فالبين الأول الوصل، والثاني القطيعة والهجر، والعين الأولى هذا الناظر، والثانية الرقيب أي: رأت فيه ما أحبت.
من ذلك قراءة الزهري: "وَلَقَدْ صَدَقَ" -مخففة- "عَلَيْهِمْ إِبْلِيسَ" -نصب- "ظَنُّهُ"- رفع "إِلَّا لِيُعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ"1.
وقال أبو حاتم: روى عبيد2 بن عقيل عن أبي الورقاء، قال: سمعت أبي الهجهاج وكان فصيحا -يقرأ: "إبْلِيسَ" -بالنصب- "ظَنُّهُ"، رفع.
قال أبو الفتح: معنى هذه القراءة أن إبليس كان سَوَّلَ له ظنُّه شيئا فيهم، فصَدَقه ظنُّه فيما كان عقد عليهم معهم من ذلك الشيء.
وأما قراءة العامة: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ} -رفع- {ظَنَّهُ} -نصب- فإنه كان قدر فيهم شيئا فبلغه منهم، فصدق ما كان أودعه طنه في معناه. فالمعنيان من بعد متراجعان إلى موضع واحد؛ لأنه قدر تقديرا فوقع ما كان من تقديره فيهم. و"عَلَى" متعلقة بـ"صَدَقَ"، كقولك: صَدَقْتُ عليْكَ فِيمَا ظَنَنْتُه بك، ولا تكون متعلقة بالظن، لاستحالة جواز تقدم شيء من الصلة على الموصول.
وذهب الفراء إلى أنه على معنى في ظنه، وهذا تَمَحُّل للإعراب، وتَحَرُّفٌ عن المعنى. ألا ترى أن من رفع "ظنه" فإنما جعله فاعلا؟ فكذلك إذا نصبه جعله مفعولا على ما مضى. كذلك أيضا من شدد، فقال: "صدّق"، فنصب "الظن" على أنه مفعول به.
ومن ذلك قراءة الحسن: "فُزِعَ"4، بالزاي خفيفة، وبالعين.
وقرأ: "فَرَّغَ"، بفتح الفاء والراء، وبالغين الحسن -بخلاف- وقتادة وأبو المتوكل.
__________
1 سورة سبأ: 20، 21.
2 هو عبيد بن عقيل بن صبيح أبو عمرو الهلالي والبصري، راوٍ ضابط صدوق. روى القراءة عن أبان بن يزيد العطار وأبي عمرو بن العلاء وهارون الأعور وغيرهم، وروى القراءة عنه خلف بن هشام وغيره. مات سنة 207. طبقات القراء لابن الجزري: 1: 496.
3 قرأ عاصم وحمزة الكسائي وخلف "صدّق" بتشديد الدال، وقرأها الباقون بتخفيفها، كما في إتحاف الفضلاء: 221
4 سورة سبأ: 23.(2/191)
وقرأ: "فرغ"، بالراء خفيفة، وبالغين، والفاء مضمومة الحسن وقتادة، بخلاف عنهما.
وقد رُوي عن الحسن: "فُرِّغَ"، بضم الفاء، والراء مشددة، وبالغين.
وقال أبو عمرو الدوري: بلغني عن عيسى بن عمر أنه كان يقرأ: "حَتَّى إِذَا افْرُنْقِعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ".
قال أبو الفتح: المعنى في جميع ذلك [130ظ] حتى إذا كُشِفَ عن قلوبهم.
فأما "فُزِعَ"، بالفاء، والزاي خفيفة فمرفوعه حرف الجر وما جره، كقولنا: سِيرَ عن البلد، وَانْصُرِفَ عن كذا إلى كذا، وقد شرحنا نحوًا من ذلك في القصص2.
وكذلك "فُرِغَ"، بالفاء، والراء خفيفة، وبالغين.
فأما "فَزَّعَ"3 و"فَرَّغَ" ففاعلاهما مضمران: إن شئت كان اسمَ الله تعالى، أي: كشفَ اللهُ عن قلوبهم. وإن شئت كان ما هناك من الحال، أي: فَرَّغَ أو فَزَّعَ حاضر الحال عن قلوبهم، وإضمار الفاعل لدلالة الحال عليه كثير واسع، منه ما حكاه سيبويه من قولهم: إذا كان غدًا فأتني4، وكذلك قول الشاعر:
فإنْ كانَ لا يُرضِيكَ حتَّى تَرُدَّنِي ... إلَى قَطَرِيّ لا إخَالُكَ رَاضِيَا5
أي: إن كان لا يرضيك ما جرى، أو ما الحال عليه.
__________
1 هو حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صهبان بن عدي بن صهبان، ويقال: صهيب، أبو عمر الدوري الأزدي البغدادي النحوي الدوري الضرير نزيل سامرا، إمام القراء، وشيخ الناس في زمنه، ثقة، ثبت كبير، ضابط. أول من جمع القراءات، ونسبته إلى الدور: موضع ببغداد ومحله بالجانب الشرقي. قرأ على إسماعيل بن جعفر عن نافع كما قرأ على غيره، وقرأ عليه خلق كثير، توفي في شوال سنة 246 طبقات القراء لابن الجزري: 1: 255- 257.
2 انظر الصفحة 157 من هذا الجزء.
3 لم يسبق لهذه القراءة ذكر، وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس وطلحة وأبي المتوكل الناجي وابن عامر، كما في البحر: 7: 278.
4 الكتاب: 1: 114.
5 البيت لسوار بن المضرب، وكان الحجاج دعاه إلى حرب الخوارج، فهرب منه. وقطري هو ابن الفجاءة، كان على رأس الخوارج. ويروى "كنت" مكان "كان". وانظر النوادر: 45، والخصائص: 2: 433.(2/192)
قال أبو حاتم: قال يعقوب: روى أيوب السختياني عن الحسن: "فُرِغَ"، ضم الفاء، وكسر الراء وخففها، وأعجم الغين، فقيل للحسن: إنهم يقولون: "فُرِّغَ"، مثقلة. فقال الحسن: لا، إنها عربية. قال: ولا أظن الثقات رووها عن الحسن على وجوه إلا لصعوبة المعنى عليه. واختلفت ألفاظه، وقال فيها أقوالا1 مختلفة، يعني أبو حاتم اجتماع معنى ف ز ع مع معنى ف ر غ في أن الفزع: قلق ومفارقة للموضع المقلوق عليه، والفراغ: إخلاء الموضع، فهما من حيث ترى ملتقيان.
وكذلك معنى "افْرُنْقِعَ"، يقال: افْرَنْقَعَ2 القوم عن الشيء، أي: تفرقوا عنه.
ومما يحكى في ذلك أن أبا علقمة النحوي ثار به المُرَارُ3، فاجتمع الناس عليه، فلما أفاق قال: ما لكم قد تكأكأتم على كتكأكئكم4 على ذي جِنّة5؟ افْرَنْقِعُوا عني. قال: فقال بعض الحاضرين: إن شيطانه يتكلم بالهندية.
ومن ذلك قراءة سعيد بن جيبر: "بَلْ مَكَرُّ الليلِ والنَّهارِ"6، وهي قراءة أبي رزين7 أيضا.
وقرأ: "بَلْ مَكْرٌ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ
" قتادة.
قال أبو حاتم: وقرأ راشد الذي كان نظر في مصاحف الحجاج: "بَلْ مَكَرَّ"، بالنصب.
قال أبو الفتح: أما "المَكَرّ" والكرور، أي: اختلاف الأوقات، فمن رفعه فعلى وجهين:
أحدهما: بفعل مضمر دل عليه قوله: {أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ} 8، فقالوا في الجواب: بل صدنا مَكَرُّ الليلِ والنهارِ، أي: كرورهما.
__________
1 في ك: ألفاظا.
2 ضبط "افرنقع" على البناء للمجهول في نسخة الأصل، وهو تحريف.
3 المرار: غلبة المرة: مزاج من أمزجة البدن، مر بالبناء للمجهول فهو ممرور.
4 تكأكأتم: تجمعتم.
5 الجنة: الجنون.
6 سورة سبأ: 33.
7 هو مسعود بن مالك، ويقال: ابن عبد الله، أبو رزين الكوفي. وردت عنه الرواية في حروف القرآن. روى عن ابن مسعود وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما. وروى عنه الأعمش. طبقات القراء لابن الجزري: 2: 296.
8 سورة سبأ: 32.(2/193)
والآخر: أن يكون مرفوعا بالابتداء، أي: مَكَرُّ الليل والنهار صَدَّنا.
فإن قيل: أفهذا تراجع1 عن قولهم لهم: {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} ؟ قيل: لا، ليس بانصراف عن التظلم منهم، وذلك أنه وصله بقوله: {إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ} أي: فكرور الليل والنهار علينا- على إغوائكم إيانا- هو الذي أصارنا إلى النار. وهذا كقول الرجل لصاحبه: أهلكني والله! فيقول وكيف ذلك؟ فيقول: في جوابه: مضى أكثر النهار وأنت تضربني؛ فيفسره بتقضي الزمان على إساءته إليه.
فإن شئت جعلت "إذ تأمروننا" متعلقة بنفس الكرور، أي: كرورهما في هذا الوقت وإن شئت جعلته حالا من الكرور، أي: كرورهما كائنا في هذا الوقت؛ فنجعل طرف النهار3 حالا من الحدث، كما تجعله خبرا عنه في نحو قولك: قيامك يومَ الجمعة؛ إذ كانت الحال ضربا من الخبر. ومثله من الحال قولك: عجبت من قيامك بومَ الجمعة، تعلق الظرف بمحذوف، أي من قيامك كائنا في يوم الجمعة.
وعلى نحو منه [131و] قراءة قتادة: "بَلْ مَكْرٌ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ"، فالظرف هنا صفة للحدث، أي: مكر كائن في الليل والنهار. وإن شئت علقتهما بنفس "مكر"، كقولك: عجبتُ لَكَ4 من ضربٍ زيدًا، وكقول الله: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} 5.
وأما "مَكَرَّ"، بالنصب فعلى الظرف، كقولك: زرتُكَ خفوقَ النجمِ، وصياحَ الدجاجِ وهو معلق بفعل محذوف، أي: صدَدْتُمُونا في هذه الأوقات على هذه الأحوال.
فإن قيل: فما معنى دخول "بل" هنا وإنما هو جواب الاستفهام؟ وأنت لا تقول لمن قال لك: أزيدٌ عندك؟: بل هو عندي وإنما تقول: نعم، أولا. قيل: الكلام محمول على معناه، وذلك أن قولهم: {أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ} معناه الإنكار له، والرد عليهم في قول المستضعفين لهم: {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} ، فكأنهم قالوا لهم في الجواب: ما صددناكم، فردوه ثانيا عليهم، فقالوا: بل صدنا تصرم الزمان علينا وأنتم تأمروننا أن نكفر بالله. وقد كثر عنهم تأول معنى النفي وإن لم يكن6 ظاهرا إلى بادي اللفظ، قال الله تعالى: {قُل
__________
1 في الأصل: يراجع، تحريف.
2 في ك: الزمن.
3 في ك: الزمان.
4 لك، ومن ضرب يتعلقان بعجبت، وهو ليس بمصدر كما لا يخفى. كأنه يريد أن المصدر حين يتعلق به الظرف أو الجار والمجرور يكون مثل الفعل، فلا يكون الظرف أو الجار والمجرور صفة له وقد يكون "لك" بعد ضرب، فيتعلق به، أو يكون صفة له، وتتشابه الأمثلة بذلك.
5 سورة البلد: 14: 15.
6 سقطت "يكن" في ك.(2/194)
إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} 1، أي: ما حرم إلا الفواحش، وعليه بيت الفرزدق:
أنا الدافِعُ الحَامِي الذّمارَ وإنَّما ... يُدَافِعُ عن أحسابهم أنا أو مِثْلِي2
أي: ما يدافع عن أحسابهم إلا أنا. ولذلك عندنا ما3 فصل الضمير، فقال: أنا، وأنت لا تقول: يقوم أنا، ولا نقعد نحن. ولولا ما ذكرنا من إرادة النفي لقبُح الفصل، وأنشدَنا أبو علي:
فاذْهَبْ فأيُّ فتًى في الناسِ أحْرَزَهُ ... مِن يَوْمِه ظُلَم دُعجٌ وَلا جَبَلُ4
أي: ما أحد أحرزه هذا من الموت، ونظائره كثيرة.
وإن شئت علقت "إذ" يمحذوف، وجعلته خبرا عن "مَكَرَّ"، أي: كرورهما في هذا الوقت الذي تأمروننا فيه أن نكفر بالله، والمعنى في الجميع راجع إلى عصب الذنب5 بهم، ونسب الضلال إليهم.
ومن ذلك قراءة أبي حيوة: "مِنْ كُتُبٍ يَدَّرِسُونَهَا"6، بتشديد الدال مفتوحة، وبكسر الراء.
قال أبو الفتح: هذا يفتعلون من الدرس، وهو أقوى معنى من "يدرسونها"؛ وذلك أن افتعل لزيادة التاء فيه أقوى معنى من فعل. ألا ترى إلى قول الله تعالى: {أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ} 7؟ فهو أبلغ معنى من قادر، وهو أشبه بما تقدمه من ذكر الأخذ والعزة. نعم، وفيه أيضا معنى
__________
1 سورة الأعراف: 33.
2 روي الشطر الأول:
أنا الضامن الراعي عليهم وإنما
3 ما زائدة والذمار: كل ما يلزمك حمايته وحفظه والدفع عنه، وانظر الديوان: 712.
4 البيت للمتنخل الهذلي، يرثي ابنه أثيلة. وفي الأصل "ظلل" مكان "ظلم"، وهو تحريف. وأحرزه: عصمه. والدعج: جمع الأدعج، وهو الأسود. يريد أن الموت لا ينجي منه الاستتار بالظلام، أو الاعتصام بالجبال. وانظر ديوان الهذليين: 2: 35، والخصائص: 2: 433.
5 سقطت "الذنب" في ك.
6 سورة سبأ: 44.
7 سورة القمر: 42.(2/195)
الكثرة؛ لأنه في معنى يتدارسونها. وقد ذكرنا فيما مضى قوله تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} 1 وأن "اكْتَسَبَتْ" أقوى من "كَسَبَتْ" وأن أصل ذلك من زيادة معنى فَعَّلَ على معنى فَعَلَ، لتضعيف العين، فاعرفه. ومثل "يَدَّرِسُونَهَا" قولهم: قرأتُ القرآنَ، وَاقْتَرَأْنُهُ قال:
نهارُهُم صِيامٌ2 ... وليلُهُم صَلاةٌ وَافْتِرَاءُ
ومن ذلك قراءة طلحة بن مصرف: "وَأَخِذٌ مِنْ مَكَانٍ قَرِيب"3، منصوبة الألف، منونة.
قال أبو الفتح: لك في رفعه ضربان:
إن شئت رفعته بفعل مضمر يدل عليه قوله: {فَلا فَوْتَ} ، أي: وأحاط بهم أخذٌ من مكان قريب. وذكر القرب، لأنه أحجى بتحصيلهم، وإحاطته بهم.
وإن شئت رفعته [131ظ] بالابتداء، وخبره محذوف، أي: وهناك أخذ لهم، وإحاطة بهم. ودل على هذا الخبر ما دل على الفعل في القول الأول.
ويُسأل من قراءة العامة: {وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} : علام عطف هذا الفعل؟ وينبغي أن يكون معطوفا على قوله تعالى: {فَزِعُوا} وهو بالواو، لأنه لا يراد: ولو ترى وقت فزعهم وأخذهم، وإنما المراد -والله أعلم: ولو ترى إذ فزعوا فلم يفوتوا، وأخذوا. فعطف "أُخِذُوا" على ما فيه الفاء المُعَلِّقة الأول بالآخر على وجه التسبيب له عنه، وإذا كان معطوفا على ما فيه الفاء فكأن فاءً4 فيئول الحديث إلى أنه كأنه قال: ولو ترى إذ فزعوا فأخذوا، هذا إذا كانت فيه فاء، وأما وفيه الواو فلا يحسن عطفه على "فزعوا" بل يكون معطوفا على ما فيه
__________
1 سورة البقرة: 286 وانظر الصفحة 134 من هذا الجزء.
2 هنا بياض في النسختين. وقد كتب في هامش الصفحة بنسخة ك كلمة "وافتقار لإكمال البيت، ولكن بقلم ومداد مخالفين وتبدو الكلمة غريبة في البيت".
3 سورة سبأ: 51.
4 يريد فكأن فاء فيه.(2/196)
الفاء. وقال أبو حاتم: لا أعرف الرفع في "أَخْذٌ"، ولا يجوز إلا بالحيل والتفسير البعيد، كذا زعم.
ومن ذلك قراءة مجاهد: "وَيُقْذَفُونَ"1، بضم الياء، وفتح الذال.
قال أبو الفتح: بيان هذا: وقالوا آمنا به وأنى لهم التَّنَاوُشُ، أي: التناول للإيمان من مكان بعيد، وقد كفروا به من قبل؟ والوقف على قوله: {مِنْ قَبْل} ، أي: من أين لهم تناوله الآن وقد كفروا به من قبل؟ ثم قال سبحانه: {وهم وَيُقْذَفُونَ بِالْغَيْبِ} ، أي يرمون بالغيب؛ تتبُّعًا لهم بقبح أفعالهم، وسوء منقلَبهم.
__________
1 سورة سبأ: 53.(2/197)
سورة فاطر:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرا الضحاك: "الْحَمْدُ لِلَّهِ فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ"1.
قال أبو الفتح: هذا على الثناء على الله "سبحانه"، وذكر النعمة التي استحق بها الحمد. وأفرد ذلك في الجملة التي هي "جعل" بما فيها من الضمير، فكان أذهب في معنى الثناء؛ لأنه2 جملة بعد جملة. وكلما زاد الإسهاب في الثناء أو الذم كان أبلغ فيهما ألا ترى إلى قول خِرنِق3:
لا يَبعَدًا قومِي الذين هُمُ ... سمُّ العُدَاة وَآفَةُ الجُزْرِ
النازِلِينَ بِكُلِّ مُعْتَرَكٍ ... والطَّيِّبِينَ مَعَاقِدَ الأُزْرِ
ويروى: النازلون والطيبون، والنازلين والطيبون، والطيبين والنازلون. والرفع على هُمُ، والنصب على أعني. فكلما اختلفتِ الجملُ كان الكلام أفانينَ وضروبا، فكان أبلغ منه إذا أُلْزِم شرحًا واحدًا. فقولك: أُثْنِي على الله، أعطانا فأغنى، أبلغ من قولك: أُثْنِي على الله، المعطينا والمغنينا؛ لأن معك هنا جملة واحدة، وهناك ثلاث جمل.
ويدلك على صحة هذا المعنى قراءة الحسن: "جَاعِلُ الْمَلائِكَةِ"، بالرفع؛ فهذا على قولك: هو جاعل الملائكة، ويشهد به أيضا قراءة خليد بن نشيط: "جَعَلَ الْمَلائِكَةَ".
قال أبو عبيدة: إذا طال الكلام خرجوا من الرفع إلى النصب، ومن النصب إلى الرفع. يريد ما نحن عليه؛ لتختلف ضروبه، وتتباين تراكيبه.
ومن ذلك قراءة عيسى الثقفي: "سَيْغٌ شَرَابُهُ"4.
__________
1 سورة فاطر: 1.
2 في ك: لأنها.
3 شاعرة جاهلية من بني ضبيعة رهط الأعشى، وقيل غير ذلك. والعداة: الأعداء، جمع عاد. والجزر: جمع الجزور، وهي الناقة التي تنحر، وسكنت زاي الجزر للتخفيف. والطيبون معاقد الأزر: كناية عن العفة. وانظر الكتاب: 1: 104، 246، 249، والخزانة: 2: 301 وما بعدها، والدرر اللوامع: 2: 150.
4 سورة فاطر: 12(2/198)
قال أبو الفتح: هو محذوف من سَيِّغ: فَيْعِلٍ، بمنزلة مَيْتٍ من مَيِّتٍ، وهَيْنٍ من هَيِّنٍ. وعينه واو، وأصله سَيْوِغ، كمَيْوِت في الأصل. يدل على كون عينه واوا قولهم: هذا أسوغ من هذا، وقولهم: هي أُخته سَوْغَةً، وسَوَّغْتُه، [132و] أي: يَسُوغ لها وتَسُوغ له، أي: يَقْبلها طبعه، ويقبله طبعها.
فأما قول الله تعالى: {يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ} 1 فلا دلالة فيه على كون العين واوا2 وذلك لأنه في الأصل يسوغه، كما أن أصل يقيم يقوم، ويستعين يستعون، وهذا واضح وحكاه أبو حاتم عن عيسى: "سيغ"، وقال فيه: بغير ألف مشددة الياء، وهذا واضح.
ومن ذلك قراءة طلحة بن مصرف: "وَهَذَا مَلِحٌ أُجَاجٌ"3.
قال أبو الفتح: قد تقدم القول على مثله، وأنه في الأصل مَالِح؛ فحذفت ألفه تخفيفا4.
ومن ذلك قراءة الزهري: "جَدَدٌ"5، بفتح الجيم والدال، فيما رواه سهل عن الوقاصي عنه.
قال أبو الفتح: قال أبو حاتم: لا قراءة فيه غير "جُدَدٍ"، وقال قطرب: قراءة الناس كلهم: "جُدَدٌ"، وقراءة الزهري: "جُدُدٌ" فأما "جُدَد" فجمع جُدَّة، وهي الطريقة يخالف لونها لون ما يليها. قال المتلمس:
لَهُ جُدَدٌ سُودٌ كأن أرَنْدَجًا ... بِأَكْرُعه وبالذِّرَاعَيْنِ سُنْدُسُ6
__________
1 سورة إبراهيم: 17.
2 أي في ظاهر اللفظ لما دخله من إعلال.
3 سورة فاطر: 12.
4 انظر الصفحة: 171 من الجزء الأول، والصفحة 82 من الجزء الثاني.
5 سورة فاطر: 27.
6 الأرندج: الجلد الأسود تعمل منه الخفاف، والأكرع: جمع الكراع، كغراب. وهو مستدق الساق، ويؤنث.(2/199)
وقال الأعشى:
كأنَّ قُطُوعَها بِعُنَيْبِسَاتٍ ... تَعَطَّفَهن ذُو جُدَدٍ فَرِيدُ1
وأما "جُدُدٌ" فجمع جَدِيد، أي: آثار جُدُد غير مُخْلِقَة؛ فهو أصح لها، وأوضح للونها. وأما "جَدَد" فلم يثبته أبو حاتم ولا قطرب. وعلى أن له معنى، وهي الطريق الواضح المسفر فالمعنى نحو من الأول. وقد يجوز في "جُدُد" -وهي جديد- الفتح؛ هربا من التضعيف إلى الفتح. وكذلك جميع ما كان مثله من المضاعف: كسَرِير وسُرُر سُرَر، وجَرِير وجُرُر وجُرَر، وتَلِيل وتُلُل2 وتُلَل، وبِئْر جَرُور وجُرُر وجُرَر وجَرَائِر أيضا. قال:
كانتْ مِيَاهِي نُزُعًا قَوَاصِرَا ... وَلَمْ أَكُنْ أُمَارِسُ الْجَرَائِرَا3
وعلى كل حال فللقُرّاء الرواية، وإذا عَضَدها قياس فحسبك به من إينَاس.
ومن ذلك قراءة الزهري أيضا: "والدَّوَابِ"، خفيفة.
قال أبو الفتح: قد ذكرنا ذلك مشروحا فيما مضى بشواهده4.
ومن ذلك قراءة علي عليه السلام: "فِيهَا لَغُوبٌ"5، بفتح اللام. وهي قراءة السُّلَمي.
قال أبو الفتح: لك فيه وجهان:
إن شئت حملته على ما جاء من المصادر على الفَعُول، نحو: الوَضُوء، والوَلُوغ، والوَقُود.
__________
1 يروى "قتودها" مكان "قطوعها". والقطوع: جمع قِطع بالكسر، وهي الطنفسة تكون على كتفي البعير. أما القتود: فخشب الرحل وعيدانه، جمع قتد. وعنيبسات: موضع، وفي الأصل: بعنيفسات، وهو تحريف، تعطفهن: تعطف بها، أي لبسها، والضمير للقطوع. وفي الأصل يقطعهن، وهو تحريف. والجدد: جمع جدة، بالضم، وهي الخطة في ظهر الثور أو الحمار تخالف لونه. يشبه ناقته بالحمار الوحشي، فيقول كأن قطوعها ليست على ناقة بل حمار وحشي، وانظر الديوان: 325، ومعجم البلدان.
2 الجرير: الزمام، والتليل: العنق.
3 النزع: جمع النزوع، وهي البئر التي ينزع منها باليد. والقواصر: جمع قاصر، والماء القاصر: الذي يكون مرعاه قريبا. والجرائر: جمع الجرور، وبئر جرور: يستقى منها على بعير. وانظر اللسان "قصر".
4 في ك: فيما مضى مشروحا. وانظر الصفحة 76 من هذا الجزء.
5 سورة فاطر: 35.(2/200)
وإن شئت حملته على أنه صفة لمصدر محذوف، أي: لا يمسنا فيها لُغُوب1 لَغُوب، على قولهم: هذا شِعْرٌ شَاعِرٌ، وموتٌ مائِتٌ، كأنه يصف "اللُّغوب" بأنه قد لَغَبَ، أي أعيا وتعب، وهذا ضرب من المبالغة، كقول الآخر
إذا ناقَةٌ شُدَّتْ بِرَحْلٍ وَنُمرُقٍ ... إلى حَكَمٍ بَعْدِي فَضَّلَ ضَلَالُها2
وعليه قالوا: جُنَّ جُنُونُه، وخرجَتْ خَوَارِجُه.
ومن طريف ما مر بنا لمولدين في هذا قول شاعرنا3:
وَجُبْتُ هَجِيرًا يَتْرُكُ الماءَ صَادِيًا
فهذا مع ما فيه من المبالغة حلو وواصل إلى الفكر. وعلى هذا حمل أبو بكر قولهم: توضأتُ وَضُوءًا: أنه وصف لمصدر محذوف، [132ظ] أي: وُضُوءًا وَضُوءًا، كقولك: وُضُوءًا وَضِيئًا، أي: كاملا حَسَنًا.
وحكى أبو زيد: رجل ساكُوتٌ بَيّن الساكُوتَة، فلما قرأت هذا الموضع على أبي علي حمله على قياس قول أبي بكر هذا، فقال: تقديره بَيّن السكْتَة الساكُوتَة، فجعل الساكوتة صفة لمصدر محذوف، وحسّن ذلك عندي شيئا أنه من لفظه، فكأن أحدهما صاحبه البتة.
وحكى الأصمعي: ليس عليك في ذلك تَضُرَّةٌ4 ولا ضَارُورَة، فَضَارُورَة - على قياس قول أبي بكر- كالسَّاكُوتة، أي: ضرَّةٌ ضَارُورَة.
ومن ذلك قراءة الحسن: "لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُون"5، وكذلك الثقفي.
__________
1 اللغوب: أشد الإعياء.
2 البيت لأوس بن حجر. والنمرق: الطنفسة فوق الرحل، والطنفسة: البساط. والحكم: الرجل المسن، وهو أيضا: الحاكم. وانظر اللسان "ضل".
3 هو المتنبي، وصدر البيت:
لقيت المروري والشناخيب دونه
والمروري: جمع مروراة، وهي الفلاة الواسعة. والشناخيب: جمع الشنخوب، بضم الشين. وهو رأس الجبل. وضمير دونه لكافور الأخشيدي. انظر الديوان: 468.
4 التضرة: الضرر.
5 سورة فاطر: 36.(2/201)
قال أبو الفتح: "يموتون" عطف على "يُقْضَى"، أي: لا يُقْضَى عليهم، ولا يموتون. والمفعول محذوف، أي: لا يُقْضَى عليهم الموت. وحسن حذفه هنا لأنه لو قيل: لا يُقْضَى عليهم الموت فيموتون، كان تكريرا يغني من جميعه بعضه، ولا توكيد أيضا فيه فيحتمل لفظه. وعلى كل حال فقد بينا في كتابنا هذا -وفي غيره- حسن حذف المفعول لدلالة الكلام عليه، وأنه لا يصدر إلا عن فصاحة عذبة.
وقراءة العامة في هذا أوضح وأشرح؛ وذلك أن فيه نفي سبب الموت، وهو القضاء عليهم. وإذا حذف السبب فالمسبب أشد انتفاء، ومن هذا قولهم: لم يقم زيد أمس؛ فنفي الماضي بلفظ المستقبل؛ وذلك أن المستقبل أسبق رتبة في النفس من الماضي، فإذا نفي الأصل كان الفرع أشد انتفاء، ونظائره كثيرة، فتأمله.
ومن ذلك قراءة ابن مسعود: "وَمَكْرًا سَيئًا"1.
قال أبو الفتح: يشهد لتنكيره تنكير ما قبله من قول الله سبحانه: {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ} ، وقراءة العامة أقوى معنى؛ وذلك أن "المكر" فيها معرفة لإضافته إلى معرفة، أعنى "السَّيِّئ"، فكأنه قال: والمكرَ السَّيِّئ الذي هو عالٍ مستكرَه مستنكَر في النفوس. وعليه قال من بعد: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} ، وأبدل "استكبارا" وما بعده من النكرة قبله، وهي هو من قوله: {مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا} ، وحسن تنكير الاستكبار لأنه أدنى إلى "نفور" مما بعده. وقد يحسن مع القرب فيه ما لا يحسن مع البعد، واعتمد ذلك لقوة معناه بتعريفه، والإخبار عنه بأن مثله لا يخفى، لعظمه وشناعته.
__________
1 سورة فاطر: 43.(2/202)
سورة يس:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ: "يَاسِينَ والقُرْآنِ
"1، بفتح النون ابن أبي إسحاق -بخلاف- والثقفي.
وقرأ: "يَاسِينِ
"، بكسر النون أبو السمال وابن ابي إسحاق، بخلاف.
وهارون عن أبي بكر الهُذَليّ2 عن الكلبي: "يَاسِينُ"، بالرفع. قال: فلقيت الكلبي فسألته، فقال: هي بلغة طيء: يا إنسان.
قال أبو الفتح: أما الكسر والفتح جميعا فكلاهما لالتقاء الساكنين؛ لأنه بنى الكلام على الإدراج، لا على وقف حروف المعجم؛ فحُرِّك فيه لذلك.
ومَن فتح هرب إلى خفة الفتحة لأجل ثقل الياء قبلها والكسرة.
ومن كسر جاء به على أصل حركة التقاء الساكنين. ونظيره قولهم: جَيْرِ3، وهَيْتِ4 لك، وإيهِ وسيبويه [133و] وعَمْرَوَيْهِ، وبابهما.
ومَن ضم احتمل أمرين: أحدهما أن يكون أيضا لالتقاء الساكنين5، كحَوْبُ6 في الزجر، ونحن، وهَيْتُ لك.
والآخر أن يكون على ما ذهب إليه الكلبيّ، ورُوّينا فيه عن قطرب:
فَيَا لَيْتَنِي من بعدِ فَاطا وأهلِهَا ... هلكْتُ ولم أسمَعْ بِها صوتَ إيسانِ7
__________
1 سورة يس: 1، 2.
2 هو أبو بكر الهذلي البصري، اسمه سُلمى -بضم أوله وسكون اللام- أو روح. روى عن الشعبي، وروى عنه وكيع، وضعفه أبو زرعة. مات سنة 167. الخلاصة: 383.
3 جير: نعم، أو أجل.
4 هيت لك، مثلثلة الآخر: هلم.
5 سقط في ك: "لالتقاء الساكنين".
6 الحوب، في الأصل: الجمل، ثم كثر حتى صار زجرا له، فقالوا: حوب، مثلثة الباء.
7 في اللسان "أنس" أن البيت لعامر بن جوين الطائي، وروايته "ما طاف" مكان "فاط"، وفيه أن "الإيسان" لغة طائية في الإنسان، وأن البيت لعامر بن جرير مكان جوين، وهو تحريف.(2/203)
ورواه أيضا: من بعد ما طاف أهلها، وقال: معناه صوت إنسان.
ويحتمل ذلك عندي وجها آخر ثالثا، وهو أن يكون أراد يا إنسان، إلا أنه اكتفى من جميع الاسم بالسين، فقال: ياسين، "فيا" فيه الآن حرف نداء، كقولك: يا رجل. ونظير حذف بعض الاسم قول النبي صلى الله عليه وسلم: كفى "بالسيف شا"، أي: شاهدا، فحذف العين واللام. وكذلك حذف من إنسان الفاء والعين، غير أنه جعل ما بقي منه اسما قائما برأسه، وهو السين، فقيل: ياسين، كقولك: لو قست عليه في نداء زيد: يا دال. ويؤكد ذلك1 ما ذهب إليه ابن عباس في "حم عسق" ونحوه أنها حروف من جملة أسماء الله "عز وجل"، وهي: رحيم، وعليم، وسميع، وقدير. ونحو ذلك. وشبيه به قوله:
قُلْنا لها قِفِي لَنا قالَتْ قَافْ2
أي: وقفَتْ، فاكتفت بالحرف منه الكلمة.
ومن ذلك قراءة ابن عباس وعكرمة وابن يعمَرَ ويزيد البربري وعمر بن عبد العزيز ويزيد بن المهلب والنخعي وابن سيرين، بخلاف: "فَأَعْشَيْنَاهُمْ"3.
قال أبو الفتح: هذا منقول من عَشِيَ يَعْشَى: إذا ضعف بصره فَعَشِيَ وأعشَيْتُه، كعَمِيَ وأعْمَيْتُه. وأما قراءة العامة: {فَأَغْشَيْنَاهُمْ} فهو على حذف المضاف، أي: فأغشيْنا أبصارَهُم: فجعلنا عليها غِشاوَة.
وينبغي أن يعلم أن غ ش ي يلتقي معناها مع غ ش و؛ وذلك أن الغشاوة على العين كالغشي على القلب، كل منهما يركب صاحبه ويتجلله، غير أنهم خصوا ما على العين بالواو، وما على
__________
1 سقطت "ذلك" في ك.
2 للوليد بن عقبة بن أبي معيط أخي عثمان "رضي الله عنه" لأمه، وكان يتولى الكوفة له، فاتهم بشرب الخمر، فكتب إليه الخليفة يأمره بالشخوص إليه، فخرج في جماعة، ونزل الوليد يسوق بهم، فقال:
قلْتُ لها: قِفِي، فقالت: قاف ... لا تحسبينا قد نسينا الإيجاف
والنشوات من معتق صاف ... وعزف قينات علينا عزاف
والإيجاف: العدو وهو أيضا: الحمل عليه وانظر شواهد الشافية: 261 وما بعدها. والخصائص: 1: 30، والأغاني: 5: 131.
3 سورة يس: 9.(2/204)
القلب بالياء؛ من حيث كانت الواو أقوى لفظا من الياء، وما يبدو للناظر من الغشاوة على العين أبدى للحس مما يخامر القلب؛ لأن ذلك غائب عن العين، وإنما استدل عليه بشواهده لا بشاهده ومعاينه. ولهذا في هذه اللغة من النظائر ما لو أودع كتابا لكبر حجما، وكثر وزنا. ومحصول الحال واسع وكثير، لكن المحصل له نزر قليل، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ومن ذلك قراءة ابن محيصن والزهري: "أَنْذَرْتَهُمْ"1، بهمزة واحدة على الخبر.
قال أبو الفتح: الذي ينبغي أن يعتقد في هذا أن يكون أراد همزة الاستفهام كقراءة العامة: {أَأَنْذَرْتَهُمْ} ، إلا أنه حذف الهمزة تخفيفا وهو يريدها، كما قال الكميت:
طَرِبْتُ وما شَوقًا إلى البِيضِ أَطْرَبُ ... ولا لَعِبًا مِنِي وذُو الشَّيبِ يَلْعَبُ2
قالوا: معناه: أو ذو الشيب يلعب؟ تناكُرًا لذلك، وتعجُّبًا. وكبيتِ الكتاب: [133ظ]
لعمْرُكَ ما أدْرِي وإن كنْتُ دارِيًا ... شُعيْثُ ابنُ سَهْمٍ أمْ شُعيْثُ ابنُ مِنْقَرِ2
يريد: أشعيث ابن سهم أم شعيث ابن منقر؟
ويدل على إرادة هذه القراءة الهمزة وأنها إنما حذفت لما ذكرنا بقاء "أم" بعدها، ولو أراد الخبر لقال: أولم تنذرهم. فإن قيل: تكون "أم" هذه منقطعة، كقولهم: إنها لإبِل أمْ شَاءٌ3، قيل: إذا قدرت ذلك بقي قوله تعالى: {وَسَوَاءٌ عَلَيْهِم} منقطعا لا ثاني له، وأقل ما يكون خبر سواء اثنان. فقد علمت4 بهذا أن قول ابن مجاهد على الخبر لا وجه له، اللهم إلا أن يُتحمَّل له، فيقال: أراد بلفظ الخبر وفيه من الصنعة ما تراه.
ومن ذلك قراءة الماجشون: "أنْ ذُكِّرْتُمْ"5، بهمزة واحدة مفتوحة مقصورة، ولا ياء بعدها وقرأ: "أَيْنَ" بهمزة بعدها ياء ساكنة، والنون مفتوحة "ذُكِرْتُمْ"، مضمومة الذال، خفيفة الكاف الأعمش وأبو جعفر يزيد.
__________
1 سورة يس: 10.
2 انظر الصفحة 50 من الجزء الأول.
3 جمع شاة، وهي الواحدة من الغنم، للذكر والأنثى.
4 سقطت "علمت بهذا" في ك.
5 سورة يس: 19.(2/205)
قال أبو الفتح: أما "أَنْ ذُكِّرْتُم" فمنصوبة الموضع بقوله سبحانه: {طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} ، وذلك أنهم لما قالوا لهم: {إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} ، أي: تشاءمنا، قالوا لهم جوابًا عن ذلك: بل {طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} ، أي: بل شؤمكم معكم1 "أَنْ ذُكِّرْتُم"، أي: هو معكم لِأَنْ ذُكِّرْتُمْ، فلم تذكروا، ولم تنتهوا. فاكتفى بالسبب الذي هو التذكير من المسبب الذي هو الانتهاء، على ما قدمناه من إقامتهم كل واحد من المسبب والسبب مقام صاحبه. ووضعوا الطائر أيضا موضع مسببه وهو التَّشَؤمُ2، لما كانوا يألفونه من تكارههم نعيقَ الغراب أو بُرُوحَه3 ونحو ذلك. ومَن رأى أنّ "أنْ" قد حُذِفَ الجارُّ عن لفظها وإرادتِه فيها مجرورةً رأى ذٍلك هنا فيها، وهو الخليل.
وأما "أَيْنَ ذُكِرْتُمْ" فمعناه أين حَلَلْتُم، وكنتم، ووُجِدْتم؛ فَذُكِرْتُم. فاكتفى بالمسبب الذي هو الذكر من السبب الذي هو الوجود، و"أَين" هنا شرط وجوابها محذوف لدلالة {طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} عليه، فكأنه قال: أَيْن ذُكِرْتُم، أو أين وجدتم شؤمكم معكم. وهذا كقولك: سَيفُك معك أين حَلَلْت، وجُودك معك متى4 سئلت كنت جوادا، وكقولك: أنت ظالم إن فعلت، أي: إن فعلت ظلمت. ولا يجوز الوقوف في هاتين القراءتين على "معكم" لاتصال "أنْ" و"أين" بها، لكن على5 قراءة من قرأ بالاستفهام: "أئِنْ ذُكِّرْتُم"؟ لأن الاستفهام يقطع ما قبله عما بعده؛ لأن له صدر الكلام؛ فكأنه قال: بل طائركم معكم ردًّا عليهم، ثم استأنف مستفهمًا، وهو يريد الإنكار.
ومن ذلك قراءة أبي جعفر ومعاذ بن الحارث: "إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةٌ وَاحِدَةٌ"6.
وقرأ ابن مسعود وعبد الرحمن بن الأسود: "إلا زَفْيَةً".
قال أبو الفتح: في الرفع ضعف؛ لتأنيث الفعل، وهو قوله: "كانت". ولا يقوى أن تقول: ما قامت إلا هند، وإنما المختار من ذلك: ما قام إلا هند؛ وذلك أن الكلام
__________
1 سقطت "معكم" في ك.
2 في ك: التشاؤم, وأصل التشاؤم: الأخذ إلى الشمال، وبه يكون تشاؤمهم.
3 بروحه: مروره من الميامن إلى المياسر.
4 في ك: "أين" ويبدو أن في العبارة سقطا بعد "سئلت"، وهو "أي متى سئلت كنت".
5 أي: لكن يجوز على قراءة من قرأ.
6 سورة يس: 29.(2/206)
محمول على معناه، أي: ما قام أحد إلا هند. فلما كان هذا هو المراد المعتمد -ذكر [134و] لفظ الفعل، إرادة له، وإيذانا به. ثم إنه لما كان محصول الكلام: قد كانت صيحة واحدة جيء بالتأنيث؛ إخلادًا إليه، وحملا لظاهر اللفظ عليه. ومثله قراءة الحسن: "فَأَصْبَحُوا لا تُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ"1 بالتاء في "ترى". وعليه قول ذو الرمة.
بَرَى النَّحْزُ والْأَجْرال ما في غُرُوضِها ... فما بقيتْ إلا الصدُورُ الجراشع2
وأقوى الإعرابين: فما بقي إلا الصدور؛ لأن المراد ما بقي شيء منها إلا الصدور، على ما مضى.
وأما "زَقْيَةً" فيقال: زَقَا الطائر يَزْقُو ويَزِقِي زُقُوًّا وزُقِيًّا وزُقاء: إذا صاح، وهي الزَّقْوة والزَّقْية.
وأما أبو حاتم فصرّف الفعل على الواو، فلم ير للياء فيه تصريفا، وقال: أصلها "زقوة"، إلا أن الواو أبدلت للتخفيف ياء، وشبهه بقولهم: أرض مَسْنِيَّةٌ3، وإنما هو مَسْنُوَّةٌ، وقوله:
أنا الليْثُ مَعْدِيًّا عليَّ وعادِيًا4
أي: مَعْدُوًّا عليه، وأثبت أبو العباس أحمد بن يحيى الياء في "زَقْية" أصلا، وأنشدوا قوله:
وتَرَى المُكَّاء فِيهِ ساقِطا ... لَثِق الرِّيشِ إذَا زَفَّ زفى5
__________
1 سورة الأحقاف: 25.
2 روي "طوى" مكان "برى" و"الأجراز" مكان "الأجرال"، وقد نبه على هذا في هامش نسخة الأصل. والنحز: الركل بالعقب. والأجرال: جمع جرل -بالتحريك- وهو المكان الصلب الغليظ. والأجراز: جمع جرز، وهي الأرض التي لا تنبت. والغروض جمع غَرْض -كسهم- وهو للرحل كالحزام للسرج. والجراشع: جمع جرشع، وهو الغليظ. وانظر الديوان: 341.
3 مسنية: تسقيها السانية.
4 صدره:
وقد علمت عرسي مليكة أنني
والبيت من قصيدة عبد يغوث الحارثي الجاهلي التي قالها لما أسرته تيم الرباب. ويروى "عليه" مكان "على". وانظر ذيل الأمالي: 133، وشواهد الشافية: 400، 401.
5 المكاء: طائر. ولثق الريش: مبتله. وزفى الطائر زفا وزفيفا: رمى بنفسه، أو بسط جناحيه.(2/207)
وكأنه إنما استعمل هنا صياح الطائر: الديك ونحوه؛ تنبيها على أن البعث -بما فيه من عظيم القدرة وإعادة ما استرم1 من إحكام الصنعة وإنشار الموتى من القبور- سهل على الله "سبحانه"، كزَقْيَةٍ زَقَاها طائرٌ. فهذا نحو من قوله: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} 2، ونحو ذلك من الآي التي تدل على عظيم القدرة، جل الله جلالا، وعلا علوا كبيرا. وأنشد الفراء مستشهدا به على صحة الياء قوله:
تَلِدُ غُلامًا عارِمًا يُودِيكَ ... ولَو زَقَيْتِ كَزُقَاءِ الدِّيكِ3
وقال: يُقال: زَقَوْتَ وزَقَيْتَ.
ومن ذلك قراءة الأعرج ومسلم بن جندب وأبي الزناد: "يَا حَسْرَهْ"4، ساكنة الهاء، "عَلَى الْعِبَادِ".
وقرأ: "يَا حَسْرَةَ الْعِبَادِ" -مضافًا- ابن عباس والضحاك وعلى بن حسين ومجاهد وأبي ابن كعب.
قال أبو الفتح5: أما "يَا حَسْرَهْ"، بالهاء ساكنة ففيه النظر. وذلك أن قوله: {عَلَى الْعِبَادِ} متعلق بها، أو صفة لها. وكلاهما لا يحسن الوقوف عليها دونه، ووجه ذلك عندي ما أذكره. وذلك أن العرب إذا أخبرت6 عن الشيء -غير مُعْتَمِدَتٍهٍ ولا مُعْتَزِمَةٍ عليه- أسرعت فيه، ولم تتأن على اللفظ. المعبر به عنه. وذلك كقوله:
قُلْنَا لَها قِفِي لَنا قالَتْ قَافْ7
معناه: وقفْتُ، فاقتصَرَتْ من جملة الكلمة على حرف منها؛ تهاوُنًا بالحالِ، وتثاقُلًا على الإجابة، واعتماد المقال. ويكفي في ذلك قول الله سبحانه: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ
__________
1 استرم: حان أن يرم ويصلح.
2 سورة لقمان: 28.
3 ضبط "تلد" في الأصل بضم الدال، والوزن يقتضي تسكينها، أو اعتبار التاء خزما. وانظر الصفحة 134 من هذا الجزء. وعارما: شرسا مؤذيا.
4 سورة يس: 30.
5 سقط في ك: قال أبو الفتح.
6 في ك: خبرت.
7 انظر الصفحة 204 من الجزء.(2/208)
فِي أَيْمَانِكُمْ} 1. قالوا في تفسيره: هو كقولك: لا والله، وبلى والله. فأين سرعة اللفظ بذكر اسم الله تعالى هنا من التثبت فيه، والإشباع له، والمماطلة عليه من قول الهذلي:
فَوَاللهِ لا أَنْسَى قَتِيلا رُزِئْتُهُ ... بِجَانِبِ قُوسَى مَا مَشَيْتُ علَى الأرْضِ2؟
أفلا ترى إلى تَطَعُّمِكَ3 هذه اللفظة في النطق هنا4 بها، وتَمَطِّيكَ لإشباع معنى القسم [134ظ] عليها؟ وكذلك أيضا قد ترى إلى إطالة الصوت بقوله من بعده:
بَلَى إنَّها تَعْفُو الكُلُومُ وإنما ... نُوكَّلُ بِالأَدْنَى وإنْ جَلَّ مَا يَمْضِي5
أفلا تراهُ -لما أكذب نفسه، وتدارك ما كان أفرط في اللفظ- أطال الإقامة على قوله: بلى؛ رجوعا إلى الحق عنده، وانتكاثًا عما كان عقد عليه يمينه؟ فأين قوله هنا: "فوالله"، وقوله: بلى، منهما في قوله: لا والله، وبلى والله؟
وعليه قوله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} 6، أي: وكَّدتموها، وحققتموها وإذا أوليت هذا أدنى تأمل عرفت منه وبه ما نحن بسبيله وعلى سمته، وعلى هذا قال سيبويه: إنهم يقولون: سِيرَ عليه لَيْلٌ، يريدون: ليلٌ طويلٌ. وهذا إنما يفهم عنهم بتطويل الياء، فيقولون: سِيرَ عليه ليلٌ7، فقامت المدة مقام الصفة.
ومن ذلك ما تستعمله العرب من إشباع مدات التأسيس والردف والوصل والخروج عناية بالقافية، إذ كانت للشعر نظاما، وللبيت اختتاما.
أخبرنا أبو أحمد الطبراني عن شيخ له ذكره عن البحتري، قال: سمعت ابن الأعرابي يقول: استجيدوا القوافي، فإنها حوافر الشعر. وقال لي الشجري في بعض كلامه: القافية
__________
1 في سورتي البقرة: 225، والمائدة: 89.
2 لأبي خراش الهذلي في رثاء أخيه عروة، وقد قتل بقوسى: بلد بالسراة. وضبطت العبارة في القاموس والتاج بفتح القاف، وبالقلم في الأصل والديوان بضمها. وانظر ديوان الهذليين: 2: 158، والحماسة: 1: 332، والخزانة: 2: 458.
3 في ك: تطفك، وهو تحريف. وتطعم الشيء: ذاقه.
4 ساقطة في ك.
5 يروى "على" مكان "بلى" وتعفو: تمحى. يريد أن حرقة الأسى وإن جلت يعفو أثرها مع الأيام، وإنما يشتد الجزع من المصيبة القريبة العهد.
6 بقية الآية 89 السابقة من سورة المائدة.
7 عبارة الكتاب "1: 1"2: "وتقول: سير عليه ليل طويل، وسير عليه نهار طويل وإن لم تذكر الصفة وأردت هذا المعنى رفعت إلا أن الصفة تبين بها معنى الرفع وتوضحه".(2/209)
رأس البيت، وهذا ليس نقضا للأول، وإنما غرضه فيه أنها أشرف ما فيه، كما أن حوافر الفرس هي أوثق ما فيه، وبها نهوضه، وعليها اعتماده. ولقد تغنّى يوما خفير لنا بشعر مؤسس نحو قوله:
ألا عَلِّلانِي قَبْلَ لَوْمِ العَوَاذِلِ
فلَعهدي به وهو يمطُل الألف حتى يَخْطُوَ به فرسُه الخطوة والعشرين، ولولا ظاهر ما في القولِ لقلْتُ الأكثر. فإذا تجاوز الألف أسرع عند الدخيل، فاختلس الذال والروي بعدها. وكان أيضا يمده بتقبُّل صدى صوته مع تماديه واغتراق أقصى النفَسِ فيه ما كان يعطيه إياه نقل الفرس به؛ فإن ذلك كان يهزُّ الألف، ويصنعها، ويزيل تحيَّرها والساذَجِيَّة المملولة عنها.
وعلى ذكر طول الأصوات وقصرها لقوة المعاني المعبر بها عنها وضعفها ما يحكى أن رجلا ضرب ابنا له، فقالت له أمه: لا تضربه، ليس هو ابنك؛ فرافعها إلى القاضي فقال: هذا ابني عندي، وهذه أمه تذكر أنه ليس مني. فقالت المرأة: ليس الأمر على ما ذكره، وإنما أخذ يضرب ابنه فقلت له: لا تضربه ليس هو ابنك، ومدت فتحة النون جدا، فقال الرجل: والله ما كان فيه هذا الطويل1 الطويل، والأمر يذكر للأمر على تقاربهما، أو تفاوتهما إذا كان ذلك للغرض مُوَضِحًا، وإليه بطالبه مُفْضِيًا. وقد قال:
وَعِنْدَ سَعِيدٍ غَيْرَ أنْ لَمْ أَبُحْ بِهِ ... ذَكَرْتُكِ إنَّ الأمرَ يُذْكَرُ لِلْأَمْرِ2
وإذا3 كان جميع ما أوردناه ونحوه مما استطلناه فحذفناه يدل أن الأصوات تابعة للمعاني -فمتى قويت قويت، ومتى ضعفت ضعفت. ويكفيك من ذلك قولهم: قَطَعَ وقَطَّعَ، وكَسَرَ وكَسَّرَ. زادوا في الصوت لزيادة المعنى، واقتصدوا فيه لاقتصادهم فيه- علمت أن قراءة من قرأ: "يَا حَسْرَهْ عَلَى الْعِبَادِ"، بالهاء ساكنة إنما هو [135و] لتقوية المعنى في النفس، وذلك أنه في موضع وعظ. وتنبيه، وإيقاظ وتحذير، فطال الوقوف على الهاء كما يفعله المستعظم للأمر، المتعجب4 منه، الدال على أنه قد بهره، وملك عليه لفظه وخاطره. ثم قال من بعد: "على العباد"، عاذرا نفسه في الوقوف على الموصول دون صلته لما كان فيه، ودالَّا للسامع
__________
1 كذا في الأصلين، وقد يكون تحريف "الطول".
2 الخصائص: 2: 264.
3 جواب "إذا" قوله: "علمت" الآتي بعد أسطر.
4 في الأصل: "المتعجب ومنه"، ولا محل هنا الواو.(2/210)
على أنه إنما تجشم ذلك -على حاجة الموصول إلى صلته وضعف الإعراب وتحجره على جملته- ليفيد السامع منه ذهابَ الصورة بالناطق.
ولا يَجْفُ ذلك عليك على ما به من ظاهر انتقاض صنعته؛ فإن العرب قد تحمل على ألفاظها لمعانيها حتى تفسد الإعراب لصحة المعنى. ألا ترى إلى أن أقوى اللغتين - وهي الحجازية في الاستفهام عن الأعلام نحو قولهم فيمن قال: مررت بزيدٍ: من زَيْدٍ؟
فالجر حكاية لجر المسئول عنه، فهذا مما احتُمل فيه إضعاف الإعراب لتقوية المعنى. ألا ترى أنه لو ركب اللغة التميمية طلبا لإصابة الإعراب فقال: مَنْ زَيْدُ؟ لم يَضِحْ من ظاهر اللفظ أنه إنما يسأل عن زيد هذا المذكور آنفا ولم يؤمن أن يُظن به أنه إنما ارتجل سؤالا عن زيد آخر مستأنفا؟
ومن الحمل على اللفظ للمعنى قوله:
يا بُؤْسَ لِلْجَهْلِ ضَرَّارًا لأقْوَام1
فتجشَّم الفصل بين المضاف والمضاف إليه بلام الجر؛ لما يعقبه من توكيد معنى الإضافة، فهذا ونظائره يؤكد أن المعاني تتلعّب بالألفاظ، تارة كذا، وأخرى كذا. وفيه بيان لما مضى.
وقد يجوز غير هذا كله، وهو أن يكون "حسرة" غير متعلقة بـ"على"، فيحسن الوقوف عليها, ثم تُعَلَّق "على" بمضمر، وتدل عليه "حسرة" حتى كأنه قال: أتحسَّر على العباد. وهذا في القرآن ما لا أحصيه لكثرته.
وأما "يا حسرةَ العِبادِ" مضافا فإن لك فيه ضربين من التأويل:
إن شئت كان "العباد" فاعلين في المعنى، كقولك: يا قيام زيد ويا جلوس عمرو أي: كأن العباد إذا شاهدوا العذاب تحسروا.
وإن شئت كان "العباد" مفعولين في المعنى، وشاهده للقراءة الظاهرة: "يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ"، أي: يتحسر عليهم مَنْ يعنيه أمْرُهُم ويهمُه ما يمسهم، وهذا ظاهر.
__________
1 انظر الصفحة 251 من الجزء الأول.(2/211)
ومن ذلك قراءة ابن مسعود وابن عباس وعكرمة وعطاء بن أبي رياح1 وأبي جعفر محمد بن علي وأبي عبد الله جعفر بن محمد وعلي بن حسين: "وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِا مُسْتَقَرَّ لَهَا"2، بنصب الراء.
قال أبو الفتح: ظاهر هذا الموضع ظاهر العموم، ومعناه معنى الخصوص؛ وذلك أن "لا" هذه النافية الناصبة للنكرة لا تدخل إلا نفيا عاما؛ وذلك أنها جواب سؤال عام، فقولك: لا رجل عندك. جواب هل من رجل عندك؟ فكما أن قولك: هل من رجل عندك، سؤال عام، أي: هل عندك قليل أو كثير من الجنس الذي يقال لواحده رجل؟ فكذلك ظاهر قوله: "لِا مُسْتَقَرَّ لَهَا" نفي أن تستقر أبدا، ونحن نعلم أن السموات إذا زُلْنَ بطل سير الشمس أصلا، فاستقرت مما كانت عليه من السير. ونعوذ بالله أن نقول: إن حركتها دائمة كما يذهب مُحَبَّنُو3 الملحدة، فهذا إذًا -في لفظ العموم بمعنى الخصوص- بمنزلة قوله:
أَبْكِي لفَقْدِكَ ما ناحَتْ مُطوَّقةً ... وما سما فَنَنٌ يومًا عَلَى ساقِ4
ونحن نعلم أن أقصى الأعمار الآن إنما هو مائة سنة ونحوُها، أي: لو عشت أبدا بكيتك. فكذلك "لِا مُسْتَقَرَّ لَهَا" ما دامت السموات على ما هي عليه. [135ظ] وقد تقدم ذكرنا باب المجاز في كتابنا الخصائص5، وأنه أضعاف الحقيقة قولا واحدا.
ومن ذلك قراءة قتادة: "وَنُفِخَ فِي الصُّوَر"6.
قال أبو الفتح: قد سبق القول على ذلك فيما مضى بشواهده7.
__________
1 كذا بالأصل والبحر. وسقطت "أبي" في البحر. وكتب بهامش الأصل "يسار". دون إشارة إلى إنها استدراك لكلمة "رباح"، ولكل من عطاء بن أبي رباح وعطاء بن يسار ترجمة في طبقات القراء: 2: 513.
2 سورة يس: 38.
3 محبنو الملحدة: المدخولو الطبيعة منهم. وأصل الحبن داء في البطن يعظم منه ويرم، أو تخرج منه حبون، أي: دماميل مقيحة، الواحد حبن، بكسر فسكون.
4 لأم عمرو، أخت ربيعة بن مكدم، ترثي أخاها ربيعة، وقد قتلته بنو سليم. ويروى "فسوف أبكيك" مكان "أبكي لفقدك"، "وما سريت مع الساري" مكان "وما سما فنن يوما" والبيت من ثمانية أبيات رواها القالي في ذيل الأمالي: 13.
5 تكلم عن المجاز في بابين من الخصائص: الأول باب في فرق بين الحقيقة والمجاز: 2: 442-447، والآخر باب في أن المجاز إذا كثر لحق بالحقيقة: 2: 447-457.
6 سورة يس: 51.
7 انظر الصفحة 59 من الجزء الثاني.(2/212)
ومن ذلك قراءة علي بن أبي طالب "عليه السلام": "مِنْ بَعْثِنَا"1.
قال أبو الفتح: أي: يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا، كقولك: يا ويلي مِن أخْذِكَ مني مالي، فـ "مِنْ" الأولى متعلقة بالويل، كقولك: يا تَأَلُّمِي منك.
وإن شئت كانت حالا من "وَيْلَنَا"؛ فتعلقت بمحذوف، حتى كأنه قال: يا ويلنا كائنا من بَعْثِنا. وجاز أن يكون حالا منه، كما يجوز أن يكون خبرا عنه، كقول الأعشى:
وَيْلِي عَلَيْكَ وَوَيْلِي مِنكَ يا رَجُل2
وذلك أن الحال ضرب من الخبر.
وأما "من" في قوله تعالى: {مِنْ مَرْقَدِنَا} فإنها متعلقة بنفس البعث، كقولك: سرني بعثك من بلدك إليّ.
ومن ذلك قراءة ابن أبي ليلى: "يَا وَيْلَتَا"1، بزيادة تاء.
قال أبو الفتح: هو تأنيث الويل، فويلة كقولة، ومثله: {يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ} 3، وأصلها: يا ويلتي، فأبدلت الياء ألفا؛ لأنه نداء، فهو في موضع تخفيف، فتارة تحذف هذه الياء كقولك: يا غلامِ، وأخرى بالبدل كقولك: يا غلامَا. قال:
يا أبَتَا عَلّك أو عساكا4
قإن قلت: فكيف قال: "يَا وَيْلَتَا"، وهذا لفظ الواحد وهم جماعة، ألا ترى أن
__________
1 سورة يس: 52.
2 صدره:
قالت هريرة لما جئت زائرها
وانظر الديوان: 57.
3 سورة هود: 72.
4 للعجاج يمدح الحارث بن سليم الهجيمي. وقبله:
تقول بنتي: قد أنى أناكا
وأنى: قرب، والأنى: الوقت. وأنى أناك: حان وقت رحيلك إلى من تأمل حباءه. وخبر علك محذوف. وينكر ابن الأعرابي أن يكون ما قبل الشاهد: تقول بنتي.. في خلاف طويل، تجده في الخزانة: 2: 441، والشاهد في متفرقات الديوان مع أرجوزته: 85، وانظر الكتاب: 1: 382، 2: 299.(2/213)
بعده {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} ؟ قيل: يكون على أن كل واحد منهم قال: "يَا وَيْلَتَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا"، كما يقول الرجل: صبرا على ما حكم الله به علينا، ورضيت بما قسم الله لنا، ونحوٌ منه قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} 1، أي: اجلدوا كل واحد منهم. ومثله ما حكاه أبو زيد من قولهم: أتينا الأمير فكسانا كلنا حلّة، وأعطانا كلنا مائة، أي: كسا كل واحد منا حلة، وأعطى كل واحد منا مائة.
ومن ذلك قراءة أبي بن كعب: " منْ هَبَّنَا مِنْ مَرْقَدِنَا"2، يعني أصحاب القبور.
قال أبو الفتح: قد أثبت أبو حاتم عن ابن مسعود: "مَنْ أهَبَّنَا"، بالهمزة. وهي أقيس القراءتين. يقال: هَبَّ من نومه، أي: انتبه وأَهْبَبْتُهُ أنا، أي: أنبهته. قال:
أَلَا أَيُّها النُّوَامُ وَيْحَكُمُ هُبُّوا ... أُسَائِلُكُمْ: هَلْ يَقْتُلُ الرَّجُلَ الحُبُّ3
فأما "هبَنَّي" أي: أيقظني فلم أر لها في اللغة أصلا، ولعلها لغة قليلة، ولا مَرَّ بنا مَهْبُوب، بمعنى مُوقَظ. وهي -مع حسن الظن بِأُبَيّ- مقبولة. وقد أثبتها أبو حاتم أيضا، اللهم إلا أن يكون حرف الجر معها محذوفا، أي: وهب بنا، بمعنى أيقظنا، ثم حُذف حرف الجر، فوصل الفعل بنفسه. وليس المعنى على من هَبَّ فَهَبَبْنَا معه كقولك: انتبَهَ وأَنْبَهَنا4 معه، وإنما معناه من أيقظنا. ألا ترى إلى قول الله "سبحانه" {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِم} 5 ليس معناه "تعالى" أنه ذهب وذهب بنورهم معه؟ هذا مدفوع عن الله تعالى، وإنما معناه: أَذْهَبَ نُورَهُمْ، فذَهَبَ بِهِ كأَذْهَبَهُ، أي أزاله وأنفده6، فاعرف ذلك.
ومن ذلك قراءة محمد بن كعب القُرَظيّ: "وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ سِلْمٌ قَوْلًا"7.
__________
1 سورة النور: 4.
2 سورة يس: 52، وقراءة الجماعة: {مَنْ بَعَثَنَا} .
3 لجميل من سبعة أبيات في سمط اللآلي: 946، ورواية الصدر فيه:
ألا أيها الركب النيام إلا هبوا
وانظر الأمالي: 2: 302.
4 كذا بالأصل، والسياق يقتضي "انتبهنا".
5 سورة البقرة: 17.
6 في ك: وأبعده.
7 سورة يس: 58.(2/214)
وقرأ عيسى الثقفي: "سَلامًا قَوْلًا" نصبا جميعا.
قال أبو الفتح: أما الرفع فعلى أوجه:
أحدها أن يكون مقطوعا مستأنفا، كأنه لما قال: {وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} قال: "سِلْمٌ" [136و] أي: ذاك "سِلْمٌ"، أي: ثابت لا نزاع فيه ولا ضيم ولا اعتراض، بل هو سِلْمٌ لهم.
ووجه ثان: أن يكون على: ما يدعون سِلْمٌ لهم، أي: مسلَّمٌ لهم، فـ"لهم" على هذا متعلق بنفس "سِلْمٌ"، وليس بمصدر، بل هو بمعنى اسم الفاعل أو المفعول، وإنما على مُسَالِم لهم، أو على مسلَّم لهم. ولم يجز بمعنى المصدر؛ لأنه كان يكون في صلته، ومحال تقدم الصلة أو شيء منها على الموصول.
ووجه ثالث، وهو أن يكون: "لهم" خبرا عن: "ما يدعّون" و"سِلْم" بدل منه.
2ووجه رابع، وهو أن يكون "لهم" خبرا عن "ما يدعّون" و"سِلْمٌ" خبر آخر، كقولنا: زيد جالس متحدث، كما جاز أن يكون بدلا من "لهم" فكذلك يجوز أن يكون خبرا معه آخر.
فإن قلت: فإذا كان لهم سلم لا حرب لهم فما فيه من الفائدة؟ قيل: قد يكون الشيء لك لكن على خلاج1 وبعد شواجر الخلاف، وذلك كالشيء المتناهَب، فقد يحصل لأحد الفريقين، لكن على أغراض من النزاع باقية فيه، ولم يَصْفُ صفاء ما لا تعلق للمتبِع به، فمعلوم أن هذه الثوابت لأربابها لا تتساوى أحوالها في انحسار الشُّبَه والزخارف عنها.
ونَصب "قولا" على المصدر، أي: قال الله ذلك قولا أو يقال ذلك قولا. ودل على الفعل المحذوف لفظ مصدره، وأن القرآن إنما هو أقوال متابِعة. وأما "سلامًا" بالنصب فحال مما قبله، أي: ذلك لهم مسلَّما، أو مُسالِما، أي: ذا سلام وسلامة. ونصب "قولا" على المصدر كما مضى.
__________
1 خلاج: منازعة.(2/215)
ومن ذلك قراءة الحسن وعبد الله بن عبيد بن عمير1 وابن أبي إسحاق والزهري والأعرج وحفص بن حميد: "جُبُلًّا"2، بضم الجيم والباء، واللام مشددة.
وقرأ: "جِبْلًا"، مكسورة الجيم، ساكنة الباء الأشهب العقيلي.
قال أبو الفتح: قد تقدم ذكر هذا3 الحرف بما فيه.
ومن ذلك قراءة طلحة -رواه عبد الرحمن بن محمد بن طلحة عن أبيه عن جده: "نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَلِتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَلِتَشْهَدَ أَرْجُلُهُمْ"4.
قال أبو الفتح: الكلام محمول على محذوف، أي: نختم على أفواههم وَلِتُكَلِّمُنَا أيديهم ولتشهَدَ أرجلُهم بما كانوا يكسبون ما نختم على أفواههم، كقولك: أحسنت إليك ولشكرك ما أحسنت إليك، وأنلتك سؤالك ولمسألتك ما أنلتك سؤلك، كما قال:
أَحْبَبْتُها وَلِحَيْنِي كانَ حُبِّيها ... هَلْ أنتَ يا سعْدُ يومًا مَا مُلاقِيها؟
ومن ذهب إلى زيادة الواو نحو قول الله "سبحانه": {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} جاز أن يذهب إلى مثل ذلك في هذا الموضع، فكأنه اليوم نختم على أفواههم لِتُكَلِّمُنَا أيديهم. فأما الواو في قوله "تعالى": "ولِتَشْهَدَ" فعطف على ما قبلها، وهو "لِتُكَلِّمَنَا"، وعلى أن زيادة الواو لا يعرفها البصريون، وإنما هو للكوفيين خاصة.
ومن ذلك قراءة الحسن والأعمش: "رُكُوبُهُم
"5، برفع الراء وقرأ: [136ظ] "رَكُوبَتُهُمْ" عائشة وأبي بن كعب.
قال أبو الفتح: أما الرُّكوب، بضم الراء فمصدر، والكلام محمول على حذف المضاف مقدما أو مؤخرا.
__________
1 هو عبد الله بن عبيد بن عمير بن قتادة بن سعد بن عامر بن جندع، أبو هاشم الليثي المكي، تابعي جليل وردت الرواية عنه في حروف القرآن، ومات سنة 113. طبقات القراء لابن الجزري: 1: 430.
2 سورة يس: 62.
3 انظر الصفحة: 132 من هذا الجزء. وفيها "الجبلة" دون تعليق، وليس في القرآن إلا هي و"الجبل".
4 سورة يس: 65.
5 سورة يس: 72.(2/216)
فإن شئت كان التقدير فيها ذو رُكُوبهم، وذو الرُّكوب هنا هو المركوب، فيرجع المعنى بعد إلى معنى قراءة من قرأ: "رَكُوبهم" بفتح الراء، و"رَكُوبَتُهُمْ".
وإن شئت كان التقدير فمن منافعها أو من أغراضها رُكوبهم، كما تقول لصاحبك: من منافعك إعطاؤك لي، ومن بركاتك وصول الخير إليّ على يدك. ومثله في تقدير حذف المضاف من جهتين أيَّ الجهتين شئت قول الله "سبحانه": {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} 1
، إن شئت كان على تقدير: ولكنّ البِرَّ بِرُّ من اتقى، وإن شئت كان تقديره: ولكنّ ذا البِرِّمن اتقى.
والتقدير الأول في هذا أجود عندنا؛ وذلك أن تقديره حذف المضاف من الخبر، أعني: برُّ من اتقى، والخبر أولى بذلك من المبتدأ؛ وذلك أن حذف المضاف ضرب من التوسع. والتوسعُ آخرُ الكلام أولى به من أوله، كما أن الحذف والبدل كلما تأخر2 كان أمثل؛ من حيث كانت الصدور أولى بالحقائق من الأعجاز وهذا واضح، ولذلك اعتمده عندنا صاحب الكتاب فحمله على أن التقدير: ولكنّ البِرَّ بِرُّ من اتقى3.
وأجاز أبو العباس أن يكون الحذف من الأول على ما مضى، وهو لعمري جائز، إلا أن الوجه ما قدمنا ذكره، لكن الحذفين في قوله: "فَمِنْهَا رَكُوبُهُم" -على ما قدمنا- متساويان، وذلك إن قدرته على أنه: فمن منافعها رُكُوبُهُمْ فإنما حذفت من الخبر؛ لأن تقديره: فَرُكُوبُهُمْ منها، فهو -وإن كان مقدما في اللفظ- مؤخر في المعنى. وإن قدرته على معنى: فمنها ذو رُكُوبُهُمْ، فَحَسَنٌ أيضا، وإن كان مقدما في المعنى فإنه مؤخر في اللفظ، فاعرف ذلك.
وأما "رَكُوبَتُهُمْ" فهي المركوبة: كالقَتُوبَة4"، والجَزُوزَة، والحَلُوبَة، أي: ما يُقْتَبُ، ويُجَزُّ، ويُحْلَبُ. وقد أشبعنا هذا الموضع في كتابنا المعروف بالخطيب، وهو شرح كتاب المذكر والمؤنث ليعقوب بن السكيت.
ومن ذلك قراءة طلحة وإبراهيم التيمي الأعمش: "مَلَكَةُ كُلِّ شَيْءٍ"5.
__________
1 سورة البقرة: 177.
2 كذا بالأصلين، والأظهر: تأخرا.
3 الكتاب: 1: 108.
4 القتوبة: الإبل تشد عليها الأقتاب، والأقتاب: جمع قتب، وهو الأكاف، أو الصغير على قدر سنام البعير.
5 سورة يس: 83.(2/217)
قال أبو الفتح: معناه -والله أعلم- سبحان الذي بيده عصمة كل شيء وقدرة كل شيء، وهو من مَلَكْتُ العجينَ: إذا أَجَدْت عجنه، فقويتَهُ بذلك. ومنه المِلْكُ؛ لأنه القدرة على المملوك، ومنه المُلْكُ؛ لأن به قِوَام الأمور.
والمَلَكُوت فَعَلُوت منه، زادوا الواو والتاء للمبالغة بزيادة اللفظ، وهذا1 لا يطلق الملكوت إلا على الأمر الأعظم. ألا تراك تقول: مِلْك البزاز والعطار والحناط، ولا تقول الملكوت في شيء من ذلك؟ ونظيره الجَبَرُوت، والرَّغَبُوت2، الرَّهَبُوت3، ومنه عندنا الطاغُوت، هو فَعَلُوت من الطغيان، إلا أنه قُلِب وأصلُه طَغَيُوت، فَقُدِّمت اللام على العين، فصارت طَيَغُوت، ثم قلبتِ الياء لوقوعها متحركة بين متحركين فصار [137و] طاغُوت، وقد تقصينا ذلك في كتابنا الموسوم بالمنصف4.
__________
1 كذا بالأصلين، ولعلها: هذا ولا.
2 الرغبوت: الرغبة.
3 الرهبوت: الرهبة.
4 المنصف: 3: 21، 22.(2/218)
سورة الصافات:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ: "مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دَحُورًا"1. السلمي.
قال أبو الفتح: في فتح هذه الدال وجهان:
إن شئت على ما جاء من المصادر على فَعُول -بفتح الفاء- على ما فيه من خلاف أبي بكر فيه، وقد بيناه فيما مضى من هذا الكتاب2 وغيره.
وإن شئت: أراد وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ بِدَاحِرٍ، أو بِما يَدْحَرُ، وهذا كأنه الثاني من الوجهين، لما فيه من حذف حرف الجر وإرادته. وأكثر ما يأتي في الشعر، كما قال:
نُغَالِي اللَّحْمَ لِلأضْيافِ نِيئًا ... ونُرْخِصُه إذا نَضِجَ القَدِيرُ3
أي: باللحم، ومثله {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ} 4 أي: أعلم به، فيمن قدر ذلك.
ومن ذلك قراءة ابن عباس وأبي سراج وابن أبي عمار عبد الرحمن -ويقال عمار بن أبي عمار- وأبي عمرو - بخلاف- وابن محيصن: "هَلْ أَنْتُمْ مُطْلِعُونَ فَأُطْلِعَ"5.
قال أبو الفتح: يقال طَلَع: إذا بدا، وأطْلَعَ: أقْبَلَ. فهو على هذا: هل أنتم مقبلون.
__________
1 سورة الصافات:9.
2 انظر الصفحة 63 من الجزء الأول.
3 غالى بالشيء: اشتراه بثمن غال. والقدير: ما يطبخ في القدور، وفي الأصل القدور مكان القدير، وهو تحريف. وانظر اللسان "غلا".
4 سورة الأنعام: 117.
5 من قوله تعالى: {قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُون، فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} . [سورة الصافات: 54، 55] وفي البحر "7، 361": "فَأُطْلِعَ"، بضم الهمزة، وسكون الطاء، وكسر اللام، فعلا ماضيا مبنيا للمفعول.(2/219)
فأقبل؟ فالفعل إذًا الذي هو "فَأُطْلِعَ" مسند إلى مصدره، أي: فَأُطْلِعَ الإطلاعُ، كقولك: قد قِيمَ، أي: قِيمَ القيامُ، وقد قُعِدَ، أي: قُعِدَ القعود.
قال أبو الفتح: قال أبو حاتم: لا يجوز إلا فتح النون من "مطلعونَ"، مشددة الطاء كانت، أو مخففة. قال: وقد شكلها بعض الجهال بالحضرة مكسورة النون1، قال: وهذا خطأ. لو كان كذلك لكان مُطْلِعِيِّ، تقلب واو مُطْلِعُون ياء، يعني لوقوع ياء المتكلم بعدها، والأمر على ما ذهب إليه أبو حاتم، إلا أن يكون على لغة ضعيفة، وهو أن يُجري اسم الفاعل مجرى الفعل المضارع؛ لقربه منه، فيُجْرَى "مُطْلِعُونِ" مجرى يُطْلِعُونِ. وعليه قال بعضهم:
أَرَيْتَ إنْ جِئْتُ بِهِ أُمْلُودَا ... مُرَجَّلا وَيَلْبَسُ البُرُودَا
أَقَائِلُنَّ أَحْضِرِ الشِّهُودَا2
فوكد اسم الفاعل بالنون، وإنما بابها الفعل، كقول الله "تعالى": {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} 3، وقوله "تعالى": {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} 4، ونحو ذلك. ومنه قول الآخر:
وما أدْرِي وَظَنِّي كُلّ ظَنٍّ ... أَمُسْلِمُنِي إلَى قَوْمِي شَرَاحِي5
يريد: أمسلمًى، وهذا شاذ كما ترى، فلا حاجه للقياس عليه.
ومن ذلك قراءة شيبان النحوي6: "لَشُوبًا"7.
__________
1 ذكر في البحر "7: 361" ممن قرأ بها عمار بن أبي عمار، فيما ذكره خلف عن عمار.
2 انظر الصفحة 193 من الجزء الأول.
3 سورة التكاثر: 6.
4 سورة الانشقاق: 19.
5 البيت ليزيد بن محمد الحارثي. و"شراحي" مرخم شراحيل لغير نداء. وانظر الدرر اللوامع: 1: 43، والبحر المحيط: 7: 361.
6 هو شيبان بن معاوية أبو معاوية النحوي المؤدب. روى حروفا عن عاصم، وروى عن أبان بن يزيد العطار. وروى عنه الحروف عبد الرحمن بن أبي حماد وغيره. مات سنة 164 طبقات القراء لابن الجزري: 1: 329.
7 سورة الصافات: 67.(2/220)
قال أبو الفتح: الشَّوبُ: الخلط، بفتح الشين. ولم يمرر بنا الضم، ولعله لغة فيه كالفَقر والفُقر، والضَّر والضُّر، ونحو ذلك.
ومن ذلك قراءة الحسن "فَرَاغَ عَلَيْهِمْ سَفْقًا بِالْيَمِينِ"1.
قال أبو الفتح: قد قالوا: صفقْتُ البابَ، وسفَقْتُه، والصاد أعلى. وقالوا أيضا: أَسْفَقْتُه إسْفاقًا، وقالوا في التَّصْفِيق: التَّصْفَاق، إذا كثر ذلك، كالتَّضْرَاب والتَّلْمَاح والتَّمْشَاء وروي عن الحسن, أيضا: "صَفْقًا".
ومن ذلك قراءة عبد الله بن يزيد: "يَزِفُونَ"2، خفيفة.
قال أبو الفتح: المسموع في هذا زَفَّ القومُ يَزِفُّونَ زَفِيفًا، وقالوا أيضا: أَزَفُّوا يُزِفُّونَ، كما قالوا: زَفَفْت العروس، وقالوا [137ظ] أَزْفَفْتُها أيضا. فأما "يَزِفُونَ" بالتخفيف فذهب قطرب إلى أنها تخفيف يَزِفُّونَ، كما قال الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} 3، أي: اُقْرَرْنَ.
قال الهذلي:
وَزَفَّتِ الشَّوْلُ مِن بَرْدِ العَشِيِّ كَمَا ... زَفَّ النَّعَامُ إلى حَفَّانِهِ الرُّوحُ4
إلا أن ظاهر "يَزِفُونَ" أن يكون من وَزَفَ5، كيَعِدون من وعد. ويؤنِّس بذلك قربه من لفظ الوَفز6، وهو واحد الأوْفَاز، من قولهم: أنا على أوْفَاز. إذا كان كذلك فهو
__________
1 سورة الصافات: 93.
2 سورة الصافات: 94.
3 سورة الأحزاب: 33.
4 البيت لأبي ذؤيب الهذلي. وزفت: أسرعت، وأصل الزفيف: خطو مقارب، وسرعة وضع الأخفاف ورفعها. والشول: جمع شائلة، وهي من الإبل: التي خف لبنها، وأتى على نتاجها سبعة أشهر أو ثمانية. وخص الشول لأنه أراد أنها خفيفة البطون فلا تقوى على البرد، وليست كالمخاض. وحفانه: صغاره، المفرد حفانة. والروح: جمع الروحاء، وهي: التي بها روح، وهو انفتاح في الرجل يميل إلى الشق الوحشي. وكل نعامة روحاء. يقول: إن الإبل التي أتى على نتاجها سبعة أشهر وخفت بطونها مما كان فيها قد الجأتها شدة هذا البرد إلى مكان تستدفئ فيه، فأسرعت إليه كما يسرع النعام إلى فراخه. وانظر ديوان الهذليين: 1: 106، واللسان "ورح".
5 وزف: أسرع.
6 الوفز: بالسكون ويحرك: العجلة.(2/221)
قريب من لفظ وَزَفَ، أي: أسرع، وقريب من معناه. ولم يثبت الكسائي ولا الفراء: "وَزَفَ"، إلا أن ظاهر اللفظ مقتضٍ لها على ما مضى. وعلى أن أحمد بن يحيى قد أثبت وَزَفَ: إذا أسرع، وشاهده عنده هذه القراءة: "يَزِفُونَ" أي: يسرعون.
ومن ذلك قراءة الأعمش والضحاك: "فَانْظُرْ مَاذَا تُرَى"1، بضم التاء.
قال أبو الفتح: رُوِّينا عن قطرب: "مَاذَا تُرَى"، و"تُرِي" بفتح الراء وكسرها.
فَتُرَى، أي: يُلْقَى إليك، ويُوقَعُ في خاطرك.
وأما "تُرِي" فتشير به، وتدعو إلى العمل بحسبه.
و"تَرَى" هذه ليست من معنى الرؤية بالبصر؛ لأن الرأي ليس مما تدركه حاسة البصر، ولا هي من معنى العلم أيضا؛ لأنه ليس يكلفه هنا أن يقطع له بصريح الحق وجَليّة اليقين، وإنما يسأله عما يُحضره إياه رأيُه، فهي إذًا من قولك: ما رأيك في هذا؟ وما الذي يَحْضُرُك في كذا؟
ومنه قول الله "تعالى": {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} 2، أي: بما يُحْضِرُك إياه الرأي والخاطر. وفيه شاهد لجواز اجتهاد النبي "صلى الله عليه وسلم". ومنه قولهم: فلان يرى رأي الخوارج، ويرى رأي أبي حنيفة، أي: يذهب مذهبه ويعتقد اعتقاده، ليس أنه يُبصر بصرَه، ولا يعلم يقينا علمَه، وإنما هو أن يعتقد رأيَه، صوابًا كان، أو خطأ.
ومن ذلك قراءة علي بن أبي طالب وابن عباس وابن مسعود ومجاهد والضحاك والأعمش والثوري وجعفر بن محمد: "فَلَمَّا سَلَّمَا"3، بغير ألف ولام مشددة.
قال أبو الفتح: أما "أَسْلَمَا" ففوضا وأطاعا، وأما "سَلَّمَا" فمن التسليم، أي: سلما أنفسهما وآراءهما كالتسليم باليد4 لما أُمِرَا به، ولم يخالفا ما أُرِيدَ منهما من إجماع إبراهيم "عليه السلام" الذبح، وإسحاقَ الصبر.
__________
1 سورة الصافات: 102.
2 سورة النساء: 105.
3 سورة الصافات: 103.
4 سقطت في ك.(2/222)
ومن ذلك قراءة ابن محيصن وعكرمة -بخلاف- والحسن -بخلاف- وأبي رجاء: "وَإِنَّ الْيَاسَ"1، بغير همز. "سَلامٌ عَلَى الْيَاسِينَ"2، بغير همز.
قال أبو الفتح: أما "الياسَ" موصول الألف فإن الاسم منه "يَاسٌ"، بمنزلة باب ودار، ثم لحقه لام التعريف، فصار "الياس"، بمنزلة الباب والدار.
و"الْيَاسِين" على هذا كأنه على إرادة ياء النسب، كأنه الياسيِّين، كما حكى عنهم صاحب الكتاب: الأشْعَرُون والنُّمَيْرُون، يريد الأشعرِيِّين والنُّمَيْرِيِّين. ورُوينا عن قطرب عنهم: هؤلاء زيدون, منسوبون إلى زيد بغير ياء النسبة. وقال أبو عمرو: هلك اليَزِيدُون، يريد ثلاثةً يزيديِّين.
وقد يجوز أن يكون جعل كل واحد من أهل "الياس" ياسًا، فقال: "الياسِين"، كقوله: [138و] .
قَدْنِيَ مِنْ نَصْرِ الخُبَيْبِينَ قَدِي3
يريد أبا خبيب وأصحابه، كأنه جعل كل واحد منهم خُبَيْبًا. ونحو منه قولهم: شابَتْ مَفَارِقُه4، جعل كل جزء من مفرقِه مفرقًا، ثم جمعه على ذلك. وكذلك: امرأةٌ واضحةُ اللبّات5، جعل كل جزء يجاور اللبة لبة. وقال:
يُطِفْنَ بِجَمَّاءِ المَرَافِقِ مِكسال6
__________
1 سورة الصافات: 123.
2 سورة الصافات: 130.
3 لحميد الأرقط، وبعده:
ليس أميري بالشحيح الملحد
ويروى: الخبيبين بالتثنية، يريد عبد الله بن الزبير وابنه خبيبا، وقيل: يريد عبد الله وأخاه مصعبا. وكان عبد الله يكنى بأبي بكر وأبي خبيب، والأول أكثر، ولا يكنيه بالآخر إلا من يريد ذمه. وقدني: لأكتف. ويريد بأميره عبد الملك بن مروان، نفى عنه الشح والإلحاد تعريضا بعبد الله بن الزبير. وكانوا يرمونه بالشح، ويقولون له: الملحد. الكتاب: 1: 387، والدر اللوامع: 1: 42.
4 المفارق: جمع مفرق، وهو هنا: موضع افتراق الشعر.
5 اللبات: جمع لبة، وهي موضع القلادة من الصدر.
6 لامرئ القيس، وصدره:
وبيت عذارى يوم دجن ولجته
وقبله:
وماذا عليه إن ذكرت أو أنسا ... كغزلان رمل في محاريب أقيال؟
وخص غزلان الرمل لأنه أحسن من غيرها. والمحاريب: الغرف. والأقيال: الملوك. والدجن: الباس الغيم السماء. والجماء: الغائبة المرافق لكثرة لحمها ونعمتها. وانظر الديوان: 34.(2/223)
جمع مرفقيها بما حولها، ومثله ما رويناه عن أبي علي من قوله:
مَرَّتْ بِنا أوَّلَ مِن أُمُوسِ ... تَمِيسُ لِينا مِشْيَةَ الْعَرُوسِ1
فسَمَّى كل جزء من أمسِ أمسًا، ثم جمع عليه. ويشهد لوصل ألف الياس قوله:
أُمَّهَتِي خِنْدِفُ وَالْيَاسُ أَبِي2
وتكون لام التعريف هنا -بمنزلتها في اليسع- زائدة؛ لأن الاسم علم وليس بصفة، فيجري مجرى العباس والحارث. قال أبو عثمان: سألت الأصمعي عن قول الشاعر:
وَلَقَدْ جَنيْتُكَ أَكْمُؤًا وَعَساقِلا ... وَلَقَدْ نَهَيْتُكَ عَن بَناتِ الأَوْبَرِ3
فقال: الألف واللام هنا زيادة. ولذلك نظائر كثيرة، ولو قيل: إنها لحقت هنا لأنه4 مصدر، فَشُبِّهَ بالصفة، كالعلاء والفضل لكان وجها.
ومن ذلك قراءة ابن مسعود ويحيى والأعمش، والمنهال بن عمرو5 والحكم بن عتيبة: " وإنَّ إِدْرِيس"، "سَلامٌ عَلَى إِدْرَاسِينَ"6.
__________
1 روى غير منسوب في اللسان "أمس"، والدرر اللوامع: 1: 176.
2 لقصي بن كلاب جد النبي صلى الله عليه وسلم، وقبله:
إني لدى الحرب رخى اللبب ... عند تناديهم بهال وهب
معتزم الصولة عالي النسب ... أمهتي خندف والياس أبي
والرخى: المرتخى. واللبب: ماء يشد على ظهر الدابة ليمنع السرج والرحل عن الاستئخار، وإنما يكون الارتخاء عن كثرة جري الدابة. يكنى بذلك عن كثرة مبارزته للأقران. وهال: اسم فعل لزجر الخيل، وهب: اسم فعل لدعائها. وأمهتي خندف، أي أمي، ويريد أم جده مدركة بن الياس بن مضر. وكذا يريد بقوله: والياس أبي، جده الياس بن مضر. وخندف: هي بنت عمران بن الحارث بن قضاعة، امرأة من اليمن. شواهد الشافية: 301.
3 جنيتك: جنيت لك. والأكمؤ: جمع الكمء، وهو من النبات. والعساقل: الكبار البيض الجياد من الكمأة، وبنات أوبر: كمأة لها زغب، وهي رديئة. وانظر الخصائص: 3: 58.
4 يريد الياس.
5 هو المنهال بن عمرو الأنصاري، ويقال: الأسدي الكوفي. ثقة مشهور كبير، عرض على سعيد بن جبير، وعرض عليه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وروى عنه منصور والأعمش وشعبة والحجاج. طبقات ابن الجزري: 2: 315.
6 قراءة أخرى في الآية 130 من سورة الصافات. وانظر في البحر "7: 372" ما يرويه أبو حيان وما يقوله عن إدريس والياس.(2/224)
قال أبو الفتح: روينا عن قطرب عن ابن مسعود: "وإنَّ إدْرَاسَ"، و"سَلامٌ عَلَى إدراسِينَ": قال: وجاء عنه: "إِدْرَسِينَ"، وكذلك عن قتادة. وقال: وفي بعض القراءة: "إِدْرِيسِينَ".
قال أبو الفتح: أما ما رواه ابن مجاهد عن ابن مسعود من "إدْرِيسَ" و"إدْرَاسِينَ" فيجب أن يكون من تحريف العرب الكلمَ الأعجمي لأنه ليس من لغتها، فَتُقِلُّ الحَفْل به، وقد ذكرنا مثله1.
وقياسه سلام على إدْرِيسِينَ، كما حكاه قطرب، إلا أنه حكاه: "وإن إدْرِيسِينَ"، كما ترى.
وأما ما رواه قطرب من "إدْرَاسَ" و"إدْرَاسِينَ" فجمع الصحة، كالياس والياسين. ولو كان جمع تكسير لقال: سلام على الأَدَارِيس، كقولك في قرطاس: قَرَاطِيس، لكنه جمع صحة للتذكير، كالزيدين والقاسمين.
فأما "إِدْرِسِين" فيشبه أن يكون أراد "إِدْرَاسِينَ"، إلا أنه استطال الاسم، وجَفَتْ عليه أيضا عجمته؛ فحذف الألف تخفيفا. وإذا كانوا قد حذفوها للتخفيف من نفس كلامهم وسِرّ لغتهم في قولهم في اصْفَارَّ، واحْمَارَّ، واسْوَادَّ، وابْياضَّ: اصْفَرَّ، واحمَرَّ، واسوَدَّ، وابيضَّ، فهم بحذف هذه الألف فيما ليس من لغتهم، ولا ينصرف إليه محاماتهم عنه أجدر بجواز ذلك فيه. نعم، وقد يمكن مع هذا أن تكون هذه الألف في نحو احْمَارَّ واسْوَادَّ إنما حذفت لالتقاء الساكنين، كما زيد في مدها في أكثر اللغة لالتقائهما، وكما همزت في نحو قولهم:
إذَا مَا العَوَالِي بالْعَبِيطِ احْمَأَرَّتِ2
فتارة يُسْتَرْوَح من اجتماعها إلى إطالةِ المدّ، وأُخرى إلى الحذف، وأُخرى إلى الهمز، وكل هذا تَفَادٍ من التقاء الساكنين.
وحكى أبو حاتم عن أُبَيّ: " وإن إِيلِيسَ"، و"على إِيلِيسِينَ".
__________
1 انظر الصفحة 79 من الجزء الأول.
2 انظر الصفحة 47 من الجزء الأول.(2/225)
قال: وقال خارجة1: بلغنا أن اسمه كان إيليسَ، وإدريس [138ظ] .
ومن ذلك قراءة جعفر بن محمد: "وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ وَيَزِيدُون"2، وهكذا هي، ليس فيها "أو".
قال أبو الفتح: في هذه الآية إعراب حسن، وصنعة صالحة؛ وذلك أنْ يقال: هل لقوله: "ويزيدون" موضع من الإعراب، أو هو مرفوع اللفظ. لوقوعه موقع الاسم حَسْبُ، كقولك مبتدئا: يزيدون؟
والجواب أن له موضعا من الإعراب، وهو الرفع؛ لأنه خبر مبتدإ محذوف، أي: وهم يزيدون على المائة. والواو لعطف على جملة، فهو كقولك: مررت برجل مثل الأسد، وهو والله أشجعُ. ولقيت رجلا جوادا، وهو والله فوق الجواد.
فإن قلت: فقد تقول: لقيت من زيد رجلا كالأسد وأشجعَ منه، فهل يجوز على هذا أن يكون تقديره: وأرسلناه إلى مائة ألف ويزيدون، فيعطف يزيدون على المائة؟ قيل: يفسد هذا؛ لأن "إلى" لا تعمل في "يزيدون"، فلا يجوز أن يعطف على ما تعمل فيه "إلى" فكما لا تقول: مررت بيزيدون على المائة فكذلك لا تقول ذلك.
فإن قلت: فقد يجوز في المعطوف ما لا يجوز في المعطوف عليه، كقولنا: رب رجل وأخيه، وكلُّ شاةٍ وسَخْلتِهَا3، ومررت برجل صالح أبوه لا طالِحَيْن، ومررت بزيد القائم أبواه لا القاعدين ونحو ذلك. قيل قَدْر المتجوَّز في هذا ونحوه لا يبلغ ما رُمْتَه من تقدير حرف الجر مباشرا للفعل. ألا تراك لا تجيز مررت بقائم يقعد وأنت تريد مررت بقائم وبقاعد؟
__________
1 هو خارجة بن مصعب أبو الحجاج الضبعي السرخسي، أخذ القراءة عن نافع وأبي عمرو، وله شذوذ كثير عنهما لم يتابع عليه. وروى أيضا عن حمزة حروفا. وروى القراءة عنه العباس بن الفضل وغيره. توفي سنة 168. طبقات القراء: 1: 268.
2 سورة الصافات: 147.
3 السخلة: ولد الشاة ما كان.(2/226)
فإن قيل: فقدِّر هناك موصوفا محذوفا مجرورا ليكون تقديره: وأرسلناه إلى مائة ألف وجمع يزيدون، على قول الراجز:
جَادَتْ بِكَفَّيْ كانَ مِنْ أَرْمَى الْبَشَرْ1
أي: بِكَفَّيْ إنسان كان من أرمى البشر قيل: تقدير مباشرةِ حرف الجر للفعل أشد من تقدير الإضافة إليه. ألا ترى أنه على كل حال قد يضاف إلى الفعل ظروف الزمان وغيره، على كثرة ذلك في أسماء الزمان؟ وينضاف إلى ذلك إفساد المعنى وذلك أنه يصير معناه إلى أنه كأنه قال: وأرسلناه إلى جَمْعَيْن: أحدهما مائة ألف، والآخر زائد على مائة ألف. وليس الغرض والمراد هنا هذا، وإنما الغرض -والله أعلم- وأرسلناه إلى جمع لو رأيتموهم لقلتم أنتم: هؤلاء مائة ألف، وهم أيضا يزيدون. فالجمع إذًا واحد لا جمعان اثنان.
وكذلك قراءة الجماعة: {أَوْ يَزِيدُون} ، وتقديره أو: هم يزيدون، فحذف المبتدأ لدلالة الموضع عليه كما مضى مع الواو2، وأما قول الآخر:
ألا فَالْبَثَا شَهْرَيْنِ أو نِصْفَ ثَالِثٍ ... إلَى ذاكُما ما غَيَّبَتْنِي غَيَابِيَا3
فقالوا: معناه أو شهرين ونصف ثالث؛ وذلك أن قوله: أو نصفَ ثالثٍ لا يكون ثالثا حتى يتقدمه شهران، إلا أنه هنا حَذف المعطوف عليه مع حرف العطف جميعا.
وفي قوله "سبحانه": {أَوْ يَزِيدُون} وعلى قراءة جعفر بن محمد: "يَزِيدُون" إنما حُذف اسم مفرد، وهو هم. وعلى أنه قد جاء عنهم حَذف الاسم ومعه حرف العطف، وذلك قولهم فيما رُوِّيناه عن أبي بكر محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى: راكب الناقة طَلِيحَان، أي: راكب الناقة والناقة طليحان4، فحذف الناقة وحرف5 العطف معهما. وعلى أنه قد يحتمل
__________
1 صدره:
مالك عندي غير سهم وحجر ... وغير كبداء شديدة الوتر
ويروى "ترمي" مكان "جادت". وكبداء، أي: قوس كبداء، وهي التي يملأ الكف مقبضها و"بكفي" متعلق بمحذوف حال. وانظر الخزانة: 2: 312، والخصائص 2: 367.
2 في هامش الأصل بعد كلمة "الواو" عبارة قصيرة لم نستطع قراءتها. وفي ك بعد "الواو": ومثله أو.
3 البيت لابن أحمر. وانظر الخصائص: 2: 460.
4 الطليحان: مثنى الطليح، وهو المجهد.
5 في ك: وحذف، وهو تحريف.(2/227)
ذلك تأويلا آخر، وهو أن يكون أراد: راكب الناقة أحد طليحين، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه.
والذي عندي في قوله:
ألا فَالْبَثَا شَهْرَيْنِ أو نِصْفَ ثَالِثٍ [139و]
أن يكون على حذف المضاف، أي: ألا فالبثا شهرين أو شهرَيْ نصف ثالث، أي: والشهرين اللذين يتبعهما نصف ثالثهما؛ لأنه ليس كل شهرين يؤمر بلبثهما لابد أن يصحبهما نصف ثالثهما، لكن البثا أنتما شهرين، أو الشهرين اللذين يتبعهما في اللبث نصف ثالثهما. وصحت1 الإضافة فيهما هذا القدر من الوُصلة بينهما. وقد أضافت العرب الأول إلى الثاني لأقلَّ وأخفضَ من هذه الشبْكة بينهما. أنشدَنا أبو علي:
إذَا كَوْكَبُ الخَرْقَاءِ لَاحَ بِسُحْرَةٍ ... سُهَيْلٌ أذاعَتْ غَزْلَهَا فِي الغرائب2
قال: فأضاف سهيلا إليها لجِدها في عملها عند طلوعه، وقريب من هذا قول الرجلين بحملان الخشبة -أحدهما لصاحبه-: خذ أنت طرفك، ولآخذ أنا طرفي. وإنما الطرف للخشبة، لا لحاملها، فاعرف كلام القوم تر العجب منه والحكمة البالغة فيه بإذن الله تعالى.
ومن ذلك قراءة الحسن: "إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ3"، بضم اللام.
قال أبو الفتح: كان شيخنا أبو علي يحمله على أنه حذف لام "صال" تخفيفا، وأعرب اللام بالضم، كما حذفت لام البالة من قولهم: ما باليت به بالة، وهي البالية، كالعافية والعاقبة.
وذهب قطرب فيه إلى أنه أراد جمع "صال"، أي: صالون، فحذف النون للإضافة وبقي الواو في صالو، فحذفها من اللفظ لالتقاء الساكنين، وحمل على معنى "من" لأنه جمع، فهو كقوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ 4} ، وهذا حسن عندي، وقول أبي علي وجه مأخوذ به.
__________
1 صحت الإضافة: سوغها، وأبرأها من الضعف. من قولهم: صح الله فلانا: اذهب مرضه. وأنث "القدر" ذهابا به -كعادته- إلى المعنى، إذ هو قدر من الوصلة.
2 ورد البيت في اللسان "غرب" غير منسوب.
3 سورة الصافات: 163.
4 سورة يونس: 42.(2/228)
ومن ذلك قراءة ابن مسعود: "فَإِذَا نُزِلَ بِسَاحَتِهِم"1.
قال أبو الفتح: لفظ هذا الموضع على الاستفهام2، ومعناه الوضوح والاختصاص؛ وذلك أن الغرض فيه إنما هو: فإذا نزل العذاب بساحتهم، يدل عليه قوله قبله معه: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} ؟ فإذا قال: {فَإِذَا نُزِلَ بِسَاحَتِهِم} فلا محالة أن معناه: فإذا نزل عذابنا بساحتهم، فأبهم الفاعل واعتمد ذكر المكان المنزول فيه.
ومثله في المعنى قول الله "سبحانه": {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} 3، ونحن نعلم أن الله "تعالى" خالقه. وكذلك {خُلِقَ الْأِنْسَانُ مِنْ عَجَل} 4، ألا ترى إلى قوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} 5، وقوله "عز اسمه": {خَلَقَ الْأِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَان} 6، وقول: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} 7، ونظائره كثيرة:
فكذلك قوله "تعالى": {فَإِذَا نُزِلَ بِسَاحَتِهِم} على ما شرحناه من حاله، وهذا أحد ما يدلك على أن إسناد الفعل إلى المفعول نحو: ضرب زيد، لم يكن لجهل المتكلم بالفاعل من هو؟ البتة، لكن قد يسند إلى المفعول، ويطرح ذكر الفاعل لأن الغرض إنما هو الإعلام بوقوع الضرب بزيد، ولا غرض معه في إبانة الفاعل من هو؟ فاعرفه.
__________
1 سورة الصافات: 177.
2 المراد بالاستفهام هنا التطلع والتساؤل عن الفاعل، لبناء الفعل للمفعول.
3 سورة النساء: 28.
4 سورة الأنبياء: 37
5 سورة العلق: 1، 2.
6 سورة الرحمن: 3، 4.
7 سورة ق: 16.(2/229)
سورة ص:
بسم الله الرحمن الرحيم
قراءة أبي بن كعب والحسن وابن أبي إسحاق: "صَادِ"1، بكسر الدال.
وقرأ: "صَادَ وَالْقُرْآن" -بفتح الدال- الثقفي.
قال أبو الفتح: المأثور عن الحسن أنه إنما كان يكسر الدال من "صاد" لأنه عنده أمر من المصاداة، أي: عارض عملك بالقرآن.
قال أبو علي: هو فاعل من الصدى، وهو يعارض الصوت في الأماكن الخالية من الأجسام الصلبة، قال: وليس فيه أكثر من جعل "الواو" بمعنى الباء في غير القسم، وقد يمكن أن تكون كسرة الدال [139ظ] لالتقاء الساكنين، كما أن فتحها فتح لذلك، وقد يجوز أن يكون من فتح جعل "صاد" علما للسورة، فلم يصرف، فالفتحة على هذا إعراب.
ومن ذلك قراءة السلمي: "لَشَيْءٌ عُجَاب"2.
قال أبو الفتح: قد كثر عنهم مجيء الصفة على فعيل وفعال -بالتخفيف- وفعال، بالتشديد قالوا: رجل وضيء ووضاء، وأنشدوا:
والمرء يلحقه بفتيان الندى ... خلق الكريم وليس بالوضاء3
أي: ليس بالوضئ وقال:
نحن بذلنا دونها الضرابا ... إنا وجدنا ماءها طيابا4
__________
1 سورة ص: 1.
2 سورة ص: 5.
3 البيت لصدقة الدبيري. وانظر الخصائص: 3: 266، واللسان "وضأ".
4 رواه اللسان "طيب" ولم ينسبه، وفيه "وجدنا" مكان "بذلنا".(2/230)
وقال:
جاءوا بصيد عجب من العجب ... أزيرق العين وطوال الذنب
ومثله: رجل كريم، وكرام، وكرام. وزادوا مبالغة فيه بإلحاق التاء، فقالوا: كرامة. والشواهد كثيرة، إلا أنه كتاب سئلنا اختصاره، لئلا يطول على كاتبه، فأوجبت الحال الإجابة إلى ذلك.
ومن ذلك قراءة أبي رجاء وقتادة: "وَلا تُشْطِط1"، بفتح التاء، وضم الطاء.
قال أبو الفتح: يقال: شط يشط، ويشط: إذا بعد، وأشط: إذا أبعد. وعليه قراءة العامة: {وَلا تُشْطِط} ، أي: ولا تبعد، وهو من الشط، وهو الجانب، فمعناه أخذ الجانب الشيء وترك وسطه وأقربه، كما قيل: تجاوز، وهو من الجيزة، وهي جانب الوادي، وكما قيل: تعدى، وهو من عدوة الوادي، أي: جانبه. قال عنترة:
شطت مزار العاشقين فأصبحت ... عسرا على طلابك ابنة مخرم2
أي: بعدت عن مزار العاشقين. وكما بالغ في ذكر استضراره خاطبها بذلك؛ لأنه أبلغ فعدل عن لفظ الغيبة إلى لفظ الخطاب، فقال: "طلابك"، فافهم ذلك، فإنه ليس الغرض فيه وفي نحوه السعة في القول، لكن تحت ذلك ونظيره أغراض من هذا النحو، فتفطن لها.
ومن ذلك قراءة الحسن -بخلاف-: "تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً3".
قال أبو الفتح: قد كثر عنهم مجيء الفعل والفعل على المعنى الواحد، نحو البزر والبزر، والنفط والنفط، والسكر4 والسكر، والحبر والحبر، والسبر5 والسبر. فلا ينكر -على ذلك- "التسع" بمعنى التسع، لاسيما وهي تجاور العشرة، بفتح الفاء.
__________
1 سورة ص: 22.
2 يروى شطره الأول: حلت بأرض الزائرين فأصبحت.
والزائرين: الذين يزارون كالأسد. ويريد بهم أعداءه. والبيت من المعلقة. وانظر الديوان: والمعلقات السبع للزوزني: 126.
3 سورة ص: 23.
4 السكر: سد النهر.
5 السبر: من معانية الهيئة الحسنة.(2/231)
ومن ذلك قراءة الحسن والأعرج: "نَعْجَة1"، بكسر النون.
قال أبو الفتح: هذا أيضا كالذي قبله سواء، وقد اعتقبت فعله وفعله على المعنى الواحد، قالوا للعقاب: لقوة ولقوة، وقوم شجعة وشجعة للشجعاء، والمهنة والمهنة للخدمة، وله نظائر. فكذلك تكون "النَّعْجَة"، و"النَّعْجَة"، ولم يمرر بنا الكسر إلا في هذه القراءة.
ومن ذلك قراءة أبي حيوة: " وَعَزَّنِي2"، مخففة.
قال أبو الفتح: أصله "عزني"، غير أنه خفف الكلمة بحذف الزاي الثانية أن الأولى، كما حكاه ابن الأعرابي من قولهم: ظنت ذاك، أي: ظننت، وكقول أبي زبيد:
خلا أن العتاق من المطايا ... أَحَسْنَ به فهن إليه شوس3
وقالوا في مست: مست، [140و] وفي ظللت: ظلت. وحكى أحمد بن يحيى الحذف في نحو ذلك من المكسور، نحو شممت وبابه. وذلك كله على تشبيه المضاعف بالمعتل العين لكن "عزني" أغرب منه كله، غير أنه مثله في أنه محذوف للتخفيف.
ومن ذلك قراءة عمر بن الخطاب "رضي الله عنه": "فَتَنَّاه4".
وقرأ: "فَتَنَّاه" قتادة وأبو عمرو في قراءة عبد الوهاب5 وعلي بن نصر6 عنه.
قال أبو الفتح: أما "فتناه"، بتشديد التاء والنون ففعلناه، وهي للمبالغة. ولما دخلها معنى نبهناه ويقظناه جاءت على فعلناه؛ انتحاء للمعنى المراد.
__________
1 من الآية 23 السابقة.
2 من الآية السابقة أيضا.
3 انظر الصفحة 123 من الجزء الأول.
4 سورة ص: 24.
5 هو عبد الوهاب بن عطاء بن مسلم أبو نصر الخفاف العجلي البصري ثم البغدادي، ثقة مشهور. روى القراءة عن أبي عمرو وغيره. وروى الحروف عنه أحمد بن جبير وغيره، وحدث عنه بالحروف محمد بن عمر الواقدي. مات ببغداد سنة 204 وقيل سنة ست أو سبع. طبقات القراء لابن الجزري: 1: 479.
6 هو علي بن نصر بن صهبان أبو الحسن الجهضمي البصري. روى القراءة عن أبي عمرو ابن العلاء وغيره. وروى عنه القراءة ابنه نصر بن علي وغيره. مات سنة 189، ويقال سنة ثمان. طبقات القراء لابن الجزري: 1: 582.(2/232)
وأما "فَتَنَّاه" فإن المراد بالتثنية هما الملكانن وهما الخصمان اللذان اختصما إليه، أي: علم أنهما اختبراه، فخبراه بما ركبه من التماسه امرأة صاحبه، فاستغفر داود ربه.
ومن ذلك قراءة الحسن والثقفي والأعمش -بخلاف عنهم-: " أولى الْأَيْد1"، بغير ياء.
قال أبو الفتح: يحتمل ذلك أمرين:
أحدهما أن أراد "بالأيد": "بالأيدي" على قراءة العامة، إلا أنه حذف الياء تخفيفا، كما قال: {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُر 2} وغير ذلك مما حذفت فيه الياء تخفيفا.
والآخر أن يكون أراد: "بالأيد": القوة، أي: القوة في طاعة الله والعمل بما يرضيه. ألا تراه مقرونا بقوله: {وَالْأَبْصَار} ، أي: البصر بما يحظى عند الله؟. وعلى ذلك فـ"الأيدى" هنا إنما هي جمع اليد التي هي القوة، لا التي هي الجارحة ولا النعمة، لكنه كقولك: له يد في الطاعة، وقدم في المتابعة. فالمعنيان إذا واحدن وهو البصيرة والنهضة في طاعة الله، فهو إذا من قول لبيد:
حتى إذا ألقت يدا في كافر ... وأجن عورات الثغور ظلامها3
ألا تراهم قالوا في تفسيره: بدأت في المغيب؟ وأصله لثعلبة بن صغير المازني في قوله يصف الظليم والنعامة وقد جدا في طلب بيضهما:
__________
1 سورة ص: 45.
2 سورة القمر: 6.
3 قبله:
فعلوت مرتقبا على ذي هبوة ... حرج إلى أعلامهن قتامها
وبعده:
أسهلت وانتصبت كجذع منيفة ... جرداء يحصر دونها جرامها
ويروى "مرهوبة" مكان "ذي هبوة". والهبوة: الغبار. والحرج: الضيق جدا. وضمير ألقت الشمس. والكافر: الليل. وأجن: ستر. وعورات الثغور: مواضع المخافة منها. وضمير انتصبت للفرس. ومنيفة: يريد نخلة منيفة، أي: عالية. جرداء: انجرد سعفها. ويحصر: يضيق. وجرامها: جمع الجارم، وهو الذي يجرم النخل، أي: يقطع أحماله, يقول: علوت لحماية الحي مرتفعا، فكنت ربيئة لهم على جبل قريب من الأعداء ولما اقبل الليل اتيت سهلا من الأرض، وانتصبت فرسي كأن عنقها جذع نخلة، جرداء تضيق صدور الذين يريدون قطع حملها لضعفهم عن ارتقائها. وانظر الديوان: 215، والمعلقات السبع: للزوزني: 111.(2/233)
فتذكر ثقلا رثيدا بعدما ... ألقت ذكاء يمينا في كافر1
يعني بكافر الليل، وهذا أبلغ معنى من قول لبيد. ألا تراه ذكر اليمين خصوصية، وهي أشبه بالقوة؛ لأنها أقوى من الشمال؟ ولبيد اقتصر على ذكر اليد، فقد تكون شمالا كما قد تكون يمينا. ومثله قول الشماخ:
تلقاها عرابة باليمين2
أي: بالقوة. وإنما سميت القوة يمينا تشبيها لها بالجارحة اليمنى، وإذا شبه العرض والجوهر فذلك تناه به، وإعلاء منه. ولهذا ما ذم الطائي الكبير قلب ذلك، فقال:
مودة ذهب أثمارها شبه ... وهمة جوهر معروفها عرض3
ووصف بالجواهر لقوته، كما وصف الآخر بالحديد لقوته، فقال في أحد التأويلين:
بمنجرد قيد الأوابد هيكل4
وعليه أيضا قال: "هيكل"، فوصف بالاسم غير المماس للفعل، لما في الهيكل من العلو والرحابة والشدة، فاعرف ذلك مذهبا للقوم، وانتحه تصب بإذن الله.
ومن ذلك قراءة أبي جعفر: "إِنْ يُوحَى [140ظ] إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا5"، بكسر الألف.
__________
1 الثقل: متاع السفر. ورثيد: من رثد المتاع نضده، ووضع بعضه فوق بعض اللسان "كفر".
2 صدره:
إذا ما رأيه رفعت لمجد
وعرابة: هو عرابة بن أوس القيظي. وانظر الخصائص: 3: 249، والخزانة 1: 450، والاشتقاق: 445.
3 الطائي الكبير هو أبو تمام. والشبه: النحاس الأصفر، وللشاعر قصيدة على روي البيت ووزنه، ولكن لم نعثر عليه فيها.
4 لامرئ القيس من معلقته، صدره:
وقد اغتدى والطير في وكناتها
اغتدى: أبكر. والوكنات: جمع الوكنة، وهي عش الطائر. ومنجرد: ماض في سيره، وقيل: هو القليل الشعر. والأوابد: الوحوش. والهيكل: الفرس الطويل، وقيل: العظيم الجرم وانظر شرح المعلقات السبع للزوزني: 28.
5 سورة ص: 70.(2/234)
قال أبو الفتح: هذا على الحكاية، حتى كأنه قال: إن يوحى، أي: إن يقال لي: إلا أنت نذير مبين.
فإن قيل: فإذا كان حكاية فقد كان يجب أن يرد اللفظ عينه، وهو لم يقل له: أنا نذير مبين، فهلا أعاده البتة، فقال: إن يوحي إلا أنت نذير مبين؟
قيل: هذا أراد، إلا أنه إذا قال: إلا إنما أنا نذير مبين فكأنه قد قال: أنت نذير مبين، ألا تراك تقول لصاحبك: أنت قلت: إنك شجاع، فزدت الحرف، وهو لم يقل: إنك شجاع، وإنما قال: أنا شجاع. فلما أردت1 قوله حاكيا له أوقت موقع "أنا" إنك.
وعله تحريف هذا الحرف الواحد من الجملة المحكية أنك مخاطب له، فغلب لفظ الخطاب الحاضر اللفظ - المنقضي لقوة الحاضر على الغائب. هذا أيضا مع ارتفاع الشبهة والإشكال في أن الغرض بهما جميعا شيء واحد. ونحو من هذا في بعض الانحراف عن المحكي لدلالة عليه قول الشاعر:
تنادوا بالرحيل غدا ... وفي ترحالهم نفسي
أجاز لي فيه أبو علي بحلب سنة سبع وأربعين ثلاثة أضرب من الإعراب: بالرحيل، والرحيل، والرحيل: رفعا، ونصبا، وجرا.
فمن رفع أو نصب فقدر في الحكاية اللفظ المقول البتة فكأنه قالوا: الرحيل غدا، والرحيل غدا.
فأما الجر فعلى إعمال الباء فيه، وهي معنى ما قالوه، لكن حكيت منه قولك: غدا وحده، وهو خبر المبتدأ وفي موضع رفع، لأنه خبر المبتدأ.
ولا يكون ظرفا لقوله: تنادوا؛ لأن الفعل الماضي لا يعمل في الزمان الآتي. وإذا قال: تنادوا بالرحيل غدا، فنصب الرحيل فإن "غدا" يجوز أن يكون ظرفا لنفس الرحيل، فكأنهم قالوا: أجمعنا الرحيل غدا، ويجوز أن يكون ظرفا لفعل نصب الرحيل آخر، أي: نحدث الرحيل غدا. فأما أن يكون ظرفا لتنادوا فمحال، لما قدمنا.
__________
1 في ك: أوردت.(2/235)
سورة الزمر:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ الحسن: "اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ1".
قال أبو الفتح: قد تقدم القول على حديث الطاغوت2 وأنه مقلوب، ووزنه فلعوت من طغيت، وقالوا أيضا: طغوت. وقولهم: طغيان دليل على أن اللام ياء، فأصله إذا طغيوت، مصدر كالرغبوت والرهبوت والملكوت، ثم قدمت اللام على العين، فصارت طيغوت، ثم قلبت الياء-لتحركها وانفتاح ما قبلها ألفا، فصارت طاغوت، وكان قياسه إذا كسر أن يقال: طياغيت، إلا أنه ينبغي أن يكون الطواغيت جاء على لغة من قال: طغوت.
ومثال طواغيت -على ما ترى- فلاعيت، وتبني مثلها من ضرب فتقول: ضاربتن ومن قتل قلاتيت، ومن وأيت ويائيت.
ومثلها سواء الحانوت، وهي في الأصل حنووت، فعلوت من حنوت؛ لأن الحانوت يحنو على ما فيه، ثم قدمت اللام على العين، فصار حونوت، ثم انقلبت الواو كما انقلبت في طوغوت، فصار حانوت، ووزنها فلعوت، وعليه قالوا [141و] في تكسيرها: حوانيت، وهي فلاعيت.
والحانة محذوفة اللام، كالبالة من باليت، وعليه قال عمارة:
وكيف لنا بالشرب فيها وما لنا ... دنانير عند الحانوي ولا نقد3؟
فهذا على النسبة، إلى ناجية ناجوى.
ويجوز في الطواغيت وجه آخر، وهو أن يكون من طغيت، إلا أنه لما قدم اللام وقبلها،
__________
1 سورة الزمر: 17.
2 انظر الصفحة 131 وما بعدها من الجزء الأول.
3 انظر الصفحة 134 من الجزء الأول.(2/236)
فصارت إلى طاغوت - أشبهت فاعوا، فكسرها بالواو، كعاقول1 وعواقيل، وساجور2 وسواجير، لا سيما وقد كثر عنهم التخليط في هذا المثال. ألا تراهم قالوا: شيراز3، ثم كسروا فقالوا: شواريز، فيما حكاه أبو الحسن. وقياسه شياريز، أو شراريز. والوجه الأول أقرب مأخذا، وهذا الثاني أيضا مقبول على ما ترى.
ومن ذلك قراءة أبي صالح الكوفي4 ومحمد بن جحادة وعكرمة بن سليمان5: "وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ6"، خفيفة.
قال أبو الفتح: قوله: "صدوق به"، خفيفة - ضرب في الثناء على المؤمن، فهو كقولك: الذي يأمر بالمعروف، ويتبع سبيل الخير فيه - مثاب عند الله، فكذلك قوله: {وَصَدَّقَ بِه} ، أي: استحق اسم الصدق في مجيئه به، فمن أمره كذا.
ومن ذلك قراءة أبي جعفر: "يَا حَسْرَتَاى7".
وروى ابن جماز عنه: "يَا حَسْرَتَاى"، مجزومة الياء.
قال أبو الفتح: في هذه القراءة إشكال، وذلك أن الألف في "حسرتا" إنما هي بدل من ياء
__________
1 العاقول: من معانيه أنه نبت.
2 الساجور: خشبة تعلق في عنق الكلب.
3 الشيراز: اللبن الرائب المستخرج ماؤه.
4 هو محمد بن عمير بن الربيع أبو صالح الهمذاني الكوفي القاضي، مقرئ عارف بحرف حمزة. أخذ عرضا عن سعيد بن محمد الكندي، وروى القراءة عنه عرضا أحمد بن نصر الشذائي وغيره. طال عمره وبقي إلى حدود عشر وثلثمائة. طبقات القراء لابن الجزري: 2: 222.
5 هو عكرمة بن سليمان بن كثير بن عامر أبو القاسم المكي. قال الذهبي: شيخ مستور، ما علمت أحدا تكلم فيه. عرض على شبل وإسماعيل القسط، وعرض عليه أحمد بن محمد البزي، كان إمام أهل مكة في القراءة بعد شبل وأصحابه. وبقى إلى قبيل المائتين. طبقات ابن الجزري: 1: 515.
6 سورة الزمر: 33.
7 سورة الزمر: 56.(2/237)
حسرتي. أبدلت الياء ألفا هربا إلى خفة الألف من ثقل الياء، كقولك: يا غلاما ويا صاحبا، أنت تريد: يا غلامي ويا صاحبي. وأنشده منه قوله:
يا بنت عما لا تلومي واهجمي1
وذلك أنه أبدل من ياء "عمي" ألفا، وليس العم منادى. وهذا البدل إنما بابه النداء، كقولك: يا أبا، ويا أما وكان -على هذا- ينبغي ألا يأتي بياء المتكلم بعد الألف؛ لأن هذه الألف إنما هي بدل من ياء الضمير، وليس له هناك ياءان، فهذا وجه إشكال هذا، وهو واضح.
والذي عندي فيه أه جمع بين العوض والمعوض منه، أعني البدل والمبدل منهن كمذهب أبي إسحاق وأبي بكر في قول الفرزدق:
هما نفثا في في من فمويهما ... على النابح العاوي أشد رجام2
أي: مراجعة3: وأنه جمع بين الميم والواو، وإنما الميم بدل من الواو. ومثله ما أنشده أبو زيد:
إني إذا ما حدث ألما ... دعوت يا اللهم يا اللهما4؟
__________
1 لأبي النجم العجلي، يخاطب امرأته أم الخيار، وهي بنت عمه، ولها يقول:
أصبحت أم الخيار تدعى ... على ذنبا كله لم أصنع
ويروى "يابنة". وانظر الكتاب: 1: 318.
2 رواية الديوان:
هما تفلافي في من فمويهما ... على النابح العاوي أشد لجامي
يصف شاعرين من قومه نزع في الشعر إليهما: ويريد بالنابح العاوي من هجاه. وانظر الديوان: 771، والكتاب: 2: 83، 202.
3 المراجعة: الترامي بالحجارة، ويريد هنا الرجم، وجعل من يهجوه كلبا.
4 روى "لمم" مكان "حدث" و"أقول" مكان "دعوت". واللمم، فتحتين: مقاربة الذنب، وقيل هو الصغائر. ونسبه العيني في مختصر الشواهد: "312" إلى أبي خراش، وروى قبله:
أن تغفر اللهم تغفر جما ... وأي عبد لك لا ألما؟
قال البغدادي "الخزانة: 1: 358": وهذا خطأ، فإن هذا البيت الذي زعم أنه قبله بيت مفرد، وليس هو لأبي خراش، وإنما هو لأمية بن أبي الصلت، قاله عند موته. وقد أخذه أبو خراش وضمه إلى بيت آخر، كان يقولهما وهي يسعى بين الصفا والمروة، وهما:
لا هم هذا خامس أن تما ... أتمه الله وقد أتما
أن تغفر اللهم..
وقد تمثل به النبي صلى الله عليه وسلم، وصار من جملة الأحاديث. ولم يعثر على البيت في ديوان الهذليين.(2/238)
فجمع بين "يا" والميم، وإنما الميم في آخر الاسم عوض من "يا" في أوله، إذا قلت: اللهم اغفر لنا، وعليه قول الآخر:
يا أمتا أبصرني راكب ... في بلد مسحنفر لاحب1
وإنما التاء في "يا أمت" بدل من الياء في يا أمي، فجمعت بينهما ثم أبدلت من الياء ألفا، فقالت: "يا أمتا". وقال أبو علي في قوله:
ضخم يحب الخلق الأضخما2
إنه يجري مجرى الجمع بين العوض والمعوض منه، [141ظ] قال: وذلك أن هذا التشديد الذي يعرض في الوقف إنما دخل إيذانا بأن آخر الحرف محرك في الوصل، إذ لا يجتمع ساكنان في الإدراج هكذا، فكان يجب إذا أطلق في الوصل أن يحذف التشديد لزوال الحاجة إليه بالإطلاق، قال: فتركه الحرف المزيد في الوقف للتثقيل مع استغنائه عنه بإطلاق الحرف -فكأنه جمع بين العوض والمعوض منه, وهذا تأول -وإن كان صحيحا- بعيد، والذي رأيناه نحن أقرب القريب.
وأما إسكان الياء في "يَا حَسْرَتَاى" في الرواية الثانية هو3 على ما مضى من قراءة نافع: "َمَحْيَايَ وَمَمَاتِي4". وأرى مع هذا لهذا الإسكان هنا مزية على ذلك، وذلك أنه قد كان ينبغي ألا يجمع بين الألف والياء؛ إذ كانت الألف هي الياء، إلا أنه لما صانع عن ذلك بما ذكرناه، فألحق الياء على ما في ضعفت في نفسه؛ لضعف القياس في إثباتها مع الألف، فضاءل منها وألطأ5 بالسكون شخصها. وإذا لاطفت فكرك في تأمل ذلك وأنسته به أصحب6 إليه، وتابعك مع إنارة الفكر عليه.
ومن ذلك قراءة ابن عباس: "وَأَشْرَقَتِ الْأَرْض7".
__________
1 مسحنفر: واسع. ولاحب: يريد مطروقا واضح المعالم.
2 انظر الصفحة 102 من الجزء الأول.
3 هكذا بلا فاء في "هو" في النسختين والأولى: فهو.
4 سورة الأنعام: 162.
5 في هامش نسخة الأصل: ألطأ: الصق.
6 أصحبه: اصطحبه.
7 سورة الزمر: 69.(2/239)
قال أبو الفتح: شرقت الشمس: إذا طلعت، وأشرقت: إذا أضاءت وصفت، وشرقت: إذا احمرت لقربها من الأرض؛ فتكون هذه القراءة التي هي "أشرقت" منقولة من شرقت: إذا طلعت. وأشرقت أبلغ منه؛ لقوة نورها وإضاءتها.
وفي "أشرقت" معنى آخر، وهو أنها إذا أشرقت وأضاءت فإنما زاد نورها، وقد كان قرصها ظاهرا قبل ذلك. وأما شرقت، أي: طلعت فإنها -وإن لم يكن لها صفاء المشرقة- فإنه قد أشرف على الأرض من شخصها عقيب ظلمة الليل قبلها ما هال رائيه ونسخ ما كان من سواد الليل قبله. فهذا القدر -لارتجاله وفجاءة وجه الأرض به- أظهر قدرا من إضاءتها عقيب ما سبق من ظهور قرصها، وطبق الأرض من نورها.
وهذا كان يعطيك رجل عشرة دراهم على حاجة منك إليها؛ فتقع موقعها. فإن زادك هو أو غيره درهما آخر فصارت أحد عشر - فهي لعمري أكثر من عشرة، إلا أن قدر الدرهم المزيد عليها لا يفي بقدر العشرة الواردة على قوة الحاجة، فشرقت كالعشرة، وأشرقت كالأحد عشر، فافهم ذلك ممثلا بإذن الله.(2/240)
سورة المؤمنون:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ معاذ بن جبل1 على المنبر: "إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ2"، أي سبيل الله.
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون هذا من قولهم: رشد يرشد، كعلام من علم يعلم، أو من رشد يرشد، كعباد من عبد يعبد. ولا ينبغي أن يحمل على أنه من أرشد يرشد؛ لأن فعالا3 لم يأت إلا في أحرف محفوظة، وهي أجبر فهو جبار، وأسأر4 فهو سأر، وأقصر فهو قصار، أدرك فهو دراك، وأنشدوا للأخطل: [142و] .
وشارب مربح بالكأس نادمني ... لا بالحصور ولا فيها بسار5
وأجود الروايتين "بسوار"، أي: بمعربد. وأنشد ابن الأعرابي: "غير قصار".
وعلى أنهم قد قالوا: جبره على الأمر وقصر عن الأمر، فينبغي أن يكون جبار وقصار من فعل، هذين الحرفين، وكذا ينبغي أن يعتقد في سار ودراك على أنهما خرجا بحرف الزيادة، فصارا
__________
1 هو معاذ بن جبل بن عمرو أبو عبد الرحمن الأنصاري -رضي الله عنه- أحد الذين جمعوا القرآن حفظا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وردت عنه الرواية في حروف القرآن، وهو الذي أشار إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى حذيفة. توفي -رضي الله عنه- في طاعون عمواس سنة 18، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة. طبقات القراء لابن الجزري: 2: 301.
2 سورة غافر: 29.
3 يريد فعالا المأخوذ من أفعل.
4 أسأر: أبقى.
5 المربح الذي ينحر لضيفانه الربح بالتحريك، وهي الفصلان، جمع رابح. والحصور: البخيل. وانظر الديوان: 116.(2/241)
إلى سأر ودرك تقديرا، وإن لم خرجا إلى اللفظ استعمالا، كما قالوا: أبقل المكان فهو باقل، وأورس الومث1 فهو وارس، وأيفع الغلام فهو يافع، وأعضى2 الليل فهو غاض. قال:
يخرجن من أجزاو ليل غاض3
أي: مغض، وقالوا أيضا: ألقحت الريح السحاب، فهو لاقح. فهذا على حذف همزة أفعل، وإنما قياسه ملقح، فعلى ذلك خرج "الرشاد"، أي: رشد بمعنى أرشد تقديرا لا استعمالا، كما قال الآخر:
إذا ما استحمت أرضه من سمائه ... جرى وهو مودوع وواعد مصدق4
وكان قياسه أن يكون مودع لأنه من أودعته، فودع يدع، وهو وادع، ولا يقال: ودعته في هذا المعنى فيقال مودع، كوضعته فهو موضوع.
فإن قيل: فإن المعنى إنما هو على أشد، فكيف أجزت أن يكون إنما مجيئه من رشد أو رشد في معنى رشد، وأنه ليس من لفظ أرشد؟.
قيل: المعنى راجع فيما بعد إلى أنه مرشد؛ وذلك لأنه إذا رشد أرشد؛ لأن الإرشاد من الرشد. فكأنه من باب الاكتفاء
بذكر السبب من المسبب. وعليه قالوا في قول الله "سبحانه": {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِح 5} -: إنها من لقحت هي، فإذا لقحت ألقحت غيرها، فهو كقولك: إنها زاكية، فإذا زكت في نفسها أزكت غيرها، فهذا المذهب ليس هو الأول الذي على تقدير الزيادة من ألقح، ولكل طريق.
__________
1 الرمت: شجر يشبه الفضى، وأورس الرمت: اصفر ورقه، فصار عليه مثل الملاء الصفر. وفي ك: الرمس، وهو تحريف.
2 أغضى الليل: أظلم.
3 لرؤية، وضمير "يخرجن" للعيس في بيت سابق. والأجواز: جمع جوز، وهو وسط الشيء. وانظر الديوان 81، وشرح أدب الكاتب للجواليقي: 409.
4 البيت لخفاف بن ندبة يصف فرسه. وأرضه: أسفله. وسماؤه: أعلاه. واستحمت أرضه من سمائه: عرق فابتل أسفله من أعلاه. والمصدق، بفتح الميم والدال: الصدق في كل كل شيء يقول: إذا جرى فأبتلت حوافره من عرق أعاليه مضى فخلى بينه وبين الغاية، لا يضرب ولا يزجر، وإنه ليصدق راكبه فيما بعد من بلوغ الغاية. وانظر الأصمعيات: 12، والخصائص: 2: 216، واللسان "ودع".
5 سورة الحجر: 22.(2/242)
ومن ذلك قراءة ابن عباس والضحاك وأبي صالح والكلبي: "يَوْمَ التَّنَاد1"، بتشديد الدال.
قال أبو الفتح: هو تفاعل، مصدر تناد القوم، أي: تفرقوا، من قولهم: ند يند، كنفر ينفر. وتنادوا كتنافروا، والتناد كالتنافر، وأصله التنادد، فأسكنت الدال الأولى وأدغمت في الثانية استثقالا لاجتماع المثلين متحركين.
فإن قيل: فهلا أظهر نحو ذلك، وهو ملحق بالتفاعل من غير التضعيف نحو التنافر، والتضافر، والتحاسر، والتحاسد.
قيل: هذا من أقبح الخطأ، وذلك أن الغرض في الإلحاق إنما هو رفع دوات الثلاثة إلى ذوات الأربعة، نحو جلبب، وشملل2، فهما ملحقان بدحرج وهملج3، أو بذوات الخمسة نحو كوالل4، في إلحاقه بسفرجل، مجتازا في طريقه بقفعدد5 وسبهلل6، أو رفع بنات الأربعة إلى بنات الخمسة، نحو شنخف7، وهلقس8 في إلحاقهما بجردحل9. فأما أن تلحق بنات الثلاثة ببنات الثلاثة فلغوا [142ظ] من القول، فلم يكن في إلا فساد معنى قولهم: ملحق؛ لأن الأصل لا يلحق بنفسهن فكذلك أيضا "التناد" ثلاثي، كما أن التنافر ثلاثي, أفيلحق الشيء بنفسه؟
ألا ترى أن ند ثلاثي، كما أن نفر كذلك؟ وهذا واضح.
ولو جاز هذا للزمك عليه أن تقول في شد وحل: شدد وحلل، فتظهرهما، وتقول: هما ملحقان بدخل وخرج.
فإن قلت: فقد قالوا في فيعل - نحو خيفق10 وصيرف- وفوعل من رددت: ريدد ورودد، وإن كنا قد أحطنا علما بأن كل واحد من خيفق وصيرف ثلاثي الأصل.
__________
1 سورة غافر: 32.
2 شملل: أسرع.
3 هملج: ذلل.
4 الكوألل: القصير.
5 القفعدد: القصير.
6 سبهلل، يقال: جاء سبهللا، أي: لا شيء معه ولا سلاح عليه، أو مختالا غير مكترث.
7 الشنخف: الرجل الضخم.
8 الهلقس: الشديد من الجوع وغيره.
9 الجردحل: الوادي، الضخم من الإبل، للذكر والأنثى.
10 الخيفق: الفلاة الواسعة.(2/243)
قيل: أجل، إلا أنك ألحقت فيهما جميعا ثلاثيا برباعي، ألا ترى أن خيفقا وصيرفا ملحقان بجعفر وسلهب1؟. فإن قال لك: ابن من رد مثل فيعل وفوعل فكأنه إنما قال: ألحق رد بجعفر على حد فيعل وفوعل، اللذين ألحقتهما به، وهذا واضح، وليس كذلك التفاعل؛ لأن التفاعل ليس ملحقا بشيء، كإلحاق صيرف وجوهر بجعفر، فهذا فرق.
ومن ذلك قراءة ابن عباس وابن مسعود: "وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُون3"، بفتح اللام.
قال أبو الفتح: التقدير فيه إذ الأغلال أعناقهم ويسحبون السلاسل، فعطف الجملة من الفعل والفاعل على التي من المبتدأ والخبر، كما عودلت إحداهما بالأخرى في نحو قوله:
أقيس بن مسعود بن قيس بن خالد ... أموف بأدراع ابن ظبية أم تذم3
أي: أأنت موف بها أم تذم؟ فقابل المبتدأ والخبر التي من الفعل والمفعول الجاري مجرى الفاعل وقال الله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ 4} ، أي: أصمتم؟ وعلى أنه لو كان إذ في أعناقهم الأغلال والسلاسل يسحبون لكان أمثل قليلا؛ من قبل أن قوله: في أعناقهم الأغلال يشبه في اللفظ تركيب الجملة من الفعل والفاعل؛ لتقدم الظرف على المبتدأ، كتقدم الفعل على الفاعل، مع قوة شبه الظرف بالفعل.
وعلى أن أبا الحسن يرفع زيدا من قولك: في الدار زيد بالظرف، كما يرفعه بالفعل. ومن غريب شبه الظرف بالفعل أنهم لم يجيزوا في قولهم: فيك يرغب أن يكون فيك مرفوعا بالابتداء، وفي "يرغب" ضميره، كقولك: زيد يضرب، من موضعين: أحدهما أن الفعل لا يرتفع بالابتداء، فكذلك الظرف.
والآخر أن الظرف لا ضمير له، كما أن الفعل لا ضمير له. ومن ذلك أيضا قوله:
زمان على غراب غداف ... فطيره الشيب عني فطارا5
فعطفه الفعل على الظرف من أقوى دليل على شبهه به، وفيه أكثر من هذا فتركناه؛ لأن في هذا مقنعا بإذن الله.
__________
1 السلهب: الطويل، أو من الرجال.
2 سورة غافر: 71.
3 البيت لراشد بن شهاب اليشكري بخاطب قيس بن مسعود بن قيس بن خالد الشيباني وانظر المفضليات: 309.
4 انظر الصفحة 90 من هذا الجزء.(2/244)
سورة السجدة:
بسم الله الرحمن الرحيم
قراءة ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد: "أَتَيْنَا طَائِعِين1".
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون "آتينا" هنا فاعلنا، كقولك: سارعنا وسابقنا، ولا يكون أفعلنا؛ لأن ذلك متعد إلى مفعولين، وفاعلنا متعد إلى مفعول [143و] واحد. وحذف الواحد أسهل من حذف الاثنين؛ لأنه كلما قل الحذف كان أمثل من كثرته. نعم، ولما في سارعنا من معنى أسرعنا. ومثل "آتينا" في أنه فاعلنا لا أفعلنا القراءة الأخرى: "وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا2"، أي: سارعنا بها، وقد تقدم ذكره.
ومن ذلك قراءة الحسن وعمرو بن عبيد وموسى الأسواري: "وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا"، بضم الياء - "فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ3"، بكسر التاء.
قال أبو الفتح: أي لو استعتبوا لما أعتبوا، كقولك: لو استعطفوا لما عطفوا؛ لأنه لا غناء عندهم، ولا خير فيهم، فيجيبوا إلى جميل، أو يدعوا إلى حسن. وإذا جاز للشاعر أن يقول:
لها حافر مثل قعب الوليد ... تتخذ الفار فيه مغارا4
ومعناه: لو اتخذت فيه مغارا لوسعها - جاز أيضا أن يقال: "وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا"؛ لأن الشرط ليس بصريح إيجاب، ولا بد فيه من معنى الشك. وتتخذ الغار فيه لفظ التصريح به5، وهو
__________
1 سورة السجدة: 11.
2 سورة الأنبياء: 47.
3 سورة السجدة: 24.
4 سبق في الصفحة 93 من الجزء الأول غير معزو إلى قائله، ونذكر هنا أنه لابن الخرع. وانظر كامل المبرد: 2: 98.
5 به، أي: الإيجاب.(2/245)
مع ذلك لم يقع، ولا يقع فهذا طريق قوله تعالى: {وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} ؛ لأن لفظه لفظ الشك، وإن لم يكن هناك استعتاب لهم أصلا. ألا ترى إلى قوله في الآية الأخرى: {فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ؟ 1} .
ومن ذلك قراءة بكر بن حبيب السهمي: "وَالْغَوْا فِيه"2، بضم الغين.
قال أبو الفتح: اللغو اختلاط القول في تداخله، يقال منه: لغا يلغو، وهو لاغ. ومنه الحديث: من قال في الجمعة: صه فقد لغا3، يراد بذلك توقيرها وتوفيتها حقها من الخشوع والإخبات4 فيها، أي: فهو بمنزلة من أطال الكلام وخلط فيه. وفي الحديث أيضا: إياكم وملغاة أول الليل، أي: كثرة الحديث. فهذا كالحديث المرفوع: خرج علينا عمر، فجدب لنا السمر5، أي: عابه.
ونحو منه قول الله "سبحانه": {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا 6} ، وقوله: و {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ 7} ، أي: بالباطل، فهو راجع إلى هذا؛ لأن كثرة القول مدعاة إلى الباطل، وقوله "تعالى": {لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً 8} يحتمل أمرين:
أحدهما كلمة لاغية.
والآخر أن يكون مصدرا، كالعاقبة، والعافية، أي: لا يسمع فيها لغو، وهذا أقوى من الأول؛ لأن في ذلك إقامة الصفة مقام الموصوف، وهذا غير مستحسن في القرآن.
__________
1 سورة الجاثية: 35.
2 سورة السجدة: 26.
3 نصه في اللسان "لغا": من قال يوم الجمعة والإمام يخطب لصاحبه: صه فقد لغا.
4 الأخبات: الخشوع والتواضع.
5 عبارته في اللسان "جدب": جدب لنا عمر السمر بعد عتمة.
6 سورة الفرقان: 72.
7 سورة القصص: 55، وفي هامش نسخة الأصل: في الأصل: مروا باللغو.
8 سورة الغاشية: 11.(2/246)
ويقال فيه أيضا: لغى يلغى لغا، قال:
عن اللغا ورفث التكلم1
ويقال أيضا: لغى بالشيء يلغي به، كقولك: لزمه وأحبه، فيكون كقوله: من أحب شيئا أكثر من ذكره. يقال: لغى به، وغرى به، وغره به، ولكي به، ولزم به، وسدك به، وعسق به: إذا واصله، وأقام عليه.
ومن ذلك قراءة أبي جعفر يزيد: "وَرَبأَتْ2".
قال أبو الفتح: هذه القراءة راجعة بمعناها إلى معنى ما عليه قراءة الجماعة، وذلك أن الأرض إذا ربت ارتفعت، والرابئ أيضا كذلك؛ لأنه هو المرتفع. ومنه الربيئة، وهو طليعة القوم وذلك لشخوصه على الموضع المرتفع. قال الهذلي [143ظ] .
فوردن والعيوق مقعد رابئ الضـ ... ـرباء خلف النجم لا يتتلع3
ومن ذلك قراءة الحسن وأبي الأسود والجحدري وسلام والضحاك وابن عامر؛ بخلاف: "أَعْجَمِي"4، بهمزة واحدة مقصورة، والعين ساكنة.
__________
1 للعجاج، وقبله:
ورب أسراب حجيج كظم
وحجيج: حجاج. وكظم عن اللغا: ممسكون عن الخوض في اللهو والباطل. والرفث: الفحش في القول. وانظر الديوان: 59، واللسان "لغا"، وشواهد الكشاف: 135.
2 سورة السجدة: 39.
3 من قصيدة لأبي ذؤيب يرثى بها أولاده ويروى "فوق النظم" مكان "خلف النجم". وضمير وردن لحمار الوحشي وأتنه الأربع في بيت سابق. والعيوق: كوكب أحمر يطلع حيال الثريا، وفوق الجوزاء. والضرباء: جمع ضريب ككريم وهو الذي يضرب القداح، وهو الموكل بها. ورابئ الضرباء: الذي يقعد خلف ضارب قداح الميسر يرتبئ لهم فيما يخرج منهان فيخبرهم به، ويعتمدون على قوله فيه والنجم: الثريا. وأما فوق النظم فيريد به نظم الجوزاء ويتتلع: يتقدم ويرتفع. يريد أن الحمار وأتنه وردت الماء والعيوق من الثريا بكان الرابئ من الضرباء، وإنما يكون ذلك في صميم الحر عند الأسحار، وهو وقت ورود الوحش الماء. وانظر الديوان: 1: 6، الخزانة: 1: 201.
4 سورة السجدة: 44.(2/247)
وقرأ بهمزة واحدة غير ممدودة وفتح العين - عمرو بن ميمون.
قال أبو الفتح: أما "أَعْجَمِي"، بقصر الهمزة، وسكون العين فعلى أنه خبر لا استفهام، أي: لقالوا: لولا فصلت آياته، ثم أخبر فقال: الكلام الذي جاء به أعجمي، أي: قرآن، وكلام أعجمي. ولم يخرج مخرج الاستفهام على معنى التعجب والإنكار على قراءة الكافة، وهذا كقولك للآمر بالمعروف، التارك لاستعماله: أراك تأمر بشيء ولا تفعله. وعلى قراءة الكافة: أتأمر بالبر وتتركه؟.
وأما قراءة عمرو بن ميمون: "أَعْجَمِي" فهذه همزة استفهام، وهو منسوب إلى العجم. وأما أعجمي بسكون العين فلفظه لفظ. النسب، وليس هناك حقيقة نسب، وإنما هو لتوكيد معنى الصفة. ونظيره قولهم: رجل أحمر وأحمري، وأشقر وأشقري. وعليه قول العجاج:
غضف طواها الأمس كلابي1
أي: كلاب، يعني صاحب كلاب، كبغال وحمار. وقوله أيضا:
والدهر بالإنسان دواري2
أي: دوار. فكذلك أعجمي، معناه أعجم. ومنه قولهم: زياد الأعجم. رجل أعجم، ومرأة عجماء، وقوم عجم. فهذا كأحمر وحمراء وحمر.
فأما الأعاجم فتكسير أعجمي، وهو على حذف زيادة ياءي الإضافة. وجاز تكسيره على أفاعل؛ لأنه بدخول ياءي الإضافة عليه فارق في اللفظ باب أفعل وفعلاء، فكسر تكسير الأسماء.
ووجه مفارقته إياه لحاق تاء التأنيث، فصار كظريف وظريفة، وقائم وقائمة. فلما فارق أحكام أفعل وفعلاء كسر على الأفاعل، فجرى مجرى أحمد وأحامد. نعم، وصرفه عند لحاق التأنيث له يزيده بعدا عن حكم أحمر وبابه، وأنت أيضا تصرفه معرفة ونكرة، وأحمر لا ينصرف معرفة ونكرة. والحديث هنا طويل، وفيما مضى كاف على ما عقدنا عليه من الاقتصاد في هذا الكتاب، على حد ما سئلنا في معناه.
__________
1 انظر الصفحة 311 من الجزء الأول.
2 انظر الصفحة 310 من الجزء الأول.
3 في ك الاقتصار.(2/248)
سورة عسق:
بسم الله الرحمن الرحيم
روى محبوب عن إسماعيل عن الأعمش عن ابن مسعود: "حم سق1".
قال أبو الفتح هذا مما يؤكد أن الغرض في هذه الفواتح إنما هو لكونها2 فواصل بين السور، ولو كانت أسماء الله سبحانه لما جاز تحريف شيء منهان وذلك لأنها لو كانت أسماء له لكانت أعلاما، كزيد وعمرو، فالأعلام لا طريق إلى تحريف شيء منها، بل هي مؤداة بأعيانها.
فأما الخلاف الذي في باب جبريل، وإسرافيل، وميكائيل، وإبراهيم، ونحو ذلك فالعذر فيها أنها أسماء أعجمية، ولام التعريف لا تدخلها؛ فبعدت عن أصول كلام العرب، واجترأت عليه وتلعبت بها لفظا، تارة كذا، وأخرى كذا. وليس كذلك "حم?، عسق" وبقية الفواتح؛ لأنها حروف [144و] العرب المركب منها كلامها. فأما ترك إعرابها فكترك إعراب كثير من كلامها، كالأفعال غير المضارعة، وجميع الحروف. وعلى أن الأعجمي على ما ذكرنا من حاله معرب فهذا هذا.
وكان ابن عباس قرأها بلا عين أيضا، ويقول: السين: كل فرقة تكون، والقاف: كل جماعة تكون.
ومن ذلك قراءة سلام: "نُؤْتِهِ مِنْهَا3".
قال أبو الفتح: هذا على لغة أهل الحجاز، ومثله قراءتهم: "فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ4"، وقد تقدم القول عليه.
__________
1 سورة عسق: 1، 2 وعسق اسم آخر لسورة الشورى. انظر بصائر ذوي التمييز: 1: 418.
2 كذا في نسختي الأصل.
3 سورة عسق: 20.
4 سورة القصص: 81 وانظر الصفحة 67 من الجزء الأول.(2/249)
ومن ذلك قراءة مسلم بن جندب: "وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم1"، نصب.
قال أبو الفتح: هو معطوف على كلمة "الفصل"، أي: ولولا كلمة الفصل، وإن الظالمين لهم عذاب أليم، ولولا أن الظالمين قد علم منهم أنهم سيختارون ما يوجب عليهم العذاب لهم2 لقضى بينهم.
ونعوذ بالله مما يجنيه الضعف في هذه اللغة العربية على من لا يعرفها، فإن أكثر من ضل عن القصد حتى كب على منخريه في قعر الجحيم إنما هو لجهله بالكلام الذي خوطب به، ثم لا يكفيه عظيم ما هو عليه وفيه دون أن يجفوها، ويعرض عما يوضحه له أهلوها. نعم، ويقول: ما الحاجة إليها؟ وأين وجه3 الضرورة الحاملة عليها؟ نعوذ بالله من التتابع في الجهالة، والعدول عما عليه أهل الوفور والمثالة.
وجاز الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بجواب "لولا" الذي هو قوله: {لَقُضِيَ بَيْنَهُم} ، لأن ذلك شائع، وكثير عنهم. قال لبيد:
فصلقنا في مراد صلقة ... وصداء ألحقتهم بالثلل4
أي: فصلقنا في مراد وصداء صلقة.
وفيه أيضا فصل بين الموصوف الذي هو صلقة، والصفة التي هي قوله: ألحقتهم بالثلل - بالمعطوف الذي هو قوله: وصداء، والموصوف مع ذلك نكرة. وما أقوى حاجتها إلى الصفة! ومثله ما أنشدناه أبو علي من قول الآخر:
أمرت من الكتاب خيطا وأرسلت ... رسولا إلى أخرى جريا يعينها5
__________
1 سورة عسق: 21.
2 ساقطة في ك.
3 في ك: وما.
4 فصلقنا: فصحنا. والثلل: الهلاك، كما في الديوان، قال: ومن قرأ بالثلل "بكسر الثاء" أراد الثلال، جمع ثلة من الغنم، فقصرى، أي أغنام يرعونها. قال ابن سيده: والصحيح الأول. وفي القاموس: الثلة "بالفتح" جماعة الغنم، وجمعها كبدر. وفيه والثلة بالكسر: الهلكة، وجمعها كعنب. يشير الشاعر في هذا البيت إلى يوم فيف الريح، وكانت تجمعت فيه بنو الحارث، وبنو جعفر، وقبائل سعد العشيرة ومراد وصداء. وانظر الديوان: 193.
5 أمرت خيطا: شدت فتله. الجرى: الوكيل، وقد يكون مخفف جرئ، وانظر الخصائص: 2: 396.(2/250)
ففصل بين قوله: "رسولا"، وبين صفته التي هي "جريا" بقوله: إلى أخرى، وهو معمول أرسلت, على هذا حمله أبو علي وإن كان يجوز أن يكون صفة لـ"رسول" متعلقة بمحذوف، وأن يكون أيضا متعلقا بنفس "رسول".
وقد يجوز في "أنَّ1" أن تكون مرفوعة بفعل مضمر، حتى كأنه قال: ووجب، أو وحق أن الظالمين لهم عذاب أليم. يؤنسك بانقطاعه عن الأول إلى هنا قراءة الجماعة بالكسر و "إن" بالكسر فهذا استئناف -كما ترى- لا محالة.
ومن ذلك قراءة مجاهد وحميد: "ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ2"، بضم الياء، وسكون الباء، وكسر الشين.
قال أبو الفتح: وجه هذه القراءة أقوى في القياس، وذلك أنه يقال: بشر زيد بكذا، ثم نقل بهمزة النقل، فقيل: أبشره الله بكذا، فهذا كمر زيد بفلان، وأمره الله به. ورغب فيه، وأرغب الله فيه.
نعم، وأفعلت ههنا كفعلت فيه، وهو أبشرته وبشرتهه، وكلاهما منقول للتعدي: أحدهما بهمزة أفعل، والآخر بتضعيف [144ظ] العين. فهذا كفرح وأفرحته وفرحته، وهو بشر وأبشرته وبشرته. وأما بشرته -بالتخفيف- فعلى معاقبة فعل لأفعل في معنى واحد، نحو جد في الأمر وأجد، وصد عن كذا وأصد.
قال أبو عمرو: وإنما قرأت هذا الحرف وحده "يبشر" لأنه ليس معه "به3"، وهذا صحيح حسن.
__________
1 أي من قوله تعالى {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} و "بالكسر" الأولى مقحمة في العبارة كما لا يخفى.
2 سورة عسق: 23.
3 وردت الباء بعد "بشر" المشدد في آيات شتى منها قالوا: {بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ} في سورة الحجر: 55، و {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلام عَلِيم} في سورة الصافات: 101.(2/251)
ومن ذلك قراءة قتادة: "فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ1"، بكسر اللام2.
قال أبو الفتح: هذه القراءة على ظللت أظل، كفررت أفر. والمشهور فيها فعلت أفعل: ظللت أظل.
وأما ظللت أظل فلم يمرر بنا، لكن قد مر نحو ضللت أضل، وضللت أضل. ولم يقرأ قتادة -إن شاء الله- إلا بما رواه، وأقل ما في ذلك أن يكون سمعه لغة.
__________
1 سورة عسق: 33.
2 سقط في ك: "بكسر اللام".(2/252)
سورة الزخرف:
بسم الله الرحمن الرحيم
قراءة أبي جعفر يزيد: "بَلْدَةً مَيْتًا1"، بالتشديد.
قال أبو الفتح: التذكير مع التشديد ليس في حسن التذكير مع التخفيف؛ وذلك أن "ميتا" بالتشديد يكاد يجري مجرى فاعل، فكأنه مائت؛ ولذلك اعتقبا على الموضع الواحد2، فقالوا: رجل سائد وسيد، وبائع وبيع، وقائم بالأمر وقيم.
وقرئ: "إنك مَائِت3" و"مَيّت".
وعليه أيضا حذفت عين فيعل مما اعتلت عينه، كما حذفت عين فاعل منه فصار ميت، وهين، ولين - كشاك4، وهار5، ولاث6. وإذا جريا مجرى المثال الواحد - لما
__________
1 سورة الزخرف: 11.
2 كذا في ك، وفي الأصل للواحد، وهو تحريف.
3 سورة الزمر: 30، و"مائت" قراءة ابن محيصن والحسن، وقراءة الجماعة "ميت" كما في الاتحاف: 231
4 من قول مرحب اليهودي غزوة خبير:
قد علمت خيبر أني مرحب ... شاك السلاح بطل مجرب
وشاك السلاح: حديده، وأصله شائك.
5 هار: أصله هائر، وصف من هار البناء: إذا هدمه، فهار.
6 من قول العجاج يصف أيكا:
لاث به الأشاد والعبرى
ولاث: أصله لاثث، وصف من لاث الشجر: إذا كثر والتف. والأشاء: صغار النخل جمع اشاءة. والعبرى: ما ينبت من شجر الضال على شطوط الأنهار، منسوب إلى العبر، وهو شاطئ النهر.
والقول بحذف العين في الأوصاف الثلاثة هو الأكثر، ويرى الخليل أن فيها قلبا مكانيا، بجعل العين مكان اللام والإعراب على المحذوف. وعليه قول طريف بن تميم:
فتعرفوني أنني أنا ذاكم ... شاك سلاحي في الحوادث معلم
وانظر الكتاب: 2: 129، 378، والخصائص: 2: 129، 477، 493، وشرح شواهد الشافية: 367-370.(2/253)
ذكرناه، ولما استطلناه فتركناه- ضعف "بَلْدَةً مَيْتًا
" بالتثقيل، كما ضعفت امرأة مائت وبائع.
وليس الموت أيضا مما يختص بالتأنيث فيحمل على تذكير طالق وطامث1 وبابه وهو2 إذا خفف فقيل ميت أشبه لفظ المصدر، نحو البيع، والضرب، والموت، والقتل وتذكير المصدر إذا جرى وصفا على المؤنث ليس بمستنكر، نحو امرأة عدل، وصوم، ورضا، وخصم. فهذا فرق -كما ترى- لطيف.
ومن ذلك قراءة الزهري: "أَشَهِدُوا3"، بغير استفهام.
قال أبو الفتح: أما حذف همزة الاستفهام تخفيفا، كأنه قال: أشهدوا خلقهم؟ كقراءة الجماعة - فضعيف؛ لأن الحذف في هذا الحرف أمر موضعه الشعر، ولكن طريقه غير هذا. وهو أن يكون قوله: {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} صفة لـ"إناث" حتى كأنه قال: وجعلوا الملائكة الذين هم عباد لرحمن إناثا مشهدا خلقهم هم.
فإن قلت: فإن المشركين لم يدعوا أنهم أشهدوا خلق ذلك، ولا حضروه.
قيل: اجتراؤهم على ذلك، ومجاهرتهم به، واعتقادهم إياه، وانطواؤهم عليه -فعل من شاهده، وعاين معتقد ما يدعيه فيه، لا من هو شاك ومرجم ومتظن، وإن لم يكن معاندا ومتخرصا لما لا يعتقده أصلا. فلما بلغوا هذه الغاية صاروا كالمدعين أنهم قد شهدوا ما تشهروا4 به وأعصموا5 باعتقاده.
وهذا كقولك لمن يزكي نفسه، وينفي الخبائث عنها، أو شيئا من الرذائل أن تتم6 عليها: وأنت إذا تقول: إنك معصوم، وهو لم يلفظ بادعائه العصمة، لكنه لما ذهب بنفسه ذلك المذهب صار بمنزلة من قال: أنا معصوم.
__________
1 طامث: حائض.
2 في ك: فهو.
3 سورة الزخر: 19.
4 لم نعثر على هذا الفعل فيما بين أيدينا من المعاجم.
5 أعصموا: تمسكوا.
6 تتم عليها: تمضي، وتستمر.(2/254)
ومثله أن يقول الإنسان: القرآن ليس بمعجز، والنبي -صلى الله عليه وسلم- ليس بمرسل، فتقول أنت: هذا الذي تقول الحق باطل، وهو لم يلفظ بذلك، لكن صورته صورة من لفظ به.
وعليه قول الله "سبحانه": {يَدْعُو [145و] لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ 1} ، إذا تأولت ذلك على أنه كأنه قال: يقول: لمن ضره أقرب من نفعه إله، ثم حذفت خبر المبتدأ، وإن كان هو لم يقل ذلك، بل هو يعتقد أن نفعه أقرب من ضره، لكنك أخبرت عنه أن صورته مع تحصيلها صورة من يقول: ذلك.
ومن ذلك قراءة أبي رجاء: "لَمَّا مَتَاع2".
قال أبو الفتح: ما هنا بمنزلة الذي، والعائد إليها من صلتها محذوف، وتقديره: وإن كل ذلك للذي هو متاح الحياة الدنيا، فكأنه قال: وإن كل ذلك لما يتمتع به أحوال الدنيا، فجاز حذف هذا الضمير على انفصاله جوازا قصدا لا مستحسنا، ومثله على توسطه قراءة من قرأ: "مَثَلًا مَا بَعُوضَة3، أي: ما هو بعوضة، وقوله:
لم أر مثل الفتيان في غبن الـ ... أيام ينسون ما عواقبها4
أي: ينسون الذي هو عواقبها. وقد ذكرناه بما فيه، إلا أن ابن مجاهد لم يذكر كيف إعراب "كل" في هذه الآية؟ هل هو مرفوع أو منصوب؟ وينبغي أن يكون منصوبا؛ وذلك أن "أن" هذه مخففة من الثقيلة، ومتى خففت منها وأبطل نصبها لزمتها اللام في آخر الكلام للفرق بينها وبين إن النافية بمعنى ما، وذلك قولك: إن زيد لقائم، وقوله:
شلت يمينك إن قتلت لمسلما5
__________
1 سورة الحج: 13.
2 سورة الزخرف: 35.
3 سورة البقرة: 26، ورفع "بعوضة" قراءة الضحاك، وإبراهيم بن أبي عبلة، ورؤية بن العجاج، وقطرب، كما في البحر: 1: 123.
4 انظر الصفحة 235 من الجزء الأول.
5 لعاتكة بنت زيد العدوية بنت عم عمر بن الخطاب من قصيدة ترثى بها الزبير ابن العوام، والخطاب لعمرو بن جرموز قاتل الزبير. وعجزه:
حلت عليك عقوبة المتعمد
وانظر مختصر شرح الشواهد للعيني: 121، 122، والدرر اللوامع: 1: 119.(2/255)
أي: إنك قتلت مسلما، وهذا موضح في بابه.
فلو كانت "كل" هنا رفعا لم يكن بد معها من اللام الفاصلة بين المخففة والنافية، ولالام معك؛ لأن هذه الموجودة في اللفظ إنما هي الجارة المكسورة، ولو جاءت معها لوجب أن تقول: وإن كل ذلك للمامتاع الحياة الدنيا، كقولك: إن زيد لمن الكرام.
فإن قلت: إنه قد يجوزم أن يكون أراد اللام الفاصلة، لكنها جفت مع اللام الجارة، فحذفت وصارت هذه الجارة في اللفظ كالعوض منها.
قيل: فقد قال:
فلا والله لا يلفي لما بي ... ولا للما بهم أبدا دواء1
فجمع بين اللامين، وكلتاهما جارة. فجاز الجمع بين الجارتين، وهما بلفظ واحد، وعمل واحد- فجمع المفتوحة مع المكسورة العاملة أحرى بالجوز.
وبعد، فالحق أحق أن يتبع. هذا بيت لم يعرفه أصحابنا ولا رووه، والقياس من بعد على نهاية المج له والإعراض عنه، لاسيما وقد جاور بحرف الجر حرفا مثله لفظا ومعنى, فلو وجد هذا البيت عنوانا على كل ورقة من مصحف أبي عمرو لما جاز استعمال مثله في الشعر إلا كلا ولا2، فضلا عن الأخذ به في كتاب الله.
فإذا كان كذلك بطل رفع "كل" لما ذكرناه، وجب أن يكون نصبا على لغة من نصب مع التخفيف، فقال: إن زيدا قائم؛ لأنه إذا نصب زال لاشك في أنها ليست بالنافية؛ لأن تلك غير ناصبة للمبتدأ. وترك ابن مجاهد ذكر الإعراب في "كل" يدعو إلى أن يكون رفعا؛ إذ لو كان نصبا لذكره لما فيه من الشذوذ الذي عليه وضع الكتاب، ففيه إذا ما تراه، فتعجب منه.
__________
1 لمسلم بن معبد الوالبي من شعراء الدولة الأموية، والوالبي نسبة إلى والبة بن الحارث ابن ثعلبة بن داودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة. ويروى "وابيك" مكان "والله"، وانظر الخزانة: 6: 264.
2 كلا ولا، أي: إلا قليلا. والعرب إذا أرادت تقليل مدة فعل أو ظهور شيء خفي قالت: كان فعله كلا. وربما كررت فقالت: كلا ولا. وانظر اللسان "لا".(2/256)
ومن ذلك قراءة علي بن أبي طالب وابن مسعود "رضي الله عنهما" ويحيى والأعمش: "يَا مَالِ1".
قال أبو الفتح: هذا المذهب المألوف في الترخيم [145ظ] ، إلا أن فيه في هذا الموضع سرا جديدا، وذلك أنهم -لعظم ما هم عليه- ضعفت قواهم، وذلت أنفسهم، وصغر كلامهم؛ فكان هذا مواضع الاختصار ضرورة عليه، ووقوفا دون تجاوزه إلى ما يستعمله المالك لقوله، القادر على التصرف في منطقه.
ومن ذلك قراءة أبي عبد الرحمن اليماني: "فَأَنَا أَوَّلُ الْعَبِدِين2".
قال أبو الفتح: معناه -والله أعلم- أول الأنفين. يقال: عبدت من الأمر أعبد عبدا، أي: أنفت منه. وهذا يشهد لقول من قال في القراءة الأخرى: "فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِين"، أي: الأنفين. ولم يذهب إلى أنه أول العابدين؛ لأني لا أذهب إلى ما يذهبون إليه من أن معناه: أن كان للرحمن عندكم أنتم ولد فأنا أول من يعبده، لأن الأمر بخلاف ما قدرتموه أنتم.,
ألا ترى أن العبدين من عبد يعبد؟ فإن قلت: فقد قال:
أصبح قلبي صردا ... لا يشتهي أن يردا
إلا عرادا عردا ... وصليانا بردا
وعنكثا ملتبدا3
يريد عاردا وباردا، كما قال العجلي:
كأن في الفرش القتاد العاردا3
قيل: إنما جاز في الضرورة؛ لأن القافية غير مؤسسة، فحذف الألف ضرورة كما حذفها الآخر من قوله:
مثل النقا لده ضرب الطلل4
يريد الطلال، كما قال القحيف العقيلي:
ديار الحي يضربها الطلال ... بها أهل من الخافي ومال4
__________
1 سورة الزخرف: 77.
2 سورة الزخرف: 81.
3 انظر الصفحة 172 من الجزء الأول.
4 انظر الصفحة 181 من الجزء الأول.(2/257)
وكذلك مذهب ابن عباس في قوله: "فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِين"، أي: الأنفين.
ووجه ثالث مقول أيضا، وهو أن تكون "إن" بمعنى ما، أي: ما كان للرحمن ولد، فأنا أول العابدين له؛ لأنه لا ولد له. قال الفرزدق:
وأعبد أن تهجى كليب بدارم1
أي: آنف من ذلك.
وروينا عن قطرب أن العابد العالم، والعابد الجاحد، والعابد الأنف الغضبان، قال: ومعنى هذه الآية يحتمل كل هذه المعاني، وفيه ما ذكرته أنا لك.
ومن ذلك قراءة الأعرج ورويت عن أبي قلابة وعن مجاهد أيضا: "وقيله2"، رفعا.
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون ارتفاعه عطفا3 على "علم" من قوله: {وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَة} ، و"قيله"، أي: وعلم قيله، فجاء على حذف المضاف، كما أن من جره "وقيله" فهو معطوف عنده على "الساعة". فالمعنيان -كما تراه- واحد، والإعرابان مختلفان.
فمن نصب فقال: "وقيله" كان معطوفا على "الساعة" في المعنى، إذ كانت مفعولا بها في المعنى، أي: عنده أن يعلم الساعة وقيله. وهذا كقولك: عجبت من أكل الخبز والتمر، أي: من أن أكلب هذا وهذا. وروينا عن أبي حاتم، قال: "وقيله" نصب معطوف على "نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ4"، و"قيله". قال: قال ذلك جماعة، منهم يعقوب القارئ. وبعد، فليعم أن المصدر الذي هو "قيل" مضاف إلى الهاء، وهي مفعولة في المعنى لا فاعله؛ وذلك أن وعنده عطفا
__________
1 رواية اللسان "عبد":
أولئك قوم أن هجوني هجوتهم ... وأعبد أن أهجو كليبا بدارم
ورواية البحر "7: 28"
أولئك آبائي فجئني بمثلهم ... وأعبد أن أهجو كليبا بدارم
وورد في الديوان: 700 هذا البيت:
أظنت كلام اللؤم أن ليست شاتما ... قبائل إلا بني دخان بدارم
وابنا دخان: غني، وباهلة.
2 سورة الزخرف: 88.
3 ساقطة في ك.
4 من قوله تعالى في الآية 80: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} .(2/258)
علم أن يقال له: يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون. فالمصدر هنا مضاف إلى المفعول لا إلى الفاعل، وإنما هو [146و] من باب قول الله "سبحانه": {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ 1} ، أي: بسؤاله إياك نعجتك. ومثله قوله "تعالى": {لا يَسْأَمُ الْأِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ 2} ، أي: من دعائه الخير، لا بد من هذا التقدير.
ألا ترى أنه لا يجوز أن تقدره على أنه: وعنده علم أن يقول الله: يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون؟ لأن هذا إنما يقال لله "تعالى" دون أن يكون "سبحانه" يقول: يا رب إن هؤلاء كذا، فتم الكلام على "يؤمنون"، ثم قال الله: يا محمد، فاصفح عنهم، وليس يريد "تعالى" الصفح الذي هو المساهلة والعفو؛ إنما المراد فأعرض عنهم بصفح وجهك، كما قال "تعالى" {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين 3} .
وقوله: "قل سلام4"، أي: أمرنا وأمركم متاركة وتسلم، كما قال: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا 5} .
وقوله: {فَسَوْفَ يَعْلَمُون 6} من كلام الله أيضا، ألا ترى أن النبي "صلى الله عليه وسلم" لا يقول لله "سبحانه": {فَسَوْفَ يَعْلَمُون} ؟ لأن هذا إعلام، والله أحق المعلمين بهم.
__________
1 سورة ص: 24.
2 سورة فصلت: 49.
3 سورة الأعراف: 199.
4 سورة الزخرف: 89.
5 سورة الفرقان: 63.
6 "تعلمون" بالخطاب قراءة نافع وابن عامر وأبي جعفر ووافقهم الحسن، وقرأ الباقون "يعلمون" بالغيب. وانظر الاتحاف: 239.(2/259)
سورة الدخان:
بسم الله الرحمن الرحيم
قراءة الحسن وأبي رجاء طلحة، بخلاف: "يَوْمَ نَبْطِش1"، مضمومة النون، مكسورة الطاء.
قال أبو الفتح: معنى نبطش أي نسلط عليهم من يبطش بهم، فهذا من بطش هو، وأبطشته أنا، كقولك: قدر وأقدرته، وخرج وأخرجته. وإلى هذا ذهب أبو حاتم في هذه الآية فيما رويناه عنه.
وأما انتصاب "البطشة" فبفعل آخر غير هذا الظاهر، إلا أن هذا دل عليه، فكأنه قال: يوم نبطش من نبطشه، فيبطش البطشة الكبرى، فيجري نحو من قولهم: أعلمت زيدا عمرا العلم اليقين إعلاما، فإعلاما منصوب بأعلمت. وأما العلم اليقين فمنصوب بما دل عليه أعلمت، وهو علم العلم اليقين. وعليه قوله:
ورضت فذلت صعبة أي إذلال2
فأي إذلال منصوب بما دل عليه قوله: {رُضْت} ؛ لأن "رضتها" وأذللتها بمعنى3 واحد ولك أن تنصب "البطشة الكبرى" لا على المصدر، ولكن على أنها مفعول به، فكأنه
__________
1 سورة الدخان: 16.
2 لامرئ القيس، وصدره:
وصرنا إلى الحسنى ورق كلامنا
وقبله:
فلما تنازعنا الحديث واسمحت ... هصرت بغصن ذي شماريخ ميال
أسمحت: لانت وانقادت, هصرت: جذبت. والغصن: يريد به القوام. والشماريخ: جمع شمروخ، أو شمراخ، وهو في الأصل العثكال، يريد الشماريخ فروع صاحبته الديوان: 141.
3 في ك: معنى.(2/260)
قال: يوم نقوى البطشة الكبرى عليهم، وتمكنها منهم، كقولك: يوم نسلط القتل عليهم، وتوسع الأخذ منهم.
ومن ذلك قراءة عكرمة: "وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِين1".
قال أبو حاتم: وفي قراءة عبد الله بن مسعود: "وَزَوَّجْنَاهُمْ بِعيس عِين".
قال أبو الفتح: هذه الإضافة تفيد ما تفيده الصفة؛ لأن حور العين حور عين في المعنى، إلا أن لفظ الصفة أوفى2 من لفظ الإضافة؛ إذ كان المضاف والمضاف إليه جاريين مجرى المفرد. والصفة تأتي من الاختصاص المستفاد منها مأتى الزيادة المسهب بها، وهي مع ذلك أشد إصراحا بالمعنى من المضاف.
ألا ترى أنك إذا قلت: مررت بظريف كرام جاز أن يكون ذلك الظريف كريما، وجاز أن يكون منسوبا إليهم؛ لاتصاله بهم وإن لم يكن كريما مثلهم؟ وإذا قلت: مررت بظريف كريم فقد أثبت له مذهب الكرم [146ط] البتة.
وأما قراءة عبد الله: "بِعِِيسٍ عِين" فإن العيساء: البيضاء، والأعيس: الأبيض، وكذلك فسرها أبو حاتم والفراء جميعا.
__________
1 سورة الدخان: 54.
2 في ك: أوفر.(2/261)
سورة الجاثية:
بسم الله الرحمن الرحيم
قراءة ابن عباس وعبد الله بن عمرو الجحدري وعبد الله بن عبيد بن عمير: "جَمِيعًا مِنَّةً1"، منصوبة، منونة.
وقرأ: "جَمِيعًا مِنُّةً" -سلمة -فيما حكاه ورويته عنه- أبو حاتم.
قال أبو الفتح: أما "منة" فمنصوب على المصدر بما دل عليه قوله "تعالى": {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} ؛ لأن ذلك منه "عز اسمه" منة منها عليهم، فكأنه قال: من عليهم منة. ومن نصب وميض البرق من قولهم: تبسمت وميض البرق بنفس تبسمت، لكونه في معنى أومضت -نصب أيضا "منة" بنفس سخر لكم، على ما مضى.
وأما "منة" بالرفع فحمله أبو حاتم على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: ذلك، أو هو "منة"، كذا قال. ويجوز أيضا عندي أن يكون مرفوعا بفعله هذا الظاهر، أي: سخر لكم ذلك "منة" كقولك: أحياني إقبالك علي، وسدد أمري حسن رأيك في؛ فتعمل فيه هذا اللفظ الظاهر، ولا تحتاج إلى إبعاد التناول واعتقاده ما ليس بظاهر.
ومن ذلك قراءة يعقوب: "كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى2"، بفتح اللام.
قال أبو الفتح: "كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى" بدل من قوله: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} . وجاز إبدال الثانية من الأولى لما في الثانية من الإيضاح الذي ليس في الأولى؛ لأن جثوها ليس فيه شيء من شرح حال الجثو. والثانية فيها ذكر السبب الداعي إلى جثوها، وهو استدعاؤها إلى ما في
__________
1 سورة الجاثية: 13، والآية بتمامها: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} .
2 سورة الجاثية: 28.(2/262)
كتابها، فهي أشرح من الأولى،0 فذلك أفاد إبدالها منها. ونحو ذلك رأيت رجلا من أهل البصرة رجلا من الكلاء1.
فإن قلت: فلو قال: وترى كل أمة جاثية تدعى إلى كتابها لأغني عن الإطالة.
قيل: الغرض هنا هو الإسهاب؛ لأنه موضع إغلاط ووعيد، فإذا أعيد لفظ "كل أمة" كان أفخم من الاقتصار على الذكر الأول، وقد مضى نحو هذا.
__________
1 الكلاء: موضع البصرة.(2/263)
سورة الأحقاف:
بسم الله الرحمن الرحيم
قراءة ابن عباس -بخلاف- وعكرمة وقتادة وعمرو بن ميمون، ورويت عن الأعمش: "أَوْ أَثَرَةٍ مِنْ عِلْمٍ1"، بغير ألف.
وقرأ علي "عليه السلام" وأبو عبد الرحمن السلمي: "أَوْ أَثَرَةٍ"، ساكنة الثاء.
قال أبو الفتح: الأثرة والأثارة التي تقرأ2 بها العامة: البقية، وما يؤثر. وهي من قولهم: أثر الحديث يأثره أثرا وأثرة. ويقولون: هل عندك من هذا أثرة وأثارة، أي: أثر. ومنه سيف مأثور، أي: عليه أثر الصنعة، وطرائق العمل.
وأما "الأثرة3"، ساكنة الثاء فهي أبلغ معنى؛ وذلك أنها الفعلة الواحدة من هذا الأصل، فهي كقولك: ائتوني بخبر واحد، أو حكاية شاذة، أي: قد قنعت في الاحتجاج لكم بهذا القدر، على قلته، وإفراد عدده.
ومن ذلك قراءة عكرمة وابن أبي عبلة وأبي حيوة: "بِدْعًا مِنَ الرُّسُل".
قال أبو الفتح: هو على [147و] حذف المضاف، أي: ما كنت صاحب بدع، ولا معروفة مني البدع. قال:
وكيف تواصل من أصبحت ... خلالته كأبي مرحب4
__________
1 سورة الأحقاف: 4.
2 في ك: تقرؤها.
3 ضبطت في الأصل مضمومة الهمزة، وهو تحريف كما لا يخفي.
4 للنابغة الجعدي، وقبله:
وبعض الأخلاء عند البلا ... ء والرزء أروغ من ثعلب
والخلالة مثلثة: الصداقة. وجعل الأعلم "أبا مرحب" رجلا "الكتاب: 1: 10"، وفسره اللسان "رحب" بالظل. وانظر الأمالي: 1: 195، والسمط: 465.(2/264)
أي كخلالة أبي مرحب. وما أكثر هذا المضاف في القرآن، وفصيح الكلام.
ومن ذلك قراءة علي وأبي عبد الرحمن السلمي: "بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا1".
قال أبو الفتح: تحتمل اللغة أن تكون حسنا هنا مصدرا، كالمصادر التي اعتقب عليها الفعل والفعل، نحو الشغل والشغل، والبخل والبخل، وهو واضح.
وتحتمل أن يكون "الحسن" هنا اسما صفة لا مصدرا، لكنه رسيل2 القبيح كقولنا: الحسن من الله، والقبيح من الشيطان، أي: وصيناه بوالديه فعلا حسنا، ونصبه وصيناه به؛ لأنه يفيد مفاد ألزمنا الحسن في أبويه. وإن شئت قلت: هو منصوب بفعل غير هذا، لا بنفس هذا؛ فيكون منصوبا بنفس ألزمناه، لا بنفس وصيناه؛ لأنه في معناه.
ومن ذلك قراءة ابن مسعود: "هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ3".
قال أبو الفتح: قد كثر عنهم حذف القول؛ لدلالة ما يليه عليه، كقول الله تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ 4} ، أي: يقولون: سلام عليكم، وكذلك هذه القراءة، مفسرة لقراءة الجماعة: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِه} ، لو لم تأت قراءة عبد الله هذه لما كان المعنى إلا عليها، فكيف وقد جاءت ناصرة لتفسيرها؟
ومن ذلك قراءة الحسن وأبي رجاء والججدري وقتادة وعمرو بن ميمون والسلمي ومالك ابن دينار والأعمش وابن أبي إسحاق، واختلف عن الكل إلا أبا رجاء ومالك بن دينار: "لا تَرَى"، بالتاء مضمومة، "إِلَّا مَسَاكِنُهُم5"، بالرفع.
وقرأ الأعمش: "إِلَّا مَسَاكِنُهُم"، وكذلك يروى عن الثقفي ونصر بن عاصم.
__________
1 سورة الأحقاف: 15.
2 يريد برسيلة أنه يقابله ويقرن إليه.
3 سورة الأحقاف: 24.
4 سورة الرعد: 23، 24.
5 سورة الأحقاف: 25.(2/265)
قال أبو الفتح: أما "ترى"، بالتاء ورفع "المساكن" فضعيف في العريبة، والشعر أولى بجوازه من القرأن؛ وذلك أنه من مواضع العموم في التذكير، فكأنه في المعنى لا يرى شيء إلا مساكنهم. وإذا كان المعنى هذا كان التذكير لإراته هو الكلام.
فأما "ترى" فإنه على معاملة الظاهر، والمساكن مؤنثة، فأنث على ذلك. وإنما الصواب ما ضرب إلا هند، ولسنا نريد بقولنا: أنه على إضمار أحد وإن هند بدل من أحد المقدر هنا، وإنما نريد أن المعنى هذا؛ فلذلك قدمنا أمر التذكير. وعلى التأنيث قال ذو الرمة:
يرى النحز والأجرال ما في غروضها ... فما بقيت إلا صدور الجراشع1
وهو ضعيف، على ما مضى.
وأما "مسكنهم" فإن شئت قلت: واحد كنى من جماعته، وإن شئت جعلته مصدرا وقدرت حذف المضاف، أي: لا ترى إلا آثار مسكنهم. فلما كان مصدرا لم يلق لفظ. الجمعية به كما قال ذو الرمة:
تقول عجوز مدرجي متروحا ... على بابها من عند أهلي وما ليا2
فالمدرج هنا [147ظ] مصدر، ألا تراه قد نصب الحال؟ ولو كان مكانا لما عمل، كما أن المغار من قوله:
وما هي إلا في إزار وعلقة ... مغارا بن همام على حي خثعما3
مصدر أيضا: ألا تراه قد علق به حرف الجر؟ وهذا واضح. وحسن أيضا أن يريد "بمسكنهم" هنا الجماعة، وإن كان قد جاء بلفظ الواحد؛ وذلك أنه موضع تقليل لهم وذكر العفاء عليهم، فلاق بالموضع ذكر الواحد؛ لقلته عن الجماعة، كما أن قوله "سبحانه":
__________
1 انظر الصفحة 207 من هذا الجزء.
2 روى "بيت" مكان "عند" و"غاديا" مكان "ماليا". وانظر الديوان: 653، وأمالي الزجاجي: 89.
3 ينسب إلى حميد بن ثور، وليس في ديوانه، وذكر في المستدرك. وينسب إلى الطماح بن عامر بن الأعلم بن خويلد العقيل، شاعر مجيد. والعقلة بالكسر: ثوب قصير بلا كمين تلبسه الصبية تلعب فيه. يصف امرأة كانت صغيرة تلبس العلقة حين أغار ابن همام على خثعم، وهي قبيلة من اليمن. انظر الكتاب: 1: 120، والخصائص: 2: 208.(2/266)
{ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا 1} ، أي: أطفالا. وحسن لفظ الواحد هنا؛ لأ، هـ موضع تصغير لشأن الإنسان، وتحقير لأمره، فلاق به ذكر الواحد لذلك، لقلته عن الجماعة، ولأن معناه أيضا تخرج كل واحد منكم طفلا، وقد ذكرنا نحو هذا2. وهذا مما إذا سئل الناس عنه قالوا: وضع الواحد موضع الجماعة اتساعا في اللغة، وأنسوا حفظ المعنى ومقابلة اللفظ به؛ لتقوى دلالته عليه، وتنضم بالشبه إليه.
ومن ذلك قراءة ابن عباس وأبي عياض وعكرمة3 وحنظلة بن النعمان بن مرة: "إِفْكِهِم4"، بفتح الألف، والفاء، والكاف.
وقرأ: "وَذَلِكَ إِفْكُهُم"، بالمد، وفتح الفاء مخخفة - عبد الله بن الزبير.
وقرأ: "إِفْكُهُم"، مشددة الفاء - أبو عياض، بخلاف.
وقراءة الناس: "وَذَلِكَ إِفْكُهُم"، فذلك أربعة أوجه.
قال أبو الفتح أما "إِفْكُهُم" فصرفهم، وثناهم. قال:
إن تك عن أحسن المروءة ومأ ... فوكا ففي آخرين قد أفكوا5
وهو صرف بالباطل، وأرض مأفوكة، أي: مقلوبة التراب.
وأما "إِفْكُهُم" فيجوز أن يكون أفعلهم، أي: أصارهم إلى الإفك، أو وجدهم كذلك، كما تقول: أحمدت الرجل: وجدته محمودا.
__________
1 سورة الحج: 5.
2 انظر الصفحة 87 من هذ الجزء.
3 هو عكرمة مولى بن عباس أبو عبد الله المفسر، وردت الرواية عنه في حروف القرآن، روى عن مولاه وأبي هريرة وعبد الله بن عمر. وقد تكلم فيه لرأيه لا لروايته، فإنه أتهم بأنه كان يرى رأي الخوارج وعرض عليه علباء بن أحمد وأبو عمرو بن العلاء. وروى عنه أيوب وخالد وخلق. مات سنة 105 وقيل نحو ذلك طبقات ابن الجزري: 1: 515.
4 سورة الأحقاف: 28.
5 لعروة بن أذينة، وفي اللسان "أفك": لعمرو بن أذنية، وهو تحريف. ويروى "أفضل" مكان أحسن، و "الصنيعة" و"الخليفة" مكان "المروءة". يريد أن لم توفق للأحسن فأنت في قوم قد صرفوا عنه أيضا. انظر مقاييس اللغة: 1: 118، والصحاح، والتاج، والأساس: "أفك".(2/267)
ويجوز أن يكون أفعل على معنى فعل، كصد وأصد، وقد مضى ذكره.
ويجوز أن يكون "آفْكُهُم" فاعلهم كغالطهم وخادعهم.
وأما "أفْكُهُم" ففعلهم؛ وذلك لتكثير ذلك1 الفعل بهم، وتكرره منه عليهم.
وحكى الفراء فيها قراءة أخرى، وهي: "وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ"، وقال فيه: إلإفك والأفك، الحذر والحذر. ومن جهة أحمد بن يحيى:
مالي أراك عاجزا أفيكا ... أكلت جديا وأكلت ديكا
تعجز أن تأخذ ما أريكا2
الأفيك: المصروف عن وجهه وحيلته. وروينا عن قطرب أن ابن عباس قرأ: "وَذَلِكَ آفْكُهُمْ"، بمعنى صارفهم، فذلك ست قراآت.
ومن ذلك قراءة الحسن وعيسى الثقفي: "مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌا3".
قال أبو الفتح: هو على فعل مضمر، أي: بلغوا أو بلغو بلاغا، كما أن من رفع فقال: "بلاغ" فإنما رفع على أضمار المبتدأ، أي: ذلك بلاغ، أو هذا بلاغ.
قال أبو حاتم: قرأ: "بلغ"، على الأمر أبو - مجلز وأبو سراج الهذلي.
ومن ذلك قراءة ابن محيصن: "فَهَلْ يُهْلَك4".
قال هارون: وبعض الناس يقول: "فَهَلْ يُهْلَك".
وقرأ الناس: "يُهْلَك".
قال أبو الفتح: "أما يهلك"، بكسر اللام فواضحة، وهي المعروفة.
وأما "يهلك" بفتح الياء واللام جميعا فشاذة، ومرغوب عنها؛ لأن الماضي هلك، فعل مفتوحة [148و] العين، ولا يأتي يفعل، بفعل العين فيهما جميعا إلا الشاذ. وإنما هو أيضا
__________
1 في ك: هذا.
2 اقتصر في اللسان على الشطر الأول.
3 سورة الأحقاف: 35.
4 سورة الأحقاف: 35.(2/268)
لغات تداخلت، ولكنه يأتي مع حروف الحلق إذا كانت1 عينا أو لاما، نحو قرأ يقرأ، وسأل يسأل. وليس لك أن تحمل هلك يهلك على أبى يأبى، وتحتج بأن أول هلك حرف حلق كأبى، لأن آخر أبى ألف، والألف قريبة المخرج من الهمزة، وإن كانت في أبى منقلبة.
ومن ذلك ما رواه عمرو عن الحسن: "وَلَمْ يَعْي2"، بكسر العين، وسكون الياء.
قال أبو الفتح: هذا مذهب ترغب3 العرب عنه، وهو إعلال عين الفعل وتصحيح لامه، وإنما جاء ذلك في شيء من الأسماء، وهو غاية، وآية، وثاية4، وطاية5. وقياسها6 غياة، وأياة، وطياة، وثياة، أو ثواة. ولم يأت هذا في الفعل إلا في بيت شاذ. أنشده الفراء، وهو قول الشاعر:
وكأنها بنين النساء سبيكة ... تمشي بسدة بيتها فتعي7
فأعل العين، وصحح اللام، ورفع ما لم ترفعه العرب. وإنما تعله، نحو يرمي ويقضي. وكذلك قوله: {وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ} أجراه مجرى لم يبع، فحذف العين؛ لسكونها، وسكون الياء الثانية. ووزن لم يعي لم يفل مثل لم يبع، والعين محذوفة لالتقاء الساكنين.
__________
1 في النسختين: كان.
2 من قوله تعالى في سورة الأحقاف: 33: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ..} .
3 في ك: نزعت.
4 الثاية: مأوى الإبل، عازبة، أو خول البيت.
5 الطاية: السطح، ومربد التمر.
6 لأن المعتل العين واللام تعل لامه، وتجري عينه مجرى الصحيح. وانظر الهمع: 1: 54.
7 السبيكة: قطعة مستطيلة من الفضة.(2/269)
سورة محمد صلى الله عليه وسلم:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ علي وابن عباس "رضي الله عنهما": "مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ1".
قال أبو الفتح: هذه القراءة دليل على أن القرءة العامة التي هي "مثل"، بالتوحيد - بلفظ الواحد ومعنى الكثرة؛ وذلك لما فيه من معنى المصدرية؛ ولهذا جاز مررت برجل مثل رجلين وبرجلين مثل رجال، وبامرأة مثل رجل، وبرجل مثل امرأة. ألا ترى أنك تستفيد في أثناء ذلك معنى التشبيه والتمثيل؟
ومثل ومثل بمعنى واحد، كشبه وشبه، وبدل وبدل.
فإن قيل: فإنه لم يأت عنهم ضربت له مثلا، كما يقال: ضربت له مثلا.
قيل: المعنى الواحد، وإن لم يأت الاستعمال به، كما أتى الآخر في هذا المعنى. ألا ترى أنك لا تضرب مثلا إلا بين الشيئين اللذين كل واحد منهما مثل صاحبه، ولو خالفه فيما ضربته فيه لم تضربه مثلا؟
ومن ذلك قراءة أهل مكة -فيما حكاه أبو جعفر الرواسي2: "إنْ تَأْتِهِمُ3"، بكسر الألف من غير ياء.
قال أبو الفتح: هذا على استئناف شرط؛ لأنه وقف على قوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَة} ، ثم قال: {أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} فأجاب الشرط بقوله: {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا}
__________
1 سورة محمد: 15.
2 هو أبو جعفر محمد بن أبي سارة الرؤاسي، وسمي الرؤاسي لكبر رأسه. وهو أستاذ الكسائي والفراء، وأول من ألف من الكوفيين كتابا في النحو، وكان رجلا صالحا. ومن كتبه كتاب الفيصل، وكتاب التصغير، وكتاب معاني القرآن. الفهرست: 96، وبغية الوعاة: 33
3 سورة محمد: 18.(2/270)
فإن قلت: فإن الشرط لا بد فيه من الشك، وهذا موضع محذوف عنه الشك البتة. ألا ترى إلى قوله "تعالى": {إِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا 1} ، وغير ذلك من الآي القاطعة بإتيانها؟
قيل: لفظ الشك من الله "سبحانه"، ومعناه منا، أي: إن شكوا في مجيئها بغتة فقد جاء أشراطها، أي: أعلامها، فهو توقعوا وتأهبوا لوقوعها مع دواعي العلم بذلك لهم إلى حال وقوعها. فنظيره مما اللفظ فيه من الله "تعالى"، ومعناه منا - قوله "تعالى": {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ 2} ، أي: يزيدون عندكم أنتم؛ لأنكم لو رأيتنم جمعهم [148ظ] لقلتم أنتم: هؤلاء مائة ألف، أو يزيدون. وقد مضى هذا مشروحا فيما قبل.
ومن ذلك قراءة أبي عمرو في رواية هارون3 بن حاتم عن حسين4 عنه: "بَغْتَة5".
قال أبو الفتح: فعله مثال لم يأت في المصادر ولا في الصفات أيضا، وإنما هو مختص بالاسم، منه الشربة: اسم موضع. أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن عن أبي العباس أحمد بن يحيى: يقول عبد الله بن الحجاج التغلبي لعبد الملك بن مروان في خبر له معه:
ارحم أصيبيتي الذين كأنهم ... حجلى تدرج بالشربة وقع6
__________
1 سورة غافر: 59.
2 سورة الصافات: 147 وانظر الصفحة 227 من هذا الجزء.
3 هو هارون بن حاتم أبو بشر الكحوفي البزاز، مقرئ مشهور، ضعفوه. روى الحروف عن أبي بكر بن عياش، وحسين الجعفي عن ابن عياش، وعن أبي عمرو وغيرهم. وروى القراءة عنه أحمد بن يزيد الحلواني، وموسى بن إسحاق وغيرهما. توفي سنة 249. طبقات ابن الجزري: 2: 345.
4 هو الحسين بن علي بن فتح الإمام الحبر أو عبد الله، يقال: أبو علي الجعفي مولاهم. الكوفي الزاهد، أحد الأعلام. قرأ على حمزة، وهو أحمد الذين خلفوه في القيام بالقراءة، وروى القراءة عن أبي بكر بن عياش وأبي عمرو بن العلاء. وروى عنه القراءة خلاد بن خالد وهارون ابن حاتم وغيرهما. وروى عن الكسائي، قال قال لي الرشيد: من اقرأ الناس اليوم؟ قلت: حسين الجعفي. مات في ذي القعدة سنة 203 عن أربع وثمانين سنة. طبقات ابن الجزري: 1: 247.
6 أصيبية: كأنه تصغير أصبية، جمع صبي. الحجلى: اسم جمع، واحده حجل بالتحريك، والواحدة حجلة، وهو طائر في حجم الحمام، أحمر المنقار والرجلين. وضبطت "الحجلى" في الأصل بفتح الحاء، وهو تحريف. والشربة: موضع بين السليلة والربذة، وقيل غير ذلك. اللسان "صبا"، ومعجم البلدان.(2/271)
ومنه الجزية: الجماعة. قال:
جربة كحمر الأيك ... لا ضرع فيها ولا مذكى1
وجاء بلا تاء في الاسم أيضا، وهو معد، وهبي، وهو الصبي الصغير. ولا بد من إحسان الظن بأبي عمرو، ولا سيما وهو القرآن، وما أبعده عن الزيغ والبهتان!
ومن ذلك قراءة النبي "صلى الله عليه وسلم": "فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ2".
وروي عن علي: "إِنْ تَوَلَّيْتُم".
قال أبو الفتح: قال أبو حاتم: معناه إن تولاكم الناس.
ومن ذلك قراءة الأعرج ومجاهد والجحدري والأعمش ويعقوب: "سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ3"، بضم الألف، وسكون الياء.
قال أبو الفتح: تقديره الشيطان سول لهم، وأملي أنا لهم، أي: الشيطان يغويهم وأنا أنظرهم. ومعنى سول لهم، أي: دلاهم، وهو من السول، وهو استرخاء البطن. رجل أسول، وامرأة سولاء: إذا كانا مسترخين البطون. قال الهذلي:
كالسحل البيض جلا لونها ... سح نجاء الحمل الأسول4
أي: السحاب المسترخى الأسافل، لثقله وغزر مائه. فهذا إذا كقول الله "سبحانه": {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ5} ، وهذا اشتقاق حسن، أخذناه عن أبي علي.
__________
1 الجربة: الجماعة المتساوون الأقوياء من الناس. والأيك: موضع. والضرع: الضعيف، والفعل ككرم. والمذكى: المسن البدين، وانظر اللسان "جرب".
2 سورة محمد: 22.
3 سورة محمد: 25.
4 للمتنخل الهذلي. والسحل: الثياب البيض، جمع سحل كسهل. وضمير لونها لحمر الوحشي. وفي ك: حلا، بالحاء. وهو تحريف. والنجاء: السحاب الذي نشأ في نوء الحمل، والمفرد نجو بفتح فسكون. وقيل: النجاء: السحاب الذي هراق ماءه. والحمل: السحاب الكثير الماء. يقول: جلا لون هذه الحمر مطر السحاب الغزير الماء. ديوان الهذليين: 2: 1.(2/272)
ومن ذلك: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ 1} ، بالتشديد. قرأ بها السلمي.
قال أبو الفتح: معنى تدعو هنا، أي: تنسبوا إلى السلم، كقولك: فلان يدعى إلى بني فلان، أي: ينتسب إليهم، ويحمل نفسه عليهم. وإلى هذا يرجع معنى قوله:
فما برحت خيل تثوب وتدعى2
فأما قوله:
فلا وأبيك ابنه العامري ... لا يدعي القوم أني أفر3
فإنه من الدعوى المستعملة في المعاملات، المحوجة إلى البينة. وقد تمكن رجوعها أيضا إلى معنى الانتساب، أي: لا ينسبونني إلى الفرار. وما أقرب أطراف هذه اللغة على ظاهر بعدها وأشد تلاقيها مع مظنون تنافيها!
ومن ذلك ما رواه الحلواني عن أبي معمر4 عن عبد الوارث عن أبي عمرو: "وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ5"، مرفوعة الجيم.
__________
1 سورة محمد: 35.
2 ليزيد بن الصعق، وصدره:
بني أسد ما تأمرون بأمركم
وانظر الأصمعيات: 161
وورد في المفضليات "365" البيت الآتي من قصيدة لعوف بن الأحوص:
وما برحت بكر تثوب وتدعي ... ويلحق منهم أولون وآخر
3 لامرئ القيس، يروى "لا وأبيك". وابنة العامري: اسمها هو، وقد ذكر اسمها في هذه القصيدة. والعامري: من بني عمرو بن عامر من الأزد، اسمه سلامة بن عبد الله، وقيل غير ذلك. انظر الديوان: 154، والخزانة: 4: 489.
4 هو عبد الله بن عمرو بن الحجاج أبو معمر النقري التميمي البصرين قيم بحروف أبي عمرو. وروى القراءة عن عبد الوارث بن سعيد، وروى عنه القراءة أحمد بن علي بن هاشم البصري وغيره. وهو الذي انفرد باسكان اللام من "مَالِكِ يَوْمِ الدِّين" عن أبي عمرو. مات سنة 224.
5 سورة محمد: 34.(2/273)
قال أبو الفتح: هو على القطع تقديره {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا} ، ثم الكلام هنان ثم استأنف فقال: وهو {يُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} على كل حال، أي: هذا ما يصح منه، فاحذروه أن يتم منه عليكم، فهو راجع بالمعنى إلى معنى الجزم.
وهذا كقولك: إذا زرتني فأنا ممن يحسن إليك، أي: فحرى بي أن أحسن إليك. ولو جاء بالفعل مصارحا به فقال: إذا زرتني أحسنت إليك لم يكن في لفظه ذكر عادته التي يستعملها من الإحسان إلى زائره. وجاز أيضا أن يظن به عجز عنه، أو وني وفتور دونه. فإذا ذكر أن ذلك عادته، ومظنة منه -[149و] كانت النفس إلى وقوعه أسكن، وبه أوثق. فاعرف هذه المعاريض في القول، ولا ترينها تصرفا واتساعا في اللغة، مجردة من الأغراض المرادة فيها، والمعاني المحمولة عليها.(2/274)
سورة الفتح:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ: "تُعَزِّرُوه1"، خفيفة، مفتوحة التاء، مضمومة الزاي - الجحدري.
قال أبو الفتح: "تُعَزِّرُوه"، أي: تمنعوه، أو تمنعوا دينه وشريعته، فهو كقوله "تعالى": {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ 2} ، أي: إن تنصروا دينه وشريعته، فهو على حذف المضاف.
وأما "تُعَزِّرُوه"، بالتشديد فتمنعوا منه بالسيف، فيما ذكر الكلبي. وعزرت فلانا، أي: فخمت أمره. قالوا: ومنه عزرة: اسم الرجل، ومنه عندي قولهم: التعزير، للضرب دون الحد، وذلك أنه لم يبلغ به ذل الحد الكامل وكأنه محاسنة له ومباقة فيه.
قال أبو حاتم قرأ: "تُعَزِّزوه"، بزايين - اليمامي3، أي: يجعلوه عزيزا.
ومن ذلك قراءة تمام بن عباس بن عبد المطلب: "إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ4".
قال أبو الفتح: هو على حذف المفعول؛ لدلالة ما قبله عليه، فكأنه قال: إن الذين يبايعونك إنما يبايعونك لله، فحذف المفعول الثاني؛ لقربه من الأول، وأنه أيضا بلفظه وعلى وضعه. وهذا المعنى وهو راجع على معنى القراءة العامة: {إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} ، أي: إنما يفعلون ذلك لله، إلا أنها أفخم معنى من قوله: "لله"، أي: إنما المعاملة في ذلك معه، فهو أعلى لها وأرجح بها.
__________
1 سورة الفتح: 9.
2 سورة محمد: 2.
3 ذكر السمعاني في الأنساب: 306 جماعة من المحدثين ينسب كل منهم إلى اليمامة، ويلقب باليمامي.
4 سورة الفتح: 10.(2/275)
ومن ذلك قراءة الحسن: "أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ1".
قال أبو الفتح: نصبه على الحال، أي: "محمد رسول الله والذين معه"، فـ"معه" خبر عن الذين آمنوا2، كقولك: محمد رسول الله علي معه، ثم نصب "أشداء" و"رحماء" على الحال، أي: هم معه على هذه الحال، كقولك: زيد مع هند جالسا، فتجعله حالا من الضمير في معه3، لأمرين:
أحدهما قربة منه، وبعده عن زيد.
والآخر ليكون العامل في الحال -أعني الضمير- هو العامل في صاحب الحال4، أعني الظرف.
ولو جعلته حالا من الذين كان العامل في الحال غير العامل في صاحبها، وإن كان ذلك جائزا، كقوله تعالى: {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا 5} ، إلا أن الأول أوجه. وإن شئت نصبت أشداء ورحماء على المدح، وأصف وأزكى أشداء ورحماء.
وكسر رحيم على رحماء -فعلاء- وشديد على أشداء -أفعلاء- كراهية التضعيف في أشداء، وقد وجدوا له نظير على أفعلاء، فقالوا: صفي وأصفياء، ووفي وأوفياء، كراهية لصفواء ووفياء، لما يجب من الاعتذار من ترك قلب الواو والياء؛ لتحركهما وانفتاح ما قبلها. فهذا ونحوه مما يدلك ويبصرك أنهم لا يتنكبون شيئا إلى آخر تطربا ولا تبدلا، لا بل إنعاما وتأملا.
ومن ذلك قراءة عيسى الهمداني -بخلاف-: "شَطَاءهُ6"، ممدود، مهموز.
__________
1 سورة الفتح: 29.
2 الظاهر من كلام أبي الفتح أنه يحسب الآية: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} ، بدليل قوله: فـ"معه" خبر عن الذين آمنوا، وأنه يجعل "معه" خبرا لا صلة. وليس في المراجع التي رجعنا إليها ما يشير إلى أن قراءة الحسن على ما يحسب أبو الفتح. قال أبو حيان: وقرأ الحسن: "أَشِدَّاء رُحَمَاء" بنصبهما. قبل: على المدح، وقيل: على الحال: والعامل فيهما العامل في "معه"، ويكون الخبر عن المبتدأ المتقدم "تراهم". وانظر البحر: 8: 102.
3 أي: في متعلقه، كما لا يخفى.
4 المراد: ليكون العامل في صاحب الحال -أعني الضمير- هو العامل في الحال ولعل ما ذكرناه هو الأصل القويم للعبارة.
5 سورة البقرة: 91.
6 سورة الفتح: 29.(2/276)
وقرأ عيسى: "شَطْأَه".
وقرأ الجحدري: "شَطْوَهُ".
قال أبو الفتح: الشطء: الفراخ للزرع، وجمعه شطوء. ويقال أيضا: هو الورق. والشطء: السنبل أيضا. شطأ الزرع شطئا، وأشطأ إشطاء.
ويقال: إن معفر بن حمار البارقي شامت1 ابنته برقا، فقالت: يا أبه2، جاءتك السماء! فقال لها: كيف ترينها؟ فقالت له: كأنها عين جمل طريف3. فقال لها: ارعى غنيماتك، فرعت مليا، ثم جاءته فقالت: يا أبه، جاءتك السماء! فقال: [149ظ] كيف ترينها؟ فقالت: كأنها فرس دهماء تجر جلالها. فقال لها: ارعى غنيماتك، فرعت مليا، ثم جاءته فقالت: يا أبه، جاءتك السماء! فقال: كيف ترينها؟ فقالت: سطحت4 وابيضت5. فقال: أدخلي غنيماتك، فجاءت السماء بشيء شطأ له الزرع.
ومنه عندي قولهم: شاطئ النهر والوادي؛ لأنه ما برز منه وظهر؛ ولهذا سموه السيف؛ لأنه من لفظ السيف ومعناه. ألا ترى أنهم يصفون السيف بالصقال والانجراد؟ قال:
كأنني سيف بها إصليت6
أي: بارز صلت7. وموجب الوصية في ترتيب أحوال المشتق والمشتق منه في التقدم والتأخر -أن يكون السيف مشتقا من السيف؛ لأن السيف من صنعة البشر، والسيف من صنعة القديم "سبحانه"، فهو أسبق مرتبة في الزمان، فليكن أسبق مرتبة في الكلام. ألا ترى أن آدم عليه السلام مخلوق من التراب؟ وهذا واضح.
وأما "شَطْوَهُ"، بالواو فلن يخلو أن يكون لغة، أو بدلا من الهمزة. ولا يكون الشطء إلا في البر والشعير8.
__________
1 شامت برقا: نظرت إليه لترى أين يتجه السحاب، وأين يمطر؟
2 يا أبه: لغة في: يا أبت.
3 عين جمل طريف: أصابها شيء فدمعت.
4 تريد أمتد سحابها وانتشر هنا وهناك، من قولهم: ألف مسطح، أي منبسط جدا.
5 تريد حفلت بالمطر، من قولهم: بيض الأناء، أي ملأه.
6 لرؤبة: وانظر الجمهرة: 2: 19، والديوان: 25.
7 صلت: صقيل.
8 سكت أبو الفتح عن قراءة عيسى الهمداني: "شطاءه" و"شطاء". وقال في البحر "8: 102" عن الأخيرة: وقرأ بألف الهمزة زيد بن علي فاحتمل أن يكون مقصورا وأن يكون أصله الهمز، فنقل الحركة، وأبدل الهمزة ألفا، كما قالوا في المرأة والكمأة: المراة والكماة. وهو تخفيف مقيس عند الكوفيين، وهو عند البصريين شاذ لا يقاس عليه.(2/277)
سورة الحجرات:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ الضحاك ويعقوب: "لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ1".
قال أبو الفتح: أي لا تفعلوا ما تؤثرونه، وتتركوا ما أمركم الله به. وهذا هو معنى القراءة العامة: {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} ، أي: لا تقدموا أمرا على ما أمركم الله به، فالمفعول هنا محذوف كما ترى.
ومن ذلك قراءة زيد بن ثابت وابن مسعود والحسن -بخلاف- وعاصم الجحدري: "فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ2".
قال أبو الفتح: هذه القراءة تدل على أن القراءة العامة التي هي: {بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} لفظها لفظ التثنية، ومعناها الجماعة، أي: كل اثنين فصاعدا من المسلمين اقتتلا فأصلحوا بينهما. ألا ترى أن هذا حكم عام في الجماعة، وليس يختص به منهم اثنان مقصودان؟ ففيه إذا شيئان:
أحدهما لفظ التثنية يراد به الجماعة.
والآخر لفظ الإضافة لمعنى الجنس، وكلاهما قد جاء منه قولهم: لبيك وسعديك، فليس المراد هنا إجابتين ثنتين، ولا إسعادين اثنين. ألا ترى أن الخليل فسره فقال: معناه كلما
__________
1 سورة الحجرات: 1.
2 سورة الحجرات: 10.(2/278)
كانت في أمرين فدعوتني له أجبتك إليه، وساعدتك عليه1. فقوله: كلما يؤكد ما نحن عليه ومنه قولهم:
فلو كنت مولى العز أو في ظلاله ... ظلمت ولكن لا يدي لك بالظلم2
ألا تراه لا ينفي قوتين وثنتين، وإنما ينفي جميع قواه؟ وكذلك قول الله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ 3} . ونعم الله تعالى أكثر من أن تحصى، وكذلك قوله:
إذا شق برد شق بالبرد مثله ... دواليك حتى ليس للبرد لابس4
أي: مداولة بعد مداولة، وكقول العجاج:
شربا هذا ذيك وطعنا وخضا5
أي: بعد هذ، ولا هذين اثنين ليس غير، ونظائره كثيرة.
وأما إفادة المضاف لمعنى الجنسية فقولهم: منعت العراق قفيزها6 ودرهمها، أي: قفزانها
__________
1 روى سيبويه تفسير الخليل "لحنانيك" فقال: وزعم الخليل "رحمه الله" أن معنى التثنية أنه أراد تحننا بعد تحنن، كأنه قال: كلما كنت في رحمة منك فلا ينقطعن. وليكن موصولا بآخر من رحمتك. ويفسر سيبويه "لبيك" فيقول: ... كما أنه أراد بقوله: لبيك وسعديك: إجابة بعد إجابة، كأنه قال: كلما أجبتك في أمر فأنا في الأمر الآخر مجيب ... فكأن أبا الفتح ينقل من حفظه. وانظر الكتاب: 1: 74، 175.
2 البيت للفرزدق يخاطب عمر بن لجأ، وكان دخل بين الفرزدق وجرير في الهجاء. وانظر الديوان: 825، والخصائص: 1: 339.
3 سورة المائدة: 64.
4 لسحيم عبد بني الحسحاس. ويروى "برقع" مكان "مثله"، و"حتى كلنا غير لابس" مكان "حتى ليس للبرد لابس". وفي البيت اقراء على رواية أبي الفتح، لأن الروي محرك بالكسر في أبيات الشاهد. وكانت العرب تزعم أن المتحابين إذا شق كل واحد منهما ثوب صاحبه دامت مودتهما. وانظر الديوان: 16، والكتاب: 1: 175، والخزانة: 1: 271.
5 من أرجوزة في مدح الحجاج. والهذ: السرعة في القطع وغيره. وضربا هذا ذيك. ضربا يهذ هذا بعد هذ، على التكسير، وصفة للضرب أو بدل منه. والوخض: الطعن الجائف. يريد: ضرب الأعناق وطعن الأجواف. وانظر الديوان: 35، والكتاب: 1: 175، والخزانة: 1: 174.
6 القفيز: مكيال يسع ثمانية مكاكيك، والمكوك: مكيال يسع صاعا ونصفا، أو نصف رطل إلى ثمان أواق.(2/279)
ودراهمها، ومنعت مصر إردبهان، أي: أرادبها، [150و] ومنه قوله "تعالى": {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ 1} ، ومنه قولهم: نعم الرجلان الزيدان، وله أشباه.
ومن ذلك قراءة ابن عباس "لِتَعرفوا2"، قال أبو الفتح: المفعول هنا محذوف أي: لتعرفوا ما أنتم محتاجون إلى معرفته من هذا الوجه، وهو كقوله:
وما علم الإنسان إلا ليعلما3
أي ليعلم ما علمه، أو ليعلم ما يدعو إلى علمه ما علمه. وحذف المفعول كثير جدا، وما أغربه وأعذبه لمن يعرف مذهبهم4!.
__________
1 سورة المائدة: 64.
2 سورة الحجرات: 13.
3 للمتلمس: صدره:
لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا
وانظر الأصمعيات: 286.
4 انظر الصفحة 125 من الجزء الأول.(2/280)
سورة ق:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ الثقفي: "قَافَ"1، بفتح الفاء.
وقرأ: "قافِ" -بالكسر- الحسن وابن أبي إسحاق.
قال أبو الفتح: يحتمل "قاف"، بالفتح أمرين:
أحدهما أن تكون حركته لالتقاء الساكنين، كما أن من يقرأ: "قاف" بالكسر كذلك، غير أن من فتح أتبع الفتحة صوت الألف؛ لأنها منها، ومن كسر فعلى أصل التقاء الساكنين.
والآخر أن يكون "قاف" منصوبة الموضع بفعل مضمر، غير أنه لم يصرفها لاجتماع التعريف والتأنيث "في"2 معنى السورة.
وأما قراءة الحسن "صاد3" بالكسر فقد تقدم أنه يريد بها مثال الأمر من صاديت، أي: عارض عملك بالقرآن، فلا وجه لإعادته.
وقيل: "قاف" جبل محيط بالأرض، فكان قياسه الرفع، أي: هو "قاف" وقد تمحل الفراء في هذا، فقال: جاء ببعض الاسم كقوله:
قلنا لها قفي لنا قالت قاف4
وفي هذا ضعفت، ألا ترى إلى الفتح والكسر فيه؟
ومن ذلك قراءة يحيى والأعرج وشيبة وأبي جعفر وصفوان بن عمرو: "إِذَا مِتْنَا5"، بغير استفهام.
__________
1 سورة ق: 1.
2 زيادة يقتضيها نظم الأسلوب.
3 انظر الصفحة: 230 من هذا الجزء.
4 انظر الصفحة 204 من هذا الجزء.
5 سورة ق: 3.(2/281)
قال أبو الفتح: يحتمل هذا أمرين:
أحدهما حذف همزة الاستفهام على القراءة العامة، فحذفها تخفيفا، وقد مضى نحو هذا، وذكرنا ضعفه1.
والآخر أن يكون غير مريد للهمزة، فكأنه قال: إذا متنا وكنا ترابا بعد رجعنا ونشورنا ودل قوله: {ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيد} على هذا الفعل الذي هو "بعد"، كما أن قولك: إذا زرتني فلك درهم ناب قوله: فلك درهم عن الفعل الذي استحققت "عليه"2 ردهما، وإن كان قوله: فلك درهم جوابا، وقوله: {ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيد} أي بعيد في التقدير والظن، لا في الزمان؛ لأنهم لم يكونوا يعترفون البعث، لا قريبا ولا بعيدا.
ومن ذلك قراءة الجحدري: "لَمَّا جَاءَهُم3"، بكسر اللام.
وقراءة الجماعة: " لَمَّا جَاءَهُم".
قال أبو الفتح: معنى "لَمَّا جَاءَهُم"، أي: عند مجيئه إياهم، كقولك أعطيته ما سأل لطلبه، أي: عند طلبه ومع طلبه، وفعلت هذا لأول وقت، أي: عند ومعه، وكقولك في التاريخ: لخمس خلوان، أي: عند خمس خلوان، أو مع خمس خلوان. فرجع ذلك المعنى إلى معنى القراءة العامة: {لَمَّا جَاءَهُم} ، أي: وقت مجيئة إياهم قال:
شنئت العقر عقر بني شليل ... إذا هبت لقاربها الرياح4
أي: عند وقتها [150ظ] وقال تعالى: {لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ 5} أي: عند وقتها.
ومن ذلك ما يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ6" و"بَاصقَاتٍ".
__________
1 انظر الصفحة: 50 من الجزء الأول والصفحة: 205 من هذا الجزء.
2 زيادة يقتضيها نظم الأسلوب.
3 سورة ق: 5.
4 العقر: موضع. وقاريها: متتبعها. وانظر اللسان "عقر".
5 سورة الأعراف: 187.
6 سورة ق: 10.(2/282)
قال أبو الفتح: الأصل السين، وإنما الصاد بدل منها؛ لاستعلاء القاف؛ فأبدلت السين صادا لتقرب من القاف؛ لما في الصاد من الاستعلاء، ونحوه قولهم في سقر: صقر، وفي السقر الصقر؟
وروينا عن الأصمعي قال: اختلف رجلان من العرب في السقر، فقال أحدهما: بالصاد وقال الآخر: بالسين؛ فتراضيا بأول من يقدم عليهما، فإذا راكب فأخبراه ورجعا إليه، فقال: ليس كما قلت، ولا كما قلت: إنما هو الزفر. وهذا أيضا تقريب الحرف من الحرف، وذلك أن السين مهموسة، والقاف مجهورة، فأبدل السين زايا، وهي مجهورة، والزاي أخت السين، كما أن الصاد أختها. وهذا التقريب للحرف من الحرف باب طويل منقاد، وهو في فصل الإدغام، وما أصنعه وألطفه وأظرفه!
ومن ذلك ما روى عن أبي بكر "رضي الله عنه" عند خروج نفسه: "وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْحَقِّ بالْمَوْتِ1"، وقرأ بها سعيد بن جبير وطلحة.
قال أبو الفتح: لك في هذه الباء ضربان من التقدير:
إن شئت عاقتها بنفس "جاءت"، كقولك: جئت بزيد، أي: أحضرته2 وأجأته3 وإن شئت علقتها بمحذوف، وجعلتها حالا، أي: وجاءت سكرة الحق ومعها الموت، كقولنا: خرج بثيابه: أي: وثيابه عليه. ومثله قول الله تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ 4} ، أي: وزيتنته عليه، ومثله قول الهذلي:
يعثرن في حد الظبات كأنها ... كسيت برود بني يزيد الأذرع5
أي: يعثرن وهن في حد الظبات، وكقوله - أنشده الأصمعي:
ومتنة كاستنان الخرو ... ف قد قطع الحبل بالمرود5
__________
1 سورة ق: 19.
2 في ك: أحصرته، بالصاد. وهو تحريف.
3 أجأته: جئت به.
4 سورة القصص: 79.
5 انظر الصفحة 88 من هذ الجزء.(2/283)
أي قطعه: وفيه مردوده، وكذلك القراءة العامة: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} : إن شئت علقت الياء بنفس "جاءت" على ما مضى.
وإن شئت علقتها بمحذوف وجعلتها حالان فكأنه قال: وجاءت سكرة الموت ومعها الحق.
فإن قلت: فكيف يجوز أن تقول: جاءت سكرة الحق بالموت، وأنت تريد به: وجاءت سكرة الموت بالحق، فياليت شعري أيتهما الجاثية بصاحبتها؟
قيل: لاشتراكهما في الحال، وقرب إحداهما من صاحبته صار كأن كل واحدة منهما جاثية بالأخرى؛ لأنهما ازدحمنا في الحال، واشتبكتا حتى صارت كل واحدة منهما جاثية بصاحبتها؛ كما يقول، الرجلان المتوافيان في الوقت الواحد إلى المكان -كل واحد منهما لصاحبه-: لا أرى أأنا سبقتك، أم أنت سبقتني؟.
ومن ذلك قراءة الحسن: "أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم1"، بالنون الخفيفة.
قال أبو الفتح: هذا يؤكد قول أصحابنا في "ألقيا": إنه أراد "ألقيا"، وأجرى الوصل فيه مجرى الوقف، كقوله: يا حرسي2 اضربا عنقه.
ومن ذلك قراءة ابن مسعود والحسن والأعمش: "يَوْمَ يقال لِجَهَنَّمَ3".
قال أبو الفتح: هذا يدل على أن [151و] قولنا: ضرب زيد ونحوه لم يترك ذكر الفاعل للجهل به، بل لأن الغناية انصرفت إلى ذكر وقوع الفعل بزيد، عرف الفاعل بهن أو جهل؛ لقراءة الجماعة: {يَوْمَ نَقُولُ} ، وهذا يؤكد عندك قوة العناية بالمفعول به.
وفيه شاهد وتفسير لقول سيبويه في الفاعل والمفعول: وإن كانا جميعا يهمانهم ويعنيانهم ومن شدة قوة العناية بالمفعول أن جاءوا بأفعال مسندة إلى المفعولن ولم يذكروا الفاعل معها أصلا، وهي نحو قولهم: امتقع لون الرجل، وانقطع به، وجن زيد, ولم يقولوا: امتقعه ولا انقطعه، ولا جنه. ولهذا نظائر، فهذا4 كإسنادهم الفعل إلى الفاعل البتة فيما لا يتعدى، نحو قام زيد، وقعد جعفر.
__________
1 سورة ق: 24.
2 الحرسي: واحد حرس الملك، وهم أعوانه.
3 سورة ق: 30.
4 في ك: فكذاك إسنادهم.(2/284)
ومن ذلك قراءة ابن عباس وأبي العالية ويحيى بن يعمر ونصر بن سيار: "فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ1"، بكسر القاف مشددا.
قال أبو الفتح: هذا أمر للحاضرين، ثم لمن بعدهم. فهو كقولك: قد أجلتك2 فانظر هل لك من منجي أو من وزر؟ وهو فعلوا من النقب، أي: ادخلوا وغوروا في الأرض، فإنكم لا تجدون لكم محيصا.
ومن ذلك قراءة السدي: "أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ3".
قال أبو الفتح: أي: ألقي منه، وهذا كأنه أندى معنى إلى النفس من القراءة العامة، وذلك أن قوله تعالى: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} معناه: ألقي سمعه نحو كتاب الله تعالى وهو شهيد، أي: قلبه حاضر معه، ليس غرضه أن يصغى كما أمر بالإصغاء نحو القرآنن ولا يجعل قلبه إليه، إلا ظاهر الأمر وأكثره أن إذا ألقي سمعه أيض فقلبه أيضا نحوه ومعه.
وهذه القراءة المنفردة كأنها أشد تشابه لفظ: لأن ظاهرها أن قلبه ألقي إليه، وليس في اللفظ أنه هو ألقاه، فاتصل بعض ببعض، فكأنه ألقي سمعه إليه وقلبه، حتى كأن ملقيا غيره ألقي سمعه إلى القرآن. وليس عجيبا أن يقال: إن قلبه عند ذلك معه، لأنه إذا كان هو الذي ألقه نحوه فالعرف أن يكون قلبه معه، وهو شاهد لا غائب.
ومن ذلك قراءة أبي عبد الرحمن السلمي وطلحة: "وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوب4"، بفتح اللام.
قال أبو الفتح: قد تقدم القول على ذلك5، وذكرنا رأي أبي بكر ونحوه من المصادر التي جاءت على فعول بفتح الفاء، كالوضوء، والولوع، والطهور، والوزوع6، والقبول، وأنها صفات مصادر محذوفة، أي: توضأت وضوءا وضوءا، أي وضوءا حسنا. وكذلك هذا أي: ما مسنا من لغوب لغوب، فيصف اللغوب بأنه لغوب، أي لغب ملغب.
__________
1 سورة ق: 36.
2 هذه الكلمة غير واضحة في الأصل، وسيأتي الكلام يؤذن أنها "أجلتك" كما أثبتناها.
3 سورة ق: 37.
4 سورة ق: 38.
5 انظر الصفحة 201 من هذا الجزء.
6 الوزوع: الإغراء.(2/285)
سورة الذاريات:
بسم الله الرحمن الرحيم
قراءة الحسن: "الْحُبُك1"، مضمومة الحاء، ساكنة الباء.
وروي عنه: "الْحُبُك"، بكسر الحاء، ووقف الباء.
وكذلك قرأ أبو مالك الغفاري2:
وروي عنه: "الْحُبُك"، بكسر الحاء، وضم الباء.
وروي عنه: "الْحُبُك".
وروي عنه: "الْحُبُك".
الوجه السادس قراءة الناس3.
وروى عن عكرمة وجه سابع، وهو: "الْحُبُك" [151ظ] .
قال أبو الفتح: جميعه هو طرائق الغيم، وأثر حسن الصنعة فيه، وهو الحبيك في البيض.
قال:
الضاربون حبيك البيض إذ لحقوا ... لا ينكصون إذا ما استلحموا وحموا4
ويقال: حببكة الرمل، وحبائك. فهذا كسفينة، وسفن، وسفائن. وكذلك أيضا حبك الماء لطرائقه.
__________
1 سورة الذاريات: 7.
2 أورده صاحب أسد الغابة، ونقل حديثا بسنده مرويا عنه. أسد الغابة: 5: 288.
3 وهي ضم الحاء والباء.
4 حبيك البيض للرأس: طرائق حديده، استلحم: روهق في القتال. وحمى: سخن وعرق. رواه اللسان "حبك" ولم ينسبه.(2/286)
قال زهير:
مكلل بأصول النبت تنسجه ... ريح خريق لضاحي مائه حبك1
فأما "الحبك" فمخفف من "الحبك"، وهي لغة بني تميم، كرسل وعمد، في رسل وعمد.
وأما "الحبك" ففعل، وذلك قليل، منه: إبل، وإطل2، وامرأة بلز3، وبأسنانه حبر4.
وأما "الحبك" فمخفف منه، كإبل، وإطل.
وأما "الحبك" بكسر الحاء، وضم الباء فأحسبه سهوا. وذلك أنه ليس في كلامهم فعل أصلا، بكسر الفاء، وضم العين. وهو المثال الثاني عشر من تركيب الثلاثي، فإنه ليس ف اسم ولا فعل أصلا والبتة. أو لعل الذي قرأ به تداخلت عليه القراءتان: بالكسر، والضم. فكأنه كسر الحاء يريد "الحبك"، وأدركه ضم الباء على صورة "الحبك" وقد يعرض هذا التداخل في اللفظة الواحدة، قال بلال بن جرير:
إذا جئتهم أو سآيلتهم ... وجدت بهم علة حاضرة5
أراد: أو سألتهم، أو ساءلتهم، أو لغة من قال: سايلتهم، فأبدلت، فتداخلت الثلاث عليه فخلط، فقال: سآيلتهم، فوزنها إذا فعاعلتهم؛ لأن الياء في سايلتهم بدل من الهمزة في ساءلتهم. فجمع بين اللغتين في موضعين على تلفته إلى اللغتين. كذلك أيضا نظر في "الحبك" إلى "الحبك"، و"الحبك"، فجمع بين أول اللفظة على هذه القراءة، وبين آخرها على القراءة الأخرى6.
__________
1 روي "النجم" مكان "النبت". والنجم: كل نبات ليس له ساق ينبت حول الماء كالإكليل أو هو نبات له أرومة وأصل، لكنه قصير. ريح خريق: شديدة الهبوب. والضاحي: البارز للشمس. يصف ماء فيقول: إذا مرت به الريح علته طرائق من كثرته تبدو على ما بدا منه للشمس. وانظر الديوان: 176.
2 الأطل: الخاصرة.
3 امرأة بلز: ضخمة.
4 الحبر: صفرة تشوب الأسنان.
5 انظر الصفحة 175 من الجزء الأول.
6 يأخذ الرضى على أبي الفتح في شرح الشافية "1: 39" أن الحبك -بضمتين- جمع الحباك- وهو الطريقة في الرمل ونحوه، والحبك -بكسرتين- مفرد، وأنه يبعد تركيب اسم من مفرد وجمع. وهذا الذي يقوله الرضى مسلم في التركيب من لغتين، لأنه حينئذ أخذ من مفرد وجمع. أما التركيب من قراءتين -أن صح الأخذ به- فلا يبدو بعيدا، لأن قراءتي الجمع والمفرد مرويتان، والقارئ بالتركيت منهما يريد أن يروي ما يؤثر لا التعبير عما يريد التعبير عنه.(2/287)
فإما "الحبك" فكأن واحدتها حبكة، كطرقة1 وطرق، وعقبة وعقب.
وأما "الحبك" فعلى حبكة، كطرقة وطرق، وبرقة2 وبرق. ولا يجوز أن يكون "حبك" معدولا إليها عن "حبك" تخفيفا، إنما ذلك شيء يستسهل في المضاعف خاصة، كقولهم في جدد: جدد، وفي سرر: سرر، وفي قلل: قلل.
ومن ذلك قراءة السلمي: "أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ3".
قال أبو الفتح: هذه لغة في "أيان"، وينبغي أن يكون "أيان" م لفظ أي، لا من لفظ أين؛ لأمرين:
أحدهما أن أين مكان، و"أيان" زمان.
والآخر أن يكون قلة فعال في الأسماء مع كثرة فعلان.
فلو سميت رجلا بأيان لم تصرفه كحمدان، ولسنا ندعى أن أين مما يحسن اشتقاقها والاشتقاق منها؛ لأنها مبنية كالحرف، إلا أنها مع هذا الاسم، وهي أخت أنى، وقد جاءت فيها الإمالة التي لاحظ للإمالة فيها، وإنما الإمالة للأفعال والأسماء؛ إذ كانت ضربا من التصرف. والحروف لا تصرف فيها.
ومعنى أي: أنها بعض من كل، فهي تصلح للأزمنة صلاحها لغيرها؛ إذ كان البعض شاملا لذلك كله. قال أمية:
والناس راث عليهم أمر يومهم ... فكلهم قائل: أيان أيانا4
فإن سميت5 بأيان سقط الكلام في حسن تصريفها، للحاقها -بالتسمية بها- ببقية الأسماء المنصرفة.
__________
1 الطرقة: حبالة الصائد.
2 البرقة: أرض غليظة فيها حجارة ورمل وطين.
3 سورة الذاريات: 12.
4 راث عليهم: أبطأ.
5 في ك: فإن شئت، وهو تحريف.(2/288)
ومن ذلك قراءة يحيى والأعمش: "ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ1".
قال أبو الفتح: يحتمل أمرين:
أحدهما أن يكون وصفا [152و] للقوة، فذكره على معنى الحبل، ويريد: قوى الحبل؛ لقوله: {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا 2} .
والآخر أن يكون أراد الرفع وصفا للرزاق، إلا أنه جاء على لفظ القوة لجوارها إياه، على قولهم: هذا حجر ضب خرب، وعلى هذا في النكرة -على ما فيه- أسهل منه في المعرفة؛ وذلك أن النكرة أشد حاجة إلى الصفة. فبقدر قوة حاجتها إليها تتشبث بالأقرب إليها. فيجوز هذا حجر ضب خرب؛ لقوة حاجة النكرة إلى الصفة. فأما المعرفة فتقل حاجتها إلى الصفة، فبقدر ذلك لا يسوغ التشبث بما يقرب منها لاستغنائها في غالب الأمر عنها. ألا ترى أنه قد كان يجب ألا توصف المعرف، لكنه لما كثرت المعرفة تداخلت فيما بعد، فجاز وصفها، وليس كذلك النكرة لأنها في أول وضعها محتاجة -لإبهاامها- إلى وصفها.
فإن قلت: إن القوة مؤنثة، والمتين مذكر. فكيف جاز أن تجريها عليها على الخلاف بينهما؟ أو لا ترى أن من قال: هذا حجر ضب خرب لا يقول: هذان حجرا ضب خربين لمخالفة الاثنين الواحد؟
قيل: قد تقدم أن القوة هنا إنما المفهوم منها الحبل، على ما تقدم فكأنه قال: إن الله هو الرزاق ذو الحبل المتين، وهذا واضح.
وأيضا فإن المتين فعيل، وقد كثر مجيء فعيل مذكرا وصفا للمؤنث، كقولهم: حلة خصيف3، وملحفة جديد، وناقة حسير وسديس4، وريح خريق5.
__________
1 سورة الذاريات: 58.
2 سورة البقرة: 256.
3 حلة خصيف: ذات لونين: أبيض، وأسود.
4 ناقة حسير: مجهدة. وناقة سديس: أنت عليها السنة السادسة.
5 ريح خريق: باردة شديدة هبابة.(2/289)
سورة الطور:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ عبد الله وإبراهيم: "وَزَوَّجْنَاهُمْ بِعيس عِينٍ1".
قال أبو الفتح: قد تقدم ذكر العيس2، وأن المرأة العيساء: البيضاء. ومثله جمل أعيس، وناقة عيساء. قال في وصف امرأة:
كأنها البكرة العيساء
ومن ذلك قراءة الأعرج: "وَمَا أَلَتْنَاهُم"، على أفعلناهم3.
قال أبو الفتح: وفيما روينا عن قطرب، قال:
قراءة عبد الله وأبي: و"مالتناهم". وكان ابن عباس يقول: "ألتناهم": نقصناهم. يقال: ألته يألته ألتا، وآلته يؤلته إيلاتا، ولاته يليته ليتا. كلهن بمعنى واحد. أي: نقصه، ويقال أيضا: ولته يلته ولتا، بمعناه. قال الحطيئة:
أبلغ لديك بني سعد مغلغلة ... جهد الرسالة لا ألتا ولا كذبا4
وقالوا: ولته يلته: إذا صرفه عن الشيء يريده، وقالوا: ألته يألته باليمين: إذا غلظ عليه بها، وآلته يؤلته بها: إذا قلده إياها، وقال رؤبة:
وليلة ذات ندى سريت ... ولم يلتني عن سراها ليت5
__________
1 سورة الطور: 20.
2 انظر الصفحة: 261 من هذا الجزء.
3 سورة الطور: 21.
4 روى "سراة" مكان "لديك" ومغلغة: رسلة تغلغل حتى تصل إليهم. الديوان: 135.
5 لم نعثر عليه في ديوانه ولا ديوان العجاج، ورواه اللسان "ليت" لم ينسبه، وروى فيما روى من شرحه: وقيل: معنى هذا لم يلتني عن سراها أن أتندم، فأقول: ليتني ما سريتها.(2/290)
أي: لم يثني عنها ثان1.
ومن ذلك قراءة الناس: "أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ2".
وقرأ مجاهد: "بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُون"، في الطور3.
قال أبو الفتح: هذا هو الموضع الذي يقول أصحابنا فيه: إن أم المنقطعة بمعنى بل، للترك والتحول، إلا أن مات بعد بل متيقن، وما بعد أم مشكوك فيه، مسئول عنه. وذلك كقول علقمة بن عبدة.
هل ما علمت وما استودعت مكتوم ... أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم4؟
كأنه قال: بل أحبلها إذ نأتك اليوم مصروم؟ ويؤكده يوله بعده [152ظ] :
أم هل كبير بكى لم يقض عبرته ... إثر الأحبة يوم البين مشكوم5
ألا ترى إلى ظهور حرف الاستفهام، وهو "هل" في قوله: أم هل كبير بكى حتى كأنه قال: بل هو كبير؟ ترك الكلام الأول، وأخذ في استفهام مستأنف.
وقد توالت "أم" هذه في هذا الموضع من هذه السورة، قال "تعالى": {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ 6} ، أي: بل أيقولون ذلك؟، "أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ7"، أي: بل أهم قوم طاغون. أخرجه مخرج الاستفهام، وإن كانوا عنده "تعالى" قوما طاغين؛ تلعبا بهم، وتهكما عليهم. وهذا كقول الرجل لصاحبه الذي لا يشك في جهله:
__________
1 ويكون الراجز على هذا قد وضع المصدر موضع اسم الفاعل.
2 سورة الطور: 32.
3 في الذاريات: 53: {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} .
4 الحبل: استعارة للوصل والمحبة. ونأتك: أصله نأت عنك، فحذف "عن" ووصل الضمير بالفعل. ومصروم: مقطوع. ويذكرون أن العرب كانت تعرض أشعارها. على قريش، فما قبلوه منها كان مقبولا، وما كان مردودا. فقدم عليهم علقمة بن عبدة، فأنشدهم قصيدته: هل ما علمت ... ، فقالوا: هذا سمط الدر. المفضليات: 397، والخزانة 4: 516.
5 كبير: يريد نفسه. ومشكوم: مجازي، والشكم: العطية جزاء، فإن كانت ابتداء فهي الشكد.
6 سورة الطور: 30.
7 سورة الطور: 32.(2/291)
أجاهل أنت؟ توبيخا له، وتقبيحا عليه. ومعناه: إني قد نبهتك على حالك، فانتبه لها، واحتط لنفسك منها. قال صخر الغي:
أرائح أنت يوم اثنين أم غادي ... ولم تسلم على ريحانه الوادي1
ليس يستفهم نفسه عما هو أعلم به. ولكنه يقبح هذا الرأي2 لها، وينعاه عليها هكذا مقتاد كلام العرب، فاعرفه وأنس به.
ومن ذلك قراءة الجحدري: "بِحَدِيثٍ مِثْلِه3".
قال أبو الفتح: الهاء في "مثله" في هذه القراءة ضمير النبي "صلى الله عليه وسلم". ألا ترى أن قلبه: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ} ؟ أي: فليأتوا بحديث مثل النبي، صلى الله عليه وسلم. وأما الهاء في قراءة الجماعة: {بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ 4} فللقرآن، أي: مثل القرآن.
ومن ذلك قراءة سالم أبي الجعد: "وَإِدْبَارَ النُّجُوم5".
قال أبو الفتح: هذا كقولك: في أعقاب النجوم، قيل له: دبر، كما قيل له: عقب قال:
فأصبحت من ليلى الغداة كناظر ... مع الصبح في أعقاب نجم مغرب6
__________
1 لم نعثر على الشاهد في ديوان الهذليين. وفي اللسان "ثنى" قالوا في الشعر: يوم اثنين بغير لام، ثم روى الشاهد منسوبا إلى صخر الغي. ووضع في الأصل كلمة "اثنين" في البيت، وكتب تجاهها في الهامش "معا"، وتحتها "والبين". كأنه يريد أنه يروى "البين" مكان "اثنين". وكان "معا" تشير إلى أزدواج الرواية.
2 في ك: الرائي، وهو تحريف.
3 سورة الطور: 34.
4 لم يثبت في ك: {بِحَدِيثٍ مِثْلِه} .
5 سورة الطور: 49.
6 لقيس بن الملوح. والمغرب: الذي يأخذ في ناحية المغرب. الأغاني: 2: 20. واللسان "غرب".(2/292)
سورة النجم:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ: "جَنَّةُ الْمَأْوَى1"، بالهاء - على "عليه السلام" وابن الزبير -بخلاف- وأبو هريرة وأنس -بخلاف- وأبو الدرداء وزر بن حبيش وقتادة ومحمد بن كعب.
قال أبو الفتح: يقال: جن عليه الليل، وأجنه الليل، وقالوا أيضا: جنه، بغير همز، ولا حرف جر.
وروينا عن قطرب، قال: سأل ابن عباس أبا العالية: كيف تقرءونها يا أبا العالية؟ فقال: "عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى"، فقال: صدقت، هي مثل الأخرى: "جَنَّاتُ الْمَأْوَى" فقالت عائشة -رحمة الله عليها-: من قرأ: "جَنَّةُ الْمَأْوَى" يريد جن عليه، فأجنه الله. قال قطرب أيضا: وقد حكى عن علي -عليه السلام- أنه قرأ "جنة"، يعني فعله.
قال أبو حاتم: روى عن ابن عباس وعائشة وابن الزبير قالوا3: من قرأها4: "جَنَّةُ الْمَأْوَى" فأجنه الله، قال: وقال سعد بن مالك: وقيل إن فلانا يقرأ: "جَنَّةُ الْمَأْوَى"، فقال ماله أجنه الله؟ وروى أيضا أبو حاتم عن عبد الله بن قيس قال: سمعت عبد الله بن الزبير يقرؤها: "جَنَّةُ الْمَأْوَى"، بالهاء البينة، قال: يعني فعله المأوى، والمأوى هو الفاعل، فقد ترى إلى اختلاف هذا الحديث. والذي عليه اللغة أن جنه الليل: أدركه الليل، وجن عليه الليل، وأجنه: ألبسه سواده. جن عليه الليل جنونا وجنانا، وأجنه أجنانا. قال:
ولولا جنون الليل أدرك ركضنا ... بذي الرمث والأرطي عياض بن ناشب5
__________
1 سورة النجم: 15.
2 سورة السجدة: 19.
3 ساقطة في ك.
4 في ك: قرأ.
5 لدريد بن الصمة، وقيل: لخفاف بن ندبة. ويروى "جنان" مكان "جنون" و"خلينا" مكان "ركضنا". وعياض بن ناشب من فزارة, وانظر اللسان "جن".(2/293)
والمعنى الجامع لتصريف ج ن ن أين وقعت إنما هو الاستخفاء والستر. ومنه الجن، والجنة. والجان، [153و] والجنان لا ستتار الجن، ومنه المجن -للترس- لسرته، ومنه الجنين لاستتاره في الرحمن ومنه الجنة؛ لأنها لا تكون جنة حتى يكون فيها شجر، وذلك ستر لها، والجنان: روح القلب لاستتار ذلك، والجنن: القبر، وعليه بقية الباب.
ومن ذلك قراءة ابن عباس ومنصور بن المعتمر1 وطلحة: "اللَّات2".
قال أبو الفتح: روينا عن قطرب: كان رجل بسوق العكاظ3 يلت السويق والسمن عند صخرة، فإذا باع السويق والسمن صب على الصخرة، ثم يلت. فلما مات ذلك الرجل عبدت ثقيف تلك الصخرة، إعظاما لذلك الرجل صاحب السويق. قال أبو حاتم: كان رجل يلت لهم السويق، فإذا شرب منه أحد سمن، فعبدوا ذلك الرجل. وحكى أبو الحسن فيها "أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ"، بكسر التاء. وذهب إلى أنها بدل من لام الفعل4، بمنزلة التاء في كبت5 وذيت، وأن الألف قبلها عين الفعل، بمنزلة ألف شاة وذات مال.
ومن ذلك قراءة النبي "صلى الله عليه وسلم": "الَّذِي وَفَّى6"، خفيفة. واختلف عنه، وهو قراءة أبي أمامة وسعيد بن جبير وابن السميفع وأبي مالك.
__________
1 هو منصور بن المعتمر أبو عتاب السلمي الكوفي، عرض القرآن على الأعمش، وروى عن إبراهيم النخعي ومجاهد وعرض عليه حمزة، وروى عنه سفيان الثوري وشعبة. وتوفي سنة 133. طبقات ابن الجزري" 2: 314.
2 سورة النجم: 19.
3 في ك: عكاظ.
4 قال أبو حيان: والتاء في اللات قيل: أصلية لام الكلمة كالباء في باب، وألفه منقلبة -فيما يظهر- من ياء، لأن مادة ليت موجودة. فإن وجدت مادة لوت جاز أن يكون منقلبة عن واو. وقيل: التاء للتأنيث، ووزنها فعلة من لوى، قيل: لأنهم كانوا يلوون عليها ويعكفون للعبادة. أو يلتوون عليها، أي يطوفون حذفت لامها. البحر: 8: 106.
5 قال الليث: تقول العرب: كان من الأمر كيت, وكات. قال: وهذه التاء في الأصل هاء، مثل ذيت. والأصل كية وذية. فصارت تاء في الوصل. انظر اللسان "كيت"
ونقول: إن محاولة تصريف أمثال هذه الكلمات المجهولة الأصل تكلف لا غناء فيه. ولا حاجة ماسة إليه.
6 سورة النجم: 37.(2/294)
قال أبو الفتح: هذا على تسمية المسبب باسم سببه. ألا ترى أن معناه الذي وعد ذلك، فوفي بحاضره وسيفي بغائبه يوم القيامة؟ وذلك منهم لصدق الوعد، أي: إذا قال فقد فعل، أو قد وقع ما يقوله. وهذا كقولهم: وعد الكريم نقد، ونقد اللئيم وعد. وأخذه بعض المولدين فقال في صفة باز أو شاهين:
مبارك إذا رأى فقد رزق
وما أسمعه! وأصله لامرئ القيس في وصف الفرس:
إذا ما غدونا قال ولدان أهلنا ... تعالوا إلى أن يأتي الصيد نحطب1
ومن ذلك قراءة طلحة: "ليس لها مما يدعون من دون الله كاشفة وهي على الظالمين ساءت الغاشية2".
قال أبو الفتح: هذه القراءة تدل على أن المراد بقراءة الجماعة: {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} - حذف مضاف بعد مضاف. ألا ترى أن تقدير: ليس لها من جزاء عبادة معبود دون الله كاشفة؟ فالعبادة على هذا مصدر مضاف إلى المفعول، كقوله: {بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ 3} ، و {لا يَسْأَمُ الْأِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ 4} ، ثم حذف المضاف الأول، فصار تقديره: ليس لها من عبادة معبود دون الله كاشفة، ثم حذف المضاف الثاني الذي هو "عبادة"، فصار تقديره: ليس لها من معبود دون الله كاشفة، ثم حذف المضاف الثالث، فصار إلى قوله: ليس لها من دون الله كاشفة.
وهذا على تقديرك "دون الله" اسما هنا، لا ظرفا، لأن الإضافة إليه تسلبه معنى الظرفية التي فيه، كقولهم:
يا سارق الليلة أهل الدار5
__________
1 ليس للشاعر في ديوانه قصيدة من وزن الشاهد ورويه إلا قصيدة:
خليلي مرا بي على أم جندب
ولم نعثر على هذا الشاهد. وانظر الديوان: 41. وهذا والولدان: جمع الوليد، وهو العبد.
2 سورة النجم: 58.
3 سورة ص: 24.
4 سورة فصلت: 49.
5 الكتاب: 1: 98، 59.(2/295)
وتلك عادة سيبويه إذا أراد تجريد الظرف من معنى الظرفية، فإنه يمثله بالإضافة إليه، وذلك مما ينافي تقدير حرف الجر معه؛ لأن حرف الجر يسقط، فلا يعترض بين المضاف والمضاف إليه.
ولا تستنكر كثرة المضافات المحذوفة هناك، فإن المعنى إذا دل على شيء وقبله القياس أمضى على ذلك ولم يستوحش منه [153ظ] ألا ترى إلى قول الله "سبحانه": {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ 1} ؟ ألا تراه أن معناه: من تراب أرض أثروطء حافر فرس الرسول، أي من تراب الأرض الحاملة لأثر وطء فرس الرسول. المعنى على هذا؛ لأنه في تصحيحه من تقريه لاستيفاء2 معانيه، وإذا دل الدليل كان التعجب من حيلة العاجز الذليل.
وقوله: "وهي عَلَى الظَّالِمِين ساءت الغاشية" - هذا جار مجرى قولهم: زيد بئس الرجل؛ لأن ساء بمعنى بئس، و"الغاشية" هنا جنس، والعائئد منها إلى "هي" ضمير يتجرد ويماز من معنى الجماعة، كقولهم: زيد قام بنو محمد، إذا كان محمد أباهم، فكأنه قال: زيد قام في جملة القوم، كما أن قولك: زيد نعم الرجل العائد عليه في المعنى ذكر يخصه من جماعة الرجال.
__________
1 سورة طه: 96.
2 في ك: لاستبقاء. وهو تحريف.(2/296)
سورة القمر:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ حذيفة: "اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ1".
قال أبو الفتح: هذا يجري مجرى الموافقة على إسقاط العذر ورفع التشاك، أي: قد كان انشقاق القمر متوقعا دلالة على قرب الساعة، فإذا كان قد انشق -وانشقاقه من أشراطها، وأحد أدلة قربها - فقد توكد الأمر في قرب وقوعها. وذلك أن "قد" إنما هي جواب وقوع أمر كان متوقعا، يقول القائل: انظر أقام زيد؟ وهل قام زيد؟ وأرجو ألا يتأخر زيد. فيقول المجيب: قد قام، أي: قد وقع ما كان متوقعا.
ومن ذلك قراءة أبي جعفر يزيد: "وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِر2".
قال أبو الفتح: رفعه3 عندي عطف على الساعة، أي: اقتربت الساعة وكل أمر4 أي: قد اقترب استقرار الأمور في يوم القيامة، من حصول أهل الجنة في الجنة، وحصول أهل النار في النار. هذا وجه رفعه. والله أعلم.
__________
1 سورة القمر: 1.
2 سورة القمر: 3.
3 أي رفع "كل" كما لا يخفى.
4 قال أبو حيان: وهذا بعيد، لطول الفصل بجمل ثلاث. وبعيد أن يوجد مثل هذا التركيب في كلام العرب، نحو أكلت خبزان وضربت زيدا، بل لا يوجد مثله في كلام العرب. وخرجه صاحب اللوامع على أنه خبر لكل، فهو مرفوع في الأصل، لكنه جر للمجاورة. وهذا ليس بجيد. لأ، الخفض بالجوار في غاية الشذوذ، ولأنه لم يعهد في خبر المبتدأ، إنما عقد في الصفة على اختلاف النحاة في وجوده, والأسهل أن يكون الخبر مضمرا لدلالة المعنى عليه. والتقدير: وكل أمر مستقر بالغوه، لأن قبله: "وكل أمر مستقر بالغوه، لأن قبله: {وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} . البحر: 8: 174.(2/297)
من ذلك قراءة مجاهد والجحدري وأبي قلابة: "إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ1".
قال أبو الفتح: يقال: أنكرت الشيء فهو منكر، ونكرته فهو منكور. وجمع الأعشى بين اللغتين، فقال:
وأنكرتني وما كان الذي نكرت ... من الحوادث إلا الشيب والصلعا2
وكذلك هذه القراءة: "إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ"، إلى شيء يجهل. ومثله مررت بصبي ضرب، ونظرت إلى امرأة أكرمت، وصف بالفعل الماضي.
ومن ذلك قراءة يزيد بن رومان3 وقتادة: "لِمَنْ كَانَ كُفِر4".
قال أبو الفتح: أي: جزاء الكافرين بنوح عليه السلام.
وأما قراءة الجماعة: {جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} فتأويله: جزاء لهم بكفرهم بنوح، "عليه السلام"، فاللام الأولى التي هي مفعول بها محذوفة، واللام الثانية الظاهرة في قوله: {لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} لام المفعول له. وهناك مضاف محذوف، أي: جزاء لهم؛ لكفر من كفر، أي: لكفرهم بمن كفروا به.
ومن ذلك قراءة أبي السمال: "أبشر منا" - بالرفع - "وَاحِدًا نَتَّبِعُه5"، بالنصب.
قال أبو الفتح: "بشر" عندي مرفوع بفعل يدل عليه قوله: "أولقى عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا"، فكأنه قال: أينبأ، أو يبعث بشر منا؟
فأما انتصاب "واحدا" فإن شئت جعلته حالا من الضمير [154و] في "منا6" أي: أينبأ بشركائن منا؟ والناصب لهذه الحال الظرف، كقولك: زيد في الدار جالسا.
__________
1 سورة القمر: 6.
2 من قصيدة في مدح هوذة بن علي الحنفي. وانظر الديوان: 101.
3 هو يزيد بن رومان أبو روح المدني مولى الزبير، ثقة، ثبت، فقيه، قارئ، محدث. عرض على عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، وروى القراءة عنه عرضا نافع وأبو عمرو. وروى عنه مالك بن أنس وجرير بن حازم وابن إسحاق، وحديثه في الكتب الستة، وقال ابن معين وغيره: ثقة. مات سنة 120، وقيل غير ذلك. طبقات ابن الجزري: 2: 381
4 سورة القمر: 14.
5 أي الضمير المستقر في متعلقه.(2/298)
وإن شئت جعلته حالا من الضمير في قوله: "نتبعه" أي: نتبعه واحد منفردا ولا ناصر له. ويؤكده قوله: {وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ 1} . ونظائره في القرآن كثيرة، نحو قوله "تعالى" {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ 2} ؟ وقوله: {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا 3} ؟ ونحو ذلك.
ومن ذلك قراءة أبي قلابة: "الْكَذَّابُ الْأَشِرُ4".
مجاهد: "الأشر"، بضم الشين خفيفة.
قال أبو الفتح: "الأشر" بتشديد الراء هو الأصل المرفوض، لأن أصل قولهم: هذا خبر منه وهذا شر منه -هذا أخير منه، وأشر منه. فكثر استعمال هاتين الكلمتين، فحذف الهمزة منهما. ويدل على ذلك قولهم: الخورى والشرى، تأنيث الأخير والأشر. وقال رؤبة:
بلاد خير الناس وابن الأخير5
فعلى هذا جاءت هذه القراءة.
وأما "الأشر" بضم الشين، وتخفيف الراء فعلى أنه من الأوصاف التي اعتقب عليها المثالان اللذان هما فعل وفعل فأشر وأشر، كحذر وحذر، ويقظ "ويقظ"، ورجل حدث وحدث: حسن الحديث، ووظيف عجر وعجر، أي: صلب. والضم أقوى معنى من الكسر؛ لأنه أبعد عن مثال الفعل، فأشر -من آشر- كضروب من ضارب. ومطعان من طاعن، والاسم البطر6.
ومن ذلك قراءة الحسن: "كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ7"، بفتح الظاء.
__________
1 سورة القمر: 9.
2 سورة الشعراء: 111.
3 سورة الشعراء: 18، والخطاب في هذه الآية لموسى عليه السلام، أما الآيتان قبلها فعن نوح عليه السلام.
4 سورة القمر: 26.
5 لم نعثر عليه في ديوانه، ولا في ديوان العجاج.
6 كذا في نسختي الأصل، كأنه يريد تفسير "الأشر" مصدر أشر، واستعمل الاسم فيما يقابل المصدر.
7 سورة القمر: 31.(2/299)
قال أبو الفتح: المحتظر هنا مصدر، أي: كهشيم الاحتظار، كقولك: كآجر البناء وخشب النجارة. والاحتظار: أن يجعل حظيرة. وإن شئت جعلت "المحتظر" هنا هو الشجر، أي: كهشير الشجر المتخذة منها الحظيرة، أي: كما يتهافت من الشجر المجعولة حظيرة والهشيم: ما تهثم منه، وانتشر.
ومن ذلك قراءة أبي السمال: "إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ1"، بالرفع.
قال أبو الفتح: الرفع هنا أقوى من النصب، وإن كانت الجماعة على النصب؛ وذلك أنه من مواضع الابتداء، فهو كقولك: زيد ضربته، وهو مذهب صاحب الكتاب2 والجماعة. وذلك لأنها جملة3 وقعت في الأصل خبرا عن مبتدأ في قولك: نحن كل شيء حلقناه بقدر، فهو كقولك: هند زيد ضربها، ثم تدخل إن، فتنصب الاسم، وبقي الخبر على تركيبه الذي كان عليه من كونه جملة من مبتدأ وخبر.
واختار محمد بن يزيد هنا النصب، وقال: لأن تقديره إنا فعلنا كذا، وقال: فالفعل منتظر بعد إنا، فلما دل ما قبله عليه حسن إضمار. وليس هذا شيئا؛ لأن أصل خبر المبتدأ أن يكون اسما لا فعلا، جزءا منفردا. فما معنى توقع الفعل هنا، وخبر إن وأخواتها كأخبار المبتدأ؟ وعليه قول الله سبحانه: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ 4} ، فهذه الجملة التي هي وجوههم مسودة في موضع المفعول الثاني لرأيت، وهو في الأصل خبر المبتدأ. وقد ذكرنا هذا في غير موضع من كتبنا والعليق عنا.
ومن ذلك قراءة زهير الفرقبي: "فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ5".
قال [154ظ] أبو الفتح: هذا جمع نهر، كما جاء عنهم من تكسير فعل على فعل، كأسد وأسد، ووثن ووثن.
__________
1 سورة القمر: 49.
2 انظر الكتاب: 1: 74، وفيه عن الآية: "فأما قوله -عز وجل-: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} ، فإنما هو على قوله: زيدا ضربته، وهو عربي كثير.
3 في ك: وذلك لأنه في الأصل جملة وقعت.
4 سورة الزمر: 60.
5 سورة القمر: 54.(2/300)
وحكى سيبويه قراءة: "إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أثنا1"، جمع وثن. وذهب محمد بن السري في قولهم: أسد وأسد إلى أنه مقصور من فعول، يريد أسودا، فحذفت الواو، فبقى أسد، ثم أسكنت السين تخفيفا، كقولهم في طنب2: طنب.
وهذه القراءة التي هي "نهر" تشهد لقوله: إن أصله أسود، ثم حذفت الواو، فبقى أسد.
فإن قلت: فقد جاء أسود، ولم يأت نهور جمع نهر.
قيل: وإن لم يأت لفظا فهو مقدر تصورا، كأشياء تثبت تقديرا، فتعامل معاملة المستعمل. فإن شئت قلت في "نهر": إنه جمع نهر الساكن العين، فيكون كسقف وسقف، ورهن ورهن، وثط3 وثط، وسهم حشر4 وسهام حشر وفرس ورد5 فصارت نهر، ثم ثقل إتباعا، فصارت إلى "نهر".
وأنس بذلك أن ما قبل الراء في أواخر هذه الآي، وهي "سقر"، و"قدر"، و"نكر"، و"مدكر"، و"زبر"، و"مستطر"، و"مقتدر" محرك، فكأنه الرغبة في استواء هذه الفواصل هو الذي زاد في الأنس بتثقيل "النهر" على هذا التأويل الذي في "
نهر"، كما يختار ترك همز "الشان"6 في سورة الرحمن؛ لتوافق رءوس الآي فيها: "تكذبان"، ونحوها، وإليه ذهب الفراء.
__________
1 سورة النساء: 117.
2 الطنب: حبل طويل يشد به سرادق البيت، أو هو الوتد.
3 الثط: القليل شعر اللحية والحاجبين.
4 سهم حشر: دقيق النصل، وأصل الحشر الدقيق من الأسنة.
5 فرس ورد: بين الكميت والأشقر.
6 من قوله تعالى في سورة الرحمن "29": {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} .(2/301)
سورة الرحمن:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ أبو السمال: "وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا1"، رفع.
قال أبو الفتح: الرفع هنا أظهر قراءة الجماعة؛ وذلك أنه صرف إلى الابتداء؛ لأنه عطفه على الجملة الكبيرة التي هي قوله "تعالى": {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ 2} ، فكما أن هذه الجملة مركبة من مبتدأ وخبر، فكذلك قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا} جملة من مبتدأ وخبر، معطوفة على قوله: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} .
وأما قراءة العامة بالنصب: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا} فإنها معطوفة على "يسجدان" وحدها، وهي جملة من فعل وفاعل، والعطف يقتضي التماثل في تركيب الجمل، فيصير تقديره: يسجدان، ورفع السماء. فلما أضمر "رفع" فسره بقوله: "رفعها"، كقولك: قام زيد، وعمرا ضربته، أي: وضربت عمرا؛ لتعطف جملة من فعل وفاعل على أخرى مثلها.
وفي نصب "السماء" على قراءة العامة رد على أبي الحسن في امتناعه أن يقول: زيد ضربته وعمر كلمته، على أن يكون تقديره: وكلمت عمرا، عطفا على ضربته، قال: لأن قولك: "ضربته" جملة ذات موضع من الإعراب؛ لكونها خبر مبتدأ، وقولك: وكلمت عمرا لا موضع لها من الإعراب؛ لأنها ليست خبرا عن زيد؛ لخلوها من ضميره، قال: فلا يعطف جملة غير ذات موضع على جملة ذات موضع؛ إذ العطف نظير التثنية، فينبغي أن يتناسب المعطوف والمعطوف عليه.
وهذا ساقط عند3 سيبويه؛ وذلك أن ذلك الموضع من الإعراب لما لم يخرج إلى اللفظ سقط حكمه، وجرت الجملة ذات الموضع كغيرها من الجملة غير ذات الموضع، كما أن الضمير
__________
1 سورة الرحمن: 7.
2 سورة الرحمن: 6.
3 فلي نسختي الأصل: عن، وهو تحريف.(2/302)
في اسم الفاعل لما لم يظهر إلى اللفظ جرى مجرى [155و] ما لا ضمير فيه، فقيل: في تثنيته: قائمان، كما قيل: فرسان ورجلان، بل إذا كان اسم الفاعل قد يظهر ضميره إذا جرى على غير من هو له، ثم أجرى مع ذلك مجرى ما لا ضمير فيه لما لم يظهر في بعض المواضع -كان ما لا يظهر فيه الإعراب أصلا أحرى بأن يسقط الاعتداد به، والكلام هنا فيه طول، وهذا كتاب شرطنا فيه اختصاره؛ ليقرب على القرأة فهمه، فمنع ذلك من تقصيه وإغراق مدى القول فيه.
ومن ذلك قراءة بلال بن أبي بردة1: "وَلا تُخْسِرُوا2"، بفتح التاء والسين.
وقرأ بلال أيضا: "وَلا تُخْسِرُوا"، من خسر يخسر، بخلاف.
قال أبو الفتح: أما تخسروا -بفتح التاء والسين- فينبغي أن يكون على حذف حرف الجر، أي: تخسروا في الميزان، فلما حذف الجر أفضى إليه الفعل قبله، فنصبه؛ كقوله "تعالى": {وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ 3} ، أي: في كل مرصد، وعلى كل مرصد، وكقوله:
بأسرع الشد مني يوم لانية ... لما لقيتهم واهتزت اللمم4
أراد بأسرع في الشد، فحذف الحرف وأوصل "أسرع"، أو فعلا دل عليه أسرع هذه5. وأما "تخسروا"، بفتح التاء، وكسر السين فعلى خسرت الميزان، وإنما المشهور أخسرته. خسر الميزان، أي: نقص، وأخسرته. ويشبه أن يكون لغة في أخسرته، كما يشترك فيه فعلت وأفعلت من المعنى الواحد، نحو أجبرت الرجل وجبرته، أهلكت الشيء هلكته.
__________
1 هو بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، من الطبقة الخامسة من التابعين، ولي قضاء البصرة إلى سنة 120، فعزله يوسف بن عمر. ويروى أنه أول من أظهر الجور من القضاة في الحكم. ومات سنة نيف وعشرين ومائة في سجن يوسف بن عمر فيما يروى. وانظر الخزانة: 1: 451.
2 سورة الرحمن: 9.
3 سورة التوبة: 5.
4 لمالك بن خالد الخناعي. وأنشد: العدو. والنية: الفترة والتعب، مصدر وفي اللسان "شد".
5 في اللسان "شد" أيضا: يريد بأسرع شدا مني، فزاد اللام كزيادتها في بنات الأوبر.(2/303)
ومن ذلك قراءة عيسى الثقفي: "سَنَفْرُغُ1 لَكُمْ"، بكسر النون، وفتح الراء.
وقرأ: "سَنَفْرُغُ لَكُمْ"، بفتح النون والراء - قتادة ويحيى بن عمارة الزارع والأعمش -بخلاف- وابن إدريس.
وقرأ: "سَنَفْرُغُ لَكُمْ"، بنصب الياء والراء أبو عمرو والأعرج.
أبو حاتم عن الأعمش: "سَنَفْرُغُ لَكُمْ".
قال أبو الفتح: يقال: فرغ يفرغ كدفع يدفع، وفرغ يفرغ كذبغ يدبغ، وفرغ يفرغ كلثغ يلثغ.
وأما "سَيفْرُغُ"، بالياء فالفاعل فيه اسم الله تعالى.
و"سَيفْرُغُ" واضح.
ومن ذلك قراءة ابن أبي بكرة: "ونَحُسٌ2"، بفتح النون، وضم الحاء، وتشديد السين، رفع.
قال أبو الفتح: "نَحُسٌ"، أي: نقتل بالعذاب. يقال: حس القوم يحسهم حسا: إذا استأصلهم. قال الله "تعالى": {إِذْ تَحُسُّونَهُم 3} ، أي: تقتلونهم قتلا ذريعا.
ومن ذلك قراءة ابن محيصن: "مِنْ إِسْتَبْرَق4"، بالوصل.
قال أبو الفتح: هذه صورة الفعل البتة، بمنزلة استخرج، وكأنه سمى بالفعل وفيه ضمير الفاعل، فحكى كأنه جملة، وهذا باب إنما طريقه في الأعلام، كتأبظ شرا، وذري حبا، وشاب قرناها. وليس الإستبراق علما يسمى بالجملة، وإنما هو قولك: بزيون5. وعلى أنه إنما استبرق: إذا بلغ فدعا البصر إلى البرق وقال:
تستبرق الأفق الأقصى إذا ابتسمت ... لاح السيوف سوى أغمادها القضب6
__________
1 سورة الرحمن: 31.
2 سورة الرحمن: 35، ولآية في قراءة الجماعة: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنْتَصِرَانِ} .
3 سورة آل عمران: 152.
4 سورة الرحمن: 54.
5 البزيون: السندس.
6 رواه اللسان "برق" ولم ينسبه، وفيه "يستبرق" بالياء، وقال في تفسيرها: استبرق المكان: إذا لمع بالبرق، وضبط "الأفق" بالضم. وفيه "لمع" مكان "لاح"، وجر السيوف بالإضافة. وقد اثبت في هامش نسختي الأصل "لمع السيوف" والقضب: جمع القضيب، وهو السيف القاطع.(2/304)
[هذا إن شئت قلت: معناه تستبرق أبصار أهل الأفق وإن شئت قلت: تبرقه، أي: تأتي بالبرق منه1] .
وأما البزيون فبعيد عن هذا، اللهم إلا أن نقول: إنه لمائه2 وصنعته تستبرق، أي: تبرق فيكون [155ظ] كفر واستقر. ولست أدفع أن تكون قراءة ابن محيصن بهذا، لأنه توهم فعلا، وإذ كان على وزنه، فتركه مفتوحا على حاله، كما توهم الآخر أن ملك الموت من معنى الملك حتى قال:
فمالك موت بالقضاء دهاني
فبني منه صورة فاعل من الملك، وهذا أسبق ما فيه إلي.
ومن ذلك قراءة الحسن وعمرو بن عبيد: "وَلا جَأن3"، بالهمز.
قال أبو الفتح: قد تقدم القول على هذا. لما حرك الألف لالتقاء الساكنين همزها، كقراءة أيوب السختياني: "وَلا الضَّالِّين4".
ومن ذلك قراءة النبي "صلى الله عليه وسلم" وعثمان ونصر بن علي والجحدري وأبي الجلد ومالك بن دينار وأبي طعمة وابن محيصن وزهير الفرقبي: "رَفْارَفٍ خُضْرٍ وَعَبْاقَرِيٍّ حِسَانٍ5".
وقرأ: "خُضُرا"، مثقلا - الأعرج.
قال أبو الفتح: كذلك رويته عن قطرب: "عَبَاقِرِيّ"، بكسر القاف غير مصروف. ورويناه عن أبي حاتم: "عَبْاقَرِيٍّ"، بفتح القاف غير مصروف أيضا.
قال أبو حاتم: ويشبه أن يكون عباقر بكسر القاف على ما يتكلم به العرب، قال: ولو قالوا: عباقري6، فكسروا القاف، وصرفوا لكان أشبه بكلام العرب، كالنسب إلى مدائن
__________
1 ما بين المعقوفين ساقط في ك.
2 لمائه: لرونقه.
3 سورة الرحمن: 56.
4 انظر الصفحة 46 وما بعدها من الجزء الأول.
5 سورة الرحمن: 76.
6 في ك: عباقر، وهو تحريف.(2/305)
مدائني، قال: وقال سعيد بن جبير: رفارف: رياض الجنة1، قال: وعبقر: موضع
قال امرؤ القيس:
كأن صليل المرحين تشذه ... صليل زيوف ينتقدن بعبقرا2
وقال زهير:
بخيل عليها جنة عبقرية ... جديرون يوما أن ينالوا فيستعلوا3
وأما ترك صرف "عباقري" فشاذ في4 القياس، ولا يستنكر شذوذه في القياس ما استمراره في الاستعمال، كما جاء عن الجماعة: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ 5} ، وهو شاذ في القياس ما استمراره في الاستعمال. نعم، إذا كان قد جاء عنهم عنكبوت وعناكيب، وتخربوت6 وتخاربيت - كان عباقري أسهل منه؛ من حيث كان فيه حرف مشدد، يكاد يجري مجرى الحرف الواحد ومع ذلك أنه في آخر الكلمة، كياءي بخاتي7 وزرابي8.
وليس لنا أن نتلقى قراءة رسول الله "صلى الله عليه وسلم" إلا بقبولها، والاعتراف لها.
وأما "خضر" بضمخ الضاد فقليل، وهذا من مواضع الشعر كما قال طرفة:
ورادا وشقر9
بضم القاف.
__________
1 ذكره في البحر "8: 199"، وزاد: من رف البيت: تنعم، وحسن.
2 روى "نظيره" مكان "تشذه"، وتشذه تفرقه: والصليل: الصوت. والمرو: حجارة بيض براقة تورى النار، أو أصلب الحجارة. والزيوف: الدراهم الرديئة. وضمير "تطير" للناقة، يريد أنها في سرعتها تنثر الحجارة بأخفافها، فيقع بعضها على بعض، فإذا لها صوت كصليل الدراهم الزيوف إذا انتقدها الصيرف. وخص الزيوف لأن صوتها أشد بكثرة ما فيها من النحاس. وانظر الديوان: 64.
4 يروى "ويستعلوا" مكان "فيستعلوا"، والبيت من قصيدة للشاعر في مدح هرم بن سنان والحارث بن عوف. وجنة: جمع جن. وعبقرية: منسوبة إلى عبقر: أرض، أو قربة يسكنها الجن فيما يزعمون. ويستعلوا: يظفروا، ويعلوا. انظر الديوان: 103.
4 ساقطة في ك.
5 سورة المجادلة: 19.
6 التخربوت: الخيار الفارغة من النوق.
7 البخاتي: الإبل الخراسانية، الواحدة بختية.
8 الزرابي: النمارق والبسط، أو كل ما بسط واتكئ عليه، الواحد زربى، بالكسر، ويضم.
9 انظر الصفحة 161 من الجزء الأول.(2/306)
سورة الواقعة:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ الحسن واليزيدي والثقفي وأبو حيوة: "خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ1"، بالنصب.
قال أبو الفتح: هذا منصوب على الحال، وقوله: {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} حينئذ2 حال أخرى قبلها، أي: إذا وقعت الواقعة، صادقة الواقعة، خافضة، رافعة. فهذه الثلاث أحوال، أولاهن الجملة التي هي قوله: {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} ، ومثله: مررت بزيد، جالسا، متكئا، ضاحكا. وإن شئت أن تأتي بعشر أحوال إلى أضعاف ذلك لجاز3 وحسن، كما لك أن تأتي للمبتدأ من الأخبار بما شئت، كقولك: زيد عالم، جميل، جواد، فارس، بصري4، بزاز، ونحو ذلك.
ألا ترى أن الحال زيادة في الخير، وضرب منه؟ وعلى ذلك امتنع أبو الحسن أن يقول: لولا هند جالسة لقمت ونحو ذلك، قال: لأن هذا موضع قد امتنعت العرب أن تستعمل فيه [156و] الخبر، والحال ضرب من الخبر. فلا يجوز استعمالها في لذلك.
والعامل في "إذا" محذوف لدلالة المكان عليه، كأنه قال: إذا وقعت الواقعة كذلك فاز المؤمنون وخاب الكافرون، ونحو ذلك ويجوز أن تكون "إذا" الثانية، وهي قوله: {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا 5} خبرا عن "إذا" الأولى، ونظيره: إذا تزورني إلا يقوم زيد، أي: وقت زيارتك
__________
1 سورة الواقعة: 3.
2 ساقطة في ك.
3 قرن جواب أن باللام، كأنه يحملها على لو، ولا نعرف لهذا سندا وليس بالكلام إليه حاجة. وفي حاشية الأمير على المغني "1: 84": اقتران جواب "أن" باللام غير عربي، وهو كثير في كلام المؤلفين، حملا لأن على لو.
4 في ك: مصري.
5 سورة الواقعة: 4.(2/307)
إياي وقت قيام زيد. وجاز لـ"إذا" أن تفارق الظرفية وترتفع بالابتداء، كما جاز لها أن تخرج بحرف جر عن الظرفية1 كقوله:
حتى إذا ألقت يدا في كافر ... وأجن عورات الثغور ظلامها2
وقال الله "سبحانه": {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ 3} ، إذا مجرورة عند أبي الحسن بحتى، وذلك يخرجها من الظرفية، كما ترى.
ومن ذلك قراءة ابن أبي إسحاق: "وَلا يُنْزِفُون4"، بفتح الياء، وكسر الزاي.
قال أبو الفتح: يقال: أنزف عبرته: إذا أفنى دمعه بالبكاء، ونزف البئر - ينزفها نزفا: إذا استقى ماءها، وأنزفت الشيء: إذا أفنيته، قال:
لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم ... لبئس الندامى كنتم آل أبجرا5
وقال العجاج:
وأنزف العبرة من لا في العبر6
وقال:
أيام لا أحسب شيئا منزفا7
أي: فانيا، فكأنه "سبحانه" قال: "لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ عقولهم" كما ينزف ماء البئر. والنزيف: السكران، وكله راجع إلى معنى واحد.
__________
1 بحرف الجر: أي بدخوله عليها.
2 انظر الصفحة 233 من هذا الجزء.
3 سورة يونس: 22.
4 سورة الواقعة: 19.
5 البيت للأبيرد، وأبجر: هو أبجر بن جابر العجلي. انظر الصحاح واللسان "نزف".
6 من أرجوزة في مدح عمر بن عبيد الله بن معمر. وانظر الديوان: 16، والصحاح واللسان "نزف".
7 للعجاج أيضا في مفرادت ديوانه: 82، ويروى "ازمان" مكان "أيام". وقبله:
وقد أراني بالديار مترفا
وانظر الصحاح واللسان "نزف".(2/308)
ومن ذلك قراءة أبي بن كعب وابن مسعود: "وَحُورًا عِينًا1".
قال أبو الفتح: هذا على فعل مضمر، أي: ويؤتون، أو يزوجون حورا عينا، كما قال: {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ 2} ، وهو كثير في القرآن والشعر.
ومن ذلك قرأ: "إِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا3 إنا"، على الخبر كلاهما بلا استفهام.
قال أبو الفتح: مخرج هذا منهم على الهزء، وهذا كما تقول لمن تهزأ به، إذا نظرت إلي مت منك فرقا، وإذا سألتك جممت لي بحرا، أي: الأمر بخلاف ذلك، وإنما أقوله هازئا. ويدل على هذا شاهد الحال حينئذ، ولولا شهود الحال لكان حقيقة لا عبثا، فكأنه قال: إذا متنا وكنا ترابا بعثنا. ودل قوله: {إِنَّا لَمَبْعُوثُون} على بعثنا ولا يجوز أن يعمل فيه "مبعوثون" لأن ما بعد إن لا يعمل فيما قبلها.
ومن ذلك قراءة الحسن والثقفي: "فَلأقْسِم"، بغير ألف.
قال أبو الفتح: هذا فعل الحال، وهناك مبتدأ محذوف، أي: لأنا أقسم، فدل على ذلك أن جميع ما في القرآن من الأقسام إنما هو على حاضر الحال، لا وعد الأقسام، كقوله "سبحانه": {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُون 5} ، و {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا 6} ، وكذلك حملت "لا" على الزيادة في قوله: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} ، ونحوه. نعم، ولو أريد الفعل المستقبل للزمت فيه النون، فقيل: لأقسمن، وحذف هذه النون هنا ضعيف جدا.
__________
1 سورة الواقعة: 22.
2 من قوله تعالى: {كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} . سورة الدخان: 54.
3 سورة الواقعة: 47.
3 سورة الواقعة: 75.
4 سورة التين: 1.
6 سورة الشمس: 1.(2/309)
ومن ذلك قراءة علي وابن عباس -ورويت عن النبي "صلى الله عليه وسلم"-: "وَتَجْعَلُونَ شكركم أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ1".
قال أبو الفتح: هو على حذف المضاف، أي: تفعلون بدل شكركم [156ظ] ومكان شكركم التكذيب ومثله قول العجاج:
ربيته حتى إذا تمعددا ... كان جزائي بالعصا أن أجلدا2
أي: كان مكان جزائي الجلد بالعصا
ومن ذلك قراءة النبي "صلى الله عليه وسلم وابن عباس وقتادة والحسن والضحاك والأشهب ونوح3 القارئ وبديل وشعيب بن الحارث وسليمان التيمي والربيع بن خثيم4 وأبي عمران الجوني وأبي جعفر محمد بن على والضحاك وفياض: "فَرَوْح"، بضم الراء.
قال أبو الفتح: هو راجع إلى معنى الروح، فكأنه قال: فمسك روح، وممسكها هو الروح، كما تقول: هذا الهواء هو الحياة، وهذا السماع هو العيش، وهو الروح.
__________
1 سورة الواقعة: 82.
2 يروى بين بيتي الشاهد:
وآض نهدا كالحصان أجردا
وتمعدد الغلام: شب وغلظ. وآض: صار وتهدا: جسيما جهيرا، من قولهم: فرس نهد، أي: جميل جسيم. والأجرد من الخيل: السباق. وانظر الديوان: 76، وشواهد الشافية: 285، واللسان "معد".
3 قال ابن الجزري: ذكره الحافظ أبو عمرو، وقال: قال محمد بن الحسن النقاش: ثم كان بعد أبي عمرو بن العلاء -يعني من رواة الحروف المتصدرين -نوح القارئ، وذكر جماعة. طبقات القراء: 2: 343.
4 هو الربيع بن خثيم أبو يزيد الكوفي الثوري، تابعي جليل. وردت عنه الرواية في حروف القرآن، آخذ القراءة عن عبد الله بن مسعود، وعرض عليه أبو زرعة بن عمرو بن جرير. قال له عبد اله بن مسعود: لو رآك محمد -صلى الله عليه وسلم- لأحبك. وما رأيتك إلا ذكرت المخبتين. مات في ولاية عبيد الله بن زياد، يعنى قبل سنة تسعين للهجرة. طبقات القراء لابن الجزري: 1: 283.(2/310)
سورة الحديد:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ: "بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم1"، بكسر الهمزة - سهل بن شعيب النهمي.
قال أبو الفتح: قوله "وَبِأَيْمَانِهِمْ" معطوف على قوله: "بَيْنَ أَيْدِيهِمْ".
فإن قلت: فإن قوله: "بَيْنَ أَيْدِيهِمْ" ظرف، وقوله: "بِأَيْمَانِهِمْ" ليس ظرفا. ألا ترى أنه ليس معناه يسعر في إيمانهم؟ فكيف يجوز أن يعطف على الظرف ما ليس ظرفا، وقد علمت أن العطف بالواو نظير التثنية، والتثنية توجب تماثل الشيء؟
قيل: الظرف الذي هو بين أيديهم معناه الحال، وهو متعلق بمحذوف، أي: يسعى كائنا بين أيديهم، وليس بين أيديهم متعلقا بنفس يسعى، كقولك: سعيت بين القوم، وسعيت في حاجتي. وإذا كان الظرف هنا في موضع الحال جاز أن يعطف عليه الباء وما جرته، حتى كأنه قال: يسعى كائنا بين أيديهم، وكائنا بإيمانهم؛ أي: إنما حدث السعى كائنا بإيمانهم، كقول الله "تعالى": {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ 2} ، أي: ذلك كائن بذلك.
فعلى هذا التقدير يجب أن يكون قوله: "وبإيمانهم". فأما أن يعلق "بين" بنفس "يسعى" يعطف عليه "بإيمانهم" فلا؛ لما تقدم.
ومن ذلك قراءة سماك بن حرب3: "وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ4"، بضم الغين.
__________
1 سورة الحديد: 12.
2 سورة الحج: 10.
3 هو سماك بن حرب بن أوس البكري الذهلي أبو المغيرة الكوفي، أحد الأعلام التابعين. روى عن جابر بن سمرة والنعمان بن بشير وغيرهما، وروى عنه الأعمش وشعبة وإسرائيل وخلق. وثقة أبو حاتم وابن معين. مات سنة 123. الخلاصة: 132.
4 سورة الحديد: 14.(2/311)
قال أبو الفتح: هو كقوله: وغركم بالله الاغترار، وتقديره على حذف المضاف، أي: وغركم بالله سلامة الاغترار، ومعناه سلامتكم منه مع اغتراركم.
ومن ذلك قراءة الحسن: "أَلَمْا يَأْنِ لِلَّذِينَ"، مثقلة.
قال أبو الفتح: أصل "لما" لم، زيد عليها ما، فصارت نفيا لقوله: قد كان كذا، و"لم" ونفي فعل. تقول: قام زيد، فيقول المجيب بالنفي: لم يقم. فإن قال: قد قام. قلت: لما يقم، لما زاد في الإثبات "قد"- زاد في النفي "ما"، إلا أنهم لما ركبوا "لم" مع "ما" - حدث لها معنى ولفظ.
أما المعنى فإنها صارت في بعض المواضع ظرفا، فقالوا: لما قمت قام زيد، أي: وقت قيامك قام زيد.
وأما اللفظ. فلأنها جاز أن يقف عليها دون مجزومها، كقولك: جئت ولما، أي: ولما تجئ. ولو قلت: جئت ولم-لم يجز.
فإن قلت: فقد علمنا أن أصل لما - على ما وصفت -"لم" و"ما" - حدث لها معنى ولفظ.
أما المعنى فإنها صارت في بعض المواضع ظرفا، فقالوا: لما قمت قام زيد، أي: وقت قيامك قام زيد.
وأما اللفظ. فلأنها جاز أن يقف عليها دون مجزومها، كقولك: جئت ولما، أي: ولما تجيء. ولو قلت: جئت ولم - لم يجز.
فإن قلت: فقد علمنا أن أصل لما -على ما وصفت - "لم" و"ما"، وهما حرفان2، وأما الظرف فاسم، فكيف جاز للحرف أن يستحيل، فيصير اسما؟
قيل: كما استحال الاسم لما ركب مع الحرف، فاعتد مجموعهما حرفا في قولهم: إذ ما تقم أقم. ألا ترى أن سيبويه ذكر "إذ ما" في الحرف، وقرنها بإن [157و] في الشرط؟ وذلك أن التركيب يحدث للمركبين حكما مستأنفا، ويخلقه خلقا مرتجلا. ألا ترى إلى قولهم: بأبأت الصبي: إذا قلت له: بأبي أنت، والباء في أوله مزيدة للجر، والثانية أيضا قد يمكن أن تكون للجر كررت، إلا أنك إذا مثلت قلت: هو فعللت، فجعلت الباء الزائدة للجر مقابلة للفاء؟ وكذلك قولهم: بسملت، فالباء من قولهم: "بسم الله"، والسين فاء "اسم"، واللام عين إله، ثم إنك إذا مثلت بسملت قلت: هو فعللت، ومثله حوقلت: إذا قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله، ومثال حرقلت: فوعلت، والواو -كما ترى- زائدة،
__________
1 سورة الحديد: 16.
2 في ك: ولما، وهو تحريف.(2/312)
وهي عين حول في الأصل. أفلا ترى إلى استحالة أحوال الحروف من الزيادة إلى الأصل، ومن الأصل إلى الزيادة؟ وهذا كقول الله سبحانه: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَر 1} .
ومن ذلك قراءة الحسن: "وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيل2"، بفتح الهمزة.
قال أبو الفتح: هذا مثال لا نظير له؛ لأنه أفعيل، وهو عندهم من تجلت الشيء: إذا استخرجته؛ لأنه حال الحرام من الحلال، كما قيل لنظيره: التوراة، وهي فوعلة من ورى الزند يرى: إذا أخرج النار، ومثله الفرقان، وهو فعلان من فرق بين الشيئين.
قال أبو النجم:
تنجل أيديهن كل منجل3
يصف أيدي الإبل، وإنها في سيرها تثير الأرض، وتستخرج باطنها. فعلى هذا لا يجوز فتح الهمزة؛ لأنه لا نظير له. وغالب الظن وأحسنه به- أن يكون ما قرأة. إلا عن سماع، فإن يكن كذلك فشاذ شذ، كما قال بعضهم في البرطيل: البرطيل، ونحو منهما ما حكاه أبو زيد من قولهم: السكينة بفتح السين، وتشديد الكاف. وربما ظن "الأنجيل" أعجميا فأجرى عليه بتحريف مثاله.
ومن ذلك قراءة الحسن: "لِيلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ4"، بنصب اللام5، وبجزم الياء، ولا يهمز.
قال أبو الفتح: حكاه قطرب -فيما رويناه عنه- "ليلا"، بكسر اللام، وسكون الياء، وقال: حذف همزة "أن"، وأبدل "النون" ياء، هكذا قال.
والذي حكاه ابن مجاهد: بفتح اللام، وسكون الياء.
وما ذكره قطرب من الكسر أقرب؛ وذلك أنه إذا حذف "الهمزة" بقى بعد ذلك "لئلا"،
__________
1 سورة المؤمنون: 14.
2 سورة الحديد: 27.
3 تنجل أيديهن: تثير أخفافها الكمأة، وتظهرها. وانظر الصفحة 152 من الجزء الأول.
4 سورة الحديد: 29.
5 في ك: يفتح.(2/313)
فيجب إدغام النون في اللام، فيصير اللفظ "للا"، فتجتمع اللامات، فتبدل الوسطى لإدغامها وانكسار ما قبلها، فتصير "ليلا"، كما أبدلوا راء قراط، ونو دنار لذلك، فقالوا: قيراط، ودينار - وميم دماس، فقالوا كذلك: ديماس1، فيمن قال: دماميسن وباء دباج، فقالوا: ديباج، فيمن قال دبابيج.
وأما فتح اللام من "ليلا" فجائز هو البدل جميعا، وذلك أن منهم من يفتح لام الجر مع الظاهر.
حكى أبو الحسن عن أبي عبيدة أن بعضهم قرأ: "وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ2"، وحسن ذلك أيضا مع "أن" لمشابهتها المضمر، كما يشبه المضمر الحرف، فيبنى. وعليه اختاروا: "وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا3"، فجعلوا اسم كان "أن قالوا"، لأنه ضارع المضمر بالامتناع من وصفه، كالامتناع من وصف المضمر. والمضمر أعرف من "جواب قومه". وإذا كان أعرف كان بكونه اسم كان [157ظ] أجدر؟
وأما إبداله أحد المثلين مع الفتح فقد جاء ذلك، ألا ترى إلى قوله سعد بن قرط:
يا ليتما أمنا شالت نعامتها ... أيما إلى جنة أيما إلى نار4؟
يريد: أما بالفتح.
ومثله ما رويناه عن قطرب أيضا من قول الراجز:
لا تفسدوا آبالكم ... أيما لنا أيما لكم5
فاجتمع من ذلك أن صار اللفظ إلى "ليلا"، وعليه قال الخليل: في لن: إن أصلها لا أن، فحذف الهمزة تخفيفا، والألف لالتقاء الساكنين.
__________
1 الديماس -بفتح الدال وتكسر-: الكن، والسرب، والحمام.
2 سورة إبراهيم: 46.
3 سورة الأعراف: 82.
4 انظر الصفحة 42 من الجزء الأول.
5 انظر الصفحة 284 من الجزء الأول.(2/314)
سورة المجادلة:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ: "مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ1"، بالتاء - أبو جعفر وأبو حية.
قال أبو الفتح: التذكير الذي عليه العامة هو الوجه؛ لما هناك من الشياع وعموم الجنسية، كقولك: ما جاءني من امرأة، وما حضرني من جارية. وأما "تكون"، بالتاء فلا عتزام لفظ التأنيث، حتى كأنه قال: ما تكون2 من نجوى ثلاثة، كما تقول: ما قامت امرأة، ولا حضرت جارية وما تكون نجوى ثلاثة.
ومن ذلك قرأ الحسن وداود بن أبي هند3: "تَفَاسَحُوا4"، بألف.
قال أبو الفتح: هذا لائق بالغرض؛ لأنه إذا قيل: تفسحوا في المجلس لم يكن فيه إصراح بدليل: ليفسح بعضكم لبعض، وإنما ظاهر معناه: ليكن هناك تفسح.
وأما التفاسح فتفاعل، والمراد به هنا المفاعلة، وبابها أن يكون فما فوق الواحد، كالمقاسمة والمكايلة والمساقات والمشاربة، إلا أنه قد يستفاد أيضا مع "تفسحوا" هذا المعنى؛ لأنه لم يقصد به تفسح مخصوص، فهو شائع بينهم، فسرى لذلك في جميعهم.
ومن ذلك قراءة الحسن: "اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُم5،" بكسر الهمزة.
قال أبو الفتح: هذا على حذف المضاف، أي: اتخذوا إظهار إيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين، وهذا حديث المنافقين المعروف.
__________
1 سورة المجادلة: 7.
2 كذا في الأصل، ولا مكان لـ"من" هنا، وعليها في الأصل ما يشبه الترميج.
3 هو داود بن أبي هند القشيري مولاهم أبو بكر المصري: أحد الأعلام. روى عن المسيب وأبي العالية والشعبي وغيرهم، وروى عنه يحيى بن سعيد قرينة وقتادة كذلك والثوري وخلق. مات سنة 139، وقيل سنة 140. الخلاصة: 95.
4 سورة المجادلة: 11.
5 سورة المجادلة: 16.(2/315)
سورة الحشر:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ: "كَيْ لا تكُونَ دُولَةً1"، بالتاء مرفوعة الدال والهاء - أبو جعفر يزيد.
قال أبو الفتح: منهم من لا يفصل بين الدولة والدولة، ومنهم من يفصل فيقول: الدولة في الملك، والدولة في الملك. "وتكون" هنا هي التامة، ولا خير لها، أي: كي لا تقع دولة أو تحدث دولة بين الأغنياء. وإن شئت كانت2 صفة لـ"دولة"، وإن شئت كانت متعلقة بنفس "دولة"، تداول بين الأغنياء، وإن شئت علقتها بنفس "تكون" أي: لا تحدث بين الأغنياء منكم، وإن شئت جعلتها "كان" الناقصة، وجعلت "بين" خبرها.
والأول الوجه، ومعناه: كي لا تقع دولة فيه أو عليه، يعنى على المفاء من عند الله.
ومن ذلك قراءة أبي رجاء وأبي حية: "جُدْر3"، بضم الجيم، وتسكين الدال.
قال أبو الفتح: هذه مخففة من جدر، جمع جدار. وأما من قرأ: "مِنْ وَرَاءِ جِدَار" فيحتمل أمرين:
أحدهما أن يكون واحد وقع موقع الجماعة، كقوله تعالى: {ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا 4} ، أي: أطفالا.
وفيه وجه آخر لطيفن وفيه الصنعة، وهو أن يكون "جدار" تكسير جدار أيضا، فتكون ألف [158و] جدار في الواحد، كألف كتاب وحساب، وفي الجماعة كألف ظراف وكرام.
__________
1 سورة الحشر: 7.
2 أي "بين الأغنياء" وقد تكون "بين" سقطت قبل "إن".
3 سورة الحشر: 14.
4 سورة غافر: 167، وفي الأصل: ويخرجكم، وهو تحريف.(2/316)
ومثله مما كسر من من فعال على فعال قولهم: ناقة هجان1 ونوق هجان، ودرع دلاص2 وأدرع دلاص. ويدل على أن هجانا ليس لفظا واحد يقع على الواحد فما فوقه كجنب وبابه- قولهم: هجانان، وهذا واضح.
وإنما جاز تكسير فعال على فعال من حيث كانت فعال أخت فعيل. ألا ترى كل واحد منهما ثلاثيا وقيل لامه حرف لين؟ فكما كسر فعيل على فعال كشريف وشراف، وكريم وكرام - كذلك أيضا جاز تكسير فعال على فعال، وكما أن ألف جدار في الواحد ليست ألف جدار في الجمع - فكذلك كسرة الجيم فيه غير كسرته فيه، وفتحة الدال فيه غير فتحته فيه، كما أن كسرة الشين في شراف غير فتحتها في شريف، وكما أن فتحة الدال في جدار غير كسرة الراء من شريف.
فهذا الخلاف لفظا هو الذي سوغ اعتقاد المتفقين لفظا مختلفين تقديرا ومعنى.
وهذا غور من العربية بطين، وله نظائر كثيرة، وفيه صنعة لطيفة, وقد أفردنا له بابا في كتابنا الخصائص فيما اتفق لفظه واختلف معناه من الحروف والحركات والسكون3، ومثله سواء قول الله "تعالى": {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا 4} ، يكون "إمام" مع إمام، على ما شرحناه في جدار. وذهب أبو الحسن إلى أنه جمع آم، كقائم وقيام.
ومن ذلك قال ابن مجاهد وأبو حاتم عن يعقوب، قال: سمعت أعرابيا يكنى أبا الدينار عند الكسائي يقرأ: "الْقَدُّوس"، بفتح القاف.
قال أبو الفتح: فعول في الصفة قليل، وذكر سيبويه في الصفة السبوح، والقدوس، وحكى
__________
1 ناقة هجان: بيضاء.
2 درع دلاص: ملساء لينة.
3 الخصائص: 2: 93-103، وعنوان الموضوع هناك: باب في اتفاق اللفظين واختلاف المعنيين في الحروف والحركات والسكنات.
4 سورة الفرقان: 74.
5 سورة الحشر: 23.(2/317)
في الصفة أيضا السبوح، والقدوس، بالضم، وإثبات الفعول الاسم كشبوط1، وسمور2، وتنور، وسفود3، وهبود4، -لجبل باليمامة، - وعبود.
ومن ذلك قرأ الأعمش: "وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِمْرًا5".
قال أبو الفتح: هو راجع بالمعنى إلى أنه من قولهم: منديل الغمر؛- لأنه الدنس وفساد المعتقد، وكلام العرب لطيف المذهب، وكريم المضطرب لكن بقى من يشبه6، وينجلى بنظره أغماؤه7 وأشبه8.
__________
1 الشبوط: سمك دقيق الذنب، عريض الوسط، لبن المس، صغير الرأس، والواحدة بهاء.
2 السمور: دابة يتخذ من جلدها فراء ثمينة.
3 السفود: حديدة يشوى بها.
4 هبود أيضا: ماء، وفرس لعمرو بن الجعيد.
5 سورة الحشر: 10.
6 يشبه: يجلو محاسنه، ويكشف عن مزاياه. ومن قولهم: شبه الخمار والشعر لونها: زادا في حسنها، وأظهرا جمالها.
7 أغماؤءه: أغشيته، جمع غمى، كهوى. من قولهم: في السماء غمى، إذا غم عليهم الهلال.
8 أشبه: اختلاط وجوهه، وتشابك مذاهبه. من قولهم أشب الشجر -كفرح-: التف.(2/318)
سورة الممتحنة:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ عيسى الثقفي: "بِرَاء1"، بكسر الباء، وليس بين الراء والألف همزة، في وزن براع.
قال أبو الفتح: هذا جمع بريء، وفي تكسره أربعة أوجه: بريء وبراء كظريف وظراف، وبريء وأبرياء كصديق وأصدقاء، وبريء وبرآء كشريف وشرفاء، وبريء وبراء -على فعال- كتؤام2، ورباب: جمع شاة ربي: حديثة العهد بالنتاج. وعليه بيت الحارث:
فإنا من حربهم لبراء3
وقال الفراء: أراد برآء، فحذف الهمزة التي هي لام تخفيفا، فأخذ هذا الموضع من أبي الحسن في قوله: إن أشياء أصلها أشيياء، ومذهبه هذا يوجب ترك صرف براء؛ لأنها عنده همزة التأنيث.
ومن ذلك قراءة الأعرج: "فَعَقَّبْتُمْ4" [158ظ] .
النخعي والزهري ويحيى بخلاف-: "فعقبتم"، خفيفة القاف من غير ألف.
__________
1 سورة الممتحنة: 4.
2 التؤأم: جمع توءم.
3 من قول الحارث بن حلزة في معلقته:
أم جنايا بني عتيق فمن يغـ ... ـدر فانا من حربهم لبراء؟
أم جنايا، أي: أم علينا جنايا. ويروى "برآء" مكان "لبراء". وانظر شرح المعلقات السبع للزوزني: 167.
4 سورة الممتحنة: 11.(2/319)
مسروق: "فَعَقِبتُهم"، بكسر القاف بغير ألف.
وقراءة الناس: "فَعَاقَبتُم".
قال أبو الفتح: روينا عن قطرب، قال: "فعاقبتم:" أصبتم عقبا1 منهن. يقال عاقب الرجل شيئا: إذا أخذ شيئا، وأنشد لطرفة:
فعقبتم بذنوب غير مر2
جمع مرة، فسروه على أعطيتم وعدتم. وقال في قوله: {وَلَمْ يُعَقِّب 3} : لم يرجع، كذا قال أحمد بن يحيى.
قال أبو حاتم: قرأ مجاهد: "فأعقبتم"، قال: معنى أعقبتم: صنعتم بهم مثل ما صنعوا بكم.
وحكى عن أبي عوانة4 عن المغيرة: قرأت على إبراهيم: "فعاقبتم"، فأخذها علي: "فعقبتم"، خفيفة.
وحكى عن الأعمش، قال: "عقبتم" "عقبتم"، فقد يجوز أن يكون عقبتم بوزن غنمتم ومعناه جميعا. وروى أيضا بيت طرفة: "فعقبتم"، بكسر القاف.
__________
1 جمع عقبة، وهي النوبة.
2 صدره:
ولقد كنت عليكم عاتبا
والذنوب: الدلو، ويقصد به النصيب من العطاء. وروى "غير مر"، بكسر راء غير، وضم ميم مر. ويريد بالعطاء غير المر: العطاء لا مطل فيه، ولا من معه، والمعنى على هذا أن قومه قابلوا عتبة عليهم بعطاء كريم لا يتبعه من أذى. وهو ملاق في النهاية للمعنى على الضبط الآخر. وانظر الديوان: 87.
3 سورة النمل: 10، وسورة القصص: 31.
4 ممن روى الحروف عن قتادة بن دعامة السدوسي البصري. طبقات ابن الجزري: 2: 25.(2/320)
سورة الصف:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ طلحة: "وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْأِسْلامِ1".
قال أبو الفتح: ظاهر هذا أن يقال: يدعى الإسلام، إلا أنه لما كان يدعى الإسلام: ينتسب إليه قال: يدعى إلى الإسلام، حملا على معناه، كقول الله "تعالى" {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى 2،} وعادة الاستعمال: هل لك في كذا، لكنه لما كان معناه أدعوك إلى أن تزكى استعمل "إلى" هنا، تطاولا نحو المعنى. وقد تقدم هذا، وهو غور عظيم.
__________
1 سورة الصف: 7.
2 سورة النازعات:8 وتشديد الزاي قراءة نافع وابن كثير وأبي جعفر ويعقوب، كما في الاتحاف: 267.(2/321)
سورة الجمعة:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ ابن يعمر وابن إسحاق: "فَتَمَنَّوُا الْمَوْت1"، بالكسر.
قال أبو الفتح: قد سبق القول على هذا فيما مضى2، فأغنى عنه هنا.
ومن ذلك قراءة علي "عليه السلام" وعمر "صلوات الله عليه" وابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب وابن عمر وابن الزبير "رضي الله عنهم" وأبي العالية والسلمي ومسروق طاوس3 وسالم بن عبد الله4 وطلحة، بخلاف: " فامضوا ذِكْرِ اللَّه5".
قال أبو الفتح: في هذه القراءة تفسير للقراءة العامة: {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} ، أي: فاقصدوا، وتوجهوا. وليس فيه دليل على الإسراع، وإنما الغرض المضي إليها، كقراءة من ذكرنا.
__________
1 سورة الجمعة: 6.
2 انظر الصفحة 54 من الجزء الأول.
3 هو طاوس بن كيسان أبو عبد الرحمن اليماني التابعي الكبير المشهور. وردت عنه الرواية في حروف القرآن. أخذ القرآن عن ابن عباس، ومات بمكة قبل التروية بيوم سنة 106 طبقات ابن الجزري: 1: 341.
4 هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي، أبو عمر، ويقال: أبو عبد الله، أحد الفقهاء السبعة. وردت عنه الرواية في حروف القرآن، ومات سنة 106 على الصحيح. طبقات ابن الجزري: 1: 301.
5 سورة الجمعة: 9.(2/321)
سورة المنافقين:
بسم الله الرحمن الرحيم
قراءة الحسن: "اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً1".
قال أبو الفتح: هذا على حذف المضاف، أي: اتخذوا إظهار إيمانهم جنة، وقد مضى ذكر ذلك2.
ومن ذلك قراءة أبي جعفر: "آسْتَغْفَرْت3"، بالمد.
وروى عنه: "اسْتَغْفَرْت"، بالوصل.
قال أبو الفتح: هاتان القراءتان كلتاهما مضعوفتان.
أما "آسْتَغْفَرْت"، بالمد فأنه أثبت همزة الوصل، وقد استغنى عنها بهمزة الاستفهام من قبلها، وليس كذلك طريق العربية. ألا ترى إلى قول ذي الرمة:
أستحدث الركب عن أشياعهم خبرا ... أم عاود القلب من أطرابه طرب4؟
وأما "استغفرت"، بالوصل ففي الطرف الآخر من الضعف، وذلك أنه حذف همزة الاستفهام، وهو يريدها. وهذا مما يختص بالتجوز فيه الشعر، لا القرآن، نحو قوله: [159و]
لعمرك ما أدري وإن كنت داريا ... شعيث ابن سهم أم شعيث ابن منقر5
__________
1 سورة المنافقون: 2.
2 انظر الصفحة: 315 من هذا الجزء.
3 سورة المنافقون: 6.
4 انظر الديوان: 1، وفيه "راجع" مكان "عاود".
5 انظر الصفحة 50 من الجزء الأول.(2/322)
سورة التغابن:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ: "يَهْدأ قَلْبَهُ1"، مهموزا - عكرمة وعمرو بن دينار.
قال أبو الفتح: أي: يطمئن قلبه، كما قال: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ 2} .
__________
1 سورة التغابن: 11.
2 سورة النحل: 106.(2/323)
سورة الطلاق:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ: "فطلقوهن في قبل عدتهن1"- النبي "صلى الله عليه وسلم" وعثمان وابن عباس وأبي بن عب وجابر بن عبد الله ومجاهد وعلي بن الحسين وجعفر بن محمد، رضي الله عنهم.
قال أبو الفتح: هذه القراءة تصديق لمعنى قراءة الجماعة: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} ، أي: عند عدتهن. ومثله قول الله تعالى: {لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ 2} ، أي: عند وقتها.
ومن ذلك قراءة داود بن أبي هند: "إِنَّ اللَّهَ بَالِغ" - منونة - "أَمْرِه3"، بالرفع.
قال أبو الفتح: معناه أن أمره بالغ ما يريده الله به، فقد بلغ أمر الله ما أرداه، والمفعول كما ترى محذوف.
__________
1 سور الطلاق: 1.
2 سورة الأعراف: 187.
3 سورة الطلاق: 3.(2/323)
سورة التحريم 1:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ: "وَقُودُهَا2" - بضم الواو - مجاهد والحسن وطلحة وعيسى الهمداني.
قال أبو الفتح: هذا على حذف المضاف، أي: ذو وقودها يعنى ما تطعمه النار من الوقود وقد مضى ذكره3، وتفسير ما فيه.
ومن ذلك قراءة سهل بن شعيب: "وَبِأَيْمَانِهِم4"، مكسورة الهمزة.
قال أبو الفتح: قد تقدم القول على ذلك5، وأنه معطوف عل الظرف، على أن الظرف حال.
ومن ذلك قراءة أبي رجاء: "وَكُتُبِهِ وَكَانَت6"، ساكنة التاء، واختلف عنه.
وقرأ "وكتابه".
قال أبو الفتح قال أبو حاتم: كتبه أجمع من كتابه، وكل صواب. وعلى كل حال ففيه وضع المضاف موضع الجنس، وقد تقدم تفسيره.
__________
1 المتحرم: مصدر ميمي من تحرم منه، بمعنى تمنع وتحمي، فالكلمة بمعنى التحريم. والمتحرم اسم آخر للسورة، كما في بصائر ذوي التمييز: 1: 471.
2 سورة التحريم: 6.
3 انظر الصفحة: 63 من الجزء الأول.
4 سورة التحريم: 8.
5 انظر الصفحة 311 من هذا الجزء.
6 سورة التحريم: 12.(2/324)
سورة الملك
...
No pages(2/)
سورة القلم:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ الحسن: "أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ1" بالنصب.
قال أبو الفتح: يجوز أن يكون "بالغة" حالا من الضمير في لكم؛ لأنه خبر عن "إيمان"، ففيه ضمير منه.
وإن شئت جعلته حالا من الضمير في "علينا" إذا جعلت "علينا" وصفا لأيمان، لا متعلقا بنفس الـ"أيمان"؛ لأن فيه ضميرا كما يكون فيه ضمير منه إذا كان خبرا عنه.
ويجوز أن يكون حالا من نفس "أيمان" وإن [159ظ] كانت نكرة كما أجاز أبو عمر في قوله "سبحانه": و {لِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ 2} أن يكون "حقا" حالا من متاع.
ومن ذلك قراءة ابن عباس: "يَوْمَ تكْشَفُ عَن3"، بالتاء، والتاء منتصبة.
وروى: "تكشف"، بالتاء مضمومة.
قال أبو الفتح: أي: تكشف الشدة والحال الحاضرة عن ساق. وهذا مثل، أي: تأخذ في أغراضها، ثم شبهت بمن أراد أمرا وتأهب له، كيف يكشف عن ساقه؟ قال:
كشفت لكم عن ساقها ... وبدا من الشر الصراح4
فأضمر الحال والشدة؛ لدلالة الموضع عليه.
ونظيره من إضمار الفاعل لدلالة الحال عليه مسألة الكتاب: إذا كان غدا فأتني5، أي: إذا كان ما نحن عليه من البلاء في غد فأتني. وكذلك قولهم: من كتاب كان شرا له، أي: كان الكذب شرا، فأضمر المصدر لدلالة المثال عليه.
وأما "يكشف" بتاء مضمومة فعلى نحو ذلك أيضا، أي: تكشف الصورة والآخرة هناك عن شدة، ويسرى6 ثوبها عن الحال الصعبة، والطريق واحد.
ومن ذلك قراءة ابن هرمز والحسن: "لَوْلا أَنْ تَدَارَكَه7"، مشددة.
قال أبو الفتح: روى هذه القراءة أبو حاتم عن الأعرج لا غير، قال: وقال بعضهم: سألت عنها أبا عمرو فقال: لا. قال أبو حاتم: لا يجوز ذلك؛ لأنه فعل ماض، وليست فيها إلا تاء واحدة، ولا يجوز تتداركه، وهذا خطأ منه؛ أو عليه.
__________
1 انظر الصفحة 273 من هذا الجزء.
2 سورة البقرة: 241.
3 سورة القلم: 42.
4 لسعد بن مالك جد طرفة بن العبد. وانظر ديوان الحماسة: 1: 198، والخصائص: 3: 252.
5 الكتاب: 1: 114، وفيه أن نصب "غدا" "لغة بني تميم".
6 أسرى الثوب: كشفه.
7 سورة القلم: 49.(2/326)
قال أبو الفتح: قول أبي حاتم: هذا خطأ - لا وجه له؛ وذلك أنه يجوز على حكاية الحال الماضية المنقضية، أي لولا أن كان يقال فيه: تتداركه، كما تقول: كان زيد سيقوم، أي: كان متوقعا منه القيام، فكذلك هذا: لولا أن يقال: تتداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء. ومثله ما أنشدناه أبو علي، وهو رأيه وتفسيره من قوله:
فإن تقتلونا يوم حرة واقم ... فلسنا على الإسلام أول من قتل
أي: فإن تكونوا الآن معروفا هذا من خلالكم فيما مضى فلسنا كذا، وعليه قول الله "سبحانه": {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ 1} ، فأشار "سبحانه" إليهما إشارة الحاضر؛ لأنه لما كان حكاية حال صارت كأنها حاضرة، فقيل: هذا، وهذا. ولولا ذلك لقيل: أحدهما كذا، والآخر كذا. وكذلك قوله تعالى: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ 2} ، أعمل اسم الفاعل وإن كان لما مضى لما أراد الحال، فكأنها حاضرة. واسم الفاعل يعمل في الحال، كما يعمل في الاستقبال. وقد مضى هذا في هذا الكتاب، وفي غيره من كتبنا مشروحا ملخصا.
__________
1 سورة القصص: 15.
2 سورة الكهف: 18.(2/327)
سورة الحاقة:
بسم الله الرحمن الرحيم
قال ابن مجاهد حدثنا الطبري1 عن العباس بن الوليد2 عن عبد الحميد بن بكار3 عن أيوب عن يحيى4 عن ابن عامر: "وَحُمِلَتِ الْأَرْض5"، مشددة الميم. قال ابن مجاهد: وما أدري ما هذا؟.
قال أبو الفتح: هذا الذي تبشع على ابن مجاهد حتى أنكره من هذه القراءة - صحيح وواضح. وذلك أنه أسند الفعل إلى المفعول الثاني، حتى كأنه في الأصل: وحملنا قدرتنا، أو ملكا من ملائكتنا، أو نحو ذلك - الأرض، ثم أسند الفعل إلى المفعول الثاني، فبني له، فقيل: فحملت [160و] الأرض. ولو جئت بالمفعول الأول لأسندت الفعل إليه، فقلت:
__________
1 هو محمد بن جرير بن يزيد الإمام أبو جعفر الطبري الآملي البغدادي، أحد الأعلام، وصاحب التفسير والتاريخ والتصانيف. ولد بآمل طبرستان سنة 224، وأخذ القراءة عن سليمان بن عبد الرحمن بن حامد بن خلاد، وعن العباس بن الوليد بن مزيد ببيروت عن عبد الحميد بن بكار، وروى الحروف سماعا عن العباس بن الوليد وغيره. قال أبو محمد عبد الله بن أحمد الفرغاني صاحب ابن جرير: إن قوما من تلامذة ابن جرير حسبوا له منذ بلغ الحلم إلى أن مات، ثم قسموا على تلك المدة أوراق مصنفاته، فصار لكل يوم أربع عشرة ورقة. وتوفي سنة 310 طبقات ابن الجزري: 2: 106 وما بعدها.
2 هو العباس بن الوليد بن مزيد العدوي أبو الفضل البيروني الشامي، روى الحروف عن عبد الحميد بن بكار عن أيوب عن يحيى عن ابن عامر، وروى عنه الحروف محمد بن جرير الطبري. طبقات القراء لابن الجزري: 1: 355.
3 هو عبد الحميد بن بكار أبو عبد الله الكلاعي الدمشقي نزيل بيروت، أخذ القراءة عرضا عن أيوب بن تميم القارئ، وهو أحد الذين خلفوه في القيام بالقراءة، وروى القراءة عنه العباس بن الوليد البيروني. طبقات القراء لابن الجرزي: 1: 360.
4 هو يحيى بن الحارث بن عمرو بن يحيى بن سليمان بن الحارث أبو عمرو، ويقال: أبو عمر الغساني الذماري ثم الدمشقي، إمام الجامع الأموي، وشيخ القراءة بدمشق بعد ابن عامر، يعد من التابعين، أخذ القرءاة عرضا عن ابن عامر، وعن نافع، وروى عنه القراءة عرضا خلق كثير، مات سنة 145 طبقات القراء لابن الجزري: 2: 367.
5 سورة الحاقة: 14.(2/328)
وحملت قدرتنا الأرض. وهذا كقولك: ألبست زيدا الجبة، فإن أقمت المفعول الأول مقام الفاعل قلت: ألبس زيد الجبة، وإن حذفت المفعول الأول أقمت الثاني مقامه، فقلت: ألبست الجبة. نعم، وقد كان أيضا يجوز مع استيفاء المفعول الأول أن يبنى الفعل للمفعول الثاني، فتقول: ألسبت الجبة زيدا، على طريق القلب؛ للاتساع، وارتفاع الشك. فإذا جاز على هذا أن تقول حملت الأرض الملك، فتقيم الأرض مقام الفاعل مع ذكر المفعول الأول - فما ظنك بجواز ذلك وحسنه، بل بوجوبه إذا حذف المفعول الأول؟ وكذلك أطعمت زيدا الخبز، وأطعم زيد الخبز، وتتسع فتقول: أطعم الخبز زيدا، ثم تحذف زيدا، فلا تجد بدا من إقامة الخبز مقام الفاعل، فتقول: أطعم الخبز. ومثله اركب الفرس وأبث الحديث، وكسيت الجبة، وأطعم الطعام، وسقى الشراب، ولقى الخير، ووقى الشر. ورحم الله ابن مجاهد! فلقد كان كبيرا في موضعه، مسلما فيما لم يمهر به.
ومن ذلك قراءة الزهري والحسن وموسى بن طلحة: "الخاطيون1"، بإثبات الياء، ولا يهمز.
قال أبو الفتح: يحتمل هذا قولين:
أحدهما أن يكون تخفيفا للهمز، لكن على مذهب أبي الحسن في قول الله تعالى: "يَسْتَهْزِيون2"، بإخلاص الهمزة في اللفظ ياء، لانكسار ما قبلها. وسيبويه يجعلها بين حين على مذهبه في مثل ذلك، وقد ذكرناه، وفيه بعض الطول، ومثله أيضا يدق على القراء.
والآخر أن يكون قد بقى من الهمز جزء ما على مذهب سيبويه، إلا أنه يلطف على القراء، فيقولونه بإخلاص الياء، ومعذورون فيه لغموضه.
ومن ذلك ذكر محمد بن ذكوان أنه سمع أباه يقرأ: "وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ3".
قال أبو الفتح: في هذه القراءة تعريض بما صرحت به القراءة العامة التي هي: "وَلَوْ تَقَوَّلَ"، وذلك أن "تقول" لا تستعمل إلا مع التكذب، فهي مثل تخرص وتزيد. وأما "يقول" فليست مختصة بالباطل دون الحق، وبالكذب دون الصدق، لكن قوله "تعالى": {بَعْضَ الْأَقَاوِيل} فيه الكناية والتعريض بالقبيح، كقولك: للرجل وأنت في ذكر التعتب عليه: لو ذكرني لاحتملته، أي: لو ذكرني بغير الجميل، ودل قولك: لاحتملته وما كنتما عليه من الأحوال - على ذلك، فكذلك قوله: {لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} ، لا سيما وهناك قوله: "علينا"، فهذا أيضا مما يصحب الذكر غير الطيب؛ لأنه عليه، لا له.
__________
1 سورة الحاقة: 37.
2 سورة الأنعام: 5.
3 سورة الحاقة: 44.(2/329)
سورة المعارج وسورة نوح
...
سورة المعارج:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ: "سَالَ سَيلٌ1" - ابن عباس.
قال أبو الفتح: السيل هنا: الماء السائل، وأصله المصدر من قولك: سال الماء سيلا، إلا أنه أوقع على الفاعل2 كقوله: {إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا 3} ، أي: غائرا. يؤكد ذلك عندك ما أنشدناه أبو علي من قوله:
فلينك حال البحر دونك كله ... فكنت لقى تجري عليك السوائل4
قال أبو علي [160ظ] فتكسيره سيلا على ما يكسر عليه سائل، وهو قولك؛ السوائل - يشهد بما ذكرناه.
ومثل ذلك مما كسر من المصادر تكسير اسم الفاعل لكونه في معناه ما أنشدناه أيضا من قوله:
وإنك ياعام بن فارس قرزل ... معيد على قيل الخنا والهواجر5
فكسر الهجر، وهو الفحش على الهواجر، حتى كأنه إنما كسر هاجرا، ولا هجر. فاعرف ذلك إلى غيره، مما يدل على مشابهة المصدر لاسم الفاعل.
سورة نوح:
لا شيء فيها
__________
1 سورة المعارج: 1.
2 يريد: قصد به معنى اسم الفاعل.
3 سورة الملك: 30.
4 اللقى -بالفتح-: الشيء الملقى لهوانه، وجمعه القاء وانظر اللسان "لقى".
5 انظر الصفحة 57 من الجزء الأول.(2/330)
سورة الجن:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ: "أُحِىَ1" - من وحيت، في وزن فعل - جؤية بن عائذ.
قال أبو الفتح: يقال: أوحيت إليه، ووحيت إليه. قال العجاج:
*وحى لها القرار فاستقرت2*
وأصله: "وحى"، فلما انضمت الواو ضما لازما همزت، على قوله "تعالى": {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَت 3} . وقالوا في وجوه: أجوه، وفي ورقة4 أرقة، وقالوا: أجنة، يريدون: الوجنة5.
قال أبو حاتم: ولم يستعملوها على الأصل: وجنة. وتقول على هذا: أحى إليه، فهو موحي إليه، فتردد الواو لزوال الضمة عنها. ومثله: أعد فهو موعود، وأرث المال فهو موروث. ولا يجوز مأعود، ولا مأروث؛ لزوال الضمة عن الواو. فأما قوله:
ومن حديث يزيدني مقة ... ما لحديث المأموق من ثمن6
__________
1 من قوله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ ... } في سورة الجن: 1
2 قبله:
بإذنه الأرض وما تعتت
وروى "فما" مكان "وما" وتعتت: امتنعت، وعصت. وانظر الديوان: 5، واللسان "عتا، ووحى".
3 سورة المرسلات: 11.
4 الورقة: بياض إلى سواد.
5 الوجنة -مثلثة-: ما ارتفع من الخدين.
6 لمالك بن أسماء من ستة أبيات كان ينشدها الحجاج بن يوسف، وقبله:
أذكر من جارتي ومجلسها ... طرائفا من حديثها الحسن
والمقة: المحبة، والفعل ومق، كورث. وانظر ذيل الأمالي: 92، والخصائص: 1: 13 وفي ك: "ثمر" مكان "ثمن"، وهو تحريف.(2/331)
فليس على الهمز، لكنه أراد الموموق، إلا أنه أبدل الواو ألفا، لانفتاح ما قبلها وإن كانت ساكنة، كما قالوا في يوجل: ياجل، وفي يوحل ياحل، وفي يوتعد -في اللغة الحجازية-: ياتعد، وفي يوتزن: ياتزن. فهذا1 على قلب الواو ألفا لانفتاح ما قبلها، ليس على طريق الهمز.
وينبغي أن يحمل على هذا أيضا قوله عليه السلام: ارجعن مأزورات غير مأجورات يريد: موزورات، ثم تقلب الواو؛ لما ذكرنا - ألفا. وعلى أنه قد يمكن أن يكون قلب الواو همزة هنا إتباعا لمأجورات.
ومن ذلك قراءة عكرمة: "جَدًّا رَبُّنَا2".
وروى عنه: "جَدًّا رَبُّنَا"، وغلط3 الذي رواه.
قال أبو الفتح: أما انتصاب "جَدًّ" فعلى التمييز، أي: تعالى ربنا جدا، ثم قدم المميز، على قولك: حسن وجها زيد.
فأما "جد ربنا" فإنه على إنكار ابن مجاهد صحيح؛ وذلك أنه أراد: وأنه تعالى جد جد ربنا على البدل، ثم حذف الثاني، وأقام المضاف إليه مقامه. وهذا على قوله "سبحانه": {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ 4} ، أي: زينة الكواكب، فـ"الكوكب" إذا بدل من "زينة".
فإن قلت: فإن الكواكب قد تسمى زينة، والرب "تعالى" لا يسمى جدا.
قيل: الكواكب في الحقيقة ليست زينة، لكنها ذات الزينة, ألا ترى إلى القراءة بالإضافة وهي قوله: {بِزِينَةٍ الْكَوَاكِب 5} ؟ وأنت أيضا تقول: تعالى ربنا، كما تقول:
__________
1 في ك: فقد أعلى، وهو تحريف.
2 سورة الجن: 3.
3 يريد أن ابن مجاهد غلط الذي روى هذا الحرف، كما يفهم من كلامه الآتي قريبا.
4 سورة الصافات: 6.
5 قرأ أبو بكر "بزينة" منونا، ونصب "الكواكب"، وقرأ حفص وحمزة بتنوين "زينة" وجر "الكواكب" ووافقهما الحسن والأعمش، وقرأ الباقون بحذف التنوين على إضافة "زينة" - "الكواكب" انظر الاتحاف: 226.(2/332)
تعالى جد ربنا. فالتعالى مستعمل معهما جميعا، كما يقال: يسرني زيد قيامه، وأنت تقول: يسرني زيد، ويسرني قيامه. وهذا بيان ما أنكره ابن مجاهد.
ومن ذلك قراءة الحسن والجحدري ويعقوب وابن أبي بكرة، بخلاف: "أَنْ لَنْ تَقُول1".
قال أبو الفتح: "كذبا" -في هذه القراءة- منصوب على المصدر من غير حذف الموصوف معه، وذلك أن "تقول" في معنى تكذب، فجرى تبسمت وميض البرق، أي: أنه2 منصوب بعفل مضمر، ودلت عليه تبسمت، [161و] أي: أومضت. فعلى هذا كأنه قال: أن لن يكذب الإنس والجن على الله كذبا.
ومن رأى أن ينصب "وميض البرق" بنفس تبسمت؛ لأنه بمعنى أومضت نصب أيضا "كذبا" بنفس "تقول"؛ لأنه بمعنى كذب.
وأما من قرأ "أَنْ لَنْ تَقُول3"، بوزن تقوم فإنه وصف مصدر محذوف، أي: أن لن تقول الإنس والجن على الله قولا كذبا، فكذب هنا وصف لا مصدر، كقوله "تعالى": {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ 4} ، أي: كاذب. فإن جعلته هنا مصدرا نصبته نصب المفعول5 به، أي: لن تقول كذبا، كقولك: قلت حقا، وقلت باطلا، وقلت شعرا، وقلت سجعا. ولا يحسن أن تجعله مع "تقول" وصفا، أي: تقولا كذبا؛ لأن التقول لا يكون إلا كذبا، فلا فائدة إذا فيه.
ومن ذلك قراءة الأعمش ويحيى: "وَأَن لَوُ اسْتَقَامُوا6"، بضم الواو.
قال أبو الفتح: هذا على تشبيه هذه الواو بواو الجماعة، نحو قوله: {اشْتَرَوُا الضَّلالَة 7} ، كما شبهت تلك أيضا بهذه فقرءوا: "اشْتَرَوُا الضَّلالَة"، وقد مضى ذلك8.
__________
1 سورة الجن: 5.
2 في ك: في أنه.
3 هذه قراءة الجمهور، كما في البحر: 8: 348.
4 سورة يوسف: 18.
5 قال أبو حيان: "وانتصب "كذبا" في قراءة الجمهور بـ"تقول"، لأن الكذب نوع من القول، أو على أنه صفة لمصدر محذوف، أي: قولا كذبا، أي: مكذوبا فيه". وهو الصحيح. وانظر البحر: 8: 348.
6 سورة الجن: 16.
7 سورة البقرة: 16.
8 انظر الصفحة 54 من الجزء الأول.(2/333)
ومن ذلك قراءة الجحدري والحسن، بخلاف: "لُبَدًا1"، مشددة.
قال أبو الفتح: هذا وصف على فعل: كالجباء2، والزمل3، واللبد: الكثير يركب بعضه بعضا، حتى يتبلد من كثرته.
ابن مجاهد: وروى عن عاصم الجحدري؛: "لبُدًا"، بضم اللام والباء.
قال أبو الفتح: هذا من الأوصاف التي جاءت على فعل، كرجل طلق4، ناقة سرح5.
ومن ذلك قراءة مارواه يحيى عن ابن عامر: "أَدْرِي أَقَرِيب6"، وهذا لا يجوز.
قال أبو الفتح: طريق هذا أنه شبه آخر فعل المتكلم بيائه، كقولك: هذا غلامي وصاحبي، وأنسخ بذلك أن للمتكلم في "أدري" حصة، وهي همزة المضارعة، كما أن له حصة في اللفظ، وهي ياؤه. وعلى كل حال فهذه شبهة السهو فيه، لا علة الصحة له، كما أن ياء مصيبة أشبهت في اللفظ ياء صحيفة، حتى قالوا: مصائب سهوا، كما قالوا صحائف.
__________
1 من قوله تعالى في سورة الجن: "19": {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} . وفي الأصل: {مَالًا لُبَدًا} وهذه في سورة البلد: 6، من قوله تعالى: {يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا} وقرئت "لبدا" فيها بضم اللام وشد الباء أيضا. وانظر البحر: 8: 476.
2 الجبأ: الجبال، ونوع من السهام.
3 الزمل: الجبن الضعيف.
4 رجل طلق اليدين: سمحهما، وطلق اللسان: لسانه طلق.
5 ناقة سرح: سريعة سهلة السير.
6 سورة الجن: 25.(2/334)
سورة المزمل:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ عكرمة: "الْمُزَّمِّل1"، و"الْمُدَّثِّر2"، خفيفة الزاي، والدال، مشددة الميم، والثاء.
قال أبو الفتح: هذا على حذف المفعول، يريد: يأيها المزمل نفسه، والمدثر نفسه؛ فحذفه فيهما جميعا. وحذف المفعول كثير، وفصيح، وعذب. ولا يركبه إلا من قوى طبعه، وعذب وضعه. قال الله "سبحانه": {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ 3} ، أي: أوتيت من كل شيء شيئا. وأنشدنا أبو علي للحطيئة:
منعمة تصون إليك منها ... كصونك من رداء شرعبي4
أي: تصون حديثها وتخزنه، كقول الشنفرى:
كأن لها في الأرض نسيا تقصه ... على أمها وإن تخاطبك تبلت5
ومن ذالك قراءة أبي السمال: "قُمِ اللَّيْل6".
وروح -عن أبي اليقظان- قال: سمعت أعرابيا من بلعنبر7 يقرأ كذلك.
__________
1 سورة المزمل: 1.
2 سورة المدثر: 1.
3 سورة النمل: 23.
4 انظر الصفحة 125 من الجزء الأول.
5 انظر الصفحة 334 من الجزء الأول.
6 سورة المزمل: 2.
7 في ك: بني العنبر.(2/335)
قال أبو الفتح: علة جواز ذلك أن الغرض في هذه الحركة إنما التبلغ به هربا من اجتماع الساكنين، فبأي الحركات حركت أحدهما فقد وقع الغرض، ولعمري إن الكسر أكثر، فأما ألا يجوز غيره فلا. حكى قطرب عنهم: "قُمِ اللَّيْل"، وَقُلِ الْحَق1" وبع الثوب فمن كسره فعلى أصل الباب، ومن ضم، أو كسر أيضا أتبع2، ومن فتح فجنوحا إلى خفة الفتح.
ومن ذلك حدثنا عباس الدوري [161ظ] عن أبي يحيى الحماني3 عن الأعمش عن أنس أنه قرأ: "وَأَقْوَمُ قِيلًا"، و"وأَصْوَبُ4". فقيل له: يا أبا حمزة، إنما هي: "وَأَقْوَمُ قِيلًا"، فقال أنس: إن أقوم أصوب وأهيأ واحد.
قال أبو الفتح: هذا يؤنس بأن القوم كانوا يعتبرون المعاني، ويخلدون إليها، فإذا حصلوها وحصنوها سامحوا أنفسهم في العبارات عنها5.
ومن ذلك ما رؤينا عن أبي زيد أن أبا سرار الغنوي كان يقرأ: "فَحاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ6"، والحاء غير معجمة. فقيل له: إنما هو "جاسوا"، فقال: حاسوا، وجاسوا واحد7.
ومن ذلك حكاية ذي الرمة في قوله:
وظاهر لها من يابس الشخت8
فقيل له" أنشدتنا بائس السخت فقال: بائس، ويابس واحد.
وأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن عن أبي العباس أحمد بن يحيى قال: قال بعض أصحاب ابن الأعرابي له في قوة الشاعر:
وموضع زبن لا أريد مبيته ... كأني به من شدة الروع آنس9
أنشدتناه وموضع ضيق، فقال له أبن الأعرابي: سبحان الله! تصحبنا منذ كذا وكذا سنة ولا تدري أن "زبن" و"ضيق" واحد؟
__________
1 سورة الكهف: 29.
2 أي حين يكون ما قبل الساكن مضموما أو مكسورا.
3 هو أبو يحيى عبد الحميد بن الرحمن بن ميمون الحماني، نسبة إلى بني حمان، قبيلة نزلت الكوفة، حدث عن الأعمش وسفيان الثوري. انظر الأنساب للسمعاني: 175.
4 سورة المزمل: 6.
5 المراد في غير القرآن طبعا، بدليل قول أبي الفتح: سامحوا أنفسهم في العبارة عنها.
6 سورة الإسراء: 25، وقراءة الجماعة {فَجَاسُوا} بالجيم.
7 المراد أنهما بمعنى، وكل قرئ به. وكذا قراءة أنس السابقة.
8 البيت بتمامه:
وظاهر لها من يابس الشخت واستعن ... عليها الصبا واجعل لديك لها سترا
وانظر الصفحة 297 من الجزء الأول.
9 للمرقش الأكبر. يقول: أنست بهذا المنزل لما نزلت له، لشدة ما بني من الروع، وإن كان ضيقا ليس بموضع نزول. وانظر المفضليات: 225، والخصائص 2: 467، واللسان "زبن".(2/336)
سورة المدثر:
بسم الله الرحمن الرحيم
قد ذكرنا من خففه1.
ومن ذلك قراءة الحسن: "وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ2"، جزما.
وقرأ الأعمش: "تَسْتَكْثِرُ"، نصبا.
قال أبو الفتح: أما الجزم فحتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون بدلا من قوله: {تَمْنُن} ، حتى كأنه قال: لا تستكثر، فإن قال. فعبرة البدل أن يصلح لإقامة الثاني مقام الأول، نحو ضربت أخاك زيدا، فكأنك قلت: ضربت زيدا، وأنت لو قلت: لا تستكثر لم يدللك النهي عن المن للاستكثار، وإنما كان يكون فيه النهي عن الاستكثار مرسلا، وليس هذا هو المعنى، وإنما المعنى: لا تمنن من مستكثر، أي: امنن من من لا يريد عوضا، ولا يطلب الكثير عن القليل.
قيل: قد يكون البدل على حذف الأول، وكذلك أيضا قد يكون على نية إثباته. وذلك كقولك: زيد مررت به أبي محمد، فتبدل أبا محمد من الهاء. ولو قلت: زيد مررت بأبي محمد على
__________
1 يريد خفف "المدثر"، فجعلها خفيفة الدال مفتوحتها، وانظر الصفحة 335 من هذا الجزء.
2 سورة المدثر: 6.(2/337)
حذف الهاء كان قبيحا. فقوله تعالى: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} من هذا القبيل، لا من الأول وأنكر أبو حاتم الجزم على البدل، وقال: لأن المن ليس بالاستكثار فيبدل منه، وبينهما من النسبة ما ذكرته لك.
وأما الوجه الآخر فأ، يكون أراد: {تَسْتَكْثِرُ} ، فأسكن الراء؛ لثقل الضمة مع كثرة الحركات، كما حكاه أبو زيد من قولهم: "بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ1"، بإسكان اللام. وقد مضى هذا فيما قبل مستقصى2.
فأما "تَسْتَكْثِرُ"، بالنصب فبأن مضمرة على ما أذكره لك، وذلك أن يكون بدلا من قوله: {وَلا تَمْنُن} على المعنى. ألا ترى أن معناه لا يكن منك من واستكثار؟ فكأنه قال: لا يكن منك من أن تستكثر فتضمر أن لتكون مع الفعل المنصوب بها بدلا من المن في المعنى الذي دل عليه الفعل، ونظير اعتقاد المصدر مغروما3 عن الفعل في نحو هذا - قولهم: لا تشتمه فيشتمك4، أي: لا يكن منك شم له، ولا منه أن يشتمك. فكما ساغ هناك تقدير المصدر، فكذلك ساغ هنا تقديره أيضا.
ومما وقع في الفعل موقع المصدر ما أنشده أبو زيد من قوله:
فقالوا ما تشاء فقلت ألهو ... إلى الإصباح آثر ذي أثير5 [162و]
أراد اللهو موضع ألهو وهذا واضح.
ومن ذلك قراءة أبي جعفر يزيد وطلحة بن سليمان: "عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَر6"، بإسكان العين. وقرأ أنس بن مالك: "تِسْعَةَ أعَشُرَ".
__________
1 سورة الزخرف: 80.
2 انظر الصفحة 109 من الجزء الأول.
3 مغروما: مؤدي، ومأخوذا، من قولهم: غرم الدية، وفي ك: معدوما، وهو تحريف.
4 لا يخفى أن الأسلوب في العبارة غير الأسلوب في الآية، فكأنه يريد مجرد المشابهة بينهما في توهم المصدر في الفعل الأول، وإن كان لتوهمه في المثالا ما يقتضيه. وأظهر من هذا أن يكون التأويل: لأن تسكثر، أي لا تمنن من أجل الاستكثار ولطلبه، ثم حذفت اللام، وأضمرت أن كما حذفت عن وأضمرت أن في قول طرفة:
ألا أيها ذا الزاجري أحضر الوغى ... وأن اشهد اللذات هل أنت مخلدي
وانظر الكشاف.
5 انظر الصفحة 32 من الجزء الأول.
6 سورة المدثر: 30.(2/338)
روى عنه: "تِسْعَةَ وعَشَرَ"، برفع الهاء، وبعدها واو مفتوحة، وعين مجزومة.
وروى عنه: "تِسْعَةَ عَشَرَ".
وروى عنه: "تِسْعَةَ عَشَرَ".
وروى عن ابن عباس: "تِسْعَةَ عَشَرَ"، برفع تسعة.
قال أبو الفتح: أما "تِسْعَةَ عَشَرَ"، بفتح هاء تسعة، وسكون عين عشر - فلأجل كثرة الحركات، وأن الاسمين جعلا كاسم واحد، فلم يوقف على الأول منهما فيحتاج - إلى الابتداء بالثاني. فلما أمن ذلك أسكن تخفيفا أوله وجعل ذلك أمارة لقوة اتصال أحد الاسمين بصاحبه.
قال أبو الحسن: ولا يجوز ذلك مع اثنا عشر ولا اثنى عشر؛ لسكون الاول من الحرفين، أعني الألف والياء، فيلتقي ساكنان في الوصل، ليس أولهما حرف لين والثاني مدغما. وعلى أنه قد روى ابن جماز عن أبي جعفر: اثنا عشر، بسكون العين، وفيه ما ذكرناه.
وقال أبو حاتم في تسعة أعشر: لا وجه له نعرفه، إلا أن يعني تسعة أعشر جمع العشر أو شيئا غير الذي وقع في قلوبنا.
وأما "تِسْعَةَ وعَشَرَ" فطريقه أنه فك التركيب وعطف على تسعة عشر على أصل ما كان عليه الاسمان قبل التركيب من العطف. ألا ترى أن أصله تسعة وعشرة؟ كقولك: تسعة وعشرون، إلا أنه حذف التنوين من تسعة لكثرة استعماله، كما حكى أبو الحسن عنهم من قولهم، سلاما عليكم، بحذف تنوين "سلام"، قال: وذلك كثرة استعمالهم إياه.
وأما "تِسْعَةَ وعَشَرَ" فطريقه أنه أراد تسعة أعشر، بهمزة كما ترى، كالرواية الأخرى "تِسْعَةَ أعَشَرَ"، فخفف الهمزة، بأن قلبها واو خالصة في اللفظ؛ لأنها مفتوحة وقبلها ضمة،
__________
1 ضبط "عشر" في نسختي الأصل بفتح الشين، وهي بهذا تطابق الوجه الثاني المروي عن أنس ولم نعثر على ضبط لها، لهذا ضبطناها بالضم، وأنسنا في هذا بقوله: فطريقه أنه أراد تسعة أعشر كالرواية الأخرى، وأعشر في هذه الرواية بضم الشين، لأن أبا حاتم قدر أنها قد تكون جمع العشر.(2/339)
فجرت مجرى تخفيف جون، إذا قلت: جون1. وعلى أن هذه الهمزة ههنا - منكرة غير معرفة عند أصحابنا، ولذلك قال سيبويه في هذا هي: أحد عشر بلا ألف كقولك أحد حمل تحايدا عن هذه الهمزة واستنكارا لها، والعامة مع ذلك مولعة بها2.
ومن ذلك قراءة سعيد بن جبير: "صُحُفًا مُنَشَّرَة3"، بسكون الحاء والنون.
قال أبو الفتح: أما سكون الحاء فلغة تميمية، وأما "منشرة"، بسكون النون فإن جاري العرف في الاستعمال نشرت الثوب ونحوه، ونشر الله الموتى فنشروا هم. وقد جاء عنهم أيضا:
نشر الله الميت، قال التيمي:
ردت صنائعه إليه حياته ... فكأنه من نشرها منشورا4
ولم نعلمهم قالوا: أنشرت الثوب ونحوه، إلا أنه قد يجوز أن يشبه شيء بشيء، فكما جاز أن يشبه الميت بالشيء المطوي، حتى قال التيمي: "منشور" فكذلك يجوز أن يشبه المطوي بالميت، فيقال: صف منشرة، [162ظ] أي: كأنها كانت بطيها ميتة، فلما نشرت حيت بذلك، فقيل منشرة.
__________
1 الجون: جمع الجونة، وهي سليلة مغشاة أو ما تكون مع العطارين.
2 سكت عن تخريج قراءة ابن عباس، لأنه يمكن فهمه من تخريج القراءة الثانية المروية عن أنس.
3 سورة المدثر: 52.
4 قال المبرد في الكامل "2: 251": وقال رجل من خزاعة، وينحله كثير يرثى عمر بن عبد العزيز بن مروان، قال أبو الحسن: الذي صح عندنا أن الشعر لقطرب النحوي، ثم روى المبرد خمسة أبيات ثالثها بيت الشاهد، وروايته هناك مطابقة لروايته هنا.(2/340)
سورة القيامة:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ الحسن: "لأُقْسِم"، بغير ألف، و"لا أُقْسِم1"، بألف.
وروى عنه بغير ألف فيهما جميعا، والألف فيهما جميعا.
قال أبو الفتح: حكى أبو حاتم عن الحسن أنه قال: أقسم بالأولى، ولم يقسم بالثانية.
قال أبو حاتم: وكذلك زعم خارجة عن ابن أبي إسحاق: يقسم بيوم القيامة، ولا يقسم بالنفس اللوامة. ورواها أبو حاتم أيضا عن أبي عمرو وعيسى مثل ذلك.
وينبغي أن تكون هذه اللام لام الابتداء، أي: لأنا أقسم بيوم القيامة، وحذف المبتدأ للعلم به، على غرة2 حال الحذف والتوكيد. فهذا هو الذي ينبغي أن يحتمل عليه هذه القراءة، ولا ينبغي أن يكون أراد النون للتوكيد؛ لأن تلك تختص بالمستقبل، لأن الغرض إنما هو الآن مقسم لا أنه سيقسم فيما بعد، ولذلك حملوه على زيادة "لا"، وقالوا: معناه أقسم بيوم القيامة، أي: أيا مقسم الآن، ولأن حذف النون هنا ضعيف خبيث.
ومن ذلك قراءة اب عباس وعكرمة وأيوب السختياني والحسن: "الْمَفِرّ3".
وقرأ: "الْمَفَر" الزهري.
قال أبو الفتح: "الْمَفَر"، بفتح الميم، والفاء - المصدر، أين الفرار. و"المفر" - بفتح
__________
1 في سورة القيامة 1، 2.
2 على غرة: الظاهر أنه يريد على أغضاء عن الجميع بين الحذف والتوكيد، إذ كانت الغرة الغفلة.
3 سورة القيامة: 10.(2/341)
الميم، وكسر الفاء-: الموضع الذي يفر إليه. "والْمَفَر" - بكسر الميم، وفتح الفاء-: الإنسان الجيد الفرار، كقولهم: رجل مطعن ومضرب، أي: مطعان ومضراب. قال:
مكر مفر مقبل مدبر معا1
معناه: أين الإنسان الجيد الفرار؟ ولن ينجو من ذلك، لا أن هناك مطمعا في الحياة.
ومن ذلك قراءة ابن عباس: "وَأيقن أَنَّهُ الْفِرَاقُ2"، وقال ابن عباس في تفسيره: ذهب الظن.
قال أبو الفتح: ينبغي أن يحسن الظن بابن عباس، فيقال: إنه أعلم بلغة القوم من كثير من علمائهم، ولم يكن ليخفى عليه أن ظننت قد تكون بمعنى علمت، كقوله:
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج ... سراتهم في الفارسي المسرد3
أي: أيقنوا بذلك وتحققوه، لكنه أراد لفظ اليقين الذي لا يستعمل في الشك، وكأنه قال: ذهب اللفظ الذي يصلح للشك، وجاء اللفظ الذي هو تصريح باليقين. إلى هذا ينبغي أن يذهب بقوله، والله أعلم.
ومن ذلك قراءة طلحة بن سليمان: "أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى4"، ساكنة
__________
1 لامرئ القيس من معلقته، وعجزه:
كجلمود صخر حطه السيل من عل
وانظر شرح المعلقات السبع للزوزني: 28.
2 سورة القيامة: 28.
3 لدريد بن الصمة يرثي أخاه عبد الله. والمدجج: اللابس السلاح، لأنه يستره، من دججت السماء، أي: تغيمت. السراة: السادة الأخيار. الفارسي المسرد: الدروع، والمسرد: الذي تتابع الحلق في نسجه منها. وضمير لهم لقومه بني جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن وظنوا بألفى مدجج: ايقنوا أن عدة أعدائنا الفافارس. وانظر ديوان الحماسة: 1: 342، واللسان "ظن".
4 سورة القيامة: 50.(2/342)
قال أبو الفتح: معنى قول ابن مجاهد: أنه قرأ على سكون الياء من "يُحْيِيَ"، على لغة من قال:
يا دار هند عفت إلا أثافيها1
فأسكن الياء في موضع النصب، لا أن الياء في قوله: {يُحْيِيَ الْمَوْتَى} ساكنة، وذلك أنه لا ياء هناك في اللفظ أصلا، لا ساكنة ولا متحركة؛ لأنها قد حذفت لسكونها وسكون اللام من "الموتى".
قال أبو العباس: إسكان هذه الياء في موضع النصب من أحسن الضرورات، حتى إنه لو جاء به جاء في النثر لكان جائزا، وشواهد ذلك في الشعر أكثر من أن يؤتى بها. ومما جاء منه في النثر قولهم: لا أكلمك حيرى دهر، فأسكن الياء من حيرى، وهي في موضع نصب. وفيه عندي شيء [163و] لم يذكره أبو علي ولا غيره من أصحابنا، وذلك أنه أصله حيرى دهر، ومعناه مدة الدهر، فكأنه مدة تحير الدهر وبقائه، فلما حذفت أخرى الياءين بقيت الياء ساكنة كما كانت قبل الحذف؛ دلالة على أن هذا محذوف من ذلك الذي لو لم يحذف لما كانت ياؤه إلا ساكنة، ومثل ذلك عندي قول الهذلي:
رب هيضل لجب لففت بهيضل2
أراد: رب، فحذف أحدى الياءين، وبقى الثانية مجزومة3 كما كانت قبل الحذف،
__________
1 سبق هذا الشاهد في الجزر الأول، الصفحة: 126. ونضيف هنا إلى ما ذكرنا عنه هناك: أنه للحطيئة، وعجزه:
بين الطوى فصارات فواديها
والطوى: البئر المطوية بالحجارة، أي: المبنية بها. ويريد بها بئرا بمكة. والصارة جبل بين تيماء ووداي القرى، أو جبل قرب فيد. "فصارات" من وضع الجمع مكان المفرد. والصارة أيضا: رأس الجبل. وانظر ديوان الشاعر: 201، وشرح شواهد الشافية: 410.
2 لابن كبير الهذلي، وصدره
ازهير أن يشب القذال فأنني
وزهير: يريد زهيرة. والقذال: ما بين الأذنين والقفا. وضبط "رب" في ديوان الهذليين "2: 88" بفتح الباء وهي أحدى لغاتها كما في القاموس. والهيضل: جماعة متسلحة أمرهم في الحرب واحد. ولجب: له جلبة، ويروى "مرس"، أي: ذي مراسة وشدة. وانظر اللسان "هضل".
3 في ك: محذوفة، وهو تحريف.(2/343)
وإن لم يكن هناك موجب للحركة لالتقاء الساكنين، ولولا ذلك لوجب1 تسكين باء رب، كتسكين لام هل وبل، ودال قد إذ لا ساكنين هناك فتجب الحركة لالتقائهما. ولهذا نظائر كثيرة في المجيء باللفظ على حكم لفظ آخر لأنه في معناه وإن عرى هذا من موجب اللفظ في ذاك، نحو تصحيح عور وحول لأنهما في معنى ما لا بد من صحته، وهو اعور واحول.
ولولا الإطالة المعقود على تحاميها، وتجنب الإكثار بها - لأوسعنا ساحة القول في هذا ونحوه، ولم نقتصر على ما نورده منه. ولولا ما رددناه من شاهد قد مضى هو أو مثله فليكون2 الموضع المقول عليه حاملا لنفسه، ناهضا بشواهده، لا سيما مع م لا يؤمن من شذوذ ما قبله، فيختل الموضع لذلك.
__________
1 المراد أنه ليس في، رب" موجب التحريك تخلصا من التقاء الساكنين، ولولا الإدغام الناشيء من تكرار الباب لوجب ...
2 كذا بالنسختين، ويحتاج الكلام لكي يتضح معناه إلى تقدير جواب لولا يمكن أن يكون معه وجه لفاء "فليكون"، كأن يقال: لولا تكرار الشواهد وتشابهها لبسطنا القول، وإذا كنا آثرنا الإيجاز فليكون.(2/344)
سورة الإنسان:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ: "وَاسْتَبْرَق1"، بوصل الألف، وفتح القاف - ابن محيصن.
قال أبو الفتح: قد تقدم القول على هذا عند قول الله تعالى: {بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ 2} وغيره.
ومن ذلك قراءة عبد الله بن الزبير وأبان بن عثمان: "والظالمون أعدّ"، بالواو.
قال أبو الفتح: هذا على ارتجال جلمة مستأنفة، كأنه قال: الظالمون أعد لهم عذابا أليما، ثم إنه عطف الجملة على ما قبلها. وقد سبق الرفع إلى مبتدئها، غير أن الذي عليه الجماعة أسبق، وهو النصب. ألا ترى أن معناه يدخل من يشاء في رحمته ويعذب الظالمين؟ فلما أضمر هذا الفعل فسره بقوله: {أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} ، وهذا أكثر من أن يؤتى له بشاهد.
__________
1 سورة الإنسان: 21.
2 انظر الصفحة 304 من هذا الجزء.(2/344)
سورة المرسلات:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ ابن عباس: "فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا1"، مشددة.
قال أبو الفتح: معنى الملقيات، بتشديد القاف: الموصلات له إلى
المخاطبين به، كقولك: لقيته الرمح، ولقيته سوء عمله.
وأما الملقيات"، بتخفيف القاف فكأنه الحاملات له، والطارحات له، ليأخذه من خوطب به. وهذا كقول الله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ 2} ، كقوله: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ 3} ، ونحو ذلك.
ومن ذلك قراءة أبي جعفر: "وُقِتَتْ4"، بواو، خفيفة القاف.
وقراءة الحسن: "وُوقِتَتْ
"، بواوين: الأولى مضمومة، والثانية ساكنة.
قال أبو الفتح: أما "وُقِتَتْ" خفيفة، ففعلت، من الوقت كقوله تعالى: {كِتَابًا مَوْقُوتًا 5} ، فهذا من وقت.
وأما "ووقتت" فكقولك: عوهدت [163ظ] عليه، وووفقت عليه، وكلاهما من الوقت. ويجوز أن تهمز هاتان الواوان، فيقال: أقتت، كما قرءوا: "أقتت"، بالتشديد، وأوقتت، فتكون بلفظ أفعلت، وبمعنى فوعلت.
__________
1 سورة المرسلات: 5.
2 سورة الغاشية: 21، 22.
3 سورة النور: 54.
4 سورة المرسلات: 11.
5 سورة النساء: 103.(2/345)
ومن ذلك قراءة الأعرج: "ثُمَّ نُتْبِعُهُم1"، بالجزم.
قال أبو الفتح: يحتمل جزمه أمرين:
أحدهما أن يكون أراد معنى قراءة الجماعة: {نُتْبِعُهُم} ، بالرفع، فأسكن العين استثقالا لتوالي الحركات على ما مضى في غي موضع من هذا الكتاب2.
والآخر أن يكون جزءا، فيعطفه على قوله: "نُهْلِك"، فيجري مجرى قولك: ألم تزرني ثم أعطك؟ كقولك3: فأعطك ألم أحسن إليك ثم أوال ذلك عليك؟ فيكون معنى هذه القراءة أنه يريد قوما أهلكهم الله سبحانه بعد قوم قبلهم على أختلاف أوقات المرسلين إليهم شيئا بعد شيء فلما ذكر ما تقضي على اختلاف الأوقات فيه قال تعالى مستأنفا: {كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِين} ، فيكون المجرمون هنا من نهلكه من بعد. وقد يجوز أن يعني بالمجرمين من مضى منهم ومن يأتي فيما بعد، المعنيان جميعا متوجهان.
ومن ذلك قراءة ابن عباس وسعيد بن جبير -واختلف عنهما-: "كَالْقَصْر"، بكسر القاف، وفتح الصاد.
قال أبو الفتح: رواها أبو حاتم: "كالقصر" - القاف والصاد مفتوحان - عن ابن عباس وسعيد بن جبير، وروى أيضا عن سعيد بن جبير: "كالقصر"، بكسر القاف، وفتح الصاد، وقال: القصر: أصول الشجر، الواحدة قصرة. وكذا رواها لنا أبو علي أيضا، قال: ومنه قولهم: غلة نقية من القصر، قال: وقول الكتاب: نقية من القصر لا وجه له.
قال أبو حاتم: قال الحسن: أصول الشجر، قال: وقال قتادة والكلبي: أصول الشجر والنخل. وقال مجاهد: حزم الشجر، قال: وكذلك قرأها مجاهد.
قال أبو حاتم: لعل القصر -بكسر القاف- لغة، كحاجة وحوج. قد قالوا أيضا في حلقة الحديد: حلقة -بفتح اللام- وقالوا: حلق؛ بكسر الحاء. أبو حاتم: قال الحسن: قصرة وقصر، مثل جمرة وجمر، كأنه قرأها ساكنة الصاد. قال: والعامة يجعلونها على القصور.
__________
1 سورة المرسلات: 17.
2 انظر الصفحة 109 من الجزء الأول، و338 من هذا الجزء.
3 كذا في النسختين، وينبغي أن تكون العبارة: فأعطك كقولك، بتأخير كقولك.
4 سورة المرسلات: 32.(2/346)
وحدثنا أبو علي أن القصر هنا بمعنى القصور قال: وهي بيوت من أدم كانوا يضربونها إذا نزلوا على الماء.
ومن ذلك قراءة ابن عباس وسعيد بن جبير -بخلاف- والحسن -بخلاف- وأبي رجاء -بخلاف- وقتادة -بخلاف-: "جِمَالاتٌ صُفْرٌ1"، بضم الجيم.
قال أبو الفتح: أبو حاتم عن ابن عباس: إنها حبال السفينة2.
__________
1 سورة المرسلات: 33.
2 الواحد جملة، لكونه جملة من الطاقات والقوى، ثم جمع على جمل وجمال، ثم جمع جمال ثانيا جمع صحة، فقالوا: جمالات. وانظر البحر: 8: 407.(2/347)
سورة عم يتساءلون:
بسم الله الرحمن الرحيم
عكرمة وعيسى: "عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ1".
قال أبو الفتح: هذا أضعف اللغتين، أعني إثبات الألف في "ما" الاستفهامية إذا دخل عليها حرف جر. وروينا عن قطرب لحسان.
على ما قام يشتمني لئيم ... كخنزير تمرغ في دمان2
فأثبت الألف مع حروف الجر.
ومن ذلك قراءة ابن الزبير وابن عباس والفضل بن عباس وعبد الله بن يزيد وقتادة: "وَأَنْزَلْنَا بالْمُعْصِرَاتِ3".
__________
1 سورة النبأ: 1.
2 من قصيدة يهجو بها بني عابد بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم. ويروى:
ففيم تقول يشتمني لئيم
والدمان: الرماد، والسرقين، وعفن النخلة. والصواب رماد لادمان، لأن القصيدة دالية. وانظر الديوان: 38، وشرح شواهد الشافية: 224.
3 سورة النبأ: 14.(2/347)
قال أبو الفتح إذا أنزل منها فقد أنزل بها، كقولهم: أعطيته من يدى درهما، وبيدي درهما. المعنى واحد، وليست "من" ههنا مثلهم في قولهم: أعطيته [164و] من الدراهم، لأن هذا معناه بعضها، وليس يريد أن الدرهم بعض اليد، لكن معنى "من" هنا ابتداء الغاية، أي كان ابتداء العطية من يده وليس معناه: أعطاه بعض يده.
ومن ذلك قراءة علي: "وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَّابًا1".
قال أبو الفتح: يقال: كذب يكذب كذبا وكذابا، وكذب كذابا، بتثقيل الذال فيهما جميعا. وقالوا أيضا: كذابا، خفيفة. وقال قطرب: قالوا: رجل كذاب: صاحب كذب.
وحكى أبو حاتم عن عبد الله بن عمر: "وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَّابًا"، بضم الكاف، وتشديد الذال، وقال: لا وجه له، إلا أن يكون "كذاب" جمع كاذب، فتنصبه على الحال: وكذبوا بآياتنا في حال كذبهم. وقال طرفة:
إذا جاء ما لا بد منه فمرحبا ... به حين يأتي لا كذاب ولا علل2
وقال: رجل كيذبان، وكيذبان، وكاذب، وكذوب، وكذب، وكذاب، وكذبذب -بتشديد الذال - وكذبذب، بتخفيفها.
قرأت على أبي علي في نوادر أبي زيد، ورويناه عن قطرب وغيره من أصحابنا:
وإذا أتاك بأنني قد بعثها ... بوصال غائبة فقل: كذبذب3
وهو أحد الأمثلة الفائتة لكتاب سيبويه. وقد يجوز أن يكون قوله: "كِذَّابًا" - بالضم، وتشديد الذال - وصفا لمصدر محذوف، أي: كذبوا بآياتنا كذابا كذابا، أي: كذابا متناهيا في معناه، فيكون الكذاب ههنا واحدا لا جمعا، كرجل حسان، ووجه وضاء، ونحو
__________
1 سورة النبأ: 28.
2 انظر الديوان: 115.
3 لجريبة بن الأشيم يصف جمله، ويروى "بعته" مكان "بعتها" وربما قيل عن الناقة جمل. وانظر النوادر: 76، والخصائص: 3: 204.(2/348)
ذلك من الصفات على فعال. ويجوز أيضا أن يكون أراد جمع كذب، لأنه جعله نوعا وصفه بالكذب، أي كذبا كاذبا، ثم جمع فصار كذابا كذابا، فافهم ذلك.
ومن ذلك قراءة ابن فطيب: "عَطَاءً حِسَابًا1".
قال أبو الفتح: طريقة عندي -والله أعلم- عطاء محسبا، أي كافيا. يقال: أعطيته ما أحسبه، أي: كفاه، إلا أنه جاء بالاسم من أفعل على فعال. وقد جاءت منه أحرف، قالوا: أجبر فهو جبار، وأدرك فهو دراك، وأسأر2 من شرابه فهو سأار، وأقصر عن الشيء فهو قصار، وقد تقدم ذلك.
وأنا أذهب في قولهم: أحسبه، من العطية، أي: كفاه - إلى أنه من قولهم: حسبك كذا، أي: أعطاه حتى قال: حسب، كما أن قولهم: بجلت الرجل، ورجل بجيل وبجال - كأنه من قولهم: بجل، أي: حسب، فكأنه انتهى من الفضل والشرف إلى أنه متى جرى ذكره قيل: بجل، قف حيث أنت، فلا غايةن وراءه. وكذلك عندي أصل تصرف النعمة والنعيم والإنعام وجميع ما في هذا الحرف - إنما هو من قولنا: نعم، وذلك أن "نعم" محبوبة مستلذة، وهي ضد "لا" الكزة3 المستكرهة.
فإن قيل: فكيف يجوز الاشتقاق من الحروف؟
قيل: قد اشتق منها في غير موضع، قالوا: سألني حاجة، فلا ليت له، أي: قلت له: لا. وسألتك حاجة، فلوليت لي، أي: قلت: لولا. وقالوا: حاحيت، وعاعيت، وهاهيت، -فاشتقوا من حاء وعاء، وهاء، وهن أصوات، والأصوات للحروف أخوات، وما أكثر ذلك!
__________
1 سورة النبأ: 36.
2 أسار من شرابه: أبقى منه.
3 ساقطة في ك: والكزة: القبيحة.(2/349)
سورة النازعات:
بسم الله الرحمن الرحيم [164ط]
قراءة أبي حيوة: "فِي الْحَفِرَة1"، بفتح الحاء، وكسر الفاء بغير ألف.
قال أبو الفتح: وجه ذلك أن يكون أراد "الحافرة"، كقراءة الجماعة، فحذف الألف تخفيفا، كما قال:
إلا عرادا عردا2
أي: عاردا، وقد ذكرناه.
وفيه وجه آخر ذو صنعة، وهو أنهم قد قالوا: حفرت أسنانه: إذا ركبها الوسخ من ظاهرها وباطنها. فقد يجوز أن يكون أراد الأرض الحفرة، أي: المنتنة؛ لفسادها بأخباثها، وبأجسام الموتى فيها. وعليه فسروا قراءة من قرأ: " صَلَلْنا فِي الْأَرْض3" من النتن، ورواها أحمد ابن يحيى: "صَلِلنا"، بكسر اللام.
ومن ذلك قراءة الحسن وعمرو بن عبيد: "وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا4"، بالرفع.
قال أبو الفتح: هذا كقراءة عبد الله بن الزبير وأبان بن عثمان: "وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا"، وقد ذكرناه هناك5.
__________
1 سورة النازعات: 10.
2 انظر الصفحة 171 من الجزء الأول.
3 من قوله تعالى في سورة السجدة: "10" {وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} . و"صللنا" بالصاد مروية عن الحسن، كما في الاتحاف: 216.
4 سورة النازعات: 32.
5 انظر الصفحة 334 من هذا الجزء.(2/350)
ومن ذلك ما رواه الأعمش عن مجاهد: " وَالْأَرْضَ من ذَلِكَ دَحَاهَا1".
قال أبو الفتح: ليست هذه القراءة مخالفة المعنى لمعنى القراءة العامة: {بَعْدَ ذَلِك} ، لأنه ليس المعنى -والله أعلم- أن الأرض دحيت مع خلق السموات وفي وقته، وإنما اجتماعهما في الخلق، لا أن زمان الفعلين واحد. وهذا كقولك: فلان كريم، فيقول السامع: وهو مع ذلك شجاع، أي: قد اجتمع له الوصفان، وليس غرضه فيه ترتيب الزمان.
ومن ذلك قراءة عكرمة: "وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى2"، بالتاء مفتوحة.
قال أبو الفتح: إن شئت كانت التاء في "ترى" للجحيم، أي: لمن تراه النار. وإن شئت كانت خطايا للنبي "صلى الله عليه وسلم" أي: لمن ترى يا محمد، أي: للناس، فأشار إلى البعض، وغرضه جنسه وجميعه، كما قال لبيد:
ولقد سئمت من الحياة وطولها ... وسؤال هذا الناس: كيف لبيد3؟
فأشار إلى جنس الناس في هذا المعنى، ونحن نعلم أنه ليس جميعه مشاهدا حاضر الزمان.
فإن قيل: فإن النبي "صلى الله عليه وسلم" كان بحضرته المؤمنون الذين قد شهد لكثير منهم بالجنة، وشهد من حال الإيمان لهم بها، فكيف يجوز أن يقول الله له: النار لهؤلاء الذين تراهم؟.
قيل: يخصه ويخلصه محصول معناه، فهذا كقوله "تعالى": {فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا 4} ، وقوله: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيل 5} ، وقوله: {وَقَلِيلٌ مَا هُم 6} ، كأنه عام لجميع من يقع البصر عليه، إغلاظا، وإرهابا. والمؤمنون مستثنون منه بما تقدمت الأدلة عليه، وله أشباه كثيرة.
ومن ذلك قراءة السلمي: "أَيَّان8" بكسر الألف.
قال أبو الفتح: قد تقدم القول على ذلك9".
__________
1 سورة النازعات: 30.
2 سورة النازعات: 36.
3 انظر الصفحة 189 من الجزء الأول.
4 سورة الإسراء: 89.
5 سورة هود: 40.
6 سورة ص: 24.
7 سورة سبأ: 13.
8 سورة النازعات: 42.
9 انظر الصفحة 268 من الجزء الأول، والصفحة 288 من هذا الجزء.(2/351)
سورة عبس:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ: "آنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى1"، بالمد - الحسن.
قال أبو الفتح: "أن معلقة بفعل محذوف دل عليه قوله "تعالى": {عَبَسَ وَتَوَلَّى} ، تقديره: أأن جاءه الأعمى أعرض عنه، وتولى بوجهه؟ فالوقف إذا على قوله: "وتولى"، ثم استأنف لفظ الاستفهام منكرا للحال، فكأنه قال: ألأن جاءه الأعمى كان ذلك منه؟
وأما "أن" على القراءة العامة فمنصوبة بـ"تولى": لأنه الفعل الأقرب منه، فكأنه قال: تولى لمجيء الأعمى ومن أعمل الأول2 نصب "أن" بـ"عبس"، فكأنه قال: عبس أن جاءه الأعمى، وتولى لذلك، فحذف مفعول "تولى" كما تقول: ضربت فأوجعته زيدا، إذا أعملت الأول، وإن شئت لم تأت بمفعول أوجعت [165و] فقلت: ضربت فأوجعت زيدا، أي وأنت تريد أوجعته، إلا أنك حذفته تخفيفا، وللعلم به، والوجه إعمال الثاني؛ لقربه. فأما أن تنصبه بمجموع الفعلين فلا، وهذا واضح.
ومن ذلك قراءة أبي جعفر: "فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى3"، بضم التاء، وتخفيف الصاد.
قال أبو الفتح: معنى "تصدى"، أي: يدعوك داع من زينة الدنيا وشارتها إلى التصدي له، والإقبال عليه.
وعلى ذلك قراءته أيضا: "فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى4"، أي: تصرف عنه، ويزوى وجهك
__________
1 سورة عبس: 2.
2 أي من الفعلين المتنازعين: "عبس، وتولى".
3 سورة عبس: 6.
4 سورة عبس: 10.(2/352)
دونه؛ لأنه لا غنى عنده، ولا ظاهر معه، فخرج بذلك مخرج التنبيه للنبي "صلى الله عليه وسلم" فيما جرى من قصة ابن أم مكتوم.
ومن ذلك أبو حيوة عن نافع وشعيب بن أبي عمرو قرأ: "شَانَشَرَهُ1"، مقصورة، وقد اختلف عن نافع.
قال أبو الفتح: قد سبق القول على نشره الله، وأن أقوى اللغتين أنشره2.
ومن ذلك قراءة ابن محيصن: "شَأْنٌ يُغْنِيهِ3"، مفتوحة الياء، بالعين.
قال أبو الفتح: وهذه قراءة حسنة أيضا، إلا أن التي عليها الجماعة أقوى معنى، وذلك أن الإنسان قد يعنيه الشيء ولا يغنيه عن غيره. وذلك كأن يكون له ألف درهم، فيؤخذ منها مائة درهم، فيعنيه أمرها، ولا يغنيه عن بقية ماله أن يهتم به ويراعيه. فأما إذا أغناه الأمر عن غيره فإن ذلك أقوى المطلبين، وأعلى الغرضين، فاعرف ذلك مع وضوحه.
سورة كورت 4
لا شيء فيها
__________
1 سورة عبس: 22.
2 انظر الصفحة 340 من هذا الجزء.
3 سورة عبس: 37.
4 كذا في ك، وفي الأصل كورت، بدون سورة ويريد بها سورة التكوير وكورت اسم آخر للسورة كما في بصائر ذوى التمييز: 1: 503.(2/353)
سورة الانفطار:
بسم الله الرحمن الرحيم
روى عن سعيد بن جبير: "يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ1"، ممدودة، على التعجب.
قال أبو الفتح: هذا كقول الله "سبحانه": {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ 2} أي: على أفعال
__________
1 سورة الانفطار: 6.
2 سورة البقرة: 175.(2/353)
أهل النار، ففيه حذف مضافين شيئا على شيء كما قدمنا في قوله: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ 1} ، وغير ذلك.
وقيل في قوله: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّار} : أي: ما الذي دعاهم إلى الصبر على موجبات النار؟ فكذلك يجوز أن يكون قوله أيضا: "مَا أغَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ"، أي: ما الذي دعاك إلى الاغترار به؟ غر الرجل، فهو غار، أي: غفل.
سورة المطففين 2
لا شي فيها
سورة انشقت
كذلك3
سورة البروج
كذلك4
__________
1 سورة طه: 96 وانظر الصفحة 296 من هذا الجزء.
2 كذا في ك، وفي الأصل: المطففين، بدون سورة.
3 كذا في ك، وفي الأصل: انشقت، بدون سورة.
4 كذا في ك، وفي الأصل: البروج بدون سورة.(2/354)
وأما في هذه القراءة فإنه كرر اللفظ والمثال جميعا، فقال: "مَهِّلِ الْكَافِرِينَ مَهِلْهُمْ"، فجعل ما تكلفه من تكرير اللفظ والمثال جميعا عنوانا لقوة معنى توكيده، إذ لو لم يكن كذلك لانحرف في الحال بعض الانحراف. وهذا كقول الرجل لصاحبه: قد عرفت أنني لم آتك في هذا الوقت، وإلى هذا المكان، وعلى هذه الحال إلا لداع إليه قوي، وأمر عان.
ويدلك على كلفة التكرير عليهم أشياء: منها التضعيف، نحو شدد، فإذا سكن الأول من المثلين فوقع هناك خلاف ما سهل اللفظ بهما1 [165ظ] فقيل: شد. وكذلك إن سكن الثاني قيل: شددت. ومنها أنهم لما آثروا التكرير للتوكيد في نحو جاء القوم أجمعون أكتعون أبصعون أبتعون2 خالفوا بين الفاء والعين، ووفقوا بين اللامات، وهي العينات منها؛ لتختلف الحروف، فتقل الكلمة.
فإن قيل: فلم خالفوا بين الفاءات والعينات ووفقوا بين اللامات؟ قيل: لأن اللام مقطع الحروف، وإليها المفضي، وعليها المتسقر، فوفقوا بينها لتتلاقى المقاطع على لفظ واحد, فيكون ما شذ من الفاء والعين مجموعا باللام، فاعرف ذلك3.
__________
1 يريد أن التجاهم إلى تسكين الأول حينا، والثاني حينا آخر - يدل على كلفة التضعيف، إذ كان في التسكين بعض تخفيف بما يحدثه من تخالف بين المثلين، وإن كان يسيرا.
2 أكتعون من قولهم: تكتع الجلد، إذا تقبض واجتمع، وابصعون من قولهم: تبصع العرق، إذا سأل، وهو لا يسيل حتى يجتمع، وأبتعون من البتع، وهو الشدة أو طول العنق، وكلاهما لا يخلو من معنى الاجتماع، فالكلمات الثلاث من معنى الجمع، ويجاء بها مع أجمع بعد كل لتقوية قصد الشمول.
3 ليس في نسختي الأصل ذكر لسورة الأعلى، ومكانها بين سورتي الطارق والغاشية.(2/355)
سورة الغاشية:
بسم الله الرحمن الرحيم
روى عبيد عن شبل عن ابن كثير: "عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ، تَصْلَى1".
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون النصب على الشتم، أي: أذكرها عاملة2 ناصبة في الدنيا على حالها هناك، فهذا كقوله تعالى: {يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ 3} ، وذلك أنهم لم يخلصوها لوجهه، بل أشركوا به معبودات غيره، وله نظائر في القرآن ومأثور الأخبار.
ومن ذلك قرأ: "إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ4"، بفتح أوائل هذه الحروف كلها، وضم التاء - علي بن أبي طالب، عليه السلام.
قال أبو الفتح: المفعول هنا محذوف لدلالة المعنى عليه، أي: كيف خالقتها، ورفعتها، ونصبتها، وسطحتها؟ وتقدم القول على حسن حذف المفعول به، وأن ذلك أقوى دليل على قوة عربية الناطق به.
عبد الوارث قال: سمعت هارون الخليفة يقرأ: "وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَت"، مشددة الطاء.
قال أبو الفتح: إنما جاز هنا5 التضعيف للتكرير، من قبل أن الأرض بسيطة وفسيحة،
__________
1 سورة الغاشية: 3.
2 هي على هذا التقدير حالن لا مفعول كما لا يخفى.
3 سورة البقرة: 167.
4 سورة الغاشية: 17، 18، 19، 20.
5 ساقطة في ك.(2/356)
فالعمل فيها مكرر على قدر سمعتها، فهو كقولك: قطعت الشاة؛ لأنه1 أعضاء يخص كل عضو منها عمل، وكذلك نظائر هذا.
ومن ذلك قراءة ابن عباس وزيد بن أسلم وقتادة وزيد بن علي: "إِلَّا مَنْ تَوَلَّى2"، بالتخفيف.
قال أبو الفتح: "ألا" افتتاح كلام، "وَمَن" هنا شرط، وجوابه "فَيُعَذِّبُهُ اللَّه"، كقولك: من قام فيضربه زيد، أي: فهو يضربه زيد. كذلك الآية، أي: من يتول ويكفر فهو يعذبه الله، لا بد من تقدير المبتدأ هنا؛ وذلك أن الفاء إنما يؤتي بها في جواب الجزاء بدلا من الفعل الذي يجاب به، فإذا رأيت الفاء مع الفعل الذي يصلح أن يكون جوابا للجزاء فلا بد من تقدير مبتدأ محذوف هناك؛ لأنه لو أريد الجواب على الظاهر لكان هناك فعل يصلح له، فكان يقال: ألا من تولى وكفر يعذبه الله، كقولك: من يقم أعطه درهما. ولو دخلت الفاء هنا لقلت من يقم فأعطيه درهما، أي: فأنا أو فهو أعطيه درهما، فهو كقول الله "سبحانه": {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْه 3} ، أي: فهو ينتقم الله منه.
ومن ذلك قراءة أبي جعفر يزيد: "إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ4"، بالتشديد.
قال أبو الفتح: أنكر أبو حاتم هذه القراءة، وقال: حملها على نحو "كذبوا كذبا5"، قال: وهذا لا يجوز؛ لأنه كان يجب إوابا؛ لأنه فعال، قال: ولو أراد ذلك لقال: أبوابا، فقلب الواو ياء للكسرة قبلها، كديوان، وقيراط، [166و] ، ودينار؛ لقولهم: دواوين، وقراريط، ودنانير.
__________
1 تطلق الشاة على الذكر والأنثى من الغنم.
2 سورة الغاشية: 23.
3 سورة المائدة: 95.
4 سورة الغاشية: 25.
5 سورة النبأ: 28.(2/357)
وهذا لو كان لا بد أن يكون إيابا، فعالا، مصدر أوبت التي مطاوعها تأوب، أي: تفعل، كما قال:
تأوبه خيال من سليمي ... كما يعتاد ذا الدين الغريم1
لكان الذهاب إليه فاسدا؛ لأنه كان يجب فيه التصحيح لاحتماء العين بالإدغام، كقولهم: اجلوذ2 اجلواذا. فأما اجليوذا وديوان3 فشاذان. وعلى أنه يجوز أن يكون فعالا، إوابا، إلا أنه قلب الواو ياء - وإن كانت متحصنة4 بالإدغام - استحسانا للاستخفاف، لا وجوبا ألا تراهم قالوا: ما أحيله من الحيلة؟ وهو من الواو لقولهم: يتحاولان، وقالوا في دومت5 السماء: ديمت. قال:
هو الجواد ابن الجواد بن سبل ... إن ديموا جاد وإن جادوا وبل6
يريد: دوموا؛ لأنه من دام يدوم، لكن من روى هذا مما هو أشد قياسا منه7، وذلك أن يكون بني من آب فيعلت، وأصله أيوبت، فقلبت الواو ياء؛ لوقوع الياء ساكنة قبلها، فصارت أيبت، ثم جاء المصدر على هذا إيابا، فوزنه فيعال إيواب - فقلب بالواجب. وإن شئت أيضا جعلت أوبت فوعلت بمنزلة حوقلت، وجاء المصدر على الفيعال، كالحيقال. أنشد الأصمعي:
يا قوم قد حوقلت أو دنوت ... وبعد حيقال الرجال الموت8
__________
1 لسلمة بن الخرشب الأنماري. تأوبه: راجعه. ذو الدين: المدين. والغريم: الدائن. يريد أن خيال صاحبته يكثر معاودته، كما يلح الدائن على المدين، بكثرة ترداده عليه. "المفضليات: 39".
2 اجلوذ: مضى وأسرع.
3 نصب "اجليوذا"، وخفض "ديوان" حكاية لحركة كل في موضعه الذي جيء به منه.
4 في ك: مختصة، وهو تحريف.
5 دومت السماء: دام مطرها.
6 يقال: أنه في وصف فرس. وسبل فرس نجيبة، ويقال: إن سبلا والد الراجز جهم ابن سبل، وأن الرواية:
أنا الجواد ابن الجواد ابن سبل
وانظر الخصائص 1: 355، واللسان، والتاج "سبل". وفي ك: دوموا، وهي رواية أخرى.
7 خبر "من" "فقلب بالواجب" الآتي.
8 حوقل: الشيخ: اعتمد بيديه على خصريه. ورواية الأصل "بعض" مكان "بعد"، وما أثبتناه أظهر. وانظر اللسان "حقل".(2/358)
فصارت إيوابا، كالحيقال، ثم قلبت الواو للياء قبلها، فصارت إيابا.
فإن قلت: فهلا حماها الإدغام من القلب.
قيل: هيهات، إنما ذلك إذا كانتا عينين؛ لأنهما لا يكونان إلا من لفظ واحد، وكذلك واو افعول؛ لأنه لا يكون فيها زائد بعدها إلا من لفظها. فأما فوعلت فالواو زائدة، والعلل إليها مسرعة؛ لأنها ليست عينا فتتحامل بها أختها. ألا تراك لو بنيت فعل من فوعلت من القول لقلت: قوول؟ فمددت1، ولم تدغم، وأجريتها مجرى فعل من فاعلت من القول، إذا قلت: قوول. ولو بنيت فعل من فعلت من القول لقلت: قول فأجريتها في الصحة مجرى قطع وكسر.
نعم، ويجوز أن يكون أوبت فعولت كجهور، فتقول في مصدره على حد جهوار: إياب، فتقلب الواو ياء؛ لسكونها، وانكسار ما قبلها. ولم يحمها من القلب إدغامها؛ لأنها لم تدغم في عين فتحميها وتنهض بها، إنما أدغمت في واو فعولت الزائدة الجارية مجرى ألف فاعلت، فقد علمت بذلك أن أبا حاتم -عفا الله عنه- أغفل هذين الوجهين2.
__________
1 في ك: رددت، وهو تحريف.
2 في ك: الموضعين.(2/359)
سورة الفجر:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ ابن عباس -وروى ذلك أيضا عن الضحاك-: "بِعَادٍ، إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ1".
وروى أيضا عن الضحاك: "بِعَادٍ، إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ"، الألف مفتوحة، والراء ساكنة.
وروى عن ابن الزبير: "بِعَادٍ، إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ".
وروى عن ابن الزبير أيضا: "بِعَادٍ، إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ"، بكسر الميم.
__________
1 سورة الفجر: 6، 7.(2/359)
قال أبو الفتح: أما "أرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ"
فجعلها رميما، رمت هي واسترمت، وأرمها غيرها، ورم العظم يرم رما ورميما: إذا بلى، ونخر. قال:
والنيب إن تعرمني رمة خلقا ... بعد الممات فإني كنت أثئر1 [166ظ]
وأما "أرم" فتخفيف أرم المروية عن ابن الزبير.
وأما "بِعَادٍ، إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ" فأضاف "عاد" إلى "إرم"، المدينة التي يقال لها: ذات العماد، أي: أصحاب الأعلام هذه المدينة، والأرم: العلم، وجمعه آرام. قال لبيد:
مثلا آرامها2
أي: أعلامها.
وقوله تعالى: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} تفسير لقوله: فعل بعاد، فكأن قائلا قال: ما صنع بها؟ فقال: "إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ
"، أي: مدينتهم، وهذا يدل على هلاكهم.
وأما "بِعَادٍ، إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ" فعلى أنه أراد: أهل أرم، هذه المدينة، فحذف المضاف وهو يريده، كما مضى من قوله: {بِزِينَةٍ الْكَوَاكِب 3} ، أي: زينة الكواكب.
ومن ذلك قراءة ابن عباس وعكرمة والضحاك وأبي شيخ الهنائي والكلبي وابن السميفع: "فَادْخُلِي فِي عِبْدِي4"، على واحد.
__________
1 البيت للبيد، والنيب: الإبل المسنة. وتعرمني: من عرم العظم، كنصر وضرب: عرق ما عليه من اللحم. والرمة: العظام البالية، تأكلها الإبل، تملح بها بعد الخلة. وأثئر: افتعل من النار، والمراد أني كنت اعقرها. انظر الديوان: 63، وفي "تعرمني" روايتان أخريتان، ذكرهما اللسان "عرا".
2 من قوله في المعلقة:
زجلا كأن نعاج توضح فوقها ... وظباء وجرة مثلا آرامها
والزجل الجماعات، جمع زجلة، ونصبها على الحال من فاعل "تحملوا" في بيت سابق. والنعاج: أناث بقر الوحش، شبه بهن النساء، وتوضح ووجرة: موضعان. والآرام: جمع رئم، وهو الظبي الخالص البياض. ويروى "عطفا" مكان "مثلا". وانظر الديوان: 300، وشرح المعلقات السبع للزوزني: 95.
3 سورة الصافات: 6.
4 سورة الفجر: 29.(2/360)
قال أبو الفتح: هذا لفظ الواحد، ومعنى الجماعة، أي: عبادي، كالقراءة العامة.
وقد تقدم القول على نظيره1، وأنه إنما خرج بلفظ الواحد ليس اتساعا واختصارا عاريا من المعنى، وذلك أنه جعل عباده كالواحد، أي: لا خلاف بينهم في عبوديته، كما لا يخالف الإنسان نفسه، فيصير كقول النبي "صلى الله عليه وسلم": وهم يد على من سواهم، أي: متضافرون متعانون، لا يقعد بعضهم عن بعض، كما لا يخون بعض البلد بعضا. وضد هذا قوله "تعالى": {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} .2
__________
1 انظر الصفحة 84 من هذا الجزء.
2 سورة الحشر: 14.(2/361)
سورة البلد:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ الحسن: "لأُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَد1"، بغير ألف.
قال أبو الفتح: قد مضى مثل هذا2.
وقرأ أبو جعفر: "مَالًا لُبَدًا3".
قال أبو الفتح: يكون بلفظ الواحد زمل وجباء، ويكون جمع لا بد، كقائم وقوم، وصائم وصوم، وقد تقدم ذكره4.
ومن ذلك قراءة الأعمش: "أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَد5"، ساكنة الهاء.
__________
1 سورة البلد: 1.
2 انظر الصفحة 341 من هذا الجزء.
3 سورة البلد: 6.
4 انظر الصفحة 334 من هذا الجزء.
5 سورة البلد: 7.(2/361)
قال أبو الفتح: قد سبق القول على سكون هذه الهاء فيما مضى1.
ومن ذلك قرأ: "فِي يَوْمٍ ذِا مَسْغَبَةٍ2" - الحسن وأبو رجاء.
قال أبو الفتح: هو منصوب، ويحتمل نصبه أمرين:
أظهرهما أن يكون مفعول "إطعام"، أي: وأن تطعموا ذا مسغبة، "ويتيما" بدل منه، كقولك: رأيت كريما رجلا. ويجوز أن يكون يتيما وصفا لذا مسغبة، كقولك: رأيت كريما عاقلا، وجاز وصف الصفة الذي هو كريم؛ لأنه لما لم يجز على موصوف أشبه الاسم، كقولك الأعشى:
وبيداء تحسب آرامها ... رجال إباد بأجيادها3
فقوله: "تحسب" صفة لبيداء، وإن كانت في الأصل صفة. وكذلك قول رؤبة:
وقاتم الأعماق خاوي المخترق4
فقوله: خاوي المخترق صفة لقوله: قاتم الأعماق، وهو صفة لموصوف محذوف، أي: وبلد قاتم قاتم الأعماق، كما أن قوله: "وبيداء، ورب بيداء، ورب بلدة بيداء. فاعرف ذلك، فهذا أحد وجهي قوله: "ذِا مَسْغَبَةٍ".
والآخر أن يكون أيضا صفة، إلا أنه صفة لموضع الجار والمجرور جميعا، وذلك أن قوله {فِي يَوْمٍ} ظرف، وهو منصوب الموضع، فيكون وصفا له على معناه دون لفظه، كما جاز أن يعطف عليه في معناه دون لفظه في قوله:
ألا حي ندماني عمير بن عامر ... إذا ما تلاقينا من اليوم أوغدا5 [167و]
__________
1 انظر الصفحة 244، والصفحة 323 من الجزء الأول.
2 سورة البلد: 14.
3 من قصيدة في مدح سلامة ذي فائش بن يزيد الحميري. ويروى "بأجلادها" مكان "بأجيادها". والآرام: حجارة تنصب في الصحراء ليهتدي بها المسافر. وأجلاد الإنسان: جسمه وبدنه، وخص أيادا بالذكر لأنها توصف بضخامة الأجسام. وانظر ديوان الشاعر: 71.
4 انظر الصفحة 86 من الجزء الأول.
5 البيت لكعب بن جعيل، كما في الكتاب 1: 34.(2/362)
حتى كأنه قال: اليوم، أو غدا. وكذلك قول الآخر:
كشحا طوى من بلد مختارا ... من يأسه اليائس أو حذارا1
ونظائره كثيرة، فلذلك يكون قوله: "فِي يَوْمٍ ذِا مَسْغَبَةٍ" على أن "مسغبة" صفة ليوم على معناه، دون لفظه.
__________
1 للعجاج، ويروى "عن" مكان "من". والكشح: الجنب، أو الخصر. ويقال لكل من أضمر شيئا: طوى كشحه عليه. قال الأعلم: يصف ثورا وحشيا أو حمارا خرج من مكان إلى مكان، خوفا من صائد، أو يأسا من مرعى كان فيه، فيقول: طوى كشحه على ما نوى من النقلة مختارا لذلك يأسا منه أو حذرا. وانظر الكتاب 1: 35، والديوان 21، وفي ك: "حذرا" وهو تحريف.(2/363)
سورة الشمس:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ: "بِطَغْوَاهَا1" - الحسن.
قال أبو الفتح: هذا مصدر على فعلى، كأخواته من: الرجعى، والحسنى، والبؤسى والنعمى. وعليه ما حكاه أبو الحسن من قراءة بعضهم: "وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنى2" كقولك: عرفا3.
__________
1 سورة الشمس: 11.
2 سورة البقرة: 83، وتنسب هذه القراءة إلى الحسن، كما في الاتحاف: 86.
3 عرفا أي معروفا تفسير لحسنى، وليست موازنة لها كما لا يخفى، فوزنها فعلى كالعقبى والبشرى. وهي على هذه القراءة صفة لمحذوف، أي: كلمة أو مقالة حسنى. وتكون حينئذ أما اسم تفضيل نكرة استعمل استعمال المعرفة شذوذا، والقراءة من الشواذ. وقد ورد اسم التفضيل المنكر كذلك في الشعر، كقول بشامة بن حزن النهشلي:
وإن دعوت إلى جلى ومكرمة ... يوما سراة كرام الناس فادعينا
وأما أنها فارقت معنى التفضيل فصارت بمعنى حسنة. وانظر البحر: 1: 285، 286، والحماسة: 34، واللسان "بها".(2/363)
سورة الليل:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ: "وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى والذَّكَرَ وَالْأُنْثَى" بغير "ما1" - النبي "صلى الله عليه وسلم" وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وأبو الدرداء وابن عباس، رضي الله عنهم.
قال أبو الفتح: في هذه القراءة شاهد لما أخبرنا به أبو بكر محمد بن الحسن عن أبي العباس أحمد بن يحيى من قراءة بعضهم: "وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى"، وذلك أنه جره لكونه بدلا من "ما"، فقراءة النبي "صلى الله عليه وسلم" شاهد بذلك.
__________
1 سورة الليل: 3، وفي البحر "8: 483" والثابت في مصاحف الأمصار والمتواتر: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} ، وما ثبت في الحديث من قراءة: "والذَّكَرَ وَالْأُنْثَى" نقل آحاد مخالف للسواد، فلا يعد قرآنا.(2/364)
سورة الضحى:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ: "مَا وَدَّعَك1"، خفيفة - النبي "صلى الله عليه وسلم" وعروة بن الزبير.
قال أبو الفتح: هذه قليلة الاستعمال. قال سيبويه: استغنوا عن وذر وودع بقولهم: ترك2، وعلى أنها قد جاءت في شعر أبي الأسود، قال: وأنشدناه أبو علي:
ليت شعري عن خليلي ما الذي ... غاله في الحب حتى ودعه3
__________
1 سورة الضحى: 3.
2 عبارة سيبويه: كما أن يدع ويذر على ودعت، ووذرت، وأن لم يستعمل "الكتاب: 2: 256".
3 ينسب أيضا لأنس بن زنيم في أبيات قالها لعبيد الله بن زياد. وانظر شرح شواهد الشافية: 53، والخصائص: 1: 99.(2/364)
إلا أنهم قد استعملوا مضارعة، فقالوا: يدع. ويروى بيت الفرزدق:
وعض زمان يا بن مروان لم يدع ... من المال إلا مسحتا أو مجلف1
على ثلاث أصرب: لم يدع، ولم يدع -بكسر الدال، وفتح الياء- ولم يدع، بضم الياء.
فأما يدع -بفتح الياء والدال- فهو المشهور، وإعرابه أنه لما قال: لم يدع من المال إلا مسحتا دل على أنه قد بقى، فأضمر ما يدل عليه القول، فكأنه قال: وبقى مجلف.
وأما يدع -بفتح الياء وكسر الدال- فهو من الاتداع، كقولك: قد استراح وودع، وهو وادع من تعبه. فالمسحت -على هذه الرواية- مرفوع بفعله، ومجلف معطوف عليه، وهذا ما لا نظر فيه لوضوحه.
وأما يدع -بضم الياء- فقياسه يودع، كقول الله "تعالى": {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ 2} ، ومثله يوضع، والحديد يوقع، أي: يطرق، من قولهم: وقعت الحديدة، أي: طرقتها. قالوا: إلا أن هذا الحرف كأنه -كثرة استعماله- جاء شاذا، فحذفت واوه تخفيفا، فقيل: لم يدع3، أي: لم يترك، والمسحت والمجلف جميعا مرفوعان أيضا، كما يجب.
__________
1 من قصيدة في مدح عبد الله بن مروان، وقبله:
إليك أمير المؤمنين رمت بنا ... شعوب النوى والهوجل المتعسف
والهوجل: المفازة البعيدة لا علم بها. والمسحت: المبدد. والمجلف: الذي أخذ من جوانبه، والذي بقيت منه بقية. ويروى مجرف مكان "مجلف"، من جرفه: إذا ذهب به كله، أو أخذه أخذ كثيرا. وانظر ديوان الشاعر: 556، والنقائض 2: 556، والخصائص 1: 99.
2 سورة الإخلاص: 3.
3 كذا في ك، وفي الأصل: يودع، وهو تحريف.(2/365)
سورة ألم نشرح:
بسم الله الرحمن الرحيم
الخليل بن أسد النوشحاني قال حدثنا أبو العباس العروضي قال: سمعت أبا جعفر المنصور يقرأ: "أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَك1".
قال ابن مجاهد: وهذا غير جائز أصلا، وإنما ذكرته لتعرفه.
قال أبو الفتح ظاهر الأمر ومألوف الاستعمال ما ذكره ابن مجاهد، غير أنه قد جاء2 مثل هذا سواء في الشعر. قرأت على أبي علي في نوادر أبي زيد: [167ظ] .
من أي يومي من الموت أفر ... أيوم لم يقدر أم يوم قدر3
قيل: أراد: لم يقدر، بالنون الخفيفة، وحذفها. وهذا عندنا غير جائز، وذلك أن هذه النون للتوكيد، والتوكيد أشبه شيء به الإسهاب والإطناب، لا الإيجاز والاختصار. لكن فيه قول ذو صنعة، وقد ذكرته في كتابي الموسوم بسر الصناعة4.
__________
1 سورة الشرح: 1.
2 سقط "قد جاء" في ك.
3 انظر النوادر: 13، والخصائص: 3: 94.
4 انظر سر الصناعة 1: 85، 86 والخصائص 3: 95، وقد تكلف أبو الفتح في تخريج البيت كثيرا، ولذا أغفلنا نقله. ويعزو الزمخشري في الكشاف "2: 551" هذه القراءة إلى أبي جعفر المنصور، ويقول عنها: لعله بين الحاء واشبعها في مخرجها، فظن السامع أنه فتحها. ويقول أبو حيان في البحر "8: 488" ولهذه القراءة تخريج أحسن من هذا كله، وهو أنه لغة لبعض العرب حكاها اللحياني في نوادره، وهي الجزم بلن والنصب بلم عكس المعروف عند الناس، وأنشد قول عائشة بنت الأعجم تمدح المختار بن أبي عبيد.
قد كاد سمك الهدى ينهد قائمه ... حتى أتيح له المختار فانعمدا
قد كاد سمك الهدى ينهد قائمه ... ولم يشاور في أقدامه أحدا(2/366)
وفي نوادر أبي زيد أيضا بيت آخر، ويقال: إنه مصنوع، وهو قوله:
إضرب عنك الهموم طارقها ... ضربك بالسيف قونس الفرس
فقالوا: أراد: اضربا، بالنون الخفيفة، وحذفها.
وقرأ أنس فيما رواه أبان عنه: "وحططنا عَنْكَ وِزْرَكَ2"، قال: قلت يا أبا حمزة! "ووضعنا"، قال: وضعنا وحللنا وحططنا عنك وزرك سواء. إن جبريل أتى النبي "صلى الله عليه وسلم" فقال: اقرأ على سبعة أحرف، ما لم تخلط مغفرة بعذاب، أو عذابا بمغفرة.
قال أبو الفتح: قد سبقت مثل هذه الحكاية سواء عن أنس3، وهذا ونحوه هو الذي سوغ انتشار هذه القراءات4، ونسأل الله توفيقا.
سورة التين
لا شيء فيها
سورة اقرأ
مثله
__________
1 في النوادر "13": قال أبو حاتم: أنشد الأخفش بيتا مصنوعا لطرفة، وأنشد البيت كما هنا. ويروى "بالسوط" مكان بالسيف. وقونس الفرس: ما بين أذنيه، وقيل: مقدم رأسه. وانظر الخصائص 1: 126، واللسان "قنس"، والبيت في ديوان طرفة "195" من أبيات من الشعر المنسوب إليه.
2 سورة الشرح: 2.
3 انظر الصفحة 336 من هذا الجزء.
4 أي مع ارتفاعها كلها إلى الرسول، صلوات الله عليه.(2/367)
سورة القدر:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ: "مِنْ كُلِّ امْرٍئ سَلامٌ1" - ابن عباس وعكرمة والكلبي.
قال أبو الفتح: أنكر أبو حاتم هذه القراءة، على أنه حكى عن ابن عباس أنه قال: يعني الملائكة، قال: ولا أدري ما هذا المذهب؟ قال: وإنما هو: "تنزل الملائكة فيها كل أمر"، كقوله "تعالى": {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ 2} . و {مِنْ كُلِّ أَمْر} ، فتم الكلام، فقال: "سلام"، أي: هي سلام إلى أن يطلع الفجر.
وقال قطرب: معناه هي سلام من كل أمر وامرئ، ويلزم على قول قطرب أن يقال: فكيف جاز أن يقدم معمول المصدر الذي هو "سلام" عليه وقد عرفنا امتناع جواز تقديم صلة الموصول أو شيء منها عليه؟
والجواب أن "سلاما" في الأصل -لعمري- مصدر، فأما هنا هو موضوع موضع اسم الفاعل الذي هو سالمة، أو المفعول الذي هو مسلمة، فكأنه قال: من كل امرئ سالمة3 هي، أو مسلمة4 هي، أي: سالمة، فهذا طريق هذا.
__________
1 سورة القدر: 4، 5.
2 سورة الدخان: 4.
3 فيكون "السلام" حينئذ مصدر سلم.
4 وتكون "السلام" حينئذ اسم مصدر لسلم المضعف.(2/368)
سورة لم يكن:
بسم الله الرحمن الرحيم
قال عامر بن عبد الواحد: سمعت إماما لأهل مكة يقرأ: "أُولَئِكَ هُمْ خِيَارُ الْبَرِيَّةِ1".
قال أبو الفتح: يجوز أن يكون خيار، جمع خير، فيكسر فيعل على فعال، كما كسر فاعل على فعال، نحو صائم وصيام، وقائم وقيام، ونظيره كيس، وكياس.
ويجوز أن يكون جمع خائر، كقولك: خرت الرجل فهو مخير، وأنا خائر له، فيكون على هذا أيضا كقائم وقيام.
ويجوز أن يكون جمع خبر الذي هو ضد الشر، كقولك: هذا الرجل مجبول من خير، ومطين2 من عقل.
ويجوز وجه غير هذه، وهو أن يكون جمع خير من قولك: هذا خير من هذا3 وأصله أفعل: أخير، فيكسر على فعال. فقد جاء تكسير أفعل فعالا، قالوا: أبخل وبخال.
سورة الزلزلة:
لا شيء فيها
__________
1 سورة البينة: 7.
2 مطين: مخلوق، ومجبول، فمن معاني الطين الخلقة والجبلة.
3 في ك: من كذا.(2/369)
سورة العاديات:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ: "فَأَثَرْنَ بِه1"، مشددة الثاء أبو حيوة.
قال أبو الفتح: هذا كقولك: أرين، وأبدين2 نقعا، كما يؤثر الإنسان النفس وغيره، مما يبديه للناظر. [168و] وليس "أثرن" من لفظ أثرن خفيفة، بل يكون من لفظ أث ر، وأثرن خفيفة من لفظ ث ور.
وقرأ: "فَوَسَطْن3 بِهِ"، مشددة - علي بن أبي طالب وابن أبي ليلى وقتادة.
قال أبو الفتح: أي: أثرن باليد نقعا، ووسطن بالعدو جمعا. وأضمر المصدر لدلالة اسم الفاعل عليه، كما أضمر لدلالة الفعل عليه في قوله: من كذب كان شرا له، أي: كان الكذب شرا له، وقول الآخر:
إذا نهى السفيه جرى إليه ... وخالف والسفيه إلى خلاف4
أي: جرى إلى السفه، وأضمره لدلالة السفيه عليه.
فأما "وَسَّطْنَ"، بالتشديد فعلى معنى ميزن به جمعا، أي: جعلنه شطرين: قسمين: شقين. ومعنى وسطنه: صرن في وسطه، وإن كان المعنيان متلاقيين، فإن الطريقين مختلفان:
__________
1 سورة العاديات: 4.
2 قال الزمخشري في الكشاف "2، 556" لأن التأثير فيه معنى الإظهار، أو قلب ثورن إلى وثرن، وقلب الواو همزة.
3 سورة العاديات: 5.
4 انظر الصفحة 170 من الجزء الأول.(2/370)
ومعنى "وسطن"، خفيفة كمعنى توسط، ألا ترى إلى قوله:
فتوسطا عرض السرى وصدعا ... مسجورة متجاورا قلامها1
ووسطنه -مشددة- أقوى معنى وسطنه مخففا، لما مع التشديد من معنى التكثير والتكرير
سورة القارعة:
لا شيء فيها
__________
1 البيت للبيد من معلقته، وروى "فرمى بها" مكان فتوسطا. وضمير "فتوسطا" للعير وأتانه في الأبيات السابقة. والعرض: الناحية. والسرى: النهر الصغير، والجمع الأسرية. والتصديع: التشقيق. ومسجورة مملوءة، يريد: عينا مملوءة، فحذف الموصوف لدلالة صفته عليه. والقلام: ضرب من النبت، وقيل: هو القصب. يقول: إن العير وأتانه قد وردا عينا ممتلئة ماء، وقد كثر من حولها القلام وتجاور، فدخلا إليها من عرض نهرها. وانظر ديوان الشاعر: 307، وشرح المعلقات السبع للزوزني: 102، واللسان "صدع".(2/371)
سورة التكاثر:
بسم الله الرحمن الرحيم
روى عن الحسن وأبي عمرو -واختلف عنهما- أنهما همز "لَتَرَؤنَّ الْجَحِيمَ، ثُمَّ لَتَرَؤنَّهَا1".
قال أبو الفتح: هذا على إجراء غير اللازم مجرى اللازم، وله باب في كتابنا الخصائص2، غير أنه ضعيف مرذول. وذلك أن الحركة فيه لالتقاء الساكنين، وقد كررنا في كلامنا أن أعراض التقاء الساكنين غي محفول بها، هذا إذا كانا في كلمتين، إلا أن الساكنين هنا مما هو جار مجرى الكلمة الواحدة.
ألا ترى أن النون تبنى مع الفعل كخمسة عشر، وذلك في قولك: لأفعلن كذا؟ فمن ههنا ضارعت حركة نون أين، وفاء كيف، وسين أمس، وهمزة هؤلاء، وذال منذ. وكل واحدة من هذه الحركات معتدة، وإن كانت لالتقاء الساكنين.
ألا ترى أنهم احتسبوها، وأثبتوها، وجعلوا ما هي فيه مبنيا عليها؟ وهذه الحركات -لما ذكرنا من كونها في كلمة واحدة- أقوى من حركات التقائهما في المنفصلين.
__________
1 سورة التكاثر: 6، 7.
2 الخصائص: 3: 87.(2/371)
ألا ترى إلى إجتماعهم على أنه لم يبن فعل على الكسر، هذا مع كثرة ما جاء عنهم من نحو "قُمِ اللَّيْل1" و"قُلِ اللَّهُم2"، وقول الشاعر:
زيادتنا نعمان لا تحرمننا ... تق الله فينا والكتاب الذي تتلو3
وسبب ترك اعتدادهم بها كون الساكنين من كلمتين، وكذلك أيضا قولهم: لا ضم في الفعل، وقد قرئ: "قُمِ اللَّيْل4"، وهذا واضح. فإذا ثبت بذلك الفرق بين حركتي التقاء الساكنين وهما متصلان وبينهما وهما منفصلان سكنت إلى همز الواو من قوله: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيم} و {لَتَرَوُنَّهَا} ، فاعرف ذلك؛ فإن جميع أصحابنا تلقوا همزة هذه الواو بالفساد، وجمعوا بينها وبين همز الواو من قوله: "اشْتَرَءوُا الضَّلالَة5" فيمن همز الواو، وهذه لعمري قبيحة؛ [168ظ] لأن الساكنين من كلمتين، فلذلك فرق ما بين الموضعين.
سورة والعصر:
لا شيء فيها
سورة الهمزة:
مثله
__________
1 سورة المزمل: 2، والقراءة بالفتح لطلب الخفة كما في البحر: 8: 360.
2 سورة آل عمران: 26.
3 لعبد الله بن همامخ السلولي، وبعده:
أيثبت ما زدتم وتلقى زيادتي ... دمي أن أسيغت هذه لكم بسل
بسل: حلال، وهي أيضا الحرام، للواحد والجمع والمذكر والمؤنث. ويروى "تنسينها" مكان "تحرمننا"، و"خف" مكان "تق"، ويروى
.. لا تنسيها اتـ ... ـق الله فينا..
وانظر النوادر: 4، والخصائص 2: 286، 3: 89، واللسان "وقى"، و"بسل".
4 هي قراءة أبي السمال، وضمت الميم اتباعا لحركة القاف. وانظر البحر 8: 360.
5 سورة البقرة: 16.(2/372)
سورة الفيل:
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأ أبو عبد الرحمن: "أَلَمْ تَرَ كَيْف1"، ساكنة الراء.
قال أبو الفتح: هذا السكون إنما بابه الشعر، لا القرآن؛ لما فيه من استهلاك الحرف والحركة قبله، يعني الألف والفتحة من "ترا" أنشد أبو زيد في نوادره:
قالت سليمى اشتر لنا سويقا2
يريد: اشتر، فحذف الياء من يشتري والكسرة وفيها أيضا:
قالت له كليمة تلجلجا ... لو طبخ النئ بها لأنضجا
يا شيخ لا بد لنا أن نحججا ... قد حج في ذا العام من كان رجا
فاكتر لنا كرى صدق فالنجا ... واحذر فلا تكثر كريا أعوجا
علجا إذا ساق بنا عفنججا3
فحذف كسرة "اكتر" في الموضعين جميعا كما ترى.
وروينا عن أبي بكر محمد بن الحسن بن يعقوب بن مقسم:
ومن يتق فإن الله معه ... ورزق الله مؤتاب وغادي3
يريد: "يتق"، فحذف الكسرة بعد الياء.
وقرأ أبو المليح الهذلي: "فَتَرَكَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ4".
__________
1 سورة الفيل: 1.
2 انظر الصفحة 360 من الجزء الأول.
3 انظر الصفحة 361 من الجزء الأول.
4 سورة الفيل: 5.(2/373)
قال أبو الفتح: هذا على إقامة المسبب مكان السبب، إذ المراد به معنى القراءة العامة: {فَجَعَلَهُم} ، وذلك أنه ليس كل من جعل شيئا على صورة تركه عليها، بل قد يجوز أن يجعله عليها، ثم ينقله عقيب جعله إياه عنها. فقوله "تعالى": "فتركهم1" يدل على أنه بقاهم على ما أصارهم إليه، من الإجحاف بهم وغلظ المنال منهم، كذا توجب اللغة.
ثم إنه قد يجوز مع هذا أن يريد به معنى الجعل الذي من حصل عليه كان معرضا لبقائه بعد على تمادي الحال به.
وقرأ: "تَرَؤنَّ2" بالهمز ابن أبي إسحاق والأشهب العقيلي.
قال أبو الفتح: قد فرط. آنفا من القول على همز هذه الواو ما فيه كاف بمشيئة الله3.
سورة قريش:
لا شيء فيها
__________
1 في ك: تركهم.
2 كذا في نسختي الأصل، وليس في سورة الفيل من أفعال الرؤية سوى قوله تعالى: {أَلَمْ تَر} ، وقد بدأ أبو الفتح بها كلامه على السورة.
3 انظر الصفحة 371 من هذا الجزء.(2/374)
سورة أرأيت:
بسم الله الرحمن الرحيم
أبو رجاء: "الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيم1".
قال أبو الفتح: معناه -والله أعلم- يعرض عنه ويجفوه، فهو صائر إلى معنى القراءة العامة: {يَدُعُّ الْيَتِيم} ، أي: يدفعه، ويجفوه عليه.
سورة الكوثر:
لا شيء فيها
سورة الكافرون: 2
كذلك
سورة النصر: 3
كذلك
__________
1 سورة الماعون: 2.
2 كذا في ك، وفي الأصل: الكافرون.
3 كذلك في ك، وفي الأصل: النصر.(2/374)
سورة تبت: 1
بسم الله الرحمن الرحيم
ابن مسعود: "ومريئته حَمَّالَةَ للْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ2".
قال أبو الفتح: "حمالة" خبر عن "مريئته"، و"حبل": غليظ، ومنه قولهم: رجل حبل الوجه، أي: الغليظ بشرته. وحبل الرأس: أي قوى غليظ. وكذلك قوله: {حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} ، أي: غليظ من ذلك. وقيل: المسد: سلسلة في النار. وقيل: المسد: ليف المقل.
سورة الإخلاص: 3
لا شيء فيها
__________
1 كذا في ك، وفي الأصل: تبت.
2 سورة المسد: 4، 5.
3 كذا في ك، وفي الأصل: الإخلاص.(2/375)
سورة الفلق والناس:
بسم الله الرحمن الرحيم
لم يختلف الناس في {مَلِكِ النَّاس 1} أنها بغير ألف.
قال أبو الفتح: ينبغي أنه يكون -والله أعلم- إنما وقع الإجماع على ذلك لأنه من جملة الثناء على الله -سبحانه- بالربوبية والألهية، فكان معنى الملك أليق بالربوبية والإلهية من معنى الملك؛ إذ كل ملك مالك، وليس كل مالك ملكا، فكما يوفق بين الألفاظ. في القوافي والسجوع والمقاطع ينبغي أن يوفق أيضا بين المعاني.
ألا ترى إلى بعضهم قد سمع قارئا يقرأ. مبيض2 [196و]
صورة ما في آخر نسخة الأصل
كمل الكتاب المحتسب في تبيين وجوه شواهد القراءات والإيضاح عنها، تأليف أبي الفتح عثمان بن جني النحوي، رحمه الله. والحمد لله كثيرا على ذلك، وصلواته على خير خلقه، وعلى أهله وسلم تسليما.
كبته محمد بن الحسين بن محمد بن سعي المغربي الأندلسي بثغر ... 3 حرسه الله، فتم عشية يوم الأحد التاسع عشر من شهر المحرم عام ثمانية وعشرين وخمسمائة. نفعه الله به، وجميع من يقرؤه بمنه وطوله.
نقله من كتاب الفقيه المغربي أبي الحسين نصر بن عبد العزيز بن أحمد بن نوح الشيرازي وبخطه، وقرأه على علي بن زيد القاشاني، وكتب له القاشاني بالقراءة على ظهر الكتاب4 ... في ذي الحجة سنة إحدى عشرة وأربعمائة، وسمعه القاشاني من مؤلفه: شيخه أبي الفتح عثمان بن جني، رحمه الله عليهم أجمعين.
وهذه نسخة القراءة:
قرأ علي أبو الحسين نصر بن عبد العزيز بن أحمد بن نوح الشيرازي - أدام الله عزه وهذا الكتاب وهو المحتسب - وأنا أنظر في أصله المسموع من شيخنا أبي الفتح عثمان بن جني -رحمه الله- من أوله إلى آخره.
__________
1 سورة الناس: 2.
2 كذا في الأصل في ك: بياض الأصل.
3 كلمة لم نتبينها في مكان النقط.
4 كلمة أخرى لم نتبينها في مكان النقط.(2/376)
وكتب على بن زيد القاشاني بخطه في ذي الحجة سنة إحدى عشرة وأربعمائة، حامدا الله، ومصليا على النبي محمد وعلى آله، ومسلما1.
__________
1 ذيلت النسختان بالحكاية الآتية:
ذكر الشيخ أبو الفتح -رحمه الله- في آخر هذا الكتاب- حكاية هذا لفظها:
أخبرني من يعتادني للقراءة علي والأخذ عني، قال: رأيتك في منامي جالسا في مجلس لك على حال كذا، وبصورة كذا - وذكر من الجلسة والشارة جميلا- فإذا رجل له رواء ومنظر، وظاهر نبل وقدر - قد أتاك.
فحين رأيته أعظمت مورده، وأسرعت القيام له، فجلس في صدر مجلسك، قال لك: اجلس، فجلست. فقال كذا: شيئا ذكره، ثم قال لك: تمم كتاب الشواذ الذي عملته، فإنه كتاب يصل إلينا، ثم نهض.
فلما ولى سألت بعض من كان معه عنه، فقال: علي بن أبي طالب، صلوات الله عليه. قال الشيخ: وقد بقيت من نواحي هذا الكتاب أميكنات تحتاج إلى معاودة نظر، وأنا على الفراغ منها بإذن الله.
وقال بعد هذا: عاودتها، فصحت بلطف الله ومشيئته، وحسبنا الله ونعم المعين.(2/377)
استدراك على الجزء الأول من المحتسب:
نورد هنا مستدركات على شواهد الجزء الأول من المحتسب، وأخرى على نصه.
مستدركات الشواهد
وقفنا على بعض هذه المستدركات بعد طبع الجزء الأول، ونبهنا على بعضها الآخر صديقنا العالم المحقق الأستاذ علي السباعي. أحسن الله إليه، وجزاه عن العلم خيرا:
ص43
أمير المؤمنين على صراط ... إذا اعوج الموارد مستقيم
نسبه ابن جني إلى كثير، وهو لجرير من قصيدة في مدح هشام بن عبد الملك. الديوان: 507، والكامل للمبرد: 2: 212، وتفسير القرطبي: 1: 128. ولم نجده في ديوان كثير، وليس له قصيدة فيه على هذا الروي.
ص87
ما يحسن الرمان يجمع نفسه ... في قشره إلا كما نحن
رواه في المخصص "11: 140" ولم ينسبه، وقال: يصف مجمع قوم قد ضغطهم وضمهم، وروايته هناك: ما أحسب الرمان يجمع حبه ...
ص85
يبني تجاليدي وأقتادها ... ناو كرأس الفدن المؤيد
للمثقب العبدي. الأمالي: 1: 26، واللسان: أيد.
ص127
إذا تخازرت وما بي من خزر
رواه في الأماني "1: 96"، ولم ينسبه. وروى بعده:
ثم كسرت العين من غير عور(2/379)
ألفيتني ألوى بعيد المستمر ... أحمل ما حملت من خير وشر
وزاد في سمط اللآلي "299" بيتين على ما في الأمالي. ونسبه إلى أرطاة بن سهية. شاعر إسلامي، قال الشعر زمن معاوية، وبقى إلى زمن سليمان بن عبد الملك. وسهية أمه، وهي كليبة، وكانت أخيذة فغلبت عليه.
ص134
وكيف لنا بالشرب فيها وما لنا ... دوانيق عند الحانوي ولا نقد
والبيت مع بيت آخر في ذيل ديوان ابن مقبل، المقطعة: 19. وهما أيضا في مفردات ديوان ذي الرمة: 665، مع خلاف في الرواية
ص181
وأتى صواحبها فقلن هذا الذي ... منح المودة غيرنا وقلانا
والبيت لجميل، كما في اللسان: ذا
ص197
سأترك منزلي لبني تميم ... وألحق بالحجاز فأستريحا
البيت للمغيرة بن حبناء، كما في الدرر اللوامع: 1: 51، وحرقت فيه "حبناء" إلى حنين.
ص219
بضرب السيوف رءوس قوم ... أزلنا هامهن عن المقبل
البيت للمرار بن منقذ، كما في فرائد القلائد في مختصر الشواهد،: 250.
ص319
يأيها الفصيل المعني ... إنك ريان فصمت عني ...
للأخوص بن عبد الله الرياحي، كما في اللسان: ثنن.
ص340
إذا شرب المرضة قال أوكى ... على ما في سقائك قد روينا
لابن أحمر، كما في الصحاح، والأساس: رض.(2/380)
ص364
حلت عليه بالقطيع ضربا ... ضرب بعير السوء إذ أحبا
لأبي محمد الفقعسي، كما في الأصمعيات: 185، واللسان: 14: 79.
مستدركات النص:
عنى السيد الأستاذ أحمد راتب النفاخ بمعارضة بعض الجزء الأول من المحتسب بنسخة من الكتاب مصورة عن مخطوطة في مكتبة راغب بتركيا. ونشر فروق هذه المعارضة في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق في الأجزاء: الرابع من المجلد الثاني والأربعين، والأول، والثاني من المجلد الثالث والأربعين. ورمز لنسخته بالحرف "ت".
وقد ذهبت صفحة العنوان من مصورتنا المعتمدة للتحقيق بكثير من هذه الفروق؛ لغلبة التآكل عليها، وشيوع الطمس والغموض في رسمها.
ونورد هنا من الفروق ما رأيناه يقوم عبارة، أو يرد سقطا، أو يصحح محرفا في نسخ الأصل، أو في طبع المطبوع. أما ما لم نورده فبعضه صواب غفل عنه، وبعضه فروق من تلك التي تتعدد بتعدد نسخ الكتاب الواحد، دون أن تغير من النص شيئا.
وأنا لنشكر الأستاذ النفاخ جهده، ونثني على إخلاصه وحسن معاونته.
يوجد صورة في هذه الورقة(2/381)
يوجد بالصفحة جدولا يسحب سكانر(2/382)
فهرس الجزء الثاني من المحتسب:
سورة الحجر: 3-6
قوله تعالى: "سَكِرَتْ أبصارنا" مأخذ السكر، والمناسبة بينه وبين سكر العربة "3"
قوله تعالى: "صِرَاطٌ عَلِيٌّ مُسْتَقِيمٌ" ومعنى "عليّ" هنا "3"، تفسير أبي الحسن للآية على قراءة الجماعة "3".
قوله تعالى: "لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزٌّ مَقْسُومٌ": تخفيف همزة "جزء" وبيان كيف صارت "جُزٌّ" "4".
قوله تعالى: "لا تُوجَلْ"، ونقل "تُوجل" من "تَوْجل" "4".
قوله تعالى: "من القَنِطين"، وحذف ألف فاعل للتخفيف "4" وانظر الصفحة 171 من الجزء الأول، قد يكون "القنطين" من قَنِطَ يقنَطُ "5".
قوله تعالى: "ومن يَقْنُط": لغات قنط، وذكر نظائر لقنَط يقنَط "5".
قوله تعالى: "يَنْحَتُونَ": أجود اللغتين نحت ينحِت5 المقاربة بين الألفاظ والمعاني، وأمثلة لذلك "6".
قوله تعالى: "إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الخَالِقُ"، ووجه دلالة فَعَلَ على فَعَّلَ هنا "6".
سورة النحل: 7-13
قوله تعالى: "دِفُ"، وقراءة "دف" أقيس من قراءة "جُزّ"، وانظر ص4 من هذا الجزء.
قوله تعالى: "بِشَقِّ الْأَنْفُس"، ومعنى "الشق" بالفتح والكسر "7".
قوله تعالى: "لِتَرْكَبُوهَا زِينَةً"، وإعراب "زينة" من وجهين "8".(2/383)
قوله تعالى: "وَبِالنُّجُمِ هُمْ يَهْتَدُون"، وقوله: "وَبِالنُّجْمِ": أمثلة لفَعْل الذي كسر على فُعُل "8" قد يكون "النُّجُم" مقصورا من "النجوم" "8"، أمثلة من هذا القصر وشواهد له "8"، وانظر الصفحة 199 من الجزء الأول.
قوله تعالى: "إيان يُبْعَثُون"، واللغتان المسموعتان في "أيان" "9"، وانظر الصفحة 268 من الجزء الأول.
قوله تعالى: "فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السُّقْفُ مِنْ فَوْقِهِم"، وقوله "لِبُيُوتِهِمْ سُقْفًا"، انظر الصفحة "8" من هذا الجزء.
قوله تعالى: "إِنْ تَحْرَصْ": أعلى اللغتين حَرَصَ يحْرِص "9" اشتقاق الفعل من معنى السحابة الحارصة "9".
قوله تعالى: "لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً"، وقراءة "لَنُثْوِيَنَّهُمْ": وضع "حسنة" هنا موضع إحسان، ووجهه "9".
قوله تعالى: "تَتَفَيَّأُ ظُلَلَهُ"، وقراءة {ظِلالُهُ} : واحد "الظلل"، وواحد "الظلال" "10".
قوله تعالى: "تَجَرُون"، وكيف صارت "تجأرون" إلى "تَجَرُون"؟ "10"، وانظر الصفحة 7 من هذا الجزء.
قوله تعالى: "ثُمَّ إِذَا كَاشَفَ الضُّرَّ": مجيء فاعل بمعنى فعل، وأمثلة لذلك "10".
قوله تعالى: "فَيُمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُون": إعراب الآية "11".
قوله تعالى: "وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ": إعراب الآية على هذه القراءة وقراءة الجماعة "11".
قوله تعالى: "سَيْغًا"، وقراءة الناس {سَائِغًا} : سَيْغ مخفف سَيِّغ، ولم لا يكون على فعْل في الأصل؟ "11".
قوله تعالى: "أَيْنَمَا يُوَجِّهْ"، وروي "يُوَجَّهْ": إعراب الآية ومعناها على القراءتين "11".
قوله تعالى: "بَشَرٌ الِلسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ": معنى الآية على هذه القراءة وقراءة الجماعة وإعرابها "12"، الفرق بين الأعجمي والعجمي "12".
قوله تعالى: "أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبِ"، وقرئ: "الكُذُبَ"، وقرئ: "الكُذُبُ"، وتوجيه الآية على هذه القراءات "12".
قوله تعالى: "وَإِنْ عَقَّبْتُمْ فَعَقِّبُوا" وتفسير الآية على هذه القراءة مع الاستشهاد له "13".(2/384)
سورة بني إسرائيل: 14-23
قوله تعالى: {ذُرِّيَّة} "14"، وانظر الصفحة 156 وما بعدها من الجزء الأول.
قوله تعالى: {لَتَفْسَدُنَّ} وقرئ "لَتَفْسُدُنَّ"، وشهادة إحدى القراءتين للأخرى "14".
قوله تعالى: {عَبِيدًا لنا} ، وكثرة استعمال العبيد للناس والعباد لله "14".
قوله تعالى: {فَحَاسُوا} ومعنى تخير بعض القراءة بلا رواية "15".
قوله تعالى: {لنسوءًا} ووجه كون اللام للأمر "15".
قوله تعالى: {آمَرْنا} وبقية القراءات فيه "15"، وجهان لاستعمال مأمورة مكان مؤمرة في حديث خير المال ... "16"، الغدايا جمع غَدِيَّة عند ابن الأعرابي "16"، مأخذ "أمرنا" من أمِر، أو أمَر ومعنى اللفظين "17"، تفسير أبي عمرو لـ"أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا" "17" مقاربة "أم ر" لمعنى "ع م ر" "17".
قوله تعالى: "أُفٌّ" وبيان لغاتها الثمان "18".
قوله تعالى: "جَنَاحَ الذِّلِّ" ووجه استعمال "الذِّلِّ" للدابة، و"الذُّلِّ" للإنسان "18"، أمثلة توضح دلالة الحركات على وجه التفرقة في الاستعمال "19".
قوله تعالى: "خَطَاءً" وبقية قراءاته "19"، توجيه كل قراءة "20".
قوله تعالى: "فَلا يُسْرِفُ فِي الْقَتْلِ" ومجيء الخبر بمعنى الأمر "20"، يمكن جعل المعنى على ما دون الأمر "20".
قوله تعالى: "وَالْبَصَرَ وَالْفَوَادَ" ووجه فتح الفاء ووجود الواو بعدها "21".
قوله تعالى: "صَرَفْنَا" ومجيء فعَل بمعنى فعَّل "21"، وانظر الصفحة 81 من الجزء الأول والصفحة 6 من هذا الجزء.
قوله تعالى: "لِلْمَلائِكَةُ اسْجُدُوا" "21"، وانظر الصفحة 71 من الجزء الأول.
قوله تعالى: "بِخَيْلِكَ وَرَجِلِك" والرجِل بمعنى الرجال "22". هل رجْل جمع راجل أو اسم جمع؟ "22".(2/385)
قوله تعالى: "يَوْمَ يُدْعَوْ كُلُّ أُنَاسٍ" ولغة إبدال الألف واو في الأصل "22"، لغة إبدال الألف ياء تؤيد يونس أن ياء لبيك ألف "22".
قوله تعالى: "وَقُرْآنًا فَرَّقْنَاه" ومعنى الآية على التفصيل والنزول شيئا بعد شيء "23".
سورة الكهف: 24-35
قوله تعالى: "كَبُرَتْ كَلِمَةٌ" وإطلاق الكلمة على الكلام كإطلاق الواحد على جنسه "24"، شاهد من فصاحة الحجاج "24".
قوله تعالى: "بِوِرْقكُّمْ" وتوجيه القراءة على الإخفاء لا الإدغام "24". من عادة القراء التعبير عن المخفي بالمدغم "24". قراءة "بِوِرْقكُّمْ" على الإدغام لا نظر في جوازها "25".
قوله تعالى: "تَزْوارُّ": افعال قليل في غير الألوان "25" مجيء افعلّ -وهو مقصور- من افعالّ في غير الألوان "25".
قوله تعالى: "وَتَقَلُّبَهُمْ" وإعراب الآية على هذه القراءة "26".
قوله تعالى: "ثَلاتٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ" وإدغام الثاء في التاء لقربها منها "26".
قوله تعالى: "خَمَسَةَ" وإتباع خمسة لعشرة في التحريك "27".
قوله تعالى: "وَلا تُعْدِ عَيْنَيْكَ" ونقل تعدي من تعدو "27.
قوله تعالى: "مَنْ أَغْفَلَنَا قَلْبُهُ" وهمزة "أغفلنا" للمصادفة "28". معنى الآية على هذا الاعتبار "28".
قوله تعالى: "مِنْ سُنْدُسٍ وَاسْتَبْرَقَ" والتسمية بالفعل مع احتماله للضمير "29".
قوله تعالى: "لَكِنْ أَنَا هُوَ اللَّهُ رَبِّي" كيف أن هذه القراءة أصل قراءة "لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي" "29" وجه استغناء خبر ضمير الشأن عن الرابط مع أنه جملة "30"
قوله تعالى: "مَجْمِعَ الْبَحْرَيْن" ومجيء المفْعِل مكان المَفْعَل في اسم المكان "30".
قوله تعالى: "جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يُنْقَضَ" وبقية قراءات الآية "31". حسن موقع "يريد" هنا ووجهه "31". و"يَنْقَضّ" يحتمل أن يكون ينفعل من القضَّة أو يفْعَلّ من نَقَضْت "32". توجيه قراءة "يُرِيدُ ليُنْقَضَ" "32".(2/386)
قوله تعالى: "وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَانِ" وأوجه إعراب الآية "33".
قوله تعالى: "الصَّدُفَيْنِ" ولغات الكلمة "34".
قوله تعالى: "أَفَحَسْبُ الَّذِينَ"، تفسير الآية على هذه القراءة، والفرق بينها وبين قراءة الجماعة في المعنى "34".
قوله تعالى: "وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مِدَادًا" وإعراب الآية "35".
سورة مريم: 36-46
قوله تعالى: "كافْ هَا يَا عَين صَاد" وبقية قراءاته "36"، الإمالة والتفخيم في الحروف ضرب من الاتساع "36"، سر دخول التصرف فيها "36"، إذا وقعت الألف عينا وجهلت عدت منقلبة عن الواو "36"، أمثلة لذلك "37".
قوله تعالى: "ذَكَّرَ رَحْمَة رَبِّكَ"، وإعراب هذه القراءة وقراءة الجماعة "37".
قوله تعالى: "خَفَّتِ الْمَوَالِي"، تفسير الآية على هذه القراءة "37"، كلام عن الحال المتوقعة "37.
قوله تعالى: "يَرِثُنِي وَارثٌ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ" وكلام عن التجريد "38".
قوله تعالى: "الْكِبَرِ عَتِيًّا"، وقوله: "أَوْلَى بِهَا صَلِيًّا" والرد على قول ابن مجاهد: لا أعرف لهما في العربية أصلا "39".
قوله تعالى: "فَأَجَأها"، وتخريج هذه القراءة "39".
قوله تعالى: "نَسْئًا" وتفسير أبي زيد لنسئ "40"، معنى الآية على تفسيره "40".
قوله تعالى: "يُسَاقِط" والفرق بين يساقط ويسقط "41".
قوله تعالى: "رُطَبًا جِنِيًّا": اتباع فتحة الجيم كسرة النون "41"، إجراء الشيء مجرى نقيضه "41".
قوله تعالى: "فَإِمَّا تَرَيِنَ" وقرئ "تَرَئِنَّ" ضعف الهمز هنا ووجهه "42"، الكوفيون يحكون الهمز في الآية "42"، ثبوت نون الرفع مع الجازم لغة "42".
قوله تعالى: "وبِرًّا"، والعطف على موضع الجار والمجرور "43".
قوله تعالى: "وريًِا"، والري إما فعل من رأيت أو من رويت "44". توجيه "ريا" بعد ذلك من طريقين "44". توجيه قراءة "وزيا" "45".(2/387)
قوله تعالى: {كلا سيكفرون} ، وإعراب الآية، وبيان موطن الوقف فيها "45".
قوله تعالى: {شيئا أدا} : معنى الأد، وكلام عن الوصف بالمصدر "46".
سورة طه: 47-60
قوله تعالى: {طاوي} "47".
قوله تعالى: {أخفيها} : أخفيت بمعنى كتمت وأظهرت، وخفيت أظهرت فقط "47"، شواهد ذلك "48"، بم يتعلق "ليجزي" على أخفيت بمعنى كتمت وأخفيت بمعنى أظهرت؟ "48".
قوله تعالى: {وهي عصاي} ، وقراءة "عصاي": كسر الياء هنا ثقيل وله مع ذلك وجه "49" أمثله منه "49"، الرد على ابن مجاهد في اعتبار كسر ياء غلامي ككسر ياء عصاي "49".
قوله تعالى: "وأهس"، وقرئ "وأهش" توجيه القراءة الأخيرة من طريقين "50" أمثلة من فعل يفعل المضعف المتعدي "50"، وانظر الصفحة 136 من الجزء الأول معنى الآية على قراءة "أهس" ووجه تعدية "أهس" بعلى "51".
قوله تعالى: {ولتصنع على} ، وقرئ "ولتصنع": الفرق بين لامي "ولتصنع" و"فبذلك فلتفرحوا" "51"، بين "ولتصنع" وقوله "ولتصنع" "52".
قوله تعالى: {أن يفرط} ، ونقل "يفرط" من "يفرط" "52".
قوله تعالى: {مكانا سوى} ومنع تنوين "سوى" يحمل على الوقف عليه "52".
قوله تعالى: {يوم الزينة} : موقع "يوم" من "موعدكم" قبله "53"، موقع {وأن يحشر الناس} بحتمل وجهين "53"، امتناع عطف الشيء على نفسه "53"، توجيه {يوم الزينة} برفع يوم "54"، المصدر الصريح أشبه بالظرف من أن وصلتها "54".
قوله تعالى: {وأن يحشر الناس ضحى} ، ومرجع ضمير {يحشر} "54".
قوله تعالى: {تخيل} ، وإبدال "أنها تسعى" من ضمير "تخيل" "55".
قوله تعالى: "فقبصت قبصة" وقرئ "قبصة": الفرق بين "القبض" و"القبص" من دلائل تقارب الألفاظ لتقارب المعنى "55"، معنى "قبصة" "56"(2/388)
قوله تعالى: {لا مساس} ، وتخريجه على الحكاية بالقول "56"، إرادة اللفظ مع عدم التصريح به "57".
قوله تعالى: {لن نخلفه} ، وقرئ "لن يخلفه"، ومعنى القراءتين "57".
قوله تعالى: {لنحرقنه} ، ومعنى هذه القراءة "58".
قوله تعالى: {وسع كل شيء علما} ، وتفسير الآية على هذه القراءة "59".
قوله تعالى: {في الصور} ، والصور جمع صورةن وقد يقال صير "59".
قوله تعالى: {أو يحدث لهم ذكرا} والتسكين هنا للتخفيف "59".
قوله تعالى: {فنسي} ، ووجه سكون الياء "60"، وانظر الصفحة 126 من الجزء الأول.
قوله تعالى: {ونحشره يوم القيامة أعمى} ، وجزم "نحشره" للعطف على جواب الشرط قبله "60".
سورة الأنبياء: 61-71
قوله تعالى: {هذا ذكر من معي وذكر من قبلي} ، دلالة هذه القراءة على اسمية "مع" "61".
قوله تعالى: {الحق فهم معرضون} ، وبيان موضع الوقف في الآية وفي التي قبلها "61".
قوله تعالى: {فذلك نجزيه} ، ورد "نجزيه" إلى نجزي به ثم بيان التغيرات التي دخلته "62".
قوله تعالى: {رتقا} ، وكثرة ما ورد من المصادر على فعل واسم المفعول منه على فعل "62"، وقراءة "رتقا" وضع فيها المصدر موضع اسم المفعول "62"، أمثلة من المصدر الذي على فعل واسم المفعول الذي فعل "63" تعاقب فعل وفعل على المعنى الواحد "63" العدول بفعل إلى فعل تارة، وفعل أخرى "63"، أمثلة مما فيه ثلاث لغات "63".
قوله تعالى: {آتينا بها} ، ووجه جعل "آتينا" فاعلنا لا أفعلنا "63".
قوله تعالى: {الفرقان ضياء} ، وإعراب الآية على هذه القراءة "64".
قوله تعالى: {فجعلهم جذاذا} ، ولغات "جذاذا" "64".
قوله تعالى: {أمتكم أمة واحدة} ، وإعراب الآية على هذه القراءة "65".
قوله تعالى: {وحرم على قرية} ، وبقية القراءة "حرم" الخمس "65"، وتوجيه هذه القراءات "66".(2/389)
قوله تعالى: {من كل جدث ينسلون} ، والجدث والجدف لغتان في القبر "66" قد تكون فاء جدف بدلا من ثاء جدث "66".
قوله تعالى: {حصب جهنم} ، وقرئ "حضب"، و"حضب"، و"حطب" "66"، "حضب" و"حصب" من وضع المصدر موضع اسم المفعول "67" وانظر الصفحة 62 من هذا الجزء.
قوله تعالى: {السجل} ، وبقية قراءاته: معنى "السجل"، وهل هو عربي؟ "68".
قوله تعالى: {وإن أدري} ، وإنكار ابن مجاهد تحريك الياء "68"، وبين ياء أدري وياء غلامي "68"، أمثلة من الشبيه الذي جرى عليه حكم شبيهه "68".
قوله تعالى: {قل رب احكم} ، وضعف حذف حرف النداء مع ما يجوز أن يكون وصفا لأي "69" وجه ضعف إعراب "هؤلاء" منادى من آية {هؤلاء بناتي هن أطهر" "69"، وجه احتمال الأمثال للضرورة كالشعر "70".
سورة الحج: 72-76
قوله تعالى: {وترى الناس سكرى وما هم بسكرى} : سمع سكران وسكرانة "72" فعلى في التكسير يختص به المبتلون، ووجه جمع سكران على فعلى "72"، وسكارى منحرف عن سكارين ثم صار سكارى ببعض التصريف "72"، دليل انحراف سكارى عن سكارين "73"، سكارى مفرد في ظاهره، وقد يكون جمع تكسير "73"، سكرى مفرد "74".
قوله تعالى: {وربأت} : ربأت غير ربت في المعنى "74"، طريق تلاقي الكلمتين في المعنى "74"، شواهد تؤيد تلاقي الكلمتين "75".
قوله تعالى: {خاسر الدنيا والآخرة} : إعراب الآية على هذه القراءة "75"، أمثلة للجمل الفعلية الواقعة بدلا من جواب الشرط "75".
قوله تعالى: {والدواب} : ضعف تخفيف الباء هنا قياسا وسماعا ووجهه "76"، أمثلة من التخفيف، لكن مثله أشبه بالشعر "77".(2/390)
قوله تعالى: {يحلون} : {يحلون} من حلي بمعنى ظفر "77"، وجه تلاوة {يحلون} و {يحلون} "77".
قوله تعالى: {ولؤلؤا"، والنصب هنا على إضمار فعل "78".
قوله تعالى: {وأذن في الناس} : إعراب الآية ووجه جزم {يأتوك رجالا} على هذه القراءة "78".
قوله تعالى: {رجالا} : بقية قراءات الآتية، وتوجيه كل منها "79".
قوله تعالى: {والمقيمي الصلاة} : حذف النون هنا للتخفيف "80"، لم كان الحذف في {المقيمي} أهون منه في {غير معجزي الله} ؟ "80"، أمثلة للحذفين "81".
قوله تعالى: {صوافن} ، وقرئ "صوافي"، والصوافن من أوصاف الخيل واستعمل هنا للإبل "81"، معنى "صوافي" وشاهده "82".
قوله تعالى: {القنع} وأصله القانع "82"، وانظر الصفحة 171 من الجزء الأول.
قوله تعالى: {والمعتري} ، ومعنى "المعتري" و"المعتر" "83".
قوله تعالى: {وصلوت} : بقية القراءات "83"، وجه اشتقاق الصلاة من الصلوين "84"، تصريف الكلمة في القراءات الأخرى "84".
قوله تعالى: {وبئر معطلة} ، ومأخذ "معطلة" من أعطلت منقولا من فعلت أو فعلت "85".
قوله تعالى: {فلا ينزعنك} : تفسير الآية على هذه القراءة "86"، بين هذه القراءة وقراءة "ينازعنك" "86".
سورة المؤمنين: 87-98
قوله تعالى: {عظما، فكسونا العظام} ، وقرئ: "عظاما فكسونا العظم": وقوع المفرد موقع الجمع "87" توجيه القراءتين والموازنة بينهما "87".
قوله تعالى: {تنبت بالدهن} : إعراب "بالدهن" على قراءات الآية "88"، مجيء أنبت بمعنى نبت "89" وجه ضعف أن يكون الباء زائدة "89".
قوله تعالى: {لعبرة تسقيكم} : لم لا تكون "تسقيكم" صفة لعبرة؟ "90"، أين يكون الوقف في الآية؟ "90"، من شواهد قوة مشابهة الظرف للفعل "90".(2/391)
قوله تعالى: {هيهات هيهات} : بقية القراءات وتوجيهها "90" متى تكتب تاء "هيهات" تاء ومتى تكتب هاء؟ "91"، وجه الوقف عليها بالتاء والهاء "92" ضعف كون لام "لما" زائدة ووجهه "93"، بعض ما نون وهو مبني على الضم "93"، أخذ اسم معرب من "هيهات" "93"، هيه وهيهات لفظان متقاربان "94".
قوله تعالى: {نسرع لهم} وبقية القراءات "94"، توجيه وإعراب "95".
قوله تعالى: {يأتون ما أتوا} : تفسير الآية "95"، سؤال عبيد الله بن عمير لعائشة عن أحب قراءة إليها للآية "95".
قوله تعالى: {أولئك يسرعون في الحيرات} ، ومعنى يسرعون ويسارعون "96".
قوله تعالى: {سمرا يهجرون} : السمر جمع سامر، وقد يكون السامر جمعا "96"، بين "تهجرون" و"تهجرون" "97".
قوله تعالى: {ولو اتبع الحق أهواءهم} : ضم هذه الواو قليل "97"، تشبيهها بواو الجمع يجعل الضم وجها "97"، التخلص من الساكنين بالحركات الثلاث ووجهه "97".
قوله تعالى: {بل أتيناهم نذكرهم} : بقية قراءات الآية "98"، تلافي المعاني في قراءاتها "98".
قوله تعالى: {ولا تكلمون أنه} : بقية قراءات الآية، وتأييد بعضها بعضا "98".
قوله تعالى: {عند ربه أنه لا يفلح الكافرون} وتفسير الآية على هذه القراءة "98".
سورة النور: 99-116
قوله تعالى: {سورة} : تخريج النصب من وجهين "99"، الرفع في قراءة الجماعة على الابتداء "100".
قوله تعالى: {الزاينة والزاني} : النصب هنا بفعل مضمر "100"، وجه دخول الفاء في قوله {فاجلدوا} "100" أوجه امتناع إعراب "فاجلدوا" وصفا "100".
قوله تعالى: {بأربعة شهداء} : متى تضاف الأعداد من الثلاثة إلى العشرة إلى الأوصاف؟ "101" "شهداء" على قراءة الجماعة مستعملة استعمال الأسماء "101". متى يحسن إقام الصفة مقام موصوفها؟ "101"، لم يقبح حذف الموصوف؟ "102"، قد يفيد الموصوف في صفته "102".(2/392)
قوله تعالى: {أن لعنة الله} ، و {وأن غضب الله} : توجيه هذه القراءة والقراءة الأخرى "102" الفرق بين اتصال إ، وأن بالاسم والخبر "103"، لم يجب تقدير اسم لأن المخفضة، ولا يجب لإن المخففة؟ "103".
قوله تعالى: {كبره} ، والفرق بين الكبر والكبر "104".
قوله تعالى: {إذ تلقونه} : بقية القراءات، ومعنى الآية على كل قراءة "104".
قوله تعالى: {ما زكا} بالإمالة: وجه إمالة الألف في الفعل مع انقلابها عن واو "105".
قوله تعالى: {خطوات} ، وقرئ "خطوات" "105"، وانظر الصفحة 117 من الجزء الأول.
قوله تعالى: {يتأل} ، ومعنى الآية على هذه القراءة "106".
قوله تعالى: {ولتعفوا ولتصفحوا} "106"، وانظر الصفحة 313 من الجزء الأول.
قوله تعالى: {يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق} ، وإعراب الآية "107".
قوله تعالى: {تستأذنوا} ، وقول ابن عباس: أخطأ الكاتب "107"، معنى "تستأذنوا" و"تستأنسوا" "108".
قوله تعالى: {من بعد إكراههن لهن غفور رحيم} : وجه تعليق "لهن" بغفور، ووجه تعليقها برحيم "108". وجه امتناع تعليق "لهن" برحيم إذا جعل صفة لغفور "109".
سورة الفرقان: 117-126
قوله تعالى: {نزل الفرقان على عباده} ، وتوجيه هذه القراءة "117".
قوله تعالى: {أكتتبها} ، ومعنى الآية على هذه القراءة وقراءة الجماعة "117"، تخريج "أكتتبها" على القلب "117"، تخريج "اكتتبها" بمعنى كتبها "118".
قوله تعالى: {ويجعل لك} ، والنصب لوقوع الفعل بعد جواب الشرط مقرونا بالواو "118".
قوله تعالى: {نحشرهم} ، ولم كان يفعل المتعدي أقيس من يفعل؟ "119"، اختلاف حركة العين في الماضي والمضارع أقيس ووجه ذلك "119".
قوله تعالى: {نتخذ} ، وإعراب "من أولياء" على هذه القراءة وقراءة الجماعة "120".
قوله تعالى: {ويمشون في الأسواق} : معنى "يمشون"، ووجه مجيئه على فعل "120".(2/393)
قوله تعالى: {ونزل الملائكة} ، وحمل "نزل" على "ننزل"، مع حذف النون الثانية "120". قراءة "ونزل الملائكة} إما على لغة لم تبلغنا، وإما على حذف مضاف "121"، معنى الآية على هذه القراءة "122".
قوله تعالى: {فدمرانهم} : بقية القراءات، ومعنى الآية على هذه القراءة "122".
قوله تعالى: {من اتخذ إلاهة هواه} ، ومعنى إلاهة "123".
قوله تعالى: {ويذرك وإلاهتك} وتفسير الآية على هذه القراءة "123".
قوله تعالى: {الرياح بشرى} ، وأمثلة للمصار التي وقعت حالا ك"بشرى" "123".
قوله تعالى: {وهذا ملح أجاج} : إنكار أبي حاتم قراءة "ملح" "124"، قد يكون أصل "ملح" مالحا، وحذف الألف "124"، من الأوصاف التي على فعل "124". جواز "مالح" عند ابن الأعرابي "124".
قوله تعالى: {وكان بين ذلك قواما} : بين القوام والقوام "125" معنى "قواما" في الآية "125".
قوله تعالى: {نضعف له العذاب، وتخلد فيه} ، وتخريج "تخلد" على الالتفات "126" وانظر الصفحة 145 من الجزء الأول.
قوله تعالى: {فقد كذب الكافرون} وهو على الالتفات أيضا "126".
سورة الشعراء: 127-133
قوله تعالى: {وقوم فرعون ألا تتقون} ، وكثرة حذف القول عنهم "127".
قوله تعالى: {وفعلت فعلتك} ، وجريان اسم الهيئة مجرى المصدر "127".
قوله تعالى: {خطايانا إن كنا"، وتأويل الآية على الاستظهار والإدلال "127".
قوله تعالى: {حادون} : تفسير الحادر، والاحتجاج له "128".
قوله تعالى: {لمدركون} وتفسير الإدراك وأفعاله "129".
قوله تعالى: {وأزلقنا} : معنى الآية على هذه القراءة وقراءة "أزلفنا" "129".
قوله تعالى: {هل يسمعونكم} : حذف المفعول على هذه القراءة "129"، سمع تتعدى إلى ما كان صوتا، فإن وقعت على جوهر تعدت إلى مفعولين ثانيهما صوت "129".(2/394)
قوله تعالى: {لعلكم تخلدون} : تفسير مادة الخلود والاحتجاج لمعانيها المختلفة "130".
قوله تعالى: {وأتباعك} : تخريج هذه القراءة من وجهين "131"، الفصل حين العطف على الضمير المرفوع المتصل ينبغي أن يكون في جانب المعوض منه وقبل العاطف "131".
قوله تعالى: {الأعجميين} : تفسير هذه القراءة لقراءة "الأعجمين" "132" أصل "الأعجمين" "الأعجميين"، فحذفت ياء النسب، وجعل جمعها بالواو والنون أمارة إرادتها "132"، إرادة ياء النسب في "الأعجمين" تسوغ جمع عجماوات قياسا "132".
قوله تعالى: {فتأتيهم بغتة} ، وعود الضمير الفاعل على مفهوم من الكلام "133".
قوله تعالى: {وما تنزلت به الشياطون} ، وأمثلة من تداخل المتشابهات "133".
سورة النمل: 134-146
قوله تعالى: {تباكت الأرض} : تفاعل أبلغ من فعل، ونظائر له من غير وزنه "134"، كلام عن الخزم "135".
قوله تعالى: {كأنها جأن} "135"، وانظر الصفحة 147 من الجزء الأول.
قوله تعالى: {ألا من ظلم} ، وإعراب "من" على هذه القراءة وقراءة "إلا من ظلم" "136".
قوله تعالى: {مبصرة} : دلالة مفعلة على الشياع وأمثلة لها "136"، وجه دلالتها على الشياع "136".
قوله تعالى: {قالت نملة يأيها النمل} : بقية القراءات، وتوجيه كل قراءة "137".
قوله تعالى: {لا يحطمنكم} ، وقراءة "يحطمنكم": رد الفعلين إلى يحتطمنكم، وبيان التغيرات التي دخلته "137"، تغيير الماضي واسم الفاعل والمصدر على حسب تغييرات المضارع "138". وتوجيه قراءات "المعذرون"، و"مردفين" "138".
قوله تعالى: {فتبسم ضحكا من قولها} : موقع "ضحكا" من الإعراب عند سيبويه وأبي عثمان "139"، الاحتجاج لرأي سيبويه "139".
قوله تعالى: {أن لا تغلوا} : وجه اختلاف مصدري غلا في القول وغلا في السعر "139"، اتفاق الألفاظ والصيغ مع تغيير بعض الصيغ يقوم مقام تغييرها كلها "139"،لماذا جعلوا مصدر غلا في القول على فعول ومصدر غلا السعر على فعال؟ "140".(2/395)
قوله تعالى: {عفرية} : معنى "عفرية" وأصل اشتقاقها "141"، وزن "تفعلت" في الأفعال غريب "141".
قوله تعالى: {فما كان جواب قومه} ، وقراءة نصب "جواب" أقوى لشبه المصدر المؤول بالضمير "141"، وانظر الصفحة 115 من الجزء الأول.
قوله تعالى: {أمن خلق} ، وموقع "من" من الإعراب على هذه القراءة والقراءة العامة "142".
قوله تعالى: {إيان يبعثون} "142"، وانظر الصفحة 268 من الجزء الأول والصفحة 7 من هذا الجزء.
قوله تعالى: {بل إدرك علمهم} : بقية قراءات الآية، وتوجيه كل قراءة "143".
قوله تعالى: {ردف لكم} : بين "ردف" و"ردف"، والكسر أفصح "143".
قوله تعالى: {تكن صدروهم} : بين أكننت وكننت "144".
قوله تعالى: {تكلمهم} وهذه القراءة شاهد لتفسير "تكلمهم" بتجرحهم "144"، شاهد تفسير "تكلمهم" تنبئهم "145".
قوله تعالى: {وكل أتاه داخرين} : حمل "أتاه" على لفظ "كل" و"داخرين" على معناه، والعكس غير حسن "145"، كل غير المضافة يخبر عنها بالجمع والمضافة إلى جمع يخبر عنها بالمفرد "146".
سورة القصص: 147-157
قوله تعالى: {أن ارضعيه} ، وحذف الهمزة هنا اعتباطا لا تخفيفا "147".
قوله تعالى: {وأصبح فؤاد أم موسى فزعا} : بقية القراءات ومعنى الآية عليها "147".
قوله تعالى: {موسى} : مجاورة الساكن للمتحرك كثيرا ما تجعل الحركة كأنها في الساكن "148".
قوله تعالى: {عن جانب} ، وقرئ: "عن جنب" واتحاد المعنى على لقراءتين "149".
قوله تعالى: {فجاءته أحداهما} : ضعف إسقاط الهمزة هنا "150" وانظر الصفحة 120 من الجزء الأول، والصفحة 147 من هذا الجزء.
قوله تعالى: {أيما الأجلين} : في تخفيف الياء طريقان "150"، أي عند المصنف مما عينه واو ولامه ياء ووجه ذلك "150".(2/396)
قوله تعالى: {عضدك} ولغات عضد الخمس "152".
قوله تعالى: {ثمرات} : التغييرات التي دخلت المفرد في طريقه إلى الجمع "153"، وجه جمع ما لا يعقل جمع تأنيث "153".
قوله تعالى: {ما إن مفاتحه لينوء} والتذكير على ملاحظة معنى الواحد "153"، محاورة بين أبي عبيدة ورؤبة في بعض شعره "154".
قوله تعالى: {ويك أنه} ، والأقوال الثلاثة التي فيها "155"، ترجيح قول الخليل وسيبويه فيها ومعنى الآية عليه "155".
قوله تعالى: {لخسف بنا} ، وقرئ: "لا نخسف بنا"، وإعراب الآية على القراءتين "156"، "157".
سورة العنكبوت: 158-162
قوله تعالى: "أل لام ميم حسب": ضعف تخفيف همزة "حسب" وسببه "158".
قوله تعالى: {فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} ، وبقية قراءات الآية "159"، المعنى على هذه القراءات والاستشهاد له "159". وإعراب الآية على هذه القراءات "159".
قوله تعالى: {وتخلقون إفكا} ، وقرئ: "وتخلقون إفكا": معنى الآية على القراءتين "160"، تخريج "إفكا" من ثلاثة أوجه "161".
قوله تعالى: {أولم يروا كيف يبدا الله الخلق"، والهمزة هنا مخففة لا مبدلة "161".
سورة الروم: 162-166
قوله تعالى: {وآثاروا الأرض} ، والمد على إشباع الهمزة، فنشأت عنا ألف "162".
قوله تعالى: {حينا تمسون} : حذف العائد من جملة الصفة لدلالة الفعل عليه "163"، ترجيح مذهب أبي الحسن في تبيين طريقة الحذف "164".
قوله تعالى: {فيمتعوا فسوف يعلمون} ، وإعراب "فيمتعوا" "164".
قوله تعالى: من خلله"، وتخريج "خلله" من وجهين "164".(2/397)
قوله تعالى: {أثر رحمة الله كيف تحيي} : وجه تأنيث الفعل هنا "165"، متى يمكن التأنيث ذهابا إلى لفظ. المضاف إليه؟ "165"، لم كانت جملة "كيف تحيى" حالا على المعنى لا على اللفظ؟ "165".
قوله تعالى: {إلى يوم البعث فهذا يوم البعث} : وجه فتح عين "البعث"، وترجيح قول البغداديين فيه "166"، وانظر الصفحة 184 من الجزء الأول.
قوله تعالى: {ولا يستحقنك} ، ومعنى الآية على هذه القراءة "166".
سورة لقمان: 167-172
قوله تعالى: {حملته أمه وهنا على وهن} "167"، وانظر في فتح الهاء الصفحة 166 من هذا الجزء، والصفحة 84 من الجزء الأول. تخريج الفتح على قراءة "فما وهنوا" "167".
قوله تعالى: {وفصله في عامين} ، ووجه كون "الفصال" هنا أوقع من "الفصل" "167".
قوله تعالى: {فتكن في صخرة} ، وأصل الوكون "168".
قوله تعالى: {وأصبغ عليكم نعمته ظاهرة وباطنة} : وجه إبدال السين صادا هنا وأمثلة منه "168".
قوله تعالى: {وبحر يمده} : بقية قراءات الآية وإعرابها "169".
قوله تعالى: {الفلك} ، وسماع فعل في فعل "170"، وانظر الصفحة 136 من هذا الجزء.
قوله تعالى: {بنعمات الله} : لغات جمع فعلة وفعلة بالألف والتاء "170"، الدليل على أن الألف والتاء في الجمع في تقدير الاتصال "171"، يرى ابن جني أن تسكين عين فعلات أمثل من تسكين عين فعلات "171" لم يمتنع الإتباع في نحو رشوة ومدية؟ "171".
قوله تعالى: {ولا يغرنكم بالله الغرور} ، ومعنى الغرور "172".
سورة السجدة: 173-175
قوله تعالى: {وبدا خلق الإنسان} : ترك الهمز هنا تخفيف لا إبدال "173"، وانظر الصفحة 67 من الجزء الأول.(2/398)
قوله تعالى: {صللنا} ، وتفسير الآية على هذه القراءة "174".
قوله تعالى: {قرات أعين} ، والقياس ألا نجمع المصدر، لكن جعلت "القرة" هنا نوعا "174"
قوله تعالى: {يمشون في مساكنهم} ، ودلالة يمشون على الكثرة "175".
قوله تعالى: {إنهم منتظرون} ، وإنكار أبي حاتم فتح الظاء "175".
سورة الأحزاب: 176-185
قوله تعالى: {إن بيوتنا عورة وما هي بعورة} : صحة واو "عورة" شاذة استعمالا "176"، وزن نحو "مال" في قولهم: رجل مال - فعل عند ابن جني "176".
قوله تعالى: {بدي في الإعراب} ، و"بدي" على وزن فعل لا فعال "177".
قوله تعالى: {ثم سولوا الفتنة} ، وحمل هذه القراءة على لغة سال يسال "177"، ولغات الأجوف إذا بني للمجهول "177"، حمل القراءة على لغة سأل يسأل والتغييرات التي تدخل هذا الفعل "178".
قوله تعالى: {يا نساء النبي من تأت منكن} ، وحمل الإسناد على معنى "من" "179". الحمل على المعنى في الصلة أشبه منه في الصفة "180".
قوله تعالى: {فيطمع الذي} ، والجزم هنا على العطف "181"، وجه كون النصب أقوى معنى "181".
قوله تعالى: {ولكن رسول الله} ، وحذف خبر "لكن" "181".
قوله تعالى: {أن وهبت نفسها للنبي} ، والمعنى على التعليل "182".
قوله تعالى: {بما آتيتهن كلهن} ، ووجه تلاقي قراءتي نصب "كلهن" ورفعه "183".
قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا فصلوا عليه} ، ودخول الفاء هنا لتضمن الحديث معنى الشرط "183".
قوله تعالى: {يوم تقلب وجوههم} ، وإسناد "تقلب" إلى السعير على المجاز "184".
قوله تعالى: {وكان عبدا لله وجيها} ، ووجه كون قراءة الكافة أقوى معنى "185".
سورة سبأ: 186-197
قوله تعالى: {ليأتينكم} ووجه غلبة التذكير "186". حكاية الأصمعي عن أبي عمرو تأنيث كتاب على معنى رسالة "186".(2/399)
قوله تعالى: {تأكل من سأته} ، واشتقاق "السأة" من سئة القوس "187"، كلام عن تخفيف الهمزة "187".
قوله تعالى: {تبينت الإنس} ، وتأويل الآية على هذه القراءة "188".
قوله تعالى: {وهل يجزى إلا الكفور} : بين جزى وجازي في المعنى "188".
قوله تعالى: {ربنا بعد بين أسفارنا} : بقية القراءات وتوجيهها "189"، أصل "بين" عند الفارسي "190".
قوله تعالى: {ولقد صدق عليهم إبليس ظنه} ووجه تلاقي هذه القراءة وقراءة الجماعة "191". ابن جني يرد إعراب الفراء للآية "191".
قوله تعالى: {فزع} : بقية القراءات ووجه تلاقيها على معنى واحد "192". وإضمار الفاعل لدلالة الحال "192". كلام أبي علقمة النحوي حين اجتمع الناس عليه "193".
قوله تعالى: {بل مكر الليل والنهار} : بقية القراءات وتوجيهها "193". وجه ذكر "بل" في جواب الاستفهام هنا "194". كثرة تأويل الكلام على النفي وإن لم يكن ظاهرا "194".
قوله تعالى: {من كتب يدرسونها} ، وقوة معنى المزيد فيه "195".
قوله تعالى: {وأخذ من مكان قريب} : تخريج "أخذ" من وجهين "196". إعراب "أخذوا" على قراءة الجماعة "196".
قوله تعالى: {ويقذفون} ، ومعنى الآية على هذه القراءة "197".
سورة فاطر: 198-202
قوله تعالى: {الحمد لله فطر السموات والأرض} ، والإسهاب في الحمد والذم أبلغ "198" تنويع الإعراب إذا طال الكلام "198".
قوله تعالى: {سيغ شرابه} ، وتخفيف "سيغ" من سيغ "198".
قوله تعالى: {وهذا ملح أجاج" "199"، وانظر الصفحة 171 من الجزء الأول، والصفحة 89 من الجزء الثاني.
قوله تعالى: {جدد} ، بقية القراءات وتوجيهها "199".(2/400)
قوله تعالى: {والدواب} "200"، وانظر الصفحة 173 من هذا الجزء.
قوله تعالى: {فيها لغوب} ، و"لغوب" مصدر على فعول أو صفة مصدر محذوف "200".
قوله تعالى: {لا يقضي عليهم فيموتون} : توجيه هذه القراءة ووجه كون قراءة العامة أوضح "202".
قوله تعالى: {ومكرا سيئا} ، ووجه كون قراءة العامة أقوى معنى "202".
سورة يس: 203-218
قوله تعالى: "ياسين والقرآن": بقية القراءات، وتوجيهها "203"، "ياسين" معناه في لغة طيئ يا إنسان "203"، من أمثلة الاكتفاء من الكلمة بحرف "204".
قوله تعالى: "فأعشيناهم": المعنى على هذه القراءة وقراءة العامة "204"، التقاء غ ش ي، وغ ش وفي المعنى "204".
قوله تعالى: {أنذرتهم} ، وحذف همزة الاستفهام تخفيفا مع إرادتها "205".
قوله تعالى: {أن ذكرتم} وقرئ: "أين ذكرتم". المعنى على القراءتين "205" وجه امتناع الوقف في القراءتين على "معكم" قبل الآية "206".
قوله تعالى: {إن كانت إلا صيحة واحدة} ، وقرئ: "إلا زقية": لم يضعف رفع "صيحة"؟ "206" زقا واوي ويائي "507"، أصل الزقية عند أبي حاتم زقوة "207"، شواهد تثبت أن الفعل يائي "207".
قوله تعالى: "يا حسره"، وقرئ: "يا حسرة العباد": إسراع العرب في الإخبار عما 0لا تعتمده "208" عناية العرب بقوافي الشعر "209". إطالة الأصوات وتقصيرها لقوة المعنى وضعفه "210". قد تذهب العرب مع المعاني حتى تفسد الإعراب لصحتها "211". تخريج "يا حسرة العباد" من وجهين "211".
قوله تعالى: "والشمس تجري لا مستقر لها": لا الناصبة للنكرة جواب سؤال عام "212"، العموم في الآية بمعنى الخصوص "212".
قوله تعالى: {ونفخ في الصور} "212"، وانظر الصفحة 56 من الجزء الثاني.
قوله تعالى: {من بعثنا} ، إعراب الآية على هذه القراءة "213".(2/401)
قوله تعالى: {يا ويلتا} ، والويلة تأنيث الويل "213". كيف تتلاقي "ويلتا" بلفظ واحد، و"بعثنا" بلفظ الجمع؟ "213".
قوله تعالى: "من هبنا من مرقدنا"، وقرئ: "من أهبنا": "أهبنا": أقيس القراءتين "214"، قد يكون تقدير "هبنا" هب بنا "214".
قوله تعالى: {جبلا} ، وقرئ: "جبلا" "216"، وانظر الصفحة 131 من الجزء الثاني.
قوله تعالى: {نختم على أفواههم ولتكلمنا أيديهم ولتشهد أرجلهم} : تأويل الآية على هذه القراءة "216" لا تزاد الواو عند البصريين "216".
قوله تعالى: {ركوبهم} ، وقرئ: "وكوبتهم": معنى الآية على القرءاتين "216"، حذف المضاف ضرب من الوسع آخر الكلام أولى به "217".
قوله تعالى: {ملكة كل شيء} : معنى الآية على هذه القراءة "217"، زيادة الواو والتاء في الملكوت وأخواته للمبالغة "218".
سورة الصافات: 219-229
قوله تعالى: {من كل جانب دحورا} ، وتخريج "دحورا" من وجهين "219"، وانظر الصفحة 63 من الجزء الأول.
قوله تعالى: "هل أنتم مطلعون فأطلع": تفسير الآية على هذه القراءة وإسناد الفعل إلى المصدر "219"، كسر نون "مطلعون" خطأ عند أبي حاتم "220"، ابن جني يلتمس له وجها من الصحة "220".
قوله تعالى: {لشوبا} ، واحتمال أن يكون الشوب لغة في الشوب "221".
قوله تعالى: {فراغ عليهم سفقا باليمين} ، والسفق لغة في الصفق "221".
قوله تعالى: {يزفون} ، "يزفون" مخفف "يزفون" عند قطرب "221"، هو عند ابن جني من وزف "221".(2/402)
قوله تعالى: {فانظر ماذا ترى} ، والفرق بين "ترى" و"ترى" "222".
قوله تعالى: {فلما سلما} ، والفرق بين "أسلما" و"سلما" "222".
قوله تعالى: "وإن الياس" و"سلام على الياسين": أصل: "الياس" ياس كباب "223". "الياسين" إما على النسب أو الجمع "223". جموع أطلقت على مفردات "223".
قوله تعالى: "وإن إدريس"، "سلام على إدراسين": بقية القراءات وتحريف العرب للكلم الأعجمي "225" توجيه القراءات "225".
قوله تعالى: {وإن أبليس} ، و"على إبليسين"، و"إبليس" اسم آخر لإدريس "225".
قوله تعالى: {وأرسلناه إلى مائة ألف ويزيدون} : موضع "ويزيدون" من الإعراب "226". يمتنع في الآية تطبيق قولهم: يجوز في المعطوف ما لا يجوز في المعطوف عليه "226". تقدير الإضافة إلى الفعل أهون من تقدير مباشرة الجار له "227". حذف العاطف والمعطوف "227"، الإضافة لأدنى ملابسة "228".
قوله تعالى: {إلا من صال الجحيم} : حذف لام الكلمة وجعل الإعراب على العين "228".
قوله تعالى: {فإذا نزل بساحتهم} ، وبناء الفعل على معلوم من فحوى الكلام "229".
سورة ص: 230-235
قوله تعالى: {صاد} ، وقرئ "صاد": معنى الكلمة، وتوجيهها لغويا ونحويا. "230".
قوله تعالى: {لشيء عجاب} ، وذكر طائفة من أوزان الصفات "230".
قوله تعالى: {ولا تشطط} ، ومأخذ الكلمة من الشط "231".
قوله تعالى: {تسع وتسعون نعجة} ، وكسرة ورود الفعل والفعل على المعنى الواحد "231".
قوله تعالى: {نعجة} ، ومجيء فعلة وفعلة على المعنى الواحد أيضا "232".
قوله تعالى: {وعزني} ، وحذف إحدى الزايين تخفيفا "232"
قوله تعالى: {فتناه} ، وقرئ: "فتناه"، والتشديد للمبالغة والتخفيف على الإسناد إلى الملكين "232".
قوله تعالى: {أولى الأيد} ، واحتمال "الأيد" وجهين من التخريج "233". تشبيه العرض بالجوهر إعلاء له "234".(2/403)
قوله تعالى: {إن يوحى إلي إلا إنما} والمعنى على الحكاية بالقول "234"، وجه عدم إعادة اللفظ. بعينه مع الحكاية "235".
سورة الزمر: 236-241
قوله تعالى: "اجتنبوا الطواغيت" "236، وانظر الصفحة 131 من الجزء الأول. تخليطهم في الجمع على فواعيل "237".
قوله تعالى: {والذي جاء بالصدق وصدق به} ومعنى "صدق به" في الآية "237".
قوله تعالى: "ياحسرتاي"، وقرئ: "يا حسرتاي"، وإشكال الجمع بين العوض والمعوض "238". وجه إسكان ياء "حسرتاي" "239".
قوله تعالى: {وأشرقت الأرض} ، ومعنى شرق في لغتيه وأشرق "240".
سورة المؤمن: 241-244
قوله تعالى: {إلا سبيل الرشاد} : "الرشاد" فعال من رشد "241"، قلة فعال من أفعل "241" أمثلة من أفعل الذي وصفه على فاعل "242".
قوله تعالى: {يوم التناد، و"التناد" تفاعل من تفاعل "243"، الغرض في الإلحاق رفع عدد الحروف "243".
قوله تعالى: {والسلاسل يسحبون} : عطف الجملة من الفعل والفاعل على التي من المبتدأ والخبر "244"، شبه الظرف بالفعل "244".
سورة السجدة: 245-248
قوله تعالى: {آتينا طائعين} ، ووجه كون "آتينا" فاعلنا لا أفعلنا "245".
قوله تعالى: {إن يستعتبوا فما هم من المعتبين} ، وتفسير الآية على هذه القراءة "245".
قوله تعالى: {والغوا فيه} : معنى اللغو ومأخذه اللغوي "246" تخريج "لا تسمع فيها لا غية" من وجهين "246".
قوله تعالى: {وربأت} ، ووجه تلاقي هذه القراءة وقراءة الجماعة "247".
قوله تعالى: {أعجمي} ، وقرئ: "أعجمي": تخريج القراءتين "248". ياء أعجمي لتوكيد الصفة، وأمثلة لذلك "248" الأعاجم جمع أعجمي على حذف ياء النسب "248".(2/404)
سورة عسق: 249-252
قوله تعالى: {حم سق} ، دلالة هذه القراءة على أن الفواتح فواصل بين السور "249" تلعب العرب بالأسماء الأعجمية "249".
قوله تعالى: {نؤته منها} "249"، وانظر الصفحة 67 من الجزء الأول.
قوله تعالى: {وأن الظالمين لهم عذاب أليم} : إعراب الآية وشيوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه "250".
قوله تعالى: {ذلك الذي يبشر} ، ووجه قوة هذه القراءة في القياس "251".
قوله تعالى: {فيظللن رواكد} ، وقد يكون أظل لغة "252"
سورة الزخرف: 253-259
قوله تعالى: {بلدة ميتا} ، ووجه كون التذكير مع التشديد ليس في حسن التذكير مع التخفيف "253".
قوله تعالى: "إنك مائت"، وقرئ: "ميت"، واعتقاب "مائت" و"ميت" يدل على أن المشدد يكاد يجري مجرى فاعل "253".
قوله تعالى: {أشهدوا} : ضعف حذف همزة الاستفهام "254"، تخريج القراءة على الوصفية "254".
قوله تعالى: {لما متاع} ، وإعراب الآية على هذه القراءة "255".
قوله تعالى: {يا مال} ، وحكمة الترخيم في هذا الموقف "257".
قوله تعالى: {فأنا أول العبدين} ، وأقوال في تفسير "العبدين" "258".
قوله تعالى: {وقيله} ، وإعراب الكلمة رفعا ونصبا وخفضا "258".
سورة الدخان: 260-261
قوله تعالى: "يوم نبطش" وإعراب الآية على هذه القراءة "260".
قوله تعالى: {وزوجناهم بحور عين} ، وقرئ: "بعيس عين": وجه إفادة الإضافة في الأولى مفاد الصفة "261"، معنى الآية على القراءة الأخرى "261".(2/405)
سورة الجاثية: 262-263
قوله تعالى: {جميعا منة} ، وقرئ: "جميعا منه"، وإعراب القراءتين "262".
قوله تعالى: {كل أمة تدعى} ، وإعراب الآية على هذه القراءة "262".
سورة الأحقاف: 264-269
قوله تعالى: {أو أثرة من علم} ، وقرئ: "أو أثرة": تفسير القراءتين، ووجه كون "الأثرة" أبلغ "264".
قوله تعالى: {بدعا من الرسل} والكلام على حذف مضاف "264".
قوله تعالى: {بوالديه حسنا} ، وتأويل هذه القراءة "265".
قوله تعالى: {هذا عارض ممطرنا، قال هود بل هو ما استعجلتم به} وكثرة حذف القول "265".
قوله تعالى: {لا ترى إلا مساكنهم} ، وقرئ: "إلا مسكنهم": ضعف تأنيث "ترى" ووجهه "266". "مسكنهم" إما واحد مكان الجمع، وإما مصدر حذف مضاف قبله "266".
قوله تعالى: {أفكهم} : بقية القراءات، وتوجيه كل قراءة "267".
قوله تعالى: {من نهار بلاغا} ، وقرئ "بلغ"، وإعراب "بلاغا" و"بلاغ" "268".
قوله تعالى: {فهل يهلك} : بقية القراءات، وتوجيه كل "268".
قوله تعالى: {ولم يعي} : رغبة العرب عن إعلال العين وتصحيح اللام، وأمثلة لذلك "269".
سورة محمد -صلى الله عليه وسلم-: 270-274
قوله تعالى: {أمثال الجنة التي وعد المتقون} ، ودلالة هذه القراءة على أن "مثل" في القراءة العامة مفرد في معنى الجمع "270".
قوله تعالى: {إن تأتهم} : كسر "إن" على استئناف الشرط "270"، وجه مجيء الكلام بأسلوب الشك "271".
قوله تعالى: {بغتة} : اختصاص فعلة بالأسماء "271"، أحسان الظن مع ذلك بأبي عمرو، وفي روايتها "272".
قوله تعالى: {فهل عسيتم إن وليتم أن تفسدوا في الأرض} ، وقرئ: "توليتم"، ومعنى الآية على القراءتين "272".(2/406)
قوله تعالى: {سول لهم وأملي لهم} ، وتفسير الآية على هذه القراءة "272".
قوله تعالى: {فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم} ، ومعنى الآية على هذه القراءة "273".
قوله تعالى: {ويخرج أضغانكم} ، والرفع هنا على الاستتئناف "274".
سورة الفتح: 275-277
قوله تعالى: {تعزروه} ، ومعنى الآية على هذه القراءة وقراءة الجماعة "275".
قوله تعالى: {إنما يبايعون لله} ، وتقدير المفعول يرجع بهذه القراءة إلى القراءة الأخرى "275".
قوله تعالى: {أشداء على الكفار رحماء} ، حكمة جعل الحال هنا من الضمير في معه "276". تكسير فعيل على فعلاء وأفعلاء وسببه "276".
قوله تعالى: {شطاءه} ، وبقية القراءات "276"، قصة معفر البارقي وابنته حين شامت برقا "277".
سورة الحجرات: 278-280
قوله تعالى: {لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} ، ومعنى الآية في هذه القراءة والقراءة الأخرى "278".
قوله تعالى: {فأصلحوا بين إخوانكم} ، وإرادة الجمع بلفظ التثنية "278"، إفادة الإضافة لمعنى الجنسية "279".
قوله تعالى: {لتعرفوا} ، وفي الآية حذف المفعول به "280".
سورة ق: 281-285
قوله تعالى: "قاف"، وقرئ: "قاف". وإعراب "قاف" على القراءتين "281".
قوله تعالى: {إذا متنا} ، وتخريج حذف الاستفهام "282"، وانظر الصفحة 50 من الجزء الأول والصفحة 205 من هذا الجزء. لمعنى على عدم إرادة الاستفهام "282".
قوله تعالى: {لما جاءهم} ، ومجيء اللام بمعنى عند "282".
قوله تعالى: {والنخل باسقات} ، وقرئ: "باصقات": إبدال الصاد من السين "283. وإبدال الصاد والزاي منها في خبر عن الأصمعي "283".(2/407)
قوله تعالى: "وجاءت سكرة الحق بالموت"، وتقدير الباء هنا على وجهين "283".
قوله تعالى: {ألقيا في جهنم} ، وإثبات النون في هذه القراءة يشهد بأنها محذوفة في القراءة الأخرى "284".
قوله تعالى: {يوم يقال لجهنم} : ليس ترك ذكر الفاعل للجهل به دائما "284"، أفعال يدل إسنادها على شدة عنايتهم بالمفعول "284".
قوله تعالى: {فنقبوا في البلاد} ، والأمر هنا للحاضرين ومن بعدهم "285".
قوله تعالى: {أو ألقي السمع} ، وموازنة بين القراءتين يخلص منها أن هذه أندى معنى إلى النفس "285".
قوله تعالى: {وما مسنا من لغوب} "285"، وانظر الصفحة 201 من هذا الجزء.
سورة الذاريات: 286-289
قوله تعالى: {الحبك} : بقية القراءات وتخريج كل قراءة "286".
قوله تعالى: {إيان يوم القيامة} : اشتقاق "أيان" من أي، لا من أين لأمرين "288"، صلاح أي للأزمنة صلاحها لغيرها "288".
قوله تعالى: {ذو القوة المتين} ، وجر "المتين" على الوصفية أو الجوار "289". تأويل وصف المؤنث بالمذكر هنا "298".
سورة الطور: 290-292
قوله تعالى: "وزوجناهم بعيس عين" وتفسير الآية "290".
قوله تعالى: {وما آلتناهم} ، وقرئ: "وما لتناهم"، ومعنى ألت في لغتيه وتصريفه "290".
قوله تعالى: {أم هم قوم طاغون} ، وقرئ: "بل هم قوم طاغون": أم هنا منقطعة بمعنى بل وما بعدها متيقن. "291". حكمة توالي أم في السورة وإن كان ما بعدها مشكوكا فيه "291".
قوله تعالى: {بحديث مثله} ، وضمير "مثله" للرسول "292".
قوله تعالى: {وأدبار النجوم} ، وتفسير الآية "292".(2/408)
سورة النجم: 293-296
قوله تعالى: {جنة المأوى} وكلام عن رد هذه القراءة "293".
قوله تعالى: {اللات} ، وقصة عبادة "اللات" "294".
قوله تعالى: {الذي وفى} ، وتسمية المسبب باسم السبب "295".
قوله تعالى: {ليس لها مما يدعون من دون الله كاشفة وهي على الظالمين ساءت الغاشية} ، ودلالة هذه القراءة على أن في قراءة الجماعة حذف مضاف بعد مضاف "295"، من أمثلة المضافات المحذوفة "296".
سورة القمر: 297-301
قوله تعالى: "اقتربت الساعة وقد انشق القمر"، وقد جواب وقوع أمر كان متوقعا "297".
قوله تعالى: {وكل أمر مستقر} ووجه رفع "كل" "297".
قوله تعالى: {إلى شيء نكر} والمعنى على الوصف بجملة الماضي "298".
قوله تعالى: {لمن كان كفر} ، وتفسير القراءتين "298".
قوله تعالى: {أيشر منا واحدا نتبعه} وإعراب الآية "298".
قوله تعالى: {الكذاب الأشر} ، وقرئ: "الأشر"، و"الأشر" هي الأصل المرفوض لشر "299". "الأشر" مما جاء على فعل وفعل "299".
قوله تعالى: {كهشيم المحتظر} ، ومصدرية "المحتظر" "300".
قوله تعالى: {إنا كل شيء خلقناه} ، ووجه اختيار رفع "كل" على خلاف رأي الجماعة "300"، محمد بن يزيد يختار النصب يحتج له فيرد ابن جني عليه "300".
قوله تعالى: {في جناب ونهر} ، وجمع فعل على فعل "300"، معاملة المقدر معاملة المستعمل أحيانا "301".
سورة الرحمن: 302-306
قوله تعالى: {والسماء رفعها} ووجه كون رفع "السماء" أظهر "302"، قراءة النصب رد على أبي الحسن في منع بعض الأساليب المشابهة "302".(2/409)
قوله تعالى: {ولا تخسروا} ، وقرئ: "ولا تخسروا"، وتوجيه القراءتين "303".
قوله تعالى: {سنفرغ} ، بقية القراءات وتوجيهها "304".
قوله تعالى: {ونحس} ، وتفسير الكلمة "304".
قوله تعالى: {من استبرق} ، وتخريج القراءة على التسمية بالفعل مع استتار الضمير فيه "304".
قوله تعالى: "ولا جأن" "305"
، وانظر الصفحة 46 من الجزء الأول.
قوله تعالى: "رفارف خضر وعباقري حسان"، وصرف "عباقري أشبه بكلام العرب "305" شذوذ منعه في القياس لا يجعل استعماله منكرا "306".
سورة الواقعة: 307-310
قوله تعالى: {خافضة رافعة} : تعدد الحال واعتبارها زيادة في الخبر "307"، "إذا" قد تفارق الظرفية إلى الابتداء "307".
قوله تعالى: {ولا ننزفون} ، وكلام عن أنزف ونزف "308".
قوله تعالى: {وحورا عينا} ، والنصب بفعل مضمر "309".
قوله تعالى: {إذا متنا وكنا ترابا وعظاما إنا} ، ومخرج الخبر على الاستهزاء. "309".
قوله تعالى: "فلأقسم"، والكلام حالي الزمن وعلى مبتدأ محذوف "309". زيادة "لا" في {فلا أقسم بمواقع النجوم} "309".
قوله تعالى: {وتجعلون شكركم أنكم تكذبون} والكلام على حذف مضاف "310".
قوله تعالى: {فروح} ، ورجوع الروح إلى معنى الروح "310".
سورة الحديد: 311-314
قوله تعالى: {بين أيديهم وبإيمانهم} ، ووجه عطف "بإيمانهم" على "بين أيديهم" "311".
قوله تعالى: {وغركم بالله الغرور} ، والمعنى على مضاف محذوف "311".
قوله تعالى: {ألما يأن للذين} : رد لما في الأصل إلى لم وبيان الفرق بينهما في الاستعمال "312". كيف صارت لما ظرفا وهي في الأصل حرف؟ "312".
قوله تعالى: {وآتيناه الأنجيل} ، ووزن أفعيل شاذ "313".
قوله تعالى: "ليلا يعلم أهل الكتاب} ، وقرئ: "ليلا"، وكسر اللام أقرب ووجهه "313".
فتح لام الجر مع الظاهر مروي "314". من إبدال أحد المثلين "314".(2/410)
سورة المجادلة: 315
قوله تعالى: {ما تكون من نجوى ثلاثة} ، وتذكير الفعل هو الوجه "315".
قوله تعالى: {تفاسحوا} ووجه كون "تفاسحوا" لائقا بالغرض "315".
قوله تعالى: {اتخذوا إيمانهم} ، والكلام على حذف مضاف "315".
سورة الحشر: 316-318
قوله تعالى: {كي لا تكون دولة} : كلام عن الدولة والدولة وإعراب الآية "316".
قوله تعالى: {جدر} ، و {جدر} مخفف "جدر" "316". جدار مفرد واقع مكان الجمع، أو جمع جدار أيضا "316" فعال أخت فعيل، ولذا كسرت مثلها على فعال "317".
قوله تعالى: {القدوس} ، وقلة فعول في الصفات "317"، أمثلة منه في الأسماء "318".
قوله تعالى: {ولا تجعل في قلوبنا غمرا} ، ومعنى الآية "318".
سورة الممتحنة: 319-320
قوله تعالى: {براء} ، وتكسير برئ على أربعة أوزان "319".
قوله تعالى: {فعقبتم} ، وبقية القراءات وتوجيهها "319".
سورة الصف: 321
قوله تعالى: {وهي يدعي إلى الإسلام} ، و"يدعى" في معنى ينتسب، ولذا عدى بإلى "321".
سورة الجمعة: 321-322
قوله تعالى: {فتمنوا الموت} "321"، وانظر الصفحة 54 من الجزء الأول.
قوله تعالى: {فامضوا إلى ذكر الله} ، وهذه القراءة تفسر الأخرى "322".
سورة المنافقين: 322-323
قوله تعالى: {اتخذوا إيمانهم جنة} ، والكلام على حذف المضاف "322".
قوله تعالى: "آستغفرت لهم"، وقرئ: "استغفرت"، ووجه كون القراءتين خلاف الوجه "322".(2/411)
سورة التغابن: 323
قوله تعالى: {يهدأ قلبه} ، ومعنى الآية "323".
سورة الطلاق: 323-324
قوله تعالى: {فطلقوهن في قبل عدتهن} ، وتصديق هذه القراءة لمعنى قراءة الجماعة "323".
قوله تعالى: {إن الله بالغ أمره} ، ومعنى الآية في هذه القراءة "324".
سورة التحريم: 324
قوله تعالى: {وقودها} ، والكلام على حذف مضاف "324".
قوله تعالى: {وبإيمانهم} "324"، وانظر الصفحة 311 من هذا الجزء.
قوله تعالى: {وكتبه وكانت} ، وقرئ: "وكتابه"، والكتب أجمع من الكتاب، ووضع المضاف موضع الجنس "324".
سورة الملك: 325
قوله تعالى: {وقيل هذا الذي كنتم به تدعون} ، تفسير الآية وبيان معنى "تدعون" في القراءة الأخرى "325".
سورة القلم: 325-327
قوله تعالى: {إيمان علينا بالغة} ، وإعراب الآية "325".
قوله تعالى: {يوم تكشف عن} ، وقرئ: "تكشف"، إضمار فاعل "تكشف" لدلالة الحال "326" المعنى مع "تكشف" على نحو من "تكشف" "326".
قوله تعالى: {لولا أن تداركه}
، وكلام عن حكاية الحال الماضية "326".
سورة الحاقة: 328-330
قوله تعالى: {وحملت الأرض} ، وبناء الفعل لمفعوله الثاني "328"
قوله تعالى: {الخاطيون} ، وتخريج التخفيف في الكلمة من وجهين "329".
قوله تعالى: {ولو يقول علينا بعض الأقاويل} ، وفي هذه القراءة تعريض بالقراءة الأخرى "329".(2/412)
سورة المعارج: 330
قوله تعالى: "سال سيل"، وكلام عن المصدر بمعنى اسم الفاعل، وعن تكسيره بسبب ذلك "330".
سورة نوح: 330
لا شيء فيها
سورة الجن: 331-334
قوله تعالى: {أحي} ، وهمزة الواو إذا ضمت ضما لازما "331". إبدال الواو ألفا لانفتاح ما قبلها وإن كانت ساكنة، وتخريج: {ارجعن مأزورات} "331".
قوله تعالى: {جدا ربنا} ، وقرئ: "جد ربنا"، وتخريج القراءتين "332".
قوله تعالى: {أن لن تقول} ، وإعراب "كذبا" على هذه القراءة والقراءة الأخرى "333".
قوله تعالى: {وأن لو استقاموا} "313"، وانظر الصفحة 54 من الجزء الأول.
قوله تعالى: {لبدا} ، وقرئ: "لبدا"، وأوصاف على فعل وفعل "334".
سورة المزمل: 335-337
قوله تعالى: {المزمل} و {المدثر} ، والكلام على حذف المفعول "335".
قوله تعالى: {قم الليل} ، والتخلص من التقاء الساكنين يمكن بكل حركة "335".
قوله تعالى: {وأقوم قيلا"، و"أصوب"، واعتبار المعاني في التعبيير "336".
سورة المدثر: 337-340
قوله تعالى: {ولا تمنن تستكثر} ، وقرئ: "تستكثر"، وتخريج الجزم من وجهين والنصب بإضمار أن "337".
قوله تعالى: {تسعة عشر} ، بقية القراءات وتخريج كل منها "338".
قوله تعالى: {صحفا منشرة} ، وسكون الحاء هنا لغة تميمية "340" و"منشرة" على تشبيه شيء بشيء "340".(2/413)
سورة القيامة: 341-344
قوله تعالى: {لأقسم} ، وقرئ: "لا أقسم"، والقسم بالأولى لا الثانية "341" الكلام على حذف مبتدأ في الأولى "341".
قوله تعالى: {المفر} ، وقرئ: "المفر"، وتوجيه القراءتين وقراءة "المفر" "341".
قوله تعالى: {وأيقن أنه الفرار} ، وتأويل قول ابن عباس عن هذه القراءة: ذهب الظن "342".
قوله تعالى: {أن يحيي الموتى} ، وإسكان الياء نصبا من أحسن الضرورات ولا مانع منه في النثر "343".
كلام عن قولهم: "حيرى دهر" "343".
سورة الإنسان: 344
قوله تعالى: {واستبرق} "344"، وانظر الصفحة 304 من هذا الجزء.
قوله تعالى: {والظالمون أعد} ، ووجه رجحان نصب "الظالمون" "344".
سورة المرسلات: 345-347
قوله تعالى: {فالملقيات ذكرا} ، ومعنى "الملقيات"، و"الملقيات" "345".
قوله تعالى: {وقتت} ، وقرئ: "ووقتت"، ومعنى الفعلين "345".
قوله تعالى: {ثم نتبعهم} ، وإسكان العين إما للتخفيف وإما للجزم عطفا على "نهلك" "346".
قوله تعالى: {كالقصر} ، وروى: "كالقصر"، وتفسير الكلمة في لغتيها "436".
قوله تعالى: {جمالات صفر} ، وتفسير الآية "347".
سورة عم يتساءلون: 347-349
قوله تعالى: {عما يتسألون} ، وضعف إثبات ألف ما الاستفهامية إذا دخل عليها الجار "347".
قوله تعالى: {وأنزلنا بالعصرات} ، وتلاقي القراءتين "348".
قوله تعالى: {وكذبوا بآياتنا كذابا} مصادر هذا الفعل وأوصاف منه "348". "كذبذب" من الأمثلة التي فاتت سيبويه "348".
قوله تعالى: {عطاء حسابا} ، واشتقاق فعال من أفعل "349" من أمثلة الاشتقاق من الحروف "349".(2/414)
سورة النازعات: 350-351
قوله تعالى: "في الحفرة"، وتخريج "الحفرة" من وجهين "350".
قوله تعالى: {والجبال أرساها} "350"، وانظر الصفحة 334 من هذا الجزء.
قوله تعالى: {والأرض مع ذلك دحاها} ، ووجه تلاقي القراءتين "351".
قوله تعالى: "وبرزت الجحيم لمن ترى"، وتخريج الخطاب هنا من وجهين "351". إرادة الجنس ببعضه "351".
قوله تعالى: {إيان} "351"، وانظر الصفحة 268 من الجزء الأول، والصفحة 288 من هذا الجزء.
سورة عبس: 352-353
قوله تعالى: "آن جاءه الأعمى"
، وتأويل "آن" و"أن" في الآية "352".
قوله تعالى: {فأنت له تصدى} ، ومعنى الآية "352".
قوله تعالى: {شانشره} "353"، وانظر الصفحة 340 من هذا الجزء.
قوله تعالى: {شأن يغنيه} ، ووجه قوة قراءة الجماعة وإن كانت هذه حسنة "353".
سورة كورت: 353
لا شيء فيها
سورة الانفطار: 353-354
قوله تعالى: "يأيها الإنسان ما أغرك بربك الكريم"، والكلام على حذف مضافين "353".
سورة المطففين: 354
لا شيء فيها
سورة انشقت: 354
كذلك
سورة البروج: 354
كذلك(2/415)
سورة الطارق: 354-355
قوله تعالى: {فمهل الكافرين مهلهم رويدا} ، والتفريق بين القراءتين "354" من دلائل كلفة التكرير "355".
سورة الغاشية: 356-358
قوله تعالى: {عاملة ناصبة تصلى} ، والنصب على الذم "356".
قوله تعالى: {إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت ... } ، وحذف المفعول لدلالة المعنى عليه "356".
قوله تعالى: {وإلى الأرض كيف سطحت} ، ووجه التضعيف هنا "356".
قوله تعالى: {ألا من تولى} ، وإعراب الآية "357".
قوله تعالى: {إن إلينا إيابهم} ، و"إياب" فعال من أوب، لكن قلب الواو ياء استحسانا "357". من قلب الواو ياء "358". تخريجات أخر له "358".
سورة الفجر: 359-361
قوله تعالى: {بعاد أرم ذات العماد} ، وبقية القراءات وتوجيه كل قراءة "359".
قوله تعالى: "فادخلي في عبدي"، وإرادة الجمع بالواحد "360". وانظر الصفحة 84 من هذا الجزء.
سورة البلد: 361-363
قوله تعالى: {لأقسم بهذا البلد} "361"، وانظر الصفحة 341 من هذا الجزء.
قوله تعالى: {ما لا لبدا} "361"، وانظر الصفحة 334 من هذا الجزء.
قوله تعالى: {في يوم ذا مسغبة} ، وتخريج "ذا" من وجهين "362". الوصف على موضع الجار والمجرور "362".
سورة والشمس: 363
قوله تعالى: {بطغواها} ، ومصادر على فعلى "363".(2/416)
سورة التكاثر: 371
قوله تعالى: {لترون الجحيم ثم لترونها} ، إجراء غير اللازم مجرى اللازم "371". الساكنان هنا فيما هو كالكلمة "371" الفرق بين حركتي الساكنين اتصالا وانفصالا "371"
سورة العصر: 372
لا شيء فيها
سورة الهمزة: 372
مثله
سورة الفيل: 373-374
قوله تعالى: {ألم تر كيف} ، وكلام عن استهلاك الحرف والحركة "373".
قوله تعالى: {فتركهم كعصف مأكول} ، وإقامة المسبب مكان السبب "374".
قوله تعالى: {ترون} "374"، وانظر الصفحة 371 من هذا الجزء.
سورة قريش: 374
لا شيء فيها
سورة أرأيت: 374
قوله تعالى: {الذي يدع اليتيم} ، والتقاء القراءتين "374".
سورة الكوثر: 374
لا شيء فيها
سورة الكافرون: 374
كذلك
سورة النصر: 374
كذلك(2/417)
سورة الليل: 364
قوله تعالى: "والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى"، وهذه القراءة شاهد لقراءة "وما خلق الذكر" "364".
سورة الضحى: 364-365
قوله تعالى: {ما ودعك} ، واستعمال ودع قليل، استغنى عنها بترك "364". تخريج بيت الفرزدق: وعض زمان الخ "365".
سورة ألم نشرح: 366-367
قوله تعالى: {ألم نشرح لك صدرك} ، وفتح "نشرح" للتوكيد بالنون وحذفها "366".
سورة التين: 367
لا شيء فيها
سورة اقرأ: 367
مثله
سورة القدر: 368
قوله تعالى: {من كل امرئ سلام} ، وتفسير الآية على هذه القراءة "368".
سورة لم يكن: 369
قوله تعالى: "أولئك هم خيار البرية"، وتخريج خيار من أربعة أوجه "369".
سورة الزلزلة: 369
لا شيء فيها
سورة العاديات: 370-371
قوله تعالى: {فأثرن به} ، ورد "أثر" إلى أصله اللغوي: 370.
قوله تعالى: {فوسطن به} وكلام عن الإضمار للدليل "370".
سورة القارعة: 371
لا شيء فيها(2/418)
سورة تبت: 375
قوله تعالى: "ومريئته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد"، ومعنى الآيتين وإعرابهما "375".
سورة الإخلاص: 375
لا شيء فيها.
سورة الفلق والناس: 375
قوله تعالى: {ملك الناس} ، والملك أليق بالربوبية من الملك "375".(2/419)
الفهارس العامة
مدخل
...
الفهارس العامة:
1 فهرس الآيات. يردها بعض العلماء.
2 فهرس القراءات التي يردها بعض العلماء ويحتج لها ابن جني.
3 فهرس القراءات التي يتعقب فيها ابن جني بعض العلماء.
4 فهرس الأحاديث.
5 فهرس الأمثال.
6 فهرس الشعر والرجز.
7 فهرس أنصاف الأبيات.
8 فهرس لهجات القبائل.
9 فهرس الأعلام.
10 فهرس القبائل والعشائر والأمم.
11 فهرس البلاد والأماكن ونحوها.
12 فهرس مراجع التحقيق.
ويلي الفهارس العامة تصحيح أخطاء الطبع.(2/421)
1- فهرس الآيات القرآنية
السور الآيات أرقامها موضعها في الكتاب
فاتحة الكتاب إياك نعبد وإياك نستعين 5 1: 146
صراط الذين أنعمت عليهم 7 1: 146
البقرة الله يستهزئ بهم 15 1: 259
البقرة في طغيانهم يعمهون 15 1: 132
البقرة اشتروا الضلالة 16 1: 247، 292، 2: 97، 333
البقرة ذهب الله بنورهم 17 2: 214
البقرة مثلا ما بعوضة 26 2: 255
البقرة اسكن أنت وزوجك الجنة 35 1: 315
البقرة فمن تبع هداي فلا خوف عليهم 38 2: 46
البقرة
واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا 48، 123 2: 163
البقرة ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت 65 1: 112، 2: 160
البقرة لا ذلول تثير الأرض 71 2: 163
البقرة قالوا الآن جئت بالحق 71 1: 247
البقرة فادارأتم فيها 72 2: 143
البقرة وما الله بغافل عما تعملون 74 2: 28
البقرة ومنهم أُمِّيُّون 78 1: 358
البقرة وقولوا للناس حسنا 83 2: 363
البقرة وهو الحق مصدقا 91 2: 276
البقرة فتمنوا الموت 94 1: 292
البقرة من كان عدوا لله وملائكته 98 2: 53(2/423)
السور الآيات أرقامها موضعها في الكتاب
البقرة كل له قانتون 116 2: 146
البقرة صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة 138 2: 127
البقرة يريهم الله أعمالهم حسرات 167 2: 356
البقرة فما أصبرهم على النار 175 2: 353
البقرة أُحِلَّ لكم ليلة الصيام الرفث 187 1: 364، 2: 15
البقرة ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة 195 2: 114
البقرة فمن كان منكم مريضا أو به أذى 196 2: 169
البقرة لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم 225 2: 209
البقرة والمطلقات يتربصن 228 2: 20
البقرة وللمطلقات متاع بالمعروف 241 2: 326
البقرة فرجالا أو ركبانا 239 2: 22
البقرة ثم ادعهن يأتينك سعيا 260 1: 255، 2: 132
البقرة لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت 286 2: 134، 196
آل عمران الم الله لا إله إلا هو 1، 2 1: 240
آل عمران ومكروا ومكر الله 54 1: 356
آل عمران هأنتم هؤلاء حاججتم 66 1: 181
آل عمران ليس لك من الأمر شيء 128 1: 168
آل عمران فما وهنوا لما أصابهم 146 1: 167
آل عمران إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِه 152 2: 304
آل عمران إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى 156 2: 177
آل عمران الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم 173 1: 189
آل عمران لتبلون في أموالكم 186 2: 42
النساء وخلق الإنسان ضعيفا 28 1: 66، 104، 135، 2: 229
النساء ولا جنبا إلا عابري سبيل 43 2: 85(2/424)
السور الآيات رقمها موضعها في الكتاب
النساء يحرفون الكلم عن مواضعه 46 1: 224
النساء إن الله يأمركم 58 1: 257
النساء ولهديناهم صراطا مستقيما 68 1: 43
النساء أفلا يتدبرون القرآن 82 2: 100
النساء أو جاءوكم حصرت صدروهم 90 1: 250
النساء وكان الله غفورا رحيما 96 1: 114
النساء لتحكم بين الناس بما أراك الله 105 1: 128، 176، 2: 222
النساء إن يدعون من دونه إلا إناثا 117 1: 352
النساء يعدهم ويمنيهم 120 1: 155
النساء ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب 123 1: 94، 118
النساء وكان الله سميعا بصيرا 134 1: 114
النساء إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح 163 2: 61
النساء يأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم 171 2: 140
المائدة إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم 6 1: 135
المائدة وامسحوا برءوسكم وأرجلكم 6 1: 252
المائدة ولا تزال تطلع على خائنة منهم 13 1: 287
المائدة بل يداه مبسوطتان 64 2: 279
المائدة كانا يأكلان الطعام 75 2: 159
المائدة ومن عاد فينتقم الله منه 95 2: 357
المائدة أُحِلَّ لكم صيد البحر 96 1: 343
المائدة إذ أّيَّدُتك بروح القدس 110 1: 95 المائدة أأنت قلت للناس 116 2: 179
المائدة فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم 117 1: 125
الأنعام وهو الله في السموات 3 1: 99(2/425)
السور الآيات رقمها موضعها في الكتاب
الأنعام فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون 5 2: 325
الأنعام ويوم نحشرهم جميعا 22 2: 54
الأنعام يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا 27 1: 252
الأنعام ولو ردوا لعادوا 28 1: 193
الأنعام ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق 62 2: 107
الأنعام والملائكة باسطوا أيديهم 93 1: 108
الأنعام لقد تقطع بينكم 94 2: 190
الأنعام وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون 109 1: 181
الأنعام إن ربك هو أعلم من يضل 117 2: 219
الأنعام وهو وليهم بما كانوا يعملون 127 1: 99
الأنعام ما أشركنا ولا آباؤنا 148 2: 131
الأنعام لا ينفع نفسا إيمانها 158 2: 55
الأنعام من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها 160 1: 81، 2: 134
الأنعام ومحياي ومماتي 162 1: 124، 342، 2: 239
الأعراف قال اخرج منها مذءوما 18 2: 57
الأعراف قل إنما حرم ربي الفواحش 33 2: 195
الأعراف وما كان جواب قومه إلا أن قالوا 82 2: 115، 314
الأعراف فإذا هي تلقف ما يأفكون 117 1: 38
الأعراف ويذرك وآلهتك 127 2: 123
الأعراف رب أرني أنظر إليك 143 1: 204
الأعراف واختار موسى قومه سبعين رجلا 155 1: 272، 2: 62،105
الأعراف سنستدرجهم من حيث لا يعلمون 182 1: 356
الأعراف لا يجليها لوقتها إلا هو 187 2: 282، 323
الأعراف سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون 193 2: 244
الأعراف إن وليي الله 196 1: 362(2/426)
السور الآيات رقهما موضعها في الكتاب
الأعراف خذ العفو وأمر بالعرف 199 1: 128
الأنفال إني ممدكم بألف من الملائكة مردفين 9 1: 60، 2: 170
الأنفال وما رميت إذ رميت 17 1: 176
الأنفال إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح 19 1: 360
الأنفال يحول بين المرء وقلبه 24 1: 356
الأنفال إذ يريكهم الله في منامك قليلا 43 1: 155
التوبة واعلموا أنكم غير معجزي الله 2 2: 80
التوبة أن الله بريء من المشركين ورسوله 3 2: 169
التوبة واقعدوا لهم كل مرصد 5 1: 272، 2: 303
التوبة وجاء المعذرون من الأعراب 90 1: 60، 273، 2: 138
التوبة وأعينهم تفيض من الدمع حزنا 92 1: 188
يونس حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة
22 1: 145، 2: 308
يونس حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت 24 1: 61
يونس مكانكم أنتم وشركاؤكم 28 1: 186
يونس أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى 35 1: 65، 245
يونس ومنهم من يستمعون إليك 42 1: 191، 192. 2: 145، 179، 228
يونس أفأنت تسمع الصم 42 1: 168
يونس فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا 58 1: 51، 106
يونس أن تَبَوَّءا لقومكما بمصر بيوتا 87 1: 67
يونس فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا 90 1: 226
يونس ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا 99 1: 252
يونس كذلك حقا علينا ننجي المؤمنين 103 2: 111
هود وما آمن معه إلا قليل 40 1: 168(2/427)
السور الآيات رقمها موضعها في الكتاب
هود يا ويلتا أألد وأنا عجوز 72 2: 213
هود هؤلاء بناتي هن أطهر لكم 78 2: 69
هود خالدين فيها ما دامت السموات والأرض 107 2: 38
يوسف إذ قال يوسف لأبيه يا أبت 4 1: 277، 323
يوسف يلتقطه بعض السيارة 10 1: 237، 2: 186
يوسف وجاءوا على قميصه بدم كذب 18 2: 333
يوسف يا بشرى هذا غلام 19 2: 49
يوسف وغلَّقت الأبواب 23 1: 301
يوسف وقالت اخرج عليهن 31 1: 71
يوسف هذه سبيلي 108 1: 244
الرعد إنما أنت منذر ولكل قوم هاد 7 1: 168
الرعد وكل شيء عنده بمقدار 8 1: 223
الرعد والملائكة يدخلون عليهم من كل باب 23 1: 250، 2: 127، 265
إبراهيم يتجرعه ولا يكاد يسيغه 17 2: 199
إبراهيم ما أنا بمصرخكم 22 2: 49
إبراهيم كشجرة خبيثة اجتثت 26 1: 346
إبراهيم وضربنا لكم الأمثال 45 1: 164
إبراهيم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال 46 2: 314
الحجر إنا نحن نزلنا الذكر 9 1: 24
الحجر وأرسلنا الرياح لواقح 22 1: 49، 2: 242
النحل الذين تتوفاهم الملائكة 28 1: 125
النحل وما بكم من نعمة فمن الله 53 2: 90
النحل فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله 98 1: 135، 168
النحل إلا من أُكْرِهَ وقلبه مطمئن 106 2: 323
النحل وإن ربك ليحكم بينهم 124 1: 305(2/428)
السور الآيات رقمها موضعها في الكتاب
الإسراء إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم 9 2: 37
الإسراء وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه 13 1: 202
الإسراء وإن من شيء إلا يسبح بحمده 44 1: 270
الإسراء وآتينا ثمود الناقة مبصرة 59 2: 63
الإسراء أرأيتك هذا الذي كرمت علي 61 1: 121
الإسراء يوم ندعو كل أناس بإمامهم 71 2: 159
الإسراء ومن كان في هذه أعمى 72 2: 57
الإسراء فأبى أكثر الناس إلا كفورا 89 2: 351
الكهف لنعلم أي الحزبين أحصى 12 1: 229
الكهف لو اطلعت عليهم 17 1: 55
الكهف ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا 28 1: 140
الكهف وقل الحق من ربكم 29 1: 55، 283، 2: 336
الكهف إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات 30 1: 236
الكهف لكنا هو الله ربي 38 1: 70، 224
الكهف فأصبح هشيما تذروه الرياح 45 1: 156
الكهف وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا 47 2: 55
الكهف وكان الإنسان أكثر شيء جدلا 54 1: 321
الكهف وما أنسانيه إلا الشيطان 63 1: 128
الكهف لقد جئت شيئا إمرا 71 2: 16
مريم كهيعص ذكر رحمة ربك 1، 2 1: 241
مريم فأتت به قومها تحمله 27 1: 254
مريم ثم لننزعن من كل شيعة أيهم 69 2: 85
أشد على الرحمن عتيا
مريم تكاد السموات يتفطرن منه 90 2: 140
مريم وكلهم آتيه يوم القيامة فردا 95 2: 146(2/429)