بحث في (نداءات الرحمن للنبي
المختار في كلام العزيز الغفار)
كتبه
علي بن عبد العزيز الراجحي
alt1@maktoob.com
المقدمة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله .
قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (1)
وقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (2)
وقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) (3)
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله جل وعلا، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فإن الله عز وجل قد من على هذا الأمة بأن أرسل إليها أفضل رسله، وجعله أفضل خلقه، وأنزل عليه أفضل كتبه، يقول الله جل جلاله ( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (4)(1/1)
لقد بعثه الله عز وجل بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إليه بإذنه وسراجاً منيراً ، جعله الله رحمته المهداة ونعمته المسداة ،ففتح الله به، أعيناً عمياً، وقلوباً غلفا،ً وآذاناً صماً ، أنار به الطريق وأوضح به الحجة ، وأوجب على الأمة محبته وطاعته واتباع سنته وألا يعبد الله إلا بما شرع .
لقد بذل عليه الصلاة والسلام جهده ووقته وجميع ما يملك في بيان أحكام الدين ونشر تعاليم الإسلام، واهتمام بدعوة الناس إليه ، حتى ترك الناس على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك .
ـــــــــــــــــــ
(1) سورة آل عمران آية 102
(2) سورة النساء آية 1
(3) سورة الأحزاب آية 71،70
(4) سورة آل عمران آية 164
فقد رفع الله سبحانه وتعالى منزلة رسوله عليه الصلاة والسلام عنده وأعلى
قدره ، وقد خص الله سبحانه وتعالى نبيه بخصائص عالية ، وفضائل كريمة ، وأيده بالمعجزات الباهرة والبراهين الساطعة ليغرس سبحانه وتعالى في قلوب العباد محبته والإيمان به . وأوجبه على أمته طاعته والتمسك بسنته ، والسير على طريقته وأقتفاء أثره، أتتحاكم إليه والى سنته في جميع شئون الحياة ، يقول الله تعالى (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (1)
بل جعل الله سبحانه من محبته محبة رسوله عليه الصلاة والسلام ، يقول سبحانه وتعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (2)
بل قرن الله سبحانه وتعالى بطاعته طاعة رسوله عليه الصلاة والسلام
قال تعالى(قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)(3)
وكذلك جعل من طاعة الله طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام ،(1/2)
يقول سبحانه وتعالى (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً)(4)
وفي القرآن المجيد آيات كريمات دالة على عظيم قدره عليه الصلاة والسلام وعلو منزلته عليه الصلاة والسلام عند ربه جل وعلا ،
من ذلك أن الله عز وجل نادى أنبياءه بأسمائهم ، أما هو فقد ناداه بوصفه الشريف (الرسول) و( بالنبي) .
وهذا بحث متواضعا يتضمن دراسة الآيات الكريمات التي جاء في القرآن الكريم
ذكرها وما اشتملت عليه من معاني وأحكام وذكر لأسباب النزول .
وجعلت عنوان هذا البحث
(نداءات الرحمن للنبي المختار في كلام العزيز الغفار)
ــــــــــــــــــ
(1) سورة النساء آية 65
(2) سورة آل عمران آية 31
(3) سورة آل عمران آية 32
(4) سورة النساء آية 80
وجعلت خطة البحث على النحو التالي:
مقدمة
تمهيد : فيه مبحثان:
المبحث الأول : عظم منزلته عليه الصلاة والسلام عند الله جل وعلا .
المبحث الثاني : النداء في القرآن الكريم .
الفصل الأول :أساليب نداءات الله للرسول عليه الصلاة والسلام .
فيه أربعة مباحث :
المبحث الأول : النداء بصفة النبوة .
المبحث الثاني : النداء بصفة الرسالة .
البمحث الثالث : النداء بصفات غير ما سبق .
المبحث الرابع : ما ذُكر إنه نداء للرسول وهو ليس نداء .
الفصل الثاني : ما يكون بعد نداء الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام
والمعاني التي تضمنها .
فيه ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : ما يكون بعد النداء في القرآن .
المبحث الثاني : ما يكون بعد نداء النبي عليه الصلاة والسلام في القرآن .
المبحث الثالث : المعاني التي تضمنت آيات النداء للنبي عليه الصلاة والسلام .
الفصل الثالث :خصائص نداء النبي عليه الصلاة والسلام في القرآن الكريم .
فيه ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : نداء النبي عليه الصلاة والسلام بالوصف لا باسمه .
المبحث الثاني : تقيد نداء النبي عليه الصلاة والسلام بـ ( يَا أَيُّهَا )(1/3)
المبحث الثالث : الفرق بين نداء النبي عليه الصلاة والسلام والإخبار عنه .
الخاتمة
المصادر والمراجع.
الفهرس.
وأسال الباري جل وعلا أن يوفقنا لكل خير وان يجعل عملنا خالصاً لوجه سبحانه وتعالى والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله واصحابه أجمعين .
التمهيد : فيه مبحثان:
المبحث الأول :
عظم منزلته عليه الصلاة والسلام عند الله جل وعلا :
لقد أرسل الله سبحانه وتعالى لهذا الأمة أفضل رسله، سيد الأولين والآخرين ،
سيد ولد آدم عليهما الصلاة والسلام ، المبعوث رحمة للعالمين والمخصوص بالشفاعة العظمى يوم القيامة ، أمام الأنبياء وخاتم الرسل عليهم الصلاة والسلام
صاحب الحوض المورود والمقام المحمود ، أرسله الله لينقذ البشرية من ذل العبودية لغيره سبحانه ،ودعوتهم لله الواحد القهار ، والزم سبحانه جميع الخلق بالإيمان به وطاعته واتباع سنته وأثره إلى يوم الحساب .
وقد خصه سبحانه وتعالى بخصائص انفرد بها عليه الصلاة والسلام عن غيره من الأنبياء .
فقد جاء في القرآن الكريم ما يدل على منزلته وعظيم قدره عليه الصلاة والسلام عند ربه سبحانه وتعالى فمن ذلك :
1 ـ إن الله جل وعلا قد أخذ العهد على جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ،إن بعث سبحانه رسول من عنده وهم أحياء أو واحد منهم أن يومنوا بهذا الرسول وان يتبعوه وأن ينصروه ، قال سبحانه وتعالى (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (1) .(1/4)
فقد ذكر الطبري بسنده إلى علي بن أبي طالب قال لم يبعث الله عز وجل نبيا آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في محمد لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ويأمره فيأخذ العهد على قوم (2) .
وقال السدي (لم يبعث الله عز وجل نبيا قط من لدن نوح إلا أخذ ميثاقه ليؤمنن بمحمد ولينصرنه إن خرج وهو حي وإلا أخذ على قومه أن يؤمنوا به ولينصرنه إن خرج وهم أحياء ) (3) .
وقال بعض أهل العلم إنما أخذ الميثاق على النبيين و أممهم فاكتفى بذكر الأنبياء عن ذكر الأمم لأن في أخذ الميثاق على المتبوع دلالة على أخذه على التابع وهذا معنى قول ابن عباس و الزجاج ) (4) .
ــــــــــــــــــــ
(1) سورة آل عمران آية 81
(2) جامع البيان ج 3ص332
(3) جامع البيان ج 3ص332
(4) زاد الميسر ج1 ص415
2 ـ كون النبي عليه الصلاة والسلام نعمة من ربه على العباد فلا هداية لهم إلا على يديه ونعمة الرسول على هذه الأمة من أكبر المنن بل هي أصلها ...الذي جمع الله به جميع المحاسن الموجودة في الرسل. ذكره ابن سعدي ( 1)
يقول سبحانه وتعالى ( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (2) .
ولاشك أن من أعظم النعم على العباد هو تحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى ولا يتم ذلك الإ ببعث رسولا ًمن عند الله يقول قتادة رحمه الله ( من الله عليهم من غير دعوة ولا رغبة من هذه الأمة جعله الله رحمة لهم ليخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط مستقيم ) (3) .(1/5)
ويقول ابن إسحاق لقد من الله عليكم يا أهل الإيمان إذ بعث فيكم رسولا من أنفسكم يتلو عليكم آياته ويزكيكم فيما أخذتم وفيما علمتم ويعلمكم الخير والشر لتعرفوا الخير فتعملوا به والشر فتتقوه ويخبركم برضاه عنكم إذ أطعتموه لتستكثروا من طاعته وتجتنبوا ما سخط منكم من معصيته فتتخلصوا بذلك من نقمته وتدركوا بذلك ثوابه من جنته ) (4) .
3 ـ كذلك الله قد رفع ذكره عليه الصلاة والسلام في بعض العبادات كالأذان
والتشهادة والخطب،والى ذلك يقول الطبري عند قوله (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ)(5)
ورفعنا لك ذكرك فلا أذكر إلا ذكرت معي وذلك قول لا إله إلا الله محمد رسول الله. .....ويذكر عن قتادة قوله ورفعنا لك ذكرك رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي بها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ) . (6)
4 ـ أنه خاتم النبيين وأول المسلمين يقول سبحانه (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (7)
وقال تعالى ( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) . (8)
ــــــــــــــــــــــ
(1) القواعد الحسان ص198
(2) سورة آل عمران آية 164
(3) جامع البيان ج4ص163،الدرالمنثورج2ص367
(4) جامع البيان ج4ص163
(5) سورة الأنشراح آية 4
(6) جامع البيان ج 30 ص235
(7) سورة الأنعام آية 162
(8) سورة الأحزاب آية 40
قال ابن كثير رحمه الله هذه الآية(مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ) نص في أنه لا نبي بعده وإذا كان لا نبي بعده فلا رسول بعده (1)(1/6)
وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله ، إلا موضع لبنة من زاوية ، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ، ويقولون : هلاَ وضعت هذه اللبنة ، قال : فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين ) (2)
5ـ أن الله جل وعلا قد قرن بطاعته طاعة رسوله عليه الصلاة والسلام في آيات كثير من ذلك :
قوله (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) (3)
وقوله (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً)(4)
6ـ جعل اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام موجباً لمحبته الله فقال سبحانه وتعالى( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (5)
7ـ أن الله قد جعل وجوده عليه الصلاة والسلام بين أمته آمنةً لهم من الهلاك
يقول سبحانه (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (6)
8 ـ أن رسالة النبي عليه الصلاة والسلام ليست خاصة لقوم بل هي عامة للناس جميعاً (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً) (7)
9 ـ أن الله قد غفر لرسوله عليه الصلاة والسلام جميع ذنوبه ما تقدم وما تأخر
يقول سبحانه وتعالى (إِنَّافَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً) (8)
ــــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير ابن كثير ج3ص494
(2) صحيح البخاري مع فتح الباري ج 6ص 558، صحيح مسلم ج 15 ص51
(3) تفسير آل عمران آية 32
(4) سورة النساء آية80(1/7)
(5) سورة آل عمران:31
(6) سورة لأنفال آية 33
(7) سورة الفرقان آية1
(8) سورة الفتح آية 2،1
10ـ أن الله لم ينادي نبياه باسمه كمانادى غيره من الأنبياء وإنما ناداه بوصفه
( النبي) أو (الرسول ) ، أو ما كان مشتق من حالته التي كان عليها وهما
( المزمل ) و( المدثر) وهذا موضوع البحث .
11 ـ القسم بحياته عليه الصلاة والسلام ، ولا يعرف هذا لغيره من الأنبياء يقول (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) (1)
وغير ذلك من الحالات التي رفع الله سبحانه وتعالى قدر رسوله عليه الصلاة والسلام .
ـــــــــــــــــــ
(1) سورة الحجرآية72
المبحث الثاني : النداء في القرآن الكريم .
النداء هو الوسيلة للتخاطب بين الناس ، وافتتاح الخطاب بالنداء يدل على
الاعتناء بما سيلقى على المخاطب حتى يهيه لتلقي ما يقال له .
ويعرف النداء بأنه ( هو طلب المتكلم إقبال المخاطب بواسطة أحد حروف النداء
ملفوظاً كان حرف النداء أو ملحوظاً ) (1).
وللنداء حروف ثمانية أعمها يا فإنها تدخل على كل نداء وتتعين في نداء اسم الله تعالى ) (2).
ولهذا كان من خواص الاسم النداء نحو يا (3)
ولهذا قيل لم يأت في القرآن نداء بغير (يا) نحو يا أيها الرسول يا أيها الإنسان
(4)
(يا) تختص دون سواها بأنها هي التي يجوز حذفها مع المنادي عندما لا يكون
هناك مانع من الحذف وهي دون سواها تدخل على اسم الجلال فيقال (يالله) (5) وقد ذكر محمد عضيمة أنه بعد استقراء الآيات التي ورد فيها النداء ظهر له ما يلي :
1ـ نادى الله جميع أنبيائه ورسله بأسمائهم ، ونادى نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بوصفه الشريف (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ )، (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ ) ،
2ـ المنادى المضاف هو أكثر الأنواع في القرآن الكريم ، كقوله تعالى (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) (6).(1/8)
3ـ جاء نداء النكرة المقصودة في بضع مواضع ، كقوله تعالى (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي )(7) وكذلك نداء التشبيه بالمضاف في موضع واحد على الاحتمال وهو قوله تعالى (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)(8)
فإنه محتمل لهما ولغيرهما .
ـــــــــــــــــــ
(1) شرح ابن عقيل ج3 ص16
(2) أوضح المسالك ج4 ص 45 ، الإتقان 1ص527
(3) شرح ابن عقيل ج1 ص21
(4) شرح شذور الذهب ج1 ص198
(5) النداء في اللغة والقرآن ص80
(6) سورة النساء آية171
(7) سورة هود آية 44
(8) سورة يس آية30
4ـ الكثير في القرآن حذف (يا ) النداء مع نداء (رب ) ، وقد ذكرت (يا )في موضعين ،
هما قوله (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً)(1) ، وقوله (و َقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ)0(2)
وحذفت (يا ) في نداء الرب في خمسة وستين موضعاً .
5ـ وقع المنادى بالياء في أثناء الجملة وفي ختامها .
كقوله تعالى (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(3)
وكقوله تعالى (قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ)(4) (5)
ـــــــــــــــــ
(1) سورة الفرقان آية30
(2) سورة الزخرف آية 88
(3) سورة النور آية 31
(4) سورة طه آية 95
(5) دراسات لأسلوب القرآن الكريم ج1ص624
الفصل الأول :أساليب نداءات الله للرسول عليه الصلاة والسلام .
فيه أربعة مباحث :
المبحث الأول : النداء بصفة النبوة .
جاء النداء بصفة النبوة في ثلاث عشرة آية من القرآن:
الآية الأولى :
قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (1)
في هذه الإية نداء للنبي صلى الله عليه وسلم بوصف النبوة وبيان منزلته(1/9)
وعظيم قدره ،واعتناء بمضمون الخطاب ،وما يدل عليه من أوامر وتعاليم عظيمة ، وتخصيص النبي عليه الصلاة والسلام بهذه الكفاية تشريف مقامه بأن الله يكفي الأمة لأجله (2)
ومعنى الآية أن الله سبحانه وتعالى كافيك وحافظك ومؤيدك يا محمد ومؤيد المؤمنين معك فلا تحتاجون إلى أحد (3) .
وهذا القول هو مقتضى كمال الإيمان ، وهو كفاية المولى سبحانه وتعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام وللمؤمنين كذلك ، يقول سبحانه وتعالى (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (4)
فالحسبلة مقتضى التوكل ، وإنما التوكل على الله وحده ،
كما قال سبحانه وتعالى لنبيه عليه الصلاةوالسلام ( قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ)(5)
ولهذا قيل أن سبب النزول لهذا الآية هو أسلم عمر بن الخطاب رضى الله عنه
كما قال ذلك سعيد بن جبير قال: لما أسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة ثم أسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم عمر نزلت
(يا أيها النبي حسبك الله ) (6)
ــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأنفال 64
(2) تفسير التحرير والتنوير ج10 ص65
(3) جامع البيان ج10 ص37 ، تفسير ابن كثير ج2 ص337 ، الجامع لأحكام القرآن القرطبي ج8 ص43، فتح القدير ج2 ص324
(4) سورة آل عمران آية 173
(5) سورة الزمر آية 38
(6) الدر المنثور ج 4 ص101، لباب المنقول ج3ص113
الآية الثانية :
قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ)(1)
في هذه الآية الكريمة تكرار النداء مرة أخرى لنبينا عليه الصلاة والسلام(1/10)
تكريماً له ورفعة لقدره عليه الصلاة والسلام ولعظيم منزلتة ،
ولهذا( بعدما بين كفايته إياهم بالنصر والإمداد أمر بترتيب مبادي نصره وإمداده وتكرير الخطاب على الوجه المذكور لإظهار كمال الاعتناء بشأن المأمور به)(2)
نداء الرب جل وعلا النبي عليه الصلاة والسلام أن يقوم بتحريض المؤمنين على القتال ، ثم وعد الله سبحانه وتعالى المؤمنين أن قاموا بذلك وصبروا في قتال الكفار أن الواحد من المؤمنين يقابل العشرة من الكفار، وذلك متى احتسبوا المؤمنين القتال في سبيل الله سبحانه وتعالى وثبتوا عند لقاء العدو.
وقوله سبحانه (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) أشار لسبب انتصار المؤمنين على الكفار،
وهو أن المؤمنين يقاتلون في سبيل الله احتسابا للأجر وامتثالاً لأمر الله تعالى وطاعته وإعلاء لكلمته سبحانه ، أما الكفار فهم يقاتلون غي سبيل الشيطان ،
فلا يستحقون إلا القهر والخذلان ،(3).
(وقيل أن من لا يؤمن بالله تعالى واليوم الآخر لا يؤمن بالمعاد والسعادة عنده ليست إلا هذه الحياة الدنيا فيشح بها ولا يعرضها للزوال بمزاولة الحروب وإقتحام موارد الخطوب فيميل إلى ما فيه السلامة فيفير فيغلب وأما من إعتقد أن لا سعادة في هذه الحياة الفانية وإنما السعادة هي الحياة الباقية فلا يبالي بهذه الحياة الدنيا )(4) .
وإلى ذلك يشير الإمام الطبري فيقول (أن المشركين قوم يقاتلون على غير رجاء ثواب ولا لطلب أجر ولا احتساب لأنهم لم يفقهوا أن الله موجب لمن قاتل احتسابا وطلب موعودا لله في المعاد ما وعد المجاهدين في سبيله فهم لا يثبتون إذا صدقوا في اللقاء خشية أن يقتلوا فتذهب دنياهم ) . (5)
( قال المفسرون لفظ هذا الكلام لفظ الخبر ومعناه الأمر والمراد يقاتلوا مائتين وكان هذا فرضا في أول الأمر ثم نسخ بقوله تعالى (الآن خفف الله عنكم ففرض على الرجل ) (6)
ــــــــــــــــــ
(1) سورة الأنفال آية 65
(2) تفسير أبي السعود ج4 ص34(1/11)
(3) تفسير البيضاوي ج3 ص120
(4) روح المعاني ج10 ص30
(5) جامع البيان ج 10 ص38
(6) نواسخ القرآن ج 1 ص168، فتح القدير ج2 ص324
وهذا الأمر قد نسخ بالآية التي بعدها فيقول سبحانه وتعالى( الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)(1) .
فقد ثبت عن ابن عباس رضى الله عنه أنه قال لما نزلت (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ)(2) (لأنفال:65)
شق ذلك على المسلمين ، حين فرض عليهم أن لا يفر واحد من عشرة ، فجاء التخفيف ، فقال ( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين ) قال فلما خفف الله عنهم من العدة نقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم ) (3)
ولهذا قيل أن الحكمة في التنصيص على ( العشرين للمائتين والمائة للألف أن سراياه التى كان يبعثها صلى الله عليه وآله وسلم كان لا ينقص عددها عن العشرين ولا يجاوز المائة وقيل في التنصيص فيما بعد ذلك على غلب المائة للمائتين والألف للألفين على أنه بشارة للمسلمين بأن عساكر الإسلام سيجاوز عددها العشرات والمئات إلى الألوف) (4)
ــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأنفال آية 66
(2) سورة الأنفال آية 65
(3) صحيح البخاري مع الفتح ج8 ص311
(4) فتح القدير ج2ص324
الآية الثالثة:(1/12)
قال سبحانه ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (1)(لأنفال:70)
هذه الآية خطاب للنبي عليه الصلاة والسلام بشأن أسرى غزوة بدر أي قل يا محمد لهؤلاء الذين وقعوا في الأسر من الأعداء ، أن كان الله سبحانه تعالى
يعلم في قلوب هؤلاء الأسر الإيمان والإخلاص ، والصدق في دعوى الإيمان .
أن الله سبحانه سوف يعطكم أفضل مما أخد منكم من المال ويمحو عنكم ما حصل لكم من الذنوب ويدخلكم الجنة وهو سبحانه وتعالى واسع المغفرة ، ووسع الرحمة .
وكان مما أسرى يوم بدر العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم ، ولهذا كان سبب نزول الآية هو ما رواه عبدالله بن عباس رضى الله عنهما قال : قوله
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى ) كان العباس أسر يوم بدر فافتدى نفسه بأربعين أوقية من ذهب ، فقال العباس حين نزلت هذه الآية : لقد أعطاني الله خصلتين ، ما أحب أن لي بهما الدنيا ، إني أسرت يوم بدر ففديت نفسي بأربعين أوقية فأتاني أربعين عبداً وأنا أرجو المغفرة التي وعدنا ، (2)
ويقول ابن سعدي رحمه الله تعالى ( وقد أنجز الله سبحانه وتعالى وعده للعباس وغيره ، فحصل له بعد ذلك من المال ، شيئا كثير . حتى إنه مرة ، لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم ، مال كثير ، أتاه العباس ، فأمره أن يأخذ منه بثوبه ، ما يطيق حمله فأخذ منه ، ما كاد أن يعجز عن حمله ) ( 3)
وقد حقق ما وعده فقد ثبت في صحيح البخاري من حديث أنس رضي الله عنه
قال إن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بمال من البحرين ، فجاءه العباس فقال
يا رسول الله أعطني ، فأني فاديت نفسي ،فأديت عقيلاً . فقال خذ فأعطاه في ثوبه)(4)
ــــــــــــــــــ
(1) سورة الأنفال آية 70(1/13)
(2) جامع البيان ج 10 ص 50،49تفسير ابن كثير ج2 ص140،تفسيرالبغوي ج 10 ص263 ، البيضاوي ج3 ص123، لباب المنقول ج1 ص114
(3) تيسير الكريم الرحمن ج3 ص192، تفسير النسفي ج2ص74
(4) صحيح البخاري مع الفتح ج6 ص167
الآية الرابعة:
قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)(1)
في هذه الآية خطاب للنبي عليه الصلاة والسلام بصورة الأمر ، يأمر سبحانه وتعالى نبيه عليه الصلاة والسلام أن يجاهد الكفار والمنافقين مع الغلظة والشدة باليد واللسان ، وعدم اللين معهم ،لان النبي فد عرف عنه الرحمة واللين ،
وهذه هو سبب أمر الله سبحانه وتعالى نبيه بالشدة والغلظة مع الكفار
( وجمع في الآية جهاد هاتين الفئتين لإلقاء الرعب في قلوبهم ، فإن كل واحد
منهم يخشى أن يظهر أمره فيعامل معاملة الكفار والمحاربين ، فيكون ذلك
خاضدا شوكهم ) (2)
قاال الحسن وقتادة ( جاهد الكفار بالسيف والمنافقين بالحدود، أقم حدود الله عليهم) (3)
وقال ابن عباس ( امره الله بجاهد الكفاروالمنافقين باللسان ، وأذهب الرفق عنهم ) (4)
وقيل جاهد الكفار والمنافققين معا باليد واللسان وبكل ما أطاق جهادهم ) (5)
وقال عبد الله بن مسعود في قوله ( جاهد الكفار ولمنافقين) بيده فأن لم يستطع فبلسانه فأن لم يستطع فبقلبه ، فأن لم يستطع فليكفهر في وجهه)(6)
وهو اختيار الطبري رحمه الله .
وقد طرح الإمام الطبري سؤال وعقب عليه بالإجابة فقال رحمه الله
( فإن قال قائل فكيف تركهم صلى الله عليه وسلم مقيمين بين أظهر أصحابه
مع علمه بهم ،(1/14)
قيل إن الله تعالى ذكره إنما أمر بقتال من أظهر منهم كلمة الكفر ثم أقام على إظهاره ما أظهر من ذلك وأما من إذا اطلع عليه منهم أنه تكلم بكلمة الكفر وأخذ بها أنكرها ورجع عنها وقال إني مسلم فإن حكم الله في كل من أظهر الإسلام بلسانه أن يحقن بذلك له دمه وماله وإن كان معتقدا غير ذلك وتوكل هو جل
ـــــــــــــــــــ
(1) سورة التوبة آية 73
(2) تفسير التحرير والتنوير ج10 ص266، 267
(3) جامع البيان ج 10ص184،تفسيرالبغوي ج2ص311، فتح القدير ج2ص382
(4) جامع البيان ج10ص126،تفسير البغوي ج2ص311، تفسير ابن كثير ج2 ص372
(5) جامع البيان ج10 ص183
(6) جامع البيان ج10 ، 184 الدر المنثور ج4 ص239، زاد الميسر ج 2 ص4
ثناؤه بسرائرهم ولم يجعل للخلق البحث عن السرائر فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم مع علمه بهم وإطلاع الله إياه على ضمائرهم واعتقاد صدورهم كان يقرهم بين أظهر الصحابة ولا يسلك بجهادهم مسلك جهاد من قد ناصبه الحرب على الشرك بالله لأن أحدهم كان إذا اطلع عليه أنه قد قال قولا كفر فيه بالله ثم أخذ به أنكره وأظهر الإسلام بلسانه فلم يكن صلى الله عليه وسلم يأخذه إلا بما أظهر له من قوله عند حضوره إياه وعزمه على إمضاء الحكم فيه دون ما سلف من قول كان نطق به قبل ذلك ودون اعتقاد ضميره الذي لم يبح الله لأحد الأخذ به في الحكم وتولى الأخذ به هو دون خلقه
بري ) (1)
وقال عطاء رحمه الله نسخت هذه الآية كل شيئ من العفو والصفح (2)
ــــــــــــــ
(1) جامع البيان ج10 ص184
(2) روح المعاني ج 10 ص138 تفسير البغوي ج2 ص311,تفسير أبي السعودج4ص84، فتح القدير ج2 ص479
الآية الخامسة:
قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً)(1) .(1/15)
في هذه الآية الكريمة نداء للنبي عليه الصلاة والسلام بوصف النبوة وليس بأ سمه الشريف ، وتفخيما ( قال في الكشاف إنه تعالى جعل نداءه من بين الأنبياء عليهم السلام بالوصف كرامة له عليه الصلاة والسلام وتشريفا وربا بمحله وتنويها بفضله )(2)
وهذا هو النداء الأول في هذه السورة الكريمة ،وما بعده من النداءات الأربعة في نفس السورة أنما هي مندرجة أغراضها في هذا الغرض الأساس(3).
هذا النداء فيه أمر ونهي للنبي عليه الصلاة والسلام ، أمر بالتقوى ، ونهي عن طاعة الكفار والمنافقين ،فإن قيل ما الفائدة في أمر الله تعالى رسوله بالتقوى وهو سيد المتقين . قيل المراد أما استدامة ما هو عليه ، أو الإكثار مما هو فيه
أو أنه خطاب ووجه به والمراد أمته .(4)
وأمر الله سبحانه نبيه عليه الصلاة والسلام مانع من طاعة الكفار والمنافقين
ومتابعتهم ، لأنه لا يمكن الجمع بين الأمرين .
وفي الآية ( تنبيه بالأعلى على الأدنى فأنه تعالى إذا كان يأمر عبده ورسوله بهذا فلأن يأتمر من دونه بذلك بطريق الأولى والأحرى )0(5)
ـــــــــــــــــــــ
(1)سورة الأحزاب آية 1
(2) الكشاف ج3ص526
(3) تفسير التحرير والتنوير ج21 ص249
(4) زاد المسيرج6 ص348
(5) تفسير ابن كثير ج3 ص466
الآية السادسة:
قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً)(1)
هذا النداء هو النداء الثاني في هذه السورة ، فالنداء الأول متعلق بذاته وهنا(1/16)
النداء متعلق بأزواجه ، وسبب النداء(حين سألت نساء رسول الله ص شيئا من عرض الدنيا وآذينه بزيادة النفقة فأنزل الله سبحانه هذه الآيات وأمره أن يخيرهن بين الإقامة معه على طلب ما عند الله أو السراح إن أردن الدنيا وهو قوله إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن متعة الطلاق فقرأ عليهن رسول الله ص هذه الآيات فاخترن الآخرة على الدنيا والجنة على الزينة فرفع الله سبحانه درجتهن على سائر النساء)(2)
وجاء عن جابر قال أقبل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والناس ببابه جلوس والنبى صلى الله عليه وآله وسلم جالس فلم يؤذن له ثم أقبل عمر فاستأذن فلم يؤذن له ثم أذن لأبى بكر وعمر فدخلا والنبى صلى الله عليه وآله وسلم جالس وحوله نساؤه وهو ساكت فقال عمرت لأكملن النبى صلى الله عليه وآله وسلم لعله يضحك فقال عمر يا رسول الله لو رأيت ابنة زيد امرأة عمر سألت النفقة آنفا فوجأت فى عنقها فضحك النبى صلى الله عليه وآله وسلم حتى بدت نواجذه وقال هن حولى يسألننى النفقة فقام أبو بكر إلي عائشة ليضربها وقام عمر إلى حفصة كلاهما يقولان تسألان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما ليس عنده فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلن نساؤه والله لا نسأل رسول الله بعد هذا المجلس ماليس عنده وأنزل الله الخيار فنادى بعائشة فقال إنى ذاكر لك أمرا ما أحب أن تعجلي فيه حتى تستأمرى أبويك قالت ما هو فتلا عليها يا أيها النبى قل لأزواجك الاية قالت عائشة أفيك أستأمر أبوى بل أختار الله رسوله وأسالك أن لا تذكر لنسائك ما اخترت فقال إن الله لن يبعثني معلما مبشرا لا تسألني امرأة منهن عما اخترت إلا أخبرتها (3)(1/17)
وجاء في الصحيحين عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاءها حين أمره الله أن يخير أزواجه قالت فبدأ بى فقال إنى ذاكر لك أمر فلا عليك أن لا تستعجلى حتى تستأمرى أبويك وقد علم أن أبوى لم يكونا يأمرانى بفراقه فقال إن الله قال يا أيها النبى قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا إلى تمام
الاية فقلت له ففى أى هذا أستأمر أبوى فإنى أريد الله ورسوله والدار الآخرة
ـــــــــــــ
(1) سورة الأحزاب آية28
(2) تفسير الوحداي ج2ص864
(3) صحيح مسلم كتاب الطلاق ج10 ص 78
وفعل أزواج النبى صلى الله عليه وآله وسلم مثل مافعلت) (1)
ولهذا لما أخترن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ، النبي عليه الصلاة والسلام حصل لهن ثلاثة أشياء أحدها التفضيل على سائر النساء بقوله لستن كأحد من النساء والثاني أن جعلهن امهات المؤمنين والثالث أن حظر عليه طلاقهن والاستبدال بهن بقوله لا يحل لك النساء من بعد الأحزاب ) (2)
فقد خير النبي صلى الله عليه وسلم نساءه بأمر الله له أن يقول ( إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) أي السعة والتنعيم فيها (وَزِينَتَهَا ) أي زخرفها ومباهجها ، (فَتَعَالَيْن)َ أقبلن بإرادتكن واختياركن (أُمَتِّعْكُنَّ) أعطكن متعة الطلاق (وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً) التسريح هو الطلاق (جَمِيلاً) أي حسن كثير بأن يكون طلاق مشروع لاضرر فيه. (3)
وفي تقديم التمتيع على التسريح مع أنه في الواقع بعده ، ما يدل على كرمه عليه الصلاة والسلام وحسن خلقه ، وفي ذلك إيناس لهن وقطع لمعاذيرهن
من أول الأمر ، حيث سألنه ثياب الزينة وزيادة النفقة وتوسعة الحال (4)
وقد حصل لهن الخير الكثير عندما أخترن الرسول صلى الله عليه وسلم
من ذلك : إظهار رفعتهن ،وعلو درجتهن وبيان علو هممهن ، أن كان الله ورسوله ن مرادهن ومقصودهن ، دون الدنيا وحطامها .(1/18)
وكذلك سببا لزيادة أجرهن ومضاعفته وأن يكن بمرتبة ، ليس فيها أحد من النساء (5)
ــــــــــــــــــــــــ
(1)صحيح البخاري مع الفتح ج8ص519، مسلم كتاب الطلاق ج10 ص78 سنن الترمذي ج5ص327
(2) زاد المسير ج 3 ص378
(3) روح المعاني ج21 ص181، تفسير أبي السعود ج7 ص109
(4)روح المعاني ج21 ص181، تفسير البيضاوي ج4 ص372
(5) تفسير ابن سعدي ج6 ص216
الآية السابعة:
قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً* وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً) (1)
هذا النداء في هذه السورة الكريمة هو النداء الثالث ، حيث النداء الأول متعلق بذاته الشريفة ، والنداء الثاني متعلق بأزواجه ، والنداء هنا متعلق برسالة العظيمة ، فقد ذكر الله سبحانه وتعالى هنا خمسة أصاف لنبينه عليه الصلاة والسلام ،هي : شاهد،ومبشر ، ونذير، وداع إلى الله ، وسراج منير ، فهذه الأوصاف تنطبق على من يقوم بالرسالة ،وعليها تقوم الدعوة إلى الإسلام ،
الوصف الأول : أنه عليه الصلاة والسلام شاهد على هذه الأمة وعلى الأمم السابقة وهو شاهد عليه الصلاة والسلام على العباد يوم الحساب وعلى ما فعلوا في الدنيا من أعمال كما قال سبحانه (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً)(2)
الوصف الثاني والثالث : أنه مبشر للمؤمنين بجنات النعيم ونذير للكفار، وتركيب هذه الآية بانه مبشر ثم هو نذير تريب جميل فأن الأنسان لا يعاقب الابعد البلاغ وفيه البشارة بالجنة والنذا رة من النار وقدم التبشير على الإنذار لشرف المبشرين وعظيم أجرهم وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام رحمة للعالمين الوصف الرابع : أنه داعية للناس الى توحيد الله وطاعته وعبادته والأخلاص
له سبحانه وتعالى بأمر من الله والتحذر من المخالفة له سبحانه وتعالى(1/19)
( وداعيا إلى توحيد الله وإفراد الألوهة له وإخلاص الطاعة لوجهه دون كل من سواه من الآلهة والأوثان ) (3)
الوصف الخامس : أنه سراج وهذا السراج مقيد أنه منير ، أي ينير لمن أراد الضياء،وهذه النور هو ما أرسله به سبحانه من الهدى والحق ، فمن أتبعه من أمته فله الخير في الدنيا والأخرة ولهذه معناه ( وضياء لخلقه يستضيء بالنور الذي أتيتهم به من عند الله عباده منيرا ) (4)
ولهذا قال قتادة رضي الله عنه في قوله ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً) قال على أمتك بالبلاغ ( وَمُبَشِّراً) بالجنة (وَنَذِيرا) من النار(وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ) إلى الشهادة أن لا إله إلا الله (بِإِذْنِهِ) قال بأمره (وَسِرَاجاً مُنِيراً) قال كتاب الله يدعوهم اليه ) (5)
ــــــــــــــ
(1) سورة الأحزاب آية 46،45
(2) سورة النساء آية41
(3) جامع البيان ج22 ص18
(4) جامع البيان ج22 ص18، تفسيرالبغوي ج 3 ص535
(5) الدر المنثور ج6 ص625
وقيل (وَسِرَاجاً)أي هاديا من ظلم الضلالة وأنت كالمصباح المضيء ووصفه بالإنارة لأن من السرج مالايضيء إذا قل سليطه ودقت فتيلته وفي كلام بعضهم ثلاثة تضني رسول بطيء وسراج لا يضيء )(1)
ولهذا ثبت في صحيح البخاري من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما
قال إن هذه الآية التي في القرآن (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ) في التوراة يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً
وحرزاً للأميين ، أنت عبدي ورسولي ، سميتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ
ولا سخاب بالأسواق ولا يدفع السيئة بالسيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، ولنن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء ،بأن يقولوا لا إله إلاالله ، فيفتح به أعيناً عمياً ، وآذاناً صماً ، وقلوباً غلفاً . (2)
ــــــــــــــــــــ
(1) الجامع لأحكام القرآن ج14 ص201
(2) صحيح البخاري مع الفتح ج8ص585
الآية الثامنة :(1/20)
قال تعالى( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)(1)
هذا النداء الرابع في هذه السورة ، وذلك في شأن ما أحل له من الزوجات والسراري ، وبيان ما هو خاص له عليه الصلاة والسلام ، وما هو له ولأمته ،
فقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ )
فيه بيان للنبي أن الله قد أحل له جميع النساء اللاتي تزوجهن بمهر معروف
وهذا من الأمور المشتركة بين النبي وبين المؤمنين ، فإن المؤمنين يباح لهم من الزوجات إذ أعطهن المهر .
وقيل أن المراد أحللنا لك أزواجك الكائنات عندك لأنهن قد اخترنك على الدنيا وزينتها وهذا الذي أختاره الشوكاني (2)
وقوله (وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ) هذا من الأصناف التي مما أحل للنبي وهن النساء اللاتي تملكهن في الحرب ، وإنما قيدهن بطريق الغنائم لأنهن أفضل من اللاتي يملكهن بالشراء .
وقوله تعالى (وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ) كذلك مما أحل للنبي القريبات له من بنات الأعمام والعمات ، والأخوال والخالات بشرط الهجرة معه عليه الصلاة والسلام .(1/21)
وقال ابن كثير ( هذا عدل وسط بين الإفراط والتفريط فان النصارى لا يتزوجون المرأة إلا إذا كان الرجل بينه وبينها سبعة أجداد فصاعدا واليهود يتزوج أحدهم بنت أخيه وبنت أخته فجاءت هذه الشريعة الكاملة الطاهرة بهدم إفراط النصارى فأباح بنت العم والعمة وبنت الخال والخالة وتحريم مافرطت فيه اليهود من إباحة بنت الأخ والأخت وهذا شنيع فظيع )(3)
وقوله (َ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ)كذلك مما أحل للنبي النساء المؤمنات الصالحات اللواتي وهبن أنفسهن للنبي .
قوله تعالى (إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)
المقصود أن المرآة التي قد وهبت نفسها ، ولم يعطيها النبي مهر أن هذا خاص بالنبي وليس عام للمؤمنين فلا بد في نكاح المؤمنين من المهر
ــــــــــــــ
(1) سورة الأحزاب آية50
(2) فتح القدير ج4 ص291
(3) تفسير ابن كثير ج3 ص499
وقوله تعالى( قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ )
أي قد علمنا ما فرض على المؤمنين من مهر والنفقة والشهود في عقد النكاح وعدم التجاوز عن أربع نساء ، بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم ،
وقوله (أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً )المراد حتى لا يحصل مشقة وتضيق على النبي ،وختمت الآية بأن الله واسع المغفرة كثير الرحمة
وجاء في سبب نزول هذه الآية قول أم هانيء بنت أبي طالب قالت خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه فعذرني ، ثم أنزل الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ...... ) الآية قالت فلم أكن أحلله لأني لم أهاجر ، كنت من الطلقاء )(1) قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح
ــــــــــــــ
(1) سنن الترمذي ج 5 ص331
الآية التاسعة :(1/22)
قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (1)
هذا النداء الخامس والأخير في هذه السورة الكريمة ،و تسمى أية الحجاب فيه أمر من الله للنبي عليه الصلاة والسلام ، أن يأمر زوجاته وبناته وجميع نساء المؤمنين بالستر والعفاف عن الرجال ، والذي لا يحصل ذلك الإ بالحجاب .
فقوله (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ) أي تسدل المرآة على وجهها الحجاب
فقوله ( ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ ) أيذلك أقرب أن يعرفن ويميزن
لتسترهن بالحجاب والعفة ، فلا يتعرض لهن أحد ولا يلقين ما يكرهن ، لأن المرأة إذا لم يقدم عليها فاسق ، بخلاف المتبرجة ،فإنه مطموع فيها
وقد كان من المؤمنات الامتثال والانقياد لأمر الله والاستجابة له سبحانه وتعالى ولرسوله عليه الصلاة والسلام ،فتقول عائشة رضي الله عنها ( رحم الله نساء الأنصار،لما نزلت (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ ....) شققن مروطهن فاعتجرن بها ، فصلين خلف رسول الله عليه الصلاة والسلام كأ نما على رؤوسهن الغربان)(2)
وأخرج والبخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت خرجت سودة رضي الله عنها بعد ما ضرب الحجاب لحاجتها وكانت امرأة جسيمة لا تخفي على من يعرفها فرآها عمر رضي الله عنه فقال يا سودة انك والله ما تخفين علينا فانظري كيف تخرجين فانكفأت راجعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي وانه ليتعشى وفي يده عرق فدخلت وقالت يا رسول الله اني خرجت لبعض حاجتي فقال لي عمر رضي الله عنه كذا كذا فأوحى اليه ثم رفع عنه وان العرق في يده فقال انه قد أذن لكن ان تخرجن لحاجتكن ) (3)
)(1/23)
قال السدي في قوله تعالى ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) قال كان ناس من فساق أهل المدينة يخرجون بالليل حين يختلط الظلام إلى طرق المدينة فيعرضون للنساء وكانت مساكن أهل المدينة ضيقة فإذا كان الليل خرج النساء إلى الطرق يقضين حاجتهن فكان أولئك الفساق يبتغون ذلك منهن فإذا رأوا المرأة عليها جلباب قالوا هذه حرة فكفوا عنها وإذا رأو المرأة ليس عليها جلباب قالوا هذه أمة فوثبوا عليها ) (4)
ـــــــــــــــ
(1) سورة الأحزاب آية59
(2) الدر النثور ج 6 ص660عون المعبود شرح سنن أبي داود ج11 ص106
(3) صحيح البخاري مع الفتح ج8 ص528 ومسلم كتاب السلام ج14 ص150
(4) تفسير ابن كثير ج3 ص519
الآية العاشرة :
قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرُجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(1)
هذا نداء للنبي عليه الصلاة والسلام إذا جاءه النساء المؤمنات للبيعة على هذه الأمور الستة ،وهي الإشراك بالله سبحانه وتعالى ، وعدم السرقة ، و عدم فعل الزنا ، وعدم قتل أولادهن خوف من الفقر ، ولا يدفن البنات خشية العار ، ولا تنسب إلى زوجها ولداً لقيطاً ليس منه ، ولايخالفن أمرك فيما أمرتهن به من معروف ، أو نهيتمن عنه من المنكر ، بل يسمعن ويطعن ، فأذا حصل هذه الشروط الستة ، فبايعهن وأطلب لهن من الله الصفح والغفران لما شلف من الذنوب ، وكانت هذه البيعة في ثاني يوم الفتح على جبل الصفا وذلك لما فرغ من بيعة الرجال أخد في بيعة النساء ، وبيعة النساء تكون باللسان ،(1/24)
فقوله (فَبَايِعْهُنَّ) هذا جواب (إذا ) والمعنى إذا بايعنك على هذه الأمور فبايعهن
وقد خصت هذه الأمور المذكور في هذه الآية لكثرة وقوعها في النساء .
والتقييد بالمعروف في هذه الآية مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأمر إلا به تنبيه على أنه لا يجوز طاعة مخلوق في معصية الخالق.
ولهذا قال المفسرون ( لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة جاءته النساء يبايعنه فنزلت هذه الآية وشرط في مبايعتهن الشرائط المذكورة في الآية فبايعهن وهو على الصفا فلما قال ولا يزنين قالت هند ( بنت عتبة) أوتزني الحرة فقال ولا يقتلن أولادهن فقال ربيناهم صغارا فقتلتموهم كبارا فأنتم وهم أعل ) (2)
ولهذا جاء عن أميمة بنت رقيقة أنها قالت ( دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة ، فقلن : يارسول الله ابسط يدك نصافحك ، فقال : إني
لا أصافح النساء ، ولكن سآخذ عليكن ، فأخذ علينا حتى بلغ (وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ )فقال : فيما أطقتن واستطعتن ، فقال : الله ورسوله أرحم بنا
من أنفسنا ) (3))
ـــــــــــــــ
(1) سورة الممتحنة آية12
(2) زاد المسير ج8 ص244 ، تفسير البغوي 4 ص335
(3) جامع البيان ج 28 ص79 ، الدرالمنثور ج8 ص138(1/25)
وذكر الطبري بسنده إلى ابن عباس قال كانت محنة النساء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال قل لهن إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا وكانت هند بنت عتبة بن ربيعة التي شقت بطن حمزة رحمة الله عليه متنكرة في النساء فقالت إني إن أتكلم يعرفني وإن عرفني قتلني وإنما تنكرت فرقا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت النسوة اللاتي مع هند وأبين أن يتكلمن قالت هند وهي متنكرة وكيف يقبل من النساء شيئا لم يقبله من الرجال فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لعمر قل لهن ولا يسرقن قالت هند والله إني لأصيب من أبى سفيان الهات وما أدري أيحلهن لي أم لا قال أبو سفيان ما أصبت من شيء مضى أو قد بقي فهو لك حلال فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها فدعاها فأتته فأخذت بيده فعاذت به فقال أنت هند فقالت عفا الله عما سلف فصرف عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ولا يزنين فقالت يا رسول الله وهل تزني الحرة قال لا والله ما تزني الحرة قال ولا يقتلن أولادهن قالت هند أنت قتلتهم يوم بدر فأنت وهم أبصر قال ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف قال منعهن أن ينحن وكان أهل الجاهلية يمزقن الثياب ويخدشن الوجوه ويقطعن الشعور ويدعون بالثبور والويل )
(1)
وجاء عن عروة أن عائشة زوج النبي أخبرته أن رسول الله كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية بقول الله يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك إلى قوله غفور رحيم قال عروة قالت عائشة فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله قد بايعتك كلاما ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة ما يبايعهن إلا بقوله قد بايعتك على ذلك )(2)
ـــــــــــــــــ
(1) جامع البيان ج28 ص78
(2) صحيح البخاري مع الفتح ج8 ص636، صحيح مسلم ج13 ص10
الآية الحادية عشر :(1/26)
قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً)(1)
في هذا الخطاب نداء للنبي عليه الصلاة والسلام ، ولأمتة في شأن الطلاق ، أي إذا أراد الإنسان أن يطلق ، أن يكون طلاقه مشروع في الإسلام ، والطلاق المشروع هو الذي يكون في حال طهر لم يجامع فيه ، أو وهي حامل ، هذا طلاق السنة ، أما الطلاق الغير مشروع فهو الطلاق البدعي وهو أن يطلقها
وهي في حال الحيض ، أو في طهر قد جامع فيه . ثم أمر سبحانه وتعالى بإحصاء العدة وذلك إما بالأشهر أن كانت تحيض ، أو بوضع الحمل أن كانت حامل ،ثم أمر سبحانه بعدم إخراج المرآة من بيتها وقت العدة إذا كان الطلاق رجعي ، بل تمكث في بيت زوجها ، ويلزم الزوج بالنفقة عليها ، فإن لها الحق على زوجها في النفقة والسكنى ، إلا إذا حصل منها فاحشة مبينة موجب لإخراجها ، وفيه بيان أنه لا يجوز خروج المرأة من بيت الزوج في حال الطلاق الإ أذا حصل منها فاحشة ، وقد ذكر في سبب نزول هذا الآية ، ما جاء في الصحيحين (عن عبد الله بن عمر أخبره أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر عمر لرسول الله فتغيظ فيه رسول الله ثم قال ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها فتلك العدة كما أمره الله) (2)(1/27)
وقيل أن سبب نزول الآية هو ما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ( طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة رضي الله عنها ، فأتت أهلها ن فانزل الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) فقيل له راجعها فإنها صوامة قوامة ، وهي من أزواجك ونسائك في الجنة )(3
ــــــــــــــ
(1) سورة الطلاق آية1
(2) صحيح البخاري مع الفتح ج8 ص653
(3) زاد المسير ج8 ص187 ، الدر المنثور ج8ص189 ، جامع البيان ج 28 ص132، تفسير ابن كثير ج4 ص403
الآية الثانية عشرة :
قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (1)
في هذا النداء خطاب للنبي عليه الصلاة والسلام ، وذلك عندما حرم عليه الصلاة والسلام على نفسه زوجاته ، ولهذا كان سبب نزول هذه الآية ما جاء عن
عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله يشرب عسلا عند زينب بنت جحش ويمكث عندها فواطيت أنا وحفصة على أيتنا دخل عليها فلتقل له أكلت مغافير إني أجد منك ريح مغافير قال لا ولكني كنت أشرب عسلا عند زينب بنت جحش فلن أعود له وقد حلفت لا تخبري بذلك أحداً ) (2)
وقد ذهب ابن كثير إلى أن هذا السبب هو الصحيح (3)
وقيل أن سبب نزول الآية هو ما جاء من تحريم النبي صلى الله عليه وسلم
على نفسه وطء جاريته مارية القطبية ورجح الثعالبي هذا القول (4) وذلك كما في حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها ،فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرمها ، فأنزل الله عز وجل ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ) (5)(1/28)
وذهب الطبري إلى الجمع بين السببين فقال ( الصواب من القول في ذلك أن يقال كان الذي حرمه النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه شيئا كان الله قد أحله له وجائز أن يكون ذلك كان جاريته وجائز أن يكون كان شرابا من الأشربة وجائز أن يكون كان غير ذلك غير أنه أي ذلك كان فإنه كان تحريم شيء كان له حلالا فعاتبه الله على تحريمه على نفسه ما كان له قد أحله وبين له تحلة يمينه كان حلف بها مع تحريمه ما حرم على نفسه )(6)
وقال ابن حجر يحتمل أن تكون الآية نزلت في السببين معا ) (7)
و قال النووي في شرح مسلم الصحيح أن الآية في قصة العسل لا في قصة مارية المروي في غير الصحيحين ولم تأت قصة مارية في طريق صحيح (8)
ـــــــــــــــــــ
(1)سورة التحريم آية1
(2) صحيح البخاري مع الفتح ج8 ص656 كتاب التفسير، مسلم كتاب الطلاق ج10 ص73
(3) تفسير ابن كثير ج4 ص388
(4) تفسير الثعالبي ج4 ص314
(5) لباب المنقول ص217 ، المستدرك للحاكم كتاب التفسير ج2 ص493
(6) جامع البيان ج18 ص158
(7) فتح الباري مع صحيح البخاري ج8 ص657
(8) شرح النووي على صحيح مسلم ج10 ص77
الآية الثالثة عشرة :
قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (1)
هذا النداء سبق عليه الكلام كما في سورة التوبة،ومناسبته للذي قبله في أول السورة ، أن هذا النداء الثاني للنبي صلى الله عليه وسلم يأمره بإقامة صلاح عموم الأمة بتطهيرها من الخبثاء والمنافقين بعد أن أمره بإفاقة من عليهما الغفلة عن شيء من واجب حسن المعاشرة مع الزوج (1)
ــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة التحريم آية9
(2) تفسير التحرير والتنوير ج28 ص347
المبحث الثاني : النداء بصفة الرسالة .
جاء النداء بصفة الرسالة في آيتين :
الآية الأولى :(1/29)
(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
(1)
في هذه الآية نداء من الله عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام بوصف الرسالة
تشريفاً له ورفعة لمكانته وبيانا لعلو قدره ،عن الحزن والأسى على كفر هذه الطائفتين (2) ، المنافقين الذين قال فهم(لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ )المقصود هو أظهر الإيمان وأبطن الكفر ، فإن الإيمان
إذا خالطت بشاشته القلوب لم يعدل به صاحبه غيره ،
وقوله سبحانه وتعالى(ْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ) المقصود هنا اليهود (3)
المستجيبن والمقلدون لرؤسائهم في الكذب والضلال والبغي والعناء ، وهؤلاء
الرؤساء والأئمة المتبعون الذين أعرضوا عن الرسول ، وفرحوا بما عندهم من الباطل ، الذين يحرفون الكلام ويبدلونه على غير الوجه الصحيح ، فهم يقولون
بعضهم لبعض إن حكم لكم محمد بهذا الحكم الذي يوافق هواكم فاقبلوا الحكم ،
وإن لم يحكم لكم به فاحذروا أن تتابعوه على ذلك .
وسبب نزول هذه الآية هو ما روى مسلم في صحيحه عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال ( مُرً على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمماً مجلوداً(1/30)
فدعاهم صلى الله عليه وسلم فقال هكذا تجدون الزاني في كتابكم قالوا نعم ، فدعا رجلاً من علمائهم فقال أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا
تجدون حد الزاني في كتابكم قال لا ، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك ، نجده
الرجم ، ولكنه كثر في أشرافنا ، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه ، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا الحد ، قلنا تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه ، فأمر به فرجم )
ــــــــــــ
(1)سورة المائدة آية 41
(2)فتح القدير ج2ص53
(3)الدر المنثور ج3ص74 ، جامع البيان ج6ص234
فأنزل الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ) إلى قوله (إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ ) يقول ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه ، وإن أفتاكم بالرجم فا حذروا
فأنزل الله تعالى (ً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)(1)
( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(2)
( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(3) في الكفار كلها )(4)
وقد ذهب ابن كثير أن سبب نزول هذه الآية هو ما جاء في الحديث السابق(5)
ـــــــــــــــــــ
(1)سورة المائدة آية 44
(2)سورة المائدة آية 45
(3)سورة المائدة آية 46
(4)صحيح مسلم كتاب الحدود حد الزنا ج11ص209
(5)تفسير ابن كثير ج2ص59
الآية الثانية :
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (1)(1/31)
في هذه الآية نداء لنبينا عليه الصلاة والسلام بوصف الرسالة (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ) ثم أمره بتبليغ ما أنزل إليه ، فكان النداء بهذا الوصف في غاية المناسبة ، حيث اصطفاه الله عز وجل وشرفه وأعلى قدره ، وحمله تبليغ هذا الدين ودعوة الناس إليه ، وإذا لم يقم الرسول بهذه المهمة وهي التبليغ ، لم يكن مبلغاً عليه الصلاة والسلام ، ثم عقب سبحانه وتعالى أنه حفظ رسوله عليه الصلاة والسلام
فقال (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) يقول ابن عاشور ولهذا الوصف في هذا الخطاب الثاني ( لأن الخطاب الأول هو قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ...) ) موقع زائد على موقعه في الخطاب الول وهو ما فيه من الإيماء إلى وجه بناء الكلام الآتي بعده وهو قوله تعالى (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) كما قال تعالى (مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ )(2) فكما ثبت جنانه بالخطاب الأول أن يهتم بمكائد أعدائه ، حذر بالخطاب الثاني من ملا يئتهم في إبلاغهم قوارع القرآن ، أو من خشيته إعراضهم عنه إذا أنزل من القرآن في شانهم ، إذ لعله يزيدهم عنادا وكفرا(3)
ولهذا جاء في سبب نزول هذه الآية ما ثبت في صحيح البخاري عن عائشة قالت من حدثك أن محمدا كتم شيئا مما أنزل عليه فقد كذب والله يقول يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الآية) (4)
وظاهر الآية يوجب تبليغ كل ما أنزل ولعل المراد به تبليغ ما يتعلق به مصالح العباد وقصد بإنزاله إطلاعهم عليه فإن من الأسرار الإلهية ما يحرم إفشاؤه )
(5)(1/32)
وقيل أن سبب نزول ألاية هو ما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقلت ما شأنك قال ألا رجل صالح يحرسني الليلة فبينما نحن في ذلك إذ سمعت صوت السلاح فقال من هذا فقال سعد وحذيفة جئنا نحرسك فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطه فنزلت والله يعصمك من الناس فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من قبة أدم وقال انصرفوا أيها الناس فقد عصمني الله تعالى )(6)
ـــــــــــــــ
(1) سورة المائدة آية 67
(2) سورة المائدة آية 99
(3) تفسير التحرير والتنوير ج6ص257
(4) صحيح البخاري مع الفتح ج8ص275
(5) تفسير البيضاوي ج2ص348
(6)زاد المسير ج2ص396، سنن الترمذي ج2حديث3046،تفسير البغوي ج6ص52،المستدرك للحاكم ج2ص313،جامع البيان ج6ص308
البمحث الثالث : النداء بصفات غير ما سبق .
جاء ذلك في آيتين من كتاب الله سبحانه وتعالى
الآية الأولى :
قال تعالى (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) (1)
هذا خطاب للنبي عليه الصلاة والسلام تنبيهاً له وإعلاماً بأهمية وعظم شأن ما سيوجه إليه ويكلف القيام به ، وهو أمر من الله سبحانه وتعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام أن يترك التزمل وهو التغطي والتلفف .ولهذه قال اللغويون المزمل المتلف في ثيابه واصله المتزمل فأدغمت التاء في الزاي فثقلت وكل من التف بثوبه فقد تزمل )(2) وعلى هذا ( لم يخاطب بالنبي والرسول هنا لأنه لم يكن قد بلغ وإنما كان في بدء الوحي )(3)
وقيل خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم تهجينا لما كان عليه من الحالة حيث كان عليه الصلاة والسلام متلففاً بقطيفة مستعداً للنوم كما يفعله من لا يهمه أمر ولايعنيه شأن فأمر بأن يترك التزمل إلى التشمير للعبادة ) (4)(1/33)
وهذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم في أول الوحي قبل تبليغ الرسالة ثم خوطب عبد بالنبي والرسول )(5) و المزمل اسم مشتق من حالته التي كان عليها حين الخطاب . ونداؤه عليه الصلاة والسلام بهذا الوصف ((يَا أَيُّهَاالْمُزَّمِّلُ) في هذا المقام يراد به تأنيسه وملاطفته والتودد إليه ، وقد يعدل عن نداء الشخص باسمه إلى صفة متلبس بها إيناساً وملاطفة له لنفسه للقيام بمهمة يكلف بها ،كقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي حين غاضب فاطمة رضي الله عنهما فأتاه وهو نائم وقد لصق بجنبه التراب فقال له قم ياأبا تراب(6)
وكذلك قوله عليه السلام لحذيفة قم يا نومان (7)
وقال السهيلي ليس المزمل باسم من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعرف به كما ذهب إليه بعض الناس وعدوه في أسمائه عليه السلام...... وفي خطابه بهذا الاسم فائدتان إحداهما الملاطفة فإن العرب إذا قصدت ملاطفة المخاطب وترك المعاتبة سموه باسم مشتق من حالته التي هو عليها كقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي حين غاضب فاطمة رضي الله عنهما فأتاه وهو نائم وقد لصق بجنبه التراب فقال له قم ياأبا تراب إشعارا له أنه غير عاتب عليه
ــــــــــــــ
سورة المزمل آية 1
زاد المسير ج8ص388
زاد المسير ج8ص388
تفسير أبي السعود ج9ص49
تفسير البغوي ج4ص406
صحيح البخاري مع الفتح ج7ص70
صحيح مسلم كتاب الجهاد ج 12ص 146
وملاطفة له وكذلك قوله عليه السلام لحذيفة قم يا نومان وكان نائما ملاطفة له وإشعارا لترك العتب والتأنيب فقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم يأيها المزمل قم فيه تأنيس وملاطفة ليستشعر أنه غير عاتب عليه
والفائدة الثانية التنبيه لكل متزمل راقد ليله ليتنبه إلى قيام الليل وذكر الله تعالى فيه لأن الاسم المشتق من الفعل يشترك فيه مع المخاطب كل من عمل ذلك العمل واتصف بتلك الصفة ) (1)(1/34)
وقيل أن الأصل في النداء أن يكون باسم المنادى العلم إذا كان معروفاً عند المتكلم ، فلا يعدل من الاسم العلم إلى غيره من وصف أوإضافة إلا لغرض
يقصده البلغاء ، من تعظيم أو تكريم نحو (يَا أَيُّهَا النَّبِي) ، أو تلطف وتقرب نحو يابني وياأبت ، أو قصد تهكم نحو (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) (2) ، .....فنداء النبي بـ (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) نداء تلطف وارتفاق ) (3)
ـــــــــــــــــــ
(1) الجامع لأحكام القرآن ج19 ص33، تفسير الثعالبي ج4ص 351
(2) سورة الحجر آية 6
(3) تفسير التحرير والتنوير ج29ص255
الآية الثانية :
قال تعالى (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) (1)
في هذه الآية خطاب للنبي عليه الصلاة والسلام بوصف مشتق من حاله التي كان عليها ، تانيساً له وملاطفة في الخطاب معه ، ولم يناد ياسمه ليستشعر
اللطف والتكريم من ربه جل وعلا.
وقيل أول ما نزل للرسالة يأيها المدثر وللنبوة اقرأ باسم ربك فإن العلماء قالوا قوله تعالى اقرأ باسم ربك دال على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لأن النبوة عبارة عن الوحى إلى الشخص على لسان الملك بتكليف خاص وقوله تعالى يأيها المدثر قم فأنذر دليل على رسالته صلى الله عليه وسلم لأنها عبارة عن الوحى إلى الشخص على لسان الملك بتكليف عام ) (2)
قال عكرمة (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّربالنبوة وأثقالها (3)(1/35)
وسبب نزول هذه الآية هو ما ثبت في الصحيحين عن يحيى بن أبي كثير سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن قال يا أيها المدثر قلت يقولون اقرأ باسم ربك الذي خلق فقال أبو سلمة سألت جابر بن عبد الله عن ذلك وقلت له مثل الذي قلت فقال جابر لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله قال جاورت بحراء فلما قضيت جواري هبطت فنوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ونظرت أمامي فلم أر شيئا ونظرت خلفي فلم أر شيئا فرفعت رأسي فرأيت شيئا فأتيت خديجة فقلت دثروني وصبوا علي ماء باردا قال فدثروني وصبوا علي ماء باردا قال فنزلت يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر )(4)
في هذه الآية نودي النبي صلى الله عليه وسلم بوصف مشتق من حاله التي كان عليها ، تأنيساً له وملاطفة له في الخطاب ، ولم يناد باسمه ليستشعر اللطف والتكريم من ربه (5)
ــــــــــــــــــــــ
(1)سورة المدثر آية 1
(2)البرهان في علوم القرآن ج1ص208
(3) فتح القدير ج5ص324
(4) صحيح البخاري ج8 ص676،صحيح مسلم ج2ص207
(5) الجامع لأحكام القرآن ج19 ص61،تفسير التحرير والتنويرج29ص294
المبحث الرابع : ما ذُكر إنه نداء للنبي عليه الصلاة والسلام وهو ليس بنداء .
ذكر بعض العلماء إن هناك نداءات للنبي عليه الصلاة والسلام بغير وصف قال تعالى (طه *مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى*إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى)(1)
حيث ذهب البعض من المفسرين(2) إلى أن (طه)اسم للنبي عليه الصلاة والسلام ويقول الطبري(والذي هو أولى بالصواب عندي من الأقوال فيه قول من قال معناه يا رجل لأنها كلمة معروفة في عك فيما بلغني وأن معناها فيهم يا رجل(3)
وكذلك قوله تعالى ( يس) قيل المقصود هو النبي عليه الصلاة والسلام ذكره ابن الحنفية والضحاك (4)
وقال سعيد بن جبير هو اسم من أسماء النبي عليه الصلاة والسلام(5)(1/36)
والذي يظهر من كلام المفسرين أن ( طه ) و( يس) من الحروف المقطعة (6) التي استأثر الله بعلمها وليست أسمين للنبي عليه الصلاة والسلام يقول ابن القيم
(وأما ما يذكره العوام أن يس وطه من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم فغير
صحيح ، ليس ذلك في حديث صحيح ولا حسن ولامرسل ، ولاأثر عن صحابي ، وإنما هذه الحروف مثل : الم وحم والر ، ونحوها ) (7) تحفة الودود بأحكام المولود ص80 تفسير التحرير والتنوير ج16 ص183
ـــــــــــــــ
(1)سورة طه آية 1_3
(2)الجامع لأحكام القرآن ج11ص166،فتح القدير ج3ص355،
تفسيرالتحرير والتنوير ج16ص183،تفسير الثعالبي ج3ص32
(3)جامع البيان ج16 ص136
(4)زاد المسير ج7 ص3
(5)فتح القدير ج4ص359
(6)جامع البيان ج16ص103،روح المعاني ج16 ص183
(7)تحفة المودود بأحكام المولود ص80 ،تفسير التحرير والتنوير ج16ص183
الفصل الثاني : ما يكون بعد نداء الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام في القرآن الكريم والمعاني التي تضمنها.
قيه ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : ما يكون بعد النداء في القرآن .
يعقب النداء في الغالب أما أمر أونهي اواستفهام لأن النداء يوقظ النفس ويلفت الذهن وينبه المشاعر ،ولهذا أكثر القرآن الكريم من مصاحبة النداء لهذه الأساليب مثل قوله تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (1)
قال تعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (2)
قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)(3)
قال تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (4)(1/37)
قال تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) 5)
ولهذا قيل أن النداء لا يكاد ينفك عن الأمر أو ما جرى مجراه من الطلب والنهى ولذلك لا يكاد يوجد في كتاب الله تعالى نداء ينفك عن أمر أو نهى ولهذا لما جاء بعده الخبر في قوله تعالى يا أيها الناس ضرب مثل شفعه الأمر في قوله فاستمعوا له)(6)
ويقول الزمخشري ( كل نداء في كتاب الله تعالى يعقبه فهم في الدين ، إما من ناحية الأوامر والنواهي التي عقدت بها سعادة الدارين ، وإما مواعظ وزواجر وقصص لهذا المعنى ، كل ذلك راجع إلى الدين الذي خلق لأجله ، وقامت السموات والأرض به ، فكان حق هذه أن تدرك بهذه الصيغة البليغة )(7)
ـــــــــــــــ
(1)سورة آل عمران آية 102
(2)سورة التوبة آية 119
(3)سورة النساء آية29
(4)سورة المنافقون آية 9
(5)سورة الصف آية10
(6)الأنصاف في مسائل الخلاف ج1ص103
(7)الكشاف ج1ص122
المبحث الثاني : ما يكون بعد نداء النبي عليه الصلاة والسلام في القرآن .
جاء النداء العظيم للنبي الكريم في القرآن الحكيم كما سبق في سبعة عشر موضعاً جاء غي غالبها بعد النداء الطلب ، ففي عشرة مواضع منها جاء بعد النداء الأمر وهي قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ)(1)
قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ)(2)
قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى )(3)
قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ )(4)
قال تعالى(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) (5)(1/38)
قال تعالى(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً) (6)
قال تعالى(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنّ)(7)
قال تعالى(يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) (8)
قال تعالى(يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) (9)
وفي موضعين جاء عقب النداء النهي ، إما مباشرة ، وهو قوله تعالى
(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر)(10)
وإما معطوفاً على الأمر وهو قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) (11)
ـــــــــــــــ
(1) سورة المائدة آية 67
(2) سورة الأنفال آية 65
(3) سورة الأنفال آية70
(4) سورة التوبة آية 73
(5) سورة الأحزاب آية 1
(6) سورة الأحزاب آية 28
(7) سورة الأحزاب آية 59
(8) سورة المزمل آية1
(9) سورة المدثر آية 1
(10) سورة المائدة آية41
(11) سورة الأحزاب آية 1
وفي موضع واحد جاء بعد النداء للنبي الاستفهام وذلك في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(1)
فمجموع هذه المواضع على وجه الإجمال اثنا عشر موضعاً جاءت وفق ما ذكرة
سابقاً من أن النداء يعقبه غالباً المر وهو الأكثر والنهي والاستفهام
أما المواضع التي جاء فيها بعد النداء الخبر فهي خمسة ،
وهي قوله تعالى(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(2)
وقوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً)(3)(1/39)
وقوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ)(4)
وقوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً)(5)
وقوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ)(6)
ــــــــــــــــــ
(1) سورة التحريم آية1
(2) سورة الأنفال آية 64
(3) سورة الأحزاب آية 45
(4) سورة الأحزاب آية 50
(5) سورة الممتحنة آية 12
(6) سورة الطلاق آية 1
المبحث الثالث : المعاني التي تضمنت آيات النداء للنبي عليه الصلاة والسلام .
بعد النظر في الآيات التي نادى الرب جل وعلا يمكن أن نقسم المعاني التي تضمنت هذه الآيات :
1ـ الأمر بإبلاغ الرسالة وما يتعلق بها ،كالحذر من المعوقات مع ذكر أركان هذه الرسالة وصفات المرسل بها والبيعة عليها ، ويدل على ذلك الآيات الكريمة التالية : قال تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ )(1)
قال تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر)(2)
قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً) (3)
قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ )(4) قال تعالى (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) (5)
2ـ الحث على الجهاد في سبيل الله وتأيد الله سبحانه وتعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام ، يدل على ذلك
قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (6)
قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ )(7)(1/40)
قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى)(8) تعالى(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ)(9)
3ـ الأمر يتقوى الله عز وجل بفعل الطاعات والبعد عن المخالفات ، يدل على ذلك الآيات الكريمات :
قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) (10)
قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (11) ،قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) (12)
ـــــــــــــ
سورة المائدة آية 67
سورة المائدة آية 41
سورة الأحزاب آية 45
سورة الممتحنة آية 12
سورة المدثر آية 1
سورة الأنفال آية 64
سورة الأنفال آية 65
سورة الأنفال آية 70
سورة التوبة آية 73
سورة الأحزاب آية 1
سورة التحريم آية 1
سورة المزمل آية 1
4 ـ بيان بعض الحكام المتعلقة بالنساء ، كتخييرهن بين البقاء معه أو تخلية
سبيلهن ، وبيان ما أحل الله له من النساء ، وبيان شيء من أحكام الطلاق ، يدل على هذه الآيات الكريمات :
قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً) (1)
قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ) (2)
قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)(3)(1/41)
قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ )(4)
ـــــــــــــ
(1) سورة الأحزاب آية 28
(2) سورة الأحزاب آية50
(3) سورة الأحزاب آية 59
(4) سورة الطلاق آية 1
الفصل الثالث :خصائص نداء النبي عليه الصلاة والسلام في القرآن الكريم .
فيه ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : نداء النبي عليه الصلاة والسلام بالوصف لا باسمه .
أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين ألا ينادوا الرسول عليه الصلاة والسلام
باسمه ، كما ينادي بعضهم بعضاً فلا يقولوا له يامحمد بل يقولوا يارسول الله أويانبي الله ، وحتى في هذا الأمر نفسه لم يجىء في القرآن ذكر اسمه ، بل استبدل به صفة الرسول ، قال سبحانه وتعالى (لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً)(1)
وقد جاء في سبب نزول هذه الآية ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما ، قال كانوا يقولون يامحمد ، يا أبا القاسم ، فأنزل الله (لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ) فقالوا يانبي الله ، يارسول الله ) (2)
ففي هذا تعظيم وتوقيرله عليه الصلاة والسلام مع التواضع وخفض الصوت
كما قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (3)
قال مجاهد قوله لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قال أمرهم أن يدعوه يا رسول الله في لين وتواضع ) (4)
وقال الزمخشري ( قال في الكشاف إنه تعالى جعل نداءه من بين الأنبياء عليهم السلام بالوصف كرامة له عليه الصلاة والسلام وتشريفا وربا بمحله وتنويها بفضله)(5)
ـــــــــــ
(1) سورة النور آية 64
(2) لباب المنقول ص162
(3) سورة الحجرات آية 2
(4) جامع البيان ج18 ص177(1/42)
(5) الكشاف ج3 ص526
المبحث الثاني : تقيد نداء النبي عليه الصلاة والسلام بـ (يَا أَيُّهَا ...) .
كثيراً ما يجيء النداء في القرآن الكريم بـ (يا ) المتلوة بـ (أيها )
وللزمخشري كلام حول هذا الأمر ( فإن قلت لم كثر في كتلب الله النداء على هذه الطريقة ، ما لم يكثر في غيره ، قلت لاستقلاله بأوجه من التأكيد وأسباب من المبالغة لان كل ما نادى الله له عباده ن من أوامر ونواهيه وعظاته وزواجره ووعده ووعيد واقتصاص أخبار المم الدارجة عليهم وغير ذلك مما أنطلق به كتابه .... عليهم أن يتيقظوا لها ويميلوا بقلوبهم وبصائرهم إليها وهم عنها غافلون فاقتضت الحال أن ينادوا بالأكد الأبلغ ) (1)
ـــــــــــــ
(1) الكشاف ج1 ص121، الإتقان ج2ص75
المبحث الثالث : الفرق بين نداء النبي عليه الصلاة والسلام والإخبار عنه .
جاء نداء النبي عليه الصلاة والسلام بوصفه الكريم (الرسول ) أو (النبي ) تكريماً له وتنويهاً بفضله الشريف ، وهذا بخلاف الإخبار عنه ، فقد يجيء
بهذا الوصف ، كقوله تعالى ( يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيّ)(1)
وقال تعالى (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ )(2)
وقد يجيء الإخبار عنه باسمه العلم مع إضافة صفة الرسول إليه وذلك في آيتين
قال تعالى (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ )(3)
وقوله تعالى (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ(4)
وقد يجيء الإخبار عنه باسمه العلم مع الإشارة إلى رسالته وذلك في آيتين
قال تعالى (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (5)(1/43)
وقوله تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ) (6)
وإلى هذا يقول الزمخشري ( فإن قلت إن لم يوقع اسمه في النداء فقد أوقعه
في الإخبار في قوله (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) ، (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) ، قلت ذاك
لتعليم الناس بأنه رسول الله ، وتلقين لهم أن يسموه بذلك ويدعوه به ، فلا تفاوت بين النداء والإخبارألا ترى إلى ما لم يقصد به التعليم والتلقين من الإخبار كيف ذكره بنحو ما ذكره في النداء (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُم)(7)(8)
ــــــــــــــ
(1)سورة التحريم آية8
(2)سورة الأحزاب آية 6
(3)سورة آل عمران آية 144
(4)سورة الفتح آية 29
(5)سورة الأحزاب آية 40
(6)سورة محمد آية 2
(7)سورة التوبة آية 128
(8)الكشاف ج3ص526، التحرير والتنوير ج21ص250
الخاتمة
الحمد لله الذي من علينا بالإيمان ، والصلاة والسلام على نبينا محمد عليه من الله أفضل الصلاة وأتم التسليم .
ومسك الختام لهذا البحث المتواضع الذي أسال أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم
والذي كان حول نداءات الله جل وعلا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، والذي قد حصل منه ببعض الفوائد من ذلك :
1ـ بيان منزله النبي عليه الصلاة والسلام عند ربه جل وعلا .
2ـ أن قد خاطب نبيه بصفات متعدد بالنبوة والرسالة ، وما كان عليه الصلاة والسلام من أحوال كالمزمل والمدثر، فقد جاء نداءه بالنبوة في ثلاثة عشرة
موضعاً، وبوصف الرسالة في موضعين ، وبوصفين مشتقين من حالته التي كان
عليها النبي عليه الصلاة والسلام وهما المزمل والمدثر .
3ـ بيان أن طه ويس ليسا اسمين للنبي عليه الصلاة والسلام .
4ـ أن المعاني التي تضمنت آيات النداء ليست واحد ، بل معاني مختلفة تجتمع في أربعة أمور :
1ـ الأمر بإبلاغ الرسالة وما يتعلق بها .(1/44)
2ـ الحث على الجهاد في سبيل الله .
3ـ الأمر بالتقوى.
4ـ ذكر بعض الأحكام المتعلقة بالنساء .
وقد رجعت لكثير من كتب التفسير وكتب الحديث الشريف وما يتعلق بالموضوع
من مراجع ومصادر .
وفي الختام لهذا البحث أسال الله أن يوفقنا لكل خير ، وأن ينصر المسلمين في كل مكان ، وأن يجعلنا ممن ينتفع بهذا الكتاب المبارك ، وأن يجعل القرآن الكريم
حجةً لنا لا علينا ، وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين
المراجع
* القرآن الكريم
1ـ الإتقان في علوم القرآن جلال الدين عبدالرحمن السيوطي دار ابن كثير الطبعة الرابعة 1420هـ دمشق تعليق د مصطفى ديب البغا .
2ـ إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم محمد بن محمد العمادي أبي السعود دار إحياء التراث العربي بيروت
3ـ الإنصاف في مسائل الخلاف أبي البركات عبدالرحمن بن محمد الأنباري دار الفكر دمشق
4ـ أوضح المسالك إلى ألفية إبن مالك أبو محمد عبدالله جمال الدين بن هشام الأنصاري دار الجيل بيروت 1979م الطبعة الخامسة
5ـ البرهان في علوم القرآن محمد بن بهارد الزركشي دار المعرفة بيروت 1391 هـ
6ـ تحفة المودود باحكام المولود شمس الدين محمد بن أبي بكر بن قيم لجوزية مكتبة البيان دمشق ، المؤيد الطائف الطبعة الثالثة 1412هـ
7ـ تفسير البيضاوي دار الفكر بيروت 1416هـ المحقق عبد القادر حسونة
8ـ تفسير التحرير والتنوير محمد الطاهر بن عاشور دار سحنون تونس
9ـ تفسير القرآن العظيم إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي دار الفكر بيروت
1401هـ
10ـ تفسير النسفي
11ـ جامع البيان عن تأويل أي القرآن محمد بن جرير الطبري دار الفكر بيروت 1405هـ
12ـ الجامع لأحكام القرآن محمد بت أحمد القرطبي دار الشعب القاهرة 1372هـ المحقق أحمد عبد العليم البردوني الطبعة الثانية
13ـ الجواهر الحسان في تفسير القرآن عبد الرحمن بن محمد بت مخلوف الثعالبي مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت(1/45)
14ـ الدر المنثور عبدالرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي دار الفكر بيروت 1993م
15ـ روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني محمود الألوسي
دار إحياء التراث بيروت
16ـ زاد المسير في علم التفسير عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي المكتب الإسلامي بيروت الطبعة الثالثة
17ـ سنن الترمذي أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة دار الكتب العلمية بيروت تحقيق أحمد شاكر الطبعة الأولى 1408هـ
18ـ شرح إبن عقيل بهاء الدين عبدالله بن عقيل الهمذاني دار الفكر دمشق الطبعة الثانية 1985م المحقق محمد محيي عبدالحميد
19ـ شرح شذور الذهب عبدالله بن يوسف بن هشام الشركة المتحدة للتوزيع
دمشق 1984م الطبعة الأولى المحقق عبد الغني الدقر24
20ـ صحيح مسلم مع شرح النووي دار الكتب العلمية بيروت 1401هـ
21ـ صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري دار المعرفة بيروت
22ـ عون المعبود شرح سنن أبي داود دار الكتب العلمية بيروت
23ـ فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير محمد بن علي بن محمد الشوكاني دار الفكر بيروت
24ـ القواعد الحسان عبدالرحمن بن ناصر السعدي 1411هـ مركز بن صالح عنيزة
25ـ الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي دار إحياء التراث العربي الطبعة الأولى
1417هـ
26ـ لباب المنقول عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي دار إحياء العلوم بيروت
27ـ ـ المستدرك عل الصحيحين أبي عبدالله الحاكم النيسابوري دار المعرفة بيروت
28ـ ـ معالم التنزيل الحسين بن مسعود الفراء البغوي دار المعرفة 407هـ بيروت الطبعة الثانية المحقق خالد العك ، مروان سوار
29ـ النداء في اللغة والقرآن د أحمد محمد فارس دار الفكر اللبناني الطبعة الأولى1409هـ
30ـ نواسخ القرآن عبدالرحمن بن علي بن محمد الجوزي دار الكتب العلمية بيروت 1405هـ الطبعة الأولى(1/46)
31ـ الوجيز في القرآن العزيز علي بن أحمد الواحدي دار القلم ، الدار الشامية
1415هـ دمشق ، بيروت الطبعة الأولى المحقق صفوان عدنان داوودي
محبكم
علي بن عبدالعزيز الراجحي
alt1@maktoob.com(1/47)