بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
[ مقدمة ]
الحمدُ للهِ الذي أنزَلَ الكتابَ : تِبياناً لِكُلِّ شَيءٍ وهُدى .
وأَشهدُ أن لا إِلهَ إلاَّ الله الحَقّ الْمُبين .
وأَشهدُ أنَّ محمداً عَبدُهُ ورَسولُهُ ، الصَّادقُ الأَمينُ ؛ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَعَلى آلِهِ وأَصحابِهِ والتَّابعينَ ، وسَلَّمَ تَسليماً كَثيراً .
أَمَّا بَعدُ : فَهذهِ مُقدِّمَةٌ في التَّفسيرِ : تُعينُ على فَهمِ القُرآنِ العَظيمِ الجديرِ بأنْ تُصرَفَ لَهُ الهِمَمَ ، ففيهِ الهُدى والنُّورُ ، ومَن أَخَذَ بِهِ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُستَقيمٍ .
البابُ الأَوَّلُ : تَنزيلُ القُرآنِ
[ الفَصلُ الأَوَّلُ : مَذهَبُ السَّلَفِ ]
أَجمَعوا على أنَّ القُرآنَ :
1ـ كلامُ اللهِ حَقيقَةً .
2ـ مُنَزَّلٌ غَيرُ مَخلوقٍ .
3ـ سَمِعَهُ جِبريلٌ مِن اللهِ ، وَسَمِعَهُ مُحمَّدٌ مِن جِبريلَ ، وسَمِعَهُ الصَّحابَةُ مِن مُحمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلِّم .
4ـ وَهُوَ الذي نَتلُوهُ بِأَلسِنَتِنا ، وفِيما بَينَ الدَّفتَينِ ، وما في الصَّدورِ ؛ مَسموعاً ومَكتوباً ومَحفوظاً .
5ـ وكُلُّ حَرفٍ مِنهُ - كالباءِ والتَّاءِ - : كلامُ اللهِ غيرُ مَخلوقٍ ؛ مِنهُ بَدَأَ وإليهِ يَعودُ .
6ـ وهُو كلامُ اللهِ : حُروفُهُ ومَعانيهِ ؛ ليسَ الحروفُ دونَ الْمَعاني ، وَلا الْمَعانِي دُونَ الحروفِ .(1/1)
[ الفَصلُ الثَّانِي : مَذهَبُ الخَلَفِ ]• وبَدَّعوا مَن قالَ :
1ـ إنَّ القُرآنَ فاضَ على نَفسِ النَّبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلِّم مِنَ العَقلِ الفَعَّالِ أو غَيرِهِ ؛ كالفَلاسِفَةِ والصَّابِئِيَّةِ .
2ـ أَوْ : أنَّهُ مَخلوقٌ في جِسمٍ مِنَ الأَجسامِ ؛ كالْمُعتَزِلَةِ والجَهمِيَّةِ .
3ـ [ أَوْ : أنَّهُ مَخلوقٌ ] في جِبريلَ أو مُحمّدٍ أو جِسمٍ آخرَ غيرِهِما ؛ كالكُلاَّبِيَّةِ والأَشعَرِيَّةِ (1) .
4ـ أَو : أنَّهُ حُروفٌ وأَصواتٌ قَديمةٌ أَزَلِيَّةٌ ؛ كَالكَلاميَّةِ .
5ـ أَو : أنَّهُ : حادِثٌ قائِمٌ بِذاتِ اللهِ مُمتَنِعٌ في الأَزَلِ ؛ كالهاشِميَّةِ والكَرَّامِيَّةِ .
• ومَن قالَ :
1ـ ( لَفظِي بِالقُرآنِ مَخلوقٌ ) فَجَهمِيٌّ .
2ـ أَو : ( غَيرُ مَخلوقٍ ) فَمُبتَدِعٌ .
البابُ الثَّانِي : مَواضِعُ نُزولِ القُرآنِ
1ـ أَجمَعوا على أنَّ القُرآنَ : مِئَةٌ وأربَعَ عَشَرَةَ سُورَةً .
2ـ والْمَشهورُ : سَبعٌ وعُشرونَ مَدَنِيٌّ ، وباقيهِ مَكِّيٌّ ؛ واُستُثنِيَ آياتٌ .
3ـ ومِنهُ : النَّهارِيُّ والليلِيُّ ، والصَّيفِيُّ والشِّتائِيُّ .
4ـ وأَوَّل ما أُنزِلَ : ? اقْرَأ ? ، ثُمَّ : (الْمُدَّثِّرْ) .
وآخِرُهُ : الْمائِدَةُ ، وَبَراءَةٌ ، والفَتحُ ، وآَيَةُ : الكَلالَةِ ، والرِّبا ، والدَّينِ .
البابُ الثَّالِث : إِنْزَالُ القُرآنِ
1ـ [ وَقتُ نُزولِهِ ] :
أُنزِلَ القُرآن : جُملةً في لَيلَةِ القَدرِ ؛ إلى : بيتِ العِزَّةِ في السَّماءِ الدّنيا .
وأُنزِلَ مُنَجَّماً ؛ بِحَسَبِ الوقائِعِ .
2ـ [ طُرُقُ تَلَقِّيه ] :
يُلقيهِ جِبريلُ إلى النَّبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلِّم فِي مِثلِ :
( أ ) صَلصَلَةِ الجَرَسِ : وهُو أَشدُّ عليهِ .
( ب ) ويأتيهِ في مِثلِ صُورَةِ الرَّجُلِ يُكَلِّمُهُ .
4ـ [ الحُروفُ السَّبعَةُ ] :
__________
(1) أي أنَّ القُرآن ليسَ هُو كلام الله ، وإنما كلامه المعنى القائم بِذاتِهِ ، والقُرآن خُلِقَ لِيَدلَّ على ذلك المعنى .
(1/2)
وثَبَتَ أنَّهُ أُنزِلَ على سَبعَة أَحرفٍ .
قيلَ : الْمَعانِي الْمُتَّفِقَة بِأَلفاظٍ مُختَلِفَةٍ ؛ كـ(هَلُمَّ) و(أَقْبِلْ) .
5ـ [ كِتابَتُهُ وَجمعُهُ ] :
وكُتِبَ فِي الرِّقاعِ والِّلخافِ والعُسُب والأَضلاعِ ؛ في عَهدِ النّبوَّةِ .
ثُمَّ : في الصُّحُفِ ؛ في عَهدِ أَبي بَكرٍ .
ثُمَّ : جُمَعَ عُثمانَ النَّاسَ على مُصحَفٍ واحِدٍ . والجُمهورُ : أَنَّهُ مُشتَمِلٌ على ما يَحتَمِلُهُ رَسْمُها ، ومُتَضَمِّنَتُها العَرضَةُ الآخيرَةُ .
6ـ [ تَرتيبهُ ] :
وتَرتيبُ :
1 : الآياتِ بالنَّصِّ .
2 : والسُّوَرِ بالاجتِهادِ .
البابُ الرَّابِعُ : أَسبابُ نُزولِ القُرآنِ
مَعرِفَةُ سَبَبِ نُزولِ القُرآنِ يُعينُ على : فَهمِ الآيةِ ؛ فَقَد يَكونُ اللَّفظُ عامّاً والسَّبَبُ خاصّاً .
ومِنهُ :
قَولُهُ تَعَاْلَى ? وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ ? [ الطَّلاقُ : 4 ] .
وَقَولُهُ تَعَاْلَى : ? فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجهُ اللهُ ? (1) .
البابُ الخامِسُ : عامُّ القُرآنِ وخاصُّهُ
1ـ العامُّ أَقْسامٌ :
( أ ) مِنهُ : الباقِي على عُمُومِهِ ؛ كَقولِهِ تَعَاْلَى : ? حُرِّمَت عليكُم أُمَّهاتُكُم ? .
( ب ) والعامُّ المُرادُ بهِ الخُصوصُ ؛ كَقولِهِ تَعَاْلَى : ? الذينَ قَالَ لَهُم النَّاسُ ? .
( ج ) العامُّ الْمَخصوصُ - وهُو كَثيرٌ ؛ إِذْ ما مِن عامٍّ إِلاَّ وَقَدْ خُصَّ - .
2ـ الْمُخَصِّصُ :
( أ ) إِمَّا مُتَّصلٌ : وهُو خَمسَهٌ ؛ الاسْتِثناءُ ، والوَصفُ ، والشَّرطُ ، والغايَةُ ، وَبدَلُ البَعضِ مِنَ الكُلِّ .
( ب ) وإمَّا ْمُنفَصِلٌ : كَآيَةٍ أُخرى ، أَو : حديثٍ ، أَو : إجماعٍ .
3ـ وَمِن خاصِّ القُرآنِ :
__________
(1) البَقَرة : 115 .(1/3)
ما كانَ مُخَصِّصاً لِعُمومِ السُّنَّةِ ؛ كَقولِه : ? حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُم صاغِرينَ ? ؛ خُصَّ بِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلِّم : « أُمِرتُ أَن أُقاتِلُ النَّاسَ حتَّى يَقُولُوا : ( لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ ) » .
البابُ السَّادِسُ : ناسِخُ القُرآنِ وَمَنسُوخُهُ
1ـ [ تَعريفُهُ ] : يَرِدُ النَّسخُ :
بِمَعنَى (الإِزالةِ) : ومِنهُ ? فَيَنسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيطانُ ? .
وبِمَعنَى (التَّبديلِ) : ومِنهُ ? وإذا بَدَّلنا آيةً مكانَ آيَةٍ ? .
2ـ [ أَنواعُهُ ] : وهُو ثَلاثَةٌ :
(1) ما نُسِخَ تِلاوَتُهُ وحُكمُهُ ؛ كََعَشرِ رَضَعاتٍ .
(2) ما نُسِخَ تِلاوَتُهُ دُون حُكمُهُ ؛ كَآيَةِ الرَّجمِ .
(3) ما نُسِخَ حُكمُهُ دُون تِلاوَتُهُ ؛ وقَد صُنِّفَت فيه الكُتُب - وهُوَ قليلٌ - .
[ وقَد سَمَّى بَعضُ السَّلَفِ كُلَّ رَفعٍ نَسخاً ؛ سَواءً كان رَفعَ حُكمٍ أو رَفعَ دِلالة ظاهرة ؛ ولِذلك أكثَر بَعضهم من تَعديدِ الآياتِ الْمَنسوخَةِ ] .
3ـ [ ما يَقَعُ فيه النَّسخُ ] :
وَلا يَقَعُ إِلاَّ في : الأَمرِ والنَّهيِ ؛ ولَو بِلَفظِ الخَبَرِ .
البابُ السَّابِعُ : مُحْكَمُ القُرآنِ وَمُتَشابِهُهُ
1ـ [ تَعريفهُ ] :
• الْمُحْكَمُ : ما يُمَيِّزُ الحَقيقَةَ الْمَقصُودَةَ عَن غَيرِها .
• والْمُتشَابِهُ : [ ما احتَمَل مَعنَيَيْنِ ] فَيُشبِهُ هذا ويُشبِهُ هذا .(1/4)
2ـ [ حُكمُهُ ] (1) :
? فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ : فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ? :
( أ ) ? ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ ? لِيَفتِنُوا النَّاسَ ؛ إِذْ وَضَعُوهُ عَلَى غيرِ مَواضِعِهِ .
( ب ) ? وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ ? وهُو الحَقيقَةُ التي أَخبَرَ عَنْها ؛ كالقِيامَةِ وَأَشرَاطِها .
? وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ ? أي تأويلَ تِلك الحقائِقِ مِن وَقتٍ وصِفَةٍ ? إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ : آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ? وَلَم يَنفِ عَنهُم عِلمَ مَعناهُ ، بل قال : ? لِيَدَّبَّروا آياتِهِ ? (2) .
3ـ [ الصِّفاتُ لَيسَت مِنَ الْمُتشابِه ] :
قال شَيخُ الإِسلامِ : ( وثَبَتَ أَنَّ اتِّباعَ الْمُتشابِهِ ليسَ في خُصوصِ الصِّفاتِ ، ولا أَعلَمُ أنَّ أحداً مِنَ السَّلفِ جَعَلَها مِنَ الْمُتَشابِهِ الدَّاخِلِ في هِذهِ الآيَةِ ) ه .
• [ مَذهَبُ السَّلَفِ في الصِّفاتِ ] : وعِندَهُم : قِراءَتُها تَفسيرُها ، وتُمَرُّ كَما جاءَت ؛ دَالَّةٌ على ما فِيها مِنْ الْمَعانِي ؛ لا تُحَرَّف وَلا يُلْحَدُ فِيها .
4ـ [ الظَّاهِرُ والْمُجمَلُ ] :
__________
(1) قال تَعَاْلَى : ? هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ؛ مِنْهُ : آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ ؛ هُنَّ : أُمُّ الْكِتَابِ . وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ . فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ : فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ؛ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ ، وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ . وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ : آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا . وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ (7) ? [ آلِ عِمران : 7 ] .
(2) سُورَةُ آلِ عِمران : 7 .(1/5)
وَكُلُّ ظاهِرٍ : تُرِكَ لِمُعارِضٍ رَاجِحٍ ؛ كَتَخصيصِ العامِّ ، وتَقييدِ الْمُطلَقِ ؛ فَإنَّهُ مُتشابِهٌ لاحتِمالِهِ مَعنَيَينِ .
وكذا الْمُجمَلُ ؛ وإحكامُهُ : رَفعُ ما يُتَوَهَّمُ فيهِ مِن المشَعنَى الذي ليسَ بِمرادٍ .
البابُ الثَّامِنُ : التَّأْويلُ
1ـ [ مَذهَبُ السَّلَفِ ] :
• التَّأويلُ فِي القُرآنِ : نَفسُ وُقوعِ الْمُخبَرِ بِهِ .
• وَعِندَ السَّلَفِ : تَفسيرُ الكلامِ وَبيانُ مَعناهُ .
2ـ [ مَذهَبُ الخَلَفِ ] :
• وَعِندَ الْمُتَأَخِّرينَ - مِن الْمُتَكَلِّمَةِ والْمُتَفَقِّهَةِ ونَحوِهِم - : هُوَ صَرفُ اللفظِ عَنِ الْمَعنَى الرَّاجِحِ إِلَى الْمَعنَى الْمَرْجوحِ ؛ لِدليلٍ يَقتَرِنُ بِهِ .
أَوْ : حَمْلُ ظاهِرٍ عَلى مُحتَمَلٍ مَرجوحٍ .
• وما تَأَوَّلَهُ :
القَرامِطَةُ والباطِنِيَّةُ : لِلأَخبارِ والأَوامِرِ …
والفَلاسِفَةُ : للأَخبارِ عَنِ اللهِ واليومِ الآخرِ …
والجَهمِيَّةُ والْمُعتَزِلَةُ وغَيرُهُم : في بَعضِ ما جاء في اليوم الآخِرِ ، وَفي آياتِ القَدَرِ ، وآياتِ الصِّفاتِ …
هُوَ مِن تَحريفِ الكَلِمِ عَن مَواضِعِهِ .
3ـ [ غَلَطُ البَعضِ في مَعنَى (التَّأويلِ) ] :
• قَالَ الشَّيخُ : « وَطَوائِفُ مِن السَّلَفِ أَخطَؤا في مَعنَى (التَّأويلِ) الْمَنفِيِّ ؛ وَفي مَعنَى (التَّأويلِ) الذي أَثْبَتُوهُ .
والتَّأويلُ الْمَردودُ : هُوَ صَرفُ الكَلِمِ عَن ظاهِرِهِ إِلَى ما يُخالِفُ ظاهِرَهُ .
وَلَم يَقُل أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ : ( ظاهِرُ هذا غَيرُ مُرادٍ ) . وَلا قالَ : ( هَذهِ الآيَةُ أَو هَذا الحديثُ مَصروفٌ عَن ظاهِرِهِ ) . مَعَ أنَّهُم قَد قَالُوا مِثلَ ذلكَ في آياتِ الأَحكامِ الْمَصروفَةِ عَن عُمُومِها وظَواهِرِها ، وتَكَلَّمُوا فِيما يُسْتَشْكَلُ مِمَّا قَد يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مُتَناقِضٌ » ه .(1/6)
البابُ التَّاسِعُ : نَفْيُ الْمَجازِ
1ـ صَرَّحَ بِنَفْيِهِ الْمُحَقِّقونَ ؛ ولَم يُحفَظُ عَن أَحَدٍ مِنَ الأَئِمَّةِ القَولُ بِهِ .
وإِنَّما حَدَثَ تَقسِيمُ الكَلامِ إِلى حَقيقَةٍ ومَجازٍ بَعدَ القُرونِ الْمُفَضَّلَةِ .
فَتَذَرَّعَ بِهِ الْمُعتَزِلَةُ والجَهْمِيَّةُ إِلَى : الإِلحادِ في الصِّفاتِ .
2ـ قالَ الشَّيخُ : « وَلَم يَتَكَلَّمِ الرَّبُّ بِهِ ، ولا رَسُولُهُ ، ولا أَصحابُهُ ، ولا التَّابِعون لَهُم بِإحسانٍ .
ومَن تَكَلَّمَ بهِ مِن أَهلِ اللغَةِ يَقُولُ في بَعضِ الآياتِ : ( هذا مِنْ مَجازِ اللغَةِ ) ومُرادُهُ : أَنَّ هذا مِمَّا يَجوزُ في اللغَةِ ، ولم يُرِدْ هذا التَّقسيمُ الحادثِ ؛ لا سِيَّما وقد قالُوا : ( إنَّ الْمَجازَ يَصِحُّ نَفْيُهُ ) ! فَكَيفَ يَصِحُّ حَملُ الآياتِ القُرآنِيَّةِ على مِثلِ ذلك .
وَلا يَهُولَنَّكَ إِطباقُ الْمُتَأخّرينَ عَليهِ ، فَإنَّهُم أَطبَقُوا على ما هُوَ شَرٌّ مِنهُ » ه .
3ـ وَذَكَرَ ابنُ القَيِّمِ خَمسِينَ وَجهاً في بُطلانِ القَولِ بالْمَجازِ .
وكَلامُ اللهِ وكلامُ رَسُولِهِ مُنَزَّهٌ عَنْ ذلكَ .
البابُ العاشِرُ : إعْجازُ القُرآنِ
1ـ تَعريفُهُ :
الْمُعجِزَةُ : أَمرٌ خارِقٌ للعادَةِ ، مَقرونٌ بالتَّحَدِّي ، سَالِمٌ عَنِ الْمُعارَضَةِ .
2ـ والقُرآن مُعجِزٌ أَبداً :
أَعجَزَ الفُصحاءَ مَعَ حِرصِهِم على مُعارَضَتِهِ .
وقَد تَحَدَّهُم تَعالَى على أن يَأتُوا بِحديثٍ مِثلِهِ ، أو عَشرِ سُوَرٍ ، أو سُورَةٌ .
3ـ وُجُوهُ إعجازِهِ :
وَذَكَرَ العُلَماءُ وُجوهاً مِن إعجازِهِ :
مِنها : أُسلُوبُهُ ، وبَلاغَتُهُ ، وبَيانُهُ ، وفَصاحَتُهُ ، وحُسنُ تألِيفِهِ ، وإِخبارُهُ عَنِ الْمُغَيَّباتِ ، والرَّوعَةُ في قُلوبِ سامِعيهِ … وغَيرُ ذلكَ .
حتَّى قالَ الوَليدُ : ( إِنَّ لَهُ لَحَلاوَةٌ ، وإنَّ عَلَيهِ لَطَلاوَةٌ … ) .
ومَن تَأَمَّلَ حُسنَهُ وَبَديعَهُ وبَيانُهُ وَوُجوهَ مُخاطَباتِهِ : عَلِمَ أَنَّهُ مُعْجِزٌ مِن وُجوهٍ كَثيرَةٍ .(1/7)
البابُ الحادي عَشَر : أَمثالُ القُرآنِ
1ـ أَهِمّيّتهُ :
أَمثالُ القُرآنِ : مِنْ أَعظَمِ عِلمِهِ . عَدَّهُ الشَّافعِيُّ مما يَجِبُ على الْمُجتَهِدِ مَعرِفَتِهِ .
2ـ الحِكمةُ منه :
ضَرَبَها اللهُ : تَذكيراً وَ وَعظاً .
3ـ فائِدَتُهُ :
وهِيَ : تُصَوُّرُ الْمَعانِي بِصُورَةِ الأَشخاصِ .
البابُ الثَّانِي عَشَر : إِقْسامُ القُرآنِ
1ـ تَعريفُهُ :
[ القَسَمُ : هُو اليَمينُ ، أَقسَمَ بِهِ ؛ أَي : حَلَفَ بِهِ ] .
2ـ الحِكمةُ منه وبِم يكون :
والقَسَمُ تَحقيقٌ للخَبَرِ وتَوكيدٌ لهُ ، ولا يَكونُ إلاَّ بِمُعَظَّمٍ ؛ وهُوَ : اللهُ تَعَالَى .
3ـ ما يُقسِمُ بِهِ اللهُ : يُقسِمُ :
1 : بِنَفسِهِ الْمُقَدَّسَةِ الْمَوصُوفَةِ بِصِفاتِهِ .
2 : وبِآياتِهِ الْمُستَلزِمةِ لِذاتِهِ .
3 : وَصِفاتِهِ .
4ـ ما يُقسِمُ عليه :
يُقسِمُ تارَةً على : التَّوحيدِ .
وَتارَةً على : أنَّ القُرآنَ حَقٌّ .
وَتارَةً على : أنَّ الرَّسولَ حَقٌّ .
وَتارَةً على : الجَزاءِ وَالوَعدِ والوَعيدِ .
وَتارَةً على : حالِ الإنسانِ .
5ـ أنواعُهُ : والقَسَمُ :
( أ ) إِمَّا ظاهِرٌ .
( ب ) وَإِمَّا مُضمَرٌ ؛ وَهُوَ قِسمان :
1 : قِسمٌ دَلَّت عَلَيهِ اللاَّم ؛ نَحوُ : ? لَتَبْلُوُنَّ ? .
2 : وَقِسمٌ دَلَّ عليهِ الْمَعنَى ؛ نَحوُ : ? وَإِنْ مِنكُمْ إِلاَّ وَارِدُها ? .
البابُ الثَّالِثُ عَشَر : الْخَبَرُ وَالإِنْشاءُ
• الكَلامُ نَوعانِ : خَبَرٌ ، وَإِنْشاءٌ .
1- الفَرُوقُ بَينَهُما :
• الخَبَرُ : دائِرٌ بَينَ النَّفيِ والإِثباتِ .
وَالإِنشاءُ : أَمرٌ أَو نَهيٌ أَو إِباحَةٌ .
• الخَبَرُ : يَدخُلُهُ التَّصديقُ وَالتَّكذيبُ .
وَالإِنشاءُ : لا .
2- والإخبارُ : إِمَّا إِخبارٌ عَن الخالِقِ ، وإِمّا إخبارٌ عَن الْمَخلوقِ .(1/8)
1 : فالإخبار عَنِ الخالِقِ : هُوَ التَّوحيدُ ؛ وما يَتَضَمَّنُهُ مِن : أسماءِ اللهِ وَصِفاتِهِ .
2 : وَالإخبارُ عَنْ الْمَخلوقِ : هُوَ القَصَصُ ؛ وهُوَ : الخَبَرُ عَمَّا كانَ وما يَكونُ . ويَدخُلُ فيهِ :
( أ ) الخَبَرُ عَن الْرُّسُلِ وَأُمَمِهِم وَمَن كَذَّبَهُم .
( ب ) والإِخبارُ عَن الجَنَّةِ والنَّارِ والثّواب والعِقابِ .
البابُ الرَّابِعُ عَشَر : طُرُقُ تَفسيرُ القُرآنِ
1ـ أَصَحُّ طُرُقُ التَّفسيرِ : أَنْ يُفَسِّرَ :
1 : القُرآنُ بِالقِرآنِ :
فَما أُجمِلََ فِي مَكانٍ فَإنَّهُ قَد فُسِّرَ فِي مَوضِعٍ آخَرَ .
وَما اُختُصِرَ فِي مَكانٍ فَقَد بُسِطَ في مَوضِعٍ آخَرَ .
2 : فَإنْ لَم تَجِدْهُ فِي القُرآنِ فَبِالسُّنَّةِ :
فَإنَّها شَارِحَةٌ للقُرآنِ وَمُوَضِّحَةٌ لَهُ .
3 : فَإنْ لم تَجِدهُ ؛ فَارجِعْ إِلى أَقوالِ الصَّحابَةِ :
فَإنَّهُم أَدرَى بِذلكَ ؛ لِما شاهَدوهُ ، ولِما لَهُم مِن الفَهمِ التَّامِّ والعِلمِ الصَّحيحِ ؛ لا سِيَّما كُبَراؤُهُم ؛ كـ(الخُلَفاءِ الرَّاشدينَ ، والأَئمَّةُ الْمَهديينَ ؛ كَابنِ مَسعودٍ وابنِ عبَّاسٍ) .
4 : وإِذا لَم تَجِدْهُ فَقَدْ رَجَعَ كَثيرٌ مِن الأَئمَّةِ في ذلكَ إِلى أَقوالِ التّابعينَ : كَمُجاهدٍ ، وسَعيدِ بنِ جُبَيرٍ ، وعِكرِمَةَ ، وعَطاءٍ ، والحَسَنِ ، ومَسروقٍ ، وسَعيدِ بنِ الْمُسَيَّبِ .
وَكَمالكٍ ، والثَّوريِّ ، والأَوزاعيِّ ، والحَمَّادَينِ ، وأَبي حَنيفَةَ … وغَيرِهِم مِنْ تابِعيْ التَّابعينَ .
وكَالشَّافِعي ، وأحمدَ ، وإسحاقَ ، وأبي عُبيدٍ … وأَمثالِهِم مِن أَتباعِ تابِعِي التَّابعينَ .
2ـ ليسَ تباين الألفاظِ من السَّلَفِ اختِلافاً :
قَالَ الشَّيخُ : « وقَد يَقَعُ في عِباراتِهِم تَبايُنٌ في الأَلفاظِ ، يَحسَبُها مَن لا عِلمَ عِندَهُ اختِلافاً ؛ وليسَ كَذلكَ ، فإنَّ مِنهُم :(1/9)
1 : مَن يُعَبِّر عَن الشَّيءِ بِلازِمِهِ ، أَو : نَظيرِهِ .
2 : ومِنهُم مَن يَنُصُّ عَلى الشَّيءَِ بِعَينِهِ .
ويُرْجَعُ [ فِي تَبايُنِ عِباراتِهِم ] إِلى :
1 : لُغَةِ القُرآنِ .
2 : أَو السَّنَّةِ .
3 : أَو لُغَةِ العَرَبِ .
ومَن تَكَلَّمَ بِما يَعْلَمُ مِن ذلكَ لُغَةً وَشَرعاً : فَلا حرجَ عليهِ . ويَحرُمُ : بِمَُرَّدِ الرَّأيِ » ه .
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ : ( التَّفسيرُ على أَربَعَةِ أَوجُهٍ :
1 : وَجهٌ تَعرِفُهُ العَرَبُ مِن كَلامِها .
2 : وتَفسيرٌ لا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِجهالَتِهِ .
3 : وتَفسيرٌ يَلَمُهُ العُلماءُ .
4 : وتَفسيرٌ لا يَعلَمُهُ إلاَّ اللهُ ) ه .
البابُ الخامِسُ عَشَر : التَّفاسيرُ
1ـ تَفاسير السَّلَفِ :
أَحسَنُ التَّفاسيرِ ؛ مِثلُ :
1 : تَفسيرُ عَبدِ الرَّزَّاقِ ، وَ وَكيعٍ ، وَعبدٍ بنِ حُميدٍ ، وَ دُحَيمٍ .
2 : وتَفسيرُ أَحمدَ ، وإِسحاقَ ، وبَقِيِّ بنِ مَخلَدٍ ، وابنِ الْمُنذِرِ ، وسُفيانَ بنِ عُيَينَةَ ، وسُنَيدٍ .
3 : وتَفسيرُ ابنِ جَريرٍ ، وابنِ أبي حاتمٍ ، وأَبي سَعيدٍ الأَشجِّ ، وابنِ ماجةَ ، وابنِ مَردَوَيهِ ، والبَغَويِّ ، وابنِ كَثيرٍ .
2ـ تَفاسير الخَلَفِ :
• وَحَدَثَ طَوائِفٌ مِن أَهلِ البِدَعِ : تَأوَّلوا كَلامَ اللهِ على آرائِهِم :
فَتارَةً : يَستَدِلُّونَ بِآياتِ اللهِ على مَذهَبِهِم .
وَتارَةً : يَتَأوَّلونَ ما يُخالِفُ مَذهَبَهُم ؛ كالخوارجِ والرَّافِضةِ والجَهمِيَّةِ والْمُعتَزِلَةِ والْمُرجِئَةِ … وغَيرِهِم . قَال الشَّيخُ : « وأَعظَمُهُم جَدَلاً : الْمُعتَزِلَةُ » ه .
• وَقد صَنَّفُوا تَفاسيرَ على أُصولِ مَذهبهِم ؛ مِثلَ : تَفسيرِ ابنِ كَيسانَ الأَصَمِّ ، والجُبَّائِيِّ ، وعَبدُ الجَبَّارِ الهَمَدانِيِّ ، والرُّمَّانِيِّ ، والزَّمَخْشَرِيِّ .(1/10)
ووافَقَهُم مُتاخِّروا الشِّيعَةِ : كالمفيدِ ، وأبي جَعفَرِ الطُّوسيِّ . اعتقَدوا رَأياً ثُمَّ حَمَلُوا القُرآنَ عليهِ .
ومِنهم حَسَنُ العِبارة يَدُسُّ البِدَعَ في كَلامِهِ ؛ كَصاحبِ الكَشَّافِ ، حتَّى إِنَّهُ يَروجُ على خَلقٍ كَثيرٍ .
وذَكَرَ : أنَّ تَفسيرَ ابنِ عَطِيَّةَ وأَمثالِهِ - وَإن كانَ أَسلَمَ مِن تَفسيرِ الزَّمخشَريِّ - لَكِنَّه يَذكُرُ ما يَزعُمُ أَنَّهُ مِ قَولِ المُحَقِّقينَ ، وإنما يَعني : طائِفةٌ مِن أهلِ الكلامِ الذين قَرَّروا أُصولَهُم بِطُرُقٍ مِن جِنسِ ما قَرَّرت بهِ الْمُعتَزِلَة (1) .
3ـ خطأُ بَعضِ التَّفاسيرِ :
1 : الخَطأُ في الدَّليلِ :
وَذكَرَ : الذين أَخطَؤا في الدَّليلِ ؛ مِثلَ كَثيرٍ مِن الصّوفيَّةِ والوُعَّاظِ والفُقَهاءِ وغيرِهِم ؛ يُفَسِّرون القُرآنَ بِمعانٍ صَحيحةٍ ولكنَّ القُرآن لا يَدلُّ عَلَيها . مِثلَ كثيرٍ مما ذَكَرَهُ أَبو عبدِ الرَّحمن السُّلَميِّ في (حَقائِقِ التَّفسيرِ) .
2 : الخَطَأُ في الدّليلِ والْمَدلولِ :
وَإن كانَ فيما ذَكروهُ ما هو مَعانٍ باطِلَةٍ ؛ فإنَّ ذلكَ يَدخلُ في الخطإِ في الدَّليلِ والمدلولِ جَميعاً ، حيث يكون الْمَعنى الذي قَصَدوه فاسِداً .
• وَبِالجُملَةِ : مَن عَدَلَ عَن مَذاهبِ الصَّحابَةِ وَالتَّابعين وَتَفسيرِهِم إلى ما يُخالِفِ ذلكَ : كان مُخْطِئاً في ذلكَ ، بل مُبتَدِعاً - وإن كانَ مُجتَهِداً مَغفوراً لَهُ خَطَؤُهُ - .
الْمَقصودُ : بيانُ طُرُقِ العِلمِ وَأَدِلَّتِهِ وَطُرُقِ الصَّوابِ .
البابُ السَّادِسُ عَشَر : سَبَبُ الاخْتِلافِ
مِنهُ : ما مُستَنَدُهُ :
1 : النَّقلُ .
2 : أَوِ الاسْتِدلالُ .
[ أَوَّلاً : ما مُستَنَدُهُ النَّقْلُ ]
1ـ والْمَنقُولُ : إِمَّا عَن الْمَعصومِ أَوْ لا .
__________
(1) يَعني : أُصولَهم وإن كان أهلُ الكلامِ أَقربُ إلى السنة من المعتزلة .(1/11)
فالْمَقصودُ : وَإذا جاء عنهُ مِن جِهتين أو جِهاتٍ - مِن غَيرِ تَواطُءٍ - فَصَحيحٌ .
وكَذا الْمَراسيلُ إذا تَعَدَّدَت طُرُقُها .
وخَبَرُ الواحِدِ إذا تَلَقَّتْهُ الأُمَّةُ بالقَبولِ أوجَبَ العِلمَ .
والْمُعتَبَرُ في قَبولِ الخَبَرِ : إِجماعُ أَهلِ الحديثِ ، ولَهُ أدِلَّةٌ يُعرَفُ بِها أنَّهُ صِدقٌ ، وعليه أدلّةٌ يُعرَفُ بِها أَنَّهُ كَذِبٌ ، كما في تَفسيرِ : الثَّعلَييِّ ، والواحِدِيِّ ، والزَّمَخشَري . وهُو قليلٌ في تَفسيرِ السَّلفِ .
2ـ وما نُقِلَ عَن بَعضِ الصّحابَةِ نَقلاً صَحيحاً : فالنَّفسُ إِليهِ أَسكَنُ مِما نُقِلَ عَن بَعضِ التّابعينَ .
3ـ والإسرائِيلِيّات : تُذكَرُ للإِستِشهادِ لا للاعتمادِ :
1 : وما عُلِمَت صِحَّتُهُ مما شَهِدَ لَهُ الشَّرعُ : فَصَحيحٌ .
2 : وما خالَفَهُ : فَيُعتَقَدُ كَذِبُهُ .
3 : ومَا لَم يُعلَم حُكمُهُ في شَرعِنا : لا يُصَدَّقُ وَلا يُكَذَّبُ ، وَغالِبُهُ لا فائِدَةَ فيهِ .
[ ثَانِياً : ما مُستَنَدُهُ الاسْتِدْلالُ ]
وَالخَطَأُ الواقِعُ في الاستِدلالِ مِن جِهَتَينِ :
1 : [ قِسْمٌ مِمَّن تَقَدَّمَ ذِكرُهُم مِن الْمُبتَدِعَةِ - جاؤا ] بَعدَ تَفسيرِ الصَّحابِةِ والتَّابعينَ وتابِعيهِم - حَمَلُوا أَلفاظَ القُرآنَ عَلَيها .
2 : أَوْ فَسَّرُوهُ بِمُجَرَّدِ ما يَسوغُ أَن يُرِيدُوهُ مِمَّا لا يَدُلُّ على المرادِ مِن كلامِ اللهِ بِحالٍ .
وَتَبِعَهُم كَثيرٌ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ ؛ لِضَعفِ آثارِ النُّبُوَّةِ والعَجزِ والتَّفريطِ حتَّى كانوا يَرْوُونَ ما لا يَعلمونَ صِحَّتَهُ .
3 : وقد يكون الاختِلافُ : لِخَفاءِ الدَّليلِ والذّهولِ عَنهُ .
4 : وَقدْ يكونُ : لِعدَمِ سَماعِهِ .
5 : وَقد يكونُ : للغَلَطِ في فَهمِ النَّصِّ .
6 : وَقَد يَكونُ : لاعِتقادِ مُعارِضٍ راجحٍ .(1/12)
البابُ السَّابِعُ عَشَر : تَفسيرُ القُرآنِ
التَّفسيرُ : كَشفُ مَعانِي القُرآنِ وبَيانُ المرادِ مِنهُ .
قيلَ : (بَعضُهُ) يكون مِن قِبَلِ الألفاظِ الوجيزة وكَشفِ معانيها . و(بَعضُهُ) مِن قِبَلِ ترجيحِ بَعضِ الاحتمالاتِ على بعضٍ .
وأجمَعوا : على أنَّ التَّفسيرَ مِن فُروضِ الكِفاياتِ .
وهُو أجلُّ العلومِ الشَّرعِيَّةِ ، وأَشرَفُ صِناعَةٍ يَتَعاطاها الإنسانُ .
• والْمُعتني بِغريبه لا بُدَّ لَهُ مِن :
1 : مَعرِفَةِ الحروفِ : وأكثَرُ مَن تكلَّمَ فيها النُّحاةُ .
2 : والأَسماءِ والأَفعالِ : وأَكثَرُ مَن تكلَّمَ فيها اللُّغَوِيّونَ .
3 : ومِنهُ : معرفةُ ما وُضِعَ لهُ الضَّميرُ ، وما يَعودُ عليه .
4 : والتَّذكيرِ والتَّأنيثِ .
5 : والتَّعريفِ والتَّنكيرِ .
6 : والخِطابِ بالاسمِ والفِعلِ .
• وأولى ما يُرجَعُ في غريبهِ إلى :
1 : تَفسير ابنِ عبَّاسٍ وغيره من الصَّحابَةِ .
2 : ودواوينِ العربِ .
• ويُبحَثُ عن كونِ الآيةِ [ وكَذا السّورَةِ ] :
1 : مُكمّلةً لِما قبلَها ، أو مُستقلّةً .
2 : وما وجه مُناسَبَتِها لِما قبلَها .
وَعن القراءة (الْمُتواترةِ الْمَشهورَةِ) و(الآحادِ) وكَذا الشَّاذَّةِ ؛ فَإنّها تُفسّر المَشهورةِ وتُبيِّن معانيها ؛ وإن كان لا تَجوزُ القِراءةُ بالشَّاذةِ إجماعاً .
البابُ الثَّامِنُ عَشَر : تِلاوَةُ القُرآنِ
• تُستَحَبُّ : تلاوة القرآن على أكملِ وجهٍ على أكملِ الأحوالِ ، والإكثار منها ، وهو أفضلُ من سائِرِ الذكرِ .
والترتيلُ : أَفضلُ من السُّرعةِ مع تبين الحروفِ وأشدُّ تأثيراً في القلبِ .
وينبغي إعطاء الحروفِ حَقَّها وتَرتيبُها وتلطيفِ النّطقِ بها من غيرِ إسرافٍ ولا تَعسُّفٍ ولا تكلُّفٍ .
• ويُسنُّ : تَحسينُ الصَّوتِ ، والتَّرَنُّمُ بِخشوعٍ وحُضورِ قلبٍ وتَفكّرٍ وتَفهّمٍ .
يُنفِذ اللفظ إلى الأسماعِ والمعاني إلى القلوبِ .(1/13)
قال الشيخُ في « زَيِّنُوا القُرآنَ بِأَصواتِكُمْ » هو : التَّحسينُ والتَّرَنُّمُ بِخشوعٍ وحُضورُ قلبٍ .
لا صرفُ الهِمَّةِ إلى ما حُجِبَ به أكثرُ التَّاسِ من : الوسوسةِ في خروجِ الحروفِ وترقيقِها وتفخيمِها وإمالتِها والنّطقِ بالمدِّ الطّويلِ والقَصيرِ والمتوسّطِ وشَغلهِ بالوَصلِ والفَصلِ والإضجاعِ والإرجاعِ والتَّطريبِ … وغيرِ ذلكَ مما هو مُفضٍ إلى : تغييرِ كتابِ اللهِ والتَّلاعُبِ بهِ والتَّنطّعِ [ مما يُحيل القلوبِ ويَقطَعُها ] عن فَهمِ مُرادِ الرِّبِّ من كلامِهِ .
ومن تأمَّل هدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلِّم وإقرارَهُ أهل كُلِّ لِسانٍ على قِراءَتِهِم : تبيَّن له أنَّ التنطّعَ بالوَسوسةِ في إخراجِ الحروفِ ليسَ من سُنّتهِ .
• وقال : يُكرَهُ التَّلحين الذي يُشبهُ الغِناءَ .
• واستحبَّ : بَعضُهُم القِراءةَ في المُصحَفِ .
ويُستحبُّ الخَتمُ كُلَّ أُسبوعٍ . والدّعاءُ بَعدَهُ . وتَحسينُ كِتابَةِ المُصحَفِ ، ولا يُخالِفُ خَطَّ مُصحَفِ عُثمانَ في واوٍ أو ياءٍ أو ألفٍ … أو غيرِ ذلكَ .
• ويَحرُمُ على المُحدِثِ :
1 : مَسُّهُ . 2 وسَفَرٌ بهِ لِدارِ حربٍ .
• ويَجب : احترامُهُ .
وصلَّى اللهُ على محمدٍ وآلِهِ وصَحبِهِ وسَلِّم(1/14)