بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي يسر القرءان للذكر ، وأنعم علينا بما ليس له عد ولا حصر ، وشرع لنا شرائع اليسر ، والصلاة والسلام على نبي الرحمة والبشر ، وعلى آله وأصحابه ذوي الطاعات والبر ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم البعث والحشر .
وبعد
فلا يخفى على كل ذي لب أهمية تصحيح القراءة ، وفضيلة تعلم التلاوة ، وعظم أجر القارئ المتقن ، ففي الحديث الصحيح " الماهر بالقرءان مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرءان ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران " .
فمن أتعب نفسه في تصحيح القراءة له أجران ، أجر للمشقة وأجر للقراءة ، ومن أتقنها رفعت درجته مع الملائكة الأبرار .
وإني لما رأيت الهمم قد قصرت وطلبة العلم قد لحنت ، والعامة قد أخطأت ، رأيت من واجبي أن أجمع بعض ما يشحذ الهمم ، وينير الطريق لمن أراد نطق العرب لا نطق العجم .
فلذلك كتبت هذه الأوراق ، وبدأتها بشيء عن فضل القراءة والأمر بها ، ثم أتبعت ذلك بما ينبغي مراعاته في القراءة ، ونبهت على ما يقع فيه العامة والخاصة ، وعلى كيفية التخلص من ذلك ، على طريقة مبتكرة جديدة لا أعلم أحداً من المؤلفين سبقني إليها ، واكتفيت بتطبيقها على الحمد والعشر الأخير لأهمية ذلك بالنسبة إلى عموم الأمة ، فنسأل الله تعالى أن يتقبله وينفع به المسلمين جميعاً .
قال الإمام الخاقاني ـ رحمه الله ـ
فأول علم الذكر إتقان حفظه ... ومعرفة باللحن من فيك إذ يجري
فكن عارفاً باللحن كيما تزيله ... فما للذي لا يعرف اللحن من عذر
وينبغي قبل الشروع في المقصود ، تقديم الإسناد الذي تلقيت به القرءان الكريم وقراءاته ، تحدثاً بنعمة الله عز وجل عليّ ، فأقول وبالله التوفيق :(1/1)
قرأت القراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة على الشيخ / محمد بن الفرماوي بن قطب بن حماد ـ رحمه الله ـ ، وأخبرني أنه قرأ القرءان بجميع قراءاته ورواياته التي تواترت إلينا على الشيخ / عامر بن السيد بن عثمان ، وهو على شيخه / علي بن سبيع بن عبد الرحمن وهو على شيخه / حسن بن محمد الجريسي الكبير وهو على شيخه / أحمد بن محمد الدري التهامي وهو على شيخه / أحمد بن محمد سلمونة وهو على شيخه / إبراهيم العبيدي وهو على شيخه / عبد الرحمن بن حسن الأجهوري وهو على شيخه / أحمد البقري وهو على شيخه / محمد بن عمر البقري وهو على شيخه / عبد الرحمن اليمني وهو على شيخه / شحاذة اليمني وهو على شيخه / محمد بن سالم الطبلاوي وهو على شيخه / زكريا بن محمد الأنصاري وهو على شيخه / رضوان بن محمد العقبي وهو علىالإمام / أبي الخير محمد بن محمد بن الجزري وهو علىالإمام / عبد الرحمن بن أحمد البغدادي وهو علىالإمام / محمد بن أحمد الصائغ وهو علىالإمام / علي بن شجاع الضرير وهو علىالإمام / القاسم بن فيره الشاطبي وهو علىالإمام / علي بن هذيل البلنسي وهو علىالإمام / أبي داود سليمان بن نجاح وهو علىالإمام / أبي عمرو عثمان بن سعيد الداني وهو علىالإمام / أبي الحسن طاهر بن غلبون وهو علىالإمام / علي بن محمد الهاشمي وهو علىالإمام / أحمد بن سهل الأشناني وهو علىالإمام / عبيد بن الصباح النهشلي وهو علىالإمام / حفص بن المغيرة الأسدي وهو علىالإمام / عاصم بن أبي النجود الكوفي وهو علىالإمام /أبي عبدالرحمن السلمي وهو على ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ وهو عن الرسول صلى الله عليه وسلم .
وللروايات الباقية أسانيد كثيرة نقلها أبو عمرو الداني في كتابه التيسير وقد تركنا ذكرها اختصاراً .
والله المستعان ، وصلى الله وسلم على سيد ولد عدنان ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان .
? باب
فضل قراءة القرءان الكريم(1/2)
لا يجهل أحد فضل القرءان الكريم فإنه كلام رب العالمين ، وصفة أرحم الراحمين ، ليس بمخلوق ولا محدث ، أعجز البلغاء بفصاحته ، والشعراء بحلاوته ، والحكماء بحكمته ، ولم يقدر الثقلان على معارضته ، " كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير " ( هود 1 ) " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد " ( فصلت 42 )
وأما عن فضل قراءته وتعلمه ، فيقول الرب تبارك وتعالى " إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً و علانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله " ( فاطر 29 - 30 )
ويقول صلى الله عليه وسلم : " خيركم من تعلم القرءان وعلمه " (1)
ويقول عليه الصلاة والسلام : " من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها ولا أقول : الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف " (2)
وفي صحيح مسلم ( ج: 1 ص: 548 ) :
__________
(1) صحيح البخاري 5027 , 5028 والترمذي 2907*- .
(2) صحيح الجامع 1/257 ، وعزاه إلىمسلم والمسند .(1/3)
( 796 ) وحدثني حسن بن علي الحلواني وحجاج بن الشاعر وتقاربا في اللفظ قالا حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي حدثنا يزيد بن الهاد أن عبد الله بن خباب حدثه أن أبا سعيد الخدري حدثه أن أسيد بن حضير بينما هو ليلة يقرأ في مربده إذ جالت فرسه فقرأ ثم جالت أخرى فقرأ ثم جالت أيضا قال أسيد فخشيت أن تطأ يحيى فقمت إليها فإذا مثل الظلة فوق رأسي فيها أمثال السرج عرجت في الجو حتى ما أراها قال فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله بينما أنا البارحة من جوف الليل أقرأ في مربدي إذ جالت فرسي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرإ ابن حضير قال فقرأت ثم جالت أيضا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرإ ابن حضير قال فقرأت ثم جالت أيضا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرإ ابن حضير قال فانصرفت وكان يحيى قريبا منها خشيت أن تطأه فرأيت مثل الظلة فيها أمثال السرج عرجت في الجو حتى ما أراها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تلك الملائكة كانت تستمع لك ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم.
وفي صحيح مسلم أيضا ( ج: 1 ص: 549 ) :
( 37 ) باب فضيلة حافظ القرآن ( 797 ) حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو كامل الجحدري كلاهما عن أبي عوانة قال قتيبة حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر .(1/4)
( 38 ) 0باب فضل الماهر بالقرآن والذي يتتعتع فيه( 798 ) حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن عبيد الغبري جميعا عن أبي عوانة قال ابن عبيد حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن ابن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران .
وفي صحيح مسلم أيضا ( ج: 1 ص: 552 ) :
(41) باب فضل قراءة القرآن في الصلاة وتعلمه ( 802 ) حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة وأبو سعيد قالا حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيحب أحدكم إذا رجع إلى أهله أن يجد فيه ثلاث خلفات عظام سمان قلنا نعم قال فثلاث آيات يقرأ بهن أحدكم في صلاته خير له من ثلاث خلفات عظام سمان .
( 803 ) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا الفضل بن دكين عن موسى بن علي قال سمعت أبي يحدث عن عقبة بن عامر قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة فقال : أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطع رحم فقلنا يا رسول الله نحب ذلك قال : أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين وثلاث خير له من ثلاث وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل .
فهذه الآيات والأحاديث وغيرها كثير تحفز المسلم ليقبل على القرءان ليله
ونهاره يقرأه ويتعلمه ، ويتدبره ويتفهمه ، وذلك الفوز العظيم .
? باب
الأمر بالقراءة وتحسين الصوت بها(1/5)
قد أمر الله عز وجل بقراءة القرءان في آيات كثيرة ، فمن ذلك قوله تعالى : " فاقرءوا ما تيسر من القرءان " ( المزمل 20 )وقوله تعالى : " اتل ما أوحي إليك من الكتاب " ( العنكبوت 45 ) وقوله تعالى : " وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرءان " ( النمل 92 ) ففي هذه الآيات يأمر الله عز وجل بقراءة القرءان ، ولا شك أن القراءة المطلوبة هي القراءة الحسنة التي لا تخل بحرف ولا تحيل معنى ، وهي الترتيل الذي أمر الله عز وجل به إذ يقول عز من قائل : " ورتل القرءان ترتيلا " ( المزمل 4 )
والقراءة المطلوبة هي التي كان يستعملها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ واستعملها أئمة القراءة من بعده ، فقد روى البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ عن أنس ـ رضى الله عنه ـ في وصف قراءة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : كانت قراءته مداً ، يمد بـ ( بسم الله ) ، ويمد بـ ( الرحمن ) ، ويمد بـ ( الرحيم ) .
قال أبو عمرو الداني ـ رحمه الله تعالى ـ : وهذا حديث مخرج من الصحيح وهو أصل في تحقيق القراءة وتجويد الألفاظ ، وإخراج الحروف من مواضعها والنطق بها على مراتبها ، وإيفائها صيغتها وكل حق هو لها ... على مقدار الصيغ وطبع الخلقة من غير زيادة ولا نقصان . (1)
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ :
فصل في هديه في قراءة القرآن واستماعه وخشوعه وبكائه عند قراءته واستماعه وتحسين صوته به وتوابع ذلك :
__________
(1) التحديد ص 80 .(1/6)
كان له حزب يقرؤه ولا يخل به وكانت قراءته ترتيلا لا هذا ولا عجلة بل قراءة مفسرة حرفا حرفا وكان يقطع قراءته آية آية وكان يمد عند حروف المد فيمد الرحمن ويمد الرحيم وكان يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم في أول قراءته فيقول : ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) . وربما كان يقول : ( اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه ) وكان تعوذه قبل القراءة , وكان يحب أن يسمع القرآن من غيره وأمر عبدالله بن مسعود فقرأ عليه وهو يسمع وخشع لسماع القرآن منه حتى ذرفت عيناه , وكان يقرأ القرآن قائما وقاعدا ومضطجعا ومتوضئا ومحدثا ولم يكن يمنعه من قراءته إلا الجنابة , وكان يتغنى به ويرجع صوته به أحيانا كما رجع يوم الفتح في قراءته إنا فتحنا لك فتحا مبينا وحكى عبدالله بن مغفل ترجيعه آآآثلاث مرات ذكره البخاري . زاد المعاد ( ج: 1 ص: 482) .
وروى أبو عمرو عن نافع أحد الأئمة العشرة أنه قال : حدرنا أن لا نسقط الإعراب ولا نمد مقصوراً ، قراءتنا قراءة أكابر أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سهل جزل ، لا نمضغ ولا نلوك ، ننبر ولا نبتهر ، نسهل ولا نشدد نقرأ على أفصح اللغات وأمضاها ، ولا نلتفت إلى أقاويل الشعراء وأصحاب اللغات ، أصاغر عن أكابر ، ملي عن وفي ، ديننا دين العجائز ، وقراءتنا قراءة المشايخ ، نسمع في القرءان ، ولا نستعمل فيه بالرأي . (1)
وروى أبو عمرو أيضا عن أحمد بن نصر ـ رحمه الله ـ في وصف قراءة الأئمة السبعة :
فأما صفة قراءة من انتحل ابن كثير فحسنة مجهورة بتمكين بين .
وأما وصف قراءة من ينتحل نافعا فسلسة لها أدنى تمديد .
وأما وصف قراءة حمزة فهي المد العدل والقصر ، والهمز المقوم المجود بلا تمطيط ولا تشديق ، ولا تعلية صوت ولا ترعيد ، فهذه صفة التحقيق ، وأما الحدر فسهل التكلف في أدنى ترتيل وأيسر تقطيع.
وأما قراءة الكسائي فبين الوصفين في اعتدال.
__________
(1) التحديد ص 93.(1/7)
وأما قراءة أبي عمرو فالتوسط والتدوير ، وهمزها سليم من اللكز ،وتشديدها خارج عن التمضيغ بترسل جزل وحدر بين سهل ، يتلو بعضها بعضاً . (1)
قلت : فعلى القارئ أن يجتهد وسعه في ترتيل القراءة مراعياً الأحكام والقواعد على ما في هذا الكتاب وغيره .
وإن مما يدخل في الترتيل الخشوع حال القراءة فقد قرأ ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ من سورة النساء على الرسول ـ صلى الله عليه وسلم - حتى إذا وصل إلى قوله تعالى " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا " ( 42 ) فقال : حسبك . فالتفت فإذا عيناه ـ صلى الله عليه وسلم ـ تذرفان بالدموع (2) ، فانظر إلى هذا الخشوع الخفي حتى أن جليسه لم يشعر ببكائه حتى نظر إليه، ولم يكن الصراخ والنحيب الذي يفعله أكثر القراء اليوم من هديه ولا من عادته صلى الله عليه وسلم .
ومن الترتيل كذلك : مراعاة الوقوف ، فلا تقف إلا على تمام المعنى ، ولاتصل ما يقبح المعنى بوصله ، فروى مسلم برقم ( 870 ) عن عدي بن حاتم ـ رضي الله عنه ـ قال :
جاء رجلان إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فتشهد أحدهما فقال : من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما .
فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : قم بئس الخطيب أنت .
قال الداني ـ رحمه الله ـ : ففي هذا الخبر إيذان بكراهة القطع على المستبشع من اللفظ المتعلق بما يبين حقيقته ، ويدل على المراد منه لأنه ـ عليه السلام ـ إنما أقام الخطيب لما قطع على ما يقبح ، إذ جمع بين حال من أطاع وحال من عصى ولم يفصل بين ذلك ، وإنما كان ينبغي أن يقطع على قوله : فقد رشد . ثم يستأنف ما بعد ذلك ويصل كلامه إلى آخره فيقول : ومن يعصهما فقد غوى .
__________
(1) التحديد ص 95 .
(2) متفق عليه البخاري ( 4582) ومسلم ( 800 ).(1/8)
وإذا كان مثل هذا مكروهاً مستبشعاً في الكلام الجاري بين المخلوقين فهو في كتاب الله عز وجل الذي هو كلام رب العالمين أشد كراهة واستبشاعاً وأحق وأولى أن يتجنب . أ. هـ (1)
وتحر الوقف على رؤوس الآي فإنه من السنة ، وقد بينت ذلك أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ في وصفها لقراءة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث قالت : كان يقطع قراءته آية آية "الحمد لله رب العالمين" ثم يقف " الرحمن الرحيم " ثم يقف . (2)
ومنه كذلك تصحيح الحروف ، وذلك بمد الممدود ، وتفخيم المفخم ، وترقيق المرقق فقد روى أن رجلا قرأ على ابن مسعود ـ رضى الله عنه ـ ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) مرسلة بلا مد ، فقال ابن مسعود : ما هكذا أقرأنيها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
فقال الرجل : كيف أقرأكها يا أبا عبد الرحمن ؟
قال : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) فمدها .
قال ابن الجزري ـ رحمه الله ـ : هذا حديث جليل حجة ونص في هذا الباب ،
رجال إسناده ثقات ، رواه الطبراني في معجمه الكبير . (3)
ومن الترتيل : تحسين الصوت حال القراءة فقد قال صلى الله عليه وسلم ( ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرءان ) (4)
ومعنى ( أذن ) أي : استمع .
ومن الترتيل كذلك : التريث والتمهل في قراءته وأخذه ، فقد قال عز وجل : ( ولا تعجل بالقرءان من قبل أن يقضى إليك وحيه ) طه (114 )
وقال تعالى : ( وقرءانا فرقناه لتقرأه على الناس مكث ) الإسراء (106 ) .
باب القراءة بالألحان
__________
(1) المكتفى ص 133 . وإن كان البعض يرى أن الإنكارلأنه جمع بين الله ورسوله في ضمير واحد وهو الأرجح بدليل قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : قل ومن يعص الله ورسوله . فهو أيضا يدل على مراعاة المعنى .
(2) صحيح الجامع 2/893 .
(3) النشر 1/316
(4) متفق عليه .(1/9)
بينا في الباب السابق ملخصا لآداب تلاوة القرءان وما ينبغي مراعاته من الخشوع والتدبر في معانيه , ونبين هنا حكم القراءة بالألحان التي عمت بها البلوى من مشاهير هذا الزمان فنقول وبالله التوفيق :
اعلم أن القراءة بالألحان بدعة منكرة وطريقة محرمة لأنها ليست من هدي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا من هدي أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ وقد قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) أي مردود عليه( رواه مسلم برقم 1718 ) .
وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) .
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدا ومشهورة شهرة تغني عن تخريجها تأمر بالاتباع وتنهى عن الابتداع , والمتأمل في القراءة بالألحان , والتي انتشرت بين المشاهير من قراء هذا الزمان لا يرتاب في تحريمها إذ هي لا تختلف في الأداء عن النوح والغناء , بل وتصل إلى حد اللعب بالقرءان والاستهزاء .
وأنا ذاكر ـ إن شاء الله تعالى ـ من كلام السادة العلماء ما يقنع النبلاء ويقمع الألداء وعلى الله التوكل وفيه الرجاء .
قال الجرجاني في التعريفات ( ج: 1 ص: 91 ) :
( 417 ) التلحين هو تغيير الكلمة لتحسين الصوت وهو مكروه لأنه بدعة .
وفي سنن الدارمي ( ج: 2 ص: 566 ) :
( 35 ) باب كراهية الألحان في القرآن :
( 3502 ) أخبرنا عبد الله بن سعيد عن عبد الله بن إدريس عن الأعمش قال قرأ رجل عند أنس يلحن هذه الألحان فكره ذلك أنس .
( 3503 ) حدثنا العباس بن سفيان عن بن علية عن عون عن محمد قال : هذه الألحان في القرآن محدثة .
وقال ابن أبي شيبة ـ رحمه الله ـ :(1/10)
( 5 ) في التطريب من كرهه ( 29948 ) حدثنا عفان قال حدثنا حماد بن سلمة قال أخبرنا عمران بن عبد الله بن طلحة أن رجلا قرأ في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان فطرب فأنكر ذلك القاسم وقال : يقول الله تعالى ( وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) .
( 29949 ) حدثنا عبد الله بن إدريس عن الأعمش أن رجلا قرأ عند أنس فطرب فكره ذلك أنس .
(29950 ) حدثنا عفان قال حدثنا حماد بن سلمة قال أخبرنا عبد الله بن أبي بكر أن زياد النميري جاء مع القراء إلى أنس بن مالك فقال له اقرأ فرفع صوته وكان رفيع الصوت فكشف أنس عن وجهه الخرقة وكان على وجهه خرقة سوداء فقال : ما هذا ما هكذا كانوا يفعلون وكان إذا رأى شيئا ينكره كشف الخرقة عن وجهه .
مصنف ابن أبي شيبة ( ج: 6 ص: 119) .
وقال أبو عوانة ـ رحمه الله ـ :
(6940 ) حدثنا الدارمي ثنا حجاج بن نصير ثنا عمارة يعني ابن مهران قال كان الحسن يكره الأصوات بالقرآن هذا التطريب .
(6941 ) حدثنا الدارمي ثنا الحجاج ثنا عمارة عن ثابت عن أنس أنه كان يكره هذا أيضا .
( مسند أبي عوانة ج: 4 ص: 350 , 351 ) .
وقال أبو نعيم ـ رحمه الله ـ :
حدثنا إسحاق بن أحمد بن علي ثنا إبراهيم بن يوسف بن خالد ثنا أحمد ابن أبي الحواري قال سمعت أبا داود الطرسوسي يقول قلت لعبد الله بن المبارك : إنا نقرأ بهذه الألحان فقال : إنما كره لكم منها إنا أدركنا القراء وهم يؤتون تسمع قراءتهم وأنتم تدعون اليوم كما يدعى المغنون .
حلية الأولياء ( ج: 8 ص: 169) .
وفي المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد ( ج: 1 ص: 164 ) :
قال : وسئل أحمد عن قراءة الألحان فقال : بدعة .
وقال : دخلت على أبي عبد الله فقلت ما تقول في قراءة الألحان فقال : بدعة وفي رواية أنه قال : اتخذوه أغانيا اتخذوه أغانيا ( ج: 2 ص: 80 ) .
وقال أبو إسحاق الحنبلي ـ رحمه الله ـ :(1/11)
وقال في الفنون سئل حنبل عن القراءة بتلحين فقال : مكروه إن لم أبلغ به التحريم وذكر معنى مليحا فقال إن للقرآن كتابة وتلاوة ثم إن هذا التلحين والترجيع لو سطر كان خارجا عن كون هذا المكتوب مصحفا لأن الترجيع يعطي في الهجاء حروفا تخرج عن خط المصاحف .
النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر ( ج: 1 ص: 73 )
وقال البهوتي ـ رحمه الله ـ :
وكره أحمد والأصحاب قراءة الألحان وقال هي بدعة لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في أشراط الساعة أن يتخذ القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليس بأقرئهم ولا أفضلهم إلا ليغنيهم غناء ولأن الإعجاز في لفظ القرآن ونظمه والألحان تغيره فإن حصل معها أي الألحان تغيير نظم القرآن وجعل الحركات حروفا حرم ذلك وقال الشيخ : التلحين الذي يشبه الغناء مكروه ولا يكره الترجيع وتحسين القراءة بل ذلك مستحب لحديث أبي هريرة ( ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن يجهر به ) رواه البخاري . وقال صلى الله عليه وسلم : ( زينوا القرآن بأصواتكم ) وقال :
( ليس منا من لم يتغن بالقرآن ) قال طائفة : معناه تحسين قراءته والترنم ورفع صوته بها . كشاف القناع ( ج: 1 ص: 433 )
وقال أبو المناقب ـ رحمه الله ـ :
وقوله في قراءة الألحان وقال جماعة إن غيرت النظم حرمت في الأصح وإلا فوجهان في الكراهة إطلاق هذين الوجهين من تتمة كلام هؤلاء الجماعة وقد قدم المصنف أن أحمد كره قرءاة الألحان وقال بدعة لا تسمع والصحيح من هذين الوجهين الكراهة إن لم يكن ذلك طبعا قال الشيخ في المغني والشارح إن لم يفرط في التمطيط والمد وإشباع الحركات فالصحيح أنه لا يكره وقال القاضي يكره على كل حال ورداه وإن أسرف في المد والتمطيط وإشباع الحركات كره ومن أصحابنا من كان يحرمه انتهى . الفروع ( ج: 6 ص: 494 )
وقال المناوي ـ رحمه الله ـ :
....(1/12)
( ونشئا يتخذون القرآن ) أي قراءته ( مزامير ) جمع مزمار وهو بكسر الميم آلة الزمر يتغنون به ويتمشدقون ويأتون به بنغمات مطربة وقد كثر ذلك في هذا الزمان وانتهى الأمر إلى التباهي بإخراج ألفاظ القرآن عن وضعها ( يقدمون ) يعني الناس الذين هم أهل ذلك الزمان أحدهم يغنيهم بالقرآن بحيث يخرجون الحروف عن أوضاعها ويزيدون وينقصون لأجل موافاة الألحان وتوفر النغمات وإن كان أي المقدم أقلهم فقها إذ ليس غرضهم إلا الالتذاذ والاستمتاع بتلك الألحان والأوضاع .
فيض القدير ( ج: 3 ص: 195 ) .
وقال القرطبي ـ رحمه الله ـ :
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( أحسن الناس صوتا من إذا قرأ رأيته يخشى الله تعالى ) وروي عن زياد النميري أنه جاء مع القراء إلى أنس بن مالك فقيل له اقرأ فرفع صوته وطرب وكان رفيع الصوت فكشف أنس عن وجهه وكان على وجهه خرقة سوداء فقال : يا هذا ما هكذا كانوا يفعلون وكان إذا رأى شيئا ينكره كشف الخرقة عن وجهه .
وروي عن قيس بن عباد أنه قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند الذكر .(1/13)
وممن روي عنه كراهة رفع الصوت عند قراءة القرآن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والقاسم بن محمد والحسن وابن سيرين والنخعي وغيرهم وكرهه مالك بن أنس وأحمد بن حنبل كلهم كره رفع الصوت بالقرآن والتطريب فيه , روي عن سعيد بن المسيب أنه سمع عمر بن عبد العزيز يؤم الناس فطرب في قراءته فأرسل إليه سعيد يقول : أصلحك الله إن الأئمة لا تقرأ هكذا فترك عمر التطريب بعد , وروي عن القاسم بن محمد أن رجلا قرأ في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فطرب فأنكر ذلك القاسم وقال : يقول الله عز وجل : ( وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) الآية , وروي عن مالك أنه سئل عن النبر في قراءة القرآن في الصلاة فأنكر ذلك وكرهه كراهة شديدة وأنكر رفع الصوت به , وروى ابن القاسم عنه أنه سئل عن الألحان في الصلاة فقال : لا يعجبني وقال إنما هو غناء يتغنون به ليأخذوا عليه الدراهم .
( تفسير القرطبي ج: 1 ص: 10 , 11 ) .
وقال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ :
وقد صح عن النبى انه قال ليس منا من لم يتغن بالقرآن وقد فسره الشافعى وأحمد بن حنبل وغيرهما بأنه من الصوت فيحسنه بصوته ويترنم به بدون التلحين المكروه . مجموع الفتاوى ( ج: 11 ص532) .
واعلم أن الذين رخصوا في التطريب والألحان حال القراءة لم يطلقوا ذلك وإنما أرادوا تحسين الصوت بالقرءان , وقيدوه بعدم التمطيط الذي يخرج القراءة عن حدها إلى حد النوح والغناء الذي يفعله كثير من مشاهير زماننا والذي لا يختلف في تحريمه .
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ :(1/14)
وفصل النزاع أن يقال : التطريب والتغني على وجهين أحدهما : ما اقتضته الطبيعة وسمحت به من غير تكلف ولا تمرين ولا تعليم بل إذا خلي وطبعه واسترسلت طبيعته جاءت بذلك التطريب والتلحين فذلك جائز وإن أعان طبيعته بفضل تزيين وتحسين كما قال أبو موسى الأشعري للنبي : لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيرا. والحزين ومن هاجه الطرب والحب والشوق لا يملك من نفسه دفع التحزين والتطريب في القراءة ولكن النفوس تقبله وتستحليه لموافقته الطبع وعدم التكلف والتصنع فيه فهو مطبوع لا متطبع وكلف لا متكلف فهذا هو الذي كان السلف يفعلونه ويستمعونه وهو التغني الممدوح المحمود وهو الذي يتأثر به التالي والسامع وعلى هذا الوجه تحمل أدلة أرباب هذا القول كلها .(1/15)
الوجه الثاني : ما كان من ذلك صناعة من الصنائع وليس في الطبع السماحة به بل لا يحصل إلا بتكلف وتصنع وتمرن كما يتعلم أصوات الغناء بأنواع الألحان البسيطة والمركبة على إيقاعات مخصوصة وأوزان مخترعة لا تحصل إلا بالتعلم والتكلف فهذه هي التي كرهها السلف وعابوها وذموها ومنعوا القراءة بها وأنكروا على من قرأ بها وأدلة أرباب هذا القول إنما تتناول هذا الوجه وبهذا التفصيل يزول الاشتباه ويتبين الصواب من غيره وكل من له علم بأحوال السلف يعلم قطعا أنهم برآء من القراءة بألحان الموسيقى المتكلفة التي هي إيقاعات وحركات موزونة معدودة محدودة وأنهم أتقى لله من أن يقرؤوا بها ويسوغوها ويعلم قطعا أنهم كانوا يقرؤون بالتحزين والتطريب ويحسنون أصواتهم بالقرآن ويقرؤونه بشجى تارة وبطرب تارة وبشوق تارة وهذا أمر مركوز في الطباع تقاضيه ولم ينه عنه الشارع مع شدة تقاضي الطباع له بل أرشد إليه وندب إليه وأخبر عن استماع الله لمن قرأ به وقال : ( ليس منا من لم يتغن بالقرآن ) وفيه وجهان : أحدهما : أنه إخبار بالواقع الذي كلنا نفعله والثاني : أنه نفي لهدي من لم يفعله عن هديه وطريقته . زاد المعاد (ج: 1 ص: 493,492 ) .
قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ :(1/16)
ولا شك أن النفوس تميل إلى سماع القراءة بالترنم أكثر من ميلها لمن لا يترنم لأن للتطريب تأثيرا في رقة القلب وإجراء الدمع وكان بين السلف اختلاف في جواز القرآن بالألحان أما تحسين الصوت وتقديم حسن الصوت على غيره لا نزاع في ذلك فحكى عبد الوهاب المالكي عن مالك تحريم القراءة بالألحان وحكاه أبو الطيب الطبري والماوردي وابن حمدان الحنبلي عن جماعة من أهل العلم وحكى ابن بطال وعياض والقرطبي من المالكية والماوردي والبندنيجي والغزالي من الشافعية وصاحب الذخيرة من الحنفية الكراهية واختاره أبو يعلى وابن عقيل من الحنابلة وحكى ابن بطال عن جماعة من الصحابة والتابعين الجواز وهو المنصوص للشافعي ونقله الطحاوي عن الحنفية وقال الفوراني من الشافعية في الإباحة يجوز بل يستحب ومحل هذا الاختلاف إذا لم يختل شيء من الحروف عن مخرجه فلو تغير قال النووي في التبيان أجمعوا على تحرميه .
فتح الباري ( ج: 9 ص: 72 ) .
وقال المناوي ـ رحمه الله ـ :
( ليس منا ) أي من العاملين بسنتنا الجارين على طريقتنا ( من لم يتغن بالقرآن ) يعني لم يحسن صوته به لأن التطريب به أوقع في النفوس وأدعى للاستماع والإصغاء وهي كالحلاوة التي تجعل في الدواء لتنفيذه إلى أمكنة الداء وكالأفاوية التي يطيب بها الطعام ليكون الطبع أدعى قبولا له لكن شرطه أن لا يغير اللفظ ولا يخل بالنظم ولا يخفي حرفا ولا يزيد حرفا وإلا حرم إجماعا كما مر . فيض القدير ( ج: 5 ص: 387 ) .
قال الشيخ زين بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ :
وأما القراءة بالألحان فأباحها قوم وحظرها قوم والمختار إن كانت الألحان لا تخرج الحروف عن نظمها وقدوراتها فمباح مباح كذا ذكر وقدمنا في باب الأذان ما يفيد أن التلحين لا يكون إلا مع تغيير مقتضيات الحروف فلا معنى لهذا التفصيل ا ه البحر الرائق ( ج: 7 ص: 88 ) .(1/17)
قلت : هذا كله مع عدم وجود دليل لهم على بدعتهم وإنما هو الهوى المتبع وإعجاب المرء بنفسه , وقد تصدى القرطبي وغيره لدحض شبههم الزائفة فقال ـ رحمه الله ـ :
وأجازت طائفة رفع الصوت بالقرآن والتطريب به وذلك لأنه إذا حسن الصوت به كان أوقع في النفوس وأسمع في القلوب واحتجوا بقوله عليه السلام ( زينوا القرآن بأصواتكم ) رواه البراء بن عازب أخرجه أبو داود والنسائي وبقوله عليه السلام ( ليس منا من لم يتغن بالقرآن ) أخرجه مسلم وبقول أبي موسى للنبي صلى الله عليه وسلم ( لوأعلم أنك تستمع لقراءتي لحبرته لك تحبيرا ) وبما رواه عبدالله بن مغفل قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في مسير له سورة الفتح على راحلته فرجع في قراءته .
وممن ذهب إلى هذا أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وابن المبارك والنضر بن شميل وهو اختيار أبي جعفر الطبري وأبي الحسن بن بطال والقاضي أبي بكر بن العربي وغيرهم .
قلت : القول الأول أصح لما ذكرناه ويأتي وأما ما احتجوا به من الحديث الأول فليس على ظاهره وإنما هو من باب المقلوب أي : زينوا أصواتكم بالقرآن . قال الخطابي وكذا واحد من أئمة الحديث : زينوا أصواتكم بالقرآن . وقالوا هو من باب المقلوب كما قالوا : عرضت الحوض على الناقة وإنما هو عرضت الناقة على الحوض قال : ورواه معمر عن منصور عن طلحة فقدم الأصوات على القرآن وهو الصحيح .
قال الخطابي : ورواه طلحة عن عبدالرحمن بن عوسجة عن البراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( زينوا القرآن بأصواتكم ) أي : الهجوا بقراءته واشغلوا به أصواتكم واتخذوه شعارا وزينة , وقيل معناه الحض على قراءة القرآن والدءوب عليه . وقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( زينوا أصواتكم بالقرآن ) وروي عن عمر أنه قال : حسنوا أصواتكم بالقرآن .(1/18)
قلت : وإلى هذا المعنى يرجع قوله عليه السلام : ( ليس منا من لم يتغن بالقرآن ) أي : ليس منا من لم يحسن صوته بالقرآن كذلك تأوله عبدالله بن أبي مليكة , قال عبدالجبار ابن الورد سمعت ابن أبي مليكة يقول قال عبدالله بن أبي يزيد مر بنا أبو لبابة فاتبعناه حتى دخل بيته فإذا رجل رث الهيئة فسمعته يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ليس منا من لم يتغن بالقرآن ) قال فقلت لابن أبي ملكية : يا أبا محمد أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت ؟ قال : يحسنه ما استطاع . ذكره أبو داود , وإليه يرجع أيضا قول أبي موسى للنبي صلى الله عليه وسلم : ( إني لوعلمت أنك تستمع لقرائتي لحسنت صوتي بالقرآن وزينته ورتلته).............
وقد قيل إن الأمر بالتزيين اكتساب القرءات وتزينها بأصواتنا وتقدير ذلك أي زينوا القراءة بأصواتكم فيكون القرآن بمعنى القراءة كما قال تعالى : ( وقرآن الفجر ) أي قراءة الفجر وقوله : ( فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ) أي قراءته وكما جاء في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو قال : ( إن في البحر شياطين مسجونة أوثقها سليمان عليه السلام ويوشك أن تخرج فتقرأ على الناس قرآنا ) أي قراءة وقال الشاعر في عثمان رضي الله عنه : ضحوا بأشمط عنوان السجود به يقطع الليل تسبيحا وقرآنا أي قراءة فيكون معناه على هذا التأويل صحيحا إلا أن يخرج القراءة التي هي التلاوة عن حدها على ما نبينه فيمتنع .(1/19)
وقد قيل إن معنى يتغنى به يستغنى به من الاستغناء الذي هو ضد الافتقار لا من الغناء يقال تغنيت وتغانيت بمعنى استغنيت وفي الصحاح تغنى الرجل بمعنى استغنى وأغناه الله وتغانوا أي استغنى بعضهم عن بعض قال المغيرة بن حبناء التميمي : كلانا غني عن أخيه حياته ثم ونحن إذا متنا أشد تغانيا وإلى هذا التأويل ذهب سفيان بن عيينة ووكيع بن الجراح ورواه سفيان عن سعد بن أبي وقاص وقد روي عن سفيان أيضا وجه آخر ذكره إسحاق بن راهوية أي يستغني به عما سواه من الأحاديث وإلى هذا التأويل ذهب البخاري محمد بن اسماعيل لإتباعه الترجمة بقوله تعالى ( أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ) والمراد الاستغناء بالقرآن عن علم أخبار الأمم قاله أهل التأويل .
وقيل إن معنى يتغنى به يتحزن به أي يظهر على قارئه الحزن الذي هو ضد السرور عند قرائته وتلاوته وليس من الغنية لأنه لو كان من الغنية لقال يتغانى به ولم يقل يتغنى به , ذهب إلى هذا جماعة من العلماء منهم الأمام أبو محمد ابن حبان البستي واحتجوا بما رواه مطرف بن عبدالله بن الشخير عن أبيه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء .
الأزيز بزايين الرعد وغليان القدر قالوا ففي هذا الخبر بيان واضح على أن المراد بالحديث التحزن وعضدوا هذا بما رواه الأئمة عن عبدالله قال قال النبي صلى الله عليه وسلم اقرأ علي فقرأت عليه سورة النساء حتى إذا بلغت ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) فنظرت إليه فإذا عيناه تدمعان فهذه أربع تأويلات ليس فيها مايدل على القراءة بالألحان والترجيع فيها وقال أبو سعيد ابن الأعرابي في قوله صلى الله عليه وسلم ( ليس منا من لم يتغن بالقرآن ) قال : كانت العرب تولع بالغناء والنشيد في أكثر أقوالها فلما نزل القرآن أحبوا أن يكون القرآن هجيراهم مكان الغناء فقال ( ليس منا من لم يتغن بالقرآن ) .(1/20)
التأويل الخامس ما تأوله من استدل به على الترجيع والتطريب فذكر عمر بن شبة قال ذكرت لأبي عاصم النبيل تأويل ابن عيينة في قوله يتغنى يستغنى فقال لم يصنع ابن عيينة شيئا وسئل الشافعي عن تأويل ابن عيينة فقال : نحن أعلم بهذا لو أراد النبي صلى الله عليه وسلم الاستغناء لقال من لم يستغن ولكن لما قال يتغن علمنا أنه أراد التغني .
قال الطبري : المعروف عندنا في كلام العرب أن التغني إنما هو الغناء الذي هو حسن الصوت بالترجيع قال الشاعر : تغن بالشعر مهما كنت قائله إن الغناء بهذا الشعر مضمار ....................
وتأويل سادس وهو ما جاء من الزيادة في صحيح مسلم عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به ) قال الطبري : ولو كان كما قال ابن عيينة لم يكن لذكر حسن الصوت والجهر به معنى .(1/21)
قلنا قوله : ( يجهر به ) لا يخلو أن يكون من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول أبي هريرة أو غيره فإن كان الأول وفيه بعد فهو دليل على عدم التطريب والترجيع لأنه لم يقل يطرب به وإنما قال ( يجهر به ) أي يسمع نفسه ومن يليه , بدليل قوله عليه السلام للذي سمعه وقد رفع صوته بالتهليل ( أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لستم تدعون أصم ولا غائبا ) الحديث وسيأتي وكذلك إن كان من صحابي أو غيره فلا حجة فيه على ما راموه , وقد اختار هذا التأويل بعض علمائنا فقال : وهذا أشبه لأن العرب تسمي كل من رفع صوته ووالي به غانيا وفعله ذلك غناء وإن لم يلحنه بتلحين الغناء قال وعلى هذا فسره الصحابي وهو أعلم بالمقال وأقعد بالحال وقد احتج أبو الحسن ابن بطال لمذهب الشافعي فقال : وقد رفع الإشكال في هذه المسألة ما رواه ابن أبي شيبة قال حدثنا زيد بن الحباب قال حدثنا موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى عليه وسلم : ( تعلموا القرآن وغنوا به واكتبوه فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصيا من المخاض من العقل ) قال علماؤنا : وهذا الحديث وإن صح سنده فيرده ما يعلم على القطع والبتات من أن قراءة القرآن بلغتنا متواترة عن كافة المشايخ جيلا فجيلا إلى العصر الكريم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس فيها تلحين ولا تطريب مع كثرة المتعمقين في مخارج الحروف وفي المد والإدغام والإظهار وغير ذلك من كيفية القراءات ثم إن في الترجيع والتطريب همز ما ليس بمهموز ومد ما ليس بممدود فترجع الألف الواحدة ألفات والواو الواحدة واوات فيؤدي ذلك إلى زيادة في القرآن وذلك ممنوع وإن وافق ذلك موضع نبر وهمز صيروها نبرات وهمزات والنبرة حيثما وقعت من الحروف فإنما هي همزة واحدة لاغير إما ممدودة وإما مقصورة .(1/22)
فإن قيل فقد روى عبدالله بن مغفل قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير له سورة الفتح على راحلته فرجع في قراءته . وذكره البخاري وقال في صفة الترجيع آء آء آء ثلاث مرات قلنا : ذلك محمول على إشباع المد في موضعه ويحتمل أن يكون حكاية صوته عند هز الراحلة كما يعتري كل رافع صوته إذا كان راكبا من انضغاط صوته وتقطيعه لأجل هز المركوب وإذا احتمل هذا فلا حجة فيه وقد خرج أبو محمد عبدالغني بن سعيد الحافظ من حديث قتادة عن عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه قال : كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم المد ليس فيها ترجيع .
وروى ابن جريح عن عطاء عن ابن عباس قال كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذن يطرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الأذان سهل سمح فإذا كان أذانك سمحا سهلا وإلا فلا تؤذن ) أخرجه الدارقطني في سننه .(1/23)
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد منع ذلك في الأذان فأحرى ألا يجوزه في القرآن الذي حفظه الرحمن فقال وقوله الحق (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) وقال تعالى ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) . قلت : وهذا الخلاف إنما هو ما لم يفهم معنى القرآن بترديد الأصوات وكثرة الترجيعات فإن زاد الأمر على ذلك حتى لا يفهم معناه فذلك حرام باتفاق كما يفعل القراء بالديار المصرية الذين يقرءون أمام الملوك والجنائز ويأخذون على ذلك الأجور والجوائز ضل سعيهم وخاب عملهم فيستحلون بذلك تغيير كتاب الله ويهونون على أنفسهم الاجتراء على الله بأن يزيدوا في تنزيله ما ليس فيه جهلا بدينهم ومروقا عن سنة نبيهم ورفضا لسير الصالحين فيه من سلفهم ونزوعا إلى ما زين لهم الشيطان من أعمالهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا فهم في غيهم يترددون وبكتاب الله يتلاعبون فإنا لله وإنا إليه راجعون لكن قد أخبر الصادق أن ذلك يكون فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم ذكر الإمام الحافظ أبو الحسين رزين وأبو عبدالله الترمذي الحكيم في نوادر الأصول من حديث حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها وإياكم ولحون أهل العشق ولحون أهل الكتابين وسيجيء بعدي قوم يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والنوح لا يجاوزحناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم ) . القرطبي ( 1/ 12 ـ 15 ) .
قلت : هذا الحديث ضعيف وقد ذكره ابن الجوزي في العلل فقال ـ رحمه الله ـ :(1/24)
باب التلحين بالقرآن (160 ) أخبرنا ابن السمرقندي قال أنا ابن مسعدة قال أخبرنا حمزة قال أنا ابن عدي قال حدثنا الحسين بن عبدالله القطان قال حدثنا سعيد بن عمرو قال أنا بقية عن الحصين بن مالك الفزاري عن أبي محمد عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اقرأوا القرآن بلحون العرب وأصواتها وإياكم ولحون أهل الكتاب وأهل الفسق فإنه سيجيء من بعدي قوم يرجعون بالقرآن ترجيع الرهبانية والنوح والغناء لا يجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم ) قال المصنف : هذا حديث لا يصح وأبو محمد مجهول وبقية يروي عن حديث الضعفاء ويدلسهم . العلل المتناهية ( ج: 1 ص: 118) .
قلت : من هذا العرض المجمل لكلام أهل العلم يتبين أن القراءة بالألحان من البدع المنكرة عند عامة أهل العلم , فالواجب على أهل القرءان وحملته أن يحذروها ولايليق بهم أن يتعلموها فضلا عن أن يعلموها , بل ولا يليق بهم أن يستمعوها .
نسأل الله عز وجل أن يحفظ أهل القرءان وحملته وأن يجملهم بكل خلق حسن ووصف جميل , إذ هو وليهم ليس لهم من دونه من ولي ولا نصير .
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
? باب
فضل الفاتحة وعظم قدرها
وأما عن فضل الفاتحة ، ففيها يقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " هي السبع المثاني والقرءان العظيم الذي أوتيته " (1) ولم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبورمثلها ، وهي أم القرءان وأم الكتاب جمعت ما فيه بفصيح الخطاب .
وهي الثناء والدعاء وفيها بإذن الله لكل مرض شفاء ، وهي الحمد والصلاة وبدونها لا تصح الصلاة كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " (2) .
وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى :
قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل .
__________
(1) متفق عليه .
(2) البخاري756 ومسلم 394 .(1/25)
فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين .
قال الله عز وجل : حمدني عبدي .
وإذا قال : الرحمن الرحيم .
قال الله : أثنى علي عبدي .
وإذا قال : مالك يوم الدين .
قال الله : مجدني عبدي .
وإذا قال : إياك نعبد وإياك نستعين .
قال الله : هذا بيني وبين عبدي .
وإذا قال : اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين .
قال الله عز وجل : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل . (1)
فهذه الأحاديث وغيرها كثير تدل على فضل الفاتحة وعظم قدرها ، فصحة الصلاة متوقفة عليها ، لذا فعلى كل مصل أن يتحرى تصحيحها ، وأن يجتهد في إتقانها ، وأن يعرف طريق الخلاص من الخطأ فيها ، كما سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ .
باب القول في الاستعاذة ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم )
الاستعاذة معناها التحصن والالتجاء إلى الله عز وجل ، وهي مستحبة قبل الشروع في القراءة لقوله تعالى " فإذا قرأت القرءان فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم " ( النحل 98 )
والمختار في صيغتها ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) لأنه أقرب الصيغ إلى لفظ الآية الكريمة .
والاستعاذة لها حالتان :
الأولى : الإسرار بها ، وذلك يسن في الصلاة جهرية كانت أو سرية ،ـ وإماماً كنت أو مأموماً وكذلك إذا كنت تقرأ سرا خارج الصلاة .
الثانية : الجهر بها ، وذلك إذا كنت تجهر بالقراءة في غير الصلاة ،والاستعاذة تكفي مرة واحدة قبل الشروع في القراءة ، فإذا انتقلت من سورة إلى أخرى فواصل قراءتك دونها ، وكذلك إذا كنت في حلقة ولم تكن أنت المبتدئ بالقراءة فلا تستعذ ، لأن استعاذة المبتدئ تغني عن غيره .
__________
(1) صحيح الجامع 2/797 وعزاه إلى مسلم والمسند وصحيح أبي داود .(1/26)
ويجوز أن تقف على الاستعاذة كما يجوز أن تصلها بأول قراءتك سواء بدأت بالبسملة أو لا ، ولكن إذا كان وصل الاستعاذة بالقراءة يؤدى إلى قبح المعنى فحينئذ لابد من الوقف عليها ، كما لو قرأت ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إليه يرد علم الساعة ) فصلت 47 ، أو تقول ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هو الذي خلقكم ) ففي هذا ونحوه لابد أن تقطع الاستعاذة عن القراءة بالوقف لما يترتب على الوصل من قبح في المعنى .
وقد جمعنا خلاصة هذه المعاني من كلام الشاطبي وغيره ومن كلامنا في هذه الأبيات :
إذا ما أردت الدهر تقرأ فاستعذ ... جهاراً من الشيطان بالله مسجلا
بشرط استماع وابتداء دراسة ... ولا مخيفا أو في الصلاة ففصلا
على ما أتى في النحل يسرا وإن تزد ... لربك تنزيها فلست مجهلا
وأوجهها جازت جميعا تلاوة ... عدا وصلها إن يجلب القبح فاحظلا
وأما ما ينبغي التنبه له في الاستعاذة : فهو إخراج اللسان عند الذال من ( أعوذ ) حتى لا تشتبه بالزاي ، فإنك لو لم تخرج اللسان لصارت ( أعوز ) بمعنى : أحتاج .
فانظر إلى الدقة والتحقيق ، بحركة لطيفة من اللسان يتحول حرف إلى حرف مغاير له ، ويتحول المعنى إلى العكس والضد .
ومعنى إخراج اللسان عند الذال : إخراج طرف اللسان من بين الأسنان حتى تخرج الذال صافية لا صفير فيها ، فإن الصفير صفة للحروف التي لا يخرج فيها اللسان وهي ( الصاد والسين والزاي )
فإن أعياك إخراج اللسان عند النطق بالذال فاتبع الآتي :
أولاً : أخرج طرف لسانك واستعد للنطق .
ثانياً : لا تنطق الكلمة كلها ، ولكن انطق الذال فقط على تلك الحالة قائلا : ( أذ ، أذ، أذ، ... )
ثالثاً : ردد ذلك مراراً وأنت مخرج طرف اللسان ، وتأكد من صفاء صوت الذال وخلوه من الصفير .
رابعاً : درب نفسك وروض لسانك على هذه الطريقة مراراً ، فإن النطق الصحيح إنما يدرك برياضة اللسان .
يقول ابن الجزري ـ رحمه الله ـ في التجويد :
وليس بينه وبين تركه ... إلا رياضة امرئ بفكه(1/27)
وما قيل في الذال يقال في الظاء والثاء ، فمخرج الحروف الثلاثة واحد ، وطريقة تصحيحهم واحدة ، إلا أن الظاء تفخم عن أختيها .
باب القول في البسملة
( بسم الله الرحمن الرحيم )
البسملة لازمة في أول كل سورة سوى سورة براءة لأنها نزلت بالسيف وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه " بسم الله الرحمن الرحيم " . (1)
وفي ذلك يقول الشاطبي ـ رحمه لله تعالى ـ :
ومهما تصلها أو بدأت براءة ... لتنزيلها بالسيف لست مبسملا
ولابد منها في ابتدائك سورة ... سواها وفي الأجزاء خير من تلا
وأما عما ينبغي التنبه له فهو حرف الراء من " الرحمن الرحيم " فالراء من صفتها التكرير ، والتكرير معناه : ارتعاد طرف اللسان عند النطق بالراء حتى تخرج راءات كثيرة .
وهذه الصفة تعرف لتجتنب.
وأكثر ما يظهر التكرير في الراء إذا شددت ، ولذلك قال ابن الجزري ـ رحمه الله ـ محذراً من تكرير الراء إذ شُددت :
وأخف تكريراً إذا تشدد.
واجتناب التكرير يحصل بإلصاق طرف اللسان بالحنك الأعلى عند نطق الراء ومنعه من الارتعاد أي النزول والارتفاع مرة ثانية ، فإنه كلما نزل وارتفع أحدث راء جديدة ، فعليك بإلصاق طرف اللسان بالحنك حتى لا تسمع إلا راء واحدة فقط .
ودرب نفسك على حرف الراء مجرداً وأحكم إلصاق اللسان بالحنك وردد : ( أر أر أر ) وتأكد من أنك لم تسمع إلا راء واحدة فقط .
وهذا في كل راء مشددة ، وبقى الكلام على تفخيم الراء :
اعلم أن الأصل في الراء التفخيم ، وأنها لا ترقق إلا لسبب من كسر أو إمالة على تفصيل ليس هذا موضعه فهي هنا مفخمة على الأصل لأنه لا سبب يوجب ترقيقها .
__________
(1) 14 قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ : في سنن أبي داود بإسناد صحيح ......... وأخرجه الحاكم في مستدركه أيضا وروي مرسلا عن سعيد بن جبير.
تفسير ابن كثير( 1/ 15 ).(1/28)
وينبغي التنبه إلا أن التفخيم في الراء وغيرها لا دخل للشفتين فيه ، وقد أخطأ من قال : إذا أردت التفخيم فضم الشفتين لأن التفخيم معناه : سمن يدخل على الحرف حتى يمتلئ الفم بصداه والشفتان لا دخل لهما في الحرف وإنما تأثيرهما وعملهما في حركة الحرف وقد نتج عن هذه القاعدة الفاسدة أن خرجت الحروف المفخمة مشوبة بالواو ، وحركاتها مشوبة بالضمة ، فينبغي الحذر من مثل ذلك ، بل تنطق المفخم مفخماً مع المحافظة على ذاته وعلى حركته ، فتضم الشفتين مع المضموم ، وتفتحها مع المفتوح ، وتكسر الشفة السفلى قليلاً مع المكسور .قال الطيبي ـ رحمه الله ـ :
وكل مضموم فلن يتما ... إلا بضم الشفتين ضما
وذو انخفاض بانخفاض للفم ... يتم والمفتوح بالفتح فهم
إذ الحروف إن تكن محركه ... يشركها في المخرج أصل الحركه
أي مخرج الواو ومخرج الألف ... والياء في مخرجها الذي عرف
فإن ترى القارئ لن تنطبقا ... شفاهاه بالضم كن محققا
بأنه منقص ما ضما ... والواجب النطق به متما
? باب
القول في ( الحمد لله رب العالمين )
أما كلمة ( الحمد ) فينبغي التنبه إلى إسكان اللام والحاء جيداً لأن كثيراً من الناس يقلقلها دون أن يدري .
والإسكان معناه : ثبات الحرف في مكانه مجرداً عن الحركة .
وأما القلقلة فمعناها : اضطراب الحرف الساكن حتى يسمع له نبرة قوية ، وهي لا تصح إلا في خمسة حروف يجمعها قولك ( قطب جد ) .
يقول الشاطبي ـ رحمه الله تعالى ـ : ......... وفي قطب جد خمس قلقلة علا. فإذا سكنت هذه الحروف أو أسكنتها أنت عند الوقف عليها لزم أن تحدث فيها اهتزازاواضطراباً حتى يسمع لها صوت قريب من الفتحة ، يعنى كأنك تريد أن تفتحها لكن دون أن تبلغ الفتحة ، وأما باقي الحروف فيجب تثبيتها في مكانها دون هز ولا اضطراب .(1/29)
وطريقة الخلاص من قلقلة اللام والحاء هنا : أن تقف على اللام وعلى الحاء وقفة خفيفة بحيث تسمع الحاء واللام واقفتين تماماً (الْ حمْـ دُ)،فإن سمعت فيهما هزاً أو اضطراباً فاعلم أنك قد أخطأت ، بل قف وقفاً يسيراً حتى تسمعهما كأنهما منفصلتين (الْ حمـ ) ثم إذا تدربت عليهما جيداً اترك الوقف ، وذلك يقال في كل ساكن غير الحروف الخمسة الموصوفة بالقلقلة .
وأما عن ( العالمين ) فلابد من مد الألف التي تلي العين ، وبعض الناس لا يمدون الألف فيقرءون ( العلمين ) فيضيعون بدلك حرفا من حروف القرءان الكريم ولو زادوا في مد الألف وبالغوا فيه لكان خيرا من تركه .
وينبغي التنبه كذلك إلى فتح اللام التي تلي الألف وتسبق الميم ، فبعض الناس يكسرها فيحولها إلى معنى مخصوص ، وهي عامة في كل ما خلق الله من عوالم.
باب
القول في آية ( الرحمن الرحيم )
ينبغي التنبه إلى تفخيم الراءات والحذر من تكريرها ، وكذلك التنبه إلى إسكان الحاء جيداً
و الحذر من قلقلتها ـ كماقدمنا ـ .
وينبغي التنبه إلى كسر النون من كلمة ( الرحمن ) فبعض الناس يحمله تفخيم الراء والمبالغة فيه على إهمال كسرة ما قبلها ، فينطقها قريبة من الفتحة ليتسنى له المبالغة في التفخيم ، فيجب الاعتناء بالكسر قبل كل حرف مفخم .
وينبغي الحذر من المبالغة في فتح راء ( الرحيم ) لأن المبالغة في الفتح يولد ألفا ممدودة فتصير ( الراحيم ) وهذا لحن ظاهر ينبغي الحذر منه ، ليس في الفتح فقط ولكن في جميع الحركات ، فإنها إن بولغ فيها ولدت حروفا مدية .
وينبغي الحذر كذلك من تشديد الميم من كلمة ( الرحيم ) فبعض الناس لا يحلو له الوقف على كل ميم وكل نون إلا بإحداث غنة فيها ، وقصده تجميل قراءته بذلك ولم يدر أن ذلك شين للقراءة ، فالميم والنون لا تتأتى فيهما الغنة عند الوقف إلا مع التشديد ، والتشديد معناه زيادة الميم إلى ميمين والنون إلى نونين ، وكتاب الله لا يصح فيه هذه الزيادة .(1/30)
يقول الخاقاني ـ رحمه الله ـ تعالى ــ :
زن الحرف لا تخرجه عن حد وزنه ... فوزن حروف الذكر من أفضل البر
فذو الحذق معط للحروف حقوقها ... إذا رتل القرءان أو كان ذا حدر
ويقول السخاوي - رحمه الله تعالى - :
للحرف ميزان فلا تك طاغياً ... فيه ولا تك مخسر الميزان
فإذا وقفت على الميم أو النون الخفيفة فاحذر تشديدها ، وأصغ إليها سمعك ، فإن سمعت فيها غنة فقد أخطأت ، وأعد نطقها حتى تسمعها خالية من الغنة .
باب
القول في ( مالك يوم الدين )
ينبغي التنبه إلى كسرة الكاف فإن أكثر القراء يهملها أو يأتي بها ضعيفة ، وذلك لصعوبة الإتيان بها على حقها ، وهذه الصعوبة نتجت لوجود الياء بعدها ، فإن الكسرة إذا تبعتها الياء ثقلت ، وكذلك الضمة إذا تبعتها الواو ثقلت ، نحو ( ومن خزي يومئذ ) ( هود66 ) ( وعلمك ما لم تكن تعلمٌ وكان فضل الله عليك عظيما ) ( النساء113) ، فينبغي التنبه إلى الإتيان بهذه الحركات كاملة .
وينبغي التنبه كذلك إلى نطق الدال مجهورة من ( الدين ) فبعض الناس يخلط الدال بالتاء خصوصاً إذا كانت مشددة ، فيحدث في الدال همسا مشابها لهمس التاء .
والهمس معناه : جريان النفس عند النطق بالحرف لضعف الاعتماد على مخرجه ، والجهر عكسه أي : انحباس جريان النفس لقوة اعتماد الحرف على مخرجه ، فاتضح بذلك أن طريقة الخلاص من همس الدال هي إحكام اللسان على بواطن الأسنان العليا حتى ينحبس النفس ، فلا تسمع بعد صوت الدال شيئا ، بل تحس بشدة التصاق اللسان على بواطن الأسنان ، وذلك يقال في كل دال مشددة وفي كل حرف مجهور .
باب
القول في ( إياك نعبد وإياك نستعين )
ينبغي التنبه إلى تحقيق الهمزة وكسرها ، فالبعض ينطقها قريبة من الهاء وهذا لا يصح ، بل لابد من سماع صوت الهمزة واضحاً قوياً ، وذلك بالاستعداد لها قبل نطقها .(1/31)
وينبغي التنبه إلى تشديد الياء ، فالبعض ينطقها خفيفة وهو خطأ ، والصواب أن تنطق ياءين ، الأولى ساكنة والثانية مفتوحة ، ولكن الحركة واحدة من اللسان ، وهذه طريقة كل حرف مشدد
وينبغي التنبه إلى ضم الباء والدال من ( نعبد ) ، فقد سبق التنبيه إلى أن الكسر قبل الياء ، والضم قبل الواو يحتاج إلى تنبه ويقظة ، لأن الطبع يسرع إلى الإسكان أو تضعيف الحركة ، لصعوبة النطق بها خصوصاً إذا تتابعت الحركات .
والضم معناه : تدوير الشفتين مع تقديمهما للأمام ، فإذا فعل القارئ ذلك مقارناً للنطق بالمضموم صح نطقه ، وهذا هو المهم أن يكون الضم مقارناً للحرف المضموم ، ولكي تتدرب على تصحيح المضموم هيئ الشفتين للضم أولاً ثم انطق الحرف وأنت على هذه الهيئة ، وتدرب على ذلك مراراً ليسهل عليك .
باب
القول في ( اهدنا الصراط المستقيم )
ينبغي التنبه إلى كسر الهمزة من ( اهدنا ) فالبعض يضمها وهو خطأ ، ولكي تتأكد من كسرها تأكد من انخفاض الشفة السفلى عند نطقها 0
وينبغي التنبه إلى إسكان الهاء فالبعض يقلقها وهو خطأ ، و ـ كما قدمنا ـ فالطريق إلى التخلص من ذلك يكون بإسكان الهاء أي : أن تقف عليها ثابتة لا اضطراب فيها ثم تنطق الدال ( اِهْـ ــدِنا ) .
وينبغي التنبه إلى تفخيم الصاد ، وتخليص صوتها من صوت الزاي ، وهذا وإن كان قراءة صحيحة رواها حمزة الزيات بسنده إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكذلك قراءتها بالسين صحيح أيضا من قراءة ابن كثير ويعقوب _ رحمهما الله ـ ولكن الأولى لمن قرأ برواية حفص عن عاصم أن يخلص الصاد من الزاي ، وذلك برفع اللسان قليلاً عن مخرج الزاي ، فالصاد والزاي كلاهما يخرجان من طرف اللسان مع الثنايا العليا ، لكن التفخيم الذي في الصاد يرفع من اللسان شيئاً قليلاً جداً .
وينبغي العناية بإسكان السين واجتناب القلقة في ( المستقيم ) والاهتمام بتفخيم القاف ، وإن كان مكسوراً لئلا تصير كافاً .(1/32)
وينبغي كذلك تصفية صوت القاف من صوت الجيم ، وذلك بأن يعتني القارئ برفع أقصى اللسان عند النطق بالقاف ، فإن مخرج القاف من أقصى اللسان مع الحنك الأعلى ، ومخرج الجيم من وسط اللسان مع الحنك الأعلى ، فكلما اقترب اللسان من الوسط اختلطت القاف بالجيم ، وكلما ابتعد إلى الأقصى صفت القاف واحرص على ملء الفم بها حتى لا تشتبه بالكاف المرققة ، وينبغي العناية بإسكان الميم دون قلقلة ولا غنة ـ كماقدمنا ـ 0
باب
القول في ( صراط الذين أنعمت عليهم )
ينبغي التنبه ـ كما سبق ـ إلى تفخيم الصاد والراء والطاء فهذه الكلمة ( صراط ) مفخمة كلها ، وإن كانت الصاد في الرتبة الدنيا لانكسارها .
وحروف التفحيم هي حروف الاستعلاء السبعة المجموعة في قول الإمام الشاطبي ـ رحمه الله تعالى - :
وقظ خص ضغط سبع علو
وهي : القاف والظاء والخاء والصاد والضاد والغين والطاء .
فهذه الحروف لا ترقق بحال بل هي مفخمة دائما ، ولكنها على مراتب :
1 - ... فأقواها المفتوح قبل الألف نحو : طاب - خاب - صالحين.....
2ـ وبعدها المفتوح من غير ألف نحو : ضرب - صلح - دخل .....
3 - ... وبعدها المضموم نحو : قربة - الغرفة ـ الضعفاء .............
4 - ... وبعدها الساكن نحو : من اغترف - اقرأ - فاقتلوا ............
5 - ... وبعدها المكسور نحو : قيل - غيض - غضب ...............
ومن الحروف التي يدخلها التفخيم أيضا الراء واللام ، أما الراء فالأصل فيها التفخيم ، ولا ترقق إلا إذا كسرت نحو ( يريكم ) أو سكنت بعد كسر نحو ( فرعون ) وأما اللام فالأصل فيها الترقيق ولا تفخم إلا في لفظ الجلالة ( الله ) بشرط أن تسبق بضم أو فتح نحو ( واعبدوا الله ) ( والله غفور ) فإن كسر ما قبلها رققت نحو ( وكفى بالله وكيلا ) .
قال الشاطبي ـ رحمه الله ـ :
وكل لدىاسم الله من بعد كسرة ... يرققها حتى يروق مرتلا
كما فخموه بعد فتح وضمة ... فتم نظام الشمل وصلاً وفيصلا(1/33)
وأما الألف فهي بحسب ما قبلها ، إن كان مفخماً فخمت ، وإن كان مرققاً رققت ، وعكسها الغنة فإنها تتبع ما بعدها تفخيماً وترقيقاً .
وقد نظمت ذلك مع مراتب التفخيم فقلت :
وفخم في الاستعلاء وهو مراتب ... كطاب فخير قربة فاغترف صلا
وفي ألف بعد المفخم فخمن ... وفي غنة بالعكس أي مثل ما تلا
وينبغي التنبه إلى الذال في ( الذين ) وكذلك الهمزة من ( أنعمت ) مع العناية بإسكان النون والميم واجتناب القلقلة فيها ـ كما سبق ـ .
وينبغي العناية بفتح تاء ( أنعمت ) والحذر كل الحذر من ضمها أو كسرها فإنه لحن فاحش يحيل المعنى ، فالتاء مفتوحة لأنها ضمير المخاطب المفرد عائدة على الله عز وجل ، لأن المسلم يخاطب ربه في كل صلاة ، والله وحده هو المتفرد بالنعمة ، وأما إذا ضمت التاء صارت عائدة على العبد المتكلم ، وهو لم ينعم بشيء لا على نفسه ولا على غيره ، وإذا كسرت صارت عائدة على المؤنث وهذا خطأ أعظم .
وأما ( عليهم ) فينبغي العناية بكسر الهاء لأن رواية حفص بكسر هاء ( عليهم ) وإن كان ضمها صحيحاً أيضاً فقد رواه حمزة الزيات الكوفي ويعقوب الحضرمي البصري ، بسنديهما إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لكن الأولى كسر الهاء وفقاً لرواية حفص ، أما من أراد أن يقرأ لحمزة أو ليعقوب فالأولى أن يضم الهاء وفقاً لقراءتهم .
وهذه فائدة مهمة من فوائد القراءات ، فإن من حكمها المعتبرة التخفيف على الأمة المسلمة ففي الحديث الصحيح :( إن هذا القرءان أنزل على سبعة أحرف ، فاقرءوا منه ما استطعتم ).
ولهذا على المقرئ أن يقرئ الناس بما يستطيعون مادام صحيحاً عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لاسيما الشيوخ والعجائز الذين قد يتعبهم التدرب على غير ما ألفوه ، ولكن لاشك أن الأولى لمن يستطيع أن يقرأ بالقراءتين جميعاً أن لا يخلط بينهما .
? باب
القول في ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين )(1/34)
ينبغي التنبه إلى تفخيم الغين من ( غير ) فإنها من حروف الاستعلاء ، وكذلك التنبه إلى إسكان اللام والغين من غير قلقلة في ( المغضوب ) ويحصل ذلك بالوقف عليهما وقفا يسيراً يمنع من الاضطراب والهزهزة التي تؤدي إلى القلقة ـ كماقدمنا ـ .
ومع التدرب على هذه الطريقة مع كل ساكن غير مقلقل يتلاشى هذا الوقف ،وتصبح القراءة صحيحة تماماً .
وينبغي التنبه إلى ترقيق الميم مع تفخيم الغين والضاد في ( المغضوب ) فإن الحرف المرقق إذا جاوره الحرف المفخم صعب على القارئ التفريق بينهما ، ويسرع الطبع إلى تفخيمهما معاً أو ترقيقهما معاً وهذا خطأ ، والصواب ترقيق المرقق وتفخيم المفخم .
وكذلك ينبغي التنبه إلى ترقيق اللام مع تفخيم الضاد من ( ولا الضالين ) والقول في ( عليهم ) هاهنا كالقول في سابقتها .
وينبغي التنبه إلى مد الألف مدا طويلا بعد الضاد مع العناية بتشديد الضاد حتى تسمع حرفين معاً ، أحدهما ضاد ساكنة والآخر ضاد مفتوحة ، واحذر أن تنطق بضاد مفتوحة فقط فإنه نقص من حروف القرءان .
وينبغي الحذر من الوقف على اللام بعد الألف الممدودة بحجة أنها مشددة ، فإن المشدد لا يوقف عليه وصلا إلا بالغنة وذلك في النون والميم المشددتين فقط ، أما باقي الحروف المشددة فتنطق فيها بحرفين في نفس واحد ، وفي لحظة واحدة ، أحدهما ساكن وهو الأول والثاني متحرك ، أما الوقف عليه بمقدار ثلاث حركات من حركات الغنة كما يفعله أكثر الأئمة في هذه اللام فهذه زيادة لا تصح في كتاب الله عز وجل .
وينبغي التنبه إلى إسكان النون بلا قلقلة ولا غنة فبعض الناس لا يحلو له الوقف على الميم والنون إلا بإحداث قلقلة فيها أو غنة ، والقلقلة لا تصح إلا في حروفها الخمسة ، والغنة لا تصح إلا مع التشديد ولا تشديد هاهنا .
باب
القول في الضاد
الضاد تخرج على الأكثر والأيسر من حافة اللسان اليسرى وما يحاذيها من الأضراس العليا .(1/35)
ويبدأ خروجها من أول تلك الحافة وهو ما يحاذي وسط اللسان بعيد مخرج الياء ، ويمتد إلى آخر الحافة عند مخرج اللام . (1)
ويرتفع اللسان عند النطق به (2) حتى يلتصق بما يحاذيه من الحنك ، فينحصر صوت الضاد بينهما (3) ، ويثقل النطق به لبعده عن ذلق اللسان (4) ، وينحبس النفس لقوة الاعتماد على المخرج (5) ، ولا ينحبس صوتها . (6)
وهذا المخرج المتقدم إنما هو خاص بالضاد وحدها ، لا يشاركها فيه غيرها ، وبذلك فالضاد متميزة عن غيرها كل التميز، إذ أن فائدة المخارج تمييز الحروف عن بعضها ، فإن الحروف ولوا تحدت في الصفات تتميز بمخارجها .
فالجيم والدال مثلاً متحدتان في الصفات جميعاً لكن تميزت كل واحدة عن الأخرى بالمخرج ، وكذلك الكاف والتاء ، والثاء والحاء ، وغيرها من الحروف .
فالضاد بمخرجها قد تميزت عن باقي الحروف جميعاً ، فمن شابها بغيرها من الحروف كالظاء أو الدال أو اللام فقد أخطأ خطأ كبيراً ، لأن كل واحد من هذه الحروف متميز عن الآخر بمخرجه الخاص به ، علاوة على الاختلاف في الصفات .
وقد ذهب بعض الناس إلى أن الصحيح في نطق الضاد أن تكون شبيهة بالظاء حتى يصعب التمييز بينهما مستدلين لذلك بأدلة أرى من واجبي تفنيدها .
فأول أدلتهم على ذلك : كلام العلامة ابن الجزري وغيره من علماء اللغة والقراءات بأن الضاد أصعب الحروف العربية ، وأنه لولا مخرج الضاد واستطالتها لكانت ظاء .
وهذا حق لا مرية فيه لكنه قد يفهم على غير وجهه .
__________
(1) هذا هو معنى ( الاستطالة ) . ... ... ... ...
(2) " " " ( الاستعلاء ) .
(3) " " " ( الإلصاق ) .
(4) " " " ( الإصمات ) .
(5) " " " ( الجهر ) .
(6) " " " ( الرخاوة ) .(1/36)
فأما قولهم بأن الضاد أصعب الحروف : فلاشك أن الضاد بهذا الوصف الذي قدمناه في أول الباب من المخرج والصفات الملازمة للحرف حال خروجه تجعله من أصعب الحروف لاسيما على من اعتاد أن ينطقه ظاء أو طاء أو دالاً أو غير ذلك من النطق الخطأ .
وهناك حروف يصفها المحققون بالثقل والصعوبة وما أسهلها على من اعتادها ، كالهمز مثلا : موصوف بأنه أثقل وأشد الأصوات كما قال الضباع ـ رحمه الله ـ : ولثقل الهمز جرى أكثر العرب على تخفيفه . (1)
وقال الدكتور إبراهيم أنيس : والنطق بالهمزة عملية تحتاج إلى جهد عضلي مما يجعل الهمزة أشد الأصوات . (2)
وقال مكي بن أبى طالب ـ رحمه الله تعالى ـ : الهمزة على انفرادها حرف بعيد المخرج جلد صعب على اللافظ به بخلاف سائر الحروف مع ما فيها من الجهر والقوة ، ولذلك استعملت العرب في الهمزة المفردة ما لم تستعمله في غيرها من الحروف ، فقد استعملوا التحقيق والتخفيف وإلقاء حركتها على ما قبلها وإبدالها بغيرها من الحروف وحذفها في مواضعها ، وذلك كله لاستثقالهم لها ، ولم يستعملوا ذلك في شئ من الحروف غيرها . (3)
هذا كلام علماء الحروف عن الهمزة فماذا يعنون بذلك ؟
والجواب أنهم يعنون من اعتاد على النطق الخطأ ، أما من اعتاد على النطق الصحيح فما أسهله عليه ، وأكثرالناس اليوم لا يجدون تلك الصعوبة في الهمز ، وبعضهم ما يزال يعانيها ، وكذلك الضاد إذا تدربت على نطقها الصحيح سهل ذلك عليك حتى يصبح سجية وطبعاً .
قال الإمام السخاوي ـ رحمه الله ـ مؤكداً ذلك :
والضاد عال مستطيل مطبق ... جهر يكل لديه كل لسان
حاشا لسان بالفصاحة قيم ... ذرب لأحكام الحروف معان
فانظر كيف استثنى اللسان الفصيح من الكلالة والصعوبة ، ثم قال :
كم رامه قوم فما أبدوا سوى ... لاماً مفخمة بلا عرفان
__________
(1) الاضاءة ص 28 .
(2) الحجة لابن خالويه ص 64 ( نقله المحقق عن الأصوات العربية ) .
(3) الكشف عن علل القراءات ج1 ص 72 .(1/37)
ميزه بالإيضاح عن ظاء ففي ... أضضللن أو في غيض يشتبهان
يعني إن لم تميزه يشتبه بالظاء ، فميزه حتى لا يشتبه بها ، ولو كان المقصود أن يخرج مشتبهاً بالظاء لما كان للأمر بالتمييز أية معنى .
وأما قولهم : لولا المخرج والاستطالة لكانت الضاد ظاء , فلا حجة فيه لمن نطق الضاد ظاء ، بل هذا حجة عليه لأنهم قالوا ذلك رداً على من يخلطون بين الضاد والظاء ، كما يفهم من بقية كلام ابن الجزري ـ رحمه الله تعالى ـ حيث اشتد نكيره على من خلط بينهما ، وقد وصل النكير ببعض العلماء إلى إبطال صلاة من نطق الضاد ظاء ، كما ذكر ذلك الصفاقسي ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه تنبيه الغافلين .
وهاهنا قاعدة مهمة يجب التنبه لها : ألا وهي :
ما المعتبر في تحديد المخارج ؟
والإجابة أن المعتبر في تحديد المخارج إنما هو الطبع السليم ، فالمخارج ما حددت إلا على حسب ما يجده صاحب النطق السليم عند النطق بالحرف ، كما قال أبوشامة نقلا عن الداني ــ رحمها الله تعالى ــ:
أما ترى أنك إذا نطقت بالنون والراء ساكنتين وجدت طرف اللسان عند النطق بالراء فيما هو بعد مخرج النون هذا هو الذي يجده صاحب الطبع السليم .
قال أبو شامة : وقد يمكن إخراج الراء مما هو داخل من مخرج النون أو من مخرجها ، ولكن بتكلف لا على حسب إجراء الطبع السليم ، والكلام في المخارج إنما هو على حسب اشتقاق الطبع لا على حسب التكلف . (1)
ولا يمكن أن يكون صاحب الطبع السليم خلط الضاد بالظاء ، بل لا بد أن يكون ميز كل واحدة منهما عن الأخرى كما تميزت باقي الحروف عن بعضها .
__________
(1) إبراز المعاني شرح حرز الأماني ص 746 .(1/38)
هذا هو الصحيح ، لأن السين والزاي اشتركتا في المخرج واتحدتا في جميع الصفات إلا أن السين مهموسة والزاي مجهورة ، ومع ذلك تميزت كل واحدة عن الأخرى ، وحق لنا أن نقول : لولا الهمس الذي في السين والجهر الذي في الزاي لكانت إحداهما عين الأخرى ، وهذا لا يدل أبداً على خلط إحداهما بالأخرى عند النطق .
ومما يستدلون به أيضا: ما فعله ابن الجزري وغيره حيث عقدوا باباً يميزون فيه ما كانت مادته الظاء عن ما كانت مادته الضاد.
وعلة ذلك ـ والله أعلم ـ هي عموم البلوى بهذه الضاد الظائية فأراد ــ رحمه الله ـ أن يبين لهؤلاء العاجزين عن التمييز بين الحرفين والذين استسهلوا الظاء فجعلوا القرءان كله بها خصوصاً وأن الضاد في رسمها ليست ببعيدة عن الظاء ولذلك أجمعت المصاحف على كتابة ( وما هو على الغيب بضنين ) بالضاد الساقطة ، وصحت قراءته بالضاد والظاء جميعاً مع أن من شروط صحة القراءة موافقة الرسم .
قال الشيخ إبراهيم عطوة ـ رحمه الله ـ : ولا مخالفة في الرسم إذ لا مخالفة بينهما ألا في تطويل رأس الظاء على الضاد . (1)
وقال الصفاقسي نقلاً عن الجعبري ـ رحمهما الله تعالى ـ : لكن في الرسم الكوفي يرفع للضاد خطيط يشبه خط الظاء ، وهو معنى قولنا :
والضاد في كل الرسوم تصورت ... وهما لدى الكوفي مشتبهان (2)
فأراد ابن الجزري أن يبين لهؤلاء ما يقرأ بالضاد من غيره ليرجعوا إلى الصواب إن قدروا ، فإن عجزوا فلا تكلف نفس إلا وسعها ، لكن عليهم أن يقروا بخطئهم لأنهم إذا قرءوا ( الضالين ) بالظاء ولم يعرفوا أنها ضاد وأنهم المخطئون فسد فهمهم للقرءان فضلاً عن نطقهم .
ففعل ذلك لسببين - والله أعلم -:
الأول : تنبيه من أراد النطق الصحيح ممن اعتاد الخطأ حتى نسى الضاد .
الثاني : تنبيه من عجز عن النطق الصحيح حتى لا يلتبس المعنى.
__________
(1) إرشاد المريد شرح الشاطبية ص 319 .
(2) غيث النفع ص 381 .(1/39)
ولذلك نجد أنه شدد على من لم يميز الضاد من ناحية فساد المعنى واستحالته ، كما أنه وغيره من القراء نبهوا على الاعتناء بالضاد عند الطاء في نحو ( ثم أضطره - المضطر ) وعند التاء في نحو ( أفضتم - فرضتم ) ولو كانت الضاد كما يقولون لما احتيج إلى هذا التنبيه ، لأنه من اليسر أن تقول : أظطره ـ المظطر ـ أفظتم ـ فرظتم ...
فذلك كله وما قدمنا يدل على أن مرادهم - رحمهم الله تعالى-: رد الناس إلى الحق.
ومما يستدلون به : وصف الضاد بالاستطالة ، وهذه حجة عليهم وليست لهم ، لأنهم وصفوها بذلك في معرض التحذير من خلط الضاد بالظاء .
قال ابن الجزري :
والضاد باستطالة ومخرج ... ... ... ... ميز من الظاء ..
وبعضهم يفهم أن الاستطالة معناها : امتداد الصوت إلى مالا نهاية ، وهذا ما لا نتكلف الرد عليه فقد كفانا إياه صاحب نهاية القول المفيد فقال ص58 :
الاستطالة معناها امتداد الصوت من أول حافة اللسان إلى آخرها ، وهذا التعريف أولى مما وقع في بعض الرسائل ( الاستطالة : امتداد الصوت ) وذلك لأن امتداد الصوت لا يخص الضاد...
قال الجعبري : فرق بين المستطيل والممدود بأن المستطيل جرى في مخرجه ، والممدود جرى في نفسه .. وتوضيح هذا أن المستطيل جرى في مخرجه بقدر طوله ولم يتجاوزه .
قلت : فظهر من ذلك أن الاستطالة لها حد تقف عنده ، والاستطالة من صفات القوة ، فبذلك زادت الضاد قوة على الظاء وإن كان كلاهما قوياً لكن هذا التفاوت في القوة يستأنس به في تفسير التفاوت بينهما في الرخاوة فكلا الحرفين رخو لكن زيادة قوة الضاد على الظاء بالاستطالة فاوتت بين رخاوة الضاد ورخاوة الظاء فبعض الناس يريد أن يسمع صوت الضاد جارياً دون انقطاع بحجة رخاوته .
وعلى هذا الكلام ، أين رخاوة الهاء ؟
وأين رخاوة الفاء ؟ وأين رخاوة الثاء ؟(1/40)
أما الهاء فسرعان ما ينقطع نفسها وصوتها مع أنها رخوة مهموسة ، وهذا يقتضي جريان النفس والصوت معاً ، لكن الخفاء الذي في الهاء قلل من هذا الجريان حتى انقطع بعد زمن يسير .
وكذلك الاستطالة التي في الضاد وبعد مخرجه كل ذلك قلل من جريان صوته . هذا وليعلم أن الكلام في باب الصفات أكثره اجتهاد نظري (1) وأن المعول في القراءة ـ كما هو المعلوم - على التلقي من أفواه المشايخ المتقنين المسندين إلى سيد المرسلين ، فالقراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول ، ولا يمكن أن يكون هذا الخلط متلق عن الأوائل .
ومما يستدلون به قول ابن كثير ـ رحمه الله ـ : فلهذا كله اغتفر استعمال أحدهما مكان الآخر لمن لا يميز ذلك ـ والله أعلم ـ .
ولا حجة في ذلك مع ما قدمنا من الكلام على التمييز بينهما ـ وكما ترى ـ فقد قيد ذلك بمن لا يميز ، وذلك أمر واسع لا يختص بالضاد و الظاء وحدها فيغتفر استعمال أي حرف مكان الآخر لمن لا يميز ، فمن قرأ الضاد دالاً مفخمة ولم يستطع غيره فأنه يغتفر له ، لأن الاستطاعة مناط التكليف.
وفي الختام نذكر ما يلزم القارئ حال النطق بالضاد فنقول :
لزمه أن يشعر بارتفاع الحافة اليسرى من اللسان ، وانطباقها على الحنك الأعلى بمحاذاة الأضراس العليا ، وأن يجتهد في تليين الضاد حتى يمتد صوتها إلى آخر الحافة ، وليحذر من انحباس صوتها حتى لا تختلط بالطاء وحتى لا تكون كالدال المفخمة فإن ذلك خطأ أيضاً لا ينبغي التساهل فيه .
قال الإمام مكي ابن أبي طالب ـ رحمه الله ـ :
فلابد للقارئ المجود أن يلفظ بالضاد مفخمة مستعلية منطبقة مستطيلة ، فيظهر صوت خروج الريح عند ضغط حافة اللسان بما يليه من الأضراس عند اللفظ بها. (2)
__________
(1) انظر الكلام على صفة الاستعلاء والإصمات في نهاية القول المفيد وغاية المريد وغيرها لتتأكد من ذلك .
(2) الرعاية ص 185 .(1/41)
ولا يحصل ذلك إلا بالتلقي مع التدرب على الضاد مفردة ساكنة فتقول : ( أض أض أض ) ولتصغ إلى صوتك مراعياً ما سبق مع الحذر كل الحذر من نطقها ظاء فإن ذلك يحيل المعنى ويفسده .
? باب في جزء النبأ
سورة النبأ
( عم يتساءلون ) احذر من المبالغة في فتح الميم حتى لا يتولد منها ألف ممدودة فإن الحركات إذا أشبعت تولد منها حروف المد الثلاثة : الألف من الفتحة ، والواو من الضمة ، والياء من الكسرة ، ولكي تتخلص من ذلك اربط الميم بالياء التي تليها هكذا ( عَمَّيَ ) وانطقها مراراً على هذه الحالة ( عَمَّيَ ـ عَمَّيَ ـ عَمَّيَ .... ) حتى تتقنها ، ولاتنس غنة الميم لأنها مشددة ، وغنة المشدد أوضح من غيرها ومقدارها حركتان .
والغنة هي : صوت رخيم يخرج من خيشوم الأنف ، وتكون في النون والميم عند التشديد والإدغام والإخفاء والإقلاب ، أما المظهر الساكن فلا تظهر فيه الغنة لا وصلاً ولا وقفاً .
وينبغي التنبه إلى مد ( يتساءلون ) بمقدار أربع حركات ، والحركة بمقدار بسط الإصبع أو خفضه بحركة متوسطة وبأصبع واحد ، فالبعض يقدر الحركات بأربعة أصابع ، فإذا قبض الأول انقبض معه نصف الثاني وهو لا يدري ، وإذا قبض الثاني انقبض كذلك نصف الثالث ، وهكذا فيختل تقديره ، ولو حرك إصبعاً واحداً لكان أقرب إلى الضبط والعدل .
واحذر من ترعيد صوت المد وذبذبته فإنه من التكلف ، والله عز وجل يقول : ( وما أنا من المتكلفين ) ( ص 86 ) وفي الحديث الصحيح ( نهينا عن التكلف ) .
( عن النبأ العظيم ) احذر من قلقلة اللام ، وغن الميم في الوقف ـ كما قدمنا ـ(1/42)
( الذي هم فيه مختلفون ) احذر من إخفاء الميم عند الفاء في ( هم فيه ) فإن الطبع يسرع إلى ذلك لاتحادهما في المخرج ، فكلاهما من الشفتين ، ولكي تظهر الميم جيدا تأكد من انطباق الشفتين عند نطقها ، وإياك أن تجعل بينهما فرجة ، فإن ذلك يؤدي إلى الإخفاء ، والإخفاء في الميم الساكنة لا يكون إلا قبل الباء ، وما قيل في الميم مع الفاء يقال فيها مع الواو .
قال الجمزوري ـ رحمه الله تعالى ـ :
واحذر لدى واو وفا أن تختفي ... لقربها ولاتحاد فاعرف
( ألم نجعل الأرض مهادا ) انتبه إلى كسرة لام ( نجعل ) وتحقيق همزة ( الأرض ) وذلك بإسكان اللام جيداً والاستعداد للهمزة ، فالهمزة عموماً في الكلمات كلها تحتاج إلى استعداد ، لأن الطبع يسرع إلى إسقاطها ، وانتبه كذلك للضاد ـ كما قدمنا ـ .
( والجبال أوتادا ) الجيم يخطئ فيها كثير من الناس ، فيجعلها كالشين بما يحدث فيها من تفش ورخاوة ، وليست الجيم متفشية ولا رخوة ، وإنما هي شديدة مجهورة ، ولكي تتحقق شدتها لابد من إلصاق وسط اللسان بالحنك الأعلى إلصاقاً جيداً حتى ينحبس الصوت والنفس جميعاً ، ثم انطق الجيم على هذه الحالة عدة مرات هكذا :
( أج ـ أج ـ أج ...... ) وتأكد من شدة التصاق اللسان بالحنك في كل مرة .
وهذا هو الفرق بين الجيم والشين ، فكلاهما يخرج من وسط اللسان إلا أن الجيم شديدة مجهورة ، والشين رخوة مهموسة ، فكلما ألصقت اللسان بالحنك كلما زادت شدة الحرف وقوي جهره ، لأن النفس سينحبس بينهما وسينحبس الصوت تباعاً ، وكلما أرخيت اللسان كلما وجد النفس مسافة لينتشر الصوت فيها ، وهذا هو التفشي الخاص بالشين .
قال السخاوي ـ رحمه الله ـ :
والجيم إن ضعفت أتت ممزوجة ... بالشين مثل الجيم في المرجان
والعجل واجتنبوا وأخرج شطأه ... والرجز مثل الرجس في التبيان(1/43)
( وجعلنا نومكم سباتا ) تنبه إلى إظهار اللام ساكنة ثابتة غيرمقلقلة فإن الطبع يسرع إلى إدغامها في النون لقرب المخرج فكلاهما من طرف اللسان ، واللسان يؤثر الراحة فينطقهما نوناً واحدة أيسر من لام ونون ، ولذلك فاحرص على إسكان اللام ولو أن تقف عليها وقفاً يسيراً كنوع من التدريب على الإظهار حتى تسمع اللام منفصلة عن النون هكذا ( جعلْ نا ) وكرر ذلك حتى تتقنها ، وستجد نفسك تركت ذلك فيما بعد ، وهذا يقال يأمثال ذلك نحو ( أنزلنا ـ قلنا ـ حملنا ـ أرسلنا ـ أسلنا ـ نزلنا ـ رتلنا ـ ـ ـ ـ)
( وجعلنا سراجا وهاجا ) ينبغي التنبه إلى تفخيم الراء لأنها مفتوحة ، وإن كان ترقيقها صحيحاً ، لكن موافقة للرواية ينبغي تفخيمها ، وينبغي التنبه إلى إدغام التنوين في الواو إدغاماً ناقصاً يعني : مع الغنة فتشدد الواو ، وتقف عليها بالغنة مقدار حركتين ، وتأكد من خروج الغنة من الخيشوم ، وهذا في كل إدغام مع الغنة.
والإدغام قسمان :الأول : بغنة ويسمى الناقص وذلك في النون الساكنة والتنوين مع حروف
( ينمو ) .
والثاني : بغير غنة ويسمى الكامل وذلك مع اللام والراء .
وإذا اجتمعت النون الساكنة مع الياء والواو في كلمة واحدة تعين الإظهار حتى لا تشتبه الكلمة بالمضاعف.
وذلك في أربع كلمات ( الدنيا ـ بنيان ـ صنوان ـ قنوان ) ويسمى إظهارا مطلقا .
وبقي للنون والتنوين ثلاثة أحكام أخرى وهي :
1 - ... الإظهار عند حروف الحلق الستة ( الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء ) .
2 - ... الإقلاب مِيماً مخفاة وذلك عند الباء فقط .
3 - ... الإخفاء ـ وهو حالة متوسطة بين الإظهار والإدغام ـ وذلك عند باقي الحروف وهي ( ت ـ ث ـ ج ـ د ـ ذ ـ ز ـ س ـ ش ـ ص ـ ض ـ ط ـ ظ ـ ف ـ ق ـ ك ).
وخلاصة ذلك في هذه الأبيات :
وكلهم التنوين والنون أدغموا ... بلا غنة في اللام والرا ليجملا
وكل بينمو أدغموا مع غنة ... إذا التقيا من كلمتين ففصلا(1/44)
وعند حروف الحلق أظهر وقلبها ... لدى البا والاخفا في البواقي ليكملا
( وجنات ألفافا ) ينبغي التنبه إلى تحقيق الهمزة والاعتناء بتوضيحها ، لأن الطبع يسرع إلى إخفاءها ونقل حركتها إلى الساكن قبلها ، فأظهر تنوين التاء جيداً ، ثم انطق الهمزة وتأكد من ظهور حركتها ، وذلك في كل همزة بعد ساكن.
( وفتحت السماء فكانت أبوابا ) احذر من تشديد تاء ( فتحت ) فإن الرواية بتخفيفها ، واحرص على إسكان التاء من ( فكانت ) واحذر من قلقلتها بالطريقة التي بيناها ، واحرص على تفخيم الراء من ( وسيرت الجبال فكانت سرابا ) واحذر من ترقيقها ، وذلك في كل راء مفخمة مسبوقة بكسر لأن الطبع يسرع إلى ترقيقها ، وانتبه لتاء ( كانت ) ـ كما مر ـ واحذر من إدغامها في السين لسهولة ذلك ، بل انطقها ساكنة مظهرة .
( إن جهنم كانت مرصادا ) احرص على تفخيم الراء فهي وإن كانت ساكنة بعد كسر إلا أنها مفخمة لوجود حرف الاستعلاء بعدها ، وكذلك كل من ( لبالمرصاد ، إرصادا ، قرطاس ، فرقة ، فرق ) كلها مفخمة لوجود حرف الاستعلاء بعدها ، ويجوز ترقيق( فرق) لكسرة القاف .
( للطاغين مئابا ) انتبه إلى إدغام اللام في الطاء لأنها لام شمسية ، فإن لام التعريف قسمان : قمرية وهي التي تظهر ولا تدغم ويليها حرف من حروف كلمة ( إبغ حجك وخف عقيمه ) .
والثانية : الشمسية وهي التي تدغم في باقي الحروف .
وقد قلنا في التجويد :
وفي الدال حتى الظا وفي التا وثائها ... ونون فأدغم أل وكن متأملا
وانتبه إلى تحقيق همزة ( مئابا ) واحذر من قلبها هاءً فإنه لحن ظاهر يحيل المعنى ويغيره.
( لبثين فيها أحقابا ) هذا من المد المنفصل وهو الذي انفصل فيه حرف المد في الكلمة الأولى عن الهمز الموجود في الكلمة الثانية ، ويجوز توسيطه دائما كما يجوز قصره دائما ، وأما مده تارة وقصره تارة أخرى فلا ينبغي لأنه يذهب بجمال القراءة ورونق التلاوة ، وقد قال ابن الجزري ـ رحمه الله ـ: ... ... واللفظ في نظيره كمثله(1/45)
وقلنا في تجويدنا : ... ... ... وإن يشترك في الحكم حرفان سوهم
( وكأسًا دهاقا ً) احرص على تحقيق الهمزة فإنها من أصعب الحروف ـ كما تقدم ـ ولذلك يسرع الطبع إلى تليينها وتضعيفها وإسقاطها بالكلية ، ولكي تتقنها لابد من الاستعداد لها ثم نطقها بإحكام ، وأنصت لها جيداً لتتأكد من شدتها وتدرب على ذلك حتى يكون سجية لك .
( رب السموات والأرض ) احرص على مد الألف الصغيرة المرسومة فوق الميم بمقدار حركتين وكثير من الناس يحذفها وذلك خطأ ، ولو زدت في مدها لتنتبه لها وتتدرب عليها فلا بأس ، بل هو أفضل من حذفها ، واحرص كذلك على ترقيق الواو والألف التابعة لها فإن الواو لا تفخم بحال ، والألف تابعة لها ، واحرص على كسر الباء من ( رب السموات ) وعلى كسر النون من ( الرحمن ) .
( يوم يقوم الروح ) احرص كل الحرص على إكمال ضمة الراء وتوضيحها فالكثيرون ينطقونها ناقصة مشوبة بالفتحة وهو خطأ ، وطريقة تصحيحها هو ضم الشفتين ـ كما سبق ـ مقارناً لنطق الراء ، وأصغ لها السمع كي تتأكد من ضمها كما تسمعها في ( كلما ردوا ـ تمور السماء ) ونحوها .
( وقال صواباً ) احرص على تفخيم القاف والصاد ، وترقيق ما سواهما ولاسيما الواو والألف التالية لها .
? سورة النازعات وعبس
( تتبعها الرادفة ) انتبه إلى همس التاء واحذر أن تخلطها بالدال ـ كما قدمنا ـ
( يقولون أئنا لمردودون في الحافرة ) احرص على تحقيق الهمزتين فإن الهمزة إذا كانت وحدها كانت صعبة المنطق فكيف إذا اجتمعت مع غيرها في كلمة واحدة ، ومثلها ( أئذا كنا عظامًا نخرة ) واحرص على ترقيق الكاف ، وتفخيم الراء من ( كرة خاسرة ) واحذر من ترقيقهما معاً أو تفخيمهما معاً بل رقق المرقق وفخم المفخم .(1/46)
( زجرة واحدة ) احرص على تشديد الجيم وقلقلتها حتى لا تشتبه بالشين ـ كما مر ـ واحرص كذلك على ترقيق الواو والألف ، واحرص على إخفاء الميم عند الباء في ( فإذا هم بالساهرة ) والإخفاء حالة بين الإظهار والإدغام ، وتحقيق الإخفاء في الميم أن تغن الميم عند الباء ولكن بغير إطباق الشفتين بل تترك بينهما فرجة صغيرة ، فانطباق الشفتين يظهر الميم ويوضحها ، وهذا في كل ميم ساكنة مع الباء ، وفي الوصيفة :
وفي الميم قبل الباء أخف بغنة ... إذا سكنت أصلاً وإن لم تأصلا
( وأهديك إلى ربك فتخشى ) احرص على فتح الباء ، واحذر من إسكانها ، وانتبه إلى الخاء فاحرص على تخليصها من الغين فإنهما متشابهان ومخرجهما واحد .
( فقال أنا ربكم الأعلى ) ( أنا ) في كل القرءان لا تنطق ألفها في حالة الوصل ، ولذلك توضع عليها دائرة صغيرة فهي لا تثبت إلا حالة الوقف ، ومثلها ( لكنا ) في الكهف ، وتنبه إلى لام
( نكال ) فالبعض يجعلها نوناً فاحرص في كل لام على توضيحها وتخليصها من النون .
( فإذا جاءت الطامة الكبرى ) احرص على المد المتصل في ( جاءت ) بمقدار أربع حركات ، والمد اللازم في ( الطامة ) ونحوه بمقدار ست حركات ، واللازم هو ما وقع فيه سكون لازم بعد حرف المد سواء كان في كلمة أو حرف مخففاً كان أو مشدداً نحو ( الصاخة ـ الآن ـ ص ـ ن ... ) وهذا معنى قولنا في الوصيفة :
وعن كلهم في كلمة قبل ساكن ... لزوما فطول خف أو كان مثقلا
وسمي لازما لسببين : أحدهما لزوم مده بمقدار ست حركات لجميع القراء ، والثاني لزوم السكون وأصالته .(1/47)
( فأما من طغى ) تنبه لإخفاء النون مع تفخيم غنتها ، لأن الغنة - كما قدمنا - تتبع ما بعدها ، و الطاء من أقوى حروف التفخيم ، وهكذا في كل إخفاء ، تكون الغنة دالة على الحرف الذي بعدها بمجرد سماعك ( فأما من ) وقبل النطق بالطاء تتأكد أن هذه النون بعدها طاء ، ولو كان بعدها كاف لتأكدت من ذلك لرقتها وشدتها ، وهكذا فتنبه لذلك جيداً ، واحرص على تفخيم الراء وترقيق كل ما سواها في ( وءاثر الحياة الدنيا ) واحرص على تحقيق الهمزة ساكنة واحذر من تقليلها في ( هي المأوى ) .
( فيم أنت من ذكراها ) احذر من مد الميم هكذا ( فيما أنت ) بل حاول أن تربط الميم مع الهمزة كأنهما كلمة واحدة هكذا ( فيمأن ــ فيمأن ــ فيمأن ......) وتدرب على ذلك مراراً وستصل إلى النطق الصحيح ـ بتوفيق الله تعالى ـ .
( منذر من يخشاها ) احذر من تنوين الراء ، بل أظهر ضمتها مفصولة عن الميم فإن إلصاقها في الميم يعنى إدغام تنوينها المستحدث فيها فانتبه .
( فتنفعه الذكرى ) احرص على فتح العين ، لأن كثيرا من الناس يضمونها . (1)
( ألا يزكى ) احذر من خلط الزاي بالسين فإنه خطأ مستسهل لاتحاد مخرجهما وتشابه صفاتهما ، ولكن الزاي أقوى من السين لما فيها من الجهر بينما السين مهموسة ، وهذا هو الفرق بينهما فاحرص على جهر الزاي حتى لا يبقى من نفسها ما يجري بل حول النفس كله إلى صوت قوي متميز بالصفير الشديد .
( بأيدي سفرة ) احرص على مد الياء حركتين ، واحذر من حذفها ، وهكذا دائماً تنبه للممدود فلا تقصره ، وتنبه للحركات فلا تشبعها ، واحرص على تحقيق الهمزتين من ( ثم إذا شاء أنشره ) واحذر من إسقاط إحداهما ، واحرص على فتح الهمزة في ( أنا صببنا الماء صبا ) واحذر من كسرها .
__________
(1) الضم صحيح من قراءات أخرى ولكننا نمشي في كتابنا هذا على رواية حفص .(1/48)
( لكل امرئ منهم ) احرص على ربط اللام مع الميم لأن همزة الوصل تسقط وصلاً ولا تنطق ، فمن قرأها بالهمزة فقد أخطأ ، والصواب أن تربط اللام بالميم هكذا ( لِكُلِّمْ ـ لِكُلِّمْ ـ لِكُلِّمْ .... ) فإذا تدربت على ذلك فانطق الكلمة كلها بسهولة ويسر ، وهذا في كل همزة وصل .
? سورة التكوير والانفطار
( وإذا الموءودة سئلت ) هذه الكلمة تصعب على كثير من الناس لطولها وتشابه حروفها ، والهمزة التي فيها ، ولكي تنطقها لابد أن تقسمها هكذا ( الموـ ءو ـ دة ) فصارت ثلاث كلمات ، فإذا أتقنت كل واحدة على حدة ، فاجمعها لتنطق الكلمة كلها صحيحة ، وهكذا في كل كلمة تصعب عليك .
( مطاع ثم أمين ) انتبه إلى فتح الثاء من ( ثم ) واحذر من ضمها ، فبتغيير الحركة يتغير المعنى ، وانتبه إلى ضم الفاء في ( بالأفق المبين ) واحذر من إسكانها ، وانتبه إلى النطق الصحيح للضاد من ( بضنين ) وتصح بالظاء في قراآت أخرى .
( وإذا الكواكب انتثرت ) انتبه إلى همس التاء حتى لا تشتبه بالدال ، فإن الفرق بين التاء والدال هو همس التاء وجهر الدال وإلا فمخرجهما واحد ، فإذا لم تنتبه لهمس التاء صارت دالاً والهمس معناه جريان النفس عند النطق بالحرف ، أي أن النفس الذي هو مادة الصوت لا يتحول كله إلى صوت ، بل يبقى منه جزء يجري بلا صوت وهو الهمس ، بينما الحرف المجهور تحول فيه النفس كله إلى صوت ذلك الحرف ، وهكذا فا ننتبه إلى كل تاء وكل دال ، اهمس هذه واجهر بتلك .
( ما غرك ) ، ( الذي خلقك ) انتبه إلى ترقيق الكاف وتفخيم القاف ، وخلص كل واحدة من الأخرى ، قال السخاوي ـ رحمه الله ـ :
والقاف بين جهرها وعلوها ... والكاف خلصها بحسن بيان
إن لم تحقق جهر ذاك وهمس ذا ... فهما لأجل القرب يختلطان(1/49)
وانتبه إلى تخفيف الدال من ( فعدلك ) واحذر من إشباع فتحة النون من ( و إن عليكم لحافظين) حتى لا يتولد منها ألف ، وذلك بربطها بالعين هكذا ( وَإِنَّعَلَيْ ـ وَإِنَّعَلَيْ ـ وَإِنَّعَلَيْ ... ) وهكذا حتى تتقنها ، ثم اقرأها كلها ، ومثل ذلك ( إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم ) وكذلك ( إن علينا للهدى وإن لنا للآخرة والأولى ) واحرص على إسكان الكاف من ( إذا اكتالوا ) واحذر من تقليلها .
? ومن سورة المطففين إلى سورة الطارق
( كلا بل ران على قلوبهم ) يجوز السكت على ( بل ) كما يجوز تركه مع إدغام اللام في الراء هكذا ( بران ) والسكت معناه أن تفف على اللام قليلاً دون تنفس .
( ثم يقال هذا ) احذر من إشباع ضمة اللام حتى لا تتولد منها الواو ، وذلك بربط اللام مع الها هكذا ( يُقَالُهَا ــ لُهَا ــ لُهَا .. ) ثم انطقها كاملة ، واحرص على إظهار الفاء المضمومة من ( تعرف في وجوههم ) وتنبه إلى ضاد ( نضرة ) وانتبه إلى كسر السين من ( فليتنافس المتنافسون ) واحذر من ضمها ، وانتبه إلى ألف الوصل فإنها تسقط في الوصل ولاتنطق .
( وإذا نقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين ) انتبه أولاً إلى حذف همزات الوصل من النطق في ( وإذا انقلبوا ) و ( أهلهم انقلبوا ) فانطقها هكذا ( وإذَنْقلبوا ) و( أهلهمُنْقلبوا ) وانتبه إلى كلمة( أهلهم) فاحذر أن تقرأها ( أهليهم ) بل أسرع بالكسر ، وكذلك ( فكهين ) احذر من أن تقرأها( فاكهين) بمد الألف ، بل اربط الفاء بالكاف ولا تشبع فتحها .
( وراء ظهره ) فخم الراء من ( وراء ) واحذر من تفخيم الواو والألف معها ، واهتم بمد الواو من ( يدعو ثبورا ) لئلا تسقط فتقرأها خطأً هكذا ( يدعُ ثبورا ) .
( لن يحور ) احرص على إسكان الراء وقفاً ، وفتحها دون إشباع في الوصل ، واحذر أن قرأها ( يحورا ) بالألف فهو خطأ .(1/50)
( والله أعلم بما يوعون ) احرص على ضم الميم ، واحذر من إسكانها فإن الطبع يسرع إليه لسهولته ، واحذر من تشديد الواو في ( يوعون ) فإنه خطأ شائع ، بل لين الواو ومدها ساكنة مخففة ، وذلك يقال أيضا في ( يوعظون ويوعدون ويوقنون ويوفضون ) ونحوها .
( ذات الوقود ) احذر أن تقرأها على ما شاع عند العامة ( ذات اليقود ) بالياء ، واحرص على تحقيق الهمزة وتوضيحها في ( يبدئ ويعيد ) واحذر من إبدالها ياء فتصيرها ( يبدي ) وهو خطأ شائع .
( في تكذيب ) احرص على همس الكاف وتوضيحها حتى لا تختلط بالجيم المجهورة فالكثير يقرءونها ( تجذيب ) وهو خطأ بين .
? ومن سورة الطارق إلى سورة البينة
( مم خلق ) احذر أن تقرأها ( مما خلق ) بإشباع الفتحة ، بل اربط الميم بالخاء هكذا
( ممَّخلق ـ ممَّخلق .... ) .
( إنه لقول فصل ) احذر أن تقرأها بالألف واللام هكذا ( لقول الفصل ) بل نون اللام من( قول) وأخف تنوينها في الفاء ، وانتبه إلى إسكان الراء وتحقيق الهمزة بعدها في ( فذكر إن نفعت الذكرى ) وإن صعب عليك فقف على الراء قليلاً لتتعود على النطق الصحيح ومثلها ( فذكر إنما أنت مذكر ) بالغاشية .
( وزرابي مبثوثة ) احذر أن تزيد فيها لاماً ـ كما يقرأها بعض العامة ـ هكذا ( وزرابيل ) فإنه خطأ عظيم ، فالكلمة آخرها ياء مشددة مضمومة .
( وليال عشر والشفع والوتر والليل إذا يسر ) انتبه دائماً إلى الراء المسكنة للوقف بعد الساكن فإن قليلاً من الناس من يضبطها والكثيرون ينطقونها على غير وجهها ، فمنهم من لا ينطقها بالكلية أو يضعف صوتها ، ومنهم من ينطقها مكررة ، أو يقلقل ما قبلها وهو غير مقلقل ، والصواب أن تنطقها واضحة بلا تكرير ، مفخمة أو مرققة على حسبها ، واحذر من قلقلة ما قبلها إلا أن يكون من حروف القلقلة ، فهذه قاعدة مهمة تحتاج إلى تدرب وتلق عن المتقنين .(1/51)
واعلم أن ( يسر ) يجوز فيها التفخيم لأنها سكنت ولم يسبقها كسر ، ويجوز فيها الترقيق لأن أصلها ( يسري ) وحذفت الياء لتوافق الآيات قبلها .
( سوط عذاب ) احرص على ترقيق السين ، وتفخيم الطاء دون أن يطغى أحدهما على الآخر ، واحرص على إسكان النون في ( أكرمن وأهانن ) دون أن تضيف إليها ياء كما يفعله العامة هكذا ( أكرمني ، أهانني ) فذلك قراءة أخرى , وانتبه إلى فتح الذال والثاء في ( لا يعذب ولا يوثق ) ولا تقرأهما بالكسر .
( ارجعي إلى ربك ) انتبه إلى تفخيم الراء ، لأنها وإن كانت ساكنة بعد كسر إلا أن الكسر ليس أصلياً بل هو عارض بسبب البدء بهمزة الوصل وإلا فلو وصلت لسبقها الضم هكذا ( المطمئنةُ ارجعي ) ومثلها ( ارجع إليهم ) ونحوها ، وكذلك تفخم الراء بعد الكسر إذا لم يتصل بها نحو ( الذي ارتضى ) فإن الكسر في كلمة والراء في كلمة أخرى ، فالراء لا تفخم إلا بعد الكسر الأصلي المتصل بها .
ولذلك قلنا في الوصيفة ـ:
وفي الراء ترقيق إذا ما تسكنت ... ومن قبلها كسر أصيل توصلا
سوىقبل الاستعلا بحرف وخلفهم ... بفرق وفى مع فرقة إن تميلا
( أيحسب أن لم يره أحد ) احذر أن تقرأها بالألف هكذا ( يراه ) فإن الألف محذوفة للجزم ، واربط الراء مع الهاء مباشرة ، واحرص على حذف الهمزة من ( فلا اقتحم العقبة ) فإنها لا تنطق وصلا ، بل اربط اللام بالقاف هكذا ( فَلَقْتَحَم ) وتدرب عليها كثيراً ، وانتبه إلى إظهار التاء وبيان همسها في ( كذبت ثمود بطغواها ) .(1/52)
( فسنيسره ) كلاهما صعب على بعض الناس لطول الكلمة وتشابه حروفها ، ولكي تتدرب على نطقها الصحيح قسمها هكذا ( فسنُ - يسْ - سِرُهُ ) وهكذا تدرب عليها ، واحذر من مد النون في ( إن علينا ، وإن لنا ) بل اربط النون بالعين واللام هكذا ( إِنَّعَلَيْنَا ، وَإِنَّلَنَا ) ، واحرص على فتح العين من ( ما ودعك ) واحذر من إسكانها ، واحرص على تمييز الضاد من الظاء ، وعدم خلطهما ببعضٍ في ( الذي أنقض ظهرك ) ـ كما قدمنا ـ .
( وطور سينين ) احرص على مد الياء حركتين ، واحذرمن حذفها فالبعض يقرأها هكذا( سنين) والصواب مدها .
( أسفل سافلين ) احذر أن تضيف إليها ألفاً ولاماً من عندك فتصير هكذا ( أسفل السافلين ) فإنه خطأ ، و الصواب تخفيف السين بدون ألف ولا لام .
( أن رءاه ) احرص على تحقيق الهمزة ، واحذر من قراءتها بالعين هكذا ( أن رعاه ) فإنه خطأ بين ، واحذر من إشباع كسرة الهاء في ( كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ) حتى لا تتولد منها ياء فتصبح ( ينتهي ) بل اربط الهاء باللام هكذا ( تَهِلَنَسْ - تَهِلَنَسْ ) حتى تتقنها ثم اقرأها مجتمعة ، واحذر من تشديد نون ( لنسفعا ) فلا تقرأها هكذا ( لنسفعن ) بل انطقها بنون خفيفة ساكنة ، واحرص على شدة القاف في ( واقترب ) مع القلقلة ,واحذر من إرخائها حتى لا تشتبه بالغين فلا تقرأها ( واغترب ) فإنه خطأ كبير .
? ومن سورة البينة إلى سورة الناس
( حتى تأتيهم ) احرص على تحقيق الهمزة وفتح الياء ، واحرص على توضيح كسرة الضاد والشين في ( رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه ) فإن الطبع يسرع إلى اختلاسها أوإسكانها لكونها في الوسط ، ولأنها مكسورة .(1/53)
( إذا زلزلت الأرض زلزالها ) احرص على كسر التاء ، واحذر من ضمها ، واحذر كل الحذر من المبالغة في مد الألف الأخيرة من آيات هذه السورة فالبعض يمدها مداً طويلاً وهو خطأ ، والصواب ألا تزيد على حركتين كما تمد في ( ما ) واحرص على توضيح الصاد خالصة من صوت الزاي بينهما في ( يصدر الناس ) ، واحرص على ضم الياء من ( يروا ) لأنه مبني للمجهول ، واحذر من فتحها .
( لترون الجحيم ، ثم لترونها ) احذر من همز الواو ، فإنه لحن لا يصح فإن صعب عليك تصحيحها ، فتدرب على الواو والنون فقط هكذا ( وُنَّ ـ وُنَّ .. ) ثم انطقها كاملة ، ومثل هذا يقال في ( داوود ) فانتبه له ولا تقرأها ( داؤود ) .
( في الحطمة ) احذر من مد الحاء هكذا ( الحوطمة ) فإنه خطأ ، والصواب ضم الحاء دون مد .
( لإيلاف قريش إيلافهم ) احرص على مد الهمزة ، في الموضعين ولو زدت فيه على حركتين فلا بأس لكي تنتبه لها ، واحذر من مد كسرة الفاء ، بل اربطها بالقاف هكذا ( لإيلافقريش ) فالبعض يقرأها ( لإلى في قريش إلى فهم ) وهو خطأ بين .
( شانئك ) قد تكون صعبة على بعض الناس ، وطريقة نطقها هو التقسيم . كما قدمنا فتقرأها هكذا ( شا/نئك ) وهكذا تدرب ، واحرص على تصحيح الهمزة .
( لا أعبد ما تعبدون ) احرص على ضم الباء ، واحذر من كسرها فإنه يغير المعنى .
( ولي دين ) احرص على فتح الياء دون مبالغة ولا مد ، وقف بنون ساكنة ليس بعدها شيء في ( دين ) واحرص على قوة القلقة في ( وتب ) ، لأن الباء مشددة ، والحرف المشدد بحرفين فتقوى قلقته وقفاً لأنها بمقام قلقلتين ، واحرص على ضم الفاء في ( كفواً ) ولا تهمز الواو فهذا هو الذي عليه رواية حفص 0
( الذي يوسوس ) احذر من تشديد ياء ( يوسوس ) فالبعض يشددها لوجود الياء قبلها ، فيدغم الياء المدية فيها وهو خطأ ، بل لين الياء المدية ومدها ، وخفف ياء الفعل ، واحرص على كسر جيم ( الجنة ) ، واحذر من فتحها فإن المعنى يتغير باختلاف الحركة.(1/54)
باب في جزء تبارك
سورة الملك
( ليبلوكم ) احذر من همز الواو ، فالبعض يقرأها ( ليبلؤكم ) وهوخطأ ، وانتبه إلى ضم الفاء في ( من فطور ) واحذر من كسرها .
( ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً ) احرص على ترقيق الكاف من ( كرتين ) واحذر من تفخيمها، واحذر من تحريك الباء في ( ينقلب ) فإنها ساكنة مقلقلة ، واحرص على تحقيق همزة ( خاسئاً ) واحذر من قلبها ياء فإن رواية حفص بالهمز وليست بالإ بدال .
( جهنم ) احرص على إظهار الميم ، واحذر من قلبها باء ، فالبعض يقرأها ( جهنب ) وهو خطأ كبير ، واحرص على مد الألف الأخير ، من ( جاءنا نذير ) .
( ويقبضن ) احرص على إسكان الضاد وتصحيحها دون قلقلة ، وانتبه إلى الزاي من
( رزقه ) حتى لاتشتبه بالسين ، واحرص على إظهار اللام من ( توكلنا ) وغير ذلك مما تقدم .
سورة القلم
( والقلم ومايسطرون ) انتبه إلى ضم الطاء ، واحذر من كسرها ، وانتبه إلى تشديد الياء وكسرها في ( بأيكم المفتون ) فإن الياء إذا حركت بالكسر صعبت على اللسان فكيف إذا شددت .
( عتل بعد ذلك ) انتبه إلى ضم العين والتاء من ( عتل ) وإذا صعبت عليك فقسمها ـ كما مضى ـ ( عُتُلْ لٍ ـ عُتُلْ لٍ . . . ) وهكذاحتى تتقنها ، وانتبه إلى ترقيق الهمز والسين والألف من ( أساطير الأولين ) .
( سنسمه ) إذا تأملت هذه الكلمة وجدتها خالية من السكون فجميع حروفها محركة ، والكلمة التى تتابعت فيها الحركات تصعب على القارئ ويجنح إلى إسكان أحد حروفها أو اختلاس حركته دون أن يدري ، فتجد الكثير يقرءون هذه الكلمة بإسكان الميم هكذا ( سنسمه ) أو بتضعيف حركتها ، والصواب إتمام جميع الحركات والتنبه لها فى هذه الكلمة وأخواتها مما تتابعت فيه الحركات مثل ( يبعثهم ـ فينبئكم ـ ينصركم ـ رضي ـ خشي ـ ـ ـ ) وغيرها كثير فانتبه .(1/55)
( فطاف عليها ) كثير من الناس يقرأها بالميم هكذا ( فطاف عليهم ) وهو خطأ بين ، لأن المقصود أن الطائف طاف على جنتهم فأصبحت كالصريم فالصواب ( عليها ) وليس (عليهم).
( أن يبدلنا ) احرص على إسكان الباء مع قلقلتها ، واحرص على تخفيف الدال واحذر أن تقرأها ( يبَدِّلنا ) بفتح الباء وتشديد الدال فإنه لايصح ، وانتبه إلى ضم الراء من ( تدرسون ) واحذر من كسرها ، واحذر من تنوين همزة ( شركاؤ ) فإنه لا تنوين فيها ، واحرص على فتح الميم من ( مغرم ) واحذر من ضمها ، واحرص كذلك على ضم التاء من ( يكتبون ) واحذر من كسرها ، واحرص على همس ( الصاد ) من ( واصبر ) واحذر خلطها بالزاى ، واحرص على الشدة فى جيم ( فاجتباه ) واحذرأن تشوبها بالشين فتقرأها ( فاشتباه ) واحرص على ضم الياء فى ( ليزلقونك ) .
? سورة الحاقة والمعارج ونوح عليه السلام
( الحاقة ماالحاقة ) انتبه إلى المد اللازم ست حركات فى كل كلمة اجتمع فيها المد والسكون ـ كما قدمنا ـ وانتبه إلى إظهار التاء من ( كذبت ثمود ) واحذر من تنوين دال ( ثمود ) وانتبه إلى فتحة لام ( ومن قبله ) واحرص على تحقيق همزة كل من ( المؤتفكات والخاطئة ) وانتبه إلى كسر العين من ( تعيها ) فإن الطبع يسرع إلى إسكانها أو اختلاسها لتتابع الحركات ـ كماقدمنا ـ
( هاؤم ) انتبه إلى مد الألف مداً متوسطاً ، ولا يصح قصرها ، لأنها من المد المتصل ، وليست من المد المنفصل كما يظن كثير من الناس .
( ماأغنى عنى ماليه هلك عنى سلطانيه ) لكل القراء فيها وجهان :
الأول : السكت اللطيف على هاء ماليه ، ويترتب عليه الإظهار .
الثانى : الإدغام بلاسكت.(1/56)
( من عذاب يومئذ ) انتبه إلى كسر الميم ، واحذر من فتحها ، وانتبه إلى إسكان النون وتخفيف الجيم في ( ثم ينجيه ) واحذر من فتح النون مع تشديد الجيم ، وانتبه إلى كسر القاف مع فتح الباء في ( قبلك مهطعين ) فبعض الناس يقرءونها بفتح القاف مع إسكان الباء ، وانتبه إلى البناء للمجهول في ( يدخل جنت نعيم ) أي اضمم الياء ، وافتح الخاء ، وانتبه إلى تخفيف الواو مسكنة في ( يوعدون ويوفضون ) ـ كما سبق ـ واحرص على إسكان الراء في
( ويؤخركم إلى أجل مسمى ) واحرص على تفخيم الصاد في ( وأصروا ) وإلا صارت
( وأسروا ) فتغير معناها فانتبه لها ، وبالعكس احرص على ترقيق السين في ( إسرارا ) لئلا تصير إصرارا , وانتبه إلى إسكان الدال الثانية من ( ويمددكم بأموال وبنين ) وانتبه إلى ترقيق السين جيداً من( بساطا ) لئلا تصبح صادا ، واحرص على ضم السين مع ترقيقها من ( سواعا) واحذر من كسرها أو تفخيمها ، وانتبه كذلك إلى ترقيق السين من ( نسرا ) واجتنب تفخيمها لئلا يتغير المعنى .
? سورة المزمل و المدثر
( إن ناشئة الليل هى أشد وطئا ) احرص على تحقيق الهمزات واحذر من إهمالها أو تليينها ، وانتبه إلى فتحة الواو من ( وطئا ) واحذر من كسرها ، وانتبه إلى ضم الجيم من ( ترجف ) واحذر من كسرها ، وانتبه إلى التنوين من ( يوما يجعل الولدان شيبا ) .
( ثلثي الليل ونصفه وثلثه ) هذه الكلمة تتابعت فيها الحركات ، وخلت من السكون فتنبه لحركاتها جيداً فإن الطبع يسرع إلى إسكان بعضها ، فتجد كثير من الناس يسكنون اللام فيها ، أو يسكنون الياء من الأول ، فاحرص على حركات جميع الحروف ، ولوصعبت عليك فقسمها حرفاً حرفاً ـ كما قدمنا ـ ، وانتبه إلى ضم النون من ( سيكون منكم مرضى ) واحذر من فتحها ، وانتبه إلى فتح التنوين في ( هو خيراً ) واحذرمن ضمه .(1/57)
( ثم يطمع أن أزيد ) انتبه إلى إسكان الدال عندالوقف ، واحذر أن تفتحها وتمدها هكذا ( أن أزيدا ) فإنه زيادة في غير موضعها ، وانتبه إلى ضمة القاف من ( سأرهقه ) واحذر من إسكانها ، وانتبه إلى إظهار اللام في ( جعلنا ) .
( قالو لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين ) احذر أن تزيد نوناً ساكنة بعد الكاف في
( نك ) فإن كثيراً من الناس لا ينتبهون لذلك فيقرءونها ( لم نكن من المصلين ولم نكن نطعم المسكين ) فانتبه لذلك 0
? سورة القيامة والإنسان والمرسلات
( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) انتبه إلى تخليص الضاد من الظاء - كماسبق - .
( وقيل من راق ) يجوز السكت على نون ( من ) سكتاً لطيفاً دون تنفس ، ويجوزإدغام النون في الرا بغيرسكت ، وانتبه إلى ترقيق التاء مع تفخيم الطاء من ( يتمطى ) واحذرأن تزيد نوناً بعد كاف ( يك نطفة ) فمن قرأها ( يكن نطفة ) فقد أخطأ ، واحذرأن تمد كاف ( وإما كفورا ) فالبعض يقرأها ( كافورا ) فيفسد المعنى 0
( سلاسلا ) يتعين لحفص حذف الألف وصلاً ، وأما فى الوقف فله حذفها وله إثباتها كلاهما منقول عنه ، وانتبه إلى شدة الجيم فى ( يفجرونها تفجيرا ) حتىلاتشتبه بالشين ، وانتبه إلى ترقيق التاء وتفخيم الطاء في ( مستطيرا ) وانتبه إلى ضاد ( نضرة ) فاحذر أن تنطقها ظاء أودالاً مفخمة أوطاء ، بل انطقها ضاداً مستطيلة رخوة واحذر من قلقلتها ، واحرص على ترقيق ( وذللت ) كلها فليس فيها مفخم ، واحذر أن تقرأها ( وظللت ) وانتبه إلى فتح الثاء من ( ثم رأيت ) 0
( عاليهم ثياب سندس خضروإستبرق ) احرص على تصحيح هذه الآية ، وذلك بمدالألف بعدالعين ( عا ) وكسراللام مع فتح الياء ، واحذر أن تقرأها ( عليهم ) ، واحذر أن تنون(1/58)
( ثياب ) فإنها مضمومة بلاتنوين لإضافتها إلى ما بعدها ، واحرص على كسرالسين منونة من ( سندس ) وانتبه إلى رفع الراء منونة من ( خضر ) مع العناية بالضاد وقف على( وإستبرق ) بالقلقلة ليكون أيسرلك من الوصل .
( وحلوا ) احرص على ضم الحاء واحذر من كسرها ، واحرص على ضاد ( فضة ) وكذلك كل ضاد ساكنة أو مشددة ، فإن الحروف إذا خلت من الحركة تعين العناية يها أكثر ، لأن أي خلل فيها يظهر جلياً واضحاً ، واحرص على إظهار لام ( نزلنا عليك القرءان ) وانتبه إلى الصاد من ( فاصبر ) فخلصها من الزاي ، واحرص على إظهار الحاء جيداً من ( وسبحه ) فإن الطبع يسرع إلى إخفاءها في الهاء ، فانتبه لها حتى تسمعها ساكنة جلية ، ولووقفت عليها وفصلتها من الهاء للتدريب فلا بأس .
( عذراً أو نذرا ) احرص على إسكان الذال فيهما جميعاً ، وانتبه إلى تحقيق الهمزة ، واحرص كذلك على همزة ( أقتت ) واحذر قلبها واواً .
( لأي ) هذه الكلمة في كل القرءان تحتاج إلى اهتمام وتركيز لكي تقرأها صحيحة ، ذلك أن الياء مشددة مكسورة ، وقد قدمنا أن الياء إذا حركت بالكسر صعبت على اللسان فكيف إذا صاحب ذلك تشديد فينبغي أن تنصت إليها جيداً لكي تسمع يائين بعد الهمزة ، الأولى ساكنة ، والثانية مكسورة ، ولو قسمتها لتتدرب عليها هكذا ( بِأَيْ \ يِ - بِأَيْ \ يِ ... ) فلا بأس لأنها حقاً تحتاج إلى تدريب متتابع فبعض القراء حتى من المشاهير ينطقها مشددة بلا حركة ، أو بحركة ضعيفةٍ غير تامة فانتبه لذلك ، واحذر أيضاً من المبالغة في كسرها حتى لا تتولد منها ياء ثالثة ، ولا يتحقق النطق الصحيح إلا بالتلقي .
( ثم نتبعهم الآخرين ) انتبه للحركات المتتابعة فكملها ، واحذرمن إسكان العين، وانتبه إلى كسرة الخاء حتى لا يتغير المعنى .(1/59)
( ألم نخلقكم من ماء مهين ) يجوز فيها وجهان الأول: الإدغام الكامل وذلك بأن تبدل القاف كافاً وتدغمها في التي تليها فتسمع كافاً مشددة خالصة ، والثاني : الإدغام الناقص وذلك بأن تنطق القاف ساكنة دون قلقلة مع العناية بتفخيمها ، وتنطق بعدها الكاف مرققة فى نفس واحد .
وهذا الوجه يقال فى الطاء مع التاء فى كل من ( لئن بسطت ، من قبل مافرطتم ، ياحسرتى على مافرطت ) وليس فى هذه الكلمات إلا وجهاً واحداً هو الإدغام الناقص ، وذلك بإظهار صفة الاستعلاء الموجودة فى الطاء دون قلقلة مع نطق التاء مرققة فى نفس واحد ، ولذلك سمي إدغاماً ناقصاً ، لبقاء صفة من صفات الحرف المدغم كالاستعلاء هاهنا وكالغنة فىالنون الساكنة مع حروف ( ينمو ) ونحوها .
( فجعلناه ) احرص على إظهار اللام ، وانتبه إلى تخفيف الدال من ( فقدرنا ) واحذر من مد اللام فى ( جمالت صفر ) .
باب في جزء المجادلة
ومن سورة المجادلة إلى سورة الصف
( ماهن أمهاتهم إن أمهاتهم ) انتبه إلى كسر التاء فى الأولى وضمها فى الثانية مع تخفيف النون فى ( إن ) فإنها ساكنة مخففة ، وانتبه إلى مد الياء فى ( اللائي ) حيث وقعت ، وانتبه إلى تشديد السين فى ( تماسا ) جميعاً مع إشباع المد لأنه من قبيل اللازم ، ومثل ذلك فى ( لاتضار ) فانتبه إلى إظهار التشديد فى الراء وغيرها حال الوقف والوصل جميعاً ، وانتبه إلى تليين الواو وإسكانها فى ( توعظون ) واحذر من تشديدها ، وانتبه إلى ضم الحاء من ( حدود الله ) واحذر من كسرها ، وانتبه إلى إظهار اللام من ( وقد أنزلنا ) وانتبه إلى الحركات المتتابعة فى كل من ( يبعثهم وينبئهم ) ونحوها ، واحذر من إسقاط شئ منها .(1/60)
( ألم تر أن الله يعلم ) احذر من إشباع فتحة الراء حتى لاتتولد منها ألف بل اربط الراء بالهمزة كأنهما كلمة واحدة ، واحرص على ضم العين فى ( العدوان ) واحذر من كسرها ، واحرص على فتح الياء من ( حيوك ) واحذر من ضمها فإن الطبع يسرع إليه لسهولته ، وانتبه إلى فتح الياء وضم الحاء من ( ليحزن ) واحرص على ضمة الشين فى ( انشزوا ) معاً ، واحذر من كسرها .
( بين يدي نجواكم ) انتبه إلى إسكان الياء مخففة ، واحذر من تشديدها ، واحرص على تحقيق همزتي ( ءأشفقتم ) وانتبه إلى ضم الجيم من ( جنة ) واحذر من كسرها ، واحذر من المبالغة فى ضم الدال من ( لاتجد قوما ) حتى لاتتولد منه واو، وانتبه إلى تشديد الدال بعد المد المشبع فى ( يوادون من حاد الله ) ونحوها ، وانتبه إلى ضم الراء فى ( بروح ) ـ كماقدمنا ـ واحرص على الضاد وكسرتها فى قوله تعالى : ( رضى الله عنهم ) ، وانتبه إلى المد المشبع مع تشديد القاف فى كل من ( شاقوا الله ورسوله ومن يشاق ) واحرص على كسراللام من
( لينة ) مع مد الياء بعدها حركتين واحذر أن تقرأها بفتح اللام مع تشديد الياء بالكسرة .
( وليخزي ) انتبه إلى كسرة اللام جيداً ، واحذر من إسكانها ، ولا بأس أن تتدرب على اللام مكسورة وحدها هكذا ( وَلِيُ ـ وَلِيُ ..) حتى تتقنها وأنصت لقراءتك وتأكد أنها تحركت بالكسر، وأنها لم تقف لأن الوقف معناه السكون ، وذلك يقال في كل ما شابهها مثل ( وليعلم المؤمنين ـ ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ) ، واحذر من تفخيم السين من ( يسلط رسله ) وانتبه إلى الضاد الساكنة من ( فضلا من الله ورضوانا ) ـ كما مرـ .(1/61)
( وإن قوتلتم ) احرص على مد الواو حركتين ، واحذرمن الإسراع بها حتى لا تسقط ، وكذلك ( ولئن قوتلوا ) واحذر من تفخيم الواو مع الراء في ( وراء ) بل رقق الواو وفخم الراء ، وخلص كلاً منهما من الأخرى وانتبه إلى كلمة ( شتى ) فإنه لا تنوين فيها فنطقها وصلاً كنطقها وقفاً تماماً .
( فذاقوا ) انتبه إلى واو الجماعة فوضحها ممدودة حركتين ، وكثير من الناس يبدل الواو في هذا ونحوه ميماً فتسمعه يقرأ ( فذاقم ـ ذكرم ـ أنفقم ..) وهكذا فانتبه لذلك جيداً ، واحذر أن تنطق همزة ( اكفر ) حال الوصل بل أسقطها واربط نون ( الإنسان ) بها هكذا ( الإنسانِكْفر ) مع العناية بكسر النون ، واحذر أن تقلقل الكاف .
( خالدين فيها ) ليس في القرءان موضع بفتح الدال غيرها فانتبه لها ، فإنها مثنى ، وباقي المواضع بالجمع ، واحرص على إسكان اللام في ( ولتنظر ) واحرص على إظهار اللام من( وأنزلنا ) .
( تسرون ) ونحوها مما شددت فيه الراء بعد كسر وهي مفخمة أو شددت بعد فتح وهي مرققة نحو ( بضارين ) لابد من الاهتمام بها لتتمكن من نطقها صحيحة وذلك لأن الحرف المشدد بحرفين ـ كما هو معلوم ـ الأول ساكن والثاني متحرك ، والخطأ هاهنا هو فصل الحرفين عن بعضهما لأن الحرفين إذا انفصلا نطقاً صار أحدهما مرققاً والآخر مفخماً ، والصواب أن تنطق حرفين في نفس واحد وبحركة واحدة وبحالة واحدة من التفخيم أو الترقيق على حسبها .
( فقد ضل ) احرص على إظهار قلقلة الدال ، مع العناية بالضاد ، وانتبه إلى ضم السين من
( يبسطوا ) واحذر من كسرها ، واحرص على ضم الهمزة من ( أسوة ) واحذر من كسرها ، واحرص على بيان الألف في ( وبدا بيننا ) واحذر أن تجعلها همزة ، واحذر من إشباع فتحة اللام في ( ومن يتول ) حتى لا تصبح ( ومن يتولى ) فإنها زيادة في غير محلها .(1/62)
( فبايعهن ) انتبه إلى كسر الياء واحرص على بيانها ، فإن الياء إذا كسرت عز بيانها واحذر أن تنطق العين حاء فإن الطبع يسرع إلى ذلك ، ومثل ذلك يقال في ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ، لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك ) بالفتح .
? ومن سورة الصف إلى سورة التغابن
( لم تقولون ) انتبه إلى فتحة الميم ، واحذر من إشباعها حتى لا تتحول إلى ألف ممدودة دون أن تدري ، ولكي تتدرب عليها اربط الميم بالتاء هكذا ( لِمَتَقٌو ـ لِمَتَقٌو ) ثم انطقها كاملة ، واحرص على إدغام الدال في التاء من ( وقد تعلمون ) فلا خلاف في إدغامه .
( من بعدي اسمه أحمد ) انتبه إلى همزة الوصل فإنها تسقط ولا تنطق ، والياء التي قبلها تحذف أيضا لالتقاء الساكنين فتصير السين الساكنة بعد الدال المكسورة هكذا ( بعدِسْمه ) فتدرب عليها .
( للحواريين ) انتبه إلى الياء فإنها مشددة مكسورة تحتاج إلى تهيؤ واهتمام ، ومثلها ( الأميين) ونحو ذلك ، واحرص على إدغام التاء في الطاء في كل من ( فآمنت طائفة ، وكفرت طائفة ) ونحوها .
( ويعلمهم ) احرص على توضيح الحركات المتتابعة ، واحذر من إسقاط شئ منها أو تضعيفه ، واحذر من تنوين الهمزة في ( أولياء لله ) واحرص على تفخيم الراء المضمومة في ( تفرون ) واحرص على ضم الميم من ( الجمعة ) واحذر إسكانها .
( أو لهوا انفضوا إليها ) هذه الكلمة يستصعبها كثير من الناس ، ولكنها مع التفصيل والتقسيم تسهل قراءتها ، فالواو في ( لهوا ) منونة بالفتح وبعدها النون الساكنة من ( انفضوا ) أما الألف فإنها لا تنطق ، فصار بين الواو والنون الساكنة التنوين وهو ساكن ، فالتقى الساكنان فلابد حينئذ من كسر الأول فتصير في النطق هكذا ( لَهْوَنِنْفَضوا ) واو بعدها نون مكسورة فنون ساكنة فتدرب عليها ، وارجع إلى هذه الطريقة كلما صعبت عليك .(1/63)
( سواء عليهم أستغفرت لهم ) احرص على تحقيق الهمزة ، واحذر من إسقاطها ، واحذر من المبالغة في تشديد اللام عند الوقف عليها في ( الأذل ) فقد وقع من قراء أفاضل وهوخطأ بين .
( أحدكم الموت ) انتبه إلى فتح الدال ، وضم التاء ، واحذر من عكس ذلك ، أي ضم الدال وفتح التاء ، وانتبه إلى فتح اللام من ( فيقول رب) مع التنبه لكسر الباء والحذر من إشباعها .
? سورة التغابن والطلاق
( تسرون ) اهتم بتفخيم الراء وتشديدها جيداً مع العناية بضمها ، وانتبه إلى الواو من ( فذاقوا ) واحذر أن تجعلها ميماً .
( يهد قلبه ) احذر من إشباع كسرة الدال حتى لا تتحول إلى ياء مدية ، واحذر كذلك من إشباع الفتحة في ( ومن يوق شح نفسه ) وذلك بربطها بالحرف الذي يليها .
( يخرجن ) وكل نون نسوة ، احذر من إشباع فتحتها حتى لا تصبح ألفاً ، واحرص على كسر الياء من ( مبينة ) واحرص على ضم الحاء من ( حدود ) واحذر من كسرها، واحذر من إشباع الفتح في ( ومن يتعد حدود الله ) وذلك بربط الدال بالحاء سريعاً ، وكذلك الضمة في ( ذلكم يوعظ به ) .
( بالغ أمره ) لا تنوين للغين للإضافة ، فاحذر أن تنونها ، واحرص على إظهار الدال مقلقلة من ( فقد ظلم نفسه ، قد جعل الله ) واحرص على قلقلة الدال في ( قدرا ) واحذر من فتحها فإنه شائع وهو خطأ ، واحرص على مد الياء من ( اللائي ) معاً .
( إن ارتبتم ) انتبه إلى إسقاط الألف واحذر من نطقهاهمزة قطع ، بل اربط النون بالراء هكذا ( إنِرْتبتم ) والراء مفخمة لعروض الكسرة فتنبه لها ، واحرص على الضاد من ( يحضن ) واهتم بتصحيحها على التقعيد السابق .
( وأولات الأحمال ) احذر أن تنطق هذه الواو ، فإنها زائدة رسماً ولا أثر لها في النطق فانطقها هكذا ( وألات الأحمال ) ومثلها ( أولات حمل ) واحرص على ضم الواو في
( وجدكم ) واحذر من كسرها .(1/64)
( وأتمروا ) الهمزة ساكنة فاحرص على تحقيقها ، والتاء مفتوحة ، وكثير من الناس يعكسون ذلك فيفتحون الهمزة ويسكنون التاء فتنبه ، وانتبه إلى فتح السين في ( سعته ) معاً ، واحذر من كسرها .
? سورة التحريم
( لم تحرم ما أحل الله لك ) احذر من المبالغة في فتح الميم الأولى وضم الثانية حتى لا يتولد منهما حروف مدية ، بل اربط الحروف ببعضها في النطق هكذا ( لمَتُحرمُمَا ) وتدرب على ذلك مراراً ، واحرص على الضاد في ( وأعرض عن بعض ) ، واحرص على إظهار الدال مقلقلة من ( فقد صغت قلوبكما ) .
( أن يبدله ) الباء ساكنة مقلقلة والدال مخففة فانتبه لذلك فكثير من الناس يفتحون الباء ويشدون الدال وهو خطأ ، واحرص على ترقيق الكاف من ( أبكارا ) فإنها إن فخمت تحولت إلى
( أبقارا ) وهو خطأ عظيم.
فتأمل أهمية تصحيح القراءة والعناية بها ، وأخذها عن أهلها ، وكيف أن ذلك يقي الخطأ في القرءان .
( ويدخلكم جنات ) انتبه إلى فتحة اللام ، واحذر من إسكانها ، واحرص على إظهار الراء في
( واغفر لنا ) واحذر أن تدغمها في اللام لسهولة ذلك .
( للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط ) احذر أن تنطق همزة الوصل فإنها ساقطة لا تنطق بل انطق الميم بعد الراء مباشرة في الأولى ، وبعد الواو في الثانية هكذا ( للذين كفرومْرأت نوح ومْرأت لوط ) ومثل ذلك ( للذين اَمنوا امرأت فرعون ، ومريم ابنت عمران ) ، واحرص على ترقيق راء ( فرعون ) .
باب
في تنبيهات مهمة
فمن ذلك الضاد إذا سكنت وبعدها الطاء نحو( ثم أضطره ، فمن اضطر ، أمن يجيب المضطر) أو التاء نحو ( فإذا أفضتم من عرفات ـ عرضتم به ـ فنصف ما فرضتم ) ففي هذا ونحوه انتبه إلى الضاد فانطقها ساكنة خالصة ثابتة ـ كما قدمنا ـ واحرص على توضيحها وتبيينها ولو بالوقف عليها وقفاً يسيراً واحذر من القلقلة ، تماماً كأنك تتدرب عليهاوحدها(1/65)
( أض ـ أض ـ أض000أضطره ) وكذلك باقي الكلمات فالمهم هو توضيح الضاد ، فصب عليها جل اهتمامك لتتضح 0
ومن ذلك الكلمات التي وقعت فيها همزة الوصل بين همزة الاستفهام ولام التعريف وهي ثلاث كلمات في ستة مواضع ( آلله ) موضعان بيونس والنمل و( آلآن) موضعان بيونس و( آلذكرين) موضعان بالأنعام ، وفيها وجهان : الأول الإبدال ألفاً مشبعة لوجود السكون بعدها فتصبح من قبيل المد اللازم . والثاني : التسهيل بين الهمزة والألف ، وهو الذي لا يحسنه كثير من القراء ، وحقيقته باختصار : أن لا تسمع همزة ولا هاء ولا ألفاً ، وإنما تسمع همزة لينة تخرج من الحلق والجوف معاً 0
ومهما عرفنا التسهيل أو وصفنا في حقيقته فهو لا يدرك إلا بالتلقي عن المتقنين المسندين إلى سيد المرسلين ـ صلى الله عليه وسلم ـ
ومن ذلك ( ءأعجمي ) في فصلت فيها التسهيل ـ كما سبق ـ ولا إبدال فيها لحفص فانتبه 0
ومن ذلك هاء الكناية من قوله تعالى ( فيه مهانا ) بالفرقان ، فلحفص إشباعها ووصلها بياء طبيعية ، وهو خاص بهذا الموضع 0
ومن ذلك الإمالة في ( مجراها ) ، والإمالة معناها 00أن تنحو بالفتحة نحو الكسرة وبالألف نحو الياء ، دون أن تبلغ الكسرة الكاملة ، ولا الياء المشبعة ، بل تنطق الألف كما تنطقها في قولك : ( البيت ، الغيط ، ليه ) بالعامية .
ومن ذلك ( ضعف ) في الروم يصح في ضادها الفتح والضم في مواضعها الثلاثة .
ومن ذلك ( سلاسلا ) بالإنسان يصح الوقف عليها بالألف الطبيعية أو بإسكان اللام مع ترك الألف .
ومن ذلك ( تأمنا ) بيوسف يصح فيها وجهان :
الأول:الإشمام ومعناه : ضم الشفتين بعيد إسكان النون وقبل الغنة ، فالنون هاهنا مشددة فهي بنونين ..الأولى ساكنة والثانية مفتوحة ، فإذا نطقت الساكنة فاضمم الشفتين وانطق الثانية مع الغنة .(1/66)
الثاني: الروم ومعناه : الإسراع بضمة النون حتى يذهب معظمها ، وذلك لأن أصل ( تأمنا ) هو ( تأمننا ) بنونين الأولى مضمومة والثانية مفتوحة ، فسكنت الأولى لتدغم في الثانية 0
ولكون الإسكان عارضاً جاز فيه الروم والإشمام كما جاز في الوقف على أواخر الكلم .
قال الشاطبي ـ رحمه الله ـ في الروم والإشمام :
ورومك إسماع المحرك واقفاً ... بصوت خفي كل دان تنولا
والاشمام إطباق الشفاه بعيد ما ... يسكن لا صوت هناك فيصحلا
ومن ذلك النون المشددة بعد الهمزة فبعض الناس يفصل بينهما بمدة يسيرة فتسمعه يقرأ ( إينَّ ) يريد ( إنَّ ) والصواب ربط الهمزة بالنون مباشرة مع الغنة .
ومن ذلك النون الموقوف عليها بعد المد في نحو ( يؤمنون ـ فاعلين ـ محسنون ... ) فالبعض ينطقها ميماً أو كالميم وذلك بإطباق الشفتين ، ومتى انطبقت الشفتان خرجت الميم لا محالة ، فاحذر من ذلك ، واحرص على رفع طرف اللسان إلى الحنك الأعلى لتخرج النون واضحة جلية ، واحذر أن تقف عليها بالغنة إلا إذا كانت مشددة .
ومن ذلك التكلف في القراءة والتشدد فيها بقصد المبالغة في الإتقان ، فإنه يذهب برونق القراءة وجمال التلاوة وحسن الترتيل ، وقد نهينا عن التكلف ، والله عز وجل يقول ناهياً رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن التكلف :( قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين )
وقد حذر أئمة القراءة من التكلف أشد التحذير ، فهذا ابن الجزري يقول في وصف التجويد :
وهو أيضاً حلية التلاوة ... وزينة الأداء والقراءة
وهو إعطاء الحروف حقها ... من صفة لها ومستحقها
ورد كل واحد لأصله ... واللفظ في نظيره كمثله
مكملاً من غير ما تكلف ... باللطف في النطق بلا تعسف
ويقول السخاوي ـ رحمه الله ـ :
لا تحسب التجويد مداً مفرطاً ... أو مد ما لا مد فيه لوان
أو أن تشدد بعد مد همزة ... أو أن تلوك الحرف كالسكران
أو أن تفوه بهمزة متهوعاً ... فيفر سامعها من الغثيان
للحرف ميزان فلا تك طاغياً ... فيه ولا تك مخسر الميزان(1/67)
فإذا همزت فجئ به متلطفاً ... من غير ما بهر وغير توان
ومن ذلك تقليد الأئمة ، فإنه يؤدي إلى التكلف والجمود ، ويقع المقلد في الخطأ من حيث لا يدري ، ثم ما الفائدة من ذلك التقليد والأصل موجود ومتداول ،والأصل أفضل ولا ريب .
وقد حذر الشيخ بكر بن عبد الله ـ حفظه الله ـ من التقليد في رسالته القيمة ( بدع القراء ) فانظرها إذا شئت .
نعم لا بأس بالتقليد في البداية للتعلم والتدرب ، لكن أن يصبح ذلك عادة وديدناً فليس بالمحمود ولا بالصواب .
باب في أحكام القصر
إذا قرأت بقصر المنفصل لحفص تعين من حيث الرواية أن تلتزم بالآتي :
1ـ إتمام الإدغام في ( ألم نخلقكم ) بالمرسلات .
2ـ تفخيم الراء من ( فرق) بالشعراء .
3ـ الإبدال في ( آلآن ) وبابه ، ولا يتأتى التسهيل .
4ـ القصر في ( عين ) من فاتحتي الشورى ومريم .
5ـ ترك السكت في ( بل ران ـ من راق ـ مرقدنا ـ عوجاً ) وإذا تركت السكت في
( عوجاً قيما ) نونت الجيم ، وأخفيت تنوينها في القاف .
6ـ الوقف على ( سلاسلا ) بالإنسان و ( آتان) بالنمل بحذف المد مع إسكان ما قبله.
7ـ الفتح في ( ضعف ) في المواضع الثلاثة بالروم .
8ـ السين فقط في ( أم هم المصيطرون ) بالطور .
9ـ الإشمام فقط في ( مالك لا تأمنا ) بيوسف .
وذلك معنى قولنا في الوصيفة :
ومتصلاً وسط لحفص وقصره ... لمنفصل بالآت كان محملا
فأكمل ألم نخلقكم ثم فخمن ... بفرق وفي آلان والباب أبدلا
وفي عين اقصر واترك السكت واحذفن ... لدى الوقف آتان كذاك سلاسلا
وبالفتح ضعف الروم والسين في المسيـ ... طرون وتأمنا بالاشمام كملا
? قائمة المراجع
1 ـ القرءان الكريم .
2 ـ صحيح الجامع ( الشيخ الألباني ) ـ حفظه الله ـ .
3 ـ حرز الأماني المعروف بالشاطبيه للإمام الشاطبي ـ رحمه الله ـ .
4 ـ النشر في القراءات العشر لابن الجزري ـ رحمه الله ـ .
5 ـ متن المقدمة الجزرية لابن الجزري ـ رحمه الله ـ .
6 ـ متن تحفه الأطفال للجمزوري ـ رحمه الله ـ .(1/68)
7 ـ الرعاية في التجويد لمكي بن أبي طالب ـ رحمه الله ـ .
8 ـ الكشف عن علل القراءات لمكي بن أبى طالب ـ رحمه الله ـ .
9 ـ حجه القراءات لابن خالويه ـ رحمه الله ـ .
10 ـ نهاية القول المفيد لمحمد مكي نصر ـ رحمه الله ـ .
11 ـ غاية المريد لعطية قابل نصر ـ حفظه الله ـ .
12 ـ إرشاد المريد شرح الشاطبية بتحقيق إبراهيم عطوة ـ رحمه الله
13 ـ المنظومة السخاوية في التجويد للإمام السخاوي ـ رحمه الله ـ
14 ـ المكتفى في الوقف والابتدا لأبي عمرو الداني ـ رحمه الله ـ .
15 ـ التحديد في الإتقان والتجويد لشيخ الأئمة أبي عمرو الداني .
16 ـ غيث النفع في القراءات السبع للصفاقسي ـ رحمه الله ـ
17 ـ الإضاءة في أصول القراءة للضباع ـ رحمه الله ـ
? خاتمة الكتاب
وفي الختام أحمد الله عز وجل وأثني عليه الخير كله , ثم أتقدم بالشكر والتقدير إلى كل من ساعدني في إخراج هذا الكتاب ، وأسأل الله تعالى أن يجعله في موازين حسناتنا جميعاً .
وهذه قائمة ببعض ما ألفته وجمعته ، أعرضه تحدثاً بنعمة الله تعالى ، وأملاً في أن يتعاون معي من استطاع من أهل الخير ودور الطبع والنشر ليتيسر النفع بها ،
فمن ذلك الآتي :
2ـ البيان في متشابه القرءان ( متن ) .
3ـ شرح البيان في متشابه القرءان .
4ـ المتن القائم برواية شعبة عن عاصم .
5ـ شرح المتن القائم .
6ـ المتن الزاخر بقراءة عبدالله بن عامر .
7ـ شرح المتن الزاخر .
8ـ السلسبيل الجاري في بعض فوائد رجال البخاري .
9ـ شرح السلسبيل الجاري .
10ـ وصيفة القصيد في العشر والتجويد ( ألفية جمعت كل مافي القراءات العشر الصغرى مع التحريرات والتنبيهات والتجويد ) .
11ـ شرح وصيفةالقصيد .
12ـ ديوان شعري منوع .
13ـ ملخص شرح المقدمة الآجرومية في النحو .
إلى جانب تحقيق أمهات كتب القراءات وخدمتها ترتيباً وتبويباً وفهارساً ، وغير ذلك من المشاريع العلمية ، التي نسأل الله تعالى أن يجعلها خالصة لوجهه ، وأن ينفع بها .(1/69)
وأهدي قراء هذا الكتاب هذه القصيدة التي جمعت مهمات التجويد ، وهي عبارة عن الأبواب الأولى من متن وصيفة القصيد الذي كثيراً ما أشرنا إليه .
والله سبحانه الموفق ، وهو الهادي إلى سواء السبيل ..،،،،،
وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم(1/70)