- العهن: الصوف المصبوغ. قال تعالى: { كالعهن المنفوش } [القارعة/5]، وتخصيص العهن لما فيه من اللون كما ذكر في قوله: { فكانت وردة كالدهان } [الرحمن/37]، ورمى بالكلام على عواهنه (انظر: المجمل 3/634) أي: أورده من غير فكر وروية، وذلك كقولهم: أورده كلامه غير مفسر.
عاب
- العيب والعاب: الأمر الذي يصير به الشيء عيبة. أي: مقرا للنقص، وعبته جعلته معيبا إما بالفعل كما قال: { فأردت أن أعيبها } [الكهف/79]، وإما بالقول، وذلك إذا ذممته نحو قولك: عبت فلانا، والعيبة: ما يستر فيه الشيء، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: (الأنصار كرشي وعيبتي) (الحديث عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأنصار كرشي وعيبتي، وإن الناس سيكثرون ويقلون، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم) أخرجه البخاري 7/93؛ ومسلم 2510) أي: موضع سري.
عوج
- العوج: العطف عن حال الانتصاب، يقال: عجت البعير بزمامه، وفلان ما يعوج عن شيء يهم به، أي: ما يرجع، والعوج، والعوج يقال فيما يدرك بالبصر سهلا كالخشب المنتصب ونحوه. والعوج يقال فيما يدرك بالفكر والبصيرة كما يكون في أرض بسيط يعرف تفاوته بالبصيرة والدين والمعاش، قال تعالى: { قرآنا عربيا غير ذي عوج } [الزمر/28]، { ولم يجعل له عوجا } [الكهف/1]، { والذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا } [الأعراف/45]. والأعوج يكنى به عن سيء الخلق، والأعوجية (أعوج اسم فرس كان لهلال بن عامر، وقيل: هو فرس غني بن أعصر، وقيل: هما فرسان: أعوج الأكبر، وأعوج الأصغر. قال الغندجاني: وليس لهم فحل أشهر في العرب ولا أكثر نسلا، ولا الشعراء والفرسان أكثر ذكرا له وافتخارا به من أعوج. انظر: أسماء خيل العرب ص 36؛ وأنساب الخيل ص 16؛ والعقد الفريد 1/109) : منسوبة إلى أعوج، وهو فحل معروف.
عود(3/169)
- العود: الرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه إما انصرافا بالذات، أو بالقول والعزيمة. قال تعالى: { ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون } [المؤمنون/107]، { ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه } [الأنعام/28]، { ومن عاد فينتقم الله منه } [المائدة/95]، { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده } [الروم/27]، { ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } [البقرة/275]، { وإن عدتم عدنا } [الإسراء/8]، { وإن تعودوا نعد } [الأنفال/19]، { أو لتعودن في ملتنا } [الأعراف/88]، { فإن عدنا فإنا ظالمون } [المؤمنون/107]، { إن عدنا في ملتكم } { وما يكون لنا أن نعود فيها } [الأعراف/89]، وقوله: { والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا } [المجادلة/3]، فعند أهل الظاهر هو أن يقول للمرأة ذلك ثانيا، فحينئذ يلزمه الكفارة. وقوله: { ثم يعودون } كقوله: { فإن فاءوا } [البقرة/226].
وعند أبي حنيفة: العود في الظهار هو أن يجامعها بعد أن يظاهر منها (قال الجصاص: قال أصحابنا والليث بن سعد: الظهار يوجب تحريما لا يرفعه إلا الكفارة، ومعنى العود عندهم استباحة وطئها، فلا يفعله إلا بكفارة يقدمها.(3/170)
وقال الحسن: إذا أجمع رأي المظاهر على أن يجامع امرأته فقد لزمته الكفارة وإن أراد تركها بعد ذلك، لأن العود، هو الإجماع على مجامعتها. انظر: أحكام القرآن للجصاص 3/418). وعند الشافعي: هو إمساكها بعد وقوع الظهار عليها مدة يمكنه أن يطلق فيها فلم يفعل (انظر: أحكام القرآن لإلكيا الهراسي 4/404)، وقال بعض المتأخرين: المظاهرة هي يمين نحو أن يقال: امرأتي علي كظهر أمي إن فعلت كذا. فمتى فعل ذلك وحنث يلزمه من الكفارة ما بينه تعالى في هذا المكان. وقوله: { ثم يعودون لما قالوا } [المجادلة/3]، يحمل على فعل ما حلف له أن لا يفعل، وذلك كقولك: فلان حلف ثم عاد: إذا فعل ما حلف عليه. قال الأخفش: قوله: { لما قالوا } (سورة المجادلة: آية 3. وانظر: معاني القرآن للأخفش 2/496) متعلق بقوله: { فتحرير رقبة } (سورة المجادلة: آية 3. وانظر: معاني القرآن للأخفش 2/496)، وهذا يقوي القول الأخير. قال: ولزوم هذه الكفارة إذا حنث كلزوم الكفارة المبينة في الحلف بالله، والحنث في قوله: { فكفارته إطعام عشرة مساكين } [المائدة/89]، وإعادة الشيء كالحديث وغيره تكريره. قال تعالى: { سنعيدها سيرتها الأولى } [طه/21]، { أو يعيدوكم في ملتهم } [الكهف/ 20]. والعادة: اسم لتكرير الفعل والأنفعال حتى يصير ذلك سهلا تعاطيه كالطبع، ولذلك قيل: العادة طبيعة ثانية. والعيد: ما يعاود مرة بعد أخرى، وخص في الشريعة بيوم الفطر ويوم النحر، ولما كان ذلك اليوم مجعولا للسرور في الشريعة كما نبه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (أيام أكل وشرب وبعال) (الحديث عن عمر بن خلدة الأنصاري عن أمه رفعته قالت: بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا أيام التشريق ينادي: أيها الناس، إنها أيام أكل وشرب وبعال. أخرجه أحمد بن منيع ومسدد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد، وفيه ضعف. انظر: المطالب العالية 1/298.(3/171)
ولمسلم برقم (1141) : (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله)، وليس فيه: (وبعال) ) صار يستعمل العيد في كل يوم فيه مسرة، وعلى ذلك قوله تعالى: { أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا } [المائدة/114]. [والعيد: كل حالة تعاود الإنسان، والعائدة: كل نفع يرجع إلى الإنسان من شيء ما] (ما بين [ ] نقله السمين في الدر المصون 4/504)، والمعاد يقال للعود وللزمان الذي يعود فيه، وقد يكون للمكان الذي يعود إليه، قال تعالى: { إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد } [القصص/85]، قيل: أراد به مكة (وهذا قول ابن عباس والضحاك ومجاهد. انظر: الدر المنثور 6/445)، والصحيح ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام وذكره ابن عباس أن ذلك إشارة إلى الجنة التي خلقه فيها بالقوة في ظهر آدم (أخرج الحاكم في التاريخ والديلمي عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: { لرادك إلى معاد } قال: الجنة.
وعن ابن عباس في الآية قال: إلى معدنك من الجنة. انظر: الدر المنثور 6/447)، وأظهر منه حيث قال: { وإذ أخذ ربك من بني آدم... } الآية [الأعراف/172]. والعود: البعير المسن اعتبارا بمعاودته السير والعمل، أو بمعاودة السنين إياه، وعود سنة بعد سنة عليه، فعلى الأول يكون بمعنى الفاعل، وعلى الثاني بمعنى المفعول. والعود: الطريق القديم الذي يعود إليه السفر، ومن العود: عيادة المريض، والعيدية: إبل منسوبة إلى فحل يقال له: عيد، والعود قيل: هو في الأصل الخشب الذي من شأنه أن يعود إذا قطع، وقد خص بالمزهر المعروف وبالذي يتبخر به.
عوذ(3/172)
- العوذ: الالتجاء إلى الغير والتعلق به. يقال: عاذ فلان بفلان، ومنه قوله تعالى: { أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين } [البقرة/67]، { وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون } [الدخان/20]، { قل أعوذ برب } [الفلق/1]، { إني أعوذ بالرحمن } [مريم/18]. وأعذته بالله أعيذه. قال: { إني أعيذها بك } [آل عمران /36]، وقوله: { معاذ الله } [يوسف/79]، أي: نلتجئ إليه ونستنصر به أن نفعل ذلك، فإن ذلك سوء نتحاشى من تعاطيه. والعوذة: ما يعاذ به من الشيء، ومنه قيل: للتميمة والرقية: عوذة، وعوذه: إذا وقاه، وكل أنثى وضعت فهي عائذ إلى سبعة أيام.
عور
- العورة سوأة الإنسان، وذلك كناية، وأصلها من العار وذلك لما يلحق في ظهوره من العار أي: المذمة، ولذلك سمي النساء عورة، ومن ذلك: العوراء للكلمة القبيحة، وعورت عينه عورا (قال السرقسطي: عورت العين عورا، وأعورت: ذهب بصرها: انظر الأفعال 1/201)، وعارت عينه عورا (قال السرقسطي: عار عين الرجل عورا، وأعورها: فقأها. قال: وزاد أبو حاتم: وأعرتها وعورتها. انظر: الأفعال 1/203)، وعورتها، وعنه استعير: عورت البئر، وقيل للغراب: الأعور، لحدة نظره، وذلك على عكس المعنى ولذلك قال الشاعر:
- 235 - وصحاح العيون يدعون عورا
(الشطر في اللسان (عور) دون نسبة؛ وتهذيب اللغة 3/171؛ وعمدة الحفاظ: عور)(3/173)
والعوار والعورة: شق في الشيء كالثوب والبيت ونحوه. قال تعالى: { إن بيوتنا عورة وما هي بعورة } [الأحزاب/13]، أي: متخرقة ممكنة لمن أرادها، ومنه قيل: فلان يحفظ عورته، أي: خلله، وقوله: { ثلاث عورات لكم } [النور/58]، أي: نصف النهار وآخر الليل، وبعد العشاء الآخرة، وقوله: { الذين لم يظهروا على عورات النساء } [النور/31]، أي: لم يبلغوا الحلم. وسهم عائر: لا يدرى من أين جاء، ولفلان عائرة عين من المال (انظر: المجمل 3/636؛ وأساس البلاغة ص 316). أي: ما يعور العين ويحيرها لكثرته، والمعاورة قيل في معنى الاستعارة. والعارية فعلية من ذلك، ولهذا يقال: تعاوره العواري (انظر: اللسان (عور) )، وقال بعضهم (هو الخليل في العين 2/239 قال ابن منظور: وهو قويل ضعيف) : هو من العار؛لأن دفعها يورث المذمة والعار، كما قيل في المثل: (إنه قيل للعارية أين تذهبين؟ فقالت: أجلب إلى أهلي مذمة وعارا) (انظر: البصائر 4/112؛ وأمثال أبي عبيد ص 297؛ ومجمع الأمثال 2/189)، وقيل: هذا لا يصح من حيث الاشتقاق؛ فإن العارية من الواو بدلالة: تعاورنا، والعار من الياء لقولهم: عيرته بكذا.
عير(3/174)
- العير: القوم الذين معهم أحمال الميرة، وذلك اسم للرجال والجمال الحاملة للميرة، وإن كان قد يستعمل في كل واحد من دون الآخر. قال تعالى: { ولما فصلت العير } [يوسف/94]، { أيتها العير إنكم لسارقون } [يوسف /70]، { والعير التي أقبلنا فيها } [يوسف/82]، والعير يقال للحمار الوحشي، وللناشز على ظهر القدم، ولإنسان العين، ولما تحت غضروف الأذن، ولما يعلو الماء من الغثاء، وللوتد، ولحرف النصل في وسطه، فإن يكن استعماله في كل ذلك صحيحا ففي مناسبة بعضها لبعض منه تعسف. والعيار: تقدير المكيال والميزان، ومنه قيل: عيرت الدنانير، وعيرته: ذممته، من العار، وقولهم: تعاير بنو فلان، قيل: معناه تذاكروا العار. وقيل: تعاطوا العيارة، أي: فعل العير في الانفلات والتخلية، ومنه: عارت الدابة تعير (قال السرقسطي: عار الفرس والكلب: أفلت وذهب في الناس، وعار البعير يعير وعيرانا: ترك شوله وذهب إلى أخرى ليقرعها. انظر: الأفعال 1/245) إذا انفلتت، وقيل: فلان عيار.
عيس
- عيسى اسم علم، وإذا جعل عربيا أمكن أن يكون من قولهم: بعير أعيس، وناقة عيساء، وجمعها عيس، وهي إبل بيض يعتري بياضها ظلمة، أو من العيس وهو ماء الفحل يقال: عاسها يعيسها (في الأفعال 1/310: عاس الفحل عيسا: ضرب النوق، والعيس: ماؤه).
عيش
- العيش: الحياة المختصة بالحيوان، وهو أخص من الحياة؛ لأن الحياة تقال في الحيوان، وفي الباري تعالى، وفي الملك، ويشتق منه المعيشة لما يتعيش منه. قال تعالى: { نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا } [الزخرف/32]، { معيشة ضنكا } [طه/124]، { لكم فيها معايش } [الأعراف/ 10]، { وجعلنا لكم فيها معايش } [الحجر/20]. وقال في أهل الجنة: { فهو في عيشة راضية } [القارعة/7]، وقال عليه السلام: (لا عيش إلا عيش الآخرة) (عن أنس بن مالك قال: قالت الأنصار يوم الخندق:
نحن الذين بايعوا محمدا * على الجهاد ما بقينا أبدا(3/175)
فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لا عيش إلا عيش الآخرة، فأكرم الأنصار والمهاجره) رواه البخاري 7/90 في فضائل الصحابة؛ ومسلم 1805؛ وأحمد 3/170).
عوق
- العائق: الصارف عما يراد من خير، ومنه: عوائق الدهر، يقال: عاقة وعوقة واعتاقه. قال تعالى: { قد يعلم الله المعوقين } [الأحزاب/18]، أي: المثبطين الصارفين عن طريق الخير، ورجل عوق وعوقة: يعوق الناس عن الخير، ويعوق: اسم صنم.
عول
- عاله وغاله يتقاربان. العول يقال فيما يهلك، والعول فيما يثقل، يقال: ما عالك فهو عائل لي (انظر: المجمل 3/639)، ومنه: العول، وهو ترك النصفة بأخذ الزيادة. قال تعالى: { ذلك أدنى ألا تعولوا } [النساء/3]، ومنه: عالت الفريضة: إذا زادت في القسمة المسماة لأصحابها بالنص، والتعويل: الاعتماد على الغير فيما يثقل، ومنه: العول وهو ما يثقل من المصيبة، فيقال: ويله وعوله (قال الأزهري: وأما قولهم: ويله وعوله، فإن العول البكاء، وقال أبو طالب: النصب فيهما على الدعاء والذم.
انظر: اللسان (عول)، (بتصرف) )، ومنه: العيال، الواحد عيل لما فيه من الثقل، وعاله: تحمل ثقل مؤنته، ومنه قوله عليه السلام: (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول) (أخرجه بهذه الرواية الحكيم الترمذي في نوادر الأصول 1/65.
وعن حكيم بن حزام عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول) أخرجه البخاري والنسائي. انظر: فتح الباري 3/294: الزكاة: باب: لا صدقة إلا عن ظهر غنى؛ والنسائي 5/61 - 62) وأعال: إذا كثر عياله (وهذا قال به الشافعي، ونقله الكسائي عن العرب الفصحاء. انظر: تهذيب اللغة (عول) ؛ وغريب الحديث للخطابي 2/138).
عيل(3/176)
- قال تعالى: { وإن خفتم عيلة } [التوبة/28]، أي: فقرا. ويقال: عال الرجل: إذا افتقر يعيل عيلة فهو عائل (انظر: الأفعال 1/244)، وأما أعال: إذا كثر عياله فمن بنات الواو، وقوله: { ووجدك عائلا فأغنى } (سورة الضحى: آية 8) أي: أزال عنك فقر النفس وجعل لك الغنى الأكبر المعني بقوله عليه السلام: (الغنى غنى النفس) (الحديث سيأتي ثانية في مادة (غنى)، وانظر الكلام عليه فيها). وقيل: (ما عال مقتصد) (الحديث عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما عال مقتصد قط) أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله وثقوا، وفي بعضهم خلاف. انظر: مجمع الزوائد 10/255. وقد تقدم ص 591)، وقيل: ووجدك فقيرا إلى رحمة الله وعفوه، فأغناك بمغفرته لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر.
عوم
- العام كالسنة، لكن كثيرا ما تستعمل السنة في الحول الذي يكون فيه الشدة أو الجدب. ولهذا يعبر عن الجدب بالسنة، والعام بما فيه الرخاء والخصب، قال: { عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون } [يوسف/49]، وقوله: { فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما } [العنكبوت/14]، ففي كون المستثنى منه بالسنة والمستثنى بالعام لطيفة (قال برهان الدين البقاعي: وعبر بفلظ (سنة) ذما لأيام الكفر، وقال: (عاما) إشارة إلى أن زمان حياته عليه الصلاة والسلام بعد إغراقهم كان رغدا واسعا حسنا بإيمان المؤمنين، وخصب الأرض. انظر: نظم الدرر 14/404) موضعها فيما بعد هذا الكتاب إن شاء الله، والعوم السباحة، وقيل: سمي السنة عاما لعوم الشمس في جميع بروجها، ويدل على معنى العوم قوله: { وكل في فلك يسبحون } [الأنبياء/33].
عون(3/177)
- العون: المعاونة والمظاهرة، يقال: فلان عوني، أي: معيني، وقد أعنته. قال تعالى: { فأعينوني بقوة } [الكهف/95]، { وأعانه عليه قوم آخرون } [الفرقان /4]. التعاون: التظاهر. قال تعالى: { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } [المائدة/2]. والاستعانة: طلب العون. قال: { استعينوا بالصبر والصلاة } [البقرة/45]، والعوان: المتوسط بين السنين، وجعل كناية عن المسنة من النساء اعتبارا بنحو قول الشاعر:
- 336 - فإن أتوك فقالوا: إنها نصف * فإن أمثل نصفيها الذي ذهبا
(البيت في اللسان (نصف) دون نسبة؛ والمخصص 1/41؛ وعيون الأخبار 10/423)
قال: { عوان بين ذلك } [البقرة/68]، واستعير للحرب التي قد تكررت وقدمت. وقيل العوانة للنخلة القديمة، والعانة: قطيع من حمر الوحش، وجمع على عانات وعون، وعانة الرجل: شعره النابت على فرجه، وتصغيره: عوينه.
عين
- العين الجارحة. قال تعالى: { والعين بالعين } [المائدة/45]، { لطمسنا على أعينهم } [يس/66]، { وأعينهم تفيض من الدمع } [التوبة/92]، { قرة عين لي ولك } [القصص/9]، { كي تقر عينها } [طه/40]، ويقال لذي العين: عين (قال ابن منظور: والعين: الذي ينظر للقوم، سمي بذلك لأنه إنما ينظر بعينه. انظر: اللسان (عين) )، وللمراعي للشيء عين، وفلان بعيني، أي: أحفظه وأراعيه، كقولك: هو بمرأى مني ومسمع، قال: { فإنك بأعيننا } [الطور/48]، وقال: { تجري بأعيننا } [القمر/14]، { واصنع الفلك بأعيننا } [هود/37]، أي: بحيث نرى ونحفظ.
{ ولتصنع على عيني } [طه/39]، أي: بكلاءتي وحفظي. ومنه: عين الله عليك أي: كنت في حفظ الله ورعايته، وقيل: جعل ذلك حفظته وجنوده الذين يحفظونه، وجمعه: أعين وعيون. قال تعالى: { ولا أقول للذين تزدري أعينكم } [هود/31]، { ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين } [الفرقان/74].(3/178)
ويستعار العين لمعان هي موجودة في الجارحة بنظرات مختلفة، واستعير للثقب في المزادة تشبيها بها في الهيئة، وفي سيلان الماء منها فاشتق منها: سقاء عين ومتعين: إذا سال منها الماء، وقولهم: عين قربتك (انظر: المجمل 3/641؛ واللسان (عين) )، أي: صب فيها ما ينسد بسيلانه آثار خرزه، وقيل للمتجسس: عين تشبيها بها في نظرها، وذلك كما تسمى المرأة فرجا، والمركوب ظهرا، فيقال: فلان يملك كذا فرجا وكذا ظهرا لما كان المقصود منهما العضوين، وقيل للذهب: عين تشبيها بها في كونها أفضل الجواهر، كما أن هذه الجارحة أفضل الجوارح ومنه قيل: أعيان القوم لأفاضلهم، وأعيان الإخوة: لبني أب وأم، قال بعضهم: العين إذا استعمل في معنى ذات الشيء فيقال: كل ماله عين، فكاستعمال الرقبة في المماليك، وتسمية النساء بالفرج من حيث إنه هو المقصود منهن، ويقال لمنبع الماء: عين تشبيها بها لما فيها من الماء، ومن عين الماء اشتق: ماء معين.(3/179)
أي: ظاهر للعيون، وعين أي: سائل. قال تعالى: { عينا فيها تسمى سلسبيلا } [الإنسان/18]، { وفجرنا الأرض عيونا } [القمر/12]، { فيهما عينان تجريان } [الرحمن/50]، { عينان نضاختان } [الرحمن/66]، { وأسلنا له عين القطر } [سبأ/12]، { في جنات وعيون } [الحجر/45]، { من جنات وعيون } [الشعراء/57]، و { جنات وعيون * وزروع } [الدخان/25 - 26]. عنت الرجل: أصبت عينه، نحو: رأسته وفأدته، وعنته: أصبته بعيني نحو سفته: أصبته بسيفي، وذلك أنه يجعل تارة من الجارحة المضروبة نحو: رأسته وفأدته، وتارة من الجارحة التي هي آلة في الضرب فيجري مجرى سفته ورمحته، وعلى نحوه في المعنيين قولهم: يديت، فإنه يقال إذا أصبت يده، وإذا أصبته بيدك، وتقول: عنت البئر أثرت عين مائها، قال: { إلى ربوة ذات قرار ومعين } [المؤمنون/50]، { فمن يأتيكم بماء معين } [الملك/30]. وقيل: الميم فيه أصلية، وإنما هو من: معنت (انظر معاني القرآن للفراء 2/237). وتستعار العين للميل في الميزان ويقال لبقر الوحش: أعين وعيناء لحسن عينه، وجمعها: عين، وبها شبه النساء. قال تعالى: { قاصرات الطرف عين } [الصافات/48]، { وحور عين } [الواقعة/22].
عيي
- الإعياء: عجز يلحق البدن من المشي، والعي. عجز يلحق من تولي الأمر والكلام. قال: { أفعيينا بالخلق الأول } [ق/15]، { ولم يعي بخلقهن } [الأحقاف/33]، ومنه: عي في منطقه عيا فهو عيي (انظر: الأفعال 1/241)، ورجل عياياء طباقاء (في اللسان: ورجل عياياء: إذا عي بالأمر والمنطق.
وقال أبو عبيد: العياياء من الإبل: الذي لا يضرب ولا يلقح، وكذلك هو من الرجال. انظر: لسان العرب (عين).
- وقال ابن منظور: ورجل طبقاء: أحمق، وقيل: هو الذي لا ينكح.(3/180)
وفي حديث أم زرع: فقالت إحداهن: زوجي عياياء طباقاء، كل داء له داء. انظر: اللسان (طبق) ). إذا عيي بالكلام والأمر، وداء عياء (في اللسان: الداء العياء: الذي لا دواء له، ويقال: الداء العياء: الحمق. انظر: اللسان (عيى) ) : لا دواء له، والله أعلم.
كتاب الغين
غبر
- الغابر: الماكث بعد مضي ما هو معه. قال: { إلا عجوزا في الغابرين } [الشعراء/171]، يعني: فيمن طال أعمارهم، وقيل: فيمن بقي ولم يسر مع لوط. وقيل: فيمن بقي بعد في العذاب، وفي آخر: { إلا امرأتك كانت من الغابرين } [العنكبوت/33]، وفي آخر: { قدرنا إنها لمن الغابرين } [الحجر/ 60]، ومنه: الغبرة: البقية في الضرع من اللبن، وجمعه: أغبار، وغبر الحيض، وغبر الليل. والغبار: ما يبقى من التراب المثار، وجعل على بناء الدخان والعثار ونحوهما من البقايا، وقد غبر الغبار، أي: ارتفع، وقيل: للماضي غابر، وللباقي غابر (قال ابن الأنباري: الغابر حرف من الأضداد. يقال: غابر للماضي، وغابر للباقي. انظر: الأضداد ص 129)، فإن يك ذلك صحيحا، فإنما قيل للماضي غابر تصورا بمضي الغبار عن الأرض، وقيل للباقي غابر تصورا بتخلف الغبار عن الذي يعدو فيخلفه، ومن الغبار اشتق الغبرة: وهو ما يعلق بالشيء من الغبار وما كان على لونه، قال: { ووجوه يومئذ عليها غبرة } [عبس/40]، كناية عن تغير الوجه للغم، كقوله: { ظل وجهه مسودا } [النحل/58]، يقال: غبر غبرة، واغبر واغبار، قال طرفة:
- 337 - رأيت بني غبراء لا ينكرونني
(شطر بيت من معلقته، وعجزه:
ولا أهل هذاك الطرف الممدد
وهو في ديوانه ص 31؛ وشرح القصائد المشهورات 1/79)(3/181)
أي: بني المفازة المغبرة، وذلك كقولهم: بنو السبيل. وداهية غبراء؛ إما من قولهم: غبر الشيء. وقع في الغبار كأنها تغبر الإنسان، أو من الغبر، أي: البقية، والمعنى: داهية باقية لا تنقضي، أو من غبرة اللون فهو كقولهم: داهية زباء (يقال: داهية دهواء، وزباء، وشعراء، وغبراء) أو من غبرة اللبن فكلها الداهية التي إذا انقضت بقي لها أثر، أو من قولهم: عرق غبر، أي ينتفض مرة بعد أخرى، وقد غبر العرق، والغبيراء: نبت معروف، وثمر على هيئته ولونه.
غبن
- الغبن: أن تبخس صاحبك في معاملة بينك وبينه بضرب من الإخفاء، فإن كان ذلك في مال يقال: غبن فلان، وإن كان في رأي يقال: غبن (قال أبو عثمان السرقسطي: غبنه في البيع غبنا: نقصه، وغبن الثوب: كفه، وغبن الشيء: أخفاه. وغبن رأيه غبنا: ضعف، وغبن رأيه: ضعف. انظر: الأفعال 2/33.
وقال ابن منظور: الغبن بالتسكين في البيع، والغبن بالفتح في الرأي)، وغبنت كذا غبنا: إذا غفلت عنه فعددت ذلك غبنا، ويوم التغابن: يوم القيامة لظهور الغبن في المبايعة المشار إليها بقوله: { ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله } [البقرة/207]، وبقوله: { إن الله اشترى من المؤمنين... } الآية [التوبة/111]، وبقوله: { الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا } [آل عمران/77]، فعلموا أنهم غبنوا فيما تركوا من المبايعة، وفيما تعاطوه من ذلك جميعا، وسئل بعضهم عن يوم التغابن؟ فقال: تبدوا الأشياء لهم بخلاف مقاديرهم في الدنيا، قال بعض المفسرين: أصل الغبن: إخفاء الشيء، والغبن بالفتح: الموضع الذي يخفى فيه الشيء، وأنشد:
- 338 - ولم أر مثل الفتيان في غبن ال * أيام ينسون ما عواقبها
(البيت لعدي بن زيد، وهو في الشعر والشعراء ص 131؛ والمسائل العضديات ص 166؛ وديوانه ص 45)
وسمي كل منثن من الأعضاء كأصول الفخذين والمرافق مغابن لاستتاره، ويقال للمرأة: إنها طيبة المغابن.
غثا(3/182)
- الغثاء: غثاء السيل والقدر، وهو ما يطفح ويتفرق من النبات اليابس، وزبد القدر، ويضرب به المثل فيما يضيع ويذهب غير معتد به، ويقال: غثا الوادي غثوا، وغثت نفسه تغثي (قال أبو عثمان السرقسطي: غثت النفس تغثي غثيا وغثى وغثيانا: دارت للقيء.
وقال: قال صاحب العين: وغثيت أيضا، وأنكره الأصمعي. راجع: الأفعال 2/42) غثيانا: خبثت.
غدر
- الغدرك الإخلال بالشيء وتركه، والغدر يقال لترك العهد، ومنه قيل: فلان غادر، وجمعه: غدرة، وغدار: كثير الغدر، والأغدر والغدير: الماء الذي يغادره السيل في مستنقع ينتهي إليه، وجمعه: غدر وغدران، واستغدر الغدير: صار فيه الماء، والغديرة: الشعر الذي ترك حتى طال، وجمعها غدائر، وغادره: تركه. قال تعالى: { لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها } [الكهف/49]، وقال: { فلم نغادر منهم أحدا } [الكهف/47]، وغدرت الشاة: تخلفت فهي غدرة، وقيل للجحرة واللخافيق (اللخفافيق واحدها: لخفوق، وهي شقوق في الأرض، وقال بعضهم: أصلها الأخافيق. انظر: اللسان (غدر) ) التي يغادرها البعير والفرس غائرا: غدر (انظر: المجمل 3/692؛ واللسان (غدر). والجحرة: جمع جحر، وانظر ديوان الأدب 1/212)، ومنه قيل: ما أثبت غدر هذا الفرس، ثم جعل مثلا لمن له ثبات، فقيل: ما أثبت غدره (يقال هذا للرجل إذا كان لسانه يثبت في موضع الزلل والخصومة. انظر: اللسان (غدر) ؛ وعمدة الحفاظ: غدر).
غدق
- قال تعالى: { لأسقيناهم ماء غدقا } [الجن/16]، أي: غزيرا، ومنه: غدقت عينه تغدق (انظر: المجمل 3/6692؛ والأفعال 2/4)، والغيداق يقال فيما يغزر من ماء وعدو ونطق.
غدا(3/183)
- الغدوة والغداة من أول النهار، وقوبل في القرآن الغدو بالآصال، نحو قوله: { بالغدو والآصال } [الأعراف/205]، وقوبل الغداة بالعشي، قال: { بالغداة والعشي } [الأنعام/52]، { غدوها شهر ورواحها شهر } [سبأ/12]. والغادية: السحاب ينشأ غدوة، والغداء: طعام يتناول في ذلك الوقت، وقد غدوت أغدو، قال: { أن اغدوا على حرثكم } [القلم/22]، وغد يقال لليوم الذي يلي يومك الذي أنت فيه، قال: { سيعلمون غدا } [القمر/26]، ونحوه.
غرر
- يقال: غررت فلانا: أصبت غرته ونلت منه ما أريده، والغرة: غفلة في اليقظة، والغرار: غفلة مع غفوة، وأصل ذلك من الغر، وهو الأثر الظاهر من الشيء، ومنه: غرة الفرس. وغرار السيف أي: حده، وغر الثوب: أثر كسره، وقيل: اطوه على غره (انظر: المجمل 3/681؛ واللسان (غرر) ؛ وعمدة الحفاظ: غرر)، وغره كذا غرورا كأنما طواه على غره. قال تعالى: { ما غرك بربك الكريم } [الانفطار/6]، { لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد } [آل عمران/196]، وقال: { وما يعدهم الشيطان إلا غرورا } [النساء /120]، وقال: { بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا } [فاطر/40]، وقال: { يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا } [الأنعام/112]، وقال: { وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } [آل عمران/185]، { وغرتهم الحياة الدنيا } [الأنعام/70]، { وما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا } [الأحزاب /12]، { ولا يغرنكم بالله الغرور } [لقمان/33]، فالغرور: كل ما يغر الإنسان من مال وجاه وشهوة وشيطان، وقد فسر بالشيطان إذ هو أخبث الغارين، وبالدنيا لما قيل: الدنيا تغر وتضر وتمر (لم أجد صاحب هذا القول. وهو في البصائر 4/129، وعمدة الحفاظ: غرر)، والغرر: الخطر، وهو من الغر، (ونهي عن بيع الغرر) (عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر، وبيع الحصاة.(3/184)
أخرجه مسلم في البيوع برقم (1513) ؛ وأبو داود: باب بيع الغرر برقم (3376) ؛ والنسائي 7/262؛ وابن ماجه في التجارات (برقم 2194). وانظر: جامع الأصول 1/527). والغرير: الخلق الحسن اعتبارا بأنه يغر، وقيل: فلان أدبر غريره وأقبل هريره (قال ابن فارس: يقال للشيخ: أدبر غريره وأقبل هريره. انظر: المجمل 3/682؛ وعمدة الحفاظ: غرر)، فباعتبار غرة الفرس وشهرته بها قيل: فلان أغر إذا كان مشهورا كريما، وقيل: الغرر لثلاث ليال من أول الشهر لكون ذلك منه كالغرة من الفرس، وغرار السيف: حده، والغرار: لبن قليل، وغارت الناقة: قل لبنها بعد أن ظن أن لا يقل، فكأنها غرت صاحبها.
غرب
- الغرب: غيبوبة الشمس، يقال: غربت تغرب غربا وغروبا، ومغرب الشمس ومغيربانها. قال تعالى: { رب المشرق والمغرب } [الشعراء/28]، { رب المشرقين ورب المغربين } [الرحمن/17]، { برب المشارق والمغارب } [المعارج/40]، وقد تقدم الكلام في ذكرهما مثنيين ومجموعين (تقدم هذا في مادة (شرق) )، وقال: { لا شرقية ولا غربية } [النور/35]، وقال: { حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب } [الكهف/86]، وقيل لكل متباعد: غريب، ولكل شيء فيما بين جنسه عديم النظير: غريب، وعلى هذا قوله عليه الصلاة والسلام: (بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ) (عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الإسلام بدأ غريبا، وسيعود كما بدأ، فطوبى للغرباء. قيل: ومن الغرباء؟ قال: النزاع من القبائل).(3/185)
أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، دون قوله: ومن الغرباء... إلخ، وأخرجه أحمد 5/296) وقيل: العلماء غرباء؛ لقلتهم فيما بين الجهال، والغراب سمي لكونه مبعدا في الذهاب. قال تعالى: { فبعث الله غرابا يبحث } [المائدة/ 31]، وغارب السنام لبعده عن المنال، وغرب السيف لغروبه في الضريبة (قال ابن منظور: غرب السيف، أي: كانت تدارى حدته وتتقى. انظر: اللسان (غرب) )، وهو مصدر في معنى الفاعل، وشبه به حد اللسان كتشبيه اللسان بالسيف، فقيل: غرب اللسان، وسمي الدلو غربا لتصور بعدها في البئر، وأغرب الساقي: تناول الغرب، والغرب: الذهب (في اللسان: الغرب: الذهب، وقيل: الفضة) لكونه غريبا فيما بين الجواهر الأرضية، ومنه: سهم غرب: لا يدرى من رماه. ومنه: نظر غرب: ليس بقاصد، والغرب: شجر لا يثمر لتباعده من الثمرات، وعنقاء مغرب، وصف بذلك لأنه يقال: كان طيرا تناول جارية فأغرب (انظر: ثمار القلوب ص 450؛ والحيوان 7/120؛ وحياة الحيوان 2/87) بها. يقال عنقاء مغرب، وعنقاء مغرب بالإضافة. والغرابان: نقرتان عند صلوي العجز تشبيها بالغراب في الهيئة، والمغرب: الأبيض الأشفار، كأنما أغربت عينه في ذلك البياض. { وغرابيب سود } [فاطر/27]، قيل: جمع غربيب، وهو المشبه للغراب في السواد كقولك: أسود كحلك الغراب.
غرض
- الغرض الهدف المقصود بالرمي، ثم جعل اسما لكل غاية يتحرى إدراكها، وجمعه: إغراض، فالغرض ضربان: غرض ناقص وهو الذي يتشوق بعده شيء آخر كاليسار والرئاسة ونحو ذلك مما يكون من أغراض الناس، وتام وهو الذي لا يتشوق بعده شيء آخر كالجنة.
غرف(3/186)
- الغرف: رفع الشيء وتناوله، يقال: غرفت الماء والمرق، والغرفة: ما يغترف، والغرفة للمرة، والمغرفة: لما يتناول به. قال تعالى: { إلا من اغترف غرفة بيده } [البقرة/249]، ومنه استعير: غرفت عرف الفرس: إذا جززته (راجع المجمل 3/694)، وغرفت الشجرة، والغرف: شجر معروف، وغرفت الإبل: اشتكت من أكله (قال السرقسطي: غرفت الإبل: اشتكت بطونها من أكل الغرف. انظر: الأفعال 2/16)، والغرفة: علية من البناء، وسمي منازل الجنة غرفا. قال تعالى: { أولئك يجزون الغرفة بما صبروا } [الفرقان/75]، وقال: { لنبوئنهم من الجنة غرفا } [العنكبوت/58]، { وهم في الغرفات آمنون } [سبأ/37].
غرق
- الغرق: الرسوب في الماء وفي البلاء، وغرق فلان يغرق غرقا، وأغرقه. قال تعالى: { حتى إذا أدركه الغرق } [يونس/90]، وفلان غرق في نعمة فلان تشبيها بذلك. قال تعالى: { وأغرقنا آل فرعون } [البقرة/50]، { فأغرقناه ومن معه أجمعين } [الإسراء/103]، { ثم أغرقنا الآخرين } [الشعراء /66]، { ثم أغرقنا بعد الباقين } [الشعراء/120]، { وإن نشأ نغرقهم } [يس/43]، { أغرقوا فأدخلوا نارا } [نوح/25]، { فكان من المغرقين } [هود/43].
غرم
- الغرم: ما ينوب الإنسان في ماله من ضرر لغير جناية منه، أو خيانة، يقال: غرم كذا غرما ومغرما، وأغرم فلان غرامة. قال تعالى: { إنا لمغرمون } [الواقعة/66]، { فهم من مغرم مثقلون } [القلم/46]، { يتخذ ما ينفق مغرما } [التوبة/98]. والغريم يقال لمن له الدين، ولمن عليه الدين. قال تعالى: { والغارمين وفي سبيل الله } [التوبة/60]، والغرام: ما ينوب الإنسان من شدة ومصيبة، قال: { إن عذابها كان غراما } [الفرقان/65]، من قولهم: هو مغرم بالنساء، أي: يلازمهن ملازمة الغريم. قال الحسن: كل غريم مفارق غريمه إلا النار (أخرج هذا ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وغيرهما. انظر: الدر المنثور 6/274)، وقيل: معناه: مشغوفا بإهلاكه.
غرا(3/187)
- غري بكذا (انظر: الأفعال 2/4)، أي: لهج له ولصق، أصل ذلك من الغراء، وهو ما يلصق به، وقد أغربت فلانا بكذا، نحو: ألهجت به. قال تعالى: { وأغرينا بينهم العداوة والبغضاء } [المائدة/14]، { لنغرينك بهم } [الأحزاب/60].
غزل
- قال تعالى: { ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها } [النحل/92]، وقد غزلت غزلها. والغزال: ولد الظبية، والغزالة: قرصة الشمس، وكني بالغزل والمغازلة عن مشافنة (الشفن: النظر بمؤخر العين) المرأة التي كأنها غزال، وغزل الكلب غزلا: إذا أدرك الغزال فلهي عنه بعد إدراكه.
غزا
- الغزو: الخروج إلى محاربة العدو، وقد غزا يغزو غزوا، فهو غاز، وجمعه غزاة وغزى. قال تعالى: { أو كانوا غزى } [آل عمران/156].
غسق
- غسق الليل: شدة ظلمته. قال تعالى: { إلى غسق الليل } [الإسراء/78]، والغاسق: الليل المظلم. قال: { ومن شر غاسق إذا وقب } [الفلق/3]، وذلك عبارة عن النائبة بالليل كالطارق، وقيل: القمر إذا كسف فاسود. والغساق: ما يقطر من جلود أهل النار، قال: { إلا حميما وغساقا } [عم/25].
غسل
- غسلت الشيء غسلا: أسلت عليه الماء فأزلت درنه، والغسل الاسم، والغسل: ما يغسل به. قال تعالى: { فاغسلوا وجوهكم وأيديكم... } الآية [المائدة/6]، والاغتسال: غسل البدن، قال: { حتى تغتسلوا } [النساء/43]، والمغتسل: الموضع الذي يغتسل منه، والماء الذي يغتسل به، قال: { وهذا مغتسل بارد وشراب } [ص/42]. والغسلين: غسالة أبدان الكفار في النار (أخرجه ابن جرير عن ابن عباس 29/65). قال تعالى: { ولا طعام إلا من غسلين } [الحاقة/36].
غشي(3/188)
- غشيه غشاوة وغشاء: أتاه إتيان ما قد غشيه، أي: ستره. والغشاوة: ما يغطى به الشيء، قال: { وجعل على بصره غشاوة } [الجاثية/23]، { وعلى أبصارهم غشاوة } [البقرة/7]، يقال: غشيه وتغشاه، وغشيته كذا. قال: { وإذا غشيهم موج } [لقمان/32]، { فغشيهم من اليم ما غشيهم } [طه/78]، { وتغشى وجوههم النار } [إبراهيم/50]، { إذ يغشى السدرة ما يغشى } [النجم/16]، { والليل إذا يغشى } [الليل/1]، { إذ يغشيكم النعاس } [الأنفال/11]. وغشيت موضع كذا: أتيته، وكني بذلك عن الجماع. يقال: غشاها وتغشاها. { فلما تغشاها حملت } [الأعراف/189]. وكذا الغشيان، والغاشية: كل ما يغطي الشيء كغاشية السرج، وقوله: { أن تأتيهم غاشية } [يوسف/107] أي: نائبة تغشاهم وتجللهم. وقيل: الغاشية في الأصل محمودة وإنما استعير لفظها ههنا على نحو قوله: { لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش } [الأعراف/41]، وقوله: { هل أتاك حديث الغاشية } [الغاشية/1]، كناية عن القيامة، وجمعها: غواش، وغشي على فلان: إذا نابه ما غشي فهمه. قال تعالى: { كالذي يغشى عليه من الموت } [الأحزاب/19]، { نظر المغشي عليه من الموت } [محمد/ 20]، { فأغشيناهم فهم لا يبصرون } [يس/9]، { وعلى أبصارهم غشاوة } [البقرة/7]، { كأنما أغشيت وجوههم } [يونس/27]، { واستغشوا ثيابهم } [نوح/ 7]، أي: جعلوها غشاوة على أسماعهم، وذلك عبارة عن الامتناع من الإصغاء، وقيل: (استغشوا ثيابهم) كناية عن العدو كقولهم: شمر ذيلا وألقى ثوبه، ويقال: غشيته سوطا أو سيفا، ككسوته وعممته.
الغصة:
الشجاة التي يغص بها الحلق. قال تعالى: { وطعاما ذا غصة } [المزمل/13].
غض
- الغض: النقصان من الطرف، والصوت، وما في الإناء. يقال: غض وأغض. قال تعالى: { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } [النور/30]، { وقل للمؤمنات يغضضن } [النور/31]، { وأغضض من صوتك } [لقمان/19]، وقول الشاعر:
- 339 - فغض الطرف إنك من نمير
(الشطر لجرير، وعجزه:(3/189)
فلا كعبا بلغت ولا كلابا
وهو من قصيدة يهجو بها الراعي، ومطلعها:
أقلي اللوم عاذل والعتابا * وقولي إن أصبت لقد أصابا
وهو في ديوانه ص 61)
فعلى سبيل التهكم، وغضضت السقاء: نقصت مما فيه، الطري الذي لم يطل مكثه.
غضب
- الغضب: ثوران دم القلب إرادة الانتقام، ولذلك قال عليه السلام: (اتقوا الغضب فإنه جمرة توقد في قلب ابن آدم، ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه) (الحديث عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم، أما رأيتم إلى حمرة عينيه، وانتفاخ أوداجه، فمن أحس بشيء من ذلك فليلصق بالأرض).
أخرجه الترمذي من حديث طويل، وقال: حسن صحيح (انظر: كتاب الفتن في عارضة الأحوذي 9/43) ؛ وتخريج أحاديث الإحياء 4/1802؛ ومسند أحمد 3/19؛ وعبد الرزاق في المصنف 11/347)، وإذا وصف الله تعالى به فالمراد به الانتقام دون غيره. قال: { فباءوا بغضب على غضب } [البقرة/ 90]، { وباءوا بغضب من الله } [آل عمران/112]، وقال: { ومن يحلل عليه غضبي } [طه/81]، { غضب الله عليهم } [المجادلة/14] وقوله: { غير المغضوب عليهم } [الفاتحة/7]، قيل: هم اليهود (أخرجه أحمد والترمذي وحسنه وابن حبان في صحيحه عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن المغضوب عليهم اليهود، وإن الضالين النصارى). مسند أحمد 4/378؛ وعارضة الأحوذي 11/75؛ وانظر: الدر المنثور 1/42). والغضبة كالصخرة، والغضوب: الكثير الغضب. وتوصف به الحية والناقة الضجور، وقيل: فلان غضبة: سريع الغضب (قال ابن دريد: ورجل غضبة: إذا كان كثير الغضب. انظر: الجمهرة 1/303)، وحكي أنه يقال: غضبت لفلان: إذا كان حيا وغضبت به إذا كان ميتا (؟؟؟).
غطش
- قال تعالى: { أغطش ليلها } [النازعات/29]، أي: جعله مظلما، وأصله من الأغطش، وهو الذي في عينه شبه عمش، ومنه قيل: فلاه غطشى: لا يهتدي فيها، والتغاطش: التعامي عن الشيء.
غطا(3/190)
- الغطاء: ما يجعل فوق الشيء من طبق ونحوه، كما أن الغشاء ما يجعل فوق الشيء من لباس ونحوه، وقد استعير للجهالة. قال تعالى: { فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد } [ق/22].
غفر
- الغفر: إلباس ما يصونه عن الدنس، ومنه قيل: اغفر ثوبك في الوعاء، واصبغ ثوبك فإنه أغفر للوسخ (انظر المجمل 3/863)، والغفران والمغفرة من الله هو أن يصون العبد من أن يمسه العذاب. قال تعالى: { غفرانك ربنا } [البقرة/285]، و { مغفرة من ربكم } [آل عمران/133]، { ومن يغفر الذنوب إلا الله } [آل عمران/135]، وقد يقال: غفر له إذا تجافى عنه في الظاهر وإن لم يتجاف عنه في الباطن، نحو: { قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله } [الجاثية/14]. والاستغفار: طلب ذلك بالمقال والفعال، وقوله: { استغفروا ربكم إنه كان غفارا } [نوح/10]، لم يؤمروا بأن يسألوه ذلك باللسان فقط بل باللسان وبالفعال، فقد قيل: الاستغفار باللسان من دون ذلك بالفعال فعل الكذابين، وهذا معنى: { ادعوني أستجب لكم } [غافر/60]. وقال: { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم } [التوبة/80]، { ويستغفرون للذين آمنوا } [غافر/7]. والغافر والغفور في وصف الله نحو: { غافر الذنب } [غافر/ 3]، { إنه غفور شكور } [فاطر/30]، { هو الغفور الرحيم } [الزمر/53]، والغفيرة: الغفران، ومنه قوله: { اغفر لي ولوالدي } [نوح/28]، { أن يغفر لي خطيئتي } [الشعراء/82]، { وأغفر لنا } [البقرة/286]. وقيل: أغفروا هذا الأمر بغفرته (انظر اللسان: غفر، والمنتخب لكراع 1/223)، أي: استروه بما يجب أن يستر به، والمغفر: بيضة الحديد، والغفارة: خرقة تستر الخمار أن يمسه دهن الرأس، ورقعة يغشى بها محز الوتر، وسحابة فوق سحابة.
غفل(3/191)
- الغفلة: سهو يعتري الإنسان من قلة التحفظ والتيقظ، يقال: غفل فهو غافل (انظر: الأفعال 2/11). قال تعالى: { لقد كنت في غفلة من هذا } [ق/22]، { وهم في غفلة معرضون } [الأنبياء/1]، { ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها } [القصص/15]، { وهم عن دعائهم غافلون } [الأحقاف/5]، { لمن الغافلين } [يوسف/3]، { هم غافلون } [الروم/7]، { بغافل عما يعملون } [البقرة/ 144]، { لو تغفلون عن أسلحتكم } [النساء/102]، { فهم غافلون } [يس/6]، { عنها غافلين } [الأعراف/146]. وأرض غفل: لا منار بها، ورجل غفل: لم تسمه التجارب، وإغفال الكتاب: تركه غير معجم، وقوله: { من أغفلنا قلبه عن ذكرنا } [الكهف/28]، أي: تركناه غير مكتوب فيه الإيمان، كما قال: { أولئك كتب في قلوبهم الإيمان } [المجادلة/22]، وقيل: معناه من جعلناه غافلا عن الحقائق.
غل(3/192)
- الغلل أصله: تدرع الشيء وتوسطه، ومنه: الغلل للماء الجاري بين الشجر، وقد يقال له: الغيل، وانغل فيما بين الشجر: دخل فيه، فالغل مختص بما يقيد به فيجعل الأعضاء وسطه، وجمعه أغلال، وغل فلان: قيد به. قال تعالى: { خذوه فغلوه } [الحاقة/30]، وقال: { إذ الأغلال في أعناقهم } [غافر/71]. وقيل للبخيل: هو مغلول اليد. قال: { ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم } [الأعراف/157]، { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك } [الإسراء/29]، { وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم } [المائدة/ 64]، أي: ذموه بالبخل. وقيل: إنهم لما سمعوا أن الله قد قضى كل شيء قالوا: إذا يد الله مغلولة (انظر: البصائر 4/144)، أي: في حكم المقيد لكونها فارغة، فقال الله تعالى ذلك. وقوله: { إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا } [يس/8]، أي: منعهم فعل الخير، وذلك نحو وصفهم بالطبع والختم على قلوبهم، وعلى سمعهم وأبصارهم، وقيل: بل ذلك - وإن كان لفظه ماضيا - فهو إشارة إلى ما يفعل بهم في الآخرة كقوله: { وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا } [سبأ/33]. والغلالة: ما يلبس بين الثوبين، فالشعار: لما يلبس تحت الثوب، والدثار: لما يلبس فوقه، والغلالة: لما يلبس بينهما. وقد تستعار الغلالة للدرع كما يستعار الدرع لها، والغلول: تدرع الخيانة، والغل: العداوة. قال تعالى: { ونزعنا ما في صدورهم من غل } [الأعراف/ 43]، { ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم } [الحشر /10]. وغل يغل: إذا صار ذا غل (انظر: الأفعال 2/1 و 7)، أي: ضغن، وأغل، أي: صار ذا إغلال. أي: خيانة، وغل يغل: إذا خان، وأغللت فلانا: نسبته إلى الغلول. قال: { وما كان لنبي أن يغل } [آل عمران/161]، وقرئ: { أن يغل } (وهي قراءة نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وخلف ويعقوب وأبي جعفر. انظر: الإتحاف ص 181، وإرشاد المبتدي ص 271) أي: ينسب إلى الخيانة، من أغللته. قال: { ومن يغلل يأت بما غل يوم(3/193)
القيامة } [آل عمران/161]، وروي: (لا إغلال ولا إسلال) (شطر من حديث طويل في صلح الحديبية أخرجه الإمام أحمد عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم في مسنده 4/325؛ وأبو داود في كتاب الجهاد، باب: صلح العدو. انظر: سنن أبي داود رقم 2766؛ ومعالم السنن 2/336.
وقد تقدم الحديث في باب (سل) ) أي: لا خيانة ولا سرقة. وقوله عليه الصلاة والسلام: (ثلاث لا يغل عليهن قلب المؤمن) (الحديث عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع: (نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها، فرب حامل فقه ليس بفقيه. ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مؤمن: إخلاص العمل لله، والمناصحة لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم؛ فإن دعاءهم يحيط من ورائهم).
أخرجه البزار بإسناد حسن؛ وابن حبان في صحيحه من حديث زيد بن ثابت؛ والترمذي وقال: حديث حسن؛ وأحمد؛ وابن ماجه.
وقال الحافظ المنذري: وقد روي هذا الحديث أيضا عن ابن مسعود ومعاذ بن جبل والنعمان بن بشير وجبير بن مطعم وأبي الدرداء وغيرهم، وبعض أسانيدهم صحيحة. انتهى. وصححه ابن العربي.
انظر: عارضة الأحوذي 10/124؛ ومسند أحمد 4/81؛ والترغيب والترهيب 1/23) أي: لا يضطغن. وروي: (لا يغل) أي: لا يصير ذا خيانة، وأغل الجازر والسالخ: إذا ترك في الإهاب من اللحم شيئا، وهو من الإغلال، أي: الخيانة، فكأنه خان في اللحم وتركه في الجلد الذي يحمله. والغلة والغليل: ما يتدرعه الإنسان في داخله من العطش، ومن شدة الوجد والغيظ. يقال: شفا فلان غليله، أي: غيظه. والغلة: ما يتناوله الإنسان من دخل أرضه، وقد غلب ضيعته. والمغلغلة: الرسالة التي تتغلغل بين القوم الذين تتغلغل نفوسهم، كما قال الشاعر:
- 340 - تغلغل حيث لم يبلغ شراب * ولا حزن ولم يبلغ سرور
(البيت لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، أحد الفقهاء السبعة.
وهو في نوادر القالي ص 217؛ ووفيات الأعيان 3/116؛ وسمط اللآلئ 2/781، وتقدم ص 449)
غلب(3/194)
- الغلبة القهر يقال: غلبته غلبا وغلبة وغلبا (انظر: الأفعال 2/32، والبصائر 4/142)، فأنا غالب. قال تعالى: { آلم * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون } [الروم/1 - 2 - 3]، { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة } [البقرة/249]، { يغلبوا مائتين } [الأنفال/65]، { يغلبوا ألفا } [الأنفال/65]، { لأغلبن أنا ورسلي } [المجادلة/21]، { لا غالب لكم اليوم } [الأنفال/48]، { إن كنا نحن الغالبين } [الأعراف/113]، { إنا لنحن الغالبون } [الشعراء/44]، { فغلبوا هنالك } [الأعراف/119]، { أفهم الغالبون } [الأنبياء/ 44]، { ستغلبون وتحشرون } [آل عمران/12]، { ثم يغلبون } [الأنفال/36]، وغلب عليه كذا أي: استولى. { غلبت علينا شقوتنا } [المؤمنون/106]، قيل: وأصل غلبت أن تناول وتصيب غلب رقبته، والأغلب: الغليظ الرقبة، يقال: رجل أغلب، وامرأة غلباء، وهضبة غلباء، كقولك: هضبة عنقاء ورقباء، أي: عظيمة العنق والرقبة، والجمع: غلب، قال: { وحدائق غلبا } [عبس/30].
غلظ
- الغلظة ضد الرقة، ويقال: غلظة وغلظة، وأصله أن يستعمل في الأجسام لكن قد يستعار للمعاني كالكبير والكثير (انظر: مادة (كبر) ). قال تعالى: { وليجدوا فيكم غلظة } [التوبة/123]، أي: خشونة. وقال: { ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ } [هود/58]، و { جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم } [التوبة/ 73]، واستغلظ: تهيأ لذلك، وقد يقال إذا غلظ. قال: { فاستغلظ فاستوى على سوقه } [الفتح/29].
غلف(3/195)
- قوله تعالى: { قلوبنا غلف } [البقرة/88]، قيل: هو جمع أغلف، كقولهم: سيف أغلف. أي: هو في غلاف، ويكون ذلك كقوله: { وقالوا قلوبنا في أكنة } [فصلت/5]، { في غفلة من هذا } [ق/22]. وقيل: معناه قلوبنا أوعية للعلم (انظر: الدر المنثور 1/214؛ وتفسير المشكل لمكي ص 31؛ ومعاني القرآن للزجاج 1/169). وقيل: معناه قلوبنا مغطاة، وغلام أغلف كناية عن الأقلف، والغفلة كالقلفة، وغلفت السيف، والقارورة، والرحل، والسرج: جعلت لها غلافا، وغلفت لحيته بالحناء، وتغلف نحو تخضب، وقيل: { قلوبنا غلف } [البقرة/88]، هي جمع غلف، والأصل: غلف بضم اللام، وقد قرئ به (وهي قراءة شاذة قرأ بها ابن عباس والأعرج وابن محيصن. انظر: البحر 1/301)، نحو: كتب، أي: هي أوعية للعلم تنبيها أنا لا نحتاج أن نتعلم منك، فلنا غنية بما عندنا.
غلق
- الغلق والمغلاق: ما يغلق به، وقيل: ما يفتح به لكن إذا اعتبر بالإغلاق يقال له: مغلق ومغلاق، وإذا اعتبر بالفتح يقال له: مفتح ومفتاح، وأغلقت الباب، وغلقته على التكثير، وذلك إذا أغلقت أبوابا كثيرة، أو أغلقت بابا واحدا مرارا، أو أحكمت إغلاق باب، وعلى هذا: { وغلقت الأبواب } [يوسف/ 23]. وللتشبيه به قيل: غلق الرهن غلوقا (غلق الرهن: ترك فكاكه. انظر: الأفعال 2/19)، وغلق ظهره دبرا (قال ابن فارس: يقال: غلق ظهر البعير فلا يبرأ من الدبر. انظر: المجمل 3/685)، والمغلق: السهم السابع لاستغلاقه ما بقي من أجزاء الميسر، ونخلة غلقة: ذويت أصولها فأغلقت عن الإثمار، والغلقة: شجرة مرة كالسم.
غلم(3/196)
- الغلام الطار (طر الشارب: طلع ونبت) الشارب: يقال: غلام لين الغلومة والغلومية. قال تعالى: { أنى يكون لي غلام } [آل عمران/40]، { وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين } [الكهف/80]، وقال: { وأما الجدار فكان غلامين } [يوسف/ 19]، وقال في قصة يوسف: { هذا غلام } [يوسف/19]، والجمع: غلمة وغلمان، واغتلم الغلام: إذ بلغ حد الغلومة، ولما كان من بلغ هذا الحد كثيرا ما يغلب عليه الشبق قيل: للشبق: غلمة، واغتلم الفحل.
غلا
- الغلو: تجاوز الحد، يقال ذلك إذا كان في السعر غلاء، وإذا كان في القدر والمنزلة غلو وفي السهم: غلو، وأفعالها جميعا: غلا يغلوا (قال السرقسطي: غلا في القول والأمر والدين غلوا: جاوز الحد، وغلا السعر غلاء: مثله، وغلوت بالسهم وغلا السهم غلوا: رفع يده برميه. انظر: الأفعال 2/40). قال تعالى: { لا تغلوا في دينكم } [النساء/171]. والغلي والغليان يقال في القدر إذا طفحت، ومنه استعير قوله: { طعام الأثيم * كالمهل يغلي في البطون * كغلي الحميم } [الدخان/44 - 46]، وبه شبه غليان الغضب والحرب، وتغالى النبت يصح أن يكون من الغلي، وأن يكون من الغلو. والغلواء: تجاوز الحد في الجماح، وبه شبه غلواء الشباب.
غم
- الغم: ستر الشيء، ومنه: الغمام لكونه ساترا لضوء الشمس. قال تعالى: { يأتيهم الله في ظلل من الغمام } [البقرة/210]. والغمى مثله، ومنه: غم الهلال، ويوم غم، وليلة غمة وغمى، قال:
- 341 - ليلة غمى طامس هلالها
(الرجز في اللسان (غم) ؛ والمجمل 3/680؛ والمشوف المعلم 2/553؛ وأساس البلاغة (غمم)، ولم ينسب.
وإصلاح المنطق ص 282. وعجزه:
أو غلتها ومكره إيغالها
وغمة الأمر. قال: { ثم لا يكن أمركم عليكم غمة } [يونس/71]، أي: كربة. يقال: غم وغمة. أي: كرب وكربة، والغمامة: خرقة تشد على أنف الناقة وعينها، وناصية غماء: تستر الوجه.
غمز(3/197)
- أصل الغمر: إزالة أثر الشيء، ومنه قيل للماء الكثير الذي يزيل أثر سيله؛ غمر وغامر، قال الشاعر:
- 342 - والماء غامر جدادها
(هذا عجز بيت للأعشى، وشطره: [أضاء مظلته بالسراج] من قصيدة له يمدح بها سلامة بن يزيد الحميري، ومطلعها:
أجدك لم تغتمض ليلة * فترقدها مع رقادها
وهو في ديوانه ص 59؛ والمحكم 7/138)
وبه شبه الرجل السخي، والفرس الشديد العدو، فقيل لهما: غمر كما شبها بالبحر، والغمرة: معظم الماء الساترة لمقرها، وجعل مثلا للجهالة التي تغمر صاحبها، وإلى نحوه أشار بقوله: { فأغشيناهم } [يس/9]، ونحو ذلك من الألفاظ قال: { فذرهم في غمرتهم } [المؤمنون/54]، { الذين هم في غمرة ساهون } [الذاريات/11]، وقيل للشدائد: غمرات. قال تعالى: { في غمرات الموت } [الأنعام/93]، ورجل غمر، وجمعه: أغمار. والغمر: الحقد المكنون (قال الراجز في نظم مثلث قطرب:
الغمر ماء غزرا * والغمر حقد سترا
والغمر ذو جهل سرى * فيه ولم يجرب)،
وجمعه غمور والغمر: ما يغمر من رائحة الدسم سائر الروائح، وغمرت يده، وغمر عرضة: دنس، ودخل في غمار الناس وخمارهم، أي: الذين يغمرون. والغمرة: ما يطلى به من الزعفران، وقد تغمرت بالطيب، وباعتبار الماء قيل للقدح الذي يتناول به الماء: غمر، ومنه اشتق: تغمرت: إذا شربت ماء قليلا، وقولهم: فلان ومغامر: إذا رمى بنفسه في الحرب؛ إما لتوغله وخوضه فيه كقولهم يخوض الحرب؛ وإما لتصور الغمارة منه، فيكون وصفه بذلك كوصفه بالهوج (قال ابن منظر: والمغامر الذي رمى بنفسه في الأمور المهلكة، وقيل: هو من الغمر، وهو الحقد. اللسان (غمر).
والهوج: الحمق، والأهوج: الذي يرمي بنفسه في الحرب، على التشبيه بذلك. اللسان (هوج) ) ونحوه.
غمز(3/198)
- أصل الغمز: الإشارة بالجفن أو اليد طلبا إلى ما فيه معاب، ومنه قيل: ما في فلان غميزة (انظر: أساس البلاغة (غمز) ؛ وعمدة الحفاظ: غمز) )، أي: نقيصة يشار بها إليه، وجمعها: غمائز. قال تعالى: { وإذا مروا بهم يتغامزون } [المطففين/30]، وأصله من: غمزت الكبش: إذا لمسته هل به طرق (الطرق (الشحم).
قال ابن فارس: غمزت الكبش مثل: غبطت، لتنظر السمن. انظر: المجمل 3/686)، نحو: غبطته.
غمض
- الغمض: النوم العارض، تقول: ما ذقت غمضا ولا غماضا، وباعتباره قيل: أرض غامضة، وغمضة، ودار غامضة، وغمض عينه وأغمضها: وضع إحدى جفنتيه على الأخرى ثم يستعار للتغافل والتساهل، قال: { ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه } [البقرة/267].
غنم
- الغنم معروف. قال تعالى: { ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما } [الأنعام/146]. والغنم: إصابته والظفر به، ثم استعمل في كل مظفور به من جهة العدى وغيرهم. قال تعالى: { واعلموا أنما غنمتم من شيء } [الأنفال/ 41]، { فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا } [الأنفال/69]، والمغنم: ما يغنم، وجمعه مغانم. قال: { فعند الله مغانم كثيرة } [النساء/94].
غني
- الغنى يقال على ضروب: أحدها: عدم الحاجات، وليس ذلك إلا لله تعالى، وهو المذكور في قوله: { إن الله لهو الغني الحميد } [الحج/64]، { أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد } [فاطر/15]، والثاني: قلة الحاجات، وهو المشار إليه بقوله: { ووجدك عائلا فأغنى } [الضحى/8]، وذلك هو المذكور في قوله عليه السلام: (الغنى غنى النفس) (الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس) أخرجه البخاري 11/271؛ والطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح؛ وأبو يعلى؛ وأحمد 2/315.(3/199)
انظر: مجمع الزوائد 10/240؛ وقد تقدم ص 597)، والثالث: كثرة القنيات بحسب ضروب الناس كقوله: { ومن كان غنيا فليستعفف } [النساء/6]، { الذين يستأذنونك وهم أغنياء } [التوبة/93]، { لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء } [آل عمران/181]، قالوا ذلك حيث سمعوا: { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا } (سورة البقرة: آية 245. وانظر: الدر المنثور 2/397؛ وأسباب النزول للواحدي ص 76)، وقوله: { يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف } [البقرة/273]، أي: لهم غنى النفس، ويحسبهم الجاهل أن لهم القنيات لما يرون فيهم من التعفف والتلطف، وعلى هذا قوله عليه السلام لمعاذ: (خذ من أغنيائهم ورد في فقرائهم) (الحديث عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذ إلى اليمن، فقال: (إنك تأتي قوما أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله تعالى افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم... ) الحديث.
أخرجه البخاري في الزكاة 3/322؛ ومسلم في الإيمان برقم 19)، وهذا المعنى هو المعني بقول الشاعر:
- 343 - قد يكثر المال والإنسان مفتقر * (هذا عجز بيت وصدره: [العيش لا عيش إلا ما قنعت به].
وهو في المثيل والمحاضرة للثعالبي ص 85؛ ونهاية الأرب 3/84)(3/200)
يقال: غنيت بكذا غنيانا وغناء، واستغنيت وتغنيت، وتغانيت، قال تعالى: { واستغنى الله والله غني حميد } [التغابن/6]. ويقال: أغناني كذا، وأغنى عنه كذا: إذا كفاه. قال تعالى: { ما أغنى عني ماليه } [الحاقة/28]، { ما أغنى عنه ماله } [المسد/2]، { لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا } [آل عمران/10]، { ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون } [الشعراء/207]، { لا تغن عني شفاعتهم } [يس/23]، { ولا يغني من اللهب } [المرسلات/31]. والغانية: المستغنية بزوجها عن الزينة، وقيل: المستغنية بحسنها عن التزين. وغنى في مكان كذا: إذا طال مقامه فيه مستغنيا به عن غيره بغنى، قال: { كأن لم يغنوا فيها } [الأعراف/92]. والمغنى يقال للمصدر وللمكان، وغنى أغنية وغناء، وقيل: تغنى بمعنى استغنى وحمل قوله عليه السلام: (... من لم يتغن بالقرآن) (الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) أخرجه البخاري في التوحيد 13/418؛ وأحمد في المسند 1/172) على ذلك.
غيب(3/201)
- الغيب: مصدر غابت الشمس وغيرها: إذا استترت عن العين، يقال: غاب عني كذا. قال تعالى: { أم كان من الغائبين } [النمل/20]، واستعمل في كل غائب عن الحاسة، وعما يغيب عن علم الإنسان بمعنى الغائب، قال: { وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين } [النمل/75]، ويقال للشيء: غيب وغائب باعتباره بالناس لا بالله تعالى؛ فإنه لا يغيب عنه شيء، كما لا يغرب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض. وقوله: { عالم الغيب والشهادة } [الأنعام/73]، أي: ما يغيب عنكم وما تشهدونه، والغيب في قوله: { يؤمنون بالغيب } [البقرة/3]، ما لا يقع تحت الحواس ولا تقتضيه بداية العقول، وإنما يعلم بخبر الأنبياء عليهم السلام، وبدفعه يقع على الإنسان اسم الإلحاد، ومن قال: الغيب هو القرآن (وهو قول زر بن حبيش، حكاه عنه الماوردي. انظر: تفسير الماوردي 1/65)، ومن قال: هو القدر (أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 1/36 عن زيد بن أسلم، وفيه ضعف) فإشارة منهم إلى بعض ما يقتضيه لفظه. وقال بعضهم (وهو أبو مسلم الأصفهاني، انظر: تفسير الرازي 2/27) : معناه يؤمنون إذا غابوا عنكم، وليسوا كالمنافقين الذين قيل فيهم: { وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون } [البقرة/14]، وعلى هذا قوله: { الذين يخشون ربهم بالغيب } [فاطر/18]، { من خشي الرحمن بالغيب } [ق/33]، { ولله غيب السموات والأرض } [النحل/77]، { أطلع الغيب } [مريم/78]، { فلا يظهر على غيبة أحدا } [الجن/26]، { لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله } [النمل/65]، { ذلك من أنباء الغيب } [آل عمران/44]، { وما كان الله ليطلعكم على الغيب } [آل عمران/179]، { إنك أنت علام الغيوب } [المائدة/ 109]، { إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب } [سبأ/48]، وأغابت المرأة: غاب زوجها. وقوله في صفة النساء: { حافظات للغيب بما حفظ الله } [النساء/34]، أي: لا يفعلن في غيبة الزوج ما يكرهه الزوج. والغيبة:(3/202)
أن يذكر الإنسان غيره بما فيه من عيب من غير أن أحوج إلى ذكره، قال تعالى: { ولا يغتب بعضكم بعضا } [الحجرات/12]، والغيابة: منهبط من الأرض، ومنه: الغابة للأجمة، قال: { في غيابة الجب } [يوسف/10]، ويقال: هم يشهدون أحيانا، ويتغايبون أحيانا، وقوله: { ويقذفون بالغيب من مكان بعيد } [سبأ/53]، أي: من حيث لا يدركونه ببصرهم وبصيرتهم.
غوث
- الغوث يقال في النصرة، والغيث في المطر، واستغثته: طلبت الغوث أو الغيث، فأغاثني من الغوث، وغاثني من الغيث، وغوثت من الغوث، قال تعالى: { إذ تستغيثون ربكم } [الأنفال/9]، وقال: { فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه } [القصص/15]، وقوله: { إن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل } [الكهف/29]، فإنه يصح أن يكون من الغيث، ويصح أن يكون من الغوث، وكذا يغاثوا، يصح فيه المعنيان. والغيث: المطر في قوله: { كمثل غيث أعجب الكفار نباته } [الحديد/20]، وقال الشاعر:
- 344 - سمعت الناس ينتجعون غيثا * فقلت لصيدح انتجعي بلالا
(البيت لذي الرمة من قصيدة يمدح بها بلال بن أبي بردة، ومطلعها:
أراح فريق جيرتك الجمالا * كأنهم يريدون احتمالا
وهو في ديوانه ص 528)
- الغور: المنهبط من الأرض، يقال: غار الرجل، وأغار، وغارت عينه غورا وغؤرا (قال أبو عثمان: غار الماء غورا: فاض، وغار النهار: اشتد، وغارت الشمس والقمر والنجوم غيارا: غابت، وغارت العين تغور غؤورا، وغار الرجل على أهله يغار غيرة وغارا. انظر: الأفعال 2/22)، وقوله تعالى: { ماؤكم غورا } [الملك/30]، أي: غائرا. وقال: { أو يصبح ماؤها غورا } [الكهف/41]. والغار في الجبل. قال: { إذ هما في الغار } [التوبة/40]، وكني عن الفرج والبطن بالغارين (انظر: جنى الجنتين ص 82)، والمغار من المكان كالغور، قال: { لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا } [التوبة/ 57]، وغارت الشمس غيارا، قال الشاعر:
- 345 - هل الدهر إلا ليلة ونهارها * وإلا طلوع الشمس ثم غيارها(3/203)
(البيت لأبي ذؤيب الهذلي، وهو في ديوان الهذليين 1/21؛ والعضديات ص 24)
وغور: نزل غورا، وأغار على العدو إغارة وغارة. قال تعالى: { فالمغيرات صبحا } [العاديات/3]، عبارة عن الخيل.
غير
- غير يقال على أوجه:
الأول: أن تكون للنفي المجرد من غير إثبات معنى به، نحو: مررت برجل غير قائم. أي: لا قائم، قال: { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله } [القصص/50]، { وهو في الخصام غير مبين } [الزخرف/18].
الثاني: بمعنى (إلا) فيستثنى به، وتوصف به النكرة، نحو: مررت بقوم غير زيد. أي: إلا زيدا، وقال: { ما علمت لكم من إله غيري } [القصص/38]، وقال: { ما لكم من إله غيره } [الأعراف/59]، { هل من خالق غير الله } [فاطر /3].
الثالث: لنفي صورة من غير مادتها. نحو: الماء إذا كان حار غيره إذا كان باردا، وقوله: { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها } [النساء/56].
الرابع: أن يكون ذلك متناولا لذات نحو: { اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق } [الأنعام/93]، أي: الباطل، وقوله: { واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق } [القصص/39]، { أغير الله أبغي ربا } [الأنعام/164]، { ويستخلف ربي قوما غيركم } [هود/57]، { آئت بقرآن غير هذا } [يونس/15].
والتغيير يقال على وجهين:
أحدهما: لتغيير صورة الشيء دون ذاته. يقال: غيرت داري: إذا بنيتها بناء غير الذي كان.
والثاني: لتبديله بغيره. نحو: غيرت غلامي ودابتي: إذا أبدلتهما بغيرهما. نحو: { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } [الرعد/11].
والفرق بين غيرين ومختلفين أن الغيرين أعم، فإن الغيرين قد يكونان متفقين في الجوهر بخلاف المختلفين، فالجوهران المتحيزان هما غيران وليسا مختلفين، فكل خلافين غيران، وليس كل غيرين خلافين.
غوص(3/204)
- الغوص: الدخول تحت الماء، وإخراج شيء منه، ويقال: لكل من انهجم على غامض فأخرجه له: غائص، عينا كان أو علما. والغواص: الذي يكثر منه ذلك، قال تعالى: { والشياطين كل بناء وغواص } [ص/37]، { ومن الشياطين من يغوصون له } [الأنبياء/82]، أي: يستخرجون له الأعمال الغربية والأفعال البديعة، وليس يعني استنباط الدر من الماء فقط.
غبض
- غاض الشيء، وغاضه غيره (انظر: الأفعال 2/40). نحو: نقص ونقصه غيره. قال تعالى: { وغيض الماء } [هود/44]، { وما تغيض الأرحام } [الرعد/ 8]، أي: تفسده الأرحام، فتجعله كالماء الذي تبتلعه الأرض، والغيضة: المكان الذي يقف فيه الماء فيبتلعه، وليلة عائضة أي: مظلمة.
غيظ
- الغيظ: أشد غضب، وهو الحرارة التي يجدها الإنسان من فوران دم قلبه، قال: { قل موتوا بغيظكم } [آل عمران/119]، { ليغيظ بهم الكفار } [الفتح/ 29]، وقد دعا الناس إلى إمساك النفس عند اعتراء الغيظ. قال:
{ والكاظمين الغيظ } [آل عمران/134]. قال: وإذا وصف الله سبحانه به فإنه يراد به الانتقام. قال: { وإنهم لنا لغائظون } [الشعراء/55]، أي: داعون بفعلهم إلى الانتقام منهم، والتغيظ: هو إظهار الغيظ، وقد يكون ذلك مع صوت مسموع كما قال: { سمعوا لها تغيظا وزفيرا } [الفرقان/12].
غول
- الغول: إهلاك الشيء من حيث لا يحس به، يقال: غال يغول غولا، واغتاله اغتيالا، ومنه سمي السعلاة غولا. قال في صفة خمر الجنة: { لا فيها غول } [الصافات/47]، نفيا لكل ما نبه عليه بقوله: { وإثمهما أكبر من نفعهما } [البقرة/219]، وبقوله: { رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه } [المائدة/90].
غوى(3/205)
- الغي: جهل من اعتقاد فاسد، وذلك أن الجهل قد يكون من كون الإنسان غير معتقد اعتقادا لا صالحا ولا فاسدا، وقد يكون من اعتقاد شيء فاسد، وهذا النحو الثاني يقال له غي. قال تعالى: { ما ضل صاحبكم وما غوى } [النجم/2]، { وإخوانهم يمدونهم في الغي } [الأعراف/102]. وقوله: { فسوف يلقون غيا } [مريم/59]، أي: عذابا، فسماه الغي لما كان الغي هو سببه، وذلك كتسمية الشيء بما هو سببه، كقولهم للنبات ندى (ومثله قوله تعالى: { ذلك بما قدمت يداك } الله هو المقدم في الحقيقة، ولكنه تسبب إليه بكفره ومعصيته. وقوله: { من عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون } الماهد على الحقيقة هو الله، فنسب المهد إليهم لتسببهم إليه بالعمل الصالح. انظر: الإشارة إلى الإيجاز ص 59). وقيل: معناه: فسوف يلقون أثر الغي وثمرته. قال: { وبرزت الجحيم للغاوين } [الشعراء/91]، { والشعراء يتبعهم الغاوون } [الشعراء/224]، { إنك لغوي مبين } [القصص/18]، وقوله: { وعصى آدم ربه فغوى } [طه/121]، أي: جهل، وقيل: معناه خاب نحو قول الشاعر:
- 346 - ومن يغو لا يعدم على الغي لائما * (هذا عجز بيت؛ وشطره:
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره
وهو للمرقش، والبيت في المشوف المعلم 2/555؛ واللسان (غوى) )(3/206)
وقيل: معنى (غوى) فسد عيشه. من قولهم: غوي الفصيل، وغوى. نحو: هوي وهوى، وقوله: { إن كان الله يريد أن يغويكم } [هود/34]، فقد قيل: معناه أن يعاقبكم على غيكم، وقيل: معناه يحكم عليكم بغيكم. وقوله تعالى: { قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك } [القصص/63]، إعلاما منهم أنا قد فعلنا بهم غاية ما كان في وسع الإنسان أن يفعل بصديقه، فإن حق الإنسان أن يريد بصديقه ما يريد بنفسه، فيقول: قد أفدناهم ما كان لنا وجعلناهم أسوة أنفسنا، وعلى هذا قوله تعالى: { فأغويناكم إنا كنا غاوين } [الصافات/32]، { فبما أغويتني } [الأعراف/ 16]، وقال: { رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم } [الحجر/39].
كتاب الفاء
فتح
- الفتح: إزالة الإغلاق والإشكال، وذلك ضربان:
أحدهما: يدرك بالبصر كفتح الباب ونحوه، وكفتح القفل والغلق والمتاع، نحو قوله: { ولما فتحوا متاعهم } [يوسف/65]، { ولو فتحنا عليهم بابا من السماء } [الحجر/14].(3/207)
والثاني: يدرك بالبصيرة كفتح الهم، وهو إزالة الغم، وذلك ضروب: أحدها: في الأمور الدنيوية كغم يفرج، وفقر يزال بإعطاء المال ونحوه، نحو: { فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء } [الأنعام/44]، أي: وسعنا، وقال: { لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض } [الأعراف/96]، أي: أقبل عليهم الخيرات. والثاني: فتح المستغلق من العلوم، نحو قولك: فلان فتح من العلم بابا مغلقا، وقوله: { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } [الفتح/1]، قيل: عنى فتح مكة (وهذا قول عائشة. انظر: الدر المنثور 7/510)، وقيل: بل عنى ما فتح على النبي من العلوم والهدايات التي هي ذريعة إلى الثواب، والمقامات المحمودة التي صارت سببا لغفران ذنوبه (انظر: روح المعاني 26/129). وفاتحة كل شيء: مبدؤه الذي يفتح به ما بعده، وبه سمي فاتحة الكتاب، وقيل: افتتح فلان كذا: إذا ابتدأ به، وفتح عليه كذا: إذا أعلمه ووقفه عليه، قال: { أتحدثونهم بما فتح الله عليكم } [البقرة/76]، { ما يفتح الله للناس } [فاطر/ 2]، وفتح القضية فتاحا: فصل الأمر فيها، وأزال الإغلاق عنها. قال تعالى: { ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين } [الأعراف/ 89]، ومنه: { الفتاح العليم } [سبأ/26]، قال الشاعر:
- 347 - بأني عن فتاحتكم غني
(هذا عجز بيت للشويعر الجعفي، وشطره:
ألا أبلغ بني عمرو رسولا
وهو في الأساس (فتح) ؛ والمشوف المعلم 2/589؛ والجمهرة 2/4؛ واللسان (فتح) )(3/208)
وقيل: الفتاحة بالضم والفتح، وقوله: { إذا جاء نصر الله والفتح } [النصر/1]، فإنه يحتمل النصرة والظفر والحكم، وما يفتح الله تعالى من المعارف، وعلى ذلك قوله: { نصر من الله وفتح قريب } [الصف/13]، { فعسى الله أن يأتي بالفتح } [المائدة/52]، { ويقولون متى هذا الفتح } [السجدة/28]، { قل يوم الفتح } [السجدة/29]، أي: يوم الحكم. وقيل: يوم إزالة الشبهة بإقامة القيامة، وقيل: ما كانوا يستفتحون من العذاب ويطلبونه، والاستفتاح: طلب الفتح أو الفتاح. قال: { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح } [الأنفال/19]، أي: إن طلبتم الظفر أو طلبتم الفتاح - أي: الحكم أو طلبتم مبدأ الخيرات - فقد جاءكم ذلك بمجيء النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: { وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا } [البقرة/89]، أي: يستنصرون الله ببعثة محمد عليه الصلاة والسلام وقيل: يستعلمون خبره من الناس مرة، ويستنبطونه من الكتب مرة، وقيل: يطلبون من الله بذكره الظفر، وقيل: كانوا يقولون إنا لننصر بمحمد عليه السلام على عبده الأوثان. والمفتح والمفتاح: ما يفتح به، وجمعه: مفاتيح ومفاتيح. وقوله: { وعنده مفاتح الغيب } [الأنعام/59]، يعني: ما يتوصل به إلى غيبه المذكور في قوله: { فلا يظهر على غيبه أحدا * إلا من ارتضى من رسول } [الجن/26 - 27]. وقوله: { ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة } [القصص/76]، قيل: عنى مفاتح خزائنه. وقيل: بل عني بالمفاتح الخزائن أنفسها. وباب فتح: مفتوح في عامة الأحوال، وغلق خلافه. وروي: (من وجد بابا غلقا وجد إلى جنبه بابا فتحا) (هذا من كلام أبي الدرداء. انظر: النهاية 3/408؛ واللسان (فتح) ؛ وعمدة الحفاظ: فتح) وقيل: فتح: واسع. * فتر(3/209)
- الفتور: سكون بعد حدة، ولين بعد شدة، وضعف بعد قوة. قال تعالى: { يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل } [المائدة/19]، أي: سكون حال عن مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله: { لا يفترون } [الأنبياء/20]، أي: لا يسكنون عن نشاطهم في العبادة. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لكل عالم شرة، ولكل شرة فترة، فمن فتر إلى سنتي فقد نجا وإلا فقد هلك) (الحديث عن ابن عباس قال: كانت مولاة للنبي تصوم النهار وتقوم الليل، فقيل له: إنها تصوم النهار وتقوم الليل.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لكل عمل شرة، والشرة إلى فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد ضل) أخرجه البزار ورجاله رجال الصحيح، وابن حبان وابن أبي عاصم. انظر: مجمع الزوائد 2/260؛ والترغيب والترهيب 1/46.
الشرة: النشاط) فقوله: (لكل شرة فترة) فإشارة إلى ما قيل: للباطل جولة ثم يضمحل، وللحق دولة لا تذل ولا تقل. وقوله: (من فتر إلى سنتي) أي: سكن إليها، والطرف الفاتر: فيه ضعف مستحسن، والفتر: ما بين طرف الإبهام وطرف السبابة، يقال: فترته بفتري، وشبرته بشبري.
فتق
- الفتق: الفصل بين المتصلين، وهو ضد الرتق، قال تعالى: { أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما } [الأنبياء/30]، والفتق والفتيق: الصبح، وأفتق القمر: صادف فتقا فطلع منه، ونصل فتيق الشفرتين: إذا كان له شعبتان كأن إحداهما فتقت من الأخرى. وجمل فتيق: تفتق سمنا، وقد فتق فتقا (قال أبو عثمان السرقسطي: فتقت الشيء فتقا: خرقته. انظر: الأفعال 4/14).
فتل
- فتلت الحبل فتلا، والفتيل: المفتول، وسمي ما يكون في شق النواة فتيلا لكونه على هيئته. قال تعالى: { ولا يظلمون فتيلا } [النساء/49]، وهو ما تفتله بين أصابعك من خيط أو وسخ، ويضرب به المثل في الشيء الحقير. وناقة فتلاء الذراعين: محكمة.
فتن(3/210)
- أصل الفتن: إدخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته، واستعمل في إدخال الإنسان النار. قال تعالى: { يوم هم على النار يفتنون } [الذاريات/ 13]، { ذوقوا فتنتكم } [الذاريات/14]، أي: عذابكم، وذلك نحو قوله: { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب } [النساء/56]، وقوله: { النار يعرضون عليها... } الآية [غافر/46]، وتارة يسمون ما يحصل عنه العذاب فيستعمل فيه. نحو قوله: { ألا في الفتنة سقطوا } [التوبة/49]، وتارة في الاختبار نحو: { وفتناك فتونا } [طه/40]، وجعلت الفتنة كالبلاء في أنهما يستعملان فيما يدفع إليه الإنسان من شدة ورخاء، وهما في الشدة أظهر معنى وأكثر استعمالا، وقد قال فيهما: { ونبلوكم بالشر والخير فتنة } [الأنبياء/ 35].(3/211)
وقال في الشدة: { إنما نحن فتنة } [البقرة/102]، { والفتنة أشد من القتل } [البقرة/191]، { وقالتوهم حتى لا تكون فتنة } [البقرة/193]، وقال: { ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا } [التوبة/49]، أي: يقول لا تبلني ولا تعذبني، وهم بقولهم ذلك وقعوا في البلية والعذاب. وقال: { فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم } [يونس/ 83]، أي: يبتليهم ويعذبهم، وقال: { واحذرهم أن يفتنوك } [المائدة/49]، { وإن كادوا ليفتنونك } [الإسراء/73]، أي: يوقعونك في بلية وشدة في صرفهم إياك عما أوحي إليك، وقوله: { فتنتم أنفسكم } [الحديد/14]، أي: أوقعتموها في بلية وعذاب، وعلى هذا قوله: { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } [الأنفال/25]، وقوله: { واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة } [التغابن/15]، فقد سماهم ههنا فتنة اعتبارا بما ينال الإنسان من الاختبار بهم، وسماهم عدوا في قوله: { إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم } [التغابن/14]، اعتبارا بما يتولد منهم، وجعلهم زينة في قوله: { زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين... } الآية [آل عمران/14]، اعتبار بأحوال الناس في تزينهم بهم وقوله: { آلم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون } [العنكبوت/1 - 2]، أي: لا يختبرون فيميز خبيثهم من طيبهم، كما قال: { ليميز الله الخبيث من الطيب } [الأنفال/37]، وقوله: { أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون } [التوبة/ 126]، فإشارة إلى ما قال: { ولنبلونكم بشيء من الخوف... } الآية [البقرة/ 155]، وعلى هذا قوله: { وحسبوا ألا تكون فتنة } [المائدة/71]، والفتنة من الأفعال التي تكون من الله تعالى، ومن العبد كالبلية والمصيبة، والقتل والعذاب وغير ذلك من الأفعال الكريهة، ومتى كان من الله يكون على وجه الحكمة، ومتى كان من الإنسان بغير أمر الله يكون بضد ذلك،(3/212)
ولهذا يذم الله الإنسان بأنواع الفتنة في كل مكان نحو قوله: { والفتنة أشد من القتل } [البقرة/191]، { إن الذين فتنوا المؤمنين } [البروج/10]، { ما أنتم عليه بفاتنين } [الصافات/162]، أي: بمضلين، وقوله: { بأيكم المفتون } [القلم/6].
قال الأخفش. المفتون: الفتنة، كقولك: ليس له معقول (أي: إن المفعول ههنا بمعنى المصدر، ومثله كما ذكر المؤلف: المعقول بمعنى العقل، والميسور بمعنى اليسر والمعسور بمعنى العسر، وأيضا: المحلوف بمعنى الحلف، والمجهود بمعنى الجهد.
وانظر في ذلك الصاحبي ص 395)، وخذ ميسوره ودع معسوره، فتقديره بأيكم الفتون، وقال غيره: أيكم المفتون (هذا الذي نسبه المصنف لغير الأخفش قد قاله الأخفش في معاني القرآن 2/505؛ والقول الأول الذي نسبه [استدراك] للأخفش هو قول الفراء، فقد قال الفراء: المفتون ههنا بمعنى الجنون، وهو في مذهب الفتون، كما قالوا: ليس له معقول رأي. انظر: معاني القرآن 3/173)، والباء زائدة كقوله: { كفى بالله شهيدا } [الفتح/28]، وقوله: { واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك } [المائدة/49]، فقد عدي ذلك ب (عن) تعدية خدعوك لما أشار بمعناه إليه.
فتى(3/213)
- الفتى الطري من الشباب، والأنثى فتاة، والمصدر فتاء، ويكنى بهما عن العبد والأمة. قال تعالى: { تراود فتاها عن نفسه } [يوسف/30]. والفتي من الإبل كالفتى من الناس، وجمع الفتى فتية وفتيان، وجمع الفتاة فتيات، وذلك قوله: { من فتياتكم المؤمنات } [النساء/25]، أي: إمائكم، وقال: { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء } [النور/33]، أي: إماءكم. { وقال لفتيانه } [يوسف/62]، أي: لمملوكيه وقال: { إذ أوى الفتية إلى الكهف } [الكهف/10]، { إنهم فتية آمنوا بربهم } [الكهف/13]. والفتيا والفتوى: الجواب عما يشكل من الأحكام، ويقال: استفتيته فأفتاني بكذا. قال: { ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن } [النساء/127]، { فاستفتهم } [الصافات/11]، { أفتوني في أمري } [النمل/ 32].
فتئ
- يقال: ما فتئت أفعل كذا، وما فتأت (قال أبو زيد: ما فتأت أذكره، وما فتئت أذكره. وزاد الفراء: فتؤت أفتؤ. انظر: الهمز لأبي زيد ص 23، والعباب: (فتأ) )، كقولك: مازلت. قال تعالى: { تفتؤ تذكر يوسف } [يوسف/85].
فجج
- الفج: شقة يكتنفها جبلان، ويستعمل في الطريق الواسع، وجمعه فجاج. قال: { من كل فج عميق } [الحج/27]، { فيها فجاجا سبلا } [الأنبياء/31]. والفجج: تباعد الركبتين، وهو أفج بين الفجج، ومنه: حافر مفجج، وجرح فج: لم ينضج.
فجر(3/214)
- الفجر: شق الشيء شقا واسعا كفجر الإنسان السكر (سكر النهر: ما يسد به)، يقال: فجرته فانفجر وفجرته فتفجر. قال تعالى: { وفجرنا الأرض عيونا } [القمر/12]، { وفجرنا خلالهما نهرا } [الكهف/33]، { فتفجر الأنهار } [الإسراء/91]، { تفجر لنا من الأرض ينبوعا } [الإسراء/90]، وقرئ: { تفجر } (وهي قراءة نافع وابن كثير وابن عامر وأبي عمرو بن العلاء وأبي جعفر. انظر: الإتحاف ص 286. وقال: { فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا } [البقرة/60]، ومنه قيل للصبح: فجر، لكونه فجر الليل. قال تعالى: { والفجر * وليال عشر } [الفجر/1 - 2]، { إن قرآن الفجر كان مشهودا } [الإسراء/ 78]، وقيل: الفجر فجران: الكاذب، وهو كذنب السرحان، والصادق، وبه يتعلق حكم الصوم والصلاة، قال: { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل } [البقرة/187]. والفجور: شق ستر الديانة، يقال: فجر فجورا فهو فاجر، وجمعه: فجار وفجرة. قال: { كلا إن كتاب الفجار لفي سجين } [المطففين/7]، { وإن الفجار لفي جحيم } [النفطار /14]، { أولئك هم الكفرة الفجرة } [عبس/42]، وقوله: { بل يريد الإنسان ليفجر أمامه } [القيامة/5]، أي: يريد الحياة ليتعاطى الفجور فيها. وقيل: معناه ليذنب فيها. وقيل: معناه يذنب ويقول غدا أتوب، ثم لا يفعل فيكون ذلك فجورا لبذله عهدا لا يفي به. وسمي الكاذب فاجرا لكون الكذب بعض الفجور. وقولهم: (ونخلع ونترك من يفجرك) (هذا من دعاء القنوت في الوتر، وهذا الدعاء مما رفع رسمه من القرآن، ولم يرفع من القلوب حفظه. انظر: النهاية لابن الأثير 3/414؛ والإتقان 2/34؛ والفائق 3/90؛ ومصنف ابن أبي شيبة 3/106) أي: من يكذبك. وقيل: من يتباعد عنك، وأيام الفجار: وقائع اشتدت بين العرب.
فجا
- قال تعالى: { وهم في فجوة } [الكهف/17]، أي: ساحة واسعة، ومنه: قوس فجاء وفجواء: بان وتراها عن كبدها، ورجل أفجى بين الفجا، أي: متباعد ما بين العرقوبين.(3/215)
فحش
- الفحش والفحشاء والفاحشة: ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال، وقال: { إن الله لا يأمر بالفحشاء } [الأعراف/28]، { وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون } [النحل/90]، { من يأت منكن بفاحشة مبينة } [الأحزاب/30]، { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة } [النور/19]، { إنما حرم ربي الفواحش } [الأعراف/33]، { إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } [النساء/ 19]، كناية عن الزنا، وكذلك قوله: { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم } [النساء/15]، وفحش فلان: صار فاحشا. ومنه قول الشاعر:
- 348 - عقيلة مال الفاحش المتشدد
(عجز بيت لطرفة، وصدره:
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي
وهو في ديوانه ص 34)
يعني به: العظيم القبح في البخل، والمتفحش: الذي يأتي بالفحش.
فخر
- الفخر: المباهاة في الأشياء الخارجة عن الإنسان كالمال والجاه، ويقال: له الفخر، ورجل فاخر، وفخور، وفخير، على التكثير. قال تعالى: { إن الله لا يحب كل مختال فخور } [لقمان/18]، ويقال: فخرت فلانا على صاحبه أفخره فخرا: حكمت له بفضل عليه، ويعبر عن كل نفيس بالفاخر. يقال: ثوب فاخر، وناقة فخور: عظيمة الضرع، كثيرة الدر، والفخار: الجرار، وذلك لصوته إذا نقر كأنما تصور بصورة من يكثر التفاخر. قال تعالى: { من صلصال كالفخار } [الرحمن/14].
فدى(3/216)
- الفدى والفداء: حفظ الإنسان عن النائبة بما يبذله عنه، قال تعالى: { فإما منا بعد وإما فداء } [محمد/4]، يقال: فديته بمال، وفديته بنفسي، وفاديته بكذا، قال تعالى: { إن يأتوكم أسارى تفادوهم } [البقرة/85]، وتفادى فلان من فلان، أي: تحامى من شيء بذله. وقال: { وفديناه بذبح عظيم } [الصافات/107]، وافتدى: إذا بذل ذلك عن نفسه، قال تعالى: { فيما افتدت به } [البقرة/229]، { وإن يأتوكم أسارى تفادوهم } [البقرة/85]، والمفاداة: هو أن يرد أسر العدى ويسترجع منهم من في أيديهم، قال: { ومثله معه لافتدوا به } [الرعد/18]، { لافتدت به } [يونس/54]، و { ليفتدوا به } [المائدة/36]، { ولو افتدى به } [آل عمران/91]، { لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه } [المعارج/11]، وما يقي به الإنسان نفسه من مال يبذله في عبادة قصر فيها يقال له: فدية، ككفارة اليمين، وكفارة الصوم. نحو قوله: { ففدية من صيام أو صدقة } [البقرة/196]، { فدية طعام مسكين } [البقرة/184].
فر
- أصل الفر: الكشف عن سن الدابة. يقال: فررت فرارا، ومنه: فر الدهر جذعا (هذا مثل إذا رجع عوده على بدئه. والجذع: قبل الثني بستة أشهر. أي: إن الدهر لا يهرم. انظر: الجمهرة 1/86؛ ومجمع الأمثال 2/73)، ومنه: الافترار، وهو ظهور السن من الضحك، وفر عن الحرب فرارا. قال تعالى: { ففررت منكم } [الشعراء/21]، وقال: { فرت من قسورة } [المدثر/51]، { فلم يزدهم دعائي إلا فرارا } [نوح/6]، { لن ينفعكم الفرار إن فررتم } [الأحزاب/16]، { ففروا إلى الله } [الذاريات/50]، وأفررته: جعلته فارا، ورجل فر وفار، والمفر: موضع الفرار، ووقته، والفرار نفسه، وقوله: { أين المفر } [القيامة/10]، يحتمل ثلاثتها.
فرت
- الفرات: الماء العذب. يقال للواحد والجمع، قال تعالى: { وأسقيناكم ماء فراتا } [المرسلات/27]، وقال: { هذا عذب فرات } [الفرقان/53].
فرث(3/217)
- قال تعالى: { من بين فرث ودم لبنا خالصا } [النحل/66]، أي: ما في الكرش، يقال: فرثت كبده. أي: فتنتها، وأفرث فلان أصحابه: أوقعهم في بلية جارية مجرى الفرث.
فرج
- الفرج والفرجة: الشق بين الشيئين كفرجة الحائط، والفرج: ما بين الرجلين، وكني به عن السوأة، وكثر حتى صار كالصريح فيه. قال تعالى: { والتي أحصنت فرجها } [الأنبياء/91]، { لفروجهم حافظون } [المؤمنون/5]، { ويحفظن فروجهن } [النور/31]، واستعير الفرج للثغر وكل موضع مخافة. وقيل: الفرجان في الإسلام: الترك والسودان (انظر: جنى الجنتين ص 86؛ والمجمل 3/917)، وقوله: { وما لها من فروج } [ق/6]، أي: شقوق وفتوق، قال: { وإذا السماء فرجت } [المرسلات/9]، أي: انشقت، والفرج: انكشاف الغم. يقال: فرج الله عنك، وقوس فرج: انفرجت سيتاها، ورجل فرج: لا يكتم سره، وفرج: لا يزال ينكشف فرجه (انظر: المجمل 3/920)، وفراريج الدجاج لانفراج البيض عنها، ودجاجة مفرج: ذات فراريج، والمفرج: القتيل الذي انكشف عنه القوم فلا يدرى من قتله.
فرح
- الفرح: انشراح الصدر بلذة عاجلة، وأكثر ما يكون ذلك في اللذات البدنية الدنيوية، فلهذا قال تعالى: { لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم } [الحديد/23]، { وفرحوا بالحياة الدنيا } [الرعد/26]، { ذلكم بما كنتم تفرحون } [غافر/75]، { حتى إذا فرحوا بما أوتوا } [الأنعام/44]، { فرحوا بما عندهم من العلم } [غافر/83]، { إن الله لا يحب الفرحين } [القصص/76]، ولم يرخص في الفرح إلا في قوله: { فبذلك فليفرحوا } [يونس/58]، { ويومئذ يفرح المؤمنون } [الروم/4]. والمفراح: الكثير الفرح، قال الشاعر:
- 349 - ولست بمفراح إذا الخير مسني * ولا جازع من صرفه المتقلب
(البيت لهدبة بن خشرم. وهو في الحماسة البصرية 1/115؛ والشعر والشعراء ص 462)(3/218)
وما يسرني بهذا الأمر مفرح ومفروح به، ورجل مفرح: أثقله الدين (انظر: المجمل 3/720؛ والجمهرة 2/139؛ واللسان (فرح) )، وفي الحديث: (لا يترك في الإسلام مفرح) (الحديث عن عمرو بن عوف المزني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يترك مفرح في الإسلام حتى يضم إلى قبيلة) أخرجه الطبراني؛ والبغوي في شرح السنة 10/210، وفيه كثير بن عبد الله المزني وهو ضعيف، وبقية رجاله ثقات.
والحديث يروى بالجيم والحاء، ومعناه بالجيم: القتيل يوجد بالفلاة، فإنه يودى من بيت المال، ولا يطل دمه.
انظر: مجمع الزوائد 6/296؛ وغريب الحديث لأبي عبيد 1/30)، فكأن الإفراح يستعمل في جلب الفرح، وفي إزالة الفرح، كما أن الإشكاء يستعمل في جلب الشكوى وفي إزالتها، فالمدان قد أزيل فرحه، فلهذا قيل: (لا غم إلا غم الدين) ( (لا هم إلا هم الدين، ولا وجع إلا وجع العين) أخرجه الطبراني في الصغير، والبيهقي في الشعب عن جابر رفعه، وقال البيهقي: إنه منكر. انظر: معجم الطبراني الصغير ص 311؛ وكشف الخفاء 2/369.
وقال الصغاني في موضوعاته ص 38: إنه موضوع).
فرد
- الفرد: الذي لا يختلط به غيره، فهو أعم من الوتر وأخص من الواحد، وجمعه: فرادى. قال تعالى: { لا تذرني فردا } [الأنبياء/89]، أي: وحيدا، ويقال في الله: فرد، تنبيها أنه بخلاف الأشياء كلها في الازدواج المنبه عليه بقوله: { ومن كل شيء خلقنا زوجين } [الذاريات/49]، وقيل: معناه المستغني عما عداه، كما نبه عليه بقوله: { غني عن العالمين } [آل عمران/97]، وإذا قيل: هو منفرد بوحدانيته، فمعناه: هو مستغن عن كل تركيب وازدواج تنبيها أنه مخالف للموجودات كلها. وفريد: واحد، وجمعه فرادى، نحو: أسير وأسارى. قال: { ولقد جئتمونا فرادى } [الأنعام/94].
فرش(3/219)
- الفرش: بسط الثياب، ويقال للمفروش: فرش وفراش. قال تعالى: { الذي جعل لكم الأرض فراشا } [البقرة/22]، أي: ذللها ولم يجعلها ناتئة لا يمكن الاستقرار عليها، والفراش جمعه: فرش. قال: { وفرش مرفوعة } [الواقعة/ 34]، { فرش بطائنها من إستبرق } [الرحمن/54]. والفرش: ما يفرش من الأنعام، أي: يركب، قال تعالى: { حمولة وفرشا } [الأنعام/142]، وكني بالفراش عن كل واحد من الزوجين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش) (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش، وللعاهر الحجر). جزء من حديث أخرجه البخاري في الأحكام 13/152؛ ومسلم في الرضاع (1457) ) وفلان كريم المفارش (انظر: الجمهرة 2/345؛ والمجمل 3/715)، أي: النساء. وأفرش الرجل صاحبه، أي: اغتابه وأساء القول فيه، وأفرش عنه: أقلع، والفراش: طير معروف، قال: { كالفراش المبثوث } [القارعة/4]، وبه شبه فراشة القفل، والفراشة: الماء القليل في الإناء.
فرض
- الفرض: قطع الشيء الصلب والتأثير فيه، كفرض الحديد، وفرض الزند والقوس، والمفراض والمفرض: ما يقطع به الحديد، وفرضة الماء: مقسمة. قال تعالى: { لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا } [النساء/118]، أي: معلوما، وقيل: مقطوعا عنهم، والفرض كالإيجاب لكن الإيجاب يقال اعتبارا بوقوعه وثباته، والفرض بقطع الحكم فيه (الفرض والواجب مترادفان، وقالت الحنفية: الفرض: ما ثبت بقطعي، والواجب بظني.
قال أبو زيد الدبوسي: الفرض: التقدير، والوجوب: السقوط، فخصصنا اسم الفرض بما عرف وجوبه بدليل قاطع؛ لأنه الذي يعلم من حاله أن الله قدره علينا، والذي عرف وجوبه بدليل ظني نسميه بالواجب؛ لأنه ساقط علينا. انظر: الإبهاج في شرح المنهاج 1/55).(3/220)
قال تعالى: { سورة أنزلناها وفرضناها } [النور/1]، أي: أوجبنا العمل بها عليك، وقال: { إن الذي فرض عليك القرآن } [القصص/85]، أي: أوجب عليك العمل به، ومنه يقال لما ألزم الحاكم من النفقة: فرض. وكل موضع ورد (فرض الله عليه) ففي الإيجاب الذي أدخله الله فيه، وما ورد من: (فرض الله له) فهو في أن لا يحظره على نفسه. نحو: { ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له } [الأحزاب/38]، وقوله: { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } [التحريم/2]، وقوله: { وقد فرضتم لهن فريضة } [البقرة/237]، أي: سميتم لهن مهرا، وأوجبتم على أنفسكم بذلك، وعلى هذا يقال: فرض له في العطاء، وبهذا النظر ومن هذا الغرض قيل للعطية: فرض، وللدين: فرض، وفرائض الله تعالى: ما فرض لأربابها، ورجل فارض وفرضي: بصير بحكم الفرائض.
قال تعالى: { فمن فرض فيهن الحج } إلى قوله: { في الحج } (الآية: { فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } سورة البقرة: آية 197) أي: من عين على نفسه إقامة الحج (انظر: تذكرة الأريب في تفسير الغريب 1/71)، وإضافة فرض الحج إلى الإنسان دلالة أنه هو معين الوقت، ويقال لما أخذ في الصدقة فريضة. قال: { إنما الصدقات للفقراء } إلى قوله: { فريضة من الله } ( { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله } سورة التوبة: آية 60) وعلى هذا ما روي (أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كتب إلى بعض عماله كتابا وكتب فيه: هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين) (عن ثمامة حدثني أنس بن مالك أن أبا بكر الصديق كتب له: (بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين التي أمر الله بها رسول الله...)(3/221)
الحديث بطوله أخرجه ابن ماجه في الزكاة 1/575؛ وأخرجه البخاري مختصرا في الزكاة: باب: لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع. انظر: فتح الباري 3/314).
والفارض: المسن من البقر (انظر: المجمل 3/716؛ واللسان (فرض) ). قال تعالى: { لا فارض ولا بكر } [البقرة/68]، وقيل: إنما سمي فارضا لكونه فارضا للأرض، أي: قاطعا، أو فارضا لما يحمل من الأعمال الشاقة، وقيل: بل لأن فريضة البقرة اثنان: تبيع ومسنة، فالتبيع يجوز في حال دون حال، والمسنة يصح بذلها في كل حال، فسميت المسنة فارضة لذلك، فعلى هذا يكون الفارض اسما إسلاميا.
فرط
- فرط: إذا تقدم تقدما بالقصد يفرط (انظر: الأفعال 4/12)، ومنه: الفارط إلى الماء، أي: المتقدم لإصلاح الدلو، يقال: فارط وفرط، ومنه قوله عليه السلام: (أنا فرطكم على الحوض) (الحديث عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني فرطكم على الحوض، من مر علي شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدا... ) الحديث أخرجه البخاري في الرقاق 11/412؛ ومسلم في باب إثبات حوض نبينا برقم (2290) ) وقيل: في الولد الصغير إذا مات: (اللهم اجعله لنا فرطا) (انظر: غريب الحديث 1/45؛ والنهاية 3/434. وأخرج الطحاوي عن سمرة بن جندب أن صبيا له مات، فقال: ادفنوه ولا تصلوا عليه، فإنه ليس عليه إثم، ثم ادعوا الله لأبويه أن يجعله لهما فرطا وسلفا. انظر: معاني الآثار 1/507؛ وأخرجه البخاري في الجنائز عن الحسن. فتح الباري 3/203) وقوله: { أن يفرط علينا } [طه/ 45]، أي: يتقدم، وفرس فرط: يسبق الخيل، والإفراط: أن يسرف في التقدم، والتفريط: أن يقصر في الفرط، يقال: ما فرطت في كذا. أي: ما قصرت. قال تعالى: { ما فرطنا في الكتاب } [الأنعام/38]، { ما فرطت في جنب الله } [الزمر/56]، { ما فرطتم في يوسف } [يوسف/80]. وأفرطت القربة: ملأتها { وكان أمره فرطا } [الكهف/28]، أي: إسرافا وتضييعا.
فرع(3/222)
- فرع الشجر: غصنه، وجمعه: فروع. قال تعالى: { أصلها ثابت وفرعها في السماء } [إبراهيم/24]، واعتبر ذلك على وجهين: أحدهما: بالطول، فقيل: فرع كذا: إذا طال، وسمي شعر الرأس فرعا لعلوه، وقيل: رجل أفرع، وامرأة فرعاء، وفرعت الجبل، وفرعت رأسه بالسيف، وتفرعت في بني فلان: تزوجت في أعاليهم وأشرافهم. والثاني: اعتبر بالعرض، فقيل: تفرع كذا، وفروع المسألة، وفروع الرجل: أولاده.
و (فرعون) : اسم أعجمي، وقد اعتبر عرامته، فقيل: تفرعن فلان: إذا تعاطى فعل فرعون، كما يقال: أبلس وتبلس، ومنه قيل للطغاة: الفراعنه والأبالسة.
فرغ
- الفراغ: خلاف الشغل، وقد فرغ فراغا وفروغا، وهو فارغ. قال تعالى: { سنفرغ لكم أيها الثقلان } [الرحمن/31]، وقوله تعالى: { وأصبح فؤاد أم موسى فارغا } [القصص/10]، أي: كأنما فرغ من لبها لما تداخلها من الخوف وذلك كما قال الشاعر:
- 350 - كأن جؤجؤه هواء
(هذا عجز بيت لزهير، وشطره:
كأن الرحل منها فوق صعل
وهو في ديوانه ص 9)
وقيل: فارغا من ذكره، أي أنسيناها ذكره حتى سكنت واحتملت أن تلقيه في اليم، وقيل: فارغا، أي: خاليا إلا من ذكره؛ لأنه قال: { إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها } [القصص/10]، ومنه قوله تعالى: { فإذا فرغت فانصب } [الشرح/7]، وأفرغت الدلو: صببت ما فيه، ومنه استعير: { أفرغ علينا صبرا } [الأعراف/126]، وذهب دمه فرغا (قال الصغاني: ويقال: ذهب دمه فرغا وفرغا، أي: هدرا لم يطلب به. انظر: العباب (فرغ)، وانظر أيضا: الجمهرة 2/395؛ والمجمل 3/717؛ واللسان (فرغ) )، أي: مصبوبا. ومعناه: باطلا لم يطلب به، وفرس فريغ: واسع العدو كأنما يفرغ العدو إفراغا، وضربة فريغة: واسعة ينصب منها الدم.
فرق(3/223)
- الفرق يقارب الفلق لكن الفلق يقال اعتبارا بالانشقاق، والفرق يقال اعتبارا بالانفصال. قال تعالى: { وإذ فرقنا بكم البحر } [البقرة/50]، والفرق: القطعة المنفصلة، ومنه: الفرقة للجماعة المتفردة من الناس، وقيل: فرق الصبح، وفلق الصبح. قال: { فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم } [الشعراء/ 63]، والفريق: الجماعة المتفرقة عن آخرين، قال: { وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب } [آل عمران/78]، { ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون } [البقرة/ 87]، { فريق في الجنة وفريق في السعير } [الشورى/7]، { إنه كان فريق من عبادي } [المؤمنون/109]، { أي الفريقين } [مريم/73]، { وتخرجون فريقا منكم من ديارهم } [البقرة/85]، { وإن فريقا منهم ليكتمون الحق } [البقرة/146]، وفرقت بين الشيئين: فصلت بينهما سواء كان ذلك بفصل يدركه البصر، أو بفصل تدركه البصيرة.
قال تعالى: { فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين } [المائدة/ 25]، وقوله تعالى: { فالفارقات فرقا } [المرسلات/4]، يعني: الملائكة الذين يفصلون بين الأشياء حسبما أمرهم الله، وعلى هذا قوله: { فيها يفرق كل أمر حكيم } [الدخان/4]، وقيل: عمر الفاروق رضي الله عنه لكونه فارقا بين الحق والباطل، وقوله: { وقرآنا فرقناه } [الإسراء/106]، أي: بينا فيه الأحكام وفصلناه. وقيل: (فرقناه) أي: أنزلناه مفرقا، والتفريق أصله للتكثير، ويقال ذلك في تشتيت الشمل والكلمة.
نحو: { يفرقون به بين المرء وزوجه } [البقرة/ 102]، { فرقت بين بني إسرائيل } [طه/94]، وقوله: { لا نفرق بين أحد من رسله } [البقرة/285]، وقوله: { لا نفرق بين أحد منهم } [البقرة/136]، إنما جاز أن يجعل التفريق منسوبا إلى (أحد) من حيث إن لفظ (أحد) يفيد في النفي، وقال: { إن الذين فرقوا دينهم } [الأنعام/159]، وقرئ: { فارقوا } (وبها قرأ حمزة والكسائي. من المفارقة، وهي الترك. انظر: الإتحاف ص 220) والفراق والمفارقة تكون بالأبدان أكثر.(3/224)
قال: { هذا فراق بيني وبينك } [الكهف/ 78]، وقوله: { وظن أنه الفراق } [القيامة/28]، أي: غلب على قلبه أنه حين مفارقته الدنيا بالموت، وقوله: { ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله } [النساء/ 150]، أي: يظهرون الإيمان بالله ويكفرون بالرسل خلاف ما أمرهم الله به. وقوله: { ولم يفرقوا بين أحد منهم } [النساء/152]، أي: آمنوا برسل الله جميعا، والفرقان أبلغ من الفرق، لأنه يستعمل في الفرق بين الحق والباطل، وتقديره كتقدير: رجل قنعان: يقنع به في الحكم، وهو اسم لا مصدر فيما قيل، والفرق يستعمل في ذلك وفي غيره، وقوله: { يوم الفرقان } [الأنفال/41]، أي: اليوم الذي يفرق فيه بين الحق والباطل، والحجة والشبهة، وقوله: { يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا } [الأنفال/29]، أي: نورا وتوفيقا على قلوبكم يفرق به بين الحق والباطل (وهو قول ابن جريج وابن زيد. انظر: روح المعاني 9/196)، فكان الفرقان ههنا كالسكينة والروح في غيره، وقوله: { وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان } [الأنفال/41]، قيل: أريد به يوم بدر (وهو قول ابن عباس وابن مسعود.
انظر: الدر المنثور 4/71) ؛ فإنه أول يوم فرق فيه بين الحق والباطل، والفرقان: كلام الله تعالى؛ لفرقه بين الحق والباطل في الاعتقاد، والصدق والكذب في المقال، والصالح والطالح في الأعمال، وذلك في القرآن والتوراة والإنجيل، قال: { وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان } [البقرة/53]، { ولقد آتينا موسى وهرون الفرقان } [الأنبياء/48]، { تبارك الذي نزل الفرقان } [الفرقان/1]، { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينا من الهدى والفرقان } [البقرة/185].(3/225)
والفرق: تفرق القلب من الخوف، واستعمال الفرق فيه كاستعمال الصدع والشق فيه. قال تعالى: { ولكنهم قوم يفرقون } [التوبة/56]، ويقال: رجل فروق وفروقة، وامرأة كذلك، ومنه قيل: للناقة التي تذهب في الأرض نادة من وجع المخاض: فارق وفارقة (انظر: المجمل 3/718)، وبها شبه السحابة المنفردة فقيل: فارق، والأفرق من الديك: ما عرفه مفروق، ومن الخيل: ما أحد وركيه أرفع من الآخر، والفريقة: تمر يطبخ بحلبة، والفروقة: شحم الكليتين.
فره
- الفره: الأشر، وناقة مفره ومفرهة: تنتج الفره (انظر: المجمل 3/719؛ واللسان (فره) )، وقوله: { وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين } [الشعراء/149]، أي: حاذقين، وجمعه فره، ويقال ذلك في الإنسان وفي غيره، وقرئ: { فرهين } (وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وأبي جعفر ويعقوب. انظر: الإتحاف ص 333) في معناه. وقيل: معناهما أشرين.
فرى
- الفري: قطع الجلد للخرز والإصلاح، والإفراء للإفساد، والافتراء فيهما، وفي الإفساد أكثر، وكذلك استعمل في القرآن في الكذب والشرك والظلم. نحو: { ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما } [النساء/48]، { انظر كيف يفترون على الله الكذب } [النساء/50]. وفي الكذب نحو: { افتراء على الله قد ضلوا } [الأنعام/140]، { ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب } [المائدة/ 103]، { أم يقولون افتراه } [السجدة/3]، { وما ظن الذين يفترون على الله الكذب } [يونس/60]، { أن يفترى من دون الله } [يونس/37]، { إن أنتم إلا مفترون } [هود/50]، وقوله: { لقد جئت شيئا فريا } [مريم/27]، قيل: معناه عظيما (انظر: تذكرة الأريب 1/329؛ وتفسير القرطبي 11/99). وقيل: عجيبا (انظر: مجاز القرآن 2/6). وقيل: مصنوعا (انظر: غريب القرآن وتفسيره ص 238). وكل ذلك إشارة إلى معنى واحد.
فز(3/226)
- قال تعالى: { واستفزز من استطعت منهم بصوتك } [الإسراء/64]، أي: أزعج، وقال تعالى: { فأراد أن يستفزهم من الأرض } [الإسراء/103]، أي: يزعجهم، وفزني فلان، أي: أزعجني، والفز: ولد البقرة، وسمي بذلك لما تصور فيه من الخفة، كما يسمى عجلا لما تصور فيه من العجلة.
فزع
- الفزع: انقباض ونفار يعتري الإنسان من الشيء المخيف، وهو من جنس الجزع، ولا يقال: فزعت من الله، كما يقال: خفت منه. وقوله تعالى: { لا يحزنهم الفزع الأكبر } [الأنبياء/103]، فهو الفزع من دخول النار. { ففزع من في السموات ومن في الأرض } [النمل/87]، { وهم من فزع يومئذ آمنون } [النمل/89]، وقوله تعالى: { حتى إذا فزع عن قلوبهم } [سبأ/23]، أي: أزيل عنها الفزع، ويقال: فزع إليه: إذا استغاث به عند الفزع، وفزع له: أغاثه. وقول الشاعر:
- 351 - كنا إذا ما أتانا صارخ فزع
(شطر بيت لسلامة بن جندل، وعجزه:
كان الصراخ له قرع الظنابيب وهو من مفضليته التي مطلعها:
أودى الشباب حميدا ذو التعاجيب * أودى، وذلك شأو غير مطلوب
وهو في ديوانه ص 123؛ والمفضليات ص 124)
أي: صارخ أصابه فزع، ومن فسره بأن معناه المستغيث، فإن ذلك تفسير للمقصود من الكلام لا للفظ الفزع.
فسح
- الفسح والفسيح: الواسع من المكان، والتفسح: التوسع، يقال: فسحت مجلسه فتفسح فيه. قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم } [المجادلة/11]، ومنه قيل: فسحت لفلان أن يفعل كذا، كقولك: وسعت له، وهو في فسحة من هذا الأمر.
فسد(3/227)
- الفساد: خروج الشيء عن الاعتدال، قليلا كان الخروج عنه أو كثيرا، ويضاده الصلاح، ويستعمل ذلك في النفس، والبدن، والأشياء الخارجة عن الاستقامة، يقال: فسد فسادا وفسودا (انظر: الأفعال 4/18)، وأفسده غيره. قال تعالى: { لفسدت السموات والأرض } [المؤمنون/71]، { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } [الأنبياء/22]، { ظهر الفساد في البر والبحر } [الروم/41]، { والله لا يحب الفساد } [البقرة/205]، { وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض } [البقرة/11]، { ألا إنهم هم المفسدون } [البقرة/12]، { ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل } [البقرة/205]، { إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها } [النمل/ 34]، { إن الله لا يصلح عمل المفسدين } [يونس/81]، { والله يعلم المفسد من المصلح } [البقرة/220].
فسر
- [الفسر: إظهار المعنى المعقول، ومنه قيل لما ينبئ عنه البول: تفسرة، وسمي بها قارورة الماء] (ما بين [ ] نقله الزركشي في البرهان 2/148) والتفسير في المبالغة كالفسر، والتفسير قد يقال فيما يختص بمفردات الألفاظ وغريبها، وفيما يختص بالتأويل، ولهذا يقال: تفسير الرؤيا وتأويلها. قال تعالى: { وأحسن تفسيرا } [الفرقان/33].
فسق(3/228)
- فسق فلان: خرج عن حجر الشرع، وذلك من قوله: فسق الرطب، إذا خرج عن قشره (وهذا قول الفراء. انظر تفسير الرازي 2/147)، وهو أعم من الكفر. والفسق يقع بالقليل من الذنوب وبالكثير، لكن تعورف فيما كان كثيرا، وأكثر ما يقال الفاسق لمن التزم حكم الشرع وأقر به، ثم أخل بجميع أحكامه أو ببعضه، وإذا قيل للكافر الأصلي: فاسق، فلأنه أخل بحكم ما ألزمه العقل واقتضته الفطرة، قال الله تعالى: { ففسق عن أمر ربه } [الكهف/ 50]، { ففسقوا فيها } [الإسراء/16]، { وأكثرهم الفاسقون } [آل عمران/110]، { وأولئك هم الفاسقون } [النور/4]، { أفمن كان مؤمنا كما كان فاسقا } [السجدة/ 18]، { ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون } [النور/55]، أي: من يستر نعمة الله فقد خرج عن طاعته، { وأما الذين فسقوا فمأواهم النار } [السجدة/ 20]، { والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون } [الأنعام/49]، { والله لا يهدي القوم الفاسقين } [المائدة/108]، { إن المنافقين هم الفاسقون } [التوبة/67]، { وكذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا } [يونس/33]، { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا } [السجدة/18]، فقابل به الإيمان. فالفاسق أعم من الكافر، والظالم أعم من الفاسق. { والذين يرمون المحصنات } إلى قوله: { وأولئك هم الفاسقون } (الآية: { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون } سورة النور: آية 4) وسميت الفأرة فويسقة لما اعتقد فيها من الخبث والفسق. وقيل: لخروجها من بيتها مرة بعد أخرى. وقال عليه الصلاة والسلام: (اقتلوا الفويسقة فإنها توهي السقاء وتضرم البيت على أهله) (في البخاري: عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خمروا الآنية، وأجيفوا الأبواب، وأطفئوا المصابيح؛ فإن الفويسقة ربما جرت الفتيلة فأحرقت أهل البيت). انظر: فتح الباري 11/85 باب: لا تترك النار عند النوم).(3/229)
قال ابن الأعرابي: لم يسمع الفاسق في وصف الإنسان في كلام العرب، وإنما قالوا: فسقت الرطبة عن قشرها (قال ابن الأعرابي: ولم يسمع في كلام الجاهلية في شعر ولا كلام فاسق. قال: وهذا عجب: هو كلام عربي ولم يأت في شعر جاهلي. انظر: المجمل 3/721؛ وغلطه السمين في عمدة الحفاظ: فسق، لكنه لم يذكر مثالا على استعمالهم).
فشل
- الفشل: ضعف مع جبن. قال تعالى: { حتى إذا فشلتم } [آل عمران/152]، { فتفشلوا وتذهب ريحكم } [الأنفال/46]، { لفشلتم ولتنازعتم } [الأنفال/43]، وتفشل الماء: سال.
فصح
- [الفصح: خلوص الشيء مما يشوبه. وأصله في اللبن، يقال: فصح اللبن وأفصح (انظر: الأفعال 4/30؛ والقاموس. فصح)، فهو مفصح وفصيح: إذا تعرى من الرغوة، وقد روي:
- 352 - وتحت الرغوة اللبن الفصيح
(هذا عجز بيت، وصدره:
ولم يخشوا مصالته عليهم
واختلف في نسبته فقيل لأبي محجن الثقفي، وقيل: لنضلة السلمي، ونسبه ابن دريد للحارث. انظر: البيان والتبين 3/338؛ واللسان (فصح) ؛ والمجمل 3/722؛ والجمهرة 2/163؛ والمزهر 1/184)
ومنه استعير: فصح الرجل: جادت لغته، وأفصح: تكلم بالعربية، وقيل بالعكس، والأول أصح] (ما بين [ ] نقله السيوطي في المزهر 1/184). وقيل: الفصيح: الذي ينطق، والأعجمي: الذي لا ينطق، قال: { وأخي هارون هو أفصح مني لسانا } [القصص/34]، وعن هذا استعير: أفصح الصبح: إذا بدا ضوؤه، وأفصح النصارى: جاء فصحهم، أي: عيدهم.
فصل(3/230)
- الفصل: إبانة أحد الشيئين من الآخر: حتى يكون بينهما فرجة، ومنه قيل المفاصل، الواحد مفصل، وفصلت الشاة: قطعت مفاصلها، وفصل القوم عن مكان كذا، وانفصلوا: فارقوه. قال تعالى: { ولما فصلت العير قال أبوهم } [يوسف/94]، ويستعمل ذلك في الأفعال والأقوال نحو قوله: { إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين } [الدخان/40]، { هذا يوم الفصل } [الصافات/21]، أي: اليوم يبين الحق من الباطل، ويفصل بين الناس بالحكم، وعلى ذلك قوله: { يفصل بينهم } [الحج/17]، { وهو خير الفاصلين } [الأنعام/57]. وفصل الخطاب: ما فيه قطع الحكم، وحكم فيصل، ولسان مفصل. قال: { وكل شيء فصلناه تفصيلا } [الإسراء/12]، { آلر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير } [هود/1]، إشارة إلى ما قال: { تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة } [النحل/ 89]. وفصيلة الرجل: عشيرته المنفصلة عنه، قال: { وفصيلته التي تؤويه } [المعارج/13]، والفصال: التفريق بين الصبي والرضاع، قال: { فإن أراد فصالا عن تراض منهما } [البقرة/233]، { وفصاله في عامين } [لقمان/14]، ومنه: الفصيل، لكن اختص بالحوار، والمفصل من القرآن، السبع الأخير (المفصل في القرآن من الحجرات إلى الناس، وقيل غير ذلك. انظر: البصائر 4/194)، وذلك للفصل بين القصص بالسور القصار، والفواصل: آواخر الآي، وفواصل القلادة: شذر يفصل به بينها، وقيل: الفصيل: حائط دون سور المدينة (انظر: المجمل 3/722؛ والبصائر 4/194)، وفي الحديث: (من أنفق نفقة فاصلة فله من الأجر كذا) (الحديث عن أبي عبيدة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أنفق نفقة فاصلة في سبيل الله فبسبعمائة، ومن أنفق على نفسه وأهله وعاد مريضا أو ماز أذى فالحسنة بعشر أمثالها والصوم جنة ما لم يخرقها، ومن ابتلاه في جسده فهو له حطة) أخرجه أحمد 1/195، قال الهيثمي: وفيه بشار بن أبي سيف ولم أر من وثقه ولا جرحه، وبقية رجاله ثقات. مجمع الزوائد 2/303. قلت: وله طريق آخر(3/231)
عند أحمد. أنظر: المسند 1/196، وقال ابن حجر: بشار بن أبي سيف مقبول. انظر: تقريب التهذيب ص 122) أي: نفقة تفصل بين الكفر والإيمان.
فض
- الفض: كسر الشيء والتفريق بين بعضه وبعضه، كفض ختم الكتاب، وعنه استعير: انفض القوم. قال الله تعالى: { وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها } [الجمعة/11]، { لا نفضوا من حولك } [آل عمران/159]، والفضة اختصت بأدون المتعامل بها من الجواهر، ودرع فضفاضة، وفضفاض: واسعة.
فضل
- الفضل: الزيادة عن الاقتصاد، وذلك ضربان: محمود: كفضل العلم والحلم، ومذموم: كفضل الغضب على ما يجب أن يكون عليه. والفضل في المحمود أكثر استعمالا، والفضول في المذموم، والفضل إذا استعمل لزيادة أحد الشيئين على الآخر فعلى ثلاثة أضرب:
فضل من حيث الجنس، كفضل جنس الحيوان على جنس النبات.
وفضل من حيث النوع، كفضل الإنسان على غيره من الحيوان، وعلى هذا النحو قوله: { ولقد كرمنا بني آدم } [الإسراء/70]، إلى قوله: { تفضيلا } (الآية: { ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا } سورة الإسراء: آية 70).(3/232)
وفضل من حيث الذات، كفضل رجل على آخر. فالأولاد جوهريان لا سبيل للناقص فيهما أن يزيل نقصه وأن يستفيد الفضل، كالفرس والحمار لا يمكنهما أن يكتسبا الفضيلة التي خص بها الإنسان، والفضل الثالث قد يكون عرضيا فيوجد السبيل على اكتسابه، ومن هذا النوع التفضيل المذكور في قوله: { والله فضل بعضكم على بعض في الرزق } [النحل/71]، { لتبتغوا فضلا من ربكم } [الإسراء/12]، يعني: المال وما يكتسب، وقوله: { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض } [النساء/34]، فإنه يعني بما خص به الرجل من الفضيلة الذاتية له، والفضل الذي أعطيه من المكنة والمال والجاه والقوة، وقال: { ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض } [الإسراء/ 55]، { فضل الله المجاهدين على القاعدين } [النساء/95]، وكل عطية لا تلزم من يعطي يقال لها: فضل. نحو قوله: { واسألوا الله من فضله } [النساء/ 32]، { ذلك فضل الله } [المائدة/54]، { ذو الفضل العظيم } [آل عمران/74]، وعلى هذا قوله: { قل بفضل الله } [يونس/58]، { ولولا فضل الله } [النساء/83].
فضا
- الفضاء: المكان الواسع، ومنه: أفضى بيده إلى كذا، وأفضى إلى امرأته: في الكناية أبلغ، وأقرب إلى التصريح من قولهم: خلا بها. قال تعالى: { وقد أفضى بعضكم إلى بعض } [النساء/21]. وقول الشاعر:
- 353 - طعامهم فوضى فضا في رحالهم
(هذا شطر بيت للمعذل البكري، وعجزه:
[ولا يحسنون السر إلا تناديا]
[استدراك] وهو في اللسان (فضا) ؛ وغريب الحديث للخطابي 2/531 ولم ينسبه المحقق؛ وشرح الحماسة 4/136)
أي: مباح، كأنه موضوع في فضاء يفيض فيه من يريده.
فطر(3/233)
- أصل الفطر: الشق طولا، يقال: فطر فلان كذا فطرا، وأفطر هو فطورا، وانفطر انفطارا. قال تعالى: { هل ترى من فطور } [الملك/3]، أي: اختلال ووهي فيه، وذلك قد يكون على سبيل الفساد، وقد يكون على سبيل الصلاح قال: { السماء منفطر به كان وعده مفعولا } [المزمل/18]. وفطرت الشاة: حلبتها بأصبعين، وفطرت العجين: إذا عجنته فخبرته من وقته، ومنه: الفطرة. وفطر الله الخلق، وهو إيجاده الشيء وإبداعه على هيئة مترشحة لفعل من الأفعال، فقوله: { فطرت الله التي فطر الناس عليها } [الروم/30]، فإشارة منه تعالى إلى ما فطر. أي: أبدع وركز في الناس من معرفته تعالى، وفطرة الله: هي ما ركز فيه من قوته على معرفة الإيمان، وهو المشار إليه بقوله: { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله } [الزخرف/87]، وقال: { الحمد لله فاطر السموات والأرض } [فاطر/1]، وقال: { الذي فطرهن } [الأنبياء/56]، { والذي فطرنا } [طه/72]، أي: أبدعنا وأوجدنا. يصح أن يكون الانفطار في قوله: { السماء منفطر به } [المزمل/18]، إشارة إلى قبول ما أبدعها وأفاضه علينا منه. والفطر: ترك الصوم. يقال: فطرته، وأفطرته، وأفطر هو (انظر: الأفعال 4/12)، وقيل: للكمأة: فطر، من حيث إنها تفطر الأرض فتخرج منها.
فظ
- الفظ: الكريه الخلق، مستعار من الفظ، أي: ماء الكرش، وذلك مكروه شربه لا يتناول إلا في أشد ضرورة. قال تعالى: { ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك } [آل عمران/159].
الفعل:(3/234)
التأثير من جهة مؤثر، وهو عام لما كان بإجادة أو غير إجادة، ولما كان بعلم أو غير علم، وقصد أو غير قصد، ولما كان من الإنسان والحيوان والجمادات، والعمل مثله، والصنع أخص منهما كما تقدم ذكرهما (تقدم في مادة (عمل)، ومادة (صنع) )، قال: { وما تفعلوا من خير يعلمه الله } [البقرة/197]، { ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما } [النساء/30]، { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته } [المائدة/67]، أي: إن لم تبلغ هذا الأمر فأنت في حكم من لم يبلغ شيئا بوجه، والذي من جهة الفاعل يقال له: مفعول ومنفعل، وقد فصل بعضهم بين المفعول والمنفعل، فقال: المفعول يقال إذا اعتبر بفعل الفاعل، والمنفغل إذا اعتبر قبول الفعل في نفسه، قال: فالمفعول أعم من المنفعل؛ لأن المنفعل يقال لما لا يقصد الفاعل إلى إيجاده وإن تولد منه، كحمرة اللون من خجل يعتري من رؤية إنسان، والطرب الحاصل عن الغناء، وتحرك العاشق لرؤية معشوقه. وقيل لكل فعل: انفعال إلا للإبداع الذي هو من الله تعالى، فذلك هو إيجاد عن عدم لا في عرض وفي جوهر بل ذلك هو إيجاد الجوهر.
فقد
- الفقد: عدم الشيء بعد وجوده، فهو أخص من العدم؛ لأن العدم يقال فيه وفيما لم يوجد بعد. قال تعالى: { ماذا تفقدون * قالوا: نفقد صواع الملك } [يوسف/71 - 72]. والتفقد: التعهد لكن حقيقة التفقد: تعرف فقدان الشيء، والتعهد: تعرف العهد المتقدم، قال: { وتفقد الطير } [النمل/20]، والفاقد: المرأة التي تفقد ولدها، أو بعلها.
فقر
- الفقر يستعمل على أربعة أوجه:
الأول: وجود الحاجة الضرورية، وذلك عام للإنسان ما دام في دار الدنيا بل عام للموجودات كلها، وعلى هذا قوله تعالى: { يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله } [فاطر/15]، وإلى هذا الفقر أشار بقوله في وصف الإنسان: { وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام } [الأنبياء/8].(3/235)
والثاني: عدم المقتنيات، وهو المذكور في قوله: { للفقرء الذين أحصروا } [البقرة/273]، إلى قوله: { من التعفف } [البقرة/273]، { إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله } [النور/32]. وقوله: { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } [التوبة/60].
الثالث: فقر النفس، وهو الشره المعني بقوله عليه الصلاة والسلام: (كاد الفقر أن يكون كفرا) (الحديث عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كاد الحسد أن يغلب القدر، وكاد الفقر أن يكون كفرا) أخرجه أبو نعيم في الحلية 3/53؛ وابن عدي في الكامل 7/2692. وهو ضعيف، وفيه يحي بن اليمان العجلي الكوفي سريع النسيان، وحديثه خطأ عن الثوري) وهو المقابل بقوله: (الغنى غنى النفس) (الحديث تقدم في مادة (غنى) ) والمعني بقولهم: من عدم القناعة لم يفده المال غنى.
الرابع: الفقر إلى الله المشار إليه بقوله عليه الصلاة والسلام: (اللهم أغنني بالافتقار إليك، ولا تفقرني بالاستغناء عنك) [استدراك] (ليس هذا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من دعاء عمرو بن عبيد. انظر: جواهر الألفاظ ص 5؛ ومجمع البلاغة للراغب 1/346)، وإياه عني بقوله تعالى: { رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير } [القصص/24]، وبهذا ألم الشاعر فقال:
- 354 - ويعجبني فقري إليك ولم يكن * ليعجبني لولا محبتك الفقر
(البيت في البصائر 4/205 دون نسبة. وهو للبحتري من قصيدة له يمدح بها الفتح بن خاقان، ومطلعها:
متى لاح برق أو بدا طلل قفر * جرى مستهل لا بكي ولا نزر
وهو في ديوانه 1/102؛ والصناعتين ص 128؛ والزهرة 1/68، وعمدة الحفاظ: فقر)(3/236)
ويقال: افتقر فهو مفتقر وفقير، ولا يكاد يقال: فقر، وإن كان القياس يقتضيه. وأصل الفقير: هو المكسور الفقار، يقال: فقرته فاقرة، أي داهية تكسر الفقار، وأفقرك الصيد فارمه، أي: أمكنك من فقاره، وقيل: هو من الفقرة أي: الحفرة، ومنه قيل لكل حفيرة يجتمع فيها الماء: فقير، وفقرت للفسيل: حفرت له حفيرة غرسته فيها، قال الشاعر:
- 355 - ما ليلة الفقير إلا شيطان
(هذا شطر بيت، وعجزه:
مجنونة تودي بروح الإنسان
وهو للجليح بن شديد رفيق الشماخ. وقيل: هو للشماخ في ديوانه ص 413؛ واللسان (فقر) ؛ والمجمل 3/703؛ والأول أصح؛ وتقدم ص 455)
فقيل: هو اسم بئر، وفقرت الخرز: ثقبته، وأفقرت البعير: ثقبت خطمه.
فقع
- يقال: أصفر فاقع: إذا كان صادق الصفرة، كقولهم: أسود حالك. قال تعالى: { صفراء فاقع } [البقرة/69]، والفقع: ضرب من الكمأة، وبه يشبه الذليل، فيقال: أذل من فقع بقاع (انظر: المجمل 3/703)، قال الخليل (العين 1/176) : سمي الفقاع لما يرتفع من زبده، وفقاقيع الماء تشبيها به.
فقه
- الفقه: هو التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد، فهو أخص من العلم. قال تعالى: { فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا } [النساء/78]، { ولكن المنافقين لا يفقهون } [المنافقون/7]، إلى غير ذلك من الآيات، والفقه: العلم بأحكام الشريعة، يقال: فقه الرجل فقاهة: إذا صار فقيها (قال السرقسطي: فقهت عنك فقها: فهمت، وفقه فقها: صار فقيها، وفقهت الرجل: غلبته في الفقه. انظر: الأفعال 4/48؛ والمثلث للبطليوسي 2/344)، وفقه أي: فهم فقها، وفقهه أي: فهمه، وتفقه: إذا طلبه فتخصص به. قال تعالى: { ليتفقهوا في الدين } [التوبة/122].
فكك(3/237)
- الفكك: التفريج، وفك الرهن: تخليصه، وفك الرقبة: عتقها. وقوله: { فك رقبة } [البلد/13]، قيل: هو عتق المملوك (وهو مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم. انظر: الدر المنثور 8/524)، وقيل: بل هو عتق الإنسان نفسه من عذاب الله بالكلم الطيب والعمل الصالح، وفك غيره بما يفيده من ذلك، والثاني يحصل للإنسان بعد حصول الأول، فإن من لم يهتد فليس في قوته أن يهدي كما بينت في (مكارم الشريعة) (راجع الذريعة ص 26، باب: السياسة التي يستحق بها خلافة الله تعالى)، والفكك: انفراج المنكب عن مفصله ضعفا، والفكان: ملتقى الشدقين. وقوله: { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين } [البينة/1]، أي: لم يكونوا متفرقين بل كانوا كلهم على الضلال، كقوله: { كان الناس أمة واحدة... } الآية [البقرة/213]، و (ما انفك) يفعل كذا، نحو: ما زال كذا.
فكر
- الفكرة: قوة مطرقة للعلم إلى المعلوم، والتفكر: جولان تلك القوة بحسب نظر العقل، وذلك للإنسان دون الحيوان، ولا يقال إلا فيما يمكن أن يحصل له صورة في القلب، ولهذا روي: (تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله) (الحديث تقدم في مادة (أله) ) إذ كان الله منزها أن يوصف بصورة. قال تعالى: { أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات } [الروم/8]، { أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة } [الأعراف/184]، { إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } [الرعد/3]، { يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون * في الدنيا والآخرة } [البقرة/219 - 220]. ورجل فكير: كثير الفكرة، قال بعض الأدباء: الفكر مقلوب عن الفرك لكن يستعمل الفكر في المعاني، وهو فرك الأمور وبحثها طلبا للوصول إلى حقيقتها.
فكه(3/238)
- الفاكهة قيل: هي الثمار كلها، وقيل: بل هي الثمار ما عدا العنب والرمان (وهذا قول أبي حنيقة، وقد قال: إذا حلف لا يأكل الفاكهة فأكل رمانا أو رطبا لم يحنث، واستدل بقوله تعالى: { فيهما فاكهة ونخل ورمان } ، وخالفه صاحباه. انظر: روح المعاني 27/122). وقائل هذا كأنه نظر إلى اختصاصهما بالذكر، وعطفهما على الفاكهة. قال تعالى: { وفاكهة مما يتخيرون } [الواقعة/20]، { وفاكهة كثيرة } [الواقعة/32]، { وفاكهة وأبا } [عبس/ 31]، { فواكه وهم مكرمون } [الصافات/42]، { وفواكه مما يشتهون } [المرسلات/42]، والفكاهة: حديث ذوي الأنس، وقوله: { فظلتم تفكهون } (سورة الواقعة: آية 65. والقول الأصلح في الآية أنها بمعنى تتندمون أو تعجبون، لأن أول الآية: { لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون } ) قيل: تتعاطون الفكاهة، وقيل: تتناولون الفاكهة. وكذلك قوله: { فاكهين بما آتاهم ربهم } [الطور/18].
فلح
- الفلح: الشق، وقيل: الحديد بالحديد يفلح (انظر: المجمل 3/705؛ واللسان (فلح) ؛ والأمثال ص 96)، أي: يشق. والفلاح: الأكار لذلك، والفلاح: الظفر وإدراك بغية، وذلك ضربان: دنيوي وأخروي؛ فالدنيوي: الظفر بالسعادات التي تطيب بها حياة الدنيا، وهو البقاء والغنى والعز، وإياه قصد الشاعر بقوله:
- 356 - أفلح بما شئت فقد يدرك بالض * ضعف وقد يخدع الأريب
(البيت لعبيد بن الأبرص، من قصيدة له مطلعها:
أقفر من أهله ملحوب
فالقطبيات فالذنوب
وهو في ديوانه ص 26؛ وتفسير القرطبي 1/182)
وفلاح أخروي، وذلك أربعة أشياء: بقاء بلا فناء، وغنى بلا فقر، وعز بلا ذل، وعلم بلا جهل. ولذلك قيل: (لا عيش إلا عيش الآخرة) (الحديث عن أنس بن مالك قال: قالت الأنصار يوم الخندق:
نحن الذين بايعوا محمدا * على الجهاد ما بقينا أبدا(3/239)
فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم: لا عيش إلا عيش الآخرة، فأكرم الأنصار والمهاجرة). أخرجه البخاري في فضائل الصحابة 7/90؛ ومسلم برقم 1805؛ وأحمد 3/170) وقال تعالى: { وإن الدار الآخرة لهي الحيوان } [العنكبوت/64]، { ألا إن حزب الله هم المفلحون } [المجادلة/22]، { قد أفلح من تزكى } [الأعلى/14]، { قد أفلح من زكاها } [الشمس/9]، { قد أفلح المؤمنون } [المؤمنون/1]، { لعلكم تفلحون } [البقرة/189]، { إنه لا يفلح الكافرون } [المؤمنون/117]، { فأولئك هم المفلحون } [الحشر/9]، وقوله: { وقد أفلح اليوم من استعلى } [طه/64]، فيصح أنهم قصدوا به الفلاح الدنيوي، وهو الأقرب، وسمي السحور الفلاح، ويقال: إنه سمي بذلك لقولهم عنده: حي على الفلاح، وقولهم في الأذان: (حي على الفلاح) أي: على الظفر الذي جعله الله لنا بالصلاة، وعلى هذا قوله: (حتى خفنا أن يفوتنا الفلاح) (شطر من حديث وفيه: (فجمع نساءه وأهله واجتمع الناس، قال: فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح. قيل: وما الفلاح؟ قال: السحور. قال: ثم لم يقم بنا شيئا من بقية الشهر).
أخرجه أبو داود برقم (1375) ؛ وابن ماجه 1/420؛ والنسائي 3/83: باب من صلى مع الإمام حتى ينصرف؛ وأحمد 5/160)، أي: الظفر الذي يجعل لنا بصلاة العتمة.
فلق(3/240)
- الفلق: شق الشيء وإبانة بعضه عن بعض. يقال: فلقته فانفلق. قال تعالى: { فالق الإصباح } [الأنعام/96]، { إن الله فالق الحب والنوى } [الأنعام/ 95]، { فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم } [الشعراء/63]، وقيل للمطمئن من الأرض بين ربوتين: فلق، وقوله: { قل أعوذ برب الفلق } [الفلق/1]، أي: الصبح، وقيل: الأنهار المذكورة في قوله: { أم من جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا } [النمل/61]، وقيل: هو الكلمة التي علم الله تعالى موسى ففلق بها البحر، والفلق: المفلوق، كالنقض والنكث للمنقوض والمنكوث، وقيل الفلق: العجب، والفيلق كذلك، والفليق والفالق: ما بين الجبلين وما بين السنامين من ظهر البعير.
فلك
- الفلك: السفينة، ويستعمل ذلك للواحد والجمع، وتقديراهما مختلفان، فإن الفلك إن كان واحدا كان كبناء قفل، وإن كان جمعا فكبناء حمر. قال تعالى: { حتى إذا كنتم في الفلك } [يونس/22]، { والفلك التي تجري في البحر } [البقرة/164]، { وترى الفلك فيه مواخر } [فاطر/12]، { وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون } [الزخرف/12]. والفلك: مجرى الكواكب، وتسميته بذلك لكونه كالفلك، قال: { وكل في فلك يسبحون } [يس/40]. وفلكه المغزل، ومنه اشتقك فلك ثدي المرأة (قال في المجمل: فلك ثدي المرأة: إذا استدار. المجمل 3/706)، وفلكت الجدي: إذا جعلت في لسانه مثل فلكة يمنعه عن الرضاع.
فلن
- فلان وفلانة: كنايتان عن الإنسان، والفلان والفلانة: كنايتان عن الحيوانات، قال: { يا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا } [الفرقان/28]، تنبيها أن كل إنسان يندم على من خاله وصاحبه في تحري باطل، فيقول: ليتني لم أخاله، وذلك إشارة إلى ما قال: { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } [الزخرف/67].
فنن(3/241)
- الفنن: الغصن الغض الورق، وجمعه أفنان، ويقال ذلك للنوع من الشيء، وجمعه فنون، وقوله: { ذواتا أفنا } [الرحمن/48]، أي: ذواتا غصون (مجاز القرآن 2/245) وقيل: ذواتا ألوان مختلفة.
فند
- التفنيد: نسبة الإنسان إلى الفند، وهو ضعف الرأي. قال تعالى: { لولا أن تفندون } [يوسف/94]، قيل: أن تلوموني (مجاز القرآن 1/318)، وحقيقته ما ذكرت، والإفناد: أن يظهر من الإنسان ذلك، والفند: شمراخ الجبل، وبه سمي الرجل فندا.
فهم
- الفهم: هيئة للإنسان بها يتحقق معاني ما يحسن، يقال: فهمت كذا، وقوله: { ففهمناها سليمان } [الأنبياء/79]، وذلك إما بأن جعل الله له من فضل قوة الفهم ما أدرك به ذلك؛ وإما بأن ألقى ذلك في روعه، أوبأن أوحى إليه وخصه به، وأفهمته: إذا قلت له حتى تصوره، والاستفهام: أن يطلب من غيره أن يفهمه.
فوت
- الفوت: بعد الشيء عن الإنسان بحيث يتعذر إدراكه، قال: { وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار } [الممتحنة/11]، وقال: { لكيلا تأسوا على ما فاتكم } [الحديد/23]، { ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت } [سبأ/51]، أي: لا يفوتون ما فزعوا منه، ويقال: هو مني فوت الرمح (انظر: المجمل 3/707)، أي: حيث لا يدركه الرمح، وجعل الله رزقه فوت فمه. أي: حيث يراه ولا يصل إليه فمه، والافتيات: افتعال منه، وهو أن يفعل الإنسان الشيء من دون ائتمار من حقه أن يؤتمر فيه، والتفاوت: الاختلاف في الأوصاف، كأنه يفوت وصف أحدهما الآخر، أو وصف كل واحد منهما الآخر. قال تعالى: { ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت } [الملك/3]، أي: ليس فيها ما يخرج عن مقتضى الحكمة.
فوج
- الفوج: الجماعة المارة المسرعة، وجمعه أفواج. قال تعالى: { كلما ألقي فيها فوج } [الملك/8]، { هذا فوج مقتحم معكم } [ص/59]، { في دين الله أفواجا } [النصر/2].
فأد(3/242)
- الفؤاد كالقلب لكن يقال له فؤاد إذا اعتبر فيه معنى التفؤد، أي: التوقد، يقال: فأدت اللحم: شويته، ولحم فئيد: مشوي. قال تعالى: { ما كذب الفؤاد ما رأى } [النجم/11]، { إن السمع والبصر والفؤاد } [الإسراء/36]، وجمع الفؤاد: أفئدة. قال: { فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم } [إبراهيم/37]، { وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة } [الملك/23]، { وأفئدتهم هواء } [إبراهيم/43]، { نار الله الموقدة * التي تطلع على الأفئدة } [الهمزة/6 - 7]. وتخصيص الأفئدة تنبيه على فرط تأثير له (قال البرهان البقاعي: وخص بالذكر لأنه ألطف ما في البدن، وأشده تألما بأدنى من الأذى، ولأنه منشأ العقائد الفاسدة، ومعدن حب المال الذي هو منشأ الفساد والضلال، وعنه تصدر الأفعال القبيحة. انظر: نظم الدرر 22/248)، وما بعد هذا الكتاب من الكتب في علم القرآن موضع ذكره.
فور
- الفور: شدة الغليان، ويقال ذلك في النار نفسها إذا هاجت، وفي القدر، وفي الغضب نحو: { وهي تفور } [الملك/7]، { وفار التنور } [هود/40]، قال الشاعر:
- 357 - ولا العرق فارا
(البيت:
لها رسغ أيد مكرب * فلا العظم واه ولا العرق فارا
وهو لعوف بن الخرع يصف قوسا. والبيت في اللسان (فور) ؛ والمفضليات ص 414؛ ومطلع القصيدة:
أمن آل مي عرفت الديارا * بحيث الشقيق خلاء قفارا)
ويقال: فار فلان من الحمى يفور، والفوارة: ما تقذف به القدر من فورانه، وفوارة الماء سميت تشبيها بغليان القدر، ويقال: فعلت كذا من فوري، أي: غليان الحال، وقيل: سكون الأمر. قال تعالى: { ويأتوكم من فورهم هذا } [آل عمران/125]، والفار جمعه فيران، وفأرة المسك تشبيها بها في الهيئة، ومكان فئر: فيه الفأر.
فور(3/243)
- الفوز: الظفر بالخير مع حصول السلامة. قال تعالى: { ذلك هو الفوز الكبير } [البروج/11]، { فاز فوزا عظيما } [الأحزاب/71]، { ذلك هو الفوز المبين } [الجاثية/30]، وفي أخرى: { العظيم } ( { وذلك هو الفوز العظيم } سورة غافر: آية 9) { أولئك هم الفائزون } [التوبة/20]، والمفازة قيل: سميت تفاؤلا للفوز، وسميت بذلك إذا وصل بها إلى الفوز، فإن القفر كما يكون سببا للهلاك فقد يكون سببا للفوز، فيسمى بكل واحد منهما حسبما يتصور منه ويعرض فيه، وقال بعضهم: سميت مفازة من قوله: فوز الرجل: إذا هلك (انظر: المجمل 3/707)، فإن يكن فوز بمعنى هلك صحيحا فذلك راجع إلى الفوز تصورا لمن مات بأنه نجا من حبالة الدنيا، فالموت - وإن كان من وجه هلكا - فمن وجه فوز، ولذلك قيل: ما أحد إلا والموت خير له (قال بعض السلف: ما من أحد، إلا والموت خير له من الحياة؛ لأنه إن كان محسنا فالله تعالى يقول: { وما عند الله خير وأبقى } ، وإن كان مسيئا فالله تعالى يقول: { إنما نملي لهم ليزدادوا إثما } . تحسين القبيح ص 72)، هذا إذا اعتبر بحال الدنيا، فأما إذا اعتبر بحال الآخرة فيما يصل إليه من النعيم فهو الفوز الكبير: { فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز } [آل عمران /185]، وقوله: { فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب } [آل عمران/188]، فهي مصدر فاز، والاسم الفوز، أي: لا تحسبنهم يفوزون ويتخلصون من العذاب. وقوله: { إن للمتقين مفازا } [النبأ/31]، أي: فوزا، أي: مكان فوز، ثم فسر فقال: { حدائق وأعنابا... } الآية [النبأ/32]، وقوله: { ولئن أصابكم فضل } إلى قوله: { فوزا عظيما } (الآية: { ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما } سورة النساء: آية 73) أي: يحرصون على أغراض الدنيا، ويعدون ما ينالونه من الغنيمة فوزا عظيما.
فوض(3/244)
- قال تعالى: { وأفوض أمري إلى الله } [غافر/44]، أرده إليه، وأصله من قولهم: مالهم فوضى بينهم قال الشاعر:
- 358 - طعامهم فوضى فضا في رحالهم
(الشطر تقدم في مادة (فضى) ؛ وهو في غريب الحديث للخطابي 2/531؛ وكشف المشكل 1/253)
ومنه: شركة المفاوضة.
فيض
- فاض الماء: إذا سال منصبا. قال تعالى: { ترى أعينهم تفيض من الدمع } [المائدة/83]، وأفاض إناءه: إذا ملأه حتى أساله، وأفضته. قال: { أن أفيضوا علينا من الماء } [الأعراف/50]، ومنه: فاض صدره بالسر. أي: سال، ورجل فياض، أي: سخي، ومنه استعير: أفاضوا في الحديث: إذا خاضوا فيه. قال: { لمسكم فيما أفضتم فيه } [النور/14]، { هو أعلم بما تفيضون فيه } [الأحقاف/8]، { إذ تفيضون فيه } [يونس/61]، وحديث مستفيض: منتشر، والفيض: الماء الكثير، يقال: إنه أعطاه غيضا من فيض (انظر: المجمل 3/709؛ وأساس البلاغة (غيض) )، أي: قليلا من كثير وقوله: { فإذا أفضتم من عرفات } [البقرة/198]، وقوله: { ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس } [البقرة /199]، أي: دفعتم منها بكثرة تشبيها بفيض الماء، وأفاض بالقداح: ضرب بها، وأفاض البعير بجرته (انظر: المجمل 3/709) : رمى بها، ودرع مفاضة: أفيضت على لابسها كقولهم: درع مسنونة، من: سننت أي: صببت.
فوق
- فوق يستعمل في المكان، والزمان، والجسم، والعدد، والمنزلة، وذلك أضرب:
الأول: باعتبار العلو. نحو: { ورفعنا فوقكم الطور } [البقرة/63]، { من فوقهم ظلل من النار } [الزمر/16]، { وجعل فيها رواسي من فوقها } [فصلت/10]، ويقابله تحت. قال: { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم } [الأنعام/65].
الثاني: باعتبار الصعود والحدور. نحو قوله: { إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم } [الأحزاب/10].
الثالث: يقال في العدد. نحو قوله: { فإن كن نساء اثنتين } [النساء/11].(3/245)
الرابع: في الكبر والصغر: { مثلا ما بعوضة فما فوقها } [البقرة/26]. قيل: أشار بقوله: { فما فوقها } إلى العنكبوت المذكور في الآية، وقيل: معناه ما فوقها في الصغر، ومن قال: أراد ما دونها فإنما قصد هذا المعنى، وتصور بعض أهل اللغة أنه يعني أن فوق يستعمل بمعنى دون فأخرج ذلك في جملة ما صنفه من الأضداد (يريد بذلك ابن الأنباري، فقد ذكر أن فوق من الأضداد. انظر: كتاب الأضداد ص 250)، وهذا توهم منه.
الخامس: باعتبار الفضيلة الدنيوية. نحو: { ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات } [الزخرف/32]، أو الأخروية: { والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة } [البقرة/212]، { فوق الذين كفروا } [آل عمران/55].
السادس: باعتبار القهر والغلبة. نحو قوله: { وهو القاهر فوق عباده } [الأنعام/ 18]، وقوله عن فرعون: { وإنا فوقهم قاهرون } [الأعراف/127]، ومن فوق، قيل: فاق فلان غيره يفوق: إذا علاه، وذلك من (فوق) المستعمل في الفضيلة، ومن فوق يشتق فوق السهم، وسهم أفوق: انكسر فوقه، والإفاقة: رجوع الفهم إلى الإنسان بعد السكر، أو الجنون، والقوة بعد المرض، والإفاقة في الحلب: رجوع الدر، وكل درة بعد الرجوع يقال لها: فيقة، والفواق: ما بين الحلبتين. وقوله: { ما لها من فواق } [ص/15]، أي: من راحة ترجع إليها، وقيل: ما لها من رجوع إلى الدنيا. قال أبو عبيدة (انظر: مجاز القرآن 2/179) : (من قرأ: { من فواق } (قرأ حمزة والكسائي وخلف بضم الفاء، وهي لغة تميم وأسد وقيس. انظر: الإتحاف 372) بالضم فهو من فواق الناقة. أي: ما بين الحلبتين، وقيل: هما واحد نحو: جمام وجمام) (يقال: جمام المكوك دقيقا بالكسر والضم. انظر: اللسان (جم) ). وقيل: استفق ناقتك، أي: اتركها حتى يفوق لبنها، وفوق فصيلك، أي: اسقه ساعة بعد ساعة، وظل يتفوق المخض، قال الشاعر:
- 359 - حتى إذا فيقة في ضرعها اجتمعت
(هذا شطر بيت للأعشى، وعجزه:
جاءت لترضع شق النفس لو رضعا(3/246)
وهو من قصيدة يمدح بها هوذة بن علي الحنفي، ومطلعها:
بانت سعاد وأمسى حبلها انقطعا * واحتلت الغمر فالجدين فالفرعا
وهو في ديوانه ص 107؛ واللسان (فوق) )
فيل
- الفيل معروف. جمعه فيلة وفيول. قال: { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل } [الفيل/1]، ورجل فيل الرأي، وفال الرأي، أي: ضعيفه، والمفايلة: لعبة يخبئون شيئا في التراب ويقسمونه ويقولون في أيها هو، والفائل: عرق في خربة الورك، أو لحم عليها.
فوم
- الفوم: الحنطة، وقيل: هي الثوم، يقال: ثوم وفوم، كقولهم: جدث وجدف (انظر الغريب المصنف ورقة 261 نسخة تركيا). قال تعالى: { وفومها وعدسها } [البقرة/61].
فوه
- أفواه جمع فم، وأصل فم فوه، وكل موضع علق الله تعالى حكم القول بالفم فإشارة إلى الكذب، وتنبيه أن الاعتقاد لا يطابقه. نحو: { ذلكم قولكم بأفواهكم } [الأحزاب/4]، وقوله: { كلمة تخرج من أفواههم } [الكهف/5]، { يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم } [التوبة/8]، { فردوا أيديهم في أفواههم } [إبراهيم/9]، { من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم } [المائدة/41]، { يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم } [آل عمران/167]، ومن ذلك: فوهة النهر، كقولهم: فم النهر، وأفواه الطيب. الواحد: فوه.
فيأ
- الفيء والفيئة: الرجوع إلى حالة محمودة. قال تعالى: { حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت } [الحجرات/9]، وقال: { فإن فاءوا } [البقرة/226]، ومنه: فاء الظل، والفيء لا يقال إلا للراجع منه. قال تعالى: { يتفيؤ ظلاله } [النحل/48]. وقيل: للغنيمة التي لا يلحق فيها مشقة: فيء، قال: { ما افاء الله على رسوله } [الحشر/7]، { وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك } [الأحزاب/50]، قال بعضهم: سمي ذلك بالفيء الذي هو الظل تنبيها أن أشرف أعراض الدنيا يجري مجرى ظل زائل، قال الشاعر:
- 360 - أرى المال أفياء الظلال عشية * (الشطر في تفسير الراغب ورقة 148، دون نسبة. وعجزه: [يؤوب وأخرى يخبل المال خابله](3/247)
وهو في أساس البلاغة: خبل)
وكما قال:
- 361 - إنما الدنيا كظل زائل
(شطر بيت للوزير ابن الزيات، وعجزه:
[نحمد الله كذا قدرها] وقبله:
وهل الدنيا إذا ما أقبلت * صيرت معروفها منكرها
انظر الوافي للصفدي 4/33)
والفئة: الجماعة المتظاهرة التي يرجع بعضهم إلى بعض في التعاضد. قال تعالى: { إذا لقيتم فئة فاثبتوا } [الأنفال/45]، { كم من فئة قلية غلبت فئة كثيرة } [البقرة/249]، { في فئتين التقتا } [آل عمران/13]، { في المنافقين فئتين } [النساء/88]، { من فئة ينصرونه } [القصص/81]، { فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه } [الأنفال/48].
كتاب القاف
قبح
- القبيح: ما ينبو عنه البصر من الأعيان، وما تنبو عنه النفس من الأعمال والأحوال، وقد قبح قباحة فهو قبيح، وقوله تعالى: { من المقبوحين } [القصص /42]، أي: من الموسومين بحالة منكرة، وذلك إشارة إلى ما وصف الله تعالى به الكفار من الرجاسة والنجاسة إلى غير ذلك من الصفات، وما وصفهم به يوم القيامة من سواد الوجوه، وزرقة العيون، وسحبهم بالأغلال والسلاسل ونحو ذلك. يقال: قبحه الله عن الخير، أي: نحاه، ويقال لعظم الساعد، مما يلي النصف منه إلى المرفق: قبيح (انظر الغريب المصنف ورقة 4 نسخة الظاهرية).
قبر(3/248)
- القبر: مقر الميت، ومصدر قبرته: جعلته في القبر، وأقبرته: جعلت له مكانا يقبر فيه. نحو: أسقيته: جعلت له ما يسقى منه. قال تعالى: { ثم أماته فأقبره } [عبس/21]، قيل: معناه ألهم كيف يدفن، والمقبرة والمقبرة موضع القبور، وجمعها: مقابرا. قال: { حتى زرتم المقابر } [التكاثر/2]، كناية عن الموت. وقوله: { إذا بعثر ما في القبور } [العاديات/9]، إشارة إلى حال البعث. وقيل: إشارة إلى حين كشف السرائر؛ فإن أحوال الإنسان ما دام في الدنيا مستورة كأنها مقبورة، فتكون القبور على طريق الاستعارة، وقيل: معناه إذا زالت الجهالة بالموت، فكأن الكافر والجاهل ما دام في الدنيا فهو مقبور، فإذا مات فقد أنشر وأخرج من قبره. أي: من جهالته، وذلك حسبما روي: (الإنسان نائم فإذا مات انتبه) (الرواية المعروفة: (الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا). قال الملا علي قاري: هو من قول علي كرم الله وجهه. انظر: الموضوعا الكبرى ص 250) وإلى هذا المعنى أشار بقوله: { وما أنت بمسمع من في القبور } [فاطر/22]، أي: الذين هم في حكم الأموات.
قبس
- القبس: المتناول من الشعلة، قال: { أو آتيكم بشهاب قبس } [النمل/7]، والقبس والاقتباس: طلب ذلك، ثم يستعار لطلب العلم والهداية. قال: { انظرونا نقتبس من نوركم } [الحديد/13]. وأقبسته نارا أو علما: أعطيته، والقبيس: فحل سريع الإلقاح تشبيها بالنار في السرعة.
قبص
- القبص: التناول بأطراف الأصابع، والمتناول بها يقال له: القبص والقبيصة، ويعبر عن القليل بالقبيص وقرئ: (فقبصت قبصة) (سورة طه: آية 96. وهي قراءة شاذة، قرأ بها ابن الزبير وأبو العالية وقتادة) والقبوص: الفرس الذي لا يمس في عدوه الأرض إلا بسنابكه، وذلك استعارة كاستعارة القبص له في العدو.
قبض(3/249)
- القبض: تناول الشيء بجميع الكف. نحو قبض السيف وغيره. قال تعالى: { فقبضت فبضة } [طه/96]، فقبض اليد على الشيء جمعها بعد تناوله، وقبضها عن الشيء جمعها قبل تناوله، وذلك إمساك عنه، ومنه قيل لإمساك اليد عن البذل. قبض. قال: { يقبضون أيديهم } [التوبة/67]، أي: يمتنعون من الإنفاق، ويستعار القبض لتحصيل الشيء وإن لم يكن فيه مراعاة الكف، كقولك: قبضت الدار من فلان، أي: حزتها. قال تعالى: { والأرض جميعا قبضته يوم القيامة } [الزمر/67]، أي: في حوزه حيث لا تمليك لأحد. وقوله: { ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا } [الفرقان/46]، فإشارة إلى نسخ الظل الشمس. ويستعار القبض للعدو؛ لتصور الذي يعدو بصورة المتناول من الأرض شيئا، وقوله: { يقبض ويبسط } [البقرة/245]، أي: يسلب تارة ويعطي تارة، أو يسلب قوما ويعطي قوما، أو يجمع مرة ويفرق أخرى، أو يميت ويحيي، وقد يكنى بالقبض عن الموت، فيقال: قبضة الله، وعلى هذا النحو قوله عليه الصلاة والسلام: (ما من آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الرحمن) (الحديث عن النواس بن سمعان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع رب العالمين، إذا شاء أن يقيمه أقامه، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه). أخرجه أحمد 4/182، وإسناده صحيح) أي: الله قادر على تصريف أشرف جزء منه، فكيف ما دونه، وقيل: راع قبضة: يجمع الإبل (يقال: راع قبضة: إذا كان منقبضا لا يتفسح في رعي غنمه. انظر: الجمهرة 1/303؛ والمجمل 3/741)، والانقباض: جمع الأطراف، ويستعمل في ترك التبسط.
قبل
- قبل يستعمل في التقدم المتصل والمنفصل، ويضاده بعد، وقيل: يستعملان في التقدم المتصل، ويضادهما دبر ودبر. هذا في الأصل وإن كان قد يتجوز في كل واحد منهما. (فقبل) يستعمل على أوجه:
الأول: في المكان بحسب الإضافة، فيقول الخارج من أصبهان إلى مكة: بغداد قبل الكوفة، ويقول الخارج من مكة إلى أصبهان: الكوفة قبل بغداد.(3/250)
الثاني: في الزمان نحو: زمان عبد الملك قبل المنصور، قال: { فلم تقتلون أنبياء من قبل } [البقرة/91].
الثالث: في المنزلة نحو: عبد الملك قبل الحجاج.
الرابع: في الترتيب الصناعي. نحو تعلم الهجاء قبل تعلم الخط، وقوله: { ما آمنت قبلهم من قرية } [الأنبياء/6]، وقوله: { قبل طلوع الشمس وقبل غروبها } [طه/130]، { قبل أن تقوم من مقامك } [النمل/39]، { أوتوا الكتاب من قبل } [الحديد/16]، فكل إشارة إلى التقدم الزماني. والقبل والدبر يكنى بهما عن السوأتين، والإقبال: التوجه نحو القبل، كالاستقبال. قال تعالى: { فأقبل بعضهم } [الصافات/50]، { وأقبلوا عليهم } [يوسف/71]، { فأقبلت امرأته } [الذاريات/29]، والقابل: الذي يستقبل الدلو من البئر فيأخذه، والقابلة: التي تقبل الولد عند الولادة، وقبلت عذره وتوبته وغيره، وتقبلته كذلك. قال: { ولا يقبل منها عدل } [البقرة/123]، { وقابل التوب } [غافر/3]، { وهو الذي يقبل التوبة عن عباده } [الشورى/25]. والتقبل: قبول الشيء على وجه يقتضي ثوابا كالهدية ونحوها. قال تعالى: { أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا } [الأحقاف/16]، وقوله: { إنما يتقبل الله من المتقين } [المائدة/27]، تنبيه أن ليس كل عبادة متقبلة، بل إنما يتقبل إذا كان على وجه مخصوص. قال تعالى: { إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني } [آل عمران/35]. وقيل للكفالة: قبالة فإن الكفالة هي أوكد تقبل، وقوله: { فتقبل مني } [آل عمران /35]، فباعتبار معنى الكفالة، وسمي العهد المكتوبك قبالة، وقوله: { فتقبلها } [آل عمران/37]، قيل: معناه قبلها، وقيل: معناه تكفل بها، ويقول الله تعالى: كلفتني أعظم كفالة في الحقيقة وإنما قيل: { فتقبلها ربها بقبول } [آل عمران/37]، ولم يقل بتقبل للجمع بين الأمرين: التقبل الذي هو الترقي في القبول، والقبول الذي يقتضي الرضا والإثابة (انظر: البصائر 4/235). وقيل: القبول هو من قولهم: فلان عليه قبول: إذا(3/251)
أحبه من رآه، وقوله: { كل شيء قبلا } [الأنعام/11] (هذه قراءة ابن كثير وأبي عمرو وحمزة والكسائي وخلف ويعقوب وعاصم. انظر: الإتحاف ص 215) قيل: هو جمع قابل، ومعناه: مقابل لحواسهم، وكذلك قال مجاهد: جماعة جماعة (انظر: البصائر 4/235؛ والدر المنثور 3/341)، فيكون جمع قبيل، وكذلك قوله: { أو يأتيهم العذاب قبلا } [الكهف/55] ومن قرأ: { قبلا } (وهي قراءة نافع وابن عامر وأبي جعفر. انظر: الإتحاف ص 215) فمعناه: عيانا (قال شيخنا أحمد بن محمد حامد الحسين الشنقيطي:
وجا قبل وفق اقتدار، وقد أتى * لردف عيان لكن القاف تكسر
وفي النوع فاضمم قافه جامعا له * وذلك في الصاوي إذا كنت تنظر).(3/252)
والقبيل: جمع قبيلة، وهي الجماعة المجتمعة التي يقبل بعضها على بعض. قال تعالى: { وجعلناكم شعوبا وقبائل } [الحجرات/13]، { والملائكة قبيلا } [الإسراء/92]، أي: جماعة جماعة. وقيل: معناه كفيلا. من قولهم: قبلت فلانا وتقبلت به، أي: تكفلت به، وقيل مقابلة، أي معاينة، ويقال: فلان لا يعرف قبيلا من دبير (انظر: أساس البلاغة (دبر) ؛ واللسان (دبر) )، أي: ما أقبلت به المرأة من غزلها وما أدبرت به. والمقابلة والتقابل: أن يقبل بعضهم على بعض؛ إما بالذات؛ وإما بالعناية والتوفر والمودة. قال تعالى: { متكئين عليها متقابلين } [الواقعة/16]، { إخوانا على سرر متقابلين } [الحجر/ 47]، ولي قبل فلان كذا، كقولك عنده. قال تعالى: { ةجاء فرعون ومن قبله } (وهي قراءة أبي عمرو والكسائي ويعقوب. الإتحاف ص 422) [الحاقة/9]، { فما للذين كفروا قبلك مهطعين } [المعارج/36]، ويستعار ذلك للقوة والقدرة على المقابلة، أي: المجازاة، فيقال: لا قبل لي بكذا، أي: لايمكنني أن أقابله، قال: { فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها } [النمل/37]، أي: لا طاقة لهم على استقبالها ودفاعها، والقبلة في الأصل اسم للحالة التي عليها المقابل نحو: الجلسة والقعدة، وفي التعارف صار اسما للمكان المقابل المتوجه إليه للصلاة. نحو: { فلنولينك قبلة ترضاها } [البقرة/144]، والقبول: ريح الصبا، وتسميتها بذلك لاستقبالها القبلة، وقبيلة الرأس: موصل الشؤن. وشاة مقابلة: قطع من قبل أذنها، وقبال النعل زمامها، وقد قابلتها: جعلت لها قبالا، والقبل: الفحج (وهو تباعد ما بين الرجلين. انظر: المجمل 3/742)، والقبلة: خرزة يزعم الساحر أنه يقبل بالإنسان على وجه الآخر، ومنه: القبلة، وجمعها قبل، وقبلته تقبيلا.
قتر(3/253)
- القتر: تقليل النفقة، وهو بإزاء الإسراف، وكلاهما مذمومان، قال تعالى: { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما } [الفرقان/67]. ورجل قتور ومقتر، وقوله: { وكان الإنسان قتورا } [الإسراء/100]، تنبيه على ما جبل عليه الإنسان من البخل، كقوله: { وأحضرت الأنفس الشح } [النساء/128]، وقد قترت الشيء وأقترته وقترته، أي: قللته. ومقتر: فقير، قال: { وعلى المقتر قدره } [البقرة/236]، وأصل ذلك من القتار والقتر، وهو الدخان الساطع من الشواء والعود ونحوهما، فكأن المقتر والمقتر يتناول من الشيء قتاره، وقوله: { ترهقها قترة } [عبس/41]، نحو: { غبرة } (الآية: { ووجوه يومئذ عليها غبرة } سورة عبس: آية 40) وذلك شبه دخان يغشى الوجه من الكذب. والقترة: ناموس الصائد الحافظ لقتار الإنسان، أي: الريح؛ لأن الصائد يجتهد أن يخفي ريحه عن الصيد لئلا يند، ورجل قاتر: ضعيف كأنه قتر في الخفة كقوله: هو هباء، وابن قترة: حية صغيرة خفيفة، والقتير: رؤوس مسامير الدرع.
قتل
- أصل القتل: إزالة الروح عن الجسد كالموت، لكن إذا اعتبر بفعل المتولي لذلك يقال: قتل، وإذا اعتبر بفوت الحياة يقال: موت. قال تعالى: { أفإن مات أو قتل } [آل عمران/144]، وقوله: { فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم } [الأنفال/17]، { قتل الإنسان } [عبس/17]، وقيل قوله: { قتل الخراصون } [الذاريات/10]، لفظ قتل دعاء عليهم، وهو من الله تعالى: إيجاد ذلك، وقوله: { فاقتلوا أنفسكم } [البقرة/54]، قيل معناه: ليقتل بعضكم بعضا. وقيل: عني بقتل النفس إماطة الشهوات، وعنه استعير على سبيل المبالغة: قتلت الخمر بالماء: إذا مزجته، وقتلت فلانا، وقتلته إذا: ذللته، قال الشاعر:
- 362 - كأن عيني في غربى مقتلة * (الشطر لزهير، وعجزه:
من النواضح تسقي جنة صحق)(3/254)
وقتلت كذا علما قال تعالى: { وما قتلوه يقينا } [النساء/157]، أي: ما علموا كونه مصلوبا علما يقينا (انظر المدخل لعلم التفسيرص 214).
من قصيدة يمدح بها هرم بن سنان، مطلعها:
إن الخليط أجد البين فانفرقا * وعلق القلب من أسماء ما علقا
وهو في ديوانه ص 40؛ واللسان (قتل) ).
والمقاتلة: المحاربة وتحري القتل. قال: { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } [البقرة /193]، { ولئن قوتلوا } [الحشر/12]، { قاتلوا الذين يلونكم } [التوبة/123]، { ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل } [النساء/74]، وقيل: القتل: العدو والقرن (انظر: المجمل 3/743؛ والجمهرة 2/25)، وأصله المقاتل، وقوله: { قاتلهم الله } [التوبة/30]، قيل: معناه لعنهم الله، وقيل: معناه قتلهم، والصحيح أن ذلك هو المفاعلة، والمعنى: صار بحيث يتصدى لمحاربة الله، فإن من قاتل الله فمقتول، ومن غالبه فهو مغلوب، كما قال: { وإن جندنا لهم الغالبون } [الصافات/173]، وقوله: { و لا تقتلوا أولادكم من إملاق } [الأنعام/151]، فقد قيل: إن ذلك نهي عن وأد البنات (انظر تفسير الطبري 8/82)، وقال بعضهم: بل نهي عن تضييع البذر بالعزلة ووضعه في غير موضعه. وقيل: إن ذلك نهي عن شغل الأولاد بما يصدهم عن العلم، وتحري ما يقتضي الحياة الأبدية، إذ كان الجاهل والغافل عن الآخرة في حكم الأموات، ألا ترى أنه وصفهم بذلك في قوله: { أموات غير أحياء } [النحل/21]، وعلى هذا: { ولا تقتلوا أنفسكم } [النساء/29]، ألا ترى أنه قال: { ومن يفعل ذلك } [النساء/ 30]، وقوله: { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } [المائدة/95]، فإنه ذكر لفظ القتل دون الذبح والذكاة؛ إذ كان القتل أعم هذه الألفاظ تنبيها أن تفويت روحه على جميع الوجوه محظور، يقال: أقتلت فلانا: عرضته للقتل، واقتتله العشق والجن، ولا يقال ذلك في غيرهما، والاقتتال: كالمقاتلة. قال تعالى: { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا(3/255)
فأصلحوا بينهما } [الحجرات/9].
قحم
- الاقتحام: توسط شدة مخيفة. قال تعالى: { فلا اقتحم العقبة } [البلد/11]، { هذا فوج مقتحم } [ص/59]، وقحم الفرس فارسه: توغل به ما يخاف عليه، وقحم فلان نفسه في كذا من غير روية، والمقاحيم: الذين يقتحمون في الأمر، قال الشاعر:
- 363 - مقاحيم في الأمر الذي يتجنب
(لم أجده)
ويروى: يتهيب.
قدد
- القد: قطع الشيء طولا. قال تعالى: { إن كان قميصه قد من قبل } [يوسف/ 26]، { وإن كان قميصه قد من دبر } [يوسف/27]. والقد: المقدود، ومنه قيل لقامة الإنسان: قد، كقولك: تقطيعه (قال ابن منظور: وإنه لحسن التقطيع: أي: القد، ويقال: فلان قطيع فلان، أي: شبيهه في قده وخلقه، وجمعه أقطعاء. انظر: اللسان (قطع) 8/282)، وقددت اللحم فهو قديد، والقدد: الطرائق. قال: { طرائق قددا } [الجن/11]، الواحدة: قدة، والقدة: الفرقة من الناس، والقدة كالقطعة، واقتد الأمر: دبره، كقولك: فصله وصرمه.
و (قد) : حرف يختص بالفعل، والنحويون يقولون: هو للتوقع. وحقيقته أنه إذا دخل على فعل ماض فإنما يدخل على كل فعل متجدد، نحو قوله: { قد من الله علينا } [يوسف/90]، { قد كان لكم آية في فئتين } [آل عمران/13]، { قد سمع الله } [المجادلة/1]، { لقد رضي الله عن المؤمنين } [الفتح/18]، { لقد تاب الله على النبي } [التوبة/117]، وغير ذلك، ولما قلت لا يصح أن يستعمل في أوصاف الله تعالى الذاتية، فيقال: قد كان الله عليما حكيما، وأما قوله: { علم أن سيكون منكم مرضى } [المزمل/20]، فإن ذلك متناول للمرض في المعنى، كما أن النفي في قولك: ما علم الله زيدا يخرج، هو للخروج، وتقدير ذلك: قد يمرضون فيما علم الله، وما يخرج زيد فيما علم الله، وإذا دخل (قد) على المستقبل من الفعل فذلك الفعل يكون في حالة دون حالة. نحو: { قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا } [النور/63]، أي: قد يتسللون أحيانا فيما علم الله.(3/256)
و (قد) و (قط) (انظر: الجنى الداني ص 269؛ ومغني اللبيب ص 226, 233؛ والبصائر 4/241) يكونان اسما للفعل بمعنى حسب، يقال: قدني كذا، وقطني كذا، وحكي: قدي. وحكى الفراء: قد زيدا، وجعل ذلك مقيسا على ما سمع من قولهم: قدني وقدك، والصحيح أن ذلك لا يستعمل مع الظاهر، وإنما جاء عنهم في المضمر.
قدر
- القدرة إذا وصف بها الإنسان فاسم لهيئة له بها يتمكن من فعل شيء ما، وإذا وصف الله تعالى بها فهي نفي العجز عنه، ومحال أن يوصف غير الله بالقدرة المطلقة معنى وإن أطلق عليه لفظا، بل حقه أن يقال: قادر على كذا، ومتى قيل: هو قادر، فعلى سبيل معنى التقييد، ولهذا لا أحد غير الله يوصف بالقدرة من وجه إلا ويصح أن يوصف بالعجز من وجه، والله تعالى هو الذي ينتفي عنه العجز من كل وجه. والقدير: هو الفاعل لما يشاء على قدر ما تقتضي الحكمة، لا زائدا عليه ولا ناقصا عنه، ولذلك لا يصح أن يوصف به إلا الله تعالى، قال: { إن الله على كل شيء قدير } [البقرة/ 20]. والمقتدر يقاربه نحو: { عند مليك مقتدر } [القمر/55]، لكن قد يوصف به البشر، وإذا استعمل في الله فمعناه القدير، وإذا استعمل في البشر فمعناه: المتكلف والمكتسب للقدرة، يقال: قدرت على كذا. قال تعالى: { لا يقدرون على شيء مما كسبوا } [البقرة/264]. والقدر والتقدير: تبين كمية الشيء. يقال: قدرته وقدرته، وقدره بالتشديد: أعطاه القدرة. يقال: قدرني الله على كذا وقواني عليه، فتقدير الله الأشياء على وجهين:
أحدهما: بإعطاء القدرة.
والثاني: بأن يجعلها على مقدار مخصوص ووجه مخصوص حسبما اقتضت الحكمة، وذلك أن فعل الله تعالى ضربان:
ضرب أوجده بالفعل، ومعنى إيجاده بالفعل أن أبدعه كاملا دفعة لا تعتريه الزيادة والنقصان إلى إن يشاء أن يفنيه، أو يبدله كالسموات وما فيها.(3/257)
ومنها ما جعل أصوله موجودة بالفعل وأجزاءه بالقوة، وقدره على وجه لا يتأتى منه غير ما قدره فيه، كتقديره في النواة أن ينبت منها النخل دون التفاح والزيتون، وتقدير مني الإنسان أن يكون منه الإنسان دون سائر الحيوانات.
فتقدير الله على وجهين:
أحدهما بالحكم منه أن يكون كذا أو لا يكون كذا؛ إما على سبيل الوجوب؛ وإما على سبيل الإمكان. وعلى ذلك قوله: { قد جعل الله لكل شيء قدرا } [الطلاق/3].
والثاني: بإعطاء القدرة عليه. وقوله: { فقدرنا فنعم القادرون } [المرسلات/ 23]، تنبيها أن كل ما يحكم به فهو محمود في حكمه، أو يكون من قوله: { قد جعل الله لكل شيء قدرا } [الطلاق/3]، وقرئ: { فقدرنا } (قرأ بالتشديد نافع والكسائي وأبو جعفر. انظر: الإتحاف ص 430) بالتشديد، وذلك منه، أو من إعطاء القدرة، وقوله: { نحن قدرنا بينكم الموت } [الواقعة/60]، فإنه تنبيه أن ذلك حكمة من حيث إنه هو المقدر، وتنبيه أن ذلك ليس كما زعم المجوس أن الله يخلق وإبليس يقتل، وقوله: { إنا أنزلناه في ليلة القدر } [القدر/ 1]، إلى آخرها.(3/258)
أي: ليلة قيضها لأمور مخصوصة. وقوله: { إنا كل شيء خلقناه بقدر } [القمر/49]، وقوله: { والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه } [المزمل/20]، إشارة إلى ما أجري من تكوير الليل على النهار، وتكوير النهار على الليل، وأن ليس أحد يمكنه معرفة ساعاتهما وتوفية حق العبادة منهما في وقت معلوم، وقوله: { من نطفة خلقه فقدره } [عبس/19]، فإشارة إلى ما أوجده فيه بالقوة، فيظهر حالا فحالا إلى الوجود بالصورة، وقوله: { وكان أمر الله قدرا مقدورا } [الأحزاب/38]، فقدر إشارة إلى ما سبق به القضاء، والكتابة في اللوح المحفوظ والمشار إليه بقوله عليه الصلاة والسلام: (فرغ ربكم من الخلق والخلق والأجل والرزق) (الحديث تقدم في مادة (خزن) ؛ وأخرجه ابن حبان في روضة العقلاء ص 149 من كلام ابن مسعود)، والمقدور إشارة إلى ما يحدث عنه حالا فحالا مما قدر، وهو المشار إليه بقوله: { كل يوم هو في شأن } [الرحمن/29]، وعلى ذلك قوله: { وما ننزله إلا بقدر معلوم } [الحجر/21]، قال أبو الحسن: خذه بقدر كذا وبقدر كذا، وفلان يخاصم بقدر وقدر، وقوله: { على الموسع قدره وعلى المقتر قدره } [البقرة/236]، أي: ما يليق بحاله مقدرا عليه، وقوله: { والذي قدر فهدى } [الأعلى/3]، أي: أعطى كل شيء ما فيه مصلحته، وهداه لما فيه خلاصة؛ إما بالتسخير؛ وإما بالتعليم كما قال: { أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } [طه/50]، والتقدير من الإنسان على وجهين: أحدهما: التفكر في الأمر بحسب نظر العقل، وبناء الأمر عليه، وذلك محمود، والثاني: أن يكون بحسب التمني والشهوة، وذلك مذموم كقوله: { فكر وقدر * فقتل كيف قدر } [المدثر/18 - 19]، وتستعار القدرة والمقدور للحال، والسعة في المال، والقدر: وقت الشيء المقدر له، والمكان المقدر له، قال: { إلى قدر معلوم } [المرسلات/22]، وقال: { فسالت أودية بقدرها } [الرعد/17]، أي: بقدر المكان المقدر لأن يسعها، وقرئ: (بقدرها) (وهي قراءة شاذة، قرأ بها(3/259)
الحسن والأشهب العقيلي.
انظر: تفسير القرطبي 9/305) أي: تقديرها. وقوله: { وغدوا على حرد قادرين } [القلم/25]، قاصدين، أي: معينين لوقت قدروه، وكذلك قوله: { فالتقى الماء على أمر قد قدر } [القمر/12]، وقدرت عليه الشيء: ضيقته، كأنما جعلته بقدر بخلاف ما وصف بغير حساب. قال تعالى: { ومن قدر عليه رزقه } [الطلاق/7]، أي: ضيق عليه، وقال: { يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } [الروم/37]، وقال: { فظن أن لن نقدر عليه } [الأنبياء /87]، أي: لن نضيق عليه، وقرئ: (لن نقدر عليه) (وهي قراءة شاذة، قرأ بها ابن عباس والزهري وعمر بن عبد العزيز. انظر: تفسير القرطبي 11/332)، ومن هذا المعنى اشتق الأقدر، أي: القصير العنق. وفرس أقدر: يضع حافر رجله موضع حافر يده، وقوله: { وما قدروا الله حق قدره } [الأنعام/91]، أي: ما عرفوا كنهه تنبيها أنه كيف يمكنهم أن يدركوا كنهه، وهذا وصفه، وهو قوله: { والأرض جميعا قبضته يوم القيامة } [الزمر/67]، وقوله: { أن اعمل سابغات وقدر في السرد } [سبأ/11]، أي: أحكمه، وقوله: { فإنا عليهم مقتدرون } [الزخرف/42]، ومقدار الشيء: للشيء المقدر له، وبه، وقتا كان أو زمانا أو غيرهما، قال: { في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } [المعارج/4]، وقوله: { لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله } [الحديد/29]، فالكلام فيه مختص بالتأويل. والقدر: اسم لما يطبخ فيه اللحم، قال تعالى: { وقدور راسيات } [سبأ/13]، وقدرت اللحم: طبخته في القدر، والقدير: المطبوخ فيها، والقدار: الذي ينحر ويقدر، قال الشاعر:
- 364 - ضرب القدار نقيعة القدام
(هذا عجز بيت، وشطره:
إنا لنضرب بالسيوف رؤوسهم
وهو لمهلهل. والبيت في الجمهرة 2/253؛ والمجمل 3/745؛ واللسان (قدر) ؛ وشرح الحماسة 3/36)
قدس(3/260)
- التقديس: التطهير الإلهي المذكور في قوله: { ويطهركم تطهيرا } [الأحزاب/ 33]، دون التطهير الذي هو إزالة النجاسة المحسوسة، وقوله: { ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك } [البقرة/30]، أي: نطهر الأشياء ارتساما لك. وقيل: نقدسك، أي: نصفك بالتقديس. وقوله: { قل نزله روح القدس } [النحل/102]، يعني به جبريل من حيث إنه ينزل بالقدس من الله، أي: بما يطهر به نفوسنا من القرآن والحكمة والفيض الإلهي، والبيت المقدس هو المطهر من النجاسة، أي: الشرك، وكذلك الأرض المقدسة. قال تعالى: { يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم } [المائدة/21]، وحظيرة القدس. قيل: الجنة. وقيل: الشريعة. وكلاهما صحيح، فالشريعة حظيرة منها يستفاد القدس، أي: الطهارة.
قدم(3/261)
- القدم: قدم الرجل، وجمعه أقدام، قال تعالى: { ويثبت به الأقدام } [الأنفال/ 11]، وبه اعتبر التقدم والتأخر، والتقدم على أربعة أوجه كما ذكرنا في (قبل) (راجع: مادة (قبل) )، ويقال: حديث وقديم، وذلك إما باعتبار الزمانين، وإما بالشرف. نحو: فلان متقدم على فلان، أي أشرف منه؛ وإما لما لا يصح وجود غيره إلا بوجوده، كقولك: الواحد متقدم على العدد. بمعنى أنه لو توهم ارتفاعه لارتفعت الأعداد، والقدم: وجود فيما مضى، والبقاء: وجود فيما يستقبل، وقد ورد في وصف الله (يا قديم الإحسان) (لم أجده في المرفوع لكن جاء عن محمد بن وزير أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وشكا له، فقال له قل: يا قديم الإحسان ويا من إحسانه فوق كل إحسان ويا مالك الدنيا والآخرة. أخرجه الصابوني. انظر: الرياض النضرة للطبري 1/50. ومعلوم أن مثل هذا لا تثبت به حجة)، ولم يرد في شيء من القرآن والآثار الصحيحة: القديم في وصف الله تعالى، والمتكلمون يستعملونه، ويصفونه به (انظر: الأسماء والصفات للبيهقي ص 33؛ والمنهاج في شعب الإيمان للحليمي 1/188؛ والمواقف للإيجي ص 76؛ وورد اسم القديم في حديث أسماء الله الحسنى، أخرجه ابن ماجه 2/1270، وفيه ضعف)، وأكثر ما يستعمل القديم باعتبار الزمان نحو: { العرجون القديم } [يس /39]، وقوله: { قدم صدق عند ربهم } [يونس/2]، أي: سابقة فضيلة، وهو اسم مصدر، وقدمت كذا، قال: { أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات } [المجادلة/13]، وقال: { لبئس ما قدمت لهم أنفسهم } [المائدة/80]، وقدمت فلانا أقدمه: إذا تقدمته.(3/262)
قال: { يقدم قومه يوم القيامة } [هود/98]، { بما قدمت أيديهم } [البقرة/95]، وقوله: { لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } [الحجرات/1]، قيل: معناه لا تتقدموه. وتحقيقه: لا تسبقوه بالقول والحكم بل افعلوا ما يرسمه لكم كما يفعله العباد المكرمون، وهم الملائكة حيث قال: { لا يسبقونه بالقول } [الأنبياء/27]، وقوله: { لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } [الأعراف/34]، أي: لا يريدون تأخرا ولا تقدما. وقوله: { ونكتب ما قدموا وآثارهم } [يس/12]، أي: ما فعلوه، قيل: وقدمت إليه بكذا: إذا أمرته قبل وقت الحاجة إلى فعله، وقبل أن يدهمه الأمر والناس. وقدمت به: أعلمته قبل وقت الحاجة إلى أن يعمله، ومنه: { وقد قدمت إليكم بالوعيد } (سورة ق: آية 28) و (قدام) بإزاء خلف، وتصغيره قديدمة (يصغر قديديمة وقديديمة، وهو شاذز انظر: اللسان (قدم) )، وركب فلان مقاديمه (انظر: المجمل 3/745، وأساس البلاغة (قدم) )، إذا مر على وجهه، وقادمة الرحل، وقادمة الأطباء، وقادمة الجناح، ومقدمة الجيش، والقدوم. كل ذلك يعتبر فيه معنى التقدم.
قذف
- القذف: الرمي البعيد، ولاعتبار البعد فيه قيل: منزل قذف وقذيف، وبلدة قذوف: بعيدة، وقوله: { فاقذفيه في اليم } [طه/39]، أي: اطرحيه فيه، وقال: { وقذف في قلوبهم الرعب } [الأحزاب/26]، { بل نقذف بالحق على الباطل } [الأنبياء/18]، { يقذف بالحق علام الغيوب } [سبأ/48]، { ويقذفون من كل جانب * دحورا } [الصافات/8 - 9]، واستعير القذف للشتم والعيب كما استعير الرمي.
قر(3/263)
- قر في مكانه يقر قرارا، إذا ثبت ثبوتا جامدا، وأصله من القر، وهو البرد، وهو يقتضي السكون، والحر يقتضي الحركة، وقرئ: { وقرن في بيوتكن } [الأحزاب/33] (وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي وخلف ويعقوب. انظر: الإتحاف ص 355) قيل (ذكره الفراء في معاني القرآن 2/342) : أصله اقررن فحذف إحدى الراءين تخفيفا نحو: { فظلتم تفكهون } [الواقعة/65]، أي: ظللتم. قال تعالى: { جعل لكم الأرض قرارا } [غافر/64]، { أمن جعل الأرض قرارا } [النمل/61]، أي: مستقرا، وقال في صفة الجنة: { ذات قرار ومعين } ( [استدراك] سورة المؤمنون: آية 50، وأولها: { وجعلنا ابن مريم وأمه آية، وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين } وليست الآية في صفة الجنة كما قال المؤلف، بل المراد بالربوة: دمشق، وقيل غيرها من القرى. انظر: الدر المنثور 6/100)، وفي صفة النار قال: { فبئس القرار } [ص/60]، وقوله: { اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار } [إبراهيم/26]، أي: ثبات، وقال الشاعر:
- 365 - ولا قرار على زأر من الأسد * (هذا عجز بيت، وشطره:
أنبئت أن أبا قابوس أوعدني
وهو للنابغة من معلقته، والبيت في ديوانه ص 36)(3/264)
أي: أمن واستقرار، ويوم القر: بعد يوم النحر لاستقرار الناس فيه بمنى، واستقر فلان: إذا تحرى القرار، وقد يستعمل في معنى قر، كاستجاب وأجاب. قال في الجنة: { خير مستقرا وأحسن مقيلا } [الفرقان/24]، وفي النار: { ساءت مستقرا } [الفرقان/66]، وقوله: { فمستقر ومستودع } [الأنعام/ 98]، قال ابن مسعود: مستقر في الأرض ومستودع في القبور (انظر: الأقوال في الدر المنثور 3/332). وقال ابن عباس: مستقر في الأرض ومستودع في الأصلاب. وقال الحسن: مستقر في الآخرة ومستودع في الدنيا. وجملة الأمر أن كل حال ينقل عنها الإنسان فليس بالمستقر التام. والإقرار: إثبات الشيء، قال: { ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل } [الحج/ 5]، وقد يكون ذلك إثباتا؛ إما بالقلب؛ وإما باللسان؛ وإما بهما، والإقرار بالتوحيد مجراه لا يغنى باللسان ما لم يضامه الإقرار بالقلب، ويضاد الإقرار الإنكار، وأما الجحود فإنما يقال فيما ينكر باللسان دون القلب، وقد تقدم ذكره (راجع: مادة (جحد) )، قال: { ثم أقررتم وأنتم تشهدون } [البقرة/84]، { ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا } [آل عمران/81]، وقيل: قرت ليلتنا تقر، ويوم قر، وليلة قرة، وقر فلان فهو مقرور: أصابه القر، وقيل: حرة تحت قرة (قال ابن منظور: ومثل العرب للذي يظهر خلاف ما يضمر: حرة تحت قرة. انظر: اللسان (قر) ؛ والمجمل 3/727؛ ومجمع الأمثال 1/197؛ وتقدم في مادة: حر)، وقررت القدر أقرها: صببت فيها ماء قار، أي: باردا، واسم ذلك الماء القرارة والقررة. واقتر فلان اقترارا نحو: تبرد، وقرت عينه تقر: سرت، قال: { كي تقر عينها } [طه/40]، وقيل لمن يسر به: قرة عين، قال: { قرة عين لي ولك } [القصص/9]، وقوله: { هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين } [الفرقان/74]، قيل: أصله من القر، أي: البر، فقرت عينه، قيل: معناه بردت فصحت، وقيل: بل لأن للسرور دمعة باردة(3/265)
قارة، وللحزن دمعة حارة، ولذلك يقال فيمن يدعى عليه: أسخن الله عينه، وقيل: هو من القرار. والمعنى: أعطاه الله ما تسكن به عينه فلا يطمح إلى غيره، وأقر بالحق: اعترف به وأثبته على نفسه. وتقرر الأمر على كذا أي: حصل، والقارورة معروفة، وجمعها: قوارير قال: { قوارير من فضة } [الإنسان/16]، وقال: { صرح ممرد من قوارير } [النمل/44]، أي: من زجاج.
قرب
- القرب والبعد يتقابلان. يقال: قربت منه أقرب (انظر: الأفعال 2/82)، وقربته أقربه قربا وقربانا، ويستعمل ذلك في المكان، وفي الزمان، وفي النسبة، وفي الحظوة، والرعاية، والقدرة.
فمن الأول نحو: { ولا تقربا هذه الشجرة } [البقرة/35]، { ولا تقربوا مال اليتيم } [الأنعام/152]، { ولا تقربوا الزنا } [الإسراء/32]، { فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } [التوبة/28]. وقوله: { ولا تقربوهن } [البقرة/ 222]، كناية عن الجماع كقوله: { لا يقربوا المسجد الحرام } [التوبة/28]، وقوله: { فقربه إليهم } [الذاريات/27].
وفي الزمان نحو: { اقترب للناس حسابهم } [الأنبياء/1]، وقوله: { وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون } [الأنبياء/109] وفي النسبة نحو: { وإذا حضر القسمة أولوا القربى } [النساء/8]، وقال: { الوالدان والأقربون } [النساء/7]، وقال: { ولو كان ذا قربى } [فاطر/18]، { ولذي القربى } [الأنفال/41]، { والجار ذي القربى } [النساء/36]، { يتيما ذا مقربة } [البلد/15].
وفي الحظوة: { ولا الملائكة المقربون } [النساء/172]، وقال في عيسى: { وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين } [آل عمران/45]، { عينا يشرب بها المقربون } [المطففين/28]، { فأما إن كان من المقربين } [الواقعة/88]، { قال نعم وإنكم لمن المقربين } [الأعراف/114]، { وقربناه نجيا } [مريم/52]. ويقال للحظوة: القربة، كقوله: { قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم } [التوبة/99]، { تقربكم عندنا زلفى } [سبأ/37].(3/266)
وفي الرعاية نحو: { إن رحمة الله قريب من المحسنين } [الأعراف/56]، وقوله: { فإني قريب أجيب دعوة الداع } [البقرة/186].
وفي القدرة نحو: { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } [ق/16]. قوله: { ونحن أقرب إليه منكم } [الواقعة/85]، يحتمل أن يكون من حيث القدرة. والقربان: ما يتقرب به إلى الله، وصار في التعارف اسما للنسيكة التي هي الذبيحة، وجمعه: قرابين. قال تعالى: { إذ قربا قربانا } [المائدة/27]، { حتى يأتينا بقربان } [آل عمران/183]، وقوله: { قربانا آلهة } [الأحقاف/28]، فمن قولهم: قربان الملك: لمن يتقرب بخدمته إلى الملك، ويستعمل ذلك للواحد والجمع، ولكونه في هذا الموضع جمعا قال: (آلهة)، والتقرب: التحدي بما يقتضي حظوة، وقرب الله تعالى من العبد: هو بالإفصال عليه والفيض لا بالمكان، ولهذا روي (أن موسى عليه السلام قال: إلهي أقريب أنت فأناجيك؟ أم بعيد فأناديك؟ فقال: لو قدرت لك البعد لما انتهيت إليه، ولو قدرت لك القرب لما اقتدرت عليه) (الحديث أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 1/108 وأحمد في الزهد عن كعب قال: قال موسى: أي رب، أقريب أنت فأناجيك، أم بعيد فأناديك؟ قال: يا موسى أنا جليس من ذكرني. قال: يا رب فإنا نكون من الحال على حال نعظمك أو نجلك أن نذكرك عليها. قال: وما هي؟ قال: الجنابة والغائط. قال: يا موسى اذكرني على كل حال.(3/267)
انظر: الزهد لأحمد ص 86؛ والدر المنثور 1/470). وقال: { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } [ق/16]، وقرب العبد من الله في الحقيقة: التخصص بكثير من الصفات التي يصح أن يوصف الله تعالى بها وإن لم يكن وصف الإنسان بها على الحد الذي يوصف تعالى به نحو: الحكمة والعلم والحلم والرحمة والغنى، وذلك يكون بإزالة الأوساخ من الجهل والطيش والغضب، والحاجات البدنية بقدر طاقة البشر، وذلك قرب روحاني لا بدني، وعلى هذا القرب نبه عليه والسلام فيما ذكر عن الله تعالى: (من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا) (الحديث عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة) متفق عليه: البخاري في التوحيد 13/384؛ ومسلم في الذكر والدعاء برقم 2675) وقوله عنه: (ما تقرب إلي عبد بمثل أداء ما افترضت عليه وإنه ليتقرب إلي بعد ذلك بالنوافل حتى أحبه... ) (الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: (إن الله تبارك وتعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به... ) الحديث أخرجه البخاري في الرقاق، باب التواضع 11/341) الخبر. وقوله: { ولا تقربوا مال اليتيم } [الأنعام/152]، هو أبلغ من النهي عن تناوله؛ لأن النهي عن قربه أبلغ من النهي عن أخذه، وعلى هذا قوله: { ولا تقربا هذه الشجرة } [البقرة/35]، وقوله: { ولا تقربوهن حتى يطهرن } [البقرة/ 222]، كناية عن الجماع، وقال: { ولا تقربوا الزنا } [الإسراء/32]، والقراب: المقاربة. قال الشاعر:
- 366 - فإن قراب البطن يكفيك ملؤه(3/268)
(هذا شطر بيت، وعجزه:
ويكفيك سوءات الأمور اجتنابها
وهو لهلال بن خثعم، والبيت في الحيوان للجاحظ 1/383؛ والبخلاء ص 202؛ وعيون الأخبار 3/184)
وقدح قربان: قريب من الملء، وقربان المرأة: غشيانها، وتقريب الفرس: سير يقرب من عدوه، والقراب: القريب، وفرس لاحق الأقراب، أي الخواصر، والقراب: وعاء السيف، وقيل: هو جلد فوق الغمد لا الغمد نفسه، وجمعه: قرب، وقربت السيف وأقربته، ورجل قارب: قرب من الماء، وليلة القرب، وأقربوا إبلهم، والمقرب: الحامل التي قربت ولادتها. * قرح
- القرح: الأثر من الجراحة من شيء يصيبه من خارج، والقرح: أثرها من داخل كالبثرة ونحوها، يقال: قرحته نحو: جرحته، وقرح: خرج به قرح (انظر: الأفعال 2/77)، وقرح قلبه وأقرحه الله، وقد يقال القرح للجراحة، والقرح للألم. قال تعالى: { من بعد ما أصابهم القرح } [آل عمران/ 172]، { إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله } [آل عمران/140]، وقرئ: بالضم (قرأ بالضم أبو بكر وحمزة والكسائي وخلف. وهما لغتان، وقيل: المفتوح: الجرح، والمضموم: ألمه. انظر: الإتحاف ص 179). والقرحان: الذي لم يصبه الجدري، وفرس قارح: إذا ظهر به أثر من طلوع نابه، والأنثى قارحة، وأقرح: به أثر من الغرة، وروضة قرحاء: وسطها نور، وذلك لتشبيهها بالفرس القرحاء، واقترحت الجمل: ابتدعت ركوبه، واقترحت كذا على فلان: ابتدعت التمني عليه، واقترحت بئرا: استخرجت منه ماء قراحا، ونحوه: أرض قراح، أي: خالصة، والقريحة حيث يستنقر فيه الماء المستنبط، ومنه استعير قريحة الإنسان.
قرد(3/269)
- القرد جمعه قردة. قال تعالى: { كونوا قردة خاسئين } [البقرة/65]، وقال: { وجعل منهم القردة والخنازير } [المائدة/60]، قيل: جعل صورهم المشاهدة كصور القردة. وقيل: بل جعل أخلاقهم وإن لم تكن صورتهم كصورتها. والقراد جمعه: قردان، والصوف القرد: المتداخل بعضه في بعض، ومنه قيل: سحاب قرد، أي: متلبد، وأقرد، أي: لصق بالأرض لصوق القراد، وقرد: سكن سكونه، وقردت البعير: أزلت قراده، نحو: قذيت ومرضت، ويستعار ذلك للمداراة المتوصل بها إلى خديعة، فيقال: فلان يقرد فلانا، وسمي حلمة الثدي قرادا كما تسمى حلمة تشبيها بها في الهيئة.
قرطس
- القرطاس: ما يكتب فيه. قال الله تعالى: { ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس } [الأنعام/7]، { قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس } [الأنعام/91].
قرض
- القرض: ضرب من القطع، وسمي قطع المكان وتجاوزه قرضا، كما سمي قطعا. قال: { وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال } [الكهف/17]، أي: تجوزهم وتدعهم إلى أحد الجانبين، وسمي ما يدفع إلى الإنسان من المال بشرط رد بدله قرضا، قال: { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا } [البقرة/ 245]، وسمي المفاوضة في الشعر مقارضة، والقريض للشعر، مستعار استعارة النسج والحوك.
فرع
- القرع: ضرب شيء على شيء، ومنه: قرعته بالمقرعة. قال تعالى: { كذبت ثمود وعاد بالقارعة } [الحاقة/4]، { القارعة * ما القارعة } [القارعة/1 - 2].
قرف(3/270)
- أصل القرف والاقتراف: قشر اللحاء عن الشجر، والجلدة عن الجرح، وما يؤخذ منه: قرف، واستعير الاقتراف للاكتساب حسنا كان أو سوءا. قال تعالى: { سيجزون بما كانونا يقترفون } [الأنعام/120]، { وليقترفوا ما هم مقترفون } [الأنعام/113]، { وأموال اقترفتموها } [التوبة/24]. والاقتراف في الإساءة أكثر استعمالا، ولهذا يقال: الاعتراف يزيل الاقتراف، وقرفت فلانا بكذا: إذا عبته به أو اتهمته، وقد حمل على ذلك قوله: { وليقترفوا ما هم مقترفون } [الأنعام/113]، وفلان قرفني، ورجل مقرف: هجين، وقارف فلان أمرا: إذا تعاطى ما يعاب به.
قرن
- الاقتران كالازدواج في كونه اجتماع شيئين، أو أشياء في معنى من المعاني. قال تعالى: { أو جاء معه الملائكة مقترنين } [الزخرف/53]. يقال: قرنت البعير بالبعير:جمعت بينهما، ويسمى الحبل الذي يشد به قرنا، وقرنته على التكثير قال: { وآخرين مقرنين في الأصفاد } [ص/38] وفلان قرن فلان في الولادة، وقرينه وقرنه في الجلادة (قال الأصمعي: هو قرنه في السن، بالفتح، وهو قرنه، بالكسر، إذا كان مثله في الشجاعة والشدة. اللسان (قرن)، وفي القوة، وفي غيرها من الأحوال.
قال تعالى: { إني كان لي قرين } [الصافات/51]، { وقال قرينه هذا ما لدي } [ق/23] إشارة إلى شهيده. { قال قرينه ربنا ما أطغيته } [ق/27]، { فهو له قرين } [الزخرف/36] وجمعه: قرناء. قال: { وقيضنا لهم قرناء } [فصلت/25]. والقرن: القوم المقتربون في زمن واحد، وجمعه قرون. قال تعالى: { ولقد أهلكنا القرون من قبلكم } [يونس/ 13]، { وكم أهلكنا من القرون } [الإسراء/17]، { وكم أهلكنا قبلهم من قرن } [مريم/98]، وقال: { وقرونا بين ذلك كثيرا } [الفرقان/38]، { ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين } [المؤمنون/31]، { قرونا آخرين } [المؤمنون/42].(3/271)
والقرون: النفس لكونها مقترنة بالجسم، والقرون من البعير: الذي يضع رجله موضع يده، كأنه يقرنها بها، والقرن: الجعبة، ولا يقال لها قرن إلا إذا اقرنت بالقوس، وناقة قرون: إذا دنا أحد خلفيها من الآخر، والقران: الجمع بين الحج والعمرة، ويستعمل في الجمع بين الشيئين. وقرن الشاة والبقرة، والقرن: عظم القرن (انظر: المجمل 3/749)، وكبش أقرن، وشاة قرناء، وسمي عفل (العفل: نبات لحم في قبل المرأة، وهو القرن، قال أبو عمرو الشيباني: القرن بالناقة مثل العفل بالمرأة، فيؤخذ الرضف فيحمى ثم يكوى به ذلك القرن. انظر: اللسان (عفل) ) المرأة قرنا تشبيها بالقرن في الهيئة، وتأذي عضو الرجل عند مباضعتها به كالتأذي بالقرن، وقرن الجبل: الناتئ منه، وقرن المرأة: ذؤابتها، وقرن المرآة: حافتها، وقرن الفلاة: حرفها، وقرن الشمس، وقرن الشيطان، كل ذلك تشبيها بالقرن. وذو القرنين معروف. وقوله عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه: (إن لك بيتا في الجنة وإنك لذو قرنيها) (الحديث عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (يا علي إن لك كنزا في الجنة، وإنك ذو قرنيها، فلا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة) أخرجه أحمد في المسند 5/353، فيه ابن إسحق، وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات؛ والطبراني في الأوسط 1/388) يعني: ذو قرني الأمة. أي: أنت فيهم كذي القرنين.
قرأ(3/272)
- قرأت المرأة: رأت الدم، واقرأت: صارت ذات قرء، وقرأت الجارية: استبرأتها بالقرء. والقرء في الحقيقة: اسم للدخول في الحيض عن طهر. ولما كان اسما جامعا للأمرين الطهر والحيض المتعقب له أطلق على كل واحد منهما؛ لأن كل اسم موضوع لمعنيين معا يطلق على كل واحد منهما لأن كل اسم موضوع لمعنيين معا يطلق على كل واحد منهما إذا انفرد، كالمائدة: للخوان وللطعام، ثم قد يسمى كل واحد منهما بانفراده به. وليس القرء اسما للطهر مجردا، ولا للحيض مجردا بدلالة أن الطاهر التي لم تر أثر الدم لا يقال لها: ذات قرء. وكذا الحائض التي استمر بها الدم والنفساء لا يقال لها ذلك.
وقوله: { يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } [البقرة/228] أي: ثلاثة دخول من الطهر في الحيض. وقوله عليه الصلاة والسلام: (اقعدي عن الصلاة أيام أقرائك) (عن عدي بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا مرأة: (دعي الصلاة أيام أقرائك) أخرجه أبو داود برقم 297؛ والترمذي (انظر: العارضة 1/199) ؛ وابن ماجه 1/204 وهو ضعيف) أي أيام حيضك، فإنما هو كقول القائل: أفعل كذا أيام ورد فلان، ووردوه إنما يكون في ساعة وإن كان ينسب إلى الأيام.
وقول أهل اللغة: إن القرء من: قرأ، أي: جمع، فإنهم اعتبروا الجمع بين زمن الطهر وزمن الحيض حسبما ذكرت لاجتماع الدم في الرحم، والقراءة: ضم الحروف والكلمات بعضها إلى بعض في الترتيل، [وليس يقال ذلك لكل جمع] (ما بين [ ] ذكره الزركشي في البرهان 1/277، وتعقبه فقال: لعل مراده بذلك في العرف والاستعمال لا في أصل اللغة). لا يقال: قرأت القوم: إذا جمعتهم، ويدل على ذلك أنه لا يقال للحرف الواحد إذا تفوه به قراءة، والقرآن في الأصل مصدر، نحو: كفران ورجحان.(3/273)
قال تعالى: { إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناهه فاتبع قرآنه } [القيامة/17 - 18] قال ابن عباس: إذا جمعناه وأثبتناه في صدرك فاعمل به، وقد خص بالكتاب المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، فصار له كالعلم كما أن التوراة لما أنزل على موسى، والإنجيل على عيسى صلى الله عليهما وسلم. قال بعض العلماء: (تسمية هذا الكتاب قرآنا من بين كتب الله لكونه جامعا لثمرة كتبه) بل لجمعه ثمرة جميع العلوم، كما أشار تعالى إليه بقوله: { وتفصيل كل شيء } [يوسف/111]، وقوله: { تبيانا لكل شيء } [النحل/89]، { قرآنا عربيا غير ذي عوج } [الزمر/28]، { وقرآنا فرقناه لتقرأه } [الإسراء/106]، { في هذا القرآن } [الروم/58]، { وقرآن الفجر } [الإسراء/78] أي: قراءته، { لقرآن كريم } [الواقعة/77] وأقرأت فلانا كذا. قال: { سنقرئك فلا تنسى } [الأعلى/6]، وتقرأت: تفهمت، وقارأته: دارسته.
قرى(3/274)
- القرية: اسم للموضع الذي يجتمع فيه الناس، وللناس جميعا، ويستعمل في كل واحد منهما. قال تعالى: { واسأل القرية } [يوسف/82] قال كثير من المفسرين معناه: أهل القرية. وقال بعضهم (هو المبرد في كتابه ما اتفق لفظه ص 77) بل القرية ههنا: القوم أنفسهم، وعلى هذا قوله: { وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة } [النحل/112]، وقال: { وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك } [محمد/13] وقوله: { وما كان ربك ليهلك القرى } [هود/117] فإنها اسم للمدينة، وكذا قوله: { وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى } [يوسف/109]، { ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها } [النساء /75]، وحكي أن بعض القضاة دخل على علي بن الحسين رضي الله عنهما فقال: أخبرني عن قول الله تعالى: { وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة } [سبأ/18] ما يقول فيه علماؤكم؟ قال: يقولون إنها مكة (المعروف أن المراد بها بلاد الشام. انظر: الدر المنثور 6/693؛ وروح المعاني 22/129؛ وتفسير القرطبي 14/289؛ وتفسير الماوردي 3/357)، فقال: وهل رأيت؟ فقلت: ما هي؟ قال: إنما عني الرجال، فقال: فقلت: فأين ذلك في كتاب الله؟ فقال: ألم تسمع قوله تعالى: { وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله... } الآية [الطلاق/8] (وهذه القصة في البصائر 4/266؛ وعمدة الحفاظ: قرى). وقال: { وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا } [الكهف/59]، { وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية } [البقرة/58]، وقريت الماء في الحوض، وقريت الضيف قرى، وقرى الشيء في فمه: جمعه، وقريان الماء: مجتمعه.
قسس
- القس والقسيس: العالم العابد من رؤوس النصارى. قال تعالى: { ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا } [المائدة/82] وأصل القس: تتبع الشيء وطلبه بالليل، يقال: تقسست أصواتهم بالليل، أي: تتبعتها، والقسقاس والقسقس: الدليل بالليل.
قسر(3/275)
- القسر: الغلبة والقهر. يقال: قسرته واقتسرته، ومنه: القسورة. قال تعالى: { فرت من قسورة } [المدثر/51] قيل: هو الأسد (مجاز القرآن 2/276)، وقيل: الرامي، وقيل: الصائد.
قسط
- القسط: هوالنصيب بالعدل كالنصف والنصفة. قال تعالى: { ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط } [يونس/4]، { وأقيموا الوزن بالقسط } [الرحمن/9] والقسط: هو أن يأخذ قسط غيره، وذلك جور، والإقساط: أن يعطي قسط غيره، وذلك إنصاف، ولذلك قيل: قسط الرجل: إذا جار، وأقسط: إذا عدل. قال: { وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا } [الجن/15] وقال: { وأقسطوا إن الله يحب المقسطين } [الحجرات/9]، وتقسطنا بيننا، أي: اقتسمنا، والقسط: اعوجاج في الرجلين بخلاف الفحج، والقسطاس: الميزان، ويعبر به عن العدالة كما يعبر عنها بالميزان، قال: { وزنوا بالقسطاس المستقيم } [الإسراء/35].
قسم(3/276)
- القسم: إفراز النصيب، يقال: قسمت كذا قسما وقسمة، وقسمة الميراث، وقسمة الغنيمة: تفريقهما على أربابهما، قال: { لكل باب منهم جزء مقسوم } [الحجر/44]، { ونبئهم أن الماء قسمة بينهم } [القمر/28]، واستقسمته: سألته أن يقسم، ثم قد يستعمل في معنى قسم. قال تعالى: { وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق } [المائدة/3]. ورجل منقسم القلب. أي: اقتسمه الهم، نحو: متوزع الخاطر، ومشترك اللب، وأقسم: حلف، وأصله من القسامة، وهي أيمان تقسم على أولياء المقتول، ثم صار اسما لكل حلف. قال: { وأقسموا بالله جهد أيمانهم } [الأنعام/109]، { أهؤلاء الذين أقسمتم } [الأعراف/49]، وقال: { لا أقسم بيوم القيامة * ولا أقسم بالنفس اللوامة } [القيامة/1 - 2]، { فلا أقسم برب المشارق والمغارب } [المعارج/40]، { إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين } [القلم/17]، { فيقسمان بالله } [المائدة/106]، وقاسمه، وتقاسما، قال تعالى: { وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين } [الأعراف/21]، { قالوا تقاسموا بالله } [النمل/49]، وفلان مقسم الوجه، وقسيم الوجه أي: صبيحة، والقسامة: الحسن، وأصله من القسمة كأنما آتى كل موضع نصيبه من الحسن فلم يتفاوت، وقيل: إنما قيل مقسم لأنه يقسم بحسنه الطرف، فلا يثبت في موضع دون موضع، وقوله: { كما أنزلنا على المقتسمين } [الحجر/90] أي: الذين تتقاسموا شعب مكة ليصدوا عن سبيل الله من يريد رسول الله (وهذا قول الفراء. انظر: معاني القرآن 2/91؛ وتفسير الماوردي 2/378)، وقيل: الذين تحالفوا على كيده عليه الصلاة والسلام (انظر: تفسير الماوردي 2/378؛ والدر المنثور 5/98؛ وتفسير مشكل القرآن لمكي ص 127).
قسو(3/277)
- القسوة: غلظ القلب، وأصله من: حجر قاس، والمقاساة: معالجة ذلك. قال تعالى: { ثم قست قلوبكم } [البقرة/74]، { فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله } [الزمر/22]، وقال: { والقاسية قلوبهم } [الحج/53]، { وجعلنا قلوبهم قاسية } [المائدة/13]، وقرئ: { قسية } (وهي قراءة حمزة والكسائي. انظر: الإتحاف ص 198) أي: ليست قلوبهم بخالصة، من قولهم: درهم قسي وهو جنس من الفضة المغشوشة، فيه قساوة، أي: صلابة، قال الشاعر:
- 367 - صاح القسيات في أيدي الصياريف * (هذا عجز بيت، وشطره:
لها صواهل في صم السلام كما
وهو لأبي زبيد الطائي من أبيات له يرثي عثمان بن عفان، مطلعها:
على جنابيه من مظلومة قيم * تبادرتها مساح كالمناسسيف
وهو في ديوانه ص 650؛ وغريب الحديث 4/68؛ واللسان: (قسا) )
قشعر
- قال الله تعالى: { تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم } [الزمر/23] أي: يعلوها قشعريرة.
قصص
- القص: تتبع الأثر، يقال: قصصت أثره، والقصص: الأثر. قال تعالى: { فارتدا على آثارهما قصصا } [الكهف/64]، { وقالت لأخته قصيه } [القصص/ 11] ومنه قيل لما يبقى من الكلإ فيتتبع أثره: قصيص، وقصصت ظفره، والقصص: الأخبار المتتبعة، قال: { إن هذا لهو القصص الحق } [آل عمران/ 62]، { لقد كان في قصصهم عبرة } [يوسف/111]، { وقص عليه القصص } [القصص/25]، { نقص عليك أحسن القصص } [يوسف/3]، { فلنقصن عليهم بعلم } [الأعراف/7]، { يقص على بني إسرائيل } [النمل/76]، { فاقصص القصص } [الأعراف/176]. والقصاص: تتبع الدم بالقود. قال تعالى: { ولكم في القصاص حياة } [البقرة/179]، { والجروح قصاص } [المائدة/45] ويقال: قص فلان فلانا، وضربه ضربا فأقصه، أي: أدناه من الموت، والقص: الجص، و (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تقصيص القبور) (الحديث عن جابر بن عبد الله يقول: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تقصيص القبور، أو يبنى عليها أو يجلس عليها أحد)(3/278)
أخرجه مسلم 2/667؛ والنسائي 4/87؛ وأبو داود 3/552؛ والترمذي 3/368).
قصد
- القصد: استقامة الطريق، يقال: قصدت قصده، أي: نحوت نحوه، ومنه: الاقتصاد، والاقتصاد على ضربين: أحدهما محمود على الإطلاق، وذلك فيما له طرفان: إفراط وتفريط كالجود، فإنه بين الإسراف والبخل، وكالشجاعة فإنها بين التهور والجبن، ونحو ذلك، وعلى هذا قوله: { واقصد في مشيك } [لقمان/19] وإلى هذا النحو من الاقتصاد أشار بقوله: { والذين إذا أنفقوا } (الآية: { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما } ) [الفرقان/67]. والثاني يكنى به عما يتردد بين المحمود والمذموم، وهو فيما يقع بين محمود ومذموم، كالواقع بين العدل والجور، والقريب والبعيد، وعلى ذلك قوله: { فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد } [فاطر/32]، وقوله: { وسفرا قاصدا } [التوبة/42] أي: سفرا متوسط غير متناهي هي البعد، وربما فسر بقريب. والحقيقة ما ذكرت، وأقصد السهم: أصاب وقتل مكانه، كأنه وجد قصده قال:
- 368 - فأصاب قلبك غير أن لم تقصد * (هذا عجز بيت للنابغة الذبياني، وصدره:
في إثر غانية رمتك بسهمها
وهو من قصيدة مطلعها:
أمن آل مية رائح أو مغتد * عجلان ذا زاد وغير مزود
والبيت في ديوانه ص 39؛ والتبيان شرح الديوان للعكبري 2/307)
وانقصد الرمح: انكسر، وتقصد: تكسر، وقصد الرمح: كسره، وناقة قصيد: مكتنزة ممتلئة من اللحم، والقصيد من الشعر: ما تم شطر أبنيته (انظر: تهذيب اللغة 8/352).
قصر(3/279)
- القصر: خلاف الطول، وهما من الأسماء المتضايقة التي تعتبر بغيرها، وقصرت كذا: جعلته قصيرا، والتقصير: اسم للتضجيع، وقصرت كذا: ضممت بعضه إلى بعض، ومنه سمي القصر، وجمعه: قصور. قال تعالى: { وقصر مشيد } [الحجر/45]، { ويجعل لك قصورا } [الفرقان/10]، { إنها ترمي بشرر كالقصر } [المرسلات/32]، وقيل: القصر أصول الشجر، الواحدة قصرة، مثل: جمرة وجمر، وتشبيهها بالقصر كتشبيه ذلك في قوله: { كأنه جمالات صفر } [المرسلات/33]، وقصرته جعلته: في قصر، ومنه قوله تعالى: { حور مقصورات في الخيام } [الرحمن/72]، وقصر الصلاة: جعلها قصيرة بترك بعض أركانها ترخيصا. قال: { فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } [النساء/101] وقصرت اللقحة على فرسي: حبست درها عليه، وقصر السهم عن الهدف، أي: لم يبلغه، وامرأة قاصرة الطرف: لا تمد طرفها إلى ما لا يجوز. قال تعالى: { فيهن قاصرات الطرف } [الرحمن/56]. وقصر شعره: جز بعضه، قال: { محلقين رؤسكم ومقصرين } [الفتح/27]، وقصر في كذا، أي: توانى، وقصر عنه لم: ينله، وأقصر عنه: كف مع القدرة عليه، واقتصر على كذا: اكتفى بالشيء القصير منه، أي: القليل، وأقصرت الشاة: أسنت حتى قصر أطراف أسنانها، وأقصرت المرأة: ولدت أولادا قصارا، والتقصار: قلادة قصيرة، والقوصرة معروفة (القوصرة يكنى بها عن المرأة، وأصل القوصرة: وعاء من تمر يرفع فيه التمر من البواري. وينسب إلى علي رضي الله عنه:
أفلح من كانت له قوصره * يأكل منها كل يوم مره
انظر: اللسان (قصر) ).
قصف
- قال الله تعالى: { فيرسل عليكم قاصفا من الريح } [الإسراء/69] وهي التي تقصف ما مرت عليه من الشجر والبناء، ورعد قاصف: في صوته تكسر، ومنه قيل لصوت المعازف: قصف، ويتجوز به في كل لهو.
قصم(3/280)
- قال تعالى: { وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة } [الأنبياء/11] أي: حطمناها وهشمناها، وذلك عبارة عن الهلاك، ويسمى الهلاك قاصمة الظهر، وقال في آخر: { وما كنا مهلكي القرى } [القصص/59]. والقصم: الرجل الذي يقصم من قاومه.
قصى
- القصى: البعد، والقصي: البعيد. يقال: قصوت عنه، وأقصيت: أبعدت، والمكان الأقصى، والناحية القصوى، ومنه قوله: { وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى } [القصص/20]، وقوله: { إلى المسجد الأقصى } [الإسراء/1] يعني: بيت المقدس، فسماه الأقصى اعتبارا بمكان المخاطبين به من النبي وأصحابه، وقال: { إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى } [الأنفال/42]. وقصوت البعير: قطعت أذنه، وناقة قصواء، وحكوا أنه يقال: بعير أقصى، والقصية من الإبل: البعيدة عن الاستعمال.
قض
- قضضته فانقض، وانقض الحائط: وقع. قال تعالى: { يريد أن ينقض فأقامه } [الكهف/77] وأقض عليه مضجعه: صار فيه قضض، أي: حجارة صغار.
قضب
- قال الله تعالى: { فأنبتنا فيها حبا * وعنبا وقضبا } [عبس/27 - 28] أي: رطبة، والمقاضب: الأرض التي تنبتها، والقضيب نحو القضب، لكن القضيب يستعمل في فروع الشجر، والقضب يستعمل في البقل، والقضب: قطع القضب والقضيب. وروي (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى في ثوب تصليبا قضبه) (الحديث أخرجه أبو عبيد، وقال: في حديثه عليه السلام في الثوب المصلب أنه كان إذا رآه في ثوب = قضبه. انظر: غريب الحديث 1/32؛ والفائق 2/356.
والحديث في البخاري عن عائشة أن النبي لم يكن يترك في بيته شيئا فيه تصاليب إلا نقضه.(3/281)
قال ابن حجر: وفي رواية أبان: (إلا قضبه) وكذا عند ابن أبي شيبة. راجع: فتح الباري، باب: نقض الصور 10/385. قلت: وكذا عند الطبراني في الأوسط 3/227). وسيف قاضب وقضيب، أي: قاطع، فالقضيب ههنا بمعنى الفاعل، وفي الأول بمعنى المفعول، وكذا قولهم: ناقة قضيب: مقتضبة من بين الإبل ولما ترض، ويقال لكل ما لم يهذب: مقتضب، ومنه: اقتضب حديثا: إذا أورده قبل أن راضه وهذبه في نفسه.
قضى
- القضاء: فصل الأمر قولا كان ذلك أو فعلا، وكل واحد منهما على وجهين: إلهي، وبشري. فمن القول الإلهي قوله تعالى: { وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه } [الإسراء/23] أي: أمر بذلك، وقال: { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب } [الإسراء/4] فهذا قضاء بالإعلام والفصل في الحكم، أي: أعلمناهم وأوحينا إليهم وحيا جزما، وعلى هذا: { وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع } [الحجر/66]، ومن الفعل الإلهي قوله: { والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء } [غافر/20]، وقوله: { فقضاهن سبع سموات في يومين } [فصلت/12] إشارة إلى إيجاده الإبداعي والفراغ منه نحو: { بديع السموات والأرض } [البقرة/117]، وقوله: { ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم } [الشورى/14] أي: لفصل، ومن القول البشري نحو: قضى الحاكم بكذا، فإن حكم الحاكم يكون بالقول، ومن الفعل البشري: { فإذا قضيتم مناسككم } [البقرة/200]، { ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم } [الحج/29]، وقال تعالى: { قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي } [القصص/28]، وقال: { فلما قضى زيد منها وطرا } [الأحزاب/37]، وقال: { ثم اقضوا إلي ولا تنظرون } [يونس/71] أي: افرغوا من أمركم، وقوله: { فاقض ما أنت قاض } [طه/72]، { إنما تقضي هذه الحياة الدنيا } [طه/72]، وقول الشاعر:
- 369 - قضيت أمورا ثم غادرت بعدها
(الشطر للشماخ، وعجزه:
بوائج في أكمامها لم تفتق(3/282)
وهو من قصيدة له يرثي بها عمر بن الخطاب، ومطلعها:
جزى الله خيرا من أمير وباركت * يد الله في ذاك الأديم الممزق
وهو في ديوانه ص 449؛ والحماسة 1/453؛ وقيل: هي لجزء بن ضرار أخيه)
يحتمل القضاء بالقول والفعل جميعا، ويعبر عن الموت بالقضاء، فيقال: فلان قضى نحبه، كأنه فصل أمره المختص به من دنياه، وقوله: { فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر } [الأحزاب/23]. قيل: قضى نذره؛ لأنه كان قد ألزم نفسه أن لا ينكل عن العدى أو يقتل، وقيل: معناه منهم من مات (انظر: أسباب النزول للواحدي ص 202)، وقال تعالى: { ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده } [الأنعام/2] قيل: عني بالأول: أجل الحياة، وبالثاني: أجل البعث، وقال: { يا ليتها كانت القاضية } [الحاقة/27]، وقال: { ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك } [الزخرف/77] وذلك كناية عن الموت، وقال: { فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض } [سبأ/14] وقضى الدين: فصل الأمر فيه برده، والاقتضاء: المطالبة بقضائه، ومنه قولهم: هذا يقضي كذا، وقوله: { لقضي إليهم أجلهم } [يونس/11] أي: فرغ من أجلهم ومدتهم المضروبة للحياة، والقضاء من الله تعالى أخص من القدر؛ لأنه الفصل بين التقدير، فالقدر هو التقدير، والقضاء هو الفصل والقطع، وقد ذكر بعض العلماء أن القدر بمنزلة المعد للكيل، والقضاء بمنزلة الكيل (انظر: إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري 9/43 نقلا عن المفردات.(3/283)
وقال بعضهم: القضاء: الحكم بالكليات على سبيل الإجمال في الأزل، والقدر: الحكم بوقوع الجزئيات التي لتلك الكليات على سبيل التفصيل. انظر: فتح الباري، كتاب الدعوات: التعوذ من جهد البلاء 11/149)، وهذا كما قال أبو عبيدة لعمر رضي الله عنهما لما أراد الفرار من الطاعون بالشام: أتفر من القضاء؟ قال: أفر من قضاء الله إلى قدر الله (انظر: بصائر ذوي التمييز 4/278، وهذا شطر من حديث طويل أخرجه البخاري في الطاعون، وفيه: (فنادى عمر في الناس: إني مصبح على ظهر، فأصبحوا عليه، فقال أبو عبيدة: أفرارا من قدر الله؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله... ) الحديث في فتح الباري 10/179) ؛ تنبيها أن القدر ما لم يكن قضاء فمرجو أن يدفعه الله، فإذا قضى فلا مدفع له ويشهد لذلك قوله: { وكان أمرا مقضيا } [مريم/21] وقوله: { كان على ربك حتما مقضيا } [مريم/71]، { وقضى الأمر } [البقرة/ 210] أي: فصل تنبيها أنه صار بحيث لا يمكن تلافيه. وقوله: { إذا قضى أمرا } [آل عمران/47]. وكل قول مقطوع به من قولك: هو كذا أو ليس بكذا يقال له: قضية، ومن هذا يقال: قضية صادقة، وقضية كاذبة (هذا اصطلاح أهل المنطق، وعند أهل البلاغة تسمى خبرا. قال الأخضري:
ما احتمل الصدق لذاته جرى * بينهم قضية وخبرا)،
وإياها عنى من قال: التجربة خطر والقضاء عسر، أي: الحكم بالشيء أنه كذا وليس بكذا أمر صعب، وقال عليه الصلاة والسلام: (علي أقضاكم) (الحديث عن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أرأف أمتي بها أبو بكر، وإن أصلبها في أمر الله لعمر، وإن أشدها حياء لعثمان، وإن أقرأها لأبي، وإن أفرضها لزيد، وإن أقضاها لعلي) أخرجه ابن عدي في الضعفاء 6/2097؛ وعزاه صاحب كشف الخفاء لأحمد، وليس عنده: (أقضاهم علي) وانظر: كشف الخفاء 1/108).
قط(3/284)
- قال تعالى: { وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب } [ص/16] القط: الصحيفة، وهو اسم للمكتوب والمكتوب فيه، ثم قد يسمى المكتوب بذلك كما يسمى الكلام كتابا وإن لم يكن مكتوبا، وأصل القط: الشيء المقطوع عرضا، كما أن القد هو المقطوع طولا، والقط: النصيب المفروز كأنه قط، أي: أفرز، وقد فسر ابن عباس رضي الله عنه الآية به (أخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله تعالى: { عجل لنا قطنا } ؟ قال: القط: الجزاء، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت الأعشى وهو يقول:
ولا الملك النعمان يوم لقيته * بإمته يعطي القطوط ويأفق
انظر: الدر المنثور 7/147)، وقط السعر أي: علا، وما رأيته قط، عبارة عن مدة الزمان المقطوع به.
وقطني: حسبي.
قطر(3/285)
- القطر: الجانب، وجمعه: أقطار. قال تعالى: { إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض } [الرحمن/33]، وقال: { ولو دخلت عليهم من أقطارها } [الأحزاب/14] وقطرته: ألقيته على قطره، وتقطر: وقع على قطره، ومنه: قطر المطر، أي: سقط، وسمي لذلك قطرا، وتقاطر القوم: جاؤوا أرسالا كالقطر، ومنه قطار الإبل، وقيل: الإنفاض يقطر الجلب (انظر: المجمل 3/759؛ والجمهرة 3/373؛ واللسان (قطر) )... أي: إذا أنفض القوم فقل زادهم قطروا الإبل وجلبوها للبيع، والقطران: ما يتقطر من الهناء. قال تعالى: { سرابيلهم من قطران } [إبراهيم/50]، وقرئ: (من قطرآن) (وهي قراءة شاذة) أي: من نحاس مذاب قد أني حرها، وقال: { آتوني أفرغ عليه قطرا } [الكهف/96] أي: نحاسا مذابا، وقال: { ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك } [آل عمران/75] وقوله: { وآتيتم إحداهن قنطارا } [النساء/20] والقناطير جمع القنطرة، والقنطرة من المال: ما فيه عبور الحياة تشبيها بالقنطرة، وذلك غير محدود القدر في نفسه، وإنما هو بحسب الإضافة كالغنى، فرب إنسان يستغني بالقليل، وآخر لا يستغني بالكثير، ولما قلنا اختلفوا في حده فقيل: أربعون أوقية. وقال الحسن: ألف ومائتا دينار، وقيل: ملء مسك ثور ذهبا إلى غير ذلك، وذلك كاختلافهم في حد الغنى، وقوله: { والقناطير المقنطرة } [آل عمران/14] أي: المجموعة قنطارا قنطارا، كقولك: دراهم مدرهمة، ودنانير مدنرة.
قطع(3/286)
- القطع: فصل الشيء مدركا بالبصر كالأجسام، أو مدركا بالبصيرة كالأشياء المعقولة، فمن ذلك قطع الأعضاء نحو قوله: { لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف } [الأعراف/124]، وقوله: { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } [المائدة/38] وقوله: { وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم } [محمد/15] وقطع الثوب، وذلك قوله تعالى: { فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار } [الحج/19] وقطع الطريق يقال على وجهين: أحدهما: يراد به السير والسلوك، والثاني: يراد به الغصب من المارة والسالكين للطريق نحو قوله: { أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل } [العنكبوت/29] وذلك إشارة إلى قوله: { الذين يصدون عن سبيل الله } [الأعراف/45]، وقوله: { فصدهم عن السبيل } [النمل/24] وإنما سمي ذلك قطع الطريق؛ لأنه يؤدي إلى انقطاع الناس عن الطريق، فجعل ذلك قطعا للطريق، وقطع الماء بالسباحة: عبوره، وقطع الوصل: هو الهجران، وقطع الرحم يكون بالهجران، ومنع البر. قال تعالى: { وتقطعوا أرحامكم } [محمد/22]، وقال: { ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل } [البقرة/27]، { ثم ليقطع فلينظر } [الحج/15] وقد قيل: ليقطع حبله حتى يقطع، وقد قيل: ليقطع أجله بالاختناق، وهو معنى قول ابن عباس: ثم ليختنق (أخرج الحاكم وصححه وغيره عن ابن عباس قال: من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا في الدنيا والآخرة { فليمدد بسبب } قال: فليربط حبلا { إلى السماء } إلى سماء بيته السقف، { ثم ليقطع } قال: ثم يختنق به حتى يموت.(3/287)
انظر: الدر المنثور 6/15، والمستدرك)، وقطع الأمر: فصله، ومنه قوله: { ما كنت قاطعة أمرا } [النمل/32]، وقوله: { ليقطع طرفا } [آل عمران/127] أي: يهلك جماعة منهم. وقطع دابر الإنسان: هو إفناء نوعه. قال: { فقطع دابر القوم هؤلاء الذين ظلموا } [الأنعام/45]، و { أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين } [الحجر/66]، وقوله: { إلا أن تقطع قلوبهم } [التوبة/110] أي: إلا أن يموتوا، وقيل: إلا أن يتوبوا توبة بها تنقطع قلوبهم ندما على تفريطهم، وقطع من الليل: قطعة منه. قال تعالى: { فأسر بأهلك بقطع من الليل } [هود/ 81]. والقطيع من الغنم جمعه قطعان، وذلك كالصرمة والفرقة، وغير ذلك من أسماء الجماعة المشتقة من معنى القطع (انظر: جواهر الألفاظ لقدامة بن جعفر ص 359)، والقطيع: السوط، وأصاب بئرهم قطع أي: انقطع ماؤها، ومقاطع الأودية: مآخيرها.
قطف
- يقال: قطفت الثمرة قطفا، والقطف: المقطوف منه، وجمعه قطوف. قال تعالى: { فطوفها دانية } [الحاقة/23] وقطفت الدابة قطفا فهي قطوف، واستعمال ذلك فيه استعارة، وتشبيه بقاطف شيء كما يوصف بالنقض على ما تقدم ذكره، وأقطف الكرم: دنا قطافه، والقطافة: ما يسقط منه كالنفاية.
قطمر
- قال تعالى: { والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير } [فاطر/13] أي: الأثر في ظهر النواة، وذلك مثل للشيء الطفيف.
قطن
- قال تعالى: { وأنبتنا عليه شجرة من يقطين } [الصافات/146]، والقطن، وقطن الحيوان معروفان.
قعد(3/288)
- القعود يقابل به القيام، والقعدة للمرة، والقعدة للحال التي يكون عليها القاعد، والقعود قد يكون جمع قاعد. قال: { فاذكروا الله قياما وقعودا } [النساء/ 103]، { الذين يذكرون الله قياما وقعودا } [آل عمران/191]، والمقعد: مكان القعود، وجمعه: مقاعد. قال تعالى: { في مقعد صدق عند مليك مقتدر } [القمر /55] أي في مكان هدو، وقوله: { مقاعد للقتال } [آل عمران/121] كناية عن المعركة التي بها المستقر، ويعبر عن المتكاسل في الشيء بالقاعد نحو قوله: { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر } [النساء/95]، ومنه: رجل قعدة وضجعة، وقوله: { وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما } [النساء/95] وعن الترصد للشيء بالقعود له. نحو قوله: { لأقعدن لهم صراطك المستقيم } [الأعراف/16]، وقوله: { إنا ههنا قاعدون } [المائدة/24] يعني متوقفون. وقوله: { عن اليمين وعن الشمال قعيد } [ق/17] أي: ملك يترصده ويكتب له وعليه، ويقال ذلك للواحد والجمع، والقعيد من الوحش: خلاف النطيح. وقعيدك الله، وقعدك الله، أي: أسأل الله الذي يلزمك حفظك، والقاعدة: لمن قعدت عن الحيض والتزوج، والقواعد جمعها. قال: { والقواعد من النساء } [النور/60]، والمقعد: من قعد عن الديون، ولمن يعجز عن النهوض لزمانة به، وبه شبه الضفدع فقيل له: مقعد (قال ابن منظور: المقعد: الذي لا يقدر على القيام لزمانة به، كأنه قد ألزم القعود. وقيل: هو من القعاد الذين هو الداء الذي يأخذ الإبل بأوراكها فيميلها إلى الأرض. والمقعدات: الضفادع. انظر: اللسان (قعد) )، وجمعه: مقعدات، وثدي مقعد للكاعب: ناتئ مصور بصورته، والمقعد كناية عن اللئيم المتقاعد عن المكارم، وقواعد البناء: أساسه. قال تعالى: { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت } [البقرة/127]، وقواعد الهودج: خشباته الجارية مجرى قواعد البناء.
قعر(3/289)
- قعر الشيء: نهاية أسفله. وقوله: { كأنهم أعجاز نخل منقعر } [القمر/20] أي: ذاهب في قعر الأرض. وقال بعضهم: انقعرت الشجرة: انقلعت من قعرها، وقيل: معنى انقعرت: ذهبت في قعر الأرض، وإنما أراد تعالى أن هؤلاء اجتثوا كما اجتث النخل الذاهب في قعر الأرض، فلم يبق لهم رسم ولا أثر، وقصعة قعيرة: لها قعر، وقعر فلان في كلامه: إذا أخرج الكلام من قعر حلقه، وهذا كما يقال: شدق في كلامه: إذا أخرجه من شدقه.
قفل
- القفل جمعه: أقفال. يقال: أقفلت الباب، وقد جعل ذلك مثلا لكل مانع للإنسان من تعاطي فعل، فيقال: فلان مقفل عن كذا. قال تعالى: { أم على قلوب أقفالها } [محمد/24] وقيل للبخيل: مقفل اليدين، كما يقال: مغلول اليدين، والقفول: الرجوع من السفر، والقافلة: الراجعة من السفر، والقفيل: اليابس من الشيء؛ إما لكونه بعضه راجعا إلى بعض في اليبوسة؛ وإما لكونه كالمقفل لصلابته، يقال: قفل النبات وقفل الفحل (انظر: الأفعال للسرقسطي 2/67)، وذلك إذا اشتد هياجه فيبس من ذلك وهزل.
قفا
- القفا معروف، يقال: قفوته: أصبت قفاه، وقفوت أثره، واقتفيته: تبعت قفاه، والاقتفاء: اتباع القفا، كما أن الارتداف اتباع الردف، ويكنى بذلك عن الاغتياب وتتبع المعايب، وقوله تعالى: { ولا تقف ما ليس لك به علم } [الإسراء/36] أي: لا تحكم بالقيافة والظن، والقيافة مقلوبة عن الاقتفاء فيما قيل، نحو: جذب وجبذ وهي صناعة (وهذا ما يسمى الاشتقاق الأكبر. انظر: الخصائص 1/5. والغريب المصنف ورقة 260 نسخة تركيا)، وقفيته: جعلته خلفه. قال: { وقفينا من بعده بالرسل } [البقرة/87]. والقافية: اسم للجزء الأخير من البيت الذي حقه أن يراعى لفظه فيكرر في كل بيت، والقفاوة: الطعام الذي يتفقد به من يعنى به فيتبع.
قل(3/290)
القلة والكثرة يستعملان في الأعداد، كما أن العظم والصغر يستعملان في الأجسام، ثم يستعار كل واحد من الكثرة والعظم، ومن القلة والصغر للآخر. وقوله تعالى: { ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا } [الأحزاب/60] أي: وقتا، وكذا قوله: { قم الليل إلا قليلا } [المزمل/2]، { وإذا لا تمتعون إلا قليلا } [الأحزاب/16]، وقوله: { نمتعهم قليلا } [لقمان/24] وقوله: { ما قاتلوا إلا قليلا } [الأحزاب/20] أي: قتالا قليلا وقوله: { ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا } [المائدة/13] أي: جماعة قليلة، وكذلك قوله: { إذ يريكهم الله من منامك قليلا } [الأنفال/43]، { ويقللكم في أعينهم } [الأنفال/44] ويكنى بالقلة عن الذلة اعتبارا بما قال الشاعر:
- 370 - ولست بالأكثر منهم حصا * وإنما العزة للكاثر
(البيت للأعشى يفضل فيه عامر بن الطفيل على علقمة بن علاثة في المنافرة التي جرت بينهما، ومطلع القصيدة:
شاقتك من قتلة أطلالها * بالشط فالوتر إلى حاجر
وهو في ديوانه ص 94؛ واللسان (حصا) )(3/291)
وعلى ذلك قوله: { واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم } [الأعراف/86] ويكنى بها تارة عن العزة اعتبارا بقوله: { وقليل من عبادي الشكور } [سبأ/13]، { وقليل ما هم } [ص/24] وذاك أن كل ما يعز يقل وجوده. وقوله: { وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } [الإسراء/85] يجوز أن يكون استثناء من قوله: { وما أوتيتم } أي: ما أوتيتم العلم إلا قليلا منك، ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف. أي: علما قليلا، وقوله: { ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا } [البقرة/41] يعني بالقليل ههنا أعراض الدنيا كائنا ما كان، وجعلها قليلا في جنب ما أعد الله للمتقين في القيامة، وعلى ذلك قوله: { قل متاع الدنيا قليل } [النساء/77]. وقليل يعبر به عن النفي، نحو: قلما يفعل فلان كذا، ولهذا يصح أن يستثنى منه على حد ما يستثنى من النفي، فيقال: قلما يفعل كذا إلا قاعدا أو قائما وما يجري مجراه، وعلى ذلك حمل قوله: { قليلا ما تؤمنون } [الحاقة/41] وقيل: معناه تؤمنون إيمانا قليلا، والإيمان القليل هو الإقرار والمعرفة العامية المشار إليها بقوله: { وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون } [يوسف/106]. وأقللت كذا: وجدته قليل المحمل، أي: خفيفا؛ إما في الحكم؛ أو بالإضافة إلى قوته، فالأول نحو: أقللت ما أعطيتني. والثاني قوله: { أقلت سحابا ثقالا } [الأعراف/57] أي: احتلمته فوجدته قليلا باعتبار قوتها، واستقللته: رأيته قليلا. نحو: استخففته: رأيته خفيفا، والقلة (انظر المجمل 3/726) : ما أقله الإنسان من جرة وحب (الحب: الجرة الضخمة)، وقلة الجبل: شعفه اعتبارا بقلته إلى ما عداه من أجزائه، فأما تقلقل الشيء: إذا اضطرب، وتقلقل المسمار فمشتق من القلقلة، وهي حكاية صوت الحركة.
قلب(3/292)
- قلب الشيء: تصريفه وصرفه عن وجه إلى وجه، كقلب الثوب، وقلب الإنسان، أي: صرفه عن طريقته. قال تعالى: { وإليه تقلبون } [العنكبوت/21]. والانقلاب: الانصراف، قال: { انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه } [آل عمران/144]، وقال: { إنا إلى ربنا منقلبون } [الأعراف/125]، وقال: { أي منقلب ينقلبون } [الشعراء/227]، وقال: { وإذ انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين } [المطففين/31]. وقلب الإنسان قيل: سمي به لكثرة تقلبه، ويعبر بالقلب عن المعاني التي تختص به من الروح والعلم والشجاعة وغير ذلك، وقوله: { وبلغت القلوب الحناجر } [الأحزاب/10] أي: الأرواح. وقال: { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب } [ق/37] أي: علم وفهم، وكذلك: { وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه } [الأنعام/25]، وقوله: { وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون } [التوبة/87]، وقوله: { ولتطمئن به قلوبكم } [الأنفال/10] أي: تثبت به شجاعتكم ويزول خوفكم، وعلى عكسه: { وقذف في قلوبهم الرعب } [الحشر/ 2]، وقوله: { ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن } [الأحزاب/53] أي: أجلب للعفة، وقوله: { هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين } [الفتح/4]، وقوله: { وقلوبهم شتى } [الحشر/14] أي: متفرقة، وقوله: { ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } [الحج/46] قيل: العقل، وقيل: الروح. فأما العقل فلا يصح عليه ذلك، قال: ومجازه مجاز قوله: { تجري من تحتها الأنهار } [البقرة/25]. والأنهار لا تجري وإنما تجري المياه التي فيها. وتقليب الشيء: تغييره من حال إلى حال نحو: { يوم تقلب وجوههم في النار } [الأحزاب/66] وتقليب الأمور: تدبيرها والنظر فيها، قال: { وقلبوا لك الأمور } [التوبة/48]. وتقليب الله القلوب والبصائر: صرفها من رأي إلى رأي، قال: { ونقلب أفئدتهم وأبصارهم } [الأنعام/110]، وتقليب اليد: عبارة عن الندم ذكرا لحال ما يوجد عليه النادم. قال: { فأصبح يقلب كفيه } [الكهف/42] أي: يصفق ندامة. قال الشاعر:(3/293)
- 371 - كمغبون يعض على يديه * تبين غبنه بعد البياع
(البيت في البصائر 4/288 دون نسبة، وهو لقيس بن ذريح صاحب لبنى في شرح الفصيح لابن درستويه 1/152؛ والأغاني 8/114)
والتقلب: التصرف، قال تعالى: { وتقلبك في الساجدين } [الشعراء/219]، وقال: { أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين } [النحل/46]. ورجل قلب حول: كثير التقلب والحيلة (انظر: اللسان (قلب) و (حول) )، والقلاب: داء يصيب القلب، وما به قلبة (قال ابن منظور: وما بالعليل قلبة. أي: ما به شيء، لا يستعمل إلا في النفي. انظر: اللسان (قلب) ) : علة يقلب لأجلها، والقليب: البئر التي لم تطو، والقلب: المقلوب من الأسورة.
قلد
- القلد: الفتل. يقال قلدت الحبل فهو قليد ومقلود، والقلادة: المفتولة التي تجعل في العنق من خيط وفضة وغيرهما، وبها شبه كل ما يتطوق، وكل ما يحيط بشيء. يقال: تقلد سيفه تشبيها بالقلادة، كقوله: توشح به تشبيها بالوشاح، وقلدته سيفا يقال تارة إذا وشحته به، وتارة إذا ضربت عنقه. وقلدته عملا: ألزمته. وقلدته هجاء: ألزمته، وقوله: { له مقاليد السموات والأرض } [الزمر/63] أي: ما يحيط بها، وقيل: خزائنها، وقيل: مفاتحها والإشارة بكلها إلى معنى واحد، وهو قدرته تعالى عليها وحفظه لها.
قلم(3/294)
- أصل القلم: القص من الشيء الصلب، كالظفر وكعب الرمح والقصب، ويقال للمقلوم: قلم. كما يقال للمنقوض: نقض. وخص ذلك بما يكتب به، وبالقدح الذي يضرب به، وجمعه: أقلام. قال تعالى: { ن والقلم وما يسطرون } [القلم/1]. وقال: { ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام } [لقمان/ 27]، وقوله: { إذ يلقون أقلامهم } [آل عمران/44] أي: أقداحهم، وقوله تعالى: { علم بالقلم } [العلق/4] تنبيه لنعمته على الإنسان بما أفاده من الكتابة وما روي (أنه عليه الصلاة والسلام كان يأخذ الوحي عن جبريل وجبريل عن ميكائيل وميكائيل إسرافيل وإسرافيل عن اللوح المحفوظ واللوح عن القلم) (أخرجه السجزي في الإبانة وفيه محمد بن عكاشة الكرماني، وهو كذاب كان يضع الحديث. تنزيه الشريعة 1/318 و 331) فإشارة إلى معنى إلهي، وليس هذا موضع تحقيقه. والإقليم: واحد الأقاليم السبعة. وذلك أن الدنيا مقسومة على سبعة أسهم على تقدير أصحاب الهيئة.
قلى
- القلى: شدة البغض. يقال: قلاه يقليه ويقلوه. قال تعالى: { ما ودعك ربك وما قلى } [الضحى/3]، وقال: { إني لعملكم من القالين } [الشعراء/168] فمن جعله من الواو فهم من القلو، أي: الرمي، من قولهم: قلت الناقة براكبها قلوا، وقلوت بالقلة (قال السرقسطي: قلوت القلة قلوا: ضربتها بالعود لترتفع، وقلت الدواب في السير: تقدمت وقلوت الشيء وقليته قلوا وقليا: طبخته في المقلى. انظر: الأفعال 2/129)، فكأن المقلو هو الذي يقذفه القلب من بغضه فلا يقبله، ومن جعله من الياء فمن: قليت البسر والسويق على المقلاة.
قمح(3/295)
- قال الخليل (العين 3/55، وعبارته: القمح: البر، وأقمح البر: جرى الدقيق في السنبل) : القمح: البر إذا جرى في السنبل من لدن الإنضاج إلى حين الاكتناز، ويسمى السويق المتخذ منه قميحة، والقمح: رفع الراس لسف الشيء، ثم يقال لرفع الرأس كيفما كان: قمح، وقمح البعير: رفع رأسه، وأقمحت البعير: شددت رأسه إلى خلف. وقوله: { مقمحون } [يس/8] تشبيه بذلك، ومثل لهم، وقصد إلى وصفهم بالتأبي عن الانقياد للحق، وعن الإذعان لقبول الرشد، والتأبي عن الإنفاق في سبيل الله، وقيل: إشارة إلى حالهم في القيامة { إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل } [غافر/71].
قمر
- القمر: قمر السماء. يقال عند الامتلاء وذلك بعد الثالثة، قيل: وسمي بذلك لأنه يقمر ضوء الكواكب ويفوز به. قال: { هو الذي جعل الشمس ضياءا والقمر نورا } [يونس/5]، وقال: { والقمر قدرناه منازل } [يس/39]، { وانشق القمر } [القمر/1]، { والقمر إذا تلاها } [الشمس/2]، وقال: { كلا والقمر } [المدثر /32]. والقمراء: ضوءه، وتقمرت فلانا: أتيته في القمراء، وقمرت القربة: فسدت بالقمراء، وقيل: حمار أقمر: إذا كان على لون القمراء، وقمرت فلانا: كذا خدعته عنه.
قمص
- القميص معروف، وجمعه قمص وأقمصة وقمصان. قال تعالى: { إن كان قميصه قد من قبل } [يوسف/26]، { وإن كان قميصه قد من دبر } [يوسف/ 27] وتقمصه: لبسه، وقمص البعير يقمص ويقمص: إذا نزا، والقماص: داء يأخذه فلا يستقر به موضعه ومنه (القامصة) (الحديث عن علي أنه قضى في القارصة والقامصة والواقصة بالدية أثلاثا. والقامصة: النافرة الضاربة برجليها.
انظر: النهاية 4/108) في الحديث.
قمطر
- قوله تعالى: { عبوسا فمطريرا } [الإنسان/10] أي: شديدا. يقال: قمطرير وقماطير.
قمع(3/296)
- قال تعالى: { ولهم مقامع من حديد } [الحج/21] جمع مقمع، وهو ما يضرب به ويذلل، ولذلك يقال: قمعته فانقمع، أي: كففته فكف، والقمع والقمع: ما يصب به الشيء فيمنع من أن يسيل. وفي الحديث: (ويل لأقماع القول) (الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال - وهو على المنبر -: (ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر الله لكم، ويل لأقماع القول، ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون) أخرجه أحمد في المسند 2/165) أي: الذين يجعلون آذانهم كالأقماع فيتبعون أحاديث الناس، والقمع: الذباب الأزرق لكونه مقموعا، وتقمع الحمار: إذا ذب القمعة عن نفسه.
قمل
- القمل: صغار الذباب. قال تعالى: { والقمل والضفادع والدم } [الأعراف/ 133]. والقمل معروف، ورجل قمل: وقع فيه القمل، ومنه قيل: رجل قمل، وامرأة قملة: صغيرة قبيحة كأنها قملة أو قملة.
قنت(3/297)
- القنوت: لزوم الطاعة مع الخضوع، وفسر بكل واحد منهما في قوله تعالى: { وقوموا لله قانتين } [البقرة/238]، وقوله تعالى: { كل له قانتون } [الروم /26] قيل: خاضعون، وقيل: طائعون، وقيل: ساكتون ولم يعن به كل السكوت، وإنما عني به ما قال عليه الصلاة والسلام: (إن هذه الصلاة لا يصح فيها شيء من كلام الآدميين، إنما هي قرآن وتسسبيح) (شطر من حديث معاوية بن الحكم السلمي الطويل، وفيه: ثم قال صلى الله عليه وسلم: (إن هذه الصلاة لا يحل فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن... ) إلخ. أخرجه مسلم برقم (537) ؛ والنسائي 3/14؛ وأبو داود برقم (930) ؛ وانظر: شرح السنة 3/238)، وعلى هذا قيل: أي الصلاة أفضل؟ فقال: (طول القنوت) (الحديث عن جابر قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أي الصلاة أفضل؟ قال: (طول القنوت). أخرجه مسلم برقم (756) ؛ والترمذي (انظر: عارضة الأحوذي 2/178) أي: الاشتغال بالعبادة ورفض كل ما سواه. وقال تعالى: { إن إبراهيم كان أمة قانتا } [النحل/120]، { وكانت من القانتين } [التحريم/12]، { أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما } [الزمر/9]، { اقنتي لربك } [آل عمران/43]، { ومن يقنت منكن لله ورسوله } [الأحزاب/31]، وقال: { والقانتين والقانتات } [الأحزاب/35]، { فالصالحات قانتات } [النساء/34].
قنط
- القنوط: اليأس من الخير. يقال: قنط يقنط قنوطا، وقنط يقنط (انظر: الأفعال 2/117). قال تعالى: { فلا تكن من القانطين } [الحجر/55]، قال: { ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون } [الحجر/56]، وقال: { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } [الزمر/53]، { وإذا مسه الشر فيؤس قنوط } [فصلت/49]، { إذا هم يقنطون } [الروم/36].
قنع
- القناعة: الاجتزاء باليسير من الأعراض المحتاج إليها. يقال: قنع يقنع قناعة وقنعانا: إذا رضي، وقنع يقنع قنوعا: إذا سأل (وفي ذلك أنشد بعضهم:(3/298)
العبد حر إن قنع * والحر عبد إن قنع
فاقنع ولا تقنع فما * شيء يشين سوى الطمع). قال تعالى: { وأطمعوا القانع والمعتر } [الحج/36]. قال بعضهم (هو الزجاج في معاني القرآن 3/428) : القانع هو السائل الذي لا يلح في السؤال، ويرضى بما يأتيه عفوا، قال الشاعر:
- 372 - لمال المرء يصلحه فيغني * مفاقره أعف من القنوع
(البيت للشماخ من قصيدة مطلعها:
أعائش ما لأهلك لا أراهم * يضيعون الهجان مع المضيع
وهو في ديوانه ص 221؛ واللسان (قنع) ؛ والأفعال 2/71)
وأقنع رأسه: رفعه. قال تعالى: { مقنعي رؤسهم } [إبراهيم/43] وقال بعضهم: أصل هذه الكلمة من القناع، وهو ما يغطي به الرأس، فقنع، أي: لبس القناع ساترا لفقره كقولهم: خفي، أي: لبس الخفاء، وقنع: إذا رفع قناعه كاشفا رأسه بالسؤال نحو خفى إذا رفع الخفاء، ومن القناعة قولهم: رجل مقنع يقنع به، وجمعه: مقانع. قال الشاعر:
- 373 - شهودي على ليلى عدول مقانع
(هذا عجز بيت للبعيث، وشطره:
وبايعت ليلى بالخلاء، ولم يكن
وهو في اللسان (قنع) ؛ والمجمل 3/735)
ومن القناع قيل: تقنعت المرأة، وتقنع الرجل: إذا لبس المغفر تشبيها بتقنع المرأة، وقنعت راسه بالسيف والسوط.
قنى
- قوله تعالى: { أغنى وأقنى } [النجم/48] أي: أعطى ما فيه الغنى وما فيه القنية، أي: المال المدخر، وقيل: (أقنى) : أرضى. وتحقيق ذلك أنه جعل له قنية من الرضا والطاعة، وذلك أعظم الغناءين، وجمع القنية: قنيات، وقنيت كذا واقتنيته ومنه:
- 374 - قنيت حيائي عفة وتكرما
(هذا عجز بيت، وشطره:
إذا قل مالي أو نكبت بنكبة
ونسبه لحاتم الطائي في اللسان (قنو)، وليس في ديوانه؛ والتذكرة السعدية ص 211، ونسبه لعمرو بن العاص مع أبيات معه، وهي ليست له، بل تمثل بها، والصحيح أنه لبشر الضبعي، كما نسبها إليه الأصبهاني في [استدراك] الزهرة 2/665. وعجزه في مجمع البلاغة 1/379 دون نسبة من المحقق)
قنو(3/299)
- القنو: العذق، وتثنيته: قنوان، وجمعه قنوان (ومثله: صنو وصنوان). قال تعالى: { قنوان دانية } [الأنعام/99] والقناة تشبه القنو في كونهما غصنين، وأما القناة التي يجري فيها الماء فإنما قيل ذلك تشبيها بالقناة في الخط والامتداد، وقيل: أصله من قنيت الشيء: ادخرته؛ لأن القناة مدخرة للماء، وقيل: هو من قولهم قاناه، أي: خالطه، قال الشاعر:
- 375 - كبكر المقاناة البياض بصفرة * (الشطر لأمرئ القيس، وعجزه:
غذاها نمير الماء غير المحلل
وهو من معلقته، والبيت في ديوانه ص 116)
وأما القنا الذي هو الاحديداب في الأنف فتشبيه في الهيئة بالقنا. يقال: رجل أقنى، وامرأة قنواء.
قهر
- القهر: الغلبة والتذليل معا، ويستعمل في كل واحد منهما. قال تعالى: { وهو القاهر فوق عباده } [الأنعام/18]، وقال: { وهو الواحد القهار } [الرعد/16]، { فوقهم قاهرون } [الأعراف/127]، { فأما اليتيم فلا تقهر } [الضحى/9] أي: لا تذلل، وأقهره: سلط عليه من يقهره، والقهقري: المشي إلى خلف.
قاب
- القاب: ما بين المقبض والسية من القوس. قال تعالى: { فكان قاب قوسين أو أدنى } [النجم/9].
قوت
- القوت: ما يمسك الرمق، وجمعه: أقوات. قال تعالى: { وقدر فيها أقواتها } [فصلت/10] وقاته يقوته قوتا: أطمعه قوته، وأقاته يقيته: جعل له ما يقوته، وفي الحديث: (إن أكبر الكبائر أن يضيع الرجل من يقوت) (الحديث أخرجه مسلم برقم (996) بلفظ: (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت). وأخرجه أحمد 2/160)، ويروى: (من يقيت). قال تعالى: { وكان الله على كل شيء مقيتا } [النساء/85] قيل: مقتدرا. وقيل: حافظا. وقيل: شاهدا، وحقيقته: قائما عليه يحفظه ويقيته. ويقال: ما له قوت ليلة، وقيت ليلة، وقيته ليلة، نحو الطعم والطعمة، قال الشاعر في صفة نار:
- 376 - فقلت له ارفعها إليك وأحيها * بروحك واقتته لها قيته قدرا (البيت تقدم في مادة (روح) )
قوس(3/300)
- القوس: ما يرمى عنه. قال تعالى: { فكان قاب قوسين أو أدنى } [النجم/9]، وتصور منها هيئتها، فقيل للانحناء: التقوس، وقوس الشيخ وتقوس: إذا انحنى، وقوست الخط فهو مقوس، والمقوس: المكان الذي يجري منه القوس، وأصله: الحبل الذي يمد على هيئة قوس، فيرسل الخيل من خلفه.
قيض
- قال تعالى: { وقيضنا لهم قرناء } [فصلت/25]، وقوله: { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا } [الزخرف/36] أي: نتح، ليستولي عليه استيلاء القيض على البيض، وهو القشر الأعلى.
قيع
- قوله تعالى: { كسراب بقيعة } [النور/39]. والقيع والقاع: المستوي من الأرض، جمعه قيعان، وتصغيره: قويع، واستعير منه: قاع الفحل الناقة: إذا ضربها.
قول
- القول والقيل واحد. قال تعالى: { ومن أصدق من الله قيلا } [النساء/122]، والقول يستعمل على أوجه:
أظهرها أن يكون للمركب من الحروف المبرز بالنطق، مفردا كان أو جملة، فالمفرد كقولك: زيد، وخرج. والمركب، زيد منطلق، وهل خرج عمرو، ونحو ذلك، وقد يستعمل الجزء الواحد من الأنواع الثلاثة أعني: الاسم والفعل والأداة قولا، كما قد تسمى القصيدة والخطبة ونحوهما قولا.
الثاني: يقال للمتصور في النفس قبل الإبراز باللفظ: قول، فيقال: في نفسي قول لم أظهره. قال تعالى: { ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله } [المجادلة/ 8]. فجعل ما في اعتقادهم قولا.
الثالث: للاعتقاد نحو فلان يقول بقول أبي حنيفة.
الرابع: يقال للدلالة على الشيء نحو قول الشاعر:
- 377 - امتلأ الحوض وقال قطني * (الرجز لم يعرف قائله، وتتمته:
مهلا رويدا قد ملأت بطني
وهو في اللسان (قول) ؛ والخصائص 1/23؛ والمحكم 6/347)
الخامس: يقال للعناية الصادقة بالشيء، كقولك: فلان يقول بكذا.
السادس: يستعمله المنطقيون دون غيرهم في معنى الحد، فيقولون: قول الجوهر كذا، وقول العرض كذا، أي: حدهما.(3/301)
السابع: في الإلهام نحو: { قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب } [الكهف/86] فإن ذلك لم يكن بخطاب ورد عليه فيما روي وذكر، بل كان ذلك إلهاما فسماه قولا.
وقيل في قوله: { قالتا أتينا طائعين } [فصلت/11] إن ذلك كان بتسخير من الله تعالى لا بخطاب ظاهر ورد عليهما، وكذا قوله تعالى: { قلنا يا نار كوني بردا وسلاما } [الأنبياء/69]، وقوله: { يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم } [آل عمران/167] فذكر أفواههم تنبيها على أن ذلك كذب مقول، لا عن صحة اعتقا كما ذكر في الكتابة باليد (النقل هذا حرفيا في البصائر 4/304)، فقال تعالى: { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله } [البقرة/79]، وقوله: { لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون } [يس/7] أي: علم الله تعالى بهم وكلمته عليهم كما قال تعالى: { وتمت كلمة ربك } [الأعراف/137] وقوله: { إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون } [يونس/96] وقوله: { ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون } [مريم/34] فإنما سماه قول الحق تنبيها على ما قال: { إن مثل عيسى عند الله } [آل عمران/59] (الآية: { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون } ) إلى قوله: { ثم قال له كن فيكون } وتسميته قولا كتسميته كلمة في قوله: { وكلمته ألقاها إلى مريم } [النساء/171] وقوله: { إنكم لفي قول مختلف } [الذاريات/8] أي: لفي أمر من البعث، فسماه قولا؛ فإن المقول فيه يسمى قولا، كما أن المذكور يسمى ذكرا وقوله: { إنه لقول رسول كريم * وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون } [الحاقة/40 - 41] فقد نسسب القول إلى الرسول، وذلك أن القول الصادر إليك عن الرسول يبلغه إليك عن مرسل له، فيصح أن تنسبه تارة إلى الرسول، وتارة إلى المرسل، وكلاهما صحيح.(3/302)
فإن قيل: فهل يصح على هذا أن ينسب الشعر والخطبة إلى راويهما كما تنسبهما إلى صانعهما؟ قيل: يصح أن يقال للشعر: هو قول الراوي. ولا يصح أن يقال هو: شعره وخطبته؛ لأن الشعر يقع على القول إذا كان على صورة مخصوصة، وتلك الصورة ليس للراوي فيها شيء. والقول هو قول الراوي كما هو قول المروي عنه. وقوله تعالى: { إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون } [البقرة/156] لم يرد به القول المنطقي فقط بل أراد ذلك إذا كان معه اعتقاد وعمل. ويقال للسان: المقول، ورجل مقول: منطيق، وقوال وقوالة كذلك. والقيل: الملك من ملوك حمير سموه بذلك لكونه معتمدا على قوله ومقتدى به، ولكونه متقيلا لأبيه. ويقال: تقيل فلان أباه، وعلى هذا النحو سموا الملك بعد الملك تبعا، وأصله من الواو، لقولهم في جمعه: أقوال نحو: ميت وأموات، والأصل قيل نحو: ميت، أصله: ميت فخفف. وإذا قيل: أقيال فذلك نحو: أعياد، وتقيل أباه نحو: تعبد، واقتال قولا: قال ما اجتر به إلى نفسه خيرا أو شرا. ويقال ذلك في معنى احتكم قال الشاعر:
- 378 - تأبى حكومة المقتال
(البيت:
ولمثل الذي جمعت من العد * ة تأبى حكومة المقتال
وهو للأعشى من قصيدة يمدح بها الأسود بن المنذر اللخمي، ومطلعها:
ما بكاء الكبير بالأطلال * وسؤالي فهل ترد سؤالي
وهو في ديوانه ص 168؛ واللسان (قال) ؛ والمعاني الكبير 2/924) والقال والقالة: ما ينشر من القول. قال الخليل: يوضع القال موضع القائل (وعبارة الخليل: والقالة تكون في موضع القائلة، كما قال بشار: (أنا قالها).
أي: قائلها. انظر: العين 5/213). فيقال: أنا قال كذا، أي: قائله.
قيل
- قوله تعالى: { أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا } [الفرقان/ 24] مصدر: قلت قيلولة: نمت نصف النهار، أو موضع القيلولة، وقد يقال: قلته في البيع قيلا وأقلته، وتقايلا بعد ما تبايعا.
قوم(3/303)
- يقال: قام يقوم قياما، فهو قائم، وجمعه: قيام، وأقامه غيره. وأقام بالمكان إقامة، والقيام على أضرب: قيام بالشخص؛ إما بتسخير أو اختيار، وقيام للشيء هو المراعاة للشيء والحفظ له، وقيام هو على العزم على الشيء، فمن القيام بالتسخير قوله تعالى: { منها قائم وحصيد } [هود/100]، وقوله: { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها } [الحشر/5]، ومن القيام الذي هو بالاختيار قوله تعالى: { أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما } [الزمر/9].
وقوله: { الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم } [آل عمران/191]، وقوله: { الرجال قوامون على النساء } [النساء/34]، وقوله: { والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما } [الفرقان/64].
والقيام في الآيتين جمع قائم. ومن المراعاة للشيء قوله: { كونوا قوامين لله شهداء بالقسط } [المائدة/ 8]، { قائما بالقسط } [آل عمران/18]، وقوله: { أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت } [الرعد/33] أي: حافظ لها.
وقوله تعالى: { ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة } [آل عمران/113]، وقوله: { إلا ما دمت عليه قائما } [آل عمران/75] أي: ثابتا على طلبه.
ومن القيام الذي هو العزم قوله: { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة } [المائدة/6]، وقوله: { يقيمون الصلاة } [المائدة /55] أي: يديمون فعلها ويحافظون عليها.
والقيام والقوام:اسم لما يقوم به الشيء أي: يثبت، كالعماد والسناد: لما يعمد ويسند به، كقوله: { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما } [النساء/5]، أي: جعلها مما يمسككم.
وقوله: { جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس } [المائدة/97] أي: قواما لهم يقوم به معاشهم ومعادهم.
قال الأصم: قائما لا ينسخ، وقرئ: { قيما } (وهي قراءة ابن عامر.(3/304)
الإتحاف ص 203) بمعنى قياما، وليس قول من قال: جمع قيمة بشيء. ويقال: قام كذا، وثبت، وركز بمعنى. وقوله: { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } [البقرة/125]، وقام فلان مقام فلان: إذا ناب عنه. قال: { فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان } [المائدة/107]. وقوله: { دينا قيما } [الأنعام/161]، أي: ثابتا مقوما لأمور معاشهم ومعادهم. وقرئ: { قيما } (وهي قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف.
الإتحاف ص 220) مخففا من قيام. وقيل هو وصف، نحو: قوم عدى، ومكان سوى، ولحم زيم (لحم زيم: متعضل ليس بمجتمع في مكان فيبدن. اللسان (زيم) )، وماء روى، وعلى هذا قوله تعالى: { ذلك الدين القيم } [يوسف/40]، وقوله: { ولم يجعل له عوجا قيما } [الكهف/1 - 2]، وقوله: { وذلك دين القيمة } [البينة/5] فالقيمة ههنا اسم للأمة القائمة بالقسط المشار إليهم بقوله: { كنتم خير أمة } [آل عمران/110]، وقوله: { كونوا قوامين بالقسط شهداء لله } [النساء/135]، { يتلو صحفا مطهرة * فيها كتب قيمة } [البينة/2 - 3] فقد أشار بقوله: { صحفا مطهرة } إلى القرآن، وبقوله: { كتب قيمة } [البينة/3] إلى ما فيه من معاني كتب الله تعالى؛ فإن القرآن مجمع ثمرة كتب الله تعالى المتقدمة. وقوله: { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } [البقرة/ 255] أي: القائم الحافظ لكل شيء، والمعطى له ما به قوامه، وذلك هو المعنى المذكور في قوله: { الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } [طه/50]، وفي قوله: { أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت } [الرعد/33].(3/305)
وبناء قيوم: فيعول، وقيام: فيعال. نحو: ديون وديان، والقيامة: عبارة عن قيام الساعة المذكورة في قوله: { ويوم تقوم الساعة } [الروم/12]، { يوم يقوم الناس لرب العالمين } [المطففين/6]، { وما أظن الساعة قائمة } [الكهف/36]، والقيامة أصلها ما يكون من الإنسان من القيام دفعة واحدة، أدخل فيها الهاء تنبيها على وقوعها دفعة، والمقام يكون مصدرا، واسم مكان القيام، وزمانه. نحو: { إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري } [يونس/71]، { ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد } [إبراهيم/14]، { ولمن خاف مقام ربه } [الرحمن/46]، { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } [البقرة/125]، { فيه آيات بينات مقام إبراهيم } [آل عمران/97]، وقوله: { وزروع ومقام كريم } [الدخان/26]، { إن المتقين في مقام أمين } [الدخان/51]، { خير مقاما وأحسن نديا } [مريم/73]، وقال: { وما منا إلا له مقام معلوم } [الصافات/164]، وقال: { أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك } [النمل/39] قال الأخفش: في قوله: { قبل أن تقوم من مقامك } [النمل/39] : إن المقام المقعد، فهذا إن أراد أن المقام والمقعد بالذات شيء واحد، وإنما يختلفان بنسبته إلى الفاعل كالصعود والحدور فصحيح، وإن أراد أن معنى المقام معنى المقعد فذلك بعيد؛ فإنه يسمى المكان الواحد مرة مقاما إذا اعتبر بقيامه، ومقعدا إذا اعتبر بقعوده، وقيل: المقامة: الجماعة، قال الشاعر:
- 379 - وفيهم مقامات حسان وجوههم
(الشطر لزهير بن أبي سلمى، وعجزه:
وأندية ينتابها القول والفعل
وهو في ديوانه ص 60 من قصيدة مطلعها:
صحا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو
وأقضر من سلمى التعانيق فالثقل)
وإنما ذلك في الحقيقة اسم للمكان وإن جعل اسما لأصحابه. نحو قول الشاعر:
- 380 - واستب بعدك يا كليب المجلس * (هذا عجز بيت لمهلهل بن ربيعة من أبيات يرثي بها أخاه.
وصدره:
نبئت أن النار بعدك أوقدت
وهو في ديوانه ص 280)(3/306)
فسمى المستبين المجلس. والاستقامة يقال في الطريق الذي يكون على خط مستو، وبه شبه طريق المحق. نحو: { اهدنا الصراط المستقيم } [الفاتحة/6]، { وأن هذا صراطي مستقيما } [الأنعام/153]، { إن ربي على صراط مستقيم } [هود/56]. واستقامة الإنسان: لزومه المنهج المستقيم. نحو قوله: { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا } [فصلت/30] وقال: { فاستقم كما أمرت } [هود/ 112]، { فاستقيموا إليه } [فصلت/6] والإقامة في المكان: الثبات. وإقامة الشيء: توفية حقه، وقال: { قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل } [المائدة/68] أي: توفون حقوقهما بالعلم والعمل، وكذلك قوله: { ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل } [المائدة/66] ولم يأمر تعالى بالصلاة حيثما أمر، ولا مدح بها حيثما مدح إلا بلفظ الإقامة، تنبيها أن المقصود منها توفية شرائطها لا الإتيان بهيئاتها، نحو: { أقيموا الصلاة } [البقرة/43]، في غير موضع { والمقيمين الصلاة } [النساء/162]. وقوله: { وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى } [النساء/142] فإن هذا من القيام لا من الإقامة، وأما قوله: { رب اجعلني مقيم الصلاة } [إبراهيم/40] أي: وفقني لتوفية شرائطها، وقوله: { فإن تابوا وأقاموا الصلاة } [التوبة/11] فقد قيل: عني به إقامتها بالإقرار بوجوبها لا بأدائها، والمقام يقال للمصدر، والمكان، والزمان، والمفعول، لكن الوارد في القرآن هو المصدر نحو قوله: { إنها ساءت مستقرا ومقاما } [الفرقان/66]، والمقامة: الإقامة، قال: { الذي أحلنا دار المقامة من فضله } [فاطر/35] نحو: { دار الخلد } [فصلت/28]، { وجنات عدن } [التوبة/72]، وقوله: { لا مقام لكم فارجعوا } [الأحزاب/13]، من قام، أي: لا مستقر لكم، وقد قرئ: { لا مقام لكم } (وهي قراءة حفص وحده، والباقون بفتح الميم. الإتحاف ص 353) من: أقام. ويعبر بالإقامة عن الدوام. نحو: { عذاب مقيم } [هود/39]، وقرئ: { إن المتقين في مقام(3/307)
أمين } (وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم وحمزة والكسائي وخلف ويعقوب) [الدخان/51]، أي: في مكان تدوم إقامتهم فيه، وتقويم الشيء: تثقيفه، قال: { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } [التين/4] وذلك إشارة إلى ما خص به الإنسان من بين الحيوان من العقل والفهم، وانتصاب القامة الدالة على استيلائه على كل ما في هذا العالم، وتقويم السلعة: بيان قيمتها. والقوم: جماعة الرجال في الأصل دون النساء، ولذلك قال: { لا يسخر قوم من قوم } الآية [الحجرات/11]، قال الشاعر:
- 381 - أقوم آل حصن أم نساء
(عجز بيت لزهير، وصدره:
وما أدري وسوف إخال أدري
وهو من قصيدة مطلعها:
عفا من آل فاطمة الجواء * فيمن فالقوادم فالحساء
وهو في ديوانه ص 12؛ واللسان (قوم) )
وفي عامة القرآن أريدوا به والنساء جميعا، وحقيقته للرجال لما نبه عليه قوله: { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله به بعضهم على بعض } الآية [النساء/34].
قوى(3/308)
- القوة تستعمل تارة في معنى القدرة نحو قوله تعالى: { خذوا ما آتيناكم بقوة } [البقرة/63]، وتارة للتهيؤ الموجود في الشي، نحو أن يقال: النوى بالقوة نخل (أي: يمكنه أن يصير نخلا)، أي: متهيئ ومترشح أن يكون منه ذلك. ويستعمل ذلك في البدن تارة، وفي القلب أخرى، وفي المعاون من خارج تارة، وفي القدرة الإلهية تارة. ففي البدن نحو قوله: { وقالوا من أشد منا قوة } [فصلت/15]، { فأعينوني بقوة } [الكهف/95] فالقوة ههنا قوة البدن بدلالة أنه رغب عن القوة الخارجة، فقال: { ما مكني فيه ربي خير } [الكهف/ 95]، وفي القلب نحو قوله: { يا يحيى خذ الكتاب بقوة } [مريم/12] أي: بقوة قلب. وفي المعاون من خارج نحو قوله: { لو أن لي بكم قوة } [هود/80] قيل: معناه: من أتقوى به من الجند، وما أتقوى به من المال، ونحو قوله: { قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد } [النمل/33]، وفي القدرة الإلهية نحو قوله: { إن الله قوي عزيز } [المجادلة/21]، { وكان الله قويا عزيزا } [الأحزاب/25] وقوله: { إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } [الذاريات/58] فعام فيما اختص الله تعالى به من القدرة وما جعله للخلق. وقوله: { ويزدكم قوة إلى قوتكم } [هود/52] فقد ضمن تعالى أن يعطي كل واحد منهم من أنواع القوى قدر ما يستحقه، وقوله: { ذي قوة عند ذي العرش مكين } [التكوير/20] يعني به جبريل عليه السلام، ووصفه بالقوة عند ذي العرش، وأفرد اللفظ ونكره فقال: { ذي قوة } تنبيها أنه إذا اعتبر بالملإ الأعلى فقوته إلى حد ما، وقوله فيه: { علمه شديد القوى } [النجم/5] فإنه وصف القوة بلفظ الجمع، وعرفها تعريف الجنس تنبيها أنه إذا اعتبر بهذا العالم، وبالذين يعلمهم ويفيدهم هو كثير القوى عظيم القدرة. والقوة التي تستعمل للتهيؤ أكثر من يستعلمها الفلاسفة، ويقولونها على وجهين: أحدهما: أن يقال لما كان موجودا ولكن ليس يستعمل، فيقال فلان كاتب بالقوة. أي: معه المعرفة بالكتابة لكنه(3/309)
ليس يستعمل، والثاني: يقال فلان كاتب بالقوة، وليس يعنى به أن معه العلم بالكتابة، ولكن معناه: يمكنه أن يتعلم الكتابة. وسميت المفازة قواء، وأقوى الرجل: صار في قواء (قال الخليل: أرض قواء: لا أهل فيها. العين 5/237)، أي: قفر، وتصور من حال الحاصل في القفر الفقر، فقيل: أقوى فلان، أي: افتقر، كقولهم: أرمل وأترب. قال الله تعالى: { ومتاعا للمقوين } [الواقعة/73].
كتاب الكاف
كب
- الكب: إسقاط الشيء على وجهه. قال عز وجل: { فكبت وجوههم في النار } [النمل/90]. والإكباب: جعل وجهه مكبوبا على العمل. قال تعالى: { أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى } [الملك/22] والكبكبة: تدهور الشيء في هوة. قال: { فكبكبوا فيها هم والغاوون } [الشعراء/94]. يقال كب وكبكب، نحو: كف وكفكف، وصر الريح وصرصر. والكواكب: النجوم البادية، ولا يقال: لها كواكب إلا إذا بدت. قال تعالى: { فلما جن عليه الليل رأى كوكبا } [الأنعام/76] وقال: { كأنها كوكب دري } [النور/35]، { إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب } [الصافات/6]، { وإذا الكواكب انتثرت } [الانفطار/2] ويقال: ذهبوا تحت كل كوكب (انظر: المجمل 3/766) : إذا تفرقوا، وكوكب العسكر: ما يلمع فيها من الحديد.
كبت
- الكبت: الرد بعنف وتذليل. قال تعالى: { كبتوا كما كبت الذين من قبلهم } [المجادلة/5]، وقال: { ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين } [آل عمران/127].
كبد
- الكبد معروفة، والكبد والكباد توجعها، والكبد إصابتها، ويقال: كبدت الرجل: إذا أصبت كبده، وكبد السماء: وسطها تشبيها بكبد الإنسان لكونها في وسط البدن. وقيل: تكبدت الشمس: صارت في كبد السماء، والكبد: المشقة. قال تعالى: { لقد خلقنا الإنسان في كبد } [البلد/4] تنبيها أن الإنسان خلقه الله تعالى على حالة لا ينفك من المشاق ما لم يقتحم العقبة ويستقر به القرار، كما قال: { لتركبن طبقا عن طبق } [الانشقاق/19].
كبر(3/310)
- الكبير والصغير من الأسماء المتضايقة التي تقال عند اعتبار بعضها ببعض، فالشيء قد يكون صغيرا في جنب شيء، وكبيرا في جنب غيره، ويستعملان في الكمية المتصلة كالأجسام، وذلك كالكثير والقليل، وفي الكمية المنفصلة كالعدد، وربما يتعاقب الكثير والكبير على شيء واحد بنظرين مختلفين نحو: { قل فيهما إثم كبير } [البقرة/219] و: { كثيرا } (وهي قراءة حمزة والكسائي، ووافقهما الأعمش.
انظر: الإتحاف ص 157) وقرئ بهما. وأصل ذلك أن يستعمل في الأعيان، ثم استعير للمعاني نحو قوله: { لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها } [الكهف/49]، وقوله: { ولا أصغر من ذلك ولا أكبر } [سبأ/3]، وقوله: { يوم الحج الأكبر } [التوبة/3] إنما وصفه بالأكبر تنبيها أن العمرة هي الحجة الصغرى كما قال صلى الله عليه وسلم: (العمرة هي الحج الأصغر) (الحديث تقدم في مادة (حج) ) فمن ذلك ما اعتبر فيه الزمان، فيقال: فلان كبير، أي: مسن. نحو قوله: { إما يبلغن عندك الكبر أحدهما } [الإسراء/23]، وقال: { وأصابه الكبر } [البقرة/266]، { وقد بلغني الكبر } [آل عمران/40]، ومنه ما اعتبر فيه المنزلة والرفعة نحو: { قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بين وبينكم } [الأنعام/19]، ونحو: { الكبير المتعال } [الرعد/9]، وقوله: { فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم } [الأنبياء/58] فسماه كبيرا بحسب اعتقادهم فيه لا لقدر ورفعة له على الحقيقة، وعلى ذلك قوله: { بل فعله كبيرهم هذا } [الأنبياء/63]، وقوله: { وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها } [الأنعام/123] أي: رؤساءها وقوله: { إنه لكبيركم الذي علمكم السحر } [طه/71] أي: رئيسكم.(3/311)
ومن هذا النحو يقال: ورثه كابرا عن كابر، أي: أبا كبير القدر عن أب مثله. والكبيرة متعارفة في كل ذنب تعظم عقوبته، والجمع: الكبائر. قال: { الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم } [النجم/32]، وقال: { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه } [النساء/31] قيل: أريد به الشرك لقوله: { إن الشرك لظلم عظيم } [لقمان/13].
وقيل: هي الشرك وسائر المعاصي الموبقة، كالزنا وقتل النفس المحرمة، ولذلك قال: { إن قتلهم كان خطأ كبيرا } [الإسراء/31]، وقال: { قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما } [البقرة/219]. وتستعمل الكبيرة فيما يشق ويصعب نحو: { وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين } [البقرة/45]، وقال: { كبر على المشركين ما تدعوهم إليه } [الشورى/13]، وقال: { وإن كان كبر عليك إعراضهم } [الأنعام/35]، وقوله: { كبرت كلمة } [الكهف/5] ففيه تنبيه على عظم ذلك من بين الذنوب وعظم عقوبته. ولذلك قال: { كبر مقتا عند الله } [الصف/3]، وقوله: { والذي تولى كبره } [النور/11] إشارة إلى من أوقع حديث الإفك. وتنبيها أن كل من سن سنة قبيحة يصير مقتدى به فذنبه أكبر. وقوله: { إلا كبر ما هم ببالغيه } [غافر/56]، أي: تكبر. وقيلك أمر كبير من السن، كقوله: { والذي تولى كبره } [النور/11]، والكبر والتكبر والاستكبار تتقارب، فالكبر الحالة التي يتخصص بها الإنسان من إعجابه بنفسه، وذلك أن يرى الإنسان نفسه أكبر من غيره. وأعظم التكبر التكبر على الله بالامتناع من قبول الحق والإذعان له بالعبادة. والاستكبار يقال على وجهين:
أحدهما: أن يتحرى الإنسان ويطلب أن يصير كبيرا، وذلك متى كان على ما يجب، وفي المكان الذي يجب، وفي الوقت الذي يجب فمحمود.(3/312)
والثاني: أن يتشبع فيظهر من نفسه ما ليس له، وهذا هو المذموم، وعلى هذا ما ورد في القرآن. وهو ما قال تعالى: { أبى واستكبر } [البقرة/34]. وقال تعالى: { أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم } [البقرة/87] وقال: { وأصروا واستكبروا استكبارا } [نوح/7]، { استكبارا في الأرض } [فاطر /43]، { فاستكبروا في الأرض } [فصلت/15]، { تستكبرون في الأرض بغير الحق } [الأحقاف/20]، وقال: { إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء } [الأعراف/40]، { قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون } [الأعراف/48]، وقوله: { فيقول الضعفاء للذين استكبروا } [غافر/ 47] قابل المستكبرين بالضعفاء تنبيها أن استكبارهم كان بما لهم من القوة من البدن والمال. وقال تعالى: { قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا } [الأعراف/75] فقابل المستكبرين بالمستضعفين { فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين } [الأعراف/133] نبه بقوله: { فاستكبروا } على تكبرهم وإعجابهم بأنفسهم وتعظمهم عن الإصغاء إليه، ونبه بقوله: { وكانوا قوما مجرمين } [الأعراف/133] أن الذي حملهم على ذلك هو ما تقدم من جرمهم، وأن ذلك لم يكن شيئا حدث منهم بل كان ذلك دأبهم قبل. وقال تعالى: { فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون } [النحل/22] وقال بعده: { إنه لا يحب المستكبرين } [النحل/23]. والتكبر يقال على وجهين:
أحدهما: أن تكون الأفعال الحسنة كثيرة في الحقيقة وزائدة على محاسن غيره، وعلى هذا وصف الله تعالى بالتكبر. قال: { العزيز الجبار المتكبر } [الحشر/23].(3/313)
والثاني: أن يكون متكلفا لذلك متشبعا، وذلك في وصف عامة الناس نحو قوله: { فبئس مثوى المتكبرين } [الزمر/72]، وقوله: { كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار } [غافر/35] ومن وصف بالتكبر على الوجه الأول فمحمود، ومن وصف به على الوجه الثاني فمذموم، ويدل على أنه قد يصح أن يوصف الإنسان بذلك ولا يكون، مذموما، وقوله: { سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق } [الأعراف/146] فجعل متكبرين بغير الحق، وقال: { على كل قلب متكبر جبار } [غافر/35] بأضافة القلب إلى المتكبر. ومن قرأ: بالتنوين (قرأ: { على كل قلب متكبر جبار } بالتنوين أبو عمرو وابن عامر بخلفه. انظر: الإتحاف ص 378) جعل المتكبر. صفة للقلب، والكبرياء: الترفع عن الانقياد، وذلك لا يستحقه غير الله، فقال: { وله الكبرياء في السموات والأرض } [الجاثية/37] ولما قلنا روي عنه صلى الله عليه وسلم يقول عن الله تعالى: (الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني في واحد منهما قصمته) (الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول الله عز وجل: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما أدخلته النار) أخرجه مسلم في البر والصلة برقم (2620) ؛ والبيهقي في الأسماء والصفات ص 173)، وقال تعالى: { قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض } [يونس/87]، وأكبرت الشيء: رأيته كبيرا. قال تعالى: { فلما رأينه أكبرنه } [يوسف/31]. والتكبير يقال لذلك، ولتعظيم الله تعالى بقولهم: الله أكبر، ولعبادته واستشعار تعظيمه، وعلى ذلك: { ولتكبروا الله على ما هداكم } [البقرة/185]، { وكبره تكبيرا } [الإسراء/111]، وقوله: { لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون } [غافر/57] فهي إشارة إلى ما خصهما الله تعالى به من عجائب صنعه، وحكمته التي لا يعلمها إلا قليل ممن وصفهم بقوله: { ويتفكرون في خلق السموات(3/314)
والأرض } [آل عمران/191] فأما عظم جثتهما فأكثرهم يعلمونه. وقوله: { يوم نبطش البطشة الكبرى } [الدخان/16] فتنبيه أن كل ما ينال الكافر من العذاب قبل ذلك في الدنيا وفي البرزخ صغير في جنب عذاب ذلك اليوم. والكبار أبلغ من الكبير، والكبار أبلغ من ذلك. قال تعالى: { ومكروا مكرا كبارا } [نوح/22].
كتب
- الكتب: ضم أديم إلى أديم بالخياطة، يقال: كتبت السقاء، وكتبت البغلة: جمعت بين شفريها بحلقة، وفي التعارف ضم الحروف بعضها إلى بعض بالخط، وقد يقال ذلك للمضموم بعضها إلى بعض باللفظ، فالأصل في الكتابة: النظم بالخط لكن يستعار كل واحد للآخر، ولهذا سمي كلام الله - وإن لم يكتب - كتابا كقوله: { آلم * ذلك الكتاب } [البقرة/1 - 2]، وقوله: { قال إني عبد الله آتاني الكتاب } [مريم/30].
والكتاب في الأصل مصدر، ثم سمي المكتوب فيه كتابا، والكتاب في الأصل اسم للصحيفة مع المكتوب فيه، وفي قوله: { يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء } [النساء/ 153] فإنه يعني صحيفة فيها كتابة، ولهذا قال: { ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس } الآية [الأنعام/7].(3/315)
ويعبر عن الإثبات والتقدير والإيجاب والفرض والعزم بالكتابة، ووجه ذلك أن الشيء يراد، ثم يقال، ثم يكتب، فالإرادة مبدأ، والكتابة منتهى. ثم يعبر عن المراد الذي هو المبدأ إذا أريد توكيده بالكتابة التي هي المنتهى، قال: { كتب الله لأغلبن أنا ورسلي } [المجادلة/ 21]، وقال تعالى: { قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا } [التوبة/51]، { لبرز الذين كتب عليهم القتل } [آل عمران/154]، وقال: { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } [الأنفال/75] أي: في حكمه، وقوله: { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } [المائدة/45] أي: أوجبنا وفرضنا، وكذلك قوله: { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت } [البقرة/180]، وقوله: { كتب عليكم الصيام } [البقرة/183]، { لم كتبت علينا القتال } [النساء/77]، { ما كتبناها عليهم } [الحديد/27]، { لولا أن كتب الله عليهم الجلاء } [الحشر/3] أي: لولا أن أوجب الله عليهم الإخلاء لديارهم، ويعبر بالكتابة عن القضاء الممضى، وما يصير في حكم الممضى، وعلى هذا حمل قوله: { بلى ورسلنا لديهم يكتبون } [الزخرف/80] قيل: ذلك مثل قوله: { يمحو الله ما يشاء ويثبت } [الرعد/39]، وقوله: { أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه } [المجادلة/22] فإشارة منه إلى أنهم بخلاف من وصفهم بقوله: { ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا } [الكهف/28] ؛ لأن معنى (أغفلنا) من قولهم: أغفلت الكتاب: إذا جعلته خاليا من الكتابة ومن الإعجام، وقوله: { فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون } [الأنبياء/94] فإشارة إلى أن ذلك مثبت له ومجازى به.(3/316)
وقوله: { فاكتبنا مع الشاهدين } [آل عمران/53] أي: اجعلنا في زمرتهم إشارة إلى قوله: { فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم... } الاية [النساء/69] وقوله: { مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها } [الكهف/49] فقيل إشارة إلى ما أثبت فيه أعمال العباد. وقوله: { إلا في كتاب من قبل أن نبرأها } [الحديد/22] قيل: إشارة إلى اللوح المحفوظ، وكذا قوله: { إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير } [الحج/70]، وقوله: { ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين } [الأنعام/59]، { في الكتاب مسطورا } [الإسراء/58]، { لولا كتاب من الله سبق } [الأنفال/68] يعني به ما قدره من الحكمة، وذلك إشارة إلى قوله: { كتب ربكم على نفسه الرحمة } [الأنعام/54] وقيل: إشارة إلى قوله: { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } [الأنفال/33]، وقوله: { لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا } [التوبة/51] يعني: ما قدره وقضاه، وذكر (لنا) ولم يقل (علينا) تنبيها أن كل ما يصيبنا نعده نعمة لنا، ولا نعده نقمة علينا، وقوله: { ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم } [المائدة/21] قيل: معنى ذلك وهبها الله لكم، ثم حرمها عليكم بامتناعكم من دخولها وقبولها، وقيل: كتب لكم بشرط أن تدخلوها، وقيل: أوجبها عليكم، وإنما قال: (لكم) ولم يقل: (عليكم) لأن دخولهم إياها يعود عليهم بنفع عاجل وآجل، فيكون ذلك لهم لا عليهم، وذلك كقولك لمن يرى تأذيا بشيء لا يعرف نفع مآله: هذا الكلام لك لا عليك، وقوله: { وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا } [التوبة/40] جعل حكمهم وتقديرهم ساقطا مضمحلا، وحكم الله عاليا لا دافع له ولا مانع، وقال تعالى: { وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث } [الروم/56] أي: في علمه وإيجابه وحكمه، وعلى ذلك قوله: { لكل أجل كتاب } [الرعد/38]، وقوله: { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله } [التوبة/36] أي:(3/317)
في حكمه.
ويعبر بالكتاب عن الحجة الثابتة من جهة الله نحو: { ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير } [الحج/8]، { أم آتيناهم كتابا من قبله } [الزخرف/21]، { فأتوا بكتابكم } [الصافات/157]، { وأوتوا الكتاب } [البقرة/144] (الآية: { وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون } )، { كتاب الله } [النساء /24]، { أم آتيناهم كتابا } [فاطر/40]، { فهم يكتبون } [الطور/41] فذلك إشارة إلى العلم والتحقق والاعتقاد، وقوله: { وابتغوا ما كتب الله لكم } [البقرة/187] إشارة في تحري النكاح إلى لطيفة، وهي أن الله جعل لنا شهوة النكاح لنتحرى طلب النسل الذي يكون سببا لبقاء نوع الإنسان إلى غاية قدرها، فيجب للإنسان أن يتحرى بالنكاح ما جعل الله له على حسب مقتضى العقل والديانة، ومن تحرى بالنكاح حفظ النسل وحصانة النفس على الوجه المشروع فقد ابتغى ما كتب الله له، وإلى هذا أشار من قال: عنى بما كتب الله لكم الولد (وهو قول ابن عباس.(3/318)
انظر: الدر المنثور 1/479)، ويعبر عن الإيجاد بالكتابة، وعن الإزالة والإفناء بالمحو. قال: { لكل أجل كتاب } [الرعد/38]، { يمحو الله ما يشاء ويثبت } [الرعد/39] نبه أن لكل وقت إيجادا، وهو يوجد ما تقتضي الحكمة إيجاده ويزيل ما تقتضي الحكمة إزالته، ودل قوله: { لكل أجل كتاب } [الرعد/38] على نحو ما دل عليه قوله: { كل يوم هو في شأن } [الرحمن/29] وقوله: [ { وعنده أم الكتاب } [الرعد/ 39]، وقوله: { وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب } [آل عمران/78] فالكتاب الأول: ما كتبوه بأيديهم المذكور في قوله: { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم } [البقرة/79]. والكتاب الثاني: التوراة، والثالث: لجنس كتب الله، أي: ما هو من شيء من كتب الله سبحانه وتعالى وكلامه] (ما بين [ ] نقله الزركشي في البرهان 4/97)، وقوله: { وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان } [البقرة/53] فقد قيل: هما عبارتا عن التوراة، وتسميتها كتابا اعتبارا بما أثبت فيها من الأحكام، وتسميتها فرقانا اعتبارا بما فيها من الفرق بين الحق والباطل.
وقوله: { وما كان لنفس أن تموت إلا بأذن الله كتابا مؤجلا } [آل عمران/145] أي: حكما { لولا كتاب من الله سبق لمسكم } [الأنفال/68]، وقوله: { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله } [التوبة/36] كل ذلك حكم منه. وأما قوله: { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم } [البقرة/79] فتنبيه أنهم يختلقونه ويفتعلونه، وكما نسب الكتاب المختلق إلى أيديهم نسب المقال المختلق إلى أفواههم، فقال: { ذلك قولهم بأفواههم } [لتوبة/30] والاكتتاب متعارف في المختلق نحو قوله: { أساطير الأولين اكتتبها } [الفرقان/5].(3/319)
وحيثما ذكر الله تعالى أهل الكتاب فإنما أراد بالكتاب التوراة والإنجيل، أو إياهما جميعا، وقوله: { وما كان هذا القرآن أن يفترى } إلى قوله: { وتفصيل الكتاب } [يونس/37] (الآية: { وما كان هذا القرآن أن يفتري من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين } )، فإنما أراد بالكتاب ههنا ما تقدم من كتب الله دون القرآن؛ ألا ترى أنه جعل القرآن مصدقا له، وقوله: { وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا } [الأنعام/114] فمنهم من قال: هو القرآن، ومنهم من قال: هو القرآن وغيره من الحجج والعلم والعقل (أخرج ابن أبي حاتم من طريق مالك بن أنس عن ربيعة قال: إن الله تبارك وتعالى أنزل الكتاب، وتررك فيه موضعا للسنة، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترك فيها موضعا للرأي. انظر: الدر المنثور 3/344)، وكذلك قوله: { فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به } [العنكبوت/47]، وقوله: { قال الذي عنده علم من الكتاب } [النمل/40] فقد قيل: أريد به علم الكتاب، وقيل: علم من العلوم التي آتاها الله سليمان في كتابه المخصوص به، وبه سخر له كل شيء، وقوله: { وتؤمنون بالكتاب كله } [آل عمران/119] أي: بالكتب المنزلة، فوضع ذلك موضع الجمع؛ إما لكونه جنسا كقولك: كثر الدرهم في أيدي الناس، أو لكونه في الإصل مصدرا نحو: عدل، وذلك كقوله: { يؤمنون بما أنزل إليك من قبلك } [البقرة/4] وقيل: يعني أنهم ليسوا كمن قيل فيهم: { ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض } [النساء/150]. وكتابة العبد: ابتياع نفسه من سيده بما يؤديه من كسبه، قال: { والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم } [النور/33] واشتقاقها يصح أن يكون من الكتابة التي هي الإيجاب، وأن يكون من الكتب الذي هو النظم والإنسان يفعل ذلك.
كتم(3/320)
- الكتمان: ستر الحديث، يقال: كتمته كتما وكتمانا. قال تعالى: { ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله } [البقرة/140]، وقال: { وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون } [البقرة/146]، { ولا تكتموا الشهادة } [البقرة/146]، { ولا تكتموا الشهادة } [البقرة/283]، { وتكتمون الحق وأنتم تعلمون } [آل عمران/ 71]، وقوله: { الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله } [النساء/37] فكتمان الفضل: هو كفران النعمة، ولذلك قال بعده: { وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا } [النساء/37]، وقوله: { ولا يكتمون الله حديثا } [النساء/42] قال ابن عباس: إن المشركين إذا رأوا أهل القيامة لا يدخل الجنة إلا من لم يكن مشركا قالوا: { والله ربنا ما كنا مشركين } [الأنعام/23] فتشهد عليهم جوارحهم، فحينئذ يودون أن لم يكتموا الله حديثا (أخرجه ابن جرير 5/94). وقال الحسن: في الآخرة مواقف في بعضها يكتمون، وفي بعضها لا يكتمون، وعن بعضهم: { لا يكتمون الله حديثا } [النساء/42] هو أن انطق جوارحهم.
كثب
- قال تعالى: { وكانت الجبال كثيبا مهيلا } [المزمل/14] أي: رملا متراكما، وجمعه: أكثبة، وكثب، وكثبان، والكثيبة: القليل من اللبن، والقطعة، من التمر، سميت بذلك لاجتماعها، وكثب: إذا اجتمع، والكاثب: الجامع، والتكثيب: الصيد إذا أمكن من نفسه، والعرب تقول: أكثبك الصيد فارمه (انظر: المجمل 3/779، وأساس البلاغة (كثب) )، وهو من الكثب، أي: القرب.
كثر(3/321)
- قد تقدم أن الكثرة والقلة يستعملان في الكمية المنفصلة كالأعداد (راجع مادة (كبر) ). قال تعالى: { وليزيدن كثيرا } [المائدة/64]، { وأكثرهم للحق كارهون } [المؤمنون/70]، { بل أكثرهم لا يعلمون الحق } [الأنبياء/24]، قال: { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة } [البقرة/249]، وقال: { وبث منهما رجالا كثيرا ونساء } [النساء/1]، { ود كثير من أهل الكتاب } [البقرة/109] إلى آيات كثيرة، وقوله: { بفاكهة كثيرة } [ص/51] فإنه جعلها كثيرة اعتبارا بمطاعم الدنيا، وليست الكثرة إشارة إلى العدد فقط بل إلى الفضل، ويقال: عدد كثير وكثار وكاثر: زائد، ورجل كاثر: إذا كان كثير المال، قال الشاعر:
- 382 - ولست بالأكثر منهم حصى * وإنما العزة للكاثر
(البيت تقدم في مادة (قل) )
والمكاثرة والتكاثر: التباري في كثرة المال والعز. قال تعالى: { ألهاكم التكاثر } [التكاثر/1] وفلان مكثور، أي: مغلوب في الكثرة، والمكثار متعارف في كثرة الكلام، والكثر: الجمار الكثير، وقد حكي بتسكين الثاء، وروي: (لا قطع في ثمر ولا كثر) (الحديث عن رافع بن خديج قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا قطع في ثمر ولا كثر) أخرجه أحمد في المسند 3/463؛ ومالك في الموطأ 2/839؛ والنسائي 8/87. وهو حديث منقطع لكن له متابعات) وقوله: { إنا أعطيناك الكوثر } [الكوثر/1] قيل: هو نهر في الجنة يتشعب عنه الأنهار، وقيل: بل هو الخير العظيم الذي أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يقال للرجل السخي: كوثر، ويقال: تكوثر الشيء: كثر كثرة متناهية، قال الشاعر:
- 383 - وقد ثار نقع الموت حتى تكوثرا
(هذا عجز بيت، وصدره:
أبوا أن يبيحوا جارهم لعدوهم
وهو لحسان بن نشيبة، والبيت في اللسان (كثر)، وأساس البلاغة (كثر) ؛ وشرح الحماسة 1/177).
كدح(3/322)
- الكدح: السعي والعناء. قال تعالى: { إنك كادح إلى ربك كدحا } [الانشقاق/ 6] وقد يسستعمل استعمال الكدم في الأسنان، قال الخليل (العين 3/60) : الكدح دون الكدم.
كدح
- الكدر: ضد الصفاء، يقال: عيش كدر، والكدرة، في اللون خاصة، والكدورة في الماء، وفي العيش، والانكدار: تغير من انتثار الشيء. قال تعالى: { وإذا النجوم انكدرت } [التكوير/2]، وانكدر القوم على كذا: إذا قصدوا متناثرين عليه.
كدى
- الكدية: صلابة في الأرض. يقال: حفر فأكدى: إذا وصل إلى كدية، واستعير ذلك للطالب المخفق، والمعطي المقل. قال تعالى: { أعطى قليلا وأكدى } [النجم/34].
كذب
- قد تقدم القوم في الكذب مع الصدق (راجع: مادة (صدق) )، وأنه يقال في المقال والفعال، قال تعالى: { إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون } [النحل/ 105]، وقوله: { والله يشهد إن المنافقين لكاذبون } [المنافقون/1] وقد تقدم أنه كذبهم في اعتقادهم لا في مقالهم، ومقالهم كان صدقا، وقوله: { ليس لوقعتها كاذبة } [الواقعة/2] فقد نسب الكذب إلى نفس الفعل، كقولهم: فعلة صادقة، وفعلة كاذبة، قوله: { ناصية كاذبة } [العلق/16]، يقال: رجل كاذب وكذوب وكذبذب وكيذبان. كل ذلك للمبالغة، ويقال: لا مكذوبة، أي: لا أكذبك، وكذبتك حديثا، قال تعالى: { الذين كذبوا الله ورسوله } [التوبة/90]، ويتعدى إلى مفعولين نحو: صدق في قوله: { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق } [الفتح/27].(3/323)
يقال: كذبه كذبا وكذابا، وأكذبته: وجذته كاذبا، وكذبته: نسبته إلى الكذب صادقا كان أو كاذبا، وما جاء في القرآن ففي تكذيب الصادق نحو: { كذبوا بآياتنا } [آل عمران/11]، { رب انصرني بما كذبون } [المؤمنون/ 26]، { بل كذبوا بالحق } [ق/5]، { كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا } [القمر/ 9]، { كذبت ثمود وعاد بالقارعة } [الحاقة/4]، { وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح } [الحج/42]، { وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم } [فاطر/25]، وقال: { فإنهم لا يكذبونك } [الأنعام/33] وقرئ بالتخفيف والتشديد (قرأ نافع والكسائي بالتخفيف، والباقون بالتشديد. انظر: الإتحاف ص 207)، ومعناه: لا يجدونك كاذبا ولا يستطيعون أن يثبتوا كذبك، وقوله: { حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا } [يوسف/110] أي: علموا أنهم تلقوا من جهة الذين أرسلوا إليهم بالكذب، ف (كذبوا) نحو: فسقوا وزنوا وخطئوا: إذا نسبوا إلى شيء من ذلك، وذلك قوله: { فقد كذبت رسل من قبلك } [فاطر/4] وقوله: { فكذبوا رسلي } [سبأ/45]، وقوله: { إن كل إلا كذب الرسل } [ص/14]، وقرئ: { كذبوا } (وهي قراءة عاصم وحمزة والكسائي وأبي جعفر وخلف.(3/324)
انظر: الإتحاف ص 268) بالتخفيف. من قولهم: كذبتك حديثا. أي: ظن المرسل إليهم أن المرسل قد كذبوهم فيما أخبروهم به أنهم إن لم يؤمنوا بهم نزل بهم العذاب، وإنما ظنوا ذلك من إمهال الله تعالى إياهم وإملائه لهم، وقوله: { {لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا } [عم/35] الكذاب: التكذيب. والمعنى: لا يكذبون فيكذب بعضهم بعضا، ونفي التكذيب عن الجنة يقتضي نفي الكذب عنها، وقرئ: { كذابا } (وهي قراءة الكسائي. انظر: الإتحاف ص 431) من المكاذبة. أي: لا يتكاذبون تكاذب الناس في الدنيا، يقال: حمل فلان على قرنه فكذب (قال الزمخشري: ومن المجاز: حمل فلان ثم كذب: إذا جبن ونكل، ومعناه: كذب الظن به، أو جعل حملته كاذبة غير صادقة. انظر: أساس البلاغة (كذب). وقال شمر: يقال للرجل إذا حمل ثم ولى ولم يمض: قد كذب عن قرنه تكذيبا، والتكذيب في القتال ضد الصدق فيه. اللسان (كذب) )، كما يقال في ضده: صدق. وكذب لبن الناقة: إذا ظن أن يدوم مدة فلم يدم. وقولهم: (كذب عليك الحج) (قال أبو عبيدة: في حديث عمر: (كذب عليكم الحج، كذب عليكم العمرة، كذب عليكم الجهاد ثلاثة أسفار كذبن عليكم) انظر: غريب الحديث 3/248؛ وأخرجه عبد الرزاق في المصنف 5/172) قيل: معناه وجب فعليك به، وحقيقته أنه في حكم الغائب البطيء وقته، كقولك: قد فات الحج فبادر، أي: كاد يفوت. وكذب عليك العسل (الحديث: إن عمرو بن معد يكرب شكا إلى عمر بن الخطاب المعص، فقال: كذب عليك العسل. يريد: العسلان، وهو مشي الذئب. أي: عليك بسرعة المشي.
والمعص: التواء في عصب الرجل: انظر: النهاية 4/158؛ والفائق 2/200؛ واللسان (كذب) ) بالنصب، أي: عليك بالعسل، وذلك إغراء، وقيل: العسل ههنا العسلان، وهو ضرب من العدو، والكذابة: ثوب ينقش بلون صبغ كأنه موشى، وذلك لأنه يكذب بحاله.
كر(3/325)
- الكر: العطف على الشيء بالذات أو بالفعل، ويقال للحبل المفتول: كر، وهو في الأصل مصدر، وصار اسما، وجمعه: كرور. قال تعالى: { ثم رددنا لكم الكرة عليهم } [الإسراء/6]، { فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنون } [الشعراء/102]، { وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة } [البقرة/167]، { لو أن لي كرة } [الزمر/58] والكركرة: رحى زور البعير، ويعبر بها عن الجماعة المجتمعة، والكركرة: تصريف السحاب، وذلك مكرر من كر.
كرب
- الكرب: الغم الشديد. قال تعالى: { فنجيناه وأهله من الكرب العظيم } [الأنبياء /76]. والكربة كالغمة، وأصل ذلك من: كرب الأرض، وهو قلبها بالحفر، فالغم يثير النفس إثارة ذلك، وقيل في مثل: الكراب على البقر (قال ابن فارس: ويقولون: الكراب على البقر، كأنهم أرادوا كرب الأرض للحرث. ويقال: الكلاب على البقر، يراد: صدنا بالبقر الكلاب، ويقال: تأويله: خل أمرا وصناعته.
انظر: المجل 3/783؛ وجمهرة الأمثال 2/169؛ والأمثال ص 284)، وليس ذلك من قولهم: (الكلاب على البقر) في شيء. ويصح أن يكون الكرب من: كربت الشمس: إذا دنت للمغيب. وقولهم: إناء كربان، أي: قريب. نحو: قربان، أي: قريب من الملء، أو من الكرب، وهو عقد غليظ في رشا الدلو، وقد يوصف الغم بأنه عقدة على القلب، يقال: أكربت الدلو.
كرس
- الكرسي في تعارف العامة: اسم لما يقعد عليه. قال تعالى: { وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب } [ص/34] وهو في الأصل منسوب إلى الكرس، أي: المتلبد أي: المجتمع. ومنه: الكراسة للمتكرس من الأوراق، وكرست البناء فتكرس، قال العجاج:
- 384 - يا صاح هل تعرف رسما مكرسا * قال: نعم أعرفه، وأبلسا (الرجز للعجاج، وهو في ديوانه ص 16؛ ومجاز القرآن 1/192؛ وتفسير القرطبي 6/427)(3/326)
والكرس: أصل الشيء، يقال: هو قديم الكرس. وكل مجتمع من الشيء كرس، والكروس: المتركب بعض أجزاء رأسه إلى بعضه لكبره، وقوله عز وجل: { وسع كرسيه السموات والأرض } [البقرة/255] فقد روي عن ابن عباس أن الكرسي العلم (عن ابن عباس في قوله تعالى: { وسع كرسيه السموات والأرض } قال: كرسيه علمه، ألا ترى إلى قوله: { ولا يؤوده حفظهما } انظر: الدر المنثور 2/16؛ والأسماء والصفات ص 497). وقيل: كرسيه ملكه، وقالبعضهم: هو اسم الفلك المحيط بالأفلاك، قال:ويشهد لذلك ما روي (وما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة (الحديث تقدم في مادة (عرش). وقالابن حجر: صححه ابن حبان، وله شاهد عن مجاهد، أخرجه سعيد بن منصور في التفسير بسند صحيح. فتح الباري 13/411.
كرم(3/327)
- الكرم إذا وصف الله تعالى به فهو اسم لإحسانه وإنعامه المتظاهر، نحو قوله: { إن ربي غني كريم } [النمل/40]، وإذا وصف به الإنسان فهو اسم للأخلاق والأفعال المحمودة التي تظهر منه، ولا يقال: هو كريم حتى يظهر ذلك منه. قال بعض العلماء: الكرم كالحرية إلا أن الحرية قد تقال في المحاسن الصغيرة والكبيرة، والكرم لا يقال إلا في المحاسن الكبيرة، كمن ينفق مالا في تجهيز جيش في سبيل الله، وتحمل حمالة ترقئ دماء قوم، وقوله تعالى: { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } [الحجرات/13] فإنما كان كذلك لأن الكرم الأفعال المحمودة، وأكرمها وأشرفها ما يقصد به وجه الله تعالى، فمن قصد ذلك بمحاسن فعله فهو التقي، فإذا أكرم الناس أتقاهم، وكل شيء شرف في بابه فإنه يوصف بالكرم. قال تعالى: { فأنبتنا فيها من كل زوج كريم } [لقمان/10]، { وزروع ومقام كريم } [الدرخان/26]، { إنه لقرآن كريم } [الواقعة/77]، { وقل لهما قولا كريما } [الإسراء/23]. والإكرام والتكريم: أن يوصل إلى الإنسان إكرام، أي: نفع لا يلحقه فيه غضاضة، أو أن يجعل ما يوصل إليه شيئا كريما، أي: شريفا، قال: { هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين } [الذاريات/24]. وقوله: { بل عباد مكرمون } [الأنبياء/26] أي: جعلهم كراما، قال: { كراما كاتبين } [الانفطار/11]، وقال: { بأيدي سفرة * كرام بررة } [عبس/15 - 16]، { وجعلني من المكرمين } [يس/27]، وقوله: { ذو الجلال والإكرام } [الرحمن/27] منطو على المعنيين.
كره
- قيل: الكره والكره واحد، نحو: الضعف والضعف، وقيل: الكره: المشقة التي تنال الإنسان من خارج فيما يحمل عليه بإكراه، والكره: ما يناله من ذاته وهو يعافه، وذلك على ضربين:
أحدهما: ما يعاف من حيث الطبع.(3/328)
والثاني: ما يعاف من حيث العقل أو الشرع، ولهذا يصح أن يقول الإنسان في الشيء الواحد: إني أريده وأكرهه، بمعنى أني أريده من حيث الطبع، وأكرهه من حيث العقل أو الشرع، أو أريده من حيث العقل أو الشرع، وأكرهه من حيث الطبع، وقوله: { كتب عليكم القتال وهو كره لكم } [البقرة/ 216] أي: تكرهونه من حيث الطبع، ثم بين ذلك بقوله: { وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم } [البقرة/216] أنه لا يجب للإنسان أن يعتبر كراهيته للشيء أو محبته له حتى يعلم حاله. وكرهت يقال فيهما جميعا إلا أن استعماله في الكره أكثر. قال تعالى: { ولو كره الكافرون } [التوبة/32]، { ولو كره المشركون } [التوبة/33]، { وإن فريقال من المؤمنين لكارهون } [الأنفال/ 5]، وقوله: { أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه } [الحجرات/12] تنبيه أن أكل لحم الأخ شيء قد جبلت النفس على كراهتها له وإن تحراه الإنسان، وقوله: { لا يحل لكم ان ترثوا النساء كرها } [النساء/19] وقرئ: { كرها } (وهي قراءة حمزة والكسائي وخلف. انظر: الإتحاف ص 188)، والإكراه يقال في حمل الإنسان على ما يكرهه، وقوله: { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء } [النور/33] فنهي عن حملهن على ما فيه كره وكره، وقوله: { لا إكراه في الدين } [البقرة/256] فقد قيل: كان ذلك في ابتداء الإسلام، فإنه كان يعرض على الإنسان الإسلام فإن أجاب وإلا ترك (ويؤيد هذا ما أخرجه ابن إسحق وابن جرير عن ابن عباس قال: نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف، يقال له الحصين، كان له ابنان نصرانيان، وكان هو رجلا مسلما، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا أستكرههما؟ فإنهما قد أبيا إلا النصرانية، فأنزل الله فيه ذلك. انظر: الدر المنثور 2/21؛ وتفسير الطبري 3/14).
والثاني: أن ذلك في أهل الكتابن فإنهم إن أرادوا الجزية والتزموا الشرائط تركوا (وهذا مروي عن ابن عباس أيضا، وأخرجه عنه ابن جرير وابن أبي حاتم).(3/329)
والثالث أنه لا حكم لمن أكره على دين باطل فاعترف به ودخل فيه، كما قال تعالى: { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } [النحل/106].
الرابع: لا اعتداد في الآخرة بما يفعل الإنسان في الدنيا من الطاعة كرها؛ فإن الله تعالى يعتبر السرائر ولا يرضى إلا الإخلاص، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (الأعمال بالنيات) (الحديث متفق عليه، أخرجه البخاري في بدء الوحي 1/7؛ ومسلم في الإمارة برقم (1907)، وغيرهما)، وقال: (أخلص يكفك القليل من العمل) (الحديث عن معاذ بن جبل أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن: أوصني. قال: (أخلص دينك يكفك العمل القليل) أخرجه الحاكم في الرقاق 4/306، وقال: صحيح الإسناد، ولم يوافقه الذهبي؛ وأبو نعيم في الحلية 1/244. وقال العراقي: رواه الديلمي في مسند الفردوس من حديث معاذ، وإسناده منقطع. انظر: تخريج أحاديث الإحياء 6/2406).
الخامس: معناه لا يحمل الإنسان على أمر مكروه في الحقيقة مما يكلفهم الله بل يحملون على نعيم الأبد، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (عجب ربكم من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل) (الحديث تقدم في مادة (سل) ).
السادس: أن الدين الجزاء. معناه: أن الله ليس بمكروه على الجزاء بل يفعل ما يشاء بمن يشاء كما يشاء.
وقوله: { أفغير دين الله يبغون } إلى قوله: { طوعا وكرها } [آل عمران/83] (الآية: { أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها } ) قيل معناه: أسلم من في السموات طوعا، ومن في الأرض كرها. أي: الحجة أكرهتهم وألجأتهم، كقولك: الدلالة أكرهتني على القول بهذه المسألة، وليس هذا من الكره المذموم.
الثاني: أسلم المؤمنون طوعا، والكافرون كرها إذ لم يقدروا أن يمتنعوا عليه بما يريد بهم ويقضيه عليهم.(3/330)
الثالث: عن قتادة: أسلم المؤمنون طوعا والكافرون كرها عند الموت حيث قال: { فلم يك ينفعهم لما رأوا بأسنا... } الآية [غافر/85]. الرابع: عني بالكره من قوتل وألجئ إلى أن يؤمن.
الخامس: عن أبي العالية (أبو العالية الرياحي، واسمه رفيع بن مهران، ثقة كثير الإرسال، من الثانية. مات سنة تسعين. راجع: تقريب التهذيب ص 210) ومجاهد أن كلا أقر بخلقه إياهم وإن أشركوا معه، كقوله: { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله } [الزخرف/87].
السادس: عن ابن عباس: أسلموا بأحوالهم المنبئة عنهم وإن كفر بعضهم بمقالهم، وذلك هو الإسلام في الذر الأول (أخرجه ابن جرير 3/336 بسند صحيح) حيث قال: { ألست بربكم قالوا بلى } [الأعراف/172] وذلك هو دلائلهم التي فطروا عليها من العقل المقتضي لأن يسلموا، وإلى هذا أشار بقوله: { وظلالهم بالغدو والآصال } [الرعد/15]. السابع: عن بعض الصوفية: أن من أسلم طوعا هو من طالع المثيب والمعاقب لا الثواب والعقاب فأسلم له، ومن أسلم كرها هو من طالع الثواب والعقاب فأسلم رغبة ورهبة، ونحو هذه الآية قوله: { ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها } [الرعد/15].
كسب(3/331)
- الكسب: ما يتحراه الإنسان مما فيه اجتلاب نفع، وتحصيل حظ، ككسب المال، وقد يستعمل فيما يظن الإنسان أنه يجلب منفعة، ثم استجلب به مضرة. والكسب يقال فيما أخذه لنفسه ولغيره، ولهذا قد يتعدى إلى مفعولين، فيقال: كسبت فلانا كذا، والاكتساب لا يقال إلا فيما استفدته لنفسك، فكل اكتساب كسب، وليس كل كسب اكتسابا، وذلك نحو: خبز واختبز، وشوى واشتوى، وطبخ واطبخ، وقوله تعالى: { أنفقوا من طيبات ما كسبتم } [البقرة/ 267] روي أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم (انظر سنن النسائي 7/241، وأخرجه 4/141، وفيه المسعودي، وهو ثقة لكنه اختلط) : أي: الكسب أطيب؟ فقال عليه الصلاة والسلام، (عمل الرجل بيده)، وقال: (إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه) (الحديث عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أطيب ما أكل الرجل كسبه، وإن ولده من كسبه (أخرجه ابن حبان وصححه، في صحيحه برقم (1091) ؛ وأبو داود برقم 3530؛ وابن ماجه برقم (2292)، وسنده حسن، وأحمد 6/31؛ وقال المنذري: رجاله ثقات)، وقال تعالى: { لا يقدرون على شيء مما كسبوا } [البقرة/264] وقد ورد في القرآن في فعل الصالحات والسيئات؛ فمما استعمل في الصالحات قوله: { أو كسبت في إيمانها خيرا } [الأنعام/158] وقوله: { ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة } إلى قوله: { مما كسبوا } [البقرة/201 - 202] (الآية: { ومنهم من يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار * أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب } ). ومما يستعمل في السيئات: { أن تبسل نفس بما كسبت } [الأنعام/ 70]، { أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا } [الأنعام/70]، { إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون } [الأنعام/120]، { فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون } [البقرة/79]، وقال: { فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون } [التوبة/82]، { ولو يؤاخذ الله(3/332)
الناس بما كسبوا } [فاطر/45]، { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } [الأنعام/164]، وقوله: { ثم توفى كل نفس ما كسبت } [آل عمران/161] فمتناول لهما.
والاكتساب قد ورد فيهما. قال في الصالحات: { للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن } [النساء/32]، وقوله: { لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } [البقرة/286] فقد قيل خص الكسب ههنا بالصالح، والاكتساب بالسيء، وقيل: عني بالكسب ما يتحراه من المكاسب الأخروية، وبالاكتساب ما يتحراه من المكاسب الدنيوية، وقيل: عني بالكسب ما يفعله الإنسان من فعل خير وجلب نفع إلى غيره من حيثما يجوز، وبالاكتساب ما يحصله لنفسه من نفع يجوز تناوله، فنبه على أن ما يفعله الإنسان لغيره من نفع يوصله إليه فله الثواب، وأن ما يحصله لنفسه - وإن كان متناولا من حيثما يجوز على الوجه - فقلما ينفك من أن يكون عليه، إشارة إلى ما قيل: (من أراد الدنيا فليوطن نفسه على المصائب) (هذا من كلام عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق. انظر: مجمع الأمثال 2/274، والتمثيل والمحاضرة ص 32). وقوله تعالى: { إنما أموالكم وأولادكم فتنة } [التغابن/15]، ونحو ذلك.
كسف
- كسوف الشمس والقمر: استتارهما بعارض مخصوص، وبه شبه كسوف الوجه والحال، فقيل: كاسف الوجه وكاسف الحال، والكسفة: قطعة من السحاب والقطن، ونحو ذلك من الأجسام المتخلخلة الحائلة، وجمعها كسف، قال: { ويجعله كسفا } [الروم/48]، { فأسقط علينا كسفا من السماء } [الشعراء/ 187]، { أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا } [الإسراء/92]، و { كسفا } (وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وحمزة والكسائي وخلف ويعقوب. انظر: الإتحاف ص 286) بالسكون. فكسف جمع كسفة، نحو: سدرة وسدر. { وإن يروا كسفا من السماء } [الطور/44]. قال أبو زيد: كسفت الثوب أكسفه كسفا: إذا قطعته قطعا (انظر: تهذيب اللغة 10/76)، وقيل: كسفت عرقوب الإبل، قال بعضهم: هو كسحت لا غير.
كسل(3/333)
- الكسل: التثاقل عما لا ينبغي التثاقل عنه، ولأجل ذلك صار مذموما. يقال: كسل فهو كسل وكسلان (انظر: الأفعال للسرقسطي 2/144)، وجمعه: كسالى وكسالى، قال تعالى: { ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى } [التوبة/54] وقيل: فلان لا يكسله المكاسل (قال ابن منظور: ويقال: فلان لا تكسله المكاسل. يقول لا تثقله وجوه الكسل. انظر: اللسان (كسل) ؛ وتهذيب اللغة 10/61)، وفحل كسل: يكسل عن الضراب، وامرأة مكسال: فاترة عن التحرك.
كسا
- الكساء والكسوة: اللباس. قال تعالى: { أو كسوتهم أو تحرير رقبة } [المائدة/ 89]، وقد كسوته واكتسى. قال: { وارزقوهم فيها واكسوهم } [النساء/5]، { فكسونا العظام لحما } [المؤمنون/14]، واكتست الأرض بالنبات، وقول الشاعر:
- 385 - فبات له دون الصبا وهي قرة * لحاف ومصقول الكساء رقيق
(البيت لعمرو بن الأهتم، وهو شاعر مخضرم، من قصيدته المفضلية، ومطلعها:
ألا طرقت أسماء وهي طروق * وبانت على أن الخيال يشوق
والبيت في المفضليات ص 127؛ والمجل 3/784؛ واللسان (كسأ) والمعاني الكبير 1/398.
البيت لعمرو بن الأهتم من مفضليته. والمفضليات ص 127)
فقد قيل: هو كناية عن اللبن إذا علته الدواية (قال التبريزي: أي: صار للضيف في مدافعة أذى الريح - وهي باردة - لحاف. أي: دثار يلتحف به. وقال الأصمعي: أراد بالكساء الدواية، وهي الجلدة الرقيقة التي تعلو اللبن إذا برد. انظر: شرح المفضليات للتبريزي 2/609)، وقول الآخر:
- 386 - حتى أرى فارس الصموت على * أكساء خيل كأنها الإبل
(البيت للمثلم بن عمرو التنوخي، ويقال: للبريق بن عياض الهذلي.
وهو في المجمل 3/784؛ والعباب الزاخر (كسأ)، واللسان (كسأ)، والتاج (كسأ) ؛ وشرح الحماسة للمرزوقي 1/479؛ وشرح أشعار الهذليين 2/759)
قيل: معناه: على أعقابها، وأصله أن تعدى الإبل فتثير الغبار، ويعلوها فيكسوها، فكأنه تولى إكساء الإبل، أي: ملابسها من الغبار.
كشف(3/334)
- كشفت الثوب عن الوجه وغيره، ويقال كشف غمه. قال تعالى: { وإن يمسسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو } [الأنعام/17]، { فكيشف ما تدعون إليه } [الأنعام/41]، { لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك } [ق/ 22]، { أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء } [النمل/62]، وقوله: { يوم يكشف عن ساق } [القلم/42] قيل: أصله من: قامت الحرب على ساق، أي: ظهرت الشدة، وقال بعضهم: أصله من تذمير الناقة، وهو أنه إذا أخرج رجل الفصيل من بطن أمه، فيقال: كشف عن الساق.
كشط
- قال عز وجل: { وإذا السماء كشطت } [التكوير/11] وهو من: كشط الناقة، أي: تنحية الجلد عنها، ومنه استعير: انكشط روعة (انظر: المجمل 3/786)، أي: زال.
كظم
- الكظم: مخرج النفس، يقال: أخذ بكظمه، والكظوم: احتباس النفس، ويعبر به عن السكوت كقولهم: فلان لا يتنفس: إذا وصف بالمبالغة في السكوت، وكظم فلان: حبس نفسه. قال تعالى: { إذ نادى وهو مكظوم } [القلم/ 48]، وكظم الغيظ: حبسه، قال: { والكاظمين الغيظ } [آل عمران/134] ومنه: كظم البعير: إذا ترك الاجترار، وكظم السقاء: شده بعد ملئه مانعا لنفسه، والكظامة: حلقة تجمع فيها الخيوط في طرف حديدة الميزان، والسير الذي يوصل بوتر القوس، والكظائم: خروق بين البئرين يجري فيها الماء؛ كل ذلك تشبيه بمجرى النفس، وتردده فيه.
كعب(3/335)
- كعب الرجل: العظم الذي عند ملتقى القدم والساق. قال: { وأرجلكم إلى الكعبين } [المائدة/6]. والكعبة: كل بيت على هيئته في التربيع، وبها سميت الكعبة. قال تعالى: { جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس } [المائدة/97]. وذو الكعبات: بيت كان في الجاهلية لبني ربيعة، وفلان جالس في كعبته، أي: غرفته وبيته على تلك الهيئة، وامرأة كاعب: تكعب ثدياها، وقد كعبت كعابة، والجمع كواعب، قال: { وكواعب أترابا } [النبأ/33]، وقد يقال: كعب الثدي كعبا، وكعب تكعبيا (انظر: اللسان (كعب) )، وثوب مكعب: مطوي شديد الإدراج، وكل ما بين العقدتين من القصب والرمح يقال له: كعب، تشبيها بالكعب في الفصل بين العقدتين، كفصل الكعب بين الساق والقدم.
كف(3/336)
- الكف: كف الإنسان، وهي ما بها يقبض ويبسط، وكففته: أصبت كفه، وكففته: أصبته بالكف ودفعته بها. وتعورف الكف بالدفع على أي وجه كان؛ بالكف كان أو غيرها حتى قيل: رجل مكفوف لمن قبض بصره، وقوله تعالى: { وما أرسلناك إلا كافة للناس } [سبأ/28] أي: كافا لهم عن المعاصي، والهاء فيه للمبالغة كقولهم: رواية، وعلامة، ونسابة، وقوله: { وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة } [التوبة/36] قيل: معناه: كافين لهم كما يقاتلونكم كافين (قال الزجاج في الآية: وهذا مشتق من كفة الشيء، وهي حرفه، وإنما أخذ من أن الشيء إذا انتهى إلى ذلك كف عن الزيادة، ولا يجوز أن يثنى ولا يجمع، ولا يقال: قاتلوهم كافات ولا كافين، كما أنك إذا قلت: قاتلوهم عامة لم تثن ولم تجمع، وكذلك خاصة. هذا مذهب النحويين. انظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/446)، وقيل: معناه جماعة كما يقاتلونكم جماعة، وذلك أن الجماعة يقال لهم الكافة، كما يقال لهم الوازعة لقوتهم باجتماعهم، وعلى هذا قوله: { يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة } [البقرة/208]، وقوله: { فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها } [الكهف/ 42] فإشارة إلى حال النادم وما يتعاطاه في حال ندمه. وتكفف الرجل: إذا مد يده سائلا، واستكف: إذا مد كفه سائلا أو دافعا، واستكف الشمس: دفعها بكفه، وهو أن يضع كفه على حاجبه مستظلا من الشمس ليرى ما يطلبه، وكفة الميزان تشبيه بالكف في كفها ما يوزن بها، وكذا كفة الحبالة، وكففت الثوب: إذا خطت نواحيه بعد الخياطة الأولى.
كفت(3/337)
- الكفت: القبض والجمع. قال تعالى: { ألم نجعل الأرض كفاتا * أحياء وأمواتا } [المرسلات/25 - 26] أي: تجمع الناس أحياءهم وأمواتهم، وقيل: معناه تضم الأحياء التي هي الإنسان والحيوانات والنبات، والأموات التي هي الجمادات من الأرض والماء غير ذلك. والكفات، قيل: هو الطيران السريع، وحقيقته: قبض الجناح للطيران، كما قال: { أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن } [الملك/19] فالقبض ههنا كالكفات هناك. والكفت: السوق الشديد، واستعمال الكفت في سوق الإبل كاستعمال القبض فيهن كقولهم: قبض الراعي الإبل، وراعي قبضة، وكفت الله فلانا إلى نفسه، كقولهم: قبضه، وفي الحديث: (اكفتوا صبيانكم بالليل) (عن جابر رفعه قال: (خمروا الآنية، وأوكوا الأسقية، وأجيفوا الأبواب، واكفتوا صبيانكم عند المساء؛ فإن للجن انتشارا وخطفة) أخرجه البخاري في الأشربة 10/88، والاستئذان؛ وانظر: شرح السنة 11/391).
كفر
- الكفر في اللغة: ستر الشيء، ووصف الليل بالكافر لستره الأشخاص، والزارع لستره البذر في الأرض، وليس ذلك باسم لهما كما قال بعض أهل اللغة لما سمع:
- 387 - ألقت ذكاء يمينها في كافر
(هذا عجز بيت لثعلبة بن صعير المازني، وشطره:
فتذكرت ثقلا رئيدا بعد ما
وهو من مفضليته التي مطلعها:
هل عند عمرة من بتات مسافر * ذي حاجة متروح أو باكر
والبيت في المفضليات ص 130؛ واللسان (كفر) ؛ والأفعال 2/174)
والكافور: اسم أكمام الثمرة التي تكفرها، قال الشاعر:
- 388 - كالكرم إذ نادى من الكافور
(الرجز للعجاج، وهو في اللسان (كفر) ؛ وتهذيب اللغة 10/201)(3/338)
وكفر النعمة وكفرانها: سترها بترك أداء شكرها، قال تعالى: { فلا كفران لسعيه } [الأنبياء/94]. وأعظم الكفر: جحود الوحدانية أو الشريعة أو النبوة، والكفران في جحود النعمة أكثر استعمالا، والكفر في الدين أكثر، والكفور فيهما جميعا قال: { فأبى الظالمون إلا كفورا } [الإسراء/99]، { فأبى أكثر الناس إلا كفورا } [الفرقان/50] ويقال منهما: كفر فهو كافر. قال في الكفران: { ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم } [النمل/40]، وقال: { واشكروا لي ولا تكفرون } [البقرة/ 152]، وقوله: { وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين } [الشعراء/19] أي: تحريت: كفران نعمتي، وقال: { لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد } [إبراهيم/7] ولما كان الكفران يقتضي جحود النعمة صار يستعمل في الجحود، قال: { ولا تكونوا أو كافر به } [البقرة/41] أي: جاحد له وساتر، والكافر على الإطلاق متعارف فيمن يجحد الوحدانية، أو النبوة أو الشريعة، أو ثلاثتها، وقد يقال: كفر لمن أخل بالشريعة، وترك ما لزمه من شكر الله عليه.
قال: { من كفر فعليه كفره } [الروم/44] يدل على ذلك مقابلته بقوله: { ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون } [الروم/44]، وقال: { وأكثرهم الكافرون } [النحل/83]، وقوله: { ولا تكونوا أول كافر به } [البقرة/41] أي: لا تكونوا أئمة في الكفر فيقتدى بكم، وقوله: { ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون } [النور/55] عني بالكافر الساتر للحق، فلذلك جعله فاسقا، ومعلوم أن الكفر المطلق هو أعم من الفسق، ومعناه: من جحد حق الله فقد فسق عن أمر ربه بظلمه.(3/339)
ولما جعل كل فعل محمود من الإيمان جعل كل فعل مذموم من الكفر، وقال في السحر: { وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر } [البقرة/102] وقوله: { الذين يأكلون الربا } ، إلى قوله: { كل كفار أثيم } [البقرة/275 - 276] (الآية: { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، ذلك بأنهم قالوا: إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا، فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف، وأمره إلى الله، وأمره إلى الله، ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون * يمحق الله الربا ويربي الصدقات، والله لا يحب كل كفار أثيم } ) وقال: { ولله على الناس حج البيت } إلى قوله: { ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } [آل عمران/97] (الآية: { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) والكفور: المبالغ في كفران النعمة، وقوله: {إن الإنسان لكفور } [الزخرف/15]، وقال: { ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور } [سبأ/17] إن قيل: كيف وصف الإنسان ههنا بالكفور، ولم يرض بذلك حتى أدخل عليه إن، واللام، وكل ذلك تأكيد، وقال في موضع { وكره إليكم الكفر } [الحجرات/7]، فقوله: { إن الإنسان لكفور مبين } [الزخرف/15] تنبيه على ما ينطوي عليه الإنسان من كفران النعمة، وقلة ما يقوم بأداء الشكر، وعلى هذا قوله: { قتل الإنسان ما أكفره } [عبس/17] ولذلك قال: { وقليل من عبادي الشكور } [سبأ/13]، وقوله: { إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا } [الإنسان/3] تنبيه أنه عرفه الطريقين كما قال: { وهديناه النجدين } [البلد/10] فمن سالك سبيل الشكر، ومن سالك سبيل الكفر، وقوله: { وكان الشيطان لربه كفورا } [الإسراء/27] فمن الكفر، ونبه بقوله: { كان } أنه لم يزل منذ وجد منطويا على الكفر.(3/340)
والكفار أبلغ من الكفور لقوله: { كل كفار عنيد } [ق/24] وقال: { والله لا يحب كل كفار أثيم } [البقرة/276]، { إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار } [الزمر/ 3]، { إلا فاجرا كفارا } [نوح/27] قد أجري الكفار مجرى الكفور في قوله: { إن الإنسان لظلوم كفار } [إبراهيم/34].
والكفار في جمع الكافر المضاد للإيمان أكثر استعمالا كقوله: { أشداء على الكفار } [الفتح/29]، وقوله: { ليغيظ بهم الكفار } [الفتح/29]. والكفرة في جمع كافر النعمة أشد استعمالا، وفي قوله: { أولئك هم الكفرة الفجرة } [عبس/42] ألا ترى أنه وصف الكفرة بالفجرة؟ والفجرة قد يقال للفساق من المسلمين. وقوله: { جزاء لمن كان كفر } [القمر/14] أي: من الأنبياء ومن يجري مجراهم ممن بذلوا النصح في أمر الله فلم يقبل منهم. وقوله: { إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا } [النساء/137] قيل: عني بقوله إنهم آمنوا بموسى، ثم كفروا بمن بعده.
والنصارى آمنوا بعيسى، ثم كفروا بمن بعده. وقيل: آمنوا بموسى ثم كفروا بموسى إذ لم يؤمنوا بغيره، وقيل: هو ما قال: { وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي } إلى قوله: { واكفروا آخره } [آل عمران/72] ( { قالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون } ) ولم يرد أنهم آمنوا مرتين وكفروا مرتين، بل ذلك إشارة إلى أحوال كثيرة. وقيل: كما يصعد الإنسان في الفضائل في ثلاث درجات ينعكس في الرذائل في ثلاث درجات.
والآية إشارة إلى ذلك، وقد بينته في كتاب (الذريعة إلى مكارم الشريعة) (قال الراغب في كتاب (الذريعة) : وللإنسان مع كل فضيلة ورذيلة ثلاثة أحوال: إما أن يكون في ابتدائها، فيقال: هو عبدها وابنها، ولهذا قال بعضهم: من لم يخدم العلم لم يرعه. والثاني: أن يتوسطها فيقال: هو أخوها وصاحبها. والثالث: أن ينتهي فيها بقدر وسعه، ويتصرف فيها كما أراد، فيقال: هو ربها وسيدها.(3/341)
انظر: كتاب الذريعة إلى مكان الشريعة ص 44). ويقال: كفر فلان: إذا اعتقد الكفر، ويقال ذلك إذا أظهر الكفر وإن لم يعتقد، ولذلك قال: { من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقبله مطمئن بالإيمان } [النحل/106] ويقال: كفر فلان بالشيطان: إذا كفر بسببه، وقد يقال ذلك إذا آمن وخالف الشيطان، كقوله: { فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله } [البقرة/256] وأكفره إكفارا: حكم بكفره، وقد يعبر عن التبري بالكفر نحو: { ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض... } الآية [العنكبوت/25]، وقوله تعالى: { إني كفرت بما أشركتمون من قبل } [إبراهيم/22]، وقوله: { كمثل غيث أعجب الكفار نباته } [الحديد/20] قيل: عني بالكفار الزراع (وهذا قول ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن ص 454) ؛ لأنهم يغطون البذر في التراب ستر الكفار حق الله تعالى بدلالة قوله: { يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار } [الفتح/29] ولأن الكافر لا اختصاص له بذلك.(3/342)
وقيل: بل عنى الكفار، وخصهم بكونهم معجبين بالدنيا وزخارفها وراكنين إليها. والكفارة: ما يغطي الإثم، ومنه: كفارة اليمين نحو قوله: { ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم } [المائدة/89] وكذلك كفارة غيره من الآثام ككفارة القتل والظهار. قال: { فكفارته إطعام عشرة مساكين } [المائدة/89] والتكفير: ستره وتغطيته حتى يصير بمنزلة ما لم يعمل، ويصح أن يكون أصله إزالة الكفر والكفران، نحو: التمريض في كونه إزالة للمرض، وتقذية العين في إزالة القذى عنه، قال: { ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم } [المائدة/65]، { نكفر عنكم سيئاتكم } [النساء/31] وإلى هذا المعنى أشار بقوله: { إن الحسنات يذهبن السيئات } [هود/114] وقيل: صغار الحسنات لا تكفر كبار السيئات، وقال: { لأكفرن عنهم سيئاتهم } [آل عمران/ 195]، { لأكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا } [الزمر/35] ويقال: كفرت الشمس النجوم: سترتها، ويقال الكافر للسحاب الذي يغطي الشمس والليل، قال الشاعر:
- 389 - ألقت ذكاء يمينها في كافر
(تقدم قريبا ص 714؟؟)
وتكفر في السلاح. أي: تغطي فيه، والكافور: أكمام الثمرة. أي: التي تكفر الثمرة، قال الشاعر:
- 390 - كالكرم إذ نادى من الكافور
(الشطر تقدم قريبا ص 714)
والكافور الذي هو من الطيب. قال تعالى: { كان مزاجها كافورا } [الإنسان/5].
كفل(3/343)
- الكفالة: الضمان، تقول: تكلفت بكذا، وكفلته فلانا، وقرئ: { وكفلها زكريا } [آل عمران/37] (وهي قراءة عاصم وحمزة والكسائي وخلف. انظر: الإتحاف ص 173) أي: كفلها الله تعالى، ومن خفف (قرأ بالتخفيف نافع وابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب) جعل الفعل لزكريا، المعنى: تضمنها. قال تعالى: { وقد جعلتم الله عليكم كفيلا } [النحل/91]، والكفيل: الحظ الذي فيه الكفاية، كأنه تكفل بأمره. نحو قوله تعالى: { فقال أكفلنيها } [ص/23] أي: اجعلني كفلا لها، والكفل: الكفيل، قال: { يؤتكم كفلين من رحمته } [الحديد/28] أي: كفيلين من نعمته في الدنيا والآخرة، وهما المرغوب إلى الله تعالى فيهما بقوله: { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة } [البقرة/201] وقيل: لم يعن بقوله: (كفلين) أي: نعمتين اثنتين بل أراد النعمة المتوالية المتكفلة بكفايته، ويكون تثنيته على حد ما ذكرنا في قولهم: (لبيك وسعديك) (انظر: مادة (سعد)، وإما قوله: { من يشفع شفاعة حسنة } إلى قوله: { يكن له كفل منها } [النساء/85] فإن الكفل ههنا ليس بمعنى الأول، بل هو مستعار من الكفل (الكفل من الرجال: الذي يكون في مؤخر الحرب، إنما همته التأخر والفرار. انظر: تهذيب اللغة 10/253)، وهو الشيء الرديء، واشتقاقه من الكفل (لكن قال في اللسان: الكفل لا يشتق منه فعل ولا صفة)، وهو أن الكفل لما كان مركبا ينبو براكبه صار متعارفا في كل شدة، كالسيساء: وهو العظم الناتئ من ظهر الحمار، فيقال: لأحملنك على الكفل، وعلى السيساء (يقال: اركب لكل حال سيساءه، والسيساء: ظهرالحمار، ومعناه: اصبر على كل حال. راجع: مجمع الأمثال 1/301)، ولأركبنك الحسرى الرذايا (الرذايا: جمع الرذي، وهو الذي أثقله المرض، والرذي من الإبل: المهزول الهالك الذي لا يستطيع براحا ولا ينبعث. اللسان (رذى) )، قال الشاعر:
- 391 - وحملناهم على صعبة زو * راء يعلونها بغير وطاء
(البيت تقدم في مادة (عتب) )(3/344)
ومعنى الآية: من ينضم إلى غيره معينا له في فعلة حسنة يكون له منها نصيب، ومن ينضم إلى غيره معينا له في فعلة سيئة يناله منها شدة. وقيل: الكفل الكفيل. ونبه أن من تحرى شرا فله من فعله كفيل يسأله، كما قيل: من ظلم فقد أقام كفيلا بظلمه، تنبيها أنه لا يمكنه التخلص من عقوبته.
كفؤ
- الكفء: في المنزلة والقدر، ومنه: الكفاء لشقة تنصح (أي: تخاط. يقال: نصحت الثوب: إذا خطته. والنصاح: السلك يحاط به. انظر: اللسان (نصح) ) بالأخرى فيجلل بها مؤخر البيت. يقال: فلان كفء لفلان في المناكحة، أو في المحاربة، ونحو ذلك. قال تعالى: { ولم يكن به كفوا أحدا } [الإخلاص/4] ومنه: المكافأة. أي: المساواة والمقابلة في الفعل، وفلان كفؤ لك في المضادة، والإكفاء: قلب الشيء كأنه إزالة المساواة، ومنه: الإكفاء في الشعر (الإكفاء في الشعر: أن ترفع قافية وتخفض أخرى. انظر: المجمل 3/788)، ومكفأ الوجه، أي: كاسد اللون وكفيئه، ويقال لنتاج الإبل ليست تامة: كفأة (قال الصغاني: والكفأة والكفأة بالفتح والضم: نتاج الإبل سنة. العباب الزاخر (كفأ) )، وجعل فلان إبله كفأتين: إذا لقح كل سنة قطعة منها.
كفى
- الكفاية: ما فيه سد الخلة وبلوغ المراد في الأمر. قال تعالى: { وكفى الله المؤمنين القتال } [الأحزاب/25]، { إنا كفيناك المستهزئين } [الحجر/95]. وقوله: { وكفى بالله شهيدا } [النساء/79] قيل: معناه: كفى الله شهيدا، والباء زائدة. وقيل: معناه: اكتف بالله شهيدا (انظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/57؛ ومغني اللبيب ص 144)، والكفية من القوت: ما فيه كفاية، والجمع: كفى، ويقال: كافيك فلان من رجل، كقولك: حسبك من رجل.
كل
- لفظ كل هو لضم أجزاء الشيء، وذلك ضربان:
أحدهما: الضام لذات الشيء وأحواله المختصة به، ويفيد معنى التمام. نحو قوله تعالى: { ولا تبسطها كل البسط } [الإسراء/29]. أي: بسطا تاما، قال الشاعر:
- 392 - ليس الفتى كل الفتى * إلا الفتى في أدبه(3/345)
(البيت نسبه السمين في عمدة الحفاظ: كل، إلى لبيد، وليس في ديوانه وهو لليزيدي في الموشى ص 17)
أي: التام الفتوة.
والثاني: الضام للذوات، وذلك يضاف، تارة إلى جمع معرف بالألف واللام. نحو قولك: كل القوم، وتارة إلى ضمير ذلك. نحو: { فسجد الملائكة كلهم أجمعون } [الحجر/30]. وقوله: { ليظهره على الدين كله } [التوبة/33]. أو إلى نكرة مفردة نحو: { وكل إنسان ألزمناه } [الإسراء/13]، { وهو بكل شيء عليم } [البقرة/29] إلى غيرها من الآيات، وربما عري عن الإضافة، ويقدر ذلك فيه نحو: { وكل في فلك يسبحون } [يس/40]، { وكل أتوه داخرين } [النمل/ 87]، { وكلهم آتيه يوم القيامة فردا } [مريم/95]، { وكلا جعلنا صالحين } [الأنبياء/72]، { وكلا من الصابرين } [الأنبياء/85]، { وكلا ضربنا له الأمثال } [الفرقان/39] إلى غير ذلك في القرآن مما يكثر تعداده. ولم يرد في شيء من القرآن ولا في شيء من كلام الفصحاء الكل بالألف واللام، وإنما ذلك شيء يجري في كلام المتكلمين والفقهاء ومن نحا نحوهم (قال ابن منظور: وكل وبعض معرفتان، ولم يجئ عن العرب بالألف واللام، وهو جائز؛ لأن فيهما معنى الإضافة، أضفت أو لم تضف. اللسان (كلل) ). والكلالة: اسم لما عدا الولد والوالد من الورثة، وقال ابن عباس: هو اسم لمن عدا الولد (انظر: الدر المنثور 2/757)، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الكلالة فقال: (من مات وليس له ولد ولا والد) (أخرج عبد بن حميد وأبو داود في المراسيل ص 272 عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الكلالة؟ فقال: أما سمعت الآية التي أنزلت في الصيف { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة } فمن لم يترك ولد ولا والدا فورثته كلالة. وأخرجه الحاكم موصولا عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وقال: صحيح الإسناد على شرط مسلم، ولم يخرجاه. وفيه الحماني، وقال الذهبي: الحماني ضعيف. انظر: المستدرك 4/336؛ والدر(3/346)
المنثور 2/754) فجعله اسما للميت، وكلا القولين صحيح. فإن الكلالة مصدر يجمع الوارث والموروث جميعا، وتسميتها بذلك؛ إما لأن النسب كل عن اللحوق به، أو لأنه قد لحق به بالعرض من أحد طرفيه، وذلك لأن انتساب ضربان:
أحدهما: بالعمق كنسبة الأب والابن.
والثاني: بالعرض كنسبة الأخ والعم، قال قطرب: الكلالة: اسم لما عدا الأبوين والأخ، وليس بشيء، وقال بعضهم: هو اسم لكل وارث؛ كقول الشاعر:
- 393 - والمرء يبخل في الحقو * ق وللكلالة ما يسيم
(البيت ليزيد بن الحكم، وبعده:
ما بخل من هو للمنو * ن وريبها غرض رجيم
ويرى القرون أمامه * همدوا كما همد الهشيم
وهو في شرح الحماسة للتبريزي 3/106)
من أسام الإبل: إذا أخرجها للمرعى، ولم يقصد الشاعر ما ظنه هذا، وإنما خص الكلالة ليزهد الإنسان في جمع المال؛ لأن ترك المال لهم أشد من تركه للأولاد، وتنبيها أن من خلفت له المال فجار مجرى الكلالة، وذلك كقولك: ما تجمعه فهو للعدو: وتقول العرب: لم يرث فلان كذا كلالة: لمن تخصص بشيء قد كان لأبيه، قال الشاعر:
- 394 - ورثتم قناة الملك غير كلالة * عن ابني مناف عبد شمس هاشم
(البيت للفرزدق من قصيدة يمدح بها سليمان عبد الملك.
وهو في ديوانه ص 612؛ والمجمل 3/765؛ واللسان (كلل) )
والإكليل سمي بذلك لإطافته بالرأس، يقال: كل الرجل في مشيته كلالا، والسيف عن ضريبته كلولا، وكلة، واللسان عن الكلام كذلك، وأكل فلان: كلت راحلته، والكلكل: الصدر.
كلب(3/347)
- الكلب: الحيوان النباح، والأنثى كلبة، والجمع: أكلب وكلاب، وقد يقال للجمع كليب. قال تعالى: { كمثل الكلب } [الأعراف/176] قال: { وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد } [الكهف/18] وعنه اشتق الكلب للحرص، ومنه يقال: هو أحرص من كلب (انظر: الذريعة إلى مكارم الشريعة ص 29؛ والحيوان 1/226 و 271؛ والمستقصى 1/64)، ورجل كلب: شديد: الحرص، وكلب كلب. أي: مجنون يكلب بلحوم الناس فيأخذه شبه جنون، ومن عقره كلب. يأخذه داء، فيقال: رجل كلب، وقوم كلبى. قال الشاعر:
- 395 - دماؤهم من الكلب الشفاء
(هذا عجز بيت، وصدره:
بناة مكارم وأساة كلم
وقبله:
هم حلوا من الشرف المعلى * ومن حسب العشيرة حيث شاؤوا
وهو للقاسم بن حنبل المري في شرح الحماسة 4/96؛ والمعاني الكبير 1/243؛ والحيوان 2/5)
وقد يصيب الكلب البعير: ويقال: أكلب الرجل: أصاب إبله ذلك، وكلب الشتاء: اشتد برده وحدته تشبيها بالكلب الكلب، ودهر كلب، ويقال: أرض كلبة: إذا لم ترو فتيبس تشبيها بالرجل الكلب؛ لأنه لا يشرب فييبس. والكلاب والمكلب. الذي يعلم الكلب. قال تعالى: { وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن } [المائدة/4]. وأرض مكلبة: كثيرة الكلاب، والكلب: المسار في قائم السيف، والكلبة: سير يدخل تحت السير الذي تشد به المزادة فيخرز به، وذلك لتصوره بصورة الكلب في الاصطياد به، وقد كلبت الأديم: خرزته، بذلك، قال الشاعر:
- 396 - سير صناع في أديم تكلبه
(هذا عجز بيت، وشطره:
كأن غر متنه إذ نجبته
وهو لدكين الراجز، في اللسان (كلب) ؛ والمجمل 3/769؛ والاشتقاق ص 14؛ وجمهرة اللغة 3/506)
والكلب: نجم في السماء مشبه بالكلب لكونه تابعا لنجم يقال له: الراعي، والكلبتان: آلة مع الحدادين سميا بذلك تشبيها بكلبين في اصطيادهما، وثني اللفظ لكونهما اثنين، والكلوب: شيء يمسك به، وكلاليب البازي: مخالبة. اشتق من الكلب لإمساكه ما يعلق عليه إمساك الكلب.
كلف(3/348)
- الكلف: الإيلاع بالشيء. يقال: كلف فلان بكذا، وأكلفته به: جعلته كلفا، والكلف في الوجه سمي لتصور كلفة به، وتكلف الشيء: ما يفعله الإنسان بإظهار كلف مع مشقة تناله في تعاطيه، وصارت الكلفة في التعارف اسما للمشقة، والتكلف: اسم لما يفعل بمشقة، أو تصنع، أو تشبع، ولذلك صار التكلف على ضربين: محمود: وهو ما يتحراه الإنسان ليتوصل به إلى أن يصير الفعل الذي يتعاطاه سهلا عليه، ويصير كلفا به ومحبا له، وبهذا النظر يستعمل التكليف في تكلف العبادات.
الثاني: مذموم، وهو ما يتحراه الإنسان مراءاة، وإياه عني بقوله تعالى: { قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين } [ص/86] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا وأتقياء أمتي براء من التكلف) (الحديث ذكره الغزالي في الإحياء، وقال النووي: ليس بثابت. وقال العراقي: أخرجه الدارقطني في الأفراد من حديث الزبير بن العوام مرفوعا: (ألا إني بريء من التكلف وصالحو أمتي) وسنده ضعيف. انظر: إحياء علوم الدين 2/187؛ وتخريج أحاديث الإحياء 4/1560؛ وكشف الخفاء 1/205). وقوله: { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } [البقرة/286] أي: ما يعدونه مشقة فهو سعة من المآل. نحو قوله: { وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم } [الحج/78]، وقوله: { فعسى أن تكرهوا شيئا } الآية [النساء/19].
كلم
- الكلم: التأثير المدرك بإحدى الحاستين، فالكلام: مدرك بحاسة السمع، والكلم: بحاسة البصر، وكلمته: جرحته جراحة بان تأثيرها، ولاجتماعهما في ذلك قال الشاعر:
- 397 - والكلم الأصيل كأرغب الكلم * (هذا عجز بيت لطرفة بن العبد من أبيات له يهدد المسيب بن علس، والبيت بتمامه:
بحسام سيفك أو لسانك وال * كلم والأصيل كأرغب الكلم
وهو في ديوانه ص 87؛ والصناعتين ص 439؛ والمعاني الكبير 2/823)
الكلم الأول جمع كلمة، والثاني جراحات، والأرغب: الأوسع، وقال آخر:
- 398 - وجرح اللسان كجرح اليد * (هذا عجز بيت لامرئ القيس، وشطره:(3/349)
ولو عن نثا جاءني غيره
وهو في ديوانه ص 53؛ ومنثور الفوائد ص 23؛ والخصائص 1/7؛ والصناعتين ص 439)
فالكلام يقع على الألفاظ المنظومة، وعلى المعاني التي تحتها مجموعة، وعند النحويين يقع على الجزء منه، اسما كان، أو فعلا، أو أداة. وعند كثير من المتكلمين لا يقع إلى على الجملة المركبة المفيدة، وهو أخص من القول؛ فإن القول يقع عندهم على المفردات، والكلمة تقع عندهم على كل واحد من الأنواع الثلاثة، وقد قيل بخلاف ذلك (قال ابن هشام الأنصاري: تطلق الكلمة في الاصطلاح على القول المفرد، والقول هو اللفظ الدال على معنى.
انظر: شرح قطر الندى ص 11). قال تعالى: { كبرت كلمة تخرج من أفواههم } [الكهف/5]، وقوله: { فتلقى آدم من ربه كلمات } [البقرة/37] قيل: هي قوله: { ربنا ظلمنا أنفسنا } [الأعراف/23]. وقال الحسن: هي قوله: (ألم تخلقني بيدك؟ ألم تسكني جنتك؟ ألم تسجد لي ملائتك؟ ألم تسبق رحمتك غضبك؟ أرأيت إن تبت أكنت معيدي إلى الجنة؟ قال: نعم) (عن ابن عباس في الآية قال: أي رب ألم تخلقني بيدك؟ قال: بلى.
قال: أي رب ألم تنفخ في من روحك؟ قال: بلى. قال: أي رب، ألم تسبق إلي رحمتك قبل غضبك؟ قال: نعم. قال: أي رب، أرأيت إن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنة. قال: نعم. انظر: الدر المنثور 1/143). وقيل: هي الأمانة المعروضة على السموات والأرض والجبال في قوله: { إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال } الآية [الأحزاب/72]، وقوله: { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن } [البقرة/124] قيل: هي الأشياء التي امتحن الله إبراهيم بها من ذبح ولده، والختان وغيرهما (عن ابن عباس قال: ابتلاه الله بالطهارة: خمس في الرأس، وخمس في الجسد. في الرأس: قص الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الرأس. وفي الجسد: تقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل مكان الغائط والبول بالماء. انظر: الدر المنثور 1/273).(3/350)
وقوله لزكريا: { إن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله } [آل عمران/39] قيل: هي كلمة التوحيد. وقيل: كتاب الله. وقيل: يعني به عيسى، وتسمية عيسى بكلمة في هذه الآية، وفي قوله: { وكلمته ألقاها إلى مريم } [النساء/171] لكونه موجدا بكن المذكور في قوله: { إن مثل عيسى } [آل عمران/59] وقيل: لاهتداء الناس به كاهتدائهم بكلام الله تعالى، وقيل: سمي به لما خصه الله تعالى به في صغره حيث قال وهو في مهده: { إني عبد الله آتاني الكتاب } الآية [مريم/30]، وقيل: سمي كلمة الله تعالى من حيث إنه صار نبيا كما سمي النبي صلى الله عليه وسلم { ذكرا * رسولا } [الطلاق/10 - 11] (الآية: { قد أنزل الله إليكم ذكرا * رسولا يتلو } ).
وقوله: { وتمت كلمة ربك } الآية [الأنعام/115]. فالكلمة ههنا القضية، فكل قضية تسمى كلمة سواء كان ذلك مقالا أو فعالا، ووصفها بالصدق؛ لأنه يقال: قول صدق، وفعل صدق، وقوله: { وتمت كلمة ربك } [الأنعام/115] إشارة إلى نحو قوله: { اليوم أكملت لكم دينكم } الآية [المائدة/ 3]، ونبه بذلك أنه لا تنسخ الشريعة بعد هذا، وقيل: إشارة إلى ما قال عليه الصلاة والسلام: (أول ما خلق الله تعالى القلم فقال له: أجر بما هو كائن إلى يوم القيامة) (عن عبادة بن الصامت قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أول ما خلق الله تبارك وتعالى القلم، ثم قال له: اكتب. قال: وما أكتب؟ قال: فاكتب ما يكون وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة (أخرجه أحمد في المسند 5/317، وفي إسناده ابن لهيعة، والترمذي وقال: حسن غريب (انظر: عارضة الأحوذي 12/217)، والحاكم 2/454 برواية أخرى، وقال: صحيح الإسناد، وأقره الذهبي.(3/351)
قال ابن حجر في الفتاوى الحديثية: قد ورد - أي هذا الحديث - بل صح من طرق). وقيل: الكلمة هي القرآن، وتسميته بكلمة كتسميتهم القصيدة كلمة، فذكر أنها تتم وتبقى بحفظ الله تعالى إياها، فعبر عن ذلك بلفظ الماضي تنبيها أن ذلك في حكم الكائن، وإلى هذا المعنى من حفظ القرآن أشار بقوله: { فإن يكفر بها هؤلاء } الآية [الأنعام/89]، وقيل: عنى به ما وعد من الثواب والعقاب، وعلى ذلك قوله تعالى: { بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين } [الزمر/71]، وقوله: { وكذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا } الآية [يونس/33]، وقيل: عنى بالكلمات الآيات المعجزات التي اقترحوها، فنبه أن ما أرسل من الآيات تام وفيه بلاغ، وقوله: { لا مبدل لكلماته } [الأنعام/115] رد لقولهم: { أئت بقرآن غير هذا } الآية [يونس/15]، وقيل: أراد بكلمة ربك: أحكامه التي حكم بها وبين أنه شرع لعباده ما فيه بلاغ، وقوله: { وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا } [الأعراف/137] وهذه الكلمة فيما قيل هي قوله تعالى: { ونريد أن نمن على الذين } الآية [القصص/5]، وقوله: { ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما } [طه/129]، { ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم } [الشورى/14] فإشارة إلى ما سبق من حكمه الذي اقتضاه حكمته، وأنه لا تبديل لكلماته، وقوله تعالى: { ويحق الله الحق بكلماته } [يونس/82] أي: بحججه التي جعلها الله تعالى لكم عليكم سلطانا مبينا، أي: حجة قوية. وقوله: { يريدون أن يبدلوا كلام الله } [الفتح/15] هو إشارة إلى ما قال: { قل لن تخرجوا معي } الآية [التوبة/83]، وذلك أن الله تعالى جعل قول هؤلاء المنافقين: { ذرونا نتبعكم } [الفتح/15] (الآية: { ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله } ) تبديلا لكلام الله تعالى، فنبه أن هؤلاء لا يفعلون وكيف يفعلون - وقد علم الله تعالى منهم أن لا يتأتى ذلك منهم - ؟ وقد سبق بذلك حكمه. ومكالمة الله تعالى العبد(3/352)
على ضربين: أحدهما: في الدنيا.
والثاني: في الآخرة.
فما في الدنيا فعلى ما نبه عليه بقوله: { ما كان لبشر أن يكلمه الله } الآية [الشورى/51]، وما في الآخرة ثواب للمؤمنين وكرامة لهم تخفى علينا كيفيته، ونبه أنه يحرم ذلك على الكافرين بقوله: { إن الذين يشترون بعهد الله } [آل عمران/77]. وقوله: { يحرفون الكلم عن مواضعه } [النساء/46] جمع الكلمة، وقيل: إنهم كانوا يبدلون الألفاظ ويغيرونها، وقيل: إنه كان من جهة المعنى، وهو حمله علىغير ما قصد به واقتضاه، وهذا أمثل القولين؛ فإن اللفظ إذا تداولته الألسنة واشتهر يصعب تبديله، وقوله: { وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية } [البقرة/118] أي: لولا يكلمنا الله مواجهة، وذلك نحو قوله: { يسألك أهل الكتاب } إلى قوله: { أرنا الله جهرة } [النساء/153] (الآية: { يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا: أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم } ).
كلا
- كلا: ردع وزجر وإبطال لقول القائل، وذلك نقيض (إي) في الإثبات. قال تعالى: { أفرأيت الذي كفر } إلى قوله: { كلا } [مريم/77 - 79] (الآية: { أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال: لأوتين مالا وولدا * أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا * كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا } )، وقال تعالى: { لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا } [المؤمنون/100] إلى غير ذلك من الآيات، وقال: { كلا لما يقض ما أمره } [عبس/23].
كلأ(3/353)
- الكلأءة: حفظ الشيء وتبقيته، يقال: كلأك الله، وبلغ بك أكلأ العمر، واكتلأت بعيني كذا. قال: { قل من يكلؤكم } الآية [الأنبياء/43]. والمكلأ: موضع تحفظ فيه السفن، والكلاء: موضع بالبصرة، سمي بذلك لأنهم يكلأون سفنهم هنا:، وعبر عن النسيئة بالكالئ. وروي أنه عليه الصلاة والسلام: (نهى عن الكالئ بالكالئ) (الحديث عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى عن بيع الكالئ بالكالئ) أخرجه الحاكم 2/57، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه؛ والدارقطني 3/71؛ والبيهقي 5/290، وسنده ضعيف، فيه موسى بن عبيدة الربذي ضعيف.
قال البيهقي: وموسى هذا ابن عبيدة الربذي، وشيخنا أبو عبد الله - أي: الحاكم - قال في روايته: عن [استدراك] موسى بن عقبة، وهو خطأ، والعجب من الدارقطني شيخ عصره روى هذا الحديث في كتاب السنن فقال: عن موسى بن عقبة). والكلأ: العشب الذي يحفظ. ومكان مكلأ وكالئ: يكثر كلؤه.
كلا
(هذا الفصل نقله السيوطي في الإتقان 1/220)
- كلا في التثنية ك (كل) في الجمع، وهو مفرد اللفظ مثنى المعنى. عبر عنه بلفظ الواحد مرة اعتبارا بلفظه، وبلفظ الاثنين مرة اعتبارا بمعناه. قال: { إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما } [الإسراء/23] ويقال في المؤنث: كلتا. ومتى أضيف إلى اسم ظاهر بقي ألفه على حالته في النصب والجر والرفع، وإذا أضيف إلى مضمر قلبت في النصب والجر ياء، فيقال: رأيت كليهما، ومررت بكليهما، قال: { كلتا الجنتين آتت أكلها } [الكهف/33]. وتقول في الرفع: جاءني كلاهما.
كم(3/354)
- كم: عبارة عن العدد، ويستعمل في باب الاستفهام، وينصب بعده الاسم الذي يميز به نحو: كم رجلا ضربت؟ ويستعمل في باب الخبر، ويجر بعده الاسم الذي يميز به. نحو: كم رجل. ويقتضي معنى الكثرة، وقد يدخل (من) في الاسم الذي يميز بعده. نحو: { وكم من قرية أهلكناها } [الأعراف/4]، { وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة } [الأنبياء/11]، والكم: ما يغطي اليد من القميص، والكم (قال الجوهري: والكم بالكسر والكمامة، وعاء الطلع، وغطاء النور. وفي اللسان: وكم كل نور: وعاؤه. انظر: اللسان (كم) ؛ والصحاح (كم) ؛ والمجمل 3/766) : ما يغطي الثمرة، وجمعه: أكمام. قال: { والنخل ذات الأكمام } [الرحمن/11]. والكمة: ما يغطي الرأس كالقلنسوة.
كمل
- كمال الشيء: حصول ما فيه الغرض منه. فإذا قيل: كمل ذلك، فمعناه: حصل ما هو الغرض منه، وقوله تعالى: { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين } [البقرة/233] تنبيها أن ذلك غاية ما يتعلق به صلاح الولد. وقوله: { ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة } [النحل/25] تنبيها أنه يحصل لهم كمال العقوبة. وقوله: { تلك عشرة كاملة } [البقرة/196] قيل: إنما ذكر العشرة ووصفها بالكاملة لا ليعلمنا أن السبعة والثلاثة عشرة، بل ليبين أن بحصول صيام العشرة يحصل كمال الصوم القائم مقام الهدي، وقيل: إن وصفه العشرة بالكاملة استطراد في الكلام، وتنبيه على فضيلة له فيما بين علم العدد، وأن العشرة أول عقد ينتهي إليه العدد فيكمل، وما بعده يكون مكررا مما قبله. فالعشرة هي العدد الكامل.
كمه
- الأكمة: هو الذي يولد مطموس العين، وقد يقال لمن تذهب عينه، قال:
- 399 - كمهت عيناه حتى ابيضتا
(الشطر لسويد بن أبي كاهل، وعجزه:
فهو يلحى نفسه لما نزع
والبيت في مفضليته. انظر: المفضليات ص 20؛ والمجمل 3/770؛ وتهذيب اللغة 6/29؛ واللسان (كمه) ؛ وأضداد ابن الأنباري ص 374)
كن
- الكن: ما يحفظ فيه الشيء. يقال: كننت
&؟؟؟ يوجد نقص صفحة من الكتاب ص 727(3/355)
عمران/46] واكتهل النبات: إذا شارف اليبوسة مشارفة الكهل الشيب، قال:
- 400 - مؤزر بهشيم النبت مكتهل
(البيت يروى:
يضاحك الشمس منها كوكب شرق * مؤزر بعميم النبت مكتهل
وهو للأعشى في ديوانه ص 145؛ واللسان (شرق) )
كهن
- الكاهن: هو الذي يخبر بالأخبار الماضية الخفية بضرب من الظن، والعراف الذي يخبر بالأخبار المستقبلة على نحو ذلك، ولكون هاتين الصناعتين مبنيتين على الظن الذي يخطئ ويصيب قال عليه الصلاة والسلام: (من أتى عرافا أو كاهنا فصدقة بما قال فقد كفر بما أنزل على أبي القاسم) (الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى كاهنا أو عرافا فصدقة بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) أخرجه أحمد 2/429؛ وأبو داود في الطب برقم (3904) (انظر: معالم السنن 4/228) ؛ والحاكم 1/8، وقال: صحيح على شرطهما جميعا؛ والترمذي: باب النهي عن إتيان الحائض (انظر: عارضة الأحوذي 1/217)، وقال الحافظ العراقي في أماليه:حديث صحيح. وانظر: شرح السنة 12/181). ويقال: كهن فلان كهانة: إذا تعاطى ذلك، وكهن: إذا تخصص بذلك، وتكهن: تكلف ذلك (انظر: البصائر 4/398). قال تعالى: { ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون } [الحاقة/42].
كوب
- الكوب: قدح لا عروة له، وجمعه أكواب. قال: { بأكواب وأباريق وكأس من معين } [الواقعة/18]. والكوبة: الطبل الذي يلعب به.
كيد(3/356)
- الكيد: ضرب من الاحتيال، وقد يكون مذموما وممدوحا، وإن كان يستعمل في المذموم أكثر، وكذلك الاستدراج والمكر، ويكون بعض ذلك محمودا، قال: { كذلك كدنا ليوسف } [يوسف/76] وقوله: { وأملي لهم إن كيدي متين } [الأعراف/183] قال بعضهم: أراد بالكيد العذاب (يروى عن ابن عباس قوله: كيد الله العذاب والنقمة. الدر المنثور 3/618)، والصحيح: أنه هو الإملاء والإمهال المؤدي إلى العقاب كقوله: { إنما نملي لهم ليزدادوا إثما } [آل عمران/178]، { وأن الله لا يهدي كيد الخائنين } [يوسف/52] فخص الخائنين تنبيها أنه قد يهدي كيد من لم يقصد بكيده خيانة، ككيد يوسف بأخيه، وقوله: { لأكيدن أصنامكم } [الأنبياء/57] أي: لأريدن بها سوءا. وقال: { فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين } [الصافات/98] وقوله: { فإن كان لكم فكيدون } [المرسلات/39]، وقال: { كيد ساحر } [طه/69]، { فأجمعوا كيدكم } [طه/64] ويقال: فلان يكيد بنفسه، أي: يجود بها، وكاد الزند: إذا تباطأ بإخراج ناره.
ووضع (كاد) لمقاربة الفعل، يقال: كاد يفعل: إذا لم يكن قد فعل، وإذا كان معه حرف نفي يكون لما قد وقع، ويكون قريبا من أن لا يكون. نحو قوله تعالى: { لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا } [الإسراء/74]، { وإن كادوا } [الإسراء /73]، { تكاد السموات } [مريم/90]، { يكاد البرق } [البقرة/20]، { يكادون يسطون } [الحج/72]، { إن كدت لتردين } [الصافات/56] ولا فرق بين أن يكون حرف النفي متقدما عليه أو متأخرا عنه. نحو: { وما كادوا يفعلون } [البقرة/71]، { لا يكادون يفقهون } [النساء/78]. وقلما يستعمل في كاد أن إلا في ضرورة الشعر (وفي ذلك يقول ابن مالك في ألفيته:
وكونه بدون (أن) بعد عسى * نزر، وكاد الأمر فيه عكسا). قال:
- 401 - قد كاد من طول البلى أن يمصحا
(الرجز لرؤبة بن العجاج، وهو في اللسان (مصح) ؛ وديوانه ص 72؛ والمساعد 1/295)
أي: يمضي ويدرس.
كور(3/357)
- كور الشيء: إدارته وضم بعضه إلى بعض، ككور العمامة، وقوله تعالى: { يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل } [الزمر/5] فإشارة إلى جريان الشمس في مطالعها وانتقاص الليل والنهار وازديادهما. وطعنه فكوره: إذا ألقاه مجتمعا (عن الأصمعي: طعنه فكوره وجوره: إذا صرعه. وتهذيب اللغة 10/346)، واكتار الفرس: إذا أدار ذنبه في عدوه، وقيل لإبل كثيرة: كور، وكوارة النحل معروفة. والكور: الرحل، وقيل لكل مصر: كورة، وهي البقعة التي يجتمع فيها قرى ومحال.
كأس
- قال تعالى: { من كأس كان مزاجها كافورا } [الإنسان/5]، { كأسا كان مزاجها زنجبيلا } [الإنسان/17] والكأس: الإناء بما فيه من الشراب، وسمي كل واحد منهما بانفراده كأسا. يقال: شربت كأسا، وكأس طيبة يعني بها الشراب. قال تعالى: { وكأس من معين } [الواقعة/18]. وكاست الناقة تكوس (انظر: تهذيب اللغة 10/312؛ والمجمل 3/774) : إذا مشت على ثلاثة قوائم، والكيس: جودة القريحة، وأكأس الرجل وأكيس: إذا ولد أولادا أكياسا، وسمي الغدر كيسان تصورا أنه ضرب من استعمال الكيس، أو لأن كيسان كان رجلا عرف بالغدر، ثم سمي كل غادر به (في اللسان: كيسان: اسم للغدر، وقال ابن الأعرابي: الغدر يكنى أبا كيسان، وقال كراع: هي طائية. قال: وكل هذا من الكيس. اللسان (كيس) )، كما أن الهالكي كان حدادا عرف بالحدادة ثم سمي كل حداد هالكيا (انظر: مادة (مسخ)، ومادة (هلك) ).
كيف(3/358)
- كيف: لفظ يسأل به عما يصح أن يقال فيه: شبيه وغير شبيه، كالأبيض والأسود، والصحيح والسقيم، ولهذا لا يصح أن يقال في الله عز وجل: كيف، وقد يعبر بكيف عن المسئول عنه كالأسود والأبيض، فإنا نسميه كيف، وكل ما أخبر الله تعالى بلفظه كيف عن نفسه فهو استخبار على طريق التنبيه للمخاطب، أو توبيخا نحو: { كيف تكفرون بالله } [البقرة/28]، { كيف يهدي الله } [آل عمران/86]، { كيف يكون للمشركين عهد } [التوبة/7]، { انظر كيف ضربوا لك الأمثال } [الإسراء/48]، { فانظروا كيف بدأ الخلق } [العنكبوت/20]، { أو لم يرو كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده } [العنكبوت/ 19].
كيل
- الكيل: كيل الطعام. يقال: كلت له الطعام: إذا توليت ذلك له، وكلته الطعام: إذا أعطيته كيلا، واكتلت عليه: أخذت منه كيلا. قال الله تعالى: { ويل للمطففين * الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون * وإذا كالوهم } [المطففين/1 - 3] وذلك إن كان مخصوصا بالكيل فحث على تحري العدل في كل ما وقع فيه أخذ ودفع. وقوله: { فأوف لنا الكيل } [يوسف/88]، { فأرسل معنا أخانا نكتل } [يوسف/63]، { كيل بعير } [يوسف/65] مقدار حمل بعير.
كان(3/359)
- كان (وقد نقل أكثر هذا الباب ابن حجر في فتح الباري 13/410 في توحيد) : عبارة عما مضى من الزمان، وفي كثير من وصف الله تعالى تنبئ عن معنى الأزلية، قال: { وكان الله بكل شيء عليما } [الأحزاب/40]، { وكان الله على كل شيء قديرا } [الأحزاب/27] وما استعمل منه في جنس الشيء متعلقا بوصف له هو موجود فيه فتنبيه على أن ذلك الوصف لازم له، قليل الانفكاك منه. نحو قوله في الإنسان: { وكان الإنسان كفورا } [الإسراء /67]، { وكان الإنسان قتورا } [الإسراء/100]، { وكان الإنسان أكثر شيء جدلا } [الكهف/54] فذلك تنبيه على أن ذلك الوصف لازم له قليل الانفكاك منه، وقوله في وصف الشيطان: { وكان الشيطان للإنسان خذولا } [الفرقان/ 29]، { وكان الشيطان لربه كفورا } [الإسراء/27]. وإذا استعمل في الزمان الماضي فقد يجوز أن يكون المستعمل فيه بقي على حالته كما تقدم ذكره آنفا، ويجوز أن يكون قد تغير نحو: كان فلان كذا ثم صار كذا. ولا فرق بين أن يكون الزمان المستعمل فيه كان قد تقدم تقدما كثيرا، نحو أن تقول: كان في أول ما أوجد الله تعالى، وبين أن يكون في زمان قد تقدم بآن واحد عن الوقت الذي استعملت فيه كان، نحو أن تقول: كان آدم كذا، وبين أن يقال: كان زيد ههنا، ويكون بينك وبين ذلك الزمان أدنى وقت، ولهذا صح أن يقال: { كيف نكلم من كان في المهد صبيا } [مريم/29] فأشار بكان أن عيسى وحالته التي شاهده عليها قبيل. وليس قول من قال: هذا إشارة إلى الحال بشيء؛ لأن ذلك إشارة إلى ما تقدم، لكن إلى زمان يقرب من زمان قولهم هذا. وقوله: { كنتم خير أمة } [آل عمران/110] فقد قيل: معنى كنتم معنى الحال (قال القرطبي: وقيل: (كان) زائدة، والمعنى: أنتم خير أمة. وأنشد سيبويه:
وجيران لنا كانوا كرام
ومثله قوله تعالى: { كيف نكلم من كان في المهد صبيا } ، وقوله: { واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم } .(3/360)
انظر: تفسير القرطبي 4/170 - 171)، وليس ذلك بشيء بل إنما ذلك إشارة إلى أنكم كنتم كذلك في تقدير الله تعالى وحكمه، وقوله: { وإن كان ذو عسرة } [البقرة/280] فقد قيل: معناه: حصل ووقع، والكون يستعمله بعض الناس في استحالة جوهر إلى ما هو دونه، وكثير من المتكلمين يستعملونه في معنى الإبداع. وكينونة عند بعض النحويين فعلولة، وأصله: كونونة، وكرهوا الضمة والواو فقلبوا، وعند سيبويه (الكتاب 4/365) كيونونة على وزن فيعلولة، ثم أدغم فصار كينونة، ثم حذف فصار كينونة، كقولهم في ميت: ميت. وأصل ميت: ميوت، ولم يقولوا كينونة على الأصل، كما قالوا: ميت؛ لثقل لفظها. و (المكان) قيل أصله من: كان يكون، فلما كثر في كلامهم توهمت الميم أصلية فقيل: تمكن كما قيل في المسكين: تمسكن، واستكان فلان: تضرع وكأنه سكن وترك الدعة لضراعته. قال تعالى: { فما استكانوا لربهم } [المؤمنون/76].
كوى
- كويت الدابة بالنار كيا. قال: { فتكوى بها جباههم وجنوبهم } [التوبة/35]. و:
كي
- علة لفعل الشيء، و (كيلا) لانتفائه، نحو: { كيلا يكون دولة } [الحشر/7].
كاف
- الكاف: للتشبيه والتمثيل، قال تعالى: { مثلهم كمثل صفوان عليه تراب } [البقرة/264] معناه: وصفهم كوصفه (سأل مقاتل صاحب التفسير أبا عمرو بن العلاء عن قول الله تعالى: { مثل الجنة التي وعد المتقون } ما مثلها؟ قال: فيها أنهار من ماء غير آسن. قال: ما مثلها؟ فسكت أبو عمرو. قال: فسألت يونس عنها، فقال: مثلها: صفتها. تهذيب اللغة 15/95)، وقوله { كالذي ينفق ماله } الآية:البقرة { 264 } . فإن ذلك ليس بتشبيه، وإنما هو تمثيل كما يقول النحويون مثلا: فالاسم كقولك: زيد، أي: مثاله قولك: زيد، والتمثيل أكثر من التشبيه؛ لأن كل تمثيل تشبيه، وليس كل تشبيه تمثيلا.
كتاب اللام
لب(3/361)
- اللب: العقل الخالص من الشوائب، وسمي بذلك لكونه خالص ما في الإنسان من معانيه، كاللباب واللب من الشيء، وقيل: هو ما زكى من العقل، فكل لب عقل وليس كل عقل لبا. ولهذا علق الله تعالى الأحكام التي لا يدركها إلا العقول الزكية بأولي الألباب نحو قوله: { ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا } إلى قوله: { أولوا الألباب } [البقرة/269] ونحو ذلك من الآيات، ولب فلان يلب: صار ذا لب (انظر: المجمل 3/791؛ والأفعال 2/418). وقالت امرأة في ابنها: اضربه كي يلب، ويقود الجيش ذا اللجب (قيل لصفية بنت عبد المطلب وضربت الزبير: لم تضربيه؟ فقالت: ليلب، ويقود الجيش ذا اللجب. انظر: اللسان (لبب) ؛ والأفعال 2/419؛ والجمهرة 1/38؛ وشرح أدب الكاتب ص 81). ورجل ألبب: من قوم ألباء، وملبوب: معروف باللب، وألب بالمكان: أقام. وأصله في البعير، وهو أن يلقي لبته فيه، أي: صدره، وتلبب: إذا تحزم، وأصله أن يشد لبته، ولببته: ضربت لبته، وسمي اللبة لكونه موضع اللب، وفلان في لبب رخي، أي: في سعة. وقولهم: (لبيك) (هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم، فعن عبد الله بن عمر أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك له) أخرجه مالك في الموطأ 1/331؛ والبخاري في الحج 3/408؛ ومسلم في الحج برقم (1184) ) قيل: أصله من: لب بالمكان وألب: أقام به، وثني لأنه أراد إجابة بعد إجابة، وقيل: أصله لبب فأبدل من أحد الباآت ياء. نحو: تظنيت، وأصله تظننت، وقيل: هو من قولهم: امرأة لبة. أي: محبة لولدها، وقيل: معناه: إخلاص لك بعد إخلاص. من قولهم: لب الطعام، أي: خالصة، ومنه: حسب لباب.
لبث(3/362)
- لبث بالمكان: أقام به ملازما له. قال تعالى: { فلبث فيهم ألف سنة } [العنكبوت/14]، { فلبثت سنين في أهل مدين } [طه/40]، قال: { كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم } [الكهف/19]، { لم يلبثوا إلا عشية } [النازعات/46]، { لم يلبثوا إلا ساعة من نهار } [الأحقاف/35]، { ما لبثوا في العذاب المهين } [سبأ/14].
لبدا
- قال تعالى: { يكونون عليه لبدا } [الجن/19] أي: مجتمعة، الواحدة: لبدة، كاللبد المتلبد، أي المجتمع، وقيل: معناه: كانوا يسقطون عليه سقوط اللبد، وقرئ { لبدا } (وبها قرأ هشام عن ابن عامر الدمشقي. انظر: الإتحاف ص 425) أي: متلبدا ملتصقا بعضها ببعض للتزاحم عليه، وجمع اللبلد: ألباد ولبود. وقد ألبدت السرج: جعلت له لبدا، وألبدت الفرس: ألقيت عليه اللبد. نحو: أسرجته، وألجمته، وألببته، واللبدة: القطعة منها. وقيل: هو أمنع من لبدة الأسد (انظر: المجمل 3/801). أي: من صدره، ولبد الشعر، وألبد بالمكان: لزمه لزوم لبده، ولبدت الإبل لبدا: أكثرت من الكلإ حتى أتبعها. وقوله: { مالا لبدا } [البلد/6] (أساس البلاغة (لبد) ) أي: كثيرا متلبدا، وقيل: ما له سبد ولا لبد (السبد: الوبر. أي: ماله ذو وبر ولا صوف متلبد، ويكنى بهما عن الإبل والغنم. وقال الأصمعي: أي: ماله قليل ولا كثير. انظر اللسان (سبد) ؛ وأساس البلاغة (لبد) ؛ والمشوف المعلم 1/381؛ والأمثال ص 388) ولبد: طائر من شأنه أن يلصق بالأرض، وآخر نسور لقمان كان يقال له لبد (تزعم العرب أن لقمان هو الذي بعثته عاد في وفدها إلى الحرم يستسقي لها، فلما أهلكوا خير لقمان بين بقاء سبع بعرات سمر، من أظب عفر، في جبل وعر، لا يمسها القطر، أو بقاء سبعة أنسر، كلما أهلك نسر خلف بعده نسر، فاختار النسور، فكان آخر نسوره يسمى لبدا، وقد ذكره النابغة فقال:
أضحت خلاء وأضحى أهلها احتملوا * أخنى عليها الذي أخنى على لبد)،(3/363)
وألبد البعير: صار ذا لبد من الثلط (ثلط البعير: إذا ألقى بعره رقيقا. انظر: اللسان (لبد) ) وقد يكنى بذلك عن حسنه لدلالة ذلك منه على خصبه وسمنه، وألبدت القربة: جعلتها في لبيد أي: في جوالق صغير.
لبس
- لبس الثوب: استتر به، وألبسه غيره، ومنه: { يلبسون ثيابا خضرا } [الكهف/31] واللباس واللبوس واللبس ما يلبس. قال تعالى: { قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم } [الأعراف/26] وجعل اللباس لكل ما يغطي من الإنسان عن قبيح، فجعل الزوج لزوجه لباسا من حيث إنه يمنعها ويصدها عن تعاطي قبيح. قال تعالى: { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } [البقرة/187] فسماهن لباسا كما سماها الشاعر إزارا في قوله:
- 402 - فدى لك من أخي ثقة إزاري
(الشطر تقدم في مادة (أزر) )
وجعل التقوى لباسا على طريق التمثيل والتشبيه، قال تعالى: { ولباس التقوى ذلك خير } [الأعراف/26] وقوله: { صنعة لبوس لكم } [الأنبياء/80] يعني به: الدرع، وقوله: { فأذاقها الله لباس الجوع والخوف } [النحل/112]، وجعل الجوع والخوف لباسا على التجسيم والتشبيه تصويرا له، وذلك بحسب ما يقولون: تدرع فلان الفقر، ولبس الجوع، ونحو ذلك. قال الشاعر:
- 403 - كسوتهم من حبر بز متحم
(هذا عجز بيت لأوس بن حجر، وصدره:
وإن هز أقوام إلي وحددوا
وهو في قصيدة مطلعها:
تنكرت منا بعد معرفة لمي * وبعد التصابي والشباب المكرم
والبيت في ديوانه ص 123؛ والمعاني الكبير 1/484؛ والشعر والشعراء ص 114)(3/364)
نوع من برود اليمن يعني به شعرا. وقرأ بعضهم (قرأ: { لباس } بالنصب نافع وابن عامر والكسائي وأبو جعفر. الإتحاف ص 223) : { ولباس التقوى } من اللبس. أي: الستر. وأصل اللبس: ستر الشيء، ويقال ذلك في المعاني، يقال: لبست عليه أمره. قال: { وللبسنا عليهم ما يلبسون } [الأنعام/9] وقال: { ولا تلبسوا الحق بالباطل } [البقرة/42]، { لم تلبسون الحق بالباطل } [آل عمران/71]، { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } [الأنعام/82] ويقال: في الأمر لبسة أي: التباس، ولا بست الأمر: إذا زاولته، ولابست فلانا: خالطته، وفي فلان ملبس. أي: مستمتع، قال الشاعر:
- 404 - وبعد المشيب طول عمر وملبسا * (هذا عجز بيت لامرئ القيس، وشطره:
ألا إن بعد العدم للمرء قنوة
وهو في ديوانه ص 87؛ والمجمل 3/801)
لبن
- اللبن جمعه: ألبان. قال تعالى: { وأنهار من لبن لم يتغير طعمه } [محمد/ 15]، وقال: { من بين فرث ودم لبنا خالصا } [النحل/66]، ولابن: كثر عنده لبن، ولبنته: سقيته إياه، وفرس ملبون، وألبن فلان: كثر لبنه، فهو ملبن. وألبنت الناقة فهي ملبن: إذا كثر لبنها؛ إما خلقة؛ وإما أن يترك في ضرعها حتى يكثر، والملبن: ما يجعل فيه اللبن، وأخوه بلبان أمه، قيل: ولا يقال: بلبن أمه (قال العكبري: وهو أخوه بلبان أمه، لا بلبن أمه؛ لأن اللبن ما يحتلب من البهائم. قال الأعشى:
رضيعي لبان ثدي أم تقاسما * بأسحم داج عوض لا نتفرق
وقال أبو الأسود الدؤلي:
فإلا يكنها أو تكنه فإنه * أخوها غذته أمه بلبانها
انظر: المشوف المعلم 2/692). أي: لم يسمع ذلك من العرب، وكم لبن غنمك (قال التبريزي: وكم لبن غنمك، ولبن غنمك؟ أي: كم لبون غنمك؟(3/365)
الكسائي: إنما سمع: كم لبن غنمك، كما تقول: كم رسل غنمك، أي: كم فيها مما يحلب؟ انظر: تهذيب إصلاح المنطق 1/124) أي: ذوات الدر منها. واللبان: الصدر، واللبانة أصلها الحاجة إلى اللبن، ثم استعمل في كل حاجة، وأما اللبن الذي يبنى به فليس من ذلك في شيء، الواحدة: لبنة، يقال: لبنه يلبنه (انظر: اللسان (لبن) )، واللبان: ضاربه.
لج
- اللجاج: التمادي والعناد في تعاطي الفعل المزجور عنه، وقد لج في الأمر يلج لجاجا، قال تعالى: { ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في كغيانهم يعمهون } [المؤمنون/75]، { بل لجوا في عتو ونفور } [الملك/21] ومنه: لجة الصوت بفتح اللام. أي: تردده، ولجة البحر بالضم: تردد أمواجه، ولجة الليل: تردد ظلامه، ويقال في كل واحد لج والتج. قال: { في بحر لجي } [النور/40] منسوب إلى لجة البحر، وما روي: (وضع اللج على قفي) (هذا مروي عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، وذلك حين قام إليه رجل بالبصرة فقال: إنا أناس بهذه الأمصار، وإنه أتانا قتل أمير وتأمير آخر، وأتتنا بيعتك، فأنشدك الله لا تكن أول من غدر، فقال طلحة: أنصتوني، ثم قال: إني أخذت فأدخلت في الحش، وقربوا فوضعوا اللج على قفي، فقالوا: لتبايعن أو لنقتلنك، فبايعت وأنا مكره.
قوله: اللج. قال الأصمعي: يعني السيف. قال: ونرى أن اللج اسم سمي به السيف كما قالوا: الصمصامة، وذو الفقار ونحوه. انظر: غريب الحديث لأبي عبيد 4/10؛ والنهاية 4/234؛ واللسان (لج) )، أصله: قفاي، فقلب الألف ياء، وهو لغة فعبارة عن السيف المتموج ماؤه، واللجلجة: التردد في الكلام وفي ابتلاع الطعام، قال الشاعر:
- 405 - يلجلج مضغة فيها أنيض
(الشطر لزهير، وعجزه:
أصلت فهي تحت الكشح داء
وهو في ديوانه ص 14؛ واللسان (لجج) )
أي: غير منضج، ورجل لجلج ولجلاج: في كلامه تردد، وقيل: الحق أبلج والباطل لجلج. أي: لا يستقيم في قول قائله، وفي فعل فاعله بل يتردد فيه.
لحد(3/366)
- اللحد: حفرة مائلة عن الوسط، وقد لحد القبر: حفره، كذلك وألحده، وقد لحدت الميت وألحدته: جعلته في اللحد، ويسمى اللحد ملحدا، وذلك اسم موضع من: ألحدته، ولحد بلسانه إلى كذا: مال. قال تعالى: { لسان الذي يلحدون إليه } [النحل/103] (وهي قراءة حمزة والكسائي وخلف. انظر: الإتحاف ص 280) من: لحد، وقرئ: { يلحدون } (وهي قراءة الباقي) من: ألحد، وألحد فلان: مال عن الحق، والإلحاد ضربان: إلحاد إلى الشرك بالله، وإلحاد إلى الشرك بالأسباب.
فالأول ينافي الإيمان ويبطله.
والثاني: يوهن عراه ولا يبطله. ومن هذا النحو قوله: { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم } [الحج/25]، وقوله: { وذروا الذين يلحدون في أسمائه } [الأعراف/180]، والإلحاد في أسمائه على وجهين:
أحدهما أن يوصف بما لا يصح وصفه به.
والثاني: أن يتأول أوصافه على ما لا يليق به، والتحد إلى كذا: مال إليه. قال تعالى: { ولن تجد من دونه ملتحدا } [الكهف/27] أي: التجاء، أو موضع التجاء. وألحد السهم الهدف: مال في أحد جانبيه.
لحف
- قال تعالى: { لا يسألون الناس إلحافا } [البقرة/273]، أي: إلحاحا، ومنه استعير: ألحف شاربه: إذا بالغ في تناوله وجزه. وأصله من اللحاف، وهو ما يتغطى به، يقال: ألحفته فالتحف.
لحق
- لحقته ولحقت به: أدركته. قال تعالى: { بالدين لم يلحقوا بهم من خلفهم } [آل عمران/170]، { وآخرين منهم لما يلحقوا بهم } [الجمعة/3] ويقال: ألحقت كذا. قال بعضهم: يقال ألحقه بمعنى لحقه (وهذا قول ابن فارس. ذكره في مجمل اللغة 3/804)، وعلى هذا قوله: (إن عذابك بالكفار ملحق) (وهذا من دعاء القنوت. انظر: النهاية 4/238؛ وراجع صفحة 244.
قال ابن الأثير: الرواية بكسر الحاء، أي: من نزل به عذابك ألحقه بالكفار. ويروى بفتح الحاء) وقيل: هو من: ألحقت به كذا، فنسب الفعل إلى العذاب تعظيما له، وكني عن الدعي بالملحق.
لحم(3/367)
- اللحم جمعه: لحام، ولحوم، ولحمان. قال: { ولحم الخنزير } [البقرة/173]. ولحم الرجل: كثر عليه اللحم فضخم، فهو لحيم، ولاحم وشاحم: صار ذا لحم وشحم. نحو: لابن وتامر، ولحم: ضري باللحم، ومنه: باز لحم، وذئب لحم. أي: كثير أكل اللحم. وبيت لحم: أي: فيه لحم، وفي الحديث: (إن الله يبغض قوما لحمين) (انظر: الفائق 3/311؛ والنهاية 4/339؛ وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن كعب الأحبار. الدر المنثور 3/315.
وعن سفيان الثوري أنه سئل عن اللحمين؛ أهم الذين يكثرون أكل اللحم؟ فقال: هم الذين يكثرون أكل لحوم الناس). وألحمه: أطعمه اللحم، وبه شبه المرزوق من الصيد، فقيل: ملحم، وقد يوصف المرزوق من غيره به، وبه شبه ثوب ملحم: إذا تداخل سداه (السدى: خلاف لحمة الثوب، وقيل: أسفله، وقيل: ما مد منه. واحدته: سداة. انظر: اللسان (سدى) ؛ وتهذيب اللغة 12/39)، ويسمى ذلك الغزل لحمة تشبيها بلحمة البازي، ومنه قيل: (الولاء لحمة كلحمة النسب) (الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الولاء لحمة كلحمة النسب، لاتباع ولا توهب) أخرجه الحاكم في المستدرك 4/341؛ وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وأقره الذهبي. وأخرجه البيهقي 10/294، والشافعي في الأم 4/77؛ والدرامي في الفرائض 2/398 ولم يرفعه؛ والطبراني في الأوسط 2/189. وقال ابن حجر: والمحفوظ في هذا ما أخرجه عبد الرزاق عن الثوري موقوفا عليه: الولاء لحمة كلحمة النسب. انظر: فتح الباري 12/44؛ ومجمع الزوائد 4/234؛ ومصنف عبد الرزاق 9/4). وشجة متلاحمة: اكتست اللحم، ولحمت اللحم عن العظم: قشرته، ولحمت الشيء، وألحمته، ولاحمت بين الشيئين: لأمتهما تشبيها بالجسم إذا صار بين عظامه لحم يلحم به، واللحام: ما يلحم به الإناء، وألحمت فلانا: قتلته وجعلته لحما للسباع، وألحمت الطائر: أطعمته اللحم، وألحمتك فلانا: أمكنتك من شتمه وثلبه، وذلك كتسمية الاغتياب والوقيعة بأكل(3/368)
اللحم. نحو قوله تعالى: { أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا } [الحجرات/12]، وفلان لحيم فعيل كأنه جعل لحما للسباع، والملحمة: المعركة، والجمع الملاحم.
لحن
- اللحن: صرف الكلام عن سننه الجاري عليه؛ إما بإزالة الإعراب؛ أو التصحيف، وهو المذموم، وذلك أكثر استعمالا؛ وإما بإزالته عن التصريح وصرفه بمعناه إلى تعريض وفحوى، وهو محمود عند أكثر الأدباء من حيث البلاغة، وإياه قصد الشاعر بقوله:
- 406 - وخير الحديث ما كان لحنا
(هذا عجز بيت، وقبله:
وحديث ألذه هو مما * ينعت الناعتون يوزن وزنا
منطق صائب وتلحن أحيا * نا، وخير الحديث ما كان لحنا
والبيتان لمالك بن أسماء الفزاري. انظر: الملاحن لابن دريد ص 18؛ واللسان (لحن) ؛ ومعجم الأدباء 16/90)
وإياه قصد بقوله تعالى: { ولتعرفنهم في لحن القول } [محمد/30] ومنه قيل للفطن بما يقتضي فحوى الكلام: لحن، وفي الحديث: (لعل بعضكم ألحن بحجته من بعض) (الحديث عن أم سلمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار) متفق عليه. انظر: فتح الباري 13/172؛ ومسلم في الأقضية 3/1337) أي: ألسن وأفصح، وأبين كلاما وأقدر على الحجة.
لدد
- الألد: الخصيم الشديد التأبي، وجمعه: لد. قال تعالى: { وهو ألد الخصام } [البقرة/204]، وقال: { وتنذر به قوما لدا } [مريم/97]. وأصل الألد: الشديد اللدد، أي: صفحة العنق، وذلك إذا لم يمكن صرفه عما يريده، وفلان يتلدد، أي: يتلفت، واللدود ما سقي الإنسان من دواء في أحد شقي فمه، وقد التددت ذلك.
لدن(3/369)
- لدن أخص من (عند) ؛ لأنه يدل على ابتداء نهاية. نحو أقمت عنده من لدن طلوع الشمس إلى غروبها، فيوضع لدن موضع نهاية الفعل. وقد يوضع موضع (عند) فيما حكي. يقال: أصبت عنده مالا، ولدنه مالا. قال بعضهم: لدن أبلغ من عند وأخص (انظر مغني اللبيب ص 208). قال تعالى: { فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا } [الكهف/76]، { ربنا آتنا من لدنك رحمة } [الكهف/10]، { فهب لي من لدنك وليا } [مريم/5]، { واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا } [الإسراء/80]، { علمناه من لدنا علما } [الكهف/65]، { لينذر بأسا شديدا من لدنه } [الكهف/2]. ويقال من لدن، ولد، ولد، ولدى (انظر: اللسان (لدن) ). واللدن: اللين.
لدى
- لدى يقارب لدن. قال تعالى: { وألفيا سيدها لدى الباب } [يوسف/25]. * لزب
- اللازب: الثابت الشديد الثبوت. قال تعالى: { من طين لازب } [الصافات/ 11]، ويعبر باللازب عن الواجب، فيقال: ضربة لازب، واللزبة السنة الجدبة الشديدة، وجمعها: اللزبات.
لزم
- لزوم الشيء: طول مكثه، ومنه يقال: لزمه يلزمه لزوما، والإلزام ضربان: إلزام بالتسخير من الله تعالى، أو من الإنسان، وإلزام بالحكم والأمر. نحو قوله: { أنلزمكموها وأنتم لها كارهون } [هود/28]، وقوله: { وألزمهم كلمة التقوى } [الفتح/26]، وقوله: { فسوف يكون لزاما } [الفرقان/77] أي: لازما. وقوله: { ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى } [طه/129].
لسن(3/370)
- اللسان: الجارحة وقوتها، وقوله: { واحلل عقدة من لساني } [طه/27] يعني به من قوة لسانه؛ فإن العقدة لم تكن في الجارحة، وإنما كانت في قوته التي هي النطق به، ويقال: لكل قوم لسان ولسن بكسر اللام، أي: لغة. قال تعالى: { فإنما يسرناه بلسانك } [الدخان/58]، وقال: { بلسان عربي مبين } [الشعراء/195]، { واختلاف ألسنتكم وألوانكم } [الروم/22] فاختلاف الألسنة إشارة إلى اختلاف اللغات، وإلى اختلاف النغمات، فإن لكل إنسان نغمة مخصوصة يميزها السمع، كما أن له صورة مخصوصة يميزها البصر.
لطف
- اللطيف إذا وصف به الجسم فضد الجثل، وهو الثقيل، يقال: شعر جثل (الجثل والجثيل من الشجر والثياب والشعر: الكثير الملتف، وقيل: هو من الشعر ما غلظ وقصر. وقيل: ما كثف واسود. انظر: اللسان (جثل) ؛ وتهذيب اللغة 11/20)، أي: كثير، ويعبر باللطافة واللطف عن الحركة الخفيفة، وعن تعاطي الأمور الدقيقة، وقد يعبر باللطائف عما لا تدركه الحاسة، ويصح أن يكون وصف الله تعالى به على هذا الوجه، وأن يكون لمعرفته بدقائق الأمور، وأن يكون لرفقه بالعباد في هدايتهم. قال تعالى: { الله لطيف بعباده } [الشورى/19]، { إن ربي لطيف لما يشاء } [يوسف/100] أي: يحسن الاستخراج. تنبيها على ما أوصل إليه يوسف حيث ألقاه إخوته في الجب، وقد يعبر عن التحف المتوصل بها إلى المودة باللطف، ولهذا قال: (تهادوا تحابوا) (الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تهادوا تحابوا) أخرجه البخاري في الأدب المفرد برقم (594)، وسنده حسن كما قال الحافظ ابن حجر؛ وأخرجه ابن عدي في الكامل 4/1424). وقد ألطف فلان أخاه بكذا.
لظى
- اللظى: اللهب الخالص، وقد لظيت النار وتلظت. قال تعالى: { نارا تلظى } [الليل/14] أي: تتلظى، ولظى غير مصروفة: اسم لجهنم. قال تعالى: { إنها لظى } [المعارج/15].
لعب(3/371)
- أصل الكلمة اللعاب، وهو البزاق السائل، وقد لعب يلعب لعبا (قال أبو عثمان السرقسطي: ولعب لعبا، وألعب: سال لعابه. ويقال في الصغير: لعب، وفي الكبير: ألعب. انظر: الأفعال 2/413) : سال لعابه، ولعب فلان: إذا كان فعله غير قاصد به مقصدا صحيحا، يلعب لعبا. قال: { وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب } [العنكبوت/64]، { وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا } [الأنعام/70]، وقال: { أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون } [الأعراف/98]، { قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين } [الأنبياء/ 55]، { وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين } [الدخان/38]. واللعبة للمرة الواحدة، واللعبة: الحالة التي عليها اللاعب، ورجل تلعابة: ذو تلعب (قال أبو بكر ابن دريد: وكل ما جاء من هذا الباب - أي: باب تفعال - مما تدخله الهاء للمبالغة فهو معروف لا يتجاوز إلى غيره، نحو: تكلامة، وتلعابة، وتلقامة، وما أشبهه. انظر: الجمهرة 3/388)، واللعبة: ما يلعب به، والملعب: موضع اللعب، وقيل: لعاب النحل للعسل، ولعاب الشمس: ما يرى في الجو كنسج العنكبوت، وملاعب ظله (انظر: المجمل 3/809) : طائر كأنه يلعب بالظل.
لعن
- اللعن: الطرد والإبعاد على سبيل السخط، وذلك من الله تعالى في الآخرة عقوبة، وفي الدنيا انقطاع من قبول رحمته وتوفيقه، ومن الإنسان دعاء على غيره. قال تعالى: { ألا لعنة الله على الظالمين } [هود/18]، { والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين } [النور/7]، { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل } [المائدة/78]، { ويلعنهم اللاعنون } [البقرة/159]. واللعنة: الذي يلتعن كثيرا، واللعنة الذي يلعن كثيرا (راجع مادة (برم) )، والتعن فلان: لعن نفسه. والتلاعن والملاعنة: أن يلعن كل واحد منهما نفسه أو صاحبه.
لعل(3/372)
- لعل: طمع وإشفاق، وذكر بعض المفسرين أن (لعل) من الله واجب، وفسر في كثير من المواضع ب (كي)، وقالوا: إن الطمع والإشفاق لا يصح على الله تعالى، و (لعل) وإن كان طمعا فإن ذلك يقتضي في كلامهم تارة طمع المخاطب، وتارة طمع غيرهما. فقوله تعالى فيما ذكر عن قوم فرعون: { لعلنا نتبع السحرة } [الشعراء/40] فذلك طمع منهم، وقوله في فرعون: { لعله يتذكر أو يخشى } [طه/44] فإطماع لموسى عليه السلام مع هرون، ومعناه: فقولا له قولا لينا راجين أن يتذكر أو يخشى. وقوله تعالى: { فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك } [هود/12] أي: يظن بك الناس ذلك، وعلى ذلك قوله: { فلعلك باخع نفسك } [الكهف/6]، وقال: { واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون } [الأنفال/45] أي: اذكروا الله راجين الفلاح، كما قال في صفة المؤمنين: { يرجون رحمته ويخافون عذابه } [الإسراء/57] (الزركشي في البرهان 4/393، ومادة (لعل) نقلها كلها).
لغب
- اللغوب: التعب والنصب. يقال: أتانا ساغبا لا غبا (انظر: أساس البلاغة (لغب) ؛ والمجمل 3/810)، أي: جائعا تعبا. قال: { وما مسنا من لغوب } [ق/ 38]. وسهم لغب: إذا كان قذذه (القذذ: جمع قذة، وهي ريش السهم. وللسهم ثلاث قذذ، وهي آذانه. اللسان (قذذ) ) ضعيفة، ورجل لغب: ضعيف بين اللغابة. وقال أعرابي: فلان لغوب أحمق، جاءته كتابي فاحتقرها. أي: ضعيف الرأي، فقيل له في ذلك: لم أنثث الكتاب وهو مذكر؟ فقال: أو ليس صحيفة (وهذه الرواية حكاها أبو عمرو بن العلاء عن أعرابي من أهل اليمن. انظر: اللسان (لغب) ؛ والمجمل 3/810).
لغا
- اللغو من الكلام: ما لا يعتد به، وهو الذي يورد لا عن روية وفكر، فيجري مجرى اللغا، وهو صوت العصافير ونحوها من الطيور، قال أبو عبيدة: لغو ولغا، نحو: عيب وعاب وأنشدهم:
- 407 - عن اللغا ورفث التكلم
(هذا عجز بيت للعجاج، وصدره:
ورب أسراب حجيج كظم
وهو في ديوانه ص 59؛ واللسان (رفث) ؛ ومجاز القرآن 1/70)(3/373)
يقال: لغيت تلغى. نحو: لقيت تلقى، وقد يسمى كل كلام قبيح لغوا. قال: { لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا } [النبأ/35]، وقال: { وإذا سمعوا اللغوا أعرضوا عنه } [القصص/55]، { لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما } [الواقعة/25]، وقال: { والذين هم عن اللغو معرضون } [المؤمنون/3]، وقوله: { وإذا مروا باللغو مروا كراما } [الفرقان/72]، أي: كنوا عن القبيح لم يصرحوا، وقيل: معناه: إذا صادفوا أهل اللغو لم يخوضوا معهم. ويستعمل اللغو فيما لا يعتد به، ومنه اللغو في الأيمان. أي: ما لا عقد عليه، وذلك ما يجري وصلا للكلام بضرب من العادة. قال: { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } [البقرة/225] ومن هذا أخذ الشاعر فقال:
- 408 - ولست بمأخوذ بلغو تقوله * إذا لم تعمد عاقدات العزائم
(البيت للفرزدق من قصيدة قالها في قتل قتيبة بن مسلم، وفيها مدح سليمان بن عبد الملك، ومطلعها:
تحن بزوراء المدينة ناقتي * حنين عجول تبتغي البو رائم
وهو في ديوانه ص 611؛ وطبقات فحول الشعراء 1/336؛ والأغاني 19/14)
وقوله: { لا تسمع فيها لاغية } [الغاشية/11] أي: لغوا، فجعل اسم الفاعل وصفا للكلام نحو: كاذبة، وقيل: لما لا يعتد به في الدية من الإبل: لغوا، وقال الشاعر:
- 409 - كما ألغيت في الدية الحوارا
(البيت لذي الرمة من قصيدة مطلعها:
نبت عيناك عن طلل بحزوى * عفته الريح وامتنح القطارا
وهو في ديوانه ص 276؛ وأمالي القالي 2/142؛ واللسان (لغا) )
ولغي بكذا. أي: لهج به لهج العصفور بلغاه. أي: بصوته، ومنه قيل للكلام الذي يلهج به فرقة فرقة: لغة.
لفف(3/374)
- قال تعالى: { فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا } [الإسراء/104] أي: منضما بعضكم إلىبعض. يقال: لففت الشيء لفا، وجاءوا ومن لف لفهم، أي: من انضم إليهم، وقوله: { وجنات ألفافا } [النبأ/16] أي: التف بعضها ببعض لكثرة الشجر. قال: { والتفت الساق بالساق } [القيامة/29] والألف: الذي يتدانى فخذاه من سمنه، والألف أيضا: السمين الثقيل البطيء من الناس، ولف رأسه في ثيابه، والطائر رأسه تحت جناحه، واللفيف من الناس: المجتمعون من قبائل شتى، وسمى الخليل كل كلمة اعتل منها حرفان أصليان لفيفا.
لفت
- يقال: لفته عن كذا: صرفه عنه. قال تعالى: { قال أجئتنا لتلفتنا } [يونس/ 87] أي: تصرفنا، ومنه: التفت فلان: إذا عدل عن قبله بوجهه، وامرأة لفوت: تلفت من زوجها إلى ولدها من غيره، واللفيتة: ما يغلظ من العصيدة (العصيدة: دقيق يلت بالسمن ويطبخ. وقيل: اللفيتة: مرقة تشبه الحيس. انظر: اللسان (لفت) و (عصد) ؛ والمجمل 3/811).
لفح
- يقال: لفحته الشمس والسموم. قال تعالى: { تلفح وجوههم النار } [المؤمنون/ 104] وعنه استعير: لفحته بالسيف.
لفظ
- اللفظ بالكلام مستعار من: لفظ الشيء من الفم، ولفظ الرحى الدقيق، ومنه سمي الديك اللافظة؛ لطرحه بعض ما يلتقطه للدجاج. قال تعالى: { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } [ق/18].
لفى
- ألفيت: وجدت. قال الله: { قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا } [البقرة/ 170]، { وألفيا سيدها لدى الباب } [يوسف/25].
لقب
- اللقب: اسم يسمى به الإنسان سوى اسمه الأول، ويراعى فيه المعنى بخلاف الأعلام، ولمراعاة المعنى فيه قال الشاعر:
- 410 - وقلما أبصرت عيناك ذا لقب * إلا ومعناه إن فتشت في لقبه
(البيت في بصائر ذوي التمييز 4/438 دون نسبة، وشرح المقامات للشريشي 1/8، والفرق بين الفرق ص 165)(3/375)
واللقب ضربان: ضرب على سبيل التشريف كألقاب السلاطين، وضرب على سبيل النبز، وإياه قصد بقوله: { ولا تنابزوا بالألقاب } [الحجرات/11]. * لقح
- يقال: لقحت الناقة تلقح لقحا ولقاحا (انظر: الأفعال 2/431)، وكذلك الشجرة، وألقح الفحل الناقة، والريح السحاب. قال تعالى: { وأرسلنا الرياح لواقح } [الحجر/22] أي: ذوات لقاح، وألقح فلان النخل، ولقحها، واستلقحت النخلة، وحرب لاقح: تشبيها بالناقة اللاقح، وقيل: اللقحة: الناقة التي لها لبن، وجمعها: لقاح ولقح، والملاقيح: النوق التي في بطنها أولادها، ويقال ذلك أيضا للأولاد، و (نهي عن بيع الملاقيح والمضامين) (عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نهى عن بيع الملاقيح والمضامين) أخرجه البزار، وقال: لا نعلم أحدا رواه عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة إلا صالح بن أبي الأخضر، ولم يكن بالحافظ. انظر: كشف الأستار 2/87؛ وأخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عباس، وفيه إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، وثقه أحمد، وضعفه جمهور الأئمة. انظر: مجمع الزوائد 4/107؛ وتحفة المحتاج 2/216). فالملاقيح هي: ما في بطون الأمهات، والمضامين: ما في أصلاب الفحول. واللقاح: ماء الفحل، واللقاح: الحي الذي لا يدين لأحد من الملوك، كأنه يريد أن يكون حاملا لا محمولا.
لقف
- لقفت الشيء ألقفه، وتلقفته: تناولته بالحذق، سواء في ذلك تناوله بالفم أو اليد. قال: { فإذا هي تلقف ما يأفكون } [الأعراب/117].
لقم
- لقمان: اسم الحكيم المعروف، واشتقاقه يجوز أن يكون من: لقمت الطعام ألقمه وتلقمته، ورجل تلقام: كثير اللقم، واللقم أصله الملتقم، ويقال لطرف الطريق: اللقم.
لقى(3/376)
- اللقاء: مقابلة الشيء ومصادفته معا، وقد يعبر به عن كل واحد منهما، يقال: لقيه يلقاه لقاء ولقيا ولقية، ويقال ذلك في الإدراك بالحس، وبالبصر، وبالبصيرة. قال: { لقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه } [آل عمران/143] وقال: { لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا } [الكهف/62]. وملاقاة الله عز وجل عبارة عن القيامة، وعن المصير إليه. قال تعالى: { واعلموا أنكم ملاقوه } [البقرة/223] و { قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله } [البقرة/249] واللقاء: الملاقاة. قال: { وقال الذين لا يرجون لقاءنا } [يونس/15]، { إلى ربك كدحا فملاقيه } [الانشقاق/6]، { فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا } [السجدة/14] أي: نسيتم القيامة والبعث والنشور، وقوله: { يوم التلاق } [غافر/15] أي: يوم القيامة، وتخصيصه بذلك لالتقاء من تقدم ومن تأخر، والتقاء أهل السماء والأرض، وملاقاة كل أحد بعمله الذي قدمه، ويقال: لقي فلان خيرا وشرا. قال الشاعر:
- 411 - فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره
(الشطر للمرقش الأصغر، وعجزه:
ومن يغو لا يعدم على الغي لائما
وهو في اللسان (غوى) ؛ والمفضليات ص 247.
وهو من قصيدته التي مطلعها:
ألا يا اسلمى لا صرم لي اليوم فاطما * ولا أبدا ما دام وصلك دائما)
وقال آخر:
- 412 - تلقى السماحة منه والندى خلقا
(هذا عجز بيت لزهير بن أبي سلمى، وصدره:
إن تلق يوما على علاته هرما
وهو من قصيدة يمدح بها هرم بن سنان وأباه، ومطلعها:
إن الخليط أجد البين فانفرقا * وعلق القلب من أسماء ما علقا
وهو في ديوانه ص 41)(3/377)
ويقال: لقيته بكذاك إذا استقبلته به، قال تعالى: { ويلقون فيها تحية وسلاما } [الفرقان/75]، { ولقاهم نضرة وسرورا } [الإنسان/11]. وتلقاه كذا، أي: لقيه. قال: { وتتلقاهم الملائكة } [الأنبياء/103]، وقال: { وإنك لتلقى القرآن } [النمل/6] والإلقاء: طرح الشيء حيث تلقاه، أي: تراه، ثم صار في التعارف اسما لكل طرح. قال: { فكذلك ألقى السامري } [طه/87]، { قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين } [الأعراف/115]، وقال تعالى: { قال ألقوا } [الأعراف/116]، { قال: القها يا موسى * فألقاها } [طه/19 - 20]، وقال: { فليلقه اليم بالساحل } [طه/39]، { وإذا ألقوا منها } [الفرقان/ 13]، { كلما ألقي فيها فوج } [الملك/8]، { وألقت ما فيها وتخلت } [الانشقاق/4] وهو نحو قوله: { وإذا القبور بعثرت } [انفطار/4]، ويقال: ألقيت إليك قولا، وسلاما، وكلاما، ومودة. قال تعالى: { تلقون إليهم بالمودة } [الممتحنة/1]، { فألقوا إليهم القول } [النحل/86]، { وألقوا إلى الله يومئذ السلم } [النحل/87]، وقوله: { إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا } [المزمل/5] فإشارة إلى ما حمل من النبوة والوحي، وقوله: { أو ألقى السمع وهو شهيد } [ق/37]، فعبارة عن الإصغاء إليه، وقوله: { فألقي السحرة سجدا } [طه/70] فإنما قال: (ألقي) تنبيها على أنه دهمهم وجعلهم في حكم غير المختارين.
لم
- تقول: لممت الشيء: جمعته وأصلحته، ومنه: لممت شعثه. قال تعالى: { وتأكلون التراث أكلا لما } [الفجر/19] واللمم: مقاربة المعصية، ويعبر به عن الصغيرة، ويقال: فلان يفعل كذا لمما. أي: حينا بعد حين، وكذلك قوله: { الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم } [النجم/32] وهو من قولك: ألممت بكذا. أي: نزلت به، وقاربته من غير مواقعة، ويقال: زيارته إلمام. أي: قليلة.(3/378)
و (لم) نفي للماضي وإن كان يدخل على الفعل المستقبل، ويدخل عليه ألف الاستفهام للتقرير. نحو: { ألم نربك فينا وليدا } [الشعراء/18]، { ألم يجدك يتيما فآوى } [الضحى/6].
لما
- يستعمل على وجهين:
أحدهما: لنفي الماضي وتقريب الفعل. نحو: { ولما يعلم الله الذين جاهدوا } [آل عمران/142].
والثاني: علما. للظرف نحو: { فلما أن جاء البشير } [يوسف/96] أي: في وقت مجيئه، وأمثلتها تكثر.
لمح
- اللمح: لمعان البرق، ورأيته لمحة البرق. قال تعالى: { كلمح بالبصر } [القمر/50] ويقال: لأرينك لمحا باصرا (هذا مثل يضرب للتوعد والتهدد. انظر: جمهرة الأمثال 2/199؛ والمستقصى 2/237؛ والمجمل 3/794). أي: أمرا واضحا.
لمز
- اللمز: الاغتياب وتتبع المعاب. يقال: لمزه يلمزه ويلمزه. قال تعالى: { ومنهم من يلمزك في الصدقات } [التوبة/58]، { الذين يلمزون المطوعين } [التوبة/79]، { ولا تلمزوا أنفسكم } [الحجرات/11] أي: لا تلمزوا الناس فيلمزونكم، فتكونوا في حكم من لمز نفسه، ورجل لماز ولمزة: كثير اللمز، قال تعالى: { ويل لكل همزة لمزة } [الهمزة/1].
لمس
- اللمس: إدراك بظاهر البشرة، كالمس، ويعبر به عن الطلب، كقول الشاعر:
- 413 - وألمسه فلا أجده
(هذا عجز بيت، وشطره:
ألام على تبكيه
وبعده:
وكيف يلام محزون * كبير فاته ولده
والبيت في شرح الحماسة للتبريزي 2/184 دون نسبة؛ وهو من ثاني الوافر. وفي كشف المشكل 2/502)(3/379)
وقال تعالى: { وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا } [الجن/8]، ويكنى به وبالملامسة عن الجماع، وقرئ: { لامستم } [المائدة/6] (وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وعاصم وأبي جعفر ويعقوب)، و { لمستم النساء } (وبها قرأ حمزة والكسائي وخلف. انظر: الإتحاف ص 191) حملا على المس، وعلى الجماع، (ونهى عليه الصلاة والسلام عن بيع الملامسة) (الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نهى عن الملامسة والمنابذة) أخرجه البخاري (انظر: فتح الباري 4/359) ؛ وشرح الزرقاني على الموطأ 3/315؛ والنسائي 7/259) وهو أن يقول: إذا لمست ثوبي، أو لمست ثوبك فقد وجب البيع بيننا، واللماسة: الحاجة المقاربة.
لهب
- اللهب: اضطرام النار. قال تعالى: { لا ظليل ولا يغني من اللهب } [المرسلات/31]، { سيصلى نارا ذات لهب } [المسد/3]. واللهيب: ما يبدو من اشتعال النار، ويقال للدخان وللغبار: لهب، وقوله: { تبت يدا أبي لهب } [المسد/1] فقد قال بعض المفسرين: إنه لم يقصد بذلك مقصد كنيته التي اشتهر بها، وإنما قصد إلى إثبات النار له، وأنه من أهلها، وسماه بذلك كما يسمى المثير للحرب والمباشر لها: أبا الحرب، وأخا الحرب. وفرس ملهب: شديد العدو تشبيها بالنار الملتهبة، والألهوب من ذلك، وهو العدو الشديد، ويستعمل اللهاب في الحر الذي ينال العطشان.
لهث
- لهث يلهث لهثا (قال السرقسطي: ولهث الكلب لهثا، ولهث أيضا: إذا أدلع لسانه عطشا. انظر: الأفعال 2/462). قال الله تعالى: { فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث } [الأعراف/176] وهو أن يدلع لسانه من العطش. قال ابن دريد: اللهث يقال للإعياء وللعطش جميعا (وعبارته: واللهث من قولهم: لهث الكلب: إذا أخرج لسانه من حر أو عطش. الجمهرة 2/51).
لهم(3/380)
- الإلهام: إلقاء الشيء في الروع، ويختص ذلك بما كان من جهة الله تعالى، وجهة الملإ الأعلى. قال تعالى: { فألهمها فجورها وتقواها } [الشمس/8] وذلك نحو ما عبر عنه بلمة الملك، وبالنفث في الروع كقوله عليه الصلاة والسلام: (إن للملك لمة وللشيطان لمة) (عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر، وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير، وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله، فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قرأ: { الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء } ) أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب (عارضة الأحوذي 11/109) ؛ والنسائي)، وكقوله عليه الصلاة والسلام: (إن روح القدس نفث في روعي) (الحديث عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها، ألا فاتقوا الله وأجملوا في الطلب) أخرجه البغوي في شرح السنة 14/304، وانظر ص 373) وأصله من التهام الشيء، وهو ابتلاعه، والتهم الفصيل ما في الضرع، وفرس لهم: كأنه يلتهم الأرض لشدة عدوه.
لهى(3/381)
- [اللهو: ما يشغل الإنسان عما يعنيه ويهمه. يقال: لهوت بكذا، ولهيت عن كذا: اشتغلت عنه بلهو] (ما بين قوسين نقله السمين في الدر المصون 4/599). قال تعالى: { إنما الحياة الدنيا لعب ولهو } [محمد/36]، { وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب } [العنكبوت/64]، ويعبر عن كل ما به استمتاع باللهو. قال تعالى: { لو أردنا أن نتخذ لهوا } [الأنبياء/17] ومن قال: أراد باللهو المرأة والولد (عن عكرمة قال في الآية: اللهو: الولد. وعن الحسن قال: اللهو بلسان اليمن: المرأة. انظر: الدر المنثور 5/619 - 620) فتخصيص لبعض ما هو من زينة الحياة الدنيا التي جعل لهوا ولعبان ويقال: ألهاه كذا. أي: شغله عما هو أهم إليه. قال تعالى: { ألهاكم التكاثر } [التكاثر/1]، { رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله } [النور/37] وليس ذلك نهيا عن التجارة وكراهية لها، بل هو نهي عن التهافت فيها والاشتغال عن الصلوات والعبادات بها. ألا ترى إلى قوله: { ليشهدوا منافع لهم } [الحج/28]، { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم } [البقرة/198] وقوله تعالى: { لا هية قلوبهم } [الأنبياء/3] أي: ساهية مشتغلة بما لا يعنيها، واللهوة: ما يشغل به الرحى مما يطرح فيه، وجمعها: لها، وسميت العطية لهوة تشبيها بها، واللهاة: اللحمة المشرفة على الحلق، وقيل: بل هو أقصى الفم.
لات
- اللات والعزى صنمان، وأصل اللآت اللاه، فحذفوا منه الهاء، وأدخلوا التاء فيه، وأنثوه تنبيها على قصوره عن الله تعالى، وجعلوه مختصا بما يتقرب به إلى الله تعالى في زعمهم، وقوله تعالى: { ولات حين مناص } [ص/ 3] قال الفراء (ليس هذا قول الفراء، وإنما قال الفراء: ليس بحين فرار، والكلام أن ينصب بها لأنها في معنى ليس. انظر: معاني [استدراك] القرآن 2/397.(3/382)
وهذا القول الذي نسبه للفراء هو قول أبي عبيد. انظر: الحديث 4/250، واللسان: ليت) : تقديره: لا حين، والتاء زائدة فيه كما زيدت في ثمت وربت. وقال بعض البصريين: معناه ليس، وقال أبو بكر العلاف (هو الحسن بن علي، الضرير النهرواني، الشاعر المشهور، حدث عن أبي عمر الدوري، ونصر الجهضمي، وروى عنه أبو حفص بن شاهين، وغيره، كان ينادم المعتضد بالله. توفي سنة 318 هجري. انظر: وفيات الأعيان 2/107) : أصله ليس، فقلبت الياء ألفا وأبدل من السين تاء، كما قالوا: نات في ناس. وقال بعضهم: أصله لا، وزيد فيه تاء التأنيث تنبيها على الساعة أو المدة (وفي ذلك يقول العلامة محمد حامد الحسني الشنقيطي والد شيخنا رحمه الله:
وأصل لات عندهم (لا) النافية * وزيدت التاء بها، وهل هيه
إذ ذاك تأنيث أو المبالغة * أو لهما معا، وليست سائغة
وزيدها أحسن من زيادة * ما اتصلت بثمت وربت
إذ زيدها في هذه حملا على * ليس، ومن ثم بها ما اتصلا
إن عملت عمل (إن)، أو هيه * كلمتان، وهما (لا) النافية
وتاء تأنيث، ولالتقاء * مع ساكن تحريكنا للتاء
وقال ابن هشام: هذا قول الجمهور. انظر مغني اللبيب ص 335)، كأنه قيل: ليست الساعة أو المدة حين مناص.
ليت
- يقال: لاته عن كذا يليته: صرفه عنه، ونقصه حقال له، ليتا. قال تعالى: { لا يلتكم من أعمالكم شيئا } [الحجرات/14] أي: لا ينقصكم من أعمالكم، لات وألات بمعنى نقص، وأصله: رد الليت، أي: صفحة العنق. وليت: طمع وتمن. قال تعالى: { ليتني لم أتخذ فلانا خليلا } [الفرقان/28]، { ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا } [النبأ/40]، { يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا } [الفرقان/27]، وقول الشاعر:
- 414 - وليلة ذات دجى سريت * ولم يلتني عن سراها ليست
(البيت لرؤية بن العجاج، وهو في اللسان (ليت) ؛ والمجمل 3/799)
معناه: لم يصرفني عنه قولي: ليته كان كذا. وأعرب (ليت) ههنا فجعله اسما، كقول الآخر:
- 415 - إن ليتا وإن لوا عناء(3/383)
(هذا عجز بيت لأبي زبيد الطائي، وصدره:
ليس شعري وأين مني ليت
من أبيات له مطلعها:
ولقد مت غير أني حي * يوم بانت بودها خنساء
وهو في ديوانه ص 578؛ والجمهرة 1/122؛ ومجمع الأمثال 2/371)
وقيل: معناه لم يلتني عن هواها لائت. أي: صارف، فوضع المصدر موضع اسم الفاعل.
لوح
- اللوح: واحد ألواح السفينة. قال تعالى: { وحملناه على ذات ألواح ودسر } [القمر/13] وما يكتب فيه من الخشب ونحوه، وقوله تعالى: { في لوح محفوظ } [البروج/22] فكيفيته تخفى علينا إلا بقدر ما روي لنا في الأخبار، وهو المعبر عنه بالكتاب في قوله: { إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير } [الحج/70] واللوح: العطش، ودابة ملواح: سريع العطش، واللوح أيضا، بضم اللام: الهواء بين السماء والأرض، والأكثرون على فتح اللام إذا أريد به العطش، وبضمه إذا كان بمعنى الهواء، ولا يجوز فيه غير الضم. ولوحه الحر: غيره، ولاح الحر لوحا: حصل في اللوح، وقيل: هو مثل لمح. ولاح البرق، وألاح: إذا أومض، وألاح بسيفه: أشار به.
لوذ
- قال تعالى: { قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا } [النور/63] هو من قولهم: لاوذ بكذا يلاوذ لواذا وملاوذة: إذا استتر به. أي: يستترون فيلتجئون بغيرهم فيمضون واحدا بعد واحد، ولو كان من: لاذ يلوذ لقيل: لياذا إلا أن اللواذ هو فعال من: لاوذ. واللياذ من فعل، واللوذ: ما يطيف بالجبل منه.
لوط(3/384)
- لوط: اسم علم، واشتقاقه من لاط الشيء بقلبي يلوط لوطا وليطا، وفي الحديث: (الولد ألوط - أي: ألصق - بالكبد) (وهذا من حديث أبي بكر رضي الله عنه، فقد قال: (إن عمر لأحب الناس إلي، ثم قال: كيف قلت؟ قالت عائشة: قلت: والله، إن عمر أحب الناس إلي، فقال: للهم أعز، والولد ألوط). انظر: الفائق 3/334؛ والنهاية 4/277) وهذا أمر لا يلتاط بصفري (انظر: المجمل 3/456؛ والمنتخب من غريب كلام العرب 1/52، ومجمع الأمثال 2/226). أي: لا يلصق بقلبي، ولطت الحوض بالطين لوطا: ملطته به، وقولهم: لوط فلان: إذا تعاطى فعل قوم لوط، فمن طريق الاشتقاق؛ فإنه اشتق من لفظ لوط الناهي عن ذلك لا من لفظ المتعاطين له.
لوم(3/385)
- اللوم: عذل الإنسان بنسبته إلى ما فيه لوم. يقال: لمته فهو ملوم. قال تعالى: { فلا تلوموني ولوموا أنفسكم } [إبراهيم/22]، { فذلكن الذي لمتنني فيه } [يوسف/32]، { ولا يخافون لومة لائم } [المائدة/54]، { فإنهم غير ملومين } [المؤمنون/6]، فإنه ذكر اللوم تنبيها على أنه إذا لم يلاموا لم يفعل بهم ما فوق اللوم. وألام: استخق اللوم. قال تعالى: { فنبذناهم في اليم وهو مليم } [الذاريات/40] والتلاوم: أن يلوم بعضهم بعضا. قال تعالى: { فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون } [القلم/30]، وقوله: { ولا أقسم بالنفس اللوامة } [القيامة/ 2] قيل: هي النفس التي اكتسبت بعض الفضيلة، فتلوم صاحبها إذا ارتكب مكروها، فهي دون النفس المطمئنة (يقال: النفوس ثلاث مراتب: الأولى: النفس الأمارة بالسوء. قال تعالى: { وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء } والثانية - وهي فوقها -: النفس اللوامة. كما ذكر. الثالثة: النفس المطمئنة. قال تعالى: { يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية } )، وقيل: بل هي النفس التي قد اطمأنت في ذاتها، وترشحت لتأديب غيرها، فهي فوق النفس المطمئنة، ويقال: رجل لومة: يلوم الناس، ولومة: يلومه الناس، نحو سخرة وسخرة، وهزأة وهزأة، واللومة: الملامة، واللائمة: الأمر الذي يلام عليه الإنسان.
ليل
- يقال: ليل وليلة، وجمعها: ليال وليائل وليلات، وقيل: ليل أليل، وليلة ليلاء. وقيل: أصل ليلة ليلاة بدليل تصغيرها على لييلة، وجمعها على ليال. قال الله تعالى: { وسخر لكم الليل والنهار } [إبراهيم/33]، { والليل إذا يغشى } [الليل/1]، { وواعدنا موسى ثلاثين ليلة } [الأعراف/142]، { إنا أنزلناه في ليلة القدر } [القدر/1]، { والفجر * وليال عشر } [الفجر/1 - 2]، { ثلاث ليال سويا } [مريم/10].
لون(3/386)
- اللون معروف، وينطوي على الأبيض والأسود وما يركب منهما، ويقال: تلون: إذا اكتسى لونا غير اللون الذي كان له. قال تعالى: { ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها } [فاطر/27]، وقوله: { واختلاف ألسنتكم وألوانكم } [الروم/22] فإشارة إلى أنواع الألوان واختلاف الصور التي يختص كل واحد بهيئة غير هيئة صاحبه، وسحناء غير سحنائه مع كثرة عددهم، وذلك تنبيه على سعة قدرته. ويعبر بالألوان عن الأجناس والأنواع. يقال: فلان أتى بالألوان من الأحاديث، وتناول كذا ألوانا من الطعام. * لين
- اللين: ضد الخشونة، ويستعمل ذلك في الأجسام، ثم يستعار للخلق وغيره من المعاني، فيقال: فلان لين، وفلان خشن، وكل واحد منهما يمدح به طورا، ويذم به طورا بحسب اختلاف المواقع. قال تعالى: { فبما رحمة من الله لنت لهم } [آل عمران/159]، وقوله: { ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله } [الزمر/23] فإشارة إلى إذعانهم للحق وقبولهم له بعد تأبيهم منه، وإنكارهم إياه، وقوله: { ما قطعتم من لينة } [الحشر/5] أي: من نخلة ناعمة، ومخرجه مخرج فعلة نحو: حنطة، ولا يختص بنوع منه دون نوع.
لؤلؤ
- قال تعالى: { يخرج منهما اللؤلؤ } [الرحمن/22]، وقال: { كأنهم لؤلؤ مكنون } [الطور/24] جمعه: لآلئ، وتلألأ الشيء: لمع لمعان اللؤلؤ، وقيل: لا أفعل ذلك ما لألأت الظباء بأذنابها (انظر: اللسان (لألأ) ؛ ومجمع الأمثال 2/225).
لوى
- اللي: فتل الحبل، يقال: لويته ألويه ليا، ولوى يده، قال:
- 416 - لوى يده الله الذي هو غالبه * (هذا عجز بيت، وشطره:
تغمد حقي ظالما، ولوى يدي
وهو لفرعان بن الأعرف، والبيت في اللسان (لوى) ؛ والأضداد لابن الأنباري ص 191؛ ومعجم الشعراء ص 317)(3/387)
ولوى رأسه، وبرأسه أماله، قال تعالى: { لووا رءوسهم } [المنافقون/5] : أمالوها، ولوى لسانه بكذا: كناية عن الكذب وتخرص الحديث. قال تعالى: { يلوون ألسنتهم بالكتاب } [آل عمران/78]، وقال: { ليا بألسنتهم } [النساء/46]، ويقال فلان لا يلوي على أحد: إذا أمعن في الهزيمة. قال تعالى: { إذ تصعدون ولا تلوون على أحد } [آل عمران/153] وذلك كما قال الشاعر:
- 417 - ترك الأحبة أن تقاتل دونه * ونجا برأس طمرة وثاب
(البيت لحسان يعير الحارث بن هشام بفراره يوم بدر والرواية المعروفة: [ولجام] بدل [وثاب]، وقبله:
إن كنت كاذبة الذي حدثتني * فنجوت منجى الحارث بن هشام
وهو في ديوانه ص 215)
واللواء: الراية سميت لالتوائها بالريح، واللوية: ما يلوى فيدخر من الطعام، ولوى مدينة، أي: ماطله، وألوى: بلغ لوى الرمل، وهو منعطفه.
لو
- لو: قيل: هو لامتناع الشيء لامتناع غيره، ويتضمن معنى الشرط نحو: قوله تعالى: { قل لو أنتم تملكون } [الإسراء/100].
لولا
- (لولا) يجيء على وجهين:
أحدهما: بمعنى امتناع الشيء لوقوع غيره، ويلزم خبره الحذف، ويستغنى بجوابه عن الخبر. نحو: { لولا أنتم لكنا مؤمنين } [سبأ/31].
والثاني: بمعنى هلا، ويتعقبه الفعل نحو: { لولا أرسلت إلينا رسولا } [طه/ 134] أي: هلا. وأمثلتهما تكثر في القرآن.
لا(3/388)
- (لا) يستعمل للعدم المحض. نحو: زيد لا عالم، وذلك يدل على كونه جاهلا، وذلك يكون للنفي، ويستعمل في الأزمنة الثلاثة، ومع الاسم والفعل غير أنه نفي به الماضي؛ فإما أن لا يؤتى بعده بالفعل، نحو أن يقال لك: هل خرجت؟ فتقول: لا، وتقديره: لا خرجت. ويكون قلما يذكر بعده الفعل الماضي إلا إذا فصل بينهما بشيء. نحو: لا رجلا ضربت ولا امرأة، أو يكون عطفا. نحو: لا خرجت ولا ركبت، أو عند تكريره. نحو: { فلا صدق ولا صلى } [القيامة/31] أو عند الدعاء. نحو قولهم: لا كان، ولا أفلح، ونحو ذلك. فمما نفي به المستقبل قوله: { لا يعزب عنه مثقال ذرة } [سبأ/3] وفي أخرى: { وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء } [يونس/61] وقد يجيء (لا) داخلا على كلام مثبت، ويكون هو نافيا لكلام محذوف وقد حمل على ذلك قوله: { لا أقسم بيوم القيامة } [القيامة/1]، { فلا أقسم برب المشارق } [المعارج/40]، { فلا أقسم بمواقع النجوم } [الواقعة/75]، { فلا وربك لا يؤمنون } [النساء/65] وعلى ذلك قول الشاعر:
- 418 - لا وأبيك ابنة العامري
(الشطر لامرئ القيس، وعجزه:
لا يدعي القوم أني أفر
وهو في ديوانه ص 68)(3/389)
وقد حمل على ذلك قول عمر رضي الله عنه - وقد أفطر يوما في رمضان فظن أن الشمس قد غربت ثم طلعت -: لا، نقضيه ما تجانفنا لإثم فيه، وذلك أن قائلا قال له قد أثمنا فقال لا، نقضيه. فقوله: (لا) رد لكلامه قد أثمنا، ثم استأنف فقال: نقضيه (لم أجد هذه القصة). وقد يكون لا للنهي نحو: { لا يسخر قوم من قوم } [الحجرات/11]، { ولا تنابزوا بالألقاب } [الحجرات/11]، وعلى هذا النحو: { يا بني آدم لايفتننكم الشيطان } [الأعراف/27]، وعلى ذلك: { لا يحطمنكم سليما وجنوده } [النمل/18]، وقوله: { وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله } [البقرة/83] فنفي قيل تقديره: إنهم لا يعبدون، وعلى هذا: { وإذا أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم } [البقرة/84] وقوله: { مالكم لا تقاتلون } [النساء/75] يصح أن يكون (لا تقاتلون) في موضع الحال (انظر: التبيان في إعراب القرآن للعكبري 1/373؛ وإعراب القرآن للنحاس 1/434) : ما لكم غير مقاتلين. ويجعل (لا) مبنيا مع النكرة بعده فيقصد به النفي. نحو: { لا رفث ولا فسوق } [البقرة /197]، [وقد يكرر الكلام في المتضادين ويراد إثبات الأمر فيهما جميعا. نحو أن يقال: ليس زيد بمقيم ولا ظاعن. أي: يكون تارة كذا وتارة كذا، وقد يقال ذلك ويراد إثبات حالة بينهما. نحو أن يقال: ليس بأبيض ولا أسود] (ما بين [ ] نقله الزركشي في البرهان 4/353)، وإنما يراد إثبات حالة أخرى له، وقوله: { لاشرقية ولا غربية } [النور/35]. فقد قيل معناه: إنها شرقية وغربية (قال اليزيدي: لا شرقية: لا تضحى للشرق، ولا غربية: لا تضحى للغرب، ولكنها شرقية غربية يصيبها الشرق والغرب. أي: الشمس والظل. انظر: غريب القرآن وتفسيره ص 272). وقيل معناه: مصونة عن الإفراط والتفريط. وقد يذكر (لا) ويراد به سلب المعنى دون إثبات شيء، ويقال له الاسم غير المحصل. نحو: لا إنسان، إذا قصدت سلب الإنسانية، وعلى هذا قول العامة: لا أحد. أي: لا أحد.
لام(3/390)
- اللام التي هي للأداة على أوجه:
الأول: الجارة، وذلك أضرب: ضرب لتعدية الفعل ولا يجوز حذفه. نحو: { وتله للجبين } [الصافات/103]. وضرب للتعدية لكن قد يحذف. كقوله: { يريد الله ليبين لكم } [النساء/26]، { فمن الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا } [الأنعام/125] فأثبت في موضع وحذف في موضع.
الثاني: للملك والاستحقاق، وليس نعني بالملك ملك العين بل قد يكون ملكا لبعض المنافع، أو لضرب من التصرف. فملك العين نحو: { ولله ملك السموات والأرض } [المائدة/18]، { ولله جنود السموات والأرض } [الفتح/7]. وملك التصرف كقولك لمن يأخذ معك خشبا: خذ طرفك لآخذ طرفي، وقولهم: لله كذا. نحو: لله درك، فقد قيل: إن القصد أن هذا الشيء لشرفه لا يستحق ملكه غير الله، وقيل: القصد به أن ينسب إليه إيجاده. أي: هو الذي أوجده إبداعا؛ لأن الموجودات ضربان:
ضرب أوجده بسبب طبيعي أو صنعة آدمي.(3/391)
وضرب أوجده إبداعا كالفلك والسماء ونحو ذلك، وهذا الضرب أشرف وأعلى فيما قيل. ولام الاستحقاق نحو قوله: { لهم اللعنة ولهم سوء الدار } [الرعد/25]، { ويل للمطففين } [المطففين/1] وهذا كالأول لكن الأول لما قد حصل في الملك وثبت، وهذا لما لم يحصل بعد ولكن هو في حكم الحاصل من حيثما قد استحق. وقال بعض النحويين: اللام في قوله: { لهم اللعنة } [الرعد/25] بمعنى (على) (انظر: كتاب اللامات للهروي ص 42) أي: عليهم اللعنة، وفي قوله: { لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم } [النور/11] وليس ذلك بشيء، وقيل: قد تكون اللام بمعنى (إلى) في قوله: { بأن ربك أوحى لها } [الزلزلة/5] وليس كذلك؛ لأن الوحي للنحل جعل ذلك له بالتسخير والإلهام، وليس ذلك كالوحي الموحى إلى الأنبياء، فنبه باللام على جعل ذلك الشيء له بالتسخير. وقوله: { ولا تكن للخائنين خصيما } [النساء/ 105] معناه: لا تخاصم الناس لأجل الخائنين، ومعناه كمعنى قوله: { ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم } [النساء/107] وليست اللام ههنا كاللام في قولك: لا تكن لله خصيما؛ لأن اللام ههنا داخل على المفعول، ومعناه: لا تكن خصيم الله.
والثالث: لام الابتداء. نحو: { لمسجد أسس على التقوى } [التوبة/108]، { ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا } [يوسف/8]، { لأنتم أشد رهبة } [الحشر/ 13].
الرابع: الداخل في باب إن؛ إما في اسمه إذا تأخر. نحو: { إن في ذلك لعبرة } [آل عمران/13] أو في خبره. نحو: { إن ربك لبالمرصاد } [الفجر/14]، { إن إبراهيم لحليم أواه منيب } [هود/75] أو فيما يتصل بالخبر إذا تقدم على الخبر. نحو: { لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون } [الحجر/72] فإن تقديره: ليعمهون في سكرتهم.
الخامس: الداخل في إن المخففة فرقا بينه وبين إن النافية نحو: { وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا } [الزخرف/35].(3/392)
السادس: لام القسم، وذلك يدخل على الاسم. نحو قوله: { يدعو لمن ضره أقرب من نفعه } [الحج/13] ويدخل على الفعل الماضي. نحو: { لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب } [يوسف/111] وفي المستقبل يلزمه إحدى النونين نحو: { لتؤمنن به ولتنصرنه } [آل عمران/81] وقوله: { وإن كلا لما ليوفينهم } [هود/111] فاللام في (لما) جواب (إن) وفي (ليوفينهم) للقسم. السابع: اللام في خبر لو: نحو: { ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة } [البقرة/103]، { لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم } [الفتح/25]، { ولو أنهم قالوا } إلى قوله: { لكان خيرا لهم } [النساء/46] (الآية: { ولو أنهم قالوا: سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم } )، وربما حذفت هذه اللام نحو: لو جئتني أكرمتك أي: لأكرمتك.
الثامن: لام المدعو، ويكون مفتوحا، نحو يا لزيد. ولام المدعو إليه يكون مكسورا، نحو يا لزيد.
التاسع: لام الأمر، وتكون مكسورة إذا ابتدئ به نحو: { يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم } [النور/58]، { ليقض علينا ربك } [الزخرف/ 77]، ويسكن إذا دخله واو أو فاء نحو: { وليتمتعوا فسوف يعلمون } [العنكبوت /66]، و { من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } [الكهف/29]، وقوله: { فليفرحوا } [يونس/58]، وقرئ: (فلتفرحوا) (وبها قرأ رويس عن يعقوب. انظر: الإتحاف ص 252) وإذا دخله ثم، فقد يسكن ويحرك نحو: { ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق } [الحج/29].
كتاب الميم
متع
- المتوع: الامتداد والارتفاع. يقال: متع النهار ومتع النبات: إذا ارتفع في أول النبات، والمتاع: انتفاع ممتد الوقت، يقال: متعه الله بكذا، وأمتعه؛ وتمتع به. قال تعالى: { ومتعناهم إلى حين } [يونس/98]، { نمتعهم قليلا } [لقمان/ 24]، { فأمتعه قليلا } [البقرة/126]، { سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم } [هود /48].(3/393)
وكل موضع ذكر فيه (تمتعوا) في الدنيا فعلى طريق التهديد، وذلك لما فيه من معنى التوسع، واستمتع: طلب التمتع. { ربنا استمتع بعضنا ببعض } [الأنعام/128]، { فاستمتعوا بخلاقهم } [التوبة/69]، { فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم } [التوبة/69] (الآية: { فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا } ) وقوله: { ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين } [البقرة/36] تنبيها أن لكل إنسان في الدنيا تمتعا مدة معلومة. وقوله: { قل متاع الدنيا قليل } [النساء/77] تنبيها أن ذلك في جنب الآخرة غير معتد به، وعلى ذلك: { فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل } [التوبة/38] أي: في جنب الآخرة، وقال تعالى: { وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع } [الرعد/26] ويقال لما ينتفع به في البيت: متاع. قال: { ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله } [الرعد/17]. وكل ما ينتفع به على وجه ما فهو متاع ومتعة، وعلى هذا قوله: { ولما فتحوا متاعهم } [يوسف/65] أي: طعامهم، فسماه متاعا، وقيل: وعاءهم، وكلاهما متاع، وهما متلازمان؛ فإن الطعام كان في الوعاء. وقوله تعالى: { وللمطلقات متاع بالمعروف } [البقرة/241] فالمتاع والمتعة: ما يعطى المطلقة لتنتفع به مدة عدتها. يقال: أمتعتها ومتعتها، والقرآن ورد بالثاني. نحو: { فمتعوهن وسرحوهن } [الأحزاب/49]، وقال: { ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره } [البقرة/236]. ومتعة النكاح هي: أن الرجل كان يشارط المرأة بمال معلوم يعطيها إلى أجل معلوم، فإذا انقضى الأجل فارقها من غير طلاق، ومتعة الحج: ضم العمرة إليه. قال تعالى: { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } [البقرة/196] وشراب ماتع. قيل: أحمر، وإنما هو الذي يمتع بجودته، وليست الحمرة بخاصية للماتع وإن كانت أحد أوصاف جودته، وجمل ماتع: قوي قيل:(3/394)
- 419 - وميزانه في سورة البر ماتع * (هذا عجز بيت للنابغة الذبياني، وصدره:
إلى خير دين نسكه قد علمته
وليس في ديوانه طبع دار صادر، وإنما هو في ديوانه صنعة ابن السكيت - تحقيق د. شكري فيصل ص 52؛ وهو في المجمل 3/822؛ واللسان (متع) )
أي: راجح زائد.
متن
- المتنان: مكتنفا الصلب، وبه شبه المتن من الأرض، ومتنته: ضربت متنه، ومتن: قوي متنه، فصار متينا، ومنه قيل: حبل متين، وقوله تعالى: { إن الله الرزاق ذو القوة المتين } [الذاريات/58].
متى
- متى: سؤال عن الوقت. قال تعالى: { متى هذا الوعد } [يونس/48]، و { متى هذا الفتح } [السجدة/28] وحكي أن هذيلا تقول: جعلته متى كمي (قال ابن هشام: واختلف في قول بعضهم: (وضعته متى كمي) فقال ابن سيده: بمعنى في، وقال غيره: بمعنى وسط. انظر: مغني اللبيب ص 441؛ والجنى الداني ص 468؛ والمجمل 3/823). أي: وسط كمي، وأنشدوا لأبي ذؤيب:
- 420 - شربن بماء البحر ثم ترفعت * متى لجج خضر لهن نئيج
(البيت لأبي ذؤيب الهذلي، وهو في ديوان الهذليين 1/51؛ ومغني اللبيب ص 142؛ والمجمل 3/823)
مثل
- أصل المثول: الانتصاب، والممثل: المصور على مثال غيره، يقال: مثل الشيء. أي: انتصب وتصور، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يمثل له الرجال فليتبؤأ مقعده من النار) (عن ابن الزبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يمثل له عباد الله قياما فليتبوأ مقعده من النار) أخرجه أحمد 4/91؛ وأبو داود برقم (5229) ؛ والترمذي، وقال: حديث حسن (انظر: عارضة الأحوذي 10/213) ). والتمثال: الشيء المصور، وتمثل كذا: تصور. قال تعالى: { فتمثل لها بشرا سويا } [مريم/17] والمثل عبارة عن قول في شيء يشبه قولا في شيء آخر بينهما مشابهة؛ ليبين أحدهما الآخر ويصوره. نحو قولهم: الصيف ضيعت اللبن (المثل يضرب لمن يطلب شيئا قد فوته على نفسه.(3/395)
وقال المبرد: أصل المثل كان لامرأة، وإنما يضرب لكل واحد على ما جرى في الأصل، فإذا قلته للرجل فإنما معناه: أنت عندي بمنزلة التي قيل لها هذا. انظر: مجمع الأمثال 2/68؛ والمقتضب 2/143) فإن هذا القول يشبه قولك: أهملت وقت الإمكان أمرك.
وعلى هذا الوجه ما ضرب الله تعالى من الأمثال، فقال: { وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون } [الحشر/21]، وفي أخرى: { وما يعقلها إلا العالمون } [العنكبوت/43]. والمثل يقال على وجهين: أحدهما: بمعنى المثل.
نحو: شبه وشبه، ونقض ونقض. قال بعضهم: وقد يعبر بهما عن وصف الشيء (انظر ص 732 في الحاشية). نحو قوله: { مثل الجنة التي وعد المتقون } [الرعد/35].(3/396)
والثاني: عبارة عن المشابهة، لغيره في معنى من المعاني أي معنى كان، وهو أعم الألفاظ الموضوعة للمشابهة، وذلك أن الند يقال فيما يشارك في الجوهر فقط، والشبه يقال فيما يشارك في الكيفية فقط، والمساوي يقال فيما يشارك في الكمية فقط، والشكل يقال فيما يشاركه في القدر والمساحة فقط، والمثل عام في جميع ذلك، ولهذا لما أراد الله تعالى نفي التشبيه من كل وجه خصه بالذكر فقال: { ليس كمثله شيء } [الشورى/11] وأما الجمع بين الكاف والمثل فقد قيل: ذلك لتأكيد النفي تنبيها على أنه لا يصح استعمال المثل ولا الكاف، فنفى ب (ليس) الأمرين جميعا. وقيل: المثل ههنا هو بمعنى الصفة، ومعناه: ليس كصفته صفة، تنبيها على أنه وإن وصف بكثير مما يوصف به البشر فليس تلك الصفات له على حسب ما يستعمل في البشر، وقوله تعالى: { للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى } [النحل/60] أي: لهم الصفات الذميمة وله الصفات العلى. وقد منع الله تعالى عن ضرب الأمثال بقوله: { فلا تضربوا لله الأمثال } [النحل/74] ثم نبه أنه قد يضرب لنفسه المثل، ولا يجوز لنا أن نقتدي به، فقال: { إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون } [النحل/74] ثم ضرب لنفسه مثلا فقال: { ضرب الله مثلا عبدا مملوكا } الآية [النحل/75]، وفي هذا تنبيه أنه لا يجوز أن نصفه بصفة مما يوصف به البشر إلا بما وصف به نفسه، وقوله: { مثل الذين حملوا التوراة } الآية [الجمعة /5]، أي: هم في جهلهم بمضمون حقائق التوراة كالحمار في جهله بما على ظهره من الأسفار، وقوله: { واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث } [الأعراف/176] فإنه شبهه بملازمته واتباعه هواه وقلة مزايلته له بالكلب الذي لا يزايل اللهث على جميع الأحوال. وقوله: { مثلهم كمثل الذي استوقد نارا } [البقرة/17]، فإنه شبه من آتاه الله تعالى ضربا من الهداية والمعارف، فأضاعه ولم يتوصل به إلى ما رشح له من نعيم الأبد بمن(3/397)
استوقد نارا في ظلمة، فلما أضاءت له ضيعها ونكس فعاد في الظلمة وقوله تعالى: { ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء } [البقرة/171] فإنه قصد تشبيه المدعو بالغنم، فأجمل وراعى مقابلة المعنى دون مقابلة الألفاظ، وبسط الكلام: مثل راعي الذين كفروا والذين كفروا كمثل الذي ينعق بالغنم، ومثل الغنم التي لا تسمع إلا دعاء ونداء.
وعلى هذا النحو قوله: { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة } [البقرة/261] ومثله قوله: { مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر } [آل عمران/117] وعلى هذا النحو ما جاء من أمثاله. والمثال: مقابلة. مقابلة شيء بشيء هو نظيره، أو وضع شيء ما ليتحذى به فيما يفعل، والمثلة: نقمة تنزل بالإنسان فيجعل مثالا يرتدع به غيره، وذلك كالنكال، وجمعه مثلات ومثلات، وقد قرئ: { من قبلهم المثلات } [الرعد/6]، و (المثلات) (وهي لغة بني تميم. وهي قراءة شاذة قرأ بها الأعمش.
انظر: تفسير القرطبي 9/285؛ وإعراب القرآن للنحاس 2/166؛ ومعاني الفراء 2/59) بإسكان الثاء على التخفيف. نحو: عضد وعضد، وقد أمثل السلطان فلانا: إذا نكل به، والأمثل يعبر به عن الأشبه بالأفاضل، والأقرب إلى الخير، وأماثل القوم: كناية عن خيارهم، وعلى هذا قوله تعالى: { إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما } [طه/104]، وقال: { ويذهبا بطريقتكم المثلى } [طه/63] أي: الأشبه بالفضيلة، وهي تأنيث الأمثل.
مجد(3/398)
- المجد: السعة في الكرم والجلال، وقد تقدم الكلام في الكرم. يقال: مجد يمجد مجدا ومجادة، وأصل المجد من قولهم: مجدت الإبل (انظر: الأفعال 4/154) : إذا حصلت في مرعى كثير واسع، وقد أمجدها الراعي، وتقول العرب: في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار (المثل يضرب في تفضيل الرجال بعضهم على بعض. انظر: مجمع الأمثال 2/74؛ والمستقصى 2/183؛ وجمهرة الأمثال 2/292؛ ومجمل 3/823؛ وديوان الأدب 1/101؛ وفصل المقال ص 202)، وقولهم في صفة الله تعالى: المجيد. أي: يجري السعة في بذل الفضل المختص به (انظر: الأسماء والصفات للبيهقي ص 57؛ والمنهاج في شعب الإيمان للحليمي 1/197). وقوله في صفة القرآن: { ق والقرآن المجيد } [ق/1] (وقال البيهقي: قيل في تفسيرها: إن معناه الكريم، وقيل: الشريف. الأسماء والصفات ص 57) فوصفه بذلك لكثرة ما يتضمن من المكارم الدنيوية والأخروية، وعلى هذا وصفه بالكريم بقوله: { إنه لقرآن كريم } [الواقعة/77]، وعلى نحوه: { بل هو قرآن مجيد } [البروج/21]، وقوله: { ذو العرش المجيد } [البروج/15] فوصفه بذلك لسعة فيضة وكثرة جوده، وقرئ: { المجيد } (وبها قرأ حمزة والكسائي وخلف. انظر: الإتحاف ص 436) بالكسر فلجلالته وعظم قدره، وما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (ما الكرسي في جنب العرش إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة) (الحديث تقدم في مادة (عرش) )، وعلى هذا قوله: { لا إله إلا هو رب العرش العظيم } [النمل/26] والتمجيد من العبد لله بالقول، وذكر الصفات الحسنة، ومن الله للعبد بإعطائه الفضل.
محص(3/399)
- أصل المحص: تخليص الشيء مما فيه من عيب كالفحص، لكن الفحص يقال في إبراز شيء من أثناء ما يختلط به، وهو منفصل عنه، والمحص يقال في إبرازه عما هو متصل به، يقال: محصت الذهب ومحصته: إذا أزلت عنه ما يشوبه من خبث. قال تعالى: { وليمحص الله الذين آمنوا } [آل عمران/141]، { وليمحص ما في قلوبكم } [آل عمران/154]، فالتمحيص ههنا كالتزكية والتطهير ونحو ذلك من الألفاظ. ويقال في الدعاء: (اللهم محص عنا ذنوبنا) (انظر: البصائر 4/486) أي: أزل ما علق بنا من الذنوب. ومحص الثوب (انظر: اللسان (محص) ؛ والمجمل 3/824) : إذا ذهب زئبره (الزئبر بالكسر: ما يعلو الثوب الجديد مثل ما يعلو الخز. وقال أبو زيد: زئبر الثوب وزغبره. اللسان (زأبر) )، ومحص الحبل يمحص: أخلق حتى يذهب عنه وبره، ومحص الصبي: إذا عدا.
محق
- المحق: النقصان، ومنه: المحاق، لآخر الشهر إذا انمحق الهلال، وامتحق، وانمحق، يقال: محقه: إذا نقصه وأذهب بركته. قال الله تعالى: { يمحق الله الربا ويربى الصدقات } [البقرة/276]، وقال: { ويمحق الكافرين } [آل عمران/141].
محل
- قوله تعالى: { وهو شديد المحال } [الرعد/13] أي: الأخذ بالعقوبة، قال بعضهم: هو من قولهم محل به محلا ومحالا: إذا أراده بسوء، قال أبو زيد: محل الزمان: قحط (انظر: الأفعال 4/149)، ومكان ماحل ومتماحل، وأمحلت الأرض، والمحالة: فقارة الظهر، والجمع: المحال، ولبن ممحل: قد فسد، ويقال: ماحل عنه. أي: جادل عنه، ومحل به إلى السلطان: إذا سعى به، وفي الحديث: (لا تجعل القرآن ماحلا بنا) (انظر: النهاية 4/303؛ وغريب القرآن لليزيدي ص 193. قال ابن حجر بعد ذكر هذا الحديث: قلت: الذي في الحديث: (القرآن شافع مشفع وماحل مصدق) أخرجه ابن حبان. انظر: تخريج أحاديث الكشاف ص 91) أي: يظهر عندك معايبنا، وقيل: بل المحال من الحول والحيلة، والميم فيه زائدة.
محن(3/400)
- المحن والامتحان نحو الابتلاء، نحو قوله تعالى: { فامتحنوهن } [الممتحنة/ 10] وقد تقدم الكلام في الابتلاء. قال تعالى: { أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى } [الحجرات/3]، وذلك نحو: { وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا } [الأنفال /17] وذلك نحو قوله: { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس } الآية [الأحزاب/ 33].
محو
- المحو: إزالة الأثر، ومنه قيل للشمال: محوة؛ لأنها تمحو السحاب والأثر. قال تعالى: { يمحو الله ما يشاء ويثبت } [الرعد/39].
مخر
- مخر الماء للأرض: استقبالها بالدور فيها. يقال: مخرت السفينة مخرا ومخورا: إذا شقت الماء بجؤجئها (الجؤجؤ: الصدر) مستقبلة له، وسفينة ماخرة، والجمع: المواخر. قال: { وترى الفلك مواخر فيه } [النحل/14] ويقال: استمخرت الريح، وامتخرتها: إذا استقبلتها بأنفك، وفي الحديث: (استمخروا الريح وأعدوا النبل) (قال ابن الأثير: ومنه حديث سراقة: (إذا أتى أحدكم الغائط فيلفعل كذا وكذا، واستمخروا الريح). ورواه الزمخشري، فقال: سراقة بن جعشم قال لقومه: إذا أتى أحدكم الغائط فليكرم قبلة الله ولا يستدبرها، وليتق مجالس اللعن: الطريق والظل والنهر، واستمخروا الريح، واستشبوا على أسوقكم، وأعدوا النبل. انظر: النهاية 4/305؛ والفائق 3/350؛ ومجمع الزوائد 1/209؛ وأخرجه ابن أبي حاتم في علله 1/36؛ وكنز العمال 9/361؛ وعزاه لحرب بن إسماعيل في مسائله) أي: في الاستنجاء، والماخور: الموضع الذي يباع فيه الخمر، وبنات مخر سحائب تنشأ صيفا (انظر: اللسان (مخر) ؛ والمجمل 3/825؛ وراجع مادة (بحر) وتعليقنا على ذلك).
مد(3/401)
- أصل المد: الجر، ومنه: المدة للوقت الممتد، ومدة الجرح، ومد النهر، ومده نهر آخر، ومددت عيني إلى كذا. قال تعالى: { ولا تمدن عينيك } الآية [طه/131]. ومددته في غيه، ومددت الإبل: سقيتها المديد، وهو بزر ودقيق يخلطان بماء، وأمددت الجيش بمدد، والإنسان بطعام. قال تعالى: { ألم تر إلى ربك كيف مد الظل } [الفرقان/45].
وأكثر ما جاء الإمداد في المحبوب والمد في المكروه نحو: { وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون } [الطور/22]، { أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين } [المؤمنون/55]، { ويمددكم بأموال وبنين } [نوح/12]، { يمددكم بخمسة آلاف } الآية [آل عمران/125]، { أتمدونن بمال } [النمل/36]، { ونمد له من العذاب مدا } [مريم/79]، { ويمدهم في طغيانهم يعمهون } [البقرة/15]، { وإخوانهم يمدونهم في الغي } [الأعراف/202]، { والبحر يمده من بعده سبعة أبحر } [لقمان/27] فمن قولهم: مده نهر آخر، وليس هو مما ذكرناه من الإمداد والمد المحبوب والمكروه، وإنما هو من قولهم: مددت الدواة أمدها (قال السرقسطي: مددت الدواة مدا، وأمددتها: جعلت فيها المداد. الأفعال 4/138)، وقوله: { ولو جئنا بمثله مددا } [الكهف/109] والمد من المكاييل معروف.
مدن
- المدينة فعلية عند قوم، وجمعها مدن، وقد مدنت مدينة، وناس يجعلون الميم زائدة، قال تعالى: { ومن أهل المدينة مردوا على النفاق } [التوبة/101] قال: { وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى } [يس/20]، { ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها } [القصص/15].
مرر(3/402)
- المرور: المضي والاجتياز بالشيء. قال تعالى: { وإذا مروا بهم يتغامزون } [المطففين/30]، { وإذا مروا باللغو مروا كراما } [الفرقان/72] تنبيها أنهم إذا دفعوا إلى التفوه باللغو كنوا عنه، وإذا سمعوه تصامموا عنه، وإذا شاهدوه أعرضوا عنه، وقوله: { فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا } [يونس/12] فقوله: { مر } ههنا كقوله: { وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه } [الإسراء/83] وأمررت الحبل: إذا فتلته، والمرير والممر: المفتول، ومنه: فلان ذو مرة، كأنه محكم الفتل. قال: { ذو مرة فاستوى } [النجم/6]. ويقال: مر الشيء، وأمر: إذا صار مرا، ومنه يقال: فلان ما يمر وما يحلي (في اللسان: وفلان ما يمر وما يحلي. أي: ما يضر ولا ينفع. اللسان (مرر) )، وقوله تعالى: { حملت حملا خفيفا فمرت به } [الأعراف/189] قيل: أستمرت. وقولهم: مرة ومرتين، كفعلة وفعلتين، وذلك لجزء من الزمان. قال: { ينقضون عهدهم في كل عام مرة } [الأنفال/56]، { وهم بدؤوكم أول مرة } [التوبة/13]، { إن تستغفر لهم سبعين مرة } [التوبة/80]، { إنكم رضيتم بالقعود أول مرة } [التوبة/83]، { سنعذبهم مرتين } [التوبة/101]، وقوله: { ثلاث مرات } [النور/58].
مرج
- أصل المرج: الخلط، والمرج الاختلاط، يقال: مرج أمرهم (انظر: الأفعال 4/159؛ واللسان (مرج) ) : اختلط، ومرج الخاتم في أصبعي، فهو مارج، ويقال: أمر مريج. أي: مختلط، ومنه غصن مريج: مختلط، قال تعالى: { فهم في أمر مريج } [ق/5] والمرجان: صغار اللؤلؤ. قال: { كأنهن الياقوت والمرجان } [الرحمن/58] وقوله: { مرج البحرين } [الرحمن/19] من قولهم: مرج. ويقال للأرض التي يكثر فيها النبات فتمرح فيه الدواب: مرج، وقوله: { من مارج من نار } [الرحمن/15] أي: لهيب مختلط، وأمرجت الدابة في المرعى: أرسلتها فيه فمرجت.
مرح(3/403)
- المرح: شدة الفرح والتوسع فيه، قال تعالى: { ولا تمش في الأرض مرحا } [الإسراء/37] وقرئ: (مرحا) (وهي قراءة شاذة قرأ بها يعقوب من غير طريق الطيبة. انظر: إعراب القرآن للنحاس 2/241) أي: فرحا، ومرحى: كلمة تعجب.
مرد
- قال الله تعالى: { وحفظنا من كل شيطان مارد } [الصافات/7] والمارد والمريد من شياطين الجن والإنس: المتعري من الخيرات. من قولهم: شجر أمرد: إذا تعرى من الورق، ومنه قيل: رملة مرداء: لم تنبت شيئا، ومنه: الأمرد لتجرده عن الشعر. وروي: (أهل الجنة مرد) (عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يدخل أهل الجنة الجنة جردا مردا مكحلين، أبناء ثلاثين أو ثلاث وثلاثين سنة، أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب (انظر: عارضة الأحوذي 20/14 وأحمد 2/295) فقيل: حمل على ظاهره، وقيل: معناه: معرون من الشوائب والقبائح، ومنه قيل: مرد فلان عن القبائح، ومرد عن المحاسن وعن الطاعة. قال تعالى: { ومن أهل المدينة مردوا على النفاق } [التوبة/101] أي ارتكسوا عن الخير وهم على النفاق، وقوله: { ممرد من قوارير } [النمل/44] أي: مملس. من قولهم شجرة مرداء: إذا لم يكن عليها ورق، وكأن الممرد إشارة إلى قول الشاعر:
- 421 - في مجدل شيد بنيانه * يزل عنه ظفر الظافر
(البيت للأعى؟؟ من قصيدة مطلعها:
شاقتك من قتلة أطلالها * بالشط فالوتر إلى حاجر
وهو في ديوانه ص 96؛ والمساعد شرح تسهيل الفوائد 1/526)
ومارد: حصن معروف (هو حصن بدومة الجندل)، وفي الأمثال: تمرد مارد وعز الأبلق (في مارد والأبلق قالت الزباء - وقد غزتهما فامتنعا عليها -: تمرد مارد، وعز الأبلق.
فصارت مثلا لكل عزيز ممتنع. انظر: معجم البلدان 5/38؛ واللسان (مرد) ؛ وتهذيب اللغة 14/119)، قاله ملك امتنع عليه هذان الحصنان.
مرض
- المرض: الخروج عن الاعتدال الخاص بالإنسان، وذلك ضربان:(3/404)
الأول: مرض جسمي، وهو المذكور في قوله تعالى: { ولا على المريض حرج } [النور/61]، { ولا على المرضى } [التوبة/91]. والثاني: عبارة عن الرذائل كالجهل، والجبن، والبخل، والنفاق، وغيرها من الرذائل الخلقية. نحو قوله: { في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا } [البقرة/10]، { أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا } [النور/50]، { وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم } [التوبة/125]. وذلك نحو قوله: { وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا } [المائدة/64] ويشبه النفاق والكفر ونحوهما من الرذائل بالمرض؛ إما لكونها مانعة عن إدراك الفضائل كالمرض المانع للبدن عن التصرف الكامل؛ وإما لكونها مانعة عن تحصيل الحياة الأخروية المذكورة في قوله: { وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون } [العنكبوت/64] ؛ وإما لميل النفس بها إلى الاعتقادات الرديئة ميل البدن المريض إلى الأشياء المضرة، ولكون هذه الأشياء متصورة بصورة المرض قيل: دوي صدر فلان، ونغل قلبه. وقال عليه الصلاة والسلام: (وأي داء أدوأ من البخل؟) (قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سيدكم يا بني سلمة؟) قالوا: سيدنا جد بن قيس إلا أنه رجل فيه بخل، فقال صلى الله عليه وسلم: (وأي داء أدوأ من البخل!؟ بل سيدكم بشر بن البراء) أخرجه الحاكم في المستدرك 3/219، وقال: صحيح على شرط مسلم، وأقره الذهبي)، ويقال: شمس مريضة: إذا لم تكن مضيئة لعارض عرض لها، وأمرض فلان في قوله: إذا عرض، والتمريض القيام على المريض، وتحقيقه: إزالة المرض عن المريض كالتقذية في إزالة القذى عن العين.
مرأ(3/405)
- يقال: مرء، ومرأة، وامرؤ، وامرأة. قال تعالى: { إن امرؤ هلك } [النساء/ 176]، { وكانت امرأتي عاقرا } [مريم/5]. والمروءة: كمال المرء، كما أن الرجولية كمال الرجل، والمريء: رأس المعدة والكرش اللاصق بالحلقوم، ومرؤ الطعام وأمرأ: إذا تخصص بالمريء لموافقة الطبع، قال تعالى: { فكلوه هنيئا مريئا } [النساء/4].
مرى
- المرية: التردد في الأمر، وهو أخص من الشك. قال تعالى: { ولا يزال الذين كفروا في مرية منه } [الحج/55]، { فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء } [هود/109]، { فلا تكن في مرية من لقائه } [السجدة/23]، { ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم } [فصلت/54] والامتراء والمماراة: المحاجة فيما فيه مرية. قال تعالى: { قول الحق الذي فيه يمترون } [مريم/34]، { بما كانوا فيه يمترون } [الحجر/63]، { أفتمارونه على ما يرى } [النجم/12]، { فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا } [الكهف/22] وأصله من: مريت الناقة: إذا مسحت ضرعها للحلب.
مريم
- مريم: اسم أعجمي، اسم أم عيسى عليه السلام (فائدة: قال التلمساني: لم يذكر الله امرأة في القرآن باسمها إلا مريم، ذكرها في نحو ثلاثين موضعا. والحكمة فيه: أن الملوك والأشراف لا يذكرون حرائر زوجاتهم بأسمائهن، بل يكنون عنهم بالأهل والعيال ونحوه، فإذا ذكروا الإماء لم يكنوا، ولم يحتشموا عن التصريح، فلذا صرح باسمها إشارة إلى أنها أمة من إماء الله، وابنها عبد من عبيد الله، ردا على اليهود الذين قالوا في عيسى عليه السلام وأمه ما قالوا. انظر: شرح الشفاء للخفاجي 1/136).
مزن
- المزن: السحاب المضيء، والقطعة منه: مزنة. قال تعالى: { أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون } [الواقعة/69] ويقال للهلال الذي يظهر من خلال السحاب: ابن مزنة، وفلان يتمزن، أي: يتسخى ويتشبه بالمزن، ومزنت فلانا: شبهته بالمزن، وقيلك المازن: بيض النمل.
مزج(3/406)
- مزج الشارب: خلطه، والمزاج: ما يمزج به. قال تعالى: { كان مزاجها كافورا } [الإنسان/5]، { ومزاجه من تسنيم } [المطففين/27]، { كان مزاجها زنجبيلا } [الإنسان/17].
مسس
- المس كاللمس لكن اللمس قد يقال لطلب الشيء وإن لم يوجد، كما قال الشاعر:
- 422 - وألمسه فلا أجده
(الشطر تقدم في مادة (لمس) )
والمس يقال فيما يكون معه إدراك بحاسة اللمس، وكني به عن النكاح، فقيل: مسها وماسها، قال تعالى: { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } [البقرة /237]، وقال: { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن } [البقرة /236] وقرئ: { ما لم تماسوهن } (وهي قراءة حمزة والكسائي وخلف. انظر: الإتحاف ص 159)، وقال: { أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر } [آل عمران /47] والمسيس كناية عن النكاح، وكني بالمس عن الجنون. قال تعالى: { كالذي يتخبطه الشيطان من المس } [البقرة/275] والمس يقال في كل ما ينال الإنسان من أذى. نحو قوله: { وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة } [البقرة/80]، وقال: { مستهم البأساء والضراء } [البقرة/214]، وقال: { ذوقوا مس سقر } [القمر/48]، { مسني الضر } [الأنبياء/83]، { مسني الشيطان } [ص/ 41]، { مستهم إذا لهم مكر في آياتنا } [يونس/21]، { وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه } [الإسراء/67].
مسح(3/407)
- المسح: إمرار اليد على الشيء، وإزالة الأثر عنه، وقد يستعمل في كل واحد منهما. يقال: مسحت يدي بالمنديل، وقيل للدرهم الأطلس: مسيح، وللمكان الأملس: أمسح، ومسح الأرض: ذرعها، وعبر عن السير بالمسح كما عبر عنه بالذرع، فقيل: مسح البعير المفازة وذرعها، والمسح في تعارف الشرع: إمرار الماء على الأعضاء. يقال: مسحت للصلاة وتمسحت، قال تعالى: { وامسحوا برءوسكم وأرجلكم } [المائدة/6]. ومسحته بالسيف: كناية عن الضرب، كما يقال: مسست، قال تعالى: { فطفق مسحا بالسوق والأعناق } [ص/33]، وقيل: سمي الدجال مسيحا، لأنه ممسوح أحد شقي وجهه، وهو أنه روي (أنه لا عين له ولا حاجب) (لم أجده في كتب الحديث، وذكره الزمخشري في الفائق 3/366، والسمين في العمدة: مسح)، وقيل: سمي عيسى عليه السلام مسيحا لكونه ماسحا في الأرض، أي: ذاهبا فيها، وذلك أنه كان في زمانه قوم يسمون المشائين والسياحين لسيرهم في الأرض، وقيل: سمي به لأنه كان يمسح ذا العاهة فيبرأ، وقيل: سمي بذلك لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن. وقال بعضهم (وهذا قول أبي عبيد، نقله عنه الأزهري في تهذيب اللغة 4/348) : إنما كان مشوحا بالعبرانية، فعرب فقيل المسيح وكذا موسى كان موشى (انظر المنتخب من غريب كلام العرب 2/603). وقال بعضهم: المسيح: هو الذي مسحت إحدى عينيه، وقد روي: (إن الدجال ممسوح اليمنى) (عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الدجال فقال: (ألا إن ربكم ليس بأعور، ألا وإنه أعور، عينه اليمنى كأنها عنبة طافية) أخرجه الترمذي، وقال: حديث صحيح غريب. (انظر: عارضة الأحوذي 9/96) و (عيسى ممسوح اليسرى) ( [استدراك] وهذا من الأباطيل التي لا تصح؛ فإن الأنبياء من شروطهم سلامة الحواس، وكمال الخلقة، والبعد عن الأمور المنفرة، ولو كان عيسى كذلك لكان مشوها، حاشاه عن ذلك). قال: ويعني بأن الدجال قد مسحت عنه القوة المحمودة من العلم والعقل والحلم والأخلاق الجميلة، وأن(3/408)
عيسى مسحت عنه القوة الذميمة من الجهل والشره والحرص وسائر الأخلاق الذميمة. وكني عن الجماع بالمسح، كما كني عنه بالمس واللمس، وسمي العرق القليل مسيحا، والمسح: البلاس. جمعه: مسوح وأمساح، والتمساح معروف، وبه شبه المارد من الإنسان.
مسخ
المسخ: تشويه الخلق والخلق وتحويلهما من صورة إلى صورة. قال بعض الحكماء: المسخ ضربان: مسخ خاص يحصل في الفينة بعد الفينة وهو مسخ الخلق، ومسخ قد يحصل في كل زمان وهو مسخ الخلق، وذلك أن يصير الإنسان متخلقا بخلق ذميم من أخلاق بعض الحيوانات. نحو أن يصير في شدة الحرص كالكلب، وفي الشره كالخنزير، وفي الغمارة كالثور، قال: وعلى هذا أحد الوجهين في قوله تعالى: { وجعل منهم القردة والخنازير } [المائدة/60]، وقوله: { لمسخناهم على مكانتهم } [يس/67]، يتضمن الأمرين وإن كان في الأول أظهر، والمسيخ من الطعام ما لا طعم له. قال الشاعر:
- 423 - وأنت مسيخ كلحم الحوار
(الشطر للأشعر الرقباني، وعجزه:
فلا أنت حلو ولا أنت مر
وهو في المجمل 3/831؛ واللسان (مسخ) ؛ والبصائر 4/506)
ومسخت الناقة: أنضيتها وأزلتها حتى أزلت خلقتها عن حالها، والماسخي: القواس، وأصله كان قواس منسوبا إلى ماسخه، وهي قبيلة فسمي كل قواس به، كما سمي كل حداد بالهالكي.
مسد
- المسد: ليف يتخذ من جريد النخل، أي: من غصنه فيمسد، أي: يفتل. قال تعالى: { حبل من مسد } [المسد/5]، وامرأة ممسودة: مطوية الخلق كالحبل الممسود.
مسك(3/409)
- إمساك الشيء: التعلق به وحفظه. قال تعالى: { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } [البقرة/229]، وقال: { ويمسك السماء أن تقع على الأرض } [الحج/65]، أي: يحفظها، واستمسكت بالشيء: إذا تحريت الإمساك. قال تعالى: { فاستمسك بالذي أوحي إليك } [الزخرف/43]، وقال: { أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون } [الزخرف/21]، ويقال: تمسكت به ومسكت به، قال تعالى: { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } [الممتحنة/10]. يقال: أمسكت عنه كذا، أي: منعته. قال: { هن ممسكات رحمته } [الزمر/38]، وكني عن البخل بالإمساك. والمسكة منن الطعام والشراب: ما يمسك الرمق، والمسك: الذبل المشدود على المعصم، والمسك: الجلد الممسك للبدن.
مشج
- قال تعالى: { من نطفة أمشاج نبتليه } [الإنسان/2]. أي: أخلاط من الدم، وذلك عبارة عما جعله الله تعالى بالنطفة من القوى المختلفة المشار إليها بقوله: { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة } إلى قوله: { خلقنا آخر } [المؤمنون/12 - 14] (الآية: { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظم لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين } (سورة المؤمنون: آيات 12 - 14) ).
مشى
- المشي: الانتقال من مكان إلى مكان بإرادة. قال الله تعالى: { كلما أضاء لهم مشوا فيه } [البقرة/20]، وقال: { فمنهم من يمشي على بطنه } [النور/45]، إلى آخر الآية. { يمشون على الأرض هونا } [الفرقان/63]، { فامشوا في مناكبها } [الملك/15]، ويكنى بالمشي عن النميمة. قال تعالى: { هماز مشاء بنميم } [القلم/11]، ويكنى به عن شرب المسهل، فقيل: شربت مشيا ومشوا، والماشية: الأغنام، وقيل: امرأة ماشية: كثر أولادها. * مصر(3/410)
- المصر اسم لكل بلد ممصور، أي: محدود، يقال: مصرت مصرا. أي: بنيته، والمصر: الحد، وكان من شروط هجر: اشترى فلان الدار بمصورها. أي: حدودها (قال ابن فارس: ويقال: إن أهل هجر يكتبون في شروطهم: اشترى فلان الدار بمصورها، أي: بحدودها. انظر: المجمل 3/833). قال الشاعر:
- 424 - وجاعل الشمس مصرا لاخفاء به * بين النهار وبين الليل قد فصلا
(البيت لعدي بن زيد في ديوانه ص 159، والبصائر 4/509؛ والمجمل 3/833؛ واللسان (مصر) ؛ ونسبه لأمية)
وقوله تعالى: { اهبطوا مصرا } [البقرة/61] فهو البلد المعروف، وصرفه لخفته، وقيل: بل عنى بلدا من البلدان. والماصر: الحاجز بين الماءين، ومصرت الناقة: إذا جمعت أطراف الأصابع على ضرعها فحلبتها، ومنه قيل: لهم غلة يمتصرونها (قال في اللسان: والتمصر: حلب بقايا اللبن في الضرع بعد الدر، وصار مستعملا في تتبع القلة. يقولون: يمتصرونها. اللسان (مصر).
وقال الزمخشري: ومنه قولهم: لبني فلان غلة يمتصرونها، أي: لا تجدي عليه تلك الكلمة، وهو يهلك إن نشرت عنه. انظر: الفائق 3/370). أي: يحتلبون منها قليلا قليلا، وثوب ممصر: مشبع الصبغ، وناقة مصور: مانع للبن لا تسمح به، وقال الحسن: لا بأس بكسب التياس ما لم يمصر ولم يبسر (راجع: النهاية لابن الأثير 1/126، 4/336)، أي: يحتلب بأصبعه، ويبسر على الشاة قبل وقتها. والمصير: المعى، وجمعه مصران، وقيل: بل هو مفعل من صار؛ لأنه مستقر الطعام.
مضغ
- المضغة: القطعة من اللحم قدر ما يمضغ ولم ينضج. قال الشاعر:
- 425 - يلجلج مضغة فيها أنيض
(الشطر لزهير في ديوانه ص 14، وعجزه:
أصلت فهي تحت الكسح داء
وقد تقدم في مادة (لج) )(3/411)
أي: غير منضج، وجعل اسما للحالة التي ينتهي إليها الجنين بعد العلقة. قال تعالى: { فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما } [المؤمنون/14]، وقال: { مضغة مخلقة وغير مخلقة } [الحج/5]. والمضاغة: ما يبقى عن المضغ في الفم، والماضغان: الشدقان لمضغهما الطعام، والمضائغ: العقبات اللواتي على طرفي هيئة القوس الواحدة مضيغة.
مضى
- المضي والمضاء: النفاذ، ويقال ذلك في الأعيان والأحداث. قال تعالى: { ومضى مثل الأولين } [الزخرف/8]، { فقد مضت سنة الأولين } [الأنفال/38].
مطر
- المطر: الماء المنسكب، ويوم مطير وماطر، وممطر، وواد مطير. أي: ممطور، يقال: مطرتنا السماء وأمطرتنا، وما مطرت منه بخير، وقيل: إن (مطر) يقال في الخير، و (أمطر) في العذاب، قال تعالى: { وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين } [الشعراء/173]، { وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين } [الأعراف/84]، { وأمطرنا عليهم حجارة } [الحجر/74]، { فأمطر علينا حجارة من السماء } [الأنفال/32]، ومطر، تمطر: ذهب في الأرض ذهاب المطر، وفرس متمطر. أي: سريع كالمطر، والمستمطر: طالب المطر والمكان الظاهر للمطر، ويعبر به عن طالب الخير، قال الشاعر:
- 426 - فواد خطاء وواد مطر
(هذا عجز بيت لامرئ القيس، وصدره:
لها وثبات كوثب الظباء
وهو من قصيدة مطلعها:
أحار بن عمرو كأني خمر * ويعدو على المرء ما يأتمر
وهو في ديوانه ص 72)
مطى
- قال تعالى: { ثم ذهب إلى أهله يتمطى } [القيامة/33] أي: يمد مطاه، أي: ظهره، والمطية: ما يركب مطاه من البعير، وقد امتطيته ركبت مطاه، والمطو: الصاحب المعتمد عليه، وتسميته بذلك كتسميته بالظهر.
مع
(نقل الزركشي هذا الباب في البرهان 4/428)(3/412)
(مع) يقتضي الاجتماع إما في المكان: نحو: هما معا في الدار، أو في الزمان. نحو: ولدا معا، أو في المعنى كالمتضايفين نحو: الأخ والأب، فإن أحدهما صار أخا للآخر في حال ما صار الآخر أخاه، وإما في الشرف والرتبة. نحو: هما معا في العلو، ويقتضي معنى النصرة [وأن المضاف إليه لفظ (مع) هو المنصور] (ما بين [ ] نقله السيوطي في معترك الأقران 2/555) نحو قوله تعالى: { لا تحزن إن الله معنا } [التوبة/40] أي: الذي مع يضاف إليه في قوله: الله معنا هو منصور. أي: ناصرنا، وقوله: { إن الله مع الذين اتقوا } [النحل/128]، { وهو معكم أينما كنتم } [الحديد/4]، و { إن الله مع الصابرين } [البقرة/153]، و { أن الله مع المتقين } [البقرة/194] وقوله عن موسى: { إن معي ربي } [الشعراء/62]. ورجل إمعة: من شأنه أن يقول لكل واحد: أنا معك. والمعمعة: صوت الحريق والشجعان في الحرب، والمعمعان: شدة الحرب.
معز
- قال تعالى: { ومن المعز اثنين } [الأنعام/143] والمعيز: جماعة المعز، كما يقال: ضئين لجماعة الضأن، ورجل ماعز: معصوب الخلق، والأمعز والمعزاء: المكان الغليظ، واستمعز في أمره: جد (انظر: الجمهرة 3/34؛ والمجمل 3/835).
معن
- ماء معين. هو من قولهم: معن الماء: جرى، فهو معين، ومجاري الماء معنان، وأمعن الفرس: تباعد في عدوه، وأمعن بحقي: ذهب، وفلان معن في حاجته، وقيل: ماء معين (انظر اللسان: عين) هو من العين، والميم زائدة فيه.
مقت
- المقت: البغض الشديد لمن تراه تعاطى القبيح. يقال: مقت مقاتة فهو مقيت، ومقته فهو مقيت وممقوت. قال تعالى: { إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا } [النساء/22] وكان يسمى تزوج الرجل امرأة أبيه نكاح المقت، وأما المقيت فمفعل من القوت، وقد تقدم (راجع: مادة (قوت) ).
مكك(3/413)
- اشتقاق مكة من: تمككت العظم: أخرجت مخه، وامتك الفصيل ما في ضرع أمه، وعبر عن الاستقصاء بالتمكك وروي أنه قال عليه الصلاة والسلام: (لا تمكوا على غرمائكم) (الحديث أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث 3/122؛ والفائق 3/42) وتسميتها بذلك لأنها كانت تمك من ظلم بها. أي: تدقه وتهلكه (قال ابن منظور: سميت مكة لأنها كانت تمك من ظلم فيها وألحد. أي: تهلكه. قال الراجز:
يا مكة، الفاجر مكي مكا * ولا تمكي مذحجا وعكا). قال الخليل (العين 2/287) : سميت بذلك لأنها وسط الأرض كالمخ الذي هو أصل ما في العظم، والمكوك: طاس يشرب به ويكال كالصواع.
مكث
- المكث: ثبات مع انتظار، يقال: مكث مكثا. قال تعالى: { فمكث غير بعيد } [النمل/22]، وقرئ: { مكث } (وهي قراءة جميع القراء إلا عاصما وروحا. الإتحاف ص 335)، قال: { إنكم ماكثون } [الزخرف/77]، { قال لأهله امكثوا } [القصص/29].
مكر
- المكر: صرف الغير عما يقصده بحيلة، وذلك ضربان: مكر محمود، وذلك أن يتحرى بذلك فعل جميل، وعلى ذلك قال: { والله خير الماكرين } [آل عمران/54]. ومذموم، وهو أن يتحرى به فعل قبيح، قال تعالى: { ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله } [فاطر/43]، { وإذ يمكر بك الذين كفروا } [الأنفال/ 30]، { فانظر كيف كان عاقبة مكرهم } [النمل/51]. وقال في الأمرين: { ومكروا مكرا ومكرنا مكرا } [النمل/50] وقال بعضهم: من مكر الله إمهال العبد وتمكينه من أعراض الدنيا، ولذلك قال أمير المؤمنين رضي الله عنه: من وسع عليه دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع عن عقله (انظر: البصائر 4/516؛ وتفسير الراغب ورقة 139).
مكن(3/414)
- المكان عند أهل اللغة: الموضع الحاوي للشيء، وعند بعض المتكلمين أنه عرض، وهو اجتماع جسمين حاو ومحوي، وذلك أن يكون سطح الجسم الحاوي محيطا بالمحوي، فالمكان عندهم هو المناسبة بين هذين الجسمين. قال: { مكانا سوى } [طه/58]، { وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا } [الفرقان/13] ويقال: مكنته ومكنت له فتمكن، قال: { ولقد مكناكم في الأرض } [الأعراف/ 10]، { ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه } [الأحقاف/26]، { أو لم نمكن لهم } [القصص/57]، { ونمكن لهم في الأرض } [القصص/6]، { وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم } [النور/55]، وقال: { في قرار مكين } [المؤمنون/13]. وأمكنت فلانا من فلان، ويقال: مكان ومكانة. قال تعالى: { اعملوا على مكانتكم } [هود/93] وقرئ: { على مكاناتكم } (وبها قرأ شعبة عن عاصم. انظر: الإتحاف ص 260)، وقوله: { ذي قوة عند ذي العرش مكين } [التكوير/ 20] أي: متمكن ذي قدر ومنزلة. ومكنات الطير ومكناتها: مقاره، والمكن: بيض الضب، و { بيض مكنون } [الصافات/49]. قال الخليل (العين 5/387) : المكان مفعل من الكون، ولكثرته في الكلام أجري مجرى فعال (وهذا النقل عن التهذيب 10/294.
وقال ثعلب: يبطل أن يكون مكان فعالا؛ لأن العرب تقول: كن مكانك، وقم مكانك، واقعد مقعدك. فقد دل هذا على أنه مصدر من (كان) أو موضع منه. انظر: اللسان (مكن) )، فقيل: تمكن وتمسكن، نحو: تمنزل.
مكا
- مكا الطير يمكو مكاء: صفر، قال تعالى: { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية } [الأنفال/35] تنبيها أن ذلك منهم جار مجرى مكاء الطير في قلة الغناء، والمكاء: طائر، ومكت استه: صوتت.
ملل(3/415)
- الملة كالدين، وهو اسم لما شرع الله تعالى لعباده على لسان الأنبياء ليتوصلوا به إلى جوار الله، والفرق بينها وبين الدين أن الملة لا تضاف إلا إلى النبي عليه الصلاة والسلام الذي تسند إليه. نحو: { فاتبعوا ملة إبراهيم } [آل عمران/95]، { واتبعت ملة آبائي } [يوسف/38] ولا تكاد توجد مضافة إلى الله، ولا إلى آحاد أمة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تستعمل إلى فيحملة الشرائع دون آحادها، لا يقال: ملة الله، ولا يقال: ملتي وملة زيد كما يقال: دين الله ودين زيد، ولا يقال: الصلاة ملة الله. وأصل الملة من: أمللت الكتاب، قال تعالى: { وليملل الذي عليه الحق } [البقرة/282]، { فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه } [البقرة/282] وتقال الملة اعتبارا بالشيء الذي شرعه الله. والدين يقال اعتبارا بمن يقيمه إذ كان معناه الطاعة. ويقال: خبز ملة، ومل خبزه يمله ملا، والمليل: ما طرح في النار، والمليلة: حرارة يجدها الإنسان، ومللت الشيء أمله (انظر: الأفعال 4/144) : أعرضت عنه. أي: ضجرت، وأمللته من كذا: حملته على أن مل. من قوله عليه الصلاة والسلام: (تكلفوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا) (الحديث عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها، وعندها امرأة. قال: من هذه؟ قالت: فلانة، تذكر من صلاتها. قال: (مه، عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا) أخرجه البخاري في الإيمان (فتح الباري 1/101) ؛ ومسلم برقم (1158) ) فإنه لم يثبت لله ملالا بل القصد أنكم تملون والله لا يمل.
ملح
- الملح: الماء الذي تغير طعمه التغير المعروف وتجمد، ويقال له ملح إذا تغير طعمه، وإن لم يتجمد، فيقال: ماء ملح. وقلما تقول العرب: ماء مالح (واستعمل هذا اللفظ الإمام الشافعي كما حكاه المزني عنه حيث قال: (فكل ماء من بحر عذب أو مالح) انظر: مختصر المزني 1/2.(3/416)
وأنكر بعض اللغويين هذا على الشافعي، وقالوا: تقول العرب: ماء وسمك ملح، ولا تقول: ماء مالح. وردهم مردود بما حكاه أبو عمر الزاهد غلام ثعلب قال: سمعت ثعلبا يقول: كلام العرب: ماء ملح وسمك ملح، وقد جاء عن العرب: ماء ملح، وسمك مالح، وأنشد:
بصرية تزوجت بصريه * يطعمها المالح والطريا
انظر: الرد على الانتقاد على الشافعي ص 35؛ وتهذيب اللغة 5/99). قال الله تعالى: { وهذا ملح أجاج } [الفرقان/53] وملحت القدر: ألقيت فيها الملح، وأملحتها: أفسدتها بالملح، وسمك مليح، ثم استعير من لفظ الملح الملاحة، فقيل: رجل مليح، وذلك راجع إلى حسن يغمض إدراكه.
ملك
- الملك: هو المتصرف بالأمر والنهي في الجمهور، وذلك يختص بسياسة الناطقين، ولهذا يقال: ملك الناس، ولا يقال: ملك الأشياء، وقوله: { ملك يوم الدين } [الفاتحة/3] فتقديره: الملك في يوم الدين، وذلك لقوله: { لمن الملك اليوم لله الواحد القهار } [غافر/16]. والملك ضربان: ملك هو التملك والتولي، وملك هو القوة على ذلك، تولى أن لم يتول. فمن الأول قوله: { إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها } [النمل/34]، ومن الثاني قوله: { إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا } [المائدة/20] فجعل النبوة مخصوصة والملك عاما، فإن معنى الملك ههنا هو القوة التي بها يترشح للسياسة، لا أنه جعلهم كلهم متولين للأمر، فذلك مناف للحكمة كما قيل: لا خير في كثرة الرؤساء. قال بعضهم: الملك اسم لكل من يملك السياسة؛ إما في نفسه وذلك بالتمكين من زمام قواه وصرفها عن هواها؛ وإما في غيره سواء تولى ذلك أو لم يتول على ما تقدم، وقوله: { فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما } [النساء/54].(3/417)
والملك: الحق الدائم لله، فلذلك قال: { له الملك وله الحمد } [التغابن/1]، وقال: { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء } [آل عمران/26] فالملك ضبط الشيء المتصرف فيه بالحكم، والملك كالجنس للملك، فكل ملك ملك، وليس كل ملك ملكا. قال: { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء } [آل عمران/26]، { ولا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا } [الفرقان/3]، وقال: { أمن يملك السمع والأبصار } [يونس/31]، { قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا } [الأعراف/188] وفي غيرها من الآيات. والملكوت: مختص بملك الله تعالى، وهو مصدر ملك أدخلت فيه التاء.(3/418)
نحو: رحموت ورهبوت، قال: { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض } [الأنعام/75]، وقال: { أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض } [الأعراف/185] والمملكة: سلطان الملك وبقاعه التي يتملكها، والمملوك يختص في التعارف بالرقيق من الأملاك، قال: { عبدا مملوكا } [النحل/75] وقد يقال: فلان جواد بمملوكه. أي: بما يتملكه، والملكة تختص بملك العبيد، ويقال: فلان حسن الملكة. أي: الصنع إلى مماليكه، وخص ملك العبيد في القرآن باليمين، فقال: { ليسأذنكم الذين ملكت أيمانكم } [النور/58]، وقوله: { أو ما ملكت أيمانكم } [النساء/3]، { أو ما ملكت أيمانهن } [النور/31] ومملوك مقر بالملوكة والملكة والملك، وملاك الأمر: ما يعتمد عليه منه. وقيل: القلب ملاك الجسد، والملاك: التزويج، وأملكوه: زوجوه، شبه الزوج بملك عليها في سياستها، وبهذا النظر قيل: كاد العروس أن يكون ملكا (انظر: مجمع الأمثال 2/158؛ والعين 5/380). وملك الإبل والشاء ما يتقدم ويتبعه سائره تشبيها بالملك، ويقال: ما لأحد في هذا ملك وملك غيري. قال تعالى: { ما أخلفنا موعدك بملكنا } [طه/87] (وهي قراءة نافع وعاصم وأبي جعفر) وقرئ بكسر الميم (وهي قراءة ابن كثير وابن عامر وأبي عمرو ويعقوب، وقرأ حمزة والكسائي وخلف بضم الميم.(3/419)
انظر: الإتحاف ص 306)، وملكت العجين: شددت عجنه، وحائط ليس له ملاك. أي: تماسك وأما الملك فالنحويون جعلوه من لفظ الملائكه، وجعل الميم فيه زائدة. وقال بعض المحققين: هو من الملك، قال: والمتولي من الملائكة شيئا من السياسات يقال له: ملك بالفتح، ومن البشر يقال له: ملك بالكسر، فكل ملك ملائكة وليس كل ملائكة ملكا، بل الملك هو المشار إليه بقوله: { فالمدبرات أمرا } [النازعات/5]، { فالمقسمات أمرا } [الذاريات/4]، { والنازعات } [النازعات/1] ونحو ذلك، ومنه: ملك الموت، قال: { والملك على أرجائها } [الحاقة/17]، { على الملكين ببابل } [البقرة/102]، { قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم } [السجدة/11].
ملأ
- الملأ: جماعة يجتمعون على رأي، فملؤون العيون رواء ومنظرا، والنفوس بهاء وجلالا. قال تعالى: { ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل } [البقرة /246]، و { قال الملأ من قومه } [الأعراف/60]، { إن الملأ يأتمرون بك } [القصص/20]، { قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم } [النمل/29]، وغير ذلك من الآيات. يقال: فلان ملء العيون. أي: معظم عند من رآه، كأنه ملأ عينه من رؤيته، ومنه: قيل: شاب مالئ العين (قال ابن منظور: وشاب مالئ العين: إذا كان فخما حسنا. اللسان (ملأ) )، والملأ: الخلق المملوء جمالا، قال الشاعر:
- 427 - فقلنا أحسني ملأ جهينا
(هذا عجز بيت، وصدره:
تنادوا: يا لبهثة إذ رأونا
وهو لعبد الشارق بن عبد العزى الجهني، وهو في شرح الحماسة 2/20؛ واللسان (ملأ) ؛ والمجمل 3/838؛ وشرح مقصورة ابن دريد لابن خالويه ص 308؛ وتفسير الراغب ورقة 165)
ومالأته: عاونته وصرت من ملئه. أي: جمعه. نحو: شايعته. أي: صرت من شيعته، ويقال: هو ملئ بكذا. والملاءة: الزكام الذي يملأ الدماغ، يقال: ملئ فلان وأملأ، والملْء: مقدار ما يأخذه الإناء الممتلئ، يقال: أعطني ملأه وملأيه وثلاثة أملائه.
ملأ(3/420)
- الإملاء: الإمداد، ومنه قيل للمدة الطويلة ملاوة من الدهر، وملي من الدهر، قال تعالى: { واهجرني مليا } [مريم/46] وتمليت دهرا: أبقيت، وتمليت الثوب: تمتعت به طويلا، وتملى بكذا: تمتع به بملاوة من الدهر، وملاك الله غير مهموز: عمرك، ويقال: عشيت مليا. أي: طويلا، والملا مقصور: المفازة الممتدة (انظر: المقصور والممدود للفراء ص 48)، والملوان قيل: الليل والنهار، وحقيقة ذلك تكررها وامتدادهما، بدلالة أنهما أضيفا إليهما في قول الشاعر:
- 428 - نهار وليل دائم ملواهما * على كل حال المرء يختلفان
(البيت في اللسان (ملا) دون نسبة. وهو لابن مقبل من قصيدة مطلعها:
ألا يا دار الحي بالسبعان * أمل عليها بالبلى الملوان
وهو في ديوانه ص 336؛ وجنى الجنتين ص 108)
فلو كانا الليل والنهار لما أضيفا إليهما. قال تعالى: { وأملي لهم إن كيدي متين } [الأعراف/183] أي: أمهلهم، وقوله: { الشيطان سول لهم وأملى لهم } [محمد/25] أي: أمهل، ومن قرأ: { أملي لهم } (وهي قراءة يعقوب، بضم الهمزة وكسر اللام، وسكون الياء، وقرأ أبو عمرو كذلك إلا أنه فتح الياء. الإتحاف ص 394) فمن قولهم: أمليت الكتاب أمليه إملاء. قال تعالى: { أنما نملي لهم خيرا لأنفسهم } [آل عمران/178]. وأصل أمليت: أمللت، فقلب تخفيفا قال تعالى: { فهي تملى عليه بكرة وأصيلا } [الفرقان/5]، وفي موضع آخر: { فليملل وليه بالعدل } [البقرة/282].
منن(3/421)
- المن: ما يوزن به، يقال: من، ومنان، وأمنان، وربما أبدل من إحدى النونين ألف فقيل: منا وأمناء، ويقال لما يقدر: ممنون كما يقال: موزون، والمنة: النعمة الثقيلة، ويقال ذلك على وجهين: أحدهما: أن يكون ذلك بالفعل، فيقال: من فلان على فلان: إذا أثقله بالنعمة، وعلى ذلك قوله: { لقد من الله على المؤمنين } [آل عمران/164]، { كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم } [النساء/94]، { ولقد مننا على موسى وهارون } [الصافات/114]، { يمن على من يشاء } [إبراهيم/11]، { ونريد أن نمن على الذين استضعفوا } [القصص/5]، وذلك على الحقيقة لا يكون إلا لله تعالى. والثاني: أن يكون ذلك بالقول، وذلك مستقبح فيما بين الناس إلا عند كفران النعمة، ولقبح ذلك قيل: المنة تهدم الصنيعة (انظر أمثال أبي عبيد ص 66، ومجمع الأمثال 2/287، والمستقصى 1/350)، ولحسن ذكرها عند الكفران قيل: إذا كفرت النعمة حسنت المنة. وقوله: { يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم } [الحجرات/17] فالمنة منهم بالقول، ومنة الله عليهم بالفعل، وهو هدايته إياهم كما ذكر، وقوله: { فإما منا بعد وإما فداء } [محمد/4] فالمن إشارة إلى الإطلاق بلا عوض. وقوله: { هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب } [ص/39] أي: أنفقه، وقوله: { ولا تمنن تستكثر } [المدثر/6] فقد قيل: هو المنة بالقول، وذلك أن يمتن به ويستكثره، وقيل: معناه: لا تعط مبتغيا به أكثر منه، وقوله: { لهم أجر غير ممنون } [الانشقاق/25] قيل: غير معدود كما قال: { بغير حساب } (الآية: { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } ) [الزمر/10] وقيل: غير مقطوع (مجاز القرآن 2/292) ولا منقوص. ومنه قيل: المنون للمنية؛ لأنها تنقص العدد وتقطع المدد. وقيل: إن المنة التي بالقول هي من هذا؛ لأنها تقطع النعمة وتقتضي قطع الشكر، وأما المن في قوله: { وأنزلنا عليكم المن والسلوى } [البقرة/57] فقد قيل: المن شيء كالطل فيه حلاوة يسقط على الشجر،(3/422)
والسلوى: طائر، وقيل: المن والسلوى، كلاهما إشارة إلى ما أنعم الله به عليهم، وهما بالذات شيء واحد لكن سماه منا بحيث إنه امتن به عليهم، وسماه سلوى من حيث إنه كان لهم به التسلي.
من
- عبارة عن الناطقين، ولا يعبر به عن غير الناطقين إلا إذا جمع بينهم وبين غيرهم، كقولك: رأيت من في الدار من الناس والبهائم، أو يكون تفصيلا لجملة يدخل فيهم الناطقون، كقوله تعالى: { فمنهم من يمشي } الآية [النور/45]. ولا يعبر به عن غير الناطقين إذا انفرد، ولهذا قال بعض المحدثين (عجز بيت نسبه المؤلف في الذريعة ص 24 للمتنبي، ولم أجده في ديوانه، وصدره:
[حولي بكل مكان منهم خلق] ) في صفة أغنام نفى عنهم الإنسانية:
تخطئ إذا جئت في استفهامه بمن
تنبيها أنهم حيوان أو دون الحيوان. ويعبر به عن الواحد والجمع والمذكر والمؤنث. قال تعالى: { ومنهم من يستمع } [الأنعام/25]، وفي أخرى: { من يستمعون إليك } [يونس/42] وقال: { ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا } [الأحزاب/31].(3/423)
و: لابتداء الغاية، وللتبعيض، وللتبيين، وتكون لاستغراق الجنس في النفي والاستفهام. نحو: { فما منكم من أحد } [الحاقة/47]. وللبدل. نحو: خذ هذا من ذلك. أي: بدله، قال تعالى: { ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد } [إبراهيم/37]، (فمن) اقتضى التبعيض، فإنه كان نزل فيه بعض ذريته، وقوله: { من السماء من جبال فيها من برد } [النور/43] قال: تقديره أنه ينزل من السماء جبالا، فمن الأولى ظرف، والثانية في موضع المفعول، والثالثة للتبيين كقولك: عنده جبال من مال. وقيل: يحتمل أن يكون قوله: (من جبال) نصبا على الظرف على أنه ينزل منه، وقوله: { من برد } نصب. أي: ينزل من السماء من جبال فيها بردا، وقيل: يصح أن يكون موضع من في قوله: { من برد } رفعا، و { من جبال } نصبا على أنه مفعول به، كأنه في التقدير: وينزل من السماء جبالا فيها برد، ويكون الجبال على هذا تعظيما وتكثيرا لما نزل من السماء. وقوله تعالى: { فكلوا مما أمسكن عليكم } [المائدة/4]، قال أبو الحسن: من زائدة (وعبارته: أدخل (من) كما أدخله في قوله: كان من حديث، وقد كان من مطر، وقوله: { ويكفر عنكم من سيئاتكم } و { ينزل من السماء من جبال فيها من برد } وهو فيما فسر: ينزل من السماء جبالا فيها برد. انظر: معاني القرآن لأبي الحسن الأخفش 1/254)، والصحيح أن تلك ليست بزائدة؛ لأن بعض ما يمسكن لا يجوز أكله كالدم والغدد وما فيها من القاذورات المنهي عن تناولها.
منع(3/424)
- المنع يقال في ضد العطية، يقال: رجل مانع ومناع. أي: بخيل. قال الله تعالى: { ويمنعون الماعون } [الماعون/7]، وقال: { مناع للخير } [ق/25]، ويقال في الحماية، ومنه: مكان منيع، وقد منع وفلان ذو منعة. أي: عزيز ممتنع على من يرومه. قال تعالى: { ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين } [النساء/141]، { ومن أظلم ممن منع مساجد الله } [البقرة/114]، { ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك } [الأعراف/12] أي: ما حملك؟ وقيل: ما الذي صدك وحملك على ترك ذلك؟ يقال: امرأة منيعة كناية عن العفيفة. وقيل: مناع. أي: امنع، كقولهم: نزال. أي: انزل.
منى
- المنى: التقدير. يقال: منى لك الماني، أي: قدر لك المقدر، ومنه: المنا الذي يوزن به فيما قيل، والمني للذي قدر به الحيوانات. قال تعالى: { ألم يك نطفة من مني يمنى } [القيامة/37]، { من نطفة إذا تمنى } [النجم/46] أي: تقدر بالعزة الإلهية ما لم يكن منه، ومنه: المنية، وهو الأجل المقدر للحيوان، وجمعه: منايا، والتمني: تقدير شيء في النفس وتصويره فيها، وذلك قد يكون عن تخمين وظن، ويكون عن روية وبناء على أصل، لكن لما كان أكثره عن تخمين صار الكذب له أملك، فأكثر التمني تصور ما لا حقيقة له. قال تعالى: { أم للإنسان ما تمنى } [النجم/24]، { فتمنوا الموت } [البقرة/94]، { ولا يتمنونه أبدا } [الجمعة/7] والأمنية: الصورة الحاصلة في النفس من تمني الشيء، ولما كان الكذب تصور ما لا حقيقة له وإيراده باللفظ صار التمني كالمبدإ للكذب، فصح أن يعبر عن الكذب بالتمني، وعلى ذلك ما روي عن عثمان رضي الله عنه: (ما تغنيت ولا تمنيت منذ أسلمت) (في النهاية: وفي حديث عثمان: ما تغنيت ولا تمنيت، ولا شربت خمرا في جاهلية ولا إسلام.(3/425)
وفي رواية: ما تمنيت منذ أسلمت. أي: ما كذبت. التمني: التكذب. انظر: النهاية لابن الأثير 4/367)، وقوله تعالى: { ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني } [البقرة/78] قال مجاهد: معناه: إلا كذبا (انظر: الدر المنثور 1/201؛ وغريب القرآن لليزيدي ص 74)، وقال غيره إلا تلاوة مجردة عن المعرفة. من حيث إن التلاوة بلا معرفة المعنى تجري عند صاحبها مجرى أمنية تمنيتها على التخمين، وقوله: { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته } [الحج/52] أي: في تلاوته، فقد تقدم أن التمني كما يكون عن تخمين وظن فقد يكون عن روية وبناء على أصل، ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما كان يبادر إلى ما نزل به الروح الأمين على قلبه حتى قيل له: { لا تعجل بالقرآن } [طه/114]، و { لا تحرك به لسانك لتعجل به } [القيامة/16] سمى تلاوته على ذلك تمنيا، ونبه أن للشيطان تسلطا على مثله في أمنيته، وذلك من حيث بين أن (العجلة من الشيطان) (راجع: مادة (عجل) ). ومنيتني كذا: جعلت لي أمنية بما شبهت لي، قال تعالى مخبرا عنه: { ولأضلنهم ولأمنينهم } [النساء/119].
مهد
- المهد: ما يهيىء للصبي. قال تعالى: { كيف نكلم من كان في المهد صبيا } [مريم/29] والمهد والمهاد: المكان الممهد الموطأ. قال تعالى: { الذي جعل لكم الأرض مهدا } [طه/53]، و { مهادا } [النبأ/6] (الآية: { ألم نجعل الأرض مهادا } ) وذلك مثل قوله: { الأرض فراشا } [البقرة/22] ومهدت لك كذا: هيأته وسويته، قال تعالى: { ومهدت له تمهيدا } [المدثر/14] وامتهد السنام. أي: تسوى، فصار كمهاد أو مهد.
مهل
- المهل: التؤدة والسكون، يقال: مهل في فعله، وعمل في مهلة، ويقال: مهلا. نحو: رفقا، وقد مهلته: إذا قلت له مهلا، وأمهلته: رفقت به، قال: { فمهل الكافرين أمهلهم رويدا } [الطارق/17] والمهل: دردي الزيت، قال: { كالمهل يغلي في البطون } [الدخان/45].
موت(3/426)
- أنواع الموت بحسب أنواع الحياة:
فالأول: ما هو بإزاء القوة النامية الموجودة في الإنسان والحيوانات والنبات. نحو قوله تعالى: { يحيي الأرض بعد موتها } [الروم/19]، { وأحيينا به بلدة ميتا } [ق/11].
الثاني: زوال القوة الحاسة. قال: { يا ليتني مت قبل هذا } [مريم/23]، { أئذا ما مت لسوف أخرج حيا } [مريم/66].
الثالث: زوال القوة العاقلة، وهي الجهالة. نحو: { أومن من كان ميتا فأحييناه } [الأنعام/122]، وإياه قصد بقوله: { إنك لا تسمع الموتى } [النمل/80].
الرابع: الحزن المكدر للحياة، وإياه قصد بقوله: { ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت } [إبراهيم/17].
الخامس: المنام، فقيل: النوم موت خفيف، والموت نوم ثقيل، وعلى هذا النحو سماهما الله تعالى توفيا. فقال: { هو الذي يتوفاكم بالليل } [الأنعام/60]، { الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها } [الزمر/42]، وقوله: { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء } [آل عمران/ 169] فقد قيل: نفي الموت هو عن أرواحهم فإنه نبه على تنعمهم، وقيل: نفى عنهم الحزن المذكور في قوله: { ويأتيه الموت من كل مكان } [إبراهيم/ 17]، وقوله: { كل نفس ذائقة الموت } [آل عمران/185] فعبارة عن زوال القوة الحيوانية وإبانة الروح عن الجسد، وقوله: { إنك ميت وإنهم ميتون } [الزمر/30] فقد قيل: معناه: ستموت، تنبيها أن لا بد لأحد من الموت كما قيل:
- 429 - والموت حتم في رقاب العباد
(هذا عجز بيت؛ وقبله:
شرده الخوف وأزرى به * كذاك من يكره حر الجلاد
منخرق الكفين يشكو الوجى * تنكبه أطراف مرو حداد
قد كان في الموت له راحة * والموت حتم في رقاب العباد
وهذه الأبيات كان زيد بن علي يتمثل بها، وهي في البيان والتبين 4/58 - 59؛ والشطر في عمدة الحفاظ (موت) ؛ وهي لمحمد بن عبد الله في زهر الآداب 1/39)(3/427)
وقيل: بل الميت ههنا ليس بإشارة إلى إبانة الروح عن الجسد، بل هو إشارة إلى ما يعتري الإنسان في كل حال من التحلل والنقص؛ فإن البشر مادام في الدنيا يموت جزءا فجزءا، كما قال الشاعر:
- 430 - يموت جزءا فجزءا (لم أجده)
وقد عبر قوم عن هذا المعنى بالمائت، وفصلوا بين الميت والمائت، فقالوا: المائت هو المتحلل، قال القاضي علي بن عبد العزيز (القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني، كان قاضي بالري، وهو من الفقهاء الشافعية. وصاحب القصيدة الشهيرة التي يقول فيها:يقولون لي: فيك انقباض وإنما * رأوا رجلا عن موقف الذل أحجما
توفي سنة 366 ه. انظر: أخباره في وفيات الأعيان 3/278؛ وطبقات الشافعية 3/459؛ ومعجم الأدباء 14/14) : ليس في لغتنا مائت على حسب ما قالوه، والميت: مخفف عن الميت، وإنما يقال: موت مائت، كقولك: شعر شاعر، وسيل سائل، ويقال: بلد ميت وميت، قال تعالى: { فسقناه إلى بلد ميت } [فاطر/9]، { بلدة ميتا } [الزخرف/11] والميتة من الحيوان: ما زال روحه بغير تذكية، قال: { حرمت عليكم الميتة } [المائدة/3]، { إلا أن يكون ميتة } [الأنعام/145] والموتان بإزاء الحيوان، وهي الأرض التي لم تحي للزرع، وأرض موات. ووقع في الإبل موتان كثير، وناقة مميتة، ومميت: مات ولدها، وإماتة الخمر: كناية عن طبخها، والمستميت المتعرض للموت، قال الشاعر:
- 431 - فأعطيت الجعالى مستميتا
(هذا شطر بيت لشقيق بن سليك الأسدي، وعجره:
خفيف الحاذ من فتيان جرم
وهو في شرح الحماسة للتبريزي 2/142؛ وقد تقدم في مادة (جعل) )
والموتة: شبه الجنون، كأنه من موت العلم والعقل، ومنه: رجل موتان القلب، وامرأة موتانة.
موج
- الموج في البحر: ما يعلو من غوارب الماء. قال تعالى: { في موج كالجبال } [هود/42]، { يغشاه موج من فوقه موج } [النور/40] وماج كذا يموج، وتموج تموجا: اضطرب اضطراب الموج. قال تعالى: { وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض } [الكهف/99].
ميد(3/428)
- الميد: اضطراب الشيء العظيم كاضطراب الأرض. قال تعالى: { أن تميد بكم } [النحل/15]، { أن تميد بهم } [الأنبياء/31]. ومادت الأغصان تميد، وقيل الميدان في قول الشاعر:
- 432 - نعيما وميدانا من العيش أخضرا
(العجز لابن أحمر، وقال الصاغاني في التكملة: ميد ذكره الجوهري، وهو غلط وتحريف، والرواية [أغيدا]، والبيت:
[وإن خضمت ريق الشباب وصادفت * نعيما وميدانا من العيش أغيدا] )
وقيلك هو الممتد من العيش، وميدان الدابة منه، [والمائدة: الطبق الذي عليه الطعام، ويقال لكل واحدة منهما مائدة] (ما بين قوسين نقله السمين في الدر المصون 4/502، قال: والمائدة: الخوان عليه طعام، فإن لم يكن عليه طعام [استدراك] فليست بمائدة. هذا هو المشهور، إلا أن الراغب قال: (والمائدة: الطبق الذي عليه طعام، ويقال لكل واحد منها مائدة) وهو مخالف لما عليه المعظم)، ويقال: مادني يميدني، أي: أطعمني، وقيل: يعشينى، وقوله تعالى: { أنزل علينا مائدة من السماء } [المائدة/114] قيل: استدعوا طعاما، وقيل: استدعوا علما، وسماه مائدة من حيث إن العلم غذاء القلوب كما أن الطعام غذاء الأبدان.
مور
- المور: الجريان السريع. يقال: مار يمور مورا. قال تعالى: { يوم تمور السماء مورا } [الطور/9] ومار الدم على وجهه، والمور: التراب المتردد به الريح، وناقة تمور في سيرها، فهي موارة.
مير
- الميرة: الطعام يمتاره الإنسان، يقال: مار أهله يميرهم. قال تعالى: { ونمير أهلنا } [يوسف/65]. والغيرة والميرة يتقاربان (قال ابن منظور: والغيرة، بالكسر والغيار: الميرة. اللسان (غير) )
ميز(3/429)
- الميز والتمييز: الفصل بين المتشابهات، يقال: مازه يميزه ميزا، وميزه تمييزا، قال تعالى: { ليميز الله } [الأنفال/37]، وقرئ: { ليميز الله الخبيث من الطيب } (وهي قراءة حمزة والكسائي ويعقوب وخلف. انظر: الإتحاف ص 183). والتمييز يقال تارة للفصل، وتارة للقوة التي في الدماغ، وبها تستنبط المعاني، ومنه يقال: فلان لا تمييز له، ويقال: انماز وامتاز، قال: { وامتازوا اليوم } [يس/59] وتميز كذا مطاوع ماز. أي: انفصل وانقطع، قال تعالى: { تكاد تميز من الغيظ } [الملك/8].
ميل
- الميل: العدول عن الوسط إلى أحد الجانبين، ويستعمل في الجور، وإذا استعمل في الأجسام فإنه يقال فيما كان خلقة ميل، وفيما كان عرضا ميل، يقال: ملت إلى فلان: إذا عاونته. قال تعالى: { فلا تميلوا كل الميل } [النساء/ 129] وملت عليه: تحاملت عليه. قال تعالى: { فيميلون عليكم ميلة واحدة } [النساء/102]، والمال سمي بذلك لكونه مائلا أبدا وزائلا، ولذلك سمي عرضا، وعلى هذا دل قول من قال: المال قحبة تكون يوما في بيت عطار، ويوما في بيت بيطار (انظر: بصائر ذوي التمييز 4/540. وهذا من كلام الصاحب بن عباد، وهو في التمثيل والمحاضرة ص 250).
مائة
- المائة: الثالثة من أصول الأعداد، وذلك أن أصول الأعداد أربعة: آحاد، وعشرات، ومئات، وألوف. قال تعالى: { فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين } [الأنفال/66]، { وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا } [الأنفال/65] ومائة آخرها محذوف، يقال: أمأيت الدراهم فأمأت هي، أي: صارت ذات مائة.
ماء(3/430)
- قال تعالى: { وجعلنا من الماء كل شيء حي } [الأنبياء/30]، وقال: { وأنزلنا من السماء ماء طهورا } [الفرقان/48]، ويقال ماه بني فلان، وأصل ماء موه، بدلالة قولهم في جمعه: أمواه، ومياه. في تصغيره مويه، فحذف الهاء وقلب الواو، ورجل ماهي القلب: كثر ماء قلبه (حكاه كراع النمل في المنتخب 1/171)، فماه هو مقلوب من موه أي: فيه ماء، وقيل: هو نحو رجل قاه (القاه: الجاه، وقيل: الطاعة. وما له علي قاه، أي: سلطان.
واختلف في ألفه، فذكره الزمخشري في القاف والياء، وجعل عينه منقلبه عن ياء، وكذا ابن بري.
وذكره الجوهري في القاف والواو، وكذا تابعه ابن الأثير. راجع: اللسان (قيه) )، وماهت الركية تميه وتماه، وبئر ميهة وماهة، وقيل: ميهة، وأماه الرجل، وأمهى: بلغ الماء. و:
ما
- في كلامهم عشرة: خمسة أسماء، وخمسة حروف. فإذا كان اسما فيقال للواحد والجمع والمؤنث على حد واحد، ويصح أن يعتبر في الضمير لفظه مفردا، وأن يعتبر معناه للجميع.
فالأول من الأسماء بمعنى الذي نحو: { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم } [يونس/18] (والآية بتمامها: { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، قل: أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون } ) ثم قال: { هؤلاء شفعاؤنا عند الله } [يونس/18] لما اراد الجمع، وقوله: { ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا... } الآية [النحل/73]، فجمع أيضا، وقوله: { بئسما يأمركم به إيمانكم } [البقرة/93].
الثاني: نكرة. نحو: { نعما يعظكم به } [النساء/58] أي: نعم شيئا يعظكم به، وقوله: { فنعما هي } [البقرة/271] فقد أجيز أن يكون ما نكرة من قوله: { ما بعوضة فما فوقها } [البقرة/26]، وقد أجيز أن يكون صلة، فما بعده يكون مفعولا. تقديره: أن يضرب مثلا بعوضة (انظر: الأقوال في هذه المسألة في الدر المصون 1/223).(3/431)
الثالث: الاستفهام، ويسأل به عن جنس ذات الشيء، ونوعه، وعن جنس صفات الشيء، ونوعه، وقد يسأل به عن الأشخاص، والأعيان في غير الناطقين. وقال بعض النحويين: وقد يعبر به عن الأشخاص الناطقين (قال الزركشي: وجوز بعض النحويين أن يسأل بها عن أعيان من يعقل أيضا، حكاه الراغب. فإن كان مأخذه قوله تعالى عن فرعون: { وما رب العالمين } فإنما هو سؤال عن الصفة؛ لأن الرب هو المالك، والملك صفة، ولهذا أجابه موسى بالصفات، ويحتمل أن (ما) سؤال عن ماهية الشيء، ولا يمكن ذلك في حق الله تعالى، فأجابه موسى تنبيها على صواب السؤال. راجع: البرهان في علوم القرآن 4/403)، كقوله تعالى: { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } [المؤمنون/6]، { إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء } [العنكبوت/42] وقال الخليل: ما استفهام. أي: أي شيء تدعون من دون الله؟ وإنما جعله كذلك؛ لأن (ما) هذه لا تدخل إلا في المبتدإ والاستفهام الواقع آخرا.
الرابع: الجزاء نحو: { ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له } الآية [فاطر/2]. ونحو: ما تضرب أضرب.
الخامس: التعجب نحو: { فما أصبرهم على النار } [البقرة/175].
وأما الحروف:(3/432)
فالأول: أن يكون ما بعده بمنزلة المصدر كأن الناصبة للفعل المستقبل. نحو: { ومما رزقناهم ينفقون } [البقرة/3] فإن (ما) مع رزق في تقدير الرزق، والدلالة على أنه مثل (أن) أنه لا يعود إليه ضمير لا ملفوظ به ولا مقدر فيه، وعلى هذا حمل قوله: { بما كانوا يكذبون } [البقرة/10]، وعلى هذا قولهم: أتاني القوم ما عدا زيدا، وعلى هذا إذا كان في تقدير ظرف نحو: { كلما أضاء لهم مشوا فيه } [البقرة/20]، { كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله } [المائدة/64]، { كلما خبت زدناهم سعيرا } [الإسراء/97]. وأما قوله: { فاصدع بما تؤمر } [الحجر/94] فيصح أن يكون مصدرا وأن يكون بمعنى الذي (انظر: مغني البيب ص 736). واعلم أن (ما) إذا كان مع ما بعدها في تقدير المصدر لم يكن إلا حرفا؛ لأنه لو كان اسما لعاد إليه ضمير، وكذلك قولك: أريد أن أخرج؛ فإنه لا عائد من الضمير إلى أن، ولا ضمير لها بعده.
الثاني: للنفي وأهل الحجاز يعملونه بشرط نحو: { ما هذا بشرا } [يوسف/31] (وشرط عملها ما ذكره ابن مالك في ألفيته:
إعمال (ليس) أعملت (ما) دون (إن) * مع بقا النفي، وترتيب زكن
وسبق حرف جر أو ظرف ك ما * بي أنت معنيا أجاز العلما).
الثالث: الكافة، وهي الداخلة على (أن) وأخواتها و (رب) ونحو ذلك، والفعل. نحو: { إنما يخشى الله من عباده العلماء } [فاطر/28]، { إنما نملي لهم ليزدادوا إثما } [آل عمران/178]، { كأنما يساقون إلى الموت } [الأنفال/6] وعلى ذلك (ما) في قوله: { ربما يود الذين كفروا } [الحجر/2]، وعلى ذلك: قلما وطالما فيما حكي.
الرابع: المسلطة، وهي التي تجعل اللفظ متسلطا بالعمل، بعد أن لم يكن عاملا. نحو: (ما) في إذما، وحيثما، لأنك تقول: إذ ما تفعل أفعل، وحيثما تقعد أقعد، فإذ وحيث لا يعملان بمجردهما في الشرط، ويعملان عند دخول (ما) عليهما.(3/433)
الخامس: الزائدة لتوكيد اللفظ في قولهم: إذا ما فعلت كذا، وقولهم: إما تخرج أخرج. قال: { فإما ترين من البشر أحدا } [مريم/26]، وقوله: { إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما } [الإسراء/23].
كتاب النون
نبت
- النبت والنبات: ما يخرج من الأرض من الناميات، سواء كان له ساق كالشجر، أو لم يكن له ساق كالنجم، لكن اختص في التعارف بما لا ساق له، بل قد اختص عند العامة بما يأكله الحيوان، وعلى هذا قوله تعالى: { لنخرج به حبا ونباتا } [النبأ/15] ومتى اعتبرت الحقائق فإنه يستعمل في كل نام؛ نباتا كان، أو حيوانا، أو إنسانا، والإنبات يستعمل في كل ذلك. قال تعالى: { فأنبتنا فيها حبا * وعنبا وقضبا * وزيتونا ونخلا * وحدائق غلبا * وفاكهة وأبا } [عبس/27 - 31]، { فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها } [النمل/60]، { ينبت لكم به الزرع والزيتون } [النحل/11]، وقوله: { والله أنبتكم من الأرض نباتا } [نوح/17] فقال النحويون: قوله: (نباتا) موضوع موضع الإنبات (انظر: المدخل لعلم تفسير كتاب الله بتحقيقنا ص 290)، وهو مصدر. وقال غيرهم: قوله: (نباتا) حال لا مصدر، ونبه بذلك أن الإنسان هو من وجه نبات من حيث إن بدأه ونشأه من التراب، وإنه ينمو نموه، وإن كان له وصف زائد على النبات، وعلى هذا نبه بقوله: { هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة } [غافر/67]، على ذلك قوله: { وأنبتها نباتا حسنا } [آل عمران/37]، وقوله: { تنبت بالدهن } [المؤمنون/20] الباء للحال لا للتعدية؛ لأن (نبت) متعد تقديره: تنبت حاملة للدهن. أي: تنبت والدهن موجود فيها بالقوة (تقدم للمؤلف الكلام على هذه الآية في مادة (الباء) )، ويقال: إن بني فلان لنابتة شر (انظر: المجمل 3/850)، ونبتت فيهم نابتة أي: نشأ فهم نشء صغار.
نبذ(3/434)
- النبذ: إلقاء الشيء وطرحه لقلة الاعتداد به، ولذلك يقال: نبذته نبذ النعل الخلق، قال تعالى: { لينبذن في الحطمة } [الهمزة/4]، { فنبذوه وراء ظهورهم } [آل عمران/187] لقلة اعتدادهم به، وقال: { نبذه فريق منهم } [البقرة/100] أي: طرحوه لقلة اعتدادهم به، وقال: { فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم } [القصص/40]، { فنبذناه بالعراء } [الصافات/145]، { لنبذ بالعراء } [القلم/ 49]، وقوله: { فانبذ إليهم على سواء } [الأنفال/58] فمعناه: ألق إليهم السلم، واستعمال النبذ في ذلك كاستعمال الإلقاء كقوله: { فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون } [النحل/86]، { وألقوا إلى الله يومئذ السلم } [النحل/87] تنبيها أن لا يؤكد العقد معهم بل حقهم أن يطرح ذلك إليهم طرحا مستحثا به على سبيل المجاملة، وأن يراعيهم حسب مراعاتهم له، ويعاهدهم على قدر ما عاهدوه، وانتبذ فلان: اعتزل اعتزال من لا يقل مبالاته بنفسه فيما بين الناس. قال تعالى: { فحملته فانتبذت به مكانا قصيا } [مريم/22] وقعد نبذة ونبذة. أي: ناحية معتزلة، وصبي منبوذ ونبيذ كقولك: ملقوط ولقيط، لكن يقال: منبوذ اعتبارا بمن طرحه، وملقوط ولقيط اعتبارا بمن تناوله، والنبيذ: التمر والزبيب الملقى مع الماء في الإناء، ثم صار اسما للشراب المخصوص.
نبز
- النبز: التلقيب. قال الله تعالى: { ولا تنابزوا بالألقاب } [الحجرات/11].
نبط
- قال تعالى: { ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم } [النساء/83] أي: يستخرجونه منهم (مجاز القرآن 1/134)، وهو استفعال من: أنبطت كذا، والنبط: الماء المستنبط، وفرس أنبط: أبيض تحت الإبط، ومنه النبط (النبط والنبيط: جيل ينزلون سواد العراق، والنسبة إليهم نبطي. اللسان (نبط) ) المعروفون.
نبع(3/435)
- النبع: خروج الماء من العين. يقال: نبع الماء ينبع نبوعا ونبعا، والينبوع: العين الذي يخرج منه الماء، وجمعه: ينابيع. قال تعالى: { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض } [الزمر/21] والنبع: شجر يتخذ منه القسي.
نبأ
- [النبأ: خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن، ولا يقال للخبر في الأصل نبأ حتى يتضمن هذه الأشياء الثلاثة، وحق الخبر الذي يقال فيه نبأ أن يتعرى عن الكذب، كالتواتر، وخبر الله تعالى، وخبر النبي عليه الصلاة والسلام، ولتضمن النبإ معنى الخبر يقال: أنبأته بكذا كقولك: أخبرته بكذا، ولتضمنه معنى العلم قيل: أنبأته كذا، كقولك: أعلمته كذا] (ما بين [ ] نقله البغدادي في الخزانة حرفيا 1/270). قال الله تعالى: { قل هو نبأ عظيم * أنتم عنه معرضون } [ص/67 - 68]، وقال: { عم يتساءلون * عن النبإ العظيم } [النبأ/1 - 2]، { ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم } [التغابن/5]، وقال: { تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك } [هود/49]، وقال: { تلك القرى نقص عليك من أنبائها } [الأعراف/101]، وقال: { ذلك من أنباء القرى نقصه عليك } [هود/100]، وقوله: { إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا } [الحجرات/ 6] فتنبيه أنه إذا كان الخبر شيئا عظيما له قدر فحقه أن يتوقف فيه؛ وإن علم وغلب صحته على الظن حتى يعاد النظر فيه، ويتبين فضل تبين، يقال: نبأته وأنبأته.(3/436)
قال تعالى: { أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين } [البقرة/31]، وقال: { أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم باسمائهم } [البقرة/33]، وقال: { نبأتكما بتأويله } [يوسف/37]، { ونبئهم عن ضيف إبراهيم } [الحجر/ 51]، وقال: { أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض } [يونس/ 18]، { قل سموهم أم تنبئونه بما لا يعلم } [الرعد/33]، وقال: { نبئوني بعلم إن كنتم صادقين } [الأنعام/143]، { قد نبأنا الله من أخباركم } [التوبة/94]. ونبأته أبلغ من أنبأته، { فلننبئن الذين كفروا } [فصلت/50]، { ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر } [القيامة/13] ويدل على ذلك قوله: { فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير } [التحريم/3] ولم يقل: أنبأني، بل عدل إلى (نبأ) الذي هو أبلغ تنبيها على تحقيقه وكونه من قبل الله.(3/437)
وكذا قوله: { قد نبأنا الله من أخباركم } [التوبة/94]، { فينبئكم بما كنتم تعملون } [المائدة/105] والنبوة: سفارة بين الله وبين ذوي العقول من عباده لإزاحة عللهم في أمر معادهم ومعاشهم. والنبي لكونه منبئا بما تسكن إليه العقول الذكية، وهو يصح أن يكون فعيلا بمعنى فاعل لقوله تعالى: { نبئ عبادي } [الحجر/49]، { قل أونبئكم } [آل عمران/15]، وأن يكون بمعنى المفعول لقوله: { نبأني العليم الخبير } [التحريم/3]. وتنبأ فلان: ادعى النبوة، وكان من حق لفظه في وضع اللغة أن يصح استعماله في النبي إذ هو مطاوع نبأ، كقوله زينه فتزين، وحلاه فتحلى، وجمله فتجمل، لكن لما تعورف فيمن يدعي النبوة كذبا جنب استعماله في المحق، ولم يستعمل إلا في المتقول في دعواه. كقولك: تنبأ مسيلمة، ويقال في تصغير نبيء: مسيلمة نبييء سوء، تنبيها أن أخباره ليست من أخبار الله تعالى، كما قال رجل سمع كلامه: والله ما خرج هذا الكلام من إل (ذكر أبو بكر الباقلاني أن أبا بكر الصديق سأل أقواما قدموا عليه من بني حنيفة عن هذه الألفاظ - أي: ألفاظ مسيلمة - فحكوا بعضها، فقال أبو بكر: سبحان الله! ويحكم، إن هذا الكلام لم يخرج عن إل، فأين كان يذهب بكم.
راجع: إعجاز القرآن ص 157) أي: الله. والنبأة الصوت الخفي.
نبي(3/438)
- النبي بغير همز، فقد قال النحويون: أصله الهمز فترك همزه، واستدلوا بقولهم: مسيلمة نبييء سوء. وقال بعض العلماء: هو من النبوة، أي: الرفعة (انظر: اللسان (نبأ) ؛ والحجة في القراءات للفارسي 2/90؛ والقول البديع ص 29)، وسمي نبيا لرفعه محله عن سائر الناس المدلول عليه بقوله: { ورفعناه مكانا عليا } [مريم/57]. فالنبي بغير الهمز أبلع من النبيء بالهمز؛ لأنه ليس كل منبإ رفيع القدر والمحل، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام لمن قال: يا نبيء الله فقال: (لست بنبيء الله ولكن نبي الله) (الحديث عن أبي ذر قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبيء الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لست بنبيء الله، ولكني نبي الله) أخرجه الحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي وقال: بل منكر لم يصح، وفيه حمران بن أعين ليس بثقة، وهو واه. انظر: المستدرك 2/231.
وقال ابن عمر: ما همز رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا الخلفاء، وإنما الهمز بدعة ابتدعوها من بعدهم) لما رأى أن الرجل خاطبة بالهمز ليغض منه. والنبوة والنباوة: الارتفاع، ومنه قيل: نبا بفلان مكانه، كقولهم: قض عليه مضجعة، ونبا السيف عن الضريبة: إذا ارتد عنه ولم يمض فيه، ونبا بصره عن كذا تشبيها بذلك.
نتق الشيء:
جذبه ونزعه حتى يسترخي؛ كنتق عرى الحمل. قال تعالى: { وإذ نتقنا الجبل فوقهم } [الأعراف/171]، ومنه استعير: امرأة ناتق: إذا كثر ولدها، وقيل: زند ناتق: وار، تشبيها بالمرأة الناتق.
نثر
- نثر الشيء: نشره وتفريقه. يقال: نثرته فانتثر. قال تعالى: { وإذا الكواكب انتثرت } [النفطار/2] ويسمى الدرع إذا لبس نثرة، ونثرت الشاة: طرحت من أنفها الأذى، والنثرة: ما يسيل من الأنف، وقد تسمى الأنف نثرة، ومنه: النثرة لنجم يقال له أنف الأسد، وطعنه فأنثره: ألقاه على أنفه، والاستنثار: جعل الماء في النثرة.
نجد(3/439)
- النجد: المكان الغليظ الرفيع، وقوله تعالى: { وهديناه النجدين } [البلد/10] فذلك مثل لطريقي الحق والباطل في الاعتقاد، والصدق والكذب في المقال، والجميل والقبيح في الفعال، وبين أنه عرفهما كقوله: { إنا هديناه السبيل } الآية [الإنسان/3]، والنجد: اسم صقع، وأنجده: قصده، ورجل نجد ونجيد ونجد. أي: قوي شديد بين النجدة، واستنجدته: طلبت نجدته فأنجدني. أي: أعانني بنجدته. أي: شجاعته وقوته، وربما قيل استنجد فلان. أي: قوي، وقيل للمكروب والمغلوب: منجود، كأنه ناله نجدة. أي: شدة، والنجد: العرق، ونجده الدهر (قال ابن منظور: ونجده الدهر: عجمه وعلمه، والذال المعجمة أعلى. اللسان: (نجد).
وقال قدامة بن جعفر: رجل مجرب، وفنجد، ومجذع، ومحنك، ومجرس، ومضرس، ومدرب، وموقر، وممرس، ومعجم. جواهر الألفاظ ص 333). أي: قواه وشدده، وذلك بما رأى فيه من التجربة، ومنه قيل: فلان ابن نجدة كذا (قال ابن فارس: ويقال للدليل الحاذق: هو ابن بجدتها، أي: عالم بالأرض كأنه نشأ بها.
وقال ابن منظور: يقال: هو ابن بجدتها للعالم بالشيء المتقن له المميز له، وكذلك يقال للدليل الهادي.
وقيل: هو الذي لا يبرح، من قوله: بجد بالمكان: إذا أقام، وهو عالم ببجدة أمرك، وبجدة أمرك، وبجدة أمرك. أي: بدخيلته وبطانته. انظر: المجمل 1/116؛ واللسان (بجد).
وعلى هذا فقول الراغب: فلان ابن نجدة كذا تصحيف، والصواب: ابن بجدة، كما أسلفنا. [استدراك] )، والنجاد: ما يرفع به البيت، والنجاد: متخذه، ونجاد السيف: ما يرفع به من السير، والناجود: الراووق، وهو شيء يعلق فيصفى به الشراب.
نجس(3/440)
- النجاسة: القذارة، وذلك ضربان: ضرب يدرك بالحاسة، وضرب يدرك بالبصيرة، والثاني وصف الله تعالى به المشركين فقال: { إنما المشركون نجس } [التوبة/28] ويقال: نجسة. أي: جعله نجسا، ونجسه أيضا: أزال نجسه، ومنه تنجيس العرب، وهو شيء كانوا يفعلونه من تعليق عوذة على الصبي ليدفعوا عنه نجاسة الشيطان، والناجس والنجيس: داء خبيث لا دواء له.
نجم
- أصل النجم: الكوكب الطالع، وجمعه: نجوم، ونجم: طلع، نجوما ونجما، فصار النجم مرة اسما، ومرة مصدرا، فالنجوم مرة اسما كالقلوب والجيوب، ومرة مصدرا كالطلوع والغروب، ومنه شبه به طلوع النبات، والرأي، فقيل: نجم النبت والقرن، ونجم لي رأي نجما ونجوما، ونجم فلان على السلطان: صار عاصيا، ونجمت المال عليه: إذا وزعته، كأنك فرضت أن يدفع عند طلوع كل نجم نصيبا، ثم صار متعارفا في تقدير دفعه بأي شيء قدرت ذلك. قال تعالى: { وعلامات وبالنجم هم يهتدون } [النحل/ 16]، وقال: { فنظر نظرة في النجوم } [الصافات/88] أي: في علم النجوم، وقوله: { والنجم إذا هوى } [النجم/1] قيل: أراد به الكوكب، وإنما خص الهوي دون الطلوع؛ فإن لفظة النجم تدل على طلوعه، وقيل: أراد بالنجم الثريا، والعرب إذا أطلقت لفظ النجم قصدت به الثريا. نحو:
طلع النجم غديه * وابتغى الراعي شكيه
(الشكية: تصغير الشكوة، وذلك أن الثريا إذا طلعت هذا الوقت هبت البوارح، ورمضت الأرض، وعطشت الرعيان، فاحتاجوا إلى شكاء يستقون فيها لشفاههم. انظر: للسان (شكا) ؛ والبصائر 5/20؛ ونقائض جرير والأخطل ص 51)
وقيل: أراد بذلك القرآن المنجم المنزل قدرا فقدرا، ويعني بقوله: { هوى } نزوله، وعلى هذا قوله: { فلا أقسم بمواقع النجوم } [الواقعة/75] فقد فسر على الوجهين، والتنجيم: الحكم بالنجوم، وقوله تعالى: { والنجم والشجر يسجدان } [الرحمن/6] فالنجم: ما لا ساق له من نبات، وقيل: أراد الكواكب.
نجو(3/441)
- أصل النجاء: الانفصال من الشيء، ومنه: نجا فلان من فلان وأنجيته ونجيته. قال تعالى: { وأنجينا الذين آمنوا } [النمل/53] وقال: { إنا منجوك وأهلك } [العنكبوت/33]، { وإذ نجيناكم من آل فرعون } [البقرة/49]، { فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق } [يونس/23]، { فأنجيناه وأهله إلا امرأته } [الأعراف/83]، { فأنجيناه والذين معه برحمة منا } [الأعراف/ 72]، { ونجيناهما وقومهما } [الصافات/115]، { ونجيناهما بسحر* نعمة } [القمر/34 - 35]، { ونجينا الذين آمنوا } [فصلت/18]، { ونجيناهم من عذاب غليظ } [هود/58]، { ثم ننجي الذين اتقوا } [مريم/72]، { ثم ننجي رسلنا } [يونس/103] والنجوة والنجاة: المكان المرتفع المنفصل بارتفاعه عما حوله، وقيل: سمي لكونه ناجيا من السيل، ونجيته: تركته بنجوة، وعلى هذا: { فاليوم ننجيك ببدنك } [يونس/92] ونجوت قشر الشجرة، وجلد الشاة، ولاشتراكهما في ذلك قال الشاعر:
- 433 - فقلت انجوا عنها نجا الجلد إنه * سيرضيكما منها سنام وغاربه
(البيت لأبي الغمر الكلابي، وهو في شرح مقصورة ابن دريد لابن خالويه ص 433؛ والمجمل 3/857؛ وخزانة الأدب 4/358؛ [استدراك] والمقصور والممدود للفراء ص 23؛ وغريب الحديث للخطابي 2/374؛ ولم يعرفه المحقق وقيل: هو لعبد الرحمن بن حسان يخاطب ضيفين طرقاه)(3/442)
وناجيته. أي: ساررته، وأصله أن تخلو به في نجوة من الأرض. وقيل: أصله من النجاة، وهو أن تعاونه على ما فيه خلاصه. أو أن تنجو بسرك من أن يطلع عليك، وتناجى القوم، قال: { يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوى } [المجادلة/ 9]، { إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة } [المجادلة/12] والنجوى أصله المصدر، قال: { إنما النجوى من الشيطان } [المجادلة/10] وقال: { ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى } [المجادلة/8]، وقوله: { وأسروا النجوى الذين ظلموا } [الأنبياء/3] تنبيها أنهم لم يظهروا بوجه، لأن النجوى ربما تظهر بعد. وقال: { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم } [المجادلة/ 7] وقد يوصف بالنجوى، فيقال: هو نجوى، وهم نجوى. قال تعالى: { وإذ هم نجوى } [الإسراء/47] والنجي: المناجي، ويقال للواحد والجمع. قال تعالى: { وقربناه نجيا } [مريم/52]، وقال: { فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا } [يوسف/80] وانتجيت فلانا: استخلصته لسري، وأنجى فلان: أتى نجوة، وهم في أرض نجاة: أي: في أرض يستنجى من شجرها العصي والقسي. أي: يتخذ ويستخلص، والنجا: عيدان قد قشرت، قال بعضهم: يقال: نجوت فلانا: استنكهته (وقائل هذا هو ابن فارس في المجمل 3/858)، واحتج بقول الشاعر:
- 434 - نجوت مجالدا فوجدت منه * كريح الكلب مات حديث عهد
(البيت للحكم بن عبدل، وهو في المجمل 3/858؛ وشرح المقصورة لابن خالويه ص 433؛ واللسان (نجا) )(3/443)
فإن يكن حمل نجوت على هذا المعنى من أجل هذا البيت فليس في البيت حجة له، وإنما أراد أني ساررته، فوجدت من بخره ريح الكلب الميت. وكني عما يخرج من الإنسان بالنجو، وقيل: شرب دواء فما أنجاه. أي: ما أقامه، والاستنجاء: تحري إزالة النجو، أو طلب نجوة لإلقاء الأذى كقولهم: تغوط: إذا طلب غائطا من الأرض، أو طلب نجوة. أي: قطعة مدر لإزالة الأذى. كقولهم: استجمر إذا طلب جمارا. أي: حجرا، والنجأة بالهمز: الإصابة بالعين. وفي الحديث: (ادفعوا نجأة السائل باللقمة) (الحديث ذكره ابن الأثير في النهاية بلفظ: (ردوا نجأة السائل باللقمة).
قال: النجأة: شدة النظر. يقال للرجل الشديد الإصابة بالعين: إنه لنجوء. النهاية 5/17).
نحب
- النحب: النذر المحكوم بوجوبه، يقال: قضى فلان نحبه. أي: وفى بنذره. قال تعالى: { فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر } [الأحزاب/23] ويعبر بذلك عمن مات، كقولهم: قضى أجله (يقال في ذلك: قضى نحبه، وفات أمره، وزهقت نفسه، وحم حمامه، وقرب أجله، وانقضى أكله، وحان حينه ودنت منيته. انظر: جواهر الألفاظ ص 384)، واستوفى أكله، وقضى من الدنيا حاجته، والنحيب: البكاء الذي معه صوت، والنحاب السعال.
نحت
- نحت الخشب والحجر ونحوهما من الأجسام الصلبة. قال تعالى: { وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين } [الشعراء/149] والنحاتة: ما يسقط من المنحوت، والنحيتة: الطبيعة التي نحت عليها الإنسان كما أن الغريزة ما غرز عليها الإنسان.
نحر(3/444)
- النحر: موضع القلادة من الصدر. ونحرته: أصبت نحره، ومنه: نحر البعير، وقيل في حرف عبد الله: (فنحروها وما كادوا يفعلون) [البقرة/71] (وهي قراءة شاذة) وانتحروا على كذا: تقاتلوا تشبيها بنحر البعير، ونحرة الشهر ونحيره: أوله، وقيل: آخر يوم من الشهر (انظر: المجمل 3/858؛ واللسان (نحر) )، كأنه ينحر الذي قبله، وقوله: { فصل لربك وانحر } [الكوثر/ 2] هو حث على مراعاة هذين الركنين، وهما الصلاة، ونحر الهدي، وأنه لا بد من تعاطيهما، فذلك واجب في كل دين وفي كل ملة، وقيل: أمر بوضع اليد على النحر (قال ابن عباس: إن الله أوحى إلى رسوله أن ارفع يديك حذاء نحرك إذا كبرت للصلاة، فذاك النحر. الدر المنثور 8/650) وقيل: حث على قتل النفس بقمع الشهوة. والنحرير: العالم بالشيء والحاذق به.
نحس
- قوله تعالى: { يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس } [الرحمن/35] فالنحاس: اللهيب بلا دخان، وذلك تشبيه في اللون بالنحاس، والنحس: ضد السعد، قال الله تعالى: { في يوم نحس مستمر } [القمر/19]، { فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات } [فصلت/16] وقرئ (نحسات) (وهي قراءة شاذة) بالفتح. قيل: مشؤومات (وهذا قول الضحاك، حكاه عنه أبو جعفر النحاس في إعراب القرآن 3/33، وكذا قال به قتادة ومجاهد. انظر: الدر المنثور 7/317)، وقيل: شديدات البرد (وهذا القول حكاه النقاش. انظر: تفسير القرطبي 15/348). وأصل النحس أن يحمر الأفق فيصير كالنحاس. أي: لهب بلا دخان، فصار ذلك مثلا للشؤم.
نحل(3/445)
- النحل: الحيوان المخصوص. قال تعالى: { وأوحى ربك إلى النحل } [النحل/ 68] والنحلة والنحلة: عطية على سبيل التبرع، وهو أخص من الهبة؛ إذ كل هبة نحلة، وليس كل نحلة هبة، واشتقاقه فيما أرى (ووافقه في هذا الفيروزآبادي في البصائر 5/27، والسمين في عمدة الحفاظ: نحل) أنه من النحل نظرا منه إلى فعله، فكأن نحلته: أعطيته عطية النحل، وذلك ما نبه عليه قوله: { وأوحى ربك إلى النحل } الآية [النحل/68]. وبين الحكماء أن النحل يقع على الأشياء كلها فلا يضرها بوجه، وينفع أعظم نفع، فإنه يعطي ما فيه الشفاء كما وصفه الله تعالى، وسمي الصداق بها من حيث إنه لا يجب في مقابلته أكثر من تمتع دون عوض مالي، وكذلك عطية الرجل ابنه. يقال: نحل ابنه كذا، وأنحله، ومنه: نحلت المرأة، قال تعالى: { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } [النساء/4] والانتحال: ادعاء الشيء وتناوله، ومنه يقال: فلان ينتحل الشعر. ونحل جسمه نحولا: صار في الدقة كالنحل، ومنه: النواحل للسيوف أي: الرقاق الظبات تصورا لنحولها، ويصح أن يجعل النحلة أصلا، فيسمى النحل بذلك اعتبارا بفعله. والله أعلم. * نحن
- نحن عبارة عن المتكلم إذا أخبر عن نفسه مع غيره، وما ورد في القرآن من إخبار الله تعالى عن نفسه بقوله: { نحن نقص عليك أحسن القصص } [يوسف/3] فقد قيل: هو إخبار عن نفسه وحده، لكن يخرج ذلك مخرج الإخبار الملوكي.(3/446)
وقال بعض العلماء: إن الله تعالى يذكر مثل هذه الألفاظ إذا كان الفعل المذكور بعده يفعله بواسطة بعض ملائكته، أو بعض أوليائه، فيكون (نحن) عبارة عنه تعالى وعنهم، وذلك كالوحي، ونصرة المؤمنين، وإهلاك الكافرين، ونحو ذلك مما يتولاه الملائكة المذكورون بقوله: { فالمدبرات أمرا } [النازعات/5] وعلى هذا قوله: { ونحن أقرب إليه منكم } [الواقعة/85] يعني: وقت المحتضر حين يشهده الرسل المذكورون في قوله: { تتوفاهم الملائكة } [النحل/28] وقوله: { إنا نحن نزلنا الذكر } [الحجر/9] لما كان بوساطة القلم واللوح وجبريل.
نخر
- قال تعالى: { أئذا كنا عظاما نخرة } [النازعات/11] من قولهم: نخرت الشجرة. أي: بليت، فهبت بها نخرة الريح. أي: هبوبها والنخير: صوت من الأنف، ويسمى حرفا الأنف اللذان يخرج منهما النخير نخرتاه، ومنخراه، والنخور: الناقة التي لا تدر أو يدخل الأصبع في منخرها، والناخر: من يخرج منه النخير، ومنه: ما بالدار ناخر (أي: ما بها أحد. انظر: المجمل 3/860؛ والبصائر 5/30).
نخل
- النخل معروف، وقد يستعمل في الواحد والجمع. قال تعالى: { كأنهم أعجاز نخل منقعر } [القمر/20] وقال: { كأنهم أعجاز نخل خاوية } [الحاقة/7]، { ونخل طلعها هضيم } [الشعراء/148]، { والنخل باسقات لها طلع نضيد } [ق/10] وجمعه: نخيل، قال: { ومن ثمرات النخيل } [النحل/67] والنخل نخل الدقيق بالمنخل، وانتخلت الشيء: انتقيته فأخذت خياره.
ندد(3/447)
- نديد الشيء: مشاركه في جوهره، وذلك ضرب من المماثلة؛ فإن المثل يقال في أي مشاركة كانت، فكل ند مثل، وليس كل مثل ندا، ويقال: نده ونديده ونديدته، قال تعالى: { فلا تجعلوا لله أندادا } [البقرة/22]، { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا } [البقرة/165]، { وتجعلون له أندادا } [فصلت/9] وقرئ: (يوم التناد) [غافر/32] (وهي قراءة شاذة، قرأ بها ابن عباس والضحاك والأعرج وأبو صالح بتشديد الدال. انظر: البصائر 5/31) أي: يند بعضهم من بعض. نحو: { يوم يفر المرء من أخيه } [عبس/34].
ندم
- الندم والندامة: التحسر من تغير رأي في أمر فائت. قال تعالى: { فأصبح من النادمين } [المائدة/31] وقال: { عما قليل ليصبحن نادمين } [المؤمنون/40] وأصله من منادمة الحزن له. والنديم والندمان والمنادم يتقارب. قال بعضهم: المندامة والمداومة يتقاربان. وقال بعضهم: الشريبان سميا نديمين لما يتعقب أحوالهما من الندامة على فعليهما.
ندا(3/448)
- النداء: رفع الصوت وظهوره، وقد يقال ذلك للصوت المجرد، وإياه قصد بقوله: { ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء } [البقرة/171] أي: لا يعرف إلا الصوت المجرد دون المعنى الذي يقتضيه تركيب الكلام. ويقال للمركب الذي يفهم منه المعنى ذلك، قال تعالى: { وإذ نادى ربك موسى } [الشعراء/10] وقوله: { وإذا ناديتم إلى الصلاة } [المائدة/ 58]، أي: دعوتم، وكذلك: { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة } [الجمعة/9] ونداء الصلاة مخصوص في الشرع بالألفاظ المعروفة، وقوله: { أولئك ينادون من مكان بعيد } [فصلت/44] فاستعمال النداء فيهم تنبيها على بعدهم عن الحق في قوله: { واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب } [ق/41]، { وناديناه من جانب الطور الأيمن } [مريم/52]، وقال: { فلما جاءها نودي } [النمل/8]، وقوله: { إذ نادى ربه نداء خفيا } [مريم/3] فإنه أشار بالنداء إلى الله تعالى؛ لأنه تصور نفسه بعيدا منه بذنوبه، وأحواله السيئة كما يكون حال من يخاف عذابه، وقوله: { ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان } [آل عمران/ 193] فالإشارة بالمنادي إلى العقل، والكتاب المنزل، والرسول المرسل، وسائر الآيات الدالة على وجوب الإيمان بالله تعالى. وجعله مناديا إلى الإيمان لظهوره ظهور النداء، وحثه على ذلك كحث المنادي. وأصل النداء من الندى. أي: الرطوبة، يقال: صوت ندي رفيع، واستعارة النداء للصوت من حيث إن من يكثر رطوبة فمه حسن كلامه، ولهذا يوصف الفصيح بكثرة الريق، ويقال: ندى وأنداء وأندية، ويسمى الشجر ندى لكونه منه، وذلك لتسمية المسبب باسم سببه وقول الشاعر:
- 435 - كالكرم إذ نادى من الكافور
(الشطر تقدم، وهو للعجاج في ديوانه ص 25.
وهو في مبادئ اللغة ص 150؛ والبصائر 5/23؛ واللسان (كفر)، وقد تقدم في مادة (كفر) )(3/449)
أي: ظهر ظهور صوت المنادي، وعبر عن المجالسة بالنداء حتى قيل للمجلس: النادي، والمنتدى، والندي، وقيل ذلك للجليس، قال تعالى: { فليدع ناديه } [العلق/17] ومنه سميت دار الندوة بمكة، وهو المكان الذي كانوا يجتمعون فيه. ويعبر عن السخاء بالندى، فيقال: فلان أندى كفا من فلان، وهو يتندى على أصحابه. أي: يتسخى، وما نديت بشيء من فلان أي: ما نلت منه ندى، ومنديات الكلم: المخزيات التي تعرف.
نذر
- النذر: أن توجب على نفسك ما ليس بواجب لحدوث أمر، يقال: نذرت لله أمرا، قال تعالى: { إني نذرت للرحمن صوما } [مريم/26]، وقال: { وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر } [البقرة/270]، والإنذار: إخبار فيه تخويف، كما أن التبشير إخبار فيه سرور. قال تعالى: { فأنذرتكم نارا تلظى } [الليل/14]، { أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود } [فصلت/13]، { واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف } [الأحقاف/21]، { والذين كفروا عما أنذروا معروضون } [الأحقاف/3]، { لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع } [الشورى/7]، { لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم } [يس/6]، والنذير: المنذر، ويقع على كل شيء فيه إنذار؛ إنسانا كان أو غيره. { إني لكم نذير مبين } [نوح/2]، { إني أنا النذير المبين } [الحجر/89]، { وما أنا إلا نذير مبين } [الأحقاف/9]، { وجاءكم النذير } [فاطر/37]، { نذيرا للبشر } [المدثر/36]. والنذر: جمعه. قال تعالى: { هذا نذير من النذر الأولى } [النجم/56] أي: من جنس ما أنذر به الذين تقدموا. قال تعالى: { كذبت ثمود بالنذر } [القمر/23]، { ولقد جاء آل فرعون النذر } [القمر/41]، { فكيف كان عذابي ونذر } [القمر/ 18]، وقد نذرت. أي: علمت ذلك وحذرت.
نزع(3/450)
- نزع الشيء: جذبه من مقره كنزع القوس عن كبده، ويستعمل ذلك في الأعراض، ومنه: نزع العداوة والمحبة من القلب. قال تعالى: { ونزعنا ما في صدورهم من غل } [الأعراف/43]. وانتزعت آية من القرآن في كذا، ونزع فلان كذا، أي: سلب. قال تعالى: { تنزع الملك ممن تشاء } [آل عمران /26]، وقوله: { والنازعات غرقا } [النازعات/1] قيل: هي الملائكة التي تنزع الأرواح عن الأشباح، وقوله: { إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر } [القمر/19] وقوله: { تنزع الناس } [القمر/20] قيل: تقلع الناس من مقرهم لشدة هبوبها. وقيل: تنزع أرواحهم من أبدانهم، والتنازع والمنازعة: المجاذبة، ويعبر بهما عن المخاصمة والمجادلة، قال: { فإن تنازعتم في شيء فردوه } [النساء/59]، { فتنازعوا أمرهم بينهم } [طه/62]، والنزع عن الشيء: الكف عنه. النزوع: الاشتياق الشديد، وذلك هو المعبر عنه بإمحال النفس مع الحبيب، ونازعتني نفسي إلى كذا، وأنزع القوم: نزعت إبلهم إلى مواطنهم. أي: حنت، ورجل أنزع (القاموس: نزع) : زال عنه شعر رأسه كأنه نزع عنه ففارق، والنزعة: الموضع من رأس الأنزع، ويقال: امرأة زعراء، ولا يقال نزعاء، وبئر نزوع: قريبة القعر ينزع منها باليد، وشراب طيب المنزعة. أي: المقطع إذا شرب كما قال تعالى: { ختامه مسك } [المطففين/26].
نزغ
- النزغ: دخول في أمر لإفساده. قال تعالى: { من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي } [يوسف/100].
نزف(3/451)
- نزف الماء: نزحه كله من البئر شيئا بعد شيء، وبئر نزوف: نزف ماؤه، والنزفة: الغرفة، والجمع النزف، ونزف دمه، أو دمعه. أي: نزع كله، ومنه قيل: سكران نزيف: نزف فهمه بسكره. قال تعالى: { لا يصدعون عنها ولا ينزفون } [الواقعة/19] (وهي قراءة نافع وابن كثير وابن عامر وأبي عمرو، وأبي جعفر ويعقوب) وقرئ: { ينزفون } (وهي قراءة عاصم وحمزة والكسائي وخلف. انظر: الإتحاف ص 407) من قولهم: أنزفوا: إذا نزف شرابهم، أو نزعت عقولهم. وأصله من قولهم: أنزفوا. أي: نزف ماء بئرهم، وأنزفت الشيء: أبلغ من نزفته، ونزف الرجل في الخصومة: انقطعت حجته، وفي مثل: هو أجبن من المنزوف ضرطا (انظر: مجمع الأمثال 1/180؛ والأمثال ص 367).
نزل(3/452)
- النزول في الأصل هو انحطاط من علو. يقال: نزل عن دابته، ونزل في مكان كذا: حط رحله فيه، وأنزله غيره. قال تعالى: { أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين } [المؤمنون/29] ونزل بكذا، وأنزله بمعنى، وإنزال الله تعالى نعمه ونقمه على الخلق، وإعطاؤهم إياها، وذلك إما بإنزال الشيء نفسه كإنزال القرآن، إما بإنزال أسبابه والهداية إليه، كإنزال الحديد واللباس، ونحو ذلك، قال تعالى: { الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب } [الكهف/1]، { الله الذي أنزل الكتاب } [الشورى/17]، { وأنزلنا الحديد } [الحديد/25]، { وأنزلنا معهم الكتاب والميزان } [الحديد/25]، { وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج } [الزمر/6]، { وأنزلنا من السماء ماء طهورا } [الفرقان/ 48]، { وأنزلنا من المعصرات ماءا ثجاجا } [النبأ/14]، و { أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم } [الأعراف/26]، { أنزل علينا مائدة من السماء } [المائدة/ 114]، { أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده } [البقرة/90] ومن إنزال العذاب قوله: { إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون } [العنكبوت/34]. والفرق بين الإنزال والتنزيل في وصف القرآن والملائكة أن التنزيل يختص بالموضع الذي يشير إليه إنزاله مفرقا، ومرة بعد أخرى، والإنزال عام، فمما ذكر فيه التنزيل قوله: { نزل به الروح الأمين } [الشعراء/193] وقرئ: { نزل } (وهي قراءة ابن عامر وشعبة وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف.(3/453)
الإتحاف ص 334) { ونزلناه تنزيلا } [الإسراء/ 106]، { إنا نحن نزلنا الذكر } [الحجر/9]، { لولا نزل هذا القرآن } [الزخرف /31]، { ولو نزلناه على بعض الأعجمين } [الشعراء/198]، { ثم أنزل الله سكينته } [التوبة/26]، { وأنزل جنودا لم تروها } [التوبة/26]، { لولا نزلت سورة } [محمد/20]، { فإذا أنزلت سورة محكمة } [محمد/20] فإنما ذكر في الأول (نزل)، وفي الثاني (أنزل) تنبيها أن المنافقين يقترحون أن ينزل شيء فشيء من الحث على القتال ليتولوه، وإذا أمروا بذلك مرة واحدة تحاشوا منه فلم يفعلوه، فهم يقترحون الكثير ولا يفون منه بالقليل. وقوله: { إنا أنزلناه في ليلة مباركة } [الدخان/3]، { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } [البقرة/ 185]، { إنا أنزلناه في ليلة القدر } [القدر/1] وإنما خص لفظ الإنزال دون التنزيل، لما روي: (أن القرآن نزل دفعة واحدة إلى سماء الدنيا، ثم نزل نجم فنجما) (أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله تعالى: { إنا أنزلناه في ليلة مباركة } قال: أنزل القرآن في ليلة القدر، ثم نزل به جبريل على رسول الله نجوما بجواب كلام الناس.(3/454)
وأخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي في الآية قال: نزل القرآن جملة على جبريل، وكان جبريل يجيء بعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم. الدر المنثور 7/398). وقوله تعالى: { الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله } [التوبة/97] فخص لفظ الإنزال ليكون أعم، فقد تقدم أن الإنزال أعم من التنزيل، قال تعالى: { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل } [الحشر/21] ولم يقل: لو نزلنا، تنبيها أنا لو خولناه مرة ما خولناك مرارا { لرأيته خاشعا } [الحشر/21]. وقوله: { قد أنزل الله إليكم ذكرا * رسولا يتلو عليكم آيات الله } [الطلاق/10 - 11] فقد قيل: أراد بإنزال الذكر ههنا بعثة النبي عليه الصلاة والسلام، وسماه ذكرا كما سمي عيسى عليه السلام كلمة، فعلى هذا يكون قوله: (رسولا) بدلا من قوله (ذكرا) وقيل: بل أراد إنزال ذكره، فيكون (رسولا) مفعولا لقوله: ذكرا. أي: ذكرا رسولا. وأما التنزيل فهو كالنزول به، يقال: نزل الملك بكذا، وتنزل، ولا يقال: نزل الله بكذا ولا تنزل، قال: { نزل به الروح الأمين } [الشعراء/193] وقال: { تنزل الملائكة } [القدر/4]، { وما نتنزل إلا بأمر ربك } [مريم/64]، { يتنزل الأمر بينهن [الطلاق/12] ولا يقال في المفترى والكذب وما كان من الشيطان إلا التنزل: {وما تنزلت به الشياطين } [الشعراء/210]، { على من تنزل الشياطين * تنزل } الآية [الشعراء/221 - 222]. والنزل: ما يعد للنازل من الزاد، قال: { فلهم جنات المأوى نزلا } [السجدة/19] وقال: { نزلا من عند الله } [آل عمران/198] وقال في صفة أهل النار: { لآكلون من شجر من زقوم } إلى قوله: { هذا نزلهم يوم الدين } (الآيات: { لآكلون من شجر من زقوم * فمالئون منها البطون * فشاربون عليه من الحميم * فشاربون شرب الهيم * هذا نزلهم يوم الدين } [الواقعة/52 - 56] )، { فنزل من حميم } [الواقعة/93]. وأنزلت فلانا: أضفته. ويعبر بالنازلة عن الشدة، وجمعها(3/455)
نوازل، والنزال في الحرب: المنازلة، ونزل فلان: إذا أتى منى، قال الشاعر:
- 436 - أنازلة أسماء أم غير نازلة
(الشطر لعامر بن الطفيل، وعجزه:
أبيني لنا يا أسم ما أنت فاعله
وهو في ديوانه ص 104؛ وشرح المقصورة لابن هشام اللخمي ص 262؛ والمجمل 3/864)
والنزالة والنزل يكنى بهما عن ماء الرجل إذا خرج عنه، وطعام نزل، وذو نزل: له ريع، وخط نزل: مجتمع، تشبيها بالطعام النزل.
نسب
- النسب والنسبة: اشتراك من جهة أحد الأبوين، وذلك ضربان:
نسب بالطول كالاشتراك من الآباء والأبناء. ونسب بالعرض كالنسبة بين بني الإخوة، وبني الأعمام. قال تعالى: { فجعله نسبا وصهرا } [الفرقان/54]. وقيل: فلان نسيب فلان. أي: قريبه، وتستعمل النسبة في مقدارين متجانسين بعض التجانس يختص كل واحد منهما بالآخر، ومنه: النسيب، وهو الانتساب في الشعر إلى المرأة بذكر العشق، يقال: نسب الشاعر بالمرأة نسبا ونسيبا.
نسخ(3/456)
- النسخ: إزالة شيء يتعقبه، كنسخ الشمس الظل، والظل الشمس، والشيب الشباب. فتارة يفهم الإزالة، وتارة يفهم منه الإثبات، وتارة يفهم منه الأمران. ونسخ الكتاب: إزالة الحكم بحكم يتعقبه. قال تعالى: { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها } [البقرة/106] قيل: معناه ما نزيل العمل بها، أو نحذفها عن قلوب العباد، وقيل: معناه: ما نوجده وننزله. من قولهم: نسخت الكتاب، وما ننسأه. أي: نؤخره فلم ننزله، { فينسخ الله ما يلقي الشيطان } [الحج/52]. وننسخ الكتاب: نقل صورته المجردة إلى كتاب آخر، وذلك لا يقتضي إزالة الصورة الأولى بل يقتضي إثبات مثلها في مادة أخرى، كاتخاذ نقش الخاتم في شموع كثيرة، والاستنساخ: التقدم بنسخ الشيء، والترشح للنسخ. وقد يعبر بالنسخ عن الاستنساخ. قال تعالى: { إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون } [الجاثية/29]. والمناسخة في الميراث: هو أن يموت ورثة بعد ورثة والميراث قائم لم يقسم، وتناسخ الأزمنة والقرون: مضي قوم بعد قوم يخلفهم. والقائلون بالتناسخ قوم ينكرون البعث على ما أثبتته الشريعة، ويزعمون أن الأرواح تنتقل إلى الأجسام على التأبيد (قال عبد القاهر البغدادي: القائلون بالتناسخ أصناف: صنف من الفلاسفة وصنف من السمنية، وهذان الصنفان كانا قبل الإسلام. وصنفان آخران ظهرا في دولة الإسلام: أحدهما: من جملة القدرية، والآخر من جملة الرافضة الغالية.
وأول من قال بهذه الضلالة السبئية من الرافضة؛ لدعواهم أن عليا صار إلها حين حل روح الإله فيه. راجع تفصيل ذلك في الفرق بين الفرق ص 270 - 276).
نسر(3/457)
- نسر: اسم صنم في قوله تعالى: { ونسرا } [نوح/23] (الآية: { ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا } ) والنسر: طائر، ومصدر: نسر الطائر الشيء بمنسره. أي: نقره، ونسر الحافر: لحمة ناتئة تشبيها به، والنسران: نجمان طائر وواقع (انظر: المجمل 3/867؛ وجنى الجنتين ص 111)، ونسرت كذا: فناولته قليلا قليلا، تناول الطائر الشيء بمنسره.
نسف
- نسفت الريح الشيء: اقتلعته وأزالته. يقال نسفته وانتسفته. قال تعالى: { ينسفها ربي نسفا } [طه/105] ونسفت البعير الأرض بمقدم رجله: إذا رمى بترابه. يقال: ناقة نسوف. قال تعالى: { ثم لننسفنه في اليم نسفا } [طه/97] أي: نطرحه فيه طرحا النسافة، وهي ما تثور من غبار الأرض. وتسمى الرغوة نسافة تشبيها بذلك، وإناء نسفان: امتلأ فعلاه نسافة، وانتسف لونه. أي: تغير عما كان عليه نسافه، كما يقال: اغبر وجهه. والنسفة: حجارة ينسف بها الوسخ عن القدم، وكلام نسيف. أي: متغير ضئيل.
نسك
- النسك: العبادة، والناسك: العابد واختص بأعمال الحج، والمناسك: مواقف النسك وأعمالها، والنسيكة: مختصة بالذبيحة، قال: { ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } [البقرة/196]، { فإذا قضيتم مناسككم } [البقرة/200]، { منسكا هم ناسكوه } [الحج/67].
نسل
- النسل: الانفصال عن الشيء. يقال: نسل الوبر عن البعير، والقميص عن الإنسان، قال الشاعر:
- 437 - فسلي ثيابي عن ثيابك تنسلي * (هذا عجز بيت لامرئ القيس وشطره:
وإن كنت قد ساءتك مني خليقة
وهو من معلقته. انظر: ديوانه ص 113)
والنسالة: ما سقط من الشعر، وما يتحات من الريش، وقد أنسلت الإبل: حان أن ينسل وبرها، ومنه: نسل: إذا عدا، ينسل نسلانا: إذا أسرع. قال تعالى: { وهم من كل حدب ينسلون } [الأنبياء/96]. والنسل: الولد؛ لكونه ناسلا عن أبيه. قال تعالى: { ويهلك الحرث والنسل } [البقرة/205] وتناسلوا: توالدوا، ويقال أيضا إذا طلبت فضل إنسان: فخذ ما نسل لك منه عفوا.
نسى(3/458)
- النسيان: ترك الإنسان ضبط ما استودع؛ وإما لضعف قلبه؛ وإما عن غفلة؛ وإما عن قصد حتى ينحذف عن القلب ذكره، يقال: نسيته نسيانا. قال تعالى: { ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما } [طه/115]، { فذوقوا بما نسيتم } [السجدة/14]، { فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان } [الكهف/63]، { لا تؤاخذني بما نسيت } [الكهف/73]، { فنسوا حظا مما ذكروا به } [المائدة/14]، { ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل } [الزمر/8]، { سنقرئك فلا تنسى } [الأعلى/6] إخبار وضمان من الله تعالى أنه يجعله بحيث لا ينسى ما يسمعه من الحق، وكل نسيان من الإنسان ذمه الله تعالى به فهو ما كان أصله عن تعمد. وما عذر فيه نحو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان) (الحديث تقدم في مادة (خطأ) ) فهو ما لم يكن سببه منه. وقوله تعالى: { فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم } [السجدة/14] هو ما كان سببه عن تعمد منهم، وتركه على طريق الإهانة، وإذا نسب ذلك إلى الله فهو تركه إياهم استهانة بهم، ومجازاة لما تركوه. قال تعالى: { فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا } [الأعراف/51]، { نسوا الله فنسيهم } [التوبة/67] وقوله: { ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم } [الحشر/19] فتنبيه أن الإنسان بمعرفته بنفسه يعرف الله، فنسيانه لله هو من نسيانه نفسه. وقوله تعالى: { واذكر ربك إذا نسيت } [الكهف/24]. قال ابن عباس: إذا قلت شيئا ولم تقل إن شاء الله فقله إذا تذكرته (قال القرطبي في تفسيره: حكي عن ابن عباس أنه إن نسي الاستثناء ثم ذكر ولو بعد سنة لم يحنث إن كان حالفا.(3/459)
تفسير القرطبي 9/386)، وبهذا أجاز الاستثناء بعد مدة، قال عكرمة (عكرمة مولى ابن عباس) : معنى (نسيت) : ارتكبت ذنبا، ومعناه، اذكر الله إذا أردت وقصدت ارتكاب ذنب يكن ذلك دافعا لك، فالنسي أصله ما ينسى كالنقض لما ينقض، وصار في التعارف اسما لما يقل الاعتداد به، ومن هذا تقول العرب: احفظوا أنساءكم (قال ابن منظور: تقول العرب إذا ارتحلوا من المنزل: انظروا أنساءكم، تريد الأشياء الحقيرة التي ليست عندهم ببال، مثل العصا والقدح والشظاظ. أي: اعتبروها لئلا تنسوها في المنزل. اللسان (نسا) ). أي: ما من شأنه أن ينسى، قال الشاعر:
- 438 - كأن لها في الأرض نسيا تقصه * (الشطر للشنفرى، وعجزه:
على أمها، وإن تخاطبك تبلت
وهو في المفضليات ص 109، واللسان: نسأ، والعباب: نسأ)
وقوله تعالى: { نسيا منسيا } [مريم/23]، أي: جاريا مجرى النسي القليل الاعتداد به وإن لم ينس، ولهذا عقبه بقوله: (منسيا) ؛ لأن النسي قد يقال لما يقل الاعتداد به وإن لم ينس، وقرئ: { نسيا } (وهي قراءة حفص وحمزة. الإتحاف ص 298) وهو مصدر موضوع موضع المفعول. نحو: عصى عصيا وعصيانا. وقوله تعالى: { ما ننسخ من آية أو ننسها } [البقرة/106] فإنساؤها حذف ذكرها عن القلوب بقوة إلهية. والنساء والنسوان والنسوة جمع المرأة من غير لفظها، كالقوم في جمع المرء، قال تعالى: { لا يسخر قوم من قوم } إلى قوله: { ولا نساء من نساء } [الحجرات/11] (الآية: { يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم، ولا نساء من نساء عسى أن يكون خيرا منهن... } )، { نساؤكم حرث لكم } [البقرة/223]، { يا نساء النبي } [الأحزاب/32]، { وقال نسوة في المدينة } [يوسف/30]، { ما بال النسوة اللآتي قطعن أيديهن } [يوسف/50] والنسا: عرق، وتثنيته: نسيان، وجمعه: أنساء.
نسأ(3/460)
- النسء: تأخير في الوقت، ومنه: نسئت المرأة: إذا تأخر وقت حيضها، فرجى حملها، وهي نسوء، يقال: نسأ الله في أجلك، ونسأ الله أجلك. والنسيئة: بيع الشيء بالتأخير، ومنها النسيء الذي كانت العرب تفعله، وهو تأخير بعض الأشهر الحرم إلى شهر آخر. قال تعالى: { إنما النسيء زيادة في الكفر } [التوبة/37]، وقرئ: { ما ننسخ من آية أو ننسأها } (وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو. الإتحاف ص 145) أي: نؤخرها؛ إما بإنسائها؛ وإما بإبطال حكمها. والمنسأ: عصا ينسأ به الشيء، أي: يؤخر. قال تعالى: { تأكل منسأته } [سبأ/14] ونسأت الإبل في ظمئها يوما أو يومين. أي: أخرت. قال الشاعر:
- 439 - أمون كألواح الإران نسأتها * على لاحب كأنه ظهر برجد
(البيت هكذا روايته في جميع المخطوطات، وهو لطرفة في ديوانه ص 22، واللسان: أرن، وشرح المعلقات للنحاس 1/60. والإران: خشب يحمل فيه الميت، والأمون: النشيطة، والبرجد: كساء فيه خطوط. أما في المطبوعة فالبيت هو:
وعنس كألوان الإران نسأتها * إذا قيل للمشبوبتين هما هما
وهو في غريب القرآن لابن قتيبة ص 355، واللسان: نسأ. [وهو للشماخ في ديوانه ص 313] )
والنسوء: الحليب إذا أخر تناوله فمحض فمد بماء.
نشر(3/461)
- النشر، نشر الثوب، والصحيفة، والسحاب، والنعمة، والحديث: بسطها. قال تعالى: { وإذا الصحف نشرت } [التكوير/10]، وقال: { وهو الذي يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته } [الأعراف/57] (وهي قراءة ابن عامر الشامي)، { وينشر رحمته } [الشورى/28]، وقوله: { والناشرات نشرا } [المرسلات/3] أي: الملائكة التي تنشر الرياح، أو الرياح التي تنشر السحاب، ويقال في جمع الناشر: ننشر، وقرئ: { نشرا } (وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وأبي جعفر ويعقوب. الإتحاف ص 226) فيكون كقوله: (والناشرات) ومنه: سمعت نشرا حسنا. أي: حديثا ينشر من مدح وغيره، ونشر الميت نشورا. قال تعالى: { وإليه النشور } [الملك/15]، { بل كانوا لا يرجون نشورا } [الفرقان/40]، { ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا } [الفرقان/3]، وأنشر الله الميت فنشر. قال تعالى: { ثم إذا شاء أنشره } [عبس/22]، { فأنشرنا به بلدة ميتا } [الزخرف/11] وقيل: نشر الله الميت وأنشره بمعنى، والحقيقة أن نشر الله الميت مستعار من نشر الثوب. كما قال الشاعر:
- 440 - طوتك خطوب دهرك بعد نشر * كذاك خطوبه طيا ونشرا
(البيت لدعبل الخزاعي، وقد تقدم.
ونسبه الجاحظ لأبي العتاهية في البيان والتبيين 3/208، وهو في عمدة الحفاظ: نشر، والجليس الصالح 1/317؛ وأمالي الزجاجي: ص 92)(3/462)
وقوله تعالى: { وجعل النهار نشورا } [الفرقان/47]، أي: جعل فيه الانتشار وابتغاء الرزق كما قال: { ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار } الآية [القصص /73]، وانتشار الناس: تصرفهم في الحاجات. قال تعالى: { ثم إذا أنتم بشر تنتشرون } [الروم/20]، { فإذا طعمتم فانتشروا } [الأحزاب/53]، { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض } [الجمعة/10] وقيل: نشروا في معنى انتشروا، وقرئ: (وإذا قيل انشروا فانشروا) [المجادلة/11] (وهي قراءة شاذة) أي: تفرقوا. والانتشار: انتفاخ عصب الدابة، والنواشر: عروق باطن الذراع، وذلك لانتشارها، والنشر: الغنم المنتشر، وهو للمنشور كالنقض للمنقوض، ومنه قيل: اكتسى البازي ريشا نشرا. أي: منتشرا واسعا طويلا، والنشر: الكلأ اليابس، إذا أصابه مطر فينشر. أي: يحيا، فيخرج منه شيء كهيئة الحلمة، وذلك داء للغنم، يقال منه: نشرت الأرض فهي ناشرة. ونشرت الخشب بالمنشار نشرا اعتبارا بما ينشر منه عند النحت، والنشرة: رقية يعالج المريض بها.
نشز
- النشز: المرتفع من الأرض، ونشز فلان: إذا قصد نشزا، ومنه: نشز فلان عن مقره: نبا، وكل ناب ناشز. قال تعالى: { وإذا قيل انشزوا فانشزوا } [المجادلة/11] ويعبر عن الإحياء بالنشز والإنشاز؛ لكونه ارتفاعا بعد اتضاع. قال تعالى: { وانظر إلى العظام كيف ننشزها } [البقرة/259]، وقرئ بضم النون وفتحها (وقراءة ننشزها بفتح النون وضم الشين قراءة شاذة قرأ بها الحسن. انظر: الإتحاف ص 162). وقوله تعالى: { واللآتي تخافون نشوزهن } [النساء/34] ونشوز المرأة: بغضها لزوجها ورفع نفسها عن طاعته، وعينها عنه إلى غيره، وبهذا النظر قال الشاعر:
- 441 - إذا جلست عند الإمام كأنها * ترى رفقة من ساعة تستحيلها
(البيت للفرزدق يخاطب زوجته النوار، وهو من قصيدة مطلعها:
لعمري لقد أردى نوار وساقها * إلى الغور أحلام قليل عقولها(3/463)
وهو في ديوانه ص 416؛ والكامل للمبرد 2/43؛ وتفسير الراغب ورقة 176) وعرق ناشز. أي: ناتئ.
نشط
- قال الله تعالى: { والناشطات نشطا } [النازعات/2] قيل: أراد بها النجوم الخارجات من الشرق إلى المغرب بسير الفلك (هذا قول أبي عبيد، حيث قال: هي النجوم تطلع ثم تغيب.
وقيل: يعني النجوم تنشط من برج إلى برج، كالثور الناشط من بلد إلى البلد.
والمشهور في تفسير الآية أنها الملائكة، وهو مروي عن ابن عباس وابن مسعود ومجاهد والسدي. انظر: الدر المنثور 8/404؛ واللسان (نشط) )، أو السائرات من المغرب إلى المشرق بسير أنفسها. من قولهم: ثور ناشط: خارج من أرض إلى أرض، وقيل: الملائكة التي تنشط أرواح الناس، أي: تنزع. وقيل: الملائكة التي تعقد الأمور. من قولهم: نشطت العقدة، وتخصيص النشط، وهو العقد الذي يسهل حله تنبيها على سهولة الأمر عليهم، وبئر أنشاط: قريبة القعر يخرج دلوها بجذبة واحدة، والنشيطة: ما ينشط الرئيس لأخذه قبل القسمة. وقيل: النشيطة من الإبل: أن يجدها الجيش فتساق من غير أن يحدى لها، ويقال: نشطته الحية: نهشته.
نشأ(3/464)
- النشء والنشأة: إحداث الشيء وتربيته. قال تعالى: { ولقد علمتم النشأة الأولى } [الواقعة/62]. يقال: نشأ فلان، والناشئ يراد به الشاب، وقوله: { إن ناشئه الليل هي أشد وطأ } [المزمل/6] يريد القيام والانتصاب للصلاة، ومنه: نشأ السحاب لحدوثه في الهواء، وتربيته شيئا فشيئا. قال تعالى: { وينشئ السحاب الثقال } [الرعد/12] والإنشاء: إيجاد الشيء وتربيته، وأكثر ما يقال ذلك في الحيوان. قال تعالى: { قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار } [الملك/23]، وقال: { هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض } [النجم/ 32]، وقال: { ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين } [المؤمنون/31]، وقال: { ثم أنشأناه خلقا آخر } [المؤمنون/14]، { وننشئكم فيما لا تعلمون } [الواقعة/61]، و { ينشئ النشأة الآخرة } [العنكبوت/20] فهذه كلها في الإيجاد المختص بالله، وقوله تعالى: { أفرأيتم النار التي تورون * أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون } [الواقعة/71 - 72] فلتشبيه إيجاد النار المستخرجة بإيجاد الإنسان، وقوله: { أومن ينشأ في الحلية } [الزخرف/18] أي: يربى تربية كتربية النساء، وقرئ: { ينشأ } (وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وأبي جعفر ويعقوب. الإتحاف ص 385) أي: يتربى.
نصب
- نصب الشيء: وضعه وضعا ناتئا كنصب الرمح، والبناء والحجر، والنصيب: الحجارة تنصب على الشيء، وجمعه: نصائب ونصب، وكان للعرب حجارة تعبدها وتذبح عليها. قال تعالى: { كأنهم إلى نصب يوفضون } [المعارج/43]، قال: { وما ذبح على النصب } [المائدة/3] وقد يقال في جمعه: أنصاب، قال: { والأنصاب والأزلام } [المائدة/90] والنصب والنصب: التعب، وقرئ: { بنصب وعذاب } [ص/41] و (نصب) (وهي قراءة يعقوب. الإتحاف ص 372) وذلك مثل: بخل وبخل. قال تعالى: { لا يمسنا فيها نصب } [فاطر/ 35] وأنصبني كذا. أي: أتعبني وأزعجني، قال الشاعر:
- 442 - تأوبني هم مع الليل منصب
(شطر بيت لطفيل الغنوي، وعجزه:(3/465)
وجاء من الأخبار ما لا أكذب
والشطر في عمدة الحفاظ (نصب)، دون نسبة؛ والبيت في الأغاني 14/87)
وهم ناصب قيل: هو مثل: عيشة راضية (قال الأصمعي: هم ناصب. أي: ذو نصب، مثل: ليل نائم: ذو نوم ينام فيه. ورجل دارع: ذو درع. اللسان (نصب) )، والنصب: التعب. قال تعالى: { لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا } [الكهف/62]. وقد نصب (قال أبو عثمان: نصب نصبا: أعيا من التعب. الأفعال: 3/152) فهو نصب وناصب، قال تعالى: { عاملة ناصبة } [الغاشية/ 3]. والنصيب: الحظ المنصوب. أي: المعين. قال تعالى: { أملهم نصيب من الملك } [النساء/53]، { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب } [آل عمران/ 23]، { فإذا فرغت فانصب } [الشرح/7] ويقال: ناصبه الحرب والعداوة، ونصب له، وإن لم يذكر الحرب جاز، وتيس أنصب، وشاة أو عنزة نصباء: منتصب القرن، وناقة نصباء: منتصبة الصدر، ونصاب السكين ونصبه، ومنه: نصاب الشيء: أصله، ورجع فلان إلى منصبه. أي: أصله، وتنصب الغبار: ارتفع، ونصب الستر: رفعه، والنصب في الإعراب معروف، وفي الغناء ضرب منه.
نصح
- النصح: تحري: فعل أو قول فيه صلاح صاحبه. قال تعالى: { لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين } [الأعراف/79]، وقال: { وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين } [الأعراف/21]، { ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم } [هود/34] وهو من قولهم: نصحت له الود. أي: أخلصته، وناصح العسل: خاصله، أو من قولهم: نصحت الجلد: خطته، والناصح: الخياط، والنصاح: الخيط، وقوله: { توبوا إلى الله توبة نصوحا } [التحريم/8] فمن أحد هذين؛ إما الإخلاص؛ وإما الإحكام، ويقال: نصوح ونصاح نحو ذهوب وذهاب، قال:
- 443 - أحببت حبا خالطته نصاحة * (الشطر في عمدة الحفاظ (نصح)، دون نسبة)
نصر(3/466)
- النصر والنصرة: العون. قال تعالى: { نصر من الله وفتح قريب } [الصف/ 13]، { وإذا جاء نصر الله } [النصر/1]، { وانصروا آلهتكم } [الأنبياء/68]، { إن ينصركم الله فلا غالب لكم } [آل عمران/160]، { وانصرنا على القوم الكافرين } [البقرة/250]، { وكان حقا علينا نصر المؤمنين } [الروم/47]، { إنا لننصر رسلنا } [غافر/51]، { وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير } [التوبة /74]، { وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا } [النساء/45]، { ما لكم من دون الله من ولي ولا نصير } [التوبة/116]، { فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله } [الأحقاف/28] إلى غير ذلك من الآيات، ونصرة الله للعبد ظاهرة، ونصرة العبد لله هو نصرته لعباده، والقيام بحفظ حدوده، ورعاية عهوده، واعتناق أحكامه، واجتناب نهيه. قال: { وليعلم الله من ينصره } [الحديد/25]، { إن تنصروا الله ينصركم } [محمد/7]، { كونوا أنصار الله } [الصف/14] والانتصار والاستنصار: طلب النصرة { والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون } [الشورى/39]، { وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر } [الأنفال/72]، { ولمن انتصر بعد ظلمه } [الشورى/41]، { فدعا ربه أني مغلوب فانتصر } [القمر/10] وإنما قال: (فانتصر) ولم يقل: أنصر تنبيها أن ما يلحقني يلحقك من حيث إني جئتهم بأمرك، فإذا نصرتني فقد انتصرت لنفسك، والتناصر: التعاون. قال تعالى: { ما لكم لا تناصرون } [الصافات/25]، والنصارى قيل: سموا بذلك لقوله: { كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله } [الصف/14]، وقيل: سموا بذلك انتسابا إلى قرية يقال لها: نصرانة، فيقال: نصراني، وجمعه نصارى، قال: { وقالت اليهود ليست النصارى } الآية [البقرة/113]، ونصر أرض بني فلان. أي: مطر (مجاز القرآن 2/46)، وذلك أن المطر هو نصرة الأرض، ونصرت فلانا: أعطيته؛ إما مستعار من نصر الأرض، أو من العون.
نصف(3/467)
- نصف الشيء: شطره. قال تعالى: { ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد } [النساء/12]، { وإن كانت واحدة فلها النصف } [النساء/11]، { فلها نصف ما ترك } [النساء/176]، وإناء نصفان: بلغ ما فيه نصفه، ونصف النهار وانتصف: بلغ نصفه، ونصف الإزار ساقه، والنصيف: مكيال، كأنه نصف المكيال الأكبر، ومقنعة النساء كأنها نصف من المقنعة الكبيرة، قال الشاعر:
- 444 - سقط النصيف ولم ترد إسقاطه * فتناولته واتقتنا باليد
(البيت للنابغة الذبياني من قصيدة مطلعها:
أمن آل مية رائح أو مغتد * عجلان ذا زاد وغير مزود
وهو في ديوانه ص 40؛ واللسان (نصف) )
وبلغنا منصف الطريق. والنصف: المرأة التي بين الصغيرة والكبيرة، والمنصف من الشراب: ما طبخ فذهب منه نصفه، والإنصاف في المعاملة: العدالة، وذلك أن لا يأخذ من صاحبه من المنافع إلا مثل ما يعطيه، ولا ينيله من المضار إلا مثل ما يناله منه، واستعمل النصفة في الخدمة، فقيل للخادم: ناصف، وجمعه: نصف، وهو أن يعطي صاحبه ما عليه بإزاء ما يأخذ من النفع. والانتصاف والاستنصاف: طلب النصفة.
نصا
- الناصية: قصاص الشعر، ونصوت فلانا وانتصيته، وناصيته: أخذت بناصيته، وقوله تعالى { ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها } [هود/56]. أي: متمكن منها. قال تعالى: { لنسفعا بالناصية * ناصية } [العلق/15 - 16]. وحديث عائشة رضي الله عنها (ما لكم تنصون ميتكم؟) (قال ابن الأثير: في حديث عائشة: سئلت عن الميت يسرح رأسه، فقالت: (علام تنصون ميتكم؟). النهاية 5/68). أي: تمدون ناصيته. وفلان ناصية قومه. كقولهم: رأسهم وعينهم، وانتصى الشعر: طال، والنصي: مرعى من أفضل المراعي. وفلان نصية قوم. أي: خيارهم تشبيها بذلك المرعى.
نضج
- يقال: نضج اللحم نضجا ونضجا: إذا أدرك شيه. قال تعالى: { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها } [النساء/56]، ومنه قيل: ناقة منضجة: إذا جاوزت بحملها وقت ولادتها، وقد نضجت، وفلان نضيج الرأي: محكمه.(3/468)
نضد
- يقال: نضدت المتاع بعضه على بعض: ألقيته، فهو منضود ونضيد، والنضد: السرير الذي ينضد عليه المتاع، ومنه استعير: { طلع نضيد } [ق/ 10]، وقال تعالى: { وطلع منضود } [الواقعة/29]، وبه شبه السحاب المتراكم فقيل له: النضد، وأنضاد القوم: جماعاتهم، ونضد الرجل: من يتقوى به من أعمامه وأخواله.
نضر
- النضرة: الحسن كالنضارة، قال تعالى: { نضرة النعيم } [المطففين/24] أي: رونقه. قال تعالى: { ولقاهم نضرة وسرورا } [الإنسان/11] ونضر وجهه ينضر فهو ناضر، وقيل: نضر ينضر. قال تعالى: { وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة } [القيامة/22 - 23] ونضر الله وجهه. وأخضر ناضر: غصن حسن. والنضر والنضير: الذهب لنضارته، وقدح نضار: خالص كالتبر، وقدح نضار بالإضافة: متخذ من الشجر.
نطح
- النطيحة: ما نطح من الأغنام فمات، قال تعالى: { والمتردية والنطيحة } [المائدة/3] والنطيح والناطح: الظبي والطائر الذي يستقبلك بوجهه، كأنه ينطحك ويتشاءم به، ورجل نطيح: مشؤوم، ومنه نواطح الدهر. أي: شدائده، وفرس نطيح: يأخذ فودى رأسه بياض.
نطف
- النطفة: الماء الصافي، ويعبر بها عن ماء الرجل. قال تعالى: { ثم جعلنا نطفة في قرار مكين } [المؤمنون/13]، وقال: { من نطفة أمشاج } [الإنسان/2]، { ألم يك نطفة من مني يمنى } [القيامة/37] ويكنى عن اللؤلؤة بالنطفة، ومنه: صبي منطف: إذا كان في أذنه لؤلؤة، والنطف: اللؤلؤ. الواحدة: نطفة، وليلة نطوف: يجيء فيها المطر حتى الصباح، والناطف: السائل من المائعات، ومنه: الناطف المعروف، وفلان منطف المعروف، وفلان ينطف بسوء كذلك كقولك: يندى به.
نطق(3/469)
- [النطق في التعارف: الأصوات المقطعة التي يظهرها اللسان وتعيها الآذان]. قال تعالى: { ما لكم لا تنطقون } [الصافات/92] ولا يكاد يقال إلا للإنسان، ولا يقال لغيره إلا على سبيل التبع. نحو: الناطق والصامت، فيراد بالناطق ما له صوت، وبالصامت ما ليس له صوت، [ولا يقال للحيوانات ناطق إلا مقيدا، وعلى طريق التشبيه كقول الشاعر:
- 445 - عجبت لها أنى يكون غناؤها * فصيحا ولم تفغر لمنطقها فما]
(البيت لحميد بن ثور، وهو في أمالي القالي 1/139؛ والكامل 2/85؛ وديوانه ص 27. وما بين [ ] نقله البغدادي في الخزانة 1/37)(3/470)
والمنطقيون يسمون القوة التي منها النطق نطقا، وإياها عنوا حيث حدوا الإنسان، فقالوا هو الحي الناطق المائت (انظر شرح السلم ص 7)، فالنطق لفظ مشترك عندهم بين القوة الإنسانية التي يكون بها الكلام، وبين الكلام المبرز بالصوت، وقد يقال الناطق لما يدل على شيء، وعلى هذا قيل لحكيم: ما الناطق الصامت؟ فقال: الدلائل المخبرة والعبر الواعظة. وقوله تعالى: { لقد علمت ما هؤلاء ينطقون } [الأنبياء/65] إشارة إلى أنهم ليسوا من جنس الناطقين ذوي العقول، وقوله: { قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء } [فصلت/21] فقد قيل: أراد الاعتبار، فمعلوم أن الأشياء كلها ليست تنطق إلا من حيث العبرة، وقوله: { علمنا منطق الطير } [النمل/16] فإنه سمى أصوات الطير نطقا اعتبارا بسليمان الذي كان يفهمه، فمن فهم من شيء معنى فذلك الشيء بالإضافة إليه ناطق وإن كان صامتا، وبالإضافة إلى من لا يفهم عنه صامت وإن كان ناطقا. وقوله: { هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق } [الجاثية/29] فإن الكتاب ناطق لكن نطقه تدركه العين كما أن الكلام كتاب لكن يدركه السمع. وقوله: { وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء } [فصلت/21] فقد قيل: إن ذلك يكون بالصوت المسموع، وقيل: يكون بالاعتبار، والله أعلم بما يكون في النشأة الآخرة. وقيل: حقيقة النطق اللفظ الذي هو كالنطاق للمعنى في ضمه وحصره، والمنطق والمنطقة: ما يشد به الوسط وقول الشاعر:
- 446 - وأبرح ما أدام الله قومي * بحمد الله منتطقا مجيدا
(البيت لخداش بن زهير العامري، من قصيدة مطلعها:
صبا قلبي وكلفني كنودا * وعاود داءه منها التليدا
وهو في ديوانه ص 42؛ والمجمل 3/872؛ واللسان (نطق) ؛ ومجاز القرآن 1/316 ورواية الديوان:
فأبرح ما أدام الله رهطي * رخي البال منتطقا مجيدا)(3/471)
فقد قيل: منتطقا: جانبا. أي: قائدا فرسا لم يركبه؛ فإن لم يكن في هذا المعنى غير هذا البيت فإنه يحتمل أن يكون أراد بالمنتطق الذي شد النطاق، كقوله: من يطل ذيل أبيه ينتطق به (وهو من كلام علي بن أبي طالب في الفائق 1/68؛ والمجمل 3/872؛ والأمثال ص 198؛ ومجمع الأمثال 2/300)، وقيل: معنى المنتطق المجيد: هو الذي يقول قولا فيجيد فيه.
نظر
- النظر: تقليب البصر والبصيرة لإدراك الشيء ورؤيته، وقد يراد به التأمل والفحص، وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص، وهو الروية. يقال: نظرت فلم تنظر. أي: لم تتأمل ولم تترو، وقوله تعالى: { قل انظرو ماذا في السموات } [يونس/101] أي: تأملوا.
واستعمال النظر في البصر أكثر عند العامة، وفي البصيرة أكثر عند الخاصة، قال تعالى: { وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة } [القيامة/22 - 23] ويقال: نظرت إلى كذا: إذا مددت طرفك إليه رأيته أو لم تره، ونظرت فيه: إذا رأيته وتدبرته، قال: { أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت } [الغاشية/17] نظرت في كذا: تأملته. قال تعالى: { فنظر نظرة في النجوم * فقال إني سقيم } [الصافات/88 - 89]، وقوله تعالى: { أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض } [الأعراف/185] فذلك حيث على تأمل حكمته في خلقها.(3/472)
ونظر الله تعالى إلى عباده: هو إحسانه إليهم وإفاضة نعمه عليهم. قال تعالى: { ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة } [آل عمران/77]، وعلى ذلك قوله: { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } [المطففين/15]، والنظر: الانتظار. يقال: نظرته وانتظرته وأنظرته. أي: أخرته. قال تعالى: { وانتظروا إنا منتظرون } [هود/122]، وقال: { فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين } [يونس/102]، وقال: { انظرونا نقتبس من نوركم } [الحديد/13]، { وما كانوا إذا منظرين } [الحجر/8]، { قال أنظرني إلى يوم يبعثون * قال إنك من المنظرين } [الأعراف/15 - 16]، وقال: { فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون } [هود/55]، وقال: { لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون } [السجدة/29]، وقال: { فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين } [الدخان/29]، فنفى الإنظار عنهم إشارة إلى ما نبه عليه بقوله: { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } [الأعراف/34]، وقال: { إلى طعام غير ناظرين إناه } [الأحزاب/53] أي: منتظرين، وقال: { فناظرة بم يرجع المرسلون } [النمل/35]، { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة } [البقرة/210]، وقال: { هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون } [الزخرف/66] وقال: { ما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة } [ص/15]، وأما قوله: { رب أرني أنظر إليك } [الأعراف/ 143]، فشرحه وبحث حقائقه يختص بغير هذا الكتاب.(3/473)
ويستعمل النظر في التحير في الأمور. نحو قوله: { فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون } [البقرة/ 55]، وقال: { وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون } [الأعراف/198]، وقال: { وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي } [الشورى/45]، { ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون } [يونس/43]، فكل ذلك نظر عن تحير دال على قلة الغناء. وقوله: { وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون } [البقرة/50]، قيل: مشاهدون، وقيل: تعتبرون، وقول الشاعر:
- 447 - نظر الدهر إليهم فابتهل
(الشطر للبيد، وقد تقدم في مادة (بهل) )
فتنبيه أنه خانهم فأهلكهم. وحي نظر. أي: متجاورون يرى بعضهم بعضا، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يتراءى نارهما) (الحديث تقدم في مادة (رأى) ). والنظير: المثيل، وأصله المناظر، وكأنه ينظر كل واحد منهما إلى صاحبه فيباريه، وبه نظرة. إشارة إلى قول الشاعر:
- 448 - وقالوا به من أعين الجن نظرة
(شطر بيت، وعجزه:
[ولو صدقوا قالوا به نظرة الإنس] وهو في الغيث المسجم 1/263 دون نسبة)
والمناظرة: المباحثة والمباراة في النظر، واستحضار كل ما يراه ببصيرته، والنظر: البحث، وهو أعم من القياس؛ لأن كل قياس نظر، وليس كل نظر قياسا.
نعج
- النعجة: الأنثى من الضأن، والبقر الوحش، والشاة الجبلي، وجمعها: نعاج. قال تعالى: { إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة } [ص/23]، ونعج الرجل: إذا أكل لحم ضأن فأتخم منه، وأنعج الرجل: سمنت نعاجه، والنعج: الابيضاض، وأرض ناعجة: سهلة.
نعس(3/474)
- النعاس: النوم القليل. قال تعالى: { يغشيكم النعاس أمنة } [الأنفال/11]، { نعاسا } [آل عمران/154] وقيل: النعاس ههنا عبارة عن السكون والهدو، وإشارة إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (طوبى لكل عبد نومة) [استدراك] (هذا من حديث علي رضي الله عنه لا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه قال: [تعلموا العلم تعرفوا به، واعلموا به تكونوا من أهله، فإنه سيأتي بعد هذا زمان لا يعرف فيه تسعة عشرائهم المعروف، ولا ينجو منه إلا كل نومة، فأولئك أئمة الهدى، ومصابيح العلم، ليسوا بالمساييح ولا المذاييع البذر) راجع الفائق 3/135، وغريب الحديث 3/463، ومسند علي رقم 1609؛ ونهج البلاغة ص 248).
نعق
- نعق الراعي بصوته: قال تعالى: { كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء } [البقرة/171].
نعل
- النعل معروفة. قال تعالى: { فاخلع نعليك } [طه/12] وبه شبه نعل الفرس، ونعل السيف، وفرس منعل: في أسفل رسغه بياض على شعره، ورجل ناعل ومنعل، ويعبر به عن الغني، كما يعبر بالحافي عن الفقير.
نعم(3/475)
- النعمة: الحالة الحسنة، وبناء النعمة بناء الحالة التي يكون عليها الإنسان كالجلسة والركبة، والنعمة: التنعم، وبناؤها بناء المرة من الفعل كالضربة والشتمة، والنعمة للجنس تقال للقليل والكثير. قال تعالى: { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } [النحل/18]، { اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم } [البقرة/ 40]، { وأتممت عليكم نعمتي } [المائدة/3]، { فانقلبوا بنعمة من الله } [آل عمران/174] إلى غير ذلك من الآيات. والإنعام: إيصال الإحسان إلى الغير، ولا يقال إلا إذا كان الموصل إليه من جنس الناطقين؛ فإنه لا يقال أنعم فلان على فرسه. قال تعالى: { أنعمت عليهم } [الفاتحة/7]، { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه } [الأحزاب/37] والنعماء بإزاء الضراء. قال تعالى: { ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته } [هود/10] والنعمى نقيض البؤسى، قال: { إن هو إلا عبد أنعمنا عليه } [الزخرف/59] والنعيم: النعمة الكثيرة، قال: { في جنات النعيم } [يونس/9]، وقال: { جنات النعيم } [لقمان/8] وتنعم: تناول ما فيه النعمة وطيب العيش، يقال: نعمه تنعيما فتنعم. أي: جعله في نعمة. أي: لين عيش وخصب، قال: { فأكرمه ونعمه } [الفجر/15] وطعام ناعم، وجارية ناعمة. [والنعم مختص بالإبل]، وجمعه: أنعام، [وتسمية بذلك لكون الإبل عندهم أعظم نعمة، لكن الأنعام تقال للإبل والبقر والغنم، ولا يقال لها أنعام حتى يكون في جملتها الإبل] (ما بين [ ] نقله البغدادي في الخزانة 1/408). قال: { وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون } [الزخرف /12]، { ومن الأنعام حمولة وفرشا } [الأنعام/142]، وقوله: { فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام } [يونس/24] فالأنعام ههنا عام في الإبل وغيرها. والنعامى: الريح الجنوب الناعمة الهبوب، والنعامة: سميت تشبيها بالنعم في الخلقة، والنعامة: المظلة في الجبل، وعلى رأس البئر تشبيها بالنعامة في الهيئة من البعد، والنعائم: من منازل القمر(3/476)
تشبيها بالنعامة وقول الشاعر:
- 449 - وابن النعامة عند ذلك مركبي
(هذا عجز بيت، وشطره:
ويكون مركبك القعود ورحله
وهو لعنترة في ديوانه ص 33؛ والمجمل 3/874. وقيل: هو لخرز بن لوذان)
فقد قيل: أراد رجله، وجعلها ابن النعامة تشبيها بها في السرعة. وقيل: النعامة باطن القدم، وما أرى قال ذلك من قال إلا من قولهم: ابن النعامة، وقولهم تنعم فلان: إذا مشى مشيا خفيفا فمن النعمة.
و (نعم) كلمة تستعمل في المدح بإزاء بئس في الذم، قال تعالى: { نعم العبد إنه أواب } [ص/44]، { فنعم أجر العاملين } [الزمر/74]، { نعم المولى ونعم النصير } [الأنفال/40]، { والأرض فرشناها فنعم الماهدون } [الذاريات/48]، { إن تبدوا الصدقات فنعما هي } [البقرة/271] وتقول: إن فعلت كذا فبها ونعمت. أي: نعمت الخصلة هي، وغسلته غسلا نعما، يقال: فعل كذا وأنعم. أي: زاد، وأصله من الإنعام، ونعم الله لك عينا.
و (نعم) كلمة للإيجاب من لفظ النعمة، تقول: نعم ونعمة عين ونعمى عين ونعام عين، ويصح أن يكون من لفظ أنعم منه، أي: ألين وأسهل.
نغض
- الإنغاض: تحريك الرأس نحو الغير كالمتعجب منه. قال تعالى: { فسينغضون إليك رؤسهم } [الإسراء/51] يقال: نغض نغضانا: إذا حرك رأسه، ونغض أسنانه في ارتجاف، والنغض: الظليم الذي ينغض رأسه كثيرا، والنغض: غضروف الكتف.
نفث
- النفث: قذف الريق القليل، وهو أقل من التفل، ونفث الراقي والساحر أن ينفث في عقده، قال تعالى: { ومن شر النفاثات في العقد } [الفلق/4] ومنه الحية تنفث السم، وقيل: لو سألته نفاثة سواك ما أعطاك (انظر: المجمل 3/878؛ واللسان (نفث) ). أي: ما بقي في أسنانك فنفثت به، ودم نفيث: نفثه الجرح، وفي المثل: لا بد للمصدور أن ينفث (انظر: البصائر 5/93؛ والمجمل 3/878؛ ومجمع الأمثال 2/241).
نفح(3/477)
- نفح الريح ينفح نفحا، وله نفحة طيبة. أي: هبوب من الخير، وقد يستعار ذلك للشر. قال تعالى: { ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك } [الأنبياء/46] ونفحت الدابة: رمت بحافرها، ونفحة بالسيف: ضربه به، والنفوح من النوق: التي يخرج لبنها من غير حلب، وقوس نفوح: بعيدة الدفع للسهم، وأنفحة الجدي معروفة.
نفخ
- النفخ: نفخ الريح في الشيء. قال تعالى: { يوم ينفخ في الصور } [طه/ 102]، { ونفخ في الصور } [الكهف/99]، { ثم نفخ فيه أخرى } [الزمر/68]، وذلك نحو قوله: { فإذا نقر في الناقور } [المدثر/8] ومنه نفخ الروح في النشأة الأولى، قال: { ونفخت فيه من روحي } [الحجر/29] يقال: انتفخ بطنه، ومنه استعير: انتفخ النهار: إذا ارتفع، ونفخة الربيع حين أعشب، ورجل منفوخ. أي: سمين.
نفد
- النفاد: الفناء. قال تعالى: { إن هذا لرزقنا ما له من نفاد } [ص/54] يقال: نفد ينفد (راجع: الأفعال 3/163). قال تعالى: { قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفذ } [الكهف/109]، { ما نفدت كلمات الله } [لقمان/27]. وأنفدوا: فني زادهم، وخصم منافد: إذا خاصم لينفد حجة صاحبه، يقال: نافدته فنفدته.
نفذ
- نفذ السهم في الرمية نفوذا ونفاذا، والمثقب في الخشب: إذا خرق إلى الجهة الأخرى، ونفذ فلان في الأمر نفاذا وأنفذته. قال تعالى: { إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان } [الرحمن/33] ونفذت الأمر تنفيذا، والجيش في غزوه، وفي الحديث: (نفذوا جيش أسامة) (ذكر الخبر ابن حجر في الفتح، وفيه: ثم اشتد برسول الله وجعه، فقال: أنفذوا بعث أسامة، فجهزه أبو بكر بعد أن استخلف، فسار إلى الجهة التي أمر بها، وقتل قاتل أبيه، ورجع بالجيش سالما، وقد غنموا. انظر: فتح الباري 8/152). والمنذ الممر النافذ.
نفر(3/478)
- النفر: الانزعاج عن الشيء وإلى الشيء، كالفزع إلى الشيء وعن الشيء. يقال: نفر عن الشيء نفورا. قال تعالى: { ما زادهم إلا نفورا } [فاطر/ 42]، { وما يزيدهم إلا نفورا } [الإسراء/41] ونفر إلى الحرب ينفر وينفر نفرا، ومنه: يوم النفر. قال تعالى: { انفروا يعذبكم عذابا أليما } [التوبة/39]، { ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله } [التوبة/38]، { وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة } [التوبة/122]. والاستنفار: حث القوم على النفر إلى الحرب، والاستنفار: حمل القوم على أن ينفروا. أي: من الحرب، والاستنفار أيضا: طلب النفار، وقوله تعالى: { كأنهم حمر مستنفرة } [المدثر/50] قرئ: بفتح الفاء وكسرها (قرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر بفتح الفاء، والباقون بكسرها. الإتحاف ص 427)، فإذا كسر الفاء فمعناه: نافرة، وإذا فتح فمعناه: منفرة. والنفر والنفير والنفرة: عدة رجال يمكنهم النفر. والمنافرة: المحاكمة في المفاخرة، وقد أنفر فلان: إذا فضل في المنافرة، وتقول العرب: نفر فلان إذا سمي باسم يزعمون أن الشيطان ينفر عنه، قال أعرابي: قيل لأبي لما ولدت: نفر عنه، فسماني قنفذا وكناني أبا العداء (انظر: الخبر في المجمل 3/879؛ واللسان (نفر) ). ونفر الجلد: ورم. قال أبو عبيدة: هو من نفار الشيء عن الشيء. أي: تباعده عنه وتجافيه (انظر: مجاز القرآن 2/276 و 1/381).
نفس(3/479)
- النفس: الروح في قوله تعالى: { أخرجوا أنفسكم } [الأنعام/93] قال: { واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه } [البقرة/235]، وقوله: { تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك } [المائدة/116]، وقوله: { ويحذركم الله نفسه } [آل عمران/30] فنفسه: ذاته، وهذا - وإن كان قد حصل من حيث اللفظ مضاف ومضاف إليه يقتضي المغايرة، وإثبات شيئين من حيث العبارة - فلا شيء من حيث المعنى سواه تعالى عن الاثنوية من كل وجه. وقال بعض الناس: إن إضافة النفس إليه تعالى إضافة الملك، ويعني بنفسه نفوسنا الأمارة بالسوء، وأضاف إليه على سبيل الملك. والمنافسة: مجاهدة النفس للتشبيه بالأفاضل، واللحوق بهم من غير إدخال ضرر على غيره. قال تعالى: { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } [المطففين/26] وهذا كقوله: { سابقوا إلى مغفرة من ربكم } [الحديد/21] والنفس: الريح الداخل والخارج في البدن من الفم والمنخر، وهو كالغذاء للنفس، وبانقطاعه بطلانها ويقال للفرج: نفس، ومنه ما روي: (إني لأجد نفس ربكم من قبل اليمن) (الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا إن الإيمان يمان، والحكمة يمانية، وأجد نفس ربكم من قبل اليمن) أخرجه أحمد 2/541، ورجاله رجال الصحيح غير شبيب وهو ثقة, راجع مجمع الزوائد 10/59) وقوله عليه الصلاة والسلام: (لاتسبوا الريح فإنها من نفس الرحمن) (الحديث عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا الريح؛ فإنها من روح الله تبارك وتعالى، وسلوا الله خيرها وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وتعوذوا بالله من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به) أخرجه أحمد 5/123) أي: مما يفرج بها الكرب. يقال: اللهم نفس عني، أي: فرج عني. وتنفست الريح: إذا هبت طيبة، قال الشاعر:
- 450 - فإن الصبا ريح إذا ما تنفست * على نفس محزون تجلت همومها(3/480)
(البيت لمجنون ليلى، وهو في ديوانه ص 252؛ وأمالي القالي 2/181؛ وغريب الحديث لابن قتيبة 1/291؛ وشرح الفصيح لابن درستويه 1/170)
والنفاس: ولادة المرأة، تقول: هي نفساء، وجمعها نفاس (النفساء جمعها: نفساوات، ونفاس، ونفاس، ونفس. اللسان (نفس) )، وصبي منفوس، وتنفس النهار عبارة عن توسعه. قال تعالى: { والصبح إذا تنفس } [التكوير/18] ونفست بكذا: ضنت نفسي به، وشيء نفيس، ومنفوس به، ومنفس.
نفش
- النفش نشر الصوف. قال تعالى: { كالعهن المنفوش } [القارعة/5] ونفش الغنم: انتشارها، والنفش بالفتح: الغنم المنتشرة. قال تعالى: { إذ نفشت فيه غنم القوم } [الأنبياء/78] والإبل النوافش: المترددة ليلا في المرعى بلا راع.
نفع
- النفع: ما يستعان به في الوصول إلى الحيرات، وما يتوصل به إلى الخير فهو خير، فالنفع خير، وضده الضر. قال تعالى: { ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا } [الفرقان/3]، وقال: { قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا } [الأعراف/188]، وقال: { لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم } [الممتحنة/3]، { ولا تنفع الشفاعة } [سبأ/23]، { ولا ينفعكم نصحي } [هود/34] إلى غير ذلك من الآيات.
نفق(3/481)
- نفق الشيء: مضى ونفد، ينفق؛ إما بالبيع نحو: نفق البيع نفاقا، ومنه: نفاق الأيم، ونفق القوم: إذا نفق سوقهم؛ وإما بالموت نحو: نفقت الدابة نفوقا؛ وإما بالفناء نحو: نفقت الدراهم تنفق وأنفقتها. والإنفاق قد يكون في المال، وفي غيره، وقد يكون واجبا وتطوعا، قال تعالى: { وأنفقوا في سبيل الله } [البقرة/195]، و { أنفقوا مما رزقناكم } [البقرة/254] وقال: { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم } [آل عمران/92]، { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه } [سبأ/39]، { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح } [الحديد/10] إلى غير ذلك من الآيات. وقوله: { قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لامسكتم خشية الإنفاق } [الإسراء/100] أي: خشية الإقتار، يقال: أنفق فلان: إذا نفق ماله فافتقر، فالإنفاق ههنا كالإملاق في قوله: { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق } [الإسراء/31] والنفقة اسم لما ينفق، قال: { وما أنفقتم من نفقة } [البقرة/270]، { ولا ينفقون ينفقة } [التوبة/121]، والنفق: الطريق النافذ، والسرب في الأرض النافذ فيه. قال: { فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض } [الأنعام/35] ومنه: نافقاء اليربوع، وقد نافق اليربوع، ونفق، ومنه: النفاق، وهو الدخول في الشرع من باب والخروج عنه من باب، وعلى ذلك نبه بقوله: { إن المنافقين هم الفاسقون } [التوبة/67] أي: الخارجون من الشرع، وجعل الله المنافقين شرا من الكافرين. فقال: { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } [النساء/145] ونيفق السراويل معروف (نيفق السراويل هو الموضع المتسع منه. وهو فارسي معرب. اللسان (نفق) ).
نفل(3/482)
- النفل قيل: هو الغنيمة بعينها لكن اختلفت العبارة عنه لاختلاف الاعتبار، فإنه إذا اعتبر بكونه مظفورا به يقال له: غنيمة، وإذا اعتبر بكونه منحة من الله ابتداء من غير وجوب يقال له: نفل، ومنهم من فرق بينهما من حيث العموم والخصوص، فقال: الغنيمة ما حصل مستغنما بتعب كان أو غير تعب، وباستحقاق كان أو غير استحقاق، وقبل الظفر كان أو بعده. والنفل: ما يحصل للإنسان قبل القسمة من جملة الغنيمة، وقيل: هو ما يحصل للمسلمين بغير قتال، وهو الفيء (قال أحمد البدوي الشنقيطي في نظم مغازي النبي صلى الله عليه وسلم:
وفيئهم والفيء في الأنفال * ما لم يكن أخذ عن قتال
أما الغنيمة ففي الزحاف * والقتل عنوة لدى الزحاف)، وقيل هو ما يفصل من المتاع ونحوه بعد ما تقسم الغنائم، وعلى ذلك حمل قوله تعالى: { يسئلونك عن الأنفال } الآية [الأنفال/1]، وأصل ذلك من النفل. أي: الزيادة على الواجب، ويقال له: النافلة. قال تعالى: { ومن الليل فتهجد به نافلة لك } [الإسراء/79]، وعلى هذا قوله: { ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة } [الأنبياء/72] وهو ولد الولد، ويقال: نفلته كذا. أي: أعطيته نفلا، ونفله السلطان: أعطاه سلب قتيله نفلا. أي: تفضلا وتبرعا والنوفل: الكثير العطاء، وانتفلت من كذا: انتقيت منه.
نقب
- النقب في الحائط والجلد كالثقب في الخشب، يقال: نقب البيطار سرة الدابة بالمنقب، وهو الذي ينقب به، والمنقب: المكان الذي ينقب، ونقب الحائط، ونقب القوم: ساروا. قال تعالى: { فنقبوا في البلاد هل من محيص } [ق/36] وكلب نقيب: نقبت غلصمته ليضعف صوته. والنقبة: أول الجرب يبدو، وجمعها: نقب، والناقبة: قرحة، والنقبة: ثوب كالإزار سمي بذلك لنقبة تجعل فيها تكة، والمنقبة: طريق منفذ في الجبال، واستعير لفعل الكريم؛ إما لكونه تأثيرا له؛ أو لكونه منهجا في رفعه، والنقيب: الباحث عن القوم وعن أحوالهم، وجمعه: نقباء، قال: { وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا } [المائدة/12].(3/483)
نقذ
- الإنقاذ: التخليص من ورطة. قال تعالى: { وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها } [آل عمران/103] والنقذ: ما أنقذته، وفرس نقيذ: مأخوذ من قوم آخرين كأنه أنقذ منهم، وجمعه نقائذ.
نقر
- النقر: قرع الشيء المفضي إلى النقب، والمنقار: ما ينقر به كمنقار الطائر، والحديدة التي ينقر بها الرحى، وعبر به عن البحث، فقيل: نقرت عن الأمر، واستعير للاغتياب، فقيل: نقرته، وقالت امرأة لزوجها: مر بي على بني نظرى ولا تمر بي على بنات نقرى (انظر: المجمل 3/881؛ واللسان (نقر) )، أي: على الرجال الذين ينظرون إلي لا على النساء اللواتي يغتبنني. والنقرة: وقبة يبقى فيها ماء السيل، ونقرة القفا: وقبته، والنقير: وقبة في ظهر النواة، ويضرب به المثل في الشيء الطفيف، قال تعالى: { ولا يظلمون نقيرا } [النساء/124] والنقير أيضا: خشب ينقر وينبذ فيه، وهو كريم النقير. أي: كريم إذا نقر عنه. أي: بحث، والناقور: الصور، قال تعالى: { فإذا نقر في الناقور } [المدثر/8] ونقرت الرجل: إذا صوت له بلسانك، وذلك بأن تلصق لسانك بنقرة حنكك، ونقرت الرجل: إذا خصصته بالدعوة؛ كأنك نقرت له بلسانك مشيرا إليه، ويقال لتلك الدعوة: النقرى.
نقص
- النقص: الخسران في الحظ، والنقصان المصدر، ونقصته فهو منقوص. قال تعالى: { ونقص من الأموال والأنفس } [البقرة/155]، وقال: { وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص } [هود/109]، { ثم لم ينقصوكم شيئا } [التوبة/4]. * نقض(3/484)
- النقض: انتثار العقد من البناء والحبل، والعقد، وهو ضد الإبرام، يقال: نقضت البناء والحبل والعقد، وقد انتقض انتقاضا، والنقض المنقوض، وذلك في الشعر أكثر، والنقض: كذلك، وذلك في البناء أكثر (قال التبريزي: والنقض: مصدر نقضت الحبل والعهد، والبناء أنقضه نقضا. تهذيب إصلاح المنطق 1/82)، ومنه قيل للبعير المهزول: نقض، ومنتقض الأرض من الكمأة نقض، ومن نقض الحبل والعقد استعير نقض العهد. قال تعالى: { الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم } [الأنفال/56]، { الذين ينقضون عهد الله } [البقرة/27]، { ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها } [النحل/91] ومنه المناقضة في الكلام، وفي الشعر كنقائض جرير والفرزدق (وقد جمعها أبو عبيدة في كتاب، وهو مطبوع)، والنقيضان من الكلام: ما لا يصح أحدهما مع الآخر. نحو: هو كذا، وليس بكذا في شيء واحد وحال واحدة، ومنه: انتقضت القرحة، وانتقضت الدجاجة: صوتت عند وقت البيض، وحقيقة الانتقاض ليس الصوت إنما هو انتقاضها في نفسها لكي يكون منها الصوت في ذلك الوقت، فعبر عن الصوت به، وقوله: { الذي أنقض ظهرك } [الشرح/3] أي: كسره حتى صار له نقيض، والإنقاض: صوت لزجر القعود، قال الشاعر:
- 451 - أعلمتها الإنقاض بعد القرقره
(هذا عجز بيت، وشطره:
رب عجوز من أناس شهبره
وهو لشظاظ لص من بني ضبة، والرجز في اللسان (نقض) ؛ والمجمل 3/882)
ونقيض المفاصل: صوتها.
نقم
- نقمت الشيء ونقمته (انظر: الأفعال 3/220) : إذا أنكرته؛ وإما باللسان؛ وإما بالعقوبة. قال تعالى: { وما نقموا منهم إلا أن أغناهم الله } [التوبة/74]، { وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله } [البروج/8]، { هل تنقمون منا } الآية [المائدة/59]. والنقمة: العقوبة. قال: { فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم } [الأعراف/136]، { فانتقمنا من الذين أجرموا } [الروم/47]، { فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين } [الزخرف/25].
نكب(3/485)
- نكب عن كذا. أي: مال. قال تعالى: { عن الصراط لناكبون } [المؤمنون /74] والمنكب: مجتمع ما بين العضد والكتف، وجمعه: مناكب، ومنه استعير للأرض. قال تعالى: { فامشوا في مناكبها } [الملك/15] واستعارة المنكب لها كاستعارة الظهر لها في قوله: { ما ترك على ظهرها من دابة } [فاطر/45]. ومنكب القوم: رأس العرفاء (قال الجاحظ: وهم ثلاثة: منكب، ونقيب، وعريف. انظر: الحيوان 6/158). مستعارمن الجارحة استعارة الرأس للرئيس، واليد للناصر، ولفلان النكابة في قومه، كقولهم: النقابة. والأنكب: المائل المنكب، ومن الإبل الذي يمشي في شق. والنكب: داء يأخذ في المنكب. والنكباء: ريح ناكبة عن المهب، ونكبته حوادث الدهر. أي: هبت عليه هبوب النكباء.
نكث
- النكث: نكث الأكسية والغزل قريب من النقض، واستعير لنقض العهد قال تعالى: { وإن نكثوا أيمانهم } [التوبة/12]، { إذا هم ينكثون } [الأعراف/135] والنكث كالنقض (قال التبريزي: والنقض: مثل النكث. والنكث: أن تنقض أخلاق الأخبية والأكسية، فتغزل ثانية. تهذيب إصلاح المنطق 1/82)، والنكيثة كالنقيضة، وكل خصلة ينكث فيها القوم لها: نكيثة. قال الشاعر:
- 452 - متى يك أمر للنكيثة أشهد
(هذا عجز بيت لطرفة بن العبد، وشطره:
وقربت بالقربى وجدك إنني
وهو في ديوانه ص 55؛ والمجمل 3/884)
نكح
- أصل النكاح للعقد، ثم استعير للجماع، ومحال أن يكون في الأصل للجماع، ثم استعير للعقد؛ لأن أسماء الجماع كلها كنايات لاستقباحهم ذكره كاستقباح تعاطيه، ومحال أن يستعير من لا يقصد فحشا اسم ما يستفظعونه لما يستحسنونه. قال تعالى: { وأنكحوا الأيامى } [النور/32]، { إذا نكحتم المؤمنات } [الأحزاب/49]، { فانكحوهن بإذن أهلهن } [النساء/25] إلى غير ذلك من الآيات.
نكد
- النكد: كل شيء خرج إلى طالبه بتعسر، يقال: رجل نكد ونكد، وناقة نكداء: طفيفة الدر صعبة الحلب. قال تعالى: { والذي خبث لا يخرج إلا نكدا } [الأعراف/58].
نكر(3/486)
- الإنكار ضد العرفان. يقال: أنكرت كذا، ونكرت، وأصله أن يرد على القلب ما لا يتصوره، وذلك ضرب من الجهل. قال تعالى: { فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم } [هود/70]، { فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون } [يوسف/58] وقد يستعمل ذلك فيما ينكر باللسان، وسبب الإنكار باللسان هو الإنكار بالقلب لكن ربما ينكر اللسان الشيء وصورته في القلب حاصلة، ويكون في ذلك كاذبا. وعلى ذلك قوله تعالى: { يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها } [النحل/83]، { فهم له منكرون } [المؤمنون/69]، { فأي آيات الله تنكرون } [غافر/81] والمنكر: كل فعل تحكم العقول الصحيحة بقبحه، أو تتوقف في استقباحه واستحسانه العقول، فتحكم بقبحه الشريعة، وإلى ذلك قصد بقوله: { الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر } [التوبة/112]، { كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه } [المائدة/79]، { وينهون عن المنكر } [آل عمران /104]، { وتأتون في ناديكم المنكر } [العنكبوت/29] وتنكير الشيء من حيث المعنى جعله بحيث لا يعرف. قال تعالى: { نكروا لها عرشها } [النمل/41] وتعريفه جعله بحيث يعرف. واستعمال ذلك في عبارة النحويين هو أن يجعل الاسم على صيغة مخصوصة، ونكرت على فلان وأنكرت: إذا فعلت به فعلا يردعه. قال تعالى: { فكيف كان نكير } [الملك/18] أي: إنكاري. والنكر: الدهاء والأمر الصعب الذي لا يعرف، وقد نكر نكارة (قال السرقسطي: ونكر نكارة ونكرا، وأنكر فهو نكر ومنكر: إذا صار داهيا. ونكرت: لا يتصرف تصرف الأفعال. الأفعال 3/124 - 125)، قال تعالى: { يوم يدع الداع إلى شيء نكر } [القمر/6]. وفي الحديث: (إذا وضع الميت في القبر أتاه ملكان منكر ونكير) (الحديث عن أنس بن مالك أن رسول الله قال: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه - وإنه ليسمع قرع نعالهم - أتاه ملكان فيقعدانه... ) الحديث أخرجه البخاري 3/232 باب في عذاب القبر؛ ومسلم برقم (2870). وللترمذي - وهي رواية المؤلف -: (إذا قبر(3/487)
الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال أحدهما: المنكر، والآخر: النكير... ) الحديث بطوله أخرجه في عذاب القبر، وقال: حديث حسن غريب (انظر عارضة الأحوذي 4/291) ؛ وابن حبان برقم (780) )، واستعيرت المناكرة للمحاربة.
نكس
- النكس: قلب الشيء على رأسه، ومنه: نكس الولد: إذا خرج رجله قبل رأسه، قال تعالى: { ثم نكسوا على رؤسهم } [الأنبياء/65] والنكس في المرض أن يعود في مرضه بعد إفاقته، ومن النكس في العمر قال تعالى: { ومن نعمره ننكسه في الخلق } [يس/68] وذلك مثل قوله: { ومنكم من يرد إلى أرذل العمر } [النحل/70] وقرئ: { ننكسه } (وهي قراءة الجميع إلا عاصما وحمزة. الإتحاف ص 366)، قال الأخفش: لا يكاد يقال نكسته بالتشديد إلا لما يقلب فيجعل رأسه أسفله (ليس هذا النقل في معاني القرآن). والنكس: السهم الذي انكسر فوقه، فجعل أعلاه أسفله فيكون رديئا، ولرداءته يشبه به الرجل الدنيء.
نكص
- النكوص: الإحجام عن الشيء. قال تعالى: { نكص علىعقبيه } [الأنفال/48].
نكف
- يقال: نكفت من كذا، واستنكفت منه: أنفت. قال تعالى: { لن يستنكف المسيح أن يكون عبد لله } [النساء/172]، { وأما الذين استنكفوا } [النساء/ 173] وأصله من: نكفت الشيء: نحيته، ومن النكف، وهو تنحية الدمع عن الخد بالأصبع، وبحر لا ينكف. أي: لا ينزح، والانتكاف: الخروج من أرض إلى أرض.
نكل(3/488)
- يقال: نكل عن الشيء: ضعف وعجز، ونكلته: قيدته، والنكل: قيد الدابة، وحديدة اللجام؛ لكونهما مانعين، والجمع: الأنكال. قال تعالى: { إن لدينا أنكالا وجحيما } [المزمل/12] ونكلت به: إذا فعلت به ما ينكل به غيره، واسم ذلك الفعل نكال. قال تعالى: { فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها } [البقرة/ 66]، وقال: { جزاء بما كسبا نكالا من الله } [المائدة/38] وفي الحديث:) إن الله يحب النكل على النكل) (عن أبي هريرة قال: إن الله يحب النكل على النكل. قيل: وما النكل على النكل؟ قال: الرجل المجرب القوي المبدئ المعيد على الفرس القوي المجرب.
قال ابن كثير: أكثر ظني أنه رفعه، وقال غير ابن كثير: عن أبي هريرة، ولا يرفعه. راجع: غريب الحديث 3/44؛ والفائق 3/127)، أي: الرجل القوي على الفرس القوي.
نم
- النم: إظهار الحديث بالوشاية، والنميمة الوشاية، ورجل نمام. قال تعالى: { هماز مشاء ينميم } [القلم/11] وأصل النميمة: الهمس والحركة الخفيفة، ومنه: أسكت الله نامته (النأمة: الصوت، ويقال: أسكت الله نأمته، أي: نغمته وصوته، ويقال: نأمته، بتشديد الميم، فيجعل من المضاعف، وهو ما ينم عليه من حركته. اللسان (نأم) ؛ والمنتخب لكراع 1/46). أي: ما ينم عليه من حركته، والنمام: نبت ينم عليه رائحته، والنمنمة: خطوط متقاربة، وذلك لقلة الحركة من كاتبها في كتابته.
نمل
- قال تعالى: { قالت نملة يا أيها النمل } [النمل/18] وطعام منمول: فيه النمل، والنملة: قرحة تخرج بالجنب تشبيها بالنمل في الهيئة، وشق في الحافر، ومنه: فرس نمل القوائم: خفيفها. ويستعار النمل للنميمة تصورا لدبيبه، فيقال: هو نمل، وذو نملة، ونمال. أي: نمام، وتنمل القوم: تفرقوا للجمع تفرق النمل، ولذلك يقال: هو أجمع من نملة (مجمع الأمثال 1/188)، والأنملة: طرف الأصابع، وجمعه: أنامل.
نهج(3/489)
- النهج: الطريق الواضح، ونهج الأمر وأنهج: وضح، ومنهج الطريق ومهاجه. قال تعالى: { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } [المائدة/48] ومنه قوله: نهج الثوب وأنهج: بان فيه أثر البلى، وقد أنهجه البلى.
نهر
- النهر: مجرى الماء الفائض، وجمعه: أنهار، قال تعالى: { وفجرنا خلالهما نهرا } [الكهف/33]، { وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهار وسبلا } [النحل/15] وجعل الله تعالى ذلك مثلا لما يدر من فيضه وفضله في الجنة على الناس. قال تعالى: { إن المتقين في جنات ونهر } [القمر/54]، { ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهار } [نوح/12]، { جنات تجري من تحتها الأنهار } [المائدة/119]. والنهر: السعة تشبيها بنهر الماء، ومنه: أنهرت الدم. أي: أسلته إسالة، وأنهر الماء: جرى، ونهر نهر: كثير الماء، قال أبو ذؤيب:
- 453 - أقامت به فابتنت خيمة * على قصب وفرات نهر
(البيت في ديوان الهذليين 1/146؛ وشرح أشعار الهذليين 1/112؛ وتهذيب إصلاح المنطق 1/130)
والنهار: الوقت الذي ينتشر فيه الضوء، وهو في الشرع: ما بين طلوع الفجر إلى وقت غروب الشمس، وفي الأصل ما بين طلوع الشمس إلى غروبها. قال تعالى: { وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة } [الفرقان/62] وقال: { أتاها أمرنا ليلا أو نهارا } [يونس/24] وقابل به البيات في قوله: { قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا } [يونس/50] ورجل نهر: صاحب نهار، والنهار: فرخ الحبارى، والمنهرة: فضاء بين البيوت كالموضع الذي تلقى فيه الكناسة، والنهر والانتهار: الزجر بمغالظة؛ يقال: نهره وانتهره، قال: { فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما } [الإسراء/23]، { وأما السائل فلا تنهر } [الضحى/10].
نهى(3/490)
- النهي: الزجر عن الشيء. قال تعالى: { أرأيت الذي ينهى * عبدا إذا صلى } [العلق/9 - 10] وهو من حيث المعنى لا فرق بين أن يكون بالقول أو بغيره، وما كان بالقول فلا فرق بين أن يكون بلفظة أفعل نحو: اجتنب كذا، أو بلفظة لا تفعل. ومن حيث اللفظ هو قولهم: لا تفعل كذا، فإذا قيل: لا تفعل كذا فنهي من حيث اللفظ والمعنى جميعا. نحو قوله تعالى: { ولا تقربا هذه الشجرة } [البقرة/35]، ولهذا قال: { وما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة } [الأعراف/20] وقوله: { وأما من خلف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى } [النازعات/40] فإنه لم يعن أن يقول لنفسه: لا تفعل كذا، بل أراد قمعها عن شهوتها ودفعها عما نزعت إليه وهمت به، وكذا النهي عن المنكر يكون تارة باليد، وتارة باللسان، وتارة بالقلب. قال تعالى: { أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا } [هود/62] وقوله: { إن الله يأمر } إلى قوله: { وينهى عن الفحشاء } [النحل /90] (الآية: { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي } )، أي: يحث على فعل الخير ويزجر عن الشر، وذلك بعضه بالعقل الذي ركبه فينا، وبعضه بالشرع الذي شرعه لنا، والانتهاء: الانزجار عما نهى عنه، قال تعالى: { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } [الأنفال/38] وقال: { لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا } [مريم/46] وقال: { لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين } [الشعراء/ 116]، { فهل أنتم منتهون } [المائدة/91]، { فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف } [البقرة/275] أي: بلغ به نهايته. والانهاء في الأصل: إبلاغ النهي، ثم صار متعارفا في كل إبلاغ، فقيل: أنهيت إلى فلان خبر كذا. أي: بلغت إليه النهاية، وناهيك من رجل كقولك: حسبك، ومعناه: أنه غاية فيما تطلبه، وينهاك عن تطلب غيره، وناقة نهية: تناهت سمنا، والنهية: العقل الناهي عن القبائح. جمعها: نهى. قال تعالى: { إن في ذلك لآيات لأولي النهى(3/491)
} [طه/54] وتنهية الوادي حيث ينتهي إليه السيل، ونهاء النهار: ارتفاعه، وطلب الحاجة حتى نهي عنها. أي: انتهى عن طلبها، ظفر بها أو لم يظفر.
نوب
- النوب: رجوع الشيء مرة بعد أخرى. يقال: ناب نوبا ونوبة، وسمي النحل نوبا لرجوعها إلى مقارها، ونابته نائبة. أي: حادثة من شأنها أن تنوب دائبا، والإنابة إلى الله تعالى: الرجوع إليه بالتوبة وإخلاص العمل. قال تعالى: { وخر راكعا وأناب } [ص/24]، { وإليك أنبنا } [الممتحنة/4]، { وأنيبوا إلى ربكم } [الزمر/54]، { منيبين إليه } [الروم/31] وفلان ينتاب فلانا. أي: يقصده مرة بعد أخرى.
نوح
- نوح اسم نبي، والنوح: مصدر ناح أي: صاح بعويل، يقال: ناحت الحمامة نوحا وأصل النوح: اجتماع النساء في المناحة، وهو من التناوح. أي: التقابل، يقال: جبلان يتناوحان، وريحان يتناوحان، وهذه الريح نيحة تلك. أي: مقابلتها، والنوائح: النساء، والمنوح: المجلس.
نور
- النور: الضوء المنتشر الذي يعين على الإبصار، وذلك ضربان دنيوي، وأخروي، فالدنيوي ضربان: ضرب معقول بعين البصيرة، وهو ما انتشر من الأمور الإلهية كنور العقل ونور القرآن. ومحسوس بعين البصر، وهو ما انتشر من الأجسام النيرة كالقمرين والنجوم والنيرات.(3/492)
فمن النور الإلهي قوله تعالى: { قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين } [المائدة/15]، وقال: { وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها } [الأنعام/122]، وقال: { ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا } [الشورى/52] وقال: { أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه } [الزمر/22]، وقال: { نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء } [النور/35]، ومن المحسوس الذي بعين البصر نحو قوله: { هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا } [يونس/5] وتخصيص الشمس بالضوء، والقمر بالنور من حيث إن الضوء أخص من النور، قال: { وقمرا منيرا } [الفرقان/61] أي: ذا نور.
ومما هو عام فيهما قوله: { وجعل الظلمات والنور } [الأنعام/1]، وقوله: { ويجعل لكم نورا تمشون به } [الحديد/28]، { وأشرقت الأرض بنور ربها } [الزمر/69] ومن النور الأخروي قوله: { ويسعى نورهم بين أيديهم } [الحديد/12]، { والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا } [التحريم/8] { انظرونا نقتبس من نوركم } [الحديد/13]، { فالتمسوا نورا } [الحديد/13]، ويقال: أنار الله كذا، ونوره، وسمى الله تعالى نفسه نورا من حيث إنه هو المنور، قال: { الله نور السموات والأرض } [النور/35] وتسميته تعالى بذلك لمبالغة فعله. والنار تقال للهيب الذي يبدو للحاسة، قال: { أفرأيتم النار التي تورون } [الواقعة/71]، وقال: { مثلهم كمثل الذي استوقد نارا } [البقرة/17]، وللحرارة المجردة، ولنار جهنم المذكورة في قوله: { النار وعدها الله الذين كفروا } [الحج/72]، { وقودها الناس والحجارة } [البقرة/24]، { نار الله الموقدة } [الهمزة/6] وقد ذكر ذلك في غير موضع.(3/493)
ولنار الحرب المذكورة في قوله: { كلما أوقدوا نارا للحرب } [المائدة/64]، وقال بعضهم: النار والنور من أصل واحد، وكثيرا ما يتلازمان لكن النار متاع للمقوين في الدنيا، والنور متاع لهم في الآخرة، ولأجل ذلك استعمل في النور الاقتباس، فقال: { نقتبس من نوركم } [الحديد/13] وتنورت نارا: أبصرتها، والمنارة (انظر العين 8/276) : مفعله من النور، أو من النار كمنارة السراج، أو ما يؤذن عليه، ومنار الأرض: أعلامها، والنوار: النفور من الريبة، وقد نارت المرأة تنور نورا ونوارا، ونور الشجر ونواره تشبيها بالنور، والنور: ما يتخذ للوشم. يقال: نورت المرأة يدها، وتسميته بذلك لكونه مظهرا لنور العضو.
نوس
- الناس قيل: أصله أناس، فحذف فاؤه لما أدخل عليه الألف واللام، وقيل: قلب من نسي، وأصله إنسيان على إفعلان، وقيل: أصله من: ناس ينوس: إذا اضطرب، ونست الإبل؛ سقتها، وقيل: ذو نواس: ملك كان ينوس على ظهره ذؤابة فسمي بذلك، وتصغيره على هذا نويس. قال تعالى: { قل أعوذ برب الناس } [الناس/1] [والناس قد يذكر ويراد به الفضلاء دون من يتناوله اسم الناس تجوزا، وذلك إذا اعتبر معنى الإنسانية، وهو وجود العقل، والذكر، وسائر الأخلاق الحميدة، والمعاني المختصة به، فإن كل شيء عدم فعله المختص به لا يكاد يستحق اسمه كاليد؛ فإنها إذا عدمت فعلها الخاص بها فإطلاق اليد عليها كإطلاقها على يد السرير ورجله، فقوله: { آمنوا كما آمن الناس } [البقرة/13] أي: كما يفعل من وجد فيه معنى الإنسانية، ولم يقصد بالإنسان عينا واحدا بل قصد المعنى، وكذا قوله: { أم يحسدون الناس } [النساء/54] أي: من وجد فيه معنى الإنسانية أي: إنسان كان، وربما قصد به النوع كما هو، وعلى هذا قوله: { أم يحسدون الناس } (قيل في الآية إن المراد بالناس هو النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: العرب. انظر: الدر المنثور 2/566)] (ما بين [ ] نقله الزركشي في البرهان 2/227).
نوش(3/494)
- النوش: التناول. قال الشاعر:
- 454 - تنوش البرير حيث طاب اهتصارها * (هذا عجز بيت لأبي ذؤيب الهذلي، وصدره:
فما أم خشف بالعلاية شادن
وهو في شرح ديوان الهذليين 1/71؛ واللسان (نوش) )
البرير: ثمر الطلح، والاهتصار: الإمالة، يقال: هصرت الغصن: إذا أملته، وتناوش القوم كذا: تناولوه. قال تعالى: { وأنى لهم التناوش } [سبأ/52] أي: كيف يتناولون الإيمان من مكان بعيد، ولم يكونوا يتناولونه عن قريب في حين الاختيار والانتفاع بالإيمان. إشارة إلى قوله: { يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها } الآية [الأنعام/158]. ومن همز (وبها قرأ أبو عمرو وشعبة وحمزة والكسائي وخلف. الإتحاف ص 360) ؛ فإما أنه أبدل من الواو همزة. نحو: أقتت في وقتت، وأدور، في أدور؛ وإما أن يكون من النأش، وهو الطلب.
نوص
- ناص إلى كذا: التجأ إليه، وناص عنه: ارتد، ينوص نوصا، والمناص: الملجأ. قال تعالى: { ولات حين مناص } [ص/3].
نيل
- النيل: ما يناله الإنسان بيده، نلته أناله نيلا. قال تعالى: { لن تنالوا البر } [آل عمران/92]، { ولا ينالون من عدو نيلا } [التوبة/120]، { لم ينالوا خيرا } [الأحزاب/25] والنول: التناول. يقال: نلت كذا أنول نولا، وأنلته: أوليته، وذلك مثل: عطوت كذا: تناولت، وأعطيته: أنلته. ونلت: أصله نولت على فعلت، ثم نقل إلى فلت. ويقال: ما كان نولك أن تفعل كذا. أي: ما فيه صلاحك، قال الشاعر:
- 455 - جزعت وليس ذلك بالنوال * (هذا عجز بيت للبيد، وصدره:
وقفت بهن حتى قال صحبي
وهو من قصيدة مطلعها:
ألم تلمم على الدمن الخوالي * لسلمى بالمذانب فالقفال
وهو في ديوانه ص 104؛ والمجمل 3/849)
قيل: معناه بصواب. وحقيقة النوال: ما يناله الإنسان من الصلة، وتحقيقه ليس ذلك مما تنال منه مرادا، وقال تعالى: { لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم } [الحج/37].
نوم(3/495)
- النوم: فسر على أوجه كلها صحيح بنظرات مختلفة، قيل: هو استرخاء أعصاب الدماغ برطوبات البخار الصاعد إليه، وقيل: هو أن يتوفى الله النفس من غير موت. قال تعالى: { الله يتوفى الأنفس } الآية [الزمر/42]. وقيل: النوم موت خفيف، والموت نوم ثقيل، ورجل نؤوم ونومة: كثير النوم، والمنام النوم. قال تعالى: { ومن آياته منامكم بالليل } [الروم/23]، { وجعلنا نومكم سباتا } [النبأ/9]، { لا تأخذه سنة ولا نوم } [البقرة/255] والنومة أيضا: خامل الذكر، واستنام فلان إلى كذا: اطمأن إليه، والمنامة: الثوب الذي ينام فيه، ونامت السوق: كسدت، ونام الثوب: أخلق، أو خلق معا، واستعمال النوم فيهما على التشبيه.
نون
- النون: الحرف المعروف. قال تعالى: { ن والقلم } [القلم/1]. والنون: الحوت العظيم، وسمي يونس ذا النون في قوله: { وذا النون } [الأنبياء/87] لأن النون كان قد التقمه، وسمي سيف الحارث ابن ظالم ذا النون (انظر: اللسان (نون) ؛ والمجمل 3/849).
ناء
- يقال: ناء بجانبه ينوء ويناء. قال أبو عبيدة (ليس في مجاز القرآن) : ناء مثل ناع. أي: نهض، وأنأته: أنهضته. قال تعالى: { ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة } [القصص/76].
نأى
- يقال: نأى بجانبه. قال أبو عمرو: نأى ينأى نأيا، مثل: نعى: أعرض، وقال أبو عبيدة: تباعدا (انظر: مجاز القرآن 1/389). وقرئ: { نأى بجانبه } [الإسراء/83] (وهي قراءة الجميع إلا ابن ذكوان وأبا جعفر) مثل: نعى. أي: نهض به، عبارة عن التكبر كقولك: شمخ بأنفه، وازور بجانبه (وفي معناه: صد وصدف، وازور وجنف، ونبا عنه وجفاه، ونفر عنه وقلاه، وثنى عطفه، وطوى كشحه. انظر: جواهر الألفاظ ص 255).
انتأى
- افتعل منه، والمنتأى: الموضع البعيد، وقرئ: { وناء بجانبه } [الإسراء/83] (و (ناء) قراءة ابن ذكوان وأبي جعفر. الإتحاف ص 286) أي: تباعد. ومنه: النؤي: لحفيرة حول الخباء تباعد الماء عنه.(3/496)
والنية تكون مصدرا، واسما من: نويت، وهي توجه القلب نحو العمل، وليس من ذلك بشيء.
كتاب الهاء
هبط
- الهبوط: الانحدار على سبيل القهر كهبوط الحجر، والهبوط بالفتح: المنحدر. يقال: هبطت أنا، وهبطت غيري، يكون اللازم والمتعدي على لفظ واحد. قال تعالى: { وإن منها لما يهبط من خشية الله } [البقرة/74] يقال: هبطت وهبطته هبطا، وإذا استعمل في الإنسان الهبوط فعلى سبيل الاستخفاف بخلاف الإنزال، فإن الإنزال ذكره تعالى في الأشياء التي نبه على شرفها، كإنزال الملائكة والقرآن والمطر وغير ذلك. والهبوط ذكر حيث نبه على الغض نحو: { وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو } [البقرة/36]، { فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها } [الأعراف/13]، { اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم } [البقرة/61] وليس في قوله: { فإن لكم ما سألتم } [البقرة/ 61] تعظيم وتشريف، ألا ترى أنه تعالى قال: { وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤا بغضب من الله } [البقرة/61]، وقال جل ذكره: { قلنا اهبطوا منها جميعا } [البقرة/38] ويقال: هبط المرض لحم العليل: حطه عنه، والهبيط: الضامر من النوق وغيرها إذا كان ضمره من سوء غذاء، وقلة تفقد.
هبا
- هبا الغبار يهبو: ثار وسطع، والهبوة كالغبرة، والهباء: دقاق التراب وما نبت في الهواء فلا يبدو إلا في أثنا ضوء الشمس في الكوة. قال تعالى: { فجعلناه هباء منثورا } [الفرقان/23]، { فكانت هباء منبثا } [الواقعة/6].
هجد
- الهجود: النوم، والهاجد: النائم، وهجدته فتهجد: أزلت هجوده نحو: مرضته. ومعناه: أيقظته فتيقظ، وقوله: { ومن الليل فتهجد به } [الإسراء/79] أي: تيقظ بالقرآن، وذلك حث على إقامة الصلاة في الليل المذكور في قوله: { قم الليل إلا قليلا * نصفه } [المزمل/2 - 3] والمتهجد: المصلى ليلا، وأهجد البعير: ألقى جرانه على الأرض متحريا للهجود.
هجر(3/497)
- الهجر والهجران: مفارقة الإنسان غيره؛ إما بالبدن؛ أو باللسان؛ أو بالقلب. قال تعالى: { واهجروهن في المضاجع } [النساء/34] كناية عن عدم قربهن، وقوله تعالى: { إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا } [الفرقان/30] فهذا هجر بالقلب، أو بالقلب واللسان. وقوله: { واهجرهم هجرا جميلا } [المزمل/10] يحتمل الثلاثة، ومدعو إلى أن يتحرى أي الثلاثة إن أمكنه مع تحري المجاملة، وكذا قوله تعالى: { واهجرني مليا } [مريم/46]، وقوله تعالى: { والرجز فاهجر } [المدثر/5]، فحث على المفارقة بالوجوه كلها.
والمهاجرة في الأصل: مصارمة الغير ومتاركته؛ من قوله عز وجل: { والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا } [الأنفال/74]، وقوله: { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم } [الحشر/8]، وقوله: { ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله } [النساء/100]، { فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله } [النساء/89] فالظاهر منه الخروج من دار الكفر إلى دار الإيمان كمن هاجر من مكة إلى المدينة، وقيل: مقتضى ذلك هجران الشهوات والأخلاق الذميمة والخطايا وتركها ورفضها، وقوله: { إني مهاجر إلى ربي } [العنكبوت /26] أي: تارك لقومي وذاهب إليه. وقوله: { ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها } [النساء/97]، وكذا المجاهدة تقتضي مع العدى مجاهدة النفس كما روي في الخبر: (رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر) (عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر) قال العراقي: رواه البيهقي في الزهد، وفيه ضعف.(3/498)
انظر: تخريج أحاديث الإحياء 4/1537 والزهد للبيهقي ص 165)، وهو مجاهدة النفس. وروي: (هاجروا ولا تهجروا) (هذا من حديث عمر فإنه قال: (هاجروا ولا تهجروا، واتقوا الأرنب أن يحذفها أحدكم بالعصا، ولكن ليذك لكم الأسل الرماح والنبل). انظر: غريب الحديث 3/310؛ والنهاية 5/245) أي: كونوا من المهاجرين، ولا تتشبهوا بهم في القول دون الفعل، والهجر: الكلام القبيح المهجور لقبحه. وفي الحديث: (ولا تقولوا هجرا) (شطر الحديث: عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (نهيتكم عن لحوم الأضحى بعد ثلاث، فكلوا وتصدقوا وادخروا، ونهيتكم عن الانتباذ، فانتبذوا، وكل مسكر حرام، ونهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ولا تقولوا هجرا) أخرجه مالك في الموطأ، باب ادخار لحوم الأضاحي. انظر: شرح الزرقاني 3/76. وأخرجه الطبراني في الأوسط 3/343) وأهجر فلان: إذا أتى بهجر من الكلام عن قصد، وهجر المريض: إذا أتى ذلك من غير قصد، وقرئ: { مستكبرين به سارما تهجرون } [المؤمنون/67] (وبها قرأ نافع)، وقد يشبه المبالغ في الهجر بالمهجر، فيقال: أهجر: إذا قصد ذلك، قال الشاعر:
- 464 - كما جدة الأعراق قال ابن ضرة * عليها كلاما جار فيه وأهجرا
(البيت للشماخ من قصيدة مطلعها:
أتعرف رسما دارسا قد تغيرا * بذروة أقوى بعد ليلى وأقفر
وهو في ديوانه ص 135؛ والمجمل 4/899؛ وفصل المقال ص 24)
الشاعر:
ورماه بهاجرات فمه أي: فضائح كلامه، وقوله: فلان هجيراه كذا: إذا أولع بذكره، وهذي به هذيان المريض المهجر، ولا يكاد يستعمل الهجير إلا في العادة الذميمة اللهم إلا أن يستعمله في ضده من لا يراعي مورد هذه الكلمة عن العرب. والهجير والهاجرة: الساعة التي يمتنع فيها من السير كالحر؛ كأنها هجرت الناس وهجرت لذلك، والهجار: حبل يشد به الفحل، فيصير سببا لهجرانه الإبل، وجعل على بناء العقال والزمام، وفحل مهجور، أي: مشدود به، وهجار القوس: وترها، وذلك تشبيه بهجار الفحل.(3/499)
هجع
- الهجوع: النوم ليلا. قال تعالى: { كانوا قليلا من الليل ما يهجعون } [الذاريات/17] وذلك يصح أن يكون معناه: كان هجوعهم قليلا من أوقات الليل، ويجوز أن يكون معناه: لم يكونوا يهجعون. والقليل يعبر به عن النفي والمشارف لنفيه لقلته، ولقيته بعد هجعه. أي: بعد نومه، وقولهم: رجل هجع كقولك: نوم للمستنيم إلى كل شيء.
هدد
- الهد: هدم له وقع، وسقوط شيء ثقيل، والهدة: صوت وقعه. قال تعالى: { وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا } [مريم/90] وهددت البقرة: إذا أوقعتها للذبح، والهد: المهدود كالذبح للمذبوح، ويعبر به عن الضعيف والجبان، وقيل: مررت برجل هدك من رجل (انظر المجمل 4/890)، كقولك: حسبك، وتحقيقه: يهدك ويزعجك وجود مثله، وهددت فلانا وتهددته: إذا زعزعته بالوعيد، والهدهدة: تحريك الصبي لينام، والهدهد: طائر معروف. قال تعالى: { مالي لا أرى الهدهد } [النمل/20] وجمعه: هداهد، والهداهد بالضم واحد، قال الشاعر:
- 465 - كهداهد كسر الرماة جناحه * يدعو بقارعة الطريق هديلا
(البيت للراعي من قصيدة عدتها اثنان وتسعون بيتا، ومطلعها:
ما بال دفك بالفراش مذيلا * أقذى بعينك أم أردت رحيلا
وهو في ديوانه ص 238؛ والجمهرة 3/394؛ والمعاني الكبير 1/297؛ واللسان (هدد) )
هدم
- الهدم: إسقاط البناء. يقال: هدمته هدما. والهدم: ما يهدم، ومنه استعير: دم هدم. أي: هدر، والهدم بالكسر كذلك لكن اختص بالثوب البالي، وجمعه: أهدام، وهدمت البناء على التكثير. قال تعالى: { لهدمت صوامع } [الحج/40].
هدى(3/500)
- الهداية دلالة بلطف، ومنه: الهدية، وهوادي الوحش. أي: متقدماتها الهادية لغيرها، وخص ما كان دلالة بهديت، وما كان إعطاء بأهديت. نحو: أهديت الهدية، وهديت إلى البيت. إن قيل: كيف جعلت الهداية دلالة بلطف وقد قال الله تعالى: { فاهدوهم إلى صراط الجحيم } [الصافات/23]، { ويهديه إلى عذاب السعير } [الحج/4]. قيل: ذلك استعمل فيه استعمال اللفظ على التهكم مبالغة في المعنى كقوله: { فبشرهم بعذاب أليم } [آل عمران/21] وقول الشاعر:
- 466 - تحية بينهم ضرب وجيع
(العجز لعمرو بن معد يكرب؛ وشطره:
[وخيل قد دلفت لها بخيل]
وهو في ديوانه ص 149؛ وشرح أبيات سيبويه 2/200؛ والمقتضب 2/20؛ وتفسير الطبري 1/310)
وهداية الله تعالى للإنسان على أربعة أوجه:
الأول: الهداية التي عم بجنسها كل مكلف من العقل، والفطنة، والمعارف الضرورية التي أعم منها كل شيء بقدر فيه حسب احتماله كما قال: { ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } [طه/50].
الثاني: الهداية التي جعل للناس بدعائه إياهم على ألسنة الأنبياء، وإنزال القرآن ونحو ذلك، وهو المقصود بقوله تعالى: { وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا } [الأنبياء/73].
الثالث: التوفيق الذي يختص به من اهتدى، وهو المعني بقوله تعالى: { والذين اهتدوا زادهم هدى } [محمد/17]، وقوله: { ومن يؤمن بالله يهد قلبه } [التغابن/ 11]، وقوله: { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم } [يونس/9]، وقوله: { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } [العنكبوت/69]، { ويزيد الله الذين اهتدوا هدى } [مريم/76]، { فهدى الله الذين آمنوا } [البقرة/213]، { والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } [البقرة/ 213].(4/1)
الرابع:الهداية في الآخرة إلى الجنة المعني بقوله: { سيهديهم ويصلح بالهم } [محمد/5]، { ونزعنا ما في صدورهم من غل } [الأعراف/43] إلى قوله: { الحمد لله الذي هدانا لهذا } (الآية: { ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار، وقالوا: الحمد لله الذي هدانا لهذا } ).
وهذه الهدايات الأربع مترتبة؛ فإن من لم تحصل له الأولى لا تحصل له الثانية بل لا يصح تكليفه، ومن لم تحصل له الثانية لا تحصل له الثالثة والرابعة، ومن حصل له الرابع فقد حصل له الثلاث التي قبلها، ومن حصل له الثالث فقد حصل له اللذان قبله (قد نقل ابن القيم هذه الهدايات الأربع في عدة مواضع من كتبه. انظر مثلا: بدائع الفوائد 2/35 - 37).
ثم ينعكس، فقد تحصل الأولى ولا يحصل له الثاني ولا يحصل الثالث، والإنسان لا يقدر أن يهدي أحدا إلا بالدعاء وتعريف الطرق دون سائر أنواع الهدايات، وإلى الأول أشار بقوله: { وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم } [الشورى/52]، { يهدون بأمرنا } [السجدة/24]، { ولكل قوم هاد } [الرعد/7] أي: داع، وإلى سائر الهدايات أشار بقوله تعالى: { إنك لا تهدي من أحببت } [القصص/56] وكل هداية ذكر الله عز وجل أنه منع الظالمين والكافرين فهي الهداية الثالثة، وهي التوفيق الذي يختص به المهتدون، والرابعة التي هي الثواب في الآخرة، وإدخال الجنة.(4/2)
نحو قوله عز وجل: { كيف يهدي الله قوما } إلى قوله: { والله لا يهدي القوم الظالمين } (الآية: { كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات من ربهم والله لا يهدي القوم الظالمين } ) [آل عمران/86] وكفوله: { ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين } [النحل/107] وكل هداية نفاها الله عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن البشر، وذكر أنهم غير قادرين عليها فهي ما عدا المختص من الدعاء وتعريف الطريق، وذلك كإعطاء العقل، والتوفيق، وإدخال الجنة، كقوله عز ذكره: { ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء } [البقرة/272]، { ولو شاء الله لجمعهم على الهدى } [الأنعام/35]، { وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم } [النمل/81]، { إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل } [النحل/37]، { ومن يضلل الله فما له من هاد } [الزمر/36]، { ومن يهد الله فما له من مضل } [الزمر/ 37]، { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء } [القصص/56] وإلى هذا المعنى أشار بقوله تعالى: { أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين } [يونس/99]، وقوله: { من يهد الله فهو المهتد } [الإسراء/97]، أي: طالب: الهدى ومتحريه هو الذي يوفقه ويهديه إلى طريق الجنة لا من ضاده، فيتحرى طريق الضلال والكفر كقوله: { والله لا يهدي القوم الكافرين } [التوبة/ 37]، وفي أخرى { الظالمين } [التوبة/109]، وقوله: { إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار } [الزمر/3] الكاذب الكفار: هو الذي لا يقبل هدايته؛ فإن ذلك راجع إلى هذا وإن لم يكن لفظه موضوعا لذلك، ومن لم يقبل هدايته لم يهده، كقولك: من لم يقبل هديتي لم أهد له، ومن لم يقبل عطيتي لم أعطه، ومن رغب عني لم أرغب فيه، وعلى هذا النحو: { والله لا يهدي القوم الظالمين } [التوبة/109] وفي أخرى: { الفاسقين } [التوبة/80] وقوله: { أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا إن يهدى(4/3)
} [يونس/35]، وقد قرئ: { يهدي إلا أن يهدى } (قرأ حمزة والكسائي وخلف يهدي) أي: لا يهدي غيره ولكن يهدي.
أي: لا يعلم شيئا ولا يعرف أي لا هداية له، ولو هدي أيضا لم يهتد؛ لأنها موات من حجارة ونحوها، وظاهر اللفظ أنه إذا هدي اهتدى لإخراج الكلام أنها أمثالكم كما قال تعالى: { إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم } [الأعراف/194] وإنما هي أموات، وقال في موضع آخر: { ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السموات والأرض شيئا ولا يستطيعون } [النحل/73]، وقوله عز وجل: { إنا هديناه السبيل } [الإنسان/3]، { وهديناه النجدين } [البلد/10]، { وهديناهما الصراط المستقيم } [الصافات/118] فذلك إشارة إلى ما عرف من طريق الخير والشر (مجاز القرآن 2/299)، وطريق الثواب والعقاب بالعقل والشرع وكذا قوله: { فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة } [الأعراف/30]، { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء } [القصص/56]، { ومن يؤمن بالله يهد قلبه } [التغابن/11] فهو إشارة إلى التوفيق الملقى في الروع فيما يتحراه الإنسان وإياه عنى بقوله عز وجل: { والذين اهتدوا زادهم هدى } [محمد/17] وعدي الهداية في مواضع بنفسه، وفي مواضع باللام، وفي مواضع بإلى، قال تعالى: { ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم } [آل عمران/101]، { واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم } [الأنعام/87] وقال: { أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع } [يونس/35] وقال: { هل لك إلى أن تزكى * وأهديك إلى ربك فتخشى } [النازعات/18 - 19].
وما عدي بنفسه نحو: { ولهديناهم صراطا مستقيما } [النساء/68]، { وهديناهما الصراط المستقيم } [الصافات/ 118]، { اهدنا الصراط المستقيم } [الفاتحة/6]، { أتريدون أن تهدوا من أضل الله } [النساء/88]، { ولا ليهديهم طريقا } [النساء/168]، { أفأنت تهدي العمي } [يونس/43]، { ويهديهم إليه صراطا مستقيما } [النساء/175].(4/4)
ولما كانت الهداية والتعليم يقتضي شيئين: تعريفا من المعرف، وتعريف من المعرف، وبهما تم الهداية والتعليم فإنه متى حصل البذل من الهادي والمعلم ولم يحصل القبول صح أن يقال: لم يهد ولم يعلم اعتبارا بعدم القبول، وصح أن يقال: لم يهد ولم يعلم اعتبارا بعدم القول، وصح كذلك صح أن يقال: إن الله تعالى لم يهد الكافرين والفاسقين من حيث إنه لم يحصل القبول الذي هو تمام الهداية والتعليم، وصح أنه يقال: هداهم وعلمهم من حيث إنه حصل البذل الذي هو مبدأ الهداية. فعلى الاعتبار بالأول يصح أن يحمل قوله تعالى: { والله لا يهدي القوم الظالمين } [التوبة/109]، { والكافرين } [التوبة/37] وعلى الثاني قوله عز وجل: { وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى } [فصلت/17] والأولى حيث لم يحصل القبول المفيد فيقال: هداه الله فلم يهتد، كقوله: { وأما ثمود } الآية، وقوله: { لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء } إلى قوله: { وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله } (الآيتان: { لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم * وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كانت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله } ) [البقرة/142 - 143] فهم الذين قبلوا هداه واهتدوا به، وقوله تعالى: { اهدنا الصراط المستقيم } [الفاتحة/6]، { ولهديناهم صراطا مستقيما } [النساء/68] فقد قيل: عني به الهداية العامة التي هي العقل، وسنة الأنبياء، وأمرنا أن نقول ذلك بألسنتنا وإن كان قد فعل ليعطينا بذلك ثوابا كما أمرنا أن نقول: اللهم صلى على محمد وإن كان قد صلى عليه بقوله: { إن الله وملائكته يصلون على النبي } [الأحزاب/56] وقيل: إن ذلك دعاء بحفظنا عن استغواء الغواة واستهواء الشهوات، وقيل: هو سؤال للتوفيق الموعود به في قوله: { والذين اهتدوا زادهم هدى }(4/5)
[محمد/17] وقيل: سؤال للهداية إلى الجنة في الآخرة، وقوله عز وجل: { وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله } [البقرة/143] فإنه يعني به من هداه بالتوفيق المذكور في قوله عزوجل: { والذين اهتدوا زادهم هدى } .
والهدى والهداية في موضوع اللغة واحد لكن قد خص الله عز وجل لفظه الهدى بما تولاه وأعطاه، واختص هو به دون ما هو إلى الإنسان نحو: { هدى للمتقين } [البقرة/2]، { أولئك على هدى من ربهم } [البقرة/5]، { هدى للناس } [البقرة/185]، { فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي } [البقرة/38]، { قل إن هدى الله هو الهدى } [الأنعام/71]، { وهدى وموعظة للمتقين } [آل عمران/138]، { ولو شاء الله لجمعهم على الهدى } [الأنعام/35]، { إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل } [النحل/37]، { أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى } [البقرة/16].
والاهتداء يختص بما يتحراه الإنسان على طريق الاختيار؛ وإما في الأمور الدنيوية، أو الأخروية قال تعالى: { هو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها } [الأنعام/97]، وقال: { إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا } [النساء/98] ويقال ذلك لطلب الهداية نحو: { وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون } [البقرة/53]، وقال: { فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون } [البقرة/150]، { فإن أسلموا فقد اهتدوا } [آل عمران/20]، { فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا } [البقرة/137].(4/6)
ويقال المهتدي لمن يقتدي بعالم نحو: { أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون } [المائدة/104] تنبيها أنهم لا يعلمون بأنفسهم ولا يقتدون بعالم، وقوله: { فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين } [النمل/92] فإن الاهتداء ههنا يتناول وجوه الاهتداء من طلب الهداية، ومن الاقتداء، ومن تحريها، وكذا قوله: { وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون } [النمل/24] وقوله: { وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى } [طه/82] فمعناه: ثم أدام طلب الهداية، ولم يفتر عن تحريه، ولم يرجع إلى المعصية. وقوله: { الذين إذا أصابتهم مصيبة } إلى قوله: { وأولئك هم المهتدون } (الآيتان: { الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } ) [البقرة/157] أي: الذين تحروا هدايته وقبلوها وعملوا بها، وقال مخبرا عنهم: { وقالوا يا أيه الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون } [الزخرف/49].
والهدي مختص بما يهدى إلى البيت. قال الأخفش (ليس هذا النقل في معاني القرآن له) : والواحدة هدية، قال: ويقال للأنثى هدي كأنه مصدر وصف به، قال الله تعالى: { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } [البقرة/196]، { هديا بالغ الكعبة } [المائدة/95]، { ولا الهدي ولا القلائد } [المائدة/2]، { والهدي معكوفا } [الفتح/25].
والهدية مختصة باللطف الذي يهدي بعضنا إلى بعض. قال تعالى: { وإني مرسلة إليهم بهدية } [النمل/35]، { بل أنتم بهديتكم تفرحون } [النمل/36] والمهدى الطبق الذي يهدى عليه، والمهداء: من يكثر إهداء الهدية، قال الشاعر:
- 467 - وإنك مهداء الخنا نطف الحشا
(البيت يروى:
وأنك مهداء الخنا نطف النثا * شديد السباب رافع الصوت غالبه
وهو للحسيل بن عرفطه في البيان والتبين 3/202؛ والحيوان 3/494)(4/7)
والهدي يقال في الهدي، وفي العروس يقال: هديت العروس إلى زوجها، وما أحسن هدية فلان وهدية، أي طريقته، وفلان، يهادى بين اثنين: إذا مشى بينهما معتمدا عليهما، وتهادت المرأة: إذا مشت مشي الهدي. * هرع
- يقال هرع وأهرع: ساقه سوقا بعنف وتخويف. قال الله تعالى: { وجاءه قومه يهرعون إليه } [هود/78] وهرع برمحه فتهرع: إذا أشرعه سريعا، والهرع: السريع المشي والبكاء، قيل: والهريع والهرعة: القملة الصغيرة.
هرت
- قال تعالى: { وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت } [البقرة/102] قيل: هما الملكان. وقال بعض المفسرين: هما اسما شيطانين (وبهذا قال أبو مسلم الأصفهاني، وكذا القرطبي، حيث قال: وذلك أن اليهود قالوا: إن الله أنزل جبريل وميكائيل بالسحر، فنفى الله ذلك، وفي الكلام تقديم وتأخير. التقدير: وما كفر سليمان، وما أنزل على الملكين، ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت، فهاروت وماروت بدل من الشياطين. وهذا أولى ما حملت عليه الآية.
ولم يرتض الألوسي هذا، فقال: ومما يقضي منه العجب ما قاله القرطبي: إن هاروت وماروت بدل من الشياطين. وأعجب من هذا قوله: وهذا أولى ما حملت عليه الآية. انظر: تفسير الرازي 3/230؛ وتفسير القرطبي 2/50؛ وروح المعاني 1/342) من الإنس أو الجن، وجعلهما نصبا بدلا من قوله تعالى: { ولكن الشياطين } بدل البعض من الكل كقولك: القوم قالوا إن كذا زيد وعمرو. والهرت: سعة الشدق، يقال: فرس هريت الشدق، وأصله من: هرت ثوبه: إذا مزقه، ويقال: الهريت: المرأة المفضاة.
هرن
- هرون اسم أعجمي، ولم يرد في شيء من كلام العرب.
هزز(4/8)
- الهز: التحريك الشديد، يقال: هززت الرمح فاهتز وهززت فلانا للعطاء. قال تعالى: { وهزي إليك بجذع النخلة } [مريم/25]، { فلما رآها تهتز } [النمل/ 10] واهتز النبات: إذا تحرك لنضارته، قال تعالى: { فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت } [الحج/5] واهتز الكوكب في انقضاضه، وسيف هزهاز، وماء هزهز ورجل هزهز: خفيف.
هزل
- قال تعالى: { إنه لقول فصل * وما هو بالهزل } [الطارق/13 - 14] الهزل: كل كلام لا تحصيل له، ولا ريع تشبيها بالهزال.
هزؤ(4/9)
- الهزء: مزح في خفية، وقد يقال لما هو كالمزح، فمما قصد به المزح قوله: { ااتخذوها هزوا ولعبا } [المائدة/58]، { وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا } [الجاثية/9]، { وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا } [الفرقان/41]، { وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا } [الأنبياء/36]، { أتتخذنا هزوا } [البقرة/67]، { ولا تتخذوا آيات الله هزوا } [البقرة/231]، فقد عظم تبكيتهم، ونبه على خبثهم من حيث إنه وصفهم بعد العلم بها، والوقوف على صحتها بأنهم يهزءون بها، يقال: هزئت به، واستهزأت، والاستهزاء: ارتياد الهزؤ وإن كان قد يعبر به عن تعاطي الهزؤ، كالاستجابة في كونها ارتيادا للإجابة، وإن كان قد يجري مجرى الإجابة. قال تعالى: { قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون } [التوبة/65]، { وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون } [هود/8]، { ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون } [الحجر/11]، { إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها } [النساء/140]، { ولقد استهزئ برسل من قبلك } [الأنعام/10] والاستهزاء من الله في الحقيقة لا يصح، كما لا يصح من الله اللهو واللعب، تعالى الله عنه. وقوله: { الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون } [البقرة/15] أي: يجازيهم جزاء الهزؤ. ومعناه: أنه أمهلهم مدة ثم أخذهم مغافصة (غافص الرجل مغافصة وغفاصا: أخذه على غرة بمساءة. اللسان (غفص) )، فسمى إمهاله إياهم استهزاء من حيث إنهم اغتروا به اغترارهم بالهزؤ، فيكون ذلك كالاستدراج من حيث لا يعلمون، أو لأنهم استهزءوا فعرف ذلك منهم، فصار كأنه يهزأ بهم كما قيل: من خدعك وفطنت له ولم تعرفه فاحترزت منه فقد خدعته. وقد روي: [أن المستهزئين في الدنيا يفتح لهم باب من الجنة فيسرعون نحوه فإذا انتهوا إليه سد عليهم فذلك قوله: { فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون } [المطففين /34] (عن ابن عباس في قوله تعالى: { الله يستهزئ بهم } في الآخرة، يفتح لهم باب في جهنم من(4/10)
الجنة، ثم يقال لهم: تعالوا، فيقبلون يسبحون في النار، والمؤمنون على الأرائك ينظرون إليهم، فإذا انتهوا إلى الباب سد عنهم فيضحك المؤمنون منهم. أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات ص 616) وعلى هذه الوجوه قوله عز وجل: { سخر الله منهم ولهم عذاب أليم } [التوبة/79].
هزم
- أصل الهزم: غمز الشيء اليابس حتى ينحطم، كهزم الشن، وهزم القثاء والبطيخ، ومنه: الهزيمة لأنه كما يعبر عنه بذلك يعبر عنه بالحطم والكسر. قال تعالى: { فهزموهم بإذن الله } [البقرة/251]، { جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب } [ص/11] وأصابته هازمة الدهر. أي: كاسرة كقولهم: فاقرة، وهزم الرعد: تكسر صوته، والمهزام: عود يجعل الصبيان في رأسه نارا فيلعبون به، كأنهم يهزمون به الصبيان. ويقولون للرجل الطبع: هزم واهتزم.
هشش
- الهش: يقارب الهز في التحريك، ويقع على الشيء اللين كهش الورق، أي خبطه بالعصا. قال تعالى: { وأهش بها على غنمي } [طه/18] وهش الرغيف في التنور يهش، وناقة هشوش: لينة غريزة اللبن، وفرس هشوش: (الفرس الهش: خلاف الصلود، وفر هش: كثير العرق. الصحاح (هش) ) ضد الصلود، والصلود: الذي لا يكاد يعرق. ورجل هش الوجه: طلق المحيا، وقد هششت، وهش للمعروف يهش، وفلان ذو هشاش.
هسم
- الهشم: كسر الشي الرخو كالنبات. قال تعالى: { فأصبح هشيما تذروه الرياح } [الكهف/45]، { فكانوا كهشيم المحتظر } [القمر/31] يقال: هشم عظمه، ومنه: هشمت الخبز، قال الشاعر:
- 468 - عمرو العلا هشم الثريد لقومه * ورجال مكة مسنتون عجاف
(البيت لابنة هاشم بن عبد مناف، وقيل: للمطرود الخزاعي. وهو في اللسان (هشم) ؛ وتهذيب اللغة 6/95)
والهاشمة: الشجة تهشم عظم الرأس، واهتشم كل ما في ضرع الناقة: إذا احتلبه ويقال: تهشم فلان على فلان: تعطف.
هضم(4/11)
- الهضم: شدخ ما فيه رخاوة، يقال: هضمته فانهضم، وذلك كالقصبة المهضومة التي يزمر بها، ومزمار مهضم. قال تعالى: { ونخل طلعها هضيم } [الشعراء/148] أي: داخل بعضه في بعض كأنما شدخ، والهاضوم: ما يهضم الطعام وبطن هضوم، وكشح مهضم وامرأة هضيمة الكشحين، واستعير الهضم للظلم. قال تعالى: { فلا يخاف ظلما ولا هضما } [طه/112].
هطع
- هطع الرجل ببصره: إذا صوبه، وبعير مهطع: إذا صوب عنقه. قال تعالى: { مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم } [إبراهيم/43]، { مهطعين إلى الداع } [القمر/8].
هلل
- الهلال: القمر في أول ليلة والثانية، ثم يقال له القمر، ولا يقال: له هلال، وجمعه: أهلة، قال الله تعالى: { يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } [البقرة/189] وقد كانوا سألوه عن علة تهلله وتغيره. وشبه به في الهيئة السنان الذي يصاد به وله شعبتان كرمي الهلال، وضرب من الحيات، والماء المستدير القليل في أسفل الركي، وطرف الرحا، فيقال لكل واحد منهما: هلال، وأهل الهلال: رؤي، واستهل: طلب رؤيته. ثم قد يعبر عن الإهلال بالاستهلال نحو: الإجابة والاستجابة، والإهلال: رفع الصوت عند رؤية الهلال، ثم استعمل لكل صوت، وبه شبه إهلال الصبي، وقوله: { وما أهل به لغير الله } [البقرة/173] أي: ما ذكر عليه غير اسم الله، وهو ما كان يذبح لأجل الأصنام، وقيل: الإهلال والتهلل: أن يقول لا إله إلا الله، ومن هذه الجملة ركبت هذه اللفظة كقولهم: التبسمل والبسملة (وهذا يسمى في اللغة النحت. انظر الصاحبي ص 461، والمزهر 1/482)، والتحولق والحوقلة إذا قال بسم الله الرحمن الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ومنه الإهلال بالحج، وتهلل السحاب ببرقه: تلألأ، ويشبه في ذلك بالهلال، وثوب مهلل: سخيف النسج، ومنه شعر مهلهل.
هل(4/12)
- هل: حرف استخبار؛ إما على سبيل الاستفهام، وذلك لا يكون من الله عز وجل قال تعالى: { قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا } [الأنعام/148] وإما على التقرير تنبيها، أو تبكيتا، أو نفيا. نحو: { هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا } [مريم/98]. وقوله: { هل تعلم له سميا } [مريم/65]، { فارجع البصر هل ترى من فطور } [الملك/3] كل ذلك تنبيه على النفي. وقوله تعالى: { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة } [البقرة /210]، { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة } [النحل/33]، { هل ينظرون إلا الساعة } [الزخرف/66]، { هل يجزون إلا ما كانوا يعملون } [سبأ/33]، { هل هذا إلا بشر مثلكم } [الأنبياء/3] قيل: ذلك تنبيه على قدرة الله، وتخويف من سطوته.
هلك
- الهلاك على ثلاثة (في المطبوعة: ذكر أن الهلاك على ثلاثة أوجه، ثم عدها أربعة، وتبعه في ذلك الفيروزآبادي في البصائر. لكن نجد أن السمين قال: الهلاك على أربعة أوجه، وذكرها. انظر: عمدة الحفاظ (هلك) ) أوجه:
- افتقاد الشيء عنك، وهو عند غيرك موجود كقوله تعالى: { هلك عني سلطانيه } [الحاقة/29].
- وهلاك الشيء باستحالة وفساد كقوله: { ويهلك الحرث والنسل } [البقرة/ 205] ويقال: هلك الطعام.
والثالث: الموت كقوله: { إن امرؤ هلك } [النساء/176] وقال تعالى مخبرا عن الكفار: { وما يهلكنا إلا الدهر } [الجاثية/24].
ولم يذكر الله الموت بلفظ الهلاك حيث لم يقصد الذم إلا في هذا الموضع، وفي قوله: { ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا } [غافر/34]، وذلك لفائدة يختص ذكرها بما بعد هذا الكتاب.(4/13)
والرابع: بطلان الشيء من العالم وعدمه رأسا، وذلك المسمى فناء المشار إليه بقوله: { كل شيء هالك إلا وجهه } [القصص/88] ويقال للعذاب والخوف والفقر: الهلاك، وعلى هذا قوله: { وما يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون } [الأنعام/26]، { وكم أهلكنا قبلهم من قرن } [مريم/74]، { وكم من قرية أهلكناها } [الأعراف/4]، { فكأين من قرية أهلكناها } [الحج/45]، { أفتهلكنا بما فعل المبطلون } [الأعراف/173]، { أتهلكنا بما فعل السفهاء منا } [الأعراف/ 155]. وقوله: { فعل يهلك إلا القوم الفاسقون } [الأحقاف/35] هو الهلاك الأكبر الذي دل النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا شر كشر بعده النار) (لم أجده؛ وقد تقدم ص 300)، وقوله تعالى: { ما شهدنا مهلك أهله } [النمل/ 49]. والهلك بالضم: الإهلاك، والتهلكة: ما يؤدي إلى الهلاك، قال تعالى: { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } [البقرة/195] وامرأة هلوك: كأنها تتهالك في مشيها كما قال الشاعر:
- 469 - مريضات أوبات التهادي كأنما * تخاف على أحشائها أن تقطعا
(البيت لمسلم بن الوليد في الحماسة البصرية 2/220، والحيوان 4/259. البيت نسبه المؤلف في المحاضرات للسعيد، وبعده:
تسيب انسياب الأيم أخضره الندى * يرفع من أطرافه ما ترفعا
انظر: محاضرات الأدباء 2/139؛ والحيوان للجاحظ 4/259؛ وعمدة الحفاظ (هلك) ؛ وتفسير الراغب ورقة 129)
وكني بالهلوك عن الفاجرة لتمايلها، والهالكي: كان حداد من قبيلة هالك، فسمي كل حداد هالكيا، والهلك: الشيء الهالك.
هلم
- هلم دعاء إلى الشيء، وفيه قولان:
أحدهما: أن أصله هالم (وهذا قول الخليل). من قولهم: لممت الشيء. أي: أصلحته، فحذف ألفها فقيل: هلم.(4/14)
وقيل أصله هل أم (وهذا مذهب الفراء. انظر: اللسان (هلم) )، كأنه قيل: هل لك في كذا أمه. أي: قصده، فركبا. قال عز وجل: { والقائلين لإخوانهم هلم إلينا } [الأحزاب/18]، فمنهم من تركه على حالته في التثنية والجمع، وبه ورد القرآن، ومنهم من قال: هلما، وهلموا، وهلمي، وهلممن (قال سيبويه: هلم في لغة أهل الحجاز يكون للواحد، والاثنين، والجمع، والذكر، والأنثى بلفظ واحد. وأهل نجد يصرفونها. اللسان: هلم، والعين 4/56).
همم
- الهم الحزن الذي يذيب الإنسان. يقال: هممت الشحم فانهم، والهم: ما هممت به في نفسك، وهو الأصل، ولذا قال الشاعر:
- 470 - وهمك ما لم تمضه لك منصب
(العجز في الدر المصون 3/382؛ وعمدة الحفاظ (هم) دون نسبة؛ وهو لحذيفة بن أنس الهذلي، وشطره:
[وكان لهم في أهل نعمان بغية]
وقيل: هو لساعدة بن جؤية الهذلي. انظر شرح أشعار الهذليين 2/559)
قال الله تعالى: { إذ هم قوم أن يبسطوا } [المائدة/11]، { ولقد همت به وهم بها } [يوسف/24]، { إذ همت طائفتان منكم } [آل عمران/122]، { لهمت طائفة منهم } [النساء/113]، { وهموا بما لم ينالوا } [التوبة/74]، { وهموا بإخراج الرسول } [التوبة/13]، { وهمت كل أمة برسولهم } [غافر/5] وأهمني كذا. أي: حملني على أن أهم به. قال الله تعالى: { وطائفة قد أهمتهم أنفسهم } [آل عمران/154] ويقال: هذا رجل همك من رجل (انظر: المجمل 4/892)، وهمتك من رجل، كما تقول: ناهيك من رجل. والهوام: حشرات الأرض، ورجل هم، وامرأة همة. أي: كبير، قد همه العمر. أي: أذابه.
همد
- يقال: همدت النار: طفئت، ومنه: أرض هامدة: لا نبات فيها، ونبات هامد: يابس. قال تعالى: { وترى الأرض هامدة } [الحج/5] والإهماد: الإقامة بالمكان كأنه صار ذا همد، وقيل: الإهماد السرعة؛ فإن يكن ذلك صحيحا فهو كالإشكاء في كونه تارة لإزالة الشكوى، وتارة لإثبات الشكوى.
همر(4/15)
- الهمر: صب الدمع والماء، يقال: همره فانهمر. قال تعالى: { ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر } [القمر/11] وهمر ما في الضرع: حلبه كله، وهمر الرجل في الكلام، وفلان يهامر الشيء أي: يجرفه، ومنه: همر له من ماله: أعطاه، والهميرة: العجوز.
همز
- الهمز كالعصر. يقال: همزت الشيء في كفي، ومنه: الهمز في الحرف، وهمز الإنسان: اغتيابه. قال تعالى: { هماز مشاء بنميم } [القلم/11] يقال: رجل هامز، وهماز، وهمزة. قال تعالى: { ويل لكل همزة لمزة } [الهمزة/1] وقال الشاعر:
- 471 - وإن اغتيب فأنت الهامز اللمزه
(العجز لزيادة الأعجم، وصدره:
تدلي بودي إذا لاقيتني كذبا
وهو في مجاز القرآن 2/311؛ وتفسير الطبري 30/161؛ وتفسير القرطبي 20/182؛ واللسان (همز) )
وقال تعالى: { وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين } [المؤمنون/97]. * همس
- الهمس: الصوت الخفي، وهمس الأقدام: أخفى ما يكون من صوتها. قال تعالى: { فلا تسمع إلا همسا } [طه/108].
هنا
- هنا يقع إشارة إلى الزمان، والمكان القريب، والمكان أملك به، يقال: هنا، وهناك، وهنالك، كقولك: ذا، وذاك، وذلك. قال الله تعالى: { جند ما هنالك } [ص/11]، { إنا ههنا قاعدون } [المائدة/24]، { هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت } [يونس/30]، { هنالك ابتلي المؤمنون } [الأحزاب/11]، { هنالك الولاية لله الحق } [الكهف/44]، { فغلبوا هنالك } [الأعراف/119].
هن
- هن: كناية عن الفرج وغيره مما يستقبح ذكره، وفي فلان هنات. أي: خصال سوء، وعلى هذا ما روي: (سيكون هنات) (عن عرفجة بن أسعد أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنه ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهم جميع فاضربوه بالسيف، كائنا من كان) أخرجه أحمد 2/24؛ ومسلم في الإمارة رقم 59)، قال تعالى: { إنا ههنا قاعدون } [المائدة/24].
هنأ(4/16)
- الهنيء: كل ما لا يلحق فيه مشقة، ولا يعقب وخامة. وأصله في الطعام يقال: هنئ الطعام فهو هنيء. قال عز وجل: { فكلوه هنيئا مريئا } [النساء/4]، { كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم } [الحاقة/24]، { كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون } [المرسلات/43]، والهناء: ضرب من القطران، يقال: هنأت الإبل، فهي مهنوءة.
هود
- الهود: الرجوع برفق، ومنه: التهويد، وهو مشي كالدبيب، وصار الهود في التعارف التوبة. قال تعالى: { إنا هدنا إليك } [الأعراف/156] أي: تبنا، قال بعضهم: يهود في الأصل من قولهم: هدنا إليك، وكان اسم مدح، ثم صار بعد نسخ شريعتهم لازما لهم وإن لم يكن فيه معنى المدح، كما أن النصارى في الأصل من قوله: { من أنصاري إلى الله } [الصف/14] ثم صار لازما لهم بعد نسخ شريعتهم. ويقال: هاد فلان: إذا تحرى طريقة اليهود في الدين، قال الله عز وجل: { إن الذين آمنوا والذين هادوا } [البقرة/62] والاسم العلم قد يتصور منه معنى ما يتعاطاه المسمى به. أي: المنسوب إليه، ثم يشتق منه. نحو: قولهم تفرعن فلان، وتطفل: إذا فعل فعل فرعون في الجور، وفعل طفيل في إتيان الدعوات من غير استدعاء، وتهود في مشيه: إذا مشى مشيا رفيقا تشبيها باليهود في حركتهم عند القراءة، وكذا: هود الرائض الدابة: سيرها برفق، وهود في الأصل جمع هائد. أي: تائب وهو اسم نبي عليه السلام.
هار
- يقال: هار البناء، وتهور: إذا سقط نحو: انهار. قال تعالى: { على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم } [التوبة/109] وقرئ: (هائر) (وهي قراءة شاذة). يقال: بئر هائر، وهار، وهار، ومهار، ويقال: انهار فلان: إذا سقط من مكان عال، ورجل هار وهائر: ضعيف في أمره تشبيها بالبئر الهائر، وتهور الليل: اشتد ظلامه، وتهور الشتاء: ذهب أكثره، وقيل: تهير، وقيل: تهيره فهذا من الياء، ولو كان من الواو لقيل تهوره.
هيت(4/17)
- هيت: قريب من هلم، وقرئ: { هيت لك } (وبها قرأ ابن كثير. الإتحاف ص 263) : أي: تهيأت لك، ويقال: هيت به وتهيت: إذا قالت: هيت لك. قال الله تعالى: { وقالت هيت لك } [يوسف/23].
هات
- يقال: هات، وهاتيا، وهاتوا. قال تعالى: { قل هاتوا برهانكم } [البقرة/111] قال الفراء: ليس في كلامهم هاتيت، وإنما ذلك في ألسن الحيرة (انظر: اللسان (هيت) )، قال: ولا يقال لا تهات. وقال الخليل (العين 4/80) : المهاتاة والهتاء مصدر هات.
هيهات
- هيهات كلمة تستعمل لتبعيد الشيء، يقال: هيهات هيهات، وهيهاتا، ومنه قوله عز وجل: { هيهات هيهات لما توعدون } [المؤمنون/36] قال الزجاج: البعد لما توعدون (عبارة الزجاج: فمن قال: هيهات ما قلت، فمعناه: البعد ما قلت، ومن قال: هيهات لما قلت، فمعناه: البعد لقولك. وبذا يظهر تصرف المؤلف بالعبارة. انظر: معاني القرآني للزجاج 4/13)، وقال غيره: غلط الزجاج واستهواه اللام؛ فإن تقديره بعد الأمر والوعد لما توعدون. أي: لأجله، وفي ذلك لغات: هيهات وهيهات وهيهاتا وهيها، وقال الفسوي (هو أبو علي الفارسي، وعبارته: ألا ترى أن من فتح هيهات في الواحد قال في جمعه: هيهات فكسر، فجعله في كسر التاء في جمعه بمنزلة ما كان الواحد منه منصوبا. المسائل الحلبيات ص 309) : هيهات بالكسر، جمع هيهات بالفتح.
هاج
- يقال: هاج البقل يهيج: اصفر وطاب، قال عز وجل: { ثم يهيج فتراه مصفرا } [الزمر/21] وأهيجت الأرض: صار فيها كذلك، وهاج الدم والفحل هيجا وهياجا، وهيجت الشر والحرب، والهيجاء: الحرب وقد يقصر، وهيجت البعير: أثرته.
هيم(4/18)
- يقال: رجل هيمان، وهائم: شديد العطش، وهام على وجهه: ذهب، وجمعه: هيم، قال تعالى: { فشاربون شرب الهيم } [الواقعة/55] والهيام: داء يأخذ الإبل من العطش. ويضرب به المثل فيمن اشتد به العشق، قال: { ألم تر أنهم في كل واد يهيمون } [الشعراء/225] أي: في كل نوع من الكلام يغلون في المدح والذم، وسائر الأنواع المختلفات، ومنه: الهائم على وجهه المخالف للقصد الذاهب على وجهه، وهام ذهب في الأرض، واشتد عشقه، وعطش، والهيم: الإبل العطاش، وكذلك الرمال تبتلع الماء، والهيام من الرمل: اليابس، كأن به عطشا.
هان
- الهوان على وجهين:
أحدهما: تذلل الإنسان في نفسه لما لا يلحق به غضاضة، فيمدح به نحو قوله: { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا } [الفرقان/63] ونحو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن هين لين) (عن مكحول مرسلا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمنون هينون لينون كالجمل الأنف، إن قيد انقاد، وإن أنيخ على صخرة استناخ). أخرجه ابن المبارك في الزهد ص 130؛ والبغوي في شرح السنة 13/86؛ وأحمد في الزهد ص 463 من قول مكحول؛ ومثله أبو نعيم في الحلية 5/180.
وقال العجلوني: أخرجه البيهقي والقضاعي والعسكري عن ابن عمر مرفوعا. انظر: كشف الخفاء 2/290).
الثاني: أن يكون من جهة متسلط مستخف به فيذم به. وعلى الثاني قوله تعالى: { اليوم تجزون عذاب الهون } [الأنعام/93]، { فأخذتهم صاعقة العذاب الهون } [فصلت/17]، { وللكافرين عذاب مهين } [البقرة/90]، { ولهم عذاب مهين } [آل عمران/178]، { فأولئك لهم عذاب مهين } [الحج/57]، { ومن يهن الله فما له من مكرم } [الحج/18] ويقال: هان الأمر على فلان: سهل. قال الله تعالى: { هو علي هين } [مريم/21]، { وهو أهون عليه } [الروم/27]، { وتحسبونه هينا } [النور/15] والهاوون: فاعول من الهون، ولا يقال هاون؛ لأنه ليس في كلامهم فاعل.
هوى(4/19)
- الهوى: ميل النفس إلى الشهوة. ويقال ذلك للنفس المائلة إلى الشهوة، وقيل: سمي بذلك لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية، وفي الآخرة إلى الهاوية، والهوي: سقوط من علوا إلى سفل، وقوله عز وجل: { فأمه هاوية } [القارعة/9] قيل: هو مثل قولهم: هوت أمه أي: ثكلت. وقيل: معناه مقره النار، والهاوية: هي النار، وقيل: { وأفئدتهم هواء } [إبراهيم/43] أي: خالية كقوله: { وأصبح فؤاد أم موسى فارغا } [القصص/10] وقد عظم الله تعالى ذم اتباع الهوى، فقال تعالى: { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه } [الجاثية/ 23]، { ولا تتبع الهوى } [ص/26]، { واتبع هواه } [الأعراف/176] وقوله: { ولئن اتبعت أهواءهم } [البقرة/120] فإنما قاله بلفظ الجمع تنبيها على أن لكل واحد هوى غير هوى الآخر، ثم هوى كل واحد لا يتناهى، فإذا اتباع أهوائهم نهاية الضلال والحيرة، وقال عز وجل: { و لا تتبع أهواء الذين لا يعلمون } [الجاثية/18]، { كالذي استهوته الشياطين } [الأنعام/71] أي: حملته على اتباع الهوى. { ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا } [المائدة/77]، { قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت } [الأنعام/56]، { ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله } [الشورى/15]، { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله } [القصص/50] والهوي: ذهاب في انحدار، والهوي: ذهاب في ارتفاع، قال الشاعر:
- 472 - يهوي محارمها هوي الأجدل
(العجز في البصائر 5/360 دون نسبة من المحقق؛ وأساس البلاغة (هوى)، دون نسبة أيضا. وشطره الأول:
وإذا رميت به الفجاج رأيته
وهو لأبي كبير الهذلي، في ديوان الهذليين 2/94؛ والمجمل 4/893 [استدراك] )
والهواء: ما بين الأرض والسماء، وقد حمل على ذلك قوله: { وأفئدتهم هواء } [إبراهيم/43] إذ هي بمنزلة الهواء في الخلاء. ورأيتهم يتهاوون في المهواة أي: يتساقطون بعضهم في أثر بعض، وأهواه، أي: رفعه في الهواء وأسقطه، قال تعالى: { والمؤتكفة أهوى } [النجم/53].
هيأ(4/20)
- الهيئة: الحالة التي يكون عليها الشيء؛ محسوسة كانت أو معقولة، لكن في المحسوس أكثر. قال تعالى: { أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير } [آل عمران/49]، والمهايأة: ما يتهيأ القوم له فيتراضون عليه على وجه التخمين، قال تعالى: { وهيئ لنا من أمرنا رشدا } [الكهف/10]، { ويهيئ لكم من أمركم مرفقا } [الكهف/16] وقيل: هياك أن تفعل كذا. بمعنى: إياك، قال الشاعر:
- 473 - هياك هياك وحنواء العنق
(في اللسان:
يا خال هلا قلت إذا أعطيتها * هياك هياك وحنواء العنق
أعطيتنيها فانيا أضراسها * لو تعلف البيض به لم ينفلق
ولم ينسبهما)
ها
- ها للتنبيه في قولهم: هذا وهذه، وقد ركب مع ذا وذه وأولاء حتى صار معها بمنزلة حرف منها، و (ها) في قوله تعالى: { ها أنتم } [آل عمران/66] استفهام، قال تعالى: { ها أنتم هؤلاء حاججتم } [آل عمران/66]، { ها أنتم أولاء تحبونهم } [آل عمران/119]، { هؤلاء جادلتم } [النساء/109]، { ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم } [البقرة/85]، { لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء } [النساء/ 143].
و (ها) كلمة (قال الأزهري: والعرب تقول أيضا: ها، إذا أجابوا داعيا، يصلون الهاء بألف تطويلا للصوت. انظر: تهذيب اللغة 6/485) في معنى الأخذ، وهو نقيض: هات. أي: أعط، يقال: هاؤم، وهاؤما، وهاؤموا، وفيه لغة أخرى: هاء، وهاآ، وهاؤا، وهائي، وهأن، نحو: خفن وقيل: هاك، ثم يثنى الكاف ويجمع ويؤنث قال تعالى: { هاؤم اقرءوا كتابيه } [الحاقة/19] وقيل: هذه أسماء الأفعال، يقال: هاء يهاء نحو: خاف يخاف (قال ابن جني: وفيها لغة رابعة، وهي قولك للرجل: هأ بوزن هع، وللمرأة هائي، بوزن هاعي، وللاثنين والاثنتين: هاءا، بوزن هاعا، وللمذكرين: هاءوا، بوزن: هاعوا، وللنساء: هأن، بوزن هعن، فهذه اللغة تتصرف تصرف خف، وخافي، وخافا، وخافوا، وخفن، وهي لغة مع ما ذكرناه قليلة. انظر: سر صناعة الإعراب 1/319)، وقيل: هاءى يهائي، مثل: نادى ينادي، وقيل: إهاء نحو: إخال.(4/21)
هو
هو: كناية عن اسم مذكر، والأصل: الهاء، والواو زائدة صلة للضمير، وتقوية له؛ لأنها الهاء التي في: ضربته، ومنهم من يقول: هو مثقل، ومن العرب من يخفف ويسكن، فيقال: هو.
كتاب الواو
وبل
- الوبل والوابل: المطر الثقيل القطار. قال تعالى: { فأصابه وابل } [البقرة/ 264]، { كمثل جنة بربوة أصابها وابل } [البقرة/265] ولمراعاة الثقل قيل للأمر الذي يخاف ضرره: وبال. قال تعالى: { فذاقوا وبال أمرهم } [التغابن/ 5]، ويقال طعام وبيل، وكلأ وبيل: يخاف وباله. قال تعالى: { فأخذناه أخذا وبيلا } [المزمل/16].
وبر
- الوبر، معروف، وجمعه: أوبار. قال تعالى: { ومن أصوافها وأوبارها } [النحل/80] وقيل: سكان الوبر لمن بيوتهم من الوبر، وبنات أوبر للكمء الصغار التي عليها مثل الوبر، ووبرت الأرنب: غطت بالوبر الذي على زمعاتها (الزمعة: الشعرة المدلاة في مؤخر رجل الشاة والظبي والأرنب، والجمع: زمع وزماع، مثل: ثمرة وثمر وثمار. اللسان (زمع) ) أثرها، ووبر الرجل في منزله: أقام فيه تشبيها بالوبر الملقى، نحو: تلبد بمكان كذا: ثبت فيه ثبوت اللبلد، ووبار قيل: أرض كانت لعاد.
وبق
- وبق: إذا تثبط فهلك، وبقا وموبقا. قال تعالى: { وجعلنا بينهم موبقا } [الكهف /52] وأوبقه كذا. قال تعالى: { أو يوبقهن بما كسبوا } [الشورى/34].
وتن
- الوتين: عرق يسقي الكبد، وإذا انقطع مات صاحبه. قال تعالى: { ثم لقطعنا منه الوتين } [الحاقة/46] والموتون: المقطوع الوتين، والمواتنة: أن يقرب منه قربا كقرب الوتين، وكأنه أشار إلى نحو ما دل عليه قوله تعالى: { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } [ق/16] واستوتن الإبل: إذا غلظ وتينها من السمن.
وتد
- الوتد والوتد، وقد وتدته أتده وتدا. قال تعالى: { والجبال أوتادا } [النبأ/7] وكيفية كون الجبال أوتادا يختص بما بعد هذا الباب، وقد يسكن التاء ويدغم في الدال فيصير ودا، والوتدان من الأذن تشبيها بالوتد للنتو فيهما.
وتر(4/22)
- الوتر في العدد خلاف الشفع، وقد تقدم الكلام فيه في قوله: { والشفع والوتر } [الفجر/3] (وانظر: مادة (شفع) ) وأوتر في الصلاة. والوتر والوتر، والترة: الذحل، وقد وترته: إذا أصبته بمكروه. قال تعالى: { ولن يتركم أعمالكم } [محمد/35]. والتواتر تتابع الشيء وترا وفرادى، وجاءوا تترى قال تعالى: { ثم أرسلنا رسلنا تترى } [المؤمنون/44] ولا وتيرة في كذا، ولا غميزة، ولا غير، والوتيرة: السجية من التواتر، وقيل: للحلقة التي يتعلم عليها الرمي: الوتيرة، وكذلك للأرض المنقادة، والوتيرة: الحاجز بين المنخرين.
وثق
- وثقت به أثق ثقة: سكنت إليه واعتمدت عليه، وأوثقته: شددته، والوثاق والوثاق: اسمان لما يوثق به الشيء، والوثقى: تأنيث الأوثق. قال تعالى: { ولا يوثق وثاقة أحد } [الفجر/26]، { حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق } [محمد/4] والميثاق: عقد مؤكد بيمين وعهد، قال: { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين } [آل عمران/81]، { وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم } [الأحزاب/7]، { وأخذنا منهم ميثاقا غليظا } [النساء/154] والموثق الاسم منه. قال: { حتى تؤتون موثقا من الله } إلى قوله: { موثقهم } [يوسف/66] (الآية: { قال: لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم، فلما آتوه موثقهم قال: الله على ما نقول وكيل } ). والوثقى قريبة من الموثق، قال: { فقد استمسك بالعروة الوثقى } [البقرة/256] وقالوا رجل ثقة، وقوم ثقة، ويستعار للموثوق به، وناقة موثقة الخلق: محكمته.
وثن
- الوثن: واحد الأوثان، وهو حجارة كانت تعبد. قال تعالى: { إنما اتخذتم من دون الله أوثانا } [العنكبوت/25] وقيل: أوثنت فلانا: أجزلت عطيته، وأوثنت من كذا: أكثرت منه.
وجب
- الوجوب: الثبوت. والواجب يقال على أوجه:
الأول: في مقابلة الممكن، وهو الحاصل الذي إذا قدر كونه مرتفعا حصل منه محال. نحو: وجود الواحد مع وجود الاثنين؛ فإنه محال أن يرتفع الواحد مع حصول الاثنين.(4/23)
الثاني: يقال في الذي إذا لم يفعل يستحق به اللوم، وذلك ضربان:
واجب من جهة العقل، كوجوب معرفة الوحدانية، ومعرفة النبوة.
وواجب من جهة الشرع كوجوب العبادات الموظفة. ووجبت الشمس: إذا غابت، كقولهم: سقطت ووقعت، ومنه قوله تعالى: { فإذا وجبت جنوبها } [الحج /36] ووجب القلب وجيبا. كل ذلك اعتبار بتصور الوقوع فيه، ويقال في كله: أوجب. وعبر بالموجبات عن الكبائر التي أوجب الله عليها النار. وقال بعضهم: الواجب يقال على وجهين:
أحدهما: أن يراد به اللازم الوجوب؛ فإنه لا يصح أن لا يكون موجودا، كقولنا في الله جل جلاله: واجب وجوده.
والثاني: الواجب بمعنى أن حقه أن يوجد. وقول الفقهاء: الواجب: ما إذا لم يفعله يستحق العقاب (انظر: الإبهاج في شرح المنهاج 1/51؛ والبرهان للجويني 1/217؛ وروضة الناظر ص 17)، وذلك وصف له بشيء عارض له لا بصفة لازمة له؛ ويجري مجرى من يقول: الإنسان الذي إذا مشى مشى برجلين منتصب القامة.
وجد(4/24)
- الوجود أضرب: وجود بإحدى الحواس الخمس. نحو: وجدت زيدا، ووجدت طعمه. ووجدت صوته، ووجدت خشونته. ووجود بقوة الشهوة نحو: وجدت الشبع. ووجود بقوة الغضب كوجود الحزن والسخط. ووجود بالعقل، أو بواسطة العقل كمعرفة الله تعالى، ومعرفة النبوة، وما ينسب إلى الله تعالى من الوجود فبمعنى العلم المجرد؛ إذ كان الله منزها عن الوصف بالجوارح والآلات. نحو: { وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين } [الأعراف/102]. وكذلك المعدوم يقال على هذه الأوجه. فأما وجود الله تعالى للأشياء فبوجه أعلى من كل هذا. ويعبر عن التمكن من الشيء بالوجود. نحو: { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [التوبة/5]، أي: حيث رأيتموهم، وقوله تعالى: { فوجد فيها رجلين } [القصص/15] أي: تمكن منهما، وكانا يقتتلان، وقوله: { وجدت امرأة } إلى قوله: { يسجدون للشمس } [النمل/23 - 24] (الآيتان: { إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم * وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله } ) فوجود بالبصر والبصيرة، فقد كان منه مشاهدة بالبصر، واعتبار لحالها بالبصيرة، ولولا ذلك لم يكن له أن يحكم بقوله: { وجدتها وقومها } الآية، وقوله: { فلم تجدوا ماء } [النساء/43]، فمعناه: فلم تقدروا على الماء، وقوله: { من وجدكم } [الطلاق/6]، أي: تمكنكم وقدر غناكم وقد يعبر عن الغنى بالوجدان والجدة، وقد حكي فيه الوجد والوجد والوجد (انظر اللسان: وجد)، ويعبر عن الحزن والحب بالوجد، وعن الغضب بالموجدة، وعن الضالة بالوجود. وقال بعضهم: الموجودات ثلاثة أضرب: موجود لا مبدأ له ولا منتهى، وليس ذلك إلا الباري تعالى، وموجود له مبدأ ومنتهى كالناس في النشأة الأولى، وكالجواهر الدنيوية، وموجود له مبدأ، وليس له منتهى، كالناس في النشأة الآخرة.
وجس(4/25)
- الوجس: الصوت الخفي، والتوجس: التسمع، والإيجاس: وجود ذلك في النفس. قال تعالى: { فأوجس منهم خيفة } [الذاريات/28] فالوجس قالوا: هو حالة تحصل من النفس بعد الهاجس؛ لأن الهاجس مبتدأ التفكير (مبادئ التفكير والقصد خمس، جمعها بعضهم فقال:
مراتب القصد خمس: هاجس ذكروا * فخاطر فحديث النفس فاستمعا
يليه هم فعزم، كلها رفعت * سوى الأخير، ففيه الأخذ قد وقعا
فالخاطر هو الهاجس، والمراتب الأربعة الأولى لا يؤاخذ بها الإنسان، فقد وقع في العزم استحق الثواب أو العقاب)، ثم يكون الواجس الخاطر.
وجل
- الوجل: استشعار الخوف. يقال: وجل يوجل وجلا، فهو وجل. قال تعالى: { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } [الأنفال/2]، { إنا منكم وجلون * قالوا لا توجل } [الحجر/52 - 53]، { وقلوبهم وجلة } [المؤمنون/ 60].
وجه
- أصل الوجه الجارحة. قال تعالى: { فاغسلوا وجوهكم وأيديكم } [المائدة/6]، { وتغشى وجوههم النار } [إبراهيم/50] ولما كان الوجه أول ما يستقبلك، وأشرف ما في ظاهر البدن استعمل في مستقبل كل شيء، وفي أشرفه ومبدئه، فقيل: وجه كذا، ووجه النهار. وربما عبر عن الذات بالوجه في قول الله: { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } [الرحمن/27] قيل: ذاته.(4/26)
وقيل: أراد بالوجه ههنا التوجه إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة، وقال: { فأينما تولوا فثم وجه الله } [البقرة/115]، { كل شيء هالك إلا وجهه } [القصص/88]، { يريدون وجه الله } [الروم/38]، { إنما نطعمكم لوجه الله } [الإنسان/9] قيل: إن الوجه في كل هذا زائد، ويعنى بذلك: كل شيء هالك إلا هو، وكذا في أخواته. وروي أنه قيل ذلك لأبي عبد الله بن الرضا (تقدم ص 75)، فقال: سبحان الله! لقد قالوا قولا عظيما، إنما عني الوجه الذي يؤتى منه (انظر: البصائر 5/166)، ومعناه: كل شيء من أعمال العباد هالك وباطل إلا ما أريد به الله، وعلى هذا الآيات الأخر، وعلى هذا قوله: { يريدون وجهه } [الكهف/28]، { تريدون وجه الله } [الروم/39]، وقوله: { وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد } [الأعراف/29] فقد قيل: أراد به الجارحة، واستعارها كقولك: فعلت كذا بيدي، وقيل: أراد بالإقامة تحري الاستقامة، وبالوجه التوجه (قال القرطبي: أي: توجهوا إليه في كل صلاة إلى القبلة.
تفسير القرطبي 7/188)، والمعنى: أخلصوا العبادة لله في الصلاة. وعلى هذا النحو قوله تعالى: { فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله } [آل عمران/20]، وقوله: { ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى } [لقمان/22]، { ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله } [النساء/125]، وقوله: { فأقم وجهك للدين حنيفا } [الروم/30] فالوجه في كل هذا كما تقدم، أو على الاستعارة للمذهب والطريق.(4/27)
وفلان وجه القوم، كقولهم: عينهم ورأسهم ونحو ذلك. وقال: { وما لأحد عنده من نعمة تجزى * إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى } [الأعلى/19 - 20]، وقوله: { آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار } [آل عمران/72] أي: صدر النهار. ويقال: واجهت فلانا: جعلت وجهي تلقاء وجهه، ويقال للقصد: وجه، وللمقصد جهة ووجهة، وهي حيثما نتوجه للشيء، قال: { ولكل وجهة هو موليها } [البقرة/148] إشارة إلى الشريعة، كقوله: { شرعة } [المائدة/48] وقال بعضهم: الجاه مقلوب عن الوجه لكن الوجه يقال في العضو والحظوة، والجاه لا يقال إلا في الحظوة. ووجهت الشيء: أرسلته في جهة واحدة فتوجه، وفلان وجيه: ذو جاه. قال تعالى: { وجيها في الدنيا والآخرة } [آل عمران/45] وأحمق ما يتوجه به: كناية عن الجهل بالتفرط، وأحمق ما يتوجه (قال ابن فارس: ويقولون: أحمق ما يتوجه. أي: ما يحسن أن يأتي الغائط. المجمل 3/917)، بفتح الياء وحذف به عنه، أي: لا يستقيم في أمر من الأمور لحمقه، والتوجيه في الشعر: الحرف الذي بين ألف التأسيس وحرف الروي (انظر: المجمل 3/917).
وجف
- الوجيف: سرعة السير، وأوجفت البعير: أسرعته. قال تعالى: { فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } [الحشر/6] وقيل: أدل فأمل، وأوجف فأعجف، أي: حمل الفرس على الإسراع فهزله بذلك، قال تعالى: { قلوب يومئذ واجفة } [النازعات/8] أي: مضطربة كقولك: طائرة وخافقة، ونحو ذلك من الاستعارات لها.
وحد
- الوحدة: الانفراد، والواحد في الحقيقة هو الشيء الذي لا جزء له البتة، ثم يطلق على كل موجود حتى إنه ما من عدد إلا ويصح أن يوصف به، فيقال: عشرة واحدة، ومائة واحدة، وألف واحد، فالواحد لفظ مشترك يستعمل على ستة أوجه:
الأول: ما كان واحدا في الجنس، أو في النوع كقولنا: الإنسان والفرس واحد في الجنس، وزيد وعمرو واحد في النوع.(4/28)
الثاني: ما كان واحدا بالاتصال؛ إما من حيث الخلقة كقولك: شخص واحد؛ وإما من حيث الصناعة، كقولك: حرفة واحدة.
الثالث: ما كان واحدا لعدم نظيرة؛ إما في الخلقة كقولك: الشمس واحدة؛ وإما في دعوى الفضيلة كقولك: فلان واحد دهره، وكقولك: نسيج وحده.
الرابع: ما كان واحدا لامتناع التجزي فيه؛ إما لصغره كالهباء؛ وإما لصلابته كالألماس.
الخامس: للمبدإ؛ إما لمبدإ العدد كقولك: واحد اثنان؛ وإما لمبدإ الخط كقولك: النقطة الواحدة. والوحدة في كلها عارضة، وإذا وصف الله تعالى بالواحد فمعناه: هو الذي لا يصح عليه التجزي ولا التكثر (انظر: الأسماء والصفات ص 29؛ والمنهاج في شعب الإيمان 1/189.
وذكر المؤلف أن الواحد يستعمل على ستة أوجه، ثم ذكر منها خمسة فقط، وكذا نقله عنه الفيروزآبادي في البصائر 5/170، ولم يذكر السادس؛ وكذا السمين في العمدة)، ولصعوبة هذه الوحدة قال تعالى: { وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة } [الزمر/45]، والوحد المفرد، ويوصف به غير الله تعالى، كقول الشاعر:
- 456 - على مستأنس وحد
(تمام البيت:
كأن رحلي وقد زال النهار بنا * يوم الجليل على مستأنس وحد
وهو للنابغة في ديوانه ص 31)
وأحد مطلقا لا يوصف به غير الله تعالى، وقد تقدم فيما مضى (انظر: مادة (أحد) )، ويقال: فلان لا واحد له، كقولك: هو نسيج وحده، وفي الذم يقال: هو عيير وحده، وجحيش وحده، وإذا أريد ذم أقل من ذلك قيل: رجيل وحده.
وحش(4/29)
- الوحش: خلاف الإنس، وتسمى الحيوانات التي لا أنس لها بالإنس وحشا، وجمعه: وحوش. قال تعالى: { وإذا الوحوش حشرت } [التكوير/5]، والمكان الذي لا أنس فيه: وحش، يقال: لقيته بوحش إصمت (انظر: المجمل 3/918؛ والبصائر 5/175؛ ومعجم البلدان 1/212؛ واللسان (وحش) ). أي: ببلد قفر، وبات فلان وحشا: إذا لم يكن في جوفه طعام، وجمعه أوحاش، وأرض موحشة: من الوحش، ويسمى المنسوب إلى المكان الوحش وحشيا، وعبر بالوحشي عن الجانب الذي يضاد الإنسي، والإنسي هو ما يقبل منهما على الإنسان، وعلى هذا وحشي القوس وإنسيه.
وحى
- أصل الوحي: الإشارة السريعة، ولتضمن السرعة قيل: أمر وحي، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض، وقد يكون بصوت مجرد عن التركيب، وبإشارة ببعض الجوارح، وبالكتابة، وقد حمل على ذلك قوله تعالى عن زكريا: { فخرج على قومه من الحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا } [مريم/11] فقد قيل: رمز. وقيل: أشار، وقيل: كتب، وعلى هذه الوجوه قوله: { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا } [الأنعام/112]، وقوله: { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم } [الأنعام/121] فذلك بالوسواس المشار إليه بقوله: { من شر الوسواس الخناس } [الناس/4]، وبقوله عليه الصلاة والسلام: (وإن للشيطان لمة) (الحديث تقدم في مادة (لهم) ).(4/30)
ويقال للكلمة الإلهية التي تلقى إلى أنبيائه وأوليائه. وحي، وذلك أضرب حسبما دل عليه قوله تعالى: { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا } إلى قوله: { بإذنه ما يشاء } [الشورى/ 51] ( { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء } ) وذلك إما برسول مشاهد ترى ذاته ويسمع كلامه، كتبليغ جبريل عليه السلام للنبي في صورة معينة؛ وإما بسماع كلام من غير معاينة كسماع موسى كلام الله؛ وإما بإلقاء في الروع كما ذكر عليه الصلاة والسلام: (إن روح القدس نفث في روعي) (الحديث تقدم في مادة (لهم) ) ؛ وإما بإلهام نحو: { وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه } [القصص /7] ؛ وإما بتسخير نحو قوله: { وأوحى ربك إلى النحل } [النحل/68] أو بمنام كما قال عليه الصلاة والسلام: (انقطع الوحي وبقيت المبشرات رؤيا المؤمن) (الحديث تقدم في مادة (بشر) ) فالإلهام والتسخير والمنام دل عليه قوله: { إلا وحيا } [الشورى/51] وسماع الكلام معاينة دل عليه قوله: { أو من وراء حجاب } [الشورى/51]، وتبليغ جبريل في صورة معينة دل عليه قوله: { أو يرسل رسولا فيوحي } [الشورى/51]، وقوله: { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء } [الأنعام/93] فذلك لمن يدعي شيئا من أنواع ما ذكرناه من الوحي أي نوع ادعاه من غير أن حصل له، وقوله: { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه } الآية [الأنبياء/25].(4/31)
فهذا الوحي هو عام في جميع أنواعه، وذلك أن معرفة وحدانية الله تعالى، ومعرفة وجوب عبادته ليست مقصورة على الوحي المختص بأولي العزم من الرسل، بل يعرف ذلك بالعقل والإلهام كما يعرف بالسمع. فإذا القصد من الآية تنبيه أنه من المحال أن يكون رسول لا يعرف وحدانية الله ووجوب عبادته، وقوله تعالى: { وإذ أوحيت إلى الحواريين } [المائدة/111] فذلك وحي بوساطة عيسى عليه السلام، وقوله: { وأوحينا إليهم فعل الخيرات } [الأنبياء/73] فذلك وحي إلى الأمم بوساطة الأنبياء.
ومن الوحي المختص بالنبي عليه الصلاة والسلام: { اتبع ما أوحي إليك من ربك } [يونس/ 109]، { إن أتبع إلا ما يوحي إلي } [يونس/15]، { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي } [الكهف/110]. وقوله: { وأوحينا إلى موسى وأخيه } [يونس/87] فوحيه إلى موسى بوساطة جبريل، ووحيه تعالى إلى هرون بوساطة جبريل وموسى، وقوله: { إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم } [الأنفال/12] فذلك وحي إليهم بوساطة اللوح والقلم فيما قيل، وقوله: { وأوحى في كل سماء أمرها } [فصلت/12] فإن كان الوحي إلى أهل السماء فقط فالموحى إليهم محذوف ذكره، كأنه قال: أوحى إلى الملائكة؛ لأن أهل السماء هم الملائكة؛ ويكون كقوله: { إذ يوحي ربك إلى الملائكة } [الأنفال/12] وإن كان الموحى إليه هي السموات فذلك تسخير عند من يجعل السماء غير حي، ونطق عند من جعله حيا، وقوله: { بأن ربك أوحى لها } [الزلزلة/5]، فقريب من الأول وقوله: { ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه } [طه/114] فحث على التثبيت في السماع، وعلى ترك الاستعجال في تلقيه وتلقنه.
ودد(4/32)
- الود: محبة الشيء، وتمني كونه، ويستعمل في كل واحد من المعنيين على أن التمني يتضمن معنى الود؛ لأن التمني هو تشهي حصول ما توده، وقوله تعالى: { وجعل بينكم مودة ورحمة } [الروم/21]، وقوله: { سيجعل لهم الرحمن ودا } [مريم/96]، فإشارة إلى ما أوقع بينهم من الألفه المذكورة في قوله: { لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت } الآية [الأنفال/63]. وفي المودة التي تقتضي المحبة المجردة في قوله: { قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى } [الشورى/23]، وقوله: { وهو الغفور الودود } [البروج/14]، { إن ربي رحيم ودود } [هود/90]، فالودود يتضمن ما دخل في قوله: { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } [المائدة/54] وتقدم معنى محبة الله لعباده ومحبة العباد له (راجع مادة (حب) )، قال بعضهم: مودة الله لعباده هي مراعاته لهم. روي: (أن الله تعالى قال لموسى: أنا لا أغفل عن الصغير لصغره ولا عن الكبير لكبره، وأنا الودود الشكور) (لم أجده). فيصح أن يكون معنى: { سيجعل لهم الرحمن ودا } [مريم/96] معنى قوله: { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } [المائدة/54]. ومن المودة التي تقتضي معنى التمني: { ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم } [آل عمران/69] وقال: { ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين } [الحجر/2]، وقال: { ودوا ما عنتم } [آل عمران/118]، { ود كثير من أهل الكتاب } [البقرة/109]، { وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم } [الأنفال/7]، { ودوا لو تكفرون كما كفروا } [النساء/89]، { يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه } [المعارج/11]، وقوله: { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله } [المجادلة/22] فنهي عن موالاة الكفار وعن مظاهرتهم، كقوله: { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم } إلى قوله: { بالمودة } [الممتحنة/1] (الآية: { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء، تلقون إليهم بالمودة }(4/33)
) أي: بأسباب المحبة من النصيحة ونحوها، { كأن لم تكن بينكم وبينه مودة } [النساء/73] وفلان وديد فلان: مواده، والود: صنم سمي بذلك؛ إما لمودتهم له، أو لاعتقادهم أن بينه وبين الباري مودة تعالى عن القبائح. والود: الوتد، وأصله يصح أن يكون وتد فأدغم، وأن يكون لتعلق ما يشد به، أو لثبوته في مكانه فتصور منه معنى المودة والملازمة.
ودع
- الدعة: الخفض. يقال: ودعت كذا أدعه ودعا. نحو: تركته، وادعا وقال بعض العلماء: لا يستعمل ماضيه واسم فاعله وإنما يقال: يدع ودع (انظر: اللسان (ودع) ؛ وكتاب سيبويه 2/256؛ والبصائر 5/187)، وقد قرئ: (ما ودعك ربك) [الضحى/3] (وهي قراءة شاذة قرأ بها ابن عباس وعروة بن الزبير)، وقال الشاعر:
- 457 - ليت شعري عن خليلي ما الذي * غاله في الحب حتى ودعه
(البيت لأبي الأسود الديلي، وقيل لأنس بن زنيم.
وهو في الأفعال 4/243؛ وتهذيب اللغة 3/136؛ والمجمل 3/920؛ والبصائر 5/187؛ واللسان (ودع) )
والتودع: ترك النفس عن المجاهدة، وفلان متدع ومتودع، وفي دعة: إذا كان في خفض عيش، وأصله من الترك. أي: بحيث ترك السعي لطلب معاشه لعناء، والتوديع أصله من الدعة، وهو أن تدعو للمسافر بأن يتحمل الله عنه كآبة السفر، وأن يبلغه الدعة، كما أن التسليم دعاء له بالسلامة فصار ذلك متعارفا في تشييع المسافر وتركه، وعبر عن الترك به في قوله: { ما ودعك ربك } [الضحى/3]، كقولك: ودعت فلانا نحو: خليته، ويكنى بالمودع عن الميت، ومنه قيل: استودعتك غير مودع، ومنه قول الشاعر:
- 458 - ودعت نفسي ساعة التوديع * (الشطر في عمدة الحفاظ مادة (ودع) دون نسبة)
الودق:(4/34)
قيل: ما يكون من خلال المطر كأنه غبار، وقد يعبر به عن المطر. قال تعالى: { فترى الودق يخرج من خلاله } [النور/43] ويقال لما يبدوا في الهواء عند شدة الحر وديقة، وقيل: ودقت الدابة واستودقت، وأتان وديق وودوق: إذا أظهرت رطوبة عند إرادة الفحل، والمودق: المكان الذي يحصل فيه الودق، وقول الشاعر:
- 459 - تعفي بذيل المرط إذ جئت مودقي
(هذا عجز بيت لامرئ القيس، وصدره:
دخلت على بيضاء جم عضامها
وهو في ديوانه ص 105؛ والمجمل 3/921)
تعفي أي: تزيل الأثر، والمرط: لباس النساء فاستعارة، وتشبيه لأثر موطئ القدم بأثر موطئ المطر.
- قال تعالى: { إنك بالواد المقدس } [طه/12] أصل الوادي: الموضع الذي يسيل فيه الماء، ومنه سمي المفرج بين الجبلين واديا، وجمعه: أودية، نحو: ناد وأندية، وناج وأنجية، ويستعار الوادي للطريقة كالمذهب والأسلوب، فيقال: فلان في واد غير واديك. قال تعالى: { ألم تر أنهم في كل واد يهيمون } [الشعراء/225] فإنه يعني أساليب الكلام من المدح والهجاء، والجدل والغزل (انظر: البصائر 5/192)، وغير ذلك من الأنواعز قال الشاعر:
- 460 - إذا ما قطعنا واديا من حديثنا * إلى غيره زدنا الأحاديث واديا (لم أجده)(4/35)
وقال عليه الصلاة والسلام: (لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى إليهما ثالثا) (عن ابن عباس يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب) أخرجه البخاري 11/253 باب ما يتقى من فتنة المال؛ ومسلم برقم (1046) )، وقال تعالى: { فسالت أودية بقدرها } [الرعد/17] أي: بقدر مياهها. ويقال: ودي يدي، وكني بالودي عن ماء الفحل عند الملاعبة، وبعد البول فيقال فيه: أودى نحو: أمذى، وأمنى، ويقال: ودى وأودى، ومنى وأمنى، والودي: صغار الفسيل اعتبارا بسيلانه في الطول، وأوداه: أهلكه كأنه أسال دمه، ووديت القتيل: أعطيت ديته، ويقال لما يعطى في الدم: دية. قال تعالى: { فدية مسلمة إلى أهله } [النساء/ 92].
وذر
- [يقال: فلان يذر الشيء. أي: يقذفه لقلة اعتداده به]، ولم يستعمل ماضيه. قال تعالى: { قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا } [الأعراف/ 70]، { ويذرك وآلهتك } [الأعراف/127]، { فذرهم وما يفترون } [الأنعام/ 112]، { وذروا ما بقي من الربا } [البقرة/278] إلى أمثاله. وتخصيصه في قوله: { ويذرون أزواجا } [البقرة/234]، ولم يقل: يتركون ويخلفون؛ فإنه يذكر فيما بعد هذا الكتاب إن شاء الله. [والوذرة: قطعة من اللحم، وتسميتها بذلك لقلة الاعتداد بها نحو قولهم فيما لا يعتد به: هو لحم على وضم] (ما بين [ ] نقله الزركشي في البرهان 3/453).
ورث(4/36)
- الوارثة والإرث: انتقال قنية إليك عن غيرك من غير عقد، ولا ما يجري مجرى العقد، وسمي بذلك المنتقل عن الميت فيقال للقنية الموروثة: ميراث وإرث. وتراث أصله وراث، فقلبت الواو ألفا وتاء، قال تعالى: { وتأكلون التراث } [الفجر/19] وقال عليه الصلاة والسلام: (اثبتوا على مشاعركم فإنكم على إرث أبيكم) (الحديث عن يزيد بن شيبان قال: كنا وقوفا من وراء الموقف موقفا تباعده عمرو من الإمام. قال: فأتانا ابن مربع الأنصاري فقال: إنى رسول الله إليكم يقول: كونوا على مشاعركم هذه؛ فإنكم على إرث من إرث إبراهيم. أخرجه الحاكم في المستدرك 1/462 وقال: صحيح الإسناد، وأقره الذهبي، وأبو داود (انظر معالم السنن 2/202) ؛ والترمذي، وقال: حسن صحيح (عارضة الأحوذي 4/115) ؛ والنسائي 5/255) أي: أصله وبقيته، قال الشاعر:
- 461 - فينظر في صحف كالريا * ط فيهن إرث كتاب محي
(البيت في عمدة الحفاظ (ورث) دون نسبة، وهو لأبي ذؤيب الهذلي. انظر شرح أشعار الهذليين 1/99)(4/37)
ويقال: ورثت مالا عن زيد، وورثت زيدا: قال تعالى: { وورث سليمان داود } [النمل/16]، { وورثه أبواه } [النساء/11]، { وعلى الوارث مثل ذلك } [البقرة/ 233] ويقال: أورثني الميت كذا، وقال: { وإن كان رجل يورث كلالة } [النساء/12] وأورثني الله كذا، قال: { وأورثناها بني إسرائيل } [الشعراء/ 59]، { وأورثناها قوما آخرين } [الدخان/28]، { وأورثكم أرضهم } [الأحزاب/ 27]، { وأورثنا القوم } الآية [الأعراف/137]، وقال: { يا الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها } [النساء/19] ويقال لكل من حصل له شيء من غير تعب: قد ورث كذا، ويقال لمن خول شيئا مهنئا: أورث، قال تعالى: { وتلك الجنة التي أورثتموها } [الزخرف/72]، { أولئك هم الوارثون * الذين يرثون } [المؤمنون/10 - 11] وقوله: { ويرث من آل يعقوب } [مريم/6] فإنه يعني وراثة النبوة والعلم، والفضيلة دون المال، فالمال لا قدر له عند الأنبياء حتى يتنافسوا فيه، بل قلما يقتنون المال ويملكونه، ألا ترى أنه قال عليه الصلاة والسلام: (إنا معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة) (شطر حديث أخرجه البخاري، قال عمر: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا نورث، ما تركنا صدقة) ولأحمد: (إنا لا نورث، ما تركنا صدقة) راجع: فتح الباري 6/144 فرض الخمس؛ ومسلم (1757) ؛ والمسند 1/164) نصب على الاختصاص، فقد قيل: ما تركناه هو العلم، وهو صدقة تشترك فيها الأمة، وما روي عنه عليه الصلاة والسلام من قوله: (العلماء ورثة الأنبياء) (جزء من حديث وفيه: (وإن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر) أخرجه الترمذي، وقال: وليس هو عندي بمتصل هكذا، وذكر له سندا آخر، وقال: هذا أصح (انظر: عارضة الأحوذي 10/155) ؛ وأبو داوود؛ وأخرجه ابن ماجه 1/81.(4/38)
قال السيوطي: سئل الشيخ محيي الدين النووي عن هذا الحديث فقال: إنه ضعيف، أي: سندا، وإن كان صحيحا، أي: معنى. وقال المزي: هذا الحديث روي من طرق تبلغ رتبة الحسن. وهو كما قال، فإني رأيت له خمسين طريقا، وقد جمعتها في جزء. انتهى كلام السيوطي) فإشارة إلى ما ورثوه من العلم. واستعمل لفظ الورثة لكون ذلك بغير ثمن ولا منة، وقال لعلي رضي الله عنه: (أنت أخي ووارثي. قال: وما أرثك؟ قال: ما ورثت الأنبياء قبلي، كتاب الله وسنتي) (قال السيوطي في اللآلئ المصنوعة 1/324: إنه موضوع، وكذا ابن الجوزي في الموضوعات 1/346) ووصف الله تعالى نفسه بأنه الوارث (انظر: الأسماء والصفات للبيهقي ص 28؛ والمنهاج للحليمي 1/189.
قال البيهقي: ومعناه: الباقي بعد ذهاب غيره، وربنا جل ثناؤه بهذه الصفة؛ لأنه يبقى بعد ذهاب الملاك الذين أمتعهم في هذه الدنيا بما آتاهم) من حيث إن الأشياء كلها صائرة إلى الله تعالى. قال الله تعالى: { ولله ميراث السموات والأرض } [آل عمران/180] وقال: { ونحن الوارثون } [الحجر/23] وكونه تعالى وارثا لما روي (أنه ينادي لمن الملك اليوم؟ فيقال لله الواحد القهار) (أخرجه الحاكم وصححه وأبو نعيم في الحية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:(4/39)
ينادي مناد بين يدي الساعة: يا أيها الناس، أتتكم الساعة، فيسمعها الأحياء والأموات، وينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول: لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار. انظر: المستدرك 2/437؛ والدر المنثور 7/279) ويقال: ورثت علما من فلان. أي: استفدت منه، قال تعالى: { ورثوا الكتاب } [الأعراف/ 169]، { أورثوا الكتاب من بعدهم } [الشورى/14]، { ثم أورثنا الكتاب } [فاطر /32]، { يرثها عبادي الصالحون } [الأنبياء/105] فإن الوراثة الحقيقية هي أن يحصل للإنسان شيء لا يكون عليه فيه تبعة، ولا عليه محاسبة، وعباد الله الصالحون لا يتناولون شيئا من الدنيا إلا بقدر ما يجب، وفي وقت ما يجب، وعلى الوجه الذي يجب، ومن تناول الدنيا على هذا الوجه لا يحاسب عليها ولا يعاقب بل يكون ذلك له عفوا صفوا كما روي أنه (من حاسب نفسه في الدنيا لم يحاسبه الله في الآخرة) (الخبر تقدم في مادة (حسب) ).
ورد(4/40)
- الورود أصله: قصد الماء، ثم يستعمل في غيره. يقال: وردت الماء أرد ورودا، فأنا وارد، والماء مورود، وقد أوردت الإبل الماء. قال تعالى: { ولما ورد ماء مدين } [القصص/23] والورد: الماء المرشح للورود، والورد: خلاف الصدر، والورد: يوم الحمى إذا وردت، واستعمل في النار على سبيل الفظاعة. قال تعالى: { فأوردهم النار وبئس الورد المورود } [هود/98]، { إلى جهنم وردا } [مريم/86]، { أنتم لها واردون } [الأنبياء/98]، { ما وردوها } [الأنبياء/99]. والوارد: الذي يتقدم القوم فيسقي لهم. قال تعالى: { فأرسلوا واردهم } [يوسف/19] أي: ساقيهم من الماء المورود، ويقال لكل من يرد الماء وارد، وقوله تعالى: { وإن منكم إلا واردها } [مريم/71] فقد قيل منه: وردت ماء كذا: إذا حضرته؛ وإن لم تشرع فيه، وقيل: بل يقتضي ذلك الشروع ولكن من كان من أولياء الله والصالحين لا يؤثر فيهم بل يكون حاله فيها كحال إبراهيم عليه السلام حيث قال: { قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم } [الأنبياء/69] والكلام في هذا الفصل إنما هو لغير هذا النحو الذي نحن بصصده الآن. ويعبر عن المحموم بالمورود، وعن إتيان الحمى بالورد، وشعر وارد: قد ورد العجز أو المتن، والوريد: عرق يتصل بالكبد والقلب، وفيه مجاري الدم والروح. قال تعالى: { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } [ق/16] أي: من روحه. والورد: قيل: هو من الوارد، وهو الذي يتقدم إلى الماء، وتسميته بذلك بكونه أول ما يرد من ثمار السنة، ويقال لنور كل شجر: ورد، ويقال: ورد الشجر: خرج نوره، وشبه به لون الفرس، فقيل: فرس ورد، وقيل: في صفة السماء إذا احمرت احمرارا كالورد أمارة للقيامة. قال تعالى: { فكانت وردة كالدهان } [الرحمن/37].
ورق(4/41)
- ورق الشجر. جمعه: أوراق، الواحدة: ورقة. قال تعالى: { وما تسقط من ورقة إلا يعلمها } [الأنعام/59]، وورقت الشجرة: أخذت ورقها، والوارقة: الشجرة الخضراء الورق الحسنة، وعام أورق: لا مطر له، وأورق فلان: إذا أخفق ولم ينل الحاجة، كأنه صار ذا ورق بلا ثمر، ألا ترى أنه عبر عن المال بالثمر في قوله: { وكان له ثمر } [الكهف/34] قال ابن عباس رضي الله عنه: هو المال (عن قتادة قال: قرأها ابن عباس: (وكان له ثمر) بالضم، يعني: أنواع المال. الدر المنثور 5/390). وباعتبار لونه في حال نضارته قيل: بعير أورق: إذا صار على لونه، بعير أورق: لونه لون الرماد، وحمامة ورقاء. وعبر به عن المال الكثير تشبيها في الكثرة بالورق، كما عبر عنه بالثرى، وكما شبه بالتراب وبالسيل كما يقال: له مال كالتراب والسيل والثرى، قال الشاعر:
واغفر خطاياي وثمر ورقي
(الرجز للعجاج في ديوانه ص 118؛ والبصائر 5/199)
والورق بالكسر: الدراهم. قال تعالى: { فابعثوا أحدكم بورقكم هذه } [الكهف/ 19] وقرئ: { بورقكم } (قرأ بإسكان الراء أبو عمرو وشعبة وحمزة وخلف ويعقوب. الإتحاف ص 289) و (بورقكم) (وهي قراءة شاذة)، ويقال: ورق وورق وورق، نحو كبد وكبد، وكبد.
ورى(4/42)
- يقال: واريت كذا: إذا سترته. قال تعالى: { قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم } [الأعراف/26] وتوارى: استتر. قال تعالى: { حتى توارت بالحجاب } [ص/32] وروي أن النبي عليه الصلاة والسلام (كان إذا أراد غزوا ورى بغيره) (قال كعب بن مالك: ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة غزاها رسول الله في حر شديد. يريد غزوة تبوك. انظر: فتح الباري 8/113، باب: حديث كعب بن مالك؛ وأخرجه أبو داود برقم 2637)، وذلك إذا ستر خبرا وأظهر غيره. والورى، قال الخليل (العين 8/305) : الورى: الأنام الذين على وجه الأرض في الوقت، ليس من مضى، ولا من يتناسل بعدهم، فكأنهم الذين يسترون الأرض بأشخاصهم، و (وراء) إذا قيل: وراء زيد كذا؛ فإنه يقال لمن خلفه. نحو قوله تعالى: { ومن وراء إسحق يعقوب } [هود/71]، { ارجعوا وراءكم } [الحديد/13]، { فليكونوا من ورآئكم } [النساء/102]، ويقال لما كان قدامه نحو: { وكان وراءهم ملك } [الكهف/79]، وقوله: { أو من وراء جدر } [الحشر/14]، فإن ذلك يقال في أي جانب من الجدار، فهو وراءه باعتبار الذي في الجانب الآخر. وقوله: { وراء ظهوركم } [الأنعام/94]، أي: خلفتموه بعد موتكم، وذلك تبكيت لهم في أن لم يتوصلوا بمالهم إلى اكتساب ثواب الله تعالى به وقوله: { فنبذوه وراء ظهورهم } [آل عمران/187]، فتبكيت لهم. أي: لم يعملوا به ولم يتدبروا آياته، وقوله: { فمن ابتغى وراء ذلك } [المؤمنون/7]، أي: من ابتغى أكثر مما بيناه، وشرعناه من تعرض لمن يحرم التعرض له فقد تعدى طوره، وخرق ستره، { ويكفرون بما وراءه } [البقرة/91]، اقتضى معنى ما بعده، ويقال: وري الزند يري وريا: خرجت ناره، وأصله أن يخرج النار من وراء المقدح؛ كأنما تصور كمونها فيه كما قال:
- 462 - ككمون النار في حجره
(العجز لأبي نواس، وصدره:
كمن الشنان فيه لنا
وهو من قصيدة مطلعها:(4/43)
أيها المنتاب عن عفره * لست من ليلي ولا سمره
لا أذود الطير عن شجر * قد بلوت المر من ثمره
وهو في ديوانه ص 427؛ وما يجوز للشاعر في الضرورة ص 24؛ والموشح ص 273)
يقال: وري يري مثل: ولي يلي. قال تعالى: { أرفأيتم النار التي تورون } [الواقعة/71] ويقال: فلان واري الزند: إذا كان منجحا، وكابي الزند: إذا كان مخفقا، واللحم الواري: السمين. والوراء: ولد الولد، وقولهم: (وراءك) (قال سيبويه: تنح ووراءك: إذا قلت: افطن لما خلفك.
انظر: الكتاب 1/249؛ وأصول النحو 1/141؛ والمسائل الحلبيات ص 106) ؛ للإغراء ومعناه: تأخر. يقال: وراءك أوسع لك، نصب بفعل مضمر. أي: ائت. وقيل تقديره: يكن أوسع لك. أي: تنح، وائت مكانا أوسع لك. والتوراة: الكتاب الذي ورثوه عن موسى، وقد قيل: هو فوعلة، ولم يجعل تفعلة لقلة وجود ذلك، والتاء بدل من الواو نحو: تيقور؛ لأن أصله ويقور، التاء بدل عن الواو من الوقار، وقد تقدم (تقدم في مادة (توراة) في كتاب التاء).
وزر(4/44)
- الوزر: الملجأ الذي يلتجأ إليه من الجبل. قال تعالى: { كلا لا وزر إلى ربك } [القيامة/11] والوزر: الثقل تشبيها بوزر الجبل، ويعبر بذلك عن الإثم كما يعبر عنه بالثقل. قال تعالى: { ليحملوا أوزارهم كاملة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون } [النحل/25]، كقوله: { وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم } [العنكبوت/13] وحمل وزر الغير في الحقيقة هو على نحو ما أشار إليه صلى الله عليه وسلم بقوله: (من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجره شيء، ومن سن سنة سيئة كان له وزرها ووزر من عمل بها) (الحديث تقدم في مادة (شفع) ) أي: مثل وزر من عمل بها. وقوله تعالى: { ولا تزر وازرة وزر أخرى } [الأنعام/164] أي: لا يحمل وزره من حيث يتعرى المحمول عنه، وقوله: { وضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك } [الشرح/2 - 3]، أي: ما كنت فيه من أمر الجاهليه، فأعفيت بما خصصت به عن تعاطي ما كان عليه قومك، والوزير: المتحمل ثقل أميره وشغله، والوزارة على بناء الصناعة. وأوزار الحرب واحدها وزر: آلتها من السلاح، والموازرة: المعاونة. يقال: وازرت فلانا موازرة: أعنته على أمره. قال تعالى: { واجعل لي وزيرا من أهلي } [طه/29]، { ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم } [طه/87].
وزع(4/45)
- يقال: وزعته عن كذا: كففته عنه. قال تعالى: { وحشر لسليمان } إلى قوله: { فهم يوزعون } [النمل/17] (الآية: { وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون } ) فقوله: { يوزعون } [النمل/17] إشارة إلى أنهم مع كثرتهم وتفاوتهم لم يكونوا مهملين ومبعدين، كما يكون الجيش الكثير المتأذى بمعرتهم بل كانوا مسوسين ومقموعين. وقيل في قوله: { يوزعون } أي: حبس أولهم على آخرهم، وقوله: { ويوم يحشر } إلى قوله: { فهم يوزعون } [فصلت/19] فهذا وزع على سبيل العقوبة، كقوله: { ولهم مقامع من حديد } [الحج/21] وقيل: لا بد للسلطان من وزعة (الفائق 3/160، والبصائر 5/205)، وقيل: الوزوع الولوع بالشيء (انظر العين 2/207). يقال: أوزع الله فلانا: إذا ألهمه الشكر، وقيل: هو من أوزع بالشيء: إذا أولع به، كأن الله تعالى يوزعه بشكره، ورجل وزوع، وقوله: { رب أوزعني أن أشكر نعمتك } [النمل/19] قيل: معناه: ألهمني (انظر العين 2/207)، وتحقيقه: أولعني ذلك، واجعلني بحيث أزع نفسي عن الكفران.
وزن(4/46)
- الوزن: معرفة قدر الشيء. يقال: وزنته وزنا وزنة، والمتعارف في الوزن عند العامة: ما يقدر بالقسط والقبان. وقوله: { وزنوا بالقسطاس المستقيم } [السعراء/182]، { وأقيموا الوزن بالقسط } [الرحمن/9] إشارة إلى مراعاة المعدلة في جميع ما يتحراه الإنسان من الأفعال والأقوال. وقوله تعالى: { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا } [الكهف/105] وقوله: { وأنبتنا فيها من كل شيء موزون } [الحجر/19] فقد قيل: هو المعادن كالفضة والذهب، وقيل: بل ذلك إشارة إلى كل ما أوجده الله تعالى، وأنه خلقه باعتدال كما قال: { إنا كل شيء خلقناه بقدر } [القمر/49]، وقوله: { والوزن يومئذ الحق } [الأعراف/8] فإشارة إلى العدل في محاسبة الناس كما قال: { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة } [الأنبياء/47] وذكر في مواضع الميزان بلفظ الواحد اعتبارا بالمحاسب، وفي مواضع بالجمع اعتبارا بالمحاسن، ويقال: وزنت لفلان ووزنته كذا. قال تعالى: { وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون } [المطففين/3]، ويقال: قام ميزان النهار: إذا انتصف.
وسوس
- الوسوسة: الخطرة الرديئة، وأصله من الوسواس، وهو صوت الحلي، والهمس الخفي. قال الله تعالى: { فوسوس إليه الشيطان } [طه/120]، وقال: { من شر الوسواس } [الناس/4] ويقال لهمس الصائد وسواس. * وسط
- وسط الشيء: ما له طرفان متساويا القدر، ويقال ذلك في الكمية المتصلة كالجسم الواحد إذا قلت: وسطه صلب، وضربت وسط رأسه بفتح السين.
ووسط بالسكون. يقال في الكمية المنفصلة كشيء يفصل بين جسمين. نحو وسط القوم كذا. والوسط تارة يقال فيما له طرفان مذمومان.(4/47)
يقال: هذا أوسطهم حسبا: إذا كان في واسطة قومه، وأرفعهم محلا، وكالجود الذي هو بين البخل والسرف، فيستعمل استعمال القصد المصون عن الإفراط والتفريط، فيمدح به نحو السواء والعدل والنصفة، نحو: { وكذلك جعلناكم أمة وسطا } [البقرة/143] وعلى ذلك قوله تعالى: { قال أوسطهم } [القلم/48] وتارة يقال فيما له طرف محمود، وطرف مذموم كالخير والشر، ويكنى به عن الرذل. نحو قولهم: فلان وسط من الرجال تنبيها أنه قد خرج من حد الخير. وقوله: { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } [البقرة/ 238]، فمن قال: الظهر (وبه قال ابن عمر، فقد أخرج الطبراني في الأوسط بسند رجاله ثقات عن ابن عمر أنه سئل عن الصلاة الوسطى؟ فقال: كنا نتحدث أنها الصلاة التي وجه فيها رسول الله إلى القبلة: الظهر. الدر المنثور 1/719.
وبه قال زيد بن ثابت كما أخرجه عنه مالك في الموطأ. الزرقاني على الموطأ 1/285) فاعتبارا بالنهار، ومن قال: المغرب (روى ذلك ابن أبي حاتم بإسناد حسن عن ابن عباس وابن جرير عن قبيصة بن ذؤيب. الزرقاني على الموطأ 1/286) ؛ فلكونها بين الركعتين وبين الأربع اللتين بني عليهما عدد الركعات، ومن قال: الصبح (أخرج مالك أن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس كانا يقولان: الصلاة الوسطى صلاة الصبح. وقال مالك وقول علي وابن عباس أحب ما سمعت إلي في ذلك. الزرقاني على الموطأ 1/285.(4/48)
وهذا القول محكي عن ابن عمر أيضا وعطاء وطاووس وعكرمة. انظر: الدر المنثور 1/917) فلكونها بين صلاة الليل والنهار. قال: ولهذا قال: { أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل } الآية [الإسراء/78]. أي: صلاته. وتخصيصها بالذكر لكثرة الكسل عنه إذ قد يحتاج إلى القيام إليها من لذيذ النوم، ولهذا زيد في أذانه: (الصلاة خير من النوم) (قال الترمذي: فسر ابن مبارك وأحمد أن التثويب أن يقول المؤذن في صلاة الفجر: الصلاة خير من النوم، وهو قول صحيح، ويقال لها: التثوب أيضا، وهو الذي اختاره أهل العلم ورأوه، روي عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول في صلاة الفجر: الصلاة خير من النوم. راجع: عارضة الأحوذي 1/215؛ وشرح الموطأ للزرقاني 1/144؛ ومعالم السنن 1/155)، ومن قال: صلاة العصر (وهو قول أكثر العلماء. وقاله من المالكية ابن حبيب وابن العربي وابن عطية، وهو الصحيح عند الحنفية والحنابلة، وذهب إليه أكثر الشافعية.
انظر: الزرقاني 1/286؛ وفتح الباري 8/194) فقد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم (ففي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب: (شغلونا عن صلاة الوسطى وصلاة العصر، ملأ الله قبورهم وأجوافهم نارا). انظر: فتح الباري في التفسير 8/195؛ ومسلم في المساجد رقم 627) ؛ فلكون وقتها في أثناء الأشغال لعامة الناس بخلاف سائر الصلوات التي لها فراغ؛ إما قبلها؛ وإما بعدها، ولذلك توعد النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (من فاته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله) (أخرجه الشيخان عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله). انظر: فتح الباري في المواقيت 2/24؛ ومسلم في المساجد رقم 626؛ ومالك في الموطأ 1/11؛ وغيرهم).
وسع(4/49)
- السعة تقال في الأمكنة، وفي الحال، وفي الفعل كالقدرة والجود ونحو ذلك. ففي المكان نحو قوله: { إن أرضي واسعة } [العنكبوت/56]، { ألم تكن أرض الله واسعة } [النساء/97]، { وأرض الله واسعة } [الزمر/10] وفي الحال قوله تعالى: { لينفق ذو سعة من سعته } [الطلاق/7] وقوله: { ومتعوهن على الموسع قدره } [البقرة/236] والوسع من القدرة: ما يفضل عن قدر المكلف. قال تعالى: { لا يكلف الله نفسا إلاوسعها } [البقرة/286] تنبيها أنه يكلف عبده دوين ما ينوء به قدرته، وقيل: معناه يكلفه ما يثمر له السعة. أي: جنة عرضها السموات والأرض كما قال: { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } [البقرة/185] وقوله: { وسع ربنا كل شيء علما } [الأعراف/89] فوصف له نحو: { أحاط بكل شيء علما } [الطلاق/12] وقوله: { والله واسع عليم } [البقرة/268]، { وكان الله واسعا حكيما } [النساء/130] فعبارة عن سعة قدرته وعلمه ورحمته وإفضاله كقوله: { وسع ربي كل شيء علما } [الأنعام/80] { ورحمتي وسعت كل شيء } [الأعراف/156]، وقوله: { وإنا لموسعون } [الذاريات/47] فإشارة إلى نحو قوله: { الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } [طه/50] ووسع الشيء: اتسع. والوسع: الجدة والطاقة، ويقال: ينفق على قدر وسعه. وأوسع فلان: إذا كان له الغنى، وصار ذا سعة، وفرس وساع الخطو: شديد العدو.
وسق(4/50)
- الوسق: جمع المتفرق. يقال: وسقت الشيء: إذا جمعته، وسمي قدر معلوم من الحمل كحمل البعير وسقا، وقيل: هو ستون صاعا (وهو المتعارف عليه عند الفقهاء)، وأوسقت البعير: حملته حمله، وناقة واسق، ونوق مواسيق. إذا حملت. ووسقت الحنطة: جعلتها وسقا، ووسقت العين الماء: حملته، ويقولون: لا أفعله ما وسقت عيني الماء (انظر: المجمل 5/925؛ واللسان (وسق) ). وقوله: { والليل وما وسق } [الانشقاق/17] قيل: وما جمع من الظلام، وقيل: عبارة عن طوارق الليل، ووسقت الشيء: جمعته، والوسيقة الإبل المجموعة كالرفقة من الناس، والاتساق: الاجتماع والاطراد. قال الله تعالى: { والقمر إذا اتسق } [الانشقاق/18].
وسل
- الوسيلة: التوصل إلى الشيء برغبة وهي أخص من الوصيلة؛ لتضمنها لمعنى الرغبة. قال تعالى: { وابتغوا إليه الوسيلة } [المائدة/35] وحقيقة الوسيلة إلى الله تعالى: مراعاة سبيله بالعلم والعبادة، وتحري مكارم الشريعة، وهي كالقربة، والواسل: الراغب إلى الله تعالى، ويقال إن التوسل في غير هذا: السرقة، يقال: أخذ فلان إبل فلان توسلا. أي: سرقة.
وسم(4/51)
- الوسم: التأثير، والسمة: الأثر. يقال: وسمت الشيء وسما: إذا أثرت فيه بسمة؛ قال تعالى: { سيماهم في وجوههم من أثر السجود } [الفتح/29]، وقال: { تعرفهم بسيماهم } [البقرة/273]، وقوله: { إن في ذلك لآيات للمتوسمين } [الحجر/75]، أي: للمعتبرين العارفين المتعظين، وهذا التوسم هو الذي سماه قوم الزكانة، وقوم الفراسة، وقوم الفطنة. قال عليه الصلاة والسلام: (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله) (الحديث عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا فراسة المؤمن؛ فإنه ينظر بنور الله) أخرجه الطبراني، وإسناده حسن. انظر: مجمع الزوائد 10/271) وقال تعالى: { سنسمه على الخرطوم } [القلم/16]، أي: نعلمه بعلامة يعرف بها كقوله: { تعرف في وجوههم نضرة النعيم } [المطففين/24]، والوسمي: ما يسم من المطر الأول بالنبات. وتوسمت: تعرفت بالسمة، ويقال ذلك إذا طلبت الوسمي، وفلان وسيم الوجه: حسنه، وهو ذو وسامة عبارة عن الجمال، وفلانة ذات ميسم: إذا كان عليها أثر الجمال، وفلان موسوم بالخير، وقوم وسام، وموسم الحاج: معلمهم الذي يجتمعون فيه، والجمع: المواسم، ووسموا: شهدوا الموسم كقولهم: عرفوا، وحصبوا وعيدوا: إذا شهدوا عرفة، والمحصب، وهو الموضع الذي يرمى فيه الحصباء.
وسن
- الوسن والسنة: الغفلة والغفوة. قال تعالى: { لا تأخذه سنة ولا نوم } [البقرة /255] ورجل وسنان، وتوسنها: غشيها نائمة، وقيل: وسن وأسن: إذا غشي عليه من ريح البئر، وأرى أن وسن يقال لتصور النوم منه لا لتصور الغشيان.
وسى
- موسى من جعله عربيا (قال السمين: وهو بعيد جدا. انظر عمدة الحفاظ: وسى) فمنقول عن موسى الحديد، يقال: أوسيت رأسه: حلقته.
وشى(4/52)
- وشيت الشيء وشيا: جعلت فيه أثرا يخالف معظم لونه، واستعمل الوشي في الكلام تشبيها بالمنسوج، والشية فعلة (أصلها: وشية، فحذفت الفاء، نحو عدة وزنة) من الوشي. قال تعالى: { مسلمة لاشية فيها } [البقرة/71] وثور موشى القوائم. والواشي يكنى به عن النمام، ووشى فلان كلامه عبارة عن الكذب نحو: موهه وزخرفه.
وصب
- الوصب: السقم اللازم، وقد وصب فلان فهو وصب، وأوصبه كذا فهو يتوصب نحو: يتوجع. قال تعالى: { ولهم عذاب واصب } [الصافات/9]، { وله الدين واصبا } [النحل/52]. فتوعد لمن اتخذ إلهين، وتنبيه أن جزاء من فعل ذلك عذاب لازم شديد، ويكون الدين ههنا الطاعة، ومعنى الواصب الدائم. أي: حق الإنسان أن يطيعه دائما في جميع أحواله، كما وصف به الملائكة حيث قال: { لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } [التحريم/6] ويقال: وصب وصوبا: دام، ووصب الدين: وجب، ومفازة واصبة: بعيدة لا غاية لها.
وصد
- الوصيدة: حجرة تجعل للمال في الجبل، يقال: أوصدت الباب وآصدته. أي: أطبقته وأحكمته، وقال تعالى: { عليهم نار موصدة } [البلد/20] وقرئ بالهمز (وهي قراءة أبي عمرو وحفص وحمزة ويعقوب وخلف. الإتحاف ص 439) : مطبقة، والوصيد المتقارب الأصول.
وصف
- الوصف: ذكر الشيء بحليته ونعته، والصفة: الحالة التي عليها الشيء من حليته ونعته، كالزنة التي هي قدر الشيء، والوصف قد يكون حقا وباطلا. قال تعالى: { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب } [النحل/116] تنبيها على كون ما يذكرونه كذبا، وقوله عز وجل: { رب العزة عما يصفون } [الصافات/180] تنبيه على أن أكثر صفاته ليس على حسب ما يعتقده كثير من الناس لم يتصور عنه تمثيل وتشبيه، وأنه يتعالى عما يقول الكفار، ولهذا قال عز وجل: { وله المثل الأعلى } [النحل/60].(4/53)
ويقال: اتصف الشيء في عين الناظر: إذا احتمل الوصف، ووصف البعير وصوفا: إذا أجاد السير، والوصيف: الخادم، والوصيفة: الخادمة، ويقال: أوصفت الجارية (أوصف الوصيف: إذا تم قده، وأوصفت الجارية. اللسان (وصف) ).
وصل
- الاتصال: اتحاد الأشياء بعضها ببعض كاتحاد طرفي الدائرة، ويضاد الانفصال، ويستعمل الوصل في الأعيان، وفي المعاني. يقال: وصلت فلانا. قال الله تعالى: { ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل } [البقرة/27]، وقوله تعالى: { إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق } [النساء/90] أي: ينسبون. يقال: فلان متصل بفلان: إذا كان بينهما نسبة، أو مصاهرة، وقوله عز وجل: { ولقد وصلنا لهم القول } [القصص/51] أي: أكثرنا لهم القول موصولا بعضه ببعض، وموصل البعير: كل موضعين حصل بينهما وصلة نحو: ما بين العجز والفخذ، وقوله: { ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام } [المائدة/103] وهو أن أحدهم كان إذا ولدت له شاته ذكرا وأنثى قالوا: وصلت أخاها، فلا يذبحون أخاها من أجلها، وقيل: الوصيلة: العمارة والخصب؛ والوصيلة: الأرض الواسعة، ويقال: هذا وصل هذا. أي صلته.
وصى
- الوصية: التقدم إلى الغير بما يعمل به مقترنا بوعظ من قولهم: أرض واصية: متصلة النبات، ويقال: أوصاه ووصاه. قال تعالى: { ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب } [البقرة/132] وقرئ: { وأوصى } (وهي قراءة نافع وابن عامر وأبي جعفر. الإتحاف ص 148) قال الله عز وجل: { ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب } [النساء/131]، { ووصينا الإنسان } [العنكبوت/8]، { يوصيكم الله في أولادكم } [النساء/11]، { من بعد وصية يوصى بها } [النساء/12]، { حين الوصية اثنان } [المائدة/106]، ووصى: أنشأ فضله، وتواصى القوم: إذا أوصى بعضهم إلى بعض. قال تعالى: { وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } [العصر/3]، { أتواصوا به بل هم قوم طاغون } [الذاريات/53].
وضع(4/54)
- الوضع أعم من الحط، ومنه: الموضع. قال تعالى: { يحرفون الكلم عن مواضعه } [النساء/46] ويقال ذلك في الحمل والحمل، ويقال: وضعت الحمل فهو موضوع. قال تعالى: { وأكواب موضوعة } [الغاشية/14]، { والأرض وضعها للأنام } [الرحمن/10] فهذا الوضع عبارة عن الإيجاد والخلق، ووضعت المرأة الحمل وضعا. قال تعالى: { فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت } [آل عمران/36] فأما الوضع والتضع فأن تحمل في آخر طهرها في مقبل الحيض. ووضع البيت: بناؤه. قال الله تعالى: { إن أول بيت وضع للناس } [آل عمران/96]، { ووضع الكتاب } [الكهف /49] هو إبراز أعمال العباد نحو قوله: { ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا } [الإسراء/13] ووضعت الدابة تضع في سيرها وضعا: أسرعت، ودابة حسنة الموضوع، وأوضعتها: حملتها على الإسراع. قال الله عز وجل: { ولأوضعوا خلالكم } [التوبة/47] والوضع في السير استعارة كقولهم: ألقى باعة وثقله، ونحو ذلك، والوضيعة: الحطيطة من رأس المال، وقد وضع الرجل في تجارته يوضع: إذا خسر، ورجل وضيع بين الضعة في مقابلة رفيع بين الرفعة.
وضن
- الوضن: نسج الدرع، ويستعار لكل نسج محكم. قال تعالى: { على سرر موضونة } [الواقعة/15] ومنه: الوضين، وهو حزام الرحل، وجمعه: وضن.
وطر
- الوطر: النهمة والحاجة المهمة. قال الله عز وجل: { فلما قضى زيد منها وطرا } [الأحزاب/37].
وطأ(4/55)
- وطؤ الشيء فهو وطيء بين الوطاءة، والطأة والطئة، والوطاء: ما توطأت به، ووطأت له بفراشه. ووطئته برجلي أطؤه وطأ ووطاءة، وتوطأته. قال الله تعالى: { إن ناشئة الليل هي أشد وطأ } [المزمل/6] وقرئ: { وطاء } (وهي قراءة أبي عمرو وابن عامر. الإتحاف ص 426) وفي الحديث: (اللهم اشدد وطأتك على مضر) (الحديث عن أبي هريرة قال: كان النبي يدعو في القنوت: (اللهم أنج سلمة بن هشام، اللهم أنج الوليد بن الوليد، اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهم أشدد وطأتك على مضر، اللهم سنين كسني يوسف) أخرجه البخاري في الجهاد، باب الدعاء على المشركين 6/105؛ ومسلم برقم (675) ) أي: ذللهم. ووطئ امرأته كناية عن الجماع، صار كالتصريح للعرف فيه، والموطأة: الموافقة، وأصله أن يطأ الرجل برجله موطئ صاحبه. قال الله عز وجل: { إنما النسيء } إلى قوله: { ليوطئوا عدة ما حرم الله [التوبة/37] (الآية: {إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله } ).
وعد(4/56)
- الوعد يكون في الخير والشر. يقال وعدته بنفع وضر وعدا وموعدا وميعادا، والوعيد في الشر خاصة. يقال منه: أوعدته، ويقال: واعدته وتواعدنا. قال الله عز وجل: { إن الله وعدكم وعد الحق } [إبراهيم/22]، { أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه } [القصص/61]، { وعدكم الله مغنم كثيرة تأخذونها } [الفتح/20]، { وعد الله الذين آمنوا } [المائدة/9] إلى غير ذلك. ومن الوعد بالشر: { ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده } [الحج/47] وكانوا إنما يستعجلونه بالعذاب، وذلك وعيد، وقال: { قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا } [الحج/72]، { إن موعدهم الصبح } [هود/ 81]، { فأتنا بما تعدنا } [الأعراف/70]، { وإما نرينك بعض الذي نعدهم } [الرعد/40]، { فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله } [إبراهيم/47]، { الشيطان يعدكم الفقر } [البقرة/268].(4/57)
ومما يتضمن الأمرين قول الله عز وجل: { ألا إن وعد الله حق } [يونس/ 55]، فهذا وعد بالقيامة، وجزاء العباد إن خيرا فخير وإن شرا فشر. والموعد والميعاد يكونان مصدرا واسما. قال تعالى: { فاجعل بيننا وبينك موعدا } [طه/58]، { بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعدا } [الكهف/48]، { موعدكم يوم الزينة } [طه/59]، { بل لهم موعد } [الكهف/58]، { قل لكم ميعاد يوم } [سبأ/30]، { ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد } [الأنفال/42]، { إن وعد الله حق } [لقمان/33] أي: البعث: { إنما توعدون لآت } [الأنعام/134]، { بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا } [الكهف/58]. ومن المواعدة قوله: { ولكن لا تواعدوهن سرا } [البقرة/235]، { وواعدنا موسى ثلاثين ليلة } [الأعراف/142]، { وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة } [البقرة/51] وأربعين وثلاثين مفعول لا ظرف. أي: انقضاء ثلاثين وأربعين، وعلى هذا قوله: { وواعدناكم جانب الطور الأيمن } [طه/80]، { واليوم الموعود } [البروج/2] وإشارة إلى القيامة كقوله عز وجل: { ميقات يوم معلوم } [الواقعة/50]. ومن الإيعاد قوله: { ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله } [الأعراف/86]، وقال: { ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد } [إبراهيم/14]، { فذكر بالقرآن من يخاف وعيد } [ق/45]، { لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد } [ق/28] ورأيت أرضهم واعدة: إذا رجي خيرها من النبت، ويوم واعد: حر أو برد، ووعيد الفحل: هديره، وقوله عز وجل: { وعد الله الذين آمنوا } إلى قوله: { ليستخلفنهم } [النور/55] (الآية: { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض } ) وقوله: { ليستخلفنهم } تفسير لوعد كما أن قوله عز وجل: { للذكر مثل حظ الانثيين } (الآية: { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيي } ) [النساء/11] تفسير الوصية. وقوله: { وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم } [الأنفال/7] فقوله: { أنها لكم } بدل من قوله:(4/58)
{ إحدى الطائفتين } ، تقديره: وعدكم الله أن إحدى الطائفتين لكم؛ إما طائفة العير؛ وإما طائفة النفير. والعدة من الوعد، ويجمع على عدات، والوعد مصدر لا يجمع. ووعدت يقتضي مفعولين الثاني منهما مكان، أو زمان، أو أمر من الأمور. نحو: وعدت زيدا يوم الجمعة، ومكان كذا، وأن أفعل كذا، فقوله: { أربعين ليلة } لا يجوز أن يكون المفعول الثاني من: { واعدنا موسى أربعين } [البقرة/51] لأن الوعد لم يقع في الأربعين بل انقضاء الأربعين وتمامها: لا يصح الكلام إلا بهذا.
وعظ
- الوعظ: زجر مقترن بتخويف. قال الخليل (العين 2/228) : هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب، والعظة والموعظة: الاسم. قال تعالى: { يعظكم لعلكم تذكرون } [النحل/90]، { قل إنما أعظكم بواحدة } [سبأ/46]، { ذلكم توعظون به } [المجادلة/3]، { قد جاءتكم موعظة من ربكم } [يونس/57]، { وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى } [هود/120]، { وهدى وموعظة للمتقين } [آل عمران/138]، { وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا } [الأعراف/145]، { فأعرض عنهم وعظهم } [النساء/63].
وعى
- الوعي: حفظ الحديث ونحوه. يقال: وعيته في نفسه. قال تعالى: { لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية } [الحاقة/12].
والإيعاء: حفظ الأمتعة في الوعاء. قال تعالى: { وجمع فأوعى } [المعارج/18] قال الشاعر:
- 463 - والشر أخبث ما أوعيت من زاد
(عجز بيت صدره:
الخير يبقى وإن طال الزمان به
وهو في البصائر 5/241؛ وتاج العروس (وعى) دون نسبة فيهما؛ والبيت لعبيد بن الأبرص في ديوانه تحقيق حسين نصار ص 49، وليس في ديوانه طبع دار صادر؛ وهو في المجمل 4/930)(4/59)
وقال تعالى: { فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه } [يوسف/76] ولا وعي عن كذا. أي: لا تماسك للنفس دونه، ومنه: مالي عنه وعلي. أي: بد، ووعى الجرح يعي وعيا: جمع المدة (الوعي: القيح والمدة)، ووعى العظم: اشتد وجمع القوة، والواعية: الصارخة، وسمعت وعي القوم. أي: صراخهم.
وفد
- يقال: وفد القوم تفد وفادة، وهم وفد ووفود، وهم الذين يقدمون على الملوك مستنجزين الحوائج، ومنه: الوافد من الإبل، وهو السابق لغيره. قال تعالى: { يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا } [مريم/85].
وفر
- الوفر: المال التام. يقال: وفرت كذا: تممته وكملته، أفره وفرا ووفورا وفرة ووفرته على التكثير. قال تعالى: { فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا } [الإسراء/63] ووفرت عرضه: إذا لم تنتقصه، وأرض في نبتها وفرة: إذا كان تاما، ورأيت فلانا ذا وفارة. أي: تام المروءة والعقل، والوافر: ضرب من الشعر.
وفض
- الإيفاض: الإسراع، وأصله أن يعدو من عليه الوفضة، وهي الكنانة تتخشخش عليه، وجمعها: الوفاض. قال تعالى: { كأنهم إلى نصب يوفضون } [المعارج/43] أي: يسرعون، وقيل: الأوفاض الفرق من الناس المستعجلة. يقال: لقيته على أوفاض (انظر المجمل 4/932). أي: على عجلة، الواحد: وفض.
وفق
- الوفق: المطابقة بين الشيئين. قال تعالى: { جزاء وفاقا } [النبأ/26] يقال: وافقت فلانا، ووافقت الأمر: صادفته، والاتفاق: مطابقة فعل الإنسان القدر، ويقال ذلك في الخير والشر، يقال: اتفق لفلان خير، واتفق له شر. والتوفيق نحوه لكنه يختص في التعارف بالخير دون الشر. قال تعالى: { وما توفيقي إلا بالله } [هود/88]، ويقال: أتانا لتيفاق الهلال وميفاقه (انظر المجمل 4/932، وعمدة الحفاظ: وفق). أي: حين اتفق إهلاله.
وفى(4/60)
- الوافي: الذي بلغ التمام. يقال: درهم واف، وكيل واف، وأوفيت الكيل والوزن. قال تعالى: { وأوفوا الكيل إذا كلتم } [الإسراء/35]، وفى بعهده يفي وفاء، وأوفى: إذا تمم العهد ولم ينقض حفظه، واشتقاق ضده، وهو الغدر يدل على ذلك وهو الترك، والقرآن جاء بأوفى. قال تعالى: { وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم } [البقرة/40]، { وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم } [النحل/91]، { بلى من أوفى بعهده واتقى } [آل عمران/76]، { والموفون بعهدهم إذا عاهدوا } [البقرة/177]، { يوفون بالنذر } [الإنسان/7]، { ومن أوفى بعهده من الله } [التوبة/111]، وقوله: { وإبراهيم الذي وفى } [النجم/37]، فتوفيته أنه بذل المجهود في جميع ما طولب به، مما أشار إليه في قوله: { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم } [التوبة/111]، من بذله ماله بالإنفاق في طاعته، وبذل ولده الذي هو أعز من نفسه للقربان، وإلى ما نبه عليه بقوله: { وفى } أشار بقوله تعالى: { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن } [البقرة/124]، وتوفية الشيء: بذله وافيا، واستيفاؤه: تناوله وافيا. قال تعالى: { ووفيت كل نفس ما كسبت } [آل عمران/25]، وقال: { وإنما توفون أجوركم } [آل عمران/ 185]، { ثم توفى كل نفس } [البقرة/281]، { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } [الزمر/10]، { من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها } [هود/15]، { وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم } [الأنفال/60]، { فوفاه حسابه } [النور/39]، وقد عبر عن الموت والنوم بالتوفي، قال تعالى: { الله يتوفى الأنفس حين موتها } [الزمر/42]، { وهو الذي يتوفاكم بالليل } [الأنعام/60]، { قل يتوفاكم ملك الموت } [السجدة/11]، { والله الذي خلقكم ثم يتوفاكم } [النحل/70]، { الذين تتوفاهم الملائكة } [النحل/28]، { توفته رسلنا } [الأنعام/61]، { أو نتوفينك } [يونس/46]، { وتوفنا مع الأبرار } [آل عمران/193]، { وتوفنا مسلمين }(4/61)
[الأعراف/126]، { توفني مسلما } [يوسف/101]، { يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي } [آل عمران/55]، وقد قيل: توفي رفعة واختصاص لا توفي موت. قال ابن عباس: توفي موت، لأنه أماته ثم أحياه (أخرج ذلك ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه. وعن ابن عباس أيضا قال: رافعك ثم متوفيك في آخر الزمان. الدر المنثور 2/225 - 226؛ وتفسير الطبري 3/290).
وقب
- الوقب كالنقرة في الشيء، ووقب: إذا دخل في وقب ومنه وقبت الشمس: غابت. قال تعالى: { ومن شر غاسق إذا وقب } [الفلق/3] والإيقاب: تغييبه، والوقيب: صوت قنب (قنب الفرس: وعاء قضيبه) الدابة، وقببه، وقبه (يقال قبه يقبه قبا، واقتبه: قطعه. اللسان (قبب) ).
وقت
- الوقت: نهاية الزمان المفروض للعمل، ولهذا لا يكاد يقال إلا مقدرا نحو قولهم: وقت كذا: جعلت له وقتا. قال تعالى: { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } [النساء/103]. وقوله: { وإذا الرسل أقتت } [المرسلات/11]. والميقات: الوقت المضروب للشيء، والوعد الذي جعل له وقت. قال عز وجل: { إن يوم الفصل ميقاتهم } [الدخان/40]، { إن يوم الفصل كان ميقاتا } [النبأ/17]، { إلى ميقات يوم معلوم } [الواقعة/50]، وقد يقال الميقات للمكان الذي يجعل وقتا للشيء، كميقات الحج.
وقد(4/62)
- يقال: وقدت النار تقد وقودا ووقدا، والوقود يقال للحطب المجعول للوقود، ولما حصل من اللهب. قال تعالى: { وقودها الناس والحجارة } [البقرة/24]، { أولئك هم وقود النار } [آل عمران/10]، { النار ذات الوقود } [البروج/5] واستوقدت النار: إذا ترشحت لإيقادها، وأوقدتها. قال تعالى: { مثلهم كمثل الذي استوقد نارا } [البقرة/17]، { ومما يوقدون عليه في النار } [الرعد/17]، { فأوقد لي يا هامان } [القصص/38]، { نار الله الموقدة } [الهمزة/6] ومنه: وقدة الصيف أشد حرا (وقدة الحر: أشده. اللسان: (وقد) )، واتقد فلان غضبا. ويستعار وقد واتقد للحرب كاستعارة النار والاشتعال، ونحو ذلك لها. قال تعالى: { كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله } [المائدة/64] وقد يستعار ذلك للتلألؤ، فيقال: اتقد الجوهر والذهب.
وقذ
- قال الله تعالى: { والموقوذة } [المائدة/3] أي: المقتولة بالضرب (انظر مجاز القرآن 2/151).
وقر
- الوقر: الثقل في الأذن. يقال: وقرت أذنه تقر وتوقر. قال أبوزيد (انظر تهذيب اللغة 9/280) : وقرت توقر فهي موقورة. قال تعالى: { وفي آذاننا وقر } [فصلت/5]، { وفي آذانهم وقرا } [الأنعام/25] والوقر: الحمل للحمار وللبغل كالوسق للبعير، وقد أوقرته، ونخلة موقرة وموقرة، والوقار: السكون والحلم. يقال: هو وقور، ووقار ومتوقر. قال تعالى: { ما لكم لا ترجون لله وقارا } [نوح/13] وفلان ذو قرة، وقوله: { وقرن في بيوتكن } [الأحزاب/33] قيل: هو من الوقار. وقال بعضهم (هو الفراء في معاني القرآن 2/342) : هو من قولهم: وقرت أقر وقرا. أي: جلست، والوقير: القطيع العظيم من الضأن؛ كأن فيها وقارا لكثرتها وبطء سيرها.
وقع(4/63)
- الوقوع: ثبوت الشيء وسقوطه. يقال: وقع الطائر وقوعا، والواقعة لا تقال إلا في الشدة والمكروه، وأكثر ما جاء في القرآن من لفظ (وقع) جاء في العذاب والشدائد نحو: { إذا وقعت الواقعة * ليس لوقعتها كاذبة } [الواقعة/1 - 2]، وقال: { سأل سائل بعذاب واقع } [المعارج/1]، { فيومئذ وقعت الواقعة } [الحاقة/15] ووقوع القول: حصول متضمنه، قال تعالى: { ووقع عليهم بما ظلموا } [النمل/85] أي: وجب العذاب الذي وعدوا لظلمهم، فقال عز وجل: { وإذا وقع القوم عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض } [النمل/82] أي: إذا ظهرت أمارات القيامة التي تقدم القول فيها. قال تعالى: { قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب } [الأعراف/71] وقال: { أثم إذا ما وقع آمنتم به } [يونس/51]، وقال: { فقد وقع أجره على الله } [النساء/100] واستعمال لفظة الوقوع ههنا تأكيد للوجوب كاستعمال قوله تعالى: { وكان حقا علينا نصر المؤمنين } [الروم/47]، { كذلك حقا علينا ننج المؤمنين } [يونس/103] وقوله عز وجل: { فقعوا له ساجدين } [الحجر/29] فعبارة عن مبادرتهم إلى السجود، ووقع المطر نحو: سقط، ومواقع الغيث: مساقطه، والمواقعة في الحرب، ويكنى بالمواقعة عن الجماع، والإيقاع يقال في الإسقاط، وفي شن الحرب بالوقعة. ووقع الحديد: صوته، يقال: وقعت الحديدة أقعها وقعا: إذا حددتها بالميقعة؛ وكل سقوط شديد يعبر عنه بذلك، وعنه استعير: الوقعية في الإنسان. والحافر الوقع: الشديد الأثر، ويقال للمكان الذي يستقر الماء فيه: الوقيعة، والجمع: الوقائع، والموضع الذي يستقر فيه الطير: موقع، والتوقيع: أثر الدبر بظهر البعير، وأثر الكتابة في الكتاب، ومنه استعير التوقيع في القصص.
وقف(4/64)
- يقال: وقفت القوم أقفهم وقفا، وواقفوهم وقوفا. قال تعالى: { وقفوهم إنهم مسئولون } [الصافات/24] ومنه استعير: وقفت الدار: إذا سبلتها، والوقف: سوار من عاج، وحمار موقف بأرساغه مثل الوقف من البياض، كقولهم: فرس محجل: إذا كان به مثل الحجل، وموقف الإنسان حيث يقف، والمواقفة: أن يقف كل واحد أمره على ما يقفه عليه صاحبه، والوقيفة: الوحشية التي يلجئها الصائد إلى أن تقف حتى تصاد.
وقى
- الوقاية: حفظ الشيء مما يؤذيه ويضره. يقال: وقيت الشيء أقيه وقاية ووقاء. قال تعالى: { فوقاهم الله } [الإنسان/11]، { ووقاهم عذاب الجحيم } [الدخان/56]، { وما لهم من الله من واق } [الرعد/34]، { مالك من الله من ولي ولا واق } [الرعد/37]، { قوا أنفسكم وأهليكم نارا } [التحريم/6] والتقوى جعل النفس في وقاية مما يخاف هذا تحقيقه، ثم يسمى الخوف تارة تقوى، والتقوى خوفا حسب تسمية مقتضى الشيء بمقتضيه والمقتضي بمقتضاه، وصار التقوى في تعارف الشرع حفظ النفس عما يؤثم، وذلك بترك المحظور، ويتم ذلك بترك بعض المباحات لما روي: (الحلال بين، والحرام بين، ومن رتع حول الحمى فحقيق أن يقع فيه) (الحديث تقدم في مادة (بغى) ) قال الله تعالى: { فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } [الأعراف/35]، { إن الله مع الذين اتقوا } [النحل/128]، { وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا } [الزمر/73] ولجعل التقوى منازل قال: { واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله } [البقرة/281]، و { اتقوا ربكم } [النساء/1]، { ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه } [النور/52]، { واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام } [النساء/1]، { اتقوا الله حق تقاته } [آل عمران/102]. وتخصيص كل واحد من هذه الألفاظ له ما بعد هذا الكتاب. ويقال: اتقى فلان بكذا: إذا جعله وقاية لنفسه، وقوله: { أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة } [الزمر /24] تنبيه على شدة ما ينالهم، وأن أجدر شيء يتقون به من(4/65)
العذاب يوم القيامة هو وجوههم، فصار ذلك كقوله: { وتغشى وجوههم النار } [إبراهيم/ 50]، { يوم يسحبون في النار على وجوههم } [القمر/48].
وكد
- وكدت القول والفعل، وأكدته: أحكمته. قال تعالى: { ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها } [النحل/91] والسير الذي يشد به القربوس (القربوس: حنو السرج، وجمعه قرابيس. اللسان (قربس) ) يسمى التأكيد، ويقال: توكيد، والوكاد: حبل يشد به البقر عند الحلب، قال الخليل (انظر: العين 5/395) : أكدت في عقد الأيمان أجود، ووكدت في القول أجود، تقول إذا عقدت: أكدت، وإذا حلفت وكدت ووكد وكده: إذا قصد قصده وتخلق بخلقه.
وكز
- الوكز: الطعن، والدفع، والضرب بجميع الكف. قال تعالى: { فوكزه موسى } [القصص/15].
توكيل(4/66)
- التوكيل: أن تعتمد على غيرك وتجعله نائبا عنك، والوكيل فعيل بمعنى المفعول. قال تعالى: { وكفى بالله وكيلا } [النساء/81] أي: اكتف به أن يتولى أمرك، ويتوكل لك، وعلى هذا: { حسبنا الله ونعم الوكيل } [آل عمران/173]، { وما أنت عليهم بوكيل } [الأنعام/107] أي: بموكل عليهم وحافظ لهم، كقوله: { لست عليهم بمسيطر * إلا من تولى } [الغاشية/22 - 23] فعلى هذا قوله تعالى: { قل لست عليكم بوكيل } [الأنعام/66]، وقوله: { أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا } [الفرقان/43]، { أمن يكون عليهم وكيلا } [النساء/109] أي: من يتوكل عنهم؟ والتوكل يقال على وجهين؛ يقال: توكلت لفلان بمعنى: توليت له، ويقال: وكلته فتوكل لي، وتوكلت عليه بمعنى: اعتمدته قال عز وجل: { فليتوكل المؤمنون } [التوبة/51]، { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } [الطلاق/3]، { ربنا عليك توكلنا } [الممتحنة/4]، { وعلى الله فتوكلوا } [المائدة/23]، { وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا } [النساء/81]، { وتوكل عليه } [هود/123]، { وتوكل على الحي الذي لا يموت } [الفرقان/ 58]. وواكل فلان: إذا ضيع أمره متكلا على غيره، وتواكل القوم: إذا اتكل كل على الآخر، ورجل وكلة تكلة: إذا اعتمد غيره في أمره، والوكال في الدابة: أن لا يمشي إلا بمشي غيره، وربما فسر الوكيل بالكفيل، والوكيل أعم؛ لأن كل كفيل وكيل، وليس كل وكيل كفيلا.
وكأ
- الوكاء: رباط الشيء، وقد يجعل الوكاء اسما لما يجعل فيه الشيء فيشد به، ومنه أوكأت فلانا: جعلت له متكأ، وتوكأ على العصا: اعتمد بها وتشدد بها. قال تعالى: { هي عصاي أتوكأ عليها } [طه/18]، وفي الحديث: (كان يوكي بين الصفا والمروة) (هذا في حديث الزبير أنه كان يوكي بين الصفا والمروة سعيا.(4/67)
فسره المؤلف بتفسير، وله تفسير آخر: أنه لا يتكلم، كأنه أوكى فاه فلم ينطق. انظر: النهابة 5/223؛ وغريب الحديث 4/8) قال معناه: يملأ ما بينهما سعيا كما يوكى السقاء بعد الملء، ويقال: أوكيت السقاء ولا يقال أوكأت.
ولج
- الولوج: الدخول في مضيق. قال تعالى: { حتى يلج الجمل في سم الخياط } [الأعراف/40]، وقوله: { يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل } [الحج /61] فتنبيه على ما ركب الله عز وجل عليه العالم من زيادة الليل في النهار، وزيادة النهار في الليل، وذلك بحسب مطالع الشمس ومغاربها. والوليجة: كل ما يتخذه الإنسان معتمدا عليه، وليس من أهله، من قولهم: فلان وليجة في القوم: إذا لحق بهم وليس منهم؛ إنسانا كان أو غيره. قال تعالى: { ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة } [التوبة/16] وذلك مثل قوله: { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء } [المائدة/51] ورجل خرجة ولجة (انظر: المجمل 4/937؛ واللسان (ولج) ) : كثير الخروج والولوج.
ولد(4/68)
- الولد: المولود. يقال للواحد والجمع والصغير والكبير. قال الله تعالى: { فإن لم يكن له ولد } [النساء/11]، { أنى يكون له ولد } [الأنعام/101] ويقال للمتنبي ولد، قال: { أو نتخذه ولدا } [القصص/9] وقال: { ووالد وما ولد } [البلد/ 3] قال أبو الحسن: الولد: الابن والابنة، والولد هم الأهل والولد. ويقال: ولد فلان. قال تعالى: { والسلام علي يوم ولدت } [مريم/33]، { وسلام عليه يوم ولد } [مريم/15] والأب يقال له والد، والأم والدة، ويقال لهما والدان، قال: { رب اغفر لي ولوالدي } [نوح/28] والوليد يقال لمن قرب عهده بالولادة وإن كان في الأصل يصح لمن قرب عهده أو بعد، كما يقال لمن قرب عهده بالاجتناء: جني، فإذا كبر الولد سقط عنه هذا الاسم، وجمعه: ولدان، قال: { يوما يجعل الولدان شيبا } [المزمل/17] والوليدة مختصة بالإماء في عامة كلامهم، واللدة مختصة بالترب، يقال: فلان لدة فلان، وتربه، ونقصانه الواو؛ لأن أصله ولدة. وتولد الشيء من الشيء: حصوله عنه بسبب من الأسباب، وجمع الولد أولاد. قال تعالى: { إنما أموالكم وأولادكم فتنة } [التغابن /15]، { إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم } [التغابن/14] فجعل كلهم فتنة وبعضهم عدوا. وقيل: الولد جمع ولد نحو: أسد وأسد، ويجوز أن يكون واحدا نحو: بخل وبخل، وعرب وعرب، وروي: (ولدك من دمي عقبيك) (وهذا من أمثال العرب. انظر: مجمع الأمثال 2/363؛ والبصائر 5/278؛ وتهذيب إصلاح المنطق 1/125 يعني: من ولدته؛ وليس هو حديثا كما ظنه المؤلف) وقرئ: { من لم يزده ماله وولده } [نوح/21] (وبها قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف. الإتحاف ص 424).
ولق(4/69)
- الولق: الإسراع، ويقال: ولق الرجل يلق كذب، وقرئ: (إذ تلقونه بألسنتكم) [النور/15] (وهي قراءة شاذة قرأت بها عائشة) أي: تسرعون الكذب، من قولهم: جاءت الإبل تلق، والأولق: من فيه جنون وهوج، ورجل مألوق ومؤلق، وناقة ولقى: سريعة، والوليقة: طعام يتخذ من السمن، والولق: أخف الطعن
ولي
- الولاء والتوالي: أن يحصل شيئان فصاعدا حصولا ليس بينهما ما ليس منهما، ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان، ومن حيث النسبة، ومن حيث الدين، ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد، والولاية النصرة (قال الفراء: وكسر الواو في الولاية أعجب إلي من فتحها؛ لأنها إنما تفتح أكثر من ذلك إذا كانت في معنى النصرة، وكان الكسائي يفتحها ويذهب بها إلى النصرة. انظر: معاني القرآن 1/418)، والولاية: تولي الأمر، وقيل: الولاية والولاية نحو: الدلالة والدلالة، وحقيقته: تولي الأمر.
والولي والمولى يستعملان في ذلك. كل واحد منهما يقال في معنى الفاعل.(4/70)
أي: الموالي، وفي معنى المفعول. أي: الموالى، يقال للمؤمن: هو ولي الله عز وجل ولم يرد مولاه، وقد يقال: الله تعالى ولي المؤمنين ومولاهم، فمن الأول قال الله تعالى: { الله ولي الذين آمنوا } [البقرة/257]، { إن وليي الله } [الأعراف/ 196]، { والله ولي المؤمنين } [آل عمران/68]، { ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا } [محمد/11]، { نعم المولى ونعم النصير } [الأنفال/40]، { واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى } [الحج/78]، قال عز وجل: { قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس } [الجمعة/6]، { وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه } [التحريم/4]، { ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق } [الأنعام/62] والوالي الذي في قوله: { وما لهم من دونه من وال } [الرعد/11] بمعنى الولي، ونفى الله تعالى الولاية بين المؤمنين والكافرين في غير آية، فقال: { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود } إلى قوله: { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } [المائدة/51] (الآية: { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم } )، { لا تتخذوا آباءكم وأخوانكم أولياء } [التوبة/23]، { ولا تتبعوا من دونه أولياء } [الأعراف /3]، { ما لكم من ولايتهم من شيء } [الأنفال/72]، { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } [الممتحنة/1]، { ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا } إلى قوله: { ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء } [المائدة/80 - 81] (الآية: { ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله... } )(4/71)
وجعل بين الكافرين والشياطين موالاة في الدنيا، ونفى بينهم الموالاة في الآخرة، قال الله تعالى في المولاة بينهم في الدنيا: { المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض } [التوبة/67] وقال: { إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله } [الأعراف/30]، { إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون } [الأعراف/27]، { فقاتلوا أولياء الشيطان } [النساء/76] فكما جعل بينهم وبين الشيطان موالاة جعل للشيطان في الدنيا عليهم سلطانا فقال: { إنما سلطانه على الذين يتولونه } [النحل/100] ونفى الموالاة بينهم في الآخرة، فقال في موالاة الكفار بعضهم بعضا: { يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا } [الدخان/41]، { ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض } [العنكبوت/25]، { قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا } الآية [القصص/63]، وقولهم تولى إذا عدي بنفسه اقتضى معنى الولاية، وحصوله في أقرب المواضع منه يقال: وليت سمعي كذا، ووليت عيني كذا، ووليت وجهي كذا: أقبلت به عليه، قال الله عز وجل: { فلنولينك قبلة ترضاها } [البقرة/144]، { فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } [البقرة/144] وإذا عدي ب (عن) لفظا أو تقديرا اقتضى معنى الإعراض وترك قربه.
فمن الأول قوله: { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } [المائدة/51]، { ومن يتول الله ورسوله } [المائدة/56].(4/72)
ومن الثاني قوله: { فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين } [آل عمران/63]، { إلا من تولى وكفر } [الغاشية/23]، { فإن تولوا فقولوا اشهدوا } [آل عمران/64]، { وإن تتولوا يستبد قوما غيركم } [محمد/38]، { فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين } [التغابن/12]، { وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم } [الأنفال/40]، { فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون } [آل عمران/82] والتولي قد يكون بالجسم، وقد يكون بترك الإصغاء والائتمار، قال الله عز وجل: { ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون } [الأنفال/20] أي: لا تفعلوا ما فعل الموصوفون بقوله: { واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا } [نوح/7] ولا ترتسموا قول من ذكر عنهم: { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه } [فصلت/26] ويقال: ولاه دبره: إذا انهزم.
وقال تعالى: { وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار } [آل عمران/ 111]، { ومن يولهم يومئذ دبره } [الأنفال/16]، وقوله: { فهب لي من لدنك وليا } [مريم/5] أي: ابنا يكون من أوليائك، وقوله: { خفت الموالي من ورائي } [مريم/5] قيل: ابن العم، وقيل مواليه.(4/73)
وقوله: { ولم يكن له ولي من الذل } [الإسراء/111]، فيه نفي الولي بقوله عز وجل { من الذل } إذ كان صالحو عباده هم أولياء الله كما تقدم لكن مولاتهم ليستولي هو تعالى بهم، وقوله: { ومن يضلل الله فلن تجد له وليا } [الكهف/17]، والولي: المطر الذي يلي الوسمي، والمولى يقال للمعتق، والمعتق، والحليف، وابن العم، والجار، وكل من ولي أمر الآخر فهو وليه، ويقال: فلان أولى بكذا. أي أحرى، قال تعالى: { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } [الأحزاب/6]، { إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه } [آل عمران/68]، { فالله أولى بهما } [النساء/135]، { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض } [الأنفال/75] وقيل: { أولى لك فأولى } [القيامة/34] من هذا، معناه: العقاب أولى لك وبك، وقيل: هذا فعل المتعدي بمعنى القرب، وقيل: معناه انزجر. ويقال: ولي الشيء الشيء، وأوليت الشيء شيئا آخر أي: جعلته يليه، والولاء في العتق: هو ما يورث به، و (نهي عن بيع الولاء وعن هبته) (عبد الله بن عمر يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وعن هبته. أخرجه البخاري في العتق، باب بيع الولاء وهبته 5/167؛ ومسلم برقم (1506) )، والموالاة بين الشيئين: المتابعة.
وهب(4/74)
- الهبة: أن تجعل ملكك لغيرك بغير عوض. يقال: وهبته هبة وموهبة وموهبا. قال تعالى: { ووهبنا له إسحق } [الأنعام/84]، { الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق } [إبراهيم/39]، { إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا } [مريم/19]، فنسب الملك إلى نفسه الهبة لما كان سببا في إيصاله إليها، وقد قرئ: { ليهب لك } (وبها قرأ قالون بخلف عنه، وورش وأبو عمرو ويعقوب. الإتحاف ص 298) فنسب إلى الله تعالى، فهذا على الحقيقة، والأول على التوسع. وقال تعالى: { فوهب لي ربي حكما } [الشعراء /21]، { ووهبنا لداود سليمان } [ص/30]، { ووهبنا له أهله } [ص/43]، { ووهبنا له من رحمتنا أخاه هرون نبيا } [مريم/53]، { فهب لي من لدنك وليا يرثني } [مريم/5]، { ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين } [الفرقان/ 74]، { هب لنا من لدنك رحمة } [آل عمران/8]، { هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي } [ص/35]، ويوصف الله تعالى بالواهب والوهاب (انظر: الأسماء والصفات ص 97) بمعنى: أنه يعطي كلا على استحقاقه، وقوله: { إن وهبت نفسها } [الأحزاب/50]. والاتهاب: قبول الهبة، وفي الحديث: (لقد هممت أن لا أتهب إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي) (الحديث عن ابن عباس أن أعرابيا وهب للنبي صلى الله عليه وسلم هبة فأثابه عليها، قال: رضيت؟ قال: لا، فزاده، قال: رضيت؟ قال: لا، فزاده، قال: رضيت؟ قال: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد هممت أن لا أتهب هبة إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي). أخرجه أحمد في المسند 1/295؛ وأبو داود مختصرا 3/290؛ والنسائي 6/280).
وهج
- الوهج: حصول الضوء والحر من النار والوهجان كذلك وقوله: { وجعلنا سراجا وهاجا } [النبأ/13] أي: مضيئا، وقد وهجت النار توهج، ووهج يهج ويوهج، وتوهج الجوهر: تلألأ.
وهن(4/75)
- الوهن: ضعف من حيث الخلق، أو الخلق. قال تعالى: { قال رب إني وهن العظم مني } [مريم/4]، { فما وهنو لما أصابهم } [آل عمران/146]، { وهنا على وهن } [لقمان/14] أي: كلما عظم في بطنها: زادها ضعفا على ضعف: { ولا تهنوا في ابتغاء القوم } [النساء/104]، { ولا تهنو ولا تحزنوا } [آل عمران/139]، { ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين } [الأنفال/18].
وهى
- الوهي: شق في الأديم والثوب ونحوهما، ومنه يقال: وهت عزالي السحاب بمائها (يقال للشيء إذا استرخى. اللسان: (وهى) ؛ والمجمل 4/938)، قال تعالى: { وانشقت السماء فهي يومئذ واهية } [الحاقة/16] وكل شيء استرخى رباطه فقد وهي.
وي
- وي كلمة تذكر للتحسر، والتندم، والتعجب، تقول: وي لعبد الله، قال تعالى: { ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء } [القصص/82] { ويكأنه لا يفلح الكافرون } [القصص/82]، وقيل: وي لزيد، وقيل: ويك، كان ويلك فحذف منه اللام.
ويل
قال الأصمعي: ويل قبح، وقد يستعمل على التحسر.
ويس
استصغار
ويح(4/76)
ترحم. ومن قال: ويل واد (روي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره) أخرجه أحمد 3/75؛ والترمذي (انظر: عارضة الأحوذي 12/21 كتاب التفسير، تفسير سورة الأنبياء) وإسناده ضعيف. وقال الترمذي: حديث غريب) في جهنم؛ فإنه لم يرد أن ويلا في اللغة هو موضوع لهذا، وإنما أراد من قال الله تعالى ذلك فيه فقد استحق مقرا من النار، وثبت ذلك له. قال عز وجل: { فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون } [البقرة/ 79]، { وويل للكافرين } [إبراهيم/2]، { ويل لكل أفاك أثيم } [الجاثية/7]، { فويل للذين كفروا } [مريم/37]، { فويل للذين ظلموا } [الزخرف/65]، { ويل للمطففين } [المطففين/1]، { ويل لكل همزة } [الهمزة/1]، { يا ويلنا من بعثنا } [يس/52]، { يا ويلنا إنا كنا ظالمين } [الأنبياء/46]، { يا ويلنا إنا كنا طاغين } [القلم/31].
والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده.
كتاب الياء
يبس
- يبس الشيء ييبس، واليبس: يابس النبات، وهو ما كان فيه رطوبة فذهبت، واليبس: المكان يكون فيه ماء فيذهب. قال تعالى: { فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا } [طه/77] والأيبسان (انظر: جنى الجنتين ص 24) : ما لا لحم عليه من الساقين إلى الكعبين.
يتم
- اليتم: انقطاع الصبي عن أبيه قبل بلوغه، وفي سائر الحيوانات من قبل أمه. قال تعالى: { ألم يجدك يتيما فآوى } [الضحى/6]، { ويتيما وأسيرا } [الإنسان/8] وجمعه: يتامى. قال تعالى: { وآتوا اليتامى أموالهم } [النساء/2]، { إن الذين يأكلون أموال اليتامى } [النساء/10]، { ويسئلونك عن اليتامى } [البقرة/220] وكل منفرد يتيم، يقال: درة يتيمة، تنبيها على أنه انقطع مادتها التي خرجت منها، وقيل: بيت يتيم تشبيها بالدرة اليتيمة.
يد(4/77)
- اليد: الجارحة، أصله: يدي لقولهم في جمعه: أيد ويدي (انظر: سر صناعة الإعراب 2/729؛ والمسائل الحلبيات ص 163). وأفعل في جمع فعل أكثر. نحو: أفلس وأكلب، وقيل: يدي نحو: عبد وعبيد، وقد جاء في جمع فعل نحو: أزمن وأجبل. قال تعالى: { إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم } [المائدة/11]، { أم لهم أيد يبطشون بها } [الأعراف/195] وقولهم: يديان على أن أصله يدي على وزن فعل، ويديته: ضربت يده، واستعير اليد للنعمة، فقيل: يديت إليه. أي: أسديت إليه، وتجمع علي أياد، وقيل: يدي. قال الشاعر:
- 474 - فإن له عندي يديا وأنعما
(هذا عجز بيت، وصدره: فلن أذكر النعمان إلا بصالح
وهو لضمرة بن ضمرة النهشلي، والبيت في نوادر أبي زيد ص 250، والمسائل الحلبيات ص 30؛ وسر صناعة الإعراب 1/240؛ واللسان (يدي)، ونسبه للأعشى، وهو وهم)
وللحوز والملك مرة يقال: هذا في يد فلان. أي: في حوزه وملكه. قال تعالى: { إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } [البقرة/237] وقولهم: وقع في يدي عدل. وللقوة مرة، يقال: لفلان يد على كذا، ومالي بكذا يد، ومالي به يدان. قال الشاعر:
- 475 - فاعمد له تعلو فمالك بالذي * لا تستطيع من الأمور يدان
(البيت لعلي بن الغدير الغنوي، وهو في المسائل الحلبيات ص 28؛ واللسان (يدي) ؛ وأمالي القالي 2/181؛ وأضداد الأصمعي ص 7)
وشبه الدهر فجعل له يد في قولهم: يد الدهر، ويد المسند، وكذلك الريح في قول الشاعر:
- 476 - بيد الشمال زمامها
(البيت بتمامه:
وغداة ريح قد وزعت وقرة * إذ أصبحت بيد الشمال زمامها
وهو للبيد من معلقته. انظر: ديوانه ص 176)(4/78)
لما له من القوة، ومنه، قيل: أنا يدك، ويقال: وضع يده في كذا: إذا شرع فيه. ويده مطلقة: عبارة عن إيتاء النعيم، ويد مغلولة: عبارة عن إمساكها. وعلى ذلك قيل: { وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان } [المائدة/64]، ويقال: نفضت يدي عن كذا. أي: خليت وقوله عز وجل: { إذ أيدتك بروح القدس } [المائدة/110]، أي: قويت يدك، وقوله: { فويل لهم مما كتبت أيديهم } [البقرة/79]، فنسبته إلى أيديهم تنبيه على أنهم اختلقوه، وذلك كنسبة القول إلى أفواههم في قوله عز وجل: { ذلك قولهم بأفواههم } [التوبة/30]، تنبيها على اختلافهم.
وقوله: { أم لهم أيد يبطشون بها } [الأعراف/195]، وقوله: { أولي الأيدي والأبصار } [ص/45]، إشارة إلى القوة الموجودة لهم.
وقوله: { واذكر عبدنا داود ذا الأيد } [ص/17]، أي: القوة.
وقوله: { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } [التوبة/29]، أي: يعطون ما يعطون عن مقابلة نعمة عليهم في مقارتهم.
وموضع قوله: { عن يد } في الإعراب حال (انظر: البصائر 5/383). وقيل: بل اعتراف بأن أيديكم فوق أيديهم. أي: يلتزمون الذل. وخذ كذا أثر ذي يدين (يقال: افعل هذا أثر ذات يدين، وذي يدين. اللسان (أثر) )، ويقال: فلان يد فلان أي: وليه وناصره، ويقال لأولياء الله: هم أيدي الله، وعلى هذا الوجه قال عز وجل: { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم } [الفتح/10]، فإذا يده عليه الصلاة والسلام يد الله، وإذا كان يده فوق أيديهم فيد الله فوق أيديهم، ويؤيد ذلك ما روي: (لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها (الحديث تقدم في مادة (قرب) ) وقوله تعالى: { مما عملت أيدينا } [يس /71]، وقوله: { لما خلقت بيدي } [ص/75]، فعبارة عن توليه لخلقه باختراعه الذي ليس إلا له عز وجل.(4/79)
وخص لفظ اليد ليتصور لنا المعنى؛ إذ هو أجل الجوارح التي يتولى بها الفعل فيما بيننا ليتصور لنا اختصاص المعنى لا لنتصور منه تشبيها، وقيل معناه: بنعمتي التي رشحتها لهم، والباء فيه ليس كالباء في قولهم: قطعته بالسكين، بل هو كقولهم: خرج بسيفه. أي: معه سيفه، معناه: خلقته ومعه نعمتاي الدنيوية والأخروية اللتان إذا رعاهما بلغ بهما السعادة الكبرى. وقوله: { يد الله فوق أيديهم } [الفتح/10]، أي: نصرته ونعمته وقوته، ويقال: رجل يدي، وامرأة يدية. أي: صناع، وأما قوله تعالى: { ولما سقط في أيديهم } [الأعراف/149]، أي: ندموا، يقال: سقط في يده وأسقط: عبارة عن المتحسر، أي عمن يقلب كفيه كما قال عز وجل: { فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها } [الكهف/42]، وقوله: { فردوا أيديهم في أفواههم } [إبراهيم/9]، أي: كفوا عما أمروا بقبوله من الحق، يقال: رد يده في فمه. أي: أمسك ولم يجب (مجاز القرآن 1/336)، وقيل: ردوا أيدي الأنبياء في أفواههم. أي: قالوا ضعوا أناملكم على أفواهكم واسكتوا، وقيل: ردوا نعم الله بأفواههم بتكذيبهم.
يسر(4/80)
- اليسر: ضد العسر. قال تعالى: { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } [البقرة/185]، { سيجعل الله بعد عسر يسرا } [الطلاق/7]، { وسنقول له من أمرنا يسرا } [الكهف/88]، { فالجاريات يسرا } [الذاريات/3] وتيسير كذا واستيسر أي: تسهل، قال: { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } [البقرة/ 196]، { فاقرءوا ما تيسر منه } [المزمل/20] أي: تسهل وتهيأ، ومنه: أيسرت المرأة، وتيسرت في كذا. أي: سهلته وهيأته، قال تعالى: { ولقد يسرنا القرآن للذكر } [القمر/17]، { فإنما يسرناه بلسانك } [مريم/97] واليسرى: السهل، وقوله: { فسنيسره للعسرى } [الليل/7]، { فسنيسره للعسرى } [الليل/10] فهذا - وإن كان قد أعاره لفظ التيسير - فهو على حسب ما قال عز وجل: { فبشرهم بعذاب أليم } [آل عمران/21]. واليسير والميسور: السهل، قال تعالى: { فقل لهم قولا ميسورا } [الإسراء/28] واليسير يقال في الشيء القليل، فعلى الأول يحمل قوله: { يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا } [الأحزاب/30]، وقوله: { إن ذلك على الله يسير } [الحج/70]. وعلى الثاني يحمل قوله: { وما تلبثوا بها إلا يسيرا } [الأحزاب/14] والميسرة واليسار عبارة عن الغنى. قال تعالى: { فنظرة إلى ميسرة } [البقرة/280] واليسار أخت اليمين، وقيل: اليسار بالكسر، واليسرات: القوائم الخفاف، ومن اليسر الميسر.
اليأس:(4/81)
انتفاء الطمع، يقال: يئس واستيأس مثل: عجب واستعجب، وسخر واستسخر. قال تعالى: { فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا } [يوسف/80]، { حتى إذا استيأس الرسل } [يوسف/110]، { قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار } [الممتحنة/13]، { إنه ليؤوس كفور } [هود/9] وقوله: { أفلم ييأس الذين آمنوا } [الرعد/31] قيل: معناه: أفلم يعلموا (مجاز القرآن 1/332)، ولم يرد أن اليأس موضوع في كلامهم للعلم، وإنما قصد أن يأس الذين آمنوا من ذلك يقتضي أن يحصل بعد العلم بانتفاء ذلك؛ فإذا ثبوت يأسهم يقتضي ثبوت حصول علمهم.
يقن
- اليقين من صفة العلم فوق المعرفة والدراية وأخواتها، يقال: علم يقين، ولا يقال: معرفة يقين، وهو سكون الفهم مع ثبات الحكم، وقال: { علم اليقين } [التكاثر/5] (الآية: { لو تعلمون علم اليقين } )، و { عين اليقين } [التكاثر/7] (الآية: { ثم لترونها عين اليقين } ) و { حق اليقين } [الواقعة/95] (الآية: { إن هذا لهو حق اليقين } . فعلم اليقين كعلمنا بدخول الجنة، فإذا رأيناها فهو عين اليقين، فإذا دخلناها فهو حق اليقين) وبينها فروق مذكورة في غير هذا الكتاب، يقال: استيقن وأيقن، قال تعالى: { إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين } [الجاثية/32]، { وفي الأرض آيات للموقنين } [الذاريات/20]، { لقوم يؤقنون } [البقرة/118] وقوله عز وجل: { وما قتلوه يقينا } [النساء/157] أي: ما قتلوه قتلا تيقنوه، بل إنما حكموا تخمينا ووهما.
اليم
- اليم: البحر. قال تعالى: { فألقيه في اليم } [القصص/7] ويممت كذا، وتيممته: قصدته، قال تعالى: { فتيمموا صعيدا طيبا } [النساء/43] وتيممته برمحي: قصدته دون غيره. واليمام: طير أصغر من الورشان، ويمامة: اسم امرأة، وبها سميت مدينة اليمامة.
يمن(4/82)
- اليمين: أصله الجارحة، واستعماله في وصف الله تعالى في قوله: { والسموات مطويات بيمينه } [الزمر/67] على حد استعمال اليد فيه، وتخصيص اليمين في هذا المكان، والأرض بالقبضة حيث قال جل ذكره: { والأرض جميعا قبضته يوم القيامة } [الزمر/67] (الآية: { والأرض جميعا قبضته يوم القيامة، والسموات مطويات بيمينه } ) يختص بما بعد هذا الكتاب. وقوله: { إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين } [الصافات/28] أي: عن الناحية التي كان منها الحق، فتصرفوننا عنها، وقوله: { لأخذنا منه باليمين } [الحاقة/45] أي: منعناه ودفعناه. فعبر عن ذلك الأخذ باليمين كقولك: خذ بيمين فلان عن تعاطي الهجاء، وقيل: معناه بأشرف جوارحه وأشرف أحواله، وقوله جل ذكره: { وأصحاب اليمين } [الواقعة/27] أي: أصحاب السعادات والميامن، وذلك على حسب تعارف الناس في العبارة عن الميامن باليمين، وعن المشائم بالشمال. واستعير اليمين للتيمن والسعادة، وعلى ذلك { وأما إن كان من أصحاب اليمين * فسلام لك من أصحاب اليمين } [الواقعة/90 - 91]، وعلى هذا حمل:
- 477 - إذا ما راية رفعت لمجد * تلقاها عرابة باليمين
(البيت للشماخ من قصيدة يمدح بها عرابة الأوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومطلعها:
كلا يومي طوالة وصل أورى * ظنون آن مطرح الظنون
وهو في ديوانه ص 336؛ والأغاني 8/97؛ ومحاضرات الأدباء 1/142)(4/83)
واليمين في الحلف مستعار من اليد اعتبارا بما يفعله المعاهد والمحالف وغيره. قال تعالى: { أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة } [القلم/39]، { وأقسموا بالله جهد أيمانهم } [النور/53]، { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } [البقرة/225]، { وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم } [التوبة/12]، { إنهم لا أيمان لهم } [التوبة/12] وقولهم: يمين الله؛ فإضافته إليه عز وجل هو إذا كان الحلف به. ومولى اليمين: هو من بينك وبينه معاهدة، وقولهم: ملك يميني أنفذ وأبلغ من قولهم: في يدي، ولهذا قال تعالى: { مما ملكت أيمانك } [النور/33] وقوله صلى الله عليه وسلم: (الحجر الأسود يمين الله) (عن جرير عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الحجر يمين الله في الأرض يصافح بها عباده) أخرجه الخطيب وابن عساكر. قال ابن الجوزي: في سنده إسحاق بن بشير؛ كذبه ابن شيبة وغيره. وقال العراقي: أخرجه الحاكم وصححه من حديث عبد الله بن عمرو، بلفظ: الحجر يمين الله في الأرض. انظر: الفتح الكبير 2/79؛ وشفاء الغرام 1/172؛ وتخريج أحاديث الإحياء 1/253؛ والمستدرك 1/457) أي: به يتوصل إلى السعادة المقربة إليه. ومن اليمين: تنوول اليمن، يقال: هو ميمون النقيبة. أي: مبارك، والميمنة: ناحية اليمين.
ينع
- ينعت الثمرة تينع ينعا وينعا، وأينعت إيناعا، وهي يانعة ومونعة. قال: { انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه } [الأنعام/99] وقرأ ابن أبي إسحق (هو يعقوب بن إسحق بن زيد بن عبد الله بن أبي إسحق الحضرمي، أحد القراء العشر، كان أعلم زمانه بالقراءات والعربية، وكلام العرب والفقه. توفي سنة 205 هجري. انظر: بغية الوعاة 2/348) (وينعه) (وهي قراءة شاذة، قرأ بها يعقوب من غير طريق الطيبة، وقرأ بها ابن محيصن)، وهو جمع يانع، وهو المدرك البالغ.
يوم(4/84)
- اليوم يعبر به عن وقت طلوع الشمس إلى غروبها. وقد يعبر به عن مدة من الزمان أي مدة كانت، قال تعالى: { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان } [آل عمران/155]، { وألقوا إلى الله يومئذ السلم } [النحل/87]، وقال: { أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم } [البقرة/254]، وغير ذلك، وقوله عز وجل: { وذكرهم بأيام الله } [إبراهيم/5] فإضافة الأيام إلى الله تعالى تشريف لأمرها لما أفاض الله عليهم من نعمه فيها. وقوله عز وجل: { قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين } الآية [فصلت/9]، فالكلام في تحقيقه يختص بغير هذا الكتاب. ويركب يوم مع (إذ) فيقال: يومئذ نحو قوله عز وجل: { فذلك يومئذ يوم عسير } [المدثر/9] وربما يعرب ويبنى، وإذا بني فللإضافة إلى إذ.
يس
- يس قيل معناه يا إنسان (وهو مروي عن ابن عباس والحسن وعكرمة والضحاك أنه يا إنسان بالحبشية. الدر المنثور 7/41)، والصحيح أن يس هو من حروف التهجي كسائر أوائل السور؛ ياء: يا حرف النداء (قال ابن منظور: (يا) حرف نداء، وهي عاملة في الاسم الصحيح؛ وإن كانت حرفا)، ويستعمل في البعيد وإذا استعمل في الله نحو: (يا رب) فتنبيه للداعي أنه بعيد من عون الله وتوفيقه.
تم تحميل هذا الملف من موقع
المكتبة الإلكترونية المجانية
http://www.fiseb.com
شكرا لتواصلكم معنا
دعمك لموقعنا دعم للدعوة الاسلامية(4/85)