العثماني المكناسي نزيل فاس رحمه الله تعالى:
الحمد للإله والصلاة ... على الذي به اقتدى الهداة
محمد سيد خلق الله ... وآله ذوي العلا والجاه
دونك عشر طرق لنافع ... تنشرطي "الدرر اللوامع"
طريق الأزرق وعبد الصمد ... عن ورشهم والأسدي(1) بسند
والمروزي وأحمد الحلواني ... والقاضي عن قالون ذي الإتقان ونجل سعدان إمام فنه ونجل عبدوس عن ابن جعفر ومن سوى ورشهم حرمي سميتها لما جرت بفكري في نشر طرق المدني العشر
ثم عن إسحاق طريقة ابنه ... أو عم أو عزا له كاتفقا
وسند ابن فرح(2) المفسر ... إن خصه، ولم أخالف ما اعتمد
بينهما وبينه الدوري ... ولم تجد مني له انعطافا
جئت بها تزري بروض الزهر ... سكت أو ذكرته أو من بقي
تفصيل عقد درر ابن بري ... للدر فاعملن بمفهوم اللقب
فالكل إن سكت فيما أطلقا ... به اعتصامي وعليه عمدتي
وواحد من كل طرقه انفرد
وإن عزا لواحد خلافا
فخصه بالمروزي والأزرق
فإن فهمت وجه تفصيل الذهب
والله أرجو في بلوغ منيتي
القول في تعوذ وبسملة ... على الذي يصح عند النقلة
والسر في "التيسير" للمسيبي ... بذا، وزيد ذي، وكله أبي
ومن سوى الأزرق بين السور ... مبسمل، وما بقي في "الدرر"
باب يه يضيء لون الحلك ... في الميم والها سابقي محرك
خير حرمي بميم فاسترى(3) ... الحافظ الضم، وبالضد قرا
لنجل عبدوس ونجل سعدان ... والمروزي والقاضي من طرق حسان
ولأبي عون لغير المثل ... وهمز قطع ومحل فصل
للمدني الأخير لا ما فصلا ... من الفواصل بحرفي "في" و"لا"
واقصر لقالون وإسحاق معا ... "يوده" والأخوات جمعا
والوصل عنهما بـ"ياته" فضلا ... ثم لإسحاق "وأشركه" صلا
و"من تولاه" عليه حيثما ... لنجل سعدان أمام العلما
و"يرضه" له ولابن جعفر ... ومن أحيل فرضي لم يخفر
القول في الممدود والمهموز ... على سبيل ليس بالمرموز
__________
(1) يعني محمد بن عبد الرحيم الإصبهاني أحد رواة رواية ورش.
(2) كتبناه بالجيم مسايرة له، وقد نبهنا على أن صوابه "ابن فرح" بالحاء، كما نبه عليه الخطيب وابن الجزري وغيرهما.
(3) يعني اختار.(1/77)
ويشبع المفصول عبد الصمد ... ويوسف والمروزي في الأجود
ليوسف، وفيهما اختر وسطا
واقصر كآمن و"شيء" أفرطا
وخصص البدل في المفتوحتين ... في كلمة بيتوسف (1) من دون مين
وقبل غير ضمة قد أدخلا ... حرميهم في ذي اثنتين فيصلا
وقبلها إسحاق والمفسر ... وقد وفت بالمروزي "الدرر"
أئمة للأولين والخبر ... للعتقي في ذي ثلاث اشتهر
واحذف لحرمي من المفتوحتين ... أولاهما، وسهلن بغيرتين
أن بانتا وفقا، وورش سهلا ... أخراهما، ويوسف قد أبدلا
واخصص به حرفي خفيف الكسر ... وقيل حلوانيهم كالمصري
و"السوء إلا" و"النبيء" أدغما ... حرميهم على خلاف علما
في أول لنجل مينا ذي السنا ... وقيل فيها أحمد(2) كورشنا
وأبدل الإيوا رجال الأسدي ... وأدغموا "تئوي"، وعبد الصمد
في غير "تئوي" عنده وجهان ... ووافق الحرمي الإصبهاني
لدى "لئلا" وادي "مؤذن" ... وأبدلن له جميع المسكن
والأمر لا المجزوم عنه خفقا ... وكل "لؤلؤ" و"جئت" مطلقا
"رءيا" وتنبأتكما في يوسف ... ثم "قرأت" كامل التصرف
وسهلن له بعيد الفاء ... "ايت" وماضي الأمن باستيفاء
و"أن" بعد الكاف مع "رأينا" ... في خبر وكيفما أمليت
وأيا أو كلا لدى "لأملأن" ... عنه لفارس الرضا فسهلن
وفي سوى تعريفنا "اطمأنا" ... ثم "كأن" لا بقيد "تغن"
كذا "اطمأنوا" وفأصفيكم" واذ ... تأذن الأولى ومن هفا نبذ
فقد أحال فيه "ويكأنا" ... معلا لدى الفرش على "كأنا"
وفيه عنه "فبأي" أبدلا ... "شانئك" الفؤاد "كيفما انجلى
"ناشئة" و "ملئت" "بأنا" ... و"خاسئنا" زذ و"نبوئنا"
وياء "رءيا" أدغم الحرمي ... ويوسف والعتقي "النسي"
ومال أحمد مع المسيبي ... إلى وفاق ورشهم في المذهب
ذاك لدى "الموتفكات" مسجلا ... وذا لدى "بير" و"ملء" فانقاض
لأسدي في الوقف أو المر ... والآن لابن فرج كالمصري
وخلف الأنصاري بذي استفهام ... والواسط لم ينح للإمام
قالون في الواو بالأولى النجم ... ويوسف "كتابيه" كالحرمي
رواه عنه نجل سيف وتلا ... دان به، وابن هلال نقلا
__________
(1) يعني الأزرق صاحب ورش.
(2) يريد أحمد الحلواني الراوي الثاني عن قالون بعد المروزي.(1/78)
القول في الإظهار والإدغام ... والفتح والممال للإمام
وورشهم والقاضي والحلواني ... قد أدغموا في الضاد بالبيان
وورشهم وأحمد في الظاء ... والاصبهاني وأبو الزعراء
في ذالها، ونجل إسحاق اعتمد ... اظهار "قد تبين الرشد" فقد
والتاء في الظا أدغمن للازرق ... وأحمد بخلفه والعتقي
ولابن إسحاق "أجيبت" أظهرا ... وخلف أحمد بن قالون عرا
وليس الإظهار له بالأظهر ... وأدغمن "عذت" لنجل جعفر
و"اركب" لقاضيهم وعبد الصمد ... ولأبي الزعراء والخلف زد
للمروزي، وتاء "يلهث" أدغم ... سليل عبدوس وللجل الأصم
وما بإظهار "يعذب" من حرج ... ليوسف والأسدي وابن فرج(1)
وبل "وقل" للرا كحكم الفارط ... لابن المسيبي ثم الواسطي
ونون "كون" أدغمن للعتقي ... ونون "ياسين" له والأزرق
وأحمد، ودال صاد مريم ... لنجل سعدان الإمام العلم
ونجل إسحاق والإصبهاني ... للأم عنة يبقيان
وزاد هذا الراء حيث تلفى ... وذاك للغين وللخا أخفى
وقللن للعتقي ويوسف ... حاميم ثم الكافرين كي تفي
ولهما قلل وعبد الرحمن ... والواسطي والقاضي وابن سعدان
باب "نرى" و"را" "الفواتح" "الفتى" ... "رءا" "سجى" "التورية" والجار "متى"
إلا رؤوس الآي ذات الهاء ... لا حرف "ذكريها" لأجل الراء
والمحض في "هار" لعيسي الزرقي ... وقلل "التلخيص" للقاضي التقي
ومن سوى عيسى على الأصول ... هذا الذي اخترت من النقول
وباب جاء قللن و"بل ران" ... لنجل عبدوس ونجل سعدان
كذاك ها "طه" له والعتقي ... والمحض للأزرق دون من بقي
ثم بـ"هايا" الفتح والتقليل ... لكلهم، وليغرم الكفيل
القول في الراءات واللامات ... مرققات ومفخمات
وباب منذر وخير رقق ... كشرر ليوسف والعتبقي
والعتقي كيوسف في اللام ... من بعد صادها بلا إعجام
ومثل ذا لابن هلال نقلا ... وطاهر أهمل طاء مهملا
وهاك ياءات إضافيات ... مع زوائد عن الرواة
وليومنوا بي تومنوا لي فتحا ... ورش وأوزعني معا قد وضحا
ليوسف والعتقي في الأشهر ... والواسطي وأحمد المفسر
ولي فيها من معي في الظلة ... للأولين، وافتحن "إخوتي"
__________
(1) تقدم أن الصواب "ابن فرح بالفاء والراء والحاء.(1/79)
للجعفري والعتقي والأزرق ... وافتح لذين ولعيسى الزرقي
أني أوفي والسكون جاء ... في "لي دين" لأبي الزعراء
والقاضي والمسيبي في إلى ... ربي بفصلت سكونا قولا
كالكل في "محيلي" لكن يوسف ... له بفتحه وجيه يضعف
وكل ما لنافع في "الدرر" ... من زائده فكلهم به حر
وما لورش قله لا لثان ... لكنه شورك في ثمان
وإلاه في "التنادي" و"التلاق" ... أحمد ذو التفسير باتفاق
وباختلاف أحمد والمروزي ... لكن ذا لغير تعريف عزي
في "البادي" تسألني ما والداعي ... معا دعائي الجعفري الواعي
والواسطي والاه في دعاني ... مع ذا، وخص ذا بقد هداني
خافون تخزون بنص هود ... واخشونن قبل النهي في العقود
أشركتمون اتبعون زخرف ... ثم اتقون يا أولي فلتعرف
كيدون في أعرافها ولتزد ... توتون موثقا له والأسدي
وذا وحرميهم "إن ترني" ... و"اتبعون أهدكم" في المومن
وخصها بحال وصل الكل ... غير ابن سعدان بأولي النمل
وغير إسماعيل في "تتبعن" ... والفتح في هذا له في الوصل عن
والخلف للحرمي في "ءاتاني" ... وقفا، وصل بالفتح للإسكان
وها أنا بعون رب العرش ... أتبع ما أصلته بالفرش
قالون في قانون وهي وهوا(1) ... كمن حوى التفسير ثم النحوا أقرأ دانيال بعكس النظر
لكن أبو الفتح(2) عن المفسر
مع ثم بالضم ومع يملا ... بمثل خف الواسطي المعلى
هزوءا لإسماعيل تسكينا حبي ... كفوءا له والقاضي والمسيبي
وذا كعيسى في البيوت يلفى ... وغير ورش كنعما أخفى
وفي هأنتم مد للحرمي ... وحققن للأسدي الزكي
وبين بين غيره قد سهلا ... وقيل أن يوسفا قد أبدلا
ثم احتمال الها بمده ظهر ... وقد رأيت "أرأيت" في "الدرر"
ونون "شنئان" معا للجعفري ... وللمسيبي بتسكين قري
والإصبهاني وابن ذا الإمام ... ضم "به أنظر كيف" في الأنعام
وأنا إلا مده للواسطي ... والمروزي وصلا وخذ بالفارط
وحيي افكك وادغم للقاضي ... وقك للباقين بالتراضي
وسكن الضم براء "قربة" ... عيسى وإسحاق بنص التوبة
__________
(1) هذا لفظه عند الرحماني، ولفظه في نسخ أخرى "قرأ قالون بوهي وهوا" كمن حوى.
(2) يعني فارس بن أحمد الضرير شيخ الداني.(1/80)
والفتح في "يومئذ" للجعفري ... في هوذ والنمل وسال فاكسر
وشذ من لنجل سعدان قرا ... بالقصر في استفهام ما تكررا
ومد ما للمسيبي في الكهف ... "لكنا" والوقف بغير خلف
ثم سكون نكرا إن نصبا ... لابن أبي كثيرهم قد نسبا
ولأهب بالياء للحلواني ... ولأبي سعيدهم عثمان
وها لأهله امكثوا بالضم ... معا لإسحاق الغزير العلم ومعه فوق الروم(1) الأنصاري جرى
ورش ليقطع وليقضوا كسرا
ولابن سعدان "تمدوني" حذف ... نون به في عينها قد اختلف
والوصل بالتسهيل أو بالياء ... ليوسف والعتقي في اللائي
والأول المشهور الوقف بيا ... بلا خلاف عنهم قد رويا والأسدي بنقله قد أفصحا
وواو "أو ءاباوئا" قد فتحا ... والخلف في "عربا" له قد عرقا
وذا وإسماعيل بالوصل "اصطفى" ... للإصبهاني الرضا الميمون
واليا بـ"نسلكه" مكان النون ... من القرون ذا حباء واسع
تم لتسع بقيت في التاسع ... محمد بن أحمد بن غازي
ويرغب الرحمن في الجواز ... عليه مني أفضل السلام
مستشفعا بسيد الأنام
ذلك نص هذه الأرجوزة كما وقفت عليه في الخزانة الوقفية العتيقة بمدينة آسفي بخط الرحماني المذكور، وهي نسخة تعتبر ذات قيمة تاريخية لا تخفى على اللبيب، لعتاقتها وقربها من زمن الناظم من جهة، وكونها بخط إمام معتبر من أئمة هذه المدرسة، وقد خط عقبها هذه العبارات التي تحقق ما ذكرنا فقال:
"تم الكتاب بحمد الله وحسن عونه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه، وكان الفراغ منه في شهر المحرم فاتح عام تسعة وأربعين وألف، بقلم عبيد الله تعالى محمد بن محمد الرحماني كان الله له في الدارين".
وذكر الشيخ مسعود جموع في "كفاية التحصيل" "أحد شروحها التالية أنه" في بعض النسخ جاء عنوان الأرجوزة نظما هكذا قبل "الحمد لله...":
تفصيل عقد درر ابن بري ... في نشر طرق المدني العشر
من نظم راجي العفو والمفاز ... محمد بن أحمد بن غازي
قال: وجل النسخ على إسقاطه.
__________
(1) يعني قوله تعالى في آخر سورة العنكبوت "وليتمتعوا فسوف يعلمون".(1/81)
ووجدت مكتوبا على نسخة عتيقة أيضا بمدرسة "أزرو" بنواحي أكادير في أول الأرجوزة ما يلي:
"قال بعض الفضلاء: وجد على ظهر الورقة الأولى من نسخة الشيخ - رحمه الله - بخط يده البيان وهما: وذكرهما"(1).
وأبيات الأرجوزة في جميع ما وقفت عليه من نسخها 139 بيتا، فإذا ضم إليها البيتان السابقان كان العدد 141.
وأما نسخها الخطية فكثيرة في الخزائن وفي أيدي طلبة القراءات إلى اليوم، وخاصة طلاب "العشر الصغير" فهي عندهم من الضروريات لضبط مسائل الخلاف بين أصحاب نافع والطرق العشرة عنهم(2). وذلك - كما رأينا - هو موضوعها، وقد حاذى بها ناظمها أرجوزة ابن بري "الدرر اللوامع في أصل مقرأ الإمام نافع" واعتبرها تفصيلا لدررها ونشرا لطيها كما قدمنا من قوله في أولها.
أهمية الأرجوزة في موضوعها:
وقد مثلنا بها في ترجمة ابن بري عند ذكر أرجوزته للأعمال العلمية التي قامت عليها وانبثقت عنها وهذا كان غرضه منها لتكتمل بمعرفة ما أورده فيها من الخلافيات ثقافة الطالب في هذه القراءة من مجموع رواياتها الأربع وطرقها العشرة.
__________
(1) نسخة الشيخ محمد الرسموكي أستاذ القراءات بالمدرسة القرآنية بأزرو بضواحي مدينة أكادير حفظه الله.
(2) نسخ الأرجوزة كثيرة، وقد حصلت منها على عدد مهم من الخزائن الخاصة، وتوجد منها في الخزانة الحسنية بالرباط نسخ بالأرقام التالية 1052-1052-887-5580 وفي الخزانة الناصرية بتمكروت تحت الأرقام 1689-2623-2916 وبخزانة ابن يوسف بمراكش بربم 213 وبمكتبة بلدية الإسكندرية بمصر برقم 3479ج – وهناك نسخ أخرى بالخزانة العامة بالرباط وتطوان وغيرها.(1/82)
كما مثلنا بها أيضا لامتدادات مدرسة العشر النافعية التي وضع أسسها الإمام أبو الحسن ابن سليمان القرطبي (730) في نظمه لكتاب "التعريف" الذي سقناه بنصه في الفصل الذي خصصناه له وسلك سبيله فيه الإمام أبو عبد الله الصفار في قصيدته اللامية "تحفة الأليف في نظم ما في التعريف" - كما سقناها بتمامها أيضا - ثم سار على نهجه كما تقدم - الشيخ العامري وابن أبي جمعة الوهراني في قصيدتيهما اللاميتين - كما عرضنا نص الأولى ونماذج طيبة من الثانية - ثم جاء ابن غازي في آخر هذا الرعيل بهذه الأرجوزة القيمة التي امتاز فيها عنهم بسلاسة النظم ودقة الوصف ووضح القصد.
هذا بالإضافة إلى جمعه بين أكبر مدرستين مغربيتين في الأداء: مدرسة أبي الحسن بن سليمان التي اعتمدها في المعلومات التي ضمنها "تفصيل عقد الدرر"، ومدرسة أبي الحسن بن بري التي جعلها منطلقا واعتمد خلافياتها التي ذكرها صاحب "الدرر" فكان يحيل عليها تصريحا أو تلميحا.
وهكذا أحيا الله به في أواخر المائة التاسعة ما كاد يندثر من هذا العلم، ونفخ بما بذله من جهد في هذا الصدد وبنظمه لهذه الأرجوزة في عصره روحا جديدة أعاد بها مباحث هذا الفن جذعة.
ولتمام الفائدة نريد هنا أن نقف على جانب من النشاط العلمي الذي قام على يده في هذا المضمار، أو انبثق عن أرجوزته على يد طبقة خاصة من صفوة رجال هذه المدرسة الذين انتدبوا إلى شرح أرجوزته وبيان مقاصده فيها وتوسيع مباحثها والسير على هذا المنهاج الذي رسمه من خلالها لأهل هذا الاختصاص والذي سيظل من زمنه إلى الآن آخر ما يطمح إلى بلوغ آفاقه الحذاق من صفوة القراء.
إشعاع أرجوزة "تفصيل العقد" وما قام عليها من نشاط علمي.
استأثرت الأرجوزة منذ ظهورها سنة 891 بعناية أهل هذا الشأن، وأصبحت عمدة لطلاب هذا الفن "العشر الصغير"، وقد استغنوا بها عن القصائد المطولة التي كانوا يعتمدونها لمن ذكرنا ولغيرهم.(1/83)
وقد انتدب لها الأئمة يشرحونها ويعلقون عليها ويقرظونها تنبيها منهم على مقدارها وجدارتها، وينظمون في تفصيل بعض ما أجمله منها، مما يعتبر داخلا بجملته في إشعاعها العلمي، وحافزا لقرائح أئمة هذا الاختصاص للاحتذاء والمحاذاة، أو للمعارضة والمحاكاة، أو الاستدراك ببعض ما فات الناظم أو ذكره على سبيل الإجمال.
فمما قيل في تقريظها ما قاله أحد شراحها الآتين: الحسن بن محمد الدرعي المعروف بـ"الدراوي":
أيا من تصدى للقراءات قاصدا ... لتحصيل عشر من طريق أبي عمرو(1)
على ما رواه العدل ورش لنافع ... وقالون بعده وإسحاق ذو السر
ومن بعد إسماعيلهم نجل جعفر ... على ما رواه العشر عنهم بلا عسر
عليك بتفصيل ابن غازي فإنه ... كفيل بها حقا حقيقا بال نكر
فبين مبهما، وأوضح مشكلا ... وفسر مغلقا، وأبعد عن جور
وضمنه ذكر القراءات كلها ... سوى أحرف فيها أحال على "البري"(2)
وزاد على "التعريف" نشر فوائد ... جواه الإله فيه خيرا على خير(3)
أما شراح الأرجوزة فمنهم:
1- الشيخ ابن غازي ناظمها نفسه، فهو أول من قام عمليا بشرحها وبيان مقاصده فيها، وقيامه على ذلك في قريب من ثلاثة عقود من الزمن منذ نظمه لها سنة 891 إلى وفاته سنة 919هـ.
بل نجده فوق ذلك قام بخطوة أخرى في هذا الصدد تعتبر من مظاهر نبله وفقهه لفن "الإشهار" في زمن لم يكن له خبرة فيه ولا فيه وسائله، وذلك ما حكاه عنه أبو زيد القصري المعروف بالخباز - كما سيأتي في شراحه - قال:
"وكان ناظمه - رحمه الله - لما أن أكمله دعا طلبة عصره إلى "مدرسة الصفارين"، وصار يفسره لهم حتى كمل في يوم واحد"(4).
__________
(1) يعني الداني.
(2) يعني أبا الحسن بن بري التازي صاحب "الدرر اللوامع".
(3) وقفت على الأبيات المذكورة في آسفي عقب الأرجوزة بخط الرحماني أيضا، إلا أنه لم يذكر نسبتها، ثم وقفت عليها منسوبة إلى الحسن الدرعي المذكور وسيأتي في شراح الأرجوزة.
(4) شرح تفصيل عقد الدرر المسمى "بذل العلم والود".(1/84)
فهذا الأسلوب الذي سلكه - رحمه الله - في التعريف برجزه هذا يبدو أشبه ما يكون من حيث شكله بـ"الإشهار" الرسمي أو "الإعلان" عن تمام هذا الإنجاز العلمي، وهو من حيث مضمونه وثمرته أشبه ما يكون بفن المحاضرات العصرية التي يدعى إليها الجمهور العام، إلا أنها في إقامتها في "مدرسة الصفارين" بفاس تعني جمهورا خاصا من أهل الخبرة في ذلك الفن، وهو ما عبر عنه الخباز بـ"طلبة عصره".
وأهم ما في ذلك هو إشعار أهل الاختصاص أولا بهذا الإنجاز، وعرضه عليهم حتى إذا كان فيه ما يستلزم المراجعة نبهوه عليه، أو ما فيه غموض بينه لهم "وصار يفسره لهم حتى كمل في يوم واحد".
ثم إن فيه من الجوانب العلمية ما فيه من حفز الهمم إلى المنافسة في العلم ويذله لأهله، وفيه إتاحة الفرصة لمن أحب أن يقيد عنه ما أراد من المعاني حتى لا تحمل أبياته على غير محاملها الصحيحة.
ويؤكد لمن أحب أن يقيد عنه ما أراد من المعاني حتى لا تحمل أبياته على غير محاملها الصحيحة.
ويؤكد ذلك ما سيأتي من تعديله لبعض أبيات أرحوزت تبعا لبعض ملاحظات أصحابه وانتقاداتهم(1).
ولعل صاحبه محمد شقرون بن أبي جمعة الوهراني الذي نظم لاميته الآنفة الذكر المسماة بالتقريب أو "تقريب المنافع"، إنما أراد بها توسيع ما تناوله شيخه من مسائل الخلاف في أرجوزته، وذلك لأنه إنما نظمها سنة 899هـ أي بعد أرجوزة التفصيل بنحو ثمان سنوات.(2).
2- أبو زيد عبد الرحمن بن محمد القصري ثم الفاسي المعروف بالخباز (ت 964هـ)(3).
__________
(1) سيأتي ذكر بعض ذلك عن قريب.
(2) تقدم لنا قوله في ختامها: "وفي صفر تمامه عام تسعة وتسعين من بعد الثمان محمدلا"
(3) هذا الصحيح في تاريخ وفاته لا 1016 كما في فهارس الخزانة الحسنية 6/42 لمحمد العربي الخطابي.(1/85)
... لعل أبا زيد الخباز هو أول من شرح هذا الرجز بعد الشرح العملي أو الشفوي الذي أخذ عن ناظمه كما قدمنا، وشرحه هو المعروف باسم "بذل العلم والود، في شرح تفصيل العقد".
... أما مؤلفه فهو من أئمة المدرسة النافعية في المائة العاشرة، وصفه في "مرآة المحاسن" بالنحوي الماهر الأستاذ"، وهو من شيوخه جود عليه القرءان العزيز، وقرأ عليه رسالة ابن أبي زيد وغيرها.
... أخذ القراءات عن الإمام أبي الحسن علي بن عيسى الراشدي - الآتي في أصحاب ابن غازي - ودرس عليه العشر الصغير لنافع من "التفصيل" لابن غازي وألف في ذلك وفي غيره(1).
... ومن تآليفه في ذلك شرحه على التفصيل، وهو شرح قيم لعله أحش بالحاجة إلى مثله من تعاطيه لهذا الفن، وشرحه هذا يعتبر من أهم مصادر المتأخرين في فهم هذه الأرجوزة، ولذلك شاعت نسخه عندهم كما أن منها عددا مهما في الخزائن الرسمية(2) وغيرها، وقد وفقت على عدد منها.
... وقد بدأه بقوله: "الحمد لله الغفور، الفرد الموجود الشكور، منور قلوب العارفين بالهداية والتقوى والنور، العالم بجميع الكائنات وجميع الأمور...
"وبعد فإني لما قرأت كتاب الشيخ العالم العلامة قدوة عصره، ومفرد دهره، الإمام الحافظ المتقن شيخ شيوخنا أبي عبد الله محمد بن غازي الذي وضعه على طرق نافع العشر وسماه بتفصيل عقد الدرر، وصورته على شيخنا الإمام الحافظ المتقن الضابط المحقق العلامة الراوية أبي الحسن علي بن عيسى الراشدي - برد الله ضريحه ونفعنا به وبأمثاله - وهو ممن رواه عن ناظمه مشافهة.
__________
(1) مرآة المحاسن للشيخ أبي المحسن يوسف الفاسي: 9 (طبعة فاس).
(2) من نسخه بالخزانة الحسنية بالرباط نسخ تحت الأرقام 887-4393-5948 وبخزانة القرويين برقم 1058 ووفقت على نسخة منه عند السيد أحمد بن الطاهر الكونطري بمدينة الصويرة وقد عرف به سعيد أعراب في كتاب القراء والقراءات بالمغرب 80.(1/86)
فقرأته عليه ثلاث مرات، وأخذت في قراءة الطرق المتقدمة عليه به، ولم أر أحدا شرحه ولا تكلم عليه وكان ناظمه – رحمه الله – لما تكلم أكمله دعا طلبة عصره إلى مدرسة الصفارين، وصار يفسره لهم حتى كمل في يوم واحد، حدثنا بذلك شيخنا أبو الحسن المتقدم.
"أردت أن أضع مختصرا عليه يحل ألفاظه وإعرابه(1) من غير أن أتعرض فيه إلى نقل غير محتاج إليه للألفاظ، وسميته بـ"بذل العلم والود، في شرح تفصيل العقد"، فنسأل الله أن ينفعنا به... ثم أخذ في الشرح، ينثر معاني الأبيات ويعرب بعض ما في إعرابه غموض، أما النقول فهي قليلة فيه، وعامتها من كتاب "التعريف" لأبي عمرو، وربما أورد أبياتا من "مختصر التعريف" لأبي الحسن بن سليمان وأرجوزة ابن بري، وأكثر نقوله إنما هي عن شيخه أبي الحسن علي الراشدي وهي نقول مفيدة يذكرها عند ذكر بعض الخلافيات ليبين ما قرأ به كقوله عند قول ابن غازي:
وأيا أو كلا لدى لأملأن ... ... عنه لفارس الرضا فسهلن
وقرأت بذلك على الشيخ الإمام العلامة أبي الحسن علي بن عيسى الراشدي ـ نفعنا الله به - وحكى لي ذلك عن شيخه أبي عمران الزواوي(2) رحمه الله.
وكقوله في باب الأمالة عند ذكر "التورية" وما فيها من خلاف:
"وكان شيخنا أبو الحسن علي بن عيسى يردف لي بالوجهين في بعض الأحيان في الختمات التي قرأت عليه بالسبع، ولما قرأت عليه بالعشر، فكان يقرأ لي بالوجهين".
وقال عند قول ابن غازي:
والمحض في "هار" لعيسى الزرقي ... وقلل التلخيص للقاضي التقي(3)
__________
(1) في نسخة الكونطري بالصويرة "لحل ألفاظه وإعرابها".
(2) هو موسى بن سعيد الزواوي – تقدم في أصحاب الصغير، وهو من مشاركي ابن غازي فيه.
(3) المراد "التلخيص في قراءة نافع" لأبي عمرو الداني، وقد تقدم ذكره في مؤلفاته.(1/87)
... "قال شيخنا الإمام أبو الحسن علي بن عيسى: "كان في نسخة الشيخ أولا" "عند الجمال بالفتح بقي"، ثم أنه ذكر له في "التلخيص" التقليل للقاضي، فقال: نبدل هذا الشطر، ثم أنه أبدله بعض طلبته بحضرته، وهو سيدي علي بن هارون – رحمه الله – فقال: وقلل التلخيص للقاضي التقي "فقال الشيخ هذا يكفي"(1).
وعلى العموم فهو شرح مفيد واف بالمقصود، يمثل الإنتاج النثري لأواخر هذا الطور من أطوار القراءة في المغرب.
3- الشيخ المقرئ الكبير أبو محمد الحسن بن محمد الدرعي المعروف ب"الدراوي" وبـ"الهداجي"
من أعلام أئمة هذا الشأن من رجال هذه المدرسة، وصفه في "البدور الضاوية" بالعالم المعقولي المشارك المتبحر، وذكر له مؤلفات في التوحيد والعربية، وذكر أنه "كانت له اليد الطولى في معرفة العقائد والمنطق والنحو والقراءات، ومع كمال التحقيق وجودة الفهم والتدقيق، أقام في "الزاوية الدلائية" يقرئ حتى عم النفع به هناك"(2).
ثم ارتحل إلى فاس في آخر أيامه حيث وافته المنية عام 1006(3).
ذكر له في السلوة منظومة في القراءات، قال: وله عليها شرح(4).
أما شرحه على التفصيل فقد استفدناه مما ذكره ابن القاضي ومسعود جموع في باب الهمزتين من شرحيهما على درر ابن بري، واللفظ لابن القاضي، قال عند ذكر تسهيل ورش الثانية من المفتوحتين بين بين:
__________
(1) هذا مثال لما ذكرناه من عرضه لأرجوزته على أهل الاختصاص لعل فيها ما يكون في حاجة إلى المراجعة.
(2) البدور الضاوية لسليمان الحوات لوحة 25 (مخطوط).
(3) ترجمته في نشر المثاني 1-63 والنقاط الدرر 29 والبدور الضاوية (مخطوط) وسلوة الأنفاس 3/84-85.
(4) سلوة الأنفاس 3/84-85.(1/88)
"وقال الإمام الخباز في "شرح التفصيل": "وكذلك أبو يعقوب له التسهيل أيضا خلاف ما عند شراح "الدرر" الذين يقولون إن التسهيل من طريق البغداديين، والبدل من طريق المصريين، ظاهر هذا الكلام أن أبا يعقوب ليس له تسهيل، وكأن الشيخ إنما أتى بهذا البيت(1) في معرض الاستثناء لهم والرد عليهم، وإلا لاستغنى عنه بقوله: "وإن عزا لواحد خلافا... البيت، ليس المراد هنا خصه بالبدل وليس له غيره، بل المراد أنه ليس لأحد غير البدل، وأما التسهيل فيؤخذ من عموم قول ابن بري في قوله: "فنافع سهل...إلخ(2) قال ابن القاضي:
وقال سيدي الحسن الدرعي في شرحه:
وروى عن أبي يعقوب البدل كما روي عنه التسهيل، قال أبو العباس أحمد الزواوي: "وافق أبو يعقوب صاحبيه، وزاد البدل"(3).
وقد تقدم لنا ذكر تقريظ المؤلف لتفصيل ابن غازي في قطعته الرائية:
أيا من تصدى للقراءة قاصدا ... لتحصيل مذهب الإمام أبي عمرو...إلخ
فلعل هذه الأبيات مما صدر به لشرحه المذكور على "التفصيل" تنبيها على فضله وتنويها بصاحبه.
4- الشيخ الأستاذ الحافظ أبو محمد عبد الهادي بن عبد الله بن علي بن طاهر الشريف الحسني السجلماسي
__________
(1) يعني قوله: ... وخصص البدل في المفتوحتين ... في كلمة بيوسف من دون مين
(2) يعني قول ابن بري في باب الهمزتين من كلمة:
... ... فنافع سهل أخرى الهمزتين ... من كلمة فهي بذاك بين بين
(3) الفجر الساطع لابن القاضي، وقد أشرنا إلى هذا النقل في ترجمة أبي العباس الزواوي في أصحاب أبي الحسن بن سليمان القرطبي بفاس.(1/89)
كان هو وأبوه من مشايخ العلم المتبحرين بسجلماسة المتفننين في مختلف العلوم، وكلاهما في أسانيد الشيخ أبي علي الحسن بن مسعود اليوسي أجازاه بما أجازه به الشيخ الإمام أبو عبد الله محمد بن محمد بن أبي بكر الدلائي المعروف بالمرابط، وقد ذكر اليوسي نص إجازته له في أواخر فهرسته، وهي مؤرخة بأواخر محرم سنة 1079هـ(1). كما أنه من مشايخ ابن القاضي يروي عنه عن أبيه عن ابن من لا يخاف عن ابن غازي. حيث نقل منه فائدة من تقييد لشيخه أبي عبد الله محمد بن إدريس المنجرة جاء فيها قوله:
قال في شرح "نظم الدرر والتفصيل" لمولانا عبد الهادي الحسني:
"والمد يختلف بحسب المذاهب، فمن مذهبه الترتيل مد بحسبه، والمتوسط بحسبه، والحادر على قدره، وهذا هو التحقيق، وتحكمه المشافهة، لا كما يقول الاشياخ من أن المراتب تفرق بالنية"(2).
ومن طريف ما ذكره العلامة اليفرني في ترجمة مؤلفه بعد أن ذكر أنه كان من أهل العلم والدين أخذ عن أبيه وعن سيدي العربي الفاسي قال: "وأخبر عن نفسه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فقرأ عليه من الفاتحة إلى المفلحون بقراءة قالون... ثم ذكر وفاته بالحرم الشريف بمكة عام 1056"(3).
5- الشيخ أبو عبد الله محمد بن يوسف التملي السوسي الأصل المراكشي الدار والمنشأ المتوفى بها (1048) أحد أعلام هذا الشأن، قال الحضيكي:
__________
(1) فهرسة أبي علي اليوسي (مصورة عن مخطوطة خاصة).
(2) معونة الذكر في الطرق العشر لمسعود جموع (مخطوط).
(3) صفوة من انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر لمحمد الصغير اليفرني المراكشي: 130.(1/90)
كان رضي الله عنه شيخا معظما محترما نبيها ماهرا في فن القراءات، مقدما مشهورا متقنا، أخذ بفاس عن سيدي الحسن الدراوي(1) وأبي عبد الله الترغي(2)، والشيخ محمد الصغير المستغانمي(3) وغيرهم.
وممن أخذ عنه أبو زيد عبد الرحمن بن القاضي، وعبد العزيز الزياتي(4)، وهو مذكور في فهارسهم مشهور، توفي رحمه الله بمراكش سنة 1048(5).
والذي يهمنا منه هنا هو شرحه على تفصيل العقد، وقد وقفت على ذكره له عند الشيخ عبد السلام بن محمد المدغري في أرجوزته المتقدمة المعروفة ب"تكميل المنافع"، فقد جاء فيها عند ذكر الخلاف في ميم الجمع لورش وقالون قوله:
وصل ورش قبل همز القطع ... كذا أبو عون بغير منع
وزد لدى مثل كهم منها وفي ... محل فصل لا قبيل "لا" و"في"
ذكر ذا محمد الخروبي(6) ... في نظمه المهذب العروبي
كذا محمد بن يوسف لدى ... شرحه للتفصيل نعم المقتدى
ولعل هذا الشرح هو الذي أشار إليه بعض الباحثين في قوله:
"له استدراكات على تفصيل ابن غازي، أورد طائفة منها تلميذه الجزولي في "أنوار التعريف"(7).
6- الشيخ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي القاسم بن الغازي الجزولي المشهور بالحامدي.
راوية للقراءات من أهل سوس، تخرج على كبار مشايخ القراءة بفاس كالشيخ التملي وابن عاشر وغيرهما.
__________
(1) تقدم في شراح التفصيل.
(2) هو محمد بن يوسف شيخ الجماعة بفاس ومراكش في المائة العاشرة وسيأتي في الفصل التالي.
(3) من أصحاب أبي عبد الله بن مجبر بفاس وسيأتي في الفصل التالي.
(4) تقدم ذكره وذكر والده أبي علي الحسن بن يوسف الزياتي الفاسي وسيأتي مزيد من التعريف به.
(5) مناقب الحضيكي 2/47.
(6) سيأتي في آخر هذه القائمة فيمن ألف على التفصيل.
(7) سيأتي أنه قرأ عليه واعتمده في هذا الكتاب.(1/91)
ألف في قراءة نافع كتابه "أنوار التعريف لذوي التفصيل والتعريف"، وكان تأليفه له بالمدرسة البوعنانية بفاس، وفراغه منه كما ذكر في آخره في أواسط جمادى الثانية عام 1026.
وتأليفه هذا تأليف مختصر جمع فيه بين ما في أرجوزة ابن غازي وما في تعريف أبي عمرو الداني، إلا أنه بناه على ما رواه عن شيخه التملي، وفيه زيادات ليست في "التفصيل" استند فيها إلى روايته.
وتوجد من شرحه نسخ مخطوطة في أكثر من خزانة(1)، وقد وقفت عليه أيضا في خزانة بنواحي الصويرة(2) فوجدته يقول في أوله:
"يقول عبيد ربه الهائم في ظلمات ذنبه، محمد بن أحمد بن أبي القاسم بن غازي الجزولي: الحمد لله الذي حرك العزائم لخدمة كتابه العزيز وأبدى غررها، ورفع همم ذوي التبريز إليها وأهدى دررها... ثم ذكر أنه سيؤلف كتابه في الطرق العشرية حسبما أخذ ذلك رواية عن شيخه العالم العلامة الأستاذ النحوي الأديب أبي عبد الله سيدي محمد بن يوسف التملي السوسي الجزولي – وصل الله بقاءه – وأنه التزم فيه ما رواه عنه من مسائل الخلاف...
ولما ذكر بعض الأحكام في باب الاستعاذة قال: "هكذا حدثني به الشيخ عن شيخه سيدي محمد الترغي، وحدثني به أيضا شيخنا سيدي عبد الواحد بن عاشر الأندلسي، عن شيخه سيدي أحمد بن عثمان اللمطي...
ونقوله في أكثرها هي عن هذين الشيخين، وعن أبي الحسن بن سليمان في أرجوزته التي يسميها مرة "نظم التعريف"، ومرة "مختصر التعريف".
__________
(1) من نسخه الخطية بالخزانة الحسنية بالرباط نسختان برقمي 8885-1052 (فهرسة الخزانة 6/31-32 وبالخزانة العامة بتطوان برقم 549م (فهرسة مخطوطات الخزانة 118) ونسخة بالخزانة الناصرية بتمكروت برقم 3115 في مجموع (دليل مخطوطات الخزانة لمحمد المنوني 212). ونسخة بمتحف الجزائر برقم 473.
(2) هي خزانة الشيخ إبراهيم أبو درار رحمه الله بسوق جمعة آيت داود بحاحة من إقليم الصويرة.(1/92)
7- الشيخ مسعود بن محمد جموع أبو سرحان وأبو الفضل السجلماسي ثم الفاسي وغيره، وهو عمدته في هذا الشرح. أما شرحه المذكور فهو المسمى "كفاية التحصيل في شرح التفصيل"، وهو من الشروح المشهورة المعتبرة ونسخه في الخزائن متوافرة(1)، فرغ منه مؤلفه كما ذكر في آخره ضحوة يوم الأربعاء عام مائة وألف 1100هـ وأوله قوله: "الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على المبعوث إلى كافة الخلق أجمعين، سيدنا ومولانا محمد سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه الطاهرين.
وبعد فلما كان نظم الإمام العالم العلامة ذي التصانيف المفيدة، المسمى "بتفصيل الدرر" من أجل ما ألف في القراءات العشرية وأفيدها علما، وأخصرها، حتى قال فيه شيخ الجماعة بفاس سيدي الحسن الدرعي رحمه الله مادحا له ومقرئا على قراءته هذه الأبيات وهي:
أيا من تصدى للقراءة قاصدا ... وذكر الأبيات السبعة التي نقلناها عنه في تقريظ التفصيل آنفا ثم قال جموع:
ولما صورته على شيخنا ... حين قراءتنا عليه أردت أن أقيد عليه هذه الورقات تحل بها تراكيبه، وتفهم بها إن شاء الله معانيه، فهي إن شاء الله للمبتدئ مثلي تبصرة، وللطالب النحرير تذكرة، والله تعالى يلهمنا الصواب، إنه كريم وهاب.
ثم استهل كلامه على النظم بالتعريف بالناظم، ثم أعقب ذلك بالشرح، وقد شحنه بالنقل عن شيخه أبي زيد بن القاضي وخاصة النصوص المنظومة في اختلاف القراء وأحكام الأداء مما لا يتسع المجال لذكره(2).
__________
(1) منه 3 نسخ بالخزانة الخسنية بالرباط بأرقام 11410-3893-1389 (فهرسة الخزانة 6/139-140).
(2) علمت بعد تحرير ما كتبته هنا بتسجيل أحد طلبة الدراسات الإسلامية بكلية آداب الرباط وهو الأخ عبد الرحمن السائب لهذا الشرح (كفاية التحصيل) للحصول على دبلوم الدراسات العليا بإشراف أستاذنا الدكتور التهامي الراجي الهاشمي، وقد تبادلنا عدة رسائل في موضوع مؤلفات جموع بيني وبينه وفقه الله.(1/93)
وقد أحال عليه في "الروض الجامع" في عدة مواضع(1).
8- الشيخ أبو العباس أحمد بن إدريس الحسني الفاسي (ت 1253هـ)
يوجد شرحه على التفصيل مخطوطا بالخزانة الحسنية برقم 6064 بعنوان "شرح أرجوزة في القراءات"(2).
9- محمد بن عبد الرحمن الأزروالي (الزروالي)
إمام مختصر في القراءة العشرية، اعتمده عامة من ألفوا فيها بعده، وكان تفصيل العقد لابن غازي إمامه في تأليفه، وهو وإن لم يذكر في مقدمته أنه وضعه شرحا عليه فقد استفاد منه وناقش مسائله واعتمد ما ذكره، وكتابه المذكور هو "تقريب النشر في طرق العشر"، ألفه وفرغ منه في التاسع من شوال عام 975هـ بالقرويين من فاس، وقد جعله بمثابة التقييد لما قرأ به على شيخه أبي سعيد اللمطي، ولذلك جاء اسمه في بعض الخزائن باسم "تقييد أبي سعيد عثمان بن عبد الواحد اللمطي المكناسي في قراءة نافع والكلام على بعض رؤوس الآي على المذهب المدني الأخير"(3).
وفي بعضها باسم "تقييد على ما في التعريف"(4) وأوله قوله:
__________
(1) منها في باب الخلاف في ميم الجمع ومنها في باب اجتماع الهمزتين من كلمة.
(2) يمكن الرجوع إلى وصفه في مخطوطات الخزانة الحسنية 6/120-121. وقد ذكره أيضا سعيد أعراب في كتابه "القراء والقراءات بالمغرب 80".
(3) خزانة القرويين تحت رقم 1058 فهرسة الخزانة 3/171-172.
(4) النسخة بهذا العنوان في خزانة الشيخ أحمد الكونطري بالصويرة ومنها مصورة عند الشيخ السحابي بسلا.(1/94)
"الحمد لله رب العالمين، الذي أيدنا بكلامه المبين، على يد ساداتنا أهل التمكين... سألت شيخنا وأستاذنا وعالمنا وعاملنا وعمدتنا وعمادنا ووسيلتنا إلى مولانا سيدي عثمان بن عبد الواحد اللمطي ثم المكناسي – برد الله ضريحه – أو يوضح لي بعض ما أشكل علي بعد أن حدثني به – رضي الله عنه – وتلقيته من فيه إلى في، فجرى علي في بعضه النسيان، الذي هو غريزة الإنسان، إلا من حفظه الكريم المنان، في قراءة إمام المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام – نافع بن عبد الرحمن وتلاميذه المشتهرين المشهورين – رضي الله عن الجملة الجلة – فأجابني – رحمه الله – لذلك".
ثم بدأ بذكر حروف القراءة من سورة الفاتحة إلى آخر القرءان فقال في الفاتحة: "سورة الفاتحة مكية أنعمت عليهم غير سورة البقرة: "ومما رزقناهم ينفقون" "أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يومنون" لا يصلها للفصل، فهو الذي نبه عليه "التينملي"(1) بقوله: وعند رؤوس الآي من غير حائل...(2).
وكذلك الشيخ ابن غازي بقوله: "لا ما فصلا ... من الفواصل بحرفي في ولا"
وهكذا سار على طول الكتاب يرتب أحرف القراءة التي يختلف فيها الرواة عن نافع ويذكر ميم الجمع التي قبل رأس الآية، وآخر ما ذكر من ذلك "عليهم موصدة"، "الذين هم عن صلاتهم ساهون".
10- الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الرحماني المراكشي صاحب أبي زيد بن القاضي وناظم القصائد العديدة في القراءات.
ألف في هذا الصدد كتابه "تكميل المنافع، في قراءة الطرق العشرة المروية عن نافع"
__________
(1) يعني الإمام الصفار في تحفة الأليف.
(2) البيت بتمامه كما تقدم: ... ... وعند رؤوس الآي من دون حائل ... وورش له في همزة القطع قد ولا
واللفظ في سائر ما وقفت عليه من نسخ لامية الصفار هذه بلفظ "من دون حائل" وليس من غير...(1/95)
وهو وإن لم ينص على جعله شرحا على التفصيل كما فعل سابقوه، فإنه يدخل في معنى ذلك مع تصريحه بالاقتصار على ما فيه، وقد وقفت منه على مخطوطتين إحداهما م خ ح بالرباط برقم 8864(1) والأخرى في خزانة خاصة(2)، ويبتدئ بقوله: "يقول العبد المفتقر إلى رحمة مولاه، الغني بفضله عما سواه: محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الرحامني - نزل مراكش - خار الله له ولطف به:
"الحمد لله تعالى حق حمده، والصلاة والسلام على سيدنا محمد نبيه وعبده، وعلى آله وأصحابه ومن اقتدى به من بعده".
"وبعد فهذا كتاب سميته ب"تكميل المنافع في قراءة الطرق العشرة المروية عن نافع"(3) قيدته لنفسي ولمن شاء الله من بعدي للمبتدئين مثلي، واعتمدت فيه على تقييد لبعض شيوخي، مع كتاب الزروالي(4).
لكن اقتصرت فيه على "التفصيل" دون غيره من قصائد العشر مخافة التطويل، ولأنه هو المتلو به والمعول عليه عند أئمتنا، وأذكر فيه أوجه الخلاف وما صدرنا به منها حسب روايتنا في ذلك، ومن الله تعالى أسأل الإعانة في جميع الأحوال، فهو حسبي ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ذكر التعوذ
__________
(1) يمكن الرجوع إلى وصفها في (فهارس مخطوطات الخزانة الحسنية لمحمد العربي الخطابي 6/59).
(2) هي خزانة المقرئ الأخ أحمد اعوينات باليوسفية – الرباط، أطلعني عليها جزاه الله خيرا.
(3) اتفق في التسمية مع "تكميل المنافع" للإمام عبد السلام بن محمد المدغري، إلا أن المدغري جعله نظما.
(4) يعني كتاب "تقريب النشر في طرق العشر" الذي عرفنا به عن قريب.
وقد سقط في نسخة اعوينات قوله "من بعدي" وقال "من المبتدئين مثلي".(1/96)
ثم قال بعد هذا العنوان: "وغير ما في النحل لا يختار(1)، والسرفي التيسير للمسييي بذا وزيد ذي وكله أبي(2)، فالإشارة بذا تعوذ على التعوذ، وبذي على البسملة، والمشهور الجهر بهما له كغيره.
ذكر البسملة
ومن سوى الأزرق بين السور ... مبسمل...(3)، فيصدق على قراءة الأزرق:
"وأسكت يسيرا تحظ بالصواب ... أو صل له مبين الأعراب(4)
ويصدق على قراءة غيره:
ولا تقف فيها إذا وصلتها ... بالسورة الأولى التي ختمتها(5)
وتجوز الأوجه الثلاثة لغيره.
وبعد الانتهاء من باقي أحكام البسملة على هذا النمط من المزج بين قول ابن غازي وابن بري وقول أبي وكيل ميمون في التحفة أحيانا، انتقل إلى ذكر سورة الفاتحة فذكر فيها الأحكام المتعلقة بميم الجمع ونقل قول ابن غازي في "التفصيل"، ثم تعرض لمراتب المد عند أهل العشر فذكر أنها ثلاثة:
كبرى للأخوين: يوسف والعتقي، ووسطى لأبي نشيط محمد بن هارون المروزي، وصغرى للباقين، قال: وقد جمعها بعضهم فقال:
"ليوسف والعنقي كبرى ... وسطى لمروز وباق صغرى
ثم انتقل إلى سورة "البقرة" فقال: "ألم": "ومد للساكن في الفواتح"(6)، والحكم للعشرة كما قال في "التفصيل": "فالكل إن سكت" في ما أطلقا... وقس عليه.
__________
(1) هو عجز البيت الثاني من باب التعوذ من "الدرر اللوامع" لابن بري.
(2) هو البيت الثاني من تفصيل عقد الدرر لابن غازي أدرجه في كلامه هكذا، ثم شرح معناه.
(3) هو البيت الثالث في باب البسملة من "التفصيل".
(4) البيت من باب البسملة لابن بري.
(5) هو آخر بيت من باب البسملة عند ابن بري.
(6) الشطر الأول من بيت لابن بري في باب المد.(1/97)
وقد ذكر للشيخ الزروالي كتابين آخرين غير كتاب "تقريب النشر" وذلك في سورة البقرة عند ذكر التسهيل في "رأيت" فقال: "وقد كان الشيخ الزروالي ينبه على تحقيق الخالي من الياء(1) في كتابه الكبير والوسط، ويقول: ليس للأصبهاني فيه إلا التحقيق، فتأمل ذلك، والله الموفق للصواب".
وفي الجملة فالكتاب حافل بالفوائد ومفيد لأهل العشر، ويعتبر من قبيل "الدراسة المقارنة" في الفن، لأنه لا يهتم كثيرا بالخلاف بين الطرق عن نافع بقدر ما يهتم بتقرير رجال المدرسة الأدائية في المغرب لذلك الخلاف وتخريجهم له على القواعد العامة.
وقد ختم بذكر اختلاف الأئمة في عدد الآي، وذكر ما وقعت به ميم الجمع قبل محل الفاصلة وما وقع فيه بين الأئمة من خلاف، وما وقعت فيه عند المثل نحو "هم منها"، ونظم الأحكام المتعلقة بذلك في أبيات. ونقل هنا من كتاب "عدد الآي" لأبي العباس القدومي(2) عند ذكر الخلاف في العدد بين المدني الأول والأخير فقال:
__________
(1) يعني الفعل المشتق من الرؤية مما لا ياء فيه نحو "رءا" و"رءاك" و"رأتهم".
(2) سيأتي في الفصل التالي في أعلام مدرسة ابن غازي من تلامذتهم.(1/98)
"وقال أبو العباس أحمد بن قاسم بن عيسى المقرئ رحمه الله: "فأما عدد المدني الأخير فهو ما رويناه بسند صحيح عن خلف بن هشام البزار عن إسماعيل بن جعفر عن سليمان بن مسلم بن جماز عن أبي جعفر يزيد بن القعقاع وشيبة بن نصاح... ورفع السند، ثم ختم بذكر فضل تلاوة القرءان، ثم قال:"هذا آخر ما قصدنا من جمع هذا التقييد، والله أسأل أن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به يوم الموقف العظيم... وكان الفراغ من تقييده في آخر ذي القعدة عام ثلاثين ومائة وألف، عرفنا الله خيره ووقانا شره"(1).
ومما يجري هذا المجرى من المؤلفات التي بنيت على "التفصيل":
11- كتاب معونة الذكر في الطرق العشر "أو" الروضة السنية في الطرق العشرية"(2) للشيخ مسعود جموع:
مؤلف "كفاية التحصيل في شرح التفصيل" الآنف الذكر، وقد ألف كتاب "معونة الذكر" كما ذكر في آخره: وكان الفراغ منه صبيحة يوم الأربعاء عام 1084هـ ومعناه أنه ألفه قبل "الكفاية" بنحو 16 عاما.
__________
(1) يبدو أن قوله وكان الفراغ ليس من كلام المؤلف كما هو واضح من التاريخ، وقد رأيته يختلف بين هذه النسخة (نسخة الخزانة الحسنية رقم 8864) وبين نسخة اعوينات، فقد جاء فيها قوله: "كان الفراغ من تقييده في أوائل رجب عام أربعين وألف عرفنا الله خيره، ثم قال: "كان الفراغ من نسخه عام 1212هـ".
(2) كذا رأيت اسم الكتاب في القائمة التي أحصاها له تلميذه موسى بن محمد الراحل في كتاب "مناهل الصفا في التقاط درر الشفا" والذي سمى فيها 21 كتابا (مناهل الصفا م خ ح رقم 355) . ورأيت في حاشية نسخة ابن يوسف بمراكش "وكتب مؤلف هذا الكتاب بخط يده على طرة النسخة التي انتسخت هذه منها ما نصه: وإن شئت فسمه "الدرة السنية في الطرق العشرية.(1/99)
ويظهر من تعدد نسخه في الخزائن أنه كان واسع الاستعمال(1)، وقد وقفت منه على نسخة خطية بخزانة ابن يوسف بمراكش مسجلة تحت رقم 229 مؤرخة بشهر شوال من عام 1127، أي أنها قريبة جدا من تاريخ وفاة المؤلف سنة 1119. وهذه نبذة عن الكتاب تبين صلته بكتاب "التفصيل" وأثره فيه:
ابتدأ مسعود جموع كتابه بقوله:
"الحمد لله الذي أخرجنا من العدم إلى الوجود، وأرشدنا للحق عن كل دين مردود... وبعد فهذا - بعون الله - تقييد قصدت فيه – إن شاء الله – أحكام القراءة العشرية وما يتعلق بها على ما رويته عن شيخنا ومجيزنا العالم العلامة ذي النية الصالحة سيدنا أبي عبد الله محمد بن سيدي إدريس(2) – أدام الله بقاءه ونفعنا برضاه – حسبما أخذ ذلك رواية ودراية عن شيخيه سيدي عبد الله الكيري(3) وشيخ الجماعة بفاس والمغرب سيدي عبد الرحمن بن أبي القاسم بن القاضي رحمهما الله ونفعنا ببركاتهما آمين".
__________
(1) منه نسخة بخزانة ابن يوسف بمراكش برقم 229 وبتونس الخزانة الوطنية برقم 3330 وبالعبدلية (جامع الزيتونة) برقم 1/419 وبجامعة إشبيلية بإسبانيا برقم: 33/116.
(2) لم أقف على المراد به.
(3) في المخطوطة "الكيري" بكاف معقودة. ولم أقف على ترجمته.(1/100)
ورتبت هذا التقييد – إن شاء الله تعالى – على سنن المصحف الكريم آية بعد آية ليحصل بذلك النفع العميم، مكتفيا بالحرف الأول عن غيره مما يوافقه في الأحكام، ومنبها على مسائل فيها الخلاف بين الأئمة الأعلام، موضحا لمشهورها، ومبينا لما جرى به الأخذ فيها عن سادتنا الكرام، ومنبها أيضا على بعض رؤوس الآي على مذهب المدني الأخير مما تضمنه الواسطي المعلي، مقتفيا في ذلك سنن الأئمة الأجلاء، ومنبها أيضا على مسائل سكت عنها صاحب الدرر والتفصيل كإمالة "مرضات" للأزرق، وتحقيق الهمزتين في "لأملأن" للأصبهاني، وربما أذكر في بعض الآيات صناعة الأرداف، وربما أخلط الرواية بغيرها لاتفاقهما في الحكم، وهو جائز لمن يكون عارفا بذلك، وفيه قيل:
"وخلط روايات لمن هو جاهل ... فليس يجوز، والجواز لعالم
ثم ذكر مصادره التي سيعتمدها في الكتاب فقال:
"وما وقع فيه من الرموز بما صورته (د) فللدرر، وبما صورته (ف) فللتفصيل، وبما صورته (ش) فللشاطبي وبما صورته (ح) فللتحفة، وبما صورته (ع) فللتعريف، وبما صورته (ص) فللصفار، وبما صورته (ركـ) فللشيخ شيخنا، وبما صورته (خ) فلشيخنا" ثم قال:
"وسميته معونة الذكر في الطرق العشر، والله أسأل المعونة على ذلك بمنه وكرمه، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير".
ثم شرع في المقصود مبتدئا بالترجمة لنافع بن أبي نعيم وذكر رواته الأربعة والطرق عنهم، وقد أفادنا جموع في تأليفه هذا بأهم المصادر التي كانت معتمدة في زمنه في دراسة العشر الصغير، وهي التي رمز لها بالحروف أعلاه، ثم زاد فذكر كيفية الجمع للرواة الأربعة أثناء الأداء فقال:(1/101)
"فصل، فإذا جمعت بين هذه الروايات أتيت بها على هذا الترتيب المذكور هنا استحبابا(1)، ولا يخفاك أن من وافق منهم غيره اندرج معه، ومن لم يوافقه أتيت به، إذ فائدة الجمع بين القراءات وثمرته الاختصار وعدم التكرار لغير موجب، وأما لموجب فلابد منه لاختلاف الروايات".
ثم نقل عن ابن القاضي نصا في جواز العدول عن الترتيب المعروف في الأداء قال: ولا يعتبره إلا من لا معرفة له ولا خبرة بالأحكام، قال: والشاطبي بدأ بقالون ثم بورش، وبه كان الأخذ عندهم، وصاحب "الدرر" عكس، وبه الأخذ، فمن قال غير هذا فلا وجه له، إلا عدم التدريب وعدم تحققه بالأصول، فادر الأصول لتأصلا".
ثم قال: "قال في أنوار التعريف ما نصه:
"أما طريقة شيخنا سيدي الحسن الدرعي فإنه يقدم أصحاب الضم على أصحاب الإسكان(2) وبالعكس لشيخه المستغانمي(3)، ثم قال: والأول انتقي أي اختار، قال:
وبما اختاره الشيخ ابن يوسف(4) أخذنا، أعني تقديم أهل الضم على أهل الإسكان.
ثم بعد أن تحدث عن الفرق بين القراءة والرواية والطريق انتقل إلى باب الاستعاذة، وأخذ في استعراض القواعد العامة مستدلا بأقوال الأئمة كالداني في التيسير والتعريف والتمهيد والتلخيص وجامع البيان وأبي محمد مكي في الكشف وابن الجزري في النشر، وكل هذه الاستدلالات ذكرها في هذا الباب.
__________
(1) يعني بالترتيب الذي ذكره في إيرادها أي بتقديم ورش ثم بعده قالون ثم إسحاق المسييي ثم إسماعيل.
(2) يعني أصحاب الضم في ميم الجمع، وهم الذين جمعهم محمد بن يوسف التملي بقوله:
... ... ... وضم ميم الجمع للمفسر ... ونجل إسحاق وجمال حر
وجمع مسعود جموع أصحاب الإسكان في نظم له فقال:
... ... ... والمروزي والقاضي وابن سعدان ... ونجل عبدوس له بالإسكان
(3) هو محمد الصغير وسيأتي.
(4) هو التملي الجزولي الآنف الذكر في شراح التفصيل.(1/102)
وفعل نحوا من ذلك في باب البسملة وزاد النقل عن شيوخه مستعملا لكل شيخ الرمز الدال عليه - كما تقدم - كما ينقل من حين لآخر عن الحامدي في تقييده – يعني أنوار التعريف لذوي التفصيل والتعريف"، وهكذا حتى أتى على آخر الكتاب.
12- كتاب الهدية المرضية في تحقيق الطرق العشرية للشيخ عبد السلام بن محمد المدغري التزناقتي(1).
وهو كتاب يجري هذا المجرى من الاستفادة من "التفصيل" وبيان مقاصده والاستدلال به للمباحث الأصولية، وهو كتاب نادر الوجود وقفت على إحدى نسختيه بالصدفة بالخزانة الحسنية في مجموع(2).
وهذه نبدة عنه: يقول في أوله:
"الحمد لله الذي تفضل علينا بحفظ كتابه المبين، وجعله لحملته شافعا مشفعا ووقاية من العذاب المهين، والصلاة والسلام على النبي المكين، الهاشمي المصطفى الأمين...
__________
(1) تازناقت بلدة معروفة بضواحي قصر السوق (الراشدية) بالمغرب.
(2) النسختان بالخزانة الحسنية تحت الرقمين 119/2-119/3 حسب الفهرس الشامل للتراث 2/569 نشر المجمع الملكي بالأردن). وقد وقفت على إحدى النسختين في المجموع رقم 119 الذي يضم عددا من مؤلفات عبد السلام المدغري وقد طلبته من الخزانة باسم "روض الزهر" حسبما في الفهرس المطبوع بالخزانة 6/115 فوجدته معه في المجموع عند الصفحة 395 منه، ولم يذكره في الفهرسة في حرف الهاء.(1/103)
"وبعد فيقول العبد الفقير إلى مولاه الغني عن كل ما سواه عبد السلام محمد بن علي التزناقتي وفقه الله بمنه آمين: هذا تأليف مختصر في الطرق العشرية للإمام الخاشع المدني أبي رؤيم نافع - نفعنا الله به وبمن أخذ عنه – قصدت به أن يكون تبصرة لمثلي من المبتدئين، وتذكرة للشيوخ الأئمة المقرئين، والتزمت أن أذكر فيه ما رويته مشافهة عن الإمامين بفاس البالية – حرسها الله تعالى وأدام عزها آمين – الشيخ المقرئ المقدم المحقق ذي السند الصحيح المدقق التقي النقي العفيف الإمام السيد إدريس بن محمد بن أحمد الشريف(1)، والشيخ العالم العلامة القدوة البحر الفهامة الأستاذ الأديب النحوي الأديب، الإمام السيد مسعود جموع – أبقى الله الأول في أثواب المجد رافلا، وجعل نجم سعده طالعا لا آفلا، ورحم الله الثاني وأفاض علينا من بركته وبرد ضريحه وأسكنه بحبوحة جنته... ومن المسائل المتفق عليها والمختلف فيها، مبينا ما جرى به الأخذ في ذوات الخلاف لمن هو له، مما هو بوجه أو بوجهين، وما صدرت به منهما، ومنبها على رسم الجميع وضبطه فيما يحتاج إليه منهما...
وسميته الهدية المرضية في تحقيق الطرق الشرعية. ورتبت أبواب مسائله بفصولها على ترتيب أبواب "الدرر" و"التفصيل" تقريبا للفهم وقصد للتحصيل، مستشهدا في بعض المسائل بأبيات منهما تنبيها للطالب، وتزيينا للكلام، وبأبيات من "الحرز"، ومن كتابي المسمين ب"روض الزهر" وب"نور الفهم"(2)، وبأخر ضمنها "أنوار التعريف" للإمام الجزولي.
__________
(1) هو أبو العلاء المنجرة (ت 1137هـ) كما تقدم.
(2) سيأتي ذكر أرجوزة روض الزهر له بتمامها، أما نور الفهم فهي أرجوزة في الخلاف بين ورش وقالون، وقد تقدمت الإشارة إليها وإلى سابقتها في ترجمة ابن بري.(1/104)
ثم قدم تعريفا موجزا بالإمام نافع والرواة الأربعة عنه والطرق عنهم مستعينا في ذلك بقول أبي عمرو في "المنبهة" وبقول ابن غازي: "دونك عشر طرق لنافع... إلى آخر ستة أبيات، ثم أتبع ذلك بذكر منهجه في إيراد الخلاف بين الرواة والطرق والإشارة إلى الوفاق فيما اتفقوا فيه، وبعده انتقل إلى باب "التعوذ والبسملة" وهكذا حتى ختم التأليف بقوله: "وكان الفراغ من مبيضته آخر يوم من شوال المسمى عندنا بالعيد الأصغر عام واحد وثلاثين ومائة وألف (1131هـ) بموضع يسمى أبا سادر بجبل زايان قبيلة من قبائل البربر(1).
وقد قام على أرجوزة التفصيل نشاط علمي آخر يتمثل في توسيع بعض مباحثها وذكر المصدر من أوجه الخلاف المذكور فيها، أو استلال بعض الطرق ورصد مظاهر الخلاف بينها، وسنقتصر على نماذج من ذلك تدخل في أسلوب "النظم التعليمي" الذي يمثل نوعا من المحاذاة للأرجوزة المذكورة على نحو ما رأينا في فصل سابق مع أرجوزة "الدرر اللوامع" لابن بري. فمن ذلك.
13- أرجوزة "التبيين للتفصيل" للإمام أبي عبد الله محمد الخروبي من شيوخ ابن القاضي(2).
__________
(1) يظهر أن الناظم كان مشارطا لتعليم القرءان في هذه القبيلة، وقد ذكر في آخر كتابه "نزهة الأنظار في قراءات الثلاثة الأخيار" (مخطوط خ ح بالرباط أيضا في المجموع نفسه رقم 119) أنه ألفه وفرغ من مبيضته في 28 من ذي القعدة عام 1131 بموضع يسمى أبا سادر قرب بلدة آيت سعديان في جبل قبيلة زايان.
(2) ذكره ابن القاضي في جملة شيوخه في الإجازة النظمية التي أجاز بها أبا عبد الله الرحماني وسيأتي ذكرها.(1/105)
وموضوعها بسط الخلاف في ميم الجمع بين رجال العشر الصغير وقفت عليها بعد أرجوزة "التفصيل" بخط أبي عبد الله الرحماني في المجموع الآنف الذكر بأوقاف آسفي، وتقع في 32 بيتا(1).
وقد بناها على قول ابن غازي في "التفصيل" عند ذكر ميم الجمع:
خير حرمي بميم فاسترى ... الحافظ الضم وبالضد قرا
لنجل عبدوس ونجل سعدان ... والمروزي والقاضي من طرق حسان
ولأبي عون لغير المثل ... وهمز قطع ومحل فصل
للمدني الأخير لا ما فصلا ... من الفواصل بحرفي "في" و"لا"
فقال الخروبي: ... ...
القول في فواصل التنزيل ... مبينا لمجمل "التفصيل
نظم ابن غازي العالم الجليل ... شيخ الجماعة الرضا الأصيل
رؤوس الآيات متى تختم بنون ... صل ميم جمع قبلها ك"ينفقون"(2)
ثم ساق ذكر المواضع التي وقعت فيها ميم الجمع قبل آخر الفاصلة من أول القرءان إلى آخره وختم بقوله:
وبمصيطر فسواها أعدادا ... وبـ"لَشَتَّى" ينتهي ما قيدا
بفاس أولى سادس الأعوام ... بعد ثلاثين وألف عام
ناظمه محمد الخروبي ... يرجو به التكفير للذنوب
والحمد لله على التمام ... حمدا يدوم ببقا الأيام
ثم الصلاة دائما مع السلام ... على النبي العربي ذي المقام
سميته "التبيين للتفصيل" ... معتذرا إلى ذوي التحصيل
ومما نظم في محاذاة "التفصيل" لبيان مسائل الخلاف والأوجه المروية فيها والمقدم منها في الأداء على غرار المنظومات الكثيرة المؤلفة في مثل ذلك في القراءات السبع(3).
__________
(1) توجد من الأرجوزة مخطوطة بعنوان "التبيين للتفصيل" في الخزانة الناصرية بتمكروت برقم 3115، أنظر (دليل مخطوطات الخزانة لمحمد المنوني 12).
(2) يعني قوله تعالى في أول سورة البقرة "ومما رزقناهم ينفقون".
(3) القصائد المنظومة في "فن التصدير" كثيرة، وقد ذكرت منها عددا في الأراجيز التي نظمت على غرار الدرر اللوامع لابن بري، ومن ذلك قصيدة "مصدرة الطالبين" لعبد الرحمن الزدوتي، ومصدرة أخرى للراضي بن عبد الرحمن السوسي، ومصدرة علي بن الشريف السجدالي وغيرها...(1/106)
14- أرجوزة روض الزهر، في الطرق العشر "للإمام عبد السلام محمد المدغري"
وقفت عليها في نسخة خطية لا أعلم لها ثانية في المجموع الذي تضمن بعض مؤلفات المدغري السابقة، بالخزانة الحسنية بالرباط في مجموع برقم 119، وتقع في 219 بيتا كما ذكر في آخرها، وفرغ منها عام 1130هـ ونظرا لأهميتها في الموضوع وندرتها في الأيدي أسوق هنا نصها الكامل باعتبارها صورة عن المستوى العلمي الذي بلغته "المدرسة النافعية" المختصة في دراسة الطرق العشر على يد رجال مدرسة ابن غازي والآخذين عنهم عبر العصور اللاحقة، قال رحمه الله:
يقول عبد السلام المضغري(1) ... الراجي عفو ربه المقتدر
أحمد ربي مصليا على ... محمد وآله ومن تلا
وهاك ما الأخذ به قد اشتهر ... عن الرواة العشر إن خلف ظهر
مما بوجه أو بوجهين وما ... أخر منهما وما تقدما
عنيت عشر طرق لنافع ... أبي روئم المدني الخاشع
حسبما قرأته بفاس ... عن الإمامين لجمع الناس
إدريسنا المقدم العلامة(2) ... والجهبذ المحقق الفهامة
مسعودنا جموع ذي العلوم ... وها أنا أشرع في المنظوم
مسميا له ب"روض الزهر" ... في عشر طرق نافع ذي السر
والعون أسال من الوهاب ... ربي والتوفيق إلى الصواب
3- التعوذ والبسملة
واقرأ لدى تعوذ وبسملة ... بالجهر للكل، وذد من تركه
وقال بعض هو تابع لما ... قراءة سرا وجهرا فاعلما
إن لم يكن مستمع يا تالي ... وإن يكن فاجهر ولا تبال
وافصل تعوذا عن الذكر وصل ... بسملة به وقبل لا تصل
بالوصل بعد السكت بين السورتين ... ليوسف الأزرق فاتل دون مين
والعكس جا عنه بلا البأس ... في آخر الفلق مع والناس
وكلهم لدى "براءة" قرا ... بالوصل بعد السكت هكذا جرى
عملهم وصلا وفي ابتدا فلا ... تبسملن وعوذن تفضلا
__________
(1) يكتب اللفظ هكذا بالضاد أحيانا – كما في المخطوطة – وأحيانا بالدال نسبة إلى بلدة بسجلماسة وأما التي بالمغرب الأوسط فبالطاء "مطغرة" لا غير.
(2) يقصد إدريس بن محمد الشريف المنجرة شيخ الجماعة بفاس.(1/107)
والسكت لا غير لأزرق يرى ... في الأربع الزهر كذا تقررا
وغيره مبسمل بها، وقف ... قبل وبعد وبذا الأخذ عرف
وكلهم في الحالتين بسملا ... في أول "الحمد" وتركها جلا
في أول الأجزا وغير ما ذكر ... فانبذ، ولا تتل به وإن سطر
ميم الجمع وهاء الكناية
ونجل إسحاق وجمال وما ... ينسب للتفسير كلهم سما
بضم ميم الجمع قبل ما جرى ... تحريكه ووصلها معتبرا
وغيرهم قرأ بالإسكان ... لكن أبو عون الفتى الرباني
يضم عند القطع والمثل وفي ... محل فصل لا قبيل "لا" و"في"
وهو كأزرق في غير ما مضى ... والكل قبل الوصل بالضم قضى
وقف بالإسكان لدى ما قد ذكر ... وترك وقف بالإشارة سطر
وقدم الصلة قبل القصر ... لعيسى مع إسحاق فافهم وادر
بهاء "ياته" بطه قد بدا ... وعكسه فانبذ، وخذ ما وردا
المد والقصر والتوسيط وحكم الهمز:
وخذ بتوسيط لدى اتصال ... لمروز كذاك في انفصال
وزد له قصرا بذا مؤخرا ... على توسط وصغرى لا يرى
قراءة بها لدى الجمع الصغير ... وهي له مروية لدى الكبير
فتذهب الصغرى مع الصغرى كما ... تذهب وسطاه مع الوسطى اعلما
ذكر هذا بعض من قد سلفا ... مبينا للقاري ما لم يعرفا
وسطى لمروز لدى الجمع الصغير ... وزد له صغرى لدى الجمع الكبير(1/108)
لابد منهما إذا جمعتا ... بين الطريقين هما أردفتا(1)
وذكر الثلاث في "الأنوار"(2) ... فقال فيه موضحا للقاري
كبرى ليوسف كذاك التعقي ... وسطى لمروز وصغرى من بقي
وباب "شيء" وسطن للأزرق ... في وصله وبعد أشبع ترتق
للكل بالتوسيط فيه فلتقف ... وذا لإدريس الشريف قد عرف
وغيره وهو جموع تلا ... للكل وقفا بالمراتب العلا
ووقفه روما بلا إشمام ... ذكرته في "النور"(3) خذ نظامي
وواو "سوءات" الذي قد جمعا ... كهمزة لدى الثلاث فاسمعا
ليوسف فهو بتسع قد تلا ... في واوه والهمز بالضرب انجلى
والمط فوق حرف مد فاجعل ... حال انفصاله كما المتصل
وفوق سكن الياء والواو معا ... كذا، وذا في باب شيء مشبعا
ذاك لمروز وذا للأزرق ... وغير دين قل على الأصل بقي
وباب "آمن" بقصر قد وعي ... لأزرق ووسطن وأشبع
و"شركائي" ذا سكون الياء ... و"من ورائي" مريم الغراء
وقف فثلث مطلقا وما فتح ... من "شركائي" وشبهه يصح
في الوقف بالتثليث للتسكين ... في الياء لا في الوصل خذ تبييني
"قل إي وربي" بتثليت يرى ... في الوصل والوقف معا بلا مرا
__________
(1) يعني إذا جمعت في تلاوة واحدة بين رجال الجمعين الكبير والصغير، وهو آخر ما أخذ به رجال المدرسة المغربية منذ أيام أبي العلاء إدريس المنجرة بعد أن عاد من المشرق وأدخل معه "العشر الكبير"، فرتب القراء الكيفية المعمول بها الآن، وهي القراءة بالجمعين دفعة واحدة بحيث يمزجون بين الرواة عن نافع وبين غيرهم من الرواة عن السبعة وباقي العشرة، ويرتبون ذلك على نسق خاص معلوم عند أهل هذا الفن، إلا أنه من أعقد ما يتصور، ولذلك استعانوا عليه بما يعرف ب"الرمزية" إذ لا تكاد تجد قارئا اليوم يستغني في ذلك عنها، إلا في بعض الأجزاء التي اعتاد قراءتها حتى ضبط ترتيبها، ولهذا كثيرا ما ينقطع الطلبة بعد قراءة جزء أو جزئين بهذا الجمع، وهو من العسر والتعقيد بمكان.
(2) يعني رجزه "نور الفهم" في روايتي ورش قالون.
(3) يريد "أنوار التعريف" للحامدي كما تقدم في شروح التفصيل.(1/109)
وإن أتاك حرف مد بين ما ... همز وآخر بالإشباع سما
وقف بتثليث بوصل كرؤوس ... وخاسئين ومئاب ويئوس
ما لم يكن همز يعيد ساكن ... ذي صحة فاقصر بوصل بائن
وذاك كالقرءان والظمئان ... وحكم ذا سيأتي خذ بياني
وإن أتاك بين همزين فقف ... مثلثا، والوصل بالكبرى عرف
كاستهزءوا رءا بهود جاء ... و"ما رأى" وجاءو للعشاء
والسوأى أن في الوصل بالإشباع ... ووقفه سدس بلا نزاع
كذا تراءا والسقوط قد جلا ... في حرف مد للسكون موصلا
رءا كذا قبل السكون إن وصل ... وثلثن في الوقف فيه ولتمل
كذا تبوءا أساءوا إن وصل ... وقف مثلثا وما قبل عمل
في النجم ثلث مطلقا كباءو ... وجاءو غير ذي العشاء فاءو
تبوءو كذا وسدس مطلقا ... نئا وحيثما رءا قد ارتقى
قبل محرك بتثليث زكن ... نحو رءا قبيل كوكبا ومن
وكل ذا لأزرق قد انتمى ... وباب آمن إلى هنا اعلما
للكل نحو ريب سوف وسط ... وفقا وفي كتعلمون أفرط
والقصر عن أزرقهم وصلا يرى ... في ياء إسرائيل وهو قد جرى
في باب قرءان ومسؤولا كذا ... ما بعد وصل مثل آيت فخذا
وفي يواخذ وموئلا وفي ... موءودة وعادا الأولى قفي
وغير ذا في باب نقل يذكر ... مبينا بنظم من ذا أظهر
ولام ءالان في الاستفهام ... بالقصر للكل على التمام
وهمز بابه فأشبه مبدلا ... وسهلن بالقصر قبل تعدلا
مراتب المد ارع للرواة(1) ... به وحكم الجعفري سيأتي
وترك الاعتداد هاهنا يرى ... لعارض ومثله تقررا
في كالبغاء إن وفي فرق وما ... أشبه ناك يا فتى فلتعلما
كذا في حرفي أول العمران ... والعنكبوت فاسمعن بياني
وقال ذو المورد في الضبط لدى ... باب آلان مبدلا إن قد بدا
وهمز ءالان إذا ما أبدلا ... وبابه مط عليه جعلا
والكل في عين بالإشباع قرا ... بعد توسيط وعكس لا يرى
وقدم التسهيل في المفتوحتين ... لأزرق ومكنن من دون مين
في حال إبدال ومد قدما ... لمروز لدى أو شهدوا سما
آمنتم في الملك سهل وابدل ... كحرف ءالد للأزرق ولي
وحكم همز الكل في الإبدال ... كحكم ءامن على التوالي
__________
(1) كذا وهو منكسر في الوزن، ولعله بلفظ "رتب المد" بضم الراء وفتح التاء جمع رتبة.(1/110)
وخبرا قدم لعبد الصمد ... في ذي الثلاث يا فتى لتهتدي
تثليث أزرق به قد اقتفى ... وحرف زخرف له بذا يفي
وفي السما إلى وأو جاء أحد ... وقس بتوسيط لأزرق - ورد
في حال إبدال وإشباع أتى ... في نحو جا أمرنا عنه يا فتى
وقدم التسهيل في المتفقين ... ليوسف الأزرق أن بكلمتين
ألفيتا، وبعد الإبدال ويا ... بدل أخرى الهمزتين رويا
في هؤلاء والبغاء قبل إن ... تأخير ذا ياتالي عنه قد زكن
في جاء ءال الثاني سهل يا فتى ... لأحمد والمصري، والحذف أتى
في أول للحرمي والمصري فلا ... وغير ذا في باب ءامن خلا
وأسقط الاول للحلواني ... قبيل تسهيل أتى في الثاني
في نحو جاء أهل وتسهيل سما ... في أول قبيل ثان فافهما
له في نحو هؤلاء إن وفي ... ما جاء من مضمومتين فاقتفي
وشيخه قدم الإدغام لدى ... بالسوء إلا قبل تسهيل بدا
في أول وسهلن الثاني ... بعيد دين قل بلا نقصان
لأحمد الحلواني في بالسوء ... وبعد إدغام لدى النبيء
في حرفي الأحزاب والغير علا ... بأصله وأصله قد انجلى
والمد قبل ذي تغير عزي ... لمن له التغيير مثل المروزي
وثاني ما اختلف إن قد كسرا ... من بعد ضم واوا للكل يرى
والرسم في النبيء في الأحزاب ... حرفيه بالعقص على الصواب
وشد يا وضبطها دع وقف ... بالهمز لا غير كحرف يوسف
وشكل مبدل محرك فضع ... وعر ما سهلته حيث وقع
وغير ذا في "النور"(1) قد تقررا ... فانظره إنه به مسطرا
الهمز المفرد والنقل وعدمه والبدء بالوصل والأصل
وليس في تئوي وتئويه معا ... للأصبهاني سوى ما قد وعى
من سنة الإدغام، والبدل أتى ... في "من يشإ الله" عنه يا فتى
في حال وقفه وفي الوصل كسر ... على التقاء الساكنين فاعتبر
وقدم التحقيق قبل البدل ... في غير تئوي العتقي المفضل
وهو على الأصل من التحقيق ... في تئوي يا فتى فكن صديقي
لفظ رءا يا تالي إن تجردا ... من الضمير ومن اليا وردا
للإصبهاني بتحقيق وإن ... قرن بالياء بتسهيل زكن
وإن تجرد من اليا واقترن ... ببارز من الضمير فقمن
له بوجهين وتحقيقا يرى ... قبيل تسهيل كذا الأخذ سرى
__________
(1) يعني كتابه "نور الفهم".(1/111)
وحقق الأول والثاني في ... لأملأن ثم أولا تف
وبعد فاعكس ثم سهلن كلا ... همزيه والكل له قد انجلى
"أي" بعيد الفاء والباء معا ... أبدل له وبعد با قط فاسمعا
له بها الوجهان والتصدير ... له بتحقيق وذا جدير
وبعد لام حققن بلا امترا ... في "أي يوم أجلت" معتبرا
وإن مخففا بعيد الكسر لا ... تبدل وحققن كما جا عن ملا
وقدم النقل لإسماعيل في ... كلا ءالن يونس لتقتفي
وتن بالتحقيق والكل جلا ... من بعد تسهيل كذاك نقلا
وابدأ بوصل للذي قد نقلا ... في نحو الارض كالذي لم ينقلا
لعيسى لا الواسطي بالأصل ابتد ... في عاد الأولى بنجم تهتد
وثن بالهمز لوصل وانقل ... وثلثن باللام فردا تعدل
ثلث إذا بعادا قد وقفتا ... في الأولى للأزرق إن بدأتا
بهمز وصل وبلام فاقصر ... ومد صيغة لدى الوصل حري
كتابيه إني بتحقيق تلا ... أرزقهم وماليه له جلا
بعدم الإدغام والعكس أتى ... لعتق والأصبهاني يا فتى
الإظهار والإدغام والغنة
وقدم الإظهار للحلواني ... في التاء عند الظا بلا نقصان
وفي "أجيبت" أدغمن له ولا ... تتل بالإظهار لتتبع الملا
"نخلقكم" للكل أدغمن بلا ... إبقاء صوت مدغم لتعدلا
وقدم الإدغام في "اركب" يا فتى ... لمروز كذاك "يلهث" قد أتى
لشيخه والأخذ بالإظهار ... في "نون" للأزرق في المختار
ول بغنة كما قد سمعا ... للأصبهاني وابن إسحاق معا
"ألا" بفتح وهي ما قد رسموا ... بغير نون مثل "ألا يعلموا"
"ألن" معا كذا "ليلا" حيثما ... "ألم"(1) بهود قبل فاء رسما
كإلا تنفروا وإلا تنصروه ... وإلا تغفر لي وإلا تفعلوه
وإلا تصرف عني لا "إلا" فلا ... بتوبة كـ"إلا أن" منها خلا
الفتح والإمالة تقليلا واضجاعا
وقللن وافتح لأزرق لدى ... ذوات ياء مع واو أبدا
ما لم تكن رأسا لآي ثم إن ... تكن فقللن سوى ما قد قرن
منها "بها" فافتح وقلل مسجلا ... لكن "ذكراها" بتقليل جلا
موسى قبيل "أن" بطه و"إلى" ... "فنسي" "ويلكم" وأما فاعقلا
فليس من رأس كذا ما ثبتا ... للبصري فتحه كتجزى يا فتى
__________
(1) يعني "فإلم يستجيبوا لكم" في سورة هود.(1/112)
في نحو طه فافتحنه بعدما ... تقليله كباب "أنى" فاعلما
وليس في "رءا" سوى التقليل ... في رائه والهمز يا خليلي
وغير ذا فانبذ، وقلل وافتحا ... جبارين الجار معا له وحا
واعكس بزاغت لأبي الزعراء ... ونجل سعدان بلا امتراء
وساكن إن كان تنوينا فقف ... بما لفتح بعد تقليل ألف
ليوسف الأزرق نحو مفترى ... هدى عمى ضحى وغزى وقرى
كذا مسمى رفعه ونصبه ... وجره والحكم فاعكسنه
في حالتي مرضات مع كلاهما ... ككلتا وقفا وأراك فيهما
وافتح وقللن في "هايا" مريما ... له وكل من أمال مثلما
والفتح للجمال وابن فرج ... والأصبهاني وابن إسحاق يجي
وذا هو المشهرو عند الناس ... يغربنا هذا كأهل فاس
وبعضهم قد قال بالتقليل ... والفتح للكل بلا تفصيل
كابن علي الرضا الأواه ... الحسني مولاي عبد الله
وكابن غازي العالم المشتهر ... إذ قال في "تفصيل عقد الدرر"
ثم بها يا الفتح والتقليل ... لكلهم وليغرم الكفيل
وحيثما التورية يا خليلي ... لمروز بالفتح والتقليل
وأضجعن للواسطي والمروزي ... هار وفتحه لجمال عزي
وأضجع ثم قللن للقاضي ... بذا جرى الأخذ بلا اعتراض
ومن سواهم بأصله تلا ... وقول فتح المروزي مخملا
وهاء طه محضن للأزرق ... كما أتى في "درر" والعتقي
أتانا بالتقليل فيها وكذا ... سليل سعدان، وبالفتح خذا
لمن بقي منهم وما قد نقلا ... في "الغار" من فتح فدعه تعدلا
الراءات واللامات
للأخوين رفقن وفخم ... عزيز حيران، وهذا قد نمي
لشيخنا إدريس وقفا يا فتى ... لصاحب الأنواع ما ثبتا
وعلل الوجهين بعضهم بما ... في نصه البيتان بعد فاعلما
والخلف في عزير قيل عجمي ... وقيل هو عربي فاعلم
فمن يفخمه يقل بالأول ... ومن يرققه بثان يقل
وهذا في عزير والبعض اعتمى(1) ... ترقيقا فيهما ولم يفخما
ولهما التفخيم والترقيق في ... سترا وبابه وعكسه اصطفى
في راء فرق مطلقا للكل ... كيوسف وعتق في الوصل
في ذكرى للدار وفي الوقف أمل ... ومن بقي فيه على أصل عمل
مصلى يصلى النار في الوقف جلا ... يصليها في الليل والإسرا مسجلا
كتصلى مع يصلى مع سيصلي ... للأخوين كل هذا يتلى
__________
(1) يعني اختار.(1/113)
بالفتح بالتغليظ والترقيق ... وبين بين معه بالتحقيق
وليس في صلى سوى الإمالة ... في الأعلى والعلق والقيامة
للأخوين وبها التقليلا ... نعني فرتله أخي ترتيلا
يصالحا فصالا فخم مطلقا ... ورققن لعتق وأزرقا
وطال بالتفخيم والترقيق ... لأزرق وصلا بلا تفريق
ورققن وقفا وعبد الصمد ... رققه بحالتيه فاهتد
ولهما فخم ورقق يا فتى ... وقفا كيوصل وشبهه أتى
وفخما وصلا وأزرق نقل ... في نحو ظل مثل ذاك وبطل
ياءات الإضافة والزوائد
وافتح وسكن ياء حرف فصلت(1) ... لمروز لدى تلاوة بدت
واعكس لأزرق في "محياي" وفي ... وصل(2) فربع وبتثمين قف
ءاتيني بالإثبات والإسكان ... في الوقف للحرمي يا إخواني(3)
والحذف قدمن بلا عناد ... في حرفي التلاق والتناد
لمروز وأحمد الحلواني ... وصلا وقف للكل بالإسكان
فرش الحروف
ما بعد ثم وكذا يملا ... لفرج(4) والواسطي المعلى
فقدمن إسكانه وصلا وفي ... بدء فضم، وبدا الأخذ اصطفى
أريتم كيفما فسهل وابدلا ... ليوسف كذاك ها أنتم تلا
ووسطن اليا وأشبع الألف ... لأزرق لدى أرأيت إن تقف
في حال إبدال وإن تسهل ... فوسطن والحكم في ذا منجل
ما لم يكن بالكاف والميم معا ... أو واحد فالقصر في الياء وعى
ذكر ذا في جامع البيان ... الحافظ الإمام عمرو الداني(5)
وغيره تلا بتسهيل وفي ... ها أنتم الإدخال للحرمي قفي
وغيره من عتق وأسدى ... فلا، وحققن لثان تهتد
والأخذ بالإدخال في المكرر ... لنجل إسحاق الإمام الأزهر
تامنا فاخف للإمام نافع ... كما أتى في الدرر اللوامع
__________
(1) يعني "ولئن رجعت إلى ربي إن".
(2) سقطت كلمة وصل من المخطوطة والمراد الأوجه الأربعة التي يقرأ بها لفظ ومحياي في حالة الوصل أي بإمالة الياء الأولى وإسكان الثانية مع إشباع المد، وفتح الأولى وإسكان الثانية مع إشباع المد، وإمالة الأولى مع فتح الثانية وقصر المد وفتحها مع فتح الثانية مع القصر.
(3) يعني "فما ءاتيني الله" في سورة النمل.
(4) يعني ابن فرج المفسر.
(5) يريد أبا عمرو الداني.(1/114)
ولأهب بالهمز لا بالياء ... للمروزي الرضا لدى الأداء
حيي بالتفكيك والإدغام ... قرأته للقاضي ذي الأحكام(1)
أنا قبيل إلا في الأعراف ... والشعرا وسورة الأحقاف
بعدم المد وبالتوسيط ... ومد صيغة أبو نشيط
قرأه وصلا وكل وقفا ... بمد صيغة، والأزرق اصطفى
والعتقي الرضا لدى واللائي ... تقديم تسهيل قبيل الياء
ولهما امدد مشبعا وصلا وفي ... وقف، وباليا لهما إذن قف
إن قد وقفت بالسكون يا فتى ... وإن بروم فهو كالوصل أتى
واختار ضم المكي للعشر لدى ... ختم من آخر الضحى أهل الأدا
ذكر ذا الجزولي في الأنوار ... فراجعنه تغتنم يا قاري
قد انتهى منظومنا المسمى ... بالروض والحمد لمن قد عما
إحسانه جميع خلقه ولا ... ثم صلاته على من قد أرسلا
للعالمين رحمة محمد ... وآله وصحبه والمقتدي
أبياته في العد تسعة عشر ... ومائتان وبشوال ظهر
عام ثلاثين وألف ومائة ... وواحد وقد أدنت للفئة
ذوي العقول ما به من خلل ... بدا وما من خطإ وزلل
أن يصلحوا ولهم الأجر الجزيل ... من الإله ربنا المولى الجليل(2)
هذه أرجوزة "روض الزهر" بتمامها للإمام المدغري، وهي مثال للقصائد التي حاذت "تفصيل ابن غازي" إلا أنه لم يسلك فيها سبيله في إيراد مسائل الخلاف بين الرواة والطرق عنهم إلا من حيث ما جاء منها في الأداء عنهم على أكثر من وجه، ولذلك أدخل في أرجوزته ما قرأ به الأزرق عن ورش والمروزي عن قالون وهو شيء استغنى عنه ابن غازي لتكفل ابن بري به في "الدرر اللوامع"، وبهذا يكون المدغري قد استفاد من الأرجوزتين ومزج بينهما، ونبه على الأوجه المقدمة في الأداء مما أشار إلى الخلاف فيه.
15- أرجوزة "تكميل المنافع" للإمام عبد السلام بن محمد بن محمد المدغري أيضا
ومطلعها كما تقدم قوله:
__________
(1) للقاضي إسماعيل كتاب مشهور في الفقه بعنوان: "أحكام القرءان" قال الداودي في طبقات المفسرين 1/105-107 "لم يسبق إلى مثله" ترجمة 98.
(2) في المخطوطة "الجزيل" في كلا الشطرين، وقد أصلحت الشطر الثاني بما يناسب.(1/115)
"يقول راجي عفو خالق الأنام ... ... نجل محمد عبيد للسلام".
وقد تقدم لنا في ترجمة ابن بري وذكر ما قام على أرجوزته "الدرر اللوامع" من نشاط علمي، ذكر هذه الأرجوزة المطولة التي تشتمل على 1071 بيتا، وعرفنا بها هناك باعتبارها إحدى أهم امتدادات إشعاع الأرجوزة المذكورة كما أشرنا هناك إلى أنه جعلها بمثابة التكملة لمقاصد الشيخين ومسائل الأرجوزتين، بل إنه زاد على ذلك إدراج بعض أبياتهما في نظمه، وفي ذلك يقول:
ونظم ذا يكون كالتكميل ... لدرر ابن بري والتفصيل
لنجل غازيهم إمام العلما ... أكرم به من سيد بل بهما
لأنني أدخلت نظمي منهما ... بعضا من الأبيات فافهم واعلما(1)
16- أرجوزة "تبصرة الإخوان في مقرإ الإصبهان" للشيخ أبي عبد الله محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الرحماني الحشادي – نزيل مراكش – صاحب "تكميل المنافع في الطرق العشرية" النثري الآنف الذكر فيما ألف على التفصيل من شروح وحواش.
والأرجوزة المذكورة تعتبر بمثابة التكملة لما ذكره ابن بري من أصول أبي يعقوب الأزرق التي عليها المغاربة في التلاوة والأداء، وقد خصها الرحماني بالرواية التي كانت سائدة في العراق وبلاد العجم، وهي رواية الإصبهاني محمد بن عبد الرحيم الأسدي الذي يروي رواية ورش عن أصحابه وأصحاب أصحابه كما تقدم في الباب الثالث من هذا البحث. وذلك في ما خالف فيه الإصبهاني أبا يعقوب الأزرق عن ورش، ومن ثم كانت لها أهميتها في الإبانة عن الوجوه الأخرى التي جاءت عن ورش من طرق أخرى تندرج في "العشر الصغير" وكانت مما يتنافس الحذاق من الطلبة في تحصيله استكمالا لثقافتهم في هذا العلم.
وقد بناها الناظم - كما قال - على كتاب "مفردة الإصبهاني" التي تدخل ضمن كتاب "المفردات" لأبي عمر الداني الذي اشتمل على إفراد أصول كل قارئ باعتبار الروايات والطرق عنه.
__________
(1) يمكن الرجوع إلى النماذج التي نقلتها من الأرجوزة "تكميل المنافع" في العدد 19 ص 174.(1/116)
وهي باعتبار آخر مستلة من أرجوزة "التفصيل" لابن غازي وناظرة إليها حتى في الصياغة النظمية كما يتبين ذلك من المقارنة، لكن لا يتسع المقام لتتبعها.
وقد وقفت منها على نسخة عند شيخي السيد محمد بن إبراهيم إمام مسجد "بير الفايض" بالكريمات من إقليم الصويرة، وهي بخطه ومن نسخته نقلتها، ولا أعلم لها وجودا في الخزائن الرسمية، ولذلك حرصت على إثباتها بنصها الكامل تعريفا للقارئ الكريم بها، وإنقاذا لها مما عسى أن تتعرض له من التلف والضياع، وهذا نصها، وهي في 51 بيتا:
حمدت ربي ثم صليت على ... محمد والآل والصحب العلا
دونك نظما في طريق الأسدي ... ما خالف الأزرق فيه تهتد
وأخذه بسند في النقل ... فشيخه مواس نجل سهل
عن يونس وداود المرضي ... كلاهما عن ورش المصري
وسند آخر عن سليمان ... عن ابن وهب الرضا عن عثمان
ومفردات الداني قد نظمت ... والله حسبي وبه استعنت
باب البسملة
وبين كل سورتين بسملا ... للأسدي، والبدء عنه مسجلا
واستثن توبة كما في النقل ... بتركها في الابتدا والوصل
باب ضم ميم الجمع
وهمزة القطع وميم فصلا ... والحائل المذكور قالوا في ولا
عند رؤوس الآي ما لم يحل ... ما بينه وبينها من حائل
باب قصر الممدود
والقصر جاء عنه في المنفصل ... كنحو في أنفسكم ويا أولي
واقصر له اللين وما تأخرا ... كآت والإيمان أوحي جرى
باب الهمزتين من كلمة أو كلمتين
وعنه ثاني الهمزتين سهلا ... في كلمة أو كلمتين مسجلا
نحو أأنت أئذا أنزلا ... وجاء أمرنا وأوليا أولا
باب تحقيق الهمز وتخفيفه
وكل همز سكنوا قد أبدلا ... للأسدي سوى الذي بعد خلا
تئوي فأبدل وادغم بلا امترا ... وقيل رءيا مثله ونكرا
وحققن رءيا وجئت مطلقا ... وكيف لؤلؤا قرأت مرتقى
كذا قرأناه ونبأتكما ... بيوسف حقق له وكيفما
أنبئهم نبئ بأربع جلا ... هيئ معا، واقرأ ثلاثا يجتلى
وأبدل المجزوم باستيفاء ... وهو يشأ عشرة بالياء
تسؤ ثلاثة كذا تشأ وزد ... ومع يهيئ لم ينبأ في العدد
وسهلن له ما كان مجملا ... مخففا أتاك أو مثقلا(1/117)
أفأنت أفأمن به قرا ... إن همز الاستفهام قبله جرى
كذا رأيت ورأيتم مسجلا ... وذاك في الخبر عنه أقبلا
قال أبو عمرو وشرط الياء ... بعيد همزها بلا امتراء
وسهل الثاني واعكس واجمعن ... وذاك عنه جاء في لأملأن
وأبدل الفؤاد كيفما ظهر ... وفبأي إن بفاء استقر
قال أبو عمرو: بخمس وافية ... في النجم والأعراف ثم الجاثية
والمرسلات ثم في الرحمن ... جميع ما فيها فخذ بياني
وأبدلن بأن ما إن ثقلت ... ناشئة شانئك وملئت
معا، وأول تأذن أتى ... وخاسئا إبدالها قد ثبتا
وفيها عنها عنه الفاسي قد وعى(1) ... مع اطمأن لنبوئن معا
تامن تأذن كأين حيثما ... جئت في الأعراف عناه مثلما
وحققن لئلا حيثما بدا ... مؤذن معا كذاك وردا
باب الإظهار والإدغام
وعنه أظهر ب "كانت ظالمة" ... ثم لقد ذرأنا عنه مدغمة
ونون ياسين ونون أظهرا ... وأبقى غنة بلام وبرا
وغنة النون للام تظهر ... إن سمعت ثم العموم أشهر
باب ترقيق الراءات وتفخيم اللامات
وافتح للأصبهاني كل ما ترى ... من الإمالة وكيف ظهرا
وحكمة التفخيم في الراءات ... والعكس عنه جاء في اللامات
باب ياء الإضافة
سكن له أني أوفي إخوتي ... ولي فيها من معي في الظلة
أوزعني في النمل والأحقاف ... كذاك محياي بلا خلاف
باب الزوائد
وزد له في الوصل ما ليوسف ... مع هذه الثلاث خمسين تفي
إن ترن كذاك توتون جرى ... واتبعون أهدكم بلا امترا
باب فرش الحروف من أول القرءان إلى آخره
ها أنتم حقق بعد القصر ... الأسدي حيث أتت في الذكر
وملء في الحالين بالنقل وعي ... كتابيه إني أباؤنا معا
وها به انظر كيف بالضم قرا ... واللائي والنسيء بالهمز عرا
وهمز اصطفى(2) بوصل وردا نسكله بالياء قبيل صعدا(3)
__________
(1) كذا في النسخة "وفيها عنها عنه..." ولم أقف على المراد بالضمير "عنها".
(2) يعني قوله تعالى في سورة الصافات: "أصطفى البنات على البنين".
(3) يعني التي في سورة الجن.(1/118)
قد انتهى النظم بحمد الله ... سنة ختمه(1) بلا تناه
سيمته "تبصرة الأخوان" ... في مقرإ الإمام الإصبهاني
أرجو به مغفرة الكريم ... والفوز في غد من الجحيم
معتذرا للسادة الأبرار ... مصليا على النبي المختار(2)
ذلك جانب مما قام على أرجوزة "التفصيل" لابن غازي من نشاط علمي، وهو في الوقت ذاته يعتبر في جملته كما قدمنا امتدادا للأثر العظيم الذي انبثق عن أرجوزة ابن بري التي عليها أساسا نظمت أرجوزة التفصيل.
ولقد رأينا كيف سيطرت مدرسة ابن غازي من خلال هذه الأرجوزة وما ارتبط بها أو قام عليها من أعمال علمية على ميدان "العشر الصغير" النافعية، وكيف امتد إشعاعها في مختلف الجهات خلال العصور اللاحقة التي رأينا قسما صالحا من إنتاجها في المدرسة المغربية عبر العصور اللاحقة.
__________
(1) يعني قيمتها العددية بحساب الجمل، الخاء بستمائة والتاء بأربعمائة، والميم بأربعين والهاء بخمسة، فيكون قد نظمها سنة 1045هـ، ويقع هذا التاريخ بعد التاريخ الذي فيد فيه تقييده خلاف الأئمة السبعة مما قرأ به على شيخه محمد بن محمد بن سليمان البوعناني وذلك في صفر عام 1038هـ ويقع في 10 صفحات من المجموع المخطوط الذي كتبه الرحماني بيده، وهو مودع في الخزانة الوقفية العتيقة بمدينة آسفي.
(2) تاريخ نسخ شيخنا سيدي محمد بن إبراهيم لتبصرة الإخوان هو يوم الخميس من شهر رجب 1359هـ. ولم يعين تاريخ اليوم من الشهر المذكور.(1/119)
أما الآن فلنا موعد مع الامتدادات البشرية التي كانت للمدرسة من طريق الرواية المباشرة عنه، وذلك بمحاولة التعريف بالمذكورين من أصحابه بالرواية والأخذ عنه ممن تسلسلت من طرقهم أسانيد المغاربة في هذه القراءة على مختلف مستوياتها في القراءة العامة برواية الأزرق وحدها، أو في الجمعين الصغير والكبير اللذين تندرج فيهما الرواية من الطريق التي تعنينا ضمن الإطار التعليمي الذي وضعه أرباب الفن للأداء بطريقة الجمع والإرداف المتبعة في معاهد القراءات إلى الآن.
وذلك ما سنقف عليه في عدد تال بحول الله والله سبحانه الموفق لا إله غيره ولا رب سواه.
فهرس المصادر والمراجع
عدد 24
- إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس لعبد الرحمن بن زيدان: الطبعة 2، 1410هـ - 1990م.
- إجازة محمد بن محمد البوعناني لتلميذه محمد الشرقي الدلائي: مخطوطة بالخزانة الحسنية بالرباط عدد: 9977.
- الأعلام لخير الدين الزركلي – طبعة دار العلم للملايين – بيروت (8 مجلدات).
- الأقراط والشنوف في معرفة الابتداء والوقوف للشيخ محمد بن عبد السلام الفاسي مخطوط بالخزانة الحسنية بالرباط رقم 1953.
- الإمالة في القراءات واللهجات العربية للدكتور عبد الفتاح شلبي - طبعة نهضة مصر الطبعة 2 القاهرة: 1391هـ - 1971.
- إنشاد الشريد من ضوال القصيد للشيخ أبي عبد الله محمد بن غازي المكناسي رسالة مرقونة بدار الحديث بالرباط تحقيق السيد حسن العلمي نوقشت في شهر يناير 1410هـ للحصول على دبلوم الدراسات العليا.
- أنوار التعريف لذوي التفصيل والتعريف للشيخ محمد بن أحمد بن أبي القاسم الجزولي الحامدي السوسي مخطوط بالخزانة الحسنية بالرباط رقم 8885.
- ألف سنة من الوفيات لمحمد حجي وضمنه ثلاث كتب للونشريسي وابن قنفذ وابن القاضي.(1/120)
- إرشاد اللبيب إلى مقاصد حديث الحبيب للشيخ أبي عبد الله محمد بن غازي المكناسي تحقيق عبد الله التمسماني نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالرباط - تطوان 1409هـ.
- البدور الضاوية للحوات (مخطوط).
- بذل العلم والود في شرح أرجوزة تفصيل العقد لأبي زيد عبد الرحمن القصري الشهير بالخبار وبالفرمي مخطوط بالخزانة الحسنية بالرباط رقم 887 ضمن مجموع.
- البستان في ذكر العلماء والأولياء بتلمسان لمحمد بن محمد المعروف بابن مريم المديوني، نشر المطبعة الثعالبية بالجزائر 1326هـ.
- بيوتات فاس الكبرى لإسماعيل بن الأحمر، نشر دار المنصور للطباعة، الرباط 1972م.
- تبصرة الإخوان في مقرإ الإصبهان لأبي عبد الله محمد بن محمد بن أحمد الرحماني أرجوزة مخطوطة.
- التبيين للتفصيل (أرجوزة في ميم الجمع التي قبل الفواصل) لمحمد الخروبي (مخطوطة).
- التذكرة في القراءات لابن غلبون تحقيق الدكتور عبد الفتاح بحيري إبراهيم، مكتبة الزهراء للإعلام العربي ط 2: 1411هـ.
- التعريف في اختلاف الرواة عن نافع لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني تحقيق الدكتور التهامي الراجي الهاشمي طبع اللجنة المشتركة بين المملكة المغربية ودولة الإمارات العربية، مطبعة فضالة المحمدية: 1403هـ - 1982م.
- تفصيل عقد درر ابن بري (أرجوزة في الطرق العشر النافعية) لأبي عبد الله بن غازي – (مخطوطة) بالخزانة الحسنية رقم 1052.
- تقريب النشر في طرق المدني العشر لمحمد بن عبد الرحمن الأزروالي مخطوط بخزانة القرويين بفاس رقم 1058.
- تقييد على ما في التعريف لأبي عمرو الداني لبعض شيوخ مدينة فاس (مخطوط).
- تقييد طرر على مورد الظمآن في الرسم لبعض شيوخ مدينة فاس مخطوط بالخزانة الحسنية بالرباط في مجموع برقم 6511.
- تكميل المنافع في الطرق العشر المروية عن نافع للشيخ محمد بن عبد السلام المدغري (أرجوزة).(1/121)
- تكميل المنافع في الطرق العشر المروية عن نافع لأبي عبد الله محمد بن محمد الرحماني مخطوط بالخزانة الحسنية رقم 8864.
- تلخيص المتشابه في الرسم وحماية ما أشكل منه عن بوادر التصحيف والوهم للحافظ أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، تحقيق سكنية الشهابي، منشورات طلاس، ط 1: 1985.
- تنبيهات ومسائل مقيدة عن ابن غازي، مخطوطة ضمن مجموع بخزانة أوقاف مدينة آسفي دون ترقيم.
- التيسير في القراءات السبع لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني، نشر دار الكتاب العربية، ط 2، بيروت: 1404هـ - 1984م.
- ثبت أبي جعفر أحمد بن علي البلوي الوادي آشي تحقيق الدكتور عبد الله العمراني، نشر دار الغرب الإسلامي ط 1: 1403هـ.
- الجامع المفيد في أحكام الرسم والقراءة والتجويد لأبي زيد عبد الرحمن بن القاضي، مخطوط خزانة ابن يوسف بمراكش رقم 144.
- جذوة الاقتباس في ذكر من حل من الأعلام مدينة فاس لأحمد بن القاضي المكناسي، نشر دار المنصور، الرباط، ط 1: 1974م.
- الدرر اللوامع في أصل مقرإ الإمام نافع لأبي الحسن علي بن محمد بن بري التازي، ضمن شرحها النجوم الطوالع للمارغني التونسي.
- درة الحجال في أسماء الرجال لأبي العباس أحمد بن القاضي المكناسي تحقيق محمد الأحمدي أبو النور – نشر دار التراث بالقاهرة: 1390هـ.
- الدرة الجلية في ضبط المصحف لأبي وكيل سيمون بن مساعد المصمودي مولى أبي عبد الله الفخار، مخطوط خزانة ابن يوسف بمراكش رقم 610.
- دليل المخطوطات بدار الكتب الناصرية بتمكروت لمحمد المنوني طبعة وزارة الأوقاف بالمغرب: 1405هـ - 1985م.
دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر لمحمد بن عسكر الحسني الشفشاوني، تحقيق محمد حجي، الرباط: 1397هـ.
- ذكريات مشاهير رجال المغرب، ابن غازي، لعبد الله كنون، العدد: 12 نشر دار الكتاب اللبناني، بيروت – لبنان.(1/122)
- الروض الجامع في شرح الدرر اللوامع لمسعود بن محمد جموع السجلماسي، مخطوط مصور في خزانة خاصة.
- روض الزهر في طرق العشر المروية عن نافع (أرجوزة) لعبد السلام بن محمد المدغري صاحب تكميل المنافع، مخطوط في مجموع بالخزانة الحسنية بالرباط تحت رقم 119.
- الروض الهتون في أخبار مكناسة الزيتون للشيخ محمد بن غازي تحقيق عبد الوهاب بن منصور، المطبعة الملكية بالرباط: 1408هـ.
- الزاوية الدلائية ودورها الديني والعلمي والسياسي لمحمد حجي، المطبعة الوطنية بالرباط: 1384هـ - 1964م.
- السبعة في القراءات لأبي بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد البغدادي تحقيق الدكتور شوقي ضيف، نشر مكتبة دار المعارف، ط 2، القاهرة: 1400هـ - 1980م.
- سراج القارئ المبتدي وتذكرة المقرئ المنتهي في شرح الشاطبية (حرز الأماني في القراءات السبع) لابن القاصح العذري طبعة دار الفكر اللبناني – ط 4: 1398هـ - 1978م.
- سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس لمحمد بن جعفر الكتاني الفاسي – طبعة حجرية بفاس بدون تاريخ.
- شجرة النور الزكية في طبقات السادة المالكية لمحمد بن محمد بن مخلوف التونسي، نشر دار الكتاب العربي - لبنان.
- طبقات المفسرين للداودي تحقيق علي محمد عمر – نشر مركز تحقيق التراث بدار الكتب المصرية – القاهرة.
- العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة لأبي بكر محمد بن عبد الله بن العربي المعافري الأشبيلي (مجلدان) تحقيق الشيخ عبد الحميد بن باديس – مطبعة قسطنطينية – الجزائر: 1378هـ.
- غاية النهاية في طبقات القراء للحافظ ابن الجزري الدمشقي، ط 2: دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان: 1400هـ - 1980م.
- غيث النفع في القراءات السبع لأبي الحسن علي النوري الصفاقسي بهامش سراج القارئ لابن القاصح.
- الفجر الساطع والضياء اللامع في شرح الدرر اللوامع لأبي زيد عبد الرحمن بن القاضي مخطوط الخزانة العامة بالرباط رقم 989.(1/123)
- فتح المنان المروي بمورد الظمآن لعبد الواحد بن علي بن عاشر الأنصاري الفاسي – مخطوط الخزانة الحسنية بالرباط رقم 4326.
- الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي نشر المجمع الملكي بالأردن مؤسسة مآب.
- فهرسة الشيخ ابن غازي تحقيق محمد الزاهي – مطبوعات دار المغرب – الدار البيضاء: 1399هـ - 1979م.
- فهرسة الشيخ عبد الرحمن بن إدريس المنجرة مخطوطة بالخزانة الحسنية بالرباط رقم 11463.
- فهرس أحمد المنجور تحقيق محمد حجي – نشر دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر – الرباط: 1396هـ - 1976م.
- فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعجمات والمشيخات والمسلسلات لعبد الحي الكتاني تحقيق الدكتور إحسان عباس نشر دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط 2: 1402هـ 1982م.
- فهارس الخزانة الحسنية بالرباط – الفهرس الوصفي لعلوم القرآن، المجلد : 6 إعداد محمد العربي الخطابي: 1407هـ - 1987م – الرباط.
- القراء والقراءات بالمغرب لسعيد أعراب – نشر دار الغرب الإسلامي – ط 1: 1410هـ - 1990م.
- قصيدة دالية للشيخ ابن غازي – الخزانة العامة بالرباط – مجموع رقم 1371ورقة 235.
- القصيدة الدالية لابن المبارك السجلماسي في الهمز تحقيق الدكتور التهامي الراجي الهاشمي - دعوة الحق بوزارة الأوقاف بالرباط – العدد: 272 – نونبر – دجنبر: 1988م.
- كفاية التحصيل في شرح أرجوزة التفصيل لأبن غازي تأليف مسعود بن محمد جموع – تحقيق عبد الرحمن السائب – رسالة جامعة مرقونة بالآلة – دار الحديث الحسنية – الرباط وكذا مخطوطة الخزانة الحسنية بالرباط رقم 1410 في مجموع.
- كليات في الفقه للشيخ ابن غازي – مخطوط بالخزانة العامة بالرباط رقم: 1554 – 1553.
- كنز المعاني شرح حرز الأماني للإمام إبراهيم بن عمر الجعيري (مخطوط خاص).
- التقاط الدرر لمحمد بن الطيب القادري تحقيق هاشم العلوي القاسمي – نشر دار الآفاق الجديدة – بيروت.(1/124)
- لسان العرب لابن منظور – طبعة دار صادر – بيروت – لبنان.
- لقط الفرائد من لفاظة حقق الفوائد لأحمد بن القاضي المكناسي (ضمن كتاب ألف سنة من الوفيات) تحقيق محمد حجي – الرباط.
- المبسوط في القراءات العشر لأبي بكر أحمد بن الحسين بن مهران النيسابوري تحقيق سبيع حمزة حاكمي نشر دار القبلة للثقافة الإسلامية – جدة – ط2: 1408هـ - 1988م.
- المدرسة القرآنية في الصحراء المغربية لسعيد أعراب – دعوة الحق العدد: 9 السنة 1396هـ - 1976م.
- مرآة المحاسن لأبي المحاسن يوسف الفاسي – طبعة حجرية بفاس.
- معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار للإمام الذهبي تحقيق محمد سيد جاد الحق ط.1 – دار الكتب الحديثة بشارع الجمهورية – مصر – القاهرة.
- معونة الذكر (مصونة الذكر) في الطرق العشر النافعية لمسعود بن محمد جموع السجلماسي وتسمى أيضا الدرة السنية في القراءات العشرية – مخطوط بخزانة ابن يوسف بمراكش في مجموع رقم 229.
- المقاصد النامية في شرح القصيدة الدالية لابن المبارك في الهمز تأليف أبي زيد عبد الرحمن المنجرة – مخطوط بالخزانة الحسنية بالرباط رقم 887.
- مناقب الحضيكي (طبقات الحضيكي، مجلدان) المطبعة العربية – الدار البيضاء:1357هـ.
- مناهل الصفاء في أخبار الملوك الشرفاء للوزير أبي فارس عبد العزيز بن محمد الفشتالي تحقيق عبد الله كنون – مطبعة المحمدية : 1384هـ - 1964م – الرباط.
- مناهل الصفا في التقاط درر الشفا لموسى بن محمد الراحل مخطوط الخزانة الحسنية بالرباط رقم 355.
- من نوادر المخطوطات بخزانة الإمام عبد الجبار الفكيكي للأستاذ بنعلي محمد بن بوزيان دعوة الحق العدد 260 ربيع الأول: 1407هـ - 1986م.
- الميمونة الفريدة في نقط المصحف وضبطه أرجوزة للإمام أبي عبد الله بن سليمان القيسي – مخطوطة بالخزانة الحسنية بالرباط رقم 4558.(1/125)
- نزهة الأنظار في قراءات الثلاثة الأخيار لعبد السلام بن محمد المدغري مخطوط الخزانة الحسنية في مجموع برقم 119.
- نزهة الناظر والسامع في إتقان الإرداف والأداء الجامع لإدريس المنجرة – مخطوط العامة بالرباط رقم 3443.
- نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني لمحمد بن الطيب القادري تحقيق محمد حجي وأحمد التوفيق – دار المغرب: 1397هـ - 1977م.
- النشر في القراءات العشر للحافظ ابن الجزري تصحيح الشيخ علي بن محمد الضباع مطبعة مصطفى محمد بمصر – القاهرة.
- نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب لأبي العباس المقري التلمساني تحقيق محمد عبد الله عنان.
- نور الفهم أرجوزة في رواية قالون عن نافع لعبد السلام بن محمد المدغري - مخطوط الخزانة الحسنية رقم 119.
- الهدية المرضية في تحقيق الطرق العشرية لعبد السلام بن محمد المدغري مخطوط الخزانة الحسنية برقم 119 في مجموع.
- الوفيات للونشريسي (ضمن كتاب ألف سنة من الوفيات) تحقيق محمد حجي مطبوعات دار المغرب – الرباط 1396هـ - 1976م.
فهرس المحتويات
تصدير ...
تمهيد ...
الفصل الأول: أبو عبد الله بن غازي شيخ الجماعة ورجال مشيخته ومظاهر إمامته ...
ترجمته ومسقط رأسه وأوليته
أسرته ونسبه من جهة الأبوين
وظائفه التي شغلها إلى جانب إمامة التصدر للإقراء
مشيخته في القراءات ومروياته فيها
1. أبو إسحاق إبراهيم الحاج الأزدي
2. أبو العباس المصمودي الفاسي
3. أبو الحسن علي بن منون المكناسي
4. أبو الفرج الطنجي ...
5. أبو عبد الله الصغير النيجي كبير مشيخته ...
مروياته عنه وإجازته في القراءات وطرقه فيها ...
بعض الآخذين عن أبي عبد الله الصغير من مشيخة القراءات ...
أبو محمد علي بن عبد الجبار الصحيني وأرجوزته في الإشمام في "تأمننا" ...
6. أبو عبد الله بن السراج ومرويات ابن غازي عنه من كتب القراءات ...
مكانته العلمية وشهادات العلماء له ...
صلاته العلمية بالعلماء ...(1/126)
الفصل الثاني: نماذج من تحقيقاته في مسائل الأداء مما تلقنه عن شيخه أبي عبد الله الصغير وغيره ...
نماذج أخرى من تحقيقاته عن الصغير وانتصاره له في مجال الرسم والضبط ...
محاورة بينه وبين الشيخ إبراهيم الحاج منتصرا للشيخ الصغير على مخالفيه ...
مسائل أخرى من الخلافيات ذكرها ابن مجبر في تقييد له عنه ...
عناية الشيخ ابن غازي بالوجوه والتقسيمات المتعلقة بالأداء لورش وغيره ...
المنهج التعليمي عند ابن غازي واعتماده على الإحصاء ...
سيادة اختيارات مدرسته إلى الآن ...
من أمثلة هيمنة مدرسته واختياراتها ...
مثال مما عمت به البلوى من أخطاء الشيخ في قراءة العشر الصغير في تسمية ابن فرح المفسر ...
ترجمة ابن فرح من كتاب غاية النهاية وكتب أخرى ...
الفصل الثالث: آثاره في القراءات وأرجوزته تفصيل عقد الدرر في قراءة نافع ...
- عدد مؤلفاته في المصادر التاريخية: ...
1. إنشاد الشريد من ضوال القصيد "تقريرات على الشاطبية" ...
- طرر عليه لبعض العلماء ...
2. رجزه في فواصل الممال المسمى"كشف قناع الوهم والخيال في فواصل الممال" ...
- شرحه على الرجز المذكور ...
3. باقي مصنفاته في القراءات ...
- أرجوزته السائرة تفصيل عقد الدرر في الطرق العشر المروية عن نافع ...
- أهمية أرجوزة تفصيل العقد في موضوعها ...
الفصل الرابع: إشعاعها وما قام عليها من نشاط علمي ...
- شراح الأرجوزة وبعض المنظومات على منوالها: ...
1. شرح الإمام ابن غازي نفسه ...
2. شرح أبي زيد القصري المعروف بالخباز. ...
3. شرح أبي محمد الحسن بن محمد الدراوي الهداجي ...
4. شرح أبي محمد عبد الهادي بن عبد الله بن طاهر السجلماسي ...
5. شرح أبي عبد الله محمد بن يوسف التملي السوسي المراكشي ...
6. شرح أبي عبد الله محمد بن أحمد الحامدي الجزولي ...
7. شرح أبي الفضل مسعود بن محمد جموع السجلماسي ...
8. شرح أبي العباس أحمد بن إدريس الحسني ...
9.
كتاب تقريب النشر في الطرق العشر لمحمد بن عبد الرحمن الأزروالي ...(1/127)
10. كتاب تكميل المنافع في الطرق العشر المروية عن نافع لأبي عبد الله الرحماني ...
11. كتاب معونة الذكر (أو الروضة السنية في الطرق العشرية) لمسعود بن محمد جموع. ...
12. كتاب الهدية المرضية في تحقيق الطرق العشرية لعبد السلام بن محمد المدغري ...
13. كتاب أرجوزة التبيين للتفصيل في الخلاف في ميم الجمع لأبي عبد الله الخروبي ...
14. أرجوزة روض الزهر في الطرق العشر لعبد السلام بن محمد المدغري ...
15. أرجوزة تكميل المنافع في الطرق العشر عن نافع لعبد السلام بن محمد المدغري.
16. أرجوزة تبصرة الإخوان في مقر الإصبهاني لمحمد بن محمد الرحماني ...
قراءة الإمام نافع عند المغاربة
من رواية أبي سعيد ورش
أصحاب الشيخ ابن غازي
وإشعاع مدرسته في القراءات
ومكانة الإمام محمد بن أبي جمعة الهبطي
صاحب "تقييد وقف القرآن الكريم"
المرسوم في المصاحف المغربية
العدد الخامس والعشرون
بسم الله الرحمن الرحيم
تصدير:
الحمد لله رب العالمين، وبه أستهدي وأستعين، وأشهد أن لا إله إلا هو الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفوته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعه على منهجه إلى يوم الدين.
وبعد فهذا هو العدد الخامس والعشرون من هذه السلسلة حسب التجزئة التي تناولت من خلالها محتويات هذه الدراسة عن قراءة الإمام نافع عند المغاربة من رواية أبي سعيد عثمان بن سعيد ورش.
وهذا العدد في الحقيقة تتمة وامتداد للعدد السابق، لأنه يعالج البحث في إشعاع مدرسة الشيخ الإمام أبي عبد الله بن غازي من خلال استعراض معجم كبراء أصحابه الذين انتفعوا بصحبته واشتهروا بالأخذ والرواية عنه في تصدره بفاس بعد انتقاله إليها من مكناس.(1/128)
وقد رأيت إفراده عن العدد الماضي رعاية للحجم من جهة وتنبيها على أهمية رجال هذا الرعيل ممن حملوا راية مدرسة الشيخ ابن غازي، وكانوا واسطة بينها وبين العهود اللاحقة في فاس عاصمة المغرب لهذا العهد ثم في الأقاليم والجهات الأخرى من المغرب في الشمال والجنوب والشرق.
وكانت لي إلى جانب هذا وقفة متأنية في فصل خاص مع الشيخ الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي جمعة الهبطي صاحب تقييد الوقف المغربي المرسوم في مصاحفنا حاليا، حاولت فيها إنصافه من طائقة من الغلاة في التشنيع عليه، ونسبة قلة الدراية بقواعد العربية إليه، اعتمادا منهم على ما وجه من سهام النقد إلى مجموعة من الوقفات التي يقرأ بها ضمن هذا الوقف وفيها ما فيها من مواضع الانتقاد.
وسوف يرى القارئ الكريم أن كثيرا من تلك المواضع المنتقدة لا يتحمل الشيخ عهدتها، لأنها مما عرفت نسبتها لغيره، أو أنها مما زيد في تقييده في فترات المراجعة التي سوف نرى كيف تعرض لها على أيدي من تداولوه بعد الشيخ من تلامذته وغيرهم.
هذا مع ما سيقف عليه من ضم صوتنا إلى أصوات مجموعة من العلماء ظلوا عبر العصور يدعون إلى إعادة النظر في هذا الوقف باتباع أسلوب سليم يتحرى ما حدده العلماء من قواعد للوقف والابتداء تحفظ رونق التلاوة وتحترم المعاني المحررة في أمهات كتب التفسير، على نحو ما فعله علماء المشرق العربي في المصاحف المطبوعة برواية حفص عن عاصم بن أبي النجود مع مراعاة خصوصيات قراءة نافع بن أبي نعيم التي يقرأ بها عندنا.
... والله سبحانه الموفق للرشاد، وعليه التكلان والاعتماد
... ...
العدد الخامس والعشرون من سلسلة قراءة الإمام نافع
عند المغاربة من رواية أبي سعيد ورش
تصدير:(1/129)
لقد أشرنا مرارا إلى ما تشكوه المصادر المغربية من الفقر فيما يخص التاريخ العلمي وخاصة في علم القراءات، ولذلك فمن نافلة القول أن نقول إننا لا نطمع في أن نجد أحدا قد دلل لنا الميدان بالتأليف في رجال هذه المدرسة أو غيرها من مدارس القراءات التي أسلفنا الحديث عنها، وليكن ذلك مثلا على غرار ما ألف بعض الأندلسيين من معاجم كانت تسمى "معجم الأصحاب" وقد وصل إلينا منها "معجم أصحاب أبي علي الصدفي" من تأليف أبي عبد الله بن الأبار كما قدمنا.
وقصارى ما يطمح إليه الباحث في مصادرنا المتأخرة أن يجد عددا يقل أو يكثر يمكن بتجميعه بعد النظر فيه الحصول على قائمة بأسماء من ينسبون إلى الأخذ عن هذا القارئ أو ذاك دون مزيد من التفصيل في الغالب الأعم بذكر شيء من التواريخ أوالإجازات أو غيرها مما يساعد الباحث على التمثل الصحيح لنظام المشيخة وطرق الأخذ والرواية وأساليب التدريس والإقراء في هذه الحقبة.
وفي هذا الصدد يختلف الأمر نوعا ما بالنسبة لأبي عبد الله بن غازي، إذ كانت حركته العلمية من القوة والعمق بحيث لا تقوى عوامل النسيان والإهمال على أن تواريها وتطمس آثارها بالكلية.
وبهذا غدا في إمكان الباحث أن يحصل من الرجوع إلى المصادر والمظان على قائمة مهمة عن رجال هذه المدرسة يمكن بالاستناد إليها إعطاء صورة تقريبية عن الجمهرة الكبيرة الرفيعة الشأن التي كانت تلتف حوله في عاصمة البلاد، كما أنها تمكنه من تصور الامتدادات البشرية الجهوية التي سرت من خلالها آثار مدرسته ومقوماته الأدائية والفنية لتأخذ طريقها إلى مختلف أرجاء البلاد المغربية لتسيطر على الدراسات القرءانية بالمغرب سيطرة كاملة إلى اليوم - فيما نراه - وليس "مدى قرن ونصف" فقط كما حدد ذلك بعض الذين كتبوا في الموضوع(1).
__________
(1) سعيد أعراب في بحث له بعنوان "المدرسة القرءانية بالصحراء المغربية" دعوة الحق العدد 6 75 السنة 17 – ربيع الأول 1396 مارس 1976م.(1/130)
وعلى الرغم من كون كتب التراجم لا تفيض في ذكر أصحابه حتى المشاهير منهم، فإنها مع ذلك تومئ إلى كثرتهم ووفرتهم بعبارات لا تكاد تخلو منها ترجمة في المصادر التي ترجمت له.
فهذا السوداني في النيل يقول: "أخذ عنه خلق لا يحصون"(1).
وينقل عن صاحبه عبد الواحد بن أحمد الونشريسي قوله: "وتخرج بين يديه عامة طلبة فاس وغيرها، رحل الناس للأخذ عنه وتنافسوا فيه"(2).
وأشار إلى نحو من ذلك صاحب "دوحة الناشر" بقوله: "وكان صدرا في جميع العلوم، ومشايخ فاس كلهم يروون عنه ويعظمون روايته"(3).
ويقول ابن زيدان في "الإتحاف": "رحل الناس للأخذ عنه، وتنافسوا فيه، وتخرج عليه عامة طلبة فاس وغيرها، وكان شيخ الجماعة بها"(4).
وقال في: "شجرة النور": "أخذ عنه من لا يعد كثرة"(5).
ويعطينا العلامة عبد الله كنون هذا التقويم لشخصية الأستاذ ابن غازي في هذا المجال ويتحدث عن إشعاع مدرسته فيقول:
"وإذن فنحن أمام عالم جامع بذل مجهودا كبيرا في الدراسة حتى حصل على غالب معارف أهل عصره، ثم بذل مجهودا مماثلا في بث هذه المعارف ونشرها، بل خاض معركة عظيمة ضد الجهل وانتشاره فحفظ الله به رمق العلم، وصان سنده عن الانقطاع، فلا تجد إلا منتميا له، آخذا عنه، متحدثا بفضائله، مثنيا على اجتهاده".
__________
(1) نيل الابتهاج بهامش "الديباج المذهب" 333.
(2) المصدر نفسه 333.
(3) دوحة الناشر لابن عسكر 46.
(4) إتحاف أعلام الناس 4/2-3.
(5) شجرة النور الزكية لابن مخلوف 276.(1/131)
"وطار صيته في الآفاق، فلم يقتصر الأخذ عنه على أهل المغرب خاصة، بل قصده الناس من كافة أنحاء أفريقية الشمالية، فهؤلاء كثير من علماء تلمسان - وهي ما هي حينذاك - رووا عنه وتتلمذوا له، ومثل تلمسان غيرها من مدن المغربين الأوسط والأدنى، كما أن اجتهاده العلمي لم يقتصر على التدريس - وهو بالصفة التي ذكرنا غاية لا تدرك - بل تعداه إلى التأليف في كل هذه العلوم ووضع الكتب المتعددة في كل فن، بحيث أعطى الدليل المادي لكل من يسعده الحظ بلقائه أو ماري في كفاءته العلمية على أنه جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، وصح أن يقال فيه من أحد عارفيه:
تكلم في الحقيقة والمجاز ... فما في الأرض مثلك يا ابن غازي(1)
ولم يزد الشيخ كنون في ذكر الآخذين عن ابن غازي مع كل هذا التنويه على تسمية ستة من أصحابه، وذلك – ولا شك – لا يتناسب مع ما ذكر من عموم الأخذ عنه في الجهات والأقطار، ومهما يكن الباعث عليه من طلب للاختصار فمن شأنه أن يفوت على الدارس ذلك التمثل الصحيح الذي يسعى إلى تحصيله بالوقوف على درجة تأثيره في عصره من خلال التعرف على أصحابه وتوزع التأثير والإشعاع من خلالهم في مختلف الجهات.
__________
(1) سلسلة (ذكريات مشاهير رجال المغرب – ابن غازي – لعبد الله كنون 15-16).(1/132)
ونحن هنا لا ندعي أننا سنشفي الغليل في ذلك بتقديم الجرد الكامل الذي نستوفي فيه رجال هذه المدرسة، ولكننا أيضا لن نقصر في جمع ما تيسر لنا من ذلك، وأقل ما نتوخاه من ذلك أن ننبه إلى مقدار الحاجة إلى بذل مزيد من الجهد والتقصي للم شتات رجال هذه المدرسة العظيمة، ومحاولة تتبع امتداداتها البشرية التي امتدت من خلالها في الجهات والآفاق محملة بمقوماتها الفنية، ومذاهبها في القراءة والأداء، وأسانيدها المتصلة بأئمة القراء ومدارس الإقراء كما أعطينا صورة عن كل ذلك في الفصلين السابقين من هذا الباب(1) لعلنا نفي لمؤسسها وعميدها ورجالها ببعض الدين الذي لهم في أعناقنا نحن المغاربة.
وإسهاما منا في هذه الغاية وتلك المحاولة قمنا بجمع هذه القائمة التي انتظم لنا من خلالها التعريف بأهم المذكورين من رجال مدرسته مع التعريف بأعلام الذين انتفعوا كثيرا بصحبته وكان لهم من بعده الشفوف الظاهر في الميدان، والتبريز المشهود في تمثيل المدرسة، ثم الإشارة إلى أشهر من أخذ عنهم من الأكابر في محاولة لاستكمال ما نسعى إلى بلوغه من إعطاء صورة واضحة مترابطة الحلقات متناسقة الأجزاء والمكونات عن "المدرسة المغربية الجامعة" التي ستأخذ بعد الآن صبغتها النهائية وتستوي على قدميها استواء كاملا، وذلك بعد أن استوفت عناصر التكوين، وبلغت مستوى النضج والكمال.
وهذه تراجم أولئك الأعلام نعقد لها هذا الفصل بعد تتبعها من المصادر وترتيبها على الهجاء.
الفصل الأول:
قائمة أصحاب ابن غازي والرواة عنه.
__________
(1) الإشارة هنا إلى ما تقدم في الحلقة السابقة من هذه السلسلة.(1/133)
1. إبراهيم بن عبد الجبار بن أحمد الفكيكي – بكاف معقودة فيها – الورتدغيري الشريف الرحالة المحدث الناظم الناثر، وصفه في الجذوة بهذه الصفات وقال: "أخذ بمدينة فاس عن الأستاذ الصغير وعن الشيخ ابن غازي وأحمد الونشريسي، ولقي بتلمسان شيوخا جلة... وذكر له مجموعة من الشيوخ ورحلة إلى المشرق وقصائد شعرية وكتابا منظوما في الفقه والديانات، وذكر وفاته ببلاد السودان – كما تقدم – بعد التسعمائة"(1).
وقد سماه الحفناوي في "تعريف الخلف" باسم أحمد بن إبراهيم الفجيجي... وذكر المعلومات نفسها(2)، والصواب ما قدمناه وهو صاحب القصيدة المشهورة في الصيد وشرحها "كمال الفريد وتقييد الشريد"(3).
2. أحمد بن أحمد بن علي بن عبد الرحمن بن القاضي المكناسي جد أبي العباس بن القاضي المؤرخ صاحب درة الحجال "وجذوة الاقتباس" وغيرها، تولى القضاء بمكناس، قال ابن زيدان:
"أخذ عن الإمام ابن غازي وغيره، توفي بفاس المحروسة سنة 955"(4).
3. أبو العباس أحمد بن أطاع الله.
لم أقف على ترجمته مفصلة، وإنما وقفت على ذكره في "فهرس المنجور" عند ذكره لشيوخ شيخه محمد بن عبد الرحمن بن جلال حيث قال: "وعن الأستاذ المحقق أبي العباس أحمد بن طاع الله(5) ممن قرأ على شيخ الجماعة أبي عبد الله بن غازي وغيره"(6).
__________
(1) جذوة الاقتباس 1/99-100.
(2) تعريف الخلف لأبي القاسم محمد الحفناوي 2/7-8.
(3) مطلع القصيدة قوله:
يلومونني في الصيد والصيد جامع ... لأشياء للإنسان فيها منافع
وقد سماها "روضة السلوان" ثم شرحها بالشرح المذكور "كمال الفريد وتقييد الشريد"، وهذا الشرح مخطوط بخزانة القرويين بفاس تحت رقم 1868 كما في (فهرسة القرويين لمحمد العابد الفاسي 3/326-327).
(4) ذكره ابن القاضي نفسه في لقط الفرائد 301 وجذوة الاقتباس 1/158 – وذكره في الأتحاف 1/318-319.
(5) كذا في الفهرس، وسيأتي في أسانيد الرحماني "أطاع الله" بألف.
(6) فهرس المنجور 78.(1/134)
ثم وقفت عليه في أسانيد الشيخ أبي عبد الله محمد بن محمد الرحماني صاحب أبي زيد بن القاضي، فوجدته قد أسند القراءة في إحدى طرقه عن الشيخ الحسن بن محمد السالمي الشهير بالدراق عن شيخه عيسى بن موسى الراشدي عن ابن أطاع الله عن ابن غازي"(1).
4. أبو العباس أحمد بابا التنبكتي صاحب "نيل الابتهاج"، واسمه الكامل أحمد بن أحمد بن أحمد بن عمر بن محمد أقيت عرف ببابا التنبكتي. ذكره صاحب "الإتحاف" في الآخذين عن ابن غازي(2).
5. أحمد بن الحسن بن عبد الرحمن بن عبد العزيز بن محمد التسولي.
وصفه في "نيل الابتهاج" بالأستاذ النحوي وقال: "روى عن الدقون وابن غازي، وعنه صاحبنا الشيخ محمد القصار مفتي فاس وغيره... ثم ذكر وفاته بفاس في رجب عام 969هـ(3).
وذكره بمثل ذلك في "الجذوة" و"درة الحجال" وقال: "وله نظم "مورد الظمآن" وغيره"(4). ولعله يريد أنه شرحه(5).
6. أحمد بن علي بن أحمد بن علي بن أحمد بن داود أبو جعفر البلوي الأندلسي الوادي آشي صاحب الثبت المشهور المطبوع الذي ذكر فيه مشيخته، وقد ذيله بإجازة ابن غازي له بما في فهرسته ولمن معه(6).
7. أحمد بن عبد الله المسكرادي السوسي
ترجم له الحضيكي في مناقبه وقال: "أخذ عن شيوخ فاس وأعلامها: الإمام أبي عبد الله بن غازي – رضي الله عنه – وأبي العباس أحمد بن يحيى الونشريسي وغيرهما ممن في طبقتهما من الأعيان... ثم ذكر بعض الآخذين عنه ووفاته سنة 958"(7).
__________
(1) مجموعة إجازات شيوخ الرحماني في مجموع بخطه مخطوط بخزانة أوقاف آسفي العتيقة.
(2) إتحاف أعلام الناس 4/8-9.
(3) نيل الابتهاج، 93.
(4) درة الحجال 1/16 ترجمة 192 وجذوة الاقتباس 1/134.
(5) تقدم ذكره في شروح مورد الظمآن للخراز.
(6) يمكن الرجوع إليه في مصادر هذا البحث المطبوعة في آخر البحث.
(7) مناقب الحضيكي 1-12/16 وفيها معلومات مفيدة عن تقدير الصاع والمد بفاس.(1/135)
وذكر في جذوة الاقتباس أنه أخذ عن الحسن بن عثمان صهره – الآتي في أصحاب ابن غازي – وعن الأستاذ محمد بن أحمد بن مجبر المساري بفاس، وعن يحيى السوسي قال:
"وكان له مع الإمام محمد المهدي(1) مشاهد مشهورة تدل على صرامته في الحق"(2).
8. أحمد بن علي بن قاسم الزقاق أبو العباس التجييي الفقيه من أهل مدينة فاس ومن بيت علم وفقه، ناظم اللامية المشهورة في الفقه بلامية الزقاق، ذكر أبو العباس المنجور قراءته على أبي عبد الله بن غازي(3)، وترجم له في الجذوة فذكر أخذه عن أبيه علي وجماعة من أهل فاس، وذكر وفاته بها سنة 932(4).
9. أحمد بن محمد بن أحمد بن غازي ولد الشيخ ابن غازي أبو العباس أحد ولديه المذكورين بالرواية عنه أجاز له ولجماعة معه بجميع ما اشتملت عليه فهرسته وذيلها، وهذا نص الإجازة كما نقلها صاحب الإتحاف، وهي مخطوطة بخط المجيز على ظهر فهرسته، وقد نشر صورتها صاحب الإتحاف بخط ابن غازي ونصها:
"الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. أجزت لولدي أحمد ومحمد، وللفقيه أبي محمد عبد الواحد نجل العالم المطلق أبي جعفر أحمد بن يحيى الونشريسي(5) وللفقيه أبي الحسن علي بن موسى بن هارون المطغري، وللفقهاء الإخوة الجلة أبي عبد الله محمد وأبي زيد عبد الرحمن وأبي العباس أحمد وأبي القاسم أولاد محمد بن إبراهيم الدكالي، وللفقيه أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد الغزال جميع ما اشتملت عليه فهرستي هذه وذيلها، إجازة تامة مطلقة عامة، بشروطها.
__________
(1) يعني القائم السعدي مؤسس الدولة السعدية بسوس، وربما كان المراد محمد الشيخ ولده.
(2) جذوة الاقتباس 1/158-159 ترجمة 109.
(3) فهرس المنجور 30.
(4) الجذوة 1/133.
(5) أبو جعفر هذا ولد صاحب المعيار المعرب المعروف.(1/136)
قاله وكتبه العبد الفقير المستغفر: محمد بن أحمد بن محمد بن غازي العثماني سمح الله تعالى له بمنه، والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى"(1). وما تزال بعض الكتب التي حبسها الشيخ ابن غازي من تآليفه عليه وعلى أخيه محمد معروفة بخزانة القرويين بخط ابن غازي بتاريخ أوائل رجب عام 917هـ(2).
10. أبو العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم الدكالي المشترائي المذكور في الإجازة السابقة.
11. أحمد بن محمد أبو العباس الحباك الفاسي المقرئ:
أمام في القراءة أخذها عن الفقيه المقرئ أبي الربيع سليمان بن عبد الله اليزناسي الشهير ببويعربين الآنف الذكر في أصحاب أبي عبد الله الصغير وعن الإمام ابن غازي وغيرهما، وتوفي مسموما سنة 938(3).
__________
(1) نص الإجازة في الإتحاف لابن زيدان 4/11 ومعها مصورة فوتوغرافية عنها بخط الشيخ ابن غازي.
(2) التحبيس المذكور يتعلق بكتاب "تكميل التقييد" لابن غازي حبسه مؤلفه كما في نص التحبيس على ولديه أحمد ومحمد وعلى أعقابهما وأعقاب أعقابهما ما تناسلوا وامتدت فروعهم الذكور منهم فقط، فإن انقرضوا إلى آخرهم رجع حبسا على خزانة شرقي جامع القرويين من فاس لينتفع به هناك، على شرط عدم الخروج منها... بتاريخ أوائل رجب عام 917هـ، وذكر جامع فهرسة القرويين محمد العابد الفاسي وجود نص هذا التحبيس على ظهر أول ورقة من السفر الأخير من الكتاب أي الثامن الموجود حتى اليوم بالخزانة بخط المؤلف... ورقمه بخزانة القرويين 1126 (فهرسة القرويين 3/218-219).
(3) تقدم ذكر شيخه، في أصحاب الصغير، أما هو فترجمته في الجذوة 1/133 ترجمة 72 وفيها أن أحمد الوطاسي أمر به فسم بعد رجوعه من حركة الصلح الواقع بين الأشراف (السعديين) والمريني والله أعلم. وترجمته أيضا في نيل الابتهاج 90 – ودرة الحجال 1/94 ومناقب الحضيكي 1/31 والإتحاف 4/29.(1/137)
ومن أهم أصحابه في القراءة أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم الدكالي المعروف بأبي شامة قال صاحبه أبو العباس المنجور: "قرأ على أبيه(1) وعمه(2) وعلى الفقيه الأستاذ الصالح الورع أبي العباس الحباك، جمع عليه القرءان العظيم بالقراءات السبع، وعلى الشيخ أبي الحسن بن هارون وعلى الفقيه أبي عبد الله محمد بن مجبر... ثم ذكر أنه ولي خطابة القرويين، وتوفي سنة 964(3).
ومن فضلاء أصحاب الحباك أيضا الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن بصري الولهاص المكناسي المعروف بسيدي بصري، قال في الإتحاف:
"أستاذ مجرد فقيه ولي صالح عارف... تلا بالسبع على الإمام أبي العباس الحباك المتوفى سنة 938 واستجازه فأجازه فيها وفيما يتعلق بها من كتب القراءات مع الألفية والرسالة والبردة كما هو دأب أهل الإجازات(4). ثم ذكر نص إجازته له، وهذا لفظه نورده بتمامه باعتباره نموذجا من إجازات أصحاب ابن غازي:
نص إجازة أبي العباس الحباك لتلميذه محمد بن عبد الرحمن بصري المكناسي:
"يقول العبد الفقير إلى رحمة مولاه، الغني به عمن سواه أبو العباس أحمد ابن الشيخ المكرم الوثائقي الملحوظ المبارك الأسعد أبي عبد الله محمد ابن الشيخ المكرم المرحوم أبي عبد الله محمد الأنصاري عرف بالحباك – سمح الله له وسدد قوله وعمله:
__________
(1) هو أحد الأربعة الذين ذكرهم ابن غازي في إجازته السابقة.
(2) لعل المراد به أبو القاسم بن محمد بن إبراهيم أحد أكابر أصحاب ابن غازي كما سيأتي.
(3) فهرس أحمد المنجور 71-72.
(4) الإتحاف 4/28-29.(1/138)
"إن الشاب الطالب النجيب الكيس الحاذق اللبيب محمد ابن الشيخ الأجل الأفضل الأكمل أبي زيد عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر الولهاصي المكناسي المدعو بابن بصري – شرح الله صدره، ورفع بالعلم والعمل الصالح قدره، وقواه وأرشده، ووفقه وسدده – كان ممن تردد إلي، وتوخى المثول بين بدي، واعتمد في قصده على ما لدي، فقرأ علي القرآن العظيم المنزل على سيدنا محمد المصطفى الكريم، من فاتحته إلى خاتمته ختمة واحدة جمع فيها بين قراءة الأئمة السبعة المشهورين – رضوان الله عليهم أجمعين – وأدرج في ذلك الإدغام الكبير لأبي عمرو بن العلاء، وكل ذلك بطريق التيسير للحافظ أبي عمرو الداني، وملخصه: حرز الأماني ووجه التهاني للإمام أبي القاسم الشاطبي – رحمه الله تعالى.
"ولما كمل له ذلك على نحو ما ذكر من التعيين والتفصيل، وكان من أهل التجويد للقراءات مع الضبط لأحكامها والتحصيل، سأل مني – وفقه الله تعالى – أن أجيز له وأشهد له به في كتاب ليرتفع به عنه تخالج الظنون وخطرات الارتياب، وليكون بيده حجة ساطعة، وبنبله وثبات نقله بينة قاطعة، كما جرت بذلك عادة الأئمة، ومعتمدي هذه الأمة، فأجبته إلى ما سأل، وأسعفته فيما رغب وأمل.
وحدثته بالقراءات السبع تلاوة عن الشيخ الفقيه الأستاذ الخطيب الشهير أبي عبد الله محمد ابن أحمد بن غازي العثماني، عن الشيخ الفقيه الأستاذ الخطيب الشهير أبي عبد الله الشهير بالصغير ابن الحسين النيجي إلى أخر السند(1).
__________
(1) إتحاف أعلام الناس لابن زيدان: 4/29-30.(1/139)
ثم قال أبو العباس المجيز: "وقد عرض علي المجاز أبو عبد الله محمد المذكور – هداه الله تعالى – قصيد أبي القاسم الموسوم بحرز الأماني ووجه التهاني عرضا جيدا من صدره، واستفهمته عنه وعن فصوله، وحدثته به عن شيخنا الفقيه المقرئ الصالح أبي عبد الله محمد بن غازي عن شيخه الفقيه الخطيب المقرئ محمد بن الحسين النيجي الشهير بالصغير، عن شيخه الأستاذ المقرئ المحقق أبي الحسن علي الوهري إلى آخر السند"(1).
وعرض علي أيضا المجاز المذكور قصيد أبي الحسن بن بري الموسوم بالدرر اللوامع، عرضا جيدا من صدره كله بالتفهم، وحدثته به عن شيخنا الفقيه أبي عبد الله بن غازي المذكور عن شيخه أبي عبد الله محمد الصغير إلى آخر السند. قال:
وعرض علي أيضا الرجز الموسوم بمورد الظمآن في رسم أحرف القرءان مع الذيل الملحق به في النقط للإمام العالم العلامة أبي عبد الله محمد بن إبراهيم الشهير بالخراز...
ثم ذكر عرضه عليه لرسالة ابن أبي زيد القيرواني في الفقه... وقال:
وعرض علي صدرا من كتاب التيسير، وحدثته به قراءة لبعضه وسماعا لسائره عن الشيخ أبي عبد الله ابن غازي، عن الشيخ أبي عبد الله الصغير، إلى آخر السند المذكور في الإجازة أيضا.
ثم ذكر عرضه عليه لألفية ابن مالك في النحو... ثم قال:
__________
(1) نفسه: 30، انظر هذا السند ي فهرسة ابن غازي: 38-39.(1/140)
وقد أجزت للطالب المكرم أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن بصري المذكور جميع ما قرأه علي من القراءات السبع المذكورة، وجميع ما عرضه علي وسمعته منه مما ذكر في هذا الكتاب، إجازة عامة على أكمل شروطها، وأوثق ربوطها، وأذنت له أن يروي عني وعن الشيوخ الذين في هذا الكتاب مما تضمنه من الأسانيد المذكورة والقراءات المسطورة، وكذلك ما رويته عن شيخي المذكور من تأليف الشيخ أبي وكيل ميمون المذكور كالمورد الروي في نقط المصاحف، وتحفة الأعراب، والدرة الجلية في نقط المصاحف العلية، وجميع ما قيدته تلاوة وسماعا، وأوصيه ونفسي بتقوى الله تعالى ومراقبة أمره في جميع أحواله، وتحري الصدق والصواب في جميع أقواله، والله يعصمنا وإياه من الخطأ والزلل، ويرشد كلا منا لصالح القول والعمل، بمنه وكرمه.
وفي أسفل الرسم: "شهد على الفقيه المجيز أبي العباس أحمد المذكور بما فيه عنه، وهو بحال كمال الإشهاد، وعرفه وعرف تصدره لذلك وعلى المجاز المذكور بطلبه الإجازة المذكورة، وهو بحال صحة وطوع وجواز، وعرفه في أواسط رمضان المعظم عام 925".
عبد الله بن محمد الحسني الجوطي لطف الله به، وأبو عبد الله محمد المعروف بالعربي الحسني الجوطي لطف الله به، وعبد الله وأقل عبيده عبد القادر بن محمد الحسني خار الله تعالى له والواضع خط يده الفانية الشريف أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن محمد بن عمران الحسني الجوطي لمن طلب التبرك بالجناب الطاهر النبوي بلغ الله قصده وأمله بمنه.
وشهد بذلك أحمد بن أبي القاسم عراقي الحسني لطف الله به، ومحمد بن علي بن طاهر الحسني.
وبعد ذلك أشكال أعيان أهل الوقت وقاضيه على المتعارف الآن في عصرنا رحم الله الجميع، وتوفي المجاز له بمكناسة آخر ذي الحجة سنة 991(1).
12. أبو العباس أحمد بن محمد بن يوسف الصنهاجي الشهير بالدقون خطيب القرويين.
__________
(1) الأتحاف لابن زيدان 4/28-34.(1/141)
كان من أصحاب ابن غازي وممن شاركوه في شيخه أبي عبد الله الصغير كما تقدم.
قال في نيل الابتهاج: "الفقيه الأستاذ الراوية الشاعر الخطيب بجامع القرويين بفاس، أخذ عن الأستاذ الصغير، قرأ عليه بالسبع، وقارب الختم فمات الشيخ(1) فكمل على ابن غازي... وكان مقرئا كثير المزح"(2).
وذكره ابن القاضي في الجذوة ودرة الحجال بنحو من ذلك وتحدث عن الآخذين عنه فقال:
"أخذ عنه أبو القاسم بن إبراهيم(3) وأبو العباس التسولي(4) وشقرون بن أبي جمعة المغراوي(5) وغيرهم. قال:
ومما أجاز به لابن أبي جمعة المذكور قوله:
أجاز لك المدقون يا نجل سيدي ... أبي جمعة والآل كل الذي روى
فحدث بما استدعيت فيه إجازة ... وسلم على من خالف النفس والهوى
وقد أجاز لأبي القاسم محمد بن إبراهيم المشترائي بقوله:
أشهدكم يا من حضر ... أهل البوادي والحضر
أني أجزت قاسما ... ابن الفقيه المعتبر(6)
ومن أهم أصحاب الشيخ الدقون أيضا أبو عبد الله محمد بن علي الشريف التلمساني وهو أيضا من أصحاب ابن غازي، وقد وصفه بشيخنا الإمام الأستاذ العالم العامل"(7).
ولأبي العباس الدقون مقطوعات في أصول القراءة والأداء منها قوله:
وإن جاء حرف المد من قبل مدغم ... فلابن العلا التثليث يروي أبو العلا
__________
(1) يعني الصغير سنة 887هـ كما تقدم.
(2) نيل الابتهاج 88.
(3) سيأتي في أصحاب ابن غازي.
(4) هو أحمد بن الحسن المترجم في الأحمدين عن قريب في أصحاب ابن غازي.
(5) سيأتي في أصحاب ابن غازي وهو الذي رثاه عند موته بقصيدة كما تقدم.
(6) نقلها في درة الحجال 1/92-93 ترجمة 131.
(7) توشيح الديباج 64.(1/142)
وظاهرها الإشباع مع قصر لينها ... وليس لهم في اللين نص فيمثلا(1)
ورد عليه بعضهم:
بل النص موجود لدى النشر ماثل ... فصرح بالتثليث والطول فضلا(2)
وذكر له ابن شعيب قطعة أخرى من ستة أبيات ذكر فيها السور التي تكرر فيها الاستفهام(3). توفي سنة 921.
13. أبو العباس أحمد بن محمد الفاسي التازي (938)
ذكره ابن مخلوف في "شجرة النور" ووصفه بالإمام الفقيه العالم العلامة، ثم ذكر أنه أخذ عن الأستاذ أبي الربيع سليمان اليزناسي (بويعربين)، وابن غازي وغيرهما، وعنه أخذ الشيخ الصالح أبو شامة وأجازه، وأبو عبد الله الدقاق، توفي مسموما سنة 938(4)، ولعله هو أبو العباس الحباك الآنف الذكر.
14. الحسن بن عثمان أبو علي التاملي الجزولي (ت 932).
إمام في الفن من أهم أصحاب الشيخ ابن غازي وأوسعهم تأثيرا في بلاد سوس، قال في "درة الحجال": "فقيه حافظ مشارك متفنن، انتفع به ببلاد جزولة خلق كثير، أخذ عن أبي العباس أحمد الونشريسي، وأبي عبد الله محمد بن أحمد بن غازي وغيرهما، توفي سنة 932هـ بالسوس الأقصى"(5).
__________
(1) البيتان ذكرهما له أبو العباس أحمد بن علي بن شعيب في أول "إتقان الصنعة في التجويد للسبعة" مصدرا لهما بقوله: "وقد ذكر الأستاذ المحقق أبو العباس سيدي أحمد بن يوسف الدقون رحمه الله تعالى هذه الأوجه الثلاثة وبين ظاهر القصيد منها فقال: وذكر البيتين (إتقان الصنعة) (صورة الفاتحة).
(2) نقله ابن القاضي في بعض كتبه.
(3) إتقان الصنعة (سورة الرعد).
(4) شجرة النور الزكية 276.
(5) درة الحجال. 1/240 ترجمة 355.(1/143)
وقال الحضيكي: "شيخ الجماعة ومدرس زمانه، وموطئ دولة الشرفاء ـ السعديين ـ وأحد أوتادها تخرج عليه جماعة من الفقهاء، وأخذ عن علماء فاس: الإمام ابن غازي وأبي العباس الونشريسي وطبقتهما، قال المنجور في فهرسته: "انفصل الشيخ الفقيه المتفنن العابد الصالح أبو محمد(1) الحسن بن عثمان الجزولي عن شيخه أبي العباس الونشريسي سنة 908هـ، وسمعت أنه شيعه بنفسه، وكان صاحب جد في العلم والعمل"(2).
وحكى اليفرني في "نزهة الحادي" نقلا عن صاحب "المنتفى"(3) قال: "حدثني أبو راشد(4) أنه لما أكمل على ابن غازي قراءته وأراد الرجوع إلى وطنه فجاء للشيخ ليودعه، فأخذ الشيخ بيده اليمنى، وقال له: "أستودع الله دينك وأمانتك وخواتم عملك"، ثم قال الشيخ ابن غازي بعد ذلك: "الآن أجزأت فاس أي: ولدت الإناث"(5).
ولا يخفى ما في هذا التعلق المكين من شيوخه به من دلالة على نبوغه وحذقه وحرصهم على صحبته.
القراءة من طريقه في سوس:
__________
(1) هكذا كناه المنجور. ولعلها محرفة.
(2) مناقب الحضيكي 1/178 وما نقله عن المنجور مذكور في فهرسته 51 وقد ترجم له هناك بزيادة تفصيل.
(3) يعني كتاب "المنتقى المقصور على مآثر، مولانا المنصور" لأحمد بن القاضي.
(4) هو أبو راشد يعقوب بن يحيى اليدري الفقيه الحيسويي أخذ عن علي بن هارون المطغري وأجاز له كل ما يحمله عن ابن غازي، ولد سنة 908 وتوفي بفاس 999هـ ترجمته في جذوة الاقتباس 2/558-559 ترجمة 651.
(5) قال: "ومنه على تاويل" وجعلوا له من عباده جزءا" نزهة الحادي 26-27.(1/144)
وقد انتشرت القراءة من طريقه بسوس عن رجال المدرسة الفاسية، وقد أسندها من أصحاب الفهارس هناك الشيخ أبو محمد يحيى بن عبد الله بن مسعود بن أبي مدين شعيب بن مبارك البدري الجراري السوسي في فهرسته المسماة "ضوء المصباح، في الأسانيد الصحاح" التي افتتحها بأسانيد القرءان ورواياته وتجويده رواية لذلك كله عن والده عبد الله عن جده المعمر مائة وخمسا وثلاثين سنة مسعود بن شعيب الجراري المتوفى عام 1078هـ عن عبد الله بن المبارك الأقاوي السوسي(1) عن محمد بن إبراهيم التمنارتي عن الحسن بن عثمان التاملي عن ابن غازي بأسانيده(2).
وقد ذكر ابن القاضي في جملة أصحاب الشيخ التاملي المولى أبا عبد الله محمد الشيخ السعدي ابن محمد القائم أحد ملوك الدولة السعدية، قال في الجذوة: "أخذ عن الحسن بن عثمان الجزولي التاملي وعبد الله بن عمر المطغري كلهم(3) عن أحمد الونشريسي وعن ابن غازي، وكان لا يفتر عن قراءة القرءان"(4).
15. سعيد بن علي بن محمد بن عبد العزيز الجزولي الحامدي (ت قبل 980هـ بمراكش).
ذكره صاحب الإعلام نقلا عن الحضيكي وذكر أخذه عن ابن غازي وجماعة من أصحابه(5).
16. أبو زيد عبد الرحمن السجلماسي (ت 949هـ).
ذكره ابن القاضي في "لقط الفرائد" في وفيات هذه السنة وقال: "وفيها توفي الفقيه القاضي أبو زيد عبد الرحمن السجلماسي أحد تلامذة ابن غازي، ودفن بتينملل، بقرب الإمام المهدي(6).
__________
(1) ترجم له الحضيكي في مناقبه 2/215-218 وقال ولد سنة 936 وتوفي سنة 1015هـ.
(2) يمكن الرجوع في ذلك إلى فهرس الفهارس للكتاني 2/717-718 ترجمة 453.
(3) كذا قال، وسيأتي ذكر المطغري في أصحاب ابن غازي.
(4) جذوة الاقتباس 1/212 ترجمة 175.
(5) الإعلام للمراكشي 10/145 ترجمة 1538 وأصله في مناقب الحضيكي 2/333.
(6) لقط الفرائد 298 (ألف سنة من الوفيات).(1/145)
17. عبد الرحمن بن علي بن أحمد القصري ثم الفاسي السفياني العاصمي أبو محمد عرف بسقين.
رواية مبرز ذكره صاحبه أبو العباس المنجور في مشيخته فقال:
"ومنهم الشيخ الفقيه الأستاذ المحدث المسند المحقق الحاج الرحال الخطيب أبو محمد.. أخذ عن شيخ الجماعة أبي عبد الله محمد بن غازي وغيره ممن عاصروه كالفقيه الصوفي أبي العباس أحمد زروق(1)، وأدرك الشيخ الفقيه الأستاذ المحدث الخطيب الصالح الورع أبا الفرج محمد بن محمد بن موسى الطنجي(2) وجود عليهما القرءان، والفقيه الأستاذ الخطيب المفتي أبا مهدي عيسى بن أحمد المواسي(3)، والشيخ الفقيه الصالح الصوفي الخطيب أبا فارس عبد العزيز البوفرجي(4)... وذكر جماعة من شيوخه ثم قال:
"وحكي أنه أول من دخل على شيخ الجماعة أبي عبد الله بن غازي حين قدومه من مكناسة لاستيطان فاس كما مر، وارتحل إلى المشرق سنة تسع من هذه المائة يعني 909هـ فوصل مصر بعد أن اجتاز ببلاد السودان... ثم ذكر تفاصيل رحلته ذهابا وإيابا وروايته للحديث عن أصحاب ابن حجر وغيرهم، وكيف رجع إلى فاس مملوء الوطاب سنة 924، وقد أكب بعد عودته على إقراء الحديث وتدريسه، إلى أن توفي بالمحرم فاتح سنة 956هـ عن سن تزاحم التسعين"(5).
__________
(1) تقدم ذكره في أصحاب أبي عبد الله الصغير شيخ ابن غازي.
(2) تقدم ذكره في مشيخة ابن غازي وهو الذي خلف الصغير في الإمامة بجامع الأندلس بقاس.
(3) تقدم ذكره في الرواة عن أبي الحسن الوهري شيخ أبي عبد الله الصغير وتلميذ ميمون الفخار. وله ترجمة في فهرس المنجور ذكر فيها طائفة من شيوخه وذكر وفاته سنة 896 عن سن عالية، وحكي أنه خطب بفاس الجديد نحوا من ستين سنة. فهرس المنجور 18.
(4) ترجم له في الجذوة 2/452 ترجمة 490 وقال "خطيب جامع القرويين بمدينة فاس المحروسة توفي بها سنة 899هـ.
(5) فهرسة المنجور بتصرف 59-61 ونقل نحوه في الجذوة 2/407 ترجمة 421 ونيل الابتهاج 176-177.(1/146)
وقد ذكر المنجور طائفة من مروياته عنه عن ابن غازي وغيره، وبها صدر فهرسته التي أجاز بها لأمير العصر أبي العباس أحمد المنصور الذهبي(1).
ومن أهم الرواة عنه أيضا الشيخ المحدث أبو النعيم رضوان بن عبد الله الجنوي، وأكثر حديثه عنه من طريق الشيخين ابن غازي وأبي العباس أحمد زروق الفاسي، وقد رويت له من هذين الطريقين أحاديث مسلسلة بالمغاربة(2).
18. عبد الرحمن بن علي البرذعي الجذامي الأندلسي الأصل (ت 920).
قال في "الجذوة": أحد أدباء فاس، أخذ عن الإمام ابن غازي وغيره. وذكر له شعرا(3).
19. عبد الرحمن بن عمر المضغري.
لم أقف على ترجمته، ولكني وجدت القادري يذكره في "نشر المثاني" في ترجمة الشيخ أحمد بن محمد آدفال الدرعي، نقلا عن أبي سالم العياشي في رحلته قال: "وأدرك من أهل بلدة سيدي محمد بن مهدي الجراري وأخذ عنه وأجازه، وهو أخذ عن سقين، وعن سيدي عبد الرحمن بن عمر المضغري كلاهما عن ابن غازي"(4).
20. عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن براهيم المشترائي الدكالي، وهو من بيت بني إبراهيم الذين جاء ذكرهم في إجازة ابن غازي لهم كما تقدم.
وهو من أكابر الرواة في فاس في زمنه كأخيه أبي القاسم، أخذ عنه أبو العباس المنجور، وأجاز بما أخذه عنه لمستجيزه المنصور الذهبي في فهرسته فقال:
__________
(1) فهرس أحمد المنجور: 10-11.
(2) ذكرها الشيخ عبد الباقي الأيوبي في كتابه "المناهل السلسلة في الأحاديث المسلسلة" 164-165.
(3) جذوة الاقتباس 2/406-407 ترجمة 419.
(4) نشر المثاني 1/200.(1/147)
"وكذا أجزت له جميع ما أخذته عن الشيخ الفقيه المتفنن الخطيب الواعظ أبي محمد عبد الرحمن ابن الفقيه أبي عبد الله محمد بن إبراهيم الدكالي، عن والده أبي عبد الله، وعن الشيخ الإمام شيخ الجماعة أبي عبد الله بن غازي، وعن الأستاذ الفقيه النحوي الفرضي أبي عبد الله محمد بن أبي جمعة الهبطي، وعن الفقيه المتفنن الخطيب المفتي الهمام الحاج الرحال أبي العباس أحمد بن علي الزقاق، وعن الشيخ المتفنن الصالح أبي زكريا يحيى السوسي وعن غيرهم"(1).
وذكر في ترجمته في "الفهرس" أيضا أخذه عن الشيخ أبي العباس أحمد الحباك - الآنف الذكر في أصحاب ابن غازي - وعن الشيخين المفتيين - الآتيين - أبي الحسن بن هارون، وأبي محمد الونشريسي، وذكر أنه جلس للتدريس في أول شبابه سنة إحدى عشرة - يعني وتسعمائة - وسمى طائفة من كتب الفقه التي كان يقوم بتدريسها وسمعها منه، ثم ذكر وفاته في سنة 962 في نحو السبعين من العمر(2).
21. عبد السميع بن محمد الكنفيسي الجزولي (ت بعد 940هـ)
وصفه في الحذوة ب"الفقيه الحافظ، أخذ بمدينة فاس عن أبي العباس أحمد الونشريسي وعن الإمام ابن غازي ورجع لبلاد جزولة، فاستدعاه المهدي(3) لحضرته "رودانة" فامتنع(4).
22. عبد الله بن عمر المضغري (ت 927).
تقدم في ترجمة الحسن بن عثمان التاملي الجزولي أنه أخذ عن ابن غازي. وكتبه في "الجذوة" المدغري بالدال، وقال: "من مدغرة سجلماسة، الفقيه الفرضي الحيسوبي، أخذ بمدينة فاس عن أحمد الونشريسي وعن الإمام محمد بن قاسم القوري وغيرهما، أخذ عنه بفاس جماعة كعلي بن هارون، ثم ذكر أنه توفي بتاكمادرت من درعة سنة 927"(5).
__________
(1) فهرس أحمد المنجور 12.
(2) نفسه 56-57 وله ترجمة في نيل الابتهاج 176.
(3) يعني محمد الشيخ السعدي وكانت قاعدته تارودانت (رودانة) بسوس.
(4) الجذوة 2/453 ترجمة 492.
(5) جذوة الاقتباس 2/440 ترجمة 468.(1/148)
23. عبد الواحد بن أحمد بن يحيى أبو محمد الونشريسي (ت 955).
فقيه جليل كأبيه أبي العباس صاحب "المعيار المعرب"، وله إلى ذلك مشاركة في القراءة والعربية قال تلميذه أبو العباس المنجور: "شيخنا الفقيه النحوي الأديب المحقق الفصيح العبارة اللطيف الإشارة الخطيب الناظم الناثر أبو محمد عبد الواحد بن أحمد الونشريسي، ولد بفاس بعد انتقال والده إليها سنة أربع وتسعين من التاسعة، أخذ عن أبيه الفقيه الكبير الحافظ المحصل النوازلي أبي العباس أحمد بن يحيى الونشريسي، عن شيوخه التلماسنيين... ثم ساق ذكر مشايخ أبيه وقال:
وأخذ شيخنا أبو محمد عبد الواحد أيضا عن شيخ الجماعة أبي عبد الله محمد بن غازي وعن غيرهما، كالأستاذين الهبطي(1) والحباك، والفقيه أبي زكريا السوسي... وسمى جماعة ثم قال:
"وكان معلوما بإتقان النحو والوثيقة مع حسن الخط، ولذلك كان يكتب لشيخ الجماعة أبي عبد الله بن غازي تحبيساته في ظهر تآليفه وما كان يحتاج إليه من ذلك، ويقدمه على ذوي الأسنان بالسماط"(2). وتوفي رحمه الله قتيلا في ذي الحجة من عام 955(3).
وسيأتي نص إجازة شيخه أبي الحسن علي بن هارون التي أجاز بها لأحد سلاطين بني وطاس، وتولى هو نظمها والتذييل عليها.
24. عبد الوارث بن عبد الله اليصلوتي من قبائل غمارة على مقربة من مدينة شفشاون.
ترجم له صاحبه أبو عبد الله محمد بن عسكر الحسني وقال: "صحبته سبع سنين ونصفا، وقرأت عليه رسالة ابن أبي زيد في الفقه... وسمى مصنفات أخرى وذكر في شيوخه ابن غازي وجماعة، وذكر أنه مات وقد نيف على التسعين(4).
__________
(1) يعني محمد بن أبي جمعة صاحب تقييد الوقف الآتي.
(2) فهرس أحمد المنجور 53.
(3) يمكن الرجوع إلى ترجمته وسبب قتله في درة الحجال 1/139-140 ونشر المثاني 1/45-153 ودوحة الناشر 52-54 ونزهة الحادي 32-33، ومناقب الحضيكي 2/202-203 وشجرة النور 282.
(4) دوحة الناشر 5-6.(1/149)
وذكر في نشر المثاني ومناقب الحضيكي أخذه عن ابن غازي وأبي العباس الونشريسي وابنه عبد الواحد وأبي الحسن علي بن هارون وجماعة، وتخرج به جماعة، وذكر ولادته سنة 888هـ وتوفي سنة 971(1).
25. العباس الصغير.
صدر به صاحب الأتحاف ذكره للآخذين عن ابن غازي، ولم أقف على المراد به(2).
26. أبو سعيد عثمان بن عبد الواحد بن عبد العزيز اللمطي المكناسي الميموني (888-954).
وصفه في الجذوة ب"الفقيه الأستاذ" وذكر أخذه عن ابن غازي وغيره(3).
ووصفه تلميذه أبو العباي المنجور فقال: "الشيخ الأستاذ النحوي العروضي الصالح البركة أبو عمرو عثمان بن عبد الواحد المكناسي اللمطي نسبة إلى قبيلة مكناسة من زناتة، كان مجيدا للقرءان العزيز حفظا وأداء مع حسن نغمة به ما سمعتها من غيره، ورسما وضبطا وعلما بأحكام ذلك، والنحو الغزير... ثم ذكر طرفا مما كان يتقنه من العربية والتفسير والعروض، وقال:
"قرأ على شيخ الجماعة أبي عبد الله بن غازي، وجمع عليه القرءان العظيم بالقراءات السبع وأجازه، ولازمه في التفسير وغيره من دروسه سنين، وعلى الشيخ الأستاذ العلامة الصالح الورع أبي العباس أحمد الحباك، وأظن أنه أجازه، وعلى الشيخين المفتيين أبي الحسن بن هارون وأبي محمد الونشريسي. كان ملازما لابن هارون ب"مدرسة العطارين"، ولكرسي التفسير وابن الحاجب للونشريسي، وعلى شيخنا الإمام أبي عبد الله اليسيتني".
__________
(1) نشر المثاني 1/76 ومناقب الحضكي 2/308-309.
(2) أتحاف أعلام الناس لابن زيدان 4/8.
(3) جذوة الاقتباس 2/459 ترجمة 502 ونحوه في لقط الفرائد 300 والإتحاف 5/425.(1/150)
ثم قال المنجور: "قرأت عليه بحرف نافع ثلاث ختمات من القرءان العزيز، إحداها بطريق ورش، والأخريين بطريق قالون، وحضرت إليه جملة وافية من ألفية ابن مالك "بمدرسة الحلفاويين"، ينقل لفظ المرادي، وتفهيمه كما ينبغي، ويطرز ذلك بما يجلب على المحل من نص "الكافية" و"مورد الظمآن" للأستاذ أبي عبد الله الخراز ب"مدرسة الصهريج" من فاس الأندلس، ينقل عليه كلام ابن آجطا بلفظه، وكان منفردا عن الناس حين فراغه من التجويد، مقبلا على شأنه متواضعا منصفا...(1).
ويعتبر اللمطي من كبار رجال هذه المدرسة، وقد تخرج عليه طائفة من الكبار الذين كان لهم أثر محمود في نقل مذاهب ابن غازي واختياراته، أذكر منهم:
ولده أبا العباس أحمد بن عثمان اللمطي.
ترجم له في "درة الحجال" وقال" "أستاذ نحوي يستظهر مختصر ابن الحاجب، أخذ عن والده أبي عمرو(2) عثمان اللمطي عن ابن غازي، وأجاز له في القراءات وكل ما يحمله عن شيخه ابن غازي(3).
ومن أهم الذين أخذوا القراءة وأسندوها عن أبي العباس هذا الشيخ الإمام أبو محمد عبد الواحد بن عاشر – كما سيأتي في أسانيد رجال المدرسة المغربية – وهو المذكور في إسناد الإمام ابن عبد السلام الفاسي في أرجوزته التي نظم فيها أسانيده حيث يقول:
عن ابن قاض عن أبي محمد ... نجل ابن عاشر مبين الرشد
عن أحمد اللمطي عن أبيه ... عثمان يا لذاك من نبيه(4)
...
ومن أهم أصحاب أبي سعيد عثمان اللمطي الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الأزروالي أو الزروالي.
__________
(1) فهرس المنجور 62-63.
(2) هو أبو سعيد أيضا، ويظهر أنه كان يكنى بهما.
(3) درة الحجال 1/168 ترجمة 200.
(4) ستأتي الأرجوزة بتمامها في أسانيد أئمة المدرسة المغربية.(1/151)
وهو صاحب التقييد الآنف الذكر عنه المسمى "تقريب النشر في طريق العشر"، وقد أعطينا عنه نبذة عند ذكر الشروح التي قامت على "تفصيل عقد الدرر" لابن غازي، وذكرنا هناك أنه فرغ منه في التاسع من شوال عام 975 بالقرويين من فاس، وذلك يعني أنه حرره بعد موت أستاذه بنيف وعشرين عاما، مما يجعله وثيق الصلة بالمقيد لا بالمقيد عنه، وإن كان لتواضعه الجم قد ذكر في مقدمته أنه سأل شيخه المذكور أن يوضح له بعض ما أشكل عليه بعد أن حدثه به وتلقاه من فيه من قراءة إمام المدينة نافع بن عبد الرحمن وتلاميذه المشهورين، فأجابه لذلك.
ولذلك لا معنى لنسبة الكتاب إلى الشيخ مباشرة كما جاء في بعض الخزائن الرسمية(1).
وللشيخ أبي سعيد عثمان بن عبد الواحد اللمطي أخ من أهل العلم الراسخين أيضا هو الشيخ أبو فارس عبد العزيز بن عبد الواحد اللمطي، ذكره أبو العباس المنجور في فهرسته ووصفه ب"الفقيه المتفنن المحقق كان هذا الرجل آية الله في التوسع في العلوم والتفنن فيها، قال: "وقد بعث لأخيه شيخنا أبي عمرو تأليفا له منظوما يشتمل على نيف وعشرين فنا، ونظمه حلو رشيق يدل على تفننه وتحققه، وحج أزيد من ثلاثين حجة وتوفي في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم وبها كان سكناه(2).
__________
(1) جاء في مخطوطته في القرويين رقم 1058 باسم "تقييد أبي سعيد عثمان بن عبد الواحد اللمطي المكناسي في قراءة الإمام نافع والكلام على بعض رؤوس الآي على المذهب المدني الأخير".
وجاء التعريف به في خزانة تطوان برقم 549م باسم "تأليف في قراءة نافع وتلامذته المشهورين للميموني (أبو سعيد عثمان بن عبد الواحد اللمطي المكناسي) ت 954هـ.
وبهذا عرف به أيضا نقلا عن الخزانة المذكورة في (الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط 2/485).
(2) فهرس المنجور 35.(1/152)
أما وفاة الشيخ اللمطي مترجمنا فكان المصاب بها عظيما بفاس، قال المنجور وكانت جنازته مشهودة حضرها السلطان، وهو حينئذ أبو عبد الله محمد القصري ولد المريني أحمد فمن دونه، وأسف الناس لفقده، وأثنوا عليه خيرا، وهو جدير بذلك رحمة الله عليه(1).
27. علي بن شعيب والد الشيخ أبي العباس أحمد بن علي بن شعيب صاحب "إتقان الصنعة".
وكثيرا ما ينسب ولده أحمد إلى جده، وبذلك ورد ذكره في بعض أسانيد القراءة عند الإمام ابن عبد السلام الفاسي في نظمه لأسانيده في القراءة حيث قال:
وعنه(2) عن والده الشريف ... عن شيخه العلامة الغطريف
البوعناني الحسني عن أبيه ... عن أحمد نجل شعيب النبيه
عن شيخه والده شعيب ... عن ابن غازي ذي نقاء الجيب(3)
وقد ذكره ابن عبد السلام أيضا في برنامج شيوخه النثري وكناه بأبي مدين - كما سيأتي - وقال: لم أقف على ترجمته، ثم ذكر أخذه للقراءة عن ابن غازي(4).
28. علي بن عبد الرحمن أبو الحسن التسولي الفاسي الفقيه المحدث.
ذكره ابن مخلوف بذلك وقال: أخذ عن أبي العباس الزقاق وابن غازي وغيرهما، وعنه الإمام القصار وغيره، وله نظم جيد، توفي سنة 966(5).
29. علي بن عيسى الراشدي التلمساني.
__________
(1) فهرس المنجور 63 وسلوة الأنفاس 3/65.
(2) يعني عن شيخه أبي زيد عبد الرحمن بن إدريس المنجرة.
(3) سيأتي ذكر السند بتمامه في الفصل التالي من الباب التالي بعون الله في الحلقة الموالية.
(4) البرنامج المذكور مخطوط منه نسخة بالخزانة الحسنية بالرباط في مجموع برقم 1057. وقد قام بدراسته وتحقيقه في رسالة جامعية للدبلوم الباحث السيد زلو محمد أمين بإشراف أستاذنا الدكتور التهامي الراجي الهاشمي ونوقش بتاريخ 90.06.20 بمدرج كلية الآداب بالرباط.
(5) شجرة النور الزكية 284 ترجمة 1077 الطبقة 20.(1/153)
إمام جليل من أئمة العشر النافعية وغيرها كثير الشيوخ، ترجم له أبو العباس المنجور في شيوخه فقال: ومنهم الشيخ النحوي الصالح أبو الحسن علي بن عيسى الراشدي.
"كان يحسن علوم القرءان أداء ورسما وضبطا، ويلقي الكراريس(1) وألفية ابن مالك إلقاء حسنا، نفذ له تدريس "الشاطبية الكبرى" الذي أنشأ تحبيسه الشيخ الفقيه الفرضي الصالح أبو القاسم الكوش الدرعي(2) لنظر الشيخ الإمام أبي الحسن بن هارون، ولم يكن لها وقف قبله، فأقرأها وأعاد، محضرا بالمجلس لكثير من شراحها كالسخاوي وأبي شامة والفاسي والجعبري حتى تفقه فيها، وكنت أنا وبعض الطلبة قرأناها عليه قبل ذلك الوقف، حضرت عنده فيها إلى فرش الحروف بمسجد الشرفاء حيث كان يدرس البردة يوم الخميس ويوم الجمعة".
ثم قال عن مشيخته: "قرأ على شيخ الجماعة الإمام أبي عبد الله بن غازي(3)، وجمع عليه القرءان العزيز بالقراءات السبع، وأجازه فيه وفي غيره، وعلى أساتيذ عصره أيضا كأبي العباس الحباك وأبي العباس الدقون وأبي عبد الله الهبطي وعلى الأستاذ الإمام الصالح أبي العباس أحمد الحاج التلمساني... وعلى الفقيهين الإمامين المفتيين الخطيبين أبي الحسن بن هارون وأبي محمد الونشريسي، وعلى الفقيه المحدث المسند أبي محمد عبد الرحمن سقين... وذكر بعض ما درسه في الفقه وأصوله ثم قال:
__________
(1) تقدم أنه كان يعنى بها المتون التي يستعان بها في تدريس المواد العلمية كالأجرومية في النحو والمورد في الرسم والدرر اللوامع في روايتي ورش وقالون، ومختصر التعريف وتفصيل العقد في الطرق العشر عن نافع.
(2) سيأتي في أصحاب ابن غازي مع ذكر التحبيس الذي حبسه على تدريس الشاطبية.
(3) في الأصل "على شيخ الجماعة أبي عبد الله بن خلف"، ولا يعرف أحد من أهل العلم في زمنه بهذا الاسم فيما أعلم – فضلا عن أن يكون شيخ الجماعة، وسيأتي في شرح أبي زيد الخباز أن الراشدي قرأ على ابن غازي.(1/154)
وكان قدومه على فاس سنة إحدى عشرة - يعني وتسعمائة - قرأت عليه من القرءان العظيم بالقراءات السبع من فاتحته إلى " ولقد جاءكم موسى بالبينات"(1)، وحضرت عليه جملة وافرة من البردة ومن الشاطبية الكبرى إلى فرش الحروف، وكنت أقف عليه بحانوته بالسماط وأستفيد منه.
توفي في آخر سنة إحدى وستين أو أوائل التي بعدها عن سن عالية ينيف على السبعين(2).
ومن أهم أصحاب أبي الحسن الراشدي: أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد اللمطي من أهل فاس وسيأتي. ومنهم أبو زيد عبد الرحمن بن محمد القصري الفاسي الشهير بالخباز (ت 964) صاحب كتاب "بذل العلم والود، في شرح تفصيل العقد"، وقد ذكرناه آنفا في شروحه، وذكرنا أنه أشار في طالعته إلى أخذ شيخه التفصيل عن ناظمه مشافهة، كما أنه هو قرأه على شيخه أبي الحسن ثلاث مرات وأخذه في الطرق المتقدمة به عليه.
ومن مشاهير أصحاب أبي الحسن الراشدي أيضا الإمام أبو عبد الله محمد بن يوسف الترغي المساري وسيأتي.
ومنهم أبو العباس أحمد بن سليمان السكيري – بكاف معقودة – (ت 982)(3).
30. علي بن موسى بن علي بن هارون المطغري نسبة إلى مطغرة تلمسان ويعرف بأبي الحسن بن هارون
__________
(1) يعني الربع الثاني من الحزب الثاني من القرءان.
(2) فهرس المنجور 67-68.
(3) الجذوة 1/134 ترجمة 75.(1/155)
من شيوخ العصر وأئمة الجماعة بفاس في أكثر من فن، وترجم له أبو العباس المنجور في مشيخته فقال: "ومنهم الشيخ الفقيه الأستاذ العددي الفرضي الموقت المؤرخ المتفنن الخطيب المفتي أبو الحسن علي بن موسى بن علي بن هارون المطغري - مطغرة تلمسان - انتقل منها جده عام ثمانية عشر وثمانمائة حين حصر العدو لسبتة وتضييقه عليها، فجاء المسلمون من كل أوب لإغاثتها، ومن جملتهم جد هذا الشيخ، فلحقوها وقد أخذت، وسلطان الوقت إذ ذاك أبو سعيد عثمان بن أحمد بن أبي سالم المريني مشتغل بلهوه وراحته غافل عن ذلك، فأقام بفاس، وبها ولد أبو الحسن وأبوه موسى، فاشتغل أبو الحسن بطريق الطلب".
فما هاجر الإمام الكبير شيخ الجماعة أبو عبد الله محمد بن أحمد بن غازي من مكناسة وانتقل منها إلى فاس فأوطنها سنة إحدى وتسعين من المائة التاسعة، وأميرها إذ ذاك أبو عبد الله الحلو الوطاسي أخو السلطان الشيخ لأبيه، لأمر وقع بين الشيخ ابن غازي وبينه يطول ذكره، ونزل بالبليدة من حومة الأصدع، وكان مشهورا بالتحقيق في العلوم، جاءه شيخنا أبو الحسن المذكور واختص به سنين كثيرة، وكان قارئه في كثير من دروسه من المدونة والموطأ والعمدة والتفسير ومختصر خليل والعربية والحساب والفرائض وغير ذلك.
وجمع عليه القرءان العظيم بالقراءات السبع، وحصل عنه علما جما(1)، وكان يقال: شيخنا كخانة علم، لكثرة ما كان عنده من فنون العلم. قال المنجور:
__________
(1) تقدم لنا ذكر التعديل الذي عدل به بعض أبيات "التفصيل" بمحضر ابن غازي فأقره وقال هذا يكفي.(1/156)
"وذكر شيخنا هذا في الثبت الذي ذكر فيه ما أجازه به شيخه المذكور عام 906هـ مما قرأ هو على الشيخ أو قرئ بمحضره، أنه عارضه القرءان العزيز نحو عشرين ختمة بعد ختمة السبع، ومن قبلها سبع: ثلاث لورش، وثلاث لقالون، والسابعة بالطرق العشرة - قال - ختمها في إثنى عشر يوما مقفلنا من سلا(1) - حرسها الله - قال: ومن كتب الحديث "صحيح البخاري" نحو عشر ختمات... وذكر عددا كبيرا في مختلف الفنون ثم قال:
"ومن كتب القراءات صدر "التيسير"(2) لأبي عمرو الداني وناولني سائره وأجازنيه حسبما هو في الإجازة القرءانية، والشاطبية الكبرى لأبي القاسم الشاطبي - رحمه الله - عرضتها عليه في مجلس واحد من صدري، وكذلك رجز ابن بري "الدرر اللوامع"، وكذلك "مورد الظمآن" لأبي عبد الله الخراز.
ثم ذكر المنجور نقلا عن هذا الثبت عددا كبيرا آخر من مختلف العلوم والفنون التي رواها الشيخ عن ابن غازي ما بين تأليف له وتأليف لغيره، وذكر إجازة ابن غازي له بجميع ذلك، ثم ذكر شهادة ابن غازي له بما ذكره بخط يده سنة 906هـ في شهر صفر.
ثم ذكر أنه قرأ على غير ابن غازي أيضا كالفقيه أبي العباس الونشريسي والفقيه القاضي أبي عبد الله المكناسي، والأستاذ الموقت أبي العباس أحمد ابن الحاج الزجني(3) وغيرهم، وقد أدرك الفقيه أبا مهدي عيسى المواسي(4) والأستاذ المحدث الصالح أبا الفرج الطنجي وغيرهما من طبقتهما(5).
__________
(1) يدخل هذا السفر في أسفار ابن غازي التي كان يقوم بها لإصلاح ذات البين واللغزو والمرابطة وغير ذلك كما تقدم.
(2) صحف بالتفسير في فهرس المنجور 42.
(3) تقدم في أصحاب أبي عبد الله الصغير.
(4) إمام عالي السند شارك الصغير في الأخذ عن أبي الحسن الوهري كما تقدم.
(5) فهرس المنجور 40-44.(1/157)
... ثم ذكر المنجور في تمام تعريفه بشيخه أبي الحسن بن هارون باقي أشياخه وتصدره للتدريس وقيامه على المدونة في حياة شيخه ابن غازي، وهو مع ذلك يتلو عليه جماعة من الطلبة بالسبع - قال:
"وكان في وقته شيخ الجماعة، يحضر مجلسه في "مختصر خليل" وغيره الونشريسي أبو محمد واليسيتني(1) والزقاق(2) والعبسي(3) والعدي(4) وغيرهم، لا يستنكف عنه منهم أحد.. قال:
ثم ذكر أنه لازم الشيخ ابن غازي تسعا وعشرين سنة من حين هجرته من مكناسة وقدومه على فاس سنة 831هـ إلى عام 919هـ سنة وفاته(5).
قال: "وكان غاية في حفظ القرآن، يعرف ذلك من قيامه ليلة خمس وعشرين من رمضان بمحراب جامع القرويين، فإنه كان لا يستنيب ليلته تلك أحدا مع كبر سنه، ويسمع منه القرآن كالحجر، لا يتتعتع فيه ولا يقف، ولم يخلف بعد في فنه مثله رحمة الله عليه، وكان متواضعا منصفا، كثير تلاوة القرآن وعيادة المرضى وشهود الجنائز، ولما قربت وفاته أخذ يتلو القرآن مع الأستاذ الحاج أبي عبد الله الزروالي ممن جمع عليه القرآن بالقراءات السبع(6)، بدأ الختمة من أولها حتى وصل إلى قوله تعالى: "ولا تجادلوا أهل الكتاب"، فوقف الشيخ ولم يستطع الكلام، فاستمر الزروالي على القراءة، فعند الختم قبضت روح الشيخ – رحمة الله عليه – توفي بذي القعدة من عام أحد وخمسين – وتسعمائة – وقد نيف على الثمانين، وكانت جنازته مشهودة فحضرها خلق كثير، فيهم السلطان أحمد المريني"(7).
__________
(1) هو أبو عبد الله محمد اليسيتني سيأتي في مشايخ هذه المدرسة.
(2) هو أبو العباس أحمد بن علي بن قاسم تقدم في أصحاب ابن غازي.
(3) هو محمد بن أحمد العبسي وسيأتي في أصحاب ابن غازي.
(4) هو محمد بن علي بن عدة وسيأتي أيضا في أصحاب ابن غازي.
(5) فهرس المنجور 44-45.
(6) تقدم ذكر الزروالي صاحب "تقريب النشر في طرق العشر" في أصحاب أبي سعيد عثمان بن عبد الواحد اللمطي.
(7) فهرس النجور 50.(1/158)
وقد كان لهذا الشيخ اتصال مكين بأحداث زمنه وخاصة في المجال السياسي، وقد قاسم الشيخ أبا محمد عبد الله الونشريسي في ذلك وإن كان هذا قد انتهى به هذا الاتصال إلى القتل على أيدي السعديين، وفاء منه للبيعة التي في عنقه لأولياء نعمته من الوطاسيين، في حين أفلت من ذلك صاحبه بموته قبل الأوان، وذلك حينما كان الصراع على أشده بين السعديين في الجنوب المغربي بزعامة أبي العباس الأعرج(1) وبين آخر ملوك الوطاسيين بفاس، وكان قد تدخل العلماء بينهما بعد معارك عديدة بقصد الإصلاح، وكان "ممن حضر الصلح" الذي تم فيه اقتسام المغرب بين أبي العباس الوطاسي(2) وأبي العباس السعدي أبو الحسن علي بن هارون المطغري، والإمام أبو مالك عبد الواحد بن أحمد الونشرسي"(3).
__________
(1) وهو مؤسس دولة السعديين بويع بإشارة أبيه محمد القائم عام 518 دخل مراكش في حدود 930هـ (نزهة الحادي 18-19).
(2) هو أحمد بن محمد ابن الشيخ الوطاسي يعرف بالبرتغالي أحد ملوك فاس، ذكره في الجذوة 1/114 ترجمه 43 قال: "وهو الذي خلعه عن ملكه أبو عبد الله المهدي – محمد الشيخ – وحمله أسيرا لمراكش، بعد أن أخرجه من الملك في سنة 956هـ. وتوفي بمراكش بقرب الستين والبقاء لله وحده."
(3) نزهة الحادي 20-21 وفيه أن ذلك كان في حدود 940، واللفظ للناصري في الاستقصا4/101.(1/159)
ويظهر مما ساقه اليفرني في مقدمة "نزهة الحادي" عند ذكر نسب السعديين: شرفاء درعة أن الشيخ أبا الحسن بن هارون كان يتوقع بعد هذا الصلح امتلاكهم للمغرب(1).
أصحاب أبي الحسن بن هارون:
... يعتبر أبو الحسن بن هارون أوسع أصحاب ابن غازي تأثيرا في قراء عصره وأكثرهم أصحابا، ولا ينافسه في ذلك إلا عدد يسير من رجال المدرسة كأبي القاسم بن إبراهيم الدكالي أو أبي عبد الله بن مجبر.
ومن أهم أصحابه في القراءة:
- أبو العباس أحمد بن علي بن عبد الرحمن المنجور صاحب "الفهرس" المشهور (ت 995هـ)
... وقد ذكره المنجور في فهرسه وأفاض في ذكر مروياته عن الإمام ابن غازي وذكر ملازمته له تسعا وعشرين سنة - كما قدمنا - وذكر عن نفسه في ثبته الذي لخصه المنجور جملة ما قرأه عليه أو رواه من المصنفات والفنون، أما أبو العباس المنجور فقد ذكر من مقروءاته عليه قوله:
... "وقرأت عليه ثلاث ختمات من كتاب الله - عز وجل - جمعت في الأولى بين القراء السبعة، وأجازني فيه وفي غيره أيضا من سائر ما سمع من شيوخه"(2).
- إبراهيم بن أحمد اللمطي أبو إسحاق وأبو سالم من أهل مدينة فاس (ت 988هـ)
__________
(1) يدل على ذلك مضمون ما ساقه اليفرني تحت عنوان "لطيفة": "رأيت بخط الفقيه الأستاذ مؤدب أولاد الملوك أبي عبد الله محمد بن يوسف الترغي – رحمه الله – ما نصه: "كان سيدي علي بن هارون يأخذ دولة الشرفاء أهل درعة من قول الله تعالى: "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون" ولم يبين كيفية الأخذ لذلك من الآية الكريمة" – نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي: 12-13.
(2) فهرس أحمد المنجور 45.(1/160)
... وهو ممن أخذ عنهم المنجور فشاركه في شيخه، قال في فهرسته: "ومن شيوخنا أيضا الذين قرأت عليهم في ابتداء الطلب الأستاذ الصالح البركة الحاج أبو سالم إبراهيم اللمطي، هو أول من جودت عليه القرآن، بل وعليه حفظته، وقرأت عليه "مورد الظمآن" و"مقدمة الجرومية"، وعليه تمرنت في إعراب القرآن العزيز، وقرأنا معا السبع على الشيخ الإمام أبي الحسن بن هارون في سنة واحدة، وأجازنا وحضرت معه أيضا عند الشيخ الأستاذ أبي الحسن بن عيسى(1) في "حرز الأماني" و"البردة"، وكان هو قد لازمه معروفا به سنين طويلة في علوم القرآن والنحو وغير ذلك، وعليه تخرج".
... وولي تدريس "الشاطبية الكبرى" و"البردة" بعد موت ابن عيسى، فعالجهما وقام وقعد نحوا من خمس وعشرين سنة حتى نفذ فيهما ونجب، وكان ملازما لكتاب الله العزيز نحوا من خمس وأربعين سنة ما عرض له فتور ولا كسل، وتخرج عليه في حفظ القرآن جماعة كثيرة من الصبيان وغيرهم".
... "وكان مقبلا على شأنه لا يحرص على الدنيا، قريبا من هدي شيخه، واعتنى بأداء فريضة الحج، وتعنّى في ذلك لقلة وجده وكبر سنه.. وتوفي سنة ثمان وثمانين"(2).
ومن أصحاب أبي الحسن بن هارون أيضا من المشيخة بفاس:
- أبو راشد يعقوب بن يحيى اليدري الفقيه النوازلي الأستاذ (ت 999).
... ذكره ابن القاضي في الجذوة والدرة وذكر أخذه عن أبي الحسن بن هارون المطغري وأنه لازمه كثيرا من سنة 933 إلى تاريخ وفاة المطغري سنة 951، كما ذكر أنه أجاز له كل ما يحمله عن ابن غازي(3).
- ومن أصحاب أبي الحسن بن هارون:
- علي بن عبد الواحد أبو الحسن السجلماسي المقرئ:
__________
(1) هو علي بن عيسى الراشدي الآنف الذكر الذي حبس عليه حبس تدريس الشاطبية.
(2) فهرس المنجور 73-74.
(3) جذوة الاقتباس 2/558-559 ترجمه 651 – ودر الحجال 3/254 ترجمة 1293.(1/161)
ترجم له الحضيكي في مناقبه وقال: "كان – رضي الله عنه – أستاذا كثير الخوف والتأهب للآخرة والاستعداد، عارفا بطرق القراءات، قرأ على الشيخ أبي الحسن علي بن هارون، توفي بسجلماسة عام ثمانين بهذا القرن العاشر"(1).
- ومن أصحاب أبي الحسن بن هارون أيضا ملك العصر أبو العباس أحمد بن محمد
الشيخ الوطاسي:
... وسيأتي في ذكر الإجازات عرض إجازته التي أجاز له فيها بقراءة نافع من نظم بعض أصحابه.
31- ومن أصحاب ابن غازي عمرو بن يعزى السملالي السوسي:
ذكره الحضيكي ووصفه بـ "الفقيه العالم العامل العلامة الكبير، تفقه ببلده ورحل لفاس ولقي أعلامها كابن غازي... وكان حيا قرب 930هـ"(2).
32- كبير أصحاب الشيخ ابن غازي الراوية الكبير الشيخ أبو القاسم بن إبراهيم المشنزائي الدكالي (ت 978)
هو أجل أصحاب ابن غازي وأكثرهم أصحابا وأطولهم زمانا في مشيخة التصدر، وطريقه عن ابن غازي – كما سيأتي – تمثل العمود الفقري لأسانيد المغاربة المتأخرين شمالا وجنوبا وشرقا من طرق الفاسيين وغيرهم كالسجلماسيين والسوسيين.
ترجمته:
... قال تلميذه أبو العباس المنجور في فهرسه الذي سمى فيه مشيخته ومروياته: "ومنهم الشيخ الفقيه الأستاذ النحوي المفسر أبو محمد أبو القاسم بن محمد بن إبراهيم الدكالي شقيق عبد الرحمن المذكور(3) أبو القاسم اسمه، وأبو محمد كنيته بابنه صاحبنا أبي عبد الله، وكان من الأساتيذ المعتبرين، عارفا بعلوم القرآن أداء ورسما وتفسيرا، ممتعا من الكتب العلمية التفسير والحديث والعربية وغير ذلك مما جمعه صهره ووالد زوجته الأستاذ الكبير ذو النحو الغزير الفقيه الفرضي أبو عبد الله الهبطي(4)"، وهي إعانة كبيرة على الطلب كما كان بعض الشيوخ يقول: "آلة تحصيل العلم كتب صحاح، وشيخ فتاح، ومداومة وإلحاح..."
__________
(1) مناقب الحضيكي 2/204.
(2) الحضيكي 2/301.
(3) تقدم في أصحاب ابن غازي.
(4) سيأتي في فصل خاص.(1/162)
... "أخذ عن والده الفقيه أبي عبد الله وعن شيخ الجماعة أبي عبد الله بن غازي وهو عُمْدته، لازمه في دروسه في التفسير وغيره مدة، وجمع عليه القرآن العظيم بالقراءات السبع، وأجازه فيه وفي غيره، وأخذ أيضا عن صهر أبي عبد الله الهبطي، وعن غيرهم ممن عاصرهم"(1).
... وقد أفاض الحضيكي أيضا في ترجمته وذكر أنه "كان حافظا من العلماء المحققين النقاد، برع في العلوم كلها" "ثم قال: "وبالجملة فهو شيخ القراء في عصره، وإمام التفسير في وقته...(2).
وقد وصف المنجور طريقة أخذه في العلوم فقال: "وكان ينقل شرح ابن عبد الكريم الأغصاوي على "الدرر اللوامع" بفصوله ويستوفيه، ويطرزّه بكلام الأستاذ الكبير أبي وكيل ميمون المصمودي مولى الفخار في "التحفة" وكان آية الله – عز وجل – في ذلك، وينقل على التفسير كلام فارسي التفسير ابن عطية والزمخشري، ويضيف على ذلك من كلام الصفاقسي وغيره، وكان مشاركا في الأدب والتاريخ، ويحسن كتابة الوثائق، لزم السماط مدة". ثم ذكر المنجور ما أخذه عنه فقال:
"حضرت عنده جملة وافرة من التفسير و"ألفية ابن مالك" و"الدرر اللوامع" و"حرز الأماني"، وقرات عليه من القرآن العزيز بالقراءات السبع من فاتحته إلى حزب "واذكروا الله"... ولد سنة 896 وتوفي سنة 978، "وكانت جنازته مشهودة حضرها الخاص والعام"(3).
وقد تقدم لنا ذكر الإجازة التي أجازه بها الشيخ ابن غازي ومن معه من أهل بيته وغيرهم، ومن طريقه عنه – كما سيأتي – أسند القراءة عامة من أسندها من الفاسيين وأهل سوس وجمهور المغاربة المتأخرين بوجه عام.
33- أبو القاسم الكوش الدرعي التفنوتي (ت 953 هـ):
__________
(1) فهرس المنجور 65-66.
(2) الحضيكي 1/157 ونحوه في دوحة الناشر 57.
(3) فهرس المنجور 66.(1/163)
من علماء زمنه وشيوخ الإصلاح والإحسان، ذكره المنجور في مشيخة شيخه أبي محمد عبد الحق بن أحمد المصمودي وذكر وفاته في رمضان سنة 953هـ(1).
وقال في ترجمة شيخه أبي الحسن علي بن عيسى الراشدي – كما تقدم -:
"نفذ له تدريس "الشاطبية الكبرى" الذي أنشأ تحبيسه الشيخ الفقيه الفرضي الصالح أبو القاسم الكوش الدرعي لنظر الشيخ الإمام أبي الحسن بن هارون، ولم يكن لها وقف قبله"(2).
وذكره الحضيكي باسم ابي القاسم بن عمر وقال: "نزيل درعة، يعرف عند أهل فاس بـ "الكوش" وبـ "الشيخ". كان بارعا في كثير من العلم والفقه(3) والعربية والحساب والقراءات قال:
"وهو أول من وقف على "حرز الأماني" للشيخ أبي القاسم الشاطبي بفاس لما جمع شرطه في المسجد بدرعة، فبعث به لشيخه المذكور(4) يشتري به ربعا أو عقارا يحبس على إقرائه، فكتب إليه: قد بلغت البضاعة واشترينا بها عرصة... فعينت لمن قام بالكتاب المذكور، وكان بعث أولا بشيء فأكل في الطريق... قال:
"أخذ - رضي الله عنه ـ بفاس عن ابن غازي والونشريسي، توفي – رحمه الله ـ في سنة 953 ودفن بتمجروت بدرعة"(5).
وقد ذكر التمنارتي أصل ما ذكره الحضيكي بالحرف وزاد قول تلميذه سيدي سعيد الهزالي: "وكانت مساكن دراستنا بقرب مسكنه، ونحن نجد غاية الجد، ويقول لنا: ما كنتم تصنعون شيئا، ما هكذا عرفنا طلبة جزولة"(6).
34- أبو القاسم بن علي بن خجو (ت 956):
__________
(1) نفسه 85 وله ترجمة في لقط الفرائد 299 ونشر المثاني 1/43.
(2) فهرس المنجور 67.
(3) كذا وأصله "من علم الفقه والعربية" كما في "الفوائد الجمة" للتمنارتي.
(4) يعني لأبي الحسن بن هارون.
(5) مناقب الحضيكي 1/151-153 بتصرف.
(6) كتاب الفوائد الجمة بإسناد علوم الأمة لأبي زيد عبد الرحمن بن محمد التمنارتي (ت 1060) نسخة مصورة عن نسخة مخطوطة بالخزانة العامة بالرباط رقم 02. 964.(1/164)
هو الشيخ الفقيه أبو القاسم بن علي بن خجو الحساني، تفقه بحضرة فاس، واخذ عن كثير من مشايخها كالإمام ابن غازي وسيدي أحمد الزقاق والشيخ أبي الحسن بن هارون والحباك والأستاذ الهبطي وغيرهم...
دخل فاس مدعوا إليها في جملة الفقهاء لما تغلب السلطان أبو عبد الله الشيخ على ملك المغرب، فرغب إليه أن يقيم بها أياما لينتفع منه، فأقام أياما، ثم أناخ به أجله فتوفي – رحمه الله – سنة ست وخمسين...(1).
35- محمد بن أحمد أبو عبد الله العبسي (964هـ):
هو من أصحابه الجلة القائمين على طريقته، ذكره المنجور في مشيخته وقال: "ومنهم الفقيه الأستاذ النحوي الخطيب نيابة أبو عبد الله محمد العبسي، قرأ على شيخ الجماعة أبي عبد الله محمد بن غازي من معاصريه، ولازم الإمام ابا العباس الزقاق في "مختصر خليل" وغيره... وأخذ أيضا عن الإمامين الخطيبين أبي الحسن علي بن هارون, وأبي محمد الونشريسي... وكان يخطب بالقرويين نيابة عن الفقيه الأستاذ الخطيب غازي ابن شيخ الجماعة أبي عبد الله بن غازي... قال المنجور:
"حضرت عنده مجالس يعرب فيها القرآن ويقرئ "الألفية" بنقل المرادي، ومختصر خليل، وشيئا من التفسير ومن "الدرر اللوامع" بكرسيه بجامع الأندلس". وتوفي آخر سنة ثلاث أو أول سنة 964هـ"(2).
36- محمد بن علي بن عدة أبو عبد الله الأندلسي المشهور بابن عدة والعدّي (ت 975هـ):
... من جلة أصحاب ابن غازي أيضا وحذاقهم من طبقة أبي القاسم بن إبراهيم الدكالي الآنف الذكر. ترجم له المنجور في شيوخه وقال: "ومنهم الشيخ الأستاذ الحافظ لكتاب الله الحفظ المتقن متنا وأداء ورسما وضبطا أبو عبد الله بن علي بن عدة الأندلسي، وبها ولد، المشهور بالعدّي".
__________
(1) دوحة الناشر لابن عسكر 14-15 ببعض اختصار، وله ترجمة موجزة في الجذوة 1/111 ترجمة 40.
(2) فهرس المنجور 68-69.(1/165)
... "درس القرآن العظيم الدرس البالغ، اشتهر عنه أنه كان يدرس اللوح من القرآن ألف مرة حتى حفظه ذلك الحفظ بحيث لا يقف ولا يتتعتع، يضرب به المثل في الحفظ، على أن القرآن غلاب قد يقف فيه من لا يظن به ذلك".
"وكانت أحكامه أداء ورسما وضبطا حاضرة لديه، ويحفظ في ذلك منظومات لقواعد وجزئيات، وكان له خط رائق، ونسخ نسخا عديدة من كتاب الله – عز وجل – للسلاطين وغيرهم، والناس يتغالون في نسخه، ومثله في جودة حفظ القرآن بكثرة الدرس شيخنا الأستاذ أبو عبد الله بن مجبر(1)، وكانا معا يقصدان بتصحيح نسخ القرآن من حيث المتن والرسم والضبط".
... ثم قال عن شيوخه: "قرأ شيخنا أبو عبد الله العدي القرآن العظيم على شيخ الجماعة أبي عبد الله بن غازي، وعلى الأستاذين أبي العباس الدقون وأبي عبد الله الهبطي وغيرهم، واخذ عن الإمامين المفتيين الخطيبين أبي الحسن بن هارون وأبي محمد الونشريسي وغيرهم، ولازم دروس ابي عبد الله بن غازي في التفسير وغيره، وسمع عليه صحيح البخاري، وجمع عليه وعلى الأستاذ أبي العباس الدقون القرآن بالقراءات السبع وأجازه كل منهما فيه وفي غيره... ولازم أيضا دروس المفتيين المذكورين في الفقه وغيره، وتفسير الشيخ أبي القاسم بن إبراهيم بالمدرسة المصباحية مدة... وجود عليه القرآن من الطلبة من لا يحصى".
قال المنجور: "وممن قرأ عليه بعض القرآن بالسبع شيخنا العلامة أبو محمد عبد الوهاب الزقاق".
"وتلوت عليه بالسبع ختمة من القرآن من فاتحة الكتاب إلى آخره، ومن أخرى إلى أثناء سورة الأنعام، وكان يحفظ السبع أيضا، فكثيرا ما قرأنا منه جزءا كاملا في المجلس الواحد بسرعة... وتوفي وقد قارب التسعين أو بلغها في آخر جمادى الأولى عام خمسة وسبعين من هذه المائة"(2).
__________
(1) سيأتي في أصحاب ابن غازي.
(2) فهرس المنجور 66-67.(1/166)
وقد ذكر ابن القاضي جملة شيوخه المذكورين وذكر فيمن أخذ عنه أبا عبد الله محمد بن يوسف الترغي، وقال "أدركت حياته، إلا أني ما قرأت عليه"(1).
37- محمد بن أحمد بن مجبر المساري (ت 983):
شيخ الجماعة في زمنه بفاس في أكثر من فن، عاش حتى انفرد بالرواية عن الكبار، وأخذ عنه الناس.
ترجم له المنجور في مشيخته ووصفه بـ "الأستاذ الكبير، ذو النحو الغزير، العروضي الفرضي المتقن، أبي عبد الله محمد بن مجبر المساري. ثم قال:
"كان متقنا لعلوم القرآن كحرز الأماني والدرر اللوامع ومورد الظمآن مع ذلكه حفظا وفهما مع البحث والإمعان، عنده تقاييد الشيوخ، وزاد هو عمن لحقه منهم ومن بنات فكره ما فاق به الأقران...".
ثم ذكر إتقانه لعدد من العلوم وسمى من أمهات المصنفات فيها ما أخذه عن شيخه الكبير أبي عمران موسى الزواوي وغيره، ثم ذكر أنه "جوّد على شيخ الجماعة أبي عبد الله بن غازي ثلاثة أحزاب من فاتحة الكتاب إلى "واذكروا الله" بحرف نافع، ثم اقتصر على شيخه الزواوي قصد الانتفاع... وكان يحفظ السبع حفظا بالغا يفوق فيه أقرانه، ويستحضر نصوص "حرز الأماني"، ولا يحتاج إلى أن ينظر "التيسير"(2) و"إنشاد الشريد" أو غيرهما، ودرس كثيرا في كتاب الله العزيز حتى أتقن حفظه كالأستاذ العدي".
قال المنجور: "ختمت عليه القرآن العزيز بالقراءات السبع، وحضرت عليه "الألفية" بمسجد "الصوافين"... وقرأت عليه جملة وافرة من "الخزرجية" ومن "الشاطبية الكبرى" بلفظي إلى سورة الأنعام كنت أقرؤها عليه بين المغرب والعشاء بجامع القرويين ينقل عنها من الجعبري... ثم ذكر وفاته سنة ثلاث وثمانين، وكانت جنازته مشهودة وحضره مولاي أبو حفص ولد أخي السلطان"(3).
__________
(1) درة الحجال 2/213 ترجمة 659 ونحوه في لقط الفرائد 310 (الف سنة من الوفيات).
(2) في الفهرس "التفسير" ويظهر أنه تحريف.
(3) فهرس المنجور 63-65.(1/167)
وذكر التيمبوكتي ولادته في حدود عام 898هـ وقال: "قال عبد الواحد الشريف: وكان غاية في صلاح النية والبعد عن الأخلاق الردية، وإضمار الخير لكل البرية، مقبلا على ما يعنيه... عليه المدار في قطره في تحقيق السبع وأحكامها، مع انفراد بحمل لواء النحو وتحقيقه، له إيراد يهز النفوس سماعه، وإشكال يحير الأفكار إبداعه(1)".
وقال في الجذوة في وصفه: "الفقيه الأستاذ الحافظ النحوي، سيبويه زمانه، له طرر على الفية ابن مالك وهو شيخ الجماعة بمدينة فاس... ثم ذكر أخذه عن موسى الزواوي ومحمد بن غازي ووفاته سنة 984(2)".
مؤلفاته: ولا يبعد أن تكون لأبي عبد الله بن مجبر مؤلفات لم تصل إلينا إلى جانب "طرره" على الألفية، وقد وقفت له على ما يلي:
- تقاييد على مورد الظمآن لأبي عبد الله الخراز.
- وتقاييد على نظم الضبط له أيضا، وكلاهما ما يزال محفوظا في بعض الخزائن(3) وكلاهما بتمكروت برقم 1876.
- وقد وقفت على تقييد عنه لصاحبه محمد العربي بن محمد الكومي عرف بالغماري قال في أوله:"وبعد فهذا بعض ما قيدته عن شيخنا الإمام العلامة سيدي أبي عبد الله بن مجبر – ابقى الله بركته – على رجز الإمام أبي عبد الله الخراز الذي نظمه على الرسم....
__________
(1) نيل الابتهاج 340.
(2) الجذوة 1/250 ترجمة 250.
(3) وقفت على تقييد له على الخراز في خزانة أوقاف آسفي في مجموع عتيق، وقد أشرت إليه في ترجمة ابن غازي في الفصل الأول من العدد. ونقلت منه نماذج من تحقيقاته عن شيخه الصغير في قضايا الخلاف في الرسم.(1/168)
ومن نقوله عنه في هذا التقييد ما قاله عند قول الخراز: " ما جاء من أعرافها لمريما عن الجميع أو لبعض رسما" قال: "قوله" "بضعة" يريد ما عدا الأول(1)، وأما الآخر وهو "بضعة مزجية" فذكر عن الأستاذ أبي عبد الله الهبطي – رحمه الله – انه كان يقول بإثبات الألف كالأول، فيثبت الطرفين ويحذف ما عداهما".
وقال الشيخ – رضي الله عنه – عن شيخه الأستاذ أبي عمران الزواوي – رحمه الله -: أما الأول فبإثبات الألف، وما عداه بحذفها".
وقال عند قوله:
"وهاك حكم الهمز في المرسوم وضبطه بالسائر المعلوم:
قال شيخنا – يعني أبن مجبر -: "ولا عمل على ما قاله التجييي(2) في "شطئه" من تصويره بالألف، وقد حكي عن الأستاذ أبي عبد الله الصغير أنه جاء يوما يجود لوحه على أبي الحسن الوهري – رحم الله الجميع بمنه – وقد كتب في لوحه ربع "لقد رضي الله عن المومنين"، "فلما بلغ إلى قوله "شطئه" نظر إليه أبو الحسن فوجده مكتوبا بالألف، فأنكر عليه أبو الحسن، فقال أبو عبد الله الصغير:
وشطئه بألف يصور ... يقول ذا محمد الصغير
قال بعضهم: لعل أبا الحسن إنما أنكره لكونه لم يطلع على ما قاله التجييي، أو اطلع عليه وكأنه عابه"(3).
أصحاب ابن مجبر في القراءة:
... أخذ عن ابن مجبر عدد كبير، إلا أن الأسانيد لم تجئ من طريقه عن ابن غازي لقلة ما قرأ به عليه. وقد ذكر من أصحابه:
- أبو العباس المنجور، وقد قدمنا قوله: "ختمت عليه القرآن العزيز بالقراءات السبع..."
- ومنهم أبو العباس أحمد بن علي الزموري وسيأتي في آخر هذه القائمة.
__________
(1) يعني بالأول قوله في سورة يوسف "وأسروه بضعة"، ولم يعد لهذا الخلاف اعتبار اليوم في الرسم المعمول به عند المغاربة كما هو مطبوع في المصاحف اليوم.
(2) هو أبو إسحاق صاحب "التبيان" تقدم التعريف به.
(3) التقييد المذكور مخطوط مصور من خزانة الشيخ إبراهيم الهلالي بمكناس جزاه الله خيرا.(1/169)
- وأبو سالم إبراهيم بن مخلد "الأستاذ النحوي الحسن النغمة بكتاب الله... توفي غريقا بنهر سبو سنة 949(1).
- وعلي الحاج المعروف بابن البقال، قرأ عليه بالسبع، وجود عليه المنجور حين كان يقرأ بالمدرسة المصباحية(2).
- وأبو القاسم بن محمد بن محمد بن قاسم بن أبي العافية المكناسي وهو والد أبي زيد عبد الرحمن بن القاضي.
"أخذ القراءات عن الأستاذ أبي عبد الله محمد بن أحمد بن مجبر المساري، وعن أبي القاسم بن إبراهيم المشترائي، والنحو عن أبي العباس أحمد بن علي القدومي الأندلسي... وأجاز له ابن مجبر المذكور في القراءات وكل ما يجوز له وعنه روايته، قال في الجذوة بعد ذكر ما تقدم -: ولد سنة 960، وهو من أهل العصر"(3).
- ومنهم عبد الرحمن بن قاسم أعراب أبو زيد المكناسي. "قرا بفاس على شيخ الإقراء والنحو أبي عبد الله محمد بن أحمد بن مجبر المساري"(4).
- ومنهم الفقيه النحوي المشارك المتفنن مفتي مكناسة محمد بن محمد الغماري – صاحب التقييد عنه – قال في الجذوة: "أخذ بفاس عن محمد بن مجبر المساري وعن يحيى السراج وعن أبي راشد اليدري وغيرهم، وقرا القرآن بالمقارئ السبعة، توفي بمكناسة في 23 ربيع النبوي عام 1002هـ(5).
- ومنهم أحمد بن عبد الرحمن بن عبد المومن المسكرادي المصمودي، وقد تقدم في الآخذين عن ابن غازي(6).
وفي الجملة فقد قال صاحب الدوحة في أبي عبد الله بن مجبر: "حاز قصب السبق في طريق النحو والقراءات وانتفع القراء به كثيرا، ولم يبق اليوم في المغرب إلا تلامذته في تجويد الروايات وضبطها، توفي وقد ناهز المائة(7)".
__________
(1) ترجم له المنجور في شيوخه في الفهرس 77.
(2) المصدر نفسه 77.
(3) درة الحجال 3/287 ترجمة 1363
(4) نشر المثاني 1/48-49.
(5) الجذوة1/327 ترجمه 347 ونحوه في نشر المثاني 1/41.
(6) الجذوة 1/158-159 ترجمة 109.
(7) دوحة الناشر 58 ترجمة 42.(1/170)
38- محمد بن أحمد بن عبد الرحمن أبو عبد الله اليسيتني مفتى فاس(897-959)
قال تلميذه أبو العباس المنجور في مشيخته: فمنهم شيخنا الفقيه الإمام العلامة المحقق الجامع بين فني المنقول والمعقول، الحاج الرحال الخطيب المفتي الصالح أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الرحمن اليسيتني.
"قرأ على الإمام شيخ الجماعة أبي عبد الله بن غازي قليلا، وأكثر عن الفقيه الأستاذ المتفنن الرحال الصالح أبي زكريا يحيى السوسي(1).. ثم ذكر من شيوخه جماعة من التلمسانيين والفاسيين وذكر له رحلة في طلب العلم إلى المغربين الأوسط والأدنى، ثم إلى مصر ثم قال:
"وشارك في تلاوة القرآن العزيز، فقرأ على شيخ الجماعة الإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد بن غازي بالقراءات السبع من فاتحة الكتاب إلى "حزب" و"المحصنات"، ثم توفي الشيخ ابن غازي – رحمة الله عليه – وما أظنه ختم على أحد بعده... وذكر من اهتمامه بفن التجويد أنه كان "كثيرا ما يأتي يوم الخميس إلى جامع القرويين لحضور مجلس الشيخ الأستاذ أبي القاسم بن إبراهيم في "الدرر اللوامع"(2).
39- محمد بن عبد الجبار الفجيجي:
ذكره أبو جعفر البلوي الوادي آشي في ثبته وذكر سنده المسلسل بالمصافحة وقوله فيه: "صافحني شيخنا وبركتنا العلامة سيدي محمد بن غازي بالجامع الأعظم عرف بالقرويين من فاس – حرسها الله – بعد صلاة الجمعة تاسع شوال عام 895هـ وشد على يدي وأمرني أن أشد على يده،... وذكر السند المسلسل بمثل ذلك متصلا إلى النبي – صلى الله عليه وسلم"(3).
40- محمد بن عبد الواحد أبو عبد الله الغزال صاحب كرسي ابن غازي بعده بالقرويين:
__________
(1) سيأتي في أصحاب ابن غازي.
(2) فهرس المنجور 38-29-40 باختصار وتصرف.
(3) ثبت أبي جعف البلوي 405.(1/171)
تقدم ذكره ضمن الإجازة التي أجاز بها ابن غازي لبني إبراهيم ولولديه، وقد نعته ابن غازي فيه بالفقيه، وذكره المنجور في فهرسته وذكر أنه قرأ على فقهاء وهران وتلمسان، ثم ذكر أنه "حضر كثيرا عند من أدرك من فقهاء فاس، وكان يدرس "العمدة" و"الرسالة" بكرسي الشيخ أبي عبد الله بن غازي..."(1).
41- محمد بن علي بن أبي الشرف(2) التلمساني الشريف الحسني:
ذكر صاحب الإتحاف أخذه عن الشيخ ابن غازي سنة 913 كما صرح بذلك في صدر شرحه للشفاء(3). وقال في "نيل الابتهاج": "أخذ عن ابن غازي والدقون وغيرهما، وذكر له تعليقا على "الشفاء" لعياض كتب له على ظهره ابن غازي قوله: "طالعت بعض هذا المجموع فأعجبني، وذلك في عام 918(4)، ولم أقف على وفاته"(5).
"وذكر القادري في "نشر المثاني" أنه توفي في العام الثاني من العشرة السادسة – يعني من المائة العاشرة"(6).
42- محمد بن علي الخطيب القصري أحد عدول سماط فاس:
ذكره في الجذوة وذكر أخذه عن ابن غازي، وأنه كان أديبا، وذكر وفاته 955(7).
43- محمد بن محمد بن أبي جمعة الوهراني المغراوي المعروف بشقرون وبابن بوجمعة (ت 929هـ):
__________
(1) فهرس المنجور 74.
(2) في شجرة النور 276 "بن أبي شريف".
(3) الإتحاف لابن زيدان 4/8-9 ولعل التاريخ محرف عن 918 كما سيأتي عند صاحب النيل.
(4) كذا جاء في نيل الابتهاج ويظهر أنه الصواب لأن صاحب الإتحاف ربما نقل عنه لا عن الشرح المذكور.
(5) نيل الابتهاج 336 ونشر المثاني للقادري 2/11.
(6) نشر المثاني 2/11.
(7) جذوة الاقتباس 1/245 ترجمة 237.(1/172)
إمام جليل راسخ القدم في رواية العشر الصغير، وهو صاحب القصيدة اللامية "تقريب المنافع" – الآنفة الذكر – التي ضاهى بها "تحفة الأليف" للصفار، ولامية العامري، وقد تقدم أنه نظمها وفرغ منها في صفر سنة 899هـ وعدد أبياتها 300 بيت، وقد نظمها وهو في العشرين من عمره كما قال في أولها(1).
قال في "درة الحجال": "أحذ تلامذة ابن غازي، وهو الذي رثاه بقصيدته المشهورة(2)، وأخذ أيضا عن أبي العباس الدقون وأجاز له(3)، وله جزء لطيف جمع فيه مروياته عن أبي العباس الدقون، توفي سنة 930"(4).
وترجم له صاحب البستان فقال: "الأستاذ المتكلم المقرئ الحافظ الضابط أبو عبد الله محمد، أخذ عن الفقيه أبي عبد الله محمد بن غازي..."(5).
وللشيخ ابن أبي بوجمعة الوهراني مجموعة تقاييد عن شيخه ابن غازي ذكرنا بعض النقول عنها في تحقيقات ابن غازي عن شيخه الصغير... وتوجد منها نسخة بالخزانة الحسنية بالرباط برقم 4497 بعنوان "تقييد طرر مورد الظمآن" متلقاة من شيوخ مدينة فاس، جمعها أبو عبد الله محمد بن أبي جمعة المغراوي التلمساني (ت 929)(6).
__________
(1) تقدم ذكر القصيدة في ذكر ما قام على قصيدة الصفار من نشاط علمي.
(2) توجد القصيدة مخطوطة في الخزانة الناصرية بتمكروت في مجموع برقم 2088 بعنوان "تعزية في محمد بن أحمد ابن غازي لأحمد المدعو شقرون بن أبي جمعة الوهران (دليل مخطوطات دار الكتب الناصرية بتمكروت 138).
(3) تقدم ذكر إجازته له في بيتين من الشعر في ترجمة أحمد الدقون من أصحاب ابن غازي.
(4) درة الحجال 2/151 ترجمة 626 ونحوه في الجذوة 1/321.
(5) البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان لابن مريم المديوني 115 ونحو في شجرة النور الزكية 277.
(6) يمكن الرجوع إلى وصف التقييد المذكور في (فهارس الخزانة الحسنية لمحمد العربي الخطابي 6/73).(1/173)
- كما أن له كتابا في موضوع "السياسة التعليمية" باسم "جامع جوامع الاختصار والتبيان، فيما يعرض بين المعلمين وآباء الصبيان"، وهو مخطوط ببعض الخزائن(1).
ومما قرره في الكتاب نقلا عن سيدي محمد بن يوسف السنوسي(2) أنه "لا يجوز إقراء من لم يحكم مخارج الحروف، وأن جميع ما يأخذه سحت، إذ كل من أعطي شيئا على ظن حالة فيه وفيه خلافها فجميع ما يأخذه سحت".
- ومما وقفت عليه من آثاره في هذا الصدد أيضا فتوى لعلها منقولة عن الكتاب السابق ذكرها ابن القاضي ومسعود جموع في شرحيهما على "الدرر اللوامع" في باب الوقف على المرسوم في سياق الحديث عن الوقف بالسكون والروم والإشمام قالا: "تنبيه، قد وجد بخط شيخ شيوخنا الإمام سيدي محمد القصار – رحمه الله – ما نصه: "هل يجوز الاختبار في الصلاة بالقطع والوصل والتاء والهاء والزائد ونحو ذلك؟
"فأجاب شقرون محمد بن أحمد بن أبي جمعة المغراوي الوهراني: "الاختبار في الصلاة بما ذكر إن كان لسبق اللسان وجريانه عليه واعتياده إياه فمغتفر، وإن كان فاعله قصد به التنبيه للسامعين على أحكام". ما ذكر من فصل ووصل وتاء وهاء وغير ذلك من الأحكام، فهو قبيح جدا، وفاعله عرض صلاته للخلاف الذي فيمن تجرد قوله بذكر للتفهيم مشهورة البطلان". قال
__________
(1) مخطوط بالخزانة الناصرية بتمكروت برقم 818 في مجموع، وطبع أخيرا.
(2) هو أبو عبد الله محمد بن يوسف بن عمر بن شعيب الحسني السنوسي به عرف التلمساني (ت 895) أخذ القراءات عن أبي الحجاج يوسف بن أبي العباس بن محمد الشريف الحسني، وله شرح على الشاطبية لم يكمل. "نيل الابتهاج: 325-329 بهامش الديباج المذهب لابن فرحون".(1/174)
"وأما "الاستخبار" بلغة الطلبة في غير الصلاة كعند تجويد اللوح ونحوه فلا يحسن القدوم عليه ابتداء، ولا القصد إليه تعمدا، وليس هو من شأن فرسان هذا الفن، وإنما يليق بمعلمي المبتدئين والصبيان، فالاستخبار ليس بجيد، وما في الفاسي(1) وغيره من شراح "الشاطبية" "كفيل بإنكاره ورده"(2).
44- محمد بن محمد بن العباس التلمساني الشهير ببوعبد الله:
هو صاحب "شرح المسائل المشكلات في مورد الظمآن" الآنف الذكر في شرح المورد في ترجمة الخراز. ترجم له في نيل الابتهاج وذكر أخذه عن ابن غازي وأنه كان حيا بعد 920(3).
45- محمد بن محمد بن عمر أبو عبد الله المشاط المنوفى يعرف بالهزاز:
ذكره ابن القاضي في الدرة وقال: "أخذ عن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن غازي القرآن، وقرأت عليه فاتحة الكتاب بسنده... وأجاز لي سنة 993هـ"(4).
46- محمد الكفيف الأنفاسي الأديب الحافظ:
من أصحاب ابن غازي وله فيه وفي أبي العباس الدقون أشعار ذكر منها ابن القاضي في "درة الحجال" ومنها الأبيات الثلاثة التي ذكرناها في ترجمة ابن غازي والتي يقول في أحدها في شيخه المذكور:
أتى به الدهر فردا لا نظير له ... مثل البخاري لما جاء بالعتقي"(5)
47- محمد الكراسي الأندلسي أبو عبد الله الأديب:
ذكره صاحب الدوحة وذكر أنه لقي في صغره مشيخة غرناطة، ثم مشايخ فاس: ابن غازي والونشريسي وابن الزقاق وابن هارون وغيرهم، وولي القضاء بتطوان، ومات في حدود 964"(6).
48- مخلوف بن علي بن صالح البلبالي الفقيه القاضي:
__________
(1) يعني شرحه "اللآليء" "الفريدة" الآنف الذكر في شروح الشاطبية (مخطوط).
(2) نقله في الفجر الساطع وفي الروض الجامع في باب الوقف على المرسوم.
(3) نيل الابتهاج 334.
(4) درة الحجال 2/34-35 ترجمة 479.
(5) درة الحجال 2/164 والمراكشي في الإعلام 5/203-204.
(6) دوحة الناشر لابن عسكر 21 ترجمة 11(1/175)
قال في الجذوة "أخذ بفاس عن ابن غازي وغيره وله رحلة وسماع وسند، ثم ذكر وفاته في حدود 950"(1).
49- يحيى بن مخلوف أبو زكريا السوسي:
ذكره المنجور في ترجمة شيخه اليسيتني وذكر أخذه عن التلمسانيين أصحاب السنوسي وعلى البجائيين والفاسيين كأبي عبد الله بن غازي وأبي العباس الونشريسي ومعاصريهما، ثم ذكر وفاته بالطاعون العام سنة 928"(2).
50- محمد بن أبي جمعة أبو عبد الله الهبطي (ت 930هـ) صاحب "تقييد الوقف":
وقد ختمنا به هذه السلسلة من الأصحاب لأنه كان أعظم أهل زمنه تأثيرا في مسار المدرسة المغربية من الناحية العملية، وذلك بما ينسب إليه من الوقف الذي قيد عنه والذي هو عمدة قراء المغرب إلى اليوم.
ونظرا لهذه الأهمية نقف معه وقفة خاصة نقوّم من خلالها هذا التأثير وما قوبل به من خلاله من استحسان واستهجان.
الفصل الثاني:
الإمام أبو عبد الله الهبطي صاحب الوقف الرسمي عند أهل المغرب و"تقييد الوقف" المنسوب إليه ومدى صلته بالشيخ ابن غازي وما قوبل به قديما وحديثا من استحسان أو استهجان.
__________
(1) الجذوة 1/335 ترجمة 330 ونيل الابتهاج 344.
(2) فهرس المنجور 29-30، وله ترجمة في الجذوة 1/544 ترجمة 631 ونيل الابتهاج 359.(1/176)
لعلي في حديثي عن وقف الإمام الهبطي لا أملك جديدا كبير الأهمية أدلي به في موضوع هذا الوقف ومن قيده والشخصية العلمية التي اقترن بها، وذلك بعد أن قتل ذلك بحثا بصفة انفرادية، سواء على يد من قام عنه بدراسة جامعية مستقلة بعنوان "تقييد وقف القرآن الكريم – دراسة وتحقيق"(1)، أم من لدن طائفة من الأقلام التي تعرضت له من حيث قيمته التاريخية ومكانته العلمية في المدرسة المغربية(2)، أم من لدن بعض من توجهوا إلى انتقاده وبيان ضعف مواقفه أو فسادها والدعوة إلى التخلي عنه ووضع بديل له تراعى فيه القواعد والضوابط التي حددها علماء هذا الشأن، على نحو ما جرى في المشرق العربي عند طبع المصاحف المتداولة برواية حفص عن عاصم تحت إشراف عدد من كبار علماء مشيخة القراءات بالأزهر الشريف بمصر.
ولكني مع هذا لا أجدني في سعة من الأمر – وأنا أتحدث عن المدرسة المغربية في قراءة نافع وخصائصها – إذا أنا تجاوزت هذا الموضوع دون أن أوليه نصيبه من الاهتمام مع ما أمسى له من ارتباط مكين بهذه المدرسة من الناحية العملية والتاريخية معا حتى اعتبر "العنوان البارز للمصحف المغربي، والطابع الشخصي لمدرسة نافع المذهب الرسمي للدولة"(3).
__________
(1) الإشارة إلى الدراسة القيمة التي قام بها الأستاذ الدكتور الحسن وكاك بهذا العنوان تحت إشراف شيخنا الأستاذ الدكتور التهامي الراجي الهاشمي، وتقدم بها للحصول على دكتوراة السلك الثالث من دار الحديث الحسنية بالرباط، ثم طبع ذلك في كتاب هو من مصادرنا في هذه الدراسة وإن كنت قد كتبت عن الوقف قبل طبع الكتاب.
(2) نشرت بحوث كثيرة عنه في مجلة دعوة الحق منها عدد بقلم الأستاذ سعيد أعراب.
(3) سعيد أعراب دعوة الحق العدد 273 ص 156 السنة 1989.(1/177)
ثم كان أيضا مما حدا بي إلى كتابة هذا الفصل عن هذا الإمام وما يعزى إليه من الوقف ما وقفت عليه في بعض كتابات المتأخرين من إجحاف بحقه بلغ أحيانا إلى حد الإزراء به والوقيعة فيه واتهامه بأنه "لا يعرف النحو"، أو "لم يقرأ المقدمة الأجرومية" "أو أنه" لا يرجع في وقوفه إلى قاعدة من علم العربية أو القراءات أو التفسير" إلخ(1).
هذا مع شهادة أئمة هذا الشأن له بالحذق في أكثر من فن، ولاسيما في علم النحو كما سيأتي.
وأخرى أيضا هي من باب الإنصاف لصاحب الوقف – ولم أر من تعرض لها فوفاها ما تستحق – وهي عرض الوقوف المتقدة عليه على المصادر التي تهتم بنقل أقوال العلماء في موضوع الوقف والابتداء، وذلك لمعرفة مصادره من جهة، وتمييز ما انفرد به من أوقاف عما شاركه فيه غيره وسبقه إليه، وبالتالي لتتوجه اللائمة إذا توجهت – إليه مع من أخذوا بمثل مذهبه حتى لا يظن ظان أنه اخترع في هذا المجال أقوالا لم يقل بها أحد ممن تقدموه، لاسيما وأن طائفة من تلك الوقوف المنتقدة دل الاستقراء لها على أنه ربما راعى فيها مذهب نافع المروي عنه في وقف التمام، فوافقه فيما روي عنه، بالشخص تارة – كما سيأتي – وبالنوع تارة أخرى، إذ من المعلوم أن لنافع كتابا في الوقف حدد فيه مواضع وقف التمام، وأشار إلى كثير منها المؤلفون في هذا الفن. ثم إني وقفت على بعض الإشارات التي تدل على أن طائفة من تلك الأوقاف المنتقدة ليس هو المسؤول عنها، إذ هناك ما يدل على أن هذا التقييد الذي بين أيدينا قد مر عبر مراحل تعرض خلالها لطائفة من التعديلات أو الإضافات ربما كان بعضها مسؤولا عن طائفة من تلك المواقع التي يتوجه إليها الانتقاد.
__________
(1) هذه الأحكام الجاهزة سيأتي ذكرها.(1/178)
وليس معنى هذا أني أدافع عن تلك المواقع وأدعو إلى الإبقاء عليها على حالها، وإنما غرضي أن أبين أن الشيخ في غالب الظن هو بريء من عهدتها إذ لم يكن لها محمل مقبول لا مجال معه لتمحل ولا تكلف، وأن هذا بالتالي يجعلنا نحتاط في الحكم ونترفق في إبداء الملاحظة. ولأن إلقاء الأحكام بلا ضوابط يبتسر البحث وكثيرا ما يفضي إلى غمط الحق والبناء على الأنقاض.
- ترجمة الإمام الهبطي:
وحتى لا أبدأ بتقديم النتائج التي وصلت إليها من خلال ما وقفت عليه حول "تقييد الوقف" وما أحاط به من غموض، أستهل عملي بتقديم تعريف موجز أو كالموجز بالإمام الهبطي الذي يعزى إليه هذا الوقف ويمهر باسمه، وذلك لما هو ملحوظ بشكل غريب في المصادر القريبة من زمنه من أنها لا تكاد تزيد في التعريف به على سطر أو سطرين، ثم جاء بعض من كتبوا عنه ممن تأخروا عن زمنه بكثير فأضافوا بعض المعلومات التي نجدها مجموعة عند صاحب "السلوة"، فتكون من مجموع ذلك قدر لا بأس به يميط بعض الغموض حول التاريخ العلمي لهذا الإمام الذي لم ينصفه هذا التاريخ بوجه عام.
فهذا ابن القاضي لا يزيد في كل من الجذوة والدرة ولقط الفرائد عن قوله فيه – واللفظ له في الجذوة: "محمد بن أبي جمعة الهبطي السماتي(1) الأستاذ صاحب وقف القرآن العزيز، توفي بمدينة فاس سنة 930"(2). ويقول في "لقط الفرائد في وفيات سنة 930 هـ:
"وفيها توفي الأستاذ محمد بن أبي جمعة الهبطي السماتي صاحب وقف القرآن العزيز بمدينة فاس"(3).
ويقول صاحب "كفاية المحتاج" و"نيل الابتهاج" معا بلفظ واحد فيهما: "محمد بن أبي جمعة الهبطي عالم فاس، توفي عام 430هـ"(4).
__________
(1) فيها جميعا بالسين وسيأتي تصويب القادري لكتابته بالصاد.
(2) جذوة الاقتباس 1/321 ترجمة 333. ودرة الحجال 2/152 ترجمة 627.
(3) لقط الفرائد 290 (ألف سنة من الوفيات).
(4) كفاية المحتاج، ونقله عنه في السلوة 2/67 والنيل 335.(1/179)
أما القادري فيفيض نوعا ما في ترجمته فيميز أولا بينه وبين رجلين يشتركان معه في نسبته "الهبطي" ويختلفان معه بالشخص فيقدم تعريفا بهما أولا ثم يقول: "وليس واحد منهما محمد بن أبي جمعة الهبطي الصماتي (ت 930) صاحب "تقييد وقف القرءان العظيم" فإنه:
"محمد بن أبي جمعة الهبطي الصماتي – بالصاد والميم والتاء كما رأيته بخط من يعتمد وصحح عليه – فتوفي هذا بمدينة فاس سنة 930 ثم قال: قاله في الجذوة، وقبره معروف بطالعة فاس قرب الزربطانية وهو ممن أخذ عن ابن غازي، وعنه قيد الوقف، رحم الله الجميع"(1).
وهكذا انتهينا أخيرا مع القادري (ت 1187) إلى معرفة أنه هو "صاحب تقييد وقف القرآن العظيم"، وأنه أيضا أخذ عن الإمام ابن غازي وعنه قيد الوقف"، وهذه أمور مهمة لنا عودة إلى الإفادة منها.
ونلاحظ إلى الآن أن الهم كان منصرفا إلى تحديد اسمه ونسبه ووفاته ومكان دفنه، ولم يعتن منه بالجانب العلمي عنده إلا بالإشارة العامة في قول صاحبي الكفاية والنيل "عالم فاس"، وإشارة القادري إلى أخذه عن ابن غازي، ولا شك أن هذا تقصير في حق الشيخ لا ينسجم بحال مع هذا الأثر الذي كان له من خلال تصدره من جهة، أو من خلال ما خلفه من هذا التقييد الذي ينسب على كل حال إليه.
وقد حاول صاحب السلوة أن يعوض شيئا من ذلك، لكنه هو أيضا لم يتحدث عن مشيخة الإمام الهبطي ومنزلته في العلم وأثره في العصر ومشاركته في تخريج قراء العصر، واكتفى بطائفة من التحليات التي قد يستفاد منها أنها تعبر عن ذلك إجماليا، ثم تعرض لذكر تقييده المنسوب إليه في وقف القرآن العزيز وساق بعض المعلومات المفيدة حوله، وهذا مجمل ما ذكره من ذلك:
__________
(1) نشر المثاني 1/35.(1/180)
"ومنهم الشيخ الإمام العالم العلامة الهمام الفقيه الأستاذ المقرئ الكبير النحوي الفرضي الشهير الولي الصالح، والعلم الواضح، أبو عبد الله سيدي محمد بن أبي جمعة الهبطي – منسوب لبلاط الهبط – الصماتي الفاسي، صاحب "تقييد وقف القرأن العزيز"، توفي بمدينة فاس سنة 930...
ثم نقل ما ذكره في "كفاية المحتاج" كما ذكرناه آنفا، وتطرق للحديث عن الوقف المقيد عنه مما سنعود إلى الحديث عنه(1).
ومن استعراض ما تضمنته هذه التراجم نجد أن المعلومات التي فيها لا تكاد تفيد شيئا إلا في معرفة نسب الشيخ وبعض صفاته وتاريخ وفاته ومكانها، ولا تسمي من شيوخه إلا ابن غازي وبشكل عرضي، ولا تذكر من أثره العلمي إلا أنه "قيد عنه الوقف" على قراءتها بضم القاف – كما رأى بعضهم – أو "قيد" بفتح القاف على قراءة ثانية ومؤداها أنه قيده عن شيخه ابن غازي.
أما متى ولد ؟ وعلى من قرأ ؟ وأين تصدر ؟ ومن أخذ عنه من علماء فاس وقرائها ؟ فلا شيء في كتب التراجم، إلا ما ذكره القادري من أخذه عن ابن غازي، ومن هنا كان هذا الاستغراب في محله الذي عبر عنه الأستاذ الحسن وكاك في مقدمة دراسته لـ "تقييد وقف" الهبطي حين قال:
"هذا ومن الغريب أن يكون الشيخ الهبطي مشهورا ومغمورا في آن واحد، كان مشهورا في أوساط قراء المغرب باسمه ووقفه، وكان مغمورا لدى الجميع فيما سوى ذلك، حتى إننا لنجهل الكثير عن شيوخه وتلامذته وآثاره، فلم نكد نسمع من شيوخه أحدا سوى ابن غازي المكناسي، ومن تلامذته أحدا غير ابن عدة الأندلسي والشيخ السنوسي كما يستفاد من الحكاية السابقة بينهما.
__________
(1) سلوة الأنفاس 2/67-68.(1/181)
"وأما عن آثاره فلم يعرف له إلا هذا التقييد الذي بين أيدينا والذي يعتبر الطابع الشخصي للمدرسة القرآنية بالمغرب والعنوان البارز المميز للمصحف المغربي، عن غيره من المصاحف في العالم الإسلامي"(1)، وإلا "عمدة الفقير في عباد العلي الكبير(2)".
ثم استنتج الأستاذ الدكتور وكاك من وصف صاحب السلوة له بـ "الأستاذ المقرئ" ومن سبب قدوم الشيخ السنوسي عليه بفاس أنه وإن كان يتقن عدة فنون كما تدل عليه باقي التحليات الواردة في ترجمته في "السلوة" فإنه "تخصص في فن القراءات وصناعة الأرداف، وبتلقينها ونشرها ونشر وقفة هذا ملأ حياته العلمية" ثم بنى على ذلك أنه "إذا ثبت لدينا بما تقدم ذكره من أن الشيخ الهبطي كان من أساتذة القراءات والمتفرغين للإقراء في جل أوقاته سهل عليها أن ندرك السب الذي من أجله قلت آثاره ولم تشتهر شيوخه وتلامذته، ذلك السبب هو انصراف أهل "الروايات" المتأخرين عادة عن كل شيء إلى إتقان صناعة الأرداف وما يتصل بها من الأحكام(3)".
ثم وقفت في القسم الأول من "السلوة" أيضا على تحليات أخرى للشيخ الهبطي فيها مزيد من التأكيد على منزلته في القراءة جاء فيها قوله:
"كان عالم فاس في وقته، فقيها نحويا فرضيا، أستاذا مقرئا، عارفا بالقراءات مرجوعا إليها فيها، وكان موصوفا بالخير والفلاح، والبركة والصلاح، ذا أحوال عجيبة، وأسرار غريبة، أخذ عن الشيخ ابن غازي وغيره"(4).
مكانة الإمام الهبطي في القراءة وعلومها ومشاركته لابن غازي في شيخه الكبير وأعلام تلامذته:
__________
(1) أشار إلى كتاب "الحركة الفكرية بالمغرب أيام السعديين" للدكتور محمد حجي ص 140.
(2) أشار إلى أنه مخطوط بالخزانة العامة بالرباط رقم 2008 د ضمن مجموع.
(3) تقييد وقف القرآن الكريم للشيخ محمد بن أبي جمعة الهبطي – مقدمة الدراسة للدكتور وكاك 20-21.
(4) سلوة الأنفاس 1/268.(1/182)
ولقد وقفت في فهرسة الإمام المنجور وفي طائفة من المؤلفات في القراءة على إشارات مفيدة في هذا الباب تكشف بعض الغموض عن جانب من جوانب شخصية الإمام الهبطي ومكانته العلمية لم أر من نبه عليها، وأهم هذه الإشارات:
أ- أخذه عن الإمام أبي عبد الله الصغير شيخ أبي عبد الله بن غازي، وقد جاء ذلك في سياق إجازة الإمام أبي العباس المنجور بما في فهرسته لملك عصره أبي العباس أحمد المنصور السعدي ابن محمد الشيخ المهدي" حيث قال بعد أن سمى له ما أجازه به وسمى من أخذ عنهم وذكر شيوخهم من أصحاب ابن غازي والدقون والهبطي والحباك: "وأخذ شيخ الجماعة أبو عبد الله ابن غازي عن الإمام الحافظ أبي عبد الله القوري اللخمي والأستاذ الكبير أبي عبد الله الصغير الأوربي النيجي، وغيرهما ممن احتوت عليه فهرسته، لكن هذان عمدته.
"والدقون والهبطي عن الأستاذ الصغير، والحباك عن الأستاذ الصالح أبي داود سليمان بويعربين(1) عن الأستاذ الصغير، وهو عن أبي الحسن الورنتاجي الشهير بالوهري وعن أبي العباس الفيلالي وغيرهما"(2).
وهذه الإشارة كما لا يخفى مفتاح جديد للدخول في بحث مصادر الهبطي على الأقل سواء في القراءة وعلومها أم في "تقييد الوقف" المنسوب إليه.
فأما فيما يتعلق بالقراءة فتجعله هذه الإشارة المفيدة مشاركا لابن غازي في أهم شيخ له في القراءات وبذلك يستوي سنده معه من طريقه، بل ربما فاقه من حيث الأهمية بالنسبة لمن أخذوا عنه بعد موت ابن غازي، لأن روايته عنه علت لتأخر وفاته عن وفاته بأزيد من عشر سنين، وإن كان قد بقي بعده جماعة ممن رووا عن الصغير كأبي العباس أحمد بن محمد الحباك الذي تقدم في أصحاب ابن غازي أنه (ت سنة 938هـ)، وكيحيى ابن عبد الله بن بكار المحمدي الذي تقدم في أصحاب الصغير أنه عاش إلى سنة 956هـ.
__________
(1) في فهرس المنجور "بويقربين" وقال (كذا) والصحيح ما اثبتناه، وقد تقدم التعريف به.
(2) فهرس أحمد المنجور 17.(1/183)
وأما الجانب الأكثر قيمة في هذه الإشارة فهو يتعلق بـ "تقييد الوقف"، إذ تجعل عمله في هذا التقييد ليس نابعا من فراغ، وإنما هو إما محاكاة لعمل تقدمه، أو معارضة له، أو تعديل فيه.
وذلك لما نعرفه من وجود تقييد آخر للوقف قيد عن أبي عبد الله الصغير، ونسخته الخطية التي لا نعرف لها ثانية ما تزال محفوظة في الخزانة الناصرية بتمكروت تحت الرقم 1657 وتحت هذا العنوان "تقييد وقف القرآن عن الأستاذ محمد بن الحسين الملقب بالصغير"(1).
ولما كان أبو عبد الله الصغير النيجي قد توفي سنة 887هـ كما تقدم في ترجمته فمعنى ذلك أن فكرة تقييد وقف شامل للقرآن الكريم قديمة في الزمن، وربما تعود إلى منتصف المائة التاسعة، وإذا كان الأمر كذلك فربما كان كل من الهبطي وابن غازي معا وعامة من أخذوا عن الصغير قد اطلعوا عليها في حينها، هذا إذا لم يكونوا قد شاركوا فيها إما بطريق الأداء على منوالها أثناء قراءتهم على الشيخ، وأما باستخراج ذلك من وقفات الشيخ التي كان يتحراها أثناء الأداء، هذا إن لم يكن ذلك قد أخذ مكانه في الألواح على يده ووضعت له بعض العلامات الدالة عليه إما كلمة "صه" أو غيرها(2).
وحينئذ وبناء على هذه الاحتمالات فلن يكون الشيخ ابن غازي ومترجمنا هنا أبو عبد الله الهبطي بعيدين عن هذا العمل إما إسهاما فيه في صورته الأولى وإما عدولا عنه أو تعديلا فيه في صور لاحقة ربما كان أهمها وآخرها التقييد الذي في الأيدي الآن بعد أن مر هو أيضا بمراحل مشابهة كما سياتي.
__________
(1) عرف به الأستاذ محمد المنوني في (دليل مخطوطات دار الكتب الناصرية) ص 105 وقال: "غير مذكور المؤلف".
(2) يمكن الرجوع إلى بحث تطورات العلامة التي يشار بها إلى موضع الوقف في "تقييد وقف القرآن الكريم" المطبوع للدكتور الحسن وكاك 38-170 .(1/184)
وإذا صح لنا هذا بناء على ما تقدم، فإنه لا يبقى لأحد مستند في دفع أن يكون الهبطي قد قيد هذا الوقف عن ابن غازي، أو على الأقل في صورته الأولى قبل أن ينظر فيه الشيخ فيجري عليه من التعديل ما يراه مناسبا، ويكون العمل بذلك قد تكامل فيه تعاون الشيخين معا لإنجازه في صورته التي قيدت عن المتأخر منهما في الوفاة وهو الشيخ الهبطي، وربما فعلا ذلك كله على سبيل التعديل لوقف شيخهما الذي كان في الغالب صاحب أول تجربة في هذا المجال.
ويشهد لذلك ويقويه ما ذكره الشيخ الدكتور وكاك في بحثه من أنه اطلع بعد سنتين من كتابة بحثه في مكتبة الزاوية الناصرية على وقفية منسوبة إلى الشيخ محمد الصغير شيخ ابن غازي قال:
"وقد قابلت بينها وبين تقييد الشيخ الهبطي فلاحظت أنها تختلف مع تقييد الهبطي في خمسمائة موضع، قال: "ووجود هذه الوقفية يفيدنا أن المغاربة كانوا من قبل الهبطي يعرفون أنواعا أخرى من تقييد وقف القرآن الكريم"(1).
ب – أما الإشارة الثانية المهمة أيضا في إدراك منزلة أبي عبد الله الهبطي العلمية فقد جاءت في سياق ذكر أبي العباس المنجور لمشيخته، وذلك في ترجمة أبي القاسم بن محمد بن إبراهيم - صاحب ابن غازي - الذي قال عنه المنجور - كما تقدم -: "كان من الأساتيد المعتبرين، عارفا بعلوم القرآن أداء ورسما وتفسيرا ممتعا من الكتب العلمية التفسير والحديث والعربية وغير ذلك مما جمعه صهره: والد زوجته الأستاذ الكبير، ذو النحو الغزير، الفقيه الفرضي، أبو عبد الله الهبطي، وهي إعانة كبيرة على الطلب"(2).
__________
(1) تقييد وقف القرآن الكريم 95.
(2) فهرس أحمد المنجور 65.(1/185)
فرجل له مثل هذه الخزانة المتنوعة الغنية يصهر إلى مثل هذا الأستاذ البارع في القراءات وعلومها ويوصف بـ "الأستاذ الكبير ذي النحو الغزير... إلخ" هل من المقبول أن يعتبر في زمنه نكرة من النكرات، فضلا عن أن يوصم لدى بعض من كتبوا عن التقييد المنسوب إليه في وقف القرآن الكريم بالجهل بمبادئ العربية ولم يقرا المقدمة الأجرومية(1) ؟
إنه إذن بشهادة الإمام المنجور (928-995هـ) "الأستاذ الكبير ذو النحو الغزير، الفقيه الفرضي"، هذه التحليات الأربع التي التزم بوصفه بها في مواضع عديدة من فهرسته(2)، وذلك منه يدل على أنها ليست من قبيل المجازفة والنعوت الجاهزة التي اعتاد المؤلفون إرسالها بغير قيد ولا سند من واقع حال كثير ممن يترجمون.
ج- أما الإشارة الثالثة الدالة على رسوخ قدمه في الفن واعتبار علماء هذا الشأن لمذاهبه في قضايا القراءة وعلومها فتتعلق بالنقول التي نجدها عند طائفة من الأئمة في مسائل من خلافيات الرسم والضبط، وربما كانت له في ذلك رسائل صغيرة أو مقيدات أثرت عنه ذهب بها الزمان كما ذهب بكثير من آثار علماء العصر – فمن ذلك مجموعة من النقول عنه وقفت عليها على حاشية "تقييد على ضبط الخراز" من شرح أبي زيد عبد الرحمن القصري الشهير بالخباز وبالفرمي - الآنف الذكر في شراح تفصيل عقد الدرر لابن غازي - (3)، فقد جاء فيه عند قول الخراز:
__________
(1) سيأتي بعض هذه المغامز عند صاحب "منحة الرؤوف المعطي".
(2) يمكن الرجوع في فهرس المنجور إلى الصفحات 12 – (مرتين) 13-14-15-17-إلخ.
(3) تقدم ذكر هذا التقييد في الأعمال العلمية التي قامت على مورد الظمآن وذيله عمدة البيان في الضبط، وهو من الذخائر التي كانت محفوظة في بعض الزوايا الصوفية بآسفي وقفت عليه في مجموع عتيق بيد شاب يدعى توفيق بين المؤذن بآسفي وعليه آثار تحبيس على زاوية قديمة. ومعه شرح على الأجرومية مؤرخ بعام 1000 هـ.(1/186)
فضبط ما حقق بالصفراء ... نقط وما سهل بالحمراء
قوله: قال الهبطي: "قوله "فضبط ما حقق بالصفراء"، أي: فصورة ما حقق بالصفراء، وأما الضبط حقيقة فهو كناية عن شكل الحرف".
وقال في تعليق آخر في التقييد نفسه: "قال الهبطي – رحمه الله -: "النقط في "موجلا" وما في معناه عبارة عن الحركة لا عن الهمز، بدليل نصهم على جعل النقطة في "أؤنبئكم" أمام الواو، إذ لو كانت عبارة عن الهمز لكان على الواو، إذ المضموم غير ألف، والهمز يكون فوقه، نحو "يكلؤكم"و"سنقرئك"(1).
- ووقفت على نحو من هذا في اهتمامه بالرسم ومسائل الخلاف فيه في التقييد الآنف الذكر الذي قيده محمد بن العربي الكومي المعروف بالغماري عن أستاذه وشيخه أبي عبد الله بن مجبر صاحب ابن غازي بفاس جاء فيه قوله عند قول الخراز: "ما جاء من أعرافها لمربما..................:
"وأما الآخر وهو "بضاعة مزجاية" فذكر عن الأستاذ أبي عبد الله الهبطي – رحمه الله – أنه كان يقول بإثباته كالأول، فيثبت الطرفين وبحذف ما عداهما"(2).
- ووقفت على طرف من مباحثه في الفن أيضا عند الإمام أبي زيد بن القاضي في فرش الحروف من "الفجر الساطع" عند قول ابن بري: "وإنما النسي ورش أبدله.....قال ابن القاضي:
__________
(1) تقييد على الضبط من شرح أبي زيد القصري الشهير بالفرمي.
(2) تقدم ذكر التقييد في ترجمة أبي عبد الله محمد بن أحمد بن مجبر المساري.(1/187)
"وجدت في بعض التقاييد: "وأما النسي فيفرق بينه وبين "بالسوء" و "النبيء" قال الهبطي: "النسي لورش بالوقص والشد، وليس كذلك "بالسوء" و"النبي"(1) لأن النسي مبدل في الحالتين بخلافهما فإنهما في الوصل خاصة، و"النسي" لقالون عقص، وكذلك "أوزعني"، ولورش وقص، قال: نصوا عليه ولم أره – انتهى(2).
أفلا تدُلُّ هذه النقول في موضوعي الرسم والضبط على إمامة للشيخ الهبطي في الفن؟ ثم ألا يدل اعتماد مثل ابن مجبر له وهو غالبا من تلامذته، ثم من بعده كأبي زيد الفرمي الخباز والغماري وابن القاضي – على مكانة من التحقيق والحذق مشهود له بها من لدن أهل هذه الصناعة ؟ أو ليس أهل مكة أدرى بشعابها كما يقول المثل ؟
د- الإشارة الرابعة تتعلق بأخذ عدد من المبرزين من أصحاب ابن غازي عنه:
ودلالتها على إمامته ومكانته واضحة، لأنهم إن كانوا قد أخذوا القراءة أو العربية أو غير ذلك مما كان مبرزا فيه مع وجود ابن غازي بالحضرة فهذا دليل ساطع على نبله وعلو كعبه. وإن كان أخذهم عنه بعده مع جلالة أقدارهم وتلقيهم عنه للقراءات السبع وعلومها ولعامة علوم الرواية وإجازتهم بذلك كما تقدم فهو أعظم دلالة على ما ذكرناه له، ومن استعراض أسمائهم كما ذكرهم الإمام أبو العباس المنجور نجد أنهم الصفوة المعتبرة من رجال مدرسة ابن غازي، فمنهم:
__________
(1) يعني "لأمارة السوء إلا ما رحم ربي" وقوله تعالى "لا تدخلوا بيوت النبيء إلا أن يؤذن لكم" وقوله "إن وهبت نفسها للنبيء إن أراد النبيء" – الأولى في يوسف، والباقي في سورة الأحزاب، وذلك في رواية قالون في قراءته لها بالإبدال مع الإدغام.
(2) الفجر الساطع (فرش الحروف).(1/188)
1- عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم الدكالي: أحد الحاملين لإجازة ابن غازي بما في فهرسته مع إخوته الثلاثة كما تقدم، ذكره المنجور وذكر أخذه عن والده وعن الشيخ ابن غازي "وعن غيرهما كالأستاذ النحوي الفقيه الفرضي أبي عبد الله بن أبي جمعة الهبطي..."(1).
2- عبد الواحد بن أحمد بن يحيى الونشريسي: ذكر المنجور أيضا أخذه عن والده وابن غازي وغيرهما "كالأستاذ النحوي الفقيه الفرضي أبي عبد الله بن أبي جمعة الهبطي..."(2).
3- علي بن عيسى أبو الحسن الراشدي الأستاذ النحوي: ذكره أيضا وذكر أخذه عن ابن غازي وعن معاصريه من الأساتيذ كالأستاذ الدقون والأستاذ الهبطي والأستاد الحباك..."(3).
4- أبو القاسم بن محمد بن إبراهيم أحد أكابر أصحاب ابن غازي من الأربعة الذي سماهم في إجازته، ومن طريقه عنه يسند القراءات من طريق ابن غازي من المتأخرين.
ذكر أبو العباس المنجور أنه كان صهرا للشيخ أبي عبد الله الهبطي على ابنته، وأنه كان ممتعا بسبب ذلك بالخزانة الغنية التي كانت في هذا البيت مما كان عونا له على الطلب، كما ذكر أنه أخذ عن شيخ الجماعة الإمام أبي عبد الله بن غازي وعن الفقيه الأستاذ النحوي الفرضي أبي عبد الله محمد الهبطي وعن غيرهما"(4).
5- محمد بن علي بن عدة أبو عبد الله العدي الأندلسي: ذكره المنجور أيضا وذكر أخذه عن ابن غازي وعن أبي العباس الدقون، "وعن الأستاذ النحوي الفقيه الفرضي أبي عبد الله الهبطي"(5).
أمع أخذ أمثال هؤلاء الأعلام عنه يكون مثل أبي عبد الله الهبطي نكرة من النكرات؟ أم يبقى هناك مجال لاتهامه بقصر الباع في العلم أو ضعف المنة في العربية ؟.
__________
(1) فهرس أحمد المنجور 12-56.
(2) المصدر نفس 42.
(3) 15-87-88.
(4) نفسه 13-65.
(5) نفسه 14-66.(1/189)
لقد تعمدت الاسترسال في هذا البيان لأوكد إن كان الأمر يحتاج إلى تأكيد على أن الرجل كان من أعلام هذا الشأن، وممن تعقد عليهم الخناصر فيه كما يقال، إلا أن التقييد المنسوب إليه قد اكتنفته ظروف لا يمكن الجزم معها بنسبة كل ما فيه إليه، وخاصة تلك المواقف التي اتخذها بعض المتأخرين ذريعة إلى الوقيعة فيه. وهو إلى جانب ذلك مسبوق إلى أكثرها مما لا تتوجه معه اللائمة إليه وحده إن توجهت.
ولنا عند هذه النقطة وقفة خاصة يقتضيها إنصاف الرجل، وتتعلق بمحاولة الإجابة عن السؤال التالي:
هل كان الإمام الهبطي، وهو بصدد تقييد الوقف المأخوذ عنه يراعي مذهب الإمام نافع في وقف التمام ويعود إلى المصادر المعتمدة عند أهل هذا الفن؟ وبمعنى آخر هل كان الهبطي مسبوقا إلى طائفة من المواقف التي انتقدت عليه؟ أم أنه جاء فيها ببدع من القول ليس هناك من تقدمه إليه ؟
حدود اتباع الإمام الهبطي لمذهب نافع في الوقف:(1/190)
لقد سبقني إلى التنبيه على هذه القضية الأستاذ وكاك فيما تعرض له في المبحث الخامس من دراسته عن "تقييد وقف القرآن" للشيخ الهبطي تحت عنوان "في ذكر مذاهب القراء السبعة في الوقف والابتداء، ومرونتها في باب الأداء" حيث أثار القاعدة الأصولية المقررة عند علماء الفن، وملخصها أن القارئ للقرآن لما كان "يقرؤه بإحدى الروايات الثابتة، وكان عند قرائه إنما يلتزم رواية واحدة، إلا في حالة الجمع بالسبع أو العشر، كان لزاما عليه أن يعرف الأصل الذي اختاره إمامه في الوقف، لأنه من ضوابط روايته، وحتى لا يخالفه في ذلك فيحكي عنه خلاف ما هو معروف عنه(1) خصوصا في الوقفات التي لها علاقة بأوجه القراءات كالتي خالف فيها نافع ابن كثير(2) والتي اختلف فيها القراء السبعة فيما بينهم وصلا ووقفا... من أجل هذا تتأكد معرفة مذاهب القراء السبعة في الوقف والابتداء، مع العلم بأن التزام مذهب أي إمام في الوقف خارج ما كان منه من قبيل هذه الوقفات المنصوصة ليس بلازم للقارئ لزوم الرواية له، لأن الرواية سنة منقولة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والوقف والابتداء اختيار شخصي مبني إما على تعمد رؤوس الآي، وأما على تمام المعنى.
__________
(1) يمكن الرجوع إلى بسط هذا الموضوع في النشر لابن الجزري 1/238.
(2) نقل الكتور وكاك هنا بالهامش أرجوزة من 14 بيتا أولها: "وهاك ما خالف فيه ابن كثير في الوقف نافعا على الأخذ الشهير إلخ وأشار إلى وجودها مخطوطة غير منسوبة وعلى احتمال كونها لبعض تلامذة ابن القاضي وهو أحمد بن عثمان البوزيدي كما ذكر ذلك الأستاذ سعيد أعراب في الميثاق عدد 150 س 9 ص 4. "وقد وقفت على القطعة المذكورة مرات منسوبة لأبي زيد بن القاضي نفسه، ومنها مخطوطة عتيقة بخوانة أوقاف آسفي، وله أيضا أرجوزة أخرى في الخلاف بين نافع والبصري في الوقف أيضا.(1/191)
"ولتأكد معرفة هذه المذاهب على القارئ يقول ابن الجرزي في "النشر" : "لابد من معرفة أصول مذاهب القراء الأئمة في الوقف والابتداء، ليعتمد في قراءة كل إمام على مذهبه وطريقته"(1).
ثم استعرض الباحث مذاهب السبعة في ذلك كما حددها ابن الجزري ومنها مذهب نافع في وقف التمام، ثم انطلق منه ليرتب عليه اختلاف العلماء الذين ألفوا في تقييد الوقف، "فقد كانت أنظارهم تختلف كل الاختلاف في تعيين بعض الوقوف لاختلاف الملاحظ الأعرابية والبيانية التي يعتمدونها في تعيين كل وقفة"، قال:
"ومن هؤلاء المقيدين أبو عبد الله الهبطي الذي اتبع تقييده في التلاوة (رواية) ورش عن نافع حسبما به الأخذ من طريق الأزرق بالمغرب، فقد بنى الشيخ الهبطي وقفه على مذهب التمام مذهب إمامه نافع، وراعى اتباعه في الوقفات التي لها صلة بأوجه القراءات، وخالفه في غير ذلك مما لا يلزم اتباعه فيه، وإن لم يصرح لنا الشيخ الهبطي بذلك فيما عرف من آثاره"(2).
... وبصرف النظر عما قرره الدكتور وكاك جازما بأن الهبطي "اتبع تقييده في التلاوة (رواية) ورش عن نافع مع ما نجده عند الحضيكي - وقد نقله الدكتور نفسه في بحثه(3) مستدلا به على ما بين الأقوال التي تعرضت لذكر السبب في وضع أبي عبد الله الهبطي من تعارض وتدافع - من نقله عن الشيخ الصوابي عن الشيخ المقرئ السيد موسى الوسكاري "كان رضي الله عنه - يخبر بأن الرجل الصالح سيدي موسى الوسكاري أول من جاء سوس بهذا الوقف الهبطي، وأنه لا يجوّد به إلا لمن يردف بالقراءات ويقول: "إنما وضعه واضعه لذلك، وينهي طلبته وأولاده الذي أدركناهم أن يقرأوا به الحزب الراتب، وان يجوّدوا به للمتعلمين الذين لم يقرأوا بالقراءات"(4).
__________
(1) النشر 1/238.
(2) تقييد وقف القرآن للدكتور وكاك 72-75.
(3) تقييد الوقف 124.
(4) مناقب الحضيكي 1/93-94. وتقييد وقف القرآن للدكتور وكاك 124.(1/192)
... وكذلك ما ذكره هو نفسه من قول الإمام عبد السلام بن محمد المضغري في "تكميل المنافع" من قوله:
"واسلك طريق الهبطي في الأوقاف ... فإنه لصنعة الأرداف
سهل معين إذ به جرى العمل ... في غربنا فإنه، وبه الأدا حصل(1)"
... بصرف النظر عن دلالة هذا التعليل عند الوسكاري وما يفهم من قول المضغري من كون الباعث للهبطي على وضع وقفه المقيد عنه هو تيسيره لصناعة الأرداف، وهو توجيه وتعليل لا يتناسب مع القول بأن الشيخ قد التزم فيه مذهب نافع في التمام، ولا رواية ورش من طريق الأزرق، فإن الاستقراء لما وصل إلينا من هذا الوقف في صورته الحالية يدل على ما ذهب إليه الدكتور وكاك، وهو رأي وصلت إليه أيضا قبل أن أطلع على ما كتبه في الموضوع، مع وقوفي على الرأي المقابل مقابلة التضاد لدى الوسكاري ومن نحا نحو من القائلين إن وقف الهبطي موضوع لأهل "الروايات".
بل إني وجدت أكثر من ذلك أن التزام الإمام الهبطي لمذهب نافع في بعض الوقفات التي نقلت عنه هو الذي عرضه للانتقاد، وفوّق إليه سهام الاتهام، ودون إطلاع من المنتقدين على موافقته لنافع أو مخالفته، مع أن ذلك كان منهم مطلوبا، أولا لمعرفة بعض مصادره ومستنداته في هذا الوقف، وثانيا ليتوجه النقد إلى من تقدموه إلى الوقف في هذه المواقف قبل أن يتوجه إليه. وثالثا ليعلم أن موافقته لنافع في بعضها ربما كانت منذ البداية من المبادئ التي وضعها نصب عينيه وهو ينتقل بين مواقع الوقف من كتاب الله إيثارا للموافقة والاتباع على المخالفة بالرأي والاختيار الشخصي.
- نماذج من الوقفات المنتقدة عليه:
1- في الآية الأولى من سورة البقرة قوله تعالى "ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين":
... قال أبو جعفر النحاس في كتاب "القطع والائتناف": "قال نافع: لاريب تمام"(2)
__________
(1) نقدم ذكر تكميل المنافع للمدغري في الطرق العشر المروية عن نافع.
(2) القطع والائتناف للنحاس 113.(1/193)
... وقال أبو عمرو الداني في كتاب "المكتفي": "وقال نافع: لا ريب تمام، فيرتفع هدى على قوله "فيه"، ويكون معنى "لا ريب" "لا شك"، ويضمر العائد على "الكتاب" لا تضاح المعنى"(1).
ومن الطريف أن الحافظ ابن الجزري قد مثل به في "النشر" لما يسمى بوقف المراقبة فقال: "قد يجيزون الوقف على حرف، ويجيز آخرون الوقف على آخر، ويكون بين الوقفين مراقبة على التضاد، فإذا وقف على أحدهما امتنع الوقف على الآخر، كمن أجاز الوقف على "لا ريب" فإنه لا يجيزه على "فيه"، والذي يجيزه على "فيه" لا يجيزه على "لا ريب"(2).
بينما مثل به قبل ذلك في كتابه لما يتعسفه بعض المعربين أو يتكلفه بعض القراء فقال: "ومن ذلك الوقف على "لا ريب" و"الابتداء" فيه هدى للمتقين"، وهذا يرده قوله تعالى في سورة السجدة "لا ريب فيه من رب العالمين"(3).
ومن المعلوم أن الهبطي في التقييد المنسوب إليه قد وقف على "لا ريب" فوافق نافعا، الذي يعده من وقف التمام، وربما مع معرفته بما هو متوجه عليه مما ذكره ابن الجزري، ولكن عامة من انتقدوه على الهبطي يوجهون الانتقاد إليه لا إلى إمامه الذي ربما لم يرد أن يخالفه في أول وقفة في القرآن بعد فاتحة الكتاب وفاتحة السورة من الحروف المقطعة "ألم".
2- قوله تعالى في الآية 95 من سورة البقرة: "ولتجدنهم أحرص الناس على حياة، ومن الذي أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة..." الآية.
قال أبو جعفر النحاس : التمام "أشركوا" قال: "وهو قول أهل التأويل وأهل اللغة والقراءات، إلا نافعا فإنه قال: ولتجدنهم أحرص الناس على حياة "تَمَّ"(4).
وقال أبو عمرو الداني: "وقال نافع: "التمام" "على حياة"(5).
__________
(1) المتكتفي في الوقف والابتداء للداني 158-159.
(2) النشر 1/237.
(3) نفسه 1/232.
(4) القطع والائنناف للنحاس 154-155.
(5) المكتفى في الوقف والابتداء 169.(1/194)
ووقف الهبطي هنا مطابق لوقف نافع على هذه الكلمة، لكن الذي انتقدوا هذا الوقف توجهوا غليه وحده بالنقد فقال الأستاذ عبد الله بن الصديق: "ووقف الهبطي على لفظ "حياة" وهو خطأ"(1).
3- قوله تعالى في الآية 179 من سورة البقرة: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف..." الآية.
قال أبو القاسم الهذلي في "الكامل في القراءات" عند قوله "إن ترك خيرا" إنه من وقف البيان المروي عن نافع ونصير(2) قال:
"وهكذا" "إن ترك خيرا" على قولهما، يجعلان "الوصية للوالدين والأقربين" متعلقة بإجازة الوارثين، ولا يجعلانها منسوخة"(3).
وقد انتقد هذا الوقف على الهبطي عامة من تعرضوا لمواضعه الضعيفة، ومنهم صاحب "منحة الرؤوف" حيث قال: "ووقف الهبطي على "خيرا" ففصل بين الفعل – وهو كتب المبني للمجهول – ونائب الفاعل. وهو "الوصية"، وتصحيحه يحتاج إلى تقدير فيه تكلف وخروج عن الظاهر لغير ضرورة ولا حاجة"(4).
4- قوله تعالى في الآية 7 من سورة آل عمران: "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات..." الآية.
قال أبو جعفر النحاس: "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه" قال نافع: تمّ"(5).
ووقف الهبطي هنا على نحو ما وقف في باقي الأمثلة السابقة موافقا لنافع.
__________
(1) منحة الرؤوف المعطي ببيان ضعف وقوف الشيخ الهبطي للأستاذ عبد الله بن محمد بن الصديق الغماري 7
(2) هو نصير بن يوسف بن أبي نصر الرازي المقرئ أبو المنذر صاحب أبي الحسن الكسائي كان من الأئمة الحذاق ولا سيما في رسم المصحف، وله فيه مصنف – ترجمته في معرفة القراء الكبار للذهبي 1/175 طبقة 6 رقم 29.
(3) الكامل في القراءات العشر والأربعين الزائدة عليها لأبي القاسم الهذلي لوحة 38 (مخطوط).
(4) منحة الرؤوف المعطي 10.
(5) القطع والائتناف 212.(1/195)
لكن صاحب "منحة الرؤوف" حينما تعرض لهذه الوقفة وبيّن أين ينبغي أن يكون الوقف قال: "ولكن الهبطي وقف على لفظ "منه" فدل على أنه لا يعرف النحو، لأنه فصل بين المبتدأ والخبر وصيّر المبتدأ بلا خبر"(1).
5- قوله تعالى في الآية 33-34 من سورة المائدة في قصة ابني آدم: "قال ياويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأوري سوءة أخي فأصبح من النادمين، من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل... " الآية.
قال أبو جعفر النحاس: "فأصبح من النادمين" تمام على قول أكثر أهل اللغة، وزعم نافع أن التمام "فأصبح من النادمين من أجل ذلك"(2).
وقال أبو عمرو الداني: "وقال نافع: "من أجل ذلك "تمام، فجعل" من "صلة للنادمين"(3).
وقد وافق الهبطي نافعا في الوقف على "ذلك" فتعرض بسبب ذلك للانتقاد، فقد مثل بوقفه هذا الشيخ عبد الله الجراري في الأمثلة التي ساقها عن شيخه الفقيه المقرئ أبي شعيب الدكالي قائلا: "أن الشيخ الهبطي ارتكب غلطا بل أغلاطا في الوقف تقديما وتأخيرا، وبالأخص ما يسطر تحته من الوقفات التالية... فذكر هذا منها(4).
أما صاحب "منحة الرؤوف" فقال: "ولكن الهبطي وقف على "ذلك" ففصل بين الفعل ومتعلقه، وقطع العلة عن معلولها، وصارت جملة" كتبنا على بني إسرائيل منقطعة عما قبلها لا رابط بينهما، وهذا إفساد لمعنى الآية سامحه الله"(5).
6- قوله تعالى في الآية 53 من سورة الأنفال: "كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله..." الآية قال أبو عمرو في "المكتفي": "وقال نافع :"كدأب آل فرعون: تام، ثم ذكر هو أنه حسن(6).
__________
(1) منحة الرؤوف 11.
(2) القطع والائتناف 286.
(3) المكتفي 238-239.
(4) نقله الدكتور الحسن وكاك في دراسته لتقييد وقف القرآن العظيم 157.
(5) منحة الرؤوف المعطي 13-14.
(6) المكتفي 287.(1/196)
ووقف الهبطي – كما في تقييده المتبع اليوم- موافق لمذهب نافع واستحسان أبي عمرو الداني بالوقف على "فرعون" أما صاحب "المنحة" فذكر وقف الهبطي على "فرعون" وقال: "وفيه ما سبق في نظيره"، ثم ذكر أن الوقف عليه ممنوع"(1).
7- قوله تعالى في الآية 24 من سورة يونس: "إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام".
قال أبو جعفر النحاس: " وحكى اسماعيل بن عبد الله المقرئ(2) قال: قال لي أبو يعقوب – يعني الأزرق المقرئ - : "إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من المساء فاختلط به، وفي الكهف "فاختلط"(3) تمام الكلام(4).
فالوقف على "فاختلط" في سورة يونس إذن كان معروفا في مدرسة ورش بمصر كما ذكر النحاس – وهو من رجالها – والظاهر أنه منقول عن ورش عن نافع، وقد ذكر القرطبي في تفسيره أنه مروي عن نافع المدني(5).
فإذا كان هناك تساؤل بالنسبة للهبطي فهو على نحو ما تساءل الإمام أبو زيد بن القاضي بكامل الأدب قائلا في كتابه "القول الفصل" علي عادته فيه عند التعرض لبعض وقوف الهبطي:
"فانظر وجه تخصيص الهبطي الوقف بيونس دون الكهف، لأن من أجاز الوقف أجازه فيهما معا، ومن منع منعه فيهما فافهم"(6).
لكن الشيخ صاحب "المنحة" قال: "هو وقف ممنوع، لأنه فصل بين الفعل ومتعلقة ولا أحد يجيزه... ثم قال بعد أن ذكر المفارقة التي في وقف الهبطي على "فاختلط" في يونس دون التي في الكهف:
__________
(1) منحة الرؤوف 15-16.
(2) هو إسماعيل النحاس أحد طرق رواية الأزرق عن ورش عن نافع - تقدم في رجال مدرسة ورش بمصر.
(3) يعني قوله تعالى في الآية 44 منها: "واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح".
(4) القطع والائتناف للنحاس 375.
(5) تفسير القرطبي 8/327.
(6) القول الفصل في اختلاف السبعة في الوقف والوصل "لابن القاضي (مخطوط).(1/197)
"وهذا يدل على أن الهبطي لم يكن يرجع في موقوفه إلى قاعدة من علم العربية أو القراءات أو التفسير"(1).
8- قوله تعالى في الآية 71 من سورة الأنبياء: "ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة.."
قال النحاس: "الوقف على رؤوس الآيات كاف إلى قوله – عز وجل - "ووهبنا له إسحاق" فإنه تمام عند نافع والأخفش وأحمد بن موسى(2) وحكاه أبو حاتم عن المفسرين"(3).
وحكى الداني مثل ذلك عن نافع والأخفش وأحمد بن موسى قال: "ويبتدئ" و"يعقوب نافلة" والمعنى: وزدناه يعقوب نافلة"(4).
قال صاحب المنحة: "ووقف الهبطي على "إسحاق" ثم نقل قول ابن جزي: "واختار بعضهم الوقف على "اسحاق" وهو ضعيف، لأنه معطوف على كل قول(5) "ثم قال صاحب المنحة : قلم اختار الهبطي هذا القول الضعيف ؟
هذه ثمانية نماذج اقتصرت عليها من جملة ما ذكر أنه وقوف باطلة أو ممنوعة أو قبيحة أو ضعيفة هي كلها مما وافق فيه الهبطي مذهب نافع لا من حيث المبدأ في جملتها فقط، ولكن من حيث أعيانها، فجميعها جاء النص عن نافع أنه وقف عليه، ولكل وقفة منها محمل في الأعراب ووجه في التأويل لا يهمنا هنا مستواه في الرجحان بقدر ما يهمنا أن الهبطي لم يكن خافيا عليه أن هذه الوقفات وقفات نافع، ولذلك فهو بالتالي لم يقع فيها على سبيل الاتفاق المحض، أو بسبب القصور في العربية والجهل بـ "الأجرومية" بل إنما وقف عليها اتباعا لمذهب الإمام نافع صاحب القراءة.
__________
(1) منحة الرؤوف المعطي 17.
(2) هو أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد شيخ قراء بغداد وصاحب "كتاب السبعة في القراءات" تقدم.
(3) القطع والأئتناف 476.
(4) المكتفى للداني 388.
(5) يظهر من قول أبي عمرو الداني أنه ليس معطوفا على كل قول كما ذكر، بل يحمل على المفعولية لفعل محذوف هو الذي قدره الداني بقوله "والمعنى وزدناه نافلة" .(1/198)
وكذلك الشأن إذا عدنا إلى كثير من المواضع التي وقف فيها مما انتقد عليه فإننا نجده مسبوقا إليه ولا بد، هذا على افتراض أن جميع ما هو موجود في "تقييد الوقف" الحالي هو من وضعه وبموافقته، وهو أمر بات مشكوكا فيه لما سأذكره.
ومن أمثلة الوقف الذي يقرأ به حتى الآن وشنع به المنتقدون كثيرا على الإمام الهبطي:
- قوله تعالى في آخر آية من سورة "الأحقاف": "فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولاتستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون".
وقف الهبطي حسب التقييد الذي عليه التلاوة الآن "ولاتستعجل" ثم "بلاغ" ...
وقد محص أبو جعفر النحاس هذه المواقف فقال عند هذه الآية: "وقال أبو حاتم: أخبرني من لا أطمئن إليه أن الوقف "ولا تستعجل"، ثم ابتدأ "لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ" أي لهم بلاغ، قال - وهذا مما لا أعرفه ولا أدري كيف تفسيره ؟ وهو عندي غير جائز ... وعن نافع: "إلا ساعة من نهار" تمّ، وإن شئت وقفت على "بلاغ" ... إلخ(1).
فهذا الموضع من الوقف أيضا له صلة باختيار نافع من جهة، وفيه خلاف قديم قبل وجود الهبطي ووقفه. وقد عزا أبو زيد بن القاضي القول الموافق للهبطي إلى ابن مجاهد شيخ القراء فقال في "القول الفصل":
"وقدر ابن مجاهد" "بلاغ" مبتدأ وخبره "لهم" ووقف على "تستعجل"، وليس بجيد لما فيه من تفكيك الكلام بعضه من بعض، لأن الظاهر في له تعلقه بقوله "ولا تستعجل"...(2).
__________
(1) القطع والائتناف 663-664.
(2) القول الفصل في اختلاف السبعة في الوقف والوصل (سورة الأحقاف).(1/199)
مهما يكن إذن فالوقف على "ولا تستعجل" كيفما كانت درجته المسوغة له فهو مسبوق إليه من لدن شيخ القراء ابن مجاهد، وهو مبني على تأويل معين وقد تعرض له الإمام الداني ولم يرتضه ورأى لزوم تعليق قوله "لهم" بقوله و"لا تستعجل"، لأن المعنى "ولا تستعجل للمشركين بالعذاب"(1).
ولهذا لا يمكن اتهام الإمام الهبطي – إذا صح عنه هذا الوقف – بقصر الباع، وقلة الإطلاع، ولا ينبغي تبعا لذلك أن نقع فيه بسببه فنقول كما قال في "منحة الرؤوف": "الوقف على "لهم" وقف واضح يدركه من قرأ "المقدمة الأجرومية"، ولكن الهبطي وقف على "تستعجل" وهو ممنوع باتفاق كما سبق في سورة يونس حين وقف على "اختلط"(2). ولا أرى أني في حاجة إلى مزيد من التعليق على هذا الإزراء بالجهل على الإمام الهبطي رحمه الله.
__________
(1) المكتفى للداني 522.
(2) منحة الرؤوف المعطى لابن الصديق الغماري 24.(1/200)
وهكذا لو ذهب الباحث يتقصى جملة الأوقاف الكثيرة المنتقدة عليه في القائمة التي نجدها عند عدد ممن تعرضوا بالنقد لهذا التقييد لوجده مسبوقا إليها، إما بقول ليعقوب الحضرمي إمام أهل البصرة في القراءة بعد أبي عمرو، أو لمحمد بن يزيد المبرد شيخ نحاة البصرة في زمنه، أو أبي حاتم سهل بن محمد السجستاني أو أحمد بن جعفر الدينوري أو سعيد بن مسعدة الأخفش أو أبي بكر بن مجاهد أو سواهم من أهل القراءة والعربية ممن نجد أقوالهم ومذاهبهم في موضوع الوقف في موسوعة أبي جعفر النحاس أعني "كتاب القطع والائتناف" وغيره، كـ "إيضاح الوقف والابتداء" لابن الأنباري وكتاب "المكتفى" لأبي عمرو الداني و"منار الهدى" للأشموني وغيرها. ومن هنا يكون من الظلم للإمام الهبطي أن نتهمه بالإقدام على كتاب الله والقول فيه بغير علم ولا مستند، لاسيما مع ما شهد له المترجمون له به من الأستاذية في القراءة والعربية وغيرها حتى وصف بـ "عالم فاس"(1)، فضلا عن أن نصل إلى رميه بكونه "لا يرجع إلى قاعدة، وإنما يرجع إلى ما يظهر له"(2).
والآن وقد برأنا أو قدمنا ما لعله يكون كافيا لتبرئة الإمام الهبطي من حيث المبدأ من التسوُّر على هذا الفن والدخول فيه بغير سلاح نعود إلى نسبة هذا الوقف الذي بين أيدينا إليه جملة وتفصيلا.
نسبة الوقف الذي يقرأ به اليوم انطلاقا من "تقييد وقف القرآن العظيم" المقيد عن الإمام الهبطي:
__________
(1) نيل الابتهاج 335 – وكفاية المحتاج.
(2) منحة الرؤوف 20.(1/201)
لا يماري أحد في نسبة هذا الوقف من حيث أصله – على الأقل في صورته الأولى التي ظهر عليها – إلى الإمام الهبطي، لأن هذه النسبة بالغة مبلغ التواتر، ولكن الإشكال يبقى في "التقييد" الذي بين أيدينا اليوم هل هو عين ما قيد عن الهبطي فعلا ؟ وإذا كان كذلك فمن الذي قيده عنه ؟ ومتى ؟ وهل التزم الشيخ الهبطي نفسه بما قُيّد عنه أولا ؟ أم بقي ينظر فيه ويعالج بعض المواقف التي كان يتغير نظره فيها ؟ وإذا كان قد وضعه كما قدمنا – بعد أو وضع شيخه أبو عبد الله الصغير"تقييده" الذي قُيّد عنه، فهل وضعه تعديلا له أم مضاهاة لعمله حتى بلغ عدد المواضع التي تخالفا فيها 500 موضع أي بمعدل 1/20 تقريبا(1) ؟ ولا يتسع لنا مجال الإفاضة في القول، ونخشى أيضا أن نقع في ترداد طائفة من الآراء نجدها عند الأستاذ الدكتور وكاك في بحثه القيم(2) وعند الأستاذ سعيد أعراب في عدد من بحوثه ومقالاته(3) والأستاذ عبد الله بن الصديق الغماري(4) وعبد الله الجراري(5) وغيرهم.
- رأيي في موضوع نسبة الوقف إلى الهبطي:
__________
(1) تقدم ما ذكره الدكتور وكاك الحسن من وقوفه على التقييد المذكور عن أبي عبد الله الصغير الذي ذكر أنه وجده يخالف ما قيد عن الهبطي في 500 موضع. ولما كان عدد وقوف الهبطي هو 9945 وفقا كما في "تقييد وقف القرآن الكريم" ص 114 فمعناه أن تقييد الهبطي خالف تقييد شيخه بمعدل وقفة في كل عشرين وقفة تقريبا.
(2) يمكن الرجوع إلى الباب الثاني من "تقييد القرآن العظيم" للدكتور وكاك المبحث الثاني 119-131.
(3) منها بحث "أبو عبد الله الهبطي واضع الوقف بالمغرب" – دعوة الحق العدد 4 اسنة 11 فبراير 1968م ص92.
(4) منها بحث "وقوف القرآن" – دعوة الحق العدد 9-10 السنة 15 ماي 73 – ومنحة الرؤوف.
(5) كتاب من أعلام الفكر المعاصر (أبو شعيب الدكالي) 1/41 الطبعة 1 وكتاب متعة المقرئين له 94-95.(1/202)
وأول ما أبدأ به هو أني لا أستبعد الإمام ابن غازي وشيخه الصغير من الإعداد لمشروع هذا التقييد، بل إني أعتبر التقييد المقيد عن الصغير مرحلة أولى سابقة على التي وليتها حينما تبلور هذا العمل في صورته الأولى قبل أن يأخذ طريقه إلى جمهور قراء فاس، وحينئذ فيمكنني أن أثبتي الخبر الذي ساقه القادري في "نشر المثاني" بالصيغة الظاهرة التي يتجه إليها فهم القارئ مباشرة، وهي قوله "وهو ممن أخذ عن ابن غازي وعنه قيد الوقف"(1)، فأقرؤها بالبناء للمعلوم، إذ لا شيء عندي يدفع ذلك حتى أقرأها "قيد" بضم القاف بالبناء للمجهول لكي أستبعد الشيخ ابن غازي من هذا العمل الذي فيه ما فيه من ثغرات(2).
وقد رأيت مؤلف كتاب "الفكر السامي" يأخذ هو أيضا بما أخذت به فيقول في تعريفه بالهبطي:
- الإمام الفقيه النحوي الفرضي الأستاذ المقرئ، وهو الذي يقرأ أهل المغرب بالوقف الذي جعله في القرآن الكريم منذ زمنه إلى الآن مطبقين عليه، وهو أخذه عن الإمام ابن غازي وشيخه، وإن كان في بعضه نظر، ولكن تلقاه قراء المغرب بالقبول"(3).
فهذا القول في أخذ الهبطي عن كل من ابن غازي وشيخه الصغير هو مفتاح الدخول لمعرفة هذا الوقف في نظري، وهو أمر ليس ثمة ما يدفعه لا من جهة التاريخ ولا من جهة الواقع.
__________
(1) نشر المثاني 1/35.
(2) هذا كل مستند مستبعدي ابن غازي من العملية كما في منحة الرؤوف 32
(3) الفكر السامي للحجوي الثعالبي 2/226-227.(1/203)
فأما من حيث التاريخ فقد ذكروا في الملابسات التي صحبت ظهور هذا الوقف قصة الشيخ أبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي (ت 895)(1) الذي "ورد على فاس واجتمع بابن أبي جمعة الهبطي وناظره في هذا الوقف على جهة الاعتراض والانتقاد"(2).
ويهمنا من هذه القصة أمران مهمان: أحدهما أن تقييد الوقف ظهر بفاس قبل هذا التاريخ أي قبل وفاة السنوسي، والأمر الثاني أنه كان فيه منتقد منذ البداية، وهذا ما جعل السنوسي يعترض عليه.
وينبني على ذلك أمر مهم، وهو أن التقييد كان منذ هذا العهد تحت سمع مدرسة ابن غازي وبصرها، وحينئذ نتساءل: أفما كان منتظرا أن يكون لإمام المدرسة – لو لم يكن له ضلع ولا لشيخه فيه – أن يتحرك هو أو أصحابه لانتقاده أو على الأقل لإصلاح ما فيه من عيوب ؟ أم ظل الشيخ الهبطي خلال نحو الخمس والعشرين عاما الباقية من حياة ابن غازي مواريا لهذا التقييد حتى اختفى الشيخ ابن غازي من الميدان ؟ وكيف وقد بلغ صداه إلى تلمسان حيث كان السنوسي ؟
__________
(1) ترجم له تلميذه أبو جعفر البلوي في ثبته: 436-437.
(2) يحكون هنا حكاية تنصل بهذا الاعتراض من السنوسي على الوقف فيذكرون أنه لما اعترض على شيخه على وقف آية من سورة يونس كشف له عن حقيقتها بالإطلاع عليها في اللوح المحفوظ، وهي حكاية باردة وراويها أول من شكك فيها وهو العلامة محمد بن عبد السلام الفاسي في كتابه "الأقراط والشنوف" (مخطوط) وينظر النقل عنه في السلوة 2/67-68(1/204)
إن المخرج السهل من كل هذا هو القول بوجود إحساس مشترك لدى رجال هذه المدرسة بمقدار الحاجة إلى "وقف مدون" بأعيان الكلمات الموقوفة تفاديا للإخلال بالتلاوة في الأداء والتلاوة العامة وقراءة الحزب الراتب وفي الأخذ على أصحاب الروايات من أهل الإرداف إلى غير ذلك مما قد يكون باعثا مشتركا كان ينتظم الجماعة، وهَمَّا مؤرقاَ لمشايخها جرى إخراج مشروعه أولا في صورة "تقييد" عن الإمام الصغير، ثم أعيد تعديله في التقييد الجديد بإذن من الشيخ ابن غازي، فيكون قد أخذ من تلاوته وتجويده لألواح طلبته، أو بمبادرة من الهبطي حظيت من رجال المدرسة بالقبول والاستحسان، ثم جاءت مرحلة المراجعة والتنقيح، ثم مرحلة التدوين والتقييد، وفيها كما سيأتي جانب غير يسير قام به تلامذة الهبطي، وهم في الوقت ذاته أكابر رجال مدرسة ابن غازي، ثم انتقل ذلك عمليا إلى تلامذتهم، إلى أن ظهر التقييد "الرسمي" في آخر صورة له معزوا إلى الشيخ الهبطي ومقرونا باسمه.
وقد أثار هذه القضية قبلنا الدكتور وكاك في صدر بحثه وهو بصدد تحقيق نسبة "تقييد الوقف" إلى الهبطي فقال: "وإذا ثبت أن من بين مواد منهاج مدرسة ابن غازي "مادة التدرب على أوقاف القرآن"، وثبت أن الشيخ الهبطي من تلامذة ابن غازي، عرفنا أن الذي سهل على الهبطي تقييد الوقف المعهود لدينا هو تدربه على محاسن الوقف والابتداء بين يدي شيخه ابن غازي، وأنه ولا شك متأثر به في تقييده هذا، فالفضل إذن يرجع إلى ابن غازي فيما يخص رسم الخطوط العريضة لتقييد الوقف بالمغرب، كما يرجع الفضل إلى الشيخ الهبطي فيما يخص إبراز صورة هذا التقييد على شكله الحالي للقراء"(1).
__________
(1) الدكتور وكاك في مقدمة دراسته "نقييد وقف القرآن الكريم" 39 وقد نقل وجهة نظر مشابهة أيضا عن الأستاذ محمد المنوني بهامش ص 37.(1/205)
وإذا كان الذي يشكك في نسبة هذا الوقف إلى ابن غازي هو ما فيه – حاليا – من ثغرات في طائفة من المواقف ينزه ابن غازي في جلالة قدره في العلم، أن تصدر عنه بوضع أو بإقرار، فإننا نتصور مثل ذلك أيضا في حق المترجم، فلا نحمله مسؤولية كثير من الأوقاف الضعيفة التي تنتقد عليه لما يأتي:
1- لأنه لم يقيد الوقف بنفسه في كتاب حتى لا يرقى الشك إلى نسبة ذلك إليه في كل حرف حرف، ويدل على ذلك ما هو موجود على غالبية النسخ من عبارة "تقييد وقف الهبطي" قيده عنه بعض أصحابه(1).
2- لأن مقيده عنه في حين صدوره مجهول العين، وربما كان متعددا "ولهذا اختلفت نسخه ما بين زيادة ونقصان .. وكأن الشيخ كان يملي على طلبته هذه الوقوف ويبين لهم وجه الوقف عليها، وربما ذكر الحجة في ذلك، وهم يدونون في مذكراتهم كل بحسب قدرته واستعداده – كما هي الطريقة إلى اليوم في التعليم العالي"(2).
3- ولأننا لسنا على ثقة من محافظة من قيدوا على نص ما قيدوا حتى نكون مطمئنين إلى النسبة الكلية إليه .. وإن كنا لا نماري في صحة نسبة المجموع لا الجميع إليه، وبذلك نحمله على مثل ما حمل أئمة القراء" العد "الكوفي" لرؤوس الآي "إذ يقول الإمام أبو عمرو الداني في كتاب "البيان": "فأما عدد أهل المدينة الأول فرواه أهل الكوفة عنهم، ولم ينسبوه إلى أحد منهم بعينه ولا أسندوه إليه، بل وقفوه على جماعتهم"(3).
ومن هنا نخلص إلى هذه النتيجة وهي:
4- ما تدل عليه بعض النسخ الخطية العتيقة جدا من هذا التقييد وفيها مخالفة كثيرة لما عليه العمل الآن.
__________
(1) أشار إلى ذلك الأستاذ أعراب في كتابه "القراء والقراءات بالمغرب" 182 والدكتور وكاك في بحثه ص 37.
(2) القراء والقراءات بالمغرب 183.
(3) كتاب البيان عن عد أي القرآن للداني لوحة 16 (مخطوط).(1/206)
وقد ذكر الدكتور وكاك وجود نسخة منها بخزانة تارودانت برقم 42 "يصرح فيها صاحبها أنه قيد هذا الوقف بإذن من شيخه المقرئ السيد "الترغي" المتوفى سنة ألف من الهجرة(1)" قال:
"وهذه النسخة استفدت منها أمرين: الأول أن الشكل الأول لتقييد الهبطي هو التقييد بالكلمات لأن قول كاتبه (بإذن من الأستاذ الترغي) يحتمل أن يكون هذا إذنا في تقييده لأول مرة، ويمكن أن يكون لمجرد التبرك بموافقة شيخه، الثاني أن المقيد الأول لوقف الهبطي هو محمد المرابط البعقيلي السوسي بإذن من شيخه الترغي"(2).
وهذا الاكتشاف في نظري في غاية الأهمية بالنسبة لموضوعنا، وإن كان الدكتور وكاك - فيما يبدو - لم يتمكن من استثماره في دراسته، لأنه ذكر ما ذكر من ذلك بالهامش فقط وقال: "عثرت بعد ما كتبت هذه السطور... إلخ"(3).
وقد عثرت أنا أيضا على مخطوطة للمرابط البعقيلي المذكور لا أدري مدى مطابقتها لنسخة تارودانت وقفت فيها على حقائق جديدة تنسف الكثير ممن قيل حول نسبة "تقييد الوقف" الحالي جملة وتفصيلا إلى المقيد عنه، وتضع علامة استفهام كبيرة على الوقوف المنتقدة على الهبطي وتجعل نسبتها إليه في غاية المجازفة بعد ثبوت تصرف المقيدين والمقيد عنهم في الوصل والوقف بحسب الاستحسان كما سوف نرى.
وهذه النسخة في مجموع عتيق بخزانة أوقاف آسفي القديمة وتقع في نحو ستين ورقة من القطع الكبير تتخللها خروم وخروق في الصلب والهامش، وقد جاء في مقدمتها بعد الافتتاحية المعهودة.
__________
(1) الصحيح أنه توفي سنة 1009هـ كما في السلوة 3/285 لا 1014 كما في مناقب الحضيكي 2/44-45
(2) تقييد وقف القرآن العظيم 38 وقد نشر صورة فوتوغرافية لأول لوحة منه في ص 34.
(3) تقييد وقف القرآن الكريم 38.(1/207)
""وبعد فهذا تقييد وقف القرآن العظيم من أول فاتحة الكتاب إلى آخره، وقيده بعض أصحابنا، وهو العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن أحمد بن محمد المرابطي(1) البعقيلي عن شيخنا الأستاذ المحقق النحوي خديم كتاب الله العزيز أبي عبد الله سيدي محمد بن يوسف الترغي – وفقه الله وسدده – بعد ما استأذنه في ذلك فأذن له – رضي الله عنه وجزاه عن العلم خير ما جزى بمنه وفضله، إنه سميع قريب، وبالإجابة جدير" ثم قال مباشرة: "سورة الفاتحة": "الدين". "نستعين" "الضالين". سورة البقرة: ألم". "لا ريب". ينفقون". "من ربهم". "المفلحون"... وهكذا تابع الكلمات التي عليها الوقف إلى قوله في الخاتمة: "ولا وقف في الفلق إلا في "إذا حسد" ولا في "الناس" إلا في "والناس". ثم قال:
"كمل التقييد – بحمد الله تعالى وحسن عونه... قيد هذا الوقف صاحبنا في الله حقا سيدي محمد بن أحمد بن محمد المرابطي(2) البعقيلي عن شيخنا الأستاذ النحوي المقرئ المحقق أبي عبد الله سيدي محمد بن يوسف المسمى بـ "الترغي" – نفعنا الله ببركاته وبركات أمثاله – ثم قال:
"على يد كاتبه محمد بن أحمد بن داود غفر الله ولوالديه ولأشياخه بلا محنة، وكان الفراغ منه قبل الزوال من يوم السب الوافي أحد عشر يوما من ربيع الثاني عام ثلاث وستين وألف، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما"(3).
وقبل أن نلقي نظرة على مادة هذا التقييد نتوقف أولا عند هذه الحقائق التي لم أر قبل من تعرض لها ليستثمر نتائجها:
1- أن التقييد كما هو في سائر النسخ المعروفة منه خال من مقدمة تشرح أهدافه ومصادره المعتمدة في أوقافه وما إلى ذلك من البيانات التي اعتاد المؤلفون أن يقدموها بين أيدي مصناتفهم لتكون بمثابة المفاتيح لفهمها والاستفادة منها.
__________
(1) كذا في المخطوطة.
(2) كذا في المخطوطة.
(3) خزانة أوقاف آسفي (غير مرقمة).(1/208)
2- أن التقييد إنما هو عن الشيخ الترغي وليس عن الهبطي، بل ولا هو تقييد للترغي نفسه، وإذا علمنا أن الترغي نفسه لم يدرك زمن الهبطي وإنما ولد بعد موته بثلاث عشرة سنة أي سنة 943(1). تباعد ما بيننا وبين الهبطي بحاجز زماني لا يستهان به، كما تنقطع صلتنا به من جهة إسناد الوقف، إلا إذا اعتبرنا أن الترغي المذكور قد أخذ القراءة عن عدد ممن قرأ على ابن غازي والهبطي، فمن شيوخه:
- أبو القاسم بن محمد بن إبراهيم المشترائي الدكالي – الآنف الذكر في أكابر أصحاب ابن غازي – وقد أجاز – أبو القاسم الترغي – في القراءات السبع وفي كل ما يجوز له"(2).
- ومن شيوخ الترغبي ممن قرأ على ابن غازي والهبطي: أبو الحسن علي بن عيسى الراشدي التلمساني نزيل فاس(3).
- ومنهم أيضا أبو عبد الله محمد بن علي بن عدة المعروف بالعدّي(4).
وهؤلاء الجلة تلامذة للهبطي كما أنهم من أكابر أصحاب ابن غازي، فعن أيهم أخذ الترغي "تقييد الوقف"؟ وهل أخذه عن جميعهم ؟ وهل كان بينهم بمقتضى وحدة الشيخ وحدة في الأداء على أساس ما قيد عنه ؟ وإلى أي حد التزم كل منهم بالبقاء في التلاوة والأداء على ذلك دون أن يبدو له في ذلك، وهذا موضع الخطورة ؟ لا شك أن هذه الأسئلة كلها واردة إزاء ما قيد عن الترغي، ثم يرد مثلها على الترغي نفسه في ما قيد عنه، ثم على المقيد – كما تدل على ذلك طائفة من التعليقات على هامش المخطوطة التي نحن بصددها – وهلم جرا.
__________
(1) مناقب الحضيكي 2/44-45 والإعلام للمراكشي 5/192 ترجمة 664
(2) درة الحجال 2/464 ترجمة 638.
(3) الجذوة 2/491 ترجمة 559
(4) درة الحجال 2/213 ترجمة 619(1/209)
3- أن "تقييد الوقف" المنسوب إلى الهبطي ظل – فيما يبدو – ينقل من الألواح كما كان يثبته المجوّد للوح، ولهذا تعددت نسخه واختلفت من قارئ إلى قارئ، وأن هذا عين ما كان يقوم به الإمام الترغي في تصحيح الألواح، حتى بدا لصاحبه أبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد المرابط البعقيلي أن يجسد عمله هذا في تقييد يشتمل على أعيان الكلمات الموقوفة تبعا لاختيارات الشيخ الترغي، وليكن ذلك ضمن الإطار العام الذي بدأه الهبطي، ولعله لهذا احتاج التلميذ إلى أن يستأذن الشيخ في وضع التقييد المذكور.
ومعنى هذا أن مقيد الوقف أمسى عندنا معلوما، والمقيد عنه وهو الشيخ الترغي معلوم أيضا، وتكون النتيجة أن "تقييد الوقف" من حيث الإطار العام هو مروي عن الشيخ الهبطي، ومن حيث الواقع هو مأخوذ عمليا أخذه الترغي عن أصحاب الهبطي أداء عليه وتجويدا للألواح على وفقه، ثم هو من حيث التدوين والجمع من عمل المرابط البعقيلي. ثم بعد ذلك يعلم الله ماذا أدخل عليه من تعديل بالزيادة والنقصان؟
فمن الرجوع إلى الهوامش الملحقة بمخطوطة الأوقاف المذكورة في آسفي يتبين لنا أن هذا التقييد قد خضع هو أيضا فيما بعد لمجموعة من المراجعات بناء على طائفة من الاختيارات التي يراها الشيخ المرابط نفسه في تلك التعليقات، فكما أن الشيخ الترغي كان حتى زمن تقييد الوقف عنه ما يزال يرجح في بعض المواقع بين الوصل والوقف، فكذلك الشيخ المرابط البعقيلي كان له رأي في بعضها لعله دخل في الاعتبار فيما بعد كما سنلاحظ من وجود خلاف كثير بين ما قيد في "تقييده" هذا وبين ما نقرأ نحن اليوم عليه.
وهذه أمثلة من تعليقات المرابط على تقييده عن الشيخ الترغي كما هي مثبتة على هامش المخطوطة:
1- فمن تعليقاته: في سورة الأنعام عند قوله تعالى: "ولا تاكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق".(1/210)
أثبت في التقييد الوقف على "عليه و"على قوله" لفسق "بكتابة الكلمتين، ثم علق على قوله "عليه": هكذا: "الشيخ: وصله أرجح".
فإذا كان المراد بالشيخ هو الترغي وهو يرجح الوصل في "عليه" فلم أثبت المرابط في التقييد خلاف الراجح ؟ وإذا كان يعني نفسه، أو يعنيه به الناسخ صاحبه وهو محمد بن أحمد بن داود كان معنى ذلك أن المرابط يستدرك على شيخه، ومن المعلوم أن قراءتنا نحن اليوم على وصل "عليه" ووقف "الفسق"، وهو الموافق لما في "تقييد وقف القرآن الكريم" المحقق(1)، فما سر هذا الاختلاف ؟ ومن قام بهذا التعديل ؟
2- وفي سورة الأعراف في قوله تعالى: "سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وأن يروا كل آية لا يومنوا بها وان يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا، وأن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا".
أثبت في التقييد الوقف على "الحق وسبيلا" الأولى ثم على "سبيلا" الثانية، ثم جاء التعليق بالهامش بقوله: "بالوصل عن الشيخ". وهو بذلك إما أن يريد كلا من قوله "بغير الحق" وقوله "سبيلا" الأولى، وإما أن يريد واحدا منهما، فالشيخ اختار الوصل في ذلك، فلم أثبت إذن في التقييد "الحق" سبيلا مخالفا للشيخ ؟
ومن قام بتخليص التقييد من ذلك فيما بعد فأزال الكلمتين معا لتصبح التلاوة بالوقف على "سبيلا" الثانية فقط ؟(2).
3- وفي سورة التوبة في قوله تعالى: "ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم".
أثبت الوقفات هكذا: "القاعدين" خلالكم "الظالمين" "ثم جاء التعليق بالهامش فقال: "الشيخ وقف "خلالكم" ووصله أرجح". ومعلوم أن قراءتنا اليوم بالوصل فيه، فمن قام بالتعديل ومتى؟؟(3).
__________
(1) تقييد وقف القرآن الكريم للدكتور الحسن وكاك 219.
(2) ما نقرا به اليوم هوالموافق لما في "تقييد وقف القرآن الكريم" المحقق 223.
(3) التلاوة اليوم مطابقة لما في التقييد المذكور 227.(1/211)
4- في سورة مريم في قوله تعالى: "أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا أطلع الغيب.."
أثبت الوقفات هكذا: هدًى – مردّاً – ولداً وعلق المعلق على الوقف الأخير "ولدا" بقوله: "وصله أولى عند الشيخ"، وإذا كان كذلك فلم أدرجه ضمن الوقفات؟ والتلاوة اليوم بوصله كما اختار الشيخ(1).
5- وقال في سورة الفلاح في قوله تعالى: "وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون، ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا... إلى قوله "بمؤمنين": "هذا أطول وقف في القرآن، وفيه خمس وقفات لمن أراد اختيارا، هكذا أخبرنا شيخنا الأستاذ المحقق سيدي محمد بن سيدي يوسف الترغي رضي الله عنه وأرضاه ونفعنا ببركته آمين".
فدل هذا التعليق على أن الهبطي لم يضع، أو أنه كان لا يرى وضع وقف على رؤوس هذه الآي الخمسة مراعيا في ذلك تمام المعنى حتى لا يخرج الكلام بالوقف عن حكاية أقوال قوم نوح إلى ما يوهم إخبار المتكلم والقارئ بمضمون تلك الجمل من استفهام ونفي وإثبات، ولكن الترغي في الوقت نفسه لا يرى ذلك الوقف لازما، ولعل هذا هو منشأ الخلاف الواقع حتى اليوم بين الجهات المغربية في وقف هذه المواضع أو وصلها كما نبه عليه الدكتور وكاك(2).
6- وقال معلقا بالهامش عند قوله تعالى في سورة الفلاح ايضا: "بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون": "الوصل من قوله "بل قلوبهم" إلى قوله "هم لها عاملون" أولى عند الشيخ".
__________
(1) ينظر تعليق الدكتور وكاك هنا في تحقيقه 245 هامش 78.
(2) للباحث الدكتور وكاك تحقيق مفيد حول الوقفات الخمس في هذه السورة يحسن الرجوع إليه في بحثه 116-251. وقد أرفق بحثه فيها بخريطة تبين المناطق المغربية التي تقرؤها بالوقف – ص 123.(1/212)
وفي هذه المرة أثبت الوقفات هكذا: "من هذا "عاملون"، فخالف الشيخ في وقف قوله "من هذا "ووافقه في الباقي، لكن يلاحظ أن الوقف عندنا اليوم على كل من "من هذا" و"من دون ذلك" فمن أين جاء ما نقرأ به وهو مخالف لما هو أولى عند الشيخ الترغي، وزائد على ما أثبته صاحبه المرابط في التقييد المذكور؟
7- وقال في قوله تعالى في سورة المومنون أيضا: "سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة" بعد أن أثبت الوقف هكذا: "يصفون" "الشهادة":
"لا يقفه من يقرأ" عالم الغيب بعده بالخفض على أنه نعت للفظ الجلالة في قوله "فسبحان الله" ثم ذكر أنه قراءة ابن كثير وأبي عمرو وحفص عن عاصم ويعقوب" ثم "قال: "عن الشيخ"(1).
وهذا تنبيه منه على أن الوقف المقيد إنما هو مقيد على وفاق قراءة نافع.
8- وفي سورة المنافقون عند أول السورة: "إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد أنك لرسول الله، والله يعلم أنك لرسوله الوقف كما هو عندنا اليوم هو على الكلمات: "لرسول الله" - لرسوله "لكاذبون"، ولكنه علق بالهامش فقال: "الشيخ: يصح الوقف على قوله "والله يعلم" موصولا بأول السورة، وكذلك قوله "والله يشهد" "موصولا بقوله "والله يعلم أنك لرسوله".
والوقف عندنا اليوم على خلاف ما قرره الشيخ أولا، وعلى خلاف ما صححه أيضا !
9- وفي سورة "واليل" عند قوله تعالى: "وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وما يغني عنه ماله إذا تردى" قال بالهامش: "وكان الشيخ يصل هذا الوقف - يعني قوله "للعسرى" - في بعض المرات بقوله "إذا تردَّى" بعده، وربما رجح وصله".
4- فأين موضع الثبات إذن في هذا الوقف ؟ وما مكان الشيخ الهبطي منه بعد كل هذا؟
__________
(1) يمكن الرجوع في تحقيق هذه القراءات فيها إلى التيسير: 160 وتلخيص العبارات لابن بليمة 126 والتذكرة لابن غلبون 2/560 والمبسوط لابن مهران 314، والنشر لابن الجزري 2/329 والإتحاف للدمياطي البنا 2/287.(1/213)
- تبرئة الإمام الهبطي من بعض ما انتقد عليه من الوقفات:
ولندخل الآن في صلب التقييد لنلقي عليه نظرة سريعة حتى نرى مقدار مطابقته لما نقرأ به اليوم على أنه وقف الهبطي. إن الناظر المستعرض لهذا التقييد في ضوء ما هو متعارف الآن لا يبقى عنده أدنى شك في أن التقييد المنسوب إلى الإمام الهبطي قد تعاورته الأيدي كثيرا، وربما لأزيد من مائة عام قبل أن يستقر على ما هو عليه الآن، وبالتالي فلا يمكنه أن يعتبر الشيخ الهبطي مسؤولا عن شيء مما وقع في هذا التقييد من مواقف موصوفة بالضعف أو فساد المعنى. ومن الغريب أن التفاوت بين وقفنا الحالي وبينه يكثر في بعض السور ويقل في بعضها وسأقتصر هنا على ما يسمح به المقام فأذكر بعض ما وقع أولا في سورة "طه":
ففي قوله تعالى في هذه السورة: "قال ءامنتم له قبل أن أذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر، فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى".
جاء الوقف في التقييد المذكور بتعيين الكلمات "لكم - السحر - النخل - أبقى".
وهو مخالف لما عليه الوقف عندنا الآن، فنحن نقرأ كلمتي "لكم" و"النخل" بالوصل، وهو الموافق لما في التقييد الذي بين أيدينا(1).
وفي السورة نفسها في قوله تعالى "وما أعجلك عن قومك يا موسى"، عند ذكر قصة السامري ذكر الوقف هكذا: "موعدي" "فقذفناها - السامري". والوقف عندنا اليوم على الأولى والأخرى دون قوله "فقذفناها".
وفي هذه السورة أيضا في قصة السامري جاء الوقف عنده على "الرحمن" من قوله تعالى "وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري". وكذلك جاء فيها الوقف على "رأسي" من قوله "لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول... وهو مخالف لما عليه الوقف اليوم عندنا، فنحن في المغرب نقرأ في الموضعين المذكورين بالوصل فقط، وهو المرسوم في المصحف المغربي.
__________
(1) تقييد وقف القرآن الكريم 246.(1/214)
وفي أول سورة الأنبياء في قوله تعالى "فلما أحسوا بأسنا إذا هم يركضون لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم...
جاء الوقف في التقييد على قوله "لا تركضوا" وكذلك في قوله بعدها: وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين". جاء الوقف في التقييد "بها" وهو عندنا اليوم بالوصل في الموضعين معا.
وفي سورة النور في قوله تعالى "وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم". داء الوقف عنده على "فارجعوا" ولا وقف عليه عندنا اليوم في الوقف الذي نقرأ به.
والأمثلة كثيرة لا أحتاج إلى الإفاضة فيها.
وقد رجعت في التقييد المذكور إلى عدد من المواقف التي تنتقد على الهبطي عادة فوجدتها في الغالب مذكورة في الوقف، ومنها "لا ريب" في أول البقرة، و"فلما أضاءت ما حوله" في الآية 16 منها، وقوله "إن ترك خيرا" في الآية 179، وكذلك منه في قوله في أول آل عمران: "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات" الآية 7. وكذلك الوقف على من أجل ذلك "في الآية 33-34" من سورة المائدة، ومثلها الوقف على "حقيق" من قوله تعالى في الأعراف الآية 104: "وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين حقيق على ألا أقول على الله إلا الحق"، وهو وقف مروي عن نافع(1)، والوقف أيضا على "فاختلط" في سورة يونس الآية 124 منها، ومثله على "عليكم" دون قوله "اليوم" في سورة يوسف من قوله في الآية 92: "لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم" وكذلك الوقف على "تستعجل" في الآية 34 من سورة الأحقاف، وقليلا من قوله في الآية 17 من سورة الذاريات: "كانوا قليلا من الليل ما يهجعون" ، وكلها من الوقفات التي انتقدت عليه(2).
__________
(1) سكت عنه النحاس في "القطع والائتناف 338 والداني في المكتفى 274 ولكن ابن القاضي ذكره في أرجوزة ما خالف فيه ابن كثير في الوقف نافعا فقال: أعرافها" "التقوى" كذاك "العالمين"- آئنكم كذا "حقيق" مستبين.
(2) منحة الروؤف 17-18-24.(1/215)
ومن المفارقات أني وجدته في سورة النساء لم يذكر الوقف على "ترك" في قوله تعالى: "ولكل جعلنا موالي مما ترك الولدان والأقربون" الآية 33 وهو من الوقوف المنتقدة عليه(1).
... وكذلك وجدته في أول سورة النبأ "عم يتسألون" فإنه بدأ ذكر الوقفات بقوله "يتساءلون" ولم يذكر الوقف على "عم" كما عليه عمل القراء بالمغرب إلى اليوم ساكتين بين السورتين أو واصلين أو مبسملين، وهو مما شنع به على الإمام الهبطي(2)، ولعله مما وضع بعده بزمان ولا مسؤولية له فيه، بل المسؤولية على من اختاره ووضعه.
ووجدته في سورة "العصر" يذكر الوقف على قوله "في خسر"، بينما يسقطه التالون اليوم حسب ما به العمل. وكذلك في سورة الكوثر يضع الوقف على قوله "الكوثر" – وانحر - والأبتر. في حين يسقط عندنا الوقف الأول.
__________
(1) منحة الرؤوف 13.
(2) نفسه 25.(1/216)
وأما قوله في الختام ولا وقف في "الفلق" إلا في "إذا حسد" ولا في "الناس" إلا في "الناس" فهو يدل على أن تقييده مبني على عدم اعتبار السكت والوصل المروي عن ورش من طريق الأزرق المقرؤء بها له عند المغاربة، ولكن السؤال ينبغي أن يرد حول المسؤول عن هذا الصنيع أهو الشيخ الهبطي في أصل الوضع؟ أم كان هذا من التطورات التي لحقت هذا الوضع بعد دخوله في مجال التطبيق وصناعة الأرداف ؟ فإن هذه الصناعة قد زادت في تعقيد الأمر زيادة كبيرة، وقيدت القراء بأمور اصطلاحية عندهم تعتبر بالمقياس الصحيح من باب "لزوم ما لا يلزم" ولهذا اقتضتم هذه الصناعة عند ختام سورة العصر بسبب إسقاطهم الوقف على رؤوس الآي فيها وحفاظهم على وجهي السكت والوصل لورش أن يقولوا مبتدئين بأول السورة: "والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر". (واقفين على "بالصبر"). "ويل لكل همرة. بالصبر. باسم الله الرحمن الرحيم: ويل لكل... " فهذا التعقيد الذي لا معنى له بالمرة إنما اقتضته الصناعة المذكورة بعد أن التزموا أيضا بالفصل بالتسمية هنا بين "الصبر" ولفظ "ويل"، وهو شيء ظل علماء هذا الشأن ينبهون على أنه لا معنى له، لأن الفاصلين بالتسمية يقعون آخر الأمر في ما فروا منه أولا فلا يكونون قد حصلوا على طائل، هذا لو سلموا من التعقيد وإفساد رونق التلاوة وإلزام القراء بما لم يثبت في الرواية ولا اقتضاه داع معتبر في ميزان العلماء.(1/217)
وأطرف من ذلك ما اقتضته منهم الصناعة أخيرا في سورة "الفلق" الآنفة الذكر، فإن الذي يقروها لورش الآن بالوقف المنسوب إلى الهبطي وبأسلوبهم في الجمع بين السكت والوصل يفرضون عليه تقديم الوصل هنا على السكت بسبب خلو السورة من الوقف الداخلي المعتاد في غيرها، فيفرضون عليه أن يقرا السورة كلها موصولة بلفظ "أحد" من السورة التي قبلها إلى أن يقول "إذا حسد قل أعود" ثم يقول: "إذا حسد: ويقف عليها؛ ثم يقول: قل أعوذ برب الناس ملك... ويواصل أيضا إلى أن يبلغ "والناس". وهم في ذلك إنما تقيدوا ببعض القواعد التي أخذ بها المتأخرون في صناعة الأرداف وعز عليهم أن يتخلوا عنها مهما كانت الأحوال، أو أن ينقضوا ما أبرموه لها من ترتيب، وقد اضطرهم ذلك إلى أن يستثنوا سورة "العصر" من الحكم الذي التزموا به في "الأربع الزهر" بناء على لزوم الفصل فيها بالبسملة لمن لا يفصل فيما بين السورتين كورش وابن عامر وأبي عمرو(1)، فأدرجوا هذه السورة ضمن الأربع المذكورة، ولكنهم جعلوا لها حكما خاصا بسبب ما ادعوه من خلوّها من الوقف الحاجز، مع أن "تقييد الوقف" الذي قيده المرابط البعقيلي عن الترغي يشتمل على الوقف الحاجز الذي نفوا وجوده، وهو – كما تقدم – تعيينه للوقف على "لفي خسر".
وإلى ما جرى به عملهم في ذلك وفي ما بين الفلق والناس الآنفتي الذكر أشار الإمام المدغري في "تكميل المنافع" بقوله:
والأخذ للأزرق بين السورتين ... جرى بوصل بعد سكت دون مين
والعكس جا عنه بلا إلباس ... في آخر الفلق مع والناس
وخذ له بالسكت دون البسملة ... في الأربع المشهورة المسطرة
وذاك في "الجمع الصغير" يافتى ... والسكت معها في "الكبير" قد أتى
__________
(1) أعني باستثنائها الاستثناء من التصدير فيها بالبسملة بعد قوله "بالصبر" كما يفعل في الثلاث الباقية في قولهم "وأهل المغفرة" بسم الله الرحمن الرحيم. لا أقسم. وأهل المغفرة. لا أقسم بيوم القيامة...(1/218)
وقدمنها واعكسن في "الهمزة" ... وآخِرَ "العصر" تفز بالمرحمة
ويقول الشيخ أبو العلاء إدريس بن محمد المعروف بالمنجرة في أرجوزة "التصدير للسبعة":
وصدروا السكت ما بين السورتين ... للبصري والشامي وورش دون مين
إلا عند الفلق مع والناس ... فاعكس لهم هديت للقياس
وقدم البسملة التي لهم ... في "الأربع الزهر" وليس "عصرهم"(1)
ومن الغريب أن ينسبوا هذا التقديم والتأخير لشيوخ القراءة أو الرواة وهم ما سمعوا به ولا كان له وجود في زمانهم، فانظر مثلا إلى أبي زيد بن القاضي كيف ينظر لهذا العمل ويجعله من قبيل الرواية والنقل ويحتج له بعمل أهل الإرداف فيقول:
والسكت ثم الوصل بين السورتين ... بذا جرى الأخذ لورش دون مين
إلا بآخر "الفلق" فالوصل ... يبدا به ورش وهو النقل
ثم بعيد بالسكوت تاتي ... هذا هو المروي عن الرواة
حجته العمل بالإرداف ... لعدم الوقف بلا خلاف(2)
فالعلة سواء في سورة "العصر" وسورة "الفلق" هي عندهم عدم وجود وقف حاجز داخل السورة، وهذه العلة إذا كانوا يعنون بها أنه ليس في السورتين مكان يصلح للوقف، فليس الأمر كذلك ففيها رؤوس آي يحسن الوقوف عليها، وهم يقفون على مواضع كثيرة في غيرها يعتبر الوقف عليها من الوقف الحسن أو الكافي.
__________
(1) تقدم ذكر أرجوزة التصدير للمنجرة ضمن الأعمال العلمية التي نظمت على منوال أرجوزة ابن بري عند ذكر هذه الأرجوزة.
(2) من أرجوزة لابن القاضي في "التصدير وما جرى به العمل" تقدم ذكرها في الأراجيز التي نظمت على نسق أرجوزة ابن بري. وقد استدل مسعود جموع بهذه الأبيات في "الروض الجامع" في باب البسملة وصدر لها بقوله: وقال شيخنا.(1/219)
وإذا كانوا يعنون بعدم الوقف عدمه في وقف الهبطي، فهو غير مسلّم – على الأقل فيما يخص سورة العصر، ففي تقييد المرابط عن شيخه "الترغي" وضع الوقف على "لفي خسر" كما قدمنا، فأيهما الذي هو صحيح النسبة إلى الهبطي أهو ما دونه البعقيلي عن شيخه، أم ما جرى العمل عليه ؟ وكيف تبنى مثل هذه الأحكام على أمور لا تثبت للتمحيص ؟
وإزاء كل ما رأيناه في هذا التقييد من مخالفة لما عليه العمل الآن، وبناء على التعليقات التي تضمنتها الهوامش التي نقلنا بعض ما جاء فيها كيف يمكن لقائل أن يقول إن الذي بين أيدينا اليوم هو الوقف المقيد عن الهبطي، فضلا عن أن ينتقد ما ينتقد من تلك الأوقاف متوجها بانتقاده إليه ؟
- حقيقة الوقف المقروء به اليوم في مصاحف أهل المغرب:
وننتهي هنا في آخر هذا التقويم لما ينسب إلى الإمام الهبطي من هذا التقييد الذي عليه التلاوة حتى الآن إلى أن صلته بهذا الإمام إنما هي من حيث الانطلاقة الأولى أو الإطار المبدئي العام، وأما من حيث مادته الحالية فلسنا على ثقة من خلوصها من عمل غيره، إذ لم يُؤَدَّ إلينا وقفه على وجهه الذي اقترحه أولا فيما قيد عنه، بل تعاورته الأنظار بعده – كما لاحظنا – بكثير من التعديل والتشذيب، تارة بترجيح وصل ما وقفه وأخرى بعكس ذلك، وأخرى بالتنبيه على التخيير - كما رأينا في العليقات الآنفة الذكر على حاشية التقييد – وتارة بالإرشاد إلى أن الوقف خاص بمن يقرأ الآية لنافع دون من يخالفه في القراءة لمقتضى إعرابي تابع لنوع القراءة.(1/220)
ثم جاء أهل صناعة الإرداف فزادوا فيه ما لم يكن، وقدموا وأخروا تبعا لقواعدهم وخاصة فيما بين السور(1)، وزاد الأمر باختلاف بعض المناطق في المغرب في وقفات بعينها وخاصة الوقفات الخمس في سورة "الفلاح"(2) فتباعدت الشقة أكثر بين الأصل الصادر عن الهبطي وبين ما انتهى إليه الأمر وإن كان طبع المصحف المغربي على ما هو معروف في "تقييد الوقف" قد حد من سطوة هذا الاختلاف الأخير(3).
فأين مكان الإمام الهبطي إذن مع كل هذا؟ ومن يجزم حقا بأن الوقوف المنتقدة كلها جميعا هي مما اختاره وارتضاه؟
وتبقى إمامة الهبطي عندنا في أوج نصاعتها ومكانتها النابهة، وتبقى التحليات التي حلاه به تلميذ تلامذته الشيخ الإمام أبو العباس أحمد المنجور، وخاصة قوله فيه "ذو النحو الغزير" لها دلالتها الكاملة، وكذلك قول صاحب "السلوة فيه: "كان عالم فاس في وقته... أستاذا مقرئا عارفا بالقراءات، مرجوعا إليه فيها"(4).
__________
(1) يحسن الروجوع في هذا الصدد إلى الفصل الثاني من دراسة الدكتور وكاك "تقييد وقف القرأن الكريم" ابتداء من ص 159 بعنوان "في تحريف وقف الهبطي حالة النطق به مع بيان ما يتعلق ب(صه) من حيث الدلالة والرسم"
(2) تقدم التنبيه على ذلك قريبا، ويعتبر بعضهم الوقف عليها من السنة كما قال في ذلك.
... ... والوقفات الخمسة في المومنين ... من وقفنا السني لخير المرسلين
(3) حدثت في العهود الأخيرة تغيرات أخرى على التلاوة المغرببية بسبب الاعتماد على المصاحف المطبوعة، من أهمها الفصل بين السورتين بالبسملة لورش ما عدا في أول التوبة، وذلك لأن أكثر قراء الحزب الراتب في الحواضر هم من المتعلمين في المدارس، وهم في القراءة إنما يراعون ما هو مكتوب، ولا يلتفتون إلى موافقته أو مخالفته لمذهب ورش.
(4) سلوة الأنفاس 1/268.(1/221)
وليس معنى هذا أني بهذا الإطراء والتنويه بهذا الإمام أدعو إلى الحفاظ على الوقف المنسوب إليه الذي عليه التلاوة إلى الآن في القراءة والمصحف المغربي، بل على العكس من ذلك أضم صوتي إلى أصوات الذين ظلوا ينددون بالجمود عليه وينادون بـ "نزع الثقة منه" والعمل على وضع بديل على غرار ما فعله علماء القراءة ببلاد مصر في المصحف المطبوع برواية حفص عن عاصم.
وذلك عندي لا يتنافى أبدا مع الاعتراف لهذا الإمام بالفضل الكبير على المدرسة المغربية من حيث وضع "مشروع الوقف" حيز التنفيذ، ولكن الاعتراف للشيخ شي، والدعوة إلى إعادة النظر فيما ينسب إليه من هذا الوقف شيء آخر، لما نبهنا إليه من الثغرات الموجودة في هذا الوقف، مما كان وما يزال يرتكب باسم هذا الإمام، وينتقد أيضا ويعاب باسمه وتكال له بسببه الاتهامات والأنباز بغير حساب.
ولقد ظلت سهام الانتقاد تفوّق إلى هذا الوقف منذ عقدين أو أكثر من الزمان داعية إلى إلغاء وطبع مصحف مغربي تشكل لإعداد وقفه لجنة مختصة من العلماء والقراء على غرار ما وقع في بعض البلدان الإسلامية في إعداد مصاحف برواية حفص عن عاصم(1)
__________
(1) وصلتني وأنا أحرر هذا الفصل وعلى غير انتظار نسخة من المصحف الجديد الذي طبع برواية ورش عن نافع من طريق أبي يعقوب يوسف الأزرق، وقد طبع بـ "مجمع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية لطباعة المصحف الشريف بالمدينة"، وأطلق عليه كما كتب على ظهر أول ورقة منه" مصحف المدينة النبوية برواية ورش عن نافع المدني.
وقد طبع طبعة فاخرة بإشراف لجنة من العلماء والمقرئين برئاسة الشيخ الدكتور علي بن عبد الرحمن الحذيفي المقرئ المجود المعروف. وقد ذيل بأسماء ثمانية من العلماء الذين أسهموا في تحريره والإشراف عليه. كما ذيل بذيل مفيد على الطريقة المعروفة في المصاحف المطبوعة برواية حفص، تضمن التعريف أولا بيان المصادر التي اعتمدتها اللجنة في هجائه وطريقة ضبطه وعدد آياته وبيان أوائل أجزائه ومكيه ومدنيه وبيان وقوفه وسجداته. وتضمن شرح الرموز المستعملة فيه في الضبط والإشارة إلى أحوال الهمز في النقل والتسهيل والإبدال وهمز الوصل وعلامات المد والإمالة والإشمام والحروف الزائدة في الرسم وغير ذلك، وختم بقرار تكوين اللجنة الذي صدر من الوزارة المختصة ويحمل رقم 335/ق/م في 3/12/1408هـ بأمر من خادم الحرمين إلى وزير الحج والأوقاف وإلى المشرف العام على المجمع الأستاذ عبد الوهاب بن أحمد عبد الواسع بتكوين لجنة علمية متخصصة لإنجاز العمل. وقد فرغت اللجنة من هذا الإعداد بتاريخ 4 ذي القعدة لسنة 1410هـ وختم عليه بتوقيعات أعضائها في آخر الذيل.(1/222)
غير أن هذه الدعوة لم تجد شيئا من القبول حتى الآن.
- خطوة نحو وقف جديد المصاحف المطبوعة برواية ورش:
ولقد وصل إلى في أثناء تحرير هذا الفصل مصحف جديد طبع بالمدينة المنورة يحمل عنوان "مصحف المدينة النبوية" قامت بإعداده والإشراف على مراجعته وطبعه لجنة من علماء الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة جاء في الغاية من الجودة والإتقان، وقد تتبعت رموزه وعلاماته التي ذيل بشروح موجزة لها فوجدتها في غاية الإحكام والوضوح، هذا مع مراعاتهم فيها رسما ونقطا ما عليه المغاربة انطلاقا مما وصف في المصادر المعتمدة في ذلك عند الأئمة أبي عمرو الداني وأبي داود سليمان بن نجاح وغيرهما كأبي عبد الله الخراز، والحافظ التنسي وغيرهم، مسترشدين في بعض الجزئيات بكتاب "دليل الحيران" لإبراهيم الماوغني التونسي والشيخ الطالب عبد الله بن محمد الأمين بن فال الجكني في كتابه "المحتوي الجامع رسم الصحابة وضبط التابع(1) وبغيرهما من العلماء كما أشارت اللجنة إلى ذلك في أول الذيل الملحق بهذه الطبعة.
__________
(1) تقدم ذكر الكتاب في جملة المؤلفات التي ألفت في الرسم والضبط انطلاقا مما نظمه الإمام الخراز.(1/223)
ويهمنا في موضوعنا هنا من هذا الإنجاز الجديد أنه أول إنجاز – فيما أعلم – كسر الطوق فيما يخص الخروج عن وقف الهبطي في مصحف مطبوع برواية ورش(1)، فقد جاء في الذيل الملحق به ما يلي:
"وأخذ بيان وقوفه مما قررته اللجنة المشرفة على مراجعة هذا المصحف – على حسب المعاني، مسترشدة في ذلك بأقوال المفسرين وعلماء الوقف والابتداء، كالداني في كتابه "المكتفى في الوقف والابتداء وأبي جعفر النحاس في كتابه "القطع والائتناف".
أما علامة الوقف فقد رأت اللجنة أن تكون هكذا (صه) كما جرى به العمل عند أكثر المغاربة.
"هذا ورأت اللجنة عدم وضع هذه العلامة على رؤوس الآي، لأن الوقف على رؤوس الآي سنة مطلقا،(2) على ما اختاره أكثر أهل الأداء"(3).
__________
(1) هناك محاولة قديمة للشيخ عبد الجواد البنغازي مدرس القراءات – آنفا – بالجامع الأعظم بتونس أشار الدكتور الحسن وكاك في بحثه "تقييد وقف القرآن الكريم ص 81 "إلى أنها أول محاولة للتجديد في رمز المصاحف الورشية الثعالبية، وذلك بتغيير علامة (صه) واستبدالها بثلاث علامات هي (م ك ح)... ". وذكر في الصفحة 190 من بحثه أنه اعتمد جملة من المراجع التي تميز مراتب الوقف بواسطة الرموز فذكر منها: "الرموز التي وضعها الشيخ عبد الجواد البنغازي في المصحف التونسي المطبوع سنة 1365هـ والذي نشره التجاني المحمدي صاحب مطبعة المنار بتونس ".
(2) قد انتقد الأستاذ الدكتور وكاك هذا الإطلاق في بحثه عن "تقييد وقف القرآن الكريم" وناقش ذلك بإفاضة. ويحسن الرجوع إلى ما ذكره في بحثه ص 56 إلى 71.
(3) هذا أحد البيانات التي ذكرت في ذيل هذه الطبعة.(1/224)
ولسنا هنا بصدد النظر في هذا الإنجاز الجديد، ولكن الذي يعنينا منه هو كونه حوّل الدعوة الطويلة الأمد إلى طبع مصحف مغربي برواية ورش تراعى فيه القواعد العلمية المقررة في موضوع الوقف – إلى واقع عملي، ويبقى السؤال فقط عن درجة التقبل التي ستكون عند المغاربة لعمل كهذا لم يكن لهم مشاركة فيه إلا في الجانب التاريخي منه، حيث اعتمدت مصادرهم فيه، والتُزمت طريقتهم في إنجازه رسما ونقطا وضبطا، بل اعتمدت أيضا الطريق التي يقرأون بها وهي طريق الأزرق عن ورش، وكان في الإمكان اعتماد طريق غيره كالإصبهاني مثلا.
ثم على فرض وجود هذا التقبل من حيث المبدأ، هل سيجري توسيع الأخذ بهذا المصحف واعتماده في المغرب والأقطار المجاورة له حيث يسود الأخذ بهذه الرواية من هذه الطريق، وكيف سيوضع ذلك موضع التنفيذ والتطبيق العلمي وهذا الأمر إنما يؤخذ بالممارسة والتلقي من أفواه الرجال؟(1/225)
وفي انتظار تحقق ذلك عندنا – ولو بصورة جزئية – وقبل أن يعاد طبع المصاحف المغربية على منواله نحن جد متحمسين له، ومغتبطين به، وذلك مع تمثلنا الكافي لما سيلقى في طريق تنفيذه وأخذ الكافة به من مقاومة ومن صعوبات، وما سيلزم لذلك إذا أمكن تحقيقه من جهد وزمان، وخاصة حينما يخاطب بتغيير الوقف الحالي جمهور الحفاظ الذي تمرسوا به في القراءة والأداء، وارتبطت به تلاوتهم غيبا، وقامت عليه عندهم ثقافة خاصة مدعمة بتاريخ طويل لهذا الوقف ضبطت فيه أحكامه وأحصيت أعيان كلماته(1)
__________
(1) أهم إحصاء هو ما قام به الشيخ محمد بن إبراهيم أعجلي البعقيلي السوسي (ت 1271هـ) وقد وقفت على كتابه المسمى "الهداية لمن أراد الكفاية في ضبط أواخر الكلم مما صح بالرواية" وهو في مجلد ضخم في خزانة خاصة يقول في أوله: "الحمد لله بجميع محامدة كلها ما علمت منها وما لم أعلم، على جميع نعمه كلها ما علمت منها وما أعلم... أما بعد فإن بعض الطلبة – أبان الله لي ولهم معالم التحقيق، وسلك بي وبهم أنفع طريق – لما رأى طلبة هذا الزمان المشار إليهم في معرفة كتاب الله تعالى رسما وغيره بالبنان، استصعبوا ضبط أواخر الكلم الموقوف عليها من كتاب الله الحكيم واستشكلوه، وجعلوا عظم اجتهادهم في معرفة ذلك وتحصيله، وصرفوا جل عنايتهم إلى أحكامه وإتقانه، وعدوا ذلك من الصعوبة في غاية، ومن المشقة في نهاية، سألني أن أضع له تصنيفا أبين فيه أحوال أواخر الكلم الموقوف عليها من شكلها إذا لم يوقف عليها، فأجبته إلى ذلك، وأن لم أكن أهلا لما هناك، بعد استخارة الله المطلوبة من العبد في جميع أموره المهمة، جاريا في الوقف على ما قيده بعض العلماء المتقدمين على (كذا) الشيخ أبي عبد الله سيدي محمد بن أبي جمعة الهبطي – رحمه الله تعالى ورضي عنه – ومحتذيا فيه طريقا سهلا.... ثم ذكر منهاجه وأنه سيرتب الوقف فيه على الحروف الهجائية مبتدئا بباب الهمز فالباء والتاء إلخ..وقد نشر الدكتور وكاك صورة لجدوله التام بالأوقاف في كل ربع وحزب من القرآن في بحثه في ص 119-122(1/226)
ونظمت النظائر منها في كل ربع من أرباع الأحزاب الستين(1)، وميزت رؤوس الآي التي لا يأتي عليها وقف الهبطي(2)، ورتبت عليه أحكام وأحوال في الأداء عند قراء الجمعين: الصغير والكبير، إلى غير ذلك من مكونات ثقافة القارئ المغربي المختص التي ترتبط بهذا الوقف.
وإذا أمكن مع الزمن التغلب على هذه العقبات، فلن يكون هنا ضير يلحق بالمكانة الاعتبارية للشخصية المغربية التي يصر كثير ممن كتبوا في هذا الموضوع على ربط "الوقف الهبطي" بها أو ربطها به، "لأن أمر المحافظة على الشخصية المغربية – كما يقول الدكتو الحسن وكاك بحق – لم يكن غرضا شرعيا لازما، ولا كان أمرا بلغت أهميته مبلغ إباحة اتخاذ الأخطاء ملامح لهذه الشخصية"(3).
__________
(1) - أعني نظم بعض الكلمات الموقوف عليها بحركة معينة مثل "آية" بضمتين في "ما ننسخ" و"داود" و"إلا الله" بالنصب والوقف في "إذا لقوا" الفريقين "يقنت" "أئنكم" أخا عاد" إلخ.
(2) منها تأليف لمحمد بن يوسف التملي وقفت عليه في تقييد للرحماني بأوقاف آسفي.
(3) تقييد وقف القرآن الكريم للدكتور وكاك 184.(1/227)
وحسب الإمام الهبطي بعد هذا لو جرى تنفيذه، أن يكون قد وضع الأساس لنمط من الأنماط الوقفية التي انتفعت بها المدرسة المغربية انتفاعا لا يمكن إنكاره، مع ما فيه من مآخذ وعيوب، وذلك حين أدرك هو ومن معه مقدار الحاجة يومئذ إلى مثل ذلك العمل، وخاصة بعد أن وقع ذلك الفصام النكد الذي ما نزال نعاني من آثاره بين علوم القراءة وعلوم العربية، أما وقد أخذ الأمر طريقه الآن، وبعد أن أخذت الطبقة المتعلمة في النمو والازدياد، وبعد أن ترقى مستوى التعامل مع القرآن الكريم تلاوة وأداء وتجويدا، فلا يبقى هنالك مسوغ ولا مبرر لبقاء دار لقمان على حالها – كما يقال، ولا نغالي فنزعم أن أمر الوقف عندنا قد حسم نهائيا بظهور هذه التجربة في "مصحف المدينة النبوية"، ولكننا نتوقع أن يكون هذا العمل – مهما تكن آثاره – خطوة في الطريق الصحيح، عسى أن يحذو حذوها الجهاز الرسمي أو غير الرسمي في بلادنا الذي يتولى إعداد المصاحف والأجزاء المقررة في المدارس من القرآن الكريم للطبع والنشر والتوزيع.
خاتمة
والآن وفي ختام هذا الفصل عن الإمام الهبطي من هذا البحث، الذي استعرضنا فيه المعالم التاريخية والفنية البارزة في مدرسة الإمام ابن غازي التي جعلنا شخصية الإمام الهبطي وتتبع آثارها من خلال ما يعزى إليه من وقف مسك الختام فيها، والآن أيضا وقد استوفينا – بقدر المستطاع – الحديث عن المعابر التي عبرت من خلالها قراءة نافع من روايتها وطرقها المغربية إلى هذه الديار، وبعد أن بلغنا بها وبالحديث عن مدارسها وأقطابها وأئمتها وآثارهم مشارف المائة العاشرة حتى لم يبق لنا في القوس منزع، نرى أن الأمر يتطلب منا منهجيا استخلاص زبدة ما قدمنا وتمييز الحصيلة العلمية التي مخضناها من خلال الدرس المتأني لمختلف المدارس الفنية ومكوناتها ومقوماتها، وذلك:(1/228)
أ- بإعادة التذكير بشيء من التفصيل بأهم الأسانيد المغربية التي تأدت إلينا بها هذه القراءة قبل أن تنقطع عند جمهور المتأخرين وتدخل في طي الإهمال والنسيان التام.
ب- وبإعادة التذكير بشيء من التفصيل بالأصول الأدائية المشتركة بين المدارس المغربية في رواية ورش مع إعادة التنبيه على بعض مسائل الخلاف بين مدارسها الفنية الثلاث وامتدادها.
ج- بالحديث عن واقع القراءة المغربية بعد عهود الازدهار بين التدهور العام ومحاولات الإنعاش، وذلك هو موضوع أعدادنا الموالية من هذه السلسلة إن شاء ربنا.
وبتفصيل الحديث عن هذه النقاط في الأعداد التالية نكون قد أتينا على نهاية بحثنا، والله المستعان وعليه الاعتماد والتكلان.
فهرس المصادر والمراجع المعتمدة في هذا البحث
العدد 25
? إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر لأبي العباس أحمد البنا الدمياطي تحقيق الدكتور شعبان محمد إسماعيل – نشر عالم الكتب: 1407هـ/1987
? إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس لعبد الرحمن بن زيدان، الطبعة 2: 1410هـ -1990م الرباط.
? إتقان الصنعة في التجويد للسبعة لأبي العباس أحمد بن شعيب المالقي نزيل فاس، مخطوط في خزانة خاصة.
? الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى للشيخ أحمد بن خالد الناصري السلاوي، نشر دار الكتاب بالدارالبيضاء، 1956م
? الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام للعباس بن إبراهيم المراكشي، نشر المطبعة الملكية بالرباط، 1974.
? الأقراط والشنوف في معرفة الابتداء والوقوف للشيخ محمد بن عبد السلام الفاسي، مخطوط بالخزانة الحسنية بالرباط، برقم 1953.
? إنشاد الشريد من طوال القصيد للشيخ محمد بن أحمد بن غازي المكناسي، مخطوط بالخزانة الحسنية بالرباط برقم 5727.
? أنوار التعريف لذوي التفصيل والتعريف لمحمد بن أبي القاسم الجزولي الحامدي مخطوط بالخزانة الحسنية بالرباط برقم 8885.(1/229)
? برنامج الشيخ محمد بن عبد السلام الفاسي مخطوط الخزانة الحسنية بالرباط في مجموع برقم 1057.
? البستان في ذكر العلماء والأولياء بتلمسان لمحمد بن محمد المعروف بابن مريم المديوني، نشر المطبعة الثعالبية، الجزائر: 1326هـ.
? البيان في عدآي القرآن لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني مخطوط بالخزانة الحسنية بالرباط رقم 11336.
? تحفة الأليف في نظم ما في التعريف – أرجوزة في العشر الصغير للشيخ محمد بن إبراهيم الصفار المراكشي التينملي مخطوطة خاصة.
? التذكرة في القراءات لأبي الحسن طاهر بن غلبون تحقيق الدكتور عبد الفتاح بحيري إبراهيم مكتبة الزهراء للإعلام العربي، ط 2: 1411هـ 1991).
? تعريف الخلف برجال السلف لأبي القاسم محمد الحفناوي، نشر مؤسسة الرسالة، القسم الأول، تونس ط 1: 1402هـ 1982م
? التعريف في اختلاف الرواة عن نافع لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني تحقيق الدكتور التهامي الراجي، مطبعة فضالة المحمدية: 1403هـ-1982م
? تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) نشر دار الكتب المصرية، القاهرة، ط1: 1351هـ-1933م.
? تقييد وقف القرآن الكريم للشيخ محمد بن أبي جمعة الهبطي، دراسة وتحقيق للدكتور الحسن بن أحمد وكاك، مطبعة النجاح، الدارالبيضاء.
? تقييد على ضبط الخراز من شرح أبي زيد عبد الرحمن القصري الشهير بالخباز، مخطوط ببعض زوايا مدينة آسفي.
? تقييد في رؤوس الآي التي لا يأتي عليها وقف الهبطي للشيخ محمد بن يوسف التملي قيده عنه الشيخ محمد بن محمد بن أحمد الرحماني الحشادي، مخطوط ضمن مجموع بخزانة أوقاف نظارة آسفي غير مرقمة.
? تقييد وقف القرآن العظيم للهبطي لمحمد بن أحمد بن محمد المرابطي البعقيلي عن شيخه أبى عبد الله محمد بن يوسف الترغي (مخطوط بخزانة أوقاف آسفي، نظارة آسفي، غير مرقمة).
? تقييد على مورد الظمآن عن بعض مشيخة أهل فاس (مخطوط بخزانة أوقاف آسفي).(1/230)
? تقريب النشر في القراءات العشر الصغرى النافعية لمحمد بن عبد الرحمن الأزروالي، مخطوط الخزانة الحسنية برقم 1611.
? تقييد في قراءة الإمام نافع لأبي سعيد عثمان بن عبد الواحد اللمطي مخطوط خزانة القرويين بفاس رقم 1058.
? تلخيص العبارات بلطيف الإشارات في القراءات السبع لأبي علي الحسن بن خلف بن بليمة الهواري، نشر دار القبلة بجدة: 1409هـ-1988م.
? توشيح الديباج وحلية الابتهاج لبدر الدين القرافي تحقيق أحمد الشتيوي، دار الغرب الإسلامي، ط 1: 1403هـ-1983م.
? التيسير في القرآن السبع لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني، نشر دار الكتاب العربي – بيروت، ط 2 1404هـ-1984م.
? ثبت أبي جعفر أحمد بن علي البلوي الوادي آشي تحقيق الدكتور عبد الله العمراني نشر دار الغرب الإسلامي ط1: 1403هـ-1983م
? جامع جوامع الاختصار والتبيان فيما يعرض بين المعلمين وبين آباء الصبيان لمحمد بن أبي جمعة الوهراني المدعو شقرون، مخطوطة بالخزانة الناصرية بتمكروت برقم 818.
? جذوة الاقتباس في ذكر من حل من الأعلام مدينة فاس لأحمد بن القاضي المكناسي، دار المنصور، الرباط: 1974.
? الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين للدكتور محمد حجي.
? درة الحجال في أسماء الرجال لأحمد بن محمد ابن القاضي المكناسي تحقيق محمد الأحمدي أبو النور، نشر دار التراث بالقاهرة والمكتبة العتيقة بتونس، ط 1: 1390هـ-1970م.
? دليل المخطوطات بدار الكتب الناصرية لمحمد المنوني، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب: 1405هـ-1985م.
? دوحة الناشر لمحمد بن عسكر الحسني الشفشاوني تحقيق محمد حجي، ط2 الرباط: 1397هـ، 1977م.
? ذكريات مشاهير رجال المغرب للعلامة عبد الله كنون – ابن غازي – نشر دار العلم للملايين، بيروت، لبنان.
? الروض الجامع شرح الدرر اللوامع لمسعود بن محمد جموع السجلماسي، مخطوط خاص.(1/231)
? سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس لمحمد بن جعفر الكتاني طبعة حجرية، فاس، المغرب.
? شجرة النور الزكية في طبقات السادة المالكية لمحمد بن محمد بن مخلوف التونسي، نشر دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.
? شرف الطالب في أسنى المطالب لابن قنفذ (ضمن كتاب ألف سنة من الوفيات) تحقيق محمد حجي، الرباط: 1396هـ-1976م.
? صفوة من انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر لمحمد الصغير المراكشي، طبعة حجرية، فاس.
? غيث النفع في القراءات السبع للشيخ علي النوري الصفاقسي، بهامش سراج القارئ لابن القاصح، دار الكتب العلمية: 1402هـ.
? غاية النهاية في طبقات القراء للحافظ ابن الجزري، الطبعة الثانية، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
? الفكر السامي في تاريخ الفكر الإسلامي للشيخ محمد الحجوي، نشر المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، ط1: 1396هـ.
? الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي، نشر مؤسسة مآب، المجمع الملكي بالأردن.
? فهرس أحمد المنجور تحقيق الدكتور محمد حجي، نشر دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر، الرباط، 1396هـ-1976م.
? فهرس مخطوطات خزانة القرويين إعداد محمد العابد الفاسي الطبعة 1: 1403هـ-1983م.
? فهرس مخطوطات خزانة تطوان، قسم القرآن وعلومه، إعداد المهدي الدليرو ومحمد بوخبزة، تطوان: 1401هـ-1981م.
? فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات لعبد الحي بن عبد الكبير الكتاني تحقيق الدكتور إحسان عباس، نشر دار الغرب الإسلامي، ط2بيروت: 1402هـ-1982م
? فهرسة ابن غازي تحقيق محمد الزاهي، مطبوعات دار المغرب، الدارالبيضاء: 1399هـ، 1979م.
? فهارس الخزانة الحسنية بالقصر الملكي بالرباط، إعداد محمد العربي الخطابي، الفهرس الوصفي لعلوم القرآن 1407هـ-1987م.
? الفوائد الجمة بإسناد علوم الأمة لأبي زيد التمنارتي، مخطوط الخزانة العامة بالرباط برقم 02. 964.(1/232)
? القراء والقراءات بالمغرب للشيخ سعيد أعراب، دار الغرب الإسلامي، ط 1: مطبعة العاني ببغداد: 1410هـ-1990م.
? القطع والائتناف لأبي جعفر النحاس تحقيق الدكتور أحمد خطاب العمر، ط1: مطبعة العاني ببغداد: 1398هـ-1978م.
? القول الفصل في اختلاف السبعة في الوقف والوصل للشيخ أبي زيد عبد الرحمن بن القاضي، مخطوط خاص.
? القول الوجيز في قمع الزاري على حملة كتاب الله العزيز للشيخ محمد بن عبد السلام الفاسي، طبعة حجرية بفاس.
? الكامل في القراءات العشر والأربعين الزائدة عليها للإمام أبي القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي، مخطوط مصور.
? كفاية التحصيل في شرح التفصيل للشيخ مسعود بن محمد جموع السجلماسي، مخطوط الخزانة الحسنية بالرباط في مجموع برقم 1410.
? كمال الفريد وتقييد الشريد لأبي العباس أحمد بن إبراهيم الفجيجي، مخطوط بخزانة القرويين بفاس برقم 1868.
? لقط الفرائد من لفاظة حقق الفوائد لأحمد بن القاضي المكناسي (ضمن كتاب ألف سنة من الوفيات) تحقيق الدكتور محمد حجي.
? ما خالف فيه ابن كثير في الوقف نافعا (أرجوزة) لابن القاضي، مخطوطة.
? المبسوط في القراءات العشر لأبي بكر أحمد بن الحسين بن مهران النيسابوري تحقيق ** حمزة حاكمي، نشر دار القبلة للثقافة الإسلامية ط2 جدة: 1408هـ-1988م.
? المحتوي الجامع رسم الصحابة وضبط التابع للشيخ الطالب عبد الله بن محمد الأمين الجكني.
? المدرسة القرآنية بالصحراء المغربية بحث الأستاذ سعيد أعراب، دعوة الحق التابعة لوزارة الأوقاف المغربية العدد 6 السنة 1396:17هـ.
? معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار للحافظ الذهبي تحقيق محمد سيد جاد الحق، دار الكتب الحديثة، عايدين، مصر.
? المكتفى في الوقف والابتداء لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني تحقيق الدكتور يوسف عبد الرحمن مرعشلي، الرسالة، بيروت: 1404هـ.
? من أعلام الفكر المعاصر، أبو شعيب الدكالي للشيخ عبد الله الجراري.(1/233)
? مناقب الحضيكي، طبقات الحضيكي، المطبعة العربية برحبة الزرع، الدارالبيضاء: 1357هـ.
? منحة الرؤوف المعطي ببيان ضعف وقوف الشيخ الهبطي لعبد الله بن محمد بن الصديق الغماري، دار الطباعة الحديثة، الدارالبيضاء.
? المناهل السلسلة في الأحاديث المسلسلة للشيخ عبد الباقي الأيوبي، نشر دار إحياء علوم الدين.
? متعة المقرئين في تجويد القرآن المبين لبعد الله الجراري، مطبعة النجاح، الدارالبيضاء، ط1: 1401هـ 1981م.
? مصحف المدينة النبوية برواية ورش عن نافع نشر مجمع خادم الحرمين الشريفين فهد بن عبد العزيز بالمدينة المنورة: 1410هـ.
? النشر في القراءات العشر لابن الجزري تصحيح الشيخ الضباع، مطبعة مصطفى محمد، القاهرة.
? نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني لمحمد بن الطيب القادري تحقيق محمد حجي وأحمد التوفيق، مطبوعات دار المغرب، 1977م.
? نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي لمحمد الصغير اليفرني المراكشي، مكتبة الطالب، الرباط.
? نيل الابتهاج بتطريز الديباج في طبقات المالكية، بهامش الديباج المذهب لابن فرحون، لأحمد بابا السوداني، دار الكتب العلمية، لبنان.
? الهداية لمن أراد الكفاية في ضبط أواخر الكلم مما صح بالرواية للشيخ محمد بن إبراهيم أعجلي البعقيلي (مخطوط).
? وقوف القرآن للشيخ عبد الله بن الصديق الغماري، بحث بمجلة دعوة الحق: السنة 15 العدد 9-10 ماي: 1973م.
فهرسة المحتويات للعدد 25
تصدير ...
مقدمة: امتدادات مدرسة ابن غازي في القراءات في المائة العاشرة ...
الفصل الأول: "قائمة أصحاب الشيخ ابن غازي والرواة عنه" ...
- أبو العباس الحباك الفاسي المقرئ ...
- نص إجازته لتلميذه محمد بصري المكناسي ومروياته عنه ...
- أبو العباس الدقّون خطيب القرويين وذكر إجازته لمحمد شقرون الوهراني ...
- الحسن بن عثمان أبو علي التاملي الجزولي ...
- انتشار طريق ابن غازي عنه في بلاد سوس والجنوب المغربي ...(1/234)
- عبد الرحمن بن علي أبو زيد القصري السفياني الشهير بسقّين ...
- عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم المشترائي الدكالي ...
- عبد الواحد بن أحمد بن يحيى الونشريسي صاحب "المعيار المعرب" ...
- أبو سعيد عثمان اللمطي أحد المهرة في القراءات السبع من أصحاب ابن غازي ... ...
- أبو العباس أحمد بن عثمان اللمطي ولده وشيخ الإمام عبد الواحد بن عاشر الأنصاري ...
- علي بن شعيب المالقي والد أحمد بن شعيب مؤلف كتاب إتقان الصنعة ...
- علي بن عيسى الراشدي التلمساني شيخ أبي العباس المنجور وأحد قراء العشر الصغرى ...
- علي بن موسى بن علي بن هارون أبو الحسن بن هارون المطغري شيخ الجماعة بفاس ...
- أصحاب أبي الحسن بن هارون في الرواية والقراءات السبع بفاس ...
? أبو العباس أحمد بن علي المنجور صاحب الفهرس المشهور ...
? إبراهيم بن أحمد اللمطي مدرس الشاطبية بالقرويين ...
? أبو راشد يعقوب بن يحيى اليدري الفقيه ...
? علي بن عبد الواحد السجلماسي المقرئ ...
? أبو العباس أحمد بن محمد الوطاسي الأمير ...
- كبير أصحاب ابن غازي الراوية الكبير: أبو القاسم بن إبراهيم المشترائي الدكالي ... ...
ترجمته من فهرسة تلميذه أبي العباس المنجور ...
- أبو القاسم الكوش الدرعي التفنوتي صاحب أول وقف على تدريس الشاطبية بفاس ...
- أبو عبد الله العبسي أحد كبار المسبعين على ابن غازي وله عنه إجازة فيها وفي غيرها ... ...
- أبو عبد الله العِدّي محمد بن علي بن عِدّة الأندلسي من حذاق أصحاب ابن غازي في علم القراءات ...
- أبو عبد الله بم مجبر المساري شيخ الجماعة في زمنه بفاس في أكثر من فن وأحد من انفردوا بالرواية عن الكبار وأخذ عنهم الناس ...
- مؤلفات ابن مجبر المساري ...
- أصحاب ابن مجبر في القراءة ...
- محمد بن عبد الواحد أبو عبد الله الغزال صاحب كرسي ابن غازي بعده بالقرويين بفاس ...(1/235)
- محمد بن محمد بن أبي جمعة الوهراني المعروف بشقرون وابن أبي جمعة وصاحب القصيدة المعروفة باسم "تقريب المنافع في الطرق العشرية المروية عن نافع" وقد تقدمت بنصها ضمن ما نظم على نمط تحفة الأليف للإمام الصفار
- باقي أصحاب ابن غازي ...
الفصل الثاني: الإمام الهبطي صاحب تقييد وقف القرآن وصلته بمدرسة ابن غازي وما قوبل به وقفه قديما وحديثا من استحسان أو استهجان ...
- ترجمة الإمام الهبطي ...
- مكانة الإمام الهبطي في القراءة وعلومها ومشاركته لابن غازي في بعض شيوخه وتلامذته ...
1- أخذه عن الإمام أبي عبد الله الصغير شيخ ابن غازي وصلة تقييده في الوقف بتقييد هذا الشيخ ...
2- شهادة أبي العباس المنجور ووصفه للهبطي بالأستاذ الكبير ذي النحو الغزير ...
3- الإشارة إليه في مصادر علوم القراءة بما يشهد له برسوخ القدم في الفن ...
4- الإشارة الرابعة وتتمثل في أخذ الأكابر عنه من أصحاب الشيخ ابن غازي ...
- هل كان الإمام الهبطي يراعي مذهب نافع في وقف التمام، وحدود اتباعه له في ذلك ؟ ...
- نماذج من الوقفات المنتقدة عليه ...
- نسبة الوقف الذي يقرأ به اليوم بالمغرب إلى الإمام الهبطي وما يكتنفها من غموض، وهل هو عَيْن الوقف الذي قيد عنه في أصل الوضع الأول ؟؟ ...
- رأيي في موضوع نسبة الوقف الحالي إلى الهبطي، وبيان ما تعرض له من التصرف على أيدي الرواة ...
- تبرئة الإمام الهبطي من بعض ما انتقد عليه من وقفات ...
- حقيقة الوقف المقروء به اليوم في مصاحف أهل المغرب ...
- خطوة نحو وقف جديد للمصاحف المغربية المطبوعة برواية ورش عن نافع ...
خاتمة ...
فهرس المصادر والمراجع ...
فهرس المحتويات ...
قراءة الإمام نافع عند المغاربة
من رواية أبي سعيد ورش
إشعاع مدرسة ابن غازي في الحواضر والجهات المغربية
والهيكل العام للمدرسة المغربية النافعية
العدد السادس والعشرون
د. عبد الهادي حميتو
مقدمة:(1/236)
... رأينا من خلال استعراضنا لتراجم رجال مدرسة أبي عبد الله بن غازي الذين تحملوا عنه القراءة وقاموا على نشر مذاهبه واختياراته فيها، كيف استطاع أولئك الرجال أن يسدوا في أثناء المائة العاشر فراغا هائلا كان وشيك الوقوع باختفاء الشيخ ابن غازي من الميدان ووفاته سنة 919هـ.
... كما رأينا من خلال تلك التراجم كيف أن العناية الإلهية قد مدت في آجال طائفة من خيرة أصحابه فطالت أعمارهم في مشيخة الجماعة وكراسي التصدر حتى اشترك في الأخذ عنهم الكبار والصغار، وترامت بالرواية عنهم أمائل الرجال إلى كافة الحواضر والجهات، فكانوا بذلك من أوثق الحلقات العلمية التي كونت أواخر عقود السلسلة المغربية في أسانيد القراءات، كما كانوا بمثابة المعابر الفنية التي تأدت من خلالها جملة مكونات التراث القرائي والعلمي الزاخر كما توارثته المدرسة المغربية عن امتداد مدارس الأقطاب، وكانوا من خلال ذلك يمثلون همزات الوصل بين أهل القرن العاشر وبين ما أعقبه من القرون.
ولقد كانت وحدة المنبع عند رجال هذه المدرسة عاملا أساسيا في قيام منهاج موحد أدى إلى وحدة في الخطة والعمل ساعدت على تبلور قاعدة مشتركة في البناء الفني للمدرسة المغربية أفضت إلى ما يمكن أن نصفه بـ "الطراز المغربي" الصرف في ميدان القراءة والأداء بكل ما امتاز به من مقومات وما تحدد له من خصائص بنائية وفنية تميز بها عن غيره، وذلك بعد أن انصهر في الميدان العملي وتداولته القرائح والأنظار بالتنقيح والتحرير والاختيار عبر عدد من القرون.(1/237)
وإذا كنا قد ربطنا بين هذا الطراز كما تناهى إليه من خلال ما وصل إلينا من مصنفات الأئمة واختيارات المتأخرين فيها ابتداء من الإمام الشاطبي فابن بري ورجال مدرسته، وبين مدرسة ابن غازي وامتداداتها في المائة العاشرة وما بعدها انطلاقا مما ترامى إلى الحواضر والجهات من إشعاعها، فذلك إنما بنيناه على ما سيلاحظه القارئ معنا من الهيمنة الكاملة لهذه المدرسة واتجاهاتها على ميدان الإقراء مادة وأسلوبا وتوجيها لعوامل كثيرة سنقف على بعضها في الفصل التالي جعلت القيادة لها ومكنت لها في الآفاق، فكان رجالها والآخذون عنهم مهطعا لقراء العصر ومشدا لرحالهم حيثما استقلت بهم الركاب أو اطمأنت بهم الديار.
ولعل القارئ الكريم بعد هذا التمهيد الذي مهدنا به يتساءل عن أهم هذه الامتدادات التي انبثق منها ذلك الإشعاع المنوع به، وكيف تأتى لأولئك الصفوة الذين تأثلت من خلال جهودهم مذاهب المدرسة واختياراتها لتكوّن في النهاية الخطوط العريضة في الصورة البنائية والفنية كما تبلورت فيها المدرسة الأدائية النافعية في المغرب حسب الرواية والطريق التي بها الأخذ وعلى اختيارات هذه المدرسة فيها العمل – أن يرسخوا هذه المؤثرات في ميدان الإقراء، ويجعلوا من اختياراتهم في القراءة والأداء وأساليب الأخذ على القراء، ما أمسى يشكل العمود الفقري للقراءة "الرسمية" في المغرب؟ وكيف تلاقت أخيرا على أيدي أولئك الصفوة من شيوخ الجماعة وأئمة الإقراء وشائج القربى بين الأساتيذ التي تأدت إليهم منها القراءة وعلومها خلال القرون العشرة ويتصلوا عن طريقه بالمنابع الأولى التي كان منها الاستمداد وعليها الاعتماد.
ذلك ما سنحاول الوقوف عليه من خلال ما تبقى لنا من هذا البحث في هذه الفصول:
الفصل الأول:
إشعاع مدرسة ابن غازي في الحواضر والجهات المغربية من خلال مشيخة الإقراء وشيوخ الجماعة والعوامل المساعدة على هيمنة مذاهبها وسيطرتها في الميدان.(1/238)
... كان الصدى العالي والصيت الذائع الذي خلفه الشيخ ابن غازي خلفه في مدرسته بفاس كافيا ليمدها لعدة عقود من الزمن بمدد زاخر من الإكبار والاعتبار، يجعلها مشد الأنظار ومحل التقدير والإجلال، وكان فحول رجالها الذي تكونوا بين سمع الشيخ وبصره وقودا مستمرا لحركتها يذكي فيها النشاط والحيوية، وهم ما هم في ارتفاع المستويات وتعدد المجالات وزعامة العلم، من أمثال أبي القاسم بن إبراهيم وأخوته وأهل بيته والشيخ أبي عبد الله الهبطي ورجاله، والشيخ أبي الحسن بن هارون المفتي، والشيخ النحوي البارع أبي عبد الله بن مجبر المساري، والشيخ الحافظ محمد شقرون بن أبي جمعة الوهراني والشيخ ابي عبد الله العدي الأندلسي والشيخ أبي العباس الونشريسي والشيخ أبي عمرو وأبي سعيد عثمان بن عبد الواحد اللمطي الميموني وسواهم ممن قدمنا ذكرهم في رجال مدرسته.
... وقد التف حولهم كما رأينا عدد لا يحصى من أماثل القراء سمينا منهم طائفة دون إفاضة في القول، هؤلاء الذين كانوا يمثلون العقود المباشرة في سلسلة الإسناد المتصلة من طريق رجال هذه المدرسة، والذين هم في الوقت ذاته المعابر الرفيعة التي انتقل عبرها إشعاعها ليعم عامة الأرجاء والجهات المغربية وينتظم عامة القرون الموالية.(1/239)
... ثم كان للتقلبات السياسية التي أطلت مقدماتها بعد موت عميد المدرسة أبي عبد الله بن غازي ثم استمرت تعمل عملها، أثر كبير في توزيع مؤثراتها في الآفاق، وذلك بانتقال مركز الثقل في الجانب السياسي عن مدينة فاس مرة أخرى وتوزعه على أكثر من جهة من الجهات الجنوبية من المغرب بعد أن استشرت مظاهر التدهور والضعف العام في كيان دولة بني وطاس بفاس، فأخذت تستقل عنها طائفة من الزوايا ذات النفوذ الصوفي والتوجه الساسي لتستقطب إليها تبعا لذلك وجوه العلماء وتقيم في مراكزها أسس حركة علمية كان لها أثرها في إنهاك قوة الدفع التي كانت لمدرسة ابن غازي نوعا ما بمدينة فاس وما يليها من الأطراف، ولكنها من جهة أخرى قد استطاعت أن تزود تلك المراكز بأساتذة من كبار المشيخة المتخرجة بفاس حملت مشاعل الحركة القرائية والعلمية بها، ووثقت وشائجها بمدرستها الأم، الأمر الذي وسع من دائرة نشاطها وقوى من روابطها وساعد على قيام منافسة ملحوظة بين رجالها وأمرائها لاستقطاب العلية من أولئك العلماء واصطناعهم بها، تجملا بوجودهم، وتقوية للسند المعنوي بتقريبهم وانتدابهم لهذه المهمات.
... وهكذا كان للأشراف السعديين في سجلماسة أولا ثم في قاعدة سوس ثم أخيرا في مراكش، محاولات واسعة لاحتواء كبار المشيخة للإقراء بها، ورعايتها لذلك رعاية كان لها آثارها في تحريك الهمم والتشجيع العام.(1/240)
وفي مقابل هذه الرعاية كانت هناك مراكز أخرى منافسة من أهمها ما اختصت به "الزاوية الدلائية" في بلاد "تادلة" قرب بني ملال حيث كان رجال هذه الإمارة ومؤسسوها من كبار العلماء، وكان أكثرهم أيضا من علية القراء ممن تخرجوا على أمثالهم من قراء فاس وسجلماسة، وخاصة على أصحاب ابن غازي وتلامذتهم، ولعل هذا الإحساس بما ستؤول إليه الحال في مدرسة ابن غازي بفاس إذا استمر الوضع على ما هو عليه بسبب هجرة هذه الكفاءات العالية عنها إلى بعض تلك المراكز، هو الذي أملى على طائفة من أهل العلم والفضل أن يعملوا على دعم كراسي الإقراء بفاس بمجوعة من الأوقاف العلمية يجعل ريعها لصالح المشيخة والطلبة الذين يقومون عليها محافظة على استمرارها، وتشجيعا للقائمين بها من القراء والعلماء.
- ظهور الأوقاف لخدمة علم القراءات:
وأبرز ما ظهر من الأوقاف لهذا الغرض على يد بعض أصحاب ابن غازي "الوقف على الشاطبية"، وقد تقدم لنا في ترجمة الشيخ الإمام أبي الحسن علي بن عيسى الراشدي ما ذكره أبو العباس المنجور عنه بعد أن وصفه بالشيخ النحوي الصالح "وأنه" كان يحسن علوم القرآن أداء ورسما وضبطا" من كونه:
"نفذ له تدرس "الشاطبية الكبرى" الذي أنشأ تحبيسه الشيخ الفقيه الفرضي الصالح أبو القاسم الكوش الدرعي، لنظر الشيخ الإمام أبي الحسن بن هارون، ولم يكن لها وقف قبله، فأقرأها وأعاد، محضرا بالمجلس لكثير من شراحها كالسخاري وأبي شامة والفاسي والجعبوي حتى تفقه فيها"(1).
__________
(1) فهرس المنجور 67 وذكر أنه كان يدرسها قبل ذلك في مسجد الشرفاء بفاس.(1/241)
فهذا التجبيس من لدن هذا القارئ الفقيه لهذا الغرض يعتبر أحد مظاهر العناية غير الرسمية التي كان الهدف منها إحداث كرسي قار لهذه القصيدة التي عليها المدار لهذا العهد وما بعده في القراءات يتقاضى القائم به مرتبا ثابتا من هذا الوقف الذي عين له ناظر يتولى رعايته من أعيان أصحاب ابن غازي، فكان أن نفذه لمن يقوم بموجبه على تدريس هذه المادة التي لم يكن لها وقف سابق عليه.
وهذا الصنيع يعتبر من جهة ثانية من وسائل العون والتشجيع للمحافظة على استمرار هذه الكفاءات وأمثالها في النهوض بهذه المهمة حتى لا تستقطبها بعض الجهات الأخرى إليها بوسيلة من وسائل الإغراء.
وقد ذكر المنجور أيضا – كما تقدم – اسم القارء الذي ولي هذا الكرسي بعد موت أبي الحسن الراشدي وهو أبو سالم إبراهيم اللمطي، وهو من شيوخه بل هو أول من جود عليه القرآن وحفظه عليه، كما ذكر أنه لازم الشيخ أبا الحسن بن هارون وأخذ عنه السبع كما لازم الأستاذ أبا الحسن بن عيسى الراشدي المذكور في "حرز الأماني"، وكان قد لازمه معروفا به سنين طويلة في علوم القرآن والنحو وغير ذلك وعليه تخرج" قال:
"وولى تدريس "الشاطبية الكبرى" والبردة" بعد موت ابن عيسى فعالجهما وقام وقعد نحوا من خمس وعشرين سنة حتى نفذ فيهما ونجب...(1).
__________
(1) فهرس المنجور 73.(1/242)
وذكر الشيخ يوسف بن عابد الإدريسي الفاسي في "ملتقط الرحلة"، وكان ممن قرأ القرآن برواية ورش على أحد الشيوخ المتصدرين لذلك سماه إبراهيم المامودي – وكان يقرئ بمدرسة مصباح(1). إن الفصل الذي كانت تنصب فيه الكراسي لنشر العلم هو فصل الشتاء"، إلا أنه ذكر أن من الفنون ما يبقى طول السنة كتفسير القرآن بعد صلاة الصبح، وكتاب "خليل"(2) يقرأ بعد الظهر مستمر الأزمنة لما عليهم من الأوقاف الكثيرة(3)، ثم ذكر فنونا كثيرة كانت تدرس لهذا العهد بالقرويين في مختلف أوقات الليل والنهار قال: "وعلى كل كتاب أوقاف حتى على "شرح البردة"(4)... ثم ذكر أن من هذه الحلقات من لا يحضرها إلا الواحد أو الاثنان، فذكر منها كرسي "شرح البردة" قال: وكنت أجلس معهم لأجل التبرك وقلة جاه المدرس، وسألت عنه قال لي بعض الناس: إنه من أهل الكراسي، إلا أنه ما له حظ ولا جاه... ثم ذكر أن هذه السنة كانت سنة تسع وثمانين يعني وتسعمائة(5).
وهذا يفيدنا أن هذه الكراسي التي رصدت لها اعتمادات مالية تتقاضى من الريع الذي تدرّه الأوقاف التي وقفت عليها كانت هي الضمانة الوحيدة لاستمرارها في الوجود حتى لو كان الزهد فيها قد بلغ مثل هذا المبلغ الذي حكى عنه ابن عابد الفاسي بالنسبة لشرح البردة، فقد كان المنصب يفرض على متولي كرسيه أن يحضره ويقوم به بقطع النظر عن درجة إقبال المقبلين وزهد الزاهدين، وهذه هي الغاية من تلك الأوقاف.
كراسي القرويين في القراءة والتجويد
__________
(1) ملتقط الرحلة من المغرب إلى حضرموت 28.
(2) يعني المختصر الفقهي.
(3) ملتقط الرحلة 59.
(4) نفسه 59، وأسلوب كاتب الرحلة قريب من الدارجة كما يلاحظ.
(5) ملتقط الرحلة من المغرب إلى حضرموت للفقيه يوسف بن عابد الإدريسي 59-60.(1/243)
وقد تحدث أستاذنا الباحث السيد محمد المنوني في هذا الصدد عن الأوقاف التي أنشئت على مواضع معينة بجامعي القرويين والأندلس بفاس، ومنها ما له كرسي خاص ومنها أخرى بدون كرسي على مواضع معينة، فذكر منها في إطار جامعة القرويين ثمانية مواضع سبعة بجامع القرويين وواحد بجامع الأندلس: ستة منها لتجويد القرآن الكريم عمليا باللسان، واثنان لتدريس الرسالة القيروانية، ثم ذكر تفصيلها فسمى منها:
1- سارية لتجويد القرآن الكريم لم يعين موقعها بالقرويين، وقد ذكر أستاذها مؤلف "فهرسة تنوير الزمان"(1) وسماه "سيد يعيش" بدون أن يذكر اسم والده أو نسبه، مع التنصيص على أنه توفي في حدود عام 980.
2- سارية أخرى لتجويد القرآن الكريم، وهي الواقعة يمنة عنزة هذا الجامع، وحسب الوثيقة التالية فإن الذي أنشأ وقف هذه السارية هو الشيخ الجليل أبو العباس أحمد بن محمد الشاوي المتوفى في المحرم عام 1014(2) قال: "وقد عين المحبس لهذا الوقف الأستاذ أبا العباس أحمد بن علي بن شعيب الفاسي المتوفى عام (1015)(3) ثم من يأتي بعده، وفي "النهج المتدارك"(4) تحدث عن هذا الأستاذ وذكر الوقفية هكذا:
...
__________
(1) أشار بالهامش إلى أن اسمها الكامل "فهرسة تنوير الزمان، بقدوم مولاي زيدان" تأليف قاسم بن محمد بن محمد ابن أبي العافية الشهير بابن القاضي، تقع ضمن مجموع بالمكتبة الملكية بالرباط رقم 255
(2) ترجمته ومراجعها في سلوة الأنفاس 1/274-279.
(3) سيأتي لنا التعريف به في كبار مشيخة العصر.
(4) هو الشرح المشهور للقصيدة الدالية في الهمز لابن مبارك تأليف أبي العلاء إدريس بن محمد المنجرة، ومنه نسخة بالخزانة العامة برقم 994ط وأخرى بالحسنية رقم 119(1/244)
يحكى عنه - رحمه الله - أنه كان متصدرا للأخذ بجامع القرويين من فاس، وكان يجود مع الطلبة بلسانه، ويلازمه الشيخ الصالح سيدي أحمد الشاوي دفين "السياج" من فاس، وأوقف عليه ومن يقفوه أرضا بلمطة يقال لها "الضويّات"(1)، وفي آخر عمره تأخر عن القرويين لكبر سنه، فيجود مع الطلبة بداره في "الكدان" أو بمسجد قربها كان أمامه، ويوم الجمعة يحمله الطلبة بين أيديهم إلى "جامع الأندلس"، ويجلس فيها بباب الحفا ويقرأ مع الطلبة بلسانه، ويسمع صوته تبيينا للحروف والحركات وإفرازا للكلمات من قنطرة بين المدن رحم الله الجميع"(2).
قلت: هذا الوقف وأمثاله هو الوسيلة التي كانت ناجعة يومئذ للمحافظة على تدريس نوع من الفنون والمتون، كما أنها أيضا كما قدمنا من الوسائل العملية التي تضمن استمرار هذه العطاءات المفيدة وقيام هؤلاء النخبة من القراء والعلماء عليها يرتفقون بأوقافها في معاشهم، ويتفرغون للقيام بوظيفة التدريس وتمرين الطلاب مستعينين بها.
فهذا الشيخ أبو العباس بن شعيب كان في زمنه مما يتنافس في مثله لرسوخ قدمه – كما سيأتي في ترجمته عن قريب ولذلك اختير للقيام بهذا الكرسي، وأسند إليه التجويد العملي وهو أمر ما أقل العناية به بين مشايخ القراءة قديما وحديثا، ولعل هذا ما جعل معظم الأوقاف المخصصة للقراءة تنصرف إلى هذا الفن كما لاحظنا في أوقاف القرويين ولعل من المفيد هنا لندرك أهمية هذا الوقف الذي وقف على كرسي التجويد الذي أسند إلى ابن شعيب بأن ننقل نص وثيقة التحبيس المتعلقة بهذا الكرسي كما نقلها الأستاذ المنوني عن "الحوالة السليمانية" لأحباس القرويين ونصها:
__________
(1) تعرف هذه المنطقة بهذا الاسم إلى اليوم وتقع في الطريق العابر من فاس إلى جهة الرباط، وبها محطة صغيرة للقطار تحمل اسمها إلى الآن.
(2) نقله الأستاذ محمد المنوني في بحثه "أوقاف بدون كرسي..." مجلة دعوة الحق العدد 6 السنة 66 ص 117-118.(1/245)
"الحمد لله : حبس المرابط أعلاه الأجل السيد الأكمل البركة: أبو العباس أحمد ابن المرحوم أبي عبد الله محمد الشاوي – جميع الستة فدادين، وهي "عين العرب" وفدان ابن فيلو الصغير" و "فدان الغدائر" "وفدان ركبة العلك" "وفدان الغرس"، "وفدان الكوشة"، المحتوي على حراثة أربعة أزواج المذكورة والمحدودة أعلى المنتسخ منه، بمنافعها ومرافقها وكافة حقوقها كلها – على الفقيه الأجل النحوي اللغوي الأستاذ المجود المشارك السيد ابي العباس أحمد ابن السيد المرحوم أبي الحسن علي شعيب به عرف، ينتفع بها، على أن يجود للطلبة بالسارية التي عن يمين العنزة بجامع القرويين(1) شرفها (كذا) الله بدوام الذكر فيه – من زوال الشمس إلى البريح على الدوام والاستمرار، عدا يوم الخميس ويوم الجمعة، حبسا مؤبدا، ووقفا مخلدا، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين، ومن بدل أو غير فالله حسيبه وسائله ومتولي الانتقام منه، فإن مات يرجع لأستاذ مثله على الصفة المذكورة إلى انقراض الدنيا، قاصدا بذلك وجه الله العظيم والدار الآخرة، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا. وبسط يده على حوزه، وتوجه صحبة شهيديه إلى الفدادين المذكورة، وحازاها حوزا تاما كما يجب معاينة، وعرفا قدره، شهد به عليهما بحال كمال الإشهاد، وعرفهما في أواخر صفر عشرة وألف"(2).
... وتحدث الأستاذ المنوني عن باقي الوقفيات المخصصة للتجويد بالقرويين لهذا العهد وما بعده فأضاف قائلا:
... 3. في عنزة القرويين، كان يجود فيها للطلبة من طلوع الشمس إلى ضحوة النهار:
أبو العلاء إدريس بن محمد بن أحمد المنجرة الحسني الإدريسي التلمساني ثم الفاسي (يوم الثلاثاء 22 محرم عام 1137 هـ)"(3).
__________
(1) ما تزال هذه السارية معروفة بالقرويين وهي مقابلة للمحراب في الصف المحاذي للباحة الوسطى منه.
(2) الأستاذ محمد المنوني – دعوة الحق عدد 6 ص 118.
(3) أشار إلى ترجمته في السلوة 2/272-273.(1/246)
ابنه أبو زيد عبد الرحمن...(1)
4. في صدر جامع القرويين ، وهو مجلس لم يحدد مكانه بالضبط، وأستاذه أبو محمد عبد الله بن محمد المدعو ابن يخلف الأنصاري الأندلسي ثم الفاسي (ت في 27 ذي القعدة عام 1162)، قال في ترجمته من "نشر المثاني – المخطوط(2): وكان محل جلسته لتجويد الطلبة عليه بصدر مسجد القرويين.
5. في ظهر الصومعة، وبها كان يجود عند الأذان الثاني للظهر أبو العلاء إدريس بن عبد الله بن عبد القادر الحسني الإدريسي الودغيري الملقب بالبدراوي (ت ليلة الأربعاء 16 محرم عام 1257 هـ).
ثم ذكر الباحث الوقفين الخاصين برسالة ابن أبي زيد في الفقه وسمى من تعاقب عليهما من العلماء ثم ذكر.
8. سارية الأستاذ سيدي محمد الصغير وقال:
هكذا سميت في الحوالة السليمانية دون أن يحدد موقعها – في جامع الأندلس – قال: وظاهر أنه يعني بأستاذها أبا عبد الله محمد بن الحسين بن محمد بن حمامة الأوربي النيجي ثم الفاسي الشهير بالصغير، والمتوفى ليلة الجمعة 6 شعبان عام 887 هـ، وقد جاء في ترجمة هذا الأستاذ أنه ختم عليه القرآن بالقراءات السبع 300 طالب (3)، ولا شك أن هؤلاء أو بعضهم قرءوا عليه بهذه السارية(4).
__________
(1) أشار إلى نفس المصدر 2/272.
(2) هو الآن مطبوع وترجمته في المجلد 4/67 في وفيات 1162هـ وقد وصفه بالفقيه الأستاذ المقرئ المجود... وقال: كان من الأئمة المعتمدين في فن القراءات وأخذها عته خلائق من فاس وغيرها، وكان محل جلوسه لتجويد الطلبة عليه بصدر مسجد القرويين.
(3) أصله في فهرس أحمد المنجور بلفظ وختم عليه ثلاثمائة مسبع، أي قرءوا عليه القرآن بالقراءات السبع ص 17.
(4) الأستاذ محمد المنوني في بحثه أوقاف بدون كرسي على مواضع معينة بجامعي القرويين والأندلس دعوة الحق 119 العدد 6 السنة 1966.(1/247)
هذه الأوقاف والكراسي التابعة لها كانت إذن من وسائل المحافظة على استمرار هذه الكفاءات في أداء رسالتها هناك حتى لا يضطر هؤلاء الأئمة وأمثالهم في طلب المعاش إلى الخروج إلى غيرها.
ومع هذا فإن طائفة من أعيان رجال هذه المدرسة قد استقدموا في أثناء المائة العاشرة وفيما بعد ذلك للتدريس والإقراء ببعض المراكز الأخرى في مراكش والزاوية الدلائية وغيرهما، لهذا نجد بعض خريجي مدرسة ابن غازي متصدرين تارة بفاس وتارة بمراكش، وربما بغيرها أيضا، على نحو ما سوف نراه عند الشيخ الإمام أبي عبد الله محمد بن يوسف الترغي، والحسن بن محمد الدراوي، ومحمد بن يوسف التملي، وسواهم ممن تصدروا هنا وهناك متنقلين بين تلك المراكز، الأمر الذي كان يتم لصالح مدرسة ابن غازي من جهة التمكين لها في الآفاق، وإن كان يحد من نشاطها العلمي في دار مثواها بفاس.
ولبيان آثار هذا التنافس بين المراكز العلمية في بث مذاهب المدرسة وهيمنتها على الساحة وتوزعها بين الشمال والجنوب والشرق، نرى من المفيد أن نقدم ذلك من خلال التعريف بمشيخة العصر الذين تم على أيديهم هذا التلاقح مع محاولة ترتيبهم بحسب المشيخة وتقارب العصر، وسوف نرى أن الوشائج التي تصل بعضهم ببعض تقوم دائما على وحدة الشيوخ، وتقوم بالتالي على وحدة المنهج في التدريس والإقراء، الأمر الذي نشأت معه ما يمكن أن نسميها تقاليد علمية، أمست تشكل الإطار العام للمدرسة المغربية وتكون البنية المميزة لها أداء وتجويدا ورسما وضبطا ووقفا وأسلوب تلقين وتتويجا للأخذ بما يشهد للطالب بالأهمية في الفن عن طريق الإجازة المكتوبة عامة أو في علم أو قدر معين كما سنرى بعون الله نماذج من ذلك.(1/248)
وسوف نرى أن أسانيد المغاربة وخاصة في علم القراءات قد عادت إلى الميدان وتوثقت الأواصر بينها في كل مكان، وذلك بعدما رأيناه في المائة التاسعة من إهمال يكاد يكون تاما، حتى إننا لا نكاد نجذ لقراءة المغاربة اتصالا إلا من طريق شيخي أبي عبد الله الصغير: أبي العباس الفيلالي وأبي الحسن الوهري.
أعلام مدرسة ابن غازي:
وهؤلاء أعلام المدرسة والآخذون عنهم من مشيخة الجماعة وأعيان الأئمة:
1. أحمد بن قاسم بن عيسى أبو العباس القدومي الغساني الأصل الأندلسي الفاسي المنشأ (ت 992 هـ).
من أعلام المائة العاشرة ممن أخذ عن أصحاب ابن غازي، قال في الجذوة:
كان أستاذا نحويا انتهت إليه رياسة النحو في زمانه، وله تقييد على ألفية ابن مالك سماه بالهادي في حل ألفاظ المرادي في نحو أربع مجلدات، أخذ عن محمد بن مجبر المساري، وعن أبي القاسم بن إبراهيم(1).
وقال القادري في نشر المثاني: وكان القدومي من الأساتيذ المعتبرين ممن يعول عليه في تحقيق علوم القراءات وحفظ المذاهب والتوجيهات، وعليه كان المدار في عصره في النحو بفاس، مشهور بالتحقيق فيه، وكانت له نية صالحة في التعليم، ودؤوب على ما يعنيه من طلب العلم ونشره، وكان يؤم بمسجد الشرفاء(2)، توفي يوم الأربعاء، ودفن بمطرح الجنة في شعبان عام 992، وكانت جنازته مشهودة، قرئ عليه يوم موته وثلاث ليال بعده 135 ختمة من القرآن(3).
ووصفه في السلوة بشيخ النحاة والمقرئين، وذكر نحوا مما ذكر في الجذوة والنشر(4). وقد وقفت له على ذكر تأليف باسم عدد الآي ذكره الأستاذ أبو عبد الله
__________
(1) جذوة الاقتباس 1/135 ترجمة 77.
(2) هو المسجد المجاور لضريح المولى إدريس بفاس.
(3) نشر المثاني للقادري 1/43-44.
(4) سلوة الأنفاس للكتاني 2/281(1/249)
الرحماني في تكميل المنافع ونقل عنه بهذا العنوان عند ذكر العدد المدني الأول والأخير(1).
وقد كان لأبي العباس القدومي صيت نائع وجاه عند ملك عصره أبي العباس أحمد المنصور السعدي المعروف بالذهبي، وذكر في نزهة الحادي في ترجمة المنصور أنه أخذ علم العربية على نحوي زمانه أبي العباس أحمد القدومي صاحب الحواشي على المرادي(2).
أما أصحابه الذين انتفعوا بالأخذ عنه فسيأتي ذكر طائفة من أعيانهم.
2- أبو العباس أحمد بن علي بن أبي بكر بن أحمد بن الحسن بن محمد بن المرابط الصنهاجي المعروف بالزموري: (ت 1001 هـ). وصفه ابن القاضي بالفقيه النحوي الناظم الناثر، وقال: من أهل مدينة فاس، أخذ بها عن جماعة، وكانت له معرفة بالمقارئ السبعة(3).
وقال فيه القادري الشيخ الفقيه الأستاذ الأديب العالم... كان إماما عالما أديبا من أعلام أئمة فاس، قال في المطمح: وكان يبعث إليه المنصور في رمضان يقدم لمراكش يصلي به التراويح لحسن صوته وجودة حفظه.
.. ثم ذكر أنه أخذ القراءات السبع عن الشيخ ابي القاسم بن محمد بن إبراهيم المشترائي، قال:
وله معرفة وافرة بالعلوم القرآنية وغيرها من رسم وأداء وتفسير وحديث وعربية وغير ذلك، ثم ذكر أنه كان يتولى التدريس بجامع الأندلس بفاس، وكان له كرسي فيه يقرأ عليه التفسير يقرئه بالفخر الرازي(4). لكون الحبس كذلك، كما كان له في القرويين كرسي
__________
(1) تقدم ذكر التأليف له في الشروح التي الفت حول تفصيل عقد الدرر لابن غازي والمؤلفات التي اعتمدت عليه، والتكميل للرحماني م خ ح برقم 8864 في 111 لوحة فرغ منه مقيده في آخر ذي القعدة عام 1130. أما مؤلفه الرحماني فسيأتي التعريف به بتفصيل.
(2) نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي لمحمد الصغير اليفرني المراكشي 129-130.
(3) جذوة الاقتباس 1/136 ترجمة 79.
(4) يعني بتفسيره المسمى مفاتيح الغيب وهو مطبوع معروف(1/250)
السير خلف ظهر الصومعة، فولاه لتلميذه سيدي علي بن عبد الرحمن بن عمران(1)، وكان بيده كرسي المرادي(2) بمدرسة العطارين من بعد صلاة العصر، وكانت بيده أيضا إمامة مدرسة العطارين(3).
وهذه الكراسي كلها كانت مرتبطة بأوقاف كما تقدم، وإسنادها جميعا له يدل على تبريزه في جميع هذه الفنون، كما يدل أيضا على تمكنه في البلد ونفوذه العلمي فيه، وذكر القادري أنه لما توفي تولى موضع تفسيره ومراديه شيخنا وبركتنا الفقيه المحدث... أبو عبد الله محمد بن قاسم القصار، فبقيت أحباسه بيده...(4).
وذكر الحضيكي في ترجمة الزموري أن جده وأباه انتقلا لفاس حين غلبت النصارى على ثغر آزمور أول رجب سنة 917 قال: وكان أبو العباس - رضي الله عنه - فقيها أستاذا ذا همة عالية، متقنا متفننا، يدرس في كل فن التفسير وغيره في القرويين، ويبعث إليه السلطان المنصور ليصلي به التراويح في رمضان بحضرة مراكش لجودة قراءته وحسن صوته، توفي سنة 1001(5).
3- ومن خيار هذا الرعيل الشيخ أبو العباس أحمد بن علي بن عبد الرحمن المنجور الفاسي (929-995).
__________
(1) ترجم له القادري ووصفه بالفقيه العلامة قاضي الجماعة بفاس أبو الحسن علي ابن الفقيه النحوي عبد الرحمن بن أحمد بن عمران السلاسي ثم ذكر من شيوخه محمد بن قاسم القصار وأبا راشد يعقوب بن يحيى اليدري، وذكر أنه أخذ النحو عن أبي العباس أحمد بن علي القدومي وغيره، توفي في سجن زيدان بن أحمد المنصور سنة 1018. نشر المثاني 1/148/149.
(2) يعني شرحه على ألفية ابن مالك في النحو.
(3) يمكن الرجوع إلى هذه التفاصيل وغيرها في ترجمته المطولة في نشر المثاني 1/36-38
(4) نشر المثاني 1/38، وذكر في التقاط الدور 19 ترجمة 3 وفاته سنة 1001 غرة رجب ودفن بطالعة فاس بروضة سيدي عبد الله الخياط.
(5) مناقب الحضيكي 1/39.(1/251)
هو العلامة النظار البارع في المباحث الفقهية والأصولية، أدرك أعلام رجال مدرسة ابن غازي وروى عنهم، وكان له الفضل علينا في التعرف على كثير منهم وعلى مشايخهم ومروياتهم وأخبارهم وأحوالهم من خلال فهرسته الحافلة على وجازتها وصغر حجمها، وقد وضعها أساسا ليجيز بها فيها لسلطان العصر الشيخ أبي العباس أحمد المنصور السعدي الذي يعتبر من تلامذته، وقد ذكر في مقدمتها هذا الغرض فقال: وأعقد له فهرسة في تاريخ موالدهم ووفياتهم وأسنانهم تحقيقا أو تقريبا، وأشياخهم وما قرءوا عليهم دراية، أو أخذوه منهم مجرد رواية، وما علق بحفظي من محاسنهم، فبادرت إلى ذلك، وإنه لمن أحسن المسالك(1).
شيوخه في القراءات: وقد مر بنا في تراجم أصحاب ابن غازي جماعة من مشايخه وما قرأه عليهم نذكر به هنا بشيء من الإيجاز، فقد قرأ القرآن أولا على الأستاذ أبي سالم إبراهيم اللمطي، كما قرأ عليه مورد الظمآن وحضر معه حرز الأماني وغيرها عند أبي الحسن علي بن عيسى الراشدي صاحب الكرسي والوقف الموقوف عليه للشاطبية،
كما قرأ مع شيخه اللمطي المذكور بالقراءات السبع على الشيخ أبي الحسن علي بن هارون المطغري في سنة واحدة وأجازهما معا عن الشيخ ابن غازي(2)، وكان عدد الختمات التي قرأها على ابن هارون ثلاث ختمات(3) وقرأ ختمة بالسبع وأخرى إلى سورة الأنعام على الشيخ أبي عبد الله محمد بن علي العدي من أصحاب ابن غازي(4) وقرأ أجزاء من أول القرآن بالسبع على كل من أبي القاسم بن إبراهيم وأبي الحسن علي بن عيسى الراشدي، كما كان يلازم حضور مجلس الشيخ أبي عبد الله محمد العبسي صاحب كرسي الدرر اللوامع بجامع الأندلس(5).
__________
(1) فهرسة المنجور 9-10.
(2) نفسه 73.
(3) الفهرس 45.
(4) الفهرس 87.
(5) الفهرس 68-69.(1/252)
مؤلفاته: سمى أبو العباس أكثر مؤلفاته في آخر فهرسته(1)، ومن التأمل فيها يظهر أنه كان متنوع الاهتمامات ولكن تغلب عليه النزعة الأصولية والفقهية، إلا أنه مع ذلك كانت له مشاركة في القراءات علما وعملا وإن كان ما بلغنا من آثاره فيها قليلا، بل ربما لا يزيد على أجوبته المشهورة في مسائل من القراءات:
- أجوبته على مسائل من القراءات: هذه المسائل في الحقيقة وجهت إلى شيخيه أبي القاسم بن إبراهيم وأبي عبد الله بن مجبر، فتولى هو الإجابة عنها لوفاة الأول وهرم الثاني كما شرح ذلك في أولها، وفيها يقول: ورد علينا بفاس حرسها الله من طوارق الحدثان، وجعلهما دار الإسلام إلى انتهاء الدوران، استشكال وأبحاث في القراءة تتعلق ب"حرز الأماني" من بعض فضلاء المشرق، وهو الإمام العلامة الأستاذ المجود. أبو الفوارس سيدي أحمد بن محمد المسيري المصري نزيل قسطنطينة المحروسة. يرغب من شيخنا الإمامين أستاذي فاس في عصرهما سيدي أبي القاسم بن محمد بن إبراهيم قدس الله سره، وسيدي محمد بن محمد(2) ابن مجبر، أبقاه الله، أن يزيحا عنه الإشكال. فصادف وصول رسالته وفاة ابن إبراهيم المذكور ومرضا من الآخر مشوبا بعجز وهرم يمنع ذلك من تدقيق النظر وتتبع كتب الأئمة بكمال المطالعة، فحينئذ انتدبت لتأمل تلك الاستشكالات..." وبعد تمام كلامه في هذا أخذ في الإجابة عن الأسئلة الستة على تربيتها عند السائل ونص السؤال الأول منها: هل "الناس" المجرور، هل الفتح والإمالة للكل من الدوري والسوسي عملا بظاهر الشاطبية، أو الفتح للسوسي فقط والوجهان للدوري... إلخ ؟ ثم ذكر الجواب.
ونص السؤال الثاني في قراءة ورش من طريق الأزرق: حرف المد الواقع بعد الهمز، هل الطول والتوسط والقصر طرق أم أوجه ؟ وما الفرق بين الطرق والأوجه؟ وإذا قلتم بأنها طرق فمن أي طريق ؟
__________
(1) الفهرس 80-81.
(2) كذا والصحيح محمد بن أحمد كما تقدم.(1/253)
5- وجوابه: أنها أوجه لورش وروايات عنه فالقصر رواية العراقيين عن ورش من طريق أبي الأزهر عبد الصمد بن عبد الرحمن بن القاسم العتقي، وقد استقر بالعراق وأقرأ بها رواية ورش عن نافع وأشاعها هنالك، ومن طريق الأصبهاني، وقد روي أيضا من طريق أبي يعقوب. قال الحافظ أبو عمرو في الاقتصاد: وإلى هذه يعني رواية القصر، ذهب الأكابر من العلماء والحذاق من المقرئين كابن مجاهد وابن عبد الرزاق وابن شنبوذ وأبي طاهر وأبي بكر بن أشته وغيرهم، وهو مذهب شيخنا أبي الحسن الذي لا يجيز غيره ولا يرى سواه، يريد علي بن بشر(1) لأنه قال في الجامع(2): وإلى ذلك، يعني القصر، كان يذهب شيخنا أبو الحسن علي بن محمد بن بشر رحمه الله، وسائر أهل الأداء من البغداديين والشاميين، قال: وبه قرأ على أبي الحسن طاهر بن غلبون في روايته بالإسناد المتقدم.
... قال الأستاذ الصفار في الزهر اليانع يريد بإسناده إلى أبي يعقوب، إذ لم يذكر في الجامع قراءته على ابن غلبون من طريق أبي يعقوب خاصة، صح منه(3).
... قال أبو العباس المنجور: وهذا نحو استدلال المستشكل على أن الخلاف الذي ذكره التيسير في إمالة الناس إنما هو للدوري دون السوسي كما مرت الإشارة إليه، والتوسط هو الرواية المشهورة عند عامة المصريين من رواية أبي يعقوب ورواية أبي يعقوب هي التي عليها العمل.
__________
(1) هو أبو الحسن علي بن محمد بن إسماعيل بن بشر الأنطاكي المقرئ نزيل قرطبة المتوفى بها سنة 377هـ كما تقدم في ترجمته
(2) يعني جامع البيان في القراءات السبع للإمام الداني.
(3) يعني من الزهر اليانع في قراءة نافع للإمام الصفار، وهو مخطوط كما تقدم.(1/254)
... وإلى شهرة رواية التوسط أشار صاحب الدرر اللوامع بقوله: وعن ورش توسط ثبت. قال الحافظ إنه قرأ به على ابن خاقان وأبي الفتح(1) من رواية أبي يعقوب، قال: وحكيا لي ذلك عن قراءتهما وعلى ذلك عامة المصريين ومن دونهم من أهل المغرب، ثم قال بعد كلام: وهو الذي يوجبه القياس ويحققه النظر، وتدل عليه الآثار وتشهد بصحته، وهو الذي أتولاه وآخذ به انتهى.
... والإشباع مروي أيضا عن ورش ولم يذكره صاحب الدرر اللوامع لأنه عند الحافظ أبي عمرو ليس بالقوي، بل أنكره كل الإنكار، ورد على من قال به لأدائه إلى التباس الخبر بالاستفهام، قال ابن الباذش:
... وكان أبو الحسن الأنطاكي ينكر زيادة المد في الباب كله، وعلى ذلك كان شيخنا إبراهيم بن عبد الرزاق وجماعة من نظرائه، وإلى إنكار ذلك ذهب جماعة من المتأخرين، منهم طاهر بن غليون، واعتمد في علة إنكار ذلك على التباس الخبر بالاستفهام(2) انتهي.
... وقد ذهب إلى الأخذ به مكي وابن شريح والمهدوي والصقلي والحصري في قوله: وإن تتقدم همزة نحو آمنوا وأوحي فامدد ليس مدك بالنكر(3) قاله الجعبري:
... ثم قال أبو العباس بعد كلام طويل:
... وقد مر من كلام الحافظ وغيره أن الأشهر عند المصرين إنما هو التوسط، قال أبو الفضل بن المجراد والتوسط هو المشهور، لأنه هو الذي رواه أبو يعقوب أي في رواية عامة المصريين عن أبي يعقوب، وإلا فقد روى عنه أبو الحسن طاهر بن غلبون القصر حسبما قدمنا من كلام الحافظ وتفسير الأستاذ الصفار.
__________
(1) هو فارس ابن أحمد الضرير الحمصي شيخ أبي عمرو الداني.
(2) أطال ابن غلبون في الاحتجاج للقصر واعتبره أفصح اللغات وأمضاها قال: وبه يحصل التسهيل وينتفي الانتهار والتشديد، هذا مع ما يؤدي إشباع المد ههنا في كثير منه إلى إحالة المعنى بخروج اللفظ بذلك من الخبر إلى الاستخبار، التذكرة في القراءات 149/150.
(3) يمكن الرجوع إلى البيت في نص القصيدة الحصرية في موضعها من هذا البحث.(1/255)
... على أن الفاسي(1) زغم أن ابن غلبون إنما اعتمد في إنكار رواية المد على رواية البغداديين، قال فأما المصريون فإنهم رووا التمكين عن ورش. انتهى.
... وما قدمنا عن مكي أنه أخذ بالإشباع فمعناه أنه يجيزه، وأنه رواية صحيحة عنده، ومختاره القصر، قال: ترك المد هو الاختيار لإجماع القراء على ذلك إلا نافعا، ولإجماع الرواة عن نافع على ذلك إلا المصريين(2).
... وتحصل من هذا كله أن القصر والتوسط والإشباع أوجه ثابتة عن ورش من طريق الأزرق، قال ابن الجزي في تقرب النشر: وأما إذا كان الهمز قبل حرف المد، وذلك نحو آدم وآتى ورءا وأولى وأوتي ويئوده وإيمان وإي وربي وورائي فإن لورش من طريق الأزرق في ذلك المد المتوسط والقصر، فبالمد قرأنا من طريق العنوان والتبصرة والكافي والهداية والتجريد والهادي وغيرها.
... وبالتوسط قرأنا من طريق التيسير وتلخيص ابن بليمة والوجيز، وبالقصر قرأنا من طريق التذكرة والشاطبي والإعلان. انتهى(3).
__________
(1) يريد محمد بن الحسن صاحب اللآلئ الفريدة في شرح القصيدة .
(2) ذكره في التبصرة 258 بعناه وله في الموضوع رسالة في تمكين المد تقدم عرضها.
(3) النص في باب المد من تقريب النشر (مخطوط).(1/256)
... ولا يصح أن يقال إنها طرق في قراءة ورش بمعنى أن بعضهم يقول ليس لورش إلا القصر ولا يصح عنه غيره، وآخر يقول ليس له إلا التوسط، ولا يصح عنه غيره، وكذا يقول آخر في الإشباع، نعم بالنسبة إلى أبي الحسن ابن غلبون المشار إليه في قوله: وابن غلبون طاهر بقصر جميع الباب قال وقولا(1) يصح أن يقال في مد حرف المد المتأخر عن الهمزة لورش طريقان: طريق ابن غلبون أن ليس لورش إلا القصر، لأنه كان يمنع المد وينكره، ويجعل القول به وهما وغلطا ويقول ورشا بالقصر أي يجعله قولا له، ويمنع أن يكون المد قراءة له ويقول إنما ذلك على إرادة التحقيق وإعطاء اللفظ حقه، فتوهم ذلك إشباعا.. إلخ ما قال.
... وأما السؤال الثالث فقال فيه: هل الإمالة والفتح لورش من طريق الأزرق طريقان؟ فعلى هذا لو اجتمع مد البدل والإمالة في كلمة كآتى مثلا أو الدنيا والآخرة هل يأتي على كل من الأوجه الثلاثة الفتح والإمالة ؟ أم لا، ويفرق بينهما بحسب الطرق عن الأزرق، وكمذهب أبي الفتح فارس وابن غلبون ومكي بن ابي طالب وابن شريح وصاحب الهادي(2) وأبي العباس المهدوي صاحب الهداية وغيرهم من المغاربة والمشارقة ؟.
... وجوابه أن الفتح والإمالة وجهان مرويان عن ورش، وتعطي قوة كلامهم أنهما من طريق الأزرق، وأخذ له بعض الشيوخ كأبي الحسن بن غلبون بالفتح، وأخذ له غيره كأبي الفتح وأبي القاسم وغيرهما بالإمالة اليسيرة، وعليه الأكابر من أصحاب ورش المصريين وجميع أصحابه البغداديين والشاميين، قال الحافظ أبو عمرو: هو الذي يوجد رواية وتلاوة، وبذلك آخذ... وهكذا مضى المنجور في الاحتجاج حتى أتى على الأسئلة الستة.
__________
(1) البيت بتمامه للشاطبي ونصه وعادا الأولى وابن غلبون طاهر بقصر جميع الباب قال وقولا.
(2) صاحب الهادي كما تقدم هو محمد بن سفيان الهواري القيرواني.(1/257)
... ويدل مجيء الإسناد في القراءات من طريقه عند عدد من الأئمة – كما سيأتي – على أنه كان مقصودا فيها إلى جانب الفنون الأخرى الغالبة عليه، ولذلك ترجمنا له هنا في طليعة هذا الرعيل الذي يعتبر صلة الوصل بين رجال مدرسة ابن غازي وبين قراء القرن الحادي عشر ومن جاء بعدهم. وسيأتي ذكر عدد ممن أسندوا القراءة من طريقة من كبار الأئمة، وممن اشتهر منهم في بلاد سوس:
... الحسن بن إبراهيم الخالدي السجتاني:
ترجم له صاحبه الفقيه أبو زيد عبد الرحمن بن محمد ابن أحمد بن إبراهيم التمنارتي(1) في كتابه "الفوائد الجمة بإسناد علوم الأمة" فقال: شيخنا الأستاذ الزاهد المتجرد أبو علي الحسن بن إبراهيم الخالدي السجتاني، قرأت عليه ختمات بالحرميين(2)، ويهما باللوح إلى سورة التوبة... ثم ذكر شيوخه فسمي منهم الأستاذ أبا العباس الزموري وأبا العباس المنجور ثم قال التمنارتي:
وقال لي: ختمت القرآن باللوح على المشايخ ستا وثلاثين مرة، وحققه وأحكمه من أفواه المشايخ، وكان يسألني عند القراءة عليه عن وجوه القراءات فأجيبه بسند ذلك من العربية أو النحو أو التصريف، وكان لا يحسن شيئا منها، وكان شيخنا أبو محمد عبد الله بن سعيد بن عبد المنعم(3) وشيخنا أبو محمد عبد الله بن المبارك(4) يعظمانه كثيرا".
ومما حكاه التمنارتي مما يتعلق بقراءته على أبي العباس المنجور أنه قال:
__________
(1) وقفت عليه مخطوطا بالخزانة العامة بالرباط رقم 964.02 وقد جعله برنامجا لشيوخه ومروياته عنهم.
(2) يعني بقرائي نافع وابن كثير المكي.
(3) هو ولد الشيخ المشهور دفين قبيلة آيت داود بحاحة، ولأبيه سعيد مواقف مع السعديين، ولابنه يحيى بن عبد الله بن سعيد المناني كذلك.
(4) هو عبد الله بن مبارك الأقاوي وصف بكونه علامة ماهرا مسندا مدرسيا وجيها عند السلاطين بالحمراء (ت 1015) ترجمته في رجالات العلم العربي بسوس 42.(1/258)
أتيت مرة أبا العباس المنجور بلوحتي فجلست بين يديه، وتعوذ وشرع في القراءة فسكت، فقال لي: وكان ملتثما فقلت له: حتى تحط اللثام، ألم يبلغك أن القراءة تؤخذ من أفواه الرجال ؟ فحط اللثام فقرأت معه". توفي الخالدي في رمضان سنة 1030هـ(1).
ومن أماثل أصحاب أبي العباس المنجور أيضا:
4. عبد الرحمن بن عبد الواحد السجلماسي أبو زيد الفاسي (ت 1029).
كان فقيها أستاذا مجودا، ذكره ابن القاضي في "درة الحجال" وقال: أخذ القراءات السبع عن أبي العباس المنجور، وله مشاركة في النحو، ولد بعد سنة 960 وكان حيا في زمن المؤلف(2).
وذكره القادري في وفيات 1029هـ فقال: "في هذا اليوم مات الأستاذ سيدي عبد الرحمن بن عبد الواحد الفيلالي"(3).
وقد أخذ الفيلالي أيضا عن الإمام المفتي بمدينة فاس الشيخ سيدي محمد بن أحمد بن يحيى الحسني المدعو المريي من قراءته على الإمام أبي القاسم بن إبراهيم، ومن هذه الطريق جاء الإسناد عنه عند أبي زيد بن القاضي في إجازاته وكتبه كما سيأتي. وممن أخذ عن المنجور أيضا.
5. الحسن بن محمد وقيل بن أحمد(4) وقيل بن عبد الله بن مسعود الدراوي دارا ومنشأ نسبة لـ"درا"(5) القطر المعروف، الهداجي نسبا بهاء ودال مهملة وألف وجيم وياء نسبة إلى عرب "هداج" نزيل فاس وزاهدها. قال في السلوة: "ولد بعد 950هـ، وكان من مشايخ العلم والعمل والدين والجري على سنن السلف الصالح المهتدين... عارفا بالقراءات، دؤوبا على التعليم في سائر الأوقات، مع كمال التحقيق.
__________
(1) الفوائد الجمة لوحة 48. ومناقب الحضيكي 1/183-184.
(2) درة الحجال 3/101 ترجمة 1033.
(3) نشر المثاني 1/232.
(4) نشر المثاني 1/63.
(5) يعني درعة.(1/259)
أخذ عن شيوخ "الراشدية" كأبي محمد عبد القادر بن خدة الراشدي والشيخ أبي الحسن علي آبهلول والشيخ أبي العباس المنجور، وسافر لزيارة الشيخ سيدي أبي بكر الدلائي – بالزاوية الدلائية من تادلة – فأقام عنده مدة مديدة يقرئ العلوم حتى عم النفع به هناك(1).
قال القادري: "وكان صاحب الترجمة من مشايخ العلم والعمل من أهل الصلاح والفضل، وكان له المشاركة واليد الطولى في علوم كالعقائد والمنطق والنحو والقراءات، مشهورا بالنفع.."(2).
ووصفه في "مرآة المحاسن"(3) بقوله: "وكان الشيخ أبو محمد من أهل العلم والتفنن فيه والعمل الصالح والسنة الصالحة والزهد، ونفع الله به خلقا كثيرا من طلبة العلم، وكان رفيقا بهم حريصا على نفعهم ميسرا عليهم دؤوبا في جميع نهاره على التجويد بالإفراد والجمع وتدريس أنواع العلوم حتى توفي بالطاعون وصلي عليه في صلاة الجمة الخامس من شعبان سنة 1006هـ ودفن خارج "باب الفتوح""(4).
وهذا الشيخ ممن جرى على يده التلاقح بين الطرق المغربية في القراءة فقد قرأ بالراشدية وتردد على فاس فأخذ عن رجال مدرسة ابن غازي، وأقرأ القراءات بها وبالزاوية الدلائية ثم عاد إلى فاس وبها توفي.
__________
(1) أصل هذه المعلومات وبعض ألفاظها في "البدور الضاوية" لسليمان الحوات لوحة 25 (مخطوط) وما ذكر عن سلوة الأنفاس 3/84-85 ونحوه في صفوة من انتشر لليفرني 116-117. وقد ذكره باسم أبي الحسن علي بن محمد.
(2) نشر المثاني 1/64.
(3) لأبي المحاسن يوسف الفاسي مطبوع طبعة حجرية بفاس.
(4) مرآة المحاسن 12.(1/260)
أما أصحابه في القراءات فهم جمهور لا يحصى في المراكز التي درس بها، وقد سمى منهم القادري والكتاني في السلوة جماعة، وذكر الحضيكي اتصال أبي زيد بن القاضي في القراءة من طريق محمد بن يوسف التملي عنه عن أبي العباس المنجور عن أصحاب ابن غازي(1) ومن طريق شيخه المولى عبد الهادي بن عبد الله بن طاهر السجلماسي عن أبيه عن المترجم عن المنجور(2).
وسيأتي ذكر طرقه التي أسند منها القراءات بمزيد من التفصيل في إجازة ابن القاضي لأبي عبد الله الرحماني.
مؤلفاته:
1. شرحى على "تفصيل عقد الدرر" لابن غازي، وقد تقدم ذكره بين الشروح التي ألفت عليه.
2. أرجوزة في خلافيات العشر الصغير لنافع أشار إليها في السلوة، ونقل عنها الشيخ مسعود جموع في شرحه على ابن بري عند ذكر إمالة "طه" في باب الإمالة والفتح فقال: "وقد أشار إلى هذا سيدي الحسن الدرعي رحمه الله في منظومته قال:
لا حرف ذكريها وهار يا فتى ... لعيسى بالمحض وقيل بل أتى
ذاك لأحمد وقيل بل سمع ... فتحه للجمال قط فاستمع
3. شرحه عليها، أشار له في السلوة أيضا(3)، وذكره الجزولي في كتابه "أنوار التعريف لذوي التفصيل والتعريف" عندما تحدث في باب الهمزتين عن بعض خلافيات الهمز فقال ناقلا عن شيخه محمد بن يوسف التاملي: "وقد روى لنا الشيخ فيه تقديم البدل عن سيدي الحسن الدرعي.. ثم قال: "وقد حكاه شيخ شيخنا سيدي الحسن الدرعي في منظومته، ونسبه للدراوي في شرحه لها"(4).
4. أبيات في تقريظ "تفصيل عقد الدرر" لابن غازي تقدم ذكرها فيما قام عليه من نشاط علمي.
5. مؤلفات أخرى في فنون، منها شرح على "الصغرى" في العقائد للسنوسي، وشرح على الجمل" للمجراد(5).
__________
(1) مناقب الحضيكي 2/154-155، وفيه "عن ابن غازي" وهو خطأ لأن المنجور ولد بعد موت ابن غازي بزمان.
(2) نفسه.
(3) سلوة الأنفاس 3/84-85.
(4) أنوار التعريف لذوي التفصيل والتعريف (مخطوط).
(5) نشر المثاني 1/64.(1/261)
6. الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن يوسف الأزروالي (الزروالي).
تقدم ذكره في الذين وضعوا الشروح والمؤلفات على تفصيل عقد الدرر لابن غازي، وذكرنا هناك أخذه للقراءة بمضمن "التفصيل" عن الشيخ أبي عمرو وابي سعيد عثمان بن عبد الواحد اللمطي المكناسي صاحب ابن غازي، وعنه قيد ما ضمنه كتابه "تقريب النشر في طرق العشر"(1) كما سبق أن عرضناه.
وقد ذكر له أبو عبد الله الرحماني كتابين آخرين في القراءة العشرية (العشر الصغير) سمى أحدهما الكبير والآخر الوسط(2)، وهذا يدل على اختصاصه في هذا الفن.
وقد تتلمذ أيضا لأبي عبد الله الخروبي وأبي عمرو المراكشي وغيرهما، وقدم على فاس، وكان له قدم في التصوف، وتتلمذ له جماعة، منهم أبو العباس أحمد بن أبي المحاسن الفاسي، ورحل أخيرا إلى المشرق وبه كانت وفاته(3).
__________
(1) تقدم أنه مخطوط متعدد النسخ في الخزائن، ومنه نسخة بخزانة القرويين برقم 1058 وأخرى بالخزانة الحسنية بالرباط برقم 1611 (فهرس الخزانة 6/67) ذكر أن تاريخ نسخها 14 ذي القعدة 978.
(2) تقدم ذكر إشارته هذه في كتابه "تكميل المنافع" الذي ألفه في العشر النافعية.
(3) القراء والقراءات بالمغرب لسعيد أعراب 81.(1/262)
ومن أهم أصحابه الشيخ محمد الصغير المستغانمي – الآتي – وقد جاء إسناد القراءة من طريقه عنه في إجازة محمد بن يوسف التملي لأبي عبد الله الرحماني، وقد قال في ختامها: "وحدثني شيخنا الصغير - رحمه الله - وقت قراءتي عليه بالقراءات العشر والسبع أن شيخه الشريف الزروالي المذكور كان يتردد بين الحرمين الشريفين حتى مات بأحد الحرمين، وأنه كان يلازم الروضة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى السلام بقراءة كتاب الله العزيز، حتى سمع النداء من قبل الروضة: هكذا أنزل علي، فهذا والحمد لله تحقيق إجازة النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الشيخ في كتاب الله العزيز، فهنيئا له ولمن اتصل بسنده له، لقربه من النبي صلى الله عليه وسلم(1).
ومن أهم أصحابه أيضا الشيخ أبو علي الحسن بن محمد الدراوي الآنف الذكر – كما في إجازة التملي لأبي عبد الله الرحماني الآتية.
ولم أقف على ذكر وفاته، إلا أنها غالبا حول الألف من الهجرة، وقد تقدم أنه ألف كتابه "تقريب النشر" بالقرويين من فاس، وفرغ منه في التاسع من شوال سنة975هـ.
7. أبو محمد عبد الله بن علي بن طاهر الشريف الحسني السجلماسي (1045).
__________
(1) إجازة التملي للرحماني في مجموع بخزانة أوقاف آسفي.(1/263)
من أعلام أصحاب أبي العباس المنجور، ترجم له اليفرني وحلاه بقوله: "الإمام العالم العامل شريف العلماء وعالم الشرفاء، أخذ عن المنجور وأبي القاسم بن عبد الجبار الفجيجي(1) وغيرهما، وأخذ عنه جماعة كابن سعيد المرغيتي(2) وسيدي أحمد وعلي(3).. وله اعتناء بتفسير القرءان، فكان يقرئه بـ"جامع الحرة"(4) من حاضرة مراكش حين وفد عليها سنة 1004هـ ويعتني بمناسبات السور والآيات"(5).
وكان من أعلام أهل سجلماسة في هذا الشأن في زمنه، مقصودا في قراءة نافع وغيرها ولا سيما في "العشر الصغير" وله في بعض مسائل الأداء اختيارات ربما خالف فيها المأخوذ به في فاس كما أشار إلى هذا الإمام عبد السلام بن محمد بن محمد بن علي المدغري في "روض الزهر في الطرق العشر" عند ذكر الخلاف في "هايا" في فاتحة سورة مريم بقوله:
__________
(1) تقدم ذكر محمد بن عبد الجبار الفجيجي في الرواة عن ابن غازي وصافحه في شوال عام 895هـ وبعيد أن يكون ابن طاهر قد أدركه، فلعل هذا من ولده.
(2) هو محمد بن سعيد المرغيتي الأخصاصي السوسي صاحب "المقنع" في علم التوقيت وشهور العام (مطبوع) كان أكثر تدريسه بمراكش بمسجد المواسين توفي سنة 1089. ترجمته ومصادرها في الإعلام للمراكشي 5/304-314 ترجمة رقم 691.
(3) هو أحمد بن علي بن محمد السوسي البوسعيدي الهشتوكي الصنهاجي أحد أعيان علماء سوس قرأ القرءان ببلده علي محمد بن أحمد البوعقيلي من أصحاب المرغيتي وأخذ علوم العربية والفقه على جماعة بسوس ثم انتقل إلى فاس وسكن المدرسة المصباحية وأخذ عن مشيخة فاس، وقرأ أيضا بمراكش على عبد الله بن علي بن طاهر وجماعة وتوفي بفاس سنة 1046هـ - له ترجمة موسعة بالإعلام للمراكشي 2/314-316 ترجمة 235.
(4) هو جامع "باب دكالة" الكبير الذي بنته أم أبي العباس المنصور المسماة مسعودة الوزكيتية.
(5) صفوة من انتشر ص 4.(1/264)
لا وافتح وقللن بها يا مريما ... له وكل من أمال مثلما والأصبهاني وابن إسحاق يجي
والفتح للجمال وابن فرج ... بغربنا هذا كأهل فاس
وذا هو المشهور عند الناس ... والفتح للكل بلا تفصيل
وبعضهم قد قال بالتقليل ... الحسني مولاي عبد الله(1)
كابن علي الرضا الأواه
8. ولده المولى عبد الهادي بن عبد الله بن علي بن طاهر الحسني السجلماسي.
إمام جليل أيضا "كان من أهل العلم والدين، أخذ عن أبيه وغيره، وأخبر عن نفسه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه من "الفاتحة" إلى "المفلحون" بقراءة قالون... توفي بالحرم الشريف بمكة عام 1056هـ(2).
ومن مؤلفاته "شرح نظم الدرر والتفصيل"، وقد تقدم ذكره في الشروح التي قامت على تفصيل العقد للشيخ ابن غازي، ينقل عنه الشيخ مسعود جموع في "معونة الذكر في الطرق العشر"، ولعله قد مزج فيه بين شرح كلام ابن بري وكلام ابن غازي كما يفهم ذلك من العنوان. وهذا يعطينا فكرة عن مشاركته ومشاركة أبيه معا في خدمة هذه القراءة ونشر طرقها والإسهام في بيان أصولها وبحث مسائل الخلاف فيها.
وقد كان طريقه عن أبيه في ذلك وفي غيره من أهم الطرق المعتمدة في أسانيد القراءة من طرق أصحاب ابن غازي كما سيأتي لنا ذلك في أسانيد أبي زيد بن القاضي وغيره من الأعلام.
9. أبو العباس أحمد بن محمد بن مخلوف الشفشاوني الضرير.
شيخ قارئ ذكر القادري وفاته في سنة 1005 ولم يفض في ترجمته(3).
__________
(1) تقدم لنا نص الأرجوزة في النشاط الذي قام حول "تفصيل عقد الدرر" لابن غازي.
(2) صفوة من انتشر لليفرني 130.
(3) نشر المثاني 1/62.(1/265)
وهو من مشايخ أبي العباس أحمد بن علي بن شعيب صاحب "إتقان الصنعة"، ويظهر من إشاراته إليه في هذا الكتاب أنه كان من أعلام هذا الشأن ممن يعتبر وفاقهم وخلافهم، فقد قال عنه عند ذكر وقف حمزة "وإسماعيل" بتسهيل الهمز: "وأما الوقف عليه بالرسم وإبدال الهمز ألفا فمنعه شيخنا الأستاذ المحقق أبو العباس الضرير"(1).
وقال عنه في أول سورة "ألم" السجدة عند ذكر مذهب حمزة في نقل همزة "ألم" إلى الساكن قبلها وكان شيخنا الأستاذ أبو العباس الضرير يمنع النقل لحمزة هنا وفي "ألمص" ويحتج بأنها في اللفظ كلمة متعددة، والنقل لحمزة في الوقف إنما يكون في الكلمة الواحدة، وخالفه في ذلك عامة شيوخنا من أهل عصره، حتى كتب فيه سؤالا لشيخنا الأستاذ المحقق أبي عبد الله محمد بن يوسف الترغي رحمه الله فأجابه بأن النقل فيها جائز، وكونها في اللفظ كلمة متعددة ليس بمانع لتنزيلها منزلة الكلمة الواحدة في المعنى والإعراب وبالله التوفيق(2).
ومما هو جدير بالتنبيه إليه لأهميته هنا هو مجيء الإسناد عنه في زمنه من غير طريق الشيخ ابن غازي وربما كانت طريقه هذه أعلى من تلك الطريق بدرجة، وهذه الطريق تفرد بها – فيما رأيت – الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن سليمان البوعناني فيما أجازه لأبي عبد الله محمد الشرقي – كما سيأتي – من طريق ابن شعيب صاحب "إتقان الصنعة" المذكور من قراءته عليه بالقراءات السبع عن شيخه الفقيه الأستاذ أبي عبد الله بن مجبر المساري – الآنف الذكر في أصحاب ابن غازي – عن شيخه أبي عمران موسى بن سعيد الزواوي الفاسي عن شيخه أبي مهدي عيسى بن أحمد الماواسي عن شيخه الأستاذ أبي الحسن علي الوهري عن شيخه أبي وكيل ميمون صاحب "تحفة المنافع"...إلخ.
__________
(1) إتقان الصنعة في التجويد للسبعة لابن شعيب (لوحة 7) مخطوط خاص.
(2) إتقان الصنعة لوحة 205.(1/266)
فهذا الإسناد لا أعلم له ثانيا في زمنه عند المدرسة المغربية، ويلاحظ أنه لا يمر عبر طريق ابن غازي عن الصغير النيجي كما هو شأن سائر الأسانيد، وإنما يلتقي بطريقهما في أبي الحسن الوهري عن أبي وكيل.
10. الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد الفشتالي.
ذكره القادري باسمه المجرد في وفيات 1015(1)، وسماه في "النشر" أحمد بن علي ووصفه بالكاتب البليغ، وقال رمز المكلاتي بكلمة شجايا لوفاته(2) مع من قبله(3) بقوله:
وأحمد فشتال تلا لشعيبه ... "شجايا" تروق في الأداء المفضل(4)
وهو من شيوخ أبي العباس بن شعيب المذكور، إلا أنه لم ينقل عنه شيئا في كتابه "إتقان الصنعة"، وإنما جاءت روايته عنه للقراءات السبع مسندة في إجازة البوعناني – الآنف الذكر – لأبي عبد الله الشرقي ووصفه فيها بالإمام المسن البركة الحافظ "ثم ذكر اتصال رويته بالقراءة على أبي القاسم بن إبراهيم عن ابن غازي(5). كما جاء السند من طريقه أيضا عند أبي زيد بن القاضي في إجازته النظمية لأبي عبد الله الرحماني(6).
11. محمد بن علي بن محمد بن علي الشريف الحسني المربي الأندلسي الفاسي الدار.
__________
(1) التقلط الدرر 46.
(2) في الأصل "سجايا" بالسين ولا يصح لأن السين بحساب الجمل 300، والصحيح بالشين لأنه = 1000 يضاف إليها 3 للجيم + 1 للألف + 10 للياء + 1 للألف الأخير = 1015هـ.
(3) يعني أبا العباس أحمد بن علي بن شعيب ويعرف بشعيب أيضا وقد مات كما سيأتي في مثل هذا التاريخ.
(4) نشر المثاني 1/136.
(5) إجازة البوعناني للشرقي م خ ح بالرباط رقم 9977 وستأتي.
(6) سيأتي نصها في الفصل التالي.(1/267)
إمام من فحول هذه المدرسة ورجالاتها في الرواية، وصفه في السلوة بالشيخ الفقيه العالم العلامة الحافظ المجود الصالح البركة الخطيب المفتي أبو عبد الله. ثم ذكر مشيخته فذكر أنه أخذ عن أبي العباس القدومي وغيره، وأخذ علم القراءات عن أبي القاسم الدكالي عن ابن غازي، وأخذ عنه هو أبو زيد السجلماسي(1) وغيره توفي بفاس سنة 1018(2).
وقد جاء السند عنه عند عامة مشيخة فاس كأبي محمد عبد الواحد بن عاشر الأنصاري وأبي زيد بن القاضي وأبي عبد الله البوعناني وعامة من أسندوا من طرقهم كأبي العلاء المنجرة وولده أبي زيد وابن عبد السلام الفاسي وغيرهم.
12. أبو عبد الله محمد بن يوسف بن موسى بن علي الترغي المساري.
أرخه صاحبه أبو العباس ابن القاضي في "درة الحجال" فقال: "ولد فيما حدثني به أبقاه الله تعالى سنة 943هـ، ووصفه بالفقيه الأستاذ النحوي، ثم قال: فقيه مشارك نحوي له سند ورواية في الحديث، أخذ عن أبي القاسم بن إبراهيم المشترائي وأجاز له في القراءات السبع وفي كل ما يجوز له... قال:
وأجاز لي جميع مروياته وما رويته عنه وأخذته فهو في جزء مسموعاتي عنه الذي كتب فيه خطه لنا بذلك أبقاه الله تعالى بمنه وكان ذلك بباب منزله بدرب عبيد الله قرب مسجد الشرفاء بمراكش المحروسة، في يوم السبت غرة ذي القعدة الحرام سنة 998هـ، وامتدت القراءة عليه إلى المحرم من السنة التي بعدها(3).
وقد أثنى عليه بالأستاذية والبراعة في الفن ورسوخ القدم فيه عامة من أرخوا له فقال اليفرني:
ولد بفاس ونشأ بمراكش، وكان رحمه الله أستاذا جوادا عارفا بالمقارئ السبعة، محققا فيها مع المشاركة في غيرها من الفنون، والحفظ التام، واستحضار المسائل، وهو مؤدب أولاد الملوك.
__________
(1) هو عبد الرحمن بن عبد الواحد السجلماسي المذكور والمترجم في رقم 4 من هذه المشيخة.
(2) سلوة الأنفاس 3/286.
(3) درة الحجال 2/164 ترجمة 638.(1/268)
قال أبو زيد(1): شدت له الرحال لأخذ القراءة عنه، وتزاحمت ببابه الركبان، وعنه انتشرت القراءة بالمغرب بسائر طرقها(2).
وقال الحضيكي في مناقبه: "كان رضي الله عنه أستاذا جليلا وعالما كبيرا، ماهرا باهرا في علوم القرءان والتفسير، وتشد إليه الرحال من كل جهة لأخذ علوم القرءان طول عمره، وعنه انتشرت في البلاد المغربية القراءات بسائر طرقها، أخذ عن سيدي رضوان الفاسي(3) والإمام الخروبي الطرابلسي(4) وأبي القاسم بن إبراهيم وغيرهم... توفي شهيدا بالطاعون رحمه الله سنة 1014 بمراكش"(5).
هكذا قال في وفاته، ولعل الصواب في وفاته ما ذكره القادري من أنها كانت سنة 1009هـ وقد أرخها بما ذكره عنه المكلاتي في قصيدته الموضوعة في الوفيات بقوله:
لسراج (شبه) لابن سودة في (شجا) ... (شجاه) لترغي لنقص التنزل
وقد أثنى القادري عليه بقوله: "كان أستاذا نحويا عارفا بالقراءات السبع، محققا لها مع المشاركة في غيرها، أخذ عنه محمد بن يوسف التملي وأبو العباس بن القاضي"(6).
وهكذا تجمع أقلام معاصريه ومن جاء بعدهم على جلالة قدره وتبريزه على أئمة عصره، فكان بذلك شيخ الجماعة وإمام العصر، والمرجع لأهل الفن في ما كان يشكل عليهم كما تقدم لنا في مسألة نقل حركة الهمز لحمزة التي بعث إليه في شأنها أبو العباس الضرير شيخ ابن شعيب.
آثاره:
__________
(1) يعني عبد الرحمن بن محمد التمنارتي في "كتاب الفوائد الجمة بإسناد علوم الأمة" وهو ينقل عنه كثيرا.
(2) صفوة من انتشر 130-131.
(3) هو رضوان بن عبد الله الجنوي (ت 991هـ) ترجمته في نشر المثاني 1/89.
(4) هو محمد بن علي الطرابلسي الخروبي السفاقسي ثم الجزائري (ت 963هـ) بالجزائر. ترجمته في نشر المثاني 1/90-91 ومناقب الحضيكي 2/31-33.
(5) الحضيكي 2/44-45.
(6) نشر المثاني 1/78.(1/269)
لعل أبلغ أثر له في المدرسة المغربية بعد ما ذكره المترجمون له من كونه "عنه انتشرت القراءة بالمغرب بسائر طرقها، هو اقتران اسمه بالوقف المغربي الذي يحمل اسم "تقييد وقف القرءان الكريم" للإمام الهبطي، فعلى الرغم مما قدمنا من تأخر زمانه عن زمن الشيخ الهبطي، إذ ولد بعد وفاته بنحو ثلاثة عشر عاما، فإن صلته بإبراز هذا الوقف إلى الوجود في صورة "تقييد" يشتمل على أعيان الكلمات الموقوفة أصبح عندنا أمرا يقينا لا يقبل الشك بعد ما وقفنا عليه من الوثائق المكتوبة الناطقة بذلك(1).
وقد جاء في ديباجة هذا التقييد في كل من المخطوطتين المعروفتين منه في خزانتي تارودانت وآسفي ما يلي "وبعد هذا تقييد وقف القرءان العظيم من أول فاتحة الكتاب إلى آخره وقيده بعض أصحابنا وهو العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن أحمد بن محمد المرابطي البعقيلي عن شيخنا (كذا) الأستاذ المحقق المقرئ النحوي خديم كتاب الله العزيز أبي عبد الله سيدي محمد بن يوسف الترغي وفقه الله وسدده بعدما استأذنه في ذلك فأذن له...(2).
__________
(1) يمكن الرجوع إلى ما بيناه في العدد الأخير عن مقيد الوقف الذي بين أيدينا والمقيد عنه والوسائط المحتملة بين المقيد عنه وبين الهبطي الذي قيد الوقف باسمه وصلة الجميع بالشيخ ابن غازي.
(2) مقدمة مخطوطة أوقاف آسفي من "تقييد الوقف"، وقد أشار الدكتور وكاك الحسن إلى نظيرتها المحفوظة بخزانة معهد تارودانت والتي ذكر بهامش رقم 63 بأنه عثر عليها بعد أن كتب ما كتب يتساءل عن الشخص الذي قيد الوقف عن الهبطي مباشرة (تقييد وقف القرءان الكريم 38).(1/270)
ولعل صلة الشيخ بهذا التقييد هي التي زادت من التمكين له في الجهات المغربية، أولا لجلالة قدر المقيد عنه، وثانيا لتصدره الطويل للإقراء، وثالثا لصلته بالدولة الحاكمة حتى وصف بكونه مؤدب أولاد الملوك(1). ورابعا لتصدره الطويل بمراكش ودراسته بفاس، فهو من هذه الجهة مخضرم الثقافة والتكوين، كما أنه كان من أهم المعابر التي عبر منها إشعاع مدرسة ابن غازي إلى الجهات الجنوبية في مراكش وسوس وما إليهما، وقد رأينا عند حديثنا عن "وقف الهبطي" أنه قرأ على أبي القاسم بن إبراهيم الدكالي وأجاز له، وعلى أبي الحسن علي بن عيسى الراشدي التلمساني نزيل فاس أيضا، وعلى أبي عبد الله محمد بن علي بن عدة الأندلسي المعروف بالعدي، وهؤلاء كلهم من أكابر أصحاب ابن غازي.
ومن هنا كان لأبي عبد الله الترغي في المدرسة المغربية في زمنه من الأثر البليغ ما جعل الجمهور منهم يسارع إلى تلقي ما قيد عنه بالقبول في الجملة، ويكتفي بعض الذين لاحظوا على هذا الوقف شيئا من الضعف في طائفة من المواضع بكتابة بعض الهوامش والتعليقات عليه موجهين أو منتقدين(2)، وحسبك بهذا الأثر بالنسبة لمكانة الترغي في هذا الصدد، فإذا أضيف إليه ما قلناه من قول أبي زيد التمنارتي وغيره "وتزاحمت ببابه الركبان، وعنه انتشرت القراءة بالمغرب بسائر طرقها"، تأتى لنا أن نتمثل "الدور القيادي" الذي كان له في عصره بوجه عام، يضاف كل هذا إلى كثرة الآخذين عنه وجلالة أقدارهم وتوزعهم في المراكز العلمية الكبرى، الأمر الذي جعل الرواية من طريقه تكاد تعم أطراف البلاد إن لم تكن قد عمتها جميعا.
مؤلفاته:
__________
(1) نزهة الحادي 12-13-129.
(2) غالب التعليقات كانت على هوامش نسخ التقييد ومنها النسخة التي عرفنا بها بآسفي والنسخة الموجودة بمكتبة الأوقاف بالمدينة المنورة، إلى أن كتب الشيخ محمد المهدي الفاسي كتابه "الدرة الغراء في وقف القراء"(1/271)
لاحظ بعض الباحثين قبلي انصراف الشيخ أبي عبد الله الترغي عن التأليف إلى الميدان العملي فذكر "إنما تلامذته كتبه" وهم كثير، ثم قال: "وقفت له على أجوبة في مسائل مختلفة في علم القراءات كتب إليه في ذلك تلميذه أبو عبد الله محمد بن محمد المرابط(1)، وتتلخص أسئلته فيما يلي:
- الوقف على عظيم من قوله تعالى في قصة بلقيس: "ولها عرش عظيم".
- هل تفخم الراء في قوله تعالى: "يستأخرون" ؟، وكان جوابه: "الثابت عن ورش الترقيق".
- هل ترقق الراء في "قل ان افتريته" فأغرينا وجرين لبشرين البحرين ؟ فأجاب بأنها كلها مفخمة.
- هل ألف "أنا" من قوله تعالى "إن أنا إلا نذير" تثبت في النطق أم لا ؟ وذكر في جوابه أن القراء اختلفوا في ذلك.
- وكان السؤال الأخير عن مخرج الضاد والظاء ؟(2).
وتعرف للشيخ الترغي أجوبة أخرى وعددها ثمانية أجاب بها تلميذه محمد المرابط البعقيلي نفسه منها جواب له عن الإمالة عند ورش في مثل "أتيها" و"فألقيها" مما هو من ذوات الياء ولا راء فيه وليس رأس آية ؟ فأجاب أن إمالة الألف في ذلك أثر عن ورش وعليها أكابر المصريين(3).
ونظرا لمكانة الشيخ الترغي وأثره البليغ في القراءة بالمغرب من خلال أعلام أصحابه نقدم فيما يلي تعريفات بعدد من مشاهيرهم ممن أسهموا في وصل أسانيد مناطقهم بأسانيد الشيخ الترغي من طريق الشيخ ابن غازي ورجال مدرسته.
أهم أصحاب أبي عبد الله الترغي:
__________
(1) هو نفسه محمد بن أحمد بن محمد السابق.
(2) القراء والقراءات بالمغرب لسعيد أعراب 86.
(3) نقله الأخ السيد صدقي حسن في مقدمة تحقيقه لكتاب "إتقان الصنعة" لابن شعيب 1/34 (مرقونة بالآلة). وأشار إلى "أجوبة الشيخ الترغي" م خ ع بالرباط برقم 1181 وكذلك م خ ح برقم 8012 ضمن مجموع.(1/272)
أبو العباس أحمد المنصور الذهبي ابن الشيخ السعدي أعظم ملوك الدولة السعدية وأوسعها ملكا. وقد ذكر اليفرني في ترجمة المنصور أنه بدأ قراءته القرءان على معلم أولاد الملوك في الدولتين الأستاذ أبي عبد الله محمد بن يوسف الترغي(1).
الشيخ إبراهيم بن سليمان الهشتوكي السوسي.
قال فيه الحضيكي: "الأستاذ الزاهد الفقيه القارئ المشهور الصالح، كان رضي الله عنه قارئا لكتاب الله، مشهور الصلاح والبركة، انتفع به الإسلام - جزاه الله خير الجزاء - وكان - رضي الله عنه - متواضعا خشوعا، دؤوبا على الإقراء وتجويد القرءان، وتدريس أحكام القراءات والرسم من "مورد الظمآن" والضبط و"الدرر اللوامع" لابن بري، و"حرز الأماني" للشاطبي وغير ذلك.
أخذ - رضي الله عنه - عن الأستاذ الكبير أبي عبد الله محمد بن يوسف الترغي وغيره، توفي رضي الله عنه عن سن عالية في صفر سنة 1058 ببلدة هشتوكة(2).
ومن أهم أصحابه الشيخ أبو زيد عبد الرحمن بن محمد التمنارتي صاحب الفوائد الجمة بإسناد علوم الأمة(3). والشيخ أبو العباس أحمد بن يحيى السوسي التينزتي، وقد ساق التمنارتي ترجمتيهما في نسق واحد فقال في ترجمة الأخير منهما: "شيخنا الأستاذ أبو العباس أحمد بن يحيى السوسي التينزتي، قرأت عليه ختمتين بالحرميين وبدأت عليه السبع باللوح إلى "واذكروا" فذهب للمشرق، وقد كان مجتهدا غاية الاجتهاد في الإقراء ب"جامع تارودانت"، ثم دعاه القدر للمشرق فتركه معطلا.. وكان يصلي الأشفاع بالجامع الكبير بتارودانت فيحضر لذلك جميع أهل حوماتها لترتيل قراءته وحسن صوته وكثرة خشوعه وبكائه، وتوفي بمكة بعد فراغه من حجه بذي الحجة سنة 1030، قال التمنارتي:
__________
(1) نزهة الحادي 129-130.
(2) 1/121 وقد ترجم بعده لشخص آخر باسمه واسم أبيه يشبه أن يكون إياه، إلا أنه ذكر وفاته سنة 1059هـ.
(3) مخطوط خ ع بالرباط برقم 964.(1/273)
"وأخذ عن الأستاذ الصالح مسعود بن علي الهشتوكي(1) المتوفي سنة تسع وثلاثين وألف، وأخذه هو عن الأستاذ الصالح إبراهيم بن سليمان الهشتوكي عن شيخ الجماعة الأستاذ الكبير أبي عبد الله محمد بن يوسف الترغي عن الأستاذ أبي القاسم بن إبراهيم عن شيخ الجماعة الإمام ابن غازي"(2).
هكذا انتشر السند عن رجال هذه المدرسة بسوس من طريق الترغي وأمست للسوسيين طرق معروفة فيها. وترجم التمنارتي بعده لشيخهما المشترك فقال:
شيخنا الأستاذ الزاهد إبراهيم بن سليمان المذكور، قرأت عليه "مورد الظمآن" للخراز والضبط والدرر اللوامع لابن بري وحرز الأماني للشاطبي قراءة سرد وبحث في بعض المواضع منها، وهو الآن(3) في قيد الحياة أمتع الله به(4).
ومن رجال هذه المشيخة بسوس: موسى بن أحمد أبو عمران التدماوي من شيوخ أبي زيد التمنارتي قال في ترجمته: "جئته أول دخولي بمدينة تارودانت سنة إحدى وتسعين أو التي تليها وأنا ذو ذؤابة لأقرأ عليه لوحي في "مورد الظمآن" فأبطأ معي فيها حتى ارتفع النهار... قال:
__________
(1) ترجم العلامة محمد المختار السوسي لشخصيتين بهذا الاسم والنسب ولعلهما شخص واحد فقال عن الأول: مسعود بن علي الهشتوكي نزيل ماسة، فقيه مجد في التعليم من كبار القراء، توفي 1037هـ. وقال عن الثاني: مسعود بن علي الهشتوكي آخر: أستاذ علامة ظهر في ميادين العلم ت 1039.
وأحسب أن المترجمين شخص واحد وإنما وقع الشك في تعددهما بسبب قراءة لفظ "تسع" في تاريخ الوفاة إذا كتب بالحروف، إذ يشتبه ب"سبع"، وقد رأيت المذكور عند التمنارتي مؤرخ الوفاة ب"تسع" بالتاء كما ذكرته.
(2) الفوائد الجمة لوحة 49 م خ ح المصور عن الخزانة العامة رقم 02. 964.
(3) بعد سنة 1020 تاريخ كتابته لكتاب "الفوائد الجمة" كما ذكر في مقدمته.
(4) الفوائد الجمة لوحة 49.(1/274)
"ووفد شيخنا أبو عمران المذكور على المنصور فعظمه وقام له وأجلسه إلى جنبه على تكرمته، وعرف له حق الشاخة لأنه من أول شيوخه في المكتب، فكساه وأجرى له جراية في حياته، توفي سنة 1003(1).
ومنهم الشيخ الأستاذ موسى بن إبراهيم من أصحاب ابن سليمان الهشتوكي صاحب الترغي المذكور.
وصفه الحضيكي بقوله الأستاذ القارئ شيخ القراء ثم قال: كان رحمه الله عالما عاقلا صالحا زاهدا ورعا تاليا لكتاب الله، معمرا لأوقاته بطاعة الله، أخذ القراءات عن شيخ الجماعة سيدي إبراهيم بن سليمان الهشتوكي عن(2) الأستاذ الأكبر سيدي محمد بن يوسف الترغي.. ثم ذكر غيره من شيوخه وعددا من تلامذته وقال: توفي رحمه الله سنة 1108، وكان مولده سنة 1020هـ(3).
ومن رجال هذه المدرسة أيضا بسوس الشيخ أحمد بن سعيد الهشتوكي ممن أخذ عن التمنارتي.
قال الحضيكي: كان رضي الله عنه أستاذا نجيبا فقيها دينا صالحا، يقرأ القرءان العظيم بالقراءات السبع، من أصحاب صاحب "الفوائد" التمنارتي.. توفي رحمه الله في أوائل سنة 1014هـ(4).
ومن أعيان أصحاب الترغي بسوس والجنوب المغربي الأستاذ:
أبو عبد الله محمد بن علي الجزولي الأنسوي الكفيف وهو محمد بن علي بن المبارك بن محمد الرحالي الشهير بأحمد.
__________
(1) نفسه لوحة 47.
(2) في الحضيكي وعن علي أنه قرأ على الترغي ولا يصح ذلك كما يظهر من تاريخ ولادته.
(3) مناقب الحضيكي 2/140.
(4) مناقب الحضيكي 1/40-41.(1/275)
ترجم له صاحبه أبو زيد التمنارتي في فهرسته فقال: شيخنا الأستاذ المحقق.. أخذ عن الأستاذ الترغي أخذ إحاطة واعتبار، وقال لي: "سنة كاملة أرد بابه للقراءة عليه فيدفعني عنه، وربما يخرج ويجدني ببابه فيقول: مازلت يا أعمى لم تقنط، فيطردني حتى تمت السنة وأنا ملازمه ببابه، ولما أراد الله أن يفتح علي جئته في يوم مطير متلوثا بالطين، فقعدت ببابه، فخرج علي وأدخلني وبكى بكاء كثيرا فقال اقرأ، فبدأت عليه بالسبع، ولازمني، فلم يمض إلا قليل ففتح الله علي بحفظ جميع طرقه، وأذن لي في التجويد، وكتب الإجازة عن شيوخه.
ورد علينا بتارودانت ولم يطل بها مقامه حتى رجع لمراكش، ثم انتقل منها لزاوية شيخنا أبي محمد عبد الله ابن سعيد بن عبد المنعم(1)، وبقي عنده مكرما إلى أن مات في رمضان سنة تسع وألف بالطاعون الواقع في ذلك التاريخ(2) ودفن هناك، وقبره معروف مزاره(3).
ومن أصحاب الجزولي الكفيف الشيخ أبو عبد الله محمد بن علي السجتاني المعروف بالفاسي من شيوخ أبي زيد التمنارتي، ترجم له في "الفوائد الجمة" فقال فيه: "شيخنا الأستاذ"، وإنما قيل فيه الفاسي لأنه قاد الأستاذ الكفيف المذكور من مراكش إلى فاس حين كان يقرأ عليه، ورده كذلك إلى مراكش، وحمل الطرق العشر عن مشيخة فاس. قرأت عليه صدرا من "الشاطلبية" وأوائل الأصول فلم يزل في قيد الحياة، ثم توفي بعد واحد وعشرين وألف(4).
آثاره:
وقفت للأنسوي الضرير المذكور على أجوبة ثلاثة عن سؤال في الإمالة لورش اثنان منها نظما والثالث جمع بين النظم والنثر، مخاطبا بذلك كله كما في التقييد السائل له سيدي أحمد بن سعيد الهشتوكي(5) جاء فيما قوله:
__________
(1) يعني الحاحي نزيل آيت داود كما تقدم.
(2) هو التاريخ الذي توفي فيه الترغي على الصحيح بالطاعون أيضا.
(3) الفوائد الجمة لوحة 49-50.
(4) نفسه 49-50.
(5) تقدم في أصحاب التمنارتي.(1/276)
يقول عبد ربه محمد ... نجل علي الضرير أحمد(1)
الحمد لله الذي قد جعلا ... حفظ كتابه لنا مسهلا
ثم الصلاة والسلام أبدا ... على النبي العربي أحمدا
وآله وصحبه الأخيار ... ومن تلاهم من الأبرار
سألتني يا أيها الحبيب ... نجل سعيد أحمد اللبيب
قلت: فهل يميل ورش "أقصا ... وشبهه وقفا ؟ تحب نصا
فقلت في الجواب عن سؤالك ... بعد استخار الله ربي المالك:
أقصا طغا الماء تراءا الجمعان ... ثم جنا وقفا أمل لعثمان
والفتح في كلتا لدى في الموضعين ... في الوصل والوقف لكل دون مين
وما سوى هذا الذي ذكرته ... أمله أن وقفت أو وصلته
كمن تولاه "عصاني" فاعلما ... "سيماهم" في الفتح "تترا" كلما
ومثلها "الدنيا" ورؤيا "أحيا" ... كذلك "العليا" الحوايا "نحيا"
وكل ما الرسام فيه اختلفوا ... فبالإمالة صلوه وقفوا
نحو تقاته الذي أحياها ... محياهم أيضا سوى سقياها
أخذته بالفتح للمصري ... عن شيخنا المعروف بالترغي
مولاي أستاذي إمامي سيدي ... محمد بن يوسف المؤيد
بحر العلوم والتقى الولي ... عليه رضوان من العلي
اختم له يا رب بالسعادة ... وارزق له الحسنى مع(2) الزيادة
بجاه خير الأنبيا والمرسلين ... والآل والصحب الكرام التابعين
قد انتهى جواب هذا السائل ... في رجز مبين المسائل
هذا الذي أمكنني من الجواب ... والله يهدينا جميعا للصواب
بجاه سيد الورى محمد ... صلى عليه الله طول الأبد
وآله وصحبه على الدوام ... مني على جميعهم أزكى السلام(3)
وقال في جوابه الثاني عن السؤال نفسه:
يقول من استهدى إلى الله وحده ... محمد الأنسي دارا ومنزلا
حمدت إلهي ثم صليت أولا ... على أحمد والآل والصحب أشملا
ألا أيها الحبر النجيب الذي بدت ... محبته في الله قولا ومفعلا
خليلي دواما أحمد بن سعيدهم ... عليك سلام الله ما الليل أليلا
__________
(1) سماه في صدر الأجوبة محمد بن علي بن المبارك بن محمد الرحالي الضرير الشهير بأحمد.
(2) في الأصل "من" وما أثبته أنسب.
(3) من مجموع عتيق أوقفني عليه الأخذ السيد عبد الرحمن شتور قيم مكتبة منار العرفان بالرباط جزاه الله خيرا.(1/277)
سألت عن "الأقصى" وما كان مثله ... على مذهب المصري في لفظ من تلا
فقلت مجيبا عن سؤالك بعدما ... استخرت عليه الله كيما يسهلا
تراءا نا أقصا طغا الماء كلها ... تمال لورش حالة الوقف فاعقلا
وكلتا لدى في يوسف ثم غافر ... لكلهم بالفتح وقفا وموصلا
وأما سوى هذا الذي قد ذكرته ... فورشهم في الوصل والوقف ميلا
كتترا عصاني من تولاه فاعلمن ... وسيماهم في الفتح رؤيا قد انجلى
وما اختلف الرسام في رسمه كلن ... تراني ومحياهم هداي فقللا
سوى لفظ سقياها فإني قرأته ... على شيخنا الترغي بالفتح فاعتلى
فهذا جواب عن سؤالكم الذي ... أذعتم به حتى تضوع مندلا
وناظمه يرجو من الله عفوه ... وغفرانه فيما جناه وأخطلا
وما يطلب العاصي الضرير محمد ... سليل علي غير الدعاء من الملا
لعل إله الخلق يغفر ذنبه ... ويحفظه من كل ضر ومبتلى
بجاه رسول الله والآل كلهم ... وأصحابه والتابعين ذوي العلا
عليهم من العبد الضرير محمد ... صلاة وتسليم دواما على الولا
وقد اتبع الجوابين بجواب نثري تضمن المعلومات نفسها مع نوع من التوسع والاستدلال بقول الشاطبي وبعض شراحه وبابن بري في نحو ست صفحات متوسطة.
13. ومن أهم أصحاب أبي عبد الله الترغي: أبو العباس أحمد بن علي بن شعيب الأندلسي الأصل صاحب كتاب "إتقان الصنعة" المعروف بابن شعيب نزيل فاس وشيخ الجماعة بها في زمنه (ت 1016)(1).
ترجم له القادري ترجمة موجزة في وفيات العام الخامس من العشرة الثانية بعد الألف، واكتفى بقوله:
__________
(1) ذكر محمد بن عبد السلام الخلاف في وفاة ابن شعيب بين 1015-1016هـ في أول "المحاذي لحرز الأماني"، وقد حقق الباحث حس صدقي وفاته سنة 1015 في (إتقان الصنعة ورقة 45).(1/278)
كان له دراية بمقارئ السبعة، أخذ عن سيدي الحسن الزياتي(1)، وله تأليف سماه "إتقان الصنعة في قراءات السبعة"(2) ؛ ولأهمية هذا الإمام نتوقف عنده قليلا مبتدئين بذكر أعلام مشيخته.
شيوخه:
1.الشيخ أبو عبد الله محمد بن يوسف الترغي. وقد ذكره أكثر من مرة في كتابه إتقان الصنعة. والذي يعنينا منها خاصة هنا قوله في أول سورة آل عمران عند ذكره الوجهين لقالون في التورية الإمالة بين اللفظين والفتح: وكان شيخنا الأستاذ المحقق أبو عبد الله سيدي محمد بن يوسف الترغي رحمه الله يأخذ فيه بالوجهين، تصديرا بالفتح، وتأخيرا للإمالة، وكذلك قرأت عليه بمدينة مراكش حرسها الله وقرأت على غيره بالإمالة فقط، وكنت وجدت منسوبا إليه هذين البيتين يقول فيهما:
ووجهان في التورية عند شيوخنا ... لقالون والتفخيم فيه تفضلا
وقد أطبق القراء قبل زماننا ... عليه لكون الفتح أصلا مؤصلا
وقد قدمنا ذكر شيخه الثاني:
2. الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد بن مخلوف الشفشاوني المعروف بأبي العباس الضرير(3) وذكرنا أنه اختلف مع عامة الشيوخ بفاس في نقل حركة الهمز إلى الساكن قبله لحمزة في "ألم السجدة" حتى كتب فيه أبو العباس الضرير إلى الشيخ الترغي بمراكش فأجابه بالجواز.
3. الشيخ أبو علي الحسن بن علي الدرعي المعروف بالدراوي الآنف الذكر(4).
وقد ذكره في "إتقان الصنعة" عند قوله "إلئ تظهرون" فقال: "وبالتحقيق للبزي، وبالوجهين مع تصدير الياء قرأت على شيخنا الأستاذ المحقق أبي علي الحسن بن محمد الدرعي رحمه الله، وقرأت بهما على غيره.
__________
(1) سيأتي بعده.
(2) ترجع شهرة الشيخ إلى هذا الكتاب، وقد قام بتحقيقه الأستاذ حسن صدقي من مدينة اليوسفية تحت إشراف أستاذنا الدكتور التهامي الراجي الهاشمي للحصول على دكتوراه السلك الثالث من كلية آداب الرباط.
(3) تقدم في رقم 9 من هذه المشيخة.
(4) تقدم في رقم 5 من هذه المشيخة.(1/279)
4. الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد الفشتالي الآنف الذكر من أصحاب أبي القاسم بن إبراهيم، ولم أقف له على رواية في "إتقان الصنعة"، ولكني وجدته في أسانيده عند ابن القاضي ومحمد البوعناني وغيرهما كما سيأتي.
5. والده علي بن شعيب، ويظهر أنه من أول أساتذته وإن كان لم يجر له ذكرا في كتاب "إتقان الصنعة"،
وتدل بعض الإشارات في أسانيد بعض الأئمة على أن والده هذا – وكان يدعى شعيبا – كان من أصحاب ابن غازي، وقد نقلنا في تراجم أصحاب ابن غازي الأبيات الثلاثة التي تتعلق بهذا من أرجوزة تتضمن إسناد الشيخ محمد بن عبد السلام الفاسي في القراءات، وفي الثالث منها جاء قوله:
عن شيخه والده شعيب ... عن ابن غازي ذي نقاء الجيب
ولا يبدو أن الولد قد قرأ كثيرا على هذا الوالد إذا صح أنه أدرك ابن غازي، إذ لو كان عنده مثل هذا العلو في السند ما احتاج إلى الإسناد من طرق باقي شيوخه، ولكنه ربما يروي عنه بالإجازة المجردة.
6. الشيخ الحسن بن يوسف بن مهدي الزياتي ولم يذكره أيضا في كتاب "الإتقان" وإنما ذكره القادري في ترجمته مكتفيا به من بين مشايخه(1) (ينظر في نشر المثاني) ج 1 ص 136 حوادث العام 1015هـ.
ومن التأمل البسيط في مشيخة ابن شعيب يتجلى لنا مقدار ما حصل عليه بالجلوس إلى هؤلاء الكبار الذين كانوا في زمانهم نجوم العصر في مختلف فنون الرواية وفروع المعرفة، وذلك ما نجده منعكسا في شخصية المترجم بصورة ملحوظة وخاصة فيما وصل إلينا من آثاره.
__________
(1) النهج المتدارك في شرح الدالية لأبي عبد الله محمد بن مبارك لأبي العلاء إدريس بن محمد المنجرة فرغ مؤلفه منه سنة 1136 أي قبل وفاته بسنة. ونسخه متوافرة منها م خ ح برقم 11474 وأخرى برقم 1064. وهو موضوع رسالة دبلوم للطالب السيد العربي الخامر بإشراف الأستاذ الدكتور التهامي الراجي الهاشمي بكلية آداب الرباط.(1/280)
وقد رشحه هذا النبل في المشيخة وهذا التنوع فيها والرحلة في ذلك إلى مختلف المراكز حتى جمع بين أهم الطرق المقروء بها في المدرسة المغربية ليكون رأس هذه الطبقة من المتخرجين على أصحاب ابن غازي وأصحاب أصحابه، فنال في فاس في العقود الأخيرة من المائة العاشرة شهرة واسعة، وخاصة بعد أن امتدت به السن حتى دلف إلى المائة التي بعدها، فجلس إليه لهذا العهد عدد من أعلام المشيخة يستكملون عليه معارفهم، ويقيدون عنه في الخلافيات ما قرأ به على مختلف أساتذته وما كان يختاره تصديرا أو ترجيحا أو غيره. وقد ولي بالقرويين أهم الكراسي الرسمية المتعلقة بذلك، وقد تقدم ذكر الوقف الذي وقف على كرسيه الخاص بالقراءات بالقرويين الواقع عن يمنة عنزة هذا الجامع، هذا الوقف الذي أنشأه لهذا الغرض الشيخ أبوالعباس أحمد بن محمد الشاوي (ت 1014) وعين للاستفادة منه كما تقدم أستاذه أبا العباس بن شعيب ثم من يأتي بعده على مثل صفته من الحذق والإتقان، ونقلنا عن أبي العلاء إدريس المنجرة الذي أدرك هذا الوقف يؤدي غايته قوله في ابن شعيب: "يحكى عنه رحمه الله أنه كان متصدرا للأخذ بجامع القرويين من فاس، وكان يجود مع الطلبة بلسانه، ويلازمه الشيخ الصالح سيدي أحمد الشاوي دفين "السياج من فاس، وأوقف عليه ومن يقفوه أرضا بلمطة يقال لها "الضويات"، وفي آخر عمره تأخر عن القرويين لكبر سنه، فيجود مع الطلبة بداره في "الكدان" أو بمسجد قربها كان أمامه، ويوم الجمعة يحمله الطلبة بين أيديهم إلى "جامع الأندلس"، ويجلس فيها ب"باب الحفا" ويقرأ مع الطلبة بلسانه، ويسمع صوته تبيينا للحروف والحركات وإفرازا للكلمات، من قنطرة "بين المدن".(1/281)
فهذا المحضر عن مجلس إقراء ابن شعيب يعطينا صورة مشرقة عن الجهد البليغ الذي كان يقوم به الشيخ ابن شعيب في تبليغ هذه العلوم، كما يصور لنا مبلغ حرصه على تلقين كيفيات الأداء، ولعله قد لمس في طلبة زمنه مقدار التقصير الملحوظ منهم في الجانب التطبيقي وكما هو ملحوظ عند المغاربة إلى اليوم مع الأسف الشديد، ولعل الشيخ الشاوي الذي وقف الوقف المذكور إنما رمى به إلى تأمين حاجة الطلبة إلى من ينهض بهذه المأمورية بالقرويين، وخاصة بعد موت هذا الشيخ، على أن الشيخ ابن شعيب – كما نلاحظ – قد اضطره عامل السن إلى أن يتخلى عن القيام بهذه الوظيفة، ولكنه استمر في التجويد للطلبة ولو بأن يأتي إليهم محمولا على الأيدي كما رأينا، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل أولا على مقدار استشعار الشيخ للحاجة إليه ووفائه بأداء الأمانة المنوطة بأمثاله ممن أكرمهم الله بالتبريز في العلم ورسوخ القدم فيه.
آثاره:
لا يعرف لابن شعيب من المؤلفات غير كتابه القيم "إتقان الصنعة في التجويد للسبعة"(1).
ونسب إليه بعض الباحثين قصيدة في القراءات ولم يذكر مصدره في هذه النسبة(2)، ولعله أراد بعض القطع النظمية التي ضمنها كتابه "إتقان الصنعة" عند ذكر تكرر الاستفهام في سورة الرعد، وتشتمل القطعة الأولى على أربعة أبيات، والثانية على عشرة أبيات(3).
__________
(1) سبق أن ذكرنا قيام الأخ الأستاذ حسن صدقي بتحقيقه بإشراف أستاذنا الدكتور الراجي في مجلدين يشتمل الأول منهما على الدراسة والثاني على متن الإتقان محققا.
(2) الإشارة إلى "القراء والقراءات بالمغرب" لسعيد أعراب 89، وقد ذكر الأستاذ صدقي حسن أنه اتصل به في شأن مصدره في هذه النسبة فاعتذر إليه بطول العهد بكتابة المعلومات المذكورة وهو لا يذكر الآن مصادره.
(3) إتقان الصنعة تحقيق الحسن صدقي ورقة 244-246 مجلد 2.(1/282)
ويمكن أيضا أن يعتبر من آثاره بعض التقييدات عنه عند صاحبه أبي عبد الله محمد بن محمد بن سليمان البوعناني كما سيأتي في ترجمته، وقد قيد عن البوعناني كثيرا من اختيارات ابن شعيب كل من أبي عبد الله الرحماني ومحمد بن أحمد الحامدي صاحب أنوار التعريف وسيأتي طرف من ذلك في ترجمة الشيخ البوعناني المذكور.
ويعتبر كتاب "إتقان الصنعة" سجلا حافلا بمظاهر إمامة أبي العباس بن شعيب وحذقه في الفن، وقد صنفه في آخر حياته، بل جاء التنصيص في آخره على ذلك بما يدل على فراغه منه قبل نحو السنة من وفاته فقال: "قال مؤلفه رحمة الله عليه نجز التأليف والحمد لله حق حمده، وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وعبده، وكان الفراغ من تأليفه عشية يوم الإثنين خامس جمادى الأولى عام 1014هـ عصمنا الله من شره وفتنته بفضله وكرمه وجوده ورحمته آمين(1).
وكان غرضه من التأليف مناقشة بعض الأحكام المأخوذ بها في القراءات السبع ومراجعة بعض مذاهب الأئمة فيها، ولعله لاحظ حمل بعض القراءات لها على غير محاملها الصحيحة، أو لاحظ في بعض توجيهاتهم لها قصورا وضعفا، فكتب كتابه في صورة تعليقات وتحقيقات تتبع فيها هذه المواضع من فاتحة الكتاب إلى خاتمته على ترتيب أبواب "التيسير" و"الشاطبية" تقريبا، فكان يعرض مسائل الخلاف وينقل فيها بعض النقول دون توسع في الغالب، ويورد بعض التوجيهات نقلا عن بعض الأئمة ويناقش بعضها بروح نقدية عالية حتى ولو كان القائلون بها من الشهرة وجلالة القدر بمكان(2). وقد أشار إلى هذا في مقدمة الإتقان فقال:
__________
(1) إتقان الصنعة من كتاب الإتقان المذكور.
(2) ناقش الجعبري وابن المجراد وابن غازي وغيرهم كما يستفاد ذلك من كتاب الإتقان المذكور.(1/283)
"وبعد فقد بان لي من النظر السديد، والرأي الرشيد، أن أضع هذا التأليف في ضبط القراءة وأحكام التجويد للأئمة السبعة أعلام الهدى وأولي البر والتمجيد، فوضعته مختصرا تقريبا لحصول النفع به والإفادة، وأودعته دررا ومهمات من الحجج تبرعا وزيادة، وسميته ب"إتقان الصنعة في التجويد للسبعة".
ويمتاز الكتاب إلى جانب ما ذكره من الاختصار بإيراده لما عليه العمل في التلاوة في كثير من مسائل الخلاف التي تعرض لها ابتداء من باب التعوذ إلى آخر الكتاب.
فمن ذلك مثلا قوله في باب البسملة: "وجرى العمل عند الشيوخ بالجمع بين الوجهين مع تقديم السكت، وليس ذلك بواجب"
ومنه قوله في باب المد بعد أن ذكر مراتب المد للسبعة وأنها أربعة على المنصوص يعني في "التيسير" قال: "هذه طريقة الداني في تيسيره وغيره، والذي اختاره المتأخرون وجرى به العمل عندهم أن مراتب المد ثلاث فقط: كبرى لورش وحمزة، وصغرى لقالون والمكي والبصري، ووسطى لابن عامر وعاصم والكسائي.
وبهذا يكون ابن شعيب أحد الأئمة الرواد في وضع معالم القراءة "الرسمية" وخاصة في رواية ورش، بتنبيهه في مسائل الخلاف على ما عليه الأخذ والأداء وجرى به العمل(1).
كما يعتبر الكتاب سجلا آخر لأقوال أئمة مدرسة ابن غازي وطائفة من معاصريه وتلامذتهم حيث نقل كثيرا من تحقيقاتهم ومسائل الخلاف بينهم، فهو ينقل بعض أقوال الأستاذ المحقق أبي العباس سيدي أحمد بن يوسف الدقون(2)، كما ينقل بعض معاني أبيات الشاطبي مصدرة بقوله "وقال الشيخ الأستاذ أبو عمران سيدي موسى الزواوي رحمه الله"(3).
__________
(1) سيبلغ هذا الاتجاه كماله عند أبي زيد بن القاضي في كتبه سواء في الأداء أم في الرسم والضبط أم في غير ذلك.
(2) نقل عنه في سورة الفاتحة من الإتقان.
(3) في السورة نفسها.(1/284)
وينقل في غير موضع مذاهب شيوخه أبي العباس الضرير وأبي عبد الله محمد بن يوسف الترغي وأبي علي الحسن بن محمد الدرعي - كما أشرنا إلى ذلك في تراجمهم عن قريب - وينقل مذاهب بعض شيوخ شيوخه ويناقشها.
ومثال ذلك قوله تعالى: "إن كنتم إياه تعبدون" في سورة النحل.
"اختلف الشيوخ في الهاء من إياه حيث وقع هل يصلها المكي أو لا يصلها ؟ فكان شيخ شيوخنا الأستاذ المحقق أبو عبد الله سيدي محمد بن مجبر يأخذ فيها بعدم الصلة... وكان غيره يأخذ فيها بإثبات الصلة وبه قرأت، وهو التحقيق عند الجعبري بناء على ما اختاره أبو حيان من أن الضمير هو الهاء فقط، وكلمة إيا عماد له.."(1).
وفي الجملة فإن الشيخ أبا العباس يعتبر طرازا فريدا في العصر، إن لم نقل بحق إنه كان فيه خاتمة المشيخة المحققين للقراءات السبع الذين جمعوا بين الأصالة والعمق والرسوخ في صناعة الفن، وبين الفقه المكين في العلل والأسباب والتوجيهات التي تنبني عليها مسائل الخلاف بعد ثبوتها في الرواية وتواتر النقل بها عن الأئمة، وقد قام محقق كتابه "إتقان الصنعة" بجهد مشكور في إماطة الحجب عن معالم شخصية هذا الإمام ومكانته في عصره من خلال هذا الكتاب الذي لا شك أنه كان لبنة من آخر اللبنات في صرح المدرسة المغربية في القراءات بوجه عام وفي قراءة نافع بوجه خاص، باعتباره أحد الكتب التي تقوم على ما سميناه ب"الدراسة المقارنة" لمختلف المذاهب والاختيارات وبيان ما تنبني عليه من اعتبارات وتوجيهات.
14. أبو القاسم بن محمد بن محمد بن قاسم بن أبي العافية المكناسي الأصل ثم الفاسي يعرف بابن القاضي كما يعرف بها ولده أبو زيد عبد الرحمن شيخ الجماعة بفاس.
__________
(1) إتقان الصنعة ورقة 258 (مرقونة بالآلة).(1/285)
إمام اشتهر بالبراعة في العربية وكان له مشاركة فيما سوى ذلك، قال القادري: قال في الابتهاج: ممن لازم الشيخ أبا المحاسن(1) كثيرا.. وكان شيخا نحويا درس النحو كثيرا وأخذ عنه أهل عصره، وكان له مزيد وجاهة عند السلطان أحمد المنصور، مولده أي صاحب الترجمة سنة ستين من العاشرة توفي سنة 1022 ثم ذكر القادري من شيوخه الشيخ إبراهيم اللمطي(2) وأحمد بن عثمان اللمطي(3) وأبا عبد الله بن مجبر المساري أخذ عنه القراءات السبع وبعض الألفية، وأبا العباس القدومي وأبا العباس المنجور وجماعة قال:
"واشتهر للقراءة فأخذ عنه عامة وقته وخاصتهم وجماعة من أعيانهم"(4)
وقد ذكر نسيبه أبو العباس ابن القاضي له مجموعة من المؤلفات النحوية وقال:
"أخذ القراءات عن الأستاذ أبي عبد الله محمد بن أحمد بن مجبر المساري، وعن أبي القاسم بن إبراهيم المشترائي، والنحو عن أبي العباس أحمد بن علي القدومي الأندلسي... أجاز له ابن مجبر المذكور في القراءات وكل ما يجوز له وعنه روايته، ولد سنة 960 وهو من أهل العصر"(5).
__________
(1) هو الشيخ يوسف بن محمد الفاسي ت 1013.
(2) تقدم في شيوخ المنجور من أصحاب علي بن هارون تقدم.
(3) مقرئ مشهور قرأ على والده عثمان بن عبد الواحد اللمطي تقدم ذكره معه في أصحاب ابن غازي. قرأ عليه الإمام أبو محمد عبد الواحد بن علي بن عاشر كما سيأتي في شيوخه.
(4) نشر المثاني 1/181.
(5) درة الحجال 3/287 ترجمة 1363، والمؤلف من أبناء عمومته.(1/286)
وقد أسند القراءة من طريقه غير واحد ممن أسندوها عن ولده الإمام أبي زيد، وكان عمدته في كثير من النقول التي ضمنها كتبه، وكثيرا ما نجده فيها يقول: " قال والدنا رحمه الله"(1) أو "وقد سمعت من شيخنا ومفيدنا ووالدنا القاسم بن القاضي"(2)، أو يقول: "أملي عليها شيخنا الوالد – رحمة الله عليه:
والميم إن تسكن قبيل الباء ... تقرأ بالإظهار والإخفاء
فهذان الوجهان جيدان ... أجلها الإخفاء قال الداني(3)
15- الحسن بن يوسف بن مهدي أبو علي الزياتي ويقال أبو الطيب أيضا
... ترجم له القادري في "نشر المثاني" وذكر أنه ولد في نصف جمادى الثانية سنة 964هـ، ورحل إلى فاس في طلب العلم، وقرأ على أخويه بفاس بعد أن رحلا إليها بعد أن حمل على شيخ المقرئين أحمد بن قاسم القدومي (ت 992)، فأتقن أنواع العلوم وشارك في أنواع كثيرة محققا في جميعها، ثم ذكر ملازمته لعدد من المشايخ في الفقه والحديث وإجازة بعضهم له بذلك، ثم قال: "ولما توفي شيخه القدومي وجد عليه كثيرا حتى استولت عليه السوداء، ثم ذكر أنه سار إلى أبي المحاسن يوسف الفاسي فقرأ عليه ختمات كثيرة ولازم مجلسه، وزوجه الشيخ ابنته وقام بجميع مؤنه إلى أن توفي الشيخ.
__________
(1) ينظر مثالا على ذلك "الفجر الساطع" عند ترجمة قالون، وعند قوله في فرش الحروف "وإنما النسي ورش أبد له".
(2) ذكره بهذه الألفاظ في "إزالة الشك والإلباس العارضين لكثير من الناس في نقل شكل الهمز من ألم أحسب الناس".
(3) ذكره في الفجر الساطع في باب الإدغام والإظهار عند ذكر أحكام النون والتنوين. نقله صاحب الروض الجامع.(1/287)
"ولما اضطرب أمر هذا المغرب، واختلت أحواله وعظم الخطب بفاس، خرج سنة (1022هـ) إلى جبل كرت من بلاد عوف، وكان له أصحاب هناك، وهي بلاد من أخصب بلاد المغرب، فأقام هنالك منفردا بنفسه(1)، وله سبب من حرث وماشية إلى أن مرض مدة، وتوفي بين الظهرين من يوم الثلاثاء 24 رمضان سنة (1023هـ)، ودفن بالموضع المعروف بـ "زاوية الهبط" من جبل كرت رحمه الله تعالى"(2).
وذكر القادري في ترجمته في هذا الصدد أنه "درس كثيرا، وانتفع به خلق كثير، وصنف كتبا كثيرة مفيدة سمى منها عددا في مختلف الفنون، منها حاشيته المشهورة على شرح ضبط الخراز المعروف بـ "الطراز" للتنسي.
وقد مثل الحسن الزياتي مشيخة الجماعة في القراءات والعربية معا بفاس بعد ذهاب كبار المشيخة فكان عمدة كثيرة من الأجلاء كالشيخ أبي العباس بن شعيب صاحب "إتقان الصنعة" وأبي القاسم بن القاضي الآنف الذكر، وولده أبي محمد عبد العزيز الزياتي الآتي وغيرهم، وخسرت المدينة بخروجه منها إلى هذه الجهات خسارة كبيرة".
16- ولده أبو محمد عبد العزيز بن الحسن الزياتي الفقيه الأستاذ المشارك.. ويكنى أيضا بأبي فارس
__________
(1) ذكر اليفرني في نزهة الحادي 198-199 السبب الذي جعل الزياتي يخرج من فاس وهو "ما قام به المامون بن أبي العباس أحمد المنصور الذهبي المعروف بالشيخ من تسليم مدينة العرائش للنصارى في مقابل مساعدتهم له في محاربته لأخيه زيدان ومحاولته الحصول على فتوى شرعية تسوغ له ذلك، قال "وقع هذا لاستفتاء بعد أن وقع الإعطاء، وما أجاب من أجاب من العلماء عن ذلك إلا خوفا على نفسه. وقد هرب جماعة من الفتوى. ثم ذكر جماعة ممن هربوا فذكر منهم سيدي الحسن الزياتي وابا عبد الله محمد الجنان وغيرهما. ""
(2) نشر المثاني 1/198-199.(1/288)
وصفه القادري بهذه التحليات وقال: "كان أستاذا مجودا مقرئا عالما محصلا نبيلا جليلا، وكان سبطا لأبي المحاسن الفاسي ولد ابنته.. ثم ذكر أنه توفي بتطوان عام 1055هـ(1)".
وذكر اليفرني في "الصفوة" والحضيكي أن المترجم أخذ عن خاله سيدي العربي الفاسي والعارف أبي زيد عبد الرحمن(2)، ورحل لمراكش وأخذ عن مشايخها كأبي عبد الله بن يوسف التملي، جمع عليه القراءات العشر، ثم رحل إلى المشرق وأخذ فيه عن شيخ القراءات وغيرها سلطان المزاحي(3) والأجهوري(4) وغيرهما ثم ذكرا أن له شرحا على قصيدة خاله المذكور في الذكاة، وله تآليف في فن القراءة"(5).
مؤلفاته في القراءة وعلومها:
1- نفائس الحلي في قراءة أبي عمرو بن العلاء
__________
(1) نشر المثاني 2/30.
(2) هو عبد الرحمن بن محمد الفاسي المشهور بالعارف (972-1036) ترجمته في نشر المثاني 1/266-267.
(3) هو شيخ الإقراء ورئيس أهل التجويد بمصر الشيخ سلطان بن أحمد بن سلامة المزاحي الشافعي له تأليف في القراءات الأربع الزائدة على العشر، توفي عام 1075" – صفوة من انتشر لليفرني 144-145.
(4) لعل المراد به هو نور الدين علي بن زيد العابدين بن محمد الأجهوري شيخ المالكية في عصره (ت 1066) ترجمته في شجرة النور 303-304 الطبقة 22 رقم الترجمة 1174.
(5) صفوة من انتشر 81 ومناقب الحضيكي 2/274–275.(1/289)
ذكره له بعض الباحثين(1)، ووقفت عليه مخطوطا في نحو أربعين ورقة في خزانة خاصة(2) يقول في أوله: "الحمد لله الذي أنزل القرآن هدى ورحمة وشفاء لما في الصدور، وشرف به حامله وجعل إدمان تلاوته من أجلّ العمل المبرور... أما بعد فيقول مقيده عبد الله تعالى عبد العزيز بن الحسن بن يوسف بن مهدي الزياتي - جبر الله قلبه، وغفر بفضله ذنبه - فإني وضعت هذا التقييد على قراءة الإمام أبي عمرو بن العلاء البصري - رحمه الله - من روايتي أبي عمر الدوري وأبي شعيب صالح السوسي عن اليزيدي عنه، فيما خالف فيه الإمام نافعا مما رواه عنه عثمان ورش وعيسى قالون، وافقا في ذلك ابن كثير أم لا، ولا أذكر إلا ما اختلفا فيه دون ما اتفقا فيه...
وقد استهله بالتعريف بأبي عمرو بن العلاء ناقلا في ذلك عن "التيسير" للداني وشرح الإمام شعلة على الشاطبية(3).. ثم أخذ في عرض الخلافيات على نسق كتب القراءة المعتاد إلى أن أتى علىخاتمة الفرش.
2- أرجوزة في القراءات: ومنها نسخة مخطوطة بالخزانة العامة بالرباط برقم 1147 ولم أقف عليها(4).
3- الجواهر المختارة في نوازل غمارة وهو عنوان مجموع له تضمن أجوبة في القراءات ذكر بعض الباحثين أنها توجد بأيدي الناس، قال: "الجواهر المختارة في نوازل غمارة"، وربما كان أبو فارس هو أول من فتح هذا الباب أمام القراء فكثرت أجوبتهم، وتعددت في ذلك مؤلفاتهم"(5).
ويعتبر هذا الشيخ وأبوه معا من أهم المعابر التي عبرت منها الرواية من طرق أصحاب ابن غازي عنه إلى هذه الجهات من الشمال المغربي.
__________
(1) سعيد أعراب في "القراء والقراءات بالمغرب" 92.
(2) عند السيد أحمد اعوينات بقرية اليوسفية بالرباط.
(3) هو المطبوع باسم "كنز المعاني"، وهو غير "كنز المعاني" المشهور للجعبري كما تقدم.
(4) مذكورة في فهارس الخزانة العامة بالرباط 1/33 تحت رقم 1147 في مجموع من 33 أ إلى 34ب.
(5) القراء والقراءات بالمغرب 92.(1/290)
17- ومن أعلام هذا الرعيل الإمام العلامة شيخ الجماعة أبو محمد عبد الواحد بن أحمد بن علي بن عاشر الأنصاري الأندلسي الأصل الفاسي (990-1040.)
قال القادري في النشر: "ومنهم الإمام الكبير الحجة الشهير، أبو محمد عبد الواحد... أحد الأعلام، كبير الشأن، رأس في العلم والتحقيق والمشاركة في العلوم"(1).
وقال في التقاط الدرر: "وفي ثالث ذي الحجة عام أربعين، توفي الإمام الحجة عبد الواحد بن أحمد بن علي بن عاشر الأنصاري ناظم "المرشد"(2) وصاحب "الحاشية على التتائي الصغير"(3)، وشرح الخراز المسمى بـ"فتح المنان على مورد الظمآن"(4).
وقال الحضيكي: "العلامة الجليل، برع في علوم شتى، وتبحر في منقولها ومعقولها... وكان دؤوبا على تعليم الناس حريصا عليهم وعلى إحياء السنن والدين وإخماد البدع.. يأخذ العلم عمن دونه".
"وله - رضي الله عنه - اليد الطولى في علوم القراءات، وانفرد في زمانه بذلك، وعلوم الرسم، يبحث مع الجعبري، وحشى عليه، وشرح "مورد الظمآن"، وأنكر قراءة الحزابين على عادة الناس في الجنائز"(5).
مشيخته:
قال القادري: قرأ القرآن على:
1- الإمام الشهير الأستاذ المحقق أبي العباس أحمد بن عثمان اللمطي(6) وعلى غيره.
__________
(1) نشر المثاني 1/283.
(2) يعني أرجوزة "المرشد المعين في نظم الضروري من علوم الدين".
(3) التتائي هو شمس الدين محمد بن إبراهيم التتائي المصري (ت 942) فقيه مالكي مشهور له مؤلفات منها على مختصر خليل في الفقه شرحان كبير وصغير، وقد وضع الإمام ابن عاشر حاشيته على الصغير منهما وما تزال منها نسخة محفوظة بالخزانة الحسنية بالرباط ربرقم 2258.
(4) التقاط الدرر للقادري 91 ترجمة 155.
(5) مناقب الحضيكي 2/273-274.
(6) تقدم في ترجمة والده عثمان بن عبد الواحد اللمطي الميموني المكناسي من أصحاب الشيخ ابن غازي.(1/291)
2- وأخذ قراءة الأئمة السبعة عن الأستاذ المحقق أبي العباس أحمد الكفيف(1).
3- ثم عن العالم الشهير مفتي فاس وخطيب حضرتها أبي عبد الله محمد الشريف المريي التلمساني(2) وغيرهما.
قال: "ولاشك أنه فاق أشياخه في التفنن في التوجيهات والتعليلات، رحم الله الجميع بمنه... ثم سمى بعد جماعة من مشايخه في غير القراءات وذكر رحلته إلى الحج سنة 1008هـ وقال: "وكان ذا معرفة بالقراءات وتوجيهها بالنحو والتفسير والإعراب والرسم والضبط وعلم الكلام... وذكر مجموعة من العلوم الأخرى.
مؤلفاته: ثم ذكر مؤلفاته فقال:
1- ومنها شرحه العجيب على مورد الظمآن في علم رسم القرآن، وقد أجاد فيه ما شاء، وليس الخبر كالعبان وقد كان شرحه دينا على العلماء الأعيان.
2- وأدرج فيه تأليفا آخر سماه "الإعلان بتكميل مورد الظمآن"(3) في كيفية رسم قراءة غير نافع من بقية السبعة في نحو خمسين بيتا، وشرحه" قال:
3- وله "طرر" عجيبة على شرح الإمام أبي عبد الله محمد التنسي لذيل "مورد الظمآن في الضبط(4). ولم يذكر القادري:
4- حاشيته على الجعبري الآنفة الذكر في قول الحضيكي "يبحث مع الجعبري، وحشى عليه" وهي فيما يظهر على شرح الجعبري على العقيلة المعروف بـ "جميلة أرباب المراصد في شرح عقيلة أتراب القصائد"(5).
5- تقييد له بعنوان "رسم البدور السبعة" يوجد مخطوطا في بعض الخزائن(6)
__________
(1) هو أحمد بن محمد بن مخلوف الشفشاوني الضرير تقدم في رقم 9 من هذه المشيخة ويشترك فيه مع ابن شعيب.
(2) تقدم في رقم 11 من هذه المشيخة.
(3) تقدم ذكر كتاب "فتح المنان" وذيله "الإعلان" في ترجمة الخراز.
(4) نشرالمثاني 1/283-288.
(5) تقدم ذكر شرحه هذا في الشروح التي قامت على قصيدة الشاطبي هذه.
(6) مخطوط بالمكتبة العامة بتطوان تحت رقم 881 (الموسوعة المغربية لعبد العزيز بنعبد الله 2/35.).(1/292)
6- تقييد عنه مما قيده عبد الرحمن القيرواني في الوجوه الجائزة في تكبير الإمام ابن كثير في السور المعهودة لذلك وقفت عليه مخطوطا(1).
7- منظومات متفرقة في مسائل الأداء، منها في ذكر مذاهب السبعة في الوقف مما نقله مسعود جموع في "الروض الجامع" في باب "الروم والإشمام" عند ذكر ذلك فقال: "وقد نظم ذلك شيخ الجماعة سيدي عبد الواحد ابن عاشر رحمه الله في بيت فقال:
لشام وحرمي تمام وعاصم ... وبصر بحسن ثم حمزة ما اتفق
ومنها جواب له على إشكال نظما في موضوع الوقف على الهمز لحمزة ألقاه عليه صاحبه أبو زيد بن القاضي، ونص السؤال هكذا:
أيا من سما فوق السماكين والنسر ... وصار إمام الغرب في السبع والعشر
عنيت بذلك شيخنا ومفيدنا ... وقدوتنا مفتي الأنام بلا نكر
وشهرته بين الورى بابن عاشر ... وأوصافه في العلم جلت عن الحصر
إذا وقف القاري لحمزة معلنا ... على لفظ "ما" من "بيس" منفصل السطر
هل الحكم بالتحقيق وهو الذي جلا ... كإن لم وأن لن مع نظائرها تجري ؟
أم الحكم بالتحقيق رعيا للفظها ... أجيبوا بنص ينشر الحق كالدر
جزاكم إله العرش خير جزائه ... بجاه النبي المصطفى قائد الغر
جواب ابن عاشر:
جوابك والرحمن يغفر ما تطري ... ويعليك قدرا في صدور ذوي الذكر
بتحقيق ذاك الهمز جزما لأنه ... تقدم كلمة الوقوف كما تدري
ويوضح ذاك الرسم والوقف قبل ما ... فقد فات شرط الوقف عن حمزة المقري
وذا القدر كاف في الجواب لأنه ... مفاد عموم وهو نص بلا نكر
وعذر المطال البحث عن عين نصها ... فلم ألفه ثم الحياء لما تطري(2)
تصدره:
__________
(1) وقفت عليه في 3 أوراق ضمن مجموعة تقاييد عند السيد عبد الرحمن قيم مكتبة "منار العرفان" بالرباط.
(2) ذكره ابن القاضي في كتابه "مقالة الأئمة الأعلام في وقف حمزة وهشام على الهمز – لوحة 177 (مخطوط في مجموع في ملك السيد محمد بن السيد الدين بنواحي تالمست من إقليم الصورة)، وكذا في الفجر الساطع في باب الهمز.(1/293)
... تصدر الإمام أبو محمد بن عاشر في شبابه لإفادة ما عنده من العلوم، فقرأ عليه عدد كبير من طلبة فاس وقرائها، فلم يلبث أن أصبح شيخ الجماعة، وكان له اهتمام خاص بفن التجويد، وهذا ما تدل عليه حكايته مع "الحزابين" بالمقبرة يوم مات أخوه حين منعهم من القراءة عله وقال: "يفسدون قراءة القرآن"(1). وكذلك ما حكاه العلامة أبو العباس أحمد بن عبد العزيز بن الرشيد السجلماسي في كتابه "عرف الند"(2) عن شيخه الإمام المجود المشهور أبي البركات أحمد الحبيب اللمطي أنه حكى عن الشيخ ابن عاشر أنه "لما قفل من المشرق وأنكر على أهل فاس قراءتهم، ورام إرشادهم إلى الصواب وهدايتهم، فمنهم من قابله بالنكير، ومنهم من قال هذا حق ولا نشتغل به لأنه علينا عسير، ومنهم من اهتدى إلى الحق فشمر للتعليم أيما تشمير"(3).
... ولما كان الشيخ ابن عاشر قد عاد من الحج سنة 1008 كما قدمنا، فمعناه أنه قد صرف نحوا من ثلاثين سنة من عمره في أخذ أصحابه بالعناية بإتقان التجويد وإحكام التلاوة على الرغم مما واجهه في ذلك من مصاعب ومتاعب، وعلى الرغم من وفاته المبكرة إذ يدل تاريخ ولادته وتاريخ وفاته على أنه توفي ولم يتجاوز الخمسين عاما، ومعناه أنه توفي في أوج السن التي يكون فيها النضج. ويتأتى فيها العطاء بعد استكمال الأدوات وتمام التحصيل.
__________
(1) نشر المتاني 1/287.
(2) مخطوط عندي مصورة منه في عشرة أوراق ومنه نسخ عديدة بالخزانة الحسنية بالرباط تحت الرقام 1064-6504-4617-3603-3823 (فهارس خ ح 6/176-177.)
(3) عرف الند في حكم المد" لوحة 2.(1/294)
وقد تخرج على يده عدد من الفحول منهم الشيخ محمد بن أحمد المعروف بميارة الفاسي (ت 1072)(1) وأبو زيد عبد الرحمن بن أبي القاسم بن القاضي (ت 1082)(2)، وعبد الله بن محمد العياشي الزياني (1073)(3)، ومحمد بن محمد بن أبي القاسم بن سودة الفاسي وهو ابن أخته (ت 1073)(4) ومحمد بن أبي بكر الدلائي المسناوي (ت1059)(5)، ومحمد بن أحمد بن أبي المحاسن الفاسي (ت 1084هـ)(6).
وقد جاء إسناد القراءات السبع من طريقه عند عامة المتأخرين من أئمة مدرسة ابن غازي كما سنرى نماذج منهم عند ذكر الأسانيد بعون الله.
18- الشيخ أبو عبد الله محمد بن يوسف التملي السوسي الأصل، وينسب أحيانا المراكشي (ت 1048):
إمام مقرئ جليل قرأ على أكابر المشيخة بمراكش وفاس وغيرهما، واختص بالأستاذ أبي عبد الله محمد بن يوسف الترغي، كما أخذ بفاس عن أبي علي الحسن الدراوي وأبي عبد الله محمد الصغير المستغانمي وأبي العباس أحمد المقري صاحب "نفح الطيب"، وأبي العباس أحمد الفشتالي – الآنف الذكر في شيوخ ابن شعيب – وأبي القاسم ابن القاضي وأبي العباس بن شعيب والشيخ محمد الشريف المريّي وسواهم من رجال مدرسة ابن غازي.
وقد حصل منهم على إجازات، ثم تصدر بمراكش زمنا طويلا، فكان خير خلف بها من شيخه الترغي.
__________
(1) هو صاحب الشرحين المعروفين بميارة الصغير والكبير على المرشد المعين. ترجمته في نشر المثاني 2/120.
(2) هو صاحب "الفجر الساطع على الدرر اللوامع" وسيأتي عن قريب.
(3) ترجمته في مناقب الحضيكي 2/147-148.
(4) ترجمته في نشر المثاني 2/150-151.
(5) ترجمته في نشر المثاني 2/43 وبمزيد من التفصيل في "الزاوية الدلائية ودورها الديني" لمحمد حجي 83.
(6) ترجمته في السلوة 2/321(1/295)
وقد ترجم له صاحب "الإعلام بمن حلّ بمراكش وأغمات من الأعلام" فقال فيه: "محمد بن يوسف بن أحمد بن زكريا التاملي السوسي أصلا، المراكشي دارا ومنشئا، الشيخ الأستاذ المجود الأديب الفهامة، معلم الملوك المالكي، أحد فقهاء المغاربة الممتطين سنام الفضل وغاربه، عالم ماضي شبا السنان والقلم، وعلم فضله أشهر من نار على علم، له في الأدب يد لا تقصر عن إدراك غاية، وباع تلقى راية البلاغة، فكان عرابة(1) تلك الراية، وكان من المهرة في فن القراءات، مشهورا بالإتقان وجودة الضبط... ثم ذكر مشيخته كما قدمنا فذكر منهم أبا العباس المقري و"قد ذكره - يعني المقري - في "فتح المتعال"(2) وذكر قصيدة له يطلب فيها منه الإجازة، وأجازه في سنة 1026هـ لما قدم من مراكش إلى فاس:
أموقظ جفن الدهر من بعد ما غفى ... وباسط كف البذل من بعد ما كفّا
ومحيي رسوم الأكرمين التي عفت ... ومحيي معين الفضل من بعد ما جفا
أجزني بما قد قلته ورويته ... ففضلك يا ذا الفضل قد حير الوصفا
فأجابه - المقري - بهذا الأبيات:
أمشكاة أنوار القراءة والأدا ... وساحب أذيال الكمال على الأكفا
وحائز أشتات الفضائل إذ غدت ... مفاخره في أذن مغربنا شنفا
بعثتم بطرس بل بروض بلاغة ... تعطرت الأرجاء من نشره عرفا
وأملتم أعلى إلاله مقامكم ... وألبسكم من عزه الطرف الأضفى
من القاصر الباع الضعيف إجازة ... ألم تعلموا أن الصواب هو الإعفا ؟
ولست بأهل أن أجاز فكيف أن ... أجيز ؟ على أن الحقائق قد تخفى
ولولا رجائي منكم صالح الدعا ... لما سطرت يمناي في مثل ذا حرفا(3)
__________
(1) المراد تشبيهه بعرابة الأوسي المشهور الذي قال فيه الشاعر الشماخ بن ضرار:
إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين – اللسان – مادة عرب.
(2) المراد كتاب "فتح المتعال في مدح النعال" من مؤلفات أبي العباس المقري.
(3) نقل هذه المعلومات المراكشي في الإعلام 5/266 ترجمة 680.(1/296)
وقد أفادنا المقري أيضا بنقل نبذة عن نشاط أبي عبد الله التملي في مراكش بعد عودته إليها من فاس فقد كتب إليه التملي في هذا الصدد يقول:
ولا زائد على ما نعرفكم به، سوى ما ألهم الله لفضله من معاطاة كؤوس القراءات مع طلبة هذه الحضرة، ولقد خرجوا للقائي متعطشين لمرحلة عن مراكش في جمع كثير، أزيد من ثلاثمائة طالب.
وقد بدأت مع الطلبة في المدرسة الغالبية(1) الشاطلبية ولامية الأفعال بعد العصر، والكراريس بعد العشاء، ووقت التجويد(2) من طلوع الشمس إلى العصر.
والذي معي من الطلبة في الجمع الكبير ثمانية، وفي العشر(3) ستة، وهم في الازدياد، وقد عزمت على جمع فهرسة أذكر فيها من لقيته من الأفاضل أمثالكم(4).
وقد أورد المقري في "نفح الطيب" رسالة مطولة بعث بها التملي إليه إلى الشام، وفي ضمنها مسائل التمس منه الجواب عنها، كما طلب منه أن يتفضل عليه بكتاب "طبقات القراء" للحافظ أبي عمرو الداني إذ ليس عنده منه نسخة(5).
ويتجلى من تلك الرسائل والأسئلة المنظومة نفسه العالي وبراعته في النظم والنثر، إضافة إلى اهتماماته العلمية وخاصة في علوم القراءة، وذلك أيضا ما تنطق به بعض آثاره ومقيداته التي وصلتنا.
آثاره في علوم القراءة:
1. قصيدة لامية في قراءة نافع(6).
2. جواب طويل عن مسائل في الرسم والضبط في خمسة أوراق معتمدا على كلام أبي داود وأبي عبد الله الخراز(7).
__________
(1) يعني المدرسة المجاورة لمسجد ابن يوسف من جهة القبلة بمراكش، وبها سكنى الطلبة، وقد سكنت فيها نحو السنتين 1958م-1960 وهي الآن تابعة لوزارة السياحة.
(2) يعني تصحيح الألواح على الشيخ.
(3) يعني النافعية (العشر الصغير).
(4) نقله في الإعلام 5/267.
(5) نفح الطيب 3/229-234 وتاريخ الرسالة 1038هـ.
(6) ذكرها سعيد أعراب ولم يذكر مكانها (القراء والقراءات بالمغرب 88).
(7) مخطوط في مجموع بخزانة أوقاف آسفي.(1/297)
3. شرح تفصيل عقد الدرر لابن غازي(1).
4. نظم للسور التي فيها ألفات في رؤوس الآي(2).
5. تأليف في فواصل الآي في السور مسرودة بالتتابع من أول القرءان إلى آخره(3).
6. استدراك على "تفصيل عقد الدرر"(4).
7. متفرقات ومنها بعض إجازاته لأصحابه وسيأتي بعضها.
وقد تخرج على التاملي عدد كبير من الأئمة، ومنهم العلامة الإمام أبو زيد بن القاضي والشيخ عبد العزيز بن الحسن الزياتي – الآنف الذكر – ومحمد بن أحمد الرحماني وقد أجازه بالعشر والسبع – كما سيأتي -.
19- أبو عبد الله محمد بن محمد (بفتح السين فيهما) بن سليمان بن محمد بن منصور بن علي بن ثابت الشريف الإدريسي البوعناني (988-1063):
ترجم له القادري في وفيات 1063 فقال: "وفي شوال عام 63 توفي الحافظ المحدث الأستاذ سيدي محمد بن محمد الشريف البوعناني"(5)، وذكره في "نشر المثاني" في وفيات العام الثالث من العشرة السادسة فقال: "فمنهم الإمام الحافظ الكبير المحدث الأستاذ المقرئ المجود الشهير، أبو عبد الله... ثم قال: بهذا اللفظ حلاه في "أزهار البستان"(6). قال القادري:
__________
(1) تقدم في شروح التفصيل.
(2) ذكره ابن القاضي في الفجر الساطع، وأشار إليه سعيد أعراب في القراء والقراءات بالمغرب.
(3) مخطوط في مجموع بخزانة أوقاف آسفي العتيقة وقفت عليه.
(4) تقدم ذكره في المؤلفات على التفصيل.
(5) التقاط الدرر 133.
(6) هو لأبي زيد عبد الرحمن الفاسي، ذكره الكتاني في فهرس الفهارس باسم "أزاهر البستان" في ترجمة الشيخ البوعناني ونقل عنه قوله في المترجم. الإمام الحافظ الكبير الأستاذ المقرئ المجود الشهير.." فهرس الفهارس 1/240 ترجمة 87.(1/298)
"وذكر الإمام الزاهد الورع المحقق سيدي أحمد بن علي السوسي(1) في كتابه "بذل المناصحة في فعل المصافحة"(2) أن صاحب الترجمة هو الذي استدعاه إليه، وأثنى عليه بالشرف والعلم، ونصه:
"فقد خاطبي حائز سيادة التجويد، وسائس إقرائها في هذا العهد بفاس القديم والجديد...(3). وقال الحضيكي: "كان – رضي الله عنه – شيخا معظما عالما مشاركا في العلوم، حافظا مستحضرا لأحاديث الصحيحين، مقرئا مجودا للقرآن، انتفع به الناس انتفاعا تاما عاما، وكان سنده أعلى أسانيد أهل عصره، لأنه آخر من أخذ عن القصار وسمع منه، كما ذكر أبو سالم العياشي في "تحفة الأخلاء بأسانيد الأجلاء"(4) ثم سمى جملة من شيوخه وقال: "وأخذ القراءات عن:
1- أبي العباس أحمد بن محمد الفشتالي(5).
2- وعن أبي عبد الله محمد بن أحمد المريي(6).
3- وعن أحمد بن شعيب الأندلسي(7). ورأيت في تقييده الآتي أنه أخذ أيضا عن الإمام.
4- عبد الواحد بن أحمد بن علي بن عاشر.
مؤلفاته: اشتغل أبو عبد الله البوعناني فيما يظهر بالتدريس عن التأليف فلم يعرف له منه إلا يسير، ومنه:
__________
(1) أحمد وعلي ومحمد السوسي البوسعيدي الشتوكي الصنهاجي، ينسب هكذا بإقامة الوار مقام ابن لغة سوسية كما أشار إلى ذلك الكتاني في السلوة 2/85-87 وذكر أنه قرأ القرآن ببلده على سيدي محمد بن أحمد البوعقيلي... ثم رحل إلى فاس فنزل بها بالمدرسة المصباحية إلى أن توفي، وأخذ بفاس عن ابن عاشر توفي سنة 1046".
(2) هو اسم أحد كتبه المشهورة وله كتب أخرى ذكرت في سوس العالمة 180.
(3) نشر المثاني 2/65.
(4) مناقب الحضيكي 56-57 ونحوه في صفوة من انتشر لليفرني 162.
(5) تقدم ذكره في هذه المشيخة في رقم 10.
(6) تقدم في هذه المشيخة في رقم 11.
(7) تقدم في رقم 13.(1/299)
1- فهرسته: قال الكتاني في "فهرس الفهارس": "له فهرسة نقل عنها أبو الربيع الحوات(1)" في المقصد السادس من كتابه "البدور الضاوية" كلاما في حق الشيخ أبي عبد الله محمد بن أبي بكر الدلائي"(2).
2- تقييد له جمع فيه ما قرأ به على أبي العباس بن شعيب ** في 25 شوال بعد عصر يوم الاثنين سنة 1038 جاء في أوله: يقول عبد الله المفتقر إلى رحمة الله وستره ومزيده محمد بن محمد بن سليمان الحسني البوعناني – أصلح الله حاله – أردت أن أقيد روايتي التي قرأت بها على شيخنا الإمام الحافظ الأستاذ المحقق الناسك العدل الثقة خاتمة المحققين بفاس سيدي أحمد بن علي عرف بـ "شعيب" الأندلسي الفاسي رحمه الله ونفعنا بما قرأنا عليه، أيام قراءتي عليه سنة 1013". ثم قال:
"التعوذ": بالجهر مع انفصاله عما بعده من البسملة أو القرآن.
ومما قال في قوله "بارئكم": "بارئكم وشبهه بتقديم الاختلاس، قرأت معه، ومع شيخنا المريي بتقديم الإسكان، وهو ظاهر كلام الجعبري، وتفخيم "يشعركم" وشبهه في وجه الاختلاس، قال صاحبه الأستاذ المحقق سيدي عبد الواحد بن عاشر: "عليه أهل مصر قاطبة، وحكى لنا عن شيخه سيدي أحمد الكفيف أنه كان يقرئهما بالترقيق".
وقال في قوله في سورة يوسف "مالك لا تامننا" بالإخفاء وفك إحدى النونين من الأخرى من غير إدغام ناقص ولا خالص، مع الاختلاس في ضمة النون، وهو الإخفاء المشار إليه في "الشاطبية".
__________
(1) هو أبو الربيع سليمان بن محمد الشفشاوني الشهير بالحوات صاحب كتاب "البدور الضاوية في التعريف بالسادات أهل الزاوية الدلائية" كان نقيب الأشراف في عهد المولى سليمان (ت 1213) ترجمته في السلوة 3/116-119
(2) فهرس الفهارس 1/240.(1/300)
"وحكى لي من أثق به من الأصحاب أن الشيخ الأستاذ سيدي أحمد بن عثمان اللمطي(1) كان ينهى الطلبة عن الإدغام فيه سواء ناقصا أو خالصا، وكذا ما يستعملونه من الإشمام، وأحال اجتماع الإشمام مع الإدغام فيه، وأن ما ذكر الداني من الاتفاق على إدغامه رده عليه المنتوري فانظره".
وهكذا سار في باقي التقييد يتوقف عند بعض مسائل الخلاف فيذكر بعض ما قرأ به على ابن شعيب وربما ذكر بعض ما قرأ به ابن شعيب على شيخه الترغي وما ذكره في تأليفه "إتقان الصنعة".
وآخر ما ذكر فيه قوله: "ولي دين" بوجهين مع تقديم الإسكان قرأت للبزي. انتهى" ثم ختم بقوله "قال كاتبه – سمح لله له -: جميع ما نسبت لأشياخي قرأت به معهم وتلقيته منهم مشافهة، والله على ما نقول وكيل، وحسبنا الله ونعم الوكيل. وذكر ناسخه أنه نسخه وفرغ منه في 25 شوال يوم الاثنين بعد العصر سنة 1038 وكتبه عبيد ربه إبراهيم بن محمد السوسي التباني التزنيتي الرسموكي أصلا"(2).
ومن المقارنة بين تاريخ القراءة على ابن شعيب وتاريخ النسخ يظهر أن التقييد كتبه المؤلف بين التاريخين ثم أخذه عنه من أخذه خلال ذلك فكان من جملة من أخذه الناسخ المذكور من أهل سوس، وذلك يدل على عموم انتشار الأخذ عن رجال هذه المشيخة في كل أرجاء المغرب، وسيأتي ذكر تقييد الحامدي عنه أيضا.
3- إجازته المطولة لأبي عبد الله محمد الشرقي الدلائي، وسيأتي عرضها في الفصل التالي باعتبارها نموذجا لإجازات المتأخرين من أئمة المدرسة المغربية، ولاشتمالها على أعلى الطرق في قراءة نافع وغيرها.
__________
(1) تقدم في ترجمة والده عثمان بن عبد الواحد اللمطي الميموني من أصحاب الشيخ ابن غازي.
(2) وقفت على التقييد المذكور في مجموع عتيق في خزانة الشاب الفقيه الحاج جامع بمدينة أنزكان – أكادير.(1/301)
4- متنوعات، أشار إليها المراكشي في "الإعلام" فقال: "وقفت للمترجم على فوائد ونظم، من جملة ذلك ما ذكره من إقرائه بمراكش، ونص ما كتب في ذلك "الشهر النبوي ربيع الأول، أوله يوم الجمعة، وهو بعد صفر الذي بعد المحرم مفتتح ثلاثة وعشرين وألف:
"دخل – يعني الشهر المذكور – علينا بالمدينة المراكشية، بـ"دار الحرة" المعروفة بـ "دار الخطيب" بحومة "المدرسة الشريفية" بقرب "جامع ابن يوسف" نازلين بها عن أمر الإمام الهمام وحيد دهره، وفريد عصره، مولانا أبي المعالي زيدان ابن الإمام المنصور المرحوم بالله مولانا أحمد بن مولانا محمد الشيخ الشريف الحسني، وإقامتنا في كل يوم خمس أواق من بيت ماله – عمره الله- مع ولدنا محمد عبد الخالق بن محمد الحسني البوعناني، أقرأ خمسة مجالس: اثنان في "مختصر خليل" ومجلس في "التوحيد"، واثنان في "النحو" مع جمع من طلبة أهل مراكش علم الله الجميع خيرا"(1).
تصدره:
وهذا التقييد الذي أفادنا به المراكشي عن هذا المجموع الذي قال عنه "كله فوائد، وأنه عنده "يعطينا صورة من العناية من لدن رجال الدولة باستقطاب العلماء والقراء للعاصمة وتفريغهم للتدريس في مقابل جراية معلومة رأينا هنا أنها جراية مالية وأنها كانت تؤدى إلى الشيخ كل خميس.
كما يفيدنا التقييد المؤرخ بشهر ربيع من عام 1023 أن الشيخ الشريف البوعناني قد انتدب للتدريس رسميا في هذا التاريخ وهو في الخامسة والثلاثين من العمر، وذلك بعد أن أنهى دراسته على المشايخ بل وبعد أن أمسى والدا لولد كان في جملة من يقرأ عليه.
__________
(1) الإعلام المراكشي 5/279-280 ترجمة 682.(1/302)
وهذا التاريخ الذي كان يدرس فيه لطلبة مراكش بدار الحرة بجوار ابن يوسف بمراكش مقابل للتاريخ الذي تقدم أن الشيخ محمد بن يوسف التلمي كان فيه "يعاطي كؤوس القراءات مع طلبة هذه الحضرة" ويقرئهم الشاطبية والكراريس والتجويد بـ "المدرسة الغالبية" المجاورة لدار الحرة المذكور – كما تقدم في ترجمة التملي -.
وذلك يدل عندنا على مدى استفادة المراكشيين لهذا العهد من هذه الطبقة من خريجي المدرسة "البنغازية"، كما يعطينا صورة عن التلاقح السريع الذي كان يتم بين مختلف المراكز العلمية التي كانت فيما بينها تتقارض الأساتذة، أو على الأصح تتنافس في استقطابهم واستجلابهم للتقوّي بوجودهم والتزيين بمحضرهم مما كانت الحركة القرائية والعلمية تستفيد منه استفادة قصوى كما قدمنا في صدر هذا الفصل.
ولا ندري متى عاد الشيخ البوعناني إلى فاس وتصدر بها، لأننا سوف نجد الأخذ عنه في 1038 وهو تاريخ إجازتي كل من أبي عبد الله الشرقي وأبي عبد الله الرحماني، إلا أن الأخير قرأ عليه قبل بالزاوية البكرية الدلائية.
والظاهر أنه فارق زيدان إليها بعد أن تدهورت الأحوال في مراكش بكثرة الفتن إذ "لم يخل قط في سنة من سني دولته من هزيمة عليه أو وقيعة بأصحابه، ووقعت بينه وبين إخوته معارك يشيب لها الوليد، وكان سبب خلاء المغرب، وخصوصا مدينة مراكش"(1)، فلعل هذا ما جعل البوعناني يلتحق بزاوية الدلاء ثم أخيرا بفاس.
وقد أخذ عنه بفاس جماعة من الأعلام لا يتسع المقام لاستعراضهم، ولذلك نكتفي بمن وقفنا له على إجازة أو تقييد عنه، فمنهم:
__________
(1) نقله في الإعلام للمراكشي 3/255-256 وأصله لليفرني.(1/303)
1- الشيخ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي القاسم بن الغازي الحامدي الجزولي السوسي صاحب "أنوار التعريف لذوي التفصيل والتعريف"(1)، وقد تقدم أنه ألف كتابه هذا بالمدرسة البوعنانية بفاس سنة 1026 وضمنه ما أخذ به في "العشر الصغير" عن شيخه أبي عبد الله محمد بن يوسف التملي السوسي الجزولي كما ذكره في أوله، وتقدم أيضا أنه أخذ عن ابن عاشر كما قال في "باب الاستعاذة": "هكذا حدثني به الشيخ عن شيخه سيدي محمد الترغي، وحدثني به أيضا شيخنا سيدي عبد الواحد بن عاشر الأندلسي عن شيخه سيدي أحمد بن عثمان اللمطي ".
وقد وقفت للحامدي على تقييد قيده عن الشيخ البوعناني يدل على مكانته وعظيم تمثله لما تلقاه عن شيخه في القراءات السبع، يقول فيه: "الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، وخص بحفظه طائفة سبقت لهم العناية فسقت أغصان رعايتهم في أم الكتاب، فانشرحت به الصدور، وزها به روض السرور، وطابت بنسيم عبيره الأنفاس، واستنارت بنور سراجه شهب الاقتباس، والصلاة والسلام الأكملان على مولانا محمد أفصح من نطق بالضاد....
__________
(1) تقدم ذكر الكتاب في الشروح التي قامت على تفصيل عقد الدرر لابن غازي في الفصل الثاني من العدد الماضي.(1/304)
"وبعد فإني لما قرأت على الشيخ الإمام الأوحد الهمام، علم الأعلام، المتحلي بحليتي شرف العلم والنسب، المتمسك من الحق بأوثق سبب، رافع منار الرواية بعد الدثور، ومنشد شواردها فتجمعت بعد الشرود والنفور: أبي عبد الله محمد بن محمد البوعناني الشريف الحسني، لازالت سحائب العرفان على رياض تدريسه مغدقة، وأنوار توفيق الله لخدمة كتابه في صفحات وجهه مشرقة – ختمتين جمعت فيهما بين الأئمة السبعة، وكانت روايته عالية السند والإسناد، مشرقا ضوؤها على المسافر والمقيم والحاضر والباد، إلا من حجبته غشاوة الحسّاد، فغرق في بحر الجحود والعناد، لأنه متقن في ضبط ما يرويه من الروايات، متثبت في ذلك غير ظان ولا شاك ولا متوهم للترهات، أردت أن أتمسك بأذياله، بعد أن غرفت من بحره وأخذت من درره وعقيانه، عسى أن يدرجني المنظوم، وأن ينفحني بنفحه(1) المعلوم، فنستند إلى الأصل الصحيح السالم من الاختيارات في غاية ما يكون من التصحيح".
"وقد كان – رضي الله عنه – أخذ عن جملة عظماء، مشايخ علماء، شهرتهم تغني عن وصفهم، وربما اختلف أخذه عنهم في بعض مسائل الخلاف، فمن واحد أخذ عنه بالوجهين مع تصدير أحدهما، وآخر أخذ عنه بواحد فقط، فقيدت هذا التقييد أضع فيه ما أخذته حسبما قيد عن أشياخه لاعتنائه بهذه الطريقة وجمعه ما افترق منها حقيقة، فلم شعثها، وصفّى مواردها، ومرادنا جمع ما أخذته عنه مشافهة مخافة النسيان لا جمع النقول والنصوص، إذ لا فائدة لها هنا... فأقول والله المأمول:
"الذي أخذت عنه في باب "شيء بتعدد المراتب حالة الوقف، وأن المشهور فيه حالة الوصل التوسط، وبه أخذنا عنه. "فيه هدى" - يومنون "حكى لنا - رضي الله عنه - عن شيخه أبي العباس سيدي أحمد بن شعيب أنه قال له: يقدم السوسي إذا كان إدغام المثلين والمتقاربين متحركين...
__________
(1) في الأصل "بتوجه" فرأيت أن الأنسب ما أثبته.(1/305)
"بارئكم" و"أخواته: أخذت عنه من طريق شيخه أي سيدي محمد الشريف التلمساني المدعو بالمريي بالإسكان ثم الاختلاس، ومن طريق شيخه أبي العباس بن شعيب بالعكس أي بتقديم الاختلاس على الإسكان.
وهكذا سار في سائر التقييد يذكر الخلاف بين مشايخ شيخه الأربعة محمد الشريف المريي وأبي العباس بن شعيب وأبي العباس الفشتالي وأبى محمد عبد الواحد بن عاشر بقلة.
وربما ذكر مذاهب ثلاثة منهم في بعض المواضع كقوله في آخر التقييد: "أخذت فيه لأبي عمرو بالإمالة، وأخبرني أنه قرأ بذلك على شيخه المريي وشيخه أبي العباس وشيخه الفشتالي، وحكوا له أنهم كذلك أخذوا عن أشياخهم الخلاف فيها.
ثم ختم التقييد بالحديث عن التكبير والهيللة لابن كثير.(1)
__________
(1) المجموع الذي تضمن التقييد في خزانة السيد الحاج جامع بانزكان – أكادير، ويقع التقييد المذكور في أربع صفحات بمقياس 28 سطرا 20 كلمة في السطر، وتاريخ نسخه 6 رمضان 1338 هـ.(1/306)
2- ومن أهم أصحابه الذين أجاز لهم بالقراءات وعلومها الشيخ أبو عبد الله محمد الشرقي بن محمد أبي بكر بن محمد المجاطي الدلائي من أبناء العلماء أهل هذه الزاوية التي كان لها الصيت الذائع في العلم والقيادة في أواخر عهد السعديين وأوائل عهد العلويين وخاصة بعد أن تدهور الوضع بسبب النزاع على الملك بين أبناء المنصور السعدي وقامت الإمارات المتعددة في الشمال والجنوب والشرق، فكان لأهل هذه الزاوية في هذه الجهات من النفوذ ما بسطت معه سلطانها في وسط المغرب ما بين شماله وجنوبه بما في ذلك مدينة فاس، إلى أن قامت دولة العلويين في سجلماسة ثم في سائر البلاد على يد المولى الرشيد بن المولى علي الشريف فدخل مع الدلائيين في صراع مرير انتهى بالقضاء على إمارتهم واجتثات زاويتهم في نواحي تادلة من أصولها مع إجلاء بقية أهل هذا البيت من العلماء إلى مدينة فاس(1).
__________
(1) ذكر القادري ذلك في التقاط الدرر 175-176 في حوادث سنة 1079 فقال: "وفي ثامن من محرم بلغ المولى الرشيد زاوية الدلاء فأخرج أهلها وحلم عليهم فما أسال من دمائهم قطرة... بعد أن لاقى جيوشهم بالموضع المسمى بـ "بطن الرمان" وهزمهم ... ثم ذكر إخراجهم منها وقد ومهم بعد ذلك لفاس ... إلخ.
وذكر نحوا من ذلك في نشر المثاني 2/180-181 نقلا عن أبي علي اليوسي في "المحاضرات" وذكر قصة شيخ الزاوية الرئيس أبي عبد الله محمد الحاج بن محمد بن أبي بكر الدلائي الذي "ملك المغرب سنين عديدة واتسع هو وأولاده وأخوته وبنو عمه في الدنيا... ثم ذكر إيقاع المولى الرشيد بهم وإجلاءهم في أوائل المحرم سنة 1079".(1/307)
ترجم القادري للشرقي فقال: "ومنهم الأستاذ المقرئ المجود الأديب البليغ أبو عبد الله محمد الشرقي ابن سيدي أبي بكر الدلائي، قرأ صاحب الترجمة على الأستاذ ابن شعيب وغيره، وله أمداح وأنظام تدل على عارضته في الأدب ... ثم ساق له نماذج من محاوراته مع بعض أساتذته(1).
وذكره في "التقاط الدرر" بنحو من ذلك وذكر أخذه عن ابن شعيب وغيره"(2).
وحلاه في "السلوة" بقوله "الحافظ الحجة الأريب، الأستاذ الضابط المقرئ المجود الأديب، سيدي الشرقي ابن الشيخ سيدي أبي بكر الدلائي، ولد سنة 1019، وقرأ بها على الأستاذ سيدي شعيب وعلى أخويه سيدي محمد وسيدي الحارثي وعلى جماعة... قال: "وكان إماما في المعقول والمنقول... أستاذا مجودا يقرئ الطلبة قراءة السبع بزاويتهم البكرية، وتخرج به فيها جماعة، وتوفي بالزاوية الدلائية سنة 1099"(3).
هكذا قال الكتاني إنه مات لهذا التاريخ بزاوية الدلاء، ولا يصح لما قدمنا من دثور الزاوية وتفرق أهلها شذر مذر سنة 1079 كما ذكر ذلك القادري وغيره.
وفي الترجمة أيضا عند كل من القادري والكتاني في السلوة أن المترجم قرأ على الأستاذ ابن شعيب، وهو أمر بعيد أيضا، وذلك لوفاة ابن شعيب سنة 1015 على المشهور، وقد ولد هو بعد ذلك بأربع سنوات، وهناك قول في وفاة ابن شعيب يجعلها متأخرة إلى سنة 1025 كما ذكر الإمام ابن عبد السلام في "المحاذي" مبتدئا به(4)، فإذا صح أمكن معه تقدير رواية بعض القراءة عنه، لأنه يكون يومئذ ابن نحو 6 سنوات، وعلى كل الأمرين لا يمكن القول باستناده في رواية القراءات عليه بالأخذ المباشر، ولو كان عنده مثل تلك الرواية العالية ما احتاج إلى أن يروي القراءة عمن هم أنزل منه فيها إسنادا كالشيخ أبي عبد الله محمد بن محمد البوعناني مترجمنا.
__________
(1) نشر المثاني 2/361-362.
(2) التقاط الدرر 251.
(3) سلوة الأنفاس 2/94-95.
(4) سيأتي ذكر ذلك في سند ابن عبد السلام في الفصل الآتي بعون الله.(1/308)
وبهذا يكون شيخه المعتبر في القراءات بلا منازع هو أبا عبد الله محمد بن محمد بن سليمان البوعناني.
وقد وقفت على إجازته له في القراءات السبع والمتون المتعلقة بها، أجازه فيها بعد أن ذكر قراءته عليه، وحدثه فيها بذلك كله عن شيوخه الثلاثة أبي عبد الله محمد بن أحمد الحسني المريي وأبي العباس أحمد بن محمد الفشتالي, وأبي العباس أحمد بن شعيب. وسيأتي عرض هذه الإجازة القيمة باعتبارها نموذجا عاليا من أسانيد المدرسة المغربية، وكانت كتابته له بالإجازة في أواخر رجب المعظم من عام 1038هـ كما جاء في خاتمتها(1).
وقد أجازه أيضا الشيخ أبو حامد العربي الفاسي إجازة عامة(2)، وأثنى عليه الشيخ الأديب أبو علي الحسن ابن مسعود اليوسي(3) ونعته في قصيدة له بقطب الرحى في المقرئين بالغرب جاء فيها قوله:
"أقطب الرحا في المقرئين بذا الأفق ... وبا نجل قطب كان في مقعد صدق
إلى أن قال: ولم يعلموا أن لو خلا الغرب كله من الخير كان الخير يرجى من "الشرقي"(4)
3- ومن أعلام الآخذين عن أبي عبد الله البوعناني الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الرحماني ويقال "الرحامني" الحشادي(5) المراكشي صاحب المنظومات والمؤلفات في القراءات: (كان حيا سنة 1070).
__________
(1) سيأتي ذلك في العدد التالي.
(2) الزاوية الدلائية ودورها الديني والعلمي والسياسي 85.
(3) هو العلامة الأديب المشهور الذي قيل فيه: "من فاته الحسن البصري يصحه – فليصحب الحسن اليوسي يكفيه" قرأ بسجلماسة ومراكش وفاس والزاوية البكرية وسمى شيوخه ومروياته عنهم في آخر فهرسته وعندي منها مصورة في 35 ورقة.
(4) الزاوية الدلائية ودورها... لمحمد حجي 72.
(5) ما تزال جماعة الحشاشدة معروفة بقرب "ابن كرير " بضواحي مراكش(1/309)
وقفت في خزانة أوقاف آسفي له على مجموع بخط يده فيه جملة تقاييد وإجازات مما أجازه به شيوخه استنفدت منها وأشرت إليها في هذا البحث مرات، وقد جاء في هذا المجموع ذكره لمشيخته بعنوان "تقييد أشياخي وما قرأت عليهم" نورده هنا بنصه لأهميته، قال الرحماني:
"تقييد أشياخي وما قرأت عليهم":
أولهم شيخنا ومفيدنا الفقيه الأستاذ سيدي ...(1) بن محمد الزيزي، قرأت عليه ثلاث ختمات بالسبع.
- وقرأت على شيخنا الأستاذ المحقق سيدي عبد الله بن محمد الفيلالي واحدة بالسبع وأخرى بالسبع والعشر إلى قوله تعالى "وواعدنا موسى".
- وقرأت على شيخنا الأستاذ الحافظ المتقن سيدي محمد المسناوي ابن محمد بن أبي بكر ختمتين بالسبع.
- وقرأت على سيدي محمد المعمري ختمة بالسبع.
- وقرأت على شيخنا الفقيه الأستاذ الحافظ المتقن إمام القراء بفاس المحروسة سيدي محمد بن محمد بن سليمان البوعناني ختمتين بالسبع.
- وقرأت على شيخنا الأستاذ الحافظ الضابط المتقن سيدي عبد الرحمن بن القاضي ختمة سبعية وختمة عشرية.
- وقرأت على سيدي محمد بن عبد القادر السفياني ختمتين بالعشر.
وقرأت على الشيخ الأستاذ الفقيه النحوي سيدي محمد بن يوسف المراكشي سورة البقرة بالسبع وبالطرق العشر، وأجازني في الجمعين المذكورين والسلام.
__________
(1) ضاع اسم الأستاذ بسبب الخروم التي تتخلل المجموع، ولذلك لم يذكره المراكشي في أساتذته في الإعلام5/294.(1/310)
قال هذا وكتبه بخط يده الفانية أحوج الناس إلى رحمة مولاه الغني به وبفضله عما سواه محمد بن محمد بن عبد الله الرحماني، وما استفدت هذا وغيره إلا من بركة الشيخ الفاضل الناسك السالك زائر الحرمين الشريفين الفقيه المحدث النحوي اللغوي الجامع بين الطريقتين(1) الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، من فضله لا يحصى ولا ينكر، سيدي محمد بن سيدي أبي بكر(2) أبقى الله بركته، وحفظ ذريته، بمنه وفضله وكرمه ورحمته.
وفي أواخر رمضان عام أربعة وأربعين وألف والسلام.
وقد ساق الرحماني بعد هذا التقييد نص إجازتين لأبي زيد بن القاضي له، وتليهما إجازة أخرى له من محمد بن يوسف التملي المراكشي المذكور في شيوخه، وسيأتي ذكر ذلك في الفصل التالي باعتباره من نماذج إجازات أهل العصر للنجباء من الطلاب.
أما الشيخ البوعناني فقد ذكر عنه في المجموع تقييدين قال في الأول منهما:
"تقييد في السبعة" مما قيدته عن شيخنا – يعني البوعناني – ثم ساقه في ورقتين وذيله بقوله:
__________
(1) يريد بهما الحقيقة والشريعة كما يدعيه المتصوفة، وذلك أنهم يعتقدون أن للخطاب الديني ظاهرا وباطنا فالظاهر منه للعامة ويختص بالشريعة "علم الرسوم" والباطن للخاصة "علم الحقائق"، وقد احتكروا هذا النوع لمشايخهم.
(2) هذا الشيخ هو الذي وصل أهل الدلاء بشيوخ الزاوية البكرية الشاذلية بمصر وذلك لما حج واتصل في مصر بالشيخ محمد البكري فأخذ عنه هذه الطريقة وفي ضمنها صلاة "الفاتح لما أغلق" المعروفة الآن عند التيجانيين. ويمكن الرجوع لمزيد من المعلومات في هذا الشأن إلى كتاب الزاوية الدلائية ودورها الديني والعلمي والسياسي ص 53.(1/311)
"انتهى ما قيدت عن شيخنا سيدي محمد البوعناني في الختمة الثانية، وكان ابتداؤنا لها في اليوم الرابع من جمادى الأولى وختمناها في اليوم السابع عشر من الشهر المذكور، فمدة القراءة أربعة عشر يوما، وذلك سنة ست وأربعين وألف بالزاوية البكرية الشهيرة بالدلائية – أدام الله عمارتها، وحفظ حوزتها بجاه النبي وآله وصحبه وتابعيه". تم كتب تحته:
"عبد ربه سبحانه الراجي عفوه وغفرانه محمد بن محمد بن أحمد الرحماني لطف الله به".
وقد ذكر بعد التقييد نص قصيدة "التكملة المفيدة" للإمام أبي الحسن الفيجاطي، ثم بعدها نص الإجازة النظمية التي أجاز بها علي بن هارون المطغري لأحد سلاطين بني وطاس بقراءة نافع والتي نظمها الشيخ أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريسي ثم ذيل عليها الشيخ محمد بن يوسف التملي وصاحبه أبو عبد الله الرحماني مترجمنا – كما سنرى نصه في نماذج الأسانيد المغربية – ثم أردف ذلك بتقييده الثاني عن شيخه البوعناني – وهو في الحقيقة الأول من حيث زمن الأخذ كما يظهر من تاريخه في آخره، وهذه صورة عنه:
تقييد للرحماني عن البوعناني: قال في أوله: مما عني بتلفيقه عبيد ربه أسير ذنبه المشفق على نفسه من سوء كسبه، محمد بن محمد بن أحمد الرحماني: أما بعد حمد الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه، فهذا تقييد خلاف الأئمة السبعة حسب ما رويت عن شيخنا الأستاذ المحقق الحافظ الضابط الفهامة الإمام العالم العلامة الحسني أبي عبد الله سيدي محمد بن محمد بن سليمان البوعناني الفاسي الدار – رضي الله عنه بمنه – وذلك مني خيفة النسيان الذي هو شيمة الإنسان، إلا من عصمه الرحيم الرحمن، وهو حسبي ونعم الكريم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. سورة البقرة "ومن الناس": قرأت "الناس" المجرور بالوجهين مع تقديم الإمالة.
"مستهزون" وما كان مثله، وقفت عليه لحمزة بالتسهيل فقط.(1/312)
"إلى بارئكم": قرأت " إلى بارئكم" وبابه لأبي عمرو بالوجهين مع تقديم الاختلاس، قال الشيخ: بتقديم الإسكان قرأت على شيخنا المريي، وبالعكس على غيره...
وهكذا سار في باقي التقييد إلى آخره فقال: "انتهى ما قيدت من الخلافيات عن الشيخ سيدي محمد بن محمد بن سليمان البوعناني، وذلك في صفر ثمانية وثلاثين وألف".
ويقع التقييد المذكور في عشر صفحات... وهو مشابه لتقييد شيخه عن ابن شعيب كما تقدم.
والذي يهمنا من هذا التقييد وما شابهه أنه يعطينا صورة عن امتزاج الطرق وتلاقحها في المدرسة المغربية واستمداد مشيخة الإقراء في الشمال والجنوب بعضهم من بعض، الأمر الذي كان يفضي إلى قيام قاعدة مشتركة بينها أمكن عن طريقها استواء "الهيكل العام" لهذه المدرسة بطرازها المعروف في الأداء وخصائصها ومقوماتها العامة في القراءة وعلومها كما سنقف عليها في الفصل الأخير من هذا البحث بعون الله.(1/313)
ونختم هذه السلسلة من أعلام الأئمة ومشايخ الجماعة بقيدوم مدرسة ابن غازي في المائة الحادية عشرة ومنظرها المترجم عنها وعن ما استقر عليه العلم فيها تلاوة وأداء ورسما وضبطا، ذلك هو خاتمة المحققين الإمام أبو زيد بن القاضي، وقد أضفناه إلى هذه القائمة لما ذكرنا من الاعتبارات، ولأنه أيضا ينتمي بالولادة إلى المائة العاشرة التي رأينا أن نقف ببحثنا هذا عندها بعد أن أطنبنا في البحث إطنابا نخاف أن يخرج به عن غايته، وبعد أن رأينا غير واحد من طلبة الدراسات الإسلامية بكلية الآداب ودار الحديث الحسنية قد تناولوا جوانب من آثار أعلام طائفة من الأئمة وفهارسهم ممن كانوا يمثلون امتدادات هذه المدرسة(1). وسنقتصر هنا على ما يهمنا من ابن القاضي ضمن هذه المشيخة دون توسع في دراسة شخصيته وآثاره العلمية لما قدمنا من سبق بعض الباحثين إلى تناولها.
__________
(1) تعددت البحوث في آثار رجال هذه المدرسة وكثرت كثرة ملحوظة في السنوات الأخيرة وخاصة فيما يخص آثار أبي زيد بن القاضي حيث حقق الأستاذ بلوالي كتابه "الإيضاح لما ينبهم على الورى في قراءة عالم أم القرى "تحت إشراف أستاذنا الدكتور التهامي الراجي، وحقق الأستاذ عبد العزيز كارتي كتابه "علم النصرة في تحقيق قراءة إمام البصرة" تحت إشراف أستاذنا أيضا، والأستاذ أحمد البوشيخي كتابه "الفجر الساطع شرح الدرر اللوامع"، والأستاذ محمد أبو الوافي كتاب رسائل وأسئلة وأجوبة ابن القاضي". كما حقق أو سجل عدد من مؤلفات ابن عبد السلام الفاسي ومنها فهرسته تحقيق الأستاذ محمد أمين زلو، وكتاب "الأقراط والشنوف بمعرفة الابتداء والوقوف" للأستاذ الطاهر الشفوع وسوى ذلك من كتب أبي زيد المنجرة وغيرهم".(1/314)
20- الشيخ الإمام أبو زيد عبد الرحمن بن أبي القاسم(1) بن محمد بن محمد بن قاسم بن أبي العافية المكناسي ثم الفاسي عرف كأبيه وطائفة من أهل بيته بـ "ابن القاضي" قال القادري: "وبنو القاضي بفاس معروفون، وسكنى صاحب الترجمة كان برحبة ابن رزوق من عدوة فاس الأندلس، وبعض أولادهم باقون بداره، وبعضهم بالأقواس بالمخفية وغيرها، وكان لسلفهم علم بالقراءات والحساب والتاريخ والتعديل وغير ذلك"(2).
وقد تقدم ذكر والده أبي القاسم في رجال هذه المدرسة، وكان من أصحاب أبي العباس أحمد بن علي القدومي وعنه أخذ النحو والقراءة، وذكر في فهرسته أنه كان لأبيه سارية بجامع القرويين يقرأ فيها "الرسالة" سنة 961هـ"(3).
ولد المترجم باتفاق سنة 999هـ وتربى في حجر أبي المحاسن يوسف الفاسي، وقرا على أبيه أولا ثم على كبار المشيخة بفاس، ونبغ في ذلك نبوغا تميز به عن أهل زمانه شهد له به جميع من ترجموا له وخاصة في علم القراءات.
قال الحضيكي في مناقبه: "ونشا في عفاف وصيانة، وحفظ القرآن وحبب إليه تلاوته، وصرف العناية إليه وأحكمه، وأتقن القراءة وطرقها وأحكامها ومذاهب القراء جميعا، فصار أستاذ المغرب كله، يغشاه الخلق للأخذ عنه، ويأتي بابه من لا يحصون، بل لا يرى بالغرب أستاذ ولا مقرئ إلا تلامذته، وعليه عمدتهم"(4).
__________
(1) ويقال فيه أيضا "القاسم".
(2) نشر المثاني 2/195.
(3) نشر المثاني 1/181.
(4) مناقب الحضيكي 2/154، ونحوه في صفوة من انتشر الليفرني 167-168.(1/315)
وقال القادري في "النشر": "الأستاذ المجود الكبير إمام القراء وشيخ المغرب الأقصى الأستاذ الشهير الحافظ الحيسوبي... كان أستاذا إماما مجودا بركة هماما شيخ الجماعة في الإقراء بوقته، ومفردا في تحقيقه ونعته، مقرئا حافظا، وحجة محققا لافظا"(1) وذكره القادري في "التقاط الدرر" في وفيات سنة 1082هـ فقال: "وفي ثاني رمضان من العام المذكور، توفي إمام المقرئين أكثر أهل زمانه جمعا للروايات، الأستاذ الأعظم أبو زيد عبد الرحمن ابن العلامة النحوي سيدي أبي القاسم ابن القاضي المكناسي شيخ الجماعة بوقته، ومحققا في فنه ووحيد نعته، وله صيت بسوس وغيره"(2).
وقال اليفرني في "الصفوة": "ومنهم الشيخ أستاذ المغرب المقرئ المجود أبو زيد عبد الرحمن بن أبي القاسم بن القاضي... ولد سنة 999هـ وتربى في حجر أبي المحاسن... ونشأ في عفاف وصيانة، وحبب إليه تلاوة القرآن وحفظ طرق قرائها، وصرف العناية لذلك، إلى أن صار المرجع إليه في هذا الشأن والمعول عليه في أحكام القراءات ومعرفة توجيهاتها وحفظ مذاهب أئمتها، فلا تجد أستاذا في المغرب إلا وقد روى عنه أو عن تلامذته".
مشيخته: قال اليفرني:
"أخذ – رحمه الله – عن:
- محمد بن يوسف التاملي المتقدم، وعليه معتمده، وأجازه، وهو يروي عن سيدي الحسن الدراوي عن المنجور عن ابن غازي(3)، وعن سيدي محمد الصغير المستعاني عن ابن مجبر عن ابن غازي(4).
__________
(1) نشر المثاني 2/195.
(2) التقاط الدرر للقادري 188.
(3) لم يذرك المنجور ابن غازي، والصحيح عن أصحاب ابن غازي كأبي الحسن علي بن عيسى الراشدي وغيره ممن تقدم.
(4) لم يقرأ ابن مجبر على ابن غازي كما تقدم وإنما جود عليه ثلاثة أحزاب من القرآن إلى "واذكروا الله بحرف نافع كما ذكر المنجور في فهرسته 64، وإنما سنده في القراءة من طرق شيخه أبي عمران موسى الزواوي عن الصغير شيخ ابن غازي.(1/316)
- وأخذ أبو زيد أيضا عن عبد الرحمن بن عبد الواحد السجلماسي عن شيخه المربي عن أبي القاسم بن إبراهيم عن ابن غازي، وأخذ ابن عبد الواحد أيضا عن المنجور، ذكره ابن القاضي في "تكملة ابن خلكان"(1)، وأخذ أبو زيد أيضا عن المولى عبد الهادي بن المولى عبد الله بن طاهر، وهو يروي عن أبيه المذكور عن سيدي الحسن الدراوي عن عبد الله من لا يخاف عن ابن غازي.
وأخذ أبو زيد أيضا عن سيدي أحمد العرايشي(2) عن سيدي الحسن الدراوي عن المنجور"(3).
ومن مشايخه الذين لم يذكرهم صاحب الصفوة ولا الحضيكي ولا صاحب السلوة:
- أبوه أبو القاسم بن القاضي، وقد تقدم في ترجمته أخذه عنه وروايته كثيرا من أخبار القراءة والقراء.
- ومنهم الشيخ أبو محمد عبد الواحد بن أحمد بن علي بن عاشر الأنصاري، وقد بدأ به في إسناد السبعة الذي أجاز به لأبي عبد الله الرحماني كما سيأتي، وقد حدثه بالقراءات عن المفتي الحسني عن ابن إبراهيم عن ابن غازي.
- وأسند عن شيخه الخروبي(4) عن أبي علي الراشدي المعبدي(5) عن أبي القاسم بن إبراهيم عن ابن غازي.
- وأسند عن الشيخ محمد بن أحمد الحسني المفتي بمدينة فاس عن ابن شعيب عن الفشتالي عن ابن إبراهيم عن ابن غازي كما ذكره في إسناده المنظوم عند الرحماني في إجازته.
__________
(1) يقصد "درة الحجال" لابن القاضي وقد جاء فيها ما ذكره في 3/101 ترجمة 1033.
(2) من أصحاب أبي زيد عبد الرحمن الفاسي ذكر القادري وفاته بعد 1030هـ نشر المثاني 18235
(3) صفوة من انتشر 167-168
(4) هو أبو عبد الله محمد الخروبي صاحب الأرجوزة المسماة "التبيين للتفصيل" التي نظم فيها ميمات الجمع التي قبل الفاصلة كما تقدم ذكرها في ما قام على تفصيل ابن غازي من أعمال علمية. فرغ الخروبي منها بفاس سنة 1036.
(5) أبوعيسى بن موسى الراشدي.(1/317)
وقد رأيته في عامة ما أسنده في كتبه إنما أسند السبع من طريق أبي زيد عبد الرحمن بن عبد الواحد العباسي السجلماسي المذكور كما نجده في إسناده لقراءة ابن كثير في "الإيضاح" وفي قراءة البصري في "علم النصرة" وفي إسناده لتجويد الرسم في قطعته التي استهلها بقوله:
أجازنا تجويد رسم القرآن ... سيدنا الفلالي عبد الرحمن(1)
فيكون اعتماده في القراءات السبع بوجه عام على السجلماسي المذكور، وربما وليه في ذلك الإمام ابن عاشر.
وأما محمد بن يوسف التملي فيبدو أنه اعتمده كثيرا في "العشر الصغير" لاشتهاره بإتقان ذلك.
مكانته:
كان أبو زيد ابن القاضي إمام عصره في القراءات، وأستاذ الأسانيد، العالم الكبير الحافظ الحجة "كما وصفه في السلوة(2) وكان شيخ الجماعة في الإقراء، وإمام المحققين في المعرفة بالقراءات وتوجيهها، بلغ فيها مرتبة الإمامة وأهلية "الاختيار" و"الترجيح" وهو مستوى بعد العهد به وخاصة في قراءة نافع التي كتب فيها شرحه الفريد على درر ابن بري وسماه "الفجر الساطع، والضياء اللامع، في شرح الدرر اللوامع"(3)، وهو شرح حشد له كل طاقته، وكاد يستوعب فيه جميع ما ألف في القراءة وخاصة في المدرسة المغربية، وقد ضمنه أكثر ما في شروح المتقدمين، واعتمد خاصة على ما ذكره المنتوري في شرحه، وزاد عليه الكثير مما جمعه بطول الدرس والممارسة من كتب الأئمة وأقوالهم وقصائدهم ومذاهبهم حتى لا تكاد تجد بابا إلا وجدت كل ما ألف فيه معروضا بإتقان نظما ونثرا، كل هذا مع قدرة عالية على الاستنباط والموازنة وتقويم المذاهب والاختيارات ثم الترجيح بينها.
__________
(1) ستأتي القطعة في الأسانيد.
(2) سلوة الأنفاس 2/223-224.
(3) كان تأليفه له ليلة القدر عام 1041 بفاس كما نجده في اقدم نسخة معروفة منه وهي مؤرخة بذي القعدة من عام 1078هـ مخطوطة بالخزانة العامة بالرباط برقم 989. وقد اعتمدتها في بحثي.(1/318)
ولقد وصف شرحه هذا بعض الباحثين بحق بكونه "لم يترك شاذة ولا فاذة إلا أحصاها، حتى إنك لو أردت – فقط – أن تصنف المصادر التي عاد إليها، لهالك الأمر، فالرجل حافظ واعية قدر له أن يطلع على المكتبتين: الأندلسية والمغربية ويحيط علما بكل ما فيهما، ثم ينخل كل ذلك فيخرج إلى الناس بهذا الشرح العجيب النادر الغريب(1)".
ومما ينبغي أن ننوه به هنا من ثمرات جهود الإمام أبي زيد ابن القاضي هو هذا الجهد الذي بذله في تمييز ما عليه "العمل" في عامة كتبه سواء منها كتبه المؤلفة في الرسم والضبط، وكتبه المؤلفة في القراءة والأداء، فابن القاضي لم يقف من القراءات موقف من تقدموه ليعرض الأوجه المقروء بها ثم يذكر المشهور أو الأرحج أو الوجه المصدر في الأداء، ولكنه ترقّى من ذلك إلى تحديد "الطراز المغربي المتميز في الأداء والرسم والضبط" عن طريق التنبيه والإرشاد إلى ما "به الأخذ" و"عليه العمل" وكأنه بذلك يريد أن يخرج بالقارئ من متاهة الخلاف.
ولنا عودة إلى منهجه هذا بإذن الله عند استعراض المادة الأصولية التي أخذ بها المغاربة في التلاوة العامة من رواية ورش وطريق أبي يعقوب الأزرق عنه في العددين اللذين بهما ختام هذه السلسلة.
وكانت لأبي زيد مكانة أخرى في زمنه لا تقل عن هذه المكانة، وهي مكانته الاجتماعية، فقد كان مكين القدر عند رجال الدولة حتى إنه كان من خواص السلطان المولى الرشيد(2) كما كان أبوه من قبله وجيها عند السلطان المنصور(3).
__________
(1) القراء والقراءات بالمغرب 95.
(2) الإتحاف لابن زيدان 4/39.
(3) نشر المثاني 1/81.(1/319)
وبلغ من حظوته لدى المولى الرشيد أنه كان يولي القضاة والنظار والمحتسبين بفاس أو يعزل من يعزل منهم بمشورته(1)، وبقي أثر هذا التقدير في أهل بيته تجدد لهم به الظهائر إلى وقت متأخر(2).
أما استفاضة الأخذ عنه في مجال القراءات في جميع أطراف المغرب وجهاته فحدث عن البحر ولا حرج. وقد رأينا إرجاء متابعة إشعاع هذه المدرسة من خلاله ومن طريق باقي المشيخة التي سميناها معه وقبله لنحاول رصد ذلك من خلال الامتدادات التاريخية لشبكة الأسانيد في المدرسة المغربية، وذلك ما سنقف عليه في العدد التالي بعون الله.
فهرس مصادر
العدد السادس والعشرين
? إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس لمولاي عبد الرحمن بن زيدان الطبعة 2 سنة 1410 هـ 1990 م.
? إتقان الصنعة في التجويد لسبعة لأبي العباس أحمد شعيب (مخطوط)
? أجوبة الشيخ أبي عبد الله محمد بن يوسف الترغي في القراءات م.خ.ع بالرباط برقم 1181 حرف د
? أجوبة أبي العباس أحمد المنجوز على مسائل في القراءات وأصول رواية ورش م.خ.ح بالرباط برقم 8011
? أجوبة على أسئلة في الرسم والضبط لأبي عبد الله محمد بن يوسف التملي ح خ أوقاف آسفي غير مرقمة.
? أجوبة على أسئلة في الإمالة لمحمد بن علي بن مبارك الأنسوي الضرير السوسي (خزانة خاصة).
? إجازة في القراءات من الشيخ محمد البوعناني لأبي عبد الله الشرقي م خ ح رقم 9977 – الرباط.
? إزالة الشك والإلباس العارضين لكثير من الناس قي نقل شكل الهمز من ألم أحسب الناس لأبي زيد عبد الرحمن بن القاضي (مخطوط خاص).
? الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام للعباس بن إبراهيم المراكشي - المطبعة الملكية - الرباط: 1975م
__________
(1) يمكن الرجوع في ذلك إلى الإتحاف 3/38-40.
(2) ينظر تجديد الظهير لأبنائه بذلك للمولى عبد الملك بن المولى إسماعيل في الإتحاف 5/311 وتجديده لهم أيضا من طرف مولاي عبد الرحمن بن هشام في الإتحاف 5/15.(1/320)
? أنوار التعريف لذوي التفصيل والتعريف لمحمد بن أبي القاسم الجزولي الحامدي م خ ح بالرباط برقم 8885.
? البدور الضاوية في التعريف بالسادات أهل الزاوية الدلائية لأبي الربيع سليمان بن محمد الشفشاوني الشهير بالحوات (مخطوط) بالخزانة العامة.
? التذكرة في القراءات الثمان لأبي الحسن طاهر بن عبد المنعم بن غلبون الحلبي، تحقيق الدكتور عبد الفتاح بحيري إبراهيم ط: 2 نشر مكتبة الزهراء للإعلام العربي.
? التبصرة في القراءات السبع لأبي محمد مكي بن طالب القيسي القيرواني تحقيق الدكتور محي الدين رمضان الطبعة 1 بالكويت: 1405هـ 1985م.
? تقريب النشر في طرق العشر النافعية لأبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن الأزروالي (خزانة خاصة).
? تقييد في الوجوه الجائزة في تكبير ابن كثير المكي لعبد الواحد بن عاشر الأنصاري (خزانة خاصة).
? تقييد وقف الإمام الهبطي لأبي عبد الله محمد بن أحمد المرابطي البعقيلي (م خ أوقاف آسفي).
? تكميل المنافع في الطرق العشر المروية عن نافع لمحمد بن محمد بن أحمد الرحماني م خ ح رقم 8864.
? جذوة الاقتباس في ذكر من حل من الأعلام مدينة فاس لأحمد بن القاضي المكناسي – نشر دار المنصور بالرباط: 1974م.
? درة الحجال في أسماء الرجال لأحمد بن القاضي المكناسي صاحب جذوة الاقتباس تحقيق محمد الأحمدي أبو النور نشر دار التراث بالقاهرة والمكتبة العتيقة بتونس. ط 1 1390هـ 1970م.
? رجالات العلم العربي في سوس من القرن الخامس الهجري إلى منتصف القرن الرابع عشر لمحمد المختار السوسي - نشر رضا الله عبد الوافي المختار السوسي - المغرب.
? روض الزهر في الطرق العشر النافعية أرجوزة للشيخ عبد السلام بن محمد المدغري م خ ح رقم 119.
? الرحلة العياشية (ماء الموائد) لأبي سالم العياشي ط 2 إعداد محمد حجي: 1397هـ 1989م.
? الزاوية الدلائية ودورها الديني والعلمي والسياسي لمحمد حجي - المطبعة الوطنية بالرياط: 1384هـ 1964م.(1/321)
? سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس لمحمد بن جعفر الكتاني الفاسي طبعة حجرية بفاس.
? سوس العالمة لمحمد المختار السوسي الطبعة 2: 1984م 1404هـ الدار البيضاء.
? صفوة من انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر لمحمد الصغير اليفرني المراكشي طبعة حجرية بفاس.
? عرف الند في حكم حرف المد لأبي العباس أحمد بن عبد العزيز بن الرشيد السجلماسي م خ ح 1064.
? الفوائد الجمة بإسناد علوم الأمة لأبي زيد عبد الرحمن بن محمد التمنارتي م خ ح 964.
? التقاط الدرر لمحمد بن الطيب القادري تحقيق هاشم العلوي القاسمي دار الآفاق الجديدة – بيروت.
? فهرس أحمد المنجور (سلسلة الفهارس) تحقيق محمد حجي الرباط 1396هـ/1976م.
? فهرس ابن غازي التعلل برسوم الإسناد بعد انتقال أهل المنزل والناد تحقيق محمد الزاهي – الدار البيضاء : 1399هـ - 1979م.
? القراء والقراءات بالمغرب لسعيد أعراب نشر الغرب الإسلامي ط 1: 1410هـ 1990م.
? مرآة المحاسن لأبي المحاسن يوسف الفاسي طبعة حجرية بفاس.
? مقالة الأئمة الأعلام في وقف حجرة وهشام على الهمز لعبد الرحمن بن القاضي (مخطوط).
? ملتقط الرحلة من المغرب إلى حضر موت للفقيه يوسف بن عابد الفاسي الحسني تحقيق الدكتور أمين توفيق الطيبي – نشر الجمعية المغربية: 1988م.
? مناقب الحضيكي (طبقات الحضيكي) المطبعة العربية – الدار البيضاء: 1357م.
? نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني لمحمد بن الطيب القادري تحقيق محمد حجي وأحمد التوفيق: الرباط: 1397هـ - 1977م.
? النهج المتدارك في شرح القصيدة الدالية في الهمز لأبي عبد الله بن مبارك لأبي العلاء إدريس بن محمد المنجرة م خ ح رقم 119 وأخرى برقم 11474.
فهرس محتويات
العدد السادس والعشرين
العنوان:
إشعاع مدرسة ابن غازي في الحواضر والجهات
والهيكل العام للمدرسة المغربية النافعية.
مقدمة. ...(1/322)
الفصل الأول: إشعاع مدرسة ابن غازي من خلال مشيخة الإقراء وشيوخ الجماعة والعوامل المساعدة على هيمنة مذاهبها وسيطرتها في الميدان ...
- ظهور الأوقاف لخدمة القراءات ...
- كراسي القرويين بفاس في القراءة والتجويد ...
- أعلام مدرسة ابن غازي والآخذون عنهم ...
? أحمد بن قاسم أبو العباس القدومي الفاسي ...
? أبو العباس أحمد لن علي الزموري ...
? أبو العباس أحمد بن علي المنجور الفاسي ...
أجوبته على مسائل من القراءات ...
? أبو زيد عبد الرحمن بن عبد الواحد السجلماسي ...
? الحسن بن محمد الدراوي الهداجي صاحب الطرر على أرجوزة ابن غازي ...
? أبو عبد الله بن عبد الرحمن الأزروالي صاحب تقريب النشر في طرق العشر. ... ...
? أبو محمد عبد الله بن علي بن طاهر السجلماسي الحسني ...
? ولده المولى عبد الهادي بن عبد الله السجلماسي الحسني ...
? أبو العباس بن مخلوف الشفشاوني الضرير ...
? أبو العباس أحمد بن محمد الفشتالي ...
? محمد بن علي بن محمد الشريف المريني الأندلسي الفاسي ...
? محمد بن يوسف أبو عبد الله الترغي المساري معلم أولاد الملوك السعديين ...
أهم أصحاب أبي عبد الله الترغي من القراء ... ...
? أبو عبد الله محمد بن علي الجزولي الأنسوي الكفيف الشهير بأحمد ...
- من آثار الأنسوي في مسائل الأداء لورش ...
? أبو العباس بن شعيب الأندلسي صاحب كتاب إتقان الصنعة في قراءات التجويد السبعة ...
آثاره وكتابه إتقان الصنعة في التجويد للسبعة ...
? أبو القاسم بن محمد والد عبد الرحمن بن القاضي ...
? الحسن بن يوسف بن مهدي أبو علي الزياتي ...
? وله عبد العزيز بن الحسن الزياتي ...
? أبو محمد عبد الواحد بن أحمد بن علي بن عاشر الأنصاري ...
? آثاره في علوم القراءة ...
? أبو عبد الله محمد بن يوسف التملي السوسي الأصل المراكشي ...
آثاره العلمية ...
? أبو عبد الله محمد بن محمد بن سليمان البوعناني ...
? إجازته المطولة لأبي عبد الله محمد الشرقي الدلائي في القراءات ...(1/323)
? أبو عبد الله محمد بن أحمد بن الغازي الجزولي الحامدي السوسي مؤلف أنوار التعريف لذوي التفصيل والتعريف ...
? أبو عبد الله محمد الشرقي بن محمد بن أبي بكر المجاطي الدلائي صاحب الإجازة من البوعناني ...
? أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد الرحماني الحشادي صاحب تبصرة الإخوان ...
? تقييد للرحماني عن شيخه البوعناني ...
? أبو زيد عبد الرحمن بن القاضي شيخ الجماعة بفاس وأستاذ المغرب في القراءة في زمنه ...
مكانته العلمية ...
فهرسة المصادر والمراجع ...
فهرسة المحتويات ...
قراءة الإمام نافع عند المغاربة
من رواية أبي سعيد ورش
( نظام الأخذ والإجازة في المدرسة المغربية وأهم شبكات الأسانيد المعتمدة في قراءة نافع بالمغرب (
العدد السابع والعشرون
نظام الأخذ والإجازة
وشبكات الأسانيد المعتمدة في المدرسة المغربية
مقدمة:
يقوم علم القراءات كما رأينا في حديثنا عن استمداداته وفي حديثنا عن عناصر إمامة الإمام نافع ومقومات مدرسته على الرواية الموثقة والنقل الصحيح, ومن هنا كانت عناية علماء القراءات بطرقها باعتبارها الركن الركين بين الأركان الثلاثة التي يقبلون بها القراءة أو يردون, وهي صحة السند بها وثبوتها مع موافقة الرسم والعربية.
وقد قدمنا ما لعلم الأسانيد من أهمية إذ هي " الطرق الموصلة للقرءان, وهي من أعظم ما يحتاج إليه في هذا العلم, لأن القراءة سنة متبعة ونقل محض فلا بد من إثباتها وتواترها, ولا طريق لذلك إلا بهذا الفن"(1).
__________
(1) - غيث النفع للنوري الصفاقسي 21-22(1/324)
ومن هنا كان الاهتمام بتمييز الأسانيد والطرق الموصلة للقراءة ومعرفة المتواتر منها من المشهور والآحاد والشاذ ومعرفة منازل الرواة ورجالهم في العدالة والثقة والضبط وضبط مراتب التحمل والأداء من أهم العناصر التي قامت عليها مباحث هذا العلم, وهي مباحث قامت أول الأمر على منهج أهل الحديث في انتقاء الأسانيد وتتبع أحوال النقلة باستعمال معايير التعديل والتجريح المعتبرة عندهم لتصنيف هذه الأسانيد وتمييز السائر الصحيح من الواهي الضعيف والشاذ النادر, إلى أن استقرت الروايات والطرق, واتضحت معالم النقل عن الأئمة, وظهرت المصنفات فيها فقامت مقام الأصول, وأصبح الإسناد إلى الأئمة "المصنفين للحروف"(1) يقوم مقام الإسناد إلى الأئمة أصحاب الاختيارات, وتحول الاهتمام وخاصة في المدرسة المغربية إلى ضبط الطرق الموصلة إلى هؤلاء مع نوع من التمحيص والدراسة المقارنة لما بين أولئك المصنفين من مظاهر الاتفاق والاختلاف في النقل والعزو.
ولقد كانت هذه الحركة في المشرق قائمة في مدارس الأمصار في عهد ازدهار القراءة بها, وكان رجال المدرسة المغربية يومئذ يتهيأون لتسلم اللواء في زعامة هذا الشأن في أواخر المائة الرابعة بعد أن استكمل القارئ المغربي أدواته العلمية عن طريق الرحلة والاحتكاك وارتياد الآفاق في طلب ذلك, وكان أعظم ما تأتى له في ذلك يمر عبر رجال المدرسة المصرية وروافدها في المائة الرابعة وصدر الخامسة.
__________
(1) - يمكن الرجوع إلى باب "القول في المصنفين للحروف" من الأرجوزة المنبهة للإمام أبي عمرو الداني.(1/325)
وأسهم الأقطاب العشرة الذين فصلنا الحديث عنهم من عمداء المدارس الأصولية الفنية المغربية بقسط وافر تكللت به تلك الجهود التي بذلت لعدة قرون من خلال الرحلات العلمية لوصل أسانيد القراءة في المغرب بأصولها المشرقية, بحيث تأتى للقارئ المغربي في نهاية المطاف الحصول على أوثق الروايات وأعلى الطرق فيها وتحرير النقول عن الأعلام الأئمة في كل حرف من القرءان مع ما يتبع ذلك من قواعد الأداء والرسم والضبط.
وهكذا تأتى لرجال المدرسة المغربية على عهد الأقطاب في النصف الثاني من المائة الرابعة إلى أواخر المائة الخامسة الحصول من تلك الرحلات على ما يلي:
1- الأخذ المباشر عن رجال مدارس الأمصار المتصدرين الذين هم بالنسبة إليهم طرق في الروايات التي يقرؤون بها.
2- التحقق من المصادر النقلية التي قرؤوا بها في بلدانهم بعرضها وسماعها من مؤلفيها أومن تلامذتهم.
3- رواية تلك المصنفات والتدرب على أداء مادتها القرائية بالتلقي لذلك من أفواه مؤلفيها أو من أخذها منهم.
4- وصل أسانيد القارئ المغربي بما تضمنته تلك المصنفات من أسانيد عن كبار الأئمة تحقيقا للقراءة والعلو فيها.
وهكذا ومنذ هذا التاريخ ـ أي المدة الزمنية التي عرفت كلا من ابن سفيان ومكي والمهدوي وأبي عمرو الداني وابن شريح ونظرائهم من باقي العشرة, أصبح القارئ المغربي إماما في القراءة قيما على مذاهب أئمتها, عارفا باختلاف النقلة وطرق الأداء, قادرا أيضا على معرفة الصحيح السائر من الغريب النادر, مؤهلا للترجيح والاختيار في ضوء الأصول والقواعد التي اختار الأئمة بناء عليها, ونظروا في المادة القرائية على منوالها.(1/326)
ونشأت المدارس الفنية في إفريقية والأندلس كما رأينا وأمسى لكل مدرسة قطبها واتجاهها الفني وجمهورها الذي يأخذ بمبادئها ويختار في القراءة والأداء على أصولها, وكان ذلك من دواعي تغيير مسار الرحلة وتغيير اتجاهها وزمنها, وغدت الرحلة من إفريقية وإليها أو من الأندلس وإليها, وكان القارئ يرحل فيما بين ذلك إلى حواضر منبثة هنا وهناك ليجد المتصدرين في حواضر الجهة التي يقصدها قادرين على شفاء غليله فيما اعتاد أن يرحل في مثله وفي ما هو دونه إلى أمصار المشرق يدرع الأقطار ويخوض البحار.
أما الآن فقد أصبح يرحل إلى جهة من الجهات فيجد المادة القرائية معروضة في أوثق طرقها ميسرة محررة تلقن أداء ومشافهة, وتجلى عليه تصنيفا وتأليفا, وتشرح له مستنداتها تعليلا وتوجيها, ويسند كل طريق منها أو وجه في الأداء إلى من قرأ به, وكل مذهب من مذاهبها الفنية إلى من ذهب إليه, بعد أن عكف الأئمة الأقطاب على ذلك منقحين ومحررين, ومهذبين ومصنفين, حتى استوت لهم من ذلك مؤلفات سارت عنهم بها الركبان تضمنت أوثق ما قدروا عليه من روايات ومرويات واختيارات وتوجيهات.
وهكذا عادت الرحلة جذعة لكن بعد أن تغير مجالها وتبدل اتجاهها, كما حل الأخذ عن هؤلاء الأقطاب محل أولئك العلية من المشايخ الذين كانت تشد إليهم الرحال, وحلت مصنفاتهم في القراءة وعلومها محل مصنفات أولئك, واستغنى القارئ المغربي بالضرب إلى بعض الجهات من المغرب والأندلس عن الضرب في الآفاق, وأدى التنافس بين طلاب هذا الشأن إلى انتقاء الأكابر والرحلة إليهم للأخذ المباشر.
ولأول مرة في تاريخ المدرسة المغربية نجد الاهتمام بالحصول على إجازة التأهل من الشيخ تشهد للقارئ بما قرأ عليه أو بتمام الأهلية واستكمال الآلة للإ قراء والتصدر.(1/327)
وهكذا أيضا أمسى من أهداف الرحلة الحصول على الإجازة من الأكابر, وخاصة في المؤلفات التي كانوا يقرؤون بمضمنها, وذلك حتى يجمع بين إتقان القراءة وتحديد الطرق التي يقرأ بها، ضبطا للأمر، وتوثيقا للأخذ, ومن ثم دخل في شروطهم المشروطة في المتصدر "أن يحفظ كتابا مشتملا على ما يقرئ به من القراءات أصولا وفرشا, وإلا دخله الوهم والغلط في كثير مما يقرا به"(1), وإن أقرأ بكتاب وهو غير حافظ له فلا بد أن يكون ذاكرا كيفية تلاوته به حال تلقيه من شيخه, مستصحبا ذلك, فإن شك في شيء فلا يستنكف أن يسأل رفيقه أو غيره ممن قرأ بذلك الكتاب حتى يتحقق بطريق القطع أو غلبة الظن, وإلا فلينبه بخطه على ذلك في الإجازة"(2).
وكما كان على القارئ أن يضبط حروف القراءة مباشرة على من قرأ عليه أصبح على القارئ على هذا المنوال أن يضبط القراءة بمضمن الكتاب وذلك بروايته للكتاب عن مؤلفه أو من سمعه منه, ولذلك يقول ابن الجزري :
"لو حفظ" "التيسير" مثلا ليس له أن يقرئ بما فيه إن لم يشافهه به من شوفه به مسلسلا, لأن في القراءات أشياء لا تحكم إلا بالسماع والمشافهة"(3).
الفصل الأول: الإجازة بالقراءات في المدرسة المغربية:
شروط الإجازة وما يتعلق بها وأنواعها:
__________
(1) - منجد المقرئين لابن الجزري 4 وغيث النفع للنوري 31 - 32
(2) - منجد المقرئين 4.
(3) - منجد المقرئين 3.(1/328)
وقد رتب أئمة هذا الشأن للإجازة بالمروي من ذلك قواعد وأصولا فيها الكثير من التحري والتدقيق احتياطا لكتاب الله, فاشترطوا على طالب الإجازة أن يقصد شيخا كملت أهليته, وظهرت ديانته, وأن يتأدب معه تمام التأدب, فإذا قعد للعرض عليه فعليه أن يجلس في منتهى الوقار جلسة المتعلم, "وينبغي أن لا يقرأ على الشيخ في حال شغل قلب الشيخ وملله وغمه وجوعه وعطشه ونعاسه وقلقه ونحو ذلك مما يشق على الشيخ أو يمنعه من كمال حضور القلب, ويحرص كل الحرص على أن يقرأ على الشيخ أولا فإنه أقود له وأسهل على الشيخ.. وينبغي أن يفرد القراءات كلها, فإن أراد الجمع فلا بد من حفظ كتاب جامع في القراءات, وعليه أن يحفظ كتابا في الرسم, وليعلم حقيقة التجويد ومخارج الحروف وصفاتها وما يتعلق بها علما وعملا"(1).
وشرطوا على المجيز أن يتحرى الأمانة فيما يجيز به سواء كان من قبيل المقروء أم من قبيل المروي, قال الحافظ ابن الجزري:
"لكن نقول:"النقل على قسمين: مقروء ومروي, فالأول المقروء على معرفة كيفية تلاوته وضبطها, والثاني نحو ما مثلنا به(2), فينبغي للمجيز أن يقول : أذنت أو أجزت له أن يقرأ بما قرأه علي وما لا حرج فيه, ويقول المجاز في الأول: قرأته, وفي الثاني: رويته قال:
"وأعلى ما يكتب للمجاز الإذن والأهلية, لا يكتب إلا لذلك.. ويجوز له أن يقول: أجزت له أن يقر بكذا عند تأهله لذلك.
__________
(1) - نفسه 12.
(2) - مثل بأمثلة من الرسم الذي لا يتأتى للقارئ أن يضبط فيه روايته بالسماع في كل حرف حرف في حالتي الوصل والفصل نحو " لقاءنا ايت" و " قالا الحمد لله" و " قالوا الآن" و " يوتي الحكمة", قال : " فإن ادعى أحد ضبط كيفية تلاوته على شيخه بذلك وقال أصل ما وصلت وأفصل ما فصلت, فجوابه إن سوعدت على ذلك وتحريت وضبطت ما قرأت به جعلت الجائز واجبا". – منجد المقرئين 13.(1/329)
"ولا بد من سماع الأسانيد على الشيخ, والأعلى أن يحدثه الشيخ بها من لفظه, فأما من لم يسمع الأسانيد على شيخه فأسانيده من طريقه منقطعة".
ثم أشار ابن الجزري إلى ما جرت به عادة المتأخرين في ذلك عند استكمال الطالب للعرض والتأهل فقال:
"وأما ما جرت به العادة من الإشهاد على الشيخ بالإجازة والقراءة فحسن يدفع التهمة ويسكن القلب, وأمر الشهادة يتعلق بالقارئ يشهد على الشيخ من يختار, والأحسن أن يشهد أقرانه النجباء من القراء المنتهين لأنه أنفع له حال كبره"(1).
وقد رأينا نماذج مما ذكره ابن الجزري تضمنتها طائفة من الإجازات التي صدرت من كبار المشايخ على سبيل الاعتراف والتنويه ببعض المتخرجين عليهم ممن تأهلوا لإمامة التصدر, ومن أهمها الإجازتان الصادرتان من كل من أبي الحسن بن هذيل وأبي عبد الله محمد بن أبي العاص النفزي مما أجازا به الإمام أبا القاسم بن فيره الشاطبي صاحب "حرز الأماني", وقد سقنا نصهما في ترجمته(2).
وهما نموذجان صالحان يعطياننا صورة عن النمط الذي كان سائدا في الإجازات في أثناء المائة السادسة, وليس في كل منهما إشهاد على الإجازة, وإنما هما بمنزلة اعتراف من الشيخ للمجاز (أبي القاسم الشاطبي) بما قرأ به على الشيخين, وأذن له أيضا بالإخبار عنهما بما تضمنته مما قرأ به عليهما بعد أن حددا جملة ما قرأ به.
فأبو الحسن بن هذيل استهل الإجازة بذكر المستجيز وأنه قرأ القرءان عليه من فاتحته إلى خاتمته ختمة واحدة بمذاهب السبعة الأئمة, ثم يذكر كل إمام ويسمي الرواية التي قرأ عليه بها, ثم يقول:
__________
(1) - منجد المقرئين 13 – 14.
(2) - يمكن الرجوع إلى الإجازتين في العدد الذي خصصناه للإمام الشاطبي برقم 14.(1/330)
"وقد أجزت له ـ وفقه الله ـ جميع القراءات السبع من الروايات والطرق المنصوصة على سبيل الإجازة والرواية, وأذنت له أن يقرأ ويقرئ بها على حسب ما قرأها علي وأخذها عني وسمعها مني, وعلى حسب ما نص عليه الإمام الحافظ المقرئ اللغوي أبو عمرو في مصنفاته التي سمع بعضها علي, ولا يخالف ذلك ولا يتعداه إلى غيره, فهو الطريق الواضح... ثم ذكر سنده بالقراءات وعلومها من طريق أستاذه أبي داود سليمان بن نجاح وقال:
فليرو ذلك كله عني أو ما شاء الله منه عن الإمام المقرئ أبي داود, وليرو من أحب, وليقل فيه أو ما شاء منه إذا صح عنده وعارض بكتبي أو ما ثبت عنده عني: "حدثنا" أو "أخبرنا" أو "أنبأنا"...(1).
ويستهل الإجازة أبو عبد الله بن أبي العاص النفزي أيضا بذكر المستجير فيقول: "إن صاحبنا أبا محمد (2) قاسم ابن فيره بن أبي القاسم الرعيني ـ حفظه الله وأكرمه ـ قرأ علي القرءان كله مكررا ومرددا مفردا لمذاهب القرأة السبعة أئمة الأمصار ـ رحمهم الله ـ من رواياتهم المشهورة وطرقهم المعروفة التي تضمنها كتاب "التيسير" و"الاقتصاد" للحافظ أبي عمرو المقرئ وغيرهما.. ثم ذكر أسماء القراء السبعة وأسانيده في القراءة لهم ورفع الأسانيد بذلك إلى الأئمة السبعة وقال: "فليرو أبو محمد قاسم المذكور ذلك كله عني وجميع ما صح عنده من روايتي, وليقل في ذلك كله كيف شاء من "حدثنا" و"أخبرنا" و"أنبأنا", ثم بعد كلام ذكر تاريخ الإجازة وهي مؤرخة بشهر ربيع الأخر عام خمسة وخمسين وخمسمائة (555).
ومع خلو إجازة ابن هذيل من التاريخ فإنها فيما يبدو متأخرة عن إجازة ابن أبي العاص النفزي, لأن في إجازة هذا الأخير إشارة إلى تكرر الختمات للسبعة على سبيل الأفراد, ولم يذكر فيها أنه جمعها عليه.
__________
(1) - نقلها السخاوي في " فتح الوصيد" ورقة 12-15.
(2) - هي الكنية الثانية للشاطبي اشتهر بها في الأندلس.(1/331)
أما إجازة ابن هذيل فهي إجازة له بطريق الجمع بين السبعة في قراءة واحدة ختمة واحدة, ومن شأن الإفراد والإجازة به أن يتقدم على الجمع والإجازة به, لأنهم نصوا على أن العارض للقراءة إذا أفردها على إمام معتبر فله أن يجمعها على من يشاء ولا يكلف إفرادها عليه مرة أخرى(1).
ولعل هذا النمط كان هو السائد لهذا العهد في جميع الأقطار المغربية, ثم انتقل مع الإمام الشاطبي إلى مصر, ومع مشيخة الإقراء المتصدرين بحواضر المغرب الأقصى إليه فأخذ به عامة المقرئين ممن كانوا يسندون القراءة من طرق أئمة إفريقية والأندلس, ولذلك نجد التراجم حافلة بالإشارات إلى الإجازات العامة والخاصة, كما نجد طائفة من أئمة القراء قد صنفوا في ذلك "برامج" لمروياتهم أو "فهارس" لمشايخهم وما قرؤوا عليهم به وأجازوهم فيه.
كما أننا نجد إلى جانب إجازة التأهل أو الإجازة العامة, إجازة أخرى خاصة في كتاب أو جزء مسموع أو غير ذلك, وإلى جانب هذين النوعين إجازات أخرى بالمصنفات بعد سماع طرف منها كما نجد أمثلة من ذلك في إجازات مشيخة القراءات للإمام المنتوري بعدد كبير من كتب القراءة وعلومها أكثره مما قرأ أو سمع أوله أو يسيرا منه على بعض شيوخه وأجازه في سائره كما رأينا ذلك في كثير مما ذكرناه من روايته نقلا عن فهرسته المشهورة.
__________
(1) - يمكن الرجوع في هذا المبحث إلى كتاب النشر لابن الجزري 2/196 فقد أفاض فيه في البيان.(1/332)
وإلى جانب هذه الأنواع من الإجازات هنالك إجازة أخرى يمكن تسميتها بالإجازات التقديرية, وهي التي كان يتبادلها العلماء فيما بينهم تأكيدا لصلات المودة والروابط العلمية, واستئناسا بها في الرواية, وغالبها إنما يكون بما تضمنته البرامج المؤلفة أو الفهارس, وأحيانا بكل ما يصح عن المجيز أنه قرأه أو سمعه أو رواه بأي وجه من وجوه الرواية, وأكثرها تكون بالمراسلة عند تعذر اللقاء على نحو ما قدمنا من استجازة عدد من قراء تونس لأئمة الإقراء في سبتة في المائة السابعة, وككثير من الإجازات التي كان يحصل عليها العلماء من بعضهم على أيدي بعض أصحابهم وخاصة في موسم الحج أو في أثناء المقام في مصر من الأمصار التي يعبرها الحاج في الطريق.
والذي يعنينا في هذا البحث هو ما له صلة عندنا بنظام الأخذ والتلقين مما يكون بمثابة الشهادة لحامله بتمام الأهلية والحصول على المستوى الذي يجيز له التصدر للإفادة بما عنده, أي لإقراء القراءة بحسب القراءة التي تتعلق بها الإجازة, وفي هذا النوع بالذات كان علماؤنا ضنينين متشددين فيما يتعلق بالإجازات العلمية وهي التي لا تعطى إلا بعد طول ملازمة الشيخ والأخذ عنه والتمرس به, حتى إذا أنس الشيخ من طالبه التمكن في مادته والإحاطة بما أخذه عنه أجازه إجازة تكون إذنا له في الرواية عنه والدخول إلى ميدان التدريس.
وتشبه الإجازة من هذا النوع الامتحان الذي يجتازه الطالب بين يدي شيخه لاختبار مدى تحصيله وتأهله, ولذلك كان لا بد من توفر الطالب على شروط, وأن يمر بمراحل قبل الحصول من شيخه على الإجازة.
"فمثلا على المرشح للإجازة في القرءان الكريم أن يعرف الروايات السبع كلها, وأن يتقن القرءان إتقانا تاما على النحو التالي:
- أن يمر على سائر آي القرءان ويحفظها كما يحفظ الفاتحة, وعليه أن يكون على خبرة تامة بجميع الفنون التي يتوقف عليها الحفظ من رسم وضبط وتلاوة.(1/333)
ولا يمكن أن يتقدم لأول وهلة عند الأستاذ الكبير, بل عليه أن ينال رضى أستاذ أقل رتبة, إذ لا يصل إلى الإجازة إلا بالتدرج, حتى إذا وصل إلى الشيخ المجيز ـ ولا بد أن يكون أعلم أهل وقته في هذا الشأن وأكملهم ـ أمره بكتابة حصة من القرءان من حفظه ثم رسمها على شكل المصحف وضبطها, فإذا تم ذلك كله شرع الشيخ في توجيه أسئلة إلى الطالب الذي يكون لزاما عليه أن يستحضر سائر النصوص في الموضوع, فإذا نال رضا الشيخ انتقل إلى أستاذ آخر يتولى سؤاله بكيفية أكثر عمقا في مختلف وجوه الرسم والضبط وسائر الحروف, فإذا نجح في ذلك أمره بالإعراب, فما كان على الأصل أقره, وإلا نبه عليه, وهكذا يمتحنه في سائر علوم القرءان الكريم, فإذا ظهر له إلمامه ورضي عنه أمر بكتابة الإجازة له, رافعا له فيها سنده, ويشهد على نفسه في الوثيقة أنه أجازه, ويضع القاضي خط يده معلما بثبوت الإجازة من الشيخ فلان إلى الأستاذ فلان"(1).
__________
(1) - ينظر في هذا الشأن بحث "الإجازات العلمية وإسهامها في الحركة العلمية بالمغرب" للأستاذ مصطفى المسلوتي نشر بمجلة دار الحديث الحسنية بالرباط العدد 7 ص 238-245. السنة 1499-1989.(1/334)
وقد وصف الشيخ أبو الحسن علي بن ميمون (ت 910) الأسلوب المتبع في الإجازة لعهده بنحو مما قدمنا فقال: "فلا يأتي لمقام الإجازة إلا بالتدريج من قارئ إلى قارئ فوقه, فإذا أتى إلى الأستاذ المجيز ـ وهو أعلم أهل وقته في هذا الشأن وأكملهم وأصلحهم- أمره بما هو مصطلح عليه عندهم, وذلك أن القرءان لا يقرأ عندهم في المغرب إلا في اللوح, ومن حين صغر الصبي إلى أن يحفظ السبع... فإذا حصل له حفظه كملت له قراءته على أستاذه بالكتب المذكورة قبل وصورها وفهمها وعرف أحكامها, ينتقل إلى من فوق أستاذه, ثم إلى من فوقه, إلى أن يأتي إلى أستاذ الإجازة, فيأمره بكتب ربع حزب أو ثمنه كل يوم, ويرسمه على رسم المصحف المعلوم والمشهور, ويضبطه على قاعدة الضبط المعلوم, ويأتي إلى الشيخ يعكف رجلا ويقيم أخرى, وينصب اللوح مقابلة وجه الأستاذ, ويشرع في التلاوة, فأول ما ينطق به الطالب التعوذ والبسملة, فيقول له الأستاذ: ما تقرأ على هذا التعوذ, وعلى هذه البسملة من الكتب المصنفة فيأتي الطالب بالنص, وهكذا يفعل معه في كل ما يأتي من قواعد الضبط والرسم والتجويد والإعراب... وهكذا يفعل معه من "الفاتحة" إلى "سورة الناس", فإذا ختم القرءان على هذه الصفة وظهر للأستاذ أن يجيزه أمر بكتب الإجازة له رافعا فيها سنده"(1).
ولا يخفى أن ما وصفه ابن ميمون إنما هو جار على المستوى البسيط, إلا أنه أشار إلى أن الكيفية تجري أيضا فيما يعم الإجازة بباقي القراءات السبع, وإنما يتغير نوع الأسئلة ومستوى الحذق بالنسبة للطالب المجاز.
__________
(1) - الرسالة المجازة في معرفة الإجازة لعلي بن ميمون – ميكروفيلم بالخزانة العامة بالرباط برقم 1343, ونشرت أيضا في مجلة "رسالة المغرب" العدد 1 السنة السادسة 1943. وقد استفدنا مما نقله عنها الأستاذ صدقي حسن في مقدمة تحقيقه لكتاب "إتقان الصنعة" لأبي العباس أحمد بن علي بن شعيب ورقة 25 المجلد الأول.(1/335)
وقد عني كثير من علماء المغرب والأندلس بالحصول على إجازات كبار مشيخة العلم حتى بلغ بعضهم بمشايخه الذين أجازوه العشرات بل المئات, وعني منهم المتأخرون خاصة بجمع إجازات الشيوخ لهم في مجاميع خاصة أو برامج أو فهارس كما نجد من ذلك صورا مثيرة في "فهرس الفهارس" للشيخ الكتاني وإن كان قد تتبع فيه الفهارس المعروفة بوجه عام ولم يخص منها ما هو خاص بالقراءات.
أهمية الإجازة في علم القراءات وكيف كانت تحرر من لدن الشيوخ:
وبفضل هذه الإجازات والفهارس أمكن للمغاربة أن يحافظوا على اتصال أسانيدهم في عامة فنون الرواية ردحا كبيرا من الزمن, وفي بعضها كعلم القراءات والحديث إلى عهد قريب.
ويهمنا من ذلك في هذا المبحث وفي آخر هذا البحث أن نتمثل الكيفية التي كانت تحرر بها تلك الإجازات وكيف كان يجري إتحاف الطالب بها في رحلة الطلب بعد اكتمال آلته في الفن وحصول الأهلية عنده فيه.
كما يهمنا أيضا أن نعرف بأهم محور تلتقي فيه أسانيد القراء في المغرب الأقصى وتتفرع عنه في سائر الأقطار والجهات, وهو المحور العام الذي تبتدئ جذوره في المشرق في مدارس الأمصار, ثم تمر عبر الفتوات الموصلة للقراءات إلى هذه الأصقاع لتتشعب من كتب "الأقطاب" وأكابر المشيخة لتنتظم القرون التالية قرنا فقرنا يؤديها الجيل إلى الجيل والعصر إلى العصر, إلى أن ضمر شأن الأسانيد وكادت تنقطع هند أهل المغرب بالكلية.(1/336)
وسيكون عرضنا لذلك من خلال سلسلتين: سلسلة نقتطفها من بعض الإجازات الصادرة عن المتأخرين من رجال مدرسة ابن غازي, وأخرى نقتطفها مما ذكره بعض رجال هذه المدرسة في فهارسهم المؤلفة في ذلك أو في صدور بعض مؤلفاتهم, وغرضنا منها أن نعرف بحلقات السلسلة التي تصل بين الجهات المغربية وبين العمود الفقري أو المحور العام الذي تشعبت منه تلك الأسانيد عبر المدارس الأدائية التي توقفنا عند كثير منها في مدينة فاس وما إليها ثم عبر الحواضر المغربية الأخرى كمراكش وسبتة ثم غرناطة وأشبيلة حيث تتوزع شبكة الأسانيد وتتفرع لتلتقي آخر المطاف في الجذع المشترك مارة من أحد طريقين: طريق أبي عمرو الداني ومن شاركه في شيوخه أو شيوخ شيوخه عن رجال المدرسة المصرية المتصدرين بها من أهلها أو من روافدها, وطريق القيروانيين عبر أبي العباس بن نفيس أستاذ مدرسة ورش في زمنه أو من شاركه في مشيخته ليتحد الطريقان في المصب ويتصلا بالرواية عن أصحاب ورش عنه عن إمام القراءة نافع بن أبي نعيم بأسانيده المتصلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويمكن للقارئ الكريم أن ينتفع بما سقناه خلال بحثنا من إشارات إلى هذا المحور بشعبتيه: الشعبة الأندلسية التي تتصل بمدارس الأقطاب في إفريقية والأندلس وبامتداداتها في حواضر المغرب في سبتة ومراكش وفاس وغيرها, والشعبة المغربية التي تمر عبر أئمة القراء بغرناطة لتتصل بأبي محمد بن العرجاء القيرواني عن ابن نفيس عن رجال مدرسة ورش.
فأما الشعبة الأولى فيسند منها في الغالب من قرأ بالسبعة سواء من طريق "التيسير" أو من طريق ملخصه "الشاطبية" كما يسند منها من قرأ بما يوافقها ويلتقي معها في حلقات السند في ابن نفيس أو بعض أساتذته كأبي عدي عبد العزيز بن محمد المعروف بابن الإمام "شيخ القراء ومسندهم بمصر", الراوي عن أصحاب الأزرق عن ورش(1).
__________
(1) - يمكن الرجوع إلى مدرسته في غاية النهاية 1/ 394 – 395 ترجمة 1680.(1/337)
والذين قرؤوا بما يوافقهما هم عامة الأندلسيين والقيروانيين من أقطاب المدارس أصحاب المصنفات كالهادي والهداية والتبصرة والمفتاح والعنوان وتلخيص العبارات والتجريد والكامل وعامة من قرأ من طرقها.
ويدخل في هذه الطريق من أسند قراءة نافع من طريق الشاطبية أو التيسير كأبي الحسن بن بري ومن أسندوا قراءة نافع من طريقه.
وأما الشعبة الثانية فيسند منها أيضا بعض من قرأ للسبعة من غير طريق التيسير والشاطبية, كما يسند منها من قرأ بالعشر " النافعية", إما من طريق " التعريف" لأبي عمرو الداني الذي يلتقي مع الطرق القيروانية في شيوخ شيوخه وإما من طريق غيره ممن يسندون من طريق ابن العرجاء عن ابن نفيس, أو من قرؤوا ب " الكافي" لابن شريح لأنه يروي عن ابن نفيس. وعلى المحور الأخير المعول عند عامة المتأخرين في المغرب الأقصى سواء منهم من أفرد رواية ورش ومن جمعها مع غيرها من الروايات عن نافع, وقد اختاروا هذا الطريق على غيره للمزايا التالية:
1- لما امتاز به من العلو بقلة الوسائط.
2- لتسلسله بالأئمة من أول السند إلى منتهاه.
3- لاتصاله بالقراءة والعرض وخلوه من الرواية بواسطة الإجازة الساذجة التي كان بعض القراء يروي بها بعض الطرق أو الروايات دون أن يقرأ بها على الشيخ, كما هو الشأن بالنسبة لبعض روايات " التيسير" من طريق ابن أبي جمرة أو أبي العباس الخولاني كما تقدم في أصحاب أبي عمرو.(1/338)
ولأهمية هذه الشعبة سيكون اعتمادنا في الغالب عليها في النماذج التي اخترناها لإعطاء صورة عن شبكة الأسانيد في المدرسة المغربية, ولأن المغاربة كانوا ربما اقتصروا عليها اكتفاء بها وأحيانا طلبا للاختصار كما فعل الإمام أبو عبدالله بن غازي في فهرسته حيث أحال في القراءات السبع على الإجازة القرءانية التي قال عنها " بأيدينا" قال: "فلا نطول بجلبها منها, بيد أنا نرفع منها في هذا الثبت رواية ورش تبركا فنقول... ثم ساق السند من شيخه أبي عبدالله الصغير متصلا عبر أبي محمد عبدالله بن عمر بن العرجاء القيرواني عن أبي معشر الطبري وأبي العباس ابن نفيس عن أبي عدي عن أبي بكر بن سيف عن أبي يعقوب الأزرق عن ورش عن نافع"(1).
ولما كان ما يعنينا في هذا البحث من أسانيد المدرسة المغربية هو ما يرجع إلى رواية ورش عن نافع, فقد رأينا الاقتصار في هذه النماذج عليه, ولكننا نورده ضمن الشبكة العامة أو المحور العام الذي رويت منه القراءة في مدرسة ابن غازي, والذي كان هو المحور الذي صبت فيه في الشمال والجنوب والشرق جميع التشعبات التي انبثقت عنه ويمكن إلى اليوم وصل القراءة في أي جهة من المغرب به من طريق الأئمة الكبار أصحاب الفهارس المشهورة كأبي العلاء المنجرة وابنه أبي زيد وأبي عبد الله محمد بن عبدالسلام ومن أخذ عنهم أو أخذ عن أصحابهم.
المحور العام لأسانيد القراءة في المغرب في رواية ورش عن نافع.
اخترنا أن نعتمد هذا المحور لما لاحظنا من تشعب سائر أسانيد المتأخرين عنه, والتقاء شبكات أسانيد الأئمة الآخذين من طرق الأقطاب به في بعض حلقات سلسلته, ويتضمن فيما يتضمنه تسمية أساطين القراءة في المدرسة المغربية, كما يتضمن أهم طريق كانوا يسندون منه القراءة "الرسمية".
__________
(1) - فهرسة ابن غازي : التعلل برسوم الإسناد" 37.(1/339)
ويتكون في هيكله العام من مجموع الطرق التي قرأ بها أكابر الأئمة بفاس من الشعب الأندلسية والقيروانية كما يلتقي في مجموعه أخيرا عند رجال المدرسة المغربية في فاس وخاصة عند أبي عبد الله الصغير وصاحبه أبي عبدالله ابن غازي ليتفرع بعدهما في شعب كثيرة نجد أهمها هذه الشعبة التي سنعرف بها, وقد انتفعنا بعرض بعض حلقاتها في فصول سابقة, وتتعلق بالإجازة العامة بالقراءات السبع التي أجاز بها الشيخ أبو عبدالله محمد بن محمد بن سليمان البوعناني ـ الآنف الذكر في مشيخة الإقراء بفاس والمتوفى بها (سنة 1063هـ)- لتلميذه ـ الآنف الذكر ـ أبي عبدالله محمد الشرقي ابن سيدي محمد بن أبي بكر بن محمد المجاطي البكري الدلائي نسبة إلى زاوية " أهل الدلاء".
وهذا ملخص ما تضمنته الإجازة المذكورة, ونقدمه نموذجا لأهم شبكات أسانيد المدرسة المغربية في القراءة.
1- إجازة أبي عبدالله البوعناني لأبي عبدالله الشرقي نموذجا(1): قال الشيخ المجيز:
"الحمد لله الذي أنزل القرءان على سبعة أحرف كل بالشفاء والكفاية كفيل, وتفضل بإجازة تلاوته لجميعها دأب التطويل (2) والتنويل, وحمل روايته أقواما اختصهم بالتفضيل والتبجيل...".
"وإلى هذا يقول العبد الفقير المعترف بذنبه, المشفق على نفسه من سوء كسبه, خديم كتاب الله العزيز وأهله, المعتمد على كرمه وجوده وفضله محمد بن محمد البوعناني وفقه الله وسدده:
__________
(1) - أصل هذه الإجازة محفوظ بالخزانة الحسنية بالرباط برقم 9977 وتقع الإجازة في 15 لوحة.
(2) - كذا ومعناه غامض.(1/340)
"إن الطالب النجيب, الحاذق اللبيب, الفقيه الأستاذ الخير الدين, أبا عبدالله محمد المدعو الشرقي ابن الشيخ العالم العامل الفقيه المحدث الصالح الناصح, سيدي محمد ابن السيد البركة القدوة المتبرك به العارف بالله سيدي أبي بكر بن محمد المجاطي ـ وصل الله سعده ـ, وبلغ قصده, كان ممن اختصه سابق العناية الإلهية, واختصه الله بالتقريب والأهلية, فقرأ كتاب الله وسعى في تحصيله, إلى أن استجمع من علومه ما أذن بتكميله, وكان في جملة ما تقاضاه من ديونه, وتعاطاه من التبحر في فنونه, وتلا علي جميعه من أوله إلى آخره ختمتين, والثالثة من قوله تعالى " وابتلوا اليتامى" إلى آخر القرءان, جمع فيها بين قراءات الأئمة السبعة المشهورين – رضي الله عنهم – عرضا من صدره برواياتهم المشهورة عنهم, وأدرج في قراءته الإدغام الكبير لأبي عمرو بن العلاء".
"وكل ذلك بطريق "التيسير" لأبي عمرو الداني, وبملخصه "حرز الأماني ووجه التهاني" للإمام أبي القاسم الشاطبي رحمه الله تعالى".
"ولما كمل له ذلك على نحو ما ذكر من التفسير والتفصيل, وكان من أهل التجريد للقراءات مع الضبط لأحكامها والتحصيل, سأل مني أرشده الله أن أجيز له ذلك, وأشهد له به في كتاب يرتفع عنه به تخالج الظنون وخطوات الارتياب, وليكون بيده حجة ساطعة, وبضبطه وثبات عقله بينة قاطعة, كما جرت به عادة الأئمة, ومعتمدي هذه الأمة, فأجبته إلى ما سأل, وأسعفته فيما رغب وأمل".(1/341)
وحدثته بالقراءات السبع تلاوة عن الشيخين الأستاذين الإمام علم الأعلام ومفتي الأنام الخطيب البليغ الصالح أبي عبدالله محمد بن أحمد الحسني التلمساني الشهير بالمريي(1), والإمام المسن البركة الحافظ أبي العباس أحمد بن محمد الفشتالي(2), كلاهما عن الشيخ الإمام الفقيه النحوي أبي محمد قاسم بن ابراهيم الدكالي عن شيخه الفقيه الأستاذ المقرئ النحوي الخطيب البليغ أبي عبدالله محمد بن غازي العثماني عن شيخه الفقيه الأستاذ المقرئ المجود أبي عبدالله محمد بن الحسين بن حمامة النيجي الشهير بالصغير, عن شيخه الفقيه الخطيب المقرئ المحقق الأستاذ أبي الحسن علي بن أحمد الورنتاجي الشهير بالوهري.
__________
(1) - تقدم في مشيخة الإقراء بفاس من رجال مدرسة ابن غازي في العدد الأخير ترجمة رقم 11.
(2) - تقدم في مشيخة الإقراء بفاس المذكورة تحت رقم 10.(1/342)
وحدثته أيضا بالقراءات السبع عن الشيخ الفقيه العالم الأستاذ المحقق الورع الزاهد أبي العباس أحمد بن علي ابن شعيب الأندلسي الفاسي الدار عن شيوخ عدة, منهم الشيخ الأستاذ أبو العباس أحمد الفشتالي المتقدم الذكر بسنده المتقدم, ومنهم الشيخ الأستاذ المحقق أبو العباس أحمد بن محمد بن مخلوف الشفشاوني الضرير(1) عن شيخه الفقيه الأستاذ المقرئ المجود النحوي أبي عبدالله محمد بن أحمد المساري الشهير بمجبر(2) عن شيخه الأستاذ المقرئ المجود النحوي أبي عمران موسى بن سعيد الفاسي الزواوي(3) عن شيخه المفتي الخطيب البليغ الأستاذ أبي مهدي عيسى بن أحمد الماواسي(4), عن شيخه الأستاذ أبي الحسن علي الوهري المتقدم الذكر, عن شيخه الفقيه الأستاذ المقرئ المحقق المجود أبي وكيل ميمون بن مساعد المصمودي مولى الشيخ الفقيه الأستاذ الأعرف أبي عبدالله محمد بن عبد الله بن ابراهيم السماتي الشهير بالفخا ر, عن الشيخ الفقيه الأستاذ المقرئ المحقق أبي عبدالله محمد بن عمر اللخمي, عن الشيخ المقرئ الحافظ الناقد الضابط أبي الحسن علي بن سليمان بن أحمد الأنصاري القرطبي(5) رحم الله جميعهم.
__________
(1) - تقدم في هذه المشيخة في العدد قبله برقم 9.
(2) - ترجمنا له مع أصحاب ابن غازي وإن كان إنما قرأ عليه قليلا وعمدته على أبي عمران الزواوي المذكور.
(3) - تقدم ذكره في معاصري أبي عبدالله بن غازي, وهو ممن قرأ أيضا على سليمان الورنيدي المشهور بأبي يعربين.
(4) - من معاصري أبي عبدالله الصغير شيخ ابن غازي وشريكه في شيخه أبي الحسن الوهري, قرأ عليه الزواوي وأجاز له جميع ما رواه عن شيوخه بفاس وتلمسان من سائر العلوم, توفي الماواسي سنة 896 عن سن عالية وحكي أنه خطب بفاس الجديد نحوا من ستين سنة " ذكره المنجور في فهرسته18.
(5) - هو شيخ الجماعة بفاس المتوفى بها سنة 730.(1/343)
قال الشيخ أبو عبد الله محمد بن عمر المذكور: قرأت على الشيخ أبي الحسن القرطبي المذكور القرءان كله في ختمات عدة, منها ختمة لورش وأخرى لقالون, ثم أخرى جمعا بينهما, ثم أخرى جمعا بين القراءات السبع وكلها من طريق أبي عبدالله بن شريح وأبي محمد مكي بن أبي طالب, حسبما تضمنه كتاب "الكافي" وكتاب "التبصرة" من تأليفهما, قال:
وحدثني بها تلاوة عن جماعة من شيوخه, منهم الشيخ الأستاذ النحوي الأديب المقرئ الراوية أبو جعفر أحمد بن ابراهيم بن الزبير بن محمد بن ابراهيم بن الزبير الجياني العاصمي ـ رحمه الله تعالى ـ. ومنهم الخطيب الصالح الزاهد الفاضل الأستاذ أبو الحجاج يوسف بن سعيد بن أبي ريحانة الأنصاري المالكي الشهير بالمريلي(1). ومنهم الخطيب الزاهد الفاضل الصالح الناقد الراوية المتفنن أبو علي الحسين بن عبد العزيز بن محمد بن عبدالعزيز ابن أبي الأحوص الجياني الأندلسي(2).
فقرأ بها أفرادا وجمعا, وترا وشفعا, قرأ عليه في حال الإفراد لنافع ختمتين: إحداهما لورش على حدة, وذلك من طريق أبي يعقوب يوسف بن عمرو بن يسار(3) الأزرق, والثانية جمعا بين رواية ورش المذكور ورواية قالون من طريق أبي نشيط محمد بن هارون المروزي, وأبي الحسن أحمد بن يزيد الحلواني كلاهما عنه.
__________
(1) - هكذا سماه في الإجازة وقد ترجم له ابن الجزري فقال فيه : "يوسف بن ابراهيم بن يوسف بن سعيد بن أبي ريحانة أبو الحجاج الأنصاري المالكي الشهير بالمريلي.." غاية النهاية 2/393 ترجمة 3910.
(2) - ذكر بدله في الإجازة أبا جعفر بن الزبير مرة أخرى, وهو تكرار لا معنى له, ولعله سبق قلم بسبب وجود نسب " الجياني" في الترجمتين, وقد عوضته به استنادا إلى فهرسة ابن غازي 38.
(3) - في الإجازة "بشار" وهو أحد الوجهين اللذين ضبط بهما, والمختار أنه "يسار" وعليه أكثر من ترجموه.(1/344)
ثم قرأ لكل واحد من الأئمة السبعة ختمة ختمة جمعا من روايتيه المشهورتين عنه, وكل ذلك بمضمن "التيسير" ثم قرأ بعد ذلك في حال الجمع ختمة جمع فيها بين القراءات السبع بطريقي الإمامين الشيخين أبي محمد مكي القيسي حسبما تضمنه "كتاب التبصرة", وأبي عبد الله محمد بن شريح الرعيني حسبما تضمنه "كتاب الكافي", فكمل له عليه القراءات السبع بالطرق الثلاثة المذكورة, وأشهد له بذلك على نفسه, وأباح له التصدر للإقراء(1), وحدثه بالقراءات السبع تلاوة عن جماعة من شيوخه, منهم الشيخ الجليل المقرئ الراوية أبو الوليد إسماعيل ابن يحيىبن إسماعيل الأزدي الغرناطي الشهير بالعطار, قرأ عليه بها جمعا في ختمة واحدة بالطرق الثلاثة المذكورة حسبما تضمنته مختصراتها الثلاثة, وحدثه أنه قرأ بها على الشيخ الجليل القاضي أبي بكر محمد بن علي بن حسنون الحصيري, رحل إليه إلى بياسة فقرأ عليه بها كذلك جمعا في ختمة واحدة بالطرق الثلاثة المذكورة وأجاز له.
وقرأ أبو بكر بن حسنون على الشيخ الفقيه القاضي المقرئ الجليل أبي الحسن شريح بن محمد بن شريح, وقرأ شريح على أبيه الإمام أبي عبدالله بن شريح.
وقرأ بها أيضا أبو بكر بن حسنون على الشيخ الجليل الراوية الحاج أبي محمد عبدالله بن خلف بن بقي القيسي, وقرأ ابن بقي على جماعة كثيرة, منهم أبو الحسن علي بن عبدالرحمن ابن أخي الدش ـ وبعض شيوخنا يقول فيه "الدوش" بالمد والتشديد, والأول أكثر-. ومنهم أبو الحسن علي بن يحيى بن ابراهيم بن عبدالرحمن بن البياز. ومنهم أبو محمد عبدالله بن عمر الشهير بابن العرجا ـ إمام مقام ابراهيم عليه السلام ـ.
أما أبو الحسن بن الدش وابن البياز فقرآ على أبي عمرو الداني وأبي محمد مكي وعلى جماعة غيرهما ممن هو في نمطهما أو على رواية منهما.
__________
(1) - الضمير في أباح وأجاز يعود على أبي جعقربن الزبير, وفي له يعود على أبي الحسن بن سليمان شيخ ابن عمر.(1/345)
وأما أبو محمد بن العرجا فقرأ على أبي معشر عبد الكريم بن عبد الصمد الطبري(1) وعلى أبي العباس أحمد بن سعيد بن نفيس. وأسانيد هؤلاء الأئمة الخمسة أبي محمد مكي وأبي عمرو الداني وأبي عبدالله بن شريح وأبي العباس بن نفيس وأبي معشر الطبري إلى الأئمة السبعة المشهورين مسطورة في تواليفهم فأغنى عن ذكرها ههنا.
- ومن شيوخ أبي جعفر- - ابن الزبير- المذكور: الشيخ الفقيه المحدث الراوية أبو الحسن علي بن محمد ين علي الغافقي السبتي الشهير بالشاري(2), قرأ عليه بالقراءات السبع جمعا في ختمة واحدة, وحدثه أنه قرأ بها على أبيه محمد بن علي المذكور, وفاته عليه بعضها, وأجازه جميعها, وعلى الشيخ الجليل الراوية المحدث أبي محمد بن عبيد الله الحجري(3).
أما أبوه أبو عبد الله فحدثه أنه قرأ بها على المقرئ الجليل أبي نصر الفتح بن يوسف بن أبي كبة المرسي(4), وقرأ أبو نصر على أبي داود سليمان بن نجاح, وقرأ أبو داود على أبي عمرو الداني.
__________
(1) - هو صاحب كتاب " سوق العروس في القراءات" تقدم.
(2) - ترجمنا له في مشيخة الإقراء بسبتة.
(3) - ترجمنا له في مشيخة الإقراء بسبتة وذكرناه في أصحاب شريح.
(4) - ترجمنا له في أصحاب أبي داود الهشامي.(1/346)
وأما أبو محمد بن عبيد الله فحدثه بها عن جماعة من شيوخه, منهم القاضي أبو الحسن شريح, والشيخ الجليل أبو جعفر أحمد بن أبي الحسن علي بن أحمد بن خلف بن الباذش – ويقال ابن البيدش- وهو مؤلف كتاب "الإقناع في القراءات السبع", والشيخ الجليل المقرئ الإمام أبو بكر يحيى بن خلف بن نفيس, ويشهر أيضا بابن الخلوف – والشيخ الجليل الراوية أبو عبد الله محمد بن الحسين الشهير بابن إحدى عشرة(1).
أما شريح فعن أبيه الإمام أبي عبد الله محمد بن شريح.
وأما أبو جعفر بن الباذش فعن جماعة منهم أبو داود عن أبي عمرو – الداني-.
وأما أبو بكر بن نفيس فعن جماعة كثيرة, منهم أبو الحسن بن البياز(2) عن أبي عمرو وأبي محمد مكي وغيرهما.
وأما ابن إحدى عشرة فعن جماعة, منهم الشيخ الجليل الراوية أبو بكر بن مفرج البطليوسي الشهير ب"ابن الربوبله" عن أبي عمرو, وعن جماعة منهم بعض شيوخ أبي عمرو ومن في طبقتهم.
قال الشيخ أبو جعفر ـ ابن الزبير- : "وإسناد الشيخ أبي محمد بن عبيد الله للقراءات السبع من طريق هؤلاء الأشياخ الأربعة إنما هو بالإجازة, لا بالتلاوة".
__________
(1) - مقرئ من أهل سبتة عاش بالأندلس, وتنقل بين سبتة وسلا وغيرها, ترجم له ابن الجزري بقوله:" محمد بن حسين أبو عبدالله المغربي المقرئ الشهير بابن إحدى عشرة, قرأ على محمد بن المفرج البطليوسي, قرأ عليه أبو محمد بن عبيدالله". غاية النهاية 2/134 ترجمة 2974.
(2) - كذا قال في الإجازة, وقد تقدم ذكره له بلفظ:" أبو الحسن علي بن يجيى بن ابراهيم بن عبدالرحمن بن البياز" ويظهر أن المجيز قد وهم في اسم ابن البياز وكنيته, والصحيح أنه " أبوالحسين يحيى بن ابراهيم بن أبي زيد اللواتي المرسي, وهو صاحب كتاب "النبد النامية في القراءات الثمانية" – ترجمته في غاية النهاية 2/364 ترجمة 3818 وقد جاءت كنيته فيه بأبي الحسن, والصحيح ما أثبتناه في ترجمته في أصحاب أبي عمرو الداني.(1/347)
- ومن شيوخ أبي جعفر المذكور: الشيخ المقرئ الصالح الورع الفاضل أبو عبدالله محمد بن حسن الطائي الغرناطي الشهير بمسمغور(1), قرأ عليه بالقراءات السبع ختمات جمة, إفرادا وجمعا, وترا وشفعا بالطرق الثلاثة المذكورة.
- قال الشيخ الفقيه أبو عبدالله محمد بن غازي المذكور: "ومن شيوخ الشيخ أبي عبدالله محمد بن عمر المذكور الذين أخذ عنهم وقرأ عليهم القرءان العظيم بالقراءات المذكورة: الشيخ الجليل المحقق المجود المحدث الراوية أبو عمران موسى بن محمد بن أحمد الطلحي(2) المرسي الشهير بابن حدادة(3), حدثه بالقراءات المذكورة عن الشيخ الفقيه الإمام النحوي المقرئ الحافل أبي عبدالله محمد بن أبي الحسن بن علي بن عبد الحق الأنصاري عرف بابن القصاب, عن شيخه الأستاذ المقرئ أبي الحجاج يوسف ابن الشيخ المقرئ أبي الحسن علي بن أبي العيش الأنصاري, عن الشيخين الأستاذين العالمين: أبي البقاء يعيش بن القديم الأنصاري(4) وأبي عبدالله محمد بن أحمد بن عبدالعزيز المعروف بـ"ابن الفتوت" رحمه الله تعالى ورضي عنه.
__________
(1) - في الإجازة "بسمعون", والصواب ما أثبتناه, وقد بنهنا على وقوع التصحيف والتحريف فيه كثيرا.
(2) - كذا وفي غاية النهاية "الصلحي" 2/322 ترجمة 3694.
(3) - هذا الصحيح في اسمه أنه بالحاء والدال المخففة, وقدصحف وحرف إلى "جرادة" في غاية النهاية 2/322 وفي فهرسة ابن غازي 39, وهو على الصواب في ثبت أبي جعفر البلوي 404.
(4) - هو مؤلف " الشموس المنيرة في القراءات السبع الشهيرة " تقدم في شيوخ ابن القصاب.(1/348)
أما أبو البقاء يعيش فتحمل عن الشيخ الفقيه القاضي محمد بن زرقون, وأبي الحسن علي اللواتي, كلاهما عن أبي العباس الخولاني عن الحافظ أبي عمرو الداني, وتحمل أيضا عن الشيخ الحافل الأستاذ المقرئ أبي الحسن علي بن موسى بن قاسم بن زكريا, عن شيخه المقرئ أبي عبدالله محمد بن سهل الأموي المعروف بالقشاش, عن أشياخه الجلة الحفاظ, منهم الشيخ الإمام المقرئ الفاضل أبو عبدالله محمد بن عيسى المعروف بـ" المغامي" عن الإمامين الحافظين: أبي عمرو الداني وأبي محمد مكي.
وتحمل أيضا أبو البقاء يعيش المذكور عن الشيخ الفقيه الأستاذ أبي الحسن علي اللواتي, عن الأستاذ المقرئ أبي داود سليمان بن يحيى المعافري(1), عن أبي داود سليمان بن أبي القاسم(2) عن الحافظ أبي عمرو الداني, وعن شيوخ غير هؤلاء المذكورين تركت ذكرهم خيفة التطويل.
- قال الشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن عمر ـ رحمه الله -: "ومن شيوخ شيخنا أبي عمران موسى بن حدادة المذكور الشيخ الجليل الأستاذ النحوي المحقق أبو إسحاق ابراهيم بن أحمد الغافقي(3), وحدثه بالقراءات السبع عن شيخه الفقيه المقرئ المحدث الراوية أبي بكر محمد بن محمد الأنصاري البلنسي الشهير بابن مشليون(4), قراءة منه عليه لحروف الاختلاف بين القراء, وتلاوة لبعض الكتاب بالقراءات المذكورة, عن شيخه القاضي أبي محمد بن أحمد بن عبد الملك بن أبي جمرة, عن أبيه أحمد, عن الحافظ أبي عمرو.
__________
(1) - هو أبو داود الصغيرصاحب أبي داود الهشامي المؤيدي.
(2) - هوسليمان بن نجاح الهشامي صاحب أبي عمرو الداني.
(3) - ترجمنا له في أصحاب أبي الحسين بن أبي الربيع بسبتة.
(4) - ترجمنا له في مشيخة الإقراء بسبتة.(1/349)
وحدثه بها عن ابن مشليون المذكور عن الشيخ الإمام الحافظ المقرئ أبي جعفر أحمد بن علي شهر بالحصار(1) قراءة منه عليه القرءان بجميع الروايات المذكورة, عن المقرئ أبي الحسن علي بن هذيل, قراءة عليه بجميعها عن الإمام أبي داود قراءة, عن الحافظ أبي عمرو.
وحدثه بها أيضا عن ابن مشليون المذكور عن الإمام المقرئ أبي عبدالله محمد بن أيوب بن نوح الغافقي(2) قراءة عليه, عن الإمام أبي الحسن علي بن هذيل, عن أبي داود عن الحافظ أبي عمرو الداني.
- قال الشيخ الفقيه أبو عمران موسى بن حدادة المذكور : "ومنهم الشيخ الأستاذ المقرئ المحقق المتقن أبو الحسن علي ابن الشيخ الصالح التقي الزكي الحاج أبي الربيع سليمان الأنصاري القرطبي –عفا الله عنا وعنه - :
__________
(1) - ترجمنا له في أصحاب أبي الحسن بن هذيل.
(2) - ترجمنا له في أصحاب أبي الحسن بن هذيل.(1/350)
"قرأت عليه القرءان العزيز من فاتحته إلى خاتمته في ختمة واحدة أدرجت فيها الإدغام الكبير(1) وكل ذلك بطريق الحافظ أبي عمرو وطريق الإمام أبي عبدالله بن شريح. ثم قرأت عليه بعض الكتاب العزيز أفردت ذلك إفرادا لكل إمام بمذهبه, أولهم نافع, وآخرهم أبو الحسن الكسائي. وحدثني بالقراءات المذكورة عن شيخه المقرئ الإمام المحدث الناقد أبي جعفر أحمد بن ابراهيم بن الزبير, عن شيخه الأستاذ المقرئ أبي الوليد إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل الأزدي المعروف بالعطار, عن شيخه الإمام المقرئ الخطيب أبي بكر بن حسنون الحميري, عن شيخه الإمام المقرئ المجاهد أبي محمد عبدالله بن خلف(2) بن بقي القيسي عن أبي الحسين يحيى بن ابراهيم بن عبدالرحمن شهر بابن البياز, عن الإمام أبي عمرو الداني وأبي محمد مكي.
وقرأ الحاج أبو محمد عبدالله بن بقي القيسي المذكور على الشيخ الإمام أبي الحسن علي بن عبدالرحمن المعروف بابن الدش, وقال ابن الدش: قرأت على الحافظ أبي عمرو الداني.
وقرأ أيضا ابن بقي المذكور على الشيخ أبي محمد بن عمر بن العرجا, وقرأ ابن العرجا على ابن نفيس وعلى أبي معشر الطبري.
وقرأ أيضا أبو بكر بن حسنون الحميري المذكور آنفا في سند الأستاذ ابن الزبير على الإمام الخطيب أبي الحسن شريح بن محمد بن شريح.
وقرا أيضا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير على الشيخ الإمام المقرئ الراوية المحدث أبي الحسن علي بن محمد بن علي الغافقي الشاري, وحدثه بها عن أبيه, عن أبي نصر الفتح بن أبي كبة المرسي عن أبي داود عن أبي عمرو.
قال الشيخ أبو عمران موسى المذكور –يعني ابن حدادة-:
__________
(1) - يعني لأبي عمرو بن العلاء أحد القراء السبعة.
(2) - هذا هو الصواب في ترتيب اسمه وكنيته, وقد جاء ذكره في الإجازة مقلوبا بلفظ "أبي عبدالله محمد بن خلف, وقد كتبناه على الصواب استنادا على ما في التكملة 2/827 – 828 ترجمة 2019 وغاية النهاية 1/418 ترجمة 1766.(1/351)
"وحدثني أيضا الشيخ الأستاذ المقرئ المجود أبو القاسم محمد بن عبدالرحمن المعروف بابن الطيب(1), أجاز لي جميع ما تحمله عن شيوخه, منهم الشيخ الفقيه المقرئ المحقق أبو عمرو عياش بن أبي بكر الطفيلي بن محمد بن عياش عرف بابن عظيمة, تحمل عن الأستاذ أبي الحسن علي بن جابر المعروف بابن الدباج أجاز لي جميع رواياته. ومنهم الأستاذ المقرئ أبو مروان(2) عبدالملك بن موسى بن محمد بن عبدالرحمن الأنصاري الشريشي(3) أجاز له جميع ما تحمله عن شيوخه.
ومنهم الشيخ الأستاذ العالم العلم إمام النحاة وقدوة الفراض أبو الحسين(4) عبيدالله بن أحمد بن عبيدالله بن أبي الربيع, أجاز له جميع ما تحمله عن شيوخه(5).
- قال الشيخ المجيز أبو عبدالله محمد الشريف ـ البوعناني- : قال شيخ شيخنا أبو القاسم المذكور: قال شيخنا أبو عبدالله محمد بن غازي المذكور:
- ومن شيوخ شيخنا الفقيه أبي عبدالله الصغير المذكور الشيخ القيه الأستاذ أبو العباس أحمد بن عبدالله ابن محمد بن أبي موسى الفلالي, قرأ عليه القرءان العزيز بالقراءات السبع من فاتحته إلى قوله تعالى :"ولقد آتينا ابراهيم رشده", حدثه بذلك عن الشيخ الفقيه أبي عبدالله محمد بن عبدالله بن عيدالرحمن بن ابراهيم السماني الشهير بالفخار, وعن مولاه أبي وكيل ميمون المصمودي.
أما أبو وكيل فسنده مذكور في إجازتنا(6).
__________
(1) - ترجمنا له في مشيخة الإقراء بسبتة.
(2) - في الإجازة أبو عمران, وقد صححناه من فهرسة الإمام السراج كما تقدم في ترجمته.
(3) - تقدم التعريف به.
(4) - في الإجازة تحريف في كنيته واسمه ونسبه فقد جاء اللفظ هكذا "أبو الحسن علي بن عبد الله بن أحمد بن أبي الربيع", وقد صححناه على ما في غاية النهاية 1/484 ترجمة 2013.
(5) - الضمير في " له" يعود علىأبي عمران بن حدادة.
(6) - لعله هو الذي تقدم في صدر الإجازة عندنا.(1/352)
وأما أبو عبد الله الفخار فحدثه بها عن جملة من شيوخه, منهم الفقيه المتفنن أبو عبد الله محمد بن عبد الكريم ابن عبد الصادق بن يعقوب الأنصاري, عن جماعة منهم أبو عمران موسى بن حدادة بسنده المذكور في إجازتنا.
ومنهم أبو العباس أحمد بن علي الزواوي, وسنذكر أعلى أسانيده ـ إن شاء الله تعالى- قال :
- ومن شيوخ شيخنا الفقيه أبي عبدالله محمد الصغير المذكور, الشيخ الصالح أبو إسحاق ابراهيم بن محمد بن عبد الله الأزدي المدعو بابراهيم الحاج(1), قرأ عليه في صغره كثيرا, ثم قرأ على شيخه أبي الحسن علي الوهري وأبي العباس أحمد الفيلالي المذكور, ثم عاد إلى ابراهيم الحاج فقرأ عليه الفاتحة بالسبع, وأجاز له جميع القرءان العزيز بالسبع, وحدثه بذلك عن الشيخ الأستاذ المقرئ أبي مهدي عيسى بن علي المغراوي عن شيخ الجماعة أبي عبدالله محمد بن أبي الربيع سليمان بن موسى القيسي(2) بسنده.
قال الشيخ ابن غازي: "ومن شيوخ شيخنا أبي عبدالله الصغير المذكور, الشيخ الحافظ المجود أبو علي الحسن السيتاني ابن أخي أبي يوسف يعقوب السيتاني شارح رجز التلمساني, أخذ التجويد إتقانا وتحقيقا عن الشيخ أبي يوسف يعقوب الحلفاوي عن شيخه أبي عبد الله محمد القيسي المذكور والفقيه أبي يوسف يعقوب بن مبخوت أستاذ البلد الجديد(3).
__________
(1) - في الإجازة "المدعو بابن ابراهيم الحاج", والصواب ماأثبتناه كما تقدم.
(2) - هو الإمام القيسي شيخ الجماعة صاحب أبي عبدالله الصفار, توفي سنة 810هـ كما تقدم.
(3) - تقدم التعريف به في معاصري الإمام القيسي.(1/353)
ـ قال الشيخ المجيز أبو عبد الله محمد الشريف – البوعناني- المذكور: قال شيخ شيخنا أبو عبدالله محمد بن غازي المذكور:" وقد قرأت القرءان العزيز بمدينة مكناس – حرسها الله تعالى – قبل لقائنا شيخنا أبا عبدالله محمد(1) الصغير المذكور, ختمات عديدة على الشيخ الشريف الأستاذ أبي الحسن علي بن محمد بن منون الشريف الحسني, حسبما جوده على الشيخين الأستاذين أبي عبدالله محمد الفخار السماتي المذكور, وأبي يعقوب يوسف ابن مبخوت المذكور, وهذا سند عال – والحمد لله – ساويت فيه شيخنا أبا عبد الله الصغير المذكور من وجه, وساويت فيه بعض شيوخه من وجه, ولكن لا معدل لسند
شيخنا أبي عبدالله الصغير المذكور, وإن كان أنزل, لما استأثر به من خصال الكمال والمراتب المفيدة المآل, والفضل بيد الله يوتيه من يشاء.
فمن جهته أسمي بعض وجوه سندي المتصل برسول الله – صلى الله عليه وسلم – تيمنا بذلك, وسلوكا لأحسن المسالك, وتفخيما للدخول في ظل راية هذا المقام العلي, وتطفلا على أهل هذا المقام السني, وأعتمد بذلك ما انتقاه سيدي أحمد بن موسى الفيلالي المذكور من طريق أبي العباس أحمد بن نفيس المقرئ, محتجا بأنه أقرب الطرق إليه تلاوة غير متخللة بالإجازة الساذجة.
قال الشيخ المجيز أبو عبدالله محمد ـ البوعناني ـ المذكور:"وأنا أنتقي ما انتقاه شيخاي: أبو عبد الله محمد الشريف المريي, والشيخ أبو العباس أحمد الفشتالي, وأعتمد ما اعتمداه تبعا لشيخهما أبي القاسم المذكور, ولشيخ الجماعة أبي عبدالله محمد بن غازي المذكور, فأقول وبالله أستعين:
رواية ورش:
__________
(1) - في الإجازة "أحمد الصغير", ولعله من الناسخ.(1/354)
أما رواية ورش فقرأت بها القرءان كله على الشيخين الفقيهين أبي عبد الله المريي وأبي العباس أحمد الفيلالي(1) المذكورين, وحدثانا بها عن شيخهما الفقيه أبي القاسم بن ابراهيم, عن شيخه أبي عبدالله ابن غازي المذكور عن شيخه أبي عبدالله الصغير المذكور عن شيخه أبي العباس أحمد الفيلالي المذكور, عن شيخه أبي عبدالله محمد الفخار عن أبي العباس أحمد الزواوي, عن أبي الحسن علي بن سليمان, عن أبي جعفر بن الزبير, عن أبي الوليد إسماعيل العطار, عن أبي بكر بن حسنون, عن أبي محمد عبدالله بن بقي, عن أبي محمد عبدالله بن عمر بن العرجا عن أبي معشر الطبري وابن نفيس, عن أبي عدي عن أبي بكر بن سيف, عن أبي يعقوب الأزرق عن ورش عن نافع عن ابن (هرمز) عن أبي هريرة عن أبي بن كعب, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم أسند روايته لقالون عن نافع بالسند نفسه إلى ابن نفيس عن السامري عن أبي نصر البغدادي عن أبي أحمد الفرضي عن ابن بويان عن ابن الأشعث عن أبي نشيط عن قالون عن نافع بسنده المتقدم.
ثم فعل ذلك مع باقي السبعة بالسند نفسه إلى ابن نفيس عن السامري بأسانيد إلى الباقين, ثم ذكر سنده بباقي مروياته من كتب القراءات فقال :
قال الشيخ المجيز أبو عبدالله محمد الشريف المذكور – البوعناني- :
__________
(1) - الصحيح : الفشتالي المترجم في المشيخة المتقدمة في الفصل قبله ترجمة رقم 10.(1/355)
" قد عرض علي المجاز أبو عبدالله محمد المذكور – الشرقي- قصيدة الإمام الشاطبي الموسومة بـ" حرز الماني ووجه التهاني" عرضا جيدا, وحدثته بها – أصلحه الله – عن الشيخين المذكورين, عن شيخهما الفقيه الأستاذ المقرئ المجود المدرس المتفنن أبي القاسم المذكور, عن شيخه الفقيه أبي عبدالله محمد بن غازي المذكور, عن شيخه الفقيه الإمام أبي عبدالله محمد الصغير المذكور إمام جامع الأندلس من فاس المحروسة بالله, وهو رئيس المقرئين بفاس حينئذ وحبرهم, عن شيخه الفقيه الأستاذ المقرئ أبي الحسن علي بن أحمد الورنتاجي(1) الشهير بالوهري, عن شيخه المقرئ الأستاذ أبي وكيل ميمون بن مساعد المصمودي عن شيخه الأستاذ المقرئ بمدينة فاس – حرسها الله تعالى – أبي عبد الله محمد بن عمر اللخمي, عن الشيخ الأستاذ الحافظ المقرئ أبي الحسن علي بن سليمان بن أحمد القرطبي الأنصاري, عن الشيخ الراوية أبي علي الحسين بن عبد العزيز بن أبي الأحوص(2)
__________
(1) - سماه في الإجازة أبا العباس أحمد بن علي الورتناجي, وهو مخالف لما ذكره قبل ذلك وبعده.
(2) - انقلب عليه في الإجازة فقال فيه"عن الشيخ الراوية أبي الحسن علي بن عبدالغني بن أبي الأحوص", ومن الغريب أنه في فهرسة ابن غازي أيضا كذلك مع مزيد من الاضطراب حيث جاء فيها " عن الشيخ الراوية أبي الحسن علي بن عبدالغني وعن ابن أبي الأحوص القرشي", وهذه كلها تحريفات, والصواب أنه " أبو علي الحسين بن عبدالعزيز بن محمد بن عبدالعزيز بن محمد بن أبي الأحوص الجياني الفهري المتوفى حول سنة 680 كما ذكره ابن الجزري في غاية النهاية 1/242 ترجمة 1106. والصحيح في وفاته أها في رابع عشر جمادى الأولى سنة 699 كما ذكر أبو الحسن النباهي في تاريخ قضاة الأندلس 127 وهو موافق لما ذكرناه في كنيته واسمه ونسبه. وما ذكرناه من التحريف واقع في فهرسة ابن غازي 38. طبعة الدارالبيضاء 1399 بتحقيق محمد الزاهي..وتبعه على كل ما ذكره علىلفظه وصورته في ثبت أبي جعفر البلوي 464.(1/356)
القرشي الفهري الشهير بابن الناظر, عن الشيخ القاضي الإمام الناقد الراوية أبي جعفر بن ابراهيم بن الزبير العاصمي الثققي, عن كمال الدين أبي الحسن علي بن شجاع القرشي عن ناظمها.
... ... ثم ذكر المجيز سندا آخر بقصيدة الحرز متصلا إلى الوهري – كما تقدم – عن أبي وكيل عن أبي عبدالله بن عمر اللخمي عن الأستاذ المقرئ المحقق أبي العباس أحمد بن عمران بن موسى بن محمد المرسي الشهير بابن حدادة عن شيخه القاضي المقرئ الضابط المسند الراوية أبي جعفر بن الزبير بن ابراهيم العاصمي الثقي(1) عن كمال الدين أبي الحسن علي بن شجاع القرشي العباسي عن ناظمها أبي القاسم بن فيره.
قال أبو عبدالله المجيز :"وكذلك عرض علي قصيدة أبي الحسن علي بن بري الموسومة بـ"الدرر اللوامع" عرضا جيدا, وحدثته – أصلحه الله – عن الشيخين المذكورين عن الشيخ الفقيه أبي القاسم المذكور, عن الشيخ الفقيه أبي عبدالله محمد بن غازي المذكور, عن شيخه أبي عبدالله محمد الصغير المذكور, عن الشيخ الأستاذ أبي الحسن علي الوهري المذكور,عن الشيخ الراوية المقرئ أبي وكيل ميمون المذكور, عن شيخه المقرئ الحافظ أبي عبدالله محمد الشهير بالزيتوني عن أبي الحسن بن بري.
وعرض علي أيضا ـ حفظه الله ـ الرجز الموسوم بـ"مورد الظمآن في رسم أحرف القرءان" مع " الذيل الملحق به في النقط للإمام العالم العلامة أبي عبدالله محمد بن ابراهيم الشهير بالخراز, ولم يذكر سنده فيه(2).
ثم ذكر إجازته له برسالة ابن أبي زيد في الفقه بعد أن عرضها عليه وحدثه بها بالسند المتصل من طريق الشيخ ابن غازي المذكور في فهرسته(3).
__________
(1) - كذا في الإجازة. والصواب : الثقفي.
(2) - وهو موافق لما في فهرسة ابن غازي 42.
(3) - فهرسة ابن غازي 42-43(1/357)
... ... ثم ذكر إجازته له أيضا – كما في فهرسة ابن غازي – بجميع تواليف أبي وكيل ميمون المذكور ك "المورد الروي في نقط المصاحف", وكذا " تحفة الاعراب" و" الدرة الجلية"(1) في نقط المصاحف, وكذلك جميع ما قيد عنه في قصائده تلاوة وسماعا قال:
... ... "وأجزته في جميع ما قرأ علي من الكتاب العزيز, والمعروضات المذكورة إجازة عامة بشروطها, وأجزته بما ذكر.. جعلنا الله وإياه ممن اهتدى بهديه القويم, وسلك بنا وإياه الصراط المستقيم بمنه وكرمه.
... ... ثم ذكر تاريخ الإجازة وهو في "أواخر رجب المعظم من عام ثمانية وثلاثين وألف (1038هـ).
وتحته:محمد بن محمد الحسني البوعناني وفقه الله بمنه, وبعده شهادات العلماء والقراء الآتين:
__________
(1) - في الإجازة " الجليلة".(1/358)
- محمد بن أحمد الشريف طاهر الجوطي- ومحمد بن أحمد بن يحيى الشريف العلمي – ومحمد بن أحمد بن أبي طالب الشريف الجوطي – وعلي بن أحمد بن ادريس العمراني الجوطي – ومحمد بن أحمد الجنان – وعبد الرحمن بن القاسم بن القاضي – أصلح الله حاله – وعبدالمومن بن محمد لطف الله به – وأحمد بن علي بن محمد الشموسي البوسعيدي – ومحمد بن محمد بن قاسم بن سودة – وعلي بن يوسف بن يحيى الزرهوني – وعبدالقادر بن أحمد بن عيسى الراشدي الشرقي – وسعيد بن محمد بن عبدالرحمن الشريف – وعبد الواحد بن أحمد بن عاشر أصلحه الله – وأحمد بن محمد الأبار – وعلي بن أبي القاسم – ومسعود بن عبدالعزيز الحسني القادري – وعلي بن الحسن بن علي بن رحمون الحسني – وأحمد بن علي بن عمران – ومحمد بن العربي بن يوسف الفاسي – وعبد الرحمن بن يوسف بن محمد الحسني – وأبو القاسم بن أحمد الزموري – ومحمد بن محمد ... (1) وعبدالرحمن بن يوسف بن محمد الحسني – وأحمد بن أبي القاسم بن علي الحسني العلمي – وأحمد بن علي بن عمران(2) وبلقاسم بن عبد المنعم – ومحمد بن أبي بكر أكروم, وباسمه ختمت هذه الشهادات وبها تمام الإجازة.
... ... تلك هي إجازة البوعناني لأبي عبدالله الشرقي سقناها على هيئتها إلا ما اختصرناه من أولها مما هو من قبيل المقدمات العامة التي نجدها في الإجازات من ذكر فضل قراءة القرءان وما خص الله به أهله من المقامات السنية, وكذلك ما اختصرناه من أسانيده في القراءات الزائدة على قراءة نافع اقتصارا منا على ما يتعلق ببحثنا.
... ... وقد اعتبرنا هذه الإجازة نموذجا يغني عن غيره من أسانيد الأئمة لأنها إجازة جامعة تنتظم في هيكلها كل مدارس الأقطاب, وتؤلف بينها في أصول أسانيدها التي تجتمع غالبا في أبي العباس ابن نفيس أو في أستاذه أبي عدي كما قدمنا.
__________
(1) - غامض في الإجازة لتلاشي أطرافها.
(2) - مكرر ولعل الأمريتعلق بشخصين متفقين في الإسم والنسب.(1/359)
... ... كما أن هذه الإجازة قد جمعت لنا في سلك واحد بين أهم الفهارس المعتمدة في الإقراء كفهرسة أبي عبدالله بن غازي, وفهرسة أبي عبدالله الصغير, وفهرسة أبي عبدالله بن عمر اللخمي شيخ الجماعة بفاس, وفهرسة أبي عمران بن حدادة المرسي, وفهرسة أبي الحسن بن سليمان, وفهرسة أبي جعفر بن الزبير إلى غير ذلك مما اشتملت عليه.
... ... ومن مزاياها أيضا أنها أعطتنا صورة عن الإجازة الناضجة التي انتهت إلى أهل المائة الحادية عشرة في أكمل صورة لها, وقد أمست بمثابة الوثيقة " الرسمية" التي تمهر بشهادة المجيز وتوقيع من حضره من علماء العصر, وقد اشتملت – كما رأينا – على أسماء سبعة وعشرين عالما من علماء فاس, فيهم من أئمة القراء المشهورين الشيخان ابن عاشر, وأبو زيد بن القاضي.
ولنا موعد الآن مع نموذج ثان من هذه الإجازات في قراءة نافع جاء إسناده منظوما في قالب فني جميل.
2- إجازة الشيخ أبي الحسن بن هارون لأبي العباس أحمد بن محمد الشيخ الوطاسي بقراءة نافع.
... ... توجد هذه الإجازة في مجموع عتيق جدا كثير الخروم بخزانة أوقاف آسفي, وفيها بتر من أولها وخروم في مواضع منها وسأنقلها هنا بتمامها إنقاذا لها من جهة, وتمثيلا بها لأحد آثار الشيخ ابن هارون في هذا الشأن, وهذه جملة ما أمكن قراءته منها, وهي مذيلة بمصادقة أبي محمد الونشريسي عليها, وتكملة أبي عبدالله الرحماني لإسنادها:
................................. ... ..................................
.................................. ... الواحد الفرد الصمد
منزل الذكر........................ ... محمد الهادي الأمين
قرة عين المومنين ... ذي الشرف العالي المبين
صلى عليه الله ... ..................................
وآله الأبرار ... وصحبه الأخيار
كواكب الأسحار ... ووارثي الأنوار
الفاضلين الجلة ... الناصرين الملة
وصلة الدعاء ... لزمرة القراء
حملة القرءان ... العظماء الشان
بالفوز والرضوان ... والروح والريحان(1/360)
وبعد فالعلم هدى ... به اعتنى من اهتدى
طوبى لمن له ابتدر ... وفيه أعمل الفكر
وجد فيه واغتنتم ... منه الأهم فالأهم
فالعلم يذهب العمى ... من قلب من له انتمى
والعلما للأنبياء ... ورثة قد رويا
كفى بهذا شرفا ... لمن بحقه وفى
وإن علم القرءان ... أجمل حلي الإنسان
وخير ما به اللسان ... جال وخطته البنان
فهو الكتاب الأرفع ... والشافع المشفع
وهو الصراط المستقيم ... لطالب الدين القويم
ترداده تجملا ... يزداد من له تلا
والأجر يعطى عشرا ... بكل حرف يقرأ
وخيركم من علمه ... جلا(1) ومن تعلمه
فلتلتزم تفهمه ... تنل علا ومكرمة
وجد في تلاوته ... واحرص(2) على روايته
عن الثقات الفضلاء ... المتقين النبلاء
ممن رواه بسند ... عمن عليه يعتمد
تنل به من الثواب ... ما ليس يحصى بحساب
وكان حبر ذا الزمن(3) ... أستاذنا أبو الحسن
العالم العلامة ... الناقد الفهامة
مزيح كل مشكل ... وهو ابن هارون علي
المطغري النسب ... مفتي بلاد المغرب
لما رأى وأبصرا ... مليكنا المظفرا
الأوحد الإماما ... الأسعد الهماما
الماجد الرفيعا ... الحامي المنيعا
إنسان عين الدهر ... زين الليالي الغر
ذا(4) الشيم الكريمة ... والخلق العظيمة
متمم المقاصد ... لصادر ووارد
ذاك أبو العباس ... رب الندى(5) والباس
الملك الوطاسي ... سلطان أهل فاس
ابن محمد الرضا ... فخر الملوك المرتضى
الأسد الضرغام ... حامي حمى الإسلام
وواصل الأرحام ... وكافل الأيتام
.................................. ... تاج الملوك الأكرمين
الشيخ ذو القدر الكبير ... بدر المحافل المنير
حامي بلاد المغرب ... من كل هول مكرب
.................................. ... أولي المعالي وذويه
لازالت الأيام ... وهي لهم خدام
تدني لهم ما أملوا ... وبالسعود تقبل
على القرآن عاكفا ... وأهله مؤالفا
يكتبه بخطه ... ويعتني بضبطه
__________
(1) - كذا ولا أدري كيف تلفظ.
(2) - في الأصل "واحرس" بسين.
(3) - في الأصل " الزمان", وقد أثبتها بغير ألف محافظة على ازدواجها بما بعدها.
(4) - في الأصل " ذي" والمفام يقتضي النصب تبعا لما تقدمها من الصفات.
(5) - كتبت " الندا" بالألف في الأصل.(1/361)
وحامليه يولي ... أسنى المنى والسول
أجاز مني مقرا ... المدني المقرا
زهر الأداء اليانع ... أبى رؤيم نافع
إذ كان هذا المقرأ ... به اعتنى من يقرأ
بهذه البلاد ... من حاضر وباد
وكتب الإجازة ... نظما لمن أجازه
بخطه المعروف ... وكتبه المألوف
وألفيت بمنزله ... بعد انقضاء أجله
ونص ما كان كتتب ... هذا الإمام المنتخب
قال ابن هارون علي: ... الحمد لله العلي
مصليا على الرسول ... وآله أزكى عدول
أبحث للإمام ... الأوحد الهمام
أحمد غصن الآس ... فخر بني وطاس
الطاهر الأنفاس ... سلطان أهل فاس
خويدم القرءان ... في السر والإعلان
أحمد فضله اشتهر ... في كل بدو وحضر
يعظم الشريفا ... ويرحم الضعيفا
مشتغلا بالذكر ... ينسخه للذكر
في سالف الدهور ... بخطه المشهور
من أجل ذا أبحث له ... إجازة مسلسلة
طريقة العشرة ... للمدني الأثبت
يروي لنافع عني ... عن ابن غازي الدين
عن شيخه النيجي ... عن الرضى الوهري
الثقة المأمون ... عن ذي النهى ميمون
عمن سما وعمرا ... محمد بن عمرا
عن شيخه أبي الحسن ... ابن سليمان, وعن
ابن حدادة عن ... ابن الزبير المتقن
عن شيخه العطار ... أبي الوليد الداري
عن ابن حسنون عن ... ابن بقي الدين
عن يحيى الأسمى الشأن(1) ... عن الإمام الداني
بسند "التعريف" ... له بلا تحريف
فهذه لمن شدا ... سلسلة النور الهدى
أثابنا الشهادة ... حسناه والزيادة
ثم قال مقيده :" انتهى نظمه – رحمه الله تعالى ورضي عنه بمنه" قال :
__________
(1) - هذا الشطرمخروم من الأصل, وقدنقلته من أرجوزة " النافع" للجادري, لأن أبا الحسن بن هارون وصل سنده نظما بسند الجادري في هذه المنظومة – الآنفة الذكر في العدد الذي خصصناه له. – وقد تقدم قول الجادري : "حسبما أخذت عن – شيخي الجليل المؤتمن – محمد بن عمرا وغيره ممن درى – عن شيخه أبي الحسن ابن سليمان وعن – إلى قوله عن الإمام الداني.(1/362)
"ومما وجد أيضا لسيدي عبدالواحد المذكور(1) لما وقف على ما خطه الإمام ابن هارون من الإجازة المذكورة نظما للسلطان المريني ـ رحم الله الجميع, وأسكنهم المنزل الرفيع -:
هنا انتهى ما سطرا ... بخطه وحبرا
ولم يتمم السند ... والظن أنه اعتمد
على إشتهاره لدى ... معلمي علم الادا
ممن عليه وقفا ... وخطه قد عرفا
ومازه وحققه ... من غير ريب لحقه
وأعمل المقابلة ... بأصله فما ثله
خط له شهادته ... مصححا إضافته
إلى المجيز الفاضل ... وذاك في أوائل
ثانية الستينا ... من عرة المئينا
من بعد تسعمائة ... قد انقضت للهجرة
إلى هنا انتهى ما نظمه الونشريسي وما ضمنه من نظم شيخه أبي الحسن بن هارون, وقد ذيل عليه بعده الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد الرحماني بإذن شيخه محمد بن يوسف التاملي واصلا سند الإجازة من طريق التعريف إلى شيخ القراءة وإمامها نافع بن أبي نعيم, ثم من شيخه محمد بن يوسف إلى ابن غازي ولعل من الأنسب أن نسوق ذلك بتمامه هنا كما جاء في أصله المذيل به مع ما فيه من خروم في آخره.
سند التعريف كما ذيل به على الإجازة السابقة الشيخ محمد بن محمد بن أحمد الرحماني.
وقلت بعد الحمد ... لذي الجلال الفرد
أتيت في تعريفي ... بسند " التعريف"
إذ قال فيه الداني ... أمام هذا الشأن
حدثني للأزرق ... سليل غلبون التقي
عن ابن مروان (2) وذا ... عن ابن سيف أخذا
وذا عن الأزرق عن ... ورش فكن ممن فطن
أما لعبد الصمد ... فنلتها عن أحمد
عن أحمد بن جامع ... عن ابن سهل الطائع
عن شيخه عبدالصمد ... عن ورشهم المعتمد
وقال أعني الداني ... أما للأصبهي
فالفارسي عن أبي ... طاهر المب
عن ابن أحمد عن ... الأصبهاني الفطن
وهو عن مواس ... عن يونس المواسي
وابن أبي طيبة عن ... ورشهم في ذا انن
فهؤلا الهداة ... وكلهم رواة
لورشهم الخاشع ... عن الإمام نافع
__________
(1) - عبدالواحد بن أحمد الونشريسي الآنف الذكر.
(2) - في الأصل "رومان" والصواب "ابن مروان" كما في التعريف والتذكرة لطاهرابن غلبون 1/50 واسم الشيخ كما تقدم ابراهيم بن محمد بن مروان الشامي.(1/363)
ولأبي نشيط ... المروزي النشيط
حدثني عبدالله ... عن ابن مران تراه
عن ابن أشعث عن ... المروزي فاعتن
عن ابن مينا قالون ... إلى ـــــــداه يا وون
رويت للحلواني ... راوي ابن مينا الثاني
طريقتين للحسن ... والواسطي كل حسن
عن الفتى البغدادي عن ... ابن مجاهد اللسن
وهو عن الحلواني ... كل سني الشأن
ثم طريق الواسطي ... عن فارس الضابط
وهو عن نجل الحسين ... وذا روى عن جهبذين
هما ابن صالح السني ... ونجل هارون علي
الواسطي الرباني ... عن أحمد الحلواني
وذا عن ابن مينا ... كما مضى يقينا
وقال ذاك الراضي ... حدثني للقاضي
طاهر ابن غلبون ... عن ................. ـنون(1)
عن ابن جعفر عن ... قاضي القضاة الدين
عن ابن مينا هؤلا ... رواته ذوو العلا
عن نافع المهذب ... أما عن المسيبي
فلابنه رويته ... عن كاتب وعيته
عن ابن موسى ذي الحجج ... عن الزكي ابن فرج(2)
عن ابن إسحاق عن ... أبيه ..............
أما لنجل سعدان ... فعن فتى خراسان
عبدالعزيز عن أبي ... طاهر المقرب
عن ابن عيسى المعتني ... عن ابن .................... عن(3)
إسحاق المسيبي ... عن نافع المطيب
ولأبي الزعراء ... رويت في القراء
عن أبن أحمد عن ... نجل مجاهد السني
وقال أيضا ذو الأرج ... حدثني لابن فرج(4)
فارس ابن أحمد ... عن عبد باقي المرشد
عن زيد عن نجل فرج(5) ... للدوري أيضا لا حرج
وهو عن ابن جعفر ... عن نافع المطهر
ثم الإمام نافع ... أخذ عن كم تابع
__________
(1) - كذا بسبب الخروم.
(2) - كذا ذكر ابن فرج بالجيم, تبعا لابن غازي وفي التعريف المطبوع بتحقيق شيخنا الدكتور الراجي بالحاء وكذلك هو عند ابن الجزري والخطيب البغدادي وغيرهما كما قدمنا.
(3) - خرم بالأصل.
(4) - كذا ذكر ابن فرج بالجيم, تبعا لابن غازي وفي التعريف المطبوع بتحقيق شيخنا الدكتور الراجي بالحاء وكذلك هو عند ابن الجزري والخطيب البغدادي وغيرهما كما قدمنا.
(5) - كذا ذكر ابن فرج بالجيم, تبعا لابن غازي وفي التعريف المطبوع بتحقيق شيخنا الدكتور الراجي بالحاء وكذلك هو عند ابن الجزري والخطيب البغدادي وغيرهما كما قدمنا.(1/364)
كمسلم بن جندب ... الهذلي النسب
والأعرج بن هرمز ... وابن نصاح ميز
وكابن رومان المجيد ... ونجل قعقاع يزيد
عن ابن عباس وعن ... أبي هريرة وعن
فتى لعياش عن ... أبي المؤمن
عمن عليه أنزلا ... مخترق السبع العلا
صلاة ربي والسلام ... عليه في كل مقام
عن الأمين جبريل ... أقرأه أزكى قيل
ثم عن اللوح الجميل ... عن قلم عن الجليل
لله جل المنتهى ... وفضله بلا انتها
سبحانه تعالى ... عن شبهه مثالا
يا سعد من قد انخرط ... مسلسلا في ذا النمط
فنعمة القرءان ... منه على الإنسان
أجل كل نعمة ... تدفع كل نقمة
دنيا كذاك أخرى ... أعظم بذاك ذخرا
فكيف لا وهو كلام ... الهنا الهادي السلام
كان لنا به الشرف ... عمن مضى ومن سلف
كما أتى في الذكر ... لنصه بالذكر
بحوله وقوته ... وفضله ومنته
قد جاءنا في " فاطر" ... فاقرأ به وفاخر
فظالم ومقتصد ... وسابق كل سعد
قد اصطفاه الله ... لديه واجتباه
ذلك من ذا الواو ... في "يدخلون" الحاوي
ثلاثة الأصناف ... بالاتفاق الوافي
قالت ..........الرضا ... خير...................القضا
عنيت كتب الواو ... لما حكاه الراوي
بالذهب الإبريز ... لموجب التمييز
لحامل القرءان ... الواضح البرهان
فالحمد للاله ... شكرا بلا تناه
ثم الصلاة والسلام ... على النبي بدر التمام
فهي لنا مسك الختام ... لنيلنا دار السلام
ثم ذكر الشيخ الرحماني سنده من طريق شيخه محمد بن يوسف على لسان الشيخ وأقره الشيخ عليه في آخره فقال :
وبعد ربي أحمد ... عبيده محمد
يعرف بابن يوسفا ... بذنبه معترفا
التاملي نسبا ... المالكي مذهبا
مصليا مسلما ... على النبي إذ ألهما
أروي عن الصغير ... الصتالح الشهير
المستغانمي النسب ... ...............................
طريقة في " العشر" ... لنافع ذي الفخر
عن شيخه الزروالي ... الحرمي التالي
الحسني النستب ... ...............................
عن شيخه الزكي ... أستاذه اللمطي(1)
عن ابن غازي الخير ... عن شيخه الصغير
قد كان ذا ال............... ... -........ عفيفا.................
__________
(1) - هو الإمام أبو سعيد وأبو عمرو عثمان بن عبدالواحد اللمطي تقدم في أصحاب ابن غازي.(1/365)
أستاذنا الزروالي ... عنيت في المقال
نجاه.................... ... ................................
............................. ... .............................. (1)
أخبرني شيخ الدلا ... بذاك أيضا فانجلى
عني شك فيها ... .................................
..................... محمد ... الصالح الممجد
ابن أبي بكر الرضا ... وذي المقام المرتضى
ثم قال بعد أبيات في فضل السند :
به إلى الزروالي ... الحرمي التالي
عن ابن هارون فذا ... سندي عنه فخذا
وهو الذي يقول ... وحبله موصول:
بسنة العدول ... إلى النبي الرسول
" قال ابن هارون علي ... الحمد لله العلي
مصليا على الرسول ... وآله أزكى العدول
إلى هنا انتهت هذه الإجازة النظمية التي تعتبر نموذجا آخر من إجازات مدرسة أبي عبدالله بن غازي, وقد ذيلها الشيخ أبو عبدالله محمد بن يوسف التملي بخط يده فقال:
"الحمد لله, وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم, ما سطره أخونا في الله ومن أجله السلسلة التي سطرت... (2) وهو الأستاذ الضابط المتقن سيدي محمد بن محمد المدعو الرحماني.
ثم كتب أسفله : محمد بن يوسف أصلح الله شانه, وأزال عنه ما شانه, بالنبي وآله وصحبه"(3).
__________
(1) - خروم متصلة يبلغ الساقط معها ستة أبيات لم يبق منها إلا قوله في السادس " عز وجل".
(2) - خروم ذهب بسببها طرف من كلامه.
(3) - أثبتنا الأرجوزة كما تأتى لنا نقلا عن مخطوطتها في المجموع الآنف الذكر وهو محفوظ بخزانة أوقاف آسفي بغير رقم, وهو بخط أبي عبدالله الرحماني وقد تضمن عددا من إجازات الشيوخ له وبعض تقييداته عنهم كما تقدم.(1/366)
ونورد لتمام الفائدة نص إجازة الشيخ أبي عبدالله محمد بن يوسف التملي لأبي عبدالله الرحماني المذكور لأنه يساعد على تكميل النقص الموجود في الإجازة النظمية السابقة, كما يعطينا أيضا صورة أخرى عن إجازة مشايخ هذه المدرسة في صدر المائة الحادية عشرة وما أعقبها, وهذا نصها كما وقفت عليها ضمن المجموع الآنف الذكر في خزانة أوقاف آسفي, وفيها هي أيضا طائفة من الخروم تركنا مواضعها على حالها.
3- إجازة الشيخ أبي عبدالله محمد بن يوسف التملي لأبي عبدالله الرحماني (ت بعد 1070هـ).
يقول في أولها : " أما حمد الله والثناء... فيقول عبيد الله تعالى المستند بظهره الضعيف إليه, المتوكل في دقيق الأمر وجليله عليه, المرتجي منائح الصفح وبرودة العفو يوم الوقوف بين يديه: محمد بن يوسف التملي نسبا, المراكشي نشئا ودارا, مخاطبا من أفرغت عليه أبهات المعالي, وتوج تاج مفاخر السؤدد من شذور اللآلي, من العلماء المرضيين في عصرنا, ومن ألقت إليه العدالة أعنتها في مصرنا, وساداتنا الشرفاء المنتسبين لنبيه أن يضعوا أيديهم على مكتوبنا هذا, ويشهدوا على أني:
"أجزت الطالب النبيل الأستاذ المرتل لكتاب الله – عز وجل – سيدي محمد بن محمد بن أحمد الرحماني بالروايات السبع والطرق العشرية, وفيما حضره لدينا مجالسة في "الشاطبية" وسمعه من " جر السطر"(1) رسما وأداء وضبطا على نهج سلفنا في ذلك.
... ... فقد قرأ علي نبذة من كتاب الله تعالى بجميع ما ذكر لإتقانه في ذلك أي إتقان, وإمعانه في ذلك غاية الإمعان، وليس ذلك لعلو قدري, وتفوقي على أهل دهري, فإني أحقر عباد الله تعالى وأضعفهم وأهونهم فضيلة وإفضالا, وإنما ذلك لتقهقر الزمان, وذهاب العلماء الأعيان, وانقراض الأكابر والأقران.
__________
(1) - يراد به عند مشايخ القراءة إلى اليوم ما يضعه الشيخ أثناء تصحيح اللوح من حطيات تشير إلى الرسم والضبط.(1/367)
... ... ... خلت الديار فسدت غير مسود ... ومن الشقاء تقردي بالسؤدد(1)
وإذا خلت الدسوت(2) من الرخاخ برزت فيها البيادق, فها أنا كالهشيم الذي تذروه الرياح قلعا, ويكاد يحتاج إليه عند فقد الربيع للضرورة إلى المرعى كما قيل:
... ولكن البلاد إذا اقشعرت ... وصوح نبتها رعي الهشيم(3)
وحدثته بما تلقيته عن شيوخي الذين اعتمدت عليهم, وأسندت قراءتي إليهم,
- فمنهم الشيخ الصالح البركة المطيع لله في السكون والحركة العالم المحقق المدقق المفيد الذي انبسطت بركته في الديار المغربية على القريب والبعيد, أبو علي سيدي الحسن بن محمد السالمي شهر بالدراوي(4).
- والشيخ الصالح الجامع الضابط المتقن سيدي محمد شهر بالصغير المستغانمي(5).
- والشيخ الحافظ العالم الإمام محمد بن يوسف المساري التارغي(6) به شهر.
- والشيخ أبي العباس سيدي أحمد الفشتالي به شهر. (7)
- والشيخ الفاضل الصالح النحوي سيدي أبي القاسم شهر بابن القاضي(8).
- والشيخ الفقيه... العارف سيدي محمد الشريف التلمساني شهر بالمريي(9).
__________
(1) - البيت في عيون الأخبار لابن قتيبة 1/268 نسبة لرجل من حثعم دون تعيين.
(2) - يعني الرقاع التي يلعب عليها النرد والشطرنج ونحوهما.
(3) - تقدم أنه لأبي علي البصير كما في عيون الأخبار.
(4) - تقدم التعريف به في مشيخة الإقراء من رجال المائة العاشرة من امتدادات مدرسة ابن غازي.
(5) - تقدم ذكره في الآخذين عن الشيخ أبي عبدالله محمد بن عبدالرحمن الزروالي صاحب " تقريب النشر".
(6) - كذا, والأكثر في نسبه " الترغي" بدون ألف, وكذلك " التملي" المنسوب به محمد بن يوسف فإنه يقال " التاملي".
(7) - ترجمنا له في مشيخة الإقراء من مدرسة ابن غازي الترجمة رقم 10.
(8) - والد أبي زيد بن القاضي ترجمنا له في رجال مدرسة ابن غازي في العدد الماضي رقم 14.
(9) - ترجمته في العدد الماضي برقم 11.(1/368)
- وخاتمة الأسانيد المحققين الخير الحافظ سيدي أحمد بن شعيب به شهر(1).
رفع الأسانيد :
أما سيدي الحسن فيروي عن شيخه عيسى بن موسى الراشدي عن ابن أطاع الله عن ابن غازي. ويروي عن الشيخ المنجور أيضا عن ابن هارون عن ابن غازي. ويروي أيضا عن الشيخ الزروالي الشريف(2).
وأما سيدي محمد الصغير فعن الزروالي أيضا, وعن أخيه عبدالله المستغانمي, وعن سيدي عيسى بن موسى المذكور عن سيدي بلقاسم بن ابراهيم الدكالي – يعني عن ابن غازي -.
وأما الترغي فيروي عن ... بن محمد, وعن ابن هارون(3) وعن والده.
وأما الفشتالي... (4).
وفي الإجازة بتر ذهب بأكثر ما ذكره في آخرها, وقد ختمها بقوله: "وحدثني شيخنا الصغير – رحمه الله – وقت قرائتي عليه بالقراءات العشر والسبع أن شيخه الشريف الزروالي المذكور كان يتردد بين الحرمين الشريفين حتى مات بأحد الحرمين, وأنه كان يلازم الروضة النبوية – على ساكنها أفضل الصلاة والسلام – بقراءة كتاب الله العزيز حتى سمع النداء من قبل الروضة : هكذا أنزل علي, فهذا والحمد لله تحقيق إجازة النبي – صلى الله عليه وسلم – لهذا الشيخ في كتاب الله العزيز, فهنيئا له ولمن اتصل بسنده, لقربه من النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم ختم الإجازة بالدعاء, وليس في أخرها تاريخ ولا إشهاد.
__________
(1) - هو صاحب كتاب " إتقان الصنعة في التجويد للسبعة " ترجمنا له في العدد الماضي في رقم 13.
(2) - هو الشيخ محمد بن عبدالرحمن صاحب تقريب النشر في طرق العشر " ترجمنا له في مشيخة الإقراء من مدرسة ابن غازي رقم6.
(3) - يعني أبا الحسن علي بن هارون صاحب أبي عبدالله بن غازي صاحب الإجازة المنظومة في قراءة نافع المذكورة آنفا.
(4) - سقط باقي السند بسبب الخروم والمحو الذي أصاب أسفل الأوراق وبعض أطرافها, ويمكن الرجوع في معرفة اتصال الفشتالي بابن غازي إلى أول إجازة البوعناني للشرقي, فقد ذكرفيها أنه يروي القراءة عن أبي القاسم بن ابراهيم عن ابن غازي.(1/369)
4- إجازة أبي زيد بن القاضي لأبي عبدالله الرحماني:
تقدم لنا في التقييد الذي وقفنا عليه للرحماني مما قيد فيه ما قرأه على شيوخه من القراءات قوله :
" وقرأت على شيخنا الفقيه الأستاذ الحافظ المتقن إمام القراء بفاس المحروسة سيدي محمد بن محمد بن سليمان البوعناني ختمتين بالسبع".
" وقرأت على شيخنا الأستاذ الحافظ الضابط المتقن سيدي عبدالرحمن بن القاضي ختمة سبعية وختمة عشرية".
وهذا يعني أنه قد اتصل بالمحور العام الذي يسند منه رجال مدرسة ابن غازي من أهم طرقه, ومنها:
1- طريق الشيخ أبي عبدالله محمد بن يوسف التملي المراكشي حسب الإجازة رقم 3
2- طريق الشيخ أبي عبدالله محمد بن محمد البوعناني الذي ذكر أنه ختم عليه ختمتين بالسبع, وقد رأينا تفاصيل إسناده في إجازته لصاحبه أبي عبدالله الشرقي, فتكون هي نفسها أسانيد الرحماني من هذه الطريق.
أما أبو زيد بن القاضي فإنه كتب له إجازة بخطه نثرا, ثم عطف عليها أخرى نظما اقتصر فيهما على رفع السند إلى أبي عبدالله بن غازي, وهذا نص إجازته النثرية:
نص الإجازة النثرية:
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله الذي فضلنا بالإيمان, وأكرمنا بحفظ القرءان, وخصنا... خير الأنام, سيدنا ونبينا ومولانا محمد عليه من مولانا أفضل الصلاة وأزكى الرحمات وأطيب السلام.
... ... أما بعد فقد قرأ علي الطالب النجيب, الحاذق اللبيب, أبو عبدالله محمد بن محمد الرحماني المدعو بابن الحاج, ختمة واحدة من كتاب الله العزيز جمع فيها بقراءة الأئمة السبعة المشهورين – رضي الله عنهم ونفعنا بهم, وحشرنا في زمرتهم, بجاه سيدنا ومولانا محمد وآله.(1/370)
وحدثته عن الشيخ الإمام عبدالرحمن بن عبدالواحد الفيلالي السجلماسي(1).
- عن الإمام المفتي بمدينة فاس سيدي محمد بن أحمد بن محمد الحسني المدعو المريي.
- عن شيخه الإمام أبي القاسم بن ابراهيم الدكالي.
- عن الإمام الشهير أبي عبدالله محمد بن غازي.
وحدثته أيضا عن الشيخ الإمام المحقق الناسك خاتمة الأسانيد بمدينة فاس أبي العباس أحمد بن علي بن شعيب الأندلسي, عن الشيخ المسن البركة أبي العباس أحمد بن محمد الفشتالي عن الإمام أبي القاسم بن ابراهيم المذكور.
وحدثته أيضا عن الشيخ الفشتالي المذكور عن الشيخ أبي القاسم بن ابراهيم المذكور.
"فله أن يروي عني ويروي للغير جميع ما قيده عني أو صح إسناده إلي, والله ينفعنا وإياه بالعلم والعمل الصالح, ويجعل القرءان حجة لنا لا علينا, بجاه مولانا محمد وآله.
وفي ثاني ربيع النبوي المفضل عام ثمانية وثلاثين وألف. ثم ذكر اسمه أسفل الإجازة.
نص إجازته النظمية للرحماني: وقد أردف أبو زيد بن القاضي إجازته النثرية بأخرى نظمية أكثر طرقا منها فقال:
الحمتد لله الذي أكرمنا ... بنعمة................ (2)
ثم صلاته على شمس الهدى ... محمد بحر الوفا غيث الندى
وآله وصحبه المشاهر ... ذوي التقى سادتنا الأكابر
ثم سلام يزدري بعنبر ... وبنسيم الروض وقت السحر
__________
(1) - في الإجازة بدل الشيخ المذكور ذكر بدله " عن الشيخ الإمام أبي القاسم بن ابراهيم الدكالي", وهو سبق قلم من المجيز إن كانت الإجازة المذكورة بخط يده, أو من الناسخ, لأن ابن القاضي لم يدرك أبا القاسم بن إبراهيم كما تقدم, وإنما قرأعلى من قرأ عليه, وقد كتبت بدله السجلماسي المذكور لأنه أكثر ما يسند القراءة عنه, وكثيرا ما يكتفي بطريقه كما فعل في " إيضاح ما ينبهم على الورى" وفي " علمالنصرة" كما قدمنا.
(2) - بياض بالأصل.(1/371)
على إمام غربنا محمد(1) ... بحر التقى وخير من به اقتدى
نجل أبي بكر عليه أعتمد ... أنا ومن عذب فراته أستمد
أمتعنا الله بطول عمره ... وأصلح آل بيته وحزبه
بجاه سيدي الورى المنتخب ... محمد فخر بني المطلب
وبعد فالعبد الذليل المحتقر ... أتى حمى سادتنا أهل الفخر
الشرفا والفقها الأعيان ... في وقتنا في سائر البلدان
ليشهدوا بأنني أجزت ... محمدا في كل ما رويت
نجل محمد الرحامني النسب ... قبيله بسوس من خير العرب
الحافظ المتقن للرواية ... وضبطها في ختمة البداية
قرأ علي ختمتين ذا الحبيب ... قراءة يغبطها الحبر اللبيب
بمقرأ السبع الأئمة الكرام ... المتواترة عن خير الأنام
حدثته بها عن الإمام ... قدوتنا وشيخنا الهمام
أبي محمد عبيد الواحد ... ابن عاشر أكرم به من ماجد
عن شيخه المفتي بقطر فاس ... الحسني طيب الأنفاس
عن ابن ابراهيم قاسم الرضا ... شيخ الجماعة بفاس المرتضى
عن شيخه الموقر الممتاز ... محمد بن أحمد بن غازي
ثم عن ابن القاضي(2) والخروبي ... حدثته والحسني الأريب
وأول حدثني عن شيخه ... إمامه الفيلالي(3) ثق بفهمه
عن شيخه المفتي الذي تقدما ... حسبما ذكرته فلتعلما
والثاني عن أستاذه أبي علي ... الراشدي المعبدي فحصل
عن قاسم المذكورقبل في السند ... حسبما أسلفته نلت المدد
وثالث حدثني عن شيخه ... أعلم أهل وقته في فنه
نجل شعيبهم عن الفشتالي ... عن قاسم المذكور ذي الإفضال
مع أني بالعجز والتقصير ... معترف وقلة التحرير
والله يلهم الجميع للصواب ... سبحانه وعنده علم الكتاب
__________
(1) - يريد محمد بن محمد بن أبي بكرالمسناوي الدلائي أحد فحول علماء الزاوية الدلائية المتوفى بها قتيلا كما تقدم سنة 1059 – ترجمته في نشر المثاني 2/43, وربما قصد محمد بن أبي بكر الدلائي شيخ الطريقة البكرية بهذه الزاوية ومؤسس إمارة الدلائين الذين استولوا على فاس لهذا العهد.
(2) - يعني والده أبا القاسم بن القاضي وقد ترجمنا له في مشيخة الإقراء.
(3) - لعله يريد عبدالرحمن بن عبدالواحد الفيلالي السجلماسي وهومن شيوخ أبي زيد بن القاضي أيضا.(1/372)
ثم الصلاة دائما مع السلام ... على النبي المصطفى خير الأنام
وكتب أبو زيد بن القاضي أسفل هذا قوله:
"قرأ علي الفقيه الأجل التالي لكتاب الله – عز وجل – الأستاذ سيدي محمد بن محمد الرحماني ختمة بالسبع, وحدثته بذلك عن شيخنا ومفيدنا سيدي عبدالرحمن الفيلالي عن شيخه المفتي بمدينة فاس الشريف المريي عن شيخه سيدي قاسم بن إبراهيم, عن الإمام ابن غازي".
وكتب عبد الرحمن بن القاضي أواخر ربيع الثاني من عام تسعة وثلاثين وألف".
ثم كتب بعدها :
"وكذا قرأ علي ختمة بالقراءة العشرية(1), وأجزته في "الجمعين" بهما والرواية لهما والسلام. وكتبه عبدالرحمن المذكور في التاريخ أعلاه, وتحته أسماء من شهدوا على الإجازة وهم هكذا:
... ... عبد العزيز بن علي الفيلالي وفقه الله ... محمد بن أبي بكر كان الله له.
وعبدالله بن محمد الفيلالي(2) خار الله له. وعبدالكريم بن محمد الحشادي لطف الله به. ... ... ... ... ومحمد المحجوب لطف الله به.
وقد ذيل الرحماني هذه الإجازات من ابن القاضي بهذه الأبيات تحت عنوان "هذا سند شيخنا سيدي عبدالرحمن بن القاضي", ثم ساقها, وهي قطعة جمع فيها أهم إسناد
للمغاربة في رواية ورش كما قدمنا قال:
أجازنا تجويد رسم القرءان ... سيدنا الفيلالي عبدالرحمن
عن شيخه المفتي عن الدكالي ... عن ابن غازي الراقي للمعالي
عن الصغير عن الفيلالي ... عن السماتي الرضي التالي
عن شيخه الزواوي عن أبي الحسن ... عن أبي جعفر الكريم المؤتمن
عن شيخه العطار نعم المتقي ... عن ابن حسنون عن ابن بقي
عن شيخه ينسب لابن العرجا ... روى عن الطبري نعم الملجا
__________
(1) - يعني بالطرق العشر المروية عن الأربعة عن نافع وتسمى بـ"العشر الصغير".
(2) - هو من أساتذة الرحماني وقد قال في " تقييد ما قرأ به على أشياخه " كما تقدم :"وقرأت على شيخنا الأستاذ المحقق سيدي عبدالله بن محمد الفيلالي واحدة بالسبع وأخرى بالسبع والعشر إلى قوله تعالى "وواعدنا موسى".(1/373)
وابن نفيس قل عن ابن سيف(1) ... عن يوسف الأزرق دون خلف
عن ورشهم عن نافع الرضا وعن ... سليل هرمز فنعم المؤتمن
عن أبي هرة عن ابن كعب ... عن الرسول المصطفى بالقرب
بجاههم يسر لنا أمورنا ... واغفر ذنوبنا ومن علمنا
واختم لنا اللهم بالشهادة ... والفوز بالجنة والسعادة(2)
تلك أهم أسانيد المشيخة المنتهية إلى الشيخ ابن غازي من طرق أكابر المتصدرين بفاس في المائة العاشرة وما بعدها, وقد رأينا منها أربعة نماذج مهمة الأول للشيخ أبي عبدالله البوعناني, والثاني لأبي الحسن علي بن هارون, والثالث لأبي عبدالله محمد بن يوسف التملي, والرابع لأبي زيد عبدالرحمن بن القاضي.
الفصل الثاني: امتدادت الطرق المتفرعة عن مدرسة ابن غازي:
ولقد تفرعت من هذه الطرق الأربعة في الشمال والجنوب والشرق شعب لا تعد ولا تحصى كانت تسند منها القراءة في هذه الجهات من المغرب وصلا لأسانيد المشيخة هنالك بأكابر رجال هذه المدرسة.
__________
(1) - في السند انقطاع بين ابن نفيس وابن سيف سقط فيه أبو عدي عبدالعزيز بن محمد.
(2) - توجد القطعة المذكورة ضمن مجموع بخزانة أوقاف آسفي والخزانة الناصرية بتمكروت (دليل الخزانة 174).(1/374)
إلا أن الملاحظ أن الإسناد من طرق الثلاثة الأولين سرعان ما تقلص وضعف شأنه حتى لا يكاد يوجد, وذلك أولا بسبب التدهور الذي بدأت تعرفه علوم القراءات في الجملة منذ أول المائة الحادية عشرة, وثانيا لغلبة الإسناد من طريق أبي زيد بن القاضي بسبب زيادة الشهرة وكثرة الأصحاب وزيادة الإتقان وتأخر الوفاة, إذ عاش إلى سنة 1082هـ, وهي عوامل كان لها أثرها الكبير في توجيه مسار القراءة في النصف الثاني من المائة الحادية عشرة وما بعدها حتى كاد يستبد بالميدان وحده بلا منافس وخاصة بعد موت البوعناني سنة 1063هـ كما تقدم, ولهذا صار كما قيل في ترجمته " المرجوع إليه في ذلك الشأن, والمعمول عليه في أحكام القراءات ومعرفة وجوهها وتوجيهاتها وحفظ مذاهب أئمتها, فلا تجد أستاذا بالمغرب إلا وقد روى عنه أو عن تلامذته"(1).
وقد قرأ عليه أعلام كبار انتشرت القراءة من طرقهم عنه, وأهم المذكورين منهم بذلك:
الطرق عن أبي زيد بن القاضي شيخ الجماعة بفاس:
1- أبو عبدالله محمد بن عبدالله السرغيني الشهير بالهواري (ت 1105هـ) وهو من شيوخ أبي العلاء المنجرة الآتي.
2- محمد بن مبارك السجلماسي إمام مسجد الشرفاء بفاس وصاحب القصيدة "الدالية" في الهمز (ت 1092) (2).
3- أبو زيد عبدالرحمن بن عبد القادر الفاسي صاحب " الأقوم في مبادئ العلوم" و "اللمعة في قراءة السبعة" و"التقييد لما شرد من نصوص الدرة والقصيد"(3).
4- أبو عبدالله محمد بن عبدالقادر الفاسي (1042-1110) (4).
5- أبو عبالله محمد بن العربي بن أحمد الفشتالي (ت 1092) (5).
__________
(1) - وصفه بهذا في صفوة من انتشر لمحمد الصغير اليفرني 167-168 وتبعه في السلوة 2/223- 224.
(2) - ترجمته في الصفوة 190 – والسلوة 2/88.
(3) - ترجمته في الصفوة 201-202 والسلوة1/314 – 315.
(4) - ترجمته في السلوة 1/315.
(5) - ترجمته في الصفوة 190.(1/375)
6- أبو سالم عبدالله بن محمد بن أبي بكر العياشي صاحب الرحلة المعروفة بـ"ماء الموائد" أو "الرحلة العياشية"(1).
7- الطيب بن عبدالرحمن بن أبي القاسم بن القاضي ولد أبي زيد بن القاضي المذكور(2) (1124).
8- أبو عبدالله محمد بن أحمد بن أبي المحاسن يوسف الفاسي (ت 1084) (3).
9- أبو عبدالله محمد بن محمد الإفراني السوسي شيخ النوري صاحب "غيث النفع" نقل عنه كثيرا فيه (ت 1118) (4).
10- أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد الرحماني صاحب "تكميل المنافع في قراءة نافع" وغيره (ت بعد 1070) (5).
11- أحمد بن حمدان بن محمد بن علي بن.... التلمساني الجرجاني (ت في عشرة التسعين بعد الألف) (6)
12- وأبو إسحاق ابراهيم بن محمد السريفي القصري من ولد ابن حمو الشاوي (ت 1070) (7)
13- أبو المكارم الراضي بن عبدالرحمن السوسي صاحب المؤلفات والتقاييد عن مشيخة فاس ( ت 1113) (8)
__________
(1) - ترجمته في الصفوة 191.
(2) - ترجمته في السلوة 3/263
(3) - ترجمته في الصفوة 181-182 والسلوة 2/321.
(4) - اعتمد عليه النوري كثيرا في كتابه وذكر له أرجوزة في أحكام "ءالان" في سورة يونس سماها " غاية البيان"
(5) - هو صاحب الإجازات التي سقناها عن قريب.
(6) - ترجمته في مناقب الحضيكي 1/78-79.
(7) - ذكره الأستاذ سعيد أعراب في القراء والقراءات بالمغرب 112-113 وذكر أنه استوطن القصر الكبير.
(8) - ترجم له سعيد أعراب وذكر طائفة من مؤلفاته وذكر أنه كانت له شهرة عريضة أيام السلطان المولى إسماعيل قال ومن أجل تلاميذه أبو القاسم بن درى الشاوي" – القراء والقراءات بالمغرب 113 – 114. واسمه الشخصي محمد والراضي لقب له, وبه سمى نفسه في مقدمة قصيدته " شفاء الأسقام الواقعة لكثير من قراء الأنام, في كيفية رسم مصاحف الإمام" حين قال:
يقول راجي رحمة القدوس ... ... محمد الراضي الأستاذ السوسي.
وقد وقفت عليها ومعها شرح له أوله قوله "الحمد لله الذي فضلنا بحمل كتابه, وخصنا بحفظه من بين عباده إلخ.(1/376)
14- أبو الفضل وأبو سرحان مسعود بن محمد جموع السجلماسي صاحب "الروض الجامع في شرح الدرر اللوامع" و"كفاية التحصيل في شرح التفصيل" وغيرهما من المؤلفات ( ت بسلا سنة 1119) (1)
15- أبو العباس أحمد بن محمد بن عثمان البوزيدي صاحب "تيسير العسير في قراءة ابن كثير" فرغ منه سنة (1084) (2)
16- أبو العباس أحمد بن عبدالرحمن بن عبدالملك الفيلالي الأنصاري صاحب "سمط الجمان"(3)
17- أبو إسحاق ابراهيم بن علي الدرعي صاحب الاستدراك على ابن القاضي فيما أغفله في كتابه "بيان الخلاف والتشهير والاستحسان وما أغفله مورد الظمآن", وقد تقدم ذكره في المؤلفات حول المورد(4).
18- محمد بن المفضل الذي وصف أستاذه بكونه "أعجوبة الزمان في فن القرءان"(5).
19- علي بن أبي القاسم بن القاضي أخو أبي زيد(6).
20- عبدالرحمن الفيلالي صاحب الإجازة في القراءات أجازه بها ابن القاضي وهي محفوظة بالخزانة الناصرية(7) إلى غير هؤلاء من الرواة الذين حملوا مذاهبه في القراءة وأسندوا من طريقه.
__________
(1) - تقدم التعريف به في شراح التفصيل لابن غازي.
(2) - له قصلئد ومؤلفات ذكرها سعيد أعراب في كتابه" القراء والقراءات بالمغرب 116".
(3) - القراء والقراءات بالمغرب 117
(4) - يوجد استدراكه المذكور مخطوطا في خزانة تطوان في المجموع رقم 344.
(5) - ذكره الأستاذ محمد بلوالي في دراسته لكتاب " إيضاح ما ينبهم علىالورى " لابن القاضي نقلا عن تقييد في مجموع في خزانة الشيخ ابراهيم الهلالي بمكناس.
(6) - ذكره في نشر المثاني 1/276.
(7) - توجد في مجموع برقم 3116 (دليل خزانة دارالكتب الناصرية 212).(1/377)
ولعل أسير الطرق عنه وأوسعها جمهورا هي طريق الشيخ أبي عبدالله الهواري السرغيني وطريق الشيخ ابن مبارك السجلماسي اللذين بدأنا بهما, وقد اشتهرت الطريقان على يد المقرئ الجليل أبي العلاء المجرة ومنها تفرعت أسانيد المتأخرين حتى كادت تبقى وحدها الطريق المعروفة المتصلة بابن القاضي, وخاصة من طريق ابنه أبي زيد المنجرة وطريق محمد بن عبد السلام عنه عن أبيه أبي العلاء المنجرة المذكور بسنده.
ولأهمية هذه الطريق نتوقف عندها مرة أخرى لنتتبع نماذج من أسانيدها واتصالها بالمحور العام الذي سبق أن عرضنا تفاصيله في إجازة البوعناني لأبي عبدالله الشرقي وباقي الإجازات الأربع السالفة.
5- سند الشيخ أبي العلاء ادريس بن محمد بن أحمد المنجرة (ت 1137هـ) من طريق ولده أبي زيد عبدالرحمن ابن ادريس المنجرة (1111 – 1179هـ) في فهرسته.
يعتبر الشيخ أبو العلاء ادريس بن محمد المنجرة أحد أساطين هذه المدرسة وحاملي لوائها بعد أبي زيد ابن القاضي, أجمع من ترجموه على جلالة قدره في هذا الشأن, وكان ولده أبو زيد من بعده خلفا له في إمامة هذا الشأن وأحد أعلام المدرسة المغربية الذين ترامت أصداؤهم إلى كل مكان.
وقد أحسن الشيخ محمد بن جعفر الكتاني في ترجمته لهما في نسق واحد فبالغ في التنويه, فقال في الآخر منهما:"ومنهم شيخ جماعة القراء بفاس وإمام الحرم الإدريسي وخطيبه الإمام العلامة المتفنن الأستاذ المجود العشري المتقن الولي الصالح المهتدى بهديه الواضح, أبو زيد سيدي عبدالرحمن ابن العلامة الجامع شيخ جماعة القراء في وقته أيضا سيدي ادريس بن محمد بن أحمد المنجري الحسني الإدرسسي التلمساني ثم الفاسي, قدموا إليها من تلمسان أواسط المائة التاسعة واستوطنوها.(1/378)
ولد عام 1111, وكان شيخ المغرب كله في علوم القراءات وأحكام الروايات, إليه المرجع فيها في وقته, ماهرا فيها عارفا بطرقها وعللها وتوجيهاتها, يحفظ قراءة العشر(1) متفننا في غيرها من لغة وعربية وبيان... وتولى الإمامة والخطابة والتدريس بمسجد الشرفاء عام 1164, وبقي به نحو خمسة عشر عاما إلى أن توفي.
وكان مشتغلا بتدريس العلم صابرا على الإقراء, يجلس بعنزة مسجد القرويين(2) لإقراء القراء وسماع القرءان, وكانت الأكابر تقصده لتجويد القراءة, وكان يقرأ معهم كتب ذلك الفن في الخميس والجمعة بقبة المدرسة الرشيدية.
أخذ القراءة عن والده, وأجازه فيها بخط يده, وفتح عليه حتى فاق والده فيها, ولما جلس للإقراء رحل إليه الناس فقصدوه من كل جانب, وانتفعوا به غاية النفع.
ومن أجل من أخذ عنه وانتفع به الشيخ أبو عبدالله محمد بن عبدالسلام الفاسي, والأستاذ الأشهر الشريف أبو عبدالله سيدي محمد بن عبدالرحمن التادلاوي الحسني العمراني, والأستاذ أبو عبدالله سيدي محمد بن أحمد الهبطي, والأستاذ العارف مولاي العربي بن أحمد الدرقاوي, وقد عده في رسائله من جملة الشيوخ الذين قرأ عليهم القرءان وانتفع بهم.
مؤلفاته : ثم قال في السلوة:
__________
(1) - يعني العشر الكبرى التي تشمل السبعة الذين في التيسيروالشاطبية والثلاثة الذين في التحبير لابن الجزري. وقد كان لوالده الفضل الأكبر في دخول القراءات الثلاث الزائدة على السبع من طريق ابن الجزري في الدرة والتحبير, وعنه انتشرت في المغرب.
(2) - تقدم لنا ذكر الأوقاف التي كانت جارية على بعض الكراسي في القرويين والخاصة بعلم القراءات والتجويد وفي جملتها الكرسي الذي عند عنزة القرويين, وذكرنا أنه " كان يجود فيها للطلبة من طلوع الشمس إلى ضحوة النهار 1 – أبو العلاء ادريس بن محمد بن أحمد المنجرة – 2 ابنه أبو زيد عبدالرحمن من بعده.(1/379)
" وله – رحمه الله – تآليف عديدة كحاشية الجعبري الكبيرة, وأخرى صغيرة على فتح المنان, وشرح الدالية(1), وحاشية على المرادي, وفهرسة تعرض فيها لشيوخه(2).
توفي عام 1179, وكانت جنازته شبيهة بجنازة الإمام الداني(3).
والده أبو العلاء ادريس بن محمد المنجرة
قال في السلوة: "ومنهم والده الفقيه العلامة الأستاذ المحقق الفهامة الشيخ الحجة البركة الرحال المرجوع إليه في علم القراءة وأحكامها بلا محال, شيخ الجماعة بالمغرب أبو العلاء ادريس بن محمد بن أحمد الحسني الإدريسي المعروف بالمنجرة.
كان – رحمه الله – عالما ماهرا في علوم القراءات, وشيخ المقرئين بفاس والمغرب كله, إليه المرجع في ذلك, وتخرج على يده فيه كثير من القراء, بل لا ترى من سوس الأقصى إلى طرابلس ونواحيها إلا من قرأ عليه أو على أحد تلامذته, حتى إن من لم يقرأ عليه وبطريقته لا يعد قارئا, وكان يجلس للقراءة عليه بعنزة القرويين من طلوع الشمس إلى ضحوة النهار, كما كان يفعل ولده بعده.
وله تآليف شتى وتقاييد في علم القراءة نظما ونثرا, مع مشاركة في سائر العلوم الشرعية.
وكان ذا همة عالية وهيبة وجد, وحج واعتمر وجاهد.. وكان كثير الذكر لا يفتر لسانه عن قراءة القرءان والذكر والتدريس والتعليم(4).
شيوخه:
لأبي العلاء ادريس شيوخ كثيرون من أهل المغرب ثم من أهل المشرق في رحلته.
فمن شيوخه بالمغرب الأستاذ المعمر سيدي محمد بن عبدالله السرغيني الهواري الآنف الذكر في أصحاب ابن القاضي, قرأ عليه للسبعة, ومن طريقه أسندها في فهرسته وأسندها عامة من أخذ عنه.
__________
(1) - هو شرحه المشهور المسمى " المقاصد النامية في شرح الدالية" أي دالية ابن مبارك السجلماسي شيخ أبيه ومن هذا الشرح 16 نسخة بالخزانة الحسنية كما في (فهرسة الخزانة الحسنية 6/157 – 160).
(2) - هي التي سنعتمدها في ذكرسنده.
(3) - سلوة الأنفاس 2/270-272.
(4) - السلوة 2//272-273(1/380)
ومنهم أبو الحسن علي بن قاسم بن جميل المالكي نسبا (ت 1102هـ), وقد أخذ عنه القراءة أيضا وروى عنه بعض المصنفات, وهو من أصحاب ابن مبارك السجلماسي ومن طريقه عنه أسند ابنه أبو زيد القصيدة الدالية كما ذكر في أول شرحه عليها.
ومن شيوخه في القراءة أيضا الشيخ المقرئ محمد بن عياد المسراكي من أصحاب أبي زيد بن القاضي وقد قرأ عليه بالعشر الصغير بعدة كتب سيأتي ذكرها في سنده بها.
ثم رحل إلى المشرق في رحلة الحج فلقي جماعة من أهل العلم ومشيخة القراءات من أهل مصر منهم الشيخ أبو عبدالله محمد بن قاسم بن إسماعيل البقري المصري(1), وأبو السماح أحمد بن ضرغام البقري وسواهم ممن سماهم في فهرسته المسماة " عذب الموارد في رفع الأسانيد".
ولهذه الازدواجية عنده في الأخذ اشتهر عنه في الرواية طريقان:
1- طريق المغاربة, وهي التي أخذها عن شيوخه بالمغرب وقرأ بها بمضمن الشاطبية والتيسير والتعريف في الجمعين الكبير والصغير, وأسانيده فيها في الجمعين من طريق أبي زيد بن القاضي, وقد أشار في بعض كتبه إلى دواعي اقتصاره عليها بقوله : " وحيث جرى العمل عند أهل عصرنا على ذلك اقتصرنا عليه, لأنه لا يصح الأخذ إلا بما روي مشافهة, فوقفوا عند ما حد لهم, واقتصرنا على ذلك موافقة لهم, لأنهم تولعوا بهذه الطريقة في المغرب"(2).
2- طريق المشارقة, وهي التي أخذها في رحلته عن الشيخ محمد بن قاسم البقري وغيره كالشيخ إسماعيل إمام الحرم المكي الذي يسند القراءة من طريق الشيخ علي الشبراملسي المصري.
واعتماده في طريق المشارقة على مؤلفات ابن الجزري : النشر والدرة والتحبير.
أهم الطرق عن الشيخ أبي العلاء المنجرة:
__________
(1) - للشيخ أبي العباس أحمد بن ناصر الفيلالي إجازة في رواية ورش حصل عليها من الشيخ محمد بن قاسم البقري أجاز له بها في سنة 1122هـ ذكرها الحضيكي في مناقبه 2/85-87.
(2) - ينظر في ذلك فهرسة ولده.(1/381)
لعل في عبارة الشيخ الكتاني الآنفة الذكر التي جاء فيها في سياق الحديث عن كثرة أصحاب أبي العلاء قوله : "وتخرج على يده فيه كثير من القراء, بل لا ترى من سوس الأقصى إلى طرابلس ونواحيها إلا من قرأ عليه.. ما فيه الكفاية في تمثل درجة الشيوع والانتشار لطريق هذا الإمام في مختلف جهات المغرب, ولذلك فلا يتأتى لنا الوقوف على جمهور الرواة الذين كانوا يمثلون في جهاتهم أمهات الطرق المتفرعة عن تلك الطريق, ولهذا فسنكتفي هنا بتسمية بعض مشاهير أصحابه الذين كان لهم في الجهات التي تصدروا بها صيت ذائع ومقام محمود من شأنه أن يجعل طرق القراءة تنبث من خلال الرواية عنهم في تلك المناطق والجهات, ثم نسوق سنده من أهم طريق عنه وأشهرها وهي طريق ولده أبي زيد عبدالرحمن خليفته في حلقته وحامل لواء مدرسته.
فمن أهم الآخذين عن أبي العلاء المنجرة:
1- ولده أبو زيد عبدالرحمن, وسيأتي ذكر سنده من طريقه.
2- ولده الآخر مولاي العربي بن ادريس, قال صاحب السلوة : "كان أستاذا, وخرج عام 1150 هـ وشارط بآسفي, وبقي هناك سنتين حتى توفي(1).
3- ولده أيضا المولى عبدالله بن ادريس, وكان أستاذا أيضا "اشتغل بالقراءات على أخيه المولى عبدالرحمن ثم انتقل إلى مراكش واشتغل فيها بقراءة العلم, وولي فيها مسجد المواسين, فكان يؤم به ويدرس إلى أن توفي عام 1175"(2), وذكر في الإتحاف عن المولى محمد بن عبدالله أنه كانت له عناية خاصة به وبأخيه(3).
__________
(1) - السلوة 2/273.
(2) - نفسه 2/273 والإتحاف لابن زيدان 3/184-185.
(3) - نفسه 2/273 والإتحاف لابن زيدان 3/184-185.(1/382)
4- أبو القاسم بن علي بن درى الشاوي مولى السلطان مولاي إسماعيل العلوي, وصفه ابن زيدان في "الإتحاف" بقوله "آخر القراء والأساتذة المحققين بالعاصمة المكناسية, علامة جليل أستاذ مقرئ عارف كبير, نقاد حافظ لافظ مجيد, له مهارة كاملة وقدم راسخ ومعرفة زائدة بعلوم القراءات السبع وغيرها, شهد له بذلك القادة الأعيان من أئمة هذا الفن المشار إليهم بالعلم والعمل ومتانة الدين, حلاه شيخه البركة المحصل الماهر المتسع المشاركة السيد محمد بن عبد الرحمان بصري (1) شيخ الإقراء في زمانه بما لفظه:
"الطالب النجيب الحافظ المتقن المجود الأريب, الضارب في فن القراءة بسهم مصيب".
وكانت له ـ رحمه الله ـ لدى سيده السلطان المذكور مكنة مكينة واعتبار ورفعة شأن, انتصب على عهده ـ رحمه الله ـ للإقراء والإفادة, فكان حامل لواء القراء في زمانه.
__________
(1) - بيت آل بصري بيت عريق في علوم القراءات لعدة قرون, وقد ترجم ابن زيدان في الإتحاف لعدد من أعلامه ومنهم محمد بن عبدالرحمن بن بصري, ويشترك في الإسم والنسب مع المترجم, ولكنه أقدم منه ويشتبه به وقد قدمنا ذكره في ترجمة أبي العباس أحمد الحباك صاحب ابن غازي وذكرنا إجازته له بالقراءات السبع وغيرها من المصنفات في القراءة والرسم والتجويد, وتوفي المجاز كما تقدم آخر ذي الحجة 991. (الإتحاف 4/28 – 34). أما المذكور هنا فهو محمد بن عبدالرحمن بن أحمد بصري المكناسي ترجم له في الإتحاف ووصفه بحامل راية الإقراء وخاتمة الحفاظ والقراء, وذكر أنه صلى بالمولى إسماعيل ليلة 27 رمضان فخلع عليه " دائرة" سنية, وكتب له ولأهل بيته ظهيرا بالتوقير والاحترام أوائل بربيع النبوي سنة 1112. – ترجمته في الإتحاف 5/436-541.(1/383)
أما مشيخته فسمى ابن زيدان منهم أبا عبدالله بصري المذكور, وذكر أنه ختم عليه سبع ختمات جمع في الأولى بين روايتي نافع وابن كثير, وفي الثانية والثالثة رواية أبي عمرو بن العلاء, وجمع في الباقي بين الأئمة السبعة.. كل ذلك بطريق "التيسير" للداني وملخصه "حرز الأماني", وأجازه مرتين بما لفظه في الأولى...
وساق نص الإجازة وفيها قوله : "قرأ علي جميع القرءان المنزل على المختار من ولد عدنان, سبع ختمات..
وبعد أن فصل كيفية الأخذ كما ذكرنا قال: "فكتبت هذه الأسطر امتثال أمره, ورجاء مغفرة خالقي وستره, بدخولي في زمرة خدمة كتابه, الساعين رحمته عند فسيح بابه, وصلى الله على سيدنا محمد وآله.
ثم ذكر له إجازة له ثانية جاء فيها قوله: "إن الطالب النجيب الحافظ المتقن المجود الأريب... كنت أجزته فيما سلف بنحو الثمان سنين في القراءة السبعية, ولم يكن إذ ذاك منتصبا للإقراء, ولا مكلفا بحمل أعباء القراء, ولم يزل من ذلك الوقت إلى الآن, مجدا في الاجتهاد, هاجرا للبطالة والرقاد, حتى صار ـ بحمد الله ـ من الفن المذكور مملوء الوطاب, وعاد بلح طلبه إلى الأرطاب, واتسع في الأحكام مجاله, وصدق في ذلك فعاله ومقاله, وانتصب للتعليم, حسبما به اليوم كفيل زعيم, والآن طلب مني أن أشهد له بذلك في كتاب, ليرتفع عنه فيما ذكر تخالج الظنون وخطرات الارتياب, وليكون بيده حجة ساطعة إلى يوم الحساب.
فأجبته إلى ما سأل, وأسعفته فيما رغب وأمل, وكتبت أحرفي هذه شاهدا له بالضبط والإتقان والمهارة في "الحرز" و"مورد الظمآن", والمعرفة بالأحكام, خصوصا تخفيف الهمز لحمزة وهشام, وأنه من المنتصبين لتبليغ الرواية, المشتغلين بالحفظ والدراية, البالغين في تحمل هذا العبء أقصى الغاية, وقد انتفع به من أهل السبع جمع كثير, وجم غفير, جعل الله ذلك منا ومنه خالصا لوجهه الكريم, وسببا للفوز بالنعيم (...) إنه ولي كل خير, وهو على كل شيء قدير.(1/384)
وفي سادس جمادى الأولى من التاسعة عشرة للمائة والألف.
تلك إجازة أبي عبدالله بصري له, وهي من النماذج الرفيعة في إجازات العلماء, إلا أن الملاحظ أنها لم تشتمل على إسناد بصري, ولعل الشيخ قد وصل به إحدى الإجازتين وخاصة الأولى فتركه المترجم اختصارا.
وقد سمى صاحب الإتحاف مشيخة المترجم فقال:
مشيخته: ومن مشايخ المترجم أيضا أبو عبدالله محمد الهواري, وأبو العلاء ادريس المنجرة, وأبو عبدالله محمد الخبزي التادلي, والشيخ مبارك الشرادي الزراري, وأبو عبدالله محمد الصواف الفيلالي, والسيد الراضي السوسي, وأبو علي الحسن أزكار السوسي, وسيدي سعيد بن ميمون الدغمي, وأبو الحسن علي بن مبارك المصباحي العجلي, والحافظ سيدي أحمد بن مبارك الفيلالي, وسيدي أحمد بن المتقي الفيلالي اللمطي, ولقي العارف بالله سيدي أحمد الحبيب الفيلالي وعرض عليه مسائل في هذا العلم سؤالا ومذاكرة".
ثم ذكر طائفة من مؤلفاته سبق التعرض لذكرها فيما تقدم من البحث, وهي كتابه "حفظ الأماني" وهو شرح على كنز المعاني للجعبري في مجلدات, وكان تأليفه له بأمر من شيخه سيدي أحمد بن مبارك الفيلالي المذكور لما ورد مكناس سنة 1135, وسمى من تآليفه شرح الهمز وتقييدا على ابن بري وغير ذلك وذكر له شعرا في التنويه بحرز الأماني للشاطبي سبق ذكره في آراء العلماء في قصيدة الشاطبي المذكورة. وذكر وفاته سنة 1150هـ(1).
ولأبي القاسم بن درى مؤلفات أخرى ذكرها بعض الباحثين(2) منها "تنبيه السالك إلى جني ثمار دالية ابن المبارك, وهو من الشروح التي وضعت على دالية محمد بن مبارك السجلماسي في الوقف على الهمز(3).
__________
(1) - الإتحاف لابن زيدان 5/536-541.
(2) - القراء والقراءات بالمغرب الأستاذ سعيد أعراب 130 ولم يذكر مصدره على عادته.
(3) - يوجد مخطوطا في الخزانة الحسنية بالرباط ضمن مجموع رقم 119 من ص 557 إلى 610 بخط ..... وقد وقفت عليه.(1/385)
ومنها قصيدة في " التصدير" وبيان الوجه المقدم في الأداء أولها قوله:
حمدا لمن جعل القرءان ذا شرف ... لمن تلاه وذا فضل لمن عملا
وبعد خذ صدر ذي الوجهين منفردا(1).
5- أبو عبد الله محمد بن القاسم بن محمد بن بان أحمد بن علي المرابط أرارو العلمي.
من أكابر أصحابه, إلا أن ذكره ضاع بسبب الإهمال وتصدره بالبادية التي قل أن تجد لمن تصدر بها ذاكرا, ترجم له بعض الباحثين من أهل الشمال استنادا إلى إجازة أستاذه أبي العلاء له, فذكر أنه من قراء البادية وشيوخها المعدودين, يتصل نسبه بالشرفاء العلميين المستوطنين مدشر "أرارور" بسفح جبل العلم من قبيلة بني عروس, انتقل هو أو والده إلى بني خالد إحدى قبائل غمارة.
"رحل إلى فاس, وتردد على حلقات العلم ومجالس القراءات بها, وجلس طويلا إلى جانب الشيخ الأكبر أبي العلاء المنجرة, فقرأ عليه ست ختمات بالروايات السبع عرضا من صدره.. بطريق التيسير ومختصره "حرز الأماني", وأجازه إجازة عامة ووصفه بـ"الفقيه النبيه, الأنوه الوجيه, الخير المتبتل, العفيف النزيه, الحافظ اللافظ.. وقال إنه من أهل التجويد للقراءات مع الضبط لأحكامها.
كما أجازه في قصيدة الشاطبي "حرز الأماني" و رجز ابن بري "الدرر اللوامع" و"مورد الظمآن" للخراز و"إنشاد الشريد" لابن غازي, وشرح المجيز على دالية ابن المبارك: "النهج المتدارك" قال: وقد قرأ علي "هذه الكتب كلها".
ثم ذكر الباحث صفة الإجازة التي وقف عليها عند بعض حفدته والتي تضمنت اسم المجيز والمجاز له وألقابهما قال :" وقد حشر فيها ما رواه عن شيوخه في الشرق والغرب, وطرق كل شيخ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر خاتمتها وفيها الوصية من المجيز للمجاز بتقوى الله واقتفاء طريق الصواب, ثم ختمها بالدعاء قال:
__________
(1) - القراء والقراءات بالمغرب 130 – 131.(1/386)
وقد وقع على هذه الإجازة واحد وعشرون عالما من بينهم: أبو عبدالله المسناوي, وأبو حامد العربي بردلة وأبو علي بن رحال المعداني ومحمد ابن الطالب ابن سودة المري, وعلي بن أحمد الشدادي, ومحمد بن ادريس العراقي, وأحمد بن محمد بن عبدالقادر الفاسي, ومحمد بن حسن بناني, ومحمد بن عبدالرحمن بن عبد القادر الفاسي, وادريس بن المهدي المشاط في آخرين"(1).
6-
عبد السلام بن محمد بن محمد بن علي المضغري التازناقتي صاحب "تكميل المنافع في الطرق العشر"(2)
و"الهدية المرضية في الطرق العشرية" و "روض الزهر في الطرق العشر" و"نور الفهم في رواية قالون" و"نهج الهداية" في اختلاف القراء في الوقف والوصل, و "نزهة الأنظار في قراءة الثلاثة الأخيار المكملة للعشرة".
أخذ القراءة بسجلماسة على أبي زيد عبدالرحمن بن يحيى الولالي, وبفاس على أبي العلاء ادريس المنجرة ومسعود بن محمد جموع السجلماسي نزيل فاس, ويظهر أن أكثر تصدره كان بموضع يسمى "أبا سادر" قرب بلد آيت سعديان في جبل بقبيلة زيان, وقد ذكر ذلك في ختام عدد من مؤلفاته ومنها "الهدية المرضية" التي فرغ منها هنالك في 28 ذي القعدة عام 1131هـ(3), وكذا في "نزهة الأنظار"(4).
__________
(1) - القراء والقراءات بالمغرب: 130-131.
(2) - انقلب اسمه علىالأستاذ سعيد أعراب في" القراء والقراءات بالمغرب " 132 فقال " أبو عبدالله محمد بن عبدالسلام المضغري السجلماسي", والصحيح ما أثيتناه كما قال عن نفسه في أول " تكميل المنافع":
" يقول راجي عفو خالق الأنام ... ... نجل محمد عبيد للسلام
وجده مثل أبيه تسمية ... ... وجد ذا علي خذ توفية
وكذلك قوله في أول " روض الزهر":يقول عبدللسلام المضغري ... الراجي عفو ربه المقتدر.
(3) - تقدم ذكر الكتاب في المؤلفات على تفصيل العقد لابن غازي, ويوجد مخطوطا في الخزانة الحسنية في مجموع برقم 119.
(4) - يوجد في المجموع نفسه من ص 415 في المجموع نفسه م خ ح رقم 119.(1/387)
وقد أشار في عدد من مؤلفاته إلى أخذه عن ادريس المنجرة ومسعود جموع فقال في "الهدية المرضية":
"والتزمت أن أذكر فيه ما رويته مشافهة عن الإمامين بفاس البالية ـ حرسها الله تعالى وأدام عزها آمين ـ الشيخ المقرئ المقدم المحقق ذي السند الصحيح المدقق, التقي النقي العفيف, الإمام ادريس بن محمد بن أحمد الشريف, والشيخ العالم العلامة القدوة البحر الفهامة الأستاذ الأريب النحوي الأديب, الإمام السيد مسعود جموع ".
وقال في "روض الزهر":
حسبما قرأته بفاس ... ... عن الإمامين لجمع الناس
ادريسنا المقدم العلامة ... ... والجهبذ المحقق الفهامة
مسعودنا جموع ذي العلوم ... ... وها أنا أشرع في المنظوم.
وقد أشار في مقدمة كتابه, "نزهة الأنظار" إلى ما تقدمت الإشارة إليه من إدخاله "العشر الكبير" فذكر أن المغرب كان من العشر الكبير خاليا حتى جاء به الأستاذ أبو المعالي الشريف ادريس بن محمد بن أحمد ـ يعني المنجرة ـ حيث حصله على بعض المشايخ بالمشرق عام حجته سنة 1108هـ فأذاعه بفاس, لأنه إذ ذاك نزيلها يعني البالية, فاشتغل بتدريسه وإقرائه له بها.. وقد رواه عنه أناس كثيرون فظهر وانتشر".
وذكر المضغري في غير موضع من أرجوزته "تكميل المنافع" بعض ما قرأ به على شيخه المنجرة وجموع كقوله في أول باب الفرش عند ذكر الخلف في تسكين الهاء "ثم هو" و"يمل هو" للواسطي والمفسر وغيرهما:
من هو وهي قل والإسكان جلا ... لغيرهم وأبو عون قد تلا
بالسكن مع "يمل" في البكر نزل ... وصاحب التفسير بالخلف انعزل
مع "ثم" بالضم ومع "يملا" ... ... بمثل خف الواسطي المعلى
ففيهما له بوجهين خذا ... ... وقدم الإسكان وادر المأخذا
هذا الذي أقرأني ادريس ... ... به وجموع الرضا الرئيس.
وهذه الإشارة وأمثالها تدل على أن المضغري أخذ القراءة بالعشر الصغير أيضا على هذين الشيخين كما أخذ العشر الكبير على ادريس المنجرة كما قدمنا, وألف كتابه في ذلك, وكذلك يرشدنا إلى أخذه العشر الصغير عنهما معا قوله في أرجوزته "روض الزهر":(1/388)
وباب "شيء" وسطن للأزرق ... ... في وصله وبعد أشبع ترتق
للكل بالتوسيط فيه فلتقف ... ... وذا لادريس الشريف قد عرف
وغيره وهو جموع تلا ... ... للكل وفقا بالمراتب العلا
وقوله في باب الراءات منها:
" للأخوين رققن وفخم ... "عزير" "حيران", وهذا قد نمي
لشيخنا ادريس وفقا يا فتى ... لصاحب "الأنوار"(1) عه ما ثبتا(2).
ونكتفي بهؤلاء الأعلام باعتبارهم نماذج الطرق التي تفرعت عن الإمام المنجرة, ونتابع معه الآن أهم الأسانيد التي جاءت القراءة عليه من طرقها كما نجدها مثبتة في فهرسة نجله أبي زيد عبدالرحمن المنجرة, ونقصر منها على المقصود مع الإيجاز:
أسانيد القراءة عند الإمام المنجرة من الطرق المغربية:
أقتصر من الطرق التي تفرعت عن الإمام أبي العلاء المنجرة على طريق ولده أبي زيد عبدالرحمن باعتبارها أهم الطرق عنه, كما أن باقي الطرق عنه موافقة لها في فروع أسانيدها, وقد جمعها الشيخ أبو زيد في فهرسته المشهورة التي وصلت إلينا مخطوطة في جزء متوسط, ونجتزئ منها بما يهمنا مما يتصل بالمحور العام الذي ينتظم رجال مدرسة ابن غازي من طريق أبي زيد بن القاضي ورجال مشيخته.
قال الشيخ أبو زيد عبدالرحمن بن إدريس المنجرة في أول فهرسته: (3)
"الحمد لله الذي زين ذرية نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – بتاج الشرف والكرامة, وألبسها حلل المجادة وحلى السيادة على سنن التقوى والاستقامة.
__________
(1) - يعني صاحب " أنوار التعريف لذوي التفصيل والتعريف"وهو لمحمد بن أحمد الحامدي الجزولي.
(2) - تقدم ذكرهذه الأبيات في أرجوزة " روض الزهر" في الأعمال العلمية التي قامت على " تفصيل عقد الدرر" لأبي عبدالله بن غازي نقلا عن مخطوطتها المحفوظة بالخزانة الحسنية بالرباط في مجموع برقم 119.
(3) - توجد فهرسته مخطوطة بالخزانة الحسنية بالرباط في مجموع برقم 11463 وتبتدئ فيه من الورقة 82 إلى 90.(1/389)
ثم ذكر مقدمة طويلة في فضل العلم وفضيلة العلماء وما لهم على الأمة من حقوق, ومن طريف ما نقل من ذلك قوله :" قال أبو بكر بن العربي في كتاب " ري الظمآن في تفسير القرءان " قال مالك رحمه الله : " نفقة العالم في بيت المال, فإن لم يكن فعلى جماعة المسلمين, فإن امتنعوا احتال في استخراجها منهم, وأقلها ستون دينارا في السنة, قال مالك: فإن احتاج إلى الزيادة زيد"(1).
ثم ذكر عمود نسبه إلى أن بلغ به النبي صلى الله عليه وسلم, كما بين أن اللقب الجاري على أهل بيته أي "المنجرة" هو من أجل خدمتهم وملازمتهم لمنجرة جامع القرويين الكائنة بالقطانين وخدمتها بها يتحققون كل ذلك ولا يشكون فيه. ثم بعد تمام الكلام في ذلك ساق أسانيده في القراءة هكذا:
"قرأت القرءان العظيم للأئمة السبعة المشهورين من طريق "الشاطبية" و"التيسير" على شيخنا ووسيلتنا شيخ الجماعة بالقطر المغربي سيدي الوالد أبي العلاء مولاي ادريس بن محمد الشريف الحسني,
__________
(1) - فهرسة أبي زيد عبدالرحمن بن ادريس المنجرة ورقة 83.(1/390)
- عن الأستاذ المعمر المحقق البركة سيدي أبي عبدالله سيدي محمد بن عبدالله السرغيني الهواري عن أبي اليسر سيدي عبدالرحمن بن أبي القاسم بن القاضي عن أبي زيد سيدي عبدالرحمن السجلماسي, عن الخطيب البليغ المفتي سيدي محمد الشريف المريي الحسني عن أبي القاسم بن ابراهيم عن الخطيب البليغ شيخ الجماعة وقطب الدائرة الإمام أبي عبدالله سيدي محمد بن غازي العثماني, عن العلامة أبي عبدالله محمد بن الحسين بن حمامة الأوربي النيجي(1) الشهير بالصغير, عن أبي الحسن علي بن أحمد الورنتاجي الوهري, عن أبي وكيل ميمون بن مساعد(2) المصمودي الشهير بالفخار, عن أبي عبدالله محمد بن عمر اللخمي, عن أبي إسحاق الغافقي(3) عن أبي عبدالله محمد بن محمد بن فحلون(4)
__________
(1) - في الفهرسة " التجيبي" وهو تصحيف.
(2) - في الفهرسة تكرر لفظ " ميمون" مرتين.
(3) - هو أبو إسحاق ابراهيم بن أحمد الغافقي شيخ القراء والنحاة بسبتة من أكابر أصحاب أبي الحسين بن أبي الربيع, ولد بإشبيلية سنة 641 وتوفي سنة 716 كما قدمنا في ترجمته. ومن هنا يتبين أن في السند انقطاعا بين محمد بن عمر اللخمي وبينه لأنه ولد سنة 702هـ كما تقدم في ترجمته في أصحاب أبي الحسن بن سليمان القرطبي بفاس, وموت الغافقي سنة 716, وهي قريبة نوعا ما من ولادة اللخمي, والظاهر أن الساقط في السند هو أبو عمران موسى بن محمد بن موسى ابن أحمد الصلحي المعروف بابن حدادة المرسي. وقد تقدم في ترجمة ابن عمرذكر شيوخه نقلا عن صاحبه أبي زكريا السراج في فهرسته (لوحة 154 – 155 المجلد1) أنه قرأ على أبي الحسن بن سليمان وعلى أبي عمران ابن حدادة وأبي عبدالله محمد بن عبدالرزاق الجزولي وأبي عبدالله محمد بن آجروم الصنهاجي, ولم يذكر في شيوخه أبا إسحاق ابراهيم الغافقي, فدل علىوقوع انقطاع أو بتر في السند بين اللخمي والغافقي.
(4) - تقدم ذكره في شيوخ أبي الربيع سليمان بن محمد بن حمدون الشريشي شيخ أبي الحسن بن بري..(1/391)
عن أبي بكر بن أحمد بن أبي جمرة عن أبيه عن أبي عمر الداني, عن عبدالعزيز بن محمد بن عبدالواحد... وساق السند بقراءة ابن كثير إليه ثم إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
تحويل: وبالسند المذكور إلى ابن غازي عن أبي عبدالله الصغير عن أبي العباس الفيلالي عن أبي عبدالله الفخار السماتي, عن أبي العباس أحمد بن علي الزواوي, عن أبي الحسن علي بن سليمان القرطبي, عن أبي جعفر بن الزبير, عن أبي الوليد إسماعيل العطار, عن أبي بكر بن حسنون عن أبي محمد عبدالله بن خلف بن بقي, عن أبي محمد عبدالله بن عمر بن العرجا, عن أبي معشر الطبري وأبي العباس بن نفيس(1) عن أبي عدي عن(2) أبي بكر بن سيف, عن أبي يعقوب يوسف الأزرق المصري عن أبي سعيد عثمان ورش عن نافع بن عبدالرحمن, عن ابن هرمز, عن أبي هريرة, عن أبي بن كعب, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, عن جبريل, عن اللوح المحفوظ, عن القلم, عن رب العزة سبحانه وتعالى.
ثم ذكر السند بقراءة نافع من رواية قالون من أبي العباس بن نفيس إلى قالون عن نافع, ثم ذكر أسانيد باقي السبعة, وكلها من طريق ابن نفيس عن السامري ثم يتفرع السند بحسب كل قارئ إليه:
سنده في "العشر الصغير" الخاص بقراءة نافع عند المغاربة : طريق الأزرق عن ورش:
__________
(1) - كتبت "يعيش".
(2) - كتبت "بن" بدل عن.(1/392)
قال أبو زيد: "وقرأت القرءان العظيم للأئمة العشرة النافعية بمضمن "تعريف" الحافظ أبي عمرو الداني, و"تفصيل" ابن غازي, و"تقييد" الحامدي(1) على الشيخ الوالد عن سيدي محمد بن عياد المسراكي, عن أبي زيد بن القاضي, عن سيدي محمد بن يوسف السوسي(2) عن أبي عبدالله سيدي محمد ابن عبدالله المستغاني, عن سيدي محمد بن عبدالرحمن الأزروالي, عن الخطيب المفتي سيدي عثمان بن عبد الواحد اللمطي, عن أبي عبدالله بن غازي, والزواوي عن أبي عبدالله محمد بن الحسين النيجي الشهير بالصغير, عن أبي العباس الفيلالي(3) عن أبي عبدالله محمد بن عمر اللخمي عن أبي الحسن بن سليمان الأنصاري القرطبي وعن(4) ابن حدادة عن أبي جعفر بن الزبير, عن أبي الوليد الشهير بالعطار, عن ابن حسنون الحميري, عن ابن بقي القيسي, عن أبي الحسين يحيى بن البياز, عن الحافظ أبي عمرو الداني عن أبي الحسن طاهر بن غلبون عن ابراهيم بن محمد بن مروان, عن ابن سيف(5) عن أبي يعقوب يوسف الأزرق عن ورش عن نافع عن ابن هرمز, عن أبي هريرة عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم.
طريق عبد الصمد: "وأما رواية عبدالصمد العتقي فبه إلى الداني فهي عن أحمد بن عمر القاضي, عن أحمد بن جامع عن بكر(6) بن سهل عن عبدالصمد بن عبدالرحمن بن القاسم العتقي عن ورش عن نافع بسنده.
ثم ذكر السند من طريق أبي بكر الإصبهاني إلى ورش, ثم باقي أسانيد الباقين من الطرق العشرة كما في التعريف.
أسانيده من الطرق المشرقية:
__________
(1) - هو كتاب "أنوار التعريف" للجزولي.
(2) - هو التملي
(3) - سقط ذكر أبي العباس الفيلالي من السند في الفهرسة.
(4) - في الفهرسة " عن"
(5) - في الفهرسة " يوسف".
(6) - في الأصل عن أبي بكربن سهل.(1/393)
ثم ذكر في فهرسته سنده بقراءة الأئمة الثلاثة الزائدين على السبعة مما تضمنته كتب ابن الجزري في ذلك من طريق والده أبي العلاء ادريس مما قرأ به بالديار المصرية على شيخه أبي عبدالله محمد بن قاسم بن إسماعيل البقري, عن زين الدين عبدالرحمن اليمني, عن الشيخ شحاذة, عن ناصر الدين الطبلاوي, عن زكريا الأنصاري عن رضوان العقبي عن الحافظ ابن الجزري... ورفع السند من طريقه.
ثم ذكر السند بها من طريق والده عن جده عبدالرحمن بن عبدالقادر الفاسي عن أبي عبدالله محمد بن عبدالله بن طاهر الفيلالي عن أبي فارس عبدالعزيز بن أحمد الوكروتي التواتي, عن الشيخ سلطان المزاحي المصري الأزهري بسنده.
ثم من طريق والده عن قطب الحرم الشيخ إسماعيل, عن الشيخ الشبراملسي, عن الشيخ الحلبي صاحب السيرة, عن القاضي شمهروش عن المصطفى "صلى الله عليه وسلم"(1).
ذلك ملخص أسانيد أبي العلاء المنجرة في القراءات من طريقي المغاربة والمشارقة كما أثبتها ولده أبو زيد في فهرسته, وقد ذيلها بأسانيده في باقي علوم الرواية.
ومن مقارنتها على أسانيد البوعناني والتملي وابن القاضي نجد أنها جميعا تشترك في المحور العام الذي يمر عبر طريق ابن غازي وشيخه الصغير, كما أنها جميعا تتفرع إلى محورين: محور يمر عبر طريق أبي عمرو الداني, إما من طريق "التيسير" وإما من طريق "التعريف", ومحور يمر عبر طريق أبي محمد بن العرجا القيرواني عن ابن نفيس, وأما ما وراء ذلك فإنما هو اختلافات يسيرة في بعض الطرق الفرعية.
ومزية أسانيد الشيخ أبي العلاء المنجرة أنها معززة بالطرق المشرقية عبر كتب الحافظ ابن الجزري, وقد تقدم أنه أول من انتشرت على يده هذه الطرق في "العشر الكبير", وكان المغرب منه خاليا كما تقدم في قول صاحبه المضغري في كتابه "نزهة الأنظار".
__________
(1) - هذا من نماذج أسانيد بعض قراء المدرسة المغربية من طريق الجن, وسيأتي ذكر نماذج من ذلك عن قريب.(1/394)
أهمية كتاب النشر لابن الجزري في وصل المدرسة المغربية بالمشرقية وفرح أئمة القراء في المغرب بدخوله:
وقد كانت كتب ابن الجزري نادرة في الأيدي في المغرب إلى وقت متأخر جدا, وخاصة منها "كتاب النشر", فمع تقدم وفاة ابن الجزري سنة 833هـ فإن هذا الكتاب لم يصل إلى المغرب وخاصة إلى فاس إلا بعد منتصف المائة الحادية عشرة تقريبا.
فهذا أبو العباس أحمد المنجور (ت 995) يقول في آخر أجوبته(1) على أسئلة أبي الفوارس أحمد بن محمد المسيري المصري نزيل قسنطينة بالجزائر :" وطالبا من كمال فضله أن لا ينسانا من صالح دعواته في خلواته وجلواته, وأن يطلعنا على كتاب "نشر القراءات العشر" للإمام ابن الجزري, ويتحف بفوائده هذه البلاد"
وهذا الإمام أبو زيد بن القاضي على كثرة مروياته وسعة نقوله في كتبه وخاصة في "الفجر الساطع" يذكر في باب المد منه عند إيراده لمذهب ابن الجزري في إسقاط وجه الإشباع في لفظ "سوءات" قوله : " ولم أر من تآليفه غير "تقريب النشر"(2) الدال على قوة حفظه وكثرة مطالعته لكتب القوم"(3).
__________
(1) - تقدمت الإشارة إلى هذه الأجوبة في ترجمة المنجور في مشيخة الإقراء من مدرسة ابن غازي في العدد الذي قبل هذا، وما نقلناه منها هنا ذكره في ختام الأجوبة وبه ختم.
(2) - هو كتاب قيم لابن الجزري اختصر فيه كتاب " النشر" فرغ منه كما في آخره يوم الأحد عاشر محرم سنة 814هـ وعندي مصورة منه عن أصل خطي 80 لوحة. وأوله قوله :" الحمد لله على التقريب والتيسير.."
(3) - الفجر الساطع في شرح الدرر اللوامع لابن القاضي (باب المد).(1/395)
وقال في آخر كتاب "إيضاح ما ينبهم على الورى من قراءة عالم أم القرى" بعد أن قرر الألفاظ الواردة في التكبير للبزي عن ابن كثير:" وبعدما سطرت هذا بسنين كثيرة قدم بعض الأئمة من المشرق, وأتى بـ"النشر" لابن الجزري ولم يدخل قبل هذا لمغربنا قط, فطالعته فوجدته ذكر هذه المسألة"(1).
وسبب هذا التأخر بلا شك هو انقطاع الرحلة وضمور شأن العناية بالرواية وخاصة في المائة العاشرة, على عكس ما كان عليه الأمر في العصور الماضية حين كان التأليف لا يكاد يفرغ منه مؤلفه حتى يجد طريقه إلى هذه الجهات كما وقع بالنسبة لشروح الشاطبية وخاصة لشرحي أبي شامة والجعبري.
ولهذا كان لدخول "كتاب النشر" آخر الأمر إلى فاس صدى هائل استحق مثل هذا التنويه من أبي زيد بن القاضي, وإن كان لم يتفضل بتسمية من أدخله من الأئمة, وهو على كل حال غير أبي العلاء المنجرة لأن رحلته إلى المشرق كانت ـ كما قدمنا ـ سنة 1108هـ أي بعد موت ابن القاضي بربع قرن.
وقد عبر عن مبلغ الفرحة بدخول هذا الكتاب أيضا الشيخ أبو المكارم محمد الراضي بن عبدالرحمن السوسي الآنف الذكر في أصحاب ابن القاضي فيما وقفت عليه له في كتاب في قراءة ابن كثير(2) قال في آخره بصدد الحديث عن مسألة من افتتح الركعة التي يختم بها القرءان بأم الكتاب ثم يرد أن يبتدئ القرءان من سورة البقرة, هل يفتح بأم القرءان لابتدائه القرءان من أوله..؟ قال:
"ولما من "الله علينا بدخول " كتاب النشر" لمدينة فاس ولم يدخلها قط فيما سلف من الزمان وجدته تكلم عليها, وأفصح وبين المراد, فجزاه الله خيرا"(3).
__________
(1) - تقدمت الإشارة إلى هذا الكتاب من تحقيق الأستاذ محمد بلوالي وبإشراف أستاذنا الدكتور التهامي الراجي.
(2) - أشارالأستاذ سعيد أعراب إلى كتاب في قراءة المكي للراضي يشبه أن يكون هو ما وقفت عليه في خزانة خاصة " القراء والقراءات بالمغرب 114".
(3) - تقييد في قراءة ابن كثير للراضي السوسي (مخطوط).(1/396)
وأهمية أبي زيد المنجرة ليس فقط أنه أدخل مثل هذا الكتاب, ولكن أنه أدخل القراءة بمضمنه وما اشتمل عليه باقي كتبه من الطرق كالدرة والتحبير, فكان بذلك رائدا في إدخال القراءات العشر من هذه الطريق, وناشرا لمذاهب ابن الجزري في القراءة والأداء, وأسلوبه أيضا في جمع القراءات.
وقد فصل أسلوب الأخذ بطريقة الجمع والإرداف وذكر الكثير مما قرره الحافظ ابن الجزري في "النشر" في كتابه "نزهة الناظر والسامع في إتقان الأداء والإرداف الجامع"(1), وبين الأنماط المعروفة في الجمع, ثم عقد فصلا تحت عنوان "فصل في كيفية الجمع المأخوذ به عندنا", وفيه بين أنه مركب من النمطين: الجمع بالحرف والجمع بالوقف, ثم ساق تطبيقات على ذلك حسب الطرق والوجوه المأخوذ بها للسبعة ثم للعشرة, ثم للطرق العشرة النافعية وساق تطبيقا عمليا على قوله تعالى "فكيف آسى على قوم كافرين" في سورة الأعراف فوصف كيفية أدائها وقال :"فتاتي للأزرق بستة أوجه :ثلاثة في الهمزة, وثلاثة في الألف الممال, وكلها مع الفتح والإمالة في ألف "آسى", ثم تمر على قوله "كافرين" فتدخل بالإمالة للأخوين, وهما يوسف الأزرق وعبد الصمد العتقي, ثم تردف الفتحة.. إلخ.
وهذا النمط الذي وصفه الشيخ المنجرة في هذا الكتاب هو جار على حسب الطريقة البسيطة التي كان يقرأ بها "العشر الصغير" لهذا العهد, ثم ظهرت عند المتأخرين الطريقة التركيبية المتبعة الآن وهي متداخلة مع العشر الكبير, ولذلك لم يعد أحد يمكنه أن يقرأ لنافع بالطرق العشرة إلا بعد تحققه من العشر الكبير, لأنه أصبح عند المشايخ مركبا عليه, ولهذا طالت أردافه وتعقدت رموزه تعقيدا لا مزيد عليه, ولا أحسب أن الشيخ المنجرة قد كان يأخذ بهذا الأسلوب الذي يكاد يدخل إتقانه في باب الخوارق والمعجزات.
__________
(1) - تقدم ذكر الكتاب واستفادة مؤلفه من كتاب أبي الحسن بن سليمان القرطبي المسمى " ترتيب الأداء وبيان الجمع في الإقراء".(1/397)
وكما تعددت الطرق عن أبي العلاء المنجرة فقد تعددت بعده عن ولده أبي زيد وسارت الرواية في كل جهات المغرب من طرقه عن أبيه, وهذه أهمها:
1- طريق أبي عبدالله محمد بن عبدالسلام الفاسي وهي أهم طرقه على الإطلاق وستأتي.
2- طريق أبي عبدالله محمد بن عمر بن محمد الهواري الوطاوي.
هو صاحب كتاب "تهذيب رسم الأئمة السبعة من طريق التيسير والشاطبية", ومعلوماتنا عنه إنما هي من خلال ما ذكره في مقدمة كتابه هذا, وقد بدأه بقوله:" الحمد لله الذي من علينا بوراثة كتابه, ووفقنا لإدمان تلاوته, وشرفنا بقراءته وحمله...
وبعد فهذا " تهذيب رسم الأئمة السبعة من طريق " التيسير" والشاطبية" مبينا إن شاء الله أحسن البيان... وأعتمد في هذا الرسم الإمامين الحافظين:
- الأول الإمام المدرس العالم المحقق المتقن المجود العارف بأداء التلاوة وأحكام القراءة, المتفنن في علوم شتى, المرحوم بكرم الله سبحانه, شيخنا وقدوتنا ومقرئنا سيدي محمد بن الحاج التلمساني ـ غفر الله له وأسكنه فسيح الجنات بمنه – كان – رحمه الله – له اعتناء بالتجويد والتدريس بمدينة تازة, وكان مقدما على غيره لقوة حفظه, وكنت مقيما عنده بالزاوية الناصرية بالمدينة المذكورة, معتكفا على قراءة الجماعة, ملازما له حتى نلت منه المطلوب, ووفيت المرغوب.
وأراد السفر إلى بني توزين عند سيدي عبدالله بن أحمد التوزيني خادم الزاوية الناصرية بتلك البلاد, فخرج مسافرا إلى عند الشيخ المذكور سنة ست وخمسين ومائة وألف (1156هـ), واستخلفني في موضعه في المدرسة لقراءة القرءان مع الطلبة على سبيل النيابة, وبقي في سفره شهرين وأياما.
والتزمت موضعه, وامتثلت أمره حتى قدم من سفره, وأردت الانتقال إلى مدينة فاس عند الشيخ الجليل العلامة البحر الفهامة شيخ الوقت وإمام المحققين شيخ البركة سيدي ومولاي عبدالرحمن بن ادريس الشريف الحسني أطال الله بقاءه.(1/398)
فلما عزمت على الانتقال دعا لي بالانتفاع ودوام الحفظ, وودعني على خير عند الشيخ مولاي عبدالرحمن ابن ادريس بمدينة فاس المحروسة بالله, فسمعت قراءة الجماعة من فيه مشافهة من أول الفاتحة إلى آخر الناس, ثم ختمت ختمة أخرى كان يسمع وأنا أتوخى المثل بين يديه, فلما سمع مني ذلك أجازني في كتاب بإتقان الرواية والضبط للتلاوة, على عادة المتقدمين, فزال عني اختلاج الظنون والأوهام, ويكون الكتاب شاهدا بين يدي الملك العلام, وختم لي بالدعاء بالخير والبركة والفتح ودوام الحفظ.
"وأراد السفر أيضا إلى مدينة مراكش وحوزها فاستخلفني في موضعه بالعنزة بالقرويين لتلاوة القرءان مع الطلبة, فامتثلت أمره, ولزمت موضعه ثلاثة أشهر حتى قدم من سفره عام إحدى وستين ومائة وألف (1161هـ) على سبيل النيابة.
"ولما كان اعتمادي في القراءة على هذين الإمامين اعتمدت عليهما في الرسم, فإذا اختلفا في شيء في الرسم نذكر لكل ما له فيه كما تلقيته مشافهة... ثم ساق الرسم مقتصرا على "فرش الحروف" من الفاتحة إلى آخر القرءان, يضع أمام كل كلمة تقرأ باختلاف رمزها كقوله " فيهي هدى" "(بـ) " يؤمنون" (كضبط).. إلخ(1).
3- طريق العلامة المقرئ محمد بن علي العاجي الجائي من كتابه " جمع المنافع في طرق الإمام نافع".
هذا المقرئ الجليل من مقرئي الجهات الشمالية من المغرب, ومعلوماتنا عنه إنما هي من خلال ما جاء في كتابه المذكور, وقد وقفت عليه في مخطوطة فريدة بالخزانة الحسنية بالرباط برقم 6294, فرغ المؤلف منه في ذي الحجة من سنة 1203هـ, وتاريخ نسخه 21 شوال عام 1257هـ, وقد افتتحه بقوله:
__________
(1) - وقفت على هذا التقييد مرات في خرائن خاصة ويقع في نحو 30 ورقة, وقد أشار إليه في مخطوطات الخزانة الحسنية بالرباط في فهرستها 6/ 78 الا أنه ظنه محمد بن شعبان (يريد ابن سفيان) الهواري ت عام 415. ونقل عنه أيضا الأستاذ سعيد أعراب في القراء والقراءات بالمغرب 134 – 135.(1/399)
"الحمد لله الذي في الأرحام صورنا, ولعبادته مسلمين أبرزنا, وله الشكر على ما أولانا من نعمه, من ذلك أن جعلنا من حفاظ كتابه, ومتعنا بالتصرف في رواياته... أما بعد فالمقصود بحول الله وقوته تأليف أردت – إن شاء الله - أن يكون جامعا للقراءات العشرية على ما رويته عن شيخنا ومفيدنا العالم العلامة الجامع الحافظ ذي الجد والتجويد, المرتقي في العلوم الغاية القصوى, المولى بفاس في مسجد الشرفاء أبي زيد سيدي ومولاي عبدالرحمن بن ادريس المنجرة الشريف الحسني نفعنا الله ببركاته وبدعائه الصالح. ثم ساق سنده عنه فقال:
سنده عن أبي زيد المنجرة: " حسبما أخذ ذلك عن والده سيدي ومولاي ادريس بن محمد المنجرة الشريف, عن سيدي محمد الهواري السرغيني, عن سيدي عبدالرحمن بن القاضي, عن سيدي عبدالرحمن السجلماسي عن الخطيب المفتي سيدي محمد المريي الحسني, عن أبي القاسم بن إبراهيم, عن الخطيب شيخ الجماعة سيدي محمد بن غازي, عن سيدي محمد بن الحسين بن حمامة الأوربي النيجي شهر بالصغير, عن أبي الحسن علي بن أحمد الورتناجي الوهري, عن أبي وكيل ميمون بن مساعد المصمودي المشهور بالفخار, عن أبي عبدالله ... (1) محمد بن فحلون, عن أبي بكر بن أحمد بن أبي جمرة, عن أبيه, عن أبي عمرو الداني"...
ثم ذكر السند متصلا عن محمد بن أحمد كاتب ابن مجاهد عن ابن مجاهد صاحب السبعة في القراءات وقال: " ونرتب ذلك – إن شاء الله – على ترتيب المصحف الكريم, ونبين ما جرى به العمل المأخوذ به عن شيخنا المذكور, وننبه على فواصل الميم لأبي عون المخلص من "عدد" المنتوري(2).
__________
(1) - يعني كتاب المنتوري في العد بعنوان " ري الظمآن في عدد آي القرءان", وهوموضوع رسالة الطالب السيد بوشبكة عبد المجيد من كلية آداب الرباط بإشراف الدكتور التهامي الراجي الهاشمي.
(2) - يوجد مخطوط بخزانة تطوان تحت رقم 125 كما في فهرسة الخزانة المذكورة.(1/400)
ثم ترجم لنافع وذكر الرواة عنه في الطرق العشرية مستهلا لها بطرق ورش الثلاثة ثم ذكر باقي طرق الرواة وقال:" وعلى هذا الترتيب قرأنا في حالة الجمع بين هؤلاء الرواة استحبابا, ولأن الترتيب عند القراء ليس بشرط".
وهكذا أخذ في استعراض مادة الكتاب ومسائل الوفاق والخلاف بين الرواة مفتتحا مباحثة بباب الاستعاذة.
وأكثر نقوله في الكتاب عن كتب المغاربة في الفن وخاصة عن الإمام أبي عمرو الداني في "التعريف" و "إيجاز البيان" وأبي علي الزياتي وأبي وكيل ميمون في " تحفة المنافع" وابن غازي ومحمد بن يوسف التملي ومسعود جموع السجلماسي وعن شيخه أبي زيد المنجرة, وينقل من المشارقة خاصة عن ابن الجزري.
وختم الكتاب بقوله:" على يد ملفقه لنفسه ولمن يحتاج إليه ويرضى به من أبناء جنسه محمد بن علي العاجي الجائي دارا ومنشئا, وذلك يوم الأربعاء بعد صلاة العصر رابع عشر من شهر الله المعظم ذي الحجة سنة 1203هـ".
هذا آخر الكتاب, ووقفت للمؤلف أيضا على ذكر كتاب في " القراءات الثلاث" الزائدة على السبع مما يدل على تمكنه وسعة مجاله وبعد مداه في هذا العلم رحمه الله.
- ومن أصحاب محمد بن علي العاجي المذكور : عبد السلام الصيدي الحسني
ولم أقف له عل ترجمة مستقلة, وإنما وقفت على سنده متصلا بالعاجي المذكور, وذلك في مقدمة كتاب تضمن رمزية للعشر الكبير بعنوان " البدور النيرة في رموز القراءة العشرية" مبتور من أوله, وهذه الرمزية بمثابة إجازة علمية كتبها مؤلفها أو أذن في كتابتها لبعض تلامذته, إلا أن تعيين المؤلف والتلميذ قد فاتنا بسبب البتر المذكور, ونص ما ذكر المؤلف المجيز بها قوله في خاتمتها:
"انتهت على يد كاتبها ثم لمن شاء الله تعالى من بعده, والكاتب المذكوري أصلا التطاوني دارا, الزروالي منشئا – كان الله له وتولاه – قال :(1/401)
" أخذ ذلك عني " الصيدي الخياطي", أخذ تلك القراءة مشافهة عني رواية ودراية, حسبما أخذت ذلك وتلقيته مشافهة أيضا عن شيخنا ووسيلتنا إلى ربنا سيدي عبدالسلام المدعو الصيدي الحسني عن شيخه سيدي أحمد الفيلالي, وعن شيخه سيدي محمد بن علي العاجي نسبا, عن شيخه سيد الجماعة (كذا) بفاس سيدي ومولاي عبدالرحمن بن ادريس المنجرة الشريف الحسني, عن والده سيدي ادريس المذكور عن سيدي محمد الهواري, عن سيدي عبدالرحمن بن القاضي, عن سيدي عبدالرحمن السجلماسي عن الخطيب المفتي سيدي محمد المريي الحسني, عن أبي القاسم بن ابراهيم, عن الخطيب شيخ الجماعة سيدي محمد بن غازي, عن سيدي محمد بن الحسين بن حمامة الأوربي النيجي(1) الشهير بالصغير, عن أبي الحسن علي بن أحمد الورتناجي(2) الوهراني(3), عن أبي وكيل ميمون بن مساعد المصموي الشهير بالفخار, عن أبي عبدالله محمد بن فحلون(4) عن أبي بكر بن أحمد بن أبي جمرة عن أبيه عن أبي عمرو الداني عن محمد بن أحمد الكاتب عن أحمد بن موسى"(5) عن مضر بن محمد .....
__________
(1) - في الأصل " التجيبي", ولعل التصحيف من المجيز كما تقدم في سنده المذكور في " جمع المنافع".
(2) - في الأصل " التنوخي", ولعلها محرفة عن الورتناجي كما هو مذكور في ترجمته.
(3) - كذا في الأصل, والمعروف في نسبه " الوهري" نسبة إلى وهرة لا إلى وهران ولا أعرف وجه نسبته.
(4) - في السند انقطاع أيضا كما تقدم بين الفخار ويبن ابن فحلون المذكور كما تقدم, مما يدل على أن الخطأ من الشيخ المجيز أو من بعض شيوخه الذين أجازوه.
(5) - المراد به أبو بكر بن مجاهد صاحب "كتاب السبعة في القراءات".(1/402)
إلخ ورفع السند إلى ابن كثير المكي بسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما هو مذكور في كتاب السبعة" لابن مجاهد, إلا أنه قال في تمام السند:"هذا إسناد المغاربة في السبعة"(1).
وبه أنهى الرمزية المذكورة, ولعله يعني بقوله "إسناد المغاربة" إسنادهم من طريق "التيسير" وكذا من طريق الشاطبية, ثم يتفرع من الإمام الداني في كل رواية بحسبها كما هو معلوم من "التيسير" لأبي عمرو الداني المذكور.
الفصل الثالث: أهم الطرق المغربية من طريق أبي زيد المنجرة "طريق أبي عبد الله محمد بن عبدالسلام الفاسي شيخ الجماعة (ت 1214)
تعتبر طريق شيخ الجماعة أبي عبدالله محمد بن عبدالسلام الفاسي أهم طريق للمغاربة المتأخرين في القراءات, كما يعتبر الشيخ ابن عبدالسلام قيدوم هذه المدرسة وحامل لوائها وأستاذ الأساتذة المبرزين فيها وآخر أعلام المشيخة الذين واصلوا السير على منهاج الإمام ابن غازي, ونهجوا للقراء المتأخرين نهجها الأحب, ووضعوا في هيكلها العتيد آخر اللبنات, وقد جاءت جمهرة الأسانيد الباقية إلى اليوم في أيدي مشايخ القراءة وتلامذتهم في هذه الطريق من جهته حتى لا يوجد ما ينافسها في ذلك في ما نعلم, ولهذا نجد الإسناد منها قد عم أطراف البلاد وبلغ أقصاها شرقا وغربا وشمالا وجنوبا, ولعل مرجع ذلك في الأساس إلى نباهة شأنه في هذا العلم, وطول تصدره, وكثرة تنقله في البلاد طلبا لهذا الشأن, ومتقصيا لأماثل رجاله وأعيان المتصدرين لإفادته في عامة الجهات المشهورة بذلك, ومستقرئا لأساليبهم في الإقراء وأحوالهم في القراءة والأداء حتى بلغ في ذلك الشأو الذي لا طال.
__________
(1) - وقفت على هذه الرمزية وفي آخرها السند المذكور في خزانة الشيخ المقرئ السيد أحمد بن الطاهر الشيظمي المعروف بالكونطري شيخ الإقراء والقراءات السبع بمدرسة " أحد الدرى" بنواحي الصويرة حفظه الله.(1/403)
أما نسبه فهو محمد ـ بضم الميم ـ بن عبدالسلام بن محمد ـ بفتحها ـ بن عبد السلام بن العربي بن يوسف الفاسي. ولد بفاس في حدود سنة 1130هـ, ونشأ بها نشأة عفة وصلاح, وتعلم على مشيخة العلم والقراءة بها, فحفظ القرءان على علية أساتذة القراءة بها, وتخرج في حلقات العلم بالقرويين وغيرها حتى استولى على الأمد في ذلك وكان كما وصفه صاحب السلوة "حافظا جامعا راسخ الملكة في أكثر الفنون, كالنحو والتصريف واللغة والحساب والعروض والتاريخ وأنساب العرب وأيامهم... والحديث والتفسير وعلوم القراءات وأحكام الروايات, واعتمد في ذلك على جماعة من العلماء النحارير يطول ذكرهم, كالشيخ أبي حفص الفاسي, والشيخ أبي عبدالله محمد بن طاهر, والشيخ أبي عبدالله محمد بن الحسين الجندوز المصمودي, والشيخ أبي السعد عبدالمجيد بن علي الزيادي, والشيخ أبي زيد عبد لرحمن بن ادريس المنجرة الحسني..." (1).
وقد توج الشيخ ابن عبدالسلام أخذه للقراءة بالتلقي عن مشيخة بلاد لمطة على طريقهم المشهورة بإتقان التجويد والعناية التامة بمخارج الحروف والصفات, وذلك حين رحل إليها فأخذ عن الشيخ العلامة الجليل أبي العباس أحمد بن عبدالعزيز بن الرشيد السجلماسي – صاحب الشيخ المجود البارع أحمد الحبيب اللمطي(2) الذائع الصيت في هذه الجهات وشيخ الجماعة بها, وكان هذا الشيخ مع أخيه صالح بن محمد اللمطي قطبي هذه الطريقة في شرق المغرب حيث انتهى إليهما التحقيق فيها, ورحل إليهما الناس في ذلك, كما أشار إليه الشيخ أبو العباس بن الرشيد في كتابه "عرف الند" إذ يقول:
__________
(1) - سلوة الأنفاس 2/318 – 319.
(2) - المراد أبو البركات أحمد الملقب الحبيب ابن محمد بن صالح بن أحمد الصديقي السجلماسي اللمطي المتوفى بسجلماسة في رابع المحرم من سنة 1165هـ ترجمته في الإعلام للمراكشي 2/383 – 384 ترجمة 264.(1/404)
"حضرت رجلا مشهورا بالأستاذية والاقتباس منه, مقصودا لأخذ القراءات السبع عنه, قرأ مع طالب لوحه بالسبع على كيفية رفض فيها المد الطبيعي رفضا, بل كادت تذهب حروف من غير حروف المد أيضا, فكلم في ذلك برفق ظنا أنه ينتبه للحق فيتبعه, لكون الأمر من الوضوح بحيث يسلمه المنصف أول ما يسمعه, فما كان جوابه إلا أن قال :"هذه طريقتنا التي أخذناها في المغرب, وتلك التي تأمرون بها طريقة اللمطيين بسجلماسة, ثم لج في عمله الذي بنى على غير شيء أساسه, وعنى باللمطيين شيخنا سيد التعريف المحققين, وسند لمدققين, الغني عن التعري عند كل لبيب, أبا البركات سيدي أحمد الحبيب قدس الله سره وضاعف عليه رحمته – وشقيقه شيخنا العلامة إمام أهل التجويد صاحب النقل الصحيح والنظر السديد الأستاذ الأكبر سيدي صالح بن محمد(1)
__________
(1) - صالح بن محمد اللمطي السجلماسي كان هو وأخوه مقرئي سجلماسة وبلاد لمطة ونول في زمنها, لهما في القراءات باع واسع وخاصة في فنون التجويد, وهما يرويان عن الشيخ أبي العباس أحمد بن محمد البنا الدمياطي المصري (ت 1117هـ) صاحب " إتحاف فضلاءالبشر بالقراءات الأربعة عشر" وهو من مصادرنا في هذاالبحث. وللشيخ صالح بن محمد اللمطي هذا مؤلفات عديدة في القراءات, منها منظومة في علم القراءات توجد مخطوطة بالخزانة الناصرية بتمكروت برقم 3122 (دليل مخطوطات دار الكتب الناصرية 212) ومنها منظومة في أفراد عاصم – وشرح منظومة في إفراد ابن عامر, وهما معا في مجموع بالخزانة الناصرية برقم 1561 ( دليل مخطوطات دار الكتب الناصرية بتمكروت لمحمد المنوني 90)..(1/405)
, لا برحت محاسنه تتلى ومساعيه تحمد, ومن أخذ عنهما من التلاميذ, وسلك طريقهما من الأسانيد, ولقد صدق هذا المجيب, فيما نسب إليهم من الطريقة المثلى والصنع العجيب, فما رأينا في هذا المغرب من وفى حروف الذكر حقها وأعطاها من المخارج والصفات مستحقها سوى هذه العصابة, أولي التحقيق والإصابة, جزاهم الله رضوانه, وأسبغ عليهم إحسانه"(1).
ولقد انتفع به الشيخ ابن عبدالسلام انتفاعا كبيرا, وخاصة في كتابه "القول الوجيز"(2) وتأثر به في تحقيقاته في مسائل التجويد وفي ما أملاه من أجوبة(3) أو كتبه من رسائل في موضوع الأداء(4).
وأخذ عنه القراءات السبع مشافهة, وأجازه إجازة مطلقة في كل ما رواه عن شيوخه المعتمدين ممن تضمنتهم فهرسته من المشارقة والمغاربة(5).
جولاته العلمية وتصدره:
طوف أبو عبدالله بن عبدالسلام في البلاد في طلب هذا الشأن بعد أن تخرج على كبار المشيخة بفاس, فتنقل في الشمال والجنوب والغرب, فالتحق أولا بقبائل الشمال حيث كانت علوم الروايات مزدهرة على طريق ة " أهل جبالة" في ذلك, "فما زال يستقصيهم في كل قبيلة وعمارة, ما بين سواحل الهبط وغمارة, حتى حصل على ما عندهم من العلم بالقراءات السبع, على ما للمغاربة فيها من طريقة للجمع, وبقي هناك سنتين يقرأ ويقرئ, حتى صار يخلق في مباحثهم ويفري, فحينئذ رجع إلى فاس مملوء الوطاب بالنصوص والقياس".
__________
(1) - عرف الند في أحكام المد " م خ ع رقم 2186 د.
(2) - هو كتابه "القول الوجيز في قمع الزاري على حملة كتاب الله العزيز".
(3) - للشيخ ابن عبدالسلام مجموعة أجوبة أكثرها في علم القراءة, قامت بتحقيقها الطالبة رجاء سعاد بكلية آداب الرباط بإشراف الدكتور التهامي الراجي ونوقشت بتاريخ 10/12/90.
(4) - منها رسالته الآتية فيما خالف فيه معلمو الصبيان قواعد الأداء.
(5) - القراء والقراءات بالمغرب للأستاذ سعيد أعراب 141 وأصل ذلك في السلوة 2/318-319 وفهرس الفهارس 2/849(1/406)
"ولما وصل إلى حضرة فاس, انحشر إليه في طلب العلم الناس, فعقد مجالس يدرس فيها القراءة, وأخرى يدرس فيها العلوم, مما استوجب له التصدير, بين أولي التحقيق والتحرير مشاركا لأشياخه في أكثر تلامذتهم, مزاحما لأعيانهم في مضايق معارضتهم, قوي المعارضة, كثير التحصيل, باحثا نظارا, قادرا على الاستنباط, بصيرا في كل فن بمواقع الأغلاط, يضرب بعض الفنون ببعض ليقرب أقضاها, فصيح اللسان, ثاقب الجنان, يستفيد السامع من فيه, أكثر مما يكفيه, يقول لا أدري في ما لا يستحضره من مسائل العلم"(1).
ولما قضى وطره من التصدر بفاس وطار له صيت بعيد في البلاد, تاقت نفسه إلى الاستزادة من الطلب والإفادة بما عنده, فخرج نحو الجنوب, وتجول بقبائل سوس يلقى مشيخة أهل العلم بها, ويتعرف على نمط " أهل سوس" في جمع القراءات, وكانت لهم في ذلك طريقة خاصة في الجمع والإرداف تختلف عن طريقة أهل الشمال, فتلقى هذه الطريقة وتمرس بها, ثم نزل بمدرسة القراءات بـ"آيت صواب" وتصدر بها لإفادة الطلاب, فالتف عليه أبناء المنطقة واجتمعوا على النهل من علومه المختلفة, ويتلقون عليه القراءات محققة محررة مسندة عن أكابر المشيخة المتصلة الحلقات برجال مدرسة ابن غازي في المغرب وكبار المشيخة المعتمدة في المشرق من طريق شيخه وعمدته أبي زيد عبدالرحمن بن ادريس المنجرة كما سنراها عن قريب.
__________
(1) - يمكن الرجوع في هذه النقول إلى كتاب" عناية أولي المجد " للمولى سليمان العلوي وهو من شيوخه الذين ترجم لهم في الكتاب بإفاضة كما أشار إلى ذلك صاحب السلوة 2/319.(1/407)
ولما تأسست مدينة الصويرة على يد المولى محمد بن عبدالله العلوي انتدبه إليها للتدريس فالتحق بها في حدود سنة (1195هـ), وهناك اتسع له جاه أكبر وذاع صيته في هذه البلاد, وهرع إلى الأخذ عنه الطلاب من قبائل الشياظمة وحاحة وعبدة وأحواز مراكش, وقد قضى هنالك بضع سنوات قبل أن يعود إلى فاس في العقد الأول من المائة الثالثة عشرة ليقضي هناك ما تبقى من حياته في التدريس والتأليف والإفادة إلى أن توفي بفاس يوم الأربعاء 12 رجب الفرد الحرام عام 1214 عن خمس وثمانين سنة(1).
مؤلفاته :
وقد خلف وراءه عددا كبيرا من المؤلفات والرسائل القيمة عني طلاب الدراسات أخيرا بدراستها وتحقيقها ومنها:
1- كتابه " المحاذي" ويسمى أيضا " إتحاف الأخ الأود المتداني, بمحاذي حرز الأماني ووجه التهاني".
... ... ... وقد تقدم ذكره بين الكتب المؤلفة على الشاطبية, ألفه في حدود سنة 1206هـ" وقد أودعه علومه ومعارفه وهو عصارة فكره, وخلاصة تجاربه, وقليل أمثال هذا الكتاب في تحريره واستيعابه"(2).
2- شذى البخور العنبري, وبعض عزائم الطالب العبقري على " كنز" العلامة أبي إسحاق الجعبري, وهو حاشية مطولة على " كنز المعاني" للجعبري أودع خلاصتها في كتاب " المحاذي"(3).
3- كتاب "القطوف الدانية في شرح الدالية" أي قصيدة ابن مبارك السجلماسي في تخفيف الهمز لحمزة وهشام.
... ... ابتدأ هذا الشرح في حياة أستاذه أبي زيد المنجرة وانتفع بشرح أستاذه فيه(4), وكان فراغه منه كما ذكر في آخره عام 1180هـ(5).
__________
(1) - كذا جاء في السلوة مؤرخا بالأربعاء 12 رجب (السلوة 2/319), وفي تاريخ الضعيف ص 317 أنه توفي يوم الأربعاء 23 رجب.
(2) - القراء والقراءات بالمغرب 145.
(3) - تقدم الحديث عنها في الحواشي على الكنز.
(4) - أعني بكتابه " المقاصد النامية في شرح الدالية", وقفت عليها مخطوط في الخزانة الحسنية برقم 1057.
(5) - القطوف الدانية (مخطوط).(1/408)
4- الأقراط والشنوف بمعرفة الابتداء والوقوف(1), وهو من آخر من ألف من المغاربة في هذا الموضوع, وقد بناه على ركنين: الأول في بيان كيفية الجمع والإرداف والأسلوب المتبع في الأخذ في المدرسة المغربية منذ زمن أبي عبدالله بن غازي, والثاني شرح المواقف التي اختار الإمام الهبطي في وقفه المقيد عنه وبيان وجهة نظره فيها ومسنده من جهة القياس ولعربية, وكأنه إنما ألفه لهذا الغرض بالذات ليبدي نظره في المواضع التي اعتاد العلماء أن ينتقدوها على الهبطي كما قدمن
5- رسالة في ما خالف فيه معلمو الصبيان قواعد الأداء وشروط التجويد:
اطلع عليها بعض الباحثين ونقل عنه قوله في مقدمتها :" كان الطلبة يسألونني قديما في حياة شيخي – رحمه الله – يعني أبا زيد المنجرة – فأجبتهم بالجواز, وسألوا شيخنا في ذلك فمنعه, وكان الطالبون يطالبونني بكتب ما لدي, فكنت أنكص عنه استصغارا لنفسي عن الولوج في تلك المضايق, وهيبة من شيخي, وكنت طالعت شيخي العلامة المحقق أبا حفص عمر بن عبدالله الفاسي بما لدي في ذلك, فاستصوب رأيي فيه, وثبتني عليه,ثم بعد ذلك عاودني الطلبة في كتابة ذلك فتوقفت, ثم بدا لي أن أكتب, فكتبت لهم في ذلك كتابة طويلة هي بأيديهم"(2).
6- القول الوجيز في قمع الزاري على حملة كتاب الله العزيز.
__________
(1) - يجري تحقيق هذا الكتاب حاليا من لدن الطالب السيد الطاهر الشفوع من شعبة الدراسات الإسلامية بكلية آداب الرباط تحت إشراف الدكتور التهامي الراجي الهاشمي.
(2) - نقله الأستاذ سعيد أعراب ولم يشر إلى المصدر – القراء والقراءات بالمغرب 149.(1/409)
هو كتاب كان غرضه منه رد الاعتبار لحملة كتاب الله تعالى ودحض ما شاع عنهم من رقة الدين وضعف اليقين, وقد استهله بذكر فضائل هذه الطائفة وما جاء من الأحاديث والآثار في ذلك, وعمل على دفع اللائمة عنهم فيما قد يبدر من بعضهم ملتمسا لهم ما ينبغي من العذر, ومفندا لقول الشيخ الهبطي(1) فيهم في أبياته المشهورة:
أما الذين يقرؤون القرءان ... ... فإنهم على سبيل الشيطان
ترك الصلاة عندهم مشهور ... ... وإن تكن يفوتها الحضور
قد ضيعوا أصول هذا الدين ... ... كضيعة المفروض المسنون
ما عندهم بالاحتفال معروف ... ... إلا الذي أتى بعلم المحذوف
بانيا على أنه لم يقصد التعميم و" أن السيد لم يسلم من غلظته أحد, سواء في ذلك العامة والخاصة, وأنه لم يقصد تخصيص حملة القرءان, ولا نقلهم عن تعلم كتاب الله إلى تعلم مسائل الفقه كما فهم البعض, إنما أراد نقلهم من الوصم الذميم, إلى الوصف الرفيع, وقد علم الله حسن نيته, وإخلاص طويته, فاستجاب له كثير من الناس".
__________
(1) - ليس المراد بالهبطي هنا صاحب الوقف, وإنما المراد الشيخ عبدالله بن محمد الهبطي الصوفي المتوفى سنة 968 – ترجمته في درة الحجال 3/60 ترجمة 975.(1/410)
وقد فرغ المؤلف من تأليف الكتاب عام 1207هـ فكان من آخر ما كتبه وربما بعد أن عاد إلى فاس في زمن المولى سليمان الذي ولي سنة 1206, وكان لابن عبدالسلام مكانة عنده وخاصة في المصالحة بينه وبين بعض القواد الكبار بآسفي لهذا العهد كما ذكره الضعيف في تاريخه(1).
ولعل من أسباب التأليف أيضا ما أثاره المولى محمد بن عبدالله باني الصويرة في رسالته في هذا الشأن وسماها " مواهب المنان, بما يتأكد على المسلمين تعليمه للصبيان" والتي فرغ من كتابتها عام 1203 أي فبل هذا التاريخ الذي كتب فيه ابن عبدالسلام بنحو ثلاث سنوات, وفيها وصف مريع للحال في أوساط طلبة القرءان, وفي مقدمتها يقول:"وبعد فلما كان غالب اعتناء طلبة الوقت بحفظ القرءان والتفنن في قراءته بالروايات, وإهمالهم ما فرضه الله على الأعيان, مما يدان به من علم العبادات والاعتقادات.... وقد طال اختباري ومشافهتي لمشاهير الحفاظ المسلم لهم في قراءة المكي والسبع وضبط الروايات والألفاظ, فألفيتهم جاهلين – وخصوصا أهل البوادي – بأحكام الطهارة والصلاة, لإعراضهم عن تعلم واجب ذلك, وإكبابهم على ضبط الرواية, فكم من إمام مهم لا يعرف ما تصح به الطهارة ولا مبطلات الصلاة, ولا أحكام السهو وأطواره.
__________
(1) - كان قد تخلف القائد عبدالرحمن بناصر العبدي عن بيعة المولى سليمان مقدما عليه أخاه المولى هشام فأرسل إليه المولى سليمان وهو إذ ذاك بالرباط الشيخ محمد بن عبدالسلام وعلي بن المغرف الفاسي, قال الضعيف في تاريخه 260 – 261:"ووردوا عليه بآسفي في ثامن حجة وهو يوم الخميس – يعني سنة 1206 – وفي يوم الجمعة دخلوا الجامع فوجدوا العبدي عبدالرحمن يخطب بمولاي هشام.. خرجوا من الجامع وصلوا الجمعة ظهرا.. ثم ذكر رجوعهم إلى الرباط بلا طائل.(1/411)
قال :"وكنت لقيت حال سفري من مكناسة إلى مراكش سنة ثلاث بعد المائتين والألف من الأساتيذ الجم الغفير, وألفيت كل من اختبرت منهم لم يتمسك من علم دينه بقطمير, حملني ذلك لما انطوى عليه الفؤاد من حب النصح للمسلمين, أن أجمع لهم مسائل مهمات من علم أمور الدين, قريبة المقاصد, شهيرة الموارد, مقتصرا فيها على الضروري, ليسهل حفظها على الصبيان.." (1).
فلعل الشيخ ابن عبدالسلام قد فزع من حكاية مثل هذه الحال عمن هم أحق الناس بالاستقامة على الحق والمعرفة به, كيف لا وهم أمناء الله تعالى على كتابه, فحركته هذه الدواعي لكتابة هذا التأليف الذي كان له صدى طيب عند القراء على ما فيه من طول وإسهاب(2), وقد قام باختصاره شيخ الجماعة أبو العباس أحمد ابن الخياط الزكاري وت 1343هـ(3).
7- كتاب تسهيل المعارج إلى تحقيق المخارج.
وهو شرح لباب مخارج الحروف وصفاتها من " الشاطبية" ويبتدئ بقوله باب مخارج الحروف وصفاتها التي يحتاج القارئ إليها", ثم أخذ في شرح معنى الباب والمخرج والحرف والصفة ناقلا عن المبرد وسيبويه والجعبري والهوزني في أرجوزته وابن الجزري في النشر, ثم تطرق لمباحث المخارج والصفات مبتدئا بشرح قول الشاطبي:
وهاك موازين الحروف وما حكى ... جهابذة النقاد فيها محصلا
إلى أن ختم بشرح قوله:
وأعرفهن القاف كل يعدها ... فهذا مع التوقيق كاف محصلا(4).
8- كتاب " إبراز الضمير من أسرار التصدير".
وهو شرح له على قصيدته " أسرار التصدير" له التي أولها :
الحمد لله الذي منحني ... ... تفضلا حفظ كتابه السني
__________
(1) - يمكن الرجوع إلى رسالة "مواهب المنان" للمولى محمد بن عبدالله في مخطوطتيها م خ ح بالرباط برقم 3737 أو الخزانة العامة برقم 795 ك. وقد طبعت أخيرا في جزءين.
(2) - وقفت عليه في خزانة السيد السحابي بسلا.
(3) - القراء والقراءات بالمغرب 150.
(4) - مخطوط بالخزانة الحسنية برقم 1057.(1/412)
وفيه بسط الدواعي التي تجعل أهل الجمع والإرداف يصدرون بعض الأوجه على بعض, يقول في مقدمة الشرح:" هذا " إبراز الضمير, من أسرار التصدير, إذ كنت كثيرا ما يسألني الطلبة ـ بلغ الله أملهم ـ عن سر تقديم أحد وجهي الخلاف, ففكرت في ذلك, ففتح الله علي فيما عساه أن يكون هو الحامل لمشيختنا – رحمهم الله – على ذلك التقديم فقلت مستعينا بالله : ......... ثم ساق طرفا من أبيات الأرجوزة وشرع في شرحها(1).
9- أرجوزة في أوجه القراءات مع شرحها له :
أول القصيدة قوله :
" قال سليل عابد السلام ... محمد الفاسي ذو الاجرام
وأول الشرح قوله : "واعلم أن مسائل الخلاف ذوات الوجهين أو أكثر منهما التي شملها "حرز الأماني" ـ رحم الله ناظمه ـ عمل الناس في بعضها على استيعاب الوجوه... (2).
10- أرجوزة أخرى في التصدير والمقدم في الأداء من أوجه الخلاف.
أولها قوله :
" الحمد لله الذي قد خففا ... ... آصار ذي الأمة عنها وعفا(3).
بين في هذه الأرجوزة ما لم يجر العمل به من الأوجه المذكورة في الحرز, وقد طلب منه ذلك بعض تلاميذه من أهل سوس وهو إذ ذاك بثغر الصويرة, وهو أبو العباس أحمد بن عبدالله الهشتوكي, وفي ذلك يقول في الأرجوزة مشيرا إليه :
لقنته وجوه حرزنا على ... ... تمامها, وليس ذا عند الملا
لأنه قد ساغ الاقتصار ... ... في بعضها على الذي يختار
فقال:
إن بينت لي مصدرا ... ... من غيره في النظم كان أجدرا
وقد فرغ من هذا الشرح بالصويرة سنة 1202هـ.
11- فهرسة أشياخه نثرية, وأخرى منظومة(4), وتسمى أيضا "برنامج شيوخ محمد بن عبدالسلام"(5)
__________
(1) - م خ ح رقم 8309.
(2) - م خ ح رقم 7133.
(3) - م خ ع 1251.
(4) - سأذكر طرفا منهما فيما يلي, ويقوم حاليا بتحقيقها الطالب محمد زلو من كلية آداب الرباط تحت إشراف الأستاذ الدكتور التهامي الراجي باسم " فهرس محمد بن عبد السلام ".
(5) - وقفت عليه في مجموع خ ح رقم 1057.(1/413)
وللمؤلف كتب كثيرة أخرى هي عبارة عن رسائل صغيرة وأجوبة ومنظومات في أغراض مختلفة. والذي يعنينا هنا خاصة أسانيده في القراءات, وهي التي سنجعلها مسك ختام هذه المجموعة من الإجازات والأسانيد.
6- سند الشيخ ابن عبدالسلام وصلته بالمحور العام من طريق أبي زيد المنجرة.
ألف الشيخ محمد بن عبدالسلام برنامج شيوخه وضمنه ما قرأ به ومن قرأ عليه من المشايخ, ولكنه جعل العمدة في إسناده للقراءات السبع أولا على أستاذه أبي زيد عبدالرحمن بن ادريس المنجرة عن والده من طريقيه: طريق المغاربة, وطريق المشارقة, وأفرد ذلك في جزء خاص, ثم عاد فأدرجه في كتابه " المحاذي" تحت عنوان " باب ذكر سندي الذي به توصلت" ثم قال :" أقول:" قد كنت وضعت قبل اليوم موضوعا في ذلك فأحببت أن أورد منه ما أحتاج إليه بلفظه, وهذا نصه... " ثم ساق ما في البرنامج مبتدئا بقوله :" الحمد لله على نعمة الإيمان بالله العظيم(1) التي غرقت فيها صنوف النعم.... وبعد فيقول العبد الفقير إلى الله تعالى المذنب الخطأ الغارق في بحر الخطايا خويدم كتاب الله العزيز ومحب حملته: محمد بن عبدالسلام بن محمد بن عبدالسلام بن أبي عبدالله محمد العربي ابن شيخ مشايخ الإسلام أبي المحاسن يوسف بن محمد الفاسي كان الله له وليا, وبه حفيا, ولطف به بمنه: إنه لما كان الإسناد من معالم الدين, وأجلى طرق الاهتداء للمهتدين, لما فيه من الارتباط بالرسول, والاغتباط بحسن السول, إلا أنه لم تكن لأهل المغرب – وخاصة في هذا الزمان – به عناية, ميلا منهم عن سبيله إلى الاعتناء بالدراية, حتى لا يعلم الآخذ منهم إلا معلمه دنية, وإن طولب بأعلى منه عجز عن الوصول إليه, بلا مرية, رغبت في أن أذكر سندي الذي به وصلت وأبين أشياخي الذين بهم اتصلت, تعلقا بذيلهم النظيف, وتسترا بظلهم الوريف...... فأقول:
__________
(1) - سقط لفظ العظيم في المحاذي فيما وقفت عليه, وهو مذكور في البرنامج بلفظه.(1/414)
- قرأت القرءان العظيم ثلاث عشرة ختمة استظهارا للسبعة المشهوين من رواياتهم الأربع عشرة بمضمن " الشاطبية" و " التيسير" على شيخي ومعلمي ومفيدي وسندي ومعتمدي العلامة الحافظ الحجة الراوية الخير الدين البركة مولاي أبي زيد عبدالرحمن بن مولاي ادريس بن محمد بن أحمد الشريف الحسني الإدريسي المدعو المنجرة به عرف هو وأهله بفاس ـ حرسها الله بمنه ـ (توفي – رحمه الله تعالى ـ سنة تسع ـ بتقديم التاء ـ وسبعين ـ بتقديم السين ـ ومائة وألف).
- وهو ـ رحمه الله ـ قرأه على والده مولاي أبي العلاء ادريس المذكور (توفي ـ رحمه الله ـ سنة سبع – بتقديم السين – وثلاثين ومائة وألف) وهو – رحمه الله – قرأه على شيوخ عدة بالمغرب, ثم رحل إلى المشرق بقصد الحج فقرأ بمصر على الشيخ أبي عبد الله محمد بن قاسم بن إسماعيل البقري الشافعي, وعلى الشيخ أبي السماح أحمد ضرغام البقري الشافعي, وعلى الشيخ شهاب الدين منصور المنوفي المصري الشافعي. وقرأ بمكة – شرفها الله – على الشيخ أبي العباس أحمد بن عبدالجواد المنوفي الشافعي الضرير رحمهم الله أجمعين.
وهاأنا بادئ – بعون الله – بذكر بعض شيوخه الذين قرا عليهم بالمغرب, ثم أثني بذكر بعض من قرأ عليهم بالمشرق, فأقول والله المستعان:
السند المغربي وطريق أبي العلاء المنجرة فيه :(1/415)
"قرأ ـ رحمه الله تعالى ـ بالمغرب على شيخه ومفيده الأستاذ المجود أبي عبد الله محمد الهواري السرغيني – أظنه السجلماسي من سرغن سجلماسة, وهذا القوي عندي, ويحتمل أن يكون من قبيلة السراغنة ببلاد "تاستوت"(1) حوز وادي العبيد بقرب مراكش, ويقويه أن من شيوخه المعتمدين الأستاذ العلم الصالح البركة سيدي الصغير بن منيار(2) رحمه الله, وهو كان متوطنا بفاس ـ أمنها الله من كل باس ـ (توفي رحمه الله سنة أربع ومائة وألف) (1104هـ) في العشرين من رمضان منها, ولم أقف على وفاة ابن منيار.
- وهو قرأ على شيخه العلامة الحافظ الراوية أبي زيد عبدالرحمن ابن الشيخ العلامة أبي القاسم ابن القاضي المكناسي الأصل الفاسي الدار والمنشأ, عرف أصله بفاس بأولاد ابن القاضي إلى الآن, ويعرفون في القديم بأولاد ابن أبي العافية (توفي رحمه الله سنة اثنتين وثمانين وألف) (1082هـ).
- وهو قرأ على شيخه المعلم المتقن الحافظ أبي زيد عبدالرحمن بن عبدالواحد السجلماسي العباسي (توفي رحمه الله سنة تسع – بتقديم التاء – وعشرين وألف.(1029هـ).
__________
(1) - تعرف اليوم بـ" تاساوت" وبها سد مائي مشهور.
(2) - هو محمد الصغيربن محمد الشهير بالمنيار بن أحمد بن علي بن ابراهيم البوزحري دفين أكرض من بلاد تادلا, ترجم له الحضيكي وقال:"كان رضي الله عنه مقرئا مدرسا لا يمل من الإقراء والتدريس مع الدين المتين والورع والزهد التام, تخرج به كثير من الفقهاء والقراء والأولياء, أخذ القراءات عن الأستاذ المحقق أبي زيد عبدالرحمن بن الفقيه عبد الواحد السجلماسي عن الشريف المريي عن أبي القاسم بن ابراهيم عن ابن غازي, توفي سنة 1056هـ مناقب الحضيكي 2/99 – 100.(1/416)
- وهو قرأ على شيخه العلامة الحافظ خطيب فاس ومفتيها أبي عبدالله محمد بن أحمد بن محمد بن علي الشريف الأندلسي المريي ـ من أهل "المرية"(1) من أرض أندلس, ثم التلمساني ثم الفاسي دارا ومنشأ (توفي رحمه الله سنة ثمان عشرة وألف) (1018هـ).
- وهو قرأ على شيخه العلامة الحافظ أبي القاسم بن محمد بن ابراهيم ين موسى الدكالي المشترائي الفاسي الدار والمنشأ (توفي – رحمه الله – سنة ثمان وسبعين – بتقديم السين – وتسعمائة – بتقديم التاء (978هـ).
تحويل: "وقرأ الشيخ ابن القاضي أيضا على شيخه الإمام الأوحد أبي محمد عبدالواحد بن أحمد بن عاشر الأنصاري الأندلسي الفاسي الدار والمنشأ (توفي ـرحمه الله – سنة أربعين وألف) (1040هـ).
- وهو قرأ على شيخه العالم الحافظ أبي العباس أحمد بن عثمان اللمطي المكناسي الأصل الميموني الفاسي الدار.
- وهو قرأ على والده الشيخ الفقيه النحوي الأستاذ أبي سعيد عثمان بن عبدالواحد بن عبد العزيز اللمطي المكناسي الأصل الميموني, (توفي – رحمه الله – سنة أربع وخمسين وتسعمائة – بتقديم التاء).
تحويل: وقرأ شيخ شيوخنا مولاي ادريس أبو العلاء المذكور على شيخه الأستاذ المحقق الصوفي أبي الحسن علي بن قاسم بن جميل المالكي نسبا (توفي – رحمه الله – سنة اثنين ومائة وألف) (1102هـ).
- وهو قرأ على شيخه العالم المشارك الحافظ أبي عبدالله محمد بن مبارك السجلماسي المغراوي الفاسي الدار والمنشأ(2).
__________
(1) - مدينة أندلسية شهيرة بناها عبدالرحمن بن محمد الناصر سنة 344هـ صفة جزيرة الأندلس 183 رقم 175.
(2) - لم يذكروفاته وهي سنة 1092.(1/417)
تحويل :" وقرأ شيخ شيوخنا أيضا على شيخه العلامة القاضي أبي عبدالله محمد بن محمد بن سليمان بن منصور بن علي البوعناني الشريف الفاسي دارا ونجارا, وشيخنا – رحمه الله -(1) أطلق أخذ والده عنه, وفي فهرسة والده أنه قرأ عليه نحو اثني عشر جزءا(2) (توفي – رحمه الله – سنة ثمان وتسعين وألف – بتقديم التاء - ).
- وهو قرأ على والده أبي عبدالله وأبي الفلاح محمد بن محمد بن سليمان المذكور (توفي – رحمه الله – عام ثلاثة وستين وألف) (1063).
- وهو قرأ على شيخه الفقيه الأستاذ أبي العباس أحمد بن شعيب الأندلسي الفاسي دارا يعني أحمد بن علي بن شعيب – صاحب إتقان الصنعة في قراءة القراء السبعة"(3) (توفي – رحمه الله – عام خمسة وعشرين وألف, وقيل سنة ست عشرة وألف) (1016هـ).
- وهو قرأ على والده شعيب, ولم أقف على ترجمته ولا على سنة وفاته, رحمهم الله تعالى ورحمنا معهم ورحم جميع المسلمين آمين.
- وقرأ الشيخ أبو القاسم الدكالي والشيخ أبو سعيد عثمان اللمطي, والشيخ أبو مدين شعيب ثلاثتهم على الشيخ الجماعة عادم النظير, المستغني بالشهرة عن التشهير أبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن غازي العثماني المكناسي الأصل الفاسي الدار والقرار (توفي – رحمه الله – عام تسعة عشر وتسعمائة – بتقديم التاء فيهما) (919هـ).
- وهو – رحمه الله تعالى – أخذ عن شيوخ عدة, أقدم من طرقه الطريق الذي اختاره أبو العباس الفيلالي قال لكون الإسناد فيه بالإقراء, ولم تتخلله الإجازة الساذجة(4), ثم أتبعه ما يحسن إيراده من باقي طرقه.
__________
(1) - يعني أبا زيد المنجرة.
(2) - قوله " أطلق " إلى قوله" جزءا "وردت في " المحاذي" دون البرنامج.
(3) - تقدم عرض الكتاب باسم " إتقان الصنعة في التجويد للسبعة".
(4) - تقدمت الإشارة إلى هذا في إجازة أبي عبدالله البوعناني للشرقي.(1/418)
ثم ساق ابن عبدالسلام باقي السند كما تقدم في إجازة البوعناني للشرقي وإجازة علي بن هارون للملك الوطاسي وغيرهما, من طريق ابن غازي (ت 919هـ) عن أبي عبدالله محمد الصغير النيجي (887هـ), عن أبي العباس أحمد بن عبدالله بن محمد بن موسى الشهير بالفيلالي الفاسي الدار, عن أبي عبدالله محمد بن عبدالله السماتي الفخار الفاسي, عن الإمام أبي العباس أحمد بن علي الزواوي (ت 749هـ), عن الشيخ أبي الحسن علي بن سليمان بن أحمد الأنصاري القرطبي شيخ الجماعة بفاس (ت730هـ), عن الحافظ أبي جعفر أحمد بن ابراهيم بن الزبير الجياني (ت708هـ), عن أبي الوليد إسماعيل بن يحيى الأزدي الغرناطي العطار, عن القاضي أبي بكر محمد بن علي بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن حسنون الحميري (ت 604هـ), عن الشيخ أبي محمد عبدالله بن خلف بن بقي القيسي الأندلسي البياسي (ت بعد540هـ), عن الأستاذ الحافظ أبي محمد عبدالله بن عمر الشهير بابن العرجا إماممقام لخليل عليه السلام (بقي إلى حدود 500هـ), وقرأ على أبي العباس أحمد بن سعيد بن نفيس المصري الاطرابلسي الأصل – انتهى إليه علو الإسناد ورياسة الإقراء بوقته – (ت453هـ).
وفي إجازة العلامة ابن غازي وإجازات تلامذته أن أبا محمد الشهير بابن العرجا أخذ أيضا عن الإمام أبي معشر عبدالكريم بن عبدالصمد بن محمد بن علي الطبري مقرئ أهل مكة (ت 478هـ), ثم إنه في بعضها واسطة بينه وبين ابن نفيس, وفي بعضها أنه أخذ عنهما معا, ولم يذكر الذهبي قراءته على الطبري... (1).
__________
(1) - يريد في معرفة القراء 2/393 طبقة12, وقد ذكر ابن الجزري أخذه على كل من ابن نفيس والطبري معا – غاية النهاية 1/438ترجمة 1830.(1/419)
وقرأ ابن نفيس لورش عن نافع على أبي عدي عبدالعزيز بن علي بن محمد بن إسحاق بن الفرج المصري يعرف بابن الإمام مسند القراء في زمنه, (381هـ), وقرأ على أبي بكر عبدالله بن يوسف التجيبيي (ت307هـ), وقرأ على أبي يعقوب يوسف الأزرق (ت240هـ), وقرأ على عثمان بن سعيد ورش (ت197هـ), وقرأ على نافع (ت169).
إسناده العام الجامع بين الطريقين المغربية والمشرقية من طريق أبي زيد المنجرة عن أبيه نظما.
ولأبي عبد الله محمد بن عبدالسلام أرجوزة نظم فيها أسانيده في السبعة جمع فيها بين الطريقتين المغربية المتصلة بالمحور العام عبر طريق ابن غازي, والمشرقية عبر طريق الحافظ ابن الجزري أسوقها هنا مقتصرا منها على قراءة نافع بالسند إلى ابن نفيس عن أبي عدي صاحب ابن سيف صاحب الأزرق عن ورش, وهذا نص ما وفقت عليه من ذلك :
يقول راجي عفو خالق الأنام ... محمد الفاسي بن عابد السلام
حمدا لمنزل الكتاب بالشفا ... يزيح عن وجوه دينه الخفا
أنزله أعظم آية على ... أعظم مبعوث به إلى الملا
محمد مبيد دين الكفر ... صلى عليه الله طول العمر
إلى أن قال:
أخذت عن سيدنا الإمام ... العالم الدراكة الهمام
شيخ الجماعة بقطر فاس ... الحسني عاطر الأنفاس
الحافظ النحرير في الإتقان ... الألمعي عابد الرحمن
عن الرضا والده أبي العلا ... ثمت عن أبي الفدا شيخ الملا(1)
فالشبراملسي علي(2) ثم عن ... الحلبي(3) صاحب الهدي الحسن
__________
(1) - هو أبو العباس أحمد ابن الفقيه المصري الشافعي.
(2) 3 - في فهرس الفهارس 1/460 – 461 في ترجمة زيان العراقي الفاسي (ت1194) جاء السند عنده بقراءة سورة الفاتحة هكذا:" وقد أخذت الفاتحة عن شيخنا أبي زيد عبدالرحمن المنجرة عن أبيه عن شيخه إسماعيل المكي عن الشبراملسي عن الحلبي صاحب السيرة عن شمهروش الجني الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم".
(3) 2 - هو أبو الحسن علي الشبراملسي الضرير إمام مسجد المغاربة بالقاهرة, وبه زاره أبو سالم العياشي (ت1090) كما ذكره في رحلته 1/145.(1/420)
عن شمهروش(1) صاحب الرسول
عليهم أزكى من المسك سلام ... من ربنا ما ناح في غصن حمام
وعنه عن والده المفضال ... عن شيخه العالم ذي النوال
محمد بن القاسم البقري ... الشافعي المذهب المصري
عن اليماني عابد الرحمان ... شيخ شيوخ أهل هذا الشأن
عن الرضا والده شحاذة ... عن ناصر الطبلاوي ذي الإفادة
عن زكريا الأنصاري عن رضوان ... العقبي العالم الرباني
عن شيخه الحافظ شمس الدين ... الجزري العالم المكين
وعنه عن والده ليث الشرى ... شيخ الشيوخ وعماد من قرا
عن شيخه محمد الهواري ... السرغني مطفئ الأنوار
عن شيخ الإقراء ابن قاضي الرضا ... عن السجلماسي الحسام المنتضى
عن التلمساني المريي الحسني ... عن ابن ابراهيم ذي الهدي السني
ثم ابن قاض عن أبي محمد ... نجل ابن عاشر مبين الرشد
__________
(1) 4 - والرواية عنه عند المتأخرين من المحدثين كثيرة وينعتونه بقاضي الجن, وقد تبعهم القراء على ذلك كما أشار إلى ذلك الدكتور الحسن وكاك في كتابه " تقييد وقف القرءان الكريم" 103 بالهامش ناقلا إسناد الشيخ عبدالسلام المضغري في " تكميل المنافع" وقوله فيه:" والبقري عن سلطان مصرأخذا ... وشمهروش الجن شيخه وذا ... عنه عن الأمين جبريل
روى عن النبي سيد الأنام ... عليه من ربي صلاة وسلام.
قال :" وإدراج الجن في السند العلمي لم يكن معيبا عند قراء المغرب المتأخرين, بل كانوايفتخرون به كما حدثني بذلك الشيخ أحمد أبو عبيدة الفيلالي عن المقرئ ابن المبخوت الفيلالي أنه كان يقول مفتخرا بالقراءة الفيلالية على قراءة النواحي الأخرى من المغرب:" قراءتنا فيها رائحة الجنون, وقريبة من الرسول".
قلت : ذكر الكتاني في فهرس الفهارس الرواية عن شمهروش في1/460 ترجمة243 وكذا 2/674 ترجمة 352 وكذا 2/849 – 850, ويمكن الرجوع إلى قيمة السند الشمهروشي في كتاب " المثنوني والبتار" للشيخ أحمد بن الصديق الغماري 1/24. وللشيخ محمد بن عبدالسلام مؤلف في إثبات صحبة شمهروش الجني ذكره صاحب فهرس الفهارس في ترجمته في فهرس الفهارس 2/849.(1/421)
عن أحمد اللمطي عن أبيه ... عثمان يا لذلك من نبيه
وعنه عن والده الشريف ... عن شيخه العلامة الغطريف
البوعناني الحسني عن أبيه ... عن أحمد نجل شعيب النبيه
عن شيخه والده شعيب ... عن ابن غازي ذي نقاء الجيب
وأخذ اللمطي والدكالي(1) ... عن ابن غازي ذي الجناب العالي
فالسند العالي المقدم اتصل ... بسيد الرسل فتم وكمل
وطرق الشرق كثيرة العدد ... كطرق للغرب فاترك اللدد
إذ المراد الاتصال بالرسول ... فلمعة منها كفاء, فأقول:
حسبما قد اصطفى الفيلالي(2) ... لكون الإقرا فيه باتصال
قد أخذ الشيخ ابن غازي الرضا ... عن الصغير الهمام المرتضى
عن الفيلالي عن الفخار ... عن الزواوي(3) فقل للقاري
ثمت عن نجل سليمان اعلم ... فابن الزبير المرتضى المقدم
ثم عن العطار قل فعن أبي ... بكر بن حسنون فحقق مذهبي
فابن بقي عابد الاله ... ثمت عبدالله(4) قل للاهي
فالطبري(5) وأبي العباس ... ابن نفيس عاطر الأنفاس
فابن نفيس آخذ للمصري(6) ... عن الرضا أبي عدي فادر
وعن أبي نصرهم فالفرضي ... فنجل بويان لقالون يضي
ثم تتبع باقي السبعة فرفع السند من ابن نفيس إلى كل واحد منهم حسب روايته ورفع الأسانيد ملة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال:
وقد مضى ارتباطهم بالمصطفى ... ثم الأمين جبرئيل ذي الوفا
وهو عن المولى العظيم أخذه ... تلقيا منه فحقق مأخذه
وقيل عن لوح البقاء والقدم ... ثم عن القلم عن مسدي النعم
وقيل عن ميكال ثمت عني ... اللوح فالقلم فالمولى الغني
__________
(1) - هو أبو القاسم بن محمد بن ابراهيم كبير أصحاب ابن غازي المذكور في السند فبل.
(2) - هو أحمد بن محمد بن موسى أحد أستاذي الصغير, وقد تقدم ذكر اختياره لهذا السند لاتصاله بالقراءة.
(3) - أبو العباس أحمد بن علي الزواوي المتوفى غريقا في نكبة الجيش المغربي بسواحل بحاية سنة 749 كما تقدم.
(4) - هو ابن عمر بن العرجا القيرواني إمام الحرم المكي كما تقدم.
(5) - هو أبو معشر عبدالكريم بن عبدالصمد الطبري مقرئ الحرم المكي وصاحب كتاب " سوق العروس" وغيره.
(6) - المراد ورش.(1/422)
وقيل عن جبريل عن ميكالا ... عن ربنا سبحانه تعالى
كما يليق بالجناب العالي ... سبحانه من منعم موالي(1).
وقد وقفت في بعض الخزائن الخاصة على أسانيد الشيخ ابن عبدالسلام من نظم بعض أصحابه اقتصر فيها على المحور العام الذي يخص قراءة نافع عند المغاربة من روايتي ورش وقالون رأيت أن أختم به هذه الأسانيد لجمال صياغته, وفيه بتر بين ادريس المنجرة والشريف المريي أكملته من أرجوزة ابن عبدالسلام السابقة وهذا نص ما وقفت عليه مع الإصلاح المذكور بعد البيت التاسع.
سند الشيخ ابن عبدالسلام في قراءة نافع لبعض أصحابه:
الحمد لله الذي قد يسرا ... حفظ القرءان بالشيوخ الامرا
ثم الصلاة والسلام سرمدا ... على نبيه الرسول أحمدا
وآله وصحبه الكرام ... ومن يليهم على الدوام
وبعد فالقصد بهذا النظم ... ذكر شيوخ مهروا في العلم
وجاهدوا وخدموا القرءانا ... وأتقنوا أحكامه إتقانا
فمنهم سندنا للشيخ ... الفاسي, وهو من ذوي الرسوخ
محمد بن عابد السلام ... أخذ عن أئمة أعلام
عن شيخه المنجرة الشريف ... أي عابد الرحمن ذي التصنيف
عن شيخه والده ادريس ... عرف بالتأليف والتدريس
عن شيخه محمد الهواري ... السرغني مطفئ الأنوار
عن شيخ الإقراء ابن قاض الرضا ... عن السجلماسي الحسام المنتضى(2)
عن شيخه العدل خطيب فاس ... العالم المقدس النبراس
محمد بن أحمد الشريف ... المريي عن شيخه الغطريف
الحافظ الدكالي بحر العلم ... وهو محمد بن ابراهيم
عن شيخه شيخ الجماعة الهمام ... محمد بن أحمد الغازي الإمام
__________
(1) - السند المنظوم بتمامه في مجموع بالخزانة العامة بالرباط برقم 3443 من ص 300 إلى 312. وعلى أكثر رجال السند فيه تعاليق تعرف بالمراد بهم.
(2) - البيتان من قوله " عن شيخه محمد الهواري... إلى قوله " الحسام المنتضى" هما مما أضفته كما ذكرت أعلاه لإتمام النقص الملحوظ بين ادريس المنجرة والمريي, ولم يرد مع النص تنبيه على هذا الانقطاع الذي يمكن ملاحظته بسهولة بالمقارنة بين السند المذكور وما تقدمه من أسانيد وإجازات.(1/423)
أعني الذي اشتهر بابن غازي ... من آل عثمان على امتياز
عن شيخه الشهير بالصغير ... عن شيخه الأستاذ ذي التحرير
أعني أبا العباس أحمد الشهير ... لديهم بالفيلالي عادم النظير
عن شيخه الإمام أبي محمد ... عرف بالفخار نعم المقتدي
عن شيخه الحافظ نعم الراوي ... أي أحمد بن علي الزواوي
عن شيخه علي الأنصاري ... ابن سليمان الفاسي الدار
عن شيخه الحجة يدعى بأبي ... جعفر أحمد الزبيري النسب
عن شيخه أبي الوليد الأزدي ... إسماعيل العطار خدن الحمد
عن شيخه القاضي ابن حسنون الخطيب ... محمد نجل علي النجيب
عن شيخه أستاذه الرئيس ... محمد نجل بقي القيسي
عن شيخه عبدالإله بن عمر ... عرف بابن العرجا فضله اشتهر
كان يؤم الناس في المقام ... مقام ابراهيم في الحرام
عن شيخه نجل سعيد احمدا ... ابن نفيس المصري نعم المقتدى
له انتهت رياسة الإقراء ... في وقته في الحفظ والإملاء
عن شيخه ابن الفرج المصري ... عبدالعزيز بن أبي عدي
عن شيخه ابن يوسف التجيبي ... رئيس أهل مصر في التدريب
وهوأبو بكر بن عبدالله ... ثم ابن مالك بن عبد الله
عن شيخه نجل يسار الأزرق ... أي أبي يعقوب العليم الأسبق
عن شيخه رئيس أهل مصرا ... عثمان ورشنا إمام القرا
عن شيخه أبي نعيم نافع ... المدني المقري بلا منازع
أخذ عن شيوخه السبعينا ... عرفوا من خيار التابعينا
كان يؤم القوم بالمدينة ... بمسجد الرسول صان دينه
صلى بها إماما ستين سنة ... فيالها من خصلة مستحسنة
فمالك ونافع كل قرا ... بها على صاحبه فافتخرا
فمالك قد حفظ القرءانا ... عن نافع, ونافع أتانا
بأنه قرا موطا مالك ... عن مالك فأوضح المسالك
قرأ نافع على سبعينا ... وسمى منهم خمسة تبيينا
وهم أبو جعفر قل يزيد ... وهو ابن القعقاع كما تريد
والثاني منهم عابد الرحمن ... وهو ابن هرمز عظيم الشان
ثالثهم يزيد نجل رومان ... وشيبة بن نصاح بالتبيان
خامسهم مسلم ابن جندب ... التابعي الهذلي النسب
وزادوا سادسا يسمى صالحا ... وهو ابن خوات أتاك واضحا
وأخذوا عن أبي بن كعب ... مع أبي هريرة الصحابي
كذا ابن عباس, وكلهم قرا ... على النبي المصطفى خيرالورى(1/424)
وقيل عن زيد بن ثابت روى ... جميعهم, وبعضهم عنه حوى
ثم رسول الله عن جبرائيل ... سمعه وهو عن ميكائيل
وهو عن الله كما يليق به ... سبحان ذي الجلال فافهم وانتبه
وقيل جبريل عن اللوح أخذ ... واللوح عن قلم ربنا اتخذ
تعالى عن لوح وعن أقلام ... جلت صفات الله ذي الإكرام
ثم عن المولى العليم الأعلى ... كما يليق بالعزيز جلا
قد انتهى سند ورش ويليه ... سند قالون فخذ ما جاء فيه
سند قالون على التأسيس ... منه انتهى إلى أبي نفيس
ثم ساق السند من ابن نفيس إلى قالون عن نافع في خمسة أبيات وقال:
فهذه سلسلة من ذهب ... مثل نجوم ظهرت في غيهب
تضمنت بعض شيوخ المغرب ... ما مثلهم في عجم وعرب
كانوا اعتنوا بخدمة القرءان ... يرجون منه رحمة الرحمن
جزاهم الإله أحسن الجزا ... فازوا برضوانه وعدا منجزا
فاحشرنا معهم يا إله العالمين ... في زمرة الرسول أحمد الأمين
صلى عليه ربنا وسلما ... وآله وصحبه وعظما
وعدد الأبيات حرف " زلل" ... يمحوه من فضله ربنا العلي
نظمها العبيد عبد ربه ... محمد (1) يرجو محاق ذنبه
تلك أسانيد الشيخ ابن عبدالسلام في رواية ورش متصلة بالمحور العام الذي اختار المتأخرون اعتماده في إسناد القراءات السبع على العموم وقراءة نافع على الخصوص, ورواية ورش من طريق الأزرق على الأخص.
__________
(1) - هذا كل ما نعرفه عن ناظم الأرجوزة, وقد جاء في التصدير لها قوله : لبعض أصحاب الشيخ محمد بن عبد السلام. وقد وقفت عليها عند صاحبنا المقرئ الحافظ السيد الطاهر بن الحاج مبارك العبدي العشراوي نسبة إلى العشر " لأنه متقن للعشرين الكبير والصغير, نفلا عن نسخة شيخه المقرئ المعمر الشيخ علال القاسمي شيخ القراءات بمدرسة سيدي الزوين بحوز مراكش من أصحاب الشيخ ابراهيم الماسي المتصدر بآيت ورير قديما.(1/425)
وقد تتبعناه في مساره المنحدر والصاعد من نافع وإليه عبر مشيخة الإقراء في المدرسة المغربية حسب التسلسل الذي اختاره الأئمة وصفوا الشعب التي تشبعت منه كما وصفنا، وأهمها الشعبتان المعتمدتان من طريقي أبي عمرو الداني وأبي محمد بن العرجا كلاهما عن المشيخة المصرية باتصال السند إلى ورش عن نافع.
وإذا كان قد قيل:" لكل دين فرسان, وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد"(1) فلعلنا الآن قد تعرفنا بما فيه الكفاية على فرسان هذه الحلبة التي تبارت في ميادين الإقراء في المدرسة المغربية خلال عشرة قرون من دخول رواية ورش إلى هذه الأقطار, وصحبناهم في حلقاتهم ومؤلفاتهم ومدارسهم واختياراتهم, ورأبنا من الصدوع ما أمكن رأبه مما أحدثه الإهمال, وتسبب فيه تباعد القرون وتعاقب الأجيال حتى استوت الصورة أقرب ما تكون إلى التناسق والكمال.
فروع مدرسة الشيخ ابن عبد السلام
__________
(1) - هو ليزيد بن زريع من أهل البصرة مات سنة اثنتين أو ثلاث وثمانين ومائة كما في مشاهير علماء الأمصار لابن حبان البستي 162 ترجمة 1280. والقول المذكور أسنده أبو زكريا السراج في أول فهرسته من طرق عن أبي الحسن بن سليمان شيخ الجماعة بفاس عن أبي علي بن أبي الأحوص وذكر السند إلى ابن زريع – فهرسة السراج 1/ لوحة 13.(1/426)
أما الآن فنحاول في عجالة أن نتمثل بعض ما تفرع من المسالك من هذه المدرسة عبر ما وقفنا عليه من إشارات هنا وهناك تساعدنا على وصل طرق المتأخرين والمعاصرين بتلك الأصول التي رسمنا هيكلها العام بعد أن انقطعت الطرق وانبهت المعالم بوجه عام, وبلغ الأمر في الجهالة بذلك مداه, فتجاوز المستوى الذي تحدث عنه الشيخ ابن غازي في أواخر المائة التاسعة يوم كتب " التعلل برسوم الإسناد, بعد انتقال أهل المنزل والناد", إلى المستوى الذي تحدث عنه الشيخ ابن عبدالسلام في أواخر المائة الثانية عشرة في قوله الآنف الذكر:" إلا أنه لم تكن لأهل المغرب, وخاصة في هذا الزمن, عناية به, ميلا منهم عن سبيله إلى الاعتناء بالرواية, حتى لا يعلم الآخذ منهم إلا معلمه دنية, وإن طولب بأعلى منه عجز عن الوصول إليه بلا مرية".(1/427)
ولقد سألت في كل جهة من جهات المغرب خلال هذه العشر من السنوات التي استغرقها مني إنجاز هذا البحث عددا كبيرا من المذكورين بالمعرفة في هذا العلم "علم القراءات" من أهل السبع والعشر، فما وجدت أحدا يتجاوز لي في تسمية أشياخه أكثر من شيخ أو شيخين من أهل القرن الماضي, ولا وقفت على أحد كتب لأحد قرأ عليه شيئا من القراءة أجازه به سمى له فيه من قرأ عليه, بل ولا وقع لأحد من القراء في بال أن يطالب أحدا من المشايخ بذلك, ومضى على ذلك الناس حتى تنوسي السند وضاع, وخاصة بعد وقوع الفصام النكد بين علوم العربية وعلوم القراءة فأصبح هؤلاء في واد والآخرون في آخر كما عبر عن ذلك العلامة محمد المختار السوسي في قوله – وهو يتحدث عن أهل جهته: -" كان هذا الفن معتنى به قبل الأجيال الأخيرة اعتناء كثيرا, وكان غالب العلماء ملمين به أو متقنيه, ثم تناقص ذلك حتى كان في جهة, وأرباب العلم والفهم في جهة أخرى, فتحسب مئات من العلماء قلما تجد منهم من يتقنه(1)
__________
(1) - ما ذكره العلامة السوسي يزكيه واقع الحال اليوم أكثر, وقبل اليوم في أكثر القرن الماضي بعد منتصف القرن الرابع عشر, ولقد نظرت في كتاب " إسعاف الإخوان الراغبين بتراجم ثلة من علماء المغرب المعاصرين " للشيخ محمد بن الفاطمي السلمي الشهير بابن الحاج" والذي اشتمل على تراجم 100عالم من علماء المغرب في القرن الرابع عشرالماضي فما وجدت فيهم أحدا يذكر له منزلة معدودة في القراءة, والمذكورون بشيء من معارفها منهم معدودون على رؤوس الأصابع, هذا وأكثرهم من أساتذة القرويين وابن يوسف وهما أكبر مؤسستين علميتين في البلاد..(1/428)
, كما تحسب عشرات من متقنيه ثم لا تراهم إلا من حفظة القرءان فقط, بلا علم ولا فهم, وهذا هو السبب حتى تناقصت أهميته شيئا فشيئا بعد ما كان في الأوج, وبعد ما كان له في " سوس" شأن يرتحل إلى أخذه عن أساتذته, مثلما فعل ابن عبدالسلام الفاسي في آخر القرن الثاني عشر, فينزل في "آيت صواب", فيفيد الفنون العلمية التي عنده, ويأخذ هذا الفن(1), ذلك ما كان أمس وأما اليوم فقد دخل هذا الفن في خبر "كان", ولم يبق من أربابه إلا الأقلون هم هامة اليوم أو الغد"(2).
وهكذا ضاع وربما إلى الأبد هذا الرباط الشريف الذي ظل المغاربة يتصلون من خلاله بمشكاة النبوة بالأخذ والتلقين كابرا عن كابر من طرق أعلام القراءة المحررين لها الضابطين لأسانيدها وطرقها, إلا ملامح باهتة يمكن للباحث أن يترصدها بصعوبة بالغة هنا وهناك لدى بعض المسنين من القراء أو في بعض الفهارس ما زال يمكن إلى الآن وصل حلقاتها بآخر من انتهت إليه الإمامة في المدرسة المغربية الشيخ محمد بن عبدالسلام, وخاصة في الجنوب المغربي عند الآخذين عن مشيخة الحوز المراكشي والآخذين عنهم, مع إهمالهم هم هذا وعجزهم التام عن وصله بأصوله التي يمكن شده إليها.
وهذه طائفة من الإشارات يمكن من خلالها تمثل مجموعة من الطرق التي قرئ بها خلال المائة الثالثة عشرة, وبعضها ما يزال يمكن ضبطه ووصل رجاله بالمحور العام للأسانيد الماضية من طريق الشيخ ابن عبدالسلام إلى اليوم.
نماذج من أمهات الطرق عن الشيخ ابن عبدالسلام في مختلف الجهات من المغرب
__________
(1) - ذكر ههنا الشيخ محمد المختار السوسي أن ثقة أخبره أنه رأى "كتاب الجعبري في القراءات" بخط ابن عبدالسلام هذا كتبه حين كان في سوس " – سوس العالمة هامش ص 33.
(2) - سوس العالمة 33.(1/429)
لا نستطيع في هذه العجالة أن نترصد جميع الطرق التي انتشرت منها الرواية عن الإمام أبي عبدالله ابن عبدالسلام في فاس وسائر جهات المغرب, ولذلك فسنكتفي بأمثلة من تلك الطرق نختارها من مختلف الجهات بقصد التمثيل لا بقصد الحصر, وذلك لكثرة من أخذوا عنه وتوزعهم على مختلف الحواضر والجهات التي أقام بها وتجول فيها, إذ أن الأسانيد عنه في فاس ومكناس وتطوان والقصر الكبير وغيرها من مدن الشمال المغربي وبواديه, وهي أيضا مستفيضة في سوس وحوز مراكش والصويرة وقبائل الشياظمة وحاحة وعبدة وما إليها من القبائل المجاورة.
وقد أشار صاحب السلوة إلى سعة الأخذ عنه وكثرة الآخذين وتوزعهم في المشارب والبلدان, وذلك في قوله:"والناس في الأخذ عنه أربعة أصناف: صنف أخذوا عنه قراءة القرءان بمجرد المدارسة والسماع فقط, وصنف أخذوا عنه بالروايات مع تحقيق أحكامها في مجالس الدرس, وهؤلاء لا ينحصرون بالعد, ولا يوقف لهم على حد, وصنف أخذوا عنه ما سوى القراءات وأحكامها من أنواع العلوم كالشيخ سيدي عبدالقادر بن شقرون, والشيخ سيدي محمد بن أحمد بنيس, والشيخ سيدي علي بن أويس الحصني, والأخوين سيدي العربي وسيدي عبدالسلام, ابني الولي الصالح سيدي المعطي بن الصالح الشرقي المعمري.
- وصنف أخذوا عنه كلا من القراءة وأحكامها وغير ذلك من العلوم, وهم كثيرون.
- ومنهم السلطان مولانا سليمان بن محمد العلوي(1)
__________
(1) - هو السلطان المولى سليمان بن محمد بن عبدالله بن إسماعيل الحسني العلوي السجلماسي المتوفى بمراكش (1238هـ) ولي الأمر سنة 1206هـ, وكان من العلماء المشهود لهم, قرأ القرءان على أبي محمد عبدالوهاب أجانا ثم أخذ علوم القراءة عن ابن عبدالسلام كما جاء في قوله:
أول من علمني القرءانا ... ... والرسم عبدالوهاب أجانا
وسندي في الضبط والروايات ... ... عن الفاسي عن شيخه بحر الفرات
عابد الرحمن الشريف المنجرة ... ... عن والد : ادريس رسم العشرة.(1/430)
, وسيدي محمد بن قاسم العيدوني(1), وسيدي محمد بن علي اللجائي(2) وغيرهم"(3).
ونظرا لكثرة الآخذين عنه من هذه الأصناف الأربعة فقد اخترنا أن نقوم باستعراض بعض طرقهم ممن عرفت لهم مؤلفات أو كان لهم ذكر سائر وأثر بارز في تلك الجهات, وهذه نماذج منهم, نستهلها ببعض الطرق المشهورة عنه بفاس.
1- طريق أبي العلاء ادريس بن عبدالله بن عبدالقادر بن أحمد بن عيسى الودغيري الملقب بالبكراوي
وصفه الكتاني في السلوة بقوله: "الشريف الجليل العالم العلامة الأصيل الأستاذ المشارك الأجل البركة النحرير, الأفضل إمام المقرئين وخاتمة المحققين", ثم ذكر نسبه المتصل بالمولى ادريس باني فاس وقال:
" كان ـ رحمه الله ـ حامل راية القراء في وقته, إليه المرجع في علوم القراءات كلها, عارف بالتجويد, لا يضاهيه فيه أحد في وقته, حسن الصوت كثير التلاوة متفننا في علوم شتى, من فقه ولغة ونحو غير ذلك.
أخذ علم القراءات عن الشيخ محمد بن عبدالسلام الفاسي عن سيدي عبدالرحمن المنجرة, عن والده سيدي ادريس, وأخذ غيره من العلوم عن الشيخ سيدي الطيب بن كيران وسيدي حمدون بن الحاج وغيرهما.
مؤلفاته: "وألف تآليف في علم القراءات وغيره, منها:
__________
(1) - هو محمد بن قاسم العيدوني الخمسي, له قصيدة في مراتب المد.
(2) - ذكرناه في أصحاب أبي زيد المنجرة.
(3) - سلوة الأنفاس 2/318-319.(1/431)
- حاشية على الجعبري ـ وشرح دالية الفقيه العلامة سيدي محمد بن مبارك السجلماسي الفاسي في تخفيف الهمز لحمزة وهشام – والتوضيح والبيان في مقرأ نافع المدني ابن عبدالرحمن(1)... وذكر له مجموعة أخرى من الكتب وقال: وأخبرني ولده شيخنا الفقيه العلامة البركة أبو محمد سيدي عبدالله أن تآليفه تبلغ ثمانية عشر تأليفا".
"وكان ـ رحمه الله ـ خطيبا فصيحا بليغا, خطب أولا بالسلطان مولانا سليمان بفاس العليا ثم بمسجد الرصيف, ثم بمسجد القرويين في أول خلافة مولانا عبدالرحمن, ثم تأخر عن ذلك في رجب عام 1247هـ, وتوفي بعد صلاة العشاء من ليلة الأربعاء 16 محرم فاتح سنة سبع أو ثمان وخمسين ومائتين وألف". قال :
"وقد ختم به فن القراءات فلم يوجد بعده بفاس من يقوم فيه قيامه"(2).
قلت: وكأن الشيخ – رحمه الله – كان يستشعر هذه الحقيقة المؤسفة, وذلك في الحوار الذي دار بينه وبين صاحبه الشيخ أبي العباس أحمد بن عبدالمومن الغماري (ت1262هـ), وذلك بعد أن باتا ليلة ساهرة يتجاذبان أطراف الحديث مذاكرة ومحاورة في قضايا هذا العلم ومسائله الشائكة, وبعد أن خاضا في كل فن من فنونه قال الشيخ أبو العلاء ادريس بأسى ظاهر:
"ما كنت أظن أنه بقي من يذاكرني في هذا الفن, فإذا مت أنا وأنت انقطع من يتقنه"! فرد الطالب بكل ثقة : لا تقل يا سيدي هذا فإن فضل الله لا ينقطع"(3).
__________
(1) - كتاب مشهور هو من مصادرنا في هذا البحث, طبع قديما على الحجر بفاس ولم يعد طبعه حتى الآن, وقد قام بكتابة حاشية عليه كل من الشيخ محمد بن عبدالمجيد أقصبي (ت 1364هـ) باسم " تحفة المنان على التوضيح والبيان" (مخطوط بالخزانة الحسنية بالرباط رقم 7037) , والشيخ أبي العباس أحمد بن الخياط الزكاري.
(2) - سلوة الأنفاس 2/343 – 345.
(3) - نقله الأستاذ سعيد أعراب في القراء والقراءات بالمغرب 157 ولكنه لم يذكرمصدره.(1/432)
وقد أخذ عن الشيخ أبي العلاء البكراوي جمهور من القراء والعلماء, منهم ولداه أبو عبد الله محمد بن ادريس, وأبو محمد سيدي أبو النصر(1), ومنهم محمد بوطربوش, ذكره الكتاني في السلوة وذكر قراءته للقرءان على مولاي ادريس البكراوي الحسني, قال:"وكان للبكراوي مجلس لإسماع تلاوة القرءان بظهر الصومعة من مسجد القرويين"(2), ومنهم الأستاذ أبو حامد العربي بوعياد الفاسي أحد شيوخ مشايخ الكتاني صاحب فهرس الفهارس أسند من طريقه عن ابن عبدالسلام(3).
2- طريق مكناسية: طريق بصري محمد (فتحا") بن محمد بن محمد بن عبدالرحمن بن عبدالله بن عمر من بيت أبي موسى عمران البصري جد هذه الأسرة المكناسي.
اشتهر أهل هذا البيت بالقراءة منذ قرون, وقد رأينا إجازة الشيخ أبي العباس الحباك صاحب ابن غازي, لأحد أعلامه, أما مترجمنا هذا فقد جاء في آخر المطاف فكان خاتمة رجال هذا البيت, ولهذا قال فيه صاحب "الإتحاف": وقد أضاعه قومه خصوصا, وأهل بلده عموما, وأي فتى أضاعوا,فلم أر من يعرفه من أقاربه وبني جلدته, فضلا عمن يعتني بالأخذ والرواية عنه أو بشيء من آثاره وأخباره. ثم قال :
"وهذا البيت البصري قد أفلت اليوم شموسه وأقماره, ولم يبق فيه أحد ممن يذكر بعلم أو فهم, على ما سلف فيه من الأئمة والأعلام والأولياء الأخيار"(4).
وقد وصفه ابن زيدان وأفاض في ذكر محاسنه بما يحسن أن ننقله هنا لأهميته فقال:
__________
(1) - ذكرهما الكتاني في السلوة 1/175 ووصفهما بالفقيهين العالمين النبيهين المدرسين النبيلين.
(2) - ترجمته في السلوة 1/327.
(3) - فهرس الفهارس 2/849-850.
(4) - إتحاف أعلام الناس لابن زيدان 4/159.(1/433)
"حاله: فخر مكناس وواسطة عقد أفراده السراة الأعلام, راوية رحال علامة أثري محدث مسند مقرئ حافظ, لافظ, جماع مؤرخ حجة فاضل جليل نبيل أصيل مدرس نافع, له مشاركة تامة وقدم راسخ في العلم والدين والجلالة.... رحل إلى فاس وقضى بها زمنا في الأخذ عن أئمتها الأعلام, إلى أن ملأ من المعلومات الجراب, وأقر له بالتفوق في سائر الفنون صدور الشيوخ, ثم رحل إلى المشرق وزار, ولقي الأخيار, ودخل مصر وغيرها من الأقطار, واستفاد وأفاد, وكانت رحلته للحج سنة 1203هـ حسبما ذكر ذلك عن نفسه لدى إيراده الحديث المسلسل بالضيافة.
مشيخته ومروياته :"أخذ عن والده العلامة الزاهد محمد ابن العلامة محمد ابن الإمام الخير الألمعي عبدالرحمن البصري السابق الترجمة, قرأ عليه بعضا من " الرسالة" و"الألفية" و"المختصر" و"المرشد" و"الأجرومية" مرارا, وسلكات من سور القرءان... ثم سمى صاحب الإتحاف عددا كبيرا من شيوخه نخص منهم ممن يهمنا:
العلامة المقرئ السيد مبارك الشيظمي, قرأ عليه القرءان العظيم مرات متعددة بما يحتاج إليه من رسم وضبط وغيرهما.
أما مروياته فقد أخذ رواية ورش عن شيخه الشيظمي, وهو – أي الشيظمي – عن الأستاذين : علي الخراز والسيد التهامي ابن الحاج أحمد بن موسى بارة المتوفى سنة (1173هـ) كلاهما عن سيدي ادريس المنجرة.
- وأخذها أيضا عن محمد بن عبدالسلام الفاسي عن عبدالرحمن المنجرة, عن والده ادريس المنجرة, عن أبي عبدالله محمد السرغيني الشهير بالهواري, عن عبد الرحمن بن أبي القاسم بن القاضي.
- وأخذها أيضا عن شيخه : الأمير المصري والشيخ مرتضى الزبيدي.
وأخذ عن السيد مبارك الشيظمي أيضا بالأسانيد المذكورة والشيخ مرتضى والأمير رواية قالون والبزي وقنبل والسوسي وهشام وابن ذكوان وشعبة وحفص وخلاد والدوري وأبي الحارث.
وأخذ عن الأمير والشيخ مرتضى الزبيدي رواية ابن جماز وابن وردان وروح ورويس والوراق وادريس وخلف.(1/434)
أشار بقوله "الأمير" إلى ما تقدم في سنده من ذكره, والمراد به الشيخ محمد بن عبدالقادر الأمير"(1).
قال ابن زيدان: "وهذه الروايات وغيرها مقتبسة مما ذكره في فهرسته المسماة بـ"إتحاف أهل الهداية والتوفيق والسداد" قال :
"وأما مصنفات علوم القراءات فروى منها مؤلفات الشاطبي و " التيسير" وشرحه(2) و"نظم الفريد"(3) وتهذيب الغافقي(4) ومؤلفات الصفار وأبي الحسن بن سليمان والجعبري وتعريف السهيلي في المبهمات ومقنع الداني ومقنع ابن الكماد(5) ومختصر ابن البقال(6) وتكملة القيجاطي, والحصرية والخاقانية والبارع(7).
روى ذلك عن شيوخه : ابن عبدالسلام الفاسي والشيظمي وغيرهما.
وروى في علم الرسم والضبط تآليف الخراز وابن نجاح وابن عاشر وابن بري وشرح الخراز للتنسي والوجيز على الدرر لابن مسلم", فرغ من كتابة ثبته المذكور عام 1206هـ"(8).
__________
(1) - المصدر نفسه 4/149-151.
(2) - يعني الدر النثير " لابن أبي السداد المالقي.
(3) - هو كتاب نظم الفريد في أحكام التجويد, تقدم ذكره وهو لأبي العباس أحمد بن محمد الحسني السبتي, من مرويات ابن غازي في فهرسته من طريق ابن مسلم عن مؤلفه – فهرسة ابن غازي 100.
(4) - هو كتاب في قراءة نافع تقدم ذكره لأبي إسحاق ابراهيم بن أحمد الغافقي ثم السبتي واسمه " تهذيب الاعتماد في اتباع سبل الرشاد" – من مرويات ابن غازي في فهرسته 101.
(5) - تقدم أنه مختصر لكتاب المقنع للداني.
(6) - هو أيضا مختصر للمقنع كما تقدم وكلاهما من مرويات ابن غازي في فهرسته98.
(7) - رجز لابن آجروم في قراءة نافع كما تقدم.
(8) - الإتحاف 4/158-159.(1/435)
وقد وصف الشيخ الكتاني هذا الثبت فقال: "له ثبت كبير في نحو أربعين كراسة ليس في فهارس المغاربة أكبر منه سماه " إتحاف أهل العناية والتوفيق والسداد, بما يهمهم من فضل العلم وآدابه والتلقين وطرق الإسناد " قال: "ومن أسانيده فيه إسناده في القراءات, وذكر أنه يروي علم القراءات عن الأستاذ أبي عبدالله المبارك بن سالم الشيظمي المتوفى سنة 1192(1) عن الأستاذين علي بن الخراز والمهدي بن أحمد بن موسى بارا كلاهما عن أبي العلاء المنجرة, وعن شيخه ابن عبدالسلام الفاسي عن أبي زيد المنجرة بأسانيدهم"(2).
... وقد ساق صاحب الاتحاف فقرة من أول الثبت المذكور لخص فيها ما تضمنته فقال:
"رأيت هذا الأمر علي أكيد, إذ قطعت على أخذ العلم دراية ورواية بعض مشارق الأرض ومغاربها برها وبحرها بريدا في بريد, ومع ذلك تخاطب بلسان حالها "هل امتلأت"؟ وأقول :" أما من الخيرات فلا نقنع بل هل من مزيد؟" قال ابن زيدان:
" ذكر فيه أسانيده أولا ثم أوائل كتب الحديث, وختمه بأبواب وفصول في فضل العلم وآداب الطلب وما يتعلق بذلك من الفوائد, مع ذكر الشيوخ الذين أخذ عنهم بالقراءة أو الإجازة, وثبته هذا بخطه في أصله بمكتبتنا, ومنه انتسخت بعض النسخ لبعض أصدقائنا," (3).
ولم يذكر ابن زيدان ولا الكتاني أحدا ممن أخذوا عن هذا الشيخ مع جلالة قدره ورسوخ قدمه في القراءة وما يرتبط بها من علوم ومعارف وفي علوم الرواية عامة, وحسبنا منه نحن أنه كان أحد الطرق بمكناس عن ابن عبدالسلام.
3- طرق شمالية عن المنجرة وابن عبد السلام:
1- طريق أبي علي الحسن بن محمد بوزيد الخمسي ـ من قبيلة الأخماس على مراحل من شفشاون بالشمال المغربي.
__________
(1) - فهرس الفهارس للكتاني 1/232 ترجمة 84.
(2) - فهرس الفهارس للكتاني 1/232 ترجمة 84.
(3) - الإتحاف 4/158.(1/436)
أخذ القراءات عن عدد من شيوخ الجبل في مقدمتهم الشيخ أبو الحسن علي بن علي الحساني العمراني, من قبيلة بني حسان على نحو 30 كلم من مدينة تطوان المغربية, وهو من فحول القراءة الذين أسهموا في نهضتها في هذه الجهات, وله فيها مؤلفات منها قصيدة لامية في تخفيف الهمز لحمزة وهشام سماها " التقريب والتكميل" ضمنها خلاصة "تقريب الكلام" لأبي العلاء المنجرة وذيل أبي زيد ولده عليه, وتقع القصيدة في 71 بيتا.
وله عليها شرح, ومنها رجز في تصدير أبي عمرو بن العلاء البصري, ونظم ما للبزي من وجوه في التكبير, وأرجوزة في اتفاق الرواة واختلافهم في السكون والوقف في 20 بيتا, وجواب عن سؤال كتبه إليه نظما تلميذه الفقيه المقرئ أبو محمد بن عبد السلام الريفي في قراءة من قرأ "اللذين" في قوله تعالى "وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين" بتشديد النون لابن كثير المكي(1).
ثم أخذ أبو علي الخمسي أيضا عن أبي عبدالله محمد بن عبدالسلام الفاسي وأتم عليه دراسته في القراءات وتحقق من علم التجويد. يقول في صحبته لابن عبدالسلام.
__________
(1) - أول السؤال المنظوم قوله:
جوابك في نون " اللذين" وبابه ... ... لمن قرا بالتشديد ما وجه من تلا؟
فهل رام بالتضعيف توكيد لفظه ... ... أو تعويض محذوف لذلك أثقلا؟
وما النون هل هو المثنى أو الذي ... ... من الحذف أبدلوه قصدا تمثلا إلخ
وجاء في الجواب قوله: "بلغني سؤالكم البديع, ونظمكم الرفيع, لكنكم كلفتم بجوابه غيرالمستطيع, وقد أبرزت دلوك تلتمس سائغا, وصادفت مني قلبا فارغا فالعلم ثلاث آية محكمة, وسنة متبعة, وثالثها قول المجيب: لا أدري, وليس عندي إلا الثالثة, ولكن إن قنعت بالشيء التافه, فلا أبخل عليك به" – يمكن الرجوع إلى نص السؤال المنظوم وهذه المعلومات في " القراء والقراءات بالمغرب " للأستاذ سعيد أعراب 132-133 ولم يذكر مصادره على عادته في هذه المعلومات.(1/437)
" ولتعلم أنى ما حدثت بـ" البدور العشرة" حتى ختمت القرءان بجميعها نحوا من ستين ختمة وافية كاملة عرضا ودرسا... وكنت لا أصاحب وقت طلبها إلا من انتهت إليه في تحقيقها الرياسة الشامخة, وانقطعت دونه أسباب كل من يسايره في علومها, ومع شأني هذا كانت لي في إخراج الضاد لكنة, حتى من علي واقي العباد من العناد, بصحبة من لا يزال فؤادي بلوعة شوقه يقاسي, شيخي وأبي الروحي محمد بن عبدالسلام الفاسي, فسمعني تجويده بحسن نطقه وكريم لفظه".
وقد ألف في القراءة وعلومها, ومن مؤلفاته:
1- تحفة ذوي الألباب من القراء والكتاب", وهو تأليف في التجويد كتبه بالقنادسية سنة 1203هـ.
2- روضة المقام في وقف حمزة وهشام على الهمز, فرغ منه عام 1201.
وللمترجم أخ شاركه في الأخذ عن ابن عبدالسلام أيضا هو أبو الحسن علي بن محمد الخمسي(1).
2- طريق الشيخ أبي العباس أحمد بن عبدالسلام السريفي (توفي في الفتنة الريفية بالمغرب سنة 1344هـ)
مقرئ مسند من أهل سريف, له برنامج لمروياته سماه "تحفة الأبرار في التعريف بالشيوخ والسادات الأخيار". ذكره له الشيخ الكتاني في "فهرس الفهارس" وقال: "لصاحبنا الفقيه الأستاذ المجود أبي العباس أحمد بن عبدالسلام بن الطاهر العلمي السريفي الصفصافي.
- يروي القراءات عن والده الفقيه الناسك الأستاذ أبي محمد عبدالسلام بن الطاهر الحراق السريفي.
- عن أبي عبدالله محمد بن محمد بن محمد بن قاسم السريفي البجدياني – عن أبي العباس أحمد التلمساني السماتي
- عن ابن عبد السلام الفاسي بأسانيده كما في فهرسته وأول المحاذي"
وأخذ فن القراءات أيضا عن الأستاذ الصالح العلامة أبي العباس المكي بن يرمق السماتي تلميذ أبي علي الحسن كنبور اللجائي.
__________
(1) - القراء والقراءات بالمغرب 153-154.(1/438)
- وأخذها أيضا عن الناسك المجود أبي محمد الهاشمي بن الحسن السريفي الدفني, وهو عن والد صاحب التحفة وقد فصل في "التحفة"(1) المذكورة مروياته عمن ذكر وأسانيدهم, ألفها إجازة لتلميذه صاحبنا الخليفة المبجل أبي حفص عمر ابن السلطان أبي علي الحسن بن محمد ملك المغرب الأقصى رحمهم الله"(2).
3- طريق أبي علي الحسن بن محمد بن أحمد بن عبدالعزيز اللجائي الورياكلي الأصل عرف بكنبور.
مقرئ حافظ من أعلام الرواية في جهته له مؤلفات في القراءة وعلومها, وصفه صاحب " فهرس الفهارس" بقوله: " خاتمة أعلام أئمة القراءات بالمغرب ومحدثيه"(3).
ألف في أشياخه تقييدا سمى فيه جماعة في مختلف العلوم التي أخذها عنهم, وألف فيه تلميذه أبو محمد الهواري قاضي فاس (ت1283هـ) تأليفا سماه " شفاء الصدور في ترجمة سيدي الحسن كنبور".
وذكر الشيخ الكتاني نقلا عن تقييده المذكور انه يروي القراءات عن المعمر محمد بن ابراهيم الزروالي العصفوري عن أبي الحسن علي الحساني(4) عن أبي زيد المنجرة بأسانيده".
قال: وأخذ العصفوري أيضا عن ابن عبدالسلام الفاسي وعبدالسلام المشهور بالشريف الزروالي كلاهما عن المنجرة المذكور بأسانيده". ثم قال بعد ذكر اتصال سنده به في رواية الحديث:
"واتصل بكنبور في علم القراءات أيضا عن تلميذيه المعمرين الأستاذين : حمان بن محمد اللجائي الفاسي ومحمد بن العربي اللجائي, كلاهما عن جد الثاني لأمه أبي علي كنبور – رحمه الله – عاليا.
وأخذها الثاني عن أمه الفقيهة البارعة المشاركة المباركة السيدة عائشة عن والدها المترجم, وكانت وفاته في 17 ربيع سنة 1283, ودفن بقبيلة الجاية رحمه الله"(5).
__________
(1) - يعني " تحفة الأبرار" الآنف الذكر لأبي العباس السريفي الصفصافي, المذكور أعلاه.
(2) - فهرس الفهارس 1/285.
(3) - فهرس الفهارس 1/291.
(4) - تقدم عن قريب في مشيخة أبي علي الحسن بن محمد الخمسي.
(5) - فهرس الفهارس 1/292 ترجمة 98.(1/439)
ولأبي علي كنبور عدد من المؤلفات منها – شرح على دالية ابن مبارك في تخفيف الهمز, وشرح على باب الإدغام من الشاطبية, وحواش على " فتح المنان" لابن عاشر, وشرح على باب الهمز من " مورد الظمآن" للخراز وغير ذلك(1).
4- طرق جنوبية غربية في جهات الصويرة ومراكش:
أقام أبو عبدالله محمد بن عبدالسلام زمنا مهما بمدينة الصويرة عقب تأسيسها في آخر المائة الثانية عشرة بأمر من مؤسسها المولى محمد بن عبدالله بن إسماعيل العلوي, وكان له به مزيد اختصاص.
وإذا كنا نجهل اليوم تفاصيل الحركة القرائية التي قادها هناك, فإننا نلتمس آثارها في بعض ما وصلنا من أخبارها والإشارات إليها, وخاصة في مؤلفات الشيخ ابن عبدالسلام التي كتبها هناك.
فالذي تدل عليه تلك الإشارات هو أنه احتك هنالك بطبقة متميزة من الطلاب المهرة الذين كانوا لا يفتأون يطارحونه المسائل الشائكة ويستفتونه في قضايا الفن وأحوال القراء والمقرئين, ومن هنا كانت تآليفه المتأخرة تنصب على معالجة موضوعات علمية من صميم الواقع التعليمي والطلابي, وفي طليعتها كتابه القيم " القول الوجيز في قمع الزاري على حملة كتاب الله العزيز" الذي كتبه سنة 1207هـ والذي كان في الحقيقة جوابا عن عدد من الأسئلة صادفت عنده استعدادا للإدلاء بتلك الآراء العلمية والتربوية والإصلاحية للفئة التي يدافع عنها كما يدل عليه اسم الكتاب, ويتجلى ذلك في طليعة الأسئلة الستة التي رفعت إليه, وأولها – كما ذكر - : ما حكم ما عليه قراء زماننا من المجازفة في الأداء فلا يعطون الحروف حقها مخرجا وصفة, ولا يجرون في الإمالة وسائر صنوف الأداء على مقتضى ما يجب في ذلك, مع ما يفعلونه من إسقاط حروف المد الثلاثة البتة؟...إلخ(2).
__________
(1) - القراء والقراءات للأستاذ سعيد أعراب 192-193.
(2) - القول الوجيز(مخطوط خاص).(1/440)
ويقول في صدر ذيله على كتابه "إبراز الضمير من أسرار التصدير" مشيرا إلى دواعي تأليفه لهذا الذيل: "وقد كنت أعريت ذلك الرجز من تخفيف الهمز, وقلت إن لذلك كتبا تتسلم منها أحكامه, ثم سألني بعض فقهاء دكالة أن أبين له ذلك, زاعما أن المبتدئين قصرت أفهامهم عن تسلم ذلك من كتبه الموضوعة فيه..إلخ(1).
ويقول في صدر منظومته الآنفة الذكر أيضا في التصدير مشيرا إلى الباعث له على نظمها في هذا الفن, وهو طلب بعض طلبته له وهو بمدينة الصويرة نظم هذه الأرجوزة في ذلك, وفيها يقول مشيرا إلى الطالب المذكور:
لقنته وجوه " حرزنا" على ... تمامها وليس ذا عن الملا(2)
لأنه قد ساغ الاقتصار ... في بعضها على الذي يختار
فقال إن بينت لي مصدرا ... من غيره في النظم كان أجدرا.
وقد قدمنا أن الذي طلب منه ذلك – كما جاء في شرحه للتصدير – هو الفقيه المقرئ أبو العباس أحمد بن عبدالله الهشتوكي الذي يظهر أنه ورد معه إلى الصويرة من سوس عام ورودها في حدود سنة 1195هـ حيث قرأ عليه سبع ختمات بالسبع,ثم لما عاد إليها سنة 1202هـ قرأ عليه بالسبع سبع ختمات أخرى"(3).
وكذلك الشأن في رسالته التي ألفها في "الوقف الانتظاري والاضطراري" ألفها جوابا عن سؤال وجه إليه في مدينة الصويرة"(4).
فهذه الجهة إذن كانت زاخرة بالاهتمامات في هذا الجانب وحافلة بالراغبين في حذق هذا الشأن وما تزال فيها إلى اليوم أثارة من بقايا ذلك عند عدد ممن أدركناهم من المشايخ والآخذين عنهم.
__________
(1) - يمكن الرجوع إلى ما نقله عنه الأستاذ سعيد أعراب في " القراء والقراءات" 147.
(2) - يشير إلى ما ذكره في مقدمة "المحاذي" من اقتصار المتأخرين على بعض الوجوه تبعا لابن القاضي.
(3) - القراء والقراءات بالمغرب 142.
(4) - نفسه 149.(1/441)
وسنقف هنا مع بعض من ذكروا بالرواية عن الشيخ ابن عبدالسلام من أهل هذه الجهة ممن كان لهم في نشر الرواية عنه مقام, وسنعتبر ذلك من قبيل الطرق التي انتشرت منها الرواية متصلة برجال هذه المدرسة, فمنها:
1- طريق الشيخ السكياطي وفروعها في الجنوب الغربي وسوس.
الشيخ السكياطي علم من أعلام هذه المدرسة في منطقة الصويرة, وهو الشيخ أبو محمد عبدالله بن علي بن مسعود الركراكي السكياطي نسبة إلى "سكياط" دار إقامته ومقر زاويته بقبيلة الشياظمة الشمالية على نحو 60 كلم من الصويرة إلى الشمال منها.
ألف فيه صاحبه العلامة المقرئ الشيخ محمد التهامي الأوبيري كتابا خاصا سماه "إتحاف الخل المواطي, بمناقب الإمام السيكاطي"(1),وهو كتاب أشاد فيه بالمترجم إشادة عالية وقال: "رافقته أكثر من عشر سنين, فما رأيت أصدق لهجة منه, أحرز ملابس الثناء, كثيرا الحياء.. وكان حسن النغمة بالقراءة, يعد سامعه المثالث والمثاني بكاءه ـ قال ـ وكان شيخي ابن عبدالسلام الجبلي(2) بثغر الصويرة أعطاه الله من ذلك حظا وافرا, وكان ذات يوم يسرد معي لوحتي بالسبعة فمر جماعة من النصارى على البيت الذي كان فيه فوقفوا يسمعون حسن قراءته رحمه الله" قال:
"وكان محبي ـ رحمه الله ـ عارفا بالتجويد, ضابطا لأصول القراءة وفروعها, حافظا للسبعة, نحويا لغويا, عارفا بالحديث والفقه والتفسير, ورعا زكيا, حج وجاهد". ثم ذكر إرغام السلطان المولى سليمان له على ولاية القضاء فاستعفى من ذلك وامتعض منه إلى أن كتب إليه السلطان بإعفائه فرجع إلى موضع تدريسه"(3).
__________
(1) - توجد منه نسخة مخطوطة بالخزانة العامة بالرباط.
(2) - مقرئ يظهر أنه انتدب للإقراء بالصويرة, قرأ عليه الشيخ التهامي الأوبيري أيضا كما سيأتي.
(3) - لخص هذه المعلومات المراكشي في الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام" 8/333--334 ترجمة 1216.(1/442)
وقد ترجم له الكانوني ووصفه بـ" الإمام الأستاذ المقرئ المتفنن", وذكر أنه "كان رحالة إماما, رحل لمراكش وفاس ومصر والحرمين الشريفين, ومكث بمصر سنة, واستغرقت مدة رحلته سنين, ورجع بعلم غزير بثه في صدور الرجال... ثم ذكر وفاته رحمه الله سنة (1244هـ) (1).
شيوخه في القراءة وعلومها: لخص المراكشي في "الإعلام" جملة شيوخه ومروياته عنهم إستنادا إلى كتاب "الإتحاف" الآنف الذكر الذي جمعه الشيخ الأوبيري في مناقبه, وسأكتفي هنا بذكر بعض الذين سمى ممن أخذ عنهم القراءة أو بعض ما يتصل بها من المتون في الرسم والضبط والتجويد. فمنهم:
- الشيخ مولاي علي الشريف البوعناني(2), قرأ عليه بعضا من الشاطبية.
- والشيخ محمد بن بدني الدكالي قرأ عليه "تصوير الهمز" "والضبط" و"الدرر اللوامع" وبعضا من " الشاطبية"
- والشيخ المحقق محمد بن عبدالكريم الرحماني, قرأ عليه "الشاطبية" وكان يسرد معهم الجعبري.
- والعلامة الشيخ محمد بن عبدالسلام الفاسي المقرئ, قرأ عليه " الشاطبية" بالجعبري إلى ياءات الإضافة, و"دالية ابن المبارك", والكتاب العزيز.
- والسيد عبدالسلام الحلوي(3), قرأ عليه "الدرر اللوامع" و"تصوير الهمز" "والضبط"(4).
هؤلاء هم شيوخه الذين أخذ عنهم القراءة وعلومها وفيهم ابن عبدالسلام الذي قرأ عليه القراءات السبع ودرس عليه العلوم المتعلقة بها.
ولم أقف للمترجم على ذكر لتأليف, ولكني وقفت على بعض أقواله في أحكام القراءات في قول بعضهم في قوله تعالى " لووا رءوسهم":
__________
(1) - آسفي وما إليه لمحمد بن أحمد الكانوني 26.
(2) - ترجم له المراكشي في الاعلام 9/239 ترجمة 1443 وذكرأنه دفين مراكش, أخذ عنه سيدي عبدالله السكياطي ورفيقه سيدي محمد التهامي الأوبيري بعضا من " الشاطبية" مات رحمه الله بمراكش, ودفن بباب أغمات"
(3) - هو أبو محمد الحلوي من شيوخ الأوبيري أيضا كما سيأتي في ترجمته.
(4) - الاعلام للمراكشي 8/335-336 ترجمة 1216.(1/443)
يا سائلا عن "لووا" بالإدغام ... لستة البدور خذ نظامي
فهو كبير صح باتفاق ... لجميع الدهاة أهل الحق
ومن يقل صغير فهو أحمق ... ليس له علم ولا تحقق
هذا الذي روي عن الإمام ... شيخ العلوم الماهر الأحكام
سيدنا عبدالله الرجراجي ... يعرف بـ"السكياطي"خذ يا راجي(1).
تلاميذه:
تصدر الشيخ السكياطي في بلده "سكياط" وانتشر له ذكر هناك فقصده الطلاب من جميع الجهات, وخاصة بعد موت أستاذه محمد بن عبدالسلام, فأخذ عنه عدد كبير من الأعلام من أهل جهته وغيرهم من القبائل المجاورة.
ومن أهم أصحابه:
1- الشيخ أبو جعفر عمر بن أبي جمعة الرجراجي السكياطي صاحب المدرسة الشهيرة بسكياط, وقاضي الصويرة والشياظمة, ترجم له المراكشي وذكر وفاته عام (1266هـ) (2).
2- الشيخ علي بن أحمد بن عبد الصادق الرجراي الصويري قاضي الصويرة بعد المولى قبله للمولى عبدالرحمن بن هشام العلوي, طلب العلم بفاس وارتحل إلى المشرق فأخذ بمصر عن جماعة والتقى في رحلته بالشيخ عبدالقادر بن محبي الدين الجزائري عام 1253هـ, وتصدر أولا بمسجد ابن يوسف بالصويرة لإفادة ما عنده، وكان إماما به مدة قبل توليه القضاء سنة 1266هـ, وعمر طويلا حتى جاوز التسعين, وقد خلفه ابن أخيه على ولاية القضاء عبدالصادق بن محمد صاحب "إيقاظ السريرة في تاريخ الصويرة" في أول صفر عام 1299هـ, وقد سمى المراكشي عددا من تلامذته(3).
3- الشيخ الطاهر ابن الحاج البعريري الهواري نزلا من شرفاء آل السباع المقيمين ببلاد هوارة بسوس.
__________
(1) - من الأنصاص غيرالمنسوبة, ذكرها لبعضهم محمد بن عمر بن محمد الهواري في تقييد له في رسم السبعة.
(2) - الاعلام 8/336.
(3) - الاعلام 8/336 وسماه علي بن أحمد بن عبدالصمد.ثم ترجم له على الصواب في الإعلام 9/261 ترجمة 1451.(1/444)
كان من المقرئين اللامعين في جهته, ذكره العلامة محمد المختار السوسي وقال: "تخرج بالقطب السكياطي في أوائل القرن الماضي ـ الثالث عشر ـ ثم أسس "مدرسة البعارير" القرءانية, فزخرت بالطلبة حتى لينيفون على المائتين, ومن هناك تخرج " سيدي الزوين الحوزي". ثم ذكر وفاته سنة 1264هـ"(1).
وترجم السوسي أيضا لجماعة من أهل بيته واصلوا أداء هذه المهمة في مدرسته وهم أبناؤه: أحمد (ت1290) وعلال (1310هـ) ومحمد (ت1321) قال:"وكان آخر رجالات أهله المشاهير الأفذاذ, ثم حفيده عبدالغني بن محمد الذي بقي إلى سنة 1354هـ"(2).
4- أحمد البرهومي الهواري رفيق الطاهر البعريري المذكور.
قال العلامة محمد المختار السوسي:" تخرج بالسكياطي فرجعا متعاونين في " مدرسة البعارير" حتى قام الناس هناك فأسسوا لهذا مدرسة على حدة عمرت زمنا ثم انطفأت جذوتها, ولم تكن مثل البعريرية (توفي بعد صاحبه الطاهر بعد 1270هـ)" (3).
2- طريق الشيخ التهامي الأوبيري في مدرسته بـ"الشماعية" ببلاد أحمر وما يليها من قبائل الحوز المراكشي.
وأهم الطرق عن الشيخ ابن عبدالسلام طريق أبي عبدالله التهامي الأوبيري الحمري, وطريقته تعادل طريق الشيخ عبدالله السكياطي أيضا كما تقدم لأنه صحبه مدة وتخرج معه وأسند القراءة عن شيوخه وعاش بعده.
أما نسبه الكامل فهو أبو عبدالله محمد التهامي بن محمد بن مبارك بن مسعود الحمري الأوبيري.
درس المترجم بمراكش وتخرج على مشيختها في العلوم الإسلامية وحصل على إجازات عديدة فيها, وقد سمى شيوخه وذكر مروياته عنهم في كتابه الآنف الذكر:" إتحاف الخل المواطي ببعض مناقب الإمام السكياطي" الذي كان شريكه أيضا في الأخذ عنهم ومنهم:
__________
(1) - رجالات العلم العربي في سوس لمحمد المختار السوسي 229 ترجمة 38.
(2) - رجالات العلم العربي في سوس 229 تراجم 39-40-41-42.
(3) - المصدر نفسه 229 ترجمة 43.(1/445)
- الشيخ ابن عبدالسلام المجود الجبلي حسن النغمة بالقرءان قرأ عليه للسبعة.
- الشيخ مولاي علي الشريف البوعناني نزيل مراكش ودفينها, قرأ عليه بعضا من "الشاطبية".
- والشيخ محمد بن بدن الدكالي, قرأ عليه "الألفية" وتصوير الهمز"للخراز وضبطه" و"الدرر اللوامع" لابن بري وبعض "الشاطبية".
- والشيخ محمد بن عبدالكريم الرحماني, قرأ عليه "الشاطبية" وكان يسرد معهم الجعبري عليها.
- والشيخ محمد بن عبدالسلام الفاسي, وهو عمدته في القراءات وحضر عنده في الشاطبية بشرح الجعبري إلى ياءات الإضافة كما فعل السكياطي المذكور قبله, وقرأ عليه أيضا " دالية ابن المبارك في تخفيف الهمز".
وقرأ أيضا "الدرر اللوامع" وتصوير الهمز والضبط على الشيخ عبدالسلام الحلوي.
ورحل إلى المشرق عام1311هـ فسمع من عدد من رفقائه في الرحلة ومن مشيخة العلم بالمشرق(1).
وكانت له منزلة عند ملوك زمنه وخاصة عند المولى عبد الرحمن بن هشام, وقد تشفع لديه في قبيلته حين أرادهم بجريرة المخالفة على بعض عماله ومدحه بقصيدة, فقبل شفاعته وأجابه برسالة وقصيدة تضمنت العفو عن الإساءة والتنويه بالشفيع(2).
__________
(1) - هذه المعلومات مبثوثة في تأليفه الذي ألفه في مناقب رفيقه وشيخه الإمام عبدالله السكياطي, وقد انتقاها منه المراكشي في الاعلام6/251-252 ترجمة 805.
(2) - ذكر المراكشي في الإعلام هذا الحدث وذكر قول الأوبيري يخاطب المولى عبدالرحمن:
امنن عليهم كما من الرسول على ... وفد هوازن مع ما كان من خلل
وذكر أنه أجابه برسالة نثرية وذيلها بشعرمنه قوله:
" يا عالما أبدت القربى حنانته ... فجاء من رائقات النظم بالمثل
شفعت في حمير ترجو نجاتهم ... والظلم منهم وليس الظلم من قبلي
... يا حمير خير أنصار مهما صنعوا ... فالعفو من شيمتي والصفح من خللي.(1/446)
مدرسته: وقد وضع الشيخ الأوبيري في "الشماعية"(1) نواة مدرسة علمية ظلت نحوا من قرن ونصف تؤدي عملها وخاصة في تدريس القراءات وعلومها, وما تزال منها بقية اليوم تديرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لكنها تدرس مبادئ العربية والفقه وبعض مبادئ التجويد, ولم يعد فيها للقراءات اعتبار بسبب انصراف جمهور الطلاب إلى "مدرسة سيدي الزوين" بالحوز, وهي لا تبعد عنها إلا بنحو 50 كلم.
وقد كان الشيخ محمد التهامي الأوبيري من آخر المشايخ المعتمدين في هذا الشأن الذين جمعوا بين المعرفة بالقراءات والتضلع في علوم الرواية عموما, على عكس ما أمسى شائعا من القطيعة التي وقعت بين القراءة وبين سائر العلوم كما قدمنا, ومن هنا كانت مجالاته في العطاء والإفادة أفسح من غيره, كما كان له في التأليف والنظم قدم يدل على سعة الباع وعمق الاطلاع.
مؤلفاته:
فمن مؤلفاته "إتحاف الخل المواطي" في مناقب شيخه السكياطي(2), وكتاب " مدد اللطيف في شرح السبط والتعريف", فرغ منه ضحوة يوم الخميس سابع ذي الحجة عام 1249هـ(3), وموانع الصرف مع شرحه عليها, وشرح منظومة في العروض لأحمد الرسموكي, وشرح نظمه حكم الوقوف لحمزة(4), وقصيدة لامية في تصوير الهمز(5), ولعل أشهر آثاره عند علماء القراءات وما تزال كثيرة في الأيدي إلى الآن أرجوزته المذكورة في الوقف على الهمز, وتسمى بـ"التهامية" نسبة إليه, وأولها قوله:
يقول راجي عفو ذي الإكرام ... تفضلا محمد التهامي
أحمد ربي الله خالق الأنام ... ثم الصلاة دائما مع السلام
__________
(1) - تقع هذه المدرسة في قرية الشماعية الواقعة في وسط الطريق من مراكش إلى آسفي.
(2) - تقدم ذكره, فرغ المؤلف منه يوم الأحد 4 ربيع الثاني عام 1250هـ - الإعلام للمراكشي 6/253.
(3) - الإعلام 6/253.
(4) - يعني شرح الأرجوزة التهامية الآتية, وقد وقفت على تعاليق منه على حواشي أبياتها.
(5) - ذكرها الأستاذ سعيد أعراب في كتاب " القراءوالقراءات بالمغرب" 156.(1/447)
على الرسول المصطفى الأمين ... والآل والصحب ذوي التمكين
وبعد فاعلم أن وقف الهمز ... صعب عسيرالضبط مثل اللغز
فتاقت النفس لوضع ما عسى ... يسهل حفظه به ويسلسا
مختصرا في رجز مهذب ... أبغي بذاك نفع أمة النبي
وقد أشار في أولها إلى أخذه عن الشيخ محمد بن عبدالسلام الفاسي في باب الهمز المتحرك فقال:
فصل وحقق كل همز وقعا ... بأول كقال إني معا
ما لم يقع من بعد حرف قد سكن ... كنحو " قد أفلح" فانقل واحذفن
وخص بالقياس ما لم تبدلن ... بنحو ذا المثال فالرسم استبان
نقلته عن شيخنا الهمام ... الفاسي ابن عابد السلام.
وأبياتها فيما أحصيت 68 بيتا(1).
الطرق عنه:
لم أر أحدا عني بالحديث عن أصحاب الشيخ الأوبيري على أهميته وأهميتهم في المائة الثالثة عشرة, على الرغم من الصدى البعيد الذي كان له في المنطقة حتى كان ملوك الدولة العلوية يحرصون كل الحرص على تخريج أبنائهم في مدرسته منذ أيام المولى سليمان (1206) إلى أن درس بها كل من ابني المولى الحسن الأول عبدالعزيز وعبدالحفيظ(2), وعلى الرغم أيضا من اعتبار مدرسته أما لطائفة من مدارس القراءات التي ظهرت لهذا القرن في دكالة وعبدة وأحواز مراكش مثل " زاوية التونسي" في دكالة و"زاوية الغالي" ومدرسة أولاد الطاهر بن يوسف " بها, و"مدرسة المعطي الجراري" بأولاد عمران بدكالة أيضا, ومدرسة آل غياث "بعبدة ومدرسة "سيدي الزوين" بالحوز وغيرها من المدارس.
__________
(1) - وقفت عليها مرات وعندي منها مخطوطة عتيقة جدا ليس عليها تاريخ وقفت عليها بـ" مدرسة سيدي بوالأعلام " بالشاطبية بنواحي الصويرة.
(2) - ينظر في ذلك موضوع " اهتمام الأسرة العلوية بحفظ القرءان " للأستاذ علال الفاسي المنشور في العدد الخاص بالقرءان وعلومه من " دعوة الجن العدد 4 السنة 11 ذي القعدة1387 – فبراير 1968, وذكرأنه اطلع على مذكرات في ذلك كتبها ادريس ولد منو الذي كان طالبا مرافقا لمولاي عبدالحفيظ في مدة مقامه بـ"أحمر" بها تفاصيل الدراسة.(1/448)
وهذه تراجم مختصرة لبعض من عرفوا في المنطقة بالرواية عنه:
1- أبو عبد الله محمد بن أبي الطيب بن أبي مهدي الطواجيني.
يعتبر هو ووالده من خريجي هذه الجهة, فالوالد الفقيه أبو الطيب يروي القراءات عن أبي محمد عبدالله السكياطي الآنف الذكر, والولد ابو عبدالله عن أبي عبدالله محمد التهامي الأوبيري الحمري كلاهما عن الشيخ ابن عبدالسلام الفاسي(1).
2- الشيخ أحمد بن علي الغنيمي العبدي: بجمعة سحيم بقبيلة عبدة بإقليم آسفي.
ترجم له الشيخ محمد بن أحمد العبدي الكانوني وقال:
"كان أستاذا حافظا للقراءات السبع, عارفا بأحكامها.. أخذ القراءات السبع عن الأستاذ السيد التهامي الأوبيري, توفي سنة 1290هـ(2).
3- أبو العباس احمد بن العربي بن عبدالله الكيري السباعي الأصل ثم العبدي الأسفي النشأة والدار.
ترجم له الكانوني وذكر أنه " رحل لمدرسة الشيخ السيد التهامي الأوبيري فتلقى دروسه عليه, وبه تخرج, ثم رحل إلى مراكش مرتين, وكانت سفرته الثانية إليها سنة 1249هـ, توفي بعد سنة 1260هـ(3).
4ـ أبو العباس أحمد بن العربي المسكيني البوعزاوي نزيل آل غياث بعبدة.
قال الكانوني :" كان فقيها مشاركا في أكثر الفنون, حافظا للقراءات السبع إلى العشرين, ماهرا فيها عارفا بأحكامها", و"عمدته الحاج محمد بن الحسن الغياثي في العلم والقراءات, ورحل إلى فاس سنة 1278 فأدرك العلامة محمد بن المدني كنون فأخذ عنه ورجع".
ولعله كان من رفقاء المولى الحسن في الدراسة ببلاد أحمر, ولذلك أدناه منه في خلافته مدة سنتين لأخذ بعض المعارف عليه, ولم ينقطع عن التدريس إلى أن توفي في حدود سنة 1325 بآل غياث بنواحي آسفي(4).
__________
(1) - ذكر الإسناد من طريقهما إلىابن عبدالسلام الشيخ عبدالحي الكتاني في فهرس الفهارس 2/848-849.
(2) - كتاب جواهر الكمال في تراجم الرجال 11-12.
(3) - المصدرنفسه 25/26.
(4) - جواهر الكمال للكانوني 43-44.(1/449)
5- ومن خريجي هذه الجهة الشيخ الفقيه أبو العباس أحمد بن عبد الواحد بن مولاي أحمد العبدي الزيدي.
وصفه الكانوني بـ"الفقيه الأستاذ العارف بالقراءات وأحكامها والرسم والضبط..
أخذ القراءات السبع عن الفقيه الأستاذ التونسي بن أحمد العوني بدكالة, وعليه أتقنها وحررها, ثم أخذ قراءة الثلاثة تمام العشرة عن غيره, كما أخذ العلم وأحكام القراءات كلها أيضا عن الأستاذ الصالح السيد المهدي الدكالي العوني نزيل الغساسنة.
لازم مدرسة شيخه الأول ببلاد العونات يقرأ الشاطبية بشرح " كنزالمعاني" للجعبري مع طلبته, ثم نزل آسفي واستوطنها وولي بها العدالة وسكن بقصبتها, وتوفي في العشرة الأولى من القرن الرابع عشر الهجري(1).
6- ومن أعلام أصحاب الشيخ الأوبيري وأذيعهم صيتا الشيخ المقرئ النفاع صاحب المدرسة الحوزية الشهيرة بـ"الأوداية" من بلاد "أحمر" وهي المدرسة الوحيدة التي ظلت تحمل لواء الزعامة في هذا الشأن منذ قرابة قرن ونصف: محمد الزوين الشرادي, ونظرا لأهميته نخصه بنبذة نتحدث فيها عن طريقه في جهته.
طريق الشيخ محمد الزوين الحوزي المعروف بـ"سيدي الزوين" ببلاد الأوداية من حوز مراكش.
يعتبر هذا الطريق عن الشيخ ابن عبدالسلام في منطقة الجنوب المغربي وأحواز مراكش أشهر الطرق عنه في المغرب وأوسعها جمهورا إلى اليوم, وإن كان أكثر الذين أخذوا القراءة من هذا الطريق لا يكادون يعرفون شيئا يذكر عن أهميته ولا عن اتصاله بالمحوز العام للأسانيد المغربية الذي ينتظم أهم الشعب المتفرعة عن مدرسة ابن غازي في الشمال والجنوب.
أما قطب هذا الطريق فهو الشيخ البركة سيدي محمد الزوين بن محمد – بفتح الميمين – بن علي الشرادي الأوديي نسبة إلى فخدة " الأوداية" من قبيلة " أحمر" المعروفة إلى الجنوب الغربي من مراكش على بعد 30 كلم منها.
__________
(1) - جواهر الكمال 18-19 (بتصرف).(1/450)
وتعود جذور هذه المدرسة إلى ما حول منتصف المائة الثالثة عشرة حيث لمع هنالك نجم هذا الشيخ بعد أن تخرج في القراءة وانتهى من رحلة الطلب ولقاء المشيخة ثم عاد إلى دار مقامه بها.
ويذكر بعض أحفاده أنه عمر مائة سنة كاملة(1), فإذا صح هذا كانت ولادته عام 1211هـ, وذلك لتحقق وفاته بيقين سنة 1311هـ ولتواتر النقل بذلك بين المسنين من مشايخ القراءة إلى زمننا, وخاصة لأنها السنة ذاتها التي توفي فيها المولى الحسن الأول ملك المغرب, وكان قد زاره في مدرسته تلك قبل وفاته بيسير.
شيوخه ودراسته :
إذا صح ما ذكره أحد أحفاده عن ولادته يكون قد أدرك من حياة الشيخ محمد بن عبد السلام نحو ثلاثة أعوام, ولكنه بيقين أدرك عددا مهما من تلامذة الشيخ المذكور.
والحق أن الشيخ الزوين لا تعرف له مشاركة معتبرة في العلوم المغروفة من عربية أو فقه أو أدب أو نحو ذلك مما يشار فيه بالبنان لبعض أشياخه, ولا يعرف له أيضا إنتاج حتى في ميدان القراءة من نظم أو تأليف أو غيره, وإنما كان الأغلب عليه الصلاح والعبادة والزهد مع سعة أملاكه في قبيلته وأكثرها مما وقف في زمنه على مدرسته.
ولا ندري بالتحديد الكثير عن حاله وقت الطلب, إلا أن شواهد الحال تدل على أنه لم يتجاوز طلب القراءة في المناطق التي رحل إليها في الحوز والساحل وبلاد سوس.
أما المعروفون من كبار مشيخته ممن كانت لهم نباهة في العلم والقراءة في جهاتهم فهم:
__________
(1) - سمعنا ذلك من بعض أحفاده من أساتذة التعليم بمراكش في حديث تلفزيوني أجرته معه بعثة إذاعية عن مدرسة سيدي الزوين وتاريخها ونشاطها القرائي في صيف سنة 1411هـ, ويوافق ذلك مرور مائة سنة على وفاته.(1/451)
1- الشيخ عبد الله بن علي السكياطي – الآنف الذكر في أصحاب الشيخ ابن عبدالسلام – ويبدو أنه قرأ عليه في مدرسته الشهيرة بزاوية سكياط من بلاد الشياظمة شمال مدينة الصويرة, كما يدل على ذلك خبر وفادة أبيه به على الشيخ السكياطي وهو صغير حيث قدمه إليه قائلا:" هذا ولدي الشين" بفتح الشين – أو "الشوين" بصيغة التصغير, فقال له الشيخ:"بل هو"الزوين" فغلب عليه هذا اللقب(1).
2- الشيخ محمد التهامي الأوبيري الحمري – الوزاني الأصل كما سمعت ممن أثق به من أهل بلده... وقد تقدم ذكره في تلامذة الشيخ ابن عبدالسلام وطرقه في مدرسته قرب " الشماعية " ببلاد"أحمر"(2).
3- الشيخ المقرئ الطاهر بن الحاج البعريري الهواري السوسي من أصحاب الشيخ السكياطي(3).
هؤلاء الثلاثة هم المعروفون في مشيخته, وهم كما نرى ينتمون جميعا إلى مدرسة الشيخ ابن عبدالسلام بصفة مباشرة أو غير مباشرة, وذلك مما يعطي لمدرسته في بلاد الحوز دورا رياديا في التمكين لطريق ابن عبدالسلام الفاسي لا في مدرسته وحدها ولكن في سائر الجهات التي كانت تستفيد منها فيما بين نهر أم الربيع شمالا إلى أقصى سوس جنوبا كما تشهد بذلك الأفواج التي ظلت تتقاطر منها على مدرسته طوال قرابة قرن ونصف منذ تأسيه لها إلى اليوم.
وقد لخص لنا المراكشي في "الإعلام" ترجمته فكان مما ذكره عنه منوها:
__________
(1) - نقله المراكشي في الإعلام عن السيد عبدالحي – ولعله يعني الكتاني المعروف (الإعلام 7/109).
(2) - سيأتي ذكره في مشيخته عند المراكشي في "الإعلام بمن دخل مراكش وأغمات من الأعلام".
(3) - يمكن الرجوع في قراءة سيدي الزوين على البعريري إلى كتاب " سوس العالمة" 33 – وكتاب " رجالات العلم العربي بسوس" للمؤلف نفسه محمد المختار السوسي229.(1/452)
"كان حافظا لقراءة حمزة(1), وأخذها عن سيدي التهامي الأوبيري صاحب الزاوية بقبيلة حمير, كان كثير الإطعام, ربما يكون في زاويته من الطلبة الذين يقرأون القرءان نحو الخمسمائة, يمونهم ولا يعملون شيئا غير القراءة والحطب للزاوية.. حبس أملاكه على طلبة القرءان بزاويته, وأمضاه له السلطان مولاي الحسن, ولقيه لما كان ورد "زاوية الشرادي" في بعض توجهاته لسوس, وراوده على أن ينفذ له عشر " تمزكلفت": الساقية الكبيرة الخارجة من وادي نفيس إعانة على الطعام فامتنع.." (2).
مدرسة الشيخ الزوين بأحواز مراكش وفروعها:
نالت مدرسة الشيخ الزوين شهرة لم تنلها مدرسة في المغرب منذ تأسيسها إلى اليوم في فن القراءات، كما كانت وما تزال أوسع المدارس القرائية نفوذا وأكثرها جمهورا, وخاصة في الجنوب المغربي فيما بين أم الربيع وسوس، حتى إنك لا تكاد تجد قارئا مشهودا له بالحذق في الفن دون أن تجده قد قرأ بها أو أخذ على بعض من قرأ بها.
__________
(1) - يراد بها القراءات السبع على ما جرت به عادة المغاربة من جمع القراءات.
(2) - الاعلام 7/128.(1/453)
وكان للشيخ في زمنه صدى بعيد في الشهرة بالصلاح والقيام على شؤون طلبة هذا العلم, الأمر الذي ساعد على استقطاب الطلاب إلى مدرسته من كل حدب وصوب معلمين ومتعلمين, حتى إن كثيرا ممن كانوا يمهرون في القراءة وعلومها يؤثرون الإقامة هنالك بعد التخرج بحيث لا يغادر المدرسة إلا من حين إلى آخر لزيارة أهله والتزود منهم بما يحتاج إليه, أو في مواسم معينة في الربيع والصيف جرت التقاليد المرعية هناك بخروج الشيخ فيها مع طائفة من طلبة المدرسة لزيارة بعض القبائل والمدارس الفرعية التي درس المتصدرون بها غالبا في مدرسته, وما يزال هذا التقليد جاريا إلى اليوم فيما يعرف عندهم بـ"الدور" أو "أدوال" حيث يخرج إلى القبائل المجاورة عدد مألوف من الطلبة ويتنقلون من مسجد إلى آخر ليجتمعوا بالمحسنين التماسا للمعونة على القراءة بما اعتادوا أن يقدموه لهم من صدقات وأعشار وصلات في مواسم معينة, وكان مما ساعد على استمرار هذه العادة وجود عدد كبير من الطلبة المتخرجين بالمدرسة في تلك القبائل والمساجد, فهم لذلك يحرصون على تقديم الخدمة لهم وتجديد الصلة بهم مكافأة للجميل ووفاء بالعهد.
وكانت المراكز التي تصدر فيها أعلام المتخرجين من المدرسة بمنزلة الفروع العلمية لمدرسة الشيخ أو الامتدادات لها وكثيرا ما كانت بمنزلة الروافد التي تمدها بالطلبة كلما أحس المتصدر في هذه المراكز بحاجتهم إلى مزيد من التمرس بالفن والاحتكاك بأهله, وهذه المراكز والفروع مبثوثة في مختلف القبائل المجاورة كقبائل أحمر والرحامنة ودكالة وعبدة والشياظمة وغيرها, ومن ثم كان المتخرجون منها على صلة دائمة بمدرسة الشيخ الزوين, وقد جرت العادة إلى زمننا بزيارة وفد من أولئك الطلبة القدامى للمدرسة في أثناء الصيف وقضاء أيام بها لعقد صلات التعارف بالطلبة الجدد وزيارة من بقي من ذرية الشيخ هناك والتعرف على الأحوال-(1/454)
وقد انتشرت الرواية في تلك القبائل منذ أزيد من مائة عام عن طريق هذه المراكز الفرعية, وظل الولاء فيها للمدرسة الأم قائما, كما ظل الانتماء المباشر إلى هذه المدرسة بالقراءة ولو بصورة غير مباشرة محل فخر واعتزاز، وخاصة عند طائفة ممن أدركناهم من المشيخة ممن قرأوا على بعض أولاد الشيخ الزوين كالسيد أحمد وأخيه السيد العربي ثم ولده السيد عبد الرحيم وكان أحفظهم للقراءات وأطولهم مدة في القيام بها في مدرسة جده, وقد أدركته بها رحمه الله.
وكان والدي ـ رحمه الله ـ قد قرأ بهذه المدرسة أيام الشيخ العربي ابن الشيخ الزوين المذكور, وكان شيخ القراءة بها يومئذ الشيخ سعيد الجرموني العبدي المتوفى حول سنة 1380هـ, وقد عمر طويلا، ورأيته في هذه المدرسة قبل وفاته بنحو السنتين وهو على حاله المعهود في القيام بمهمته في استقبال طلبة القراءات وتصحيح الألواح في المجلس المعتاد لذلك بقرب ضريح الشيخ الزوين رحمه الله.
الفروع التي تفرعت عن مدرسته.(1/455)
يمكن اعتبار كثير من مراكز القراءة في الجهات المغربية والتي ما يزال بعضها معمورا بهذا الفن إلى اليوم وخاصة في قبائل أحمر ودكالة وعبدة والشياظمة فروعا لهذه المدرسة أو روافد لها, إذ كانت العادة وما تزال تقضي بعدم مغادرة القارئ الشادي لهذه المراكز إلى المدرسة الأم إلا بعد أن يكون قد تأهل لذلك و"فاصل"(1) وكثيرا ما يكون التحاقه بها بعد التخرج بإيعار من المتصدرين في هذه المراكز, وربما حملوا الطالب المتأهل رسالة إلى مدرسة الشيخ تساعده على القيام بمأموريته, وخاصة في الحصول على السكن بها, إذ كانت البيوت المعدة للسكنى الطلبة محدودة العدد, كما أن طاقتها في الاستيعاب ضعيفة جدا, إذ ظلت شبيهة بالأكواخ في منتهى البساطة والتواضع, ثم عرفت بعد استقلال المغرب عناية خاصة, ولا سيما في العشر السنين الأخيرة حيث تم تشييد المدرسة من جديد وتزويدها بسائر المرافق التي تحتاجها ورتبت أجور قارة لمشيخة الإقراء ومساعدات للطلبة، ووضع نظام مقنن للدراسة بها مع ما يلزم من ضبط ومراقبة تقرب بها من المدارس الحديثة في نظامها وتسييرها.
ومن أهم المشايخ الذين تصدروا في القبائل المجاورة من تخرجوا على رجال هذه المدرسة ممن أدركوا الشيخ الزوين وانتفعوا بالقراءة عليه بصفة مباشرة :
1- الشيخ عبد الرحمن بن غانم العبدي, وكان من أعلام القراءات, وكانت له مدرسة قرءانية ذائعة الصيت ما تزال قائمة الذات, إلا أنها فقدت أهميتها بموت الشيخ وتراجع نشاطها العلمي شيئا فشيئا إلى أن توقفت عن ذلك بصفة نهائية, وتقع في بلاد عبدة قرب سوق جمعة سحيم من أعمال مدينة آسفي الساحلية، وكانت في حياة مؤسسها من أعمر مدارس هذه الجهة, وتخرج فيها عدد كبير من القراء السبعيين ما يزال منهم عدد كبير من الأحياء.
__________
(1) - المفاصلة في عرف المشايخ انتهاء الطالب من القراءة واعتراف الشيخ له بالحذق, ويتم الإعلان عن ذلك في حفل عام.(1/456)
ومن أهم القراء السبعيين المشهود لهم في المنطقة ممن أخذوا القراءات بها الشيخ البشير بن المهدي التلاوي الجغلولي الشيظمي التوبلي، وقد وقفت له على رمزيتين لقراءتي المكي والبصري كتبهما بخط يهده بخط أنيق مدبج بالألوان, وذكر في الثانية منهما بآخرها تاريخ النسخ ومكانه وأنه" يوم الجمعة بعد الظهر سنة 1337هـ في مدرسة شيخه سيدي عبدالرحمن بن غانم قرب جمعة سحيم"(1).
ومن أهم تلامذة الشيخ عبدالرحمن بن غانم أيضا الشيخ المقرئ المشهود له بالحذق في الفن الأستاذ المسن السيد سعيد بن كروم الحضري العبدي المتوفي في رمضان من هذه السنة – أي سنة 1413هـ - عن عمر ناهز المائة ـ رحمه الله ـ وكان قد تصدر زمانا للإفادة في جهات خنيفرة ثم في بلده, وظل مقصودا في ذلك إلى أن شاخ ويعتقد كثير ممن حدثني عنه من طلبة آسفي أنه من تلامذة الشيخ الزوين المباشرين, والصحيح أنه لم يدركه وإنما قرأ على الشيخ عبدالرحمن بن غانم الذي كان مقصد الخاص والعام في هذا الشأن باعتباره تلميذا للشيخ الزوين, وقد قيل إنه كان يزوره في حياته في مدرسته المذكورة بسحيم.
ومن أعلام الآخذين عن سيدي الزوين المقرئ الذائع الصيت في جهته ببلاد الشياظمة على وادي تانسيفت منها إلى جهة الساحل الشيخ أبو محمد عبدالله بن الحفيظ(2)
__________
(1) - وقفت على الرمزتين المذكورتين عند صديقي السيد الطاهر بن الحاج مبارك العبدي أحد حفاظ العشرين في مدينة آسفي والمتصدر حاليا للتدريس بمدرسة سيدي الزوين بتعيين من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
(2) - المراد بالحفيظ المعنى الدارجي المستعمل عند العامة, وهو القيم على حفظ بعض الأضرحة على ما عمت به البلوي في بلادنا منذ قرون من التعلق بالقبور وتقديم النذور والقرابين إليها, وهو أصل أكثر المواسم التي تقام في الربيع والصيف في كثير من الجهات وخاصة في الجنوب المغربي.
وقد توهم الشيخ عبدالحي الكتاني في فهرس الفهارس أنه اسم علم فقال في المترجم " عبدالله بن عبدالحفيظ" وهو مخالف للحقيقة, وإنما كان والده حفيظا على ضريح أحد الرجراجيين وهو المعروف بسيدي عيسى بوخابية.(1/457)
التلمستي الشيظمي صاحب المدرسة المشهورة إلى الآن هناك مع ضعف شأنها وقلة الاهتمام بها.
حدثني الأستاذ المقرئ عبدالحميد بن مبارك الدمسيري – وهو من أبناء الجهة وخريجي مدرسته – أنه قرأ بالسبع على سيدي الزوين, وتصدر للإقراء بها إثر عودته, وكان أبوه "حفيظا" على السيد عيسى بوخابية فلما عاد ولده من القراءة بنى له مدرسة بمساعدة أهل جهته, ووقف عليها الناس أوقافا كثيرة في تلك الجهة كانت تنفق على تموين الطلبة, وقد تخرج في مدرسته عدد كبير من طلبة المنطقة مات آخرهم في العشرة الأولى من هذا القرن,وقد ظل المترجم يواصل الإقراء إلى أن توفي سنة 1335هـ.
وحدثني المقرئ السيد الدمسيري المذكور أن الذي خلف الشيخ عبدالله بن الحفيظ في مدرسته هو:
- الشيخ المقرئ المهدي بو الضباية, الذي قرأ على سيدي الزوين أيضا, وكان حافظا للسبع حفظا متقنا, وكان توليه لهذا بسعي من السيد الطيبي بن عبدالله بن الحفيظ ـ ولد المترجم ـ إثر موته, بعد أن كان الشيخ المهدي مشارطا في نواحي "خميس الزمامرة" بدكالة, فقدم إلى مدرسة عبدالله بن الحفيظ وعكف فيها على الإقراء ومواصلة المهمة إلى أن شاخ وكبر, فاعتزلها وحل محله فيها الشيخ الحاج إبراهيم بن المحجوب الدمسيري عم السيد عبدالحميد الدمسيري.
وأخبرني هذا الأخير أنه قرأ على عمه هذا برواية ورش عدة ختمات قبل أن يسافر إلى دكالة لأخذ القراءات السبع على الشيخ المسمى "بن زهرة" بمدرسة "مولاي الطاهر القاسمي" بأولاد فرج بدكالة, قال:
وقد أدركت الشيخ المسن المهدي بوالضباية, وقرأت عليه برواية المكي سبعة أحزاب من القرءان, ثم فارقته مدة, ثم قرأت معه ختمة بقراءة حمزة جمعا بينه وبين باقي السبعة بعد أن قرأت بها في مدرسة سيدي الزوين.(1/458)
وإسناد القراءة من طريق الشيخ عبدالله بن الحفيظ وأصحابه موصول الحلقات حتى الآن لمن حاول أن يتتبعه في نواحي الشياظمة وعبدة وغيرها, ويكفي في شهرته وصوله إلى مدينة فاس كما نجده عند الشيخ عبدالحي الكتاني في فهرس الفهارس إذ جاء فيه في ترجمة الشيخ محمد بن عبدالسلام الفاسي قوله:
سند الشيخ عبدالحي الكتاني من هذه الطريق وغيرها: قال في فهرس الفهارس في ترجمة الشيخ ابن عبدالسلام: "يروي في ثبته عن شيخه إمام القراءات بالمغرب أبي زيد عبدالرحمن بن ادريس المنجرة الفاسي صاحب الفهرسة, عن والده صاحب الفهرسة أيضا بأسانيدهم, قال الكتاني:
"نتصل به في إسنادنا للقرءان الكريم ورواياته عن المعمر أبي عبدالله محمد المدعو "حمان" بن محمد اللجائي, عن المحدث المقرئ أبي عبدالله محمد بن أحمد السنوسي عن المترجم(1).
- وعن العالم المعمر أبي محمد سالم بن العربي الحمري الجنيدي إجازة, وعن الزاهد الفقيه أبي الطيب ابن أبي مهدي الطواجيني, وولده أبي عبدالله محمد, فالوالد عن أبي محمد عبدالله السكياطي الشيظمي, والوالد عن أبي عبدالله(2) محمد التهامي الأوبيري الحمري, كلاهما عن ابن عبدالسلام الفاسي.
- وعن المقرئ الصوفي الناسك العالم العابد أبي محمد عبدالملك بن عبدالكبير العلمي الفاسي, عن الأستاذ أبي حامد العربي بوعياد الفاسي, عن إمام القراء بفاس أبي العلاء ادريس البدراوي الفاسي عنه".
- وعن الأستاذ المعمر الناسك أبي محمد عبدالله بن عبدالحفيظ(3) التلمستي الشيظمي.
عن ولي الله الأستاذ أبي عبدالله محمد الزوين الأوديي, عن التهامي الأوبيري عنه أيضا.
قال الشيخ عبدالحي:
__________
(1) - فهرس الفهارس 2/948.
(2) - سقط اسم عبدالله من المطبوع من فهرس الفهارس كما يدل على ذلك سياق نسب هذا الشيخ.
(3) - تقدم أن وصف " الحفيظ" بمعنى القيم أوالسادن.(1/459)
"وأروي القراءات عن المعمر الأستاذ أبي عبدالله محمد بن عبدالسلام بن حسين الزكلدي بفاس سنة (ت1319) عن شيخه الأستاذ الصالح أبي محمد عبدالسلام الطويل من " مرن صوار", عن الفقيه أبي العباس أحمد التلمساني السماتي, عن ابن عبدالسلام بسنده"(1).
- ومن فروع مدرسة الشيخ الزوين وطرقها بمدينة مكناس من النازلين بها الشيخ أبو عبدالله محمد السوسي.
كان من المهرة في هذا الشأن المشاركين في غيره, ترجم له العلامة ابن زيدان في الإتحاف فقال:
"أستاذ مقرئ مجود, يحفظ العشر ويحرره حافظ متقن ماهر, وكان يستحضر الألفية وابن عاشر و..... من المختصر الخليلي و" لامية الشاطبي" و"دالية ابن المبارك", ومنظومة ابن الجزري في التجويد وغير ذلك, قدم مكناسة الزيتون بعد الحادية عشرة من القرن الرابع عشر وأقام بها مدة, ودخل "الأستانة"(2) والجزائر في طلب " علم النار"(3).
مشيخته: " قال ابن زيدان:
"أخذ عن شيخنا العلامة أبي الفضل الفاطمي الشرادي(4) ولازم دروسه بفاس ستة أعوام. وأخذ القراءات السبع عن المتبرك به الشيخ الزوين, والعشز الكبير عن القاضي الفلاق(5) والولي الصالح ابن يرمق".قال ابن زيدان:
__________
(1) - فهرس الفهارس 2/948-849.
(2) - هي عاصمة الدولة العثمانية في زمنه وهي القستنطينية المعروفة.
(3) - يعني الكيميا.
(4) - ذكره في كتاب "علماء المغرب المعاصرين" مؤلفه السيد محمد بن الفاطمي بن الحاج السلمي وذكر أنه كان من علماء القرويين بفاس ودرس بها طويلا وولي القضاء. ينظر الكتاب المذكور ص 18-30.
(5) - هو القاضي محمد بن محمد الفلاق السجلماسي الأصل الملقب بالفلاق استقضي بفاس الجديد نحو العامين ثم استقضي بمراكش, وكانت له رحلة إلىالحج في جماعة من علماء المغرب توفي سنة 1310 ترجمته عند المراكشي في الإعلام 7/77-80 ترجمة 804.(1/460)
الآخذون عنه, منهم صديقنا الأستاذ المقرئ أبو عبدالله محمد بن أحمد الحميدي أخذ عنه العشر الكبير"(1).
تلك هي أهم الطرق المباشرة التي وقفت عليها مما يتصل بالشيخ ابن عبدالسلام من طريق الشيخ الزوين الحوزي, ولا شك أن الآخذين عن الشيخ الزوين ثم عن أبنائه وتلامذته عدد كبير يفوت الحصر, ومرادنا أن ننبه فقط على اتصال مدرسته بهذا الشيخ واتصال السند من طريقه بها لو كان هناك في المتأخرين من بقي على شيء من العناية بالإسناد في هذه الجهات وغيرها من المغرب, ولكن هيهات, ولاسيما في هذا الزمن الذي انقطع فيه كل أمل في ذلك أو كاد بعد ذهاب رسوم الإسناد, ولم يبق حتى التعلل بها متاحا – كما أتيح للشيخ ابن غازي – بعد انتقال أهل المنزل والناد(2).
- بعض الطرق السوسية المتصلة بطريق الشيخ ابن عبدالسلام:
1- طريق أبي العباس أحمد بن ابراهيم البوجرفاوي المعروف بـ"أنجار" شيخ قراء سوس في زمنه.
حصلت على ترجمة لهذا الشيخ بقلم حفيده محمد بن أحمد بن عبدالله بن أحمد أنجار السوسي(3) أختصر منها هذه المعلومات, وهي مذيلة بسنده من طريق الشيخ ابن عبدالسلام.
"هو الأستاذ المقرئ أبو العباس أحمد بن ابراهيم بن سعيد البوجرفاوي الملقب بأنجار, ولد بقرية " اكرار" بمجموعة "بويفورنا" من قبيلة آيت نصف من "آيت با عمران" السوسية.
مشيخته الأولى:
__________
(1) - الإتحاف4/278-279.
(2) - الإشارة إلى عنوان فهرسة ابن غازي.
(3) - أمدني بهذه الترجمة الأستاذ الصديق الدكتور إبراهيم الوافي القرمودي الشيظمي الباعمراني الأصل الأستاذ حاليا بكلية الآداب بمدينة أكادير, نقلها – كما قال له – من خط حفيد الشيخ النجاري محمد بن أحمد بن عبدالله المذكور, وقد ذكر أن الشيخ المترجم ترك ولدا واحدا كان يتقن رواية ورش, ولكن كان له أحفاد قرأوا بالسبع وغيرها سمى طائفة منهم.(1/461)
أخذ القرءان أولا على الأستاذ محمد بن ابراهيم بمسجد " أم الدفلى", ثم انتقل إلى مدرسة " بونعمان" فلبث فيها حتى قرأ بقراءة ابن كثير, ثم جاء لزيارة والديه فدخل المسجد المذكور فوجد شيخه محمد بن ابراهيم عاكفا على تصحيح ألواح طلبته, فناوله الشيخ لوحا منها ليصححه على رواية ورش, ثم أمهله قليلا وسأله أين بلغت منها فقال: قوله تعالى:"ومن لستم له برازقين" الآية 20 من سورة الحجر ـ فقال له الشيخ: كيف تقرأ "برازقين" بالتفخيم أم بالترقيق؟ فلم يستحضر الجواب وتحير في ذلك لأنه لا عهد له بهذه المباحث, فوضع اللوح من يده وخرج دون وداع أهله, وحلف أن لا يعود حتى يتقن السبع والعشر, فذهب قاصدا جهة الشمال المغربي بنواحي تطوان, حيث أقام يتردد على المشيخة هناك حتى قضى وطره من ذلك, وكان خروجه من "بونعمان" سنة 1210هـ وهي يومئذ مدرسة "عشرية",وفيها أتقن حرف المكي على الأستاذ المقرئ سيدي محمد بن حسين التمكدشتي, وكان هذا الأستاذ قد أخذ بالقراءات السبع بمدرسة سيدي وكاك باكلو المشهورة, ومنها خرج إلى قبائل جبالة بالشمال فقرأ فيها السبع بمصطلح وعدد جبالة في القراءات.
سند النجاري من طريقه إلى ابن عبد السلام:
أسند النجاري "أنجار" القراءة من روايتي ورش وقالون عن نافع ثم جمعا بقراءة ابن كثير على أستاذه هذا محمد بن حسين التمكدشتي, وأخذ التمكدشتي القراءات عن شيخه مبارك بن هدي السرغيني, وأخذها ابن هدي السرغيني عن محمد بن عبدالسلام, وأخذ ابن عبدالسلام عن أبي زيد المنجرة عبدالرحمن بن ادريس الحسني عن أبيه عن شيوخه كما في فهرسته.(1/462)
وقد ذكر الشيخ محمد المختار السوسي أن النجاري لازم شيخه ابن حسين ثمان سنين قبل رحلته, ولما عاد من رحلته شارط بـ" النواصر" بشيشاوة وبقي هناك إلى أن مات شيخه المذكور في مدرسة سيدي وكاك باكلو فذهب إليها, وبقي بها بعد سنين كثيرة"(1), وكانت وفاته بها سنة 1286, وولادته سنة 1189هـ وكان معاصرا للمقرئ الماهر في العدد و"الحطيات" الشيخ محمد بن ابراهيم الولتيتي البعقيلي الشهير بأعجلي وكان بينهما نوع من التنافس في استقطاب طلبة هذه الجهة, إلا أن أنجار كان أنبه منه لمكانته من علو السند ونبل المشيخة.
وقد جاء في تقييد حفيده عن عدد المتخرجين عليه ما يلي:
"أخذ عنه آلاف ومئات من الطلبة والمقرئين, ووصل عدد الطلبة بمدرسته مائتين, ولكن قلة العناية بالتاريخ جعلتنا لا نعرف أكثر تلامذته, وممن عرف منهم:
- السيد محمد بن العربي الهواري, أخذ عنه السبع, وأفنى عمره في رفع راية القراءات.
- السيد محمد بن الحسن الماسي بـ"أغبالو" كان مقرءا أتقن السبع, وكان يعلم ويقرئ بـ"سيدي همو" بـ"الأخصاص" توفي سنة 1348هـ.
- السيد محمد بن عبد الله الضحاكي الساحلي, وهو أحد الأعلام المتقنين للسبع, توفي سنة 1323هـ.
- السيد الحاج حمو الكزميري الحي, وقد حضر وفاة شيخه السيد أحمد أنجار وقال: قد قرأنا يوم وفاته ستين ختمة من القرءان".
- السيد محمد بن عبد الوحد البغدادي جاء من بغداد راجلا يطلب القراءات فأخذ عنه ورجع إلى بلاده.
- السيد محمد بن أحمد بن التيمولائي الأخصاصي, أخذ عنه حرف المكي, وما يزال عند أسرته لوحة فيها ختمة للقرآن, وفيها آثار تصحيح قلم أنجار, توفي رحمه الله سنة 1352هـ.
- السيد أحمد بن ابراهيم الملقب بـ"أمجوض"(2) الساحلي (1235-1347) وقد أتقن عنه السبع".
__________
(1) - المعسول 18/123-124.
(2) - هي بالبربرية تعني "الأقرع".(1/463)
هؤلاء من جاء ذكرهم في هذا التقييد لحفيد أنجار, وقد فاته ذكر آخرين ممن اشتهروا بالأخذ عنه. فأما الضحاكي المذكور فهو أبو عبدالله محمد بن عبدالله الضحاكي نسبة إلى "الضحاك" من قرى آيت باعمران, حفظ القرءان ببلده ثم التحق بمدرسة أكلو فقرأ بها على أنجار إلى أن مهر في القراءات السبع وكان من فحولها, وتصدر للإقراء بمدرسة "بوكرفا" مدة, والتف عليه طلبة الروايات من جميع جهات سوس, وصار له بها ذكر لا يقل عن ذكر شيخه, وما زال ينشر هذا الفن في تلك القبائل إلى أن توفي سنة 1303هـ(1).
وأما محمد بن أحمد التيمولائي المذكور فقد "قضى حياته في تعليم كتاب الله بـ" تيمولاي"السفلى ثم في العليا إلى أن توفي سنة 1352"(2).
وأما الشيخ أبو عبد الله محمد بن العربي الهواري ـ المذكور أولا ـ فهو من قرية "تامدا" آيت همان من قبيلة "إداوزيكي", انتقل إلى أكلو فقرأ عليه ثم طاف على مشايخ الفن في سوس حتى أتقن القراءات برواياتها وتصدر للإقراء زمانا بـ"إيكلي" من قبيلة المنابهة إلى أن توفي هناك سنة 1345هـ(3).
وقد أخبرني الشيخ السيد محمد أبو يحيى الرسموكي شيخ القراءات بمدرسة آزرو بنواحي أكادير أن الشيخ ابن العربي هذا آخر أعلام هذا الشأن بسوس, وأن عددا من أصحابه ما يزالون على قيد الحياة.
ومن أعلام أصحاب أنجار أيضا الشيخ أبو الحسن أشطاب التارحالتي, وكان من المهرة في حفظ السبع وقد تصدر لإقرائها زمانا بـ"مدرسة الخميس" بآيت بوبكر وغيرها, وتوفي سنة 1345هـ(4).
__________
(1) - ترجمته في المعسول لمحمد المختار السوسي 12/198.
(2) - ترجمته في المعسول 12/207-210.
(3) - ترجمته في المعسول 14/195-198.
(4) - ترجمته في كتاب خلال جزولة لمحمد المختار للسوسي 4/200.(1/464)
وعلى العموم فقد كان أبو العباس أنجار من أهم الطرق عن الشيخ ابن عبدالسلام في المنطقة, ويتجلى مقدار اعتداده به اعتماده على طريقته في بعض مؤلفاته التي خلفها, ومنها: "البستان" أو "بستان المبتدي"(1).
وهي قصيدة في أسلوب الجمع والإرداف وأولها قوله :
"بدأت بحمد الله ثم صلاته ... على أحمد المبعوث للعبد والحر".
وهي على ما فيها من ركاكة في الأسلوب وضعف في النظم تعتبر من أوسع قصائد الإرداف انتشارا بين طلبة الروايات في الجنوب المغربي, ولا ينافسها في موضوعها في الانتشار إلا قصيدة الشيخ السريفي من أهل الشمال. وقد بقيت لمدرسة أكلو منذ زمن الشيخ أنجار شهرة كبيرة في الفن, وما يزال بها إلى اليوم بقية من ذلك, وقد بلغني أن أحد المشايخ بها الآن – وهو الشيخ ابن المكي ـ ما يزال يواصل القيام بهذه المهمة على أفضل وجه, كما أنه حاول أن يضم إلى قراءة القرءان ودراسة علومه دراسة العربية والسيرة والأمهات المعتمدة في هذه العلوم.
تراجع العناية بالسند وتراجع الاهتمام بالقراءات.
وعلى العموم فإن طريق الشيخ ابن عبد السلام هي آخر الطرق المغربية التي يمكن الاطمئنان إليها واعتمادها, ومن الممكن حتى اليوم لمن أراد التوسع في دراسة أثره في القراءة في مختلف الجهات المغربية التي حل بها أو تصدر فيها بعض تلامذته, أن يحصل على معلومات وافرة أكثر مما اقتصرت عليه, ولأني إنما وقفت عند ما أمكنني الوقوف عليه من تلك المعالم, وهي معالم تدل على إمكان الباحث لو تفرغ لبحثها على وجه الخصوص أن يكتشف الخطوط المتلاحمة التي ما تزال ماثلة في الساحة لمن حاول رصدها, وهو عمل منوط بطلبتنا الباحثين من خريجي جامعاتنا وخاصة منهم الذين حققوا بعض ما خلفه ابن عبدالسلام من تراث علمي في مختلف العلوم.
__________
(1) - مشهورة متداولة في 137 بيتا.(1/465)
وهذه العناية إذا توجهت لخدمة تراث الشيخ من هذه الناحية ستسدي إلى تاريخ القراءة بالمغرب خيرا كثيرا وذلك أقل ما يجب القيام به لإنقاذ ما تبقى في أيدينا من أمجاد المدرسة المغربية في هذا العلم, وذلك بعد أن أصبحت الأسانيد المتصلة بالقراءة حلقة فحلقة إلى مثل الشيخ ابن عبدالسلام صاحب أوثق فهرسة متصلة بالقراءة والسماع بعيدة المنال, إن لم تكن في بلادنا قد أمست من قبيل المحال.
وإنه لأمر يدعو إلى الأسف والحسرة أن تصير الحال إلى ما صارت إليه في هذا الشأن حتى أصبح أهل المغرب اليوم – وهم من أكثر الشعوب الإسلامية عناية بحفظ القرءان وإتقان رسمه وضبطه – لا يعرفون شيئا يذكر عن الطرق والأسانيد التي يقرئون بها, ولا يميزون بين طريق شرقية ولا غربية, ولا يدري الكثر منهم شيئا عن تاريخ القراءات ومدارسها, فضلا عن معرفة مذاهبها ومقوماتها الفنية واختلاف النقلة فيها.
دروس العلم بأهمية الإسناد بالمغرب وانقطاع الأسانيد في الجملة في الوقت الحاضر:
ولا أعلم في المغرب في وقتنا الآن من مشيخة الإقراء في المغرب من يسند شيئا من القراءات أو الروايات باتصال القراءة من شيخه إلى إمام معتمد من أئمة المدارس المغربية, ولقد طلبت ذلك في حواضر المغرب وبواديه عموما, وسألت حفاظ السبع والعشر الكبير والصغير فما وجدت أحدا عنده سند بالقراءة ولا إجازة من أحد من الشيوخ بل وجدت أكثر من سألتهم لا يدري شيئا عن نظام المشيخة والإجازة, ولا يدرك لاتصال السند بالقراءة معنى.
ولدروس هذه المعالم في بلادنا لم يعد هناك أمل في وصل الأسانيد بالأئمة المعتمدين إلا من طريق غلبة الظن, وذلك لما تعارف عليه علماء هذه الصناعة من شروط معتبرة لا تكون القراءة متصلة إلا بها.
قال الحافظ ابن الجزري :"والأعلى أن يحدثه الشيخ بها من لفظه ـ يعني بالأسانيد ـ فأما من لم يسمع الأسانيد على شيخه فأسانيده من طريقه متقطعة"(1).
__________
(1) - منجد المقرئين لابن الجزري 13-14.(1/466)
فإذا طبقنا هذا الشرط وهو السماع من الشيخ على حال الأخذ عندنا لم نجد لهذا الأمر أثرا ولا عينا, وكل ما يمكن العثور عليه هنا وهناك أن نجد من قرأ على بعض المشايخ المشهورين الذين يعرف أن مشايخهم قرأوا على فلان أو فلان ممن قرأوا على فلان ممن قرأوا على فلان ممن له صلة بالقراءة على بعض الكبار كما رأينا في مدرسة ابن عبدالسلام ـ في حوز ـ مراكش وسوس مثلا, وإلا فإن الإجازة المكتوبة الموقعة من لدن المشايخ المذيلة بأسماء الشهود لا أعرف لها اليوم في علم القراءة وجودا, إلا بقية من ذلك في الشرق العربي وخاصة في مصر والجامعة الإسلامية بالمدينة.
ونظرا لذهاب أهل الشأن ودروس معالمه منذ زمان إلا ظلالا باهتة يتناقلها الناس، معظمها إنما هو قائم على غلبة الظن, كأن يقولوا رحل فلان إلى القبيلة الفلانية أو المدرسة الفلانية فقرأ هناك, وربما سموا بعض المشايخ المشهورين بها لذلك العهد, فقد أصبح الذين هم على وعي بأهمية الإسناد في العلوم إذا طمحت هممهم إلى وصل قرائهم اليوم بسلف مشيخة الإقراء في جهاتهم إنما يجمجمون ولا يفصحون في محاولة لرأب بعض الصدوع فيما بينهم وبين بعض الشيوخ المعتبرين, وربما كانت بينهم وبين زمانهم مهامه فيح تحار فيها القطا, فيلجأون إلى التعمية والتقريب.
ولهذا نجد بعض المعاصرين ممن حاولوا شيئا من ذلك إذا أسندوا قراءتهم برواية ورش عن مشايخهم المباشرين عمدوا إلى نوع من القفز منهم إلى شيوخ مشايخهم وهم لايسمونهم، ولكن يذكرون أنهم ممن أخذوا على فلان المشهور في ناحيته بالإمامة في هذا الشأن دون اعتماد على سند مكتوب أو إجازة موثقة ترتفع الشك والارتياب.
وبين يدي الآن نموذج من هذا الصنيع وقفت عليه في آخر " كتاب المحجة في تجويد القرءان" وهو من آخر ما ظهر في الساحة لمؤلفه السيد محمد الإبراهيمي الفيلالي, فقد جاء في خاتمة هذا الكتاب قوله:(1/467)
"انتهى بحمد الله بتاريخ 17 محرم 1408هـ - موافق 12 شتنبر 1987م- ما أردت ذكره للقارئ العادي وطالب التجويد المبتدي, وفق طريق الأزرق من رواية ورش, حسبما قرأت به عرضا وسماعا على والدي عن أشياخه, وأذكر منهم فريد عصره وشيخ أهل زمانه محمد بن أحمد المبخوت المسيفي الغرفي الفيلالي, وكلهم بأسانيدهم الصحيحة المتصلة برسول الله صلى الله عليه وسلم".
"فمن مؤلفه راجي العفو من ربه في الدين والدنيا والآخرة محمد بن محمد بن عبدالقادر الإبراهيمي البوذنيبي عن والده إلى أحمد الحبيب بن محمد اللمطي الفيلالي, عن أحمد بن محمد البنا الدمياطي, ومن الدمياطي إلى أبي يحيى زكريا الأنصاري, ومن الأنصاري إلى أبي الخير محمد بن محمد... المعروف بابن الجزري, ومن ابن الجزري إلى الحافظ أبي عمرو الداني, ومن الداني إلى أبي يعقوب يوسف المعروف بالأزرق, عن أبي سعيد عثمان المعروف بورش, عن نافع بن عبدالرحمن المدني, فهؤلاء بعض أعلام سندنا ـ رحمهم الله جميعا ـ ومن نافع إلى أبي بن كعب رضي الله عنه, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"(1).
فالذي يتأمل هذا الصنيع الذي اعتمده السيد الإبراهيمي في إسناد قراءته يخيل إليه أنه إنما اقتصر على ذكر بعض الحلقات البارزة في سلسلة سنده بقراءة نافع من رواية ورش, ولذلك سمى عددا محدودا من الأئمة وتنقل بنا بسرعة فائقة من والده عن ابن المبخوت ثم سكت عن سند ابن المبخوت, وعاد بنا إلى قراءته على والده إلى أحمد الحبيب بن أحمد اللمطي, ثم ساق السند من جهة أحمد البنا – صاحب كتاب إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر (ت1117هـ)
__________
(1) - المحجة في تجويد القرءان لمحمد الإبراهيمي 300-301.(1/468)
متوقفا عند أسماء يسيرة منه ليصل إلى أبي عمرو الداني فالأزرق فورش فنافع إلخ... (1).
ولهذا يتساءل الباحث في هذا السند هل اقتصر فيه صاحب " المحجة" على أسماء من ذكرهم طلبا للاختصار, أم فعل ذلك إخفاء للحقيقة؟ إن الذي يترجح عندي هو الاحتمال الثاني, والحقيقة التي رام إخفاءها هي انقطاع السند فيما بين والده وبين الشيخ أبي البركات أحمد الحبيب بن محمد بن صالح اللمطي السجلماسي (ت 1165هـ) (2).
وكذلك بين شيخ والده محمد بن أحمد المبخوت السيفي المذكور وبين الشيخ أحمد الحبيب اللمطي.
وأحسب أن سند هؤلاء إلى الشيخ الحبيب لو كان معروف الاتصال أو كانت عند أحد منهم إجازة مكتوبة به لما فات صاحب "المحجة" أن يتبث ذلك, ولما لجأ إلى هذا القفز السريع على حلقات السند، وخاصة في أوله حيث أحالنا على مجهول أو ما لا وجود له, مكتفيا بقوله "وكلهم بأسانيدهم الصحيحة المتصلة برسول الله صلى الله عليه وسلم". ومن هنا ترجح لدينا أن إسقاط ما أسقطه فيما بين والده وابن المبخوت وبين الشيخ الحبيب اللمطي إنما مرده إلى ما ذكرناه من إهمال المتأخرين للعناية بالأسانيد وطلب الإجازات من الشيوخ, وإغفال الشيوخ أيضا لذلك حتى ضاعت الأصول وانقطعت حلقات الأسانيد.
__________
(1) - سند الشيخ أحمد بن محمد البنا الدمياطي مذكورفي أول كتاب الإتحاف 1/79 من طريق طيبة النشر من قراءته بالعشر بها على الشيخ علي الشبراملسي بمصر من قراءته على شيخ القراء عبد الرحمن اليمني من قراءته على والده الشيخ شحاذة اليمني وعلى الشهاب أحمد بن عبد الحق السنباطي وقرأ والده والسنباطي على أبي النصر الطبلاوي وقرأ الطبلاوي على شيخ الإسلام زكريا الأنصاري, وقرأ الأنصاري على القلقيلي ورضوان العقبي وقرآ معا على أبي الخير ابن الجزري.
(2) - تقدم ذكره في شيوخ شيخ ابن عبد السلام وهو أحمد بن عبد العزيز السجلماسي صاحب "عرف الند".(1/469)
ولو كان صاحب الكتاب قد حصل على السند منه أو من والده أو من بعض شيوخ والده كابن المبخوت بالاتصال إلى الشيخ الحبيب اللمطي لكان قد أسدى إلى القراء في جهات سجلماسة ونواحيها خيرا كثيرا, ولتاريخ القراءات في المغرب من هذه الطريق على الأقل مما ينير جانبا من جوانب البحث في ذلك, لا سيما مع اعتبار اتصال السند بين الشيخ الحبيب اللمطي وبين نافع من جهة صاحب الإتحاف الشيخ أحمد البنا الدمياطي, وسنده بالقراءات السبع مذكور في كتابه المذكور, كما أنه معروف في إجازات المتأخرين من أئمة المدرسة المغربية كالإمام أبي العلاء ادريس المنجرة كما رأينا ذلك في فهرسته وفهرسة ولده أبي زيد عبدالرحمن من طريقهما المشرقية, فقد تقدم أن الشيخ الحبيب قرأ على الشيخ البنا صاحب الإتحاف وأجازه بذلك كما ذكره المراكشي في الإعلام(1).
دعوى بعض المعاصرين في حصولهم على السند المعتبر في القراءات وإجازات الشيوخ.
وأحسب أن معظم ما يذكره المتأخرون من الإجازات بالقراءة إنما يجري مجرى المجاملة, وخاصة عندما يدخل قارئ مهم إلى البلاد فيتهافت عليه الراغبون في الإجازة دون أن يكون لدى القارئ من الوقت ما يتسع لسماع من يطلبها منه, فضلا عن أن يعرض عليه عرضا كاملا بالشروط المعتيرة عند أرباب الفن.
فلقد ادعى غير واحد الإجازة من شيوخ مصر المجودين كالشيخ محمود خليل الحصري والشيخ محمد عبدالباسط عبدالصمد(2), ولم يكن هذان الشيخان يقيمان بالمغرب إلا زمنا محدودا, وغالبا ما يكون في شهر رمضان.
__________
(1) - تقدم في الصفحة 73-74.
(2) - من أمثلة ذلك ما جاء في كتاب " كيف نقرأ القرءان" للشيخ عبدالحميد احساين في التعريف بمؤلفه في باطن غلاف الكتاب تحت صورة المؤلف :" حافظ لكتاب الله, مجاز قراءة من شيوخه : مولاي الشريف بن علي العلوي محمد بن عبد الله, محمود خليل الحصري".(1/470)
وهذا النوع من الإجازات لا يقدم ولا يؤخر ولا يكاد يعني شيئا, وإنما يدل على مجرد اجتماع المجيز والمجاز في التاريخ الذي تتضمنه الإجازة, وهو قريب في صورته من الإجازات الشكلية التي كانت تتم بين العلماء بالمراسلة.
وهو شبيه أيضا بطائفة من الإجازات التي نجد بعض المشايخ قد أتحفوا بها الملوك والأمراء وشهدوا لهم فيها بتمام الحذق والأهلية في العلوم والفنون, ومنها في القراءات الإجازة النظمية الآنفة الذكر الصادرة من علي بن هارون المطغري لأبي العباس أحمد الشيخ الوطاسي, وإجازة الشيخ أبي العباس أحمد المنجور للملك السعدي أبي العباس أحمد المنصور الذهبي, وإجازة الشيخ أبي العباس السريفي لأبي حفص عمر ولد الملك العلوي المولى الحسن, وأبو العباس السريفي المذكور من آخر أعلام هذا الشأن في الشمال المغربي, وهو أحمد بن عبدالسلام بن طاهر العلمي السريفي الصفصافي من أهل السريف, قتل ـ رحمه الله ـ في الفتنة الريفية بالمغرب سنة 1344هـ.
ترجم له الشيخ الكتاني في " فهرس الفهارس", وذكر فهرسته التي ألفها برسم المولى الحسن بن محمد العلوي وسماها " تحفة الأبرار, في التعريف بالشيوخ والسادات الأخيار", وهي ما تزال مخطوطة(1).
قال الشيخ الكتاني في التعريف بهذه الفهرسة :"لصاحبنا الفقيه الأستاذ المجود أبي العباس أحمد بن عبدالسلام بن الطاهر العلمي السريفي الصفصافي.
سنده: يروي القراءات عن والده الفقيه الناسك الأستاذ أبي محمد عبدالسلام بن الطاهر الحراق السريفي, عن أبي عبدالله محمد بن محمد بن محمد بن قاسم السريفي البجدياني, عن أبي العباس أحمد التلمساني السماتي عن ابن عبدالسلام الفاسي بأسانيده كما في فهرسته وأول "لمحاذي" له.
__________
(1) - ترجمته في الإعلام للزركلي 1/145-146 ومعجم المؤلفين لكحالة 1/274 وفهرس الفهارس للكتاني 1/207-208. 1/285 ترجمة 91.(1/471)
وأخذ فن القراءات أيضا عن الأستاذ الصالح العلامة أبي العباس المكي بن يرمق السماتي تلميذ أبي علي الحسن كنبور اللجائي".
وأخذها أيضا عن الناسك المجود أبي محمد الهاشمي بن الحسن السريفي الدفني, وهو عن والد صاحب التحفة(1), وقد فصل في التحفة المذكورة مروياته عمن ذكر وأسانيدهم, ألفها إجازة لتميذه صاحبنا الخليفة المبجل أبي حفص عمر بن السلطان أبي علي الحسن بن محمد ملك المغرب الأقصى رحمهم الله"(2).
ولقد حفل كتاب الكتاني "فهرس الفهارس" بإجازات في القراءات وغيرها لعدد كبير ممن ذكر أنهم أجازوه ومنهم من لم يلقه كإجازة شيخ القراء بمصر الشمس محمد بيومي الأزهري الشافعي له بالقراءات بمصر عام 1323, وإجازة الشيخ حبيب الرحمن الهندي المدني له بها أيضا مكاتبة بذلك من المدينة المنورة عام 1322هـ بسندهما الذي ذكره(3).
ومن أمثلة ذلك أيضا ما ذكره الشيخ عبدالحفيظ الفاسي من إجازة الشيخ المقرئ المعمر أبي العباس أحمد كنبور, وقد ذكر أنه أجازه ولم يجتمع به, وترجم له في فهرسته " رياض الجنة" أو " المدهش المطرب" فقال: " هو أحمد بن الحسن كنبور(4) اللجائي العلامة الصالح الأستاذ المقرئ المعمر البركة أبو العباس.
كان رحمه الله.... عالما صالحا حافظا لكتاب الله, عالما بما يلزم لأدائه من قراءة وتجويد, عارفا بمخارج الحروف, قارئا له بعدة روايات, عارفا بوجوهها وأحكامها, ملازما لتعليمه, مكرسا لذلك كافة أوقاته, يقصد لذلك من كافة أصقاع المغرب, قائما بمؤونة الآخذين عنه والراحلين إليه, كثير العبادة من تلاوة وصيام وقيام.
__________
(1) - يعني " تحفة الأبرار" الآنفة الذكر.
(2) - فهرس الفهارس 1/285.
(3) - فهرس الفهارس 1/402-403 ترجمة 139.
(4) - يكتب أحيانا "جنبور" بالجيم, والمراد الجيم البدوية المعقودة, وقد تقدم التعريف بالحسن كنبور هذا.(1/472)
مشيخته: أخذ القرءان وعلومه وما يلزم لأدائه وتجويده ورواياته عن والده الإمام شيخ جماعة المقرئين بالديار المغربية في وقته الولي الصالح العلامة أبي علي الحسن جنبور اللجائي الشهير.
وهو أخذ عن الأستاذ أبي عبدالله محمد العصفوري الزروالي, القرءان برواية "سما"(1) بمضمن ما في التيسير وحرز الأماني, وتلقى عنه الروايات السبع أيضا.
وأخذ عن الأستاذ أحمد بن عبد الرحمن المستاري, والأستاذ المرابط أبي عبد الله محمد الخمسي من أصحاب أبي علي بوزيد.
وأخذ أيضا عن الشريف أبي العباس أحمد بن علي الزجلي الغماري, والفقيه أبي عبدالله محمد الهاشمي الكناوي اللجائي, وأبي عبدالله محمد التهامي الرهوني.
ثم ارتحل إلى فاس في طلب القاراءات وغيرها من العلوم على شيوخها, فقرأ على العلامة أبي محمد عبدالسلام الأزمي "دالية ابن المبارك" في القراءات(2) بشرح شيخه أبي زيد عبدالرحمن المنجرة(3), وبعض حرز الأماني.
وعلى العلامة أبي عبدالله محمد بن محمد الزروالي ضبط الخراز والشاطبية بالجعبري(4).
__________
(1) - المراد قراءة أبي عمرو بن العلاء البصري مركبة مع قراءتي نافع وابن كثير, وهو رمز ذكره الشاطبي في مقدمة الحرز فقال "وشام, "سما" في نافع وفتى العلا".
(2) - المراد قصيدته في تسهيل الهمز كما تقدم.
(3) - تقدم.
(4) - يعني "كنز المعاني" للجعبري.(1/473)
وأخذ عن العلامة الأستاذ أبي بكر بن ادريس بن عبدالرحمن المنجرة(1), وهو عمدته في القراءات, فقرأ عليه "مورد الظمآن" بـ" فتح المنان", وحرز الأماني بـ" الكنز" للجعبري, و"حاشية" جده(2), وحاشية الإمام أبي عبدالله محمد بن عبدالسلام الفاسي(3), و"دالية ابن المبارك" بشرح جده عليها(4), و"ذيل المورد" بشرح التنسي(5) مع "طرر" جده أيضا(6), و"الدرر اللوامع" لابن بري شرح ابن المجراد(7).
"وأخذ عن الأستاذ المحدث أبي عبدالله محمد بن أحمد السنوسي "دالية ابن المبارك" بـ"شرح المنجرة" و" مورد الظمآن" وغير ذلك. (8)
دعوى الرواية والإسناد من طريق القراء من الجن كشمهروش قاضي الجن وميمون العفريت.
__________
(1) - هو سلالة هذا البيت الذي عرف بإمامة القراءات بفاس, يرويها عن أبيه عن جده عن جد أبيه ادريس بن محمد المنجرة كما تقدم في فهرسته.
(2) - يعني حاشية المنجرة على الكنز أو (الحاشية الكبيرة) – السلوة 2/270.
(3) - يريد حاشيته المسماة " إتحاف الأخ الأود المتداني" تقدم في الحواشي على الشاطبية.
(4) - يريد شرحه " المقاصد النامية في شرح الدالية" تقدم ذكره.
(5) - يعني كتاب "الطراز" في شرح ضبط الخراز – تقدم في شروح الضبط.
(6) - يعني حاشيته على فتح المنان لابن عاشر.
(7) - يعني شرحه المسمى " إيضاح الأسرار والبدائع" تقدم في شروح أرجوزة ابن بري.
(8) - رياض الجنة لعبدالحفيظ الفاسي 1/105-106.(1/474)
ومن طريف ما ابتكره المتأخرون ادعاء الرواية عن الجن واغتباط بعضهم بعلو سنده في ذلك. سواء في القراءات أم في الحديث, وقد أدرج غير واحد منهم الأسانيد من طرق شمهروش " قاضي الجن" بزعمهم وميمون العفريت وغيرهما في فهارسهم وبرامج رواياتهم عن شيوخهم, ولا أعلم الأئمة المتقدمين من أعلام هذا الشأن ذكروا شيئا من ذلك أو عولوا عليه, في حين أننا نجد كثيرا من فهارس المتأخرين حافلة بالروايات المسندة من طرقهم. وأقدم من علمته تنسب إليه الرواية في القراءات عن شمهروش المزعوم الشيخ سلطان بن أحمد المزاحي أحد الأعلام في أسانيد المشارقة في القراءات من أهل الحادية عشرة ممن لقيهم الرحالة المغربي أبو سالم العياشي (ت1090) قال في رحلته " ماء الموائد":
"وزرنا في يومنا ذلك شيخ القراء بالقاهرة ورئيس أهل التجويد بلا مدافعة, الشيخ سلطان, ودعا لنا, وكانت في خلقه ـ رضي الله عنه ـ شدة لا يترك أحدا يقبل يده غالبا"(1).
فالرواية من طريق الجن قد وصلت إلى المغرب من المشرق لهذا العهد, وربما قبله بيسير, وأصبح الطالب المغربي يطمح إلى ما زعموه من علو الإسناد من هذه الطرق نظرا لقلة الوسائط فيها(2).
__________
(1) - الرحلة العياشية (ماء الموائد) لأبي سالم العياشي 1/127.
(2) - من أمثلة ذلك ما نقرؤه في كتاب " ملتقط الرحلة من المغرب إلى حضرموت " للفقيه يوسف بن عابد الفاسي فإنه ذكر فيها في ص 89-90 أنه لما لقي الشيخ عبدالرحمن الملقب بمن لا يخاف إلا الله ببعض جهات تافيلالت وأراد القراءة عليه قرأ معه من أول البقرة إلى قوله تعالى " إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا .." قال :" وأنا وإياه في صوت واحد علىعادة القراء الذين كنا نقص عليهم من الألواح يقرأون معنا في صوت واحد ويرون كيف تكون مخارج الحروف من أفواههم وصيغة المد والقصر وغير ذلك, فسألته عن قراءة الجن الذين كانوا يقصون عليه قراءتهم, فقرص أذني يؤدبني.(1/475)
ومن الطريف أننا نجد بعضهم يغتبط بالرواية من هذه الطريق أكثر مما يغتبط بالرواية "الإنسية" الموثقة التي لا يدخلها لبس ولا ارتياب, وربما تعلل بعضهم لذلك بأتفه الأسباب كالرواية "الشمهروشية" المسلسلة بقراءة سورة الفاتحة عند الشيخ عبد الباقي الأيوبي التي يسندها من طرق عديدة منها الطريق الشمهروشية التي ينتهي بها إلى علم الدين سليمان مؤدب الجن قال: "قرأتها على شمهروش قاضي الجن, قال قرأتها على من أنزلت عليه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم". قال الأيوبي:
ذكره ابن عقيلة من هذا الطريق وأشار إلى أن هذا الأمر لما لم يكن متعلقا بشيء من الأحكام, بل أمر يتبرك به قبلته الأئمة الأعلام بهذا السند".
ثم روى القراءة بسند آخر مسلسل بالفاتحة أيضا إلى الشيخ الأجهوري المالكي المصري قال: "وهو قرأها على النجم الغيطي, وهو قرأها على القاضي شمهروش الجني الصحابي, وهو قرأها على النبي صلى الله عليه وسلم..إلخ(1).
ثم روى الفاتحة أيضا مسلسلة إلى من سماه العارف بالله " سيدي أحمد بن ناصر(2) عن عبدالمومن الجني البدري الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم بقراءة ورش مقصورة "مالك" ـ يعني ملك يوم الدين-.
__________
(1) - المناهل السلسلة في الأحاديث المسلسلة للشيخ عبدالباقي الأيوبي 78-79 المسلسل رقم 55-56.
(2) - يريد الشيخ أحمد بن محمد بن ناصرالدرعي صاحب الزاوية الناصرية المشهورة بتافيلالت, له رحلة إلى المشرق وله إجازة في رواية ورش من الشيخ محمد بن قاسم البقري شيخ القراء بمصر, قرأ عليه من أول البقرة إلى قوله تعالى "إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا " وأجازه بباقي القرءان من طريق الشاطبية وكان تاريخ الإجازة 17 صفر عام 1122هـ.ذكره الحضيكي في مناقبه 2/85-87.(1/476)
وهكذا تسامحوا في الرواية ورأوا أنها أهون شأنا من نقل الأخبار المتعلقة بالأحكام الشرعية التي تتعلق بالحلال والحرام, وهو أمر ولاشك في غاية الخطورة, لأن شأن كتاب الله أعظم, والتوثق لحروفه والتحري في روايته ينبغي أن يكون أشد وأكبر, وذلك ناشئ ـ ولا شك ـ عن ذهاب الفقه بما شرطه الأئمة المعتمدون كأبي عمرو الداني وأبي محمد مكي وأبي الخير بن الجزري من شروط معتبرة فيمن تؤخذ عنه التلاوة وفي كيفية الأخذ وما يجوز وما لا يجوز في ذلك مما قدمنا طرفا منه في صدر هذا البحث.
وهذا "فهرس الفهارس" للشيخ الكتاني يحفل بإيراد مثل هذه الروايات التي اعتمدها كثير من المشايخ في برامج رواياتهم ومشيخاتهم.
ومن أمثلة ذلك ما ذكره في ترجمة العلامة التونسي أبي الحسن علي بن محمد النوري الصفاقسي صاحب كتاب "غيث النفع في القراءات السبع" (1053-1118هـ) فإنه ذكر له ثبتا تضمن أسانيده, وفيه أن الشيخ أخذ القراءات عن الشيخ علي الخياطي المغربي الرشيدي عن الشيخ علي الهروي عن الشيخ عمر الشواف عن ميمون العفريت الجني عن النبي صلى الله عليه وسلم"(1).
وفي هذا السياق ذكر الكتاني سنده إليه بالمصافحة إلى شمهروش الجني عن النبي صلى الله عليه وسلم"(2) وأسند حديثا آخر عن المعمر محمد بن عبد الفتاح الجني عن شمهروش عن النبي صلى الله عليه وسلم(3), وذكر أنه يرويه مما حدثه به أبو عبدالله محمد بن المدني الشرقاوي بآنفا عام 1321هـ ثم ذكر سنده إلى شمهروش وقال :"فهو على هذا لنا رباعي", وقد حصل للسيد مرتضى سداسيا فافتخر به قائلا في ألفية السند له في ترجمة شيخه البليدي:
"وخذ بإسناد صحيح عال ... من طرق الجن بالاتصال... الأبيات(4).
وهذا أمر لو تتبعناه مع أصحاب هذه الروايات لخرجنا عن القصد.
__________
(1) - فهرس الفهارس 2/673 ترجمة 352.
(2) - نفسه 2/674
(3) - فهرس الفهارس 2/703-704 ترجمة453.
(4) - نفسه 2/704.(1/477)
والذي يعنينا منه هو فرح هؤلاء به واغتباطهم بما ادعوه فيه من علو, فهذا "رباعي" بين آخر من سمعه وبين النبي صلى الله عليه وسلم أربعة وسائط فقط, وهذا خماسي دونه في الرتبة وهذا سداسي إلخ.. وهم ينافسون بمثل هذه الأسانيد الواهية المفتعلة أصحاب الأسانيد العالية الحقيقية التي تلقوها كابرا عن كابرا, وربما اطمأنوا إليها دونها واعتمدوا عليها باعتبار علو السند فيها "قربة من الله" كما ينوه به أهل صناعة الحديث.
ولهذا نجد عند الكتاني مثلا فيما يعتد به مثل هذه الروايات, كأن يقول في ترجمة صفي الدين أحمد بن محمد ابن العجل اليمني (983-1074) بعد أن ساق أسانيده:
"ومن عواليه روايته للقرءان الكريم عن حميد السندي عن ابن حجرالمكي عن محمد بن أبي الحمائل السروري عن تابعي معمر من الجن عن صحابي جني عن النبي صلى الله عليه وسلم"(1).
فانظر إلى هذا السند وما فيه من مجهولي العين والحال, كيف يكون مع ذلك من عوالي ما يعتمد في نقل روايات القرءان؟
ومع هذه الهنات وأمثالها في هذه الروايات فإننا نجد كثيرا من مشايخ القراءة المتأخرين يعنون بها أكبر عناية, ويدرجونها في برامج مروياتهم, ويعتمدها الآخذون عنهم فيروون القراءة من طريقها ويغربون بها على الأقران.
فهذه أسانيد المغاربة المتأخرين من طريق الشيخ سلطان المزاحي والشيخ البقري والشيخ علي الشبراملسي لا تكاد تخلو من طريق أو أكثر من الطرق المزعومة عن شمهروش القاضي وغيره.
ومن أمثلتها ما ذكره الشيخ عبدالسلام بن محمد المدغري في " تكميل المنافع" في مقدمته حيث قال:
6- حدثنا بهذا بعض من قرا ... 7- على الإمام البقري إذ تصدرا
8- بجامع الأزهر في مصر العتيق ... 9- وهو محمد الموفق الصديق
10- سلسل توزنيت تلمسان سكن ... ومات في وهران وهو مؤتمن
11- والبقري عن سلطان مصر أخذا ... و" شمهروش الجن" شيخه وذا
__________
(1) - فهرس الفهارس 2/583 ترجمة 486.(1/478)
12- روى عن النبي سيد الأنام ... عليه من ربي صلاة وسلام(1).
فهذا السند الشمهروشي من طريق سلطان المزاحي (1075هـ) أقدم ما وقفت عليه في طرق المغاربة من جهته.
ويقابله سند مماثل من طريقه عند الإمام أبي العلاء ادريس المنجرة (1137) الذي يذكر صاحب السلوة عنه أنه "لا يرى من سوس الأقصى إلى طرابلس ونواحيها إلا من قرأ عليه أو على أحد تلامذته, حتى إن من لم يقرأ عليه وبطريقته لا يعد قارئا"(2).
فهذا الإمام على جلالة قدره في هذا العلم قد اعتمد فيما اعتمده من أسانيد في القراءات أكثر من طريق من هذا القبيل, فقد أسند في فهرسته القراءات الثلاث الزائدة على السبعة من طريق الدرة والتحبير لابن الجزري بسند فاسي ينتهي إلى أبي عبدالله محمد بن عبدالله بن الطاهر الفيلالي عن أبي فارس عبدالعزيز بن أحمد الوكروتي التواتي, عن الشيخ سلطان المزاحي المصري الأزهري بسنده"(3).
ثم زاد فأسندها من طرق جنية أخرى عن قطب الحرم المكي الشيخ إسماعيل عن الشيخ علي الشبراملسي عن الشيخ الحلبي صاحب السيرة, عن القاضي شمهروش عن المصطفى صلى الله عليه وسلم"(4).
__________
(1) - الأبيات من مقدمة أرجوزة تكميل المنافع التي عرفنا بها في ما نظم على أرجوزة ابن بري وتفصيل ابن غازي.
(2) - سلوة الأنفاس 2/272-273
(3) - يمكن الرجوع إلى تفصيل أسانيد المنجرة في فهرسة ولده أبي زيد عبدالرحمن بن ادريس (مخطوط خ ح بالرباط رقم 11463الورقة 82 وما بعدها.
(4) - المصدر نفسه.(1/479)
والشيخ الشبراملسي إمام معتبر في هذا الشأن نجده في سلاسل إسناد الأئمة المعتمدين في مصر كالشيخ محمد المتولي صاحب المؤلفات في القراءات(1), والشيخ علي بن محمد الضباع والشيخ عبدالفتاح عجمي المرصفي وسواهم.
وقد لقيه من المغاربة جماعة وأخذوا عنه, ومنهم الشيخ أبو سالم العياشي الذي يقول في ديوان رحلته:
"وممن لقيته بمصر شيخ الإسلام, وعلامة الأعلام, وإمام المحققين, ورئيس النظار المدققين, حائز قصب السبق في الفنون كلها, المتضلع من فرعي العلوم وأصلها, شيخنا أبو الحسن علي الشبراملسي الضرير..." (2).
وأثنى عليه بمثل ذلك الشيخ أبو العباس الحضيكي مقارنا بينه وبين معاصره الشيخ سلطان فقال:
"علي بن علي الشبراملسي, نسبة لشبراملس: قرية من قرى مصر, إمام أهل عصره وبلده في العلوم الشرعية الأصلية والفرعية, والفنون العقلية والنقلية... وكان ـ رضي الله عنه ـ محققا في فن القراءات, ولم يعادل الشيخ سلطان بمصر كلها غيره في التجويد, وكان الشيخ أبوبكر السجتاني يفضله ويقدمه حتى على الشيخ سلطان"(3).
__________
(1) - من مؤلفات المتولي في رواية ورش قصيدته " القول الأصدق في ما خالف فيه الأصبهاني الأزرق (مطبوعة), وله أخرى في "ما خالف فيه ورش حفصا من طريق الحرز" (مخطوط بالمكتبة الأزهرية بالقاهرة برقم (271) 278 وكتاب إيضاح الدلالات في ضابط ما يجوز من القراءات ويسوغ من الروايات" (مخطوط بجامعة الإمام محمد بن سعود – الرياض برقم 478, وكتاب "فتح المعطي وغنية المقري في شرح مقدمة ورش المصري" المكتبة الأزهرية برقم 1308.
(2) - الرحلة العياشية (ماء الموائد) 145
(3) - مناقب الحضيكي 2/85-88.(1/480)
فالرواية عن كل من سلطان والشبراملسي كانت معروفة عند المغاربة ومعتمدة, إلا أن الولوع بالغرائب فيما يبدو هو الذي جعل الرواة لا يقفون من الرواية عنهما عند حد الرواية إلانسية الموثقة المتلقاة بالقبول من كل أحد, وإنما جرهم التكلف إلى اعتماد الرواية الجنية أيضا تعلقا بما توهموه من قلة الوسائط وعلو السند من تلك الطرق.
وهذا الحضيكي يذكر في ترجمة سلطان بن أحمد المزاحي المذكور أنه "كان ـرضي الله عنه ـ إماما قدوة من شيوخ الإقراء والتجويد, مستغرقا لأوقاته في التدريس والتجويد والتلاوة والذكر", ثم يقول:
"وشاع عن صاحب الترجمة أنه أخذ عن شمهروش قاضي الجن ـ قال ـ: وليس كذلك, بل كان يروي عنه الفاتحة من طريق شيخه نور الدين الزيادي عن العالم سليمان مؤدب أولاد الجن عن شمهروش عن النبي صلى الله عليه وسلم"(1).
ها نحن إذن مع الشيخ الحضيكي, وهو لا يشك فقط في رواية سلطان للقراءات من طريق شمهروش ولكن ينكرها وينسفها من أساسها, وإن كان ما زال يحسن الظن بهذه الدعاوى وما أشبهها, وذلك فيقوله "كان يروي الفاتحة عنه من طريق فلان عن العالم سليمان مؤدب الجن..إلخ, فمن هو سليمان هذا؟ ومن هم هؤلاء المتأدبون عليه؟ وهل الأمر في جهالة العين والحال فيه إلا كالأمر في سند الشبراملسي آنفا عن الشيخ الحلبي الذي وصف بأنه صاحب السيرة فيما تقدم؟, وهل يصح اعتماد مثل هذه الروايات في نقل القراءات؟.
إن حسن الظن بالأئمة الذين اعتمدوا هذه الروايات الواهية لا يكفي حتى لو تعلقت بالأخبار والوقائع العادية فكيف يكون قبولها سائغا وله نصيب من الاعتبار والأمر متعلق هنا بكتاب الله!
__________
(1) - المصدر نفسه.(1/481)
ولا نحتاج هنا إلى مناقشة الرواية عن الجن مطلقا وإمكانها وصحة التحمل من هذه الجهة(1) فقد كفانا أعلام هذا الشأن المؤونة كما قدمنا, وإنما أردنا التنبيه على ما آلت إليه الحال في المدرسة المغربية بعد أن تخلفت هذه الدراسات عن مسايرة القراءة, وأمسى مثل هذه الروايات المدخولة ينطلي حتى على الأئمة المشهود لهم بالتمكن في الميدان كالشيخ ادريس المنجرة وابنه أبي زيد عبدالرحمن وتلميذه أبي عبدالله محمد بن عبدالسلام وأمثالهم ممن سلك هذه السبيل في تلقي تلك الروايات والأسانيد بالقبول.
ولقد مر بنا في أسانيد الشيخ ابن عبدالسلام الفاسي قوله في أولها:
أخذت عن سيدنا الإمام ... العالم الدراكة الهمام
شيخ الجماعة بقطر فاس ... الحسني العاطر الأنفاس
الحافظ النحرير ذي الإتقان ... الألمعي عابد الرحمن(2)
عن الرضا والده أبي العلا ... ثمت عن أبي الفدا شيخ الملا(3)
فالشبراملسي علي ثم عن ... الحلبي صاحب الهدي الحسن(4)
عن شمهروش صاحب الرسول ... عنه عن الأمين جبرئيل(5)
__________
(1) - ألف في ذلك الشيخ مرتضى الزبيدي كتابا سماه "عقد الجمان في أحاديث الجان" (فهرس الفهارس 2/865 ترجمة 457. وألف الشيخ محمد بن عبدالسلام "رسالة في إثبات صحبة شمهروش".
(2) - يعني أبا زيد المنجرة وقد تقدمت أسانيده في القراءة.
(3) - المراد أبو العلاء ادريس المنجرة, وأبو الفداء المذكور هو الإمام الفقيه أبو العباس أحمد بن الفقيه المصري الشافعي, هكذا ذكره صاحب التعليق على فهرسة ابن عبدالسلام المنظومة (م خ ع بالربا ط في مجموع رقم 3443 وفي فهرسته أنه قرأ على الشيخ أبي العباس أحمد بن عبدالجواد المتوفي الشافعي الضرير, فلعله المقصود.
(4) - يريد بصاحب الهدي الحسن صاحب السيرة الآنف الذكر.
(5) - تقدم ذكر باقي الأرجوزة لابن عبدالسلام.(1/482)
والملاحظ أنه بدأ به وقدمه على سائر الطرق التي أسند القراءة منها من طريق أبي زيد المنجرة عن أبيه, وكأنه نظر إلى ما فيها من قلة الوسائط وعلو السند المزعوم من طريق شمهروش, وهو يبدو أنه كان مغتبطا به, ويدل عليه تأليفه على وجه الخصوص "رسالة في إثبات صحبته"(1).
قيمة الإسناد من طريق الجن في الميزان العلمي:
ولقد سبقني إلى التنبيه على ما آل إليه الحال عند المتأخرين من القبول بمثل هذه الروايات الأستاذ الدكتور الحسن وكاك فقال في تعليق له:"من جملة ما يحكى عن الشيوخ المقرئين المتأخرين تدريسهم القرءان للجن وروايتهم عنه وإدراجه في بعض الأسانيد العلمية كقول السيد عبدالسلام المدغري في منظومته المسماة "تكميل المنافع" ما يلي: ... وساق الأبيات الخمسة الآنفة الذكر ثم قال:
"وإدراج الجن في السند العلمي لم يكن معيبا عند قراء المغرب المتأخرين, بل كانوا يفتخرون به, كما حدثني بذلك الشيخ أحمد أبو عبيدة الفيلالي عن المقرئ ابن المبخوت الفيلالي أنه كان يقول مفتخرا بالقراءة الفيلالية على قراءة النواحي الأخرى من المغرب:" قراءتنا فيها رائحة الجنون, وقريبة من الرسول"(2).
__________
(1) - ذكرها الكتاني في فهرس الفهارس باسم " تأليف في إثبات صحبة شمهروش" قال: وهو عندي بخطه في أربع ورقات" ( فهرس الفهارس2/849-850).
(2) - كتاب "تقييد وقف القرءان الكريم" للدكتور وكاك 103. قال بعد ذكر ما تقدم : راجع قيمة السند الشمهروشي في "المثنوني والبتار" للشيخ أحمد بن الصديق الغماري1/24.(1/483)
فانظر إلى التعليل الذي عللوا به وهو القرب من الرسول, هل يثبت على محك النقد العلمي وما قرره أهل هذا الشأن؟ ولعل الشيخ ابن المبخوت إنما يعول في رائحة الجنون هذه على أهم سند لأهل سجلماسة في المائة الثانية عشرة وهو سند الشيخ الحبيب أحمد بن محمد اللمطي الذي قدمنا أنه قرأ على الشيخ أحمد البنا الدمياطي صاحب " إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر", وذلك أن الشيخ الدمياطي المذكور يروي القراءات من طرق عديدة من جملتها أنه يرويها عن كل من الشيخ سلطان بن أحمد المزاحي والشيخ علي الشبراملسي بسندهما ولكل منهما – كما قدمنا – طرق في رواية القراءات عن شمهروش قاضي الجن عن المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وبعد فهل جفت المنابع التي كانت لقرون طويلة ثرة مغداقا, وأمسى القارئ شبيها بمن يبحث عن لقمة العيش برشح الجبين حتى يتعلق بهذه الخيوط الواهية في إسناد قراءته إلى صاحب الرسالة عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم, قانعا بعد الشذر بالمدر وبعد البسطة بالكفاف، منشدا مع شيخنا ابن عبدالسلام الفاسي في آخر سنده قوله:
وطرق الشرق كثيرة العدد ... ... كطرق للغرب فاترك اللدد
إذ المراد الارتباط بالرسول ... فلمعة منها كفاء فأقول. إلى آخر ما تقدم.
لقد أنذرنا ابن عبدالسلام نفسه في صدر برنامجه بهذا المصير البائس, وذلك في قوله:" إلا أنه لم تكن لأهل المغرب وخاصة في هذا الزمن عناية به, ميلا منهم عن سبيله إلى الاعتناء بالرواية, حتى لا يعلم الآخذ منهم إلا معلمه دنية, وإن طولب بأعلى منه عجز عن الوصول إليه بلا مرية"(1).
لقد كان هذا قبل مائتي عام بالتمام مرت حتى الآن على وفاة صاحب هذا الكلام, حيث شكا من ميل المغاربة عن طلب الأسانيد إلى الاعتناء بالرواية", فكيف لو اطلع على الحال اليوم بعد أن كاد أمر الرواية أيضا يضمحل ويمسي في خبر كان.
__________
(1) - برنامج شيوخ محمد بن عبدالسلام (م خ ح بالرباط تحت رقم 1057).(1/484)
وهاهو الشيخ محمد المختار السوسي ـ رحمه الله ـ يقول في معسوله في حسرة وأسى متحدثا عن حال أهل سوس.
"وكان هؤلاء وإزاءهم آخرون يبثون هذه القراءات المختلفة إلى أن تبدلت الأحوال, وأفل الاعتناء بغير حرف ورش, فلم يبق الآن(1) من أعلام الفن إلا المترجم مع قلة قليلة جدا يعدون على الأصابع هم هامة اليوم أو غد, ثم كنا نتعلل بأن في بقاء حرف ورش خيرا كثيرا, إلا أننا اليوم نشاهد هذه أيضا تندثر بسرعة, حتى أننا لنرى جيلا ينشأ يكاد يجهل كل شيء, فلئن بقي الحال هكذا ـ ونخاف أن يبقى كذلك ـ فإن "سوس" ستكون خاوية على عروشها فيطوى فيها القرءان طيا ـ لا قدر الله ـ وما يربح بعد خسران القرءان"(2).
تلك آهة حرى صدرت عن هذا الشيخ في حق منطقته قبل الأربعين عاما الأخيرة والمغرب يومها يضمد الجراح بعد أن تحرر من الاستعمار الفرنسي الغاشم, فهل استطاع أن يعيد بناء ما تهدم أو كاد من هذه الصروح؟
إن جهودا كثيرة بذلت وما تزال تبذل في هذا المضمار ولكن التيار كان أقوى من أن يتصدى لمثله بالجهد المبعثر والمحاولات الفردية هنا وهناك, غير أن الأمل ما يزال بحمد الله معقودا وبوادر الانتعاش قد أخذت تلوح في الآفاق.
وإني لجد متفائل في ذلك وإن كنت لا أزعم أننا اليوم على أبواب نهضة كبرى يتم فيها تجديد ما رث وتقادم وإحياء ما صوح وجف, ولكنني أرى أننا بإزاء يقظة ووعي لم يكن مثلهما متاحا لنا قبل عقدين من الزمان.
وهذه اليقظة التي أثمرها هذا الوعي قد انبثقت بدورها عن مجموعة من العوامل المساعدة كانت نتيجة لها أذكر منها:
__________
(1) - يعني زمن كتابة هذه الترجمة وتتعلق بالقارئ السوسي محمد بن عبدالكريم الأخصاصي الغرباوي – المعسول 18/134.
(2) - المعسول 18/134.(1/485)
1- استشعار الخطر الذي أمسى يتهدد الدراسات والعلوم الإسلامية بصفة عامة وعلوم القراءة بصفة خاصة بسبب ضمور شأنها في المدارس العتيقة والإهمال الطويل لها في التطبيق العملي حتى أصبح المغاربة وهم أكثر الشعوب الإسلامية حفظا للقرءان وأرسخهم قدما في علومه أبعد الناس عن الإجادة فيما يقرأون وأداء ما يعلمون, وذلك ناشي ولا شك عن الفصام النكد الذي وقع بين علوم القراءة وبين سائر العلوم, الأمر الذي أدى إلى عجز القارئ عن فهم ما يقرؤه أو يحفظه من نصوص فضلا عن تطبيقه في الأداء التطبيق الحسن المطلوب.
ومما زاد في تعميق الهوة إهمال إدراج هذه القواعد في المناهج الدراسية, مما جعل المتعلمين فيها من أجهل الناس بها, حتى إذا قرأ أحدهم في المصحف قرأ على ما يقتضيه ظاهر الرسم المكتوب فحرف وخلط(1).
2- إنشاء شعب الدراسات الإسلامية في عدة كليات, وإنعاش هذه الدراسات في المؤسسات التابعة لجامعة القرويين كدار الحديث الحسنية وكليات الشريعة واللغة العربية وأصول الدين, هذه الشعب والكليات التي قامت في العقدين الأخيرين على إحياء التراث الإسلامي ولا سيما المغربي والأندلسي مسدية بذلك خيرا كثيرا للبحث العلمي والتاريخ الحضاري للأمة الإسلامية في هذا الجناح الغربي من ديار الإسلام.
__________
(1) - من التحريف الناشئ عن القراءة بمقتضى الرسم قراءة الواوات الزائدة ساكنة في مثل أولي وأولئك وأولات وقل أونبئكم وسأوريكم, وقراءة اليائين معا في"بأييد" و "بأييكم" "وبأييم الله" إلخ.(1/486)
3- التركيز من لدن بعض الشعب على إحياء التراث القرائي خاصة, ولا سيما ما يتعلق منه بالمدرسة القرائية في المغرب, وكان لدار الحديث الحسنية وشعبة الدراسات الإسلامية بكلية آداب الرباط النصيب الأوفى في ذلك, ولا سيما الأخيرة, حيث تم التوجيه فيها إلى إبراز آثار الأئمة والتنقيب عن المصنفات التي ظلت حبيسة الرفوف والعمل على تحقيق نصوصها والتعريف بها وبمؤلفيها وإعدادها للطبع والتداول.
وعني أستاذنا الجليل المشرف على هذه الدراسات بالتراث القرائي للمدرسة المغربية بصفة خاصة, فكان أكثر رسائل طلبته يدور حتى الآن في هذا الفلك كما تدل على ذلك عناوين هذه البحوث في قائمة الرسائل المسجلة في الشعبة المذكورة(1).
4- دخول عدد مهم من المصادر الأمهات المطبوعة في المشرق في مختلف علوم القراءة بعد أن كانت الساحة لا تكاد تعرف منها إلا "النجوم الطوالع" للمارغني على الدرر اللوامع لابن بري, و"سراج القارئ" لابن القاصح على "حرز الأماني" للشاطبي, و"كتاب النشر في القراءات العشر" لابن الجزري.
وهكذا دخلت المصادر الأصول ككتاب السبعة لابن مجاهد وكتاب الغاية لابن مهران وكتاب المبسوط له وكتاب التذكرة لطاهر بن غلبون, وكتب أبي عمرو الداني كالتيسير والمقنع والمحكم والمكتفى والمنبهة, وكتب مكي ابن أبي طالب القيسي كالتبصرة والكشف والرعاية, وكتاب العنوان لأبي الطاهر بن خلف العمراني, وكتاب تلخيص العبارات لابن بليمة القيرواني وكتاب الإقناع لأبي جعفر ابن الباذش, وكتاب الإيضاج لابن الأنباري وكتاب القطع والائتناف لأبي جعفر النحاس, وشرح أبي شامة على الشاطبية, وشرح ابن أبي السداد على التيسير للداني إلى غير ذلك, مما فتح العيون جيدا على هذه العلوم, وحرك الهمم للبحث فيها.
__________
(1) - المراد الرسائل الجامعية التي يشرف عليها أستاذنا الدكتور التهامي الراجي الهاشمي كما في اللائحة التالية.(1/487)
5– انتشار التسجيل الصوتي للقرءان بأصوات أكابر المجودين من قراء المشرق والمغرب, الأمر الذي حرك همم الناشئة في محاولة للحاق بأولئك المتمرسين بهذا الفن واحتذائهم في حسن الأداء والقراءة.
6- نشأة عدد مهم من دور القرآن والمؤسسات التعليمية الشبيهة بها في لحواضر المغربية هذه الدور التي تزعمت العمل على إحياء فن التجويد, وخاصة في الرباط ومراكش ومكناس ثم في مدن أخرى كسلا وطنجة وآسفي. واكادير وغيرها, وأكثر الذين برعوا اليوم في الأداء وسجلوا الأشرطة الصوتية برواية ورش هم من خريجيها.
7- الجهود الرسمية المرعية من وزارة الأوقاف وغيرها, وقد تمثل نشاطها في هذا الصدد في عدة مظاهر منها:
أ – إحداث برنامج أسبوعي في إذاعة الرباط يهتم بتجويد القرءان ويعقد الصلة بين الناشئة ومشايخ هذا الفن, وذلك في البرنامج الناجح المعنون بـ"كيف نقرأ القرءان" بإشراف السيد عبدالحميد أحساين رحمه الله.
ب – تحريك الهمم في هذا الصدد بإنشاء برامج " المسيرة القرآنية الرمضانية" التي يختار لها كل عام في شهر رمضان قارئ مغربي متميز, وذلك بعد أن كان الاعتماد غالبا في ذلك على قراء المشرق.
ج – إجراء مباريات في التجويد والحفظ من شأنها أن تنمي الحوافز وتنتهي عادة باختيار مجودين أكفاء يعهد إليهم بتسجيل قراءاتهم في أشرطة للتدول والاستعمال, بالإضافة إلى ترشيح بعضهم للمشاركة في المباريات التي تعقد لمثل ذلك في بعض الأقطار الإسلامية, وخاصة في العربية السعودية.
8- الاحتكاك بقراء البلاد العربية, وخاصة لدى طلاب الدراسات الإسلامية في المدينة المنورة.
وقد تجلى أثر ذلك في محاولة كثير منهم إدخال رواية حفص عن عاصم وإحلالها محل الرواية المحلية أعني رواية ورش عن نافع, وقد سارت بعض دور القرءان في ذلك أشواطا بعيدة وخاصة في مراكش.
لائحة الرسائل والأطروحات الجامعية المسجلة في القراءات وعلومها(1/488)
في شعبة الدراسات الإسلامية بكلية الآداب بالرباط ودار الحديث الحسنية.
تحت إشراف الدكتور الرجي وغالبها (من 1985- إلى آخر سنة 1992).
??? القصد النافع لبغية الناشئ والبارع لأبي/ عبدالله الخراز ... إعداد: نعيمة شابلي ... إشراف الدكتور التهامي الراجي
? القول النافع على الدرر اللوامع لابن بري لابن/ الطالب العلوي ... محمد بن سي محمد الموريطاني ... .....
? شرح الدرر اللوامع للإمام المنتوري ... فؤاد ريشة وصاحبه ... .....
? إيضاح الأسرار والبدائع على الدرر اللوامع/ لابن المجراد ... وخيتي يوسف ... .....
? معين الصبيان على الدرر اللوامع للجزولي/ السملالي ... خديجة آيت طالب ... .....
? تفصيل عقد الدرر للشيخ ابن الغازي ... سعيد وديدي ... .....
? تحصيل المنافع ليحيى بن سعيد الكرامي ... الحسن طالبون ... .....
? طرق رواة نافع / ... محمد اللويزي ... .....
? شرح طيبة النشر لابن الجزري للنويري / ... رشيدة ناصر- علو عزيزة ... .....
? رسائل وأجوبة ابن القاضي (دراسة وتحقيق) / ... محمد أبو الوافي ... .....
? فهرس محمد بن عبدالسلام الفاسي / ... محمد أمين زلو ... .....
? علم النصرة في قراءة إمام أهل البصرة لابن/ القاضي ... عبدالعزيز كارتي ... .....
? كنز المعاني في شرح حرز الأماني للجعبري / ... أحمد اليزيدي ... .....
? الدرة الصقيلة في شرح العقلية للبيب / ... عبد العلي آيت زعبول ... .....
? ري الظمآن في عدد آي القرءان للمنتوري ... عبدالعزيز بوشبكة ... .....
? تنبيه العطشان على مورد الظمآن للشوشاوي / ... ميلود الضعيف ... .....
? الأقراط والشنوف بمعرفة الابتداء والوقوف / لابن عبد السلام الفاسي ... طاهر الشفوع ... .....
? الفجر الساطع والضياء اللامع على الدرر/ اللوامع لابن القاضي ... أحمد البوشيخي ... .....
? المنهج المتدارك في شرح دالية ابن المبارك/ للمنجرة ... العربي الخامر ... .....
? ابن جرير الطبري ومنهجه في توظيف القراءات/ القرءانية من خلال التفسير جامع الببيان ... الشليخي رحمة ... .....(1/489)
? القراءات والتقديم والتأخير في القرءان الكريم/ ... باب ولد أبو مدين ... .....
? القراءات التي تضمنها المحتسب في ضوء/ فكرة الترخص ... سعيد مصطفى عياش ... .....
? منهج الإمام الشاطبي في القراءات ... غوردو محمد ... .....
? الوسيلة إلى كشف العقلية لعلم الدين/ السخاوي دراسة وتحقيق ... الإدريسي الطاهري محمد ... .....
? ابن عطية الأندلسي قارئا ... تمام نعيمة ... .....
? قراءات الصحابة رضي الله عنهم ... لحدودي بنيونس ... .....
? المدرسة القرآنية بالمغرب والأندلس في القرن/ الثامن ... عزوزي حسن ... .....
? إتقان الصنعة في تجويد السبعة لأبي العباس/ بن شعيب ... صدقي الحسن ... .....
? الزمخشري ومنهجه في توظيف القراءات/ القرءانية ... مرزوق عبدالرحيم ... .....
? كفاية التحصيل في شرح التفصيل لمسعود/ محمد جموع ... السايب عبدالرحمن ... .....
? فتح المنان شرح مورد الظمآن لابن عاشر / ... الهبطي.الإدريسي عبدالسلام ... .....
? الجامع في شرح الدرر اللوامع لمسعود محمد/ جموع ... خربوشة الطيبي ... .....
أثر بعض الطارئين على البلاد من القراء (1887) في تجديد الاهتمام بالإسناد :
وكان لبعض القراء الذين أقاموا في بعض الحواضر المغربية كالمقرئ الفذ الشيخ منير التونسي المعروف بأبي المظفر أثر بين في الطلبة الذين أتيح لهم الاتصال به غداة إقامته بمراكش وغيرها, وقد أخذ عنه غير واحد من طلاب القراءة بمراكش, وحفظ عليه بعضهم القراءات السبع بطريق الإفراد, أي إفراد كل راو عن السبعة عن غيره في القراءة والأداء على غرار ما هو متداول الآن من تسجيل بصوت أبي المظفر المذكور في قراءته بطريق الأصبهاني عن ورش, وقد غادر الشيخ المغرب بعد أن أقام به نحو الثلاث سنوات صرف معظمها في إحدى دور القرءان في مراكش.(1/490)
ولهذا الشيخ أسانيد في القراءات السبع – كما بلغني – لا أستبعد أن يكون قد أجاز بها المتخرجين عليه. وقد بلغني أن بعض طلبة مراكش حاليا ممن يدرسون بالمدينة المنورة بالجامعة الإسلامية قد حصل على إجازة من الشيخ الزيات أحد شيوخ مقرئي مصر المعمرين وهو مقيم بالمدينة المنورة(1).
وقد حصل بعض طلبة الجامعة الإسلامية – وهو السيد ادريس بن الجيلالي الحنفي من طلاب مدينة فاس على إجازة في رواية ورش من طريق الشاطبية بعث إلي بصورة منها, وهي طويلة في أربع ورقات, أجازه بها الشيخ المقرئ عبدالفتاح السيد عجمي المرصفي الأزهري أستاذ القراءات بالجامعة الإسلامية بالمدينة لمنورة ـ رحمه الله -(2). وهي مؤرخة بيوم 11 رجب الفرد عام 1407 مكتوبة بخط المجيز ومذيلة بتوقيعه وطابعه وختمه الرسمي.
وقد ساق فيها أسانيده مفصلة تنتظم أكابر القراء المشارقة من طريقي الشاطبية وطيبة النشر لابن الجزري وذكر عن الطالب المذكور أنه قرأ عليه القرءان الكريم من أوله إلى آخره برواية الإمام عثمان بن سعيد المصري المعروف بورش, عن شيخه الإمام نافع المدني من طريق الشاطبية, بالتحرير والإتقان, والتجويد والإحسان, على أتم بيان, وأكمل عنوان " قال: "وقد طلب مني الإجازة وكتابة السند فأجزته, وأمرته أن يقرأ ويقرئ برواية ورش عن نافع إفرادا وجمعا لمن شاء متى شاء حيث شاء, في أي قطر حل فيه وارتحل, وفي أي مكان أقام فيه ونزل بشرطه المعتبر عند علماء الأثر...ثم أخبره أنه أخذ القراءات من طريق الشاطبية والدرة ثم من طريق طيبة النشر عن الأستاذ شيخ شيوخ الإقراء في هذا العصر, وأعلى القراء إسنادا في مصر صاحب الفضيلة الشيخ أحمد عبدالعزيز أحمد محمد الزيات المقرئ بالقاهرة المحروسة.
__________
(1) - سيأتي نسبه الكامل في إجازة تلميذه المرصفي عن قريب.
(2) - توفي رحمه الله في صيف عام 1411هـ.(1/491)
ثم أخبره أنه أخذ رواية ورش عن نافع أيضا من طريق الشاطبية ضمن القراءات السبع عن الأستاذ الشيخ رفاعي محمد أحمد المجولي ثم المرصفي... ثم رفع سند كل من الزيات ورفاعي إلى الشاطبي ثم أبي عمرو الداني ثم ساق السند من أبي عمرو الداني في رواية ورش كما هي مذكورة في "التيسير".
خاتمة: تلك بعض عوامل اليقظة التي ألمعت إليها, وهي عوامل بتضافرها سيكون لها ولاشك أثر بليغ في التأثير على مستقبل البحث في هذه العلوم ومستوى الإسهام فيها.
وإني لأعتبر هذا المجهود المتواضع الذي قمت بتقديمه في هذا الصدد من بوادر هذه اليقظة وأحد المعالم الهادية في الطريق, وذلك جهد مقل, وهو لا شك لا يغني عن سائر الجهود التي بذلت في هذا الشأن أو ستبذل, وحسبي أن أكون قد وضعت هذه الصوى, ولعلي بذلك أكون بمثابة الرائد الذي لا يكذب أهله. والله الموفق.
خاتمة :
وأختم هذا التطواف مع المدرسة المغربية باستعراض أصولها الأدائية في هذه الرواية من طريقها المختارة أعني طريق الأزرق وما فيها من خصائص أصبحت بمثابة الشعار للتلاوة المغربية مع التنبيه على طرف من مسائل الخلاف التي كانت مثار الأخذ والرد ومعتركا للأقران في مدارس الأداء مع ما يقتضيه ذلك من نقول وتوجيهات. وذلك في العدد التالي ليكون عرض مادة هذا الفصل بمثابة الخلاصة والخاتمة لهذه المباحث والله المستعان.
فهرسة مصادر العدد السابع والعشرين
? إبراز الضمير من أسرار التصدير مع شرح أرجوزة التصدير كلاهما للشيخ محمد بن عبدالسلام الفاسي (1214هـ) مخطوط خ ح برقم 3443.
? إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر للشيخ أحمد البنا الدمياطي تحقيق الدكتور شعبان محمد إسماعيل نشر عالم الكتب – مكتبة الكليات الأزهرية – القاهرة ط1 : 1407هـ-1987م.
? إتقان الصنعة في التجويد للقراء السبعة لأحمد بن شعيب الأندلسي نزيل فاس. رسالة دبلوم الدراسات العليا بتحقيق السيد حسن صدقي – مرقونة بالآلة.(1/492)
? إجازة أبي عبدالله البوعناني لأبي عبدالله الشرقي الدلائي م خ ح بالرباط برقم 9977.
? إجازة أبي زيد عبدالرحمن بن القاضي لأبي عبدالله الرحماني الحشادي م خ أوقاف آسفي.
? إجازة أبي عبدالله محمد بن يوسف التملي لأبي عبدالله الرحماني الحشادي م خ أوقاف آسفي.
? إجازة الشيخ أبي الحسن علي بن هارون من أصحاب ابن غازي للأمير أبي العباس أحمد بن محمد الشيخ الوطاسي بقراءة الإمام نافع:(منظومة رجزية) م خ أوقاف آسفي.
? أرجوزة النافع في حرف نافع لأبي زيد عبدالرحمن الجادري (مخطوطة).
? الأرجوزة المنبهة على أسماء القراء والرواة وأصول القراءات (منبهة الشيخ أبي عمرو الداني) بتحقيق الدكتور الحسن بن أحمد وكاك (أطروحة دكتوراه) من دارالحديث الحسنية دراسة وتحقيق.
? الأرجوزة التهامية في الوقف على الهمز لحمزة وهشام للشيخ محمد التهامي الأوبيري (مخطوطة).
? أرجوزة في القراءات وشرح عليها للشيخ محمد بن عبدالسلام الفاسي م خ ح برقم 7133.
? إسعاف الإخوان الراغبين بتراجم ثلة من علماء المغرب المعاصرين لمحمد بن الفاطمي السلمي الشهير بابن الحاج – الطبعة 1: 1412هـ - 1992م مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء.
? الإعلام بمن دخل مراكش وأغمات من الأعلام للعباس بن ابراهيم المراكشي – المطبعة الملكية – الرباط:1975م.
? أنوار التعريف لذوي التفصيل والتعريف لمحمد بن أبي القاسم الجزولي الحامدي م خ ح برقم 8885- الرباط.
? إيضاح ما ينبهم على الورى في قراءة عالم أم القرى عبد الله بن كثير المكي – رسالة دبلوم للسيد محمد بلوالي مرقونة بدار الحديث الحسنية بالرباط.
? تاريخ الضعيف (تاريخ الدولة السعيدة) لمحمد الضعيف الرباطي (1165-1233هـ) تحقيق وتعليق وتقديم الأستاذ أحمد العماري – نشر دار المأثورات – الرباط- أكدال.
? تاريخ بغداد لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي الحافظ - نشر دار الكتاب العربي – بيروت.(1/493)
? التذكرة في القراءات الثمان لأبي الحسن طاهر بن عبدالمنعم بن غلبون الحلبي تحقيق الدكتور عبدالفتاح بحيري إبراهيم: الطبعة 2: مكتبة الزهراء للإعلام العربي.
? تسهيل المعارج إلى تحقيق المخارج – شرح لباب مخارج الحروف وصفاتها من الشاطبية للشيخ محمد بن عبدالسلام الفاسي – م ح ح في مجموع برقم 1057.
? تقييد وقف القرءان الكريم للشيخ محمد بن أبي جمعة الهبطي (ت 930هـ) دراسة وتحقيق الدكتور الحسن بن أحمد وكاك : 1411هـ - 1991م الطبعة الأولى. مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء.
? تقريب النشر في القراءات العشر للحافظ ابن الجزري (مخطوطة مصورة).
? التوضيح والبيان في مقرإ نافع المدني ابن عبدالرحمن لأبي العلاء ادريس بن عبدالله الودغيري البدراوي طبعة حجرية بفاس.
? جواهر الكمال في تراجم الرجال للشيخ محمد بن أحمد العبدي الكانوني – المطبعة العربية – الدار البيضاء.
? خلال جزولة للشيخ محمد المختار السوسي.
? دعوة الحق: مجلة تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالرباط – العدد4.
? درة الحجال في أسماء الرجال لأحمد بن محمد بن القاضي المكناسي تحقيق محمد الأحمدي أبو النور ط 1: 1390هـ- 1970م.
? رجالات العلم العربي في سوس لمحمد المختار السوسي – نشر رضى الله عبدالوافي المختار السوسي – المغرب.
? الرحلة العياشية (ماء الموائد) لأبي سالم العياشي ط2 إعداد محمد حجي : 1397هـ - 1989م.
? رسالة المغرب العدد الأول السنة السادسة : 1943م.
? رسالة مواهب المنان للمولى محمد بن عبدالله العلوي م خ ح رقم 3737.
? رياض الجنة لعبدالحفيظ الفاسي – طبعة حجرية – فاس.
? الزاوية الدلائية ودورها الديني والعلمي والسياسي لمحمد حجي – المطبعة الوطنية – الرباط : 1384 هـ- 1964م.
? سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس لمحمد بن جعفر الكتاني الفاسي طبعة حجرية – فاس.
? سوس العالمة لمحمد المختار السوسي – الطبعة 2 : 1984م – 1404هـ الدارالبيضاء.(1/494)
? صفوة من انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر لمحمد الصغير اليفرني المراكشي – طبعة حجرية – فاس.
? عرف الند في حكم حرف المد لأبي العباس أحمد بن عبدالعزيز بن الرشيد السجلماسي م خ ح : 1064.
? غاية النهاية في طبقات القراء لأبي الخير الحافظ ابن الجزري تحقيق برجشتراسر نشر دار الكتب العلمية – لبنان.
? فتح الوصيد في شرح القصيد (شرح الشاطبية) لعلم الدين علي بن محمد السخاوي (مصورة عن مخطوط).
? فهرس أحمد المنجور تحقيق محمد حجي – الرباط : 1396هـ- 1976م.
? فهرسة ابن غازي (التعلل برسوم الإسناد) تحقيق محمد الزاهي : 1399هـ - 1979م – الدارالبيضاء.
? فهرسة الإمام أبي زكريا السراج (مخطوطوة).
? فهرسة أبي زيد عبدالرحمن بن ادريس المنجرة م خ ح رقم 11463.
? فهرسة الخزانة العامة بتطوان.
? فهرسة (برنامج) شيوخ محمد بن عبدالسلام الفاسي في مجموع م خ ح برقم 1057. م خ ع في مجموع برقم 3443.
? الفجر الساطع والضياء اللامع في شرح الدرر اللوامع لأبي زيد عبدالرحمن بن القاضي (مخطوط).
? القراء والقراءات بالمغرب لسعيد اعراب نشر دار الغرب الإسلامي ط 1: 1410هـ - 1990م.
? المحجة في تجويد القرءان لمحمد الإبراهيمي نشر المكتبة السلفية – الدارالبيضاء ط 1 : 1410هـ - 1980م.
? مجلة دار الحديث – الرباط – العدد 7 السنة 1399هـ - 1989م.
? المقاصد النامية في شرح القصيدة الدالية لابن مبارك لعبدالرحمن المنجرة م خ ح برقم 1057.
? معجم المؤلفين لرضا كحالة.
? المناهل السلسلة في الأحاديث المسلسلة للشيخ عبدالباقي الأيوبي – نشر دار إحياء علوم الدين بيروت.
? المعسول لمحمد المختار السوسي.
? معرفة القراء الكبار للذهبي تحقيق محمد سيد جاد الحق – دار الكتب الحديثة بمصر القاهرة.
? مناقب الحضيكي : المطبعة العربية بالدارالبيضاء: 1357هـ.
? منجد المقرئين للحافظ ابن الجزري نشر دار الكتب العلمية بيروت.(1/495)
? ملتقط الرحلة من المغرب إلى حضرموت ليوسف بن عابد الحسني الفاسي تحقيق الدكتور أمين توفيق الطيبي: 1988م.
? عيون الأخبار لابن قتيبة – نشر دار الكتاب العربي بيروت – لبنان.
? غيث النفع في القراءات السبع لأبي الحسن علي النوري الصفاقسي بهامش سراج القارئ على الشاطبية.
? النشر في القراءات العشر للحافظ ابن الجزري تصحيح على الضباع – مطبعة مصطفى محمد – مصر.
? نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني لمحمد بن الطيب القادري تحقيق محمد حجي وأحمد التوفيق الرباط : 1397هـ - 1977م.
? كيف نقرأ القرءان للشيخ عبدالحميد أحساين.
فهرسة محتويات العدد السابع والعشرون.
العنوان ... الصفحة
مقدمة ... .3
- نظام الأخذ والإجازة وشبكات الأسانيد المعتمدة في المدرسة المغربية ... ...
الفصل الأول : الإجازة بالقراءات في المدرسة المغربية ...
- شروط الإجازة بالقراءة وأنواعها وما يتعلق بها ...
- أهمية الإجازة في علم القراءات وكيف كانت تحرر من لدن المشايخ ...
- المحور العام لأسانيد القراءة في المغرب في رواية ورش عن نافع ...
1- إجازة أبي عبدالله البوعناني لأبي عبدالله الشرقي (نموذجا) ...
- إجازته له بالقراءة من طريق حرز الأماني (الشاطبية) وسنده بها ...
- تاريخ الإجازة وشهادات العلماء والقراء الموقعين فيها بأسمائهم وأنسابهم.
2- الإجازة النظمية للشيخ أبي الحسن بن هارون لأبي العباس الوطاسي الأمير (نموذجا) ...
- تذييل الإجازة النظمية لأبي عبدالله الرحماني بإذن شيخه محمد بن يوسف التملي من طريق كتاب " التعريف في اختلاف الرواة عن نافع" لأبي عمرو الداني ...
3- إجازة الشيخ أبي عبدالله محمد بن يوسف التملي لأبي عبدالله الرحماني بالطرق النافعية ...
4- إجازة أبي زيدبن القاضي لأبي عبدالله الرحماني ...
- نص الإجازة النثرية ...
- نص الإجازة النظمية ...
الفصل الثاني: امتدادات الطرق المتفرعة عن مدرسة ابن غازي ...
- أهم الطرق عن أبي زيد عبدالرحمن بن القاضي شيخ الجماعة بفاس ...(1/496)
5- سند الشيخ أبي العلاء ادريس بن محمد المنجرة من طريق ولده أبي زيد عبدالرحمن بن ادريس ...
- أهم الطرق عن الشيخ أبي العلاء المنجرة ...
- أسانيد القراءة المتفرعة عن فهرسة الإمام المنجرة من الطرق المغربية ...
- سنده في العشر الصغير الخاص بقراءة نافع عند المغاربة من طريق الأزرق عن ورش ...
- أسانيده من الطرق المشرقية ...
- أهمية كتاب النشر لابن الجزري وفرح أئمة القراء بالمغرب بدخوله ووصوله إلى مدينة فاس ...
- طرق الرواية في الجهات المغربية مما تفرع عن مدرسة أبي العلاء المنجرة وابنه أبي زيد والآخرين عنهما ...
- طريق أبي عبدالله الهواري الوطاوي ...
- طريق محمد بن علي العاجي الجائي صاحب كتاب "جمع المنافع في طرق الإمام نافع" ...
الفصل الثالث: طريق أبي عبدالله محمد بن عبدالسلام الفاسي شيخ الجماعة بفاس والمغرب في زمنه ...
- جولاته العلمية وتصدره للإقراء ...
- مؤلفاته ...
6- سند الشيخ ابن عبدالسلام وصلته بالمحور العام من طريق أبي زيد المنجرة.
- السند المغربي وطريق أبي العلاء المنجرة فيه ...
- إسناده العام الجامع بين المدرستين المشرقية والمغربية (أرجوزة) ...
- سنده في قراءة نافع (أرجوزة لبعض أصحابه) ...
- فروع مدرسة الشيخ ابن عبد السلام ...
- نماذج من أمهات الطرق عنه في مختلف الجهات من المغرب ...
1- طريق أبي العلاء ادريس بن عبد الله البكراوي بفاس ...
2- طريق مكناسية : طريق محمد بصري ...
3- طرق شمالية عن المنجرة وابن عبدالسلام ...
4- طرق جنوبية غربية في جهات الصويرة ومراكش ...
1- طريق الشيخ عبدالله السكياطي وفروعها في الجنوب المغربي وسوس ...
2- طريق الشيخ التهامي الأوبيري بحوز مراكش ودكالة عبدة والشياظمة ...
مؤلفات الشيخ التهامي الأوبيري ...
الطرق عنه :
- طريق أبي عبدالله الطواجني ...
- طريق الشيخ أحمد بن علي الغنيمي العبدي بجمعة سحيم بإقليم آسفي ...
- طريق الشيخ سيدي محمد الزوين الحوزي بأحواز مراكش ...
- مدرسته وفروعها ...(1/497)
5- بعض الطرق السوسية المتصلة بالشيخ محمد بن عبدالسلام: ...
- سند الشيخ أنجار إلى ابن عبدالسلام بمدرسة أكلو بضواحي تيزنيت ...
- الشيخ محمد بن عبدالله الضحاكي أحد فحول القراء بآيت باعمران ...
- الشيخ محمد بن العربي الهواري بقبيلة المنابهة بضواحي تارودانت ...
- الشيخ أبو الحسن أشطاب التارحالتي ...
- تراجع الاهتمام بالسند وتراجع الاهتمام بالقراءات ...
- دروس العلم بأهمية الإسناد بالمغرب وانقطاع الأسانيد في الجملة في الوقت الحاضر ...
- دعوى بعض المعاصرين في حصولهم على السند المعتبر في القراءات وإجازات الشيوخ ...
- دعوى الرواية والإسناد من طريق القراء من الجن كشمهروش قاضي الجن وميمون العفريت ...
- سقوط قيمة الإسناد من طريق الجن في الميزان العلمي ...
- الإنذار بالمخاطر التي تتهدد علوم القراءات ووجوب العمل على تدارك ما بقي منها والطرق إلى ذلك ...
- لائحة أهم الرسائل والأطروحات الجامعية المسجلة في مباحث القراءات بكلية الآداب بالرباط ودار الحديث الحسنية في السنوات العشر الأخيرة إلى عام 1994م وأسماء الطلبة الذين قاموا بتسجيلها تحت إشراف أستاذنا الدكتور التهامي الراجي الهاشمي ...
- أثر بعض الطارئين على البلاد من القراء في تجديد الاهتمام بالإسناد ...
خاتمة ...
فهرس المصادر والمراجع العدد 27 ...
فهرس المحتويات ...(1/498)