجب له ولا يصح قياسه على الخيارات لأن ثم يبطل الخيار ويلزم العقد فنظيره في مسئلتنا قول أصحاب الرأي ولنا على إبطال قولهم أنه عقد يفتقر إلى قبول التملك فلم يلزم قبل القبول كالبيع والهبة إذا ثبت هذا فان الوراث يقوم مقام الموصى له في الرد والقبول لأن كل حق مات عنه المستحق فلم يبطل بالموت قام الوارث فيه مقامه فإن رد الوارث الوصية بطلت وإن قبلها صحت وإن كان الوراث جماعة اعتبر القبول والرد من جميعهم فإن رد بعضهم وقبل بعض ثبت الملك لمن قبل في حصته وبطلت الوصية في حق من رد فإن كان منهم من ليس له التصرف قام وليه مقامه في ذلك وليس له أن يفعل إلا ما للمولى عليه فيه الحظ فإن فعل غيره لم يصح، فإذا كان الحظ في قبولها لم يصح الرد وكان له قبولها بعد ذلك وإن كان الحظ في ردها لم يصح قبوله لها لأن الولي لا يملك التصرف في حق المولي عليه بغير ماله
الحظ فيه فلو وصى لصبي بذي رحم يعتق بمكله له وكان على الصبي ضرر في ذلك بأن تلزمه نفقة الموصى به لكونه فقيراً لا كسب له والمولى عليه موسر لم يكن له قبول الوصية وإن لم يكن عليه ضرر لكون(6/447)
الموصى به ذا كسب أو لكون المولى عليه فقيراً لا تلزمه نفقته تعين القبول لأن في ذلك نفعاً للمولى عليه لعتق قرابته من غير ضرر يعود عليه فتعين ذلك والله أعلم * (مسألة) * (وإن قبلها بعد الموت ثبت الملك حين القبول في الصحيح من المذهب) وهو قول مالك وأهل العراق وروي عن الشافعي وفيه وجه آخر ذكره أبو الخطاب أنه إذا قبل تبينا أن الملك ثبت حين موت الموصي وهو ظاهر مذهب الشافعي لأن ما وجب انتقاله بالقبول وجب انتقاله من جهة الموجب عند الإيجاب كالهبة والبيع ولأنه لا يجوز ان يثبت الملك فيه للوارث لأن الله تعالى قال (من بعد وصية يوصى بها أو دين) والإرث بعد الوصية ولا يبقى للميت لأنه صار جماداً لا يملك شيئاً وللشافعي قول ثالث غير مشهور أن الوصية تملك بالموت ويحكم بذلك قبل القبول لما ذكرنا ولنا أنه تمليك عين لمعين يفتقر إلى القبول فلم يسبق الملك القبول كسائر العقود ولأن القبول من تمام السبب والحكم لا يتقدم سببه ولأن القبول لا يخلو من أن يكون شرطاً أو جزءاً من السبب والحكم لا يتقدم سببه ولا شرطه ولأن الملك في الماضي لا يجوز تعليقه بشرط مستقبل، فإن قيل فلو قال لامرأته أنت طالق قبل موتي بشهر ثم مات تبينا وقوع الطلاق قبل موته بشهر، قلنا ليس هذا شرطاً في وقوع الطلاق وإنما نتبين الوقت الذي يقع فيه الطلاق ولو قال إذا مت فأنت طالق قبله(6/448)
بشهر لم يصح، وأما انتقاله من جهة الموجب في سائر العقود فإنه لا ينتقل إلا بعد القبول فهو كمسئلتنا غير أن ما بين الإيجاب والقبول ثم يسير لا يظهر له أثر بخلاف مسئلتنا، قولهم إن الملك لا يثبت للوارث ممنوع فإن الملك ينتقل الى الوراث بحكم الأصل إلا أن يمنع منه مانع فأما قول الله تعالى (من بعد وصية يوصى بها أو دين) قلنا المراد به الوصية المقبولة بدليل أنه لو لم يقبل لكان ملكاً للوارث وقبل قبولها فليست مقبولة ويحتمل أن يكون المراد بقوله (فلكم الربع من بعد وصية يوصى بها) أي لكم ذلك مستقر
ولا يمنع هذا ثبوت الملك غير مستقر ولهذا لا يمنع الدين ثبوت الملك في التركة وهو آكد من الوصية وإن سلمنا أن الملك لا يبقى للوارث فإنه يبقى ملكاً للميت كما إذا كان عليه دين، وقولهم لا يبقى له ملك ممنوع فإنه يبقى ملكه فيما يحتاج إليه من مؤنة تجهيزه ودفنه وقضاء ديونه ويجوز أن يتجدد له ملك في ديته إذا قتل وفيما إذا نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته بحيث تقضى ديونه وننفذ وصاياه ويجهز إن كان قبل تجهيزه فهذا يبقى على ملكه لتعذر انتقاله إلى الوارث من أجل الوصية وامتناع انتقاله إلى الوصي قبل تمام السبب فإن رد الموصى له أو قبل انتقل حينئذ فإن قلنا بالأول وإنه ينتقل إلى الوارث فإنه يثبت له الملك على وجه لا يفيد إباحة التصرف كثبوته في العين المرهونة(6/449)
فلو باع الموصى به أو رهنه أو أعتقه أو تصرف بغير ذلك لم ينفذ شئ من تصرفاته ولو كان الوارث ابناً للموصي به مثل أن تملك امرأة زوجها الذي لها منه ابن فتوصي به لأجنبي فإذا ماتت انتقل الملك فيه إلى ابنه حين القبول ولا يعتق عليه * (مسألة) * (فما حصل من كسب أو نماء منفصل في الموصى به بعد موت الموصي وقبل القبول كالولد والثمرة والكسب فهو للورثة على الوجه الأول) لأنه ملكهم فإن كان متصلاً تبعها لأنه يتبع في العقود والفسوخ * (مسألة) * (وإن كانت الوصية بأمة فوطئها الوراث قبل القبول فأولدها صارت أم ولد له وولدها حر لأنه وطئها في ملكه) وعليه قيمتها للوصي إذا قبلها لأنه فوتها عليه ولا مهر عليه ولا تلزمه قيمة الولد لذلك، فإن قيل فكيف قضيتم بعتقها ههنا وهي لا تعتق بإعتاقه؟ قلنا الاستيلاد أقوى ولذلك يصح من المجنون والراهن والأب والشريك المعسر وإن لم ينفذ إعتاقهم، وعلى الوجه الآخر يكون ولده رقيقاً والأمة باقية على الرق فإن وطئها الموصى له قبل ذلك كان قبولاً لها ويثبت الملك له به لأنه لا يجوز إلا في الملك(6/450)
فإقدامه عليه دليل على اختياره الملك فأشبه ما لو وطئ من له الرجعة زوجته الرجعية أو وطئ من له
الخيار في البيع الأمة المبيعة أو وطئ من له خيار فسخ النكاح امرأته * (مسألة) * (وإن وصى له بزوجته فأولدها بعد موت الموصي وقبل القبول فولده رقيق للوارث) وعلى الوجه الآخر يكون حر الأصل ولا ولاء عليه وأمه أم ولد لأنها علقت منه بحر في ملكه * (مسألة) * (وإن وصى له بأبيه فمات قبل القبول فقبل ابنه عتق الموصى به ولم يرث شيئاً) وجملة ذلك أنه إذا وصى له بأبيه فمات الموصى له بعد موت الموصي وقبل الرد والقبول فلوارثه قبولها على قول الخرقي وهو الصحيح إن شاء الله تعالى فإن قبلها ابنه صح وعتق عليه الجد ولم يرث من ابنه شيئاً لأن حريته إنما حدثت حين القبول بعد أن صار الميراث لغيره وعلى الوجه الآخر نثبت حريته من حين موت الموصي ويرث من ابنه السدس وقال بعض أصحاب الشافعي لا يرث أيضاً لأنه لو ورث لاعتبر قبوله ولا يجوز اعتبار قبوله قبل الحكم بحريته وإذا لم يجز اعتباره لم يعتق فيؤدي توريثه إلى إبطال توريثه وهذا فاسد فإنه لو أقر جميع الورثة بمشارك لهم في الميراث ثبت نسبه وورث مع أنه يخرج المقرون به عن كونهم جميع الورثة ومن(6/451)
فروع ذلك أنه لو مات الموصى له فقبل وارثه لثبت الملك للوارث القابل ابتداء من جهة الموصي لا من جهة موروثه ولم يثبت للموصى له شئ فحينئذ لا تقضى ديونه ولا ننفذ وصاياه ولا يعتق من يعتق عليه فإن كان منهم من يعتق على الوراث عتق عليه وكان ولاؤه له دون الموصى له وعلى الوجه الآخر نتبين أن الملك كان ثابتاً للموصى له وإن انتقل منه إلى وارثه فتنعكس هذه الأحكام فتقضى ديونه وننفذ وصاياه ويعتق من يعتق عليه وله ولاؤه يختص به الذكور من ورثته ويحتمل أن يثبت الملك من حين الموت فتنعكس هذه الأحكام وقد ذكرناه (فصل) وتصح الوصية مطلقة ومقيدة فالمطلقة أن يقول إن مت فثلثي للمساكين أو لزيد والمقيدة أن يقول إن مت في مرضي هذا أو في هذه البلدة أو في سفري هذا فثلثي للمساكين فإن برأ من مرضه أو قدم من سفره أو خرج من البلدة ثم مات بطلت الوصية المقيدة دون المطلقة قال أحمد فيمن وصى وصية إن مات من مرضه هذا أو من سفره هذا ولم يغير وصيته ثم مات بعد ذلك
فليس له وصية وبهذا قال الحسن والثوري والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال مالك إن قال قولاً ولم يكتب كتاباً فهو كذلك وإن كتب كتاباً ثم صح من مرضه وأقر الكتاب فالوصية بحالها ما لم ينقضها.(6/452)
ولنا أنها وصية بشرط لم يوجد شرطها فبطلت كما لو لم يكتب كتاباً أو كما لو وصى لقوم فماتوا قبله ولأنه قيد وصيته بقيد فلا تتعداه كما ذكرناه وإن قال لأحد عبديه أنت حر بعد موتي وقال للآخر أنت حر إن مت من مرضي هذا فمات من مرضه فالعبدان سواء في التدبير وإن برأ من مرضه ذلك بطل تدبير المقيد وبقي تدبير المطلق بحاله، ولو وصى لرجل بثلثه وقال إن مت قبلي فهو لعمرو صحت وصيته على حسب ما شرطه وكذلك سائر الشروط فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المسلمون على شروطهم " (فصل) قال رضي الله عنه (ويجوز الرجوع في الوصية) اتفق أهل العلم على أن للموصي أن يرجع في كل ما وصى به وفي بعضه إلا الوصية بالإعتاق فقد اختلف فيها فالاكثرن على جواز الرجوع فيها أيضاً روى ذلك عن عمر رضي الله عنه أنه قال يغير الرجل ما شاء من وصيته وبه قال عطاء وجابر بن زيد والزهري وقنادة ومالك والشافعي وأحمد واسحاق وأبو ثور وقال الشعبي وابن سيرين وابن شبرمة والنخعي يغير ما شاء منها إلا العتق لأنه إعتاق بعد الموت فلم يملك تغييره كالتدبير(6/453)
ولنا أنها وصية فملك الرجوع عنها ولأنها عطية تنجز بالموت فجاز له الرجوع عنها قبل تنجيزها كهبة ما يفتقر إلى القبض قبل قبضه، وأما التدبير فلنا فيه منع وإن سلم فإن الوصية تفارق التدبير فإنه تعليق على شرط فلم يملك تغييره كتعليته على صفة في الحياة * (مسألة) * (فإذا قال قدر رجعت في وصيتي أو أبطلتها أو نحو ذلك كقوله غيرتها بطلت) لأنه صريح في الرجوع وإن قال في الموصى به هو لورثتي أو في ميراثي فهو رجوع لأن ذلك ينافي كونه وصية
* (مسألة) * (وإن قال ما أوصيت به لفلان فهو لفلان كان رجوعاً) وبه قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفاً لأنه صرح بالرجوع عن الأول بذكره أن ما أوصى به مردود إلى الثاني أشبه ما لو قال رجعت عن وصيتي لفلان وأوصيت بها لفلان * (مسألة) * (وإن وصى به لآخر ولم يقل ذلك فهو بينهما) إذا وصى لإنسان بمعين من ماله ثم وصى به لآخر أو وصى لرجل بثلثه ثم وصى لآخر بثلثه أو وصى بجميع ماله لرجل ثم وصى به لآخر فهو بينهما وليس ذلك رجوعاً(6/454)
في الوصية الأولى وبه قال ربيعة ومالك والثوري والشافعي واسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي وقال جابر بن زيد والحسن وعطاء وطاوس وداود وصيته للأخير منهما لأنه وصى للثاني بما وصى به للأول فكان رجوعاً كما لو قال ما وصيت به لفلان فهو لفلان ولأن الثانية تنافي الأولى فإذا أتى بها كان رجوعاً كما لو قال هذا لورثتي ولنا أنه وصى بها لهما فاستويا فيها كما لو قال وصيت لكما بهذه العين وما قاسوا عليه صرح فيه بالرجوع عن وصيته للأول وفي مسئلتنا يحتمل أنه قصد التشريك فلم تبطل وصية الآخر بالشك (فصل) إذا وصى بعبد لرجل ثم وصى لآخر بثلثه فهو بينهما أرباعاً وعلى قول الآخرين ينبغي أن يكون للثاني ثلثه كاملاً وإن وصى بعبده لاثنين فرد أحدهما وصيته فللآخر نصفه وإن وصى لاثنين بثلثي ماله فرد الورثة ذلك ورد أحد الوصيين وصيته فللآخر الثلث كاملاً لأنه وصى له به منفرداً وزالت المزاحمة فكمل له كما لو انفرد به (فصل) إذا أقر الوارث أن أباه وصى بالثلث لرجل وأقام آخر شاهدين أنه أوصى له بالثلث، فرد الوارث الوصيين وكان الوارث رجلاً عدلاً وشهد بالوصية حلف معه الموصى له واشتركا في(6/455)
الثلث، وبهذا قال أبو ثور، وهو قياس قول الشافعي، وقال أصحاب الرأي لا يشاركه المقر له بناء منهم على أن الشاهد واليمين ليس بحجة شرعية، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشاهد ويمين رواه مسلم، وإن كان المقر ليس بعدل أو كان امرأة فالثلث لمن شهدت له البينة، لأن
وصيته ثابتة ولم تثبت وصية الآخر وإن لم يكن لواحد منهما بينة فأقر الوراث أنه أقر لفلان بالثلث أو بهذا العبد، أو أقر لآخر به بكلام متصل فالمقر به بينهما، وبهذا قال أبو ثور وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه مخالفاً وإن أقر به لواحد ثم أقر به لآخر في مجلس آخر لم يقبل إقراره لأنه ثبت للأول بإقراره فلا يقبل قوله فيما ينقص به حق الأول إلا أن يكون عدلاً فيشهد بذلك ويحلف معه المقر له فيشاركه كما لو ثبت للأول ببينة، وإن أقر للثاني في المجلس بكلام منفصل ففيه وجهان (أحدهما) لا يقبل لأن حق الأول ثبت في الجميع فأشبه ما لو أقر له في مجلس آخر (والثاني) يقبل لأن المجلس الواحد كالحال الواحدة.
* (مسألة) * (وإن باعه أو وهبه أو رهنه كان رجوعاً) إذا وهب الموصى به أو تصدق به أو أكله أو أطعمه أو أتلفه أو كان ثوباً ففصله ولبسه(6/456)
أو جارية فأحبلها أو ما أشبه ذلك فهو رجوع.
قال إبن المنذر أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أنه إذا أوصى لرجل بطعام فأكله أو بشئ فأتلفه أو وهبه أو تصدق به أو بجارية فأحبلها أو أولدها فإنه يكون رجوعاً، وكذلك إن باعها، وحكي عن أصحاب الرأي إن بيعه ليس برجوع لأنه أخذ بدله بخلاف الهبة.
ولنا أنه أزال ملكه عنه، فكان رجوعاً كما لو وهبه وإن عرضه على البيع أو وصى ببيعه أو أوجب الهبة فلم يقبلها الموهوب له كان رجوعاً لأنه يدل على اختياره للرجوع ووصيته ببيعه أو إعتاقه رجوع لكونه وصى بما ينافي الوصية الأولى وإن رهنه كان رجوعاً لأنه علق به حقاً يجوز بيعه، فكان أعظم من عرضه على البيع، وفيه وجه آخر أنه ليس برجوع، وهو وجه لأصحاب الشافعي لأنه لا يزيل الملك أشبه إجارته * (مسألة) * (وإن كاتبه أو دبره أو جحد الوصية فعلى وجهين) (أحدهما) يكون رجوعاً لأن الكتابة بيع والتدبير أقوى من الوصية لأنه ينتجز بالموت فسبق أخذ الموصى له وجحد الوصية رجوع لأنه لا يدل على الرجوع ولأن جحده يدل على أنه لا يريد
إيصاله إلى الموصى له.(6/457)
و (الثاني) لا يكون رجوعاً لآل الكتابة والتدبير لا يخرج بهما عن ملكه ولأن الوصية عقد فلا تبطل بالجحود كسائر العقود وهو رواية عن أبي حنيفة.
* (مسألة) * (وإن خلطه بغيره على وجه لا يتميز منه كان رجوعاً) لأنه يتعذر تسليمه فيدل على رجوعه، وإن خلطه بما يتميز منه لم يكن رجوعاً، لأنه لا يمنع التسليم وإن أزال اسمه فطحن الحنطة أو عجن الدقيق أو خبز الحنطة أو جعل الخبز فتيتاً فهو رجوع لأنه أزال اسمه وذكره القاضي لأنه أزال اسمه وعرضه للاستعمال، وذلك دليل على رجوعه وبهذا قال الشافعي، وعلى قياس ذلك إذا نجر الخشبة باباً ونحوه لأنه أزال اسمه فهو في معناه، وإن كان قطناً أو كتاناً فغزله، أو غزلاً فنسجه، أو ثوباً فقطعه، أو بقرة فضربها، أو شاة فذبحها كان رجوعاً، وبه قال أصحاب الرأي والشافعي في ظاهر مذهبه، واختار أبو الخطاب أنه ليس برجوع وهو قول أبو ثور لأنه لا يزيل اسمه ولنا أنه عرضه للاستعمال فكان رجوعاً لأن فعله يدل على الرجوع، وقولهم انه لا يزيل اسمه لا يصح فإن الثوب لا يسمى غزلاً، والغزل لا يسمى كتاناً.
(فصل) وإن حدث بالموصى به ما يزيل اسمه من فعل الموصي مثل أن سقط الحب في الأرض(6/458)
فصار زرعاً أو انهدمت الدار فصارت فضاء في حياة الموصي بطلت الوصية بها لأن الباقي لا يتناوله الإسم وهو اختيار القاضي وذكر أبو الخطاب في الدار إذا انهدمت وزال اسمها وجهاً أنه لا يكون رجوعاً لأن الموصي لم يقصد ذلك والأول أولى وإن كان انهدام الدار لا يزيل اسمها سلمت إليه.
* (مسألة) * (وان زاد في الدار عمارة أو انهدام بعضها فهل يستحقه الموصى له؟ على وجهين: (أحدهما) : لا يستحقه لأن الزيادة لم تتناولها الوصية والأنقاض لا تدخل في مسمى الدار وإنما يتبع الدار في الوصية وما يتبعها في البيع.
و (الوجه الآخر) : يدخلان في الوصية لأن الزيادة تابعة للموصى به فأشبه سمن العبد وتعليمه والمنهدم قد دخل في الوصية فتبقى الوصية ببقائه.
* (مسألة) * (وإن وصى له بقفيز من صبرة ثم خلط الصبرة بأخرى لم يكن رجوعاً سواء خلطها بمثلها أو خير منها أو دونها لأنه كان مشاعاً وبقي مشاعاً وقيل أن خلطه بخير منه كان رجوعاً لأنه لا يمكنه تسليم الموصى به إلا بتسليم خير منه ولا يجب على الوارث تسليم خير منه فصار متعذر التسليم بخلاف ما إذا خلطه بمثله أو دونه.
(فصل) نقل الحسن بن ثواب عن أحمد في رجل قال هذا ثلثي لفلان ويعطي فلان منه مائة(6/459)
في كل شهر الى أن يموت فهو للآخر منهما ويعطى هذا مائة في كل شهر فإن مات وفضل شئ رد إلى صاحب الثلث فحكم بصحة الوصية وإنفاذها على ما أمر به الموصى.
* (مسألة) * (وإن وصى لرجل بشئ ثم قال إن قدم فلان فهو له، فقدم في حياة الموصي فهو له لأنه جعله له بشرط قدومه وقد وجد الشرط، وإن قدم بعد موت الموصي فهو للأول في أحد الوجهين، لأنه لما مات قبل قدومه انتقل إلى الأول لعدم الشرط في الثاني وقدم وقدم الثاني بعد ملك الأول له وانقطاع حق الموصي منه فيبقى للأول، ذكره القاضي، وفي الوجه الثاني هو للقادم لأنه مشروط له بقدومه فأشبه ما لو قال إن حملت نخلتي بعد موتي فهو لفلان، فحملت بعد موته فإنه يستحق حملها، بعد ملك الورثة لأصلها.
(فصل) إذا أوصى بأمة لزوجها الحر فقبلها انفسخ النكاح، لأن النكاح لا يجتمع مع ملك اليمين وظاهر المذهب أن الموصى له إنما ملك الموصى به بالقبول فحينئذ ينفسخ النكاح، وفيه وجه آخر أنه إذا قبل تبينا أن الملك كان ثابتاً من حين موت الموصي فتبين أن النكاح انفسخ من حين موت الموصي فإن أتت بولد لم يخل من ثلاثة أحوال.(6/460)
(أحدها) أن تكون حاملاً حين الوصية ويعمل ذلك بأن تأتي به لأقل من ستة أشهر منذ أوصى فالصحيح أنه يكون موصى به معها لأن للحمل حكماً ولهذا تصح الوصية به وله وإذا صحت الوصية به منفرداً صحت به مع أمه فيصير كما لو كان منفصلاً فأوصى بهما جميعاً وفيه آخر لا حكم للحمل فلا يدخل
في الوصية وإنما يثبت له الحكم عند انفصاله كأنه حدث حينئذ فعلى هذا إن انفصل في حياة الموصي فهو كسائر كسبها، وإن انفصل بعد موته وقبل القبول فهو للورثة على ظاهر المذهب وإن انفصل بعده فهو للموصي.
(الحال الثاني) أن تحمل به بعد الوصية ويعلم ذلك بأن تضعه بعد ستة أشهر من حين أوصى لأنها ولدته لمدة الحمل بعد الوصية فيحتمل أنها حملته بعدها فلم تتناوله والأصل عدم الحمل حال الوصية فلا نثبته بالشك فيكون مملوكاً للموصي إن ولدته في حياته وإن ولدته بعده وقلنا للحمل حكم فكذلك وإن قلنا لا حكم له فهو للورثة إن ولدته قبل القبول ولأبيه إن ولدته بعده وكل موضع كان الولد للموصى له فإنه يعتق عليه بأنه ابنه وعليه ولاء لأبيه لأنه عتق عليه بالقرابة وأمه أمة ينفسخ نكاحها بالملك ولا تصير أم ولد لأنها لم تعلق منه بحر في ملكه(6/461)
(الحال الثالث) أن تحمل بعد موت الموصي وقبل القبول ويعلم ذلك بأن تضعه لأكثر من ستة أشهر من حين الموت فإن وضعته قبل القبول فهو للوارث في ظاهر المذهب لأن الملك إنما يثبت للموصى له بعد القبول وعلى الوجه الآخر يكون للموصي له، وإن وضعته بعد القبول فكذلك لأن الظاهر أن للحمل حكماً فيكون حادثاً على ملك الوارث وعلى الوجه الآخر يكون للموصي له فعلى هذا يكون حراً لا ولاء عليه لأنها أم ولد لكونها علقت منه بحر في ملكه فهو كما لو حملت به بعد القبول ومذهب الشافعي في هذا الفصل قريب مما قلناه، وقال أبو حنيفة إذا وضعته بعد موت الموصي دخل في الوصية بكل حال لأنها تستقر بالموت وتلزم فوجب أن تسري إلى الولد كالاستيلاد ولنا أنها زيادة منفصلة حادثة بعد عقد الوصية فلا تدخل فيها كالكسب وكما لو وصى بعتق جارية فولدت ويفارق الاستيلاد لأن له تغليباً وسراية وهذا التفريع فيما إذا خرجت من الثلث وإن لم تخرج من الثلث ملك منها بقدر الثلث وانفسخ النكاح لأن ملك بعضها يفسخ النكاح كملك جميعها وكل موضع يكون الولد لابيه فان يكون له منه ههنا بقدر ما ملك من أمه ويسري العتق إلى باقيه إن كان موسراً وإن كان معسراً فقد عتق منه ما ملك وحده وكل موضع قلنا تكون أم ولد فإنها تصير أم ولد ههنا(6/462)
سواء كان موسراً أو معسراً على قول الخرقي كما إذا استولد الأمة المشتركة وقال القاضي يصير منها أم ولد بقدر ما ملك منها وهذا مذهب الشافعي والله أعلم (فصل) قال رضي الله عنه (وتخرج الواجبات من رأس المال أوصى بها أو لم يوص كقضاء الدين والحج والزكاة) لأن حق الورثة بعد اداء الدين لقوله سبحانه (من بعد وصية يوصى بها أو دين) وقال علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بالدين قبل الوصية رواه الترمذي والواجب لحق الله سبحانه بمنزلة الدين لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " دين الله أحق أن يقضى " فإن وصى معها بتبرع اعتبر الثلث من الباقي فيخرج الواجب أولا من رأس المال ثم يخرج ثلث الباقي كمن تكون تركته أربعين فيوصي بثلث ماله وعليه دين عشرة فتخرج العشرة أولا وتدفع إلى الموصى له بالثلث عشرة وهي ثلث الباقي بعد الدين * (مسألة) * (وإن قال أخرجوا الواجب من ثلثي أخرج من الثلث وتمم من رأس المال على ما قال الموصي كأنه قصد إرفاق ورثته بذلك فإن كان معها وصية بتبرع فقال القاضي يبدأ بالواجب فإن فضل عنه من الثلث شئ فهو لصاحب التبرع وإن لم يفضل منه شئ سقط وذلك لأن الدين تجب(6/463)
البداءة به قبل الميراث والتبرع فإذا عينه في الثلث وجب البداية به وما فضل للتبرع فإن لم يفضل شئ سقط لأنه لم يوص له بشئ إلا أن يجيز الورثة فيعطى ما أوصى له به وقال أبو الخطاب يزاحم به أصحاب الوصايا فيحتمل ما قاله القاضي ويحتمل أن يقسم الثلث بين الواجب والتبرع بالحصة فما بقي من الواجب تمم من الثلثين فيدخله الدور ويحتاج إلى العمل بطريق الخبر فلو كان المال ثلاثين فالواجب عشرة والوصية عشرة فاجعل تتمة الواجب شيئاً يبقى ثلاثون إلا شيئاً فثلثه عشرة إلا ثلث شئ اقسمها بين الواجب والتبرع يحصل للواجب خمسة إلا سدس شئ فإذا أضفت إليها الشئ الذي هو تتمة الواجب كان عشرة فأجبر الخمسة من الشئ بسدسه يبقى خمسة أسداس شئ تعدل خمسة فتبين ان الشئ ستة وللوصي الآجر وهو صاحب التبرع أربعة
(فصل) فإن كان عليه دين خمسة أيضاً عزلت تتمة الواجب شئ وتتمة الدين نصف شئ بقي ثلث المال عشرة إلا نصف شئ فاقسمه بين الوصايا فيحصل للواجب أربعة الا خمس شئ اضمم إليها تتمته يصير شيئاً وأربعة الا خمس شئ تصير عشرة وبعد الجبر تصير أربعة أخماس تعدل ستة فرد على الستة ربعها تكن سبعة ونصفها تعدل شيئاً فالشئ سبعة ونصف ونصف الشئ ثلاثة ونصف وربع(6/464)
وبقية المال ثمانية عشر وثلاثة أرباع ثلثها ستة وربع للدين خمسها أحد وربع إذا ضمت إليه تتمته كمل خمسة وللواجب اثنان ونصف يكمل بتتمته وللصدقة اثنان ونصف، وفي عملها طريق آخر وهو أن يقسم الثلث بكماله بين الوصايا بالقسط ثم ما بقي من الواجب أخذته من الورثة وصاحب التبرع بالقسط ففي المسألة الأولى يحصل للواجب خمسة يبقى له خمسة يأخذ من صاحب التبرع ديناراً ومن الورثة أربعة وفي المسألة الثانية حصل للواجب أربعة وبقي له ستة وحصل للدين دينار وبقي له ثلاثة فيأخذان ما بقي لهما وذلك تسعة من الورثة نصفها وثلثها وذلك سبعة ونصف ومن صاحب التبرع سدسها دينار ونصفها للواجب منها ثلثاها وللدين ثلثها فإن أوصى بالواجب وأطلق فهو من رأس المال فيبدأ بإخراجه قبل التبرعات والميراث فإن كانت وصية ثم بتبرع فلصاحبها ثلث الباقي وهذا قول أكثر أصحاب الشافعي وذهب بعضهم إلى أن الواجب من الثلث كالقسم الذي قبله لأنه إنما يملك الوصية بالثلث.
ولنا أن الواجب من رأس المال وليس في وصيته ما يقتضي تغييره فيبقى على ما كان عليه كما لو لم يوص به وقولهم لا يملك الوصية إلا بالثلث قلنا في التبرع وأما في الواجبات فلا ينحصر في الئلث(6/465)
ولا يتقيد به فإن أوصى بالواجب وقرن به الوصية بتبرع مثل أن يقول حجوا عني وأدوا ديني وتصدقوا عني ففيه وجهان (أصحهما) أن الواجب من رأس المال لأن الاقتران في اللفظ لا يدل على الاقتران في الحكم ولا في كيفيته ولذلك قال الله تعالى (كلوا من ثمره إذا اثمر وآتو حقه يوم حصاده) والأكل لا يجب والإيتاء يجب ولأنه ههنا قد عطف غير الواجب عليه فكما لم يستويا في الوجوب
لا يلزم استواءهما في محل الإخراج (والثاني) أنه من الثلث لأنه قرن به ما مخرجه من الثلث والله سبحانه وتعالى أعلم.
(باب الموصى له) تصح الوصية لكل من يصح تمليكه من مسلم وذمي وحربي ومرتد، أما صحة الوصية للمسلم والذمي فلا نعلم فيه خلافاً وبه قال شريح والشعبي والثوري والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي قال محمد بن الحنفية في قوله تعالى (إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفاً) هو وصية المسلم لليهودي والنصراني ولأن الهبة تصح له فصحت الوصية كالمسلم وتصح وصية الذمي للمسلم لأنه إذا صحت وصية المسلم للذمي(6/466)
فوصية الذمي للمسلم أولى وحكم وصية الذمي حكم وصية المسلم فيما ذكرنا، وتصح الوصية للحربي وإن كان في دار الحرب نص عليه أحمد وبه قال مالك وأكثر أصحاب الشافعي، وقال بعضهم لا تصح وهو قول أبي حنيفة لأن الله تعالى قال (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) الآية إلى قوله (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم) الآية فدل على أن من قاتلنا لا يحل بره ولنا أنه تصح هبة فصحت الوصية له كالذمي وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عمر حلة من حرير فقال يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت فقال " إني لم أعطكها لتلبسها " فكساها عمر خاله مشركاً بمكة وعن أسماء بنت أبي بكر قالت أتتني أمي وهي راغبة تعني عن الإسلام فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أتتني أمي وهي راغبة أفأصلها؟ قال " نعم " وهذان فيهما صلة أهل الحرب وبرهم والآية حجة لنا فيمن لم يقاتل فأما المقاتل فإنما نهى عن توليه لا عن بره ولا الوصية له وإن احتج بالمفهوم فهو لا يراه حجة ثم قد حصل الإجماع على صحة الهبة للحربي والوصية في معناها.(6/467)
* (مسألة) * (وتصح للمرتد كما تصح الهبة له)
ذكره أبو الخطاب وقال ابن أبي موسى لا تصح لأن ملكه غير مستقر ولا يرث ولا يورث فهو كالميت ولأن ملكه يزول عن ماله بردته في قول أبي بكر وجماعة فلا يثبت له الملك بالوصية * (مسألة) * (وتصح لمكاتبه ومدبره وأم ولده) تصح الوصية للمكاتب سواء كان مكاتبه أو مكاتب وارثه أو مكاتب أجنبي سواء وصى له يجزء شائع أو معين لأن ورثته لا يستحقون المكاتب ولا يملكون ماله ولأنه يملك المال بالعقود فصحت الوصية له كالحر، فإن قال ضعوا عن مكاتبي بعض كتابته أو بعض ما عليه وضعوا ما شاؤا وإن قال ضعوا عنه نجماً من نجومه فلهم أن يضعو اي نجم شاؤا وسواء كانت نجومه متفقة أو مختلفة لتناول اللفظ له فإن قال ضعوا عنه أي نجم شاء رجع إلى مشيئته لأن سيده جعل المشيئة إليه وإن قال ضعوا عنه أكثر نجومه وضعوا عنه أكثرها مالاً لأنه أكبرها قدراً، وإن قال ضعوا عنه أكثر نجومه وضعوا عنه أكثر من نصفها لان اكثر الشئ يزيد على نصفه فإن كانت نجومه خمسة وضعوا ثلاثة وإن كانت ستة وضعوا أربعة ويحتمل أن يصرف إلى واحد منها أكثرها مالاً فإن كانت نجومه سواء تعين القول الأول فإن قال ضعوا عنه أوسط نجومه ولم يكن فيها إلا وسط واحد تعين مثل أن تكون نجومه متساوية القدر والأجل وعددها مفرد فيتعين الأوسط في العدد فإن كانت خمسة تعين الثالث، وإن كانت(6/468)
سبعة فالرابع فإن كان عددها مزدوجاً وهي مختلفة المقدار فبعضها مائة وبعضها مائتان وبعضها ثلاثمائة فأوسطها المائتان فيتعين وإن كانت متساوية القدر مختلفة الأجل مثل أن يكون اثنان إلى شهر شهر وواحد إلى شهرين وواحد الى ثلاثة أشهر تعنيت الوصية في الذي إلى شهرين، وإن اتفقت هذه المعاني في واحد تعين، وإن كان لها أوسط في القدر وأوسط في الأجل وأوسط في العدد يخالف بعضها بعضاً رجع إلى قول الورثة، وإن اختلفت الورثة والمكاتب في إرادة الموصي منها فالقول قول الورثة مع أيمانهم أنهم لا يعلمون ما أراد، ومتى كان العدد وتراً فأوسطه واحد وإن كانت شفعاً كأربعة فأوسطه اثنان وهكذا القول فيما اذا أوصى بأوسط نجومه، وإن قال ضعوا عنه ما يخف أو ما يثقل أو ما يكثر رجع إلى تقدير الورثة لان كل شئ يخف إلى حيث ما هو أثقل منه، ويثقل إلى حيث ما هو أخف منه،(6/469)
كما قال أصحابنا فيما إذا أقر بمال عظيم أو كثير أو ثقيل أو خفيف، وإن قال ضعوا عنه أكثر ما عليه وضع عنه النصف وأدنى زيادة وإن قال ضعوا عنه أكثر ما عليه ومثل نصفه فذلك ثلاثة أرباع وأدنى زيادة وإن قال ضعوا أكثر ما عليه ومثله فذلك الكتابة كلها وزيادة عليها فيصح في الكتابة ويبطل في الزيادة لعدم محلها وإن قال ضعوا عنه ما شاء فشاء وضع كل ما عليه وضع لتناوله اللفظ فإن قال ضعوا عنه ما شاء من مال الكتابة لم يضعوا عنه الكل، لأن من للتبعيض ومذهب الشافعي على نحو ما ذكرنا في هذا الفصل.(6/470)
* (مسألة) * (وتصح الوصية لمدبره) لأنه يصير حراً حين لزوم الوصية فصحت الوصية له كأم الولد فان لم يخرج من الثلث هو والوصية جميعاً قدم عتقه على الوصية لأنه أنفع له، وقال القاضي يعتق بعضه ويملك من الوصية بقدر ما عتق منه.
ولنا أنه وصى لعبده وصية صحيحة فيقدم عتقه على ما يحصل له من المال كما لو وصى لعبده القن بمشاع من ماله.
* (مسألة) * (وتصح الوصية لأم ولده لأنها حرة حين لزوم الوصية) وقد روى ذلك عن عمر رضي الله عنه انه أوصى لأمهات أولاده بأربعة آلاف أربعة آلاف، رواه سعيد وروي ذلك عن عمران بن حصين، وبه قال ميمون بن مهران، والزهري، ويحيى الانصاري، ومالك، والشافعي، واسحق.(6/471)
* (مسألة) * (وتصح لعبد غيره) وتكون الوصية لسيده والقبول من العبد لأن العقد مضاف إليه أشبه ما لو وهبه شيئاً فإذا قبل نثبت لسيده لأنه من كسب عبده وكسب العبد للسيد ولا يفتقر في القبول إلى إذن السيد لأنه كسب من غير إذن سيده كالاحتطاب وهذا قول أهل العراق والشافعي ولأصحابه وجه آخر أنه يفتقر إلى إذن السيد لأنه تصرف العبد فهو كبيعه وشرائه
ولنا أنه تحصيل مال بغير عوض فلم يفتقر إلى إذنه كقبول الهبة وتحصيل المباح (فصل) وإن وصى لعبد وارثه فهي كالوصية لوارثه تقف على إجازة الورثة وبه قال الشافعي وأبو حنيفة، وقال مالك إن كان يسيراً جاز لأن العبد يملك وإنما لسيده أخذه من يده فإذا أوصى له بشئ يسير علم أنه قصد بذلك العبد دون سيده.(6/472)
ولنا أنها وصية لعبد وارثه أشبه الوصية بالكثير وما ذكره من ملك العبد ممنوع لا اعتبار به فإنه مع هذا القصد يستحق سيده أخذه فهو كالكثير.
(فصل) وإذا وصى بعتق أمته على أن لا تتزوج ثم مات فقالت لا أتزوج عتقت فإن تزوجت بعد ذلك لم يبطل عتقها وهذا مذهب الأوزاعي والليث وأبي ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي لأن العتق إذا وقع لم يمكن رفعه فإن وصى لأم ولده بألف على أن لا تتزوج أو على أن تبيت مع ولده ففعلت وأخذت الألف ثم تزوجت أو تركت ولده ففيها وجهان (أحدهما) تبطل وصيتها لأنه فات الشرط ففاتت الوصية، وفارق العتق فإنه لا يمكن رفعه (والثاني) لا تبطل وصيتها وهو قول أصحاب الرأي لأن وصيتها صحت فلم تبطل بمخالفة ما شرط عليها كالأولى * (مسألة) * (وتصح لعبده بمشاع كثلثه فإن خرج العبد من الوصية عتق واستحق باقيه وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث) وبهذا قال الحسن وابن سيرين وأبو حنيفة إلا أنهم قالوا إن لم يخرج من الثلث سعى في قيمة باقيه(6/473)
وقال الشافعي الوصية باطلة إلا أن يوصي بعتقه لأنه أوصى لمال يصير للورثة فلم يصح كما لو وصى له بمعين.
ولنا أن الجزء الشائع يتناول نفسه أو بعضها لأنه من جملة الثلث الشائع والوصية له بنفسه تصح ويعتق وما فضل استحقه لأنه يصير حراً فملك الوصية فيصير كأنه قال أعتقوا عبدي من ثلثي وأعطوه ما فضل منه، وفارق ما إذا وصى له بمعين لأنه لا يتناول شيئاً منه على أن لنا في الأصل
المقيس عليه منعاً.
* (مسألة) * (وإن وصى له بمعين كثوب أو دار أو مائة لم تصح الوصية في قول الأكثرين منهم الثوري وأصحاب الرأي والشافعي واسحاق وذكر ابن أبي موسى رواية عن احمد أنها تصح وهو قول مالك وأبي ثور وقال الحسن وابن سيرين إن شاء الورثة أجازوا وإن شاءوا ردوا ولنا أن العبد يصير ملكاً للورثة فما وصى به له فهو لهم فكأنه أوصى لورثته بما يرثونه فلا فائدة فيه، وفارق ما إذا وصى له بمشاع لما ذكرناه.
* (مسألة) * (وتصح الوصية للحمل إذا علم أنه كان موجوداً حين الوصية بأن تضعه لأقل من ستة أشهر إن كانت ذات زوج أو سيد يطؤها أو لأقل من أربع سنين إن لم يكن كذلك في أحد الوجهين) وفي الآخر لأقل من سنتين لا نعلم في صحة الوصية للحمل خلافاً وبه قال الثوري والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي(6/474)
وذلك لأن الوصية جرت مجرى الميراث من حيث كونها انتقال المال من الإنسان بعد موته إلى الموصى له بغير عوض كانتقاله إلى وارثه، وقد سمى الله تعالى الميراث وصية بقوله سبحانه (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الاثنين) وقال سبحانه (فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله) والحمل يرث فتصح الوصية له ولأن الوصية أوسع من الميراث لأنها تصح للمخالف في الدين والعبد بخلاف الميراث فإذا ورث الحمل فالوصية له أولى ولأن الوصية تتعلق بخطر وغرر فصحت للحمل كالعتق فإن انفصل الحمل ميتاً بطلت الوصية لأنه لا يرث ولأنه يحتمل أن لا يكون حياً حين الوصية فلا تثبت له الوصية والميراث بالشك، وسواء مات لعارض من ضرب البطن أو شرب دواء أو غيره لما بينا من أنه لا يرث وإن وضعته حياً صحت الوصية له إذا حكمنا بوجوده حال الوصية بأن تأتي به لأقل من ستة أشهر ان كانت المرأة فراشاً لزوج أو سيد يطؤها فإنا نعلم وجوده حين الوصية فإن أتت به لأكثر منها لم تصح الوصية لاحتمال حدوثه بعد الوصية، وإن كانت بائناً فأتت به لأكثر من أربع سنين من حين الفرقة وأكثر من ستة أشهر من حين الوصية لم تصح الوصية له وإن أتت به لأقل من ذلك صحت الوصية
لأن الولد يعلم وجوده إذا كان لستة أشهر ويحكم بوجوده إذا أتت به لأقل من أربع سنين من حين(6/475)
الفرقة وهذا مذهب الشافعي، وإن وصى لحمل امرأة من زوجها أو سيدها صحت الوصية له مع اشتراط إلحاقه به، فإن كان منفياً باللعان أو دعوى الاستبراء لم تصح الوصية له لعدم نسبه المشترط في الوصية فإن كانت المرأة فراشاً لزوج أو سيد إلا أنه لا يطؤها لكونه غائباً في بلد بعيد أو مريضاً مرضاً يمنع الوطئ أو كان أسيراً أو محبوساً أو علم الورثة أنه لم يطأها أو أقروا بذلك فإن أصحابنا لم يفرقوا بين هذه الصور وبين ما إذا كان يطؤها لأنهما لم يفترقا في لحوق النسب بالزوج والسيد فكانت في حكم من يطؤها، قال شيخنا ويحتمل أنها متى أتت به في هذه الحال أو لوقت يغلب على الظن أنه كان موجوداً حال الوصية مثل أن تضعه لأقل من غالب مدة الحمل أو تكون أمارات الحمل ظاهرة أو أتت به على وجه يغلب على الظن أنه كان موجوداً بأمارات الحمل بحيث يحكم لها بكونه حاملاً صحت الوصية له لأنه يثبت له أحكام الحمل في غير هذا الحكم وقد انتفت أسباب حدوثه ظاهراً فنبغى أن تثبت له الوصية، والحكم بإلحاقه بالزوج والسيد في تلك الصور إنما كان احتياطاً للنسب فإنه يلحق بمجرد الاحتمال وإن كان بعيداً، ولا يلزم من إثبات النسب بمطلق الاحتمال نفي استحقاق الوصية فإنه لا يحتاط لإبطال الوصية كما يحتاط لإثبات النسب فلا يلزم إلحاق ما لا يحتاط له بما يحتاط له مع ظهور ما يثبته(6/476)
ويصححه، وفيه وجه آخر أنه إذا أتت به لأكثر من سنتين إذا كانت بائناً لا تثبت له الوصية بناء على أن أكثر مدة الحمل سنتان * (مسألة) * (وإن وصى لما تحمل هذه المرأة لم يصح) وقال بعض أصحاب الشافعي تصح كما تصح الوصية بما تحمل هذه الجارية ولنا أن الوصية تمليك فلا تصح للمعدوم بخلاف الموصى به فإنه يملك فلم يعتبر وجوده ولأن الوصية جرت مجرى الميراث ولو مات إنسان لم يرثه من الحمل إلا من كان موجوداً كذلك الوصية، ولو تجدد للميت مال بعد موته بأن يسقط في شبكته صيد لورثه ورثته ولذلك قضينا بثبوت الإرث في ديته وهي
تتجدد بعد موته فجاز أن تملك بالوصية.
فإن قيل فلو وقف على من يحدث من ولده أو ولد فلان صح فالوصية أولى لأنها تصح بالمعدوم والمجهول بخلاف الوقف، قلنا الوصية أجريت مجرى الميراث ولا يحصل الميراث إلا لموجود فكذلك الوصية، والوقف يراد للدوام فمن ضرورته إثباته للمعدوم.
(فصل) وإذا وصى لحمل امرأة فولدت ذكراً وانثى فالوصية لهما بالسوية لأن ذلك عطية وهبة فأشبه ما لو وهبهما شيئاً بعد ولادتهما، وإن فاضل بينهما فهو على ما قال كالوقف وإن قال إن كان في(6/477)
بطنها غلام فله ديناران وإن كانت فيه جارية فلها دينار فولدت غلاماً وجارية فلكل منهما ما وصى له به لأن الشرط وجد فيه، وإن ولدت أحدهما منفرداً فله وصيته، ولو قال إن كان حملها أو إن كان ما في بطنها غلاماً فله ديناران وإن كانت جارية فلها دينار فولدت أحدهما منفرداً فله وصيته، وإن ولدت غلاماً وجارية فلا شئ لهما لأن أحدهما ليس هو جميع الحمل ولا كل ما في البطن، وبه قال أصحاب الرأي والشافعي وأبو ثور.
* (مسألة) * (وان قتل الوصي الموصي بطلت الوصية وإن جرحه ثم أوصى له فمات من الجرح لم تبطل في ظاهر كلامه وقال أصحابنا في الوصية للقاتل روايتان) اختلف أصحابنا في الوصية للقاتل على ثلاثة أوجه، فقال ابن حامد تجوز الوصية له واحتج بقول أحمد فيمن جرح رجلاً خطأ فعفا المجروح فقال أحمد تعتبر من الثلث قال وهذه وصية لقاتل وهو قول مالك وأبي ثور وابن المنذر وأظهر قولي الشافعي لأن الهبة له تصح فصحت الوصية له كالذمي وقال أبو بكر لا تصح الوصية له فإن أحمد قد نص على أن المدبر إذا قتل سيده بطل تدبيره والتدبير وصية وهذا قول الثوري وأصحاب الرأي لأن القتل يمنع الميراث الذي هو آكد من الوصية، فالوصية(6/478)
أولى، ولأن الوصية أجريت مجرى الميراث فمنعها ما يمنعه وقال أبو الخطاب إن وصى له بعد جرحه صح وإن وصى له قبل ثم طرأ القتل على الوصية أبطلها جمعها بين نصي أحمد في الموضعين، وهو قول الحسن بن صالح وهذا قول حسن، لأن الوصية بعد الجرح صدرت من أهلها في محلها لم يطرأ عليه
ما يبطلها بخلاف ما إذا تقدمت فإن القتل طرأ عليها فأبطلها فإنه يبطل ما هو آكد منها، يحققه أن القتل إنما يمنع الميراث لكونه بالقتل استعجل الميراث الذي انعقد سببه فعورض بنقيض قصده وهو منع الميراث دفعاً لمفسدة قتل الموروثين ولذلك بطل التدبير بالقتل قبل الطارئ عليه أيضاً وهذا المعنى متتحقق في القتل الطارئ على الوصية فإنه ربما استعجلها بقتله وفارق القتل قبل الوصية لأنه لم يقصد به استعجال مال لعدم انعقاد سببه والموصي راض بالوصية له بعد ما صدر منه في حقه وعلى هذا لا فرق بين الخطأ والعمد كما لا تفترق الحال بذلك في الميراث.
* (مسألة) * (وإن وصى لصنف من أصناف الزكاة أو لجميع الأصناف صح) لأنهم من أبواب البر فصحت لهم كغيرهم ويعطي كل واحد منهم القدر الذي يعطاه من الزكاة قياساً عليها، لأن المطلق من كلام الآدمي يحمل على المطلق من كلام الله تعالى ولما أطلق الله تعالى أعطاهم من الزكاة حمل على ذلك كذلك هذا(6/479)
قال شيخنا وإذا وصى لأصناف الزكاة المذكورين في القرآن فهم الذين يستحقون الزكاة وينبغي أن يجعل لكل صنف ثمن الوصية، كما لو وصى لثمان قبائل، والفرق بين هذا وبين الزكاة حيث يجوز الاقتصار على صنف واحد أن آية الزكاة أريد بها بيان من يجوز الدفع إليه والوصية أريد بها بيان من يجب الدفع إليه، ويجوز الاقتصار من كل صنف على واحد في ظاهر المذهب لأنه لا يمكن استيعابهم وحكي هذا عن أصحاب الرأي وعن محمد بن الحسن أنه قال لا يجوز الدفع إلى أقل من اثنين، وعن أحمد رواية ثانية أنه لا يجوز الدفع إلى أقل من ثلاثة من كل صنف حكاها أبو الخطاب وهو مذهب الشافعي وقد ذكرنا ذلك وأدلته في الزكاة ولا يجوز الصرف إلا إلى المستحق من أهل بلده كما ذكرنا في الزكاة (فصل) وإذا أوصى للفقراء وحدهم دخل فيه المساكين وكذلك إن أوصى للمساكين دخل فيهم الفقراء لأنهم صنف واحد في غير الزكاة إلا أن يذكر الصنفين جميعاً فيدل ذلك على أنه أراد المغايرة بينهما، ويستحب تعميم من أمكن منهم والدفع إليهم على قدر الحاجة والبداءة بأقارب الموصي كما ذكرنا في الزكاة.
* (مسألة) * (وإن وصى لكتب القرآن أو العلم أو لمسجد أو لفرس حبيس ينفق عليه صح لأن ذلك قربة يصح بذل المال فيه، فصحت الوصية له كالوصية للفقراء فإن مات الفرس رد الموصى به(6/480)
أو باقيه إلى الورثة لأنه عين للوصية جهة فإذا فاتت عادت إلى الورثة كما لو وصى أن يشترى عبد زيد فيعتق فمات العبد أو لم يبعه سيده أو تعذر شراؤه، وإن أنفق بعض الدراهم ثم مات الفرس بطلت الوصية في الباقي كما لو وصى بشراء عبدين معينين فاشترى أحدهما ومات الآخر قبل شرائه قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسئل عن رجل أوصى بألف درهم في السبيل أيجعل في الحج منها؟ قال لا، إنما يعرف الناس السبيل الغزو.
(فصل) إذا قال يخدم عبدي فلان سنة ثم هو حر صحت الوصية فإن قال الموصى له بالخدمة لا أقبل الوصية أو قال قد وهبت الخدمة لم يعتق في الحال وبهذا قال الشافعي، وقال مالك إن وهب الخدمة للعبد عتق في الحال.
ولنا أنه أوقع العتق بعد مضي السنة فلم يقع قبله كما لو رد الوصية (فصل) وإن وصى أن يشترى عبد زيد بخمسمائة فيعتق فلم يبعه سيده فالخمسائة للورثة وكذلك إن امتنع عن بيعه بالخمسمائة أو تعذر شراؤه بموته أو لعجز الثلث عن ثمنه فالثمن للورثة لأن الوصية بطلت(6/481)
لتعذر العمل بها فأشبه ما لو وصى لرجل فمات قبل موت الموصي أو بعده ولم يدع وارثاً ولا يلزم الورثة شراء عبد آخر لأن الوصية لمعين فلا تصرف إلى غيره فإن اشتروه بأقل من ذلك فالباقي للورثة وقال الثوري يدفع جميع الثمن إلى سيد العبد لأنه قصد إرفاقه بالثمن ومحاباته فأشبه ما لو قال بيعوه عبدي بخمسمائة وقيمته أكثر منها وكما لو وصى أن يحج عنه فلان بخمسمائة وهي أكثر من أجر المثل وقال إسحاق يجعل بقية الثمن في العتق كما لو وصى أن يحج عنه بخمسمائة رد ما فضل في الحج ولنا أنه أمر بشرائه بخمسمائة فكان ما فضل من الثمن راجعاً إليه كما لو وكل في شرائه في حياته وفارق ما إذا أوصى أن يحج عنه رجل بخمسمائة لأن القصد ثم إرفاق الذي يحج بالفضلة، وفي مسئلتنا المقصود العتق، ويفارق ما إذا أوصى أن يحج عنه بخمسمائة لغير معين لأن الوصية ثم للحج مطلقاً فتصرف
جميعها فيه وههنا لمعين فلا تتعداه، وقوله أنه قصد إرفاق زيد ومحاباته به قلنا إن كان ثم قرينة تدل على ذلك إما لكون البائع صديقه أو ذا حاجة أو من أهل الفضل الذين يقصدون بهذا أو كان يعلم حصول العبد بدون الخمسمائة لقلة قيمته فنه يدفع جميع الثمن إلى زيد كما لو صرح بذلك فقال ادفعوا إليه جميعها(6/482)
وإن بذله بدونها وإن عدمت هذه القرائن فالظاهر أنه إنما قصد العتق وقد حصل فكان الثمن عائداً إلى الورثة كما لو أمره بالشراء في حياته قال شيخنا وهذا الصحيح إن شاء الله تعالى (فصل) ولو وصى أن يشترى عبد بألف فيعتق عنه فلم يخرح من ثلثه اشتري عبد بالثلث وبه قال الشافعي، وقال أبوحينفة تبطل الوصية لأنه أمر بشراء عبد بألف فلا يجوز للمأمور الشراء بدونه كالوكيل.
ولنا أنها وصية يجب تنفيذها إذا احتملها الثلث فإذا لم يحملها وجب تنفيذها فيما حمله كما لو وصى بعتق عبد فلم يحمله الثلث، وفارق الوكالة فإنه لو وكله في إعتاق عبد لم يملك إعتاق بعضه، ولو وصى إليه بإعتاق عبد أعتق منه ما يحتمله الثلث فإن حمله الثلث فاشتراه وأعتقه ثم ظهر على الميت دين يستغرق المال فالوصية باطلة ويرد العبد إلى الرق إن كان اشتراه بعين المال لأننا تبينا أن الشراء باطل لكونه اشتري بمال مستحق للغرماء بغير إذنهم وإن كان اشتراه في الذمة صح الشراء ونفذ العتق وعلى المشتري غرامة ثمنه لا يرجع به على أحد لأن البائع ما غره إنما غره الموصي ولا تركه له فيرجع عليها وهذا ظاهر مذهب الشافعي ويحتمل أن يشارك الغرماء في التركة ويضر ب معهم بقدر دينه لأن الدين غرمه بتغرير الموصي فيرجع به عليه فإذا كان ميتاً لزمه في تركته كأرش جنايته(6/483)
(فصل) وإن وصى بشراء عين وأطلق أو ببيع عبده وأطلق فالوصية باطلة لأن الوصية لا بد لها من مستحق ولا مستحق ههنا فإن وصى ببيعه بشرط العتق صحت الوصية وبيع كذلك لأن في البيع نفعاً للعبد بالعتق فإن لم يوجد من يشتريه كذلك بطلت الوصية لتعذرها كما لو وصى بشراء عبد يعتق فلم يبعه سيده، وإن وصى ببيعه لرجل بعينه بثمن معلوم بيع لأنه قصد إرفاقه بذلك في الغالب وإن لم يسم ثمناً بيع بقيمته وتصح الوصية لكونه قصد إيصال العبد المعين إلى رجل بعينه فيحتمل أن يتعلق الغرض
بإرفاق العبد بإيصاله إلى من هو معروف بحسن الملك وإعتاق الرقاب ويحتمل أن يريد إرفاق المشتري لمعنى يحصل له من العبد فإن تعذر بيعه لذلك الرجل أو أبى أن يشتريه بالثمن أو بقيمته إن لم يعين الثمن بطلت الوصية * (مسألة) * (وإن وصى في أبواب البر فقال شيخنا يصرف في القرب كلها) لأن اللفظ للعموم فيجب حمله على عمومه ولا يجوز تخصيص العموم بغير دليل، وقيل عن أحمد تصرف في أربع جهات في الأقارب والمساكين والحج والجهاد، وعنه فداء الأسرى مكان الحج لأن الصدقة على الأقارب صدقة وصلة والمساكين مصارف الصدقات والزكاة والحج والجهاد من أكبر(6/484)
شعائر الإسلام وفداء الأسرى من أعظم القربات، وقد نقل المروذي عن أحمد فيمن أوصى بثلثه في أبواب البر يجزأ ثلاثة أجزاء جزءاً في الجهاد وجزءاً يتصدق به في أقاربه وجزءاً في الحج وقال في رواية أبي داود الغزو يبدأ به وحكي عنه أنه جعل جزءاً في فداء الأسرى، قال شيخنا وهذا والله أعلم ليس على سبيل اللزوم والتحديد بل يجوز صرفه في جهات البر كلها لأن اللفظ للعموم فيجب حمله على عمومه ولأنه ربما كان غير هذه الجهات أحوج من بعضها وأحق فقد تدعو الحاجة إلى تكفين ميت وإصلاح طريق وإعتاق رقبة وقضاء دين وإغاثة ملهوف أكثر من دعائها إلى حج من لا يجب عليه الحج فيكلف وجوب ما لم يكن عليه واجباً وتعباً كان الله تعالى قد أراحه منه من غير مصلحة تعود على أحد من خلق الله تعالى فتقديم هذا على ما مصلحته ظاهرة والحاجة إليه داعية بغير دليل تحكم لا معنى له (فصل) وإن قال ضع ثلثي حيث أراك الله فله صرفه في أي جهة من جهات القرب رأى وضعه فيها عملاً بمقتضى وصيته وذكر القاضي أنه يجب صرفه إلى الفقراء والمساكين، والأفضل صرفه إلى فقراء أقاربه فان لم يجد فإلى محارمه من الرضاع فإن لم يكن فإلى جيرانه وقال أصحاب الشافعي يجب ذلك لأنه رده إلى اجتهاده فيما فيه الحظ وهذا أحظ ولنا أنه قد يرى غير هذا أهم منه وأصلح فلا يجوز تقييده بالتحكم ونقل أبو داود عن أحمد(6/485)
أنه سئل عن رجل أوصى بثلثه في المساكين وله أقارب محاويج فلم يوص لهم بشئ ولم يرثوا فإنه يبدأ بهم فإنهم أحق قال وسئل عن النصراني يوصي بثلثه للفقراء من المسلمين أيعطى إخوته وهم فقراء؟ قال نعم هم أحق يعطون خمسين درهماً لا يزادون على ذلك يعني لا يزاد كل واحد منهم على ذلك لأنه القدر الذي يحصل به الغنى * (مسألة) * (وإن وصى أن يحج عنه بألف صرف في حجة بعد أخرى حتى ينفذ) إذا أوصى أن يحج عنه بقدر من المال صرف جميع ذلك في الحج إذا حمله الثلث لأنه وصى به في جهة قربة فوجب صرفه فيها كما لو وصى في سبيل الله تعالى وليس للوصي أن يصرف إلى من يحج أكثر من نفقة المثل لأنه أطلق له التصرف في المعاوضة فاقتضى عوض المثل كالتوكيل في البيع ثم لا يخلو إما أن يكون بقدر نفقة المثل لحجة واحدة فيصرف فيها أو ناقصاً فيحج به من حيث يبلغ في ظاهر نصوص أحمد فإنه قال في رواية حنبل في رجل أوصى أن يحج ولا تبلغ النفقة فقال يحج عنه من حيث تبلغ النفقة للراكب من أهل مدينته وهذا قول العنبري وقال القاضي يعان به في الحج وهو قول سوار القاضي حكاه عنه العنبري وعن أحمد أنه مخير في ذلك فإنه قال في(6/486)
رواية أبي داود في امرأة أوصت بحج لا يجب عليها: أرى أن يؤخذ ثلث مالها فيعان به في الحج أو يحج به من حيث يبلغ فإن كان يفضل عن الحجة دفع في حجة ثانية وثالثة إلى أن ينفذ أو يبقى مالاً يبلغ حجة فيحج به من حيث يبلغ أو يعان به في الحج على ما ذكرنا من الخلاف فيه ولا يستنيب في الحج مع الإمكان إلا من بلد المحجوج عنه لأنه نائب عن الميت وقائم مقامه فينوب عنه من موضع لو حج المنوب عنه لحج منه فإن كان الموصى به لا يحمله الثلث لم يخل من أن يكون الحج فرضاً أو تطوعاً فإن كان فرضاً أخذ أكثر الأمرين من الثلث أو القدر الكافي الحج الفرض إن كان قد أوصى بالثلث فإن كان الثلث أكثر أخذ ثم يصرف منه في الفرض قدر ما يكفيه ثم يحج بالباقي تطوعاً حتى ينفذ كما ذكرنا من قبل، وان كان الثلث أقل تمم قدر ما يكفي الحج من رأس المال وبهذا قال عطاء وطاوس والحسن وسعيد بن المسيب والزهري والشافعي واسحاق قال سعيد بن المسيب والحسن كل واجب
من رأس المال، وقال ابن سيرين والنخعي والشعبي وحماد بن أبي سليمان والثوري وأبو حنيفة وداود ابن أبي هند إن وصى بالحج من ثلثه وإلا فليس على ورثته شئ فعلي قولهم إن لم يف الثلث بالموصى به وإلا لم يزد على الثلث لأن الحج عبادة فلا يلزم الوارث كالصلاة(6/487)
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لو كان على أبيك دين أكنت قاضيه؟ " قال نعم قال " فدين الله أحق أن يقضى " والدين من رأس المال فما هو أحق منه أولى ولأنه واجب فكان من رأس المال كدين الآدمي وإن كان تطوعاً أخذ الثلث لا غير إذا لم يجز الورثة ويحج به على ما ذكرنا * (مسألة) * (وإن وصى أن يحج عنه حجة بألف دفع الكل إلى من يحج) إذا وصى أن يحج عنه حجة واحدة بقدر من المال وكان فيه فضل عما يحج به فهو لمن يحج لأنه قصد إرفاقه بذلك فكأنه صرح فقال حجوا عني حجة واحدة بألف وما فضل منها فهو لمن يحج * (مسألة) * (فإن عينه في الوصية فقال يحج عني فلان بألف صرف ذلك إليه وإن لم يعين فللموصى إليه صرفه إلى من شاء) لأنه فوض إليه الاجتهاد إلا أنه لا يملك صرفها إلى وارث إذا كان فيها فضل إلا بإذن الورثة وإن لم يكن فيها فضل جاز لأنه لا محاباة فيها ثم ينظر فإن كان الحج الموصى به تطوعاً اعتبر من الثلث وإن كان واجباً فالزائد عن نفقة المثل معتبر من الثلث وإن لم يف الموصى به بالحج أتم من رأس المال وفيه من الخلاف ما ذكرنا(6/488)
* (مسألة) * (فإن أبى الحج وقال اصرفوا لي الفضل لم يعطه وبطلت الوصية في حقه) إذا قال المعين ذلك بطل التعيين ويحج عنه بأقل ما يمكن إنسان ثقة سواه ويصرف الباقي اللى الورثة ويحتمل أن تبطل الوصية إن كان الحج تطوعاً لأنه عين لها جهة فإذا لم يقللها بطلت كما لو قال بيعوا عبدي لفلان بمائة فأبى شراءه والظاهر أنها لا تبطل لأنه قصد القربة والتعيين فإذا بطل التعيين لم تبطل القربة كما لو قال بيعوا عبدي لفلان وتصدقوا بثمنه فلم يقبل فلان فإنه يباع من غيره ويتصدق
بثمنه فإن قال المعين اصرفوا لي الفضل عن نفقة الحج لأنه موصى لي به لم يصرف إليه شئ لأنه إنما أوصى له بالزيادة بشرط أن يحج فإذا لم يوجد الشرط لم يستحق شيئاً (فصل) فإذا قال حجوا عني حجة ولم يذكر قدراً من المال فإنه لا يدفع إلى من يحج إلا قدر نفقة المثل لما ذكرنا والباقي للورثة وهذا ينبني على أنه يجوز الاستئجار عليه إنما ينوب عنه نائب فما ينفق عليه فيما يحتاج إليه فهو من مال الموصي وما بقي للورثة فإن تلف المال في الطريق فهو من مال الموصي وليس على النائب إتمام الحج وإن قلنا يجوز الاستئجار على الحج فلا يستأجر إلا ثقة بأقل ما(6/489)
يمكن وما فضل فهو للأجير لأنه ملك ما أعطي بعقد الإجارة وإن تلف المال في الطريق بعد قبض الأجير له فهو من ماله ويلزمه إتمام الحج، وإن قال حجوا عني ولم يقل حجة واحدة لم يحج عنه إلا حجة ولأنه أقل ما يقع عليه الاسم فإن عين مع هذا فقال يحج عني فلان دفع إليه بقدر نفقته من بلده إذا خرج من الثلث فإن أبى الحج إلا بزيادة تصرف إليه فينبغي أن يصرف إليه أقل قدر يمكن أن يحج به غيره فإن أبى الحج وكان واجباً استنيب غيره بأقل ما يمكن استنابته والله أعلم (فصل) وإن وصى أن يحج عنه زيد بمائة ولعمرو بتمام الثلث ولسعد بثلث ما له فأجاز الورثة أمضيت على ما قال الموصي فإن لم يفضل عن المائة شئ فلا شئ لعمرو لأنه إنما وصى له بالفضل ولا فضل وإن رد الورثة قسم الثلث بينهم نصفين لسعد السدس ولزيد مائة وما فضل من الثلث فلعمرو فإن لم يفضل منه شئ فلا شئ لعمر ولانه إنما وصى له بالزيادة ولا زيادة ولا تمتنع المزاحمة به ولا يعطى شيئاً كولد الأب مع ولد الأبوين في مزاحمة الجد ويحتمل أنه متى كان في الثلث فضل عن المائة أن يرد كل واحد إلى نصف وصيته لأن زيداً إنما استحق المائة بالإجازة فمع الرد يدخل عليه من النقص بقدر وصيته كسائر الوصايا(6/490)
(فصل) وإن وصى لزيد بعبد بعينه ولعمرو ببقية الثلث قوم العبد يوم موت الموصي لأنه حال نفوذ الوصية ودفع إلى زيد ودفع إلى بقية الثلث إلى عمرو فإن لم يبق من الثلث شئ بطلت وصية عمرو، وإن مات
العبد بعد موت الموصي قومنا التركة حال موت الموصي بدون العبد ثم نقوم العبد لو كان حياً فإن بقي من الثلث بعد قيمته شئ فهو لعمرو وإلا بطلت وصيته، لو قال لأحد عبديه أنت مدبر ثم قال لآخر أنت مدبر في زيادة الثلث عن قيمة الأول ثم بطل تدبير الأول بموته فهي كالتي قبلها على ما ذكرنا أو رجوعه فيه أو خروجه مستحقاً أو غير ذلك * (مسألة) * (وإن وصى لأهل سكته فهو لأهل دربه) لأن السكة الطريق والدرب مضاف إليه * (مسألة) * (وإن وصى لجيرانه تناول أربعين داراً من كل جانب) نص عليه أحمد وبه وقال الاوزاعي والشافعي وقال أبو حنيفة الجار الملاصق لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الجار أحق بصقبه " يعني الشفعة وإنما يثبت للملاصق ولأن الجار مشتق من المجاورة وقال قتادة الجار الدار والداران وروي عن علي عليه السلام في قول النبي صلى الله عليه وسلم لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد قال من سمع النداء وقال سعيد بن عمرو بن جعدة من سمع الإقامة وقال أبو يوسف الجيران أهل المحلة أن جمعهم مسجد فإن تفرق أهل المحلة في مسجدين صغيرين متقاربين فالجميع جيران وإن كانا عظيمين فكل أهل مسجد جيران وأما الأمصار التي فيها القبائل فالجوار على الأفخاذ(6/491)
ولنا ما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الجار أربعون داراً هكذا وهكذا وهكذا وهكذا " وهذا نص لا يجوز العدول عنه إن صح وإن لم يثبت الخبر فالجار هو المقارب ويرجع في ذلك إلى العرف وقال أبو بكر مستدار أربعين داراً من كل جانب والحديث يحتمله * (مسألة) * (وإن وصى لأقرب قرابته أو لأقرب الناس إليه أو أقربهم به رحماً لم يدفع بنفسه من غير واسطة والأخ والجد سواء) لأن كل واحد يدلي إلى الأبعد مع وجود الأقرب فإن كان له أب وابن فهما سواء، لأن كل واحد منهما يدلي بالأب من غير واسطة ويحتمل تقديم الابن على الأب لأنه يسقط تعصيبه والأولى أولى لأن إسقاط تعصيبه لا يمنع مساواته في القرب ولا كونه أقرب مه بدليل أن ابن الابن يسقط تعصيبه مع بعده
ويحتمل تقديم الأخ على الجد لأن الأخ يدلي ببنوة الأب والجد يدلي بالأبوة فهما كالأب والابن والأول أولى ولا يصح قياس الأخ على الابن لأنه لا يسقط تعصيب الجد بخلاف الابن ويقدم الابن على الجد والأب على ابن الابن وقال أصحاب الشافعي يقدم ابن الابن على الأب في وجه لأنه يسقط تعصيبه ولنا أن الأب يدلي بنفسه ويلي ابنه من غير حاجز ولا يسقط ميراثه بحال بخلاف ابن الابن والأب والأم سواء وكذلك الابن والبنت والجد أبو الأب وأبو الأم وأم الأب وأم الأم كلهم سواء(6/492)
هكذا ذكره شيخنا ويحتمل تقديم أبي الأب على أب الام لأنه يسقطه ثم بعد الأولاد أولاد البنين وإن سفلوا الأقرب فالأقرب الذكور والإناث وفي أولاد البنات وجهان بناء على دخولهم في الوقف ثم من بعد الولد الأجداد الاقرب منهم فالأقرب لأنهم العمود الثاني ثم الأخوة والأخوات ثم ولدهم وان سفلوا ولا شئ لولد الأخوات إذا قلنا لا يدخل ولد البنات * (مسألة) * (والأخ من الأب والأخ من الأم سواء والأخ من الأبوين أحق منهما) الأخ من الأب والأخ من الأم سواء لأنهما على درجة واحدة وكذلك ولداهما والأخ من الأبوين أحق منهما لأن له قرابتين فهو أقرب ممن له قرابة واحدة (فصل) والأخ للأب أولى من ابن الأخ من الأبوين كما في الميراث ثم بعدهم الأعمام ثم بنوهم وإن سفلوا ويستوي العم من الأب والعم من الأم وعلى الاحتمال الذي ذكرناه في تقديم أبي الأب على أبي الأم تقديم العم من الأب على العم من الأم وكذلك أبناؤهما وعلى هذا الترتيب ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي إلا أنه يرى دخول ولد البنات والأخوات والأخوال والخالات وهذا القول يخرج(6/493)
على مذهب أحمد على الرواية التي تجعل القرابة فيها كل من يقع عليه اسم القرابة فأما على الرواية التي تقول إن اسم القرابة يختص من كان من اولاد الآباء وهي التي اختارها الخرقي فلا تدخل فيه الأم ولا أقاربها لأن من لم يكن من القرابة لم يكن من أقرب القرابة فعلى هذا تتناول الوصية من كان أقرب من أولاد الموصي وأولاد آبائه إلى أربعة آباء ولا تعدوهم فإن وصى لجماعة من أقرب الناس إليه
أعطي ثلاثة من أقرب الناس إليه فإن وجد أكثر من ثلاثة في درجة واحدة كاخوة فالوصية لجميعهم لأن بعضهم ليس بأولى من بعض والاسم يشملهم وإن لم يوجد ثلاثة في درجة واحدة كملت من الثانية فان كان في الدرجة الثانية جماعة سوي بينهم لما ذكرنا في الدرجة الأولى، وإن لم يكمل من الثانية فمن الثالثة فإذا وجد ابن وأخ وعم فالوصية بينهم أثلاثاً وكذلك إن كان ابن وإخوان وإن كان ابن وثلاثة اخوة دخل جميعهم في الوصية وينبغي أن يكون للابن ثلث الوصية ولهم ثلثاها فإن كان الابن وارثاً سقط حقه من الوصية إن لم يجز له والباقي للاخوة وإن وصى لعصبته فهو لمن يرثه بالتعصيب في الجملة سواء كان من يرث في الحال أو يكن ويسوي بين قريبهم وبعيدهم لشمول اللفظ لهم ولا خلاف في أنهم لا يكونون من جهة الأم بحال * (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (ولا تصح الوصية لكنيسة ولا بيت نار ولا لعمارتهما والإنفاق(6/494)
عليهما وبهذا قال الشافعي وابو ثور وسواء كان الموصي مسلماً أو ذمياً وقال أصحاب الرأي تصح وأجاز أبو حنيفة الوصية بأرضه تبنى كنيسة وخالفه صاحباه وأجاز أصحاب الرأي إن يوصي بشراء خمر أو خنازير ويتصدق بها على أهل الذمة ولنا أن هذه الأفعال محرمة وفعلها معصية فلم تصح الوصية بها كما لو وصى بعبده أو مته للفجور ولأنها لا تجوز في الحياة فلا يجوز في الممات * (مسألة) * (وإن وصى لكتب التوراة والإنجيل لم تصح) لأنها كتب منسوخة وفيها تبدليل والاشتغال بها غير جائز وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى مع عمر شيئاً مكتوباً من التوراة وذكر القاضي أنه لو أوصى لحصر البيع وقناديلها وما شاكل ذلك ولم يقصد إعظامها بذلك صحت الوصية لأن الوصية لأهل الذمة فإن النفع يعود إليهم والوصية لهم صحيحة والصحيح أن الوصية لا تصح بهذا لأن ذلك إنما هو إعانة لهم على معصيتهم وتعظيم لكنائسهم ونقل عن أحمد ما يدل على صحة الوصية من الذمي بخدمة الكنيسة والأول أولى وأصح وإن وصى ببناء بيت ليسكنه المجتازون من أهل الذمة وأهل الحرب صح لأن بناء مساكنهم ليس بمعصية(6/495)
(فصل) ولا تصح الوصية لكافر بمصحف ولا عبد مسلم لأنه لا يجوز هبتهما له ولا بيعهما منه وإن وصى له بعبد كافر فأسلم قبل موت الموصي بطلت الوصية وإن أسلم بعد الموت وقبل القبول وقلنا إن الملك إنما ثبت حين القبول بطلت لأنه لا يجوز أن يبتدئ الملك على مسلم وإن قلنا يثبت الملك بالموت قبل القبول فالوصية صحيحة لأنا نتبين أنه أسلم بعد أن ملكه ويحتمل أن لا يصح أيضاً لأنه يأتي بسبب لولاه لم يثبت الملك فمنع منه كابتداء الملك * (مسألة) * (ولا تصح لملك ولا لبهيمة ولا لجني) لأنه تمليك فلم يصح لهم كالهبة ولا تصح لميت لذلك وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك إن علم أنه ميت صحت الوصية وهي لورثته بعد قضاء ديونه وتنفيذ وصاياه لأن الغرض نفعه بها فأشبه ما لو كان حياً.
ولنا أنه أوصى لمن لا تصح الوصية له لو لم يعلم حاله فلا تصح إذا علم حاله كالبهيمة وفارق الحي فإن الوصية تصح له في الحالين ولأنه عقد يفتقر إلى القبول فلم يصح للميت كالهبة * (مسألة) * (وإن وصى لحي وميت يعلم موته فالكل للحي ويحتمل أن لا يكون له إلا النصف وإن لم يعلم فللحي نصف الموصى به(6/496)
إذا وصى بثلثه أو بمائة لحي وميت فللحي نصف الوصية سواء علم موته أو لم يعلم، وهذا قول أبي حنيفة واسحق والبصريين وقال الثوري وأبو يوسف ومحمد إذا قال هذه المائة لفلان وفلان الميت فهي للحي منهما، وإن قال بين فلان وفلان فوافقنا الثوري على أن نصفها للحي وعن الشافعي كالمذهبين وقال أبو الخطاب عندي إذا علمه ميتاً فالكل للحي وإن لم يعلمه ميتاً فللحي النصف وقد نقل عن أحمد ما يدل على هذا القول فإنه قال في رواية ابن القاسم إذا وصى لفلان وفلان بمائة فبان أحدهما ميتاً فللحي خمسون، فقيل له أليس إذا قال ثلثي لفلان وللحائط أليس كله لفلان؟ قال وأي شئ يشبه هذا الحائط له ملك؟ فعلى هذا متى شرك بين من تصح الوصية له وبين من لا تصح
مثل أن يوصي لفلان وللملك أو الحائط أو لفلان وللميت فالموصى به كله لمن تصح الوصية له إذا كان عالماً بالحال لأنه إذا أشرك بينهما في هذه الحال علم أنه قصد بالوصية كلها من تصح الوصية له وإن لم يعلم بالحال فلمن تصح الوصية له نصفها لأنه قصد إيصال نصفها إليه وإلى الآخر النصف ظنا منه أن الوصية له صحيحة فإذا بطلت الوصية في حق أحدهما صحت في حق الآخر بقسطه كتفريق(6/497)
الصفقة ووجه القول الأول أنه جعل الوصية لاثنين فلم يستحق أحدهما جميعها كما لو كانا ممن تصح الوصية لهما فمات أحدهما أو كما لو لم يعلم الحال، فأما إن وصى لاثنين حيين فمات أحدهما فللآخر نصف الوصية لا نعلم في هذا خلافا ومثله لو بطلت الوصية في حق أحدهما لرده لها أو لخروجه عن أن يكون من أهلها ولو قال أوصيت لكل واحد من فلان وفلان بنصف الثلث أو بنصف المائة أو بخمسين لم يستحق أحدهما أكثر من نصف الوصية سواء كان شريكه حياً أو ميتاً لأنه عين وصيته في النصف فلم يكن له حق فيما سواه.
* (مسألة) * (فإن وصى لوارثه وأجنبي بثلثه فأجاز سائر الورثة وصية الواراث فالثلث بينهما نصفين) وإن وصى لكل واحد منهما بمعين قيمتهما الثلث فأجاز سائر الورثة وصية الوارث جازت الوصيتان(6/498)
لهما وإن ردوا بطلت وصية الوارث في المسئلتين وللأجنبي السدس في الأولى والمعين الموصى له به في الثانية وهذا قول مالك والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي وغيرهم * (مسألة) * (وإن وصى لهما بثلثي ماله وأجاز الورثة لهما جازت وإن عينوا نصيب الوارث بالرد وحده فللأجنبي الثلث كاملاً) لأنهم خصوا الوارث بالإبطال فالثلث كله للأجنبي وسقطت وصية الوراث فصار كأنه لم يوص له وإن أبطلوا الزائد عن الثلث من غير تعيين نصيب أحدهما فالثلث الباقي بين الوصيين لكل واحد منهما السدس وهذا الذي ذكره القاضي هو قول مالك والشافعي لأن الوارث يزاحم الأجنبي إذا أجاز الورثة الوصيتين فيكون لكل واحد منهما الثلث فإذا أبطلوا نصفهما بالرد كان البطلان راجعاً إليهما وما
بقي منهما بينهما كما لو تلف ذلك بغير الرد، اختار أبو الخطاب أن الثلث جميعه للأجنبي وحكي نحوه عن أبي حنيفة لأنهم لا يقدرون على إبطال الثلث فما دون إذا كان لأجنبي ولو جعلنا الوصية بينهما لملكوا إبطال ما زاد على السدس فإن صرح الورثة بذلك فقالوا أجزنا الثلث لكما ورددنا ما زاد عليه من وصيتكما أو قالوا رددنا من وصية كل واحد منكما نصفها وبقينا له نصفها كان ذلك آكد(6/499)
في جعل السدس لكل واحد منهما لتصريحهم به وإن قالوا أجزنا وصية الوارث كلها ورددنا وصية الأجنبي فهو على ما قالوا لأن لهم أن يجيزوا لهما وإن يردوا عليهما فكان لهم أن يجيزوا لأحدهما ويردوا على الآخر، وإن أجازوا للأجنبي جميع وصيته وردوا على الوارث نصف وصيته جاز كما قلنا وإن أرادوا أن ينقصوا الأجنبي عن نصف وصيته لم يملكوا ذلك سواء أجازوا للوارث أو ردوا عليه فإن ردوا جميع وصية الوارث ونصف وصية الأجنبي فعلى قول القاضي لهم ذلك لأن لهم أن يجيزوا الثلث لهما فيشتركان فيه ويكون لكل واحد منهما نصفه ثم إذا رجعوا فيما للوارث لم يزد الأجنبي على ما كان له في حالة الإجازة للوارث وعلى قول أبي الخطاب يتوفر الثلث كله للأجنبي لأنه إنما ينقص منه بمزاحمة الوارث فإذا زالت المزاحمة وجب توفير الثلث عليه لأنه قد أوصى له به * (مسألة) * (ولو وصى بماله لابنيه وأجنبي فردوا وصية الوارث فهو على ما قال وإن أجازوا للوارث فالثلث بينهما) لأن الوصية تتعلق بالشرط ولو قال أوصيت لفلان بثلثي فإن مات قبلي فهو لفلان صح فإن وصى لوارثه فأجاز بعض باقي الوثة الوصية دون البعض نفذ في نصيب من أجاز وحده وإن أجازوا بعض الوصية دون بعض نفذت فيما أجازوا دون ما لم يجيزوا وإن أجاز بعضهم بعض الوصية وأجاز بعضهم جميعها أو ردوها فهو على ما فعلوا من ذلك فلو خلف ثلاثة بنين وعبدا لا يملك غيره فوصى به لأحدهم أو وهبه إياه في مرض موته فأجاز له أخواه فهو له وإن أجاز أحدهما وحده فله ثلثاه وإن أجاز له نصف العبد فله نصفه ولهما نصفه وإن أجاز أحدهما له نصف نصيبه ورد الآخر فله النصف الثلث بنصيبه والسدس من نصيب المجيز، وإن أجاز كل واحد منهما له نصف نصيبه كمل له الثلثان وإن أجاز له(6/500)
أحدهما نصف نصيبه والآخر ثلثه أو باع نصيبه كمل له ثلاثة أرباع العبد وإن وصى بالعبد لاثنين منهما فللثالث أن يجيز لهما أو يرد عليهما أو يجيز لهما بعض وصيتهما إن شاء متساوياً وإن شاء متفاضلاً أو يرد على أحدهما ويجيز للآخر وصيته كلها أو بعضها أو يجيز لأحدهما جميع وصيته وللآخر بعضها فكل ذلك جائز لأن الحق له فكيفما شاء فعل فيه * (مسألة) * (وإن وصى لزيد والفقراء والمساكين بثلثه فلزيد التسع) وبهذا قال أبو حنيفة ومحمد، وعن محمد لزيد الخمس وللفقراء الخمسان وللمساكين الخمسان لأن أقل الجمع اثنان ولأصحاب الشافعي وجهان (أحدهما) كقولنا (والثاني) له السبع لأن أقل الجمع ثلاثة فإذا انضم إليهم صاروا سبعة ولنا أنه وصى لثلاث جهات فوجب أن يقسم بينهم بالسوية كما لو وصى لزيد وعمرو وخالد وإن كان زيد مسكيناً لم يدفع إليه من سهم المساكين شئ وبه قال الحسن واسحاق لأن عطفهم عليه يدل على المغايرة بينهم إذ الظاهر بين المعطوف والمعطوف عليه المغايرة ولأن تجويز ذلك يفضي إلى تجويز دفع نصيب المساكين كله إليه ولفظه يقتضي خلاف ذلك فأما إن كانت الوصية لقوم يمكن استيعابهم وحصرهم مثل أن يقول هذا لزيد واخوته فهي كالتي قبلها ويحتمل أن يكون كأحدهم لأنه شرك بينه وبينهم على وجه لا يجوز الإخلال ببعضهم فتتساووا فيه كما لو قال هذا لكم(6/501)
باب الموصي به تصح الوصية بما لا يقدر على تسليمه كالآبق والشارد والطير في الهواء والحمل في البطن واللبن في الضرع لأن الوصية إذا صحت بالمعدوم فبغيره أولى ولأنها أجريت مجرى الميراث وهذا يورث فيوصى به فإن قدر عليه أخذه وسلمه إذا خرج من الثلث وللوصي السعي في تحصيله فإن قدر عليه أخذه إذا خرج من الثلث.
(فصل) وتصح بالحمل إذا كان مملوكاً بأن يكون رقيقاً أو حمل بهيمة مملوكة لأن الغرر والخطر لا يمنع صحة الوصية فجرى مجرى إعتاق الحمل فإن انفصل ميتاً بطلت الوصية وإن خرج حياً وعلمنا وجوده
حال الوصية أو حكمنا بوجوده صحت الوصية وإن لم يكن كذلك لم يصح لجواز حدوثه * (مسألة) * (وتصح بالمعدوم) فلو قال أوصيت لك بما تحمل جاريتي هذه أو ناقتي هذا أو نخلتي هذه صح لما ذكرنا من صحتها مع الغرر سواء وصى بما تحمله أبداً أو مدة بيعها لأن المعدوم يجوز أن يملك بالسلم والمساقاة فجاز أن يملك بالوصية فإن حصل منه شئ وإلا بطلت وصيته لأن الموصى به عدم فبطلت الوصية به كالموهوب إذا عدم لأن الوصية كالهبة وإن وصى له بمائة لا يملكها صح فإن قدر عليه عند الموت أو على شئ منها وإلا بطلت لما ذكرنا في المسألة قبلها * (مسألة) * (وتصح بما فيه نفع مباح من غير المال كالكلب والزيت النجس(6/502)
تصح الوصية بالكلب المباح اقتناؤه ككلب الصيد والماشية والحرب لأن فيه نفعاً مباحاً وتقر اليد عليه والوصية تبرع فصحت في المال وفي غير المال كالهبة، وإن كان مما لا يباح اقتناؤه لم تصح الوصية به سواء قال كلباً من كلابي أو من مالي لأنه لا يصح شراء الكلب لأنه لا قيمة له بخلاف ما إذا أوصى له بشاة ولا شاة له فإنه يمكن تحصيلها بالشراء فإن كان له كلب ولا مال له سواه فله ثلثه وإن كان له مال سواه فقد قيل للموصى له جميع الكلب وإن قل المال لأن قليل المال خير من الكلب لكونه لا قيمة له وقيل للموصى له به ثلثه وإن كثر المال لأن موضوع الوصية على أن يسلم ثلثا التركة للورثة وليس في التركة شئ من جنس الموصى به (فصل) وإن وصى لرجل بكلابه ولآخر بثلث ماله فلموصى له بالثلث الثلث وللموصى له بالكلاب ثلثها وجها واجها واحداً لأن ما حصل الورثة من ثلثي المال قد جازت الوصية فيما يقابله من حق الموصي له وهو الثلث فلا يحسب عليهم في حق الكلاب ولو وصى بثلث ماله ولم يوص بالكلاب دفع إليه ثلث المال ولم يحتسب بالكلاب على الورثة لأنها ليست بمال وإذا قسمت الكلاب بين الوارث والموصى له أو بين اثنين موصى لهما بها قسمت على عددها لأنها لا قيمة لها فإن تشاحوا في بعضها فينبغي أن يقرع بينهم وإن وصى له بكلاب وله كلاب يباح اتخاذها ككلاب الصيد والماشية والحرث فله واحد منها بالقرعة أو ما أحب الورثة على الرواية الأخرى وإن كان له كلب يباح اتخاذه وكلب هراس فله الكلب المباح ومذهب الشافعي في هذا الفصل على ما ذكرنا إلا أنه يجعل للموصى له بكلب
ما أحب الورثة دفعه إليه ولا تصح الوصية بالجر والصغير في أحد الوجهين وتصح في الآخر بناء على جواز اقتنائه وتربيته للصيد وقد سبق ذلك في كتاب البيع(6/503)
(فصل) فأما الزيت النجس فإن قلنا بجواز الاستصباح به فهو كالكلب الذي يباح اتخاذه وإن قلنا لا يجوز لم تصح الوصية لأنه ليس فيه نفع مباح أشبه الخنزير (فصل) ولا تصح الوصية بالخنزير ولا بشئ من السباع التي لا تصلح للصيد كالأسد والذئب لأنها لا منفعة فيها ولا تصح بشئ ليس فيه منفعة مباحة من غيرها كالخمر والميتة ونحوهما لأن الوصية تمليك فلا تصح بذلك كالهبة ولأن ذلك محرم فلا تصح الوصية به كالخنرير * (مسألة) * (وتصح الوصية بالمجهول كعبد وشاة لأن الوصية تصح بالمعدوم فالمجهول بطريق الأولى ولأن المجهول ينتقل إلى الوراث فصحت الوصية به كالمعلوم ويعطيه الورثة ما شاءوا مما يقع عليه الاسم لأنه اليقين كما لو أقر له بعبد فإن لم يكن له عبيد اشترى له ما سمى عبداً وإن كان له عبيد أعطاه الورثة ما شاءوا لما ذكرنا وقال القاضي يعطيه الورثة ما شاءوا من ذكر أو أنثى قال شيخنا والصحيح عندي أنه لا يستحق إلا ذكراً فإن الله تعالى قرق بين العبيد والإماء بقوله سبحانه (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) والمعطوف يغاير المعطوف عليه ظاهراً ولأنه في العرف كذلك فإنه لا يفهم من إطلاق اسم العبد إلا الذكر فإنه لو وكله في شراء عبد لم يكن له شراء أمة وإن وصى له بأمة لم يكن له أن يعطيه إلا أنثى وليس له أن يعطيه خنثى مشكلاً لأنه لا يعلم كونه(6/504)
ذكراً ولا أنثى وإن وصى له بواحد من رقيقه أو برأس مما ملكت يمينه دخل في وصيته الذكر والأنثى والخنثى.
* (مسألة) * (فإن اختلف الاسم بالحقيقة والعرف كالشاة في العرف اسم للأنثى والبعير والثور اسم المذكر غلب العرف) في اختيار شيخنا لأن الظاهر أن المتكلم إنما يتكلم بعرفه ولا يريد إلا ما يفهمه أهل بلده
وقال أصحابنا تغلب الحقيقة ولهذا يحمل عليه كلام الله تعالى وكلام رسوله.
فعلى هذا إذا أوصى له بشاة يتناول الضأن والمعز قال أصحابنا ويتناول الصغيرة والكبيرة والأنثى لأن اسم الشاة يتناول جميع ذلك بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم " في أربعين شاة شاة " يريد الذكور والإناث والصغار والكبار وقال شيخنا لا يتناول إلا أنثى كبيرة إلا أن يكون في عرفهم في بلد يتناول ذلك، فأما من لا يتناول عرفهم إلا الإناث فإن وصيته لا نتناول إلا ما يسمى في عرفهم لما ذكرنا، والكبش الذكر الكبير من الضأن والتيس لا يقع إلا على الذكر الكبير من المعز فإن وصى بعشرة من الغنم تناول عشرة من الذكور والإناث والصغار والكبار (فصل) وإن وصى بجمل فهو الذكر وإن وصى بناقة فهي الأنثى وإن قال عشرة من إبلي وقع على الذكر والأنثى جميعاً ويحتمل أنه إن قال عشرة بالهاء فهي للذكور وإن قال عشر فهو للإناث وكذلك الغنم لأن العدد في العشرة من الثلاثة إلى العشرة للذكور بالها وللمؤنث بغيرها قال الله تعالى (سخرها(6/505)
عليهم سبع ليال وثمانية أيام) وإن وصى ببعير ففيه وجهان (أحدهما) هو للذكر وحده لأنه في العرف اسم له (والثاني) هو للذكر والأنثى لأنه يتناولهما جميعاً في لسان العرب فيقول حلبت البعير يريد الناقة، والجمل في لسانهم كالرجل من بني آدم والناقة كالمرأة والبكرة كالفتاة وكذلك القلوص والبعير كالانسان وإن وصى له بثور فهو ذكر وإن وصى ببقرة فهي أنثى * (مسألة) * (والدابة اسم للذكر والأنثى من الخيل والبغال والحمير) لأن الاسم في العرف يقع على جميع ذلك فإن قرن به ما يصرفه إلى أحدها كقوله دابة يقاتل عليها انصر ف إلى الخيل وإن قال دابة ينتفع بظهرها ونسلها خرج منه البغال وخرج منه الذكر وإن وصى له بحمار فهو ذكر والاتان أنثى وإن وصى بحصان فهو ذكر والفرس يتناول الذكر والأنثى * (مسألة) * (وإن وصى له بغير معين كعبد من عبيده صح ويعطيه الورثة ما شاءوا) الوصية بغير معين كعبد من عبيده وشاة من غنمه صحيحة وقد ذكرنا صحة الوصية بالمجهول فيما مضى وبه يقول مالك والشافعي واسحاق، واختلفت الرواية فيما يستحقه الموصى له فروي أنه يستحق أحدهم بالقرعة
اختارها الخرقي ونقل ابن منصور أنه يعطى أخسهم يعني يعطيه الورثة ما أحبوا وهو قول الشافعي وقال مالك قولاً يقتضي أنه إذا وصى بعبد وله ثلاثة أعبد فله ثلثهم وإن كانوا أربعة فله ربعهم فإنه قال إذا وصى بعشر من ابله وهي مائة يعطى عشرها والنخل والرقيق والدواب على ذلك والصحيح إن(6/506)
شاء الله تعالى أنه يعطى عشرة بالعدد لأنه الذي تناوله لفظه ولفظه هو المقتضى فلا يعدل عنه لكن يعطى واحداً بالقرعة لأنه يستحق واحداً غير معين وليس واحد بأولى من واحد فوجب المصير إلى القرعة كما لو اعتق واحداً منهم وعلى ما نقله ابن منصور يعطيه الورثة ما شاءوا من صحيح أو معيب جيد أو ردئ لأنه يتناوله اسم العبد فأجزأ كما لو وصى له بعبد ولم يضفه الى عبيده * (مسألة) * (وإن لم يكن له عبيد لم تصح الوصية في أحد الوجهين) لأنه أوصى له بلا شئ فهو كما لو قال أوصيت لك بما في كيسي ولا شئ فيه أو بداري ولا دار له وهذا أحد الوجهين، فإن اشترى قبل موته عبيداً احتمل أن لا تصح الوصية لأنها وقعت باطلة فهو كما لو قال أوصيت لك بما في كيسي ولا شئ فيه ثم جعل في كيسه شيئا، ولأن الوصية تقتضي عبداً من الموجودين حال الوصية، وقد روى ابن منصور عن أحمد فيمن قال في مرضه أعطوا فلاناً من كيسي مائة درهم فلم يوجد في كيسه شئ يعطى مائة درهم فلم يبطل الوصية لانه قصد اعطاء مائة درهم وظنها في الكيس فإذا لم يكن له في الكيس أعطي من غيره فكذلك يخرج في الوصية بعبد من عبيده إذا لم يكن له عبيد يشتري له عبد ويعطاه وهذا الوجه الثاني ووجهه أنه لما تعذرت الصفة بقي أصل الوصية فأشبه ما لو وصى له بألف لا يملكه ثم ملكه * (مسألة) * (فإن كان عبيد فماتوا إلا واحداً تعينت الوصية فيه وكذلك لان لم يكن له إلا عبد واحد لتعذر تسليم الباقي، وإن تلف رقيقه جميعهم قبل موت الموصي بطلت الوصية لأنها إنما تلزم بالموت ولا عبيد له حينئذ، وإن تلفوا بعد موته بغير تفريط من الورثة بطلت أيضاً لأن التركة عند الورثة غير مضمونة لأنها حصلت في أيديهم بغير فعلهم، وإن قتلهم قاتل فللموصي له قيمة أحدهم مبنياً على(6/507)
الروايتين فيمن يستحقه منهم في الحياة إما قيمة أحدهم بالقرعة أو قيمة من يختاره الورثة لأنه
بدل عما وجب له.
* (مسألة) * (وإن وصى له بقوس وله أقواس للرمى والبندق والندف فله قوس النشاب لأنه أظهرها إلا أن يقترن به قرينة تصرفه إلى غيره وعند أبي الخطاب له أحدهم بالقرعة كالوصية بعبد من عبيده) إذا وصى له بقوس صحت الوصية لأن فيه منفعة مباحة سواء كان قوس نشاب وهو الفارسي أو نبل وهو العربي أو قوس يمجرى أو قوس جرح أو ندف أو بندق فإن لم يكن له إلا قوس واحد من هذه القسي تعينت الوصية فيه وإن كانت له جميعها وكان في لفظه أو حاله قرينة تصرفه إلى أحدهما انصرف إليه مثل أن يقول قوس يندف به أو يتعيش به أو نحو ذلك فهذا يصرفه إلى قوس الندف وإن قال قوس يغزو به خرج منه قوس الندف والبندق، وإن كان الموصي له ندافا لا عادة له بالرمى أو بندقانياً لا عادة له بالرمي بشئ سواه أو يرمي بقوس غيره ولا يرمي بسواه انصرفت الوصية إلى القوس الذي يستعمله عادة لأن ظاهر حال الموصي أنه قصد نفعه بما جرت عادته بالانتفاع به فإن انتفت القرائن فاختار أبو الخطاب أنه يأخذ أحدها بالقرعة كالوصية بعبد من عبيده أو يعطيه الورثة ما يختارونه لأن اللفظ يتناول جميعها قال شيخنا والصحيح أن وصيته لا تتناول قوس الندف، ولا البندق ولا العربية في بلد لا عادة لهم بالرمي بها، وهذا مذهب الشافعي، إلا أنه لم يذكر العربية،(6/508)
ويكون له واحد مما عدا هذه لأن هذه لا يطلق عليها اسم القوس في العادة من غير أهلها حتى يضيفها فيقول قوس القطن أو الندف أو البندق، وأما لعربية فلا يتعارفها غير طائفة من العرب فلا يخطر ببال الموصي غالباً ويعطى القوس معمولة لأنها لا تسمى قوساً إلا كذلك، ولا يستحق وترها لأن الإسم يقع عليها دونه، وفيه وجه آخر أنه يعطاها بوترها لأنها لا ينتفع بها إلا به فكان كجزء من أجزائها.
* (مسألة) * (وإن وصى له بطبل حرب صحت الوصية به لأن فيه منفعة مباحة، وإن كان بطبل لهو لا يصلح إلا للهو لم تصح لعدم المنفعة المباحة، فإن كان إذا فصل صلح للحرب لم تصح الوصية به أيضاً لان منفعة في الحال معدومة، فإن كان يصلح لهما صحت الوصية به لأن المنفعة به قائمة، وإن وصى له بطبل وأطلق وله طبلان تصح الوصية بأحدهما دون الآخر انصرفت الوصية إلى الطبل المباح فإن كان
له طبول تصح الوصية بجميعها فله أحدها بالقرعة أو ما شاء الورثة على اختلاف الروايتين.
وإن وصى بدف صحت الوصية به لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف " ولا تصح الوصية بمزمار ولا طنبور ولا عود لهو لأنها محرمة وسواء كانت فيها الأوتار أو لم تكن لأنها مهيأة لفعل المعصية فأشبه ما لو كانت فيه الأوتار.
* (مسألة) * (وتنفذ الوصية فيما علم من ماله أو لم يعلم) وقال مالك لا تنفذ الا فيما علم، وحكي ذلك عن أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز وربيعة ومالك(6/509)
إلا في المدبر فإنه يدخل في كل شئ.
ولنا أنه من ماله فدخل في وصيته كالمعلوم ولأن الوصية بجزء من ماله لفظ عام فيدخل فيه ما لم يعلم به من ماله كما لو نذر الصدقة بثلثه * (مسألة) * (وإن وصى بثلثه فاستحدث مالاً دخل ثلثه في الوصية) في قول أكثر أهل العلم ولا فرق عندهم بين التلاد والمستفاد في أنه يعتبر ثلث الجميع وممن قال ذلك النخعي والاوزاعي ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لأنه من ماله يرثه ورثته وتقضى منه ديونه أشبه ما ملكه قبل الوصية ولما ذكرنا في التي قبلها.
* (مسألة) * (وإن قتل وأخذت ديته فهل تدخل الدية في الوصية ? على روايتين) (إحداهما) تدخل قال مهنا روي عن أحمد فيمن أوصى بثلث ماله أو جزء مشاع فقتل الموصي وأخذت ديته فقال يستحق منها، وروي عن علي رضي الله عنه في دية الخطأ مثل ذلك، وهو قول الحسن ومالك (والثانية) لا تدخل في وصيته نقلها ابن منصور وروي ذلك عن مكحول وشريك وأبي ثور وداود وهو قول إسحاق، وقال مالك في دية العمد لأن الدية انما تجب للورثة بعد موت الموصي لأن سببها الموت فلا يجوز وجوبها قبله لأن الحكم لا يتقدم سببه ولا يجوز أن يجب للميت بعد موته لأنه بالموت تزول أملاكه الثابتة له فيكف يتجدد له ملك فلا تدخل في الوصية لأن الميت إنما(6/510)
يوصي بجزء من ماله لا بمال ورثته، ووجه الرواية الأولى إن الدية تجب للميت لأنها بدل نفسه ونفسه له فكذلك بدلها، ولأن بدل أطرافه في حياته له فكذلك بدل نفسه بعد موته، ولذلك تقضى منها ديونه ويجهز منها إن كان قبل تجهيزه، وإنما يجوز ورثته من أملاكه ما استغنى عنه فأما ما تعلقت به حاجته فلا ولأنه يجوز أن يتجدد له ملك بعد الموت كمن نصب شبكة فسقط فيها شئ بعد موته فإنه يملكه بحيث تقضى منه ديونه ويجهز فكذلك ديته لأن تنفيذ وصيته من حاجته فأشبه قضاء دينه.
* (مسألة) * (فإن وصى بمعين بقدر نصف الدية فهل الدية على الورثة من الثلثين؟ على وجهين) بناء على الروايتين فعلى الرواية الأولى تحسب الدية من ماله فإن كانت وصيته بقدر نصف الدية أو أقل منه نفذت الوصية وإلا أخرج منه قدر ثلثها.
وعلى الرواية الثانية لا تحسب الدية وتخرج الوصية من تلاد ماله دون ديته بناء على أن الدية ليست من ماله.
* (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (وتصح الوصية بالمنفعة المفردة وتصح بخدمة عبد ومنفعة أمة وغلة دار وبثمرة بستان أو شجرة سواء وصى بذلك مدة معلومة أو بجميع الثمرة والمنفعة في الزمان كله وهذا قول الجمهور منهم مالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وقال ابن أبي ليلى لا تصح الوصية بالمنفعة المفردة لأنها معدومة.
ولنا أنه يصح تمليكها بعقد المعاوضة فتصح الوصية بها كالأعيان ويعتبر خروج ذلك من ثلث المال(6/511)
نص عليه أحمد في سكنى الدار وهو قول من قال بصحة الوصية بها، وإن لم تخرج من الثلث أجيز منها بقدر الثلث، وقال مالك إذا وصى بخدمة عبده سنة فلم تخرج من الثلث فالورثة بالخيار بين تسليم خدمته سنة وبين المال، وقال أصحاب الرأي وأبو ثور إذا وصى بخدمة عبده سنة فإن العبد يخدم الموصى له يوماً والورثة يومين حتى يستكمل الموصى له سنة فإن أراد الورثة بيع العبد بيع على هذا ولنا أنها وصية صحيحة فوجب تنفيذها على صفتها إذا أخرجت من الثلث أو بقدر ما خرج من الثلث منها كسائر الوصايا أو كالأعيان إذا ثبت هذا وأريد تقويمها وكانت الوصية مقيدة بمدة قوم الموصى بمنفعته مسلوب المنفعة تلك المدة
ثم تقوم المنفعة في تلك المدة فينظر كم قيمتها (فصل) فإن أراد الموصى له بمنفعة العبد أو الدار إجارة العبد أو الدار في المدة التي أوصى له بنفعها فله ذلك، وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لا تجوز إجارة المنفعة المستحقة بالوصية لأنه أوصى له باستيفائه.
ولنا أنها منفعة يملكها ملكاً تاماً فملك أخذ العوض عنها بالأعيان كما لو ملكها بالإجارة وإن أراد الموصى له إخراج العبد عن البلد فله ذلك وبه قال أبو ثور، وقال أصحاب الرأي لا يخرجه إلا أن يسكون أهله في غير البلد فيخرجه إلى أهله.(6/512)
ولنا أنه مالك لنفعه فملك إخراجه كالمستأجر.
* (مسألة) * (إذا أوصى بمنافع عبده أو أمته أبداً أو مدة بعينها فللورثة عتقها لأنها مملوكة لهم ومنفعتها باقية للموصي له ولا يرجع على المعتق بشئ وإن أعتقه صاحب المنفعة لم يعتق لأن العتق للرقبة وهو لا يملكها فإن وهب صاحب المنفعة منافعه للعبد أو أسقطها عنه فللورثة الانتفاع به لأن ما يوهب للعبد يكون لسيده.
(فصل) ولهم بيعها وتباع مسلوبة المنفعة ويقوم المشتري مقام البائع فيما له وعليه وقيل لا يجوز بيعها لأن ما لا نفع فيه لا يصح بيعه كالحشرات والميتات وقيل يجوز بيعها لمالك منفعتها دون غيره لأن مالك منفعتها يجتمع له الرقبة والمنفعة فينتفع بذلك بخلاف غيره ولذلك جاز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها لصاحب الشجرة دون غيره وكذلك بيع الزرع لصاحب الأرض، ووجه الأول أنها أمة مملوكة تصح الوصية بها فصح بيعها لغيره ولأنه يمكنه إعتاقها وتحصيل ولائها وثواب عتقها بخلاف الحشرات.
* (مسألة) * (ولهم ولاية تزويجها لأنهم يملكون رقبتها) وليس لهم ذلك إلا بإذن صاحب المنفعة وليس لواحد منهما تزويجها منفرداً لأن مالك المنفعة لا يملك رقبتها وصاحب المنفعة يتضرر به فان انفقا على ذلك جاز لأن الحق لهما وكذلك لو طت(6/513)
التزويج وجب ترويجها عند طلبها لأنه لحقها وحقها في ذلك مقدم عليهما لأنها لو طلبته من سيدها الذي يملك رقبتها ومنفعتها لزمه ذلك وقدم حقها على حقه ووليها في الموضعين مالك الرقبة لأنه مالكها.
* (مسألة) * (ومهرها ههنا وفي كل موضع واجب للورثة) في اختار شيخنا لأن منافع البضع لا تصح الوصية بها مفردة ولا مع غيرها، ولا يجوز نقلها مفردة عن الرقبة بعد التزويج وإنما هي تابعة للرقبة فتكون لصاحبها وعند أصحابنا المهر للموصى له بالمنفعة لأنه من منافعها.
* (مسألة) * (وإن وطئت بشبهة فالولد حر لأن وطئ الشبهة يكون الولد حرا لاعتقاد الواطئ أنه يطأ في ملك فهو كوطئ المغرور بأمة وتجب قيمته يوم وضعه لصاحب الرقبة في أحد الوجهين وفي الآخر يشتري بها ما يقوم مقامها ويجب على الواطئ لأنه الذي فوت رقه وإنما اعتبرت قيمته يوم الوضع لأن مقتضى الدليل أن تجب قيمته حين العلوق لأنه وقت نفويت الحرية فلما يكن ذلك قومناه في أول حال الامكان وذلك حالة وضعه وهي للورثة ولا شئ للوصي فيها لأنه إنما وصى له بنفع الام وليس الولد من المنافع ولا وصى له بمنفعته فلا يستحقه.
* (مسألة) * وإن قتلت فللورثة قيمتها في أحد الوجهين) لأنهم مالكوها لأن القيمة بدل الرقبة فتكون لصاحبها وتبطل الوصية بالمنفعة كما تبطل الإجارة وفي الوجه الآخر يشتري بها ما يقوم مقامها لأن كل حق تعلق بالعين تعلق ببدلها إذا لم يبطل استحاقها ويفارق الزوجة والعين المستأجرة لأن الاستحقاق يبطل بتلفهما(6/514)
* (مسألة) * (وللوصي استخدامها وإجارتها وإعارتها) لأن الوصية له بنفعها وهذا منه * (مسألة) * (وليس لواحد منهما وطؤها) لأن صاحب المنفعة لا يملك رقبتها ولا هو زوجها ولا يباح وطئ بغيرهما لقول الله تعالى (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) وصاحب الرقبة لا يملكها ملكاً تاماً ولا يأمن أن تحمل منه فربما أفضى إلى هلاكها وأيهما وطئها فلا حد عليه لانه وطئ بشبهة لوجود الملك لكل واحد منهما وولده حر لأنه من وطئ شبهة فإن كان الواطئ صاحب المنفعة لم تصر أم ولد له لأنه لا يملكها وعليه قيمة ولدها يوم
وضعه وحكمها على ما ذكرنا فيما إذا وطئها أجنبي بشبهة وإن كان الواطئ مالك الرقبة صارت ام ولدله لأنها علقت منه بحر في ملكه وفي وجوب قيمته عليه الوجهان، وأما المهر فإن كان الواطئ ملك الرقبة فلا مهر عليه في اختيار شيخنا وله المهر على صاحب المنفعة إن كان هو الواطئ وعند أصحابنا وأصحاب الشافعي ينعكس الحال وقد تقدم تعليل ذلك ويحتمل أن يجب الحد على صاحب المنفعة إذا وطئ لأنه لا يملك إلا المنفعة فوجب عليه الحد كالمستأجر وعلى هذا يكون ولده مملوكاً * (مسألة) * (وإن ولدت من زوج أو زنا فحكمه حكمها) لأن الولد يتبع الأم في حكمها كولد المكاتبة والمدبرة ويحتمل أن يكون لمالك الرقبة لأن ذلك ليس من النفع الموصى به ولا هو من الرقبة الموصى بنفعها(6/515)
* (مسألة) * (وفي نفقتها ثلاثة أوجه) (أحدها) تجب على مالك الرقبة وهو الذي ذكره الشريف أبو جعفر مذهباً لأحمد وبه قال أبو ثور وهو ظاهر مذهب الشافعي لأن النفقة على الرقبة فكانت على صاحبها كنفقة العبد المستأجر وكما لو لم يكن له منفعة قال الشريف ولأن الفطرة تلزمه والفطرة تتبع النفقة ووجوب التابع على إنسان دليل على وجوب المتبوع عليه (والثاني) تجب على صاحب المنفعة وهو قول الاصطخري وأصحاب الراي وهو أصح إن شاء الله تعالى لأنه يملك نفعها على التأبيد فكانت النفقة عليه كالزوج ولأن نفعه له فكان عليه ضرره وكالمالك لهما جميعاً يحققه أن إيجاب النفقة على من لا نفع له ضرر مجرد فيصير معنى الوصية أوصيت لك بنفع أمتي وأبقيت على ورثتي ضررها والشرع ينفي هذا بقوله " لا ضرر ولا اضرار " ولذلك جعل الخراج بالضمان ليكون ضرره على من له نفعه وفارق المستأجر فإن نفعه في الحقيقة للمؤجر لأنه يأخذ الأجر عوضا عن المنافع (والثالث) أنها تجب في كسبه وهذا راجع إلى إيجابها على صاحب المنفعة لأن كسبه من منافعه فإذا صرفت في نفقته فقد صرفت المنفعة الموصى بها بها إلى النفقة فصار كما لو صرف إليه شيئاً من ماله سواء فإن لم يكن لها كسب فقيل تجب نفقتها في بيت المال لأن مالك الرقبة لا ينتفع بها وصاحب المنفعة لا يملك الرقبة فلا يلزمه إجبارها وكذلك سائر الحيوانات الموصى
بمنفعتها قياساً على الأمة.(6/516)
* (مسألة) * (وفي اعتبارها من الثلث وجهان) (أحدهما) يعتبر جميعها من الثلث يعني تقوم بمنفعتها ويعتبر خروج ثمنها من الثلث لأن أمة لا منفعة فيها لا قيمة لها غالباً (والثاني) تقوم بمنفعتها ثم تقوم مسلوبة المنفعة فيعتبر ما بينهما فإذا كان قيمتها بمنفعتها مائة وقيمتها مسلوبة المنفعة عشر علمنا أن قيمة المنفعة تسعون.
* (مسألة) * (وإن وصى لرجل برقبتها ولآخر بمنفعتها صح) وصاحب الرقبة كالوارث فيما ذكرنا (فصل) وإذا وصى بثمرة شجرة مدة أو بماء تثمر أبداً صح ولا يملك واحد من الموصى له والوارث إجبار الآخر على سقيها لأنه لا يجبر على سقي ملكه ولا سقي ملك غيره فإن أراد أحدهما سقيها بحيث لا يضر بصاحبه لم يملك الأخر منعه فإن يبست الشجرة فحطبها للوارث وإن وصى له بثمرتها مدة بعينها فلم تحمل في تلك المدة فلا شئ للموصى له وان قال لك ثمرتها أول عام تثمر صح وله ثمرتها في ذلك العام وكذلك إذا وصى له بما تحمل أمته أو شاته وإن وصى لرجل بشجرة ولآخر بثمرتها صح وقام صاحب الرقبة مقام الوراث فيما له وإن وصى له بلبن شاته وصوفها صح كما تصح الوصية بثمرة الشجرة وإن أوصى بلبنها أو صوفها صح ويقوم الموصى به دون العين (فصل) وإذا وصى لرجل بحب زرعه ولآخر بتبنه صح والنفقة بينهما لأن كل واحد منهما تعلق حقه بالزرع فإن امتنع أحدهما من الإنفاق فهما بمنزلة الشريكين أصل الزرع إذا امتنع أحدهما من(6/517)
سقيه والإنفاق عليه فيخرج في ذلك وجهان (أحدهما) يجبر على الإنفاق عليه هذا قول أبي بكر لأن في ترك الإنفاق ضرراً عليهما وإضاعة للمال وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا إضرار " ونهى عن إضاعة المال (والثاني) لا يجبر على الإنفاق على ما نصيبه ولا على مال غيره إذا كان كل واحد منهما منفرداً فكذلك إذا اجتمعها واصل الوجهين إذا استهدم الحائط المشترك فدعا أحد الشريكين الآخر إلى مباناته فامتنع وينبغي أن تكون النفقة عليهما على قدر قيمة كل واحد منهما
كما لو كانا مشتركين في أصل الزرع (فصل) وإن أوصى لرجل بخاتم ولآخر بفصه صح وليس لواحد منهما الانتفاع به إلا بإذن الآخر وأيهما طلب قلع الفص من الخاتم أجيب إليه وأجبر الآخر عليه وان انفقا على بيعه واصطلحا على لبسه جاز لأن الحق لهما (فصل) فإن وصى لرجل بدينار من غلة داره وغلتها ديناران صح فإن أراد الورثة بيع نصفها وترك النصف الذي أجره دينار فله منعهم منه لا يجوز أن ينقص أجره عن الدنيا وإن كانت الدار لا يخرج من الثلث فلهم بيع ما زاد عليه خاصة وترك الباقي فإن كان عليه دينار أو أقل فهو للموصى له وإن زادت فله دينار والباقي للورثة.
* (مسألة) * تصح الوصية بالمكاتب إذا قلنا يصح بيعه)(6/518)
لأنه مملوك يصح بيعه فصحت الوصية به كالقن ويقوم من انتقل إليه مقام السيد في الأداء إليه وإن عجز عاد رقيقاً له وان عتق فالولاء له كالمشتري فإن عجز في حياة الموصي لم تبطل الوصية لأن رقه لا ينافيها وإن أدى بطلت فإن قال إن عجز ورق فهو لك بعد موتي فعجز في حياة الموصي صحت الوصية وإن عجز بعد موته بطلت كما لو قال لعبده إن دخلت الدار فأنت حر بعد موتي فلم يدخلها حتى مات سيده وإن قال إن عجز بعد موتي فهو لك ففيه وجهان نذكرهما في العتق فيما إذا قال إن دخلت الدار بعد موتي فأنت حر * (مسألة) * وإن وصى له بمال الكتابة أو ينجم منها صح لأنها تصح بما ليس بمستقر كما تصح بما لا يملكه في الحال كحمل الجارية وللموصى له أن يستوفي المال عند حلوله وله ان يبرئ منه ويعتق بأحدهما والولاء لسيده لأنه المنعم عليه فإن عجز وأراد الوارث تعجيزه وأراد الوصي أنظاره فالقول قول الوارث لأن حق الوصي في المال إذا كان العقد قائماً وحق الوارث متعلق به إذا عجز يوده في الرق وليس للوصي إبطال حق الوارث من تعجيزه وكذلك إن أراد الوارث أنظاره وأراد الوصي تعجيزه فالحكم للوارث ولا حق للوصي في ذلك ولا نفع
له لأن حقه يسقط به ومتى عجز عاد عبدا للوارث وإن وصى بما يعجله المكاتب صح فإن عجل شيئاً فهو للوصي وإن لم يعجل شيئاً حتى حلت نجومه بطلت الوصية(6/519)
* (مسألة) * (وإن وصى لرجل برقبته ولآخر بما عليه صح فإن أدى إلى صاحب المال أو إبرأه منه عتق وبطلت وصيته صاحب الرقبة) قاله أصحابنا ويحتمل أن لا تبطل ويكون الولاء له لأنه أقامه مقام نفسه ولو لم يوص بها كان الولاء له فإذا أوصى بها كان الولاء للموصى له وكما لو وصى له بالمكاتب مطلقاً لأن الولاء يستفاد من الوصية بالرقبة دون الوصية بالمال وإن عجز فسخ صاحب الرقبة كتابته وكان رقيقاً له وبطلت وصية صاحب المال وان كان صاحب المال قبض من مال الكتابة شيئاً فهو له فإن اختلفا في فسخ الكتابة بعد العجز قد قول صاحب الرقبة لأنه يقوم مقام الورثة على ما ذكرنا (فصل) فإن كانت الكتابة فاسدة فوصى لرجل بما في ذمة المكاتب لم يصح لأنه لا شئ في ذمته فإن قال أوصيت لك بما أقبضه من مال الكتابة صح لأن الكتابة الفاسدة يؤدي منها المال كما يؤدى في الصحيحة وإن وصى برقبة المكاتب فيها صح لأنها تصح في المكاتبة الصحيحة ففي الفاسدة أولى والله أعلم (فصل) وإذا قال اشتروا بثلثي رقاباً فأعتقوهم لم يجز صرفه إلى المكاتبين لأنه أوصى بالشراء لا بالدفع إليهم فإن اتسع الثلث لم يجز أن يشتري أقل منها لأنها أقل الجمع فإن قدر أن يشتري أكثر من ثلاثة بثمن ثلاثة غالية كان أولى وأفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أعتق امرأ مسلماً أعتق الله بكل عضو منه عضواً منه من النار " ولأنه يفرج عن نفس زائدة فكان أفضل من عدم ذلك وإن أمكن(6/520)
شراء ثلاثة رخيصة وحصة من الرابعة بثمن ثلاثة غالية فالثلاثة أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أفضل الرقاب قال " أغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها " والقصد من العتق تكميل الأحكام من الولاية والجمعة والحج والجهاد وسائر الأحكام التي تختلف بالرق والحرية ولا يحصل ذلك إلا بإعتاق جميعه، وهذا التفصيل والله أعلم من النبي صلى الله عليه وسلم إنما يكون مع التساوي في المصلحة، فأما إن ترجح بعضهم بدين
وعفة وصلاح ومصلحة له في العتق بأن يكون مضروراً بالرق وله صلاح في العتق وغيره له مصلحة في الرق ولا مصلحة في العتق بل ربما تضرر به من فوات نفقته وكفايته ومصالحه وعجزه بعد العتق عن عن الكسب وخروجه عن الصيانة والحفظ فإن إعتاق من كثرت المصحلة في إعتاقه أفضل وأولى وإن قلت قيمته ولا يسوغ إعتاق من في إعتاقه مفسدة لأن مقصود الموصي تحصيل الثواب والأجر ولا أجر في إعتاق هذا، ولا يجوز أن يعتق إلا رقبة مسلمة فإن الله تعالى لما قال (فتحرير رقبة) فلم يتناول إلا المسلمة ومطلق كلام الآدمي محمول على مطلق كلام الله تعالى ولا يجوز إعتاق معيبة عيباً يمنع من الاجزاء في الكفارة والله أعلم * (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (ومن أوصى له بشئ بعينه فتلف قبل موت الموصي أو بعده بطلت الوصية) كذلك حكاه ابن المنذر فقال أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا أوصى له بشئ فهلك الشئ ان لا شئ له في سائر مال الميت وذلك لأن الموصى له إنما يستحق بالوصية لا غير وقد تعلقت بمعين فإذا ذهب ذهب حقه كما لو تلف في يده والتركة في يد الورثة غير مضمونة عليهم لأنها حصلت في أيديهم بغير فعلهم ولا تفريطهم فلا يضمنوا شيئاً * (مسألة) * (ولو تلف المال كله غيره بعد موت الموصي فهو للموصي له)(6/521)
لأن حقوق الورثة لم تتعلق به لتعينه للموصى له ولذلك يملك أخذه بغير رضاهم وأذنهم فكان حقه فيه دون سائر المال فحقوقهم في سائر المال دونه فأيهما تلف حقه لم يشارك الآخر في حقه كما لو كان التلف بعد أن أخذه الموصى له وكالورثة إذا اقتسموا ثم تلف نصيب أحدهم قال أحمد فيمن خلف مائتي دينار وعبداً قيمته مائة ووصي لرجل بالعبد فسرقت الدنانير بعد الموت فالعبد للموصى له به * (مسألة) * (وإن لم يأخذه زماناً قوم وقت الموت لا وقت الأخذ) وذلك لأن الاعتبار في قيمة الوصية وخروجها من الثلث وعدم خروجها بحالة الموت لأنها حال لزوم الوصية فتعتبر قيمة المال فيها وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافا فينظر كم كان الموصى به وقت الموت فإن كان ثلث التركة أو دونه نفذت الوصية واستحقه الموصى له كله فإن زادت
قيمته حتى صار معادلاً لسائر الاموال أو أكثر منه أو هلك المال كله سواه فهو للموصي له ولا شئ للورثة فيه فإن كان حين الموت زائداً عن الثلث فللموصى له منه قدر ثلث المال فان كان نصف المال فللموصى له ثلثاه وإن كان ثلثيه فللموصى له نصفه وإن كان نصف المال وثلثه فللموصى له خمساه فإن نقص بعد ذلك أو زاد أو نقص سائر المال أو زاد فليس للموصى له سوى ما كان حين الموت فلو وصى بعبد قيمته مائة وله مائتان فزادت قيمته بعد الموت حتى صار يساوي مائتين فهو للموصى له كله وإن كانت قيمته حين الموت مائتين فللموصى له ثلثاه لأنهما ثلث المال فإن نقصت قيمته بعد الموت حتى صار يساوي مائة لم يزد حق الموصى له عن ثلثيه شيئا إلا أن يجيز الورثة وإن كانت قيمته أربعمائة فللموصى له نصفه لا يزداد حقه عن ذلك سواء نقص العبد أو زاد * (مسألة) * (فإن لم يكن له سوى المعين إلا مال غائب أو دين في ذمة موسر أو معسر فللموصى له ثلث الموصى به وكلما اقتضي من الدين شئ أو حضر من الغائب ملك من الموصى به قدر ثلثه حتى يكمله كله)(6/522)
وجملة ذلك أن من أوصى بمعين حاضر وسائر ماله دين أو غائب فليس للوصي أخذ المعين قبل قدوم الغائب وقبض الدين لأنه ربما تلف فلا تنفذ الوصية في المعين كله ويأخذ الوصي من المعين ثلثه وهو ظاهر كلام الخرقي ذكره في المدبر وقيل لا يدفع اليه شئ لأن الورثة شركاؤه في التركة فلا يحصل له شئ ما لم يحصل الورثة مثلاه ولم يحصل لهم شئ وهذا وجه لأصحاب الشافعي، والصحيح الأول لأن حقه في الثلث مستقر فوجب تسليمه إليه لعدم الفائدة في وقفه كما لو لم يخلف غير المعين ولأنه لو تلف سائر المال لوجب تسليم ثلث المعين إلى الوصي وليس تلف المال سبباً لاستحقاق الوصية وتسليمها ولا يمتنع نفوذ الوصية في الثلث المستقر وإن لم ينتفع الورثة بشئ كما لو أبرأ معسراً من دين عليه وقال مالك يخير الورثة بين دفع العين الموصى بها وبين جعل وصيته ثلث المال لأن الموصي كان له أن يوصي بثلث ماله فعدل إلى المعين وليس له ذلك لأنه بؤدي إلى أن يأخذ الموصى له المعين فينفرد بالتركة على تقدير تلف الباقي قبل وصوله إلى الورثة فيقال للورثة أن رضيتم بذلك وإلا فعودوا إلى
ما كان له أن يوصي به وهو الثلث ولنا أنه أوصى بما لا يزيد على الثلث لأجنبي فوقع لازماً كما لو وصى له بمشاع وما قاله لا يصح لأن جعل حقه في قدر الثلث إشاعة وإبطال لما عينه فلا يجوز إسقاط ما عينه الموصي للموصى له ونقل حقه إلى ما لم يوص به كما لو وصى له بمشاع لم يجز نقله إلى معين، وكما لو كان المال كله(6/523)
حاضراً أو غائباً.
إذا ثبت هذا فإن للموصى له ثلث العين الحاضرة وكلما اقتضى من دينه شئ أو حضر من الغائب شئ فللموصى له بقدر ثلثه من الموصى به كذلك حتى يكمل للموصى له الثلث أو يأخذ المعين كله، فلو خلف تسعة عيناً وعشرين ديناراً وابناً ووصى بالتسعة لرجل فللوصي ثلثها ثلاثة وكلما اقتضي من الدين شئ فللوصي ثلثه فإذا اقتضى ثلثه فله من التسعة واحد حتى يقتضي ثمنانية عشر فتكمل له التسعة فإن جحد الغريم أو مات أو يئس من استيفاء الدين أخذ الورثة الستة الباقية من العين ولو كان الدين تسعة فإن الابن يأخذ ثلث العين ويأخذ الوصي ثلثها ويبقى ثلثها موقوفاً كلما استوفي من الدين شئ فللوصي من العين قدر ثلثه فإذا استوفى الدين كله كمل للموصى له ستة وهي ثلث الجميع، وإن كانت الوصية بنصف العين أخذ الوصي ثلثها، وأخذ الابن نصفها وبقي سدسها موقوفاً، فمتى اقتضي من الدين مثليه كملت وصيته.
* (مسألة) * (وكذلك الحكم في المدبر) في أنه يعتق في الحال ثلثه وكلما اقتضي من الدين شئ أو حضر من الغائب شئ عتق منه بقدر ثلثه حتى يعتق جميعا أن خرج من الثلث.
(فصل) فإن كان الدين مثل العين فوصى لرجل بثلثه فلا شئ له قبل استيفائه فكلما اقتضي منه شئ فله ثلثه وللابن ثلثاه وهذا أحد قولي الشافعي، وقال في الآخر هو أحق بما يخرج من الدين حتى يستوفي وصيته، وهذا قول أهل العراق لأن ذلك يخرج من ثلث المال الحاضر.(6/524)
ولنا أن الورثة شركاؤه في الدين وليس له معهم شركة في العين فلا يختص بما يخرج منه دونهم، كما لو كان شريكه في الدين وصياً أخر، وكما لو وصى لرجل بالعين ولآخر بالدين فالمنفرد بوصية الدين
لا يختص بما خرج منه دون صاحبه كذا ههنا.
(فصل) ولو وصى لرجل بثلث ماله وله مائتان ديناً وعبد يساوي مائة ووصى لآخر بثلث العبد اقتسما ثلث العبد نصفين وكلما اقتضي من الدين شئ فللموصى له بثلث المال ربعه، وله وللآخر من العبد بقدر ربع ما استوفى بينهما نصفين فإذا استوفي الدين كله كمل للوصيين نصف العبد ولصاحب الثلث ربع المائتين وذلك هو ثلث المال، وإن استوفي الدين قبل القسمة قسما بينهما كذلك للموصى له ثلث العبد ربعه، لأن للوصيين أربعة أتساع المال والجائز منهما ثلث المال وهو ثلاثة أتساع وذلك ثلاثة أرباع وصيتهما، فرددنا كل واحد منهما إلى ثلاثة أرباع وصيته وهي ربع المال كله لصاحب ثلثه وربع العبد لصاحب ثلثه، وفي المسألة أقوال سوى ما قلناه تركناها لطولها، وهذا أسدها إن شاء الله لأننا أدخلنا النقص على كل واحد منهما بقدر ماله في الوصية وكملنا لهما الثلث فإن أجيز لهما أخذ كل واحد منهما ما بقي من وصيته وهو ربعها فيكمل ثلث المال لصاحبه وثلث العبد للآخر.
(فصل) وإن خلف ابنين وترك عشرة عينا وعشرة ديناً على أحد ابنيه وهو معسر ووصى لأجنبي بثلث ماله فإن الوصي والابن الذي لا دين عليه يقتسمان العشرة العين نصفين ويسقط عن المدين ثلثا(6/525)
دينه ويبقى لهما عليه ثلثه، فإن كانت الوصية بالربع قسمت العشرة العين بينهما أخماساً للوصي خمساها أربعة وللابن ستة وسقط عن المدين ثلاثة أرباع دينه وبقي عليه ربعه فإذا استوفى قسم بينهما أخماساً كما قسمت العين لأن الوصية بالربع وهو ثمنان ويبقى ستة أثمان لكل ابن ثلاثة أثمان فصار نصيب الوصي والابن الذي لا دين عليه خمسة أثمان للابن ثلاثة وللوصي سهمان فلذلك قسمنا العين وما حصل لهما من الدين أخماساً وسقط عن المدين ثلاثة أرباع ما عليه لأن له ثلاثة أثمان وهي ثلاثة أرباع النصف الذي عليه.
(فصل) ونماء العين الموصى بها إن كان متصلاً تبعها وهو للموصى له، وإن كان منفصلاً في حياة الموصي فهو له يكون ميراثاً وإن حدث بعد الموت قبل القبول فهو للورثة في ظاهر المذهب وقيل للوصي وقد ذكرناه.
* (مسألة) * (وإن وصى له بثلث عبد فاستحق ثلثاه فله الثلث الباقي وإن وصى له بثلث ثلاثة أعبد فاستحق اثنان منهم أو ماتا فله ثلث الباقي) إذا وصى له بمعين فاستحق بعضه فله ما بقي منه إن حمله الثلث فإذا وصى له بثلث عبد أو دار فاستحق الثلثان منه فالثلث الباقي للموصى له وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي لأن الباقي كله موصى به وقد خرج من الثلث فاستحقه الموصى له كما لو كان شيئاً معيناً وإن وصى له بثلث ثلاثة أعبد فهلك عبدان أو استحقا فليس له إلا ثلث الباقي(6/526)
وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي لأنه لم يوص له من الباقي بأكثر من ثلثه وقد شرك بينه وبين ورثته في استحقاقه.
* (مسألة) * (وإن وصى له بعبد لا يملك غيره قيمته مائة ولآخر بثلث ماله وملكه غير العبد مائتان فأجاز الورثة فاللموصى له بالثلث ثلث المائتين وربع العبد وللموصى له بالعبد ثلاثة أرباعه وإن ردوا فقال الخرقي للموصى له بالثلث سدس المائتين وسدس العبد وللموصى له بالعبد نصفه قال شيخنا وعندي أنه يقسم الثلث بينهما على حسب مالهما في حال الإجازة لصاحب الثلث خمس المائتين وعشر العبد ونصف عشره ولصاحب العبد ربعه وخمسه) وجملة ذلك أنه إذا أوصى لرجل من ماله ولآخر بجز؟ مشاع منه كثلثه فأجيز لهما انفرد صاحب المشاع بوصيته من غير المعين ثم شارك صاحب المعين فيه فيقسم بينهما على قدر حقيهما ما فيه ويدخل النقص على كل واحد منهما بقدر ماله في الوصية كمسائل العول وكما لو وصى لرجل بماله ولآخر بجزء منه فأما في حال الرد فإن كانت وصيتهما لا تجاوز الثلث مثل أن يوصي لرجل بسدس ماله ولآخر بمعين قيمته سدس المال فهي كحالة الإجازة سواء إذ لا أثر للرد وإن جاوزت الثلث رددنا وصيتهما إلى الثلث وقسمناه بينهما على قدر وصيتيهما إلا أن صاحب المعين يأخذ نصيبه من المعين والآخر يأخذ حقه من جميع المال هذا قول الخرقي وسائر الأصحاب ويقوى عندي أنهما في حال الرد يقتسمان الثلث على حسب مالهما في حال الإجازة وهذا(6/527)
قول ابن أبي ليلى وقال أبو حنيفة ومالك في الرد يأخذ صاحب المعين نصيبه منه ويضم الآخر سهامه
إلى سهام الورثة ويقتسمون الباقي على خمسة في مثل مسألة الخرقي لأن له السدس وللورثة أربعة أسداس وهو مثل قول الخرقي إلا أن الخرقي يعطيه السدس من جميع المال وعندهما أنه يأخذ خمس المائتين وعشر العبد واتفقوا على أن كل واحد من الوصيين يرجع إلى نصف وصيته لأن كل واحد منهما قد أوصى له بثلث المال وقد رجعت الوصيتان إلى الثلث وهو نصف الوصيتين فيرجع كل واحد إلى نصف وصيته ويدخل النقص على كل واحد منهما بقدر ماله في الوصية، وفي قول الخرقي يأخذ سدس الجميع لأنه وصى له بثلث الجميع، وأما في قول شيخنا فإن وصية صاحب العبد دون وصية صاحب الثلث لأنه وصى له بشئ شرك معه غيره فيه وصاحب السدس أفرد بشئ لم يشاركه فيه غيره فوجب أن يقسم بينهما الثلث حالة الرد على حسب مالهما في حال الإجازة كما في سائر الوصايا ففي هذه المسألة لصاحب الثلث ثلث المائتين ستة وستون وثلثان لا يزاحمه الاخر فيها ويشتركان في العبد لهذا ثلثه وللآخر جميعه فابسطه من جنس الكسر وهو الثلث يصر العبد ثلاثة واضمم إليها الثلث الذي للآخر يصر أربعة ثم اقسم العبد على أربعة أسهم يصر الثلث ربعاً كما في مسائل العول وفي حالة الرد ترد وصيتهما إلى ثلث المال وهو نصف وصيتيهما فيرجع كل واحد إلى نصف وصيته فيرجع صاحب الثلث إلى سدس الجميع ويرجع صاحب العبد إلى نصفه، وفي قول شيخنا تضرب مخرج الثلث في مخرج الربع(6/528)
يكن اثني عشر ثم في ثلاثة تكن ستة وثلاثين فلصاحب الثلث ثلث المائتين وهو ثمانية وربع العبد وهو ثلاثة أسهم صار له أحد عشر ولصاحب العبد ثلاثة أرباعه وذلك تسعة فبضمها إلى صاحب الثلث تصير عشرين سهماً ففي حال الرد يجعل الثلث عشرين سهماً والمال كله ستون فلصاحب العبد تسعة من العبد وهو ربعه وخمسه ولصاحب الثلث ثمانية من المائتين وهي خمسها وثلثه من العبد وذلك عشرة ونصف عشرة * (مسألة) * (وإن كانت الوصية بالنصف مكان الثلث فله في حال الإجازة مائة وثلث العبد ولصاحب العبد ثلثاه.
وفي الرد لصاحب النصف خمس المائتين وخمس العبد ولصاحب العبد خمساه هذا قول أبي الخطاب
وهو قياس قول الخرقي وعلى اختيار شيخنا لصاحب النصف ربع المائتين وسدس العبد ولصاحب العبد ثلثه والطريق فيها أن ينسب الثلث إلى ما حصل لهما في حال الإجازة ثم يعطى كل واحد مما حصل له في الإجازة مثل نسبة الثلث إليه وعلى قول الخرقي ينسب الثلث إلى وصيتيهما جميعاً ثم يعطي كل واحد في الرد مثل الخارج بالنسبة وبيانه في هذه المسألة أن نسبة الثلث إلى وصيتيهما بالخمسين لأن النصف والثلث خمسة من ستة فالثلث خمساها فلصاحب العبد خمسا العبد لأنه وصيته ولصاحب النصف الخمس لأنه خمسا وصيته وعلى اختيار شيخنا قد حصل لهما في الإجازة الثلثان ونسبة الثلث إليهما بالنصف(6/529)
فلكل واحد منهما مما حصل في الإجازة نصفه وقد كان لصاحب النصف من المائتين نصفها فله ربعها وكان له من العبد ثلثه فصار له سدسه وكان لصاحب العبد ثلثاه فصار له ثلثه (فصل) فإن كانت المسألة بحالها وملكه غير العبد ثلاثمائة ففي الاجازة لصاحب النصف مائة وخمسون وثلث العبد ولصاحب العبد ثلثاه وفي الرد لصاحب النصف تسعا المال كله ولصاحب العبد أربعة أتساعه على الوجه الأول وعلى اختيار شيخنا لصاحب العبد ثلثه وخمس تسعه وللآخر تسعه وثلث خمسه ومن المال ثمانون وهو ربعها وسدس عشرها وإن وصى لرجل بجميع ماله ولآخر بالعبد ففي الإجازة لصاحب العبد نصفه والباقي كله للآخر وفي الرد يقسم الثلث بينهما على خمسة لصاحب العبد خمسه وهو ربع العبد وسدس عشره وللآخر أربعة أخماسه فله من العبد مثل ما حصل لصاحبه ومن كل مائة مثل وهو ثمانون.
(فصل) فلو خلف عبداً قيمته مائة ومائتين ووصى لرجل بمائة وبالعبد كله ووصى بالعبد لآخر ففي حال الإجازة يقسم العبد بينهما نصفين وينفرد صاحب المائة بنصف الباقي وفي الرد للمولى له بالعبد ثلثه وللآخر ثلث وثلث المائة وعلى الوجه الآخر لصاحب العبد ربعه وللآخر ربعه ونصف المائة يرجع كل واحد منهما إلى نصف نصيبه فإن لم تزد الوصيتان على الثلث كرجل خلف خمسمائة وعبداً قيمته مائة ووصى بسدس ماله لرجل ولآخر بالعبد فلا أثر للرد ههنا ويأخذ صاحب المشاع سدس(6/530)
المال وسبع العبد وللآخر ستة أسباعه فإن وصى لصاحب المشاع بخمس المال فله مائة وسدس العبد ولساحب العبد خمسة أسداسه ولا اثر للرد أيضاً لأن الوصيتين لا تزيد على ثلث المال.
* (مسألة) * وإن وصى لرجل بثلث ماله ولآخر بمائة ولثالث بتمام الثلث على المائة فلم يزد الثلث على المائة وذلك إذا كان المال ثلاثمائة بطلت وصية صاحب التمام) لأنه لم يوص له بشئ أشبه ما لو أوصى له بداره وليس له دار ويقسم الثلث في حال الرد بين الوصيين على قدر وصيتهما، وإن زاد الثلث على المائة بأن يكون المال ستمائة فأجاز وانفذت الوصية على ما قال الموصي فيأخذ صاحب الثلث مائتين وكل واحد من الوصيين مائة، وإن ردوا ففيه وجهان (أحدهما) يرد كل واحد منهم إلى نصف وصيته لأن الوصايا رجعت إلى نصفها فيدخل النقص على كل واحد بقدر ماله في الوصية كسائر الوصايا، وهذا اختيار شيخنا.
(والثاني) لا شئ لصاحب التمام حتى تكمل المائة لصاحبها ثم يكون الثلث بين الوصيين الآخرين نصفين فلا يحصل لصاحب التمام إذا كان المال ستماثة شئ، اختاره القاضي لأنه إنما يستحق بعد تمام المائة لصاحبها، ولم يفضل ههنا له شئ قال ويجوز أن يزاحم به ولا يعطى شيئا كولد الأب مع ولد الأبوين في مزاحمة الجد يزاحم الجد بالأخ من الأب ولا يعطيه شيئاً، فإن كان المال تسعمائة ورد الورثة فعلى الوجه الأول لصاحب الثلث مائة وخمسون ولصاحب المائة خمسون ولصاحب التمام مائة لأن الوصية كانت بالثلثين فرجعت إلى الثلث فرددنا كل واحد منهم إلى نصف وصيته، وعلى الوجه(6/531)
الثاني لصاحب المائة مائة لا ينقص منها شئ ولصاحب التمام خمسون وهذا اختيار القاضي.
(فصل) فإن ترك ستمائة ووصى لأجنبي بمائة ولآخر بتمام الثلث فلكل واحد منهما مائة، وإن رد الأول وصيته فللآخر مائة، وإن وصى للأول بثمانين وللآخر باقي الثلث فلا شئ للثاني، سواء رد الأول وصيته أو أجازها، وهذا قياس قول الشافعي وأهل البصرة، وقال أهل العراق إن رد الأول فللثاني مائتان في المسئلتين.
ولنا أن المائة ليست باقي الثلث ولا تتمته فلا يكون موصى بها للثاني كما لو قتل الأول ولو وصى لوارث بثلثه ولآخر بتمام الثلث، فلا شئ للثاني، وعلى قول أهل العراق له الثلث كاملاً.
باب الوصية بالانصباء والأجزاء إذا وصى لرجل بمثل نصيب وارث معين فله مثل نصيبه مضموماً إلى المسألة ومزاداً عليها، هذا قول الجمهور، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وقال مالك وابن أبي ليلى وزفر وداود: يعطى مثل نصيب المعين، أو مثل نصيب أحدهم إن كانوا يتساوون من أصل المال غير مزيد ويقسم الباقي بين الورثة لأن نصيب الوارث قبل الوصية من أصل المال فلو أوصى بمثل نصيب ابنه وله ابن واحد فالوصية بجميع المال، وإن كان له ابنان فالوصية بالنصف، وإن كانوا ثلاثة فله الثلث، وقال مالك إن كانوا يتفاضلون نظر إلى عدد رؤوسهم فأعطي سهماً من عددهم لأنه لا يمكن اعتبار أنصبائهم لتفاضلهم فاعتبر عدد رؤوسهم.(6/532)
ولنا أنه جعل وارثه أصلاً وقاعدة حمل عليه نصيب الموصى له وجعل مثلاً له، وهذا يفضي إلى أن لا يزاد أحدهما على صاحبه، ومتى أعطي من أصل المال فما أعطي مثل نصيبه ولا حصلت التسوية به والعبارة تقتضي التسوية.
* (مسألة) * (فإذا وصى له بمثل نصيب ابنه، وله ابنان، فله الثلث وإن كانوا ثلاثة فله الربع وإن كان معهم بنت فله التسعان لأن المسألة من سبعة لكل ابن سهمان ويزاد عليها مثل نصيب ابن، سهمان، فتصير تسعة فالاثنان منها تسعاها.
* (مسألة) * (وإن وصى بنصيب ابنه فكذلك في أحد الوجهين) تصح الوصية وتكون كما لو وصى بمثل نصيب ابن، وهذا قول مالك وأهل المدينة واللؤلؤي وأهل البصرة وابن أبي ليلى وزفر وداود، والوجه الثاني: لا تصح الوصية، وهو الذي ذكره القاضي، وهو قول أصحاب الشافعي وأبي حنيفة وصاحبيه، لأنه أوصى بما هو حق للابن فلم يصح كما لو قال بدار ابني، وبما يأخذه ابني، ووجه الأول أنه أمكن تصحيح وصيته بحمل لفظه على مجازه فصح كما لو طلق بلفظ الكناية أو أعتق وبيان إمكان التصحيح أنه أمكن حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، أي بمثل نصيب ابني ولأنه لو أوصى بجميع ماله صح وإن تضمن ذلك الوصية بنصيب ورثته كلهم
* (مسألة) * (وإن وصى بضعف نصيب ابنه أو ضعفيه فله مثله مرتين وإن وصى بثلاثة أضعافه فله ثلاثة أمثاله) .(6/533)
قال شيخنا هذا الصحيح عندي، وقال أصحابنا ضعفاه ثلاثة أمثاله وثلاثة أضعافه أربعة أمثاله، كلما زاد ضعفاً زاد مرة واحدة) إذا وصى بضعف نصيب ابنه فله مثلا نصيبه، وبه قال الشافعي، وقال أبو عبيد القاسم بن سلام الضعف المثل لقول الله تعالى (يضاعف لها العذاب ضعفين) أي مثلين، وقوله (فآتت أكلها ضعفين) أي مثلين، وإذا كان الضعفان مثلين فالضعف مثل.
ولنا على أن الضعف مثلان قوله تعالى (إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات) وقال (فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا) ، وقال (وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون) ويروى عن عمر أنه أضعف الزكاة على نصارى بني تغلب فكان يأخذ من الثمانين عشرة، وقال لحذيفة وعثمان بن حنيفة لعلكما حملتما الأرض ما لا تطيق، فقال عثمان لو أضعفت عليها لاحتملت، قال الأزهري الضعف المثل فما فوقه، فأما قوله إن الضعفين المثلان فقد روى ابن الأنباري عن هشام ابن معاوية النحوي قال العرب تتكلم بالضعف مثنى فتقول إن أعطيتني درهماً فلك ضعفاه، أي مثلاه، وإفراده لا بأس به إلا أن التثنية أحسن يعني أن المفرد والمثنى في هذا بمعنى واحد وكلاهما يراد به المثلان وإذا استعملوه على هذا الوجه وجب اتباعهم وإن خالفنا القياس.
(فصل) وإن وصى له بضعفيه فله مثله مرتين وإن قال ثلاثة أضعافه فله ثلاثة أمثاله، هذا الصحيح عندي، وهو قول أبي عبيد، وقال أصحابنا ضعفاه ثلاثة أمثاله وثلاثة أضعافه أربعة أمثاله وعلى هذا كلما زاد ضعفاً زاد مرة واحدة، وهو قول الشافعي، واحتجوا بقول أبي عبيدة مسعر بن المثنى ضعف الشئ هو ومثله وضعفاه: هو ومثلاه وثلاثة أضعافه أربعة أمثاله، وقال أبو ثور ضعفاه(6/534)
أربعة أمثاله وثلاثة أضعافه ستة أمثاله لأنه قد ثبت أن ضعف الشئ مثلاه فتثنيته مثلا مفرده.
ولنا قول الله (فآتت أكلها ضعفين) قال عكرمة: تحمل في كل عام مرتين، قال عطاء أثمرت في سنة مثل ثمرة غيرها سنتين، ولا خلاف بين المفسرين فيما علمنا في تفسير قوله تعالى: (يضاعف لها العذاب ضعفين) إن المراد به مرتين، وقد دل عليه قوله تعالى (نؤتها أجرها مرتين ومحال أن يجعل أجرها على العمل الصالح مرتين وعذابها على الفاحشة ثلاث مرات فإن الله تعالى إنما يريد تضعيف الحسنات على السيئات هذا المعهود من كره وفضله، وأما قول أبي عبيدة فقد خالفه فيه غيره وأنكر قوله قال ابن عرفة لا أحب قول أبي عبيدة في (يضاعف لها العذاب ضعفين) لأن الله تعالى قال في آية أخرى (نؤتها أجرها مرتين) فأعلم أن لها من هذا حظين ومن هذا حظين وقد نقل هشام بن معاوية النحوي عن العرب أنهم ينطقون بالضعف مثنى ومفرداً بمعنى واحد وموافقة العرب على لسانهم مع ما دل عليه كلام الله تعالى العزيز وأقوال المفسرين من التابعين وغيرهم أولى من قول أبي عبيدة المخالف لذلك كله مع مخالفة القياس ونسبة الخطأ إليه أولى من تخطئه ما ذكرناه وأما قول أبي ثور فظاهر الفساد، لما فيه من مخالفة الكتاب والعرب وأقوال المفسرين من التابعين وغيرهم، وأهل العربية، فلا يجوز التمسك بمجرد القياس المخالف للنقل، فقد شذ من العربية كلمات تؤخذ نقلاً بغير قياس.(6/535)
(فصل) ولو وصى بمثل نصيب له كمن يوصي بمثل نصيب ابنه وهو لا يرث لرقه أو كونه مخالفاً لدينه أو بنصيب أخيه وهو محجوب عن ميراثه فلا شئ للوصي لأنه لا نصيب له فمثله لا شئ * (مسألة) * (وإذا وصى له بمثل نصيب أحد ورثته ولم يسمه كان له مثل ما لأقلهم نصيباً) فلو كانوا ابناً وأربع زوجات صحت من اثنين وثلاثين سهماً لكل امرأة سهم وللموصى له سهم يزاد عليها فتصح من ثلاثة وثلاثين سهماً للموصي سهم ولكل امرأة سهم والباقي للابن.
وجملة ذلك أنه إذا وصى بمثل نصيب أحدهم غير مسمى فإن كان الورثة يتساوون في الميراث كالبنين فله مثل نصيب أحدهم مزاداً على الفريضة ويجعل كواحد منهم زاد فيهم وإن كانوا يتفاضلون كهذه، المسألة فله مثل اقلهم ميرانا يزاد على فريضتهم هذا قول الجمهور وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وقال مالك إن كانو يتفاضلون نظر إلى عدد رؤوسهم
فأعطي سهماً من عددهم لأنه لا يمكن اعتبار أنصبائهم لتفاضلهم فاعتبر عدد رؤوسهم ولنا أن اليقين أن يعطي الوصي مثل أقلهم نصيباً وما زاد مشكوك فيه فلا يثبت مع الشك وقوله يعطى سهماً من عددهم مخالف لما يقتضيه لفظ الموصي لأنه ليس بنصيب أحد ورثته ولفظه إنما اقتضى نصيب أحدهم وتفاضلهم لا يمنع كون نصيب الأقل نصيب أحدهم فيصرفه إلى الوصي عملاً بمقتضى وصيته وذلك أولى من اختراع شئ لا يقتضيه قول الموصي أصلاً وقوله تعذر العمل بقول الموصي ممنوع فقد أمكن العمل به بما قلناه ثم لو تعذر العلم به لم يجز أن يجب في ماله حق لم يأذن فيه ولم يأمر به ولو قال أوصيت بمثل نصيب أقلهم ميراثاً كان كما لو أطلق وكان ذلك تأكيداً وإن قال أوصيت بمثل(6/536)
نصيب أكثرهم ميراثاً فله ذلك مضافاً إلى المسألة ثماينة وعشرون تضم إلى المسألة فتكون ستين سهماً.
* (مسألة) * (ولو وصى له بمثل نصيب وارث لو كان فله مثل ماله لو كانت الوصية وهو موجود فقدر الوارث موجوداً وانظر ما للموصى له مع وجوده فهو له مع عدمه) فإن خلف ابنين ووصى بمثل نصيب ثالث لو كان فللموصى له الربع وإن خلف ثلاثة بنين فله الخمس وإن وصى بمثل نصيب خامس لو كان فللموصى له السدس وعلى هذا أبداً، فلو خلفت امرأة زوجاً وأختاً وأوصت بمثل نصيب أم لو كانت فللموصى له الخمس لان للام الربع لو كانت فيجعل له سهم مضاف إلى أربعة يكن خمساً فقس على ذلك.
* (مسألة) * (فإن خلف أربعة بنين فأوصى بمثل نصيب خاسم لو كان إلا مثل نصيب سادس لو كان فقد أوصى له بالخمس إلا السدس بعد الوصية فله سهم يزاد على ثلاثين وتصح من اثنين وستين له سهمان ولكل ابن خمسة عشر) لأنه استثنى السدس من الخمس.
فطريقها أن تضرب مخرج أحدهما في مخرج الآخر تكن ثلاثين خمسها ستة وسدسها خمسة فإذا استثنيت الخمسة من الستة بقي سهم للموصى له فزده على الثلاثين تصر واحداً وثلاثين فأعط الموصى له سهماً يبقى ثلاثون على أربعة لا تنقسم وتوافق بالنصف فزدها إلى خمسة عشر واضربها في أربعة تكن ستين زد عليها سهمين للموصى له ولكل
ابن خمسة عشر.
وطريقها بالجبر أن تجعل المال أربعة وشيئاً تدفع الشئ إلى الموصى له يبقى أربعة(6/537)
تقسمها على خمسة يخرج أربعة أخماس وتقسمها على ستة يخرج ثلثان فتسقط الثلثين من أربعة الأخماس يبقى سهمان من خمسة عشر ثم تضر ب الأربعة الأسهم في الخمسة عشر لأنها مخرج الثلث تكن ستين تزيد عليها السهمين فهي للموصى له ولكل ابن خمسة عشر فقد حصل له خمس الستين إلا سدسها الخمس اثنا عشر والسدس عشرة (فصل) وإذا خلف بنتاً وحدها ووصى بمثل نصيبها فهو كما لو وصى بنصيب ابن عند من يرى الرد لأنه يأخذ المال كله بالفرض والرد، ومن لا يرى الرد يقتضي قوله أن يكون له الثلث ولها نصف الباقي وما بقي لبيت المال، وعلى قول مالك ومن وافقه للموصى له النصف في حال الإجازة ولها نصف الباقي وما بقي لبيت المال، فإن خلف ابنتين ووصى بمثل نصيب إحداهما فهي من ثلاثة عندنا ويقتضي قول من لا يرى الرد أنها من أربعة لبيت المال الربع ولكل واحد منهم الربع وعلى قول مالك الثلث للموصى له وللبنتين ثلثا ما بقي والباقي لبيت المال وتصح من تسعة.
فإن خلف جدة وحدها وأوصى بمثل نصيبها فقياس قولنا أن المال بينهما نصفين وعلى قول من لا يرى الرد هي من سبعة لكل واحد منهما السبع والباقي لبيت المال وقياس قول مالك للموصى له السدس وللجدة سدس ما بقي والباقي لبيت المال.
(فصل) إذا خلف ثلاثة بنين ووصى لثلاثة بمثل أنصبائهم فالمال بينهم على ستة إن أجازوا وإن(6/538)
ردوا فمن تسعة للموصى لهم الثلث ثلاثة والباقي بين البنين على ثلاثة فإن أجازوا لواحد وردوا على اتنين فللمردود عليهما التسعان اللذان كانا لهما في حال الرد عليهم، وفي المجاز له وجهان أحدهما له السدس الذي كان له في حال الإجازة للجميع وهذا قول أبي يوسف وابن شريح فتأخذ السدس والتسعين من مخرجهما وهي ثمانية عشر بين البنين على ثلاثة لا تصح فتضرب عددهم في ثمانية عشر تكن أربعة وخمسين للمجاز له السدس تسعة ولكل واحد من صاحبيه ستة ولكل ابن أحد عشر (والوجه الثاني)
أن تضم المجاز له إلى البنين وتقسم الباقي بعد التسعين عليهم وهم أربعة لا تنقسم فتضرب في تسعة تكن ستة وثلاثين فإن أجاز الورثة بعد ذلك للآخرين أتموا لكل واحد منهم تمام سدس المال فيصير المال بينهم أسداساً على الوجه الأول، وعلى الوجه الآخر يضمون ما حصل لهم وهو أحد وعشرون من ستة وثلاثين إلى ما حصل لهما وهو ثمانية ثم يقتسمونه بينهم على خمسة لا تصح فتضرب خمسة في ستة وثلاثين تكن مائة وثمانين ومنها تصح، فإن أجاز أحد البنين لهم ورد الآخر ان عليهم فللمجيز السدس وهو ثلاثة من ثمانية عشر وللذين لم يجيزا أربعة اتساعه ثمانية يبقى سبعة بين الموصى لهم على ثلاثة نضربها في ثمنانية عشر تكن أربعة وخمسين فإن أجاز واحد لواحد دفع إليه ثلث ما في يده من الفضل وهو ثلث سهم من ثمانية عشر فاضربها في ثلاثة تكن أربعة وخسمين والله أعلم(6/539)
(فصل) في الوصية بالأجزاء إذا وصى له بجزء وحظ أو نصيب أو شئ فللورثة أن يعطوه ما شاءوا لا نعلم فيه خلافاً وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وابن المنذر وغيرهم لأن كل ما يعطونه جزء وشئ وحظ ونصيب وكذلك إن قال أعطوا فلاناً من مالي أو ارزقوه لأن ذلك لاحد له في الشرع ولا في اللغة فكان على إطلاقه * (مسألة) * (وإن وصى له بسهم ففيه ثلاث روايات (إحداها) له له السدس بمنزلة سدس المفروض إن لم تكمل فروض المسألة أو كانوا عصبة أعطي سدساً كاملاً وإن كملت فروضها أعيلت به وإن عالت أعيل معها (والثانية) له سهم مما تصح منه المسألة ما لم تزد على السدس (والثالثة) له مثل نصيب أقل الورثة ما لم يزد على السدس اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله فيمن أوصى بسهم من ماله فروي عنه أن للموصى له السدس روى ذلك علي وابن مسعود رضي الله عنهما وبه قال الحسن وأياس بن معاوية والثوري (والرواية الثانية) أنه يعطى سهماً مما تصح منه الفريضة فينظركم سهماً صحت منه الفريضة فيزاد عليها مثل سهم من سهامها للموصى له وهذا قول شريح، قال ترفع السهام فيكون للموصى له سهم قال القاضي هذا ما لم يزد على السدس فإن زاد السهم على السدس فله السدس لأنه متحقق، ووجه ذلك أن قوله سهماً ينصرف إلى سهام فريضته لأن وصيته منها فينصرف السهم إليها فكان واحداً من سهامها كما لو قال فريضتي كذا وكذا سهماً لك منها سهم (والثالثة) له سهم من سهام أقل الورثة اختارها الخلال وصاحبه قال أحمد في
رواية أبي طالب والاثرم إذا أوصى له بسهم من ماله يعطى سهماً من الفريضة قيل أنصيب رجل أو نصيب امرأة؟ فقال أقل ما يكون من السهام قال القاضي ما لم يزد على السدس وهذا قول أبي حنيفة وقال صاحباه إلا أن يزيد على الثلث فيعطى الثلث، ووجه هذا القول إن سهام الورثة أنصباؤهم فيكون له(6/540)
أقلها لأنه اليقين، فإذا زاد على السدس دفع إليه السدس لأنه أقل سهم يرثه ذو قرابة وقال أبو ثور يعطى سهماً من أربعة وعشرين لأنها أكثر أصول الفرائض فالسهم منها أقل السهام، وقال الشافعي وابن المنذر يعطيه الورثة ما شاؤا لأن ذلك يقع عليه اسم السهم فأشبه ما لو وصى له بجزء أو حظ وقال عطاء وعكرمة لا شئ له ولنا ما روى ابن مسعود أن رجلاً أوصى لرجل بسهم من المال فأ عطاه النبي صلى الله عليه وسلم السدس ولأن السهم في كلام العرب السدس قاله إياس بن معاوية فتنصرف الوصية إليه كما لو لفظ به ولأنه قول علي وابن مسعود ولا مخالف لهما في الصحابة.
إذا ثبت هذا فإن السدس الذي يستحقه الموصى له يكون بمنزلة سدس مفروض فإن كانت المسألة كاملة الفروض أعيلت به وإن كانت عائلة زاد عولها به وإن كانت فيها رد أو كانوا عصبة أعطي سدساً كاملاً قال أحمد في رواية ابن منصور وحرب إذا أوصى لرجل بسهم من ماله يعطى السدس إلا أن تعول الفريضة فيعطى سهماً مع العول فكأن معنى الوصية أوصيت لك بسهم من يرث السدس فإن وصى له بسهم في مسألة فيها زوج وأخت كان له السبع كما لو كان معها جدة على الروايات الثلاث وكذلك لو كان في المسألة أم وثلاث أخوات متفرقات فإن كان معهم زوج فالمسألة من تسعة وللموصى له العشر(6/541)
وإن كان الورثة ثلاث أخوات مفترقات فللموصى له السدس على الروايات الثلاث وإن كانوا زوجاً وأبوين وابنتين فالمسألة من خمسة عشر وتعول بسدس آخر إلى سبعة عشر وكذلك على قول الخلال لأن أقل سهام الورثة سدس وعلى الرواية الأخرى يكون للوصي سهم واحد يزاد على المسألة فتصير ستة عشر، وإن كانوا زوجة وأبوين وابناً فالفريضة من أربعة وعشرين وتعول بالسدس الموصى به إلى ثمانية وعشرين، وعلى الرواية الثانية يزاد عليها سهم واحد للموصى له فتكون من خمسة وعشرين وعلى الرواية الثالثة التي اختارها الخلال يزاد عليها مثل سهم الزوجة ثلاثة فتكون من سبعة وعشرين وإن كانوا خمسة بنين فللموصى السدس
كاملاً وتصح من ستة على الروايات الثلاث فإن كان معهم زوجة صحت الفريضة من أربعين فتزيد عليها سهماً للوصي على إحدى الروايات فتصير أحداً وأربعين وعلى قول الخلال تزيد مثل نصيب الزوجة فتصير خمسة وأربعين وعلى الرواية الأولى تزيد عليها مثل سدسها ولا سدس لها صحيحاً فتضربها في ستة ثم تزيد عليها سدسها تكون مائتين وثمانين للوصي أربعون وللزوجة ثلاثون ولكل ابن اثنان وأربعون وترجع بالاختصار إلى مائة وأربعين.
والذي يقتصيه القياس فيما إذا وصى بسهم من ماله أنه ان صح أن السهم في لسان العرب السدس أو صح الحديث المذكور فهو كما لو وصى له بسدس ماله وإلا فهو كما لو وصى له بجزء من ماله على ما اختاره الشافعي وابن المنذر أن الورثة يعطونه ما شاؤا.
والأولى أنه إن ثبت أن السهم في كلام العرب يراد به السدس فالحكم في ذلك كما لو وصى له بالسدس سواء وإن لم يثبت ذلك أعطي مثل سهم أقل الورثة وهو اختيار الخلال وإحدى الروايات عن أحمد رحمه الله (فصل) فلو خلف أبوين وابنتين ووصى لرجل بسدس ماله ولآخر بسهم منه جعلت ذا السهم كأحد الابوين وأعطبت صاحب السدس سدساً كاملاً وقسمت الباقي بين الورثة والوصي على سبعة(6/542)
فتصح من اثنين وأربعين لصاحب السدس سبعة ولصاحب السهم خمسة على الروايات الثلاث ويحتمل أن يعطى الموصى له بالسهم السبع كاملاً كما لو أوصى له به من غير وصية أخرى فيكون له ستة ويبقى تسعة وعشرون على ستة لا تنقسم فتضربها في اثنين وأربعين تكن ماثتين واثنين وخمسين * (مسألة) * (وإن وصى بجزء معلوم كثلث أو ربع أخذته من مخرجه فدفعته إليه وقسمت الباقي على مسألة ما لورثة إلا أن يزيد على الثلث ولا يجيزوا له فنفرض له الثلث وتقسم الثلثين عليها) فإن لم تنقسم ضربت المسألة أو وفقها في مخرج الوصية فما بلغ فمنه تصح * (مسألة) * وإن وصى بجزأين أو أكثر أخذتها من مخرجها وقسمت الباقي على المسألة فإن زادث على الثلث وردوا جعلت السهام الحاصلة للأوصياء ثلث المال وقسمت الثلثين على الورثة فإذا وصى لرجل بثلث ماله ولآخر بربعه وخلف ابنين أخذت الثلث والربع من مخرجهما سبعة من اثني عشر يبقى للابنين خمسة ان اجاز أو ان ردا جعلت السبعة ثلث المال فتكون المسألة من أحد وعشرين
للوصيين الثلث سبعة ولصاحب الثلث أربعة ولصاحب الربع ثلاثة ولكل واحد من الابنين سبعة فإن أجازا لأحدهما دون الآخر أو أجاز أحدهما لهما دون الآخر أو أجاز كل واحد من الابنين لو احد فاضرب وفق مسألة الإجازة وهي ثمانية في مسألة الرد تكن مائة وثمانية وستين الذي أجيز له سهمه من مسألة مضروب في وفق مسألة الرد وللمردود عليه سهمه من مسألة الرد مضروب في وفق مسألة الإجازة والباقي للورثة وللذي أجاز لهما سهم من مسألة الإجازة في(6/543)
وفق مسألة الرد وللآخر سهم من مسألة الرد في وفق مسألة الإجازة والباقي بين الوصيين على سبعة وبيان ذلك أن مسألة الإجازة من اثني عشر لأنها مخرج الثلث والربع لصاحب الثلث أربعة ولصاحب الربع ثلاثة يبقى خمسة للابنين لا تصح عليهما تضرب اثنين في أصله تكن أربعة وعشرين للموصى لهما سبعة في اثنين أربعة عشر لصاحب الثلث ثمانية ولصاحب الربع ستة يبقى عشرة للابنين لكل واحد خمسة، ومسألة الرد من أحد وعشرين لأن ثلثها سبعة للموصى لهما ويبقى أربعة عشر للابنين بينهما نصفين، فإن أجازا لأحدهما دون الآخر أو أجاز أحد الابنين لهما دون الآخر أو أجاز كل واحد لواحد فوافق بين مسألة الإجازة ومسألة الرد وهما متفقان بالاثلاث فاضرب ثلث إحداهما في جميع الأخرى تكن مائة وثمانية وستين كما ذكر، فإن كانت الإجازة لصاحب الثلث وحده فسهمه من مسألة الإجازة ثمانية مضروب في وفق مسألة الرد وهي سبعة ستة وخمسون لصاحب الربع نصيبه من مسألة الرد ثلاثة في وفق مسألة الإجازة ثمانية تكن أربعة وعشرين صار المجموع للوصيين ثمانين سهماً والباقي بين الابنين وهو ثمانية وثمانون لكل ابن أربعة وأربعون سهماً، وإن أجازا لصاحب الربع وحده أخذت سهمه من مسألة الإجازة ستة من أربعة وعشرين فتضربها في وفق مسألة الرد وهو سبعة تكن اثنين وأربعين تدفعها إليه ولصاحب الثلث سهمه من مسألة الرد أربعة تضربها في وفق مسألة الإجازة وهو ثمانية تكن اثنين وثلاثين فصار المجموع أربعة وسبعين يبفى أربعة وتسعون للابنين، فإن أجاز أحد الابنين لهما ورد الآخر فللذي أجاز سهمه من مسألة الإجازة خمسة مضروب في وفق مسألة الرد سبعة تكن خمسة وثلاثين وللذي رد سهمه من مسألة الرد سبعة مضروب في وفق مسألة الإجازة وهو ثمانية ستة وخمسون تضمها إلى خمسة وثلاثين تكن إحدى وتسعين يبقى للوصيين سبعة وسبعون(6/544)
بينهما على سبعة لصاحب الثلث أربعة أربعون ولصاحب الربع ثلاثة وثلاثون فإن أجاز كل واحد منهما لواحد فإن صاحب الثلث إذا أجاز له الابنان كان له ستة وحمسون وإذا ردا عليه كان له اثنان وثلاثون فقد نقصه ردهما أربعة وعشرين فينقصه رد أحدهما نصف ذلك أثني عشر يبقى له أربعة وأربعون وصاحب الربع إذا أجازا له كان له اثنان وأربعون وإن ردا عليه كان له أربعة وعشرون فقد نقصه ردهما ثمانية عشر فينقصه رد أحدهما نصفها يبقى له ثلاثة وثلاثون وأما الاثنان فالذي أجاز لصاحب الثلث إذا أجاز لهما كان له خمسة وثلاثون وإذا رد عليهما كان له ستة وخمسون فتنقصه الإجازة لهما أحداً وعشرين لصاحب الثلث منها اثنا عشر يبقى له أربعة وأربعون والذي أجاز لصاحب الربع إذا أجاز لهما كان له خمسة وثلاثون وإذا رد عليهما كان له ستة وخمسون فقد نقصته الا جازة أحداً وعشرين منها تسعة لصاحب الربع بقي له سبعة وأربعون وللوصيين سبعة وسبعون لصاحب الثلث أربعة وأربعون ولصاحب الربع ثلثة وثلاثون فصار المجموع لهما وللابنين مائة وثمانية وستين (فصل) إذا وصى لرجل بنصف ماله ولآخر بربعه فأجاز الورثة فلصاحب النصف نصف المال والربع للآخر وإن ردوا قسمت الثلث بين الوصيين على قدر سهامهما لصاحب النصف ثلثاه وللآخر ثلثه وقسمت الثلثين على الورثة هذا قول الجمهور منهم الحسن والنخعي ومالك وابن أبي ليلى والثوري(6/545)
والشافعي واسحاق وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة وأبو ثور وابن المنذر لا يضرب الموصى له بزيادة على الثلث في حال الرد بأكثر من الثلث لأن ما زاد على الثلث باطل فكيف يضرب به؟ ولنا أنه فاضل بينهما في الوصية فوجبت المفاضلة بينهما في حال الرد كما لو وصى بالثلث والربع أو بمائة ومائتين وماله أربعمائة وبهذا يبطل ما ذكروه ولأنها وصية صحيحة ضاق عنها الثلث فقسم بينهم على قدر الوصايا كالثلث والربع ودعوى بطلان الوصية فيما زاد على الثلث ممنوع وقد ذكرنا ما يدل على صحتها فيما مضى فعلى قولنا في هذه المسألة فللموصى لهما ثلاثة أرباع إن أجاز الورثة ويبقى للورثة الربع، وإن ردوا فالثلث بين الوصيين على ثلاثة والمسألة كلها من تسعة وإن أجازوا لأحدهما دون
صاحبه ضربت مسألة الرد في مسألة الاجازة واعطيت المجاز له سهمه من مسألة الإجازة في مسألة الرد والمردود عليه سهمه من مسألة الرد مضروباً في مسألة الإجازة فإن أجاز بعض الورثة لهما ورد الباقون عليهما أعطيت للمجيز سهمه من مسألة الإجازة في مسألة الرد ومن لم يجز سهمه من مسألة الرد في مسألة الإجازة وقسمت الباقي بين الوصيين على ثلاثة فان اتفقت المسئلتان ضربت وفق إحداهما في الأخرى ومن له سهم من احدى المسئلتين مضروب في وفق الأخرى، وإن دخلت احدى المسئلتين في الأخرى اجتزأت بأكثرهما فتقول في هذه المسألة إذا كان أماً وثلاث أخوات متفرقات فأجازوا فالمسألة من أربعة للوصيين ثلاثة ويبقى سهم على ستة تضربها في أربعة تكن أربعة(6/546)
وعشرين وإن ردوا فللوصيين الثلث ثلاثة من تسعة يبقى ستة على المسألة وهي ستة فتصح من تسعة، وإن أجازوا لصاحب النصف وحده ضربت وفق التسعة في أربعة وعشرين تكن اثنين وسبعين لصاحب النصف اثنا عشر في ثلاثة ستة وثلاثون وللآخر سهم في ثمانية يبقى ثمانية وعشرون للورثة وإن أجازت الأم لهما ورد الباقون عليهما أعطيت الأم سهماً في ثلاثة وللباقين خمسة أسهم في ثمانية فالجميع ثلاثة وأربعون يبقى تسعة وعشرون بين الوصيين على ثلاثة وإن أجازت الأخت من الأبوين وحدها فلها تسعة ولباقي الورثة أربعة وعشرون يبقى تسعة وثلاثون لهما على ثلاثة لصاحب النصف ستة وعشرون ولصاحب الربع ثلاثة عشر * (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (فإن زادت الوصايا على المال عملت فيها عملك في مسائل العول فتجعل وصاياهم كالفروض التي فرض الله تعالى للورثة) إذا زادت على المال وإن ردوا قسمت الثلث بينهم على تلك السهام فإذا وصى بنصف وثلث وربع وسدس أخذتها من مخرجها اثني عشر وعالت إلى خمسة عشر وقسمت المال بينهم كذلك إن أجيز لهم والثلث إن رد عليهم فتصح في حال الإجازة من خمسة عشر وفي الرد من خمسة وأربعين هذا قول النخعي ومالك والشافعي، قال سعيد بن منصور ثنا أبو معاوية ثنا أبو عاصم الثقفي قال: قال لي إبراهيم النخعي ما تقول في رجل أوصى بنصف ماله وثلث ماله وربع ماله؟ قلت لا يجوز قال فإنهم قد أجازوا قلت لاأدري؟ قال امسك(6/547)
اثني عشر فأخرج نصفها ستة وثلثها أربعة وربعها ثلاثة فاقسم المال على ثلاثة عشر لصاحب النصف ستة ولصاحب الثلث أربعة ولصاحب الربع ثلاثة وكان أبو حنيفة يقول يأخذ أكثرهم وصية ما يفضل به على من دونه ثم يقسمون الباقي إن أجازوا وفي الرد لا يضرب لأحد بأكثر بالثلث وإن نقص بعضهم عن عن الثلث أخذ أكثر ما يفضل به على من دونه ومثال ذلك رجل أوصى بثلثي ماله ونصفه وثلثه فالمال بينهم على تسعة في الإجازة والثلث بينهم كذلك في الرد كمسألة فيها زوج وأختان لأب وأختان لأم وقال أبو حنيفة صاحب الثلثين يفضلهما بسدس فيأخذه وهو وصاحب النصف يفضلان صاحب الثلث بسدس فيأخذانه بينهما نصفين ويقتسمون الباقي بينهم أثلاثاً وتصح من ستة وثلاثين لصاحب الثلثين سبعة عشر ولصاحب النصف أحد عشر ولصاحب الثلث ثمانية وإن ردوا قسم بينهم على ثلاثة ولو أوصى لرجل بجميع ماله ولآخر بثلثه فالمال بينهما على أربعة إن أجازوا والثلث بينهما كذلك في حال الرد وعند أبي حنيفة إن أجازوا فلصاحب المال الثلثان ينفرد بهما ويقاسم صاحب الثلث فيحصل له خمسة أسداس ولصاحب الثلث السدس وإن ردوا اقتسما الثلث نصفين فلا يحصل لصاحب الثلث إلا السدس في حال الإجازة والرد جميعاً ولو جعل مكان الثلث سدساً لكان لصاحب المال خمسة أسداسه في الإجازة ويقاسم صاحب السدس فيأخذ نصفه ويبقى لصاحب السدس سهم من اثني عشر وفي الرد يقتسمان الثلث بينهما أثلاثاً فيحصل لصاحب السدس التسع سهم من تسعة وذلك أكثر مما حصل له(6/548)
في حال الإجازة وهذا دليل على فساد هذا القول لزيادة سهم الموصى له في الرد على حال الإجازة ومتى كان للوصي حق في حال الرد لا ينبغي أن يتمكن الوارث من تغييره ولا تنقيصه ولا أخذه منه ولا صرفه إلى غيره مع أن ما ذهب إليه الجمهور نظيره مسائل العول في الفرائض والديون وما ذكره لا نظير له مع أن فرص الله تعالى للوارث آكد من فرض الموصي ووصيته ثم أن صاحب الفضل المفروض لا ينفرد بفضله فكذا في الوصايا * (مسألة) * (وإن وصى لرجل بجميع ماله ولآخر بنصفه وخلف ابنين فالمال بينهما على ثلاثة
إن أجيز لهما والثلث على ثلاثة إن رد عليهما) إنما كان كذلك لأنك إذا بسطت المال من جنس الكسر كان نصفين فإذا ضممت إليهما النصف الآخر صارت ثلاثة فيقسم المال على ثلاثة ويصير النصف ثلثا كمسألة فيها زوج وأم وثلاث أخوات متفرقات وإن ردوا فالثلث بينهما على ثلاثة * (مسألة) * (فإن أجازوا لصاحب النصف وحده فلصاحب المال التسعان ولصاحب النصف النصف في أحد الوجهين) لأنه موصى له به وإنما منعه أخذه في حال الإجازة لهما مزاحمة صاحبه فإذا زالت مزاحمته أخذ جميع وصيته (والثاني) ليس له إلا الثلث الذي كان له في حال الإجازة لهما لأن ما زاد على ذلك إنما كان حقاً لصاحب المال أخذه الورثة منه بالرد فيأخذه الابنان، وإن أجازا لصاحب الكل وحده فله ثمانية أتساع(6/549)
على الوجه الأول والتسع للآخر وعلى الوجه الثاني ليس إلا الثلثان اللذان كانا له في حال الإجازة لهما ويبقى التسعان للورثة * (مسألة) * (فإن أجاز أحد الابنين لهما دون الآخر فسهمه بينهما على ثلاثة ولا شئ للمجيز وللابن الآخر الثلث والثلثان بين الوصيين على ثلاثة فإن أجاز أحدهما لصاحب المال وحده فللآخر التسع وللابن الآخر الثلث والباقي لصاحب المال في أحد الوجهين) وفي الآخر له أربعة أتساع والتسع الباقي للمجيز وإن أجاز لصاحب النصف وحده دفع إليه نصف ما يتم به النصف وهو تسع ونصف سدس في أحد الوجهين وهو ثلث ما في يده وربعه وفي الآخر يدفع التسع وهو ثلث ما في يده فيصير له تسعان ولصاحب المال تسعان وللمجيز تسعان والثلث للذي لم يجز وتصح من تسعة وعلى الوجه الأول تصح من ستة وثلاثين للذي لم يجز اثنا عشر وللمجيز خمسة ولصاحب النصف أحد عشر ولصاحب المال ثمانية وذلك لأن مسألة الرد من تسعة ولصاحب النصف منها سهم فلو أجاز له الابنان كان له تمام النصف ثلاثة ونصف فإذا أجاز له أحدهما لزمه نصف ذلك وهو سهم ونصف وربع فتضرب مخرج الربع في تسعه تكن ستة وثلاثين
(فصل) في الجمع بين الوصية بالانصياء والأجزاء، إذا خلف ابنين ووصى لرجل بثلث ماله ولآخر بمثل نصيب ابن ففيها وجهان (أحدهما) لصاحب النصيب ثلث المال في حال الإجازة كما لو لم يكن معه(6/550)
وصي آخر وهذا قول يحيى بن آدم وعند الرد يقسم الثلث بين الوصيين نصفين لأنه وصى لهما بثلثي ماله وقد رجعت وصيتهما بالرد إلى نصفها وتصح من ستة (والوجه الثاني) يحصل لصاحب النصيب مثل ما يحصل للابن وهو ثلث الباقي وذلك التسعان عند الإجازة لأن للموصى له بالثلث ثلث المال ويبقى سهمان بين الموصى له بالنصيب وبين الابنين على ثلاثة لا تصح تضربها في ثلاثة لكن تسعة لصاحب الثلث ثلاثة ويبقى ستة لكل ابن سهمان وللموصى له بالنصيب سهمان وهي التسعان وفي الرد يقسم الثلث بينهما على الخمسة التي كانت لهما في حال الإجازة لصاحب الثلث ثلاثة ولصاحب النصيب سهمان: * (مسألة) * (وإن كان الجزء الموصى به النصف خرج فيها وجه ثالث) وهو أن يكون لصاحب النصيب في حال الإجازة ثلث الثلثين وفي الرد يقسم الثلث بينهما على ثلاثة عشر سهماً لصاحب النصف تسعة ولصاحب النصيب أربعة وإنما كان كذلك لأن الورثة لا يلزمهم إجازة أكثر من ثلث المال فإذا جازوا أكثر من ذلك حسب من نصيبهم لأنهم تبرعوا به ويبقى نصيب الموصى له بالنصيب على حاله كأنه لم يخرج من المال إلا الثلث فيبقى الثلثان بينه وبين الابنين على ثلاثة لأن له مثل نصيب ابن فتجعل المسألة من ثمانية عشر لأنها أقل عدد له نصف ولثلثه ثلث لصاحب النصف تسعة لأنه مجاز له ويعطى الموصى له بالنصيب ثلث الثلثين أربعة صار الجميع ثلاثة عشر يبقى(6/551)
خمسة للابنين لا تصح عليهما فتضرب عددها في ثمانية عشر تكن ستة وثلاثين للموصى لهما ستة وعشرون لصاحب النصف ثمانية عشر وللآخر ثمانية يبقى عشرة للابنين بينهما نصفين وإن ردوا قسم الثلث بينهما على ثلاثة عشر فتصح من تسعة وثلاثين ثلاثة عشر للوصيين وللابنين ستة وعشرون (فصل) فإن كان الجزء الموصى به الثلثين فعلى الوجه الأول للموصى له بالنصيب الثلث في حال الإجازة وتصح من ثلاثة وفي الرد يقسم الثلث بينهما على ثلاثة وتصح من تسعة وعلى الوجه الثاني للموصى له بالنصيب التسع وللآخر الثلثان في حال الإجازة وتصح من تسعة أيضاً وفي الرد يقسم
الثلث بينهما على سبعة وتصح من أحد وعشرين، وفي الوجه الثالث لصاحب النصيب ثلث الثلثين وللآخر الثلثان وأصلها من تسعة وتصح من ثمانية عشر في الإجازة لصاحب الثلثين اثنا عشر وللآخر أربعة يبقى سهمان للابنين وفي الرد يقسم الثلث بينهما على ستة عشر وتصح من ثمانية وأربعين (فصل) فإن كان الموصى به جميع المال فعلى الوجه الأول يقسم المال بينهما على أربعة في حال الاجازة لصصاحب المال ثلاثة ولصاحب النصيب سهم كما لو وصى بماله كله وبثلثه، وفي الرد يقسم الثلث بينهما على أربعة، وعلى الوجه الثاني لا يحصل لصاحب النصيب شئ لأنه إنما يحصل له مثل ابن والابن لا يحصل له شئ وهذا ما يوهن هذا الوجه لأنه لا يطرد ويكون الكل لصاحب المال في حال الإجازة وفي الرد يأخذ صاحب المال الثلث ويبقى الثلثان بين صاحب النصيب وبين الابنين على ثلاثة وتصح من تسعة، وعلى الوجه الثالث لصاحب النصيب ثلث الثلثين اثنان من تسعة ولصاحب المال(6/552)
تسعة فتصح من أحد عشر في حال الإجازة وفي الرد من ثلاثة وثلاثين لصاحب المال تسعة ولصاحب النصيب اثنان ولكل ابن أحد عشر * (مسألة) * (إذا وصى لرجل بمثل نصيب أحد ابنيه ولآخر بثلث باقي المال فعلى الوجه الأول لصاحب النصيب ثلث المال وللآخر ثلث باقي المال تسعان والباقي للابنين وتصح من تسعة) وعلى الوجه الثاني يدخلها الدور لكونه إنما يحصل لصاحب النصيب مثل ما يحصل للابن وهو لا يعلم ثلث الباقي حتى يعلم نصيب الابن ولا يعلم نصيب الابن حتى يعلم ثلث الباقي فيخرجه ويقسم الباقي على الابنين وصاحب النصيب والتفريع على هذا الوجه.
ولعملها طرق (أحدها) أن تجعل المال ثلاثة أسهم ونصيباً وإنما جعلته ثلاثة أسهم ليكون للباقي بعد النصيب ثلث فيدفع النصيب إلى الموصى له به وإلى الآخر ثلث الباقي سهما يبقى سهمان لكل ابن سهم وذلك هو النصيب فصحت من أربعة (والطريق الثاني) طريق الجبر فتأخذ مالاً وتلقي منه نصيباً ويبقى مال إلا نصيباً تدفع إلى الوصي الآخر ثلثه وهو ثلث مال إلا ثلث نصيب يبقى ثلثا مال إلا ثلثي نصيب يعدل نصيبين أجبر ثلثي المال بثلثي نصيب ورد على النصيبين مثل ذلك يبقى ثلثا مال تعدل نصيبين وثلثين أبسط الكل
أثلاثاً من جنس الكسر واقلب وحول فاجعل النصيب اثنين والمال ثمانية ويرجع بالا ختصار إلى أربعة (والطريق الثالث) الطريق المنكوس وهي أن تقول للابنين سهمان وهو مال ذهب ثلثه فزد عليه مثل(6/553)
نصفه سهماً يصر ثلاثة ثم زد عليه مثل نصيب ابن تصر أربعة وإن شئت ضربت ثلاثة مخرج الثلث في ثلاثة وهي عدد البنين مع الوصي تكن تسعة أنقص منها واحداً يبقى ثمانية تصح ومنها تصح وتسمى طريق الباب وتعمل بها ما يرد عليك من هذه المسائل * (مسألة) * (وإن كانت وصية الثاني بثلث ما يبقى من النصف فعلى الوجه الأول تصح من ثمانية عشر لصاحب النصيب الثلث ستة وللآخر ثلث ما يبقى من النصف سهم يبقى أحد عشر للابنين) وتصح من ستة وثلاثين لصاحب النصيب اثنا عشر وللآخر سهمان ولكل ابن أحد عشر سهماً في حال الإجازة وفي الرد، وتصح من أحد وعشرين للأول ستة أسهم وللآخر سهم ولكل ابن سبعة وعلى الوجه الثاني يجعل المال ستة أسهم ونصيبين يدفع النصيب إلى الموصى له به وإلى الآخر ثلث باقي النصف سهماً وإلى أحد الابنين نصيباً يبقى خمسة للابن الآخر فالنصيب خمسة والمال ستة عشر للموصى له بثلث باقي النصف سهم يبقى خمسة عشر للموصى له بالنصيب خمسة ولكل ابن خمسة وبالجبر تأخذ مالاً وتلقي منه نصيباً يبقى مال إلا نصيباً تلقي منه ثلث باقي النصف يبقى خمسة أسداس مال إلا ثلثي نصيب تعدل نصيبين أجبرها بثلثي نصيب وزد على النصيين مثلها يبقى خمسة أسداس مال تعدل نصيبين وثلثين أبسط الكل أسداساً واقلب وحول واجعل أجزاء المال النصيب وأجزاء النصيب المال يصر النصيب خمسة والمال ستة عشر وإن شئت(6/554)
أخذت نصف مال ألقيت منه نصيباً يبقى نصف مال إلا نصيبا ألق ثلثه يبقى ثلث مال إلا ثلثي نصيب ضمه إلى نصف المال يصر خمسة أسداس إلا ثلثي نصيب تعدل نصيين اجبر وقابل يصر خمسة أسداس مال تعدل نصيبين وثلثين أبسط الكل أسداساً من جنس الكسر واقلب يكن المال ستة عشر والنصيب خمسة كما سبق
(فصل) إذا خلف ثلاثة بنين ووصى لرجل بمثل نصيب أحدهم ولآخر بنصف باقي المال ففيها ثلاثة أوجه (أحدها) أن يعطى صاحب النصيب مثل نصيب الوارث إذا لم يكن ثم وصية أخرى (والثاني) أن يعطى نصيبه من ثلث المال (والثالث) أن يعطى مثل نصيب ابن بعد أخذ صاحب النصف وصيته وعلى هذا الوجه يدخلها الدور والتفريح عليه ولعملها طرق: (أحدها) أن تأخذ مخرج النصف فتسقط منه سهماً يبقى سهم فهو النصيب ثم تزيد على عدد البنين واحداً يصر أربعة فتضربها في المخرج تكن ثمانية تنقصها سهماً يبقى سبعة فهي المال للموصى له بالنصيب سهم وللآخر نصف الباقي وهو ثلاثة ولكل ابن سهم.
* (طريق آخر) * أن تزيد سهام البنين نصف سهم وتضربها في المخرج تكن سبعة * (طريق ثالث) * يسمى المنكوس أن تأخذ سهام البنين وهي ثلاثة فتقول هذا بقية مال ذهب نصفه فإذا أردت تكميله زدت عليه مثله ثم زد عليه مثل نصيب ابن تكن سبعة(6/555)
* (طريق رابع) وهو أن تجعل المال سهمين ونصيباً وتدفع النصيب إلى صاحبه وإلى الآخر سهماً يبقى سهم للبنين يعدل ثلاثة أنصباء فالمال كله سبعة، وبالجبر تأخذ مالاً وتلقي منه نصيباً يبقى مال إلا نصيباً وتدفع نصف الباقي إلى الوصي الآخر يبقى نصف مال الانصف نصيب تعدل ثلاثة أنصباء فأجبره بنصف نصيب وزده على الثلاثة يبقى نصف كامل يعدل ثلاثة ونصفاً فالمال كله سبعة (فصل) فإن كانت الوصية الثانية بنصف ما يبقى من الثلث أخذت مخرج النصف والثلث من ستة نقصت منها واحداً يبقى خمسة فهي النصيب ثم تزيد واحداً على سهام البنين وتضربها في المخرج تكن أربعة وعشرين تنقصها ثلاثة يبقى أحد وعشرون فهو المال تدفع إلى صاحب النصيب خمسة يبقى من الثلث سهمان تدفع منها سهماً إلى الوصي الآخر يبقى خمسة عشر لكل ابن خمسة وبالطريق الثاني تزيد على سهام البنين نصفا وتضربها في المخرج يكن أحداً وعشرين.
وبالثالث تعمل كما عملت في الأولى فإذا بلغت سبعة ضربتها في ثلاثة من أجل الوصية الثانية بنصف الثلث وبالرابع تجعل الثلث سهمين ونصيباً تدفع النصيب إلى الموصى له به وإلى الآخر سهماً يبقى من المال خمسة أسهم ونصيبان تدفع
النصيبين إلى اثنين يبقى خمسة للثالث فهي النصيب فإذا بسطتها كانت إحدى وعشرين وبالجبر تأخذ مالاً تلقي من ثلثه نصيباً وتدفع إلى الأخ نصف باقي الثلث يبقى من المال خمسة أسداسه إلا نصف(6/556)
نصيب أجبره بنصف نصيب وزده على سهام البنين تصر ثلاثة ونصفاً تعدل خمسة أسداس اقلب وحول يكن النصيب خمسة وكل ستة والمال أحداً عشرين (فصل) فإن أوصى لثالث بربع المال فخذ المخارج وهي اثنان ثلاثة وأربعة واضرب بعضها في بعض تكن أربعة وعشرين وزد على عدد البنين واحداً واضربها في أربعة وعشرين تكن ستة وتسعين انقص منها ضرب نصف سهم في أربعة وعشرون وذلك اثنا عشر يبقى أربعة وثمانون وهي المال ثم انظر الأربعة والعشرين فانقص منها سدسها لأجل الوصية الثانية وربعها لأجل الوصية الثالثة يبقى أربعة عشر وهي النصيب فادفعها إلى الموصى له بالنصيب ثم ادفع إلى الثاني نصف ما يبقى من الثلث وهو سبعة وإلى الثالث ربع المال أحداً وعشرين يبقى اثنان وأربعون لكل ابن أربعة عشر.
وبالطريق الثاني تزيد على عدد البنين نصف سهم وتضرب ثلاثة ونصفاً في أربعة وعشرين تكن أربعة وثمانين وبالطريق الثالث تعمل في هذه كما عملت في التي قبلها فإذا بلغت أحداً وعشرين ضربتها في أربعة من أجل الربع تكن أربعة وثمانين.
وبطريق النصيب تفرض المال ستة أسهم وثلاثة أنصبا تدفع نصيباً إلى صاحب النصيب وإلى الآخر سهماً وإلى صاحب الربع سهماً ونصفاً وثلاثة أرباع نصيب يبقى من المال نصيب وربع وثلاثة أسهم ونصف للورثة تعدل ثلاثة أنصباء فأسقط نصيباً وربعاً بمثلها يبقى ثلاثة أسهم ونصف تعدل نصيباً وثلاثة أرباع فالنصيب إذاً سهمان فأبسط الثلاثة الأنصباء تكن ستة فصار المال اثنا عشر ومنها تصح لصاحب النصيب سهمان وللآخر نصف باقي الثلث سهم ولصاحب الربع(6/557)
ثلاثة يبقى ستة للبنين لكل ابن سهمان وهذا أخصر وأحسن.
وبالجبر تأخذ مالاً تدفع منه نصيباً يبقى مال إلا نصيباً تدفع نصف باقي ثلثه وهو سدس إلا نصف نصيب يبقى من المال خمسة أسداس إلا نصف نصيب تدفع منها ربع المال يبقى ثلث المال وربعه إلا نصف نصيب تعدل ثلاثة أنصباء
اجبر وقابل واقلب وحول يكن النصيب سبعة والمال اثنين وأربعين فتضربها في اثنين ليزول الكسر تصر أربعة وثمانين.
(فصل) فإن كانت الوصية الثالثة بربع ما بقي من المال بعد الوصيتين الأوليين فاعملها بطريق النصيب كما ذكرنا يبقى معك ثلاثة أسهم وثلاثة أرباع سهم تعدل نصيباً ونصفاً ابسطها أرباعاً تكن السهام خمسة عشر والأنصباء ستة توافقهما وتردهما إلى وفقهما تصر خمسة أسهم تعدل نصيبين اقلب واجعل النصيب خمسة والسهم اثنين وابسط ما معك يصر سبعة وعشرين فادفع خمسة إلى صاحب النصيب وإلى الآخر(6/558)
نصف باقي الثلث سهمين وإلى الثالث ربع الباقي خمسة يبقى خمسة عشر لكل ابن خمسة وهذه الطريق أخصر.
وإن عملت بالطريق الثاني أخذت أربعة وعشرين فنقصت سدسها وربع الباقي يبقى خمسة عشر فهي النصيب ثم زدت على عدد البنين سهماً ونقصت نصفه وربع ما بقي منه يبقى ثلاثة أثمان زدها على سهام البنين تكن ثلاثة أثمان تضربها في أربعة وعشرين تكن أحداً وثمانين ومنها تصح وبالجبر يفضي إلى ذلك أيضا * (مسألة) * (وإن خلف أماً وبنتاً وأختاً وأوصى بمثل نصيب الأم وسبع ما بقي ولآخر بمثل نصيب الأخت وربع ما بقي ولآخر بمثل نصيب البنت وثلث ما بقي فاعملها بالمنكوس فقل مسألة الورثة من ستة وهي بقية مال ذهب ثلثه فزد عليه نصفه ثلاثة يكن تسعة ومثل نصيب البنت ثلاثة تكن اثني عشر وهي بقية مال ذهب ربعه فزد عليه ثلثه أربعة صار ستة عشر ومثل نصيب الأخت اثنين تكن ثمانية عشر وهي بقية مال ذهب سبعه فزد عليه سدسه ثلاثة يكن أحداً وعشرين ومثل نصيب الأم سهماً يكن(6/559)
اثنين وعشرين ومنها تصح تدفع إلى الموصى له بمثل نصيب الأم سهماً وسبع الباقي ثلاثة يبقى ثمانية عشر تدفع إلى الموصى بمثل الأخت سهمين وربع الباقي فيحصل له ستة ويبقى اثنا عشر، تدفع إلى الموصى له بمثل نصيب البنت ثلاثة يبقى تسعة تدفع إليه ثلثها ثلاثة يصر له ستة ويبقى ستة للورثة، هذا في حال الإجازة، وفي الرد تجعل الثلث ستة عشر فتصح من ثمانية وأربعين للموصى له بمثل نصيب الأم أربعة
ولكل واحد من الوصيين الآخرين ستة وللورثة اثنان وثلاثون لا تنقسم على مسئلتهم وتوافقها بالإنصاف فتضرب وفق أحدهما في الأخرى تكن مائة وأربعة وأربعين (فصل) فإن خلفت امرأة زوجاً وأماً وأختاً لأب وأوصت بمثل نصيب الأم وثلث ما بقي ولآخر بمثل نصيب الزوج ونصف ما بقي فمسألة الورثة من ثمانية وهي مال ذهب نصفه فزد عليه مثله يكن ستة عشر ومثل نصيب الزوج ثلاثة تصر تسعة عشر وهو بقية مال ذهب ثلثه فزد عليه(6/560)
نصفه صار ثمانية وعشرين نصفا فرد عليه مثل نصيب الأخت سهمين يكن ثلاثين ونصفاً ابسطها من جنس الكسر تكن أحداً وستين للموصى له بمثل نصيب الأم أربعة بقي سبعة وخمسون ادفع إليه ثلثها تسعة عشر بقي ثمانية وثلاثون ادفع إلى الموصى له بمثل نصيب الزوج ستة يبقى اثنان وثلاثون ادفع إليه نصفها ستة عشر يبقى ستة عشر للورثة، للزوج ستة وللأم أربعة وللأخت ستة هذا في حال الإجازة وفي الرد تجعل السهام الحاصلة للأوصياء وهي خمسة وأربعون ثلث المال فتكون المسألة جميعها من خمسة وثلاثين.
* (مسألة) * (إذا خلف ثلاث بنين ووصى بمثل نصيب أحدهم الاربع المال فخذ مخرج الكسر أربعة وزد عليها تكن خمسة فهو النصيب وزد على عدد البنين واحداً واضربه في مخرج الكسر يكن ستة عشر تدفع إلى الموصى له بالنصيب خمسة ويستثنى من ربع المال أربعة أقسام يبقى له سهم ولكل ابن خمسة)(6/561)
وإن شئت خصصت كل ابن بربع وقسمت الربع الباقي بينهم وبينه على أربعة فإن قال الأربع الباقي بعد النصيب فزد على سهام البنين سهماً وربعاً واضربه في أربعة يكن سبعة عشر للوصي سهمان ولكل ابن خمسة وبالجبر تأخذ مالاً وتدفع منه نصيباً إلى الوصي ويستثنى منه ربع الباقي وهو ربع مالا إلا ربع نصيب صار معك ما وربع إلا نصيباً وربعاً يعدل انصباء البنين وهو ثلاثة أجبر وقابل يخرج النصيب خمسة والمال سبعة عشر * (مسألة) * (فإن قال إلا ربع الباقي بعد الوصية جعلت المخرج ثلاثة وزدت عليه واحداً صار
أربعة فهو النصيب وتزيد على عدد البنين سهماً وتضربه في ثلاثة يكن ثلاثة عشر فهو المال) وإن شئت قلت المال كله ثلاثة أنصباء ووصية الوصية هي نصيب الأربع الباقي بعدها وذلك ثلاثة أرباع نصيب فبقي(6/562)
ربع نصيب فهو الوصية وبين أن المال كله ثلاثة وربع أبسطها تكن ثلاثة عشر ولهذه المسائل طرق سوى ما ذكرنا.
(فصل) فإن قال أوصيت لك بمثل نصيب أحد بني إلا ثلث ما يبقى من الثلث فخذ مخرج ثلث الثلث وهو تسعة زد عليها سهماً تكن عشرة فهي النصيب وزد على أنصباء البنين سهماً وثلثاً واضرب ذلك في تسعة يكن تسعة وثلاثين ادفع عشرة إلى الوصي واستثن منه ثلث بقية الثلث سهماً يبقى له تسعة ولكل ابن عشرة وإن قال إلا ثلث ما يبقى من الثلث بعد الوصية جعلت المال ستة وزدت عليه سهماً صار سبعة فهذا هو النصيب وزدت على انصياء البنين سهماً ونصفاً وضربته في ستة يصر سبعة وعشرين ودفعت إلى الوصي سبعة وأخذت منه نصف بقية الثلث سهماً بقي معه ستة وبقي أحد وعشرون لكل ابن سبعة وإنما كان كذلك لان الثالث بعد الوصية هو النصف بعد النصيب ومتى أطلق الاستثناء(6/563)
فلم يقبل بعد النصيب ولا الوصية فعند الجمهور يحمل على ما بعد النصيب وعند محمد بن الحسن والبصريين يكون بعد الوصية (فصل) فان قالا إلا خمس ما يبقى من المال بعد النصيب ولآخر بثلث ما يبقى من المال بعد وصية الأول فخذ المخرج خمسة وزد عليها خمسها تكن ستة أنقص ثلثها من أجل الوصية بالثلث يبقى أربعة فهي النصيب ثم خذ سهماً وزد عليه خمسها وانقص من ذلك ثلثه يبقى أربعة أخماس زدها على أنصباء البنين واضربها في خمسة تصر تسعة عشر فهي المال ادفع إلى الأول أربعة واستثن منه خمس الباقي ثلاثة يبقى معه سهم وادفع إلى الآخر ثلث الباقي ستة يبقى اثنا عشر لكل ابن أربعة وبالجبر خذ مالا وألق منه نصيباً واسترجع منه خمس الباقي يصر مال وخمس إلا نصيباً وخمساً ألق ثلث ذلك بقي أربعة أخماس مال إلا أربعة أخماس نصيب يعدل ثلاثة أنصباء اجبر وقابل وأبسط(6/564)
يكن المال تسعة عشر والنصيب أربعة، وإن شئت قلت أنصباء البنين ثلاثة وهي بقية مال ذهب ثلثه فزد عليه نصفه يصر أربعة أنصباء ونصفاً ووصية والوصية هي نصيب إلا خمس الباقي وهو نصف نصيب وخمس نصيب وخمس وصيته يبقى خمس نصيب وعشر نصيب إلا خمس وصية أجبر وقابل وأبسط تصر ثلاثة من النصيب تعدل اثني عشر سهما من الوصية وهي لا تنفق بالأثلاث فردها إلى وقفها تصر سهماً تعدل أربعة والوصية سهم والنصيب أربعة فابسطها تكن تسعة عشر فإن كان الاستثناء بعد الوصية قلت المال أربعة أسهم ونصف ووصية وهي نصيب إلا خمس الباقي وهي تسعة أعشار نصيب يبقى عشر نصيب فهو الوصية فابسط الكل أعشاراً تكن الأنصباء خمسة وأربعين والوصية سهم وإن كان استثنى خمس المال كله فالوصية عشر نصيب إلا خمس وصية أجبر يصر العشر يعدل وصية وخمساً أبسط يصر النصيب ستين والوصية خمسة والمال كله مائتان وخمسة وسبعون ألق منها ستين واسترجع منه خمس المال وهي خمسة وخمسون يبقى له خمسة وللآخر ثلث الباقي تسعون ويبقى مائة وثمانون لكل(6/565)
ابن ستون ويرجع بالاختصار إلى خمسها وذلك خمسة وخمسون للوصي الأول سهم وللثاني ثمانية عشر ولكل ابن اثنا عشر وبالجبر تأخذ ما لا تلقي منه نصيباً وتزيد على المال خمسة يصر مالا وخمساً إلا نصيبا ألق ثلث ذلك يبقى أربعة أخماس مال إلا ثلثي نصيب تعدل ثلاثة أجبر وقابل وأبسط يكن المال ثمانية عشر وثلثا اضربها في ثلاثة ليزول الكسر تصير خمسة وخمسين وإن كان استثنى الخمس كله وأوصى بالثلث كله فخذ مخرج الكسرين خمسة عشر وزد عليها خمسها ثم انقص ثلث المال كله يبقى ثلاثة عشر فهي النصيب وزد على أنصباء البنين سهماً واضربه في المال يكن ستين وهي المال وان كان استثنى خمس الباقي وأوصى بثلث المال كله فالعمل كذلك إلا أنك تزيد على سهام البنين سهماً وخمساً وتضربها تكن ثلاثة وستين فإن كان استثنى خمس ما بقي من الثلث زدت على الخمسة عشر سهماً واحداً فصار ستة عشر ثم نقصت ثلث المال كله بقي أحد عشر فهي النصيب ثم زدت على سهام البنين سهماً وخمساً وضربتها في خمسة عشر تكن ثلاثة وستين تدفع إلى الوصي الأول أحد عشر وتستثني منه خمس بقية الثلث سهمين يبقى(6/566)
معه تسعة وتدفع إلى صاحب الثلث أحداً وعشرين يبقى ثلاثة وثلاثون لكل ابن أحد عشر فإن كانت الوصية الثانية بثلث باقي المال زدت على الخمسة عشر واحداً نقصت ثلث الستة عشر ولا ثلث لها فاضربها في ثلاثة تكن ثمانية وأربعين انقص منها ثلثها يبقى اثنان وثلاثون فهي النصيب وخذ سهماً وزد عليه خمسه ثم انقص ثلث ذلك من أجل الوصية بثلث الباقي يبقى أربعة أخماس زدها على سهام الورثة واضربها في خمسة وأربعين تكن مائة وأحداً وسبعين ومنها تصح (فصل) إذا وصى لرجل بمثل نصيب أحد بنيه وهم ثلاثة ولآخر بثلث ما يبقى من الثلث ولآخر بدرهم فاجعل المال تسعة دراهم وثلاثة أنصباء فادفع إلى الوصي الأول نصيباً وإلى الثاني والثالث درهمين بقي سبعة ونصيبان ادفع نصيبين إلى ابنين يبقى سبعة للابن الثالث فالنصيب سبعة والمال ثلاثون فإن كانت الوصية الثالثة بدرهمين فالنصيب ستة والمال سبعة وعشرون (فصل) إذا وصى لعمه بثلث ماله ولخاله بعشره فردت وصيتهما فتحاصا الثلث وأصاب الخال(6/567)
ستة فاضربها في وصيته وذلك عشرة تكن ستين واقسمه على الفاضل بينهما يخرج بالقسم خمسة عشر فهي الثلث وإن شئت قلت قد أصاب الخال ثلاثة أخماس وصيته يجب أن يصيب العم كذلك فيبقى من الثلث خمساه وهي تعدل ما أصاب الخال فزد على ما أصاب الخال مثل نصفه وهو ثلاثة يصر تسعة وهو الذي أصاب العم، وإن قال أصاب العم الربع فقد أصابه ثلاثة أرباع وصيته وبقي من الثلث نصف سدس يعدل ثلاثة أرباع وصية الخال وذلك سبعة ونصف وللعم ثلاثة أمثالها اثنان وعشرون ونصف والمال كله تسعون وإن قال أصاب الخال خمس المال فقد بقي من الثلث خمساه للعم فيكون الحاصل للخال خمسا وصيته أيضاً وذلك أربعة دنانير ووصية وللعم مثل ثلثيها ديناران وثلثان والثلث كله ستة وثلثان والمال عشرون فإن كان معهما وصية بسدس المال فأصاب الخال ستة فهي ثلاثة أخماس وصيته ولكل واحد من الآخرين ثلاثة أخماس وصيته وذلك تسعة أعشار الثلث يبقى منه عشر(6/568)
يعدل ما حصل للعم وهو ستة فالثلث ستون، وإن أصاب صاحب السدس عشر المال فقد أصاب صاحب الثلث خمسة يبقى من الثلث أيضاً عشره فهو نصيب الخال وذلك ثلاثة أخماس وصيته ستة فيكون الثلث ستين كما ذكرنا (فصل) إذا خلف ثلاثة بنين ووصى لعمه بمثل أحدهم إلا ثلث وصية خاله ولخاله بمثل نصيب أحدهم الاربع وصية عمه فاضرب مخرج الثلث في مخرج الربع تكن اثني عشر أنقصها سهماً يبقى أحد عشر فهي نصيب ابن أنقصها سهمين يبقى تسعة فهي وصية الخال، وإن نقصتها ثلاثة فهي ثمانية فهي وصية العم، وبالجبر تجعل مع العم أربعة دراهم ومع الخال ثلاثة دنانير ثم تزيد على الدراهم ديناراً وعلى الدنانير درهماً يبلغ كل واحد منهما نصيباً أجبر وقابل وأسقط المشترك يبقى معك ديناران تعدل ثلاثة دراهم فاقلب وحول تصر الدراهم ثمانية والدنانير تسعة كما قلنا، وإن وصى لعمه بعشرة إلا(6/569)
وصية ربع خاله ولخاله بعشرة إلا خمس وصية عمه فاضرب مخرج الربع في مخرج الخمس تكن عشرين أنقصها سهماً تكن تسعة عشر فهي المقسوم عليه ثم اجعل مع الخال أربعة وانقصها سهماً يبقى ثلاثة أضربها في العشرة ثم فيما مع العم وهو خمسة تكن مائة وخمسين اقسمها على تسعة عشر تخرج سبعة وسبعة عشر جزءاً من تسعة عشر فهي وصية عمه واجعل مع العم خمسة وانقصها سهماً واضربها في عشرة ثم في أربعة تكن مائة وستين واقسمها تكن ثمانية وثمانية أجزاء فهي وصية خاله (طريق آخر) تنقص من العشرة ربعها وتضرب الباقي في العشرين ثم تقسهما على تسعة عشر وتنقص منها خمسها وتضرب الباقي في عشرين وتقسمها وبالجبر تجعل وصية الخال شيئاً ووصية العم عشرة إلا ربع شئ فخذ خمسها فزده على الشئ وهي سهمان إلا نصف عشر شئ تعدل عشرة فأسقط المشترك من الجانبين تصر ثمانية وثمانية أجزاء من تسعة عشر إذا أسقطت ربعها من العشرة بقيت سبعة وسبعة عشر جزءاً، وإن وصى لعمه بعشرة إلا نصف وصية خاله ولخاله بعشرة إلا ثلث(6/570)
وصية جده ولجده بعشرة إلا ربع وصية عمه فوصية عمه ستة وخمسان وصية خاله سبعة وخمس
ووصية جده ثمانية وخمسان، وبابها أن تضرب المخارج بعضها في بعض فتضرب اثنين في أربعة في ثلاثة تكن أربعة وعشرين تزيدها واحداً تكن خمسة وعشرين فهذا هو المقسوم عليه ثم تنقص من الاثنين واحداً وتضرب واحداً في ثلاثة ثم تزيدها واحداً وتضربها في أربعة تكن ستة عشر ثم اضربها في عشرة تكن مائة وستين واقسمها على خمسة وعشرين يخرج بالقسم ستة وخمسان فهي وصية العم وانقص الثلاثة واحدا يبق اثنان اضربها في الأربعة تكن ثمانية زدها واحداً واضربها في اثنين في عشرة تكن مائة وثمانين اقسمها على خمسة وعشرين تخرج بالقسم سبعة وخمس وهي وصية الخال ثم انقص من الأربعة واحداً واضرب ثلاثة في اثنين ثم زدها واحداً تكن سبعة اضربها في ثلاثة ثم في عشرة تكن مائتين وعشرة مقسومة على خمسة وعشرين تخرج بالقسم ثمانية وخمسان وهي وصية الجد.(6/571)
(طريق آخر) تجعل مع العم أربعة أشياء ومع الخال دينارين ومع الجد ثلاثة دراهم ثم تضم إلى ما مع العم ديناراً وإلى ما مع الخال درهماً وتقابل ما مع أحدهما بما مع الآخر وتسقط المشترك فيصير أربعة أشياء تعدل ديناراً ودرهماً فأسقط لفظة الأشياء واجعل مكانها ديناراً ودرهماً ثم قابل ما مع الخال بما مع الجد بعد الزيادة وهو ديناران ودرهم مع الخال لثلاثة دراهم وربع درهم وربع دينار مع الجد فإذا أسقطت المشترك بقي درهمان وربع معادلة لدينار وثلاثة أرباع فأبسط الكل أرباعاً يصر سبعة أرباع من الدينار تعدل تسعة من الدراهم فاقلب واجعل الدرهم سبعة والدينار تسعة ثم ارجع إلى ما فرضت فتجد مع العم درهماً وديناراً ستة عشر ومع الخال ثمانية عشر ومع الجد أحد وعشرون والعشرة الكاملة خمس وعشرون والستة عشر منها ستة وخمسان والثمانية عشر سبعة وخمس والأحد وعشرون ثمانية وخمسان، فإن كان معهم أخ ووصية الجد عشرة إلا ربع ما مع الأخ ووصية الأخ عشرة إلا خمس ما مع العم فهذه الطريق تجعل مع العم خمسة أشياء ومع الخال دينارين(6/572)
ومع الجد ثلاثة دراهم ومع الآخر أربعة أفلس ثم تقابل ما مع العم بما مع الخال كما ذكرنا وتجعل
الأشياء ديناراً ودرهماً ثم تقابل ما مع الخال بما مع الجد فتجعل الدينارين درهمين وفلساً ثم تقابل ما مع الجد بما مع الأخ فتخرج الفلس ستة وعشرين والدرهم أحداً وثلاثين الدينار أربعة وأربعين فتبين مع العم خمسة وسبعين ومع الخال ثمانية وثمانين وثمانين ومع الجد ثلاثة وتسعين ومع الأخ مائة وأربعة إذا زدت على ما مع كل واحد ما استثنيته منه صار معه مائة وتسعة عشر وهي العشرة الكاملة فصارت وصية العم ستة وستة وثلاثين جزءاً ووصية الخال سبعة وسبعة وأربعين جزءاً ووصية الجد سبعة وسبعة وتسعين جزءاً ووصية الأخ ثمانية وثمانين جزءاً وبطريق الباب تضرب المخارج بعضها في بعض تكن مائة وعشرين تنقصها واحداً يبقى مائة وتسعة عشر فهو المقسوم عليه وتنقص الاثنين واحداً وتضربه في ثلاثة تزيدها واحداً وتضربها في أربعة تكن ستة عشر تنقصها واحداً وتضربها في خمسة تكن خمسة وسبعين فهذه وصية العم تضربها في عشرة ثم(6/573)
تقسمها على تسعة عشر تكن ستة وستة وثلاثين جزءاً ثم تنقص الثلاثة واحداً وتضربها في أربعة وتزيدها واحداً وتضربها في خمسة تكن خمسة وأربعين تنقصها واحد وتضربها في اثنين تكن ثمانية وثمانين فهذه وصية الخال ثم تنقص الأربعة واحداً وتضربها في خمسة تكن خمسة عشر تزيدها واحداً وتضربها في اثنين تكن اثنين وثلاثين تنقصها واحداً وتضربها في ثلاثة تكن ثلاثة وتسعين فهذه وصية الجد، ثم تنقص الخمسة واحداً وتضربها في اثنين تكن ثمانية تزيدها واحداً وتضربها في ثلاثة تكن سبعة وعشرين تنقصها واحداً وتضربها في أربعة تكن مائة وأربعة وهي وصية الأخ، وفي كل ذلك تضرب العدد الذي مع كل واحد منهم في عشرة وتقسمه على تسعة عشر فالخارج بالقسم هو وصيته.
(فصل) فإن وصى لعمه بعشرة ونصف وصية خاله ولخاله بعشرة وثلث وصية عمه كانت وصية العم ثمانية عشر ووصية الخال ستة عشر، وبابها أن تضرب أحد المخرجين في الآخر وتنقصه واحداً فهو المقسوم عليه وتزيد مخرج النصف واحداً وتضربه في مخرج الثلث وتضربه في عشرة يكن تسعين مقسومة(6/574)
على خمسة تكن ثمانية عشر ثم تزيد مخرج الثلث واحداً وتضربه في مخرج النصف ثم في عشرة تكن
ثمانين مقسومة على خمسة فإن كان معهما آخر ووصى للخال بعشرة وثلث وصيته ووصى له بعشرة وربع وصية العم ضربت المخارج ونقصتها واحداً تكن ثلاثة وعشرين فهي المقسوم عليه ثم تزيد الاثنين واحداً وتضربها في ثلاثة تكن تسعة فزدها واحداً واضربها في أربعة تكن أربعين ثم في عشرة ثم اقسمها تخرج سبعة عشر وتسعة أجزاء فهي وصية العم ثم تصنع في الباقين كما ذكرنا فتكون وصية الخال أربعة عشر وثمانية عشر جزءاً وصية الثالث أربعة عشر وثمانية أجزاء، وإن شئت بعد ما عملت وصية العم فاضرب الزائد من وصيته في اثنين فهي وصية الخال واضرب الزائد عن العشرة من وصية الخال في ثلاثة فهي وصية العم، ومتى عرفت ما مع الواحد منهم أمكنك معرفة ما مع الآخرين والله أعلم.
وهذا القدر من هذا الفن يكفي فإن الحاجة إليه قليلة وفروعه كثيرة طويلة وغيرها أهم منها والله تعالى المسئول أن يوفقنا لما يرضيه وهو حسبنا ونعم الوكيل.(6/575)
باب الموصى إليه * (تصح وصية المسلم إلى كل مسمل عاقل عدل، وإن كان عبداً أو مراهقاً أو امرأة أو أم ولد) * تصح الوصية إلى الرجل العاقل المسلم الحر العدل إجماعاً فأما العبد فتصح الوصية إليه قال ابن حامد سواء كان عبد نفسه أو عبد غيره وبه قال مالك، وقال النخعي والاوزاعي وابن شبرمة تصح الوصية إلى عبده ولا تصح إلى عبد غيره، وقال أبو حنيفة تصح الوصية إلى عبد نفسه إذا لم يكن في ورثته رشيد وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي لا تصح الوصية إلى عبد بحال لأنه لا يكون ولياً على ابنه بالنسب فلا يجوز أن يلي الوصية كالمجنون ولنا أنه تصح استنابته في الحياة فصح أن يوصي إليه كالحر وقياسهم يبطل بالمرأة والخلاف في المكاتب والمدبر والمعتق بعضه كالخلاف في العبد القن، وأما الصبي المميز فقال القاضي قياس المذهب(6/576)
صحة الوصية لأن أحمد قد نص على صحة وكالته وعلى هذا يعتبر أن يكون قد جاوز العشر، وقال شيخنا لا أعلم فيه نصاً عن أحمد فيحتمل أنه لا تصح الوصية إليه لأنه ليس من أهل الشهادة والإقرار ولا يصح
تصرفه إلا بإذن هو مولى عليه فلم يكن من أهل الولاية كالطفل وهذا مذهب الشافعي، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى (فصل) وتصح الوصية الى المرأة في قول أكثر أهل العلم، روي ذلك عن شريح وبه قال.
مالك والثوري والاوزاعي والحسن بن صالح واسحاق والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولم يجزه عطاء لأنها لا تكون قاضية فلا تكون وصية كالمجنون ولنا ما روى عن عمر رضي الله عنه أنه أوصى إلى حفصة ولأنها من أهل الشهادة أشبهت الرجل ويخالف القضاء فإنه يعتبر له الكمال في الخلقة والاجتهاد بخلاف الوصية وتصح الوصية إلى أم الولد، ذكره الحرقي ونص عليه أحمد لأنها تكون حرة من أصل المال عند نفوذ الوصية.(6/577)
* (مسألة) * (ولا تصح إلى غيرهم كالطفل والمجنون ولا وصية المسلم إلى كافر بغير خلاف تعلمه) لأن المجنون والطفل ليسا أهلاً للتصرف في أموالهما فلا يليان على غيرهما والكافر ليس من أهل الولاية على المسلم ولأنه ليس من أهل الشهادة والعدالة أشبه المجنون، وأما الفاسق فقد روي عن أحمد أن الوصية إليه لا تصح، وهو قول مالك والشافعي، وعن أحمد ما يدل على صحة الوصية إليه فإنه قال في رواية ابن منصور إذا كان متهماً لم تخرج عن يده، وقال الخرقي إذا كان خائنا ضمن إليه أمين، وهذا يدل على صحة الوصية إليه ويضم الحاكم إليه أميناً، وقال أبو حنيفة تصح الوصية إليه وينفذ تصرفه وعلى الحاكم عزله لأنه بالغ عاقل فصحت الوصية إليه كالعدل ولنا أنه لا يجوز إفراده بالوصية فلم تجز الوصية إليه كالمجنون، وعلى أبي حنيفة أنه لا يجوز إقراره على الوصية فأشبه ما ذكرنا * (مسألة) * (وان كانوا على غير هذه الصفات ثم وجدت عند الموت فهل تصح؟ على وجهين)(6/578)
يعتبر وجود هذه الشروط في الوصي حال العقد والموت في أحد الوجهين، وفي الآخر تعتبر حالة الموت حسب كالوصية له ولأن شروط الشهادة تعتبر عند أدائها لا عند تحملها كذلك ههنا، وهو قول
بعض أصحاب الشافعي.
ولنا أنها شروط العقد فتعتبر حال وجوده كسائر العقود فأما الوصية له فهي صحيحة، وإن كان وارثاً وإنما يعتبر عدم الإرث وخروجها من الثلث للنفوذ واللزوم فاعتبرت حالة اللزوم بخلاف مسئلتنا فإنها شروط لصحة العقد فاعتبرت حالة العقد ولا ينفع وجودها بعده (فصل) وتصح الوصية إلى الاعمى، قال أصحاب الشافعي فيه وجه أن الوصية لا تصح إليه بناء منهم على أنه لا يصح بيعه ولا شراؤه فلا يوجد فيه معنى الولاية، وهذا لا يسلم له مع أنه يمكنه التوكيل في ذلك وهو من أهل الشهادة، والولاية في النكاح، والولاية على أولاده الصغار، فصحت لوصية إليه كالبصير.(6/579)
* (مسألة) * (وإذا أوصى إلى رجل وبعده إلا آخر فهما وصيان إلا أن يقول قد أخرجت الأول) ونظير ذلك ما إذا أوصى لرجل بمعين من ماله ثم وصى به لآخر، أو وصى بجميع ماله لرجل ثم وصى به لآخر فإنه يكون بينهما وقد ذكرنا ذلك، فكذلك إذا أوصى إلى رجل ثم وصى إلى آخر فإنهما يصيران وصيين، وكما لو وصى إليهما جميعاً في حال واحدة وإن قال قد أخرجت الأول بطلت وصيته لأنه صرح بعزله فانعزل كما لو وكله ثم عزله.
* (مسألة) * (وليس لأحدهما الانفراد بالتصرف إلا أن يجعل ذلك إليه) وجملة ذلك أن يجوز أن يوصي إلى رجلين معاً في شئ واحد ويجعل لكل واحد منهما التصرف منفرداً فيقول أوصيت إلى كل واحد منكما وجعلت له أن ينفرد بالتصرف فإن هذا يقتضي تصرف كل واحد منهما على الانفراد، وله أن يوصي إليهما ليتصرفا مجتمعين فلا يجوز لأحدهما الانفراد بالتصرف لأنه لم يجعل ذلك إليه ولم يرض بنظره وحده ولا نعلم خلافاً في هانين الصورتين، فإن أطلق فقال(6/580)
أوصيت إليكما في كذا فليس لأحدهما الانفراد بالتصرف وبه قال مالك والشافعي، وقال أبو يوسف له ذلك لأن الصوية والولاية لا تتبعض فملك كل واحد منهما الانفراد بها كالأخوين في تزويج أختهما
وقال أبو حنيفة ومحمد يستحسن على خلاف القياس فيبيح أن ينفرد كل واحد منهما بسبعة أشياء: كفن الميت، وقضاء دينه، وإنفاذ وصيته، ورد الوديعة بعينها، وشراء ما لابد للصغير منه من الكسوة، والطعام، وقبول الهبة له، والخصومة عن الميت فيما يدعى له وعليه، لأن هذه يشق الاجتماع عليها ويضر تأخيرها فجاز الانفراد بها.
ولنا أنه شرك بينهما في النظر فلم يكن لأحدهما الانفراد كالوكيلين وما قاله أبو يوسف نقول به فإنه جعل الولاية إليهما باجتماعهما فليست ستبعضه كما لو وكل وكيلين أو صرح للوصيين بأن لا يتصرفا إلا مجتمعين وببطل ما قاله بهاتين الصورتين وبهما يبطل ما قاله أبو حنيفة أيضاً ومتى تعذر اجتماعهما قام الحاكم أميناً مقام الغائب(6/581)
(فصل) إذا قال أوصيت إلى زيد فإن مات فقد اوصيت إلى عمر وصح ذلك رواية واحدة ويكون كل واحد منهما وصياً إلى ان عمراً وصي بعد زيد لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في جيش مؤتة " أميركم زيد فإن قتل فأميركم جعفر فإن قتل فأميركم عبد الله بن رواحة " والوصية في معنى التأمير وكذلك إن قال أوصيت إليك فإذا كبر ابني كان وصيي صح لذلك وإذا كبر ابنه صار وصيه ومثله لو قال أوصيت إليك فإذا ناب ابني من فسقه أو قدم من غيبته أو صح من مرضه أو اشتغل بالعلم أو صالح أمه أو رشد فهو وصيي صحت الوصية إليه ويصير وصياً عند وجود هذه الشروط * (مسألة) * (وإن مات أحدهما أقام الحاكم مقامه أميناً) قد ذكرنا أن الوصية تجوز إلى اثنين وأنه متى أوصى إليهما مطلقاً فليس لأحدهما الانفراد بالتصرف فإن مات أحدهما أو جن أو وجد منه ما يوجب عزله أقام الحاكم مقامه أميناً لأن الموصي لم يرض بنظر هذا الباقي وحده، وإن أراد الحاكم أن يكتفي بالباقي منهما لم يجز له ذلك، وذكر أصحاب الشافعي(6/582)
وجها في جوازه لأن النظر لو كان للحاكم بموت الموصي من غير وصية كان له رده إلى واحد كذلك ههنا فيكون ناظراً بالوصية من الموصي والأمانة من جهة الحاكم
ولنا أن الموصي لم يرض بتصرف هذا وحده فوجب ضم غيره إليه لأن الوصية مقدمة على نظر الحاكم واجتهاده فإن تغيرت حالهما جميعاً بموت أو غيره فللحاكم أن ينصب مكانهما، وهل له نصب واحد؟ فيه وجهان (أحدهما) له ذلك لأنه لما عدم الوصيان صار الأمر إلى الحاكم بمنزلة من لم يوص ولو لم يوص لاكتفى بواحد كذا ههنا، ويفارق ما إذا كان أحدهما حياً لأن الموصي بين أنه لا يرضى بهذا وحده بخلاف ما إذا ماتا معاً (والثاني) لا يجوز لأن الموصي لم يرض بواحد فلم يكتف به كما لو كان أحدهما حياً فأما إن جعل لكل واحد منهما التصرف منفرداً فمات أحدهما أو خرج من الوصية لم يكن للحاكم أن يقيم مقامه أميناً لأن الباقي منهما له النظر بالوصية فلا حاجة الى غيره وإن ماتا معاً أو خرجا عن الوصية(6/583)
فللحاكم ان يقيم واحداً فإن تغيرت حال أحد الوصيين تغيراً لا يزيله عن الوصية كالعجز عنها لضعف أو علة أو نحو ذلك أو كانا ممن لكل واحد منها التصرف منفرداً فليس للحاكم أن يضم اليهما أميناً لأن الباقي منهما يكفي، إلا أن يكون الباقي منهما يعجز عن التصرف وحده لكثرة العمل ونحوه فله أن يقيم أميناً، وإن كانا ممن ليس لأحدهما التصرف منفرداً فعلى الحاكم أن يقيم مقام من ضعف منهما أميناً يتصرف معه على كل حال فيصيرون ثلاثة الوصيان والأمين * (مسألة) * (وكذلك إن فسق وعنه يضم اليه أمين) قد ذكرنا الاختلاف في صحة الوصية إلى الفاسق وإن كلام الخرقي يدل على صحة الوصية إليه ويضم إليه أمين وكذلك إن كان عدلاً ففسق ونقل ابن منصور عن أحمد نحو ذلك فقال إذا كان الوصي متهماً لم يخرج عن يده ونقل المروذي عن أحمد فيمن وصى إلى رجلين ليس أحدهما بموضع الوصية فقال للآخر أعطني لا يعطيه شيئاً ليس هذا بموضع للوصية فقيل له أليس المريض قد رضي به؟ فقال وإن(6/584)
رضي به فظاهر هذا إبطال الوصية إليه وحمل القاضي كلام الخرقي وكلام أحمد على إبقائه في الوصية على أن جنايته طرأت بعد الموت.
فأما إن كانت جنايته موجودة حال الوصية إليه لم يصح لأنه لا يجوز تولية الخائن على يتيم في حياته فكذلك بعد موته ولأن الوصية ولاية وأمانة والفاسق ليس من أهلهما فعلى هذا إذا كان الوصي فاسقاً فحكمه حكم
من لا وصي له وينظر في ماله الحاكم وإن طرأ فسقه بعد الوصية زالت ولايته وأقام الحاكم مقام أميناً هذا اختيار القاضي وهو قول الثوري والشافعي واسحاق وعلى قول الخرقي لا تزول ولايته ويضم اليه أمين ينظر معه روى ذلك عن الحسن وابن سيرين لأنه أمكن حفظ المال بالأمين وتحصيل نظر الموصي بإبقائه في الوصية فيكون جمعاً بين الحقين فأما إن لم يمكن حفظ المال بالأمين تعين إزالة يد الفاسق الخائن وقطع تصرفه لأن حفظ المال على اليتيم أولى من رعاية قول الموصي الفاسد وأما التفريق بين الفسق الطارئ والمقارن فإن الشروط تعتبر في الدوام كاعتبارها في الابتداء سيما إذا كانت لمعنى(6/585)
يحتاج إليه في الدوام وإذا لم يكن بد من التفريق فاعتبار العدالة في الدوام أولى من قبل أن الفسق إذا كان موجوداً حال الوصية فقد رضي به الموصي مع علمه بحاله وأوصى إليه راضياً بتصرفه مع فسقه فيشعر ذلك بأنه علم أن عنده من الشفقة على اليتيم ما يمنعه من التفريط فيه وخيانته في ماله بخلاف ما إذا طرأ الفسق فإنه لم يرض به على تلك الحال والاعتبار برضائه ألا ترى أنه إذا وصى إلى واحد جاز له التصرف وحده ولو وصى إلى اثنين لم يجز للواحد التصرف (فصل) إذا تغيرت حال الموصى إليه بموت أو فسق أو جنون أو سفه فقد ذكرنا حكمه، فإن تغيرت حاله قبل الموت وبعد الوصية ثم عاد فكان عند الموت جامعاً لشروط الوصية صحت الوصية إليه لأن الشروط موجودة حال العقد والموت صحت الوصية كما لو لم تتغير حاله ويحتمل أن تبطل لأن كل حالة منها حالة للقبول والرد فاعتبرت الشروط فيها فأما إن زالت بعد الموت فانعزل ثم عاد فكمل الشروط لم تعد وصية لأنها زالت فلا تعود إلا بعقد جديد(6/586)
(فصل) فأما العدل الذي يعجز عن النظر لعلة أو ضعف فإن الوصية تصح إليه ويضم الحاكم إليه أميناً ولا يزيل يده عن المال ولا نظره لأن الضعيف أهل للولاية والأمانة فصحت الوصية إليه وهكذا إن كان قوياً فحدث فيه ضعف أو علة ضم الحاكم إليه يداً أخرى ويكون الاول الوصي دون الثاني وهذا معاون لأن ولاية الحاكم إنما تكون عند عدم الموصى إليه وهذا قول الشافعي وأبي يوسف وما نعلم فيه مخالفاً
* (مسألة) * (ويصح قبوله للوصية ورده في حياة الموصي) لأنه أذن في التصرف فصح قبوله بعد العقد كالتوكيل بخلاف الوصية له فإنها تمليك في وقت فلم صح القبول قبل الوقت ويجوز تأخير القبول إلى ما بعد الموت لأنها نوع وصية فصح قبولها بعد الموت كالوصية له ومتى قتل صار وصياً * (مسألة) * (وله عزل نفسه متى شاء) مع القدرة والعجز في حياة الموصي وبعد موته في حضوره وغيبته وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لا يجوز له ذلك بعد الموت ولا يجوز في حياته إلا بحضرته لأنه غره بالتزام وصيته ومنعه بذلك الايصاء إلى غيره وعن أحمد أنه لا يجوز له عزل نفسه بعد الموت ذكره(6/587)
ابن أبي موسى في الإرشاد لما ذكرنا: ولنا أنه متصرف بالآن فكان له عزل نفسه كالوكيل * (مسألة) * (وللموصي عزله متى شاء) لأنه متصرف بإذنه فكان له عزله كالموكل له عزل وكيله متى شاء * (مسألة) * (وليس للوصي أن يوصي إلا أن يجعل ذلك إليه وعنه له ذلك) وجملة ذلك أنه إذ أوصى إلى رجل وأذن له في الايصاء لمن شاء نحو أن يقول أذنت لك إلى أن توصي إلى من شئت أو كل من أوصيت إليه فقد أوصيت إليه أو فهو وصيي صح وبه قال أكثر أهل العلم وحكي عن الشافعي في أحد قوليه أنه قال ليس له أن يوصي لأنه يلي بتوليه فلا يصح أن يوصي كالوكيل ولنا أنه مأذون له في الاذن في التصرف فجاز له أن يأذن لغيره كالوكيل إذا أمر بالتوكيل فالوكيل حجة عليه من الوجه الذي ذكرناه فإن وصى إليه وأطلق فلم يأذن له ولم ينهه عنه ففيه روايتان (إحداهما) له أن يوصي إلى غيره وهو قول مالك وابى حنيفة وابي يوصف لأن الأب أقامه مقام نفسه فكان له الوصية كالأب والثاني ليس له ذلك اختاره أبو بكر وهو مذهب الشافعي واسحاق وهو الظاهر من قول الخرقي(6/588)
لقوله ذلك في التوكيل لأنه تصرف بتوليه فلم يكن له ذلك التفويض كالوكيل ويخالف الأب لانه يلي بغير تولية (فصل) ويجوز أن يجعل للوصي جعلاً لأنها بمنزلة الوكالة والوكالة تجوز بجعل فكذلك الوصية، ونقل إسحاق بن إبراهيم في الرجل يوصي إلى الرجل ويجعل له دراهما مسماة فلا بأس ومقاسمة الوصي الموصى له جائزة على الورثة لأنه نائب عنهم ومقاسمته للورثة على اللموصى له لا تجوز لأنه ليس نائباً عنه
(فصل) إذا اختلف الوصيان عند من يجعل المال منهما لم يجعل عند واحد منهما ولم يقسم بينهما وجعل في مكان تحت أيديهما جميعاً لأن الموصي لم يأمن أحدهما على حفظه ولا التصرف فيه وقال مالك يجعل عند أعدلهما وقال أصحاب الرأي يقسم بينهما وهو المنصوص عن الشافعي إلا أن أصحابه اختلفوا في مراده بكلامه فقال بعضهم إنما أراد إذا كان كل واحد موصى إليه منفرداً وقال بعضهم بل هو عام فيهما.
ولنا أن حفظ المال من جملة الموصى به فلم يجز لأحدهما الانفراد به كالتصرف ولأنه لو جاز لكل(6/589)
واحد منهما أن ينفرد بحفظ بعضه لجاز له أن ينفرد بالتصرف في بعضه * (مسألة) * (ولا تصح الوصية إلا في معلوم يملك الموصي فعله كقضاء الدين وتفريق الوصية والنظر في أمر الأطفال) لأن الوصي يتصرف بالإذن فلم يجز إلا في معلوم يملك الموضي فعله كالوكالة فيجوز أن يوصي إليه بقضاء ديونه واقتضائها ورد الودائع واستردادها لأنه يملك ذلك فملكه وصية فأما النظر لورثته في أموالهم فإن كان ذا ولاية عليهم كأولاده الصغار والمجانين ومن لم يؤنس رشده فله أن يوصي إلى من ينظر لهم في أموالهم بحفظها ويتصرف لهم فيها بما لهم الحظ فيه، فأما من لا ولاية له عليهم كالعقلاء الراشدين وغير أولاده من الأخوة والأعمام وسائر من عدا الأولاد فلا تصح الوصية عليهم لأنه لا ولاية للموصي عليهم في الحياة فلا يكون ذلك لنائبه بعد الممات ولا نعلم في هذا كله خلافاً وبه يقول أبو حنيفة والشافعي ومالك إلا أن أبا حنيفة والشافعي قالا للجد ولاية على ابن ابنه وإن سفل لأن له ولادة وتعصيباً فأشبه الأب ولأصحاب الشافعي في الأم عند عدم الأب والجد وجهان (أحدهما) لها ولاية لأنها أحد الأبوين فأشبهت الاب(6/590)
ولنا أن الجد يدلي بواسطة أشبه الأخ والعم بخلاف الأب فإنه يدلي بنفسه ويحجب الجد ويخالفه في منزلته وحجبه فلا يصح إلحاقه به ولا قياسه عليه وأما المرأة فلا تلي لأنها قاصرة لا تلي النكاح بحال ولا تلي مال غيرها كالعبد
* (مسألة) * (وإذا وصى إليه في شئ لم يصر وصياً في غيره) يجوز أن يوصي إلى رجل بشئ دون شئ مثل أن يوصي إليه بتفريق ثلثه دون غيره أو بقضاء ديونه أو بالنظر في امر أطفاله حسب فلا يكون له غير ما جعل إليه ويجوز أن يوصي إلى إنسان بتفريق وصيته وإلى آخر بقضاء ديونه وإلى آخر بالنظر في امر أطفاله فيكون لكل واحد ما جعل إليه دون غيره ومتى أوصى إليه بشئ لم يصر وصياً في غيره، بهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة يكون وصياً في كل ما يملكه الموصي لأن هذه ولاية تنتقل من الأب بموته فلا تتبعض كولاية الجد ولنا أنه استفاد التصرف بالاذن من جهة الآدمي فكان مقصوراً على ما أذن فيه كالوكيل وولاية الجد ممنوعة ثم تلك ولاية استفادها بقرابته وهي لا تتبعض والاذن يتبعض فافترقا(6/591)
(فصل) ولا بأس بالدخول في الوصية فإن الصحابة رضي الله عنهم كان بعضهم يوصي إلى بعض فيقبلون الوصية فروي عن أبي عبيدة أنه لما عبر الفرات أوصى إلى عمر وأوصى إلى الزبير ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عثمان وابن مسعود والمقداد وعبد الرحمن بن عوف ومطيع بن الأسود وآخر وروي عن بن عمر أنه كان وصياً لرجل وفي وصية ابن مسعود: أن حدث بي حادث الموت من مرضي هذا أن مرجع وصيتي إلى الله عزوجل ثم إلى الزبير بن العوام وابن عبد الله ولأنها وكالة وأمانة فأشبهت الوديعة والوكالة في الحياة وقياس مذهب احمد ان ترك الدخول ففيها أولى لما فيها من الخطر وهو لا يعدل بالسلامة شيئاً ولذلك يرى ترك الالتقاط وترك الإحرام قبل الميقات أفضل طلباً للسلامة واجتناباً للخطر وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر " إني أراك ضعيفا واني أحب لك ما أحب لنفسي فلا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم " أخرجه مسلم (فصل) فإن مات رجل لا وصي له ولا حاكم في بلده فظاهر كلام أحمد رحمه الله أنه يجوز لرجل(6/592)
من المسلمين أن يتولى أمره ويبيع ما دعت الحاجة إلى بيعه فإن صالحاً نقل عنه في رجل بأرض عرية لا قاضي بها مات وخلف جواري ومالاً أترى لرجل من المسلمين بيع ذلك؟ فقال أما المنافع والحيوان
فإن اضطروا إلى بيعه ولم يكن قاض فلا باس وأما الجواري فأحب أن يتولى بيعهن حاكم من الحكام وإنما توقف عن بيع الإماء على طريق الاختيار احتياطاً لأن بيعهن يتضمن إباحة فرج وأجاز بيع ذلك لأنه موضع ضرورة * (مسألة) * (وإذا أوصى إليه بتفرقة ثلثه فأبى الورثة إخراج ثلث ما في أيديهم ففيه روايتان) (إحداهما) يخرج الثلث كله مما في يده نقلها أبو طالب لأن حق الموصى له متعلق بإجزاء التركة فجاز أن يدفع إليه مما في يده كما يدفع إلى بعض الورثة (والأخرى) يدفع إليه ثلث ما في يده ولا يعطيهم شيئاً مما في يده حتى يخرجوا ثلث ما في أيديهم نقلها أبو الحارث لأن صاحب الدين إذا كان في يده مال لم يملك استيفاءه مما في يده كذا ههنا ويمكن حمل الروايتين على اختلاف حالين فالرواية(6/593)
الأولى محمولة على ما إذا كان المال جنساً واحداً فللوصي أن يخرج الثلث كله مما في يده لأنه لا فائدة في انتظار إخراجهم مما في أيديهم مع اتحاد الجنس (والرواية الثانية) محمولة على ما إذا كان المال أجناساً فإن الوصية تتعلق بثلث كل جنس فليس له أن يخرج عوضاً عن ثلث ما في أيديهم مما في يده لأنه معاوضة لا تجوز إلا برضاهم والله أعلم * (مسألة) * (وإن أوصاه بقضاء دين معين فأبى الورثة ذلك قضاه بغير علمهم) لأنه واجب سواء رضوا به أو أبوه فإذا أبوه قضاه كما لو وصى لرجل بمعين يخرج من الثلث فلم يقبلوا الوصية فإنه يدفع إليه وصيته بغير رضاهم ولا يعتبر علمهم كذا ههنا وعن أحمد فيمن عليه دين لميت وعلى الميت دين أنه يقضي دين الميت إن لم يخف بيعه يعني إذا خاف أن يطلبه الورثة بما عليه وينكروا الدين الذي على موروثهم فلا يقضيه لأنه لا يأمن رجوعهم عليه وإن لم يخف ذلك قضى دين الميت الذي عليه بدين الميت الذي له لما فيه من تبرئة ذمته وذمة الميت(6/594)
(فصل) إذا علم الموصى إليه أن على الميت ديناً إما بوصية الميت أو غيرها فقال أحمد لا يقضيه إلا ببيته قيل له فإن كان ابن الميت يصدقه قال يكون ذلك في حصة من أقر بدر حصته، وقال في من
استودع رجلاً ألف درهم فقال إن أنا مت فادفعها إلى ابني الكبير وله ابنان أو قال ادفعها إلى أجنبي فقال إن دفعها إلى أحد الابنين ضمن للآخر قدر حصته وإن دفعها إلى الآخر ضمن ولعل هذا من أحمد فيما إذا لم يصدق الورثة الوصي ولم يقروا فلم يقبل قوله عليهم وليس له الدفع بغير إذنهم لأن قوله أقر عندي وأذن لي إثبات ولائه فلا يقبل قوله فيه ولا شهادته لأنه يشهد لنفسه بالولاية وقد نقل أبو داود في رجل أوصى أن لفلان على كذا فينبغي للوصي أن ينفذه ولا يحل له لا إن لم ينفذه فهذه المسألة محمولة على أن الورثة يصدقون الوصي أو المدعي أو له بينة بذلك جمعاً بيئن الروايتين وموافقة الدليل قيل لأحمد فإن علم الموصى إليه لرجل حقاً على الميت فجاء الغريم يطالب الوصي وقدمه إلى القاضي ليستحلفه أن مالي في يديك حق فقال لا يحلف ويعلم القاضي بالقضية فإن أعطاه القاضي(6/595)
فهو أعلم فإن ادعى رجلاً ديناً على الميت وأقام بينة فهل يجوز للوصي قبولها وقضاء الدين بها من غير حضور حاكم؟ فكلام أحمد يدل على روايتين (إحداهما) لا يجوز الدفع إليه بدعواه إلا أن تقوم بينة فظاهر هذا أنه جوز الدفع بالبينة من غير حكم حاكم لأن البينة حجة له وقال في موضع آخر إلا أن تثبت بينة عند الحاكم بذلك فإما أن صدقهم الورثة قبل لأنه إقرار منهم على أنفسهم * (مسألة) * (وتصح وصية الكافر إلى المسلم إذا لم تكن تركته خمراً أو خنزيراً لان المسلم مقبول الشهادة عليه وعلى غيره فأما وصية الكافر إلى الكافر العدل في دينه ففيها وجهان (أحدهما) تصح الوصية إليه وهو قول أصحاب الرأي لأنه يلي بالنسب فيلي بالوصية كالمسلم والثاني لا يصح وهو قول أبي ثور لأنه فاسق فلم تصح الوصية إليه كفاسق المسلمين ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين فإن لم يكن الكافر عدلاً في دينه لم تصح الوصية إليه لأن عدم العدالة في المسلم تمنع صحة الوصية إليه فالكافر أولى * (مسألة) * (إذا قال ضع ثلثي حيث شئت أو أعطه من شئت لم يجز له اخذه ولا دفعه إلى ولده ولا والده) قال أحمد إذا كان في يده مال للمساكين وأبواب البر وهو محاتج إليه فلا يأكل منه شيئاً إنما أمر بتنفيذه، وبهذا قال مالك والشافعي، وقال أبو ثور وأصحاب الرأي إذا قال الموصي جعلت لك
ولده ولا والده) قال أحمد إذا كان في يده مال للمساكين وأبواب البر وهو محاتج إليه فلا يأكل منه شيئاً إنما أمر بتنفيذه، وبهذا قال مالك والشافعي، وقال أبو ثور وأصحاب الرأي إذا قال الموصي جعلت لك أن تضع ثلثي حيث شئت أو حيث رأيت فله أخذه لنفسه وولده ويحتمل أن يجوز ذلك عندنا أيضاً لأن لفظ الموصي يتناوله ويحتمل أن ينظر إلى قرائن الأحوال فإن دلت على أنه أراد أخذه منه مثل أن يكون من جملة المستحقين الذين يصرف إليهم ذلك أو عادته الأخذ من مثله فله الأخذ منه وإلا فلا،(6/596)
ويحتمل أن له إعطاء ولده وسائر أقاربه إذا كانوا مستحقين دون نفسه لأنه مأمور بالتفريق وقد فرق فيمن يستحق فأشبه الدفع إلى الأجنبي.
ولنا أنه تمليك ملكه بالإذن فلا يجوز أن يكون قابلاً كما لو وكله في بيع سلعة لم يجز بيعها من نفسه * (مسألة) * (وإن دعت الحاجة الى بيع بعض العقار لقضاء دين الميت أو حاجة الصغار وفي بيع بعضه نقص فله البيع على الكبار والصغار) وقال أبو حنيفة وابن أبي ليلى يجوز البيع على الصغار والكبار فيما لابد منه وكذلك إن كان جميعهم كباراً وهناك دين أو وصية وقيل لا يملك أن يبيع إلا ما يخص الصغار ويقدر الدين والوصية ولنا أنه وصي يملك بيع بعض التركة فملك بيع جميعها كما لو كان جميع الورثة صغاراً وكان الدين يستغرق التركة ولأن الوصي قائم مقام الأب وللأب أن يبيع الجميع ولأنه لما جاز بيعها في الدين المستغرق جاز بيعها فيما لا يستغرق كالعين المرهونة ولأن في بيع البعض نقصاً على الصغار قيتعين بيع الجميع دفعاً للضرر عنهم ويحتمل أن لا يجوز البيع على الكبار، وبه قال الشافعي، وهو أقيس إن شاء الله تعالى لأنه لا يجب على الإنسان بيع ملكه ليزداد ثمن ملك غيره كما لو كان شريكهم غير وارث، وهذا اختيار شيخنا، وهو الصحيح والله سبحانه وتعالى أعلم.
* (تم بحمد الله وعونه الجزء السادس من كتابي المغني والشرح الكبير) * * (ويليه بمشيئة الله وتوفيقه الجزء السابع منهما وأوله (كتاب الفرائض)) *(6/597)
بسم الله الرحمن الرحيم (كتاب الفرائض) وهي قسمة المواريث روى أبو داود باسناده عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " العلم ثلاثة وما سوى ذلك فهو فضل: آية محكمة وسنة قائمة وفريضة عادلة " وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " تعلموا الفرائض وعلموه فانه نصف العلم وهو ينسى وهو أول شئ ينزع من أمتي " أخرجه ابن ماجة ويروى عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " تعلموا الفرائض وعلموه الناس فإني امرؤ مقبوض وان العلم سيقبض حتى يختلف الرجلان في الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما " وروى سعيد عن جرير بن عبد الحميد عن الأعمش عن إبراهيم قال قال عمر تعلموا الفرائض فإنها من دينكم وعن جرير عن عاصم الأحول عن مورق العجلي قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه تعلموا الفرائض واللحن والسنة كما تعلمون القرآن وقال ثنا أبو الأحوص ثنا أبو إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال من تعلم القرآن فليتعلم(7/2)
الفرائض وروى جابر بن عبد الله قال جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنتيها من سعد فقالت يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في أحد شهيدا وان عمهما أخذ مالهما
ولا ينكحان إلا ولهما مال فنزلت آية الميراث فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما قال " أعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي فهو لك " رواه الإمام أحمد في مسنده ورواه الترمذي وأبو داود (مسألة) (وأسباب التوارث ثلاثة رحم ونكاح وولاء لا غير) لأن الشرع ورد بالتوارث بها بقوله تعالى (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) وقوله سبحانه (يوصيكم الله في أولادكم) وقوله (ولكم نصف ما ترك أزواجكم ولهن - الربع مما تركتم) الآية وقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الولاء لمن أعتق " وعنه أنها تثبت بالموالاة والمعاقدة لقول الله تعالى (والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) والموالاة كالمعاقدة وبإسلامه على يديه روى ذلك عن عمر رضي الله عنه لما روى راشد بن سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أسلم على يديه رجل فهو مولاه ويرثه ويدي عنه " رواه سعيد وروى أبو أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من أسلم على يده رجل فهو مولاه يرثه ويدي عنه " وعن تميم الداري أنه قال يا رسول الله ما السنة في الرجل يسلم على يدي الرجل من المسلمين؟ فقال " هو أولى الناس بمحياه ومماته " رواه سعيد في سننه ورواه الترمذي وقال لا أظنه متصلاً(7/3)
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الولاء لمن أعتق " فأما أحاديثهم فحديث راشد مرسل وحديث أبي امامة فيه معاوية الصدفي وهو ضعيف، وحديث تميم ليس بصريح في الميراث وقيل يثبت بكونهما من أهل الديوان ولا عمل عليه، وهذا كان في بدء الاسلام ثم نسخ بقوله تعالى (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) (فصل) إذا مات الإنسان بدئ بتكفينه وتجهيزه مقدماً على ما سواه كما يقدم المفلس بنفقته على ما سواه، ثم تقضى ديونه لقوله سبحانه (من بعد وصية يوصى بها أو دين) قال علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن الدين قبل الوصية ولأن الدين تستغرقه حاجته فقدم كمؤنة تجهيزه ثم تنفذ وصيته للآية ثم ما بقي قسم على الورثة للآيات الثلاث المذكورة في سورة النساء (مسألة) (والمجمع على توريثهم من الذكور عشرة: الابن وابنه وان نزل والأب وأبوه وان علا والأخ من كل جهة وابن الأخ من الأم والعم وابنه كذلك والزوج ومولى النعمة، ومن النساء
سبع: البنت وبنت الابن والأم والجدة والأخت والمرأة ومولاة النعمة) أكثر هؤلاء ثبت توريثهم بالكتاب والسنة، فالابن والبنت ثبت ميراثهما بقوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ويدخل في ذلك ولدا لابن والأبوان بقوله تعالى (ولأبويه لكل واحد منهما السدس(7/4)
والجد يحتمل أن يتناوله هذا النص كما دخل ولد الابن في عموم أولادكم، والأخ والأخت من الأبوين أو الأب ثبت ارثهما بقوله سبحانه (وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) والأخ والأخت من الأم ثبت ارثهما بقوله تعالى (وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس وأما ابن الأخ للأبوين أو للأب والعم وابنه وعم الأب وابنه فثبت ميراثهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر " ولم يدخل فيهم ولد الأم ولا العم للأم ولا ابنه ولا الخال ولا أبو الأم لأنهم ليسوا من العصبات.
وأما المولى المعتق والمولاة فثبت ارثهما بقوله عليه الصلاة والسلام " إنما الولاء لمن أعتق " والجدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم السدس، والزوج ثبت ارثه بقوله تعالى (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) والزوج بقوله تعالى (ولهن الربع مما تركتم) الآية، وجميعهم ذووا فرض وعصبة فالذكور كلهم عصبات الا الزوج والأخ من الأم والأب والجد مع الابن، والاناث كلهن إذا انفردن عن اخوتهن ذوات فروض إلا المعتقة وإلا الأخوات مع البنات.
ومن لا يسقط بحال خسمة: الزوجان والأبوان وولد الصلب لأنهم يمتون بأنفسهم من غير واسطة بينهم وبين الميت يحجبهم، ومن سواهم من الوارث انما يمت بواسطة سواه فيسقط بمن هو أولى بالميت منه (مسألة) (والوارث ثلاثة ذوو فرض وعصبات وذوو رحم.
)(7/5)
باب ميراث ذوي الفروض وهم عشرة الزوجان والأبوان والجد والجدة والبنت وبنت الابن والأخت من كل جهة والأخ من الأم فللزوج النصف إذا لم يكن للميتة ولد ولا ولد ابن والربع إذا كان معه أحدهما، وللزوجة الربع مع عدم الولد وولد الابن والثمن مع أحدهما، وهذا إجماع من أهل العلم لقول الله تعالى (ولكم نصف
ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين) وولد الابن ولد بدليل قوله تعالى يا بني آدم ويابني إسرائيل وإنما جعل لجماعة الزوجات مثل الواحدة لأنه لو جعل لكل واحدة الربع وهن أربع لأخذن جميع المال وزاد فرضهن على فرض الزوج، ومثل هذا في الجدات للجماعة مثل ما للواحدة لأنه لو أخذت كل واحدة السدس لأخذن النصف إذا كن ثلاثة وزدن على ميراث الجد.
فأما سائر أصحاب الفروض كالبنات وبنات الابن والأخوات المتفرقات كلهن فان لكل جماعة منهن مثل ما للابنتين على ما يذكر في موضعه وزدن على فرض الواحدة لأن الذكر الذي يرث في درجتهن لا فرض له الا ولد الأم فإن ذكرهم وانثاهم سواء لأنهم يرثون بالرحم وقرابة الأم المجردة.(7/6)
(فصل) قال رضي الله عنه (وللأب ثلاثة أحوال حال يرث فيها بالفرض المجرد وهي مع ذكور الولد أو ولد الابن ويرث السدس والباقي للابن ومن معه) لا نعلم في هذا خلافاً لقول الله تعالى (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) (وحال) يرث فيها بالتعصيب المجرد وهي مع عدم الولد وولد الابن فيأخذ المال ان انفرد، وإن كان معه ذو فرض غير الولد كزوج أو أم أو جدة فلذي الفرض فرضه وباقي المال له لقول الله تعالى (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث أضاف الميراث اليهما ثم جعل للأم الثلث فكان الباقي للأب ثم قال (فإن كان له إخوة فلأمه السدس) فجعل للأم مع الاخوة السدس ولم يقطع إضافة الميراث إلى الأبوين ولا ذكر للاخوة ميراثا فكان الباقي كله للأب (الحال الثالث) يجتمع له الفرض والتعصيب وهي مع اناث الولد أو ولد الابن فيأخذ السدس لقوله تعالى (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) ولهذا كان للأم السدس مع البنت اجماعاً ثم يأخذ ما بقي بالتعصيب لما روى ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر " متفق عليه والأب أولى رجل بعد الابن وابنه وهذا كله مجمع عليه ليس فيه خلاف نعلمه
(فصل) (قال وللجد ثلاثة أحوال الأب الثلاثة إلا أنه يسقط بالأب لا يدلي به ويسقط عن رتبة الأب في زوج وأبوين وامرأة وأبوين فيفرض للأم فيهما ثلث جميع المال وله حال رابع مع الاخوة(7/7)
والأخوات من الأبوين والأب فانه يقاسمهم كأخ إلا أن يكون الثلث خيراً له فيأخذه والباقي لهم، فإن كان معهم ذو فرض أخذ فرضه ثم للجد الا حظ من المقاسمة كأخ أو ثلث الباقي أو سدس جميع المال وسوف نذكر الاختلاف فيه إن شاء الله تعالى، فروى أبو داود بإسناده عن عمران بن حصين أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن ابن ابني مات فمالي من ميراثه؟ قال لك السدس فلما أدبر دعاه فقال إن لك سدساً آخر فلما أدبر دعاه فقال إن لك السدس الآخر طعمة " قال قتادة فلا ندري مع أي شئ ورثه قال قتادة أقل شئ ورث الجد السدس وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال أيكم يعلم ما ورث رسول الله صلى الله عليه وسلم الجد؟ فقال معقل بن يسار أنا ورثه رسول الله صلى الله عليه وسلم السدس قال مع من؟ قال لا أدري قال لادريت فما يغني إذا رواه سعيد في سننه.
قال أبو بكر بن المنذر أجمع أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الجد أبا الأب لا يحجبه عن الميراث غير الأب.
وانزلوا الجد في الحجب والميراث منزلة الأب في جميع المواضع إلا في ثلاثة أشياء (أحدها) زوج وأبوان (والثانية) زوجة وأبوان للأم ثلث الباقي فيهما مع الأب وثلث جميع المال مع الجد (والثالثة) اختلفوا في الجد مع الاخوة والأخوات للأبوين أو للأب ولا خلاف بينهم في إسقاط بني الاخوة وولد الأم ذكرهم وأنثاهم، فذهب الصديق رضي الله عنه الى ان الجد يسقط جميع الاخوة والأخوات من جميع الجهات كما يسقطهم الأب وبه قال ابن عباس وابن الزبير وروي ذلك عن عثمان وعائشة وأبي بن كعب وأبي الدرداء ومعاذ بن جبل وأبي موسى وأبي هريرة رضي الله عنهم، وحكي أيضاً عن عمران بن حصين وجابر بن عبد الله وابي(7/8)
الطفيل وعبادة بن الصامت وعطاء وطاوس وجابر بن زيد وبه قال قتادة واسحاق وابو ثور ونعيم ابن حماد وأبو حنيفة والمزني وابن شريح وابن اللبان وداود وابن المنذر وكان علي بن أبي طالب وابن مسعود وزيد بن ثابت يورثونهم معه ولا يحجبونهم به وبه قال مالك والاوزاعي والشافعي وأبو
يوسف ومحمد لان الاخ ذك يعصب أخته فلم يسقطه الجد كالابن ولأن ميراثهم ثبت بالكتاب فلا يحجبون إلا بنص أو إجماع أو قياس وما وجد شئ من ذلك فلا يحجبون ولأنهم تساووا في سبب الاستحقاق فيتساوون فيه، فان الأخ والجد يدليان بالأب الجد أبوه والأخ ابنه وقرابة البنوة لا تنقص عن قرابة الأبوة بل ربما كانت أقوى منها، فإن الابن يسقط تعصيب الأب ولذلك مثله علي رضي الله عنه بشجرة انبتت غصناً فانفرق منه غصنان كل منهما أقرب منه إلى أصل الشجرة، ومثله زيد بواد خرج منه نهر وانفرق منه جد ولأن كل واحد منهما إلى الآخر أقرب منه إلى الوادي، واحتج من ذهب مذهب أبي بكر رضي الله عنه بقول النبي صلى الله عليه وسلم " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر " متفق عليه والجد أولى من الاخ بدليل المعنى والحكم، أما المعنى فإن له قرابة إيلاد وبعضية كالأب وأما الحكم فإن الفروض إذا ازدحمت سقط الأخ دونه ولا يسقطه أحد إلا الأب، والأخ والأخوات يسقطون بثلاثة، ويجمع له بين الفرض والتعصيب كالأب وهم ينفردون بواحد منهما، ويسقط ولد الأم،(7/9)
وولد الأب يسقطون بهم بالاجماع إذا استغرقت الفروض المال وكانوا عصبة.
وكذلك ولد الأبوين في المشركة عند الأكثرين ولأنه لا يقتل بقتل ابن ابنه ولا يحد بقذفه ولا يقطع بسرقة ماله وتجب عليه نفقته ويمنع من دفع زكاته إليه كالأب سواء فدل ذلك على قربه، فإن قيل فالحديث حجة في تقديم الأخوات لأن فروضهن في كتاب الله تعالى فيجب أن تلحق بهن فروضهن ويكون للجد ما بقي، فالجواب أن هذا الخبر حجة في الذكور المنفردين وفي الذكور مع الإناث أو نقول هو حجة في الجميع، ولا فرض لولد الأب مع الجد لأنهم كلالة، والكلالة اسم للوارث مع عدم الولد والوالد فلا يكون لهم معه إذاً فرض.
حجة أخرى قالوا الجد أب فيحجب ولد الأب كالأب الحقيقي، ودليل كونه أبا قوله تعالى (ملة أبيكم إبراهيم) وقول يوسف (واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق) وقوله (كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً " وقال " سام أبو العرب وحام أبو الحبش " وقال " نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفوا أمنا ولا ننتفي من أبينا وقال الشاعر
أنا بني نهشل لا ندعي لأب * * * * عنه ولا هو بالأبناء يشرينا فوجب أن يحجب الاخوة كالأب الحقيقي يحقق هذا أن ابن الابن وإن سفل يقوم مقام ابنه في الحجب كذلك أبو الأب يقوم مقام ابنه ولذلك قال ابن عباس ألا يتقي الله زيد؟ يجعل ابن الابن(7/10)
ابناً ولا يجعل أبا الأب أبا ولأن بينهما إيلاداً وبعضية وجزئية وهو يساوي الأب في أكثر أحكامه فيساويه في هذا الحجب، يحققه أن أبا الأب وان علا يسقط بني الاخوة ولو كانت قرابة الأخ والجد واحدة لوجب أن يكون أبو الجد مساوياً لبني الأخ لتساوي درجة من أدليا به ولا تفريع على هذا القول لوضوحه.
(فصل) واختلف القائلون بتوريثهم معه في كيفية توريثهم، فكان علي رضي الله عنه يفرض للأخوات فروضهن والباقي للجد إلا أن ينقصه ذلك من السدس فيفرضه له، فإن كانت أخت لأبوين واخوة لأب فرض للأخت النصف وقاسم الجد الاخوة فيما بقي إلا أن تنقصه المقاسمة من السدس فيفرضه له فان كان الأخوة كلهم عصبة قاسمهم الجد إلا السدس فإن اجتمع ولد الأب وولد الأبوين مع الجد سقط ولد الأب ولم يدخلوا في المقاسمة ولا يعتد بهم، وإن انفرد ولد الأب قاموا مقام ولد الأبوين مع الجد، وصنع ابن مسعود في الجد مع الأخوات كصنع علي وقاسم به الاخوة إلى الثلث فإن كان أصحاب الفرائض أعطي أصحاب الفرائض فرائضهم ثم صنع صنيع زيد في اعطاء الأحظ من المقاسمة أو ثلث الباقي أو سدس جميع المال، وعلي يقاسم به بعد أصحاب الفرائض إلا أن يكون أصحاب الفرائض بنتاً أو بنات فلا يزيد الجد على الثلث ولا يقسام به، وقال بقول علي الشعبي والنخعي والمغيرة ابن مقسم وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وذهب إلى قول ابن مسعود مسروق وعلقمة وشريح، فأما مذهب زيد فهو الذي ذكره شيخنا في الكتاب المشروح وذكره الخرقي وسنشرحه إن(7/11)
شاء الله تعالى وإليه ذهب أحمد وبه قال أهل المدينة والشام والثوري والاوزاعي والنخعي والحجاج بن ارطاة ومالك والشافعي وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وأبو عبيد وأكثر أهل العلم.
فمذهب زيد في الجد مع الاخوة والأخوات للأبوين أو للأب أنه يقاسمهم كأخ إلا أن يكون ثلث المال أحظ له، فإن نقصته المقاسمة عن الثلث فله الثلث والباقي لهم، فعلى هذا إذا كان معه اخوان أو أربع أخوات أو أخ وأختان فالثلث والمقاسمة سواء، فإن نقصوا عن ذلك فالمقاسمة أحظ له فقاسم به لا غير وإن زادوا فأعطه الثلث، فإن كان معهم ذو فرض أخذ فرضه وكان للجد الأحظ من المقاسمة كأخ أو ثلث الباقي أو سدس جميع المال، أما كونه لا ينقص عن سدس جميع المال فلأنه لا ينقص عن ذلك مع الولد الذي هو أقوى فمع غيرهم أولى، وأما إعطاؤه ثلث الباقي إذا كان أحظ فلأن له الثلث مع عدم الفروض فما أخذ بالفروض كأنه معدوم قد ذهب من المال فصار ثلث الباقي بمنزلة ثلث جميع المال وأما المقاسمة فهي له مع عدم الفروض فكذلك مع وجودها، فعلى هذا متى زاد الاخوة عن اثنين أو من يعدلهم من الاناث فلا حظ له في المقاسمة وان نقصوا عن ذلك فلا حظ له في ثلث الباقي ومتى زادت الفروض عن النصف فلا حظ له في ثلث الباقي، وإن نقصت عن النصف فلا حظ له في السدس وإن كان الفرض النصف فقط استوى السدس وثلث الباقي، وإن كان الاخوة اثنين والفرض النصف استوى المقاسمة وثلث الباقي وسدس جميع المال(7/12)
(فصل) ولا ينقص الجد عن سدس المال أو تسميته إذا زادت السهام، هذا قول عامة أهل العلم إلا أنه روي عن الشعبي أنه قال إن ابن عباس كتب إلى علي في ستة اخوة وجد فكتب إليه اجعل الجد سابعهم وامح كتابي هذا وروي عنه في سبعة إخوة وجد أن الجد ثامنهم وحكي عن عمران بن حصين والشعبي المقاسمة إلى نصف سدس المال ولنا أن الجد لا ينقص عن السدس مع البنين وهم أقوى ميراثاً من الاخوة فانهم يسقطون بهم فلأن لا ينقص عنه مع الاخوة أولى ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أطعم الجد السدس فلا ينبغي أن ينقص منه، وقولنا أو تسميته إذا زادت السهام هو إذا عالت المسألة فإنه يسمى له السدس وهو ناقص عن السدس فإذا كان زوج وأم وابنتان وجد له السدس ونعطيه سهمين من خمسة عشر وهما ثلثا الخمس (مسألة) (فإن لم يفضل عن الغرض إلا السدس فهو له ويسقط من معه من الاخوة والأخوات
كأم وابنتين وجد وأخت أو أخ) فإن للأم السدس وللابنتين الثلثان يبقى السدس للجد ويسقط الاخوة إلا في الأكدرية وهي زوج وأم وأخت وجد فإن للزوج النصف وللأم الثلث وللأخت النصف وللجد السدس ثم يقسم(7/13)
سدس الجد ونصف الأخت بينهما على ثلاثة وتصح من سبعة وعشرين: للزوج تسعة وللأم ستة وللجد ثمانية وللأخت أربعة ولا يعول من مسائل الجد غيرها، ولا يفرض لأخت مع جد إلا في هذه المسألة وتسمى الاكدرية سميت بذلك لتكديرها أصول زيد في الجد فإنه أعالها ولا عول عنده في مسائل الجد وفرض للأخت معه ولا يفرض لأخت مع جد، وجمع سهامه وسهامها فقسمها بينهما ولا نظير لذلك، وقيل سميت أكدرية لأن عبد الملك بن مروان سأل عنها رجلا اسمه الأكدر فأفتى فيها على مذهب زيد وأخطأ فيها فنسبت إليه، واختلف أهل العلم فيها فمذهب أبي بكر الصديق وموافقيه اسقاط الأخت ويجعل للزوج النصف وللأم الثلث والباقي للجد، وقال عمر وابن مسعود للزوج النصف وللأخت النصف وللجد السدس وللأم السدس وعالت إلى ثمانية وجعلوا للأم السدس لكيلا يفضلوها على الجد، وقال علي وزيد للزوج النصف وللأخت النصف وللأم الثلث وللجد السدس وأعالاها إلى تسعة ولم يحجبا الأم عن الثلث لأن الله تعالى إنما حجبها بالولد والاخوة وليس ههنا ولد ولا اخوة، ثم أن عمر وعلياً وابن مسعود ابقوا النصف للأخت والسدس للجد وزيد ضم نصفها إلى سدس الجد فقسمه بينهما لأنها لا تستحق معه إلا بحكم المقاسمة، وإنما حمل زيداً على إعالة المسألة ههنا أنه لو لم يفرض للأخت لسقطت وليس في الفريصة من يسقطها وقد روي عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال ما قال ذلك زيد وإنما قاس أصحابه على أصوله ولم يبين هو شيئاً، فإن قيل فالأخت مع الجد عصبة والعصبة تسقط باستكمال الفروض قلنا إنما يعصبها الجد وليس بعصبة مع هؤلاء بل يفرض له ولو كان مكان الأخت أخ لسقط لأنه عصبة في نفسه ولو كان مع الأخت أخت أخرى أو أخ أو أكثر من ذلك لانحجبت الأم إلى(7/14)
السدس وبقي لهما السدس فأخذوه ولم تعل المسألة، وأصل المسألة في الأكدرية ستة عالت إلى تسعة
وسهام الأخت والجد أربعة بينهما على ثلاثة لا تصح فتضرب ثلاثة في تسعة تكن سبعة وعشرين ثم كل من له شئ من أصل المسألة مضروب في الثلاثة التي ضربتها في المسألة للزوج في ثلاثة تسعة وللأم اثنان في ثلاثة ستة يبقى اثنا عشر بين الجد والأخت على ثلاثة للجد ثمانية وللاخت أربعة، ويعايابها فيقال أربعة ورثوا مالا فأخذ أحدهم ثلثه والثاني ثلث ما بقي والثالث ثلث ما بقي والرابع ما بقي، ويقال امرأة جاءت قوما فقالت إني حامل فإن ولدت ذكراً فلا شئ له وإن ولدت أنثى فلها تسع المال وثلث تسعه، وإن ولدت ولدين فلهما السدس ويقال أيضاً إن ولدت ذكراً فلي ثلث المال وإن ولدت أنثى فلي تسعاه وإن ولدت ولدين فلي سدسه وأنشد شيخنا في ذلك لنفسه ماذا تقولون في ميراث أربعة * * * * أصاب أكبرهم جزءاً من المال ونصف ذلك للثاني ونصفهما * * * * لثالث ترب للخير فعال ونصف ذلك مجموعاً لرابعهم * * * * فخبروني فهذي جملة الحال أكبرهم الجد له ثمانية ونصفها للأخت أربعة ونصفهما ستة للأم صارت ثمانية عشر ونصف الجميع للزوج وذلك تسعة(7/15)
(فصل) زوجة وأم وأخت وجد للزوجة الربع وللأم الثلث والباقي بين الأخت والجد على ثلاثة أصلها من اثني عشر للزوجة ثلاثة وللأم أربعة يبقى خمسة بين الجد والأخت على ثلاثة، وتصح من ستة وثلاثين، فإن كان مكان الأخت أخ فالباقي بينهما نصفين وتصح من أربعة وعشرين، وان كانا اختين قاسمهما وتصح من ثمانية وأربعين فإن كان أخ وأخت أو ثلاث أخوات حجبوا الأم إلى السدس وقسموا الباقي بينهم على خمسة وصحت من ستين، فإن زادوا على ذلك استوى ثلث الباقي والمقاسمة فافرض له ثلث الباقي واضرب المسألة في ثلاثة تكن ستة وثلاثين ويبقى له ولهم أحد وعشرون يأخذ ثلثلها سبعة والباقي لهم، فإن لم تصح عليهم ضربتهم ووفقهم في سته وثلاين فما بلغ فمنه تصح فإن كانوا من جهتين اختص بالباقي ولد الأبوين (فصل) زوجة وأخت وجد وجدة فهي كالتي قبلها في فروعها إلا في أن للجدة السدس مع الأخت
الواحدة والأخ الواحد، فإن كانوا أكثر من واحد فحكم الجدة والأم واحد، وإن لم يكن معهم جدة فهي من أربعة للزوجة الربع ويبقى ثلاثة للجد سهمان وللأخت سهم فان كان معها أخت أخرى فالباقي بينهم على أربعة وتصح من ستة عشر وإن كان مكانها أخ صحت من ثمانية فإن كان أخ وأخت أو ثلاث أخوات فالباقي بينهم على خمسة وتصح من عشرين وإن زادوا على هذه فاعطه ثلث الباقي سهما واقسم الثاني على الباقين، فإن كانوا من الجهتين فلا شئ لولد الأب لأن الباقي بعد نصيب الجد لا يزيد على النصف وهو أقل فرض لولد الأبوين(7/16)
(مسألة) (فإن لم يكن في الأكدرية زوج فهي أم وأخت) وجد للأم الثلث والباقي بين الجد والأخت على ثلاثة وتصح من تسعة للأم ثلاثة وللجد أربعة وللأخت سهمان وإنما سميت الخرقا لكثرة اختلاف الصحابة فيها فكأن الافوال خرقتها قيل فيها سبعة أقوال قول الصديق وموافقيه للأم الثلث وللجد الباقي، وقول زيد وموافقيه للأم الثلث والباقي بين الجد والأخت على ثلاثة وقول علي للأخت النصف وللأم الثلث وللجد السدس، وعن عبد الله للأخت النصف وللأم ثلث ما بقي وللجد الباقي وعن ابن مسعود للأم السدس والباقي للجد وهو مثل القول الأول في المغني وعن ابن مسعود أيضاً للأخت النصف والباقي بين الأم والجد نصفين فتكون من أربعة وهي إحدى مربعات ابن مسعود وقال عثمان المال بينهم أثلاثاً لكل واحد منهم ثلث وهي مثلثة عثمان وتسمى المسبعة لأن فيها سبعة أقوال ومسدسة لأن معنى الأقوال يرجع إلى ستة وسأل الحجاج الشعبي عنها فقال قد اختلف خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر له عثمان وعلياً وابن مسعود وزيداً وابن عباس رضي الله عنهم (مسألة) (وولد الأب كولد الأبوين في مقاسمة الجد) إذا انفردوا لأنهم شاركوهم في بنوة الأب التي ساووا بها الجد فإذا اجتمعوا عاد ولد الأبوين الجد(7/17)
بولد الأب ثم أخذوا ما حصل لهم هذا مذهب زيد وأما علي وابن مسعود فإنهما يقاسمان به ولد الأبوين
ويسقطان ولد الأب ولا يعتدان به لأنه محجوب فلا يعتد به كولد الأم فإذا كان جد وأخ من أب وأم وأخ لأب قسما المال في هذه المسألة بينهما نصفين وزيد يجعلها من ثلاثة للجد سهم ولكل أخ سهم ثم يرجع الأخ من الأب والأم على ما في يد أخيه لأبيه فيأخذه وإن شئت فرضت للجد ثلث المال والباقي للأخ من الأبوين ومتى زاد الأخوة على اثنين فرضت للجد الثلث والباقي لولد الأبوين ووجه مذهب زيد أن الجد والد فإذا حجبه إخوان وارثان جاز أن يحجبه أخ وارث وأخ غير وارث كالأم ولأن ولد الأب يحجبونه إذا انفردوا فيحجبونه مع غيرهم كالأم ويفارق ولد الأم فإن الجد يحجبهم فلا ينبغي أن يحجبوه بخلاف ولد الأب فإن الجد لا يحجبهم فجاز أن يحجبوه إذا احجبهم غيره كما يحجبون الأم إن كانوا محجوبين بالأب وأما الأخ من الأبوين فإنه أقوى تعصيباً من الأخ من الأب فلا يرث معه شيئاً كما لو انفرد عن الجد فيأخذ ميراثه كما لو اجتمع ابن وابن ابن فإنه يحجبه ويأخذ ميراثه فان قبل فالجد يحجب ولد الأم ولا يأخذ ميراثهم والأخوة يحجبون الأم وإن لم يأخذوا ميراثها قلنا الجد وولد الأم يختلف سبب استحقاقهم للميراث وكذلك سائر من يحجب ولا يأخذ ميراث المحجوب وههنا سبب استحقاق الأخوة للميراث الأخوة والعصوبة فأيهما قوي حجب الآخر وأخذ ميراثه وقد مثلت هذه المسألة بمسألة في الوصايا وهي إذا وصى لرجل يثلث ماله ولآخر بمائة ولثالث بتمام الثلث على المائة وكان ثلث المال مائتين فإن الموصى(7/18)
له بالمائة يزاحم صاحب الثلث بصاحب التمام في حال الرد فيقاسمه الثلث نصفين ثم يختص صاحب المائة بها ولا يحصل لصاحب التمام شئ (مسألة) (إلا أن يكون ولد الأبوين أختاً واحدة فتأخذ تمام النصف وما فضل فهو لهم ولا يتفق هذا في مسألة فيها فرض غير السدس لأن أدنى ما يأخذ الجد الثلث من الباقي والأخت النصف فالباقي بعدهما هو السدس فإذا كان جد وأخت من أبوين وأخت من أب فالمال بينهم على أربعة للجد سهمان ولكل أخت سهم ثم رجعت الأخت من الأبوين على أختها لأبيها فأخذت ما في يدها جميعه لتستكمل النصف لأن المقاسمة ههنا أحظ للجد من ثلث المال فان كان معهم أخ من أب فللجد الثلث وللأخت النصف يبقى للأخ وأخته السدس بينهما على ثلاثة
وتصح من ثمانية عشر وتستوي ههنا المقاسمة وثلث المال (مسألة) (فإن كان معهم أم فلها السدس وللجد ثلث الباقي ولا ثلث له فتضربها في ثلاثة تكن ثمانية عشر للأم ثلثه وللجد ثلث الباقي خمسة وللأخت للأبوين تسعة يبقى للأخ وأخته سهم وتصح من اربعة وخسمين وتسمى مختصرة زيد)(7/19)
لأن ثلث الباقي والمقاسمة في هذه المسألة سواء فإن أعطيت الجد ثلث الباقي صحت من أربعة وخمسين على ما ذكرنا وإن قاسم الاخوة أعطيت الأم السدس سهما يبقى خمسة مقسومة على الجد والأخ وأختين على ستة فتضربها في أصل المسألة تكن ستة وثلاثين للأم ستة وللجد عشرة وللأخت للابوبن ثمانية عشر يبقى سهمان على الأخ من الأب وأخته لا يصح فإذا ضرب ثلاثة في ستة وثلاثين تكن مائة وثمانية ويرجع بالاختصار إلى نصفها أربعة وخمسين لأنها تتفق بالنصف فلهذا سميت مختصرة زيد ولو كان معهم أخ آخر من أب صحت من تسعين وتسمى تسعية زيد لأنا ندفع إلى الأم ثلاثة وإلى الجد ثلث الباقي خمسة وإلى الأخت للأبوين تسعة يبقى سهم لأولاد الأب على خمسة لا تصح عليهم إذ ضربتها في ثمانية عشر تكن تسعين وهذا التفريع كله على مذهب زيد لكونه يورث الاخوة مع الجد (فصل) أم أو جدة وأختان وجد المقاسمة خير للجد ويبقى خمسة على أربعة وتصح من أربعة وعشرين أم وأخ واخت وجد تصح من ستة للجد سهمان أم وأخوان أو أخ وأختان أو أربع أخوات(7/20)
وجد المقاسمة وثلث الباقي سواء فإن زادوا على ذلك فرض للجد ثلث الباقي وصحت من ثمانية عشر للأم ثلاثة وللجد خمسة يبقى عشرة للاخوة والأخوات فتصح عليهم، بنت وأخت وجد للبنت النصف وما بقي بين الأخت والجد على ثلاثة أسهم للجد سهمان وللأخت سهم لأن المقاسمة ههنا أحظ له وفي قوله رضي الله عنه للبنت النصف وللجد السدس والباقي للأخت وعند ابن مسعود الباقي بين الجد والأخت نصفين لأن كل واحد منهما إذا انفرد أخذ المال بالتعصيب فإذا اجتمعا اقتسما كما لو كان مكانها أخ وأما علي فبني على أصله في أن الأخوات لا يقاسمن الجد وانما يفرض لهن فلم يفرض لها ههنا لأن
الأخت مع البنت عصبة وأعطي الجد السدس كما لو انفرد معها وجعل الباقي لها ولنا أن لجد يقاسم الأخت فيأخذ مثليها إذا كان معها أخ فكذلك إذا انفردت وهذه إحدى مربعات ابن مسعود (فصل) بنت وأخ وجد للبنت النصف والباقي بين الأخ والجد نصفين وإن كان معه أخته فالباقي بينهم على خمسة وإن كان أخوان أو أخ وأختان أو أربع أخوات استوى ثلث الباقي والسدس والمقاسمة فإن زادوا فلا حظ له في المقاسمة ويأخذ السدس والباقي لهم فإن كانوا من الجهتين فليس لولد الاب(7/21)
شئ والباقي لولد الأبوين بنت وأختان وجد الباقي بين الجد والأختين على أربعة وتصح من ثمانية فإن كن ثلاث أخوات فالباقي بينهم على خمسة فإن كن أكثر من أربع فله الثلث أو سدس الباقي والباقي لهن (فصل) بنتان أو أكثر أو بنت وبنت ابن وأخت وجد للبنتين الثلثان والباقي بين الجد والأخت على ثلاثة وتصح من تسعة وإن كان مكانها أخ فالباقي بينهما نصفين وتصح من ستة وإن كان مكانه أختان صحت من اثني عشر ويستوي في هاتين المسئلتين السدس والمقاسمة فإن زادوا عن أخ أو عن أختين فرضت للجد السدس وكان الباقي لهم فإن كان معهم أم أو جدة فللجد السدس ولا شئ للاخوة والأخوات (فصل) زوج وأخت وجد للزوج النصف والباقي بينهما على ثلاثة وعند علي وابن مسعود للأخت النصف وللجد السدس وعالت إلى سبعة وإن كان مع الأخت أخرى فالباقي بينهم على أربعة وعندهما لهما الثلثان وتعول إلى ثمانية وإن كان مكانهما أخ فالباقي بينهما نصفين وان كان أخ وأخت أو ثلاث أخوات قاسمهم الجد وإن كان أخوان أو من يعدلهما استوى السدس والمقاسمة فإن زادوا فرضت له السدس والباقي لهم فإن كان زوج وبنت وأخت وجد فللزوج الربع وللبنت النصف والباقي بينهما على(7/22)
ثلاثة ويستوي السدس ههنا والمقاسمة فإن زادوا على أخت فرضت للجد السدس والباقي لهم وإن كان مع الزوج بنتان أو بنت وبنت ابن أو بنت وأم أو جدة سقط الاخوة والاخوات وفرضت للجد السدس
وعالت إلى ثلاثة عشر (فصل) زوجة وبنت وأخت وجد الباقي بين الجد والأخت على ثلاثة وتصح من ثمانية فإن كان مكان الأخت أخ أو أختان فالباقي بينهم نصفين وتصح مع الأخ من ستة عشر ومع الأختين من اثنين وثلاثين وإن زادوا فرض للجد السدس وانتقلت المسألة إلى أربعة وعشرين ثم تصح على المنكسر عليهم وإن كان مع الزوجة ابنتان أو أكثر أو بنت وبنت ابن أو بنت وأم وجدة فرضت للجد السدس ويبقى للإخوة والأخوات سهم من أربعة وعشرين (فصل) قال رضي الله عنه وللأم أربعة أحوال (حال) لها السدس وهي مع وجود الولد وولد الابن أو اثنين من الأخوة والأخوات (وحال) لها الثلث وهي مع عدم هؤلاء (وحال) لها ثلث ما بقي وهي زوج وأبوان وامرأة وأبوان لها ثلث الباقي بعد فرض الزوجين (وحال) رابع وهي إذا لم يكن لولدها أب لكونه ولد زنا أو منتفياً بلعان فإنه ينقطع بعصبته من جهة من نفاه فلا ذ يرثه هو ولا أحد من عصباته،(7/23)
وجملته أن الأم لها الأربعة الأحوال المذكورة أما استحقاقها الثلث مع عدم الولد وولد الابن والاثنين من الاخوة والأخوات من أي الجهات كانوا فلا نعلم في ذلك خلافا بين أهل العلم، وقد دل عليه قوله تعالى (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث) وأما استحقاقها السدس إذا كان للميت ولد أو ولد ابن أو ابنين من الأخوات فهو قول الجمهور، وقال ابن عباس لا يحجب الأم عن الثلث إلى السدس من الاخوة والأخوات إلا ثلاثة، وحكي ذلك عن معاذ لقول الله تعالى (فإن كان له إخوة فلأمه السدس) وأقل الجمع ثلاثة وروي أن ابن عباس قال لعثمان رضي الله عنهما ليس الأخوان إخوة في لسان قومك فلم تحجب بهما الأم؟ فقال لا أستطيع أن أرد شيئاً كان قبلي ومضى في البلدان وتوارث الناس به ولنا قول عثمان هذا فإنه يدل على الاجماع ثم هو قبل مخالفة ابن عباس ولأن كل حجب تعلق بعدد كان أوله اثنين كحجب البنات بنات الابن والأخوات من الابوين الأخوات من الأب والأخوة يستعمل في الاثنين قال الله تعالى (فان كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) وهذا(7/24)
الحكم ثابت في أخ وأخت ومن أهل اللغة من يجعل الاثنين جمعاً حقيقة ومنهم من يستعمله مجازاً فيصرف إليه بالدليل ولا فرق في حجبها بين الذكر والأنثى لقوله تعالى (إخوة) وهذا يقع على الجميع لقوله تعالى (وإن كانوا إخوة رجالا ونساء) ففسرهم بالرجال والنساء، وأما استحقاقها ثلث الباقي في زوج وأبوين وامرأة وأبوين فهاتان المسئلتان تسمى العمريتين لأن عمر رضي الله عنه قضى بذلك فاتبعه عثمان وزيد بن ثابت وابن مسعود وروي ذلك عن علي، وبه قال الحسن والثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وجعل ابن عباس ثلث المال كله للأم في المسئلتين لأن الله تعالى فرض لها الثلث عند عدم الولد والاخوة وليس ههنا ولد ولا اخوة ويروى ذلك عن علي ويروى عن شريح ذلك في زوج وأبوين، وقال ابن سيرين كقول الجماعة في زوج وأبوين وكقول ابن عباس في امرأة وأبوين وبه قال أبو ثور لأننا لو فرضنا للأم ثلث المال في زوج وأبوين لفضلناها على الأب ولا يجوز ذلك وفي(7/25)
مسألة الزوجة لا يؤدي إلى ذلك واحتج ابن عباس بعموم قوله تعالى (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث) وقوله عليه السلام " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر " والأب ههنا عصبة فيكون له ما فضل عن ذوي الفروض كما لو كان مكانة جد قال شيخنا: والحجة معه لولا انعقاد الاجماع من الصحابة على مخالفته ولأن الفريضة إذا جمعت أبوين وذا فرض كان للأم ثلث الباقي كما لو كان معهم بنت ويخالف الأب الجد لأن الأب في درجتها والجد أعلى منها، وما ذهب إليه ابن سيرين تفريق في موضع أجمع الصحابة على التسوية فيه ثم أنه مع الزوج يأخذ مثل ما أخذت الأم، كذلك مع المرأة قياساً عليه، فأما الحال الرابع وهي إذا كان ولدها منفياً بلعان فإن الرجل إذا لاعن امرأته وانتفى منه ولدها وفرق الحاكم بينهما انتفى ولدها عنه وانقطع تعصيبه من جهة الملاعن فلم يرثه هو ولا أحد من عصباته وترث أمه وذوو الفروض منه فروضهم وينقطع التوارث بين الزوجين لا نعلم بين أهل العلم في هذه المسألة خلافاً فأما إن مات أحدهم قبل تمام(7/26)
اللعان بين الزوجين ورثه الآخر في قول الجمهور، وقال الشافعي إذا أكمل الزوج لعانه لم يتوارثا
وقال مالك إن مات الزوج بعد لعانه فإن لاعنت المرأة لم ترث ولم تحد، وإن لم تلاعن ورثت وحدت وإن ماتت هي بعد لعان الزوج ورثها في قول جميعهم إلا الشافعي فإن تم اللعان بينهما فمات أحدهما قبل تفريق الحاكم بينهما لم يتوارثا في إحدى الروايتين، وهو قول مالك وزفر، وروي نحو ذلك عن الزهري وربيعة والاوزاعي وداود لأن اللعان يقتضي التحريم المؤبد فلم يعتبر في حصول الفرقة به التفريق بينهما كالرضاع (والثانية) يتوارثان ما لم يفرق الحاكم وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه لأن النبي النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين، ولو حصل التفريق باللعان لم يحتج إلى تفريقه وإن فرق الحاكم بينهما قبل تمام اللعان لم تقع الفرقة ولم ينقطع التوارث في قول الجمهور، وقال أبو حنيفة وصاحباه أن فرق بينهما بعد أن تلاعنا ثلاثاً وقعت الفرقة وانقطع التوارث لأنه وجد منهما معظم اللعان وإن فرق بينهما قبل ذلك لم ينقطع التوارث ولم تقع الفرقة.(7/27)
ولنا أنه تفريق قبل تمام اللعان أشبه التفريق قبل الثلاث وهذا الخلاف في توارث الزوجين، فأما الولد فالصحيح أنه ينتفي عن الملاعن إذا تم اللعان بينهما من غير اعتبار تفريق الحاكم لأن انتفاءه بنفيه لا بقول الحاكم فرقت بينكما فإن لم يذكره في اللعان لم ينتف عن الملاعن ولم ينقطع التوارث بينهما، وقال أبو بكر ينتفي بزوال الفراش لأن النبي صلى الله عليه وسلم نفى الولد عن الملاعن وألحقه بأمه ولم يذكره الرجل في لعانه، يحقق ذلك أن الولد كان حملا في البطن فقال النبي صلى الله عليه وسلم " انظروها فإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة حمش الساقين فلا أراه إلا قد كذب عليها، وإن جاءت به جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الاليتين فهو للذي رميت به " فأتت به على النعت المكروه.
(مسألة) (وعصبته عصبة أمه وعنه أنها هي عصبته) اختلف أهل العلم في ميراث الولد المنفي باللعان فروي عن أحمد فيه روايتان.
(إحداهما) : أن عصبته عصبة أمه، نقلها الأثرم، وحنبل يروي ذلك عن علي وابن عباس وابن عمر، وبه قال الحسن(7/28)
وابن سيرين وجابر بن زيد وعطاء والشعبي والنخعي والحكم وحماد والثوري والحسن ابن صالح
إلا أن علياً يجعل ذا السهم من ذوي الأرحام أحق ممن لا سهم له وقدم الرد على غيره.
(والرواية الثانية) : أن الأم عصبته فإن لم تكن فعصبتها عصبته، نقلها أبو الحارث ومهنا، وهذا قول ابن مسعود، وروي عن علي ومكحول والشعبي لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ميراث ابن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها ورواه أيضاً مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وروى واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تحوز المرأة ثلث مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه " وعن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: كتبت إلى صديق لي من أهل المدينة من بني زريق أسأله عن ولد الملاعنة لمن قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إلي إني سألت فأخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى به لأمه هي بمنزلة أبيه وأمه رواهن أبو داود ولأنها قامت مقام أمه وأبيه في انتسابه إليها فقامت مقامهما في حيازة ميراثه ولأن عصبات الأم أدلوا بها(7/29)
فلم يرثوا معها كأقارب الأب معه وكان زيد بن ثابت يورث من ابن الملاعنة كما يورث من غير ابن الملاعنة ولم يجعلها عصبة ابنها ولا عصبتها عصبته، فإن كانت أمة مولاة لقوم جعل الباقي من ميراثها لمولاها فإن لم تكن مولاة جعل لبيت المال، وعن ابن عباس نحوه وبه قال سعيد بن المسيب وعروة وسليمان ابن يسار وعمر بن عبد العزيز والزهري وربيعة وأبو الزناد ومالك وأهل المدينة والشافعي وأبو حنيفة وصاحباه وأهل البصرة إلا أن أبا حنيفة وأهل البصرة جعلوا الرد وذوي الأرحام أحق من بيت المال لأن الميراث إنما يثبت بالنص ولا نص في توريث الأم أكثر من الثلث ولا في توريث أخ من أم أكثر من السدس ولا في توريث أبي الأم وأشباهه من عصبات الأم ولا قياس أيضاً فلا وجه لإثباته ووجه الرواية الأولى قول النبي صلى الله عليه وسلم " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر " وأولى الرجال به أقارب أمه وعن عمر رضي عنه أنه ألحق ولد الملاعنة بعصبة أمه وعن علي رضي الله عنه أنه لما رجم المرأة دعا أولياءها فقال: هذا ابنكم ترثونه ولا يرثكم وان جنى جناية فعليكم، حكاه الإمام أحمد عنه ولأن الأم لو كانت عصبة كأبيه لحجبت إخوته ولأن مولاها مولى أولادها فيجب ان يكون عصبتها عصبته كالأب (مسألة) (فإذا خلف أما وخالا فللأم الثلث بلا خلاف والباقي للخال)(7/30)
لأنه عصبة أمه، وعلى الرواية الأخرى الكل للأم وهذا قول علي وابن مسعود وأبي حنيفة وموافقيه إلا أن ابن مسعود يعطيها إياه لكونها عصبته والباقون بالرد وعن زيد الباقي لبيت المال فإن كان معها أخ لأم فله السدس والباقي له إن قلنا إنه العصبة على الرواية الأولى وعلى الأخرى الكل للام ولا شئ للخال على الروايتين، فإن كان معهما مولى أم فلا شئ له عندنا وقال زيد ومن وافقه وأبو حنيفة الباقي له وإن لم يكن لأمه عصبة إلا مولاها فالباقي له إذا قلنا عصبتها عصبته وعلى الرواية الأخرى هو للأم وهو قول ابن مسعود لأنها عصبة ابنها (فصل) فإن لم يخلف إلا أمه فلها الثلث فرضاً والباقي بالرد وهو قول علي وسائر من يرى الرد وفي الرواية الأخرى لها الباقي بالتعصيب فإن كان مع الأم عصبة لها فهل يكون الباقي لها أو له على روايتين ذكرناهما فان كان لها عصبات فهو لأقربهم منها على الرواية الأولى فإذا كان معها أبوها وأخوها فهو لأبيها فإن كان مكان الأب جد فهو بين أخيها وجدها نصفين فإن كان معهم ابنها وهو اخوه لامه فلا شئ لأخيها ويكون لأمه الثلث ولأخيه السدس ولأخيه الباقي أو ابن أخيه وإن خلف أمه وأخاه وأخته فلكل واحد منهم السدس والباقي لأخيه دون أخته وإن خلف ابن أخيه وبنت أخيه أو خاله(7/31)
وخالته فالباقي للذكر وإن خلف أخته وابن أخته فلأخته السدس والباقي لابن أخته وعلى الرواية الأخرى الكل للأم في هذا الموضع (فصل) ابن ملاعنة مات وترك بنتاً وبنت ابن ومولى أمه الباقي لمولى الأم في قول الجمهور وقال ابن مسعود الرد أولى من المولى فإن كان معهم أم فلها السدس وفي الباقي روايتان (إحداهما) للمولى وهو قول الأكثرين (والثانية) للأم وهو قول ابن مسعود فإن لم يكن معهم مولى فالباقي مردود عليهم في إحدى الروايتين والأخرى هو للأم فإن كان معهم أخ فلا شئ له بالفرض وله الباقي في رواية والأخرى هو للأم، بنت وأخ أو ابن أخ أو خال أو أبو أم أو غيرهم من العصبات للبنت النصف والباقي للعصبة في قول العبادلة وإن كان معها أخ أو أخت أو ابن أخ وأخته أو خال وخالة فالباقي
للذكر وحده في قولهم وقال أبو حنيفة وأصحابه المال للبنت بالفرض والرد ورووا ذلك عن علي عليه السلام أنه جعل ذا السهم أحق ممن لا سهم له وأنه ورث ابن ملاعنة ذوي أرحامه كما يرثون من غيره قال ابن اللبان وليس هذا محفوظاً عن علي إنما المشهور عنه قوله لأولياء المرجومة عن ابنها: هذا ابنكم ترثونه ولا يرثكم فإن جنى جناية فعليكم وفسر القاضي قول أحمد إن لم يكن أم فعصبتها عصبته بتقديم الرد على عصبة الأم كقوله في أخت وابن أخ المال كله للأخت قال شيخنا وهذا تفسير للكلام يضد ما يقتضيه وحمل للفظ على خلاف ظاهره وإنما هذه الرواية كمذهب ابن مسعود ورواية الشعبي(7/32)
عن علي وعبد الله أنهما قالا عصبة ابن الملاعنة أمه ترث ماله أجمع فإن لم يكن أم فعصبتها عصبته: امرأة وجدة وأختان وابن أخ للمرأة الربع وللجدة السدس وللأختين الثلث والباقي لابن الأخ في الروايتين جميعاً، وقال أبو حنيفة الباقي يرد على الأختين والجدة وهو قول القاضي في الرواية الثانية: أبو أم وبنت وابن أخ وبنت أخ الباقي لابن الأخ وحده ويحتمل يكون لأب الأم سدس باقي المال وخمسة أسداسه لابن الأخ، وقال أبو حنيفة المال بين أبي الأم والبنت على أربعة بالفرض والرد (فصل) فإن لم يترك ابن الملاعنة ذا سهم فالمال لعصبة أمه في قول الجماعة وقد روى ذلك عن علي وقال أبو حنيفة وأصحابه هو بين ذوي الأرحام كميراث غيره، ورووه عن علي وذلك مثل خال وخالة وابن أخ وأخته المال للذكر وفي قول أبي حنيفة هو بينهما في المسئلتين نصفين خالة لأب وأم وخال لأب المال للخال وقال أبو حنيفة هو للخالة: خالة وبنت بنت المال بينهما على أربعة، وإذا لم يخلف ابن الملاعنة إلا ذا رحم فحكمهم في ميراثه كحكمهم في ميراث غيره على ما نذكره (فصل) وإذا قسم ميراث ابن الملاعنة ثم أكذب الملاعن نفسه لحقه الولد ونقصت القسمة، وقال أبو حنيفة لا يلحقه النسب بعد موته إلا أن يكونا توأمين مات أحدهما وأكذب نفسه والأخ باق فيلحقه نسب الباقي والميت معا وقد مضى الكلام معه في غير هذا الموضع (فصل) ولو كان المنفي باللعان توأمين ولهما أخ آخر من الزوج لم ينفه فمات أحد التوأمين فميراث توأمه منه كميراث الآخر في قول الجمهور وقال مالك يرثه توأمه كميراث أخ لأبوين لأنه أخوه لأبويه بدليل أن(7/33)
الزوج لو أقر بأحدهما لحقه الآخر وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي ولنا أنهما توأمان لم يثبت لهما أب ينتسبان إليه فأشبها توأمي الزانية ولا خلاف في توأمي الزانية وفارق هذا ما إذا استلحق أحدهما لأنه ثبت باستلحاقه أنه أبوهما (فصل) قولهم أن الأم عصبة ولدها أو أن عصبتها عصبته إنما هو في الميراث خاصة كقولنا في الأخوات مع البنات.
فعلى هذا لا يعقلون عنه ولا تثبت لهم ولاية التزويج ولا غيره هذا قول الأكثرين وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال لأولياء المرجومة في ولدها هذا ابنكم ترثونه ولا يرثكم وإن جنى فعليكم وروى هذا عن عبد الله وإبراهيم ولنا أنهم إنما ينتسبون إليه بقرابة الأم فلم يعقلوا عنه ولم تثبت لهم ولاية التزويج كما لو علم أبوه ولا يلزم من التعصيب في الميراث التعصيب في العقل والتزويج بدليل الأخوات مع البنات، فأما إن أعتق ابن الملاعنة عبداً ثم مات ثم مات المولى وخلف أم مولاه وأخا مولاه احتمل أن يثبت لهما الارث بالولاء لأن التعصيب ثابت وحكي ذلك عن أبي يوسف، وهل يكون للأم أو للأخ؟ على الروايتين، ويحتمل أن لا يثبت لهما ميراث لأن النساء لا يرثن من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من اعتقن فكذلك من يدلي بهن وما ذكرناه للاحتمال الأول يبطل بالأخوات مع البنات ومن عصبهن أخوهن من الإناث (مسألة) (واذا مات ابن الملاعن وخلف أمه وجدته فلأمه الثلث والباقي للجدة على إحدى(7/34)
الروايتين وهذه جدة ورثت مع أم أكثر منها) إذا مات ابن ابن الملاعنة وخلف أمه وأم أبيه فلأمه الثلث والباقي لها بالرد وهذا قول علي وعلى الرواية الأخرى الباقي لأم أبيه لأنها عصبة أبيه وهذا قول ابن مسعود، ويعايابها فيقال: جدة ورثت مع أم أكثر منها وإن خلف جدتيه فالمال بينهما بالفرض والرد على قول علي وفي قول ابن مسعود لهما السدس فرضا بينهما وباقي المال لأم أبيه: أم أم وخال أب، لأم الأم السدس وفي الباقي قولان (أحدهما) أنه لها بالرد (والثاني) لخال الأب وفي قول علي الكل للجدة: خال وعم وخال اب وابوام أب المال للعم لأنه ابن
الملاعنة فإن لم يكن عم فلأبي أم الأب لأنه أبوها فإن لم يكن فلخال الأب فإن لم يكن فللخال لأنه ذو رحمه: بنت وعم للبنت النصف والباقي للعم وفي قول علي الكل للبنت لأنه يقدم الرد على توريث عصبة أمه: بنت وأم وخال المال بين البنت والأم على أربعة بالفرض والرد ولا شئ للخال لأنه ليس بعصبة الملاعنة، ولو كان بدل الخال خال أب كان الباقي له لأنه عصبة الملاعنة، فأما ابن ابن ابن الملاعنة فإذا خلف عمه وعم أبيه فالمال لعمه لأنه عصبته وهذا ينبغي أن يكون إجماعا، وقد قال بعض الناس يحتمل أن يكون عم الأب أولى لأنه ابن الملاعنة وهذا غلط بين لأن العصبات إنما يعتبر أقربهم من الميت لا من آبائه، وإن خلف ثلاث جدات متحاذيات فالسدس بينهن والباقي يرد عليهن في إحدى الروايتين وهو قول علي وفي الثانية لأم أبي أبيه وهو قول ابن مسعود وإن خلف انه وجدته وجدة أبيه فلأمه الثلث(7/35)
ولا شئ لجدته وفي الباقي روايتان (إحداهما) يرد على الأم (والثانية) لجدة أبيه، وإن خلف خاله وخال أبيه وخال جده فالمال لحال جده فإن لم يكن فلخاله ولا شئ لخال أبيه، فأما ولد بنت الملاعنة فليست الملاعنة عصبة لهم في قول الجميع لأن لهم نسباً معروفاً من جهة أبيهم وهو زوج بنت الملاعنة ولو أعتقت بنت الملاعنة عبداً ثم مات المولى وخلفت أم مولاته ورثة مال المولى لأنها عصبة لبنتها والبنت عصبة لمولاها في أحد الوجهين وقد ذكرناهما في ابن الملاعنة (فصل) والحكم في ميراث ولد الزنا في جميع ما ذكرنا كالحكم في ولد الملاعنة على ذكرنا من الأقوال والاختلاف إلا أن الحسن بن صالح قال عصبة ولد الزنا سائر المسلمين لأن أمه ليست فراشاً بخلاف ولد الملاعنة، والجمهور على التسوية بينهما لانقطاع نسب كل واحد منهما من أبيه إلا أن ولد الملاعنة يلحق الملاعن إذا استلحقه وولد الزنا لا يلحق الزاني في قول الجمهور، وقال الحسن وابن سيرين يلحق الواطئ إذا أقيم عليه الحد ويرثه وقال إبراهيم يلحقه إذا جلد الحد أو ملك الموطوءة وقال إسحاق يلحقه وذكر عن عروة وسليمان بن يسار نحوه وروى علي بن عاصم عن أبي حنيفة أنه قال لا أرى بأساً إذا زنى الرجل بالمرأة فحملت منه أن يتزوجها مع حملها ويستر عليها والولد والد له وأجمعوا على أنه إذا ولد على فراش رجل فادعاه أنه لا يلحقه وإنما الخلاف فيما إذا ولد على غير فراش
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (الولد للفراش وللعاهر الحجر) ولأنه لا يلحق به إذا لم يستلحقه(7/36)
فلم يلحق به بحال كما لو كانت أمه فراشاً أو كما لو لم يجلد الحد عند من اعتبره والله أعلم (فصل) قال رحمه الله (وللجدات السدس واحدة كانت أو أكثر إذا تحاذين) قال إبن المنذر أجمع أهل العلم على أن للجدة السدس إذا لم تكن أم للميت وحكى غيره رواية شاذة عن ابن عباس أنها بمنزلة الأم لأنها تدلي بها فقامت مقامها عند عدمها كالجد يقوم مقام الأب ولنا ما روى قبيصة بن ذؤيب قال جاءت الجدة إلى أبي بكر تطلب ميراثها فقال مالك في كتاب الله شئ وما أعلم لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن شيئا ارجعي حتى أسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس فقال هل معك غيرك؟ فشهد له محمد ابن مسلمة فامضاه لها ابو بكر رضي الله عنه، فلما كان عمر رضي الله عنه جاءت الجدة الأخرى فقال مالك في كتاب الله شئ وما كان القضاء الذي قضى به إلا في غيرك وما أنا بزائد في الفرائض شيئاً ولكن هو ذاك السدس فإن اجتمعتما فهو لكما وأيكما خلت به فهو لها، رواه مالك في الموطأ والترمذي وقال حديث حسن صحيح، وأما الجد فلا يقوم مقام الأب في جميع أحواله على ما ذكرناه وأجمع أهل العلم على أن الأم تحجب الجدات من جميع الجهات، وعن بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم رواه أبو داود وهذا يدل على أنها لا ترث معها شيئاً، ولأن الجدة تدلي بالأم فسقطت بها كسقوط الجد بالأب وابن الابن به فأما أم الأب فإنها إنما ترث ميراث(7/37)
أم لأنها أم ولذلك ترث وابنها حي ولو كان ميراثها من جهته ما ورثت مع وجوده (فصل) ولا يزيد ميراثهن على السدس فرضاً وإن كثرن أجمع على هذا أهل العلم لما روينا من الخبر فإن عمر شرك بينهما وروي ذلك عن أبي بكر رضي الله عنه فروي سعيد بإسناده عن القاسم بن محمد قال جاءت الجدتان إلى أبي بكر رضي الله عنه فأعطى أم الأم الميراث دون أم الأب فقال له عبد الرحمن بن سهل بن حارثة وكان شهد بدراً يا خليفة رسول الله أعطيت التي إن ماتت لم يرثها
ومنعت التي لو ماتت ورثها فجعل أبو بكر السدس بينهما، ولأنهن ذوات عدد لا يشاركهن ذكر فاستوى كثيرهن وواحدتهن كالزوجات وإنما يشتركن في السدس إذا تحاذين لتساويهن في الدرجة (فصل) ولا خلاف بين أهل العلم في توريث جدتين أم الأم وأم الأب وكذلك إن علتا وكانتا في القرب سواء كأم أم أم وأم أم أب وحكي عن داود أنه لا يورث أم أم الأب شيئاً لأنه لا يرثها فلا ترثه ولأنها غير مذكورة في الخبر ولنا ما روى سعيد عن ابن عيينة عن منصور عن إبراهيم أن النبي صلى الله عليه وسلم ورث ثلاث جدات ثنتين من قبل الأب وواحدة من قبل الأم وأخرجه أبو عبيد والدارقطني ومن ضرورته أن تكون منهن أم أم الأب أو من هي أعلى منها، وما ذكره داود فهو قياس وهو لا يقول بالقياس ثم هو باطل بأم الأم فإنها ترثه ولا يرثها وقوله ليست مذكورة في الخبر قلنا وكذلك أم أم الأم.
واختلفوا(7/38)
في توريث ما زاد على الجدتين فذهب أبو عبد الله إلى توريث ثلاث جدات من غير زيادة عليهن روى ذلك عن علي وزيد بن ثابت وابن مسعود رضي الله عنه وروى نحوه عن مسروق والحسن وقتادة وبه قال الأوزاعي واسحاق وروي عن سعد بن أبي وقاص ما يدل على أنه لا يورث أكثر من جدتين وحكي أيضاً عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وسليمان بن يسار وطلحة بن عبيد الله ابن عوف وربيعة وابن هرمز ومالك وابن أبي ذئب وأبي ثور وداود وقاله الشافعي في القديم وحكي عن الزهري أنه قال لا نعلم ورث في الاسلام الا جدتين، وحكي عن سعد بن أبي وقاص أنه أوتر بركعة فعابه ابن مسعود فقال سعد أتعيبني وأنت تورث ثلاث جدات وروي عن ابن عباس أنه ورث الجدات وإن كثرن إذا كن في درجة واحدة إلا من أدلت بأب غير وارث كأم أبي الأم قال ابن سراقة وبهذا قال عامة الصحابة إلا شاذاً وإليه ذهب الحسن وابن سيرين والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وهو رواية المزني عن الشافعي وهو ظاهر كلام الخرقي فإنه سمى ثلاث جدات متحاذيات ثم قال وإن كثرن فعلى ذلك ويحتمل قول الخرقي وأن كثرن لا يرث إلا ثلاث جدات وهن المتحاذيات المذكورات بعد كما روي عن أحمد رحمه الله.
واحتجوا بأن الزائدة جدة أدلت بوارث فوجب
أن ترث كإحدى الثلاث.
ولنا حديث سعيد الذي ذكرناه وروى سعيد أيضاً عن إبراهيم أنهم كانوا يورثون من الجدات(7/39)
ثلاثة ثنتين من قبل الأب وواحدة من قبل الأم وهذا يدل على التحديد بثلاث وأنه لا يرث أكثر منهن (مسألة) (فإن كان بعضهن أقرب من بعض فالميراث لأقربهن وعنه أن القربى من جهة الأب لا تحجب البعدى من جهة الأم) أما إذا كانت إحدى الجدتين أم الأخرى فلا خلاف بين أهل العلم في أن الميراث للقربى وتسقط البعدى بها، وإن كانتا من جهتين والقربى من جهة الأم فالميراث لها وتحجب البعدى في قول عامتهم إلا ما روي عن ابن مسعود ويحيى بن آدم وشريك أن الميراث بينهما وعن ابن مسعود أن كاننا من جهتين فهما سواء وإن كانتا من جهة واحدة فهو للقربى يريد أن الجدتين إذا كانتا من جهة الأب إحداهما أم الأب والأخرى أم الجد سقطت أم الجد بأم الأب وسائر أهل العلم على أن القربى من جهة الأم تحجب البعدى من جهة الأب، فأما القربى من جهة الأب فهل تحجب البعدى من جهة الأم؟ فيه روايتان (إحداهما) أنها تحجبها ويكون الميراث للقربى وهذا قول علي عليه السلام وإحدى الروايتين عن زيد وبه قول أبو حنيفة وأصحابه وهو قول أهل العراق وهو قول الشافعي (والرواية الثانية) هو بينهما وهي الرواية الثابتة عن زيد وبه قال مالك والاوزاعي وهو أحد قولي الشافعي لأن الأب الذي تدلي به الجدة لا يحجب الجدة من قبل الأم فالتي تدلي به أولى أن لا يحجبها وبهذا فارقتها القربى من قبل الأم فإنها تدلي بالأم وهي تحجب جميع الجدات ولنا أنها جدة قربى فتحجب البعدى كالتي من قبل الأم ولأن الجدات أمهات يرثن ميراثاً واحداً(7/40)
من جهة واحدة فإذا اجتمعن فالميراث لأقربهن كالآباء والأبناء والأخوة وكل قبيل إذا اجتموا فالميراث للأقرب وقولهم أن الأب لا يسقطها قلنا لأنهن لا يرثن ميراثه وإنما يرثن ميراث الأمهات لكونهن أمهات ولذلك أسقطتهن الأم والله أعلم (مسائل) (من ذلك أم أم وأم أم أب فالمال للأولى إلا في قول ابن مسعود هو بينهما، أم أب
وأم أم أم المال للأخرى في إحدى الروايتين وهو قول الخرقي وفي الأخرى هو بينهما، أم أب وأم أم وأم جد المال للأوليين في قول الجميع إلا شريك ومن وافقه هو بينهن أم أب وأم أم وأم أم أم وأم أبي أب هو للأوليين في قول الجميع (مسألة) (ولا يرث أكثر من ثلاث جدات أم الأم وأم الأب وأم الجد ومن كان من أمهاتهن وإن علت درجتهن) فلهن السدس إذا تحاذين في الدرجة لما روى سعيد بإسناده عن إبراهيم أن النبي صلى الله عليه وسلم ورث ثلاث جدات ثنتين من قبل الأب وواحدة من قبل الأم وقال إبراهيم كانوا يورثون ثلاث جدات وهذا يدل على أنه لا يرث أكثر من ثلاث وفي ذلك اختلاف ذكرناه فأما أم أبي الأم فلا ترث لأنها تدلي بغير وارث وكذلك كل جدة تدلي بغير وارث وهذا إجماع من أهل العلم إلا ما حكي عن بن عباس وجابر بن زيد ومجاهد وابن سيرين أنهم قالوا ترث وهو قول شاذ لا نعلم اليوم به قائلاً لأنها تدلي بغير وارث فلم ترث كالأجانب وأما أم أبي الجد ومن أدلت بأكثر من ثلاثة آباء وهؤلاء الجدات المختلف فيهن وقد ذكرنا ذلك(7/41)
(أمثلة ذلك) ذلك أم أم، وأم أب السدس بينهما إجماعاً) أم أم أم، وأم أم أب وأم أبي أب وأم أبي أم السدس للثلاث الأول إلا عند مالك وموافقيه فإنه للأوليين، وعند داود هو للأولى وحدها ولا ترث الرابعة إلا في القول الشاذ عن ابن عباس وموافقيه، أم أم أم أم، وأم أم أم أب، وأم أم أبي أب، وأم أبي أبي أب، وأم أم أبي أم وأم أبي أم أم، وأم أبي أبي أم، وأم أبي أم أب، السدس للأولى عند داود، وللأوليين عند مالك وموافقيه، وللثلاث الأول عند أحمد وموافقيه، وللأربع الأول عند أبي حنيفة وموافقيه وتسقط الابع الباقيات إلا في الرواية الشاذة، وفي الجملة لا يرث من قبل الأم إلا واحدة، ولا من قبل الأب إلا اثنتان، وهما اللتان جاء ذكرهما في الخبر إلا عند أبي حنيفة وموافقيه فإنهما كلما علون درجة ازداد في عددهن من قبل الأب واحدة.
(مسألة) (والجدات المتحاذيات أم أم أم، وأم أم أب، وأم أبي أب، وإن كثرن فعلى ذلك) يعني بالتحاذيات المتساويات في الدرجة بحيث لا تكون واحدة أعلى من الأخرى ولا أنزل منها
لأن الجدات إنما يرثن كلهن إذا كن في درجة واحدة ومتى كان بعضهن أقرب من بعض فالميراث لأقربهن، وفيه اختلاف ذكرناه فإذا قيل نزل جدتين وارثتين على أقرب المنازل فهما أم أم، وأم أب، وإن قيل نزل ثلاثاً فهن أم أم أم، وأم أم أب، وأم أبي أب، واحدة من قبل الأم واثنتان من قبل الأب وفي درجتهما أخرى من قبل الأم غير وارثة وهي أم أبي أم ولا يرث أبداً من قبل الأم إلا(7/42)
واحدة وهي التي كل نسبها أمهات لا أب فيهن فاحفظ ذلك فإن قيل نزل أربعاً فهن أم أم أم أم، وأم أم أم أب، وأم أم أبي أب، وفي درجتهن أربع غير وارثات، وقد ذكرناهن فيما قبل إلا أن أحمد لا يورث أكثر من ثلاث جدات وهن الثلاث الأول، ومن قال بتوريث زيادة على الثلاث ورث في الدرجة الرابعة أربعاً، وفي الخامسة خمساً، وفي السادسة ستاً، وهو قول أبي حنيفة وموافقيه، فإذا أردت تنزيل الجدات الوارثات وغيرهن فاعلم أن للميت في الدرجة الأولى جدتين: أم أمه، وأم أبيه، وفي الثانية أربع لأن لكل واحد من أبويه جدتين فهما أربع بالنسبة إليه.
وفي الثالثة ثمان لأن لكل واحد من أبويه أربعاً على هذا الوجه يكون لولدهما ثمان وعلى هذا كلما علون تضاعف عددهن ولا يرث منهن عند أحمد إلا ثلاث.
(مسألة) (وترث الجدة وابنها حي وعنه لا ترث) وجملته أن الجدة من قبل الأب إذا كان ابنها حياً وارثاً فإن عمر وابن مسعود وأبا موسى وعمران ابن حصين وأبا الطفيل رضي الله عنهم ورثوها مع ابنها، وبه قال شريح والحسن وابن سيرين وجابر ابن زيد والعنبري وإسحاق وابن المنذر، وهو ظاهر مذهب أحمد وقال زيد بن ثابت لا ترث وروي ذلك عن عثمان وعلي رضي الله عنهما، وبه قال مالك والثوري والاوزاعي وسعيد بن عبد العزيز والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، وهو رواية عن احمد رواه عنه جماعة من أصحابه ولا خلاف في توريثها مع ابنها إذا كان عماً أو عم أب لأنها لا تدلي به واحتج من أسقطها بابنها بأنها تدلي به ولا ترث معه كالجد مع الأب وأم الأم مع الأم(7/43)
ولنا ما روى ابن مسعود رضي الله عنه قال أول جدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم السدس أم أب مع ابنها وابنها حي، أخرجه الترمذي ورواه سعيد بن منصور إلا أن لفظه أطعمت السدس أم أب مع ابنها وقال ابن سيرين أول جدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم السدس أم أب مع ابنها ولأن الجدات أمهات يرثن ميراث الأم لا ميراث الأب فلا يحجبن به كأمهات الأم (مسائل) (أم أب وأب السدس لها والباقي للأب وعلى القول الآخر الكل له دونها) أم أم وأم أب السدس بينهما على القول الأول وعلى الثاني السدس لأم الأم والباقي للأب وقيل لأم الأم نصف السدس والباقي للأب لأن الأب لو عدم لم يكن لأم الأم إلا نصف السدس فلا يكون لها مع وجوده إلا ما يكون لها مع عدمه والأول أصح لأن الأخوة مع الأبوين يحجبون الأم عن نصف ميراثها ولا يأخذون ما حجبوها عنه بل يتوفر ذلك على الأب كذا ههنا ثلاث جدات متحاذيات وأب السدس بينهن على القول الأول ولأم الأم على القول الثاني وعلى الثالث لأم الأم ثلث السدس والباقي للأب فإن كان مع المتحاذيات جد لم يحجب إلا مع أب، وأم أب، وأم أم أم السدس لأم الأب ومن حجب الجدة بابنها أسقط أم الأب ثم اختلف القائلون بذلك فقيل السدس كله لأم أم الأم لأن التي تحجبها أو تزاحمها قد سقط حكمها فصارت كالمعدومة وقيل بل لها نصف السدس على قول زيد لأنه(7/44)
يورث البعدى من جهة الأم مع القربى من جهة الأب فكان لها نصف السدس وقيل لا شئ لها لأنها انحجبت بأم الأب ثم انحجبت أم الأب بالأب فصار المال كله للأب.
(مسألة) (فان اجتمعت جدة ذات قرابتين مع أخرى فقياس قول أحمد أن السدس بينهما أثلاثاً لذات القرابتين ثلثاه وللأخرى ثلثه) كذلك قال أبو الحسن التميمي وابو عبد الله الوني ولعلهما أخذا ذلك من قوله في توريث المجوس بجميع قراباتهم وهذا قول يحيى بن آدم والحسن بن صالح ومحمد ابن الحسن والحسن بن زياد وزفر وشريك وقال الثوري والشافعي وأبو يوسف السدس بينهما نصفين وهو قياس قول مالك لأن القرابتين اذا كانا من جهة واحدة لم ترث بهما جميعاً كالأخ من الأب والأم ولنا أنها شخص ذو قرابتين ترث بكل واحدة منهما منفردة لا ترجح بهما على غيرها فوجب أن
ترث بكل واحد منهما كابن العم اذا كان أخاً لأم أو زوجاً وفارق الأخ من الأبوين فإنه يرجح بقرابتيه على الأخ من الأب ولا يجمع بالترجيح بين القرابة الزائدة والتوريث بهما فإذا وجد أحدهما انتفى الآخر ولا ينبغي أن يخل بهما جميعا بل إذا انتفى احدهما وجد الآخر وههنا قد انتفى الترجيح فيثبت التوريث وصورة ذلك أن يتزوج ابن ابن المرأة بنت بنتها فيولد لهما ولد فتكون المرأة أم أم أمه وهي أم أبي أبيه وان يتزوج ابن بنتها بنت بنتها فهي أم أم أمه أو أم أم أبيه فإن أدلت الجدة بثلاث(7/45)
جهات ترث بها لم يمكن أن يجمع معها جدة أخرى وارثة عند من لا يورث أكثر من ثلاث.
(فصل) قال رحمه الله (وللبنت الواحدة النصف) لا خلاف في ذلك بين علماء المسلمين لقول الله تعالى فإن كانت واحدة فلها النصف ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في بنت وبنت ابن وأخت أن للبنت النصف ولبنت الابن السدس وما بقي فللأخت وإن كانتا ابنتين فصاعدا فلهما الثلثان، أجمع أهل العلم على أن فرض البنتين الثلثان إلا رواية شذت عن ابن عباس أن فرضهما النصف لقول الله تعالى (فان كن نسا فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) فمفهومه أن ما دون الثلث ليس لهما الثلثان والصحيح قول الجماعة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأخي سعد بن الربيع " أعط ابنتي سعد الثلثين " وقال الله تعالى في الأخوات (فإن كانتا ثنتين فلهما الثلثان مما ترك وهذا تنبيه على أن للبنتين الثلثين لأنهما أقرب ولأن كل من يرث منهم الواحد النصف فللإثنين منهما الثلثان كالأختين من الأبوين أو من الأب وكل عدد يختلف فرض أحدهم وجماعتهم فللاثنين منهم مثل فرض الجماعة كولد الأم فأما الثلاث من البنات فما زاد فلا خلاف في أن فرضهن الثلثان وأنه ثابت بقول الله تعالى (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) واختلفت فيما ثبت به فرض الاثنتين فقيل بهذه الآية والتقدير فإن كن اثنتين وفوق صلة كقوله تعالى (فاضربوا فوق الأعناق) أي اضربوا الأعناق وقيل معناه فإن كن نساء اثنتين فما فوق وقد دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه الآية لأجل(7/46)
سعد بن الربيع " أعط ابنتي سعد الثلثين " وهذا من النبي صلى الله عليه وسلم تفسير للآية وبيان لمعناها
والفظ إذا فسر كان الحكم ثابتاً بالمفسر لا بالتفسير ويدل على ذلك أيضاً أن سبب نزول الآية قصة ابنتي سعد بن الربيع وسؤال أمهما عن شأنهما في ميراث أبيهما وقيل ثبت بهذه السنة الثابتة وقيل بل ثبت بالتنبيه الذي ذكرناه وقيل بل ثبت بالإجماع وقيل بالقياس وفي الجملة فهذا حكم قد أجمع عليه وتواترت عليه الأدلة التي ذكرناها فلا يضرنا أيها أثبته (مسألة) (وبنات الابن بمنزلة البنات إذا لم يكن بنات) أجمع أهل العلم على أن بنات الابن بمنزلة البناث عند عدمهن في ارثهن وحجبهن لمن يحجبه البنات وفي جعل الأخوات معهن عصبات إلا ما روي عن ابن عباس أنه كان لا يورث الاخوت مع البنات وفي أنهن إذا استكملن الثلثين سقط من أسفل منهن من بنات ابن الابن وغير ذلك والأصل في ذلك قول الله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف) وولد البنين أولاد لقوله تعالى (يا بني آدم) يخاطب بذلك أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقال (يا بني إسرائيل) يخاطب بذلك من في عصر النبي صلى الله عليه وسلم منهم.
وقال الشاعر: بنونا بنو أبنائنا وبناتنا * * * * بنوهن أبناء الرجال الأجانب(7/47)
(مسألة) (فإن كانت بنت وبنات ابن فللبنت النصف ولبنات الابن واحدة كانت أو أكثر من ذلك السدس تكملة الثلثين إلا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين) أما استحقاق البنت الواحدة النصف فلا خلاف فيه، وقد ذكرناه فإن كان معها بنت ابن أو أكثر فلها النصف ولبنات الابن السدس تكملة الثلثين وهذا مجمع عليه أيضاً، وقد دل عليه قوله تعالى (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف) ففرض للبنات كلهن الثلثين وبنات الصلب وبنات الابن كلهن نساء من الأولاد فكان لهن الثلثان بفرض الكتاب لا يزدن عليه واختصت بنت الصلب بالنصف لأنه مفروض لها والاسم يتناولها حقيقة فبقي السدس لبنات الابن وهو تمام الثلثين ولهذا قال الفقهاء لهن السدس تكملة الثلثين قد روى هزيل بن شرحبيل الأودي قال سئل أبو موسى عن ابنة وابنة ابن وأخت فقال للابنة
النصف وما بقي فللأخت فأتى ابن مسعود فأخبره بقول أبي موسى فقال لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين ولكن أقضي فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم للابنة النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود فقال لا تسألوني عن شئ مادام هذا الحبر فيكم متفق عليه بنحو هذا المعنى (فصل) فإذا كان مع بنات الابن ذكر في درجتهن فإنه يعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين(7/48)
في قول جمهور الفقهاء من الصحابة ومن بعدهم إلا ابن مسعود ومن تابعه فإنه خالف الصحابة فيها وهذه المسألة انفرد بها عن الصحابة فقال لبنات الابن الا ضربهن من المقاسمة أو السدس فإن كان السدس أقل مما يحصل لهن بالمقاسمة فرضه لهن وأعطى الباقي للذكر، وإن كان الحاصل لهن بالمقاسمة أقل قاسم بهن وبنى ذلك على أصله في أن بنت الابن لا يعصبها أخوها إذا استكمل البنات الثلثين إلا أنه ناقص في المقاسمة إذا كانت أضر بهن وكان ينبغي أن يعطيهن السدس على كل حال ولنا قول الله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) ولأنه يقاسمهما لو لم يكن غيرهما فقاسمهما مع بنت الصلب كما لو كانت المقاسمة أضربهن ولا يصح أصله الذي بنى عليه كما قدمنا (مسألة) (وإن استكمل البنات الثلثين سقط بنات الابن إلا أن يكون معهن أو أنزل منهن ذكر فيعصبهن فيما بقي) أجمع أهل العلم على ذلك لأن الله تعالى لم يفرض للأولاد إذا كانوا نساء إلا الثلثين قليلات كن أو كثيرات وهؤلاء لم يخرجن عن كونهن نساء من الأولاد وقد ذهب الثلثان لولد الصلب فلم يبق لهن شئ ولا يمكن أن يشاركن بنات الصلب لأنهن دون درجتهن فإن كان مع بنات الابن ابن في درجتهن كأخيهن أو ابن عمهن أو أنزل منهن كابن أخيهن أو ابن ابن عمهن أو ابن ابن ابن عمهن عصبهن في الباقي فجعل بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين وهذا قول عامة العلماء يروي ذلك عن علي وزيد وعائشة(7/49)
رضي الله عنهم، وبه قال مالك والثوري والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي وبه قال سائر الفقهاء
إلا ابن مسعود ومن تبعه فإنه خالف الصحابة في ست مسائل من الفرائض هذه احداهن فجعل الباقي للذكر دون أخواته وهو قول أبي ثور لأن النساء من الأولاد لا يرثن أكثر من الثلثين بدليل ما لو انفردن وتوريثهن ههنا يفضي إلى توريثهن أكثر من ذلك ولنا قول الله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) وهؤلاء يدخلون في عموم هذا اللفظ بدليل تناوله لهم لو لم يكن بنات وعدم البنات لا يوجب لهم هذا الاسم ولأن كل ذكر وأنثى يقتسمان المال إذا لم يكن معهم ذو فرض يجب أن يقتسما الفاضل عنه كأولاد الصلب والاخوة مع الأخوات وما ذكروه فهو في الاستحقاق للفرض فأما في مسئلتنا فإنما يستحقون بالتعصيب فكان معتبراً بأولاد الصلب والاخوة والأخوات ثم يبطل ما ذكروه بما إذا خلف ابنا وست بنات فانهن يأخذن ثلاثة أرباع المال، وإن كن ثمانياً أخذن أربعة أخماسه وإن كن عشراً أخذت خمسة أسداسه وكلما زدن في العدد زاد استحقاقهن (فصل) وحكم بنات ابن الابن مع بنات الابن حكم بنات الابن مع بنات الصلب في جميع ما ذكرنا في هاتين المسئلتين وفي أنه متى استكمل من فوق السفلى الثلثين سقطت إذا لم يكن لها من يعصبها سواء كمل الثلثان لمن في درجة واحدة أو للعليا والتي تليها، وكذلك كل من نزلت درجته مع من هو أعلى منه.
(فصل) وفروض الأخوات من الأبوين كفرض البنات سواء إلا أنه لا يعصبهن إلا أخوهن(7/50)
يعني أن للواحدة من الأخوات للأبوين النصف وللأختين فما زاد الثلثان، فإن كانت الأخت لأبوين وأخت أو أخوات لأب فلهن باقي الثلثين وذلك السدس تكملة الثلثين كبنات الابن مع البنات فيما ذكرنا، وإن لم يكن للميت أخوات لأبوين وكان له أخوات لأب فلهن حكمهن للواحدة النصف وللأختين فما زاد الثلثان وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم، فإن استكمل الأخوات للأبوين الثلثين سقط الأخوات للأب إلا أن يكون معهن أخوهن فيعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين وخالف ابن مسعود في ذلك ومن تبعه من سائر الصحابة والفقهاء فقال إذا استكمل الأخوات للأبوين الثلثين فالباقي للذكور من
ولد الأب دون الإناث فإن كانت أخت لأبوين واخوة وأخوات لأب جعل للإناث من ولد الاب الا ضربهن من المقاسمة أو السدس وجعل الباقي للذكور كما فعل في ولد الابن مع البنات وقد ذكرناه وأما فرض الثلثين للأختين فصاعدا والنصف للواحدة المفردة فثابت بقول الله تعالى (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك) وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك) والمراد بهذه الآية ولد الأبوين وولد الأب بإجماع أهل العلم، وعن جابر قال: قالت يا رسول الله كيف أصنع في مالي ولي أخوات؟ قال فنزلت آية الميراث (يستفتونك قل الله يفتيكم) الآية رواه أبو داود وروي أن جابراً اشتكى وعنده سبع أخوات فقال النبي صلى الله عليه وسلم " قد أنزل الله عزوجل في أخواتك فبين لهن الثلثين وما زاد على الاثنتين في حكمهما " لأنه إذا كان للأختين الثلثان فالثلاث أختان فصاعدا وأما سقوط الأخوات من الأب باستكمال ولد الأبوين الثلثين فلأن الله تعالى إنما فرض للأخوات الثلثين فإذا أخذه ولد الأبوين لم يبق مما فرضه(7/51)
الله للاخوات شئ يستحقه ولد الأب فإن كانت واحدة من أبوين فلها النصف بنص الكتاب وما بقي من الثلثين المفروضة للأخوات سدس يكمل به الثلثان فيكون للأخوات للأب ولذلك قال الفقهاء لهن السدس تكملة الثلثين فإن كان ولد الأب ذكوراً وإناثاً فالباقي بينهم لقول الله تعالى (وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) ولا يفارق ولد الأب مع ولد الأبوين ولد الابن مع ولد الصلب إلا في أن بنت الابن يعصبها ابن أخيها وهو أنزل منها وابن عمها والأخت من الأب لا يعصبها إلا أخوها فلو استكمل الأخوات من الابوين اثنتين وثم الأخوات لأب وابن أخ لهن لم يكن للأخوات للاب شئ وكان الباقي لابن الأخ لأن ابن الابن وإن نزل ابن وابن الأخ ليس بأخ (مسألة) (والأخوات مع البنات عصبة يرثن ما فضل كالأخوة وليست لهن معهن فريضة مسماة) المراد بالأخوات ههنا الأخوات من الأبوين أو من الأب لأن ولد الأم يسقطن بالولد وولد الابن وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى وهذا قول عامة أهل العلم يروي ذلك عن عمر وعلي وزيد وابن مسعود ومعاذ وعائشة رضي الله عنهم وإليه ذهب عامة الفقهاء إلا ابن عباس ومن تابعه فإنه روي عنه
أنه لا يجعل الأخوات مع البنات عصبة وقال في بنت وأخت للبنت النصف ولا شئ للأخت فقيل له ان عمر قضى بخلاف ذلك جعل للأخت النصف فقال ابن عباس أنتم أعلم أم الله؟ يريد قوله سبحانه وتعالى (إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك) فإنما جعل لها الميراث بشرط عدم الولد والحق فيما ذهب إليه الجمهور فإن ابن مسعود قال في بنت وبنت ابن وأخت لأقضين فيها بقضاء(7/52)
رسول الله صلى الله عليه وسلم للبنت النصف ولبنت الابن السدس وما بقي فللأخت رواه البخاري وغيره واحتجاج ابن عباس لا يدل على ما ذهب إليه بل يدل على أن الأخت لا يفرض لها النصف مع الولد ونحن نقول به فان ما يأخذه مع البنت ليس بفرض وإنما هو بالتعصيب كميراث الأخ وقد وافق ابن عباس على ثبوت ميراث الأخ مع الولد مع قوله تعالى (وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) وعلى قياس قوله ينبغي أن يسقط الأخ لاشتراطه في توريثه منها عدم الولد وهو خلاف الاجماع.
ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المبين لكلام الله تعالى وقد جعل للأخت مع البنت وبنت الابن الباقي عن فرضهما وهو الثلث ولو كان ابنتان وبنت ابن سقطت بنت الابن وكان للأخت الباقي وهو الثلث فإن كان معهم أم فلها السدس ويبقى للأخت السدس فإن كان بدل الأم زوج فالمسألة من اثني عشر للزوج الربع وللبنتين الثلثان وبقي للأخت نصف السدس فإن كان معهم أم عالت إلى ثلاثة عشر وسقطت الأخت (فصل) وللواحد من ولد الأم السدس ذكراً كان أو أنثى فإن كانا اثنين فصاعداً فلهم الثلث بينهم بالسوية أما استحقاق الواحد من ولد الأم السدس فلا خلاف فيه ذكراً كان أو أنثى لقول الله تعالى (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) يعني ولد الأم بإجماع أهل العلم وفي قراءة سعد وعبد الله (وله أخ أو أخت من أم) وأما التسوية بين ولد الأم فلا نعلم فيه خلافاً إلا رواية شذت عن ابن عباس أنه فضل الذكر على الأنثى لقول الله (فهم شركاء في الثلث) وقال في آية أخرى (وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) ولنا قول الله تعالى (وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس) فسوى بين الذكر والأنثى(7/53)
وقوله (فهم شركاء في الثلث) من غير تفضيل يقضي التسوية بينهم كما لو وصى لهم بشئ أو أقر لهم به، وأما الآية الأخرى فالمراد بها ولد الأبوين وولد الأب بدليل أنه جعل للواحدة النصف وللاثنين الثلثين وجعل الأخ يرث أخاه الكل وهذا مجمع عليه فلا عبرة بقول شاذ (فصل) في الحجب قال رحمه الله (يسقط الجد بالأب وكل جد بمن هو أقرب منه) قال إبن المنذر أجمع أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الجد أبا الأب لا يحجبه عن الميراث غير الأب وكذلك كل جد يسقط بمن هو أقرب منه لأنه يدلي به فهو كإسقاط الجد بالأب وتسقط الجدات بالأم.
قال إبن المنذر أجمع أهل العلم على أن للجدة السدس إذا لم يكن للميت أم ولأنهن أمهات فسقطن بالأم كما يسقط الأب الجد ويسقط ولد الابن بالابن لأنه إن كان أباه فهو يدلي وإن كان عمه فهو أقرب منه فسقط به كما يسقط الجد بالأب وإن كان عمه فهو أقرب منه لقوله عليه الصلاة والسلام " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر " (مسألة) (ويسقط ولد الأبوين بثلاثة بالابن وابنه والأب) أجمع أهل العلم على ذلك بحمد الله ذكره ابن المنذر وغيره والأصل في هذا قوله تعالى (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن(7/54)
لها ولد) الآية والمراد بذلك الاخوة والأخوات من الأبوين أو من الأب بغير خلاف بين أهل العلم وقد دل ذلك على قوله تعالى (وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) وهذا حكم العصبة فاقتضت الآية أنهم لا يرثون مع الولد والوالد لأن الكلالة من لا ولد له ولا والد خرج من ذلك البنات والأم لقيام الدليل على ميراثهم معهما بقي فيما عداهما على ظاهره فيسقط ولد الأبوين ذكرهم وأنثاهم بالثلاثة المذكورين وإن نزل ولد الابن وهم الأب لأنهم يدلون به والابن لأنهم يأخذون الفاضل عن فرض البنات والابن لا يفضل عنه شئ، وكذلك ابن الابن وإن نزل لأنه ابن ويسقط ولد الأب بهؤلاء الثلاثة وبالأخ من الأبوين لما روى علي رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية وأن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني الغلات يرث الرجل أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه.
أخرجه الترمذي
(مسألة) (ويسقط ولد الأم بأربعة بالولد ذكراً كان أو أنثى وولد الابن والأب والجد) أجمع على هذا أهل العلم فلا نعلم احدا خالف فيه إلا رواية واحدة شذت عن ابن عباس في أبوين وأخوين لأم للأم الثلث وللأخوين الثلث وقيل عنه لهما ثلث الباقي وهذا بعيد جداً فإنه يسقط الاخوة كلهم بالجد فكيف يورثهم مع الأب؟ ولا خلاف بين سائر أهل العلم في أن ولد الأم يسقطون بالجد فكيف يورثون مع الأب؟ والأصل في هذه الجملة قول الله تعالى (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) والمراد بهذه(7/55)
الآية الأخ والأخت من الأم بإجماع أهل العلم.
وفي قراءة سعد بن أبي وقاص (وله أخ أو أخت من أم) والكلالة في قول الجمهور من ليس له ولد ولا والد فشرط توريثهم عدم الولد والوالد والولد يشتمل على الذكر والأنثى والوالد يشمل الأب والجد وولد الابن ولد (فصل) واختلف أهل العلم في الكلالة فقيل الكلالة اسم للورثة ما عدا الوالدين والمولودين نص عليه أحمد وروي عن أبي بكر رضي الله عنه انه قال الكلالة من عدا الوالد والولد واحتج من ذهب إلى هذا بقول الفرزدق في بني أمية: ورثتم قناة المجد لان عن كلالة * * * * عن ابني مناف عبد شمس وهاشم واشتقاقه من الاكليل الذي يحيط بالرأس ولا يعلو عليه فكان الورثة ما عدا الولد والوالد وقد أحاطوا بالميت من حوله لا من طرفيه أعلاه وأسفله كإحاطة الاكليل بالرأس فأما الولد والوالد فهما طرفا الرجل فإذا ذهبا كان بقية النسب كلالة قال الشاعر: فكيف بأطرافي إذا ما شتمتني؟ * * * * وما بعد شتم الوالدين صلوح وقالت طائفة الكلالة الميت نفسه الذي لا ولد له ولا والد يروي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وقيل الكلالة قرابة الأم واحتجوا ببيت الفرزدق الذي أنشدناه عنى إنكم ورثتم الملك عن آبائكم لا عن أمهاتكم ويروى عن الزهري أنه قال الميت الذي لا ولد له ولا والد كلالة ويسمى وارثة كلالة(7/56)
والآيتان في سورة النساء المراد بالكلالة فيهما الميت ولا خلاف في أن اسم الكلالة يقع على الاخوة من الجهات كلها وقد دل على صحة ذلك قول جابر يا رسول الله كيف الميراث؟ إنما يرثني كلالة فجعل الوارث هو الكلالة ولم يكن لجابر يومئذ ولد ولا والد، وممن ذهب إلى أنه يشترط في الكلالة عدم الولد والوالد زيد وابن عباس وجابر بن زيد والحسن وقتادة والنخعي وأهل المدينة والبصرة والكوفة ويروى عن ابن عباس أنه قال الكلالة من لا ولد له، ويروى ذلك عن عمر والصحيح عنهما قول الجماعة (باب العصبات) العصبة الوارث بغير تقدير وإذا كان معه ذو فرض أخذ ما فضل عنه قل أو كثر وإن انفرد أخد المال كله وإن استغرقت الفروض المال سقط، وهم كل ذكر من الأقارب ليس بينه وبين الميت أنثى وهم عشرة: الابن وابنه والاب وأبوه الاخ وابنه إلا من الأم، والعم وابنه كذلك ومولى النعمة ومولاة النعمة، وأحقهم بالميراث أقربهم ويسقط من بعد لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر " متفق عليه وأخرجه الترمذي.
وفي رواية " ما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر "(7/57)
وأقربهم الابن ثم ابنه وإن نزل لأن الله سبحانه قال (يوصيكم الله في أولادكم) والعرب تبدأ بالأهم فالأهم، ثم الأب لأن سائر العصبات يدلون به، ثم الجد أبو الأب وإن علا لأنه أب ما لم يكن أخوة لأب أو لأبوين فإن اجتمعوا فلهم فصل مفرد قد ذكرناه وذكرنا اختلاف أهل العلم في ذلك وفي كيفية توريثهم، معه ثم بنو الأب وهم الأخوة، ثم بنوهم وإن نزلوا، ثم بنو الجد وهم الأعمام وإن نزلوا ثم أعمام الأب ثم أبناؤهم ثم أعمام الجد ثم أبناؤهم كذلك أبداً لا يرث بنو أب أعلى مع بني أب أقرب منهم وإن نزلت درجتهم لما ذكرنا من الحديث، وأولى ولد كل أب أقربهم إليه فإن استووا فأولاهم من كان لأبوين لما ذكرنا من حديث علي رضي الله عنه وهذا كله مجمع عليه.
(مسألة) (فإذا انقرض العصبة من النصب ورث المولى المعتق ثم عصباته الأقرب فالأقرب) لقوله عليه الصلاة والسلام " إنما الولاء لمن أعتق " وسنذكره في بابه إن شاء الله تعالى
(مسألة) (وأربعة من الذكور يعصبون أخواتهم فيمنعونهن الفرض ويقتسمون ما ورثوا للذكر مثل حظ الأنثيين وهم الابن وابنه والأخ من الأبوين والأخ من الأب ومن عداهم من العصبات) ينفرد الذكور بالميراث دون الإناث وهم بنو الأخوة والأعمام وبنوهم وذلك لقول الله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) فهذه الآية تناولت الأولاد وأولاد الابن وقال تعالى (فإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) فتناولت ولد الأبوين وولد الأب(7/58)
وإنما اشتركوا لأن الرجال والنساء كلهم وارث فلو فرض للنساء فرض أفضى الى تفضيل الأنثى على الذكر أو مساواتها إياه أو اسقاط بالكلية فكانت المقاسمة أولى وأعدل، وسائر العصبات ليس أخواتهم من اهل الميراث فإنهن لسن بذوات فرض ولا يرثن منفردات فلا يرثن مع أخوتهن شيئاً وهذا لا خلاف فيه بحمد الله ومنه (مسألة) (وابن ابن الابن يعصب من بازائه من أخواته وبنات عمه وبنات عم أبيه على كل حال إذا لم يكن لهن فرض ويسقط من هو أنزل منه كبناته وبنات أخيه وبنات ابن عمه وكلما نزلت درجته زاد فيمن يعصبه قبيل آخر) فلو خلف الميت خمس بنات ابن بعضهن أنزل من بعض لا ذكر معهن وعصبة كان للعليا النصف وللثانية السدس وسقط سائرهن والباقي للعصبة وإن كان مع العليا أخوها أو ابن عمها فالمال بينهما على ثلاثة وسقط سائرهن، وإن كان مع الثانية عصبة كان للعليا النصف والباقي بينه وبين الثانية على ثلاثة وإن كان مع الثالثة فللعليا النصف وللثانية السدس والباقي بينه وبين الثالثة وإن كان مع الربعة فللعليا النصف وللثانية السدس والباقي بينه وبين الثالثة والرابعة على أربعة، وإن كان مع الخامسة فالباقي بعد فرض الاولى والثانية بينه وبين الثالثة والرابعة والخامسة على خمسة وتصح من ثلاثين، وإن كان أنزل من الخامسة فكذلك قال شيخنا ولا أعلم في هذا خلافاً بين القائلين بتوريث بنات الابن مع بني الابن بعد استكمال الثلثين(7/59)
(مسألة) (ومتى كان بعض بني الأعمام زوجا أو أخا لأم أخذ فرضه وشارك الباقين في تعصيبهم)
وجملة ذلك أنه إذا كان ابنا عم أحدهما أخ لأم فللأخ للأم السدس والباقي بينهما نصفين هذا قول جمهور الفقهاء.
يروى عن عمر رضي الله عنه ما يدل على ذلك ويروى ذلك عن علي وزيد وابن عباس وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي ومن تبعهم، وقال ابن مسعود المال للذي هو أخ من أم، وبه قال شريح والحسن وابن سيرين وعطاء والنخعي وابو ثور لأنهما استويا في قرابة الأب وفضله هذا بأم فصارا كأخوين أو عمين أحدهما لأبوين والآخر لأب ولأن ابن العم لأبوين يسقط ابن العم للأب كذلك هذا فإذا كان قربه بكونه من ولد الجدة قدمه فكونه من ولد الأم أولى ولنا أن الإخوة من الأم يفرض له بها إذا لم يرث بالتعصيب وهو إذا كان معه أخ من أبوين أو من أب أو عم وما يفرض له به لا يرجح به كما لو كان أحدهما زوجا، ويفارق الأخ من الأبوين والعم وابن العم اذا كانا من أبوين فإنه لا يفرض له بقرابة أمه شئ فرجح به ولا يجتمع في إحدى القرابتين ترجيح وفرض (فصل) فإن كان معهما أخ لأب فللأخ من الأم السدس والباقي للأخ من الأب وكذلك إن كان معهما أخ لأبوين فإن كان ابن عم لأبوين وابن عم هو اخ لأم فعلى قول الجمهور للأخ السدس والباقي للآخر وعلى قول ابن مسعود المال كله لابن العم الذي هو أخ لأم(7/60)
(فصل) فإن كان ابنا عم أحدهما أخ لأم وبنت أو بنت ابن فللبنت أو بنت الابن النصف والباقي بينهما نصفين وسقطت الإخوة من الأم بالبنت ولو كان الذي ليس بأخ ابن عم من أبوين أخذ الباقي كله لذلك وعلى قول ابن مسعود الباقي للأخ في المسئلتين بدليل أن الأخ من الأبوين يتقدم على الأخ من الأب بقرابة الأم، وإن كان في الفريضة بنت تحجب قرابة الأم وحكي عن سعيد بن جبير أن الباقي لابن العم الذي ليس بأخ وإن كان من أب لأنه يرث بالقرابتين ميراثاً واحداً فإذا كان في الفريضة من يحجب أحدهما سقط ميراثه كما لو استغرقت الفروض المال سقط الأخ من الأبوين ولم يرث بقرابة الأم بدليل المسألة المشركة ولنا على ابن مسعود أن الثلث يسقط الميراث بقرابة الأم فيبقى التعصيب منفرداً فيرث به وفارق
ولد الأبوين فان قرابة لام ثم يرجح بها ولا يفرض لها فلا تؤثر فيها بحجبها وفي مسئلتنا يفرض له بها فإذا كان في الفريضة من يحجبها سقطت ولأنه لو كان مع ابن العم الذي هو أخ أخ من أب وبنت لحجبت البنت قرابة الأم ولم ترث بها شيئاً وكان للبنت النصف والباقي للأخ من الأب ولولا البنت لورث بكونه أخا من أم السدس وإذا حجبته البنت مع الأخ من الأب وجب أن تحجبه في كل حال لأن الحجب بها لا بالأخ من الأب وما ذكره سعيد بن جبير ينتقض بالأخ من الأبوين مع البنت وبابن العم إذا كان زوجا ومعه من يحجب بني العم، ولا نسلم أنه يرث ميراثاً واحداً بل يرث بقرابتيه ميراثين كشخصين فصار كابن العم الذي هو زوج، وفارق الأخ من الأبوين فإنه لا يرث إلا ميراثاً واحداً فإن قرابة الأم لا يرث بها منفردة(7/61)
(فصل) فحصل خلاف ابن مسعود في مسائل ست هذه الواحدة (والثانية) في بنات وبنات ابن وابن ابن الباقي عنده لابن الابن دون أخواته (الثالثة) في أخوات لأبوين وأخ وأخوات لأب الباقي عنده للأخ دون أخواته (الرابعة) بنت وابن ابن وبنات ابن لبنات الابن الأضر بهن من السدس أو المقاسمة (الخامسة) أخت لأبوين وأخ وأخوات لأب للأخوات عنده الأضر بهن من ذلك (السادسة) كان يحجب الزوجين والأم بالكفار والعبيد والقاتلين ولا يورثهم (فصل) ابن ابن عم هو اخ لأم وابن ابن عم آخر للأخ السدس والباقي بينهما وعند ابن مسعود الكل للأخ وسقط الآخر فإن كان أحدهما ابن أخ لأم فلا شئ له بقرابة الأخوة لأن ابن الأخ للأم من ذوي الأرحام، وإن كان عمان أحدهما خال لأم لم يرجح بخؤولته، وقيل على قياس قول ابن مسعود وجهان (أحدهما) لا يرجح بها (والثاني) يرجح بها على العم الذي هو من أب فيأخذ المال لأنه ابن الجد والجدة والآخر ابن الجد لا غير، وإن كان العم الآخر من أبوين فالمال بينهما لأن كل واحد منهما يدلي بجده وهما ابنا الجد وهكذا القول في ابني عم أحدهما خال أو ابني ابني عم أحدهما خال فأما على قول عامة الصحابة فلا أثر لهذا عندهم (فصل) ابنا عم أحدهما زوج للزوج النصف والباقي بينهما نصفين عند الجميع فإن كان الآخر
أخا لأم فللزوج النصف وللأخ السدس والباقي بينهما أصلها من ستة للزوج أربعة وللأخ اثنان(7/62)
وترجع بالاختصار إلى ثلاثة وعند ابن مسعود الباقي للأخ فتكون من اثنين لكل واحد منهما سهم ثلاثة بني عم أحدهم زوج والآخر أخ لأم للزوج النصف وللأخ السدس والباقي بينهم على ثلاثة أصلها من ستة تضرب فيها الثلاثة تكن ثمانية عشر للزوج تسعة وللأخ ثلاثة يبقى ستة بينهم على ثلاثة فيحصل للزوج أحد عشر وهي النصف والتسع وللاخ خمسة وهي السدس والتسع وللثالث التسع سهمان، فإن كان الزوج ابن عم من أبوين فالباقي له، وإن كان هو والثالث من أبوين فالثلث الباقي بينهما، وتصح من ستة للزوج الثلثان ولكل واحد من الاخوين سدس وعند ابن مسعود أن الباقي بعد فرض الزوج للذي هو أخ من أم (فصل) أخوان من أم أحدهما ابن عم فالثلث بينهما والباقي لابن العم وتصح من ستة لابن العم خمسة وللآخر سهم، ولا خلاف في هذه المسألة فان كانوا ثلاثة إخوة أحدهم ابن عم فالثلث بينهم على ثلاثة والباقي لابن العم وتصح من تسعة، وإن كان اثنان منهم ابني عم فالباقي بعد الثلث بينهما وتصح من تسعة (فصل) ثلاثة إخوة لام أحدهم ابن عم وثلاثة بني عم أحدهم أخ لأم فاضمم واحداً من كل عدد إلى العدد الآخر يصر معك أربعة بني عم وأربعة اخوة فهم ستة في العدد، وفي الأحوال ثمانية ثم اجعل الثلث للاخوة على أربعة والثلثين لبني العم على أربعة فتصح من اثني عشر لكل أخ مفرد(7/63)
سهم ولكل ابن عم مفرد سهمان ولكل ابن عم هو أخ ثلاثة فيحصل لهما النصف وللأربعة الباقين النصف، وعلى قول عبد الله للأخوة الثلث والباقي لابني العم الذين هما أخوان (مسألة) (وإذا اجتمع ذو فرض وعصبة بدئ بذي الفرض فأخذ فرضه وما بقي للعصبة) لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر " (مسألة) (وإن استغرقت الفروض المال فلا شئ للعصبة)
كزوج وأم وإخوة لأم وإخوة لأبوين أو لأب فللزوج النصف وللأم السدس وللأخوة للأم الثلث وسقط سائرهم وإلى هذا ذهب أحمد رحمه الله فأسقط الأخوة من الأبوين لأنهم عصبة، وقد تم المال بالفروض ويروى هذا القول عن علي وابن مسعود وأبي بن كعب وابن عباس وأبي موسى رضي الله عنهم، وبه قال الشعبي والعنبري وشريك وأبو حنيفة وأصحابه ويحيى بن آدم ونعيم بن حماد وابو ثور وابن المنذر ويروى عن عمر وعثمان وزيد بن ثابت رضي الله عنهم أنهم شركوا بين ولد الأبوين وولد الأم في الثلث فقسموه بينهم بالسوية للذكر مثل حظ الأنثيين وبه قال مالك والشافعي وإسحاق لأنهم ساووا ولد الأم في القرابة التي يرثون بها فيجب أن يساووهم في الميراث فإنهم جميعاً من ولد الأم، وقرابتهم من جهة الأب إن لم تزدهم قرباً واستحقاقاً فلم تسقطهم، ولهذا قال بعض ولد الأبوين أو بعض الصحابة لعمر وقد أسقطهم هب أن أباهم كان حماراً فما زادهم ذلك إلا قرباً فشرك(7/64)
بينهم، وحرر بعض أصحاب الشافعي فيها قياسا فقال فريضة جمعت ولد الأب والأم وولد الأم وهم من أهل الميراث فإذا ورث ولد الأم وجب أن يرث ولد الأب والأم كما لو لم يكن فيها زوج ولنا قول الله تعالى، وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث، ولا خلاف في أن المراد بهذه الآية ولد الأم على الخصوص فمن شرك بينهم فلم يعط كل واحد منهما السدس وهو مخالفة لظاهر القرآن ويلزم منه مخالفة ظاهر الآية الأخرى وهي قوله (فان كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) يراد بهذه الآية سائر الإخوة والأخوات وهم يسوون بين ذكرهم وأنثاهم وقوله عليه الصلاة والسلام " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر " ومن شرك فلم يلحق الفرائض بأهلها، ومن جهة المعنى أن ولد الأبوين عصبة لا فرض لهم وقد نم المال بالفروض فوجب أن يسقطوا كما لو كان مكان ولد الأم ابنتان وقد انعقد الإجماع على أنه لو كان في هذه المسألة واحد من ولد الأم ومائة من ولد الأبوين لاختص الواحد من ولد الأم بالثلث وللمائة السدس الباقي لكل واحد منهم عشر عشره فإذا جاز أن ينقص ولد أبوين عن ولد الأم هذا النقص كله فلم لا يجوز اسقاطهم بالاثنين، وقولهم تساووا في
قرابة الأم قلنا فلم لم يساووهم في الميراث في هذه المسألة وعلى أنا نقول ان ساووهم في قرابة الأم فقد(7/65)
فارقوهم بكونهم عصبة من غير ذوي الفروض وهذا الذي افترقوا فيه هو المقتضي لتقديم ولد الأم وتأخير ولد الأبوين فإن الشرع ورد بتقديم ذي الفرض وتأخير العصبة ولذلك يقدم ولد الأم على ولد الأبوين في المسألة المذكورة وشبهها وهلا إذا تساووا في قرابة الأم شاركوا الأخ من الأم في سدسه فاقتسموه بينهم ولأنه لو كانت قرابة الأم مستقلة بالميراث مع قرابة الأب لوجب أن يجتمع لهم الفرض والتعصيب كقولنا في أخ من أم هو ابن عم ولوجب أن يشاركوا ولد الأم في الثلث في كل موضع وينفردوا بالتعصيب فيما بقي، ولا خلاف في أنهم لا يشاركونهم في غير هذا الموضع، ويلزمهم أن ايقولوا في زوج وأخت لأبوين وأخت لأب معها أخوها إنه يسقط الأخ وترث أخته السدس لأن قرابتها مع وجوده كقرابتها مع عدمه وهو لا يحجبها فهلا عدوه حماراً وورثوا أخته ما كانت ترث عند عدمه؟ وما ذكروه من القياس طردي لا معنى تحته، قال العنبري القياس ما قال علي والاستحسان ما قال عمر قال الخبري وهذه وساطة مليحة وعبارة صحيحة وهو كمال قال ألا إن الاستحسان المجرد ليس بحجة فإنه وضع للشرع بالرأي والتحكم من غير دليل ولا يجوز الحكم به مع عدم المعارض فكيف وهو في مسئلتنا يخالف ظاهر القرآن والسنة والقياس؟ قال شيخنا ومن العجب ذهاب الشافعي إليه ههنا مع تخطئة الذاهبين إليه في غير هذا الموضع، وقوله من استحسن فقد شرع ولا أظنه اعتمد في هذا إلا لموافقة زيد بن ثابت فإنه اتبعه في جميع الفرائض وموافقة كتاب الله تعالى وسنة رسوله أولى(7/66)
(فصل) ولو كان مكان ولد الأبوين في هذه المسألة عصبة من ولد الاب سقطوا ولم يورثهم أحد من أهل العلم فيما علمنا لأنهم لم يشاركوا ولد الأم في قرابة الأم (فصل) وتسمى هذه المسألة المشركة والحمارية إذا كان فيها إخوة لأبوين وكذلك كل مسألة اجتمع فيها زوج وأم أو جدة وابنان فصاعداً من ولد الأم وعصبة من ولد الأبوين وإنما سميت المشركة لأن بعض أهل العلم شرك فيها بين ولد الأبوين وولد الأم في فرض ولد الأم فقسمه بينهم بالسوية
وتسمى الحمارية لأنه يروى أن عمر رضي الله عنه أسقط ولد الأبوين فقال بعضهم يا أمير المؤمنين هب أن أبانا كان حماراً أليست أمنا واحدة؟ فشرك بينهم وقيل قال ذلك بعض الصحابة فسميت الحمارية لذلك والله أعلم (فصل) إذا قيل امرأة خلفت أما وابني عم أحدهما زوج والآخر أخ لأم وثلاثة إخوة مفترقين قيل هذه المشركة: للزوج النصف وللأم السدس وللأخوين من الأم الثلث وسقط الأخوان من الأبوين أو الأب، ومن شرك جعل للأخ من الأبوين التسع ولكل واحد من الاخوين للأم تسعا ومن مسائل ذلك زوج وأم وأختان لأم وأخ لأبوين تصح من ستة ومن شرك فهي من ثمانية عشر: زوج وجدة وأخ وأخت لأم وأخ وأخت لأبوين كالتي قبلها، ومن شرك فمن اثني عشر زوج وأم وأخوان وأختان لأم وأخوان وثلاث أخوات لأب وأم من اثني عشر ومن شرك فمن أربعة وخمسين (مسألة) (ولو كان مكانهم أخوات لأبوين أو لأب عالت إلى عشرة وسميت ذات الفروخ)(7/67)
يعني إذا كان مع الزوج والأم والأخوة من الأم أخوات أو أختين لأبوين أو لأب عالت إلى عشرة لأن أصلها من ستة للزوج النصف ثلاثة وللأم السدس سهم وللأخوة للأم الثلث سهمان وللأخوات الثلثان أربعة فتصير عشرة وسميت ذات الفروخ لأنها عالت بثلثيها وهي أكثر ما تعول إليه الفرائض شبهت الأربعة الزائدة بالفروخ والستة بالأم وتسمى الشريحية لأن رجلاً أتى شريحا وهو قاض بالبصرة فقال له ما نصيب الزوج من زوجته؟ فقال النصف مع غير الولد والربع مع الولد فقال إن امرأتي ماتت وخلفتني وأمها وأختيها لأمها وأختيها لأبيها وأمها فقال لك إذا ثلاثة من عشرة فخرج الرجل من عنده وهو يقول لم أر كقاضيكم قلت له ما يصيب الزوج؟ قال النصف أو الربع فلما شرحت له قضيتي لم يعطني ذلك ولا هذا فكان شريح يقول إذا لقيه إنك تراني حاكماً ظالماً وأراك فاسقاً فاجراً لأنك تكتم القصة وتشيع الفاحشة (فصل) ومعنى العول ازدحام الفرائض بحيث لا يتسع لها المال كهذه المسألة فيدخل النقص عليهم كلهم ويقسم المال بينهم على قدر فروضهم كما يقسم مال المفلس بين غرمائه بالحصص لضيق ماله عن
وفائهم ومال الميت بين أرباب الديون إذا لم يف بها والثلث بين أرباب الوصايا إذا عجز، وهذا قول عامة الصحابة ومن معهم من العلماء يروي ذلك عن عمر وعلي والعباس وابن مسعود وزيد وبه قال مالك في أهل المدينة والثوري في أهل العراق والشافعي وأصحابه ونعيم بن حماد وأبو ثور وسائر أهل العلم إلا أن ابن عباس وطائفة شذت يقل عددها فنقل ذلك عن محمد بن الحنفية ومحمد بن علي(7/68)
ابن الحسين وعطاء وداود فإنهم قالوا لا تعول المسائل فروي عن ابن عباس أنه قال في زوج وأخت وأم من شاء باهلته أن المسائل لا تعول أن الذي أحصى رمل عالج عدداً أعدل من أن يجعل في مال نصفا ونصفا وثلثاً هذان نصفان ذهبا بالمال فأين موضع الثلث؟ فسميت هذه مسائل المباهلة لذلك وهي أول مسألة عائلة حدثت في زمن عمر رضي الله عنه فجمع الصحابة للمشورة فيها فقال العباس رضي الله عنه أرى أن يقسم المال بينهم على قدر سهامهم فأخذ به عمر واتبعه الناس على ذلك حتى خالفهم ابن عباس فروى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال لقيت زفر بن أوس البصري فقال قضي إلى عبد الله بن عباس فتحدت عنده فأتيناه فتحدثنا عنده فكان من حديثه أن قال سبحان الذي أحصى رمل عالج عدداً ثم يجعل في مال نصفا ونصفا وثلثا ذهب النصفان بالمال فأين موضع الثلث وثم والله لو قدموا من قدمه الله وأخروا من أخره الله ما عالت فريضة أبداً، فقال زفر فمن الذي قدمه ومن الذي أخره الله؟ فقال الذي أهبطه من فرض إلى فرض فذلك الذي قدمه والذي أهبطه من فرض الى ما بقي فذلك الذي أخره الله، فقال زفر فمن أول من أعال الفرائض؟ قال عمر بن الخطاب فقلت إلا أشرت عليه فقال هبته وكان امرأ مهيبا.
قوله من أهبطه الله من فريضة إلى فريضة فذلك الذي قدمه الله يريد أن الزوجين والأم لكل واحد منهم فرض ثم يحجب إلى فرض آخر لا ينقص منه وأما من أهبطه من فرض الى ما بقي يريد البنات والأخوات فإنهن يفرض لهن فإذا كان معهن أخوتهن ورثوا بالتعصيب فكان لهم ما بقي قل أو كثر فكان مذهبه أن الفروض إذا ازدحمت رد النقص على البنات والأخوات ولنا أن كل واحد من هؤلاء لو انفرد أخذ فرضه فإذا ازدحموا وجب أن يقتسموا على قدر(7/69)
الحقوق كأصحاب الديون والوصايا، ولأن الله تعالى فرض للأخت النصف كما فرض للزوج النصف وفرض للأختين الثلثين كما فرض للأختين للأم الثلث فلا يجوز اسقاط فرض بعضهم مع نص الله تعالى عليه بالرأي والتحكم، ولا يمكن الوفاء بها فوجب أن يتساووا في النقص على قدر الحقوق كالوصايا والديون ويلزم ابن عباس على قوله مسألة فيها زوج وأم وأخوان من أم فإن حجب الأم إلى السدس خالف مذهبه في حجب الأم بأقل من ثلاثة من الأخوة وإن نقص الأخوين من الأم رد النقص على من لم يهبطه الله من فرض الى ما بقي وإن أعال المسألة رجع إلى قول الجماعة وترك مذهبه ولا نعلم اليوم قائلاً بمذهب ابن عباس ولا نعلم خلافاً بين فقهاء العصر في القول بالعول بحمد الله ومنه (فصل) حصل خلاف ابن عباس للصحابة في خمس مسائل اشتهر قوله فيها (إحداها) زوج وأبوان (والثانية) امرأة وأبوان للأم ثلث الباقي عندهم وجعل هو لها ثلث المال منها (الثالثة) لا يحجب الأم إلا بثلاثة إخوة (الرابعة) لم يجعل الأخوات مع البنات عصبة (الخامسة) لم يعل المسائل فهذه الخمس صحت الرواية عنه فيها واشتهر القول عنه بها وشذت عنه رويات سوى هذه ذكرنا بعضها فيما مضى.(7/70)
(باب أصول المسائل) معنى أصول المسائل المخارج التي تخرج منها فروضها (مسألة) (الفروض ستة ذكرها الله تعالى في كتابه وهي نوعان النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس) ومخارج هذه الفروض مفردة خمسة لأن الثلث والثلثين مخرجهما واحد وهي تخرج من سبعة أصول أربعة لا تعول وثلاثة تعول لأن كل مسألة فيها فرض مفرد فأصلها من مخرجه وإن اجتمع معه فرض من نوعه فأصلها من مخرج أقلهما لأن مخرج الكثير داخل في مخرج الصغير فالنصف وحده من اثنين والثلث وحده أو مع الثلثين من ثلاثة والربع وحده أو مع النصف من أربعة والثمن وحده أو
مع النصف من ثمانية فهذه التي لا تعول لأن العول فرع ازدحام الفروض ولا يوجد ذلك ههنا، وأما التي تعول فهي التي يجتمع فيها فروض أو فرضان من نوعين فإذا اجتمع مع النصف السدس أو الثلث أو الثلثان فأصلها من ستة لا ن مخرج النصف من اثنين ومخرج الثلث من ثلاثة إذا ضربت أحدهما في الآخر كانت ستة وذلك أصل المسألة وهي مخرج السدس، ويدخل العول في هذا الأصل فتعول إلى سبعة وإلى ثمانية وإلى تسعة وإلى عشرة وهو أكثرها عولا.
والعول زيادة في السهام ونقصان في أنصباء الورثة.(7/71)
وأمثلة ذلك زوج وأم وأخت لأم أصلها من ستة ومنها تصح: زوج وأم وأخوان من أم: بنت وأم عم، ثلاث أخوات مفترقات وعصبة، أبوان وابنتان، العول زوج وأختان لأبوين أو لأب أو احداهما من أبوين والأخرى من أب أو أم أو أخت من أب وأخت من أم، أصلها من ستة وتعول إلى سبعة: زوج وأخت وجدة أو أخ لأم، ست أخوات مفترقات وأم: عول ثمانية زوج وأخت وأم للزوج النصف وللأخت النصف وللأم الثلث تعول إلى ثمانية وهي مسألة المباهلة فإن كان معهم أخت أخرى من أي جهة كانت أو أخ من أم فهي ثمانية أيضاً.
عول تسعة زوج وست أخوات مفترقات تعول إلى تسعة وتسمى الغراء، وكذلك زوج وأم وثلاث أخوات مفترقات.
عول عشرة زوج وأم وست اخوات مفترقات للزوج النصف وللأم السدس وللأختين للأم الثلث وللأختين للأبوين الثلثان وسقطت الأختان للأب ومتى عالت المسألة إلى تسعة أو عشرة لم يكن الميت إلا امرأة لانها لابد فيها من زوج ولا يمكن أن تعول المسالة إلى أكثر من هذا، وطريق العمل في العول أن تأخذ الفروض من أصل المسألة وتضم بعضها إلى بعض فما بلغت السهام فإليه تنتهي (مسألة) قال (وإن اجتمع مع الربع أحد الثلاثة فهي من اثني عشر وتعول على الأفراد إلى سبعة عشر ولا تعول إلى أكثر من ذلك) إنما كان أصل هذه المسألة من اثني عشر لأن مخرج الربع أربعة ومخرج الثلث ثلاثة ولا موافقة(7/72)
بين المخرجين فإذا ضربت أحدهما في الآخر كان اثني عشر فإن كان مع الربع سدس فبين الستة والأربعة موافقة بالإنصاف فإذا ضربت وفق أحدهما في الآخر كان اثني عشر ولابد في هذا الأصل من أحد الزوجين لأنه لا بد فيها من ربع ولا يكون فرضا لغيرهما وأمثلة ذلك زوج وأبوان وخمس بنين، للزوج الربع ثلاثة وللأبوين السدسان أربعة يبقى خمسة لكل ابن سهم، زوج وابنتان وأخت أو عصبة امرأة وأختان لأبوين أو لأب أو أختان لام وعصبة امرأة وأخوان لأم وسبعة أخوة لأب العول زوج وابنتان وأم تعول إلى ثلاثة عشر امرأة وثلاث أخوات مفترقات، زوج وأبوان وابنتان تعول إلى خمسة عشر، امرأة وأختان من أب وأختان من أم، امرأة وأم وأختان لأبوين أو لأب وأختان لأم تعول إلى سبعة عشر ثلاث نسوة وجدتان وأربع أخوات لأم وثمان لأب أو لأبوين تعول إلى سبعة عشر ويحصل لكل واحدة منهن سهم وتسمى أم الأرامل ويعايابها فيقال سبعة عشر امرأة من جهات مختلفة اقتسمن مال ميت بالسوية لكل امرأة منهن سهم وهي هذه ولا يعول هذا الأصل إلى أكثر من هذه ولا يمكن أن يكمل هذا الأصل بفروض من غير عصبة ولا عول ولا يمكن أن تعول إلا على الأفراد لأن فيها فرضاً يباين سائر فروضها وهو(7/73)
الربع فإنه ثلاثة وهو فرد وسائر فروضها أزواج فالنصف ستة والثلث أربعة والثلثان ثمانية والسدس اثنان ومتى عالت إلى سبعة عشر لم يكن الميت فيها إلا رجلا (مسألة) (وإن اجتمع مع الثمن سدس أو ثلثان فأصلها من أربعة وعشرين وتعول إلى سبعة وعشرين ولا تعول إلى أكثر منها إنما كان أصلها من أربعة وعشرين لانك تضرب مخرج الثمن في مخرج الثلثين أو في وفق مخرج السدس فتكون أربعة وعشرين ولم يذكر الثلث مع الثمن لأنه لا يجتمع معه لأن الثمن لا يكون إلا للزوجة مع الولد ولا يكون الثلث في مسألة فيها ولد لأنه لا يكون إلا لولد الأم والولد يسقطهم أو للأم بشرط عدم الولد (مسائل ذلك) (امرأة وأبوان وبنت أو بنون وبنات امرأة وابنتان وأم وعصبة ثلاث نسوة وأربع جدات وست عشرة بنتا وأخت امرأة وبنت وبنت ابن وجدة وعم العول امرأة وأبوان وابنتان تعول
إلى سبعة وعشرين وتسمى البخيلة لأنها أقل الأصول عولاً لم تعل إلا بثمنها وتسمى المنبرية لأن علياً رضي الله عنه سئل عنها على المنبر فقال صار ثمنها تسعا ومضى في خطبته يعني أن المرأة كان لها الثمن ثلاثة من أربعة وعشرين صار لها بالعول ثلاثة من سبعة وعشرين وهي التسع ولا يكون الميت في هذا الأصل إلا رجلاً (فصل) ولا يمكن أن يعول هذا الأصل إلى أكثر من هذا إلا على قول ابن مسعود فإنه يحجب(7/74)
الزوجين بالولد الكافر والقاتل والرقيق ولا يورثه فعلى قوله إذا كانت امرأة وأم وست أخوات مفترقات وولد كافر فللأخوات الثلث والثلثان وللأم والمرأة السدس والثمن سبعة فتعول إلى أحد وثلاثين.
(والمسائل) (على ثلاثة أضرب عادلة وعائلة ورد، ذكرنا العادلة وهي التي يستوي مالها وفروضها والعائلة هي التي تزيد فروضها عن مالها والرد هي التي يفضل مالها عن فروضها ولا عصبة فيها وهي التي نذكرها في هذا الفصل.
(فصل في الرد) إذا لم تستوعب الفروض المال ولم يكن عصبة رد الفاضل على ذوي الفروض بقدر فروضهم إلا الزوج والزوجة.
وجملة ذلك أن الميت إذا لم يخلف وارثاً إلا ذوي فروض كالبنات والأخوات والجدات فإن الفاضل عن ذوي الفروض يرد عليهم على قدر فروضهم إلا الزوج والزوجة يروي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم وحكي ذلك عن الحسن وابن سيرين وشريح وعطاء ومجاهد والثوري وأبي حنيفة وأصحابه قال ابن سراقة وعليه العمل اليوم في الأمصار إلا أنه يروي عن ابن مسعود أنه كان لا يرد على بنت ابن مع بنت ولا على أخت من أب مع أخت من أبوين ولا على جدة مع ذي سهم وروى(7/75)
ابن منصور عن أحمد أنه كان لا يرد على ولد الأم مع الأم ولا على الجدة مع ذي سهم والقول الأول أظهر في المذهب وأصح وبه قال عامة أهل الرد لأنهم تساووا في السهام فيجب أن يتساووا فيما يفرع
عليها ولأن الفريضة لو عالت لدخل النقص على الجميع فالرد ينبغي أن ينالهم أيضاً وأما الزوجان فلا يرد عليهما باتفاق من أهل العلم إلا أنه يروى عن عثمان رضي الله عنه انه رد على زوج ولعله كان عصبة او ذا رحم فأعطاه لذلك وأعطاه من بيت المال لا على سبيل الرد وسبب ذلك إن شاء الله تعالى ان أهل الرد كلهم من ذوي الأرحام فيدخلون في قوله تعالى (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) في كتاب الله والزوجان خارجان من ذلك وذهب زيد بن ثابت إلى أن الفاضل عن ذوي الفروض لبيت المال ولا يرد على أحد فوق فرضه وبه قال مالك والاوزاعي والشافعي لأن الله تعالى قال في الأخت فلها نصف ما ترك ومن رد عليها جعل لها الكل ولأنها ذات فرض مسمى فلا تزاد عليه كالزوج ولنا قول الله تعالى (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) وقد ترجحوا بالقرب إلى الميت فيكونون أولى من بيت المال لأنه لسائر المسلمين وذوو الرحم أحق من الأجانب عملا بالنص وقال النبي صلى الله عليه وسلم " من ترك مالا فلورثته ومن ترك كلا فإلي - وفي لفظ - من ترك ديناً فإلي ومن ترك مالاً فللوارث " متفق عليه وهذا عام في جميع المال وروى واثلة ابن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " تحوز المرأة ثلاث مواريث لقيطها وعتيقها وولدها الذي لاعنت عليه رواه ابن ماجه فجعل لها ميراث ولدها المنفي باللعان خرج من(7/76)
ذلك ميراث غيرها من ذوي الفروض بالإجماع بقي الباقي على مقتضى العموم ولانها من وراثة بالرحم فكانت أحق بالمال من بيت المال كعصباته فأما قوله تعالى (فلها نصف ما ترك) فلا ينفي أن يكون لها زيادة عليه بسبب آخر كقوله تعالى (ولأبويه لكل واحد منهما السدس إن كان له ولد) لا ينفي أن يكون للأب السدس وما فضل عن البنت بجهة التعصيب وقوله (ولكن نصف ما ترك أزواجكم) لم ينف أن يكون للزوج ما فضل إذا كان ابن عم أو مولى وكذلك الأخ من الأم إذا كان ابن عم والبنت وغيرها من ذوي الفروض إذا كانت معتقة كذا ههنا تستحق النصف بالقرض والباقي بالرد وأما الزوجان فليسا من ذوي الأرحام.
(مسألة) (فإن كان المردود عليه واحداً أخذ المال كله بالفرض والرد كأم أو جده أو بنت أو أخت وإن كانوا جماعة من جنس واحد كبنات أو أخوات أو جدات اقتسموه كالعصبة من البنين
والإخوة وسائر العصبات فإن انكسر عليهم ضربت عددهم في مسألة الرد (مسألة) (وإن اختلفت أجناسهم فخذ عدد سهامهم من أصل ستة فاجعله أصل مسئلتهم إنما كان كذلك لأن الفروض كلها تخرج من أصل الستة إلا الربع والثمن وليسا لغير الزوجين وليسا من أهل الرد وينحصر ذلك في أربعة أصول (أحدها) أصل اثنين كجدة وأخ من أم للجدة السدس وللأخ السدس أصلها اثنان ثم يقسم المال عليهما فيصير لكل واحد منهما نصف المال أصل ثلاثة أم وأخ من أم، أم وأخوان لأم للأم السدس وللأخوين الثلث بينهما(7/77)
(أصل) أربعة أخت لأبوين وأخت لأب أو لأم أو أخ، لأم أو جدة بنت وأم أو جدة بنت وبنت ابن (أصل) خمسة ثلاث أخوات مفترقات للأخت للأبوين النصف ولكل واحدة من الآخرتين السدس، أم وأخت لأبوين أو لأب، أم وأخت لأبوين وأخت لأب أو لأم بنتان وجدة لا تزيد على هذا أبداً لأنها لو زادت سدساً آخر لكمل المال ولم يبق منه شئ يرد (مسألة) (فإن انكسر على فريق منهم ضربته في عدد سهامهم لأنه اصل مسئلتهم وإنما كان عدد سهامهم اصل مسئلتهم كما صارت السهام في العول هي المسألة التي يضرب فيها العدد بيان ذلك في أصل اثنين أربع جدات وأخ من أم للجدات سهم لا ينقسم عليهن فتضرب عددهن في أصل المسألة تكن ثمانية للأخ من الأم أربعة ولكل واحدة من الجدات سهم (أصل) ثلاثة أم وثلاثة اخوة من أم للأخوة سهمان لا تصح عليهما اضرب عددهم في أصل المسألة تصر تسعة ومنها تصح (أصل) أربعة أخت لأبوين وأربع أخوات لأب تضرب عددهن في أصل المسألة وهو أربعة تكن ستة عشر ومنها تصح.
(أصل) خمسة أم وأخت لأبوين وأربع أخوات لأب لهن سهم لا يصح عليهن تضرب عددهن في خمسة تكن عشرين ومنها تصح وسنذكره في باب تصحيح المسائل مفصلا(7/78)
(مسألة) (فإن كان معهم أحد الزوجين أعطيته فرضه من اصل مسئلته وقسمت الباقي على مسألة الرد وهي فريضة أهل الرد وهو ينقسم إذا كانت زوجة ومسألة الرد من ثلاثة كامرأة وأم وأخ لأم أو أم وأخوين لأم فللمرأة الربع سهم من أربعة يبقى ثلاثة على فريضة أهل الرد وهي ثلاثة وتصح المسئلتان من أربعة، فإن انكسر على عدد منهم كأربع زوجات وأم وأخ لأم، ضربت أربعة في مسألة الزوجة تكن ستة عشر ومنها تصح فإن لم تنقسم فأصل مسألة الزوج على مسألة الرد لم يمكن أن يوافقها لأنه إن كانت مسألة الزوج من اثنين فالباقي بعد نصيبه سهم لا يوافق شيئاً وان كانت من أربعة فالباقي بعد ميراثه ثلاثة ومن ضرورة كون للزوج الربع أن يكون للميتة ولد، ولا يمكن أن تكون مسألة الرد مع الولد من ثلاثة وإن كان الزوج امرأة فالباقي بعد الثمن سبعة ولا توافق السبعة عدداً أقل منها ولا يمكن أن تكون مسألة الرد سبعة أبداً لأن مسألة الرد لا تزيد على خمسة أبداً، إذا ثبت هذا فاضرب فريضة أهل الرد في فريضة أحد الزوجين فما بلغ فإليه تنتقل المسألة فإذا أردت القسمة فلأحد الزوجين فريضة الرد ولكل واحد من أهل الرد سهامه من مسئلته مضروب في الفاضل عن فريضة الزوج فما بلغ فهو له إن كان واحداً وإن كانوا جماعة قسمته عليهم فإن لم ينقسم ضربته أو وفقته فيما انتقلت إليه المسألة وتصحح على ما نذكره في باب التصحيح وينحصر ذلك في خمسة أصول.
(أحدها) : زوج وجدة وأخ لأم للزوج النصف أصلها من اثنين له سهم يبقى سهم على مسألة(7/79)
الرد وهي اثنان أيضاً فاضرب اثنين في اثنين تكن أربعة ولا يقع الكسر في هذا الأصل إلا على حين واحد وهو الجدات (الأصل الثاني) : زوجة وجدة وأخ لأم مسألة الزوجة من أربعة ثم تنتقل إلى ثمانية ولا يكون الكسر إلا على الجدات أيضاً.
(الأصل الثالث) زوج وبنت وبنت ابن، مسألة الزوج من أربعة ثم تنتقل إلى ستة عشر وكذلك زوجة وأخت لأبوين وأخت لأب، أو أخت لأم، أو جده، أو جدات، ومثلها زوجة وأخت لأب وأخت لأم أو جدة.
(الأصل الرابع) زوجة وبنت وبنت ابن أو أم أو جدة، مسألة الزوجة من ثمانية ثم تنتقل إلى اثنين وثلاثين.
(الأصل الخامس) زوجة وبنت وبنت ابن وجدة، أو ابنتان وأم، أصلها من ثمانية ثم تنتقل إلى أربعين وفي جميع ذلك إذا انكسرت سهام فريق منهم عليهم ضربته فيما انتقلت إليه المسألة.
ومثال ذلك أربع زوجات وإحدى وعشرون بنتاً واربع عشر جدة، مسألة الزوجات من ثمانية، فتضرب فيها فريضة الرد وهي خمسة تكن أربعين للزوجات فريضة أهل الرد خمسة لا تصح عليهن ولا توافق يبقى خمسة وثلاثون للجدات خمسها سبعة على أربع عشرة توافق بالاسباع فرجعن إلى اثنين ويبقى(7/80)
للبنات ثمانية وعشرون توافق بالاسباع أيضاً فيرجعن إلى ثلاث والابنتان يدخلن في عدد الزوجات فتضرب ثلاثة في أربعة تكن اثني عشر ثم في أربعين تكن أربعمائة وثمانين.
(فصل) ومتى كان مع أحد الزوجين واحد منفرد ممن يرد عليه فإنه يأخذ الفاضل عن الزوج ولا تنتقل المسألة كزوجة وبنت للزوجة الثمن والباقي للبنت بالفرض والرد وإن كان معه فريق واحد من أهل الرد كالبنات أو الأخوات قسمت الفاضل عليهم كالعصبة فإن انكسر عليهم ضربت عددهم في مسألة الزوج والله أعلم باب تصحيح المسائل إذا لم ينقسم سهم فريق من الورثة عليهم قسمة صحيحة فاضرب عددهم في أصل المسألة وعولها إن كانت عائلة ثم يصير لكل واحد من الفريق مثل ما كان لجماعتهم إلا أن يوافق عددهم سهامهم بنصف أو ثلث أو غير ذلك من الأجزاء فيجزيك ضرب وفق عددهم في أصل المسألة وعولها إن كانت عائلة فما بلغ فمنه تصح ثم يصير لكل واحد من الفريق وفق ما كان لجماعتهم، فإذا أردت القسمة فكل من له شئ من أصل المسألة مضروب في العدد الذي ضربته في المسألة وهو الذي يسمى جزء السهم فما بلغ فهو له إن كان واحداً وإن كانوا جماعة قسمته عليهم.
مثاله زوج وأم وثلاثة إخوة أصلها من ستة للزوج النصف ثلاثة وللأم السدس سهم يبقى للأخوة سهمان لا تنقسم عليهم ولا توافقهم فاضرب عددهم وهو(7/81)
ثلاثة في أصل المسألة وهو ستة تكن ثمانية عشر سهماً للزوج ثلاثة في ثلاثة تسعة وللأم سهم في ثلاثة ثلاثة وللأخوة سهمان في ثلاثة ستة لكل واحد سهمان وهو ما كان لجماعتهم فإن كان الاخوة أربعة فان سهامهم توافقهم بالنصف فتضرب نصفهم وهو اثنان في المسألة تكن اثني عشر فإذا أردت القسمة ضربت سهام كل وارث في وفق عددهم وهو اثنان (مسألة) (وإن انكسر على فريقين أو أكثر لم يخل من أربعة اقسام (أحدها) أن يكونا متماثلين كثلاثة وثلاثة فيجزيك ضرب أحدهما في المسألة وطريق قسمتها مثل طريق القسمة فيما إذا كان الكسر على فريق واحد سواء.
مثاله ثلاثة إخوة لأم وثلاثة لأب لولد الأم الثلث والباقي لولد الأب أصلها من ثلاثة لولد الأم سهم على ثلاثة لا ينقسم ولولد الأب اثنان على ثلاثة لا ينقسم ولا يوافق فتضرب أحد العددين وهو ثلاثة في أصل المسألة تكن تسعة لولد الأم سهم في ثلاثة بثلاثة لكل واحد سهم ولولد الأب اثنان في ثلاثة ستة لكل واحد سهمان مثل ما كان لجماعتهم ولو كان ولد الأب ستة وافقت سهامهم بالنصف فرجع عددهم إلى ثلاثة وكان العمل فيها كما ذكرنا سواء (القسم الثاني) أن يكون العددان متناسبين وهو أن ينتسب إلى الآخر بجزء من أجزائه كنصفه أو ثلثه أو نحو ذلك فيجزيك ضرب الأكثر منها في المسألة وعولها.(7/82)
مثاله جدتان وأربعة إخوة لأب للجدتين السدس وللأخوة ما بقي أصلها من ستة وعددهم لا يوافق سهامهم وعدد الجدات نصف عدد الاخوة فاجتز بالأكثر وهو أربعة واضربه في أصل المسألة تكن أربعة وعشرين للجدات سهم في أربعة وللأخوة خمسة في أربعة وعشرين لكل واحد خمسة ولو كان عدد الاخوة عشرين لوافقتهم سهامهم بالأخماس فيرجع عددهم إلى أربعة والعمل على ما ذكرنا (القسم الثالث) : أن يكون العددان متباينين لا يماثل أحدهما صاحبه ولا يناسبه ولا يوافقه فتضرب أحدهما في جميع الآخر فما بلغ فهو جزء السهم فاضربه في المسألة فما بلغ فمنه تصح ثم كل من له شئ من أصل المسألة مضروب في جزء السهم.
مثاله أم وثلاثة إخوة لأم وأربعة لأب أصلها من ستة لولد الأم سهمان لا يوافقهم ولولد الأب ثلاثة لا توافقهم والعددان متباينان فاضرب أحدهما في الآخر تكن اثني عشر ثم في أصل المسألة تكن اثنين وسبعين ومنها تصح للأم سهم في اثني عشر ولولد الأم سهمان في اثني عشر أربعة وعشرون لكل واحد ثمانية ولولد الأب ثلاثة في اثني عشر ستة وثلاثون لكل واحد تسعة إن وافق أحد العددين سهامه دون الآخر أخذت وفق الموافق وضربته فيما لم يوافق وعملت على ما ذكرنا.
وإن وافقا جميعاً سهامهما رددتهما إلى وفقهما وعملت في الوفقين عملك بالعددين الأصليين (فصل) فإن أردت أن تعرف ما لأحدهم قبل التصحيح فاضرب سهام فريقه في الفريق الآخر فما خرج فهو له فإذا أردت أن تعلم ما لكل واحد من ولد الأم فلفريقه من أصل المسألة سهمان اضربهما في عدد الفريق الآخر وهو أربعة تكن ثمانية فهي لكل واحد من ولد الأم ولفريق ولد الأب ثلاثة اضربها في عدد ولد الأم تكن تسعة فهي لكل واحد منهم.(7/83)
(القسم الرابع) أن يكون العددان متفقين بنصف أو ثلث أو ربع أو غير ذلك من الأجزاء فإنك ترد أحد العددين إلى وفقه ثم تضربه في جميع الأجزاء فما بلغ ضربته في المسألة.
ومثال ذلك زوج وست جدات وتسعة أخوة فيتفقان بالثلث فترد الجدات إلى ثلثهن اثنين وتضربها في عدد الاخوة تكن ثمانية عشر ثم تضرب ذلك في أصل المسألة تكن مائة وثمانية ومنها تصح (فصل) فإن كان الكسر على ثلاثة أحياز نظرت فإن كانت متماثلة كثلاث جدات وثلاث بنات وثلاثة أعمام ضربت أحدها في المسألة فما بلغ فمنه تصح المسألة ولكل واحد منهم بعد التصحيح مثل ما كان لجماعتهم وإن كانت متناسبة كجدتين وخمس بنات وعشرة أعمام اجتزأت بأكثرها وهي العشرة فضربتها في المسألة تكن ستين ومنها تصح، وإن كانت متباينة مثل أن يكون الأعمام في هذه المسألة ثلاثة ضربت بعضها في بعض تكن ثلاثين ثم ضربتها في المسألة تكن مائة وثمانين وإن كانت متوافقة كست جدات وتسع بنات وخمسة عشر عما ضربت وفق عدد منها في جميع الأجزاء فما بلغ وافقت بينه وبين الثالث وضربت وفقه في جميع الثالث فما بلغ ضربته في أصل المسألة ومنها تصح وإن تماثل
اثنان منها وباينهما الثالث أو وافقهما ضربت أحد المتماثلين في الثالث أو في وفقه إن وافق فما بلغ ضربته في المسألة وإن تناسب اثنان وباينهما الثالث ضربت أكثرهما في جميع الثالث أو في وفقه إن كان موافقاً(7/84)
ثم في المسألة وإن توافق اثنان وباينهما الثالث ضربت وفق أحدهما في جميع الآخر ثم في الثالث وإن تباين اثنان ووافقهما الثالث كأربعة أعمام وست جدات وتسع بنات أجزاك ضرب أحد المتبانيين في الآخر ثم تضربه في المسألة ويسمى هذا الموقوف المقيد لأنك إذا رددت وقف أحدهما لم تقف إلا الستة ولو وقفت غيرها مثل ان تقف التسعة وترد الستة إلى اثنين لدخلا في الأربعة وأجزاك ضرب الأربعة في التسعة ولو وقفت الأربعة رددت الستة إلى ثلاثة ودخلت في التسعة وأجزاك ضرب الأربعة في التسعة فأما إن كانت الأعداد الثلاثة متوافقة فإنه يسمى الموقوف المطلق وفي عملها طريقان (احدهما) ما ذكرنا من قبل وهو طريق الكوفيين (والثاني) طريق البصريين وهو أن تقف أحد الثلاثة وتوافق بينه وبين الآخرين وتردهما إلى وفقهما ثم تنظر في الوقفين فإن كانا متماثلين ضربت أحدهما في الموقوف وإن كانا متناسبين ضربت أكثرهما وان كانا متبانيين ضربت أحدهما في الآخر ثم في الموقوف وإن كانا متوافقين ضربت وفق أحدهما في جميع الآخر ثم في الموقوف فما بلغ ضربته في المسألة ومثال ذلك عشر جدات واثنا عشر عما وخمس عشرة بنتاً فقف العشرة توافقها الاثنا عشر بالنصف فتر جع إلى ستة وافقها الخمس عشرة بالأخماس فترجع إلى ثلاثة وهي داخلة في الستة فتضرب الستة في العشرة تكن ستين ثم في المسألة تكن ثلاثمائة وستين وإن وقفت الاثني عشر رجعت العشرة إلى نصفها خمسة والخمس عشرة إلى ثلثها خمسة وهما متماثلان فتضرب الخمسة في الاثني عشر ستين وإن وقفت الخمس عشرة رجعت العشرة إلى اثنين والاثنا عشر إلى أربعة ودخل الاثنان في الأربعة فتضربها في الخمس عشرة ثم في المسألة(7/85)
(فصل) في معرفة الموافقة والمناسبة والمباينة الطريق في ذلك إن تلقي أقل العددين من أكثرهما مرة بعد أخرى فإن فني به فالعددان متناسبان وإن لم يفن ولكن بقيت منه بقية ألقيتها من العدد الأقل
فإن بقيت منه بقية ألقيتها من البقية الأولى ولا تزال كذلك تلقي كل بقية من التي قبلها حتى تصل إلى عدد يفنى الملقى منه غير الواحد فأي بقية فني بها غير الواحد فالموافقة بين العدديين بجزء تلك البقية إن كانت اثنين فبالإنصاف وإن كانت ثلاثة فبالأثلاث وإن كانت أربعة فبالأرباع وإن كانت أحد عشر أو اثني عشر أو ثلاثة عشر فنحو ذلك وإن بقي واحد فالعددان متباينان ومما يدلك على تناسب العددين أنك إذا زدت على الأقل مثله أبداً ساوى الأكثر ومتى قسمت الأكثر على الأقل انقسم قسمة صحيحة ومتى نسبت الأقل إلى الأكثر انتسب إليه بجزء واحد ولا يكون ذلك إلا في المنتصف فما دونه باب المناسخات ومعناها أن يموت بعض ورثة الميت قبل قسم تركته ولها ثلاثة أحوال (أحدها) أن يكون ورثة الثاني يربونه على حسب ميراثهم من الأول مثل أن يكونوا عصبة لهما فاقسم المال بين من بقي منهم ولا تنظر إلى الميت الأول.(7/86)
مثال ذلك أربع بنين وثلاث بنات ماتت بنت ثم ابن ثم بنت أخرى ثم ابن آخر وبقي ابنان وبنت فاقسم المسألة على خمسة ولا يحتاج إلى عمل مسائل وكذلك نقول في أبوين وزوجة وابنين وبنتين ماتت بنت ثم ماتت الزوجة ثم مات ابن ثم مات الأب ثم الأم فقد صارت المواريث كلها بين الابن والبنت الباقيين أثلاثاً واستغنيت عن عمل المسائل وبها اختصرت المسائل بعد التصحيح بالموافقة بين السهام فإذا صححت المسألة نظرت فيها فإن كان لجميعها كسر يتفق فيه جميع السهام رددت المسألة إلى ذلك الكسر ورددت سهام كل وارث إليه ليكون أسهل في العمل مثاله زوجة وابن وبنت ماتت البنت تصح المسئلتان من اثنين وسبعين للزوجة بحقها ستة عشر وللابن ستة وخمسون تنفق سهامهما بالأثمان فتردها إلى ثمنها تسعة للزوجة سهمان وللابن سبعة (الحال الثاني) أن يكون ما بعد الميت الأول من الموتى لا يرث بعضهم بعضاً كاخوة خلف كل واحد منهم بنته فاجعل مسائلهم كعدد انكسرت عليهم سهامهم وصحح على ما ذكرنا في باب التصحيح مثال ذلك رجل توفي وترك أربعة بنين فمات أحدهم عن اثنين والثاني عن ثلاثة والثالث عن
أربعة والرابع عن ستة فالمسألة الأولى من أربعة ومسألة الابن الأول من اثنين ومسألة الثاني من ثلاثة ومسألة الثالث من أربعة ومسألة الرابع من ستة فاجعلها كأعداد أربعة فالاثنان تدخل في الأربعة والثلاثة في الستة والأربعة توافق الستة بالإنصاف فتضرب نصف إحداهما في الأخرى تكن اثني عشر(7/87)
ثم تضربها في المسألة الأولى تكن ثمانية وأربعين لورثة كل ابن اثنا عشر فلكل واحد من بني الأول ستة ولكل واحد من بني الثاني أربعة ولكل واحد من بني الثالث ثلاثة ولكل واحد من بني الرابع سهمان (الحال الثالث) ما عدا ذلك وهي ثلاثة أقسام (أحدها) أن تقسم سهام الميت الثاني على مسألة الثاني (الثاني) أن لا ينقسم عليها بل يوافقها (الثالث) لا ينقسم عليها ولا يوافقها فالطريق في ذلك إن تصحح مسألة الأول ثم انظر ما صار للثاني منها فاقسمه على مسئلته بعد أن تصححها فإن انقسم صحت المسئلتان مما صحت منه الأولى كرجل خلف امرأة وبنتا وأخا ثم ماتت البنت وخلفت زوجاً وبنتاً وعما فإن لها من المسألة الأولى أربعة ومسئلتها من أربعة فصحت المسئلتان من ثمانية وصار للأخ أربعة من أخيه ثلاثة ومن بنت أخيه سهم ومن ذلك أم وعم مات العم وخلف بنته وعصبة المسألة الأولى من ثلاثة والثانية من اثنين فصحت المسئلتان من ثلاثة.
ثلاث أخوات مفترقات ماتت الأخت من الأبوين وخلفت ابنتين ومن خلفت تصح المسئلتان من خمسة.
بنت وبنت ابن وأخ ماتت البنت وتركت ابنتين وعمها صحت المسئلتان من ستة وصار للأخ ثلاثة.
زوج وجدة وابنتا ابن من ثلاثة عشر ماتت إحداهما عن أربعة وتركت زوجاً وبنتاً وأختها صحت المسئلتان من ثلاثة عشر وصار للأخ خمسة.
زوجة وأم وابن ماتت الأم وتركت زوجاً وبنتاً وابن ابن من أربعة وعشرين.
زوجة وأم وعم مات العم وترك ثلاث بنين وبنتاً من اثني عشر تصح المسئلتان(7/88)
(القسم الثاني) أن توافق سهام الميت الثاني مسئلتة فالطريق فيها أن تضرب وفق مسئلته في الأولى ثم كل من له شئ من المسألة الأولى مضروب في وفق الثانية ومن له شئ من المسألة الثانية مضروب
في وفق سهام الميت الثاني كرجل خلف امرأة وبنتا وأخا ثم ماتت البنت وخلفت زوجاً وبنتاً وأمها وهي الزوجة وعماً فإن المسألة من ثمانية للبنت النصف أربعة ومسئلتها من اثني عشر توافق سهامها.
بالربع فتضرب ثلاثة في ثمانية أربعة وعشرون فكل من له شئ من ثمانية مضروب في ثلاثة وهو وفق المسألة الثانية ومن له شئ من الثانية مضروب في وفق سهام الميت الثاني وهو سهم ومن ذلك أم وابنان وبنت مات أحد الابنين وخلف من خلف الأولى من ستة للابن منها سهمان وقد خلف جدته وأخاه وأخته فمسئلته من ثمانية عشر توافق سهميه بالنصف فاضرب نصف مسئلته تسعة في الأولى وهي ستة تكن أربعة وخمسين للأم من الأولى سهم في تسعة وفق الثانية ولها من الثانية ثلاثة في سهم صار لها اثنا عشر وللابن الباقي سهمان في تسعة ثمانية عشر ومن الثانية عشرة في سهم صار له ثمانية وعشرون ولأخيه أربعة عشر.
(القسم الثالث) أن لا ينقسم سهام الثاني على مسئلته ولا يوافقها فالطريق فيها أن تضرب المسألة الثانية في الأولى ثم كل من له شئ من المسألة الأولى مضروب في الثانية ومن له شئ من الثانية مضروب في سهام الميت الثاني.(7/89)
مثاله رجل خلف امرأة وبنتا وأخا فهي من ثمانية للبنت أربعة ثم ماتت البنت وتركت زوجا وأما وابنتين فان مسئلتها تعول إلى ثلاثة عشر لا تنقسم عليها سهامها ولا توافقها فإذا ضربت المسألة الأولى وهي ثمانية في الثانية وهي ثلاثة عشر كانت مائة وأربعة فكل من له شئ من الأولى مضروب في ثلاثة عشر ومن له شئ من ثلاثة عشر مضروب في أربعة ومثل ذلك زوج وأم وست أخوات مفترقات ماتت إحدى الأختين من الأم وخلفت من خلفت فالأولى من عشرة والثانية من ستة لأنها خلفت أماً وأختاً لأبوين وأختين من أم تضربها في الأولى تكن ستين ومنها تصح (فصل) وربما اختلف الحكم بكون الميت الأول رجلاً أو امرأة فيحتاج إلى السوأل عن ذلك مثال ذلك إذا قيل أبوان وابنتان لم تنقسم التركة حتى ماتت إحدى البنتين إن كان الميت الأول رجلاً فالأب جد وارث في الثانية لانه أبوأب وتصح المسئلتان من أربعة وخمسين وإن كان الميت
الأول امرأة فالأب أبو الأم في الثانية لا يرث لأنه من ذوي الأرحام وتصح المسئلتان من اثني عشر وتسمى المأمونية لأن المأمون سأل عنها يحيى بن أكثم حين أراد توليته القضاء ليختبر فهمه فقال يا أمير المؤمنين من الميت الأول فعلم أنه فهمها (مسألة) (فإن مات ثالث جمعت سهامه مما صحت منه الأوليان وعملت فيها عملك في مسألة الثاني مع الأول وكذلك تصنع في الرابع ومن بعده)(7/90)
ومثال ذلك زوجة وأم وثلاث أخوات مفترقات.
المسألة الأولى، من خمسة عشر، ماتت الأخت من الأبوين وخلفت زوجا ومن خلفت فمسئلتها من ثمانية وسهامها ستة يتفقان بالنصف فتضرب نصف مسئلتها في الأولى تكن ستين ثم ماتت الأم وخلفت زوجاً وأختاً وبنتها وهي الأخت من الأم، مسئلتها من أربعة ولها من المسئلتين أحد عشر سهماً لا توافق مسئلتها تضرب مسئلتها في الأوليين تكن مائتين وأربعين ومنها تصح الثلاث.
ومثال الأربعة زوجة وأبوان وابنتان، لم يقسموا حتى مات الأب وخلف أخا لأب وأم، ومن خلف ثم ماتت الأم وخلفت أماً وعماً ومن خلفت ثم ماتت إحدى البنتين وخلفت زوجا ومن خلفت تصح الأولى من سبعة وعشرين، والثانية من أربعة وعشرين، توافق تركة الأب بالأرباع ثم ماتت الأم عن سبعة وعشرين وخلفت أما وبنتي ابن وعما فمسئلتها من ستة وتركتها توافقها بالاثلاث ثم ماتت إحدى البنتين عن مائة وثلاثين وتركت زوجا وأما وأختا فمسئلتها من ثمانية وتركتها توافقها بالإنصاف فتصح المسائل الأربع من ألف ومائتين وستة وتسعين للزوجة من الأولى والرابعة مائتان وأربعة وسبعون وللبنت الباقية من المسائل الأربع سبعمائة وخمسة عشر، ولأخي الميت الباقي أربعون، ولأم الثالثة ستة وثلاثون، ولعمها كذلك، ولزوج الرابعة مائة وخمسة وتسعون، زوج، وأم، وست أخوات(7/91)
مفترقات، ماتت الأم وتركت أبويها ومن خلفت، ثم ماتت أخت من أب وأم وتركت زوجاً وجدة ومن خلفت ثم ماتت أخت من أم وخلفت زوجاً وجدة ومن خلفت الأولى عشرة والثانية من ستة
فتصير الاثنتان من ستين والثالثة من عشرين وماتت عن ثلاثة عشر لا توافق فتضرب عشرين في ستين تكن ألفاً ومائتين والرابعة من ثمانية وماتت عن مائة وستة وستين توافقها بالإنصاف فتضرب أربعة في ألف ومائتين تكن أربعة آلاف وثمان مائة.
(باب قسم التركات) إذا خلف تركة معلومة فأمكنك نسبة نصيب كل وارث من المسألة فاعطه مثل تلك النسبة من التركة، مثال ذلك زوج وأبوان وابنتان المسألة من خمسة عشر والتركة أربعون ديناراً، فللزوج ثلاثة وهي خمس المسألة فله خمس التركة ثمانية دنانير ولكل واحد من الأبوين ثلثا خمس المسألة فله ثلثا الثمانية وذلك خمسة دنانير وثلث دينار ولكل واحدة من البنتين مثل ما للأبوين كليهما وذلك عشرة وثلثان وإن شئت قسمت التركة على المسألة وضربت الخارج بالقسم في نصيب كل وارث فما بلغ فهو نصيبه فإذا قسمت التركة على المسألة ههنا كان الخارج بالقسم دينارين وثلثين إذا ضربتها في نصيب الزوج وهو ثلاثة كان ثمانية دنانير وإذا ضربتها في نصيب كل واحد من الأبوين كانت خمسة وثلثا(7/92)
وإذ اضربتها في نصيب كل واحدة من البنتين كانت عشرة دنانير وثلثين، وإن شئت ضربت نصيب كل وارث في التركة وقسمته على المسألة فما خرج فهو نصيبه ففي هذه المسألة إذا ضربت نصيب الزوج وهو ثلاثة في التركة كان مائة وعشرين إذا قسمتها على المسألة وهي خمسة عشر خرج بالقسم ثمانية وإذا ضربت نصيب أحد الأبوين في التركة كان ثمانين فإذا قسمتها على المسألة خرج خمسة وثلث وإذا ضربت نصيب كل واحدة من البنتين في التركة كانت مائة وستين إذا قسمتها على المسألة خرج بالقسم عشرة وثلثان كما ذكرنا (فصل) فإن كانت المسألة من الأعداد الصم لم يمكن العمل بالطريق الأول لأنه لا نسبة فيها فاعمل بالطريقين الآخرين.
مثال ذلك زوج وأم وابنتان، والتركة خمسون ديناراً، المسألة من ثلاثة عشر إذا قسمت عليها التركة خرج بالقسم لكل سهم ثلاثة دنانير وأحد عشر جزءاً من ثلاثة عشر جزءاً من دينار، تضرب
في ذلك سهام الزوج وهي ثلاثة يجتمع له أحد عشر ديناراً وسبعة أجزاء وتضرب نصيب الا تكن سبعة وتسعة أجزاء ولكل بنت ضعف ذلك وإن ضربت سهام كل وارث في الخمسى وقسمتها على على المسألة خرج ما قلنا.
(مسألة) وإن شئت في مسائل المناسخات قسمت التركة على المسألة الأولى ثم أخذت نصيب(7/93)
الثاني فقسمته على مسئلته وكذلك الثالث فإن كان بين التركة والمسألة موافقة رددتهما إلى وفقهما وقسمت وفق التركة على وفق المسألة واعمل على ما ذكرنا.
مثال زوجة وأم وثلاث أخوات مفترقات، المسألة من خمسة عشر والتركة عشرون ديناراً، ماتت الأم وخلفت أبوين ومن خلفت المسألة الأولى من خمسة عشر، والثانية من ستة للأم من الأولى سهمان لا تنقسم على الثانية وتوافقها بالنصف فتضرب نصف الستة في المسألة الأولى تكن خمسة وأربعين، فإن شئت نسبت نصيب كل وارث من المسألة وأعطيته من التركة مثل تلك النسبة فللمرأة تسعة وهي خمس المسألة، فلها خمس التركة أربعة دنانير وللأخت من الأم ثمانية، وهي ثمانية أتساع الخمس، فلها من التركة ثمانية أتساع خمسها، وهو ثلاثة دنانير، وخمسة أتساع دينار وللأخت من الأبوين عشرون وهي أربعة أتساع المسألة، فلها أربعة أتساع التركة وهي ثمانية دنانير وثمانية أتساع دينار، وللأخت من الأب ستة وهي تسع المسألة وخمس تسعها فلها من التركة ديناران وثلثان، وإن شئت قسمت العشرين على خمسة وأربعين وضربت الخارج بالقسم في نصيب كل وارث فيخرج ما ذكرناه وإن شئت ضربت سهام كل وارث في التركة وقسمت ما بلغ على المسألة فما خرج فهو نصيبه ان شئت وافقت بين التركة والمسألة وهي توافقها بالأخماس فترد المسألة إلى تسعة والتركة إلى أربعة وتضرب سهام كل وارث في أربعة وتقسمه على تسعة يخرج ما ذكرناه.
(مسألة) (وإن أردت القسمة على قراريط الدينار فاجعل عدد القراريط كالتركة المعلومة(7/94)
واعمل على ما قلنا، وقراريط الدينار في عرف بلدنا أربعة وعشرون قيراطاً فإن كانت السهام كثيرة
وأردت أن تعلم سهم القيراط فانظر ما يتركب منه العدد فإنه لابد أن يتركب من ضرب عدد في عدد فانسب أحد العددين إلى أربعة وعشرين فإن كان أقل منها فخذ من العدد الآخر مثل تلك النسبة، فما كان فهو لكل قيراط وإن كان أكثر من أربعة وعشرين قسمته عليها فما خرج بالقسم فاضربه في العدد الآخر فما بلغ فهو نصيب القيراط ومثال ذلك ستمائة أردت قسمتها على القراريط فهي متركبة من ضرب عشرين في ثلاثين وانسب العشرين إلى أربعة وعشرين تكن نصفها وثلثها فخذ نصف الثلاثين وثلثها خمسة وعشرون فهي سهم القيراط وإن قسمت الثلاثين على أربعة وعشرين خرج بالقسم سهم وربع فاضربها في العشرين تكن خمسة وعشرين وهي سهم القيراط فإذا عرفت سهم القيراط فانظر كل من له سهام فأعطه بكل سهم من سهام القيراط قيراطاً فإن بقي له من السهام ما لا يبلغ قيراطاً فانسبه إلى سهام القيراط وأعطه منه مثل تلك النسبة فان كان في سهام القيراط كسر بسطتها من جنس الكسر ثم كل من له سهام بعدد مبلغ السهام فله بعدد مخرج الكسر قراريط وتضرب بقية سهامه في مخرج الكسر وتنسبها منها مثال ذلك زوج وأبوان وابنتان ماتت الأم وخلفت أما وزوجاً وأختاً من أبوين وأختين من أب وأختين من أم فالأولى من خمسة عشر والثانية من عشرين فتضرب وفق إحداهما في الأخرى تكن(7/95)
مائة وخمسين وسهم القيراط ربع أبسطها أربعا تكن خمسة وعشرين فهذه سهام القيراط فللبنت من الأولى أربعة في عشرة أربعون فلها بخمسة وعشرين أربعة قراريط يبقى خمسة عشر اضربها في مخرج الكسر تكن ستين واقسمها على خمسة وعشرين تكن اثنين وخمسين فصار لها ستة وخمسان وللأب من الأولى والثانية ستة وعشرون فله بخمسة وعشرين أربعة وأبسط السهم الباقي أرباعاً يكن أربعة أخماس خمس ولزوج الأولى ثلاثون فله بخمسة وعشرين سهماً أربعة قراريط وأبسط الخمسة الباقية تكن عشرين وهي أربعة أخماس قيراط ولأم الثانية سهمان أبسطها أرباعاً تكن خمس قيراط وثلاثة أخماس قيراط وكذلك لكل أخت من أم وللأختين للأب مثل ذلك وللأخت للأبوين ستة أبسطها أرباعاً تكن أربعة أخماس قيراط
(مسألة) (وإن كانت التركة سهاماً من عقار كثلث وربع ونحو ذلك) فإن شئت أن تجعلها من قراريط الدينار وتقسمها على ما قلنا وإن شئت وافقت بينها وبين المسألة وضربت المسألة أو وفقها في مخرج سهام العقارا وفي وفقها فما كان فانسبه من المبلغ فما خرج فهو نصيبه إذا كانت التركة ربع دار وثلثها جمعتها من مخرجها قراريط فكانت أربعة عشر قيراطاً وجعلتها [كأنها دنانير وعملت على ما سبق وإن شئت أخذتها من مخرجها وقسمتها على المسألة فإن انقسمت بغير ضرب.
مثال ذلك زوج وأم وثلاث أخوات مفترقات والتركة ربع دار وخمسها المسألة من تسعة(7/96)
ومخرج سهام العقار عشرون الموروث منها تسعة منقسمة على المسألة للزوج منها ثلاثة وهي عشر الدار ونصف عشرها وللأخت من الأبوين مثل ذلك ولكل واحدة من الباقيات نصف عشر فإن لم تنقسم لكن وافقت السهام الموروثة المسألة رددت المسألة إلى وفقها ثم ضربته في مخرج سهام العقار ثم كل من له شئ من المسألة مضروب في وفق السهام الموروثة من العقار مثاله زوج وأبوان وابنتان والتركة ربع دار وخسمها المسألة من خسمة عشر توافق السهام الموروثة من العقار بالثلث لأنها تسعة فترد المسألة إلى ثلثها خمسة ثم تضربها في مخرج سهام العقار وهي عشرون تكن مائة فللزوج من المسألة ثلاثة في وفق سهام العقار ثلاثة تسعة من مائة وهو نصف عشر الدار وخمس خمسها ولكل واحد من الأبوين سهمان في ثلاثة سنة وهي ثلاثة أخماس عشر الدار ولكل بنت ضعف ذلك وهو عشر وخمس عشر، وإن لم توافق السهام الموروثة المسألة ضربت المسألة جميعها في مخرج سهام العقار ثم كل من له شئ من المسألة مضروب في السهام الموروثة من العقار فما بلغ فانسبه من مبلغ سهام العقار وإن شئت نسبت سهام كل وارث من المسألة فما بلغ أعطيته منها بقدر نسبة السهام الموروثة إلى سهام العقار فتقول في هذه المسألة للزوج من المسألة الخمس فله خمس التركة وكذلك تفعل في بقية الورثة على ما سبق(7/97)
(فصل) في المجهولات زوج وأم وأختان لأب وأم أخذ الزوج بميراثه خمسة وأربعين ديناراً كم
جميع التركة؟ فالطريق في ذلك إن تقسم الدنانير التي أخذها على سهامه تخرج خمسة عشر فاضربها في سهام المسألة وهي ثمانية تكن مائة وعشرين وهي التركة وإن شئت ضربت ما أخذ في سهام المسألة تكن ثلاثمائة وستين وقسمت ذلك على سهامه فما خرج فهو التركة وإن شئت قلت سهام من بقي مثل سهامه مرة وثلاثين فيجب ان يكون الباقي خمسة وسبعين زوج وأم وست أخوات مفترقات والتركة ستة وخمسون ديناراً وثوب أخذ الزوج بميراثه الثوب كم قيمته؟ فالطريق أن تقسم العين على سهام من بقي من الورثة تخرج ثمانية تضربها في سهام الزوج تكن أربعة وعشرين وإن شئت قلت سهام الزوج من سهام الباقي ثلاثة أسباعها فخذ ثلاثة أسباع العين تكن ما ذكرنا وبالجبر تجعل قيمة الثوب شيئاً فإذا أخذه الزوج بثلاثة أسهم وجب أن يأخذ باقي الورثة سبعة أسهم شيئين وثلثا وذلك يعدل العين فالشئ ثلاثة أسباعها في ثلاثة أسباع العين تكن أربعة وعشرين وإن بسطت الشيئين والثلث أثلاثاً كانت سبعة وقسمت عليها العين يخرج الشئ أربعة وعشرين زوج وأم وست أخوات مفترقات والتركة خمسة وثلاثون ديناراً وثوب أخذت إحدى الأختين للأب والأم الثوب وثلاثة دنانير فألق ما أخذت من العين فاقسم الباقي على سهام باقي الورثة وهي ثمانية يخرج بالقسم أربعة دناينر وهي نصيب السهم فلاختين بسهمين ثمانية دنانير فإذا ألقيت منها ثلاثة دنانير بقي خمسة وهي قيمة الثوب والتركة جميعها أربعون ديناراً أو بالجبر تجعل قيمة الثوب شيئاً(7/98)
فتقول إذا أخذت الأخت بسهمين ثوباً وثلاثة دنانير وجب أن يأخذ بقية الورثة أربعة أشياء واثني عشر ديناراً وذلك يعدل ما حصل لهم وهو اثنان وثلاثون ديناراً فألق اثني عشر بمثلها يبقى أربعة أشياء تعدل عشرين ديناراً فقيمة الثوب خمسة دنانير كما قلنا فإن كانت المسألة بحالها والتركة ثلاثون ديناراً وعبدان متساويا القيمة أخذت إحدى الأختين للأبوين أحد العبدين فأسقط سهمها من المسألة وأسقط بمثلها العبد الآخر يبقى ستة تقسم العين عليها يخرج للسهم خمسة فقيمة العبد عشرة وبالجبر تجعل قيمة كل عبد شيئاً فإذا أخذت بسهمين شيئاً وجب أن يكون لباقي الوثة أربعة أشياء وذلك يعدل ما معهم وهو شئ وثلاثون ديناراً فألق المشترك يعدل الشئ عشرة كما قلنا (باب ذوي الأرحام)
وهم كل قرابة ليست بذي فرض ولا عصبة وهم أحد عشر صنفاً ولد البنات وولد الأخوات وبنات الاخوة وبنات الأعمام وبنو الإخوة من الأم والعم من الأم والعمات والأخوال والخالات وأبوالام وكل جدة أدلت بأب بين أمين أو بأب أعلى من الجد ومن أدلى بهم فهم يسمون ذوي الأرحام وكان أبو عبد الله يورثهم إذا لم يكن ذو فرض ولا عصبة إلا الزوج والزوجة روي هذا القول عن عمر وعلي وعبد الله وأبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء رضي الله عنهم وبه قال شريح وعمر(7/99)
ابن عبد العزيز وعطاء وطاوس وعلقمة ومسروق وأهل الكوفة وكان زيد لا يورثهم ويجعل الباقي لبيت المال وبه قال مالك والاوزاعي والشافعي وأبو ثور وداود وابن جرير لأن عطاء بن يسار روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب إلى قباء يستخير الله في العمة والخالة فأنزل الله عزوجل أن لا ميراث لهما رواه سعيد في سننه ولأن العمة وبنت الأخ لا ترثان مع اخوتهما فلا ترثان منفردتين كالأجنبيات وذلك لأن انضمام الأخ إليهما يؤكدهما ويقويهما بدليل أن بنات الابن والأخوات من الأب يعصبهن أخوهن فيما بقي بعد ميراث البنات والأخوات من الأبوين ولا يرثن منفردات فإذا لم يرث هاتان مع أخيهما فمع عدمه أولى ولأن المواريث إنما ثبتت نصاً ولا نص في هؤلاء ولنا قول الله تعالى (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) أي أحق بالتوارث في حكم الله قال أهل العلم كان التوارث في ابتداء الإسلام بالحلف فكان الرجل يقول للرجل دمي دمك، ومالي مالك، تنصرني وأنصرك، وترثني وأرثك، فيتعاقدان الحلف بينهما على ذلك فيتوارثان به دون القرابة وذلك قوله تعالى (والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) ثم نسخ ذلك وصار التوارث بالإسلام والهجرة فإذا كان له ولد ولم يهاجر ورثه المهاجرون دونه، وذلك قوله عزوجل (والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا) ثم نسخ ذلك بقوله تعالى (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) في كتاب الله.(7/100)
وروى الإمام أحمد باسناده عن سهل بن حنيف ان رجلاً رمى رجلاً بسهم فقتله ولم يترك إلا خالا
فكتب فيه أبو عبيدة الى عمر فكتب إليه عمر: أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " الخال وارث من لا وارث له ".
قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، وروى المقدام عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال " الخال وارث من لا وارث له يعقل عنه ويرثه " أخرجه أبو داود وفي لفظ مولى من لا مولى له، يعقل عنه ويفك عانيه، فإن قيل المراد به أن من ليس له إلا خال فلا وارث له، كما يقال الجوع زاد من لا زاد له، والماء طيب من لا طيب له، والصبر حيلة من لا حيلة له، أو أنه أراد بالخال السلطان قلنا هذا فاسد لوجوه ثلاثة.
(أحدها) : أنه قال يرث ماله وفي لفظ يرثه (والثاني) : أن الصحابة فهموا ذلك، فكتب عمر هذا جواباً لأبي عبيدة حين سأله عن ميراث الخال وهم أحق بالفهم والصواب من غيرهم (والثالث) أنه سماه وارثاً، والأصل الحقيقة وقولهم إن هذا يستعمل للنفي قلنا والإثبات كقولهم يا عماد من لا عماد له، يا سند من لا سند له، يا ذخر من لا ذخر له.
وروى سعيد بإسناده عن واسع بن حيان قال: توفي ثابت بن الدحداحة ولم يدع وارثاً ولا عصبة فرفع شأنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله إلى ابن أخته أبي لبابة بن عبد المنذر،(7/101)
ورواه أبو عبيدة في الأموال إلا أنه قال لم يخلف إلا ابنة أخ له، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بميراثه لابنة أخيه ولأنه ذو قرابة فيرث كذوي الفروض، وذلك لأنه ساوى الناس في الاسلام، وزاد عليهم بالقرابة، فكان أولى منهم، ولهذا كان أحق في الحياة بصدقته وصلته، وبعد الموت بوصيته، فأشبه ذوي الفروض والعصبات المحجوبين إذا لم يكن من يحجبهم وحديثهم مرسل ثم يحتمل أنه لا ميراث لهما مع ذوي الفروض والعصبات، ولذلك سمي الحال وارث من لا وارث له، أي لا يرث إلا عند عدم الوارث وقولهم لا يرثان مع إخوتهما قلنا لأنهما أقوى منهما وقولهم إن الميراث إنما ثبت نصاً قلنا قد ذكرنا نصوصاً ثم التعليل واجب مهما أمكن وقد أمكن ههنا فلا يصار إلى التعبد المحض.
(فصل) والرد يقدم على ميراث ذوي الأرحام فمتى خلف البيت عصبة أو ذا فرض من أقاربه
أخذ جميع التركة، هذا قول عامة من ورث ذوي الأرحام قال الخبري لم يختلفوا أن الرد أولى منهم إلا ما روي عن سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز أنهما ورثا الحال مع البنت فيحتمل أنهما ورثاه لكونه عصبة أو مولى لئلا يخالف الاجماع، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " الخال وارث من لا وارث له " ومن مسائل ذلك أبو أم وجدة، المال للجدة، بنت ابن وبنت بنت ابن ابن أخ وابن أخت عم وعمة بني اخوة مفترقين لا شئ لذوي الرحم في جميع ذلك (فصل) وكذلك المولى المعتق وعصباته يقدمون على ذوي الأرحام، وهو قول عامة من ورثهم(7/102)
من الصحابة وغيرهم وقول من لا يورثهم أيضاً، وروي عن ابن مسعود تقديمهم على المولى، وبه قال ابنه أبو عبيدة، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعلقمة، والأسود، وعبيدة، ومسروق، وجابر ابن زيد، والشعبي، والنخعي، والقاسم بن عبد الرحمن، وعمر بن عبد العزيز، وميمون بن مهران، والأول أصح، لقوله عليه الصلاة والسلام " الخال وارث من لا وارث له " والمولى وارث ولأن المولى يعقل وينصر أشبه العصبة من النسب.
(مسألة) (ويورثون بالتنزيل فيجعل كل وارث بمنزلة من أدلى به) فيجعل ولد البنات والأخوات كأمهاتهم، وبنات الاخوة، والأعمام، وولد الإخوة من الأم كآبائهم، والأخوال، والخالات، وأبو الأم كالأم، والعمات، والعم من الأم كالأب، وعنه كالعم ثم تجعل نصيب كل وارث لمن أدلى به مذهب أبي عبد الله رحمه الله في توريث ذوي الأرحام مذهب أهل التنزيل وهو أن ينزل كل واحد منهم منزلة من يمت به من الورثة فتجعل له نصيبه فإن بعدوا نزلوا درجة درجة حتى يصلوا إلى من(7/103)
يمتون به فيأخذون ميراثه فإن كان واحداً أخذ المال كله وإن كانوا جماعة قسمت المال بين من يمتون به فما حصل لكل واحد جعل لمن أمت به فإن بقي من سهام المسألة شئ رد عليهم على قدر سهامهم، هذا قول علقمة ومسروق والشعبي والنخعي وحماد ونعيم وشريك وابن أبي ليلى والثوري وسائر من من ورثهم غير أهل القرابة، وروي عن علي وعبد الله رضي الله عنهما أنهما نزلا بنت البنت منزلة
البنت وبنت الأخ منزلة الأخ، وبنت الأخت منزلة الأخت، والعمة منزلة الأب، والخالة منزلة الأم.
وروي ذلك عن عمر رضي الله عنه في العمة والخالة.
وعن علي انه نزل العمة بمنزلة العم.
وروي ذلك عن علقمة ومسروق، وهي الرواية الثانية عن احمد وعن الثوري وأبي عبيد، أنهما نزلاها منزلة الجد مع ولد الاخوة والأخوات ونزلها آخرون منزلة الجدة وإنما صار هذا الاختلاف في العمة لادلائها بأربع جهات وارثات، فالأب والعم أخواها، والجد والجدة أبواها، ونزل قوم الخالة جدة لأن الجدة أمها.
والصحيح من ذلك تنزيل العمة أبا، والخالة أما، لوجوه ثلاثة.
(أحدها) : ما روى الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " العمة بمنزلة الأب إذا لم يكن بينهما أب، والخالة بمنزلة الأم إذا لم يكن بينهما أم " رواه الإمام أحمد.
(والثاني) : أنه قول عمر وعلي وعبد الله في الصحيح عنهم ولا مخالف لهم في الصحابة.
(الثالث) : أن الأب أقوى جهات العمة والأم أقوى جهات الخالة فتعين تنزيلهما بهما دون غيرهما(7/104)
كبنت الأخ وبنت العم فإنهما ينزلان بمنزلة أبويهما دون إخوتهما ولأنه إذا اجتمع لهما قرابات ولم يمكن توريثهما بجميعها ورثناهما بأقواها كالمجوس عند من لا يورثهم بجميع قراباتهم وكالأخ من الأبوين فإنا نورثه بالتعصيب وهي جهة أبيه دون قرابة أمه، وأما أبو حنيفة وأصحابه فإنهم ورثوهم على ترتيب العصبات، فجعلوا أولاهم من كان من ولد الميت وإن سفلوا ثم أبويه أو أحدهما وإن سفلوا ثم ولد أبوي أبويه وإن سفلوا كذلك أبداً لا يرث بنو أب أعلى وهناك بنو أب أقرب منه وإن نزلت درجتهم، وعن أبي حنيفة أنه جعل أبا الأم وإن علا أولى من ولد البنات ويسمى مذهبهم مذهب أهل القرابة ولنا أنهم فرع في الميراث على غيرهم فوجب إلحاقهم بمن هم فرع له وقد ثبت ان ولد الميت من الإناث لا يسقط ولد أبيه فأولى أن لا يسقطهم ولده (مسائل ذلك) بنت بنت وبنت بنت ابن، المال بينهما على أربعة فإن كان معهما بنت أخ فالباقي لها وتصح من ستة فإن كان معهما خالة فلبنت البنت النصف ولبنت بنت الابن السدس تكملة الثلثين، وللخالة السدس، والباقي لبنت الأخ، فإن كان مكان الخالة عمة حجبت بنت الأخ وأخذت الباقي لأن العمة
كالاب فتسقطمن هو بمنزلة الأخ ومن نزلها عماً جعل الباقي لبنت الأخ وأسقط بها العمة ومن نزلها جدا قاسم بها ابنة الأخ الثلث الباقي بينهما نصفين ومن نزلها جدة جعل لها السدس ولبنت الأخ الباقي(7/105)
وفي قول أهل القرابة لا ترث بنت الأخ مع بنت البنت ولا مع بنت بنت الابن شيئاً.
(مسألة) (فإن أدلى جماعة منهم بواحد واستوت منازلهم فنصيبه بينهم بالسوية ذكرهم وأنثاهم سواء، وعنه للذكر مثل حظ الأنثيين الا ولد الأم وقال الخرقي يسوي بينهم إلا الخال والخالة) اختلفت الرواية عن أحمد في توريث الذكور والإناث من ذوي الأرحام إذا كانوا من أب واحد وأم واحدة فنقل الأثرم وحنبل وإبراهيم بن الحارث في الخال والخالة يعطون بالسوية في جميع ذوي الأرحام اختاره أبو بكر وهو مذهب أبي عبيد واسحاق ونعيم بن حماد لأنهم لا يرثون بالرحم المجرد فاستوى ذكرهم وأنثاهم كولد الأم، ونقل يعقوب بن بختان إذا ترك ولد خالة خالته اجعله بمنزلة الأخ والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين وكذلك ولد العم والعمة ونقل عنه المروذي فيمن ترك خاله وخالته للخال الثلثان وللخالة الثلث فظاهر هذا التفضيل وهو قول أهل العراق وعامة المنزلين لأن ميراثهم معتبر بغيرهم فلا يجوز حملهم على ذوي الفروض لأنهم يأخذون المال كله ولا على العصبة البعيد لأن ذكرهم ينفرد بالميراث دون الإناث فوجب اعتبارهم بالقريب من العصاب والإخوة والأخوات ويجاب عن هذا بأنهم معتبرون بولد الأم وإنما يأخذون كل المال بالفرض والرد واتفق الجميع على التسوية بين ولد الأم لأن أباهم يسوي ذكرهم وأنثاهم إلا في قول من أمات السبب فإن عنده للذكر مثل حظ الأنثيين فأما الذي نقل عنه الخرقي أنه يسوي بين الجميع إلا الخال والخالة قال شيخنا(7/106)
فلا أعلم موافقاً على هذا القول ولا علمت وجهه والخلاف إنما هو في ذكر وأنثى أبوهما وأمهما واحد فأما إذا اختلف آباؤهم وأمهاتهم كالأخوال والخالات المفترقين والعمات المفترقات أو إذا أدلى كل واحد منهم بغير من أدلى به الآخر كابن بنت وبنت بنت أخرى فلذلك موضع يذكر فيه إن شاء الله تعالى (مسائل ذلك) ابن أخت معه أخته وابن بنت معه أخته المال بينهما نصفين عند من سوى وعند
أهل القرابة وسائر المنزلين المال بينهما على ثلاثة: ابنان وابنتا أخت لابوبن وثلاث بني وثلاث بنات أخت لأب وأربع بني وأربع بنات أخت لأم أصل المسألة من خمسة للأخت من الأبوين ثلاثة بين ولدها على أربعة وللأخت من الأب سهم بين ولدها على ستة وللأخت من الأم سهم بين ولدها على ثمانية والأربعة داخلة فيها والستة توافقها بالنصف فتضرب نصفها في ثمانية تكن أربعة وعشرين ثم في خمسة تكن مائة وعشرين ومن فضل أبقى ولد الأم بحالهم وجعل ولد الأخت من الأبوين ستة توافقهم سهامهم بالثلث فيرجعون إلى اثنين فيدخلان في الثمانية وولد الأخت من الأب تسعة تضربها في ثمانية تكن اثنين وسبعين ثم في خمسة تكن ثلاثمائة وستين، وإن كانوا أولاد عمات أو خالات مفترقات فكذلك وإن كانوا أولاد بنات أو أولاد أخوات من أبوين أو من أب فهي من اثنين وسبعين عند من سوى ومن مائة وثمانية عند من فضل وقول أهل العراق هي من سبعة وعشرين كأولاد البنين (فصل) إذا كان معك أولاد بنات أو أخوات قسمت المال بين أمهاتهن على عددهن فما أصاب(7/107)
كل واحدة منهن فهو لولدها بالسوية عند من سوى وعند من فضل جعله بينهم على حسب ميراثهم واختلف أصحاب أبي حنيفة فذهب أبو يوسف إلى قسم المال على عددهم دون مراعاة أمهاتهم إذا استووا ممن يدلون به من الآباء والأمهات إلى بنات الميت للذكر مثل حظ الأنثيين كأولاد البنين، وجعل محمد بن الحسن من أدلى بابن ابنا وإن كانت أنثى ومن أدلى ببنت بنتا وإن كان ذكراً وجعل المدلى بهم بعدد المدلين ثم قسم بينهم على عددهم فما أصاب ولد الابن قسمه بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين وما أصاب ولد الأنثى قسمه بينهم كذلك (مسائل) من ذلك بنت ابن بنت وابن بنت بنت قول من سوى المال بينهما نصفين وقول من فضل إن كانا من ولد بنين فكذلك وإن كانا من ولد بنت واحدة فالمال بين ابنها وبنتها للابن ثلثاه ولبنتها ثلثه فما أصاب ابنها فهو لبنته وما أصاب بنتها فهو لابنها فيصير للبنت سهمان وللابن سهم وكذلك قول محمد وقول أبي يوسف للابن سهمان وللبنت سهم كابن الميت وبنته: ابنا بنت بنت وابن ابن بنت قول من سوى لابن ابن البنت النصف والباقي بين الباقين على ثلاثة سواء كانوا من ولد بنت أو من
ولد بنين وقول المفضلين إن كانوا من ولد بنتين فلابن ابن البنت النصف والنصف الآخر بين الباقين على خمسة وإن كانوا من ولد بنت فلابن ابن البنت الثلثان والثلث الباقي للباقين على خمسة لأن المال كان للبنت الأولى فقسم بين ابنها وبنتها أثلاثاً للابن سهمان فهما لابنه وللبنت سهم فهو لولدها قول محمد يقسم بينهم على(7/108)
خمسة لابن الابن سهمان لأنه يدلي بابن وللباقين ثلاثة لأنهم يدلون بأنثى وقول أبي يوسف يقسم بينهم على سبعة لكل ابن سهمان وللبنت سهم.
ابنا بنت بنت وبنتا ابن بنت قول من سوى المال بينهم على أربعة بكل حال قول المفضلين إن كانوا من ولد بنتين فكذلك وإن كانوا من ولد واحدة فلابنها الثلثان بين ابنتيه ولابنتها الثلث بين ابنيها قول أبي يوسف المال بينهم على ستة لكل ذكر سهمان ولكل أنثى سهم قول محمد لكل ذكر سهم ولكل أنثى سهمان.
ابنا وابنتا ابن أخت وثلاثة بني وثلاث بنات بنت أخت قول من سوى النصف بين الأولين على أربعة والنصف الثاني بين الآخرين على ستة وتصح من أربعة وعشرين.
قول من فضل إن كانوا من ولد واحدة فللأولين الثلثان سهم على ستة وللآخرين الثلث سهم على تسعة وتصح من أربعة وخمسين، وإن كانوا من ولد ابنتين صحت من ستة وثلاثين، قول أبي يوسف للذكر مثل حظ الأنثيين وتصح من خمسة عشر وقول محمد ولد ابن الأخت بمنزلة أربعة ذكور وولد بنت الأخت كست إناث فيقسم المال بينهم على أربعة عشر فلولد ابن الاخت منها ثمانية أسهم بينهم على ستة وللآخرين ستة بينهم على تسعة وتصح من اثنين وأربعين وترجع بالاختصار إلى أحد وعشرين: ابنتا أخ وابن وابنة أخت لابنتي الأخ الثلثان في قول المنزلين جميعهم وقول محمد والثلث لولدي الأخت بينهما بالسوية عند من سوى ومن فضل جعله بينهما أثلاثاً وهو قول محمد وقال أبو يوسف لابن الأخت سهمان ولكل واحد من الباقين سهم وتصح من خمسة(7/109)
(فصل) بنت بنت وبنت بنت ابن هي من أربعة عند المنزلين جميعهم وعند أهل القرابة أيضاً هو لبنت البنت لأنها أقرب فإن كان معهما بنتا بنت ابن أخرى فكأنهم بنتا ابن وبنت فمسئلتهم من ثمانية وتصح ستة عشر: ابن بنت ابن وبنت ابن بنت المال للابن لأنه أقرب إلى الوارث وهذا قول عامة من ورثهم
إلا ما حكي عن ابن سالم أنه ينزل البعيد حتى يلحق بوارثه فيكون المال بينهما على أربعة للبنت ثلاثة وللابن سهم كبنت وبنت ابن بنت بنت ابن وبنت بنت ابن ابن وبنتا بنت ابن ابن آخر للأولى ثلاثة أرباع المال والربع الباقي بين الباقيات على أربعة فتضربها في أصل المسألة تكن من ستة عشر: ابن وبنت بنت وثلاث بنات بنت وابنا بنت ابن لا شئ لهذين في قول الجميع لأن أمهما تسقط باستكمال البنات الثلثين ويكون النصف بين الابن وأخته على اثنين والنصف الآخر على ثلاث، وتصح من اثني عشر عند من سوى ومن فضل جعلها بينهم على ستة وهو قول أهل القرابة أيضاً.
بنت بنت بنت وبنت ابن بنت أخرى وبنت بنت ابن ابن المال لهذه إلا في قول أهل القرابة فإنه للأوليين، وقول من أمات السبب ورث البعيد مع القريب المال بين بنت ابن بنت وبنت بنت ابن ابن على أربعة وتسقط الأخرى لأن هذه وارثة الابن في أول درجة: بنت بنت وبنت بنت بنت أخرى وبنت بنت ابن المال بين الأولى والأخيرة على أربعة عند المنزلين وقال اهل القرابة وهو للأولى قول ابن سالم هو للأوليين وتسقط الثالثة (مسألة) (وإذا كان ابن وبنت أخت وبنت أخت أخرى فلبنت الأخت وحدها النصف وللأخرى وأخيها النصف بينهما)(7/110)
لا خلاف بين المنزلين في أن لولد كل أخت ميراثها وهو النصف فمن سوى جعل النصف بين الأخت وأخته نصفين والنصف الآخر لبنت الأخرى وتصح من أربعة، ومن فضل جعل النصف بينهما على ثلاثة وتصح من ستة وقال أبو يوسف للابن النصف ولكل بنت الربع وتصح من أربعة وقال محمد لولد الأخت الأولى الثلثان بينهما على ثلاثة وللأخرى الثلث وتصح من تسعة وإذا انفرد ولد كل أخ أو أخت فالعمل فيه على ما ذكرنا في أولاد البنات، ومتى كان الأخوات والاخوة من ولد الأم فاتفق الجميع على التسوية بين ذكرهم وأنثاهم إلا الثوري ومن أمات السبب: ثلاث بنات أخ وثلاثة بني أخت إن كانا من أم فالمال بينهم على عددهم وإن كانا من أب أو من أبوين فلبنات الأخ الثلثان ولبني الأخت الثلث وتصح من تسعة عند المنزلين ومحمد وفي قول أبي يوسف يجعل لبني الأخت الثلثين ولبنات الأخ الثلث: ابن وبنت أخت لأبوين وابن أخت لأم هي من أربعة عند من فضل وعند من سوى تصح من
ثمانية، قول محمد كأنهما أختان من أبوين وأخت من أم وتصح من خمسة عشر فإن كان ولد الأم أيضاً ابنا وابنة صحت عند جميعهم من ثمانية إلا الثوري فإنه يجعل للذكر من ولد الأم مثل حظ الأنثيين فتصح عنده من اثني عشر وعند محمد هي من ثمانية عشر: ابنا أخت لأبوين وابن وابنة أخت لأب وابنا أخت أخرى لأب من ثمانية في قول عامتهم وتصح من اثنين وثلاثين عند من سوى، وعند من فضل من ثمانية وأربعين، وقول محمد يسقط ولد الأب ويتفق قوله وقول أبي يوسف في أن المال لابن(7/111)
الأخت من الأبوين: ابن أخت لأبوين وابن وابنة أخت لأم وابنا وابنتا أخت أخرى لأم قول المنزلين من عشرين الثوري من ثلاثين محمد من ستين (فصل) ثلاث بنات ثلاث أخوات مفترقات مذهب أحمد وسائر المنزلين أن المال يقسم بين الأخوات على قدر سهامهن فما أصاب كل أخت فهو لولدها والمال في هذه المسألة بين الاخوات على على خمسة فيكون بين اولاد هن كذلك، والحكم في ثلاث بنات عمات مفترقات كذلك لأنهن أخوات الأب فميراثه بينهن على خمسة، وكذلك ثلاث خالات مفترقات لأنهن أخوات الأم وقدم أهل القرابة من كان لأب وأم من جميعهم ثم من كان لأب ثم من كان لأم إلا محمد بن الحسن فإنه قسم ميراث أولاد الأخوات على أعدادهم وأقامهم مقام أمهاتهم كأنهم أخوات (مسائل) من ذلك ست بنات ثلاث أخوات مفترقات المال بين الأخوات على خمسة فما أصاب كل واحدة فهو لبنيها وتصح من عشرة وعند أبي يوسف المال كله لولد الأبوين وعند محمد لهما الثلثان ولولد الأم الثلث وتصح من ستة: ست بنات ست أخوات مفترقات لبنتي الأختين من الأبوين الثلثان ولولد الأم الثلث وتصح من ستة هذا قول محمد.
ابن أخت لأبوين وابن وابنة أخت لأب وابنا وابنتا أخت أخرى لأب وثلاثة بني وثلاث بنات أخت لأم هي من مائة وعشرين عند من سوى ومن ستين عند من فضل ومن أربعة وخمسين عند محمد، فإن كان معهم أربعة بني وأربع بنات أخت أخرى لأم(7/112)
صحت من مائة وأربعة وأربعين عند المنزلين كلهم، قول محمد كأنهم أخت لأبوين وست أخوات لأب
وأربع عشرة أختاً لأم سهم ولد الأب بينهم على تسعة فتصح من ثلثمائة وثمانية وسبعين، فإن كان ولد الأخت من الأبوين ابناً وبنتاً صحت كذلك عند المنزلين وعند محمد كأنهما أختان لأبوين فيسقط ولد الأب وتصح من مائة وستة وعشرين والقول في العمات المفترقات والخالات المفترقات وأولادهن كالقول في ولد الأخوات المفترقات (فصل) فإن كن ثلاث بنات ثلاث إخوة مفترقين فلبنت الأخ من الأم السدس والباقي لبنت الأخ من الأبوين هذا قول جميع المنزلين لأن الاخوة المفترقين يسقط ولد الأب منهم ولد الأبوين وللأخ للأم السدس والباقي كله للأخ للأبوين، ثم ما صار لكل أخ فهو لولده وكذلك الحكم في الأخوال المفترقين لأنهم إخوة الأم (مسائل) من ذلك ست بنات ستة إخوة مفترقين لولد الأم الثلث والباقي لولد الأبوين: ست بنات ثلاثة إخوة مفترقين لولد الأم السدس والباقي لولد الأبوين قول محمد لولد الأم الثلث: بنت أخ لأبوين وابن أخ لأم وبنت أخ آخر لام، ابن وبنت بنت أخ لأب وابنا وابنتا ابن أخ لأم وثلاث بني(7/113)
وثلاث بنات بنت أخ لأم تصح من اثنين وسبعين عند المنزلين، فإن كان مكان الأخ من أب أخت كانت من ستين فإن كان معهم ابن بنت أخت من أبوين عادت إلى اثنين وسبعين (فصل) بنت أخ لأم وبنت ابن أخ لأب للأولى السدس والباقي للثانية عند المنزلين وفي القرابة هي للأولى لأنها أقرب إلى الميت.
بنت بنت أخ لأبوين وبنت ابن اخ لابوبن المال لهذه في قول الجميع: بنت ابن أخ لأم وبنت بنت أخ لأبوين وابن بنت اخ لاب الاولى السدس والباقي للثانية، وقال أبو يوسف الكل للثانية: بنت أخ لأم وبنت بنت أخ لأب المال للأولى إلا في قول الثوري وابن سالم وضرار للأولى السدس والباقي للثانية لأنهم يورثون البعيد مع القريب، وإن كانا من جهة واحدة: ابن وبنت أخت لأبوين وبنتا أخ لأب وثلاثة بني أخت لاب وخمس بني أخت لأم وعشر بنات أخ لأم أصلها من ثمانية عشر وتصح من خمسمائة وأربعين في قول المنزلين النصف من ذلك بين ولدي الأخت للأبوين بالسوية عند من سوى وأثلاثاً عند من فضل ولولد الأم الثلث وهو مائة وثمانون لولد الأخ تسعون ولولد الأخت
تسعون ولولد الأب تسعون ولولد الأخ ستون ولولد الأخت ثلاثون: ثلاث بنات إخوة مفترقين وثلاث بنات أخوات مفترقات لولدي الأم الثلث بينهما بالسوية والباقي لولدي الأبوين لبنت الأخ ثلثاه ولبنت الأخت ثلثه وإن كان معهم ثلاث بني أخوال مفترقين فلهم السدس لأبن الخال من الأم سدسه(7/114)
وباقيه لابن الخال من الأبوين ويبقى النصف لبنت الأخ من الأبوين ثلثاه ولبنت الأخت ثلثه وتصح من ستة وثلاثين.
(مسألة) (وإن اختلفت منازلهم من المدلى به جعلته كالميت وقسمت نصيبه بينهم على ذلك كثلاث خالات مفترقات وثلاث عمات مفترقات فالثلث بين الخالات على خمسة والثلثان بين العمات كذلك فاجتز بإحداهما واضربها في ثلاثة تكن خمسة عشر للخالة التي من قبل الأب والأم ثلاثة أسهم وللخالة التي من قبل الأب سهم وللتي من قبل الأم سهم وللعمة التي من قبل الأب والأم ستة أسهم وللتي من قبل الأب سهمان وللتي من قبل الأم سهمان، إنما كان كذلك لأن الخالات بمنزلة الأم والعمات بمنزلة الأب فكأن الميت خلف أباه وأمه فلأمه الثلث والباقي للأب فما صار للأم بين أخواتها على خمسة لأنهن أخوات لها، مفترقات فيقسم نصيبها بينهن بالفرض والرد على خمسة كما يقسم مال الميت بين أخواته المفترقات، وما صار للأب قسم بين أخواته على خمسة فصار الكسر في الموضعين على خمسة وإحداهما تجزئ عن الأخرى لأنهما عددان متماثلان، فتضرب إحداهما في أصل المسألة وهي ثلاثة تكن خمسة عشر، فللخالات سهم في خمسة مقسومة بينهن كما ذكر وللعمات سهمان في خمسة مقسومة بينهن على خمسة كما ذكر وهذا قول عامة المنزلين وعند أهل القرابة للعمة من الأبوين الثلثان وللخالة من الأبوين(7/115)
الثلث وسقط سائرهن، وقال نعيم واسحاق الخالا ت كلهن سواء فيكون نصيبهن بينهن على ثلاثة وكذلك نصيب العمات بينهن على ثلاثة يتساوين فيه فتكون هذه المسألة من تسعة، فإن كان مع الخالات خال من أم ومع العمات عم من أم فسهم كل واحد من الفريقين بينهم على ستة وتصح من ثمانية عشر عند المنزلين (مسألة) (فإن خلف ثلاثة أخوال مفترقين فللخال من الأم السدس والباقي للخال من الأبوين)
كما لو خلف ثلاثة إخوة مفترقين ويسقط الخال من الأب كما يسقط الأخ من الأب في الاخوة المفترقين بالأخ من الأبوين، وكذلك ثلاثة أخوال، مفترقين مع ثلاث خالات مفترقات كثلاث بنات إخوة مفترقين مع ثلاث بنات أخوات مفترقات كما ذكر (مسألة) (فإن كان معهم أبو أم أسقطهم) كما يسقط الأب الاخوة وأولادهم (فصل) ثلاثة أخوال مفترقين معهم أخواتهم وعم وعمة من أم الثلث بين الأخوال والخالات على ستة للخال والخالة من الأم الثلث بينهما بالسوية وثلثاه للخال والخالة من الأبوين بينهما على ثلاثة عند من فضل وهو قول أكثر المنزلين وإحدى الروايتين عند أحمد وذكرها الخرقي في الخال والخالة خاصة والرواية الأخرى هو بينهما على السوية، والثلثان بين العم والعمة بالسوية: ثلاث عمات وثلاث بنات عم، وثلاث خالات، وثلاثة بني خال، الميراث للعمات والخالا ت وسقط الباقون ويكون للخالات الثلث والباقي للعمات، فإن كان معهم ثلاث بنات إخوة فللخالات السدس والباقي للعمات لأنهن بمنزلة الأب(7/116)
فيسقط منهن بنات الاخوة لأنهن بمنزلة الاخوة ويحتمل أن يجعل أولاد الاخوة والأخوات من جهة الأبوة فيقدم ولد الأبوين وولد الأب على العمات لأنهن أولاد بنيه والعمات أخواته، ووجه هذا الاحتمال أننا إذا جعلنا الاخوة جهة والأبوة جهة أخرى مع ما تقرر من أصلنا أن البعيد والقريب اذا كانا من جهتين نزل البعيد حتى يلحق بوارثه سواء سقط به القريب أو لا لزم منه سقوط بنات الاخوة ببنات العم من الأم لأنهن من جهة الأب ويلزم من هذا أن يسقطن ببنات العمات وبنات الأعمام كلهم، فأما إن كان مكان العمات والخالات بناتهن فللخالات السدس بين بناتهن على خمسة والباقي لبنات الاخوة لبنت الأخ من الأم السدس والباقي لبنت الأخ من الأبوين، وتصح المسألة من ثلاثين فإن لم يكن بنات اخوة من أبوين ولا من أب فالباقي لبنت العم من الأبوين.
(فصل) خالة وابن عمة للخالة الثلث والباقي لابن عمته، وهذا قول الثوري ومن ورث البعيد مع القريب، وفي قول أكثر المنزلين وأهل القرابة: المال للخالة لأنها أقرب وكذلك إن كان مكان الخالة خال عمة وابن خال معه أخته الثلث بين ابن الخال وأخته بالسوية إن كان أبوهما خالا من أم وإن
كان من أب أو من أبوين ففيه روايتان (إحداهما) هو بينهما بالسوية ايضاً (والثانية) على ثلاثة والباقي للعمة وعند أكثر الفرضيين المال للعمة: بنت عم وابن عمة وبنت خال وابن خالة الثلث بين بنت الخال وابن الخالة بالسوية إن كانا من أم وإن كانا من أبوين أو من أب فهل هو بالسوية أو على ثلاثة؟(7/117)
فيه روايتان.
وإن كان ابن الخالة من أم والخال من أب فلابن الخالة سدس الثالث والباقي لبنت الخال وإن كانت بنت الخال من أم وابن الخالة من أب فالثلث بينهما على أربعة والباقي لابن العمة وعند أكثر المنزلين المال كله لبنت العم لانه أسبق إلى الوارث: خالة وبنت عم ثلث وثلثان وعند أهل القرابة هو للخالة: عمة وبنت عم من نزل العمة أبا جعل المال لها ومن نزلها عماً جعله بينهما نصفين وكذلك من أمات السبب: بنت ابن عم لأب وبنت عمة لأبوين المال لبنت ابن العم: ابن خال من أم وبنت خالة من أب وبنت عم من أم وابن عمة من أب الثلث من أربعة والثلثان من أربعة أيضاً وتصح من اثني عشر وفي القرابة الثلث لبنت الخالة والثلثان لابن العمة وتصح من ثلاثة.
(فصل) خالة وخال وابوام المال لأبي الأم فإن كان معهم ابنة عم أو عمة فالثلث لأبي الأم والباقي لابنة العم أو العمة فإن كان مكان أبي الأم أمه فلا شئ لها لأن الخالة أسبق إلى الوارث والجهة واحدة: خالة وأبو أم أم، المال للخالة، لأنها بمنزلة الأم وهي تسقط أم الأم: ابن خال وابن أخ من أم، المال بينهما على ثلاثة كأنهما أم وأخ من أم وعند المنزلين هو لابن الأخ فإن كان معهما ابن أخت من أب فالمال بينهم على خمسة لابن الأخت ثلاثة أخماسه ولكل واحد منهما الخمس، فإن كان معهم بنت أخ من أبوين فلها النصف ولكل واحد من الباقين السدس.
وعند المنزلين لا شئ لابن الخال، والمال بين الباقين على خمسة: خال، وابن ابن أخت لأم، المال بينهما على ثلاثة، وعند المنزلين هو للخال(7/118)
بنت بنت أخت لأبوين، وابن ابن أخ لأم، وبنت ابن أخ لأب وبنت خالة، لهذه السدس، والباقي لبنت ابن الأخ.
وعند المنزلين المال كله لها (فصل) عمة وابنة أخ، المال للعمة عند من نزلها أباً ولابنة الأخ عند من نزلها عما، وبينهما عند من
نزلها جداً.
بنت عم وبنت عمة وبنت أخ من أم وبنت أخ من أب، لبنت الأخ من الأم السدس، والباقي لبنت الأخ من الأب، فإن لم يكن بنت أخ من أب فالباقي لبنت العم، ويجئ على قول من نزل البعيد حتى يلحق بوارثه وجعل الأبوة جهة والأخوة جهة أن يسقط أولاد الأخوة فإن جعل الأبوة جهة والعمومة جهة أخرى أسقط بنت العم ببنت العمة، وقيل إن هذا قول ابن سالم وهو بعيد.
بنت عم وبنت خال وبنت أخ من أب لبنت الخال الثلث والباقي لبنت الأخ وعند أكثر المنزلين الكل لبنت الأخ.
ثلاث بنات أخوات مفترقات وثلاث بنات عمات مفترقات السدس الباقي بين بنات العمات على خمسة وتصح من ثلاثين فإن كان معهم خال أو خالة أو واحد من أولادهما فله السدس ولا شئ لولد العمات إلا على قول ابن سالم وأصحابه فإنه يورثهم ويسقط ولد الأخوات ويقتضيه قول أبي الخطاب.
خالة وعمة وست بنات ثلاث أخوات مفترقات، للخالة السدس والباقي للعمة ومن نزلها عماً فلبنتي الأخت من الأبوين النصف ولبنتي الأخت من الأب السدس ولبنتي الأخت من الأم السدس فإن كن بنات ست أخوات مفترقات عالت على هذا إلى سبعة(7/119)
(مسألة) وإن خلف ثلاث بنات عمومة مفترقين فالمال لبنت العم من الأبوين وحدها) أكثر أهل التنزيل على هذا وهو قول أهل القرابة، وقال الثوري المال بين بنت العم من الأبوين وبنت العم من الأم على أربعة وقال أبو عبيد لبنت العم من الأم السدس والباقي لبنت العم من الأبوين كبنات الاخوة.
قال شيخنا ولا يصح شئ من هذا لأنهن بمنزلة آبائهن، ولو كان آباؤهن أحياء لكان المال للعم من الأبوين، وفارق بنات الاخوة لأن آباءهن يكون المال بينهم على ستة ويرث الأخ من الأم مع الأخ من الأبوين بخلاف العمومة، وقيل على قياس قول محمد بن سالم المال لبنت العم من الأم لأنها بعد درجتين بمنزلة الأب فيسقط به العم.
قال الخبري وليس بشي، وقد ذكر أبو الخطاب قولا من رأيه يفضي إلى هذا فإنه ذكر أن الأبوة جهة والعمومة جهة أخرى، وأن البعيد والقريب من ذوي الأرحام اذا كانا من جهتين نزل البعيد حتى يلحق بوارثه سواء سقط به القريب أو لا، فيلزم على هذا أن تنزل بنت العم من الأم حتى تلحق بالأب فيسقط بها بنتا العمين الآخرين.
وأظن أبا الخطاب
لو علم إفضاء هذا القول إلى هذا لم يذهب إليه لما فيه من مخالفة الإجماع ومقتضى الدليل وإسقاط القوي بالضعيف والقريب بالبعيد.
قال شيخنا ولا يختلف المذهب أن الحكم في هذه المسألة على ما ذكرنا أولاً (ومن مسائل ذلك) بنت عم لأبوين وبنت عم لأب، المال للأولى.
بنت عم لأب وبنت عم لأم كذلك(7/120)
بنت عم لأب وبنت ابن عم لأبوين كذلك: بنت ابن عم لأب وبنت عم لأم المال للأولى عند المنزلين، وللثانية عند أهل القرابة لأنها أقرب.
بنت عم لأم وبنت بنت عم لأبوين المال للأولى في قولهم جميعاً.
بنت عم وابن عمة المال لبنت العم عند الجمهور.
وحكي عن الثوري أن لبنت العم سهمين ولابن العمة سهم.
بنت بنت عم وبنت ابن عم.
المال لهذه عند الجمهور، وقول ابن سالم هو للاولى.
بنت عمة من أبوين وبنت عم من أم، لبنت العم السدس، ولبنت العمة النصف ويرد عليهما الباقي فيكون بينهما على أربعة.
ثلاث بنات عمات مفترقات وبنت عم من أم المال بينهن على ستة فإن كان معهن بنت عم من أبوين أو أب ورثت المال دونهن (مسألة) (فإن أدلى جماعة منهم بجماعة قسمت المال بين المدلى بهم كأنهم أحياء فما صار لكل وارث فهو لمن أدلى به) إذا لم يسبق بعضهم بعضا فإن سبق بعضهم بعضا فالسابق إلى الوارث أولى كبنت بنت بنت وبنت أخ لأم المال لبنت بنت البنت لأن جدتها تسقط الأخ من الأم، ومن ورث الأقرب جعله لبنت الأخ والقول الاولى أولى، وإن كانوا من جهتين نزل البعيد حتى يلحق بوارثه فيأخذ نصيبه سواء سقط(7/121)
القريب أو لم يسقط إذا كانوا من جهة واحدة كخالة وأم أبي أم الميراث للخالة لانها تلقى لام بأولى درجة، وإن أسقط بعضهم بعضاً كأبي الأم والأخوال فأسقط الأخوال لأن الأب يسقط الاخوة والأخوات.
ونقل عن أحمد جماعة من أصحابه في خالة وبنت خالة وبنت ابن عم للخالة الثلث ولابنة ابن العم الثلثان ولا تعطى بنت الخالة شيئاً ونقل حنبل عنه أنه قال: قال سفيان قولا حسناً إذا كانت خالة وبنت ابن عم تعطى الخالة الثلث
وبنت ابن العم الثلثين وظاهر هذا يدل على ما قلناه وهو قول الثوري ومحمد بن سالم والحسن بن صالح وقال ضرار بن صرد إن كان البعيد إذا نزل أسقط القريب فالقريب أولى وإن لم يكن يسقطه نزل البعيد حتى نلحقه بالوارث، وقال سائر المنزلين الأسبق إلى الوارث أولى بكل حال ولم يختلفوا فيما علمت في تقديم الأسبق اذا كانا من جهة واحدة إلا نعيماً ومحمد بن سالم فإنهما قالا في عمة وبنت عمة المال بينها نصفين.
(فصل) فإن انفرد واحد من ذوي الأرحام أخذ المال كله في قول جميع من ورثهم فإن كانوا جماعة فأدلوا بشخص واحد كخالة وأم أبي أم وابن خال فالمال للخالة لأنها تلقى الأم بأول درجة وهذا قول عامة المنزلين إلا أنه حكي عن النخعي وشريك ويحيى بن آدم في قرابة الأم خاصة أنهم أماتوا الأم وجعلوا نصيبها لورثتها، ويسمى قولهم قول من أمات السبب واستعمله بعض الفرضيين في جميع ذوي(7/122)
الأرحام فعلى قولهم يكون للخالة نصف ميراث الأم لأنها أخت، لأم أبي الأم السدس لأنها جدة والباقي لابن الخال لأنه ابن أخ.
ولنا أن الميراث من الميت لا من سببه ولذلك ورثنا أم أم الأم دون ابن عم الأم بغير خلاف أيضاً في أبي أم أم وابن عم أبي أم إن المال للجد لأنه أقرب، ولو كانت الأم الميتة كان وارثها ابن عم أمها دون أبي أمها.
خالة وأم أبي أم وعم أم المال للخالة وعندهم للخالة النصف وللجدة السدس والباقي للعم، فإن لم يكن فيها عم أم فالمال بين الخالة وأم أبي الأم على أربعة، فإن لم يكن فيها جدة فالمال بين الخالة وعمها نصفين.
ابن خالة وابن عم أم المال لابن الخالة وعندهم لابن عم الأم (مسألة) (والجهات أربع الأبوة والأمومة والبنوة والأخوة) قال شيخنا لم أعلم أحداً من أصحابنا ولا من غيرهم عد الجهات وبينها إلا أبا الخطاب فانه عدها خمس جهات الأبوة والامومة والبنوة الاخوة والعمومة، وهذا يفضيى إلى أن بنت العم من الأم وبنت العمة تسقط بنت العم من الأبوين.
قال شيخنا ولم أعلم أحداً قال به وقد ذكر شيخنا في المغنى أنه قياس قول محمد بن سالم لأنها تعد درجتين بمنزلة الأب والأب يسقط العم، وكذلك بنت العم من جهة الأب وبنت العم من جهة العم، والصواب إذاً
أن تكون الجهات أربعا الأبوة والأمومة والبنوة والأخوة، إلا أنا إذا جعلنا الاخوة جهة أفضى إلى إسقاط بنت الأخ وبنات الاخوات وبنوهن ببنات الأعمام والعمات وهو بعيد أيضاً لأن الأخ يسقط(7/123)
العم فعلى هذا ينبغي أن تكون الجهات ثلاثة الأبوة والأمومة والبنوة وهو الذي اختاره شيخنا أخيراً ذكره في كتاب العمدة، فعلى هذا يرث أسبقهم إلى الوارث وهو أولى إن شاء الله تعالى (مسائل) من هذا بنت بنت بنت وبنت بنت بنت بنت وبنت أخ، المال بين الأولى والثالثة وسقطت الثانية إلا عند محمد بن سالم ونعيم فإنها تشاركهما، ومن ورث الأقرب جعله لبنت الأخ لأنها أسبق وعند أهل القرابة هو للأولى وحدها لأنها من ولد الميت وهي أقرب من الثانية.
ان خال وبنت عم ثلث وثلثان ومن ورث الأسبق جعله لبنت العم فإن كان معهما بنت عمة فلا شئ لها لأن بنت العم أسبق إلى الوارث منهما وهما من جهة واحدة، وإن كان معهم عمة سقطت بنت العم لأن العمة بمنزلة الأب وبنت العم بمنزلة العم.
بنت بنت بنت وبنت بنت ابن المال للثانية عند الجميع إلا ابن سالم ونعيم.
بنت بنت بنت وابن أخ لأم المال للأولى، ومن ورث الأقرب جعله لابن الأخ وهو قول ضرار لأن البعيد إذا نزل أسقط القريب.
بنت بنت وبنت بنت ابن المال بينهما على أربعة عند جميع المنزلين وعند أهل القرابة هو لبنت البنت لأنها أقرب.
ابن بنت بنت وبنت أخ هو بينهما ومن ورث الأقرب جعله لبنت الأخ وعند أهل القرابة هو لابن بنت البنت.
ابن بنت وابن ابن ابن أخت لأبوين المال بينهما وعند من ورث الأقرب وأهل القرابة هو للأول.
بنت أخ وبنت عم أو بنت عمة المال لبنت الأخ، وقياس قول أحمد في توريث القريب مع البعيد إن كانا من جهتين أن يكون لبنت العم والعمة لأنها من جهة الأب وذلك قول ضرار(7/124)
أيضاً.
ابن أخت وابن عم لأم الميراث بينهما ومن ورث الأقرب جعله لابن الأخت وهو قول أهل القرابة لأنها من ولد أبوي الميت ولأن العم للأم من ولد أبوي أبويه.
بنت عم وبنت عم أب هو للأولى عند الجميع إلا ابن سالم ونعيم.
بنت بنت بنت وأم أبي أم المال بينهما على أربعة.
بنت بنت بنت وابوام أب مثلها عندنا وعند من ورث الأقرب جعله للثاني.
بنت بنت بنت ابن وعمة أو خالة.
للأولى النصف
في الأولى ومع الخالة لها ثلاثة أرباع المال وعند من ورث الأقرب الكل للعمة أو للخالة (فصل) في عمات الأبوين وأخوالهما وخالاتهما، مذهبنا تقديم الأسبق إلى الوارث إن كانا من جهة واحدة وتنزيل البعيد حتى يلحق بوارثه إن كانا من جهتين.
ثم يجعل لمن أدلى به ما كان له وأكثر المنزلين يعطون الميراث للأسبق بكل حال، والمشهور عند أهل العراق أن نصيب الأم بين خالها وخالتها وعمها وعمتها على ثلاثة ونصيب الأب بين عماته وخالاته كذلك (ومن مسائل ذلك) ثلاث خالات أم مفترقات وثلاثة أعمام أم مفترقين وثلاث خالات أب مفترقات فخالات الأم بمنزلة أم الأم وخالات الأب بمنزلة أم الأب فيكون المال بين هاتين الجدتين نصفين ونصيب كل واحدة منهما بين أخواتها على خمسة ويسقط أعمام الأم لأنهم بمنزلة أبي الام وهو غير وارث فإن كان معهم عمات أب فلخالات الأب والأم السدس بينهما والباقي لعمات الأب لأنهن بمنزلة الجد.
عمة أب وعمة أم لعمة الأم الثلث والباقي لعمة الأب هذا قياس المذهب وهو قول أهل العراق(7/125)
وقال القاضي المال لعمة الأب لأنها أسبق لكونها أخت الجد وهو وارث وهذا قول أكثر المنزلين لأنهم يورثون الأسبق بكل حال.
خالة أم وعمة أب للخالة السدس والباقي للعمة لأنها كجد وجدة وكذلك القول في خالة أب وعمته.
خالة أم وخالة أم أب المال لخالة الأم لأنهما بمنزلة أم أم وأم أم أب.
خال أب وعم أم المال للخال لأنه بمنزلة جدة.
والجدات بمنزلة الأمهات.
بنت خال أم وبنت عم أب لبنت الخال السدس ولبنت العم ما بقي ومن ورث الأسبق جعل الكل لبنت العم.
ابوابي ام وابوام أب المال لأبي أم الأب فإن كان معهما ابوام أم فهو بينهما نصفين لأنهما بمنزلة جدتين متحاذيتين ابوام ابي ام وابوابي أم أم المال للثاني لأنه أسبق فإن كان معهما ابوام أبي أب فالمال له لأنه بأول درجة يلقى الوارث.
أب وأم أبي أم لأم أبي الأم الثلث والباقي للأب فإن كان معهما ابوام أم فالمال له لأنه يدلي بوارث فإن كان معهم ابوام أب فالمال بين هذا والذي قبله نصفين (مسألة) (ومن أمت بقرابتين ورث بهما باجماع من المورثين) إلا شيئاً يحكى عن أبي يوسف أنهم لا يرثون إلا بقرابة واحدة، ولا يصح عنه ولا هو صحيح في نفسه لأنه شخص له جهتان لا يرجح بهما
فورث بهما كالزوج إذا كان ابن عم وابن العم اذا كان أخاً لأم، وحساب ذلك أن تجعل ذا القرابتين كشخصين فتقول في ابن بنت بنت هو ابن ابن بنت أخرى وبنت بنت بنت أخرى للابن الثلثان وللبنت الثلث فإن كانت أمهما واحدة فله ثلاثة أرباع المال عند من سوى ولأخته الربع ومن فضل جعل له النصف(7/126)
والثلث ولأخته السدس وهذا قول أكثر المنزلين وقول أبي حنيفة ومحمد وقياس قول أبي يوسف له أربعة أخماس ولأخته الخمس.
بنتا أخت من أم إحداهما بنت أخ من أب وبنت أخت من أبوين هي من اثني عشر ستة لبنت الأخت من الأبوين وأربعة لذات القرابتين من جهة أبيها ولها سهم من جهة أمها وللاخرى سهم.
عمتان من أب إحداهما خالة من أم وخالة من أبوين هي من اثني عشر أيضاً لذات القرابتين خمسة وللعمة الأخرى أربعة وللخالة من الأبوين ثلاثة فإن كان معهما عم من أم وهو خال من أب صحت من تسعين.
ابن وبنت ابن عمة من أم البنت هي بنت عم من أم والعم هو خال من أب.
ابن وبنت ابن خال من أب الابن هو ابن بنت خال آخر من أب والخالات عمان من أم هي من ثمانية عشر (مسألة) (فإن اتفق معهم أحد الزوجين أعطيته فرضه غير محجوب ولا معاول) قال شيخنا لا أعلم خلافا عمن ورثهم أنهم يرثون مع أحد الزوجين ما فضل ميراثه من غير حجب ولا معاولة لأن الله سبحانه فرض للزوج والزوجة ونص عليهما فلا يحجبان بذوي الأرحام وهم غير منصوص عليهم وقسمت المال بينهم كما لو انفردوا وروي ذلك عن إمامنا وبه قال أبو عبيد ومحمد بن الحسن واللؤلؤي وعامة من ورثهم ويحتمل أن يقسم الباقي عن فرض الزوج كما يقسم بين من أدلوا به مع أحد الزوجين على الحجب والعول فيفرض(7/127)
للزوج سهمه كاملاً من غير حجب ولا عول ثم يقسم الباقي بينهم على قدر سهامهم وهذا قول يحيى بن آدم وضرار: وإنما يقع الخلاف في مسألة فيها من يدلي بذي فرض ومن بدلي بعصبة فأما إن أدلى جميعهم بذي فرض أو عصبة فلا خلاف فيه، فنقول في زوج وبنت بنت وبنت أخت لأبوين أو لأب للزوج النصف
والباقي بينهما نصفين وتصح من أربعة على القول الأول وعلى الثاني من ستة للزوج ثلاثة ولبنت البنت سهمان ولبنت الأخت سهم زوجة وابنتا ابنتين وابنتا أختين للزوجة الربع ولبنتي البنتين ثلثا الباقي وهو النصف ولبنتي الأختين الباقي وهو الربع وتصح من ثمانية وعلى قول يحيى وضرار تفرض المسألة من ثمانية للزوجة الثمن وللبنتين الثلثان وليس لها ثلثان فتضربها في ثلاثة تكن أربعة وعشرين للزوجة الثمن ولبنتي البنتين الثلثان ستة عشر والباقي لبنتي الاختين وهو خمسة، ثم تعطي الزوجة الربع وتقسم الباقي على أحد وعشرين للبنتين ستة عشر ولبنتي الأختين خمسة، والأحد وعشرون ثلاثة أرباع فكملها بأن تزيد عليها ثلثها تكن ثمانية وعشرين للزوجة سبعة وللبنتين ستة عشر يبقى خمسة لا تنقسم على بنتي الأختين فتضربها في اثنين تكن سنة وخمسين ومنها تصح.
زوج وبنت بنت وخالة وبنت عم للزوج النصف والباقي بين ذوي الأرحام على ستة لبنت البنت ثلاثة وللخالة سهم ويبقى لبنت العم سهمان وتصح من اثني عشر، وفي قول يحيى وضرار تفرض المسألة من اثني عشر للزوج ثلاثة وللبنت ستة وللأم سهمان يبقى للعم سهم ثم يعطى الزوج النصف ويجمع سهام الباقين وهي تسعة لهم النصف فتصح من ثمانية عشر، فإن كان مكان لزوج امرأة فعلى القول الأول للمرأة الربع والباقي بين ذوي(7/128)
الأرحام على ستة وهي توافق باقي مسألة الزوجة بأثلاث فتردها إلى اثنين وتضربها في أربعة تكن ثمانية للمرأة سهمان ولبنت البنت نصف الباقي ثلاثة وللخالة سهم ولبنت العم سهمان، وعلى قول يحيى تفرضها من أربعة وعشرين لذوي الأرحام منها أحد وعشرون ثم تفرض للمرأة الربع من أربعة لها سهم ولهم ثلاثة توافق سهامهم بالثلث فتضرب ثلثها في أربعة تكن ثمانية وعشرين ومنها تصح.
امرأة وثلاث بنات ثلاث إخوة مفترقين.
امرأة وبنت بنت وثلاث خالات مفترقات وثلاث عمات مفترقات (مسألة) (ولا يعول من مسائل ذوي الأرحام إلا مسألة واحدة وشبهها) وهي خالة أو غيرها ممن يقوم مقام الأم أو الجدة وست بنات ست أخوات مفترقات أو من يقوم مقامهن ممن يأخذ المال بالفرض فإنها من ستة للخالة السدس ولبنتي الأختين من الأم الثلث ولبنتي الأختين من الأبوين الثلثان أربعة تعول إلى سبعة لأن العول الزائذ على هذا لا يكون إلا لأحد
الزوجين وليس ذلك في ذوي الأرحام(7/129)
(باب ميراث الحمل) (إذا مات عن حمل يرثه وطالب بقية الورثة بالقسمة وقفت له نصيب ذكرين إن كان نصيبهما أكثر وإلا وقفت له نصيب ابنتين) وجملة ذلك أن الإنسان إذا مات عن حمل يرثه وقف الأمر حتى يتبين فإن طالب الورثة بالقسمة لم يعطوا كل المال بغير خلاف بين العلماء إلا ما حكي عن داود، والصحيح عنه مثل قول الجماعة ولكن يدفع إلى من لا ينقصه كمال ميراثه وإلى من ينقصه أقل ميراثه ولا تدفع إلى من يسقطه شيئاً، فأما من يشاركه فأكثر أهل العلم قالوا يوقف للحمل شئ ويدفع إلى شركائه الباقي وبهذا قال أبو حنيفة وأصحابه والليث وشريك ويحيى بن آدم وهو رواية الربيع عن الشافعي والمشهور عنه أنه لا يدفع إلى شركائه شئ لأن الحمل لا حد له ولا نعلم كم يترك له وقد حكى الماوردي قال: أخبرني رجل من أهل اليمن ورد طالبا للعلم وكان من اهل الدين والفضل أن امرأة ولدت باليمن شيئاً كالكرش فظن أن لا ولد فيه فألقي على قارعة الطريق فلما طلعت الشمس وحمي بها تحرك فأخذ وشق فخرج منه سبعة أولاد ذكور وعاشوا جميعاً وكانوا خلفا سوياً إلا أنه كان في أعضادهم قصر قال وصارعني أحدهم فصرعني فكنت أعير به فيقال صرعك سبع رجل(7/130)
قال شيخنا وقد أخبرني من أثق به سنة ثمان وستمائة أو سنة تسع عن ضرير بدمشق أنه قال: ولدت امرأتي في هذه الأيام سبعة في بطن واحد ذكوراً وإناثاً، قال وكان بدمشق أم ولد لبعض كبرائها فتزوجت بعده من كان يقرأ عليها وكانت تلد ثلاثة في كل بطن، وقال غير الشافعي هذا نادر لا يعول عليه فلا يجوز منع الميراث من أجله كما لو لم يظهر بالمرأة حمل.
(فصل) واختلف القائلون بالوقف فيما يوقف فعن أحمد أنه يوقف نصيب ذكرين إن كان ميراثهما أكثر أو نصيب أنثيين إن كان أكثر وهذا قول محمد بن الحسن واللؤلؤي وقال شريك يوقف نصيب
أربعة فإني رأيت بني إسماعيل أربعة ولدوا في بطن واحد محمد وعمر وعلي قال يحيى وأظن الرابع إسماعيل وروى ابن المنذر هذا القول عن أبي حنيفة ورواه الربيع عن الشافعي، وقال الليث وأبو يوسف يوقف نصيب غلام ويؤخذ ضمين من الورثة ولنا أن ولادة التوأمين كثير معتاد فلم يجز قسم نصيبهما كالواحد وما زاد عليها نادر فلم يوقف له شئ كالخامس والسادس (مسألة) (فإذا وضع الحمل دفعت إليه نصيبه ورددت الباقي إلى مستحقه، وإن كان يرث الموقوف كله أخذه، وإن أعوز شيئاً رجع على من هو في بدء)(7/131)
(مسائل من ذلك) امرأة حامل وبنت للمرأة الثمن، وللبنت خمس الباقي وفي قول شريك تسعة وفي قول أبي يوسف ثلثه بضمين، ولا يدفع إليها شئ في المشهور عن الشافعي، فإن كان مكان البنت ابن دفع إليه ثلث الباقي أو خمسه أو نصفه على اختلاف الأقوال، ومتى زادت الفروض على ثلث المال فميراث الإناث أكثر، فإذا خلف أبوين وامرأة حاملا فللمرأة ثلاثة من سبعة وعشرين وللأبوين ثمانية منها ويوقف ستة عشر ويستوي ههنا قول من وقف نصيب اثنين وقول من وقف بين أربعة وقول أبي يوسف تعطى المرأة ثمناً كاملا والأبوان ثلثاً كاملاً ويؤخذ منهم ضمين، فإن كان معهم بنت دفع إليها ثلاثة عشر من مائة وعشرين وفي قول شريك ثلاثة عشر من مائتين وستة عشر، وفي قول أبي يوسف ثلاثة عشر من اثنين وسبعين، ويؤخذ من الكل ضمين من البنت لاحتمال أن يولد أكثر من واحد ومن الباقين لاحتمال أن تعول المسألة، وعلى قولنا يوافق بين سبعة وعشرين وبين مائة وعشرين بأثلاث ويضرب ثلث إحداهما في الأخرى تكن ألفاً وثمانين للبنت ثلاثة عشر في تسعة، مائة وسبعة عشر، وللأبوين والمرأة أحد عشر في أربعين وما بقي فهو موقوف زوج وأم حامل من الأب المسألة من ثمانية، للزوج ثلاثة، وللأم سهم ويقف أربعة وقال أبو يوسف ندفع إلى الأم سهمين ونقف ثلاثة ونأخذ منها ضميناً، هكذا حكى عنه الخبري وإن كان في المسألة من يسقط بولد الأبوين كعصبة أو أحد من ولد الأب لم يعط شيئاً ولو كان في هذه المسألة جد فللزوج الثلث، وللأم السدس، وللجد السدس، والباقي موقوف، وقال(7/132)
أبو حنيفة: للزوج النصف، وللأم السدس، وللجد السدس، ويقف السدس بين الجد والام ولا شئ للحمل لأن الجد يسقطه، وأبو يوسف يجعلها من سبعة وعشرين ويقف أربعة أسهم.
وحكي عن شريك أنه كان يقول تعول على الجد فيقف ههنا نصيب الإناث فتكون عنده من تسعة تقف منها أربعة ولو لم يكن فيها زوج كان للأم السدس، وللجد ثلث الباقي، ويقف عشرة من ثمانية عشر وعند أبي حنيفة للجد الثلثان، وللأم السدس، ويوقف السدس بينهما، قول أبي يوسف يقف الثلث ويعطي كل واحد منهما ثلثاً ويؤخذ منهما ضمين، ومتى خلف ورثة وأما تحت الزوج فينبغي للزوج الامساك عن وطئها ليعلم أحامل هي أم لا؟ كذا يروي عن علي وعمر بن عبد العزيز والشعبي والنخعي وقتادة في آخرين فإن وطئها قبل استبرائها فأتت بولد لأقل من ستة أشهر ورث لأنا نعلم أنها كانت حاملاً به وإن ولدته لأكثر من ذلك لم يرث إلا أن يقر الورثة أنها كانت حاملاً يوم موت ولدها.
(فصل) قال الشيخ رحمه الله (وإذا استهل المولود صارخاً ورث وورث وفي معناه العطاس والتنفس والارتضاع وما يدل على الحياة، فأما الحركة والاختلاج فلا يدل على الحياة) وجملة ذلك أن الحمل لا يرث إلا بشرطين (أحدهما) أنه كان موجوداً حال الموت وبعلم ذلك بأن تأتي به لأقل من ستة أشهر فإن أتت به لأكثر من ذلك وكان لها زوج أو سيد يطؤها لم يرث إلا أن يقر الورثة أنه كان موجوداً حال الموت وإن كانت لا توطأ لعدم الزوج أو السيد أو لغيبتهما(7/133)
أو اجتنابهما الوطئ عجزاً أو قصداً أو غيره ورث ما لم يجاوز أكثر مدة الحمل وهي أربع سنين في إحدى الروايتين، وفي الأخرى سنتان (الشرط الثاني) أن تضعه حيا فإن وضعته ميتاً لم يرث في قول الجميع واختلف فيما يثبت به الميراث من الحياة فأتفقوا على أنه إذا استهل صارخاً ورث وورث، لما روى أبو داود بإسناده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا استهل المولود ورث، وروى ابن ماجة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله واختلفوا فيما سوى الاستهلال فقالت طائفة لا يرث حتى يستهل ولا يقوم غيره مقامه، ثم اختلفوا في الاستهلال ما هو؟ فقالت طائفة لا يرث حتى يستهل
صارخاً، والمشهور عن أحمد أنه لا يرث حتى يستهل، روى ذلك عن ابن عباس والحسن بن علي وأبي هريرة وجابر وسعيد بن المسيب وعطاء وشريح والحسن وابن سيرين والنخعي والشعبي وربيعة ويحيى ابن سعيد وأبي سلمة بن عبد الرحمن ومالك وأبي عبيد واسحاق لأن مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام " إذا استهل المولود ورث " أنه لا يرث بغير الاستهلال، وفي لفظ ذكره ابن سراقة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الصبي المنفوس " إذا وقع صارخاً فاستهل ورث وتمت ديته وسمي وصلي عليه وإن وقع حياً ولم يستهل صارخا لم تتم دينه وفيه غرة عبد أو أمة على العاقلة " وإنما سمي الصراخ من الصبي استهلالا تجوزاً، والأصل فيه أن الناس إذا رأوا الهلال صاحوا عند رؤيته واجتمعوا فأراه بعضهم بعضا فسمي الصوت عند استهلال الهلال استهلالا ثم سمي الصوت من الصبي المولود استهلالاً(7/134)
لأنه صوت عند وجود شئ يجتمع له ويفرح به.
وروى يوسف بن موسى عن أحمد أنه قال: يرث السقط ويورث إذا استهل، فقيل له ما الاستهلال؟ قال إذا صاح أو عطس أو بكى، فعلى هذا كل صوت يوجد منه تعلم به حياته فهو استهلال، وهذا قول الزهري والقاسم بن محمد لأنه صوت علمت به حياته فأشبه الصراخ وعن أحمد رواية ثالثة إذا علمت حياته بصوت أو حركة أو رضاع أو غيره ورث وثبت له أحكام الحياة وبهذا قال الثوري والاوزاعي والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه، فأما الحركة والاختلاج فلا تدل على الحياة، فإن اللحم يختلج إذا خرج من مكان ضيق فتضامت أجزاؤه ثم خرج إلى مكان فسيح فإنه يتحرك وإن لم تكن فيه حياة، ثم إن كانت فيه حياة فلا يعلم كونها مستقرة لاحتمال أن تكون كحركة المذبوح فإن الحيوانات تتحرك بعد الذبح حركة شديدة وهي في حكم الميت.
(مسألة) (وإن خرج بعضه فاستهل ثم انفصل ميتاً لم يرث) وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة وأصحابه إن خرج أكثره فاستهل ثم مات ورث، لقوله عليه الصلاة والسلام " إذا استهل المولود ورث " ولنا أنه لم يخرج جميعه فأشبه ما لو مات قبل خروج أكثره وعنه يرث الحديث المذكور ولأنه
قد علمت حياته، والأولى ظاهر المذهب لأنه لم نثبت له أحكام الدنيا وهو حي أشبه ما لو مات في بطن أمه(7/135)
(مسألة) (وإن ولدت توأمين فاستهل أحدهما وأشكل، اقرع بينهما، فمن خرج سهمه فهو المستهل) إذا أشكل أحد التوأمين أيهما المستهل، فإن كانا ذكرين أو أنثيين أو ذكر وأنثى لا يختلف ميراثهما فلا فرق بينهما، وإن كان ذكراً وأنثى يختلف ميراثهما فقال القاضي من أصحابنا من قال يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة فهو المستهل كما لو طلق إحدى نسائه فلم تعلم بعينها ثم مات، وكذلك النسوة إذا أراد السفر بإحداهن أو البداية بالقسم لها فإنه يقرع بينهن، وقال الخبري ليس في هذا عن السلف نص، وقال الفرضيون تعمل المسألة على الحالتين ويعطى كل وارث اليقين ويوقف الباقي حتى يصطلحوا عليه ويحتمل أن يقسم بينهم على حسب الاحتمال.
ومن مسائل ذلك رجل خلف أمه وأخاه وأم ولد حاملاً منه فولدت توأمين ذكراً وأنثى فاستهل أحدهما ولم يعلم بعينه فقل إن كان الابن المستهل فللأم السدس والباقي له ترث أمه ثلثه والباقي لعمه فاضرب ثلاثة في ستة تكن ثمانية عشر، لأم الميت ثلاثة، ولأم الولد خمسة، وللعم عشرة، وإن كانت البنت المستهل فالمسألة من ستة وتموت البنت عن ثلاثة، لأمها سهم، ولعمها سهمان والستة تدخل في ثمانية عشر، فمن له شئ من ثمانية عشر مضروب في واحد ومن له شئ من ستة مضروب في ثلاثة فسدس الأم لا يتغير، وللعم من الستة أربعة في ثلاثة اثنا عشر وله من الثمانية عشر عشرة في واحد، فهذا اليقين فيأخذه، ولأم الولد خمسة في سهم، وسهم في ثلاثة، فيأخذها ويقف سهمين بين الأخ(7/136)
وأم الولد حتى يصطلحا عليهما، ويحتمل أن يقسم بينهما.
امرأة حامل وعم ولدت المرأة ابناً وبنتاً فاستهل أحدهما ولم يعلم فالمسئلتان من أربعة وعشرين إذا أعطيت كل واحد أقل نصيبه بقيت ثلاثة موقوفة فإن كان معهما بنت فكل واحدة من المسئلتين من اثنين وسبعين والموقوف اثنا عشر امرأة وعم وأم حامل من الأب ولدت المرأة ابناً وبنتاً فاستهل أحدهما ولم يعلم فإن كان المستهل الأخ فهي من ستة وثلاثين فإن كانت الأخت فهي من ثلاثة عشر والمسئلتان متباينتان فاضرب إحداهما في الأخرى
تكن أربعمائة وثمانية وستين وكل من له شئ من احدى المسئلتين مضروب في الأخرى فيدفع إلى كل واحد أقل النصيبين يبقى أربعة عشر منها تسعة بين المرأة والعم، وخمسة بين الأم والعم، فإن كانت المرأة والأم حاملين فوضعتا معا فاستهل أحدهما فكل واحدة منهما ترجع إلى ستة وثلاثين فيعطى كل وارث أقل النصيبين ويبقى أحد عشر سهماً، أربعة موقوفة بين الزوجة والأم وسبعة بين الأم والعم (فصل) إذا ولدت الحامل توأمين فسمع الاستهلال من أحدهما ثم سمع مرة أخرى فلم يدر أهو من الأول أو من الثاني؟ فيحتمل أن يثبت الميراث لمن علم استهلاله دون من شككنا فيه، لأن الأصل عدم استهلاله فعلى هذا الاحتمال أن علم المستهل بعينه فهو الوارث وحده وإن جهل كان كما لو استهل واحد منهما لا بعينه، وقال الفرضيون تعمل على الأحوال فيعطى كل وارث اليقين ويوقف الباقي(7/137)
من مسائل ذلك أم حامل وأخت لأب وعم ولدت الأم بنتين فاستهلت إحداهما ثم سمع الاستهلال مرة أخرى فلم يدر أهل استهلت الأخرى أو تكرر من واحدة؟ فقل إن كان منهما جميعاً فقد ماتتا عن أربعة من ستة ولا يعلم أولهما موتاً فحكمهما حكم الغرقي فمن ذهب إلى أنه لا ترث إحداهما من الأخرى قال قد خلفا أماً وأختاً وعماً فتصح من ثمانية عشر وإن كان الاستهلال من واحدة فقد ماتت عن ثلاثة من ستة فتصح من اثني عشر وبينهما موافقة بالسدس فتصير من ستة وثلاثين للام واثنا عشر وللأخت كذلك وللعم تسعة وتقف ثلاثة تدعي الأم منها سهمين والعم سهما وتدعيها الأخت كلها فيكون سهمان بينهما وبين الأم وسهم بينها وبين العم زوج وجد وأم حامل ولدت ابناً وبنتاً فاستهل أحدهما ثم سمع الاستهلال مرة أخرى فلم يدر ممن هو؟ فإن كان الاستهلال تكرر من البنت فهي الأكدرية وماتت عن أربعة بين أمها وجدها فتصح من أحد وثمانين وإن تكرر من الأخ لم يرث شيئاً والمسألة من ستة للجد منها سهم وإن كان منهما فللأم السدس وللزوج النصف وللجد السدس ولهما السدس على ثلاثة فتصح من ثمانية عشر والثلاثة التي لهما بين الجد والأم على ثلاثة فصار للأم أربعة وللجد خمسة والثمانية عشر توافق أحدا وثمانين بالاتساع فتصير مائة واثنين وستين للزوج حقه من الأكدرية أربعة وخمسون وللأم تسعا المال من مسألة استهلالهما معا ستة وثلاثون وللجد السدس من مسألة استهلال الأخ وحده
سبعة وعشرون يبقى خمسة وأربعون يدعي منها الزوج سبعة وعشرين والأم ثمانية عشر ويدعي منها(7/138)
الجد سبعة وثلاثين وتقول الثمانية الفاضلة للأم فيحتمل أن تدفع إليها لأن الزوج والجد يقران لها بها.
(فصل) وربما كان الحمل لا يرث إلا أن يكون ذكراً مثل أن يكون من جد الميت أو عمه أو أخيه مثال ذلك بنت عم وعم وامرأة أخ حامل للبنت النصف والباقي موقوف في قولهم جميعاً أم وعم وامرأة جد حامل للأم الثلث وللعم تسعان أم وبنت وامرأة أخ وامرأة عم حاملان للأم السدس وللبنت النصف ويوقف ثلث فإن ولدت امرأة العم ابناً لم يعط شيئاً لجواز أن تلد الأخرى ابنا وإن ولدت امرأة الأخ أولا ابنا أخذ الموقوف (فصل) وربما كان الحمل لا يرث إلا أن يكون أنثى مثاله زوج وأخت لأبوين وامرأة أب حامل يوقف سهم من سبعة فإن ولدت أنثى أو إناثاً أخذته وإن ولدت ذكراً أو ذكرين أو ذكراً وأنثى اقتسمه الزوج والأخت وكذلك إن تركت أختاً لأب لم يدفع اليها شئ لجواز أن تلد ذكراً فيسقطهما زوج وأبوان وبنت وامرأة ابن حامل تقف سهمين من خمسة عشر فإن ولدت أنثى أو إناثاً أخذتهما وإلا رجعت على الورثة فقسمته بينهم على ثلاثة عشر ورجعت المسألة إلى ذلك وكذلك إن كان معهم بنت ابن جد وأم حامل من الأب من ثمانية عشر تأخذ الأم ثلاثة والجد خمسة ويوقف عشرة فإن ولدت ذكرين فالعشرة لهما وإن ولدت انثيين(7/139)
فلهما من العشرة سبعة ونصف وللجد اثنان ونصف وإن ولدت ذكراً وأنثى أخذ الجد من العشرة سهماً وللذكر ستة وللأنثى ثلاثة وإن ولدت أنثى أخذ الجد من العشرة ثلاثة والأنثى أربعة وللأم ثلاثة وإن ولدت ذكراً أخذت الأم ثلاثة وأخذ الجد سهماً والاخ ما بقي وإن لم تلد شيئاً أخذت الأم ثلاثة والجد ما بقي وإن كان معهم زوج فهي من ستة للزوج ثلاثة وللأم سهم وللجد سهم ويوقف سهم وإن ولدت ذكرين فالسهم لهما وتصح من اثني عشر وكذا إن ولدت ابنتين وإن ولدت ذكراً
فالسهم للأم وتصح من ستة وإن ولدت أنثى فهي الأكدرية وإن ولدت ذكراً وأنثى فالسهم الباقي بينهما على ثلاثة وتصح من ثمانية عشر وإن لم تلد شيئاً أخذت الأم السهم باب ميراث المفقود وهو نوعان أحدهما من انقطع خبره لغيبة ظاهرها السلامة كالتاجر والسائح وطالب العلم ولم يعلم خبره ففيه روايتان إحداهما ينتظر به تمام تسعين سنة مع سنه يوم فقد وهذا قول عبد الملك ابن الماجشون لأن الغالب أنه لا يعيش أكثر من هذا والرواية الثانية لا يقسم ماله ولا تتزوج امرأته حتى يعلم موته أو تمضي عليه مدة لا يعيش في مثلها وذلك مردود إلى اجتهاد الحاكم وهذا قول الشافعي ومحمد(7/140)
ابن الحسن وهو المشهور عن مالك وأبي حنيفة وأبي يوسف لأن الأصل حياته والتقدير لا يضاف إليه إلا بالتوفيق ولا توفيق ههنا فوجب التوقف عنه وقال عبد الله بن الحكم لينتظر به تمام سبعين سنة مع سنه يوم فقد ولعله يحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم " أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين " أو كما قال ولأن الغالب أن لا يعيش أكثر من هذا فأشبه التسعين وقال الحسن ابن زياد ينتظر به تمام مائة وعشرين سنة وهو قول ابن عقيل فلو فقد وهو ابن ستين سنة وله مال لم يقسم حتى تمضي عليه ستون سنة أخرى فيقسم ماله حينئذ بين ورثته إن كانوا أحياء وإن مات بعض ورثته قبل مضي مائة وعشرين وخلف ورثة لم يكن له شئ من مال المفقود وكان ماله للأحياء من ورثته ويوقف للمفقود حصة من مال موروثه الذي مات في مدة الانتظار فإن مضت المدة ولم يعلم خبر المفقود رد الموقوف إلى ورثة موروث المفقود ولم يكن لورثة المفقود قال اللؤلؤي وهذا قول أبي يوسف وحكى الخبري عن اللؤلؤي أنه قال وهو الصحيح عندي والذي ذكرناه هو الذي حكاه ابن اللبان عن اللؤلوي فقال لو ماتت امرأة المفقود قبل تمام مائة وعشرين سنة بيوم أو بعد فقده بيوم أو تمت مائة وعشرون سنة لم يورث منه شئ ولم يورث منها لأنا لا نعلم أيهما مات أولا وهذا قياس قول من قال في الغرقى أنه لا يرث أحدهم من صاحبه ويرث كل واحد من الأحياء من ورثته قال القاضي هذا قياس قول أحمد واتفق الفقهاء على أنه لا يرث المفقود إلا الأحياء من ورثته يوم قسم ماله لا من مات قبل ذلك ولو بيوم، واختلفوا في(7/141)
من مات وفي ورثته مفقود فمذهب أحمد وأكثر الفقهاء أنه يعطي كل وارث من ورثته اليقين ويوقف الباقي حتى يتبين أمره أو تمضي مدة الانتظار فتعمل المسألة على أنه حي ثم على أنه ميت وتضرب إحداهما في الأخرى إن تباينتا أو في وفقها إن اتفقتا وتجتزئ بإحداهما إن تماثلتا وبأكثرهما إن تناسبتا وتعطي كل واحد أقل النصيبين ومن لا يرث إلا من إحداهما لا تعطيه شيئاً وتوقف الباقي (النوع الثاني) أن يكون الغالب من حاله الهلاك كالذي يفقد من بين أهله كمن يخرج الى الصلاة أو في حاجة قريبة فلا يعود أو في مفازة مهلكة كالحجاز أو بين الصفين حال الحرب أو في البحر إذا غرقت سفينته ولا يعلم له خبر فهذا ينتظر به أربع سنين لأنها أكثر مدة الحمل فانه لم يظهر له خبر قسم ماله واعتدت امرأته عدة الوفاة وحلت للأزواج نص عليه أحمد وهذا اختيار أبي بكر وذكر القاضي انه لا يقسم ماله حتى تمضي عدة الوفاة بعد الأربع سنين لأنه الوقت الذي يباح لامرأته التزويج فيه والأول أصح لأن العدة إنما تكون بعد الوفاة فإذا حكم بوفاته فلا وجه للوقوف عن قسم ماله وقد روي عن أحمد رحمه الله التوقف عن أمره وقال قد هبت الجواب فيها وكأني أحب السلامة والمذهب الأول ولم يفرق سائر أهل العلم بين هذه الصورة وبين سائر صور الفقدان فيما علمنا إلا أن مالكا والشافعي في القديم وافقا في الزوجة أنها تتزوج خاصة والأظهر من مذهبه مثل قول الباقين(7/142)
فأما ماله فاتفقوا على أنه لا يقسم حتى تمضي مدة لا يعيش في مثلها وقد ذكرنا الاختلاف في ذلك في النوع الأول لأنه مفقود لا يتحقق موته أشبه التاجر والسائح ولنا اتفاق الصحابة رضي الله عنهم على تزويج امرأته على ما نذكره في العدد إن شاء الله تعالى وإذا ثبت ذلك في النكاح مع الاحتياط للإبضاع ففي المال أولى ولأن الظاهر هلاكه فأشبه ما لو مضت مدة لا يعيش في مثلها.
(مسألة) (وإن مات للمفقود من يرثه قبل الحكم بوفاته وقف للمفقود نصيبه من ميراثه ودفع إلى كل وارث اليقين فإن كان حياً أخذ ميراثه ورد الفضل إلى أهله وإن علم أنه مات بعد موت موروثه
دفع نصيبه مع ماله إلى ورثته وإن علم أنه كان ميتاً حين موت موروثه رد الموقوف إلى ورثة الأول وإن مضت المدة ولم يعلم خبره رد أيضاً إلى ورثة الأول لأنه مشكوك في حياته حين موت موروثه فلا نورثه مع الشك كالجنين الذي سقط ميتاً هذا الذي ذكره شيخنا في المغني وذكر في هذا الكتاب المشروح وفي الكافي أنه يقسم على ورثة المفقود لأنه محكوم بحياته فعلى هذا يكون في المسألة روايتان وإن علمنا أن المفقود مات ولم ندر متى مات رد الموقوف له إلى ورثة الأول لأنه مشكوك في حياته فلا نورثه مع الشك واتفق الفقهاء على أنه لا يرث المفقود إلا الأحياء من ورثته وقد مضى ذكره(7/143)
(مسألة) (ولباقي الورثة أن يصطلحوا على ما زاد عن نصيبه فيقتسموه) اختاره ابن اللبان لأنه لا يخرج عنهم وأنكر ذلك الوني وقال لا فائدة في أن ينقص بعض الورثة عما يستحقه في مسألة الحياة وهي متيقنة ثم يقال له لك أن تصالح على بعضه بل إن جاز ذلك فالأولى أن تقسم المسألة على تقدير الحياة ويقف نصيب المفقود لا غير قال شيخنا والأول أصح إن شاء الله تعالى فإن الزائد عن نصيب المفقود من الموقوف مشكوك في مستحقه ويقين الحياة متعارض بظهور الموت فينبغي أن يوقف كالزائد عن اليقين في مسائل الحمل والاستهلال فعلى هذا يجوز للورثة الموجودين الصلح عليه لأنه حقهم لا يخرج عنهم وإباحة الصلح عليه لا تمنع وجوب وقفه كما تقدم في نظائره ووجوب وقفه لا يمنع الصلح عليه كذلك ولأن تجويز أخذ الإنسان حق غيره برضاه وصلحه لا يلزم منه جواز أخذه بغير إذنه وظاهر قول الوني هذا أنه يقسم المسألة على أنه حي ويقف نصيب المفقود لا غير وقال بعض أصحاب الشافعي يقسم المال على الموجودين لأنهم متحققون والمفقود مشكوك فيه فلا يورث مع الشك وقال محمد بن الحسن القول قول من المال في يده فلو مات رجل وخلف ابنتيه وابن ابن أبوه مفقود والمال في أيدي البنتين فاختصموا إلى القاضي: فإنه لا ينبغي للقاضي أن يحول المال عن موضعه ولا يقف منه شيئاً سواء اعترف البنتان بفقده أو ادعيا موته وإن كان المال في يد ابن المفقود لم نعط الابنتين إلا النصف أقل ما يكون لهما فإن كان المال في يد أجنبي فأقر بأن الابن(7/144)
مفقود وقف له النصف على يديه وإن قال قد مات المفقود لزمه دفع الثلثين إلى البنتين ويوقف الثلث إلا أن يقر ابن الابن بموت أبيه فيدفع إليه الباقي والجمهور على القول الأول مسائل ذلك زوج وأم وأخت وجد وأخ مفقود مسألة الموت من سبعة وعشرين لأنها الأكدرية ومسألة الحياة من ثمانية عشر وهما يتفقان بالاتساع فتضرب تسع إحداهما في الأخرى تكن أربعة وخمسين للزوج النصف من مسألة الحياة والثلث من مسألة الموت فيعطى الثلث وللأم التسعان من مسألة الموت والسدس من مسألة الحياة فتعطى السدس وللجد ستة عشر سهما من مسألة الموت وتسعة من مسألة الحياة فيأخذ التسعة وللأخت ثمانية من مسألة الموت وثلاثة من مسألة الحياة فتأخذ ثلاثة ويبقى خمسة عشر موقوفة إن بان الأخ حيا أخذ ستة وأخذ الزوج تسعة وإن بان ميتاً أو مضت المدة قبل قدومه أخذت الأم ثلاثة والأخت خمسة والجد سبعة هذا على الرواية التي تقول إن الموقوف للمفقود يرد إلى ورثة الأول واختار الخبري أن المدة إذا مضت ولم يتبين أمره أنه يقسم نصيبه من الموقوف على ورثته وهو ستة يبقى تسعة وهي الرواية الثانية لأنه كان محكوماً بحياته لأنها اليقين وإنما حكمنا بموته بمضي المدة ووجه الأولى أنه مال موقوف لمن ينتظر ممن لا نعلم حاله فإذا لم تتبين حياته لم يكن لورثته كالموقوف للحمل وللورثة أن يصطلحوا على التسعة قبل مضي المدة، زوج وأبوان وابنتان(7/145)
مفقودتان مسألة حياتهما من خمسة عشر وفي حياة إحداهما من ثلاثة عشر وفي موتهما من ستة فتضرب ثلث الستة وهي اثنان في خمسة عشر ثم في ثلاثة عشر تكن ثلاثمائة وتسعين ثم تعطي الزوج والأبوين حقوقهم من مسألة الحياة مضروباً في اثنين ثم في ثلاثة عشر ويقف الباقي وإن كان في المسألة ثلاثة مفقودون لهم أربع مسائل فإن كانوا أربعة عملت لهم خمس مسائل وعلى هذا فإن كان المفقود يحجب ولا يرث كزوج وأخت لأبوين وأخت لأب وأخ لها مفقود وقفت السبع بينهما وبين الزوج والأخت من الأبوين وقيل لا يوقف ههنا شئ وتعطى الأخت من الأب السبع لأنها لا تحجب بالشك كما لا تورث بالشك والأول أصح لأن دفع السبع إليها توريث بالشك وليس في الوقف حجب يقينا إنما هو توقف عن صرف المال إلى إحدى الجهتين المشكوك فيهما ويعارض قول هذا القائل قول من قال إن اليقين حياته فيعمل
على أنه حي ويدفع المال إلى الزوج والأخت والأبوين والتوسط بما ذكرناه أولى (فصل) والأسير كالمفقود إذا انقطع خبره وإن علمت حياته ورث في قول الجمهور وحكي عن سعيد بن المسيب والنخعي وقتادة أنه لا يرث لأنه عبد والصحيح الأول لأن الكفار لا يملكون الأحرار والله سبحانه وتعالى أعلم(7/146)
باب ميراث الخنثى وهو الذي له ذكر وفرج امرأة أو ثقب في مكان الفرج يخرج منه البول وينقسم إلى مشكل وغير مشكل فمن تثبت فيه علامات الرجال أو النساء فيعلم أنه رجل أو امرأة فليس بمشكل وإنما هو رجل فيه خلقة زائدة أو امرأة فيها خلقة زائدة وحكمه في ارثه وسائر أحكامه حكم ما ظهرت علاماته فيه والذي لا علامة فيه مشكل (مسألة) ويعتبر بمباله في قول من بلغنا قوله من أهل العلم قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الخنثى يورث من حيث يبول إن بال من حيث يبول الرجل فهو رجل وإن بال من حيث تبول المرأة فهو امرأة روى ذلك عن علي ومعاوية وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد وأهل الكوفة وسائر أهل العلم وقال بن اللبان روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن مولود له قبل وذكر من أين يورث قال " من حيث يبول " وروي أنه عليه الصلاة والسلام أني بخنثى من الأنصار فقال " ورثوه من أول ما يبول منه " ولان خروج البول أعم العلامات لوجودها من الصغير والكبير وسائر العلامات إنما توجد بعد الكبر مثل نبات اللحية وخروج المني والحيض وتفلك الثدي والحبل (فصل) فإن بال منهما جميعاً اعتبر بأسبقهما نص عليه أحمد وروي ذلك عن سعيد بن المسيب وبه(7/147)
قال الجمهور فإن خرجا معاً اعتبر أكثرهما قال أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم يورث من المكان الذي يبول منه أكثر وحكي هذا عن الأوزاعي وصاحبي أبي حنيفة ووقف في ذلك أبو حنيفة ولم يعتبره أصحاب الشافعي في أحد الوجهين وقال قوم إذا خرجا معاً اعتبر بآخرهما انقطاعاً فإن انقطعا
معاً اعتبر أكثرهما وقيل الاعتبار بالكثرة ولنا أنها مزية لاحدى العلامتين فيعتبر بها كالسبق فإن استويا فهو حينئذ مشكل (مسألة) (فإن مات له من يرثه وكان يرجى انكشاف حاله وهو الصغير فإن احتيج إلى قسم الميراث أعطي هو ومن معه اليقين ووقف الباقي في قول الجمهور حتى يبلغ فيظهر فيه علامات الرجال من نبات لحيته وخروج المني من ذكره وكونه مني رجل أو علامات النساء من الحيض والحمل وتفلك الثديين نص عليه أحمد في رواية الميموني وحكي عن علي والحسن أنهما قالا تعد أضلاعه فإن أضلاع المرأة أكثر من أضلاع الرجل بضلع قال ابن اللبان ولو صح هذا لما أشكل حاله ولا احتيج إلى مراعاة البول وقال جابر بن زيد يوقف إلى جانب الحائط فإن بال عليه فهو رجل وإن شلشل بين فخذيه فهو امرأة وليس على هذا تعويل والصحيح ما ذكرناه إن شاء الله تعالى أنه يوقف أمره ما دام صغيرا فإن احتيج إلى قسم الميراث أعطي هو ومن معه اليقين ووقف الباقي إلى حين بلوغه فتعمل المسألة على أنه ذكر ثم على أنه أنثى وتدفع إلى كل وارث أقل النصيبين ويقف الباقي حتى يبلغ فإن مات قبل بلوغه(7/148)
أو بلغ مشكلا ورث نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى نص عليه أحمد وهو قول ابن عباس والشعبي وابن أبي ليلى وأهل المدينة ومكة والثوري واللؤلؤ وشريك والحسن بن صالح وأبي يوسف ويحيى بن آدم وضرار بن صرد ونعيم بن حماد وورثه أبو حنيفة بأسوأ حالاته والباقي لسائر الورثة وأعطاه الشافعي ومن معه اليقين ووقف الباقي حتى يتبين أمره أو يصطلحوا وبه قال أبو ثور وداود وابن جرير ورثه بعض أهل البصرة على الدعوى فيما بقي بعد اليقين وبعضهم بالدعوى من أصل المال وفيه أقوال شاذة سوى هذه.
ولنا قول ابن عباس ولم يعرف له في الصحابة منكر ولأن حالتيه تساويا فوجبت التسوية بين حكمهما كما لو تداعا نفسان داراً بأيديهما ولا بينة لهما وليس توريثه بأسوإ أحواله بأولى من توريث من معه بذلك فتخصيصه بهذا الحكم لا دليل عليه ولا سبيل إلى الوقف لأنه لا غاية له تنتظر وفيه تضييع للمال مع يقين استحقاقهم له
(مسألة) (فإذا كان ابن وبنت وولد خنثى جعلت للبنت أقل عدد له نصف وهو سهمان وللذكر أربعة وللخنثى ثلاثة فيكون معه نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى وهذا قول الثوري واللؤلؤي في هذه المسألة وفي كل مسألة فيها ولد إذا كان فيهم خنثى قال شيخنا وهذا قول لا بأس به وذهب أكثر من ورثه نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى فتعمل المسألة على أنه ذكر ثم على أنه أنثى(7/149)
وتضرب إحداهما في الأخرى إن تباينتا أو في وفقها إن اتفقتا ويجتزئ باحداهما ان ثماثلتا وبأكثرهما إن تناسبتا وتضربها في اثنين ثم تجمع ما لكل واحد منهما إن تماثلتا وتضرب ما لكل واحد من إحداهما في الأخرى إن تباينتا أو في وفقها إن اتفقتا، وهذا اختيار أصحابنا ويسمى مذهب المنزلين، وقول الثوري يوافق قول أصحابنا في بعض المواضع ويخالفه في بعضها، وبيان اختلافهما أننا نجعل المسألة المذكورة على قول الثوري من تسعة للخنثى الثلث وهو ثلاثة، وعلى قول اصحابنا مسألة الذكورية من خمسة والأنوثية من أربعة ولا موافقة بينهما تضرب إحداهما في الأخرى تكن عشرين ثم في اثنين تكن أربعين، للبنت سهم في خمسة وسهم في أربعة تسعة، وللذكر ثمانية عشر وللخنثى سهم في خمسة وسهمان في أربعة ثلاثة عشر وهي دون ثلث الأربعين، وقوله من ورثه بالدعوى فيما بقي بعد اليقين يوافق قول المنزلين في أكثر المواضع فإنه يقول في هذه المسألة للذكر الخمسان بيقين وذلك ستة عشر من أربعين وهو يدعي النصف عشرين وللبنت الخمس بيقين ثمانية وهي تدعي الربع وللخنثى الربع بيقين وهو يدعي الخمسين ستة عشر، والمختلف فيه ستة أسهم يدعيها الخنثى كلها فتعطيه نصفها ثلاثة مع العشرة التي معه صار له ثلاثة عشر والابن يدعي أربعة فتعطيه نصفها اثنين صار له ثمانية عشر والبنت تدعي سهمين فيدفع إليها سهما صار لها تسعة ومن ورثه بالدعوى من أصل المال فعلى قولهم يكون الميراث في هذه المسألة من ثلاثة وعشرين لأن المدعى ههنا(7/150)
نصف وربع وخمسان ومخرجها عشرون يعطي الابن عشرة وللبنت خمسة والخنثى ثمانية فتكون ثلاثة وعشرين فإن لم يكن في المسألة بنت ففي قول الثوري هي من سبعة وكذلك قول من ورثهما بالدعوى
من أصل المال، وفي التنزيل من اثني عشر للابن سبعة وللخنثى خمسة وهو قول من ورثه بالدعوى فيما عدا اليقين وإن كانت بنت ولد خنثى ولا عصبة معهما فهي من خمسة في قول الثوري ومن اثني عشر في التنزيل، وإن كان معهما عصبة فهي من ستة للخنثى ثلاثة وللبنت سهمان وللعصبة سهم في الأقوال الثلاثة فإن كان معهما أم وعصبة فهي من ستة وثلاثين للأم ستة وللخنثى ستة عشر وللبنت أحد عشر وللعصبة ثلاثة وقياس قول الثوري أن يكون للخنثى والبنت ثلاثة أرباع المال بينهما على خمسة وللأم السدس ويبقى نصف السدس للعصبة وتصح من ستين للام عشرة وللعصبة خمسة وللبنت ثمانية عشر وللخنثى سبعة وعشرون فإن كان ولد خنثى وعصبة فللخنثى ثلاثة أرباع المال والباقي للعصبة إلا في قول من ورثهما بالدعوى من أصل المال فإنه يجعل المال بينهم أثلاثاً لأن الخنثى يدعي المال كله والعصبة تدعي نصفه فتضيف النصف إلى الكل فيكون ثلاثة أنصاف لكل نصف ثلث بنت وولد ابن خنثى وعم هي في التنزيل من اثني عشر وترجع بالاختصار إلى ستة للبنت النصف وللخنثى الثلث وللعم السدس (فصل) فإن كان الخنثى يرث في حال دون حال كزوج وأخت لأبوين وولد أب خنثى فمقتضى(7/151)
قول الثوري أن يجعل للخنثى نصف ما يرثه في حال إرثه وهو نصف سهم فضمه إلى سهام الباقين وهي ستة نبسطها أنصافا ليزول الكسر فتصير ثلاثة عشر له منها سهم والباقي بين الزوج والأخت نصفين وقد عمل أبو الخطاب هذه المسألة على هذا في كتاب الهداية، وأما التنزيل فيصح من ثمانية وعشرين للخنثى سهمان وهي نصف سبع ولكل واحد من الآخرين ثلاثة عشر وإن كان زوج وأم وأخوان من أم وولد أب خنثى فله في حال الأنوثية ثلاثة من تسعة فاجعل له نصفها مضموماً إلى سهام باقي المسألة ثم ابسطها تكن خمسة عشر له منها ثلاثة وهي الخمس وفي التنزيل له ستة من ستة وثلاثين وهي السدس، وإن كانت بنت وبنت ابن وولد أخ خنثى وعم فهي من ستة للبنت النصف ولبنت الابن السدس وللخنثى السدس وللعم ما بقي على القولين جميعاً (فصل) قال الخبري اعلم أن الذين يكونون خناثى من الورثة ستة.
الولد وولد الابن والأخ
وولده والعم وولده فأما الزوجان والأبوان والجدان فلا يتصور ذلك فيهم.
فالخلاف يقع في ثلاثة لا غير الولد وولد الابن والأخ فأما الثلاثة الأخر فليس للإناث منهم ميراث فيكون للخنثى منهم نصف ميراث ذكر بلا خلاف (مسألة) (فإن كانا خنثيين أو أكثر نزلتهم بعدد أحوالهم في أحد الوجهين فتجعل للاثنين أربعة أحوال وللثلاثة ثمانية وللأربعة ستة عشر وللخمسة اثنين وثلاثين حالا ثم تجمع ما لهم في الأحوال كلها(7/152)
فتقسمه على عدد أحوالهم فما خرج بالقسم فهو لهم إن كانوا من جهة واحدة وإن كانوا من جهات جمعت ما لكل واحد منهم في الأحوال وقسمته على عدد الأحوال كلها فالخارج بالقسم هو نصيبه.
هذا قول ابن أبي ليلى وضرار ويحيى بن آدم، وقول محمد بن الحسن على قياس قول الشعبي والوجه الآخر أنهم ينزلون حالين مرة ذكوراً ومرة إناثاً كما يصنع في الواحد وهو قول أبي يوسف واختاره أبو الخطاب والأول أولى لأنه يعطى كل واحد يحسب ما فيه من الاحتمال فيعدل بينهم، وفي الوجه الآخر يعطى بعض الاحتمالات دون بعض وهذا تحكم لا دليل عليه، وبيان ذلك في ولد خنثى وولد أخ خنثى وعم إن كانا ذكرين فالمال للولد، وإن كانا أنثيين فللبنت النصف والباقي للعم فهي من أربعة عند من نزلهم حالين للولد ثلاثة أرباع المال وللعم ربعه، ومن نزلهم أحوالاً زاد حالين آخرين، هو أن يكون الولد وحده ذكراً وولد الأخ وحده ذكراً فتكون المسألة من ثمانية للولد المال في حالين والنصف في حالين فله ربع ذلك وهو ثلاثة أرباع المال ولولد الأخ نصف المال في حاله فله ربعه وهو الثمن وللعم مثل ذلك وهذا أعدل، ومن قال بالدعوى فيما زاد على اليقين قال للولد النصف يقينا والنصف الآخر يتداعونه فيكون بينهم أثلاثاً، وتصح من ستة وكذلك الحكم في أخ خنثى وولد أخ، وفي كل عصبتين يحجب أحدهما الآخر ولا يرث المحجوب شيئاً إذا كان أنثى ولو خلف بنتا وولد أم خنثى وولد ابن خنثى وعصبة فمن نزلهما حالين جعلها من ستة الولد الخنثى ثلاثة وللبنت(7/153)
سهمان والباقي للعم، ومن نزلهما أربعة أحوال جعلها من اثني عشر وجعل لولد الابن نصف السدس وللعم
مثليه، وهذا أعدل الطريقين لما في الطريق الآخر من إسقاط ولد الابن مع أن احتمال توريثه كاحتمال توريث العم وهكذا تصنع في الثلاثة وما زاد ويكفي هذا القدر من هذا الباب فإنه نادر قل ما يحتاج إليه واجتماع خنثيين وأكثر نادر النادر ولم يسمع بوجوده فلا حاجة الى التطويل فيه (فصل) قال شيخنا (وقد وجدنا في عصرنا شيئاً شبيها لما يذكره القرضيون ولم يسمعوا به فإنا وجدنا شخصين ليس لهما في قبلها مخرج ولا ذكر والا فرج أما أحدهما فذكروا أنه ليس له في قبله إلا لحمة نابته كالربوة ويرشح البول منها رشحا على الدوام وأرسل إلينا يسألنا عن الصلاة والتحرز من النجاسة في ستة عشر وستمائة، الثاني ليس له إلا مخرج واحد فيما بين المخرجين منه يتغوط ومنه يبول وسألت من أخبرني عنه عن زيه فأخبرني أنه يلبس لباس النساء ويخالطهن ويغزل معهن ويعد نفسه امرأة، قال وحدثت أن في بلاد العجم شخصا ليس له مخرج أصلا لا قبل ولا دبر وإنما يتقايأ ما يأكله ويشربه فهذا وما أشبهه في معنى الخنثى لكنه لا يمكن اعتباره بمباله فإن لم يكن له علامة أخرى فهو مشكل ينبغي أن يثبت له حكمه في ميراثه وأحكامه كلها والله أعلم(7/154)
(باب ميراث الغرقى ومن عمي موتهم) إذا مات متوارثان كالغرقى والهدمى وجهل أولهما موتا واختلفت وراثهما في السابق منهما فقد نقل عن أحمد رحمه الله في امرأة وابنها ماتا فقال زوجها ماتت فورثناها ثم مات ابني فورثته، وقال أخوها مات ابنها فورثته ثم ماتت فورثناها أنه يحلف كل واحد منهما على إبطال دعوى صاحبه ويكون ميراث الابن لأبيه وميراث المرأة لأخيها وزوجها نصفين ذكرها الخرقي، وهذا يدل على أن ميراث كل ميت يقسم على الأحياء من ورثته دون من مات معه روى ذلك عن أبي بكر الصديق وزيد وابن عباس والحسن بن علي رضي الله عنهم، وبه قال عمر بن عبد العزيز وأبو الزناد والزهري والاوزاعي ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وروي ذلك عن عمر والحسن البصري وراشد بن سعد وحكيم ابن عمير وعبد الرحمن بن عوف فيحتمل أن يكون ما روي عن أحمد في المسألة التي ذكرها الخرقي أن يجعل هذا رواية عنه في جميع مسائل الباب، ويحتمل أن يكون هذا قوله فيما إذا ادعى وارث كل
ميت أن موروثه كان آخرهما موتا فأما مع الجهل فيورث كل واحد منهما من الآخر لأن مع التداعي يتوجه اليمين على المدعي عليه فيحلف على إبطال دعوى صاحبه ويتوفر الميراث له كما في سائر الحقوق بخلاف ما إذا اتفقوا على الجهل فلا يتوجه اليمين لأن اليمين لا يشرع في موضع اتفقوا على الجهل به،(7/155)
وظاهر المذهب أن كل واحد منهما يرث صاحبه من تلاد ماله دون ما ورثه من الميت معه فيقدر أحدهما مات أولا ويورث الآخر منه ثم يقسم ما ورثه على الأحياء من ورثته ثم يصنع بالثاني كذلك قال أحمد أذهب إلى قول عمر وعلي وشريح وابراهيم والشعبي هذا قول من ذكره الإمام أحمد وهو قول إياس بن عبد الله المزني وعطاء والحسن وحميد الاعرج وعبد الله بن عتبة وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وشريك ويحيى بن آدم واسحاق وحكي ذلك عن ابن مسعود.
قال الشعبي وقع الطاعون بالشام عام عمواس فجعل أهل البيت يموتون عن آخرهم فكتب في ذلك الى عمر رضي الله عنه فكتب عمر: أن ورثوا بعضهم من بعض، ووجه الرواية الأولى ما روى سعيد قال ثنا اسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد أن قتلى اليمامة وقتلى صفين والحرة لم يورث بعضهم من بعض ورثوا عصبتهم الأحياء وقال ثنا عبد العزيز بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه أن أم كلثوم بنت علي توفيت هي وابنها زيد ابن عمر فالتقت الصيحتان في الطريق فلم يدر أيهما مات قبل صاحبه فلم ترثه ولم يرثها، وأن أهل صفين وأهل الحرة لم يتوارثوا، ولأن شرط التوارث حياة الوارث بعد موت الموروث وليس بمعلوم فلا يثبت التوريث مع الشك في شرطه ولأنه مشكوك في حياته حين موت مورثه فلم يرثه كالحمل إذا وضعته ميتا ولأن توريث كل واحد منهما خطأ قطعا لأنه لا يخلو من أن يكون موتهما معا أو يسبق أحدهما به وتوريث السابق بالموت والميت معه خطأ يقينا مخالف للإجماع فكيف يعمل به؟ فإن قيل ففي(7/156)
قطع التوريث قطع توريث المسبوق بالموت وهو خطأ أيضا قلنا هذا غير متيقن لأنه يحتمل موتهما معاً فلا يكون منهما مسبوق، وقد احتج أصحابنا لتلك الرواية بما روى اياس ابن عبد الله المزني أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قوم وقع عليهم بيت فقال يرث بعضهم بعضاً، قال شيخنا والصحيح أن هذا
إنما هو عن إياس نفسه وأنه هو المسؤول وليس برواية عن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا رواه سعيد في سننه وحكاه الإمام أحمد وقال أبو ثور وابن شريح وطائفة من البصريين يعطى كل وارث اليقين ويوقف المشكوك فيه حتى يتبين الأمر أو يصطلحوا وقال الخبري هذا هو الحكم فيما إذا علم صوت أحدهما قبل الآخر ولم يذكر فيه خلافاً (مسألة) قال (فلو غرق أخوان أحدهما مولى زيد والآخر مولى عمرو فمن لم يورث أحدهما من صاحبه جعل ميراث كل واحد لمولاه وهو أحسن) ومن ورث أحدهما من الآخر جعل ما لكل واحد منهما لمولى الآخر ومن قال بالوقف وقف مالهما، وإن ادعى كل واحد منهما أن مولاه آخرهما مرتا حلف كل واحد منهما على إبطال دعوى لآخر وأخذ مال مولاه على ما ذكره الخرقي، وإن كان لهما أخت فمن ورث كل أحد منهما من صاحبه جعل لهما الثلثين من مال كل واحد منهما والنصف على القول الثاني، وإن خلف كل واحد منهما بنتا وزوجه فمن لم يورث بعضهم من بعض صححها من ثمانية لامرأته الثمن ولابنته النصف والباقي لمولاه ومن ورثهم جعل الباقي لأخيه ثم قسمه بين ورثة أخيه على ثمانية ثم ضربها في الثمانية الأولى فصحت من(7/157)
أربعة وستين لامرأته ثمانية لابنته اثنان وثلاثون ولامرأة أخيه ثمن الباقي ثلاثة ولابنته اثنا عشر ولمولاه الباقي تسعة: أخ وأخت غرقا ولهما أم وعم وزوجان فمن ور ث كل واحد منهما من صاحبه جعل ميراث الأخ بين امرأته وأمه وأخته على ثلاثة عشر فما أصاب الأخت منها فهو بين زوجها وأمها وأمها وعمها على ستة فصحت المسئلتان من ثلاثة عشر لأمرأة لأخ ثلاثة ولزوج لاخت ثلاثة وللأم أربعة بميراثها من الأخ واثنان بميراثها من الأخت وللعم سهم وميراث الأخت بين زوجها وأمها وأخيها على ستة لأخيها سهم بين امرأته وأمه وعمه على اثني عشر تضربها في الأولى تكن اثنين وسبعين والضرر في هذا القول على من يرث من أحد الميتين دون الآخر والنفع لم يرث منهما ثلاثة إخوة لأبوين غرقوا ولهم أم وعصبة فقدر موت أحدهم أولا فلأمه السدس والباقي لأخويه فتصح من اثني عشر لكل واحد من اخوته خمسة بين أمه وعصبته على ثلاثة فتضربها في الأولى تكن ستة وثلاثين للأم
من ميراث الأول ستة ومما ورثة كل واحد من الأخوين خمسة فصار لها ستة عشر والباقي للعصبة ولها من ميراث كل واحد من الأخوين مثل ذلك ذكر هذه المسألة أبو بكر.
ثلاثة إخوة مفترقين غرقوا وخلف كل واحد منهم أخته لأبويه فقدر موت الأخ من الأبوين أولا عن أخته من أبويه وإخوته من أبيه وإخوته من أمه فصحت مسئلته من ثمانية عشر لأخيه من أمه منها ثلاثة بين أخته من أبويه وأخته من أمه على أربعة وأصاب الأخ منها اثنان بين أخيه من أبويه وأخيه من أبيه على أربعة فتجتزئ بإحداهما وتضربها في الأخرى تكن اثنين وسبعين ثم قدر موت الأخ من الأم عن أخت لأبوين وأخ(7/158)
وأخت من أم فمسئلته من خمسة، مات أخوه لأمه عن ثلاث أخوات مفترقات وهي من خمسة أيضاً تضربها في الأولى تكن خمسة وعشرين ثم قدر موت الأخ من الأب عن أخته لأبويه وأخ وأخت لأبيه فهي من ستة ثم مات أخوه لأبيه عن ثلاث أخوات مفترقات فهي من خمسة تضربها في الأولى تكن ثلاثين فإن خلف بنتا وأخوين فلم يقتسموا التركة حتى غرق الأخوان وخلف أحدهما زوجة وبنتا وعماً وخلف الآخر ابنين وابنتين الأولى من أربعة مات أحدهما عن سهم ومسئلته من ثمانية لأخيه منها ثلاثة بين أولاده على ستة رجعوا إلى اثنين تضربها في ثمانية تكن ستة عشر وفريضة لآخر من ستة يتفقان بالنصف فاضرب نصف إحداهما في الأخرى تكن ثمانية وأربعين ثم في أربعة تكن مائة واثنين وتسعين للبنت نصفها ولأولاد الأخ عن أبيهم ربعها وعن عمهم ثمانية عشر اجتمع لهم ستة وستون ولامرأة الأخ ستة ولبنته أربعة وعشرون (فصل) وإن علم أنهما ماتا معاً في حال واحدة لم يرث أحدهما صاحبه وورث كل واحد الأحياء من ورثته لأن توريثه مشروط بحياته بعده وقد علم انتفاء ذلك وإن علم أن أحدهما مات قبل صاحبه بعينه ثم أشكل أعطى كل وارث اليقين ووقف الباقي حتى يتبين الأمر أو يصطلحوا قال القاضي وقياس المذهب أن يقسم على سبيل ميراث الغرقى الذين جهل حالهم والله أعلم.
(باب ميراث أهل الملل) (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) أجمع أهل العلم على أن الكافر لا يرث المسلم وقال جمهور الصحابة والفقهاء لا يرث المسلم الكافر روى ذلك عن ابي بكر وعمر وعثمان وعلي وأسامة بن زيد وجابر بن(7/159)
عبد الله رضي الله عنهم، وبه قال عمرو بن عثمان وعروة والزهري وعطاء وطاوس والحسن وعمر بن عبد العزيز وعمرو بن دينار والثوري وأبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي وعامة الفقهاء وعليه العمل وروي عن عمر ومعاذ ومعاوية رضي الله عنهم أنهم ورثوا المسلم من الكافر ولم يورثوا الكافر من المسلم فحكي ذلك عن محمد بن الحنفية وعلي بن الحسين وسعيد بن المسيب ومسروق وعبد الله بن معقل والشعبي والنخعي ويحيى بن يعمر واسحاق وليس بموثوق به عنهم فإن أحمد قال: ليس بين الناس اختلاف في أن المسلم لا يرث الكافر، وروي أن يحيى بن يعمر احتج لقوله فقال: حدثني أبو الأسود أن معاذاً حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الإسلام يزيد ولا ينقص " ولأنا ننكح نساءهم ولا ينكحون نساءنا فكذلك نرثهم ولا يرثونا ولنا ما روى أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر " متفق عليه ولأن الولاية منقطعة بين المسلم والكافر فلم يرثه كما لا يرث الكافر المسلم، فاما حديثهم فيحتمل أنه أراد أن الإسلام يزيد بمن يسلم وبما يفتح من البلاد لأهل الإسلام ولا ينقص بمن يرتد لقلة من يرتد وكثرة من يسلم وعلى أن حديثهم مجمل وحديثنا مفسر وحديثنا أصح فيتعين تقديمه " والصحيح أنه قال لا ترث أهل الملل ولا يرثوننا " وقال في عمة الأشعث " يرثها أهل دينها " (مسألة) (إلا أن يسلم قبل قسم الميراث فيرثه وعنه لا يرث) اختلفت الرواية فيمن أسلم قبل قسم ميراث موروثه المسلم فنقل الاثرم ومحمد بن الحكم أنه يرث وروي نحو هذا عن عمرو وعثمان والحسن بن علي وابن مسعود رضي الله عنهم، وبه قال جابر بن زيد(7/160)
والحسن ومكحول وقتادة وحميد وأياس بن معاوية واسحاق فعلى هذا إن أسلم قبل قسم بعض المال ورث مما بقي وبه قال الحسن ونقل أبو طالب فيمن أسلم بعد الموت: لا يرث قد وجبت المواريث لأهلها وهو المشهور عن علي رضي الله عنه وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء وطاوس والزهري وسليمان ابن يسار والنخعي والحكم وأبو الزناد وابو حنيفة ومالك والشافعي وأكثر أهل العلم لقول رسول
الله صلى الله عليه وسلم " لا يرث الكافر المسلم " ولأن الملك قد انتقل بالموت إلى المسلمين فلم يشاركهم من أسلم كما لو اقتسموا ولأن المانع من الإرث متحقق حال وجود الموت فلم يرث كما لو كان رقيقاً فأعتق ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من أسلم على شئ فهو له " رواه سعيد من طريقين عن عروة وابن أبي مليكة عن النبي صلى الله عليه وسلم وروي أبو داود بإسناده عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل قسم قسم في الجاهلية فهو على ما قسم وكل قسم أدركه الإسلام فإنه على قسم الإسلام " وروى ابن عبد البر في التمهيد بإسناده عن زيد بن قتادة العنبري أن إنسانا من أهله مات على غير الإسلام فورثته أختي دوني وكانت على دينه ثم أن جدي أسلم وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم حنينا فتوفي فلبثت سنة وكان ترك ميراثا ثم أن أختي أسلمت فخاصمتني في الميراث إلى عثمان فحدثه ابن أرقم أن عمر رضي الله عنهم قضى أنه من أسلم على ميراث قبل أن يقسم فله نصيبه فقضى به عثمان فذهبت بذلك لاول وشاركتني في هذا(7/161)
وهذه قصة اشتهرت فلم تنكر فكانت إجماعاً ولأنه لو تجدد له صيد بعد موته وقع في شبكته التي نصبها في حياته ثبت له الملك فيه ولو وقع إنسان في بئر حفرها لتعلق ضمانه بتركته بعد موته فجاز أن يتجدد حق من أسلم من ورثته ترغيباً في الإسلام وحثا عليه فأما إذا قسمت التركة وتعين حق كل وارث ثم أسلم فلا شئ له فان كان الوارث واحداً فمتى تصرف في التركة واحتازها كان كقسمها.
(مسألة) وإن عتق عبد بعد موت موروثه وقبل القسم لم يرث وجها واحداً) نص عليه أحمد في رواية محمد بن الحكم وفرق بين الإسلام والعتق وعلى هذا جمهور الفقهاء من الصحابة ومن بعدهم، وروي عن ابن مسعود أنه سئل عن رجل مات وترك أباه عبداً فأعتق قبل أن يقسم ميراثه فقال له ميراثه، وحكي عن مكحول وقتادة أنهما ورثا من أعتق قبل القسمة لأن المانع من الميراث زال قبل القسمة أشبه ما لو أسلم وقال أبو الحسن التميمي يخرج على قول من ورث المسلم أن يورث العبد إذا اعتق وليس بصحيح فإن الإسلام قربة وهو أعظم الطاعات والقرب ورد الشرع بالاليف عليها فورد الشرع بتوريثه ترغيباً له في الاسلام وحثا عليه والعتق لا صنع له فيه ولا يحمد عليه فلم يصح قيامه عليه ولولا ما ورد من الأثر في توريث من أسلم لكان النظر يقتضي أن لا يرث
من لم يكن من أهل الميراث حين الموت لأن الملك ينتقل به إلى الورثة فيستحقونه فلا يبقى لمن حدث شئ وإنما خالفناه في الإسلام للأثر وليس في العتق أثر يجب التسليم له ولا هو في معنى ما فيه الأثر(7/162)
(فصل) ولو ملك ابن عمه فدبره فعتق بموته لم يرث لأنه رقيق حين الموت فإن قال أنت حر في آخر حياتي عتق وورث لأنه حر حين الموت، ويحتمل أن لا يرث لان عنقه وصية له فيفضي إلى الوصية للوارث: (مسألة) (ويرث أهل الذمة بعضهم بعضاً إن اتفقت أديانهم) وجملة ذلك أن الكفار يتوارثون إذا كان دينهم واحداً الا نعلم بين أهل العلم فيه خلافاً، ولا فرق في ذلك بين أهل الذمة وغيرهم من الكفار لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " دليل على أن بعضهم يرث بعضا، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " وهل ترك لنا عقيل من دار " دليل على أن عقيلا ورث أبا طالب دون جعفر وعلي لأنهما كانا مسلمين، وكان عقيل على دين أبيه مقيما بمكة فكذلك لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أين تنزل غداً؟ قال " وهل ترك لنا عقيل من رباع " وقال عمر في عمة الأشعث بن قيس يرثها أهل دينها (مسألة) (وهم ثلاث ملل اليهودية والنصرانية ودين سائرهم) اختلفت الراوية عن أحمد رحمه الله في ذلك فروى عنه حرب أن الكفر كله ملة واحدة اختارها الخلال، وبه قال حماد وابن شبرمة وأبو حنيفة والشافعي وداود لأن توريث الآباء من الأبناء والأبناء من الآباء مذكور في كتاب الله تعالى ذكراً عاماً فلا يترك إلا فيما استثناه الشرع وما لم يستثنه يبقى على العموم ولأن قول الله تعالى (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) عام في جميعهم، وروى عن(7/163)
أحمد أن الكفر ملل مختلفة اختاره أبو بكر وهو قول كثير من أهل العلم لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يتوارث أهل ملتين شتى " ينفي توارثهما ويخص عموم الكتاب ولم نسمع عن أحمد تصريحاً بذكر أقسام الملل، وقال القاضي الكفر ثلاث ملل اليهودية والنصرانية ودين من عداهم لأن من عداهم يجمعهم
أنه لا كتاب لهم وهذا قول شريح وعطاء وعمر بن عبد العزيز والضحاك والحكم والثوري والليث وشريك ومغيرة الضبي وابن أبي ليلى والحسن بن صالح ووكيع وروي ذلك عن مالك وعن النخعي والثوري القولان معاً وما روي عن أحمد أنه قال الكفر ملل مختلفة ويحتمل ان أن يكون مللا كثيرة تزيد على ثلاث فتكون المجوسية ملة وعبدة الأوثان ملة وعباد الشمس ملة فلا يرث بعضهم بعضاً يروي ذلك عن علي وبه قال الزهري وربيعة وطائفة من أهل المدينة وأهل البصرة واسحاق وهو أصح الأقوال إن شاء الله اختاره شيخنا لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يتوارث أهل ملتين شتى " روه أبو داود ولأن كل فريقين منهم لا موالاة بينهم ولا اتفاق في دين فلم يرث بعضهم بعضاً كالمسلمين والكفار والعمومات في التوريث مخصوصة فيخص منها محل النزاع بالخبر والقياس ولأن مخالفينا قطعوا التوريث بين أهل الحرب وأهل دار الإسلام فمع اختلافهم في الملة أولى وقول من خص الملة بعدم الكتاب لا يصح لأنه وصف عدمي لا يقتضي حكما ولا جمعاً ثم لابد لهذا الضابط من دليل يدل على اعتباره، وقد افترق حكمهم فإن المجوس يقرون بالجزية وغيرهم لا يقرون بها وهم مختلفون في معبوداتهم ومعتقداتهم وآرائهم يستحل بعضهم دماء بعض ويكفر بعضهم بعضا فكانوا مللا كاليهود والنصارى ولأنه قد روى الشعبي عن علي رضي الله عنه أنه جعل الكفر مللا مختلفة ولم نعرف له مخالفاً في الصحابة فيكون إجماعاً(7/164)
(مسألة) (وإن اختلفت أديانهم لم يتوارثوا) لما روى عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يتوارث أهل ملتين شتى " رواه أبو داود، وعنه يتوارثون لأن مفهوم قوله عليه السلام " لا يرث الكافر المسلم " يدل على أنهم يتوارثون، وهذا يجئ على قولنا إن الكفر ملة واحدة على ما تقدم وهو قول أبي حنيفة والشافعي.
(مسألة) (ولا يرث حربي ذمياً، ولا ذمي حربياً) ذكره القاضي لأن الموالاة منقطعة بينهم ويحتمل أن يتوارثا لأنهم من أهل ملة واحدة.
قال شيخنا قياس المذهب عندي أن الملة الواحدة يتوارثون وإن اختلفت ديارهم لأن العمومات من النصوص يقتضي توريثهم ولم يرد بتخصيصهم نص ولا إجماع ولا يصح فيهم قياس فيجب العمل بعمومها، ومفهوم
قوله عليه السلام " لا يتوارث أهل ملتين شتى " أن أهل الملة الواحدة يتوارثون وضبطه التوريث بالملة والكفر الاسلام دليل على أن الاعتبار به دون غيره ولأن مقتضى التوريث موجود فيجب العمل به ما لم يقم دليل على تحقق المانع وقد نص أحمد في رواية الأثرم فيمن دخل إلينا بأمان فقتل، أنه يبعث بديته إلى ملكهم حتى يدفعها إلى ورثته، وروي ان عمر وبن أمية الضمري كان مع أهل بئر معونة فسلم ورجع إلى المدينة فوجد رجلين في طريقه من الحي الذين قتلوهم وكانا أتيا النبي صلى الله عليه وسلم في أمانه ولم يعلم عمرو فقتلهما فوداهما النبي صلى الله عليه وسلم ولا شك أنه بعث بديتهما إلى أهلهما.(7/165)
(فصل) فأما المستأمن فيرثه أهل الحرب وأهل دار الاسلام، وبهذا قال الشافعي، قال القاضي ويرث أهل الحرب بعضيم بعضاً سواء اتفقت ديارهم أو اختلفت، وقال أبو حنيفة إذا اختلفت ديارهم بحيث كان لكل طائفة ملك، ويرى بعضهم قتل بعض لم يتوارثا لأنه لا موالاة بينهم فجعلوا اتفاق الدار واختلافها ضابطاً للتوريث وعدمه ولا يعلم في هذا حجة من كتاب ولا سنة مع مخالفته لعموم النصوص المقتضي للتوريث ولم يعتبروا الدين في اتفاقه ولا اختلافه، مع ورود الخبر فيه وصحت العبرة بها فإن المسلمين يرث بعضهم بعضاً وإن اختلفت الداربهم فكذلك الكفار (مسألة) (والمرتد لا يرث أحداً إلا أن يسلم قبل قسم الميراث) لا نعلم خلافاً بين أهل العلم أن المرتد لا يرث أحداً، وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وذلك أنه لا يرث المسلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر " ولا يرث الكافر لأنه يخالفه في حكم الدين لأنه لا يقر على كفره فلم يثبت له حكم الدين الذي انتقل إليه ولهذا ولا تحل ذبيحته ولا نكاح نسائهم وإن انتقلوا إلى دين أهل الكتاب، ولأن المرتد تزول(7/166)
أملاكه الثابتة له أو استقرارها فلأن لا يثبت له ملك أولى ولو ارتد متوارثان فمات أحدهما لم يرثه الآخر لأن المرتد لا يرث ولا يورث، فإن أسلم قبل قسم الميراث ورث، لما ذكرنا من الحديث وقد
ذكرناه والخلاف فيه (فصل) (والزنديق كالمرتد فيما ذكرنا) .
والزنديق الذي يظهر الإسلام ويستسر الكفر وهو الذي كان يسمى منافقاً، في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، ويسمى اليوم زنديقاً، قال أحمد: مال الزنديق في بيت المال.
(مسألة) (وإن مات على ردته فماله فئ، وعنه انه لورثته من السلمين، وعنه انه لورثته من أهل الدين الذي اختاره) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في مال المرتد اذا مات أو قتل على ردته فروي عنه أنه يكون فيئا في بيت مال المسلمين.
قال القاضي وهو الصحيح في المذهب، وبه قال ابن عباس وربيعة ومالك وابن أبي ليلى والشافعي وأبو ثور وابن المنذر وعن أحمد ما يدل على أنه لورثته من المسلمين يروي ذلك عن أبي بكر الصديق وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم، وبه قال سعيد بن المسيب وجابر بن زيد والحسن وعمر بن عبد العزيز وعطاء والشعبى والحكم والاوزاعي والثوري وابن شبرمة وأهل العراق واسحاق إلا أن الثوري وأبا حنيفة واللؤلؤي واسحاق(7/167)
قالوا ما اكتسبه في ردته يكون فيئاً ولم يفرق أصحابنا بين تلاد ماله وطارقه ووجه ذلك أنه قول الخليفتين الراشدين فإنه يروى عن زيد بن ثابت قال: بعثني أبو بكر عند رجوعه إلى أهل الردة أن اقسم مالهم بين ورثتهم المسلمين، ولأن ردته ينتقل بها ماله فوجب أن ينتقل إلى ورثته من المسلمين كما لو انتقل بالموت.
وروي عنه رواية ثالثة أنه يكون لأهل الدين الذي اختاره إن كان منهم من يرثه وإلا فهو فئ وبه قال داود.
وروي ذلك عن علقمة وسعيد بن أبي عروبة لأنه كافر فورثه أهل دينه كالحربي وسائر الكفار والمشهور الأول لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " وقوله " لا يتوارث أهل ملتين شتى " ولأنه كافر فلا يرثه المسلم، كالكافر الاصلي ولأن ماله مال مرتد فأشبه الذي كسبه في ردته ولا يمكن جعله لأهل دينه لأنه لا يرثهم فلا يرثونه كغيرهم من أهل الأديان
ولأنه يخالفهم في حكمهم فإنه لا يقر على ما انتقل إليه ولا تؤكل ذبيحته ولا يحل نكاحه إن كان امرأة فأشبه الحربي مع الذمي فإن قيل إذا جعلتموه فيئا فقد ورثتموه للمسلمين قلنا لا يأخذونه ميراثاً بل يأخذونه فيئاً كما يأخذ مال الذمي الذي لم يخلف وارثاً وكالعشور (فصل) وقد ذكرنا أن الزنديق كالمرتد لا يرث ولا يورث وقال مالك في الزنديق الذي(7/168)
يتهم بذمي ورثته عند موته: ماله لورثته من المسلمين مثل من يرتد إذا حضره الموت، قال: وترثه زوجته سواء انقضت عدتها أو لم تنقض، كالذي يطلقها زوجها في مرض موته ليحرمها الميراث لأنه فار من ميراث انعقد بسبب ميراثه فورثه كالمطلق في مرض الموت.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يرث المسلم الكافر " قال شيخنا وقياس المذهب أن أحد الزوجين إذا ارتد في مرض موته ورثه الآخر لأنه فعل ما يفسخ النكاح في مرض موته أشبه الطلاق، وفعل المرأة ما يفسخ نكاحها لا يسقط ميراث زوجها ويخرج في ميراث سائر الورثة مثل ما في الزوجين فيكون مثل مذهب مالك، وقال أبو يوسف إذا ارتدت المريضة فماتت في عدتها أو لحقت بدار الحرب ورثها زوجها.
وروى اللؤلؤي عن أبي حنيفة إذا ارتد الرجل فقتل على ردته أو لحق بدار الحرب بانت منه امرأته، فإن كانت مدخولا بها ورثته في عدتها وإن كانت غير مدخول بها بانت ولم ترثه وإن ارتدت المرأة في غير مرض فماتت لم يرثها زوجها لأنها عندهم لا تقتل فلم تكن فارة من ميراثه بخلاف الرجل (فصل) (وارتداد الزوجين معاً كارتداد أحدهما في فسخ نكاحهما وعدم ميراث أحدهما من الآخر سواء لحقا بدار الحرب أو أقاما بدار الاسلام) .
وبه قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة إذا ارتدا معا لم ينفسخ النكاح ولم يتوارثا.
ولنا أنهما مرتدان فلم يتوارثا كما لو كانا في دار الإسلام ولو ارتدا جميعاً ولهما أولاد صغار لم يتبعوهم(7/169)
في ردتهم ولم يرثوا منهم شيئاً ولم يجز استرقاقهم سواء ألحقوهم بدار الحرب أولا، وبهذا قال الشافعي
وقال أبو حنيفة وأصحابه من ألحقوه بدار الحرب منهم يصير مرتداً يجوز سبيه ومن لم يلحقوه بدار الحرب فهو في حكم الإسلام فأما من ولد بعد الردة بستة أشهر فذكر الخرقي ما يدل على أنه يجوز استرقاقه وهو قول أبي حنيفة، وأحد قولي الشافعي، والقول الثاني لا يسبون وهو منصوص الشافعي (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وإن أسلم المجوس أو تحاكموا إلينا ورثوا بجميع قراباتهم إن أمكن ذلك) .
نص عليه أحمد وهو قول عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وزيد في الصحيح عنه، وبه قال الثوري والنخعي وقتادة وابن أبي ليلى وأبو حنيفة وأصحابه ويحيى بن آدم واسحاق وداود والشافعي في أحد قوليه واختاره بن اللبان.
وعن زيد أنه ورثه بأقوى القرابتين وهي التي لا تسقط بحال، وبه قال الحسن والزهري والاوزاعي ومالك والليث وحماد، وهو الصحيح عن الشافعي وعن عمر بن عبد العزيز ومكحول والشعبي القولان جميعاً واحتجوا بأنهما قرابتان لا يورث بهما في الإسلام فلا يورث بهما في غيره كما لو أسقطت إحداهما الأخرى.
ولنا أن الله تعالى فرض للأم الثلث وللأخت النصف فإذا كانت الأم أختاً وجب إعطاؤها ما فرض الله تعالى لها في الاثنين كالشخصين ولأنهما قرابتان ترث بكل واحدة منهما منفردة لا تحجب إحداهما الأخرى ولا يرجح بها فترث بهما مجتمعتين كزوج هو ابن عم، أو ابن عم هو اخ لأم ولذوي الأرحام(7/170)
المدلين بقرابتين وقياسهم فاسد لأن القرابتين في الأصل تسقط إحداهما الأخرى إذا كانا في شخصين فكذلك إذا كانا في شخص واحد وقولهم لا يورث بهما في الإسلام ممنوع فانه إذا وجد ذلك من وطئ شبهة في الإسلام ورث بهما ثم إن امتناع الإرث بهما في الإسلام لعدم وجودهما فلو تصور وجودهما ورث بهما بدليل أنه قد ورث بنظيرهما في ابن عم هو زوج أو أخ من أم قال ابن اللبان واعتبارهم عندي فاسد من قبل أن الجدة تكون أختاً لأب فإن ورثوها بكونها جدة لكون الابن يسقط الأخت دونها لزمهم توريثها لكونها أختاً لكون الأم تسقط الجدة دونها وخالفوا نص الكتاب في فرض
الأخت وورثوا الجدة التي لا نص للكتاب في فرضها وهو مختلف فيهم فمنهم من قال هو طعمة وليس بفرض مسمى ويلزمهم أن الميت إذا خلف أمه وأم أم هي أخت أن لا يؤتوها شيئاً لأن الجدودة محجوبة وهي أقوى القرابتين وجعلوا الاخوة تارة أقوى وتارة أضعف وإن قالوا أقوى القرابتين الاخوة لأن ميراثها أوفر لزمهم في أم هي أخت جعل الاخوة أقوى من جهة الأمومة ويلزمهم في إسقاط مع الابن والأخ من الأبوين ما لزم القائلين بتقديم الجدودة مع الأم فإن قالوا توريثها بالقرابتين يفضي إلى حجب الأم بنفسها إذا كانت أختاً وللميت أخت أخرى قلنا وما المانع من هذا فإن الله تعالى حجب الأم بالأختين بقوله فإن كان له إخوة فلأمه السدس من غير تقييد بغيرها ثم هم حجبوها عن ميراث الأخت بنفسها فقد دخلوا فيما أنكروه بل هو أعظم لأنهم فروا من حجب التنقيص إلى حجب الإسقاط فأسقطوا الفرض الذي هو أوكد بالكلية محافظة على بعض الغرض الأدنى وخالفوا مدلول أربعة نصوص من كتاب الله تعالى لأنهم أعطوا الأم الثلث وإنما فرض الله تعالى لها مع الأختين السدس والثاني أن الله تعالى(7/171)
إنما فرض لكل واحدة من الأختين ثلثا فأعطوا إحداهما النصف كاملا، والثالث أن الله تعالى فرض للأختين الثلثين وهاتان أختان فلم يجعلوا لهما الثلثين الرابع أن مقتضى الآية أن يكون لكل واحدة من الأختين الثلث وهذه أخت فلم يعطوها بكونها اخنا شيئاً هذا كله معنى كلام ابن اللبان (فصل) والمسائل التي يجتمع فيها قرابتان ويصح الارث بهما ست إحداهن في الذكور وهو عم هو اخ لأم وخمس في الإناث وهي بنت هي أخت أو بنت ابن وأم هي أخت وأم أم هي أخت لأب وأم أب هي أخت لأم فمن ورثهم بأقوى القرابتين ورثهم بالبنوة والأمومة دون الأخوة وبنوة الابن واختلفوا في الجدة إذا كانت أختاً فمنهم من قال الجدودة أقوى لأنها جهة ولادة لا تسقط بالولد ومنهم من قال الأخوة أقوى لأنها أكثر ميراثاً وقال ابن شريح وغيره هو الصحيح ومن ورث بأقوى القرابتين لم يحجب الأم بأخوة نفسها إلا ما حكاه سحنون عن مالك أنه حجبها بذلك والصحيح عنه الأول ومن ورث بالقرابتين حجبها بذلك ومتى كانت البنت أختاً والميت رجل فهي أخت لأم ومتى كان امرأة فهي أخت لأب فإن قيل أم هي أخت لأم أو أم أم هي أخت لأم أو أم أب هي أخت لأب فهو محال
(مسألة) إذا خلف أمه وهي أخته من أبيه وعما فمن ورثها بقرابتين جعل لها الثلث بكونها أما والنصف بكونها أختاً لأب والباقي للعم فان كان معها أخت أخرى لم ترث بكونها أما إلا السدس لأنها انحجبت بنفسها وبالأخت الأخرى ومن ورثها بأقوى القرابتين ورثها الثلث بكونها أما ولم يحجبها بنفسها (مسألة) (ولا يرثون بنكاح ذوات المحارم ولا بنكاح لا يقرون عليه، لو أسلموا) المجوس ومن جرى مجراهم ممن ينكح ذوات المحارم إذا أسلموا وتحاكموا إلينا.
قال شيخنا لا نعلم خلافاً(7/172)
في أنهم لا يرثون بنكاح ذوات المحارم فأما غيره من الأنكحة فكل نكاح اعتقدوا صحته وأقروا عليه بعد إسلامهم توارثوا به سواء وجد بشروطه المعتبرة في نكاح المسلمين أولا وما لا يقرون عليه بعد إسلامهم لا يتوارثون به والمجوس وغيرهم في هذا سواء فلو طلق الكافر امرأته ثم نكحها ثم أسلما لم يقرا عليه وإن مات أحدهما لم يرثه الآخر وكذلك إن مات أحدهما قبل إسلامهما لم يتوارثا في قول الجميع وأصل الاختلاف في الميراث الاختلاف فيما يقران عليه أن أسلما أو تحاكما إلينا ونذكر ذلك في نكاح الكفار إن شاء الله تعالى (فصل) وإذا مات ذمي لا وارث له كان ماله فيئا وكذلك ما فضل من ماله عن وارثه كمن ليس له وارث إلا أحد الزوجين لأنه مال ليس له مستحق معين فكان فيئا كمال الميت المسلم الذي هو كذلك مسائل من هذا الباب مجوسي تزوج ابنته فأولدها بنتا ثم مات عنهما فلهما الثلثان لأنهما ابنتان ولا ترث الكبرى بالزوجية في قول الجميع فإن ماتت الكبرى بعده فقد تركت بنتاً هي أخت لأب فلها النصف بالبنوة والباقي بالاخوة وإن ماتت الصغرى أولا فقد تركت أما هي أخت لأب فلها النصف والثلث بالقرابتين ومن ورث بأقوى القرابتين لم يورثها بالاخوة شيئاً في المسئلتين وقال بن شريح يحتمل قول الشافعي توريثها بالقرابتين في المسألة الأولى لأنه لم يمنع توريث الشخص بفرض وتعصيب لتوريثه ابن العم إذا كان زوجا أو أخا لأم وإنما منع الارث بفرضين فإن كان المجوسي أولدها بنتين ثم مات وماتت الكبرى بعده فقد تركت بنتين هما أختان لأب وإن لم تمت الكبرى بل ماتت إحدى الصغيرتين فقد تركت أختاً لأبوين وأما هي أخت لأب فلأمها السدس بكونها أما والسدس بكونها أختا لأب(7/173)
وانحجبت بنفسها وأختها عن السدس وللأخت النصف على القول الآخر لها الثلث بالأمومة ولا شئ لها بالأخوة ولا تنحجب بها وللأخت النصف فقد استوى الحكم في القولين وإن اختلف طريقهما وعلى ما حكاه سحنون لها السدس وتنحجب بنفسها وأختها وإن أولدها المجوسي ابناً وبنتاً ثم مات وماتت الصغرى بعده فقد خلفت أما هي أخت لأب وأخا لأب وأم فلأمها السدس والباقي للأخ ولا شئ للأم بالاخوة لأن الأخ للأبوين يحجبها وعلى القول الآخر للأم الثلث كاملا إذا تزوج المجوسي أمه فأولدها بنتاً ثم مات فلأمه السدس ولأبنته النصف ولا ترث أمه بالزوجية ولا ابنته بكونها أختاً لأم شيئاً وإن ماتت الكبرى بعده فقد خلفت بنتاً هي بنت ابن فلها الثلثان بالقرابتين وعلى القول الآخر لها النصف وإن ماتت الصغرى بعده فقد تركت أما هي أم أب فلها الثلث بالأمومة لا غير على القولين جميعا وإن تزوج ابنته فأولدها بنتا ثم تزوج الصغرى فأولدها بنتا ثم مات وماتت الكبرى بعده فقد تركت أختيها لأبيها إحداهما بنتها والأخرى بنت بنتها فلبنتها النصف والباقي بينهما وعلى القول الآخر لبنتها النصف والباقي للصغرى وإن ماتت الوسطى بعده فقد تركت أختيها إحداهما أمها والأخرى بنتها فلأمها السدس ولبنتها النصف والباقي بينهما وعلى القول الآخر الباقي للعصبة وإن ماتت الصغرى بعد فقد خلفت أختيها إحداهما أمها والأخرى جدتها فلأمها السدس والثلثان بينهما وقد انحجبت الأم بنفسها وبأمها عن السدس وعلى القول الآخر من جعل الاخوة أقوى فللكبرى النصف وللوسطى الثلث والباقي للعصبة ومن جعل الجدودة أقوى لم يورث الكبرى شيئاً لأنها لا ترث بالاخوة لكونها ضعيفة ولا بالجدودة لكونها محجوبة بالأمومة وإن ماتت الصغرى بعد الوسطى فقد خلفت جدة هي أخت لأب فلها الثلثان(7/174)
بالقرابتين ومن ورث بإحداهما فلها السدس عند قوم وعند ابن شريح ومن وافقه لها النصف وهي اختيار الخبري، مجوسي تزوج أمه فأولدها بنتا ثم تزوج بنته فأولدها ابنا ثم تزوج الابن جدته فأولدها بنتا ثم مات المجوسي ثم ماتت أمه فقد خلفت بنتاً هي بنت ابن وبنتاً أخرى هي بنت ابن ابن وخلفت ابن ابن هو زوجها فلابنتيها الثلثان والباقي بين الكبرى وابنها على ثلاثة وتصح من تسعة
للكبرى أربعة وللصغرى ثلاثة وللذكر سهمان وعلى القول الآخر الباقي للذكر وحده فإن ماتت بعده بنته فإن الكبرى جدتها أم أبيها وهي أختها من أمها فلها السدسان بالقرابتين وفي الثاني لها سدس بإحداهما (فصل) وإن وطئ مسلم بعض محارمه بشبهة أو اشتراها وهو لا يعرفها فوطئها وولدت له واتفق مثل هذه لإنسان فالحكم فيها مثل هذا سواء (فصل) في التزويج في المرض والصحة، حكم النكاح في الصحة، والمرض سواء في صحة العقد وتوريث كل واحد منهما من صاحبه في قول الجمهور وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك أي الزوجين كان مريضاً مرضاً مخوفاً حال عقد النكاح فالنكاح فاسد لا يتوارثان به إلا أن يصيبها فيكون لها المسمى في ثلاثة مقدما على الوصية وعن الزهري ويحيى بن سعيد مثله واختلف أصحاب مالك في نكاح من لا يرث كالأمة والذمية فقال بعضهم يصح لأنه لا يتهم بقصد توريثها ومنهم من أبطله لجواز أن تكون وارثة وقال ربيعة وابن أبي ليلى الصداق والميراث من الثلث وقال الأوزاعي النكاح صحيح ولا ميراث بينهما وعن القاسم بن محمد والحسن أن قصد الإضرار بورثته فالنكاح باطل وإلا فهو صحيح(7/175)
ولنا أنه عقد معاوضة يصح في الصحة فصح في المرض كالبيع ولأنه نكاح صدر من أهله في في محله بشرطه فصح كحال الصحة وقد روينا أن عبد الرحمن بن أم الحكم تزوج في مرضه ثلاث نسوة أصدق كل واحدة ألفاً ليضيق بهن على امرأته ويشركنها في ميراثها فأجيز ذلك وإذا ثبت صحة النكاح ثبت الميراث بعموم الآية (فصل) ولا فرق في ميراث الزوجين بين ما قبل الدخول وبعده لعموم الآية ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في بروع بنت واشق أن لها الميراث وكان زوجها مات عنها قبل الدخول بها ولم يكن فرض لها صداقا ولأن النكاح صحيح ثابت فيورث به كما بعد الدخول (فصل) فأما النكاح الفاسد فلا يثبت به التوارث بين الزوجين لأنه ليس بنكاح شرعي ومتى اشتبه من نكاحها فاسد بمن نكاحها صحيح فالمنصوص عن أحمد أنه قال فيمن تزوج أختين لا يدري أيهما تزوج أول؟ أنه يفرق بينهما وتوقف عن أن يقول في الصداق شيئاً قال أبو بكر يتوجه
على قوله أن يقرع بينهما فعلى هذا الوجه يقرع بينهما في الميراث إذا مات عنهما وعن النخعي والشعبي ما يدل على أن الميراث يقسم بينهن على حسب الدعاوى والتنزيل كميراث الخناثى وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وقال الشافعي يوقف المشكوك فيه من ذلك حتى يصطلحن عليه أو يتبين الأمر فلو تزوج امرأة في عقد وأربعاً في عقد ثم مات وخلف أخا ولم يعلم أي العقدين سبق ففي قول أبي حنيفة كل واحدة تدعي مهراً كاملاً ينكره الأخ فيعطي كل واحدة نصف مهر ويؤخذ ربع الباقي تدعيه الواحدة والأربع فيقسم نصفه للواحدة ونصفه للأربع وعند الشافعي أكثر ما يجب عليه أربعة مهور فيأخذ(7/176)
ذلك يوقف منها مهر بين النساء الخمس ويبقى ثلاثة تدعي الواحدة ربعها ميراثاً ويدعي الأخ ثلاثة أرباعها فيوقف منها ثلاثة أرباع مهر بين النساء الخمس وباقيها وهو مهران وربع بين الأربع والأخ ثم يؤخذ ربع ما بقي فيوقف بين النساء الخمس والباقي للأخ (فصل) فإن تزوج امرأة في عقد واثنتين في عقد وثلاثاً في عقد ولم يعلم السابق فالواحدة نكاحها صحيح فلها مهرها ويبقى الشك في الخمس، فعلى قول أهل العراق لهن مهران بيقين والثالث لهن في حال دون حال فيكون لهن نصفه ثم يقسم ذلك بينهن لكل واحدة نصف مهر ثم يؤخذ ربع الباقي لهن ميراثاً فللواحدة ربعه يقيناً وتدعي نصف سدسه فتعطى نصفه فيصير لها من الربع سدسه وثمنه وذلك سبعة من أربعة وعشرين والاثنتان يدعيان ثلثيه وهو ستة عشر سهما فيعطين نصفه وهو ثمانية أسهم والثلاث يدعين ثلاثة أرباعه وهو ثمانية عشر سهما فيعطين تسعه وهذا قول محمد بن الحسن، وعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف تقسم السبعة بين الثلاث والاثنتين نصفين فيصير الربع من ثمانية وأربعين ثم تضرب الاثنين في الثلاث ثم في ثمانية وأربعين تكن مائتين وثمانية وثمانين فهذا ربع المال، وعند الشافعي تعطى الواحدة مهرها ويوقف ثلاثة مهور مهران منها بين الخمس ومهر تدعي الواحدة والاثنتان ربعه ميراثا وتدعيه الثلاث مهراً وثلاثة أرباعه يدعيه الأخ ميراثا وتدعيه الثلاث مهراً ويؤخذ ربع ما بقي فيدفع ربعه إلى الواحدة ونصف سدسه بين الواحدة والثلاث موقوف وثلثاه بين الثلاث والاثنتين موقوف فإن طلبت واحدة من الخمس شيئاً من الميراث الموقوف لم يدفع اليها شئ وكذلك إن طلبه أحد الفريقين لا يدفع
اليه شئ وإن طلب واحدة من الثلاث وواحدة من الاثنتين دفع إليهما ربع الميراث وإن طلبه واحدة(7/177)
من الاثنتين واثنتان من الثلاث أو الثلاث كلهن دفع اليهن ثلاثه وإن عين الزوج المنكوحات أولا قبل تعيينه وثبت، وإن وطئ واحدة منهن لم يكن ذلك تعييناً لها وهذا قول الشافعي، وللموطوءة الأقل من المسمى أو مهر المثل ويكون الفضل بينهما موقوفاً وعلى قول أهل العراق يكون تعييناً، فإذا كانت الموطوءة من الاثنتين صح نكاحها وبطل نكاح الثلاث، وان كانت من الثلاث بطل نكاح الاثنتين وإن وطئ واحدة من الاثنتين وواحدة من الثلاث صح نكاح الفريق المبدوء بوطئ واحدة منه وللموطوءة التي لم يصح نكاحها مهر مثلها، فإن أشكل أيضاً أخذ منه اليقين وهو مهران مسميان ومهر مثل ويبقى مهر مسمى تدعيه النسوة وينكره الأخ فيقسم بينهما فيحصل للنسوة مهر مثل ومسميان ونصف منها مهر مسمى ومهر مثل يقسم بين الموطوءتين نصفين ويبقى مسمى ونصف بين الثلاث الباقيات لكل واحدة نصف مسمى والميراث على ما تقدم، وعند الشافعي لا حكم للوطئ في التعيين وهل يقوم تعيين الوارث مقام تعيين الزوج فيه قولان فعلى قوله يؤخذ مسمى ومهر مثل للموطوءتين تعطى كل الأقل من المسمى أو مهر المثل ويقف الفضل بينهما ويبقى مسميان ونصف يقف أحدهما بين الثلاث اللاتي لم يوطأن وآخر بين الثلاث والاثنتين، والميراث على ما تقدم، وحكي عن الشعبي والنخعي فيمن له أربع نسوة أبت طلاق إحداهن ثم نكح خامسة ومات ولم يدر أيتهن طلق فللخامسة ربع الميراث وللأربع ثلاثة أرباعه بينهن وهذا مذهب أبي حنيفة إذا كان نكاح الخامسة بعد انقضاء عدة المطلقة، ولو أنه قال بعد نكاح الخامسة إحدى نسائي طالق ثم نكح سادسة ثم مات قبل أن يبين فللسادسة ربع الميراث وللخامسة ربع ثلاثة الأرباع(7/178)
الباقية وما بقي بين الأربع الأول أرباعاً وفي قول الشافعي ما أشكل من ذلك موقوف على ما تقدم (باب ميراث المطلقة) (إذا طلقها في صحته أو مرض غير مخوف طلاقا بائناً قطع التوارث بينهما) وجملة ذلك أن الرجل إذا طلق امرأته في صحته طلاقا بائناً أو رجعياً فبانت بانقضاء عدتها
لم يتوارثا إجماعا لزوال الزوجية التي هي سبب الميراث وكذلك إن طلقها في مرض غير مخوف لأن حكم الطلاق فيه حكم الطلاق في الصحة، فإن طلقها في المرض المخوف فصح من مرضه ذلك ومات بعده لم ترثه في قول الجمهور وروي عن النخعي والشعبي والثوري وزفر أنها ترثه لأنه طلاق في مرض مخوف قصد به الفرار من الميراث فلم يمنعه كما لو لم يصح ولنا أن هذه بائن بطلاق في غير مرض الموت فلم ترثه كالمطلقة في الصحة ولأن حكم هذا المرض حكم الصحة في العطايا والعتاق والاقرار فكذلك في الطلاق وما ذكروه يبطل بما إذا قصد الفرار في الصحة (مسألة) (وإن كان الطلاق رجعياً لم يقطعه مادامت في العدة) سواء كان في المرض أو الصحة بغير خلاف نعلمه روى ذلك عن ابي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم وذلك لأن الرجعية زوجة يلحقها طلاقه وظهاره وإيلاؤه ويملك إمساكها بالرجعة بغير رضاها ولا ولي ولا شهود ولا صداق جديد(7/179)
(مسألة) (وإن طلقها في مرض الموت المخوف طلاقاً لا يتهم فيه بأن سألته الطلاق أو علق طلاقها على فعل لها منه بد ففعلته أو علقه على شرط في الصحة فوجد في المرض أو طلق من لا يرث كالأمة والذمية فعتقت وأسلمت فهو كطلاق الصحيح في أصح الروايتين) إذا سألته الطلاق في مرضه فأجابها فقال القاضي فيه روايتان (إحداهما) لا ترثه لأنه ليس بفار (والثانية) ترثه لأنه طلقها في مرضه وهو قول مالك، وكذلك الحكم اذا خالعها أو علق الطلاق على مشيئتها فشاءت أو على فعل من جهتها لها منه بد ففعلته أو خيرها فاختارت نفسها، والصحيح في هذا كله أنها لا ترثه لأنه لا فرار منه وهذا قول أبي حنيفة والشافعي فان لم تعلم بتعليق طلاقها ففعلت ما علق عليه ورثته لأنها معذورة فيه، ولو سألته طلقة فطلقها ثلاثاً ورثته لأنه أبانها بما لم تطلبه منه فإن علق طلاقها على شرط في الصحة فوجد في المرض كقدوم زيد ومجئ زيد وصلاتها الفرض بانت ولم ترثه وذكر القاضي رواية أخرى أنها ترث وهو قول مالك لأن الطلاق وقع في المرض والأول أصح (مسألة) (فإن طلق الزوج المسلم امرأته الذمية أو الأمة في المرض طلاقاً بائناً ثم أسلمت الذمية
وعتقت الأمة ثم مات في عدتهما لم يرثاه لأنه لم يكن عند الطلاق فاراً) وفيه رواية أخرى أنها ترث لأنه طلاق في مرض الموت فورثته كغيرها هكذا ذكره شيخنا في الكتاب المشروح ولم يذكر في المغني والكافي هذه الرواية الأخيرة (فصل) فإن قال لهما أنتما طالقتان غداً فعتقت الأمة وأسلمت الذمية لم يرثاه لأنه غير فار (مسألة) (وإن قال سيد الأمة أنت حرة غداً فطلقها اليوم وهو يعلم بقول السيد ورثته) لأنه فار وإن لم يعلم لم ترثه لعدم الفرار وبه قال أبو حنيفة والشافعي ولم أعلم فيه مخالفاً(7/180)
(فصل) إذا قال لامرأته في صحته إذا مرضت فأنت طالق فحكمه حكم طلاق المريض سواء وإن أقر في مرضه أنه كان طلقها في صحته ثلاثا لم يقبل إقراره عليها وكان حكمه حكم طلاقه في مرضه وبه قال مالك وابو حنيفة ويقبل عند الشافعي ولنا أنه أقر بما يبطل به حق غيره فلم يقبل كما لو أقر بمالها (مسألة) (وإن كان متهماً بقصد حرمانها الميراث مثل أن طلقها ابتداء أو علقه على فعل لابد لها منه كالصلاة ونحوها ففعلته أو قال للأمة أو ذمية إذا أسلمت أو عتقت فأنت طالق أو علم أن سيد الأمة قال لها أنت حرة غداً فطلقها اليوم ورثته مادامت في العدة ولم يرثها) وجملته أنه إذا طلقها في المرض المخوف طلاقاً بائناً ثم مات من مرضه ذلك في عدتها ورثته ولم يرثها إن ماتت يروى هذا عن علي وعمر وعثمان، وبه قال شريح وعروة والحسن والشعبي والنخعي والثوري وأبو حنيفة في أهل العراق ومالك في أهل المدينة وابن أبي ليلى وهو قول الشافعي القديم، وروي عن عبد الله بن الزبير لا ترث مبتوتة ويروى ذلك عن علي وعبد الرحمن بن عوف وهو قول الشافعي الجديد لأنها بائن فلا ترث كالبائن في الصحة أو كما لو كان الطلاق باختيارها ولأن أسباب الميراث محصورة في رحم ونكاح وولاء وليس لها شئ من هذه الأسباب ولنا أن عثمان رضي الله عنه ورث تماضر بنت الأصبغ الكلبية من عبد الرحمن بن عوف وكان طلقها في مرضه فبتها واشتهر ذلك في الصحابة فلم ينكر فكان إجماعاً ولم يثبت عن علي وعبد الرحمن خلاف هذا بل قد روى عروة أن عمر قال لعبد الرحمن ان مت فلاورثتها منك قال قد علمت ذلك، وما روي عن ابن(7/181)
الزبير ان صح فهو مسبوق بالاجماع ولانه قصد قصد فاسداً في الميراث فعورض بنقيض قصده كالقاتل القاصد استعجال الميراث يعاقب بحرمانه (مسألة) (وإن علق طلاقها على فعل لابد لها منه كالصلاة المكتوبة والصيام الواجب ففعلته فحكمه حكم طلاقه ابتداء) في قول الجميع وكذلك لو علقه على كلامها لأبويها ولأحدهما (مسألة) (وهل ترثه بعد العدة أو ترثه المطلقة قبل الدخول؟ على روايتين) المشهور عن أحمد رحمه الله أنها ترثه في العدة وبعدها ما لم تتزوج قال أبو بكر لا يختلف قول أبي عبد الله في المدخول بها أنها ترثه في العدة وبعدها ما لم تتزوج روى ذلك عن الحسن وهو قول البتي وحميد وابن أبي ليلى وبعض البصريين وأصحاب الحسن ومالك في أهل المدينة، وذكر عن ابي ابن كعب لما روى أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أباه طلق أمه وهو مريض فمات فورثته بعد انقضاء العدة ولأن سبب توريثها فراره من ميراثها وهذا المعنى لا يزول بانقضاء العدة، وفيه رواية أخرى أنها لا ترث بعد العدة وهذا قول عروة وأبي حنيفة وأصحابه وقول الشافعي القديم لأنها تباح لزوج آخر فلم ترثه كما لو كان في الصحة ولأن توريثها بعد العدة يفضي إلى توريث أكثر من أربع نسوة فلم يجز كما لو تزوجت، والمطلقة قبل الدخول في مرضه المخوف فيها روايتان كالتي انقضت عدتها إذا كانت كل واحدة منهما لا عدة لها (مسألة) (وإن تزوجت في عدتها لم ترثه سواء كانت في الزوجية أو بانت من الزوج الثاني(7/182)
هذا قول أكثر أهل العلم، وقال مالك في أهل المدينة ترثه لما ذكرنا للرواية الأولى في المسألة قبلها ولأنها شخص يرث مع انتفاء الزوجية فورث معها كسائر الوارثين ولنا أن هذه وارثة من زوج فلا ترث زوجا سواء كسائر الزوجات ولأن التوريث في حكم النكاح فلا يجوز اجتماعه مع نكاح آخر كالعدة ولأنها فعلت باختيارها ما ينافي نكاح الأول فأشبه ما لو كان فسخ النكاح من قبلها وهكذا لو ارتدت في عدتها ولم تسلم أو فعلت ما ينافي نكاح الأول
(فصل) اذا طلق امرأته ثلاثا قبل الدخول في المرض فقال أبو بكر فيها أربع روايات (إحداهن) لها الصداق كاملاً والميراث وعليها العدة اختارها أبو بكر وهو قول الحسن وعطاء وأبي عبيد لأن الميراث ثبت للمدخول بها لفراره منه وهذا فار، وإذا ثبت الميراث ثبت وجوب تكميل الصداق، قال شيخنا وينبغي أن تكون العدة عدة الوفاة لأنا جعلناها في حكم من توفي عنها وهي زوجة ولأن الطلاق لا يوجب عدة على غير المدخول بها (الثانية) لها الميراث والصداق ولا عدة عليها وهو قول عطاء لأن العدة حق عليها فلا تجب بفراره (والثالثة) لها الميراث ونصف الصداق وعليها العدة وهذا قول مالك في رواية أبي عبيد عنه لأن من ترث يجب أن تعتد ولا يكمل الصداق لقول الله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم فلا يجوز مخالفة ذلك (والرابعة) لا ترث ولا عدة عليها ولها نصف الصداق وهو قول جابر بن زيد والنخعي وأبي حنيفة والشافعي وأكثر أهل العلم قال أحمد قال جابر بن زيد لا ميراث لها ولا عدة عليها، وقال الحسن ترث قال أحمد أذهب إلى قول جابر لأن الله سبحانه نص على تنصيف الصداق ونفي العدة عن المطلقة قبل الدخول بقوله سبحانه(7/183)
(وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) ولا يجوز مخالفة نص الكتاب بالرأي والتحكم، وأما الميراث فإنها ليست بزوجته ولا معتدة من نكاح أشبهت المطلقة في الصحة فإن خلا بها وقال لم أطأها وصدقته فلها الميراث وعليها العدة للوفاة ويكمل لها الصداق لأن الخلوة تكفي في ثبوت هذه الأحكام وهذا قول أبي حنيفة (فصل) ولو طلق المدخول بها طلاقا رجعيا ثم مرض في عدتها ومات بعد انقضائها لم ترثه لأنه طلاق صحة فإن طلقها واحدة في صحته وأبانها في مرضه ثم مات بعد انقضاء عدتها فحكمها حكم ما لو ابتدأ طلاقها في مرضه لأنه فر من ميراثها وإن طلقها واحدة في صحته وأخرى في مرضه ولم يبنها حتى بانت بانقضاء عدتها لم ترث لأن طلاق المرض لم يقطع ميراثها ولم يؤثر في بينونتها (فصل) وإذا طلقها ثلاثاً في مرضه فارتدت ثم أسلمت ثم مات في عدتها ففيه وجهان (أحدهما) ترثه
وهو قول مالك لأنها مطلقة في المرض أشبه ما لو لم ترتد (والثاني) لا ترثه وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأنها فعلت ما ينافي النكاح أشبه ما لو تزوجت، ولو كان هو المرتد ثم اسلم ومات ورثته وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وقال الشافعي لا ترثه ولنا أنها مطلقة في المرض لم تفعل ما ينافي نكاحها مات زوجها في عدتها أشبه ما لو لم ترتد ولو ارتد أحد الزوجين بعد الدخول ثم عاد إلى الإسلام قبل انقضاء العدة ورثه الآخر لأن النكاح باق، وإن(7/184)
انقضت العدة قبل رجوعه انفسخ النكاح ولم يرث أحدهما الآخر، وإن قلنا أن الفرقة تتعجل عند اختلاف الدين لم يرث أحدهما الآخر ويتخرج أن يرثه الآخر إذا كان ذلك في مرض موته لأنه تحصل به البينونة أشبه الطلاق وهو قول مالك وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا ارتدت المرأة ثم ماتت في عدتها ورثها الزوج (فصل) فإن علق طلاقها على فعل نفسه وفعله في المرض ورثته لأنه أوقع الطلاق بها في المرض أشبه ما لو كان التعليق في المرض وإن قال في الصحة أنت طالق إن لم أضرب غلامي فلم يضربه حتى مات ورثته ولا يرثها إن ماتت وإن مات الغلام والزوج مريض طلقت وكان كتعليقه على مجئ زيد على ما ذكرنا وكذلك إن قال إن لم أوفك مهرك فأنت طالق فإن ادعى أنه وفاها مهرها فأنكرته صدق الزوج في ثوريثه منها لأن الأصل بقاء النكاح ولم يصدق في براءته منه لأن الأصل بقاؤه في ذمته ولو قال لهافي الصحة أنت طالق إن لم أتزوج عليك فكذلك نص عليه أحمد وهو قول الحسن ولو قذف المريض امرأته ثم لاعنها في مرضه فبانت منه ثم مات في مرضه ورثته وإن ماتت لم يرثها وإن قذفها في صحته ثم لاعنها في مرضه ثم مات فيه لم ترثه نص عليه أحمد وهو قول الشافعي واللؤلؤي وذكر القاضي رواية أخرى أنها ترث وهو قول أبي يوسف وإن آلى منها ثم صح ثم نكس في مرضه فبانت منه بالإيلاء لم ترثه (مسألة) (وإن أكره الابن امرأة أبيه في مرض أبيه على ما يفسخ نكاحها لم يقطع ميراثها(7/185)
إلا أن يكون له امرأة سواها إذا استكره الابن امرأة أبيه على ما يفسخ نكاحها من وطئ أو غيره في مرض أبيه فمات أبوه من مرضه ذلك ورثته ولم يرثها إن ماتت وهو قول أبي حنيفة وأصحابه فإن طاوعته على ذلك لم ترث لأنها مشاركة له فيما يفسخ نكاحها أشبه ما لو خالعته وسواء كان للميت بنون سوى هذا الابن أو لم يكن فإن انتفت التهمة عنه بأن لا يكون وارثا كالكافر والقاتل والرقيق أو كان ابنا من الرضاعة أو ابن ابن محجوب بابن الميت أو بأبوين وابنتين أو كان للميت امرأة أخرى تحوز ميراث الزوجات لم ترث لانتفاء التهمة ولو صار ابن الابن وارثا بعد ذلك لم ترث لانتفاء التهمة حال الوطئ ولو كان وارثا حين الوطئ فعاد محجوباً عن الميراث ورثت لوجود التهمة حين الوطئ ولو كان للمريض امرأتان فاستكره ابنه إحداهما لم ترث لانتفاء التهمة لكون ميراثها لا يرجع إليه وإن استكره الثانية بعدها ورثت الثانية لأنه متهم في حقها ولو استكرههما معادفعة واحدة ورثتا معاً وهذا كله قول أبي حنيفة وأصحابه وأما الشافعي فلا يرى فسخ النكاح بالوطئ الحرام وكذا الحكم فيما إذا وطئ المريض من ينفسخ نكاحه بوطئها كأم امرأته فإن امرأته تبين منه وترثه إذا مات في مرضه وسواء طاوعته الموطوءة أو لا لأن مطاوعتها ليس للمرأة فيه فعل يسقط به ميراثها فإن كان زائل العقل حين الوطئ لم ترث امرأته منه شيئاً لأنه ليس له قصد صحيح فلا يكون فاراً من ميراثها وكذلك لو وطئ بنت امرأته كرها لها وهو زائل العقل فإن كان صبياً عاقلا ورثت لأن له قصداً صحيحاً وقال أبو حنيفة هو كالمجنون لأن قوله لا عبرة به وللشافعي فيما إذا وطئ الصبي بنت امرأته وأمها قولان أحدهما لا ينفسخ به نكاح امرأته لأنه لا يحرم والثاني تبين امرأته فلا ترثه ولا يرثها وفي القبلة والمباشرة دون(7/186)
الفرج روايتان إحداهما تنشر الحرمة وهو قول أبي حنيفة وأصحابه لأنها مباشرة تحرم في غير النكاح والملك أشبهت الوط والثانية لا تنشره لأنه ليس بسبب للبعضية فلا ينشر الحرمة كالنظرة والخلوة وخرج أصحابنا في النظر إلى الفرج والخلوة لشهوة وجها أنه ينشر الحرمة والصحيح أنها لا تنشر (مسألة) (وإن فعلت المرأة في مرض موتها ما يفسخ نكاحها لم يسقط ميراث زوجها وذلك بأن ترضع امرأة زوجها الصغيرة أو زوجها الصغير أو ارتدت فإن زوجها يرثها ولا ترثه وبهذا قال أبو
حنيفة، وقال الشافعي لا يرثها ولنا أنها أحد الزوجين فرمن ميراث الآخر فأشبه الرجل (فصل) وإن أعتقت فاختارت نفسها أو كان الزوج عنينا فأجل سنة فلم يصبها حتى مرضت في آخر الحول فاختارت فرقته وفرق بينهما لم يتوارثا في قولهم أجمعين ذكره ابن اللبان في كتابه وذكر القاضي في المعتقة إذا اختارت نفسها في مرضها لم يرثها لأن فسخ النكاح في هذين الموضعين لدفع الضرر لا للفرارمن الميراث وإن قبلت ابن زوجها بالشهوة خرج فيه وجهان أحدهما ينفسخ نكاحها ويرثها إذا كانت مريضة وماتت في عدتها وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه والثاني لا ينفسخ النكاح به وهو قول الشافعي ولو أن رجلاً زوج ابنة أخيه صغيرة ثم بلغت ففسخت النكاح في مرضها لم يرثها الزوج بغير خلاف علمناه لأن النكاح من أصله فاسد في صحيح المذهب وهو قول الشافعي وروي عن أحمد ما يدل على صحته ولها الخيار وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه لأن الفسخ لإزالة الضرر لا من أجل الفرار كما لو فسخت المعتقة نكاحها (مسألة) (وإن خلف زوجات نكاح بعضهن فاسد أقرع بينهن فمن أصابتها القرعة فلا ميراث لها)(7/187)
قد ذكرنا أن النكاح الفاسد لا يثبت به التوارث بين الزوجين لأنه ليس بنكاح شرعي فإذا اشتبه من نكاحها فاسد بمن نكاحها صحيح فقد روي عن أحمد ما يدل على أنه يقرع بينهما في الميراث إذا مات عنهما ذكره أبو بكر فمن خرجت لها القرعة فلا ميراث لها وكذلك لو طلق واحدة من نسائه وأنسيها لأنه اشتبه المستحق بغيره فوجب المصير إلى القرعة كما لو اعتق في مرضه عبيداً فلم يخرج من الثلث إلا أحدهم يروي ذلك عن علي رضي الله عنه وقد ذكرنا ذلك فيما قبل هذا الباب والاختلاف فيه والتفريع عليه (مسألة) (إذا طلق أربع نسوة في مرضه فانقضت عدتهن ثم تزوج أربعا سواهن فالميراث للزوجات وعنه أنه بين الثمان) وجملة ذلك أن المريض إذا طلق امرأته ثم نكح أخرى ثم مات لم يخل من حالين أحدهما أن يموت في عدة المطلقة فترثاه جميعاً وهذا قول أبي حنيفة وأهل العراق وأحد قولي الشافعي والقول الآخر
لا ترث المبتوتة فيكون الميراث كله للثانية وقال مالك الميراث كله للمطلقة لأن نكاح المريض عنده غير صحيح وذكره بعض أصحابنا وجها في المذهب لأنها ترث منه ما كانت ترث قبل طلاقها وهو جميع الميراث فكذلك بعده وليس هذا صحيحاً فإنها إنما ترث ما كانت ترث لو لم يطلقها ولو تزوج عليها ولم يطلقها لم ترث إلا نصف ميراث الزوجات فكذلك إذا طلقها فعلى هذا لو تزوج ثلاثا في مرضه فليس للمطلقه الاربع ميراث لزوجات ولكل واحدة من الزوجات ربعه (الحال الثاني) أن يموت بعد انقضاء عدة المطلقة فيكون الميراث كله للزوجات في إحدى الروايتين وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأصحابه وفي الرواية الأخرى الميراث للأربع كما لو مات في عدة المطلقة(7/188)
وعند مالك الميراث كله للمطلقة فإن كان له أربع نسوة فطلق إحداهن ثلاثا في مرضه ثم نكح أخرى في عدة المطلقة أو طلق امرأة واحدة ونكح أختها في عدتها ومات في عدتها فالنكاح باطل والميراث بين المطلقة وباقي الزوجات الأوائل وهذا قول أبي حنيفة ومالك وقال الشافعي النكاح صحيح والميراث للجديدة مع باقي المنكوحات دون المطلقة ويجئ على قوله القديم وجهان (أحدهما) أن يكون الميراث بين المطلقة وباقي الزوجات كقول الجمهور ولا شئ للمنكوحة (والثاني) أن يكون بينهن على خمسة لكل واحدة خمسة فان مات بعد انقضاء عدة المطلقة ففي ميراثها روايتان أحديهما لا ميراث لها فيكون الميراث لباقي الزوجات وهو قول أبي حنيفة وأهل العراق والثانية ترث معهن ولا شئ للمنكوحة وعند الشافعي الميراث للمنكوحات ولا شئ للمطلقة فإن تزوج الخامسة بعد انقضاء عدة المطلقة صح نكاحها وهل ترث المطلقة؟ على روايتين (أحديهما) لا ترث وهو ظاهر كلام أحمد لأنه قال يلزم من قال يصح النكاح في العدة أن يرث ثمان نسوة وأن ترثه أختان فيكون مسلم يرثه ثمان أو اختان وتوريث المطلقات بعد العدة يلزم من هذا أو حرمان الزوجات المنصوص على ميراثهن فيكون منكراً له غير قائل به فعلى هذا يكون الميراث للزوجات دون المطلقة والرواية الثانية ترث المطلقة فيخرج فيه وجهان (أحدهما) يكون الميراث بين الخمس، و (الثاني) يكون للمطلقة والمنكوحات الأوائل دون الجديدة لأن المريض ممنوع من أن يحرمهن ميراثهن بالطلاق فكذلك يمنع من تنقيصهن منه.
قال شيخنا وكلا الوجهين بعيد، أما أحدهما فيرده نص الكتاب على توريث الزوجات فلا تجوز مخالفته بغير نص ولا إجماع ولا قياس على صورة مخصوصة من النص في معناه، وأما الآخر(7/189)
فلان الله لم يبح نكاح أكثر من أربع ولا الجمع بين الأختين فلا يجوز أن يجتمعن في ميراثه بالزوجية وعلى هذا لو طلق أربعاً في مرضه وانقضت عدتهن ونكح أربعاً سواهن ثم مات من مرضه فعلى القول الأول وهو المختار يرثه المنكوحات خاصة، وعلى الثاني يكون فيه وجهان.
(أحدهما) : أنه بين الثماني.
و (الثاني) .
أن الميراث كله للمطلقات، وهو قول مالك لأن نكاح المتجددات غير صحيح عنده، وإن صح من مرضه ثم تزوج أربعاً في صحته ثم مات فالميراث لهن في قول الجمهور ولا شئ للمطلقات إلا في قول مالك ومن وافقه وكذلك إن تزوجت المطلقات لم يرثن إلا في قول مالك ومن وافقه.
(فصل) ولو طلق أربعاً بعد دخوله بهن في مرضه وقال قد أخبرني بانقضاء عدتهن وكذبنه فله أن ينكح أربعاً سواهن إذا كان ذلك في مدة يمكن انقضاء العدة فيها ولا يقبل قوله عليهن في حرمان الميراث.
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف واللؤلؤي إذا كان بعد أربعة أشهر وقال زفر لا يجوز له التزويج أيضاً، والأول أصح لأن هذا الحكم فيما بينه وبين الله تعالى لا حق لهن فيه فقبل قوله فيه فعلى هذا إن تزوج أربعاً في عقد واحد ثم مات ورثه المطلقات دون المنكوحات إلا أن يمتن قبله فيكون الميراث للمنكوحات وإن أقررن بانقضاء عدتهن وقلنا لا ميراث لهن بعد انقضاء العدة فالميراث للمنكوحات أيضاً، وإن مات منهن ثلاث فالميراث للباقية، وإن ماتت منهن واحدة ومن المنكوحات واحدة أو اثنتان أو مات من المطلقات اثنتان ومن المنكوحات واحدة فالميراث لباقي المطلقات وإن مات من المطلقات واحدة ومن المنكوحات ثلاثة أو من المطلقات اثنتان ومن المنكوحات اثنتان أو(7/190)
من المطلقات ثلاث ومن المنكوحات واحدة فالميراث بين البواقي من المطلقات والنمكوحات معاً لأنه لو استأنف العقد على الباقيات من الجميع جاز وكان صحيحاً فإن تزوج المنكوحات في أربع عقود
فمات من المطلقات واحدة ورث مكانها الأولى من المنكوحات وإن مات اثنتان ورثت الأولى والثانية وإن مات ثلاث ورثت الأولى والثانية والثالثة من المنكوحات مع من بقي من المطلقات وهذا على قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف واللؤلؤي فأما زفر فلا يرى صحة نكاح المنكوحات حتى يصدقه المطلقات، وأما الشافعي فيباح عنده التزويج في عدة المطلقات فعلى قوله إذا طلق أربعا ونكح أربعاً في عقد أو عقود ثم مات من مرضه فالميراث للمنكوحات وعلى قوله القديم يخرج فيه وجهان: (أحدهما) أن الميراث بين الثمان.
وعلى الثاني هو للمطلقات خاصة، وإن مات بعض المطلقات أو انقضت عدتهن فللمنكوحات ميراث الميتات وإن ماتت واحدة فللزوجات ربع ميراث النساء وإن مات اثنتان فللزوجات نصف الميراث، وإن مات ثلاث فلهن ثلاثة أرباعه إن كان نكاحهن في عقد واحد وإن كان في عقود متفرقة فإذا ماتت من المطلقات واحدة فميراثها للأولى من المنكوحات، وميراث الثانية للثانية وميراث الثالثة للثالثة (فصل) إذا قال الرجل لنسائه إحداكن طالق يعني واحدة بعينها طلقت وحدها ويرجع إلى تعيينه ويؤخذ بنفقهن كلهن إلى أن يعين، وإن كان الطلاق بائناً منع منهن إلى أن يعين فإن قال أردت هذه طلقت وحدها وإن قال لم أرد هؤلاء الثلاث طلقت الرابعة فان عاد فقال أخطأت إنما أردت هذه طلقت الأخرى، وإن متن، أو إحداهن، قبل أن يبين رجع إلى قوله فمن أقر بطلاقها حرمناه(7/191)
ميراثها وأحلفناه لورثة من لم يعينها، وهذا قول الشافعي وإن لم يعين بذلك واحدة بعينها أو مات قبل التعيين أخرجت بالقرعة وكذلك إن طلق واحدة من نسائه بعينها وأنسيها فماتت أخرجت بالقرعة فمن تقع عليها القرعة فلا ميراث لها.
روى ذلك عن علي رضي الله عنه وهو قول أبي ثور، وروي عطاء عن ابن عباس أن رجلاً سأله فقال إن لي ثلاث نسوة وإني طلقت إحداهن فبتت طلاقها فقال ابن عباس أن كنت نويت واحدة بعينها ثم أنسيتها فقد اشتركن في الطلاق وإن لم تكن واحدة بعينها طلق أيتهن شئت.
وقال الشافعي وأهل العراق يرجع إلى تعيينه في المسائل كلها فإن وطئ إحداهن كان تعييناً لها
بالنكاح في قول أهل العراق وبعض أصحاب الشافعي، وقول الشافعي لا يكون تعييناً فإن مات قبل أن تتبين فالميراث بينهن كلهن في قول أهل العراق، وقال مالك يطلقن كلهن ولا ميراث لهن، وقال الشافعي يوقف ميراثهن وإن كان الطلاق قبل الدخول دفع إلى كل واحدة نصف مهر ووقف الباقي من مهورهن، وقال داود يبطل حكم طلاقهن لموضع الجهالة ولكل واحدة مهر كامل والميراث بينهن وإن متن قبله طلقت الأخيرة في قول أهل العراق وقال الشافعي يرجع إلى تعيينه على ما ذكرنا.
ولنا قول عمر رضي الله عنه ولا يعارضه قول ابن عباس لأن ابن عباس يعتر ف لعلي بتقديم قوله فإنه قال إذا ثبت لنا عن علي قول لم نعده إلى غيره وقال ما علمي إلى علم علي إلا كالقرارة إلى المتعنخر ولأنه إزالة ملك عن الآدمي فتستعمل فيه القرعة عند الاشتباه كالعتق وقد ثبت هذا في العتق بخبر عمر ان بن حصين ولأن الحقوق تساوت على وجه تعذر تعيين المستحق فيه من غير قرعة فينبغي أن تستعمل(7/192)
فيه القرعة كالسفر والقسمة بين النساء، فأما قسم الميراث بين الجميع ففيه دفع إلى إحداهن مالا تستحقه وتنقيص بعضهن حقاً يقينا والوقف الى غير غاية تضييع لحقوقهن وحرمان الجميع منع الحق عن صاحبه يقيناً.
(فصل) ولو كان له امرأتان فطلق إحداهما ثم ماتت إحداهما ثم مات اقرع بينهما فمن وقعت عليها قرعة الطلاق لم يرثها إن كانت الميتة ولم ترثه إن كانت الأخرى، وفي قول أهل العراق يرث الأولى ولا ترثه الاخرى، وللشافعي قولان أحدهما يرجع إلى تعيين الوارث فإن قال طلق الميتة لم يرثها، وورثته الحية وإن قال طلق الحية حلف على ذلك وأخذ ميراث الميتة ولم تورث الحية، والقول الثاني يوقف من مال الميتة ميراث الزوج ومن مال الزوج ميراث الحية، وإن كان له امرأتان قد دخل بإحداهما دون الأخرى فطلق إحداهما لا بعينها فمن خرجت لها القرعة فلها حكم الطلاق وللأخرى حكم الزوجية.
وقال أهل العراق للمدخول بها ثلاثة أرباع الميراث إن مات في عدتها وللأخرى ربعه لأن للمدخول بها نصفه بيقين والنصف الآخر يتداعيانه فيكون بينهما وفي قول الشافعي النصف للمدخول بها والباقي موقوف.
وإن كانتا مدخولا بهما فقال في مرضه أردت هذه ثم مات في عدتها لم يقبل قوله لأن الاقرار بالطلاق في المرض كالطلاق فيه، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال زفر يقبل قوله والميراث للاخرى، وهو قياس قول الشافعي، ولو كان للمريض امرأة أخرى سوى هاتين فلها نصف الميراث وللاثنتين نصفه، وعند الشافعي يوقف نصفه.(7/193)
(فصل) ولو كان له أربع نسوة فطلق إحداهن غير معينة ثم نكح خامسة بعد انقضاء عدتها ثم مات ولم يبين فللخامسة ربع الميراث والمهر ويقرع بين الأربع، وقال أهل العراق لهن ثلاثة أرباع الميراث بينهن، وإن كن غير مدخول بهن فلهن ثلاثة مهور ونصف، وفي قول الشافعي يوقف ثلاثة أرباع الميراث ومهر ونصف بين الأربع فإن جاءت واحدة تطلب ميراثها لم تعط شيئاً، وإن طلبه اثنتان دفع إليهما ربع الميراث وإن طلبه ثلاث دفع إليهن نصفه وإن طلبه الأربع دفع إليهن، ولو قال بعد نكاح الخامسة إحداكن طالق فعلى قولهم للخامسة ربع الميراث لأنها شريكة ثلاث وباقيه بين الأربع كالأولى وللخامسة سبعة أثمان مهر لأن الطلاق نقصها وثلثا معها نصف مهر ويبقى للأربع ثلاثة مهور وثمن بينهن في قول أهل العراق، فإن تزوج بعد ذلك سادسة فلها ربع الميراث ومهر كامل وللخامسة ربع ما بقي وسبعة أثمان مهر وللأربع ربع ما بقي وثلاثة مهور وثمن ويكون الربع مقسوما على أربعة وستين، فإن قال بعد ذلك إحداكن طالق لم يختلف الميراث ولكن تختلف المهور فللسادسة سبعة أثمان مهر وللخامسة خمسة وعشرون جزءاً من اثنين وثلاثين جزءاً من مهر ويبقى للأربع مهران وسبعة وعشرون جزءاً من مهر وعند الشافعي يوقف ربع الميراث بين الست وربع آخر بين الخمس وباقيه بين الأربع ويوقف نصف مهر بين الست ونصف بين الخمس ونصف بين الأربع ويدفع إلى كل واحدة نصيب (فصل) في الاشتراك في الطهر إذا وطئ رجلان امرأة في طهر واحد وطأ يلحق النسب من مثله فأتت بولد يمكن أن يكون منهما كأن يطأ الشريكان جاريتهما المشتركة أو يطأ الانسان جاريته ثم(7/194)
يبيعها قبل أن يستبرئها فيطؤها المشتري قبل استبرائها، أو يطؤها رجلان بشبهة، أو يطلق رجل امرأته
فيتزوجها رجل في عدتها ويطؤها، أو يطأ إنسان جارية آخر أو امرأته بشبهة في الطهر الذي وطئها سيدها أو زوجها فيه ثم تأتي بولد يمكن أن يكون منهما فإنه يرى القافة معهما وهذا قول عطاء ومالك والليث والاوزاعي والشافعي، فإن ألحقته بأحدهما لحق به وإن نفته عن أحدهما لحق الآخر، وسواء ادعياه أو لم يدعياه أو ادعاه أحدهما وأنكره الآخر، وإن ألحقته القافة بهما لحق بهما وكان ابنهما وهذا قول الأوزاعي والثوري وأبي ثور ورواه بعض أصحاب مالك عنه وعن مالك لا يرى ولد الحرة للقافة بل يكون لصاحب الفراش الصحيح دون الواطئ بشبهة، وقال الشافعي لا يلحق بأكثر من واحد وإن ألحقته القافة بأكثر من واحد كان بمنزلة ما لم يوجد قافة، ومتى لم يوجد قافة أو أشكل عليها أو اختلف القائفان في نسبه فقال أبو بكر يضيع نسبه ولا حكم لاختياره ويبقى على الجهالة أبداً وهو قول مالك وقال ابن حامد يترك حتى يبلغ فينتسب إلى أحدهما وهو قول الشافعي في الجديد وقال في القديم يترك حتى يميز وذلك لسبع او ثمان فينتسب إلى أحدهما ونفقته عليهما إلى أن ينتسب إلى أحدهما فيرجع الآخر عليه بما أنفق، وإذا ادعى اللقيط اثنان أري القافة معهما وإن مات الولد المدعى في هذه المواضع قبل أن يرى القافة وله ولد أري ولده القافة مع المدعين ولو مات الرجلان أري القافة مع عصبتهما، فإن ادعاه أكثر من اثنين فألحقته القافة بهم لحق ونص أحمد على أنه يلحق بثلاثة ومقتضى هذا أنه يلحق بهم وإن كثروا وقال القاضي لا يلحق بأكثر من ثلاثة وهو قول محمد بن الحسن وروي عن أبي ثور وأبي يوسف وقال ابن حامد لا يلحق بأكثر من اثنين وروي أيضاً عن أبي يوسف(7/195)
وقال أبو حنيفة وأصحابه وشريك ويحيى بن آدم لا حكم للقافة بل إذا سبق أحدهما بالدعوى فهو ابنه فإن ادعياه معاً فهو ابنهما وكذلك إن كثر الواطئون وادعوه معا فإنه يكون لهم جميعاً وروي أيضاً عن علي رضي الله عنه أنه قضى في ذلك بالقرعة مع اليمين وبه قال ابن أبي ليلى واسحاق وعن أحمد نحوه إذا عدمت القافة وقد ذكرنا أكثر هذه المسائل مشروحة مدلولا عليها في باب اللقيط والغرض ههنا ذكر ميراث المدعي والتوريث منه وبيان مسائله (مسألة) (إذا ألحق باثنين فمات وترك أما حرة فلها الثلث والباقي لهما وإن كان لكل
واحد منهما ابن سواه أو لأحدهما ابنان فلأمه السدس وإن مات أحد الأبوين وله ابن آخر فماله بينهما نصفين فإن مات الغلام بعد ذلك فلأمه السدس والباقي للباقي من أبويه ولا شئ لاخوته لأنهما محجوبان بالأب الباقي، فإن مات الغلام وترك ابنا فللباقي من الأبوين السدس والباقي لابنه وإن مات قبل أبويه وترك ابناً فلهما جميعاً السدس والباقي لابنه، فإن كان لكل واحد منهما أبوان ثم ماتا ثم مات الغلام وله جدة أم أم وابن فلأم أمه نصف السدس ولأمي المدعيين نصفه كأنهما جدة واحدة وللجدين السدس والباقي للابن فإن لم يكن ابن فللجدين الثلث لأنهما بمنزلة جد واحد والباقي للأخوين وعند أبي حنيفة الباقي كله للجدين لأن الجد يسقط الاخوة، وإن كان المدعيان أخوين والمدعى جارية فماتا وخلفا أباها فلها من مال كل واحد نصفه والباقي للأب فإن مات الأب بعد ذلك فلها النصف لأنها بنت ابن وحكى الخبري عن أحمد وزفر وابن أبي زائدة أن لها الثلثين لأنها بنت ابنته فلها ميراث بنتي ابن، وإن كان المدعي ابنا فمات أبواه ولأحدهما بنت ثم مات أبوهما فميراثه بين الغلام(7/196)
والبنت على ثلاثة وعلى القول الآخر على خمسة لأن الغلام يضرب بنصيب ابني ابن، فإن كان لكل واحد منهما بنت فللغلام من مال كل واحد منهما ثلثاه وله من مال جده نصفه وعلى القول الآخر له ثلثاه ولهما سدساه، وإن كان المدعيان رجلا وعمة والمدعى جارية فماتا وخلفا أبويهما ثم مات أبو الأصغر فلها النصف والباقي لأبي العم لأنه أبوه، وإذا مات أبو العم فلها النصف من ماله أيضاً وعلى القول الآخر لها الثلثان لأنها بنت ابن وبنت ابن ابن، وإن كان المدعي رجلا وابنة فمات الابن فلها نصف ماله وإذا مات الأب فلها النصف أيضاً وعلى القول الآخر لها الثلثان، وقال أبو حنيفة إذا تداعى الأب وابنه قدم الأب ولم يكن للابن شئ وإن مات الأب أولا فماله بين أبيه وبينهما على ثلاثة وتأخذ نصف مال الأصغر لكونها بنته والباقي لكونها أخته وفي كل ذلك إذا لم يثبت نسب المدعى وقف نصيبه ودفع إلى كل وارث اليقين ووقف الباقي حتى يثبت نسبه أو يصطلحوا.
(فصل) وإذا كان المدعون ثلاثة فمات أحدهم وترك ابنا والفا ثم مات الثاني وترك ابنا وألفين ثم مات الثالث وترك ابنا وعشرين ألفا ثم مات الغلام وترك أربعة آلاف وأماً حرة وقد ألحقته القافة
بهم فقد ترك خمسة عشر ألفاً وخمسمائة فلأمه سدسها والباقي بين إخوته الثلاثة أثلاثاً، وإن كان موتهم قبل ثبوت نسبه دفع إلى الأم ثلث تركته وهو ألف وخمسمائة لأن أدنى الأحوال أن يكون ابن صاحب الألف فيرث منه خمسمائة وقد كان وقف له من مال كل واحد من المدعيين نصف ماله فيرد إلى ابن صاحب الألف وابن صاحب الألفين ما وقف من مال أبويهما لأنه إن لم يكن أخا لهما فذلك لهما من مال أبويهما وإن كان أخا أحدهما فهو يستحق ذلك وأكثر منه بإرثه منه ويرد على ابن الثالث تسعة(7/197)
آلاف وثلث ألف ويبقى ثلثا ألف موقوفة بينه وبين الأم لأنه يحتمل أن يكون أخا فيكون قد مات عن أربعة عشر ألفاً لأمه ثلثها ويبقى من مال الابن ألفان وخمسمائة موقوفة يدعيها ابن صاحب الألف كلها ويدعي منها ابن صاحب الألفين ألفين وثلثا فيكون ذلك موقوفا بينهما وبين الأم وسدس الألف بين الأم وابن صاحب الألف، فإن ادعى أخوان ابنا ولهما أب فمات أحدهما وخلف بنتا ثم مات الآخر قبل ثبوت نسب المدعى وقف من مال الأول خمسة أتساعه منها تسعان بين الغلام والبنت وثلاثة أتساع بينه وبين الأب ويوقف من مال الثاني خمسة أسداس بينه وبين الأب، فإن مات الأب بعدهما وخلف بنتا فلها نصف ماله ونصف ما ورثه عن ابنته والباقي بين الغلام وبنت الابن لأنه ابن ابنه بيقين ويدفع إلى كل واحد منهم من الموقوف اليقين فنقدره مرة ابن صاحب البنت ومرة ابن الآخر وينظر ماله من كل واحد منهم في الحلين فيعطيه أقلهما، فللغلام في حال كل الموقوف من مال الثاني وخمس الموقوف من مال الأول وفي حال كل الموقوف من مال الأول وثلث الموقوف من مال الثاني فله أقلهما، ولبنت الميت الأول في حال النصف من مال أبيها وفي حال السدس من مال عمها.
ولبنت الأب في حال نصف الموقوف من مال الثاني وفي حال ثلاثة أعشار من مال الأول فيدفع إليها أقلهما ويبقى باقي التركة موقوفا بينهم حتى يصطلحوا عليه، ومن الناس من يقسمه بينهم على حسب الدعاوى.
فإن اختلفت أجناس التركة ولم يصر بعضها قصاصاً عن بعض قومت وعمل في قيمتها ما بينا في الدراهم ان تراضوا بذلك أو يبيع الحاكم عليهم ليصير الحق كله من جنس واحد لما فيه من الصلاح لهم ويوقف الفضل المشكوك فيه على الصلح(7/198)
(فصل) ولو ادعى اثنان غلاما فألحقته القافة بهما، ثم مات أحدهما وترك ألفاً وعماً وبنتاً ثم مات الآخر وترك ألفين وابن ابن ثم مات الغلام وترك ثلاثة آلاف وأما كان للبنت من تركة أبيها ثلثها وللغلام ثلثاها وتركة الثاني كلها له لأنه ابنه فهو أحق من ابن الابن، ثم مات الغلام عن خمسة آلاف وثلثي ألف فلأمه ثلث ذلك ولأخته نصفه وباقيه لابن الابن لأنه ابن أخيه ولا شئ للعم، وإن لم يثبت نسبه فلابنه الأول ثلث الألف ويوقف ثلثاها وجميع تركة الثاني، فإذا مات الغلام فلأمه من تركته ألف وتسعا ألف لأن أقل أحواله أن يكون ابن الأول فيكون قد مات عن ثلاثة آلاف وثلثي ألف ويرد الموقوف من مال أبي البنت على البنت والعم فيصطلحان عليه لأنه لهما إما عن صاحبهما أو الغلام ويرد الموقوف من مال الثاني إلى ابن ابنه لأنه له إما عن جده وإما عن عمه وتعطى الأم من تركة الغلام ألفاً وتسعي ألف لأنها أقل مالها ويبقى ألف وسبعة أتساع ألف تدعي منها الأم أربعة أتساع ألف تمام ثلث خمسة آلاف ويدعي منها ابن الابن ألفاً وثلثا تمام ثلثي خمسة آلاف وتدعي البنت والعم جميع الباقي فيكون ذلك موقوفا بينهم حتى يصطلحوا، ولو كان المولود في يدي امرأتين وادعتاه معاً أري القافة معهما فإن ألحقته بإحداهما لحق بها وورثها وورثته في إحدى الروايات وإن ألحقته بهما أو نفته عنهما لم يلحق بواحدة منهما وإن قامت لكل واحدة منهما بينة تعارضتا ولم نسمع بينتيهما وبه قال أبو يوسف واللؤلؤي وقال أبوحينفة يثبت نسبه منهما ويرثاه ميراث أم واحدة كما يلحق برجلين ولنا أن إحدى البينتين كاذبة يقينا فلم تسمع كما لو علمت ومن ضرورة ردها ردهما لعدم العلم بعينها ولأن هذا محال فلم يثبت بينة ولا غيرها كما لو كان الولد أكبر منهما، ولو أن امرأة معها صبي ادعاه رجلان(7/199)
كل واحد يزعم أنه ابنه منها وهي زوجته فكذبتهما لم يلحقهما وإن صدقت أحدهما لحقه كما لو كان بالغاً فادعياه فصدق أحدهما، ولو أن صبياً مع امرأة فقال زوجها هو ابني من غيرك فقالت بل هو ابني منك لحقهما جميعاً وقد ذكرنا لحاق النسب في هذه المسائل والاختلاف فيه وإنما ذكرناه ههنا لأجل الميراث لأنه مبني عليه والله سبحانه وتعالى أعلم
(باب الاقرار بمشارك في الميراث) إذا أقر الورثة كلهم بوارث فصدقهم أو كان صغيراً أو مجنوناً ثبت نسبه وإرثه سواء كان الورثة جماعة أو واحداً ذكرا أو انثى وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف وحكاه عن أبي حنيفة لأن الوارث يقوم مقام الميت في ميراثه وديونه والديون التي عليه وبيناته ودعاويه والأيمان التي له وعليه كذلك في النسب وقد روت عائشة أن سعد بن أبي وقاص اختصم هو وعبد بن زمعة في ابن أمة زمعة فقال سعد أصاني أخي عتبة إذا قدمت مكة أن أنظر إلى ابن زمعة واقبضه فإنه ابنه فقال عبد بن زمعة أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش وللعاهر الحجر " فقضى به لعبد بن زمعة وقال " احتجي منه يا سودة " والمشهور عن أبي حنيفة أنه لا يثبت إلا بإقرار رجلين أو رجل وامرأتين وقال مالك لا يثبت إلا بإقرار اثنين لأنه يحمل النسب على غيره فاعتبر فيه العدد كالشهادة، والمشهور عن أبي يوسف أنه لا يثبت النسب إلا بإثنين ذكرين كانا أو أنثيين عدلين أو غير عدلين.
ولنا أنه حق يثبت بالاقرار فلم يعتبر فيه العدد كالدين ولأنه قول لا تعتبر فيه العدالة فلا يعتبر فيه العدد كإقرار الموروث واعتباره بالشهادة لا يصح لأنه لا يعتبر فيه اللفظ ولا العدالة ويبطل بالاقرار بالدين(7/200)
(فصل) في شروط الاقرار بالنسب لا يخلو إما أن يقر على نفسه خاصة أو عليه، على غيره فإن أقر على نفسه مثل أن يقر بولد اعتبر في ثبوت نسبه أربعة شروط (أحدها) أن يكون المقر به مجهول النسب فإن كان معروف النسب لم يصح لأنه يقطع نسبه الثابت من غيره، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من انتسب إلى غير أبيه (والثاني) أن لا ينازعه فيه منازع لأنه إذا نازعه فيه غيره تعارضا فلم يكن إلحاقه بأحدهما أولى من الآخر (الثالث) أن يمكن صدقه بأن يكون المقر به يحتمل أن يولد لمثله (الرابع) أن يكون ممن لا قول له كالصغير والمجنون أو يصدق المقر إن كان ذا قول وهو المكلف فإن كان غير مكلف لم يعتبر تصديقه فإن كبر وعقل فأنكر لم يسمع إنكاره لأن نسبه ثبت وجرى مجرى من ادعى ملك عبد صغير في يدهه وثبت بذلك ملكه فلما كبر جحد ذلك، ولو طلب إحلافه على ذلك لم يستحلف لأن الأب لو
عاد فجحد النسب لم يقبل منه، وإن اعترف إنسان بأن هذا أبوه فهو كاعترافه بأنه ابنه.
فأما إن كان اقرار عليه وعلى غيره كإقراره بأخ اعتبر مع الشروط الأربعة شرط خامس وهو كون المقر جميع الورثة، فإن كان المقر زوجاً أو زوجة ولا وارث معهما لم يثبت النسب بإقرارهما لأن المقر لا يرث المال كله فإن اعترف به الإمام معه ثبت النسب لأنه قائم مقام المسلمين في مشاركة الوارث وإن كان الوارث أما أو بنتاً أو أختاً أو ذا فرض يرث جميع المال بالفرض والرد ثبت النسب بقوله كالابن لأنه يرث المال كله وعند الشافعي لا يثبت بقوله نسب لأنه لا يرى الرد ويجعل الباقي لبيت المال، ولهم فيما إذا وافق الإمام في الاقرار وجهان وهذا من فروع الرد وقد ذكرناه، فإن كانت بنت وأخت أو أخت وزوج ثبت النسب بقولهما لأنهما يأخذان المال كله وإذا أقر بابن ابنه وابنه ميت اعتبرت فيه الشروط التي(7/201)
تعتبر في الاقرار بالأخ وكذلك إن أقر بعم وهو ابن جده فعلى ما ذكرناه (فصل) وان كان أحد الولدين غير وارث لكونه رقيقاً أو مخالفاً لدين موروثه أو قاتلاً فلا عبرة به ويثبت النسب بقول الآخر وحده لأنه يجوز جميع الميراث ثم إن كان المقر به ير ث شارك المقر في الميراث وإن لم يكن وارثاً لوجود مانع فيه ثبت نسبه ولم يرث وسواء كان المقر مسلماً أو كافراً (مسألة) (وسواء كان المقر به يحجب المقر أو لا يحجبه كأخ يقر بابن للميت أو ابن ابن يقر بابن للميت أو أخ من أب يقر بأخ من أبوين فإنه يثبت نسبه بذلك ويرث ويسقط المقر) هذا اختيار ابن حامد والقاضي وابن شريح وقال أكثر أصحاب الشافعي يثبت نسب المقر به ولا يرث لأن توريثه يفضي الى اسقاط توريثه فسقطلانه لو ورث لخرج المقر عن كونه وارثاً فيبطل إقراره ويسقط نسب المقر به وتوريثه فيؤدي توريثه إلى إسقاط توريثه فأثبتنا النسب دون الميراث ولنا أنه ابن ثابت النسب لم يوجد في حقه مانع من الإرث فيدخل في عموم قوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) أو فيرث كما لو ثبت نسبه ببينة ولأن ثبوت النسب سبب للميراث فلا يجوز قطع حكمه عنه ولا توريث محجوب به مع وجوده وسلامته من الموانع، وما احتجوا به لا يصح لأنا انما نعتبر كون المقر وارثاً على تقدير عدم المقر به وخروجه عن الميراث
بالاقرار لا يمنع صحته بدليل أن الابن إذا أقر بأخ فإنه يرث مع كونه يخرج باقرار عن أن يكون جميع الورثة.
فإن قيل إنما يقبل إقراره إذا صدقه المقر به فصار إقراراً من جميع الورثة وإن كان المقر به طفلاً أو مجنوناً لم يعتبر قوله فقد أقر كل من يعتبر قوله، قلنا ومثله ههنا(7/202)
فإنه إن كان المقر به كبيراً فلابد من تصديقه فقد أقر به كل من يعتبر إقراره وان كان صغيرا غير معتبر القول لم يثبت النسب بقول الآخر كما لو كان اثنين أحدهما صغبر فأقر البالغ بأخ آخر لم يقبل ولم يقولوا به ولا يعتبر موافقته كذا ههنا، ولأنه لو كان في يد إنسان عبد محكوم له بملكه فأقر به لغيره ثبت للمقر له، وإن كان المقر يخرج بالاقرار عن كونه مالكا كذا ههنا (مسألة) (وإن أقر بعضهم لم يثبت نسبه إلا أن يشهد منهم عدلان أنه ولد على فراشه أو أن الميت أقر به) وجملته أنه إذا أقر أحد الوارثين بوارث مشارك لهم في الميراث لم يثبت النسب بالاجماع لأن النسب لا يتبعض فلا يمكن إثباته في حق المقر دون المنكر ولا إثباته في حقهما لأن أحدهما منكر فلا يقبل إقرار غيره عليه ولم توجد شهادة يثبت بها النسب، ولو كان المقر عدلان لأنه إقرار من بعض الورثة، وقال أبو حنيفة يثبت إذا كانا عدلين لأنهما بينة فهو كما لو شهدا به ولنا أنه إقرار من بعض الورثة فلم يثبت به النسب كالواحد، وفارق الشهادة لأنه يعتبر فيها العدالة والذكورية والاقرار يخلافه.
فأما إن شهد به عدلان أو شهدا أنه ولد على فراشه أو أن الميت أقر به ثبت النسب وشاركهم في الإرث لأنهما لو شهدا على غير موروثهما قبل فكذلك إذا شهدا عليه (مسألة) (وعلى المقر أن يدفع إليه فضل ما في يده عن ميراثه) إذا أقر بعض الورثة ولم يثبت نسبه لزم المقر أن يدفع إليه فضل ما في يده كمن خلف ولدين فأقر أحدهما بأخ فله ثلث ما في يده وإن أقر بأخت دفع إليها خمس ما في يده عن ميراثه هذا قول مالك(7/203)
والاوزاعي والثوري وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وشريك ويحيى بن آدم ووكيع واسحاق وأبي
عبيد وأبي ثور وأهل البصرة، وقال النخعي وحماد وأبو حنيفة وأصحابه يقاسمه ما في يده لأنه يقول أنا وأنت سواء في ميراث أبينا وكأن ما أخذه المنكر تلف أو غصب فيستوي فيما بقي وقال الشافعي وداود لا يلزمه في الظاهر دفع شئ إليه، وهل يلزمه فيما بينه وبين الله تعالى؟ على قولين أصحهما لا يلزمه لأنه لا يرث من لا يثبت نسبه وإذا قلنا يلزمه ففي قدره وجهان ولنا على الشافعي أنه أقر بحق لمدعيه يمكن صدقه فيه ويد المقر عليه وهو متمكن من دفعه إليه فلزمه ذلك كما لو أقر له بمعين ولأنه إذا علم أن هذا أخوه وله ثلث التركة وتيقن استحقاقه لها وفي يده بعضه وصاحبه يطلبه لزمه دفعه إليه وحرم عليه منعه مه كما في سائر المواضع، وعدم ثبوت نسبه في الظاهر لا يمنع وجوب دفعه إليه كما لو غصبه شيئاً ولم يقم بينة بغصبه ولنا على أبي حنيفة أنه أقر له بالفاضل عن ميراثه فلم يلزمه أكثر مما أقر به كما لو أقر له بشئ معين ولأنه حق تعلق بمحل مشترك بإقرار أحد الشريكين فلم يلزمه أكثر من قسطه كما لو أقر أحد الشريكين بجناية على العبد ولأن التركة بينهم أثلاثاً فلا يستحق مما في يده إلا الثلث كما لو ثبت نسبه ببينة، ولأنه إقرار يتعلق بحصته وحصة أخيه فلا يلزمه أكثر مما يخصه كالإقرار بالوصية وكإقرار أحد الشريكين على مال الشركة بدين ولأنه لو شهد معه أجنبي بالنسب ثبت ولو لزمه أكثر من حصته لم تقبل شهادته لأنه يجربها نفعاً إلى نفسه لكونه يسقط بعض ما يستحق عليه.
فعلى هذا إذا خلف اثنين فأقر أحدهما بأخ فللمقر له ثلث ما في يد المقر وهو سدس المال لأنه يقول نحن ثلاثة لكل واحد منا(7/204)
الثلث وفي يدي النصف ففضل في يدي لك السدس فيدفعه إليه وهو ثلث ما في يده وفي قول أبي حنيفة يدفع إليه نصف ما في يده وهو الربع، وإن أقر بأخت دفع إليها خمس ما في يده لأنه يقول نحن أخوان وأخت فلك الخمس من جميع المال وهو خمس ما في يدي وخمس ما في يد أخي فيدفع إليها خمس ما في يده وفي قولهم يدفع إليها ثلث ما في يده، وفارق ما إذا غصب بعض التركة وهما اثنان لأن كل واحد منهما يستحق النصف من كل جزء من التركة وههنا يستحق الثلث فافترقا (فصل) إذا خلف ابناً واحداً فأقر بأخ من أبيه دفع إليه نصف ما في يده في قول الجميع فإن أقر
بعده بآخر فاتفقا عليه دفعا إليه ثلث ما في أيدهما في قولهم جميعاً، فإن أنكر المقر به ثانياً المقر به أولا لم يثبت نسبه قال القاضي هذا مثل للعامة ادخلني أخرجك، وليس له أن يأخذ أكثر من ثلث ما في أيديهما لأنه لم يقر بأكثر منه.
وقال الشافعي يلزم المقر أن يغرم له نصف التركة لأنه أتلفه عليه بإقراره الأول.
قال شيخنا ويحتمل أن لا يبطل نسب الأول لأنه ثبت بقول من هو كل الورثة حال الاقرار وإن لم يصدق المقر به الأول بالثاني لم يثبت نسبه ويدفع إليه المقر ثلث ما بقي في يده لأنه الفضل الذي في يده، ويحتمل أن يلزمه ثلث جميع المال لأنه فوته عليه بدفع النصف إلى الأول وهو يقر أنه لا يستحق إلا الثلث، وسواء دفعه إليه بحكم حاكم أو بغير حكمه لأن إقراره علة حكم الحال وسواء علم بالحال عند إقراره بالأول أو لم يعلم لأن العمد والخطأ واحد في ضمان ما يتلف، وحكي نحو هذا من شريك ويحتمل أنه إن علم بالثاني حين أقر بالأول وعلم أنه إذا أقر به بعد الأول لا يقبل ضمن لأنه فوت حق غيره بتفريطه وإن لم يعلم لم يضمن لأنه لا يجب عليه الإقرار بالأول إذا علمه ولا يحوجه إلى(7/205)
حاكم ومن فعل الواجب فقد أحسن وليس بخائن فلا يضمن وقيل هذا قياس قول الشافعي، وقال أبو حنيفة إن كان الدفع بحكم حاكم دفع إلى الثاني نصف ما بقي في يده لأن حكم الحاكم كالأخذ منه كرها وإن دفعه بغير حاكم دفع إلى الثاني ثلث جميع المال لأنه دفع إلى الأول ما ليس له تبرعا ولنا على الأول أنه أقر بما يجب عليه الإقرار به فلم يضمن ما تلف به كما لو قطع الإمام يد السارق فسرى إلى نفسه وإن أقر بعدهما بثالث فصدقاه ثبت نسبه وأخذ ربع ما في يد كل واحد منهم إذا كان مع كل واحد ثلث المال وإن كذباه لم يثبت نسبه وأخذ ربع ما في يد المقر به وفي ضمانه له ما زاد التفصيل في التي قبلها وعلى مثل قولنا قال ابن أبي ليلى وأهل المدينة وبعض أهل البصرة (مسألة) (فإن لم يكن في يد المقر فضل فلا شئ للمقر به) لأنه لم يقر له بشئ فإذا خلف أخا من أب وأخا من أم فأقرا بأخ من أبوين ثبت نسبه لأن كل الورثة أقروا به وبأخذ جميع ما في يد الأخ من الأب لانه يسقطه في الميراث، وإن أقر به الأخ من الأب وحده أخذ ما في يده لما ذكرنا ولم يثبت نسبه لأن الذي أقر به لا يرث المال كله، وإن أقر به الأخ من الأم
وحده فلا شئ له لأنه ليس في يده فضل يقر له به وكذا إن أقر بأخ آخر من أمه لذلك فأما إن أقر بأخوين من أم فإنه يدفع إليهما ثلث ما في يده لأن في يده السدس فبإقراره اعترف أنه لا يستحق من الميراث إلا التسع فيبقى في يده نصف التسع وهو ثلث ما في يده، وقال أبو حنيفة في ثلاثة إخوة مفترقين إذا أقر الأخ من الأم بأخ من أم فله نصف ما في يده وإن أقر بأخ من أبوين فللمقر به خمسة أسباع ما في يده وعلى قولنا لا يأخذ منه شيئاً لأنه لا فضل في يده(7/206)
(مسألة) (وطريق العمل فيها أن تضرب مسألة الاقرار في مسألة الإنكار وتدفع إلى المقر سهمه من مسألة الإقرار مضروباً في مسألة الإنكار) وللمنكر سهمه من مسألة الإنكار مضروب في مسألة الإقرار وما فضل فهو للمقر به فلو خلف ابنين فأقر أحدهما بأخوين فصدقه أخوه في أحدهما ثبت نسب المتفق عليه فصاروا ثلاثة ثم تضرب مسألة الاقرار في مسألة الإنكار تكن اثني عشر للمنكر سهم من الإنكار في الإقرار أربعة وللمقر سهم من الإقرار في الإنكار ثلاثة وللمتفق عليه إن صدق المقر مثل سهمه وإن أنكر مثل سهم المنكر وما فضل للمختلف فيه وهو سهمان في حال التصديق وسهم في حال الإنكار، وقال أبو الخطاب لا يأخذ المتفق عليه من المنكر في حال التصديق الأربع ما في يده وصححها من ثمانية للمنكر ثلاثة وللمختلف فيه سهم ولكل واحد من الأخوين سهمان.
إذا خلف ابنين فأقر الأكبر بأخوين فصدقه الأصغر في أحدهما ثبت نسب المتفق عليه فصاروا ثلاثة، فمسألة الإنكار إذاً من ثلاثة ومسألة الإقرار من أربعة فتضرب إحداهما في الأخرى تكن اثني عشر للأصغر سهم من مسألة الإنكار في مسألة الإقرار أربعة وللأكبر سهم من مسألة الإقرار في مسألة الإنكار ثلاثة وللمتفق عليه إن أقر بصاحبه مثل سهم الأكبر، وإن أنكر مثل سهم الأصغر، وذكر أبو الخطاب إن المتفق عليه إن صدق بصحابة لم يأخذ من المنكر الأربع ما في يده لأنه لا يدعي أكثر منه ويأخذ هو والمختلف فيه من الأكبر نصف ما في يده فتصح من ثمانية للمنكر ثلاثة أثمان وللمقر سهمان وللمتفق عليه سهمان وللآخر سهم وذكر ابن اللبان أن هذا قياس قول مالك والشافعي، وفي هذا نظر لأن المنكر يقر أنه لا يستحق إلآ الثلث وقد حضر(7/207)
من يدعي الزيادة فوجب دفعها إليه ونظير هذا ما لو ادعى إنسان داراً في يد رجل فأقر بها لغيره فقال المقر له إنما هي لهذا المدعي فإنها تدفع إليه وقد رد الخبري على ابن اللبان هذا القول وقال على هذا يبقى مع المنكر ثلاثة أثمان وهو لا يدعي إلآ الثلث وقد حضر من يدعي هذه الزيادة ولا منازع له فيها فيجب دفعها إليه، قال والصحيح أن يضم المتفق عليه السدس الذي يأخذه من المقر به فيضمه إلى النصف الذي هو بيد المقر بهما فيقتسمانه أثلاثاً فتصح من تسعة، للمنكر ثلاثة، ولكل واحد من الأخوين سهمان، وهذا قول أبي يوسف إذا تصادقا.
قال شيخنا ولا يستقيم هذا على قول من لا يلزم المقر أكثر من الفضل عن ميراثه لأن المقر بهما والمتفق عليه لا ينقص ميراثه عن الربع ولم يحصل له على هذا القول إلا التسعان وقيل يدفع الأكبر إليهما نصف ما في يده ويأخذ المتفق عليه من الأصغر ثلث ما في يده فيحصل للأصغر الثلث وللأكبر الربع، وللمتفق عليه السدس والثمن، وللمختلف فيه الثمن، وتصح من أربعة وعشرين: للأصغر ثمانية، وللمتفق عليه سبعة، وللاكبر ستة، وللمختلف فيه ثلاثة وفيها أقوال كثيرة سوى هذه والأول أصح إن شاء الله تعالى.
(مسألة) (وإن خلف ابنا فأقر بأخوين بكلام متصل فتصادقا ثبت نسبهما فإن تجاحدا فكذلك في أقوى الوجهين لأن نسبهما ثبت بإقرار من هو كل الورثة قبلهما وفي الآخر لا يثبت لأن الاقرار بكل واحد منهما لم يصدر من كل الورثة ويدفع إلى كل واحد منهما ثلث ما في يده، فإن صدق(7/208)
صدق أحدهما بصاحبه وجحده الآخر ثبت نسب المتفق عليه وفي الآخر وجهان ويدفع إلى كل واحد منهما ثلث ما في يده، وإن كانا توأمين ثبت نسبهما ولم يلتفت إلى إنكار المنكر منهما سواء تجاحدا معاً أو جحد أحدهما صاحبه لأنا نعلم كذبهما فإنهما لا يفترقان، ومتى أقر الوارث بأحدهما ثبت نسب الآخر وإن أقر بنسب صغيرين دفعة واحدة ثبت نسبهما على الوجه الذي يثبت به نسب
الكبيرين المتجاحدين، وهل يثبت على الوجه الآخر؟ فيه احتمالان (أحدهما) يثبت لأنه أقر به كل الورثة حين الاقرار ولم يجحده أحد فهو كالمنفرد (والثاني) لا يثبت لأن أحدهما وارث ولم يقر بالآخر فلم يتفق كل الورثة على الإقرار به فلم تعتبر موافقة الآخر كما لو كان صغيرين.
(مسألة) (فإن أقر بأحدهما بعد الآخر أعطى الأول نصف ما في يده) بغير خلاف وثبت نسبه لأنه أقر به كل الورثة ويقف ثبوت نسب الباقي على تصديقه لأنه صار من الورثة، ويعطى الثاني ثلث ما بقي في يده لأنه الفضل فإنه يقول نحن ثلاثة (مسألة) (وإن أقر بعض الورثة بامرأة للميت لزمه من إرثها بقدر حصته) يعني يلزمه ما يفضل في يده لها عن حقه كما ذكرنا في الاقرار.
(مسائل) من هذا الباب إذا خلف ثلاثة بنين فأقر أحدهم بأخ وأخت فصدقه أحد أخويه في الأخ والآخر في الأخت لم يثبت نسبهما ويدفع المقر بالأخ إليه ربع ما في يده ويدفع المقر بهما(7/209)
إليهما ثلث ما في يده ويدفع المقر بالأخت إليها سبع ما في يده، فأصل المسألة ثلاثة أسهم، سهم المقر يقسم بينهما وبينه على تسعة، له ستة ولهما ثلاثة، وسهم المقر بالاخ بينهما على أربعة له ثلاثة ولاخيه سهم، وسهم المقر بالاخت بينه وبينها على سبعة، له ستة ولها سهم وكلها متباينة فاضرب أربعة في سبعة في تسعة ثم في أصل المسألة تكن سبعمائة وستة وخمسون، للمقر بهما ستة في أربعة في سبعة مائة وثمانية وستون، وللمقر بالأخت ستة في أربعة في تسعة مائتان وستة عشر، وللمقر بالأخ ثلاثة في سبعة في تسعة مائة تسعة وثمانون، وللأخ المقر به سهمان في أربعة في سبعة ستة وخمسون وسهم في سبعة في تسعة ثلاثة وستون فيجتمع له مائة وتسعة عشر، وللأخت سهم في أربعة في سبعة ثمانية وعشرون، وسهم في أربعة في تسعة ستة وثلاثون، يجتمع لها أربعة وستون، ولا فرق بين تصادقهما وتجاحدهما لأنه لا فضل في يد أحدهما على ميراثه، ولو كان في هذه المسألة ابن رابع لم يصدقه في واحد منهما كان أصل المسألة من أربعة أسهم: سهم على احد عشر وسهم على تسعة وسهم على خمسة وسهم ينفرد به الجاحد فتصح المسألة من ألف وتسعمائة وثمانين سهماً وطريق العمل فيها كالتي قبلها.
(فصل) إذا خلف بنتاً وأختاً فأقرتا بصغيرة فقالت البنت هي أخت وقالت الأخت هي بنت فلها ثلث ما في يد الأخت لا غير.
وهذا قول ابن أبي ليلى ولمحمد بن الحسن واللؤلؤي ويحيى بن آدم تخبيط كثير يطول ذكره وإن خلف امرأة وبنتاً وأختاً فأقررن بصغيرة فقالت المرأة هي امرأة وقالت البنت هي بنت وقالت الأخت هي أخت فقال الخبري تعطى ثلث المال لأنه أكثر ما يمكن أن يكون لها ويؤخذ من المقرات(7/210)
على حسب إقرارهن وقد أقرت لها البنت بأربعة أسهم من أربعة وعشرين وأقرت لها الأخت بأربعة ونصف، وأقرت لها المرأة بسهم ونصف وذلك عشرة أسهم لها منها ثمانية وهي أربعة أخماسها فخذ لها من كل واحدة أربعة أخماس ما أقرت لها به واضرب المسألة في خمسة تكن مائة وعشرين ومنها تصح، فإذا بلغت الصغيرة فصدقت إحداهن أخذت منها تمام ما أقرت لها به وردت على الباقيتين ما أخذته مما لا تستحقه، وهذا قول أبي حنيفة.
وقال ابن ليلى يؤخذ لها من كل واحدة ما أقرت لها به فإذا بلغت فصدقت احداهن أمكست ما أخذ لها منها وردت على الباقيتين الفضل الذي لا تستحقه عليها، وهذا القول أصوب إن شاء الله لأن فيه احتياطاً على حقها.
ثلاثة اخوة لأب ادعت امرأة أنها أخت الميت لأبيه وأمه فصدقها الأكبر وقال الأوسط هي أخت لأم وقال الأصغر هي أخت لأب فإن الاكبر يدفع إليهما نصف ما في يده ويدفع إليها الأوسط سدس ما في يده ويدفع إليها الأصغر سبع ما في يده وتصح من مائة وستة وعشرين لان أصل مسئلتهم ثلاثة، فمسألة الأكبر من اثنين ومسألة الثاني من ستة والثالث من سبعة والاثنان تدخل في الستة فتضرب ستة في سبعة تكن اثنين وأربعين فهذا ما في يد كل واحد منهم فتأخذ من الأكبر نصفه أحداً وعشرين ومن الأوسط سدسه سبعة ومن الأصغر سبعه ستة صار لها أربعة وثلاثون وهذا قياس قول ابن أبي ليلى، وفي قول أبي حنيفة تأخذ سبع ما في يد الأصغر فيضم إلى نصف ما بيد أحدهما وتضيفه إلى ما بيد الآخر وتقاسم الأوسط على ثلاثة عشر له عشرة ولها ثلاثة فتضم الثلاثة إلى ما بيد(7/211)
الأكبر وتقاسمه على ما بيده على أربعة لها ثلاثة وله سهم فاجعل ما في يد الأصغر أربعة عشر ليكون لسبعه نصف صحيح واضربها في ثلاثة عشر تكن مائة واثنين وثمانين فهذا ما بيد كل واحد منهم تأخذ من الأصغر سبعه وهو ستة وعشرون تضم إلى ما بيد كل واحد من اخوته ثلاثة عشر فيصير معه مائة وخمسة وتسعون وتأخذ من الأوسط منها ثلاثة من ثلاثة عشر وهي خمسة تضمها إلى ما بيده الاكبر يصر معه مائتان وأربعون فتأخذ ثلاثة أرباعها وهي مائة وثمانون ويبقى له ستون ويبقى للأوسط مائة وخمسون وللأصغر مائة وستة وخمسون وترجع بالاختصار إلى سدسها وهو أحد وتسعون (فصل) إذا خلف ابناً فأقر بأخ ثم جحده لم يقبل جحده ولزمه أن يدفع إليه نصف ما بيده، فإن أقر بعد جحده بآخر احتمل أن لا يلزمه له شئ لأنه لا فضل في يده عن ميراثه وهذا قول ابن أبي ليلى وإن كان لم يدفع الى الأول شيئاً لزمه أن يدفع إليه نصف ما بيده ولا يلزمه للآخر شئ لما ذكرنا ويحتمل أن يلزمه دفع النصف الباقي كله إلى الثاني لأنه فوته عليه وهو قول زفر وبعض البصريين ويحتمل أن يلزمه ثلث ما في يده للثاني لأنه الفضل الذي في يده على تقدير كونهم ثلاثة فيصير كما لو أقر بالثاني من غير جحد الأول، وهذا احد الوجود لأصحاب الشافعي، وقال أهل العراق إن كان دفع إلى الأول بقضاء دفع إلى الثاني نصف ما بقي في يده وإن كان دفعه بغير قضاء دفع إلى الثاني ثلث جميع المال، وإن خلف ابنين فأقر أحدهما بأخ ثم جحده ثم أقر بآخر لم يلزمه للثاني شئ لانه لافضل في يده وعلى الاحتمال الثاني يدفع إليه نصف ما بقي في يده وعلى الاحتمال الثالث يلزمه دفع ما بقي في يده ولا يثبت نسب واحد منهما في هذه الصورة ويثبت نسب المقر به الأول في المسألة الأولى دون الثاني(7/212)
(فصل) إذا مات رجل وخلف ابنين فمات أحدهما وترك بنتا فأقر الباقي باخ له من أبيه ففي يده ثلاثة أرباع المال وهو يزعم أن له ربعاً وسدساً فيفضل في يده ثلث يرده على المقر به فإن أقرت به البنت وحدها ففي يدها الربع وهي تزعم أن لها السدس يفضل في يدها نصف السدس تدفعه إلى المقر له وهذا قول ابن أبي ليلى، وقال أبو حنيفة إن أقر الأخ دفع إليه نصف ما في يده وإن أقرت البنت دفعت إليه خمسة أسباع ما في يدها لانها تزعم أن له ربعاً وسدساً وذلك خمسة من اثني عشر ولها السدس وهو سهمان
فيصير الجميع سبعة لها منها سهمان وله خمسة.
بنتان وعم ماتت إحداهما وخلفت ابنا وبنتا فأقرت البنت بخالة ففريضة الانكار من تسعة وفريضة الإقرار من سبعة وعشرين لها منها سهمان وفي يدها ثلاثة فيدفع إليها سهما، وإن أقر بها الابن دفع إليها سهمين، وإن أقرت بها البنت الباقية دفعت إليها التسع وإن أقر بها العم لم يدفع اليها شيئاً، وإن أقر الابن بخال له فمسألة الاقرار من اثني عشر له منها سهمان وهما السدس يفضل في يده نصف تسع، وإن أقرت به أخته دفعت إليه ربع تسع، وإن أقرت به البنت الباقية فلها الربع وفي يدها الثلث فتدفع إليه نصف السدس، وإن أقر به العم دفع إليه جميع ما في يده.
ابنان مات أحدهما عن بنت ثم أقر الباقي منهما بأم لأبيه ففريضة الإنكار من أربعة للمقر منها ثلاثة أرباعها وفريضة الإقرار من اثنين وسبعين للمقر منهما أربعون يفضل في يده أربعة عشر سهما يدفعها إلى المرأة التي اقر بها وترجع بالاختصار إلى ستة وثلاثين للمقر منها عشرون وللبنت تسعة وللمقر لها سبعة، وإن أقرت بها البنت فلها من فريضة الإقرار خمسة عشر سهماً وفي يدها الربع وهو ثمانية عشر يفضل في يدها ثلاثة تدفعها إلى المقر لها، وإن أقر الابن بزوجة لأبيه وهي أم الميت الثاني فمسألة الاقرار من ستة وتسعين لها منها(7/213)
ستة وخمسون وفي يده ثلاثة أرباع ففضل معه ستة عشر سهما يدفعها إلى المقر لها ويكون له ستة وخمسون ولها ستة عشر وللبنت أربعة وعشرون وترجع بالاختار إلى اثني عشر لأن سهامهم كلها تتفق بالاثمان فيكون للمقر سبعة وللمقر لها سهمان وللبنت ثلاثة، وما جاء من هذا الباب فهذا طريقه.
أبوان وابنتان اقتسموا التركة ثم أقروا ببنت للميت فقالت قد استوفيت نصيبي من تركة أبي فالفريضة في الاقرار من ثمانية عشر للأبوين ستة ولكل بنت أربعة فأسقط منها نصيب البنت المقر بها يبقى أربعة عشر للأبوين منها ستة وإنما أخذا ثلث الأربعة عشر وذلك أربعة أسهم وثلثا سهم فيبقى لهما في يد البنتين سهم وثلث يأخذانها منهما فاضرب ثلاثة في أربعة عشر تكن اثنين وأربعين فقد أخذ الأبوان أربعة عشر وهما يستحقان ثمانية عشر يبقى لهما أربعة، يأخذانها منهما ويبقى للابنتين أربعة وعشرون، وإن قالت قد استوفيت نصف نصيبي فاسقط سهمين من ثمانية عشر يبقى ستة عشر قد أخذا ثلثها خمسة وثلثا وبقي لهما ثلثا سهم فإذا ضربتها في ثلاثة كانت ثمانية وأربعين قد أخذا منها ستة عشر يبقى لهما سهمان
(مسألة) (إذا قال مات أبي وأنت أخي فقال هو أبي ولست بأخي لم يقبل إنكاره لأنه نسب الميت إليه بأنه أبوه وأقر بمشاركة المقر له في ميراثه بطريق الاخوة فلما أنكر اخوته لم يثبت إقراره به وبقيت دعواه أنه أبوه دونه غير مقبولة كما لو ادعى ذلك قبل الاقرار.
فأما إن قال مات أبوك وأنا أخوك فقال لست بأخي فالمال للمقر له وذلك لأنه بدأ بالاقرار بأن هذا الميت أبوه فثبت ذلك له ثم ادعى مشاركته بعد ثبوت الأبوة للأول فإذا أنكر الأول اخوته لم تقبل دعوى هذا المقر (مسألة) (فإن قال ماتت زوجتي وأنت أخوها فقال لست بزوجها فهل يقبل إنكاره؟ على وجهين)(7/214)
وهذه المسألة تشبه الأولى من حيث أنه نسب الميتة إليه بالزوجية في ابتداء إقراره كما نسب الأبوة إليه في قوله مات ابي وتفارقها في أن الزوجية من شرطها الاشهاد، ويستحب الإعلان بها وإشهارها فلا تكاد تخفى ويمكن إقامة البينة عليها بخلاف النسب فإنه إنما يشهد عليه بالاستفاضة غالباً (فصل) إذا أقر من اعيلت له المسألة بمن يزيل العول كزوج وأختين أقرت إحداهما بأخ لها فاضرب مسألة الاقرار وهي ثمانية في مسألة الإنكار وهي سبعة تكن ستة وخمسين للمنكرة من مسألة الإنكار سهمان في مسألة الإقرار ستة عشر وللمقرة سهم من مسألة الإقرار في مسألة الإنكار سبعة يبقى في يدها تسعة، فإن أنكر الزوج دفعتها إلى أخيها المقر به وتعطي الزوج ثلاثة من مسألة الإنكار في مسألة الإقرار أربعة وعشرون، فإن أقر الزوج به فهو يدعي تمام النصف أربعة والأخ يدعي أربعة عشر تكن ثمانية عشر والسهام المقر بها تسعة فإذا قسمتها على الثمانية عشر فللزوج منها سهمان وللأخ سبعة فان اقرت الاختات به وأنكر الزوج دفع إلى كل أخت سبعة وإلى الأخ أربعة عشر يبقى أربعة يقران بها للزوج وهو ينكرها، ففي ذلك ثلاثة أوجه (أحدها) أن تقر في يد من هي في يده لأن إقراره بطل لعدم تصديق المقر له (والثاني) يصطلح عليها الزوج والأختان له نصفها ولهما نصفها لأنها لا تخرج عنهم ولا شئ فيها للأخ لأنه لا يحتمل أن يكون له فيها شئ بحال (الثالث) يؤخذ الى بيت المال لأنه مال لم يثبت له مالك، ومذهب أبي حنيفة في الصورة الأولى إن أنكر الزوج أخذت المقرة سهميها من سبعة فقسمتها بين أخيها وبنتها على ثلاثة فتضرب ثلاثة في سبعة تكن إحدى وعشرين لهما منها ستة لها سهمان ولأخيها أربعة
وإن أقر الزوج ضم سهامه إلى سهمها تكن خمسة واقتسماها بينهم على سبعة للزوج أربعة وللأخ سهمان(7/215)
وللأخت سهم واضرب سبعة في سبعة تكن تسعة وأربعين ومنها تصح للمنكرة سهمان في سبعة أربعة عشر وللزوج أربعة في خمسة وللأخ سهمان في خمسة وللمقرة سهم في خمسة (مسألة) (فإن كان معهم أختان من أم فمسألة الإنكار من تسعة ومسألة الإقرار من أربعة وعشرين وهما يتفقان بالإثلاث إذا ضربت وفق إحداهما في الأخرى تكن اثنين وسبعين للزوج من مسألة الإنكار ثلاثة في وفق مسألة الإقرار أربعة وعشرون وللأختين من الأم سهمان في ثمانية ستة عشر وللمنكرة كذلك وللمقرة سهم من مسألة الإقرار في وفق مسألة الإنكار ثلاثة يبقى في يدها ثلاثة عشر للأخ منها ستة ضعف سهمها يبقى سبعة أسهم لا يدعيها أحد ففيها الأوجه الثلاثة التي ذكرناها) (أحدها) تقر في يد المقرة (والثاني) تؤخذ الى بيت المال (والثالث) يقسم بين الزوج والمقرة والأختين من الأم على حسب ما يحتمل أنه لهم لأن هذا المال لا يخرج عنهم فإن المقرة إن كانت صادقة فهو للزوج والأختين من الأم وإن كذبت فهو لها وإن كان لهم لا يخرج عنهم قسم بينهم على قدر الاحتمال كما قسمنا الميراث بين الخنثى ومن معه على ذلك.
فعلى هذا يكون للمقرة النصف وللزوج والأختين النصف بينهم على خمسة لأن هذا في حال للمقرة وفي حال لهما فقسم بينهم نصفين ثم جعل نصف الزوج والأختين بينهم على خمسة لأن له النصف ولهما الثلث وذلك خمسة من ستة فتقسم السبعة الأسهم بينهم على عشرة للمقرة خمسة وللزوج ثلاثة وللأختين سهمان، فإذا أردت تصحيح المسألة فاضرب المسألة وهي اثنان وسبعون في عشرة، ثم كل من له شئ من اثنين وسبعين مضروب في عشرة(7/216)
ومن له شئ من عشرة مضروب في سبعة وإن صدقها الزوج فهو يدعي اثني عشر تمام النصف والأخ يدعي ستة تكن ثمانية عشر والثلاثة عشر لا تنقسم عليها ولا توافقها فاضرب المسألة في ثمانية عشر تكن ألفاً ومائتين وستة وتسعين ثم كل من له شئ من اثنين وسبعين مضروب في ثمانية عشر ومن له
شئ من ثمانية عشر مضروب في ثلاثة عشر فللزوج أربعة وعشرون في ثمانية عشر أربعمائة واثنان وثلاثون وللأختين من الام مائتان ثمانية وثمانون وللمنكر كذلك وللمقرة ثلاثة في ثمانية عشر أربعة وخمسون وللأخ ستة في ثلاثة عشر ثمانية وسبعون وللزوج اثنا عشر في ثلاثة عشر مائة وستة وخمسون وترجع بالاختصار إلى مائتين وستة عشر لأن السهام كلها تتفق بالأسداس وعلى هذا تعمل ما ورد عليك من هذه المسائل إذا فهمتها إن شاء الله تعالى (فصل) امرأة وعم ووصى لرجل بثلث ماله فأقرت المرأة والعم أنه أخو الميت فصدقهما ثبت نسبه وأخذ ميراثه وإن أقرت المرأة وحدها فلم يصدقها المقر به لم يؤثر إقرارها شيئاً وإن صدقها الأخ وحده فللمرأة الربع بكماله إلا أن تجيز الوصية وللعم النصف ويبقى الربع يدفع إلى الوصي وإن صدقها العم ولم يصدقها الوصي فله الثلث وللمرأة الربع والباقي يقر به العم لمن لا يدعيه ففيه الأوجه الثلاثة التي ذكرناها وإن أقربه العم وحده فصدقه الموصى له أخذ ميراثه وهو ثلاثة أرباع وللمرأة السدس ويبقى نصف السدس فيحتمل أن يكون لها لأن الموصى له يعترف ببطلان الوصية أو وقوفها على إجازة(7/217)
المرأة ولم تجزها ويحتمل الأوجه الثلاثة وإن لم يصدقه أخذ الثلث بالوصية وأخذت المرأة السدس بالميراث ويبقى النصف في الأوجه الثلاثة والله سبحانه وتعالى أعلم باب ميراث القاتل (كل قتل مضمون بقصاص أو دية أو كفارة يمنع القاتل ميراث المقتول سواء كان القتل عمداً أو خطأ بمباشرة أو سبب صغيراً كان القاتل أو كبيراً أو مجنوناً) لا يرث قاتل العمد وقد أجمع عليه أهل العلم إلا ما حكي عن سعيد بن المسيب وابن جبير أنهما ورثاه وهو رأي الخوارج لأن آية الميراث تتناوله بعمومها فيجب العمل بها ولا تعويل على هذا القول لشذوذه وقيام الدليل على خلافه فإن عمر رضي الله عنه أعطى دية ابن قتادة المذحجي لأخيه دون أبيه وكان حذفه بسيف فقتله واشتهرت هذه القصة بين الصحابة فلم تنكر فكانت إجماعاً وقال عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ليس لقاتل شئ " رواه مالك في موطئه والإمام أحمد بسنده وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي
صلى الله عليه وسلم نحوه رواه ابن اللبان بإسناده ورواهما ابن عبد البر في كتابه وروى ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قتل قتيلاً فانه لا يرثه وإن لم يكن له وارث غيره وإن كان والده أو ولده فليس لقاتل ميراث " رواه الإمام أحمد بإسناده ولأن توريث القاتل يفضي إلى تكثير القتل لأن الوارث ربما استعجل موت موروثه ليأخذ ماله كما فعل الإسرائيلي الذي قتل عمه فانزل الله تعالى فيه قصة البقرة ويقال ما ورث قاتل بعد عاميل وهو اسم القتيل فأما القتل خطأ فذهب كثير من أهل العلم إلى أن القاتل لا يرث أيضاً نص(7/218)
عليه أحمد يروي ذلك عن عمر وعلي وزيد وابن مسعود وابن عباس وروي نحوه عن أبي بكر رضي الله عنهم وبه قال شريح وعروة وطاوس وجابر بن زيد والنخعي والثوري والشعبي وشريك والحسن ابن صالح ووكيع ويحيى بن آدم والشافعي وأصحاب الرأي وذهب قوم إلى أنه يرث من المال دون الدية روى ذلك عن سعيد بن المسيب وعمرو بن شعيب وعطاء والحسن ومجاهد والزهري ومكحول والاوزاعي وابن أبي ذئب وأبي ثور وابن المنذر وداود وروي نحوه عن علي لان ميراثه ثابت بالكتاب والسنة تخصص قاتل العمد بالإجماع فوجب البقاء على الظاهر فيما سواه ولنا الأحاديث المذكورة ولأن من لا يرث من الدية لا يرث من غيرها كقاتل العمد والمخالف في الدين، والعمومات مخصصة بما ذكرناه فعلى هذا القتل المانع من الميراث هو القتل بغير حق كالعمد وشبه العمد والخطأ وما أجري مجراه كالقتل بالسبب وقتل الصبي والمجنون والنائم وكل قتل مضمون بقصاص أو دية أو كفارة.
(مسألة) (فأما ما لا يضمن بشئ من هذا القتل قصاصاً أو حداً أو دفعاً عن نفسه وقتل العادل الباغي والباغي العادل فلا يمنع وعنه لا يرث العادل الباغي ولا الباغي العادل فيخرج منه أن كل قاتل لا يرث) وجملة ذلك أن القتل المانع من الإرث ما كان مضموناً على ما ذكرنا فأما ما ليس بمضمون فلا يمنع الميراث كالقتل قصاصاً وحدا ودفعاً عن نفسه وقتل العادل الباغي أو من قصد مصلحة موليه بماله فعله من سقي دواء أو بط خراج فمات أو من أمره إنسان عاقل كبير ببط خراجه أو قطع سلعة منه فمات بذلك ورثه في ظاهر المذهب قال أحمد إذا قتل الباغي العادل في الحرب يرثه وعن أحمد أن العادل(7/219)
إذا قتله الباغي في الحرب لا يرثه ونقل محمد بن الحكم عن أحمد في أربعة شهود شهدوا على أختهم بالزنا فرجمت فرجموا مع الناس يرثونها هم غير قتله وعن أحمد رواية أخرى تدل على أن القتل يمنع الميراث بكل حال فإنه قال في رواية ابنيه صالح وعبد الله لا يرث الباغي العادل ولا العادل الباغي وهذا يدل على أن القتل يمنع الميراث بكل حال وهو ظاهر مذهب الشافعي أخذاً بظاهر الحديث ولأنه قاتل فأشبه الصبي والمجنون وقال أبو حنيفة وصاحباه كل قتل لا يأثم فيه لا يمنع الميراث كقتل الصبي والمجنون والنائم والساقط على إنسان من غير اختيار منه وسائق الدابة وقائدها وراكبها إذا قتلت بيدها أو فيها فإنه يرثه لأنه قتل غير متهم فيه ولا إثم فيه أشبه القتل في الحد ولنا على أبي حنيفة وأصحابه عموم الأخبار خصصنا منها القتل الذي لا يضمن ففي ما عداه تبقى على مقتضاها ولأنه قتل مضمون فيمنع الميراث كالخطأ ولنا على الشافعي أنه فعل مأذون فيه فلم يمنع الميراث كما لو أطعمه أو سقاه باختياره فافصى إلى تلفه ولأنه حرم الميراث في محل الوفاق كيلا يفضي إلى اتحاد القتل المحرم وزجراً عن إعدام النفس المعصومة وفي مسئلتنا حرمان الميراث يمنع إقامة الحدود الواجبة واستيفاء الحقوق المشروعة ولا يفضي إلى إيجاد قتل محرم فهو ضد ما ثبت في الأصل ولا يصح القياس على قتل الصبي والمجنون لأنه قتل محرم وتفويت نفس معصومة والتوريث يفضي إليه بخلاف مسئلتنا إذا ثبت هذا فالمشارك في القتل في الميراث كالمنفرد لأنه يلزمه من الضمان بحسبه فلو شهد على موروثه مع جماعة ظلما فقتل لم يرثه وان شهد بحق ورثه لأنه غير مضمون(7/220)
(فصل) أربعة أخوة قتل أكبرهم الثاني ثم قتل الثالث الأصغر سقط القصاص عن الأكبر لأن ميراث الثاني صار للثالث والأصغر نصفين فلما قتل الثالث الأصغر لم يرثه وورثه الأكبر فرجع إليه نصف دم نفسه وميراث الأصغر جميعه فسقط عنه القصاص لميراثه بعض دم نفسه وله القصاص على الثالث ويرثه في ظاهر المذهب فإن اقتص منه ورثه وورث إخوته الثلاثة ولو أن اثنين قتل أحدهما أحد أبويهما وهما زوجان ثم قتل الآخر أبا الآخر
سقط القصاص عن الأول ووجب على القاتل الثاني لأن الأول لما قتل أباه ورث ماله ودمه أخوه وأمه فلما قتل الثاني أمه ورثها قاتل الأب فصار له من دم نفسه ثمنه فسقط القصاص عنه لذلك وله القصاص على الآخر فإن قتله ورثه في ظاهر المذهب وإن جرح أحدهما اباه والآخر أمه وما نافي حال واحدة ولا وارث لهما سواهما فلكل واحد منهما مال الذي لم يقتله ولكل واحد منهما القصاص على صاحبه ولذلك لو قتل كل واحد منهما أحد الأبوين ولم يكونا زوجين فلكل واحد منهما القصاص على أخيه إلا أنه لا يمكن أحدهما الاستيفاء إلا بإبطال حق الآخر فيسقطان وإن عفي أحدهما عن الآخر فللآخر قتل العافي ويرثه في الظاهر إن بادر أحدهما فقتل أخاه سقط القصاص عنه وورثه في الظاهر ويحتمل أن لا يرثه ويجب القصاص عليه لأن القصاصين لما تساويا وتعذر الجمع بين استيفائهما سقط فلم يبق لهما حكم فيكون المستوفي منهما متعديا باستيفائه فلا يرث أخاه ويجب القصاص عليه بقتله وإن أشكل كيفية موت الأبوين وادعى كل واحد منهما أن قتيله أولهما موتا خرج في توريثهما ما ذكرنا في الغرقى من توريث كل واحد من الميتين من الآخر ثم يرث كل واحد منهما بعض دم نفسه فيسقط القصاص عنهما ومن لا يرى ذلك(7/221)
فالجواب فيها كالتي قبلها ويحتمل أن يسقط القصاص بكل حال للشبهة والله أعلم ويكون لكل واحد منهما دية الآخر وماله باب ميراث المعتق بعضه لا يرث العبد ولا يورث سواء كان قنا أو مدبراً أو مكاتباً أو أم ولد.
قال شيخنا لا أعلم خلافاً في أن العبد لا يرث إلا ما روي عن ابن مسعود في رجل مات وترك أبا مملوكاً يشتري من ماله ويعتق ويرث وقاله الحسن وحكي عن طاوس أن العبد يرث ويكون ما ورثه لسيده ككسبه وكما لو وصى له ولأنه تصح الوصية له فيرث كالحمل ولنا أن فيه نقصا منع كونه موروثا فمنع كونه وارثا كالمرتد ويفارق الوصية فإنها تصح لمولاه ولا ميراث له وقياسهم ينتقض بمختلفي الدين، وقول ابن مسعود لا يصح لأن الأب رقيق حين موت ابنه فلم يرثه كسائر الأقارب وذلك لأن الميراث صار لأهله بالموت فلم ينتقل عنهم إلى غيرهم وأجمعوا على
ان المملوك لا يورث لأنه لا مال له فإنه لا يملك، ومن قال إنه يملك بالتمليك فملكه ناقص غير مستقر يزول إلى سيده بزوال ملكه عن رقبته بدليل قوله عليه الصلاة والسلام " من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع " ولأن السيد أحق بمنافعه واكتسابه في حياته فكذلك بعد مماته وممن روي عنه أن العبد لا يرث ولا يورث ولا يحجب علي وزيد والثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي، والأسير الذي عند الكفار يرث إذا علمت حياته في قول عامة الفقهاء إلا سعيد بن المسيب فإنه قال لا يرث لأنه عبد ولا يصح لأن الكفار لا يملكون الأحرار بالقهر وهو باق على حريته فيرث كالمطلق(7/222)
(فصل) والمدبر وأم الولد كلفن لأنه رقيق بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم باع مدبراً، وأم الولد مملوكة يجوز لسيدها وطؤها بحكم الملك وإجارتها وحكمها حكم الأمة في جميع أحكامها إلا فيما ينقل الملك فيها أو يراد له كالرهن فأما المكاتب فإن لم يملك قدر ما عليه فهو عبد لا يرث ولا يورث، وإن ملك قدر ما يؤدي ففيه روايتان (إحداهما) أنه عبد ما بقي عليه درهم لا يرث ولا يورث روى ذلك عن عمر وزيد بن ثابت وابن عمر وعائشة وأم سلمة وعمر بن عبد العزيز والشافعي وأبي ثور وعن ابن المسيب وشريح والزهري نحوه لما روى أبو داود بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المكاتب عبد ما بقي عليه درهم " وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أيما عبد كاتب على مائة أوقية فأداها إلا عشر أواق فهو عبد وأيما عبد كاتب على مائة دينار فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد " وعن محمد بن المنكدر وعبد الله مولى عفرة وعبد الله بن عبيدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعتاب بن أسيد " من كاتب مكاتباً فهو أحق به حتى يقضي كتابته " وقال القاضي وابو الخطاب إذا أدى المكاتب ثلاثة أرباع كتابته وعجز عن الربع عتق لأن ذلك يجب إيتاؤه للمكاتب فلا يجوز إبقاؤه على الرق لعجزه عما يجب ورده إليه (والرواية الثانية) أنه إذا ملك ما يؤدي صار حراً يرث ويورث فإذا مات له من يرثه ورث، وإن مات فلسيده بقية كتابته والباقي لورثته لما روى أبو داود بإسناده عن أم سلمة قالت قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا كان لإحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه " وروى الحكم عن علي وابن مسعود وشريح يعطى سيده من تركته ما بقي من كتابته فإن فضل شئ كالورثة
المكاتب وروي نحوه عن الزهري وبه قال سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن والنخعي(7/223)
والشعبي والحسن ومنصور ومالك وابو حنيفة إلا أن مالكا جعل من كان معه في كتابته أحق ممن لم يكن معه فإنه قال في مكاتب هلك وله أخ معه في الكتابة وله ابن قال ما فضل من كتابته لأخيه دون ابنه وجعله أبو حنيفة عبداً مادام حياً وإن مات أدى من تركته باقي كتابته والباقي لورثته، وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال على المنبر إنكم مكاتبون مكاتبين فأيهم أدى النصف فلا رق عليه وعن علي إذا أدى النصف فهو حر وعن عروة نحوه وعن الحسن إذا أدى الشطر فهو غريم، وعن ابن مسعود وشريح مثله وعن ابن مسعود إذا أدى ثلثاً أو ربعاً فهو غريم وعن ابن عباس إذا كتب الصحيفة فهو غريم وعن علي قال: تجري العتاقة في المكاتب في أول نجم يعني يعتق منه بقدر ما أدى وعنه أنه قال يرث ويحجب ويعتق منه بقدر ما أدى، وروى حماد بن سلمة عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اذا أصحاب المكاتب حداً أو ميراثاً ورث بحساب ما عتق منه وأقيم عليه الحد بحساب ما عتق منه، وفي رواية يؤدي المكاتب بقدر ما عتق منه دية الحر وقدر مارق منه دية العبد.
قال يحيى بن أبي كثير وكان علي رضي الله عنه ومروان بن الحكم يقولان ذلك وقد روي حديث ابن عباس عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا والحديث الذي روياه لقولنا أصح ولا نعلم احدا من الفقهاء قال بهذا وما ذكرناه أولى إن شاء الله (مسألة) (فأما المعتق بعضه فما كسبه يجزئه الحر فهو لورثته ويرث ويحجب بقدر ما فيه من الحرية) وجملة ذلك أن المعتق بعضه إذا اكتسب مالا ثم مات وخلفه فإن كان قد كسبه يجزئه الحر مثل أن يكون قد هايأ سيده على منفعته فاكتسب في أيامه أو ورث شيئاً فإن الميراث إنما يستحقه بجزئه(7/224)