هذا الشرح هو المتداول له، وقد طبع في مجلد طبعة قديمة، ثم أعيد طبعه محققتا(1).
وقد أشار في أوله أنه كان قد بدأ في كتابه بلغ به باب الهمزتين من كلمة في نحو مجلدة، ثم عدل عنه(2). وقال في"ذيل الروضتين":"وهما شرحان أصغر وأكبر، والأكبر إلى الآن لم يتم، والأصغر مجلدان"(3).
ويعتبر هذا الشرح من أحسن شروح الشاطبية مع صغر حجمه النسبي، وقد اعتمده الأئمة كثيرا في تدريس الشاطبية، وحرصوا على روايته بالسند إلى مؤلفه كما نجد عند المنتوري في الأندلس(4) وابن الجزري في الشام(5)، ودليل رواجه وسعة اعتماده ما نجده من كثرة نسخه المخطوطة في الخزائن الرسمية، ومنها ما كتب في حياة مؤلفه(6)، وقد ذكر له في الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط 63 مخطوطة وسمى مواضع وجوده وذكر أرقامها في الخزائن ثم ذكر خاتمتها(1/233) وجود مختصر منه باسم:
12- مختصر ابراز المعاني من حرز الأماني ووجه التهاني للمؤلف نفسه.
وذكر أن من هذا المختصر مخطوطة بأوقاف الموصل كتبت سنة 772 وهي برقم 18/2 وعدد أوراقها 233.
فإذا صح هذا وكان المؤلف هو واضع هذا المختصر أيضا، دل ذلك على أنه بعد أن عدل عن تأليفه الكبير إلى تأليفه المتداول وأتمه، رأى أن يعود عليه فيختصره، ويقتصر منه على ما لا بد منه دون إفاضة في النقول والتوجيهات.
__________
(1) - طبع أولا بمطبعة مصطفى البابي بمصر سنة 1349 هو وبهامشه إرشاد: المريد على مقصود القصيد، والبهجة المرضية في القراءات الثلاث المتممة للعشر وكلاهما للشيخ علي الضباع. وطبع أخيرا بتحقيق إبراهيم عطوة في مجلد كبير يقع في 762 صفحة بتاريخ 1398 هـ 1978.
(2) - إبراز المعاني 8( الطبعة المحققة).
(3) - ذيل الروضتين 39.
(4) - فهرس المنتوري لوحة 7.
(5) - النشر 1/63.
(6) - منها نسخة كتبت سنة 657 مخطوطة بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض رقم 2514.(1/190)
إلا أن في النفس شيئا من نسبة هذا المختصر إليه، لأنه في كتابه الآخر "المرشد الوجيز" إنما يذكر المختصر والكبير، فلعل المفهرس أو الناسخ سمى التأليف المتداول بـ"المختصر" وظنه اختصارا جديدا، وذلك لأن المؤلف فيما يبدو قد احتفظ بعنوان: إبراز المعاني" للكبير والصغير المختصر منه معا، ولهذا نجده يقول في الباب الرابع من المرشد الوجيز عند ذكر"معنى القراءات المشهورة". وقد قدمت في أول: إبراز المعاني المختصر"قولا في ذلك، وطولت فيه النفس في "الكتاب الكبير" في شرح"جزى الله بالخيرات..: الخ(1).
وقال مرة أخرى: "على ما نقلناه في الكتاب الكبيرمن ابراز المعاني"(2).
وأول الشرح المطبوع المتداول قوله:" الحمد لله الذي أسبغ علينا نعمه، وأفاض لدينا منه، وأنزل إلينا كتابه الذي فصل آياته فأحكمه وأتقنه، وجعلنا من حملته وخدام شرعه الذي علمنا فروضه وسننه، وخصنا بإرسال أكرم الخلق عليه الذي طهر قلبه وأظهر لسنه...
"أما بعد فإن أولى ما افنى فيه المكلف عمره، وعلق به خاطره وأعمل فيه فكره، تحصيل العلوم النافعة الشرعية، واستعمالها في الأعمال المرضية، وأهم ذلك علم كتاب الله تعالى الذي تولى سبحانه حفظه بفضله، وأعجز الخلائق أن يأتوا بمثله، وجعل ذلك برهانا لتصديق رسوله من أنزل عليه... ولا يحصل ذلك إلا بعد الإحاطة بما صح من قراءاته، وثبت من رواياته، ليعلم بأي لفظ يقرأ؟ وعلى أي وجه يروى".
والقرآن كلام الله منقول نقل التواتر عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الذي أنزل إليه، لم يزل في كل حين وجيل ينقله خلق لا يحصى، ويبحث في ألفاظه ومعانيه ويستقصى، وإنما يعد أهل العلم منهم من كثرت عنايته به، واشتهر عند الناس بسببه".
__________
(1) - المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز لأبي شامة 146.
(2) - المصدر نفسه 161.(1/191)
"وذكر الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام- رحمه الله تعالى- في أول كتابه في القراءات(1) تسمية من نقل عنهم شيء من وجوه القراءات من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من كبار أئمة المسلمين، فذكر الخلفاء... وساق أسماء القراء المشهورين في الأمصار ثم قال:"ثم إن القراء بعد هؤلاء كثروا، وتفرقوا في البلاد وانتشروا، وخلفهم أمم بعد أمم عرفت طبقاتهم، واختلفت صفاتهم، فمنهم المحكم للتلاوة، المعروف بالرواية والدراية، ومنهم المقتصر على وصف من هذه الأوصاف، وكثر بسبب ذلك الاختلاف، وقل الضبط، واتسع الخرق، والتبس الباطل بالحق، فميز جهابذة العلماء ذلك بتصانيفهم وحرروه وضبطوه في تآليفهم...
ثم ذكر تأليف أبي بكر بن مجاهد لكتابه في السبعة، وأوضح أن القراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول فعرض طائفة من الآثار الواردة في ذلك، ثم تطرق لذكر شروط القراءة المقبولة وميزها عن الشاذة، ثم ذكر تطور التأليف فيها وظهور القراءات السبع واشتهار الأخذ بها خاصة، ثم عقد فصلا لذكر القراء السبعة وساق تراجمهم باختصار، ثم قال متحدثا عن القصيدة التي وضع شرحه عليها:"ثم إن الله تعالى سهل هذا العلم على طالبيه بما نظمه الشيخ الإمام العالم الزاهد أبو بالقاسم الشاطبي ـ رحمه الله ـ من قصيدته المشهورة المنعوتة ب"حرز الأماني"(2).
13- شرح الشاطبية لأبي الحسن علي بن يعقوب بن شجاع المعروف بالعماد الموصلي شيخ مشايخ الاقراء بدمشق (ت682).
__________
(1) - تقدم ذكر النص المتعلق بقراء الأمصار نقلا عن أبي عبيد في الباب الأول من هذه الدراسة.
(2) - ابراز المعاني – الطيعة المحققة 1- 3.(1/192)
قال ابن الجزري:"قرأ القرءات علىالشيخ ابي اسحاق ابراهيم بن وثيق الاشبيلي الأندلسي(1) وغيره بالموصل... وصنف شرحا للقصيد في نحو أربع مجلدات لم يكمله ولا بيضه"(2).
14- شرح الشاطبية لعلاء الدين بن أحمد (ت 706)، ذكره له في كشف الظنون(3)
15- شرح الشاطبية لأبي موسى جعفر بن مكي الموصلي شيخ شيراز ونزيلها(ت 713).
قال ابن الجزري:"امام فاضل كامل صالح، وفقت له على شرح الشاطبية.."(4).
16- شرح الشاطبية لعلي بن يوسف بن حريز أبي الحسن الشنطوفي اللخمي شيخ الاقراء بالديار المصرية (ت 713)، قال ابن الجزري:"تصدر للإقراء بالجامع الأزهر من القاهرة، وتكاثر عليه الناس لأجل الفوائد والتحقيق، وبلغني أنه عمل على الشاطبية شرحا، فلو ظهر لكان من أجود شروحها"(5).
17- شرح الشاطبية لأبي الحسن علي بن محمد بن عبد الحق الزرويلي القاضي المعروف بالصغير(مصغرا) (ت 719)
ويسمى: "الشعلة على الشاطبية"، ومؤلفه من أعلام علماء فاس من أصحاب ابي الحسن ابن سليمان القرطبي شيخ الجماعة بها كما سيأتي.
__________
(1) - هو إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن بن وثيق أبو إسحاق وكناه ابن الجزري بأبي القاسم الإشبيلي، قرأ على حبيب بن محمد سبط شريح ونجبة بن يحيى وجماعة من أصحاب شريح بن محمد بن شريح الرعيني ورحل إلى المشرق فطاف بالبلاد واقرأ بالشام والموصل ومصر وتوفي بها سنة654- ترجمته في غاية النهاية 1/24- 25
(2) - غاية النهاية 1/584 ترجمة 2372.
(3) - كشف الظنون 1/648
(4) - غاية النهاية 1/198 ترجمة 914.
(5) - غاية النهاية 1/585 ترجمة 2373.(1/193)
18- شرح الشاطبية أو"فرائد المعاني في شرح حرز الأماني ووجه التهاني لأبي عبد الله محمد بن محمد بن داود الصنهاجي المعروف بابن آجروم النحوي المشهور(ت 723) من أصحاب أبي عبد الله بن القصاب ـ كما سيأتي في ترجمته ـ وهو من أنفس شروح الشاطبية وأحفلها، ويقع في مجلدين متوسطين. وقد وفقت في أول إعدادي لهذا البحث على نسخة قيمة بالخزانة العامة بالرباط مسجلة بها تحت رقم ق: 146 وهي في جزءين جمعا في مجلد واحد كبير، وتقع في 327 صفحة مرقمة من الجهتين بخط مغربي متوسط ومسطرتها 35 بمعدل 10 كلمات في السطر.
ومما ضاعف من قيمتها وأهميتها ما جاء علىأول ورقة منها في الجزء الأول من الإشارة إلى أن المخطوطة بخط يده المباركة، إلا ماجدد بمحو أو سقط من بعض الورقات فإنه بخط يد ولده عبد الله(1) بن محمد المدعو منديل رحمهما الله تعالى".
ثم رأيت جامع (الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط) ذكر أن من هذا الشرح نسخة بجامعةالقرويين بفاس برقم (ق 146) في جزئين بخط المؤلف نفسه، وأشار إلى قائمة النوادر (ص7)(2) فلعل هذه الإشارة إلى النسخة نفسها التي وقفت عليها بالرباط لأن المعلومات عنها متحدة.
وتوجد بالخزانة العامة أيضا نسخة من شرحه في مجلدين يقف ثانيهما عند فرش الحروف لبتر فيه(3).
وتبتدئ النسخة التي هي بخط المؤلف بقوله: "يقول محمد بن محمد بن داود الصنهاجي عفا الله عنه: "الحمد لله المبتدئ بالإحسان، المتفضل بنعمتي الإسلام والإيمان، المفضل نوع الإنسان على سائر الحيوان، مطلق الألسنة بذكره، ومرشدها مهيع حمده وشكره، نور البصائر بنور الأفهام، وكحل باثمد الحكمة آماق الأفهام ...
__________
(1) - كذا والصحيح أبي عبد الله محمد كاسم والده كما سيأتي في ترجمته
(2) - الفهرس الشامل للتراث 1/243
(3) - رقمها بالخزانة المذكورة ق 664(1/194)
ثم بعد تمام الخطبة التي استغرقت صفحة ونصفا من الأخرى ختم بذكر فضل كتاب الله وقراءته، ثم ذكر أن من أحسن ما فيه صنف، وفي قراءته ألف، قصيدة أبي القاسم الشاطبي ـ رحمه الله ـ..ثم ذكر نحوا مما نقلناه آنفا عند استعراض آراء العلماء في الشاطبية، ثم قال :
"ولم أزل منذ حفظي لها مولعا بالنظر في معانيها، مغرى بتأمل مقاصدها ومناحيها، مستفتحا باب مبهمها، متعرضا لإفصاح معجمها، إلى أن منح الله الكريم ما كنت من ذلك أروم، وأعثرني على ما كنت منه(1) أحوم، فوضعت هذا الكتاب مبينا فيه مقاصده، وممهدا قواعده، وموضحا مشكلات إعرابه، ومستوفيا لفصوله وأبوابه، مع ما أوردته من تعليل وتوجيه لوجوه القراءات، بعبارات مهذبة، وألفاظ مقربة ...
وهكذا تابع الحديث عن منهجه، ثم شرع في بيان معاني أبيات القصيدة إلى نهايتها. وطريقه في ذلك أنه يعمد إلى حل معاني الأبيات ويستوفي إعرابها، ويذكر القراءة وتوجيهها من جهة العربية، ولا يتعرض لمسائل الخلاف بين الأئمة كالداني ومكي واين شريح والمهدوي وغيرهم إلا نادرا، كما أنه لا يكاد ينقل عنهم، ويكثر عنده النقل عن شيخه أبي عبد الله محمد بن القصاب(2).
وقد سد بهذا التأليف في زمنه بالنسبة للمغاربة فراغا كبيرا، إذ كانت شروحها المشرقية أو المغربية التي كتبت في المشرق ما تزال حتى هذا العهد محدودة الاستعمال وقليلة في الأيدي، وقد اعتمده الأئمة كثيرا، ونقل عنه أبو عبد الله الخراز (718) في حياة مؤلفه كما نجد ذلك مبثوثا في شرحه على الدرر اللوامع لابن بري، حيث نجده يقول: "قال صاحبنا الأستاذ أبو عبد الله(3)، أو يقول : "قال صاحبنا الأستاذ أبو عبد الله محمد الجرومي.. (4).
__________
(1) - كذا ولعل الأنسب عليه.
(2) - كما في حديثه عن الفصل بين الهمزتين بمد.
(3) - القصد النافع لبغية الناشئ والبارع ورقة 62-51-104-105 (مخطوطة الخزانة العامة بالرباط رقم 3719).
(4) - ورقة 49.(1/195)
ونقل عنه أبو الفضل بن المجراد في مواضع من شرحه من أهمها هذا النص الذي يكشف لنا عن بعض شيوخه من الأئمة المتصدرين بسبتة ـ كما تقدم ـ ممن لا يذكر أحد أخذه عنهم، يقول ابن المجراد في "إيضاح الأسرار والبدائع" على ابن بري عند قوله : وباء اسرائيل ذات قصر هذا الصحيح عند أهل مصر : "وهذا الحكم المذكور إنما هو في الوصل، وأما في الوقف فقال ابن آجروم في "قرائد المعاني" : "لا يجوز فيه إلا الطبيعي كما في الوصل، لأنه إنما ترك مد الياء في الوصل خوفا من أن يجمع في كلمة واحدة بين مدتين مع كونه أعجميا، وهذا بعينه موجود في الوقف، وقد سألت عن ذلك شيخنا أبا القاسم بن الطيب الضرير(1) فقال ما هذا نصه : "وأما مد "القرءان" في الوقف وما أشبهه مما يترك ورش مده في الوصل، فإنه يجري في غيره من حروف المد في الوقف، لأن اختلافهم في مده مبني على الإعتداد بما يسكنه الموقف هل يجري السكون العارض مجرى الأصلي أم لا ؟ انتهى كلامه ـ قال ـ : فانظر كيق ساوى بين "القرءان" "والظمئان" "واسراءيل" والقياس يوجب ما تقدم من التفصيل والله أعلم." انتهى كلام ابن آجروم(2).
19- شرح الشاطبية ليوسف بن أبي بكر المعروف بابن خطيب بيت الأبار(ت سنة 725).
ذكره حاجي خليفة في الكشف وقال : في مجلدين ضخمين(3)، ولعله غير الشرح التالي:
20- شرح يوسف بن أسد الخلاطي العباسي أو "كشف المعاني في شرح حرز الأماني".
__________
(1) - هو محمد بن عبد الرحيم أبو القاسم القيسي الضرير نزيل سبتة (ت 701) تقدم في المبرزين من مشايخ الإقراء بسبتة
(2) - إيضاح الأسرار والبدائع لابن المجراد (باب المد)، ونقل عنه في ذكر ميم الجمع وباب الهمز والنقل وغير ذلك.
(3) - كشف الظنون 1/648.(1/196)
توجد منه مخطوطة في الخزانة الحسنية بالرباط تحت رقم 12534ز جاء وصفها في فهرستها فذكر أن أولها "الحمد لله ذي الألطاف الخفية ... وآخرها"والله أعلم بالصواب، فهذا آخر "كشف المعاني "على الإيجاز والإختصار"(1).
وجاء ذكر نسخ خظية أخرى من الشرح المذكور في الحرم المكي برقم 51/49 والخزانة العمومية بأستامبول بتركية برقم 227 وغيرها(2).
21- شرح الشاطبية أو "المفيد في شرح القصيد" لأبي العباس أحمد بن محمد بن عبد الولي بن جبارة المقدسي (نزيل القدس) (ت 728).
قال الحافظ الذهبي: "صنف شرحا كبيرا للشاطبية حشاه بالاحتمالات البعيدة وشرحا للرائية"(3). وقال ابن الجزري: "لكنه للرائية أحسن، وكلاهما حسن مفيد، ولكنه أكثر من الإحتمالات البعيدة"(4). وقد رواه بإسناده في النشر في جملة شروحها الستة التي أسندها(5). وما تزال نسخة من هذا الشرح محفوظة في خزانة بلدية الإسكندرية بمصر تحت رقم 1529 ب(6).
22- شرح الشاطبية أو "تذهيب الأمنية في تهذيب الشاطبية "لأبي إسحاق إبراهيم بن يوسف بن عبد الملك ابن عوانة القرشي الهاشمي القيرواني (ت في حدود 730).
ذكره في هدية العارفين وقال في ثلاثة أسفار"(7).
23- شرح الشاطبية أو "كنز المعاني في شرح حرز الأماني " "لأبي إسحاق إبراهيم بن عمر بن إبراهيم برهان الدين الجعبري (ت 732).
__________
(1) - فهرس الخزانة الحسنية 6/140-141 وتاريخ نسخها ربيع الثاني 735.
(2) - ينظر في ذلك "الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط 2/677-678.
(3) - معرفة القراء الكبار 2/593-594 طبقة 18.
(4) - غاية النهاية 1/122 ترجمة 565.
(5) - النشر 1/63/64.
(6) - الفهرس الشامل للتراث 1/244.
(7) - هدية العارفين 1/ع 107.(1/197)
وهذا الشرح يعتبر أسير شروحها وأوسعها مادة من حيث الغنى لا من حيث الحجم، فربما كان من الشروح ما هو أضخم منه، ويشتغل حاليا في تحقيقه بعض طلبة الدراسات الإسلامية(1).وقد أثنى عليه الذهبي بقوله : "شرح كبير للشاطبية كامل في معناه"(2)، وقال فيه أبو العباس القسطلاني "شرح عظيم لم يصنف مثله"،(3) وقال صاحب الكشف: "وله ـ الحرز ـ شروح كثيرة أحسنها وأدقها شرح الشيخ برهان الدين إبراهيم بن عمر الجعبري (ت 732) وهو شرح مفيد مشهور..فرغ من تأليفه في سلخ شعبان سنة 691"(4)، ونسخه الخطية كثيرة لا تحصى في الخزائن الرسمية وغيرها، وقد وفقت منها على جملة(5)، وأوله قوله: "الحمد لله مبدئ الأمم، ومنشئ الرمم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، منزه عن الأضداد والأنداد، فالق الإصباح، وخالق الأشباح، ورازق الأرواح ... إلى أن قال متحدثا عن جلوسه للإقراء : "ولما أهلني الله للإقراء بحرم إبراهيم ـ عليه السلام ـ(6)
__________
(1) - هو الأخ أحمد اليزيدي في أطروحة دكتواره الدولة في العلوم الإسلامية من آداب الرباط.
(2) -معرفة القراء 2/591، طبقة 18.
(3) - لطائف الإشارات لفنون القراءات 1/89.
(4) - كشف الظنون 1/646.
(5) -منه نسختان في خ ع برقم 1007 د- 1107ق – وبالحسنية برقم 363-503 وبالقرويين برقم 1044 وبالناصرية بتمكروت برقم 9559، وذكر في (افهرس الشامل للتراث 1/255 أرقام 98 نسخة موزعة على مكتبات العالم).
(6) - كان شيخ مدينة الخليل بفلسطين كما في معرفة القراء للذهبي 2/591 طبعة 18..(1/198)
وجعلني ممن حباه بهذا الإكرام، تلقيته بالقبول، وألفيته عتبة للوصول، وألقيت به جراني وحمدته على ما أولاني ... ثم تحدث عن حرز الأماني فقال : ثم حبب الله إلي هذه القصيدة فحفظتها في دروس وأنا في الثلاثين بمدينة السلام، ولم أجد لشيوخها بها كثير اهتمام، فكابدتها وحيدا من الجليس، فقيد الأنيس، وتكفلت بتصحيح ألفاظها، وفهم معانيها، إلى أن أحلني الله بحبوحة مغانيها، وكنت أستغرق في الفكر حتى يغشاني النعاس مرارا، فأرى بين يدي أسفارا، فأستقرئها فإذا فيها شرح الأبيات التي أنا فيها، فتارة يسبق إلي، وتارة يغلق علي.
"ولما فجرت ينبوعها، توطن محصولها ربوعها، وها أنذا ممهد لك أيها الطالب أصولا تبين درره، وفصولا تعين غرره، إن حققت النظر، وأعملت الفكر، انحلت لك غرائب رموزه، وانهلت عليك مطالب كنوزه، تناءيت به عن الإملال، وتجافيت عن الإخلال، ووشحته بإختلاف أقوال الشارحين، مبينا ما طابق كلام الناظم أو مذاهب الناقلين، ورشحته بمحاسن التعليل، مبينا متين الدليل، ومضيت على اختياري من القراءات، غير مقلد أحدا من أرباب الإختيارات، ذاكرا جهة الترجيح، وهو الأفصح من الفصيح، ووجهت ما يرد عليه من إشكال، وأجبت عما ظفرت به من سؤال، ولعمري إن جل ما أثبته إنما هو مجموع من نقولهم، وتفريع على أصولهم، ولقد نزلت بمنزل قد حله العلماء قبلي، وغرفت من سلسالهم ما طاب من طلي ووبلي.."
"وكل كل على فاتح وصيدها، وماتح نضيدها، الشيخ العلامة تاج القراء، وسراج الأدباء، علم الدين أبي الحسن السخاوي جزاه الله عنا خير الجزاء.
"فلما رأينا ازدحام خطابها، رفعنا لهم منيع نقابها، ثم استأثرت بمباحث وترتيب، ومآخذ وتهذيب، وتفريع معجز، في أسلوب موجز، ونقول جمة، تثير الهمة، إذا وفقت عليها، علمت أني لم أسبق إليها.(1/199)
"ورتبت الكتاب في ثلاثة أنواع : الأول في اللغة والإعراب والبيان.- والثاني في شرح معاني الكلام.- والثالث في توجيه وجوه القراءات، وقد أجزنا الإقتصار على
أحدها لمن أراد أن يفردها(1)، ولتكن الخاتمة لكل خادمة، والله أسأل أن يخلص نيتي، إنه قريب مجيب، وما توفيق إلا بالله عليه توكلت إليه أنيب".
ثم بدأ بعقد فصل تمهيدي قال فيه: "فصل في معرفة منشأ الخلاف والبحث عن تعلمه "فاستعرض حديث الباب في إنزال القرءان على سبعة أحرف وأصح ما قيل في بيان تاويله، وانتهي إلى اختيار القول بأنه يعني اختلاف ألفاظ القراءة، ثم انتقل إلى الحديث عن اشتمال المصاحف العثمانية على الأحرف السبعة، ثم فسر مدلول الاختلاف في القراءة، وتحدث عن ضوابط القراءة الصحيحة، ثم بحث في تواتر القرءان وقرءاته وبيان المراد بالقراءات السبع ودفع توهم إرادة أنها تعني الأحرف السبعة، ثم ذكر كثرة القراءات وجماعة ممن ألفوا في رواياتها وطرقها، ثم ترجم للإمام الشاطبي وذكر مشايخه ومصنفاته وبعض آثاره الشعرية وبعدها شرع في المقصود.
__________
(1) - يوجد على بعض نسخ الكنز تصدير منقول عن المؤلف يرشد إلى كيفية الإنتفاع بالكتاب كلا أو بعضا وهذا نصه:
"الحمد لله، هذا الكتاب يشتمل على ستة أنواع في كيفية كتابة جملته طريقان : الأول أن يكتب بجزءين الأول في الأصول والآخر في الفرش، والثاني أن يكتب ثلاثة أجزاء: الأول في الإعراب ومتعلقة، والثاني في شرح القراءات ومتعلقها، والثالث في توجيهها، وأجزت أن يفرد كل منها مستقلا، وسميت الأول "التقييد في إعراب القصيد"، والثاني "الأبحاث العلية في معاني الشاطبية"، والثالث "التكميل في "التذييل"، والرابع "نكت الأبيات"، والخامس "الفرائد في نشر الفوائد" والسادس "التنويه في التوجيه". وهذا التقييد مكتوب على ظهر نسخة بمكتبة العلامة العثماني رحمه الله بأكادير - إنزكان-.(1/200)
وقد ألفت على شرح الجعبري شروح وحواش وطرر تدل على أهميته ومقدار تداول العلماء له وعنايتهم به وبتدارس مسائله ومباحثه، وهذه قائمة بأهم ما هو معروف منها :
24- تعليقة على الشاطبية بشرح الجعبري بعنوان "العبقري على الجعبري "لشمس الدين أحمد بن إسماعيل الكوراني الرومي المفتي، ذكرها له في كشف الظنون وإيضاح المكنون وهدية العارفين(1) ومنها نسخ خطية في المكتبات المشرقية(2).
25- شرح الشاطبية أو "الجوهر النضيد" "لأبي بكر بن إيدغدي الشمسي المعروف بابن الجندي (ت 769)
شيخ مشايخ القراء بمصر، قال ابن الجزري: "ألف شرحا على الشاطبية يتضمن إيضاح شرح الجعبري، ورأيته يبيض فيه، وكان ثقة عالما"(3)، وذكره له القسطلاني في "لطائف الإشارات"(4) وصاحب كشف الظنون وقال: "هو شرح حافل..أوله" "الحمد لله الذي ابتدع الإنسان بصنعه وصوره.." (5).
وتوجد بعض نسخه الخطية في المشرق(6).
26- حاشية على شرح الشاطبية للجعبري تأليف المولى شمس الدين محمد بن حمزة الفناري (ت 834) (7)
27- أمال على شرح الشاطبية للجعبري لمحمد بن محمد الكومي التونسي الملقب ب"مغوش" (ت 947).
ذكره الزركلي في الأعلام وقال: "أملاه بالقستنطينية(8).
28- حاشية علي الكنز أو "حفظ الأماني ونشر المعاني "لأبي القاسم بن علي الشاوي العلاوي المكناسي
__________
(1) - كشف الظنون 1/646-وإيضاح المكنون 2/92- وهدية العارفين 1/135.
(2) - منها نسخة المكتبة السعيدية بحيدر آباد (14) 54- ومكتبة محمد مراد بأستامبول رقم 10- ونور عثمانية بأستامبول رقم 63 (الفهرس الشامل 1/441).
(3) - غاية النهاية 1/80 ترجمة 838.
(4) - لطائف الإشارات 1/90.
(5) - كشف الظنون 1/648.
(6) - نسخة بالمسجد الأقصى برقم 2 ط- وبالأسكوريال برقم 9 (الفهرس الشامل 1/441).
(7) - كشف الظنون 1/647.
(8) - الأعلام 7/57.(1/201)
المعروف بابن درى(1) (ت سنة 1150)، وكان من موالي المولى إسماعيل بن علي الشريف، قال ابن زيدان في الإتحاف في ترجمته : "شرح الجعبري شرحا عجيبا متقنا في مجلدات بأمر من سيدي أحمد بن مبارك(2) لما ورد عليه لمكناس عام 1135، وأقام ضيفا لديه بداره أياما، وفقت على الأول والثاني من هذا الشرح بخزانة البحاثة الرحال المولى عبد الحي الكتاني، فإذا هو شرح ممتع جمع فأوعى، وبرهن على إقتدار المؤلف وطول باعه في الفنون، تاريخ إنتهاء كتابة الجزء الأول 16 شعبان عام 1128هـ"(3). قال : وفي هذا الشرح يذكر إقتراح شيخه أحمد بن مبارك السجلماسي المذكور عليه تأليفه بقوله: ثم أمرني ـ أيده الله ـ بشرح "كنز المعاني" وحل كلمه الصعبة المباني، فاعتذرت له بما أنا أهله من التقصير، وسطوات الجهل والعجز والتحصير، وخاطبه لسان حالي بقول القائل:
ما أنت أول سار غره قمر ... ورائد خدعته خضرة الدمن(4).
فرأيت هنالك مهامه تحار فيها القطا، وشوامخ تكل عند اقتحامها الخطا، ثم
وفقت أتأمل الخوف عند فجأتها، لكن قدمت الرجاء عند رؤيتها، فقال لي: اشرح بلا توان، وتوكل على الله المستعان..(5).
وما يزال هذا الشرح النفيس ينتظر في الخزائن من ينفض عنه غبار الإهمال(6).
__________
(1) - يكتب أيضا ابن درا "ويقال" ابن دراوة".
(2) - ذكره قبل في مشيخته ووصفه بالحافظ سيدي أحمد بن مبارك الفيلالي.
(3) - إتحاف أعلام الناس 5/536-541.
(4) - البيت للقاسم بن علي الحريري صاحب المقامات كما ذكره بهامش بغية الوعاة للسيوطي 2/259 ترجمة 1927. وانظر مقدمة شرح مقامات الحريري للشريشي: 1/13.
(5) - إتحاف أعلام الناس لابن زيدان 5/536- 541.
(6) - توجد منه نسختان بالخزانة الحسنية برقم 350-8427 كما ذكر في فهرسة الخزانة 6/96، وبالخزانة العامة بالرباط السفران الأول والثاني تحت رقم ك 314.(1/202)
29- حاشية على كنز المعاني أو "فتح الباري على بعض مشكلات أبي إسحاق الجعبري "لأبي زيد عبد الرحمن بن إدريس بن محمد الإدريسي الحسني المنجرة الفاسي (ت 1179)، وهو في الحقيقة يجمع ثلاثة مؤلفات كلها حواش على الكنز، الأولى للشيخ عبد الواحد بن أحمد بن علي بن عاشر (ت 1040) والثانية لوالده أبي العلاء إدريس بين محمد المنجرة (ت 1137)، ويشير إلى الأول بحرف العين وللثاني بالشين، وأوله قوله: "الحمد لله الذي جعل الكتاب لنا خير فرط، وتفضل بالعفو عما صدر من العبد على وجه الغلط ... وبعد فقد كان الإمام الحجة المتقن= الراوية سيدي عبد الواحد بن أحمد بن علي بن عاشر الأنصاري نسبا الأندلسي أصلا الفاسي دارا ومنشأ، المتوفى عشية الخميس ثالث ذي الحجة سنة 1040هـ، والإمام التحرير المشهور بالإتقان والنحرير، الحسني نسبا، التلمساني أصلا الفاسي دارا ومنشئا الشيخ الوالد مولاي إدريس بن محمد المتوفي بعد صلاة ظهر يوم الثلاثاء 22 من المحرم فاتح 1137هـ.
رحمهما الله وأسكنهما دار نعماه، قيدا على بعض مشكلات "كنز المعاني" مايشرح منه المباني، ثم إن الله تعالى لما أهلني للإقراء بكرمه، وأولاني من جزيل نعمه، انتهزت علاج بعض مقفله، وتمهيد بعض مغمزه(1)، ولما وقف على ذلك بعض أصحابنا من نجباء الطلاب، سألني أن أجمع ذلك في تعليق، لأنه أرجى للثواب، فأجبته بعد الإستخارة (2).
__________
(1) - كذا ولعلها محرفة عن مغمضه.
(2) - نسخه كثيرة منها بالخزانة العامة بالرباط برقم ك 2060 وبالحسنية برقم 8470-6468 (السفر الثاني)- وبخزانة تطوان برقم 414-415 (الأستاذ المنوني مجلة دار الحديث عدد 3 ص 73)..(1/203)
30- حاشية علي كنز المعاني أو "إتحاف الأخ الاود المتداني، بمحاذي حرز الأماني" لمحمد بن عبد السلام بن محمد العربي بن علي الفاسي (ت 1214هـ)، حاذى فيه متن قصيدة الشاطبي في أسلوب ذلل به صعوبات المتن وحرر مسائله"(1)، وقد مهد لكتابه بمقدمة طويلة عرف فيها بالقراء العشرة وذكر المتواتر من القراءات ثم قال : "وإني لما امتن الله علي بفضله وإحسانه بحفظ كتابه، وأقامني في تعليم طلابه، كان في علمه القديم وإرادته، أن أقتصر على قراءات الأئمة السبعة الذين أثبتهم الحافظ أبو عمرو الداني في كتابه "التيسير" ... ثم تاقت نفسي أن أخدم كتاب الله العزيز بوضع محاذ لحرز ولي الله الشاطبي-رحمه الله- ..ثم بدأ بذكر سنده في القراءات من طريق شيخه عبد الرحمن المنجرة(2) وقد جاء اسمه في بعض النسخ بعنوان "المحاذي بما يفك أسر العاني من فوائد النشر وكنز المعاني"(3).
31- حاشية أخرى عليه للمؤلف نفسه بعنوان "شذى البخور العنبري، وبعض عزائم الطالب العبقري، إعانة على فتح كنز العلامة أبي إسحاق إبراهيم بن عمر الجعبري، وأوله : "الحمد لله الذي أنزل كتابه أحسن الحديث.. (4).
32- حاشية على كنز المعاني لأبي العلاء إدريس بن عبد الله بن عبد القادر الإدريسي الودغيري الفاسي الملقب ب"البكراوي" أو "البدراوي" المتوفى سنة 1257، وهو صاحب "التوضيح والبيان في مقرأ نافع بن عبد الرحمن"(5).
33- حاشية على كنز المعاني لمحمد بن عبد المجيد بن عبد الرحمن أقصبي الفاسي نزيل 3الرباط (ت 1364هـ).
__________
(1) - مجلة دار الحديث العدد 3 ص 74السنة 1402هـ.
(2) - مخطوطاته بالخزانة العامة 3443- 312 وتطوان 880.
(3) - بروكلمان 1/407-409 والذيل 1/725.
(4) - من نسخه الخطية نسخة الخزانة الحسنية برقم 2589(الفهرسة 6/119).
(5) - ذكر له الحاشية المذكورة الكتاني في سلوة الأنفاس 2/343-344.(1/204)
توجد مخطوطة بالخزانة الحسنية بالرباط في مسودة في عدة كراريس بخط المؤلف متفاوتة المقاس والمسطرة"(1).
34- حاشية على كنز المعاني غير معروفة المؤلف مخطوطة بمكتبة أوقاف الموصل بالعراق(2).
35- شرح الشاطبية أو "كاشف المعاني في شرح حرز الأماني "لأبي الفضائل عباد بن أحمد بن إسماعيل الحسيني (كان حيا سنة 704)، ومنه نسخة بمكتبة أوقاف الموصل بالعراق(3).
36- شرح الشاطبية لعبد الرحمن بن السيد عبد المحسن بن السيد عبد المنعم الأنصاري الواسطي أبي الفرج الرفاعي المقرئ (ت 734). ذكره له في هدية العارفين(4).
37- شرح الشاطبية أو "الحواشي المفيدة في شرح القصيدة "لعبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن أبي محمد بن الدقوقي (ت 735) نشأ مؤلفه بالموصل وقرأ القراءات وألف كتابه المذكور، قال الذهبي : "وفقت على السفر الأول منه فرأيته ينبئ بإمامته"(5).
38- شرح الشاطبية أو "الفريدة البارزية، في حل الشاطبية" لهبة الله بن عبد الرحيم بن إبراهيم بن هبة الله ابي القاسم شرف الدين بن البارزي الحموي قاضي حماة ومفتي الشام (645-738).
__________
(1) - فهرسة الخزانة الحسنية 6/89).
(2) - الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط 2/718).
(3) - أوقاف الموصل برقم 3/2 (الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي 1/239).
(4) - هدية العارفين 1/526-527.
(5) - نقله ابن الحزري في غاية الهاية 1/363، ترجمة 1552.(1/205)
ذكره له أبن الجزري وذكر له معه اختصار "التيسير"(1)، وذكره حاجي خليفة في الكشف- كما تقدم- فأخطأ في نسبته إلى الفاسي، لكنه ذكر أن أول الكتاب "الحمد لله ذي الصفات العلية.." (2) فتكون هذه هي افتتاحييته لا افتتاحية شرح اللآلئ الفريدة للفاسي، وقد ذكرت نسخ عديدة منه في عدد من الخزائن(3).
39- شرح الشاطبية لمحمد بن أحمد بن بضحان الدمشقي شيخ مشايخ الإقراء بالشام (ت 743).
ذكره ابن الجزري وقال : "شرح القصيد فوصل فيه إلى أثناء باب الهمز، وهو شرح متكلف للتصنيف.. (4).
40- شرح الشاطبية للحسن بن قاسم بن عبد الله بن علي المرادي المعروف بابن أم قاسم(5) المصري المولد الآسفي المغربي المحتد (ت 749). ذكره له ابن الجزري والقسطلاني وقال: "شرح الشاطبية وباب وقف حمزة وهشام منها منفردا"(6).
توجد من شرحه نسختان بالمكتبة الظاهرية بدمشق(7).
41- شرح الشاطبية لعمر بن عثمان (كان حيا سنة 723) (8).
42- شرج الشاطبية أو "العقد النضيد في شرح القصيد" لأبي العباس أحمد بن يوسف بن محمد بن مسعود
__________
(1) - غاية النهاية 2/351، ترجمة 3772.
(2) -كشف الظنون 1/648.
(3) -منه نسختان إحداهما بالمكتبة الأزهرية بالقاهرة برقم (278) 22285، والأخرى بظاهرية دمشق برقم 300 (الفهرس الشامل للتراث 1/275).
(4) -غاية النهاية 2/57-58 ترجمة 2710.
(5) -هي جدته أم أبيه واسمها زهراء كما في بغية الوعاة: 1/517.
(6) -غاية النهاية: 1/227-228 ترجمة 1038 ولطائف الإشارات: 1/90.
(7) -مسجلتان بها تحت رقمي 318-29 قراءات (مقدمة تحقيق الجنى الداني لابن أم قاسم تحقيق الدكتور فخر الدين قباوة).
(8) -ذكره في (الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي 1/174 وذكر أنه مخطوط).(1/206)
المعروف بالسمين النحوي نزيل القاهرة (ت 756) قال ابن الجزري: "شرح الشاطبية شرحا لم يسبق إلى مثله "(1)، وقد نقل ابن الجزري بعض كلامه فيه في النشر(2)،
وعرف به في كشق الظنون(3)، وما تزال بعض نسخه في بعض خزائن المشرق(4).
43- شرح الشاطبية أو "مبرز المعاني في شرح حرز الأماني "للحافظ محمد بن عمرو بن علي بن أحمد العمادي ذكره له في هدية العارفين وقال : "فرغ منه سنة 762"(5)، توجد نسخه في عدة مكتبات شرقية(6).
44- شرح الشاطبية أو "جامع القواعد "لحمزة بن قتلوبك بن عبد الله (ت 767).
توجد منه مخطوطة بمكتبة إسحاق الحسيني برقم 49/1 في 187 ورقة(7).
45- شرح الشاطبية لمحمد بن جمال الدين أحمد بن عثمان العثماني الديباجي أبي عبد الله الملوي (713-774). ذكره له في هدية العارفين(8).
__________
(1) -غاية النهاية 1/152، ترجمة 704 ونحوه في بغية الوعاة 1/402.
(2) -النشر 1/488-489.
(3) - قال في كشف الظنون 1/648 "أوله الحمد لله الذي تفضل على العباد في المبدأ والمعاد- ثم ذكر أن الحرز المذكور أحسن ما وضع في الفن وأحسن شروحه شرحا الشيخين الفاسي وأبي شامة، غير أن كلا منهما أهمل ما عني به الآخر، مع إهمالهما أشياء مهمة فشرحه بما يوفي المقصود واجتهد في بيان فك الرموز وإعراب الأبيات، وجعل الشين علامة لأبي شامة والعين لأبي عبد الله الفاسي، وسماه العقد النضيد في شرح الفصيد".
(4) - منه نسخة بدار الكتب بالقاهرة تحت رقم 44 وأخرى بالجامع الكبير بصنعاء برقم 1566 (الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي 1/281).
(5) - هدية العارفين: 2/162 وإيضاح المكنون: 3/424.
(6) - ذكر منه جامع (الفهرس الشامل للتراث 1/282-285) ثمان عشرة نسخة أكثرها في مكتبات الهند، وذكر منه نسخة بمكتبة الحرم المكي برقم 42 وبالمحمودية بالمدينة المنورة برقم 323/47 في مجلدين يقعان في 404 ورقة.
(7) -الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي 1/287.
(8) - هدية العارفين 2/166.(1/207)
46- شرح الشاطبية لعبد الرحمن بن أحمد بن علي البغدادي ويقال له الواسطي (ت 781)
47- شرح الشاطبية له أيضا، قرأ عليه الحافظ ابن الجزري وقال في ترجمته : "شرح الشاطبية شرحين"(1).
48- شرح الشاطبية لأحمد بن ربيعة بن علوان الدمشقي.
ترجم له ابن الجزري وقال : "أخي في الله وصاحبي، إمام في الفن متقن ... وبرع وشرح القصيد وهو في ازدياد إن شاء الله، أخبرني أن مولده سنة 735 تقريبا"(2).
49- شرح الشاطبية أو "سراج القارئ" لعلي بن محمد بن عثمان علاء الدين المعروف بابن القاصح العذري (801)، وهو شرح مطبوع واسع التداول، طبع مرارا بعنوان "سراج القارئ المبتدي وتذكار المقرئ المنتهي"(3) وقد ذكر في مقدمته أنه اختاره من شرح السخاوي والفاسي وأبي شامة وابن جبارة والجعبري وغيرهم قال : وزدت فيه فوائد ليست من هؤلاء الشروحات"(4)، وذكر في آخره أنه فرغ منه سنة 759"(5).وقد تداول المغاربة هذا الشرح منذ القديم(6)، سواء في المغرب الأقصى أم في غيره، وذكر الشيخ علي النوري الصفاقسي (1053- 1118) وهو من أئمة الإقراء بتونس عزمه على وضع تأليف عليه فقال:
__________
(1) - غاية النهاية 1/364 ترجمة 1554 وذكره في بغية الوعاة 2/76 ترجمة 1477 وكشف الظنون 1/447.
(2) - غاية النهاية 1/53 ترجمة 227.
(3) - لعل آخر طبعاته طبعة دار الفكر وهي الطبعة الرابعة 1398- 1978.
(4) - سراج القارئ ص 3.
(5) - نفسه 413.
(6) - نجد نسخه الخطية في خزانة القرويين بفاس برقم 225 ورقم 243 ورقم 1037 وهذه النسخة من تحبيس السلطان المولى عبد الله العلوي عليها عام 1156 كما في الوثيقة المثبتة أولها (فهرسة مخطوطات خزانة القرويين 3/146).(1/208)
"ونيتي إن أمهلني الله ويسر لي ـ أن أجعل تأليفا أنبه فيه على ما هو ضعيف لا يقرأ به في شرح ابن القاصح، لأني رأيت أكثر القراء معننين به، وربما قراؤا بجميع ما فيه لعدم تفريقهم بين الضعيف وغيره والله الموفق"(1).
50- حاشية على شرح ابن القاصح أو "النور اللائح على شرح ابن القاصح "لمحمد بن عبد المجيد أقصبي الفاسي (ت 1364هـ) صاحب الحاشية الأخرى على كنز المعاني للجعبري(2).
51- شرح الشاطبية لدراج أحد شراحها من المغاربة، ولعل المراد به أبو الحسن علي المعروف بابن الدراج وكان متصدرا للإقراء بمدينة فاس(3)، أما الشرح المذكور فقد وفقت على ذكره عند أبي زيد عبد الرحمن بن القاضي في كتابه "بيان الخلاف والتشهير، وما جاء في الحرز من الزيادة على التيسير" عند ذكره لإمالة "الناس" لأبي عمرو بن العلاء في أول سورة البقرة حيث قال : "وقال دراج في شرحه للشاطبية : "ونسب الشيخ- يعني الشاطبي- الخلاف في ذلك لأبي عمرو، ولم يتعرض لذكر الدوري ولا السوسي"(4).
52- شرح الشاطبية لشرف الدين صدقة بن سلامة بن الحسين ذكره البغدادي وذكر أن تاريخ كتابته 830"(5).
53- شرح الشاطبية لمحب الدين أبي عبد الله محمد بن محمود بن النجار البغدادي (843).
ذكره في كشف الظنون وقال : "هو شرح كبير"(6).
__________
(1) - تنبيه الغافلين وإرشاد الجاهلين عما يقع لهم من الخطأ حال تلاوتهم لكتاب الله المبين "للنوري 73.
(2) - ذكره له عبد الله الجراري في كتاب " من أعلام الفكر المعاصر بالعدوتين الرباط وسلا 2/173-174 كما ذكره له في كتابه "التأليف ونهضته في القرن العشرين 1900-1972" ص 184-186- وتحتفظ الخزانة الحسنية بالرباط بمخطوطة من "النور اللائح" تحت رقم 7038.
(3) - الفجر الساطع لابن القاضي ذكره في باب الإمالة عند حديثه عن الخلاف في "التورية" وأثنى عليه.
(4) - بيان الخلاف والتشهير لوحة 5.
(5) - إيضاح المكنون 1/400.
(6) - كشف الظنون 1/648.(1/209)
54- شرح الشاطبية لشهاب الدين أبي العباس أحمد بن أسد بن عبد الواحد الأسيوطي المصري المعروف بابن أسد (ت 872)، ذكره في هدية العارفين وإيضاح المكنون(1).
55- شرح الشاطبية لشمس الدين أحمد بن إسماعيل الكوراني (ت 893) صاحب التعليقة على الجعبري(2).
56- شرح الشاطبية أو "حل الشاطبية" لزين الدين عبد الرحمن بن أبي بكر العيني (ت 893) (3).
57- شرح الشاطبية لأبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي التلمساني (ت 895).
ذكره له تلميذه أبو جعفر أحمد بن علي البلوي الوادي آشي في ثبته وقال : لم يكمل"(4).
58- شرح الشاطبية لأحمد بن يوسف بن محمد شهاب الدين السندي الحصكفي الحلبي القاضي (ت 895) (5)
59- شرح الشاطبية لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي الحافظ(ت 911).
__________
(1) - هدية العارفين 1/133-والإيضاح 1/400.
(2) - يوجد مخطوطا بالخزانة العمومية بأستمبول تحت رقم 145 (الفهرس الشامل للتراث 1/440).
(3) - توجد مخطوطة منه بالمكتبة الأزهرية بالقاهرة برقم (252) وأخرى برقم 22259 (الفهرس الشامل للتراث 1/440).
(4) - ثبت أبي جعفر البلوي الوادي آشي 443 وذكره في نيل الإبتهاج للسوداني 325-329 ومعجم أعلام الجزائر لعادل نويهض 189.
(5) - ذكره له في هدية العارفين 1/136 وإيضاح المكنون 1/400.(1/210)
أوله قوله : "الحمد لله رافع كتابه..وذكر في خاتمته أنه فرغ منه يوم الخميس حادي عشر رجب سنة 884(1)، وذكره في كشف الظنون وقال: "شرح ممزوج"(2). ومخطوطاته كثيرة في الخزائن(3). وقد طبع طبعة قديمة بمصر، ولم يعد طبعه فيما أعلم، وما تزال بعض نسخه المطبوعة عند بعض الشيوخ(4).
60- شرح الشاطبية أو "حل رموز الشاطبية" المسمى ب"الدرة المضيئة" لعلي بن ناصر الحجازي المكي (كان حيا سنة 916). توجد نسخة من شرحه في بعض مكتبات تركيا(5).
61- شرح الشاطبية أو "الفتح الداني في شرح حرز الأماني "لأبي العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر شهاب الدين الفسطلاني المصري (ت 923). ذكره له في الكشف وقال: "زاد فيه زيادات الجزري مع فوائد كثيرة لا توجد في غيره"(6). وربما كان غير شرحه التالي:
62- شرح الشاطبية أو "توضيح المعاني من مرموز حرز الأماني له، وهو شرح مخطوط منه نسخة باليمن(7).
63- شرح الشاطبية للسيد عبد الله بن محمد الحسيني (ت 776)، ذكره في كشف الظنون(8).
64- شرح الشاطبية لشيخ زاده محمد بن ملح الدين مصطفى القوجوي (ت 951)- مخطوط(9).
__________
(1) - كشف الظنون 1/648 وهدية العارفين 1/540.
(2) - كشف الظنون 1/648.
(3) - ومنها نسختان بالخزانة الحسنية بالرباط برقمي 5826-6004 (فهرسة الخزانة 6/125-126)ومنه نسخة بخزانة تطوان برقم 85-وذكر جامع (الفهرس الشامل 2/453-455) إحدى عشرة مخطوطة منه.
(4) - من نسخة المطبوعة نسخة في خزانة "عائلة الاشم" بمسكالة نواحي الصويرة.
(5) - توجد في متحف طوبقبو سراي برقم 1647/كتبت سنة 894 (الفهرس الشامل للتراث 2/455).
(6) - كشف الظنون 1/647 وكذا 2/1232.
(7) - منه نسخة بالجامع الكبير بصنعاء (الأوقاف)رقمها 1549.
(8) - كشف الظنون 1/649.
(9) - منه مخطوطتان بمكتبة غازي خسرو 1553-1385 (الفهرس الشامل اللتراث 2/489).(1/211)
65- شرح الشاطبية أو "الغاية "لجمال الدين حسين بن علي الحصني (ت بعد 960) مخطوط(1).
66- شرح الشاطبية أو "المعين " للإمام محمد بن حسام دده الأيا ثلوغي الحنفي (ت بعد 986) ـ مخطوط(2).
67- شرح الشاطبية لأحمد بن أحمد بن عبد الحق السنباطي (ت 997) مخطوط(3).
68- شرح الشاطبية أو "العقد النضيد في شرع القصيد" لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد الغساني الأندلسي من علماء القرن العاشر- مخطوط تاريخ نسخه 938هـ(4).
69- شرح الشاطبية لملا علي بن سلطان بن محمد القاري الهروي (ت 1014) ـ مخطوط(5). ولعله غير
70- شرح الشاطبية أو "الرسالة الضابطية المكية للشاطبية للمؤلف نفسه- مخطوط(6).
71- شرح الشاطبية لأبي القاسم محمد السوسي المغربي (ت 1038) (7).
__________
(1) - ذكره في كشف الظنون 1/647 وقال : "وهو شرح كبير في مجلدين سماه الغاية، ألفه سنة 960".
(2) - منه مخطوطة بالمكتبة الأزهرية بالقاهرة برقم 265 وأخرى برقم 22272 (الفهرس الشامل للتراث 2/489).
(3) - مخطوط بالمسجد الأحمدي بطنطا خ 18 – ع 1629- وبجامعة استامبول برقم 280/366 وبالمكتبة الأزهرية برقم 150 وكذا 16188- وبدار الكتب بالقاهرة برقم 36 وكذا 347 _الفهرس الشامل للتراث 2/494).
(4) - يوجد مخطوطا بمكتبة مجموعة منجانا (برمنجهام) برقم 53/ 551 (الفهرس الشامل للتراث 2/494).
(5) - مخطوط منه نسخ في مكتبة إسحاق الحسيني بالقدس، 125-والحرم المكي (علوم القرءان) رقم 273/993- ومنه نسخ في عدد من المكتبات بأستامبول (الفهرس الشامل للتراث.. 2/502-504).
(6) - منه نسخة بمكتبة الجامع الكبير بصنعاء (الأوقاف) برقم 1549- ومكتبة إسحاق الحسيني بالقدس ورقم 392/ 65 (الفهرس الشامل للتراث.. 2/501).
(7) - ذكره له في شجرة النور الزكية 291 والفكر السامي 2/278.(1/212)
72- شرح الشاطبية أو "الدر النضيد في مأخذ القراءات من القصيد "لعلي بن أبي بكر بن علي بن أحمد بن عبد الرحمن المعروف بابن الجمال المصري ثم المكي (ت1044) (1).
73- شرح الشاطبية لأبي زيد عبد الرحمن بن القاسم بن القاضي المكناسي ثم الفاسي (ت 1082)، ذكر جامع الفهرس الشامل للتراث أنه مخطوط، وذكر أنه شرح على حرز الأماني للشاطبي والجزرية لابن الجزري(2) ولم أر أحدا ممن ذكر مؤلفات ابن القاضي أو أحدا من تلاميذه كمسعود جموع أو إدريس المنجرة أو غيرهما ينقل عنه.
74- شرح الشاطبية أو "إظهار المعاني من حرز الأماني " للشيخ أحمد المغنيساوي (ت في حدود 1090) (3).
75- شرح الشاطبية المسمى "الوجيز" غير مذكور المؤلف(4).
76- شرح الشاطبية المسمى "المحصي" غير مذكور المؤلف(5).
77- شرح الشاطبية أو "جامع الفوائد" غير معروف المؤلف(6).
78- شرح الشاطبية أو "تبصرة المستفيد في معرفة بعض الطرق والرواة والأسانيد"(7).
79- شرح الشاطبية أو "اللآلئ الجلية في شرح الشاطبية "غير مذكور المؤلف(8).
80- شرح الشاطبية لمحمد بن داود بن سليمان العنابي (ت 1098) أو "الدرة الفريدة في شرح القصيدة" مخطوط(9).
81- شرح الشاطبية أو "الصيرفي" غير مذكور المؤلف(10).
__________
(1) - إيضاح المكنون 1/453.
(2) - الفهرس لشامل للتراث العربي الإسلامي 2/525).
(3) - ذكره الدكتور عبد الهادي الفضيلي في كتابه "القراءات القرءانية تاريخ وتعريف ص 44.
(4) - كشف الظنون 1/649.
(5) - نفس المصدر 1/649.
(6) - المصدر نفسه 1/649.
(7) - ذكره في كشف الظنون 1/649 وقال فيه نقول عن الجعبري".
(8) -كشف الظنون 2/1534.
(9) - مخطوط بمتحف ياتافيا- جاكرتا رقم 207 (الفهرس= الشامل للتراث العربي الإسلامي 2/530).
(10) - كشف الظنون 2/1320.(1/213)
82- شرج الشاطبية أو "الإشارات العمرية في حل الشاطبية "لعمر بن عبد القادر الأرمنازي (ت 1148) مخطوط(1).
83- شرح الشاطبية لأبي القاسم الشاوي المعروف بابن درى المكناسي ـ صاحب حفظ الأماني على كنز المعاني) (ت 1150)، ألفه ثم عرضه على شيخه أبي العباس أحمد بن مبارك السجلماسي في جملة مؤلفات له فاستحسنها"(2).
84- شرح الشاطبية أو "النكت المفيدة في شرح أصول القصيدة" مخطوط غير مذكور مؤلفه أوله: "الحمد لله رب العالمين، وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين"(3).
85- شرح الشاطبية أو "الفيض الرباني، في تحرير حرز الأماني "للشيخ حلبي الطنتدائي- مخطوط(4).
86- شرح الشاطبية أو "الفوائد السنية في حل ألفاظ الشاطبية" لمحمد بن علي بن علوان الدمشقي (كان حيا 1172)- مخطوط(5).
87- شرح الشاطبية لإبراهيم المغربي؟ – مخطوط(6).
88- عرض الأماني (شرح الشاطبية)- (7).
__________
(1) - إيضاح المكنون 1/84 ومنه نسخة في مكتبة بلدية الإسكندرية تحت رقم 2002 د كتبت سنة 1161 (أعلام الدراسات القرءانية في 15 قرنا للدكتور مصطفى الصاوي الجويني 346 وعدة نسخ أخرى منها بالتيمورية بمصر برقم 378 وبرقم 486 وبظاهرية دمشق برقم 3183 (علوم القرءان) (الفهرس الشامل للتراث 2/583).
(2) - إتحاف أعلام الناس لابن زيدان 5/536.
(3) - إيضاح المكنون 2/678 ومنه مخطوطة بخزانة الدولة ببرلين تحت رقم 605 (الفهرس الشامل للتراث 2/787).
(4) - مخطوط بمكتبة بلدية الإسكندرية البلدية برقم 1961 (أعلام الدراسات القرءانية للدكتور مصطفى الصافي 33-338) ونسخة أخرى برقم 4083 ج كتبت سنة 1294.
(5) - منه نسختان بمكتبة بلدية الإسكندرية الأولى برقم 3667 ج الأخرى برقم 1023ب.
(6) - توجد منه نسختان بمكتبة قرة مصطفى باشا بأستامبول برقم-7-8- (الفهرس الشامل للتراث 2/692).
(7) - مجهول المؤلف ومنه نسخة بمعهد الإستشراق بموسكو (الفهرس الشامل للتراث 2/752).(1/214)
89- شرح الشاطبية لمحمود بن صبغة الله- مخطوط(1).
90- شرح الشاطبية أو "كنز المعاني في تحرير حرز الأماني "لسليمان بن حسين الجمزوري (فرغ منه سنة-1198)- مخطوط(2).
91- شرح الشاطبية لعبد الله بن أبيه الديماني الشنقيطي (ت 1328) (3).
92- شرح الشاطبية لأحمد بن محمد الحاجي الشنقيطي (ت 1351) (4).
93- شرح الشاطبية أو "إرشاد المريد إلى مقصود القصيد "للشيخ علي بن محمد الضباع شيخ عموم المقارئ المصرية. طبع بهامش شرح "إبراز المعاني من حرز الأماني "لأبي شامة(5).
94- شرح الشاطبية أيضا للضباع وهو المعروف بالشرح الكبير- مخطوط(6).
95- شرح الشاطبية أو "الوافي في شرح الشاطبية "للشيخ عبد الفتاح القاضي رئيس مراجعة المصاحف بالأزهر ومدرس علم القراءات بالبلاد العربية(7).
96- شرح للشاطبية لم يكمل لمسعود جموع (ت 1119هـ) (8).
شروح جزئية وحواش وتعليقات :
__________
(1) - مخطوط بمكتبة عشيرة شرف الملك- مدارس – رقم 32 (الفهرس الشامل للتراث 2/675).
(2) - مخطوط في خزائن كثيرة منها المكتبة الأزهرية بالقاهرة 424 (مجاميع)- 16301-1162-32851 وبجامعة القاهرة برقم 18788- وجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض برقم 1556 ودار الكتب بالقاهرة 279 (الفهرس الشامل للتراث 2/618- 620).
(3) - بلاد شنقيط- المنارة والرباط للخليل النحوي 580.
(4) - بلاد شنقيط 543.
(5) - مطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر سنة 1349هـ.
(6) - ذكره مؤلفه في آخر ترجمة الإمام الشاطبي في ذيل طبعته المحررة لمتن الشاطبية ومورد الظمآن 102-103، وذكره الشيخ عبد الفتاح المرصفي في هداية القارئ 290 وقال مخطوط.
(7) - مطبوع متداول.
(8) - استدركت هذا الشرح أخيرا، ذكره له تلميذه موسى بن محمد الراحل الدغمي في "مناهل الصفا".(1/215)
97- نكت على الشاطبية للشيخ إبراهيم ين موسى الكركي المقرئ الشافعي (ت893)(1)
98- شرح باب وقف حمزة وهشام لبدر الدين حسن بن القاسم ابن أم قاسم المرادي (ت749) (2).
99- شرح رموز الشاطبية أو كشف الرموز "للشيخ تقي الدين يعقوب بن بدران الدمشقي الجرائدي (ت 688) ذكره حاجي خليفة في شروح الشاطبية وقال : "اقتصر فيه على حل مشكلاته وسماه كشف الرموز"(3).
100- حواش علي حرز الأماني لأبي عيد رضوان بن محمد بن سليمان المخللاتي (ت 1311) ـ مخطوط(4).
101- إنشاد الشريد من ضوال القصيد للشيخ أبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن غازي المكناسي (ت 919)، ذكره ابن غازي لنفسه من بين مؤلفاته التي أتمها حتى سنة كتابة فهرسته أي سنة 896(5).
وسيأتي ذكره في مؤلفاته، ولعله غير كتابه التالي :
102- تقريرات على الشاطبية لابن غازي، ذكرها له ابن مخلوف ولم يذكر كتابه "إنشاد الشريد"(6).
103- غاية الأمنية في رموز الشاطبية لأبي الحسن علي بن أحمد بن أيوب التركستاني ـ مخطوط ـ(7).
__________
(1) - وضعه خدمة لطلاب المعاهد الأزهرية في مصر كما قال في مقدمته ص 3- نشر بمكتبة عبد الرحمن محمد بدون تاريخ بالمدينة المنورة. كشف الظنون 1/649.
(2) - يقع في نحو أربعين ورقة وجدته في بعض الخزائن الخاصة وهو عندي.
(3) - كشف الظنون 1/647.
(4) - منه مخطوطة بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض برقم 2530(الفهرس الشامل للتراث 2/638).
(5) - أوله قوله: " الحمد لله الذي من علينا بوراثة كتابه العزيز.."وقد حققه بعض طلبة الدراسات الإسلامية وحصل على "الدبلوم" أخيرا وهو السيد حسن العلمي من سلا عام 1410هـ.
(6) - شجرة النور الزكية لابن مخلوف التونسي 276.
(7) - مخطوط منه نسخة بجامعة الملك سعود بالرياض برقم 2827م وأخرى بالاسكوريال برقم 1406/ 4 (الفهرس الشامل للتراث العربي ..2/663).(1/216)
104- تعليق علىالشاطبية لإبراهيم العمادي ـ مخطوط ـ(1).
105- إشارات القراء على زمز الشاطبية غير مذكور المؤلف، وقد ذكر في شروح الشاطبية -مخطوط-(2).
106- فتح المففلات لما تضمن نظم الحرز والدرة(3) في القراءات لأبي عيد رضوان المخللاتي الآنف الذكر(4).
107- الخلاصة المرضية على متن الشاطبية لمحمد بن أحمد المبلط المالكي الأزهري (كان حيا سنة 1313(5).
108- حاشية على حرز الأماني لعبد الحكيم الأفغاني (ت 1326هـ)-مخطوط-(6).
109- تعليق على باب الإدغام من حرز الأماني للحسن بن محمد كنير- مخطوط بالرباط(7).
110- شرح مخارج الحروف من الشاطبية لعبد الكريم بن محمد الفكون (ت 1073) (8).
111- حسن التبصير فيما للحرز من التكبير لأحمد الدمنهوري- مخطوط-(9).
112- رسالة في التكبير في القرءان العظيم للقراء السبعة من طريق الشاطبية للطان المزاحي(10).
__________
(1) - مخطوط بمكتبة شهيد علي باشا السليمانية بتركيا برقم 2720.
(2) - مخطوط بمكتبة أوقاف الموصل بالعراق برقم 1/100/22 (الفهرس الشامل للتراث 2/707).
(3) - يعني الدرة المضية في القراءات الثلاث المرضية لابن الجزري.
(4) - يعني الدرة المضية في القراءات الثلاث المرضية لابن الجزري.
(5) - مخطوط بالخزانة التيمورية بالقاهرة تحت رقم 338 (افرس الشامل للتراث..2/641).
(6) - مخطوطة بجامعة الإمام محمد بن سعود 2532 (الفهرس الشامل للتراث 2/647).
(7) - مخطوطة بالرباط برقم 12376 ز مجموع 4 (فهرس الخزانة 6/65).
(8) - شجرة النور الزكية 309-310 ترجمة 1203 طبقة 22- ومعجم أعلام الجزائر لعادل نويهض 98
(9) - مخطوط بمكتبة الأزهر بمصر تحت الأرقام76-4487-1245ز (معجم الدراسات القرآنية المطبوعة والمخطوطة لمرهون الصفار – المورد العراقية المجلد 10 العدد 3-4- السنة 1402- 1980ص 413).
(10) - نسخة مكتبة الأزهر بمصر تحت رقم 1346 نسخت سنة 1059(معجم الدراسات أعلاه 413)(1/217)
113- تلخيص المعاني وتبيين المباني في شرح حرز الأماني لعبد الله أبي بكر محمد بن محمود الشيرازي(1).
114- أجوبة على مسائل مشكلة في القراءات تتعلق بحرز الأماني لأبي العباس أحمد بن علي المنجور (995) (2).
115- منتخب الشاطبي- مجهول المؤلف- مخطوط(3).
116- حل رموز الشاطبية أو "الفوائد في الياءات والزوائد" ليعقوب بن بدران الجرائدي (688) (4).
117- إعراب الشاطبية "أو "الكواكب الدرية في إعراب الشاطبية "لحسن بن الحاج عمر السناوني المدرس بجامعة الزيتونة بتونس، طبع بالمطبعة التونسية في جزءين الأول في الأصول والثاني في الباقي، وعندي مصورة منه وأوله : "الحمد لله الرحيم الرحمن، الذي علم القرءان ... وقد شحنه بالشواهد النحوية من ألفية ابن مالك، وشواهد النحاة واللغويين.
المؤلفات على الشاطبية ومقارنتها إلى غيرها :
وكما ألفت على الشاطبية هذه المجموعة الضافية من الشروح والحواشي فقد ألفت عليها كتب في الدراسة المقارنة بينها وبين طائفة من مؤلفات الأئمة، ومن أهمها :
118- البيان في الجمع بين القصيدة والعنوان "لأبي زكرياء يحيى بن أحمد الأندلسي (ت 770).
__________
(1) -مخطوط حقه أن يذكر ضمن الشروح- مخطوط بدار الكتب بالقاهرة برقم 154 (الفهرس الشامل..2/675).
(2) - مخطوطة بالخزانة الصبيحية بسلا تحت رقم 450 كتبت سنة 981 (فهرس الخزانة ص 17).
(3) - مخطوط بدار الكتب / صوفيا برقم 274 (الفهرس الشامل 2/781).
(4) - مخطوط ذكر جامع الفهرس الشامل للتراث 1/235 أنه شرح على حرز الأماني للشاطبي، وذكر منه أربع نسخ نسخة بالمكتبة الوطنية بباريس رقم 610/2 وأخرى بجامعة الملك سعود برقم 2827 وأخرى بأوقاف الموصل 1/22/9 وببلدية الإسكندرية 1/3084ج ضمن مجموع.(1/218)
جمع فيه بين ما في العنوان لأبي الطاهر السرقسطي وما تضمنته الشاطبية، أوله : "الحمد لله رب العالمين حمدا يوافي نعمه ويكافي مزيده ... توجد منه مخطوطة بجامعة أسطامبول برقم 2191ي(1).
119- وتحفة الإخوان في الخلف بين الشاطبية والعنوان "للحافظ ابن الجزري مخطوط"(2).
120- ومعين المقرئ النحرير على ما اختص به العنوان والشاطبية والتيسبير لأحمد بن علي بن عبد الرحمن الكناني البلبيسي الحنفي (ت 779)، أوله: "الحمد لله رب العالمين.."(3).
121- كتاب التقييد في الخلف بين الشاطبية والتجريد لابن الجزري، قال ابن الجزري: "من وقف عليه أحاط بالكتاب- التجريد- علما بينا"(4).
122- وكتاب الفوائد المجمعة في الخلف بين كتاب "تلخيص العبارات "وبين الشاطبية" لابن الجزري(5).
123- بيان الخلاف والتشهير وما وقع في الحرز من الزيادة على التيسير لأبي زيد عبد الرحمن بن القاضي (1082).
__________
(1) - ذكره في إيضاح المكنون 2/279- ومنه نسخة في جامعة أستامبول 289أ 21291 كتبت سنة 777 (الفهرس الشامل للتراث 1/290).
(2) - مخطوطة بالخزانة التيمورية بمصر تحت رقم 206 (الفهرس الشامل 1/340).
(3) - إيضاح المكنون 2/518 ومنه مخطوطة بالجامع الكبير بصنعاء (الأوقاف) برقم 1752- وكوبريلي زادة بأستامبول مجموعة 32/2 وخزانة الدولة ببرلين 621/1737 (الفهرس الشامل 1/291.
(4) - تقدم في ترجمة ابن الفحام ويمكن الرجوع إلى غاية النهاية 1/374-375 ترجمة 1590.
(5) - غاية النهاية 1/211 ترجمة 270.(1/219)
وفقت عليه في نسخ كثيرة، وأوله بعد الديباجة : أما بعد حمد الله الذي يؤتي من شاء ما شاء من حكمته.. وقد تتبع فيه ما زاده الشاطبي في قصيدته على أصلها الذي نظمه وهو "التيسير في القراءات السبع" لأبي عمرو الداني ورتب مباحثه في الكتاب بحسب ترتيب السور في المصحف، فبدأ بذكر الخلاف في ميم الجمع لقالون في سورة الفاتحة ثم انتقل إلى سورة البقرة فذكر إمالة "هدى للمتقين "وبابه من الأسماء المقصورة المنونة، وهكذا حتى انتهى من استعراض المواضع التي زاد فيها الشاطبي على الأصل، ثم ذيلها بأرجوزته التالية :
124- ما زاد في الحرز على التيسير :
قال ابن القاضي :
الحمد لله على التيسير ... ثم صلاته على البشير
وآله وصحبه أهل الهدى ... الآخذين عنه تجويد الأدا
وهاك ما زيد على "التيسير" ... لدى "الأماني" جا على تيسير
أولها مرتبة المد أتت ... بسملة لورشهم قد وردت
وباب "ريب"بالثلاث قد جلا ... ونحو مفترى بفتح مسجلا
وقيل بالتفريق دون مين ... كذا سكون الوقف بالوجهين
وباب "ءامن" بمد قصر ... نحو "الهدى" لورشهم بفغر(1)
وهكذا إلى أن أتى على آخر الأمثلة التي ذكرها مفصلة في تأليفه السابق "بيان الخلاف والتشهير"، ورمز لأبياتها في الأخير بقوله:.
"وقدرها عدد ميقات الكليم ... من بعد خمسة فخذها عن عليم(2)
ومن هذا القبيل الزوائد عليها والتكملات لها :
__________
(1) - يعني بفتح من فغر فاه يفغره إذا فتحه ولم يمله إلى الكسر.
(2) - منها نسخة بالخزانة الحسنية رقمها 4679 مؤرخة بربيع الثاني عام 1110 (فهرسة الخزانة 6/45-46) وتوجد الأرجوزة منفردة في نسخة بخزانة تطوان 1/344، في ورقتين (فهرسة الخزانة 73).(1/220)
وعلى الرغم من أن الشاطبي إنما رمى في قصيدته إلى تيسير "التيسير" واختصاره، فإن طائفة من الأئمة رأوا أن عمله هذا في حاجة إلى زوائد وتكملات وذيول بها يكتمل الإنتفاع به، فكان منهم من نظم تكملة له بجمع مسائل الخلاف التي أغفلها أو أهملها مما تضمنته كتب مكي وابن شريح والأهوازي، ومنهم من ألف تكملة لها مما قرأ به السبعة ولم تتضمنه الشاطبية ، ومنهم من ألف أونظم تكملة لها بضم القراءات الثلاث المكملة لللعشر إليها، وهذه نماذج من هذه المؤلفات :
125- التكملة المفيدة لقارئ القصيدة لأبي الحسن علي بن عمر القيجاطي (ت 730)
وأولها :
بحمدك يا رحمان أبدأ أولا ... لألفي ذا بال بحمدك اكملا
وقد جمع فيها ما زاد على الشاطبية من التبصرة لمكي والكافي لابن شريح والوجيز للأهوازي، وتقع في مائة بيت، ولأهميتها في تمثيلها للمدرسة التوفيقية في هذا العهد سنرجئ الحديث عنها إلى العدد التالي.
126- التهذيب لما زاده على "الحرز" من "التقريب" لعبد الرحمن بن أحمد بن محمد العياشي (ت 853)
إستدرك فيه على الشاطبية من "كتاب تقريب النشر في القراءات العشر" للحافظ ابن الجزري(1).
127- التننوير فيما زاده "النشر" على الحرز والتيسير لأحمد بن أحمد بن إبراهيم الطيبي (981) (2)، وأولها :
يقول راجي رحمة الغني ... أحمد نجل أحمد الطيبي
128- الدر النضيد في زوائد القصيد لمحمد بن يعقوب بن إسماعيل بن عبد الخالق الأسدي المقدسي (749) (3).
129- تتمة الحرز من قراء أئمة الكنز. قال في الكشف: "وهي قصيدة كالشاطبية"(4).
__________
(1) - يوجد مخطوطا في بعض الخزائن (معجم الدراسات القرآنية لمرهون الصفار مجلة المورد مجلد 10 عدد 3-4 ص 411.
(2) - مخطوط بدار الكتب بالقاهرة برقم 275 (قراءات) (أعلام الدراسات القرءانية 335).
(3) - هدية العارفين 2/156.
(4) - كشف الظنون 1/343.(1/221)
130- الزوائد المفيدة في ردف القصيدة لمحمد بن خليل بن عمر الأربلي القشيري- مخطوطة(1).
131- الكفاية المحررة في نظم القراءات العشرة جمع فيه بين الشاطبية والدرة لابن الجزري(2).
132- تكملة الشاطبية لكمال الدين أحمد بن عبد المقرئ؟ التبريزي من علماء القرن التاسع-مخطوطة(3).
133- تكملة الشاطبية وشرحها المسمى بـ"الفوائد المظفرية في حل عقائد تكملة الشاطبية " لكمال الدين أحمد بن علي الضرير المحلي شيخ القراء بالقاهرة، ذكره في كشف الظنون وقال : "لما فرغت من نظم القصيدة المسماة ب"تكملة الشاطبية" التي جمعت ما طرحه الشاطبي في حرزه ... أمرني السلطان مظفر الدين عمر بها درخان بنظمه فامتثلت. أوله :
أقدم لسم الله في النظم مقبلا ... إلى حمد رحمان رحيم تقبلا
قال: "ورتبه على مقدمة وكتابين الأول في الأصول، والثاني في الفرش، وأتمه في رمضان سنة 806، واتفق نظم أصوله قبله بخمس وعشرين سنة تقريبا في 547 بيتا"(4).
134- تكملة الحرز للشيخ محمد بن محمد العدوي المعروف بسورمه لي زادة العمري، وهي نظيرة قصيدة الشاطبي في البحر والقافية، لكنها طويلة مشتملة على القراءات الثلاث، ثم شرحها، وفرغ منها في ذي الحجة سنة 920"(5).
__________
(1) - مخطوطة بالخزانة التيمورية برقم 447.
(2) - كشف الظنون 2/1501 وذكر أنه عاد فنثره وسماه "تحفة البررة " وفرغ منه في ذي الحجة سنة 959.
(3) - مخطوط بمكتبة تشستربيتي- دبلن برقم 4708.
(4) - كشف الظنون 2/1301-1302 وكذا 2/1320.
(5) - الكشف (كشف الظنون) 1/343 وكذا 2/1323.(1/222)
135- تكملة الشاطبية أو "نهج الدماثة في نظم القراءات الثلاثة "لأبي إسحاق إبراهيم بن عمر الجعبري صاحب "كنز المعاني "، ذكره حاجي خليفة ونقل عنه قوله : "إني نظمت القراءات الثلاث في نهج عجيب لمن حفظ كتاب "حرز الأماني" وأراد ضم الثلاثة إليه(1) ليكمل العشرة، إذ هي عند حذاق القراء داخلة في الأحرف السبعة كما برهنت عليه في كتابي "النزهة"، ولما كان مكملا للحرز نظمته علىبحره ورويه.. قال : ثم شرحه وسماه "خلاصة الأبحاث في شرح نهج القراءات الثلاث "اوله : "الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب.." (2).
136- تكملة الشاطبيبة أو "الدرة المضية، في قراءات الأئمة الثلاثةالمرضية "للحافظ ابن الجزري
قال في الكشف: "نظمها تكملة للشاطبية على وزنها ورويها، أوله :
قل الحمد لله الذي وحده عل ... وله شروح"(3).
والقصيدة مشهورة ومطبوعة، وقد ذكر فيها أنه نظم "تحبير التيسير" له الذي جمع فيه إلى القراءات السبع القراءات الثلاث الباقية(4).
137- تكملة حرز الأماني لمحمد بن عبد القادر الواسطي السكاكيني نجم الدين الشافعي (ت 838) (5).
138- تكملة الشاطبية لشهاب الدين أحمد بن محمد بن سعيد السعدني اليمني (ت 839) – مخطوط(6).
قال في الكشف : "زادها بين أبيات الشاطبية في مواضعها بحيث امتزجت بها، فصارا كأنهما لشخص واحد"(7).
__________
(1) - أعني قراءات الثلاثة وهم أبو جعفر المدني ويعقوب لحضرمي وخلف البزار الكوفي.
(2) - كشف الظنون 2/1992-1993.
(3) - كشف الظنون 2/743.
(4) - القصيدة منشورة في مجموع إتحاف البررة 115-167.
(5) - هدية العارفين 2/189-190.
(6) - مخطوطة بمكتبة أوقاف الموصل بالعراق برقم 1/4/17 (الفهرس الشامل للتراث 1/414) ومنها نسخة بالحرم المكي (علوم القرآن) رقم 37 بعنوان "مقدمة تتمة حرز الأماني" (لفهرس الشامل 1/415).
(7) - كشف لظنون 1/649.(1/223)
139- التقييد لما شرد من نصوص "الدرة" و"القصيد" لأبي زيد عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي مؤلف كتاب "اللمعة في قراءة السبعة" "والأقنوم في مبادئ العلوم "جعله تذكرة لقارئ الثلاثة الزائدة عن السبعة لتمام العشرة بطريق التحبير والدرة- في جزء متوسط"(1).
140- فتح المجيد المرشد لضوال القصيد لأبي العلاء إدريس بن محمد بن أحمد الحسني المنجرة (ت 1137).
مخطوط بالخزانة الحسنية تحت رقم 11551ز(2)، وقد وفقت عليه في نسخة أخرى، وأوله: "الحمد لله الذي من علينا بحفظ كتابه وتلاوته، وشرفنا بقراءته وروايته ... وبعد فهذا فتح المجيد المرشد لضوال القصيد "رتبته أي ترتيب في مطالبه، فجاء بحمد الله سهلا لطالبه. (3).
141- تعليق على الشاطبية لأبي محمد عبد الله بن إبراهيم بن محمود الحدري (ت 679) ـ مخطوط(4).
142- إتحاف فضلاء الأمة المحمدية ببيان جمع القراءات السبع من طريق التيسر والشاطبية للشيخ حسن بن علي المدابغي (ت 1170) ـ مخطوط(5).
143- فتح الرحمن ببيان روايات القراء السبعة للقرءان من طريق التيسير والشاطبية للمؤلف نفسه- مخطوط(6).
__________
(1) - العلامة العابد الفاسي (دعوة الحق- القرءان وعلومه في عهد الدولة العلوية – العدد 4 السنة 11 ذو القعدة 1387- فبراير 1968 ص 41-42- وترجمته في سلوة الأنفاس 1/314-316.
(2) -فهرس الخزانة الحسنية 6/183، ومنه مخطوطة بالتيمورية بالقاهرة مجاميع 129 (الفهرس الشامل 2/575).
(3) -تاريخ نسخ المخطوطة التي وفقت عليها عام 1185 هـ نسخها محمد بن عمر الزمراني من قرية أجلي بوادي سوس وتقع في 18 ورقة من القطع المتوسط، وهي في ملك الشيخ المقرئ السيد الطاهر العبدي بآسفي.
(4) -مخطوط بمكتبة اوقاف الموصل بالعراق برقم 37/22/5 (الفهرس الشامل للتراث 1/235).
(5) - مخطوط بمكتبة بلديةالإسكندرية برقم 2190 أعلام الدراسات القرآنية 297).
(6) - نفسه برقم 2213.(1/224)
144- كتاب الإفصاح عما زادته الدرة على الشاطبية للدكتور محمد سالم محيسن المصري(1).
145- القول القرق في حل بعض ما صعب من طريق الأزرق عن ورش من طريق الشاطبية لعلي بن عمران الميهي الاحمدي- مخطوط(2).
146- إتحاف "حرز الأماني" برواية الإصبهاني للشيخ حسين خطاب.
طبع أخيرا، وقد ذكر في أوله أنه "لما كانت طرق الشاطبية محدودة قليلة العدد، ولم تستوعب من الطرق ما ألمت به طيبة النشر ... رغبت أن يطلع القراء الذين اقتصروا على ما في حرز الأماني في السبعة على طريق لم توجذ فيها"(3).
147- هداية المريد إلى رواية أبي سعيد المعروف بورش من طريق القصيد "لعلي بن محمد بن إبراهيم (كان حيا سنة 1370هـ) وطبع الكتاب بالقاهرة سنة1347هـ(4).
148- فتح المجيد في قراءة حمزة من القصيد لمحمد بن أحمد بن عبد الله المتولي المصري (ت 1313) (5).
149- تنبيه الصغار على ما خفى عن بعض الأفكار في رواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية "لعلي بن عمران الميهي (ت نحو 1314هـ) ـ مخطوط ـ(6).
150- الفتح الرباني في القراءات السبع من طريق حرز الأماني لمحمد بن محمد بن علي بن حسن بن عياشة البيومي الدمنهوري (ت 1335هـ) ـ مخطوط ـ(7).
151- نهاية الأماني في تلخيص الفتح الرباني في القراءات السبع من طريق حرز الأماني للمؤلف نفسه(8).
__________
(1) -طبع بمكتبة القاهرة الطبعة الأولى 1389هـ 1978.
(2) -مخطوط بجامع الشيخ بالإسكندرية برقم 106 (أعلام الدراسات القرءانية للدكتور مصطفى الصاوي 334).
(3) - طبع دار الفكر بسوريا- دمشق الطبعة الأولى 1408هـ1988.
(4) - معجم الدراسات القرآنية المطبوعة والمخطوطة لمرهون الصفار- المورد 404.
(5) - مخطوطة بجامعة الإمام محمد بن سعود- الرياض برقم 483 (الفهرس الشامل للتراث 2/642).
(6) - مخطوط بالمكتبة الأزهرية / القاهرة (292) 16230 ومواضع أخرى (الفهرس الشامل 2/646-647).
(7) - جامعة الإمام- الرياض 914.
(8) - نفسها 914.(1/225)
152- الإرشادات الجلية في القراءات السبع من طريق الشاطبية لمحسن محمد محمد سالم ـ مطبوع ـ(1).
153- فتح المجيد في قراءة عاصم من طريق القصيد لمحمد بن الحسن بن محمد المنير السمنهودي (ت1199) مخطوط(2).
154- رسالة في رواية حفص من طريق الشاطبية لأبي المواهب الشاذلي الجلقي ـ مخطوطة(3).
155- منظومة للمتولي فيما خالف فيه ورش حفصا من طريق الحرز- مخطوطة(4).
156- إتحاف البرية بتحرير الشاطبية لحسن بن خلف الحسيني تلميذ الشيخ المتولي (ت1313)
وتسمى أيضا"نظم تحرير مسائل الشاطبية "وهي مطبوعة بذيل سراج القارئ على الشاطبية لابن الفاصح، ومعها الشرح التالي :
157- مختصر بلوغ الأمنية على نظم تحرير مسائل الشاطبية "للشيخ علي بن محمد الضباع، وأول المختصر "الحمد لله ... وبعد فهذه كلمات يسيرة ألفتها شرحا على قصيدة العالم العلامة المدقق الشيخ حسن خلف الحسيني المقرئ التي نظمها في تحرير مسائل الشاطبية، فقلت قال الناظم :
لك الحمد يا الله والشكر سرمدا ... هديت إلى الإيمان منك تفضلا(5).
158- جامع السرة، في شواهد الشاطبية والدرة لسليمان بن حسين الجمزوري- مخطوط(6).
159- نظم حل رموز الشاطبية ليعقوب بن بدران الدمشقي الجرائدي (ت688) بالقاهرة.
قال الحافظ الذهبي "نظم في القراءات أبياتا كثيرة حل فيها رموز القراءات،
__________
(1) -طبع بمكتبة الكليات الأزهرية1969.
(2) -مخطوط بالمكتبة الأزهرية بالقاهرة (1156) 32845 (الفهرس الشامل للتراث 2/621).
(3) - مخطوط بجامعة الإمام محمد بن سعود/ الرياض رقم 2634 (الفهرس الشامل للتراث 2/665).
(4) - مخطوط بالمكتبة الأزهرية/القاهرة (111)/ 82272 وكذا (271) 2278 وجامعة الإمام 2531 الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط 2/645).
(5) - الكتاب منشور بذيل سراج القارئ بالحاشية السفلى- مطبعة مصطفى البابي الحلبي.
(6) - مخطوط بالمسجد الأحمدي بطنطا بمصر رقم ج 30- د 3422 (الفهرس الشامل للتراث 2/618).(1/226)
جعلها بدل الأبيات المرموزة في الشاطبية نسهيلا على الطلبة"(1).
معارضاتها ونظائرها المنظومة على منوالها :
وقد حركت الشاطبية كثيرا من همم العلماء والأدباء فحاولوا أن ينظموا على منوالها تارة مع استعمال الرموز كما استعملها، وتارة دونها كما حاول بعضهم إختصارها في العدد مع الوفاء بالغرض، وعدل بعضهم عن فافيتها أو عن وزنها مع محاولة نظم أصلها الذي هو التيسير فكان عمله معارضة في موضوعها لا في صورتها، وهذه نماذج من ذلك نضمها إلى ما قام من نشاط حول محتواها وبيان مقاصدها :
160- معارضة الشاطبية لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن زكرياء المعافري الأندلسي من أصحاب بعض أصحاب ابن هذيل شيخ الشاطبي، قال في النفح : "نظم قصيدة في القراءات على وزن الشاطبية لكن أكثر أبياتا، صرح فيها بأسماء القراء ولم يرمز كما فعل الشاطبي"(2).
161- معارضة الشاطبية أو "حوز المعاني في اختصار حرز الأماني" لابي عبد الله محمد بن عبد الله ابن مالك الطائي الجياني الأندلسي صاحب الألفية المشهورة في النحو (ت 672)، وتسمي بالمالكية أيضا، وأولها قوله :
بذكر إلهي حامدا ومبسملا ... بدأت فأولى القول يبدأ أولا
وقال في آخرها :
وزادت على"حرز الأماني" إفادة ... وقد نقصت في الجرم ثلثا مكملا(3).
__________
(1) - معرفة القراء الكبار للذهبي 2/551-552 طبقة 15.
(2) - نفح االطيب للمقري 2/415 ونحوه في بغية الوعاة 1/43 ترجمة 69.
(3) - ذكرها ابن الجزري في ترجمته في غاية النهاية 2/180-181 ترجمة 3163.(1/227)
وذكرها له في مفتاح السعادة وكشف الظنون ولطائف الإشارات(1)، ونقل عنها مسعود جموع في الروض الجامع عند ذكر مخرج الضاد في باب مخارج الحروف(2)، وما تزال بعض نسخها مخطوطة في المشرق(3).
162- معارضة أخرى للشاطبية لابن مالك، وتسمى ب"الدالية" وب"المالكية" أيضا نسبة إلى ناظمها، ذكرها ابن الجزري وقال: رأيته يقول فيها:
ولا بد من نظمي قوافي تحتوي ... لما قد حوى "حرز الأماني "وأزيدا(4).
ونقل عنها في النشر فقال: "وما أحسن قول إمام العربية وشيخ الإقراء بالمدرسة العادلية أبي عبد الله محمد بن مالك الذي قدم الشام من البلاد الأندلسية، وصاحب الألفية، في قصيدته الدالية التي نظمها في القراءات السبع العلية:
ووجهان في "كنتم تمنون "مع تفكهون"، وأخفى عنه بعض مجودا
ملاقي ساكن صحيح :"كهل تربصون"، ومن يكسر يحد عن الإقتدا(5).
ويدل علىسعة إستعمالها نقل النوري عنها في "غيث النفع"(6) والقسطلاني عنها في "لطائف الإشارات"(7) وذكر المقري لها في "النفح" وقوله: "وصنف فيها ـ القراءات ـ قصيدة مرموزة في قدر الشاطبية"(8).
وقد جاء ذكرها ضمن قطعة نظم فيها بعضهم أسماء مؤلفات ابن مالك فقال:
ونظم في علم القراءات موجزا ... قصيدا يسمى "المالكي"مبجلا
وأرجوزة في الضاد والظاء قد حوى ... بها لهما معنى لطيفا وحصلا
__________
(1) - مفتاح السعادة لطاش كبري زادة 1/138- وكشف الظنون 1/496 ولطائف الإشارات 1/89/1/191.
(2) - الروض الجامع في شرح الدرر اللوامع (مخطوط).
(3) - منها نسخة بمكتبة داماد إبراهيم باشا/ أستامبول برقم 8 (الفهرس الشامل للتراث العربي..1/234).
(4) - غاية النهاية 2/180-181 وأشار إليها في كشف الظنون 2/1338.
(5) - النشر لابن الجزري 2/233.
(6) - نقل عنها في ذكر إمالة ما قبل هاء الثأينث في أول سورة البقرة- غيث النفع 93 (طبعة دار الفكر ط 4).
(7) - لطائف الإشارات 1/89.
(8) - نفح الطيب 2/421-423.(1/228)
وآخر لم أدر إسمه غيرأنه ... على نحو نظم "الحرز" منظومه انجلي
فجملتها عشرون تتلو ثمانيا ... فدونكها نسخا وحفظالتنبلا(1).
وما يزال بعض نسخها محفوظا في بعض خزائن مصر والشام وغيرهمابعنوان "المالكية في القراءات السبع"(2).
163- معارضة للشاطبية أو "الشمعة في القراءات السبعة "للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد بن الموصلي المعروف ب"شعلة" صاحب "كنز المعاني" الآنف الذكر، وهي "قصيدة رائية قدر نصف الشاطبية مختصرة جدا أحسن في نظمها واختصارها"(3).
164- معارضة أو "مختصر للشاطبية" لعبد الصمد التبريزي شيخ تبريز والعراق (ت 765)
قال ابن الجزري : "اختصر الشاطبة نظما حسنا في خمسمائة وعشرين بيتا"(4).
165- معارضة للشاطبية أو "عقد اللآلي في القراءات السبع العوالي "لأبي حيان محمد بن يوسف الغرناطي (745)
__________
(1) - القطعة بتمامها في 28 بيتا نقلها السيوطي في بغية الوعاة 1/131-132 في ترجمة ابن مالك رقم 224 فقال : "وأما تصانيفه فرأيت في تذكرة الشيخ تاج الدين بن مكتوم أن بعضهم نظمها في أبيات ... ثم ذكرها.
(2) - منها نسخة بظاهرية دمشق (علوم القرءان) برقم 9141 وبدار الكتب بالقاهرة برقم 23035 ب وبمكتبة لاله لي السليمانية بأستامبول برقم 62 (الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي 1/234).
(3) - قاله ابن الجزري في النشر 1/94-95 وسماها "الشفعة" وهي في كشف الظنون 21064 باسم "الشمعة المضية "، بنشر القراءات السبع المرضية " "قال : وهي رائية قدر نصف الشاطبية مختصرة جدا أحسن في نظمها واختصارها"- الكشف 2/1064-1065".
(4) - غاية النهاية 1/391 ترجمة 1668 ومثله في لطائف الإشارات للقسطلاني 1/89.(1/229)
قال ابن الجزري : "في وزن الشاطبية ورويها أيضا، لم يأت فيها برمز، وزاد فيها على التيسير كثيرا، قرأتها وقرأت بمضمنها على ابن اللبان(1)، وقرأها وقرأ بمضمنها على ناظمها المذكور ... "(2).
وقال في الغاية : "نظم القراءات السبع في قصيدة لامية سماها "عقد الآلي" خالية من الرموز، وجعل عليها نكتا مفيدة :" (3).
وما تزال القصيدة والنكت عليها أيضا في بعض خزائن المشرق(4). وقد ذكرها أبو حيان في تفسيره: 1/6-7 وذكر أن عدد أبياتها 1044 بيتا من غير رمز ولا لغز.
166- معارضة للشاطبية أو "مختصر الشاطبية" لمولانا بلال الرومي وهي قصيدة لامية يقال لها "البلالية"(5).
167- معارضة أو "نظيرة الشاطبية" لأحمد بن علي بن أحمد الهمداني أبي طالب الحنفي المعروف بابن الفصيح (680-755)، ذكرها له في الغاية فقال: "ونظم قصيدا في السبع سماه حل الرموز صرح فيه بأسماء القراء "(6).وسماها في "هدية العارفين" نظيرة الشاطبية في القراءات"(7)، وقال في كشف الظنون: "وهي على وزنه ـ الحرز ـ بلا رموز، فجاءت أقصر منها"(8).
168- معارضة الشاطبية أو "مختصر أمين الدين عبد الوهاب بن أحمد بن وهبان الدمشقي الحنفي (ت 768) وهي بعنوان "نظم در الجلا، في قراءة السبعة الملا "، وهي دون الخمسمائة(9).
__________
(1) - هو شيخه أبو المعالي محمد بن أحمد الدمشقي- ترجمته في غاية النهاية 2/72-73 ترجمة 2755.
(2) - النشر 1/95.
(3) - غاية النهاية 2/285-286 ترجمة 3555.
(4) - من نشخها مخطوطة بدار الكتب بالقاهرة برقم 200 ونسخة بمكتبة خدابخش/بتنه برقم 150 (التجويد). كما يوجد شرحها "نكت الأمالي شرح عقد اللآلي" وهو نسخة بعشيرة شرف الملك / مدارس برقم 7 وأخرى بخدابخش/بتنه برقم 185(التجويد).
(5) - كشف الظنون 1/649.
(6) - غاية النهاية1/84 ترجمة 380.
(7) - هدية العارفين 1/111.
(8) - كشف الظنون 1/649.
(9) - المصدر نفسه 1/649.(1/230)
169- معارضة اللشاطبية لأبي جعفر أحمد بن الحسن بن علي الكلاعي البلشي المالقي المعروف بابن الزيات (ت 730) قال ابن الجزري: "له قصيدة عارض بها الشابطية سماها "لذة السمع من القراءات السبع"(1).
170- معارضة للشاطبية لسريجا بن محمد الملطي أولها: "يقول سريجا قانتا متهللا"(2).
171- معارضة الشاطبية أو "تذكرة الإخوان "وشرحها" البرهان على مسائل تذكرة الإخوان " وكلاهما لمحمد الإفراني المغربي شيخ النوري صاحب "غيث النفع (3)"وكان حيا سنة 1079- والقصيدة مع شرحها مخطوطة في بعض الخزائن(4).
172- معارضة أو "مختصر نظم الشاطبية" لموسى بن عبد العزيز.
توجد من هذا النظم قطعة مبتورة الأول تاريخ نسخها 1033 بدار الكتب الناصرية بتمكروت(5).
173- معارضة للشاطبية أو "التبصير" في نظم التيسير لأبي عبد الله بن آجروم الصنهاجي صاحب فرائد المعاني في شرح حرز الأماني"، وهي أرجوزة مفقودة فيما أعلم، نقل عنها أبو زيد بن القاضي في كتابه "بيان الخلاف والتشهير وما جاء في الحرز من الزيادة على التيسير "عند حديثه عن الياسات الزوائد في سورة المومن فقال : "قال في "التبصير في نظم التيسير "لابن آجروم :
وفي التلاق والتناد الخلف ... عن ابن مينا والصحيح الحذف
__________
(1) - غاية النهاية 1/47-48 ترجمة 201 ونحوه في بغية الوعاة 1/302-303 وهدية العارفين 1/107.
(2) - إيضاح المكنون 2/232.
(3) - ذكر له في غيث النفع قصيدة في أحكام "الن" في سورة يونس وصدر لها بقوله "وقد ألف شيخنا رحمه الله في أحوالها الأربعة قصيدة سماها "غاية البيان لخفي لفظتي الان ثم ذكرها وأولها : يقول راجي العفو والغفران من ربه محمد الإفراني .. غيث النفع 242-244.
(4) - مخطوطة بمكتبة جاريبت(يهودا)/ برنستون برقم 205 (5044) (الفهرس الشامل للتراث 2/518).
(5) - رقمه بالخزانة الناصرية 2719 (دليل مخطوطات دار الكتب الناصرية لمحمد المنوني: 183.(1/231)
174- معارضة للشاطبية أو "رجز حرز الأماني"(1) ولعلها المذكورة باسم "كنز الأماني" للإمام محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي بكر بن مرزوق (الحفيد التلمساني) (ت 842) (2) وهي أرجوزة ألفية في محاذاة الشاطبية"(3).
175- معارضة الشاطبية أو "كتاب التبيين والتبصير في نظم التيسير "لأبي الحكم مالك بن المرحل المصمودي السبتي (ت 699).
قال الذهبي: وفقت له على قصيدة أزيد من ألفي بيت لامية نظم فيها التيسير بلا رموز"(4).
وقال في الجذوة : "والقصيدة الطويلة المسماة ب"التبيين والتبصير في نظم كتاب التيسير" عارض بها الشاطبية وزنا وقافية(5).
وقد وهم بعض الباحثين فنسب له شرحا على الشاطبية(6).
176- حزب القراءة (مختصر حرز الأماني) "هكذا ورد غير منسوب في بعض الفهارس وهو مخطوط(7).
177- ومما يظن أنه من معارضاتها أرجوزة "إيضاح المعاني في قراءة الداني "للشيخ محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عاصم الغرناطي صاحب تحفة الحكام (العاصمية ) (ت 829) ذكرها له في نيل الإبتهاج(8).
ومما ألف أونظم استنادا إليها وما تضمنته :
178- ترجمة الشاطبية لعبد الله بن محمد بن يعقوب بن عبد الحي ذكره في كشف الظنون في تكملاتها(9).
__________
(1) - نفح الطيب 7/349.
(2) - نيل الإبتهاج بهامش الديباج المذهب 397 ومعجم أعلام الجزائر 141.
(3) - تعريف الخلف برجال السلف للحفناوي 1/128-140 وقائمة مؤلفاته في ثبت أبي جعفر البلوي: 293.
(4) - نقله ابن الجزري في غاية النهاية 2/36 ترجمة 2644.
(5) - جذوة الإقتباس لابن القاضي 1/327-328 ترجمة 348- وشجرة النور 1/202- وذكريات مشاهير رجال المغرب لكنون (مالك بن المرحل) ص 8.
(6) - ذكره الأستاذ محمد بن أحمد بن شقرون في كتابه "مظاهر الثقافة المغربية من القرن 13..ص 195).
(7) - المكتبة الأزهرية بمصر (1140) حليم.
(8) - نيل الابتهاج بهامش الديباج 289-290.
(9) - كشف الظنون 1/649.(1/232)
179- طيبة النشر في القراءات العشر للحافظ ابن الجزري.
وهي من الاراجيز التي نافست وتنافس الشاطبية عند أهل المشرق من زمن ناظمها إلى الأن، وقد وضعها ناظمها فجعلها مشتملة على ما في الشاطبية وزائدة عليها بطرق أخرى قرأ بها للسبعة من غير طريقها، وزاد عليها القراءات الثلاث المكملة للعشر، ومع هذا فإن أثر الشاطبية واضح فيها سواء في الرموز التي استعملها أم في كيفية الدلالة بها على الرواة، على أنه هو نفسه قد سلك فيها مسلك التأدب والإعتراف الجميل في قوله في مقدمتها بعد أن بين مصطلحاته فيها:
"وكل ذا اتبعت فيه الشاطبي ... ليسهل استحضار كل طالب
وهذه أرجوزة وجيزة ... جمعت فيها طرقا عزيزة
ولا أقول إنها قد فضلت ... "حرز الأماني" بل به قد كملت
حوت لما فيه مع "التيسير" ... وضعف ضعفه مع التحرير(1).
180- الهدية المرضية لطالب القراءة المكية لأبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله الرحماني نزيل مراكش من أصحاب أبي زيد بن القاضي(2) وأولها قوله :
بحمد ربنا العظيم أبتدي ... ثم على خير الورى محمد
أزكى الصلاة والسلام أبدا ... والآل والصحب ومن به اقتدى
وهاك نظما فاستفده عن خبير ... في مقرإ الشيخ الإمام ابن كثير
عنه بإسناد روى البزي ... كذاك قنبل الرضا الذكي
ويقول في المقصود :
طريقة الداني قد سلكت ... من حرزنا وأصله نظمت(3)
181- أرجوزة إبراز الضمير من أسرار التصدير لمحمد بن عبد السلام الفاسي (ت 1214).
يقول في أولها :
الحمد لله الذي منحني ... تفضلا حفظ كتابه السني
وبعد ذا فإنني سأذكر ... من أوجه الخلاف ما قد صدروا
__________
(1) - طيبة النشر مطبوعة ضمن مجموع "إتحاف البررة" 171.
(2) - سيأتي ذكر إسناده عنه في الطرق المقروء بها لورش عند المغاربة في آخر هذا البحث.
(3) -الهدية المرضية متداولة بأيدي طلبة القراءات ومنها نسخ في المكتبات منها نسخ بالخزانة الحسنية بالرباط بأرقام 10009- 5321- 1311 ـ (فهرس الخزانة 6/198).(1/233)
حال الأدا مما حواه "الحرز" ... لمقرئي السبع عداك العجز(1)
182- القول الأصدق في بيان ما خالف فيه الإصبهاني الأزرق للشيخ محمد بن أحمد المتولي (ت 1313)
أرجوزة مطبوعة وعليها شرح للمؤلف أولها :
الحمد لله فريد الذات ... وواحد الأفعال والصفات
ويتعلق المقصود عندنا منها بقوله :
وكل ما خالف فيه الأزرقا ... ذكرته لا ما عليه اتفقا
وكان من طريق "حرز " الشاطبي ... وحسبي الله الكريم والنبي(2)
183- حصن القاري في اختلاف المقاري للشيخ هاشم بن محمد المغربي
مخطوط بمكتبة الأسكندرية برقم 292د فرغ المؤلف منه في 9 شوال سنة 1151(3). وفي الخزانة الحسنية بالرباط منه نسخة لم يرد فيها اسم المؤلف، وأولها: "الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد فهذا تقييد به بيان ما اختلف فيه من أوجه القراءات من طريق الشاطبية"(4).
184- المنحة والتقريب لأبي زيد عبد الرحمن بن القاضي (ت 1082) وهو في موضوع إمالة الكسائي لما قبل هاء التأنيث في الوقف، وأوله قوله: "الحمد لله القوي المعين ...
ويتعلق الأمر عندنا منه بقوله في مقدمته: "وأتيت به على طريقة الشاطبي والتيسير، مع نبذ جامعة لشارحه المسمى ب"الدر النثير".(5).
185- غيث النفع في القراءات السبع لعلي النوري الصفاقسي، وهو مطبوع بهامش سراج القارئ لابن القاصح
__________
(1) -م خ ح برقم 8309 ومعها شرح موجز للناظم .
(2) - القول الأصدق 1-6-والمراد بقوله : وحسبي الله الكريم والنبي "ليس تشريك النبي – صلى الله عليه وسلم- معه في الحسبلة، وإنما يعني حسبي الله وحسب النبي كقوله تعالى "حسبك الله ومن أتبعك من المومنين "أي "حسبك وحسب من شهد معك من المومنين"- انظر تفسير ابن كثير 3/344.
(3) - أعلام الدراسات القرأنية للدكتور مصطفي الصاوي 296.
(4) - رقمه بالخزانة 12178ز مجموع 1 (فهرسة الخزانة الحسنية6/95).
(5) - مخطوطة الشيخ أحمد الكونطري بالصويرة وتقع في 5 صفحات مسطرة 33.(1/234)
ويتعلق مرادنا منه بقوله في مقدمته : "فاستخرت الله تعالى في تأليف كتاب أبين فيه القراءات السبع التي ذكرها الأستاذ أبو محمد القاسم الشاطبي غاية البيان(1) ...
فالكتاب أذن محاذ لللشاطبية وهو أشبه بالحاشية عليها، وقد تعقب فيه الجعبري في مواضع، منها ما يتعلق بمراتب المد(2)، بل إنه كثيرا ما تعقب الشاطبي نفسه كما فعل في سورة البقرة عند قوله " هدى للمتقين" معترضا عليه في قوله في باب الإمالة:
وقد فخموا التنوين وفقا رققوا ... وتفخيمهم في النصب أجمع أشملا
فقال: "وما ذكره في قوله "وقد فخموا التنوين وفقا ورققو..إلخ منكر لا يوجد في كتاب من كتب القراءات، بل هو كما قال المحقق ـ ابن الجزري ـ مذهب نحوي لا أدائي، دعا إليه القياس لا الرواية"(3).
ثم راد فذكر أن هذا الخطأ تمادى على تقريره الشراح تبعا لشارحه الأول أبي الحسن السخاوي قال: "فهم وان تعددوا حكمهم كحكم رجل واحد ... "(4).
وكذلك فعل معه في قوله في باب الهمزتين من كلمتين :
والأخرى كمد عند ورش وقنبل ... وقد قيل مخض المد عند تبدلا
منكرا عليه التعبير عن ذلك ب"قيل"المشعرة بتوهين هذا الوجه، قال : "ولعل الشاطبي إنما عبر عه بقيل ليشير إلى أنه من زياداته على التيسير، وأنه على غير قياس كما ذكره الداني في جامعة، وأما عمل الناس فإنهم مقلدون للشاطبي"(5).
186- إتقان الصنعة في التجويد للسبعة لأبي العباس أحمد بن علي بن شعيب وبه عرف المالقي نزيل فاس
__________
(1) - غيث النفع بهامش سراج القارئ 7-8.
(2) - غيث النفع 72-73.
(3) - نفسه 91.
(4) - نفسه 99.
(5) - غيث النفع 105.(1/235)
من أصحاب محمد بن يوسف الترغي، فرغ من تأليفه في خامس جمادى الأولى عام 1014 هـ(1).أوله قوله:
"الحمد لله الذي من علينا بحفظ كتابه الحكيم، وهدانا بحسن فضله من بعد التعلم إلى التعليم ... رتبه على نسق ترتيب التيسير والشاطبية وأكثر من النقل عنهما وعن شروحهما وعن الجعبري بشكل خاص، وكثيرا ما يعبر بقوله "المفهوم من القصيد "دون أن يذكر البيت، وهو يريد به قصيدة الشاطبي.
وذكر في أول سورة البقرة مراتب المد فقال : "ونظم بعضهم هذه المراتب باعتبار المنفصل في بيتين من الطويل قال :
وأطولهم في المد ورش وحمزة ... ودونهما "نص" ودونه "رم كلا"
ودونهما الدوري وقالون مثله ... بخلفهما والقصر "ياتيك"دخلا(2)
هكذا ذكرهما بهذا اللفظ، وقد رأيتهما على غير هذا الوجه عند أبي عبد الله بن رشيد في "ملء العيبة" في ترجمة الفقيه الراوية المقرئ أبي عبد الله محمد بن أحمد بن حيان الأنصاري الأوسي الشاطبي نزيل تونس وبها لقيه(3)، وقد ساقهما ابن رشيد ضمن مروياته عنه فقال: "وأنشدني أبو عبد الله بن حيان لنفسه مما نظمه متمما ما نقص الشاطبي في باب المد:
وأطولهم في المد ورش وحمزة ... ودونهما "نام" ودونهم "كلا"
"رضا"، ويليه "حسن بدر" وخلفهم ... على قدر تحقيق وحدر محصلا(4)
__________
(1) - ذكر ذلك في آخره كما وفقت عليه، لا سنة 1194 كما في فهرسة خ ح 6/13 فإنه لم يدرك ذلك وإنما توفي عقب تأليفه له بسنة على المشهور في وفاته كما سيأتي، وما في الفهرسة إنما هو خطأ مطبعي لأنه ذكر أن تاريخ الفراغ من كتابة النسخة التي عرف بها برقم 12407ز هو 1133.
(2) - إتقان الصنعة (مخطوط).
(3) - ملء العيبة 2/173.
(4) - المصدر نفسه 2/196.(1/236)
وبعد فهذا أثر الشاطبية الكبرى في ميدان التأليف في مجالات شرحها وبيان مقاصده فيها والاستدراك عليه وتكملة ما رآه بعضهم ضروريا لتمام الفائدة وفي التأليف في طرقها والنظم على منوالها وتهذيب بعض أبوابها ومسائلها، وهو مجال فسيح جدا إنما قمنا بجولة في بعض جوانبه المعروفة والمشهورة.
ولقد اقترن بهذا المجال مجال آخر لا يقل سعة عنه، وقد تمثل في اعتماد القصيدة في استنباط أحكام القراءة والأداء والإستدلال عليها منها أو من شروحها، مما كان له أثر بليغ عند المتعاملين معها في فقه مسائل الخلاف، بحيث كانت أبياتها- ولا سيما في المدرسة المغربية- دستورا للقراء في عامة ما يعرض لهم منها، كما أمست شروحها مرتعا خصبا للباحثين في التوجيهات والتعليلات وتفريع الوجوه والمسائل، ولهذا نجد مؤلفات المتأخرين تزخر بالنقول عن الشراح، كما نجد الإشارات إلى الشروح في المنظومات والمسائل التي كانت تجري فيها المحاورات بين الشيوخ، وهو فن جديد توسع فيه المغاربة توسعا كبيرا كما سنرى.
وهذه نماذج من ذلك تبين مقدار تأثير الحرز وشروحه في هذا المجال عند مشايخ المدرسة المغربية :
1- عند الإمام أبي عبد الله القيسي الكفيف (ت 810)
سيأتي التعريف بهذا الإمام في المدراس الأصولية في المدرسة المغربية بفاس، ونريد هنا أن نشير فحسب إلى مقدار اعتماده في منظوماته الكثيرة على شروح الشاطبية وحفظه لمسائلها. يقول في إحداها :
حقيقة ذا التفخيم تنحو بفتحة ... لضم، وللداني جرى ليس يشكل
ومن قال ذا التغليظ إشباع فتحة ... (أبو شامة) الأسنى كذا قال فاقبلوا(1)
وقال في إدغام "ماليه هلك" :
والإظهار عند (الفاسي) أجودثم ل"(السخاوي) هو المختار للنص فاركنا
وقال فيها :
تأول هذا كله من له ذكا ... (أبو شامة) المغروف يارب كن لنا (2)
وقال في ترقيق الراء :
__________
(1) - نقله ابن القاضي في الفجر الساطع.
(2) - نقله في الفجر الساطع.(1/237)
حقيقتها الإنحاف للرا وضعفها به (الجعبري) العدل قال وقولا
(أبو شامة) الغراء و(الجعبري) خذ نصوصهما تكفيك واحسن تأولا
وقال :
هما يوجبان اللام تفخيمها ولو ... أميلا حكى هذا (أبو شامة) العلا
كذلك نص (الجعبري) أخو الرضا ... لدى شرحه "حرز الأماني" مفصلا(1)
2- عند أبي وكيل ميمون مولى الفخار في "تحفة المنافع" :
سيأتي التعريف به في المدارس الأصولية المغربية بفاس، ونقف الآن على نماذج تمثل أثر الشاطبية وشروحها في منظومته في قراءة نافع. يقول في باب المد :
في الشرح (للفاسي) تخريج حسن ... إذ قال للتوسيط رعي الجانبين
وذاك في ميم بأولى العنكبوت ... وآل عمران(2) صحيح عن ثبوت
وقال في الباب نفسه :
فصل وأشبع مدها للهمز ... مؤخرا محققا في (الحرز)
ويقول في ذكر المذاهب الثلاثة في كيفية النطق بالتسهيل للهمز :
واحذر صويت الهاء عند النطق ... ووقيل إلان أو عند فتح فابق
ثلاثة (للشامي)(3) والداني ... ... وابن حدادة(4) الرضا المرضي
وقال: هل يمد الهمزة المسهل ... قال (أبو شامة) فالمعول
عليه ترك المد فيما خففه ... إذ هي قال زنة المحركة(5).
وقال في باب اللامات :
حقيقة التغليظ قال (الشامي) ... زيادة العمل قل في اللام
وقال فيما قيل من رجوع نافع في ياء "محياي" من السكون إلى الفتح :
بأنه من السكون قد رجع ... لمقرأ الفتح وذا عنه وقع
لشيخنا (الشامي) ب(شرح الحرز) (6) ... وتم ذا الباب على ما يجزي
3- عند الإمام أبن غازي وصاحبه أبي العباس الدقون :
__________
(1) - نقله ابن القاضي في الفجر في باب اللامات.
(2) - يعني (ألم أحسب)" في أول العنكبوت، و(ألم الله لا إله إلا هو) في أول آل عمران.
(3) - هو أبو شامة صاحب إبراز المعاني شرح الشاطبية.
(4) - هو أبو عمران موسى بن محمد بن موسى بن أحمد الصلحي الشهير بابن حداد من أعلام مشيخة المدرسة الأصولية بفاس وسيأتي.
(5) - يعني في "ءالد" وما أشبههه.
(6) - يعني لأبي شامة في شرحه.(1/238)
سيأتي التعريف بهذا الإمام ومدرسته الأصولية، ويهمنا منه هنا بعد ما ذكرناه من نشاطه العلمي حول الشاطبية، أن نشير إلى اعتماده في بعض منظوماته على بعض شروحها، وهذا نموذج من ذلك جوابا على سؤال ألقي إليه في أبيات أوله :
أيا معشر القراء إني سائل ... بحرف عدمت النص فيه عن الملا
إذا وقف القاري على طال مسكنا ... فما قولكم في السلام يا أنجم العلا
وكان من جواب ابن غازي عليه- كما-سيأتي- :
ألا فاسمعن ما قد أخذنا عن الملا ... وجاء به (كنز المعاني) مفصلا
إذا وصل القاري بتغليظ لامه ... فعند سكون الوقف وجهان حصلا
وأجاب عنه أبو العباس الدقون فقال :
جوابكم في (الجعبري) محققا ... بوقف ووصل، واللام على الملا(1)
4- عند الإمام أبي زيد عبد الرحمن ابن القاضي (ت 1082).
يبدو أثر الشاطبية واضحا في جميع مؤلفات ابن القاضي ورسائله وأجوبته ومظوماته، كما يتجلى مقدار إطلاعه على شروحها ومعرفته بمذاهب شراحها، وهذه نماذج من إشاراته في منظوماته ومسائله وألغازه :
فمن ذلك قوله :
ونقل الإجماع في (النشر) على ... تفخيم لفظ الله عن ورش جلا
بعيدرا مرقق يخص ... نحو لذكر الله جاء النص
عن غير واحد بذا قد أعلموا ... كابن شريح قال : كل فخموا
ونقل التفخيم (نجل شامة) ... نص عليه قله لا ملامة(2)
ومنه قوله :
ذكر مبارك بترقيق يرى ... عند جميع (الشارحين) لا امترا
لأجل ضعفه بلا التباس ... كذلك الأخذ جرى بفاس
ومذهب (الشامي) و(البرهان) (3) ... تفخيم رائه فخذ بياني(4)
ومنه قوله ملغزا في "محيلي" :
أسائلكم يا مقرئي حرف نافع ... بأرجوزة البري جوابا عن الخبر
فما كلمة جاءت لعثمان وحده ... عن ابن يسار يوسف الأزرق الحبر
__________
(1) - نقله ابن القاضي في باب اللامات من الفجر الساطع ومسعود جموع في الروض الجامع في اللامات أيضا.
(2) - ذكره لنفسه في باب "اللامات من الفجر الساطع.
(3) - يعين برهان الدين الجعبري.
(4) - ذكره لنفسه في باب الراءات من الفجر الساطع.(1/239)
بفغري(1) ولَيّ مع سكون وفتحة ... وطول وقصر لا توسط للمصري
إلى قوله :
وقد جمعت من الصفات غوامضا ... ويعرفها من عنده (الكنز) بالحزر؟
ثم ذكر الجواب فقال :
جوابكم "محياي" في مذهب المصري ... بآخر أنعام تفرد كالبدر(2).
ومنه قوله في جواب سؤال عن الفرق بين "راءك" في وجوب الإمالة وبين "رأيته" بترك "بترك الإمالة :
جوابكم في (الحرز) و(الدر لامع) ... وجود سكون لازم لاح كالبدر
أو القلب هذا الفرق برهانه جلا ... ب(كنز المعاني) خذ عروسا بلا مهر(3).
وعلى العموم فإن الشاطبية وشروحها قد سيطرت في المدرسة المغربية سيطرة كبيرة، وكانت مسائل الخلاف المعروضة من خلالها معتركا للاقران ومجالا فسيحا لتباري الأنظار، حتى إن بعض الآخذين ببعض مذاهبها المخالفة لما عليه الأداء في المدرسة المغربية كان يتعصب لها ويحتج بها جاهلا بوجود منادح للخلاف بين المدرستين، مما عبر عنه بعض المتأخرين من مشايخ الشمال المغربي ممن كان مشهودا لهم بالحفظ حين اعترض عليه بعضهم بما ذكره الجعبري، فقال : "أنا الجعبري"(4).
ولقد غدت الشاطبية منذ وصولها ودخول شروحها محورا لهذا العلم، مما يجعلنا نتسائل كيف كان هذا العلم سيستمر في المشرق والمغرب على المستوى الذي استمر عليه لولا وجود هذه القصيدة وما اقترن بها من شروح وحواش وما كان لها في الجملة من إشعاع وأثر بليغ في مجال الإقراء والتأليف.
__________
(1) - يعني بفتح.
(2) - ذكره في فرش الحروف بالفجر الساطع.
(3) - الفجر الساطع باب الإمالة.
(4) - الإشارة إلى الشيخ أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد السلام الوليدي (ت 1320) من قبيلة أنجرة بنواحي تطوان وقد ساق القصة السيد سعيد أعراب في القراء والمقرئين في المغرب 208-209.(1/240)
ولقد أخذت الشاطبية في المدارس الرسمية موقعها وأمست من المواد المعتمدة التي لا يعترف للعالم بمكانته إلا إذا كان له منها حظ ونصيب، ولذلك أنشئت لها الأوقات الخاصة كما قدمنا، ودخلت ضمن مواد الدراسة في ما كان يعرف ب"الكراريس"(1) أو "آلة القراءة"كما عبر عن ذلك بعض المتأخرين حيث إنه سافر للأخذ عن بعض القراء الآخذين من أفواه مشايخهم المجودين للقرآن بـ(آلة القراءة) كالشاطبية وغيرها من آلة القراءة"(2).
ولا أدل على مبلغ هيمنة الشاطبية وشروحها على الميدان من كوننا لا نجد اليوم على كثرة قراء السبعة ووفرتهم من يقرأ بغير طرقها في المغرب سواء في شماله أم في جنوبه، بل نجد رموزها وحدها هي المستعملة في الرمزيات والرسميات المستعملة في جمع القراءات، وهي المنظومة في القصائد المعتمدة في ذلك.
ويكفي في الدلالة على سعة إستعمال شروحها واعتمادها عند المتأخرين حتى في البوادي ما ذكرناه من أنه كان في القرن الماضي (الرابع عشر الهجري) ثمانية عشر أستاذا يدرسون الجعبري(3) وذلك في بلد واحد وهو دكالة القبيلة المشهورة بالجنوب المغربي.
__________
(1) - فهرس المنجور 67.
(2) - ملتقط الرحلة من المغرب إلى حضر موت ليوسف بن عابد الإدريسي الحسني الفاسي 32.
(3) - انظر كتاب متعة المقرئين للعلامة عبد الله الجراري: 92-93 ودعوة الحق العدد: 4 1387هـ -1968.(1/241)
ولقد أدى الحال بسبب وفرة النقول عن هذه الشروح وغيرها وإتساع مذارك القراء في محتوياتها، إلى أن تضخم الرصيد العلمي عند أولئك القراء واتسع محفوظهم من نصوص الأئمة اتساعا مدهشا، حتى إن الشيخ الكانوني يحكي عن أحد هؤلاء الأساتذة الحفاظ وهو الشيخ المهدي الدكالي العوني نزيل الغساسنة(1) أنه قرأ مع تلامذته الشاطبية في القراءات، فقرأ في البسملة خمسة أيام، فاستطال ذلك الطلبة فقيل له في ذلك؟ فقال : هكذا قرأناه، ولا نقدر على ما دون ذلك فإن تواضعتم فإن سيدي أحمد العبدي يقرأ معكم ما تريدون، فأذن له فدرس معهم الشاطبية (شرح الجعبري) بمدرسة شيخه المذكور ببلاد العونات(2).
وكما كان للإمام الشاطبي في الميدان العلمي تأثير بليغ في الجوهر والمحتوى، كان له أيضا تأثير مماثل على الشكل الذي ظل الناس يأخذون به في الإقراء، وإن أدخلوا على صورته في بعض البلدان نوعا من التغيير.
__________
(1) - من فحول مشايخ القراءة في المائة الثالثة عشرة وكان معاصرا للشيخ المعروف في الحوز "سيدي الزوين" صاحب مدرسة القراءات المشهورة إلى اليوم.
(2) - جواهر الكمال في تراجم الرجال لمحمد بن أحمد العبدي الكانوني القسم 2/18-19-وقد ذكره في ترجمة أبي العباس أحمد بن عبد الواحد ابن مولاي أحمد العبدي الزيدي فذكر أنه أخذ القراءا ت السبع عن الفقيه الأستاذ السيد التونسي بن أحمد العوني وعليه أتقنها وحررها، ثم أخذ قراءات الثلاثة تمام العشرة عن غيره، كما أخذ العلم وأحكام القراءات كلها أيضا عن الأستاذ الصالح سيدي المهدي الدكالي العوني نزيل الغساسنة ...ثم ساق قصة إقرائه للشاطبية فقرأ البسملة في خمسة أيام إلخ، ثم ذكر وفاته في العشرة الأولى من القرن الرابع عشر الهجري.(1/242)
ويتجلى هذا الأثر بارزا في ميدان الإفراد والجمع بالنسبة للطلاب، فقد رتب الشاطبي في ذلك أسلوبا مقبولا في الجملة كان الأخذ يجري عليه، ثم تجاوزه المتأخرون إلى ما حكاه النوري الصفاقسي في غيث النفع مما ساد وانتشر بديلا للأسلوب الذي انتهجه الشاطبي(1).
10- أسلوب الإفراد والجمع عند الإمام الشاطبي :
__________
(1) - ذكره في غيث النفع 29-30 وملخصه أن الطالب يقرأ على الشيخ لقالون أحزابا من أول القرآن ثم لورش كذلك، ثم يجمع لنافع كذلك، ثم المكي ثم البصري ثم يجمع بين الثلاثة كذلك ثم لكل قارئ من الأربعة الباقين كذلك، ثم يجمع للسبعة، وهو لم يصل إلى إتقان القراءة المفردة فضلا عن إتقانها مع الجمع مخالفا لإجماع المتقدمين والمتأخرين.(1/243)
لا شك أن الإمام الشاطبي كان مسبوقا إلى الأخذ بأسلوب الجمع بين أكثر من قراءة في ختمة واحدة وفي أداء واحد، كما سبق أن أشرنا إلى ذلك في ترجمة أبي عمرو الداني وتحدثنا عن الريادة فيه، إلا أن الشاطبي –فيما يبدو- قد تميز في الأخذ والسماح به بنوع من الصرامة، بحيث لم يكن يتوسع فيه إلا بقدر الحاجة، ولا يأذن به إلا للمتأهل، وهو ما أشار إليه الحافظ ابن الجزري في معرض الحديث عن ظهور "جمع القراءات" وكراهة بعض الأئمة له" من حيث أنه لم تكن عادة السلف عليه، قال : ولكن الذي استقر عليه العمل هو الأخذ به والتقرير عليه وتلقيه بالقبول(1)، وإنما دعاهم إلى ذلك فتور الهمم وقصد سرعة الترقي والإنفراد.
ولم يكن أحد من الشيوخ يسمح به إلا لمن أفرد القراءات وأتقن معرفة الطرق والروايات، وقرأ لكل قارئ ختمة على حدة، ولم يسمح أحد بقراءة قارئ من الأئمة السبعة أو العشرة في ختمة واحدة فيما أحسب إلا في هذه الأعصار المتأخرة.
__________
(1) - التلقي بالقبول هنا إنما ينظر إليه في إطار التعلم والتلقي عن المشايخ اختصارا للوقت، فهذا المقول بجوازه عند من أجازه وأخذ به، أما في غير هذا كالقراءة في الصلاة أو في المحافل العامة فيبقى على أصله في المنع، وذهب بعض العلماء إلى المنع مطلقا وسد هذه الذريعة التي تطرق منها المبتدعة إلى فساد كبير.في قراءة القرأن والحفاظ على نظمه وحسن تجويده وأدائه (ينظر في هذه المباحث كتاب الآيات البينات في حكم جمع القراءات لأبي بكر بن محمد علي بن خلف الحسيني في رده على صاحب "هدية القراء والمقرئين"- مطبوع.(1/244)
حتى إن الكمال ـ صهر الشاطبي ـ لم يقرأ عليه قراءة واحد من السبعة إلا في ثلاث خثمات، فكان إذا أراد قراءة ابن كثير مثلا يقرأ أولا برواية البزي ختمة، ثم برواية قنبل، ثم يجمع البزي وقنبلا في ختمة، هكذا حتى أكمل القراءات السبع في تسعة عشر ختمة ولم يبق عليه إلا رواية أبي الحارث وجمعه مع الدوري(1) في ختمه ـ قال ـ فأردت أن أقرأ برواية أبي الحارث فأمرني بالجمع، فلما أنتهيت إلى سورة الأحقاف توفي رحمه الله(2).
هذا هو النمط الذي رسمه الشاطبي في مدرسته في الأخذ للسبعة، وقد أشار ابن الجزري إلى استمرار العمل عليه، فقال : وهذا هو الذي استقر عليه العمل إلى زمن شيوخنا الذين أدركناهم(3).
ومنه تتجلى أهمية الشاطبي في هذا المضمار في رسمه للقراء معالم المنهاج السليم في جمع القراءات.
وكما تجلى أثره في هذا تجلى أيضا في أمر آخر ارتبط به بصورة تلقائية، وهو تحديد المقدار الذي يسمح به للطالب الراغب في القراءة بالجمع لضمان التحصيل وصحة الرواية والعرض، وإلى هذا أشار السخاوي بقوله في كتابه جمال القراء: وكان شيخنا أبو القاسم ـ رحمه الله ـ أخذ بذلك يعني بأرباع أجزاء الستين على من يجمع القراءات، فيقرأ عليه الجزء من الستين في أربعة أيام ... (4).
__________
(1) - يعني الراويين عن الكسائي.
(2) - النشر 2/194-196.
(3) - نفسه.
(4) - جمال القراء للسخاوي 1/154-155.(1/245)
وقد تمثل أصحابه من بعده طريقته في التدريس ووصفوها باعتبارها النموذج المحتدى والطريقة المثلى، وقد حكى صاحبه أبو الحسن السخاوي عنه أنه عند الإقراء كان يجلس على طهارة نعلم ذلك منه بأنه كان يصلي الظهر بوضوء الصبح، وكان إذا أذن المؤذن لصلاة الظهر انتصب قائما يستبرئ نفسه ليعلم هل يحتاج إلى الوضوء؟ فإن رأى ذلك توضأ، وإلا صلى على حاله تلك، وكان لا يسجد إذا قرئت عليه السجدة، ولا يسجد أحد ممن يقرأ عليه، وكذالك كانت سنة أشياخه ـ والله أعلم ـ لأنه كان شديد الإقتداء بمن أخذ عنه(1).
ومن هذا القبيل أيضا ما حكاه عنه السخاوي من التزامه لهذا الدعاء عند ختم القرءان، وهو قوله :
"اللهم إنا عبيدك وأبناء عبيدك وأبناء إيمائك نواصينا بيدك، ماض فينا حكمك عدل فينا قضاؤك إلخ ...
قال السخاوي: فهو دعاء مروي عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لتفريج الهم، وأنا أدعو به وأزيد عليه: اللهم اجعله لنا شفاء وهدى وإماما ورحمة ... وذكر باقي ما زاده"(2).
تلك منزلة الإمام الشاطبي قارئا ومقرئا ومؤلفا وإماما في الفن، ومكانته عميدا للمدرسة الأثرية الدانية التي يدين لها وتدين له بالفضل، وذلك مقامه أيضا رائدا للمدرسة المغربية في القراءة وعلومها في ديار المشرق، وثمرة زاكية من ثمارها اليانعة في عهد التلاقح بين مدارس الإقراء في المغرب والأندلس بعد اكتمال الوحدة بينهما وحدوث التلاقي بين عامة المؤثرات الفنية المنبثقة عن مدارس الأقطاب التي انتظمت خلالها مختلف المذاهب الأدائية التي تعزى إلى الأئمة القائمين على هذه الصناعة في المشرق والمغرب.
__________
(1) - المصدر نفسه 2/480.
(2) - نفسه 2/646 ونحوه في برنامج التجيبي 28-29.(1/246)
ولعلنا قد استطعنا من خلال ماعرضناه من آثار هذا الإمام وما كان لها من إشعاع علمي في مختلف العصور أن نقوم برسم المعالم البارزة في مدرسته، وأن نقدم للقارئ الكريم شخصيته العلمية الفذة كما عكستها الحركة النشيطة التي قامت على أعماله في هذا الشأن، ولا سيما منها ما قام حول حرز الأماني التي كانت وما تزال دستور القراء، وعمدة مدارس الإقراء.
ولعلنا أيضا قد تمكنا من تمثيل مستوى الثقل العلمي الذي نزل به الإمام الشاطبي في الميدان باعتباره رائدا لمدرسة أبي عمر الداني في المشرق وعميدا لهذا الإتجاه الفني والأداء المتميز الذي ظل منذ ظهوره يعمل على الإحتواء على الساحة والهيمنة على غيره من الاتجاهات التي كان حملتها من طلاب المدارس المتفرعة عن مدارس الأقطاب يعملون دائبين على نشرها والدفع بها لاكتساب مزيد من البسطة والانتشار.
ولعل القارئ الكريم قد أدرك إلى أي حد استطاع الشاطبي أن يفرض على الميدان اختيار مدرسته، وكيف تأتي له بسط نفوذها على غيرها حتى في الآفاق المشرقية التي كان القراء المغاربة طالما شدوا الرحال إليها في طلب هذا الأمر، كما لعله أيضا لمس كيف تمكن من رسم المسار "الرسمي" للقراءة ومستقبلها في مواجهة اختيارات المدارس التي ظلت إلى زمنه في انتظار من يرسم لها معالم الطريق نحو الأخذ بأقوى المذاهب وأقومها في القراءة والأداء، احتياطا لكتاب الله، واكتفاء في قراءته وأدائه بالسائر المشهور من الروايات والطرق والوجوه، فكان ظهور الإمام الشاطبي- رحمه الله- في هذا العلم وفي هذا الطور بالذات، منعطفا عظيم الأهمية في تاريخ القراءات في المشرق والمغرب على السواء.
ولقد ظلت مدرسة الإمام الشاطبي منذ هذا العهد محورا للنشاط القرائي، وظلت الشاطبية قطب المدار في البلدان الإسلامية عامة لا يكاد يزاحمها على مقام الصدارة أثر أو يحد من سيطرتها كتاب.(1/247)
إلا أن بعض المدارس الفنية قد بقي لها نوع من النفوذ في الميدان لا في مواجهة الشاطبية وتأثيراتها، ولكن في الإضافة إليها وتوسيع مدارك القارئين بمضمنها، مما رأينا أمثلة ونماذج وافية منه تمثلها القصائد والمؤلفات التي كتبت أو نظمت في تكملتها والزيادة عليها، ومن أهمها فيما يخص المدرسة المغربية "تكملة الإمام القيجاطي" التي نظمها تذييلا على الشاطبية ومكملا لها بما جمعه في مسائل الخلاف من مذاهب الأئمة الثلاثة أبي علي الأهوازي صاحب "الوجيز" وأبي محمد مكي صاحب "التبصرة" وأبي عبد الله بن شريح صاحب "الكافي"، وهو عمل من الإمام أبي الحسن القيجاطي يمكن أن نصنفه في إطار "المدرسة التوفيقية" التي رأينا معالمها عند كل من أبي عبد الله بن شريح وأبي جعفر بن الباذش صاحب "الإقناع"، وسوف نرى في العدد التالي كيف حاول الإمام القيجاطي أن يجدد هذا الإتجاه، وان ينعش في غرناطة آخر القلاع العلمية الباقية من الأندلس في هذا الشأن في أواخر طور التلاقح بين مدارس الأقطاب اتجاهات هذه المدرسة، وأن يؤسس بها مدرسة فنية خاصة يمكن تسميتها ب"المدرسة القيجاطية"، وأن يدعم بها الإتجاه التوفيقي الذي يعتمد الأخذ بما صح في النقل والأداء من طرق من ذكرنا من الأئمة الثلاثة المذكورين إلى جانب اختيارات أبي عمرو الداني فيما أمسى يعرف عندهم باسم"الجمع الكبير".
فهرس المصادر والمراجع
المعتمدة في العدد الرابع عشر:
- إبراز المعاني من حرز الأماني في القراءات السبع للإمام عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة الدمشقي: تحقيق إبراهيم عطوة عوض-القاهرة: 1402هـ-1981 مطبعة الحلبي.
- إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس للمولى عبد الرحمن بن زيدان: تقديم عبد الهادي التازيـ ـ ط.2: 1990م الدار البيضاء ـ المغرب.(1/248)
- إتحاف البررة بالمتون العشرة في القراءات والرسم والآي والتجويد، جمع وترتيب وتصحيح الشيخ علي محمد الضباع، نشر مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر: 1354هـ.
- الإتقان في علوم القرآن للإمام جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي الشافعي، نشر المكتبة الثقافية ـ بيروت لبنان.
- أدب الفقهاء للشيخ عبد الله كنون الطنجي، نشر دار الثقافة: 1988م ـ الدار البيضاء.
- إتحاف حرز الأماني برواية الإصبهاني للشيخ حسين خطاب، طبعة دار الفكر بدمشق، ط.1: 1408م.
- أخبار وتراجم مستخرجة من معجم السفر للحافظ السلفي لأبي طاهر أحمد بن محمد السلفي، تحقيق عبد الله عمر الباروي، نشر دار الفكر: 1414هـ1993م.
- إرشاد الطالبين إلى ضبط الكتاب المبين للدكتور محمد سالم المحيسن، ط.1: 1410هـ1190م.
- إرشاد اللبيب إلى مقاصد حديث الحبيب للشيخ ابن غازي المكناسي، تحقيق عبد الله التمسماني، طبعة وزارة الأوقاف المغربية: 1409هـ، تطوان ـ المغرب.
- إرشاد المريد إلى مقصو القصيد للشيخ علي بن محمد الضباع، مطبوع بهامش إبراز المعاني لأبي شامة، مطبعة الحلبي: 1349هـ، القاهرة ـ مصر.
- أزهار الرياض في أخبار عياض، تأليف شهاب الدين أحمد بن محمد المقري التلمساني، تحقيق سعيد أحمد أعراب ومحمد بن تاويت، نشر اللجنة المشتركة لنشر التراث: 13981978م.
- أعلام الدراسات القرآنية في خمسة عشر قرنا للدكتور مصطفى الصاوي، منشأة المعارف بالإسكندرية.
- الأعلام لخير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت ـ لبنان.
- آسفي وما إليه قديما وحديثا لمحمد بن أحمد العبدي الكانوني، طبعة الدار البيضاء.
- الأمالي لأبي علي القالي أخبار العرب لإسماعيل بن القاسم القالي البغدادي، نشر دار الكتب العلمية: 1398هـ/1978م، بيروت ـ لبنان.(1/249)
- إنباه الرواة على أنباه النحاة لأبي الحسن علي بن يوسف القفطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط.1: 1406هـ/1986م، دار الفكر، القاهرة ـ مصر.
- الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس لعلي بن أبي زرع الفاسي: نشر دار المنصور للطباعة: 1373هـ، الرباط ـ المغرب.
- إيضاح المكنون في أسامي الكتب والفنون (ذيل كشف الظنون) لإسماعيل باشا البغدادي، نشر مكتبة المثني ببغداد ـ العراق.
- إيضاح الأسرار والبدائع على الدرر اللوامع لأبي عبد اله محمد بن محمد بن المجراد السلاوي: مخطوط الخزانة العامة بالرباط برقم 1745.
- إتحاف الأخ الأود المتداني لمحاذي حرز الأماني للشيخ محمد بن عبد السلام الفاسي، مخطوط الخزانة العامة بتطوان برقم 880.
- الأقنوم في مبادئ العلوم أرجوزة مطولة لسيدي عبد الرحمن الفاسي مخطوطة بالخزانة العامة بالرباط تحت عدد 15 حرف ك.
- إنشاد الشريد من طوال القصيد للشيخ أبي عبد الله بن غازي المكناسي (مخطوط خاص).
- بيان الخلاف والتشهير وما وقع في الحرز من الزيادة على التيسير لأبي زيد عبد الرحمن بن القاضي: مخطوط بالخزانة الحسنية بالرباط برقم 4679.
- البيان في عد آي القرءان للحافظ أبي عمر وعثمان بن سعيد الداني: مخطوط بالخزانة الحسنية بالرباط برقم 11336 حرف ز.
- بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة عيسى البابي الحلبي: 1384هـ/1964م والمطبعة العصرية بصيدا: 1384هـ/1964م، بيروت ـ لبنان.
- بلاد شنقيط ـ المنارة والرباط: للخليل النحوي، نشر المنظمة العربية للتربية والثقافة: 1987م، تونس.
- البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب لابن عذاري المراكشي، تحقيق ليفي بروفنصال.(1/250)
- البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب لابن عذاري (قسم الموحدين)، تحقيق محمد الكتاني ومحمد زنيبر ومحمد بن تاويت وعبد القادر زمامة، دار الغرب الإسلامي: 1406هـ/1985م، الطبعة الأولى، بيروت ـ لبنان.
- البداية والنهاية في التاريخ لأبي الفداء إسماعيل بن كثير، دار الفكر ـ بيروت: 1398هـ/1978م.
- البحر المحيط، تفسير أبي حيان محمد بن يوسف النفزي الغرناطي، ط.1: 1328هـ/ط.2: 1954م، مكتبة السعاة بمصر ـ القاهرة.
- برنامج القاسم التجيبي السبتي: تحقيق عبد الحفيظ منصور، نشر الدار العربية للكتاب ليبيا – تونس: 1981م.
- برنامج الوادي آشي محمد بن جابر الأندلسي، تحقيق محمد محفوظ، نشر دار الغرب الإسلامي، ط.2: 1981م، بيروت ـ لبنان.
- تاج المفرق في تحلية علماء المشرق للشيخ خالد بن عيسى البلوي (رحلة البلوي)، تحقيق الحسن السائح، طبعة اللجنة المشتركة بين المملكة المغربية ودولة الإمارات.
- تاريخ ابن خلدون (كتاب العمر)، ط.1: 1391هـ/1971م.
- تاريخ الأدب العربي لكارل بروكلمان، تعريب الدكتور عبد الحليم النجار، نشر دار المعرفة، القاهرة ـ جمهورة مصر.
- التبصرة في القراءات السبع لأبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي القيرواني (الطبعة الهندية) وكذا الطبعة المحققة بقلم الدكتور محيي الدين رمضان، ط.1: 1405هـ/1985م، الكويت.
- التبيان في شرح مورد الظمئان لأبي محمد بن أجطا: مخطوط الخزانة الحسنية برقم 2702.
- التأليف ونهضته في القرن العشرين للعلامة عبد الله الجراري.
- تحفة المنافع في أصل مقرإ الإمام نافع، أرجوزة لأبي وكيل ميمون الفخار (مخطوط خاص).
- تبصرة الإخوان في مقرأ الاصبهان لأبي عبد الله الرحماني (مخطوط خاص).
- تقييد على مورد الظمئان عن بعض مشايخ فاس (مخطوط بأوقاف أسفي).
- التكملة المفيدة لقارئ القصيدة لأبي الحسن علي بن عمر القيجاطي (مخطوط خاص).(1/251)
- التعريف في اختلاف الرواة عن نافع لأبي عمرو الداني، تحقيق الكتور التهامي الراجي الهاشمي، طبعة اللجنة المشتركة بين المملكة المغربية ودولة الإمارات، مطبعة فضالة: 1403هـ/1982م.
- ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب الإمام مالك للقاضي أبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي السبتي، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب.
- تنبيه الغافلين وإرشاد الجاهلين عما يقع لهم من الخطإ حال تلاوتهم لكتاب الله المبين لأبي الحسن علي بن محمد النوري الصفاقسي، مؤسسة الكتب الثقافية، ط.1: 1904هـ/1988م.
- التمهيد في الموطإ من المعاني والأسانيد للحافظ أبي عمر يوسف بن عبد البر، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب بتحقيق جماعة من الأساتذة، الرباط.
- تفسير الحافظ ابن كثير، طبعة دار الفكر، ط.2: 1389هـ/1970م.
- التكملة لصلة تاريخ علماء الأندلس لأبي عبد الله محمد بن عبد الله ابن الأبار القضاعي البلنسي الأندلسي، نشر مكتبة الخانجي بمصر والمثنى ببغداد ـ العراق: 1375هـ/1955م.
- التوضيح والبيان في مقرإ الإمام نافع بن عبد الرحمن المدني لأبي العلاء إدريس بن عبد الله الودغيري البدراوي (طبعة مجرية بفاس دون تاريخ).
- تقييد وقف القرآن الكريم للشيخ محمد بن أبي جمعة الهبطي، دراسة وتحقيق الدكتور الحسن بن أحمد وكاك، مطبعة النجاح الجديدة، الداري البيضاء: 1411هـ/1991م.
- التيسير في القراءات السبع لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني، نشر دار الكتاب العربي بيروت، ط.2: 1404هـ/1984م.
- التواصل بين المغرب ومصر للدكتور عائشة عبد الرحمن (دعوة الحق: 256 السنة: 1406هـ/1986م ـ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية).
- تلخيص الفوائد وتقريب المتباعد في شر عقيلة أتراب القصائد لأبي البقاء علي بن عثمان بن القاصح العذري، مراجعة عبد الفتاح القاضي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر: ط.1: 1368هـ/1949م.(1/252)
- ثبت أبي جعفر أحمد بن علي البلوي، تحقيق الدكتور عبد الله العمراني، نشر دار الغرب الإسلامي، ط.1: 1403هـ/1983م (منشورات الجمعية المغربية للطباعة والنشر).
- جذوة الاقتباس في ذكر من حل من الأعلام بمدينة فاس لأحمد بن القاضي المكناسي، نشر دار المنصور، الرباط، ط.1: 1974م.
- الجني الداني في حروف المعاني لابن أم قاسم المرادي الآسفي، تحقيق الدكتور فخر الدين قباوة، نشر المكتبة العربية بحلب، ط.1: 1393هـ/1973م.
- جمال القراء وكمال الإقراء لعلم الدين علي بن محمد السخاوي، تحقيق الدكتور علي حسين البواب، مكتبة التراث، مكة المكرمة، ط.1: 1408هـ/1987م.
- جواهر الكمال في تراجم الرجال (القسم الثاني) لمحمد بن أحمد العبدي الكانوني، نشر المطبعة العربية برحبة الزرع القديمة، الدار البيضاء.
- حاشية على كنز المعاني للجعبري، تأليف عبد الرحمن بن إدريس بن محمد المنجرة، مخطوطة الخزانة الحسنية تحت عدد: 6468 ـ الرباط.
- حفظ المعاني ونشر المعاني لأبي القاسم بن درى المكناسي، مخطوطة بالخزانة الحسينة بالرباط تحت رقم 8427.
- الحركة العلمية في سبتة خلال القرن السابع لإسماعيل الخطيب، منشورات جمعية البعث الإسلامي، ط.1: 1406هـ ـ تطوان.
- الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية لشكيب أرسلان، ط.1: 1358هـ/1939م.
- دليل المخطوطات بدار الكتب الناصرية بتمكروت لمحمد المنوني، نشر وزارة الأوقاف: 1405هـ/1985م.
- الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب المالكي لإبراهيم بن علي بن فرحون اليعمري، نشر دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان.
- الذيل على الروضتين لشهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل أبي شامة المقدسي، ط.2 : 1974م، دار الجيل، بيروت ـ لبنان.
- الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة لأبي الحسن علي بن بسام الشنتريني الأندلسي تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت: 1399هـ/1979م.(1/253)
- الرحلة المغربية (رحلة العبدرى) لمحمد بن محمد العبدري الحيحي، تحقيق محمد الفاسي، نشر وزارة الدولة المكلفة بشؤون الثقافة والتعليم الأصلي، الرباط.
- رحلة ابن رشيد (ملء العيبة فيما جمع بطول الغيبة من الوجهة الوجيهة إلى مكة وطيبة) لأبي عبد الله محمد بن عمر بن رشيد الفهري السبتي، تحقيق الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة، نشر دار الغرب الإسلامي، ط.1: 1408هـ/1988م.
- رسم المصحف (دراسة لغوية تاريخية) للدكتور غانم قدوري الحمد جامعة بغداد، ط.1: 1402هـ/1982م.
- الروض الجامع في شرح الدرر اللوامع في أصل مقرإ الإمام نافع لأبي الحسن بن بري، تأليف مسعود بن محمد جموع السجلماسي (مخطوط خاص).
- زهر الآداب وثمر الألباب لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الحصري القيرواني، تحقيق الدكتور زكي مبارك، ط.4: 1972م، دار الجيل، بيروت ـ لبنان.
- السبعة في القراءات لأبي بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد البغدادي، تحقيق الدكتور شوقي ضيف، نشر دار المعارف، ط.2: 1400هـ/1980م، القاهرة.
- سراج القارئ (شرح الشاطبية) لأبي البقاء علي بن عثمان بن القاصح العذري، طبعة دار التوفيق الأدبية بمصر: 1341هـ ـ القاهرة، وطبعة دار الفكر: ط.4: 1398هـ.
- سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس لجعفر بن محمد الكتاني الفاسي (طبعة حجرية).
- شجرة النور الزكية في طبقات السادة المالكية لمحمد بن محمد بن مخلوف التونسي، نشر دار الكتاب العربي ـ لبنان.
- شرح مقامات الحريري لأبي العباس أحمد بن عبد المومن القيسي الشريشي الأندلسي، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط.1: 1399هـ/1979م.
- شرح طيبة النشر في القراءات العشر لأبي الخير ابن الجزري، لولده أحمد بن محمد بن محمد بن الجزري، نشر مطبعة البابي الحلبي بتصحيح الشيخ علي محمد الضباع.
- شرح محمد بن عبد الملك المنتوري على الدرر اللوامع في أصل مقرإ الإمام نافع، مخطوط الخزانة العامة بالرباط، تحت عدد: 518.(1/254)
- شرح التكملة المفيدة لقارئ القصيدة لأبي الحسن القيجاطي، مخطوط بالخزانة العامة بالرباط، تحت عدد: 246.
- شذرات الذهب لأبي الفلاح عبد الحق بن العماد الحنبلي، نشر دار الآفاق الجديدة، بيروت ـ لبنان.
- الصلة في تاريخ أئمة الأندلس وعلمائهم ومحدثيهم وفقهائهم وأدبائهم، تأليف أبي القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال، نشر عزت العطار، مكتبة الخانجي ـ القاهرة.
- صلة الصلة لأبي جعفر بن الزبير (قسم الغرباء) تحقيق الدكتور محمد بن شريفة، نشر بذيل السفر الثامن من كتاب الذيل والتكملة: (القسم الثاني) مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية.
- طبقات المفسرين لشمس الدين محمد بن علي الداودي، تحقيق محمد علي عمر ونشر مكتبة وهبة، القاهرة، ط.1: 1392هـ/1972م.
- طيبة النشر في القراءات العشر للحافظ ابن الجزري، ضبطه وصححه وراجعه الشيخ محمد تميم الزعبي، مكتبة دار الهدى، المدينة المنورة.
- ضحى الإسلام للدكتور أحمد أمين، مكتبة النهضة المصرية، ط.6: 195م.
- العنوان في القراءات السبع لأبي الطاهر إسماعيل بن خلف الأنصاري السرقسطي الأندلسي، تحقيق الدكتور زهير زاهد والدكتور خليل العطية، نشر عالم الكتب: 1406هـ/1956م.
- عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية لأبي العباس أحمد الغبريني، منشورات ذخائر التراث العربي، ط.1: 1969م، بيروت ـ لبنان.
- العبر في خبر من غبر للحافظ شمس الدين الذهبي، تحقيق فؤاد سيد، طبعة الكويت: 1961م.
- عيون الأخبار لأبي محمد بن قتيبة، نشر الكتاب العربي.
- العلوم والآداب والفنون على محمد الموحدين لمحمد المنوني، ط.2: 1397هـ/1977، منشورات دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر (سلسلة التاريخ).
- العواصم من القواصم للقاضي أبي بكر محمد بن عبد الله بن العربي المعافري الإشبيلي تحقيق عبد الحميد بن باديس، مطبعة قسطنطينة: 1378هـ.(1/255)
- العمر في المصنفات والمؤلفين التونسيين لمحمد العروسي وبشير البكوش، نشر دار الغرب الإسلامي، بيروت ـ لبنان.
- الغينة في شيوخ عياض، الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي، تحقيق ماهر زهير جرار، نشر دار الغرب الإسلامي، ط.1: 1402هـ/1982م، بيروت ـ لبنان.
- غيث النفع في القراءات السبع لعلي بن محمد النوري الصفاقسي، منشورات بحاشية سراج القارئ المبتدئ على الشاطبية لابن القاصح، دار الكتب العلمية، ط.2: 1402هـ.
- الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي لمحمد بن الحسن الحجوي، نشر المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، ط.1: 1396هـ.
- فهرسة أبي بكر محمد بن خير الإشبيلي، منشورات دار الآفاق الجديدة، لبنان.
- فهرسة ابن غازي (التعلل برسوم الإسناد) تحقيق محمد الزاهي، مطبوعات دار المغرب الدار البيضاء: 1399هـ/1979هـ.
- فهرس أحمد المنجور لابي العباس أحمد المنجور الفاسي، تحقيق محمد حجي، نشر دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر، الرباط: 1396هـ/1976م.
- الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي، نشر مؤسسة مآب، المجمع الملكي بالأردن (القسم الخاص بالقرآن وعلومه).
- فهرس مخطوطات خزانة القرويين لمحمد العابد الفاسي، ط.1: 1403هـ/1983م.
- فهرس الخزانة الحسنية، إعداد محمد العربي الخطابي:1407هـ/1987م.
- فهرس مخطوطات خزانة تطوان (قسم القرآن وعلومه)، إعداد المهدي الدليرو ومحمد بوخبزة: 1401هـ/1981م، تطوان.
- القراء والقراءات بالمغرب لسعيد أعراب، نشر دار الغرب الإسلامي، ط.1: 1410هـ/1990م.
- القراءات القرآنية (تاريخ وتعريف) للدكتور عبد الهادي الفضيلي، نشر دار القلم، ط.2: 1980م.
- القصد النافع في شرح الدرر اللوامع لأبي عبد الله محمد بن ابراهيم الخراز، مخطوط الخزانة الحسنية بالرباط برقم 3791، وكذا المطبوع بتحقيق التلميدي محمد محمود، ط.1: 1413هـ/1993م، دار العلوم للطباعة والنشر، جدة العربية السعودي.(1/256)
- القول الأصدق في بيان ما خالف فيه الإصبهاني الأزرق للشيخ علي محمد الضباع، نشر عبد الحميد أحمد حنفي – القاهرة.
- القصيدة الحاقانية في القراء والتجويد لأبي مزاحم موسى بن عبيد الله بن خاقان الخاقاني البغدادي (رواية أبي الحسن الأنطاكي) (مخطوطة خاصة).
- لطائف الإشارات لفنون القراءات لأبي العباس أحمد بن محمد شهاب الدين القسطلاني، تحقيق وتعليق الشيخ عامر السيد عثمان والدكتور عبد الصبور شاهين، نشر لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة: 1392هـ/1972م (المجلد الأول).
- المحكم في نقط المصاحف لأبي عمرو الداني، تحقيق الدكتور عزة حسن، دار الفكر، ط.2: 1407هـ.
- معالم الإيمان لعبد الرحمن بن محمد الدباغ التونسي، طبعة تونس: 1920م.
- الموسوعة المغربية للأعلام البشرية لعبد العزيز بن عبد الله وذيلها، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب: 1385هـ/1975م.
- معجم أعلام الجزائر لعادل نويهض، منشورات المكتب التجاري، ط.1: 1971م، بيروت ـ لبنان.
- المقنع في رسم مصاحف أهل الأمصار لأبي عمرو الداني، دار الفكر: 1403هـ/1988م، تحقيق محمد أحمد دهمان، دمشق ـ سوريا.
- معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار للحافظ الذهبي، تحقيق محمد سيد جاد الحق، ط.1، نشر دار الكتب الحديثة، شارع الجمهورية، عابدين ـ مصر.
- مفتاح السعادة لطاش كبري زادة في موضوعات العلوم، نشر دار الكتب الحديثة بمصر.
- منجد المقرئين للحافظ بن الجزري، دار الكتب العلمية: 1400هـ/1980م، بيروت ـ لبنان.
- متعة المقرئين في تجويد القرآن المبين لعبد الله الجراري، ط.1: 1401هـ/1981م، النجاح الجديدة، الدار البيضاء.
- مقدمة ابن خلدون، دار الفكر، توزيع دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء.
- معجم الدراسات القرآنية المطبوعة والمخطوطة للدكتورة ابتسام مرهون الصفار، مجلة المورد العراقية، مجلد 10، عدد: 3-4 ، 1402هـ/1981م.(1/257)
- معجم المحدثين والمفسرين والقراء بالمغرب الأقصى لعبد العزيز بن عبد الله: 1392هـ/1972م.
- المعيار المعرب عن فتاوي أهل إفريقية والأندلس والمغرب لأبي العباس أحمد بن يحيى الونشريسي، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب بتحقيق جماعة من العلماء.
- المطرب من أشعار أهل المغرب لأبي الخطاب بن دمية، تحقيق إبراهيم الأبياري ومن معه، نشر دار العلم للجميع، لبنان.
- المرشد الوجيز في علوم تتعلق بالكتاب العزيز للحافظ أبي شامة المقدسي، طبعة دار صادر ـ بيروت: 1395هـ/1975م.
- المنح الفكرية في شرح المقدمة الجزرية في التجويد للملا علي بن سلطان القاري، نشر مطبعة مصطفى البابي الحلبي: 1367هـ.
- ملتقط الرحلة من المغرب إلى حضر موت ليوسف بن عابد الحسني، تحقيق الدكتور أمين توفيق الطيبي، نشر الجمعية المغربية: 1988م.
- مخطوطات مغربية في علوم القرآن والحديث لمحمد المنوني (مجلة دار الحديث، العدد: 3 ـ 1402هـ/1981م).
- المدرسة القرآنية في الصحراء المغربية لسعيد أعراب (دعوة الحق، العدد: 9 ـ 1396هـ).
- النشر في القراءات العشر للحافظ ابن الجزري تصحيح علي محمد الضباع مطبعة مصطفى محمد ـ مصر.
- نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب لأبي العباس المقري التلمساني، تحقيق عبد الله عنان.
- النبوغ المغربي لعبد الله كنون، ط.2: دار الكتاب اللبناني ـ بيروت.
- نيل الابتهاج بتطريز الديباج لأحمد بابا التيبوكتي السوداني، دار الكتب العلمية ـ لبنان.
- هدية العارفين في أسماء المؤلفين (مطبوعة بذيل كشف الظنون).
- هداية القارئ إلى تجويد كلام الباري للشيخ عبد الفتاح السيد عجمي المرصفي، ط.1: 1982م، المدينة المنورة.
- هداية المريد إلى رواية أبي سعيد (ورش) شرح على منظومة الشيخ محمد المتولي للشيخ علي محمد الضباع، ط.4: 1380هـ/1960م، مطبعة محمد علي صبيح بمصر.(1/258)
- الوافي في شرح الشاطبية للشيخ عبد الفتاح القاضي، نشر مطبعة عبد الرحمن محمد لنشر القرآن الكريم بمصر ـ القاهرة.
- وفيات الأعيان لشمس الدين ابن خلكان، تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار الثقافة ـ بيروت.
فهرسة محتويات
العدد الرابع عشر من قراءة الإمام نافع
المحتوى ... الصفحة
- العنوان : معالم الاتجاه الأثري في عهد الوحدة بين الأقطار المغربية من خلال مدرسة الإمام الشاطبي وأثره في ترسيم الطراز المغربي في القراءة والرسم ...
- تقديم ... ... ... ...
- كثرة الروايات وخطورتها في رأي الفقيه أبي بكر بن العربي المعارفي ...
- ترجمة الإمام الشاطبي صاحب الحرز ...
- وفاته ... ... ... ...
- مشايخه في القراءات وعلوم الرواية ومروياته ...
- إجازة أبي عبد الله بن أبي العاص النفزي للشاطبي ...
- إجازة أبي الحسن بن هذيل للشاطبي ...
- مكانته العلمية وثناء أصحابه وجماعة من العلماء عليه ...
- آثاره وما قام عليها من نشاط علمي ...
- ناظمة الزهر في عدد آي السور للشاطبي ...
- شروحها والاهتمام بها ...
- قصيدته الرائية : عقيلة أتراب القصائد في الرسم ...
- صور مما قام حول العقيلة من نشاط علمي خلال العصور ...
- شراحها وشروحها ...
- قصيدته السائرة "حرز الأماني ووجه التهاني" (الشابية الكبرى) ...
- قيمتها التعليمية ...
- نظمه للشاطبية وما صاحبه من تحريات ...
- أصحابه ورواة قصيدته الشاطبية الكبرى ...
- أسانيد وطرق الشاطبية عند طائفة من أصحاب الفهارس ...
- العناية بالشاطبية وأثرها في القرءاة والإقراء وآراء العلماء فيها ...
- آراء المغاربة ...
- آراء المشارقة ...
- الاهتمام بشرحها وبسط مقاصد الناظم فيها (شروح الشاطبية) ...
- المؤلفات على الشاطبية ومقارنتها إلى غيرها من المصنفات ...
- معارضتها ونظائرها ...
- نماذج من تأثير الشاطبية وشروحها وأشعاعها في المدرسة المغربية ...
- أسلوب الإفراد والجمع عند الإمام الشاطبي ...
- خاتمة ... ...
قراءة الإمام نافع عند المغاربة
من رواية أبي سعيد ورش(1/259)
معالم الاتجاه التوفيقي في أصول الأداء وامتداداته
في جنوب الأندلس من خلال مدرسة أبي الحسن القيجاطي
زعيم هذا الاتجاه مع تحقيق قصيدته اللامية:
ـ التكملة المفيدة لقارئ القصيدة ـ
العدد الخامس عشر
مقدمة :
تعرفنا في عدد سابق من هذه السلسلة على إمام "المدرسة التوفيقية" أبي عبد الله محمد بن شريح صاحب "الكافي" في القراءات السبع، ورسمنا معالم منهجه واتجاهه الفني في القراءة والأداء، ثم حاولنا تتبع أهم امتدادات مدرسته في كل من إشبيلية في غرب الأندلس وغرناطة في جنوبها عند كل من أبي الحسن شريح بن محمد بن شريح، وأبي جعفر أحمد بن علي بن الباذش صاحب "الإقناع في القراءات السبع".
ولقد رأينا خاصة من خلال استعراضنا لمعالم هذا الاتجاه عند ابن الباذش كيف تحقق لهذه المدرسة علي يده مزيد من الدعم، سواء علي يد رجال مدرسته الذين تخرجوا عليه في هذا الشأن، أم من طريق كتابه "الإقناع" الذي التقت فيه عامة المؤثرات الفنية لمدارس الأقطاب، سواء منها القيروانية والأندلسية والمشرقية بمختلف مذاهبها واتجاهاتها، بحيث استطاع من خلال قيادته لهذه الحركة وتأليفه لهذا الكتاب أن يبلور من تلك المذاهب والاتجاهات معالم مدرسة أصولية وفنية تنتمي في حقيقتها وأصلها إلى مدرستها "الشريحية" الأم وتشكل امتدادا لها، ولكنها أيضا ضمت إليها اختيارات المدرسة الأثرية في إطار منهجها التوفيقي الذي يأخذ بكل ما صح في الرواية وشاع به الأداء، انطلاقا من اعتماد الوجوه المأخوذ بها دون جنوح إلى الاختيار إلا في القليل النادر كما قدمنا.(1/260)
وإن المتدبر لتاريخ القراءة في المنطقة لهذا العهد في غرب الأندلس والجهات المسامتة له من الأندلس والمغرب، لا يخطئه أن يلاحظ هذا التكامل الذي تحقق في هذه المدرسة بين مختلف الاتجاهات فأصبحت بذلك تشكل في القراءة والأداء فنا متمايزا اصطلح المتأخرون على نعته باسم "الجمع الكبير"، وذلك في مقابل الاتجاه أو "المذهب الرسمي" الذي كان عليه السواد الأعظم، والذي يقوم على اختيارات المدرسة الأثرية كما رأيناها عند قطبها الكبير حافظ القراءات وقيدوم المدرسة المغربية الجامعة أبي عمرو الداني صاحب "التيسير".
ولقد استطاعت المدرسة التوفيقية في جنوب الأندلس أن تضطلع بنصيب عظيم في هذا الشأن وأن تخدم مسائل الخلاف الأدائية خدمات جلى أبرزت من خلالها اختيارات الأئمة الأربعة في صعيد واحد وقابلت بينها، وشكلت في القراءة نمطا جديدا من الدراسة المقارنة عن الأئمة، بالتأليف فيه ورسم معالمه وتيسير مسائله ونظمها على غرار ما فعله الشاطبي في نظمه لاختيارات المدرسة الأثرية.
ولقد برز من بين رجال هذه المدرسة في النصف الثاني من المائة السابعة إمام فذ تخرج على رجال المدرستين الأثرية والتوفيقية، وكان في مدينة غرناطة محور نشاط قرائي رفيع المستوى في أواخر عهد التلاقح بين مدارس الأقطاب، فاستطاع أن يقدم للمدرسة التوفيقية دعما جديدا توافر معه لأصحاب الهمم العالية مزيد من الحذق بمسائل الخلاف والإشراف عليها، بعد أن يكونوا قد تمكنوا من معرفة السائر والمشهور الذي تضمنته "الشاطبية"، فنظم في ذلك قصيدته التي جعلها تكملة لها لخص فيها أمهات المسائل الأدائية التي اختلف فيها كل من الأئمة الثلاثة : أبي على الأهوازي ومكي بن أبي طالب وأبي عبد الله بن شريح، مع الحافظ أبي عمرو الداني زعيم "المذهب الرسمي" في القراءة.(1/261)
وقبل أن نورد جملة هذه القصيدة نقدم تعريفا كافيا بناظمها القيم على هذا الاتجاه في زمنه أبي الحسن القيجاطي رحمه الله. ونعقد لذلك الفصل التالي:
الفصل الأول:
أبو الحسن القيجاطي.
ترجمته :
هو علي بن عمر بن ابراهيم بن عبد الله الكناني أبو الحسن القيجاطي الأندلسي.
قال في الإحاطة : "أصله من بسطه، واستوطن غرناطة حتى عد من أهلها قراءة وإقراء ولزوما، ورد على غرناطة مستدعى عام 712هـ وقعد بمسجدها الأعظم يقرئ فنونا من العلم من قراءات وفقه وعربية وأدب، وولي الخطابة، وناب عن بعض القضاة بالحضرة ... وهو أول أستاذ قرأت عليه القرءان والعربية والأدب إثر قراءة المكتب".(1)
وكان مولده عام 650هـ، وعاش ثمانين سنة، وتوفي بغرناطة ضحى يوم السبت التاسع والعشرين من شهر ذي الحجة من عام 730هـ، ودفن في عصر ذلك اليوم بعد بجبانة "باب ألبيرة"، وكان الحفل في جنازته عظيما، حضرها السلطان، واحتمل الطلبة نعشه".(2)
ومن عجائب الأقدار أن هذه السنة قد شهدت أيضا وفاة أئمة ثلاثة من أعلام المدرسة المغربية في القراءات وهم القاسم بن يوسف التجيبي السبتي صاحب البرنامج الآنف الذكر، وأبو الحسن علي بن سليمان القرطبي شيخ الجماعة بفاس، وأبو الحسن بن بري صاحب الرجز المشهور في قراءة نافع، رحمهم الله أجمعين.
__________
(1) - الإحاطة 4/104-107.
(2) - نفسه.(1/262)
مشيخته : قرأ الإمام القيجاطي على أكابر رجال مشيخة الأندلس في عصره في مختلف علوم الرواية، وقد أجمل ابن الخطيب ذكر أهم رجال مشيخته فذكر أنه قرأ على أبيه ببلده "بسطة" القرءان بالروايات السبع، وجمعها في ختمة، وعلى الأستاذ أبي عبد الله بن مساعد الغساني، وقرأ بغرناطة القرءان على الأستاذ أبي عبد الله بن مسمغور(1)، والأستاذ أبي جعفر بن الطباع، والأستاذ الشهير أبي الحسن بن الضائع، والأستاذ النحوي أبي الحسن الأبذي، وعلى القاضي أبي عمرو بن الرندي، والفقيه القاضي أبي علي بن أبي الأحوص، وعلى الفقيه النسابة أبي جعفر بن مسعدة، والأستاذ العلامة أبي جعفر بن الزبير ولقي جماعة غيرهم"(2).
مكانته وآراء العلماء فيه :
__________
(1) - هذا الصحيح فيه، وبه ضبطه ابن عبد الملك في الذيل والتكملة 6/83 ترجمة 201 فقال : بفتح الميم وإسكان السين الغفل وفتح الميم وغين معجم واو مد وراء". وقد تحرف وتصحف في المصادر كثيرا إلى "مشعور" كما في غاية النهاية 2/43 ترجمة 2668، وذكره في الغاية 1/557 بلفظ "مسغون" وفي النشر 2/202 "ابن مسغون"، وفي الإحاطة 4/104 "ابن مستقور"، ومثله في تاريخ قضاة الأندلس للنباهي 139، وفي نيل الابتهاج 231 بلفظ "ابن مسمغور" وكذا في 233، وفي برنامج أبي عبد الله المجاري 124 ترجمة 3 بلفظ "مسمغور" على الصواب، إلا أن محققة ضبطه بضم الميمين معا، وذكره على الصواب في الذيل والتكملة في في ترجمة ابن الزبير 1/39 رقم 31 وكذا في 4/15 رقم 39 وكذا في 5 القسم الأول 116 في ترجمة عتيق بن أحمد الغساني.
(2) - الإحاطة 4/104-107.(1/263)
يعتبر أبو الحسن القيجاطي أحد الأئمة الأفذاذ الذين قاموا على تراث الأئمة واستوعبوه رواية وحفظا وتفقها وإقراء، كما يعتبر في زمنه زعيم مدرسة في الأداء اجتمعت فيها خصائص المدارس الفنية وانتظمت جميعا في طراز فني خاص كان عليه المدار فيه، ف"قصده الناس، وأخذ عنه البعيد والقريب"(1).
ولقد أفاض في الثناء عليه صاحبه لسان الدين ابن الخطيب في غير ما كتاب من كتبه كقوله عنه في "الكتيبة" :
"روض المعارف الذي جعل الله أزاهره الفنون، وثدي الفوائد الذي(2) أرضعها الآباء والبنون، إلى أن كان فطامها المنون، بدر شهدت هالته الأفق، وبحر صرف إليه الآمل الرفق، قل أن يذكر فن إلا وركض في مجاله، وأخذه عن رجاله، وكان مع الرسوخ والتمكين حالا من التخلق بالمكان المكين، يرسل النادرة شهابا، وينتهب مجالس الأنس انتهابا، ويتحكم في القول إيجازا وإسهابا، خبا بوفاته الكوكب الثاقب، ووريت بمواراته المناقب"(3).
وقال فيه الحافظ ابن الجزري: "أستاذ ماهر كامل محقق ... وذكر مشيخته فقال:
"وقرأ برواية ورش على محمد بن ابراهيم بن الحسن الطائي"(4).
وأستاذه هذا هو المراد بأبي عبد الله بن مسمغور الآنف الذكر، وكان كما قال فيه صاحبه أبو جعفر بن الزبير "مقرئا متقنا محكما للقرءان، حافظا ضابطا، آخر أهل هذا الشأن بغرناطة والأندلس، إتقانا وضبطا وتجويدا وورعا، لازمته سنين كثيرة"(5).
__________
(1) - غاية النهاية 1/557-558.
(2) - في الأصل "الذي"، والأولى "التي" لأنه سيعيد على الثدي الضمائر بالتأنيث.
(3) - الكتيبة الكامنة فيمن لقيناه بالأندلس من شعراء المائة الثامنة لابن الخطيب 37-38.
(4) - غاية النهاية 1/557 ترجمة 2280.
(5) - نقله في نيل الابتهاج 231.(1/264)
وقال ابن الجزري في أستاذه المذكور : "إمام كبير ولد على رأس الستمائة، قرأ على عبد الله بن محمد الكواب، قرأ عليه الإمام أبو جعفر بن الزبير جمعا، وأخذ عنه "التيسير" والعربية، وقال : كان له في علم القراءات وإتقان التجويد قدم راسخ، إمام في ذلك لا يجارى فيه، مع حسن النية والورع، مات سنة 670"(1).
وقد ورث أبو الحسن القيجاطي عن شيخه هذا مستواه العلمي الراسخ وتفننه في المعارف فكان "يقرئ فنونا من العلم" كما تقدم، وكان في زمانه أستاذ الجماعة بغرناطة وزعيم مدرستها، وعميد الاتجاه التوفيقي بها في زمنه الذي تبلور عنده هذا المنهج في أكمل صورة سواء في إنتاجه العلمي أم في الميدان العملي. كما ورث عنه أصحابه ورجال مدرسته هذا المنهج وساروا على آثاره فيه، إلى أن أصبح للمدرسة "القيجاطية" في عهد حفيده أبي عبد الله محمد بن محمد بن علي القيجاطي الصيت الذائع والمقام الرفيع، وانطلاقا من أصول المدرسة الأم ومنهاجها العام في القراءة والأخذ كما سوف نرى بعض ملامحه عند القيجاطي الحفيد في بعض ما أخذ به من مذاهب واختيارات.
آثاره العلمية :
ألف الإمام أبو الحسن القيجاطي في مجالات عديدة من قراءات وغيرها، كما يدل على ذلك قول ابن الخطيب : "وله تواليف في فنون وشعر ونثر"(2)، وقول ابن القاضي في درة الحجال : "كان أديبا لوذعيا، وله تواليف في فنون"(3). وذكره بمثل ذلك في "الديباج المذهب"(4).
إلا أن هذه المؤلفات فيما أعلم لم يبق منها إلا بعض آثاره النظمية التي منها بعض قصائده التي ذكرها ابن الخطيب في "الإحاطة"(5) و"الكتبية الكامنة"(6). وأهم ما بقي لنا من آثاره في القراءات :
1- قصيدته اللامية المسماة بـ"التكملة المفيدة".
__________
(1) - غاية النهاية 2/43 رقم 2668.
(2) - الإحاطة 4/104/107.
(3) - درة الحجال 3/239 ترجمة 1257.
(4) - الديباج 207.
(5) - الإحاطة 4/104-107..
(6) - الكتيبة الكامنة 38-40..(1/265)
2- شرحه عليها، وهو مخطوط توجد منه نسخة بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم 2460د في مجموع من ورقة 191 إلى 201، وهو الشرح الذي ساق منه ابن الجزري قطعة لا بأس بها في النشر(1).
3- كتاب المقرب النافع : ولعل اسمه الكامل "المقرب النافع في قراءة نافع".
لم يذكره له أحد في ترجمته، إلا أن المنتوري يشير إليه في شرحه على الدرر اللوامع في مواضع، منها قوله عاطفا له على المؤلفين الذين اقتصروا في مؤلفاتهم على ذكر وجه الإدغام في "اركب معنا" و"يلهث ذلك" لقالون : "وعلى الإدغام فيهما اقتصر أبو الطيب بن غلبون في "التذكار" وكتاب الاختلاف بين ورش وقالون"، وابنه أبو الحسن في "التذكرة"، والطلمنكي في تأليفه في قراءة نافع ... وأبو الحسن القيجاطي في "المقرب النافع"(2).
ونظرا لأهمية قصيدته "التكملة المفيدة" في موضوعها وإعطاء صورة عن إمامة ناظمها وبلورة مذاهب مدرسته سنقوم بإثبات نصها الكامل على غرار ما فعلنا مع سلفه أبي الحسن الحصري، مع إعطاء نبذة عن هذه القصيدة تساعد على وضعها في مكانها من هذا الطراز من النظم التعليمي الذي ازدهر في هذا الطور من تاريخ المدرسة المغربية، والذي اقتبس مادته من مؤلفات الأقطاب، وعمل على تقريب مذاهبهم فيها وتهذيبها وتيسيرها للحفظ والاستظهار في هذه المنظومات.
الفصل الثاني:
"التكملة المفيدة لحافظ القصيدة" (تعريف بها).
__________
(1) - النشر 1/97.
(2) - شرح المنتوري لوحة 201 (باب الإظهار والإدغام).(1/266)
بهذا العنوان جاء اسمها عند ابن الجزري في النشر"(1) والقسطلاني في "لطائف الإشارات"(2) وابن غازي في فهرسته(3)، ووفقت عليها بهذا العنوان مخطوطة في عدة خزائن(4) ورأيتها في بعض النسخ بلفظ "لقارئ القصيدة"(5) وفي بعضها "لذاكر القصيدة".
والقصيدة تكملة لقصيدة الشاطبي، لا على معنى الاستدراك عليه، وإنما أراد تكملة ثقافة القارئ للشاطبية بإحاطته علما بمذاهب الأئمة الثلاثة المخالفين لها، إذ "نظم فيها ما زاد على الشاطبية من "التبصرة" لمكي و"الكافي" لابن شريح"، و"الوجيز" للأهوازي"(6).
وقد سلك مسلك الشاطبية فجاء بها على وزنها ورويها في مائة بيت، إلا أنه استعمل في الإشارة إلى الشيوخ الثلاثة أحرفا من أسمائهم إلى جانب الرموز الدالة على القراء السبعة ورواتهم، فرمز بالميم المكي، وبالشين للأهوازي، وأما أبو عمرو الداني فقد أشار إلى تكفل الإمام الشاطبي ببيان مذهبه في الحرز.
وقد عني بها طلبة القراءات فتداولوها بالرواية والحفظ والاستعمال، وما تزال بأيدي طلبة القراءات في جنوب المغرب إلى اليوم، وسيأتي ذكر بعض الطرق التي اشتهرت منها رواية عن ناظمها.
وهذه قصيدة القيجاطي كما استقيتها من عدة نسخ مخطوطة أهمها نسخ أوقاف آسفي، وسأحاول إثبات النص منها دون أن أشير إلى ما في بعضها من أخطاء وتحريفات، مع حصر الرموز بين قوسين لتعذر استعمال الألوان التي تستعملها النسخ المخطوطة في بيان ذلك.
__________
(1) - النشر 1/97.
(2) - لطائف الإشارات 1/98.
(3) - فهرسة ابن غازي 97.
(4) - منها بالخزانة العامة بالرباط 2460. ومنها نسخة بخزانة تمكروت في مجموع برقم 1775 (دليل مخطوطات الخزانة للأستاذ المنوني 111)
(5) - نسخة للشيخ إبراهيم أبو درار بسوق جمعة أيت داود إقليم الصويرة.
(6) - النشر 1/97 وكشف الظنون 1/649.(1/267)
وأهمية نسخة آسفي التي اعتمدتها أصلا أنها أقدم النسخ، وهي أيضا في مجموع بخط الشيخ المقرئ الراوية المشهور أبي عبد الله محمد بن محمد الرحماني صاحب ابن القاضي.
ويمكن معرفة تاريخ نسخها على التقريب من تاريخ إجازة ابن القاضي لناسخها التي كتبها بخط يده. كما ذكره وأشهد له بصحة ما كتبه فيها وهي مؤرخة بآخر ربيع الثاني من عام 1039 بفاس(1).
قصيدة "التكملة المفيدة لحافظ القصيدة":
للشيخ الفقيه الأستاذ المقرئ المحقق أبي الحسن علي بن أبي حفص عمر بن إبراهيم بن عبد الله الكناني القيجاطي (ت730هـ) رحمه الله تعالى ورضي عنه.
بحمدك يا رحمان أبدأ أولا ... لِأُلْفِيَ ذا بال بحمدك أكملا
وشكر عطاياك التي شكرها هدى ... وذكر سجاياك(2) التي ذكرها علا
وأزكى صلاة يخجل الروض نفحها ... على المصطفى المختار للخلق مرسلا
محمد المبعوث للنور مطلعا ... وللحق منهاجا وللدين مكملا
وها أنذا آتي بما كان أصله ... بـ"حرز الأماني" مهمل الذكر مغفلا
وأجعل للقراء ما في قصيدة ... قد اشتهرت والواو أجعل فيصلا
وأجعل في شين وميم وهمزة ... علامات أشياخ المعالم والعلا
فميم لمكي وشين شريحهم ... وهمزة أهوازيهم وضحت حلا
وأما أبو عمرو فمذهبه أتى ... بـ"حرز الأماني" محكما ومفصلا
وأجعل للأشياح أحرفهم إذا ... أتت أحرف القراء والواو أولا
وما لم تجد فاعلم بأن جميعه ... بوفق أبي عمرو وتيسيره تلا
باب الاستعاذة والبسملة:
تعوذ بـ"بالله العظيم" لورشهم ... (أ)داء لهم عن أهل مصر تنقلا(3)
__________
(1) - توجد فيها بعض الخروم وهي في مجموع كبير تضمن ذكر بعض ما قيده الرحماني عن ابن القاضي وإجازته له نظما ونثرا، كما تتضمن ما قرأ به وما قيده عن شيخه محمد البوعناني سنة 1046 بالزاوية الدلائية البكرية.
(2) - في بعض النسخ "وذكر أياديك".
(3) - قال أبو جعفر بن الباذش في الإقناع 1/149 : "أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم"، وهي رواية أهل مصر عن ورش فيما ذكر الأهوازي.(1/268)
وعوذ وبسمل عند بدئك سورة ... وقال (أ)بي هذا اختياري وأجملا
وعوذ بلا وهم (ش)جاك، وحمزة ... بفاتحة كالكل كان مبسملا
وبسمل(ك)ما (جـ)ـلا (حـ)ـلا وجه (شـ)ارق ... وخير لورش عند وصلك (م)فضلا)
باب فاتحة الكتاب:
وأما "الصراط المستقيم" فصاده ... (قـ)وي وفي (مـ)ـثل (شـ)ـعرك (أ)ولا
وميم جميع لا يضم (بـ)ـلا ونى ... (شـ)ـفاك (أ)خ، واضممه (مـ)ـنجى وموئلا
باب المد والقصر:
إذا حرف مد قابل الهمز مده ... (جـ)رى واديا (أ)لفيته (شـ)ق (مـ)نزلا
وان حرف لين قبله مده (جـ)رى ... وفي حرف "سوءات" (ش)ذى (مـ)ر واعتلى
ووجهان في تحريكك الميم عارضا ... وعين بمد الكل يختار (مـ)جملا
باب الهمزات:
"إليه النشور" الواو والهمز بعده ... أو أقرأ كروش (ز)ده واجعله (أ) ولا
"أألهة" في زخرف (جـ)ز (حـ)لا ... و"أأمنتم" طول (مـ)ده وقد (أ)قبلا
باب الإدغام الكبير:
بهمز وإدغام كبير (حـ)مى وقى ... (شـ)رورا، وفي "الإقناع" قيل وأخملا(1)
وعن (آ)من إدغام كل مشدد ... كـ"كن نساء" لا يحاشى مثقلا
باب مذهب حمزة وهشام في الوقف على الهمز
إذا ألف والهمز في طرف فقل ... لهم أبدلوه أو خذوه مسهلا
و(مـ)ولى يرى إبداله لهما معا ... و(شـ)اف يزيد الروم فيه مكملا
وإن تنفتح أبدل وطول وقد أبى ... (أ)مين بلا همز به أن يطولا
وإن تنفتح من بعد كسر وضمة ... فسهله (فـ)ألا، وانتظر أن (أ)سهلا
باب الإظهار والإدغام
"نبذت" بإدغام و"غذت" (لـ)ه وزد ... مع "اركب" "يعذب" أخف (ص)ف وصفا (أ)كملا
وللكل "نخلقكم" بتغليظ لامه ... (أ)داء عسى الأطباق أن يتحصلا
و"بل "طبع" الإدغام (قـ)م وف (مـ)ن (شـ)فى ... و(سجز) هشام مدغم التاء (أ)ولا
و"قل رب" أظهر "بل" وليت (أ)داءه ... وإخفاؤهم فيها (خـ)لا وجه (أ)نجلا
__________
(1) - قال في الإقناع 1/195 : "قال أبو علي الأهوازي : "ما رأيت أحدا ممن قرأت عليه يأخذ عنه ـ يعني عن أبي عمرو البصري- بالهمز مع الإدغام، والناس على ما ذكر الأهوازي، إلا أن شريح ابن محمد أجاز لي الإدغام مع الهمز، وما سمعت ذلك من غيره"(1/269)
وفي الواو مثل الفاء (طـ)ب وقى (أ)ذى ... وراء ولام غنة فيهما (ا)عتلى
(ت)قي (كـ)ثب نون وتنوين أخفيا ... لخاء وغين للجماعة (أ)عملا
باب الإمالة
"يواري" "أواري" افتح (تـ)صب ود(شـ)اهد ... (مـ)كين وفي الأعراف للكل (أ)صلا
أمل (ر)اشدا كالنار (أ)كثر (م)ن (حـ)مى ... وقاك (أ)ذى ميل (قـ)ليلا (مـ)تى بلا
(حـ)مى (ر)ق (شـ)ر ثم (ي)من كما هما ... (ط)ريق، وفتح الناس للكل(أ) كملا
ونحو "نرى الله" افتح الراء (يـ)اسرا ... وقيت (شـ)قاء (مـ)ا (أ)قمت (مـ)هللا
وفي أي إحدى عشرة افتح (حـ)مى وفي ... (مـ)نى في ذوات الواو حيث تنزلا
و(شـ)اف بتقليل الإمالة مطلقا ... وأما لتأنيث فالإثنان قللا
وقلل (جـ)نى ذا الياء والق (شـ)ذى (مـ)نى ... وما الواو والتأنيث في أصله جلا
وكل رباعي فما زاد حكمه ... كحكم ذوات الياء فافهم محصلا
وفتح "تلاها" أو "بناها" له بها ... وذو الراء خذه حيث كان مقللا
وما رسموا بالياء من غير هذه ... فإن (مـ)نى (شـ)اف على الفتح عولا
وأما أبو عمرو فذو الراء عنده ... ممال، فخذه حيثما كان مجملا
مع "الجار" جبارين "أنصاري" استمل ... قليلا (جـ)مالا وافرا (شـ)ب واعتلى
ونحو "القرار" افتح بوقفك مسكنا ... (حـ)بيبا وقى (شـ)را ببصرة قد تلا
وفي وقفهم عند الكسائي وحده ... على ظاهر "التيسير" "فطرت" ميلا
باب الراءات:
وفي "قرية" مع "مريم" الراء رققت ... لكلهم (أ)صلا (شـ)هيرا (مـ)ؤصلا
و"عشرون" مع "كبر" و"وزرك" فخموا ... و"ذكرك" "غلظه، وفي "حصرت" (جـ)لا
وقى (مـ)لأ، والخلف في ذاك (شـ)ائع ... و"حذركم" فخم له (شـ)ب (مـ)كملا
ومع "وزر أخرى" "كبره" و"لعبرة" ... بتغليظ راء (جـ)د والق (مـ)ؤملا
وغلظ "سراعا" مع "ذراعا" وزد (ش)ذى ... وفي "المرء" خلف عنه (شـ)رف (مـ)نزلا
وفي نحو "وزرا" غلظوا (جـ)د وقد (شـ)فى ... و"صهرا" له رقق (شـ)رفت (م)فضلا
باب اللامات:
وفي لام "طلقتم" و"مطلع" رقة ... لورش على وجهين (شـ)اهدت (مـ)حفلا
وتروى بلام "الله" من بعد فتحة ... وضم لكل رقة اللام (أ)ولا(1/270)
وفي "ظل" رققها مشددة له ... ورد (مـ)نهلا وارتد بوجهين (شـ)مللا
وفي ضم لام بعد صاد وضاده ... وطاء وظاء غلظوا عنه (شـ)لشلا
و"فضلا"، وأما "اغلظ" وما قد تقدمت ... به اللام فالوجهين (شـ)يد واعتلى
و"صلصال" التفخيم عند شريحهم ... ووجهان عن مكيهم قد تكملا
باب سكوت حمزة على الساكن قبل الهمزة:
و"شيء" بمد (فـ)از وهو (مـ)صوب ... وسكت ومد عنه (شـ)رف وانجلى
وفي نقل همز قف بسكتك (ضـ)اربا ... ولم ير مكي فيه السكت معملا
باب الوقف
ورومك مفتوحا أتى بعد ساكن ... وليس لمد حيثما جاء (أ)عملا
و"هيهات" ثان قف بهاء (حـ)مى (ر)با ... وقاك (أ)ذى فاحو الأصول محصلا
باب فرش الحروف
و"باريكم" الباب اختلس لا سكون (ط)ب ... وقل (مـ)علما (شـ)يئا (أ) تم وأكملا
و"أرنا" اختلس (د)را (يـ)رى وجه (آ)مل ... "لأعنتكم" كالكل بزيهم تلا
و"يبصط" صادا "بصطة" السين (ز)د وقد ... (أ)تى، و"أنا إلا" بقصرهم (بـ)لا
بشد "تمنون" الذي مع "تفكهون" ... (هـ)ذا وقد (شـ)اهدتم (مـ)تأملا
"أئمة" قصر (لـ)ذ و"تامننا" لهم ... يشار بعضو ضد ما غيرهم تلا
وفي "استيأسوا" كالكل (هـ)ام وبابه ... وفي الرعد خلف (هـ)ل وىي (مـ)تمثلا
و"يثبت" خففه (لـ)نا وابق (آ)منا ... وفي "ليضلوا" افتح له والق (أ)فضلا
و"ما فتنوا" كالكل (لـ)و ود (أ)منوا ... و"أفئدة" كالكل (لـ)اح وجملا
وخلف ب "ءاتوني" بحرفيه (صـ)ل وقد ... (مـ)ضى (شـ)رحه هايا بمريم ميلا
قليلا بخلف (إ)ذ وقى (شـ)ر (مـ)ارد ... وها تحتها قلل لورش (مـ)ميلا
(شـ)فيت، ومكي يرى فتحها له ... وفي "الرهب" فتح الراء (ر)ا وضع (أ)شكلا
"وصد" ومع بعد (لـ)وى وجه (آ)مر ... وعن (آ)مر تسهيل واللام (هـ)ل (حـ)لا
كورش، وفي "إلياس" همز (مـ)صوب ... ومن قال لم يهمز فلم يعن أولا
و"لي نعجة" بالفتح (لـ)وود (آ)مر ... كذا "كشفات" "ممسكات" تأصلا
له كأبي عمرو "فبشر عبادي الذين بحذف (شـ)د (أ)زرك (مـ)فضلا
وحذف " التلاق" و"التناد" (بـ)لا ونى ... وفي الزخرف اعكس، "تخرجون" (لـ)ه ولا(1/271)
وذا عند أهوازيهم، وكورشهم ... لقالون الأولى عنه و"اقتربت" تلا
"بما يعملون" الغيب (لـ)و وجهه (ا)نجلى ... وضم "انشزوا" (صـ)اف وقاك وأفضلا
و"يفصل" بالتخفيف (لـ)اح وقد (أ)رى ... و"أن كان" للشامي فامدد مسهلا
و"سال" بهمز (لـ)اح وهو (أ)مانة ... و"ودا" بضم (لـ)اح وهو (أ)خو اعتلا
ومد وقصر في "رءاه" (ز)يادة ... وفصل (شـ)ذى (مـ)ستحسنا ومكملا
ولم يختر التهليل (شـ)اهد (مـ)شهد ... وهلل وكبر واحمد الله (أ) فضلا
باب كيفية الجمع بالحرف وشروطه
على الجمع بالحرف اعتماد شيوخنا ... فلم أر منهم من رأى عنه معدلا
لأن أبا عمرو ترقاه سلما ... فصار له مرقى إلى رتب العلا
ولكن شروط سبعة قد وفوا بها ... فحلوا من الإحسان والحسن منزلا
فمنها معال يرتقى بارتقائها ... ومنها معان يتقى أن تبدلا
فتقديس قدوس وتعظيم مرسل ... وتوقير أستاذ حلا رعيها علا
ووصل عذاب لا يليق برحمة ... وفصل مضاف لا يروق فيفصلا
وإتمامه الخلف الذي قد تلا به ... ويرجع للخلف الذي قبل أغفلا
ويبدأ بالراوي الذي بدأوا به ... ولكن هذا ربما عد أسهلا
وهذا تمام القول فيما قصدته ... فزيفه نقدا أو فأغمض تفضلا
وما الفضل إلا للجليل الذي أتى ... ب"حرز الأماني" القصيدة أولا
ويرحم ربي من رأى لي زلة ... فأصلحها أو نقص معنى فأكملا
وقد كملت أبياته مائة فمن ... أتى بمزيد فيه جاد وأفضلا
وأختم نظمي بالصلاة مكررا ... على نور أنوار الهدى ومطولا
محمد المهدى إلى الخلق رحمة ... ومنجى إذا طال الوقوف وموئلا(1)
__________
(1) - كتب في آخر مخطوطة أوقاف أسفي "كملت بحمد الله تعالى وحسن عونه، على يد ناسخها محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن الحسن بن أبي القاسم الرحماني نسبا الحشادي كان الله له في الدارين.(1/272)
تلك هي قصيدة أبي الحسن القيجاطي التي كمل بها قصيدة أبي القاسم الشاطبي فأتى فيها بمسائل الخلاف التي جمعها من كتب الأئمة أبي علي الأهوازي وأبي محمد مكي وأبي عبد الله بن شريح، إلا أنه فيما يبدو لم يستوعب عامة ما بين الثلاثة وبين أبي عمرو الداني من وجوه الخلاف، ولذلك تعقبه بعض شراح نظمه بقوله: "ترك الناظم كثيرا من الاختلافات الواقع بين الأئمة الثلاثة الذين زعم أنه يأتي به في نظمه(1).
ومع هذا الإعواز الذي ذكر في قصيدته فإنها قد اشتهرت في الأفاق واعتمدها الأئمة في المشرق والمغرب، وقد أسندها الحافظ ابن الجزري في النشر فقال :
"قرأتها على الشيخ الإمام الأديب النحوي المقرئ ابي جعفر أحمد بن يوسف بن مالك الرعيني في صفر سنة 771هـ، وحدثني ببعضها من لفظه القاضي الإمام العلامة أبو محمد إسماعيل بن هانئ المالكي الأندلسي في سنة 769 ه قالا : قرأناها على ناظمها المذكور"(2).
وتقل عنها في النشر أيضا الأبيات الثمانية المتعلقة بكيفية جمع القراءات، وقد ساقها ممزوجة بشرح القيجاطي لها لبيان مقاصده فيها، وناقشه في شروطه التي اشترطها للجمع وذكر أنها "ليست وافية بالقصد"(3).
وأسندها الإمام أبو عبد الله بن غازي فقال في سياق مروياته عن شيخه أبي عبد الله محمد بن أبي القاسم محمد بن يحي بن أحمد بن محمد النفزي الحميري الشهير بالسراج : "اخبرني بها عن أبيه عن جده عن أبي القاسم البرجي عن ناظمها سماعا"(4).
الفصل الثالث:
أصحابه ورجال مدرسته.
__________
(1) - وجدت هذا مكتوبا بخط دقيق على هامش الورقة الأخيرة من مخطوطة أوقاف آسفي من التكملة المفيدة، ولفظه: " قال شارحه : ترك الناظم كثيرا من الاختلاف ... "
(2) - النشر 1/97.
(3) - النشر 2/202-204.
(4) - فهرسة ابن غازي 97.(1/273)
لا نملك كشفا وافيا باصحاب ابي الحسن القيجاطي ورجال مدرسته الذين تحملوا عنه وتشبعوا بمقومات مذاهبه الفنية والأدائية، ولكننا نستطيع تمثل المكانة التي كانت له في زمنه وتقدير العدد الوفير الذي التف حوله طوال عمره الطويل الذي بلغ ثمانين عاما قضى أكثره في إمامة التصدر ثم في مشيخة الجماعة، وعلى الأخص بعد أن "ورد غرناطة مستدعى سنة 712 هـ، وقعد بمسجدها الأعظم يقرئ فنونا من العلم"(1)، ولذلك عبر صاحبه لسان الدبن ابن الخطيب عن كثرة غاشيته بقوله "وقصده الناس، وأخذ عنه البعيد والقريب"(2).
وكفاه فخرا أن يستدعى إلى عاصمة بني الأحمر وينتدب للتدريس في مسجدها الأعظم في عصر كانت فيه حافلة بأعلام المشيخة من فحول هذا الشان من أصحاب أبي جعفر بن الزبير وابي على بن أبي الأحوص وأبي جعفر بن الطباع وغيرهم من الاعلام.
وقد حاولت بقدر الإمكان استجماع أسماء المشهورين من أصحابه لإعطاء صورة عن محتويات مدرسته وأهم المصادر التي كانت معتمدة فيها في الإقراء، وامتدادات هذه المدرسة بعده في الأندلس وخارجها، وهذه قائمة بأسمائهم:
1- أحمد بن علي بن إبراهيم أبو جعفر الحميري الغرناطي يعرف بالشقوري
قال ابن الجزري: "مقرئ كامل صالح، قرأ على أبي الحسن القيجاطي وأبي جعفر بن الزيات، وحج فقرأ على أبي حيان وغيره، ورجع إلى غرناطة فأقام منقطعا بمنزله، وعين لمشيخة الإقراء بالمدرسة بغرناطة فامتنع تدينا، مات في أواخر سنة 756"(3).
2- أحمد بن محمد بن أحمد الرعيني أبو جعفر عرف بنسبه
قال ابن القاضي في درة الحجال: "كان من أهل الفضل والظرف، عارفا بالعربية، مشاركا في الفقه متدربا في الأحكام، قرأ على أبي الحسن القيجاطي وابن الفخار وكان قاضيا"(4).
__________
(1) - الإحاطة 4/104.
(2) - نقله ابن الجزري في غاية النهاية 1/557-558 ترجمة 2280.
(3) - غاية النهاية 1/82 ترجمة 375.
(4) - درة الحجال 1/52ـ53 ترجمة 71.(1/274)
3- أحمد بن يوسف بن مالك أبو جعفر الرعيني الغرناطي
قال ابن الجزري: "إمام نحوي، شيخنا، قرأ بغرناطة على أبي الحسن علي بن عمر القيجاطي، وعلى الأستاذ أبي عبد الله محمد بن علي البيسوي(1)، وسمع منه(2) قصيدته اللامية والتيسير، وخرج منها للحج سنة 738هـ فحج، وقدم القاهرة فأخذ عن أبي حيان قليلا، ثم قدم دمشق فسمع من المزي(3) ثم توجه إلى بعلبك وسمع "الشاطبية" من فاطمة بنت اليونيني(4) بإجازتها من الكمال الضرير(5)، ثم أقام بحلب هو وصاحبه أبو عبد الله محمد بن أحمد بن جابر الضرير(6)، وحجا مرات ثم جاورا".
"قرأت عليه قصيدة القيجاطي بدمشق، وكذلك التيسير(7) في أوائل سنة 771هـ مات في حلب سنة 779"(8).
__________
(1) - كذا ولعلها البيري وهو أبو عبد الله محمد بن علي بن أحمد الخولاني الأندلسي المعروف بابن البيار بفتح الباء الموحدة والياء آخر الحروف البيري بفتح الباء وإسكان الياء نسبة إلى بيرة مدينة بشرق الأندلس، خاتمة النحاة والقراء بالأندلس توفي في صفر سنة 753 بمدينة غرناطة ـ ترجمته في غاية النهاية 2/200ـ201 ترجمة 3245.
(2) - لعل الضمير عائد على القيجاطي.
(3) - هو المحدث الحافظ أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن مسند الشام توفي سنة 742 هو من شيوخ الذهبي وابن كثير ـ ترجمته في فهرس الفهارس 1/154.
(4) - لم يترجم لها ابن الجزري وهي قارئة مشهورة.
(5) - هو صهر الشاطبي أبو الحسن علي بن شجاع ـ تقدم.
(6) - سيأتي عن قريب.
(7) - سيأتي سنده به.
(8) - غاية النهاية 1/151ـ152 ترجمة 703.(1/275)
وقال في النشر في إسناده لكتاب التيسير: "وقرأته أجمع على الشيخ الإمام العالم أبي جعفر أحمد بن يوسف بن مالك الأندلسي قدم علينا دمشق أوائل سنة 771 وقال: أخبرنا به الإمام أبو الحسن علي بن عمر بن إبراهيم القيجاطي الأندلسي قراءة وتلاوة، قال: أخبرنا به القاضي أبو علي الحسين بن عبد العزيز بن محمد بن أبي الأحوص الفهري الأندلسي قراءة وتلاوة قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن محمد بن وضاح اللخمي الأندلسي قراءة عليه، قالا ـ يعني أحمد بن علي الحصار وابن وضاح ـ: أخبرنا به أبو الحسن علي بن محمد بن هذيل الأندلسي قراءة وتلاوة للحصار وسماعا لابن وضاح سوى بسير منه فمناولة وإجازة، قال: أخبرنا أبو داود سليمان بن نجاح الأندلسي سماعا وقراءة وتلاوة، قال: أخبرنا مؤلفه أبو عمرو الداني الأندلسي كذلك".
قال ابن الجزري:
"هذا إسناد صحيح عال تسلسل لي الثاني بالأندلسيين مني إلى المؤلف"(1).
وقد أسند ابن الجزري عنه قصيدة القيجاطي الآنفة الذكر وقال: قرأتها عليه في صفر سنة 771"(2).
وقال في ترجمة القيجاطي: "وقرأت أنا هذه القصيدة على أحمد بن يوسف الرعيني وكذلك كتاب التيسير بحق قراءته كذلك على المذكور"(3).
4- إسماعيل بن محمد بن علي بن عبد الله بن هانئ الأندلسي أبو الوليد الغرناطي
__________
(1) - النشر 1/58ـ59.
(2) - النشر 1/97.
(3) - غاية النهاية: 1/557ـ558 ترجمة 2280.(1/276)
قال ابن الجزري: شيخنا الإمام العلامة قاضي القضاة... ولد سنة 710 بغرناطة، وحفظ الموطأ عن ظهر قلب، واشتغل بالعلوم فبرز في النحو والفقه والفرائض والحساب والتفسير، وأخذ القراءات عن القيجاطي، وخرج من الأندلس بعد الثلاثين، فقدم مصر واجتمع بأبي حيان فعظمه كثيرا، ثم قدم حماة فأقام بها وولي بها قضاء المالكية، واشتغل عليه الناس وانتفعوا به كثيرا على لكنة في لسانه، وكنت أتردد إليه وأسمع من فوائده، وأنشدني من حفظه قصيدة القيجاطي، وكان حُفَظَةً، رواها عن الناظم، ومات بالقاهرة سنة سبعين أو 771"(1).
5- الحسن بن إبراهيم بن أبي خالد البلوي
قال ابن القاضي: كان أديبا فقيها نحويا، أخذ عن ابن خميس وأبي الحسن القيجاطي، ومات يوم عيد الفطر سنة 740"(2).
ولعله صاحب الكتاب المسمى "جامع المنافع في قراءة نافع"، ينقل عنه الإمام المنتوري في مواضع من شرحه على الدرر اللوامع"(3).
6- عبد الله بن عمر الوانغلي أبو محمد الضرير مفتي فاس (ت 779)
من أصحاب أبي الحسن بن سليمان الأنصاري شيخ الجماعة بفاس ـ كما سيأتي ـ قال أبو زكرياء السراج: "تلا على الشيخ الأستاذ الصالح الورع أبي الحسن علي بن عمر البلوي الشهير بالقيجاطي بحروف الأئمة الثلاثة نافع بن أبي نعيم المدني، وعبد الله بن كثير المكي، وأبي عمرو بن العلاء البصري من طريق الحافظ أبي عمرو الداني.." (4).
7- فرج بن قاسم بن أحمد بن لب أبو سعيد التغلبي الغرناطي المشهور بابن لب
__________
(1) - غاية النهاية: 1/168 ترجمة 782.
(2) - درة الحجال 1/239 ترجمة 352.
(3) - ذكره في باب المد عند ذكر قصر "يواخذ" ـ لوحة 103 وكذا عند ذكر حروف التفشي في مخارج الحروف ـ لوحة 435.
(4) - فهرسة السراج لوحة 117 المجلد الأول (نسخة مصورة عن مخطوطة الخزانة العامة) بالخزانة الحسنية بالرباط برقم 10929.(1/277)
ترجم له ابن الخطيب في الإحاطة وقال: "قرأ على الخطيب المقرئ شيخنا أبي الحسن القيجاطي وغيره"(1).
وقال تلميذه الذي يروي عنه بالإجازة أبو زكريا السراج: "كان ـ رحمه الله ـ شيخ الشيوخ، وأستاذ الأستاذين بجزيرة الأندلس ـ أمنها الله تعالى ـ وإليه انتهت فيها الرياسة في الفتوى فكان يفتي في العلوم، وكان أهل زمانه يقفون عند ما يشير إليه. أخذ رحمه الله عن الشيخ الأستاذ المقرئ المتفنن الخطيب أبي الحسن علي بن عمر بن إبراهيم القيجاطي، قرأ عليه القرآن العظيم بالقراءات السبع من طريق الحافظ أبي عمرو الداني وغيره، وعرض عليه جملة كتب، وسمع عليه وقرأ وتفقه عليه كثيرا في أنواع شتى من العلوم، ولازمه مدة طويلة إلى أن مات، وأجاز له إجازة عامة غير مرة في جميع ما يحمله عن جميع شيوخه وفي جميع ما صدر عنه من نظم ونثر، وهو أكبر شيوخه وعليه اعتماده في طريق الإسناد وغيره...
ثم ذكر السراج من شيوخه أبا إسحاق إبراهيم بن أبي العاص التنوخي وأبا جعفر أحمد بن الحسن ابن الزيات، وأبا عبد الله محمد بن جابر القيسي الوادي آشي، ثم قال: كتب إلي بالإجازة العامة من غرناطة المحروسة مرتين في ذي القعدة عام 766 والثانية في محرم عام 772. مولده في عام 701 وتوفي في العشر الوسط لذي الحجة من عام 782"(2).
__________
(1) - الإحاطة 4/253ـ255.
(2) - فهرسة السراج المجلد 1/لوحة 340ـ343.(1/278)
وقال ابن الجزري: "شيخ الأندلس في زماننا ومفتيها وخطيب جامع غرناطة الأكبر، إمام كبير علامة، ولد تقريبا سنة 701، وقرأ القراءات على علي بن عمر القيجاطي، وقرأ لنافع إلى قوله تعالى "إنما يستجيب" في الأنعام على إبراهيم بن محمد بن أبي العاص... وذكر أنه تصدر للإقراء ونشر العلوم، فأخذ الناس عنه واشتهر ذكره في بلاد الأندلس وسائر بلاد المغرب في الفتوى، قرأ عليه السبع صاحبنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن ميمون البلوي، ورأيت إجازته منه مؤرخة في ذي الحجة سنة 764"(1).
ومن أعلام أصحابه الإمام أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي بن عمر القيجاطي حفيد أبي الحسن وشيخ المنتوري، ويظهر انه قرأ عليه للسبعة ولازمه طويلا، وقد روى المنتوري من طريقه عن القيجاطي الجد طائفة من كتب القراءات وغيرها، ومنها "كتاب التيسير".
قال القيجاطي الحفيد: "وقرأت بعضه على الأستاذ أبي سعيد فرج بن قاسم بن لب وأجاز لي جميعه، وحدثني به عن الأستاذ الخطيب المتفنن أبي الحسن علي بن عمر القيجاطي سماعا لبعضه وإجازة لجميعه عن القاضي ابن أبي الأحوص، وعن أبي بكر محمد بن وضاح اللخمي قراءة عن ابن هذيل عن أبي داود عن أبي عمرو الداني مؤلفه"(2).
ومما رواه القيجاطي الحفيد من طريق أبي سعيد بن لب عن أبي الحسن القيجاطي كتاب التبصرة في القراءات لمكي من رواية القيجاطي لها عن ابن أبي الأحوص عن أبي القاسم أحمد بن يزيد بن بقي عن أبي الحسن علي بن أحمد بن أبي بكر بن حنين الكناني عن الزاهد أبي بكر خازم بن محمد بن خازم عن مؤلفها"(3).
__________
(1) - غاية النهاية 2/7ـ8 ترجمة 2551.
(2) - فهرسة المنتوري لوحة 4 نسخة الخزانة الحسنية بالرباط برقم 1578.
(3) - فهرسة المنتوري لوحة 7.(1/279)
ـ ومن ذلك كتاب الكافي في القراءات لأبي عبد الله بن شريح من رواية أبي الحسن القيجاطي له عن أبي علي بن أبي الأحوص المذكور عن أبي الحسن علي بن جابر الدباج الاشبيلي عن أبي بكر محمد بن خلف بن صاف اللخمي عن أبي الحسن شريح بن محمد قراءة عليه عن أبيه الإمام أبي عبد الله قراءة وسماعا"(1).
ـ ومن ذلك كتاب "التنبيه في قراءة نافع" للشيخ أبي محمد مكي بن أبي طالب القيرواني، من رواية أبي سعيد بن لب له عن أبي الحسن القيجاطي عن أبي علي بن أبي الأحوص عن ابن بقي عن ابن حنين عن خازم عن مكي كما تقدم(2).
ـ ومن ذلك كتاب "التفضيل في الإدغام الكبير" للحافظ أبي عمرو الداني، قال القيجاطي الحفيد: قرأت بعضه على الأستاذ أبي سعيد فرج بن قاسم بن لب وأجاز لي جميعه، وحدثني به عن الأستاذ أبي الحسن علي بن عمر القيجاطي عن القاضي أبي علي الحسين بن عبد العزيز ابن أبي الأحوص عن الخطيب أبي محمد عبد الله بن محمد بن حسين العبدري الكواب عن القاضي أبي بكر محمد بن أحمد بن أبي جمرة عن أبيه عن المؤلف"(3).
ـ ومنه كتاب "الإدغام الكبير" للشيخ أبي محمد مكي بالسند نفسه إلى خازم عن المؤلف كما تقدم في التبصرة والتنبيه(4).
ـ ومنه "كتاب الإدغام الكبير" أيضا لأبي عبد الله محمد بن شريح يرويه ابن لب عن القيجاطي عن ابن أبي الأحوص عن أبي القاسم بن بقي عن أبي الحسن شريح بن محمد عن أبيه مؤلفه"(5).
ـ ومن ذلك أيضا "كتاب المكتفى في الوقف والابتداء" للحافظ أبي عمرو الداني. وقد رواه أبو سعيد بن لب عن شيخه أبي الحسن القيجاطي عن القاضي ابن أبي الأحوص عن الخطيب أبي بكر محمد بن محمد بن وضاح عن ابن هذيل عن أبي داود عن أبي عمرو مؤلفه"(6).
__________
(1) - نفسه لوحة 8.
(2) - نفسه لوحة 16ـ17.
(3) - نفسه لوحة 20.
(4) - نفسه لوحة 20.
(5) - نفسه لوحة 20.
(6) - فهرسة المنتوري لوحة 27.(1/280)
ـ ومن ذلك "كتاب الغريبين في الكتاب والسنة" لأبي عبيد أحمد بن أبي عبيد الهروي بسنده(1) ومؤلفات أخرى في الفقه وغيره مما نجده مبثوثا في فهرسة الإمام المنتوري.
وقد أدركه المنتوري نفسه وروى عنه بعض المصنفات بلا واسطة أذكر منها قصيدة الشاطبي "حرز الأماني" عرضها عليه وعلى جماعة ذكرهم من حفظه عن ظهر قلب(2).
ـ وروى المنتوري عنه "كتاب الرعاية في تجويد القراءة" للشيخ أبي محمد مكي بن أبي طالب، وقال:
"قرأت بعضه على الأستاذ أبي سعيد فرج بن قاسم بن لب، وأجاز لي جميعه، وحدثني به عن الأستاذ أبي الحسن علي بن عمر القيجاطي عن القاضي أبي علي الحسين بن عبد العزيز بن أبي الأحوص عن الشيخ أبي القاسم محمد بن عامر بن فرقد القرشي عن القاضي أبي عبد الله محمد بن سعيد بن زرقون عن الشيخ أبي محمد عبد الرحمن ابن عتاب عن المؤلف"(3).
وقد أشرنا من قبل إلى المعركة النقدية الحامية التي دارت بينه وبين بعض أئمة زمنه من القراء والفقهاء حول موضوع "تواتر القراءات السبع"، إذ كان يذهب إلى تواترها، وكان معاصره أبو عبد الله بن عرفة الورغمي التونسي يذهب إلى أنها آحاد لأنها تنتهي في نظره جميعا في أسانيدها إلى أبي عمرو الداني.
وقد احتفظ لنا الإمام الونشريسي بنصي رسالتيهما في هذا الموضوع، وساق نص رسالة أبي سعيد بن لب على ما فيها من طول بما حشد فيها من الحجج الدامغة والشواهد القاطعة الدالة على تواترها قراءة وأداء، وسماها "فتح الباب ورفع الحجاب، بتعقب ما وقع في تواتر القراءات من السؤال والجواب"(4).
__________
(1) - نفسه لوحة 32.
(2) - فهرسة المنتوري لوحة 9.
(3) - فهرسة المنتوري لوحة 24.
(4) - يمكن الرجوع إلى جواب ابن عرفة في المعيار المعرب 12/68ـ75 ورسالة أبي سعيد بن لب المذكورة بعده ابتداء من ص 76 إلى ص 162.
وأشار في نيل الابتهاج 219ـ220 إلى رسالة ابن لب بعنوان "الرد على ابن عرفة في مسألة القراءة بالشاذ في الصلاة". ـ وقد تقدم في العدد الأول ذكر حادثة غرناطة في موضوع "وجنات من أعناب" في الأنعام.(1/281)
وقد ألف في ذلك أيضا تلميذه أبو عبد الله محمد بن محمد القيجاطي كتابين سيأتي ذكرهما في آثاره عن قريب.
8- محمد بن أحمد بن جابر الهواري أبو عبد الله الأندلسي المرسي الضرير النحوي الأديب
قال ابن الجزري: "شيخنا، إمام بارع، خرج من الأندلس حاجا سنة 738 بعد أن قرأ بها على علي بن عمر القيجاطي، فقدم مصر، وأخذ عن أبي حيان شيئا يسيرا ثم قدم دمشق وسمع بها الكثير مع صاحبه: أحمد بن يوسف بن مالك(1)، ثم توجها إلى بعلبك فسمعا الشاطبية من فاطمة بنت اليونيني(2) بإجازتها من الكمال الضرير، ثم أقاما بحلب، وكان بينهما من الاتفاق ما يتعجب منه، وحجا مرات، قرأت عليهما قصيد القيجاطي عنه والتيسير وغير ذلك في أوائل سنة 771 عند قدومهما من الحج، ومات نحو سنة ثمانين فيما أحسب بحلب"(3).
وقد ذكر أبو العباس القسطلاني للقارئين الصديقين إنتاجا علميا مشتركا أيضا، فقد نظم ابن جابر الهواري قصيدة في الظاء والضاد مطلعها:
"حمد الاله أجل ما يتكلم ... بدءا به فله الثناء الأعظم
وقام صاحبه أبو جعفر أحمد بن يوسف بن مالك الرعيني بشرحها(4).
9- محمد بن أحمد بن فتوح بن شقرال اللخمي يعرف بالطرسوني ويكنى أبا عبد الله.
ذكره في الإحاطة وقال:" أخذ القراءات عن الشيخ الأستاذ أبي الحسن بن أبي العيش وبه تفقه ببلده المرية وقرأ على الأستاذ أبي جعفر بن الزبير والخطيب أبي جعفر بن الزيات والراوية أبي الحسن بن مسمغور والولي أبي عبد الله الطنجاني وصهره الخطيب أبي تمام غالب بن حسين بن سيد بونة والخطيب أبي الحسن القيجاطي والخطيب المحدث أبي عبد الله بن رشيد, توفي عام 730"(5).
__________
(1) - تقدم في أصحاب القيجاطي.
(2) - كذا وقد تقدم ذكرها بلفظ بنت اليونيني.
(3) - غاية النهاية 2/60 ترجمة 2714.
(4) - لطائف الإشارات 1/236ـ237.
(5) - الإحاطة لأبن الخطيب 3/23-25.(1/282)
وذكر في درة الحجال روايته عن الأستاذ أبي الحسن علي بن عمر القيجاطي والشيوخ المذكورين معه, وزاد أخذه بتونس عن الأستاذ المقرىء المتفنن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبدالكريم بن جماعة التنوخي المهدوي ومن رواياته عنه كتابه المسمى "تحصيل الكفاية, من الإختلاف الواقع بين "التيسير" و"التبصرة" و"الكافي" و"الهداية", وهو كتاب نبيل قال: " ورحل إلى تونس ثم عاد منها فتوفي ببونة من بلاد العناب أو بأحوازها في حدود أخريات سنة 729 "(1).
10- محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن مرزوق العجيسي (الجد) أو الخطيب أبو عبد الله من تلمسان. امام كثير الشيوخ واسع الرواية, اشتهر في الميدان الفقهي, وله مشاركة في علم القراءات. قرأ عليه الإمام أبو القاسم بن أحمد بن محمد القيرواني الشهير بالبرزلي نزيل تونس (ت 844) وروى عنه الشاطبيتين وتكملة القيجاطي والدرر اللوامع لابن بري من روايته للأخيرتين عن مؤلفيهما(2). توفي بمصر سنة 781.
11- محمد بن أبي بكر بن أبي إسحاق ابراهيم بن محمد أبو البركات البلفيقي.
امام راوية كثير الشيوخ من أصحاب أبي الحسن بن سليمان الأنصاري القرطبي نزيل فاس كما سيأتي.
ترجم له أبو زكريا السراج وأفاض في ذكر مشيخته, فذكر منهم ابن رشيد وابن الزبير وأبا الحسن علي بن عمر بن ابراهيم القيجاطي وابن سلمون الكناني وابن أبي العاص التنوخي وأبا عبد الله محمد بن أحمد اللخمي وابن الكماد وابن أبي الأحوص وأبا جعفر بن الزيات الكلاعي وأبا عبد الله محمد بن أحمد الهاشمي الطنجالي وأبا الحسن بن سليمان القرطبي وأبا الحسن علي بن محمد بن علي بن بري وجماعة (3).
__________
(1) - درة الحجال 2/75-76 ترجمة 518.
(2) - نيل الابتهاج بهامش الديباج 225-226. وترجمته.
(3) - فهرسة السراج المجلد 1/لوحة 264-268(مخطوطة).(1/283)
12- محمد بن جابر بن محمد بن قاسم بن أحمد بن حسان القيسي أبو عبد الله الوادي آشي صاحب البرنامج المشهور", امام مقرئ محدث رحال ثقة مشهور, ولد سنة 678هـ, قرأ لنافع على أبي القاسم بن أبي عيسى حماد اللبيدي إلى الكهف, وللثمان على الأستاذ أحمد بن موسى البطرني, وعلى عبد الله بن عبد الحق الدلاصي لنافع وابن كثير إلى أثناء الأنعام, وأحمد بن الحسن بن الزياتي للسبع كاملا, وروى القراءات عن أبيه عن السخاوي, وقرأ التيسير على أحمد بن محمد بن حسين بن الغماز, وطاف البلاد, ودخل أقصى الغرب وأقرأ بمصر والشام", ذكره ابن الجزري بما تقدم, وذكر جماعة من الآخذين عنه ووفاته سنة 749(1).
وذكره في ترجمة أبي الحسن القيجاطي فقال: "روى عنه قصيدته التي زادها على الشاطبية, وهو من أقرانه"(2).
13- محمد بن عبد الله بن محمد الأميي يكنى أبا عبد الله ويعرف بابن الصائع بالصاد المهملة والغين المعجمة من أهل المرية. قال في الإحاطة:
"قرأ بالمرية على المكتب أبي عبد الله الميورقي, وأخذ عن شيخ الجماعة أبي الحسن بن أبي العيش, وقرأ بالحضرة على الخطيب أبي الحسن القجاطي وغيره، واخذ بالقاهرة عن الأستاذ أبي الحيان وانتفع به وبجاهه.. ثم ذكر له شعرا كثيرا وذكر وفاته في رمضان من سنة خمس على شك وسبعمائة"(3).
هكذا في الإحاطة ويظهر أنها محرفة عن 750هـ, وفي درة الحجال أنه توفي بالقاهرة سنة 748 وقيل 750 (4).
14- محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن علي بن أحمد السلماني لسان الدين ابن الخطيب وزير غرناطة وكاتبها وأديبها المشهور (713– 766). نقل عنه المقري في النفح قوله:
__________
(1) - غاية النهاية 2/106 ترجمة 2882.
(2) - غاية النهاية 1/557-558 ترجمة 2280.
(3) - الإحاطة 2/433-442.
(4) - درة الحجال 2/81 – 82 ترجمة 524 وانظر الدرر الكامنة لابن حجر 3/484 وبغية الوعاة 1/143 ترجمة 238(1/284)
"قرأت القرءان على المكتب الأستاذ الصالح أبي عبد الله بن عبد الولي العواد(1) تكتيبا ثم حفظا ثم تجويدا على مقرأ أبي عمرو, ثم نقلني إلى أستاذ الجماعة ومطية الفنون, ومفيد الطلبة, الشيخ الخطيب المتفنن أبي الحسن علي القيجاطي, فقرأت عليه القرءان والعربية, وهو أول من انتفعت به"(2)
15- محمد بن عبد الرحمن بن سعيد الكرطوسي التميمي من أهل فاس ونزيل مالقة.
قدم الأندلس سنة 722, قرأ القرءان على أبيه والأستاذ أبي الحسن القيجاطي البلوي وأبي إسحاق الجزيري وأبي الحسن بن سليمان القرطبي نزيل فاس وغيرهم, وسيأتي مزيد من التعريف به في أصحاب القرطبي(3).
16- محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن ابراهيم بن يحيى بن الحكيم اللخمي يكنى أبا بكر.
قال ابن الخطيب: "قرأ على الأستاذ أبي جعفر الجزيري والأستاذ أبي الحسن القيجاطي والأستاذ ابن أبي العاص, وأخذ عن الطم والرم من مشايخ المشرق والمغرب. توفي عام 750" (4).
17- محمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن محمد بن علي أبو القاسم الأنصاري الأندلسي يعرف بابن الخشاب.
__________
(1) - ترجم له لسان الدين في الإحاطة فقال "محمد بن عبد الولي الرعيني من أهل غرناطة يكنى أبا عبد الله يعرف بالعواد, سابق الميدان, وعلم أعلام القرءان, في إتقان تجويده والمعرفة بطرق روايته, والاضطلاع بفنونه لايشق غباره, ولا يتعاطى طلقه, ولا تأتي الأيام بمثله, قرأ على بقية المقرئين الأستاذ أبي جعفر بن الزبير ولازمه وانتفع به, وعلى الأستاذ أبي جعفر الجزيري الضرير, وأخذ عن الخطيب المحدث أبي عبد الله بن رشيد, مولده في حدود 680, توفي عام 750" الإحاطة 3/33-35.
(2) - نفح الطيب 7/302 ونحوه في أزهار الرياض 1/186-188.
(3) - جدوة الاقتباس 1/222 – 223 ترجمة 191.
(4) - الإحاطة 2/272 – 280.(1/285)
من آخر أعلام هذا الشأن بالأندلس, قال ابن الجزري:"شيخ غرناطة والمصدر بجامعها في زماننا, ولد بعد العشرين وسبعمائة.. قرأ على الأستاذ أبي الحسن علي بن عمر القيجاطي ختمة بقراءة نافع, ثم جمعا فعاقه عن إكمالها موت الشيخ, وتلا برواية نافع على خاله عبد الله بن علي بن عبد الله بن سلمون, ثم قرأ السبع على القاضي أبي عبد الله محمد بن يحيى بن بكر الأشعري(1) والشيخ أبي القاسم محمد بن أحمد بن محمد ابن جزي(2), وقرأ أيضا على أبيه أبي عبد الله محمد, قرأ عليه السبع صاحبنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن ميمون البلوي سنة 769 هـ"(3).
18- محمد بن أبي زكريا يحيى بن محمد بن يحيى بن علي بن ابراهيم أبو القاسم البرجي الغساني من أهل غرناطة (710 – 786). فاضل مجمع على فضله, كان قاضيا بمدينة فاس, رحل إلى العدوة, وكتب إلى أبي عنان فارس المريني فاشتمل عليه ونوه به, ولما ولى أبو سالم بعد أبي عنان أقره في منصبه وزاد في تكرمته" (4).
أثنى عليه ابن الخطيب في الكتيبة الكامنة وذكر له أشعارا ملاحا(5).
__________
(1) - هو أبو عبد الله المالقي يعرف بابن بكر كان من صدور العلماء وأعلام الفضلاء, عارفا بالأحكام والقراءات, أقرأ القرءان وعلم الفرائض والحساب. قرأ على الأستاذ المتفنن الخطيب أبي محمد بن أبي السداد الباهلي القرءان جمعا وإفرادا وعلى ابن مصامد وأبي جعفر بن الزبير وغيرهم فقد عام 741 بطريف. – الإحاطة 2/176 – 180.
(2) - من أصحاب ابن الزبير له كتاب " المختصر البارع في قراءة نافع" الإحاطة 3/21 – 22.
(3) - غاية النهاية 2/257 – 258 ترجمة 3451.
(4) - جذوة الاقتباس لابن القاضي 1/311 – 312 ترجمة 317 – والأعلام للزركلي 7/139.
(5) - الكتيبة الكامنة 250 – 254 ترجمة 85(1/286)
وقد استفدنا روايته عن القيجاطي من فهرسة الإمام ابن غازي, فإنه أسند عن شيخه أبي عبد الله بن السراج عن أبيه عن جده أبي زكريا السراج عن أبي القاسم البرجي قصيدة "التكملة المفيدة" عن ناظمها سماعا (1).
19- محمد بن يوسف بن عبد الله بن محمد اليحصبي أبو عبدالله عرف باللوشي خطيب غرناطة.
ترجم له العلامة أبو زكريا السراج ووصفه بالشيخ الفقيه الخطيب البليغ المقرئ المحدث الراوية الحسيب الأصيل, وقال :"أقرأ القرءان والحديث بالجامع الأعظم بغرناطة ـ حرسها الله تعالى ـ مدة محتسبا في ذلك من غير جراية يأخذها. أخذ عن الخطيب الإمام أبي جعفر أحمد بن ابراهيم بن الزبير, وتلا عليه السبع بالطرق الثلاثة طريق الشيخ أبي محمد مكي, والحافظ أبي عمرو الداني, والإمام أبي عبد الله بن شريح, وسمع عليه جميع كتاب "التيسير" للداني, و"ملخصه حرز الأماني" للإمام أبي القاسم الشاطبي, وجميع كتاب "التبصرة" لمكي, وجميع كتاب "الكافي" لابن شريح, وجميع كتاب "الإقناع" لأبي جعفر بن الباذش, وجميع كتاب "الموطأ" رواية يحيى بن يحيى... وعن المقرئ الضابط ولي الله أبي إسحاق ابراهيم بن محمد بن ابراهيم بن أبي العاص التنوخي, قرأ عليه القرءان العظيم بحرف نافع ختمة لورش, وختمة لقالون بطريق ابن شريح.
وعن الأستاذ المتخلق العالم الخطيب أبي الحسن علي القيجاطي, قرأ عليه القرءان العظيم بقراءة السبعة بطريق الإمام الحافظ أبي عمرو, وسمع عليه " التيسير" وملخصه "حرز الأماني", وبعض "موطأ" مالك, وأجازه إجازة عامة, وعن الشيخ الفقيه المتصوف الحافظ أبي محمد عبد الله بن سلمون الكناني, قرأ عليه القرءان العظيم وسمع عليه بعض " الشفاء", وأجاز له إجازة عامة ".
__________
(1) - فهرسة ابن غازي 97.(1/287)
قال السراج: كتب لي الإجازة العامة من غرناطة ـ حرسها الله تعالى ـ مرتين اثنتين إحداهما في 19 محرم والأخرى في 19 رمضان من عام 772" (1).
وترجم له ابن الجزري وقال: " خطيب غرناطة وأعلى القراء إسنادا في زماننا, قرأ على أبي جعفر أحمد بن ابراهيم ابن الزبير, وهو آخر من بقي من أصحابه في الدنيا بالنسبة إلى أبي عمرو الداني, وعلى أبي الحسن علي بن عمر القيجاطي, وأحمد بن علي الكلاعي(2) قرأ عليه صاحبنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن ميمون البلوي السبع وشيخ غرناطة: أبو عبد الله محمد بن محمد: حفيد أبي الحسن القيجاطي".
"وكنت عزمت على الرحلة إليه فمنعني والداي, وصل إلينا خبر وفاته سنة 773 هـ" (3).
هؤلاء هم أهم أصحاب أبي الحسن القيجاطي, وقد أفردنا من بينهم حفيده الآتي لأهميته فخصصناه بالفصل التالي.
الفصل الرابع :
القيجاطي الحفيد عميد المدرسة القيجاطية في عهده.
- القيجاطي الحفيد هو أبو عبدالله محمد بن محمد بن علي بن عمر بن ابراهيم القيجاطي البلوي حفيد أبي الحسن وأحد أعلام المدرسة الغرناطية في زمنه وشيخها كما تقدم في قول ابن الجزري.
__________
(1) - فهرسة السراج المجلد 1/ لوحة 335 – 337 (مخطوطة).
(2) - هو أحمد بن الحسن بن علي الكلاعي المعروف بابن الزيات أبو جعفر خطيب جامع بلش بفتح الباء واللام مشددة بالأندلس, قرأ على أحمد بن علي بن محمد بن الفحام وأبي جعفر بن الطباع وأبي علي بن أبي الأحوص, وهو صاحب " لذة السمع في القراءات السبع" التي عارض بها الشاطبية كما تقدم - . ترجمته في الكتيبة الكامنة 34 ترجمة 3 وغاية النهاية 1/17 – 48 ترجمة 201.
(3) - غاية النهاية 2/284 – 285 ترجمة 2554.(1/288)
اختلف المترجمون له في أخذه عن جده أبي الحسن القيجاطي وروايته عنه مباشرة, فقد ذكر تلميذه أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي بن عبد الواحد المجاري في برنامجه أنه ولد في منتصف عام 730(1), وهي السنة التي توفي فيها جده أبو الحسن علي بن عمر القيجاطي, إذ توفي بغرناطة في ذي الحجة سنة 730(2). ومعنى هذا أنه إنما أدرك من حياة جده المذكور خمسة أشهر أو ستة, أي أنه لم يدركه في سن الرواية والتحمل, وقد نبهت على هذا هنا لأني وجدت الحافظ ابن الجزري قد قال في ترجمة أبي الحسن : "قرأ عليه حفيده محمد بن محمدبن علي بن عمر"(3). كما أنه قال في ترجمته :"أستاذ مقرئ عالم كامل, انتهت إليه مشيخة الإقراء في هذا الزمان بالأندلس, قرأ على جده أبي الحسن علي بن عمر"(4).
وقد تتبعت رواياته في فهرسة صاحبه أبي عبد الله المنتوري فإذا هو إنما يروي عن جده بوساطة أبي سعيد فرج بن قاسم بن أحمد بن لب – كما تقدم في ترجمته – وأحيانا يروي عن أبي البركات محمد بن محمد البلفيقي عن جده أبي الحسن كما في برنامج المجاري(5), ولم أقف له على رواية مباشرة عن جده ولو بالإجازة, مما يدل على أن عد ابن الجزري له في الآخذين عن جده أبي الحسن من قبيل الوهم والخطأ.
صورة عن نظام الأخذ للقراءات:
وقد ترجم له تلميذه أبو عبد الله المجاري المذكور في صدر برنامجه المذكور, وذكر مقروءاته ومروياته عنه.
__________
(1) - برنامج المجاري 104.
(2) - الإحاطة 4/107 وغاية النهاية 1/558.
(3) - غاية النهاية 1/557 ترجمة 2280.
(4) - غاية النهاية 2/243 ترجمة 3423.
(5) - روى عنه من هذه الطريق كتاب الفصيح لأبي العباس ثعلب وحدثه به عن القاضي أبي البركات بن الحاج – الآنف الذكر-عن أبي الحسن القيجاطي " – برنامج المجاري 102.(1/289)
ونظرا لأهمية ما ذكره في إعطائنا صورة عن المسلسل التعليمي الذي كان يمر به الطالب في تلقي هذه العلوم ليصل إلى مستوى التأهل والحصول على الإجازة في القراءة, وأهميته أيضا في تعريفنا بالنمط المتبع في تلقين القراءات السبع إفرادا وجمعا والطرق المعتمدة في ذلك, والكتب المستند إليها فيها, نسوق كلام المجاري مع اختصار الأسانيد التي لا تعلق لها بالقراءات. قال في برنامجه:
"ومنهم الشيخ الكبير العلامة أمام الأئمة في إقراء القرءان الأستاذ أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي الكناني القيجاطي, قرأت عليه القرءان العظيم بالقراءات الثمان المتداولة المشهورة والروايات الست عشرة المسطورة, وبالإدغام الكبير لأبي عمرو بن العلاء في روايته المأثورة, في اثنتي عشرة ختمة: ختمة لورش عن نافع, ثم ختمة لقالون عنه. ثم ختمة جمعت فيها بين روايتي ورش وقالون: لورش بترك الإمالة في دوات الياء, ولقالون بضم ميم الجمع وقصر المنفصل, وختمة ختمة لكل إمام من الأئمة الستة الباقين من السبعة المشهورين جمعا بين روايتي راوييه, ثم ختمة لأبي محمد يعقوب بن إسحاق الحضرمي بالجمع كما ذكر, ثم ختمة جمعت فيها بين القراءات السبع, ثم ختمة بقراءة قالون من طريق أبي نشيط وقفت فيها على رؤوس الآي في حين القراءة، وذلك على عدد أهل المدينة الأخير, وكل ذلك عن طريق الإمام الحافظ أبي عمرو عثمان بن سعيد المقرئ الداني رضي الله عنه" (1).
وأخذت عنه حروف السبعة من طريق الإمام أبي محمد مكي, وطرق الإمام أبي عبد الله بن شريح, وطريق الإمام أبي علي الأهوازي, على ما تضمنه كتاب "الإقناع".
ولما أكملت هذه القراءات على حسب ماذكرت, سألت من شيخي وبركتي أبي عبد الله – رضي الله عنه أن يكتب لي كتابا يشتمل على ما قرأته عليه, وينطوي على صحة ما أسنده إليه, فأجابني إلى ما سألت.
__________
(1) - برنامج المجاري 92 – 93 ترجمة 2.(1/290)
وحدثني أنه أخذ هذه القراءات تلاوة ورواية عن جماعة من الأشياخ ـ رحمهم الله ـ حسبما ذكر في إجازتي تركت ذكرهم وذكر ما قرأ عليهم وأسانيدهم فيها ضيقة الطول, وأذن لي ـ رضي الله عنه ـ أن أحدث عنه بها وبغيرها مما أضرب في الإجازة عن ذكره".
"وأخذت عنه ـ رحمه الله ـ من الكتب ما أذكر: فمنها " كتاب الإقناع" المذكور, تصنيف الإمام العلامة أبي جعفر أحمد بن الباذش, قرأت عليه جميعه تفقها بلفظي, وحدثني به عن الأستاذ النحوي اللغوي أبي عبد الله محمد بن بيبش, عن الأستاذ المحدث أبي جعفر بن الزبير, عن أبي الوليد المسند العطار, عن الخطيب أبي جعفر بن حكم عن أي جعفر بن الباذش" (1).
- والشاطبية الكبرى لأبي القاسم بن فيره, وسمعت جميعها عليه تفقها بقراءة غيري, وحدثني بها عن الخطيب أبي عبد الله اللوشي عن الأستاذ أبي جعفر بن الزبير عن الإمام كمال الدين أبي الحسن بن شجاع عن ناظمها الإمام أبي القاسم.
- " ورجز ابن بري (2), قرأت جميعه عليه تفقها بلفظي, وسمعته مرة ثانية تفقها بقراءة غيري, وحدثني به عن الشيخ المسن الرواية أبي الحجاج يوسف بن علي السدوري المكناسي قراءة عليه عن ناظمه سماعا عليه بالجامع الأعظم من مدينة فاس".
__________
(1) - برنامج المجاري 95.
(2) - يعني الدرر اللوامع في قراءة نافع.(1/291)
ثم ذكر سماعه لرجز ابن مالك يعني ألفيته في النحو وذكر سنده بها إلى الناظم, ثم ذكر " التيسير" لأبي عمرو الداني وقال: " سمعت عليه جميعه, وحدثني به عن شيخه الإمام أبي عبد الله البيري(1) عن الأستاذ الغافقي (2), عن قدوة النحويين أبي الحسين بن أبي الربيع (3) عن أبي عبد الله بن خلفون (4) وعن جماعة غيره, كلهم عن أبي عبد الله محمد بن زرقون(5) عن أبي عبد الله أحمد الخولاني عن أبي عمرو مؤلفه"(6).
__________
(1) - هو محمد بن علي بن أحمد الخولاني يعرف بالبيري بفتح الباء وبابن البيار أيضا توفي سنة 753- تقدم.
(2) - هو أبو إسحاق ابراهيم بن أحمد شيخ القراء والنحاة بسبتة – تقدم.
(3) - هو عبيد الله بن أحمد بن عبيد الله نزيل سبتة وإمام النحويين بها في زمنه – تقدم.
(4) - هو محمد بن إسماعيل بن محمد بن عبد الرحمن الأزدي الأونيي أبو عبد الله وأبو بكر, سكن إشبيلية, كان من متقني صناعة الحديث وله فيه مؤلفات كثيرة توفي سنة 636 ترجمته في الذيل والتكملة السفر 6/128 – 131 ترجمة 324.
(5) - هو محمد بن سعيد بن أحمد بن سعيد أبو عبد الله بن زرقون من أصحاب أبي الحسن شريح بن محمد وهو آخر الرواة عنه توفي سنة 586- ترجمته في الذيل والتكملة المجلد 6/203-208 ترجمة 597.
(6) - برنامج المجاري 97 – 98.(1/292)
ثم ذكر كتبا أخرى رواها عنه منها " جامع البيان في القراءات السبع" لأبي عمرو الداني قال: سمعت عليه بعضه تفقها, وأجازني جميعه (1), ومنها "الرسالة لأبي محمد بن أبي زيد القيرواني قال: عرضتها عليه عن ظهر قلب.. ثم ذكر سنده بها عن ابن لب عن أبي الحسن القيجاطي ورفع السند (2) والجمل للزجاجي, والإيضاح للفارسي, وقوانين امام النحويين أبي الحسين بن أبي الربيع, والفصيح لثعلب, والخزرجية في العروض. لأبي محمد عبد الله بن محمد الخزرجي المالقي, والتلقين في الفقه للقاضي عبدالوهاب بن علي بن نصر البغدادي, وبعض مؤلفاته التي سنذكرها, ثم قال المجاري:
" وأجازني – رحمه الله- أن أحدث عنه بما ذكر وبكل ما يصح عندي أنه في روايته عن جميع شيوخه بأي وجه حمل عنهم ذلك, إجازة عامة بعد التزام الشرط المعروف عند أهل الحديث, وكتب خط يده وأشهد على نفسه بصحة ذلك. لازمته نحو الثلاثين سنة, إلى أن توفي – رحمه الله وجزاه أفضل جزاء – يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الآخر من عام 811 هـ, ودفن بعد العصر من اليوم بعده بباب الفخارين – رحمه الله - (3).
مروياته من كتب القراءات:
يعتبر الإمام أبو عبد الله القيجاطي (الحفيد) خاتمة أئمة الأندلس في مجال الرواية, وآخر من أنجبتهم البلاد الأندلسية في فقه علوم القراءات ممن وقف على مذاهب الأئمة في مصنفاتهم ودرسها ثم قام بتدريسها لأصحابه فلم يكد يفوته منها كتاب معتبر من الكتب الأمهات المعتمدة في المشرق والمغرب على السواء.
__________
(1) - نفسه 103.
(2) - برنامج المجاري 98 – 99.
(3) - برنامج المجاري 92 - 104.(1/293)
وقد وصل إلينا من بقايا ما يشهد بذلك إلى جانب برنامج المجاري الآنف الذكر, فهرسة صاحبه الآخر الإمام أبي عبد الله المنتوري, وهي فهرسة حافلة منقطعة النظير في هذا الشأن اشتملت من كتب أئمة القراءات في المشرق والمغرب والأندلس وإفريقية على أهمها, وأكثرها مما قرأه على أستاذه أبي عبد الله القيجاطي تفقها فيه أو في بعضه وإجازة لباقيه مع السند المتصل به إلى مؤلفه, وقد استفدنا من هذه الفهرسة استفادة لا حد لها في معرفة مصنفات الأئمة وأسانيد المغاربة فيها ومعرفة كثير من أعلام الرواة عن الأئمة.
وقد أحصيت المصنفات التي رواها المنتوري من كتب القراءات في فهرسته فوجدت عددها سبعين كتابا لم يرو منها عن غير القيجاطي المذكور إلا عددا يسيرا من كتب المتأخرين, وأما سائر ما ذكره من كتب ابن مجاهد وأبي علي الفارسي وأبي الطيب بن غلبون وابنه طاهر وأبي معشر الطبري وأبي جعفر النحاس وأبي عمرو الداني وأبي عبد الله بن سفيان وأبي محمد مكي وأبي العباس المهدوي وأبي القاسم بن عبد الوهاب القرطبي وأبي عبد الله بن شريح وأبي الحسن ابنه وأبي جعفر بن الباذش وأبي القاسم الشاطبي وأبي شامة وأبي محمد بن أبي السداد الباهلي وسواهم فكله عن القيجاطي المذكور, مما يدل على سعة روايته وعمق معرفته بمذاهب الأئمة ورسوخ قدمه في الفن.(1/294)
ولهذا يعتبر هذا الإمام من القمم الشوامخ التي اختتم بها هذا الطور في البلاد الأندلسية, وذلك إلى جانب تمثيله من الناحية الفنية للمدرسة التوفيقية التي انتظمت داخلها ـ كما أسلفنا ـ جميع المؤثرات المستمدة من مختلف المدارس المشرقية والمغربية, بحكم تأخرها من جهة, واستيعابها لهذا التراث العلمي الزاخر, وتمكنها من القراءة بأكثر اختيارات الأئمة وأشهرها, كما تأتى لرجالها ذلك بدءا من أبي عبد الله بن شريح ـ صاحب الكافي ـ ومرورا بأبي جعفر بن الباذش الغرناطي وانتهاء إلى فحول الرواية وأعلام المدرسة الغرناطية كأبي جعفر بن الزبير وأبي علي بن أبي الأحوص وابن أبي السداد وغيرهم ممن جاء أبو الحسن القيجاطي في مدرسته هذه فبلور اتجاهاتهم ومذاهبهم ونظمها في قصيدة " التكملة" الآنفة الذكر, ثم جاء حفيده أبو عبد الله هذا فحررها وألف فيها واحتج لها وكان في زمنه رائدها وممثلها, إلى الحد الذي أضحت اختياراته فيها مما يحرص طلاب العصر على تلقيه للرواية والقراءة بمضمنه كما سنرى بعون الله بعد التعرف على مؤلفاته.
مؤلفات أبي عبد الله القيجاطي:
لا نملك إحصاء كاملا لمؤلفات أبي عبد الله القيجاطي, كما أنه لم يصلنا منها شيء, وإنما اعتمادنا في ذكر ما سنذكره له من مؤلفات ورسائل على فهارس أصحابه وما ذكره ابن الجزري في كتبه. وهذه عناوينها مع إعطاء نبذة عنها وذكر من سمعها منه أو قرأ بها.
1- تأليف في مخارج الحروف: ذكره له المجاري وقال:" قرأت جميعه عليه تفقها(1).
ولعل منه النقول الكثيرة التي نقلها المنتوري في باب المخارج والصفات من شرحه على الدرر اللوامع.
2- تأليف في الراء: ذكره له المجاري أيضا في جملة مروياته سماعا منه (2).
__________
(1) - برنامج المجاري 104.
(2) - نفسه 104.(1/295)
3- كتاب تحقيق مذاهب الأئمة قرأة الأمصار في المد الطبيعي والزائد عليه: ذكره له المنتوري ونقل عنه في أول باب المد من شرحه على الدرر اللوامع فقال:"قال شيخنا الأستاذ أبو عبد الله القيجاطي - رضي الله عنه - : "وقد أجمع القراء أن المد الطويل مقدار الطبيعي مرتين, والطبيعي يختلف باختلاف طبقات القراء في المد وكذلك الطويل, وقال : -رضي الله عنه- في " تحقيق مذاهب الأئمة قرأة الأمصار في المد الطبيعي والزائد عليه":" أما الطبيعي فعبارة عما في طبع حروف المد من المد الذي إذا قصر عنه اختلت الحروف, وخرجت عن حدها في التجويد".
"وأما الزائد فهو عبارة عن تمكين حروف المد زيادة على ما في طبعها من المد, ولزيادة المد سببان: أحدهما مجاورة حروف المد للهمز أو السكون, والثاني قصد الترتيل والمبالغة في التجويد... (1).
4- كتاب تحقيق النطق بالباء :
ذكره المجاري في جملة ما سمعه عليه(2), ونقل عنه المنتوري في آخر باب المخارج والصفات من شرحه, وذكره في مروياته في فهرسته و قال:" قرأت جميعه عليه تفقها ثم عرضته عليه من حفظي"(3).
5- كتاب ترقيق اللام من اسم "الله" لورش إذا كانت قبله حركة ممالة.
ذكره المجاري باسم " تأليف في اللام", وذكره المنتوري بالعنوان الذي أثبتناه وقال : " قرأت جميعه عليه تفقها ثم عرضته عليه من حفظي"(4).
وسماه ابن الجزري "رسالة في ترقيق اسم الله تعالى بعد ترقيق الراء" فقال في ترجمته :
"قرأ عليه صاحبنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن ميمون البلوي, وصاحبنا أبو الحسن علي بن عيسى بن محمد الفهري الأندلسي البسطي, وحدثنا عنه برسالة كتبها في تجويز ترقيق اسم الله تعالى بعد ترقيق الراء لورش في نحو "لذكر الله" وأفغير الله"(5).
__________
(1) - شرح الدرر اللوامع للمنتوري لوحة 72.
(2) - برنامج المجاري 104.
(3) - فهرسة المنتوري لوحة 25.
(4) - فهرسة المنتوري لوحة 21.
(5) - غاية النهاية 243-244 ترجمة 3422.(1/296)
6- كتاب الرد على من منع الصلاة بقراءة " وجنات" بالرفع من قوله في سورة الأنعام : " ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب.."(1).
ذكره له المنتوري في فهرسته وقال: " قرأت جميعه عليه تفقها"(2).
وهو تأليف مرتبط بحادثة مسجد غرناطة الآنفة الذكر التي أثارتها قراءة بعض الشيوخ هذه الكلمة بالرفع فرد عليه الإمام بالمسجد أبو سعيد بن لب شيخ القيجاطي يريد رده إلى الكسر كما قرأ به السبعة من طرقهم المشهورة.
7- كتاب شروط القراءة المقبولة المعمول بها ـ قال المنتوري -ـ : ويسمى كتاب " الإيماء للوجوه الدالة على عدم وجوب تواتر القراءات". قال المنتوري في فهرسته.." قرأت جميعه عليه تفقها"(3).
وهو كتاب مرتبط بالخصومة الآنفة الذكر, وربما كان القيجاطي ممن حضرها, ويبدو أنه ألف الكتابين انتصارا لشيخه أبي سعيد بن لب, فصحح في الأول قراءة من قرأ بالرفع في "وجنات" لثبوتها عن عاصم والأعمش وغيرهما من غير الطرق المشهورة ولصحة تأويلها من جهة المعنى والإعراب.
ولما كانت الحادثة المذكورة قد أثارت مسألة القراءة بغير ما هو معروف عن السبعة لعدم تواتره, انجز البحث إلى تواتر القراءات السبع فذهب أبو سعيد إلى تواترها وألف كتابه الآنف الذكر "فتح الباب ورفع الحجاب بتعقب ما وقع في تواتر القراءات من السؤال والجواب"(4).
فكان هذا التأليف نتاج هذه الخصومة التي خاضها أبو سعيد بن لب وصاحبه القيجاطي مع كل من أبي علي الرندي من الأندلس وأبي عبد الله بن عرفة من تونس كما نجد صورة مفصلة من ذلك عند صاحب المعيار(5).
8- مراتب القراء في المد :
قطعة نظمية قال ابن القاضي في شرحه " الفجر الساطع" في سياق حديثه عن ذلك: " ونظمها القيجاطي فقال:
__________
(1) - سورة الأنعام الآية رقم 99.
(2) - فهرسة المنتوري لوحة 26
(3) - المصدر نفسه 26.
(4) - تقدم ذكره في ترجمته عن قريب.
(5) - يراجع مبعث الخصومة وأصل الواقعة في العدد الأول من هذا البحث.(1/297)
مراتب القراء فيما يذكر ... ثلاثة وحالها يعتبر
في عصرنا ولا كذا فيما مضى ... فاحفظ هداك الله سبلا ترتضى
لورشهم وحمزة قل كبرى ... للمكي والبصري وعيسى(1) صغرى
وسطى لشام والكسائي عاصم ... هن ثلاث حفظت عن عالم
هذا اختيار من إليه الآنا ... يرجع في القراءة استحسانا (2)
هذا ما وفقت على نسبته إليه, والقطعة الأخيرة تحتمل النسبة إليه أو إلى جده لأن أبا زيد ابن القاضي لم يميز القيجاطي المراد في قوله "ونظمها القيجاطي". إلا أن الأشبه أن تكون من نظم الحفيد لتعمقه في دراسة مذاهب الأئمة ورسوخ قدمه في فقه القراءات.
ونستفيد من نقول صاحبه الإمام أبي عبد الله المنتوري في شرحه على الدرر اللوامع أن له عدة كتب في القراءة وأصول الأداء, ولا سيما في قراءة نافع, وقد ضمن شرحه المذكور نقولا ضافية تنتظم جملة الأبواب وتدل على وجود مصدر أو أكثر من تأليف شيخه كان ينقل منه تلك الأقوال بنصها وإن كان لم يسم مصدر النقل مكتفيا بقوله:" وقال شيخنا الأستاذ أبو عبد الله القيجاطي", وهي عبارة تتكرر على طول الكتاب.
9- ووفقت له في ذكر الاختلاس في آخر شرحه على إشارة إلى كتاب لعله في قراءة نافع قال المنتوري:" قال شيخنا الأستاذ أبو عبد الله القيجاطي ـ رضي الله عنه ـ في جوابه على المسائل التي سئل عنها :
__________
(1) - يعني ابن مينا المعروف بقالون.
(2) - الفجر الساطع في شرح الدرر اللوامع لابن القاضي (باب المد).(1/298)
"المسألة الخامسة : في بيان رواية قالون عن نافع في قوله تعالى " فنعما هي" في حرفين, وقوله " تعدوا" و"يهدي" و"يخصمون", جاءت النصوص عنه في كتب المتقدمين أنه جمع في تلك المواضع كلها بين ساكنين وهما العين والميم في "نعما" والهاء والدال في " يهدي" والخاء والصاد في " يخصمون", لأنه لما أدغم الميم في الميم سكنت وقبلها العين ساكنة, وأدغم التاء في الدال من "تعتدوا" و"يهتدي" وفي الصاد من "يختصمون" ولم ينقل حركتها إلى ما قبلها فاجتمع له ساكنان, والجمع بين الساكنين ممنوع عند أكثر النحويين, فكره ذلك قوم من أهل الأداء, فأخذوا في "نعما" بالإخفاء, وفي " تعدوا" و "يهدي" و "يخصمون" بإشمام العين والهاء والخاء شيئا من الفتح فرارا من الجمع بين ساكنين في اللفظ..."(1).
تلك هي التآليف التي وفقت على ذكرها مما تضمن مذاهبه الفنية واختياراته الأدائية, وهي مذاهب واختيارات نحا بها نحو الأئمة الأقطاب في الاستقلال بالرأي والاستدلال له والاحتجاج على صحته بما يسوقه من النقول من أقوال الأئمة المتقدمين من قراء ونحويين., وهذه نماذج من اختياراته الأدائية في أصول رواية ورش مما ساقه صاحبه في شرحه على الدرر اللوامع, وقد شحنه بأقواله وآرائه واختياراته بحيث يسهل على الباحث الوقوف على جملتها فيه.
الفصل الخامس :
مظاهر إمامة القيجاطي الحفيد ونماذج من مذاهبه الخاصة واختياراته الأدائية في أصول رواية ورش ومواقف بعض أئمة عصره من بعض تلك المذاهب والاختيارات.
__________
(1) - شرح الدرر اللوامع للمنتوري لوحة 387.(1/299)
يستطيع القارئ الكريم أن يتلمس بجلاء مظاهر أمامة أبي عبد الله القيجاطي في الموضوعات الخاصة التي تناولها بالبحث والتي تتعلق غالبا بأصول الأداء وتحقيق مخارج الحروف والصفات, وفي المباحث الأخرى التي تناولها حول تواتر القراءات. إلا أن إمامته العالية إنما تتمثل بصفة خاصة في المستوى الرفيع الذي نجده يتعامل به مع مسائل الفن ومذاهب الأئمة.
لقد كان القيجاطي الحفيد من فرسان هذه الحلبة في زمنه, وكان خاتمة هذا الرعيل الذي تحمل تراث الأئمة تحملا واعيا واستفاد منه استفادة جلى, ثم قام ببناء مذاهبه واختياراته عليه.
وهو وإن كان ينطلق من مبادئ مدرسته في اعتماد اختيارات الأئمة وقبول مختلف الوجوه الثابتة في القراءة، فإنه في الوقت ذاته لم يكن أسيرا لمذاهب أئمته وتوجيهاتهم, وإنما كان يناقش القضايا ويوازن بين االمذاهب ويستنطق النصوص, فيناقش المستدلين بها فيما أخطئوا في حملها عليه أو تأولوه منها على غير وجهه, مهما تكن جلالة صاحب القول أو التوجيه أو المذهب, ومن هنا نجده يناقش كثيرا أبا عمرو الداني أو أبا محمد مكي بن أبي طالب أو ابن شريح أو صاحب الإقناع أبا جعفر بن الباذش أو غيرهم ولا يبالي بما وقر في النفوس من قبول أقوالهم والتعويل على توجيهاتهم واختياراتهم, ولكن ذلك لا يمنعه أيضا من الاستناد إلى نقولهم وما ضمنوه كتبهم في القضايا التي يتناولها بالبحث, شأن العالم المنصف الذي يدور مع ما يراه صوابا وما يعتقده حقا حيثما كان.
على أننا نجده من حين لآخر ينفرد ببعض الآراء والتوجيهات ويدافع عنها, ثم لا تمنعه مخالفة المخالف له من الأئمة من الثبات على رأيه والمنافحة عنه, سواء كان مسبوقا بما ذهب إليه, أم كان مذهبه جديدا مما وصل إليه ببحثه واجتهاده.(1/300)
وهذه نماذج من مباحثه تلك واختياراته التي انفرد بطائفة منها وخالف جمهور القراء ونبدؤها بأهم مسألة من أصول رواية ورش احتدم فيها الخلاف بينه وبين بعض أئمة هذا الشأن في زمنه.
1- مذهبه في ترقيق اللام من اسم " الله " بعد الحركة الممالة في نحو " نرى الله " والراء المرققة في نحو " ولذكر الله أكبر", ونحو " أفغير الله تأمروني أعبد".
قال صاحبه أبو عبد الله المنتوري بعد تقرير مذهب الجمهور:" وأخذ علي شيخنا الأستاذ أبو عبد الله القيجاطي – رضي الله عنه – بترقيق اللام من اسم الله تعالى لورش إذا كانت قبلها فتحة ممالة أو ضمة ممالة نحو "أفغير الله " و " لذكر الله" وشبههما, لأن الفتحة والضمة الممالتين حكمهما حكم الكسرة الخالصة كما تقدم في باب الراءات, فإذا كانتا تخرجان الراء عن أصلها وهو التفخيم إلى الترقيق فأحرى وأولى أن تبقى اللام التي أصلها الترقيق معهما على أصلها, لأن سبب التفخيم قد عارضه ما هو أقوى منه وهو الخروج من تسفل إلى تفخيم".(1/301)
" قال شيخنا – رحمه الله - : واعلم أن الراء المفتوحة المضمومة بعد الكسرة أو الياء الساكنة في قراءة ورش ممالة الفتحة والضمة بين اللفظين ولذلك رققهما, ولو لم يمل الفتحة والضمة لم يجز ترقيقهما, لأن الفتحة والضمة إذا لم تمالا تمنعان الترقيق لاستعلائهما, ألا ترى أنك إذا قلت " خير" و "لا ضير" ووقفت عليها بالسكون رققت لجميع القراء, وإذا وصلتهما فخمتهما لجميع القراء, إلا ورشا, لأن الفتح والضم يعارضان الكسرة والياء الساكنة قبلها, فتبقى الراء على أصلها من التفخيم, ورققهما ورش لأنه أمال الفتحة والضمة كما أمالت العرب فتحة الراء من " الضرر" و " بشرر" وضمتها من " سرر" وقالوا " عجبت من السمر" و " شربت من المنقر", وهذا ابن مذعور " فأمالوا الضمة كما أمالوا الفتحة من " الضرر" و " بشرر", فكما لا يجوز تفخيم اللام بعد الكسرة كذلك لا يجوز بعد الحركة الممالة، كما أنهم لما رققوا الراء أيضا مع الكسرة رققوها أيضا مع الحركة الممالة, وهذا واضح عند من له أدنى فهم"(1).
ثم بعد أن ذكر القيجاطي مزيدا من الاستدلال على شبه الراء باللام في كثير من مقتضيات التفخيم والترقيق قال مستنتجا:
" فقد تبين لك مما ذكرته أن الحركة الممالة بين بين في جلب الترقيق إلى الراء مثل الكسرة المحضة سواء, كما أن الألف الممالة في جلب الترقيق أيضا مثل الياء المحضة, ومن ادعى فرقا بين الحركة الممالة بين بين والألف الممالة بين بين, وبين الكسرة والياء, فعليه الإتيان به, وإذا كان الأمر على ماذكرته في باب الراآت فأحرى وأولى في باب اللامات, إذ ليس التفخيم في اللامات بأقوى منه في الراآت, وأنت إذا قلت " باسم الله" و"الحمد لله " رققت اللام إجماعا, فكذلك إذا قلت "نرى الله جهرة" و"سيرى الله عملكم" و"غير الله" و"لذكر الله" في مذهب من أمال الراء في ذلك إمالة محضة أو بين اللفظين". ثم قال :
__________
(1) - شرح المنتوري لوحة 315 – 316.(1/302)
"واعلم أن اللام من اسم الله مفخمة بعد الفتحة والضمة عند أئمة القراء, ومرققة بعد الكسرة, وقد تبث أن حكم الحركة الممالة حكم الكسرة في نحو "رأى" "نرى" "بشرر", ألا ترى أنك إذا وقفت على الراء من "بشرر" بالسكون في مذهب ورش رققتها, لإمالة الفتحة قبلها ـ قال :
" قال الحافظ(1): " فأما الراء المكسورة فعلى وجهين : إن رمت حركتها رققتها كالوصل, وإن وقفت بالسكون فخمتها, ما لم يقع قبلها كسرة أو ياء ساكنة نحو " منهمر" و"نذير" أو فتحة ممالة نحو "بشرر" على قراءة ورش, فإنك ترققها في الحالين"(2). ثم قال القيجاطي :
"فإذا وقعت اللام من اسم"الله" تعالى بعد حركة ممالة وجب ترقيقها كما ترقق بعد الكسرة في نحو "قل الله", وذلك في قراءة أبي عمرو في رواية أبي شعيب (3) "نرى الله جهرة" و"سيرى الله عملكم", وفي رواية ورش عن نافع "أفغير الله" و"لذكر الله" وما أشبه ذلك... ثم قال بعد تمام استدلاله لما ذهب إليه "فإن قال قائل: ما لخصته في هذه المسألة من وجوب ترقيق اللام مع الفتحة والضمة الممالتين إنما هو قياس, وليس بمنصوص عليه في كتب الأئمة, وقد قال الشاطبي في قصيدته ـ وهو إمام من أئمة هذه الصنعة ـ :
وما لقياس في القراءة مدخل ... فدونك ما فيه الرضا متكفلا
فيقال له في الجواب : لله در الشاطبي, لقد أحسن كل الإحسان في إتقان تلك المسألة التي تكلم عليها في نظمه, إلا أن تلك المقالة منه مزلة للجهال يضعونها غير موضعها, ويستشهدون بها في غير معناها ... ثم أخذ يشرح مراد الشاطبي بالقياس الذي لا مدخل له في القراءة, وأفاض في بيان ذلك والتمثيل له, ثم عاد إلى أصل مسألته والتنظير لها بترقيق الراء بسبب الكسرة والحركة الممالة إلى أن قال:
__________
(1) - يعني الداني
(2) - ما ذكره في التيسير : 57.
(3) - هو السوسي.(1/303)
"وإذا تبين أن الحركة الممالة في الراء تجري مجرى الكسرة بإطراد, تبين أن تفخيم اللام بعدها كتفخيمه بعد الكسرة, ولا وجود لشيء من ذلك في كلام العرب البتة, وفاعل ذلك محرف للتنزيل, وربنا سبحانه يقول : " نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين".
ثم قال يرد على أبي شامة :"وأما ماذكره أبو شامة في شرحه من قوله : والراء المرققة غير المكسورة كغير المرققة يجب بعدها التفخيم, لأن الترقيق لم يغير فتحها ولا ضمها"(1).
ثم أخذ يناقش مخالفة قول أبي شامة للقياس ولأقوال الأئمة وساق منها طرفا, ثم ناقش أيضا أبا حيان وأبا عبد الله بن شريح في الكافي, ثم قال في دعم مذهبه مقررا لما وصل إليه:
"وقد علمت أنه لا يلهج بهذه البراهين والأدلة القاطعة التي أوردتها كل أحد, وإنما يلهج بها من له تمرن في هذه الصناعة ومعرفة بأصولها وأغراضها وتصرفات أهلها ومآخذهم, وتحقق بالشروط التي نص عليها الأئمة المتأخرون من علماء هذه الصنعة استقراء من كلام المتقدمين, وهي أن القراءة لا تصح ولا تقبل إلا بشروط أربعة, وهي : صحة الإسناد, وموافقة فصيح اللغة العربية, وموافقة المصاحف التي بأيدي الأمة, وأن لا يكون معناها مضادا لمعاني القراءات المجمع عليها".
"والقراءة بتفخيم اللام من اسم الله بعد الحركة الممالة غير جارية على كلام العرب, ولا يشهد لصحتها شيء من أصول القراءة, فهي بمعزل عن الصواب, وإذا كانت كذلك فرواية من رواها واهية ساقطة لإحاطة العلم بأن النبئ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه لا يصح نقل اللحن عن واحد منهم, والله الموفق للصواب"(2).
هذا ملخص ما نقله المنتوري عن القيجاطي في هذه المسألة, وفيها تفاصيل أخرى يمكن الرجوع إليها في هذا الشرح لمن أحب الوقوف عليها.
معارضون للقيجاطي
__________
(1) - قول أبي شامة في "إبراز المعاني" 265.
(2) - شرح الدرر اللوامع للمنتوري لوحة 33 – 334.(1/304)
وقد عارض القيجاطي فيها عدد من أهل زمانه تصريحا أو تلويحا, ولا بأس أن نقف على بعض تلك الردود باقتضاب لنعرف موقف مخالفيه, ونتبين أثره في زمنه.
1- فممن تصدى لمعارضته وخالفه فيما ذهب إليه ممن وفقنا على ذكره: الإمام المقرئ أبو وكيل ميمون الفخار من شيوخ المدرسة الأصولية في قراءة نافع بفاس كما سيأتي, وقد ذكر في تحفته ما عليه القراءة في قوله:
أما الذي تقرأ به فبعدما ... فتحة أو ضم لكل فخما
وإن تكن شكلة راء رققا ... كاك لا فرق ففخم مطلقا(1)
أما اعتراضه فقد ضمنه قصيدة لامية ساقها أبو زيد ابن القاضي في الفجر الساطع وتقع في 46 بيتا صدر لها ابن القاضي بقوله : "ورد سيدي ميمون الفخار على القيجاطي وأنكر عليه بقوله :
أقول مجيبا موضحا حكما أشكلا ... على بعضنا, والله أرجو مؤملا
وذا الحكم قل لام الجلالة قبله ... ترقق راء هل يرق ليعدلا؟
إلى أن قال :
وإن رقق المصري راء وبعدها ... أتت لام تعظيم ففخم وفصلا
إذا شكلت بالضم والفتح بعدما ... يصح به ترقيق راء ليسهلا
كذلك "ذكر الله" بالضم لم يزل ... كذا الفتح مع ترقيق راء فحصلا
هما يوجبان اللام تفخيمها ولو ... أميلا, حكى هذا أبو شامة العلا
كذلك نص الجعبري أخو الرضا ... لذا شرحه " حرز الأماني" مفصلا
وهكذا ساق باقي القصيدة يناقش ما ذهب إليه القيجاطي, وسنسوقها تامة بعون الله في ترجمة ميمون الفخار(2). في عدد لاحق.
2- وممن رد مذهب القيجاطي هذا ولم يرتضه الحافظ ابن الجزري فقال في النشر بعد ذكر طائفة من النقول عن ابن شريح وأبي شامة والجعبري وغيرهم تدل على بقاء التفخيم في اسم الجلالة بعد ترقيق الراء المذكورة:
__________
(1) - تحفة المنافع لميمون الفخار (باب اللامات).
(2) - نقلها بتمامها في " الفجر الساطع" في آخر باب اللامات – لوحة 126 – 127.(1/305)
"وهو مما لا يحتاج إلى زيادة التنبيه عليه وتأكيد الإشارة إليه لظهوره ووضوحه, لولا أن بعض أهل الأداء من أهل عصرنا بلغنا عنه أنه رأى ترقيق اسم الله تعالى بعد الراء المرققة, فأجرى الراء المرققة في ذلك مجرى الراء الممالة, وبنى أصله على أن الضمة تمال كما تمال الفتحة, لأن سيبويه ـ رحمه الله ـ حكى ذلك في "مذعور" و"السمر" و"المنقر"(1), واستدل بإطلاقهم على الترقيق إمالة, واستنتج من ذلك ترقيق اللام بعد المرققة, وقطع بأن ذلك هو القياس الذي لا ينبغي أن يخالف, مع اعترافه بأنه لم يقرأ بذلك على أحد من شيوخه, ولكنه شيء ظهر له من جهة النظر فاتبعه لعدم وجود النص بخلافه على ما ادعاه, وذلك كله غير مسلم له ولا موافق عليه.
"فأما ادعاؤه أن الضمة تمال في " مذعور" فإنه غير ما نحن فيه, فإن حركة الضمة التي هي على العين قربت إلى الكسر ولفظ بها كذلك وذلك مشاهد حسا, والضمة التي هي على الراء في " يبشر" لم تقرب إلى الكسرة ولا غيرت من حالتها, ولو غيرت ولفظ بها كما لفظ بـ"مذعور" على لغة من أمال لكان لحنا وغير جائز في القراءة, وإنما التغيير وقع على الراء فقط لا على حركتها, وهذا هو الذي حكاه ابن سفيان وغيره من الراء المضمومة تكون عند ورش بين اللفظين (2), فعبروا عن الراء ولم يقولوا إن الضمة تكون بين اللفظين, ومن زعم أن الضمة في ذلك تكون تابعة للراء فهو مكابر في المحسوس".
__________
(1) - ينظر في كتاب سيبويه 4/ 142-143 " باب ما يمال من الحروف التي ليس بعدها ألف إذا كانت الراء بعدها مكسورة", وفسر المنقر بأنه : " الركية الكثيرة الماء" يعني القربة.
(2) - قال ابن سفيان في الهادي لوحة 12 عند ذكر الراء المضمومة: " فإن انكسر ما قبلها رقق الراء, وقد عبر الناس عنها بـ"بين اللفظين" مثل " يبصرون" وكانوا يصرون على الحنث وما أشبهه ما لم يكن الراء أول الكلمة".(1/306)
"وأما كون الترقيق إمالة أو غير أمالة فقد تقدم الفرق بين الترقيق والإمالة في أول باب الراآت (1). وإذا تبث ذلك بطل القياس على " نرى الله".
وأما ادعاؤه عدم النص فقد ذكرنا نصوصهم على التفخيم, وقول ابن شريح : إنه لم يختلف في تفخيم اللام في ذلك(2), والناس كلهم في سائر الأعصار وأقطار الأمصار ممن أدركناهم وأخذنا عنهم وبلغتنا روايتهم ووصلت إلينا طرقهم لم يختلفوا في ذلك ولا حكوا فيه وجها ولا احتمالا ضعيفا ولا قويا, فالواجب الرجوع إلى ما عليه إجماع الأئمة وسلف الأمة, والله يوفقنا جميعا لفهم الحق واتباعه وسلوك سبيله بمنه وكرمه"(3).
وقال ابن الجزري في ترجمة القيجاطي في الغاية في سياق ذكره لبعض الرواة عنه, فسمى منهم أبا الحسن علي بن عيسى البسطي الأندلسي وقال حدثنا عنه برسالة كتبها في تجويز ترقيق اسم الله تعالى بعد ترقيق الراء لورش في نحو "لذكر الله" و"أفغير الله", وهي رسالة وهم فيها, وقاس الترقيق على الكسر, والتزم أنه هو الإمالة حقيقة, مع اعترافه أنه لم يسبقه إلى هذا القول أحد, ولكنه احتج فيه بمجرد القياس, وصمم على أن هذا القياس هو الصواب الذي لا يجوز غيره, وهو من القياس الممنوع لما بيناه في "النشر" و "الله أعلم"(4).
3- وممن شايع القيجاطي في مذهبه العلامة أبو الفضل ابن المجراد في شرحه على الدرر اللوامع, إذ قال في سياق توجيهه واحتجاجه لتفخيم اسم الجلالة بعد الضم والفتح وترقيقه بعد الكسر:
__________
(1) - يراجع في النشر 2/ 90 – 91
(2) - ينظر في ذلك الكافي في القراءات بهامش المكرر للأنصاري 38 – 39
(3) - النشر 2/117-118.
(4) - غاية النهاية 2/244 ترجمة 2423.(1/307)
"فإذا قلنا: إنها رققت بعد الكسرة طلبا للمناسبة, وفرارا مما يؤدي إليه تفخيمها من التنافر والخروج من تسفل إلى تصعد, فهل ترقق بعد الفتحة المنحو بها نحو الكسرة كالفتحة في الراء المرققة نحو قوله تعالى "وإذا ذكر" وشبهه؟ لم أقف في ذلك على نص أحد من الأئمة, غير أنهم نصوا على أن أبا عمرو بن العلاء يرقق اللام في ذلك بعد الفتحة الممالة نحو "نرى الله" حسبما نص عليه ابن القصاب(1) فيما نقلناه من كلامه أول الباب, ونص عليه أيضا الحافظ في المفردة الخاصة بقراءة أبي عمرو, فيجب على هذا أن ترقق من أجل الفتحة المرققة,إذ لا فرق بين فتحة الحرف الممال والحرف المرقق, لأن كل واحدة منهما ينحى بها نحو الكسرة, وقد حدثني بعض الشيوخ عن بعض أهل الأندلس أنه كان يأخذ في ذلك بترقيق اللام والله أعلم بحقيقة ذلك(2).
قال ابن القاضي في شرحه: "الأندلسي الذي كان يأخذ بالترقيق هو القيجاطي".
ثم قال بعد أن ذكر من اعترض على هذا المذهب: "وبالتفخيم الأخذ عندنا بفاس, وبه قرأنا كما عند الجعبري وأبي شامة والجزري والفخار وغيرهم"(3).
ذلك موقف طائفة من علماء زمنه وغيرهم من اختياره هذا, أما أصحابه فقد تلقوه عنه بالقبول ودافع عنه المنتوري في شرحه وساق النقول الطويلة عن شيخه في الاحتجاج له.
__________
(1) - هو الإمام أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الحق الأنصاري نزيل فاس – سيأتي في عدد تال.
(2) - إيضاح الأسرار والبدائع لابن المجراد "باب اللام" لوحة 124.
(3) - الفجر الساطع – لوحة 126 – 127(1/308)
كما أخذ به أيضا أبو عبد الله المجاري فقرأ به وأقرأ به وبغيره من اختيارات شيخه, وسلك سبيله في ذلك تلامذته ومن أخذ عنهم من أهل الأندلس, ويبدو أن الأخذ بذلك استمر إلى سقوطها, فهذا العلامة أبو جعفر أحمد بن علي البلوي الوادي آشي " ت 938" يذكر أنه قرأ به فيقول في حديثه عن شيخه أبي سعيد فرج بن علي بن فرج الغرناطي: " جودت بالحضرة الغرناطية ـ جبر الله أحوالها ـ وحسن مآلها, وأقال فيها وفي بنياتها الإسلام برحمته ـ على شيخنا خاتمة القراء, وحامل راية الإقراء, الإمام العالم الصالح البركة, الحافظ المقرئ المجود النحوي أبي سعيد فرج ابن الفقيه العدل الإمام الأستاذ أبي الحسن علي بن فرج ـ رحمة الله عليه ـ من فاتحة الكتاب العزيز إلى قوله تبارك اسمه وتعالى جده: " قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا" قراءة ضبط وتجويد ومحافظة على الأداء, بحرف إمام الدار المقدسة دار الهجرة : نافع –رحمه الله- جمعا بين روايتي راوييه: ورش وقالون, على مضمن " الدرر اللوامع", مع الجريان على أسلوب إمام القراء, وخاتمة أهل الأداء بالأندلس – جبرها الله – الإمام أبي عبد الله(1) القيجاطي – رحمه الله – واتباع مذهبه في اختياراته في مثل ترقيق لام اسم الجلالة بعد الحركة الممالة وغير ذلك, وسمعت كثيرا من القرءان يقرأ عليه بغير ما قراءة".
ثم ذكر أنه فارق هذا الشيخ ولم يبلغ غرضه من إكمال القراءات السبع عليه, ثم بلغه نعيه بوادي آش, وكانت وفاته ما بين السادس والعاشر من رجب سنة 890 هـ, ثم قال: " أخبرت أنه أخذ القراءات عن الحاج الراوية المقرئ شيخ الشيوخ أبي عبد الله المجاري ـ رحمه الله ـ ولا أعلم له غيره"(2).
2- تجويزه الفصل بين السور بالوقف التام:
__________
(1) - سقط لفظ اسم الجلالة من النص المطبوع.
(2) - تبث أبي جعفر أحمد بن علي البلوي الوادي آشي 210 – 211(1/309)
قال صاحبه أبو عبد الله المنتوري بعد ذكر الأوجه المستعملة بين السور: البسملة والسكت والوصل: وقال شيخنا الأستاذ أبو عبد الله القيجاطي – رضي الله عنه- : " ويجوز لمن مذهبه من القراء ترك الفصل بالبسملة بين السورتين, أن يوقف له على آخر السورة مع قطع النفس, لأنه لا خلاف في جواز ذلك في المواقف التامة, ولا أتم من آخر السورة – قال- : ومن منع من ذلك واحتج بأن المصنفين للحروف لم يذكروه, فلا حجة له لأن عادة المصنفين للحروف أن يذكروا مواضع الاختلاف, ولا يذكر مواضع الاتفاق".
قال المنتوري : "وبهذا الذي أجاز شيخنا – رحمه الله – فيما ذكره كان يأخذ على أصحابه, وبذلك قرأت عليه وبه آخذ, ولا يمنع من ذلك من له نظر صحيح"(1).
3- أخذه بإشباع المد في مثل "آمنوا" و " أوتي" و "إيمانا" موافقا في ذلك مذهب القيروانيين الآنف الذكر, رادا قول أبي عمرو الداني بالتوسط, ومخطئا ابن بري في قوله : "وعن ورش توسط ثبت", وقول الشاطبي في الحرز.. "ووسطه قوم", ومنكرا تأول الداني للنصوص عن أصحاب ورش في ذلك.
قال المنتوري:
"وكان شيخنا الأستاذ أبو عبد الله القيجاطي ـ رضي الله عنهم ـ يأخذ لورش من طريق الداني بالمد المشبع كالمد مع الهمزات إذا تأخرن, وبذلك قرأت عليه وبه آخذ". وقلت له: تأخذ لورش من طريق الداني بالمد المشبع وهو قد أنكره ورد على من أخذ به؟ (2) فقال لي:
__________
(1) - شرح المنتوري على الدرر اللوامع (باب البسملة).
(2) - قال الفاسي في اللالىء الفريدة : " ووسطه قوم يعني لورش أيضا وهو الذي ذكر له صاحب التيسير, والتطويل والقصر من زيادات القصيد, ذكر التطويل له مكي وغيره, وذكر القصر له ابن غلبون وأنكر المد".(1/310)
"روى لنا الداني المد عن ورش وظاهره الإشباع, وتأوله بزيادة ـ قال في بعض كتبه ـ يسيرة, وقال في آخر " متوسطة" على مذهبه في التحقيق, فنحن نأخذ بروايته لا بتأويله, لأن تأويله إخراج للرواية عن ظاهرها, ومخالف لما حملها عليه غيره من المصنفين".
قال المنتوري:
"واعلم أن المقرئ أبا إسحاق بن عبد الملك(1) سبق شيخنا ـ رحمه الله ـ فأمر في رجزه الذي نظمه في رواية ورش على طريق الداني(2) بإشباع المد لورش في "آمن" وبابه(3).
4- أخذه بالتسوية في مقدار المد بين ما سببه همز وما سببه سكون أو إدغام.
قال المنتوري: "وعلى القول بالتسوية جرى الناظم ـ يعني ابن بري ـ فلم يفرق بين النوعين, وهو اختيار شيخنا الأستاذ أبي عبد الله القيجاطي ـ رضي الله عنه ـ وبذلك قرأت عليه وعلى غيره, وبه آخذ"(4).
5- أخذه بالقصر في مد الميم من قوله تعالى " ألم الله " وقوله " ألم أحسب".
قال المنتوري بعد أن ذكر قول أبي عمرو الداني وقول أبي داود في " الطرر على جامع البيان" وقول ابن الباذش في الإقناع : إن المد القياس, لأن التحريك للميم عارض: قال شيخنا الأستاذ أبو عبد الله القيجاطي ـ رضي الله عنه ـ" بل القياس القصر, وهو الذي أختار"
قال المنتوري ـ: وبذلك قرأت عليه, وبه آخذ, لأن عليه عامة أهل الأداء, وبه جاء النص عن ورش كما تقدم ذلك في كتبهم عن ورش"(5).
6- أخذه بالقصر أيضا في الوقف على مثل "يعلمون" و"المتقين" و"الحساب".
__________
(1) - هو أبو إسحاق ابراهيم بن أحمد بن عبد الملك الخولاني هكذا سماه المنتوري نفسه في ول حديثه عن الذين قرؤوا بالمد لورش في "آمن" وبابه.
(2) - ذكر له رجزا في رواية قالون في باب نقل الهمز (لوحة 183 ) وكتاب الاعتماد ولعله المراد هنا, نقل المنتوري عنه قصر عادا الأولى لورش, وذكر له "الاقتصاد" أيضا وغير ذلك.
(3) - شرح المنتوري لوحة 93.
(4) - نفسه لوحة 75.
(5) - نفسه لوحة 85.(1/311)
ونقل المنتوري عنه في ذلك قوله: "ولا يجوز عندي في هذا الفصل الوقف بالمد المتوسط, لأنه لا وجه له, ولا أصل له في القراءة يرجع إليه"
قال المنتوري: "وبالقصر في ذلك وقفت على أكثر من قرأت عليه قال: "وسألت شيخنا الأستاذ أبا عبد الله القيجاطي ـ رضي الله عنه ـ عن مذهبه في ذلك ؟ فقال لي: الاختيار عندي أن يجري على حكم أحرف اللين إذا أتت بعدهن الهمزات في كلمة أخرى, فمن أخذ في ذلك بالمد أخذ هنا بالمد, ومن أخذ هناك بالقصر أخذ هنا بالقصر, وهذا الذي ذهب إليه شيخنا هو الوجه, وبه آخذ"(1)
7- ومن ذلك أخذه بالقصر لورش في الوقف على " لا ريب" و"من خوف" وما أشبهه مما قبل آخره حرف لين.
قال المنتوري بعد أن ساق الخلاف فيه لورش: " والقصر في ذلك هو اختيار شيخنا الأستاذ أبي عبد الله القيجاطي ـ رضي الله عنه ـ وبه قرأت عليه في الوقف, وبه آخذ"(2).
8- ومن ذلك أخذه لورش في باب الهمزتين بتسهيل الهمزة الثانية من المفتوحتين نحو "ءانتم "وءالد"
قال المنتوري: "وكان شيخنا أبو عبد الله القيجاطي ـ رضي الله عنه ـ يأخذ في الثانية بالتسهيل بين بين لورش كابن كثير, وبذلك قرأت عليه, وبه آخذ"(3).
9- ومنه أيضا أخذه لورش بتسهيل الثانية من المتفقتين بالفتح والكسر والضم بين بين, وكان يحتج للتسهيل بأن عليه أكثر رواة ورش, وأن رواية المصريين في ذلك أتت بالمد, فحملها قوم على البدل, وآخرون على التسهيل, وأن البدل ليس على وجه سائغ في العربية, ويؤدي في أكثر المواضع إلى اجتماع ساكنين على غير شرطهما – قال فالأخذ له بشيء متفق على روايته سائغ في العربية وهو التسهيل أولى"(4).
10- ومن ذلك أخذه في الرآآت لورش بتفخيم راء قوله تعالى " فكان كل فرق كالطود العظيم" في سورة الشعراء.
__________
(1) - شرح المنتوري – باب المد -
(2) - نفسه 141.
(3) - نفسه لوحة 118.
(4) - لوحة 145.(1/312)
قال المنتوري: " وكان شيخنا الأستاذ أبو عبد الله القيجاطي ـ رضي الله عنه ـ يأخذ فيه بالتفخيم, ولا يجيز الترقيق, ويحتج لذلك بأن الكسرة مقدرة بعد القاف, فقد ولي الراء حرف الاستعلاء كما وليها في " فرقة", وبالتفخيم قرأته عليه, وبه آخذ"(1).
هذه نماذج من اختياراته التي تكاد تنتظم كل الأبواب الأصولية, وخاصة منها في أصول رواية ورش حيث يحتدم الخلاف. وقد عني المنتوري كما قدمنا ببسط مذاهبه وذكر اختياراته مع الحجج التي كان يحتج بها لها ويذكر غالبا أنه قرأ عليه بها وأنه بها يأخذ, وربما نبه على بعض ما خصص له ختمة في قراءته عليه كقوله في باب الوقف:"وإلى الأخذ بالإشارة ذهب شيخنا الأستاذ أبو عبد الله القيجاطي ـ رضي الله عنه ـ, وبذلك أخذ علي في الختمة التي قرأتها عليه بالوقف بالروم, وفي الختمة التي قرأتها عليه بالوقف بالإشمام"(2).
خاتمة :
ولا يتسع المجال لتقويم اختيارات الشيخ وتلميذه والوقوف عند مآخذهما في تلك الاختيارات, وغرضنا فقط أن ننبه على مقدار الاستقلالية في فكر أبي عبد الله القيجاطي ومستوى تعامله مع مسائل الخلاف, وعمق معرفته بمذاهب الأئمة وتضلعه في علوم العربية, مما مكنه من التأهل للإدلاء بمثل تلك الاختيارات اعتمادا على دراسته وبحثه الخاص, لا على مجرد اتباع مشيخته واحتذاء خطا سلفه, وبذلك كان في هذه المدرسة فارس الميدان, وبه ختمت, لتفسح المجال للبلاد المغربية في العدوة الأخرى لتتولى قيادة هذه الحركة بعد أن نضجت فيها علوم هذا الشأن, وانتقل إليها أعلامه بعد سقوط الحواضر الأندلسية وأفول شمس الإسلام فيها.
وفي العدد التالي بعون الله سنقف على أهم تلك المدارس كما تمثلت في مدينة فاس والجهات التابعة لها.
والله الموفق.
فهرس المصادر والمراجع
المطبوعة والمخطوطة (المعتمدة في هذا العدد) : 15
__________
(1) - لوحة 294 – 295.
(2) - لوحة 351.(1/313)
ـ إبراز المعاني من حرز الأماني للحافظ أبي شامة عبد الرحمن بن إسماعيل بن ابراهيم المقدسي (شرح الشاطبية) تحقيق ابراهيم عطوة مصر الطبعة 2 ـ 1402 هـ 1982 م .
ـ الإحاطة في أخبار غرناطة للسان الدين ابن الخطيب السلماني تحقيق محمد عبد الله عنان الطبعة 2 ـ القاهرة.
ـ أزهار الرياض في أخبار عياض لأبي العباس المقري التلمساني نشر اللجنة المشتركة ـ الرباط : 1398هـ ـ 1978 م.
ـ الأعلام لخير الدين الزركلي ـ نشر دار العلم للملايين ـ بيروت لبنان.
ـ الإقناع في القراءات السبع لأبي جعفر أحمد بن علي بن الباذش الأنصاري الغرناطي تحقيق الدكتور عبد المجيد قطامش ـ نشر دار الفكر ـ دمشق طبعة 1: 1403هـ ـ 1983م.
ـ إيضاح الأسرار والبدائع (شرح الدرر اللوامع في أصل مقرإ الإمام نافع لابن بري التازي) لمحمد بن محمد ابن المجراد الفنزاري السلاوي (مخطوط خاص).
ـ برنامج القاسم بن يوسف التجيبي السبتي تحقيق عبد الحفيظ منصور ـ نشر الدار العربية للكتاب ليبيا ـ تونس: 1981م.
ـ برنامج محمد بن جابر الوادي آشي الأندلسي تحقيق محمد محفوظ نشر دار الغرب الإسلامي ط 2: 1981م.
ـ برنامج أبي عبد الله المجاري الأندلسي تحقيق محمد أبو الأجفان ـ نشر دار الغرب الإسلامي ط 1: 1982م.
ـ بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة لجلال الدين السيوطي تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم المكتبة العصرية بصيدا ـ بيروت: 1384هـ ـ 1964م.
ـ التبصرة في القراءات السبع لأبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي القيرواني تحقيق الدكتور محي الدين رمضان الكويت ط 1: 1405هـ ـ 1985م.
ـ تاريخ قضاة الأندلس لأبي الحسن علي النباهي المالقي ـ منشورات دار الآفاق الجديدة بيروت تحقيق لجنة إحياء التراث العربي في دار الآفاق الجديدة: 1400هـ ـ 1980م لبنان.
ـ تحفة المنافع في قراءة الإمام نافع (أرجوزة) لأبي وكيل ميمون بن مساعد المصمودي مولى أبي عبد الله محمد بن عبد الله الفخار (مخطوطة).(1/314)
ـ التكملة المفيدة لحافظ القصيدة (قصيدة لامية) لأبي الحسن علي بن عمر القيجاطي الأندلسي (مخطوطة) بخزانة أوقاف آسفي العتيقة (غير مرقمة) وكذا بخزانة المخطوطات بالزاوية الناصرية: (تمكروت) رقم 1775.
ـ التيسير في القراءات السبع لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني الأندلسي ـ دار الكتاب العربي ط.2: 1404هـ 1984م.
ـ تبث أبي جعفر أحمد بن علي البلوي الوادي آشي تحقيق الدكتور عبد الله العمراني نشر دار الغرب الإسلامي ط.1: 1303هـ ـ 1983م.
ـ جدوة الاقتباس في ذكر من حل من الأعلام مدينة فاس لأحمد بن القاضي المكناسي ـ دار المنصور ـ الرباط ط.1: 1974م.
ـ درة الحجال في أسماء الرجال لأبي العباس أحمد بن محمد المكناسي الشهير بابن القاضي تحقيق محمد الأحمدي أبو النور ـ دار التراث بالقاهرة المكتبة العتيقة بتونس: 1390هـ ـ 1970م.
ـ دليل المخطوطات بدار الكتب الناصرية بتمكروت لمحمد المنوني ـ نشر وزارة الأوقاف المغربية الرباط ـ 1405هـ ـ1985م.
ـ الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب المالكي لإبراهيم بن علي بن فرحون اليعمري ـ دار الكتب ـ لبنان.
الذيل والتكملة لكتاب الموصول والصلة لابن عبد الملك المراكشي تحقيق الدكتور إحسان عباس والدكتور محمد بن شريفة ـ نشر دار الثقافة ـ بيروت ـ لبنان.
ـ سلسلة قراءة الإمام نافع عند المغاربة للمؤلف ـ العدد الأول ـ
ـ شرح الدرر اللوامع للإمام محمد بن عبد الملك المنتوري مخطوط بالخزانة العامة بالرباط رقم 519 ك والخزانة الحسنية بالرباط رقم 1096.
ـ شرح التكملة المفيدة لحافظ القصيدة لأبي الحسن علي بن عمر القيجاطي مخطوط بالخزانة العامة بالرباط رقم 2460ع.
ـ شرح الدرر اللوامع (الفجر الساطع والضياء اللامع) لأبي زيد بن القاضي مخطوط بالخزانة العامة بالرباط رقم 989ق.
ـ غاية النهاية في طبقات القراء للحافظ ابن الجزري الدمشقي دار الكتب العلمية ط 2: 1400هـ ـ 1980م.(1/315)
ـ فهرسة الإمام أبي زكريا السراج ـ المجلد الأول ـ الخزانة الحسنية بالرباط رقم 10929
ـ فهرسة الإمام محمد بن عبد الملك المنتوري القيسي ـ الخزانة الحسنية رقم 1578.
ـ فهرسة أبي عبد الله بن غازي المكناسي تحقيق محمد الزاهي مطبوعات دار المغرب ـ الدار البيضاء: 1399هـ ـ 1979م.
ـ فهرس الفهارس والإثبات لعبد الحي الكتاني تحقيق الدكتور إحسان عباس ـ نشر دار الغرب الإسلامي ـ بيروت ـ لبنان ـ 1402هـ ـ 1982م.
ـ القراء والقراءات بالمغرب لسعيد أعراب نشر دار الغرب الإسلامي ط.1: 1410هـ ـ 1990م.
ـ الكافي في القراءات السبع لأبي عبدالله محمد بن شريح الرعيني الإشبيلي الأندلسي مطبوع بهامش كتاب المكرر في القراءات للأنصاري النشار ـ دار الكتاب العربي الكبرى بمصر.
ـ كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة نشر مكتبة المثنى ببغداد.
ـ كتاب سيبويه: تحقيق عبد السلام محمد هارون ـ جمهورية مصر العربية.
- الكتيبة الكامنة فيمن لقيناه بالأندلس من شعراء المائة الثامنة للسان الدين ابن الخطيب.
ـ اللآلئ الفريدة في شرح القصيدة (شرح الشاطبية) لمحمد بن الحسن الفاسي مخطوطة بالخزانة العامة بالرباط رقم 530 ق.
ـ لطائف الإشارات لفنون القراءات لأبي العباس القسطلاني تحقيق الشيخ عامر السيد عثمان وعبد الصبور شاهين ـ القاهرة ـ 1392هـ ـ 1972م (المجلد الأول).
ـ معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار للحافظ الذهبي تحقيق محمد سيد جاد الحق نشر دار الكتب الحديثة ط.1: ميدان عابدين ـ مصر.
ـ النشر في القراءات العشر للحافظ ابن الجزري تصحيح الشيخ علي محمد الضباع ـ مطبعة مصطفى محمد بمصر.
ـ نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدين ابن الخطيب لأبي العباس المقري تحقيق محيي الدين عبد الحميد ـ المكتبة التجارية الكبرى: 1949م.(1/316)
ـ نيل الابتهاج بتطريز الديباج في أعلام المذهب المالكي لأبي العباس أحمد بابا السوداني التمبوكتي بهامش "الديباج" نشر دار الكتب العلمية بيروت لبنان.
ـ الهادي في القراءات لأبي عبد الله محمد بن سفيان الهواري القيرواني (مصورة عن مخطوطة مكتبة الأستانة بتركيا رقم 59.
ـ هدية العارفين في أسماء المؤلفين لإسماعيل باشا البغدادي منشور بذيل كشف الظنون لحاجي خليفة وذيله إيضاح المكنون للمؤلف أيضا مكتبة المثنى ببغداد ـ العراق.
فهرس المحتويات للعدد : 15
الصفحة
التصدير:
معالم الاتجاه التوفيقي في أصول الأداء وامتداداته في جنوب الأندلس من خلال مدرسة أبي الحسن القيجاطي زعيم هذا الاتجاه ...
مقدمة : ...
الفصل الأول : أبو الحسن القيجاطي ...
- ترجمة أبي الحسن القيجاطي ...
- مشيخته ...
- مكانته وآراء العلماء فيه ...
- آثاره العلمية ...
الفصل الثاني : التكملة المفيدة لحافظ القصيدة ...
- نص القصيدة اللامية " التكملة المفيدة" محققة بأبياتها المائة ...
الفصل الثالث : أصحابه ورجال مدرسته ...
الفصل الرابع : القيجاطي الحفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي عميد المدرسة القيجاطية في عهده ...
- صورة عن نظام الأخذ للقراءات في عهد القيجاطي الحفيد ومروياته في هذا الصدد ...
- مروياته من كتب القراءات ...
- مؤلفاته ...
الفصل الخامس: مظاهر إمامته ونماذج من مذاهبه الخاصة واختياراته الأدائية في أصول رواية ورش عن نافع ...
- مذهبه في ترقيق اللام من اسم "الله" بعد الحركة الممالة في نحو "نرى الله" و"ذكر الله" ...
- معارضون للقيجاطي في مذهبه ومشايعون ...
- تجويزه الفصل بين السور بالوقف التام ...
- أخذه بإشباع المد في " آمنوا" و" أوتي" وما شابهه ...
- أخذه في المد بالتسوية بين ما مد للهمز وما مد للسكون أو الإدغام ...
- أخذه أخذه بالقصر في مد الميم من "ألم الله" و "ألم أحسب الناس" ...
- أخذه بالقصر أيضا في الوقف على مثل " يعلمون" و " المتقين" و"الحساب" ...(1/317)
- أخذه بالقصر لورش في الوقف على " لا ريب" و" من خوف" وماشابهه ...
- مذهبه في تسهيل الهمزة الثانية لورش من المتفقتين في الحركة ...
- مذهبه في تفخيم الراء من قوله تعالى: "فكان كل فرق" في سورة الشعراء ...
خاتمة ...
فهرسة المصادر والمراجع للعدد: ...
فهرس المحتويات التي اشتمل عليها العدد: 15 ...
قراءة الإمام نافع عند المغاربة
من رواية أبي سعيد ورش
المدارس المغربية المختصة
في قراءة نافع وأصول أدائها
(الطور الأول)
? مدرسة أبي عبد الله بن القصاب الأنصاري
صاحب "تقريب المنافع في قراءة نافع"، وصاحبه
? أبي عبد الله بن آجروم الصنهاجي صاحب:
أرجوزة "البارع في قراءة نافع".
العدد السادس عشر
بسم الله الرحمن الرحيم
تصدير:
الحمد لله العلي الأعلى، له الأسماء الحسنى، والصفات العلى. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد نبي الهدى وقدوة أهل التقى، وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته، واتبع سبيل المؤمنين من أمته.
السادس عشر
وبعد فهذا العدد السادس عشر من هذه السلسلة خصصناه لطلائع أئمة المدارس الأدائية في قراءة الإمام نافع بن أبي نعيم المدني في الحواضر المغربية بالمغرب الأقصى على عهد ازدهارها ونضجها في زمن الدولة المرينية في أواخر المائة السابعة وأول الثامنة من الهجرة. وقد خصصنا هذا العدد للحديث عن مدرستين رائدتين، أو لنقل عن مدرسة واحدة تفرعت عنها مدرسة مماثلة سلكت سبيلها في منهجها واختياراتها، وهما مدرسة أبي عبد الله بن القصاب وربيبتها الناشئة بعدها وفي أحضانها مدرسة أبي عبد الله بن آجروم صاحب الآجرومية المشهور عند أهل العربية.(1/318)
وقد حاولنا فيما جمعناه ورتبناه إبراز مظاهر الحذق والنبوغ ومقومات الإمامة في الفن والريادة فيه عند هذين الإمامين الجليلين. كما قمنا بتقديم وتحقيق أثر نفيس يعتبر أول نتاج محلي ومغربي أصيل أسهمت به المدرسة المغربية الناشئة في تأهيل القراءة الرسمية في مدينة فاس ثم في سائر الحواضر المغربية التابعة لها يومئذ. وأعني به أرجوزة الإمام الكبير والنحوي اللغوي الخطير الشيخ أبي عبد الله بن آجروم الصنهاجي المعروفة باسم "البارع في قراءة الإمام نافع"، وهي أرجوزة ظلت منذ زمن طويل في حكم المفقودة لا يعلم بوجودها إلا قليل بل أقل القليل، حتى هدى الله عز وجل إلى الوقوف عليها كما سيأتي في نسخة فريدة لا تحمل معها ما يدل على منشئها دلالة كافية تقود إلى المقصود.
ولعلي من خلال ما أقدمه في هذا البحث عن هانين الشخصيتين أكون قد أسهمت في بناء ترجمة موسعة لقارئين جليلين أحدهما وهو الشيخ أبو عبد الله بن القصاب الذي لم يترجم له أحد من أهل التراجم فيما أعلم ممن اهتموا رجالات العلم بمدينة فاس على وفرة الاهتمام برجالاتها، والثاني وهو ممن انصرف أهل العلم في الترجمة له إلى الجانب الذي طغى على شخصيته، وهو علم النحو لارتباط اسمه محليا وعربيا ثم عالميا باسم المقدمة "الآجرومية" المشهورة التي اخذ علم النحو في لغات الغرب اسمه المعروف من اسمها المأخوذ من نسب مؤلفها.
أسأل الله العلي القدير أن يكتب لنا في الباقيات الصالحات ما بذلناه في هذه السلسلة من جهد، وأن ينفع بما جمعناه واستفرغنا غاية الوسع فيه، خدمة لكتاب الله والمشتغلين بالبحث في مدارسه ومباحثه والتعريف بأئمته، وقياما ببعض الواجب في ذلك والله سبحانه ولي التوفيق.
مدرسة أبي عبد الله القصاب:
صاحب تقريب المنافع في قراءة نافع
تمهيد:(1/319)
إذا كانت معظم الجهود في المدارس الإفريقية والأندلسية قد انصبت على إتقان القراءات السبع المشهورة ودراسة الخلاف بين الأئمة والمدارس فيها أصولا وفرشا، فإن جهود الأئمة في المدارس الأدائية في المغرب الأقصى قد اتجهت من النصف الثاني من المائة نافع السابعة وما بعده إلى خدمة قراءة نافعة خاصة، بحيث عكفت على استخلاص قواعدها وكل ما يتعلق بها فأشبعته بحثا وتحقيقا وتمحيصا، وقدمته للطلاب منقحا محررا نظما ونثرا. وقد تبلورت عامة تلك الجهود في خدمة هذه القراءة في شعبتين:
1- شعبة أصول حرف نافع فيما عرف في المدرسة المغربية خاصة ب"العشر الصغير" أو "الجمع الصغير".
2- شعبة الرسم والضبط المروى عن أهل المدينة والخاص بهذه القراءة.
فكما اتجهوا على دراسة أصول قراءة نافع وتحرير ما وقع فيها من الإختلاف بين الرواة عنه، اتجه منهم طائفة إلى تجريد رسمها وفصله عن الرسم العام الذي تشتمل عليه المصاحف وينتظم جميع القراءات المشهورة، وتعزيز ذلك بقواعد الضبط المحققة للأداء كما تلقاها الأئمة رواية ودراية عن سلفهم ووصفوها في المؤلفات الأمهات المعتمدة.
وقد أعطى هذا الإهتمام الزائد بهذه القراءة أداء ورسما وضبطا للمدرسة المغربية في المغرب الأقصى لهذا العهد طابعها المتميز وشخصيتها العلمية الواضحة السمات كما سوف نرى مظاهر ذلك عند كبار الأئمة الذين أسهموا في قيادتها في أطوارها التاريخية الأربعة التي سنقف عليها بعون الله، والتي مثلت عهود الإزدهار من تاريخ مدرسة الإمام نافع في هذه الجهات.
وسوف نرى أن أعمال أولئك الأئمة لم تكن إعادة إخراج لمؤلفات السابقين، أو مجرد تكريس عليها، وإنما كانت كما سنقف عليها قائمة في مجملها على الدراسة الواعية والتحليل والموازنة والتعليل في ضوء القواعد الكلية والمبادئ العامة والضوابط المعتبرة في هذه العلوم عند أئمة هذا الشأن.(1/320)
وقد استفادت المدرسة المغربية في هذا الصدد من مدارس الأقطاب عامة ولم تقتصر على مدرسة دون أخرى، إلا أن طابعها العام اعتمادها لاختيارات "المدرسة الاتباعية" عند الأئمة أبي عمرو الداني وصاحبه أبي داود سليمان بن نجاح، وحامل لواء مذاهبهما في المشرق والمغرب أبي القاسم بن فيره الشاطبي، اقتناعا منها بمنهجها العام وائتساء بها في منحاها في اعتماد الرواية الموثقة والتحرير الكامل الشامل لعلوم هذا الشان بالإقتداء بالأئمة الذين ترسموا هذا النهج خلفا عن سلف، وبالغوا في تمحيص آثاره وتحرير رواياته.
وقد برز من رجال هذه المدرسة في التأليف في قراءة نافع ورسمها وضبطها ودراسة الخلاف بين النقلة فيها أعلام خلدوا لنا فيها مجموعة كبيرة من المؤلفات والقصائد والأراجيز ما يزال بعضها معتمدا ومتداولا بين القراء بالمغرب وغيره إلى اليوم، استطاعوا أن يلخصوا فيها أهم مؤلفات أقطاب الأئمة المعتمدين، وأن ييسروا أهمها في قصائد وأراجيز تسهيلا لحفظها، فكانت هذه الأعمال النظمية إلى جانب كتب الأئمة تشكل رصيدا غنيا متكاملا أغنى هذا الميدان وزاد في سعة مجالاته ومباحثه، ثم استمرت المنافسة في النسج على منوال رواد هذه المدارس حتى لا نكاد نجد قارئا متمكنا لم يسهم في هذا الغرض بقصيدة أو تأليف أو شرح أو تقييد، مما تنامى معه تراث المدرسة المغربية بسرعة فائقة يمكن الوقوف على حقيقتها بالرجوع إلى ما بقي لنا من نتاج المائتي سنة: الثامنة والتاسعة وحدهما من قصائد وأراجيز ومؤلفات سنقف على كثير منها فيما نستقبله من أبواب وفصول.(1/321)
وينبغي هنا نشير إلى ظاهرة تأخر نشوء المدرسة المغربية من حيث الزمن بالقياس إلى ما سبقها من مدارس فنية في كل من إفريقية والأندلس، وهي ظاهرة سبقني إلى الوقوف عندها بعض الباحثين في تاريخ القراءة بالمغرب(1)، وهذا التأخر في الزمن أمر عادي، لاسيما مع اعتبار التبعية السياسية والعلمية التي كانت لعامة الجهات المغربية الإفريقية والأندلسية ردحا غير قليل من الزمن.
ولئن كانت المدرسة المغربية قد تأخرت في النشأة والتكوين قرابة مائة سنة أو تزيد، فإنها مع ذلك قد استطاعت أن تكون في زمنها خلفا من تلك المدارس كلها بعد أن خفت صوتها وذهبت ريحها بذهاب أهلها سواء في إفريقية والقيروان، أم في الأندلس وقرطبة واشبيلية وشرق الأندلس، واستطاعت أن تنتصب بعدها في ميدان الإقراء، وأن تستقل بشخصيتها الاعتبارية لتملأ الفراغ الذي كان على وشك أن يحدث في كافة أرجاء الأقطار المغربية الثلاثة، كما استطاعت أن تتخلص أيضا من طول التبعية لمختلف المدارس الفنية التي ظلت تمدها عن طريق هجرة أبنائها بعدد لا ينقطع كما رأينا في تتبعنا لامتدادات مدارس الأقطاب في كل من سبتة ومراكش وفاس فيما تقدم من هذه الدراسة .
__________
(1) - ينظر في ذلك سعيد أعراب في "المدرسة القرءانية في الصحراء المغربية" –دعوة الحق العدد 6 السنة 17 ربيع الأول 1396هـ مارس 1976 ص 75- وكذا دعوة الحق العدد 273 السنة 1989 ص 150 والميثاق عدد 119.(1/322)
وإن المتتبع لتطور تاريخ القراءة بالحواضر المغربية لا يخطئه أن يتبين بجلاء بوادر هذا الاستقلال في المدارس الناشئة ابتداءا من الربع الأخير من المائة السابعة، وهو الزمن الموافق لقيام دولة بني مرين بالمغرب. وتمثل ذلك بصفة بارزة في الحواضر الشمالية، وعلى الأخص في فاس وتازة وما إليهما من الجهات التي استفادت من الهجرة الأندلسية قبل غيرها، كما استفادت من قربها من الشواطئ الأندلسية التي كانت حتى هذا العهد ما تزال فيها بقية باقية من الدراسات القرائية والعلمية العالية كما عرضنا صورة منها في المدرسة القيجاطية في العدد الماضي. يضاف إلى ذلك العامل الحاسم الذي أشرنا إليه آنفا، وهو تحول كرسي الحكم من الجهات الجنوبية في مراكش إليها بحيث تأتى فيها للدولة المرينية الناشئة أن تجني ثمار النهضة العلمية التي عرفها المجال الثقافي في الدولتين قبلها، وأن تؤسس على القواعد التي ورثتها أركان حركة علمية زاهية استرجعت معها فاس في أول المائة الثامنة مكانتها الأولى، وذلك بعد أن تمهد بها سلطان.الدولة الجديدة منذ أن استولى مؤسسها الأمير يعقوب بن عبد الحق على مراكش في غرة محرم سنة 668(1).
ولقد تجلت عناية المرينيين بالناحية العلمية في إنشاء المعاهد والمدارس واستقدام الكفاءات العلمية للتدريس بها، وامتاز ثلاثة من رجالها تعاقبوا على الملك فيها بضرب الأمثلة السائرة في ذلك، وهم أبو سعيد عثمان بن يعقوب بن عبد الحق (697-752) وابنه أبو الحسن علي بن عثمان، وابنه أبو عنان فارس بن علي .
__________
(1) - روض القرطاس لابن أبي زرع 403- وتاريخ ابن خلدون 6/296.(1/323)
"ففي سنة 720هـ أمر أمير المؤمنين أبو سعيد- أيده الله- ببناء مدرسه بحضرته من فاس الجديد، فبنيت أتقن بناء، ورتب فيها الطلبة لقراءة القرءان، والفقهاء لتدريس العلم، وأجرى عليهم المرتبات والمؤونة في كل شهر، وحبس عليها الرباع والمجاشر، كل ذلك ابتغاء وجه الله ورجاء مغفرته(1).
وفي سنة 721 أمر الأمير الأجل الموفق أبو الحسن علي بن أبي سعيد عثمان ابن أمير المسلمين يعقوب بن عبد الحق ـ رضي الله عنه ـ ببناء المدرسة (مدرسه الصهريج) غربي جامع الأندلس بفاس، فبنيت على أتم بناء وأحسنه وأتقنه، وبنى حولها سقاية ودار وضوء، وفندقا لسكنى طلبة العلم... ورتب فيها الفقهاء للتدريس وأسكنها بطلبة العلم وقراء القرءان، وأجرى عليهم الإنفاق والكسوة، وحبس عليها رباعا كثيرة ـ نفعه الله بقصده-
وفي مهل شعبان منها ـ سنة 22ـ أمر أمير المسلمين أبو سعيد عثمان ـ أيده الله ونصره ـ ببناء المدرسة العظيمة بازاء جامع القرويين(مدرسة العطارين) ...فجاءت آية في الدهر لم يبن مثلها ملك قبله، وأجرى بها ماء العين الغزير، ورتب فيها الفقهاء لتدريس العلم، وأسكنها بالطلبة، وقدم فيها إماما ومؤذنين وقَوَمَةً يقومون بأمرها، وأجرى على كل المرتبات والمُؤَن ، واشترى الأملاك ووفقها عليها احتسابا لله تعالى ورجاء ثوابه(2).
وأسس أبو سعيد أيضا بفاس "المدرسة المصباحية" المشهورة المنسوبة إلى الفقيه أبي الضياء مصباح بن عبد الله الياصلوتي، لأنه أول من درس بها فسميت باسمه، وتوفي بمدينة فاس سنة 705 (3).
__________
(1) - روض القرطاس 411-412 والاستقصاء للناصري 3/111.
(2) - روض القرطاس 411-412 ومثله في الاستقصاء 3/111/112.
(3) - جذوة الاقتباس 1/336 ترجمة 354 ونحوه في سلوه الأنفاس 2/55-56.(1/324)
وأسس أبو الحسن ابنه بمراكش مدرستها المشهورة بـ"مدرسة ابن يوسف" لمجاورتها لجامع علي بن يوسف بن تاشفين بالطالعة بمراكش، وقد بقيت تؤدي وظيفتها إلى عهد قريب(1).
وبالجملة فقد قامت أركان هذه الدولة على العلم الشرعي، وبذل أمراؤها الغالي والنفيس في تشجيعه والقيام بأهله، ولا سيما يعسوب هذه الدولة السلطان الجليل أبو الحسن علي بن عثمان الذي ألف فيه العلامة ابن مرزوق كتابه المشهور "المسند الصحيح الحسن في مآثر مولانا أبي الحسن (2)، وقد افرد في هذا الكتاب الباب الواحد والأربعين لذكر المدارس الكثيرة التي بناها أبو الحسن في كل بلد من بلاد المغرب الأقصى والأوسط في تازة ومكناس وسلا ومراكش وأسفي وأزمور والقصر الكبير وطنجة وسبتة وغيرها.
كما نوه أديب زمنه بذلك في أرجوزته التاريخية المسماة ب"رقم الحلل" بقوله:
وتارك المدارس الظريفة ... شاهدة بأنه الخليفة
وقاطع الدهر بغير لهو ... في مجلس معظم أو بهو
أما لتدريس وعلم يدرس ... أو لبلاد من عدو تحرس
__________
(1) - أدركتها عامرة بالطلبة الذين يدرسون بما كان يعرف "بالجامعة اليوسفية" ومقرها كان مسجد ابن يوسف المذكور، ثم جرى توزيع الدراسة في مساجد أخرى كمسجد المواسين ومسجد باب دكالة الكبير ومسجد الكتبيين ثم نقل الطلبة جميعا منها إلى تكنة عسكرية كانت تسمى "دار البارود"، وأجلي الطلبة عن مسجد ابن يوسف ثم عن السكنى بالمدرسة المذكورة، وقد سكنتها نحو سنة ونصف إلى أول العام من 1381هـ، وحولت المدرسة إلى معلم سياحي يتردد عليه السياح الأجانب ولا يسمح لغيرهم بالدخول إلا بإذن خاص، ولله الأمر من قبل ومن بعد .
(2) - طبع الكتاب اخيرا بعنوان "المسند الصحيح الحسن" "لابن مرزوق التلمساني تحقيق ماريا خيسوس بيغيرا –الجزائر 1981. ومنه نسخة مخطوطه بالخزانة العامة بالرباط برقم 111ك.(1/325)
أو نسخ قرءان(1) وعرض حزب ... أو عدة معدة لحرب(2).
وقد حدا أبو عنان حذو أبيه وجده في تشييد هذه المآثر وتعميرها بالقراء والمقرئين، فأسس من جملة ما أسس "المدرسة العنانية" أو "المتوكلية" نسبة إليه بفاس(3)، وما يزال قسم من الكتب التي حبسها عليها معروفا بخزانة "القرويين" وعلى بعضه خط تحبيس بيد أبي عنان (4).
ويذكر الحسن الوزان في هذا الصدد أن بمدينة فاس لهذا العهد إحدى عشرة مدرسة للطلاب جيدة البناء كثيرة الزخرف، وأشهرها "المدرسة البوعنانية " التي كلف بناؤها أربعمائة وثمانين ألف مثقال ذهبا...قال: وتشبه سائر مدارس فاس هذه المدرسة، في كل مدرسة أساتذة لمختلف العلوم (5).
ولقد كان للقراء والقراءات الحظ الأوفى من هذه العناية، فكانت المدينة بسببها مقصدا لكثير من الراغبين في الإفادة منها تعلما وتعليما، ولقد انعكست هذه العناية من لدن الدولة في أكثر من مظهر ومجال .
فكان من ذلك تقريب علماء القراءات وانتدابهم رسميا للتأديب و الاقراء في المدارس والجوامع العامة والخاصة، واستعمالهم في الوظائف الرفيعة كالكتابة العليا والقضاء والإمامة أو دمجهم ضمن الحاشية وجلساء السلطان.
__________
(1) - يشير إلى كتابته لعدد من المصاحف بخط يده ووفقها بالمساجد الثلاثة بمكة والمدينة وبيت المقدس وتوظيف رواتب مالية تعطى لمن يقوم بالقراءة فيها هناك –ينظر في ذلك صبح الأعشى 8/103 والاستقصاء 3/127-131.
(2) - رقم الحلل ارجوزة في 1123 بيتا مخطوطة بالخزانة العامة بالرباط برقم 1299.
(3) - ينظر في ذلك ازهار الرياض 3/27- 1/5..
(4) - ينظر في ذلك فهرسه خزانة القرويين 3/31 لمحمد العابد.
(5) - وصف إفريقية 1/178-179-203 ترجمة محمد حجي وأحمد الأخضر 1980.(1/326)
وكان من ذلك انتداب طائفة منهم للإشراف على قراءة الحزب، إذ استمر الأخذ بهذه الوظيفة رسميا منذ أيام الموحدين، ولما ولي مؤسس الدولة يعقوب بن عبد الحق أمر بتوظيف جماعة من القراء للقيام بهذه المأمورية في المساجد الكبيرة، وقد ذكر إسماعيل بن الأحمر في ترجمة الفقيه الكاتب محمد بن عبد الله بن أبي مدين شعيب العثماني أنه نشأ بمكناسة الزيتون وبها قرأ القرءان وتفقه، ثم ارتحل إلى فاس ...وانتقل بعد وفاة الوزير عمر بن السعود لقراءة الحزب بدار أمير المسلمين أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق(1).
وكان من مظاهر هذه العناية اتخاذ ملوك هذه الدولة مشايخ من أعلام القراء ليأخذوا عنهم هذه العلوم. وسيأتي لنا في تراجم طائفة من القراء كأبي الحسن بن بري وأبي العباس الزواوي وأبي عبد الله الصفار كيف كانوا يعارضون ملوك الدولة بالقراءات.
__________
(1) - نثير الجمان 255-256.(1/327)
وهكذا استقطبت عاصمة الدولة أكابر العلماء والقراء، وأسندت إليهم المناصب وأجريت عليهم الرواتب فاطمأن بهم المقام، وتنامى بسببهم جانب البحث والنظم والتأليف، وعمرت المساجد المختلفة بالمدرسين لمختلف الفنون، وكانت مجالس الخلفاء أيضا حافلة بما كان يتطارحه العلماء فيها من مباحث وعلوم، وانضوى إلى الحاشية الرسمية يوما عن يوم كبار العلماء والقراء والأدباء، فكان فيها أمثال مالك بن المرحل السبتي (699) الذي كان من أعيان شعراء الأمير يوسف بن يعقوب بن عبد الحق المريني(1). وكان فيهم مثل أبي عبد الله بن رشيد السبتي (721) الذي "استدعاه المقام السلطاني إلى حضرة فاس فوردها، وصار من خواص السلطان بها (2). ومثل أبي محمد عبد المهيمن بن محمد الحضري السبتي الفقيه الأديب والمقرئ الحافظ كاتب سر الخليفة أبي الحسن المريني(3) إلى غيرهم من العلماء الذين رتبوا لشهود هذه المجالس التي يذكر ابن خلدون عن أبي الحسن في عنايته بها: أنه كان لعظم همته وبعد شأوه في الفضل يتشوف إلى تزيين مجلسه بالعلماء، واختار منهم جماعة لصحبته ومجالسته(4).
وقال في سياق حديثه عن مشيخته من جلساء السلطان: "وكان قدم علينا في جملة السلطان أبي الحسن عندما ملك إفريقية سنة ثمان وأربعين جماعة من أهل العلم، وكان يلزمهم شهود مجلسه ويتجمل بمكانهم فيه(5).
وقال في حديثه عن أبي الحسن أيضا: "وكان يستكثر من أهل العلم في دولته ويجري عليهم الأرزاق، ويعمر بهم مجلسه"(6).
__________
(1) - الاستقصاء 3/88.
(2) - درة الحجال 2/96-100 ترجمة 532.
(3) - مسالك الأبصار 148-149.
(4) - تاريخ ابن خلدون 7/389- ومثله في "التعريف بابن خلدون" 32-33.
(5) - التعريف بابن خلدون 20 (طبعة دار الكتاب اللبناني 1979).
(6) - التعريف بابن خلدون 46.(1/328)
ولا أدل على المكانة التي نالها العلماء والقراء لهذا العهد وما بعده من الرجوع إلى أخبار حركة أبي الحسن إلى تونس في جمادى الأخيرة من سنة 748هـ، فقد دخلها فاتحا فتحا معنويا قبل أن يحتلها عسكريا وكان إجلا به عليها بمن معه من أكابر العلماء في وزن إجلابه عليها بما معه من الجند والعتاد، "وتلقاه وفد تونس وشيوخها من أهل الفتيا وأرباب الشورى... وكانت تونس يومئذ مشحونة بالأعلام والأكابر منهم ابن عبد السلام وابن عرفة وابن عبد الرفيع وابن راشد القفصي وابن هارون وأعلام وآخرون(1).
وكان مع أبي الحسن صفوة أعلام المغرب وعلمائه، فكان من قدر الله أن نكب هذا الجيش بمن معه من العلماء في رحلة العودة إلى سواحل بجاية، "وهلك في هذا الأسطول ممن كان معه من أعلام نحو أربع مائة عالم"(2). قال العلامة ابن زيدان في الإتحاف: وهي من أعظم الدواهي التي أصيب بها المغرب الأقصى، وكانت بعد عيد الفطر سنة 750"(3).
__________
(1) - الاستقصا 3/156.
(2) - الاستقصا 3/171- والروض الهتون 43.
(3) - إتحاف أعلام الناس 3/587.(1/329)
وبغض النظر عن أثر هذه النكبة وجسامة الخسارة التي مني بها المغرب في المجال العلمي بسببها كما عبر عن ذلك صاحب الفكر السامي في قوله: "وضاعت معهم نفائس الكتب، ورزئ المغرب في أنفس أعلامه وبموتهم ظهر نقصان بين، وفراغ شاسع في عمارة سوق العلم، وبه أصبحت دياره بلاقع، وأقفرت المدارس والجوامع(1). بغض النظر عن هذه الخسارة الجسيمة فإن دلالة وجود مثل هذا العدد الكبير من العلماء والقراء مع الجيش الغازي في حملة عسكرية، ترشدنا إلى مقدار اعتداد هذه الدولة بأولئك الأعلام في إثبات صولتها والإجلاب على منافسيها في السيادة على هذه الجهة من المغرب الكبير الذي كان أبو الحسن يطمح إلى إعادة توحيده تحت ايالة واحدة، دون أن يكتفي بالولاء الظاهري الذي تحدث عنه المؤرخ ابن فضل الله العمري لهذا العهد بقوله: "ونحن وإن ذكرنا إفريقية مستقلة بذاتها، مفردة بسلطان، فإنها في الحقيقة جزء من مملكة "بَرّ العدوة"، صاحب إفريقية فيها كالنائب له"(2).
وكان من جملة من غرق في هذا الأسطول من كبار قراء العصر الإمام أبو العباس الزواوي صاحب أبي الحسن علي بن سليمان القرطبي ومعلم أهل دار الخلافة، وكان أبو الحسن كما سيأتي يعارضه القراءات السبع (3).
__________
(1) - الفكر السامي للحجوي الثعالبي 2/246.
(2) - مسالك الأبصار 122.
(3) - ينظر في ذلك التعريف بابن خلدون 45-46.(1/330)
ولقد عبر العلامة ابن خلدون عن مقدار اهتمام المغاربة بقراءة القرآن وتحصيل رواياته لهذا العهد فقال في سياق تقويمه للحركة العلمية: "لم نشاهد في المائة الثامنة من سلك طريق النظار بفاس في جميع هذه الأقطار، لأجل انقطاع ملكة التعليم عنهم، ولم يكن منهم من له عناية بالرحلة بل قصرت هممهم على طريق تحصيل القرآن ودرس "التهذيب" فقط(1).
وهذا التقويم من ابن خلدون يدلنا على مقدار العناية والاهتمام بالجانبين القرائي والفقهي، وعلى الأخص في مدينة فاس حيث أعيد لمدونة الفقه المالكي اعتبارها بعد أن أحرقت ومنعت من التداول على عهد الموحدين(2)، واعتنى إلى جانب ذلك بفنون القراءات طرقا وأداء ورسما وضبطا ورواية وتأليفا ونظما، حتى استطاعت أن تتفوق على المراكز العلمية التي كانت تنافسها من قديم في مراكش وسبتة وغرناطة وما إليها.
ولقد نبه بعض الباحثين على ما أمسى لبعض هذه المراكز لهذا العهد من اختصاص ببعض الفنون، فذكر أنه "أصبح لبعض هذه الحواضر المغربية زعامة في بعض العلوم لا يمكن لمن يرغب في الاستزادة منها والتخصص فيها إلا أن يؤم مشيختها للاستفادة منها، كالحديث والنحو بسبتة، والفقه بفاس، وعلوم القرآن من قراءات ورسم وتجويد بفاس وتازة"(3).
__________
(1) - نقله المقري في أزهار الرياض 3/26-27، وكتاب التهذيب المشهور في اختصار المدونة في الفقه المالكي لأبي سعيد خلف بن أبي القاسم الأزدي التونسي المعروف بالبراذعي من كبار أصحاب أبي محمد بن أبي زيد القيرواني –ترجمته في شجرة النور الزكية 1/105 طبعة 9 ترجمة 270.
(2) - ينظر في ذلك درة الحجال 3/47 ترجمة 954.
(3) - الأستاذ عبد الله المرابط الترغي –دعوة الحق 116 العدد 259 محرم صفر 1407- شتنبر أكتوبر 1986.(1/331)
ولقد ظهر الإهتمام بالقراءة وعلومها في فاس وانتظم جميع الفروع، ومن جملتها فن التجويد الذي يظهر أنه لم يكن لدى قراء المغرب إلى هذا العهد اهتمام به، ويبدو أن بعض الفقهاء ممن لم يعتادوا عقد الحلقات لهذا الفن في المساجد قد ضاقوا بها كما نقرأ عن حادثة وقعت في مسجد القيرويين بفاس ذكرها ابن القاضي في الجذوة فقال:
وروي أنه جرى في سنة 749هـ أن بعض المجودين لقراء القرآن فيه كان يقعد بين يديه الأحداث من الصبيان لتحويد القراءة فيجتمع إليه الناس، إلى أن حدثت فتن بسبب ذلك، فرفع ذلك للشيخ الفقيه الصالح المدرس الولي عبد العزيز بن محمد القروي(1) فأشار على بعض من له حكم نافذ أن يشتد في تغيير ذلك ويمنعه كل المنع، فمنعهم وفرق جمعهم، ونظم في ذلك الشيخ الأستاذ علي بن سبع(2) –رحمه الله- قصيدة قرئت على الشيخ عبد العزيز المذكور، فكانت سببا في اشتداده على قيام هذا القارئ قال: وهي هذه، ثم ذكرها(3).
__________
(1) - ترجمته في جذوة الاقتباس 2/451.
(2) - مقرئ حافظ من قراء مكناس سيأتي التعريف به.
(3) - أولها قوله:
ألا حققوا عني مقالا هو الجد ... فمنهج أهل الحق يسعده القصد....
وفيها يقول:
ألم تر فاس الغرب أعظم بقدرها ... وجامعها العظمى التي هي تعتد
بفعل عبادات تسوغ وموطن ... لجمع رجال الله يأتونها وفد
بدت بدع فيها ولا منكر لها ... وأبوابها إن فتحت فلها السدّ
تبرز للإقراء فيها جماعة ... ولا خبرة تبدو لديهم ولا نقد
وما لهم فم يميز ما حوت ... طريقة أهل الضبط حل ولا عقد
سوى نغم يبدونها بتلحن ... وتطريب ألحان لمن راح أو يغدو
أينصب بالقرآة للأكل أو لما ... يؤدي إلى التحريم فاعله وغد ؟
وعن مثل هذا حذر الحبر مالك ... وقال لمن يبديه في المسجد الطرد
فبعضهم في جمعة وخميسها ... ينظم حفلا ليس يحصرها عد...
إلى آخر القصيدة المشتملة على 49 بيتا ذكرها بتمامها في جذوة الاقتباس: 1/75-76-77.(1/332)
ومهما تكن البواعث على منع هذا القارئ من عقد مثل هذه الحلقة في المسجد الجامع، والدواعي التي دعت إلى التشنيع عليه، فإن وجودها يصور لنا اهتماما زائدا لدى القراء والمقرئين بالعناية بالتجويد وعقد الحلقات الخاصة للتمرن، عليه طلبا لحسن الأداء وتمام الإتقان.
ولقد نبغ في قراءة نافع لهذا العهد مشايخ أجلاء صرفوا عنايتهم إليه بوجه خاص، وعكفوا على تحقيق رواياتها وطرقها وتجريد رسمها وضبطها، وتحرير مسائل الخلاف فيها، وبيان الراجح والمرجوح في أوجه أدائها وما إلى ذلك مما نجده إلى اليوم ماثلا في آثار أئمة العصر وفهارس العلماء ممن أسهموا في نهضته العلمية بنصيب.
و لاشك أن هذا الإزدهار الذي عرفته هذه القراءة على وجه الخصوص جاء نتيجة لعوامل عدة، منها تلك الحركة العلمية الناهضة التي أسسها الموحدون ووضعوا قواعدها، ومنها ذلك التلاقح الذي تحقق في فاس وغيرها من حواضر المغرب بين مختلف مدارس الأقطاب وامتداداتها في المغرب وإفريقية والأندلس، ومنها حركة الهجرة العلمية المتواصلة في اتجاه الحواضر العامرة، ومنها أخيرا تحول الثقل العلمي في الجهات المغربية إلى قاعدة الملك، واهتمام الدولة الجديدة بإقامة قواعده على الأصول الراسخة الجامعة، فكان من ذلك الأخذ بمذهب أهل المدينة في قراءتهم وفقههم على السواء.(1/333)
وعلى الرغم من ضياع الكثير من تفاصيل الحياة العلمية للعصر بسبب قلة الحفل بالتاريخ ولا سيما العلمي والاجتماعي منه، فإننا يمكننا الظفر بنصيب من الشواهد الشاهدة بازدهار هذه القراءة في الحواضر الشمالية من المغرب لهذا العهد، وعلى الأخص عند مشيخة القراء بفاس الذين خلفوا في القراءة تراثا علميا يدل على نبوغهم وامتلاكهم لناصية الإجادة في الفن ورسوخ قدمهم فيه، وإن كانت المصادر التي وصلتنا لا تفي بإعطائنا من أخبار ذلك وتفاصيله ما يساعدنا على التقويم الكافي للجهود الكاملة التي بذلت في هذا الشأن، كما أنها لا تساعدنا كثيرا في تتبع الصلات والوشائج التي كانت تربط رجال مشيخة العصر المتصدرين ممن خلفوا بصماتهم في الميدان بالمنابع الصافية التي نهلوا منها، وذلك حتى نستطيع تصنيفهم بحسب انتماءاتهم الفنية، ونصلهم بأسانيد مشيختهم في الرواية والنقل، كما نصل تلامذتهم بهم وبروايتهم التي نجد التنصيص في بعض الفهارس على قراءتهم أو سماعهم لها منهم.
ومهما يكن فسنحاول –بعون الله- اعتمادا على ما تيسر لنا جمعه من أشتات متفرقة إعطاء القارئ الكريم صورة عن حركة القراءة والإقراء في موضوع قراءة نافع من خلال التعريف ببعض أئمتها البارزين وما خلفوه فيها من آثار مكتوبة، وما قام على تلك الآثار من نشاط علمي زاخر، سواء فيما عرف في مجال الروايات والطرق ب" العشر الصغير" أم فيما يخص الرواية التي كان عليها المدار وما يزال في هذه القراءة، وأعني بها رواية أبي سعيد ورش التي أدرنا هذا البحث المتواضع عليها، أم فيما يرجع إلى رسمها وضبطها وقواعد تجويدها وأصول أدائها.
وسنتناول بالبحث أهم المدارس التي كانت طليعة المدارس المغربية في أصول أداء هذه القراءة نعرف فيها بعلمين من أعلام تلك المدارس ومذاهبهما الفنية واثارهما وما قام حولها من نشاط علمي.
الفصل الأول:
مدرسة أبي عبد الله بن القصاب صاحب "تقريب المنافع في قراءة نافع".(1/334)
يعتبر الإمام أبو عبد الله بن القصاب الأنصاري رائد المدارس المغربية في أصول الأداء الخاصة بقراءة نافع، وصاحب أول "مدرسة فنية" اهتمت بهذه القراءة ودراسة أحكامها الخاصة ووضعت معالم البحث والتأليف فيها.
إلا أن المصادر التاريخية وكتب التراجم لا تكاد تسعفنا بشيء من البيان الشافي عن شخصيته العلمية وما كان لها من شفوف في العلم، ولا عن مشيخته والجهات التي تخرج فيها، فضلا عن أن تسعفنا بما يثلج الصدر عن جهوده العلمية في ميدان الإقراء والبحث والتأليف، وما عرف له في هذا العلم من مذاهب واختيارات وتوجيهات .
ومن الطريف والعجيب أننا لا نجد له ذكرا في المصادر التي أرخت لعلماء مدينة فاس مع أنه –كما يبدو- من النابغين بها من أهل المنطقة، وليس من الواردين عليها من بعض الجهات الأندلسية. فقد تجاوزه عامة من كتبوا في الوفيات كابن قنفذ والونشريسي وابن القاضي، والمصدر الوحيد لترجمته المقتضبة وإن كان في أصله مصدرا مغربيا، فقد جاء النقل عنه في المصادر المشرقية .
ترجمته:
فقد انفرد بالتعريف الموجز به فيما أعلم –الشيخ الإمام أبو حيان محمد بن يوسف الغرناطي (ت745)، وعنه جاء النقل عند ابن مكتوم وابن الجزري، فقال فيه ابن مكتوم:
"محمد بن علي بن عبد الحق الأنصاري شهر بابن القصاب، من أهل فاس يقرئ القرآن بالقراءات السبع، ويقرئ العربية أيضا"، وتوفي في حدود سنة تسعين وستمائة، أفادنيه شيخنا العلامة أبو حيان الأندلسي وكتبته من خطه"(1).
__________
(1) - قله أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن مكتوم القيسي في ذيله الذي ذيل به على "معرفة القراء الكبار" للذهبي وهو مطبوع معه في آخر المجلد 2/ والترجمة المذكورة رقمها 6 في الصفحة 612.(1/335)
وذكره ابن الجزري بمثل ما تقدم في نسبه وقال: أبو عبد الله الأنصاري الفاسي يعرف بابن القصاب، مقرئ مصدر كامل، قال أبو حيان: كان يقرئ القرآن بقراءات السبعة، ويقرئ العربية أيضا، وتوفي في حدود سنة 690 (1).
ولم يذكر له أبو حيان ولا من نقل عنه شيوخا أو تلامذة أو مؤلفات أو شيئا زائدا يمكن من التقويم الصحيح لشخصيته العلمية، إلا أن في تنويه أبي حيان بإقرائه القرآن بالقراءات السبع وإقرائه العربية أيضا ما يدل على شفوف قدر وعلو منزلة استحق معهما هذه الالتفاتة من أبي حيان، وهو من هو في إمامة هذا الشأن .
ومهما يكن فإننا نستفيد مما ذكر في الترجمتين تحديد زمانه ومكانه ومعرفة نوع اهتمامه، وذلك إن لم يشف الغليل فيما نطمح إليه، ففيه ما نتعلل به ريثما نتمكن نحن أو غيرنا من مزيد من الإنارة الكافية والكشف المطلوب عن تاريخ هذه الشخصية ونشاطها القرآني والعلمي.
مشيخته:
ولعلنا بعد ما ذكرناه من شح المصادر التاريخية وضحالة ما قدمه لنا الناقلان عن أبي حيان من معلومات لا نطمع في الوقوف على ومشيخته أو تلامذته، فضلا عن أن نستطيع الحديث عن انتمائه الفني إلى مدرسة من مدارس الأقطاب التي يمكن أن يكون قد اتصل منها بسبب من الأسباب .
ولقد وفق الله –عز وجل- إلى الوقوف على كتابه الذي ذكرناه في عنوان هذا الفصل، فاستعرضته وكلي أمل في أن أجد مفتاحا للدخول إلى دراسة هذه الشخصية وانتمائها الفني بمعرفة بعض شيوخه الذين قد ينقل عنهم أو يذكر شيئا عن مذاهبهم واختياراتهم، إلا أني لم أحل من ذلك بطائل، إذ لم أجد له فيه سندا بالقراءة ولا نقلا عن أحد من الشيوخ، والنقل الوحيد الذي وفقت عليه فيه لم يورده مسندا ولا نسبه إلى كتاب، وإنما قال فيه: قال الحافظ أبو عمرو- رحمه الله- يعني الداني، ثم ساق سؤالا عن المد هل يكون مقداره دون ألف أو فوق ألفين؟...
__________
(1) - غاية النهاية 2/204 ترجمة 3265.(1/336)
ولا يعني هذا أني لم أستفد من الكتاب المذكور أمورا أخرى سأعرضها عظيمة الأهمية في تقويم شخصية، وإنما يعني أني لم أجده يذكر شيئا عن مشيخته مما من شأنه أن يساعد القارئ على إدراك صلاته العلمية بمشيخة العصر وطبقات أهل العلم في الجملة.
ثم فتح الله لي في هذا الشأن بصيصا من نور حينما هداني البحث إلى إجازه: الإمام أبي عبد الله محمد بن محمد الحسني البوعناني الفاسي لتلميذه أبي عبد الله محمد الشرقي بن محمد بن أبي بكر بن محمد المجاطي (1). فإذا هو يسند القراءات السبع من طريق الشيخ أبي عبد الله محمد بن عمر اللخمي – الآتي في أصحاب أبي الحسن بن سليمان بفاس – من قراءة ابن عمر ابن اللخمي بها على أبي عمران موسى بن محمد بن أحمد الصلحي المرسي الشهير بابن حدادة(2) قال: "حدثه بالقراءات المذكورةعن الشيخ الفقيه الإمام النحوي الحافل أبي عبد الله محمد بن أبي الحسن علي بن عبد الحق الأنصاري عرف بابن القصاب، عن شيخه الأستاذ المقرئ أبي الحجاج يوسف ابن الشيخ المقرئ أبي الحسن علي بن أبي العيش الأنصاري، عن الشيخين الأستاذين العالمين أبي البقاء يعيش بن القديم الأنصاري وأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد العزيز المعروف بابن الفتوت رحمه الله تعالى ورضي عنه(3).
__________
(1) - من كبار العلماء المقرئئن المتصدرين بالزاوية الدلائية قرأ بفاس وأجاز له البوعناني وابن شعيب والقصار وغيرهم وخاطبه أبو علي اليوسي بأبيات وصفه فيها بإتقان القراءات –ترجمته في نشر المثاني 2/361-364.
(2) - سيأتي في أصحاب ابن القصاب.
(3) - تقدمت ترجمة ابن القديم وابن الفتوت في مشيخة الأقراء بفاس.(1/337)
أما أبو البقاء يعيش فتحمل عن الشيخ الفقيه القاضي محمد بن زرقون(1) وأبي الحسن علي اللواتي(2) كلاهما عن أبي العباس الخولاني(3) .
وتحمل – يعيش - أيضا عن الشيخ الحافل الأستاذ المقرئ أبي الحسن علي بن قاسم بن زكرياء(4) عن شيخه المقرئ أبي عبد الله محمد بن سهل الأموي المعروف بالقشاش(5)، عن أشياخه الجلة الحفاظ الذين منهم الشيخ الإمام المقرئ الفاضل أبو عبد الله محمد بن عيسى المعروف بالمغامي(6) عن الإمامين الحافظين أبي عمرو الداني وأبي محمد مكي.
وتحمل أيضا أبو البقاء يعيش المذكور عن الشيخ الفقيه الأستاذ أبي الحسن علي اللواتي عن الأستاذ المقرئ أبي داود سليمان بن يحيى المعافري(7) عن أبي داود سليمان بن أبي القاسم(8) عن الحافظ أبي عمرو الداني، وعن شيوخ غير هؤلاء المذكورين تركت ذكرهم خيفة التطويل(9).
__________
(1) - هو محمد بن سعيد بن أحمد بن سعيد الأنصاري أبو عبد الله بن زرقون ، روي عن جماعة منهم أبو عبد الله أحمد الخولاني ومن طريقه علا اسناده وهو آخر الرواة عنه، ومنهم أبو الحسن شريح، ومنهم أبو الفضل عياض وجماعة ، توفي باشبيلية سنة 586.
(2) - هو علي بن الحسن بن علي بن الحسين اللواتي الفاسي- تقدمت ترجمته.
(3) - هو الشيخ الراوية أحمد بن محمد بن عبد الله الخولاني تقدم في أصحاب أبي عمرو الداني.
(4) - هو أبو الحسن علي بن موسى بن قاسم الشلبي ذكره أبي الأبار في الآخذين عنه –التكملة- 1/432 ترجمة 1235.
(5) - كذا في المخطوطة، ولعل الصواب "ابن النقاش" وهو محمد بن أحمد بن محمد بن سهل الأموي من أهل طليطلة ونزل مصر، وتصدر بالجامع العتيق بها للإقراء ترجمته في التكملة: 1/432 ترجمة 1235.
(6) - تقدم في أكابر أصحاب أبي عمرو الداني.
(7) - هو المعروف بأبي داود الصغير تقدم في أصحاب أبي داود سليمان بن نجاح صاحب أبي عمرو الداني.
(8) - هو ابن نجاح المذكور .
(9) - إجازة البوعناني لأبي عبد الله محمد الشرقي م خ ح رقم 9977.(1/338)
فسنده كما نرى أندلسي يتصل بالحافظ أبي عمرو الداني من طريق أستاذه أبي الحجاج يوسف بن علي بن أبي العيش الأنصاري عن الإمامين يعيش بن القديم نزيل فاس وصاحب كتاب "الشمس المنيرة في القراءات السبع الشهيرة"(1)، وأبي عبد الله بن الفتوت الفاسي آخر أصحاب أبي عبد الله محمد بن محمد بن معاذ الفلنقي (ت سنة 614) وفاة سنة 14(2) . ومعنى ذلك أنه تخرج في القراءات على أكابر القراء بفاس، وإن كنا لا نعرف من مشيخته غير أبي الحجاج المذكور. مما يتجلى معه مقدار تقصير علمائنا في العناية بتاريخ الرجال وسير العلماء، إلا في النادر اليسير.
آثاره العلمية:
وإن إماما هذا شأنه في نبل المشيخة وزعامة الإقراء لحقيق بأن يخلف في الميدان من الآثار وجلائل الأعمال ما يثلج الصدور ويبهج النفوس، ولا سيما في فن كفن القراءات واسع المجال متعدد الشعب والساحات، إلا أن الباحث سرعان ما يتبين له بالنسبة لأبي عبد الله بن القصاب قلة ما يعزى إليه من مؤلفات، مما يدل مرة أخرى على أن القسط الأكبر من نشاطه العلمي والتأليفي قد أمسى في خبر كان كما يقال، وغطى عليه النسيان والإهمال.
ولقد ظفرت له بعد البحث والاستقصاء بمؤلف واحد، ثم وقفت في هذا المؤلف على ذكر لمؤلف آخر أوسع منه مجالا أحال عليه في باب المدّ منه وسماه:
1- الكتاب الكبير:
وهو كتاب في القراءات أوسع مادة لأنه فيما يبدو –قد ضمنه القراءات وتوجيهها-.
2- كتاب تقريب المنافع:
__________
(1) - تقدم التعريف به في شيوخ الأقراء بفاس على عهد الوحدة والتلاقح بين المدارس.
(2) - تقدم التعريف به وبصاحبه أيضا.(1/339)
أما الكتاب الذي ظفرت به له مخطوطا فهو ""كتاب تقريب المنافع في قراءة نافع"، وهو من كتبه السائرة الشهيرة وقفت عليه في نسخة خطية لا أعلم لها ثانية بالخزانة الحسنية بالرباط (1) لا تحمل عنوان الكتاب كما أثبته، وإنما سجلت تحت إسم "رسالة في قراءة نافع"، وعرف بها في فهرسه الخزانة الحسنية بهذا العنوان(2).
تقديم وتعريف بالكتاب:
ونظرا لما يكتسيه الكتاب من أهمية خاصة باعتباره الأثر الوحيد الباقي- فيما أعلم- من آثار المؤلف، واعتباره أيضا أقدم تأليف مغربي محض في قراءة نافع من روايتي ورش وقالون، أعطي للقارئ نظرة وجيزة عنه تعرف بأهم أبوابه ومباحثه، وتنبه على منهجه في عرض المسائل وبحثها، ويبتدئ في مخطوطته المذكورة بالديباجة التالية:
-قال الشيخ الأستاذ الإمام الفقيه المقرئ الحافظ العالم المعلم الراوية المتقن أبو عبد الله محمد ابن الشيخ الأجل الأفضل المقدس المرحوم أبي الحسن علي ابن الشيخ الأفضل الأجل أبي محمد عبد الحق الأنصاري المعروف بابن القصاب رحمه الله تعالى ورضي عنه:
"الحمد لله القديم الدائم الذي لا أولية له، الباقي الذي لا آخر له، هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم"، وصلى الله على سيدنا محمد خير الأنام، المصطفى من جميع المخلوقات، الداعي إلى دار السلام، بالمواعظ والحكم والأدلة وأفصح الكلام، وهو الكتاب العزيز، والنظم الفائق الفريد، الذي "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد".
__________
(1) - رقمه بها 12243 ز ويمكن الرجوع إلى وصفه في فهرسه الخزانة الحسنية 6/111..
(2) - وقد وقع خطأ في تاريخ وفاة مؤلفه في الفهرسة إذ جعلها جامعها سنة 762، في حين أن ما تقدم نقله عن أبي حيان يذكر وفاته في حدود 690.(1/340)
أما بعد فإنكم سألتموني –وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه- أن أصنف لكم كتابا يحتوي على ما تضمنه حرف نافع، ويشتمل على "تقريب جميع المنافع"، من غير تطويل ولا تكرار ، إذ الغرض في هذا الكتاب المختصر الإيجاز والاختصار، فأجابتكم إلى ما سألتموه، وأعملت نفسي في تصنيف ما رغبتموه ، على النحو الذي أردتموه، والله تعالى يوفق للصواب، ويجعله خالصا لوجهه، متلقى بجزيل الثواب، إنه سميع مجيب وهاب .
وبعد هذه المقدمة تطرق إلى أول مباحثه فقال: باب الاستعاذة:
هذا الباب ترد عليه عشرة أسولة (1): فالأول أن يقال: لأي شيء جيء بالاستعاذة في أول الكلام؟ والثاني: أن يقال: ما معنى الاستعاذة ؟ والثالث أن يقال: ما حكم الاستعاذة والرابع: أن يقال: وما هي ألفاظ الاستعاذة والخامس: أن يقال ما المختار منها عند الحذاق من أهل الأداء والسادس أن يقال: وما أصل "أعوذ" والسابع أن يقال : ومن أي شيء اشتق هذا اللفظ الذي هو الشيطان والتاسع أن يقال: من أي شيء اشتق هذا اللفظ الذي هو "الرجيم"؟ والعاشر: أن يقال: وما مذهب نافع في هذا الباب؟.
ثم أخذ في الإجابة عن كل سؤال على حدة مصدرا لأجوبته بلفظ "مسألة" وما معنى كذا؟ إلى أن استوفى كل المسائل العشر باختصار، ثم انتقل إلى "باب البسملة" فقال:
هذا الباب ترد عليه أسولة: فالأول أن يقال ما معنى البسملة؟ والثاني أن يقال: لأي شيء جيء بها؟ والثالث أن يقال: وما أحوالها عند القراءة؟ والرابع أن يقال: وكم من وجه يتصور فيها بين السورتين ؟ الخامس أن يقال: وأين استحسنها بعضهم؟ والسادس: أن يقال: وما أقسامها ؟ والسابع: أن يقال: من أي شيء اشتق هذا اللفظ الذي هو "باسم الله" ؟ والثامن أن يقال: ولم قدم "الله" على "الرحمن الرحيم"؟ التاسع: أن يقال: لم قدم "الرحمن" على "الرحيم"؟ والعاشر: أن يقال: وما مذهب نافع في هذا الباب ؟.
__________
(1) - جمع سؤال ، وهي لغة قليلة الأستعمال، واشتقاق الجمع فيها من سال بلا همز.(1/341)
ثم أخذ يجيب على تلك الأسئلة سؤالا سؤالا بقوله: "مسألة" فمعنى أن يقول القارئ "بسم الله الرحمن الرحيم"... وهكذا إلى أن أتى على آخر مسائله العشر في الباب فقال فيها:
"ومذهب نافع في هذا الباب، أن قالون في جميع طرقه يبسمل بين السورتين في جميع القرءان ما خلا الأنفال وبراءة (1)، وورش عن طريق أبي يعقوب الأزرق عن نافع لا يبسمل بين السورتين، وقد استحب بعض الشيوخ البسملة في هذه الرواية بين "المدثر" و"القيامة" و"الانفطار" والمطففين" و"الفجر والبلد" و "العصر" و"الهمزة"، وليس في ذلك أثر يروى عنهم، وإنما هذا استحباب من الشيوخ (2)، وروى غيره عن ورش عن نافع كأبي الأزهر عبد الصمد البسملة، والأول أشهر فاعلم ذلك وبالله التوفيق. ثم قال:
"باب ميم الجمع" ، هذا الباب ترد عليه عشرة أسولة: فالأول: ما هي ميم الجمع؟ والثاني: أن يقال وما أصل ميم الجمع؟ إلى أن قال: ما مذهب نافع في هذا الباب؟.
ثم أخذ يجيب عن سؤالا سؤالا كما تقدم، وهكذا فعل في باب "هاء الإضمار" ثم في "باب المد والقصر" ملتزما وضع الأسئلة العشرة والإجابة عنها، وقد افاض في مباحث باب المد بعض الإفاضة، ومما قال فيه عن مذهب نافع:
"مسألة": ومراتب المد في رواية نافع –رحمه الله- ثلاثة: أحدها ألف في تقدير فتحتين، أو واو في تقدير ضمتين، أو ياء في تقدير كسرتين، والمرتبة الثانية: ألف وحركة، أو واو وحركة، أو ياء وحركة، والمرتبة الثالثة: ألفان أو واوان أو ياءان، وهذا لا يضبط إلا بالمشافهة، ثم نقل ابن القصاب أول نقل له في الكتاب فقال:
__________
(1) - كذا والصواب "ما بين الأنفال وبراءة"، لأن الأنفال غير داخلة في الخلاف.
(2) - قوله وليس في ذلك أثر يروى إلى آخرة هي عبارة أبي عمرو الداني بنصها في "التيسير" ص 18.(1/342)
قال الحافظ أبو عمرو ـ رحمه الله ـ فإن قيل: فهل يكون مقدارها مقدار ألف أو فوق ألفين ؟ قيل: ذلك غير ممكن بالإجماع، وذلك أن القراء عبروا عن الهمزة المسهلة بأن مقدارها ألف، فهذا أدل دليل على أن مبدأ المد وأدناه ألف (1).
ثم قال في السؤال العاشر مجيبا عن مذهب نافع في المد:
"ومذهب نافع في هذا الباب أن ورشا من طريق المصريين برواية أبي يعقوب الأزرق روى عنه الإشباع في حروف المد واللين إذا تأخرت عنها الأسباب(2)، والطبيعي (3) في حروف المد إذا تعرت من السبب، والتوسط في حروف المد واللين إذا تقدم عليها السبب(4)، واستثنى من ذلك ما وقع قبله(5) حرف ساكن صحيح نحو "القرءان" و"الظمئان" و"مسئولا" و"مذءوما"، وكذلك الياء من "إسراءيل"، وكذلك "يؤاخذكم" و"ءالن" في الموضعين في "يونس"، و"عادا الأولى" في النجم، فقصر جميع ذلك... ثم ذكر أنه بين وجه ذلك في كتابه الكبير. قال:
"وروى المصريون عنه أيضا في حرفي اللين التوسط... وبعد سطور فيها بعض البتر في المخطوط قال: "باب الهمزتين من كلمة"، هذا الباب ترد عليه عشرة أسولة... وأخذ في طرحها ثم الإجابة عنها.
__________
(1) - هذا النقل بعينه نقله ابن القاضي في الفجر الساطع في باب المد عن كتابي الاقتصاد والتلخيص لأبي عمرو الداني.
(2) - يعني الهمزة والسكون اللازم والإدغام.
(3) - يراد بالطبيعي ما يعرف اصطلاحا بالقصر، ومقداره ألف.
(4) - نحو ءامن وأوتي وإيمانا.
(5) - أي قبل الهمز فيه حرف ساكن صحيح.(1/343)
وهكذا التزم في سائر الأبواب بعشرة أسولة كباب الهمزتين من كلمتين وباب الهمز المفرد وباب نقل ورش حركة الهمزة إلى الساكن قبلها، وباب الإظهار والإدغام، وباب الفتح والإمالة وبين اللفظين، وباب مذهب ورش في الراءات، وباب مذهبه في اللامات... إلى أن أتى على باب "قرش الحروف" فبدأها دون اسئلة، فقال "وهو بكل شيء عليم" أسكن قالون الهاء من "هو" و"هي" إذا كان قبلها واو أو فاء أو لام ... وهكذا سرد الفرش المعهود في قراءة نافع من روايتي ورش وقالون على النسق الذي نجده بعده عند أبي الحسن بن بري وغيره، حتى ختم بقوله "أو ءاباؤنا" في سورة الواقعة فقال: وقرأ قالون بتسكين الواو، وجعلها "أو" التي للشك، فاعلم ذلك وبالله التوفيق (1) .
قيمة كتاب التقريب وأثره في مؤلفات المتأخرين:
__________
(1) - قال في الختام: "كمل بحمد الله وحسن عونه وتوفيقه الجميل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".(1/344)
يعتبر كتاب ابن القصاب نموذجا فريدا في المؤلفات النثرية المغربية، كما يعتبر طليعة لطائفة من المؤلفات المختصة في قراءة نافع من روايتيها المشهورتين ، فقد حاكاه في التسمية عدد كبير من الأئمة الذين ألفوا أو نظموا فيها في زمنه أو بعده، فألف أبو الحسن القيجاطي " المقرب النافع"، وأبو القاسم بن جزي "النافع في قراءة نافع(1) والمختصر البارع في قراءة نافع(2) وألف ابن آجروم "روض المنافع"(3) ونظم "البارع في قراءة نافع"وألف أبو الحسن بن سليمان القرطبي "تهذيب المنافع" ، وأبو الحسن بن بري "الدرر اللوامع"، وأبو وكيل ميمون الفخار "تحفة المنافع" ، وأبو زيد الجادري "النافع في أصل حرف نافع"، وألف أبو عبد الله الرحماني "تكميل المنافع"(4)، ونظم محمد شقرون بن أبي جمعة الوهراني قصيدته اللامية في الطرق العشر عن نافع فضاهى بها في الإسم تأليف ابن القصاب فسماها "تقريب المنافع"(5)، إلى غير ذلك من المؤلفات التي نسجت على منواله أو تواردت معه.
__________
(1) - ذكرنا "المقرب النافع" للقيجاطي في ترجمته، وأما كتاب ابن جزي فذكره صاحب درة الحجال 2/72 ترجمة 514.
(2) - رواه عنه المجاري كما في برنامجه ص 87.
(3) - سيأتي في مؤلفاته.
(4) - مخطوط خ ح بالرباط نحت رقم 8864 وهو في الطرق العشر المروية عن نافع.
(5) - سيأتي ذكره.(1/345)
ومن مميزات تقريب المنافع لابن القصاب أسلوبه الطريف في تأليفه، فقد بنى القسم الأصول منه كما رأينا كل باب على عشرة مباحث ولم يخل بذلك، ولا ظهر في مسائله شيء من الافتعال والتكلف، مما يدل على سعة أفقه في الفن واستيعابه لأحكامه وقضاياه . وقد حاول محاكاته في هذا الأسلوب التأليفي جماعة ممن ألفوا بعده في القراءة والرسم كما نجد ذلك في كتب الشوشاوي الذي التزم بعشرين تنبيها في كل باب(1)، كما نحا نحوه يحيى بن سعيد الكرامي السملالي في تحصيل المنافع فسار على نفس النمط حتى ظن بعض من حققوا هذه الكتب أن السبق في هذا الوضع التأليفي البديع لأولئك المؤلفين(2).
ولم يقتصر أثر ابن القصاب فيمن جاء بعده من الأئمة على مجاراته في التسمية أو نمط التأليف، بل تعداه إلى الاعتماد عليه فيما ضمنه الكتاب من مواد وتخريجات واختيارات، وكان النقل عنه مستفيضا عند عامة المؤلفين بعده من أصحابه كابن آجروم في "فرائد المعاني" والخراز في "القصد النافع"، وعند ابن المجراد في كثير من أبواب "إيضاح الأسرار والبدائع"، وعند المنتوري في الأندلس في شرحه على الدرر اللوامع ، ثم عند عامة من شرحوها كالحلفاوي، والوارثيني والكرامي والشوشاوي وابن القاضي ومسعود جموع وسواهم.
نماذج من آرائه العلمية ومذاهبه الفنية في القراءة وأصولها وأحكامها:
__________
(1) - فعل ذلك في كتبه الثلاثة "الأنوار السواطع على الدرر اللوامع "، وتنبيه العطشان على مورد الظمآن، والفوائد الجميلة على الآيات الجليلة "حيث بناها على "عشرين تنبيها" في كل باب.
(2) - يمكن الرجوع إلى مقدمة تحقيق "الفوائد الجميلة للأستاذ عزوزي= إدريس- ومقدمة تحقيق "تحصيل المنافع" للأستاذ طالبون الحسن عند ذكرهما لأسلوب التأليف عند المؤلفين.(1/346)
ويمكننا من خلال كتابه وما وقفنا عليه من الإشارات إلى اختياراته وبعض آرائه ومذاهبه أن نتمثل المستوى العلمي الرفيع الذي تحقق له في هذا الطور الذي بلغت فيه المدرسة المغربية الناشئة طور اليفاعة والقوة، فمن ذلك :
1- ما زاد به على المؤلفين من صيغ في الاستعادة:
فقد ذكر ابن آجروم وأبو عبد الله الخراز تفرده بزيادة ثلاث صيغ، فقال كل منهما بعد أن ساق سبع صيغ نقلا عن ـأبي جعفر بن الباذش: وزاد شيخنا أبو عبد الله بن القصاب ثلاثة ألفاظ لم أقف عليها لغيره وهي: "أعوذ بالله المنان، من الشيطان الفتان، وأعوذ بالله وكلماته ، من الشيطان وهمزاته، و"أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم" (1).
2- ذهابه إلى تفاوت مقدار المد لقالون بين المتصل والمنفصل على خلاف مذهب الداني:
قال ابن المجراد في "إيضاح الأسرار والبدائع": فإذا قلنا بالمد ـ يعني في المنفصل لقالون ـ فهل يسوي بينه وبين المتصل أم لا؟ في ذلك خلاف، فمذهب الشيخ أبي عبد الله بن القصاب ـ رحمه الله ـ أن زيادة قالون في المنفصل أنقص منها في المتصل، نص على ذلك في "تقريب المنافع"، ومذهب الحافظ التسوية بينهما، نص على ذلك في "جامع البيان"، وهو اختيار الأستاذ الخطيب أبي محمد عبد الواحد بن أبي السداد، نص على ذلك في شرح التيسير. قال ابن المجراد: "ومقتضى ما ذكرناه قبل في مذهب ورش عن الحافظ من التفرقة بين المتصل والمنفصل يقوي ما ذهب إليه ابن القصاب رحمه الله تعالى"(2).
3- أخذه بالفصل لقالون بين الهمزتين في مثل "أ أنزل و"أ أشهدوا" بمدة:
__________
(1) - اللفظ لابن آجروم في "فرائد المعاني" من باب الاستعاذة، ونحوه في القصد النافع "للخراز، ونقله المنتوري وغيره.
(2) - إيضاح الأسرار والبدائع – عند قول ابن بري "والخلف عن قالون في المنفصل".(1/347)
قال ابن المجراد: "كان الأستاذ ابن القصاب ـ رحمه الله ـ يأخذ فيه بالفصل ويستحسنه ويرى أنه أولى ليجري الباب كله على نسق واحد"(1) .
قال العلامة مسعود جموع: وبالإدخال شاع الأخذ عندنا بفاس في "الجمع الكبير"، وعليه العمل كما أخذ به أبو عبد الله الخراز وشيخه القصاب(2)، وهو المشهور عن جماعة من شراح الدرر، ولم يحك ابن الجزري فيه إلا الفصل(3)
4- ما ذهب إليه في الاحتجاج لورش في إمالته بين اللفظين:
قال في تقريب المنافع بعد تعرضه لمذهب ورش في إيثاره التقليل في الإمالة: والحجة في ذلك أنه لم يمل لئلا يخرج الحرف عن أصله، ولم يفتح لقوة الموجب، فتوسط في ذلك(4).
5- ومن بديع كلامه في المخارج والصفات قوله في التقريب:
"والشدة من علامة قوة الحرف، فإن كان مع الشدة جهر واستعلاء وإطباق فذلك غاية القوة في الحرف، لأن كل واحد من هذه الصفات تدل على القوة، فإذا اجتمع اثنان من هذه الصفات في الحرف أو أكثر فهي في غاية القوة، كالطاء، فعلى قدر ما في الحرف من الصفات القوية كذلك قوته، وعلى قدر ما فيه من الصفات الضعيفة فكذلك، فافهم هذا لتعطي كل حرف في قراءتك حظه من القوة، ولتتحفظ في بيان الضعيف، فالجهر والشدة والصفير والإطباق والاستعلاء من علامات قوة الحرف، والهمس والرخاوة من علامات ضعف الحرف(5).
6- ومن ذلك قوله في الرد على من يدخل التاء بدل الباء في حروف القلقلة:
__________
(1) - المصدر نفسه عند ذكر الهمزتين من كلمة.
(2) - كذا في المخطوطة، والمعروف ابن القصاب.
(3) - الروض الجامع في شرح الدرر اللوامع –ذكره في باب الهمز عند ذكر "أ أشهدوا خلقهم".
(4) - نقله في الروض الجامع في باب الإمالة .
(5) -تقريب المنافع –ونقله ابن المجراد في إيضاح الأسرار والبدائع "عند قول ابن بري : "فالهمس في عشرة منها أتى".(1/348)
"والصحيح قول من يقول الباء، لما فيها من الجهر والشدة وغير ذلك من الصفات المناسبة للقلقلة، وليس في التاء صفة تناسب القلقلة، لأن الهمس والرخاوة تخالف ذلك(1).
ونكتفي بهذه النماذج في بيان إمامة الشيخ وإبراز أثره من خلال كتاب التقريب فيمن جاء بعده.
إذ لا يتسع المجال لتتبع ذلك، ولإمكان الرجوع إليه في كثير من شروح أرجوزة ابن بري وغيرها.
رجال مدرسته:
لعلنا بعد أن نبهنا في صدر ترجمتنا لابن القصاب على ضياع تفاصيل تاريخه وحياته العلمية حتى لا نجد له ولا لترجمته ذكرا في المصادر المغربية الخاصة بالأعلام، لا نطمع أيضا في التعرف على جملة من قرأ عليه بفاس من أعلام العصر وطلاب هذا الشأن، وهم ولا شك كثير، لامامته في الفن، وتصدره للإقراء، وتبريزه في القراءة والعربية معا، ولعل القارئ الكريم يستطيع تمثل المكانة التي كانت له في هذا المجال من خلال تراجم ثلاثة من الأكابر كلهم أخذ عنه وفيهم من كان اعتماده عليه كاملا، وكلهم كان إماما في عصره في أكثر من علم وفن. فمنهم:
أولا: أبو عمران موسى بن محمد بن أحمد الصلحي المرسي الشهير بابن حدادة (2) نزيل فاس.
ترجم له في جذوة الاقتباس ترجمة مختصره جدا فقال: موسى بن حدادة المرسي، نزيل فاس المحروسة، كان حيا بفاس سنة 723(3).
__________
(1) -نقله ابن المجراد في الايضاح عند قوله "والغنة الصوت الذي في الميم والنون يخرج من الخيشوم. وله نقول كثيرة عنه في المخارج والصفات من شرحه.
(2) - يظهر أنه بتخفيف الدال والحاء المهملة كما سيأتي، وقد حرف وصحف في "فهرسته ابن غازي" ص 39 بابن جرادة، والصحيح ابن حدادة كما في الفهرسة نفسها من رواية أبي جعفر البلوي في ثبته 464.
(3) - الجذوة 1/347ترجمة 370.(1/349)
وذكره أبو زكرياء السراج في مشيخة أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن عمر اللخمي فقال عطفا على شيوخه: وعن الشيخ الأستاذ المقرئ المحقق أبي عمران موسى بن محمد بن أحمد الصلحي الشهير بابن حدادة، تلا عليه الكتاب العزيز في ختمة واحدة جمعا بين قراءة الأئمة السبعة المشهورين من طريق أبي عمرو الداني وأبي محمد مكي وأبي عبد الله بن شريج وأجاز له إجازة عامة في جميع ما يحمله وما صدر عنه من تأليف (فهرسة السراج: 154-155- المجلد الأول) وذكره أبو عبد الله محمد بن محمد الحسني البوعناني الفاسي في إجازته لأبي عبد الله محمد الشرقي بن محمد ابن أبي بكر المجاطي الدلائي –كما تقدم- نقلا عن أبي عبد الله محمد بن غازي فقال:
"ومن شيوخ الشيخ أبي عبد الله محمد بن عمر المذكور الذين أخذ عنهم القرآن العظيم بالقراءات المذكورة الشيخ الجليل المحقق المجود المحدث الراوية أبو عمران موسى بن محمد بن موسى بن أحمد الصلحي (1) المرسي الشهير بابن حدادة، حدثه بالقراءات المذكورة عن الشيخ الفقيه الإمام النحوي المقرئ الحافل أبي عبد الله محمد بن أبي الحسن علي بن عبد الحق الأنصاري عرف بابن القصاب، عن شيخه الأستاذ المقرئ أبي الحجاج يوسف ابن الشيخ المقرئ أبي الحسن علي بن أبي العيش الأنصاري... ثم ساق السند كما تقدم في ترجمة ابن القصاب(2).
__________
(1) - في الإجازة المخطوطة "الطلحي بالطاء".
(2) - ص 14.(1/350)
- "والشيخ الجليل الأستاذ النحوي المحقق أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الغافقي(1)، وحدثه بالقراءات السبع عن شيخه الفقيه المقرئ المحدث الراوية أبي بكر محمد بن محمد الأنصاري البلنسي الشهير بابن مشليون(2) قراءة منه عليه لحروف الإختلاف بين القراء وتلاوة لبعض الكتاب بالقراءات المذكورة، عن شيخه القاضي أبي بكر(3) بن أحمد ابن عبد المالك بن أبي جمرة عن أبيه أحمد عن الحافظ أبي عمرو...وذكر طرقا أخرى لابن مشليون عن الداني أبي عمرو الحافظ، ثم ذكر أبو عبد الله بن عمر من شيوخ شيخه أبي عمران بن حدادة:
- الشيخ الأستاذ المقرئ المحقق أبا الحسن علي ابن الشيخ الصالح التقى الزكي الحاج أبي الربيع سليمان الأنصاري القرطبي ...وسنذكر إسناده للقراءات عنه في ترجمته بعون الله.ثم قال أبو عمران بن حدادة:
- وحدثني بها أيضا الشيخ الأستاذ المقرئ المجود أبو القاسم محمد بن عبد الرحيم المعروف بابن الطيب(4) ،أجاز لي ما تحمله عن شيوخه، منهم الشيخ الفقيه المقرئ المحقق أبو عمرو عياش بن أبي بكر الطفيلي(5) ابن محمد بن عياش عرف بابن عظيمة، تحمل عن الأستاذ أبي الحسن علي بن جابر المعروف بابن الدباج أجاز لي جميع رواياته.
__________
(1) - تقدم في أصحاب ابن أبي الربيع بسبتة.
(2) -ترجمنا له في مشيخة الاقراء بسبتة.
(3) -في المخطوطة أبي محمد والصحيح ما أثبتناه كما تقدم في أسانيد كثيرة.
(4) في المخطوطة محمد بن عبد الرحمن، والصحيح ما أثبتناه ، وهو محمد بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن الطيب أبو القاسم القيسي الضرير، وقد ترجمنا له في مشيخة الاقراء بسبتة، إنتهت إليه رئاسة الأقراء بها، وكان يحفظ التيسير والكافي، ومات في رمضان سنة 701 –ترجمته في غاية النهاية 2/171 ترجمة 3131 والذيل والتكملة 6/370.
(5) -كذا والمراد ابن الطفيل، وقد تقدم أنه أخذ القراءات عن أبيه وعن أبي الحسن شريح وترجمنا له في أصحابه.(1/351)
-ومنهم الشيخ الأستاذ المقرئ أبو مروان(1) عبد الملك بن موسى بن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري الشريشي، أجاز لي جميع ما تحمله عن شيوخه.
-ومنهم الشيخ الأستاذ العالم العلم إمام النحاة وقدوة الفراض أبو الحسين عبيد الله بن أحمد(2) ابن أبي الربيع أجاز له جميع ما تحمله عن شيوخه(3).
ومن هذه الإجازة تعرفنا على أهم أساتذة أبي عمران بن حدادة في القراءات وعلوم الرواية، وهم ـ كما تقدم فيها:
1- أبو عبد الله بن القصاب وبه بدأ.
2- أبو إسحاق الغافقي نزيل سبتة.
3- أبو الحسن بن سليمان نزيل فاس وشيخ الجماعة بها كما سيأتي.
4- أبو القاسم محمد بن عبد الرحيم بن الطيب نزيل سبتة.
5- أبو مروان الشريسي.
6- أبو الحسين بن أبي الربيع الإشبيلي نزيل سبتة، وكلهم أئمة كبار مشهورون بالتقدم في القراءة والعربية.
7- ومن أساتذته أيضا أبو جعفر بن الزبير (ت 708)، وقد اسند الشيخ ابن غازي "حرز الأماني" بالسند إليه عن ابن الزبير المذكور عن ابن شجاع الضرير(4) عن الناظم أبي القاسم الشاطبي(5).
وهذا يدل على أنه تنقل في الأمصار المغربية والأندلسية فأخذ عن كبار المتصدرين في عصره، واستوعب الطرق المقروء بها للسبعة، كما روى المتون المعتمدة في القراءة كالحرز وغيره.
صلته بابن القصاب:
__________
(1) - في الإجازة أبي عمران بن عبد .. و"الصواب ما أثبتناه من فرسه السراج، وسيأتي التعريف به في شيوخ ابن واش.
(2) -في المخطوطة أبو الحسن علي بن عبد الله، والصحيح ما أثبتناه، وقد عرفنا به في المبرزين من المشيخة بسبتة.
(3) -اجازة محمد بن محمد البوعناني لأبي عبد الله محمد الشرقي (م خ ح رقم 9977) وتاريخها أواخر رجب عام 1038.
(4) - هو صهر الشاطبي وهو علي بن شجاع. تقدم في أصحب الشاطبي. (7) فهرسه ابن غازي 39..
(5) - فهرسه ابن الغازي 39.(1/352)
والذي يهمنا منه هنا خاصة هو ما أخذه عن ابن القصاب الذي نعته صاحب الإجازة نقلا عن الأصل الذي ينقل عنه ب"الشيخ الفقيه الإمام النحوي المقرئ الحافل"، وهي تحليات لا تكال لمثل ابن القصاب جزافا، وإنما تشعرنا كما يشعرنا تقديمه على مشيخته في الذكر باختصاصه به وتخرجه عليه في القراءات وعلومها وما كان يقوم عليه من فقه وعربية وغيرها.
ولقد جاء السند عن ابن حدادة في رواية ورش خاصة عن الحافظ ابن الزبير، وذلك عند الإمام أبي زيد الجادري الذي يقول في سنده بقراءة نافع في أرجوزته "النافع في أصل حرف نافع":
حسبما أخذت عن ... شيخي الجليل المؤتمن
محمد بن عمرا ... وغيره ممن درى
عن شيخه أبي الحسن ... ابن سليمان وعن
ابن حدادة عن ... ابن الزبير المتقن(1)
وسيأتي رفع هذا السند في رواية ورش كما أثبته الإمام الجادري في أرجوزته باتصال القراءة إلى نافع بسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
والمقصود هنا التنبيه على قيمة رجال ابن حدادة، وأنه أدرك كبار المشيخة: ابن أبي الربيع (ت688) وأبا القاسم بن الطيب (ت701) وأبا جعفر ابن الزبير (ت 708)، وكلهم من الأئمة الأعلياء السند، وقد شارك فيهم بعض أساتدته كأبي اسحاق الغافقي وأبي الحسن بن سليمان وربما شارك ابن القصاب أيضا في بعضهم، لأن الغموض يكتنف أخباره ورجاله.
ومهما يكن فنحن مع ابن حدادة نقف على واحدة من أزكى ثمار هذه المدرسة في القراءة عامة وفي قراءة نافع خاصة، ولقد جاء الإسناد من طريقه عن ابن الزبير عند عامة من أسندوا هذه القراءة ممن أخذها بروايتها وطرقها العشر المشهورة "بالعشر الصغير" أو "العشر النافعية" التي تضمنها كتاب "التعريف" لأبي عمرو الداني كما نجد ذلك في إجازات المتأخرين وفهارسهم كابن غازي وابن القاضي وأبي زيد المنجرة وابن عبد السلام وغيرهم من الأعلام.
آثاره وأهميته في المدرسة المغربية:
1- فهرسته:
__________
(1) - النافع في أصل حرف نافع "للجادري سيأتي التعريف بهذه الأرجوزة وبناظمها.(1/353)
وهي التي ينقل عنها تلميذه أبو عبد الله بن عمر اللخمي كما تقدم في إجازة البوعناني في الغالب، ولا أعلم لها ذكرا في المصادر المعروفة.
2- بعض المؤلفات في القراءات:
ولم أقف لها أيضا على ذكر في كتب المتأرخين،(1) إلا أن في ذكرهم لبعض مذاهبه في الأداء ما يدل على وجودها ، وقد أشار أبو وكيل ميمون الفخار في "التحفة" إلى بعض اختياراته نقلا عنه في الغالب لأنه إنما أدرك من أدركه من الشيوخ، فقال في باب الهمز متحدثا عن مذاهب الأئمة من أهل الأداء في كيفية النطق بتسهيل الهمز:
واحذر صويت الهاء عند النطق ... وقيل لا، أو عند فتح فابق
ثلاثة للشامي(2) والداني ... وابن حدادة الرضا المرضي
ثم قال بعد تفصيل المذاهب الثلاثة:
لا بد من صوت كما في النقل ... لابن حدادة الرضى العدل(3).
وقد تعرض كثير من شراح الدرر اللوامع لهذه المذاهب الثلاثة، ومنهم أبو زيد عبد الرحمن بن القاضي وصاحبه مسعود جموع السجلماسي فقال في "الروض الجامع" عند ذكر تسهيل الهمز: "تنبيه":
__________
(1) - وقفت أخيرا بعد كتابه ما تقدم على إشارة لبعض مؤلفاته في فهرسة أبي زكرياء السراج لوحة 154-155 في ترجمة شيخه أبي عبد الله بن عمر اللخمي حيث ذكر من شيوخ شيخه المذكور أبا عمران بن حدادة ،فذكر أنه تلا عليه للسبعة ختمة بطرق أبي عمرو الداني وأبي محمد مكي وأبي عبد الله بن شريح وأجاز له اجازه عامة في جميع ما يحمله وما صدر عنه من تأليف.
(2) - يعني الإمام أبا شامة صاحب إبراز المعاني.
(3) - تحفة المنافع لميمون الفخار (مخطوطة).(1/354)
"اختلف القراء –رضوان الله عليهم- في كيفية النطق بالتسهيل، هل يجوز أن يسمع فيه صوت الهاء مطلقا كيفما تحركت الهمزة؟ وبه قال الحافظ أبو عمرو(1)، وبه الأخذ عندنا بفاس والمغرب، أم لا يجوز مطلقا، وبه قال أبو شامة والجعبري(2)، والقول الثالث لابن حدادة، فأجازه في المفتوحة خاصة دون المضمومة والمكسورة قال شيخنا مشيرا للأقوال الثلاثة:
واختلفوا في النطق بالتسهيل ... فقيل بالهاء بلا تفصيل
وقيل ممنوع على الإطلاق ... وقيل في المفتوح قط باق (3).
وإنما يهمنا هنا من هذه القضية إبراز مكانة أبي عمران بن حدادة باعتباره أحد أئمة الأداء البارزين في هذا الطور ممن كان يعتد بأقوالهم واختياراتهم في مسائل الخلاف، وحسبه نباهة ونبلا أن يذكر مذهبه في مقابلة مذهبي الحافظين أبي عمرو الداني وأبي شامة الدمشقي، ولعلنا لو أتيح لنا التعرف على بعض آثاره لوقفنا على مزيد من الأمثلة الدالة على حذقه وإمامته ومكانته وصلته الوثيقة بهذه المدرسة الأصولية التي وضع قواعدها شيخه ابن القصاب.
الفصل الثاني:
أبو عبد الله بن آجروم الصنهاجي صاحب المقدمة الآجرومية في النحو.
__________
(1) - لا أعلم للداني قولا صريحا بذلك في كتبه وسيأتي الرد على ذلك.
(2) - قول الجعبري مذكور في كنز المعاني في باب الهمزتين، وقد نقله ابن القاضي في الفجر الساطع..
(3) - البيتان لأبي زيد بن القاضي ذكرهما لنفسه في الفجر الساطع عند إيراده لهذه المسألة.(1/355)
أما ثاني علم وقفنا عليه تخرج على أبي عبد الله بن القصاب من هذا الرعيل فهو أبو عبد الله محمد بن محمد بن داود الصنهاجي ثم الفاسي الأستاذ العلامة النحوي المقرئ المشهور بابن آجروم وصاحب "المقدمة الآجِرومية" المشهورة في النحو، وعليها قامت شهرته في المشرق والمغرب"(1).
ويعتبر أبو عبد الله بن آجروم ثاني أعظم النحويين الذين أنجبتهم المدرسة المغربية بعد أبي موسى عيسى بن عبد العزيز بن يللبخت الجزولي صاحب "الكراسة" أو "القانون" في النحو كما قدمنا، ولئن كان أبو موسى الجزولي إماما في القراءات(2) مع أن أكثر من يعرفونه لا يعرفون منه إلا الجانب الذي أشهر فيه وهو النحو، فإن الأمر بالنسبة لأبي عبد الله بن آجروم لا يختلف أو يكاد، إذ قل من العارفين به من يعرف له إلى جانب فنه الذي اشتهر فيه نبوغه المتميز في القراءات، وسبب ذلك في الغالب هو ما نجده من تقصير كتب التراجم في حقه، إذ نجدها تقتصر في ترجمته على التحليات المألوفة دون أن تعتني بذكر مشايخه أو جملة مؤلفاته وآثاره.
__________
(1) - يقال لها الجرومية والآجرومية نسبة إلى ابن آجروم، وقد طارت شهرتها شرقا وغربا واعتمدها عامة أهل العربية منذ ظهورها إلى زمن قريب، وفي بعض البوادي إلى اليوم، وقد فاقت شروحها الحصر، وقد ذكر العلامة كنون أنه في زمن دراسته كان يردد النظر بين عشرة شروح لها أو تزيد فضلا عن الشرح المقرر الذي كانت به القراءة وهو شرح الشيخ خالد الأزهري (ذكريات مشاهير رجال المغرب –ابن آجروم ص 20). وطبعت الأجرومية أول طبعاتها بروما سنة 1592، وترجمت إلى اللاتينية والانجليزية والألمانية والفرنسية –ينظر في ذلك دائرة المعارف الإسلامية – ومعجم المطبوعات لإلياس سركيس.
(2) - غاية النهاية 1/611- ترجمة 3493.(1/356)
وقد نبه العلامة عبد الله كنون ـ رحمه الله ـ على هذا التقصير الذي كثيرا ما أزرى بعدد من العلماء الأجلاء وذلك في البحث الذي خصصه له في سلسلة الأعلام الذين ترجم لهم في "ذكريات مشاهير رجال المغرب"(1).
ترجمته:
ومن الطريف ـ كما تقدم في شأن ابن القصاب ـ أن الترجمة الأقرب إلى الشمول في حقه هي ترجمة متلقاه من مصادر مشرقية، فقد عرف به الإمام السيوطي في البغية نقلا عن ابن مكتوم في تذكرته فقال فيه:
محمد بن محمد الصنهاجي أبو عبد الله من أهل فاس يعرف ب"أكروم" ، نحوي مقرئ، وله معلومات من فرائض وحساب وأدب بارع، وله مصنفات وأراجيز في القراءات وغيرها، وهو مقيم بفاس يفيد أهلها من معلوماته المذكورة، والغالب عليه معرفة النحو والقراءات، وهو إلى الآن حي، وذلك في سنة تسع عشرة وسبعمائة.
ثم نقل السيوطي عن الحلاوي في شرحه للجرومية قوله: "وكان مولد مؤلف الجرومية عام 672هـ، وكانت وفاته سنة 723 في شهر صفر الخير، ودفن داخل باب
الجديد بمدينة فاس ببلاد المغرب(2).
ولقد كان من لطائف الأقدار أن كانت ولادة أبي عبد الله بن آجروم في السنة ذاتها التي توفي فيها الإمام أبو عبد الله ابن مالك صاحب الألفية المشهورة في النحو الذي توفي بالشام سنة 672، فنبه غير واحد ممن أرخ له بقوله مشيرا إلى هذا التوافق العجيب: توفي نحوي وولد نحوي(3).
أما نشأته وحياته الأولية فقد اكتنفها الغموض، فلا حديث في المصادر عنها، وكل ما ذكروه عنه وعن قبيلته ومقر سكناه أنه "كان من صنهاجة: عمل بلدة صفرو، لكنه ولد بفاس بعدوة الأندلس منها"(4).
__________
(1) - ينظر ذكريات مشاهير رجال المغرب –ابن آجروم 9-10، نشر دار الكتاب اللبناني، بيروت .
(2) - بغية الوعاة 1/238-239 ترجمة 434.
(3) - ينظر في ذلك درة الحجال 2/109 ترجمة 552- وجدوة الإقتباس 1/221-222 ترجمة 189- وذكريات مشاهير رجال المغرب –ابن آجروم- 9-10.
(4) - ذكريات مشاهير رجال المغرب –ابن آجروم 9-10.(1/357)
ولقد اعتذر العلامة كنون في بحثه عنه منبها على قلة المعلومات عنه بقوله:
"نشأ ودرس بفاس طبعا، وإن كنا لا نعرف شيئا عن نشأته ولا عن دراسته، حتى شيوخه الذين أخذ عنهم لم يذكرهم أحد، ما عدا أبا حيان النحوي صاحب التفسير الكبير المعروف ب"البحر المحيط"، فإنهم ذكروا أن المترجم أخذ عنه بمصر في طريقه إلى الحج" (1) .
وهذا يقودنا إلى القول بأن المترجم كان خفي الشأن في أغلب حياته لا يكاد يعرفه إلا طلبته ورفاقه في الدرس والتحصيل، ولعله لذلك وبسببه اقتحمته عيون الطبقة المتنفذة فلم يؤثر عنه أنه كان على صلة بالسلطان مع ما قدمنا من حفاوة معاصريه من أمراء بني مرين بالعلماء وانتدابهم للكون في صحبتهم، ولذلك نجده عاكفا على الدرس والتأليف مكتفيا في سد رمق العيش ببلغة يستفيدها لعله من تعليمه للصغار ـ شأنه شأن صاحبه أبي عبد الله الخراز كما سيأتي في ترجمته ـ ولذلك ذكر أنه "كان من مؤدبي أهل فاس(2)، وكان يسكن بعدوة الأندلس منها(3).
وعلى الرغم من هذا المستوى الذي تذكره له كتب التراجم في التحليات المجملة التي تحليه بها، فإننا لا نكاد نجد له ذكرا في غير المجال العلمي الذي كانت مؤلفاته وآثاره هي التي نبهت فيه على مقداره، ونطقت برسوخ قدمه في هذا الشأن واقتداره، ولعل هذه الشهرة جاءته متأخرة، يضاف ذلك إلى أنه لم يكد يبلغ سن النضج والعطاء حتى وافاه الأجل ولما يتخط الخمسين إلا بنحو السنة.
فإذا ضممنا إلى هذا زهده الشخصي في المنصب والجاه واختياره حياة التبتل العلمي والتفرغ للطلب والإفادة، أدركنا أي رجل كان، وأي عصامية كانت وراء ما قام له في المشرق والمغرب من شهرة وذيوع صيت، مما عبر عنه ولده أبو المكارم منديل بصدق في قوله مفتخرا بانتمائه إلى هذا البيت:
__________
(1) - نفسه 10.
(2) - عبارة ابن القاضي في درة الحجال: كان من مؤدبي أهل مدينة فاس 2/109.
(3) - جذوة الإقتباس 1/221-222.(1/358)
لم نتكل في ارتفاع الصيت قط على ... إشادة الصوت من "زيد" كما اتكلوا
ولم نبع أجر تعليم القران بما ... يفنى من السوم في الدنيا كما فعلوا(1)
مشيخته وصلته بمدرسة ابن القصاب بفاس:
وإن إماما هذا شأنه من الرسوخ في صناعة العربية والتقدم في القراءة وعلومها، والتفنن في المعارف جملة لحري أن يتعدد شيوخه، وأن يكونوا من النبل وشفوف القدر في هذا الشأن في الذروة العليا والمقام الأسنى.
إلا أننا بالنسبة للمترجم نجد كتب التراجم أولا عن آخر لا تولي لذلك اعتبارا، ولا ترفع له منارا، حتى انتهى ذلك إلى الشيخ كنون فذكر أنه "لم يذكرهم أحد ما عدا أبا حيان النحوي صاحب التفسير" يعني أنه المذكور وحده.
والحق أن الرجل لم يكن في هذا المجال نكرة من النكرات، وإنما هو ذنب التقصير في تتبع أخباره وقراءة آثاره.
وقد أتيح لي بحمد الله أن أقف على ذكر إثنين من أعلام مشيخته أحدهما من المتصدرين للقراءة والعربية بفاس والآخر من المتصدرين لإمامة الأقراء بسبتة، هذا إلى جانب أخذه في رحلته المشرقية عن أبي حيان وربما عن غيره، مما يدل على أنه قد زاحم بالمناكب في حلقات العلم ولقي أكابر الشيوخ في رحلات عدة ذهبت أخبارها بذهاب أخباره وكثير من آثاره. أما شيخه الذي أخذ عنه بفاس فهو:
1- أبو عبد الله بن القصاب:
__________
(1) - تقدمت لنا مقتطفات من هذه القصيدة عند ذكر العناية بالشاطبية في المدرسة المغربية في ترجمة الشاطبي.(1/359)
زعيم هذه المدرسة وناشر لوائها، ومن العجيب أن يفوت ذكره جميع من ترجموا له في الكتب التي في أيدي الناس قديما وحديثا، مع شدة عنايته بذكره في تأليفه الباقي "فرائد المعاني" و إيراده لمذاهبه ابتداءا من باب التعوذ حيث ذكر ما قدمنا من زيادته لثلاث من صيغ الاستعاذة صدر لذكرها ابن آجروم بقوله: "وزاد شيخنا أبو عبد الله بن القصاب ثلاثة ألفاظ لم أقف عليها لغيره...(1).
وذكر أيضا في باب الهمزتين من كلمة مذهب شيخه في الفصل لقالون بالمد في مثل أ أنزل وأ ألقي مصدرا لذكره بقوله: "وكان شيخنا أبو عبد الله محمد بن القصاب..."(2). ويمكن الرجوع إلى كتابه المذكور لتتبع نقوله وإشاراته إليه مما يدل على صلته الوثيقة به وارتسامه في أصحابه، وربما كان أستاذه في العلمين معا: القراءات والعربية، ولقد كان الظن به ـ أن يذكر في صدر شرحه المذكور على الشاطبية سنده بقراءتها أو بالقراءة بمضمونها على من قرأها عليه، ولكنه لم يفعل، واكتفى بما قدمنا عند ذكر شروح الحرز ـ بذكر بواعثه على التأليف في ذلك قائلا:
"ولم أزل منذ حفظي لها مولعا بالنظر في معانيها، مغرى بتأمل مقاصدها ومناحيها... إلى آخر ما قاله في التصدير لشرحه المذكور(3).
ومهما يكن فإننا قد وضعنا ـ بتوفيق الله ـ أيدينا على أحد شيوخه الكبار وهو أبو عبد الله بن القصاب.
2- أبو القاسم محمد بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن الطيب القيسي الضرير الخضراوي.
__________
(1) - فرائد المعاني (مخطوط)، ذكره عند قول الشاطبي: "إذا ما أردت الدهر تقرأ فاستعذ.. الأبيات.
(2) - المصدر نفسه عند قوله: "ولا مد بين الهمزتين هنا ولا بحيث ثلاث يتفقن تنزلا".
(3) - يمكن الرجوع إلى ما قدمناه في العرض الموجز الذي عرفنا به شرحه هذا ضمن شروح الشاطبية.(1/360)
-نسبة إلى الجزيرة الخضراء بالأندلس- نزيل سبتة المعروف بأبي القاسم بن الطيب الإمام الحافظ لمؤلفات الأئمة، و "علامة الغرب" كما وصفه ابن الجزري (1). وقد ترجمنا له ترجمة وافية في أصحاب أبي الحسن ابن أبي الربيع في المتصدرين المبرزين بسبتة. كما أشرنا إليه في مشيخة أبي عمران بن حدادةة عن قريب.
ومستندها فيما ذكرناه من تتلمذ ابن آجروم عليه هو ما ذكره بنفسه في كتابه المنوه به آنفا عند قول الشاطبي ـ رحمه الله ـ
سوى ياء إسرائيل أو بعد ساكن ... صحيح ك "قرءان" و"مسؤولا" "اسألا"
حيث تعرض لاستثناء ورش لياء إسراءيل من أصله في مد ما تقدم سببه من الهمز، على اختلاف بين الأئمة في مقدار ذلك، واختلافهم أيضا في استثناء لفظ "إسراءيل"، وقد نقل الإمام ابن المجراد عبارة ابن آجروم بعد أن تعرض للخلاف فيه بين الداني ومكي وابن شريح فقال:
"وهذا الحكم المذكور إنما هو في الوصل، وأما في الوقف فقال ابن آجروم في "فرائد المعاني":
"لا يجوز فيه إلا الطبيعي كما في الوصل، لأنه إنما ترك مد الياء في الوصل خوفا من أن يجمع في كلمة واحدة بين مدتين مع كونه أعجميا، وهذا بعينه موجود في الوقف ـ قال ـ: وقد سألت عن ذلك شيخنا أبا القاسم بن الطيب الضرير فقال ما هذا نصه...(2). فهذا النص القيم عند ابن آجروم يضع أيدينا على أستاذ آخر من أساتذته الكبار الذين تخرج عليهم في القراءات وأصول أدائها وأقوال الأئمة في الاحتجاج لها وتوجيهها، ولا نستبعد أن تكون لابن آجروم رواية عن غير أبي القاسم من المتصدرين المبرزين بسبتة في زمن تصدره ممن عرفنا بهم في مشيخه الإقراء بسبتة كابن أبي الربيع وأصحابه.
__________
(1) - غاية النهاية 2/171 ترجمة 3131..
(2) - تقدم نقل هذا النص مع قول أبي القاسم ابن الطيب في عدد سابق من هذا البحث ويمكن الرجوع إليه.(1/361)
3- وأما ثالث من عرفنا من أساتذته فهو الإمام محمد بن يوسف بن علي أبو حيان الغرناطي النفزي أثير الدين (654-745) نزيل القاهرة.
عني كثير ممن رحل إلى الحج من المغاربة والأندلسيين بالأخذ عنه بين قراءة وسماع وإجازة، منهم الوادي آشي صاحب "البرنامج"(1) والشيخ خالد البلوي الذي قرأ عليه بعض القرءان بالسبع، وبقراءة يعقوب(2)، وأبو عبد الله بن آجروم الذي لقيه بالقاهرة وسمع منه وأجازه في جميع مروياته ومؤلفاته(3)، ثم ابنه أبو المكارم محمد بن محمد المدعو بمنديل الذي أجاز له أبو حيان أيضا إجارة عامه في جميع تآليفه"(4).
مؤلفاته وآثاره:
وعلى الرغم من كونه اعتبط وهو ما يزال في مقتبل العمر، فإنه ترك من الآثار القيمة في كل من القراءة والعربية ما لم يتركه المعمرون، سواء من حيث القيمة العلمية والعمق في المادة، أم من حيث التنوع والكم، مما يدل على خصب في القريحة ونبوغ خاص قل أن يوجد مثله في مثل السن التي ألف فيها، هذا إلى جانب انقطاعه للتأديب والتدريس وتعدد مجالات نشاطه كما وصفه أبو الوليد إسماعيل ابن الأحمر في ترجمة ولده منديل المذكور في قوله:
"وأبوه أبو عبد الله محمد كان فقيها متقنا، أستاذا نحويا لغويا، مقرئا، شاعرا، بصيرا بالقراءات، ولم يكن في أهل فاس في وقته أعرف منه بالنحو"(5).
__________
(1) - برنامج الوادي آشي 74-76.
(2) - ينظر في ذلك ديوان رحلته "تاج المفرق في تحلية علماء المشرق" 1/227-230.
(3) - تقدمت الإشارة إلى ذلك.
(4) - ترجمته في فهرسة السراج وهو من تلاميذه ، وقد ذكر أنه رحل لأداء فريضة الحج سنة 741- فهرسة السراج مجلد1 لوحة 313. – وله ترجمة في نيل الابتهاج 347 وشجرة النور الزكية وجذوة الاقتباس 1/233-234.
(5) - نثير الجمان لابن الأحمر المنشور باسم "أعلام المغرب والأندلس في القرن الثامن" 416-417.(1/362)
فرجل هذا شأنه وفي مثل السن التي توفي فيها لا ينتظر أن تكثر مؤلفاته، ولا أن تكون في مثل كتبه من العمق وغزارة المادة وسعة الأفق مع تعدد الفنون والمجالات، وقد تتبعت في المصادر أسماء مؤلفاته في القراءات بصفة خاصة فوقفت على ذكر أسماء المصنفات التالية ما بين منظوم ومنثور:
1- جزه المشهور المسمى ب "البارع في قراءة نافع" وسيأتي ذكره بتمامه بعد أن وفق الله للعثور عليه.
2- رجزه الآنف الذكر الذي نظم فيه كتاب "التيسير" لأبي عمرو الداني وسماه "التبصير في نظم التيسير"
وهو من آثاره المفقودة منذ زمان، وقد تقدم ذكره فيما قام على "التيسير" من نشاط علمي وكذا في معارضات "حرز الأماني" للشاطبي، ولم أقف بعد البحث الطويل من هذا الرجز إلا على قوله فيه في باب الزوائد :
وفي التلاقي والتنادي الخافعن ابن مينا، والصحيح الحذف
ذكره له معزوا إلى الرجز المذكور كل من المنتوري وابن القاضي في باب الزوائد من شرحيهما على درر ابن بري.
3- كتاب "روض المنافع"، ولعل تمامه في "قراءة نافع" كما تدل عليه النقول عنه.
وهو تأليف نثري أكثر من النقل منه المنتوري في شرحه على ابن بري ابتداء من مقدمته عند ذكر بيان معنى الحمد، ثم في باب ميم الجمع في ذكر اللغات الواردة فيها بالضم والصلة والإسكان، ثم في باب المد والإمالة والراءات وغيرها.
4- كتاب فرائد المعاني في شرح حرز الأماني، وبعضهم يسميه "فوائد" بالواو والصواب الأول كما في مخطوطته الباقية بخط مؤلفه بالخزانة العامة بالرباط(1). وهو من الشروح المغربية النفيسة على الشاطبية ومن مفاخر المكتبة المغربية وقد وجدت طلبة الدراسات الإسلامية يتهيبون الإقدام على تحقيقه حتى الآن.
5- أرجوزة في ألفات الوصل، أولها قوله:
يا سائلا عن ألفات الوصل ... في الحرف أو في الاسم أو في الفعل
__________
(1) - يمكن الرجوع إلى مخطوطته المذكورة بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم 146ق (مجلدان) وقد عرفنا به في شروح الحرز.(1/363)
وهي في ثلاثة عشر بيتا(1).
هذه هي جملة ما تأتى لنا الوقوف عليه من آثار ابن آجروم في القراءة وعلومها.
ولا شك أن هذه الآثار كافية عندنا وحرية بأن تضعه في مكانته العلمية بين رجال هذا الرعيل من رواد المدرسة الأصولية المغربية في قراءة نافع في عهد ريعانها وباكورة شبابها، وخاصة منها شرحه النفيس على حرز الأماني الذي عل منه ونهل عدد كبير من أئمة القراءات بالمغرب، وخاصة رجال المدرسة الفاسية كالخراز في شرح ابن بري، وابن المجراد في شرحه أيضا، وابن شعيب في كتابه "إتقان الصنعة في التجويد للسبعة"(2) وسواهم كثير.
ويهمنا من تراث أبي عبد الله بن آجروم هنا أن نعرف بأرجوزته السائرة المسماة ب"البارع" لأنه بها من جهة السَّبْق مثل الريادة المطلقة في هذا المضمار بالنظم في قراءة نافع في هاتين الروايتين، رواية ورش ورواية قالون، من بين رجال المدرسة المغربية لهذا العهد، وكان نظمه لأرجوزته المذكورة قبل انتهاء المائة السابعة بنحو أربع سنوات أي سنة 696 هـ أي قبل نظم أبي الحسن بن بري للدرر اللوامع بسنة واحدة أو نحوها كما سيأتي في موضعه من هذه السلسلة بعون الله.
الفصل الثالث:
أرجوزته "البارع في قراءة نافع" في نصها الكامل.
__________
(1) - وقفت عليها مخطوطة بخزانة أوقاف آسفي العتيقة في مجموع كان محبسا على المسجد الأعظم بها.
(2) - كان الكتاب موضوع دراسة وتحقيق لصديقنا الأستاذ حسن صدقي من مدينة اليوسفية في رسالة دبلوم بإشراف أستاذنا الدكتور التهامي الراجي الهاشمي في مجلدين.(1/364)
طلبت هذه الأرجوزة نحو الخمسة عشر عاما أي منذ أن بدأت أحضر أول بحوثي في ميدان القراءات، فلم أدع خزانة قدرت على البحث فيها أو استفسار أصحابها أو الكتابة إليهم إلا فاتحتهم في ذلك، ولم أدخر وسعا أيضا في سؤال من آنست عندهم شيئا من الاطلاع على المخطوطات إلا سألتهم عن خبرها وما يعلمونه عنها فلم أحظ إلا بمعلومات زهيدة جدا لا تنقع غليلا، ولا تشفي عليلا، وأكثر من وجدت عندهم علما بها كانوا يحيلونني على بضعة أبيات ذكرها ابن القاضي وغيره منها في ترجمة نافع من شرحه على ابن بري مصدرة بقوله "روى القراءة أو رؤيم... إلخ. وكنت وقفت على ذكر وجود قطعة من "البارع" في مجموع محفوظ بالخزانة العامة بتطوان(1)
__________
(1) - هي الأبيات التي نقلتها في ترجمة نافع في العدد الأول ص 234 من هذا البحث وهي مسجلة بالخزانة العامة بتطوان تحت رقم 148 في مجموع ضمن الصفحة رقم 210 منه وبعدها ثلاثة أبيات من المنبهة لأبي عمرو الداني..(1/365)
فإذا بها الأبيات نفسها المذكورة في شرح ابن القاضي دون زيادة، مما كاد يقطع أملي في الوقوف عليها، ثم تجدد هذا الأمل حين رجعت إلى السلسلة التي ألفها الشيخ العلامة عبد الله كنون ـ رحمه الله ـ في "ذكريات مشاهير رجال المغرب" فإذا بي أجده في العدد 24 الذي خص ابن آجروم به يذكر هذه الأرجوزة في مؤلفاته فيورد تاريخ فراغ الناظم منها ثم يسوق خمسة أبيات من أولها مما يقطع بأنه وقف عليها في نصها الكامل، لأن التاريخ المتعلق بنظمها إنما أورده الناظم في آخرها، فتبين لي أن الشيخ قد وقف منها على أصل كنت على أمل أن أتصل به في شأنه فتوفي قبل تمكني من ذلك فضاع مني آخر خيوط الأمل، ثم مضى على ذلك نحو خمس سنوات، وإذا ببعض أصدقائي الذين طالما شكوت إليهم بثي في شأن الأرجوزة يفاجئني بها مصورة عن أصل مخطوط بالخزانة الصبيحية بسلا في مجموع بها يحمل رقم 306، وليس للأرجوزة في المخطوط عنوان بارز ولا شيء يرشد إلى موضوعها أو يعرف بصاحبها، إلا ما يفهمه القارئ المتعجل من مطالعها من تسمية ناظمها لنفسه بما زاد في إبهامها لدى غير الباحث المتخصص، وهنا حمدت الله حمدا كثيرا على هذا الفتح الجديد، وذكرت قول الشاطبي رحمه الله في عقيلته مدافعا عن الإمام مالك في قوله عن مصحف عثمان: إنه ضاع:
"إذ لم يقل مالك لاحت مهالكه ... ما لا يفوت فيرجى طال أو قصرا(1)
وهذا نص أرجوزة "البارع" أثبته اعتمادا على هذه النسخة التي كنت عند إنجاز البحث لا أعلم لها ثانية في الخزائن الرسمية ولا غيرها:
يقول من عفو الإله راجي ... وعونه محمد الصنهاجي
الله نحمد الذي هدانا ... ومن أن علمنا القرآنا
وخصنا بأكرم البريئة ... محمد وخاتم النبوءة
صلى عليه الله من رسول ... وصحبه طرا ذوي التفضيل
__________
(1) - عقيلة أتراب القصائد لأبي القاسم الشاطبي رقم البيت 42.(1/366)
وبعد فالقصد بهذا الرجز ... مقرأ نافع بلفظ موجز(1)
ورش وقالون على طريق ... عثمان الداني ذي التحقيق
روى القراءة أبو رويم ... عن جلة وهم خيار قوم
يزيد للقحقاع جاء ينسب ... والهذلي مسلم بن جندب
وعابد الرحمن نجل هرمز ... وابن نصاح شيبة فميز
وعن يزيد وهو قل يعزى إلى ... رومان عنهم أجمعين نقلا
رواهم الحبر أبو هريرة ... مع ابن عباس بخير سيرة
ونجل عياشك عن أبي ... سليل كعبهم عن النبي
فإن ذكرت دون راو حكما ... فنافعا أعني به إذ عما
وسوف أستغني بلفظ القاري ... وخلفه رغبة الاختصار
والله حسبي وعليه المتكل ... في كل ما أروم قول أو عمل
باب التعوذ
عوذ بما في النحل عند الابتداء ... جهرا، وإن نزهت كنت مرشدا
باب البسملة
بسمل لعيسى عند وصل السور ... واترك لدى براءة عن عذر
واترك ليوسف وقوم خيرة ... يرونها في الأربع المشهورة
إلا براءة في الابتداء ... بسمل، وخير أول الأجزاء
إن وصلت بآخر لا تقفا ... وصل لورش، أو بسكت خففا
باب ميم الجميع
صلة ميم الجمع مع ضمير ... وضمها لساكن أخير
وقبل همز القطع ورش وصلا ... والخلف عن عيسى بتحريك جلا
باب هاء الضمير
لا تصلن هاء الضمير قبل ما ... يسكن أو من بعد أن تقدَّما
واقصر لعيسى هاء فعل يجزم ... أَرْجهْ يؤده ألقه إليهم
نُصْلِهْ نُوَلَّهْ يَتَّقِهْ ونُوتِهْ ... والخلف في طه لدى من ياته
ونافع يرضه، وصل أن لم يره ... عنه وفي الزلزال صل حرفي يره
باب المد والقصر
__________
(1) - هنا انتهى ما ذكره الشيخ كنون منها، وقد علمت أخيرا بوجود أرجوزة ابن آجروم مخطوطة في مجموع ضمن ما تحتويه خزانة الشيخ كنون رحمه الله، وقد جعلت الخزانة أخيرا في متناول القراء والرواد بمدينة طنجة شكر الله للشيخ هذه المبرة والمأثرة الجليلة وتغمده برحمته الواسعة. ثم صدر مؤخرا فهرس خزانة عبد الله كنون بنشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالرباط وفيه جاء ذكر وجود أرجوزة البارع فيها تحت رقم 10503 بعنوان منظومة في القراءات للعلامة ابن آجروم (فهرسة مخطوطات مكتبة عبد الله كنون: 312).(1/367)
والمد في الواو وفي اليا والألف ... إن أسكنا ميتا، وهمزقد
من بعدها زيد أو السكون ... ومع سكون الوقف إذ يكون
وإن تنسا فاقصر ووسطه وما ... قدم فيه الهمز مد كيفما
كذا لورش واقصرن ءالانا ... ونحو خطئا أو لهمز كانا
وصلا وإسراءيل، عادا الاولى ... كيف يواخذ، وفي مسئولا
واقصر وزد قبل سكون أشكلا ... وذان عن عيسى لهمز فصلا
ومد ورش ثم مثل سوءة ... زاد ووسط، ويا كهيئة
وعنهما عين وعند الوقف ... خلف، وهذان كنحو خوف
وموئلا فاقصره والموءودة ... وخلف سوءات لورش يثبت
باب الهمزتين من كلمة
في كلمة إحداهما قد سهلت ... وذات فتح منهما قد أبدلت
بمصر، والفصل لعيسى يوجد ... بألف، والخلف في أأشهدوا
ءامنتم ءالهة لا خبرا ... ثانيهما سهل، وأبدل آخرا
إبدال همز الوصل بين لام ... أجدر قل وهمز الاستفهام
وليس في هذا ولا أئمة ... فصل، ولا في ما ثلاث عمه
وليس في أخراهما إن أسكنت ... خلف كأوتوا، بل لكل أبدلت
باب الهمزتين من كلمتين
وأسقط الأولى إذا ما اتفقا ... بالفتح في كلمتين نسقا(1)
عيسى، وإن ضما وكسرا عادا ... سهل وللنبي إن أرادا
والسوء إلا، والنبيء إلا ... يبدل، والإدغام بعد وصلا
وبين بين ورشهم في الأخرى ... وغير آل أبدلت بعصرا
وهؤلاء إن على البغاء ... بالياء مكسورا لدى الأداء
وثاني المختلفين سهلا ... إن تفتح الأولى، وإلا أبدلا
واقصر ومد قبل همز غيرا ... وحقق الكل لوقف إذ نرى
باب الهمزة المفردة
أبدل لورش همزة في الفاء(2) ... تسكن غير جملة الإيواء
وواوا إن فتحت بعد الضم ... والذيب بير عنه مع ذي الذم(3)
__________
(1) - في المخطوطة إصلاح بإلحاق ألف التثنية بآخر "أسقط"، وهو غلط والصحيح دون ألف وفاعله "عيسى" يعني: قالون، وهو الذي يسقط الأولى من المتفقتين بالفتح في كلمتين، ولا يدخل معه ورش.
(2) - في الأصل همزة في الياء، وهو تحريف من النساخ، وإنما الصواب "الفاء" أي فاء الكلمة نحو يأكل ويأمر وقاسوا، وتأسوا بسورة، وثم أبلغه مأمنه، ويا أبت استأجره
(3) - في الأصل "ذي اللزم".(1/368)
بيس، وفي الأعراف بيس عنهما ... وأبدلن رءيا لعيسى مدغما
باب نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها
وحرك الإسكان يأتي طرفا ... ورش بشكل الهمز ثم حذفا
والخلف في كتابيه وعنهما ... ءالان الاولى بعد عاد مدغما
وواو الاولى همزه إذ ينقل ... بدءا ووصلا نجل مينا الأبجل
باب الإظهار والإدغام
وساكن المثلين صح أولا ... أدغم، وخلف ماليه قد انجلى
وذال إذ أدغمه عند الظاء ... عن نافع، ودال قد في التاء
وورشهم في الضاد والظا أعجما ... وعنه تاء الفعل في الظا مثلما
والكل عند الدال ثم الطاء ... ولام هل وبل بحرف الراء
فصل
أورثتم لبثت ثم عدت ... نخسف يرد ثواب مع نبذت
وباب تعجب مع صاد ذكر ... أظهر وذال الأخذ أدغم وادر
يلهث لعيسى مدغم وبا اركب ... بعض وكل عنه با يعذب
باب النون الساكنة والتنوين
ادغم برل النون دون غنة ... و"يوم" ابق، ولتبن بكلمة
واحرف الحلق، وعند الباء ... تقلب ميما عن أولي الأداء
وأخف للباقي، وقل ياسينا ... عيسى بإظهار كذاك نونا
وخلف ورش فيه والتبيين ... أولى، وقيس مثلها التنوين
باب الفتح والأمالة وبين اللفظين
وإن قلبت ألفا عن ياء ... قلل لدى الأفعال والأسماء
وألف التأنيث ثم أنى ... مستفهما، بلى متى قد عنا
ولا خلاف بعد حرف الراء ... لكن أراكهم بخلف جاء
وفي رؤوس الآي بعدها ها ... خلف كسقياها ومنتهاها
وإن جررت الراء من بعد الألف ... كالدار قلل إن وصلت أو تقف
والكافرين ثم كافرينا ... والخلف في الجار وجبارينا
وحا لدى حاميم ثم الراء ... كالرعد والحجر وكل جاء
لورشهم، وهاويا بكاف ... عنه، وعيسى ثم عن خلاف
توراته، ومحض هار يعرف ... ومحض هاطه لورش أعرف
باب الراءات
رقف لورش مع سكون الياء ... والكسر لازمين حرف الراء
ولا يرفقان إن تأخرا ... لا بالذي من قبل "كالقصر"(1) سرى
والخلف في را قرية ومريما ... والرء، والداني كلا فخما
وإن محركا أو استعلاء ... حال وإن أخر إلا الخاء
فخم، وحيث كررت والاعجم ... وباب ذكرا، والخلاف في إرم
__________
(1) - يعني قوله تعالى "بشرر كالقصر" في سورة المرسلات.(1/369)
ولا خلاف في التي قد سكنت ... من بعد كسر أو به قد حركت
كذلك الوقف بإثر الكسر ... واليا وما أملته في الذكر
والوقف مثل الوصل والتفخيم ... في غير هذا أصله مقيم
باب اللامات
وفتح لام فخم إثر الطاء ... عن ورشهم والصاد قل والظاء
يفتح أو يسكن قل والوجهان ... في نحو طال أو وقوف الإسكان
وفي ذوات الياء فخمها جمع ... إلا الفواصل لتأتي في تبع
واللام في اسم الله في التعظيم ... كل لغير الكسر بالتفخيم
باب الروم والأشمام
أشمم ورم ضما ورفعا وقفا ... والروم في كسر وجر عرفا
والفتح والنصب وميم الجمع ... وهاء تأنيث فخذ بالمنع
وعارض الشكل وهاء المضمر ... إن ضم حرف قبلها أو يكسر
أو واو أو ياء وبعض الناس ... أجراهما فيها على القياس
ولتتبع المرسوم إن وقفتا ... ولا تخالف ما به وجدتا
باب ياءات الإضافة
أسكن من الياءات عن قالونا ... تسعا، فهاك عدها يقينا
وليومنوا بي، ثم بين إخوتي ... ثم ولي فيها، معي في الظلة
وياء أوزعني معا وتومنوا ... لي، ثم خلف فصلت قد بينوا
وياء محياي وعن عثمان ... في هذه ـ فديتك ـ الوجهان
وما عدا هذا الذي ذكرنا ... إنك قد تدريه حيث يغنى
باب الزوائد
خمسون ياء غير ياء ثبتت ... وصلا زوائد لحذف سميت
بآل عمران من اتعني ... وهود يوم يأتي إن أخرتني
والمهتدي لا أولا يهديني ... وفي هنا نبغي وأن يوتيني
أتاني الله وأن تعلمن ... وأتمدونني مع تتبعن
أولى الجواري الداعي ذات الجر ... بالحرف والمنادي ثم يسري
أكرمني أهانني، والخلف ... في ثنثي الطول لعيسى عرف
ورش بهود تسألني الداعي ... معا وعيدي وبقاف ذاع(1)
يكذبوني قال، ثم البادي ... معه دعاني فاسمع في الرشاد
أولى دعائي أربع نكيري ... ترديني كالجوابي مع نذيري
نذري ست ينقذون ترجمون ... بالوادي في الفجر وقل فاعتزلون
وزد لعيسى اتبعون غافر ... وإن ترن، واشكر لرب غافر
باب فرش الحروف
وهاهو الإسكان ثم هاهيا ... للام عن عيسى والمفا وليا
والواو ثم هو، وراء قربة ... وبا بيوت والبيوت كسرة
أخف يخصمون مع نعما ... عنه يهدي لا تعدوا حتما
__________
(1) - فعل أمر من وق.(1/370)
قرا لئلا ورشهم بالياء ... كذا النسي مدغما واللائي
كاليا وقف باليا له وأسكنا ... لام ليقضوا ليقطع أو ءاباؤنا
وليتمتعوا كذا وأخبر ... ما كُرِّر استفهامه بآخر
في العنكبوت اعكس ونمل وأهب ... بالبا وقالون بهمز استحب
سيئت وسيء اقرأه بالإشمام ... وأخف تامنا وفي استفهام
رأيت مع ها أنتم قد سهلا ... وكم خليلي لورش أبدلا
والهاء من همز بذاك مبدلة ... أو هاء تنبيه فهاك مسألة
وهذه جامعة المنافع ... لأجل ذا سيمتها بالبارع
أكملتها في رمضان الأعظم ... عشرين منه ذي المعاد الأكرم
سنة ست معها ستمائة ... ثمت تسعين بخير منبئة
فالحمد لله العظيم الطول ... أهل الثناء وهو أهل الفضل
وبعد صلى الله ربي سرمدا ... على النبي الهاشمي أحمدا
هذه أرجوزة "البارع" لابي عبد الله بن آجروم الصنهاجي، وتقع في 122 بيتا(1)، وقد استوفى فيها جملة مسائل الخلاف بين ورش وقالون عن نافع أصولا وفرشا، ممهدا بذلك الطريق لكل من نظم بعده في هاتين الروايتين شأن الرواد في سائر العلوم والفنون، كل هذا مع تمام الإيجاز وحسن السبك والاختصار.
أصحابه:
وقد اشتهر ابن آجروم رحمه الله بعلم النحو أكثر من شهرته بعلم القراءات، ولذلك لم نر كبير فائدة في التعريف بأصحابه الذين وقفت على أسماء جملة منهم، ومن أهمهم ولده أبو المكارم محمد منديل (ت 772)(2)، وابنه الثاني عبد الله الذي ألف مقدمته "الأجرومية في النحو" برسمه(3)، وأبو عبد الله الخراز التالي، وأبو محمد بن مسلم شارح الدرر اللوامع الآتي، وأبو محمد الوانغيلي الضرير(4) وأبو عبد الله بن عمر اللخمي الآتي وسواهم كثير.
__________
(1) - جاء في فهرسة مخطوطات خزانة عبد الله كنون ص 312 أن أبيات البارع 125.
(2) - كان ابنه منديل هذا من قراء عصره وأدبائهم وله إجازة من أبي حيان كأبيه.
(3) - السلوة 2/113.
(4) - ترجمته في السلوة 2/113 وجذوة الاقتباس 2/224 ترجمة 446.(1/371)
وعلى العموم فقد رأينا في أبي عبد الله بن آجروم نموذجا طيبا يعتبر من ثمرات مدرسة ابن القصاب، ونحن بعده على موعد مع نموذج ثان في مجال آخر من مجالات الحذق والتبريز في قراءة نافع في هذه المدرسة هو مجال الرسم والضبط.
فهرس المصادر والمراجع المعتمدة في البحث
العدد السابع عشر
( إبراز المعاني من حرز الأماني للحافظ أبي شامة المقدسي (شرح الشاطبية) تحقيق إبراهيم عطوة الطبعة 2 ـ مصر: 1402هـ ـ 1982م.
( إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس لعبد الرحمن بن زيدان ـ الدار البيضاء الطبعة 2: 1410هـ ـ 1990م.
( إتقان الصنعة في التجويد لسبعة لأبي العباس أحمد بن شعيب المالقي نزيل فاس ـ نسخة مرقونة بالآلة بتحقيق ذ. صدقي حسن أحرز بها على دبلوم الدراسات العليا من كلية الآداب بالرباط.
( إجازة البوعناني لتلميذه أبي عبد الله الشرقي مخطوطة الخزانة الحسنية بالرباط رقم 9977.
( أزهار الرياض في أخبار عياض لأبي العباس المقري التلمساني نشر اللجنة المشتركة بين المملكة المغربية ودولة الإمارات العربية ـ الرباط 1398هـ - 1978م.
( الأنوار السواطع على الدرر اللوامع (شرح أرجوزة ابن بري في قراءة نافع) لحسين بن علي بن طلحة الشوشاوي (مخطوط).
( إيضاح الأسرار والبدائع، وتهذيب الغرر والمنافع في شرح الدرر اللوامع (شرح ابن بري) للإمام محمد بن محمد بن المجراد الفنزاري السلاوي (مخطوط).
( البارع في قراءة الإمام نافع (أرجوزة) لأبي عبد الله محمد بن داود الصنهاجي المعروف بابن آجروم ـ مخطوط بالخزانة الصبيحية بسلا رقم 306.
( برنامج محمد بن جابر الوادي آشي تحقيق محمد محفوظ ـ نشر دار الغرب الإسلامي ط 2: 1981م.
( برنامج أبي عبد الله محمد المجاري الأندلسي تحقيق محمد أبو الأجفان ـ دار الغرب الإسلامي ط 1: 1982م.
( بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة للإمام السيوطي تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم.
((1/372)
تاج المفرق في تحلية علماء المشرق للشيخ خالد البلوي تحقيق الحسن السائح طبع اللجنة المشتركة بين المملكة المغربية ودولة الإمارات العربية.
( تاريخ ابن خلدون ـ الطبعة المصرية بالقاهرة: 1391هـ ـ 1971م.
( تحصيل المنافع في شرح الدرر اللوامع لأبي زكريا يحيى بن سعيد الكرامي السوسي (المجلد الأول) مقدمة التحقيق للفقيه الحسن طالبون المسفيوي المراكشي (نسخة مرقونة).
( تحفة المنافع في نظم قراءة الإمام نافع لأبي وكيل ميمون بن مساعد المصمودي (مخطوطة خاصة).
( التعريف بابن خلدون له بتحقيق ذ. محمد بن تاويت: 1370هـ ـ 1951م.
( تقريب المنافع في قراءة الإمام نافع للإمام أبي عبد الله بن القصاب الأنصاري مخطوط بالخزانة الحسنية بالرباط رقم 12243 حرف زي.
( التكملة لكتاب الصلة لابن الأبار القضاعي نشر مكتبة الخانجي بمصر والمثنى ببغداد: 1375هـ 1955م.
( تكميل المنافع في الطرق العشرية المروية عن نافع لمحمد بن محمد بن أحمد الرحماني الحشادي مخطوط بالخزانة الحسنية بالرباط رقم 8864.
( تنبيه العطشان على مورد الظمآن (شرح أرجوزة الخراز في رسم المصحف) لحسين بن علي ابن طلحة الشوشاوي (مخطوط).
( التيسير في القراءات السبع لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني الأندلسي نشر دار الكتاب العربي ط 2: 1404هـ - 1984م.
( ثبت أبي جعفر أحمد بن علي البلوي الوادي آشي تحقيق الدكتور عبد الله العمراني نشر دار الغرب الإسلامي ط 1: 1303هـ - 1983م.
( جذوة الاقتباس في ذكر من حل من الأعلام مدينة فاس لأبي العباس أحمد بن القاضي المكناسي نشر دار المنصور ـ الرباط ط 1: 1974م.
( دائرة المعارف الإسلامية.
( ذكريات مشاهير رجال المغرب ـ ابن آجروم ـ للعلامة عبد الله كنون نشر دار الكتاب اللبناني ـ بيروت.
( الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة لمحمد بن محمد بن عبد الملك المراكشي تحقيق الدكتور إحسان عباس والدكتور محمد بن شريفة ـ نشر دار الثقافة بيروت ـ لبنان.
((1/373)
ذيل ابن مكتوم على معرفة القراء الكبار للذهبي بآخر المجلد الثاني من معرفة القراء تحقيق محمد سيد جاد الحق نشر دار الكتب الحديثة ط 1 ـ ميدان عابدين ـ مصر.
( رقم الحلل في تاريخ الدول لابن الخطيب ـ أرجوزة في 1123 بيتا مزدوجا ـ مخطوط بالخزانة العامة بالرباط رقم 1299.
( الروض الجامع في شرح الدرر اللوامع لمسعود بن محمد جموع السجلماسي (مخطوط).
( الروض الهتون في أخبار مكناسية الزيتون لمحمد بن غازي المكناسي تحقيق عبد الوهاب بن منصور نشر المطبعة الملكية بالرباط: 1408هـ ـ 1988م.
( روض القرطاس (الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس لعلي بن أبي زرع الفاسي ـ نشر دار المنصور للطباعة ـ الرباط: 1373م.
( الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى لأحمد بن خالد الناصري تحقيق ولديه جعفر الناصري ومحمد الناصري نشر دار الكتاب ـ الدار البيضاء: 1956م.
( سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس لجعفر بن محمد الكتاني الفاسي طبعة حجرية بفاس دون تاريخ.
( سلسلة قراءة الإمام نافع عند المغاربة للمؤلف ـ الأعداد السابقة.
( شجرة النور الزكية لمحمد بن محمد بن مخلوف التونسي ـ نشر دار الكتاب العربي ـ لبنان.
( شرح الدرر اللوامع لمحمد بن عبد الملك المنتوري الأندلسي مخطوط الخزانة العامة رقم 519 كـ الرباط.
( شرح الدرر اللوامع (الفجر الساطع والضياء اللامع) لأبي زيد عبد الرحمن بن القاضي (مخطوط).
( صبح الأعشى في صناعة الإنشا لأحمد بن علي التقلقشندي شرح وتعليق محمد حسين شمس الدين ـ طبعة دار الفكر. ط 1: 1397هـ ـ1978م.
( عقيلة أتراب القصائد في أسنى المقاصد لأبي القاسم الشاطبي في رسم المصحف الشريف ضمن مجموع إتحاف البررة بالمتون العشرة تصحيح الشيخ علي الضبّاع مطبعة مصطفى محمد بمصر.
( غاية النهاية في طبقات القراء للإمام ابن الجزري نشر دار الكتب العلمية ط.2: 1400-1980م.
((1/374)
فهرسة خزانة القرويين لمحمد العابد الفاسي (ثلاثة أجزاء) ط 1: 1403هـ ـ 1983م.
( فهرسة ابن غازي تحقيق محمد الزاهي مطبوعات دار المغرب ـ الدار البيضاء: 1399هـ ـ 1979م.
( فهرسة الإمام محمد بن عبد الملك المنتوري القيسي مخطوطة الخزانة الحسنية بالرباط رقم 1578.
( فهرسة أبي زكريا يحيى السراج ـ المجلد الأول ـ الخزانة الحسنية بالرباط رقم 10929
( الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي لمحمد الحجوي الثعالبي ـ المكتبة العلمية بالمدينة المنورة ط 1: 1396هـ.
( فرائد المعاني شرح حرز الأماني (شرح الشاطبية) لأبي عبد الله محمد بن الصنهاجي المعروف بابن آجروم النحوي ـ مخطوط بالخزانة العامة بالرباط رقم 146ق.
( الفوائد الجميلة على الآيات الجليلة لحسين بن علي بن طلحة الرجراجي الشوشاوي تحقيق عزوزي إدريس نشر وزارة الأوقاف المغربية ـ الرباط 1409هـ ـ 1989م.
( القصد النافع في شرح الدرر اللوامع لأبي عبد الله محمد بن إبراهيم الخراز الشريشي الأندلسي مخطوط بالخزانة الحسنية بالرباط رقم 3719.
( كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لجاحي خليفة نشر مكتبة المثنى ببغداد ـ العراق.
( كنز المعاني شرح حرز الأماني للإمام إبراهيم بن عمر الجعيري (مخطوط خاص).
( اللآلئ الفريدة في شرح القصيدة (شرح الشاطبية) لمحمد بن الحسن الفاسي (مصورة عن مخطوطة).
( المسند الصحيح الحسن في مآثر ومحاسن مولانا أبي الحسن لابن مرزوق التلمساني تحقيق ماريا خيسوس بيغيرا ـ الجزائر 1981م.
( مسالك الأبصار في ممالك الأمصار لأحمد بن يحيى بن فضل الله العمري ـ قسم منه بتحقيق الدكتور مصطفى أبو ضيف أحمد ط 1: 1409هـ ـ 1988م.
( معجم المطبوعات لإلياس سركيس.
( معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار للإمام الذهبي تحقيق محمد سيد جاد الحق نشر دار الكتب الحديثة ط1: ميدان عابدين ـ مصر.
((1/375)
النافع في قراءة نافع (أرجوزة لأبي زيد عبد الرحمن بن عطية الجادري) (مصورة في أصل في مكتبة خاصة).
( نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني لمحمد بن الطيب القادري تحقيق محمد حجي وأحمد التوفيق مطبوعات دار المغرب ـ الرباط: 1397هـ ـ 1977م.
( نثير الجمان (أعلام المغرب والأندلس في القرن الثامن الهجري) لأبي الوليد إسماعيل بن الأحمر الأندلسي نزيل فاس تحقيق الدكتور محمد رضوان ـ مؤسسة الرسالة ط.2: 1407هـ ـ 1987م.
( نيل الابتهاج بتطوير الديباج لابن فرحون اليعمري ـ دار الكتاب ـ لبنان.
( وصف إفريقيا للحسن بن الوزان الفاسي ترجمة محمد حجي وأحمد الأخضر 1980م.
فهرس المحتويات للعدد السادس عشر
الصفحة
تمهيد في نشأة المدارس المغربية في أصول قراءة الإمام نافع ... .
الفصل الأول: مدرسة أبي عبد الله بن القصاب صاحب تقريب المنافع في قراءة نافع ...
- ترجمته ...
- مشيخته ...
- آثاره العلمية ...
- كتاب تقريب المنافع (تقديم وتعريف بالكتاب) ...
- قيمة كتاب التقريب وأثره في مؤلفات المتأخرين ...
- نماذج من آرائه العلمية ومذاهبه الفنية في القراءة وأصولها وأحكامها. ...
- رجال مدرسته ...
- أبو عمران موسى بن محمد المعروف بابن حدادة (مشروع ترجمة). ...
- صلته بابن القصاب. ...
- آثار ابن حدادة وأهميته في المدرسة المغربية. ...
الفصل الثاني: أبو عبد الله بن آجروم الصنهاجي صاحب المقدمة الآجرومية في النحو ...
- ترجمته. ...
- مشيخته وصلته بابن القصاب بفاس ...
- مؤلفاته وآثاره وشرحه على الشاطبية المسمى بفرائد المعاني. ...
الفصل الثالث: أرجوزة البارع لابن آجروم ومكانتها الرائدة في النظم التعليمي
في المدرسة المغربية (مع تحقيق النص الكامل للأرجوزة). ...
- أرجوزة البارع في قراءة نافع في نصها الكامل. ...
- متن الأرجوزة محققا محررا في 122 بيتا مزدوجا. ...
- أصحاب ابن آجروم والرواة عنه. ...
الفهارس:
- فهرس المصادر والمراجع. ...
- فهرس المحتوى ...
العدد السابع عشر:(1/376)
قراءة الإمام نافع عند المغاربة
من رواية أبي سعيد ورش
( مدرسة أبي عبد الله الخراز في قراءة نافع ورسمها وضبطها وامتدادات مدرسة ابن القصاب من خلالها في أراجيزه في الموضوع ومؤلفاته وما قام حولها في نشاط علمي (
مقدمة:
كان لمدرسة أبي عبد الله بن القصاب مجال ثان غير مجال القراءة وأصول الأداء تجلى في توجه أبي عبد الله الخراز إلى ناحية أخرى كانت في زمنه ما تزال في حاجة إلى جهود متضافرة لتمييز ما يتعلق بالرسم والضبط الخاصين بقراءة نافع استكمالا لما أخذت به المدرسة المغربية من الاختصاص في هذه القراءة، وسعيا نحو مزيد من التوثيق للأوضاع الرسمية والضبطية المتعلقة بها بعد أن كانت تدرس ضمن الإطار العام الذي يشمل جميع القراءات الأخرى التي يحتملها رسم المصحف الأمام من سبعة وغيرها.
الفصل الأول:
ترجمة أبي عبد الله الخراز وشيوخه في العلم وآثاره ومنزلته العلمية.
ترجمته:
أقدم من ترجم لأبي عبد الله الخراز هو صاحبه وأول من شرح أرجوزته الشهيرة في الرسم أبو محمد عبد الله بن عمر المعروف بابن آجطا، فقال في شرحه المذكور: هو "الأستاذ المقري" المجود المحقق المعلم لكتاب الله العزيز أبو عبد الله محمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله الأموي الشريشي الشهير بالخراز، ثم قال:
"هكذا في نسخته التي كتبها بيده وانتسخت أنا منها هذه النسخة التي عندي، وقرأتها عليه وسمعها مني وأجازني فيها ـ عفا الله عنه ـ وكنت أردت أن أذكر في هذا الموضوع تاريخ مولده وتاريخ وفاته فلم أجد ذلك محققا عند من أثق به(1)، وذكر لي ذلك عند ولده فلم أجده في هذا الوقت، وذكر أنه مسافر غائب عن مدينة فاس".
__________
(1) - وسبب ذلك بعد العهد نسبيا بين وقت بداية كتابه الشرح في حياة المترجم ووقت إتمامه سنة 744هـ كما ذكر في أوله، أي بعد وفاة المترجم بستة وعشرين عاما.(1/377)
ثم قال: "وأما نسبه فقد ذكره ـ رحمه الله ـ وأنه أموي النسب من بني أمية، وأن أصله من "شريش" مدينة ببر الأندلس ـ أعادها الله للإسلام ـ وكان سكناه بمدينة فاس إلى أن توفي بها، ودفن بالجيزيين منها، وقبره بها معروف رحمه الله"(1).
ذلك مجمل ما قاله ابن آجطا عن اسمه ونسبه، وذكر أبو الحسن التروالي الزرهوني في أول شرحه الآتي على المورد أن موضع سكناه كان فاس الجديدة، وكانت صناعته – رحمه الله – الخرازة في أول عمره، واشتغل في آخر عمره بتعليم القرءان، وكان يعلم الصبيان، ومات – رحمه الله – بفاس الجديدة، ودفن بموضع يعرف ب "الجيزيين"(2) قال أبو محمد عبد الواحد بن عاشر في فتح المنان: "دفن بـ"الجيزيين" وهو الموضع المعروف الآن ب "باب الحمراء"(3)، وزاد بعضهم في تقييد له" "وضجيعه ابن آجروم"(4).
أما ظروف هجرته من "شريش" التي قال ابن آجطا عنها "أعادها الله للإسلام"، فلا خبر عنها في مصادر ترجمته، والظاهر أن سقوطها في أيدي الصليبين في حركة الاسترداد المعروفة كان السبب المباشر لنزوحه عن الأندلس واستقراره بمدينة فاس كما استقر بها أو بالحواضر الشمالية عدد ملحوظ من قراء هذا البلد لهذا العهد كما نجده في مشيخة ابن حدادة ـ كما رأينا ـ ومشيخة ابن بري وغيره كما سيأتي.
ولا ندري كم عاش من العمر حتى نقدر ميلاده على سبيل التقريب، إلا أننا نعلم أنه بلغ مبلغ الرجال وتزوج وولد له ـ كما يستفاد ذلك من قول ابن آجطا السابق ـ، والظاهر أنه كان كصاحبه ورفيقه أبي عبد الله بن آجروم ممن نبغ في سن مبكرة، ثم مات في مقتبل العمر بعد أن تفتقت مواهبه وتراد عطاؤه العلمي.
__________
(1) - التبيان لابن أجطا (مخطوط خاص).
(2) - مجموع البيان في شرح ألفاظ مورد الظمآن للتروالي – سيأتي.
(3) - فتح المنان لابن عاشر (مخطوط خاص).
(4) - تقييد بهامش نسخة مخطوطة من فتح المنان.(1/378)
وإذا كنا وجدنا أبا عبد الله الخراز ينظم أرجوزته "عمدة البيان" ـ كما سيأتي ـ عام 703هـ، وذلك يدل على أن الرجلين كانا كفرسي رهان يتباريان في النظم والتأليف، وإن ذهبت بكل واحد منهما مذاهب هذا العلم في أكثر من طريق. ثم قدر لأبي عبد الله الخراز أن يموت قبل صاحبه بنحو خمسة أعوام، وذلك سنة 718هـ(1).
شيوخه:
وكما لم تفصح كتب التراجم عن مشيخة صاحبه ابن آجروم فيما أسلفنا، فإنها قد ضنت بذلك أيضا في شأن أبي عبد الله الخراز، وعامة شراح المورد أيضا لا يزيدون على ذكر شيخ واحد سبق إلى ذكره شارح المورد الأول ابن آجطا فقال فيه هذه العبارات المجملة:
"أدرك أشياخا جلة أئمة في القراءة والضبط وعلم القرءان من العربية وغيرها فقرأ عليهم، وعمدته على الشيخ المقرئ المحقق المتقن أبي عبد الله بن القصاب"(2). فأهم شيوخه إذن هو:
1. أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الحق الأنصاري المعروف بابن القصاب.
ويتجلى اعتماده عليه كما ذكر الشراح في كثرة إيراده لمذاهبه واختياراته في كتبه، وأهمها – فيما وصل إلينا – "القصد النافع" في شرح أرجوزة ابن بري، فقد نقل عنه فيه نقولا كثيرة مستفيضة، منها في باب التعوذ ما تقدم من زيادته ثلاث صيغ من صيغ الاستعاذة قال: "لم أرها لغيره"، وهي مذكورة عند ابن القصاب في "تقريب المنافع"(3).
ومن ذلك نقله عنه عند الحديث عن وصل ورش ضم ميم الجمع، فقال: "قال شيخنا أبو عبد الله ـ رحمه الله ـ(4).
__________
(1) - ترجم له ابن الجزري دون أن يذكر شيئا عن وفاته – غاية النهاية 2/237 ترجمه 3394. أما تحديد وفاته بسنة 718 فقد ذكره عامة شراح الدرر غير ابن آجطا.
(2) - مقدمة "التبيان في شرح مورد الظمآن" لأبي محمد بن آجطا.
(3) - ينظر باب "الاستعاذة" من كل من "تقريب المنافع" و"القصد النافع".
(4) - القصد النافع لوحة 20 مخطوط الخزانة الحسنية بالرباط رقم 3719.(1/379)
وقال عند ذكر هاء الكناية بعد ذكر علة إشباع صلة الضمير بالضم أو بالكسر نحو "به" و"له" وما ثبت عن بعضهم بإشباع الضمير بالضم وحده في الحالين: "قال شيخنا أبو عبد الله: "وعلى هذا قرئ" "فخسفنا بهو وبدارهو الأرض"، و"فيهو هدى للمتقين" قال: هذه قراءة ابن أبي إسحاق، قال: والدليل على ذلك عموم الضم في هذا الباب وخصوص الكسر فيه"(1).
وهكذا كان أثر شيخه ابن القصاب بارزا في شرحه هذا في أكثر الأبواب.
وقد أخذ بمذهب شيخه في مواضع كثيرة من أصول الأداء وعلى الأخص في رواية قالون، فمن ذلك مثلا أنه رجح في باب المد الأخذ لقالون بالقصر في المنفصل نحو "ما أنزل" محتجا لذلك بكون رواة القصر أكثر من رواة المد لأن المروزي له وجهان، والحلواني ليس عند إلا القصر".
وقد اعترض أبو وكيل ميمون الفخار على هذا الترجيح في "تحفة المنافع" فقال:
ذا البحث للخراز و"التقييد(2) ... فليس بالمرضي ولا السديد
لأن إسماعيل(3) يروى المدا ... فهو مكرر على ما حدا
لا بحث يرضى حيث قال الداني ... في ذلك الوجهان جيدان
والطول فيه رجح الصفار(4) ... وابن سليمان(5) ولا إنكار(6)
__________
(1) - المصدر نفسه.
(2) - يشير إلى تقييد من التقاييد التي كتبت في هذه الرواية، أو إلى بعض التقاييد على المورد، وقد ذكر مسعود جموع متابعة ابن عبد الكريم للخراز فيما ذهب إليه من القصر في ذلك وهو صاحب التقييد على المورد المسمى بالفصول كما سيأتي - ينظر الروض الجامع لمسعود جموع – باب المد.
(3) - هو ابن جعفر الأنصاري أحد الرواة الأربعة المشهورين عن نافع كما تقدم.
(4) - هو محمد بن إبراهيم المراكشي التينملي وسيأتي.
(5) - هو أبو الحسن علي بن سليمان القرطبي شيخ الجماعة بفاس وأستاذ الصفار المذكور وسيأتي.
(6) - تحفة المنافع – باب المد.(1/380)
فالخراز إذن ذهب مذهب شيخه متمسكا باختيارات مدرسته، وأبو وكيل يخالفه لأخذه بمذاهب مدرسة ابن سليمان ولا يضير الخراز أن يختلف مع غيره في مذاهب الترجيح والتوجيه، فإن اختلاف مدارس الأداء إنما يقوم في أكثره على مثل هذه المآخذ والمنازع والموازنات بين الطرق والروايات.
- ومن ذلك أخذه لقالون بالإدخال بين الهمزتين في "أأشهدوا" تبعا لشيخه ابن القصاب كما أشرنا إلى ذلك في ترجمة ابن آجروم.
2. أما شيخه الثاني الذي استفاد منه في العربية وتوجيه القرءات فهو أبو عبد الله بن آجروم الآنف الذكر.
وهو وإن كان لا يسميه شيخنا كما يفعل مع ابن القصاب ويكتفي بقوله "صاحبنا" فإن النقول الكثيرة عنه في شرحه على الدرر اللوامع كثيرة مستفيضة تدل على مقدار استفادته منه واعتماده عليه، وقد أكثر من النقل عنه خاصة في باب المد وباب الهمز، ومما قال في باب المد عند ذكر لفظ "إسراءيل".
"قال صاحبنا الأستاذ أبو عبد الله محمد الجرومي ـ رحمه الله ـ(1): مع كونه اسما أعجميا، لأنه كثيرا ما يخالف أحكام الأسماء العربية، مع كونه بلغ غاية عدد حروف الأسماء، وغاية عدد حروف الأسماء سبعة أحرف، فمد الألف ـ يعني ورشا ـ وترك الياء، لأن الياء أضعف، ولأن الهمزة قبلها، فالضعف فيها من وجهين(2).
وقد أشار أبو الحسن التروالي في شرحه على المورد إلى لقاء الخراز لابن آجروم بما يشهد لما قدمنا(3).
3. أما الشيخ الثالث الذي لقيه الخراز واستفاد منه في أصول الأداء في قراءة نافع، ولذلك كان أول من تصدى لشرح أرجوزته فهو الشيخ أبو الحسن بن بري صاحب "الدرر اللوامع).
__________
(1) - كذا في المخطوطة في جميع المواضع التي ذكره فيها ولعل ذلك من الناسخ، لأن الخراز توفي قبل ابن آجروم فلا يقول فيه "رحمه الله".
(2) - القصد النافع لوجه 49 (م خ ح رقم 3719).
(3) - قال في "مجموع البيان": ولقي الأستاذ ابن آجروم – رضي الله عنه – وأخذ عنه.(1/381)
وسيأتي لنا أنه كان يفاوض ابن بري في معاني أبياته وهو يكتب هذا الشرح، وأنه أهدى إليه الشرح المذكور بعد فراغه منه فكتب له عليه طررا.
هذا كل ما تأتى لنا الوقوف عليه فيما يتعلق بمشيخته، ومنه يتبين صدق ما ذهب إليه عامة الشراح في قولهم: إن "عمدته على أبي عبد الله ابن القصاب"، ولذلك أدرجناه في مدرسته على الرغم من أنه في الحقيقة قد برز تبريزا لا يشاركه فيه أحد من أهل عصره ولا من بعدهم في مجالي الرسم والضبط، وإن كان لم يصرح في ذلك باسم أحد من شيوخه ممن تخرج في بحث ذلك عليهم، واكتفى – كما سيأتي – بذكر مصادره المكتوبة دون غيرها.
على أننا نجد في شرحه على الدرر اللوامع بعض الإشارات التي تدل على اعتداده بمدرسة شيخه دون غيرها، ولذلك جاء أكثر نقله عنه، ولم أقف له على تسمية أحد غيره ممن قرأ عليهم، وقد قال في باب الإمالة بعد أن ذكر الخلاف في كلمتي "هار" و"التورية":
"وبالفتح كان يأخذ شيخنا أبو عبد الله ـ رحمه الله ـ، وبالإمالة اليسيرة أخذ علينا غيره":
وقال عند قول ابن بري:
والخلف في وصلك ذكرى الدار ... ورققت في المذهب المختار
"فتبقى الراء في نفسها مرققة من أجل الكسرة وصلا ووقفا، وبه أخذ علينا شيخنا أبو عبد الله وغيره، وعليه العمل كما ذكر الناظم".
فهكذا يذكر أخذه عن ابن القصاب وعن غيره ولكنه لا يسمي سواه اعتدادا به.
مؤلفاته وآثاره:
تعددت مؤلفات أبي عبد الله الخراز، إلا أن الملاحظ أنها توجهت جميعها إلى خدمة قراءة نافع نظما ونثرا، حتى قيل: "كان لا يحسن غيرها"(1).
وقد ذكر صاحبه ابن آجطا بعد ذكر ما عرفه من مؤلفاته أنه "فتح له في التأليف وسهل عليه نظمه ونثره"، وذكر له من المؤلفات:
1. مورد الظمآن في الرسم (أرجوزة).
2. عمدة البيان في الضبط (أرجوزة).
__________
(1) - لا شك أن المراد بهذا القول التنويه باختصاصه فيها رسما وأداء وليس المراد انتقاصه.(1/382)
3. تأليف في الرسم مثل مورد الظمآن منثور لا منظوم قال ابن آجطا: رأيته وطالعته.
4. شرح على الحصرية قال: أخبرني به رحمه الله.
5. شرح على "البرية" مشهور معروف عند كثير من الناس به يقرأونها وهو المعروف ب "القصد النافع"(1). وقد استدرك عليه الإمام ابن عاشر فقال: "ولم يعد الشارح في جملة تأليف الناظم":
6. شرح العقلية، وقد رأيت النقل عنه: لكن لم أعثر عليه"(2).
ومما ينبغي أن نتوقف عنده هنا بقصد رفع الالتباس، ما يتعلق بمسمى (عمدة البيان)، فقد أشكل أمره على الإمام ابن عاشر، فقال في "فتح المنان" متعقبا لابن آجطا فيما ذكره حول مضمون الكتاب المذكور:
"عمدة البيان الذي رأيته للناظم إنما هو نظمه الرسمي الذي نظمه قبل" "مورد الظمآن" "وذيله بالضبط المتصل بمورد الظمآن اليوم، وعليه بني العدد المذكور في الذيل، وفيه يقول:
"سميته بعمدة البيان ... في رسم ما قد خط في القرءان"(3)
وبيان هذا الإشكال كما ذكر غير واحد من الشراح أن الخراز كان أولا قد وضع نظما في رسم المصحف وسماه "عمدة البيان" وهو النظم الذي ذكر ابن عاشر البيت المذكور منه، ثم ذيل عليه بأرجوزة في الضبط ولم يسمها باسم خاص إذ جعلها من تمام "عمدة البيان" الأصلية، وهي الأرجوزة التي ذكر ابن أجطا أنها في الضبط، فكان مجموع ذلك موافقا لما جاء في آخر أرجوزة الضبط من حيث العدد، وذلك في قوله:
عدته أربعة وعشرة ... جاءت لخمسمائة ومقتفرة(4).
__________
(1) - سيأتي ضمن شروحها.
(2) - فتح المنان لابن عاشر – مقدمة التأليف
(3) - نفسه.
(4) - يعني متبعة.(1/383)
ثم بدا له بعد أن نظم ما نظم أن يستبدل الأرجوزة الأولى المتعلقة بالرسم والتي كان قد سماها "عمدة البيان" لأنه ذكر فيها مسائل الرسم غير معزوة في الغالب لناقليها، فنظم بدلها أرجوزته السائرة المعروفة ب "مورد الظمآن" وأبقى القسم الخاص بالضبط على حاله إلا أنه سماه "عمدة البيان" أيضا، وكان نظمه الأول الذي عدل عنه سنة 703هـ، أما نظم "المورد" فكان كما ذكر فيه ـ كما سيأتي ـ سنة 711هـ، فكان نظمه الأخير بمثابة النسخ للأول.
ومن هنا جاء الاضطراب في شأن مسمى "عمدة البيان" فشارح المورد أبو محمد بن آجطا ذكر أن له نظما في الضبط سماه "عمدة البيان، ولم يذكر النظم الأول الذي كان يحمل هذا الاسم، وغيره من الشراح كالمجاصي والشوشاوي وابن عاشر ذكروا التعديل الذي وقع كما وصفناه.
ومع هذا البيان فقد بقي العنوان مشتركا عند طائفة من المؤلفين بين أرجوزة الرسم الأولى وأرجوزة الضبط، وقد وفقت على هذا الاضطراب في بعض كتب ابن القاضي، فوجدته تارة يعني ب"عمدة البيان" الرسمية كقوله:
الجاهلية بحذف الألف ... لابن نجاح حيث جاء فاعرف
ونصه في "عمدة البيان" ... و"منصف" أيضا فخذ بياني(1)
وتارة يعني بـ"عمدة البيان" الضبطية كما ذكر في قوله:
"فالضبط مبني على الوصل جرى ... كغيره من الحروف سطرا
وذاك بالإجماع عند القدما ... متفق عند جميع العلما
ونصه في "عمدة البيان" ... كذلك في "الطراز"(2) خذ بياني(3)
__________
(1) - نسبهما لنفسه في "بيان الخلاف والتشهير والاستحسان".
(2) - الطراز في ضبط الخراز للتنسي – سيأتي.
(3) - بيان الخلاف والتشهير والاستحسان لابن القاضي.(1/384)
ولعل هذا الالتباس أو الاشتراك في الاسم هو ما حذا ببعض الأئمة إلى تسمية النظم الأول باسم "المهذب المختصر"(1) أو "الخراز القديم"(2)، في حين احتفظوا باسم "عمدة البيان" لقسم الضبط الملحق حاليا ب"مورد الظمآن"، وعلى هذا درج بعض شراح أرجوزة الضبط كالشوشاوي في "حلة الأعيان شرح عمدة البيان" وسعيد الكرامي في "إعانة الصبيان" وغيرهما.
ومع تخلي أبي عبد الله الخراز عن أرجوزته الأولى واستبداله بها أرجوزة المورد الحالية، فقد ظلت في أيدي الناس إلى عهد قريب، وأكثر ما نجده متداولا منها الأبيات الخمسة المتعلقة بوجوب اتباع رسم المصحف الإمام، وقد عني بنقلها عامة من كتبوا في ذلك، منهم من ذكرها نقلا عن ما سماه "المهذب المختصر"(3)، ومنهم من نقل عن ما سماه "عمدة البيان"، والمسمى واحد، والأبيات هي قوله:
فواجب على ذوي الأذهان ... أن يتبعوا المرسوم في القرآن
ويقتدوا بمن رآه نظرا ... إذ جعلوه للأنام وزرا
وكيف لا يجب(4) الاقتداء ... لما أتى نصاً به "الشفاء"
إلى عياض(5) أنه من غيرا ... حرفا من القرءان عمدا كفرا
زيادة أو نقصا أو إن بدلا ... شيئا من الرسم الذي تأصلا
ونظرا لأهميتها باعتبارها أثرا من آثار المترجم، وتضمنها للرسم المجرد لقراءة نافع، ولذهابها من أيدي الناس حتى لا يعرف لها وجود في الخزائن المعروفة فيما أعلم، أدرج نصها الكامل في هذا البحث حفاظا عليها من الضياع(6).
الفصل الثاني:
أرجوزة الرسم الأولى المسماة "عمدة البيان في رسم أحرف القرءان" لأبي عبد الله الخراز.
__________
(1) - سماه به ابن غازي ي "إرشاد اللبيب" 285 وابن مجبر في تقييد طرر له على المورد.
(2) - سماه به أيضا ابن مجبر ونقل منه أبياتا.
(3) - إرشاد اللبيب 285.
(4) - في بيان الخلاف والتشهير "وكيف لا يصح".
(5) - في إرشاد اللبيب "شقا عياض".
(6) - وفقت عليها في خزانة خاصة.(1/385)
في ديباجة النسخة المخطوطة ما يلي: "يقول العبد المعترف بخطاياه وجرأته، الراجي عفو مولاه عن مقترفه وزلته: محمد بن محمد بن إبراهيم الأموي الشريشي عفا الله عنه:
باسم الإله أبتدي في القول ... وحمده فهو العظيم الطول
أحمده وهو أهل الحمد ... أن دلنا على طريق الرشد
وخصنا بالمرسل الكريم ... محمد ذي الخلق العظيم(1)
صلى عليه الله كل حين ... وآله ذوي العلا المكين
وبعد إن أصل رسم الخط ... أقامه أولو النهى والضبط
مثل أبي بكر الرضا الصديق ... ونجل ثابت مع الفاروق
ثم الذي يعزى إلى اليمان(2) ... مع الإمام المرتضى عثمان
وغيرهم من الصحابة الكرام ... بهم نما الإسلام نورا واستقام
فواجب على ذوي الأذهان ... أن يتبعوا المرسوم في القرءان
ويقتدوا بمن رآه نظرا ... إذ جعلوه للأنام وزرا
وكيف لا يجب الاقتداء ... لما أتى نصًا به "الشفاء"
إلى عياض أنه من غيرا ... حرفا من القرءان عمدا كفرا
زيادة أو نقصا أو إن بدلا ... شيئا من الرسم الذي تأصلا
ومالك بن أنس إذ سئلا ... في كتب ما أحدث مع ما أصلا
أجاب بالمنع وترك الإحداث ... في الأمهات غير صحف الأحداث
وما أتى مختلف القراءة ... أمر بالإتباع للصحابة ... من اقتدى بهم فذاك المهتدي"
فيه، وقال: كن أخي متبعا ... لفعلهم، ولا تكن مبتدعا
وجاء عن نبينا الكريم ... محمد صحبي كالنجوم
فكل من به قد اقتديتم ... منهم جميعا فقد اهتديتم(3)
__________
(1) - هذا البيت أسقطه الناسخ ثم استدركه في الحاشية.
(2) - أشار بابن ثابت في البيت قبله إلى زيد بن ثابت الذي تولى كتابه القرءان لأبي بكر ثم لعثمان رضي الله عنهم. كما تقدم في صدر البيت. وأما المنسوب إلى اليمان فهو حذيفة بن اليمان صاحب القصة مع عثمان في سبب كتابه المصحف الإمام كما تقدم.
(3) - الإشارة إلى حديث "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم"، وقد احتج به مع ما قيل فيه كما احتج به قبله الحافظ أبو عمرو الداني في "المنبهة" في قوله:
فرضي الله تعالى عنهم ... 0@"صحبي جميعا كالنجوم الوقد
ممن تلاهم آخذا بحكمهم
وذا حداني لانتظام الرسم
مبوب مفصل لمن نظر
على قراءة الإمام نافع
مما عن الثقات قد نقلته
ك"مقنع" "القدوة في ذا الشأن
وكالذي سمي ب"التنزيل"
مع الذي ألفيت دون لبس
فلم أكن في النقل استوفيه
وقد قال فيه أبو محمد بن حزم: "باطل مكذوب من توليد أهل الفسق..." "الإحكام في أصول الأحكام" 2/64 ثم ذكر طرقه 2/82-83، وذكره ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" 2/90-91 وقال لا يصح.(1/386)
وعن من اقتبس علما منهم
وعاملا بما وعى من علمهم
في رجز مقرب للفهم
وحذفه مرتب على السور
تذكرة لناشئ وبارع
ومن أجل الكتب اختصرته
أعني أبا عمرو الإمام الداني
لابن نجاح المقرئ الجليل
من(1) "منصف" للمقرئ البلنسي
لأجل إطلاق حروف فيه
مع أنه من ابن لب(2) نالا
حدثني عن شيخه "المغامي"
وكنت قد ضمنته من آخر
ينسب أيضا لأبي داودا
بهذه لكثرة المداولة
سميته "بعمدة البيان"
جميع ما نظمه وقالا:
ذي العلم بالتنزيل والأحكام
حذفا كثيرا ما له من ذاكر
وليس مثل غيره معهودا
لها بأيدي الناس والمحاولة
في رسم ما قد خط في القرءان
وأكتفي في نظم ما قد كررا
وربما استدركت بعض أحرف
فكل مطلق به فحيثما
ملتمسا من ربي القدير
لأنه مني عليه المتكل
باب من الحذف أتى مختصرا
أستفتح الذكر بأم القرءان
وجاء في اللهم ثم العالمين
ونحو سماعون قوامينا
وفي المؤنث كنحو البينات
وما به حرفان نحو الصالحات
من سالم الجمع الذي ترددا
فالثبت في التذكير فيما ضعفا
كذاك في التأنيث مع ما شددا
لكن في التأنيث حذفا كثرا
وقد أتى الرسم بثبت السيئات
وخاسئين حذفوا وخاطئون
ولم أجد حذفهما المنقوصا
وبقيت من بعد ذا مواضع
وليس تحديدهما المكررا
بذكر ما قدم عن ما أخرا
أغفلتها قبل لدى التألف(3)
وكيفما أخر أو تقدما
عونا وعصمة من التغيير
في كل قول قلته أو في عمل
في كلمات قس عليها النظرا
الحذف في اسم الله ثم الرحمن
وما أتى من نحوه كالصابرين
وشبهه إلا بجبارينا
ونحو ذريات مع مفتريات
حذفهما في أكثر الرسوم آت
ما لم يكن مهموزا أو مشددا
__________
(1) - كذا ولعل المراد في.
(2) - تقدم ذكر المنصف في الرسم وهو أرجوزة لأبي الحسن على بن محمد المرادي البلنسي الأندلسي، وقد أسند روايته للرسم في كتابه عن ابن لب القيسي مما أخذه عن الإمام أبي عبد الله المغامي صاحب أبي عمرو الداني كما تقدم.
(3) - لعل في البيت إشارة إلى تأليفه النثري الذي ذكر ابن آجطا أنه رآه وطالعه كما أسلفناه.(1/387)
وجاء قبل همزة مختلفا
وفي صراط والصراط وردا
سواء إن شدد أو إن نبرا
وخلف سوءات وثبت نحسات
كيف أتى وأغفلوا فمالئون
إلا الذي أذكره منصوصا
وذكرها حيث يحل واقع
بالحذف مختصا على ما ظهرا
إذ كثر المجموع(1) بالحذف أتت
وإنما قلنا الذي ترددا
فالفاتحين حذفوا والحامدون
والحاسبين الغافرين الخالفين
إلا التي قدمتهن ذكرا
سالمة إن قلت أو إن كثرت
جريا على العادة منهم واقتدا
والماهدون الراشدون الزارعون
وغيرها من نحوها كسافلين
وأحرفا آتي بهن ذكرى
سورة البقرة
وحذفوا ذلك ثم الأبصار ... رضاعة وواحدا والأنهار
ثم كتابا غير ثاني الحجر ... والكهف ثم النمل الأولى فادر
ثم "لكل أجل كتاب"(2) ... وحذف الأزواج والأبواب
غشاوة وراعنا والطغيان ... صاعقة صواعق والعدوان
حيث يخادعون والمعاهدة ... وحيث عاهدت وكيف والدة
أموات إدرأتم والبرهان ... فعل الجهاد هكذا والإحسان
ونحو يا قوم وهؤلاء ... مما لتنبيه وللنداء
هاتوا وهاؤم بثبت رسما ... إذ ليب تنبيه بهاء فيهما
شفاعة شعائر أصابع ... رهان أصحاب وقل منافع
بالحذف ثم ما أتى من بعد لام ... نحو ملاقوه ونحو علام
والآن غير الجن قل وأغفلت ... بعض مواضع فما إن ذكرت
تلاوة لاهية فلانا ... ولائم ولازب وبانا
ما بين لامين جميعا حذف ... نحو الضللة وجاء الخلف
في لفظ كاتب وفي يضاعف ... وحذف الشيطان لا مخالف
نكالا المنكور قل أعناب ... كيف أتى ميثاق الألباب
وبعد ياء من خطايا حذفوا ... وحذفهم ما قبلها مختلف
وفي الذي ثني ليس طرفا ... نحو يعلمان خلف، واحذفا
من بعد نون لضمير المخبر ... حشوا كآتيناهم فادكر
وكيف والدين والنصارى ... ثم يتامى صالح أسارى
ثم مساكنكم الأموال ... تجارة أحاطت الأعمال
كذلك في سبحان جاء الحذف ... لكن قل سبحان فيه الخلف
واحذف أصابتهم مع الصابينا ... فعل القتال وكذا الصابونا
ثم تفادوهم وحيث الإيمان ... كذا المساكين وكيف الإخوان
__________
(1) - كذا ولعل الصواب "إذ أكثر الجموع" وهو أبين في المعنى.
(2) - الآية 38 من سورة الرعد.(1/388)
وباشروهن تراضوا ومتاع ... ثم القيامة عظام ودفاع
وأثبتت في سورة القيامة ... نصا بقول ربنا عظامه
فراشا أسباب ولا تباشروا(1) ... فعل الظهار وكذا التظاهر
واللفظ من ظهور أو إظهار ... كيف أتى فاحذف مع الديار
إلا الذي بعد خلال قد أتى ... في سورة الأسرا بخلف ثبتا
لفظ التشابه ونحو وسئلوا ... واتوا وفاتوا فاحذفن ويسئل
إياي والأخير من عشاء ... وشبهه للجمع نحو ماء
كذا الشياطين ولفظ الباطل ... وواسع ثم الرياح غافل
والحجر والفرقان ثم الكهف ... وأول في الروم فيه الخلف(2)
لدى الرياح واحذفن مساجد ... ثم هنا أمانة في الواحد
حيث شهادة كذا الأيمان ... والأعجمي كقوله لقمان
ونحو ميكائل ثم عمران ... ومثلها هارون مع سليمان
لكن إسراءيل مع طالوتا ... ياجوج ماجوج وفي جالوتا
هامان قارون وقل هاروتا ... ألفها يثبت مع ماروتا
والخلف في الأربعة الأواخر ... معهن إسراءيل ثم بادر
بثبت داود وفي مواقيت ... حذف وحافظوا وحيث الطاغوت
فكلها بالحذف بعد الميم ... من لفظ هامان لدى المرسوم
سورة آل عمران والنساء
حاججتم فاحشة ومالك ... قياما المنصوب مع مبارك
كل وفي مباركة وباركا ... فاحذف وباركنا كذا تباركا
وعامل ثم هنا أضعافا ... يصالحا مراغما ضعافا
مضاعفة عاقبة لفظ النزاع ... ثم القناطير سكارى ورباع
حق تقاته بغير ياء ... والخلف في ألفه الهوائي
وصدقاتهن مع إناثا ... فاحذفه والبهتان والميراثا
ونحو للذي وكالذينا ... والجاهلية يسارعونا
وفي أصابتكم وفي مقاعد ... وعاقدت واسعة وخالد
كذا ربائبكم وطائر ... وجاء خالات بحذف الآخر
كذا رسالات ويابسات ... ثم مغارات وراسيات
واحذفهما في الكل دون منع ... على الذي قدمته في الجمع
لكن هذه بهذا خصت ... في جل رسمهن مما خطت
والحذف في أعقابكم ورضوان ... تمت في واحدة وولدان
والأمهات جاء مع أثابكم ... والأخوات وكذا أصابكم
أفواههم جهالة والأبكار ... كيف الموالي ولفظ الأدبار
خادعهم فعل الجهاد الإنسان ... ثم تراضيتم كذا وسلطان
__________
(1) - يعني "ولا تباشروهن وأنتم".
(2) - يعني "الرياح مبشرات".(1/389)
والثبت جاء في الحواريينا ... كيف أتى وحذف ربانينا
وفي يكوناًً نسفعاًً إذاًً أََلف ... والنون في رسم كأين قد أُلُف
ومن سورة المائدة إلى أواخر الأنفال(1) ... واتحاجوني كذا أواري
0@وأحذف أحباؤه مع يواري ... وحيث طائرا كذا (2) وطائر(3)
كفارة عداوة أكابر ... وعالم وبالغ وخالق
أثابهم بالغة مشارق ... ثم أساطير ولفظ صاحب
ميقات والأنعام مع مغارب ... وطائف هنا بخلف جاء
وأغفلوا الصاحب في النساء ... هداي جاعل هنا بشرايا
كفالق محياهم محيايا ... إلى مكنى ومن الحياة
وما أضفته من الصلاة ... مثواي مع أرايت والموازين
وفي العقود ثانيا مساكين ... بياتا الخبائث الأمثالا
كيف أتى فاحذفه مع تعالى ... وجاء في الأنفال في الميعاد
قاسية هنا وتحت صاد ... ثمت جاوزنا مع الفواحش
صاحبة أسمائه معايش ... ثم الفرادى(4) وكذا حسبانا
ثم الغمام ومعا غضبانا ... والطور فيها ثالث في النقل
نصبا، وقل بنات ذي والنحل ... وساحر حيث أتى منكرا
يستأخرون غاب أو إن حضرا ... وقيل أيضا كلهن مثبتات
غير أخير قد أتى في الذاريات
ومن سورة التوبة إلى آخر الكهف
مساكن وحيث الاستئذان ... وصاحبي أضغاث والبنيان ... حذف أذاقها بنص النحل
رهبانهم عاليها جدالنا ... كاذب(5) احذف ومعا آياتنا
يونس بعد أول قد أثبتا ... وحذف أواه وباخع أتى
كذا يضاهون وقل أذان ... قصرا تخاطبني معا ألوان
فعل المراودة مع دراهم ... وحيث بسم الله ثم عاصم(6)
__________
(1) - في المخطوطة "ومن سورة الأنفال إلى سورة المائدة"، ثم صححت بالحاشية على الصواب.
(2) - يعني قوله: "فيكون طائرا بإذني" (المائدة الآية: 112).
(3) - يعني قوله: ولا طائر يطير بجناحيه (الأنعام الآية: 39).
(4) - عرفها بألف ولام، وهي في القرءان منكرة "فرادى".
(5) - في الأصل "كذابا" وسيأتي لفظ كذابا في سورة النبأ.
(6) - هكذا أطلق وعمم، والمعمول به "الإثبات" في "من عاصم" في يونس، والحذف في التي في "المومن".(1/390)
بضاعة ثم رفاتا غاشية ... أناقها(1)، واختلفوا في زاكية
ونبإ ثم معا في النحل
ويتوارى وكذا تبيانا
بالخلف قرءانا وحاش فاحذف
وحذف باسط بها والكهف
وكلهم لا يرسمون ياء
كلاهما في الرعد مع تزاور
وارسم بأييام بيا عن خلف
وليواطئوا أتى مختلفا
ولفظ الأشهاد وفي أنكاثا
وبامامهم لهن تال
ولتخذت وكذا ما اسطاعوا
ومن سورة مريم عليها السلام إلى سورة ص
تساقط احذف سامرا مقامع ... مغاضبا شاخصة صوامع
كذا جذاذا يتخافتونا ... يا سامري وكذا راعونا
جهادا المنصوب مع أصنامكم ... فواكه خامسة أعمامكم
حرام الأنبياء والأطفال ... أوثان ادارك والأخوال
ثم الأيامى وهنا القواعد ... إكراههن شاطئ وباعد
إن كادت استأجره مع تصاعر ... فصاله استاجرت مع بقادر
أصوات امتازوا وقل لأهبا ... بلام ألف مع تماثيل سبا
وفارغا والعاكف المعرفا ... وفاستغاثه يجازَى فاحذفا
ثم محاريب وباضطراب ... جا أدعيائهم لدى الأحزاب
فناظرة بم وما أنت بهاد ... فيها سراجا وهنا ثم بصاد
باللام ليكة وفي تخاف ... طه يدافع أتى الخلاف
أفواهكم ثان بحذف رسما ... ولعبادته كذا بمريما
إحدى تراءا وكذا جاءانا ... احذف وفي ثانيهما قد بانا
حذف بجاءانا وفي تراءا ... بان بأولاه وقل لا ياء
وأيه الرحمن ثم الزخرف ... والنور قبل المؤمنون فاحذف
كذا أساؤوا شاهدا إن نصبا ... وجاء فاكهون كيف كتبا
فاكهة بالخلف قل وطاغين ... بالياء فاحذف وهنا بغاوين
وثاني ننجي الأنبيا ويوسفا ... وقيل في الشامي خراج حذفا
ومن سورة ص إلى آخر القرءان
واحذف مصابيح معا والغار ... بمومن أقواتها والأدبار
__________
(1) - هكذا ذكر "فأذاقها" في المحذوفات، والعمل الآن على خلافه ؛ وقال في مورد الظمآن:
واحذف تراب الرعد ثم النمل ... 0@وعنه أيضا عن عطاء أملي
لفظ سرابيل وقل أكنانا
وجاء أولى يوسف والزخرف
وصل أفاتخذتم عن خلف
وخلف أو كلاهما قد جاء
وقد أتى القهار ثم الكافر
وكيف أعناقهم بالحذف
وشفعاؤنا تشاقون احذفا
واحذف رواسي وفي أثاثا
وفي لواقح وفي صلصال
ثم تصاحبني مع استطاعوا(1/391)
كذا أساورة استقاموا ... خاشعة أثارة ختام
والخلف في عبادنا بصاد ... واحذف ينابيع وفي عبادي
أضغانهم أضغانكم كبائر(1) ... لا أولا ثم هنا بصائر
حيث حطاما وقل وفي روضات(2) ... وقانت هنا وفي الجنات
شورى وأحياها هنا يختلف ... وحرف ألواح هنا قد حذفوا
وفي ثمانين وفي ثمانية ... ثماني الألقاب ثم واعية
أفتمارونه مع لواقع ... كاذبة والخلف في مواقع
والألف الأخير من سماوات ... في فصلت وعكسه جمالات
وفي ولا كذابا أيضا خلف ... وفي المناجاة جميعا حذف
وصالح التحريم ثم باقية ... تفاوت تداركه وواعية
عاليهم ثم النواصي وأتى ... بخاشعا أهانني وأثبتا
عن بعضهم في كاتبين انفطرت ... وحذف ريحان أتى في وقعت
للغازي والمرجان مثله رسم ... عن الخراساني عطاء وحكم(3)
وكل ما بقي لم أذكره ... ففي الذي قدمته فانظره
تجده مقدما في الوصف ... إن كان مما قد أتى بالحذف
وغيره إما بنص أثبتا ... أو غير مذكور فعنه سكتا
باب من الحذف الذي قد جاء ... في اليا بكسر قبلها اجتزاء
حيث أرهبون وكذا اتقون ... ثم أطيعون وتكفرون
مئاب خافون وفاسمعون ... كيدون لاهود تكلمون
هذان تشهدون يقتلون ... متاب تخزون يكذبون
واخشون غير أول توتون ... يسقين يهدين كذا يحيين
يشفين وارجعون واعبدون ... في غير ياسين تفندون
ثم لئن أخرتني تستعجلون ... حضر أو غاب بما أشركتمون
نبغ بكهف مع ليعبدون ... فارسلون ثم كذبون
وغير أولي المهتدي نذيري ... وعيدي يوت الله مع نكيري
دعاء إبراهيم مع فاعتزلون ... بشر عباد كالجواب ينقذون
دعان مع أولى من اتبعن ... عقاب والكهف بها يهدين
ثم ننج المؤمنين تفضحون ... والمتعال يحضرون ترجمون
يات بهود وبها تسألن ... تردين إن يردن قل إن ترن
__________
(1) - في الأصل أكابر، والصواب ما أثبتناه لأن أكابر قد تقدم في سورة الأنعام.
(2) - المعمول به اليوم الإثبات فيه وكذلك الجنات بعده، وقد ذكر الخلف فيهما أيضا في مورد الظمآن.
(3) - المراد الغازي بن قيس القرطبي وعطاء بن يزيد الخرساني وحكم بن عمران القرطبي المعروف بالناقط، وقد تقدم ذكرهم.(1/392)
ثم تشاقون تبشرون ... والباد يوتين يطعمون
واتبعون زخرف ومومن ... ثم فما تغن وقل أكرمن
صال وفي الحج وروم هاد ... آتاني الله وكيف الواد
يوم يناد وعذاب صاد ... يسر التلاق ومعه التناد
دين أخيرا معه تتبعان ... أهانن الجوار مع تعلمن
إيلافهم ثم المنادى وأتى ... في وسط الزخرف باليامثبتا(1)
وعنكبوت ثم تحت صاد
أخراهما ودون يا المناد
فصل وقل إحداهما محذوفة
لثقل في أحرف معروفة
نحو النبيئين والأميين
وشبهه إلا بعليين
والخلف في أيهما قد حذفت
ومرتضى الداني الأخرى أثبتت
وابن نجاح حذفها قد رضيا
والثبت فيما(2) حركت قد قويا
والحذف في أخراهما من يُحْيي
من طرف كنحو لا يستحيي
وحذفت في أولاهما من أربعة
وليي الله الذي وتبعه
حيي عن بينة لنحيي
وغير أول على أن يحيي
باب سقوط الواو حيث جاء
بضمة من قبله اكتفاء
ويدع الإنسان ويدع الداع
ويمح في الشورى سندع الداع
ومثلهن صالح التحريم
عن كلهم وردن في المرسوم
فصل وفي إحداهما قد جاء
حيث أتت للجمع أو بناء
نحو يسوءوا ووري الغاوون
ثمت داوود ولا تلوون
واختير فيما واوه قد دخلت
فيه لجمع أن تكون حذفت
أولاهما ما لم تكن بالضم
كنحو يلوون فعكس الحكم
واختير ذا العكس بذي البناء
من نحو داود بلا استثناء
باب سقوط أحد اللامين
وهي الأخيرة من الحرفين
لام الذي بالحذف حيث عنا
مفردا أو مجموعا أو مثنى
واللاء والليل التي واللاتي
وقل على الأصل سواها آت
باب ورود الهمز في المكتوب
وضبط رسمه على التقريب
الهمز إما أول أو طرف
أو وسط، فأول قل ألف
وكل حرف زائد يستطر
من قبله فذاك لا يعتبر
ونوعه كنحو ما أمثل
مثل سأصرف، فإن، سأنزل
وخرجت أشياء عن ذا الأصل
فرسمت على مراد الوصل
بالواو يبنؤم هؤلاء
__________
(1) - يعني بالمنادي لفظ "ياعبادي" وقد صرح به في مورد الظمآن فقال: "وفي المنادى نحو يا عبادي ... أخراهما وحرف زخرف أثر.
0@وثبتت في العنكبوت والزمر
(2) - في الأصل "فيها".(1/393)
يومئذ حينئذ بالياء
ثم لئلا ولئن والطرف
صورته بعد سكون حذفوا
صح أو اعتل كنحو السوء
والمرء والسماء والنبيء
لكن تبوأ لتنوأ بالألف
والرسم مما قبله لا يختلف
إذا تحرك كنحو ينشئ
وبدأ الخلق وقل إن امرؤ
وحكمه كحكم ذا إن سكنت
كذا سكون همزة توسطت
نحو يشأ هيئ وكأس شئتم
ويوفكون واحذف ادارأتم
وكيف رؤيا ثم عن بعضهم
هل امتلأت فإذا اطمأننتم
ورسمها إن ضمت أو إن كسرت
أو بعد فتح قد أتت وفتحت
من نفسها كيئسوا وسئلت
يدرؤكم وسألوا ونبأت
إلا اطمأنوا اطمان لأملان
عن بعضهم مع اشمأزت فاحذفن
لكن إذا أتتك بعد الكسر
وضمه الرسم بياء يجري
في أحرف عن شبهها قد خرجت
لأن مما جنسها قد صورت
كيف أنبئ كذا ننبئ
ثم ينبئ وقل سنقرئ
كذاك بعد ضمة إن فتحت
أو كسرة كهزؤاً وملئت
وحذفها بعد سكون قد ألف
إن كان ذا الساكن ليس بألف
كنحو سوء ثم شيئا يسئم
لكن موئلا بياء يرسم
وجاء في النشأة والسوأى ألف
ثمت يسئلون عن قد اختلف
ورسمها من نفسها بعد ألف
كماؤكم نسائهم لكن وصف
جزاؤه في يوسف وأوليا
مع الضمير دون واو دون يا
وحذف ما قبل لهذا تال
واحذف جزاؤه بكل حال
بها، وكل صورة إن أدت
لجمع مثلين فليس تثبت
كجاءكم وملجئاً ءامنتم
وءالله وكذا ءاأنتم
ومالئون خاسئين ونئا
تؤوي أألقي ورءيا ورءا
إلا نهيئ سيئا وهيئ
سيئة مفردة والسيئ
ثم رأى من ما رأى في النجم
ومعهما السوأى بيا في الرسم
ورسم يا السيء بلام في الطرف
هيئ يهيئ لابن قيس بالألف
فصل وواو صورت في الطرف
رفعا وبعد ألف في أحرف
بشفعؤا ومعا أنبؤا
في النكر قل ولهو البلؤا
دعؤا طول علمؤا ينشؤا
نشؤا هود برءا ؤا يبدؤا
جزؤا شورى ثم في العقود
حرفان أولان في الممدود
وفيه في الكهف وطه والزمر
والحشر عنهم خلاف مستطر
وباتفاق ملؤا في النمل
ويتفيؤا كذا في النحل
والملؤا الأولى التي في المؤمنين
ثم بلؤا الذي قبل مبين
وأتوكؤا ومعه يعبؤا(1/394)
والضعفؤا للذين تفتؤا
ثمت فيكم شركؤا نبؤا
في غير توبة وقل لا تظمؤا
وشركؤا شرعوا ويدرؤا
واختلفوا في قوله ينبئوا
كذلك أنبؤا وليس ألف
في مثل ذا من قبل واوٍ تؤلفُ
فصل وياء عوضت من همزة
حيث أئنكم أئن الظلة
في النمل أئنا وفي اليقطين
أئمة ائن على يقين
كذا أئفكا أئذا في الواقعة
وأوء نبئ بواو وقعت
باب حرف وردت منتشرة
مزيدة فهاكها منحصرة
فألف في مائة ومائتين
تفرقة وفي أنا حيث أتين
لكنا في الكهف كذا رسمنه
وزيد في النمل لا أذبحنه
وألف ابن ثبتت بوصف
أو خبر، وزد لشايء الكهف
ثم معا يايئس وفي لا تايئسوا
والخلف في استيئس ثم استيئسوا
كذا لأوضعوا وجاء لاإلى(1)
وفي لأنتم لأتوها نقلا
وغير نصب لؤلؤ بعض كتب
مع حرف فاطر، وكل إن نصب
في غيرها، وبعد نحو واعلموا
من بعد فعل كتولوا فعموا
إلا سعو بسبإ وجاءو باءو
تبوءو عتو عتوا فاءو
واحذفه بعد الواو في أن يعفو
مع ذو ونحو مرسلوا لا حذف
فصل وياء زيد في إيتاءي
من قبل ذي القربى ومن تلقايء
وأفإين مات ومن ورأيء
في سورة الشورى ومن ءانايء
بأييكم ونبإى الأنعام
أولى بأييد الذرو(2) للإعلام
وملأ خفضا مضافا للضمير
وأفإين مت خطابا للنذير
كذاك للغازي معا لقايء
في الروم قل وكلهم واللائي
فصل وفي أولي أولات وأولوا
أولئكم للفرق واوا أدخلوا
وفي أولئك وفي أولاء
وسأوريكم فيه خلف جاء
ولأصلبنكم في الشعرا
ثم بطه فيهما قد كثرا
باب حروف من ذوات الياء
بألف جاءت لدى الهجاء
فألف منقلب عن ياء
بالياء في الأفعال والأسماء
كنحو بشراكم هدى وكالعمى
ثم من استعلى وأعطى ورمى
سوى عصاني ورءا والأقصا
ومن تولاه معا من أقصا
نئا طغا الماء وسيما الفتح
فرسمها على مراد الفتح
وكل ما أدى إلى التألف
بينهما فرسمه بالألف
__________
(1) - يعني "لإلي الجحيم" في سورة اليقطين.
(2) - يعني بالذرو سورة الذاريات، وفي المخطوطة بدل الذرو "الرزق" ولا معنى له.(1/395)
كنحو أحياكم وفي هداي
مثواي والدنيا وفي رءياي
إلا بيحيى ثم سقيا واختلف
في ياء سقياها وفي حذف الألف
كحذف أحياكم وأحياهم وقل
بالحذف عقباها ولا ياء ثقل
سيماهم في البكر أيضا تال
وسورة الرحمن والقتال
سوف تراني مع لن تراني
ءاتاني الكتاب مع أوصاني
ثم اجتباكم وفتاها واجتباه
كذاك ترضاه اشتراه وإناه
ثم أتنهانا كذا وقاهم
ثمت أنسانيه مع سقاهم
ورسمها بالياء أيضا جاء
كما مضى لدى ذوات الياء
كلتا لدا الباب وتترا بألف
وفي لدى في غافر قد اختلف
وخلف نخشى أن جنا تعسا وصف
لكن تعسا في الصحيح بالألف
باب ذوات الواو خطت ياء
في أحرف معدودة ولاء
وهي القوى تلى زكى جليها
سجى الضحى كيف أتى طحيها
وهاك واوا وردت في أحرف
قد عوضت في رسمها من ألف
وهي كمشكاة وبالغدوة
مع منوة وإلى النجوة
وفي الربوا أيضا وفي الصلواة
وفي الزكوة ثم في الحيوة
نكر لفظهن أو إن عرفا
وكانت التاء بهن طرفا
والخلف آت في ربا في الروم
وليس واو فيه في المعلوم
وألف من بعد واو في الربوا
وفي امرؤا كذاك كل كتبا
باب حروف وردت مقطوعة
في رسمهن هاكها مجموعة
أن لا أقول اقطعه في الأعراف
أن لا يقولوا ثم عن خلاف
في الأنبياء واتفاق في الدخان
وسورة الحج وحرف الامتحان
وأخرى هود مع حرف نونا
وسورة التوبة مع ياسينا
فصل ومن ما ملكت فاقطعه
إلا الذي في النور ولتتبعه
حرف المنافقين عن خلاف
وقطع إن ما الرعد بائتلاف
عن ما نهوا عن من ومن مع ظاهر
وأن ما تدعون لا تغادر
وأنما غنمتم مختلف
في رسمه والوصل فيه أعرف
ورسم إنما الذي في النحل
كرسم هذا في أصح القول
وأن ما بالقطع في الإمام
من قبل توعدون في الأنعام
أن لم بفتح جاء في المعدود
كذا بكسر غير حرف هود
فصل وأم من جاء في النساء
ومثله أم من خلقنا جاء
وأم من أسس وأم من يأتي
ولات حين مثلهن آت
وحيث ما ويوم هم في الطول
والذاريات قطعوا للفصل
فصل ومال هؤلاء اقطعه ثم(1/396)
مال الذين مال هذا وابن أم
فصل وقل من كل ما بالقطع
جاء بإبراهيم دون منع
وكل ما ردوا وقبل دخلت
وجاء أمة بخلف قطعت
وكل ما ألقي أيضا فصلا
لكن في جل الرسوم وصلا
فصل وقل في ما فعلن ثانيا
وجاء في وسط العقود تاليا
وجاء حرفان لدى الأنعام
وحرف الأنبياء بانفصام
والشعرا والنور ثم الواقعة
والروم أربع كذاك واقعة
ثم بتنزيل معا وقد ذكر
لدى جميعهن وصل مستمر
باب من الحروف بالوصل أتت
لكونها في اللفظ قد تألفت
ووصلوا فأينما تولوا
ومثله في النحل ثم يتلو
حرف النسا وسورة الأحزاب
والشعرا هذان باضطراب
فصل وبيسما اشتروا من دون
خلف وبيسما خلفتموني
مع بيسما يأمركم قل وصلا
كلاهما بالخلف فيما نقلا
فصل لكيلا الحج ثم الأحزاب
ثان وبالحديد دونما ارتياب
فصل وألن جاء دون خلف
لدى القيامة وآي الكهف
والخلف في ألن لدى المزمل
وقطعه أشهر في المعول
فصل ويبنؤم فيم مما
خلق ممن وبفتح أما
كالوهم أو وزنوهم ربما
منها نعما عم صل كأنما
القول في رسم مضاف هاء
مؤنث لظاهر بالتاء
فرحمت بالتاء قل في البقرة
وزخرف معا أتت مستطرة
ومريم وهود والأعراف
وسورة الروم على ائتلاف
وفبما رحمة أيضا ذكرت
لكن هاء في الصحيح رسمت
فصل وجاءت نعمت في البقرة
وفي العقود بعدها مقتفرة
ثانيهما ثم بآل عمران
وفاطر والطور ثم لقمان
وآخر النحل ثلاثا(1) فاشمل
وحرفي إبراهيم غير الأول
وهكذا نعمت ربي قد رسم
عن الخراساني وغاز وحكم
فصل وفي الأنفال ثم غافر
سنت مع ثلاثة بفاطر
فصل وقل قرت عين فطرت
وقبل نجعل لعنت ولعنت
نور وقل بقيت وامرأت
في سبعة والمزن فيها جنت
وفي الدخان شجرت ومعصيت
وابنت وفي الأعراف خلف كلمات(2)
__________
(1) - سقط لفظ ثلاثا من اللفظ، وقد أثبتناه اجتهادا واستنادا إلى قوله في مورد الظمآن في هذا الموضع :
ثم ثلاث النحل أعني الأخرى ... وواحد في الطور ليس أكثرا
(2) - في المخطوطة "كملت" والصواب ما أثبتناه.(1/397)
وابن نجاح قال فيها بالصريح
كلمة هنا بتاء في الصحيح
هذا تمام نظم رسم الخط
وها أنا أتبعه بالضبط.
هذا هو النص الكامل لأرجوزة الرسم الأصلية التي سماها أبو عبد الله الخراز باسم "عمدة البيان" قبل أن ينظم بدلها "مورد الظمآن"، وكانت في الأصل – كما قدمنا – موصولة بقسم الضبط الذي ألحقه الناظم بالمورد فيما بعد، فمجموع أبيات العمدة 360 بيتا، ومجموع الأبيات المتعلقة بالضبط 154 بيتا، ومجموع ذلك كما كان في النظم الأصلي = 514 بيتا، وهذا العدد هو الذي يعنيه بقوله في آخر قسم الضبط:
عدته أربعة وعشرة ... جاءت لخمسمائة مقتفرة
الفصل الثالث:
أرجوزته الثانية المعروفة ب "مورد الظمآن"
(عرض موجز لمحتوياتها).
استهل أبو عبد الله الخراز أرجوزته "مورد الظمآن" بهذه الديباجة التي تمتاز بجمال الصياغة وحسن السبك فقال:
الحمد لله العظيم المنن ... ذو مرسل الرسل بأهدى سنن
ليبلغوا الدعوة للعباد ... ويوضحوا مهايع الرشاد
وختم الدعوة والنبوءة ... بخير مرسل إلى البريئة
محمد ذي الشرف الأثيل ... صلى عليه الله من رسول
وآله وصبحه الأعلام ... ما انصدع الفجر عن الإظلام
ثم تطرق لبيان غرضه من هذا الرجز بذكر أصل الرسم وأنه علم مأثور عن الخلفاء الراشدين الذين تولوا جمع القرءان وكتابة المصحف الإمام: أبي بكر وعمر وعثمان، ولذلك وجب على الأمة اقتفاء مرسوم ما أصلوه، واتباع آثارهم فيما كتبوه، على الوجه الذي اختاروه، دون تصرف فيه بزيادة أو نقصان.
ثم ذكر أن علماء هذا الشأن من السلف والخلف وضعوا في وصف طريقتهم في ذلك ومنهاجهم كتبا مشهورة منها هذه التي أشار إليها بقوله:
أجلها – فاعلم – كتاب "المقنع" ... فقد أتى فيه بنص مقنع
والشاطبي جاء في "العقيلة" ... به، وزاد أحرفا قليلة
وذكر الشيخ أبو داودا ... رسما ب "تنزيل" له مزيدا(1/398)
ثم تحدث عن منهجه في أرجوزة "المورد" ومصادره هذه التي اعتمدها فيها فلخص مسائلها وأضاف إليها بعض ما استفاده من غيرها مما ثبت بالرواية الموثقة، إلا أنه ـ كما ذكر ـ لم يسلك سبيلها في إيراد جميع ما يتعلق برسم القراءات السبع المشهورة، وإنما اقتصر من ذلك على قراءة أمام دار الهجرة، ومما قال في ذلك:
فجئت من ذاك بهذا الرجز ... لخصت منهن بلفظ موجز
وفق قراءة أبي رؤيم ... المدني ابن أبي نعيم
حسبما اشتهر في البلاد ... بمغرب لحاضر وباد
وربما ذكرت بعض أحرف ... مما تضمن كتاب "المنصف"
ثم تحدث بعد أبيات عن الكيفية التي سيسرد بها مسائل الرسم فقال:
جعلته مفصلا مبوبا ... فجاء مع تحصيله مقربا
وحذفه جئت به مرتبا ... لأن يكون البحث فيه أقربا
وفي الذي كرر منه أكتفي ... بذكر ما جا أولا من أحرف
منوعا يكون أو متحدا ... وغير ذا جئت به مقيدا
ثم قال بعد أبيات في وصف خطوات المنهج مبتدئا ببيان الألفات المحذوفة في الرسم من أول القرءان الكريم:
باب اتفاقهم والاضطراب ... في الحذف من فاتحة الكتاب
وللجميع الحذف في الرحمن ... حيث أتى في جملة القرءان
كذاك لا خلاف بين الأمة ... في الحذف في اسم الله واللهمه
لكثرة الدور والاستعمال ... على لسان حافظ وتال
وجاء أيضا عنهم في العالمين ... وشبهه حيث أتى كالصادقين
ونحو ذريات مع آيات ... ومسلمات وكبينات
من سالم الجمع الذي تكررا ... ما لم يكن شدد أو إن نبرا
ثم بعد أن ساق هذه الأحكام المطردة انتقل إلى ذكر ما خرج عن القاعدة فقال:
وأثبت "التنزيل" أولى يابسات ... رسالة العقود قل وراسيات
رجح ثبته وباسقات ... وفي الحواريين مع نحسات
أثبته وجاء ربانيون ... عنه بحذف مع ربانيين
وهكذا تتبع الحذف في بقية الباب بعرض المتفق عليه والمختلف فيه وما استثني من القاعدة ثم انتقل إلى ذكر الحذف في سورة البقرة فقال:
القول فيما قد أتى في البقرة ... عن بعضهم وما الجميع ذكره
وحذفوا ذلك ثم الأنهار ... وابن نجاح راعنا والأبصار(1/399)
فساق الحذف المتفق عليه وما استثني منه فأثبت فيه الألف وما اتفق على إثباته بسبب قلة استعماله فقال:
وما أتى وهو لا يستعمل ... فألف فيه جميعا يجعل
كقوله سبحانه طالوت ... ياجوج ماجوج وفي جالوت
وهكذا تتبع باقي سور القرآن الكريم على هذه الشاكلة، ثم انتقل إلى ذكر الياءات المحذوفة من الرسم فقال:
القول فيما سلبوه الياء ... بكسرة من قبلها اكتفاء
والياء تحذف من الكلام ... زائدة وفي محل اللام
فاللام "يوت الله" ثم "المتعال" ... "والداع" مع "يات" بهود ثم صل
ثم انتقل بعد إتمام مسائل الباب إلى ذكر الواوات المحذوفة أيضا في نحو "يدع الداعي" و"يمح الله"، ثم ذكر بعدها اللامات المحذوفة اختصارا في مثل "اليل" و"الذي" و"التي"، ثم انتقل إلى مبحث تصوير الهمز وعرض حالاته المختلفة في الابتداء والوسط والطرف، وصدر له بقوله:
وهاك حكم الهمز في المرسوم ... وضبطه بالسائر المعلوم
فأول بألف يصور ... وما يزاد قبل لا يعتبر
نحو بأن وسألقي وفإن ... وبمراد الوصل بالياء لئن
ثم انتقل إلى ذكر الياءات الزوائد في الخط والواوات والألفات فقال:
وهاك ما زيد ببعض أحرف ... من واو أو من ياء أو من ألف
فمائة ومائتين فارسمن ... بألف للفرق مع لأاذبحن
ثم ذكر بعد هذا رسم الألفات المنقلبة عن ياء، ثم المنقلبة عن واو، ثم أردفها بباب حروف وردت بالفصل في رسمها على وفاق الأصل، ثم انتقل إلى ذكر التاء المبسوطة في الرسم، وبذكرها أنهى الأرجوزة، وآخر ما ذكر من ذلك قبل الختام قوله:
ومعصيت معا، وفي الأعراف ... كلمة جاءت على خلاف(1)
فرجح التنزيل فيها الهاء ... ومقنع حكاهما سواء
قد انتهى والحمد لله على ... ما منّ من إنعامه وأكملا
في صفر سنة إحدى عشرة ... من بعد سبعمائة للهجرة(2)
__________
(1) - بهذه المسألة ختم أيضا في عمدة البيان، وهي قوله تعالى: "وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا".
(2) - بيننا اليوم وبين زمن نظم الأرجوزة مثل ما كان بين ناظمها وبين بدء التاريخ الهجري.(1/400)
ثم قال عن عدد أبيات المورد الخاصة بالرسم:
خمسين بيتا مع أربعمائة ... وأربعا تبصرة للنشأة
ثم بعد بيتين في الدعاء قال واصلا قصيدة "المورد" بذيل أرجوزته القديمة أي بالقسم الخاص بالضبط:
صلى عليه ربنا عز وجل ... وآله ما لاح نجم أو أفل
هذا تمام نظم رسم الخط ... وها أنا أتبعه بالضبط(1)
كيما يكون جامعا مفيدا ... على الذي ألفيته معهودا
مستنبطا من زمن الخليل ... مشتهرا في أهل هذا الجيل
فقلت طالبا من الوهاب ... عونا وتوفيقا إلى الصواب
ثم أخذ في عرض قسم الضبط مصدرا له بقوله:
القول في أحكام وضع الحركة ... في الحرف كيفما أنت محركة
ففتحة أعلاه وهي ألف ... مبطوحة صغرى وضم يعرف
واوا كذا أمامه أو فوقا ... وتحته الكسرة ياء تلقى
ثمت إن اتبعتها تنوينا ... فزد إليها مثلها تبيينا
وإن تقف بألف في النصب ... هما عليه في أصح الكتب
سواء إن رسم أو إن جاء ... وهو ملحق كنحو ماء
وإن يكن ياء كنحو مفترى ... هما على الياء كذا النص سرى
وقيل في الحرف الذي من قبل ... حسبما اليوم عليه الشكل
وهكذا تتبع كيفية شكل الحروف المشددة والنون الساكنة المظهرة والمدغمة والمخفاة، وعلامة المد والمط وأحكام ضبط الهمز في أحواله المختلفة من تحقيق وإبدال وتسهيل ونقل، وأحكام همزات الوصل في الابتداء والدرج والنقل والحروف اللواحق المحذوفة من الرسم والزوائد فيه كبعض الألفات والياءات والواوات، ثم ذكر أحكام الحرف "لام ألف" وكيفية ضبطه مهموزا وممدودا وبعض الأحكام الجزئية المتعلقة ببعض الكلمات، ثم ختم مسائل الضبط بذكر الإشمام فقال:
ونقط "تامنّا" وما يشم ... مع الذي اختلسته فالحكم
أن تجعل الجميع بالحمراء ... هذا تمام الضبط والهجاء
محمد جاء به منظوما ... نجل محمد بن إبراهيما
الأموي نسبا ونشأة ... عام ثلاث معها سبعمائة
__________
(1) - هذا البيت كما تقدم هو آخر بيت من أرجوزة الرسم الأصلية: "عمده البيان".(1/401)
ثم ختم بخاتمة طويلة استغرقت ثلاثة وعشرين بيتا دعا فيها الناظر في عمله هذا إلى الإغضاء والمسامحة فيما قد يجد فيه من عيب أو قصور، لأنه لا يدعي الإحصاء، ولا يطلب الاستقصاء، ولأنه ليس ينبغي الاتصاف بالكمال إلا لربنا الكبير المتعال، قال:
وفوق كل من ذوي العلم عليم ... ومنتهى العلم إلى الله العظيم(1)
قيمة الأرجوزة "مورد الظمآن" بقسميها في الرسم والضبط وإشعاع مدرسة أبي عبد الله الخراز من خلالها والانتماء الفني لناظمها
قد اكتفينا في هذه الأرجوزة وقسم الضبط المتعلق بها باستعراض أهم أبوابهما ومباحثهما، ولم نورد نصهما الكامل كما فعلنا بالأرجوزة الأصلية المسماة بـ "عمده البيان"، نظرا لوجود الأرجوزتين المذكورتين في التداول، ولأنهما طبعتا أكثر من مرة سواء مع بعض الشروح المنشورة أم مستقلتين أم في بعض المجموعات من المتون.
ونريد هنا أن نتوقف مع القارئ الكريم عند أرجوزة "المورد" الحالية بقسميها: الرسم والضبط لنتتبع من خلالها إشعاع هذه المدرة المنبثقة عن مدرسة أبي عبد الله بن القصاب، وأن نحدد انتماءها الفني "المدرسي" وأن نقف بشكل خاص على أهميتها في قراءة ناقع وعلى الأخص في هذا الطور من تاريخ المدرسة المغربية في المغرب الأقصى بعد أن أخذت طريقها نحو إثبات الشخصية والتعبير عن الخصوصية التي تميزت بها شكلا ومضمونا عن المدارس التي تقدمتها في إفريقية والأندلس وبعد أن ظلت ردحا طويلا من الزمان لا تمثل إلا امتدادا لها أو صدى عابرا لا يحمل المياسم الفنية التي تميزه عن القواعد التي انطلق منها أو المناهل الثرة التي ظلت تمده بعطائها.
الفصل الرابع:
فضل أبي عبد الله الخراز على قراء قراءة نافع في المغرب.
__________
(1) - هذا آخر بيت من قسم الضبط الذي ذيل به "مورد الظمآن" في صورته المعروفة اليوم.(1/402)
لإبراز مكانة أبي عبد الله الخراز في هذا الطور، والإبانة عن فضله الكبير على كل قارئ لهذه القراءة جاء بعد زمنه، لابد من إلقاء نظرة على ما بذل من جهد من لدن أئمة هذا الشأن قبله في المدرسة المغربية في هذا الاتجاه منذ عهد الأقطاب في المائة الخامسة وتلامذتهم الذين حصلوا علومهم وهذبوها وقدموها للناس.
لقد وقفنا في صدر هذا البحث على مدرسة الرسم في عهد التأسيس مع الغازي بن قيس وصاحبه حكم بن عمران بالأندلس، ثم معها في عهد التأصيل والنضج مع رائدها ومؤصلها الإمام الحافظ أبى عمرو الداني، زعيم "المدرسة الأثرية الاتباعية، ثم مع معالم هذه المدرسة وامتداداتها الفنية ممثلة في أبي داود سليمان بن نجاح صاحب "التبيين لهجاء مصحف أمير المؤمنين"، ومختصره "التنزيل" وذيله في الضبط، ثم في أبي الحسن البلنسي صاحب أرجوزة "المنصف في رسم المصحف"، ثم في أبي محمد القاسم بن فيره الشاطبي صاحب "عقيله أتراب القصائد في أسنى المقاصد"، وألممنا أيضا بذكر الإشعاع العلمي لهذه المدرسة وما تفرع عنها كما تمثل ذلك في الشروح والمختصرات والمنظومات التي قامت على تلك الآثار، وتبين لنا من خلال ذلك كله مدى استقلال رجال المدرسة الأثرية بهذا الفن رواية ودراية وتوجيها وتأليفا وجمعا وتيسيرا لقواعده ونظما لمسائله.(1/403)
ثم كان مما مست الحاجة إليه في أواخر المائة السابعة إعادة النظر في قضايا الرسم بتلخيصها من الأمهات وتقريبها من الناشئة، وكان التركيز فيها على كتاب "المقنع" لأبي عمرو خاصة لما فيه من دقة في وصف رسوم المصاحف الأئمة وتحديد لأمهات الأصول المعتمدة في الرسم في محاولة لإدخالها تحت القواعد الكلية التي يخضع لها هذا الفن والأسس النظرية التي قام عليها على أيدي رجال السلف الذين عنوا به في مراحله الأولى وضعا ورسما ورواية ووصفا وتحديدا. ولم يكن بدعا أن تستدعي الحاجة إلى تقريب هذه المباحث بإعادة صياغتها بعد أن استوفى عدد من الأئمة حصرها ودونوا أصولها مسندة عمن نقلها، فلهذا نجد الهمم قد توافرت بصفة خاصة على تأليف عدد من المختصرات لكتاب المقنع أذكر منها:
1- كتاب الممتع في تهذيب المقنع لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن داود اللخمي المرسي المعروف بابن الكماد (ت 712)(1)
2- مختصر كتاب المقنع لأبي عبد الله محمد بن البقال التازي ثم الفاسي(2).
3- مختصر كتاب المقنع لأبي زيد عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن محمد بن شعيب بن عبد الملك بن سهيل القيسي (673-737)(3).
4- مختصر المقنع لأبي عبد الله الأنصاري(4)
__________
(1) - سبق التنبيه عليه في ترجمة أبي عمرو الداني عند ذكر ما قام على المقنع من نشاط علمي، ويمكن الرجوع إلى ذكره أيضا في فهرسه ابن غازي 98- ودرة الحجال 2/105-106 وشجرة النور 1/212.
(2) - أسنده ابن غازي في فهرسته ص 98.
(3) - ذكره له في نيل الابتهاج 165.
(4) - ذكره أبو زيد القصري الفرمي في شرحه الآتي على ضبط الخراز.(1/404)
إلى غيرها من المختصرات التي انصبت على كتاب المقنع خاصة باعتباره أهم كتاب جامع تضمن مسائل الرسم المعززة بالآثار مما بوأه عند الأئمة المنزلة العالية التي لم يزاحمه عليها أثر بعده، وإن كان غيره قد زاد على ما فيه من أصول محررة وأطنب في ذلك كما فعل أبو داود في كتابي "التبيين" و"التنزيل"(1).
وحتى الشاطبي الذي انطلق في "العقيلة" من المقنع نفسه وجعل قصيدته ملخصا لمسائله لم يزد على إضافة حروف يسيرة ضمها إلى مسائل المقنع من كتب أبي عمرو الأخرى، فبقي المدار عنده وعند جميع من كتبوا في هذا الفن رسما وضبطا على أبى عمرو وكتابه الذي جعله كاسمه مقنعا في هذا الشأن، ولأنه اقتصر فيه على الثابت الموثق الذي تزكيه الرواية وتسنده الوثائق الخطية المكتوبة التي وقف عليها وأجرى عليها ما أجرى من دراسة ومقارنة.
مشروع أبي عبد الله الخراز ومميزاته والجديد فيه:
وجاء الإمام أبو عبد الله الخراز في أواخر المائة السابعة ليكون بمثابة خلاصة لعامة هذه الجهود التي بذلت في فني الرسم والضبط، وليكون معلمة بارزة في هذا الطور، إذ استطاع أن يبقى وفيا لمبادئ مدرسة أبي عمرو في ذلك وأن يضيف إلى عمل هذا الإمام الحافظ ما ثبت لديه من طريق أبي داود وطريق البلنسي والشاطبي وغيرهم، وأن يرقى بالبحث إلى مستوى من الفقه في مسائله واستنباط علله وتصنيف كل نوع منها تحت طائفة من الضوابط والقواعد الكلية التي وجد الرواد من السلف قد رتبوا اختياراتهم في الغالب عليها ونبهوا بالمصطلحات التي التزموا بها على رعايتهم لها، وهذا ما نبه عليه غير واحد ممن تحدثوا عن مكانة أبي عبد الله الخراز في هذا الطور، فقال العلامة ابن خلدون في سياق حديثه عن تطور مدرسة الرسم:
__________
(1) - تقدم ذكر هذا عن الكتابين وغيرهما لأبي داود في ترجمته.(1/405)
"ثم نقل بعد ذلك خلاف آخر فنظم الخراز من المتأخرين أرجوزة أخرى زاد فيها على المقنع خلافا كثيرا وعزاه لناقليه، واشتهرت بالمغرب، واقتصر الناس على حفظها، وهجروا بها كتب أبي داود وأبي عمرو والشاطبي في الرسم"(1).
وقال ابن الجزري منبها على بعض مصادر الخراز: "ونظم في ذلك أرجوزة لطيفة أتى فيها بزوائد على الرائية(2) والمقنع من التنزيل لأبي داود وغيره"(3).
غير أن الجديد عند الخراز بالنسبة إلى بحثنا وهو الذي يعنينا أكثر، ليس هو ما أضافه إلى المقنع وزاد به عليه؛ وإنما هو إفراده لرسم قراءة نافع وضبطها وتمييزه لها عن باقي القراءات السبع وغيرها مما يدخل في المرسوم في المصحف الإمام، وهي خطوة كانت إلى زمنه تنتظر من يقوم بها، ومشروع كان حتى عهده يحتاج إلى مثله ليأتي على مثل ما جاء عليه على يده من تمام الإتقان والأحكام.
أما أهم مميزات هذا المشروع الذي يشمل فني الرسم والضبط معها فمنها:
__________
(1) - مقدمة ابن خلدون 438.
(2) - يعني عقيله أتراب القصائد للإمام الشاطبي.
(3) - غاية النهاية 2/237 ترجمة 3394.(1/406)
1- إفراده لرسم قراءة نافع وضبطها عن الرسم والضبط العامين المشتركين بين باقي القراءات، استجابة منه للحاجة الملحة إلى هذا التمييز وتحقيقا لرغبة الراغبين في إتقان هذه الرواية رسما وضبطا وأداء، باعتبار هذه القراءة القراءة الأم المعتمدة بالبلاد، والتي ينشأ عليها الولدان، وبها يتعلمون أول ما يتعلمون من القرآن، وذلك لما لرسم المصحف وضبطه من ارتباط وثيق بكيفية أداء القراءة، ولما لكيفية الأداء أيضا من تأثر بصورة الرسم والضوابط المعتبرة فيه من إثبات وحذف وفصل ووصل وعقص ووقص، وما يراعى من ذلك في القطع والاستئناف والوقف والابتداء وغير ذلك مما تعتبر معرفته ضرورية لتحقيق الحذق المطلوب بالقراءة والضبط لأحكامها وأصول أدائها، ولذلك جعل أئمة القراءة مباحث هذا الفن من أوكد ما يؤخذ به المتعلم ويحرص على مراعاته والالتزام به، واعتبروه أحد الأركان الثلاثة التي تتوقف عليها صحة القراءة ويقوم عليها قبولها، وإلى هذا المعنى أشار الخراز في أرجوزة الرسم الأولى بقوله:
وذا حداني لانتظام الرسم ... في رجز مقرب للفهم
مبوب مفصل لمن نظر ... وحذفه مرتب على السور
على قراءة الإمام نافع ... تذكرة لناشئ وبارع
كما أشار إليه في قوله في "مورد الظمآن":
فجئت في ذلك بهذا الرجز ... لخصت منهن بلفظ موجز
وفق قراءة أبي رؤيم ... المدني ابن أبي نعيم
حسبما اشتهر في البلاد ... بمغرب لحاضر وباد
2- جمعه لما تفرق في مصادر الرسم كالمقنع والتنزيل والمنصف والعقيلة وغيرها كما ذكر ذلك في صدر "المورد".(1/407)
3- جمعه في "المورد" بين الرسم والضبط معا، وكذلك في "عمده البيان" في وضعها الأول – كما قدمنا – وذلك. بعد أن كان الرسم والضبط يتناول كل منهما منفردا كما نرى عند أبي عمرو وفي المقنع والمحكم، حيث أفرد الأول للرسم والثاني للضبط، ومثل ما نجد عند أبي داود في "التنزيل" وذيله في الضبط، وربما اقتصر المؤلف على الرسم خاصة كما فعل صاحب المنصف وصاحب العقيلة، فجاء الخراز فجمع بينهما في نسق واحد.
4- تيسيره لمسائل الفن وحصره لمباحثه في رجز سهل ميسور للحفظ والتداول.
5- تحديده لضبط بعض الأصول الخاصة برواية ورش، منها مذهبه في إبدال الهمز، ومذهبه في نقل حركة الهمزة، وبعض ما قرأه بالياء كقوله "لأهب لك" في سورة مريم، وتحديد كيفيات أخرى من الضبط في رواية ورش. فمن ذلك قوله:
وإن يكن مسكن من قبل ... صَحَّ فحكمها لورش نقل
تسقطها من بعد نقل شكلها ... وجرة تجعل في محلها
ومن ذلك قوله في حكم وضع همزة الوصل ومكانها في الضبط:
وحكمها لورشهم في النقل ... كحكمها في ألفات الوصل
ففوقه أو تحته أو وسطا ... في موضع الهمز الذي قد سقطا
ومنه قوله في المط للهمز لورش:
مط لهمز بعدها تأخرا ... أو ساكن أدغم أو إن ظهرا
كذا لورش مثل ياء شيء ... في مده ونحو واو السوء
6- عدوله في الضبط عن طريقة الشكل المدور إلى الشكل المستطيل المأخوذ من صور الحروف، وهو شيء أملته الحاجة إلى التيسير، وساعد عليه أخذ الأكثرين في زمنه به، وهو ما أشار إليه بقوله:
كيما يكون جامعا مفيد ... على الذي ألفيته معهودا
مستنبطا من زمن الخليل ... مشتهرا في أهل هذا الجيل(1/408)
هذا مع أن كتاب المصاحف في المشرق والمغرب ظلوا زمانا يتهيبون الإقدام على هذه الخطوة استمساكا منهم بطريقة السلف الواضعين أولى الخطوتين في ضبط حروف المصحف، ولهذا نجد التردد بين النمطين يخالج القراء إلى أثناء المائة السابعة، وهذا الشيخ أبو طاهر إسماعيل بن ظافر بن عبد الله العقيلي (554-623) ما يزال يحن إلى هذه المحافظة مع ميله إلى أسلوب الشكل بالحركات لما فيه من البساطة واليسر، فيقول موازنا بين النمطين:
"والأمر قريب ـ إن شاء الله ـ غير أن موافقة التابعين والأئمة المتقدمين عندي آثر، والمصير إلى ما عرف وألف أظهر، فإن الضبط المستطيل الآن أشهر، والعمل به أكثر، وأصل الضبط إنما كان لا يضاح الكلم وتعليم النطق بها على مراد كاتبها"(1).
إنه أذن الوفاء من جهة للمبدأ العام الذي أخذت به المدرسة الأثرية شرقا وغربا، ومعه أيضا الإشعار بالحاجة التي دعت إلى تجاوز هذا المبدإ طالما أن الأمر لا يزيد عن كونه لإيضاح الكلم وتعليم النطق بها، فبأي نمط تحقق ذلك حصل المطلوب.
لكننا نجد الإمام أبا عمرو المنظر والمؤصل لهذه المدرسة في الغرب الإسلامي يتمسك أشد التمسك بمبدإ الاتباع، ويأبى إلا أن يحتذي النموذج الأول الذي كان عليه نقاط السلف الذين وضعوا هذا النمط ونشروه وأخذ عنهم، فيقول بعد أن يعرض صورة النمطين ويؤثر الأخذ بالأول أي بالشكل المدور في نقط المصاحف:
__________
(1) - مختصر ما رسم في المصحف للعقيلي لوحه 24 مخطوطه بالخزانة التيمورية بمصر 1/229 – ونقله غانم قدوري الحمد في كتاب "رسم المصحف" 528.(1/409)
"وإنما جعلنا الحركات المشبعات مدورة على هيئة واحدة وصور متفقه، ولم نجعل الفتحة ألفا مضجعة والكسرة ياء مردودة والضمة واوا صغرى على ما ذهب إليه سلف أهل العربية، إذ كن مأخوذات من هذه الحروف الثلاثة دلالة على ذلك، اقتداء منا بفعل من ابتدأ النقط من علماء السلف بحضرة الصحابة ـ رضي الله عنهم واتباعا له واستمساكا بسنته، إذ مخالفته مع سابقته وتقدمه لا تسوغ، وترك اقتفاء أثره في ذلك مع محله من الدين وموضعه من العلم لا يسع أحد أتى بعده... ثم ساق خبرا أسنده عن أبي الأسود الدؤلي أنه قال للذي أمسك عليه المصحف: "إذا فتحت شفتي فانقط واحدة فوق الحرف(1)، وإذا ضممتهما فاجعل النقطة إلى جانب الحرف، وإذا كسرتهما فاجعل النقط في أسفله...". قال أبو عمرو:
"فاتباع هذا أولى، والعمل به في نقط المصاحف أحق... فوجب المصير إلى قولهم، ولزم العمل بفعلهم دون ما خالفه وخرج عنه"(2).
فأبو عمرو قطب المدرسة الاتباعية يفرق بين من سماهم بـ "سلف أهل العربية" وبين سلف أهل القراءة، ويرى أن الاستمساك بما وضعه هؤلاء أولى بالإتباع مما أحدثه أولئك، ولهذا استمر عامة علماء هذه المدرسة على السير على هذا المنهاج، في حين خالفهم غيرهم إلى طلب ما فيه اليسر.
إلا أن الخروج عن هذا الاتباع دفعة واحدة وبلا مقدمات كان شيئا تأباه السجية المغربية التي اعتادت إيثار مذاهب السلف، وقد كان أبو عمرو ورجال مدرسته من بعده أصدق المعبرين عنها في عصورهم.
__________
(1) - يعني فوق آخر الكملة، لأن هذا النقط كان نقط إعراب.
(2) - المحكم في نقط المصاحف لأبي عمرو الداني 42-43.(1/410)
فلم يكن بالأمر السهل اليسير أن يقدم مثل أبي عبد الله الخراز على هذه الخطوة فينقل الناس عما ألفوه إلى غيره، لاسيما إذا كان مدعوما ومعززا بهذه المبادئ التي نبه عليها أبو عمرو في محكمه، ولعل انتشار النمط الخليلي الذي عناه أبو عمرو بقوله "سلف أهل العربية"، وتوسع الكتاب والمؤدبين في استعماله هو ما يسر على الخراز أن يخطو بالضبط خطوته الجريئة هذه، معتبرا ما فيها من سهولة ويسر، وحتى دون أن يلمح إلى أنه سيخالف بها ما دعا إليه أبو عمرو في منهاجه، فيقول في ذيل المورد أعني في قسم الضبط:
ففتحة أعلاه وهي ألف ... مبطوحة صغرى وضم يعرف
واوا كذا أمامه أو فوقا ... وتحته الكسرة ياء تلقى
ولقد نبه شراح أرجوزته هذه على خروجه عن نمط أبي عمرو، فقال التنسي في "الطراز":
"أشار في هذين البيتين إلى صفة الحركات الثلاث، وإلى محالها من الحروف على مذهب الخليل الذي اختاره لجريان العمل به كما ذكر، وإن كان الداني اختار نقط أبي الأسود"(1).
وينبغي هنا أن ننبه على خطأ وقع فيه غير واحد من المعاصرين ممن كتبوا عما سموه "رسم ورش" أو "مصحف ورش"، فإنهم نسبوا الرسم الذي درج عليه المغاربة إلى ورش، وأن الخراز حدد في المورد هذا الرسم بناء على روايته، وفي هذا نجد صاحب "تحفة القراء" يقول:
"وقد اشتهر عند المغاربة أن الرسم المعتمد عندهم هو ما رواه أبو سعيد عثمان ورش عن شيخه نافع فيما ثبت وصح رواية عن عثمان – رضي الله عنه – وفي ذلك يقول صاحب مورد الظمآن":
فينبغي لأجل ذا أن نقتفي... (البيتين)"(2).
__________
(1) - الطراز في ضبط الخراز (مخطوط) وسياتي.
(2) - تحقة القراء لمحمد العربي بن البهلول الرحالي 9-10.(1/411)
هكذا جعل الرسم منسوبا لورش مع أن الخراز إنما نسبه لنافع، وإذا كان كذلك فليس ورش بأحق به من غيره ممن روى عن نافع كقالون وإسماعيل وإسحاق المسيبي وغيرهم ممن قدمنا من أصحابه، لاسيما وأن ورشا – فيما أعلم – لا تعرف له رواية للرسم عن نافع، وإنما عرض عليه القراءة كما قدمنا، وإنما الذي روي الرسم عن نافع من طريقه هو ربيبه قالون كما قدمنا في صدر هذا البحث، والرواية عن قالون في ذلك واسعة في كتب الرسم الأمهات(1).
__________
(1) - يمكن الرجوع إلى القائمة الطويلة التي رواها أبو عمرو من طريق قالون في المقنع 10-14.(1/412)
ولذلك فإن من المجازفة أن يقول القائل: إن المصحف المغربي مرسوم على رواية ورش، أو تمييز هذا المصحف عن غيره بأنه مصحف ورش باعتبار الرسم الذي رسم عليه، وإنما تصح هذه الإضافة إن صحت ـ فيما يتعلق بالشكل، فإن المصاحف المغربية ضبطت على وفق هذه الرواية، فلذلك شكل "وهو" وهي "بضم الهاء في الأول وكسرها في الثاني تمييزا لرواية ورش عن قالون، ورسم "أو -ءاباؤنا" وضبط في غير اليقطين والواقعة بجرة قبل الألف على مذهب ورش في نقل حركة الهمز إلى الساكن قبله مع حذف الهمز، على خلاف رواية قالون بالهمز وإسكان الواو، إلى غير ذلك مما يدل على أن الضبط وجزئيات يسيرة من الرسم ألحقت به في المصاحف المطبوعة كجرة الهمزة والألفات المحذوفة والياءات التي يزيدها ورش في الوصل ويحذفها في الوقف في مثل "أجيب دعوة الداع إذا دعان" فإن هذه الياءات شأنها شأن الألفات المحذوفة وغيرها مما زيد في الرسم والضبط كانت تحلق صغيرة بالألوان تمييزا لها عن المرسوم الأصلي، فلما تعذّر استعمال الألوان لهذا التمييز أعني في المصاحف المطبوعة كتبت بالسواد على وفق الرواية التي ضبط المصحف عليها. فيبقى أن المصحف مرسوم على قراءة نافع وما وافقها في الجملة، إلا أنه ضبط على مذاهب ورش وأصوله في الأداء، والخراز حينما تكلم على الرسم والضبط فعل ذلك بصورة إجمالية، وإنما نبه في قسم الضبط على بعض الجزئيات الخاصة برواية ورش ـ كما قدمنا ـ للحاجة إلى هذا التمييز حتى لا يظن أن الضبط متحد في جميع الروايات عن نافع، ويعلم أنه يجري على حسب ضوابط الرواية وأصولها.(1/413)
ومهما يكن فإن أبا عبد الله الخراز قد استطاع بعمله هذا في تقريب قواعد الرسم والضبط وأحكامهما وتيسيرهما سواء بنظمهما في رجزه المحكم الرائق، أو في النمط الذي أخذ به قد استطاع أن يستبد بالميدان وحده، وأن يضع أصول مدرسة مغربية أصيلة في ذلك أصبحت مرجعا لأهل هذا الشأن منذ زمنه إلى زمننا وإلى ما شاء الله من عصور، ولهذا كان عمدة كثير من الهيئات الإسلامية التي تشرف على تحرير المصاحف ومراجعة الطبعات التي تصدر في كثير من البلدان المشرقية والمغربية كما نجد الإشارة إلى ذلك في الملحقات التي ألحقت ببعضها لبيان بعض المصطلحات المتبعة فيها في الرسم والضبط والوقف ونحو ذلك.
ولئن كان لنا بعد أن تعرفنا مع القارئ الكريم على مصادره في أراجيزه رسما وضبطا، أن نتحدث عن المذهب الأدائي أو الفني الذي ينتمي إليه، فإننا نضع اليد بسهولة على ما يدل على أن انتماءه كان إلى المدرسة الأثرية الاتباعية أعني مدرسة أبي عمرو وأصحابه، لأنه لم يتزحزح عنها قيد أنمله سواء فيما كتبه حول "الدرر اللوامع" لابن بري، وهي أرجوزة سلك فيها ناظما كما صرح بذلك فيما سيأتي – طريق الداني، أم فيما ضمنه أراجيزه المذكورة إذ أن جميع ما زاد به على المقنع من تنزيل أبي داود أو منصف البلنسي أو عقيلة الشاطبي هو عائد في النهاية من طريق الرواية إلى أبى عمرو ومدرسته.
وأما اختياره لنمط الشكل بالحركات فهو جزئية يسيرة لا تأثير لها في انتمائه بحق إلى ما ذكرنا، لاسيما إذا اعتبرنا أنه قصر جهده كله على خدمة قراءة نافع حتى قيل كان لا يحسن غيرها.(1/414)
ولعلنا لا نستطيع تقويم الأثر العميق الذي كان لأعمال أبي عبد الله الخراز في هذا المجال، ولا أن نتمثل إشعاع مدرسته من بعده في مختلف العصور والأجيال، دون أن نتعرف على النشاط العلمي الذي قام على آثاره وانبثق عنها، لهذا نرى لزاما علينا أن نتوقف معه مرة أخرى لنواكب ما حظيت به أعماله من عناية العلماء وكيف عكفوا عليها بالرواية والحفظ والشرح والتعليق والتذييل والاستدراك والاحتذاء وغير ذلك مما سنرى أمثلة وافية له تكشف لنا عن مقدار أثره فيمن جاء بعده في مختلف العصور.
ونظرا لأهمية هذا المجال وصلته الوثيقة ببحثنا وبتاريخ مدرسة نافع وتطوراتها في المغرب الأقصى في هذا الطور نعقد لهذا فصلا خاصا نتتبع فيه تطور التأليف في هذا الشأن انطلاقا من أرجوزتي الرسم والضبط مع تقديم تعريفات موجزة بما أمكن الوقوف عليه وتأتى لنا من جملة الشروح وغيرها مما ارتبط بالأرجوزتين وكان منهما بسبيل، وعلى الله عز وجل التكلان، وبه سبحانه المستعان.
وسنقوم في الفصل التالي ـ بعون الله ـ بتتبع امتدادات هذه المدرسة في مختلف الجهات المغربية التي امتد إليها إشعاعها، بل في أطراف وأصقاع وأقطار بلغ إليها أثرها وأسهمت من جهتها في الإفادة منها كالأندلس والأقطار المغربية المجاورة.
وغرضنا من ذلك أن نقوم بالتمثل الكافي لما ذكرناه قبل لأبي عبد الله الخراز ومدرسته من تأثير عميق في مسار قراءة نافع في المدرسة المغربية في المائة الثامنة وما أعقبها من عصور، وعلى الأخص في هذا الجانب الذي يخص رسمها وضبطها وتحرير القواعد والأصول التي تحكم ذلك في إطار ما سميناه بـ "المدرسة الأثرية" التي أخذت على عاتقها احتذاء النموذج المدني في القراءة ورسمها انطلاقا من عمل الصحابة والتابعين ومن أخذ عنهم وسلك سبيلهم من سلف الأمة وأعلام الأئمة.
الفصل الرابع:
أرجوزة مورد الظمآن وذيلها وما قام حولهما من نشاط علمي عبر القرون.(1/415)
لعلنا لا نكون مبالغين إذا قلنا عن أرجوزتي الرسم والضبط اللتين اشتمل عليهما "مورد الظمآن" للخراز أنهما قد نالتا من الشهرة والحظوة والقبول ما لم تكد تناله منظومة أخرى في علوم القراءة قديما وحديثا في المشرق والمغرب على السواء، وإن المتتبع لتاريخ الحركة العلمية في المدرسة المغربية يدرك بكامل السرعة أن هذه الأرجوزة بقسميها قد استطاعت أن تأخذ مكانها ومكانتها في الصدارة بسرعة بين المواد الدراسية التي كانت من العمد المرجوع إليها في هذا الفن، بل إنها أصبحت من جملة الأركان الركينة التي تكون الثقافة العامة للقارئ الناشئ والمقرئ المنتهي معا، إذ لا يستغني عنها هذا ولا ذاك.
ولقد تنافس الناس في روايتها وحفظها واستظهرها الولدان في المكاتب وعنوا بعرضها على المشايخ، وسارت بها الركبان إلى كل مكان فرويت في المغرب والأندلس والمشرق، "واقتصر الناس على حفظها ـ كما عبر عن ذلك ابن خلدون ـ وهجروا بها كتب أبي داود وأبي عمرو والشاطبي في الرسم".
رواياتها:
أما رواياتها عن الناظم نفسه فقد تعددت على الرغم من قلة المعروفين بالأخذ عنه من أصحابه، وقرب عهد إنشائها في صورتها الحالية سنة 711هـ من تاريخ وفاته سنة 718هـ، أي أن الناظم لم يمض على نظمه نحو السبع من السنوات حتى توفاه الله، ومع هذا فقد انتشرت الأرجوزة في حياته انتشارا كبيرا وتعددت رواياتها وفي بعضها مخالفة لبعض.
وسبب هذه المخالفة أن الخراز ـ رحمه الله ـ كان لا يفتأ ينظر في أعماله العلمية طلبا لمزيد من التحرير والإجادة كما رأيناه فعل في عمدة البيان، وهكذا كان بالنسبة لأرجوزة المورد نفسها، فإن الناظم كان لا يزال يستدرك فيها من المسائل ما رآه ناقصا ويستوفي من المباحث ما رآه غير واف.(1/416)
وبين أيدينا من كلام الناظم نفسه ما يشير إلى هذا الاستدراك والإصلاح، فقد ذكر صاحبه وأول شارح لأرجوزته في الرسم أبو محمد بن آجطا في "التبيان" عنه ما يلي: "يقول ناظم هذا الرجز الذي فرغنا من شرحه: "لما انتهى نظم هذا الرجز في التاريخ المذكور بلغ أربعمائة بيت وسبعة وثلاثين بيتا، ثم انتسخ وانتشر ورواه بذلك أناس شتى ثم عثرت فيه على مواضع كنت وهمت فيها فأصلحتها، فبلغ أربعة وخمسين بيتا مع أربعمائة فصار الآن ينيف على ما سبق منه سبعة عشر بيتا، فمن قيد من هذا نسخة فليثبت هذا بآخرها ليوقف على صحته، والله تعالى ولي التوفيق بمنه، لا رب غيره، ولا معبود سواه". انتهى كلامه رحمه الله"(1).
فالمورد إذن قد خضع للمراجعة من لدن ناظمه نفسه، فكان تعديله من حيث عدد الأبيات كما ذكر.
إلا أن التعديل يبدو أيضا أنه لم يقتصر على عدد الأبيات، وإنما شمل التعديل في الصياغة أيضا، ومن هنا نجد بعض شراح المورد يشير إلى بعض الاختلاف بين النسخ، وذلك غالبا ناشئ عن اختلاف الروايات الناتج عن هذا التعديل.
أهم روايات المورد:
ولعل أهم الروايات التي انتشر منها المورد هي:
1- رواية أبي محمد عبد الله بن عمر بن آجطا: وهي التي شرح على أساسها في شرحه المسمى بـ "التبيان"، وقد جاء في مقدمته عند ذكر ترجمة الناظم قوله عن نسبه: "هكذا في نسخته التي كتبها بيده، ونسخت أنا منها هذه النسخة التي عندي، وقرأتها عليه وسمعها مني وأجازني فيها عفا الله عنه"(2).
وقد ذكر بعض الشراح وجود مخالفة بين نسخة ابن آجطا وغيرها، واعتبر روايته أصح وأرجح لأنه سمع الأرجوزة من ناظمها مباشرة"(3).
__________
(1) - خاتمة التبيان لابن آجطا الصنهاجي.
(2) - مقدمة التبيان.
(3) - ذكره أبو الحسن التروالي في أول شرح المورد الآتي المسمى بمجموع البيان.(1/417)
2- رواية أبي زيد عبد الرحمن بن محمد بن سعيد: وهذه كانت أسير الروايات، وقد رواها الشيخ أبو زكرياء السراج وأسندها في فهرسته عن الراوية المذكور، ووصفه بالأستاذ المقرئ، ومن طريقه عنه أسندها الإمام المنتوري في فهرسته، إلا أنه قال: "وحدثني بها غير الذيل بآخرها في الضبط عن الشيخ الأستاذ المقرئ أبي زيد عبد الرحمن بن محمد بن سعيد قراءة عن ناظمها سماعا"(1).
وأسندها من هذه الطريق عن السراج عن أبي زيد عن الناظم أبو عبد الله بن غازي ولم يستثن شيئا(2).
3- رواية أبي سعد محمد بن عبد المهيمن بن محمد بن عبد المهيمن الحضرمي
هي أيضا من الروايات المشهورة، وقد بدأ بها الإمام المنتوري فأسندها عن أبي زكرياء السراج المذكور عن أبي سعد المذكور عن ناظمها(3).
وذكر السراج المذكور أن الراوي رواها عن الناظم إجازة، وحدث هو بها عن الراوي وبجميع تآليف أبي عبد الله الخراز كتابة عن مؤلفها إجازة، وأسندها ابن غازي بالسند إليه على هذه الصفة(4).
عنوان الأرجوزة:
أما اسم هذه الأرجوزة فقد فصل فيه الناظم فقال:
لأجل ما خص من البيان ... سميته بـ "مورد الظمآن"
__________
(1) - فهرسة المنتوري لوحة 29-30.
(2) - فهرسة ابن غازي 99.
(3) - فهرسة المنتوري لوحة 29-30.
(4) - فهرسة ابن غازي 99.(1/418)
وقد زاد غير واحد من الرواة والشراح في العنوان ما يفيد في إيضاح موضوعها إفقال المنتوري "في معرفة رسم القرآن"(1)، وقال ابن غازي في روايته: "في رسم أحرف القرآن"(2)، ونشرت في مجموع مع بعض المتون في الرسم وغيره تحت عنوان "الأرجوزة الجديرة بحسن الوسم، في فني الضبط والرسم"(3).
والظاهر أن هذا الاسم من تصرف بعض العلماء مريدا به التنصيص على ما تضمنته في صورتها الحالية من جمع للفنين معا.
فمسماها عنده أعم من غيره لأنه أدرج فيه الضبط، وذلك غير مفهوم مما ذكروه، إما لأنهم نظروا إلى الأغلب وإما لأن الذيل المتعلق بالضبط كان عندهم مستقلا في الاعتبار، ويدل على ذلك اقتصار كثير من الشراح ابتداء من شارحها الأول على شرح قسم الرسم وحده، واقتصار آخرين كصاحب الطراز على شرح قسم الضبط وحده.
شروح أرجوزة المورد في الرسم وشراحها:
لقد رأينا أن المظهر الأول من مظاهر العناية بالأرجوزة كان في روايتها وحفظها، أما المظهر الثاني من ذلك فقد كان في شرحها وبيان مقاصدها وبحث قضاياها ووصلها بمصادرها التي ينقل الناظم عنها إلى غير ذلك مما عني به الشراح بحسب مناهجهم ومستوياتهم وطبقاتهم في مختلف العصور.
ولإبراز جانب من هذه العناية نحاول تتبع أسماء الشروح التي ظهرت عليها أو أسماء الشراح الذين نجد الإشارة في المصادر إلى شروحهم عليها، مع التعريف الموجز بما وقفنا عليه من ذلك وهو قليل بالقياس إلى المجموع.
__________
(1) - فهرسة المنتوري لوحة 29-30.
(2) - فهرسة ابن غازي 99.
(3) - طبع المجموع المذكور بالمطبعة التونسية بنهج سوق البلاط بتونس سنة 1351هـ ويحتوي إلى جانب مورد الظمآن الذي سماه كما ذكرناه، على نظم الدرر اللوامع لابن بري، وأرجوزة للشيخ الغنيمي ستأتي سماها اختصار الداني في رسم نافع، واختصار الجاكاني في الحذف، وهي في المجموع على هذا الترتيب، وأرجوزة الخراز ما بين ص 1-27 منه.(1/419)
1- شرح مورد الظمآن أو "التبيان في شرح مورد الظمآن" لأبي محمد عبد الله بن عمر بن آجطا الصنهاجي
وهو أول من شرحه ـ كما تقدم ـ ولهذا نجد النقل عنه عند الشراح المتأخرين بلفظ "قال شارحه الأول"، وكان تأليفه للشرح المذكور كما ذكر في مقدمته متفاوت الزمن بين أوله وآخره، وهذه نبذة مما ذكره في ذلك وعن طريقته فيه:
وقفت على هذا الشرح في نسخ عديدة(1)، ومنها نسخة في خزانة خاصة(2) تبتدئ بهذه الديباجة:
"يقول العبد الفقير المذنب الراجي عفو ربه ـ عز وجل ـ عبيد الله بن عمر الصنهاجي المعروف بآجطا في هذا الكتاب المسمى بـ"كتاب التبيان في شرح مورد الظمآن":
"الحمد لله الملك الديان، الرحيم الرحمن... وبعد فاعلم أن الكتابة من أجل صناعة البشر وأعلى شأن، ومن أعظم منافع الخلق من الإنس والجان، لأنها حافظة لما يخاف عليه النسيان، وناطقة بالصواب من القول إذا حرفه اللسان، ومبقية للحكم على ممر الدهور والأزمان...
__________
(1) - من هذه النسخ الخطية نسختان خ ح بالرباط تحت رقم 4702-5827 (مبتورة الآخر)، وبخزانة تطوان نسختان برقم 739-835، ومنه مخطوطه بمكتبة معهد اللغات الشرقية بباريس تحت رقم 115 في مجموع.
(2) - وقفت عليها عند الشيخ المقرئ السيد أحمد بن الطاهر الكونطري بالصويرة، ثم حصلت منها على مصورة، وتنقصها السطور الأولى نحو ثمانية أسطر.(1/420)
ثم ذكر آثارا في فضل الكتابة وعناية السلف بتعلم الخط وتدوين العلم، ثم تطرق لذكر أول من كتب بإطلاق وأول من كتب بالعربية، وكيف انتقلت الكتابة إلى قريش وأهل مكة، ثم تطرق إلى القول بأولوية كتاب الله بأن يخص من الحفظ والصيانة بأوفر نصيب عن طريق الخط والكتابة، وأنه لما كان الأمر كذلك بادر سلف هذه الأمة إلى كتابة "مصاحف يهتدي بها، ويرجع إليها، ويرتفع الخلاف معها، والنزاع عندها، وكان أولى ما اهتم به المهتمون، واهتدى بهديه المهتدون، معرفة ما في تلك المصاحف من الهجاء الذي رسمه الصحابة عليها، لأن معناها لا يتأدى إلا بمطالعته، ولا يصح إلا بعد معرفته، ولا يحصل إلا بمعاينته، واتباعهم واجب في ذلك ومخالفتهم من أسباب المهالك".
ثم مهد لذكر مورد الظمآن بقوله: "وقد صنف الناس في هجاء المصاحف كتبا كيف رسمت، وأول من جمع القرآن في مصحف، والسبب الموجب لجمعه وغير ذلك مما يتعلق به نظما ونثرا من زمن التابعين إلى عصرنا هذا".
"وكان من أحسن ما نظم في هذا العصر، وأبدع ما وضع من نظم ونثر، الرجز المسمى بمورد الظمآن في رسم القرآن، للأٍستاذ المقرئ المجود المحقق المعلم لكتاب الله العزيز أبي عبد الله محمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله الأموي الشريشي الشهير بالخراز، وقد أتقنه غاية الإتقان، واختصره من كلام أئمتهم المتقدمين في هذا الشأن، والمقتدى بهم في معرفة رسم القرآن، وبذلك حق له تسميته بـ "مورد الظمآن"، ونظمه من أربعة كتب: اثنين نظما، واثنين نثرا(1)، فأحسن في نظمه، جعله الله له ذخرا، وأثابه بالجنة جزاء".
__________
(1) - المنثوران: المقنع والتنزيل، والمنظومان المنصف وعقيلة الأتراب.(1/421)
"فلما رأيته محسنا في نظمه متقنا، واعتناء الناس بحفظه في البلدان، وترداد ذكره بين الشيوخ والولدان. أردت أن أشرحه وأذكر مشكله وموضحه، وكنت ابتدأت هذا الشرح في حياة ناظمه، وكانت لي في ذلك عزيمة ونية وانتهيت به إلى الأسماء الأعجمية(1)، ثم عزبت نيتي، وانحلت عزيمتي، لأعذار أوجبت ذلك، منها الاشتغال بتعليم الصبيان، ولاستغراق جميع الزمان، وتغير الأحوال، ومكابدة العيال، وأمور كثيرة حالت بيني وبين تمامه، وكل شيء إلى وقته وأيامه، فلما كان في هذه السنة التي هي سنة أربع وأربعين وسبعمائة قدم علينا بعض الطلبة من نظر تلمسان، فسألوني إقراء الرجز المذكور، وكانوا يترددون إلي، ويلحون في الطلب علي، فاعتذرت لهم بتعليم الأولاد وغيره من الأشغال، من مكابدة الدنيا في الكدّ على العيال، فلم يقبلوا لي عذرا، وأرهقوني من أمري عسرا، ولم يزالوا إلي يترددون، وعلي في الطلب يلحون، إلى أن يسر الله علي في وقت من الأوقات، وساعة من الساعات، فأجبتهم إلى ما طلبوا، ووافقتهم فيما رغبوا، وأخذت في قراءته وتصوير حروفه، على حسب ما أقرأنيه ناظمه وما سمعته منه – عفا الله عنا وعنه – فلما سمعوا ذلك رغبوني في أن أضع ذلك في كتاب، ورأوا ذلك من الصواب، فامتنعت من ذلك كل الامتناع، لقصور الباع، وجمود الطباع، وكثرة الأشغال، وتغير الأحوال، وليس لي فراغ إلا يوم الخميس ويوم الجمعة(2)، وربما تعرض لي أشغال تستغرق هذين اليومين فيطول الأمر في ذلك...
__________
(1) - يعني إلى قوله في الأرجوزة القول في الحذف في سورة البقرة:
"والأعجمية كنحو لقمان ... ونحو إسحاق ونحو عمران".
(2) - يعني يومي العطلة الأسبوعية على السنة العمرية المتبعة في تعليم القرآن إلى اليوم بالبادية المغربية.(1/422)
"وسميت هذا الشرح بـ "كتاب التبيان، في شرح مورد الظمآن"، مستعينا بالله في القول والعمل، معتصما به من الزلل، راجيا ثوابه، قارعا بابه، جاعلا أعظم الوسائل كتابه، وأنا أبيح لمن طالع كتابي هذا إصلاح ما يجد به من الخلل، وستر ما يعثر عليه من الزلل، فإني لم أكتبه في لوح ولا غيره، بل جعلت مبيضته هذا الذي هو فيه حتى أكرر النظر فيه إن شاء الله، فإن وجدت إلى ذلك سبيلا من الفراغ من الأشغال فعلت وجددت عهدا لمقابلته وإلا بقي كما هو، على أنه ليس فيه إلا الشيء اليسير في بعض المواضع من تكرار ألفاظ ووهم في بعض الكلام، والله الموفق للصواب، لا رب غيره، ولا مرجو إلا خيره، وهذا أوله:
قال عبيد الله محمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله الأموي الشريشي عفا الله عنه: "... ثم أخذ في التعريف بالناظم وذكر مكانته ودار سكناه وموضع قبره بعد وفاته وبعض شيوخه وآثاره، ثم أخذ في شرح أبيات أرجوزة الرسم وأولها: "الحمد لله العظيم المنن... إلى ان انتهى إلى آخرها في شرح قوله في آخر الرسم:
صلى عليه ربنا عز وجل ... وآله ما لاح نجم أو أفل.
ثم ختم بنحو مما ذكر في المقدمة بأنه وضعه في مبيضته مباشرة، ووعد أنه سيعيد النظر فيه إن عاش ويسر الله له ذلك، ثم أعاد تكرار الإذن بإصلاح ما قد يكون فيه من خلل إذا كان بينا لمن طالعه ووقف عليه وختم بالدعاء(1).
__________
(1) - يقع في النسخة التي اعتمدتها في 273 صفحة من مسطرة 26 بخط دقيق بمعدل 18 كلمة في السطر.(1/423)
وقد ترجم الشيخ الكتاني في السلوة للشارح ووصفه بالشيخ الإمام المجود الهمام الأستاذ المقرئ، ثم ذكر أنه "كان أحد أساتيذ القراء المعتبرين، والنبهاء الحذاق المحررين، عارفا بالقراءات وضبطها ورسمها وما يتعلق بها.. ولم يذكر من شيوخه أحدا غير أبي عبد الله الخراز، كما لم يذكر شيئا عن سنة وفاته رحمه الله"(1).
أهمية هذا الشرح:
على الرغم مما ذكره مؤلفه من افتقاره إلى التحرير والتنقيح وما فيه مما نبه عليه من وهم، فإن عامة الشراح قد اعتمدوه لما تميز به من خاصية لم تقع لغير مؤلفه، وهي روايته للأرجوزة المشروحة عن ناظمها وقراءته لها على الناظم أيضا، وهذا بالإضافة إلى وقوفه على نسخة الناظم ونقله من كلامه وخطه في مواضع من الكتاب كترجمته وما ذكره من تعديله للأرجوزة كما قدمنا من نقله عنه، بل إنه قد زاد على ذلك فكان له فضل في مراجعة المؤلف في بعض المسائل التي وهم فيها في العزو كما أشار إلى بعضها في مواضع من شرحه.
فمن ذلك قوله عند قول الخراز:
كذابا الأخير قل وعنهما ... أساوره أثارة قل مثلما
__________
(1) - سلوة الأنفاس 2/ 105-106. وذكر السيد سعيد أعراب وفاته سنة 750 في كتابه القراء والقراءات بالمغرب 43 قال وضريحه بباب الحمراء وهو الآن غير معروف.(1/424)
"أراد قوله تعالى في سورة النبأ": "لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا"، واحترز بقوله "الأخير" من الأول وهو قوله: "وكذبوا بآياتنا كذابا" فذكر أن "كذابا" الأخير محذوف لأبي داود، وقد طالعت نسخا من "التنزيل" ومن "مختصر التنزيل"، فما رأيت أبا دواد تعرض لذكر الأول ولا الأخير، لا بحذف ولا بإثبات، فذكرت ذلك للناظم – رحمه الله – مرة بمنزله في مدة سكناه بالبلد الجديد(1)، فأخرج منه مبيضات وأوراقا كثيرة كان بَيَضَّ فيها ما نظمه في هذا النظم فلم يجد فيها "كذابا" فتعجب من ذلك، فقال – وهو صادق - : ما نظمت شيئا حتى رأيته وتحققته، ووعدني البحث فيه والنظر، فما راجعته فيه حتى مات – رحمه الله"(2).
ولقد ذكر في بداية شرحه أنه "قرأ الرجز على الناظم قراءة تفقه وبحث عن تنبيهاته وإخراج لما خفي من مشكلاته وحل لما انغلق من مقفلاته"(3).
ولهذا نجده في شرحه يرجع إلى بعض ما أخذه عنه مباشرة، كأن يقول: "هكذا أخبرني ناظمه"(4)، أو يقول: "مما حفظته عن ناظم هذه القصيدة رحمه الله"(5).
ونجده أحيانا ينقل عن خط الناظم أو ينقل عن بعض أصحابه، ومنه ما نقله عند قوله في الحذف:
ولأبي داود جاء حيثما ... إلا يضاعفها كما تقدما
فقد شرح معنى البيت ثم عقّب عليه بقوله: وهذا الذي ذكر – رحمه الله – في هذا النظم هو الذي وجدت له بخط يده في طرة نسخة من هذا الرجز لبعض الطلبة ممن كان يلازمه ويقرأ عليه هذا الرجز، فكتب له – رحمه الله – في قوله في هذا الموضع: "ولأبي داود جاء حيثما" ما نصه:
__________
(1) - يعني بفاس الجديد، وقد كان من منشآت المرينيين لهذا العهد.
(2) - التبيان لوحة 153 من مخطوطة الشيخ الكونطري بالصويرة.
(3) - التبيان لوحه 5..
(4) - التبيان لوحة 132.
(5) - التبيان 143.(1/425)
"هذه الألفاظ كلها عند الداني بالحذف، إلا ثلاثة مواضع، وهي الأول من البقرة، والحرفان في الحديد، فإنها بالخلاف، وهي كلها عند أبي داود بالخلاف، إلا "يضاعفها"(1) فإنه بالحذف.
قال الشارح: "وهذا وهم منه – رحمه الله – في هذا، لأن أبا داود لم يذكر في التنزيل" في "لفظ المضاعفة" إلا الحذف، وذكر أن ذلك إجماع من المصاحف... فلعله – رحمه الله – حين طالع "التنزيل" وقع نظره على قول أبي داود: "واختلط القراء في حذف الألف وإثباتها"، فتحقق عنده أنه أراد حذف الألف وإثباتها خطا، فعمل على ذلك، ثم إنه – رحمه الله – لم يراجع مطالعته فيه، ولا نظر لما قبل ذلك، وإلا فهذا وهم كبير، مع أنه – رحمه الله – كان محققا فيما ينقله، متقنا في ضبطه، متحرزا من الغفلات والسقطات، ولو ذكر له أو عثر عليه لبدله بما يزيل الوهم، ولقد قلت بيتا(2) مكانه:
واحذف "يضاعفها" لدى النساء ... وعنهما أيضا سواه جاء
والخلف للداني بأولى البقرة ... ثم بِحَرْفَيِ الحديد ذكره(3)
ومن هنا جاءت أهمية هذا الشرح، فكله تحقيق وتحرير ومناقشة لما ذكره الشيخ بالرجوع إلى المصادر التي اعتمدها، وتعقب لما رآه غير محرر من النقول والمباحث. مع تواضع جم للشيخ وثناء مستمر عليه ودعاء له بالرحمة.
ولقد اعتمده عامة من كتبوا بعده إلا قليلا منهم ممن عاصره كالمجاصي الآتي، وعلى الأخص فيما تفرد بنقله فيما يتعلق بترجمة الناظم وآثاره.
__________
(1) - يعني: "وإن تك حسنة يضاعفها..." سورة النساء.
(2) - كذا والصحيح "بيتين".
(3) - التبيان لوحة 112. وله تحقيق مثل هذا أيضا في اللوحة 97 عند قوله "وفي العظام عنهما في المؤمنين" فقد ذكر ** أن بعض طلبة الخراز راجعه في البيت في إطلاقه الحذف للداني وأبي داود هنا فظهر له فساده فبدله بشطر آخر ذكره، لكن الشارح ظهر له فساد ما ذكره في التعديل أيضا وقال: "ولم أسمعه منه ولا سألته عنه، لأن هذا كان قريبا من المرض الذي مات منه عفا الله عنا وعنه".(1/426)
كما اعتمده في التدريس أيضا كبار المشايخ لما فيه من التحرير واستقصاء المسائل في أصولها التي اعتمدها الخراز كالمقنع والتنزيل والمنصف والعقيلة وغيرهما من المصادر التي رجع إليها أو نقل عنها(1).
ولقد نبه بعض الباحثين على مكانته وذكر أن "كل الشروح عالة عليه، وقد كتب أبو عبد الله القصار(2) إلى تلميذه أبي العباس الشريف العلمي يقول: (... وأعجبني إقراؤك الخراز، واعتمد على ابن آجطا، فإن نقله صحيح، وكثير من شروح الخراز فيه تحريف..."(3).
وقد نبه الباحث المذكور على أن "هناك نسخا مختصرة من هذا الشرح – لم يشر إلى مكانها – تحمل نفس العنوان: (التبيان) منسوبة إلى المؤلف، ولعل ذلك مما قيده بعض تلاميذه أيام إقرائه لهم"(4).
بعض تلاميذ ابن آجطا ورواة شرحه:
ومن أهم تلاميذ أبي محمد بن آجطا "الشيخ الأستاذ المقرئ المكتب أبو الحسن علي بن يخلف المديوني الشهير بابن جزو(5) و"هو من شيوخ أبي زكريا السراج، ذكره في مشيخته في فهرسته ووصفه بما ذكرنا وقال:
"قرأت عليه الكتاب العزيز بقراءة ورش، وأشك في إكمال الختمة، وغالب ظني أني أكملتها، وبدأت أخرى لقالون، وبلغت منها إلى سورة سبأ، وسمعت من لفظه أبعاضا من كتاب "مورد الظمآن" للأستاذ أبي عبد الله الخراز، وأخذت عنه مسائل في الرسم وغير ذلك.
__________
(1) - ينقل أيضا إلى جانب ما ذكر عن شرح العقيلة للسخاوي وشرحها أيضا لأبي بكر بن عبد الغني اللبيب وعن الهداية في التفسير لمكي بن أبى طالب وشرح الجمل للزجاجي لأبي الحسين عبيد الله بن أبي الربيع وغيرها.
(2) - هو الشيخ أبو عبد الله محمد بن قاسم بن محمد بن علي الملقب بالقصار الأندلسي الغرناطي القيسي ثم الفاسي الدار قدم جده إلى فاس عند استيلاء العدو على غرناطة سنة 897، توفي المترجم سنة 1012 – نشر المثاني 1/86.
(3) - القراء والقراءات بالمغرب لسعيد أعراب: 45.
(4) - نفسه 45.
(5) - كذا بالجيم في فهرسة السراج (مخطوطة).(1/427)
"وكان تلا بالسبع وبقراءة يعقوب الحضرمي، وبقراءة يزيد بن القعقاع، وبغير ذلك على الشيخ الأستاذ نور الدين أبي الحسن علي بن سبع(1)، وأجاز له إجازة عامة.
"وقرأ القرآن في اللوح وأقام الرسم على الشيخ المقرئ المكتب المنجب أبي محمد عبد الله الشهير بابن آجطا، وقرأ عليه "مورد الظمآن"، وكان قرأها على ناظمها المذكور".
"وقرأ شيخنا أبو الحسن علي على شيخه أبي محمد المذكور بعض شرحه لمورد الظمآن" المذكور، وصححه بين يديه ونسخه من أصله، وعاق عن إكماله عليه موته، رحمهم الله أجمعين".
قال أبو زكرياء السراج: "وقد سمعت منه بعض الشرح المذكور"(2).
ولعل من تمام الفائدة هنا أن نذكر مع شرح ابن آجطا طائفة من الشروخ المختصرة التي كانت مختصرات له استكمالا لبيان أهميته وبليغ أثره فيمن جاء بعده.
2- فمن هذه الشروح: كتاب الدرر الحسان في اختصار كتاب التبيان في شرح مورد الظمآن "لأبي عبد الله محمد بن خليفة بن صالح السجلماسي الصنهاجي. ذكره غير واحد من الباحثين(3)، وذكر بعضهم أنه "كتب جله في رحلاته إلى إفريقية سنة 836"(4).
3- كتاب ري العطشان في رفع الغطاء عن مورد الظمآن لأحمد بن علي بن عبد الملك الركراكي.
__________
(1) - من شيوخ القراءات بمكناس وسيأتي.
(2) - فهرسه السراج المجلد 1 لوحة 359-360.
(3) - توجد مخطوطة منه بالمكتبة الوطنية بتونس تحت رقم 4058 – ذكره الأستاذ عبد العزيز بن عبد الله في الموسوعة المغربية 1/95 وفي معلمة القرآن والحدث في المغرب الأقصى 51 نشر مركز البحوث بالمملكة العربية السعودية وزارة التعليم العالي – دار الثقافة والنشر بالجامعة 1405-1985. – وكذا القرآن والقراءات بالغرب 48.
(4) - سعيد أعراب في القرآن والقراءات بالمغرب 48 – ونظرة على التراث القرآني حول مقرأ نافع – دعوة الحق 273 – السنة 1989 ص 154.(1/428)
لم أر من ذكره في شراح المورد، لكني وقفت على شرحه هذا بخزانة أوقاف آسفي(1)، وقد ذكر في خطبته أنه وضعه مختصرا على شرح التبيان لابن آجطا، وصدر له بقوله:
"يقول العبد الفقير إلى رحمة مولاه، الغني به عمن سواه، أحمد بن علي بن عبد الملك الركراكي ـ عفا الله عنه ونفعنا به آمين:
"الحمد لله القديم السلطان، العظيم الشان، الذي لا يحويه مكان، ولا يصفه لسان، الذي جعل الإسلام أفضل الأديان، واصطفى محمدا من(2) آل عدنان...
"وبعد فإني رأيت المتبدئين في الوقت اعتنوا بحفظ "مورد الظمآن" فصعب عليهم فهم معانيه لقصورهم في علم العربية واللغة، ولقلة شراحه، ولقد شرحه أبو عبد الله المجاصي شرحا لا يشفي عليلا، ولا يرد غليلا، وشرحه الإمام أبو عبد الله محمد بن عمر الصنهاجي(3) المعروف بابن آجطا شرحا جليلا، قد حضر ناظمه وقرأ عليه، ولكن شرحه قليل الثمرة، طويل العبارة، كثير البحث، فرب أحد لا يقدر على تحصيله، لقصور فهمه في علم العربية الذي هو لرأس الفنون مفتاح...(4)، لأن العلم لا يعني به اليوم إلا الضعفاء والفقراء، فرأيت أن أختصر بالكتابة شرح الألفاظ، وإتمام النقص، وتقييد المطلق بلفظ سهل مسترسل موجز ليسهل فهمه على المبتدئ والمنتهي غني عنه، إلا على وجه التذكرة".
__________
(1) - أصل المخطوطة من أوقاف بعض مساجد المدينة، وهي حاليا ليست في التداول.
(2) - في الأصل على والصواب ما أثبتناه.
(3) - هكذا قلب الاسم كنية والكنية اسما والصواب ما قدمنا في صدر شرحه.
(4) - بياض بالأصل بعده قوله: لقل ما بيده، لأن العلم... إلخ، والبياض مما يتسع لنحو ست أو سبع كلمات.(1/429)
وأضفت إليه ما سمعته من شيخي المحقق الفاضل النبيه النبيل أبي عمران موسى بن محمد الجزولي(1) وقيدته عنه، وسميته "ري العطشان، في رفع الغطاء عن مورد الظمآن".
فينبغي لمحقق القرآن وكاتبه أن يصلح في كتابي هذا ما سهوت فيه، وما غفلت عنه...
وبعد سطرين قال: قال أبو عبد الله محمد بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله الأموي الشريشي – عفا الله عنه – هذا اسم الناظم – رحمة الله عليه – ونسبه – رحمه الله – وفي هذه المقدمة خمسة أسوله: الأول: لم قال ""قال "مع أنه لم يقل شيئا، فأتى بالماضي في موضع المستقبل ؟ الثاني: لم صغر نفسه، وتصغير النفس من باب الازدراء بها، والعالم المتفنن يجوز له الافتخار بعلمه شرعا ؟ الثالث: ما معنى الأموي؟ وما معنى الشريشي؟ الخامسة: ما معنى "عفا الله عنه ؟" ثم قال الجواب عن الأول...".
هذه طريقته في الكتاب يورد في أول الباب جملة من الأسئلة المحيطة بمباحثه ثم يأخذ في الإجابة عنها على الترتيب، على طريقة ابن القصاب التي أشرنا إليها في "تقريب المنافع" وطريقة الشوشاوي والكرامي وغيرهم من المتأخرين.
ومن نقوله عن شيخه المذكور قوله عند قول الخراز في الحذف:
ولا تخاف دركا يدافع ... الحذف عنهما بخلف واقع:
__________
(1) - هو كما يسميه داخل الكتاب أبو عمران موسى بن عمر بن شعيب الجزولي، ولعله المترجم عند الحضيكي في "مناقب الحضيكي 2/138 فسماه وقال: "موسى أبو عمران الجزولي القارئ الأديب العالم الفاضل صاحب القصيدة المقصورة في بحر الطويل، ذكر فيها الحروف الثلاثة المعجمة في القرآن: الثاء والذال والظاء". وذكره محمد المختار السوسي في كتابه "رجالات العلم العربي بسوس" 17 وقال لعله سملالي، وتوفي لعله في أواسطه يعني القرن العاشر": ونحوه أيضا له في "سوس العالمة 179.(1/430)
"ويحتمل أن يكون الحذف فيما أرجح لتقديمه في كلام الناظم، على أن التقديم يؤذن بالتفضيل، ولكن هذا الاحتمال لم يذكره ابن آجطا، ولكن سمعته من شيخي الجليل أبي عمران موسى بن عمر بن شعيب الجزولي لطف الله به"(1).
ويقع الشرح في 105 صفحة من الحجم المتوسط، وفيه نقص ملزمة من 18 صفحة تركها الناسخ بيضاء ولعله أجّل انتساخها لمعنى ففاته ذلك، وذلك عند قوله: "قرءانا أولى يوسف وزخرف".
ولم يرد فيه ذكر لتاريخ التأليف ولا النسخ، إلا أن معه بالخط نفسه مجموعة من المؤلفات ومنها "ضبط الخراز" وأرجوزة ابن بري "بخط عبد الرحمن بن محمد الوداني"(2).
4- شرح المورد أو مختصر التبيان لأبي عبد الله محمد بن الحسين بن محمد بن حمامة النيجي الشهير بالصغير (803-887) شيخ أبي عبد الله بن غازي.
ذكره له ابن غازي في مروياته عنه فقال: "وأما شرحه على "مورد الظمآن" فتتناولُه إجازته لي العامة، وقد ذكر لي – رحمه الله تعالى – أنه لم يشدد له زيمه(3)، وإنما اختصره من شرح أبي محمد آجطا من غير تأمل في الغالب"(4).
5- شرح مورد الظمآن لأبي عبد الله محمد بن أبي مدين شعيب بن عبد الواحد اليصلتي المعروف بالمجاصي
__________
(1) - ري العطشان لوحه 36 من المخطوطة المذكورة بآسفي.
(2) - ويظهر أن الناسخ المذكور كان صاحب المجموع كله، ويتضمن كتاب "التيسير لأبي عمرو" الداني انتهى الناسخ المذكور من نسخه يوم الثلاثاء13 شوال عام 1208 و"ضبط الخراز" فرغ منه في 8 صفر عام 1207، وذكر أنه كان مشارطا في مسجد آل زاوية سيدي وكاك للتعليم والصلوات الخمس والجمعة بعشرين مثقالا في السنة والحرث إن قدر عليه (التويزة).
(3) - الزيم جمع زيمة: القطعة من الإبل – اللسان 12/279ع2، وقد نظر إلى قول البوصيري في قصيدة البردة في المديح "تلك المكارم لم أشدد لها زيمي".
(4) - فهرسه ابن غازي 43.(1/431)
كان مؤلفه حيا حول منتصف المائة الثامنة، ولعل شرحه من حيث الزمن الذي ألف فيه أقدم شرح للمورد على الإطلاق، وإن كانت عادة المؤلفين من شراحه أن ينسبوا الأولية في ذلك إلى أبي محمد بن آجطا، ولعلهم نظروا إلى ابن آجطا بدأ تأليفه المذكور في حياة الناظم وفاوضه في طائفة من مسائله، إلا أنه انقطع عن إتمامه إلى سنة 744 كما تقدم.
أما المجاصي هذا فقد أدرك عهد الخراز، إلا أنه لم يذكر لقاءه له، ولعله يومئذ كان في طور التعليم الأولي، بالإضافة إلى أنه كان مقيما بتازة لا بفاس وبها أخذ عن أبي الحسن بن بري ** كما سيأتي في ترجمته في أصحاب ابن بري -، ولعل أول عمل قام به في التأليف هو شرح أرجوزة "الدرر اللوامع" لشيخه المذكور كما سيأتي، ثم كتب على المورد شرحين أحدهما في الرسم، والثاني في الضبط، وقد انتهى من كل منهما في سنة 743، وبهذا يكون قد سبق ابن آجطا بإتمام تأليفه بنحو السنة، إلا أن استعمال هذا الشرح قد ظل قليلا، ولعل هذا سبب ندرة نسخه الخطية في الخزائن(1). وسيأتي ذكر ترجمة المجاصي وجملة آثاره.
6- شرح مورد الظمآن لأبي عبد الله محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن جابر الغساني المكناسي الدار (ت 827)(2). ذكره له صاحب "الإتحاف" باسم "تأليف في رسم القرآن"(3)، وذكر بعض الباحثين وجود تقييدات من شرحه المذكور بخزانة دار الكتب الناصرية بتمكروت تحت رقم 3003(4).
ووقفت على النقل عنه في التقييد التالي على مورد الظمآن لمحمد العربي بن محمد الكومي الغماري مما قيده عن شيخه أبي عبد الله بن مجبر بمدينة فاس، وقد جاء فيه تعليقا على قول الخراز:
__________
(1) - ذكر الأستاذ سعيد أعراب وجود نسخة منه عنده فيها بتر كبير – القراء والقراءات بالمغرب 46.
(2) - هذا ترتيب نسبه كما جاء في الإتحاف لابن زيدان 3/590.
(3) - الإتحاف 3/592.
(4) - ذكرها الأستاذ محمد المنوني في "دليل مخطوطات دار الكتب الناصرية – بتمكروت ص 202 وناقلها غير مذكور".(1/432)
من آل عمران إلى الأعراف ... على وفاق جاء أو خلاف
قوله: "وقد نص الأستاذ أبو عبد الله بن جابر في شرحه لهذا الرجز على حذف ألف صاحبة ولا ولدا"(1).
أما مؤلفه أبو عبد الله بن جابر فهو من أكابر علماء مكناسة في زمنه، وقد عرف به الإمام ابن غازي في "الروض الهتون" فقال: "ومنهم الأستاذ المقرئ الشاعر المجيد المحسن شيخ سيوخنا: محمد بن جابر الغساني ذو التصانيف الحسان، والقصائد العجيبة"... ثم ذكر جملة من مؤلفاته(2).
وأفاض في ترجمته صاحب "الإتحاف"، وذكر جملة من شيوخه منهم أبو عبد الله محمد بن علي الذكواني الأندلسي وابن قاسم بن داود السلوي، والشيخ الإمام محمد بن علي المراكشي المعروف بابن عليوات، والشيخ الفقيه أبو العباس أحمد بن يحيى ابن عبد المنان وسواهم، وسمى طائقة من تلامذته ومؤلفاته: وذكر نماذج حسنة من شعره(3). وقد وصل إلينا من بقايا إنتاجه في علوم القراءات طرف من استدراكاته على ابن بري – وسيأتي – وجملة استدراكاته على أبي عبد الله الخراز، وهي أرجوزة استدرك بها عليه في 47 موضعا، وتقع في 109 بيت، ويطلق عليها في كتب الفهارس "إصلاحات ابن جابر"، ويسميها بعضهم خطئا "اصطلاحات ابن جابر"(4)،
__________
(1) - سيأتي ذكر التقييد المذكور في مجموعة التقييدات والطرر على المورد.
(2) - الروض الهتون 57.
(3) - إتحاف أعلام الناس لابن زيدان 3/590-594.
(4) - وردت باسم "اصلاحات" في "فهرس مخطوطات خزانة القرويين" 3/167 ورقمها بالخزانة 9/1055 – وبلفظ "اصطلاحات" في "دليل مخطوطات دار الكتب الناصرية بتمكروت" ص 95 وهي مسجلة تحت رقم 1602 في مجموع، ولم يذكر فيها الناظم كما قال.
ووردت في فهرسة مخطوطات خزانة تطوان 51 بلفظ "تقييد إصلاحات على مورد الظمآن"، وقال : أرجوزة حاذى بها الناظم "مورد الظمآن"، وكمل بها بعض ما سكت عنه الخراز في أبيات عددها 100 بيت، وأولها: في هذه النسخة قوله: منها الذي ورد في نص الخبر .... وهي البداية نفسها في المخطوطة التي وفقت عليها بمراكش في خزانة خاصة، إلا أن نسخة خزانة تطوان تنقص عنها بتسعة ابيات، و تنتهي بقوله في آخرها:
وصورت في لأهب والهمزة (كذا) ... لأجل أن خصت بشكل الفتحة"
ورقمها بالخزانة 648م.(1/433)
وهي مأخوذة من شرحه المذكور، ولأهميتها في التنبيه على مكانته في هذه المدرسة نوردها بنصها كما وقفنا عليها في بعض الخزائن الخاصة، وسأثبتها كما وردت بما فيها من التسلسل الذي جعله الناسخ في أول كل استدراك. وهذه صورة الديباجة التي صدر لها بها، وتليها الأرجوزة أو التقييد كما جاء في هذه المخطوطة:
تقييد فيه إصلاح(1) الشيخ الأستاذ العالم المحقق أبي عبد الله محمد بن جابر الغساني على أبي عبد الله الخراز – عفا الله عنا وعنهما، وغفر لنا ولهما – نقلها بعض النبلاء من شرح ابن حابر المذكور على "مورد الظمآن" لأبي عبد الله الخراز، وجعلها مرتبة على حسب ترتيب النظم وإصلاحه(2)
الأول: ... منها الذي ورد في نص الخبر ... لدى أبي بكر الرضيّ وعمر
الثاني: ... وجاء في الحرفين نحو الصادقات ... الحذف عنهما ونحو القانتات
وأثبت التنزيل فيها الأولى ... لكن حذفه كثيرا نقلا
والخلف للداني أيضا وقعا ... مع اشتهار الحذف فيهما معا
وعنهما الحكم كذلك اطرّدا ... في كل ما همز أو ما شددا
الثالث: ... نقل ثبته وباسقات ... وفي الحواريين مع نحسات
الرابع: ... ثم بنات في ثلاث كلمات ... في النحل والأنعام أم له البنات
وكل ما بقي منه ثبتا ... عند أبي داود كيفما أتى
الخامس ... وباختيار الحذف قال ابن نجاح ... لدى صراط فأروه دون جناح
وصالح علما قل ومالك ... وخالد وصفا أتى كذلك
وحذف التنزيل أيضا صالح ... إذا أتى وصفا، وهذا لائح
السادس: ... فقد أتى الحذف بلفظ الغرفات ... في مقنع وثيبات عرفات
وجاء في التنزيل لفظ الفاتحين ... على انفراده ولفظ الغافرين
السابع: ... وكثر الإثبات في هاروتا ... هامان قارون وفي ماروتا
واختار فيه ابن نجاح الحذفا ... من بعد ما نقل فيه الخلفا
الثامن: ... ولا تفرق بين الاسم والصفة ... في "صالح" فابن نجاح حذفه
التاسع: ... وجاء أولى الروم بالتخيير ... لنفسه الحذف به اختصار(3)
__________
(1) - في المخطوطة "اصطلاح".
(2) - في الأصل "أول اصطلاحه".
(3) - كذا في الأصل، وفيه إقواء القافية.(1/434)
العاشر ... كذا أصابتهم أصابتكم وما ... أصابكم وذا الأخير كيفما
فحذفه لابن نجاح وردا ... ما لم يكن لمفرد قد أسندا
الحادي عشر: ... مع المثنى وهو في غير الطر ... كرجلان يحكمان واختلف
لابن نجاح فيه لكن الألف ... اختار فيه، وهو رسم قد ألف
ومطلق الخلاف قل للداني ... قد جاء عنه في تكذبان
الثاني عشر: ... نعم جهادا أتى في الممتحنة ... بالحذف في التنزيل فيها بينه
الثالث عشر: ... وأختركما اختار الشيوخ في يداك ... إثباته، واسأل بتعليل هناك
وهو التباسه بلفظ المفرد ... إذ صار في الخط يداك كاليد
الرابع عشر: ... واحذف بواعدنا مع المساجد ... وابن نجاح واحدة وواحد
الخامس عشر: ... وكيف أزواج وكيف الوالدين ... عظاما(1) قد أفلح عنهما في الأولين
السادس عشر: ... ولتخذت وبخلف يرسم ... لابن نجاح في أفاتخذتم
على اختيار منه للإثبات ... فيه كما أتى عن الرواة
السابع عشر: ... وأطلق الجميع في التنزيل ... بأيّما لفظ على التكميل
إلا دخول اسم من القتال ... في الحذف مع فعل من الأفعال
الثامن عشر: ... وأوكلاهما بخلف جاء ... وليس يرسمون فيه ياء
واختار فيه ابن نجاح ألفا ... من بعد نقل الخلف في ابن حذفا
التاسع عشر: ... وابن نجاح ثالثا قد أثبتا ... والأولان عنهما قد سكتا
ورجع الإثبات فيه الداني ... لقلة التكرار في القرآن
الموفي عشرين: ... واحذف يضاعفها لدى النساء ... وعنهما أيضا سواه جاء
والخلف للداني بأولى البقرة ... ثم بحَرْفَي الحديد ذكره
وفي العقيلة على الإطلاق ... فليس لفظ منه باتفاق
الحادي والعشرون: ... أرحام الانثيين في الأنعام ... وقل في الأنفال أولوا الأرحام
أتى عن الغازي بأنه حذف ... واختار فيه ابن نجاح الألف
أثابكم أثابهم وواسعة ... بالحذف عنه والموالي تابعة(2)
__________
(1) - كذا ولا يستقيم الوزن به، ويصح إذا قرئ "عظما" بإسكان الظاء، وهي قراءة ابن عامر وأبي بكر عن عاصم – النشر: 2/328 – والتيسير: 158. والمراد قوله تعالى "فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما..." الآية.
(2) - لم يعط لهذه المسألة رقما متسلسلا مع أنها فيما يبدو مستقلة عما قبلها وما بعدها.(1/435)
الثاني والعشرون: ... جهالة مع الفواحش وفي ... الأبكار حاججتم وقل في المنصف
الثالث والعشرون ... كذا تعالى عاقدت والخلف ... في مقنع لدى أرايتم عُرْفُ
ومثله في سورة الماعون له ... وابن نجاح كيف جاء ذكره
ولابن جابر في ذلك: ... كذا تعالى عاقدت والخلف ... في مقنع لدى أرايتم عُرْفُ
لكن سوى الماعون من أرايتا ... أنسب إلى الدانيّ فيه السكتا(1)
وأطلن التنزيل خلفا في الصيام ... من بعد الاستفهام قلها لا تضام
الرابع والعشرون: ... واستثن إني عامل بالألف ... لابن نجاح عن رواة المصحف
وارو عن الداني الجليل الوصف ... في جاعل الليل اختيار الحذف
الخامس والعشرون: ... وعنهما ياء بأييم ألف ... مختلفا، وليس بعده ألف
وثبت يائه وحذف الألف ... هو اختيار ابن نجاح فاعرف
السادس والعشرون ... ثم تصاحبني وفي الأعراف ... قد جاء طائف على خلاف
وعن سليمان استحب الحذف ... إشارة لمن قراه طيف
ومقنع قرءانا أولى يوسف ... وزخرف خلف، وللمولى(2) احذف
السابع والعشرون ... والنون من ننجي في الأنبياء ... كل وفي الصديق للإخفاء
كذا لننظر وننصر حذف ... وما على حذفهما من مختلف
الثامن والعشرون: ... واختار في زاكية حذف الألف ... نجل نجاح، وله ايضا حذف(3)
يستاخرون غاب أو إن حضرا(4) ... بغير الاعراف وكل ذكرا
التاسع والعشرون ... وعنه في لساحران الحذف ... وعنهما في ساحران الخلف
واختار حذفه سليمان الرضا ... فقل بحذفه الذي فيه ارتضى
الموفي ثلاثين: ... ثم محاريب وباضطراب ... في أدعيائهم لدى الأحزاب
واختار فيه ابن نجاح الألف ... وبالتساوي قد أتى فلتقتطف
__________
(1) - هذه المسألة مكررة عنده في النظم، ولذلك كتب الناسخ في موازاة هذا البيت قوله: "ولابن جابر في ذلك" وكأنه نظم المسالة بطريقتين في شرحه وخير بينهما، وهذا كثيرا ما نجده في شروح المورد والدرر والحرز.
(2) - يعني لابن نجاح مولى المؤيد هشام الخليفة الأموي كما تقدم في ترجمته.
(3) - في الأصل، "احذف" ولا يستقيم به الوزن.
(4) - هذا الشطر وافق ما سبق للخراز في "عمدة البيان".(1/436)
فاكهة، واحذف له أساؤوا ... ويتخافتون لا امتراء
الحادي والثلاثون: ... واحذف مصابيح معا وأدبار ... لابن نجاح خشعا والغفار
حيث أتى معرفا وعنهما ... أساوره أثارة قل مثلما
الثاني والثلاثون: ... كذا المناجاة له قد وقعت ... وخلف ريحان له في وقعت
ثم اختيار ابن نجاح الألف ... من بعد نقل خلفه كما ألف
الثالث والثلاثون: ... ومثله المرجان عنه قد رسم ... عن الخراساني عطاء وحكم(1)
لكن هذا الخلف بالتساوي ... لم يرو غير ذاك فيه – راو
الرابع والثلاثون: ... في الليل واللائي التي واللاتي ... وفي الذي بأي لفظ يأتي
كذاك ألفّ بلام واحدة ... ومثله ألَّفت خذها فائدة
الخامس والثلاثون: ... والنشأة الثلاث أيضا واختلف ... في رسم "يسألون عن" عن السلف
واختار بعض الناس فيه الحذفا ... لكون رسمه به أخفا
السادس والثلاثون: ... ونص تنزيل بهذي الأحرف ... أعني "جزاؤه" بغير ألف
وحيثما أضيف "أولياء" ... لمضمر أطلقه الهجاء
بصورة الهمز وإثبات الألف ... هذا اختيار ابن نجاح وألف
السابع والثلاثون: ... والحذف في الرءيا وفي إدارأتم ... والخلف في امتلأت واطمأننتم
واختار في اطمأننتم سليمان ... تصويره بألف عن رجحان
الثامن والثلاثون: ... كذاك أخطأنا أتى بالخلف ... في رسمه بصورة أو حذف
ومال للإثبات في التنزيل ... على وفاق المذهب الأصيل
لأنه من باب همز أبدلا ... عن بعضهم بألف إذ سهلا
التاسع والثلاثون: ... وأتوكؤا وما نشؤا ... في هود والخلاف في أنبؤا
واختار في التنزيل فيه الصورة ... والمقنع الوجهان قل مشهورة
الموفي أربعين: ... وعن أبي داود أيضا ذكرا ... أطفأها واختار أن يصورا
في هذه الأربع الأحرف ألف ... والعكس للدانيّ فيها قد ألف
الحادي والأربعون: ... لكن في السيء لغاز صورا ... هيئ يهيئ ألفا ونكرا
وكل ما(2) اتصل بالضمير ... يبقى على الأصل بلا تنكير
كمثل يحييكم بياءين وفي ... أفعيينا هكذا في المصحف
__________
(1) - هذا البيت بتمامه من "مورد الظمآن"، ولعله جاء به ليعطف عليه مستدركا بقوله "لكن هذا الخلف... إلخ.
(2) - في "الأصل كتبت متصلة والصواب فصلها لأن لفظ كل" هنا مبتدأ.(1/437)
الثاني والأربعون: ... فمائة ومائتان فارسمن ... بألف يبديه مع لأاذبحن
الثالث والأربعون: ... لا تايئسوا يايئس وقل عن بعضهم ... في استيأسوا واستيأس أيضا قد رسم
وابن نجاح بالخلاف نقلا ... لا وضعوا ولأتوها --- لإلي
لأنتم واختار حذف الألف ... على قياس الرسم فيه فاعرف
وجاء أيضا لإلى جيء معا ... لدى العقيلة وكلّ نسفعا
الرابع والأربعون: ... إذن يكونن(1) لأهب ونونا ... لدى كأين رسموا التنوينا
وفي إذا وليكونا لأهب ... تقلب، ونصه هنا له وجب:
وذاك أن الألف المرسومة ... مبدلة من نونها المعلومة
وصورت في لأهب للهمزة ... لأجل أن خصت بشكل الفتحة
الخامس والأربعون: ... ومالك وصالح وخالد ... تعميمه لابن نجاح ـ وارد
السادس والأربعون: ... والخلف للدانيّ في الأعلام ... دون الصفات فاستمع نظامي ... قد جاء عنه في تكذبان.
وكل ما جاء بلفظ "عنه" ... فلأبي داود انسبنه(2)
إلا الذي مع تكذبان ... فذلك الضمير قل للداني(3)
إذا رسمتها بياءين احذف
لابد من إثباته من بعدها
السابع والأربعون:
وأغفل الداني لفظ إنسان
وباسط في الكهف والرعد معا
في سورة الرعد وفي الصديق
والحذف في الرياح حيث وقعا
بأيام الله بإثبات شهر
وأغفل الرسام حذف الصاحب
واحذفه للجميع دون بهتان
ولفظي القهار أيضا وقعا
حذفه التنزيل بالتحقيق
حذفها اللبيب فافهم واسمعا
عن... ... وغيره كذا ذكر(4)
__________
(1) - المقصود إذا بالتنوين وليكونا بالتنوين عوضا عن النون كما كتب في المصحف، وقد أجري فيه الوصل: مجرى الوقف فكتب بالتنوين بدل النون ورسم بالألف كما يوقف عليه.
(2) - يريد هنا استدراك هذه المسألة على صاحب المورد في مصطلحه الذي يشير به إلى التمييز بين الداني وابن نجاح، لأنه قال في الإشارة إليهما معا: " وكل ما جاء بلفظ "عنهما" فابن نجاح مع دان رسما.
(3) - يعني قوله في المورد
وياء أيام بحذف الألف ... 0@"لابن نجاح فيه ثم الداني
وإن بياء وحدها رسمتها
(4) - غامض في المخطوطة.(1/438)
وهو محذوف.........(1)
تلك إصلاحات ابن جابر أو استدراكاته لما سكت عنه الخراز أو رأى أن نظمه لم يف ببيانه وإيضاحه، مما أودعه في شرحه المذكور – كما تقدم – وهذه المسائل التي استدركها وجملتها سبع وأربعون أو أكثر بالنظر إلى أفرادها، تدل على تمكن كبير من الفن وإطلاع واسع على مصادره، واستيعاب كامل للخلافيات المتعلقة به، واهتمام زائد فتح به المجال لمن جاؤوا بعده، وأهمية هذه الإصلاحات أو الاستدراكات تكشف لنا عن عنصرين هامين في تطورات الرسم في المدرسة المغربية:
1- أحدها الوقوف على أهم الخلافيات التي كان الرسم يتراوح بين الأئمة فيها قبل أن يستقر على ما هو عليه اليوم بعد أن نقحت قضاياه وهذبت وانتهى فيها العلماء إلى المذاهب الراجحة وتركوا المرجوحة.
2- وثانيها الوقوف على الأصول التي استقى منها علماء الرسم المتأخرون كثيرا من المباحث التي تطرقوا لها وتوسعوا فيها في مؤلفاتهم مصححين ومرجحين كما نجد مثلا في كتب ابن القاضي في ذلك(2).
ولعل الأيام تكشف عن أصل هذه الاستدراكات في مكانها من شرحه الذي لا نشك أنه كان فريدا في بابه في هذا المجال.
__________
(1) - هذا آخر بيت من الاستدراكات أو الإصلاحات كما سماها،وفي موضع النقط "في جميع المصاحف". هذا البيت الذي ختم به الناسخ هذه الإصلاحات مضطرب في شطره الأخير وزنا وقافية ومعنى، ولفظ الشطر الأخير منه كما في المخطوطة: "وهو محذوف في جميع المصاحف". ويظهر أن النظم تحرف على الناسخ.
(2) - ومنها مثلا كتاب "بيان الخلاف والتشهير والاستحسان، وما أغفله مورد الظمآن"، وكتابه "الجامع المفيد لأحكام الرسم والقراءة والتجويد".(1/439)
7- شرح مورد الظمآن أو "مجموع البيان في شرح ألفاظ مورد الظمآن" لأبي الحسن علي بن الحسن بن أبي العافية التروالي الزرهوني، ولم أقف على تاريخ وفاته، إلا أنه في الغالب من أهل الثامنة أو أول التاسعة، وقد جاء ذكره في كلام ابن غازي (ت 919) في تقييد طرر لابن مجبر صاحب ابن غازي في حديثه عن إثبات "خالدين وصالحين" بالتثنية قال: "ذكره التروالي وحققه، وأغفله أبو محمد بن آجطا"(1).
وتوجد من هذا الشرح نسخ عديدة متفرقة في الخزائن(2)، وقد وقفت على نسخة منه بخزانة أوقاف آسفي فيها بتر من آخرها، ومن قراءة مقدمته يتبين أنه عبارة عن مسودة شرح ألفه مؤلفه التروالي لكنه لم يتول تحريره بنفسه، وهذه مقدمته تبين ما قدمنا، يقول مقيده:
"الحمد لله الذي هدانا للإيمان والإسلام، وجعلنا من أمة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ وفضلنا به ـ صلى الله عليه وسلم ـ على جميع الأنام، وخصنا بوحيه الذي أنزل عليه، وبين فيه الحلال والحرام...
__________
(1) - تقييد طرر على المورد لابن مجبر وسياتي.
(2) - ومنها نسخة في خزانة القرويين برقم 1055 في مجموع (وصفت النسخة في فهرسة الخزانة 3/166). ومنها نسخة بالخزانة الناصرية بتمكروت في مجموع برقم 1689 (دليل مخطوطات دار الكتب الناصرية بتمكروت المنرني 105). ونسخة بخزانة أوقاف آسفي وهي غير متداولة، ونسخة بالمكتبة الوطنية بتونس برقم 530م.(1/440)
وبعد، فإني ألفيت نسخة من رجز الأستاذ أبي عبد الله الخراز ـ جعله الله ذخيرة ووسيلة ليوم البراز، متبرزة بكلام حسن الاختصار والإيجاز، والعبارة بليغة سليمة من الإشكال والإعواز، ألفيته منسوبا لإمام المحقيقين، وتحفه المتصدرين، حجة الغرب، السامي الرتب، سيدي أبي الحسن علي، الإمام الحبر الولي، المدعو بالتروالي لقبا، المعروف بالزرهوني نسبا، وأردت أن أجمعه لنفسي، ولمن شاء الله من أبناء جنسي، فاستأذنته ـ رحمه الله تعالى ـ في جمع ذلك، إذ كان ـ رضي الله عنه ـ أوضح المسالك، فاذن لي في جمعه، ووعدني بتصحيحه وعرضه، لكون ذلك مفرقا في النسخة، فاستخرت الله في جمع الجواهر والدرر، ليكون تبصرة للمبتدي، وغاية للمنتهي، فلم أراجعه إلى أن توفي، وكانت وفاته ـ رحمه الله قريبة من الوعد الذي وعدني فيه بتصحيح المجموع له، وكنت حين وعدني قد استغرقت جميع الأوقات في حجج الناس والمشي إلى القضاة(1) إلى أن وفقنا الله لترك ذلك، فلله الحمد على ما أتم وأنعم... إلى أن أكملته بعون الله على ما وجدت قدرا وجهدا. ثم ذكر بعض ما استعان به من المصادر فقال:
"ونقلت بعض ما أعرض عنه أبو إسحاق من "التبيان"(2)، لأجل العطف(3) والإيضاح والبيان، وما اختلف فيه القراء من القراءة لإكمال الفائدة بمعرفة الروايات، وسميته بـ"مجموع البيان، في شرح ألفاظ مورد الظمآن" ثم بدأ بعد الدعاء أن يجعل الله تأليفه هذا خالصا لوجهه فترجم لأبي عبد الله الخراز بعد أن ذكر منزلة رسم القرآن وأهميته، وأن أجل ما ألف وصنف فيه قصيدة "مورد الظمآن"، ومما قال عن الخراز بعد أن ساق اسمه ونسبه على نحو ما قدمنا: قال الشيخ أبو الحسن ـ يعني المؤلف ـ: هكذا في نسخة المؤلف ـ يعني الخراز ـ.
__________
(1) - يظهر أن جامعه كان يشتغل بكتابة الوثائق العدلية.
(2) - سياتي التعريف بالمراد بأبي إسحاق وكتابه المذكور.
(3) - كذا.(1/441)
"وكان موضع سكناه فاس الجديد، وكان ضابطا لرواية نافع، عارفا بها، ذا ذهن ثاقب، وكانت صناعته ـ رحمه الله ـ الخرازة في أول عمره، واشتغل في آخر عمره بتعليم القرآن، وله مشايخ عدة، وكان أكثر اعتنائه في مشيخته بأبي عبد الله القصاب، ولقي الأستاذ ابن آجروم ـ رضي الله عنه ـ وأخذ عنه، وله تواليف عدة بين نظم ونثر، وكان الله ـ تبارك وتعالى ـ فتح له في النظم والنثر، وكان يعلم الصبيان، ومات ـ رحمه الله ـ بفاس الجديدة، ودفن بموضع يعرف بالجيزيين، وكان الأستاذ سيدي أبو إسحاق(1) يرى الناس قبره، وذكر بعض الطلبة أنه وقف على قبره فألفاه قد درس".
ثم قال: قال ـ رحمه الله تعالى ـ:
الحمد لله العظيم المنن ... ومرسل الرسل بأهدى سنن
ثم أخذ في شرح متن المورد، وغالب صنيعه أنه يقتصر على إعراب البيت وتقريب فهمه من القارئ ثم يقول عقب ذلك: قال أبو الحسن مشيرا إلى شيخه المذكور ـ ويسوق كلامه في الأحكام التي تضمنها البيت مما قيده عنه، وهو يجري في أغلب ذلك على طريقة السؤال والجواب، وذلك بحصر الموضوع في عدة أسئلة ثم يأخذ في الإجابة عنها، كقوله في أول باب الحذف: "والكلام في الحذف في فصول: الأول في حقيقته، الثاني في حكمه، الثالث في الأصل فيه، الرابع في فائدته، الخامس في الحروف التي تحذف، السادس في علة حذفها".
أما حقيقته: فهو الإزالة، تقول حذفت الشيء: إذا نزعته وأزلته. وأما حكمه فهو واجب، وأما الأصل فيه، فمن أثبت ما يحذف، أو حذف ما يثبت فقد خالف الصحابة رضي الله عنهم، وأما فائدته فهي التخفيف والتقليل لحروف المعجم، وأما الحروف التي تحذف فهي الياء والواو والألف. وأما العلة في حذفها فلأنها إذ حذفت يبقى ما يدل عليها، وما حذف وبقي ما يدل عليه كأنه لم يحذف، وقيل لكثرة دورها في الكلام(2).
__________
(1) - المراد أبو إسحاق التجيبي وسياتي آخر هذا الفصل.
(2) - ذكره عند قول الخراز: باب اتفاقهم والاضطراب...".(1/442)
ويختم الشرح بقوله: "قد أتينا بفضل الله على ما أردنا، وإلى جمعه ونشره قصدنا، من كلام الشيخ المحقق الولي الفقيه الصدر إمام النحاة وبقية الرواة سيدي أبي الحسن علي ابن الشيخ الصالح القدوة... إلخ".
8- مختصر من مجموع البيان للتروالي: يوجد مخطوطا بالخزانة الناصرية بتمكروت برقم 1653 غير مذكور مؤلفه(1).
9- شرح المورد أو "تنبيه العطئان على مورد الظمآن" لحسين بن علي بن طلحة الركراكي الشوشاوي (ت 899).
وهو شرح مشهور أوله قوله: الحمد لله رب العالمين... وبعد فهذا كتاب سميته بتنبيه العطشان على مورد الظمآن ومن الله أسأل الإعانة والتوفيق إلى سواء الطريق والتحقيق". ثم شرع في المقصود فقال:
قال الناظم أبو عبد الله محمد بن محمد بن إبراهيم الأموي الشريشي عفا الله عنه – هكذا ثبت في نسخة الناظم بخط يده – رحمه الله -، وفي هذه المقدمات عشرة مطالب: أحدها ما اسم الناظم ؟ ثانيها ما نسبه ؟ ثالثها ما بلده ؟ رابعها ما فنونه ؟ خامسها ما تواليفه ؟ سادسها لأي شيء ذكر اسمه ؟ سابعها لأي شيء عبر بالماضي في موضع المستقبل لفظا، مع أنه لم يقل بعد شيئا، ولكنه سيقوله ؟ ثامنها ما مراده ؟ تاسعها ما... (2) عاشرها ما أحسن الكتب المؤلفة في علم الرسم ؟".
__________
(1) - دليل مخطوطات دار الكتب الناصرية للأستاذ المنوني 101.
(2) - بياض في النسخة التي اعتمدتها وهي عتيقة من أوقاف بعض مساجد آسفي توجد بنظارة الأوقاف بها.(1/443)
ثم أخذ في الإجابة عن الأسئلة على الترتيب واحدا واحدا إلى أن فرغ منها، وقال: قال الناظم: "الحمد لله العظيم المنن... "وفي هذا الصدر عشرون تنبيها: ما معنى "الحمد ؟" وما الفرق بينه بين الشكر ؟ وما الفرق بينه وبين المدح ؟ وما الفرق بينه بين الثناء ؟ وما أقسامه ؟ وما فائدة التقسيم ؟... إلى أن أتى على هذه الأسئلة العشرين، ثم أخذ في الإجابة عنها، وهكذا سار على هذا المنهاج في الكتاب كله يعتمد تحليل مباحث كل باب إلى مجموعة من الأسئلة، ثم يأخذ في الإجابة عنها موجزا آنا ومتوسعا آخر، وربما توقف عند بعض أبيات الناظم متعقبا له أو مستدركا.
وقد امتاز الشوشاوي بتقديم بعض الإحصائيات لتحقيق بعض الحروف وعددها الإجمالي، كقوله في أول باب الحذف عند قول الخراز:
باب اختلافهم والاضطراب ... في الحذف من فاتحة الكتاب
قال الشوشاوي: "وعدد ألفات القرءان على قراءة نافع ثمانية وأربعون ألفا وسبعمائة وأربعون ألفا، وعدد الياءات خمسة وعشرون ألفا وتسعمائة وتسع ياءات، وعدد الواوات خسمة وعشرون ألفا وخمسمائة وست واوات(1). ثم قال في بيان فائدة الحذف: "فلو أثبت هذه الحروف كلها في المصحف لكان المصحف كله ألفات وياءات وواوات.
ومن استدراكاته على الخراز في المستثنيات من الحذف قوله بعد قول الخراز:
من سالم الجمع الذي تكررا ... ما لم يكن شدد أو إن نبرا
وينبغي أن تزاد هذه الأبيات هُنا بعد قوله: "ما لم يكن شدد أو إن نبرا"
وما تصدر من الجموع ... بهمزة شهر في المسموع
__________
(1) - هذه الأعداد الخاصة بقراءة نافع ذكرها أيضا في كتابه "الفوائد الجميلة على الآيات الجليلة" 353 ولم يشر هنا ولا في الفوائد عن مصدره مما يدل على أنه إحصاء من عمله غالبا، لأنه عندما ذكر عدد حروف القرءان على سبيل الإجمال نسب ذلك إلى أبي حامد الغزالي في كتاب الأحياء – الفوائد الجميلة 352. ثم وقفت على كتاب كشف الغمام للمنبهي فوجدته قد سبقه إلى ذكر هذا الإحصاء.(1/444)
إثبات ثانية كآمنينا ... وآخرين قل ولا آمينا
كما هو المعروف في الهمزات ... في مرتضى الكتاب والنحاة
أو تقول:
وما من الجمع بهمزة فتح ... وذكر نحوا من ذلك بصيغة نظمية أخرى.
ومن مستدركاته عليه قوله في الألفات المنقلبة عن واو: "وقد نبهنا على هذا بهذه الأبيات:
وكتبوا مضارع الرضوان ... باليا لأجل ماضيه الزماني
تدعى وتتلى من ذوات الواو ... لكن باليا خط كل راو
جاء بتاء أو بيا للحمل ... على المركب المضي الفعل
دون دعا عفا لبعد البسط ... من المركب ففه بالقسط
يرضى ويشقى مثل ذا في الحكم ... إذ كتبا باليا كذا في الرسم
وقال في باب الحروف التي وردت بالفصل يرد على من نقل عن أبي العاص في "الكشف" أنه ذكر القطع في قوله ولو أنما في الأرض في سورة لقمان(1)
__________
(1) - لا أدري من نسب القطع إلى أبي العاص المذكور في كتابه المذكور، وعامة من اعترضوا عليه ذكروا أنه لا وجود للقطع في كتابه، ويظهر أن هذا الكتاب كان من المصادر المهمة في تحقيق مسائل الرسم المتفق عليها دون اعتماد قوله في الخلافيات، وربما لخروجه عن المنقول عن الداني ورجال مدرسته. وقد أشار ابن آجطا إلى هذا النقل المزعوم عن أبي العاص فقال في "التبيان" عند ذكر "ولو أن ما": "وذكر بعض الناس" ولو أنما في الأرض، ونسب ذلك لأبي العاص في "الكشف" فطالعت منه نسخا تنيف على العشرة فلم أجد فيها لذكره خبرا، ولا تعرض له بوجه وهذا الذي قاله غير صحيح لأنه خلاف نص الأئمة الشيوخ المقتدى بهم في هذا الشأن...
وقال صاحب (مجموع البيان في شرح مورد الظمآن" عند ذكر "ولو أنما في الأرض" معترضا على ما نقل عن أبي العاص "ووقع بذلك نزاع بمجلس الأستاذ ابن عبد الكريم – يعني صاحب الفصول في شرح الدرر اللوامع – رحمه الله -، فقال الشيح يعني أبا الحسن علي بن عبد الكريم الأغطاوي: من له نسخة من "الكشف" فليات بها، وإن كان لا يلتفت إلى ما يقوله ولا يعول على نقله، ولكن يكون استئناسا، فلما كان في غد يومه أحضرت نيف وثلاثون نسخة، فإذا هو لم يتعرض لذلك بحال.(1/445)
فقال:
وأنما في الأرض صل في الرسم ... إياك إياك طريق الوهم
لأنهم قد عيبوا الذي قطع ... فدل أن غيره القطع منع
حملا له أيضا على الأمثال ... كأنما نملي لهم يا تال
وإنما نمدهم وأنما ... تدعونني تنبهن وافهما
من نظره بـ "أن ماله" امتلا ... جهلا إذ الفرق لديهم جلا
لأن ذا نقص وذاك تما ... لكنه من نحوهم ما شما
والقطع يعزى لكتاب "الكشف" ... بل ذكره في "الكشف" غير عرف
فالوصل يا أخي هو الصحيح ... والقطع يا فتى هو القبيح
لا تغترر بهذه المصاحف ... بل فاعتبر مصاحف الأسالف
كذلك "المقنع" و"التنزيل" ... ومنصف "عقيلة" النبيل
وقال في آخر ما رسم بالتاء المبسوطة: "وهاهنا ستة ألفاظ مرسومة بالتاء لم يذكرها الناظم، وقد ذكرتها في هذين البيتين، وهما قولنا:
وكتبوا يا أبت هيهاتا ... مرضات مات اللات مع ولاتا
جميعها بالتاء في المرسوم ... المقتدى ببرقه(1) المعلوم
أما مصادر الشوشاوي في شرحه فعديدة منها المقنع والتنزيل والمنصف والعقيلة والكشف لمكي والمهدوي في التحصيل والمنبهة للداني والميمونة في الضبط للقيسي وشرح اللبيب للعقيلة وشرح كراسة الجزولي لأبي إسحاق العطار وشرح ابن بابشاذ على المقدمة، وبعض شروح المورد التي لا يسميها ولكن يقول "وقال بعض الشراح".
وقد ذكر في آخر شرحه تاريخ الفراغ منه "في العشر الأولى من شهر الله المعظم عام 848هـ(2).
10- مختصر من "شرح تنبيه العطشان" للرجراجي لمؤلف غير مذكور.
__________
(1) - كذا.
(2) - اعتمدت فيما نقلت على نسخة من الشرح بخزانة أوقاف آسفي غير مرقمة، وجاء ذكر اسم ناسخها في آخرها وهو محمد بن أحمد بن داود أبو السمن، وفرغ من نسخها بعد العشاء من يوم الخميس سابع عشر المحرم فاتح عام 1063. ويقع في 400 صفحة من القطع الكبير.(1/446)
أوله "قال الشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد الأموي الشريشي رحمه الله... وآخره" ولأن طلوع النجوم وغروبها لا يزال ما دامت الدنيا كمل بحمد الله(1).
11- إعانة المبتدي على معاني ألفاظ "مورد الظمآن" لسعيد بن سليمان السملالي الكرامي (أكرامو) (ت بعد عام 899هـ(2). وقفت عليه مرارا في الخزائن العامة(3) والخاصة، وهو عبارة عن تقييد مختصر يكتفي بنثر معاني أبيات المورد، ويبتدئ مباشرة بلا مقدمة ببيتي المورد، ولذلك يسميه بعضهم "حاشية على نظم مورد الظمآن"(4)، ويدل على أنه مجرد تقييد قول مؤلفه في آخره: "تم ما أردت تقييده ـ بحمد الله وحسن عونه ـ وسميته "كتاب إعانة المبتدي على معاني ألفاظ مورد الظمآن، وجمعته محبة في الأجر من ربي، وكان الفراغ منه يوم الخميس لثمانية عشر يوما من شهر رجب عام 899(5).
__________
(1) - يقع في مجموع مخطوط بخزانة تطوان تحت رقم 867 من الصفحة 431 إلى 593، وصفه في فهرس مخطوطات خزانة تطوان ص 49 وذكر أنه بخط محمد بن يوسف بن محمد الرثوث بتاريخ رجب 1130.
(2) - تاريخ وفاته غير منضبط في المصادر فقد ذكر محمد المختار السوسي وفاته في سنة 882 في حين نجد كثيرا من النسخ المخطوطة لشرحه على المورد المذكور وفيها أنه فرغ من تأليفه سنة 889 (فهرسة م خ ح 6/33-34 مخطوط رقم 6046 وفي فهرس خزانة القرويين ذكر أنه فرغ منه يوم الخميس 18 رجب عام 899.
(3) - منه نسخة بالخزانة الحسنية بالرباط تحت رقم 6046 وأخرى برقم 6346 وبالخزانة الناصرية بتمكروت برقم 2746 (فهرس المكتبة الناصرية 185). وبخزانة القرويين برقم 1053 (فهرس خزانة القرويين 3/160).
(4) - فهرس خزانة القرويين 3/160.
(5) - المرجع نفسه 1/160.(1/447)
والمؤلف من رجال العلم بسوس في المائة التاسعة ينتهي مشجر نسبه إلى الإمام أبي بكر بن العربي المعافري، وله عدة مؤلفات في القراءات وغيرها سيأتي ذكره بعضها، وهو والد يحيى الكرامي صاحب "تحصيل المنافع في شرح الدرر اللوامع"، و"كان في أهله إخوة وأبناء وأحفاد علماء أجلاء، وكذلك في الأجداد كما يظن ... "(1).
12- غربلة مورد الظمآن لسعيد بن سعيد الجزولي السوسي.
ذكره العلامة المختار السوسي له في كتابه "خلال جزوله"، وذكر أنه في ورقات، وقال: لا أعرف هذا الفقيه الذي اختصر الكتاب(2).
13- شرح مورد الظمآن لأبي العباس أحمد بن الحسن بن عبد الرحمن بن محمد التسولي الأستاذ النحوي المحدث (ت 969) ذكره له في "دره الحجال" وقال أخذ عن الأستاذ أبي العباس الدقون وأبي عبد الله بن غازي(3).
14- شرح مورد الظمآن في رسم أحرف القرءان لصالح بن إبراهيم الكتاوي الصبيحي الدرعي (ت 1096).
مؤلفه من أعلام المقرئين بوادي درعة، ذكره له مؤلف كتاب "أعلام درعة" في جملة مؤلفات له في الرسم والتجويد وأصول الأداء(4).
15- شرح مورد الظمآن لأبي العباس أحمد بن عبد الله بن يعقوب الجزولي السملالي (ت 1093).
ترجم العلامة محمد المختار السوسي لآل بيته وذكره من بينهم فقال: "عالم صالح مؤلف"(5)، وذكر له الشرح المذكور على المورد، وقدر أنه يقع في مائة صفحة، وأنه رأى منه نسخة بالجنوب المغربي نسخت عام 1085 ورجح أن تكون بخط المؤلف"(6).
__________
(1) - رجالات العلم العربي في سوس لمحمد المختار السوسي 14، وللمؤلف أرجوزة في الرسم مخطوطة بتمكروت رقم 1542.
(2) - خلال جزولة 4/125.
(3) - درة الحجال 1/165 ترجمة 192 وقد سقط من الترجمة لفظ "شرح" قبل نظم مورد الظمآن.
(4) - أعلام درعة للمهدي بن علي الصالحي 9-10.
(5) - رجالات العلم العربي بسوس من القرن الخامس الهجري إلى القرن الرابع عشر 14.
(6) - خلال جزوله 2/59.(1/448)
16- فتح المنان المروي بمورد الظمآن لأبي محمد عبد الواحد بن أحمد بن علي بن عاشر الأنصاري المتوفى بفاس سنة 1040هـ.
من الشروح القيمة، بل ربما كان أجود شروح المورد المعروفة على الإطلاق لما فيه من استيعاب وتحرير، طبع طبعة قديمة في صدر المائة الماضية ولم أقف عليه في هذه الطبعة(1)، ولكني وقفت عليه في نسخ خطيه كثيرة في الخزائن العامة والخاصة(2)، وهو من أوسع الشروح انتشارا واعتمادا في المشرق والمغرب. وأوله:
"قال العبد الضعيف الملتجئ إلى باب كرم مولاه، الغني به عمن سواه، عبد الواحد بن علي... "الحمد لله الذي شرح صدورنا لما رسم في سطور منشورها، ونظم في عقود معمورها، من لوامع آيات لقرءان... وبعد أيها الإخوة في الله والصفوة الأخدان، فهذا بحول الله "فتح المنان، المروي بمورد الظمآن"، شرح (3) يحل مقفله، ويبين مجمله، حسب الطاقة والإمكان، ويذكر مغفله، ويزيح مشكله، بساطع الدليل والبرهان، مقنع في رسم التنزيل اللبيب والمصنف النبيل، بمحكم الضبط وواضح التبيان، ممتع من جواهر الفن بالعقيلة، والدرة الصقيلة والجميلة(4) طالبيها من أذكياء الإخوان...
__________
(1) - أخبرني الصديق الأستاذ عبد القادر الكنوني من العرائش بوجود نسخة من المطبوعة عنده، ولم يتيسر لي الاطلاع عليها أخبرني أنها مطبوعة بتونس في مجلد واحد.
(2) - منه نسخة بالخزانة العامة بالرباط برقم 10 وأخرى برقم 76 وبالخزانة الحسنية 20 نسخة منها النسخة رقم 4849 في 173 ورقة، وهي مؤرخة بأواخر شوال عام 1028 وهو العام الذي نجز فيه التأليف كما سيأتي (ينظر فهرس = الخزانة الحسنية لمحمد العربي الخطابي 6/183-184 ومنه نسخة بدار الكتب المصرية برقم 215 (تفسير – تيمور) ونسخ كثيرة لا أطيل بها في الناصرية والقرويين وغيرها، ووقفت على نسخ في المكتبات الخاصة منها نسخة ب "زاوية الفقيه ابن صالح مؤرخة بعام 1061.
(3) - في بعض النسخ بالنصب.
(4) - هذه توريات بأسماء الكتب في الرسم.(1/449)
ثم أخذ يذكر صنيعه في التأليف وتحريره لمباحثه وما بذل في ذلك من جهد، وانتقل إلى التعريف بالناظم وآثاره نقلا عن أبي محمد بن آجطا الشارح الأول للمورد، وبعده شرع في غرضه من تحليل معاني الأبيات.
وقد استفاد في شرحه كثيرا من شرح ابن آجطا خاصة، كما كان يرجع إلى الأصول التي اعتمدها الناظم في المورد كالمقنع والتنزيل والعقيلة، وأحيانا كان يرجع إلى كتاب "التبيان" للتجيبي(1)، وقد ذيل شرحه بخاتمة سرد فيها ما انفرد التجيبي بحذفه من الألفات، وسيأتي ذلك في التعريف بالتجيبي وكتابه.
وقد استوفى مباحث الفن كما ينبغي، ومع هذا فقد ختم شرحه معتذرا عما كان منه من إخلال أو عدم استيفاء لوجوه الاحتمال، أو سهو أو غيره من الهفوات، فقال في آخر عباراته:
"هذا آخر ما تيسير من "فتح المنان، المروي بمورد الظمآن"، لم آل في تلخيصه وتهذيبه جهدا، ولم أنقض فيما اشترطت من تحريره عهدا، ولقد أودعته من النقول، والاستدلال المقبول، ما يسمو بمطالعه عن ربقة التقليد، إلى ذروة التحقيق، وعن حضيض التقريب إلى أوج التدقيق... ثم أردف ذلك بالدعاء، ثم قال: وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. ثم ألحق به ذيلا في رسم غير نافع من السبعة كما سيأتي.
وذكر في بعض النسخ تاريخ الفراغ من تأليفه، وهو أواخر شوال عام 1028(2).
17- الإعلان بتكميل مورد الظمآن:
__________
(1) - سيأتي التعريف به.
(2) - مخطوطة خزانة القرويين بفاس برقم 1036 (فهرس خزانة القرويين 3/145-146).(1/450)
هو عنوان أرجوزة ألحقها ابن عاشر بشرحه المذكور وشرحها بنفسه، قال في نهاية الشرح "فتح المنان": "وهذا ذيل سميته "الإعلان بتكميل مورد الظمآن" ضمنته بقايا خلافيات المصاحف في الحذف وغيره مما يحتاج إليه من تخطى قراءة نافع إلى غيرها من سائر قراءات السبعة، إذ مازال أذكياء الطلبة الناشئين في هذا الفن وحذاقهم يسألون عن كيفية رسم كثير من المواضع إذا أخذنا فيها بغير مقرأ نافع، فيقصر في الجواب عن مثل هذه المطالب الجليلة من اقتصر على "المورد" و"العقلية، وقد جزأت "الإعلان" بتجزئة أرباع القرءان وهذا أوله:
بحمد ربه ابتدا ابن عاشر ... مصليا على النبي الحاشر
هاك زوائد لمورد تفي ... بالسبع معه من خلاف المصحف
المدني والمكي والإمام ... والكوفي والبصري والشآمي
18- تنبيه الخلان على الإعلان بتكميل مورد الظمآن "في رسم الباقي من قراءات الأئمة السبعة الأعيان للشيخ إبراهيم بن أحمد المارغني التونسي صاحب "دليل الحيران على مورد الظمآن"، جعله ذيلا عليه، وهو مطبوع معه، وأوله قوله: "الحمد لله الذي علمنا رسم الآيات القرءانية على نحو ما في المصاحف العثمانية.
وعدد أبيات "الإعلان" لابن عاشر 46 بيتا، وقد انتهى المارغني من شرحه هذا بتونس سنة 1325هـ(1).
أهمية فتح المنان لابن عاشر:
لا يدرك أهمية هذا الشرح في موضوعه إلا من وقف عليه وتتبع مباحثه وتحريره للمسائل، وقد أثنى عليه غير واحد من العلماء، ومنهم الشيخ محمد الطيب القادري في "نشر المثاني" في سياق ذكره لمؤلفاته فقال:
"ومنها شرحه العجيب على "مورد الظمآن في علم رسم القرءان"، وقد أجاد فيه ما شاء، وليس الخبر كالعيان، وقد كان شرح (المورد) دينا على العلماء الأعيان، وأدرج فيه تأليفا آخر سماه "الإعلان بتكميل مورد الظمآن" في نحو خمسين بيتا، وشرحه"(2).
__________
(1) - طبع معه في مجلد واحد بالمطبعة التونسية بتاريخ جمادى الثانية 1325.
(2) - نشر المثاني 1/285-286.(1/451)
ولما لهذا الشرح أعني فتح المنان ـ من أهمية بالغة عني غير واحد من الأئمة بوضع الحواشي عليه فمنها:
19- حاشية على فتح المنان شرح مورد الظمآن "لعبد الرحمن بن أدريس الحسني أبي زيد المنجرة (1179).
ذكرها له صاحب "السلوة" في جملة حواش على الجعبري وغيره، وذكر أن مؤلفها "كان شيخ المغرب كله في علوم القراءات وأحكام الروايات، إليه المرجع فيها في وقته، ماهرا فيها، عارفا بطرقها وعللها وتوجيهاتها"(1).
وحاشيته المذكورة تختلف في بدايتها من نسخة إلى أخرى، فأولها في مخطوطة الخزانة الحسنية قوله: "الحمد لله الذي جعل الكتاب لنا خير فرط...(2) بينما أولها في نسخة أخرى بالخزانة نفسها قوله: "الحمد لله الذي رسم أفعال العباد في الأزل..."(3)، وعدد أوراق الأولى 271 ومسطرتها 24 سطرا، في حين أن عدد أوراق الأخرى 28 وفي نسخة أخرى 23 ومسطرتها 25-21(4)، ولعلهما حاشيتان الأولى له والثانية لوالده إدريس المنجرة وهي من تحرير ولده كما نبه على ذلك في فهرسة الخزانة الحسنية(5).
20- منهاج رسم القرءان في شرح مورد الظمآن لمسعود بن محمد جموع السجلماسي (ت 1119هـ).
__________
(1) - سلوة الأنفاس للكتاني 2/270-272..
(2) - فهرس م خ ح 6/88، مخطوطة رقم 6128 مجموع (2).
(3) - نفسه 6/87 مخطوطة رقم 1064 وأخرى برقم 1551، مجموع (1). وتوجد بالخزانة العامة نسخة من الحاشية تحت رقم 938 ضمن مجموع من 54 إلى 103.
(4) - فهرسة الخزانة الحسنية 6/87.
(5) - نفسه: 6/87.(1/452)
وهو شرح نفيس أيضا حافل بالفوائد والنقول، ونسخه الخطية قليلة في الخزائن(1)، وقد وقفت منه على نسخة في مجلد متوسط(2)، وأوله قوله: "الحمد لله الذي شرح صدرونا بنور الإيمان، ورسم في سطور منشورها من لوامع آيات القرءان(3)... ثم ذكر في مقدمته أنه رغب في تأليف كتابه لتقريب فهم "المورد" وحل ألفاظه وبيان معانيه، معتمدا في جل ذلك على "فتح المنان" لابن عاشر، و"لطائف الإشارات لفنون القراءات" لأبي العباس القسطلاني(4) وغيرهما من كتب هذا الشأن. ثم بدأ بالترجمة لأبي عبد الله الخراز استنادا إلى ما ذكره في "فتح المنان" نقلا عن أبي محمد بن آجطا الصنهاجي، ثم أخذ في شرح النظم بيتا بيتا حتى أتى على آخره بقوله: "ورضي الله عن الصحابة والتابعين وتابعيهم من الأئمة المجتهدين، وسائر علماء المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين(5).
ومؤلفه المذكور من أعلام المدرسة المغربية من أصحاب أبي زيد بن القاضي وسيأتي مزيد من التعريف بآثاره عند ذكر شرحه على الدرر اللوامع وغيره. وقد ذكر له بعض الباحثين في مجال الرسم :
21- التذييل على الخراز فيما أغفله من مسائل الرسم.
22- الاستدراك على إعلان ابن عاشر، ونظم ذلك في رجز(6).
__________
(1) - منه نسخة بالخزانة الحسنية بالرباط رقم 1358 ونسخة بالخزانة العامة رقم 1756 د.
(2) - هي في ملك الشيخ المقرئ السيد أحمد بن الكونطري بالصويرة، وهي مؤرخة بالجمعة ربيع الثاني (دون ذكر = تاريخ اليوم) عام 1172 على يد كاتبها محمد بن أحمد بن الوافي الغماري.
(3) - فاتحة كلام المؤلف مقاربة في لفظها لفاتحة فتح المنان لابن عاشر، لأنه ذكر أنه اعتمد عليه كثيرا.
(4) - هو من مصادرنا في هذا البحث كما في الفهرسة.
(5) - بعده "كمل الكتاب المبارك المسمى" "منهاج رسم القرءان في شرح مورد الظمآن" "بحمد الله وحسن عونه وتوفيقه الجميل.
(6) - القراء والقراءات بالمغرب لسعيد أعراب 48.(1/453)
23- دليل الحيران على مورد الظمآن في فني الرسم والضبط للشيخ إبراهيم بن أحمد المارغني التونسي.
طبع هذا الشرح أكثر من مرة(1) ومعه كتابه "تنبيه الخلان على الإعلان" الآنف الذكر، ومجموعها في 358 صفحة، وأوله: "الحمد لله الذي رسم آيات القرءان في صحف الصدور، وأثبتها في ألسنة قارئيها على نحو ما في المصاحف مسطور، وحفظها ـ جل جلاله ـ من كيد الملحدين ذوي العناد والفجور.
أما بعد فيقول العبد الفقير إلى ربه الغني المغني إبراهيم بن أحمد بن سليمان المارغني: إن من أجل علوم القرآن، التي هي أجمل ما به تحلى الإنسان، علم رسمه على نحو ما رسمه به الصحابة الأعيان، في مصاحف سيدنا عثمان، وعلم ضبطه الذي به يزول اللبس عن حروف القرءان، وتتبين به غاية البيان... ثم ذكر الأمهات من الكتب المعتمدة في هذين العلمين، وأنها صارت أصولا يرجع في ذلك إليها، وكل من ألف في الرسم والضبط = يعتمد عليها، ثم قال: "ومن التآليف المختصرة من تلك الأصول الحسان، النظم البديع المسمى "بمورد الظمآن" المشتمل مع "الذيل" المتصل به على فني الرسم والضبط باعتبار قراءة نافع فقط، لمؤلفه الشيخ الإمام العلم الهمام... ثم ذكر أن الأئمة شرحوه، فمنهم من أطال، ومنهم من اختصر، وأنه اختصر هذا الشرح من شرح الرسم للعلامة المحقق سيدي عبد الواحد بن عاشر، وشرح الضبط لسيدي محمد التنسي العالم الماهر، تابعا لهما فيما اتضح من الترتيب والتعبير، غير جالب من كلام غيرهما إلا اليسير، معرضا عما أطالا به من كثرة النقول والأبحاث والتعاليل، مقتصرا على ما لابد منه من الإعراب خيفة التطويل، ملتزما فيما ذكر فيه الناظم الخلاف أو التخيير بيان ما جرى به العمل في قطرنا التونسي الشهير، قاصدا بذلك خدمة القرءان وأهله الكرام، لإحياء ما اندرس في زماننا من علومه العظام.
__________
(1) - طبع بتونس بالمطبعة التونسية في جمادى الثانية 1325-1326هـ وبالقاهرة بدار القرءان سنة 1974.(1/454)
ولما يسر الله الكبير المتعال، إتمامه على ذلك المنوال، سميته "دليل الحيران، على مورد الظمآن"، ثم بعد المقدمة بدأ بالترجمة للناظم وذكر مصنفاته، ثم انتقل إلى شرح أرجوزة الخراز بقسميها بيتا بيتا، ملتزما بالمنهاج الذي رسمه، إلى أن أتى على آخر الشرح، و"كان الفراغ من تبييضه في أوائل صفر الخير عام 1325هـ(1).
24- تحقيقات على "دليل الحيران" للشيخ المقرئ عبد الفتاح السيد عجمي المرصفي(2).
ذكره مؤلفه في خاتمة كتابه "هداية القارئ، إلى تجويد كلام الباري"(3).
25- شرح المسائل المشكلات في "مورد الظمآن" لمحمد بن محمد بن العباس التلمساني الشهير بأبي عبد الله ذكره له الأستاذ عادل نويهض، وذكر أن مؤلفه من أصحاب الشيخ أبي عبد الله بن غازي المكناسي، وأنه كان حيا بعد سنة 920هـ"(4). وسيأتي ذكره في أصحاب أبي عبد الله بن غازي ورجال مدرسته.
26- شرح مورد الظمآن لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد التادلي الرباطي (ت1311هـ).
ذكره له الشيخ عبد الله الجراري في بعض مؤلفاته عنه (5).
27- شرح مورد الظمآن للشيخ أبي حامد محمد المكي البطاوري (ت 1355هـ)
ذكره له الشيخ عبد الله الجراري في بعض مؤلفاته، وذكر أن له نحوا من ستين كتابا فذكره منها(6).
__________
(1) - ذكره في آخره، وقد صدر له في إحدى طبعاته التونسية بأبيات على سبيل التقريظ بقوله: الرسم علم نافع – للحضري والبدوي – لا سيما الرسم الذي – عن الصحابة روي – ومورد الظمآن جا – على المهم ينطوي – وشرحه دليل حيران به الرسم حوي".
(2) - كان من المقرئين لعلوم القراءات بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة إلى أن توفي سنة 1409هـ.
(3) - هداية القاري 670-671.
(4) - معجم أعلام الجزائر 183.
(5) - من أعلام الفكر المعاصر للجراري 2/243-259 وكذا في كتابه "شخصيات مغربية" العدد 5 ص 97 الطبعة الأولى 1980- الدار البيضاء.
(6) - من أعلام الفكر المعاصر للجراري 2/216-218.(1/455)
28- إرشاد الإخوان إلى شرح "مورد الظمآن" للشيخ علي بن محمد بن حسن الضباع شيخ مشيخة عموم المقارئ = بالديار المصرية، المتوفى حول سنة 1376هـ، ذكره له تلميذه الشيخ عبد الفتاح السيد عجمي المرصفي، وذكر أنه ما يزال محفوظا بين مخطوطات الشيخ الضباع رحمه الله"(1).
29- لطائف البيان في رسم القرءان، شرح مورد الظمآن، للشيخ أحمد محمد أبو زيت حار من علماء الأزهر بمصر. طبع بالقاهرة في جزءين 1969-1970، وقرر على طلبة معاهد القراءات بالأزهر(2).
30- حواش على شرح نظم الخراز – مخطوط بخزانة ابن يوسف بمراكش(3).
31- طرر على مورد الظمآن – مخطوطة بخزانة ابن يوسف بمراكش أيضا(4).
32- تقييد عل مورد الظمآن لمحمد العربي بن محمد الكومي عرف بالغماري مما قيده عن شيخه أبي عبد الله محمد بن مجبر المساري صاحب ابن غازي، وهو من التقاييد الحافلة بالنقول وذكر أقوال المتأخرين من علماء الرسم، ينقل عن ابن جابر المكناسي وأبي عبد الله القيسي وأبي عمران موسى الزواوي وابن غازي وشيخه أبي عبد الله الصغير وسواهم(5) وسيأتي مزيد من التعريف به في ترجمة ابن مجبر من أصحاب ابن غازي ورجال مدرسته.
هذه أهم الآثار التي ظهرت حول أرجوزة المورد وذيلها في الضبط، وهي تقارب المائة ما بين شرح وحاشية وتكميل واستدرك، ثم ما نظم على منواله مما سلك سبيله مستفيدا منه ومحاكيا له في طريقته، أو كان بمنزلة المعارض له أو الزائد عليه أو التوسعة لما ذكر.
__________
(1) - هداية القاري للمرصفي 290.
(2) - كتاب رسم المصحف = لغانم قدوري الحمد بهامش ص 183.
(3) - رقمه بالخزانة 366.
(4) - رقمه بالخزانة 183.
(5) - منه نسخة بخزانة أوقاف آسفي غير مرقمة – ونسخة مبتورة الأول بخزانة القرويين برقم 1055 – ونسخة بدار الكتب الناصرية بتمكروت برقم 1876 (فهرسة دار الكتب الناصرية لمحمد المنوني 118).(1/456)
33- تقييد على مورد الظمآن أو طرر متلقاة من شيوخ مدينة فاس جمعها أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد ابن أبي جمعة المغراوي الوهراني يعرف بشقرون وبابن بوجمعة (ت 929)، وهو من رجال مدرسة ابن غازي.
أول التقييد قوله: "الحمد لله الكريم الوهاب، الرحيم التواب ... وآخره قوله: "ولا يتقدم شيء من الصلة على الموصول، انتهى ما قيد على الخراز(1)، وسيأتي ذكر المؤلف وقصيدته اللامية في قراء من نافع.
34- شرح مورد الظمآن لمؤلف غير معروف:
مخطوط بخزانة القرويين، وصفه محمد العابد الفاسي فذكر أنه مجلد ضخم بخط مغربي يميل إلى الرداءة ينقصه من أوله نحو الورقة، ومن آخره كذلك، وطريقته شرح المعاني ثم الإعراب، بين بسط وإيجاز، مع مباحث مهمة يأتي بها استطرادا(2).
35- حواش على مورد الظمآن لرضوان بن محمد بن سليمان المخللاتي (ت 1311)(3)
توجد منها مخطوطة مصورة بجامعة الإمام محمد بن سعود تحت رقم 2530.
... 36- تذييل على مورد الظمآن "لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الدرعي: ذكره له بعض الباحثين(4)، والمؤلف مقرئ مشهور له استدراك على أبي زيد ابن القاضي في بيان الخلاف والتشهير والاستحسان في الرسم كان حيا سنة 1104هـ(5).
... 37- حواش على فتح المنان لابن عاشر لأبي علي الحسن بن محمد اللجائي الملقب ب"كنبور" (ت 1283 هـ).
__________
(1) - منه مخطوطة بالخزانة الحسنية بالرباط برقم 4497 مجموع (2) (فهرسه خ خ 6/72) ودار الكتب المصرية برقم 213 (فهرس الخزانة التيمورية بمصر قسم التفسير 1/187).
(2) - فهرس خزانة القرويين 3/149 ورقمه 1041).
(3) - ترجمته في الأعلام للزركلي – الطبعة 2 مجلد 3/53.
(4) - سعيد أعراب قي "القراء والقراءات بالمغرب" 117
(5) - ذكره الدكتور الراجي التهامي في مقدمة تحقيق "التعريف" للداني 149.(1/457)
... ذكره له بعض الباحثين في جملة مؤلفات في القراءات(1)، وسيأتي التعريف بمؤلفه عند ذكر كتابه "شرح تصوير الهمز".
... 38- تقييد على مسائل من الرسم والضبط من الخراز والتنزيل وغيرهما للشيخ محمد بن يوسف التملي (ت 1048).
... وفقت عليه بخزانة أوقاف آسفي ضمن مجموع، وأوله: "الحمد لله الذي أنعم علينا بحفظ كتابه العزيز، ومن علينا بمعرفة أحكامه، ... وبعد أيها المحب – ورد علينا كتابكم المتضمن سؤالا عن مسائل رسمية وضبطية ولفظية من كتاب الله العزيز، ولست أهلا لذلك، لكن لما رأيت حرصكم وحسن ظنكم، لم يمكن إلا إسعافكم، ولا يصح في حكم الود خلافكم... أما "قال سبحان ربي" فاعلم أن الشراح ذكروا فيه الثبت والحذف، ولم يرجحوا فيه شيئا، وقول الخراز فيه: "لكن" قل سبحان ربي "اختلفا"، هو حكم مطلق للجميع، ولكن قال صاحب "الطراز" إن المختار فيه الإثبات".
... "وأما لفظ" خالق "فاعلم أن المختار والذي جرى به عمل من لقيناه من الأشياخ الإثبات، لأن حذف "المنصف" ليس بعزيمة، إلا إذا انفرد، مثل "كاذب" ويضاهون"، لأن النص أولى من السكوت".
... وقد تعرض لطائفة من مشكلات الرسم والضبط، ونقل عن الخراز والتازي في "الدرة السنية" وأبي الحسن بن سليمان في "مختصر التعريف" وغيرهم(2).
... 39- تقييد على بعض مسائل مورد الظمآن للشيخ الأستاذ أبي العباس أحمد المصيمدي من شيوخ ابن غازي من أهل المائة التاسعة، وفقت عليه مخطوطا، وقد رتبه على سور القرآن، إلا أنه إنما يقف على بعض المسائل في كل سورة ولعله ألفه جوابا لسائل سأله عن المسائل التي بناه عليها، وأوله في المخطوطة:
__________
(1) - القراء والقراءات لسعيد أعراب 162-163.
(2) - مجموع بخط عبد الرحمن الوداني كتب هذا التقييد عام 1206هـ عن خط المؤلف كما قال – والمجموع في الخزانة العتيقة لأحباس آسفي محفوظ ضمن بعض الكتب العتيقة في صوان خاص وليس في التداول.(1/458)
... "وهذا جواب الشيخ الأستاذ المدرس أبي العباس أحمد المصيمدي ـ رضي الله عنه ـ في بعض الأحرف من كتاب الله، من ذلك "مرضات" عند من أمالها، فجواز الوجهين: التعويض وعدمه، وكذلك جميع ما أميل اتفاقا أو اختلافا، الصغرى أو الكبرى، مرسوما بالياء أم لا، إلا ما منع مانع من الإمالة...
... ثم قال في المسألة الثانية: "وأما رسم" أولياء " فكما ترون "أولياء أولئك(1) هذا هو الأشهر عن ورش. إلى أن قال: "وأما ما ذكرتم من مسألة الزوائد فالخط كما ذكر سيدي ميمون(2) من النص الذي اجتلبتموه، وهو قوله:
الزائد المعدوم في اللسان ... فدارة عليه قال الداني(3)
ولا تحتجوا بما ذكر الخراز، فإن الخراز ذكر زوائد الرسم وغيرها، والضابط أن كل ما لا يقرأه اللسان وهو مرسوم فتوضع عليه الدارة، ... ثم قال بعد ذكر مسائل من الهمز وغيره.
"سورة البقرة": فادَّارأْتم "حاججتم" ذكره أبو داود نفسه بالألف، "تقاية تقية" بغير الألف، قال أبو داود في "التنزيل": كلها حسن، فليكتب بما أحب، قوله: "الأدبار" بالحذف لصاحب "المنصف" وغيره... قوله: "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا" أحياها هنا لم يذكره أبو داود بالحذف ولا بالإثبات، وكذلك أبو عبد الله الخراز في الرجز...
__________
(1) - رسمها بتصوير همزة أولياء نقطة كبيرة صفراء، وألف "أولئك" معرى من الهمز على وجه الإبدال لورش في الهمزتين المتفقتين بالضم، وهو مثال وحيد في القرآن في آخر سورة الأحقاف. ثم رسمه مرة أخرى على وجه التسهيل.
(2) - هو ميمون بن مساعد المصمودي أبو وكيل مولاي عبد الله الفخار وصاحب "تحفة المنافع" وسيأتي التعريف به.
(3) - من أبيات أبي وكيل في "الدرة الجلية في الرسم "وستأتي في التعريف به".(1/459)
إلى آخر ما ذكره في التقييد، وقد نقل في المسائل التالية عن "قطيفة المسكين" للسيد المولى أبي عبد الله محمد بن سليمان القيسي(1) الوجوه التي في "هؤلاء" وبأييم الله"، وعن أبي سعيد القيسي في "كتاب الهمز"(2) له في مواضع كثيرة... ولم أقف من التقييد إلا على القسم الأول منه، وهو دال على بقيته فيما يتصل بغرضنا من إبراز هذا الجانب من جوانب الحذق والإتقان في المدرسة المغربية في مجال الرسم القرآني انطلاقا من جهود مدرسة أبي عبد الله الخراز رحمه الله(3).
شروح جزئية لباب تصوير الهمز من "المورد"
وإلى جانب ما تقدم من الشروح على المورد والتقاييد والحواشي على بعض مسائله، نجد طائفة من علماء هذا الفن قد اتجهوا خاصة إلى باب "تصوير الهمز" من الأرجوزة، وهو الباب الذي صدر له الخراز بقوله:
وهاك حكم الهمز في المرسوم ... وضبطه بالسائر المعلوم
فأول بألف يصور ... وما يزاد قبل لا يعتبر
نحو "بأن" "وسألقي" "وفإن" ... وبمراد الوصل بالياء "لئن"
فمما ألف في ذلك من الشروح:
40- كتاب الهمز لأبي سعيد خلف بن أحمد القيسي
لم أقف على ترجمة لمؤلفه، وإنما وفقت على النقل عنه عند بعض شراح المورد والمذيلين عليه:
فقد نقل عنه محمد العربي الغماري في تقييده الآنف الذكر في شرح ضبط الخراز مما نقله عن شرح أبي زيد القصري في مواضع، منها قوله عند ذكر "إدَّارأتم" :ونص خلف بن أحمد القيسي على أنه لا تلحق صورة الهمزة في ادَّارأتم لأنها حرف تستغني عن الصورة(4).
__________
(1) - القيسي هو صاحب أبي عبد الله الصفار وناظم "الميمونة الفريدة في الضبط". وسيأتي التعريف به وبأرجوزته المذكورة.
(2) - سيأتي عن قريب.
(3) - أصل المخطوطة مصورة عن مجموع في خزانة الأستاذ طالبون الحسن بمراكش جزاه الله خيرا.
(4) - تقييد على ضبط الخراز من شرح أبي زيد القصري.(1/460)
ووقفت على نقول ضافية عنه في التقييد الآنف الذكر لمسائل من الرسم من المورد وغيره لأبي العباس المصيمدي من أهل المائة التاسعة حيث قال مشيرا إليه:
"قال أبو سعيد القيسي في كتاب الهمز" له: من يشإ الله يضلله في سورة الأنعام، وفإن يشإ الله يختم" في سورة حم **، الهمزة في هذا كله على رأس الألف، والسكون فوقها، وهي لام الفعل إلا إذا لقيها ساكن تكسر لالتقاء الساكنين في اللفظ خاصة، ولا تكسر في الخط، إلا في مصاحف أهل الأندلس خاصة".
وقال في موضع آخر من التقييد: "وينبغي لمن ضبط المصحف في زماننا هذا أو ضبط عليه، أن يجعل الهمزة الأولى في "أأنزل" أألقي" "أأشهدوا" في أنف الألف هكذا" ثم قال:
قال أبو سعيد القيسي: "تبوءوا الدار" الهمزة في قفا الواو الثانية، وهي لام الفعل هكذا".
قال أبو سعيد القيسي: "أما" برءاؤا منكم فالهمزة الأولى في الألف الحمراء، والثانية في صدر الواو السوداء"(1).
41- شرح تصوير الهمز من مورد الظمآن "لأبي علي الحسن بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز اللجائي الملقب بـ"كنبور" (ت 1283 هـ)، ومؤلفه كما يقول الكتاني ـ "خاتمة أعلام أئمة القراءات بالمغرب ومحدثيه، ترجم له في "فهرس الفهارس"، وذكر من مشيخته في القراءات المعمر محمد بن إبراهيم الزروالي العصفوري الذي يروي عن أبي الحسن الحساني عن أبي زيد المنجرة بأسانيده، وعن العصفوري أيضا عن محمد بن عبد السلام الفاسي بأسانيده(2).
أما شرحه على تصوير الهمز فقد ذكره بعض الباحثين(3)، وتقدم ذكر حواشيه على "فتح المنان".
42- طُرَرٌ على شرح أبي علي الحسن بن محمد كنبور لتصوير الهمز لأبي محمد عبد الله زيطان الخمسي(4).
__________
(1) - تقدم ذكر التقييد في الصفحة 116-117.
(2) - فهرس الفهارس عبد الحي الكتاني 1/291-292 ترجمة 98.
(3) - القراء والقراءات بالمغرب لسعيد أعراب 162-163
(4) - المرجع نفسه 166.(1/461)
43- شرح تصوير الهمز لأبي عبد الله محمد بن أبي جمعة الهبطي السماتي صاحب "تقييد الوقف (ت 930)
استنتجت هذا فحسب ولم أجده منسوبا إليه بهذا الاسم، وإنما وقفت على بعض النقول يمكن أن يستفاد ذلك منها، فقد جاء في تقييد قيده بعض العلماء على الضبط من شرح أبي زيد القصري المشهور بالفرمي قوله:
قال الهبطي: قوله: فضبط ما حقق بالصفراء(1) أي: فصورة ما حقق بالصفراء وأما الضبط حقيقة فهو كناية عن شكل الحرف:
وقال في نقل آخر عنه: النقط وما في معناه عبارة عن الحركة لا عن الهمز، بدليل نصهم على جعل النقطة في أؤءنبئكم أمام الواو، إذ لو كانت عبارة عن الهمز لكان على الواو، إذ المضموم غير ألف، والهمز يكون فوقه: نحو "يكلؤكم" و "سنقرئك"(2).
ويدل على ذلك أيضا ما نقله أبو زيد بن القاضي في "الفجر الساطع" عن قول ابن بري:
وإنما النسي ورش أبدله ... ولسكون الياء قبل ثقله
قال: "وجدت في بعض التقاييد : وأما "النسي" فيفرق بينه وبين السوء والنبيء. "قال الهبطي : "النسي لورش بالوقص، وليس كذلك بالسوء والنبيء لأن النسي مبدل في الحالتين، بخلافهما، فإنهما في الوصل خاصة، والنسي لقالون عقص، وكذلك "أوزعني"، ولورش وقص – قال – نصوا عليه ولم أره انتهى"(3).
ولعل الإمام الهبطي قد كتب أيضا في شرح قسم الرسم من "المورد" أو بعض الحواشي عليه، ويدل على ذلك ما وقفت عليه في تقييد محمد العربي الغماري عن شيخه أبي عبد الله بن مجبر بفاس – الأنف الذكر – عند قوله:
__________
(1) - هذا شطر بين من قسم الضبط من المورد.
(2) - سبقت الإشارة إلى هذا التقييد (ص 116) بالرقم 32 من الكتب المؤلفة على المورد.
(3) - الفجر الساطع (مخطوط) في باب "إبدال فاء الفعل وما بعده من الدرر اللوامع لابن بري.(1/462)
ما جاء من أعرافها لمريما......... قال : "وأما الآخر وهو بضاعة مُزجاة فذكر عن الأستاذ أبي عبد الله الهبطي – رحمه الله – أنه كان يقول بإثباته كالأول، فيثبت الطرفين ويحذف ما عداهما"(1).
وسيأتي لنا الحديث عن مكانة الهبطي في المدرسة المغربية، وهي مكانة حاول طائفة من المتأخرين أن يغمطوه حقه فيها، وأن يصموه بالجهل المطبق بسبب الانتقادات التي وجهت إلى بعض المواضع التي اختار الوقف عليها أو نسب إليه ذلك في التقييد الذي يلتزم المغاربة بالقراءة حسب ما ورد فيه من أوقاف إلى اليوم.
44- شرح تصوير الهمز من المورد لمحمد بن عيسى المساري، ونسبه بعضهم "الحسناوي".
ولم أقف على تعريف بمؤلفه، إلا أني وجدته ينقل عن مسعود جموع صاحب "منهاج رسم القرآن في شرح مورد الظمآن (ت 1119) – الأنف الذكر - والشرح المذكور يقع في نحو أربع وعشرين لوحة، وأوله قوله:
"الحمد لله الذي أورثنا كتابه المبين... وبعد فيقول العبد الفقير المعترف بالعجز والتقصير محمد بن عيسى المساري القيسي لين الله قلبه القاسي: فهذا شرح مختصر على نظم الإمام الخراز الموضوع في تصوير الهمز، فإني لما وقفت على جميع من شرح لم أجد من تكلم على تصوير الهمز لجميع القراء، وإن كان ناظمه إنما فعل ذلك على قراءة نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم لا غيره من القراء ، فتاقت نفسي أن أضع شرحا لجميع القراء ورواتهم، وأشرت لمن كثر نقلي عنه ككتاب "المقفع" للإمام أبي عمرو الداني – رحمه الله - وكتاب "العقيلة" "والدرة" "لميمون الفخار وغير ذلك، فنهضت لذلك، وشمرت الذيل لوضع هذا الشرح"(2).
__________
(1) - هو المشار إليه في الهامش رقم 2.
(2) - وفقت على نسخة من هذا الشرح عند صديقي المقرئ العشري السيد الطاهر العبدي بآسفي بخط يده .(1/463)
وقد ذكره له بعض الباحثين وكناه بأبي عبد الله ونسبه فقال: "الحسناوي" وذكر أنه فرغ منه عام 1272هـ(1)، وذكر في مكان آخر أنه له شرح مستقل على باب الهمز من مورد الظمآن تعرض فيه لمسائل تصوير الهمز على مذهب القراء السبعة"(2).
الفصل السادس:
شروح ذيل المورد المتعلق بالضبط، وهو المعروف أيضا بعُمدة البيان.
45- شرح ضبط الخراز لأبي عبد الله محمد بن شعيب بن عبد الواحد اليصليتي المشهور بالمجاصي
تقدم ذكر شرحه على القسم المتعلق بالرسم، وقد فرغ من تأليفهما معا سنة 743هـ، ولعل هذا الشرح هو أقدم شرح للضبط المذكور، ولذلك اعتمده غير واحد ممن شرحوه بعده، وما يزال شرحه مخطوطا في بعض الخزائن.
46- كشف الغمام في ضبط مرسوم الإمام "للحسن بن علي بن أبي بكر المنبهي الشهير بالشباني من أهل المائتين الثامنة والتاسعة.
ذكره له المراكشي في الإعلام وسماه كما ذكرنا وقال: " في مجلد من القالب الكبير، وقفت عليه بخط اليد، قال، "والمنابهة يسكنون خارج مراكش، وهو صنو القاضي بمراكش محمد بن علي الآتي"(3).
ثم ترجم في مكان آخر لمحمد بن علي المنبهي المذكور فذكر أنه من أئمة مراكش في القرن الثاني عشر، وذكر صدور بعض الفتاوى عنه سنة 1131(4).
وقد استوقفني هذا التعريف الذي قدمه المراكشي بصاحب الكتاب، وعلى الأخص في هذه الصلة من الأخوة التي عقدها بينه وبين القاضي المذكور، والغالب أنه إنما استند فيها إلى اشتراكهما في اسم الوالد والقبيلة.
__________
(1) - سعيد أعراب في نظرة عن التراث القرآني حول مقرأ نافع "ص. 162 (دعوة الحق العدد 273 السنة 1989م).
(2) - القراء والقراءات له 166.
(3) - الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام للعباس بن إبراهيم المراكشي 3/167 ترحمة 413.
(4) - الإعلام 6/91-92 ترجمة 764.(1/464)
وكان الذي دعاني إلى الارتياب في ذلك ما وقفت عليه مرات في كتب ابن القاضي المتوفى سنة (1082 هـ) من ذكر لكتابه، كقوله في كتابه "الجامع المفيد": "وقد لخصت ما في "كشف الغمام" من نصوص الأعلام في هذا الكلام"(1)، وكقوله في ختام أرجوزته الآتية في الاستدراك على مورد الظمآن":
حجته بانت لدى كشف الغمام ... واضحة النقل فقله لا تلام.(2)
وكقوله في رسالته "إزالة الشك والإلباس العارضين لكثير من الناس في نقل همزة ألم أحسب الناس":
"والنص موجود لدى "كشف الغمام ... كذاك في الطراز قاله الهمام(3)
فهذه النقول أكدت عندي خطأ المراكشي فيما ذهب إليه من وجود رابطة إخاء بين القاضي المذكور المتأخر في الزمن بعدة بقرون، وبين صاحب "كشف الغمام كما أن قوله عن قبيلة المنابهة إنها خارج مراكش هو أيضا لا يلزم، لأن هنالك غير القبيلة الصغيرة التي في طرف الرحامنة على مقربة من مراكش في الشمال الغربي منها، قبيلة المنابهة بسوس بنواحي تارودانت وهي أكبر وأشهر، والراجح أن نسبة المترجم إنما هي ثابتة إلى هذه لا إلى الأخرى، بدليل نسبه المقترن بها وهو الشباني الذي اشتهر به، وهي نسبة إلى "الشبانات" المجموعة من القبائل السهلية التي كان لها شأن بسوس على عهد السعديين كما هو معروف في التاريخ المغربي.
__________
(1) الجامع المفيد لأحكام الرسم والضبط والقراءة والتجويد "لابن القاضي.
(2) - ستأتي في بعض ما استدرك على الخراز في المورد.
(3) - الرسالة في موضوع نقل ورش لحركة الهمزة إلى الساكن قبلها، وستأتي بعض النقول عنها عن قريب.(1/465)
ثم زال عني اختلاج الظنون في شأن المترجم حين وقفت على شرحه المذكور، فوجدته ينقل مباشرة عن ما سمعه من شيخه محمد بن سليمان القيسي(1)، وهو أبو عبد الله القيسي الضرير شيخ الحماعة بفاس (ت 810) إلى جانب نقله عن شرح المجاصي على الدرر اللوامع والمصادر المعتمدة عند الخراز كالمقنع والتنزيل والمحكم وغيرها، ولم أقف له على نقل عن المتأخرين، بل وجدته ينقل عن مصدر لا أعلم له وجودا منذ المائة الحادية عشرة. وهو كتاب "التبيان" للتجييي، وهو من أهم المصادر في هذا الشأن التي اعتمدها شيخه القيسي – كما سيأتي – في أرجوزته " الميمونة الفريدة".
وقد رجعت إلى الكتاب أعني شرح الشباني في نسخته الخطية التي يظن أنها التي أطلع عليها المراكشي، وهي في مجلد ضخم في قرابة 500 صفحة من القالب الكبير بخزانة ابن يوسف بمراكش وهي مسجلة تحت رقم 19، وفيها بَتْرٌ في آخرها وتلاشي في الورقة الأولى أصاب جهاتها اليمنى والعليا والسفلى، وقد كتب على ظهر ما بقي منها ما يلي:
"هذا الشرح لأبي الحسن بن علي(2) بن أبي بكر المنبهي الشهير بالشهباني(3) وسماه ب " كشف الغمام على قصيدة الضبط في الرسم". وأول الموجود منه قوله:
"أما بعد فسبب وضعي لهذا التأليف المسمى ب"كشف الغمام، عن ضبط حروف المصحف الإمام، الموضوع شرحا لضبط الأستاذ محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله الأموي الشريشي الشهير بالخراز، المسمى بـ "عمدة البيان"، أن جملة من الأصحاب طلبوا مني أن أقوم بتأليف هذا الكتاب، وأنهم ما زالوا يلحون علي ولا يقبلون لي عذرا، فاستخرت الله في ذلك، وأنقدت إلى إسعافهم، وصرفت الهمة إلى مقصدهم ومرادهم، قاصدا بذلك وجه الله".
__________
(1) - يمكن الرجوع إلى بعض نقله عنه في مخطوطة الكتاب بالخزانة الحسنية ص. 61 رقمها بالخزانة 2142.
(2) - كذا والصحيح الحسن بن علي
(3) - كذا بزيادة الهاء.(1/466)
ثم أخذ في رسم منهجه في الكتاب وذكر مصادره التي سيعتمدها، فذكر أنه سيعتمد على ما ذكره الإمام أبو عمرو في "المحكم" وعلى بعض كلامه في "المقنع"، وعلى الذيل الملحق ب"التنزيل" في علم الضبط لأبي داود سليمان بن نجاح، وكلام أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد بن علي الجزري في فصوله الموضوعة في ذلك أيضا قال:
"والتزمت في ذلك نقل نصوصهم... (1) ثم ذكر أنه سيقسم البحث في هذا التقديم إلى عشرة فصول: الأول يتحدث فيه عن كيفية وجود المصحف، وكيف كان عاريا من النقط والشكل، والفصل الثاني عن سبب شكل المصاحف ونقطها... إلى أن بلغ العاشر وفيه تحدث عن الألوان المستعملة لضبط المصاحف ونقطها، ثم قال:
"ويلتحق بهذه الفصول فصل آخر مشتمل على حروف المعجم، لأن الكلام في النقط فرع وجودها، وينحصر الكلام فيها في عشرة فصول: الفصل الأول في حد اللغة المشتملة على هذه الحروف المشتملة على النقط.
الفصل الثاني في أقسامها ... إلى أن قال: العاشر: ما الأصل هل الحروف أو الحركات ؟؟ ثم أخذ في تفصيل الأجوبة على الترتيب، وغالبا ما يفصل بين كلامه وكلام غيره بقوله: قال الشارح – يعني نفسه – أو يقول مثلا قال أبو عمرو أو نحو ذلك، وذلك بخط بارز يساعد على التمييز بين كلامه والنقول الضافية التي يوردها.
وبعد أن استوفى الكلام على هذه الفصول التي قدمها بين يدي مقصوده قال: "وهاأنذا آخذ – بعون الله وتوفيقه - في شرح كلام المؤلف – رضي الله عنه بمنه(2) ثم قال: قال الناظم:
هذا تمام نظم رسم الخط ... وهاأنا أتبعه بالضبط
__________
(1) - خروم في آخر هذا السطر.
(2) - يقع هذا القسم من الشرح في مخطوطة خزانة ابن يوسف بمراكش في 14 صفحة من القطع الكبير 32 سطرا 22 كلمة(1/467)
وذكر الأبيات إلى قوله "عونا وتوفيقا إلى الصواب"، ثم أخذ يشرح الألفاظ المفردة شرحا لغويا، ثم يتبعه بتقرير المعنى الإجمالي، ويستكثر أحيانا من المباحث النحوية واللغوية ويورد الشواهد عليها، ويلقي الأسئلة حول ذلك ويقول: "والجواب كذا".
أما نقوله فأكثرها عن مقنع أبي عمرو في الفصول الأولى، وعن المحكم فيما يليها، كما ينقل عن ذيل التنزيل وعن التجيبي الذي يورد كلامه بعبارته أحيانا كما التزم بذلك في مقدمته، وأحيانا يقول: "ونص التجيبي على كذا"، أو "ونص التجييبي في ذلك"، أو "ونص أبي إسحاق في ذلك ويورد كلامه، كما ينقل عن اللبيب في شرحه، على العقيلة بقلة، ومن نقوله عن غير هذه المصادر المشهورة قوله:
"وقال الشيخ الأستاذ الأنبل أبو عبد الله محمد بن عبد الكريم نزيل فاس(1) ـ رحمه الله ـ:
"إن بعض الأساتيذ في هذه البلدة ـ يعني بلدة فاس ـ ذكر أن "لأهب" يرسم بلام مجبوذة وياء بالحمراء وبعضهم قال: يجعل الياء على قفا(2) الألف، ولم يذكره أبو عمرو".
والكتاب في الجملة من أحفل الكتب في مباحث هذا الفن، وقد اشتمل على نصوص كثيرة تعتبر مصادرها في الغالب مفقودة كالنصوص التي ينقلها عن أبي إسحاق التجييي المذكور في مصادره في المقدمة، وهو إلى جانب ذلك من المصادر القيمة التي اعتمدها أبو زيد ابن القاضي في عامة كتبه في هذا الشأن ـ كما قدمنا ـ.
ومن نقوله عنه ما ذكره في رسالته " إزالة الشك والإلباس" عند حديثه عن نقل الهمزة وكيفية الدلالة عليها في الضيط حيث قال:
__________
(1) - لعل المراد محمد بن عبد الكريم بن عبد الصادق بن يعقوب الأنصاري من أصحاب أبي عمران بن حدادة كما ذكره محمد البوعناني في إجازته لمحمد الشرقي الدلائي كما تقدم.
(2) - في الأصل "على قدر الألف" ولعل الصواب ما أثبتناه.(1/468)
"وقال صاحب "كشف الغمام عن مرسوم خط الإمام"(1): وأما الفصل الثاني وهو ما ينقل إليه؟ فما ينقل: حركة الهمزة، وما ينقل إليه: الساكن بشروطه المتقدمة، وسواء كان الساكن ثابت الصورة نحو ما مثلنا به، أو كان محذوف الصورة، نحو التنوين من "رحيم ـ اشففتم" واختلاق. أ أنزل وعجيب أ إذا" وعجبا أن أوحينا"، والميم في ألم أحسب الناس، على أن الميم الموجودة هي الميم الأولى، وما أشبه ذلك.
وما يزال هذا الكتاب ينتظر من يفك عنه أسر الرفوف، ويقدمه محققا إلى القراء لتعميم الاستفادة منه، وذلك متأت وممكن لتعدد نسخه في الخزائن وإمكان استكمال ما في بعضها من نقص من النسخ الباقية(2).
47- إعانة الصبيان على عمدة البيان لسعيد بن سليمان بن داود الجزولي الكرامي السملالي الآنف الذكر في شراح قسم الرسم من المورد، وشرحه شرح صغير مبسط أشبه بالتقاييد، ويسمى في بعض الفهارس "تقريب معنى الضبط"(3)، ويقع الشرح في نحو خمس وعشرين ورقة، ويكتفي فيه بنثر معاني الأبيات دون زيادة في الغالب إلا أنه ينقل من حين لآخر أبياتا من أرجوزة "الدرة الجلية" في الرسم لميمون الفخار. وأوله قوله:
الحمد لله الذي خلق الخلق وقدر أرزاقهم، وفضل من شاء منهم بكتابه... أما بعد فهاأنا أشرح ألفاظ "عمدة البيان" بكلام مختصر، وسميت هذا الشرح ب "إعانة الصبيان على عمدة البيان" ثم قال:
"هذا تمام نظم رسم الخط ... وهاأنا أتبعه بالضبط
__________
(1) - هكذا سماه، ورأيت بعضهم يسميه "كشف الغمام في شرح عمدة البيان والحكام".
(2) - من نسخة م خ ح برقم 2142.
(3) - ينظر مثلا فهرسه خزانة القرويين 3/160 برقم 1053"، ودليل مخطوطات دار الكتب الناصرية بنمكروت لمحمد المنوني 185 رقم مجموع 2746.(1/469)
أي هذا تمام جميع كتاب الخط(1)، وفي بعض النسخ منه قال: قوله "هذا تمام نظم رسم... إلخ، قال المجاصي: "ألف المؤلف كتابا في الرسم مع هذا الضبط عام ثلاثة وسبعمائة، ولم يبين في تأليفه الرسم المتفق عليه والمختلف فيه، إلا أنه سرد الحذف والإثبات ولم ينسب شيئا لأحد من الشيوخ، وبقي التأليف على ذلك إلى حدود إحدى عشرة، فعوض كتاب الرسم بمورد الظمآن، ووصله بالضبط الأول، فقال: هذا تمام...
وقال في آخره: وأذنت لمن رأى فيه خللا أن يصلحه... والحمد لله رب العالمين.
وذكر في بعض النسخ منه أنه فرغ من تأليفه سنة 875 هـ وبذلك ختم كلامه.
48- شرح ضبط الخراز لأبي عبد الله محمد بن يوسف بن عمر بن شعيب السنوسي الحسني التلمساني (ت 895).
ذكره له أبو جعفر أحمد بن علي البلوي الوادي آشي في ثبته، إلا أنه قال: لم يكمل(2).
ومؤلفه من علماء تلمسان المشهورين، ورد على فاس، وسمع من أبي عبد الله الهبطي الوقف المقيد عنه كما سيأتي في موضعه من هذا البحث.
__________
(1) - هكذا في مخطوطة بخزانة أوقاف آسفي غير مرقمة، ويمكن المقارنة بالنسخ التالية م خ ح بالرياط رقم 1096 – وبخزانة ابن يوسف بمراكش رقم 502 – ومخطوطة الخزانة الناصرية رقم 1537.
(2) - ثبت أبي جعفر أحمد بن علي البلوي الوادي آشي 436-443.(1/470)
49- حلة الأعيان على عمدة البيان لحسين بن علي بن طلحة الشوشاني (ت 899) صاحب تنبيه العطشان على مورد الظمآن، ذكره البغدادي في إيضاح المكنون له، إلا أنه قال: "من الزيتونة"(1) موهما أنه من جامع الزيتونة بتونس، ومؤلفه معروف من رجراجة الشياظمة من ذرية سعيد بن يبقي أحد رجالهم، وتوفي بأولاد برحيل بنواحي تارودانت(2)، وشرحه المذكور مشهور، وقفت على نسخ عديدة منه، وفي فاتحة نسخه بعض الاختلاف، فأوله في نسخة م خ ح بالرباط قوله: "الحمد لله كما يجب الحمد له...(3) بينما أوله في نسخة أخرى وقفت عليها(4) "الحمد لله، والصلاة على محمد كما ينبغي أن يصلى عليه" ثم قال:
"وبعد فهذا كتاب سميته" حلة الأعيان على عمدة البيان، ومن الله أرغب في الإعانة على منهاج الاستقامة" وقال في آخره: كمل بحمد الله تعالى في ضحى يوم الجمعة الرابع والعشرين من ذي الحجة عام 848 عرفنا الله بخيره(5).
__________
(1) - إيضاح المكنون 1/418.
(2) - ترجمة الشوشاوي بتوسع في كتاب "خلال جزولة" لمحمد المختار السوسي 4/160-161، وقد ذكر أن لأبيه علي ابن طلحة كتابا في القراءات، قال: هكذا حكي لي فقيه سباعي مطلع".
(3) - فهرس م خ ح 95-96 ورقمه 674.
(4) - هي نسخة الشيخ المقرئ السيد أحمد الكونطري بالصويرة.
(5) - في نسخة الكونطري من تمام المخطوطة قول الناسخ: "نجز والحمد لله رب العالمين في ضحوة يوم السبت الرابع والعشرين من جمادى الثانية عام 912 الناسخ خديم الطلبة داود بن محمد السملالي كتبه لشيخه سيدي احمد المطرفي(1/471)
50- تقييد أو حاشية على حلة الأعيان على عمدة البيان لمحمد بن عبد الله بن عمر بن أحمد المستغانمي الملقب بالصغير"، يوجد مخطوطا بخزانة ابن يوسف بمراكش(1) وفيه بتر في أوله، وهو بخط مؤلفه، فرغ منه كما ذكر في خاتمته عام 997، ويقع الموجود منه في نحو 18 ورقة(2)، وتوجد منه نسخة أخرى بالخزانة نفسها(3).
51 كتاب الطراز في شرح ضبط الخراز لأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الجليل المغراوي التنسي (ت 899 هـ).
يعتبر أشهر شروح الضبط للخراز، وأسيرها شرقا وغربا، ولذلك كانت نسخه الخطية متوافرة(4).
وصفه أبو جعفر أحمد بن علي البلوي الوادي آشي تلميذ مؤلفه بقوله: "أجاد فيه وأفاد، وأحسن ما شاء وأراد"(5).
__________
(1) - الإشارة هنا إلى المخطوطة المذكورة بخزانة ابن يوسف وهي في مجموع برقم 195.
(2) - وصفه الأستاذ عزوزي حسن في رسالته "المدرسة القرآنية في المغرب والأندلس في المائة الثامنة "2/312 (مرقونة بالآلة – كلية الآداب الرباط).
(3) - مخطوطة بخزانة ابن يوسف أيضا تحت رقم 689 وهي في نحو عشرين ورقة أخبرني عنها الأستاذ صدقي حسن من كلية آداب بالرباط.
(4) - من نسخه نسخة خزانة القرويين تحت رقم 1056 (فهرسه خزانة القرويين 3/167) وبالخزانة العامة بالرباط برقم 1352 في مجموع، وبالخزانة الحسنية 19 نسخة يمكن الرجوع إلى أرقامها في (فهرس الخزانة 6/0 170-174 وبخزانة تمكروت برقم 1653 وأخرى برقم 3003 (دليل مخطوطات دار الكتب الناصرية 102).
(5) - ثبت أبي جعفر أحمد ابن علي البلوي 373.(1/472)
وقد بلغني أن بعض طلبة الدراسات الجامعية يعمل في تحقيقه(1)، وقد وقفت على عدد وافر من نسخه الخطية، وأوله قوله: "الحمد لله الذي لا ينبغي الحمد إلا له، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث بختم الرسالة صلاة وسلاما يخصان ويعمان أصحابه(2) وآله.
"وبعد فإني لما رأيت من تكلم على ضبط الأستاذ أبي عبد الله الشريشي الشهير بالخراز، وجدتهم بين مختصر اختصارا مخلا، ومطول تطويلا مملا، فتاقت(3) نفسي إلى أن أضع عليه شرحا متوسطا يكون أنشط لقارئه، وأقرب لفهم طالبه، فشرعت فيه مستعينا بالله تعالى، وسميته ب "الطراز، في شرح ضبط الخراز"، نسأل الله تعالى أن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع به النفع العميم، إنه رحمان رحيم، قال رحمه الله:
هذا تمام نظم رسم الخط ... وهاأنا أتبعه بالضبط
... ثم أخذ في شرح مفردات البيت إلى أن قال: "والنظم الذي أراد هو ما نظمه أولا، وجعل هذا الضبط موصولا به، فعيب عليه إذ لم يعين فيه ما للمقنع ولا ما للمنصف ولا ما للتنزيل ولا ما للعقيلة، فبدل أكثره حتى يعين ما لكل كتاب منها من الأحكام، وترك الضبط على حاله، لأن أحكامه متفق عليها في الأكثر..."
وقد سمى في بعض النسخ مصادره المعتمدة(4) فقال:
__________
(1) - يعمل في ذلك الصديق محمد شرشال من الجزائر بقسم علوم القرآن والقراءات بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة كما أخبرني بذلك الشيخ الحاج عبد الله البخاري الطالب بها.
(2) - في بعض النسخ "صحبه".
(3) -في بعض النسخ "فاشتاقت" مع إسقاط حرف الجر "إلى".
(4) - وفقت على بعض النسخ لم يرد فيها قوله التالي: "ونحن إن شاء الله نبين... إلخ. ولعله من تصرف النساخ(1/473)
"ونحن إن شاء الله نبين بحسب الاستطاعة من كلامه المقصود، معتمدين في ذلك على ما عند أبي عمرو وأبي داود، إذ هما في هذا الشأن أعظم قدوة، وعليهما اعتماد من بعدهما وبهما الأسوة، إلا ما لابد منه مما ذكر غيرهما، مما نراه متمما لما عندهما، وكل من خالف ما لهما في ذلك من الأغراض، فجدير بالإنكار والأعراض".
وقد تتبعت نقوله في الكتاب فإذا أكثرها عن الشيخين المذكورين، تارة مع ذكر المصدر وتارة دون ذلك، ثم وجدت أكثر نقوله بعد ذلك من كلام التجييي دون أن يسمى كتابه أو أن يعرف به أو ينبه في المقدمة على اعتماده عليه. فمن ذلك قوله عند ذكر موضع الحركتين من المنون نحو "مفترى" واختيار التجييي" أن الحرف المحرك يستدعي حركة لملازمتها له، فلزم تبعية علامة التنوين لها إذ لا يفترقان.
وقال في باب الهمز: وأجاز التجييي أن يجعل في موضع الهمزة واو حمراء في نحو يا سماء أقلعي وياء حمراء في نحو وعاء أخيه.
وقد ناقش التنسي التجيبي في طائفة من المسائل ولم يرتض مذهبه فيها، وربما حكى بعض أقواله بلفظ "زعم" مما يشعر بعدم اطمئنانه إليها، كقوله عند ذكر نقل حركة الهمزة في قوله تعالى: ألم أحسب الناس".
يظهر من كلام الناظم وكلام الداني وأبي داود أن الجرة تجعل في محل الهمزة التي حذفت بعد نقل حركتها وإن كانت متصلة كلام التعريف و"ردا"(1)، ولا يبعد أن يكون ذلك مقصودا عندهم، وزعم التجييي أن ذلك خاص بما هو منفصل كما ذلك في صلة(2) ألف الوصل.
وقال عند الكلام عن موضع الدارة من الحرف الزائد في الرسم للدلالة على كونه زائدا:
وزعم التجييي أن ذلك خاص بما يمكن الوقف عليه.
__________
(1) - يعني ردا يصدقني على قراءة نافع.
(2) - في المخطوطة التي اعتمدتها "صفة" والصواب ما أثبته.(1/474)
وعلى العموم فإن كتاب الطراز مطابق لاسمه في كونه طرازا عاليا في مباحث فن النقط والضبط، وقد ناقش مؤلفه أهم مسائله المعتبرة وقارن فيها بين مذاهب أئمة الفن ونبه على القوي والضعيف منها وما تقوم عليه من علة، ولهذا كان عمدة المتأخرين في هذا الشأن، كما اعتمدته اللجان والهيئات المشرفة على طبع المصاحف كما نجد التنبيه عليه في كثير من الملاحق التي ذيلت بها مختلف الطبعات في البلدان الإسلامية.
وقد كتب على الطراز غير واحد من الأئمة وتعددت الحواشي عليه، فمنها:
52- حاشية على الطراز لأبي علي الحسن بن يوسف بن مهدي الزياتي (ت 1023 هـ)
توجد مخطوطة في بعض الخزائن الرسمية، ومنها أربع نسخ بالخزانة الحسنية بالرباط(1).
والمؤلف من أعلام المدرسة المغربية في المائة العاشرة وما يليها، درس بفاس وقرأ القراءات وغيرها على أبي العباس أحمد بن قاسم القدومي (ت 992 هـ) ونزل جبل "كورت" من بلاد عوف بشمال المغرب، وتوفي هناك(2).
53- حاشية على الطراز لأبي العلاء إدريس المنجرة وولده أبي زيد عبد الرحمن أو تعاليق أبي العلاء المنجرة وولده" ذكرها له بعض الباحثين، وقد قام بجمعها تلميذ الثاني منهما: إبراهيم بن محمد المخلوفي(3).
54- حاشية على الطراز أيضا لأبي زيد عبد الرحمان المنجرة المذكور، وهي مخطوطة في نسختين بالخزانة الحسنية(4).
55- طرر على الطراز لعبد الواحد بن عاشر صاحب فتح المنان المروي بمورد الظمآن
أثنى عليه فيها القادري في نشر المثاني فقال: وله طرر عجيبة على شرح الإمام أبي عبد الله محمد التنسي لذيل مورد الظمآن في الضبط(5).
__________
(1) - أرقامها 4497 – 4359 – 5704 – 6559 (فهرس الخزانة الحسنية 6/89-90)
(2) - نشر المثلني 1/198
(3) - القراء والقراءات بالمغرب لسعيد أعراب 51
(4) - فهرس الخزانة الحسنية 6/88-89.
(5) - نشر المثاني 1/286.(1/475)
56- شرح عمدة البيان للأستاذ أبي زيد عبد الرحمن بن محمد التنملي القصري الشهير بالفرمي *** (ت 964)، وهو صاحب "بذل العلم والود في شرح تفصيل العقد للإمام ابن غازي كما سيأتي.
ولا أعلم لشرحه وجودا في الخزائن المعروفة، وإنما الموجود منه ما يلي:
57- تقييد على الضبط من شرح أبي زيد عبد الرحمن التنملي القصري الشهير بالفرمي، ومخطوطاته عديدة، ومنها عدد بالقرويين والخزانة الحسنية والناصرية وغيرها(1) ووقفت عليه بخزانة أوقاف آسفي في مجموع وقبله تقاييد على مورد الظمآن "لأبي عبد الله الخراز متلقاه من شيوخ فاس، من جمع محمد بن أبي جمعة المغراوي التلمساني (929). وبهامشه بعض التعليقات المفيدة عن الإمام الهبطي من كلام له في شرح ضبط الخراز تقدمت الإشارة إليه.
وهو خال من المقدمة، ويبتدئ بقوله: "فمن ذلك نصه على أن البسملة تكتب بين السورتين في الألواح، ولا يحل تركها... وهو كثير النقل عن المؤلفات في الرسم، ينقل عن أبي إسحاق الجعبري وأبي عبد الله الأنصاري في اختصارهما للمقنع، وعن خلف بن أحمد القيسي في تأليف له على الهمز، وعن الكشف لأبي العاص في الرسم، وعن أبي عبد الله القيسي، ومن نقوله عنه وتعليقه على ذلك قوله قال القيسي:
"أنذرتهم" فيها وجوه كثيرة ... لنافعهم مهما رسمت ففي الصور
ثلاثة آلاف لديهم ونيف ... ويدري الذي قلنا لبيب إذا اقتفر(2)
__________
(1) - رقمها بالقرويين 1055 وبالخرانة الحسنية 6511 والناصرية بنمكروت 1876.
(2) - يعني إذاتتبع، وستأتي جهود الإمام القيسي في خدمة علمي الرسم والضبط من خلال منظوماته في ذلك.(1/476)
قال المؤلف: "قيل: وهذا على وجه التقريب، وإلا ففيها لورش ثمانية آلاف وجه، والخطب في ذلك سهل، وبيان ذلك بإشارة تغني اللبيب ويقاس عليها، أن همزتها الأولى مفتوحة، والفتحة تكون نقطة، وألفا مبطوحة، وفي ضبط الكلمة ثمانية أوجه، فاضربها في اثنين تكن ستة عشر، وفي فتحة الدال ما في فتحة الهمزة المذكورة، فتضرب الستة عشر بسبب ذلك في اثنين تكن اثنين وثلاثين، والنون مُعَرَّاةٌ على كل حال للقاء حرف الإخفاء، والراء ساكنة، وفي ضبط السكون خمسة أوجه، فنضربها في الاثنين والثلاثين بمائة ستين، وفي التاء بعدها ما تقدم في الهمزة والذال، تضربها في المائة والستين بثلاثمائة وعشرين، والهاء بعدها مضمومة، وفي الضم خمسة أوجه...إلخ.
58- شرح على ضبط الخراز لأبي عبد الله محمد بن سليمان الجزولي، وهو غير الصوفي المشهور صاحب الدلائل(1) ذكره له بعض الباحثين(2) ولم يشر إلى مصدره.
59- شرح محمد بن علي بن محمد بن الحسن الشريف التجلوتي على ضبط الخراز
ذكره له بعض الباحثين وقال: "مخطوطة بخزانة وزان تحت رقم811(3)
60- شرح ضبط الخراز لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد الخلوفي الشريف الحسني، وهو جامع تعاليق أبي العلاء إدريس المنجرة وولده أبي زيد عبد الرحمن على شرح التنسي كما تقدم (4).
61- شرح على ضبط الخراز لمحمد بن سعد المكلاتي:
__________
(1) - ترجمته باختصار في "رجالات العلم العربي في سوس" لمحمد المختار السوسي ص 14 وقد عده من أهل القرن 9.
(2) - سعيد أعراب في "القراء والقراءات في المغرب" 52.
(3) - ذكره الأستاذ عزوزي حين في رسالته الجامعية: "المدرسة القرآنية بالمغرب والأندلس 2/312.
(4) - النبوغ المغربي لعبد الله كنون 1/311 وسعيد أعراب في "نظرة عن التراث القرآني – دعزة الحق س 161 العدد 273 السنة 1989م.(1/477)
مخطوط بخزانة ابن يوسف بمراكش برقم 195 في مجموع، أوله بعد الحمد والصلاة قوله: "وبعد فهذا شرح مختصر على ضبط أبي عبد الله الخراز..."(1).
62- تقاييد على نظم الضبط للخراز لمحمد بن مجبر المساري (ت 984):
توجد مخطوطة بالخزانة الناصرية وغيرها(2).
وهناك إلى جانب ما ذكرنا بعض الشروح على الضبط لم يعرف أصحابها، منها:
63- شرح مماثل أو حاشية مجهولة المؤلف مخطوطة بخزانة ابن يوسف بمراكش برقم 366.
- شرح عمدة البيان لمسعود جموع بلغ فيه إلى الهمز ذكره له تلميذه موسى بن محمد الراحل في "مناهل الصفا"(3) (مخطوط).
تكملات أو استدراكات على المورد:
وقد واكبت النشاط العلمي الزاخر الذي قام حول رجز الخراز مجموعة من الأراجيز التي نظمها العلماء عليه مكملين لبعض مسائله أو مستدركين عليه، ومنها طائفة من الأبيات ضمنها بعض الشراح في شروحهم كالشوشاوي وابن جابر المكناسي كما تقدم، ومنها أراجيز مستقلة أو مصنفات نثرية تتبعت المسائل التي أغفلت وهي مذكورة في الأصول التي ينقل عنها، فمنها:
65- بيان الخلاف والتشهير والاستحسان، وما أغفله "مورد الظمآن"، وما سكت عنه التنزيل ذو البرهان، وما جرى به العمل من خلافات رسمية في القرآن، وربما خالف العمل النص فخذ بيانه بأوضح البيان "لأبي زيد عبد الرحمن ابن القاضي شيخ الجماعة بفاس" (ت 1082هـ).
وهو رسالة في نحو عشرين ورقة وقفت منها على نسخ كثيرة، وعندي مصورة منها عن مخطوطة بأوقاف آسفي، وأولها "اعلم – رحمنا الله وإياك – أن متابعة مرسوم الإمام أمر محتم على الأنام، كما نص عليه الأئمة الأعلام...
__________
(1) - فهرسة خزانة ابن يوسف.
(2) - رقمها بالناصرية 1876 (دليل مخطوطات الناصرية 118).
(3) - استدركته أخيرا، وكتاب "مناهل الصفا في التقاط درر الشفا" م خ ح بالرباط برقم 335/2 وكذا خ رقم 2141.(1/478)
وكلامه في الرسالة حافل بالنقول عن الأئمة، ينقل عن التحفة لميمون والدرة الصقيلة للبيب والدرة الجلية لميمون أيضا والميمونة الفريدة لشيخه القيسي، كما ينقل عن المنصف للبلنسي والتبيان للتجيبي وكتب أبي عمرو وأبي داود...
وقد قام بتحقيق الرسالة بعض الباحثين في رسالة جامعية(1).
66- أرجوزة لابن القاضي أيضا فيما أغفله الخراز في مورد الظمآن، ذيل بها رسالته السابقة، وتقع في 77 بيتا بدأها بقوله:
وهاك ما حذف في "التنزيل" ... وليس في "المورد" خذ تفصيلي
"الجاهلية" "الأيامي" "واحدة" ... حاججتم "رؤياي" خذها فائدة
وختمها بقوله:
حجته بانت لدى "كشف الغمام" ... واضحة النقل فقله لا تلام
67- استدراك على ابن القاضي فيما لم يذكر في استدراكه مما أغفله صاحب المورد(2)
وسماه بعضهم "تذييلا على مورد الظمآن"(3) وهو لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الدرعي مخطوط بتطوان 453.
68- أرجوزة البسط والبيان فيما أغفله مورد الظمآن "لابن عمر البيوري هكذا جاء في مطلعها.
وهي أرجوزة طويلة تقارب أرجوزة المورد، ومنها نسخة بالخزانة الحسنية بالرباط في مجموع برقم 74 كتبت عام 1060هـ، وأولها قوله:
يقول نجل عمر البيوري ... المرتجي مثوبة الغفور
الحمد لله العظيم الباقي ... الباعث المهيمن الخلاق
يقول في بيان غرضه منها:
وبعد خذ نظما يفي بالمقصد ... برسم ما أغفله في المورد
من ثبت أو حذف وما به عمل ... فيما فيه في "المورد" الخلف نقل
سلكت ما في عصرنا قد اشتهر ... فيه وما صح لدى أولي النظر
69- أرجوزة مكملة لمورد الظمآن وعليها شرح لناظمها نفسه فيما يبدو:
__________
(1) - وحققها وقدم لها الشيخ عبد الله البخاري بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ولم تنشر بعد.
(2) - عرف به الأستاذ الدكتور التهامي الراجي الهاشمي في تقديمه لكتاب "التعريف" لأبي عمرو الداني 149.
(3) - سعيد أعراب في "نظرة عن التراث القرآني حول مقرإ نافع" 160 – دعوة الحق العدد 273.(1/479)
ذكرها بعض الباحثين وذكر أنها في 22 صفحة مخطوطة بالخزانة الحسنية برقم 74 بشرح ناظمها ولم يذكر اسمه، إلا أنه يستفاد من بعض نقوله أنه تلميذ لأبي زيد عبد الرحمن عرف بمن لا يخاف السجلماسي (ت 999)(1).
70- أرجوزة فيما أغفله مورد الظمآن في رسم القرآن لناظم غير مذكور:
أولها قوله:
حمدا لمن أنشأنا الغني ... ثم صلاته على النبي
على رسول الله خير مرسلا ... وآله وصحبه ومن تلا
أبياتها 205 بيت، ومنها نسخة مخطوطة في خزانة تطوان في مجموع برقم 889(2).
هذه سبعون كتابا أو أثرا علميا قامت كلها على مورد الظمآن وذيله في الضبط ما بين شرح وحاشية وتقييد واستدراك وتكميل، وهي في جملتها تمثل جزءا من النشاط العلمي الزاخر والإشعاع الذي واكب الأرجوزة بقسميها على مر السنين وفي مختلف الأقطار.
ويمكن أن يلتحق بهذا قسم آخر من آثار علماء هذا الشأن ظهر بعد عمل أبي عبد الله الخراز هذا إما في صورة تكميل أو محاذاة أو معارضة سواء جاء فيها التصريح بذلك أو لم يجئ. ولا بأس أن نشير إلى طائفة من هذه الآثار التي تمثل في المدرسة المغربية امتدادات أخرى لهذه المدرسة واستلهامات لنموذجها في النظم وجمع النظائر وتقريب الأحكام، وهذه إشارات مقتضبة إلى أهمها:
71- الميمونة الفريدة في نقط المصاحف للسبعة للإمام أبي عبد الله محمد بن سليمان القيسي شيخ الجماعة بفاس (ت 810هـ)، وهي أرجوزة في أزيد من ألفي بيت ـ كما سياتي ـ أولها قوله:
الحمد لله الذي اصطفانا ... وذكره أورثنا وفانا
__________
(1) - رسالة جامعية بعنوان "المدرسة القرآنية في المغرب والأندلس... " للأستاذ عزوزي حسن 2/286. وأشار إلى ترجمة أبي زيد السجلماسي المذكور في دوحة الناشر لابن عسكر 68.
(2) - فهرسة مخطوطات خزانة تطوان 52.(1/480)
وقد وضعها على النقط والضبط وتعرض فيها لبعض مسائل الرسم مما له صلة بذلك، وتوسع توسعا كبيرا في إيراد الأقوال وعزو مسائل الخلاف على خلاف ما فعل الخراز في "عمدة البيان في الضبط"، واعتمد المصادر نفسها التي اعتمدها الخراز، وزاد عليه باعتماد ما ذكره أبو إسحاق التجيبي – الآتي – في كتاب "التبيان"، كما أنه عمم في ذكر قضايا الرسم والضبط ولم يخص قراءة نافع في أرجوزته، فكان القيسي بمثابة التكميل أو التوسيع لما بدأه الخراز في "عمدة البيان" مع الزيادة عليه بإيراد الرسم والضبط المتعلق بباقي السبعة غير نافع، وسياتي الحديث عن صنيعه في ذلك في ترجمته.
72- الدرة الجلية في نقط المصاحف العلية لأبي وكيل ميمون بن مساعد المصمودي مولى أبي عبد الله الفخار (ت 816هـ)، وهي أرجوزة تعرض فيها لمسائل الضبط أيضا على نحو ما فعل أستاذه أبو عبد الله القيسي، وأولها:
يقول راجي رحمة الغفار ... والفوز بالحسنى مع الأبرار
وتقع في 1570 بيتا كما سيأتي في ترجمته، وتعتبر أيضا بمثابة التكميل لأرجوزة الخراز في الضبط(1).
73- المورد الروي في ضبط قول ربنا العلي لأبي وكيل ميمون مولى الفخار أيضا.
أرجوزة نظمها قبل نظم "الدرة الجلية"، وأولها قوله:
الحمد لله العزيز الجبار ... مسخر الرياح مجري الأنهار
وأبياتها كما أحصيتها 229 بيت، وعمدته فيها – كما ذكر في آخرها – على "المحكم" لأبي عمرو الداني، ولم يتعرض لما ذكره أبو داود أو غيره، وتعتبر مع هذا تكملة لما أغفله الخراز وما لم يتوسع فيه من المباحث المذكورة في الكتاب(2).
74- دلالة التعليم "في الرسم على قراءة نافع للشيخ سيدي محمد الغنيمي"
__________
(1) - سيأتي التعريف بها في ترجمة ناظمها.
(2) - سيأتي التعريف بها في ترجمة أبي وكيل.(1/481)
لم أقف على ترجمة مؤلفها، إلا أنه ذكر في نهاية أرجوزته أنه نظمها سنة 849هـ، وأبياتها 347 بيت. وقد اعتمد فيها على أبي عمرو الداني خاصة مما ذكر الخراز في المورد والشاطبي في "عقيلة الأتراب" وما جاء في بعض شروحهما، وقد وقفت عليها مطبوعة في "طبعة تونسية قديمة مع "مورد الظمآن" وغيره(1)، وفيها يقول:
الحمد لله العلي الأعلى ... حمد يدوم بدوام المولى
عدد ما في علمه مكررا ... وملئه ووزنه وأكثرا
ثم الصلاة والسلام بعده ... على النبي الهاشمي مثله
وآله وصحبته والتابعين ... إلى قيامنا لرب العالمين
وبعد فاعلم أنني نظمت ... قصيدة في الرسم واختصرت
ما ألف الداني في رسم الإمام ... نافع إذ جردته ولا الأم
من "مورد الظمآن" و"العقيلة" ... ومن تفاسيرهما الحفيلة
ليسهل الحفظ له والفهم ... لمن له جد وفيه عزم
لما رأيت مورد الظمآن
عجز عنه أكثر الولدان
وعن "عقيلة" لمغمضهما ... حينئذ نظمتها تفهما
وبعض أهل الضبط قد سماها ... "دلالة التعليم" وارتضاها
فهذه "دلالة التعليم" ... نظمها المؤدب الغنيمي
وليس لي حول ولا لي قوة ... إلا بربي الشديد القوة
وأسأل الله تعالى التوفيق ... في كل ما أرومه والتحقيق
بجاه سيد الورى محمد ... صلى عليه الله من ممجد
ذكر حروف حذفت أو أثبت
من ألف أو واو أو ياء أتت
والحذف في اسم الله بعد اللام ... ومثله "اللهم" في الإمام
وكل جمع سالم تكررا ... مؤنثا يجيء أو مذكرا
بألف أو ألفين حذفا ... منكرا ورد أو معرفا
كالعالمين العاملين الصالحين ... والصابرين الصادقين القانتين
والسائحات الصالحات الصافنات ... مع غيابات جمالات بينات
وهكذا مضى فيها حتى أتى على قوله في ذكر التاءات المبسوطة:
وذات مرضات أولات اللات ... هيهات يا أبت مع – ولات
__________
(1) - وقفت عليها مطبوعة في خزانة الشيخ ابن أعراب رحمه الله إمام مدرسة طاكات بإقليم الصويرة، وهي مطبوعة في مجموع بالمطبعة التونسية بنهج سوق البلاط عدد 57 سنة 1351هـ ومعها أرجوزة المورد والدرر اللوامع واختصار الحذف للجاكاني.(1/482)
وقطع حين من "ولات" مجمع ... عليه، والوصل قليلا يسمع
قد كملت "دلالة التعليم" ... بعون خالق الورى القديم
في عام تسعة وأربعينا ... مع ثمانمائة سنينا
قد احتوت على ثلاثمائة ... بيت وأربعين ثم سبعة..
75- أرجوزة "الملخصة في الرسم للشيخ الفقيه عبد الواحد بن الحسين الركراكي الوادنوني البعمراني(1).
أرجوزة في رسم القرآن الكريم تتبع فيها ما يشتبه في الرسم على الطلبة من الألفاط إما بسبب همزة الوصل بعده نحو"فأبى الظالمون" و"يأبى الله" و"عقبى الدار" و"جابوا الصخر" و"يربي الصدقات" وغيرها مما يرسم بـ "الحمل"(2) والكلمات المتشابهة في رسمها بالسين أو بالصاد، وألفات النقل والوصل وموضع النقط منها، والتاء المثلثة والذال والضاد والظاء والقاف المشددة، ثم ختم بذكر بعض المتشابهات بالتقديم والتأخير أو بالزيادة والنقص كالنفع قبل الضر، وما في السموات وما في الأرض، و"تك" بالتاء دون نون، و"فرعون" بالضم... إلخ. ومما قاله في مقدمتها ذاكرا لغرضه فيها ومحددا لأبياتها وتاريخ نظمها:
الحمد لله على النعماء ... حمدا بلا عد ولا انتهاء
متصلا ليس له انفصال ... ما اعتقب الغدو والآصال
صلى الهنا تعالى سرمدا ... على النبي الهاشمي أحمدا
وبعد فاعلم أنني لخصت ... للناشي الأرجوزة إذ سئلت
في رجز مقرب للحفظ ... كثير معنى في قليل لفظ
وللذي رجوت من ثواب ... عليه بادرت إلى الجواب
تشفي بما ضمنتها من شرح ... من ظمأ السائل عند البرح
قربتها في النظم والتلخيص ... رجوت ربي تك للتمحيص
يدركها السائل والمسؤول ... ودونها الراغب لا يؤول
سيان كان ناشئا أو شاديا ... فسرها يلقاه جهرا باديا
فدونكم مني عروسا بكرا ... أتعبت فيها خاطرا وفكرا
حتى جلوتها على منصة ... تهدي لكم من كل نفع فصه
__________
(1) - كذا نسبه العلامة محمد المختار السوسي في "سوس العالمة" 178 و"رجالات العلم العربي بسوس" 14.
(2) - الحمل عند علماء الرسم المغاربة المتأخرين يعني: إشباع الحركة حتى ينشأ عنها ألف أو واو أو ياء رسما ولفظا أو رسما لا لفظا.(1/483)
وربما أومأت لاحتجاج ... يفرق بين العذب والأجاج
في مائتي بيت بعيد (دن) كمل ... خميس (زي) رحب سنة(ظل)(1)
والله ربي أسأل التوفيقا ... فلم يزل بعبده رفيقا
القول في محمول حركات أتت
من قبل همز الوصل للساكن ثبت
رءا" بأنعام ونحل بألف ... كهف وأحزاب "تراءا" قد ألف
"تبوءا" بالواو مع "أساؤوا" ... وكسرها بالوضع يا قراء
أبي "ويأبى الله" عقبى "بألف" ... بالواو "جابوا" "فيسبّوا" لا تحف
ثم "تسبوا اجتنِبوا" و"اجتنبَوا" ... مع "استحبوا" "كذّبوا" و"كذبوا"
"لا تقربوا" و"يقربوا" مع "كسبوا" ... بالياء "يُرْبِي" وحده إذ كتبوا
ثم انتقل إلى التاء فالثاء فالجيم إلى آخر الحروف "المحمولة" بالألف أو الواو أو الياء حسب الحركات مقتصرا من ذلك على ما لقيته همزة وصل رفعا للاشتباه في رسمه، لأنه يكتب محمولا، ويلفظ بالحركة وحدها دون حمل.
سائل ربه لغفر ما اقترف ... لخص للسائل منه ما سلف
ولغلامه ومن شا الواجد ... يا ربنا رب العباد الشاهد
نجل الحسين وهو عبد الواحد ... مصليا على الرسول الماجد
وآله ما همر الركام(2) ... وصحبه ما هدل الحمام(3)
76- متن تسهيل حفظ الحذف لعلي الجكاني:
أرجوزة مشهورة واسعة التداول عند المتأخرين بالجنوب المغربي، أولها قوله:
يقول من لنفسه أسير ... وقلبه من حبه أسير
المرتجي العفو من الرحمن ... تفضلا علي الجكاني
الحمد لله الذي علمنا ... علم الكتاب وبه فضلنا
وبعد قصدنا بذا الكتاب ... تسهيل حفظ الحذف للطلاب
سميته "تسهيل حفظ الحذف ... لجمعه محذوف كل حرف
ويقول في آخرها:
__________
(1) - لفظ (دن) يعني 54 حساب الجملّ، و(زي) يعني 17، و(ظل) = 830 وهو تاريخ نظمها.
(2) - يعني أمطر السحاب بالغيث.
(3) - وقفت على الأرجوزة بكاملها في خزانة أوقاف آسفي العتيقة وهي غير مرقمة، وتاريخ نسخها 1004هـ وتوجد مخطوطة أيضا بالخزانة المخدوبية بسوس في مجموع برقم 264 ومعها شرح عليها لداود بن محمد التمكي وهو بعنوان "وسيلة النشأة لهم الملخصة".(1/484)
أبياتها مائتان وعشرة ... اجعلها يارب لذنبي مغفرة(1)
77- سمط الجمان في رسم القرآن "لأبي العباس أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الملك الفلالي الأنصاري". ذكرها له بعض الباحثين وقال: منظومة(2).
78- روضة الصبيان في رسم القرآن لمؤلف غير مذكور
أرجوزة وقفت عليها أولها:
أحمد ربي الله جل محكما ... على الذي به عليّ أنعما
إلى أن يقول:
سميتها بـ"روضة الصبيان" ... في الحذف والإثبات في القرآن
ويقول في آخرها:
أبياتها ست من المئينا ... واثنان وادر وأصحب اليقينا(3)
79- السراج في علم المبين ونوره للمقرئين لأحمد بن عمرو الجكاني الشهير بـ "طير الجنة" أو "الطالب الصحراوي" وقفت عليه مطبوعا بتونس في مجموع، وقد فرغ من نظمه كما ذكر في آخره سنة 1120هـ وأبياته 701 بيت(4) وأوله قوله:
يقول راجي رحم من يرحمه ... الجكاني نجل عمرو اسمه
أحمد لقب بطير الجنة ... أفاض ربي عليه منه
الحمد لله الذي خولنا ... نعمه وذكره منحنا
إلى أن يقول:
وبعد فالعون من الله الكريم ... جمع ما حذف في الذكر الحكيم
سميته "السراج في حذف المبين" ... ونوره للمقرئين مستبين
وقد رتب حديثه عن الحذف على أجزاء القرآن الستين، فبدأ في الحزب الأول بقوله:
والحذف في "الرحمن والصراط" ... "العالمين" حينما "صراط"
"ذلك" حيثما أتى لفظ "الكتاب" ... من غير ثاني الحجر لفظه "كتاب"
وقال في نهاية الحزب الأول:
قد انتهى ذا الحذف أول المبين ... وبعد يأتي "وإذا لقوا الذين"
وقال في ختامه:
بحمد ربنا "السراج" ختما ... وفضله الذي به قد أنعما
__________
(1) - وقفت على عدد من نسخها بأيدي الطلبة.
(2) - سعيد أعراب في "نظرة عن التراث القرآني حول مقرا نافع" 160 دعوة الحق العدد 273 ألسنة 1989.
(3) - وقفت عليها بخزانة الشيخ إبراهيم أبو درار بجمعة آيت داود بقبيلة حاحة.
(4) - نشر بالمطبعة التونسية في مجموع به أرجوزة ابن بري ومورد الظمآن وأرجوزة دلاله التعليم الغنيمي واختصار حذف ** للجكاني.(1/485)
سنة عشرين والف ومائة ... لهجرة الهادي أمام البريئة
عدد ما فيه من الأبيات ... إحدى وسبعمائة أبياتي
80- مصباح الرسام لأبي عبد الله محمد الراضي بن عبد الرحمن السوسي:
وقفت عليه مرات كثيرة بهذا العنوان، وفي بعض النسخ باسم "مصباح الرسام في قراءة السبعة الأعلام"(1) ورأيته في نسخة بعنوان "شفاء الأسقام، الواقع لكثير من قراء الأنام، في كيفية رسم مصاحف الإمام"، وعليه شرح للمؤلف نفسه يقع في 120 صفحة من القطع المتوسط أوله قوله: "الحمد لله الذي فضلنا بحمل كتابه، وخصنا بحفظه من بين عباده، وجعلنا من حملته.."(2).
والأرجوزة موضوعها كموضوع "الإعلان بتكميل مورد الظمآن" لابن عاشر وقد انتهى من نظمه عام 1106هـ وتقع في 270 بيت، وأولها:
يقول راجي رحمة القدوس ... محمد الراضي الأستاذ السوسي
ويقول عن موضوع الأرجوزة:
وهاك رسم السبعة البدور ... وضبطه خذه على المشهور
وذا لغير نافع لأنه ... بـ "مورد الظمآن" بان رسمه
وقد جمعت بعد هذا رسما ... لكنه نثره وليس نظما
ويقول في آخرها:
قد انتهى ذا الضبط والرسم معا ... يكفي عن "التنزيل" ثم "المقنعا"
(شوق) للتاريخ و(ركن) للعدد ... شعبان من عامه وفّ في العدد
81- كفاية الطلاب في رسم الستة لأبي العلاء إدريس بن محمد بن أحمد الشريف الحسني المنجرة:
أرجوزة في 103 بيت أولها:
حمدا لربنا من فضله اصطفى ... لحفظ وحيه الذي هو الشفا
من العبيد من بهم يباهي ... وهم على التحقيق أهل الله
ثم الصلاة أبدا مع السلام ... على النبي المصطفى خير الأنام
وبعد خذ تحقيق رسم عن خبير ... للبصري مع كوف وشام ابن كثير
ثم قال بعد أبيات:
__________
(1) - توجد مخطوطة بهذا العنوان في الخزانة المحجوبية بسوس في مجموع برقم 162 (مخطوطات العلوم الشرعية) بخزائن سوس – الأزاريفية – المحجوبية – العثمانية – السعودية – الأدوزية – ص 51) كلية الشريعة بأكادير.
(2) - الأرجوزة وشرحها المذكور في خزانة المقرئ السيد أحمد اعوينات باليوسفية بالرباط.(1/486)
سميته "كفاية الطلاب" ... أرجو به الجزا من الوهاب
وقال في الخاتمة:
ثم صلاة الله بالدوام ... على النبي الهاشمي التهامي(1)
وقد ذكر فيها رسم الستة غير نافع، وذيلها بقسم الضبط على نحو ما فعل الخراز في "عمدة البيان"(2).
82- أرجوزة في رسم السبعة للفقيه الأستاذ محمد بن سعيد بن عمارة الينوني الوادنوني
أولها:
الحمد لله الذي علمنا ... من العلوم ما به فضلنا
ثم صلاته على المختار ... محمد وصحبه الأخيار
وهاك رسما فاستفده عن خبير ... للشامي والبصري معا وابن كثير
والكوفي أيضا بنصوص ثمة ... كما أتين عن خيار الأمة
طريقة "التنزيل" قد سلكت ... مع "العقيلة" على ما قلت
وربما ذكرت فيه أحرفا ... بلا انتسابها لشيخ عرفا
معتمدا على اشتهارها لدى ... أئمة الوقت على ما عهدا
ثم أخذ في ذكر اصطلاحه في الأرجوزة، وأخذ في ذكر مسائل الخلاف على ترتيب سور القرآن حسب أرباع القرآن، فقال في أول الربع الأول:
من أول الحمد إلى الأعراف ... جاء بخلف أو بلا خلاف
والحذف عنهما اتى بـ"مالك"(3) ... قبيل "يوم الدين" من بذلك
وابن نجاح قال في "التنزيل" ... "أزال"(4) بالحذف أخذ تفصيلي
وجاء عنهما بثبت الياء ... "ميكائل" مع "موليها" القراء
وألف فويق بالحمراء ... " ورسموا "قالوا"(5) بلا امتراء
بدون واو قبل قاف حققن ... وياء "إبراهيم" في البكر احذفن
وألف يلحق بعد الهاء ... وقبل ميمه ولا تراء
__________
(1) - وقفت علها في خزانة السيد اعوينات أيضا بالرباط ، وفي خزانة الشيخ أحمد الكونطري بالصويرة.
(2) - قال في أول قسم الضبط:
هنا انتهى نظامنا في الخط ... أتبعه مذيلا بالضبط
على الذي مضى لها من حكم ... وأسأل الله تمام الختم
(3) - يعني عن الداني وابن نجاح.
(4) - يعني في قوله "فأولهما" في قراءة حمزة "فأزالهما"- التيسير 73.
(5) - يعني في قوله "قالوا اتخذ الله ولدا" في سورة البقرة، الآية 116 قرأ ابن عامر" قالوا بدون واو العطف- التيسير 76.(1/487)
وهكذا ذكر مسائل الخلاف بين نافع وبين السبعة ونبه على كيفية رسمها إلى أن ختم بقوله:
و"بضنين" قالوا بالإلحاق(1) ... وأسقطه جل من الحذاق
وكل ما تركت يا خليلي ... كرسم نافع بلا تفصيل
والحمد لله على الختام ... ثم صلاته مع السلام
على النبي العربي أحمدا ... وآله وصحبه ذوي الهدى
وتقع الأرجوزة في 160 بيت، ونسخها متوافرة في أيدي طلبة القراءات إلى اليوم(2).
83- أرجوزة في رسم السبعة للشيخ علي بن الشرقي السجدالي:
أولها:
يقول راجي عفو ذي الجلال ... علي الضعيف المذنب السجدالي
الحمد لله الذي علمنا ... كتابه وبالنبي فضلنا
ثم الصلاة والسلام أبدا ... على محمد ومن به اقتدى
وهاك رسم السبعة الأخيار ... وضبطهم خذه على المختار
المدني والمكي والبصري ... وبعده الشامي والكوفي
وختمها بقوله:
أبياته (يمن) وعام (شاف) حل ... عن غيره يكفي الذي به اشتغل(3)
84 أرجوزة في رسم الستة أو "درر المنافع في رسم القراء الستة السماذع غير نافع لأبي العلاء إدريس بن عبد الله الودغيري الملقب بالبكراوي صاحب "التوضيح والبيان في مقرأ نافع بن عبد الرحمن (ت 1257) وتقع في 220 بيتا كما قال فيها:
أبياتها عشر تضيء كالدرر ... وعشرة ومائتان تعتبر
وقد بناها على أرباع القرآن حيث بدأ بالربع الأول من الحمد إلى الأعراف وذكر ما فيه من وفاق وخلاف ثم قال:
من سورة الأعراف قل لمريما ... لكل "ساحر" بثبت رسما
__________
(1) - يعني بإلحاق علامة الظاء المشالة على الضاد لابن كثير وأبي عمرو والكسائي في سورة التكوير – التيسير 220.
(2) - وقفت عليها في مجموع في خزانة بنتمار بأسفي. وعند السيد الطاهر العبدي العشراوي مما نسخه بمدرسة سيدي الزوين للقراءات بحوز مراكش.
(3) - وقفت عليها في خزانة السيد أحمد بن الكونطري بالصويرة.(1/488)
"ما يتذكرون"(1) بالتا واحذف ياء ونونا من "اذ أنجى"(2) واعرف
وأثبت الألف، ثم "الأسرى"(3) ... بحذفها و"تحتها" "من"(4) يُدْرَى
85- عمدة البيان في حكم المحذوف في القرآن لأبي العلاء الودغيري أيضا:
ذكرها له بعض الباحثين بهذا العنوان وذكر أنها 387 بيتا رتبها على حروف المعجم، وقد نظمها سنة 1229(5)، ثم ذكر خاتمتها فقال:
"تم بحمد الله في ذي القعدة ... عشرين عاما قبل تسع عدة
من بعد عشرة من المئينا ... ومائتين من السنينا(6)
سبعين بيتا مع ثلاثمائة ... وعشرة عدته مع سبعة(7)
- وذكر أنه "وضع عليها شرحا قال فيه: "إنه أهمل الوجوه التي لا عمل عليها، وبذلك كمل حسنها، لأنها صارت من العمليات في الرسم"(8).
86- متن المصباح في رسم القرآن للعلامة سيدي محمد الفاسي:
وقفت عليها في مجموع ببعض الخزائن(9) ولا أدري أهي للشيخ محمد بن عبد السلام الفاسي (ت 1214) أم هي لغيره، وأولها:
لسم الله الحمد له به ابتدا ... ثم للصلاة والسلام أبدا
__________
(1) - يعني قوله تعالى في أول سورة الأعراف "قليلا ما تذكرون"، قرأ ابن عامر"يتذكرون" التيسير 109.
(2) -هي قراءة ابن عامر أيضا للآية 141 من سورة الأعراف "وإذ أنجيناكم من آل فروعون": يقرؤها "أنجاكم" بضمير الغائب – التيسير 113.
(3) - يعني قوله "لمن في أيديكم من الأسرى" في سورة الأنفال، وقرأها أبو عمرو "الأسارى" على وزن فعالى بضم الفاء – التسير 117.
(4) - يعني قوله في سورة التوبة "وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار"، قراها ابن كثير "من تحتها"، كما في التيسير للداني 119.
(5) - التاريخ المذكور عند الأستاذ سعيد أعراب إلى 1292 كما في كتابة القراء والقراءات بالمغرب 159.
(6) - كذا وهو منكر في الوزن، ولعل الصواب "بعد من سنينا".
(7) - القراء والقراءات لسعيد أعراب 159.
(8) - سعيد أعراب في القراء والقراءات 159 وكذا في دعوة الحق 162 العدد 273 السنة 1989.
(9) - خزانة بنتمار العدل بآسفي.(1/489)
على النبي العربي أحمدا ... والآل والصحب ومن به اقتدى
وبعد قد سألني خلّ بيان ... نظم به تقريب رسم القرآن..
وقال في آخرها:
عدده ثلاث مع ثلاثين ... ومائة بيتا فخذ بالتبيين(1)
87- مصباح الرسم القرآني لمحمد بن العربي السباعي:
أرجوزة مختصرة في 129 بيتا، توحد مخطوطة بخزانة ابن يوسف بمراكش برقم 13(2).
88- نُصرة الكتاب، المبينة لمختار الأصحاب للشيخ محمد التهامي بن الطيب الغرفي لمسيفي المدغري الفلالي الضرير.
أرجوزة مشهورة في الرسم مرتبة على حروف المعجم، فرغ منها في رمضان عام 1247هـ، وأبياتها 367. طبعت قديما بفاس على الحجر، ومنها نسخة مخطوطة بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم 292، ومطلعها:
قال عبيد ربه المنتخب(3) ... محمد التهاميّ ابن الطيب
من بعد لسم الله الرحمن الرحيم ... مسهل الخط لذا لذكر الحكيم
الحمد لله الذي قد أنزلا ... كتابه على إمام الفضلا
إلى أن يقول:
فهاك رسما واضحا مقربا ... على حروف المعجم مرتبا
في رجز جئت به مجتمعا ... ولآثار "ورشنا" متبعا
على الذي أخذه بواسطة ... عن شيخه نافع عن ذي المعرفة
من حذف يلفى وسطا أو في الطرّف ... أو حكم همز أو ما زيد من ألف
أو واو أو ياء أو مقطوع وما ... يوصل، أو جاء بتاء رسما
إلى أن قال:
سميته "بنصرة الكتاب" ... بينت فيه مختار الأصحاب
وطريقته أنه يجمع النظائر في كل حرف من حروف المعجم كقوله في حرف الدال مشيرا إلى الألفات المحذوفة:
فعل "يدافع" "جدالنا" بنون ... "فأدارأتم" "تداركه" "يسجدان"
"داخل" و"داخر" سوى غافر و"بل ... إدارك "الولدان" "يداه" جل
"عداوة" "شهادات" كذاكا ... "أتعدانني".."جاهداكا"
و"الوالدان" "يريدان" "الوالدات" ... "معدودات" و"تذودان" "عابدات"
ويقول في آخرها:
__________
(1) - في الأصل فخذ بيانتي.
(2) - نقلت رقمها من الفهرس المستعمل بالخزانة، وذكرها الأستاذ أعراب في ص 55 المرجع السابق.
(3) - هكذا في الطبعة الحجرية، ووقفت عليه مخطوطة بلفظ "المحتجب"، وهو أنسب للمعنى.(1/490)
قد انتهى ملخصا مهذبا ... والحمد لله على ما وهبا
في رمضان عام زاي جاهزة ... وميم ثم را وشين معجمة
أبياته ستون بعد سبعة ... وزد عليهما ثلاثمائة
89- كشف العمى والرين عن ناظر مصحف ذي النورين لمحمد العاقب بن مايابي الجكني الشنقيطي المتوفى بفاس في العقد الثالث من القرن الرابع عشر الهجري(1)، وهي أرجوزة مشهورة وله شرح عليها(2)، وهي مطبوعة بموريطانيا، ومنها أيضا نسخة بالخزانة الحسنية تحت رقم 12008ز في مجموع، ومطلعها:
حمدا لمن علم بالأقلام ... وجمع القرآن في الإمام(3)
ومنها الأبيات المشهورة التالية:
لم يجمع القرآن في مجلد ... على الصحيح في حياه أحمد ... فإن ذاك من تقى الإله
للأ من فيه خلاف ينشأ ... وخيفه النسخ بوحي يطرأ
وكان يكتب على الأكتاف ... وقطع الأديم واللخاف
وبعد إغماض النبي فالأحق ... أن أبا بكر بجمعه سبق
جمعه غير مرتب السور ... بعد إشارة إليه من عمر
ثم تولى الجمع ذو النورين ... فضمه ما بين دفتين
مرتب السور والآيات ... مخرّجا بأفصح اللغات(4)
__________
(1) - كتاب "بلاد شنقيط" – المنارة والرباط للأستاذ الخليل النحوي 524.
(2) - نفسه ص 573. واسمه رشف اللمى على كشف العمى طبع أخيرا بالمطبعة الوطنية بنواكشوط: 1416هـ.
(3) - فهرسة الخزانة الحسنية للأستاذ محمد الخطابي 6/141. وقد ذكر تاريخ الفراغ من كتابتها في ربيع 1336هـ.
(4) - نقل عنه هذه البيات صاحب "مفتاح الأمان في رسم القرآن" إلا أنه اكتفى بقوله "وقد نظم ذلك بعضهم" – مفتاح الأمان 11- واستدل بها الأستاذ عباس محمود العقاد في كاتبه "ذو النورين عثمان" – العبقريات 2/669 واستدل بها الشيخ محمد حبيب الله بن الشيخ عبد الله بن ما يابي الجكاني الشنقيطي في كتابه "إيقاط الأعلام لوجوب اتباع رسم المصحف الإمام" ونسبها للشيخ محمد العاقب دفين فاس"، طبع الكتاب بمكتبة المعرفة بحمص – سوريا. وآخر بيت من أرجوزة "كشف العمى والرين"
0@ومن يعظم حرمات الله
ويمكن الرجوع إليها مخطوطة بالخزانة الحسنبة بالرباط برقم 12008 ز في مجموع (فهارس خ ح 6/141).(1/491)
90- أرجوزة "المحتوي الجامع على رسم الصحاب وضبط التابع" للشيخ عبد الله بن محمد الأمين بن فال بن عبد الله بن سيد الوافي الجكاني – نسبة إلى قبيلة من قبائل العرب المشهورين بالقرآن في جمهورية موريتانيا – من أهل المائة الرابعة عشرة الهجرية.
وهذه الأرجوزة تعرف في موريتانيا والسينغال باسم "رسم طالب عبد الله"، وقد شرحها غير واحد من أهل البلدين، ومنهم الأستاذ أحمد بن مالك حماد الفوتي السينغالي خريج الأزهر بمصر، وذلك في كتابه - "مفتاح الأمان في رسم القرآن"(1)، وقد ذكر في مقدمة شرحه هذا ما لاحظه من اهتمام كبير بهذا الفن "في جمهورية موريتانيا والسينغال ومالي وغينيا والبلاد المجاورة" – قال: وعمدتهم في ذلك هو "رسم طالب عبد الله الذي ألفه الشيخ عبد الله بن محمد الأمين... إذ منذ ظهر كتابه هذا في غرب إفريقيا لم ينافسه كتاب في علم الرسم لعموم فائدته واختصاره(2)" على ما تدعو إليه الحاجة من غير أن يتعرض للعلل والخلافات التي قصرت الهمم دونها اليوم، قال:
"والواقع أن هذا الكتاب فريد في بابه، إذ لم أقف على نظم أو نثر في الرسم مثله بعد "مورد الظمآن... فالمورد يتعرض لبعض العلل والخلافات، وينسب الأقوال إلى قائلها، بخلاف (طالب عبد الله) فإنه اقتصر على المعمول به المشهور عند أهل المغرب"(3).
ثم بعد أن ذكر شارحه المذكور التحاقه بالأزهر الشريف وأنه اشتغل في تأليفه حين وجده مع عموم فائدته قد حصل فيه تحريف وتبديل يحتاج إلى تنقيح وتهذيب.. شرع في عمله بمقدمة الأرجوزة وهي قوله:
الحمد لله الذي رسم الكتاب ... وضبطه علمنا بلا عتاب
ثم الصلاة والسلام الأسمى ... حسبما في اللوح حرفا واسما
__________
(1) - طبع بالدار السينغالية بدكار.
(2) - كذا والصواب "اقتصاره."
(3) - مفتاح الأمان 7-8.(1/492)
على النبي العربي طه ... من المعالي كلها أعطاها(1)
وأستعين الله في نظم اختصار ... للرسم والضبط بصدق وانحصار
لكي يكن(2) للمبتدين تبصرة ... وللشيوخ الحافظين تذكرة
سميته بـ"المحتوي الجامع" ... رسم الصحاب(3) ثم ضبط التابع
ولم يرتب الناظم نظائر الرسم على حروف المعجم دائما، وإنما كان يعدل عن ذلك من حين لآخر في بعض الألفاظ كما أبان شارحه عن ذلك في أول الكتاب(4)، ومن نماذج ما ساقه مرتبا على الحروف قوله:
فنون مضمر وعين والتناج ... فناظره أبناء ناديناه ماج
الأعناب أكنانا منافع إناث ... نازع ينابيع القناطير تراث
فصاله الأبصار صاحب صالحة ... دون هما اثنين تصاعر صاعقة(5)
ويمكن الرجوع لمزيد من المعلومات إلى الأرجوزة في شرحها المطبوع "مفتاح الأمان في رسم القرآن".
- ويظهر أن للأستاذ أحمد مالك حماد الفوتي صاحب الشرح المذكور شرحا ثانيا على الأرجوزة بعنوان:
- الإيضاح الساطع على المحتوي الجامع رسم الصحابة وضبط التابع "فقد ذكره في المصادر التي اعتمدها في "مفتاح الأمان" وقال "للمصنف"(6)، فاحتمل ذلك أن يكون عنى بالمصنف صاحب الأرجوزة الشيخ طالب عبد الله، وأن يعني به نفسه، وعلى كان الظاهر الأول، لأنه في مقدمة "مفتاح الأمان" لم يذكر أنه شرحه.
- ومن شروحها أيضا شرح للشيخ محمد تقي الله ابن الشيخ ماء العينين (ت1320)(7).
__________
(1) - كذا والصواب "أعطيها" بضم الهمزة وفتح الياء ولعله ارتكب فيها بعض الضرورات كما يقال في بقي بقى بالألف.
(2) - كذا وهو لحن ولو قال "بكون المبتدئين تبصره" كان أسلم.
(3) - في المطبوع" الصحابة.
(4) - مفتاح الأمان 14-15.
(5) - مفتاح الأمان في رسم القرآن 36.
(6) - فهارس مفتاح الأمان 155.
(7) - ذكره له الأستاذ الخليل النحوي الموريتاني في كتابه "بلاد شنقيط 569".(1/493)
- ومنها شرح الشيخ محمد العاقب بن ما يابي الجكاني الشنقيطي وعنوانه "رغم الحفاظ المقصرين على المحتوي الجامع المعين ضبط ورش وقالون"(1)، ومؤلفه هو صاحب أرجوزة "كشف العمى والرين" السابقة. وشرحها "رشف اللمى".
- ومنها شرح محمد عبد الله ابن الشيخ أحمد الجكاني(2)، وشرح محمد محمود ابن الشيخ محمد بن سيد الجكاني(3)، ومنها شرح ضبط القرآن للطالب الجكاني المسمى "مبين الأحكام" للشيخ محمد محمود ابن الشيخ محمد بن سيدي الأمين اللمتوني(4)، ومنها طرة على تأليف طالب عبد الله الجكاني في الرسم لمحمد حبيب الله بن حموه الحسني(5).
وهذه الشروح وغيرها تدل على مبلغ العناية بهذه الأرجوزة في موريتانيا كما عبر عن ذلك صاحب "رسم الأمان" فيما أسلفنا.
91- أرجوزة في الثبت والحذف في القرآن لأبي العباس أحمد بن عبد الله الميزوري المسّاري من قبائل جبالة بشمال المغرب المتوفى في حدود 1320هـ، يقول في أولها:
يقول أحمد بن عبد الله ... المرتجي مغفرة الإله
وقد رتب الحذف فيها على حروف الهجاء مبتدئا بقوله في باب الهمزة المحذوفة:
سؤاته قرآنا بدء يوسف ... وبدء زخرف وجاءانا أحذف
وختمها بقوله:
يا رب وارحم ناظم الأبيات ... الميزوري الذليل للسادات(6)
__________
(1) - بلاد شنقيط للأستاذ الخليل النحوي 573.
(2) - بلاد شنقيط 591.
(3) - نفسه 597.
(4) - نفسه 597.
(5) - نفسه 589
(6) - الأرجوزة متداولة إلى اليوم بشمال المغرب كثيرا، وقد سمعت منها أبياتا من بعض الطلبة بمدينة القنيطرة ثم وقفت على التعريف بها عند الأستاذ سعيد أعراب في مجلة دعوة الحق 164 العدد 273 السنة 1989.(1/494)
وللشيخ الميزوري منظومات كثيرة على هذا المنوال وغيره في الرسم والعدد والخط(1) وغير ذلك، ومنظوماته واسعة الانتشار في الشمال المغربي في "جبالة"، وهو من الشيوخ الذين ذاع صيتهم بهذه الجبال، دخلت أنظامه وقصائده كل مدرسة وكتاب، بل صار بعضها من الأمثال السائرة بين الطلاب"(2).
92- أرجوزة في الرسم والثبت والحذف للشيخ أحمد بن عبد المربع
وهو أيضا من المتأخرين ببعض قبائل جبالة بالشمال المغربي، وأنظامه متداولة بين الطلبة هناك، وقد وقفت على أرجوزة له في الثبت والحذف لم يحصرني الآن التمثيل لها.
93- أرجوزة في الحذف مجهولة الناظم، وهي بعنوان "موصل الكتاب إلى بيان الحذف في الكتاب". وقفت عليها في بعض الخزائن بسوس(3) مبتورة الآخر، وفيها يقول:
الحمد لله الذي أنزلا ... كتابه على نبي فضلا
إلى أن يقول:
سميته "موصل الكتاب" ... إلى بيان الحذف في الكتاب
سألنيه بعض من تأدبا ... منح من مولاه أفضل الحبا
والله أسأل به النفع العميم ... وأن يعيننا بفضله العظيم
94- أرجوزة في الضبط لسيدي عبد السلام الزروالي:
__________
(1) - يراد بالعدد عند المغاربة المتأخرين غير المراد به عند السلف أي عدد الآي ومعرفة رؤوسها في كل سورة، وإنما يريدون به إحصاء عدد ورود اللفظ في القرآن على وضع معين في رسمه أو ضبطه، وقد اشتهر الاهتمام بفن العدد بهذا المفهوم في قبائل جبالة بالشمال المغربي وامتد بعد ذلك إلى الجنوب المغربي.
وأما الحط فيراد به الرمز الذي يوضع على الكلمة لتعيين القراءة أو الرواية أو الوجه الذي تقرأ به وهو فن محدث أيضا ارتبط بالأخذ بطريقة الجمع في الأداء.
(2) - راجع كتاب الأنصاص القرءانية للدكتور عبد العزيز العيادي العروسي.
(3) - وقفت عليها بخزانة السيد إبراهيم إمام المسجد بقرب سوق خميس آيت عميرة، بنواحي أكادير.(1/495)
لم أقف على ترجمة لناظمها، ولكن وقفت عليها بنواحي الصويرة(1) وتقع في 18 بيتا فقط، وقد تضمنت أحكاما مفيدة، يقول فيها:
عوارض الحروف من تنوين ... أو شد أو تحريك أو سكون
أو مط أو نقط لذات الحرف ... أو مبدل من شكله فلتعرف
حكم الجميع الفصل في الوضع على ... حروفها أو تحتها قل مسجلا
والهمز في الصورة صله مطلقا ... مسهلا مبدلا أو محققا
كحرة النقل التي في الألف ... وصلة الوصل ما نقطه أعرف
والخلف قل في دارة المزيد ... والأخذ بالفصل بلا تزييد
ياء المضارعة صل بالألف ... في "لأهب" كواو "وقتت" صف(2)
إلى أن قال في ختامها:
ناظمه محتسبا عبد السلام ... مصليا على النبي خير الأنام.
95- تحفة القراء في بيان رسم القرآن على رواية ورش للشيخ محمد العربي بن البهلول بن عمر الرحالي السرغيني (ت 1410). وهي مطبوعة.
__________
(1) - بمدرسة سوق أحد الدرى (المعاشات) القرءانية بنواحي الصويرة عند المقرئ السيد عبد الله بن الحاج عمر الشيظمي الدروي.
(2) - يعين في قراءة "وقتت" بالوار للبصري كما في التيسير 218.(1/496)
أرجوزة من أحسن ما نظمه المتأخرون وأوعبه لما يحتاج الطالب إله من أمور الرسم وفروعه ودقائقه، وقد صدر لها بمقدمة قيمة تعرض فيها لبعض أحكام القراء، وأصول الأداء فيما يخص التعوذ والبسملة في قراءة نافع من رواية ورش، ثم تطرق لوجوب المحافظة على الرسم الذي أصله الصحابة في المصحف الإمام، ثم ذكر أن الله تعالى ألهمه إلى نظم قصيدة من بحر الرجز في رسم القرآن وضبطه على رواية ورش قال: ذكرت فيها جل مهمات الرسم وحررت معظمه مع بيان ما يشكل منه عند الكتب من حذف أو إماله وإعجام الذال وتثليث الثاء وما يلتبس من سين أو صاد أو إدغام، وما قد زيد من حرف، أو حذف من حرف علة، وكذا وجوه الهمز من تحقيق وتسهيل وإبدال، والحروف المقطوعة في الخط والموصولة والتاءات المجرورة، والكلمات المحمولة قبل الوصل بواو أو ألف أو ياء من كل ما يصعب رسمه، وسميت هذا النظم ب"تحفة القراء..." حملني على جمعه ما قد رأيته من بعض معلمي هذا الزمان، وما هم عليه من عدم الإتقان لرسم كلمات القرآن وقد اشتمل على ألف بيت وواحد وثمانين بيتا، ورمزه شفا، فالشين ألف والفاء ثمانون والألف واحد، وان شئت قلت في رمزه "شاف".
وتاريخ نظمه عام 1372 هـ، ثم بدأ في ذكر الأرجوزة بقوله:
بدأت باسم الله ذي الجلال ... أحمده جل بكل حال
ثم الصلاة والسلام توأمان ... على الهادي الذي به كل أمان
ثم قال بعد مقدمة طويلة:
وبعد فالمقصود من ذا النظم ... بيان ما يشكل عند الرسم
من حذف أو ممال أو إعجام ... أو سين أو صاد أو الإدغام
وما له أضيف من أبواب ... تنفع أهل الخط في الكتاب
كبعض ما قد زيد وما قد حذفا ... من أحرف العلة أو ما خففا
همزه بالتسهيل والإبدال ... وقطع بعض الحرف والوصال
وجرتاء أبدلت من هاء ... والحمل قبل الوصل بانتهاء
وغير ذا من كل ما به اعتنا ... ورسمه يصعب في كتابنا
على الذي اشتهر للإمام ... عثمان ورش علم الأعلام
فجئت منه بالذي قد استقر ... بالمغرب الأقصى لدى أولي النظر(1/497)
ومعظم المحذوف قد وجدته ... نظما، ومن أصوله أخذته
غيرت نظمه كما أريد ... ألفاظه تنقص أو تزيد
والله أسأل سداد الرأي ... فيما انطوى في مقصدي ورأيي
ثم بدأ بذكر الحذف على الهجاء فقال:
القول فيما أتى من همز حذف(1) ... بألف رقيقة كما ألف
"قرآنا" يوم يأتي مع لبشر(2) ... جاءنا آلهتنا "احذف تنصر
كذا آمنتم "وزد" "خطيئات" ... وبرءوا المشآت "سواءت"
ثم قال في الباء:
القول في الباء التي قد وصفت ... بنقطة من أسفل وحذفت
"تباشروهن: و"بارزونا ... و"باشروهن" "ربّا نيونا"
وهكذا سار على هذا النسق إلى آخر الأرجوزة فقال:
فأسأل النفع بدون متهى ... به لكل قارئ هنا انتهى
وقد اقتصرت في النماذج التي ذكرتها على ما نظم على بحر الرجز على نحو ما فعل الخراز، ولم أدخل معه الكثير الكثير من قصائد الرسم والضبط الأخرى التي شاركته في الفن ونظمت على بحر الطويل. كما تركت طائفة من الأراجيز التي نظمت في رسم رواية أو قراءة خاصة مما اعتمد ناظموها أيضا على المصادر نفسها التي اعتمدها في "المورد"(3).
__________
(1) - هذا اصطلاح عند علماء الرسم المتأخرين، يعبرون عن الحرف الذي حذف بعده الألف بأنه محذوف، وعن ما أثبت بعده بأنه ثابت، ويريد هنا ما حذف من الألفات عقب الهمز.
(2) - يشير إلى الكلمات المرادة حسب الربع الذي توجد فيه تيسيرا على الطالب فدل على المراد في "قرآنا" باسم الربعين لا باسم السورتين كما فعل الخراز في المورد في قوله: "ومقنع قرآنا أولى يوسف... البيت.
(3) - من أمثلتها أرجوزة ابن القاضي في رسم قراءة ابن كثير المكي التي يقول في أولها:
الحمد لله العظيم المنان ... المانح الفضل لأهل القرءان
إلى أن يقول:
وهاك رسم المكي في القرءان ... رتبته نظما فخذ بياني
بنص تنزيل مع العقيلة ... ومقنع كفى به وسيلة
وتقع في 67 بيتا وقفت عليها في خزانة خاصة.(1/498)
ولعل فيما ذكرناه ما يكفي ويشفي في التدليل على ما كان لمدرسة أبي عبد الله الخراز من أثر بليغ في الميدان، وما نالته من خلال إشعاعها العلمي الذي انبثق من أرجوزته وذيلها من حظوة فائقة وعناية بالغة فسحت لها المجال في مختلف الأعصار والأقطار والجهات، مما اعتبر معه هذا العلم المغربي الفذ منعطفا خطيرا في تاريخ المدرسة القرآنية عموما وفي البلدان المغربية على الخصوص كما سبق أن نبهنا عليه مع العلامة ابن خلدون في أواخر الفصل الرابع من هذا العدد، وحسبه من النبل وعلو المكانة أن يذكر اسمه في هذا الفن مع أمثال أبي عمرو الداني وأبي داود بن نجاح وأبي القاسم الشاطبي من فحول الميدان وفرسانه المغاوير.
ولا أريد أن نطوي ملف هذه المدرسة دون أن نتوقف أخيرا عند شخصية من شخصياتها المهضومة الحق في كتب التراجم المعروفة، مع إسهام صاحبها في هذا الشأن بإنتاج رفيع لا يقل في غناه ومكانته وانتفاع العلماء به عن ما قام به الخراز، وإن كان هذا قد اتجه إلى النظم وذاك إلى النثر، ولا أستبعد أن يكون كلاهما قد قرأ على مشيخة واحدة، وهذه الشخصية هي شخصية الإمام التجيبي عالم الرسم والضبط الذي أثرى المدرسة المغربية بعد أبي عبد الله الخراز ببحوثه القيمة وتفريعاته واختياراته وتوجيهاته منطلقا من المصادر نفسها التي انطلق منها، ومحللا وموازنا بين مذاهب الأئمة ومرجحا ومصححا، فكان من ثمة من المصادر القيمة التي ضمها من جاء بعده إلى المصادر الأمهات في المصنفات النظمية والنثرية.
فهذا أبو عبد الله القيسي صاحب "الميمونة الفريدة" (ت 810) يقول في مصادره فيها:
وقد جمعت في نظامي كتبا ... تفيد من حفظه مرتبا
من تلك ضبط الشيخ(1) ثم المقنع ... ومحكم الداني كاف مقنع
ثم التجيبي، وقد نقلت ... من التصانيف الذي استحسنت(2)
__________
(1) - يعني أبا داود.
(2) - سيأتي التعريف بالأرجوزة في ترجمته.(1/499)
وهذا صاحبه أبو وكيل ميمون المصمودي مولى أبي عبد الله الفخار يقول في مصادره في "الدرة الجلية":
...
في ضمنها نقط الإمام الأعلم ... حيث بدا في مقنع ومحكم
ونقط تنزيل أبي داودا ... كذا التجيبي فع المعدودا(1)
ويأتي تلميذ ثان للقيسي وهو أبو علي الحسن بن علي بن أبي بكر المنبهي الشباني فيعتمده في "كشف الغمام" في شرح ضبط الخراز، ثم يأتي بعدهم الإمام محمد بن عبد الجليل التنسي من المغرب الأوسط فينثر مادة كتبه في شرحه الآنف الذكر "الطراز في شرح ضبط الخراز"، فنجده كثيرا ما يقول: "وقال التجيبي" "واختار التجيبي" وإنما ذكره التجيبي. و"زعم التجيبي"...إلخ.
كل هذا ولم أجد أحدا ممن اعتمد عليه أو نقل عنه ترجم له أو ذكر أنه سينقل عن كتابه الفلاني، فضلا عن أن نجد من التفت إليه من المؤلفين في تراجم الرجال ممن اهتموا بالوفيات. إلا إشارات قليلة يمكن جمعها من هنا وهناك.
وقد استوقفني هذا التجاوز عند الشراح والمعنيين بتراجم الرجال لشخصية مثل هذا العالم الفذ مع ما كان له ولكتبه من صيت ذائع ومقام رفيع منذ أواسط المائة الثامنة كما يدل على ذلك اعتماد كل من الأمامين القيسي والفخار له في الأرجوزتين المذكورتين مع وجود كتب الخراز النظمية والنثرية وشروحها، فكان هذا مما حفزني على طلب التعرف عليه وأغراني به ما وقفت عليه من الإشارات التي تفيد بضم بعضها إلى بعض ولو في تكوين نظرة موجزة.
وقد تكونت عندي من خلال الاحتكاك بكتب الرسم والضبط معلومات لا بأس بها تصلح لبناء ترجمة متواضعة لهذا العالم الجليل لعلها أول ترجمة تكتب عنه في كتاب، وذلك بعد أن وقفت على اسمه وكنيته ومعلومات أخرى زائدة.
ترجمة التجيبي:
__________
(1) - سيأتي التعريف بأرجوزته الدرة في ترجمة ناظمها.(1/500)
كان أول ما تعرفت عليه من الإمام التجييي نسبته هذه وهي نسبة إلى قبيلة تجيب العربية وهم بطن من كندة(1) نسب إليها عدد كبير من نازلة الأندلس بعد الفتح، كما نسب إليها عدد كبير من الأئمة منهم القاسم بن يوسف التجيبي السبتي(ت 730) وهو صاحب البرنامج المشهور كما تقدم(2).
ثم وقفت على نسبته المذكورة مقرونة بكنيته عند الإمام أبي عبد الله بن غازي في تقييد لابن مجبر عنه تقدم ذكره فيما كتب على مورد الظمآن، ثم وقفت عليها في أبيات لابن غازي أيضا يحاور فيها الشيخ المقرئ المعروف بإبراهيم الحاج – كما سيأتي – وذلك في رسم "أن لو" بالنون في الرعد والأعراف وسبأ والجن فقال مخاطبا له:
مهلا عليك أيها الأستاذ ... فالحق ما عنه لنا ملاذ
إن التجييي أبا إسحاقا ... وعلمه قد طبق الآفاقا
أنكر تفصيل أبي داودا(3) ... وقال فيه: خالف المعهودا
وقال: بالنون اكتبن الأربعا ... فارجع إلى الحق وكن متبعا(4)
ولقد قلت في نفسي عندها: أن قارئا إماما طبق علمه الآفاق كما قال الشيخ ابن غازي، وبلغ من المنزلة فيه أن ينكر على أبي داود قيدوم المدرسة الأثرية في هذا الشأن ورائدها بعد قطبها الأكبر الحافظ أبي عمرو، ثم ينتهي به الأمر في المدرسة المغربية إلى أن يصبح اسمه نكرة من النكرات، لحري أن يجعلنا نأسى بحسرة على مقدار ما ضاع من تراثنا النفيس وما هضم لرجاله من حقوق لا تفي بها السطور القليلة التي قد نجدها لبعضهم في فهرسة من الفهارس أو كتاب من كتب الوفيات، فكيف إذا تجاوز الأمر حد الكفاف فلم يكد يبقى منه عين ولا أثر.
__________
(1) - لسان العرب مجلد 1/288.
(2) - ترجمنا له في امتدادات مدارس الأقطاب بسبتة.
(3) - يعني سليمان بن نجاح صاحب التنزيل، والتفصيل المذكور هو استثناؤه التي في الجن وهي قوله تعالى: "وأن لو استقاموا" فذكر حذف النون فيها دون باقي المواضع.
(4) - نقل المحاورة الإمام ابن عاشر في فتح المنان، وسيأتي تفصيلها في ترجمة ابن غازي بعون الله.(2/1)
وهكذا بقي أمر الشيخ التجييي عندي معلقا إلى أن من الله ببصيص من نور هداني في شأنه إلى الوقوف على اسمه ونسبه وذكر بعض شيوخه وآثاره.
وكان من أول ما وقفت عليه من المعلومات عنه ما جاء في مقدمة شرح التروالي على مورد الظمآن – الآنف الذكر – حيث ذكر مقيده عنه أنه نقل في هذا التقييد "ما أعرض عنه أبو إسحاق من التبيان"(1). فتوقفت طويلا أنظر من المراد بأبي إسحاق وما يعني "التبيان" ؟ فوقع في روعي أنه أبو إسحاق التجييي وكتابه.
ثم وجدت الشيخ الحسن بن علي بن أبي بكر المنبهي الشباني يقول في شرحه الآنف الذكر – كشف الغمام – عطفا على مصادره التي اعتمدها في الكتاب: "وكلام أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد بن علي الجزري في فصوله الموضوعة في ذلك"(2).
فترجح عندي أن الحديث عند كل من الشباني ومن قبله صاحب التقييد عن التروالي كله يتعلق بأبي إسحاق التجييي نفسه الذي ذكره ابن غازي بكنيته ونسبته. لكن الإشكال بقي متعلقا بهذه النسبة إلى الجزيرة دون أن ينسبه إلى تجيب، وقد زال عني هذا الإشكال حين استعرضت الشرح المذكور فوجدته لا يذكر المعني بالأمر إلا بما هو معروف به عند غيره فيقول أحيانا: "ونص التجييي" "أو يقول: ونص في ذلك التجييي على..." أو "ونص أبو إسحاق في ذلك"، فأيقنت أن الجزري المذكور هو التجييي نفسه، ولعله منسوب إلى الجزيرة الخضراء بالأندلس بلده الأصلي أو إلى بعض الجزر الأخرى في شرقها.
فكان حصيلة ما تجمع لدي مما ذكرت أن المعني بالأمر هو أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن علي التجييي الجزري.
__________
(1) - على الرغم مما في العبارة من غموض فقد استفدت منها على تقدير أن يكون أراد أنه استعان في ذكر ما أعرض عنه شيخه بما ذكره أبو إسحاق في كتاب "التبيان".
(2) - تقدم نقل كلامه بتمامه في التعريف بكتاب "مجموع البيان في شرح مورد الظمآن" للتروالي الزرهوني.(2/2)
ثم حاولت الاهتداء بعد هذا إلى تحديد زمنه ولو على سبيل التقريب، فترجح عندي أنه عاش ما بين الربع الأخير من المائة السابعة والنصف الأول من الثامنة، ويدل على ذلك اشتراكه في المشيخة مع بعض أصحاب أبي عبد الله بن القصاب المتوفى بعد 690هـ كما تقدم.
مشيخته:
فأما الشيخ الذي وقفت على اشتراكه فيه مع من ذكرت فهو: أبو مروان عبد الملك بن موسى بن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري الشريشي من شيوخ أبي عمران موسى بن محمد بن أحمد الصلحي المرسي المعروف بابن حدادة – الآنف الذكر في أصحاب ابن القصاب – وقد وصف الإمام ابن حدادة هذا الشيخ ب"الشيخ الأستاذ المقرئ"، وذكر أنه أجاز له جميع ما تحمله عن شيوخه"(1)، وقد قدمنا أن ابن حدادة كان حيا سنة 723هـ فيكون شيخه قد عاش قبل هذه السنة أو في خلالها.
والإشارة التي اعتمدتها في قراءة التجييي على أبي مروان الشريشي وقفت عليها أولا عند الإمام القيسي في قوله في "الميمونة الفريدة عند حديثه عن الهمزتين من كلمة:
قال التجيبي عن أبي مروان ... وذاك شيخه لدى القرءان
لا تجعل النقطة فوقها إذا ... أبدلها ورش كآمنوا خذا
ثم وقفت في "فتح المنان" على ذكره بالنقل عنه في مواضع سيأتي ذكرها عن قريب، فتبين لي أن أبا مروان الشرشي المذكور في شيوخ أبي إسحاق التجييي هو نفسه الآنف الذكر في شيوخ أبي عمران بن حدادة، وبذلك يكون من طبقة أبي عبد الله بن القصاب الذي تتلمذ ابن حدادة عليه أيضا. ثم وقفت على ذكر تلميذ آخر للشريشي وهو: أبو زكريا يحيى بن أحمد بن محمد بن عبد الله الفناسي المعروف بابن واش نزيل فاس.
__________
(1) - تقدم ذكر هذا في ترجمة ابن حدادة في أصحاب ابن القصاب نقلا عن إجازة الشيخ محمد البوعناني لأبي عبد الله الشرقي الدلائي.(2/3)
وقد حدث عنه أبو زكريا السراج في فهرسته من طريق شيخه قاضي الجماعة بفاس محمد بن أحمد بن عبد الملك الفشتالي (ت 777هـ) فقال: "حدثني، القاضي أبو عبد الله الفشتالي إجازة عن الأستاذ الناقد أبي زكريا يحيى بن أحمد بن محمد بن عبد الله الفناسي عرف بابن واش، وعن المحدث الراوية أبي عمرو عثمان بن محمد بن عثمان التوزري(1)...".
ثم أسند أيضا من طريق الفشتالي المذكور عن ابن واش المذكور قال: "حدثني الشيخ الأجل الأستاذ المقرئ الأكمل أبو مروان عبد الملك بن موسى بن محمد الشرشي قراءة عليه قال: حدثني الشيخان الجليلان المقرئان: أبو بكر محمد بن موسى بن فحلون السكسكي(2) وأبو إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد الفهري البونسي الشريشيان – رضي الله عنهما – إجازة قالا: حدثنا الشيخ الفقيه المقرئ أبو الحسن علي بن هشام بن حجاج اللخمي – رضي الله عنه... وساق باقي السند من طريق ابن غلبون برؤيا حمزة بن حبيب الزيات الآنفة الذكر(3).
وقد ترجم ابن القاضي لابن واش هذا فوصفه ب "الحاج المقرئ الضابط المتفنن، كان له بصر بالعربية واللغة والفقه، توفي سنة 724هـ"(4).
__________
(1) - فقيه مقرئ محدث "جاور بمكة المكرمة حتى مات، قرأ القراءات على الكمال الضرير صهر الشاطبي وغيره، قال ابن الجزري: قرأ عليه القراءات أبو عبدة الغرناطي وأبو زكريا الفناسي وشيخنا عبد الله بن خليل المكي فيما بلغني... توفي سنة 713 بمكة المشرفة. غاية النهاية 1/510 ترجمة 2107.
(2) - سيأتي في إسناد ابن بري في القراءة.
(3) - تقدمت الإشارة إليها، وقد ساقها القاسم التجييي في برنامجه من طرق – برنامج التجييي 30-32.
(4) - دره الحجال 3/323 ترجمة 1949.(2/4)
فشركاء أبي إسحاق التجييي في مشيخته متقاربو الوفاة مما يدل على أن زمانه منحصر في الفترة التي ذكرنا كما أن إسناده للقراءة وعلومها من طريق أبي مروان الشريشي هذا يصه بكل من ابن حدادة وابن واش ثم بأبي الحسن بن بري صاحب "الدرر اللوامع" الذي يروي قراء نافع وغيرها – كما سيأتي – من طريق أبي الربيع سليمان ابن محمد بن علي بن حمدون الشريشي من قراءته بها على أبي بكر محمد بن موسى بن فحلون السكسكي المذكور من قراءته على الشيخ أبي الحسن علي بن هشام بن حجاج بن مصعب المذكور بسنده كما سيأتي في ترجمته.
والذي يعنينا أخيرا بالنسبة لأبي إسحاق التجييي ومكانته في مدرسة الرسم والضبط من خلال هذه الأسانيد، بيان مقدار ارتباطه بمدرسة أبي عمرو الداني ومشاركته في المشيخة لطائفة من أعلام المائة الثامنة ممن نهضوا بعلومها وكانوا مراجع ومصادر لأهل العصر فيها، ولقد كان لشيخه أبي مروان برنامج رواه عنه أصحابه(1)، ولا يبعد أن يكون من بينهم أبو إسحاق التجييي لاعتماده عليه في قراءة القرءان.
__________
(1) - روى الكتاني فهرسة أبي بكر السكسكي من طريق السراج عن القاضي أبي عبد الله الفشتالي عن أبي زكريا يحيى بن أحمد بن واش عن جامع برنامجه الأستاذ أبي مروان عبد الملك بن موسى الأنصاري "فهرس الفارس 2/994 ترجمة 564.(2/5)
ويظهر أن شهرة الإمام التجييي إنما قامت في الحقيقة على بعض ما خلف من مؤلفات، إلا أن كتبه فيما يبدو لم تكن واسعة التداول، وإنما كانت في أيدي الخاصة، ولعل ذلك عائد إلى كونها من الكتب الدسمة التي لا يكاد يقبل عليها إلا الفحول المبرزون، هذا بالإضافة إلى ما هو ملحوظ منذ هذا العصر من انصراف عامة الطلاب إلى حفظ المتون المنظومة كمورد الظمآن وذيله ونحوهما دون المصنفات النثرية التي يصعب حفظها واستحضارها عند الحاجة، الأمر الذي أدى إلى هجران الأمهات في الغالب كما أشار إلى ذلك العلامة ابن خلدون حين قوله عن أرجوزه المورد واشتهرت بالمغرب، واقتصر الناس على حفظها وهجروا بها كتب أبي داود وأبي عمرو والشاطبي في الرسم(1).
وترتبط شهرة الإمام التجييي خاصة من مؤلفاته بكتاب:
1- التبيان: وهو كتاب في الرسم، وربما ذيل عليه بالضبط أيضا كما فعل أبو داود ثم أبو عبد الله الخراز، وقد وافق باسمه ومسماه كتاب أبي محمد بن آجطا، إلا أن كتاب ابن آجطا في شرح الرسم الذي في المورد خاصة في حين أن كتاب التجييي يشمل ذلك وغيره، وقد استفدت ذلك من قول الإمام ابن عاشر في فتح المنان في التعليق على قول أبي داود في التنزيل: وما اجتمع فيه ألفان من جمع المؤنث، وسواء كان بعد الألف حرف مضعف أو همزة، ففيه اختلاف بين المصاحف "ثم قال : وهو صريح في تخصيص الخلاف بالألف الأول، وعليه اقتصر أبو إسحاق التجييي، وهو قد اشترط في كتابه جمع ما تضمنته كتب منها مقنع أبي عمرو(2).
__________
(1) - مقدمة ابن خلدون 438.
(2) - فتح المنان لوجه 29 (مخطوط خاص).(2/6)
وقد كثرت النقول عن كتاب التجييي هذا عند القيسي في الميمونة والفخار في الدرة الجلية والجادري في المفيدة، في شرح الميمونة الفريدة والتنسي في الطراز وابن غازي في تقييد ابن مجبر عنه وعند طائفة من شراح المورد فلم أجدهم يسمون الكتاب الذي ينقلون عنه كلام التجييي المذكور حتى ذهب بي الظن إلى أنهم إنما ينقل بعضهم عن بعض، ولذلك غاب اسم الكتاب من نقولهم.
وأول من وقفت له على تسمية الكتاب ب"التبيان" هو صاحب التقييد عن أبي الحسن التروالي في مقدمة مجموع البيان كما تقدم، ثم انقطع ذكره إلى المائة الحادية عشرة حيث نجد الإمام ابن عاشر ينقل عنه نقلا مستفيضا، ولم أقف على تسميته له باسمه إلا في موضع واحد في قوله عند ذكر إثبات الألف بعد الواو من "سموات" بسوره حم فصلت: "ولم أر في تبيان التجيبي" و"منصف" البلنسي ما يخالف النقل المتقدم".
2- ذيل الضبط للتجيبي: ولم أقف عليه بهذا الاسم، وإنما استفدته مما ذكره صاحب "كشف الغمام" من اعتماده في الضبط كلام أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد بن علي الجزري في فصوله الموضوعة في ذلك".
ففهمت من تعبيره ب"الفصول" أن له ملحقا في الضبط ذيل به على كتاب التبيان.
وقد أفاض الإمام ابن عاشر في النقل عن الكتاب في مسائل الرسم فأفادنا بطريقته في إيراد مسائل الخلاف كقوله:
"وقال التجييي: "وباسقات بحذف الألف الثانية، واختلف قول أبي داود في الأول، ففي التنزيل بألف ثابتة، وفي كتاب "هجاء المصاحف" بحذفهما معا، انتهى كلام التجييي"(1).
وكقوله عند ذكر الخلاف في رسم "وأن لو استقاموا" "في سورة الجن":
"قال التجييي بعد أن ذكر سكوت أبي داود عن إدراجها مع "وأن لو" "في نظائرها: إنما هي كلها بالنون".
__________
(1) - ذكره عند قول صاحب المورد:
وأثبت التنزيل أولى يابسات ... رسالة العقود قل وراسيات(2/7)
بل زاد ابن عاشر – رحمه الله – فنقل لنا سردا مهما من كتاب "التبيان" وإن كان لم يسمه مكتفيا بقوله بعد أن انتهى من ذكر الألفات المحذوفة التي نظم الخراز مسائلها:
خاتمة فيها ما انفرد التجييي بحذفه في هذه الترجمة من الألفات، قال:
وقائما "بغير ألف بين القاف والياء التي هي صورة للهمزة المكسورة، ثم قال: "وأصابهم: لم أجد فيه نصا بحذف ولا إثبات، وبالحذف كنت رؤيته عن شيخي أبي مروان – رحمه الله – والإثبات فيه أولى ما لم يوجد فيه نص، ثم قال: عاطفا على المحذوفات "ولم نعلم قتالا "بغير ألف، و"فزادهم" بألف، وبغير ألف فلا تخافوهم" بغير ألف، الأدبار بغير ألف ، وخالاتكم في الألف الأول خلاف، ففي التنزيل الإثبات، وفي كتاب هجاء المصاحف الحذف ثم قال:
والصاحب هنا، لم أر من تعرض له هنا بحذف ولا إثبات، وكنت رويت فيه عن شيخي أبي مروان – رحمه الله – الحذف، وعابري سبيل بحذف الألف، ومغانم حيث وقع بغير ألف، وظالمي أنفسهم، بغير ألف، بأمانيكم بغير ألف، يخادعون الله وهم خادعهم بغير ألف فيهما انتهي.
ثم ذكر ابن عاشر أمثلة ونماذج أخرى مما انفرد التجييي به.
ومن مجموع هذه النقول تعرفنا على اسم هذا الإمام ونسبه ونسبته وبعض مشيخته وآثاره.
أما اختياراته فقد ذكر منها الإمام ابن عاشر وغيره نماذج صالحه كما رأينا في الخاتمة المذكورة أعلاه ومعظمها مما ليس عليه العمل الآن كقوله: "قتالا" بغير ألف، فزادهم بألف وبغير ألف، فالعمل اليوم على إثبات الألف، وقوله "فلا تخافوهم بغير ألف، وعابري ومغانم وظالمي أنفسهم إلخ فالعمل اليوم على خلاف ما قال، مما يصور لنا التطور الذي مرت منه مسائل الخلاف في هذا الطور قبل استقرار النماذج التي ارتضاها علماء الرسم المتأخرون ابتداء من الخراز ومن جاءوا بعده.(2/8)
ولعل في هذا القدر الذي قدمناه عن هذه المدرسة كفاية ومقنعا لمن أحب أن يتعرف على أهم رجالها وما خلفوه وما قام حول تلك الآثار وتسلسل عنها من نشاط علمي عبر الأجيال كما رأينا من خلال مورد الظمآن وذيله في الضبط وما قام عليهما أو واكبهما وحاذاهما من شروح وحواش ومعارضات وتكملات.
ولعلنا أيضا قد بلغنا غايتنا في إفادة القارئ الكريم بتنوير هذا الجانب المهم من مدرسة ابن القصاب المغربية التي اتجهت إلى خدمة قراءة نافع خاصة في هذا الطور، فاستطاعت أن تراوح في ذلك بين الجهتين: جهة التلاوة والأداء وجهة الرسم والضبط، فجاء عملها متكاملا مزدوجا جامعا لما كان متناثرا ومتفرقا، وبذلك استطاعت أن تحقق للمدرسة الأصولية والرسمية في المغرب الأقصى بهذا العهد أهم المقومات الأساسية التي كانت ضرورية لبنائها وقيامها واستقلالها عن التبعية الطويلة الأمد.
وسوف نرى في العدد الموالي كيف خطت الخطوة الثانية باطمئنان نحو ترسيخ النمط المغربي الخاص في ميدان الأداء من خلال استعراضنا لأهم المدارس الأدائية التي قامت في الجهة الشمالية من المغرب الأقصى لهذا العهد، وكيف ورثت أهم ما كان يتفاعل في المناطق المغربية في أثناء المائة السابعة من مذاهب الأئمة واختيارات المدارس الفنية، لتصنع على عينها منه طرازها الخاص الذي سوف يتحول مع الزمن إلى طراز رسمي يمضي عليه العمل في القراءة والأداء لا يشذ عن الالتزام به أحد، والله المستعان وعليه سبحانه التكلان.
فهرس المصادر والمراجع المعتمدة في العدد السابع عشر
? إتحاف البررة بالمتون العشرة تصحيح الشيخ علي محمد الضباع، نشر مطبعة مصطفى البابي الحلبي.
? إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس لابن زيدان تقديم عبد الهادي التازي، ط 2: 1990م ـ الدار البيضاء ـ المغرب.(2/9)
? إرشاد البيب إلى مقاصد حديث الحبيب لابن غازي المكناسي: تحقيق عبد الله التمسماني ـ نشر وزارة الأوقاف بالمغرب تطوان: 1409هـ ـ1989م.
? الإحكام في أصول الأحكام لأبي محمد حزم ـ مطبعة الإمام بمصر ـ القاهرة.
? الأرجوزة الجديرة بحسن الوسم في الضبط والرسم (مورد الظمآن لأبي عبد الله الخراز - نشر المطبعة التونسية ـ نهج سوق البلاط: عدد 57: 1351هـ.
? إزالة الشكل والإلباس العارضين لكثير من الناس في نقل حركة الهمز في ألم أحسب الناس لعبد الرحمن بن القاضي (مخطوط).
? إجازة الشيخ أبي عبد الله محمد بن محمد بن سليمان البوعناني لتلميذه محمد الشرقي الدلائي م خ ح: عدد: 9977.
? إتقان الصنعة في التجويد للسبعة لأبي العباس أحمد بن شعيب نزيل فاس ـ م خ ح: عدد: 12407.
? الإعلام بمن دخل مراكش وأغمات من الأعلام للعباس بن إبراهيم المراكشي المطبعة الملكية ـ الرباط.
? الأعلام لخير الدين الزركلي نشر دار العلم للملايين ط.1 ـ بيروت لبنان.
? أزهار الرياض في أخبار عياض لشهاب الدين أحمد بن محمد المقري التلمساني تحقيق سعيد أحمد أعراب ومحمد بن تاويت نشر اللجنة المشتركة للتراث: 1398هـ - 1978م.
? أعلام الدراسات القرآنية في خمسة عشر قرنا للدكتور مصطفى الصاوي الجويني منشأة المعارف ـ الإسكندرية.
? إنباه الرواة على أنباه النحاة لأبي الحسن علي بن يوسف القفطي: تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ـ ط. 1-1406هـ ـ دار الفكر ـ القاهرة.
? الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس لعلي بن أبي زرع الفاسي ـ نشر دار المنصور للطباعة: 1973م ـ الرباط.
? إيضاح المكنون في إسامي الكتب والفنون لإسماعيل البغدادي نشر مكتبة المثنى ببغداد ـ العراق ـ بذيل كشف الظنون لحاجي خليفة.
? إيضاح الأسرار والبدائع شرح الدرر اللوامع لابن بري تأليف محمد بن محمد بن المجراد الفنزاري السلاوي: م خ ع بالرباط برقم 1745.(2/10)
? إصلاحات ابن جابر على مورد الظمئان لابن جابر المكناسي (مخطوط).
? أعلام درعة للمهدي بن علي الصالحي المطبعة الأولى: 1394هـ ـ 1974م.
? إعانة الصبيان على مورد الظمئان لسعيد بن سليمان الكرامي الجزولي السملالي (مخطوط).
? الأنصاص القرآنية للدكتور عبد العزيز العيادي العروسي مطبعة سبارطيل ـ طنجة.
? أرجوزة الميزوري في الثبت والحذف في القرآن موضوع لسعيد أعراب (دعوة الحق) عدد: 173-1989م.
? برنامج التجيبي للقاسم بن يوسف التجيبي السبتي: تحقيق عبد ا لحفيظ منصور: الدار العربية للكتاب ـ ليبيا ـ تونس: 1981م.
? بلاد شنقيط المنارة والرباط للخليل النحوي ـ نشر المنظمة العربية للتربية والثقافة بتونس: 1987م.
? بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة لجلال الدين السيوطي: تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ـ المطبعة العصرية بصيدا: 1384هـ ـ 1964م ـ بيروت ـ لبنان.
? تاج المفرق في تحلية علماء المشرق للشيخ خالد البلوي (رحلة البلوي) تحقيق الحسن السائح ـ طبع اللجنة المشتركة للتراث.
? تاريخ ابن خلدون (العبر وديوان المبتدإ والخبر...) ط.1: 1391هـ ـ 1971م.
? التبيان في شرح مورد الظمئان لأبي محمد عبد الله بن آجطا: مخطوط بالخزانة العامة بالرباط: عدد: 4402 وكذا: 2702.
? التيسير في القراءات السبع لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني تحقيق أوتوبرتزل نشر دار الكتاب العربي: ط.2: 1404هـ ـ 1984م ـ بيروت ـ لبنان.
? التعريف في اختلاف الرواة عن نافع لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني: تحقيق الدكتور التهامي الراجي الهاشمي ـ نشر اللجنة المشتركة للتراث: مطبعة فضالة: 1403هـ ـ 1982م. وكذا بتحقيق الشيخ محمد السحابي ـ مطبعة وراقة الفضيلة ـ الرباط.
? تحفة المنافع في قراءة نافع كأبي وكيل ميمون بن مساعد المصمودي مولى الفخار (مخطوط).(2/11)
? تقريب المنافع في قراءة نافع لأبي عبد الله محمد بن علي بن عبد الحق بن القصاب الأنصاري نزيل فاس: م خ ح بالرباط تحت عدد: 12243.
? التنزيل في رسم المصاحف لأبي داود سليمان بن نجاح الأموي المؤديدي: م خ ح: 11930 وكذا: 808.
? تقييد معاني الضبط للخراز لأبي عثمان سعيد بن سليمان الكرامي السملالي (مخطوطة خزانة آسفي الوقفية العتيقة).
? تقييد علي مورد الظمئان لمحمد بن العربي بن محمد الكومي الغماري (خزانة أوقاف آسفي العتيقة).
? تقييد على مورد الظمئان عن بعض شيوخ فاس (خزانة أوقاف آسفي العتيقة).
? تنبيه العطشان على مورد الظمئان لحسين بن علي بن طلحة الرجراجي الشوشاوي: مخطوط الخزانة الناصرية بتمكروت رقم 1648 (مصورة).
? تحصيل المنافع في شرح الدرر اللوامع كأبي زكريا يحيي بن سعيد الكرامي السملالي تحقيق الأستاذ الحسن طالبون: المطبعة والوراقة الوطنية بمراكش: 1996-1997.
? تحفة القراء في رسم المصحف على قراءة نافع - أرجوزة - للشيخ محمد بن العربي البهلول السرغيني.
? تعريف الخلف برجال السلف لأبي القاسم محمد الحفناوي - مؤسسة الرسالة بتونس: ط 1: 1402هـ - 1982م.
? ثبت أبي جعفر أحمد بن علي البلوي تحقيق الدكتور عبد الله العمراني - دار الغرب الإسلامي ط.1: 1403هـ - 1983م منشورات الجمعية المغربية للطباعة والنشر.
? جامع بيان العلم وفضله وما جاء في روايته وحمله للحافظ أبي عمر يوسف بن عبد البر النمري ـ نشر دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان.
? الجامع المفيد في أحكام الرسم والقراءة والتجويد لأبي زيد عبد الرحمن بن القاضي: مخطوط بخزانة ابن يوسف بمراكش برقم 144.
? جذوة الاقتباس في ذكر من حل من الأعلام مدينة فاس لأحمد بن القاضي المكناسي ـ دار المنصور ـ الرباط: الطبعة الأولى: 1974م.(2/12)
? جمال القراء وكمال الإقراء لعلي بن محمد علم الدين السخاوي: تحقيق الدكتور علي حسين البواب ـ مكتبة التراث بمكة المكرمة: ط 1: 1408هـ ـ 1987م.
? حلة الأعيان على عمدة البيان للخراز في الضبط للإمام حسين بن علي بن طلحة الرجراجي الشوشاوي: مخطوط. بخزانة ابن يوسف بمراكش برقم 686.
? خلال جزولة محمد المختار السوسي.
? الدر النشير والعذب النمير في شرح مشكلات التيسير في القراءات السبع لعبد الواحد بن محمد بن أبي السداد الباهلي المالقي: تحقيق أحمد عبد الله أحمد المقري - دار الفتوى للطباعة والنشر ـ جدة ـ العربية السعودية: 1411هـ ـ 1990م.
? الدرر اللوامع في أصل مقرإ نافع لأبي الحسن علي بن بري التازي (أرجوزة مخطوطة).
? درة الحجال في أسماء الرجال لأبي العباس أحمد بن محمد المكناسي الشهير بابن القاضي: تحقيق محمد الأحمدي أبو النور ـ دار التراث بالقاهرة والمكتبة العتيقة بتونس: ط 1: 1970م.
? الدرة الجلية في نقط المصاحف لأبي وكيل ميمون المصمودي مولى الفخار: م خ ابن يوسف رقم 610.
? دليل الحيران في شرح مورد الظمئان لإبراهيم بن أحمد المارغني ـ الطبعة التونسية: 1325هـ.
? دليل المخطوطات بدار الكتب الناصرية بتمكروت لمحمد المنوني طبعة وزارة الأوقاف بالمغرب 1405هـ ـ 1985م.
? دلالة التعليم في رسم حروف القرآن العظيم (أرجوزة) للشيخ محمد الغنيمي في رسم قراءة الإمام نافع (طبع في مجموع) بالمطبعة التونسية بنهج سوق البلاط: 1351هـ.
? الرحلة المغربية (رحلة العبدري) لأبي عبد الله محمد بن العبدري الحيحي: تحقيق ذ. محمد الفاسي نشر وزارة الدولة المكلفة بشؤون الثقافة والتعليم الأصلي ـ الرباط.
? رسم المصحف (دراسة لغوية وتاريخية) لغانم قدوري الحمد ـ جامعة بغداد: ط.1: 1402هـ - 1982م.
? الروض الهتون في أخبار مكناسة الزيتون للشيخ محمد بن غازي: تحقيق عبد الوهاب بنمنصور المطبعة الملكية: 1408هـ ـ 1988م.(2/13)
? رجالات العلم في سوس من القرن الخامس الهجري إلى منتصف القرن الرابع عشر لمحمد المختار السوسي ـ نشر رضا الله ـ ط 1: 1409هـ ـ 1989م ـ طريق تطوان.
? رشف اللَّمي عن كشف العَمَى شرح على أرجوزة كشف العمى والرين في الرسم والضبط، وكلاهما شيخ محمد العاقب بن مايابي الجكني الشنقيطي: تحقيق الأستاذ محمد بن عبيد محمد بن مولاي ـ نشر المطبعة الوطنية بنواكشوط ـ موريتانيا: 1416هـ.
? ري العطشان في رفع الغطاء عن مورد الظمئان (مختصر لشرح التبيان على مورد الظمئان لأبي محمد بن آجطا) لأحمد بن علي بن عبد الملك الركراكي (خزانة أوقاف آسفي العتيقة).
? الزهر اليانع في قراءة الإمام نافع لأبي عبد الله محمد بن إبراهيم الصفار التينملي المراكشي م خ القرويين برقم 1039.
? الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى للشيخ أحمد بن خالد الناصري السلاوي - تحقيق ولديه جعفر الناصري ومحمد الناصري نشر دار الكتاب - الدار البيضاء: 1956م.
? سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس لمحمد بن جعفر الكتاني (مطبوع على الحجر بفاس).
? سوس العالمة لمحمد المختار السوسي مؤسسة بنشرة بالدار البيضاء: ط 2: 1404هـ - 1984م.
? شجرة النور الزكية في طبقات السادة المالكية لمحمد بن محمد بن مخلوف التونسي - دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان.
? شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي نشر دار الآفاق الجديدة - بيروت - لبنان.
? الطراز في ضبط الخراز لأبي عبد الله بن عبد الجليل التنسي م خ ع برقم 1532 حرف ع.
? عقيلة أتراب القصائد في أسنى المقاصد (رائية الإمام الشاطبي في رسم المصاحف) في مجموع إتحاف البررة بالمنون العشرة - تصحيح الشيخ محمد علي الضياع.
? عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية لأبي العباس أحمد الغبريني - منشورات ذخائر التراث العربي بيروت ط 1: 1969م(2/14)
? غاية النهاية في طبقات القراء للحافظ أبي الخير محمد بن محمد بن الجزري الدمشقي نشر دار الكتب العلمية: ط 2: 1400هـ- 1980م - لبنان.
? الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي لمحمد بن الحسن الحجوي - نشر المكتبة العلمية بالمدينة المنورة. ط 1: 1396هـ.
? فهرسة المنتوري: م خ ح رقم 1578 - الرباط.
? فهرسة أبي زكريا السراج (المجلد الأول) م خ ح رقم 10929.
? فهرس أحمد المنجور تحقيق محمد حجي - الرباط: 1396هـ - 1976م - مطبوعات دار المغرب.
? فهرسة ابن غازي تحقيق محمد الزاهي - مطبوعات دار المغرب: 1399هـ - 1979م.
? فهرس مخطوطات خزانة تطوان (قسم القراءة وعلومه) إعداد المهدي الدليرو ومحمد بوخبزة - 1401هـ- 1981م - تطوان.
? فهارس الخزانة الحسنية (المجلد السادس)، الفهرس الوصفي لعلوم القرءان - إعداد محمد العربي الخطابي - 1407هـ - 1987م - الرباط.
? فهرس الفهارس والأثبات لعبد الحي الكتاني: تحقيق الدكتور إحسان عباس - الغرب الإسلامي: ط 2: 1402هـ - 1982م بيروت - لبنان.
? فهرسة مخطوطات خزانة القرويين: إعداد محمد العابد الفاسي: ط 1: 1403هـ - 1983م.
? الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي إعداد المجمع الملكي بالأردن - نشر مؤسسة مآب - عمان.
? الفوائد الجملية على الآيات الجليلة لحسين بن علي بن طلحة الشوشاوي تحقيق إدريس عزوزي طبع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - الرباط: 1409هـ - 1989م.
? فتح المنان المروي بمورد الظمئان لعبد الواحد بن علي بن عاشر الأنصاري: م خ ح رقم 4326.
? الفجر الساطع على الدرر اللوامع لأبي زيد عبد الرحمن بن القاضي: م خ العامة بالرباط برقم 989.
? فرائد المعاني في شرح حرز الأماني لأبي عبد الله بن آجروم الصنهاجي: م خ العامة بالرباط برقم 146 ق.(2/15)
? القصيدة الشاطبية (حرز الأماني) لأبي القاسم القاسم بن فيره الرعيني الشاطبي الأندلسي مطبوعة في مجموع إتحاف البررة بالمتون العشرة في القراءات والرسم والآي والتجويد.
? القصد النافع في شرح الدرر اللوامع في مقرإ الإمام نافع لأبي عبد اله محمد بن إبراهيم الخراز الشريشي صاحب مورد الظمئان: تحقيق التلميدي محمد محمود - نشر دار العلوم بجدة: ط 1: 1413هـ.
? القراء والقراءات بالمغرب للشيخ سعيد أعراب - دار الغرب الإسلامي ط 1: 1410هـ - 1980م.
? لطائف الإشارات لفنون القراءات لشهاب الدين أحمد بن علي القسطلاني (المجلد الأول) تحقيق السيد عامر السيد عثمان وعبد الصبور شاهين - القاهرة: 1392هـ - 1972م.
? المحكم في نقط المصاحف لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني: تحقيق الدكتور عزة حسن - نشر دار الفكر بدمشق: ط 2: 1407هـ - 1986م.
? المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار تحقيق محمد أحمد دهمان - دار الفكر: 1403 هـ دمشق.
? معجم أعلام الجزائر لعادل نويهض - المكتب التجاري بيروت. ط 1: 1971م.
? مقدمة ابن خلدون - طبعة دار الفكر - توزيع دار الرشاد الحديثة - الدار البيضاء.
? معجم الدراسات العربية المطبوعة والمخطوطة للدكتورة ابتسام مرهو الصفار (مجلة المورد العراقية: مجلد 10 العدد: 3-4 بتاريخ 1402هـ - 1981م).
? من أعلام الفكر المعاصر بالعدوتين الرباط وسلا لعبد الله الجراري (الجزء الثاني).
? المعسول لمحمد المختار السوسي - دار النجاح - الدار البيضاء:1381هـ - 1962م.
? مفتاح الأمان في رسم القرءان لأحمد مالك حماد الفوتي الأزهري - الدار البيضاء: 1395هـ - 1975م.
? نظرة عن التراث القرائي حول مقرإ نافع لسعيد أعراب (دعوة الحق: 273: 1989م.)
? نفح الطيب لأبي العباس أحمد بن محمد المقري التلمساني تحقيق عبد الله عنان.
? النشر في القراءات العشر للحافظ ابن الجرزي: مطبعة مصطفى محمد بمصر.(2/16)
? نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني لمحمد الطيب القادري تحقيق محمد حجي وأحمد التوفيق - مطبوعات دار ـ الرباط: 1397هـ ـ 1977م.
? النبوغ المغربي في الأدب العربي للشيخ عبد الله كنون: ط.2: دار الكتاب اللبناني.
? النصرة في رسم القرآن الكريم لمحمد بن التهامي الفيلالي الغرفي طبعت باسم (نصرة الكتاب المبينة لمختار الأصحاب) طبعت على الحجر بفاس بدون تاريخ.
? كشف الغمام في ضبط مرسوم المصحف الإمام للحسين بن علي المنبهي م خ ح رقم 2142.
? هداية القاري إلى تجويد كلام الباري لعبد الفتاح السيد عجمي المرصفى: ط.1: 1402هـ - 1982م المدينة المنورة.
فهرس محتويات العدد السابع عشر
الصفحة
- العنوان: مدرسة أبي عبد الله الخراز في قراءة نافع ...
- مقدمة ...
الفصل الأول: ترجمة أبي عبد الله الخراز ...
- شيوخه ...
- مؤلفاته وآثاره ...
الفصل الثاني: أرجوزة الرسم الأولى أو "الخراز القديم" ...
الفصل الثالث: أرجوزته الثانية مورد الظمئان ...
- قيمة أرجوزة مورد الظمئان رسما وضبطا بقسميها ...
- الفصل الرابع: صنيع الخراز في أرجوزتيه وفضله على قراء قراءة نافع ...
- مشروع أبي عبد الله الخراز ومميزاته والجديد فيه ...
- الفصل الخامس: أرجوزة مورد الظمئان وذيلها وماقام حولها من نشاط علمي
عبر – القرون ...
- أهم روايات مورد الظمئان ...
- شروح المورد في الرسم المصحفي وشراحها ...
- شرح إبن آجطا (الشارح الأول) ...
- أهميته ...
- بعض تلامذة ابن آجطا ورواة شرحه ...
- شرح ابن جابر الغساني المكناسي ... ...
- تقييد إصلاحات ابن جابر على المورد ...
- شرح المورد (مجموع البيان لأبي الحسن التروالي) ...
- شرح المورد للشوشاوي (تنبيه العطشان) ...
- شرح المورد لابن عاشر (فتح المنان) ...
- الإعلان بتكميل مورد الظمئان لابن عاشر ...
- شرح المارغني على الإعلان ...
- أهمية فتح المنان لابن عاشر ...
- شرح المورد لمسعود جموع (منهاج رسم القرءان) ...
- شرح المورد للمارغني (دليل الحيران) ...(2/17)
- شروح جزئية لباب تصوير الهمز من المورد ...
- شرح تصوير الهمز لأبي سعيد خلف بن أحمد القيسي ...
- شرح تصوير الهمز لأبي علي اللجائي الملقب بكنبور ...
- شرح تصوير الهمز للإمام الهبطي ...
- شرح تصوير الهمز لمحمد بن عيسى المساري ...
- الفصل السادس: شروح ذيل المورد (عمدة البيان في الضبط) ...
- شرح الضبط (كشف الغمام في ضبط مرسوم المصحف الإمام) للحسن بن علي بن أبي بكر المنبهي الشباني ...
- شرح الضبط للشوشاوي (حلة الأعيان) ...
- شرح الضبط (كتاب الطراز في شرح ضبط الخراز) للتنسي ...
- حواش على الطراز ...
ـ بيان الخلاف والتشهير والإستحسان (استدراك على المورد)
لأبي زيد عبد الرحمن بن القاضي ...
- أراجيز في ما أغفله المورد ...
- الميمونة الفريدة في ضبط مرسوم المصاحف للسبعة للقيسي (أرجوزة) ...
- الدرة الجلية في مرسوم المصاحف لأبي وكيل ميمون الفخار (أرجوزة) ...
- دلالة التعليم في الرسم على قراءة نافع لمحمد العنيمي (أرجوزة) ...
- الملخصة في الرسم لعبد الواحد الركراكي (أرجوزة) ...
- متن تسهيل حفظ الحذف لعلي الجكني (أرجوزة) ...
- السراج في علم المبين لأحمد بن عمرو الجكني (أرجوزة) ...
- مصباح الرسام في رسم القراء السبعة لمحمد الراضي السوسي (أرجوزة) ...
- كفاية الطلاب في رسم الستة غير نافع لأبي العلاء المنجرة (أرجوزة) ...
- أرجوزة البنوني في رسم السبعة للوادنوني البنوني (أرجوزة) ...
- أرجوزة في رسم السبعة لعلي بن الشرقي السحدالي (أرجوزة) ...
- درر المنافع في رسم القراء الستة السماذع غير نافع لأبي العلاء البكراوي ...
- نصرة الكتاب المبينة لمختار الأصحاب لمحمد بن التهامي بن الطيب الغرفي ...
- كشف والرين عن ناظر مصحف ذي النورين لمحمد العاقب (أرجوزة) ...
- المحتوى الجامع على رسم الصحاب وضبط التابع لابن الأمين الجكني (أرجوزة) ...
- تحفة القراء لمحمد بن العربي بن البهلول السرغيني (أرجوزة) ...
- ترجمة أبي إسحاق التجيبي صاحب التبيان في رسم القرآن ...
- كتاب التبيان للتجيبي ...(2/18)
- ما انفرد به التجيبي من الرسم ...(2/19)
الأعداد: 18-19-20-21-22-23
قراءة الإمام نافع عند المغاربة
من رواية أبي سعيد ورش
العدد: 18
المدارس المغربية المختصة في قراءة نافع وأصول أدائها
(الطور الثاني)
? مدرسة أبي الحسن بن سليمان القرطبي (ت 730هـ)
شيخ الجماعة بفاس وزعيم الاتجاه التوفيقي
في القراءة بها في المائة الثامنة
بسم الله الرحمن الرحيم
تصدير:
الحمد لله حمدا كثيرا لا أحصي ثناء عليه، وأصلي وأسلم على نبيه المجتبى ورسوله المصطفى الداعي إليه، وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى، المعلمين للقراءة والأدا، والتابعين لهم بإحسان على الصراط السوي والمنهاج المرتضى.
وبعد فهذه حلقة أخرى من حلقات بحوث السلسلة التي رتبنا لها في هذه التجزئة لموضوع قراءة الإمام نافع عند المغاربة، كسرنا البحث فيها في هذا العدد على شخصية إمام فذ يعتبر في زمنه خاتمة أفذاذ الأئمة الذين انحدروا من الأفق الأندلسي إلى الحواضر المغربية ليحاولوا من خلال وجودهم فيها أن يقودوا النشاط القرائي ويبعثوه بعثا جديدا، ويدفعوا به بأقصى ما استطاعوه من قوة، ليسدوا بذلك فراغا هائلا أوشك أن يحدث على إثر الأحداث الجليلة الخطيرية التي عصفت بالأمن، وطوحت بالوحدة السياسية التي كانت منذ أيام المرابطين وخلال عهد الموحدين تؤلف بين أطراف الأقطار المغربية والأندلسية، وتشكل منها وطنا واحدا تختلف امتداداته وتتنوع، ولكنها كانت تتكامل وتتناغم، ويفيد بعضها من بعض بتبادل الرحلات والمشيخات والإجازات العلمية، ويجد القارئ النابغة فيها نفسه محفوفا بالتجلة والإكبار، حيثما حلت به الركاب واطمأنت به الدار.(1/1)
هذا أبو الحسن بن سليمان القرطبي نزيل فاس وشاطبي زمانه في أثره العام في المنطقة وإشعاع مدرسته، سوف نعيش معه ومع رجال مدرسته النابغين في هذه الفصول الأربعة التي خصناه بها، وسوف نرى ونلمس مقدار ما كان له ولهم من الفضل والأثر فيما امتازت به المدرسة المغربية المختصة في قراءة نافع من حذف وتبريز، وما عرف للمدرسة النافعية المعروفة في "العشر الصغرى" من مكانة عالية وقدم راسخة يشهد بها عطاؤها العلمي الزاخر الذي استعصى على السنين أن تنال من قوته كما سيتجلى عند رجال هذه المدرسة فيما نقف عنده فيما نستقبله من البحث بعون الله.
أسأل الله جلت قدرته وتعالت كلمته كمال التوفيق إلى أقوم الطريق، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
... ... ... ... ...
أبو الحسن علي بن سليمان زعيم المدرسة الأصولية في قراءة نافع ورائد "الاتجاه التوفيقي" في القراءة وشيخ الجماعة بفاس في المائة الثامنة.
تمهيد :(1/2)
يعتبر أبو الحسن بن سليمان القرطبي من آخر الثمار الزكية الناضجة التي جادت بها البلاد الأندلسية على قاعدة المغرب لهذا العهد مدينة فاس، كما يعتبر من الجهة التاريخية والعلمية برزخا بين العهد الذي كانت الحواضر المغربية فيه ما تزال تولي وجهها في طلب القراءة والحذق فيها نحو الجهات الأندلسية الباقية لتنهل من مدارسها وتروي عن أعلامها، ثم تعود محملة الحواصل بما يتأتى لها من رصيد ثقافي وعلمي، ثم تقوم بتأديته في المنطقة بتمام الأمانة والضبط دون تدخل في غالب الأمر في دراسة ذلك وتمحيصه والنظر في توجيه وجوهه فضلا عن عقد الموازنة بينها والاختيار من بينها أو إعادة سبكها وصياغتها على أنماط مناسبة لمدارك أهل العصر، وبين العهد الجديد الذي ارتفع فيه مستوى الحذق عند القارئ المغربي فأخذ يسعى إلى الاستقلال بالرأي العلمي والمذهب الفني ويلتفت إلى تراث الأئمة بعد أن يستكمل غرضه منه بالرواية والحفظ، فيوسعه تدبرا وتحليلا، ثم يأخذ في الدراسة المقارنة له واختيار ما يراه أقوى في الرواية وأوجه في الأداء أو أشهر وأكثره فكان ظهور أبي الحسن بن سليمان في الميدان بمدرسته بعد مدرسة ابن القصاب التي أنارت الطريق، تتويجا عظيم الشأن لجهود المدرسة المغربية في الثلث الأول من المائة الثامنة، مما استحق معه هذا اللقب "شيخ الجماعة"، وهو لقب علمي يظهر من خلال الاستقراء أنه أطلق عليه قبل غيره، كما دل الاستقراء على أنه كان لقبا مخصوصا بالمشايخ المعتبرين الذي امتازوا بالتعمير في خدمة الفن، كما امتازوا بوفرة الإنتاج وكثرة الأصحاب.(1/3)
وعلى الرغم من الأهمية البالغة التي يكتسيها هذا الإمام الفذ في تاريخ المدرسة المغربية بحيث لا تكاد تجد مشيخة ولا فهرسة للمتأخرين منذ المائة الثامنة إلا وجدته قطب الرحا في أسانيدها وطرقها المقروء بها، فإن المعلومات المذكورة عنه في كتب التراجم لا تروي غلة الباحث، إذ نجد الذين ألموا بترجمته على قلتهم يمرون بحياته مرورا عابرا دون أن يعنوا بتفاصيل دراسته ومشيخته وفنونه، مكتفين بجملة من التحليات المجملة الجاهزة، غير ملتفتين إلى ذكر ما كان له من صيت ذائع وتأثير بليغ في رسم المسار الفني "للمدرسة النافعية" المغربية التي اختصت بما يعرف عند المغاربة خاصة ب"العشر الصغير"، كما كان له أيضا قدم راسخة فيما يعرف عندهم ب"الجمع الكبير"، وهم بالتالي لا يذكرون في ترجمته من أصحابه المشاهير ما يكشف عن أهميته وينطق بإمامته، بله أن يعتنوا ببيان ما وراء ذلك من مذهبه الفني وانتمائه المدرسي في هذا العلم.
وهذا بعض ما حدا بي إلى تخصيص هذا البحث له ولمدرسته محاولة مني لإنصافه بقدر الإمكان بجمع ما تناثر من أخباره، وذكر ما تفرق من آثاره، وتفصيل ما أجمل من ذكر مشيخته وأصحابه والتنبيه على أهم ما يذكر من رواياته ومروياته، مع الإشارة إلى ما قد ينكشف لنا من خلال ذلك من اتجاهاته ومذاهبه واختياراته في إطار المنحى الفني الذي ينحو إليه، ويستمد منه بعض ما نقف عليه من تلك المذاهب والاختيارات، وهذه ترجمته الموجزة كما لممنا أطرافها من المصادر التي توافرت لنا :
الفصل الأول:
أبو الحسن بن سليمان رائد المدرسة
التوفيقية بفاس.
ترجمته :
هو أبو الحسن علي بن سليمان بن أحمد بن سليمان الأنصاري القرطبي نزيل فاس وشيخ الجماعة بها.
ترجم الحافظ ابن الجزري في غاية النهاية وقال فيه "مقرئ فاس"، وسمى كبار مشيخته وبعض أصحابه وآثاره(1).
__________
(1) - غاية النهاية 1/544 ترجمة 2229.(1/4)
وذكر الونشريسي وفاته في حوادث سنة 730 هـ فقال: "وفيها توفي الأستاذ أبو الحسن علي بن سليمان الأنصاري القرطبي".(1)
وترجم له ابن القاضي في الجذوة فقال: "من أهل مدينة فاس، وهو صهر أبي الحسن الصغير(2) كان فقيها أستاذا نحويا ... "(3)، وذكر مثل ذلك في "درة الحجال بغير زيادة(4).
ووصفه الكتاني في "السلوه" ب" الشيخ الأستاذ المقرئ الحافظ الناقد الضابط شيخ الجماعة أبي الحسن ... نزيل فاس صهر الشيخ أبي الحسن الصغير وأحد أشياخه، كان فقيها أستاذا نحويا.."ثم ذكر بعض كبار أشياخه ومصنفاته(5).
أما تحديد ميلاده فلم أقف علىمن تعرض له، ويظهر أنه قبل منتصف المائة السابعة، ويدل عليه أنه قرأ على يوسف بن أبي ريحانة الأندلسي المتوفى سنة 672، فإذا صح تاريخ هذه الوفاة أمكن أن نرتب عليه إمكان قراءته عليه وهو في سن العشرين أو ما يقاربها، لأنه جمع عليه بين قراءة القرآن ورواية المصنفات كما سيأتي، ومعنى ذلك أنه عاش حتى وفاته سنة 730هـ ما يربو على ثمانين سنة، لذكرهم له بالتعمير ووصفهم له بشيخ الجماعة، وهو لقب مخصوص بمن اشترك في الأخذ عنه الآباء والأبناء(6).
__________
(1) - وفيات الونشريسي 106 (ألف سنة من الوفيات).
(2) - سيأتي في أصحابه وهو علي بن محمد بن عبد الحق الزرويلي.
(3) - جذوة الاقتباس 2/473 ترجمة 524.
(4) - درة الحجال 3/245 ترجمة 1266.
(5) - سلوة الأنفاس 3/149.
(6) - يدل على أن المعتبر في مشيخه الجماعة السن قول صاحب السلوة في ترجمة محمد العربي بن أحمد برد له : "وأسن حتى صار شيخ الجماعة بفاس" ـ سلوة الأنفاس 3/138-139.(1/5)
ويظهر أنه وإن كان منسوبا إلى قرطبة فقد نشأ بفاس وربما ولد بها، ولهذا نسبه بعضهم فاسيا(1)، وقد أقام بها حتى توفي، وكان شيخ جماعتها وعمدة قرائها ومرجعهم في التحقيق والتحرير والرواية، إذ لم يقاربه في ذلك أحد في زمنه بفاس في مستواه العلمي وسعة روايته وتضلعه في أكثر من علم وكثرة تأليفه.
مشيخته : وتتجلى مكانة أبي الحسن في زمنه في نبل مشيخته وقيامه على رواية الأمهات في القراءات وعلومها وإدخاله إلى المنطقة كتبا ومصنفات لا عهد لها بها، وإقرائه بأهم الطرق التي كانت معروفة في زمنه وتأليفه فيها، وقد قرأ على نخبة أئمة الأندلس والمغرب وشارك الأكابر في أساتذتهم فكان في هذا المجال في زمنه بقية المشايخ وتحفة العصر في الرواية عن أعلام المائة السابعة والجمع بينهم في الأخذ مما توافر معه لأهل المغرب في شخصه ما كانوا في أمس الحاجة إليه بعد ذهاب المشيخة وانقراض أهل ذلك الجيل، وهؤلاء أهم المذكورين من مشيخته :
1- أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي الإمام الحافظ الذائع الصيت خاتمة المحدثين وصدور العلماء المقرئين، علامة غرناطة وأستاذ القراء بها، انتهت إليه الرئاسة في صناعة العربية وتجويد القراءة، وكان نسيج وحده في حسن التعليم والصبر على التسميع والملازمة للتدريس لم تختل له مع تخطي الثمانين كما يقول ابن الخطيب(2).
__________
(1) - سلوة الأنفاس 3/149.
(2) - الإحاطة في أخبار غرناطة للسان الدين ابن الخطيب 1/188-193.(1/6)
ولد بالأندلس سنة 627هـ، وأصله من مدينة جيان، خرج به أبوه عند تغلب الروم عليها عام 643، ولأبيه إذ ذاك ثراء وجدة أعانته على طلب العلم"(1)، وأخذ عن الجلة المقرئين، وقرأ بعامة الطرق المعروفة عن الأئمة، وروى من الكتب الأمهات ما كان يختص بروايته والجمع بينه في زمنه، وقد بقي حتى علت طرقه فيه فكان أستاذ العصر وحافظ الغرب الإسلامي، ولذلك اشترك في الرواية عنه فحول الأئمة وأكابر المقرئين واللغويين والنحويين والفقهاء والمحدثين، وممن روى عنه من الأئمة واشتهر بذلك أبو محمد عبد الواحد بن أبي السداد الباهلي المالقي صاحب "الدر النثير في شرح التيسير"(2)، وأبو جعفر أحمد بن الحسن بن الزيات الكلاعي(3) وابنه أبو بكر محمد بن أحمد بن الزيات(4)، وأبو حيان محمد بن يوسف الغرناطي(5)، وأبو القاسم محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي(6) ومحمد بن أحمد بن فتوح بن شقرال اللخمي(7)، ومحمد بن عبد الولي الرعيني المعروف بالعواد(8)، وأخوه أحمد بن عبد الولي ويعرف بالعواد أيضا(9)، وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن يوسف الهاشمي الطنجالي(10) وأبو الحسن علي بن عمر القيجاطي صاحب "التكملة المفيدة"(11)
__________
(1) - المصدر نفسه.
(2) - ترجمته في الإحاطة 3/553-554، وغاية النهاية 1/477 ترجمة 1985.
(3) - ترجمته في الإحاطة 1/287-296.
(4) - الإحاطة 2/138-139.
(5) - ترجمته في الإحاطة 3/43-60.
(6) - ترجمته في الإحاطة 3/21-23.
(7) - المصدر نفسه 3/23-25.
(8) - الإحاطة 33-35.
(9) - الإحاطة 1/193-194.
(10) - الإحاطة 3/245-276.
(11) - تقدم التعريف به في فصل خاص، وترجمته في الإحاطة 4/104-107-والكتيبة الكامنة 37-40..(1/7)
وأبو العباس أحمد بن عمران ابن موسى بن محمد المرسي الشهير بابن حدادة (1) وسواهم من الأعلام ممن لا يتسع لهم المقام، وتوفي أبو جعفر ابن الزبير سنة 708هـ.
وبرواية أبي الحسن بن سليمان وقراءته على هذا الشسيخ يكون قد شارك هؤلاء العلية وغيرهم في أسانيدهم فكان مقامه في مدينة فاس لا يقل عن مقام من ذكرنا من الأعلام في الآفاق الأندلسية والمشرقية التي تصدروا بها، ويكفي في الدلالة على منزلته أننا لا نكاد نجد إسنادا للمتأخرين منذ صدر المائة الثامنة إلى اليوم لا يمر عبر هذه القناة، وعلى الخصوص في قراءة نافع بفاس وفي رواية ورش على الأخص، حيث نجد الأمام ابن غازي يحرص على ذكر إسناده لها وحدها في فهرسته من هذه الطريق(2).
وأما مرويات أبي الحسن عنه فسوف نرى جانبا منها في تراجم أصحابه تجنبا للتكرار.
2- أبو جعفر أحمد بن عمر بن أحمد الجذامي الشهير ب"المضرس"
ذكره ابن الجزري وقال: "قرأ على إسماعيل بن يحيى العطار(3)، قرأ عليه علي بن سليمان بن أحمد شيخ فاس"(4).
ويتصل إسناد المضرس بالقراءات من طريق أبي الوليد الأزدي هذا من
__________
(1) - كذا جاء اسمه وكنيته في إجازة محمد بن محمد الحسني البوعناني لأبي عبد الله محمد الشرقي 24 رقم 9977 في إسناده لقصيدة حرز الأماني للشاطبي من طريق أبي عبد الله بن عمر عنه عن أبي جعفر بن الزبير، والمعروف في ابن حدادة أنه أبو عمران موسى بن محمد بن موسى بن أحمد كما تقدم في أصحاب ابن القصاب وبه ذكره البوعناني نفسه في صدر الإجازة المذكورة، ولعل أبا العباس هو غير أبي عمران.
(2) - فهرسه ابن غازي 36-37.
(3) - هو إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل أبو الوليد الأزدي العطار الغرناطي تقدم التعريف به.
(4) - غاية النهاية 1/92 ترجمة 418.(1/8)
طرق، فقد "قرأ بالروايات على ابن حسنون(1)ـ صاحب شريح ـ علي أبي بكر عبد الله بن عطية المحاربي (2)، قرأ عليه أبو جعفر بن الزبير وروى عنه كتاب "التبصرة" وغيرها بالإجازة عبد الواحد بن أبي السداد، ومات سنة 668(3).
وكان المضرس المذكور قد تصدر للإقراء بمالقة من الأندلس، وبها قرأ عليه جماعة من العلماء منهم الشيخ الإمام أبو عبد الله محمد بن علي بن أبي العيش الهمداني(4).
3- عبد الرحمن بن عبد الله بن سليمان بن داود بن عبد الرحمن أبو عمر بن حوط الله الأنصاري الحارثي.
قال ابن الجزري: "قرأ على أبي الخطاب أحمد بن محمد بن واجب القيسي(5) وروى عنه "التيسير"، وعن محمد بن سعيد بن زرقون (6)، قرأ عليه محمد بن أحمد الطنجالي (7) وعلي بن سليمان الأنصاري وإبراهيم ابن وثيق"(8).
__________
(1) - هو محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد العزيز بن زكريا بن حسنون أبو بكر الكناني الحميري البياسي الأندلسي تقدم في أصحاب شريح مات سنة 604 قيل بعدها سنة 608. ترجم له ابن الجزري في غاية النهاية 2/241 ترجمة 3415.
(2) - ترجمته في غاية النهاية 1/433-434 ترجمة 1814.
(3) - غاية النهاية 1/170 ترجمة 790.
(4) - درة الججال 2/65-66 ترجمة 508.
(5) - تقدم التعريف به في أصحاب أبي الحسن بن هذيل توفي بمراكش ـ ترجمته في غاية النهاية 1/126 ترجمة 585.
(6) - هو محمد بن سعيد بن أحمد بن زرقون أبو عبد الله الإشبيلي مسند الأندلس روى القراءة إجازة عن أحمد بن محمد الخولاني، قرأ عليه ابن حوط الله، وروى عنه التيسير إبراهيم بن وثيق سماعا مات سنة 686، ترجمته في غاية النهاية 2/143 ترجمته 3020.
(7) - غاية النهاية 2/194، والإحاطة 3/245-276.
(8) - غاية النهاية 1/372 ترجمة 1580.(1/9)
وقد علت رواية أبي الحسن بن سليمان وقراءته عليه من طريق "التيسير" وغيره، لأن لابن حوط الله رواية عاليا بسنده عن ابن واجب عن أبي الحسن بن هذيل عن أبي داود عن أبي عمرو، ويرويه بأعلى من هذا عن محمد بن سعيد بن زرقون عن الخولاني عن أبي عمرو مؤلفه، فيكون بين أبي الحسن بن سليمان في هاتين الطريقين وبين أبي عمرو الداني (ت 444) أربع وسائط من طريق ابن واجب، وثلاث فقط من طريق ابن زرقون.
وقد ذكر له ابن غازي في فهرسته طريقا أخرى ثلاثية الوسائط روى منها التيسير من طريق عبد الرحمن بن حوط الله هذا عن محمد بن أحمد بن عبد الملك بن أبي جمرة القرشي عن أبيه أحمد سماعا، عن مؤلفه إجازة (1).
كما أنه يروي القراءة من طريق "التبصرة" لمكي من طريق ابن حوط الله عن الخطيب أبي جعفر أحمد بن محمد بن يحيى الحصيري القرطبي(2)عن الوزير جعفر بن محمد بن مكي عن أبيه أبي طالب محمد وأبي مروان عبد الملك بن سراج عن جده(3)أبي محمد مكي(4).
4- الحسين بن عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز بن محمد بن أبي الأحوص أبو علي الفهري الجياني يعرف بابن الناظر، قاضي المرية ومالقة (603-679).
__________
(1) - فهرسة ابن غازي 95.
(2) - يعرف بالوزغي وبابن يحيى تفرد بالسماع من جعفر بن محمد بن مكي، توفي سنة 610- غاية النهاية 1/99-100 والذيل والتكملة 5/1/394-397 ترجمة 564.
(3) - يعني عن جد جعفر المذكور.
(4) - السند بها هكذا في فهرسة ابن غازي 95.(1/10)
أمام كبير قرأ الروايات على أبي محمد بن الكواب وأبي الحسن الدباج، وقرأ "التيسير" و"الشاطبية" على أبي بكر محمد بن محمد بن وضاح اللخمي ـ صاحب الشاطبي ـ وأبي عامر يزيد بن وهب الفهري بإجازتهما من ابن هذيل، وروى "التبصرة" عن موسى بن عبد الرحمن بن يحيى بن العربي(1)، وتصدر للإقراء بمالقة(2).
وهو من أساتذة أبي حيان الغرناطي قرأ عليه بمضمن "التيسير" و"التبصرة" و"الكافي" و"الإقناع" "وقرأ عليه الحروف من كتب شتى، منها "كتاب الهداية" "للمهدوي(3)، وسمع منه كتابه المسمى ب"الترشيد في التجويد" وهو الذي أدخله القاهرة(4).
ويعتبر ابن أبي الأحوص إحدى قمم هذا الشأن في المائة السابعة من أفذاذ رجال المدرسة المغربية الذين قرأوا بعامة طرق الأئمة واستقوا من جميع المناهل في هذا العلم، وقد ذكر السيوطي أنه "أقرأ القرآن والعربية والأدب بغرناطة مدة، ثم انتقل إلى مالقة، وكان من أهل الضبط والإتقان والرواية ومعرفة الأسانيد ألف في القراءات، وله برنامج مسلسلات، وأربعون سمعها منه أبو حيان"(5).
قرأ عليه أبو الحسن بن سليمان بالسبع من طريق "التيسير" والشاطبية" وأسندهما عنه(6).
__________
(1) - هو أبو عمران الزناتي الغرناطي يعرف بالسخان بالخاء المعجمة، قال ابن الجزري : "إمام متقن علامة أخذ القراءة عن عبد الله بن الورد صاحب أبي علي الأحدب، ولازم السهيلي زمانا، روى عنه ابن الطباع مات سنة 628 وقد قارب الثمانين- غاية النهاية 2/320 ترجمة 3686.
(2) - غاية النهاية 1/242 ترجمة 1106.
(3) - السند به من طريقه في فهرسة ابن غازي 45.
(4) - غاية النهاية 1/242-243 ترجمة 1106
(5) - بغية الوعاة 1/535-536 ترجمة 1111.
(6) - غاية النهاية 1/544 ترجمة 2229.(1/11)
وقد أسند الشيخ ابن غازي من روايته عنه الشاطبية(1) والقصيدة الحصرية(2) والقصيدة الخاقانية(3)،كما أسند الإمام المنتوري من طريقه عنه مؤلفات أخرى ستأتي في تراجم أصحابه وعلى الأخص ترجمة أبي عبد الله بن عمر.
-5 يوسف بن إبراهيم بن يوسف بن سعيد بن أبي ريحانة أبو الحجاج الأنصاري المالقي(4) الشهير بالمريلي قال ابن الجزري: قرأ على أبي عبد الله محمد بن زرقون، وروى الحروف من "التيسير" عن عتيق بن علي بن خلف (5)، قرأ عليه علي بن سليمان بن أحمد الأنصاري، وروى عنه "التيسير" عبد الواحد بن محمد بن أبي السداد"(6).
وقد كان لابن أبي ريحانة المريلي قدم راسخة في العربية، وقد ترجم له السيوطي في "البغية "نقلا عن كتاب "النضار" لأبي حيان قال: "أخذ القراءات والعربية عن الرندي(7) ولازمه، وقرأ عليه الكثير تفهما ك "كتاب سيبويه"و"الجمل" و"الكامل....وأقرأ ببلده القرآن والعربية، ثم رجع عن الإقراء وآثر الخمول والإنزواء، ثم ولي الخطبة والصلاة بجامع مالقة، وكان من أهل لفضل والدين والخير، مات في آخر سنة 672، قال أبو حيان : وكتب لي بالإجازة من مالقة"(8).
__________
(1) - فهرسة ابن غازي 97.
(2) - نفسه 97.
(3) - فهرسة ابن غازي 97-98.
(4) - تحرفت في غاية النهاية إلى "المالكي".
(5) - هو عتيق بن علي بن خلف أبو بكر الأموي المربيطري الأندلسي يعرف بابن قبرال من أصحاب أبي الحسن بن النعمة وله رواية بالإجازة عن أبي الحسن بن هذيل والحافظ السلفي سمع منه وتصدر للإقراء بمالقة وعمر دهرا وتوفي في رجب سنة 612.- ترجمته في غاية النهاية 1/500 ترجمة 2079.
(6) - غاية النهاية 2/393.
(7) - هو الأستاذ أبو علي أحمد بن عبد المجيد الأزدي المالقي وسياتي.
(8) - بغية الوعاة 2/353، ترجمة 2168.(1/12)
وقد ذكره الحافظ ابن الجزري في شيوخ أبي الحسن بن سليمان في القراءة(1) وسيأتي إسناده لقراءة نافع من هذه الطريق في ترجمة أبي عبد الله الصفار عند ذكر كتابة "الزهر اليانع في قراءة نافع".ويظهر أن أبا الحسن قد سمع عليه أيضا طائفة من مصنفات الأئمة من جملتها "كتاب فضاءل القرآن" للشيخ أبي القاسم محمد بن عبد الواحد الغافقي الملاحي(2).
6-عبيد الله بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي الربيع أبو الحسين القرشي العثماني شيخ مشايخ القراء والنحاة بسبتة، وقد عرفنا به وبأصحابه بما فيه الكفاية في الفصل الذي خصصناه لامتدادات مدارس الأقطاب بها، ويظهر أن أبا الحسن قد تخرج عليه في العربية وعلوم الرواية الأخرى كما روى عنه طائفة من مصنفات الأئمة في القراءة وغيرها، ومنها "كتاب التذكير في القراءات السبع" لأبي عبد الله بن شريح(3) و"كتاب نهاية الاتقان" لابنه شريح بن محمد(4) و"سيرة ابن اسحاق" من رواية ابن هشام وتلخيصه(5) وغير ذلك.
7-مالك بن المرحل أبو الحكم المالقي الأديب الشاعر المقرئ نزيل سبتة.
__________
(1) - غاية النهاية 2/393، ترجمة 3910.
(2) - أسنده المنتوري من طريقه في فهرسته لوحة 30-31.
(3) -فهرسة المنتوري لوحة 10.
(4) -المصدر نفسه لوحة 25.
(5) -فهرسة ابن غازي 100.(1/13)
لا أعلم مقدار ما روى عنه من معارف وعلوم، ولكني وفقت على رواية بعض آثاره الشعرية عنه، وهي: "القصائد العشرية في السيرة النبوية" لأبي الحكم مالك بن عبد الرحمن بن المرحل (ت 699)، ذكرها الإمام أبو زيد الجادري في اختصاره لشرح أستاذه إسماعيل بن الأحمر الغرناطي على قصيدة البردة للبوصيري، فقال: "وقد حدثني بها ـ يعني القصائد العشارية ـ شيخنا أبو عبد الله محمد بن محمد اللخمي عن الأستاذ أبي الحسن بن سليمان الأنصاري عن ابن المرحل المذكور"(1).
8-محمد بن أحمد بن عبيد الله بن العاص اللخمي الإشبيلي الخطيب المقرئ أبو بكر التجييى.
لم يذكر ابن الجزري أخذه عنه، بل ذكره في طبقة أساتذته فقال : "أستاذ مصدر، أخذ السبع عن أبي بكر عتيق وأبي الحسين بن عظيمة و"الكافي" على أبي العباس بن مقدام، وأبي الحكم بن حجاج(2) عن أبي الحسن شريح، قرأ عليه أبو جعفر بن الزبير الحافظ، وأثنى عليه، وجلس دهرا يقرئ الناس بمالقة، وروى عنه "الكافي" سماعا عبد الواحد بن محمد بن أبي السداد(3) مات سنة 666 عن سبع وثمانين سنة"(4).
ويظهر أنه مع تقدم وفاته فقد تأتى لأبي الحسن أن يأخذ عنه، وقد أسند الإمام المنتوري من طريق أبي الحسن ابن سليمان عن ابن العاص هذا "كتاب الكافي" لابن شريح عن أبي العباس أحمد بن محمد بن مقدام الرعيني سماعا عن أبي الحسن شريح سماعا عن أبيه مؤلفه(5).
__________
(1) -مختصر الجادري لشرح أستاذه على بردة المديح للبوصيري مخطوطة الخزانة الصبيحية بسلا، رقم 210 ذكره عند قول البوصيري : "فهو الذي تم معناه وصورته ثم اصطفاه حبيبا بارئ النسم".
(2) - في غاية النهاية "نجاح" وهو تحريف صوابه عبد الرحمن بن محمد بن عمرو بن حجاج أبو الحكم اللخمي الإشبيلي، ت601 تقدم في أصحاب شريح.
(3) - يقارن بسنده في "الكافي" في كتابه "الدر النثير" (مخطوط) وقد تقدم..
(4) - غاية النهاية، 2/70، ترجمة 2749.
(5) - فهرسة المنتوري لوحة 8.(1/14)
9-محمد بن الحسين بن رزين أبو عبد الله تقي الدين الحموي القاضي.
حدث المنتوري من طريقه عنه بكتاب "الشرح الصغير لحرز الأماني"(1) لأبي الحسن السخاوي(2).
10-عبد العزيز بن إبراهيم أبو فارس الهواري الجزيري نزيل سبتة.
يروي عنه أبو الحسن صحيح الإمام البخاري من قراءته له على أبي مروان محمد بن أبي عمر أحمد بن عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أحمد بن عبد الله الراوية ابن محمد بن علي بن شريعة بن رفاعة بن صخر بن سماعة اللخمي الباجي(3) عن الحافظ الفقيه أبي بكر محمد بن عبد الله بن يحيى بن الجد العمري عن أبي الحسن شريح عن أبيه أبي عبد الله بن شريح وغيره بسنده"(4).
ورواية الصحيح من طريق أبي فارس المذكور كانت يومئذ من مفاخر العصر، وقد اختص بها الأكابر، فرواها ونوه بها العلامة القاسم بن يوسف التجيبي في برنامجه من الطريق التي رواها منها أبو الحسن بن سليمان، وذكر أنه كمل له سماعه عليه في جمادى الأولى سنة 689 بحق سماع أبي فارس له من أبي مروان في شهر رمضان سنة 633 إلى آخر السند(5).
ونوه بها أيضا أبو عبد الله بن رشيد السبتي (ت 721هـ) في روايته لها من أصل شيخه هذا أبي فارس عبد العزيز الجزيري(6) الذي بخط أبيه(7).
__________
(1) - المراد شرحه على الشاطبية "فتح الوصيد" كما تقدم في شروحها.
(2) - فهرسه المنتوري- لوحة 7.
(3) - ذكره بهذا التسلسل القاسم التجييبي في برنامجه 74-75.
(4) - السند في فهرسة ابن غازي 104-105.
(5) - برنامج التجيبي 74-75.
(6) - نسبة إلى جزيرة شقر كما ذكر التجييي في المصدر السابق 74-75، وهي قريبة من شاطبة في شرق الأندلس تبعد عن بلنسية 18 ميلا- صفة جزيرة الأندلس 102رقم 92.
(7) - إفادة النصيح لابن رشيد 50.(1/15)
11-راشد بن أبي راشد أبو الفضل الوليدي شيخ شيوخ المدونة في الفقه المالكي بفاس ومؤلف كتاب "الحلال والحرام"روى عنه أبو الحسن بن سليمان القرطبي وأبو الحسن الزرويلي وغيرهما، وتوفي سنة 675(1).
هؤلاء من وقفنا على ذكرهم من أكابر مشيخته، وكلهم أو أكثرهم-كما رأينا- من أكابر القراء والأئمة المسندين.
مكانته في المدرسة المغربية :
__________
(1) - ترجمته في جذوة الإقتباس 1/196-197 ونيل الإبتهاج 117 وسلوة الأنفاس 3/262 وشجرة النور الزكية 1/201 طبقة 15، ترجمة 685.(1/16)
كان أبو الحسن بن سليمان القرطبي في المدرسة المغربية في زمنه "شيخ الجماعة" وأستاذ العصر، تجمع فيه ما تفرق في غيره، فكان أديبا نحويا فقيها محدثا مسندا، إلى جانب كونه مقرئا إماما متقنا ناقدا ومحررا، وقد امتاز عن علماء عصره في المغرب بالحرص التام على توثيق الروايات، فكان من أحفلهم بالأسانيد، ولذلك نجده يجيز عامة من قرأوا عنه ويكتب لهم أسانيده، وربما أجاز للواحد منهم أكثر من مرة كما سوف نرى مع أبي عبد الله بن عمر، محافظة منه على اتصال الرواية بالقراءة والسماع من الأئمة الحفاظ عن أمثالهم، وتسلسلها أيضا بالمصنفات الأمهات المعتمدة في علوم الرواية على العموم وعلوم القراءة على الخصوص، وقد كان شعاره في هذا الصدد ما رواه أبو زكريا السراج في فهرسته قال: "وحدثني القاضي أبو البركات والفقيه أبو عبد الله الرعيني والقاضي المقرئ أبو محمد عبد الله بن مسلم القصري وقاضي الجماعة الخطيب أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الملك الفشتالي وغيرهم(1) قالوا: "أخبرنا الأستاذ القرئ أبو الحسن علي بن سليمان الأنصاري القرطبي سماعا للأول وإجازة للآخرين قال : سمعت القاضي أبا علي بن أبي الأحوص يقول: سمعت الخطيب أبا الربيع سليمان بن موسى الكلاعي(2) يقول ... وذكر السند إلى يزيد بن زريع(3) قال: "لكل دين فرسان، وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد"(4).
__________
(1) - ستأتي تراجمهم في أصحابه.
(2) - هو أبو الربيع سليمان بن موسى بن سالم الكلاعي الحافظ خطيب بلنسية، قرأ على أصحاب ابن هذيل بالسبع ولم يتفرغ للإقراء قتل شهيدا سنة 634- ترجمته في غاية النهاية 1/316 ترجمة 1390.
(3) -هو أبو معاوية من قبيلة تيم الله من أورع أهل البصرة وأتقتهم مات سنة ثنتين أو 183هـ مشاهير علماء الأمصار لمحمد بن حبان البستي 162 ترجمة 1260.
(4) - فهرسة السراج المجلد 1 لوحة 13.(1/17)
ولقد كان أبو الحسن-رحمه الله- من فرسان هذا الدين، وخير من ينطبق عليه هذا الأثر الشريف، وكان ممن أحيا الله بهم بهذا العلم في المدرسة المغربية لهذا العهد، فكان أقوم الأئمة في هذه الجهة على مذاهب الأئمة الأقطاب في القراءة وعلومها، وأعلمهم بأسانيدهم، وأرواهم لمصنفاتهم المعتمدة.
أثره في توجيه مسار القراءات في المدرسة المغربية بسائر طرقها :
وكان له إلى جانب ذلك أثر بليغ في توجيه القراءة في المسار الذي سارت فيه، وقد انتشرت طريقته ومذاهبه في ذلك على محورين وشعبتين هامتين :
1- شعبة "الجمع الصغير"أو "العشر الصغير"، وهو الجمع الخاص بقراءة نافع ورواياتها وطرقها، فقد كان أبو الحسن أحد من اشتهروا لهذا العهد بالعناية بها عناية خاصة، وقد اتجهت به همته إلى كتب الأئمة وخصوصا إلى كتاب "التعريف في اختلاف أصحاب نافع " لأبي عمرو الداني فعكف على دراسته وتدريسه، كما نظم مسائله في أرجوزة خاصة سوف نقف عليها في آثاره، وقد تخرج عليه تلامذته في هذا الجمع وتفننوا فيه، ولا سيما منه ما يتعلق بالروايتين المشهورتين في المغرب أعني روايتي ورش وقالون، ولهذا نجد عامة علماء القراءة من زمنه إلى اليوم لا يكادون يسندون قراءة نافع من رواياتها وطرقها المشهورة إلا من هذه الطريق، وهي طريق تتفرع ـ كما سيأتي لنا ـ إلى فرعين كبيرين: فرع يمتد من طريق رجال المدرسة الأثرية إلى أبي عمرو الداني عن شيوخه بأسانيدهم من طريق "التيسير" وغيره من مصنفاته كالتعريف والتمهيد والتلخيص وجامع البيان" والاقتصاد وغيرها، وفرع يمتد من طرق أخرى تنتهي إلى ابن العرجاء القيرواني بسنده عن ابن نفيس أستاذ مدرسة ورش في مصر في زمنه بسنده إلى نافع.(1/18)
2- شعبة "الجمع الكبير" ويتعلق في صورته البسيطة بالجمع في الأداء بين أكثر من قارئ دفعة واحدة عن طريق ما يعرف عند المتأخرين ب"صناعة الأرداف"، وأوفاه ما يتم فيه الجمع بين القراء السبعة المشهورين أو بين القراء العشرة أجمعين، وقد تحدثنا آنفا عن ظهور هذا النمط من الأداء على عهد الأقطاب وتحدثنا في مدرسة أبي الحسن القيجاطي عن الشروط التي حددها لذلك في قصيدته "التكملة المفيدة"، وكان لأبي الحسن فيه بهذا المفهوم تأليف حسن سنقف عليه في آثاره.
ولا يعنينا كثيرا هذا النمط من الأداء لأن أبا الحسن مسبوق إليه، وإنما يعنينا منه طراز آخر ظهر منذ حوالي منتصف المائة السابعة في كل من سبتة وغرناطة وغيرهما، وسمي ب"الجمع الكبير" أيضا، ومرادهم به الجمع بين طرق الأئمة أقطاب المدارس الفنية على نحو ما كان يجري في الأداء عند بعض المشايخ الذين جمعوا بين أكثر من مدرسة.(1/19)
والجديد في هذا الطراز هو دخوله مجال التأليف حيث نجده عند أبي محمد بن أبي السداد في "الدر النثير" الذي ألفه لشرح مذاهب أبي عمرو الداني واختياراته في "التيسير"، ولكنه بناه على إجراء مقارنة بينه وبين أبي محمد مكي في "التبصرة" وأبي عبد الله بن شريح في "الكافي" كما سبق أن نبهنا على ذلك عند ذكر شروح التيسير(1).كما نجد ابن أبي السداد أيضا، وهو من طبقة أبي الحسن بن سليمان في الأخذ عن المشيخة- قد ألف فيه كتابا خاصا سماه "تحفة التالي في أشرف المعالي"، رواه المنتوري وقال : "ذكر فيه الخلاف بين الأئمة الثلاثة أبي عمرو الداني وأبي محمد مكي وأبي عبد الله بن شريح"(2).
وقد رأينا نحوا من ذلك مع إضافة أبي علي الأهوازي إلى الأئمة الثلاثة في قصيدة "التكملة المفيدة" لأبي الحسن القيجاطي (ت 730) معاصر أبي الحسن القرطبي وشريكه في أساتذته.
والذي يعنينا هنا أن أبا الحسن بن سليمان كان رائد هذا الإتجاه في المدرسة المغربية، وهو اتجاه سبق أن ربطناه من ناحية المنهج بما سميناه ب"المدرسة التوفيقية"، لأنه يعتمد في الأداء جميع ما صح في القراءة عن الأئمة دون لجوء في الغالب إلى ترجيح أو اختيار.
__________
(1) - اعتمدت على "الدر النثير" لابن أبي السداد مخطوطا- كما تقدم- ثم وصل إلي بعد كتابة هذا الفصل مطبوعا في أربعة أجزاء صغار بعنوان "الدر النثير والعذب النمير، في شرح مشكلات وحل مقفلات اشتمل عليها كتاب التيسير لأبي عمرو- تحقيق ودراسة أحمد عبد الله أحمد المقري- نشر دار الثقافة للنشر والتوزيع بمكة المكرمة-1411هـ 1990.
(2) - فهرسة المنتوري لوحة 10-11.(1/20)
ولقد عني بالأخذ في هذا الطراز من الجمع على مشاهير الرواة من أصحابه، فقرأ عليه به جمهورهم ممن استكملوا عيه القراءة، ثم زاد على ذلك فألف فيه كتابه الآتي، وهو كتاب "التجريد الكبير" الذي رواه عنه أصحابه وقرأوا عليه بمضمنه، ولا يخفى ما لهذا النوع من القراءة والإقراء باختيارات الأئمة ومذاهبهم الفنية من تنبيه إلى أهمية دراسة مسائل الخلاف بينهم ومعرفة مستنداتهم فيها وتفقه في معانيها ومبانيها وتوجيهاتها من جهة العربية، مما يحقق التكامل في ثقافة القارئ، ويوثق الأواصر بين علوم القراءة والعربية ويوسع آفاق الطلاب بالدرس والموازنة للمذاهب ويساعد على الحذق والتوجيه عند الاقتضاء، إما لاختيار ما يراه القارئ أعدل في الأداء، أو أرجح مستندا وأقوى وجها، مما سيساعد طائفة من المتأخرين الذين اهتموا بمجالات الترجيح والتشهير أو بالتصدير وما عليه العمل وبغير ذلك مما سنقف على نماذج منه عند دراستنا لأرجوزة ابن بري بعون الله.
ولقد كانت لأبي الحسن مذاهب واختيارات في الأداء في رواية ورش وغيرها سنقف على بعضها فيما نقل عنه أو وصل إلينا من مؤلفاته، كما كان من آخر من درس لأصحابه مختلف المتون المتعلقة باختلاف مدراس الأصول وفي طليعتها "الإقناع" لابن الباذش، و"القصيدة الحصرية" في قراءة نافع "والأرجوزة المنبهة" "لأبي عمرو الداني، و"الخاقانية" "لأبي مزاحم الخاقاني، وغيرها من المصنفات، مما يدل على اتساع أفقه في هذا العلم وعلو كعبه في الرواية، وانفساح منهجه ليشمل عامة المذاهب والاختيارات والنظر فيها والأخذ منها انسجاما مع ما ذكرنا له من انتماء فني إلى "المدرسة التوفيقية"، فكان في هذه الجهة من المغرب رأس هذه المدرسة وممثلها في مقابل الحركة النشيطة التي كانت تعرف نشاطا ملحوظا في هذا الاتجاه في عهده سواء في سبتة أم في غرناطة والمرية ومالقة وغيرها من الحواضر الباقية تحت الحكم الإسلامي من بلاد الأندلس في زمنه.(1/21)
وقبل أن نتعرف على مروياته وجهوده في بثها ونشرها وترويتها لأصحابه نتوقف أولا لننظر فيما خلف من آثار في القراءة وعلومها مع التعريف والعرض لما وصل إلينا منها.
الفصل الثاني:
آثاره العلمية وإشعاعها في المدرسة المغربية.
لم أجد من المترجمين لأبي الحسن بن سليمان من عني بذكر عامة مؤلفاته، إلا ما ذكره صاحب "السلوة"(1)،استنادا إلى ما ذكره الشيخ أبو عبد الله بن غازي منها في فهرسته(2)، وقد تتبعت ذكرها في كتب القراءة وغيرها محاولا أن أتعرف على عددها ومجالاتها وبعض ما وصل إلينا منها لنقوم بجولة معه فيها تكشف لنا عن أهم الميادين التي استأثرت باهتمامه في التأليف، ونتتبع بعض ما أمكن الوقوف عليه من إشعاعه العلمي من خلالها، وهذه هي العناوين والكتب التي وقفت عليها مرتبة على الحروف، إلا ما كان منها مختصرا فأذكره عقب أصله المطول :
1- برنامج روايته :
... ... ذكره أبو زكريا السراج في سياق حديثه عن مرويات أبي عبد الله بن عمر اللخمي عن أبي الحسن ابن سليمان فقال : "وعمم له الإجازة في كل ما صدر عنه وما يحمله عن جميع أشياخه المسمين في "برنامج روايته وفي غيره"(3).
2- كتاب تبيين طبقات المد وترتيبها :
وموضوع الكتاب كما يتبين من عنوانه معرفة أحكام المد وأسبابه وأقسامه وأنواعه وترتيب الروايات والطرق فيه في الأداء، وهو موضوع وثيق الصلة برواية ورش واختلاف الطرق عنه في أنواع المد ومقاديره.
ذكره له الشيخ ابن غازي وصاحب السلوة فيما ذكرا من مؤلفاته، وأسنده الأول منهما من طريق السراج.
وقد تضمن الكتاب مذاهب أبي الحسن واختياراته في هذا الباب، وعني غير واحد من المصنفين بذكر طرف صالح منه إشارة فقط أو نقلا لكلامه.
__________
(1) - سلوة الأنفاس 3/149.
(2) - فهرسة ابن غازي 101.
(3) - فهرسة السراج المجلد 1 لوحة 154-155.(1/22)
- فمن ذلك مثلا : قوله بتفاوت القراء في مراتب المد حتى في المد المعروف بالطبيعي أو "القصر"، وذلك بحسب قراءة القارئ بالتحقيق أو الحدر أو التوسط بينهما، وسيأتي ذكر مناقشة ابن المجراد له في ذلك.
- ومن ذلك أخذه بالقصر في الوقف لورش في باب "لا ريب" و"الغيبب"والحسنيين"، نقل أبو زيد ابن القاضي عنه قوله ناقلا لمذاهب الأئمة الثلاثة : "مذهب الشيخ والإمام القصر، وبه لا غير قرأت في طريق الحافظ أيضا وبه آخذ في الطرق الثلاثة"(1).
3- كتاب التجريد :
ولعله أوسع كتبه مادة، ذكره له الإمام المنتوري وقال فيه "التجريد الكبير" للأستاذ أبي الحسن علي بن سليمان القاضي، جرد فيه الخلاف بين الأئمة الثلاثة: أبي عمرو الداني وأبي محمد مكي وأبي عبد الله بن شريح" ثم قال المنتوري: "قرأت جميعه في أصل المؤلف الذي بخط يده، وعلى الأستاذ أبي عبد الله محمد بن محمد بن عمر، وحدثني به عن مؤلفه سماعا"(2).
ولعله الكتاب نفسه الذي نقل عنه العلامة ابن المجراد في باب المد من شرحه على "الدرر اللوامع" عند ذكر الخلاف في المد المنفصل في قول ابن بري: والخلف عن قالون في المنفصل"، قال ابن المجراد: "أخبر أن قالون اختلف عنه في المد للهمز المتأخر والمنفصل هل يمد لأجله أم لا ؟ ومفهومه أن ورشا لا خلاف عنه في مده وهو كذلك، وما ذكره الأستاذ أبو الحسن بن سليمان في "الخلاف الكبير" له بين الأئمة الثلاثة أبي عمرو وأبي محمد مكي وأبي عبد الله (3)من أن الأصبهاني يروي عن ورش القصر فيه، فليس بمشهور، فلذلك لم يذكره المصنف"(4).
__________
(1) - نقله في الفجر الساطع في شرح الدرر اللوامع عند قول ابن بري : "وقف بنحو سوف ريب عنهما..".
(2) - هرسة المنتوري لوحة 11.
(3) - كذا بسقوط لفظ "ابن شريح" ولعله من الناسخ.
(4) - إيضاح الأسرار والبدائع لابن المجراد لوحة 44 (باب المد).(1/23)
هكذا سماه ابن المجراد "الخلاف الكبير"، وسماه في باب الزوائد "التجريد" عند ذكر الخلاف لقالون في قوله "فما ءاتاني الله" في سورة النمل، وقال في ذكر الاختلاس في فرش الحروف : "وقال ابن سليمان في "التجريد" "الإخفاء أقرب إلى الساكن من الاختلاس، والاختلاس أقرب إلى التحريك من الإخفاء، وكلاهما وسط بين التحريك التام والإسكان".
ونقل عنه محمد بن عيسى الوارتيني في شرحه على ابن بري في مواضع قال في بعضها "صح من التجريد"، ونقل منه في بعضها دون تسمية الكتاب كما نجد ذلك في باب المد منه.
ونقل منه الشيخ عبد الرحمن أبو زيد الثعالبي في شرحه على ابن بري أيضا عند ذكر "عاد الاولى" في باب المد فاكتفى باسم المؤلف ونقل قوله دون تسمية الكتاب فقال : "وعبارة أبي الحسن علي بن سليمان القرطبي قال : "ذكر الحافظ أبو عمرو الداني عن ورش في الابتداء ب"الأولى" من قوله تعالى " عاد الاولى" وجهين : أحدهما "الاولى" بهمزة الوصل مع النقل فلا يعتد بالعارض، وهو تحريك لام التعريف بحركة الهمزة، والثاني بحذف ألف الوصل فيعتد بالعارض، كقولهم "لحمر جاءني"(1).
وقد نظم الإمام أبو القاسم التازي أهم مسائل الخلاف الأدائية التي ذكرها ابن سليمان في تجريده هذا في أرجوزته "الدرة السنية" التي ذيل بها على "الدرر اللوامع" لابن بري لبيان المشهور من الأوجه التي ذكرها - كما سنقف عليها بعون الله - وأشار إلى مصدره في ذلك بقوله :
وكل ما أتى في ذا التقييد ... منظما صح من"التجريد"
وقد وهم في قوله هذا بعض المعاصرين فقال مشيرا إلى "الدرة السنية": وقد لخص فيها "كتاب التجريد" للداني ثم ذكر البيت أعلاه(2).
__________
(1) - المختار من الجوامع في محاذاة الدرر اللوامع للثعالبي 63 وقد تحرف فيه المثال :"لحمر جاءني "إلى لفظ" بحر جاءني".
(2) - القراء والقراءات بالمغرب لسعيد أعراب 33.(1/24)
وقد تقدم لنا ذكر "كتاب التجريد" لأبي عمرو الداني، وكتاب "التجريد في القراءات السبع" لابن الفحام، وكتاب ابن سليمان هذا هو غيرهما، ولعله لذلك سماه "التجريد الكبير" من باب التمييز، كما أنه متأخر بما يربو على قرنين ونصف من الزمان.
وقد ظل النقل عن "التجريد" لابن سليمان معروفا إلى المائة الحادية عشرة حيث وقفت على تقييد للشيخ أبي عبد الله محمد بن محمد بن أحمد الرحماني قيده عن شيخه محمد بن سليمان البوعناني في شهر صفر من سنة 1038هـ نقل فيه عن "التجريد"لابن سليمان(1).
وقد أسنده قبل دلك الإمام ابن غازي (ت 919) في جملة مروياته عن شيخه أبي عبد الله محمد بن أبي القاسم محمد بن يحيى بن أحمد السراج قال : "أخبرني به عن أبيه عن جده عن الوانغيلي(2) وابن عمر عن مؤلفه أبي الحسن"(3) ولا أعلم لكتاب "التجريد" لأبي الحسن اليوم وجودا، ولا رأيت أحدا من المتأخرين ينقل عنه أو يذكره في مروياته.
4- مختصر التجريد :
هو من تأليف المؤلف نفسه، ذكره له الشيخ ابن غازي في جملة كتبه التي رواها كما ذكره صاحب السلوة(4).
5-
ترتيب الأداء وبيان الجمع بين الروايات في الإقراء:
هو من أشهر كتبه، أشار إليه ابن الجزري في ترجمته بقوله: "وألف كتابا في كيفية جمع القراءات"(5)، وذكر في "منجد المقرئين" قوله: "وقد بلغني أن شخصا من المغاربة ألف كتابا في كيفية جمع القراءات"(6).
__________
(1) - وقفت على التقييد في مجموع بخط الرحماني المذكور فيه إجازات البوعناني المذكور وابن القاضي له بالسبع وغيرها مخطوط بالخزانة العتيقة لأوقاف آسفي.
(2) - سيأتي التعريف بالوانغيلي وابن عمر في أصحاب أبي الحسن
(3) - فهرسة ابن غازي 100-101.
(4) - فهرسة ابن غازي 101، وسلوة الأنفاس 3/149.
(5) - غاية النهاية 1/544، ترجمة 2229.
(6) - منجد المقرئين 12 والظاهر أنه يعنيه.(1/25)
وأسنده الشيخ أبو عبد الله بن غازي في جملة مروياته من كتبه من طريق أبي زكريا السراج(1).
ونقل عنه أبو زيد بن القاضي وصاحبه مسعود جموع في شرحيهما على "الدرر اللوامع" في مواضع من باب المد فقال ابن القاضي: "قال أبو الحسن علي بن سليمان القرطبي في "كتاب ترتيب(2) الأداء": فمنهم من ذهب إلى الترتيل، وهو التحقيق، فيمطط الحروف، ويشبع الحركات وحروف المد واللين على الإطلاق، ويبالغ في الشد والهمز وأشباه ذلك من غير إفراط ولا إسراف في شيء من ذلك، فخيار الأمور أوساطها، فيكون مده الطبيعي من نسبة حركاته، إذ المدة ناشئة عن الحركة ومتولدة عنها، فبحسب إشباع الحركة تكون المدة، فمن أشبعها كثيرا كانت مدته طويلة، ومن أشبعها قليلا كانت مدته قصيرة، ومن توسط كانت مدته وسطا. ومنهم من ذهب فيها إلى الحذر فلا يمطط الحروف ولا يشبع الحركات، بل يخطفها خطفة من غير إخلال بشيء من صفاتها ومخارجها، ومنهم من توسط، ولكل وجه من النظر، ودليل من الشرع، ولكن الأولى في التعليم تقديم الترتيل، وفي ثاني حال يكون الحدر بعد الرياضة وإحكام النطق بالحروف من مخارجها وعلى صفاتها المعلومة لها، فحصل من ذلك أن الألف الطبيعي يختلف بحسب طباع القراء من حيث الترتيل والحدر والتوسيط وإن كان واحدا، من حيث إنه طبيعي لا زيادة فيه لمجاورة أسباب توجبها، وكذلك الياء الساكنة المكسور ما قبلها، والواو الساكنة المضموم ما قبلها، إذ هما في اللفظ مدتان كالألف "انتهى"(3).
__________
(1) - فهرسة ابن غازي 101.
(2) - في المخطوطة التي اعتمدتها "ترتيل" وهو تحريف.
(3) - نقله ابن القاضي في أول باب المد من "الفجر الساطع" " وتبعه مسعود جموع في أول الباب من "الروض الجامع".(1/26)
وقال ابن القاضي أيضا في جواب له حول مراتب المد في الأداء: "قال أبو الحسن بن سليمان في كتابه المسمى ب"ترتيب الأداء":"وما ذكر من اختلافهم في الأخذ بالترتيل والحدر والتوسط إنما ذلك على وجه الاختيار والأخذ بالأفضل، لا على اللزوم، فيجوز لكل فريق منهم الأخذ بما اختاره الفريق الآخر"(1).
وقد اعتمده الشيخ العلامة أبو العلاء إدريس بن محمد الحسني المنجرة في كتابه "نزهة الناظر والسامع في إتقان الأرداف والأداء الجامع"(2) ولخص أهم مسائله، وإن كان لم يذكر ذلك في مقدمته، وإنما ذكره في في أواخر الكتاب في حديثه عن فائدة جمع القراءات فقال: "وأما ثمرته فهو الاختصار وعدم التكرار لغير موجب وأما لموجب فلا بد منه، لاختلاف الروايات ... كما نص عليه أبو الحسن الأنصاري في كتابه "ترتيب الأداء"(3).
تقديم وتلخيص لأهم مباحث "كتاب ترتيب الأداء وبيان الجمع في الإقراء" لأبي الحسن بن سليمان القرطبي.
يبتدئ الكتاب بقوله :
"الحمد لله الذي هدانا لتلاوة كتابه العزيز، وحبانا بحمل خطابه الفضل الجزيل الوجيز ...
__________
(1) - جوابه المذكور في جملة "أجوبة عن أسئلة في مراتب المد" مخطوط في مجموع بخزانة تطوان برقم 881 من صفحة 391-393.
(2) - في بعض النسخ بتقديم الأداء على الأرداف هكذا :في إتقان الأداء والأرداف الجامع" وقفت عليه بهذا العنوان مصورا عن مخطوط عند الدكتور الحسن وكاك بمراكش جزاه الله خيرا.
(3) - يمكن الرجوع إلى النص في آخر كتاب "نزهة الناظر" م خ ح بالرباط برقم 6948 (فهرسة الخزانة الحسنية 6/163).(1/27)
وبعد فهذا الكتاب قصدت فيه إلى ترتيب الأداء، وبيان الجمع بين الروايات، لما رأيته لمنتحلي الإقراء في زماننا وما قبله من ارتكابهم ما نهى عنه السلف ومن تبعهم من عالمي الخلف في الجمع بين الروايات، من تقطيع حروف القرآن، والإخلال بنظمه ومعنى الإعجاز فيه، وتخليط الروايات بدخول بعضها في بعض، لأنهم بكررون الكلمة الواحدة من القرآن، لاختلاف الروايات فيها في نفس واحد، ولا يفصلون بينها بوقف ولا سكت، ولا يعتبرون تعلقها بما قبلها ولا بما بعدها، فيفرقون بين العامل والمعمول، والتابع والمتبوع، والصلة والموصول ... وأشباه ذلك، فيقرؤون قوله تعالى: "وهو على كل شيء، شيء، "شيء قدير"، فينطقون ب"هو" محرك الهاء ثم مسكن الهاء، و ب"شيء" الأول بالمد لورش، وبشيء الثاني بالقصر لقالون ومن وافقه، وبشيء الثالث بالسكت لحمزة، وكل ذلك في نفس واحد من غير سكت ولا فصل شيء منه عن شيء، وكذلك ما أشبهه من الحروف".
"وحملهم على ذلك طلب الاختصار وعدم التكرار لما لا خلاف فيه بين القراء، فوقعوا فيما لا يجوز ولا يقول به أحد من علماء القراء من سلف الأمة، إذ لا فرق بين تلاوة القرآن برواية واحدة أو بروايات، فكما يتحرز في التلاوة برواية واحدة من الوقوع في شيء من المحذورات التي ذكرنا، كذلك يتحرز في التلاوة في الجمع بين الروايات، وذلك النوع من الاختصار الذي سلكوا، فيه الإخلال بنظم كل القرآن ومعنى الإعجاز فيه، وتخليط الروايات بدخول بعضها على بعض في نفس واحد ... "
ثم قال مصححا لفظ التلاوة في الجمع والإرداف: "وإنما الذي يجوز في تلاوة تلك الآية لمن يقرأ بالجمع الكبير أن يقرأ بها كلها لورش بالترتيل على طبع قراءته وتحريك "هو" ومد "شيء"، ثم يقرؤه لقالون ومن وافقه بالحدر على طبع قراءته، وإسكان "هو" وقصر "شيء"، ثم يقرؤه لحمزة بالترتيل على طبع قراءته أيضا، وتحريك "هو" والسكت على "شيء"".(1/28)
وإذا قرأت على هذه الصورة فلاتكرار في هذه القراءات، لأن كل واحدة منها ممتازة على غيرها بما اختصت به مما ذكرنا، ولا محذور فيها أيضا مما ذكرنا ـ وبالله التوفيق ـ وسميته "ترتيب الأداء، وبيان الجمع في الإقراء" "وبالله أستعين على ماقصدت"".
وقد قسم أبو الحسن كتابه إلى بابين :
الأول : باب ترتيب الأداء وما يتعلق به من أحكام التلاوة.
والثاني : بيان الجمع بين القراءات وما يحذر فيه من الإخلال باللفظ والمعنى وتخليط الروايات.
وقد تناول في الأول الأحكام المتعلقة بالأداء المطلوب فبين أن القراء قد أجمعوا على التزام التجويد في التلاوة وحصروا مخارج الحروف وصفاتها، وبينوها بيانا شافيا، إلا أنهم اختلفوا في صفات التلاوة من حيث الترتيل والحدر والتوسط ... ثم ذكر قراءة كل فريق من القارئين بالأنماط الثلاثة، وأن لكل وجها من النظر ودليلا من الشرع ـ كما تقدم ـ مع ترجيحه الأخذ بالترتيل في التعليم، ثم يأتي بعده الحدر في المرتبة. ثم انتقل إلى ذكر طبقات المد عند أئمة القراءة من السبعة، فقسمها إلى خمس:
? الأولى طبقة الترتيل والتحقيق، وهي لحمزة ونافع في رواية ورش عنه.
? والثانية طبقة من مال إلى التحقيق والترتيل وهي لعاصم وحده.
? والثالثة طبقة من لم يمل إلى أحد الطرفين، وهي لابن عامر والكسائي.
? والرابعة طبقة من مال إلى الحدر، وهي لأبي عمرو في رواية الدوري عن اليزيدي عنه، ولقالون في رواية أبي نشيط عنه.
? والخامسة طبقة أهل الحدر والهذ، وهي لابن كثير، ولأبي عمرو في رواية السوسي عن اليزيدي عنه، ولقالون في رواية الحلواني".(1/29)
ثم أخذ في الحديث عن تفاوت مراتب المد في الإشباع والتطويل على قدر قراءات القراء وتمهلهم وحدرهم "فليس مد من يتمهل ويرتل كمد من يسرع ويحدر، ونبه على أن اختلاف القراء المعروف إنما هو في المد من حيث هو طبيعي ومزيدي، إذ لو كان اختلافهم في الزيادة خاصة دون الطبيعي لذكر الإشباع وسببه، وهذا بين لمن تأمله وأنصف".
ثم ساق نصا طويلا في شرح مختلف أنواع القراءة ذكره أبو جعفر بن الباذش في كتاب "الإقناع" فقال: "حدثني أبو الحسن بن كرز بقرأتي عليه قال: حدثنا أبو القاسم بن عبد الوهاب قال: قال لي شيخنا الأهوازي: "اعلم أن القرآن يتلى(1) على عشرة أضرب: بالتحقيق وباشتقاق التحقيق، وبالتجويد، وبالتمطيط، وبالحدر، وبالترعيد، وبالترقيص، وبالتطريب، وبالتلحين، وبالتحزين".
"قال ـ الأهوازي ـ وسمعت جماعة من شيوخنا يقولون: لا يجوز للمقرئ أن يقرئ منها(2) بخمسة أضرب: بالترعيد والترقيص والتطريب والتلحين والتحزين، وأجازوا الإقراء بالخمسة الباقية، إذ ليس للخمسة أثر ولا فيه نقل عن أحد(3) من السلف""(4).
ثم بعد شرح المراد بالترعيد والترقيص وباقي الأضرب الممنوعة في القراءة انتقل إلى شرح الأضرب الجائزة فقال: "وأما الحدر فإنه القراءة السهلة السمحة الرتلة العذبة الألفاظ اللطيفة (5)المعنى، التي لا يخرج فيها القارئ(6) عن طباع العرب.. قال : "والحدر عن نافع، إلا ورشا، وابن كثير وأبي عمرو".
__________
(1) - في الإقناع "يقرأ"-الإقناع 1/555.
(2) - سقط من الأصل "منها" وقال "يقرأ" بدل يقرئ، والتصويب من الإقناع 1/555.
(3) - في الأصل المخطوط "عن واحد"، وما أثبته عن الإقناع وهو أحسن وأدق.
(4) - الإقناع 1/555.
(5) - في الأصل "الطيبة"، والتصويب من الإقناع 1/559.
(6) - في الإقناع 1/559 " التي لا تخرج القارئ فيها عن طباع العرب".(1/30)
"وأما التجويد فهو أن يضيف إلى ماذكرت في الحدر مراعاة تجويد الإعراب وإشباع الحركات وتبيين السواكن وهو على نحو قراءة ابن عامر والكسائي".
"وأما التمطيط فهو أن يضيف إلى ما ذكرت زيادة المد في حروف المد واللين، مع جري النفس في المد، ولا تدرك حقيقة التمطيط إلا مشافهة، وهو على نحو ما قرأت به عن ورش عن نافع من طريق المصريين عنه".
ثم قال في استيفاء باقي الأقسام:
"وأما اشتقاق التحقيق فهو أن يزيد على ما ذكرت من التجويد روم السكوت على كل ساكن ولا يسكت، فيقع للمستمع أنه يقرأ بالتحقيق".
"وأما التحقيق فهو حلية القراءة وزينة التلاوة(1) ومحل البيان، ورائد الامتحان، وهو إعطاء الحروف حقوقها وتنزيلها مراتبها، ورد الحرف من حروف المعجم إلى مخرجه وأصله، وإلحاقه بنظيره وشكله، وإشباع لفظه، ولطف النطق به، ومتى ما غير ذلك زال الحرف عن مخرجه وحيزه"(2).
ثم انتقل أبو الحسن بن سليمان إلى القسم الثاني من كتابه إي: إلى "باب بيان الجمع بين القراءات وما يحذر فيه من الإخلال باللفظ والمعنى وتخليط الروايات، فقال:
"اعلم أن ثمرة الجمع بين القراءات إنما هي الاختصار وعدم التكرار لغير موجب، وأما التكرار لموجب فلا بد منه لاختلاف الروايات....(3).
__________
(1) -من هذا اللفظ أخذ ابن الجزري قوله في "المقدمة" : "وهو أيضا حلية القراءة وزينة الأداء والتلاوة".
(2) - النص بتمامه مع تفاصيل أخرى وتعليقات لابن الباذش في كتاب الإقناع 1/554-562.
(3) - تقدم نقل أبي العلاء المنجرة لهذا النص في كتابه "نزهة الناظر والسامع".(1/31)
ثم انتقل إلى التمثيل فقال: "فمن الاختصار في الجمع بين الروايات كثرة المواقف الجائزة، لأنه يسقط بها كثير من التكرار، فإن كان في ذلك مد مشبع أو متوسط قرأه لورش بالترتيل، وكذلك لحمزة ... وقرأه لقالون بالحدر من أجل المد أيضا، وكذلك لسائر القراء غير ورش وحمزة، لأنهم مشتركون في جواز الحدر لكل واحد منهم ... قال: "ويفصل بين الروايات بالوقف على الأولى دون الثانية، ولا يفرق بين العامل والمعمول والتابع والمتبوع والصلة والموصول والمضاف والمضاف إليه والمعطوف والمعطوف عليه".
ثم انتقل إلى التطبيق على ذلك فقال: "فإذا قرأت لنافع جمعا بين روايتي ورش وقالون عنه أو لغيره من السبعة جمعا أيضا بين روايتين مثلا آية الاعتبار من سورة البقرة، وهي قوله تعالى: "إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار ... إلى قوله تعالى "لقوم يعقلون"، فتقرؤها كلها إلى آخرها لورش بالترتيل من أجل المد كما ذكر قبل، ولا تقف على شيء من أصناف المخلوقات المذكورة فيها دون ما بعدها، فتفرق بين المعطوف والمعطوف عليه مع اشتراكهما في الإعراب والحكم، وهو الاعتبار بوجودها على ما هي عليه من صفة الإحكام والإتقان وغير ذلك .. وتقرؤها ثانية لقالون بالحدر، من أجل المد كما تقدم".(1/32)
"وإن كنت قارئا هذه الآية بالجمع الكبير بين القراء السبعة، فتدخل مع قالون في هذه الكرة ابن كثير وأبا عمرو وابن عامر وعاصما، لاشتراكهم في جواز الحدر لهم كما تقدم، إلا أنك تقرأ لأبي عمرو وحده صدر الآية إلى قوله "والنهار" فتميله له، وتقف كمن انقطع نفسه، ثم ترجع من أول الآية إلى قوله "والنهار" فتفتحه لغيره، وتشرك معهم أبا عمرو في باقي الآية إلى آخرها، فتردفه عليهم، ثم تقرؤها كرة ثانية لحمزة بالترتيل من أجل المد كما تقدم، تضيف إلى ذلك السكوت على لام المعرفة من "الأرض" في المواضع الثلاثة، وفتح "فأحيا" وترك الغنة لخلف في قوله "لقوم يعقلون"، ثم تكرر قوله "لآيات لقوم يعقلون" بإبقاء الغنة لخلاد، فتردفه على خلف، لاشتراكه معه في أول الآية إلى قوله "لقوم" ثم تقرؤها كرة رابعة للكسائي بالحدر كما تقدم، إلا أنك تقرأ صدرها للدوري بإمالة "النهار"، وتقف كما فعلت معه في قراءه أبي عمرو بن العلاء، ثم ترجع فتقرأ ذلك لأبي الحارث بفتح "النهار"، وتشرك بينهما في باقي الآية بإمالة "فأحيا"، ولا تغفل عن اعتقاد تشريك من ذكر تشريكه مع غيره في كرة منها فتكون قارئا بعض القراءات السبع لا كلها، مع إيهام ذلك البعض، لاختلافه باختلاف المواضع ولا تعد تكرارا إعادة ما لا خلاف فيه بين القراء مما وقع في أثناء الآية وإن كان لفظا مركبا مفيدا، كقوله "والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس"، لأن له فائدة عظيمة.(1/33)
ثم انتقل إلى أمثلة أخرى من القرآن طبق عليها قواعد الإرداف والجمع على نفس النمط السابق، فذكر آية الطهارة في سورة المائدة، وآية التحريم في سورة النساء "حرمت عليكم أمهاتكم ... الآية، ثم آية اللعان في سورة النور "والذين يرمون أزواجهم إلى آخر أربع آيات، ثم آية الحجاب في السورة المذكورة وهي قوله تعالى "ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ... إلى قوله "عورات النساء"، فقال: "تقرؤها لورش بالترتيل ثم تكررها لقالون من طريق أبي نشيط بالحدر كما تقدم ... وتحدث عن إرداف باقي السبعة عليه كما تقدم، ثم مثل أيضا من السورة نفسها بمثال ثالث وهو آية الاستئذان: "يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم ... الآية. ثم ساق ما فيها من قراءات على النسق نفسه، ثم انتقل إلى المثال الأخير وهو آية الجمع بين الاستفهامين في سورة العنكبوت: "ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين... إلى قوله "في ناديكم المنكر"، ثم فصل كيفية قراءته لكل قارئ على روايته ومذهبه في الإخبار والاستفهام وتحقيق الهمزة الثانية في "أئنكم"أو تسهيلها وإدخال ألف قبلها أو عدم إدخاله..إلخ ثم قال في ختامها مقررا لقاعدة الجمع العامة:
"وعلى هذا المنهاج في الآي المذكورة تقيس سائر آي القرآن، وتتحفظ من تخليط الروايات والوقوع فيما نبهت عليه في ذلك من المحذورات، والله الموفق للصواب بمنه وكرمه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله عودا وبدءا، والحمد لله رب العالمين".(1/34)
وهذه نهاية كتابه، وقد اعتمدت في عرضه على مخطوطة منه بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم 2988د(1)، ثم وقفت على نسخة منه بخزانة تطوان، وهو مسجل بها تحت رقم 881(2).
ولا تخفى أهمية الكتاب في توجيه مسار القراءة في المغرب فيما يخص الطريقة التي غلبت على المدرسة المغربية منذ أول المائة الخامسة تقريبا، وهي الأخذ بأسلوب الجمع في الأداء، وذلك بعد أن يكون القارئ قد تأهل لذلك بالقراءة بالإفراد، وتعرف على أصول كل قارئ ومذاهبه، ووقف على اختلاف القراءات والروايات والطرق، إذ لم يكن يسمح بالجمع- كما قدمنا- إلا لمن أفرد القراءة على إمام معتبر ومهر فيها، ثم أراد أن يجمع بين أكثر من قراءة أو أكثر من رواية اختصارا للوقت واستكثارا من الشيوخ وتوثيقا لما قرأ به.
وقد اعتبره بعض من كتبوا في الموضوع أقدم من ألف من المغاربة في جمع القراءات(3). والحق أنه مسبوق إلى ذلك، فقد ألف قبله في الموضوع أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن محمد بن مسعود القيسي البسطي الأندلسي سكن مدينة فاس، وقد ترجمنا له في مشيخة الإقراء بها(4)، وقد ذكر ابن عبد الملك المراكشي أنه "كان متقدما في تجويد القرآن وإتقان حروفه، أقرأه بفاس وغيرها.. قال: "وله في القراءات مصنف مفيد سماه "الاستدلال على رفع الإشكال، في جمع القراءات، وتبيين المعاني المبهمات"(5).
__________
(1) - تقع المخطوطة في مجموع ما بين الصفحة 404 منه وبين 420 من القطع المتوسط مسطرته 27، وقد أكلت الأرضة يسيرا من السطور الأولى من صفحاته وقد أمدني أولا بوصف لهذه النسخة الأستاذ عزوزي حسن من كلية الآداب شعبة الدراسات الإسلامية بالرباط جزاه الله خيرا..
(2) - فهرسة مخطوطات الخزانة ص 122.
(3) - سعيد أعراب في كتابه "القراء والقراءات بالمغرب 65-66.
(4) - يمكن الرجوع إلى ترجمته في العدد الثاني عشر من هذه السلسلة.
(5) - الذيل والتكملة السفر الخامس المجلد 1/254-255 ترجمة 513.(1/35)
ولما كان المؤلف قد عاش في أول المائة السادسة إذ قرأ عليه الخطيب أبو محمد القاسم ين محمد بن الطويل المتوفى في حدود 560هـ(1)، فإنه يكون قد تقدم إلى التأليف على أبي الحسن بنحو القرنين من الزمان.
وقد ذكرنا أيضا تعرض أبي الحسن علي بن عمر القيجاطي لموضوع "الجمع بين القراءات وشروطه" في قصيدته "التكملة المفيدة"، ثم في شرحه الذي وضعه عليها، وهو معاصر لأبي الحسن بن سليمان مشارك له في بعض شيوخه كأبي جعفر بن الزبير وغيره، وقد توفي مثله في سنة 730 هـ بغرناطة، ومذهبه "الجمع بالحرف" لا بالوقف على عكس أبي الحسن.
6- كتاب المنافع:
هو أيضا من كتبه في القراءات، ولعله خاص بقراءة نافع، فيكون اسمه "المنافع في قراءة نافع"، وبه جاء عنوانه في فهرسة ابن غازي في جملة مروياته التي رواها من كتبه من طريق أبي زكريا السراج(2) ويحتمل احتمالا قويا أن يكون المراد به الكتاب التالي :
7- كتاب تهذيب المنافع في قراءة نافع :
ولم يذكره ابن غازي في كتبه، وإنما ذكر ما قبله، وتبعه صاحب السلوة في ذلك(3)، وهو من كتبه المشهورة بالاسم الذي أثبتناه، والنقل عنه مستفيض في كتب المتأخرين وخصوصا شراح الدرر اللوامع كابن المجراد وابن القاضي ومسعود جموع وسواهم.
فمن نقول ابن المجراد عنه في شرحه قوله حين ذكر الخلاف في مقدار مد الصيغة والتفاوت فيه بين ورش وقالون: "واختار هذا القول الأستاذ أبو الحسن بن سليمان في كتابه المسمى ب"تهذيب المنافع، في قراءة نافع" حيث قال – وهو يعني مد الصيغة- : "بحسب قراءة القارئ من حيث الترتيل والهذ، فمد الصيغة لورش ليس كمد الصيغة لقالون، لأن ورشا يرتل قراءته فيشبع الحركات ويمطط الحروف، وقالون يهذ في قراءته فلا يشبع الحركات ولا يمطط الحروف مثله "قال ابن المجراد :
__________
(1) - غاية النهاية 4/24 ترجمة 2605 وقراءة محمد بن قاسم عليه مذكورة في الذيل والتكملة 5/1/255.
(2) - فهرسة ابن غازي 101.
(3) - سلوة الأنفاس 3/149.(1/36)
"وذكره في تجريده أيضا واحتج له ونصره بما يوقف عليه فيه، وزعم أنه الصواب، وغلط من ذهب إلى القول الأول(1).
ونقل ابن المجراد عن كتابه بهذا الاسم في باب الإمالة وغيره، كما نقل عنه كل من ابن القاضي وصاحبه مسعود جموع في باب الإمالة عند قول ابن بري:
والخلف عنه في "أراكهم" وما ... لا راء فيه كاليتامى ورمى
فقال :
"قال ابن سليمان في "تهذيب المنافع" وفي هذا ـ يعني لفظ:"مرضات" و"مرضاتي" في قول الداني بالفتح فيه ـ إشكال، لأن الثلاثي من ذوات الواو إذا لحقه زيادة انقلبت الألف فيه إلى الياء، فصار حكمه حكم ذوات الياء كما نص هو وغيره من أئمة القراء والنحويين على ذلك في كتبهم، ومن الدليل على ذلك التثنية والجمع بالألف والتاء، لأنك تقول "مرضيان"ومرضيات" قال : "وكان شيخنا أبو جعفر بن الزبير يأخذ فيهما(2) بالإمالة ويرويها عمن نعتمد عليه من شيوخه، ويقول إن الحافظ نص على إمالتها في "جامع البيان"، وبه قرأت عليه(3)، وهو ظاهر "التيسير"(4).
وقد سبقه ابن المجراد إلى نقل هذا النص من الكتاب المذكور وقال في آخره:
"وبالوجهين قرأت في ذلك على شيخنا أبي إسحاق السرقسطي فيما قرأت عليه، وأخبرني بهما عن الصفار عن ابن سليمان المذكور، وبالفتح خاصة قرأت على غيره(5).
8- كتاب ما انفرد به عبد الصمد العتقي والإصبهاني عن ورش ولأهميته نخصه بالفصل التالي.
الفصل الثالث:
__________
(1) - إيضاح الأسرار والبدائع لابن المجراد(مخطوط).
(2) - هذا لفظه عند ابن المجراد في الإيضاح، ولفظه في الفجر الساطع "يأخذ بالإمالة" بإسقاط فيهما.
(3) - هذا لفظه في الفجر الساطع، ولفظه عند ابن المجراد في الإيضاح "وبهذا قرأت عليه فيهما".
(4) - إيضاح الأسرار والبدائع- باب الإمالة- والفجر الساطع أيضا لابن القاضي والروض الجامع لمسعود جموع.
(5) - إيضاح الأسرار والبدائع.(1/37)
أرجوزته المشهورة في الخلاف عن ورش وقالون أو كتاب "ما انفرد به عبد الصمد العتقي والأصبهاني عن ورش مما خالفا فيه أبا يعقوب الأزرق، وما خالف فيه القاضي إسماعيل وأحمد الحلواني عن قالون أبا نشيط محمد بن هارون المروزي.
ويسمى أيضا نظم "التعريف"وهو أرجوزة واسعة الانتشار في المغرب، ونسخها الخطية موفورة في الخزائن العامة والخاصة(1).
__________
(1) - منها نسخة بالخزانة العامة بالرباط برقم 3443د وأخرى بالخزانة الناصرية بتمكروت برقم 1468(دليل= مخطوطات دار الكتب الناصرية لمحمد المنوني 81).(1/38)
ويظهر أن أبا الحسن لم يضع لها اسما خاصا مختصرا تعرف به، ولذلك اختلفت أسماؤها في المصادر، فمنهم من يسميها "نظم التعريف"(1)، ومنهم من يسميها "مختصر التعريف"(2)، ومنهم من يسميها "التعريف الصغير(3) وهي أرجوزة مزدوجة تقع في 149 بيت نظم فيها مسائل الخلاف بين الطرق المذكورة عن ورش وقالون اعتمادا على كتاب "التعريف في اختلاف أصحاب نافع" لأبي عمرو الداني(4). ونظرا لصلتها الوثيقة بموضوع بحثنا ومكانتها في إبراز أثر ناظمها في التمكين لقراءة نافع من خلالها إلى جانب ما قدمنا من مؤلفاته، وأهميتها أيضا في هذا الطور في وصل المنطقة المغربية مرة أخرى بقطب "المدرسة الأثرية" أبي عمرو الداني صاحب "التعريف" الذي عليه المدار فيها، نسوق إلى القارئ الكريم نصها الكامل ثم نتبعه بذكر أثرها في الميدان وما قام حولها من نشاط علمي، وهذا نصها كما حاولت تحقيقه اعتمادا على نسختين مصورتين عن أصلين عتيقين غير مؤرخين(5).
وهذا نص الأرجوزة مصدرا بالديباجة الموحدة بين النسختين:
قال الشيخ الأستاذ أبو الحسن علي بن سليمان رحمه الله تعالى ورضي عنه آمين:
الحمد لله القديم الباقي ... الواحد المهيمن الخلاق
نحمده الحمد الذي لا يفتر ... وكل قول دونه فأبتر
__________
(1) - ينقل عنها ابن القاضي كثيرا في الفجر الساطع فيقول "وقال ناظم التعريف" كما في باب المد (مد المنفصل).
(2) - يذكرها بذلك ابن القاضي أيضا كما في الوقف على باب سوف وريب من الفجر الساطع، ويسميها الجزولي في كتابه "أنوار التعريف" في باب إبدال الهمز منه بهذا ومرة بذاك.
(3) - سيأتي ذكر شرح عليها باسم "الكوكب المنير في شرح التعريف الصغير".
(4) - تقدمت الإشارة إلى هذا عند ذكر الكتاب في مؤلفات الداني.
(5) - قمت بتصوير نسخة منهما عن مخطوطة عتيقة في مجموع للشيخ المقرئ السيد ج محمد أرسموك إمام مسجد أزرو بضواحي مدينة أكادير جزاه الله خيرا، وصورت الثانية عن مصورة للدكتور الحسن وكاك حفظه الله.(1/39)
ثم الصلاة عدد الأوراق ... على النبي الحسن الأخلاق
محمد نبيه وعبده ... وآله وصحبه من بعده
وبعد ف"التعريف" من معتمدي ... في نقل ما أبثه(1) إذ مقصدي
ما أفرد العتقى عبد الصمد ... والإصبهاني التقي الأسدي
عن ورشهم عثمان مما خالفا(2) ... فيه أبا يعقوب أعني يوسفا(3)
ثم على ذا المقصد البياني ... أذكر حكم القاضي والحلواني
عن ابن مينا عيسى مما خالفا ... فيه أبا نشيط إذ قد عرفا
بالمروزي واسمه محمد ... وهو ابن هارونهم المؤيد
إذ جرت العادة بالتقديم ... أيا هما يا صاح في التعليم
وقد أحلت نبذا عليهما ... في جل هذا لتقد مهما
إذ الكتاب للذي قد عرفا ... رواية ابن هارون ويوسفا
وربما عبرت في تأليفي ... عن ورش المصري بـ"العفيف"
وعنه عن قالون يقتفيه ... وبالكلام عن خلاف فيه
وبالفتى عن أحمد الحلواني ... وذلكم بحسب الإمكان
مخافة التطويل والتكثير ... ورغبة الإيجاز والتقصير
ونستمد العون في المقصود ... من الإله الواحد المجيد
ونستجيره تعالى من زلل ... فيما رويناه من قول أو عمل
باب البسملة وميم الجمع
وصاحبا الأزرق(4)كابن مينا ... في حكم بسملتهم يقينا
وعنه في "تعريفنا" وجهان ... في الميم بالصلة والإسكان
لكنما(5) الموصوف بالحلواني ... في ضمها عنه طريقتان
فالحسن الجمال نجل مهران ... يصلها حيث أتت في القرآن
والواسطي أبو عون أسكنا ... حيث أتت فيه سوى أماكنا
عند رؤوس الآي ما لم يحل ... ما بينه وبينها من حائل
وهمزة القطع وميم فصلا ... والحائل المذكور-قالوا-"في" و"لا"
والعدد المدني- فادر- المقتفر(6) ... وأما غيره فليس يعتبر
وفي سوى التعريف "بالإسكان ... لا غير للقاضي مع الحلواني
وكل ما ذكرته يكون ... إن لم يجئ من بعدها سكون
باب المد والقصر
ويقصر المنفصل الحلواني ... والقاضي عن عيسى والاصبهاني
__________
(1) - في النسختين "خلفا".
(2) - في النسختين "خلفا".
(3) - هو يوسف الأزرق.
(4) - في إحدى النسختين "وصاحب"، والصحيح التثنية، والمراد بهما العتقي والإصبهاني صاحباه في رواية ورش.
(5) - في نسخة أثبته.
(6) - يعني المتبع.(1/40)
وفي السكون العارض الكلام(1) ... وفقا ولو تعقب الاشمام
والوقف عن كل بشكل(2) عارض ... بالروم مثل الوصل لا معارض
ولدى ميم "الله(3)"خلف الكل ... والعنكبوت عند أهل النقل
في الطول والقصر وما بينهما ... وهكذا في لامها إن أدغما
أعني بتفضيله في التعليم ... وفقده على الذي في الميم
وصاحب الأزرق كابن مينا ... في باب "سوءة" و"ءامنينا"
وعنهما الثلاثة الأقوال ... وفقا بـ"ريب " سوف "في المثال
وهكذا الأقوال فيها نبرا ... منه، ويوسف على الوصل جرى
باب الهمزة المفردة
عيسى على الأصل أتى محققا ... إلا لدى "المؤتفكات" مطلقا
ولأبي عون بها الوجهان ... حكاهما الحافظ أعني الداني
والعتقي أبدا كالأزرق ... والخلف في باب "الايوا"للمتقي
فكل همز ساكن قد جاء ... متصلا منفصلا سواء
في اسم وفعل وسطا وطرفا ... لاما من الفعل وعينه وفا
يبدله الأسدي من غير نكير ... كذاك ما سكن منه للضمير
حاشا الذي يسكن للأمر معا ... و"جئت" و"اللؤلؤ"حيث وقعا
ثم "قرأناه" "قرأت"حيثما ... أتى ورءيا" ثم "نبأتكما"
والبدل والإدغام في "تؤويه" ... وتؤوي"وجهان بلا تمويه
وأبدل المجزوم نحو "إن يشأ" ... "تسؤكم" أم لم ينبأ"من يشأ"
وإن أتت مجزومة وكسرت ... لساكن كمن يشأ وهمزت
في حال وصله، وإن وقفت له ... على مثال هذه (4) أبدلت له
وخففن له "كأنهنا" ... "كأنه" "كأنهم" "كأنا"
"بأنهم ""رأيتهم" "رأينه" ... "رأيتهم"(5) "رأيتموه" "بأنه"
ومثلها "أفأمنتم" أفأنت" ... ثم "بأن" "أفأنتم" و"رأيت"
وهكذا "أفأمنوا" أفإين" ... وفي "لأملأن" "خلفه يبين
وفبأي "والفؤاد" "ملئت" ... "ناشئة" هذه حيثما أتت
__________
(1) - يعني الخلاف كما بينه في مصطلحاته أعلاه في المقدمة.
(2) - في إحدى النسختين "بسكون" عارض.
(3) - يعني في أول سورة آل عمران في قوله سبحانه "ألم الله لا إله إلا هو"، وسيذكر نظيره في سورة العنكبوت، وهو قوله "ألم أحسب الناس".
(4) - في إحدى النسختين "همزة" وقد رجحت ما في الأخرى اجتهادا.
(5) - أحد اللفظين من "رأيتهم" مضموم التاء والثاني مفتوحها.(1/41)
وزاد غير الحافظ "اطمأنا" ... و"ويكأنه" و"ويكأنا"
ثم " كأن لم تغن بالأمس "وفي ... سورة الأعراف "تأذن" أقتفي
وكل ما خفف بين بينا ... من متحرك به أتينا
ما لم تكن مفتوحة يارجل ... وقبلها ضم وكسر تبدل
وإن تشأ فسهلن الهمزتين ... في قوله "لأملأن" دون مين
وإن تشأ فسهلن أولاهما ... وأن تشأ فسهلن أخراهما
ولتهمزن الياء والواو لدى ... "مؤذن" لئلا" حيث وردا
و"أرأيت" اقرأه لابن مينا ... وصاحبا الأزرق بين بينا
والأصبهاني كعيسى في النسي ... وعتقيهم كيوسف التقي
باب النقل
لم يختلف عن ورشهم في علميه ... في الباب إلا قوله "كتابيه"
فيوسف قرأه بالأصل ... وصاحباه قرآ بالنقل
وأدغماها"ماليه" في "هلكا" ... والآخرون أظهروا فدونكا
باب الهمزتين من كلمة
وان بتحريكهما اتفقتا ... بكلمة ـ فادر- أواختلفتا
فما لصاحبي الأزرق كما ... عيسى سوى التسهيل في أخراهما
لكنه يفصل ما بينهما ... إن لم تجيء بالضم الأخرى منهما
في مذهب القاضي والحلواني ... حيث أتت في جملة القرآن
إن كانت الأولى بها استقهام ... فالفصل(1) في مقداره كلام
باب الهمزتين من كلمتين
وإن بكلمتين فاعلم جاءتا ... ثم بتحريكهما اتفقتا
فما لصاحبي الأزرق خلا ... تسهيل الأخرى منهما كما خلا
وكأبي نشيط القاضي أتى ... وللفتى روايتان جاءتا
أحداهما كصاحبيه ألفا ... ثمت الأخرى منهما كيوسفا
وبهما تلا بلا اضطراب ... "بالسوء" والحرفين في الأحزاب
باب الإظهار والإدغام
وأدغم الفتى كعثمان معا ... في الضاد "قد" "والظاء حيث وقعا
معجمتين أبدا وقيلا ... وجهان للضاد عن اسماعيلا(2)
وليس في إدغام "إذ" للظاء ... معجمة منهم خلاف جاء
واقرأ "لقد ذرأنا "بالبيان ... لكلهم ما عدا الأصبهاني
ولتدغمن لأبي عون التاء ... ساكنة في الظاء حيث جاء
وهكذا تلاه عبد الصمد ... كيوسف المحقق المحتهد
__________
(1) - في إحدى النسختين "فالوصل" ولا يصح لأن المراد الفصل بمدة بين الهمزتين.
(2) -المراد به إسماعيل بن إسحاق القاضي صاحب قالون.(1/42)
وبا "يعذب من" لعبد الصمد ... كعيسى في "تعريفنا" معتمدي(1)
وعنه والقاضي بالإدغام ... قد قرءا في "اركب" بلا اكتتام
وعن أبي نشيط الوجهان ... وجاء الأخرون بالبيان
وفي سوى التعريف للجمال ... إظهار هذين بلا إشكال
وثاء "يلهث ذلك "الحلواني ... يظهرها مع الرضا عثمان
وعن أبي نشيط الوجهين ... وأدغم القاضي بدون مين
وذكر الوجهين في "التعريف" ... عن ابن مينا العالم(2) المعروف
وفيه "قل"و"بل "عن الحلواني ... للراء حيث جاء بالبيان
وفي سواه لأبي عون وعى ... دانينا وجهين في ذاك معا
والأصبهاني بلا امتراء ... يبين الغنة عند الراء
اللام في التنوين والنون معا ... لدى كتاب الله حيث وقعا
ثم له والقاضي (3)وابن هارون ... إظهارها في نون "نون" و"ياسين"
ومع تبقيتهم قد أدغما ... عتقيهم بالاتفاق فيهما
كذا الفتى أحمد في "ياسينا" ... ويوسف، وأظهرا في "نونا"
باب الفتح والإمالة
وا والقاضي والواسطي(4) والعتقي في ... كل ذوات الياء مثل يوسف
واستثنى "كافرين" "ها"طه "و"حا" ... سبعتها(5) قاضيهم ففتحا
"هار"عن ابن هارون تمبيلا ... خالصة، وقيل بالفتح تلا
والأول المشهور دون الثاني ... وذلك المذهب للحلواني
والقاضي كالمصري إلا الأسدي ... وقلل "التوراة" عبد الصمد
ولابن هارون الخلاف علما ... وصاحباه فتحا وفخما
والهاء من "طه"بفتحها تلا ... قالون والعتقي فاعلم قللا
ولا أرى في جملة القرآن ... إمالة في أصل الاصبهاني
باب الراءات
يوافق العتقي فيها الأزرقا ... والأصبهاني كعيسى مطلقا
باب اللامات
ما فخم الأزرق منها وانفرد ... به فرققه حيثما ورد
__________
(1) -في إحدى النسختين "المعتمد"وكلا اللفظين صحيح.
(2) - في إحدى النسختين "الإمام" بدل العالم، ولا يستقيم وزنا.
(3) - في النسختين معا بسقوط الواو من "والقاضي" والصحيح ما أثبته.
(4) - الواسطي هو أبو عون محمد بن عمرو عرض على أحمد الحلواني وقيل على قالون نفسه ومات قبل السبعين ومائتين-ترجمته في غاية النهاية 2/221 ترجمة 3329.
(5) -يعني الحواميم السبع.(1/43)
الأصبهاني، وقل يوسف قد ... وافقه لصاده عبد الصمد
باب الياءات للإضافة
قد جاء يا "محياي" بالإسكان ... عنهم وعن يوسف الوجهان
وصلا وفي الإمالة القولان ... عن ورش المصري في الإتقان
والأسدي صاحب التحقيق ... سكن "أني أوفي" في الصديق
ثم له كعيسى "إخوتي" معا ... "ولي"من معي""وأوزعني" معا
الا أبا عون عن الحلواني ... فيهما والجمال قل وجهان
وحكم أحمد كحكم المصري ... في يا "إلى ربي" فافهم وادر
والقاضي سكنها في الحالين ... والمروزي قد حكى الوجهين
وفي "إذا دعان " في "التعريف" ... الواسطي فيه كالعفيف (1)
وفي سواه جاء للجمال ... بالياء في حالة الاتصال
وذكر "الداع إذا" الحلواني ... باليا ولم يذكر "إذا دعاني"
و"حتى توتون" "للاصبهاني" ... بالياء وحده فخذ بياني
وله كابن مينا في "إن ترني" ... "واتبعون أهدكم" في المومن
والحذف في التنادي"والتلاقي ... للواسطي والقاضي باتفاق
والخلف عن أبي نشيط رويا ... وزادها في الوصل من قد بقيا
باب فرش الحروف
و"أن يمل هو" في الأعوان ... لأبي عون الهاء بالإسكان
وفي سقوط وصل "يأته "تلا ... القاضي، والجمال –فاعلم-وصلا
كورشهم وجاءنا الوجهان ... عن ابن هارون بلا رجحان
والأسدي حقق دون ألف ... "هأنتم" من بعد هاء فاعرف
وله "ملء" قد أتى بالنقل ... وها "به انظر" خصه بالوصل
وأن "أالهتنا" بلاحق ... "ءأامنتم" ثالثها للعتقي
من غير الاستفهام بالخلاف عنه ... في الأربع التي ذكرنا فاعلمنه
و"إن أنا" حيثما بالتمطيط ... للواسطي وأبي نشيط
وفي سوى التعريف كالباقينا ... لابن التقي المرتضى هارونا
وقيل أيضا إنه ليس تلا ... بالمد في الثلاث إلا الأولا
قلت على القول بمده أرى ... من باب منفصله تصيرا
وعن أبي إسحاق أعني القاضيا ... الاظهار والإدغام في "من حييا"
وللفتى "لأهب " الله لكا ... إخباره عن غائب كورشكا
والذي يذكر للأصبهاني ... لدى "أئمة" لغير الداني
تركتته مخافة التطويل ... إذ عمدتي عليه بالتنقيل(2)
__________
(1) - يريد بالعفيف ورشا كما تقدم في اصطلاحه في مقدمة الرجز.
(2) - في إحدى النسختين "بالتقليل".(1/44)
والعتقي "اللائي" كيوسف قرا ... والاصبهاني كقالون يرى
والأصبهاني في "أو ءاباؤنا" ... نقله ونجل مينا سكنا
والعتقي حكمه كيوسفا ... والاصبهاني بوصل "اصطفى"
عند "البنات" وكذا تفردا ... بياء "نسلكه عذابا صعدا"
وكفؤا سكنه "التعريف" ... للقاضي وانكمل ذا التأليف
فالحمد لله على انتهائه ... حمدا يوافي الشكر من نعمائه
ثم صلاة ربنا الجليل ... على النبي الطاهر الرسول
وآله وصحبه الأبرار ... ذوي النهى والهدي والإنذار
أبياتها تسع وأربعونا ... ومائة واحدة يقينا
ناشدتك الله ومن قد اصطفى ... يا من على كتابنا قد وقفا
أن ترغب المجيب(1) بالنبي ... أن يسلب الذنوب عن علي
لأن جاه المصطفى عظيم(2) ... صلى عليه الملك العظيم
تلك هي أرجوزة أبي الحسن "نظم التعريف" أو "مختصر التعريف" أو "التعريف الصغير" حسب أسمائها المتعددة التي تذكر بها في المصادر كما قدمنا، وقد أهمل ذكرها الإمام ابن غازي في مؤلفات أبي الحسن التي رواها في فهرسته، مع أنه نظم على منوالها وسلك سبيله فيها في أرجوزته التالية"تفصيل عقد الدرر" التي ذيل بها على أرجوزة ابن بري.
__________
(1) - في إحدى النسختين "الموجب" والصحيح ما أثبته، ويريد به "من يجيب المضطر إذا دعاه" وهو الله عز وجل.
(2) - يبني الناظم على القول بجواز الإستشفاع برسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد موته والتوسل به إلى الله، وزاد على ذلك فناشد الواقف على كتابه بالله وبالمصطفى، وهذا مقام لا يليق فيه التشريك بين الله عز وجل ورسوله، لأنه مقام دعاء ومقام إقسام ومناشدة، ولا ينبغي صيانة لحق الله على العباد أن يشرك به في مثل هذا أحد من خلقه كما تشهد بذلك النصوص الشرعية في الكتاب والسنة وأقوال أئمة السلف المقتدى بهم. وأما استناد الناظم إلى مايروى منسوبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم "توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم "فهي طامة من طوام الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو حديث باطل لا أصل له كما هو معلوم عند علماء الأمة.(1/45)
قيمتها العلمية والتعليمية :
وتعتبر أرجوزة أبي الحسن بن سليمان من أهم إسهاماته في خدمة قراءة نافع ودراسة أصولها والتنبيه على مسائل الخلاف بين رواياتها وطرقها، كما تعتبر مع أرجوزة "الدرر اللوامع" من أهم بواكير الإنتاج المغربي في المدرسة الأصولية الجديدة في هذا الطور إلى جانب أرجوزة ابن آجروم المسماة ب"البارع في قراءة نافع".
ولم يؤرخ لنا أبو الحسن نظمه لهذه الأرجوزة حتى نعلم تقدمه على ابن بري أو تأخره، وكذا على ابن آجروم وكلاهما نظم أرجوزته سنة 696 هـ كما تقدم، ولو أنه أمدنا بذلك ليسر علينا تحديد الريادة لمن هي في هذا الصدد، إلا أنه لم يفعل، فيبقى الإحتمال دائرا وبينه وبين من ذكر، وإن كان قد تتلمذ عليه أبو الحسن بن بري كما سيأتي، ولا يبعد أن يكون ابن آجروم أيضا وإن كان قد توفي قبله بثمان سنوات.
ومهما يكن فقد كانت لأرجوزته مكانتها في هذا الطور من تاريخ المدرسة الأصولية المغربية الناشئة، وقد رأيناه من خلالها وفيا لمدرسة أبي عمرو الداني يجعل عمدته فيها "كتاب التعريف" لا يكاد يخرج عنه، ومن هنا كانت الأرجوزة في طليعة القصائد والرجزيات التي نظمت في "العشر النافعية" كلا أو بعضا على مذهب أبي عمرو كما أنها كانت من خلال بعض الشروح التي وضعت عليها مجالا فسيحا للدراسة المقارنة للروايات والطرق في اتفاقها واختلافها في هذه القراءة.
بعض شروح الأرجوزة :
ويظهر أن الأرجوزة قد كانت مجالا لأقلام عديدة تولت شرح مقاصده فيها، وقد وقفت منها على اثنين :(1/46)
1- شرح مجهول المؤلف مبتور من أوله وآخره، وفقت عليه في خزانة خاصة بنواحي الصويرة، ولم أتمكن من معرفة مؤلفه أو زمنه، إلا أنه فيما يبدو لا يبعد كثيرا عن زمن تلامذة أبي الحسن لأنه ينقل بعض اختيارات أبي عبد الله الصفار عن أصحابه : كما ينقل عن كتاب لأبي زكريا يحيى بن أحمد بن محمد بن واش الفناسي المتوفى سنة 724 هـ فهو من معاصري أبي الحسن وأعلام هذا الشأن في زمنه كما قدمنا في ترجمته في العدد الأخير.
وأهمية هذا الشرح خاصة أنه ينقل عن بعض المصادر المفقودة التي كانت معتمدة في قراءة نافع ورواياتها وطرقها ومنها كتاب ابن واش هذا، وكتاب لقارئ آخر يذكره بالكنية والنسب فحسب ولا نعرف عنه شيئا وهو "أبو الفضل التميمي"، ومن النقول التالية عنهما مما تضمنه هذا الشرح تتبن أهميته.
- يقول في باب المد عند قول أبي الحسن : "ويقصر المنفصل الحلواني والقاضي عن عيسى والأصبهاني "وقال أبو الفضل التميمي : كان الأصبهاني من طريق ابن الفحام يمد ذلك مدا وسطا(1) ثم قال : وقد رجح بعض المتأخرين في رواية أبي نشيط، فرجح أبو عبد الله الخراز القصر(2)، ورجح الأستاذ ابن سليمان وأبو عبد الله الصفار المد"(3).
وقال بعد نقل كلام أبي عمرو في التعريف في باب الهمز عند قول أبي الحسن بن سليمان في الأرجوزة :
__________
(1) -عبارة أبي القاسم بن الفحام في "التجريد" في باب المد منه : "والوجه الثالث : مد حرف لحرف نحو بما أنزل وقولوا ءامنا وفي أنفسكم ... ثم ذكر مذهب حمزة وغيره وقال : "ثم الكسائي وأبو نشيط والأصبهاني وأبو عمرو في رواية الفارسي والمالكي يمكنون الحروف ولا يشبعون المد، والحلواني عن قالون مثلهم إلا أنه لا يمد".
(2) - ينظر ذلك في "القصد النافع" على الدرر اللوامع(مخطوط).
(3) - ذكره الصفار في "الزهر اليانع" (مخطوط) وهو المشار إليه عند ميمون الفخار في قوله في تحفة المنافع:
والطول فيه رجع الصفار ... ... وابن سليمان ولا انكار.(1/47)
والبدل والإدغام في "تؤويه" ... و"تؤوي" وجهان بلا تمويه
وقد ذكر أبو الفضل التميمي أنه قرأ من طريق الأصبهاني هذين الفعلين خاصة بالهمز، ثم قال "وبه آخذ".
- وقال عند قول أبي الحسن في باب الهمز :
وزاد غير الحافظ "اطمأنا" ... "وويكأنه" "وويكأنا"
وزاد غير الحافظ، وهو أبو الفضل التميمي في كتابه، وزاده أيضا ابن واش، وزاد "رءاه مستقرا عنده"لابن الفحام(1)، ولم أجد ذلك لغيره حتى سقط بيدي كتابه، فوجدته زاد هذه الألفاظ للاصبهاني كما قال الناظم، ثم قال الشارح :
"وهذا التميمي الذي ذكرت قد وجدت نسخة من كتابه فوجدت في تاريخها نحوا من مائة عام، وقد وجدت ابن مطروح (2)شارح الحصرية نقل كلامه في بعض المواضع".
وقال في باب الهمز أيضا عند قوله :
"وأرأيت" اقرأه لابن مينا ... وصاحبي يوسف بين بينا
"قال ابن واش : لم يتعرض الداني لرواية عبد الصمد والاصبهاني، والظاهر أن ذلك بين بين".
ومن نقوله عن غير الأرجوزة من مؤلفات أبي الحسن قوله في هذا الشرح في باب الهمزتين من كلمة : قال الأستاذ ابن سليمان : وبالفصل قرأت في ذلك للحلواني، وبه آخذ، وهو المشهور".
وهذا الشرح على العموم من أهم ما كتب في الخلافيات في المدرسة النافعية في المغرب لهذا العهد، ويبدو مما ذكره من التاريخ الذي وقف عليه لنسخة كتاب أبي الفضل التميمي أنه من أهل المائة الثامنة، وقد تقدم لنا أن ابن مطروح من أهل النصف الثاني من السابعة وربما أدرك الثامنة، وقد ذكرنا آنفا لقاءه في رحلة الحج بتلمسان للمقرئ الجليل أبي الحسن بن الخضار (ت سنة 676)، وذلك عند تعرضنا لشرحه على الحصرية.
2- الكوكب المنير في شرح التعريف الصغير "لعمر بن إبراهيم:
__________
(1) -ذكره ابن الفحام في "التجريد"- لوحة 15 حيث مثل به في سورة النمل بعد قوله "فلما رأته حسبته لجة".
(2) -هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن داود بن مطروح السريني-تقدم ذكره في شارحي القصيدة الحصرية في قراءة نافع.(1/48)
وهو شرح ثان رأيته بهذا العنوان واسم المؤلف واسم أبيه دون زيادة التعريف في نسخة بآيت داود(1) ولم أتمكن من القراءة المتأنية فيه، ويقع في عشرين صفحة من القطع المتوسط، وأوله قوله :
"الحمد لله الذي أكرمنا بكتابه، ومن علينا بتلاوته وحفظه ... إلى أن قال فيه :
"وسميته بالكوكب المنير(2) في شرح "التعريف الصغير"، ونبهت فيه على كل ما تفرد به كل واحد من الرواة الستة دون صاحبه(3) على حسب ما انتهى إلي من تصانيف المتقدمين..".
3- فهرسته :
لعلها غير برنامج روايته الآنف الذكر، وإنما يراد بها سجل مؤلفاته وآثاره المكتوبة.وسيأتي في ترجمة صاحبه أبي عبد الله محمد بن سعيد الرعيني أنه "سمع عليه فهرسته"(4).
4- مقطوعة من أشعاره :
يتبين من الأرجوزة الآنفة الذكر في اختلاف الطرق عن أصحاب نافع، كما يتبين من المقطوعة التالية تمتع أبي الحسن بنفس شعري عال وقوة عارضة في النظم، والمقطوعة المذكورة وفقت عليها عند أبي إسحاق الشاطبي في كتابه "الإفادات والإنشادات" ساقها بسنده وفيها يتجلى سمو نفسه وعلو همته، وقد أسندها الشاطبي عن شيخ له فقال : "أنشدني الشيخ الفقيه القاضي الأعدل أيو بكر بن القرشي- رحمه الله- قال : أنشدني شيخنا القاضي الخطيب المتفنن أبو البركات البلفيقي قال : أنشدني الأستاذ أبو الحسن علي بن سليمان القرطبي لنفسه رحمه الله:
ألا هل إلى ما أرتضيه بلاغ ... وكيف يرى يوما إليه فراغ
وقد قطعت دوني قواطع جمة ... أراع لها مهما بدت وأراغ
__________
(1) -في خزانة الشيخ المقرئ إبراهيم أبو درار رحمه الله بسوق الجمعة آيت داود بحاحة إقليم الصويرة.
(2) - سقطت الميم من لفظ "المنير"، ويحتمل أن يكون أراد "النير بتشديد الياء ثم يقول "الصغير" أيضا بالتصغير.
(3) -كذا، ولعلها "صاحبيه، لأن الرواة عن كل من ورش وقالون في الأرجوزة ثلاثة.
(4) -ذكره السراج في فهرسته لوحة 73.(1/49)
وما لي إلا عفو ربي وفضله ... ففيه إلى ما أرتجيه بلاغ(1)
تلك هي مؤلفات أبي الحسن بن سليمان شيخ الجماعة بفاس، أو على الأقل ما تعرفنا على أسمائه منها، وهي في جملتها وما نقلناه عنها، شواهد ناطقة بإمامته في هذا الشأن ورسوخ قدمه فيه.
واستكمالا منا للصورة نرى لزاما علينا أن نقف بالقارئ الكريم على ملخصات من تراجم رجال مدرسته لنتتبع مقروءاتهم ومرواياتهم عنه، ومروياته عن شيوخه فيما أسنده عنه كبار الملازمين له، وخصوصا في القراءة وعلومها وهذه قائمة بأسمائهم وتراجمهم الموجزة :
الفصل الرابع:
رجال مدرسته ومروياتهم ومروياته من خلال ما قرأوا عليه أو أجازهم به.
تجمعت لنا من خلال ما تيسر لنا من المصادر مجموعة من الأسماء المتعلقة برجال مدرسته، وهي لا تزيد على عشرين أو تكاد، وهي في نظرنا لا تمثل معشار الحقيقة نظرا لطول تصدر أبي الحسن وبقائه حتى انفرد أو كاد بالرواية عن الأكابر الذين انقرض أصحابهم، إلا أن فيما سنعرضه مما وصل إلينا التنويه به من أصحابه ما فيه الكفاية والغناء في التدليل على بليغ أثره وقوة إشعاع مدرسته من بعده، هذا مع تعرض هذه المدرسة بفاس للكارثة العظمى التي سبق التنبيه عليها في العدد ما قبل الأخير والتي أودت بحياة عشرات العلماء والقراء من أعلام هذه المدرسة وغيرهم ممن عبر عنهم وعن عظم الفجيعة فيهم صاحب "الفكر السامي" بقوله :
"وضاعت معهم نفائس الكتب، ورزئ المغرب في أنفس أعلاقه، وأنفس أعلامه، وبموتهم ظهر نقصان بين وفراغ شاسع في عمارة سوق العلم، وبه أصبحت دياره بلاقع، وأفقرت المدارس والجوامع، وذلك سنة 750 أو 749 على ما في درة الحجال "(2).أي بعد نحو العشرين عاما فقط من موت أبي الحسن بن سليمان.
__________
(1) - كتاب الإفادات والإنشادات لأبي إسحاق الشاطبي 171.
(2) - الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي للثعالبي 2/246. والإشارة إلى غرق العلماء في أسطول أبي الحسن المريني في عودته من حملته على تونس.(1/50)
وسنقوم فيما يلي بالترجمة بإيجاز لمن وقفنا على أسمائهم من أصحابه وترتيبهم على الحروف :
1- إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي يحبى أبو سالم التسولي التازي يعرف بابن أبي يحيى.
نزل فاسا وأخذ بها عن أبي عبد الله بن رشيد وأبي الحسن بن سليمان وأبي الحسن الصغير-الآتي- ولازمه وتفقه عليه، وكان قارئ كتب الفقه بين يديه، وقرأ الرسالة لابن أبي زيد على أبي الحسن بن سليمان وألف تقييدين عليها وآخر على التهذيب، وتولى القضاء بفاس ولازمها آخر عمره إلى أن توفي بها سنة 749"(1).
2- أحمد بن عبد الرحمن بن تميم أبو العباس اليفرني الشهير بالمكناسي.
ترجم له ابن القاضي في درة الحجال وقال فيه : "أستاذ فقيه، أخذ عن الأستاذ الضرير محمد بن قاسم بن محمد الأنصاري المالقي الشهير بابن قاسم نزيل مكناسة- رحل إليها للأخذ عنه- ولما قفل صار يدعى "المكناسي" لذلك، قال:
__________
(1) - وذكر أبو الحسن النباهي في "تاريخ قضاة الأندلس" 136 أنه نقل إلى داره بتازة بلده بعد أن أصابه الفالج في آخر عمره فتوفي بها في حدود 749"-ويمكن الرجوع إلى ترجمته في الإحاطة 1/380 والجذوة 1/85-86، ترجمة 5 ودرة الحجال 1/179 ترجمة 234 وشجرة النور الزكية، 1/220 ترجمة 780.(1/51)
"ومن شيوخه أيضا ابن الزبير، وابن سليمان، والوادي آشي(1)،وابن هانئ(2) تلميذ ابن الشاط(3) وابن رشيد، وأبو يعقوب البادسي(4) وغيرهم، توفي بمدينة فاس سنة 753هـ(5).
3- أحمد بن محمد بن حزب الله الخزرجي.
ذكره في الجذوة وقال : "الفقيه الخطيب المدرس الأستاذ المقرئ من بيت بني حزب الله الخزرجيين كان بيتهم بفاس بيت أصالة وعلم، وأصلهم من الأندلس، وطرأوا على فاس فاستوطنوها"(6).
ذكره أبو زكريا السراج في ترجمة شيخه أبي عبد الله محمد منديل بن آجروم الصنهاجي، ووصفه بالشيخ الأستاذ المقرئ المجاهد أبي العباس أحمد بن محمد بن حزب الله بن علي بن أحمد بن هلال الخزرجي الساعدي، وذكر إجازته لشيخه منديل إجازة عامة ... ثم ذكر حديثا من طريقة عن أبي الحسن بن سليمان وأبي إسحاق الغافقي عن الشيخين أبي الحسين بن أبي الربيع وأبي محمد بن حوط الله كلاهما عن القاضي أبي القاسم أحمد بن يزيد القرطبي ... "(7).
__________
(1) - يعني محمد بن جابر صاحب البرنامج المشهور.
(2) -هو محمد بن علي بن هانئ اللخمي السبتي (734) تقدم في مشيخة الإقراء بسببتة من أصحاب أبي إسحاق الغافقي النحوي المقرئ.
(3) - هو قاسم بن عبد الله بن محمد الأنصاري من أصحاب ابن أبي الربيع تقدم.
(4) -هو أبو يعقوب البادسي المغرواي، كان متجردا للاقراء والعبادة بساحل بادس، وبه لقيه محمد بن عبد الرحمن الكرطوسي الآتي ووجد طالبا يقرأ عليه القرءان ذكره في ترجمته في الجذوة 1/223، ترجمة 191 وذكر في لقط الفرائد سنة 734 (ألف سنة من الوفيات 188).
(5) -درة الحجال 1/46 ترجمة 57 ولقط الفرائد 206.
(6) -جذوة الإقتباس 1/119، ترجمة 50، وبيتهم مذكور في "بيوتات فاس الكبرى 19 ترجمة 10.
(7) -فهرسة السراج لوحة 314-316.(1/52)
وذكره ابن الخطيب في ترجمة أبي عبد الله محمد بن قاسم بن أحمد بن إبراهيم الأنصاري- الآتي في أصحاب أبي العباس الزواوي- فذكر أخذه للقراءة عليه وعلى الزواوي المذكور(1).
4- أحمد بن محمد بن علي أبو العباس الزواوي مقرئ قسنطينة بالجزائر في عصره ونزيل فاس ومجودها.
هو فارس هذه الحلبة بلا منازع، وشريك أبي الحسن بن سليمان في طرف من مشيخته وفي أمجاد مدرسته.
قال ابن الجزري : "قرأ على إبراهيم بن أحمد الغافقي(2)وعلي بن سليمان بن أحمد، ومالك بن المرحل"(3).
وقال ابن القاضي في "درة الحجال" : الأستاذ العلامة المشارك أبو العباس أحمد الزواوي الشهير، كان من الملازمين لحضور أبي الحسن المريني، وعنده علو في السند، وله تصانيف في علم القراءات والعربية نظما ونثرا وكانت له نوادر حسنة فاق أقرانه بها، وكان يضحك أبا الحسن المريني، توفي غريقا بأسطول أبي الحسن".
ثم قال عن مشيخته : "أخذ عن أبي الحسن بن سليمان القرطبي وأبي مروان الشريشي(4) وأبي حعفر بن الزبير وغيرهم"(5).
ووصفه في الجذوة بقوله : "شيخ القراء بالمغرب"، ثم قال : أخذ العلم والعربية عن مشيخة فاس، روى عن محمد بن رشيد، وكان إماما في القراءات لا يجارى، وكان من حسن صوته يصلي بسلطان وقته"(6).
__________
(1) -الإحاطة 3/196/199.
(2) -هو أبو إسحاق مقرئ سبتة.
(3) -غاية النهاية 1/125 ترجمة 580.
(4) -هو الشيخ أبو مروان عبد الملك بن موسى بن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري الشريشي تقدم في شيوخ أبي عمران موسى بن حدادة وكذ في شيوخ أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد التجييي صاحب "التبيان" في رسم المصحف وضبطه.
(5) -درة الحجال 1/94-95، ترجمة 136.
(6) -جذوة الإقتباس، 1/122 ترجمة 54.(1/53)
وقد انقلب اسمه على تلميذه عبد الرحمن بن خلدون فقال في تاريخه في سياق حديثه عن دخول أبي الحسن المريني تونس : "وممن حضر معه بأفريقية أبو عبد الله محمد بن أحمد الزواوي(1) شيخ القراء بالمغرب أخذ العلم والعربية عن مشيخة فاس، وروى عن الرحالة أبي عبد الله بن رشيد، وكان إماما في القراءات وصاحب ملكة فيها لا يجارى، وله مع ذلك صوت من مزامير آل داود، وكان يصلي بالسلطان التراويح، ويقرأ عليه بعض الأحيان حزبه"(2).وذكره في كتابه "التعريف بابن خلدون "على الصواب فقال : "فممن حضر معه بإفريقية من العلماء شيخنا أبو العباس أحمد بن محمد الزواوي شيخ القراءات بالمغرب ... وساق نحوا مما تقدم(3).
صلته بالأمير أبي الحسن علي بن عثمان يعسوب الدولة المرينية وعالمها :
لعل مما أسهم في شهرة أبي العباس الزواوي وذيوع صيته، تلك الصلة العلمية الوثيقة التي كانت له بالسلطان أبي الحسن المريني، وهي صلة لم تكن تقف عند حدود الإعجاب به أو انتدابه للتعليم والتدريس بحضرته، بل إنها تجاوزت ذلك إلى الصحبة الطويلة الدائمة، ولا سيما بعد موت الشيخ أبي الحسن القرطبي ونظرائه من الأئمة الذين كانت تزدان بهم مجالس السلطان في المناسبات الرسمية.
ولعل صحبة الإمام الزواوي لهذا الأمير كانت منذ عهود التلمذة والأخذ عن المشايخ، لأننا نلاحظ أن عامة من أخذ عنهم كانوا من المتصدرين بفاس أو ممن كانوا يترددون عليها من سبتة وغيرها كابن المرحل وابن رشيد، إلا أنه أدرك من المشايخ من لم يدركهم أبو الحسن، ومنهم ابن المرحل المذكور (ت 699) وأبو جعفر بن الزبير (ت 708)، ولهذا نجد أبا الحسن المريني المذكور يختاره ليعرض القراءة عليه، كما يختاره لصلاة التراويح.
__________
(1) -وسيأتي ذكره له على الصواب اسما واسم أب وكنية.
(2) -تاريخ ابن خلدون 7/394.
(3) -التعريف بابن خلدون 45-46.(1/54)
ولقد كان لما أوتيه من الحدق في القراءات وما وهبه من ملكة فيها كما ذكر ابن خلدون أثر كبير في ترشيحه لهذه المهمة، هذا إلى جانب ما منحه الله إياه من طيب النغمة بالقراءة، وهما أمران نادرا ما يجتمعان.
ولقد نوه كل من ترجموا له بهاتين الخاصيتين، وعبروا بالمخالطة والسماع عن مبلغ انبهارهم بما أعطيه من ذلك، ولا سيما ما ذكروا عنه من حسن الأداء الذي أعانه عليه - كما عبر ابن خلدون - "صوت من مزامير آل داود".
ولقد نبه على ما أوتيه من ذلك أيضا خلفه في مجالس المرينيين أبو عبد الله محمد بن مرزوق الخطيب(الجد) الذي ألف عن حياة أبي الحسن المريني كتابه المشهور "المسند الصحيح الحسن في مآثر مولانا أبي الحسن"، فكان مما قال فيه عن المترجم :
"ثم لزم الحضرة أخيرا الأستاذ العلامة أبو العباس الزواوي الشهير، الذي لم ير في عصره أطيب منه نغمة ولا أحسن منه صوتا ولا أنداه، لا تملك النفوس ولا الشؤون(1) عند سماعه، هذا مع إتقان الضبط وإحكام الروايات وعلو السند، يسرد القرءان مع الغاية في إخراج الحروف من مخارجها، وتوفية أدوات القراءة"(2).
وقال في مكان آخر منه :
"كان آية من آيات الله عز وجل، لم أر في المشرق والمغرب نظيرا له، ولا رأيت من رأى مثله(3)..ثم ذكر أن له تصانيف في علم القراءات والعربية نظما ونثرا"(4).
ولقد تخرج عليه في فن التجويد قارئ كبير خلفه في هذا الصدد في مجالس الأمراء ومساجدهم هو أبو عبد الله محمد بن قاسم بن أحمد بن إبراهيم الأنصاري المعروف بالشديد (على بنية التصغير).
__________
(1) - يعني الدموع.
(2) - المسند الصحيح الحسن 121.
(3) -المصدر نفسه 136-137.
(4) -نفسه 136-137.(1/55)
قال فيه ابن الخطيب: "من أهل الطلب والذكاء والظرف والخصوصية، مجموع خلال، من خط حسن واضطلاع بحمل كتاب الله، بلبل دوح السبع المثاني، وآية صقعه في الصوت وطيب النغمة ... ثم ذكر من مشيخته أنه "قرأ على المقرئ الفذ الشهير في الترنم بألحان القرءان أبي العباس الزواوي سبع ختمات"(1).
ولقد سارت بذكر الزواوي الركبان في كل مكان، وغدت طريقته في التجويد والأداء مضرب الأمثال، وربما بقي أثره في فاس والجهات التابعة لها عدة أجيال.
ولقد ذكر الأمير أبو الوليد إسماعيل ابن الأحمر في هذا الصدد قصة طريفة لها دلالتها، وتتعلق بقارئ مسكين يظهر أنه كان يتعاطى شيئا من التجويد ويحاول محاكاة نمط الشيخ أبي العباس، فنصب نفسه بتازة ضحكة للناس، يقول أبو الوليد في ترجمة الفقيه العدل محمد بن أحمد بن إبراهيم بن موسى الكومي :
"وأخبرني- رحمه الله تعالى- أنه اجتمع ببلدة تازة مع الفقيه ابن الملون وعبد الحق الزيات في بستان لنزهة، فتذاكروا أمر رجل من أهل تازة يتشبه بالفقيه الأستاذ المقرئ أبي العباس أحمد بن محمد بن علي الزواوي في قراءته وملبسه وعمته(2)، فأنشد أحد الرجلين على لسان المتشبه :
أنا"الزواوي" وهذا مكتبي ... لحرفة التعليم والتأدب
لا أمنع التعليم من يرغبه ... وأجدر العلم الذي لم يرغب
إلى أخر القطعة(3).
__________
(1) - الإحاطة 3/196-197 وستأتي ترجمته في أصحابه.
(2) -يعني في لبسه العمامة.
(3) -القطعة في "نثير الجمان" لابن الأحمر المنشور تحت عنوان :"أعلام المغرب والأندلس" 432-433، وتمامها
عندي-فديت- لحية طويلة ... سوداء تحكي لحية المكتئب
وشارب يجري لمايي تحته ... كالماء يبدو من خلال الطحلب
وحاجبان أكحلان أقترنا ... خلتهما بعض حواشي الحجب
وعمة كبيرة هائلة ... كهالة قد أحدقت بكوكب
يقول بعض الناس فيها أصطب ... والله ما في عمتي من أصطب
وطيلسان حسن خلفه ... من بعده بعض قضاة المغرب
ودرة كذنب السرحان في ... طول وفي عرض وفي تقلب
تلحق سوطي من غدا مقتربا ... وتلحق الكرة من لم يقرب
لا غضب يميل بي ولا رضا ... إني لممزوج الرضا بالغضب
قال : وزاد عليها صاحبنا أبو عبد الله :
وفي الرقى عندي كلام عجب ... نقلت ذاك من صحيح الكتب
كم بيضة للفطم قد كتبتها ... وكم رقيت من نفاس صعب
فسهلت عسر النفاس رقوتي ... وبيضتي قد فطمت كل صبي
هكذا قال : "ورقوتي"، والمعروف "الرقية لأنه يائي.
وقد حققه لفظ "أصطب "في البيت أعلاه بأنه : "مشاقة الكتان".(1/56)
ولا تحتاج القطعة التمليحية إلى تعليق للتنبيه على الصدى الطيب الذائع الذي خلفه وراءه الزواوي رحمه الله، ولقد انهد بذهابه ركن عظيم في هذا المجال، وإن كان بعض المتأثرين به قد حاولوا السير في هذا المنهاج، وربما كان لهذا صلة بقصة القارئ الذي منع من عقد حلقته التجويدية بالقرويين في سنة 749هـ كما أسلفنا، وهي سنة مهلك الأستاذ أبي العباس.
تلك أثارة مما بلغنا عن البلبل الصداح الذي بقي صداه فيمن سيخلفه من أصحابه إتقانا وتحريرا وحذقا وإحسانا
مؤلفاته :
لم أقف على تسمية شيء من مؤلفاته في المصادر ولا في كتب القراءات على الرغم مما ذكره له أبو عبد الله بن مرزوق فيما أسلفنا من قوله : "وله تصانيف في علم القراءات والعربية نظما ونثرا"(1).
ولعل تصانيفه هذه ضاعت أو غرقت معه في النكبة التي ذهب فيها ومن معه من جلة العلماء والقراء، والإشارة الوحيدة التي وقفت عليها ويمكن أن يكون هو المراد بها، قد ساقها كل من أبي زيد ابن القاضي وتلميذه مسعود جموع في شرحيهما على "الدرر اللوامع" لابن بري عند ذكر تسهيل الثانية من الهمزتين المفتوحتين من كلمة لورش فقالا : "وقال سيدي الحسن الدرعي(2) في شرحه :
"وروي عن أبي يعقوب البدل كما روي عنه التسهيل، قال أبو العباس أحمد الزواوي : وافق أبو يعقوب صاحبيه وزاد البدل، انتهى"(3).
طريقه في القراءات :
__________
(1) -المسند الصحيح الحسن لابن مرزوق 136.
(2) -من شراح أرجوزة "تفصيل عقد الدرر" لابن غازي سيأتي التعريف به.
(3) - الفجر الساطع وكذا في الروض الجامع لمسعود جموع في باب الهمز.(1/57)
ويعتبر طريق أبي العباس الزواوي عن شيخه أبي الحسن بن سليمان عن شيخه أبي جعفر بن الزبير أشهر طريق عند المغاربة في قراءة نافع، وينافسه فيه عن أبي الحسن وابن الزبير طريق أبي عبد الله بن عمر اللخمي الذي عاش بعد أبي الحسن قرابة سبعين عاما- كما سيأتي في ترجمته- كما ينافسه طريق ابن حدادة عن أبي الحسن وابن الزبير أيضا، ولكن مع علو طريقيهما بالنسبة لطريقه عند من أخذ عن الآخذين عنهما، فإن الإسناد من طريقه أكثر، وأئمة الإقراء من زمنه لا يكادون يسندون إلا من هذه الطريق، وعلى الأخص في روايتي ورش وقالون، كما نجد ذلك في فهرسة ابن غازي، ثم في إجازة ابن القاضي وأبي عبد الله البوعناني وفهرسة أبي العلاء المنجرة وابنه أبي زيد وغيره كما سيأتي لنا في طرق المغاربة بحول الله.
أهم الرواة عنه :
عاصر أبو العباس الزواوي أخصب الفترات من تاريخ الدولة المرينية في المغرب، ويظهر من إدراكه لأبي الحكم مالك بن المرحل (ت 699هـ) وروايته عنه أنه يوم وقوع النكبة التي هلك فيها كان في نحو السبعين، وقد كانت على الصحيح بتاريخ ثامن ذي القعدة الحرام سنة 749هـ(1).
ومعنى هذا أنه قضى في مشيخة الإقراء عدة عقود من الزمان، وعلى الأخص بعد وفاة شيخه الجليل وعمدته أبي الحسن بن سليمان سنة 730هـ، وهذه أسماء بعض الذين وفقنا على روايتهم عنه باختصار :
1- أحمد بن مسعود بن غالب أبو العباس البلنسي المعروف بابن الحاجة.
__________
(1) - درة الحجال 1/94 ترجمة 136.(1/58)
ذكره ابن الجزري في الآخذين عنه في ترجمته ونسبه تونسيا وقال : "لقيه سنة 748 بقسنطينة"(1) ثم ترجم له فقال : "شيخ تونس في زماننا، مشهور عارف صالح، قرأ على أبي عبد الله محمد بن سعدان بن أحمد ابن برال الأنصاري(2) للثمانية(3)، وعلى أبي عبد الله محمد بن جابر الوادي آشي، وقرأ لنافع على محمد بن أبي زكريا بن عبد الله الحسني(4)، وقرأ بعض القرءان على أحمد بن محمد بن علي الزواوي، قرأ عليه صاحبنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن ميمون البلوي سنة 772"(5).
2- عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي العلامة المؤرخ صاحب التاريخ والمقدمة المشهورة (ت 808).
ذكر قراءته عليه في تاريخه، وكذا في كتابه "التعريف بابن خلدون" فقال معددا لمشيخته :
"ومنهم أبو العباس أحمد الزواوي إمام المقرئين بالمغرب، قرأت عليه القرءان العظيم بالجمع الكبير بين القراءات السبع من طريق أبي عمرو الداني وابن شريح في ختمة لم أكملها، وسمعت عليه عدة كتب وأجازني بالإجازة العامة"(6).
3- علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق أبو الحسن السلطان المريني.
كان مختصا به كما تقدم، وقد تقدم قول ابن خلدون عنه : "كان يصلي بالسلطان التراويح ويقرأ عليه في بعض الأحيان حزبه"(7).
4- محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن إبراهيم السماتي أبو عبد الله الفخار.
__________
(1) -غاية النهاية 1/125.
(2) - المعروف في نسبه أنه محمد بن سعد بن أحمد وسيأتي .
(3) - المراد السبع وقراءة يعقوب كما كان مصطلحا عليه.
(4) - ترجمته في غاية النهاية 2/277، ترجمة 3526.
(5) - غاية النهاية، 1/138 ترجمة 653.
(6) - تاريخ ابن خلدون 7/385 والتعريف بابن خلدون 20-21 ويمكن الرجوع في ترجمته إلى الإحاطة 3/497.
(7) - التعريف بابن خلدون 45-46 وتاريخ ابن خلدون 7/394.(1/59)
وهو من أهم الحلقات في أسانيد قراءة نافع عند المغاربة، وقد أسند منها الإمام ابن غازي رواية ورش فقال : "حدثنا بها- يعني شيخه أبا عبد الله الصغير النيجي- عن أبي العباس الفيلالي، عن أبي عبد الله الفخار السماتي، عن أبي العباس الزواوي، عن أبي الحسن بن سليمان عن أبي جعفر بن الزبير، عن أبي الوليد إسماعيل العطار، عن أبي بكر بن حسنون، عن أبي محمد عبد الله بن بقي، عن أبي محمد عبد الله بن عمر بن العرجاء، عن أبي معشر الطبري وأبي العباس بن نفيس، عن أبي عدي، عن أبي بكر بن سيف، عن أبي يعقوب الأزرق، عن ورش عن نافع، عن ابن هرمز عن أبي هريرة عن أبي بن كعب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن اللوح عن القلم عن رب العزة سبحانه"(1).
وسيأتي ذكره في مشيخة بعض أعلام أصحابه، ومنهم مولاه المختص به أبو وكيل ميمون الفخار صاحب "التحفة".
5- محمد بن قاسم بن أحمد بن إبراهيم الأنصاري الجياني الأصل المالقي أبو عبد الله ويعرف بالشديد.
تقدم ذكر تنويه ابن الخطيب به في "الإحاطة" وقوله فيه : "بلبل دوح السبع المثاني"، قرأ القرءان والعشر بين يدي السلطان أمير المسلمين- أبي الحسن- بالعدوة ودنا منه محله لولا إيثار مسقط رأسه، وتقرب بمثل ذلك إلى ملوك وطنه، وصلى التراويح بمسجد "قصر الحمراء" بغرناطة. قال ابن الخطيبب بعد ذكره لما تقدم :
__________
(1) - فهرسة ابن غازي 36-37.(1/60)
قرأ القرءان على والده المكتب النصوح - رحمه الله - وحفظ كتبا، ثم عرض "الرسالة" على ولي الله أبي عبد الله الطنجالي وأجازه، ثم على ولده الخطيب أبي بكر، وقرأ عليه من القرءان، وجود بحرف نافع على شيخنا أبي البركات(1)، وتلا على شيخنا أبي القاسم بن جزي، ثم رحل إلى المغرب، فلقي الشيخ الأستاذ الأوحد في التلاوة أبا جعفر الدراج(2)، وأخذ عن الشريف المقرئ أبي العباس الحسني(3) بسبتة، وأدرك أبالقاسم التجيبي(4)، وتلا على الأستاذ أبي عبد الله بن عبد المنعم ولازمه، واختص بالأستاذ ابن هانئ السبتي ... وقرأ على المقرئ الفذ الشهير في الترنم بألحان القرءان أبي العباس الزواوي سبع ختمات، وجمع عليه السبع، والمقرئ أبي العباس بن حزب الله، واختص بالشيخ الرئيس أبي محمد عبد المهيمن الحضري، وهو الآن بالحالة الموصوفة مستوطنا حضرة غرناطة، وتاليا الأعشار القرءانية بين يدي السلطان أعزه الله ... ولد بمالقة في 10 ربيع الأول من عام 710"(5).
6- ومن أصحاب أبي العباس الزواوي أيضا أبو عبد الله محمد منديل بن محمد بن آجروم الصنهاجي الآنف الذكر في ترجمة والده، ذكره أبو زكريا السراج في مشيخته، وذكر من شيوخه أبا العباس الزواوي وأنه أجازه عامة(6).
ومن أصحاب أبي الحسن بن سليمان ورجال مدرسته :
__________
(1) - هنو محمد بن محمد البلفيقي الآتي في أصحاب أبي الحسن بن سليمان.
(2) - هو أبو العباس بن خلوص المرادي المعروف بالدراج تقدم التعريف به في مشيخة الإقراء بفاس.
(3) - هو أبو العباس أحمد بن محمد الحسني صاحب كتاب نظم الفريد في أحكام التجويد ترجمته في درة الحجال 1/28 ترجمة 30 ورواية كتابه في فهرسة ابن غازي 100.
(4) - هو القاسم بن يوسف صاحب الرنامج المعروف.
(5) - ترحمته في الإحاطة 3/196-199.
(6) -فهرسة السراج لوحة 314-315.(1/61)
7- أبو محمد عبد الله بن أحمد بن أبي بكر بن علي الشهير بابن مسلم القصري مولدا ومنشئا نسبة إلى القصر الكبير البلدة المعروفة بالمغرب، قال ابن الجزري : "نزيل سبتة وقاضيها ومقرئها، مقرئ عالم مصدر، انتفع به جماعة في تلك البلاد فيما بلغني، قرأ على أبي الحسن علي بن سليمان القرطبي، قرأ عليه صاحبنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن ميمون البلوي بعض القرءان إلى المفلحون(1) جمعا بالسبع، وبعض "الشاطبية"، وبعض "التيسير"، وسألته عنه فقال : "فاضل في علوم، فارقته حيا بفاس سنة 771هـ، وسنه تزيد على السبعين"(2).
ووصفه أبو زكريا السراج في مشيخته فقال:"الشيخ الفقيه القاضي النزيه الأستاذ المقرئ الحاج الرحال، الراوية"، ثم قال:"كان -رحمه الله- عارفا بالقراءات والفقه، آخذا بحظ وافر من الرواية فيما سوى ذلك، ثم قال عن مشيخته : "أخذ عن الشيخ الحافظ المدرس المفتي أبي الضياء مصباح الياصلوتي، ولازمه نحو اثنتي عشرة سنة ... وعن الشيخ الأستاذ الأعرف المجود الضابط للقراءة القدوة أبي العباس أحمد بن محمد الحسني السبتي، قرأ عليه القراءات السبع إفرادا على مذهب الحافظ أبي عمرو الداني، والإمام أبي عبد الله بن شريح، وقرأ عليه بعض الشاطبية اللامية تفهما، وبعض الرائية، وقرأ عليه "الحصرية" تفهما، وأجازه إجازة عامة".
__________
(1) - يعني الخمس الآيات الأولى من سورة البقرة.
(2) - غاية النهاية 1/405 ترجمة 1722.(1/62)
- وعن الأستاذ الأعرف بقية السلف الماضين، الصدر الشهير المعمر الصالح، أبي الحسن علي بن أحمد بن سليمان، قرأ عليه القراءات السبع في خمس ختمات، جمع في الخامسة بين الكوفيين الثلاثة، كل ذلك طريق الحافظ أبي عمرو الداني، ثم قرأ عليه بالجمع الكبير من الطرق الثلاثة : بطريق الحافظ أبي عمرو الداني، وطريق الإمام أبي محمد مكي، وطريق الإمام أبي عبد الله بن شريح إلى آخر سورة الأعراف، وعاقه السفر عن تمامها، وسمع عليه تواليفه، و"التيسير" و"الكافي" و"التبصرة:" لمكي و"الشاطبية" و"مقامات الحريري"إلا واحدة، وسمع عليه طائفة من "مسلم" وبعض "الموطأ" ونحو الثلث من "البخاري" وغير ذلك، وأجازه ذلك وعمم له الإجازة".
- وعن الشيخ الفقيه المحدث الراوية الناقد الخطيب أبي عبد الله محمد بن عمر بن رشيد الفهري، سمع عليه بعض "الموطأ"، وأجازه "الرسالة" و"الشاطبية اللامية" وإجازه إجازة عامة".
- وعن الأستاذ المجود أبي العباس أحمد بن محمد بن علي الزواوي، قرأ عليه القرءان العظيم بقراءة نافع جمعا بين روايتي ورش وقالون، على مذهب الحافظ أبي عمرو الداني، وأجازه إجازة عامة".
- وعن الأستاذ النحوي المقرئ الضرير أبي عبد الله محمد بن أحمدالأنصاري القصري المعروف بالفاسي، "قرأ عليه القرءان العظيم في ثلاث ختمات : اثنتين بقراءة قالون من طريق أبي نشيط، وواحدة بقراءة ورش من طريق أبي يعقوب، وذلك على مذهب الإمام أبي عبد الله بن شريح.. وأجازه ذلك وجميع ما يصح عنده أنه في روايته".(1/63)
- وعن الشيخ الفقيه الأستاذ المجود أبي عبد الله محمد بن عبد الرزاق بن علي بن علاق الغرناطي(1)، قرأ عليه بعض القرءان العظيم بقراءة السبعة جمعا بين طريقي الإمام الحافظ أبي عمرو الداني والإمام أبي عبد الله بن شريح، وسمع عليه بعض "التيسير"، وبعض "الكافي"، وناوله إياهما، وبعض فهرسة أبي جعفر بن الزبير ... وعرض عليه "الشاطبية اللامية" في مجلس واحد، وأجازه جميع ذلك، وعمم له بالإجازة".
- وعن الفقيه الأستاذ النحوي الأصولي المتكلم أبي عبد الله محمد بن محمد بن علي الأنصاري الشهير بابن البقال، سمع عليه رجزه في رواية قالون، وأجازه ذلك وجميع ما يحمله وما ألفه نظما ونثرا في أي فن كان، وكان سمع عليه قبل ذلك بعض "الأحكام الصعرى" لأبي محمد عبد الحق، وبعض "الشاطبية" الكبرى، وغير ذلك تفهما".
- وعن الأستاذ النحوي الكاتب الأديب أبي الحسن علي بن بري رجزه في قراءة نافع"(2)، وأجاز له إجازة عامة".
- وأخذ بتونس عن الحاج أبي علي بن قداح الهواري، وعن الشيخ أبي محمد عبد الله بن محمد بن أبي القاسم بن علي بن البر التنوخي، قرأ عليه بعض "الشاطبية الكبرى" وأجازه إجازة عامة، وعن الشيخ أبي عثمان سعيد بن محمد بن محمد بن خلف التميمي القرشي البكري المعروف بابن التمار، قرأ عليه بعض كتابي"التيسبر" للداني و"الكافي" لابن شريح، وعرض عليه بعض "الشاطبية الكبرى" وأجازه عامة".
- وعن الأستاذ الأعرف المقرئ أبي عبد الله محمد بن سعد بن أحمد بن برال الأنصاري قرأ عليه بعض القرءان العظيم بقراءة السبعة جمعا على مذهب الحافظ أبي عمرو الداني، وعرض عليه بعض "الشاطبية الكبرى"، وقرأ عليه بعض كتابي "البيسير" و"الكافي "وأجازه ذلك كله، وعمم له الإجازة فيما يصح عنده أنه في روايته".
__________
(1) - من أصحاب أبي جعفر بن الزبير الغرناطي.
(2) - وله شرح عليه يسمى "الوجيز النافع" وسيأتي ذكره بين شراح الدرر اللوامع لابن بري في العدد التالي.(1/64)
- وعن الفقيه الأستاذ الراوية أبي عبد الله محمد بن جابر بن محمد القيسي، وعرض عليه يسيرا من "الشاطبية الكبرى"وقرأ عليه بعض "التيسير"، وناوله إياه، وقرأ عليه بعض "الشاطبية الرائية" وغير ذلك، وأجازه بذلك وجميع ما يصح عنده أنه في روايته".
- وعن الفقيه المتصوف أبي عبد الله محمد بن محمد بن سلمة الأنصاري، قرأ عليه بعض "التيسير" "والكافي" وناوله إياهما، وقرأ عليه بعض "الشاطبية اللامية"، وبعض "الرائية"، وأجازه في ذلك كله، وعمم له الإجازة"(1).
هذه ترجمته الكاملة ومشيخته ومروياته كما ذكرها صاحبه أبو زكريا السراج، وذكر أنه أجازه عام768.
- وقد كان أبو عبد الله بن مسلم راوية هذه المدرسة، وصلة وصل بينها وبين المدرسة السبتية في النصف الثاني من المائة الثامنة، وقد ذكر صاحب "بلغة الأمنية ومقصد اللبيب" أنه كان "قاضي سبته وأستاذ مدرستها وخطيب القصية بها"، ووصفه بقوله : "فقيه مقرئ راوية حاج(2) رحال كثير الإطلاع والاجتهاد في نشر العلم والتقييد لمسائله، وله شرح على رجز ابن بري، وتقييد على جمل أبي القاسم(3) وبرنامج جمع فيه مشيخته ومروياته(4).
وقد أسند الإمام ابن غازي من طريقه عن شيوخه من كتب القراءات وعلومها :
__________
(1) - فهرسة أبي زكريا السراج لوحة 240-242 من المجلد الأول.
(2) - ذكره أبو عبد الله بن بطوطة في حملة من حضر الموسم من علماء المغرب في حجة الركب المصري سنة 728هـ انظر رحلة ابن بطوطة الجزء الأول ص 185 نشر دار الشرق العربي- بيروت- لبنان.
(3) - يعني كتاب الجمل في النحو لأبي القاسم الزجاجي.
(4) -بلغة الأمنية 38.(1/65)
- القصيدة الحصرية في قراءة نافع، والقصيدة الخاقانية في التجويد، وكلاهما عن أبي الحسن بن سليمان(1) ومختصر المقنع لابن البقال عن مؤلفه(2)،ورجز ابن البقال في قراءة قالون(3) عن المؤلف(4)، وأرجوزة ابن بري "الدرر اللوامع" عن الناظم(5)، ونظم الفريد في أحكام التجويد لأبي العباس أحمد بن محمد الحسني عن مؤلفه(6)، ومن هذه الطريق رواه أيضا أبو عبد الله المنتوري عن أبي زكريا السراج عن ابن مسلم عن المؤلف(7).
هذه هي مرويات أبي محمد بن مسلم عن شيوخه في القراءات وعلومها، وتوفي رحمه الله في ذي الحجة سنة 773(8).
- ومن رجال مدرسة أبي الحسن بن سليمان من هذا الطراز :
8- أبو محمد عبد الله بن محمد الوانغيلي الضرير مفتي فاس.
قال أبو زكريا السراج في فهرسته : "كان عالما بالفقه وأصوله وأصول الدين، مقدما في أهل الشورى، ذاكرا للعة والإعراب، إماما في النحو والقراءات".
__________
(1) - فهرسة ابن غازي 97-98.
(2) - نفسه 98.
(3) - يعني روايته عن نافع.
(4) - فهرسة ابن غازي 101.
(5) - نفسه 99.
(6) - نفسه 100.
(7) - قال المنتوري في فهرسته لوحة 25-26 : "كتاب نظم الفريد في أحكام التجويد "للشريف أبي العباس أحمد بن محمد بن محمد الحسني السبتي المقرئ، قرأت بعضه على الراوية أبي زكريا يحيى بن أحمد بن السراج، وناولني جميعه في أصل بخط السبتي المقرئ، قرأت بعضه على الراوية أبي زكريا يحيى بن أحمد عبد الله بن أحمد ابن مسلم الفصري عنه.
(8) - بلغة الأمنية 39 ترجمة 22 وفهرسة السراج، ونيل الإبتهاج 147-148.(1/66)
شيوخه : "تلا بالقراءات السبع من الطرق الثلاثة: طريق أبي عمرو الداني، وطريق أبي محمد مكي، وطريق أبي عبد الله بن شريح على الأستاذ أبي الحسن بن سليمان، وعرض عليه "حرز الأماني" لأبي القاسم الشاطبي، وجميع "فصيح ثعلب"، وسمع عليه بعض كتاب "الترمذي" وجميع "شرح الأبيات الكندية"، ولازمه كثيرا وأخذ عنه غير ذلك، وأجازه عامة في جميع ما يحمله وما صدر عنه، قال أبو زكريا :"وفقت على ذلك بخطه له".
- "وتلا على الشيخ الأستاذ الصالح الورع أبي الحسن علي بن عمر البلوي الشهير بالقيحاطي بحروف الأئمة الثلاثة : نافع بن أبي نعيم المدني، وعبد الله بن كثير المكي، وأبي عمرو بن العلاء البصري من طريق الحافظ أبي عمرو الداني. (1) وله مشايخ غير من ذكر ذكرهم السراج.
وقد وصفه في صدر الترجمة ب"الشيخ الأستاذ المقرئ النحوي المدرس العالم الحافظ المشاور".
- وقال صاحبه أحمد بن حسن بن الخطيب القسنطيني المعروف بابن قنفذ في وفياته.
- وفي هذه السنة يعني سنة 779هـ توفي شيخا ومفيدنا الفقيه الحافظ المفتي بمدينة فاس أبو محمد عبد الله الوانغيلي الضرير من تلامذة أبي الربيع اللجائي(2).
وقد أسند الإمام ابن غازي من طريقة عن أبي الحسن بن سليمان الكتب التالية :
__________
(1) - فهرسة السراج (مخطوطة)، وقد نقل هذه الترجمة إدريس بن الماحي الأدريسي القيطوني الحسني في كتاب "معجم المطبوعات المغربية" 392-393 (نشر مطابع سلا- 1988).
(2) - هو سليمان اللجائي أبو الربيع، ذكر ابن قنفذ في ترجمة ولده عبد الرحمن بن سليمان اللجائي (ت بفاس سنة 773) أن أبا الربيع اللجائي هو الذي أدخل مختصر ابن الحاجب في الأصول إلى المغرب وعنه أخذ (ألف سنة من الوفيات 85) ونحوه في وفيات الوتشريسي 128 وترجمة الوانغيلي في الجذوة 2/424 رقم 446 ونيل الإبتهاج 148 وشجرة النور 1/235 طبقة 16ترجمة 846.(1/67)
- "حرز الأماني "للإمام الشاطبي من رواية أبي الحسن بن سليمان عن ابن أبي الأحوص عن أبي بكر بن وضاح عن الناظم"(1).
- كما روى من طريقة كتاب "التجريد" لأبي الحسن بن سليمان"(2).وصحيح الإمام البخاري(3) وتقدم لنا أنه ممن روى عن أبي عبد الله بن آجروم الصنهاجي صاحب "البارع في قراءة نافع".
9- أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله الأوربي الفاسي.
ذكره الراوية أبو زكريا السراج في مشيخته وقال : "شيخنا الفقيه الجليل الخطير الوجيه الصدر المعظم قاضي الجماعة أبومحمد.."
وقال في الجذوة:"الفقيه العدل قاضي الجماعة، أخذ عن الأستاذ أبي الحسن بن سليمان، وعن الشيخ الولي الصالح الخطيب محمد الطنجالي(4) وغيرهم، وأخذ عنه ابن الأحمر(5)، وذكر في فهرسته أن وفاته بفاس سنة 782".
وذكر في السلوة من شيوخه أبا الحسن بن سليمان القرطبي، وأبا جعفر أحمد بن الحسن بن الزيات الغرناطي(6) وأبا عبد الله محمد بن أحمد بن يوسف الطنجالي، وذكر أنه ولد عام 701، وتوفي عام 782"هـ(7).
10- علي بن محمد بن عبد الحق أبو الحسن الزرويلي ويعرف بأبي الحسن الصغير.
__________
(1) - فهرسة ابن غازي 97.
(2) - نفسه 100-101.
(3) - نفسه 104-105.
(4) - هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يوسف الهاشمي الطنجالي، من أصحاب أبي جعفر بن الزبير، وتقدم ذكره في أصحاب ابن أبي الربيع بسبتة، توفي بمالقة عام 724- ترجمته في الإحاطة 3/245-276.
(5) - يعني أبا الوليد إسماعيل- الجذوة 1/424 ترجمة 447ن وقد ذكر ابن الأحمر رسالة من أبي عبد الله محمد ابن أحمد المكودي إليه مصدرة بقصيدة شعرية في كتابه "نثير الجمان 440-442.
(6) -تقدم التعريف به.
(7) -سلوة الأنفاس 3/301-302.(1/68)
فقيه مشهور من أعلام المدرسة الفاسية في الفقه، تصدر لذلك عمره، وكان يدرس بجامع "الأزدع"(1)، وقد ذكر أنه "كان يفتح في مجلسه ما ينيف على ثمانين ديوانا يعرضها حفظا عن ظهر قلب، ولي القضاء بتازة ثم بفاس، "أخذ الفقه عن راشد بن أبي راشد الوليدي-الآنف الذكر في مشيخة أبي الحسن بن سليمان- وانتفع به، وعليه كان اعتماده، وأخذ عن صهره أبي الحسن بن سليمان المذكور، وكانت وفاته سنة 719 عن سن عالية تقارب مائة وعشرين عاما، وأكثر تآليفه في فقه المذهب، وألف على الشاطبية شرحا سماه "الشعلة" كما تقدم في شروحها(2).
- ومن أهم أصحابه : أبو عبد الله محمد بن علي بن سليمان السطي، قال في درة الحجال :
"أخذ الفقه عن المقرئ أبي الحسن الصغير الزرويلي التجيبي صاحب "التقاييد" على المدونة .. قال : "وكان حظي المكان عند أبي الحسن المريني والمدرس بحضرته، والمفتي والخطيب في بعض الأوقات، وكان مقبلا على ما يعنيه، مكبا على النظر والقراءات والتقييد، توفي غريقا في أسطول أبي الحسن المريني في ثامن ذي القعدة الحرام سنة 749هـ(3)، وقد أثنى عليه العلامة ابن خلدون في تاريخه ثناء عظيما وذكر ملازمته للسلطان، وتخرجه على أبي الحسن الصغير(4).
11- علي بن محمد بن علي بن محمد بن الحسن التازي المعروف بابن بري وسيأتي ذكره في أشياخه في العدد التالي بعون الله.
12- محمد بن أبي حامد بن إبراهيم الحسنى المكناسي.
__________
(1) -يكتب أحيانا "الأصدع" ويقع في عدوة القرويين ذاخل باب عجيسة (جذوة الإقتباس 2/81 وسلوة الأنفاس 1/189).
(2) -ترجمته في الديباج 212 والجذوة 2/472 ودرة الحجال 3/243-244 ترجمة 1260 والإستقصاء 3/102 وشجرة النور 1/215 ترجمة 757.
(3) -درة الحجال 2/134-135 ترجمة 591.
(4) -تاريخ ابن خلدون 7/389.(1/69)
ترجم له أبو زكريا السراج بقوله "ومنهم- رضي الله تعالى عنهم- الشيخ الفقيه الشريف المعظم الموقر العدل المبرز الأكمل أبو عبد الله محمد ابن الشيخ الشريف الجليل الحسيب الأصيل المرحوم أبي حامد أحمد ... أخذ عن الخطيب المحدث أبي عبد الله بن رشيد وأجاز له، وعن الأستاذ المقرئ أبي الحسن علي بن سليمان، وأجاز له إجازة عامة، وقفت على خطيهما له بذلك"(1).
ثم ذكر السراج أنه قرأ عليه وسمع، وأجاز له إجازة عامة،وأرخ سماعه عليه عام 770هـ. وذكره ابن زيدان في "الإتحاف" بنحو ما تقدم وقال : "توفي ببلده مكناسة الزيتون، وغالب الظن أن وفاته كانت أواخر القرن الثامن"(2).
13- محمد بن أحمد بن عبد الملك الفشتالي.
إمام من خيار رجال هذه المدرسة، ترجم له صاحبه أبو زكريا السراج في مشيخته فقال : "ومنهم رضي الله عنهم- الشيخ الفقيه الخطيب البليغ المدرس العالم المتفنن الصدر الأوحد قاضي الجماعة محمد بن أحمد بن عبد الملك الفشتالي، كان- رحمه الله- عالما بالفقه، مشاركا في غيره من العلوم أخذ
عن الشيخ الأستاذ الأعرف الراوية الأشهر أبي الحسن علي بن سليمان، سمع منه حديث الرحمة المسلسل(3) بالرواية(4) بشرطه".
__________
(1) -فهرسة السراج لوحة 125-126.
(2) - اتحاف أعلام الناس 3/585.
(3) - يعني قوله عليه الصلاة والسلام - "فيما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنهما- قال : "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء "وهو أول حديث صدر به الإمام ابن غازي في فهرسته من طريق أبي محمد بن مسلم الفصري الآنف الذكر، وقال : ولأبي محمد بن مسلم فيه طرق غير هذه"- فهرسة ابن غازي 34-35.
(4) -كذا في فهرسة السراج المخطوطة، ولعل الصواب "المسلسل"بالأولية"، لأن التسلسل قائم فيه على قول الراوي بعد ذكر سماعه من شيخه : " وهو أول حديث سمعته منه".(1/70)
"وقرأ عليه القرءان العظيم في ختمتين : الأولى بحرف إمام دار الهجرة في القراءات أبي الحسن نافع ابن أبي نعيم المدني من روايتيه المشهورتين عنه بالمغرب(1)، والثانية بحرف إمام مكة في القراءات أبي معبد عبد الله بن كثير الداري من روايتيه المشهورتين عنه(2)، وسمع عليه كتاب "الكافي" لأبي عبد الله بن شريح، وكتاب "الموطأ"للإمام أبي عبد الله مالك بن أنس رواية يحيى بن يحيى الليثي، وكتاب الرسالة لأبي محمد عبد الله بن أبي زيد وغير ذلك".
ثم ذكر من أساتذته الأستاذ المحقق الصدر أبا عبد الله محمد بن آجروم، والأستاذ الناقد المحقق الحافظ أبا زكريا يحيى بن واش(3)، سمع عليه الموطأ رواية يحيى بن يحيى الليثي وغير ذلك، والمحدث الرحال أبا عبد الله محمد بن جابر الوادي آشي، وذكر أنه سمع عليه كتبا منها "حرز الأماني للشاطبي(4) توفي الفشتالي سنة 777هـ(5).
14- محمد بن سعيد بن محمد بن عثمان أبو عبد الله الرعيني الأندلسي الفاسي المولد والوفاة يعرف بنسبه "الرعيني" و"السراج" (685-779).
ذكره أبو زكريا السراج في شيوخه الذين روى عنهم،وذكر من شيوخه الأستاذ المقرئ أبا الحسن علي بن سليمان، سمع عليه فهرسته، وتحقيق الكلام في براءة يوسف عليه السلام"للولي أبي عبد الله الطنجالي، وشرح الأبيات الكندية للعارف أبي الحسن بن فضيلة".(6)
__________
(1) - يعني روايتي ورش وقالون.
(2) - يعني البزي وقتبل.
(3) - تقدم التعريف به.
(4) - فهرسة السراج لوحة 130-132 من المجلد الأول.
(5) - ترجمته في نيل الإبتهاج 265-266 وجذوة الإقتباس 1/234-235 ترجمة 209 وشجرة النور 1/235 ويمكن الرجوع إلى بعض روايته عن أبي الحسن بن سليمان في كتاب "المناهل السلسلة في الأحاديث المسلسلة للشيخ عبد الباقي الأيوبي 137 رقم الحديث 124، وكذا في فهرسة ابن غازي111.
(6) - فهرسة السراج المجلد 1/ ، لوحة 73-74.(1/71)
وذكر من شيوخه أيضا أبا الحسن علي بن موسى بن إسماعيل المطماطي، لقيه بمدينة سلا وأجاز له إجازة عامة"..ثم ذكر في مكان آخر من فهرسته أنه "حدثه بسلا في التاسع لجمادى الأولى سنة 723"(1) وذكر في مشيخته أبا الحسن الصغير وأبا القاسم التجيبي السبتي لقيه بفاس وأجازه برنامج روايته ومؤلفاته، والخطيب الراوية المحدث ابن رشيد وجماعة.
وقد أسند العلامة ابن غازي من روايته عن أبي الحسن بن سليمان "كتاب التبصرة" لأبي محمد مكي بسماع أبي الحسن لها من ابن حوط الله بسنده إلى المؤلف(2)،وروى عنه "سنن النسائي من روايته له من طريق أبي جعفر بن الزبير(3).
15- محمد بن عبد الرحمن بن سعد التميمي التسولي الكرسوطي أبو عبد الله من أهل فاس ونزيل مالقة.
قال فيه صاحب الإحاطة : "الشيخ الفقيه المتكلم أبو عبد الله، غزير الحفظ، متبحر عديم القرين، قدم على الأندلس عام 722هـ، فأقام بالجزيرة مقرئا بمسجد الصواع منها ومسجد الرايات، ثم قدم مالقة وأقرأ بها، وغرناطة، قرأ القرءان على الجماعة بالمغرب والأندلس، منهم أبوه والأستاذ أبو الحسن القيجاطي البلوي وأبو إسحاق الجزيري(4) وأبو الحسن بن سليمان، وأبو عبد الله بن آجروم، وقرأ الفقه والنحو على جماعة، ودخل سبتة فقرأ بها على جماعة، وألف في الفقه والحديث وغيرهما، ولد بفاس عام 690"(5).
وترجم له في الجذوة بنحو مما تقدم، وذكر في "هدية الغارفين" وفاته في حدود سنة 755"(6).
16- محمد بن عبد المهيمن بن محمد بن عبد المهيمن بن محمد بن علي بن عبد الله الحضرمي السبتي.
__________
(1) - نفس المصدر، لوحة 114.
(2) - فهرسة ابن غازي 95-96.
(3) - نفسه 105-106.
(4) - يحتمل أن يكون المراد به أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن علي التجيبي الجزيري صاحب كتاب "التبيان" في الرسم كما تقدم.
(5) - الإحاطة لابن الخطيب 3/130-134.
(6) - جذوة الإقتباس 1/222، ترجمة 191 وهدية العارفين 2ع 159-160.(1/72)
ومن أعلام المدرسة المغربية لهذا العهد ممن جمع بين الأخذ عن أبي الحسن بن سليمان وعامة أئمة عصره أبو سعد محمد بن عبد المهيمن.
ترجم له صاحبه أبو زكريا السراج وقال فيه "الشيخ الجليل الكاتب النزيه الماجد المعظم الحسيب الأصيل الفاضل أبو سعيد محمد ابن الشيخ الفقيه العالم العلم المحدث الراوية رئيس الكتاب بالحضرة وصاحب العلامة بها أبي محمد عبد المهيمن ... ثم بعد تمام نسبه ذكر مشيخته ومروياته عنهم فقال: شيوخه : "أخد عن والده، قرأ عليه وسمع منه وعليه، وأجاز له إجازة عامة.
- وعن الشيخ الأستاذ المقرئ أبي العباس أحمد بن محمد بن حزب الله الخزرجي(1)، تلا عليه القرءان العظيم بقراءات الأئمة السبعة الأعلام، وبما تضمنه "كتاب التيسير" للحافظ أبي عمرو الداني في عشر ختمات، ثم ختمة لنافع جمعا من طرق الأشياخ الثلاثة : أبي محمد مكي وأبي عمرو الداني وأبي عبد الله بن شريح، وأجاز له إجازة عامة".
- وعن الشيخ الفقيه النحوي اللغوي أبي عبد الله محمد بن محمد بن أحمد الشهير بالقصار(2)، وقرأ عليه القرءان العظيم بحرف نافع.
- وعن الأستاذ المقرئ الحافظ أبي الحسن علي بن سليمان الأنصاري القرطبي، قرأ عليه سورة البقرة برواية ورش، وسمع عليه جميع موطأ الإمام مالك بن أنس رواية يحيى بن يحيى الليثي، وأجاز له إجازة عامة مرات.
__________
(1) - تقدم في أصحاب أبي الحسن بن سليمان في صدر هذه القائمة.
(2) - لم أقف عليه.(1/73)
- وعن الشيخ الأستاذ المقرئ النحوي ابن قطرال المراكشي(1)، قرأ عليه ربع القرءان لنافع، وأرجوزة ابن معطي(2) وأجاز له إجازة عامة".
- وعن الشيخ الخطيب أبي العباس أحمد بن محمد الدمدوم(3)، قرأ عليه سورة البقرة لنافع، وأجاز له إجازة عامة".
- وعن الشيخ الفقيه المحدث أبي جعفر أحمد بن أبي القاسم عبد الملك بن يحيى بن عبد الملك بن حسن بن خلف بن وداعة النفزي الرندي(4)، قرأ عليه حزبا واحدا من أول القرءان بقراءة نافع من طريق راويته، وبقراءة ابن كثير من طريق راوييه حسبما تضمنه "كتاب التيسير"، وسمع عليه من لفظه الخطبة والمجلس الأول وبعضا من المجلس الحادي والعشرين من كتابه المسمى ب"المجالس السنية والفضائل النبوية"، وهو ديوان كبير من ثلاثة أسفار يحتوي على مائة مجلس ... وأجاز له إجازة عامة.
__________
(1) - هو أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن علي بن قطرال الأنصاري المراكشي، توفي بالحرم المكي مجاورا سنة 708 كما في وفيات الونشريسي (ألف سنة من الوفيات 100).
(2) - يعني ألفيته في النحو، وهي التي عارضها ابن مالك بألفيته "الخلاصة" وأشار في مطلعها إليها بقوله : "فائقة ألفية ابن معطي" وابن معطي هو يحيى بن عبد المعطى بن عبد الور الزواوي أبو الحسين من قبيلة زواوة بظاهر بجاية بالجزائر (564-628) ترجمته في تعريف الخلف للحفناوي 2/588).
(3) - لم أقف عليه.
(4) - لم أقف عليه.(1/74)
- وعن الأستاذ المقرئ الخطيب أبي عبد الله محمد بن علي بن محمد الصديني الشهير بالغماري(1)، سمع عليه جميع كتاب "بيان المنن، على قارئ الكتاب والسنن "للأستاذ أبي القاسم بن الطيلسان(2)،بقراءة والده، وتسلسل لهما ما فيه من المسلسلات، ما خلا حديث "سورة الصف"(3).
- وعن الفقيه الأستاذ الزاهد الورع أبي الحسن علي بن محمد البلوي القيجاطي(4).
- وعن الشيخ الأستاذ المقرئ أبي عبد الله محمد بن محمد الشريشي الشهير بالخراز، وأجاز له جميع رواياته ومؤلفاته".
- وعن الأستاذ المقرئ أبي العباس أحمد بن محمد بن علي الزواوي، أجاز له إجازة عامة في جميع رواياته وفي ماله من نظم ونثر".
- وعن الأستاذ المقرئ الخطيب أبي الحسن علي بن عمر بن إبراهيم بن عبد الله الكناني القيجاطي(5) أجاز له إجازة عامة".
- وعن الشيخ الفقيه قاضي الجماعة أبي جعفر أحمد بن محمد القرشي وهو ابن فركون، أجاز له إجازة عامة"(6).
هؤلاء هم جملة أساتذته في القراءات كما نسقهم العلامة أبو زكريا السراج في فهرسته، ومن تدبر أسمائهم ومستوياتهم ومروياته عنهم يلوح لنا مقدار حذقه ونبل أساتذته ومكانته في هذه المدرسة.
17- محمد بن علي بن عمر بن يحيى بن العربي الغساني يعرف بابن العربي(ت748).
__________
(1) - لم أقف عليه.
(2) - تقدم ذكر الكتاب، وهو من تأليف القاسم بن محمد (ت 642) مؤلف كتاب "البيان مما لا يسع جهله قراء القرءان برواية ورش وقالون عن نافع بن عبد الرحمن"- تقدم ذكرهما في مرويات التجيبي في برنامجه 45.
(3) - الحديث المسلسل بقراءة سورة الصف من رواية عبد الله بن سلام رضي الله عنه أسنده الشيخ ابن غازي في فهرسته 163-164، والشيخ عبد الباقي الأيوبي في "المناهل السلسلة "85-86 رقم الحديث 61.
(4) - لم أقف على المراد به.
(5) - تقدم التعريف به وبقصيدته "التكملة المفيدة لحافظ القصيدة".
(6) - فهرسة السراج المجلد1/ لوحة 328-330.(1/75)
تقدم ذكره في الآخذين عن أبي عبد الله بن آجروم، وذكر في الإحاطة أنه قرأ على أبي الحسن بن سليمان(1).
18- محمد بن إبراهيم وقيل بن محمد بن إبراهيم أبو عبد الله الصفار المراكشي التينملي.
من أكابر رجال هذه المدرسة إن لم يكن أوسع رجالها تأثيرا في ميدان الإقراء، وسيأتي في فصل خاص به.
19- محمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن خلف أبو البركات السلمي البلفيقي يعرف بابن الحاج قاضي الجماعة بغرناطة وأحد الأعلام ممن "تصرف في الإقراء والقضاء والكتابة"(2).
قال ابن الجزري : "إمام صالح أديب عالم، ولد سنة 680 ونشأ بالمرية، وقرأ القراءات بالأندلس على أبي جعفر أحمد بن محمد بن الكماد وأحمد بن الزبير، وبفاس على أبي الحسن علي بن سليمان الأنصاري، وببجاية على أبي عبد الله محمد بن محمد بن غريون(3)، وعني بالآثار والحديث والعلوم والأدب حتى فاق أهل بلاده، وقلد قضاء المرية مدة، ثم نقل إلى قضاء غرناطة وخطابتها، وتصدر لإقراء الناس وإسماع الحديث، وعمر وانتفع به خلق".
بعض أصحابه : قال ابن الجزري :
__________
(1) - الإحاطة 3/96-97.
(2) -الإحاطة 2/143-170.
(3) - هو أبو عبد الله البجاوي نسبة إلى بجاية بالجزائر، قرأ على أبي عبد الله محمد بن صالح الكناني نزيل بجاية ومقرئها، قال ابن الجزري : "قرأ عليه أبو البركات محمد بن محمد البلفيقي ببجاية (غاية 2/254).(1/76)
"وممن أخذ عنه شيخنا العلامة الأستاذ قاضي القضاة إسماعيل بن هانئ المالكي قاضي دمشق(1)،وكان يبث لنا مناقبه وهو حي، ومحمد بن غالب الأنصاري النحوي، وصاحبنا أبو عبد الله محمد بن الأليري، وأبو عبد الله محمد بن محمد بن ميمون، قرأ عليه إلى سورة الفتح، وقرأ عليه "كتاب التيسير" وسمع عليه "الشاطبية"، فرأيته قد أخبره بالتيسير عن محمد بن أحمد الطنجالي وعلي بن سليمان ومحمد بن برطال، ومحمد بن خليل السكوني، وأبي القاسم بن إبراهيم عمه، وقاسم بن عبد الله الأنصاري ومحمد بن ربيع الأشعري، وعلي بن عمر الكناني القيجاطي وأبي القاسم بن العريف".
"وأخبره بالشاطبية أنه قرأها وتلا بمضمنها على أبي الحسن علي بن محمد الأنصاري المعروف بابن أبي العيش، ومحمد بن عمر بن رشيد، ومحمد بن غريون، وأحمد بن الزبير الحافظ، ومحمد بن محمد بن ربيع الأشعري، وأبي عبد الله محمد بن أحمد بن داود بن الكماد، وأحمد بن محمد اللخمي العزفي، وأحمد بن محمد بن عبد الله اللوقي، والأستاذ أبي إسحاق إبراهيم بن الغافقي ... ثم ذكر ابن الجزري وفاته سنة 770(2).
__________
(1) - ترجمته في غاية النهاية 1/168 ترجمة 782.
(2) - غاية النهاية 2/235-236 ترجمة 3391.(1/77)
ولم يذكر قراءته على أبي الحسن بن بري، ولعله إنما روى عنه أرجوزته في قراءة نافع كما سيأتي. والذي يهمنا منه هنا قراءته على أبي الحسن بن سليمان سورة البقرة برواية ورش وإجازته له، وتاريخ ذلك كما ذكر ابن الجزري سنة 726(1)، أي قبل وفاة الشيخ بقرابة خمس سنوات، ولعله أجازه بعد أن استكمل معرفته بالقراءات، وبقي له فقط رواية ما يتعلق بها من الكتب الأمهات، بالإضافة إلى بعض الكتب العلمية الأخرى، وقد أسند الإمام ابن غازي من مروياته عن شيوخه المتقدمين وغيرهم طائفة من المصنفات في القراءات وغيرها(2).
20- أبو عمران موسى بن محمد بن موسى بن أحمد الصلحي(3) المرسي الشهير بابن حدادة الآنف الذكر في أصحاب ابن القصاب، وسيأتي ذكر مشيخته الباقية ومن ضمنهم أبو الحسن بن سليمان في ترجمة صاحبه أبي عبد الله محمد بن محمد بن عمر بن عبد الرحمن بن عمر اللخمي التاليه.
21- أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عمر اللخمي.
ولعل أعظم رجال هذه المدرسة أثرا هذا القارئ الراوية الذي عاش بعد أبي الحسن بن سليمان قرابة سبعين عاما، وقد سماه صاحبه أبو زكريا السراج في فهرسته في جملة شيوخه فقال :
"ومنهم -رضي الله تعالى عنهم- الشيخ المسن الفقيه الأستاذ الجليل المقرئ الراوية المتخلق الصالح الفاضل أبو عبد الله محمد ابن الشيخ التاجر الأجل الأفضل أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن عمر اللخمي".
__________
(1) - ذكره في ترجمة أبي الحسن علي بن سليمان - غاية النهاية 1/544 ترجمة 2229.
(2) - يمكن الرجوع إلىمروياته في القراءات وغيرها في فهرسة ابن غازي في أرقام الصفحات الأتية : 96-98-99-101-102-106-109-111-112—93-94.
(3) - كتبت هذه النسبة بالطاء بدل الصاد في إجازة الوعناني لأبي عبد الله الشرقي الآنفة الذكر، ولعل الصواب ما أثبتناه كما نجده في غاية النهاية 2/322- وكذا 2/246 ترجمة 3430.(1/78)
"انفرد- أبقاه الله تعالى- بعلو الرواية في قطرنا هذا، وجلس للإقراء بمسجد "درب اللبن" من داخل فاس المحروسة وبغيره، مواظبا على ذلك صابرا محتسبا لله تعالى، وقرأ عليه خلق كثير حتى ضعف سنه وعجز عن الخروج، فأقرأ بداره مدة من ثلاثة أعوام، ثم اشتد ضعفه، فهو الآن يقرئ بعض الأوقات- نفعه الله ونفع به-."
مشيخة أبي عبد الله بن عمر :
قال أبو زكريا السراج : "أخذ عن الشيخ المقرئ أبي الحسن بن سليمان القرطبي-نزيل فاس- وعليه اعتماده، قرأ عليه القرءان العظيم في ختمات كثيرة إفرادا وجمعا، من الطرق الثلاثة : طريق الحافظ أبي عمرو الداني، وطريق الشيخ أبي محمد مكي، وطريق الإمام أبي عبد الله بن شريح، وعرض عليه قصيدة أبي القاسم بن فيره الشاطبي في دولة واحدة، وجميع كتاب "رسالة الشيخ أبي محمد بن أبي زيد"، وسمع عليه جميع "كتاب التيسير" للحافظ أبي عمرو الداني، وجميع "كتاب التجريد الكبير" من تأليفه، وجميع كتاب "السير لابن إسحاق تهذيب ابن هشام، إلا يسيرا منه دخل في الإجازة، وبعض كتاب "الموطأ" لمالك بن أنس رواية يحيى بن يحيى الليثي، وأخذ عنه غير ذلك ولازمه كثيرا، وعمم له الإجازة في كل ما صدر عنه وما يحمله عن جميع أشياخه المسمين في برنامج روايته وفي غيره".
- وعن الشيخ الأستاذ المقرئ المحقق أبي عمران موسى بن محمد بن موسى بن أحمد الصلحي الشهير بابن حدادة(1)، تلا عليه الكتاب العزيز في ختمة واحدة جمعا بين قراءة الأئمة السبعة المشهورين من طريق أبي عمرو الداني وأبي محمد مكي وأبي عبد الله بن شريح، وأجاز له إجازة عامة في جميع ما يحمله وما صدر عنه من تأليف".
__________
(1) - تقدمت الإشارة إلىتصحيفه إلى "ابن جرادة" "بالجيم والراء عند ابن غازي في فهرسته المطبوعة 39 وكذا عند ابن الجزري في غاية النهاية 2/332، ترجمة 3649.(1/79)
- وعن الشيخ الفقيه الخطيب قاضي الجماعة بمدينة فاس- حرسها الله تعالى- أبي عبد الله محمد بن عبد الرزاق الجزولي(1).وأجاز له إجازة عامة.
- وعن الشيخ الأستاذ النحوي المقرئ أبي عبد الله محمد بن داود الصنهاجي، شهر بابن آجروم، سمع عليه جميع رجزه المسمى ب"البارع"، وتفقه عليه في العربية"(2).
ويلاحظ أنه اشترك في التحمل عن أبي الحسن بن سليمان مع شيخه أبي عمران بن حدادة، وقد أسند الإمام ابن غازي من طريق ابن عمر عنه أنه حدثه بالقراءات عن أبي الحسن بن سليمان، فقال في سياق حديثه عن مشيخة ابن حدادة :
__________
(1) - هو أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الرزاق الجزولي أعد أعلام العصر، ترجم له ابن خلدون في "التعريف" فقال : "شيخ وقته جلالة وتربية وعلما وخبرة بأهل بلده وعظمة فيهم، نشأ بفاس وأخذ عن مشيختها وارتحل إلى تونس فلقي القاضي أبا إسحاق بن عبد الرفيع ... ثم ذكر باقي من لقي هناك وأخذه عنهم ثم رجوعه إلى المغرب ولزومه سنن الأكابر والمشايخ، إلى أن ولاه السلطان أبو الحسن القضاء بمدينة فاس فأقام على ذلك إلى أن جاء السلطان أبوعنان من تلمسان بعد واقعة القيروان وخلعه أباه، فعزله بالفقيه أبي عبد الله المقري، وأقام عطلا في بيته، ولما جمع السلطان مشيخة العلم للتحليق بمجلسه والإفادة منهم استدعى شيخنا أبا عبد الله بن عبد الرزاق، فكان يأخذ عنه الحديث، ويقرأ عليه القرءان برواياته في مجلس خاص إلى أن هلك رحمه الله بين يدي ملك السلطان أبي عنان" =التعريف بابن خلدون 68، وذكر في نثير الجمان 355 أنه كان خطيبا بمسجد القرويين.
(2) - تقدم في ترجمة ابن آجروم.(1/80)
"ومنهم الشيخ الأستاذ المقرئ المحقق المتقن أبو الحسن علي ابن الشيخ الصالح التقي الزكي الحاج أبي الربيع سليمان الأنصاري القرطبي- عفا الله عنا وعنه- قال ابن حدادة : "قرأت عليه القرءان العزيز من فاتحته إلى خاتمته في ختمة واحدة أدرجت فيها الإدغام الكبير، وكل ذلك بطريق الحافظ أبي عمرو، وطريق الإمام أبي عبد الله بن شريح، ثم قرأت عليه بعض الكتاب العزيز أفردت ذلك إفرادا لكل إمام بمذهبه، أولهم نافع، وأخرهم أبو الحسن الكسائي" ثم ذكر سند أبي الحسن بن سليمان من طريق أبي جعفر بن الزبير الحافظ(1).
ولأبي عمران موسى بن حدادة أيضا رواية مباشرة عن أبي جعفر بن الزبير، ولهذا نجد بعض الذين أسندوا القراءة من طريقه يسندونها عنه وعن أبي الحسن بن سليمان معا عن أبي جعفر بن الزبير كما سيأتي في سند قراءه نافع عند الإمام أبي زيد الجادري في رجزة "النافع في أصل حرف نافع".
وقد ذكر الحافظ ابن الجزري في ترجمته أنه "مقرئ، قرأ على أبي جعفر بن الزبير،" فاقتصر عليه في مشيخته، ثم ذكر رواية محمد بن محمد بن عمر اللخمي الشاطبية عنه"(2).
ولقد وقع لابن الجزري في ترجمة أبي عبد الله بن عمر وذكره لمشيخته ما يشبه أن يكون غلطا، وذلك في قوله "قرأ على أبي الحسن علي بن سليمان الأنصاري السبع جمعا وإفرادا، ويوسف بن إبراهيم بن أبي ريحانة، وأحمد بن عمر الجذامي ... "(3)
__________
(1) - هذا الإسناد مدرج من طريق ابن غازي في إجازة أبي عبد الله البوعناني لأبي عبد الله الشرقي كما تقدم.
(2) - غاية النهاية 2/322- 323 ترجمة 3694.
(3) - غاية النهاية 2/246 ترجمة 3430.(1/81)
فهذان الشيخان الأخيران أعني ابن أبي ريحانة وأحمد بن عمر الجذامي أبو جعفر الشهير بالمضرس ليسا من طبقة شيوخه، وإنما هما من طبقة شيوخ شيوخه، وقد تقدم ذكرهما معا في شيوخ شيخه أبي الحسن بن سليمان، وقد تقدم أن وفاة ابن أبي ريحانة كانت سنة 672هـ، فإذا كان هذا التاريخ صجيحا دل على أن ابن عمر لم يأخذ عنه إلا بواسطة أبي الحسن لأنه من مواليد سنة 703هـ(1)، يضاف إلى ذلك أن أحمد بن عمر الجذامي المذكور يروي عن إسماعيل بن يحبى أبي الوليد الأزدي العطار شيخ أبي جعفر بن الزبير، ولو كانت لأبي عبد الله بن عمر رواية بالقراءة عن ابن أبي ريحانة وأبي جعفر الجذامي وهما يرويان عن شيوخ شيوخ أبي الحسن بن سليمان، لما احتاج إلى أن يسند القراءة عن أبي الحسن لنزول سنده حينئذ فيها بصورة ملحوظة، ونحن نعلم مقدار حرص أئمة القراءة على العلو في الإسناد.
وننتهي إلى وجوب تعديل ما ذكره ابن الجزري، وذلك بتقدير واسطة بين أبي عبد الله بن عمر وبين ابن أبي ريحانة وأبي جعفر الجذامي المذكورين.
شيخ آخر لأبي عبد الله بن عمر :
وقد جاء في إجازة أبي عبد الله محمد الشريف البوعناني لتلميذه أبي عبد الله محمد الشرقي المجاطي في إسناده لرواية "الشاطبية الكبرى" أنه حدثه بها بسنده إلى أبي وكيل ميمون الفخار عن أبي عبد الله بن عمر " عن الأستاذ المقرئ المحقق أبي العباس أحمد بن عمران بن موسى بن محمد المرسي الشهير بابن حدادة عن شيخه القاضي المقرئ الضابط المسند الراوية أبي جعفر بن الزبير بن إبراهيم (2)العاصمي الثقفي عن كمال الدين أبي الحسن علي بن شجاع القرشي العباسي عن ناظمها أبي القاسم بن فيره"(3).
__________
(1) - جذوة الإقتباس 1/2337 ترجمة 215.
(2) - كذا في الإجازة المخطوطة، والصواب أحمد بن إبراهيم بن الزبير.
(3) - إجازة البوعناني لأبي عبد الله محمد الشرقي.(1/82)
فابن حدادة هذا هو غير أبي عمران موسى بن محمد بن موسى بن أحمد الآنف الذكر، وإن كان كل منهما شيخا له، وقد ذكرهما البوعناني معا في إجازته المذكورة للشرقي، إلا أنه أسند عن أبي عمران القراءة من طريق ابن القصاب وأبي إسحاق إبراهيم الغافقي وأبي الحسن بن سليمان وأبي القاسم محمد بن عبد الرحمن المعروف بابن الطيب بسبتة وأبي الحسين ابن أبي الربيع وأبي عمران بن عبد الملك الشريشي(1)، ولم يسند عن أبي العباس بن حدادة هذا فيما ذكر في الإجازة سوى الشاطبية، وما يزال في النفس شيء من الشك في كون أبي عبد الله بن عمر يروي عن رجلين يقال في كل منهما الشهيربابن حدادة، وعلى الأخص إذا اعتبرنا أن ابن الجزري إنما ذكر في ترجمته موسى بن محمد أي: أبا عمران، ولم يذكر من مروياته عنه سوى "الشاطبية"، أي الأثر الوحيد الذي ذكر البوعناني أنه رواه عن أبي العباس بن حدادة المذكور،(2) يضاف هذا أيضا إلى أن كتب التراجم لا تذكر- فيما وقفت عليه- إلا أبا عمران موسى بن محمد، ولم أقف لأبي العباس المذكور على وجود في غير هذه الإجازة.
وقبل أن نطوي ملف أبي عبد الله بن عمر نسوق مروياته من كتب القراءات عن شيخه أبي الحسن بن سليمان مما رواه عنه الإمام المنتوري في فهرسته :
1- كتاب التيسير لأبي عمرو الداني من رواية أبي الحسن بن سليمان عن أبي عمر بن حوط الله بسنده(3).
2- "القصيدة الشاطبية" "حرز الأماني" من روايته عن أبي علي الحسين بن عبد العزيز بن أبي الأحوص الجياني(4).
3- شرح الشاطبية (الشرح الصغير لحرز الأماني) لعلم الدين السخاوي من روايته عن محمد بن الحسين بن رزين(5).
__________
(1) - كذا قال أبو عمران والصحيح أبو مروان كما تقدم في شيوخ أبي إسحاق التجيبي وابن واش.
(2) - وقد أسند ابن غازي أيضا من طريق السراج هذه الرواية للشاطبية في فهرسته 38-39.
(3) - فهرسة المنتوري لوحة 5.
(4) - لوحة6.
(5) - لوحة 7.(1/83)
4- كتاب التبصرة في القراءات السبع لأبي محمد مكي بن أبي طالب من رواية أبي الحسن عن ابن حوط الله(1).
5- كتاب الكافي في القراءات السبع لأبن شريح، من رواية أبي الحسن عن أبي بكر محمد بن أحمد بن أبي العاص(2).
6- كتاب التذكير في القراءات السبع لابن شريح، من رواية أبي الحسن عن أبي الحسين ابن أبي الربيع(3).
7- كتاب التجريد الكبير في القراءات السبع من طرق الأئمة الثلاثة لأبي الحسن بن سليمان يرويه عنه سماعا(4).
8- كتاب الجامع الكبير في القراءات المسمى ب"سوق العروس" المشتمل على 1550 رواية لأبي معشر عبد الكريم بن عبد الصمد الطبري، من رواية أبي الحسن عن أبي عمر عبد الرحمن بن حوط الله الأنصاري(5).
9- القصيدة الخاقانية في وصف القراءات والقراء لأبي مزاحم موسى بن عبد الله الخاقاني من روايته عن ابن أبي الأحوص(6).
10- الأرجوزة المنبهة على أسماء القراء والرواة وأصول القراءات وعقود الديانات لأبي عمرو الداني من رواية أبي الحسن عن القاضي أبي علي بن أبي الأحوص. (7)
11- كتاب التحديد لحقيقة الإتقان والتجويد ويسمى أيضا "يسر الأداء وقطب الأخذ "لأبي عمرو الداني، يرويه أبو الحسن بن سليمان عن ابن أبي الأحوص أيضا(8).
12- كتاب "نهاية الإتقان في تجويد القرآن "للخطيب أبي الحسن شريح، يرويه أبو الحسن بن سليمان عن ابن أبي الربيع(9).
- ومن مرويات ابن عمر في غير القراءات عن أبي الحسن بن سليمان مما ذكره المنتوري في فهرسته :
- كتاب فضائل القرآن لأبي القاسم محمد بن عبد الواحد الغافقي الملاحي يرويه أبو الحسن عن ابن أبي ريحانة. (10)
__________
(1) - لوحة 7.
(2) - لوحة 8.
(3) - لوحة 9-10.
(4) - لوحة 10-11.
(5) - لوحة 16-17.
(6) - لوحة 22.
(7) - لوحة 23-24.
(8) - لوحة 24-25.
(9) - لوحة 25.
(10) - لوحة 31-32.(1/84)
- وكتاب "المحرر الوجيز في تفسير القرآن العزيز "لأبي محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن عطية الأندلسي يريه أبو الحسن عن أبي علي بن أبي الأحوص(1).- وكتاب تفسير غريب القرءان "للسجستاني يرويه عن ابن أبي الأحوص ... (2) إلى غير ذلك مما تركته اختصارا.
أصحاب أبي عبد الله بن عمر من الرواة عنه :
أما الذين قرأوا عليه وانتفعوا بصحبته وعلو أسانيده فهم كثير، منهم من الأعلام المشهورين :
1- أبو عبد الله محمد بن عبد الملك بن علي القيسي المعروف بالمنتوري الذي رأينا بعض مروياته عنه (ت 834).
2- أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن إبراهيم السماتي المعروف بالفخار.
3- أبو وكيل ميمون بن مساعد المصمودي مولى الفخار وصاحب "تحفة المنافع في قراءة نافع"(ت 816).
4- أبو زيد عبد الرحمن بن بن محمد بن عطية الجادري صاحب "النافع في أصل حرف نافع"(ت 839-842).
5- أبو زكرياء يحيى بن أحمد بن محمد النفزي الحميري الشهير بالسراج صاحب الفهرسة المشهورة (ت 805).
6- أبو الحسن علي بن أحمد الورتناجي الشهير بالوهري.
7- أبو بكر الشريف الحسني الإدريسي قاضي سبتة والمدرس بمدرستها الجديدة (ت 809) (3).
8- محمد بن عبد الله بن أبي الربيع سليمان بن قاسم البجيري شيخ أبي عبد الله بن مرزوق الكفيف(4).
9- محمد بن محمد بن ميمون البلوي الأندلسي قرأ عليه بعض السبع وأجازه في أواخر سنة 771. (5)
وستأتي لنا تراجم بعض هؤلاء الأصحاب مع تقديم بعض أعمالهم العلمية باعتبارها امتدادات لإشعاع هذه المدرسة بعون الله.
خاتمة
__________
(1) - لوحة 23-25.
(2) - لوحة 25-26.
(3) -ترجمته في بلغة الأمنية ومقصد اللبيب 49-51 ترجمة 40.
(4) - ثبت أبي جعفر أحمد بن علي البلوي الوادي أشي 311.
(5) - غاية النهاية 2/246 ترجمة 3430.(1/85)
وبانتهائنا إلى هنا مع تلامذة أبي الحسن بن سليمان نكون قد استعرضنا أهم ما يمكن تقديمه للعريف بهذه المدرسة حسب ما تأتىلنا جمعه من آثار ومعلومات، ولعلنا قد مهدنا الطريق لمن يأتي بعدنا لأن يقوم بمزيد من الإنارة للموضوع بالوقوف على تفاصيل أوفر وأوفى بالغاية، وحسبنا أننا نشعر بالغبطة بما أتيح لنا بوسائلنا المحدودة من جمع وتصنيف لنثار هذه المواد والمعلومات لتكوين صورة أولية وتقريبية عن المدرسة "التوفيقية" وإشعاعها العلمي في المغرب على عهد الازدهار ونشوء المدارس الفنية الخاصة، ولقد رأينا كيف كان أبو الحسن في هذا الطور في هذه الجهات بعثا جديدا لهذا الاتجاه أو على الأقل امتدادا لما عرفته الحواضر الأندلسية في عهد الأقطاب وخلفائهم من سير وتوجيه في هذه الطريق.
ولقد كان أبو الحسن بما تزعمه وأقرأ به وألف فيه من "الجمع الكبير" حسب ما سمي ب"الخلاف الكبير"زعيم مدرسة فنية كان لها أثرها الفعال في مستقبل القراءات بالمغرب ومستوى الدراسة الفنية لأصولها الأدائية وعلى الأخص فيما يهمنا أي في قراءة نافع من رواية ورش ومسائل الخلاف فيها.
ولقد مر بنا أيضا ما كان لأبي الحسن ورجال مدرسته كأبي العباس الزواوي وأبي محمد بن مسلم وكما سوف نرى عند أبي عبد الله الصفار من توجه خاص نحو تحرير "العشر النافعية" ودراسة مسائل الخلاف فيها، وهو توجه جديد على المناطق المغربية يعتبر أبو الحسن فيه أحد الرواد الكبار الذين خططوا للسير في هذا الإتجاه، إلى جانب من تقدمه أو عاصره من رجال مدرسة أبي عبد الله بن القصاب الذين وقفنا على جهودهم في ذلك.(1/86)
ولنا في العدد الآتي موعد مع علم آخر من أعلام هذا الرعيل كانت له مدرسته الفنية البارزة المعالم في المدرسة النافعية في الغرب الإسلامي، وله اتصال حميم بهذه المدرسة في توجهاتها العامة، كنا أنه كان من جملة من أفاد من صحبة شيخها وزعيمها، وأعني به أبا الحسن بن بري التازي صاحب أشهر أرجوزة في قراءة نافع وقيدوم الإتجاه الإتباعي الذي رسمه قطب "المدرسة الأثرية"أبو عمرو الداني، ليمسي مع الزمن يمثل "المذهب الرسمي" أو المحور الذي عليه المدار في المدرسة الغربية في عامة الجهات والأقطار-.
فهرسة المصادر والمراجع المطبوعة والمخطوطة
- إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس للعلامة عبد الرحمن بن زيدان المكناسي ط 2 : الدار البيضاء 1410هـ 1990م.
- إجازة الشريف محمد بن محمد بن سليمان البوعناني لتلميذه محمد الشرقي المجاطي الدلائي، مخطوطة الخزانة الحسنية بالرباط رقم 9977.
- الإحاطة في أخبار غرناطة للسان الدين بن الخطيب تحقيق محمد عبد الله عنان : ط 2 مكتبة الخانجي- القاهرة.
- أرجوزة نظم التعريف فيما انفرد به عبد الصمد العتقي والإصبهاني عن ورش مما خالفا فيه أبا يعقوب الأزرق، وما خالف فيه القاضي إسماعيل وأحمد الحلواني عن قالون أبا نشيط محمد بن هارون المروزي (مخطوطتان).
- إفادة النصيح في التعريف بسند الجامع الصحيح لأبي عبد الله محمد بن عمر بن رشيد الفهري السبتي تحقيق الدكتور محمد الحبيب بلخوجة- نشر الدار التونسية للنشر.
- الإفادات والإنشادات لأبي إسحاق الشاطبي تحقيق الدكتور محمد أبو الأجفان- نشر مؤسسة الرسالة- تونس.
- الإقناع في القراءات السبع لأبي جعفر أحمد بن علي بن الباذش الأنصاري الغرناطي تحقيق الدكتور عبد المجيد قطامش طبعة دار الفكر- دمشق- ط 1 : 1403هـ.
- أنوار التعريف لذوي التفصيل والتعريف في الطرق العشر النافعية لمحمد بن أحمد بن أبي القاسم بن الغازي الجزولي (مخطوط خاص).(1/87)
- إيضاح الأسرار والبدائع وتهذيب الغرر والمنافع في شرح الدرر اللوامع لأبي عبد الله محمد بن المجراد الفنزاري السلاوي مخطوط الخزانة العامة بالرباط رقم 1745.
- برنامج التجيبي القاسم بن يوسف السبتي تحقيق عبد الحفيظ منصور نشر الدار العربية للكتاب لبيا- تونس : 1981م.
- بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم مطبعة عيسى البابي الحلبي- وطبعة المكتبة العصرية بصيدا، بيروت : 1334هـ- 1964م.
- بلغة الأمنية ومقصد اللبيب فيما كان بسبتة في الدولة المرينية من مدرس وأستاذ وطبيب لمؤلف غير معروف، تحقيق عبد الوهاب بمنصور- المطبعة الملكية الرباط.
- بيوتات فاس الكبرى لأبي الوليد إسماعيل بن الأحمر وغيره نشر دار المنصور للطباعة- الرباط : 1972م.
- تاريخ ابن خلدون المسمى بكتاب العبر وديوان المبتدئ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن شايعهم من ذوي السلطان الأكبر- القاهرة : 1391هـ – 1971م.
- تحفة المنافع في أصل مقرإ الإمام نافع (أرجوزة) لأبي وكيل ميمون بن مساعد المصمودي (مخطوطة).
- التجريد لبعية المريد في القراءات السبع لأبي القاسم عبد الرحمن بن أبي بكر عتيق بن خلف الصقلي المعروف بابن الفحام- مصورة عن المكتبة الأزهرية بالقاهرة رقم 33377.
- تاريخ قضاة الأندلس (المرقية العليا فيمن يستحق القضاء والفقيا)لأبي الحسن النباهي المالقي منشورات دار الآفاق الجديدة –بيروت : 1400هـ-1980م.
- ترتيب الأداء وبيان الجمع في الإقراء للشيخ أبي الحسن علي بن سليمان بن أحمد الأنصاري القرطبي مخطوطة الخزانة العامة بالرباط، رقم : 2988 حرف "د".
- التعريف في اختلاف الرواة عن نافع لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني تحقيق الدكتور التهامي الراجي الهاشمي نشر اللجنة المشتركة بين المغرب والإمارات العربية- مطبعة فضالة : 1403هـ- 1982م.(1/88)
- التعريف بابن خلدون لعبد الرحمن بن خلدون تحقيق العلامة محمد بن تاويت : 1370هـ 1951م.
- تعريف الخلف برجال السلف لأبي القاسم محمد الحفناوي مؤسسة الرسالة، تونس ط 1 –1402هـ 1982م.
- تقييد عن كتاب التجريد الكبير لأبي الحسن بن سليمان القرطبي شيخ الجماعة بفاس، قيده أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد الرحماني عن شيخه محمد بن سليمان البوعناني بفاس عند قراءته عليه بها- يوحد بخط يد مقيده في مجموع تضمن إجازات شيوخه بالخزانة الوقفية بآسفي.
- ثبت أبي جعفر أحمد بن علي البلوي الوادي آشي تحقيق الدكتور عبد الله العمراني- دار الغرب الإسلامي ط 1، 1403هـ-1974م.
- جذوة الإقتباس في ذكر من حل من الأعلام مدينة فاس لأحمد بن محمد بن القاضي المكناسي- دار المنصور – الرباط- الطبعة 1 : 1974م.
- جواب لابن القاضي حول مراتب المد في الأداء عند القراء- مخطوط ضمن مجموع بخزانة تطوان رقم 881.
- الدر النثير في شرح التيسير لأبي محمد عبد الواحد بن أبي السداد الباهلي المالقي (مخطوط) بالخزانة الحسنية بالرباط، رقم 1592. (6).
- الدر النثير والعذب النمير في شرح مشكلات وحل مقفلات اشتمل عليها كتاب البيسير لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني بأليف عبد الواحد بن محمد بن أبي السداد أبي محمد المالقي تحقيق أحمد عبد الله أحمد المقري نشر دار القتوى للطباعة والنشر-جدة- العربية السعودية : 1411هـ- 1990م.
- درة الحجال في أسماء الرجال لأبي العباس أحمد بن محمد بن القاضي المكناسي تحقيق محمد الأحمدي أبو النور نشر دار التراث بالقاهرة والمكتبة العتيقة بتونس. ط 1، 1390هـ- 1970م.
- الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة لمحمد بن عبد الملك الأنصاري المراكشي تحقيق الدكتور إحسان عباس والدكتور محمد بن شريفة –دار الثقافة – بيروت- لبنان.
- الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب لابن فرحون اليعمري-دار الكتب العلمية- لبنان.(1/89)
- الروض الجامع في شرح الدرر اللوامع لمسعود بن محمد جموع السجلماسي (مصورة عن مخطوط).
- الزهر اليانع في قراءة الإمام نافع للإمام محمد بن إبراهيم الصفار البينملي المراكشي مخطوطة عتيقة بخزانة القرويين بفاس رقم 1039.
- الإستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى للشيخ أحمد بن خالد الناصري السلاوي تحقيق ولديه جعفر الناصري ومحمد الناصري- نشر دار الكتاب- الدار البيضاء : 1956م.
- سلسلة قراءة الإمام نافع عند المغاربة للمؤلف عبد الهادي بن عبد الله حميتو- مجموع أعداد السلسلة.
- سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس لجعفر بن محمد الكتاني- طبعة حجرية بفاس بدون تاريخ.
- شجرة النور الزكية في طبقات السادة المالكية لمحمد بن مخلوف التونسي- دار الكتاب العربي- لبنان.
- شرح الدرر اللوامع (الفجر الساطع والضياء اللامع) لأبي زيد عبد الرحمن بن القاضي مخطوطة الخزانة العامة بالرباط رقم 989 ونسخ خطية أخرى.
- صفة جزيرة الأندلس (منتخبة من كتاب الروض المعطار لحميري) نشر في بروفنصال- جامعة الجزائر.
- صلة الصلة لأبي جعفر بن الزبير-الجزء السابع- القسم الأخير من كتاب الصلة- مطبوعات معهد العلوم- المطبعة الاقتصادية- الرباط : 1938م.
- غاية النهاية في طبقات القراء للحافظ ابن الجزري- دار الكتب العلمية- بيروت- لبنان.
- فهرسة الإمام محمد بن عبد الملك المنتوري- مخطوطة الخزانة الحسنية بالرباط، رقم 1578.
- فهرسة الإمام أبي زكرياء السراج، مخطوطة الخزانة الحسنية- المجلد الأول- رقم 10929.
- فهرسة أبي عبد الله محمد بن غازي تحقيق محمد الزاهي- دار المغرب- الدار البيضاء : 1399هـ –1979م.
- فهرسة خزانة تطوان (قسم القرآن وعلومه) إعداد محمد بوخبزة والمهدي الدليرو تطوان.
- فهارس الخزانة الحسنية بالرباط- الفهرس الوصفي لعلوم القرآن- إعداد محمد العربي الخطابي : 1407هـ –1987م.(1/90)
- الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي لمحمد بن الحسن الحجوي الثعالبي – المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، ط 1 : 1396هـ.
- القراء والقراءات بالمغرب للشيخ سعيد أعراب نشر دار الغرب الإسلامي، ط 1 : 1410هـ – 1990م.
- القصد النافع في شرح الدرر اللوامع لأبي عبد الله محمد بن إبراهيم الخراز الشريشي مخطوط الخزانة الحسنية بالرباط، رقم 3719.
- الكوكب المنير في شرح التعريف الصغير (شرح أرجوزة أبي الحسن بن سليمان القرطبي في الخلاف بين الطرق عن ورش وقالون عن نافع) (مخطوط خاص) لقارئ مغربي اسمه عمر بن إبراهيم.
- لفظ الفرائد من لفاظة حقق الفوائد لأحمد بن القاضي المكناسي (ضمن كتاب ألف سنة من الوفيات)، تحقيق محمد حجي- كلية آداب الرباط- مطبوعات دار المغرب- 1396هـ- 1976م.
- مختصر الإمام أبي زيد عبد الرحمن بن عطية الجادري لشرح أستاذه إسماعيل بن الأحمر على قصيدة بردة المديح لشرف الدين البوصيري- مخطوط الخزانة الصبيحية بسلا، رقم 210.
- المختار من الجوامع في محاذاة الدرر اللوامع لأبي زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي- المطبعة الثعالبية- الجزائر : 1324هـ.
- مشاهير علماء الأمصار لمحمد بن حبان البستي- دار الكتب العلمية- بيروت- لبنان.
- معجم المطبوعات المغربية لإدريس بن الماحي الإدريسي القيطوني بمطابع سلا، 1988م.
- المناهل السلسلة في الأحاديث المسلسلة للشيخ عبد الباقي الأيوبي- دار إحياء علوم الدين.
- منجد المقرئين ومرشد الطالبين للحافظ ابن الجزري- دار الكتب العلمية –بيروت، 1400هـ 1980م.
- نزهة الناظر والسامع في إتقان الإرداف والأداء الجامع لأبي العلاء إدريس بن محمد الحسني المنجرة مخطوط الخزانة الحسنية بالرباط، رقم 6948.
- نثير الجمان لأبي الوليد إسماعيل بن الأحمر- نشر بعنوان أعلام المغرب والأندلس في القرن الثامن بتحقيق الدكتور محمد رضوان- مؤسسة الرسالة، ط 2 : 1407هـ- 1987م.(1/91)
- نيل الابتهاج بتطريز الديباج لأبي العباس أحمد بابا السوداني التيمبوكتي بهامش الديباج لابن فرحون اليعمري في طبقات المالكية- دار الكتاب- لبنان.
- هدية العارفين في أسماء المؤلفين لإسماعيل باشا البغدادي بذيل كشف الظنون لحاجي خليفة- نشر مكتبة المثنى ببغداد.
- الوفيات لأبي العباس الونشريشي (ضمن كتاب ألف سنة من الوفيات) تحقيق محمد حجي- مطبوعات دار المغرب- الرباط، 1396هـ- 1976م.
- الوفيات لابن قنفذ (شرف الطالب في أسمى المطالب) لأحمد بن قنفذ (ألف سنة من الوفيات في ثلاثة كتب) تحقيق محمد حجي- مطبوعات دار المغرب- الرباط، 1396هـ- 1976م.
فهرس المحتويات للعدد الثامن عشر
التصدير ...
تمهيد : المدارس المغربية المختصة في قراءة نافع وأصول أدائها (الطور الثاني
أبو الحسن بن سليمان زعيم المدرسة الأصولية في قراءة نافع ورائد الاتجاه
التوفيقي في القراءة بفاس في المائة الثامنة ...
الفصل الأول: أبو الحسن بن سليمان رائد المدرسة التوفيقية بفاس ...
- ترجمته ...
- مشيخته ...
- أبو جعفر بن الزبير التقفي العاصمي الجياني الأندلسي ...
- أبو جعفر أحمد بن عمر الجذامي الشهير بالمضرس الأندلسي ...
- أبو عمر عبد الرحمن بن حوط الله الأنصاري الحارثي الأندلسي ...
- أبو علي الحسين بن عبد العزيز بن أبي الأحوص المعروف بابن الناظر
... ... الجياني ...
- أبو الحجاج يوسف بن أبي ريحانة الأنصاري المالقي الأندلسي المريلي ...
- أبو الحسين عبيد الله بن أحمد بن أبي الربيع القرشي العثماني السبتي ...
- أبو الحكم مالك بن المرحل الأديب المالقي السبتي ...
- أبو بكر محمد بن أحمد التجيبي اللخمي الإشبيلي ...
- محمد بن الحسين أبو عبد الله بن رزين الحموي القاضي ...
- أبو فارس عبد العزيز بن إبراهيم الهواري الجزيري نزيل سبتة ...
- أبو الفضل راشد بن أبي راشد الوليدي الفقيه ...
- مكانته في المدرسة المغربية ...
- أثره في توجيه مسار القراءات في المدرسة المغربية بسائر طرقها ...(1/92)
1- شعبة الجمع الصغير أو "العشر الصغير" الخاص بقراءة نافع ورواياتها.
2- شعبة الجمع الكبير (الجمع بين طرق الأئمة) الثلاثة :
... ... الداني ومكي وابن شريح. ...
الفصل الثاني : آثاره العلمية وإشعاعها في المدرسة المغربية ...
- برنامج روايته ...
- كتاب تبيين طبقات المد وترتيبها ...
- كتاب التجريد الكبير في الخلاف بين أبي عمرو الداني وأبي محمد مكي وأبي عبد الله بن شريح ...
- مختصر التجريد ...
- كتاب ترتيب الأداء وبيان الجمع بين الروايات في الإقراء ...
- تقديم وتلخيص لأهم مباحث كتاب ترتيب الأداء وبيان
... أهميته في موضوعه ...
- كتاب المنافع ...
- تهذيب المنافع في قراءة نافع ...
- أرجوزته في الخلاف عن ورش وقالون ...
الفصل الثالث : أرجوزته المشهورة في الخلاف عن ورش وقالون المسماة بنظم
التعريف ...
- نص الأرجوزة محققا وهي 149 بيتا ...
- قيمتها العلمية والتعليمية ...
- بعض شروحها ...
- باقي مؤلفات أبي الحسن بن سليمان ...
الفصل الرابع : رجال مدرسة أبي الحسن بن سليمان ومروياتهم ومروياته من خلال
ما قرأوا عليه ...
- أبو سالم التسولي المعروف بابن أبي يحيى، وأبو العباس اليفرني
المعروف بالمكناسي، وأحمد بن حزب الله الخزرجي ...
- أبو العباس أحمد بن علي الزواوي مقرئ قسنطينة ونزيل فاس ومجودها ...
- صلته بالأمير أبي الحسن علي بن عثمان المريني يعسوب الدولة
المرينية وعالمها ...
- مؤلفات الزواوي وطريقه في القراءات ومروياته ...
- أهم الرواة عن أبي العباس الزواوي ...
- أبو العباس البلنسي المعروف بابن الحاجة أحمد بن مسعود بن
... غالب شيخ تونس ...
- عبد الرحمن بن خلدون الحضرمي صاحب التاريخ والمقدمة المشهورة ...
- السلطان أبو الحسن علي بن عثمان المريني ...
- أبو عبد الله الفخار محمد بن عبد الله السماتي شيخ صاحب التحفة
في قراءة نافع ...
- أبو عبد الله محمد بن قاسم الأنصاري المعروف بالشديد- بصيغة التصغير- ...
- أبو عبد الله محمد منديل ولد ابن آجروم الصنهاجي صاحب الآجرومية ...(1/93)
من أكابر أصحاب أبي الحسن بن سليمان : أبو محمد عبد الله بن مسلم
القصري القاضي ...
- مشيخته كما في فهرسة الإمام السراج ...
- أبو محمد الوانغيلي الضرير المقرئ ...
- أبو الحسن الزرويلي الفقيه المعروف بأبي الحسن الصغير صهر أبي الحسن
بن سليمان ...
- محمد بن أبي حامد الحسني المكناسي صاحب أبي عبد الله
بن رشيد السبتي ...
- محمد بن أحمد بن عبد الملك الفشتالي قاضي الجماعة بفاس ...
- أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن التميمي الكرسوطي نزيل مالقة ...
- محمد بن عبد المهيمن أبو سعد الحضرمي ...
- أبو البركات محمد بن محمد بن إبراهيم البلفيقي السلمي قاضي
الجماعة بغرناطة ...
- أبو عمران موسى بن حدادة الصلحي المرسي المقرئ ...
- أبو عبد الله بن عمر اللخمي من أكابر أصحاب أبي الحسن
بن سليمان بفاس ...
- مشيخة أبي عبد الله بن عمر من فهرسة الإمام السراج ...
- مرويات الإمام المنتوري من كتب القراءات وغيرها في فهرسته من طريق أبي
عبد الله بن عمر عن أبي الحسن بن سليمان القرطبي شيخ الجماعة بفاس ...
- أصحاب أبي عبد الله بن عمر من الرواة عنه ...
خاتمة ...
فهرس المصادر والمراجع المعتمدة في العدد الثامن عشر ...
فهرسة المحتويات ...
قراءة الإمام نافع عند المغاربة
من رواية أبي سعيد ورش
المدارس المغربية المختصة في قراءة نافع وأصول أدائها
(الطور الثاني)
مدرسة ابي الحسن بن بري التازي صاحب "الدرر اللوامع"
وعميد المدرسة المغربية في القراءة الرسمية
تعريف بأرجوزته وإشعاعها وشروحها الخمسين
العدد التاسع عشر
الإمام أبو الحسن بن بري عميد الاتجاه "الرسمي" في قراءة نافع بالمدرسة المغربية.
تصدير :(1/94)
إذا كان كل من الشيخين أبي عبد الله بن القصاب وأبي الحسن بن سليمان قد مثلا كل من جانبه في قراءة الإمام نافع بن أبي نعيم المدني، أصول مدرسة فنية واضحة المعالم قائمة البنيان، وكانت كل مدرسة منهما قد أثمرت لنا شخصيات رفيعة الشأن عالية المستوى في القيام على قراءة إمام دار الهجرة في القراءة من روايتي راويي قراءته المشهورين : أبي سعيد عثمان بن سعيد ورش، وأبي موسى عيسى بن مينا قالون من أشهر الطرق عنهما- كما مر بنا- مما أمكن معه لنا أن نعتبره أهم التيارات العلمية القوية التي صبت في المجرى العام الذي انتظم واحتوى ذلك العباب الزاخر من النشاط الذي تدفق في هذه القراءة تلاوة وأداء ورسما وضبطا وتأليفا نظما ونثرا خلال الطور الأول والثاني من تاريخ ازدهار المدرسة المغربية في أيام الدولة المرينية أي في أواخر المائة السابعة وأول الثامنة فما بعد ذلك، فإن إماما فذا من خيار هذا الرعيل قد عاصرهما وأفاد من هذا المد الثقافي الطامي الذي أسهما واسهم معهما رجال مدرستيهما في دفعه، ذلك هو أبو الحسن بن بري عميد الاتجاه "الرسمي" في قراءة نافع في زمنه وممثل "المدرسة الأثرية" فيه، وصاحب أسير أرجوزة في هذه القراءة احتلت الساحة واستقطبت أهم ما كان يدور فيها من نشاط في البحث والتأليف والتنظير والتوجيه.
وسنحاول في هذا العدد استعراض أهم معالم هذه الشخصية الجليلة واستكشاف معالم آثارها في وضع أصول المدرسة "الرسمية" في القراءة العامة بالمغرب، استنادا إلى أهم ما بلغنا من آثارها وما قام حولها من نشاط علمي في مختلف العصور.
الفصل الأول:
أبو الحسن بن بري: ترجمته ومكانته وآثاره العلمية
ترجمته ومكانة مدينة تازة مدرج صباه وموطنه الأصلي :(1/95)
هو علي بن محمد بن علي بن محمد بن الحسين أبو الحسن الشهير بابن بري الرباطي التازي نسبة إلى رباط تازة (1) التسولي الأصل والنجار(2) من فخد من بربر تازة يقال لهم "بنو لنت"(3).
انتقل أهله إلى مدينة تازة، وكان مولده بها في حدود الستين وستمائة(4)، "ونشأ بتازة ب"زقاق الزفانين" منها، واجتهد كثيرا في الذكر والبحث والمطالعة، وكان من طلبة تازة (5)وعدولها، وانتقل إلى فاس كاتبا سنة 724هـ"(6).
وقد عاصر أبو الحسن بن بري عهد التأسيس من دولة بني مرين، كما أدرك منذ أول شبابه زمنا مهما من عهد فتوة هذه الدولة وشبابها وقوتها، واستفاد من خلال ذلك مما تأثل لها من مظاهر النهضة العمرانية والحضارية والعلمية، مما تجسد في فاس وباقي الحواضر، وعلى الأخص في المنطقة الشمالية التي كانت يومئذ زاخرة بالنشاط العلمي بحكم استفادتها من هجرة علماء الأندلس إليها، واحتكاكها الطويل بالجهات والحواضر الباقية من الأندلس.
مدينة تازة:
__________
(1) - نسبه في أول شرح المجاصي على الدرر اللوامع إلى "الأرباض" يعني أحواز تازة.
(2) - ذكره مسعود جموع في أول شرحه الآتي على الدرر اللوامع.
(3) - تعريف الخلف برجال السلف للحفناوي 2/12.
(4) - شرح الجادري على الدرر اللوامع نقله عنه ابن القاضي في أول الفجر الساطع على الدرر اللوامع".
(5) -يراد بالطلبة في الاصطلاح القديم "القراء"، وربما "الفقهاء" "أحيانا"، وهو امتداد لما جرى عليه الموحدون أيام تقسيمهم لرجال العلم إلى طلبة الموحدين " "وطلبة الحضر" كما قدمنا.
(6) - الرحلة الحجازية لأبي محمد الإسحاقي (مخطوطة القرويين) رقم 1259.(1/96)
وكانت مدينة تازة التي هي دار نشأته ومرباه من المراكز الثقافية المهمة التي استفادت من هذا النشاط، وقد كانت محل عناية الملوك المرينيين، وقد تزايدت عنايتهم بها مع الزمن، "فأسسوا بها دار الإمارة، وبنوا المساجد والمدارس وعمروها، ووقفوا عليها الأوقاف المغلة، وكانوا ينزلونها ويتفقدونها، وينتخبون من أبنائها الكتاب والمؤدبين ورجال القضاء، جريا على العادة في استقطاب النخبة الممتازة من الكفاءات إلى العاصمة(1).
وهكذا استفاد المبرزون من أبناء تازة لهذا العهد من الوظائف الرسمية، فكان منهم مثل أحمد بن شعيب الجزنائي التازي نزيل فاس "من أهل البراعة في اللسان والأدب والعلوم العقلية"، وقد نظمه السلطان أبو سعيد المريني في سلك الكتاب"(2).
وكان منهم مثل أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن التسولي التازي المعروف بابن أبي يحيى الفقيه القاضي الذي سفر لأبي الحسن المريني بغرناطة، كما جعله ضمن الوفد الرسمي إلى الديار المقدسة مصحوبا بالمصحف الشريف الذي خطه أبو الحسن بيده ووقفه على المسجد النبوي(3).
وكان منهم مثل أبي مهدي عيسى بن عبد الله الترجالي قاضي تازة صاحب أبي الحسن بن بري الذي سعى له في عمل "الكتابة" لدى الأمراء كما سيأتي.
__________
(1) - ينظر بعض ذلك في مقال للأستاذ سعيد أعراب "جريدة الميثاق عدد 10.
(2) - التعريف بابن خلدون 48-49.
(3) - ينظر في ذلك الاستقصاء 3/127.(1/97)
وعلى العموم فقد كان الملوك المرينيون يحسون نحو أهل تازة بنوع من الثقة والمودة لسالف خدمتهم لدولتهم وسابقتهم معها في عهد التأسيس، وأكد ذلك عندهم أن بلدهم كان أول بلد فتحوه ودان لهم، وقد ذكر ابن عذاري المراكشي في حوادث سنة 646هـ استيلاء الأمير المريني أبي يحيى عبد الحق بن محيو على رباط تازة قال : "وهو أول فتح بني عبد الحق- أعزهم الله تعالى- في تملك قواعد البلدان، ... وذكر في هذا السياق أن الدولة التزمت لأهلها" "أنه لا سبيل لأن يتعرض مريني لتازي بمضرة"، وبايعه أهل ربطها وحلها، ويسر الله فتح تازة لبني عبد الحق الكرام على يد الأمير أبي يوسف بتيسير مرام، فهو كان قفل البلاد المغربية فصار مفتاحها وأول فتوحها لهذه الدولة المرينية"(1).
ثم زاد في التمكين لأهل تازة عند رجالات هذه الدولة أن بيعة زعيمهم والمؤسس الحقيقي لدولتهم "يعقوب ابن عبد الحق إنما "تمت أولا برباط تازة بيعة الخاصة والعامة سنة 656هـ(2).
وذلك يعني أن تازة كانت أشبه بالعاصمة الأولى لدولتهم قبل اتخاذ "المدينة البيضاء" :فاس الجديدة(3) عاصمة لهم، ولاشك أن العهد أو الالتزام الذي التزمت به الدولة لأهل تازة كان بمثابة ظهائر التوقير والاحترام التي جرت العادة باصدارها لتكريم صنائع الدولة وأهل السابقة والغناء والبيوتات الشريفة من أهل خدمتها، وذلك من شأنه أن يستتبع مزيدا من الحفاوة والرعاية الخاصة لأبناء المدينة والنابغين من رجالها والتقريب للمبرزين من علمائها، كما يستتبع اهتماما بالمدينة وعمرانها وتشجيع الحركة العلمية بها ببناء المدارس والعناية بالمساجد والمشايخ.
__________
(1) - البيان المغرب-قسم الموحدين- 390.
(2) - المصدر نفسه 415.
(3) - مسالك الأبصار في ممالك الأمصار لابن فضل الله العمري 107.(1/98)
وقد أفادت المدينة أيضا من العامل الآنف الذكر أعني من هجرة العلماء إليها من الأقطار وخاصة من الأندلس حيث حل بها طائفة من العلماء والقراء كان منهم أبو الربيع بن حمدون الشريشي شيخ ابن بري في قراءة نافع وغيره كما سوف نرى في مشيخة محمد بن شعيب المجاصي وغيره، مما أسهم بنصيب وافر في إنعاش الحياة العلمية بها.
شيوخه :
ولسنا ندري الكثير من المعلومات عن أبي الحسن بري وعلاقته بالحياة العلمية بتازة في مراحله الأولى وحتى الوسطى من حياته التي امتدت قرابة سبعين عاما، سواء منها ما يتعلق ببيته وأسرته ومستواهم في العلم، أم ما يتعلق بمشيخته الأولى وتنقلاته في الطلب، وهي أمور تدل بقايا من أخبارها وآثارها على أنها كانت جديرة بالتتبع والتدوين، لا سيما وأننا سوف نجده في المرحلة المتأخرة من عهد الطلب قد أخذ عن الأكابر، وتأهل للجلوس إلى العلية من أهل العلم والرواية، وهو أمر لم يكن يتاح الإقدام عليه إلا للنابغين ممن ترقوا إليه بطول المدارسة ومثافنة الشيوخ.
ومن الغريب أن نجد المصادر التي أرخت لأبي الحسن لا تذكر من مشيخته إلا الشيخ أبا الربيع بن حمدون الذي صرح بروايته عنه في أرجوزته حيث يقول :
حسبما قرأت بالجميع ... عن ابن حمدون أبي الربيع"
وهذا تقصير شنيع في حق إمام كبير كأبي الحسن، بل في حق تاريخ المدرسة المغربية في القراءة بوجه عام، وذلك لما له فيها من مكانة خاصة يمكن اعتباره معها قيدوم قراء المغرب في زمنه وعميد الاتجاه الأثري في المنطقة وهو "المذهب الرسمي" الذي كان ابن بري رأس الطبقة التي تصدرت لرسم خطوطه ومعالمه، وكان عمله نبراسا هاديا من بعده لكل آخذ ب"مقرأ نافع" كما سيأتي لنا تمثل هذه الحقيقة من خلال أرجوزته العصماء وما قام حولها من نشاط.(1/99)
وإمام كهذا كان جديرا بأن تدون تفاصيل حياته العلمية، وأن تذاع أسانيده في القراءة والرواية وتحفظ عن ظهر قلب شأنها شأن أسانيد الأئمة الكبار في عصور الإزدهار، وذلك من شأنه أن يجعل القراءة باختياراته قائمة على ثقة تامة بمقداره وعلم بنبل مشيخته وعلو أسانيده، وأنه كان في عصره فارس الميدان الذي عليه المدار في هذا الشأن.
ولقد طلبت مشيخة ابن بري في عامة ما هو معروف من شروح لأرجوزته بين مختصر ومطول فلم أجد أحدا منهم ذكر غير أبي الربيع ابن حمدون، ثم وقفت على إشارة بعض الباحثين إلى مجموعة من شيوخه انفرد بذكرهم الإسحاقي في رحلته(1)،
__________
(1) - الإسحاقي المذكور هو أبو أحمد سيدي الشرقي بن محمد الإسحاقي الوزير الفقيه صاحب "الرحلة الحجازية" إلى الحرمين الشريفين، وكان في جملة الركب الرسمي الذي حج بايفاد من المولى عبد الله بن إسماعيل العلوي صحبة والدته خناتة بنت بكار بن علي المغافرية انطلاقا من مكناسة عام 1143هـ.
وتوجد عدة نسخ مخطوطة من رحلته منها واحدة بالقرويين برقم 1259 وأخرى بالخزانة الحسنية بالرباط برقم 11867، وقد تعرفت عليها أولا من خلال ما ذكرها عنها الأستاذ محمد بن أحمد الأمراني في بحثه بعنوان "نظرات حول شخصية ابن بري التازي إمام المغاربة في القراءة "- مجلة الإحياء العدد الأول ص 94.(1/100)
وعلى الرغم من أن الإسحاقي إنما ذكر هذه المعلومات عرضا فإنها قد تضمنت عناصر مهمة لا توجد في كتاب، وقد صدر لها بذكر دخوله لتازة وهو في طريقه إلى الديار المقدسة في الموكب الرسمي فقال: "وزرنا بتازة من الصالحين المشهورين سيدي محمد بن يجبش(1) وسيدي عزوز، وسيدي علي بن بري التسولي النسب التازي الدار، وشيوخه أبو جعفر بن الزبير، وأبو الحسن علي بن سليمان، وأبو الربيع بن حمدون وذكر ذلك في إجازة له .. وذكر نقلا عن ابن عبد الكريم(2) أنه "هو من بني لنت، وكنت أسمع أنه من بني مقورة منهم، وذكر أنه نشأ بزقاق الزفانين بتازة، وأنه اجتهد كثيرا في الذكر والبحث والمطالعة حتى كان من طلبة تازة وعدولها(3).
__________
(1) - هو محمد بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن يجبش توفي بتازة سنة 920 ذكره القادري في لقط الفرائد 284.
(2) - هو أبو الحسن علي بن عبد الكريم الأغصاوي سيأتي في شراح الدرراللوامع.
(3) - النص منقول عن رحلة الإسحاقي مخطوطة القرويين لوحة 29.(1/101)
إن هذه المعلومات ذات أهمية بالغة في التاريخ العلمي لحياة أبي الحسن بن بري، وقد بقيت على مالها من بالغ الأهمية مغمورة لا يفطن لوجودها أحد، ولذلك ظل اسمه في التلمذة مقترنا بالشيخ الوحيد الذي اقتصر على ذكره في أرجوزته "الدرر اللوامع"، ولولا أن الإسحاقي ينقل مباشرة عن إجازة لابن بري ذكر أنه ضمنها ذكر أولئك الشيوخ لأمكن التردد في قبول خبره، وذلك لسكوت عامة المصادر والشروح التي قامت على بيان مقاصده في أرجوزته، ولأن أحدا ممن ترجموا له لم يذكر له شيئا من ذلك، ولا عرفت له رحلة يأخذ فيها عن مثل أبي جعفر بن الزبير المتصدر بغرناطة، وبهذا يكون الإسحاقي قد وضع في أيدي الباحثين مفتاحا مهما لدراسة حياة ابن بري ومكنهم من الكشف عن حلقة مفقودة من تاريخ مشيخة القراءات عنده، لأن الاعتقاد السائد أنه كان لا يحسن غير قراءة نافع التي نظم فيها أرجوزته، وأنه بالتالي لم يأخذ إلا عن أبي الربيع بن حمدون، هذا مع أن نظم أرجوزته قد كان سنة 697هـ أي في سن الشباب من عمره، وذلك لا يمنع أن يكون قد قرأ على من ذكر بغير ما ذكر من الروايات، أو أن قراءته على غير أبي الربيع قد تأخرت إلى ما بعد نظمه لأرجوزته، فشيوخه على هذا هم :
1- أبو جعفر أحمد بن إبراهيم ..بن الزبير الغرناطي الحافظ المشهور (ت 708 هـ).
ولعل أخذه عنه قد تم في مدينة سبتة التي كان ابن الزبير يتردد عليها بعد أن أصبحت ولاية تابعة لمملكة بني الأحمر بغرناطة سنة 705(1).
2- أبو الحسن علي بن سليمان بن أحمد القرطبي شيخ الجماعة بفاس (ت 730هـ).
__________
(1) - تاريخ ابن خلدون 7/228 والاستقصا 2/46-49.(1/102)
وأخذ ابن بري عنه أمر طبيعي اعتبارا بما كان له في المنطقة من شفوف قدر وجمال ذكر وكثرة أصحاب ونبل مشيخة كما مر بنا في العدد الماضي، وقد رأينا أن أهم أشياخه الذين أسند عنهم القراءات هو أبو جعفر بن الزبير، فيكون ابن بري مشاركا له فيه، وبهذا يعلو سنده من هذه الطريق فيساويه فيما قرأ به عليه.
3- أبو الربيع سليمان بن محمد بن علي بن حمدون الشريشي(ت 709) وهو الذي نوه بأخذه "مقرأ نافع" عنه كما ذكر في الأرجوزة.
4-
مالك بن عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن أبو الحكم المالقي المعروف بابن المرحل (ت 699هـ).
هو الأديب المقرئ اللغوي المشهور، كان يتردد بين سبتة وفاس، وأقام في هذه الأخيرة زمانا، ولعله أخذ عنه خلال هذا المقام بها، وقد انفرد بذكر أخذه عنه الشيخ أحمد بابا السوداني في "كفاية المحتاج"(1).
5- والده محمد بن علي بن بري التازي، وأخذه عنه ربما كان في المرحلة الأولية من حياته العلمية.
وقد عده بعض الباحثين في مشيخته استئناسا بما جاء في ترجمة ولده عند بعض شراح الدرر من تحليات له كوصفه ب"الشيخ الأفضل" فيما ذكره به أبو عبد الله الخراز في "القصد النافع"(2)،ووصفه ب"الشيخ الأفضل المتقن البليغ" فيما ذكره به أبو زيد بن القاضي(3)، فهذه الصفات تدل على مستوى من العلم يمكن أن يكون أبو الحسن قد انتفع به، وذلك ما سوغ لبعض الباحثين عده في شيوخه(4).
سند أبي الحسن بن بري في قراءة نافع من طريق شيخه أبي الربيع بن حمدون:
__________
(1) - كفاية المحتاج 269 تحقيق محمد مطيع (نسخة مرقونة بالآلة بكلية الآداب بالرباط).
(2) - القصد النافع لبغية الناشئ والبارع في شرح الدرر اللوامع لوحة 2 مخطوطة خ ح بالرباط رقم 3719.
(3) - الفجر الساطع والضياء اللامع في شرح الدرر اللوامع لوحة 1-2 م خ ع بالرباط رقم 989.
(4) - الأستاذ محمد بن أحمد الأمراني في "نظرات حول شخصية ابن بري التازي "-مجلة الاحياء العدد 1/94.(1/103)
وصف أبو الحسن شيخه أبا الربيع في أرجوزته بعد أن ذكر موضوعها وهو "مقرأ نافع" من روايتي ورش وقالون فقال :
حسبما قرأت بالجميع ... عن ابن حمدون أبي الربيع
المقرئ المحقق الفصيح ... ذي السند المقدم الصحيح
ثم لم يزد ابن بري في رفع هذا السند ليذكر مشيخة شيخه، إلا أن طائفة كبيرة من شراح أرجوزته قد استدركوا هذا النقص فتحدثوا عن الشيخ ورفعوا نسبه وذكروا مشيخته ومكان إقرائه ووفاته، فقال أبو عبد الله الخراز شارحها الأول :
ترجمة أبي الربيع بن حمدون : "هو الحاج المقرئ أبو الربيع سليمان بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن حمدون الشريشي، يروي عن الإمام أبي بكر محمد بن موسى بن فحلون السكسكي(1) عن الشيخين الإمامين المقرئين الحاج أبي الحسن علي بن هشام بن الصعب اللخمي، والشيخ المقرئ أبي بكر محمد بن علي بن موسى الشهير بالغزال(2) وغيرهما ممن تضمنته فهرسته(3).
- ويروي أيضا عن الشيخ المقرئ المسن الراوية أبي الحسين أحمد بن محمد الأزدي الاشبيلي الشهير بابن السراج(4)، عن أبي القاسم بن الشراط عن أبي القاسم بن رضا وأبي القاسم بن الفرس وغيرهما".
__________
(1) - إمام مقرئ له فهرسة مشهورة وقد تقدم ذكره في مشيخة أبي مروان عبد الملك بن موسى الشريشي شيخ ابن حدادة المرسي وابن واش الفناسي وأبي إسحاق التجيبي.
(2) - ترجمته في غاية النهاية 2/210، ترجمة 3286.
(3) - يروي فهرسته صاحب "فهرس الفهارس" من طريق السراج عن القاضي أبي عبد الله الفشتالي عن أبي زكريا يحيى بن أحمد بن واش عن جامع برنامجه الأستاذ أبي مروان عبد الملك بن موسى الأنصاري"- فهرس الفهارس 2/994 ترجمة 564.
(4) - مقرئ راوية رحال تلا بالسبع على ابن غالب الشراط وخاله محمد بن خير الاشبيلي وطال عمره حتى تفرد بأفريقية وبها مات سنة 657 عن مائة سنة إلا ثلاثة أعوام وهو آخر من تلا على ابن غالب وخاله"- غاية النهاية 1/102.(1/104)
- ويروي أيضا عن الإمام الزاهد المحدث أبي عبد الله محمد بن سليمان المعافري الشاطبي المتعبد بمحرص سوار بظاهر ثغر الأسكندرية(1)، عن أبي الفضل أبي البركات الهمداني عن أبي طاهر السلفي".
- والمعافري أيضا عن أبي الحسن السخاوي صاحب أبي القاسم بن فيرة الشاطبي"(2).
- ويروي أيضا عن الأستاذ النحوي أبي الحسين عبيد الله بن أبي الربيع القرشي(3)، إلا أن قراءته على أبي الحسين بن أبي الربيع كانت على طريقة ابن شريح رحمه الله، وتوفي رحمه الله بمدينة تازة في يوم الخميس 26 من شهر شعبان المكرم عام تسعة وسبعمائة"(4).
وقد رفع الإمام المنتوري في شرحه سند ابن بري في قراءة نافع من طريق ابن حمدون فقال :
__________
(1) - ترجمته في غاية النهاية 2/149 ترجمة 3044.
(2) -في إيضاح الأسرار والبدائع "المنقبر بمحرس سوار يعني المدفون، ولعله تحريف لما أثبتناه من نسخة "القصد النافع".
(3) -تقدم ذكره في أصحابه في الفصل الذي خصصناه لمشيخة الإقراء بسبتة.
(4) -القصد النافع لوحة 13 وما بعدها.(1/105)
"وها أنا أذكر إسناد الناظم في قراءة نافع من الروايتين على ابن حمدون، حدثني شيخنا الأستاذ أبو عبد الله القيجاطي- رضي الله عنه- عن القاضي أبي البركات محمد بن محمد بن الحاج البلفيقي عن الأستاذ أبي الحسن بن بري قال : "قرأت القرءان الكريم برواية نافع من طريقي ورش وقالون على نحو ما نظمته في هذا الرجز على سيدي الشيخ الفقيه الخطيب الحاج المقرئ المتقن أبي الربيع سليمان بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن حمدون الشريشي-رحمه الله- جمعا بين الطريقين المذكورين، وقرأ أبو الربيع المذكور على الشيخ المقرئ الراوية أبي بكر محمد بن موسى بن فحلون السكسكي، وقرأ أبو بكر على الحاج المقرئ أبي الحسن علي بن هشام بن حجاج بن الصعب اللخمي(1) وقرأ أبو الحسن علي أبي المنصور مظفر بن سوار بن هبة الله بن علي اللخمي، وقرأ أبو المنصور على أبي العباس أحمد بن علي السرقسطي، وقرأ أبو العباس على أبي عبد الله محمد بن الحسن بن سعيد(2)، وقرأ أبو عبد الله على المقرئ أبي داود سليمان بن أبي القاسم نجاح مولى هشام المؤيد أمير المومنين، وقرأ أبو داود على الحافظ أبي عمرو الداني رحمة الله عليهم أجمعين"(3).
__________
(1) - هو أبو الحسن علي بن هشام بن حجاج بن الصعب اللخمي شريشي أشبيلي الأصل له رحلة إلى الحج سنة 568هـ رحع منها إلى مصر فلزم الحافظ السلفي من سنة 570 إلى أن توفي وحضر جنازته، ثم رجع إلى المغرب فتصدر ببلده للإقراء وإسماع الحديث وغيره وولي الصلاة بجامع بلده إلى أن توفي سنة 616"- ترجمته في التكملة ترجمة 1891 والذيل والتكملة السفر 5 القسم 1/416-419 ترجمة 708- وصلة الصلة 127.
(2) - هو محمد بن الحسن بن محمد بن سعيد أبو عبد الله الداني يعرف بابن غلام الفرس، تقدم في أصحاب أبي داود سليمان بن نجاح.
(3) - شرح المنتوري لوحة 30.(1/106)
وبهذا الإسناد من طريق أبي الربيع تتصل قراءة ابن بري في السبع أيضا، ولا يختص الأمر فيها بمقرأ نافع كما توهمه طائفة من الشراح وفسروا به قوله "حسبما قرأت بالجميع "فظنوه يعني بجميع روايتي ورش وقالون، وقد وقفت في "تقييد طرر على ابن بري" لأبي عبد الله بن مجبر صاحب أبي عبد الله بن غازي على قوله عقب قول ابن بري "بالجميع" : "أي بجميع رواية ورش وقالون، أو بجميع القراءات السبع، وكان أبو الحسن الوهري(1) يفسره بالقول الأول حتى وقف على إجازته في السبع فصار يفسره به"(2).
ثم وقفت على نسبة ذلك إلى الوهري مرة أخرى عند ابن القاضي في "الفجر الساطع" عند شرحه للبيت وهذه الإضافة قيمة جدا تبين لنا مكانة أبي الربيع بن حمدون وموضعه من أساتذته وأساتذة غيره من أهل تازة ممن شاركوه فيه، لكن الإهمال للتاريخ العلمي قد ذهب بكل ذلك حتى إنه لولا أن ابن بري صرح بأخذه عن هذا الشيخ في أرجوزته لذهب ذكره ونسي اسمه من التاريخ ولحق بأمثاله ممن ذهب ذكرهم فلم يبق منه عين ولا أثر.
وقد استفدنا أيضا من هذه الإشارة أن ابن بري قد تخرج على أبي الربيع في القراءات السبع وأجازه بها وبقيت إجازته له محفوظة حتى اطلع عليها أبو الحسن الوهري من أهل المائة التاسعة.
صلاته العلمية ومكانته :
وإلى جانب هؤلاء العلماء والقراء الذين ذكرناهم في مشيخته فقد كانت له صلات علمية واسعة بأكابر علماء عصره، يدلنا على ذلك ما بقي من الإشارات إلى ذلك في المصادر : وربما كان يعضهم من مشايخه، فمنهم :
__________
(1) - هو أبو الحسن علي بن أحمد الورتناجي سيأتي في أصحاب ميمون الفخار.
(2) - تقييد طرر وتنبيهات على ابن بري (سيأتي ضمن شروح أرجوزته).(1/107)
1- ابن الصائم (أو ابن الصائغ)، ولعل المراد به محمد بن عبد الله بن محمد بن لب الأميي من أهل المربة ويعرف بابن الصائغ، وهو من أصحاب أبي الحسن القيجاطي وأبي الحسن بن أبي العيش ثم قرأ على أبي حيان بالقاهرة وانتفع به وبجاهه، ذكر ابن الخطيب أنه توفي في رمضان تحقيقا من سنة خمس- على شك- وسبعمائة"(1) والإشارة الواردة في صلته به إذا كان هو المعني وقفت عليها عند الإمام ابن غازي في أول فهرسته في سياق إجابته لمن التمس منه الإجازة بما يحمله من علوم وروايات من علماء تلمسان وغيرهم حين قال : "فلما وقفت على خطاب هؤلاء الأعلام السادات الكرام، لم أجد لجوابهم مثل قول العلامة أبي الحسن ابن بري في جوابه للإمام ابن الصائم (كذا) :
لك الحسنى أجرني أو أجزني ... فمثلك من أجار من استجازه"(2).
وبهذا اللفظ أيضا أي "ابن الصائم" جاء في "ثبت أبي جعفر أحمد بن علي البلوي الوادي آشي "وقد ضمنه نص الإجازة التي كتبها ابن غازي له ولمن معه ممن استجازه من علماء تلمسان ونزلائها(3).
والمفهوم مما جاء في هذه الإشارة أن ابن الصائم (أو الصائغ) أرسل إلى ابن بري طالبا أن يجيزه فكان من جوابه له ما ذكره الشيخ ابن غازي متمثلا به على سبيل التواضع والغض من شأن نفسه.
__________
(1) - ترجمة ابن الصائغ في الإحاطة 2/433-442 ودرة الحجال 2/81-82 ترجمة 514.
(2) - فهرسة ابن غازي 33-34.
(3) - ثبت أبي جعفر أحمد بن علي البلوي 459-460 وفيه "استجاره" بالراء.(1/108)
2- الإمام أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الآبلي نسبة إلى "آبلة" إحدى قرى بلاد الجوف الأندلسي إلى الشمال الغربي من مجريط، نشأ بتلمسان وقرأ بها، ثم "لجأ إلى المغرب هاربا، لأن سلطان تلمسان يومئد أبو حمو من ولد يغمر اسن بن زيان كان يكرهه على التصرف في أعماله، ففر إلى المغرب، ولحق بمراكش أعوام العشر والسبعمائة، ولزم العالم الشهير أبا العباس بن البناء فحصل عنه سائر العلوم العقلية ... ثم ورد على فاس واختصه السلطان أبو الحسن علي بن عثمان المريني، "ونظمه في جملة العلماء بمجلسه"(1).
ويهمنا منه هنا إشارة تدل على الصلة الحميمة التي كانت له بأبي الحسن بن بري حتى ارتفعت الكلفة بينهما وأصبحا يتطارحان المسائل على النحو الذي حكاه الآبلي قال : "لما نزلت تازة بت مع أبي الحسن بن بري وأبي عبد الله الترجالي(2)، فاحتجت إلى النوم وكرهت قطعهما عن الكلام، فاستكشفتهما عن معنى هذا البيت للمعري :
أقول لعبد الله لما سقاؤنا ... ونحن بوادي عبد شمس وهاشم(3)
__________
(1) -كتاب التعريف بابن خلدون 21-23- وتوفي الأبلي سنة 757 بعد أن عمر طويلا37.
(2) -هو أبو عبد الله محمد بن فتح القيسي الترجالي التازي الفقيه القاضي الأصولي ذكره الونشريسي في وفياته ووصفه بما قلنا وذكر وفاته سنة 720هـ- وفيات الونشريسي (ألف سنة من الوفيات 104) ونحوه في لقط الفوائد للقادري 177.
(3) -كان ينبغي أن يكتب لفظ "وها" بالياء "وهى" لأنه يائي، ولكننا آثرنا أن يكتب بالآلف حفاظا على التعمية في اللغز به.(1/109)
فجعلا يفكران فيه، فنمت حتى أصبح ولم يجداه، فسألاني عنه، فقلت : "معناه : أقول لعبد الله لما وهى سقاؤنا(1)، ونحن بوادي عبد شمس : شم(2) لنا برقا"(3).
3- أبو زيد عبد الرحمن بن العشاب التازي.
وهو من أهل بلده، وتدل بعض المسائل التي نقلها عنه على أنه كان مهتما بتدوين العلم وسؤال العلماء، وقد ساق الإمام الونشريسي في "المعيار" جملة من مسائله تحت عنوان" أسئلة ابن العشاب التسعة والعشرون وأجوبة ابن البقال عنها "وقال : "سأل عنها الفقيه أبو زيد بن العشاب - رحمه الله تعالى- الفقيه العلامة أبا عبد الله بن البقال - رحمه الله تعالى- نقلتها من خط الفقيه الأعرف الأستاذ أبي الحسن علي بن محمد ابن بري، نصها : "الحمد لله حق حمده، وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وعبده، أما بعد، فحقق الله آمال سيدنا الفقيه الأجل العالم القدوة أبي عبد الله ابن الشيخ الأجل الأكمل أبي عبد الله، فإن المتعلق بأذيالكم عبد الرحمن بن محمد بن أحمد راغب أن تجيبوه عن مسائل طالما غدا فيها مفكرا فلم يفتح له فيها بجواب، أولها : أن القارئ إذا قرأ آية فيها دعاء يمكن أن يخص به نفسه، كقوله تعالى : "الذين يقولون ربنا إننا ءامنا فاغفر لنا ذنوبنا ... الآية، هل يختص بهذا الدعاء ويرد ضمائره إليه، أم ليس له ذلك بل يقرؤها مسترسلا ينوي من أخبر عنه بذلك كسائر الآيات؟؟..إلخ.
__________
(1) -يعني تلاشت القربة التي نحمل فيها الماء.
(2) -معناه ارقب ولاحظ.
(3) - القصة مذكورة في الإحاطة 2/225، وأزهار الرياض للمقري 5/64-66 وتعريف الخلف 1/103 وللبيت تأويل آخر أبعد فيه صاحبه النجعة ذكره في "مفتاح السعادة" لطاش كبري زاده 1/146-147.(1/110)
وهكذا سرد باقي التسعة والعشرين سؤالا إلى أن قال ابن بري آخرها : "انتهت الأسئلة ونقلتها من خط السائل- رحمه الله- تتلوها الأجوبة إن شاء الله"، ثم بدأ الأجوبة بقوله : "قال الشيخ العلامة المحقق أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي شهر بابن البقال مجيبا عن الأسئلة المذكورة بما نصه ... ثم ساق الأجوبة على الترتيب إلى نهايتها.
قال الونشريسي :"انتهت الأجوبة من خط الشيخ الأستاذ أبي الحسن علي بن محمد بن بري نقلها من خط السائل والمجيب في السابع والعشرين من شهر رمضان المعظم من عام أربعة وعشرين وسبعمائة"(1).
ثم ذكر الونشريسي تقييدا آخر بخط ابن بري مكتوبا على ظهر الأسئلة والأجوبة المذكورة ذكر فيه ترجمة أبي زيد بن العشاب ووفاته سنة 724هـ، وترجمة ابن البقال ووفاته سنة 725هـ وسيأتي لنا ما ذكر ابن بري عن ابن العشاب نقلا عن ابن بري من تقييده المذكور بحول الله.
4- أبو عبد الله محمد بن محمد بن إبراهيم الخراز صاحب "مورد الظمآن" وأحد شراح الدرر اللوامع، ويظهر أنه كان من أقرانه وممن شاركوه في طرف من مشيخته بفاس وغيرها، إلا أن الإشارة الوحيدة التي تؤكد على صلته به هي التي سبق أن نبهنا عليها، وهي المتعلقة بكتابته لشرحه المذكور وإهدائه نسخة منه أعني من شرحه المسمى ب"القصد النافع لبغية الناشئ والبارع في شرح الدرر اللوامع"، وسيأتي ذكر هذا عن قريب.
والحاصل أن أبا الحسن بن بري كان في زمنه مثال العالم المتفتح والقارئ المتمكن والطالب الذي لا تفتر همته عن لقاء المشايخ وتدوين الفوائد وكتابة العلم وتحصيله والتأليف فيه، وعلى الأخص بعد أن رشحه بعد صيته للتصدر بمسجد القرويين بفاس، وارتقت به مرتبته إلى تولي "كتابة القلم الأعلى" لديوان الدولة، وهي وظيفة سامية لم يكن يطمح إلى مثلها إلا العلية من الأدباء الأنجاد.
صلته بالبلاط المريني :
__________
(1) - المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوي أهل إفريقية والأندلس والمغرب 12/263-290.(1/111)
ويظهر أن صلة أبي الحسن بن بري بالحياة العلمية في فاس كانت منذ أول زمن الطلب من حياته، وربما قبل تمام المائة السابعة بأكثر من عقد أو عقدين من الزمن، إذ لم يكن من المعروف أن ينبغ نابغ من أهل العلم في هذه الجهة دون أن يطمح به مستواه العلمي إلى السعي في استكمال دراسته على علماء القرويين وغيرهم من المتصدرين بها، ولا سيما ونحن نجد في جملة شيوخه مثل شيخ الجماعة أبي الحسن بن سليمان إمام مشيختها ورأس "المدرسة التوفيقية" بها، ومعنى هذا أنه قد درس بفاس وقرأ على من لقيه بها كابن المرحل وابن سليمان، وربما قرأ أيضا أو سمع من أبي عبد الله بن القصاب وأصحابه الكبار كأبي عمران بن حدادة وأبي عبد الله بن آجروم وسواهم من الأعلام.
وكثيرا ما نجد المترجمين له يعقدون الصلة بين انتقاله إلى فاس بصفة عامة، وبين انتدابه رسميا للكتابة بالديوان الخلافي، ويحكي أبو زيد بن القاضي قصة هذا الانتداب بعد تعريفه به فيقول : "وهو إذ ذاك كاتب الخلافة المعلومة بالمغرب، وكان قبل ذلك شاهدا عدلا في بلده، ويذكر أن سبب كتابته للملك أنه كان من طلبة تازة من عدولها رجل اسمه أبو مهدي عيسى بن عبد الله الترجالي، وكان قد قرأ على أبي الحسن البري، فلما ولي قضاء مدينة تازة صعب عليه أن يكون هو قاضيا، وأن يكون شيخه شاهدا يأتي إليه لأداء الشهادة ولغيرها مما يحتاج العدل فيه إلى القاضي(1)، فتسبب لكتابته للملك"(2).
__________
(1) - في مخطوطة "الفجر الساطع" بالخزانةالعامة برقم 989" مما يحتاج العدل إليه"، والتصويب من غيرها.
(2) - الفجر الساطع لوحة 2.(1/112)
وقد حدد الإسحاقي تاريخ توليه لمهمة الكتابة بالديوان المذكور بفاس بسنة أربع وعشرين وسبعمائة"(1)، وهذا تاريخ متأخر جدا بالقياس إلى صلة أبي الحسن بن بري بفاس، وحتى بالبلاط الرسمي، وربما بدأت هذه الصلة أولا في تازة نفسها، فيكون قد اتصل بأبي سعيد عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المريني الذي يذكر ابن أبي زرع أنه "بويع له بالخلافة ليلة الأربعاء منسلخ جمادى الأخرى(2) من سنة عشر وسبعمائة بقصبة تازة، بايعه الوزراء والكتاب والأشياخ والخاصة ... ثم قال بعد كلام: "لما أصبح ركب من قصر رباط تازة إلى خارج المدينة في زي عجيب واحتفال عظيم، فجددت له البيعة هناك، وبايعه جميع قبائل مرين وكافة العرب والأندلس والاغزاز وقواد الروم، ثم بايعه الفقهاء والقضاة والخطباء والصلحاء وأشياخ المدينة، بيعة عامة من جميع الناس عن رضا من قلوبهم، وطيب نفوسهم اختيارا له على من سواه(3).
وذكر في هذا السياق أن أبا سعيد المذكور "بعث ولده الأمير الأجل المبارك الأسعد الأكمل أبا الحسن عليا إلي مدينة فاس، فوصلها في وقت العصر من يوم الأربعاء غرة شهر رجب من سنة 710هـ، فدخل المدينة الجديدة دار ملكهم وقرار سلطانهم، فملكها وضبط أمرها"(4).
فغير بعيد أن تكون صلة ابن بري بالبلاط الرسمي قد بدأت منذ هذا العهد، وعلى الأقل في إطار تعليمي أو في الوفادات في المناسبات الخاصة التي ينتدب فيها العلماء والقراء لتقديم الولاء للدولة.
__________
(1) - الرحلة الحجازية للاسحاقي مخطوطة القرويين لوحة 29.
(2) - كذا وقد أنكر أبو الحسن بن بري كما سيأتي وصف جمادى بهذه الصيغة قال : والصواب "الأخيرة أو الآخرة.
(3) - الأنيس المطرب بروض القرطاس 3396-397.
(4) - الأنيس المطرب 296.(1/113)
والذي يؤكد قيام هذه الصلة في جانبها الأول ما ذكره ابن عبد الكريم في شرحه على الدرر للوامع في قوله في ترجمته : "دعاه أبو الحسن المريني في خلافة أبيه، فكان يقرأ عليه بالدار البيضاء"(1).
فإذا كان ذلك بقرب استيلائه على فاس وانتقال والده إليها في العشر الأواخر من شهر رجب سنة 710(2)، فمعناه أن ابن بري قد عاش في رعاية السلطان منذ هذا التاريخ أو قريبا منه.
ويدل على قدم هذه الصلة أيضا ما جاء في أخبار أبي عبد الله الخراز (ت 718هـ)، من أنه لما أتم شرحه على أرجوزة ابن بري عرضه عليه بفاس صحبة السلطان(3)، فهذه الصحبة المذكورة كانت إذن قبل تولي منصب الكتابة، ولعلها كانت قائمة على التأديب لأبناء الأمير وفي طليعتهم أبو الحسن علي بن عثمان الذي رأيناه قبل هذا يعرض حزبه من القرءان على أبي العباس الزواوي صاحب أبي الحسن بن سليمان.
ولعله في هذه الأثناء رشح للتصدر لإفادة الطلاب بجامع القرويين وإن كنا لا ندري متى بدأ ذلك وماهي الفنون التي وكل إليه تدريسها ؟؟ وكل ما وقفنا عليه هو ما جاء في إسناد أبي الحجاج المكناسي لسماعه للدرر اللوامع" من ناظمها أبي الحسن بجامع القررويين من مدينة فاس في أواخر محرم سنة 723هـ"(4).
__________
(1) - شرح ابن عبد الكريم على الدرر اللوامع وسيأتي.
(2) - الأنيس المطرب 397-398.
(3) - القراء والقراءات بالمغرب 29.
(4) - مقدمة شرح المنتوري على الدرر اللوامع لوحة 2.(1/114)
ولعله قبل هذا التاريخ كان يتهيأ للانتقال إلى فاس لما أحسه فيه من الحاجة إلى مثله بالإضافة إلى ما لقيه من الحظوة بالبلاط، وهذا لا يتنافى مع محافظته على المأمورية التي كانت موكولة إليه أعني تلقي الشهادات في سماط العدول بتازة كلما تردد عليها، إلى أن حدث ما حدث من الإحساس بالحرج من لدن تلميذه الترجالي حين ولي قضاء المدينة فشق عليه أن يكون شيخه في جملة من يأتيه للمصادقة على ما يتلقاه من شهادات فسعى له في وظيفة الكتابة الرسمية في ديوان السلطان، وكان ذلك في عام 724هـ أي بعد أن أصبح الشيخ مكين القدر لدى حاشية السلطان، ذائع الصيت عند طلاب القراءة بفاس كما يدل عليه تنويه أبي عبد الله الخراز بأرجوزته كما سيأتي، فكانت السنوات السبع البواقي من حياة أبي الحسن مصروفة إلى هذا العمل الجديد، وهو عمل لا نظن أن في إمكانه أن يصرفه عن السير في الطريق التي رسمها ومهدها، أي في قيادة مسيرة القراءة الرسمية من خلال إنتاجه القيم فيها وما ظل يوليه من التحرير والتنقيح.
مكانته العلمية وشهادة العلماء له :
ولا يخفى أن الذي رشح أبا الحسن لإقتعاد كرسي الإقراء بجامع القرويين أعظم جامع في عاصمة البلاد، وبوأه المنزلة التي ذكرنا له حتى اختير لتأديب الأمير وإقرائه القرآن، ثم لتولي كتابة الديوان، إنما هو نبوغه وحذقه في القراءة والأدب وتفوقه في المؤهلات على غيره من الأعلام الذين تزخر بهم العاصمة في زمن كان سيل الوافدين عليها لا ينضب ولا ينقطع، ولقد وصفه عامة الذين ترجموه من شراح أرجوزته وأطنبوا في تحليته سواء منهم من عاصروه وغيرهم، فقال فيه الخراز : "الفقيه الأفضل الكاتب الأبرع الأكمل، اللغوي النحوي العروضي الفرضي(1).
__________
(1) - القصد النافع لبغية الناشئ والبارع لوحة 1-2.(1/115)
ووصفه أبو عبد الله محمد بن شعيب المجاصي ب"الفقيه المقرئ الأصولي المحقق، صاحب الكلام البديع، النحوي الضابط، صاحب الخط الرفيع"(1).
ووصفه أبو عبد اله محمد بن عيسى الوارتني ب"الشيخ الأستاذ الحاذق النحوي الكاتب الأبرع:" (2).
ونعته أبو زيد بن القاضي ب"الشيخ الفقيه الأكمل، الراوية المتقن البليغ، الكاتب البارع النحوي اللغوي الفرضي"، ثم قال بعد ذكر مؤلفاته المتنوعة : "وكان له أيضا معرفة بعلم الحديث، وكان خطه بارعا حسنا، وكذلك نظمه سلسا عذبا، رأيت بخطه نسخة من هذه "الدرر اللوامع" بخط حسن، وجدل عليها طررا، وأجاز فيها الذي كتبها برسمه إجازة منظومة(3).
وقال فيه المارغني : "كان ـ رحمه الله- عالما عاملا، بارعا في علوم شتى كالقراءات وتوجيهها، والتفسير والحديث والفقه والفرائض، واللغة والنحو والعروض، ذا نظم عذب وخط حسن"(4).
وهذه التحليات المتنوعة لا تكال لمثله جزافا، وإنما هي كما قيل :
والناس أكيس من أن يمدحوا رجلا ... من غير أن يجدوا آثار إحسان(5).
ولعل أفصح من يترجم لنا عن إمامة ابن بري ونبوغه الفذ في علوم الرواية والأدب وينبه على قدره هو ما خلفه من آثار مكتوبة، ولهذا نقدم للقارئ الكريم لائحة بأسماء ما وقفنا على نسبته إليه من مؤلفات.
مؤلفاته وآثاره.
__________
(1) -شرح المجاصي على الدرر اللوامع وسيأتي.
(2) -شرح الوارتني على الدرر اللوامع وسيأتي.
(3) -الفجر الساطع لوحة2.
(4) - النجوم الطوالع على الدرر اللوامع 227.
(5) -ويروي "حتى يروا عنده آثار إحسان".(1/116)
ألف ابن بري في القراءة كما ألف في الفقه والوثائق والأدب والعروض والعربية، فكان في ذلك مثالا نادرا للعالم المشارك المحاضر في عامة علوم الرواية، إلا أن أكثر مؤلفاته كانت هادفة بمعنى أنها كانت من الصنف التعليمي الذي يرمي إلى الشرح والتقريب لطائفة من المؤلفات التي كانت في زمنه تشكل مواد الدراسة والتعليم الرسمي في مختلف الفنون، هذا إلى جانب فن القراءات الذي برز فيه تبريزا خاصا وأبان عن حذق كبير في ضبطه وتحريره، وعلى الأخص فيما يتعلق ب"مقرأ نافع" الذي نظم فيها أرجوزته السائرة، وهذه قائمة بمؤلفاته :
1- أرجوزة الدرر اللوامع في أصل مقرأ الإمام نافع"، وهي العمل الذي يعنينا كثيرا في هذه الدراسة وسنخصه بوقفة خاصة بعد قليل.
2- القانون في رواية ورش وقالون.
انفرد بذكره ونسبته إليه محمد الشرقي الإسحاقي في رحلته(1)، ولا أعلم له وجودا في الخزائن.
3- طرر على الدرر اللوامع كتبها على شرح الخراز عليها حين قدمه إليه كما أسلفنا.
4- طرر على الدرر أيضا ذكر ابن القاضي أنه رآها مجدلة على نسخة بخطه.
5- رجز في مخارج الحروف وصفاتها ذيل به على الدرر اللوامع، وهو المتصل بها اليوم(2).
6- ذكر الظاء على حروف المعجم. ذكربعض الباحثين وجوده مخطوطا بالمكتبة السليمانية بأستامبول مجموعة شهيد علي باشا برقم 7740 في الصفحات 19-22(3).
7- إجازة نظمية في أبيات أجاز بها أبا عمرو الفشتالي سيأتي ذكرها في قائمة أصحابه.
__________
(1) - الرحلة الحجازية مخطوطة القرويين لوحة 29.
(2) - ذكره المنتوري باسم "الذيل في مخارج الحروف والصفات" وذكر الأستاذ عبد العزيز بنعبد الله وجود "رجز له في مخارج الحروف" في برلين برقم 548 (معلمة القرأن والحديث في المغرب الأقصى46)، ولعله الذيل نفسه الملحق بآخر الدرر اللوامع.
(3) - ذكره الدكتور محمد جبار المعيبد في بحث له نشره بمجلة معهد المخطوطات العربية- الكويت- المجلد الثلاثون الجزء الثاني ص 589.(1/117)
8- أبياته في إجابة أبي الحسن الحصري على لغزه بمسألة "سوءات" وجملتها ثلاثة أبيات تقدم ذكرها(1).
9- مختصر شرح "الإيضاح" في النحو "للأستاذ ابن أبي الربيع العثماني الإشبيلي نزيل سبتة، وأصل كتاب الإيضاح لأبي علي الحسن بن أحمد الفارسي(ت 377هـ)، وقد ذكره لابن بري عامة الذين تعرضوا لذكر مؤلفاته، ومنهم ابن القاضي الذي قدم له بقوله : "كان أبو الحسن ماهرا في علم العربية، ولقد اختصر"شرح الإيضاح" للأستاذ ابن أبي الربيع وحكمه في اختصاره غاية التحكيم"(2).
10- شرح "التهذيب في اختصار المدونة في الفقه المالكي "لأبي سعيد البراذعي، ابتدأه ولم يكمله"(3).
11- تأليف في الوثائق : ذكره له ابن القاضي وغيره، وقد نقل عنه الونشريشي في "المنهج الفائق" تقريظا لهذا العلم جاء فيه قوله : "كفى بعلم الوثائق شرفا وفخرا انتحال أكابر التابعين لها، وقد كان أكابر الصحابة- رضي الله عنهم- يكتبونها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده"(4).
ووقفت في تقييد على مورد الظمآن للخراز لمحمد بن أبي جمعة المغراوي من أصحاب ابن غازي على نقل انتقد فيه أبو الحسن بن بري على الموثقين قولهم في التاريخ "جمادى الأخرى" فقال : إنما الصواب الأخيرة أو الآخرة".
12- شرح كتاب "الوثائق" لأبي إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن الغرناطي(5).
__________
(1) - يمكن الرجوع إليها في البحث الذي خصصناه للحصري.
(2) - الفجر الساطع لوحة 2.
(3) - قال ابن القاضي في أول الفجر الساطع : "وبلغني أنه كان ابتدأ وضع شرح على "التهذيب" لأبي سعيد البراذعي، وتوجد نسخة من التهذيب بغير شرح بخزانة المسجد الأعظم بتازة تحت رقم 605.
(4) -المنهج الفائق ص 6 ونقل عنه الأستاذ محمد بن أحمد الأمراني في بحث له في مجلة "الإحياء" المجلد السادس الجزء الأول ص 100.
(5) -كتاب الوثائق للغرناطي توجد منه نسخة مخطوطة بخزانة المسجد الأعظم بتازة برقم 357.(1/118)
ذكره له ابن القاضي ومسعود جموع وغيرهما(1).
13- شرح قصيدة أبي علي الحسن بن عطية الونشريسي الأوربي المكناسي في علم الفرائض"
وصاحب القصيدة هو "الفقيه العدل الحسن بن عثمان بن عطية" ذكره ابن غازي في "الروض الهتون"، وقال : "وله أرجوزة في الفرائض مبسوطة العبارة مستوفية المعنى"(2)،وذكر الونشريسي وفاته سنة 781(3).أما شرح ابن بري على هذه الأرجوزة فيوجد مخطوطا بمكتبة الزاوية الحمزاوية بالريش بالمغرب(4).
14- شرح كتاب العروض لابن السقاط، ذكر ابن القاضي أنه رآه له(5).
15-
كتاب الكافي في علم القوافي، نسبه له بروكلمان وذكر وجوده مخطوطا بخزانة الأسكوريال برقم 330(6).
16- اختصار شرح الشريشي على مقامات الحريري، ذكره له الإسحاقي في رحلته(7).
والشريشي المذكور هو أبو العباس أحمد بن عبد المومن القيسي (ت629 هـ)، وشرحه مشهور مطبوع في مجلدين(8).
17- كتاب اقتطاف الزهر واجتناء الثمر "وهو اختصار ل"زهر الآداب وثمر الألباب" لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الحصري (ت453)، يوجد مخطوطا بالخزانة الحسنية بالرباط تحت رقم 374، ومنه نسخة أخرى بدار الكتب المصرية(9)، وقد بدأ مختصره بقوله :
__________
(1) - يمكن الرجوع إلى ذلك في مقدمتي شرحيهما على الدرر اللوامع.
(2) -الروض الهتون في أخبار مكانسة الزيتون لابن غازي46.
(3) -الوفيات (ألف سنة من الوفيات 129).
(4) -ذكره الأستاذ محمد المنوني في بحث له نشر بمجلة تطوان العدد 8 السنة 1963.
(5) -الفجر الساطع لوحة 2.
(6) - تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 2/350.
(7) - الرحلة الحجازية لوحة 29 (مخطوطة القرويين رقم 1259).
(8) - نشر بدار الكتب العلمية ببيروت لبنان الطبعة 1/1399-1979.
(9) -عرف بهذه المخطوطة الدكتور محمد بن سعد الشويعر في مجلة فيصل السعودية العدد 19 شهر محرم 1399- دجنبر 1978.(1/119)
"الحمد لله الذي جعل من البيان سحرا، ومن الشعر حكما، وأظهر أسرار اللغة العربية في فنونها الأدبية، فقلدها من خلدها نثرا ونظما ... إلى أن يقول عن منهجه في الاختصار : "وقد أسقطت كثيرا من الكلام المنثور والشعر المستغلق غير المأثور، وربما أضفت زيادة يسيره، والله تعالى يبلغ فيه الأمل، ويختم لنا بصالح القول والعمل، بمنه"(1).
18-
متفرقات، ومنها هذه القطعة الأدبية التي نشرها بعض الباحثين(2) نقلا عن مخطوطة ديوان أبي العباس الهلالي الذي جمعه أبو الربيع الحوات (ت 123هـ)، يصف فيها الشعر ويذكر أقسامه ومراتبه، وهي من نتفه الأدبية التي تمثل لنا جانبا من حسه النقدي الرفيع، وذوقه الأدبي البديع، فيقول :
"الشعر مطبوع ومصنوع، فالمطبوع الجيد الطبع مقبول السمع، قريب المثال، بعيد المنال، أنيق الديباجة، رقيق الزجاجة، يدنو من فهم سامعه، كدنوه من وهم صانعه، والمصنوع مثقف الكعوب، معتدل الأنبوب، يطرد ماء البديع على جنباته، ويجول رونق الحسن في صفحاته، كما يجول السحر في الطرف الكحيل، والأثر في السيف الصقيل".
تلك هي الآثار المعروفة لابن بري، وهي في تنوعها واختلاف مجالاته فيها خير شاهد على مكانته العلمية وموسوعيته الثقافية وثمثيله في زمنه مستوى القارئ المغربي في حذقه وشمولية معارفه.
__________
(1) - يمكن الرجوع إلى أول مخطوطة الخزانة الحسنية بالرباط 374.
(2) - نقلها الأستاذ عبد القادر زمامة في "الوجادات" ونشرها بمجلة دعوة الحق العدد 277 جمادى الأولى=1410هـ- دجنبر 1989 ص 123.(1/120)
ويهمنا من هذه الآثار أرجوزته العصماء السائرة المعروفة بـ"الدرر اللوامع في أصل مقرأ الإمام نافع"، وسنقوم فيما يلي باستعراض لأهم أبوابها ومحتوياتها، ثم نتبع ذلك برواتها ورواياتها، ثم نردفه بما كان لها من آثار في ساحة الإقراء في زمن ناظمها ثم من بعده عبر العصور التالية، ثم نحاول إمتاع القارئ الكريم بتتبع إشعاعها العلمي من خلال ما كتب عليها من شروح وتقاييد وحواش وطرر، ثم نتبعها بما نشأ حولها من أراجيز في الاستدراك عليه فيها أو التكملات لها بذكر ما سكت عنه من الخلافيات أو أهمله من المباحث أو أوجز القول فيه، إلى غير ذلك مما نظم في "التشهير" أو "التصدير" أو "التتميم" أو "التفصيل" أو غيره مما تعتبر الأرجوزة "البرية" باعثة على نظمه أو موحية به، مما يمكننا من خلاله رصد آثار هذه المدرسة ومتابعة السياق التاريخي الذي قادت فيه المدرسة القرآنية في كافة الجهات والأقطار المغربية من زمن أبي الحسن بن بري وإلى اليوم.
الفصل الثاني :
أرجوزته "الدرر اللوامع في أصل مقرأ الإمام نافع" عرض موجز لأبوابها وأهم محتوياتها وذكر أهم رواياتها ورواتها وقيمتها العلمية والتعليمية في قراءة نافع.
قسم الإمام أبو الحسن بن بري أرجوزته المذكورة إلى مقدمة وأربعة عشر باب وتذييل.
أما المقدمة فقد مهد بها لذكر غرضه من نظمها وبيان موضوعها و ... ذكر مستنده فيها ومصادره والمنهج الذي سلكه في ذكر أحكام الأداء ومسائل الوفاق والخلاف بين الروايتين اللتين بنى عليهما أرجوزته.
وأما الأبواب فقد قسمها إلىقسمين : قسم تناول فيه أصول الأداء في الروايتين موضوع الأرجوزة، والقسم الثاني تناول فيه "فرش الحروف"، ثم ختم بالذيل الذي ألحقه بها وتعرض فيه لمخارج الحروف وصفاتها.
وهذه نبذ نقتطفها من مواضع مختلفة من الأرجوزة تقرب إلينا صورة عن عمله، وقد تحاشينا أن نسوق الأرجوزة بكاملها لوفرة نسخها الخطية والمطبوعة في أيدي القراء.(1/121)
افتتح الناظم-رحمه الله- الأرجوزة بقوله :
الحمد لله الذي أورثنا ... كتابه وعلمه علمنا
حمدا يدوم بدوام الأبد ... ثم صلاته على محمد
أكرم من بعث للأنام ... وخير من قد قام بالمقام
ثم تطرق بعد تمام الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم للحديث عن فضل الاشتغال بعلم القرءان وما جاء في ذلك من الأحاديث والآثار، ثم خلص إلى ذكر موضوع الأرجوزة فقال :
وقد أتت في فضله آثار ... ليست تفي بجملها أسفار
فلنكتفي(1) منها بما ذكرنا ... ولنصرف القول لما قصدنا
من نظم "مقرأ الإمام الخاشع ... أبي رؤيم المدني نافع
إذ كان مقرأ إمام الحرم ... الثبت فيما قد روى المقدم
وللذي ورد فيه أنه ... دون المقارئ سواه "سنة"(2)
ثم قال عن منهجه :
فجئت منه بالذي يطرد ... ثم فرشت بعد ما ينفرد
في رجز مقرب مشطور ... لأنه أحظى من المنثور
يكون للمبتدئين تبصرة ... وللشيوخ المقرئين تذكرة
ثم سمى رجزه وحدد الروايتين اللتين ضمنهما إياه فقال :
سميته بـ"الدرر اللوامع" ... في أصل مقرإ الإمام نافع
نظمته محتبا لله ... غير مفاخر ولا مباه
على الذي روى أبو سعيد ... عثمان ورش عالم التجويد
رئيس أهل مصر في الدراية ... والضبط والإتقان في الرواية
والعالم الصدر المعلم العلم ... عيسى ابن مينا، وهو قالون الأصم
__________
(1) - أثبت الناظم الياء في آخر فعل الأمر مع وجود الجازم المقتضي لحذفها أخذا بلغة قليلة يلجأ إليها عند الإضطرار على حد قول الشاعر : ألم يأتيك والأنباء تنمي بما لاقت لبون بني زياد. وقد أطنب الشراح في تعليل لجوئه إلى هذه الضرورة كما نجده عند المنتوري وابن المجراد وابن القاضي ومسعود جموع وسواهم.
(2) - أي ورد فيه ولم يرد فيما سواه وإن كان الجميع سنة، إلا أن الأثر ورد- كما تقدم- في قراءة نافع وبخصوصها وقد بين الأستاذ أبو عبد الله الخراز في شرحه للبيت أن قوله "دون المقارئ "سواه سنة "يرجع إلى الورود والإشارة إلى ما نقل من رواية سعيد بن منصور وغيره قال سمعت مالك بن أنس يقول: "قراءة نافع سنة".(1/122)
أثبت من قرأ بالمدينة ... ودان بالتقوى فزان دينه
بينت ما جاء من اختلاف ... بينهما عنه أو ائتلاف
وربما أطلقت في الأحكام ... ما اتفقا فيه عن الإمام
ثم ذكر الطريق التي اتبعها في تقرير الأحكام في هذا، والشيخ الذي تلقى عنه مباشرة من هذه الطريق فقال :
سلكت في ذاك طريق الداني ... إذ كان ذا حفظ وذا إتقان
حسبما قرأت بالجميع ... عن ابن حمدون أبي الربيع
المقرئ المحقق الفصيح ... ذي السند المقدم الصحيح
أوردت ما أمكنني من الحجج ... مما يقام في طلابه حجج
ومع ذا أقر بالتقصير ... لكل ثبت عالم نحرير
وأسأل الله تعالى العصمة ... في القول والفعل فتلك النعمة
وهنا تنتهي مقدمة الأرجوزة، ثم يأخذ في قسم الأصول مبتدئا بباب "الاستعاذة" الذي يعبر فيه وفي باقي الأبواب بقوله: "القول في كذا" جاعلا عنوان الباب داخلا في جملة النظم فيقول:
القول في التعوذ المختار ... وحكمه في الجهر والأسرار
ثم انتقل بعد ثلاثة أبيات إلى ذكر "البسملة" وبه بدأ أولى مسائل الخلاف بين ورش وقالون وقال:
القول في استعمال لفلظ "البسملة ... و"السكت" والمختار عند النقلة
قالون بين السورتين بسملا ... وورش الوجهان عنه نقلا
وأسكت يسيرا تحظ بالصواب ... أو صل له مبين الأعراب
ثم بعد ذكر تفريعات أخرى في فعل البسملة أو تركها انتقل بعد سبعة أبيات إلى ذكر الخلاف في ميم الجمع فقال عن مذهب ورش وقالون:
وصل ورش ضم ميم الجمع ... إذا أتت من قبل همز القطع
وكلها سكنها قالون ... ما لم يكن من بعدها سكون
واتفقا في ضمها في الوصل ... إذا أتت من قبل همز الوصل
وكلهم يقف بالإسكان ... وفي الإشارة لهم قولان
وتركها أظهر في القياس ... وهو الذي ارتضاه جل الناس
وهكذا سار على هذا المنوال فذكر "القول في صلة هاء ضمير الواحد" في أحد عشر بيتا، ثم انتقل إلى أحكام المد ففصلها في اثنين وعشرين بيتا استهلها بقوله:
القول في الممدود والمقصور ... والمتوسط على المشهور
والمد واللين معا وصفان ... للألف الضعيف لازمان
إلى أن ختم الباب بقوله:(1/123)
ومد للساكن في الفواتح ... ومد "عين" عند كل راجح
وقف بنحو "سوف" "ريب" عنهما ... بالمد والقصر وما بينهما
ثم انتقل إلى ذكر أحكام الهمز ففصلها في خمسة وعشرين بيتا صدر لها بقوله:
القول في التحقيق والتسهيل ... للهمز والإسقاط والتبديل
والهمز في النطق به تكلف ... فسهلوه تارة وحذفوا
وأبدلوه حرف مد محضا ... ونقلوه للسكون رفضا
ثم بعد استيفاء أقسام الهمز وأحكامه انتقل إلى ذكر أحكام الهمزة المفردة فقال فيه عن مذهب ورش:
أبدل ورش كل فاء سكنت ... وبعد همز للجميع أبدلت
وحقق "الإيوا" لما تدريه ... من ثقل البدل في "تئويه"
ثم أعقب باقي الأحكام المتعلقة بالهمز بباب نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها، وبعده انتقل إلى ذكر "القول في الإظهار والإدغام" فسرد أحكامه في ستة عشر بيتا، ثم أتبعه بذكر "إدغام النون والتنوين"، ومنه إلى"القول في المفتوح والممال"، وفيه قال:
القول في المفتوح والممال ... وشرح ما فيه من الأقوال
أمال ورش من ذوات الياء ... ذا الراء في الأفعال والأسماء
نحو "رءا" بشرى و"تترا" و"اشترى" ... و"يتوارى" و"النصارى" و"القرى"
والخلف عنه في "اراكهم" وما ... لا راء فيه كـ"اليتامى" و"رمى"
وفي الذي رسم بالياء عدا ... "حتى" "زكى منكم" إلى على "لدى"
إلا رؤوس الآي دون هاء ... وحرف "ذكراها" لأجل الراء
وساق باقي أحكام الباب في أربعة عشر بيتا انتقل بعدها إلى "القول في الترقيق للراءات"، ثم انتقل إلى أحكام تغليظ اللامات فقال:
القول في التغليظ للامات ... إذا انفتحن بعد موجبات
غلظ ورش فتحه اللام يلي طاء ... وظاء ولصاد مهمل
إذا أتين متحركات ... بالفتح قبل أو مسكنات
وبعد استيفاء مسائل الباب انتقل إلى ذكر أحكام الوقف، ثم أحكام ياءات الإضافة، ثم الياءات الزوائد وبها ختم القسم المتعلق بالأصول المطردة، ثم انتقل إلى "القول في فرش حروف مفردة"، وقد بدأ مسائل الوفاق والخلاف فيه بسورة البقرة ثم ما يليها على الترتيب، وأول مسائله في ذلك قوله:(1/124)
قرأ "وهو" "وهي" بالإسكان ... قالون حيث جاء في القرءان
ويستغرق هذا القسم وهو الثاني من الأرجوزة سبعة عشر بيتا، وختمه بقوله:
وهي له من همز الاستفهام ... أولى، وههنا انتهى كلامي
فالحمد لله على ما أنعما ... علي من إكماله وألهما
ثم صلاة الله كل حين ... على النبي المصطفى المكين
ثم ألحق بالأرجوزة "الذيل المشتمل على ذكر مخارج الحروف وصفاتها" لحاجة القارئ إليها مصدرا لذلك بقوله:
وقال أيضا سمح الله له ... وزاده رشدا وزكى فعله
أقول بعد الحمد لله على ... ما من من إنعامه وأكملا
ثم صلاة الله تترا أبدا ... على النبي العربي أحمدا
فالقصد من هذا النظام المحكم ... حصر مخارج حروف المعجم
وهي ثلاث مع عشر واثنتين ... في الحلق ثم الفم ثم الشفتين
ثم أخذ في تفصيلها في خمسة وعشرين بيتا ختمها بقوله:
والغنة الصوت الذي في الميم ... والنون يخرج من الخيشوم
فهذه الصفات باختصار ... تفيد في الإدغام والإظهار
وبهذا البيت الأخير تنتهي الأرجوزة في وضعها الحالي دون ذكر للخاتمة المعتادة التي تشتمل على الدعاء وعدد أبيات الأرجوزة وتاريخ نظمها ونحو ذلك من المعلومات المفيدة التي نجدها في كثير من الأراجيز ابتداء من النموذج الرائد الذي رأيناه عند أبي عمرو الداني في "الأرجوزة المنبهة" حيث ذكر التاريخ وعدد الأبيات في صدرها، وختمها بدعاء طويل.(1/125)
والذي تبين لي من صنيع ابن بري هنا أنه نظم هذا الذيل المتعلق بالمخارج والصفات متأخرا ولم يضعه في الحسبان أثناء نظم الارجوزة الأصل، ولذلك نجده قد ختمها بالحمد والصلاة والدعاء، بل زاد فذكر ثلاثة أبيات ذكر فيها تمام القصيدة وناظمها وتاريخ فراغه منها، إلا أنه حين عاد فألحق بها الذيل طرح الأبيات الثلاثة من موضعها ليتصل له قوله "على النبي المصطفى المكين" بأول بيت من الذيل، ولهذا اضطربت النسخ الخطية في إثبات الأبيات الثلاثة وحذفها، كما اضطرب الذين ذكروها في إلحاقها في موضعها فبعضهم جعلها في آخر فرش الحروف، وبعضهم ألحقها بالذيل عقب قوله: "تفيد في الإدغام والإظهار" ولعل أكثر الروايات الثابتة عن الناظم كانت خالية من الأبيات الثلاثة، ولهذا نبه بعض الشراح ومنهم أبو زيد ابن القاضي عليها فقال: "تنبيه" زاد المطماطي(1) هنا في شرحه:
ثم كتاب الدرر اللوامع ... في أصل مقرأ الإمام نافع
نظمه مبتغيا للأجر ... علي المعروف بابن بري
سنة سبع بعد تسعين مضت ... من بعد ستمائة قد انقضت(2)
عدد أبيات أرجوزة الدرر اللوامع وذيلها:
__________
(1) هو علي بن موسى السلاوي وسيأتي في أصحابه.
(2) الفجر الساطع آخر ورقة منه.(1/126)
وعلى هذا ترتب التفاوت في عدد أبيات الأرجوزة وذيلها بين النسخ المعتمدة، ففي أكثرها 273 دون إدخال الأبيات الثلاثة(1) في هذه الجملة، وفي بعضها 276 بإدخالها، ويظهر أن المارغني صاحب الشرح المتداول في الأيدي اليوم قد اعتمد نسخا خالية من هذه الزيادة، ولذلك لم يدرجها في الشرح، وإنما ذكر قصتها في ختام كلامه على آخر بيت من الذيل، وذكر أن موضعها بعد قوله "على النبي المصطفى المكين"(2)، ولم يتعرض لشرحها على اعتبار أنها زائدة على النسخ المعتمدة أو مدرجة من لدن بعض القراء.
وقد رأيت في آخر شرح أبي عبد الله الخراز عليها ما لعله التفسير المناسب لأمر هذه الزيادة، إلا أنه ذكر بيتين فقط وأسقط الأول منها، وأوضح أن بعض الطلبة طلب من ابن بري تعيين عدد أبيات أرجوزته وتاريخ نظمها فقال:
نظمه مبتغيا للأجر ... علي المعروف بابن بري
قال: ثم زاد عليها أي: الطالب قوله:
وقد تقضت هذه القصيدة ... والجملة الجامعة المفيدة
فأقبلت ترفل كالحسناء ... في حلة الجودة والإنشاء
بيوتها سبعون زادت أربعة ... ومائتين بالأماني ممتعة
يضبطها "رعد"(3) فخذ إمداده ... أمنا من النقصان والزيادة
فهذه الخمسة أجنبية ... ... بريئة من ناظم "البرية"(4)
__________
(1) جرينا على العرف العام عند القراء في اعتبار البيت هو مجموع الشطرين، مع أن العروضيين يعتبرون الشطر وحده بيتا قائما بنفسه في هذه الأرجوزة وأمثالها كما أشار إلى ذلك أبو عبد الله الخراز في "أول القصد النافع"، وتبعه المنتوري في أول شرحه.
(2) النجوم الطوالع للمارغني 226-227.
(3) أي القيمة العددية للرمز وهي 274 حسب حروف أبي جاد.
(4) الأبيات في آخر شرح الخراز "القصد النافع" مخطوطة الخزانة الحسنية رقم 3719.(1/127)
فهكذا ذكر أن عدد أبياتها 274، وهو عدد يزيد ببيت واحد على كثير من النسخ الخطية وعلى المطبوعة أيضا التي شرح عليها المارغني في "النجوم الطوالع"، وقد وجدت أن البيت الذي اتفقت أغلب النسخ على إسقاطه ومن جملتها نسخة المارغني المطبوعة هو قوله: "وقال أيضا - سمح الله له - وزاده رشدا وزكى فعله" وهذا البيت أسقطه كثير من الشراح ابتداء من أبي عبد الله الخراز نفسه الذي ذكر أن عدد الأبيات 274 وانتهاء إلى المارغني، وقد نبه أبو زيد ابن القاضي عليه فقال: "ليس من كلام الناظم، لأنه يثبت في بعضها ويسقط في البعض، والأكثر سقوطه، قال: "ويدل أيضا أنه ليس من كلامه قوله بعد: أقول بعد الحمد لله على.. ثم أخذ في شرح البيت(1).
ويدل على صواب ما قال ابن القاضي خلو النسخ التي شرح عليها كل من الخراز وابن المجراد والمنتوري والوارتني والثعالبي وغيرها منه. وقد رأيته في النسخة المستقلة المطبوعة بتونس في مجموع بلفظ "وقال أيضا غفر الله له".. بدل سمح الله له(2).
روايات الدرر اللوامع وسبب اختلافها وتفاوتها بالتغيير والزيادة والنقصان:
__________
(1) الفجر الساطع ذكره في آخر الأرجوزة وشرحه مع قوله أنه ليس من كلامه.
(2) هذه النسخة مطبوعة في مجموع مع مورد الظمآن ومتون أخرى بالمطبعة التونسية سنة 1351.(1/128)
وإذا تجاوزنا هذا الاختلاف بين النسخ فيما يرجع إلى الأبيات الثلاثة التي انفرد بها المطماطي، وفي البيت الذي اعتمده كثير من المتأخرين أعني قوله: "وقال أيضا سمح الله له وزاده رشدا وزكى فعله، فإننا نجد الرواة الرواد الذين سمعوا منه الأرجوزة قد اختلفوا عنه أيضا ببعض الزيادات والتحويرات لطائفة مهمة من الأبيات نبه على عدد وافر منها الشراح في شروحهم، ولعل السبب المباشر في هذه الظاهرة إنما يرجع إلى طول اشتغال الناظم نفسه بالنظر في أرجوزته وإجراء بعض التعديلات والاستدراكات في مواضع منها، وقد اختلفت تبعا لذلك نسخها المروية عنه وتعددت رواياتها تبعا لزمن سماع الذي رواها عنه، بل أن بعض النسخ التي لوحظ فيها الخلاف هي بخظ الناظم نفسه(1).
وسيأتي أن بعض أصحابه كان ربما نبهه على بعض المآخذ فيها فيبادر إلى تفاديها بتعديل الصياغة على وجه آخر، وربما قام هذا الصاحب بالتعديل المناسب فأقره عليه، وغالب ذلك إنما يتعلق بالألفاظ.
وقد عني طائفة من الشراح بالتنبيه على ما بين أبياتها من اختلاف وعزو كل وجه منها إلى ناقله، بل بلغوا في تمحيص الروايات أن نقلوا عنه كيفية ضبط أواخر بعض الكلم حسب الإعراب. وأهم ما وصلنا من الشروح التي استكثرت من ذلك شروح المنتوري وابن المجراد وابن القاضي ومسعود جموع.
وأهم الروايات التي تقع الموازنة بينها غالبا هي الاربع التالية:
- رواية الحضرمي - رواية المكناسي - رواية البلفيقي - ورواية ابن مسلم(2).
وكلهم سمع الأرجوزة من الناظم مباشرة، إلا أن بعضهم أحدث سماعا من بعض، ورواية البلفيقي هي الأخيرة كما ذكر المنتوري في شرحه، والروايات الثلاث المذكورة أولا هي التي أجرى المنتوري وابن القاضي وغيرهما المقارنة بينها، ولم يذكروا من خلاف رواية ابن مسلم لهم إلا قليلا.
__________
(1) سيأتي ما يدل على ذلك من كلام الشراح.
(2) سيأتي التعريف بأصحاب هذه الروايات عن قريب.(1/129)
وهناك رواية خامسة هي رواية المرسي وقد وردت فيها زيادة ببيتين على سائر النسخ.
وقبل أن نتطرق إلى التعريف برواة هذه الأرجوزة عن ناظمها لا بأس من التنبيه على بعض ما وقع من الاختلاف فيها بين هذه الروايات لمزيد من الفوائد والإثراء لمباحث الباب.
صور من مظاهر اختلاف الروايات فيها:
حاولت تتبع ما بين روايات متن "الدرر اللوامع" من اختلافات في الإشارات الواردة عند المنتوري وابن المجراد وابن القاضي وغيرهم فوجدت أن الاختلاف بينها على ضربين: اختلاف بالزيادة والنقصان وهو قليل نادر، وقسم ثان من الاختلاف كثير، وهو تارة يرجع إلى حركات الإعراب، وتارة يرجع إلى تعديل في الصياغة باستبدال كلمة بأخرى.
فأما الضرب الأول القليل فمنه ما نبه عليه أبو زيد بن القاضي عند قوله:
فلنكتفي منها بما ذكرنا ... ولنصرف القول لما قصدنا
فقال: تنبيه اقتصر الشراح على البيتين المتقدمين، وشرح أبو عبد الله الضرير المرسي على ثلاثة أبيات ونصها:
فلنكتفي منها بما ذكرنا ... خيفة أن نزيغ عما رمنا
ولنصرف القول ونقتفيه ... لمقرأ المكرم النبيه
العالم العدل التقي الخاشع ... أبي رؤيم المدني نافع(1)
ومن هذا القبيل زيادة بيت في باب المد عند قوله:
له توسطا وفي سوءات ... خلف لما في العين من فعلات
فقال:
وقد ذكرت سبب الخلاف ... في غير هذا بكلام شاف(2)
__________
(1) الفجر الساطع لوحة 10 مخطوطة خ ع بالرباط رقم 989. وسبقه الحلفاوي إلى التنبيه على ذلك في شرحه.
(2) يشير إلى جوابه الذي نظمه في حل لغز أبي الحسن الحصري في لفظ "سوءات" وقد تقدم في ترجمة الحصري.(1/130)
قال ابن القاضي: "وهذا البيت قد رواه الأستاذ أبو زيد عبد الرحمن الجادري عن الأستاذ أبي زكريا ابن أحمد السراج عن القاضي أبي محمد بن مسلم عن الناظم، ويتصل بقوله: "لما في العين من فعلات". قال سيدي قاسم بن إبراهيم(1): وقال الحلفاوي(2): واعلم أن المرسي زاد في "سوءات" بيتا فقال: "وقد ذكرت... إلخ، ووافقه آجانا(3) ثم قال بعد شرحه: "على أنه ذكر لي أن المؤلف قد أسقط هذا البيت، قلت: قد ثبت في رواية ابن مسلم" انتهى قول ابن القاضي ونقله.
ومن ذلك أيضا ما قيل في قوله في آخر باب البسملة:
ولا تقف فيها إذا وصلتها ... بالسورة الأولى التي ختمتها
قال الأستاذ الصغير(4): "قيل هذا البيت ليس هو للمصنف، بل هو لابن البقال(5) وأدرجه هنا"(6).
وأما الضرب الثاني مما يتعلق بضبط اللفظ أو تعديل الصياغة بصورة جزئية فقد وقفت منه على نماذج كثيرة عند الإمام المنتوري وغيره، ثم وقفت على تقييد طرر عن الإمام أبي عبد الله بن غازي جمع فيها أهم الاختلافات الواقعة بين الروايات في متن الأرجوزة حسب رواياتها المشهورة(7)، وهذه نماذج مما جاء فيهما:
- فمن ذلك ما جاء في قوله:
أكرم من بعث للأنام ... وخير من قد قام بالمقام
__________
(1) هو أبو القاسم بن إبراهيم المشترائي صاحب أبي عبد الله بن غازي وسيأتي في أصحابه.
(2) هو أبو راشد يعقوب الحلفاوي سيأتي في شراح الدرر اللوامع.
(3) سيأتي في شراح الدرر.
(4) هو أبو عبد الله محمد بن الحسين النيجي شيخ ابن غازي وسيأتي.
(5) هو محمد بن محمد بن علي التازي تقدم ذكر ما نقله ابن بري من خطه ولعل البيت المذكور من رجزه في رواية قالون المذكور في فهرسة ابن غازي 101.
(6) نقله ابن القاضي في الفجر الساطع في باب البسملة.
(7) وقفت عليه في خزانة وقفية بآسفي.(1/131)
قال المنتوري: "اتفقت الروايات الثلاث: رواية عبد المهيمن الحضرمي ورواية أبي الحجاج المكناسي ورواية أبي البركات البلفيقي على رفع "أكرم" و"خير". وقد ذكر في الطرر المذكورة عن ابن غازي نحوه.
ومنه ما جاء في قوله:
وجاء في الحديث أن المهرة ... في علمه مع الكرام البررة
قال المنتوري: "ثبت في رواية الحضرمي والمكناسي "وجاء في الحديث"، وكذا وقفت عليه بخط الناظم، وفي رواية البلفيقي "وجاء في الأثر"(1). وذكر في الطرر نحوه إلا أنه قال "في الآثار".
ومن ذلك في باب التعوذ في قوله: "وقد أتت في لفظة أخبار...".
قال المنتوري: "ثبت في رواية الحضرمي والمكناسي "أخبار"، وكذا وقفت عليه بخط الناظم، وفي رواية البلفيقي "آثار".
ومن ذلك ما جاء في قوله في "البسملة":
واختارها بعض أولي الأداء ... لفضلها في أول الأجزاء
قال المنتوري: "كذا ثبت البيتان(2) في رواية الحضرمي والمكناسي، وكذا وقفت عليهما بخط الناظم، وثبت في رواية البلفيقي عوضا من ذلك ما نصه:
وبعضهم خير في الأداء ... فيها لدى أوائل الأجزاء
قال المنتوري: "ورواية البلفيقي هي الأخيرة عن الناظم، وهي الصحيحة، وقد قال الشاطبي في قصيدته: "وفي الأجزاء خير من تلا"، فيظهر أن الناظم رجع عن الاختيار إلى التخيير".
هكذا صحح المنتوري رواية البلفيقي لأنها هي الأخيرة المرجوع إليها واحتج لها بموافقتها لما ذكره الشاطبي، ولكننا نلاحظ أنه مع ذلك أثبت الرواية المشهورة الشائعة، وهي الرواية المتفق عليها عند عامة الشراح وغيرهم.
وهناك من المواضع التي اختلفت فيها النسخ فيما يرجع إلى مثل هذا من تعديل الأحكام ما يدل على أن الناظم كان ما يفتأ ينظر في أرجوزته مصححا ومنقحا حتى وإن كان الأمر يتعلق بجزئية صغيرة.
ومن أمثلة ذلك ما ذكره المنتوري في قوله في باب المد:
__________
(1) هكذا ذكره بالإفراد، وأورده ابن القاضي نقلا عنه كذلك.
(2) يريد شطري البيت بالمفهوم الشائع.(1/132)
ومد للساكن في الفواتح ... ومد عين عند كل راجح
قال المنتوري: "ثبت في رواية الحضرمي والبلفيقي" عند كل، وكذا وقفت عليه بخط الناظم، وفي رواية المكناسي "عند ورش".
ومن ذلك ما جاء في ترتيبه لحروف الحلق في مخارجها في "الذيل" حيث قال:
فالهاء والهمزة ثم الألف ... من آخر الحلق جميعا تعرف
والعين من وسطه والحاء ... والغين من آخره والخاء
قال المنتوري: "اتفقت الروايات الثلاث على قوله في البيت الرابع "والغين من آخره"، وكذا وقفت عليه بخط الناظم، وقرأته كذلك على المكناسي – رحمه الله – فلم يرده علي، وحدثني الراوية أبو زكرياء ابن السراج عن القاضي أبي محمد عبد الله بن مسلم عن الناظم أنه قال: "والغين من أوله والخاء"، ورأيت في بعض التقييدات أن الناظم رجع إلى هذا".
وقد حرص الإمام المنتوري على ذكر اختلاف الروايات عند عامة الأبيات التي ثبت فيها الخلاف، وكان من حين إلى آخر يذكر أن رواية الحضرمي هي الأولى كقوله في قول ابن بري عند ذكر ميم الجمع:
وكلها سكنها قالون ... ما لم يكن من بعدها سكون
اختلفت الروايات في ضبط لفظة "وكلها"، فرواها الحضرمي بالنصب، وهي الرواية الأولى، ورواها المكناسي والبلفيقي بالرفع. قال ابن غازي في الطرر: "وكأن الناظم رجع من النصب إلى الرفع، إذ رواية البلفيقي هي الأخيرة".
ويمكننا أن نخرج من المقارنة بين هذه النقول وغيرها مما تركناه اختصارا بإدراك أسباب الاختلاف بين هذه الروايات، وبأن أقدمها هي رواية الحضرمي ثم المكناسي، وأن هاتين الروايتين متفقتان في عامة المواضع التي نقل فيها الخلاف، وأن عامة النسخ التي انتشرت في حياة الناظم كانت موافقة لروايتهما، ولذلك نجد الشراح بدون استثناء متفقين عليها مع إشارة طائفة منهم إلى بعض الاختلافات إن كانت.(1/133)
كما نحرج منها بما ذكر من أن رواية البلفيقي هي الأخيرة، بل عبر المنتوري عند ذكر مخرج الجيم والياء والشين في "الذيل" بأن "رواية البلفيقي هي الأخيرة عن الناظم"، وكأنه يرى أن غيرها مرجوع عنه، وإن كان هو نفسه كثيرا ما يعتمد الرواية المشهورة، ويكتفي بالتنبيه على مخالفة رواية البلفيقي لها، وقد أسند الأرجوزة - كما سيأتي - من ثلاث طرق أعلاها عن أبي الحجاج المكناسي قراءة من حفظه عليه كما ذكره في أول شرحه ونبه عليه أيضا في فهرسته.
وكما رأينا أن رواية البلفيقي تخالف في غالب الأحيان باقي الروايات في اقتراح بعض التعديلات، فإنها في باب الراءات تقترح إسقاط بيت بشطريه ورد في الأجوزة تمثيلا واستطرادا حيث نجد ابن بري يقول في بيان حكم الراء المفتوحة المسبوقة بكسرة حال بينها وبينها ساكن من أحرف الاستعلاء غير الخاء:
إلا إذا سكن ذوا استعلاء ... بينهما إلا سكون الخاء
فإنها قد فخمت كـ"مصرا" ... و"إصرهم" و"فطرة" و"وقرا"
قال المنتوري: ثبت في رواية الحضرمي والمكناسي البيتان الأخيران(1)، وحوز عليهما في رواية البلفيقي، والأولى إثباتهما، وقد وقفت عليهما بخط الناظم.
ونكتفي بهذه النماذج، ولعل فيها ما يكفي شاهدا على ما ذكرناه من إكباب ابن بري رحمه الله على أرجوزته هذه يحررها وينقحها، ويفاوض فيها أثناء شرحها بعض النابهين من أصحابه ثم يجري من التعديل عليها ما يراه ضروريا، قال أبو محمد بن مسلم في شرحه عند قول ابن بري في باب الإدغام:
ويظهران "هل" و"بل" للطاء ... والظاء والتاء معا والثاء
__________
(1) يعني شطري البيت كما تقدم.(1/134)
ونقص من هذا الفصل اللام من "بل" عند الراء، وجملة ذالك ثلاثة مواضع: "بل رفعه الله إليه"، و"بل ربكم"، و"بل ران على قلوبهم"، وقد أخذت مع الناظم - رحمه الله - في ذلك فوافق على نقص ذلك، لكنه قد يندرج ذلك تحت قوله: "وما قرب منها أدغموا"، لشدة قرب ما بين اللام والراء، وقد ذكر هذا الاندراج بعض من شرح هذا الرجز".
قال أبو الفضل بن المجراد: "يعني بقوله بعض من شرح هذا الرجز أبا عبد الله الخراز رحم الله جميعهم بمنه"(1).
وكما نجد أصحابه يراجعونه في تصحيح الأحكام الواردة في المتن، فإننا نجد بعض شراح هذا المتن يرجعون إليه أحيانا في بيان معنى بعض كلامه الذي قد يدخله احتمال أكثر من وجه، وذلك كقوله في باب الهمز:
ونقلوا لنافع منقولا ... ردا وءالان وعادا الأولى
فقد فسر قوله "ونقلوا" بمعنيين: بمعنى رواية الرواة، وبمعنى نقل حركة الهمز إلى الساكن قبله: قال أبو عبد الله الخراز بعد ذكر الاحتمال الأخير: "قال لي الناظم - عفا الله عنه - : هذا أردت، وإليه قصدت"(2).
اقتراحات أخرى للتعديل بعد زمن الناظم:
وقد استمرت اقتراحات التعديل تلاحق طائفة من أبيات ابن بري في أرجوزته، وخاصة عند شراحها إذ وجدوا بعضها إما غير جامع وغير واف بالمراد، وإما غير مانع لدخول ما لم يرده الناظم، وإما لتعقيد فيه أو نحو ذلك.
فمن تعقبات الشراح عليه قوله في باب البسملة: "القول في استعمال لفظ البسملة والسكت والمختار عند النقلة"، فترجم على أنه سيذكر المختار، ثم لما ذكر السكت والوصل لم يذكر المختار من الوجهين، قال المنتوري منبها على ذلك: فقيل في ذلك:
ولكن السكت هو المختار ... نص عليه جلة أخيار
ومن ذلك ما ذكره مسعود جموع في "الروض الجامع" له عند قوله:
فصل وأبدل همز وصل اللام ... مدا بعيد همز الاستفهام
حيث قال: لو قال:
__________
(1) إيضاح الأسرار والبدائع لابن المجراد نقلا عن شرح ابن مسلم.
(2) القصد النافع لأبي عبد الله الخراز.(1/135)
فصل وأبدل بعد الاستفهام ... أو سهلن همز وصل اللام لكان أوفق
ثم جاء المارغني فاقترح التعديل بصيغة أخرى فقال: ولو قال:
ومدا أبدل همز وصل اللام ... أو سهلن بعيد الاستفهام
لأفاد الوجهين(1).
وقال المارغني في قوله في باب الراء:
ولكنها في الوقف بعد الكسر ... والياء والممال مثل المر
ولو قال الناظم:
وحكمها الترقيق بعد الكسر ... والياء والممال وقفا فادر
لأفاد المسألة بسهولة(2).
وسوف يأتي لنا جانب من مثل هذه الاستدراكات عليه عند ذكر ما قام حول أرجوزته من نشاط علمي.
رواة الدرر اللوامع عن ناظمها ابن بري:
لقد عاش أبو الحسن بن بري بعد نظمه لأرجوزته سنة 697 ما يربو على ثلاثة وثلاثين عاما لم ينقطع قط عن الساحة العلمية إلا لفترة يسيرة من آخر حياته حين ولي الكتابة الرسمية للدولة - كما قدمنا - بل وربما كان حتى في هذه الأثناء مقصودا في الرواية والأخذ في أوقات الفراغ من العمل الرسمي، وكان هذا مما جعل هذه الأرجوزة تسير بها عنه الركبان، حتى "تداولها الناس في البلدان - كما قال الخراز - وتعاهد درسها الكهول والولدان"(3).
ولا شك أن هذا التداول والتعاهد كان مدعاة إلى طلب روايتها بالسماع والقراءة على ناظمها في حياته، مما يمكن معه أن تشيع وتذيع رواياتها عنه على أيدي العشرات ممن يكونون قد سمعوها منه أو عرضوها عليه خلال مقامه بتازة أو عند حلوله بفاس ولا سيما بعد أن تصدر لتدريسها بالقرويين. ولذلك فلا مطمع في الوصول إلى إحصاء تام أو قريب من التام لجمهور من سمعها أو عرضها عليه من الطلاب، وإنما سنكتفي بالتنويه بأسماء طائفة من الأعيان الذين عرفوا بصحبته ورواية الأرجوزة عنه، ونبتدئ منهم بصفة خاصة بأسماء الأربعة الذين اعتمدوا في رواياتها المشهورة ممن عنوا بتحقيقها عناية. ورواها عنهم الجم الغفير في المغرب والأندلس.
__________
(1) النجوم الطوالع للمارغني 28.
(2) المصدر نفسه 149.
(3) سيأتي في مقدمة القصد النافع للخراز.(1/136)
فمن هؤلاء الأعلام:
1- عبد المهين الحضرمي صاحب الرواية الأولى، واسمه الكامل: عبد المهيمن بن محمد بن عبد المهيمن بن محمد بن علي الحضرمي السبتي الفقيه الأديب الكاتب، أخذ عن العلامة ابن أبي الربيع بسبتة وأبي عبد الله ابن صالح الكناني ببجاية وأخذ عن أعلام فاس وغيرهم حتىقيل: تحمل عن ألف شيخ قد حكاهم وذكرهم في مشيخته، وكان كاتبا عند السلطان أبي سعيد المريني ثم عند ابنه أبي الحسن، واختص بهذا الأخير وكان معه في حركته إلى تونس وبها توفي سنة 749(1).
ويعنينا منه هنا روايته للدرر اللوامع عن ناظمها، فقد أسندها من طريقه الإمام المنتوري فقال في فهرسته:
"حدثني به القاضي أبو بكر أحمد بن محمد بن جزي، عن الشيخ الأستاذ النحوي أبي محمد عبد المهيمن بن محمد بن عبد المهيمن الحضرمي، عن ناظمه سماعا"(2).
2- أبو الحجاج يوسف بن علي بن عبد الواحد بن موسى السدوري المكناسي وبه عرف (688-781) وروايته ثاني الروايات للدرر، قال ابن الجزري:
__________
(1) تقدم ذكره في أصحاب ابن أبي الربيع بسبتة، ويمكن الرجوع إلى ترجمته في درة الحجال 3/173-174، ترجمة رقم 1148.
(2) فهرسة المنتوري لوحة 18.(1/137)
"مقرئ غرناطي، محقق صالح مقرئ محدث، ويجلد الكتب في غاية من الحسن، ويقرئ الناس، انتفع به جماعة كثيرون، وقرأ على أبي الحسن علي بن بري صاحب الرجز بقراءة نافع، وأبي الحسن علي القيجاطي(1)، أخبرنا صاحبنا أبو عبد الله محمد بن ميمون البلوي(2) أنه قرأ عليه رجز ابن بري عنه، وقال لي: فارقته وهو في قيد الحياة سنة 770هـ، وله نحو سبعين سنة تقريبا، وقال أنه إمام المدرسة، اليوسفية بغرناطة"(3).
وتعتبر رواية المكناسي للدرر أسير الروايات في البلاد الأندلسية لتصدره بقاعدة البلاد، وتعميره بعد الناظم أزيد من خمسين سنة.
فممن أسندها من طريقه من الأندلسيين الإمام المنتوري (ت 834)، فقال في فهرسته:
"وقرأت جميعه حفظا عن ظهر قلب على الشيخ أبي الحجاج يوسف بن علي المكناسي، وحدثني به عن الناظم سماعا عليه بجامع القرويين بمدينة فاس"(4).
وقال المنتوري أيضا في شرحه: "ورويته من طرق ثلاثة أعلاهن ما حدثني به الشيخ المسن المقرئ الصالح أبو الحجاج يوسف بن علي بن عبد الواحد السدوري المكناسي - رحمه الله - قراءة من حفظي عليه في أواخر شعبان سنة 774هـ عن ناظمه سماعا عليه بجامع القرويين من مدينة فاس في أواخر محرم سنة 723هـ"(5).
__________
(1) هو علي بن عمر القيجاطي صاحب قصيدة "التكملة المفيدة" الآنفة الذكر، وقد تصحف اللفظ عند ابن الجزري كما يظهر فقال: "علي المجامي"، وقد رجحت أن يكون أراد القيجاطي لأنه معاصر لابن بري، وكان متصدرا بغرناطة.
(2) هو محمد بن محمد بن ميمون، تقدم ذكره مرات، وترجمته في غاية النهاية 2/255 ترجمة 3444.
(3) غاية النهاية 2/401-402 ترجمة 3932.
(4) فهرسة المنتوري لوحة 18.
(5) شرح المنتوري لوحة 2.(1/138)
وممن انتشر الإسناد عنه من طريق أبي الحجاج المكناسي، الإمام أبو عبد الله محمد بن محمد القيجاطي - حفيد أبي الحسن القيجاطي صاحب التكملة وشيخ الإمام المنتوري -، ومن طريق القيجاطي الحفيد هذا رواها. الإمام المجاري الأندلسي فقال في برنامجه: "قرأت جميعه عليه تفقها بلفظي، وسمعته مرة ثانية بلفظ غيري، وحدثني به عن الشيخ المسن الراوية أبي الحجاج يوسف بن علي السدوري المكناسي قراءة عليه، عن ناظمه سماعا عليه بالجامع الأعظم من مدينة فاس"(1).
3- محمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم أبو البركات البلفيقي وبه يعرف كما يعرف بابن الحاج قاضي الجماعة بغرناطة وأحد الأعلام (680-771).
تقدم ذكره في أصحاب أبي الحسن بن سليمان وأبي الحسن القيجاطي وغيرهما، وكان مولعا بالتنقل للقاء المشيخة وطلب الإسناد العالي حتى روى عن الكبار في المغربين الأقصى والأوسط وحواضر الأندلس، وكانت روايته عن أبي الحسن علي بن سليمان كما تقدم سنة 726هـ(2)، فلا يبعد أن يكون سماعه للدرر من أبي الحسن بن بري خلال هذا العهد، وذلك لاتفاق عامة شراح الدرر على أن روايته كانت هي الأخيرة بالقياس إلى باقي الروايات المشهورة.
وقد انتشرت الرواية عنه بالأندلس كما انتشرت بالمغرب على السواء، وكان كثير التردد بينهما وربما سفر بين ملوك المغرب والأندلس كما يفهم ذلك من قول ابن خلدون وهو من تلامذته(3).
فممن رواها عنه من المغاربة الراوية الكبير أبو زكريا يحيى بن أحمد السراج، وقد أسندها الشيخ ابن غازي من هذه الطريق(4).
__________
(1) برنامج أبي عبد الله المجاري 96-97 ترجمة 2.
(2) ينظر في ذلك غاية النهاية 1/544 ترجمة 2229.
(3) التعريف بابن خلدون 63.
(4) فهرسة ابن غازي 99.(1/139)
وممن رواها من الأندلسيين الإمام أبو عبد الله محمد بن محمد القيجاطي عن القاضي أبي البركات محمد بن محمد بن الحاج عن الناظم قراءة(1).
4- أبو محمد بن مسلم وهو عبد الله بن أبي بكر بن علي بن مسلم القصري القاضي شهر بابن مسلم(ت 773)
كان شيخ سبتة ومقرئها في زمنه، تقدم التعريف به في أصحاب أبي الحسن بن سليمان القرطبي بفاس. وتقدم ذكر أخذه عن ابن بري ومفاوضته له في بعض أبيات أرجوزته، وهو أحد من قاموا بشرحها كما سيأتي.
أما روايته فقد اشتهرت في المغرب من طريق أبي زكريا السراج الذي ذكره في مشيخته وترجم له ترجمة مطولة، وذكر جملة من شيوخه ومروياته عنهم فسمى منهم "الأستاذ النحوي الكاتب الأديب أبا الحسن علي بن بري"، وذكر أنه أخذ عنه رجزه في قراءة نافع، وأجاز له إجازة عامة(2).
وقد أسند الشيخ ابن غازي الأرجوزة من هذه الطريق أيضا وذكر سماع ابن مسلم لها من الناظم(3).
5- أبو عبد الله المرسي محمد بن علي الأندلسي.
لم أقف له على ترجمة موسعة، وقد ذكره ابن قنفذ في "شرف الطالب" والونشريسي في "وفياته"، ونعتاه بالخطيب الراوية، ثم ذكرا وفاته ببجاية سنة 728هـ(4).
ولم يشر أحد منهما إلى شرحه للدرر اللوامع أو أخذه لها عن ابن بري، ولعلهما لم يفعلا ذلك لأنهما يقتصران غالبا علىذكر الوفيات، كما أنهما لم ينعتاه بوصف "الضرير" وهو وصف ينعته به أبو راشد الحلفاوي في شرحه الآتي على الدرر اللوامع لأنه اعتمد شرحه عليها وهو يشير إليه بحرف "س" يعني "المرسي".
__________
(1) ومن طريقه رواها المنتوري في فهرسته لوحة 18.
(2) فهرسة السراج المجلد 1 لوحة 240-241.
(3) فهرسة ابن غازي 99.
(4) ينظر ذلك في "ألف سنة من الوفيات" 77-105.(1/140)
وقد ذكره الرحالة أبو عبد الله بن بطوطة الطنجي في رحلته في سياق حديثه عن موسم الحج لسنة 728هـ في جملة من شهد الموسم من أهل المغرب، فسمى منهم أبا محمد بن مسلم وأبا عبد الله المرسي(1).
فلا يبعد أن يكون هو المراد، وقد حج مع أبي محمد بن مسلم المذكور صاحبه وشارح الدرر مثله، ثم مات في طريقه إثر عودته من الحج ببجاية، ويقوي ذلك ما جاء عند أبي زكريا السراج ورواه ابن غازي في صدر فهرسته من الحديث المسلسل بالأولية، حدث به السراج عن أبي محمد بن مسلم عن أبي العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم المرادي الطرقبي بثغر الإسكندرية يوم الأربعاء الحادي عشر من شهر رمضان المعظم من عام 728 قال: "وهو أول حديث سمعته منه"(2).
6- أبو الحسن علي بن موسى بن إسماعيل بن إبراهيم المطماطي السلاوي أحد المعمرين من أصحاب ابن بري.
__________
(1) رحلة ابن بطوطة (تحفة النظار في عجائب الأسفار) 1/250 طبعة دار إحياء العلوم وكذا 1/185 طبعة دار الشرق العربي بيروت - لبنان.
(2) فهرسة ابن غازي 34-35.(1/141)
ترجم له صاحب "الإتحاف الوجيز" فقال: "هو الفقيه العلامة الشيخ المقرئ أبو الحسن سيدي علي بن موسى بن إسماعيل المطماطي، ذكره سيدي يحيى السراج في فهرسته من مشايخ أشياخه في ترجمة أبي عبد الله محمد بن سعيد بن محمد بن عثمان الرعيني الأندلسي الفاسي(1) قائلا: "إن الرعيني أخذ عن الشيخ المقرئ أبي الحسن علي بن موسى بن إسماعيل المطماطي لقيه بسلا في تاسع جمادى الأولى سنة 723هـ، ومن مشايخ هذا الفاضل الإمام المقرئ أبو الحسن علي بن بري الرباطي، ومن تلامذته الأستاذ العلامة الحافظ عبد الله بن يوسف العثماني المعروف بابن الصباغ السلاوي وغيره... وكانت وفاته في ربيع الأول سنة 793هـ كما رأيته مكتوبا على قبره، وهو خارج "باب المعلقة" أحد أبواب سلا"(2).
وقد أسند الإمام أبو الفضل بن المجراد روايته "للبرية" عن هذا الشيخ في صدر شرحه فقال:
حدثنا بهذه الأرجوزة المذكورة سيدنا ومولانا شيخنا الأستاذ الوجيه الحافظ العلم الشهير أبو محمد عبد الله ابن الشيخ الحاج المقدس المرحوم أبي يعقوب يوسف العثماني السلاوي عرف بابن الصباغ، قال: حدثنا بهذه الأرجوزة قراءة منا عليه سيدنا ومولانا الأستاذ الجليل العالم العلامة المتفنن أبو الحسن علي بن موسى بن إسماعيل بن إبراهيم المطماطي عن مؤلفها أبي الحسن المذكور رحم الله جميعهم(3).
7- أبو عبد الله محمد بن شعيب بن عبد الواحد بن الحجاج المجاصي اليصليتي أحد شراح الدرر اللوامع.
__________
(1) سيأتي في أصحاب ابن بري.
(2) الإتحاف الوجيز (تاريخ العدوتين الرباط وسلا لمحمد بن علي الدكالي 89 ترجمة 8 نشر بالخزانة الصبيحية بسلا المغرب 1406-1986).
(3) إيضاح الأسرار والبدائع لابن المجراد – لوحة 2.(1/142)
ذكره أبو زكريا السراج في مشيخة شيخه أبي المكارم منديل بن محمد بن آجروم الصنهاجي ولد صاحب الأجرومية، وذكر أنه أي منديل قرأ عليه فاتحة الكتاب بالقراءات السبع وبعض الشاطبية الكبرى وبعض الدرر اللوامع وناوله شرحه الذي وضعه عليها(1).
وقد ذكر المجاصي أسانيده في قراءة نافع في شرحه المذكور فقال: "أخذنا هذه القراءة واتصلنا بها من وجوه عن شيوخ عديدة، منهم الشيخ المحدث المقرئ سيدي أبو عبد الله المالقي(2)، وكان بمدينة تازة – حرسها الله – قرأت علين لنافع عرضتين: ختمة لورش وختمة لقالون، مستظهرا لذلك، وكتب لي بذلك إجازة"(3).
وأخذ المجاصي بفاس أيضا عن أبي الحسن علي بن سليمان القرطبي مقرئ فاس، وأبي العباس أحمد بن عبد الرحيم بن تميم المجاصي الشهير بالمكناسي - الآنف الذكر في أصحاب أبي الحسن بن سليمان -، كما أخذ عن أبي الحسن علي بن عبد الرحمن بن محمد بن بادس العابري وسواهم.
وكان المجاصي معلما للصبيان بجامع "أصناج" بمدينة تازة، وكانت له مؤلفات منها شرحه على مورد الظمآن كما تقدم وشرحه التالي على الدرر اللوامع ومنظومة في غريب القرءان(4).
وسيأتي ذكر روايته للدرر اللوامع عن مؤلفها وقراءته لها عليه وذكر سؤاله للناظم عنها حرفا حرفا وتردده عليه فيما أشكل عليه منها.
8- أبو عبد الله محمد الزيتوني من شيوخ أبي وكيل ميمون الفخار صاحب التحفة.
__________
(1) فهرسة السراج المجلد 1 لوحة 314.
(2) يشترك في هذا الشيخ مع أبي عثمان بن آجانا أحد شراح الدرر اللوامع كما سيأتي
(3) يمكن الرجوع إلى ترجمته لنفسه في صدر شرحه الآتي على الدرر اللوامع (مخطوط).
(4) يمكن الرجوع إلى بعض أبيات أرجوزته في "القراء والقراءات بالمغرب" لسعيد أعراب 46.(1/143)
لم أقف على ترجمته، وإنما وقفت على روايته للدرر اللوامع فيما أسنده من طريقه الشيخ ابن غازي من قراءته على شيخه أبي عبد الله الصغير النيجي عن أبي الحسن الوهري عن أبي وكيل ميمون عن الشيخ المقرئ الحافظ الضابط أبي عبد الله محمد الشهير بالزيتوني عن ناظمها(1).
9- أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن سعيد، من شيوخ أبي زكريا السراج ترجم له في شيوخه فقال:
"ومنهم الشيخ الفقيه المقرئ كان بجامع القرويين - شرفه الله بدوام الذكر فيه - قرأت عليه جميع "كتاب الدرر اللوامع" نظم الأستاذ الأعرف أبي الحسن علي بن بري، وأذن لي في حمله عنه، وذلك في الخامس والعشرين من جمادى الأخرى(2) من العام المذكور جميع الرجز المسمى "بمورد الظمآن" قراءة تصحيح ورواية، وأجازنيه إجازة تامة مطلقة"(3).
ولم يذكر السراج في هذه الترجمة أخذ ابن سعيد للأرجوزة عن الناظم، ولكن الشيخ ابن غازي أسندها في فهرسته عن حفيد السراج أبي عبد الله محمد بن أبي القاسم محمد بن يحيى السراج عن أبيه عن جده قال حدثني بها أبو زيد بن محمد بن سعيد عن الناظم(4).
10- أبو عمرو بن أحمد الميمون الفشتالي. ذكره أبو زيد بن القاضي في مقدمة "الفجر الساطع" نقلا عن بعض شروح الدرر اللوامع قال متحدثا عن ابن بري: "رأيت بخطه نسخة من هذه "الدرر اللوامع" بخط حسن وجعل عليها طررا وأجاز فيها الذي كتبها برسمه إجازة منظومة نص ما كتبه الراوي:
أكملته عرضا على منشيه ... وأجازني في ما سواه وفيه
وأباح لي عنه الحديث بكل ما ... من نظمه أو نثره أدريه
وأقول في ذاك الذي أختاره ... من بعد تصحيح لما أرويه
وكفى بصحة ذاك خط يمينه ... من تحته ينوي به تنويهي
والله يكثر فضله ويثيبه ... عني ويحفظ مجده ويقيه
__________
(1) فهرسةابن غازي 41.
(2) كذا وقد انتقد ابن بري استعمال هذه الصيغة في وصف هذا الشهر، وذكر أن الصواب "الأخيرة أو الآخرة" كما تقدم.
(3) فهرسة السراج مجلد 1 لوحة 345-346.
(4) فهرسة ابن غازي 41.(1/144)
وكتب بيده أبو عمرو بن أحمد الميمون الفتشالي رحمه الله تعالى ورضي عنه، وكتب أبو الحسن تحته بخطه ما نصه:
ما قاله وحكاه كاتبه أبو ... عمرو صحيح لا استرابة فيه
فليرو عني ما يشاء فإنه ... أهل لكل فضيلة تعليه
فلقد خبرت ذكاءه فحمدته ... فيما يحاول فهمه ويعيه
وتحققت منه مخايل أوجبت ... لعلاه رفعة جده وأبيه
وأفدته أرجوزتي وكتبتها ... بيدي، وذلك غاية التنويه
وعنيت من تطريرها بمسائل ... لإفادة التقييد والتنبيه
والعذر في نظمي ونثري أنني ... أرسلت فيه رويتي وبديهي
والله يحفظ مجده ويشيده ... ويسره في أهله وذويه
وقاله وكتبه بخط يده - حامدا الله تعالى ومصليا على محمد وآله - علي بن محمد بن بري وفقه الله(1).
11- أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن مرزوق التلمساني (711-781هـ).
وقد أسند الشيخ أبو عبد الله بن غازي روايته للدرر من طريق حفيده محمد بن أحمد بن محمد "عن الإمام أبيه عن الخطيب جده عن الناظم أبي الحسن كله إجازة"(2).
وأشار إلى روايته للدرر اللوامع وتكملة القيجاطي رواية لهما عن مؤلفيهما كل من مؤلفي نيل الابتهاج و"البستان"(3).
12- محمد بن القاسم بن عمر بن عبد الله الصيرفي.
ذكره ابن الخطيب في "نفاضة الجراب" والمراكشي في "الإعلام" نقلا عنه، وذكر قراءته على جماعة من المقرئين منهم أبو عثمان بن جرار المقرئ النحوي بمراكش، وأبو الحسن بن بري، وذكر له نماذج أدبية(4).
13- أبو مهدي عيسى بن عبد الله الترجالي التازي.
__________
(1) نقله ابن القاضي في أول الفجر الساطع عن شرح الدرر اللوامع لابي العباس الحصار الآتي.
(2) فهرسة ابن غازي 188.
(3) نيل الابتهاج 225 والبستان لابن أبي مريم 150-152-184-190.
(4) الإعلام للمراكشي 5/25-26 ترجمة 619 وأشار إلى النفاضة 67.(1/145)
ذكره غير واحد ممن ترجموا لابن بري في قصة توليه لمنصب الكتابة للسطان، إذ كان قد ولي القضاء بتازة وكان شيخه أبو الحسن مرتسما في عدولها الموثقين فصعب عليه أن يكون شيخه يدخل عليه فيمن يدخل فيما يحتاج إليه العدول لدى القاضي، فتسبب في كتابته للملك(1)، ولا يخفى ما في هذه القصة من دلالة على سمو نفس هذا التلميذ ونبله ومروءته ووفائه، إلى جانب ما تمثله أيضا من جلالة قدر ابن بري عند أصحابه.
14- أبو زيد عبد الرحمن بن العشاب التازي الآنف الذكر في صدر ترجمة ابن بري.
تقدم ذكر تدوين ابن بري بخطه لمسائله التسع والعشرين التي سأل عنها العلامة اين البقال فأجابه.
وقد ترجم له ابن بري عقبها بقوله: "كان ابو زيد المذكور أعلاه شابا صالحا، قرأ بتازة - حرسها الله تعالى - وأخذ علي علم النحو، وأكمل "كتاب الإيضاح"(2) تفهما... إلى آخر ما ذكره من مظاهر نبوغه، وكانت وفاته وسنه نحو العشرين – كما ذكر – سنة 724هـ(3).
15- أبو الحسن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق السلطان المريني واسطة عقد هذه الدولة.
هو أيضا من تلامذة ابن بري في القراءة، وقد أشار ابن عبد الكريم في شرحه على الدرر إليه في ترجمة ابن بري فقال: "دعاه أبو الحسن في خلافة أبيه، فكان يقرأ عليه في "الدار البيضاء"، فكان يقرأ عليه فيها حتى توفي بها رحمه الله(4).
__________
(1) نقله ابن القاضي وغيره في الفجر الساطع.
(2) تقدم أنه لأبي علي الفارسي.
(3) نقله الونشريسي في المعيار المعرب 12/290-291.
(4) شرح ابن عبد الكريم المسمى بـ "الفصول" وسيأتي.(1/146)
أما أبو الحسن المريني فقد خلعه ابنه أبو عنان بعد أن بويع له إثر نكبته وغرق أسطوله في منقلبه من تونس كما تقدم، ومعه من معه من العلماء والقراء، فكان من قضاء الله له أن نجا من الغرق، وانتهى به الأمر إلى اللجوء إلى جبل "هنتاتة" أحد جبال الأطلس الكبير المشرفة على مدينة مراكش إلى أن توفي هناك سنة 752هـ(1).
16- أبو عبد الله الخراز محمد بن محمد بن إبراهيم الشريشي صاحب المورد وشارح الدرر اللوامع الأول.
وقد ذكر ابن المجراد ما يفيد أن للخراز سماعا للدرر اللوامع منه بعد أن رواها عن غيره، بل إنه ربما رجح عند الاختلاف روايته في بعض الأبيات، كقوله عند قول ابن بري في باب "زوائد الياءات":
والمهتدي الإسراء والكهف وأن ... يهديني بها ونبغي يوتين
قال ابن المجراد بعد شرح البيت المذكور: "وما شرحنا عليه البيت الثاني من هذه الأبيات الخمسة من الترتيب موافق لكلام الأستاذ أبي عبد الله الخراز، وذكر ابن مسلم - رحمه الله - أن روايته فيه عن المصنف مشافهة إنما هي هكذا:
والمهتدي في الكهف والإسراء وأن ... يهديني في الكهف نبغي يوتين
"والمهتدي في الكهف والإسراء وأن يهديني في الكهف نبغي يوتين".
وأن الرواية التي شرح عليها أبو عبد الله الخراز لم يروها عن المصنف مشافهة، وإنما كان رواها عنه بواسطة قبل رؤيته إياه فاعلم ذلك واختر ما شئت(2).
__________
(1) ترجمته في درة الحجال 3/246-247 ترجمة 1271.
(2) إيضاح الأسرار والبدائع لابن المجراد.(1/147)
هؤلاء من وقفت على ذكرهم بالرواية عن ابن بري ممن جاء التصريح بروايتهم أو قراءتهم عليه(1)، ولا شك أن معهم عددا كبيرا ممن انتفعوا به سواء في أرجوزته أم في غيرها مما كان يقوم على تدريسه من العلوم كعلم العربية والأدب والعروض والفرائض وغيرها.
وفاته: وقبل أن نتتبع أثر ابن بري من خلال أرجوزته في ساحة الإقراء عبر العصور، لا بأس من الإشارة إلى خلاف يسير وقع في موضع وفاته ودفنه والعام الذي توفي فيه، فقد شذ ابن عبد الكريم فيما ذكره من وفاته بفاس، وزاد الشوشاوي وغيره أنه مدفون بها(2)، وذكر أبو زيد بن القاضي أنه دفن ببلده وهو إذ ذاك كاتب الخلافة المعلومة، إلا أنه ذكر وفاته سنة 731هـ، ثم نقل في آخر ترجمته عن أبي زيد الجادري أنه "توفي - رحمه الله - سنة 730هـ بتازة المحروسة..."(3).
__________
(1) ذكر الأستاذ محمد بن أحمد الأمراني من تلامذة ابن بري محمد بن عيسى الوارتني (مجلة الأحياء المجلد 6 الجزء الأول ص 120)، وهو غلط لأنه متأخر كثيرا عن زمنه بل قرأ على الإمام أبي عبد الله القيسي صاحب الميمونة الفريدة كما سيأتي وهو قد توفي سنة 810هـ.
(2) الأنوار السواطع على الدرر اللوامع.
(3) الفجر الساطع على الدرر اللوامع.(1/148)
وهذا الذي ذكر الجادري هو الذي ذهب إليه مسعود جموع والأكثرون من الشراح مقتصرين عليه وهو الذي ذهب إليه الونشريسي في وفياته(1)، وزاد الوزير أبو محمد الإسحاقي تدقيقا فذكر وفاته "بتازة يوم الثلاثاء 23 من شهر شوال عام 730"(2)، وأبعد إسماعيل باشا البغدادي في ذكره وفاته سنة 709هـ كما نبه على ذلك بعض الباحثين(3)، وإنما الذي توفي في هذه السنة كما تقدم هو شيخه أبو الربيع بن حمدون.
ولعل عامة من ذكروا دفنه بفاس إنما قلدوا ابن عبد الكريم الذي ذكر مقيد شرحه عنه قوله: "وكانت قراءته على شيخه بتازة، وتوفي - عفا الله عنه - بمدينة فاس، لأنه دعاه السلطان إليها حين دعاه الأمير أبو الحسن في خلافة أبيه، فكان يقرأ في الدار البيضاء، فأجابه، فيقي يقرأ عليه فيها حتى توفي بها...".
وقد كان يمكن الجمع بين قوله هذا وبين غيره باحتمال وفاته في فاس وحمله إلى تازة ليدفن بها، لولا أن المؤلف قال مرة أخرى بعد أن ترجم لأبي الربيع بن حمدون: "وأما المؤلف فإنما دفن بمدينة فاس، وكانت قراءته على شيخه بتازة حتى دعاه السلطان إلى فاس"(4).
ولعل الاختلاف في موضع دفنه لا مكان له أمام ما هو متواتر عند أهل تازة من كونه مدفونا بها مع شيخه أبي الربيع وعلى قبرهما قبة(5)، وقد ذكرنا زيارة الإسحاقي لقبره في جملة ما وقف عليه من مشاهد المدينة.
__________
(1) وفيات الونشريسي ضمن (ألف سنة من الوفيات 106).
(2) الرحلة الحجازية لوحة 29 مخطوطة القرويين.
(3) الأستاذ محمد بن أحمد الأمراني (مجلة الأحياء المجلد 6 الجزء 1/106). وما أشار إليه عند البغدادي ذكره في إيضاح المكنون ذيل كشف الظنون مجلد 1/ع468 وقد أعاد كتابة العدد بالحروف، كما ذكره مرة أخرى في هدية العارفين في أسماء المؤلفين له 1/ع716.
(4) الفصول لابن عبد الكريم وسيأتي في الشروح على الدرر.
(5) الأستاذ محمد بن أحمد الأمراني 106 من الأحياء المذكور أعلاه.(1/149)
قيمة أرجوزة الدرر اللوامع وعمل ابن بري فيها:
إذا كانت قيمة أي عمل علمي إنما تتجسد غالبا في مقدار ما أسدى من نفع وما خلف وراءه من صدى، فإن هذه الأرجوزة قد بلغت الذروة من ذلك في زمنها وبعده إلى اليوم، وذلك بشهادة عامة من تداولوها أو تناولوها بالشرح، أو من نظموا على منوالها مستدركين أو شارحين أو مفصلين.
ويكفي في إدراك قيمتها الرفيعة أنك لا تكاد تجد إلى زمننا هذا قارئا للقرءان في الأقطار المغربية لا يعرفها أو يحفظ منها شواهد إن لم يحفظ جلها أو كلها، لا سيما المتعاطين للقراءة المتمرسين بالإقراء.
وقبل أن نتوقف معها لإبراز أثرها في الساحة وأن نتتبع إشعاعها العلمي عبر العصور نقف مع ناظمها في أهم العناصر والمقومات التي أعطت لأرجوزته هذه القيمة وخصتها عند المغاربة وغيرهم بكل هذا الاهتمام، وهذه أبرز تلك العناصر والمقومات:
1- في إفراده لقراءة نافع بهذه الأرجوزة عن غيرها من باقي القراءات التي نظم فيها غالب من تقدموه، فكان بذلك في عداد الرواد الأول الذين وضعوا أسس المدرسة المغربية في المغرب الأقصى في هذه القراءة.
2- في اقتصاره من الروايات المشهورة عن نافع على روايتي ورش وقالون.
ولقد رأينا في مؤلفاته تأليفا آخر في الروايتين بعنوان "القانون في روايتي ورش وقالون"، وهذا يعكس لنا مقدار اهتمامه بهاتين الروايتين وتقديره لحاجة المتعلمين فيهما إلى وجود تآليف موجزة خاصة بهما تضبط ما بين روايتيهما من أوجه الوفاق والخلاف، فألف في ذلك تأليفا نثريا وآخر منظوما.(1/150)
3- في اعتماده في الروايتين المذكورتين الطريق الواحد المشهور والمأخوذ به عند المغاربة دون غيره من باقي الطرق، حيث اعتمد من ذلك في رواية ورش طريق أبي يعقوب يوسف الأزرق دون غيره كطريق عبد الصمد العتقي أو طريق الأصبهاني مما تضمنه كتاب "التعريف في اختلاف الرواة عن نافع" لأبي عمرو، ونظم على منواله فيه مثل أبي الحسن بن سليمان فيما رأينا قبل في أرجوزته المسماة بـ"نظم التعريف" أو مختصره.
كما نجده اعتمد في رواية قالون خاصة طريق أبي نشيط محمد بن هارون المروزي.
وقد نبه الشراح على اشتهار هاتين الروايتين عن ورش وقالون عند المغاربة، فأما رواية الأزرق فقال المنتوري: "هي التي ذكرها الداني في إيجاز البيان، والتلخيص، وعليها عول في الاقتصاد، والتيسير، وهي التي اشتهر بها العمل، وأخذ الناس بها في قراءة ورش، وصنفوا قراءة ورش من طريقها، وعلى هذا جرى ابن الباذش في الإقناع، والشاطبي في قصيدته، والناظم في هذا الرجز وغيرهم من المصنفين للحروف"(1).
وذكر المنتوري نحوا من هذا في اعتماد رواية المروزي خاصة عن قالون.
ولعل إغفال الناظم لتعيين الطريق التي نظم فيها في كل من الروايتين راجع إلى شهرتهما بحيث لم ير حاجة إلى التنبيه عليهما لما قدمناه.
وقد أشار أبو زيد بن القاضي في أول شرحه إلى اشتهار الأخذ عن ورش في "الطريقة العشرية" بثلاثة(2)، وفي طريق السبع بواحد، وهو أبو يعقوب يوسف بن عمرو بن يسار الأزرق الخزرجي نزيل مصر.
4- في عنايته الخاصة برواية ورش من هذه الطريق، ولعلها المرادة بالذات عنده.
ولعله لذلك قدمه في الذكر في قوله:
على الذي روى أبو سعيد ... عثمان ورش عالم التجويد
ثم قال بعده:
والعالم الصدر المعلم العلم ... عيسى بن مينا وهو قالون الأصم
__________
(1) شرح المنتوري على الدرر اللوامع.
(2) يعني بطرق الأزرق وعبد الصمد والأصبهاني عن ورش، وكذلك بثلاثة عن قالون كما تقدم.(1/151)
والتقديم بلا شك يؤذن بالشفوف وزيادة الاهتمام، إذ يبدو أنه إنما أراد بأرجوزته تقريب القراءة من الرواية والطريق التي عليها المدار في "القراءة الرسمية" عند المغاربة لمسيس الحاجة إليها، وإنما ذكر رواية قالون معها لمزيد من الضبط وللتنبيه على بعض الأوجه الأخرى المقروء بها لنافع.
ولقد غفل عن هذا المعنى بعض الشراح كالإمام المارغني من أهل تونس حيث يجري الأخذ لنافع عادة برواية قالون أولا كما قدمنا، فقال متعقبا له: "كان الأولى للناظم أن يقدم قالون في الذكر على ورش، لأن الداني الذي سلك الناظم طريقه – كما يأتي – قدمه في "التيسير" وتبعه "الشاطبي" وغيره، ولذا جرى عملنا بتونس بتقديمه على ورش في الإفراد والجمع"(1).
هكذا أراد أن يلزم الناظم بما لا يلزمه، لأن التلاوة والتعليم في الكتاتيب تجري على رواية ورش في جميع المغرب والأندلس منذ دخول القراءة كما قدمنا، وإنما أخذ أهل إفريقية وبعض بلاد الجريد برواية قالون في وقت متأخر، وكيف وهذا صاحبهم أبو الحسن الحصري ينعي على من أرادوا تجاوز هذه الرواية إلى غيرها قبل تمام الأهلية فيها في قوله:
ولم أرهم يدرون ورشا قراءة ... فكيف لهم أن يقرأوا لأبي عمرو
فذكر هذه الرواية خاصة، ثم قال أيضا:
أعلم في شعري قراءة نافع ... رواية ورش ثم قالون في الإثر
فقدم أيضا رواية ورش على رواية قالون، وهو غير ملوم في ذلك بلا شك.
وأما قول ولده الشيخ عبد الواحد بن إبراهيم المارغني في تعقيب له على رسالة لوالده مشيرا إلى ترتيب القراء في حالة الجمع والإرداف: "فإذا اجتمعوا كلا أو بعضا في كلمة واحدة من الآية المروية جمعا قدم صاحب الرتبة، وأول رتبة قالون عن نافع لكونه مدنيا عن مدني، ولذلك وجه وجيه، كما لا يخفى على تحرير نبيه"(2).
__________
(1) النجوم الطوالع 18.
(2) هامش النجوم الطوالع 74.(1/152)
فأحسب مرده إلى غير ما قاله من كونهم قدموا قالون لأنه مدني عن مدني، وإنما لسيادة مدرسة أبي عمرو الداني وسيطرتها على ميدان المشيخة بعد زمن الشاطبي أي منذ أول المائة السابعة بحيث سلكوا مسلك أصحاب أبي عمرو الذين كانوا يقرأون ويقرئون بمضمن "التيسير" أو "الشاطبية" فجرى ترتيبهم على ذلك لا يتجاوزونه.
5- في اعتماده طريق أبي عمرو الداني خاصة دون غيرها.
وقد نبه الناظم على ذلك، وأشار الشراح إلى فعله لذلك ليميز بين هذه الطريق وباقي طرق القراءة عند المغاربة كطريق مكي بن أبي طالب وطريق أبي عبد الله بن شريح أو طريق الأهوازي مما كانت القراءة بمضمنه معروفة في زمنه.
ويلاحظ أن الناظم لم يشر إلى الكتاب الذي سيعتمده من كتب أبي عمرو في هذه الأرجوزة، وإن كان الذهن يتطرق عند الإطلاق إلى أشهر كتبه وهو "كتاب التيسير"، ولعله تعمد ذلك حتى يتأتى له أن يستفيد من كتبه الأخرى كالإيجاز والتلخيص ورواية ورش من طريق المصريين وغيرها من كتبه في قراءة نافع.
6- في اتباعه كثيرا للشاطبي، وهو تأكيد منه على التزامه بمذاهب المدرسة الأثرية الاتباعة.
وقد أشار الإمام المنتوري في مواضع من شرحه إلى ذلك فقال عند قول ابن بري في باب "البسملة":
قالون بين السورتين بسملا ... وورش الوجهان عنه نقلا
"تبع في ذلك الشاطبي - يعني في ذكر الوجهين لورش البسملة وتركها - حيث قال: "وفيها خلاف (جـ) يده (و) اضح الطلا" وهو يتبعه في هذا الرجز كثيرا"(1).
وقال في أول الذيل الذي ألحقه ابن بري بأرجوزته: "ولما كان الناظم قد اتبع الشاطبي في ذكر مسائله، وترتيب أبوابه، وجعل الشاطبي آخر قصيدته "باب مخارج الحروف وصفاتها"، جعل الناظم بعد تمام رجزه في قراءة نافع هذا المنظوم وسماه بـ"الذيل في مخارج الحروف وصفاتها"(2).
__________
(1) شرح المنتوري م خ ع لوحة 39 رقم النسخة 519.
(2) المصدر نفسه لوحة 419.(1/153)
7- في استقلاليته ببعض الاختيارات التي ربما خالف فيها التيسير والشاطبية معا، مما يتجلى فيه نضج شخصيته.
ومن أمثلة ذلك ما ذهب إليه في قوله في باب المد مشيرا إلى تقدم الهمزة على حرف المد واللين:
وبعدها ثبتت أو تغيرت ... فاقصر، وعن ورش توسط ثبت
حيث ذكر أولا وجه القصر لورش وقالون معا، ثم عطف عليه وجه التوسط لورش، في حين أن الداني إنما ذكر في "التيسير" الوجه الآخر حيث قال: "فصل، وإذا أتت الهمزة قبل حرف المد، سواء كانت محققة أو ألقى حركتها على ساكن قبلها، أو أبدلت نحو قوله "ءادم" و"ءازر"... فإن أهل الأداء من مشيخة المصريين الآخدين برواية أبي يعقوب عن ورش يزيدون في تمكين حرف المد في ذلك زيادة متوسطة على مقدار التحقيق"(1).
فأبو عمرو لم يذكر وجه القصر في التيسير، ثم جاء الشاطبي فأضاف إلى القصر الذي زاده ابن بري وجها ثالثا، وهو الإشباع، وقدمه في الذكر فجعله بين القصر والتوسط في قوله:
وما بعد همز ثابت أو مغير ... فقصر وقد يروى لورش مطولا
ووسطه قوم كآمن هؤلا ... ء ءالهة ءاتى للإيمان مثلا
وبهذا يكون ابن بري قد خالف صاحب التيسير في ذكره للقصر، وخالف الشاطبي في عدم ذكره للإشباع.
ويشهد لما ذكرناه من أنه لم يلتزم بما في التيسير ذكره لبعض الجزئيات التي لم يعرج عليها كقوله أيضا في باب المد:
وفي يؤاخذ الخلاف وقعا ... وعادا الأولى والآن معا
فإن صاحب التيسير لم يذكر هذا اللفظ تماما ولا استثناه من أصل ورش أعني الخلاف في "يؤاخذ"(2)، وإنما ذكر في "إيجاز البيان" إجماع أهل الأداء على ترك زيادة التمكين في الألف(3).
__________
(1) التيسير 31.
(2) التيسير 31.
(3) نقله ابن الجزري في النشر 1/340.(1/154)
وقال في "المفردات": وكلهم لم يزد في تمكين الألف في قوله تعالى: "لا يواخذكم الله" ولا تواخذنا، ولو يواخذ، حيث وقع، قال: :وكأن ذلك عندهم من واخذت غير مهموز، قال ابن الجزري: "وكذلك استثناها في جامع البيان ولم يحك فيها خلافا"(1).
ومن هذا القبيل مما تفرد به عن التيسير والشاطبية وإن كان مذكورا في الاقتصاد والإيجاز وجامع البيان وغيرهما من كتب أبي عمرو ما نبه عليه بقوله في باب المد:
"وألف التنوين أعني المبدلة منه ... لدى الوقوف لا تمد له"
فقد ذكر ابن القاضي مصادره المذكورة ثم قال: "تنبيه"، لم يذكر هذه المسألة في "حرز الأماني" ولا في "التيسير"، وقد يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر(2).
ويجري هذا المجرى أيضا قوله في باب الراءات:
"والخلف في وصلك "ذكرى الدار" ... "ورققت في المذهب المختار"
فإن هذه المسألة غير منصوصة في التيسير ولا في الشاطبية، بل قال أبو عبد الله الخراز: "وهذا الخلاف لم أره لأحد، إلا لأبي العباس بن حرب(3) فإنه ذكر ذلك في كتابة الموضوع في رواية ورش(4)، وأظنه أخذ ذلك من قول أبي عمرو في "إيجاز البيان"، وانظر نصه(5).
ولا يتسع المجال لمزيد من المقارنة بين أرجوزة ابن بري وبين تأليفي الداني والشاطبي، وفي الأمثلة التي قدمنا كفاية، ومنها يتجلى مقدار وفاء ابن بري للمدرسة الأثرية، ومدى اطلاعه على تراثها وانتفاعه به.
__________
(1) النشر 1/340.
(2) الفجر الساطع (باب المد).
(3) هو أحمد بن محمد بن سعيد بن حرب اللخمي المسيلي الأشبيلي صاحب كتاب "التقريب في القراءات السبع"، تقدم أنه قرأ على خازم صاحب مكي وأبي داود صاحب أبي عمرو، وتوفي بعد سنة 539. ترجمته في الذيل والتكملة السفر الأول القسم 2/427 ترجمة 631.
(4) المقصود كتاب "التقريب والحرش".
(5) ذكره في باب الراءات من "القصد النافع".(1/155)
وحسب ابن بري أخيرا وحسب أرجوزته قيمة واعتبارا أن ينتصب وتنتصب في ساحة الإقراء بإزاء مصنفات الجلة وقصائدهم من فحول رجال المدرسة الأندلسية والمغربية، وأن تزاحم غيرها على مركز الصدارة حتى تحتل منه في الذروة والسنام، بكامل التلقائية وبدون حاجة إلى تشجيع من هيئة أو سطان.
الفصل الثالث:
أثر الأرجوزة في توجيه المسار الرسمي في القراءة بالمغرب وبلورة الطراز المغربي الخاص وما كان لها عبر العصور من إشعاع علمي من خلال شروحها والتذييل عليها.
على الرغم من أننا لا نملك أن ندعي لأبي الحسن بن بري الريادة في نظم أصول قراءة نافع ولا سيما في رواية ورش من هذه الطريق لتقدم بعض الأعلام عليه بالتأليف والنظم من أمثال أبي عبد الله بن القصاب وأبي عبد الله ابن آجروم صاحب "البارع في قراءة نافع"، فإننا مع ذلك إذا نظرنا إلى جهة التأثير والإشعاع العام نجده أوفر حظا منهم وأعمق تأثيرا وأوسع جمهورا، فلقد كتب لأرجوزته من الذيوع والانتشار ما لم يكتب لإنتاج من نوعها في فنها مما عبر عنه شارحها الأول أبو عبد الله الخراز الذي مات سنة 718هـ أي قبل موت ناظمها بأزيد من ثلاث عشرة سنة، ومع ذلك نجده يقول في مقدمة شرحه عليها منوها باشتهارها: "فتداولها الناس في البلدان، وتعاهد درسها الكهول والوالدان".(1/156)
ولقد ساعد على شهرتها وترامي ذكرها وروايتها في الأقطار تفرق أصحاب ابن بري في مختلف الأقطار وتصدرهم بها لإفادتها كما رأينا عند صاحبه أبي الحجاج المكناسي الذي كان يقوم على تدريسها بـ"المدرسة اليوسفية" بغرناطة، وكما ذكر المنتوري في صدر شرحه من تفقهه في "الرجز" قديما على شيخه أبي عبد الله القيجاطي يعني بالأندلس، وعلى نحو ما حدث بها أيضا الشيخ ابن غازي من طريق شيخه الصغير عن أبي عبد الله السلوي عن أبي شامل الشمني قال: "أخبرنا بها الشيخ الصالح أبو عبد الله الماغوسي السلوي بقراءتي عليه بالإسكندرية، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن شعيب بن عبد الواحد بن الحجاج المجاصي بقراءتي عليه بمدينة تازة، أخبرنا ناظمها"(1).
أما أثرها في مدينة فاس فلا يمكن تقديره، وربما قيل ذلك في مثل تارة وما حولها حيث ينتشر تلامذه ناظمها ويتصدرون. ويذكر أبو زيد بن القاضي في باب الراءات من شرحه عليها أن هذا الباب "مما غلط فيه كثير من الأستاذين والأئمة ولم يحيطوا به - يعني في مؤلفاتهم - قال: "وأحسنها ما في التيسير، ثم تبعه صاحب الحرز: ثم الناظم قال: وكان الناس بفاس يقرأون حرف نافع من الحصرية قبل قدوم الناظم إليها وقبل قدوم تأليفه حتى باب الراءات" فيقرأونها من الحرز".
ومعنى هذا أن المقرئين قد وجدوا في هذا الرجز ضالتهم مما يفي بحاجتهم في أصول الأداء، وينسجم مع الاتجاه الفني الذي يؤدون القراءة عليه، مما أغناهم عن التنقل بين الحصرية وحرز الأماني، وأغنى المشايخ عن التماس العذر للطلبة في التنقل بين القصيدتين تجنبا لما في القصيدة الحصرية من المذاهب الخاصة الموافقة للمدرسة القيروانية وأئمتها.
__________
(1) فهرسة ابن غازي 41. والماغوسي المذكور هو محمد بن محمد بن أحمد الماغوسي السلاوي نزيل الإسكندرية وبها توفي أوائل 800هـ ترجمته في توشيح الديباج لبدر الدين القرافي 232 ترجمة 241.(1/157)
ولقد كان الناظم بتصدره لإقراء هذه الأرجوزة بجامع القرويين من فاس في صدر العقد الثاني من المائة الثامنة يؤسس لأرجوزته عهدا ذهبيا زاهرا طويل الأمد تعاقب فيه على تدريسها هنالك بعده فحول المشيخة حتى غدا متنها أحد المتون العلمية الداخلة في البرامج الرسمية ضمن ما كان يعرف عندهم بالكراريس أي مواد الدراسة. وسيأتي عند حديثنا عن نشأة الكراسي العلمية لتدريس بعض الفنون بالقرويين كيف كان كرسي الدرر اللوامع يتصدر هذه الكراسي، وكيف وقفت له أوقاف خاصة ينتفع بريعها القائمون على تدريسها في مواعد محددة ومنتظمة.
ولقد ترامت العناية بالأرجوزة إلى كل مكان، وعكف على حفظها وروايتها الكبار والصغار، واشتغل بتدريسها وشرحها العلماء والقراء، كما نظم عليها الجم الغفير محتذيا أو متمما ومكملا أو مستدركا ومشهرا أو منظرا ببعض الروايات الأخرى عن ورش أو عن نافع بكامله، وأول ما نريد أن نقف عليه مع القارئ الكريم تلك العناية التي تمثلت في الشروح العلمية التي ظهرت عليها عبر العصور وفي مختلف الجهات والأقطار.
الشروح التي ظهرت على الدرر اللوامع لابن بري عبر العصور مع تعريف موجز بما وقفت عليه منها:
لم تحظ في نظرنا قصيدة أو أرجوزة في علوم القراءة شرقا وغربا بمثل ما حظيت به الآثار المغربية الثلاثة: "حرز الأماني" في القراءات السبع للإمام الشاطبي، ومورد الظمآن في الرسم لأبي عبد الله الخراز الشريشي، والدرر اللوامع في أصل مقرأ الإمام نافع لأبي الحسن بن بري.
والملاحظة الأولى التي تشترك فيها هذه الآثار الثلاثة هي أن العناية بها لم تنقطع منذ ظهورها إلى اليوم، ولم تقتصر على تلامذه مؤلفيها ولا على أهل زمانهم، ولا على الجهات التي ظهرت فيها وحدها.(1/158)
والملاحظة الثانية المشتركة بينها أيضا هي أنها جميعا تنتمي في أصولها الفنية إلى مدرسة واحدة هي المدرسة التي اصطلحنا على تسميتها بالمدرسة الأثرية أو الاتباعية أعني المدرسة الفنية الكبرى التي تنتمي إلى أبي عمرو الداني وأصحابه الذين أخذوا بطريقه وسلكوا سبيله في القراءة والأداء والرسم والضبط وغير ذلك من العلوم.
... ولقد رأينا فيما قدمنا من هذا البحث صورا زاهية من العناية التي حظيت بها حرز الأماني في مختلف العصور والأقطار، كما رأينا نحوا من ذلك فيما يخص مورد الظمآن، ونريد الآن أن نتتبع ما لقيته هذه الأرجوزة من عناية لدى مشيخة الإقراء وعلية العلماء ممن جردوا أقلامهم لشرحها وبيان مقاصد الناظم فيها محاولين تقصي هذا النشاط في مختلف الأقطار في المغرب والأندلس وبعض أقطار إفريقية والمشرق، وسنحاول ترتيب الشروح القديمة لها حسب التسلسل التاريخي بحسب الإمكان، أما شروح المتأخرين فنسوقها كما اتفق لعدم وقوفنا عليها أو على التواريخ المحددة لمؤلفيها، وهذه شروحها تبعا لما ذكرته من ترتيب:
1- القصد النافع، لبغية الناشئ والبارع في شرح الدرر اللوامع لأبي عبد الله محمد بن محمد بن إبراهيم الخراز الشريشي (ت سنة 718هـ). وقد أجمعوا على أنه أول شارح لأرجوزة ابن بري، ولذلك كثيرا ما نجد الشراح يكتفون بقول: قال شارحه الأول، وهم يريدون هذا الشرح الذي كتبه الخراز في فاس بأزيد من ثلاثة عشر عاما قبل وفاة ناظم الدرر.(1/159)
وشرحه هذا ما يزال إلى الآن مخطوطا موفور النسخ في الخزائن الرسمية، قليلا في غيرها(1). وقد رجعت منه إلى نسخة مخطوطة بالخزانة الحسنية بالرباط مسجلة بها تحت رقم 3719 مصدرة بالتسمية والصلاة واسم المؤلف ونسبه الكامل وقوله: الحمد لله الذي من علينا بهدايته، واستنقذنا من ظلمة الجهل وعمايته، وفضلنا بكتابه فجعلنا من حملته وأهل تلاوته، وشرفنا بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - أفضل من اؤتمن لأمانته، وأكرم من انتخب لرسالته... إلى أن قال:
... وبعد فإن أشرف ما نطق به اللسان، وصرفت إلى تفهمه الفكر والأذهان، كلام الله العزيز الواحد الرحمن، الذي أنزله على نبيه المصطفى، وأمينه المقرب المجتبي، لينذر به الذين ظلموا ويبشر أهل الإحسان،... وإن من أكمل القراءة وأوكدها، معرفة أصولها وأحكام تجويدها، لتحصل أداء ورواية، فتكمل بذلك التلاوة والدراية، حسبما ثبت عن الأئمة، وتلقته القراء من هذه الأمة، من تأدية ما ثبتت القراءة عليه، ويرجع فيها إليه، من قصر ومد، وتخفيف وشد، ونقل وتحقيق، وتفخيم وترقيق، وإظهار وإدغام، وروم إشمام، وإبدال بين بين، وإمالة وبين اللفظين، إلى غير ذلك من أصولها، المندرجة تحت أبوابها وفصولها.
__________
(1) من نسخة بالخزانة الحسنية برقم 3719 ونسخة بخزانة تطوان برقم 858 باسم القصد المنافع ونسخة أخرى بها برقم 867 ونسخ بالخزانة الناصرية بأرقام 1468-1606-3003. ثم طبع بعد هذا بتحقيق التلميدي محمد محمود بالمدينة المنورة.(1/160)
وقد صنف الناس فيها كتبا كثيرة بسطوا فيها القول، ودونوه بجليله ودقيقه، وقل نظم يتضمن قراءة نافع بمذهب أبي عمرو وطريقه، ورأيت بعض أصحابنا قد نظموا في تلك القراءة وألفوا، وعن طريقة أبي عمرو لم يتخلفوا، فكان من أعذبها لفظا، وأحسنها ترتيبا، وأبدعها نظما، وأقصدها أسلوبا، أرجوزة الفقيه الأفضل الكاتب الأبرع الأكمل، اللغوي النحوي العروضي الفرضي أبي الحسن علي ابن الشيخ الأفضل أبي عبد الله محمد بن علي بن محمد بن الحسين الرباطي الشهير بابن بري، وصل الله كرامته، فتداولها الناس في البلدان، وتعاهد درسها الكهول والولدان، فلما كثر البحث عليها، ورأيت ميل جملة من الطلبة إليها، وترددهم إلى في حل مقفلاتها، وإيضاح مشكلاتها، جعلت أشرح لهم ما يسر لله في فهمه، وأنبههم على ما يوصلهم إلى علمه، فطلبوا مني أن أقيد لهم ما أمليه عليهم، وأثبت لهم ما أؤديه من ذلك إليهم، فأجبتهم إلى ذلك رجاء ثواب الله العظيم...إلى أن قال عن شرحه:
فاستخرت الله تعالى في وضع هذا الكتاب وتأليفه، وأعملت فكري في مطالعته وتصنيفه، وعبرت لهم بأيسر العبارات وأسهلها، ليتضح ما عسر عليهم من فهم مشكلها.
وأودعته جملة من الحجج والتعليل، خالية من التكرار والتطويل، نقلتها من كتب الأكابر العلماء المشاهير، كأبي عمرو الداني وأبي محمد مكي وأبي العباس المهدوي وأبي جعفر بن الباذش وغيرهم، وأرجو أن يكون - بحول الله - جاريا على أسنى المطالب والمقاصد، ينتفع به المقيم والظاعن والصادر والوارد.(1/161)
وسميته بالقصد النافع لبغية الناشئ والبارع، في شرح الدرر اللوامع، ملتمسا من الله سبحانه الإعانة والتوفيق، ثم قال: قال الناظم أبو الحسن نفعه الله بالعلم قال رحمه الله: الحمد لله الذي أورثنا...ثم أخذ في شرح معنى البيت بقوله: اختلف الناس في الحمد والشكر، فقيل إنهما بمعنى واحد، وقيل إنهما متباينان... وبعد فراغه من شرح أبيات المقدمة تطرق للحديث على مراد الناظم من الأرجوزة وترجم لنافع ثم لشيخ ابن بري وذكر أسانيده في القراءة، ثم تطرق لشرح باقي الأبيات، وهكذا حتى انتقل إلى القول في التعوذ المختار فباب البسملة فباب ميم الجمع، فهاء ضمير الواحد إلى آخر الأبواب المتعلقة بالأصول ثم بالفرش ومخارج الحروف وصفاتها.
وأكثر نقوله في شرحه هي من كتب أبي عمرو الداني ثم من باقي الكتب التي أشار إليها في المقدمة، كما نجده ينقل كثيرا عن ابن القصاب من شيوخه كما تقدم، وعن أبي الحسين بن أبي الربيع نزيل سبتة.
ومن نقوله عنه في باب الإدغام قوله: وتحفظ في الإخفاء ولا تبالغ، فأنك إن لم تفعل ذلك خرجت إلى زيادة مد، أو إلى إظهار النون مع حروف الفم، قال، وقد قال أبو عثمان(1) : إنه لحن لا يجوز.
وينقل أيضا من الأحياء من المشايخ عن أبي عبد الله بن آجروم وينعته بصاحبنا، كقوله في باب الإمالة: وأما الصابرين والخاسرين والغافرين والقادرين والغابرين مما فيه حرف استعلاء فقد اعتل لذلك صاحبنا الأستاذ أبو عبد الله - رحمه الله -، بأن حرف الاستعلاء مانع من إمالة ذلك قال: وليست كسرة الراء بالموجبة إمالة ذلك فتقاوم قوة المستعلي(2).
__________
(1) لعله يريد أبا عثمان المازني بكر بن محمد بن بقيه الشيباني من أهل البصرة له تعليقات وطرر على كتاب سيبويه وكتاب ما يلحن فيه العامة، وكتاب التصريف وغير ذلك، توفي سنة 248، ترجمته في إنباه الرواة 1/281/291 ترجمة 155.
(2) القصد النافع (باب الإمالة والفتح).(1/162)
... وكان من حين لآخر يذكر بعض ما قرأ به على ابن القصاب كقوله في ذكر هايا والتورية لقالون:
وبالفتح كان يأخذ شيخنا أبو عبد الله رحمه الله، وبالإمالة اليسيرة أخذ علينا غيره(1).
وقال في الكلام عن ذكرى الدار في باب التفخيم والترقيق للراءات: فتبقى الراء في نفسها مرققة من أجل الكسرة وصلا ووقفا، وبه أخذ علينا شيخنا أبو عبد الله وغيره، وعليه العمل كما ذكر الناظم(2). وقد ختم شرحه بقوله: وبمعرفة المخارج يعرف ما يجوز فيه الإدغام وما يمنع، على حسب قرب المخرج وبعده.
قال الشارح: قد أتيت بعون الله على ما شرطت من شرح هذا الرجز وتفسير مشكله وتبيين أحكامه وإيضاح مجمله على قدر الاستطاعة والجهد، وهو تعالى ينفع بالنية والقصد، والحمد لله أولا وآخرا على ما ألهم إليه، وله الشكر على ما من به وأعان عليه، وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما(3).
وقد اشتهر شرح الخراز شهرة بالغة، وقد زاد في أهميته إقرار الناظم له على ما فهمه من أبيات الأرجوزة وتزكيته لذلك، وقد قدمنا أنه لما أتم شرحه عرضه على أبي الحسن وهو بفاس صحبة السلطان، فتصفحه وكتب عليه طررا تشرح مقاصده وتبين الحجة فيما ذهب إليه(4).
وقد روى هذا الشرح عن مؤلفه الكاتب الأديب أبو سعد بن عبد المهيمن الحضرمي في جملة ما رواه عنه بالإجازة، ومن هذه الطريق رواه أبو زكريا السراج، ثم رواه ابن غازي من طريقه في فهرسته(5).
__________
(1) المصدر نفسه.
(2) القصد النافع.
(3) خاتمة القصد النافع.
(4) ذكره الأستاذ سعيد أعراب في كتابه القراء والقراءات بالمغرب 29.
(5) فهرست ابن غازي 99.(1/163)
وقد اعتمده عامة الشراح ورجعوا إليه فيما غمض من مقاصد مؤلفه، بل إن الإمام المنتوري على جلالة قدره لم يأنف من أن يقول في شرحه القيم الذي لا يقل جلالة وقدرا عن شرح الخراز: "واقتصرت على ما ذكره شارحه المقرئ أبو عبد الله الشريشي في كثير من أبياته، لأنه أتقن الكلام في ذلك وأجاد، وبين وأفاد، وما ترك من شيء يزاد(1)".
ويكفي في الدلالة على ذيوع صيته وصوله إلى بلاد الشام وتعرض الحافظ ابن الجزري لذكره في النشر بقوله في سياق الحديث عن حكم النون الساكنة قبل الباء: "ولا بد من إظهار الغنة مع ذلك، فيصير في الحقيقة إخفاء الميم المقلوبة عند الباء، فلا فرق حينئذ في اللفظ بين أن بورك وبين يعتصم بالله، إلا أنه لم يختلف في إخفاء الميم ولا في إظهار الغنة في ذلك، وما وقع في كتب بعض متأخري المغاربة من حكاية الخلاف في ذلك فوهم، ولعله انعكس عليهم من الميم الساكنة عند الباء، والعجب أن شارح أرجوزة ابن بري في قراءة نافع حكى ذلك عن الداني، وإنما حكى الداني ذلك في الميم الساكنة لا المقلوبة، واختار مع ذلك الإخفاء(2).
2- شرح أبي عبد الله بن شعيب المجاصي التازي:
تقدم ذكر مؤلفه في أصحاب ابن بري، ولعل شرحه هذا ثاني الشروح من حيث الترتيب الزمني، إذ وضعه في حياة الناظم كما يستفاد من افتتاحيته التالية في قوله:
الحمد لله ذي المن والفضل والإحسان، الذي أخرجنا من العدم ومن علينا بالقرآن، وسلك بنا طريق الحق وهدانا إلى الإيمان...
__________
(1) مقدمة شرح المنتوري على الدرر اللوامع.
(2) النشر2/26.(1/164)
أما بعد فإنا قصدنا شرح الأرجوزة المسماة بالدرر اللوامع، الموضوعة في أصل حرف نافع، تأليف الفقيه المقرئ الأصولي المحقق صاحب الكلام البديع، النحوي الضابط، صاحب الخط الرفيع، أبي الحسن علي بن محمد التسولي الشهير بابن بري، وطلبني إلى هذا الشرح بعض الطلبة ممن هم أهل للقراءات، وممن أثق به بعد أن استخرت الله تعالى في ذلك سنين، ووعدتهم بذلك، وبعد قراءتها على مؤلفها سماعا منه لدي(1)، ورواية وتفهما لمعانيها، وكتب لي بذلك كله، وسألته عنها حرفا حرفا، وترددت إليه مرارا في ما أشكل علي منها، بمقرئنا ومصلاه معنا برباط مدينة تازة.
فلما رأيت العمر قد دنا، والعقول قد قصرت، استعنت بالله، وأردت أن أضع ذلك في كتاب يكون ثوابه في صحيفتي في حياتي وبعد مماتي، وإتماما للوعد، وتوكلت على الله في ذلك كله، وأسأله أن يوفقني للصواب بمنه وكرمه. ثم قال: قال المؤلف رحمه الله:
الحمد لله الذي أروثنا....
وقد ذكر في أثناء حديثه عن قراءة نافع أسماء مشيخته الذين قرأ عليهم كما قدمنا في ترجمته.
... وشرحه على العموم بسيط يكتفي فيه بحل معاني الأبيات، وقد ذكر في آخره أنه ألفه بمحضر جماعة من الطلبة ممن يفهم الرواية، ويقول: "من له سؤال يسأله ؟ ومن له اعتراض يعترضه فإني راجع إلى الحق حيثما تبين من كبير وصغير؟ ثم بعد ذلك أكرر النظر مع ما وقع من الكلام والبحث، ثم أضعه في الكراس".
قال: "وكان الفراغ منه يوم الجمعة في اليوم الأول من شهر جمادى الثانية عام 727هـ، وكان بين ابتدائه وتمامه عامان وشهران تنقص سبعة أيام".
__________
(1) سقط لفظ لدي من إحدى المخطوطتين اللتين اعتمدت عليهما.(1/165)
وتعتبر نسخه نادرة في الأيدي بالقياس إلى غيره، وقد وقفت منه على نسختين ببعض الخزائن الخاصة(1).
أما اعتماد الشراح له فيقتصر غالبا على نقل ترجمة الناظم ابن بري لأنه أقدم من تعرض لها، وممن اعتمدوه منهم الشيخ أبو راشد الحلفاوي ويرمز إلى شرحه بحرف "الصاد"، والشيخ الثعالبي ويرمز له بحرف الجيم.
3- شرح أبي عبد الله المرسي.
وقد رجحت آنفا أن يكون المراد بالمرسي الخطيب الراوية محمد بن علي المتوفى ببجاية سنة 728هـ، وأقدم من رأيته ينقل عنه من شراح الدرر هو أبو راشد الحلفاوي الذي يرمز له بحرف "س" وهو الذي ذكر التنبيه الذي نقله ابن القاضي في "الفجر الساطع" في قول ابن بري فلنكتفي منها بما ذكرنا...إلخ قال: "تنبيه: اتفق جميع الشراح على هذين البيتين... ثم ذكرهما وقال: "يعني بالشراح غير أبي عبد الله الضرير أعني "س"، لأنه شرح على ثلاثة أبيات"(2).
وقد وقفت على النقل عنه في مواضع عديدة، منها عند قول ابن بري في باب البسملة:
وذكرها في أول الفواتح ... والحمد لله لأمر راجح
قال مسعود جموع عند ذكر البيت: قال المرسي: "وإن كانت من باب الدعاء كان في الكلام حشو"(3).
وقال أيضا نقلا عنه في باب الإمالة: قال المرسي: "وإنما لم تمل الحروف لأنها مجهولة الأصل"(4).
ولا أعلم لهذا الشرح اليوم وجودا في الخزائن الرسمية أو غيرها.
__________
(1) نسخة للمقرئ السيد أحمد بن البشير المعروف بـ"عوينات" باليوسفية بالرباط، والأخرى بخزانة المرحوم إبراهيم أبو درار بسوق الجمعة آيت داود بحاحة من إقليم الصويرة. وتوجد من الشرح مخطوطة بالخزانة الحسنية برقم 11341 في مجموع 1 ومنه نسخة بالمكتبة الوطنية بتونس برقم 3767 وبدار الكتب المصرية برقم 632.
(2) تقدم ذكر هذه الزيادة عند ذكر روايات الدرر اللوامع واختلافها.
(3) الروض الجامع لمسعود جموع وسيأتي. والمراد بقوله: "وإن كانت" "الحمد لله".
(4) المصدر نفسه.(1/166)
4- شرح الدرر اللوامع لأبي عثمان بن آجانا.
هو أيضا من شروحها الأولى، ولم أقف على ترجمة للمؤلف، ولكني وقفت على إشارة تدل على معاصرته لمحمد بن شعيب المجاصي صاحب ابن بري ومشاركته له في بعض شيوخه، فقد نقل عنه أبو زيد بن القاضي في باب الإمالة عند قول ابن بري:
وفي قرى ظاهرة وجاء ... إمالة الكل له أداء
فقال: "وقال الأستاذ آجانا(1): وبالإمالة كانت قراءتي على مولاي أبي عبد الله المالقي قدس الله روحه".
وقد اعتمد شرحه الشيخ أبو راشد الحلفاوي ورمز له بحرف "ج" في شرحه الآتي، كما اعتمده أبو الفضل بن المجراد(2)، ويظهر من نقل أبي زيد بن القاضي لقوله التالي أن أبا عثمان المذكور لم يدرك الناظم أو لم يتمكن من الاجتماع به، وخاصة عند كتابة الشرح، فقد قال في قول ابن بري: "حرفان مستعل وكالمستعلي": قال آجانا: "وأما الحرف الذي هو كالمستعلي فلا أعرفه في وقتي هذا، فمن مر بهذا الموضع وفهم مراد الرجز فليلحقه هنا، فإني قد أبحت له ذلك".
فالظاهر من كلام ابن آجانا أنه لم يجد من يدله على المراد، ولو كان الناظم يومئذ حيا لرجع إليه أو وعد بذلك كما فعل الخراز والمجاصي فيما أسلفنا.
وقد نبه ابن القاضي عقب ما نقله عنه على أن المطماطي فسر الحرف الذي هو كالمستعلي بالسين من "سرر" لأنها تشارك الصاد في الصفير، والصاد تشارك الضاد في الإطباق، وهذا هو الشبه الذي أراد(3).
5- شرج أبي الحسن علي بن موسى بن إسماعيل المطماطي وبه شهر السلاوي.
سبق أن ترجمنا له في أصحاب ابن بري، وقد أسند "الدرر اللوامع" من روايته عنه أبو الفضل بن المجراد كما ذكر ذلك في أول شرحه.
__________
(1) يذكره كثيرا بإسقاط لفظ "ابن".
(2) ذكره في مواضع منها أول باب المد لوحة 38 وعند ذكر إبدال همز وصل اللام مدا بعد الاستفهام وفي مواضع أخرى.
(3) الفجر الساطع باب الراءات.(1/167)
أما شرحه هذا فهو مفقود فيما أعلم، وقد اعتمده عامة الشراح أو على الأقل نقل بعضهم عن بعض بعض أقواله، وأقدم من وجدته ينقل عنه الشيخ أبو راشد الحلفاوي، وقد سماه في أول شرحه ضمن الشروح الثمانية التي اعتمدها فيه، وذكر الرمز له بحرف "ط"، وغالبا ما ينقل عنه إعراب بعض الألفاظ ابتداء من "يسيرا" في قوله: "وأسكت يسيرا"، وقد اعتمده أبو زيد بن القاضي في "الفجر الساطع"، وغالبا ما يسوق اسمه مع مجموعة من الشراح كقوله في باب الإظهار والإدغام عند قوله: "ولهجاء جدت ليس أكثرا": وقول الناظم جدت جعله المرسي من الجود والمجاصي من الجودة، وقال المجاصي "ليس أكثر" ليس الحكم أكثر من هذا، وفيه نظر، وأحسن منه قول المرسي وآجانا والمطماطي والوارتني: "ليس المظهر عنده أكثر من ذلك".
6- الوجيز النافع في شرح الدرر اللوامع لأبي محمد عبد الله بن أحمد المعروف بابن مسلم القصري القاضي نزيل سبتة (ت 773). تقدم التعريف بصاحبه في أصحاب أبي الحسن بن سليمان بفاس، كما تقدم ذكره في جملة رواة "الدرر اللوامع" عن الناظم، وهو أحد جلة الرواة عنه، وشرحه هذا مفقود اليوم لا أعلم له وجودا.
وقد انتشرت روايته في المغرب والأندلس من طريق الراوية أبي زكريا السراج، وعنه رواه العلامة المنتوري، فقال في فهرسته: "قرأت بعضه على الراوية أبي زكريا يحيى بن أحمد السراج، وناولني جميعه، وحدثني به عن مؤلفه سماعا لبعضه ومناولة لجميعه"(1).
كما حدث به الشيخ ابن غازي من هذه الطريق إلا أن السراج قال: "قرأت بعضه على مؤلفه وناولني جميعه في أصلي منه الذي انتسخه لي من أصله، وقابله به، وبعثه لي من سبتة، بعد أن كتب لي عليه بالإجازة"(2).
ويعتبر ابن مسلم من آخر من روى الأرجوزة عن الناظم، ويدل على ذلك ما نقله ابن المجراد عنه في باب الإمالة عند قوله: "والجار لكن فيه خلف جار" قال أبو محمد بن مسلم:
__________
(1) فهرسة المنتوري روحة 18-19.
(2) فهرسة ابن غازي 99.(1/168)
هكذا روايتي في هذا الشطر الثاني، وفيه رواية أخرى وهي: "وفي كلا الجار خلاف جار"، لكني لم أروها عن الناظم مباشرة، وإنما كنت رويتها عنه بواسطة قبل رؤيتي إياه رحمه الله، وإنما غير الناظم هذه الرواية ورجع إلى الثانية التي باشرت روايتها لكونه أضاف فيها "كلا" لمفرد، و"كلا" لا تضاف إلى مفرد، وإنما تضاف إلى مثنى، ومراده قوله تعالى في سورة النساء: "والجار ذي القربى والجار الجنب"، فأخبر أنه اختلف عن ورش في إمالة ذلك، فعلى الرواية المرجوع عنها لم يتعرض الناظم إلى ترجيح أحد الوجهين على الآخر، وعلى الرواية المرجوع إليها تكون الإمالة عنده أشهر، لأنه ذكره في جملة الممال في الفصل، ثم استدرك ذكر الخلاف، والمشهور إمالته كسائر الفصل" انتهى نصه(1).
وقد ذكرنا في روايته عن الناظم أنه كان ربما راجعه في بعض أبياته كقوله في ذكر إدغام "هل" و"بل": ونقص من هذا الفصل اللام من "بل" عند الراء ... ثم قال: "وقد أخذت مع الناظم - رحمه الله - في ذلك فوافق على نقص ذلك ... ".
وقد ذكر ابن المجراد أن ابن مسلم يتبع في شرحه الخراز في شرحه، فقال في قول ابن بري:
حمدا يدوم بدوام الأبد ... ثم صلاته على محمد
وأجاز الأستاذ أبو عبد الله الخراز نصبه بفعل مضمر: أحمد الله حمدا، وتبعه في ذلك القاضي أبو محمد بن مسلم، وفيه نظر.
وقال ابن المجراد أيضا في باب الزوائد عند ذكر الخلاف لقالون في "فما أتاني الله" بعد ذكر اعتراض الخراز على الناظم: "وتبعه على هذا الاعتراض ابن مسلم في شرحه على عادته في اتباعه".
وشرحه هذا من جملة الشروح الثمانية التي اعتمدها الحلفاوي في شرحه مشيرا إليه بحرف "م"، كما أورد طائفة من النقول عنه كل من ابن المجراد وابن القاضي ومسعود جموع وغيرهم من شراح الدرر.
7- الفصول في شرح الدرر اللوامع لأبي الحسن علي بن عبد الكريم الأغصاوي.
__________
(1) إيضاح الأسرار والبدائع (باب الإمالة والفتح) لوحة 105.(1/169)
ولم أقف لمؤلفه على ترجمة، إلا أني وقفت على إشارات عديدة تحدد انتماءه إلى زمن ابن بري وتسمي بعض مشيخته، فقد ذكره أبو العباس المنجور في فهرسته في سياق حديثه عن تعدد روايات المغاربة وطرقها للفقه المالكي فقال: "ويتصل هذا السند من طرق عديدة لكثرة أصحاب القوري ... ولكثرة أصحاب أبي الحسن الصغير كالفقيه مصباح، وابن عبد الكريم الأغصاوي ... "(1).
وقد تقدم لنا ذكر أبي الحسن الصغير وهو علي بن عبد الحق الزرويلي (ت سنة 719) وهو من أصحاب أبي الحسن بن سليمان القرطبي نزيل فاس (ت 730). فيكون صاحب "الفصول" على هذا معاصرا لابن بري.
ومن شيوخ الأغصاوي أيضا أبو عمران موسى بن محمد بن أحمد الشهير بابن حدادة من أصحاب ابن القصاب وأبي الحسن بن سليمان، وقد وقفت على ذكره لشيخه هذا في أثناء تصفحي لشرحه، وذلك عند قول مقيده عنه في باب المد عند ذكر الوجوه في "سوءات" حيث قال بعد تقريرها: "وهذه الوجوه حفظها شيخنا عن شيخه الأستاذ أبي عمران بن حدادة".
وهذا الشرح هو في الحقيقة عبارة عن تقييد قام به بعض تلامذته عنه، ولذلك نجده في بعض الفهارس منسوبا إلى هذا التلميذ، وقد وقفت منه على نسخة عتيقة بخزانة ابن يوسف بمراكش مسجلة بها تحت رقم 105 فيها كثير من الخروم تقع في 120 ورقة، وقد كتب عليها ما يلي "شرح ابن بري للمجاصي"(2)، وأول النسخة فيه بعد البسملة والصلاة بخط غليظ بالألوان ما يلي: "قال الشيخ الفقيه الأكرم اللبيب الأعظم رغبة في الأجر والثواب، وطلبا عند الله لحسن المآب، عبد القوي:
__________
(1) فهرس أحمد المنجور ص 20.
(2) ولا يخفى وجه اللبس في هذه التسمية، فإن الشرح المعروف للمجاصي هو شرح محمد بن شعيب الآنف الذكر.(1/170)
"الحمد لله الذي فطر الخلق بقدرته، وصرف أحوالهم بحكمته، وصيرهم إلى مشيئته ... "أما بعد فهذا ما قيد العبد الفقير المذنب الراجي عفو مولاه وغفرانه رغبة في الأجر والثواب عبد القوي بن أحمد بن عمران المجاصي عن الفقيه الأستاذ المكرم الحاذق المعظم، الحافظ النبيل النبيه الجزيل العارف برواية البرية أبي الحسن علي بن عبد الكريم من تقييده الذي كان...(1)، فكنت أقيد الفصول كلها بتفريقها، وكنت أتردد إليه في سؤال ما أشكل علي حتى قيدته كله".
"وهو على الرجز المعروف ب"الدرر اللوامع"، قيدته لنفسي ولمن شاء الله بعدي، والله ينفعني وإياه، ويغفر لي ولكافة المسلمين أجمعين". ثم قال:
"قال الشيخ أبو الحسن علي بن عبد الكريم الخصاوي(2): جرت عادة المؤلفين أن يبدأوا كتبهم بالبسملة للتيمن والتبرك... ثم أخذ يعقد مباحث تحت عنوان "فصول" ومن ذلك أخذ عنوان الكتاب. فقال في المبحث الأول: "الفصل الأول": في اشتقاق البسملة، وفيه ذكر اختلاف البصريين والكوفيين في اشتقاق الاسم من السمو أو من الوسم، ثم انتقل إلى الفصل الثاني في إعرابها، ثم أتبع ذلك بالترجمة للمؤلف فذكر اسمه ونسبه ونسبته إلى تازة وأنه تسولي الأصل من فخذ بني لنت، إلا أنه ذكر أنه توفي بمدينة فاس كما تقدم.
__________
(1) خروم في المخطوطة.
(2) كذا ويريد "الأغصاوي".(1/171)
وقد أفادنا عند تعرضه لترجمة ابن حمدون شيخ ابن بري عن زمن تأليفه أو إملائه للكتاب، فقال متحدثا عن ابن بري: "وكانت قراءته على شيخه بتازة حتى دعاه السلطان إلى فاس، قاله الشارح، ثم قال: أي مقيده: "فللمؤلف رحمه الله منذ مات إلى عامنا هذا سبع وأربعون سنة، وعامنا هذا عام خمسين بعد سبعمائة"(1).
ويقع الشرح في هذه النسخة في مائة وعشرين ورقة أي 240 صفحة من القطع الكبير، وفي آخر ورقة منه قوله: "كمل التقييد المبارك للفقيه الأجل الأستاذ المعظم النبيل الشيخ الأفضل أبي الحسن علي بن عبد الكريم عفا الله عنه بمنه وكرمه، بخط العبد الفقير إلى الله تعالى الغني به عمن سواه الراجي رحمة ربه وعفوه عما اجتناه محمد بن علي لطف الله به بمراكش المحروسة عشية يوم الإثنين 29 من جمادى الأخيرة عام 843، كتبه لأخيه في الله تعالى الاستاذ... الأحب الأكمل أبي علي عمر بن أحمد الدمناتي.
وتوجد من هذا التقييد نسخ أخرى منها نسخة بالخزانة الناصرية بتمكروت برقم 2705(2)، وأخرى بالمكتبة الوطنية بمدريد(3).
وقد اعتمد هذا الشرح عامة من شرحوا الأرجوزة بعده كالشبخ أبي راشد الحلفاوي الذي يرمز له بحرف "ك"، وكالشيخ أبي زيد الثعالبي الذي أحال عليه في "المختار من الجوامع" وقال: "ومن أراد الإطناب فعليه بشرحها للإمام ابن عبد الكريم صاحب "الفصول" في شرح الدرر(4).
__________
(1) هذه الأعداد محرفة والظاهر أن الصحيح فيها "فللمؤلف رحمه الله منذ مات إلى عامنا هذا تسع وأربعون سنة، وعامنا هذا عام ثمانين بعد سبعمائة، وهذا التصحيح ضروري لمطابقة الواقع، فيكون لفظ "تسع" قد تصحف بـ"سبع" ولفظ "ثمانين" قد تحرف "خمسين".
(2) دليل مخطوطات دار الكتب الناصرية 182.
(3) دعوة الحق العدد 2-10 شعبان 1386 دجنبر 1966م للباحث إبراهيم الكتاني.
(4) المختار من الجوامع 2-3.(1/172)
أما النقول عنه فكثيرة متوافرة عند أبي زيد بن القاضي ومسعود جموع في شرحيهما، كما أنه كان معتمدا عند الأئمة الذين كانوا يشغلون كرسي تدريس الدرر اللوامع بفاس، وقد ذكر الشيخ أبو العباس أحمد المنجور في سياق حديثه عن أحد مشايخ الإقراء بفاس من أصحاب الشيخ أبي عبد الله بن غازي، وهو أبو القاسم بن محمد بن إبراهيم أحد أساتذة التفسير والقراءات بالقرويين بفاس أنه "كان ينقل شرح ابن عبد الكريم الأغصاوي على الدرر اللوامع بفصوله وبستوفيه، وبطرزه بكلام الأستاذ الكبير أبي وكيل ميمون المصمودي مولى الفخار في "التحفة" وكان آية الله عز وجل في ذلك"(1).
8- شرح الوارتني المسمى بـ"جمع المعاني الدرية والمباحث السنية في تقييد البرية".
وهو في الحقيقة تقييد آخر عن الشيخ أبي الحسن بن عبد الكريم الأغصاوي، قيده عنه المسمى محمد بن عيسى الوارتني نسبة إلى بني وارتن، وينتسب إلى هذه الحقبة على خلاف ما ظنه بعض الباحثين فذكره في العصر السعدي(2).
وقد حصلت على مصورة من هذا الشرح من مخطوطته التي لا أعلم لها ثانية، وهي بخزانة تطوان تحت رقم 558م في مجموع من الصفحة 6 إلى 183 من القطع الصغير، ويبتدئ هكذا:
"الحمد لله رب العالمين، وصلاته على محمد خاتم النبيئين، وعلى آله أجمعين".
__________
(1) فهرس أحمد المنجور 65-66.
(2) الأستاذ سعيد أعراب في بحث له بعنوان "نظرة عن التراث القرآني حول مقرأ نافع" دعوة الحق العدد 273، السنة 1989م ص 159.(1/173)
"هذا ما قيد عن الأستاذ المرحوم أبي الحسن علي بن عبد الكريم(1) الأغصاوي رضي الله عنه وأرضاه، وأنزله منزلة الأبرار بمنه وكرمه، لا رب غيره، والخير خيره، وذلك في مجلس إقرائه على الأرجوزة المسماة بـ"الدرر اللوامع" الموضوعة في مقرأ الإمام نافع، تأليف الشيخ الاستاذ الحاذق النحوي الكاتب الأبرع أبي الحسن علي ابن الشيخ أبي عبد الله بن علي بن محمد بن الحسين الرباطي الشهير بابن بري – عفا الله ورضي عنه وأرضاه، وغفر لوالديه ونفعه بما وعى وبلغ – مما عني بجمعه وتهذيبه العبد المذنب الفقير إلى عفو ربه وغفرانه محمد بن عيسى بن محمد الوارتني – نفع الله به والديه وما أعاناه به على طلب العلم، وأدى(2) عنه فرضهما، قال عبيد الله ابن عيسى المذكور:
سمعت أكثر ما أودعت هذا الكتاب من الشيخ أبي الحسن المقيد عنه المذكور بعد أن استأذنته في جمعه فأذن لي في ذلك - نفعه الله بما علم - فلقد أوضح السبيل، وأنار الدجى.
"وسميته بجمع المعاني الدرية والمباحث السنية في تقييد البرية" ثم قال:
قال الأستاذ أبو الحسن رحمه الله: الحمد لله الذي أورثنا كتابه وعلمه علمنا.
قال الشيخ عفا الله عنه: "جرت عادة المؤلفين - رضي الله عنهم - أن يبدأوا كتابهم(3) بالكلام على البسملة على جهة التبرك بأسماء الله تعالى وصفاته، فكل واحد يتكلم فيها على حسب ما يريد أن يشرع فيه قال: ونحن نتكلم فيها كلاما مختصرا على إرادة البيان والتبرك بها، والكلام فيها في خمسة فصول.
__________
(1) في المخطوط "هنا ما قيد عن الاستاذ المرحوم أبي عبد الله محمد بن عبد الكريم الأغصاوي"، وهذا ولا شك تحريف من بعض النساخ، ويدل على أن الصواب هو كما أثبتناه ما سيأتي من قوله "سمعت أكثر ما أودعت هذا الكتاب من الشيخ أبي الحسن المقيد عنه المذكور بعد أن استأذنته" إلخ.
(2) في الأصل "وودي" وهو استعمال دارجي.
(3) كذا، وقد تقدم في التقييد السابق بصيغة الجمع.(1/174)
ثم أخذ في ذكر الفصول الخمسة التي هي عبارة عن مباحث مختصرة عن ألفاظ البسملة ومعانيها اللغوية وإعرابها وفضلها وكيفية نزولها، ومن هذه الفصول والافتتاحية الموحدة والمتقاربة في كثير من ألفاظها ومباحثها تتبين الصلة بين هذا التقييد وبين التقييد السابق المسمى بالفصول، مما يدل على أن المقيد عنه هو شخص واحد فيها.
والفرق البارز الذي يمكن أن يلاحظ بين التقييدين إنما هو في مستوى المعالجة لمسائل الخلاف، فإن التقييد الأول المسمى بـ"الفصول" يعنى بالتوسع فيها والاستدلال لها وخاصة من كتب أبي عمرو الداني، بينما يقتصر الوارتني في تقييده على حل معاني الأبيات وإعرابها، إلا في النادر اليسير، حيث نجد المباحث التي تعرض لها كل منهما متقاربة أو متحدة حتى في ألفاظها ككثير مما ذكره في بابي التعوذ والبسملة.
ومن مسائل الخلاف التي وقف عندها الوارتني في باب المد ما جاء من الخلاف بين الأئمة في مقدار مد الصيغة المعروف بـ"القصر"، وهل يحتمل الزيادة والنقص ؟، وذلك في قول ابن بري:
وفي المزيدي الخلاف وقعا ... وهو يكون وسطا ومشبعا
فقال الشيح: :لما تكلم في البيت الذي قبل هذا على مد الصيغة وقال إن القراء اتفقوا على تقصيره ولم يختلفوا فيه، أخبر في هذا البيت أنهم اختلفوا فيما زاد على مد الصيغة، وهو المتوسط والمشبع، وهذا الخلاف الذي بينهم فيه هو في المراتب كما قدمنا، فكل أحد على قدر طبقته، وقد قدمنا الاختلاف في ذلك فمذهب الناظم - عفا الله عنه - إذن أنهم لم يختلفوا في مد الصيغة بل اتفقوا فيه، لأنه لا يحتمل النقص والزيادة، واختلفوا في المزيدي الذي يحتملها، وذهب أبو الحسن بن سليمان - رحمه الله - إلى أنهم اختلفوا في الجميع، واحتج لذلك ونصره بما يوقف عليه في "تجريده"، وزعم أن ذلك هو الصواب، وغلط من ذهب إلى القول الأول"(1).
__________
(1) شرح الدرر اللوامع للوارتني لوحة 61-62.(1/175)
ومما ذكر في هذا النص عن شيخه ابن عبد الكريم تتبين منزلة الشيخ في فقه مسائل الخلاف الدقيقة، كما يتبين من إيراده لمذهب أبي الحسن بن سليمان وتعبيره عن مذهبه واحتجاجه له بلفظ "زعم" أنه كان في انتمائه الفني يميل إلى مدرسة ابن بري، ولقد مر بنا مذهب ابن سليمان المذكور فيما ذكرناه له من كتابه "تبيين طبقات المد وترتيبها" في العدد الماضي، وهو المذهب الذي بسطه في "التجريد" كما قال. وهو ينقل عن "التجريد" لابن سليمان في مواضع أخرى منها عند ذكر الخلاف بين الأئمة أبي عمرو ومكي وابن شريح في مد "سوءات"، حيث نقل الخلاف مفصلا ثم قال: "صح من التجريد"(1).
ومن نقوله عن "التجريد" أيضا ما ذكره عند قوله: "ومد للساكن في الفواتح"(2).
ومنها ما نقله عند قوله:
وقف بنحو سوف ريب عنهما ... بالمد والقصر وما بينهما
حيث قال: "فاعلم أن في ذلك ثلاثة أوجه كما ذكر الناظم: الأول الإشباع ذكره الحافظ وجعله مرجوحا، والتوسط ذكره أيضا واختاره اقتداء بأهل الأداء، والقصر وهو مذهب الشيخ والإمام، وهو الذي رجحه ابن سليمان للحافظ فقال: "وبه قرأت في طرائقهم الثلاثة"(3).
ولا يتسع المجال لمزيد من الأمثلة على ما تضمنه هذا التقييد من فوائد ونقول، وهي على قلتها مفيدة في بابها، وعلى الخصوص في معرفة اتجاه المدرسة الفنية الأخرى التي عايشت مدرسة أبي الحسن بن بري بفاس، أعني المدرسة "التوفيقية" التي رأينا في العدد الماضي كيف مثلها أبو الحسن بن سليمان في زمنه أحسن تمثيل.
__________
(1) المصدر نفسه 70-71.
(2) المصدر نفسه لوحة 73.
(3) المصدر نفسه 74.(1/176)
وقد ختم الشرح بقوله: "قال عبد الله الراجي من ربه أن يتغمده برحمة منه وأسجاح، والإنابة والعاقبة بالنجاح: قد تم جميع ما أردت، وفيه رغبت، وإليه قصدت، من تقييد "البرية"، ولم آل في ذلك نصحا، ولا ادخرت وسعا، وذلك على قدر الجهد والمقدرة والطول، فمن عثر على خلل...إلخ(1).
وقد اعتمد شرح الوارتني كثير من شراح الدرر اللوامع كالحلفاوي الذي يشير إليه بحرف الواو وابن القاضي ومسعود جموع وقبلهما أبو الفضل بن المجراد وإن كان لا يسميه(2)، كما ذكره أبو القاسم التازي في "الدرة السنية" فقال في باب صلة هاء الضمير مشيرا إلى قوله "ومن ياته مؤمنا" في سورة طه والخلف فيه عن قالون:
ورجع الخراز وصله كما ... في شرحه الوارتني قد رسما(3)
9- شرح الدرر اللوامع لمحمد بن علي بن سعيد الأنصاري المعروف بابن إمام المشهد(ت 752هـ).
جاء ذكره بهذا العنوان منسوبا إلى من ذكر بهذا الترتيب وتاريخ الوفاة، في بعض الفهارس المشرقية، وذكر وجود نسخة منه في متحف الجزائر برقم 381 في مجموع من 1 إلى 66 وتاريخ نسخه 1179هـ(4).
10- شرح الدرر اللوامع لأبي راشد يعقوب الحلفاوي.
__________
(1) سقط بعض الألفاظ من كلامه في الخاتمة، إلا أن مراده من العبارة واضح، وختم بقوله "واقبل العذر ترزق الأجر" ثم قال ناسخه: "قال هذا وكتب بخطه لنفسه ولمن شاء الله بعده عنه أحمد بن امحمد بن سليمان ابن سليمان (كذا) الزوادي الأندلسي الأنصاري الخزرجي أصلا الأنجري دارا ومنشأ.. ثم قال بعد الدعاء: "وكان الفراغ منه يوم عرفة عام إحدى وثمانين ومائة ألف، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما".
(2) قال ابن القاضي في الفجر الساطع عند ذكر إمالة المنون: "وما فهم الخراز - يعني من كلام ابن بري - هو الذي فهم منه آجانا والمطماطي، والمراد بالبعض في كلام المجراد هو "الوارتني".
(3) ستأتي الأرجوزة بتمامها.
(4) الفهرس الشامل للتراث 1/280.(1/177)
ولم أقف لمؤلفه على ترجمة، إلا أني وجدته في شرحه ينقل عن شيخه أبي عبد الله القيسي شيخ الجماعة بفاس (ت 810) كما سيأتي.
وشرحه المذكور شرح موجز، إلا أنه مفيد بمسائله وما اختص بإيراده من المباحث، وعلى الأخص مما ينقله عن رجال مدرسة أبي الحسن بن سليمان كالإمام أبي عبد الله الصفار وتلميذه القيسي.
وتوجد من الشرح نسخة بالخزانة العامة بالرباط(1)، وأخرى بالخزانة الحسنية(2) وهي التي اعتمدتها ويقع في هذه النسخة في 64 ورقة من القطع المتوسط، وقد كتب على أول ورقة منه بظاهرها مجموعة الرموز التي يرمز بها للشروح التي ينقل عنها وهي هكذا "جز" لآجانا والخراز على الترتيب، "مك" لابن مسلم وابن عبد الكريم، "صس" للمجاصي والمرسي، "وط" للوارتني والمطماطي، وأول المخطوطة قوله:
"قال الشيخ الفقيه المقرئ النحوي أبو راشد يعقوب الحلفاوي رحمه الله تعالى:
الحمد لله الذي أورثنا ... كتابه وعلمه علمنا
ثم شرع في حل معنى الألفاظ في البيت فقال: "الحمد لله" أي: الحمد ثابت لله الذي أورثنا وعلمه علمنا، ثم قال: الحمد والمدح بمعنى واحد، والحمد أعم من الثناء، وقيل بالعكس، وهو ايضا أعم من الشكر.. قوله "لله"، قال "ز": "هذه الكلمة التي هي "الله" اسم للمعبود بالحق سبحانه لا تقع على غيره.. هكذا يتتبع مباحث الألفاظ، إلا أنه من حين لآخر يتوسع في الاستدلال والاستطراد كقوله عند قول ابن بري: "وخير من علمه وعلمه" بعد أن ذكر حديث الباب "خيركم من تعلم القرآن وعلمه":
وقد نظم هذا الحديث الشيخ الفقيه أبو مروان عبد الملك بن موسى رحمه الله فقال:
تعلم كتاب الله والزم تفهما ... تنل شرفا عند الإله ومكرمة
__________
(1) رقمها 3343.
(2) رقمها 6064.(1/178)
يقول رسول الله "خيركم الذي ... تعلم قرءان الإله وعلمه(1)
ومن مباحثه القيمة مع شيخه القيسي ما ساقه عند ذكر السور المعروفة بـ"الأربع الزهر" في باب البسملة، حيث تطرق لما جرى عليه القراء بالمغرب إلى اليوم من فصلهم بالتسمية بين السورتين في هذه السور الأربع خاصة وتعرض لمرادهم من الفصل فيها، وما وقع من فرارهم من القبح المزعوم في ملاقاة أواخر هذه السور للفظ "ويل" أو للنفي بلفظ "لا أقسم"، وسقوطهم فيما هو أعظم منه بإيلاء اسم الله والصفتين بعده في البسملة لأوائل تلك السور، ثم ذكر قول الحصري في إنكار هذا الفصل وهو قوله:
وحجتهم فيهن عندي ضعيفة ... ولكن يقوون الرواية بالنصر
__________
(1) هذان البيتان ما يزالان إلى اليوم يترددان على ألسنة طلبة القرءان في المجامع التي يلتقون فيها ويتناشدون الأشعار و"الأنصاص:، ولا يدرون قائلهما، وأبو مروان عبد الملك بن موسى الذي نسب إليه البيتان قد تقدم لنا في شيوخ أبي عمران موسى بن محمد بن أحمد بن حدادة المرسي صاحب أبي عبد الله بن القصاب وأبي الحسن بن سليمان، وهو أبو مروان الشريشي الذي ذكرناه أيضا في شيوخ أبي إسحاق إبراهيم التجيي صاحب "التبيان" في الرسم.(1/179)
وتعرض لاعتراض شارحه عليه وهو ابن الطفيل العبدري في شرحه الآنف الذكر المسمى ب"منح الفريدة الحمصية في شرح القصيدة الحصرية" حيث قال: "وليس في البسملة بينهن أثر، ثم رد على هذا التوجيه، ثم قال الحلفاوي: "وبنحو هذا قال المرجيقي وابن مطروح(1) وغيرهما، وقد أوريت زناد هذه المسألة ذات يوم بين يدي أستاذنا سيدي أبي عبد الله القيسي رحمه الله فتبسم توطئة للدر الذي به يتلفظ، وقال: من حفظ حجة على من لم يحفظ، فقلت يا سيدي: وهل هناك من العلماء من يقول إنها رواية ؟ فقال: نعم، رواها أبو عمرو في جامعه(2)، ونقلها أبو العاص في كشفه"(3).
وقد أورد نقولا عديدة عن شيخه القيسي، وكان أحيانا يذكر بعض ما قرأ به عليه كقوله عند ذكر الخلاف في مد المنفصل لقالون: "وبالوجهين قرأت على أستاذنا أبي عبد الله.."(4).
وختم شرحه بأبيات لشيخه المذكور ستأتي في ترجمته، وهي قصيدة غزلية في صفات الحروف جمع فيها بين التغزل والألقاب الجارية عند القراء على الصفات المذكورة كـ"الغنة" والرخاوة والجهر والهمس".
وآخرها قوله:
وصلى الإله ربنا وولينا ... على أحمد الماحي الشفيع لدى الحشر
__________
(1) تقدم ذكرهما في شراح القصيدة الحصرية.
(2) يعني جامع البيان للداني.
(3) هو كتاب له في الرسم تقدم ذكره.
(4) شرح الحلفاوي (باب المد).(1/180)
ثم قال ناسخه: "تم شرح الدرر اللوامع في أصل مقرأ الإمام نافع للأستاذ المحقق أبي راشد يعقوب الحلفاوي ولم يذكر المؤلف تاريخا لفراغه من التأليف، كما لم يذكر الناسخ اسمه وإنما ذكر فراغه من النسخ في 18 شعبان علم 1001"(1). ولعل هذا التداخل هو الذي جعل بعض الباحثين يقول عن الشرح المذكور: "فرغ منه عام 1001(2).
وقد اعتمد هذا الشرح عامة المتأخرين، وقد وقفت على النقل عنه في مواضع كثيرة عند ابن القاضي ومسعود جموع في شرحيهما ابتداء من باب البسملة.
11- إيضاح الأسرار والبدائع، وتهذيب الغرر والمنافع، في شرح الدرر اللوامع لأبي الفضل محمد بن محمد بن محمد(3) بن عمران السلاوي الشهير بالمجراد وبابن المجراد.
ومؤلفه أحد أعلام المدرسة المغربية ومن خيار هذا الرعيل الذي أنجبته في المائة الثامنة ستأتي ترجمته في العدد التالي في مدرسة أبي عبد الله الصفار.
وقد تقدم ذكر روايته للدرر اللوامع كما ذكر في مقدمة هذا الشرح عن الشيخ الأستاذ الحافظ أبي محمد عبد الله بن يوسف العثماني السلاوي يعرف بابن الصباغ قراءة لها على أبي الحسن علي بن موسى بن إسماعيل بن إبراهيم المطماطي عن ناظمها أبي الحسن بن بري.
ويعتبر شرحه من أنفس شروحها الأولى بعد شرح أبي عبد الله الخراز الذي هو أول من شرحها، ويمتاز على عامة الشروح بذكر توجيه مسائل الخلاف من جهة العربية حيث نجده يقول بعد ذكر الخلافيات: "والحجة لمن قال بكذا كذا"، أو يقول "واحتج من أبدل" أو "واحتج من خفف"، أو "والحجة لورش" إلخ.
__________
(1) مخطوطة خ ح برقم 6064 ويمكن الرجوع إلى التعريف بها في (فهارس الخزانة الحسنية 6/120).
(2) الأستاذ سعيد أعراب في بحثه "نظرة عن التراث القرآني حول مقرأ نافع" دعوة الحق العدد 23 السنة 1989 ص 159 وقد ذكره ضمن المؤلفين في العصر السعدي.
(3) كذا في كثير من كتب التراجم التي ترجمت له بتكرار "محمد" ثلاثا وفي بعضها أربعا.(1/181)
كما أنه حافل بالنقول عن بعض الكتب المفقودة ككتب أبي الحسن بن سليمان وشرح الحصرية لابن يونس المرجيقي وكتب أبي عبد الله الصفار وابن آجروم، وطائقة من شروح الدرر اللوامع كشرح الخراز وأبي محمد بن مسلم وأبي عثمان بن آجانا، هذا بالإضافة إلى المصنفات الأمهات للأئمة الأقطاب أبي عمرو ومكي وابن شريح.
وفي الجملة فإن شرحه يعتبر إلى جانب شروح الخراز والمنتوري وابن القاضي أهم شروح الدرر في نظرنا، وقد وقفت على نسخ عديدة من شرحه في الخزائن العامة والخاصة(1) من أهمها نسخة بتطوان(2) وهي التي اعتمدتها في هذا التعريف وعندي مصورة منها، وهي بخط مغربي جميل، وتبتدئ بالديباجة التالية:
"يقول العبد الفقير إلى مولاه الحق، الغني به عن من سواه من جميع الخلق، محمد بن محمد بن محمد بن عمران الفنزاري شهر بابن المجراد السلوي لطف الله به آمين":
__________
(1) منها في الخزانة الحسنية 14 نسخة (يمكن الرجوع إلى أرقامها في فهارس مخطوطات الخزانة 6/36-38). ومنها نسخة بالخزانة العامة بالرباط برقم 1745 وبخزانة تطوان برقم 862 ونسختان أخريان (فهرسة خزانة تطوان 103-104) وعدة نسخ بالقرويين وتمكروت وطنجة وغيرها.
(2) هي مخطوطة بخط جميل جدا في ملك السيد عبد الصمد السراج إمام مسجد الجمعة بمارتيل – تطوان وهي من موروثاته عن أبيه رحمه الله وجزاه وابنه خيرا، وتقع في 164 لوحة فرغ منها الناسخ في 12 ربيع الثاني عام 1218.(1/182)
"الله أحمد أن جعلنا من حملة كتابه الكريم، وشرفنا بالارتقاء بعد التعلم إلى التعليم، وإياه أشكر على ما هدانا إليه من اتباع طريقه(1) المستقيم وأصلي على سيدنا ومولانا محمد(2) الهادي إلى جنات النعيم، ذي البراهين الجلية والشرف الصميم.. وبعد فإن العلم أرفع المطالب، وأنفع المكاسب وأغنى الذخائر، وأربح المتاجر، وإن أرفع العلوم قدرا، وأهداها سبيلا، وأسناها خطرا، وأوضحها دليلا وأجل ما استعمل المرء فيه نفسه، واستغرق فيه يومه وأمسه، معرفة كتاب الله المجيد، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد"، وإن من أهم معارفه وأجدرها بالتوكيد، ضبط حروفه بالإتقان والتجويد".
"ولما كانت قراءة نافع - رحمه الله تعالى عليه - سنة أهل المدينة، صارت لأهل المغرب أعظم حلية وأكرم زينة، وأكثر علماؤهم فيها من التصانيف، وألفوا عليها جملة تآليف، سالكين في ذلك مذهب الحافظ أبي عمرو الداني وطريقه، راجين تقريب مذهبه في مصنفاتهم وتحقيقه، فكان من أجل ما فيها صنف، وفي طريق قرائها ألف، أرجوزة الشيخ الأكمل، العلم العالم(3) الأنبل، ذي العلوم الرائقة، والمصنفات الفائقة، أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن محمد بن الحسين الرباطي المعروف بابن بري – برد الله ضريحه وقدس روحه – وهي المسماة ب"الدرر اللوامع، في أصل مقرإ الإمام نافع"، هذب فيها العبارات، وأوضح الحجج والإشارات، وأبان مشكلات المسائل، وبرز على الأواخر والأوائل، هيهات لا يأتي الزمان بمثله، ولا يقدر أحد على سلوك سبله.
قل للمحاول إدراكا لمبدئه ... قف سد من دون ما أملته الباب(4)
__________
(1) في بعض النسخ "الصراط المستقيم".
(2) في بعض النسخ "وصلى الله على سيدنا...".
(3) في بعض النسخ "العلم المعلم".
(4) سقط البيت بكامله من بعض نسخ الشرح.(1/183)
"فاشتغل الناس لذلك بقراءتها، وأكثروا البحث عن تفهمها وروايتها، وشرحها جملة من العلماء المشاهير، والأئمة المقتدى بهم الأكابر، باذلا في ذلك كل واحد منهم جهده، ومحققا من المسائل والتعليلات ما عنده، فأتى بعضهم بما لم يأت به غيره، فصعب على قارئها ومقرئها حفظ ذلك وحصره".
"فحين رأيت الأمر على هذا الحال، أعملت الفكر في ذلك والبال، واستخرت الله تعالى في وضع شرح عليها تقع لي ولغيري به المعونة، وتخف على الجميع إن شاء الله به المؤونة، جمعت فيه جل ما عندهم، ومعظم ما بذلوا فيه جهدهم، وأضفت إلى ذلك ما لابد منه من كلام الأئمة المتقدمين، والعلماء والأساتيذ المتأخرين، وبينت لفظها بما يحتاج إليه من معنى وإعراب، راجيا من الله في ذلك نيل الصواب".
"وسميته إيضاح الأسرار والبدائع، وتهذيب الغرر والمنافع، في شرح الدرر اللوامع، في أصل مقرأ الإمام نافع"، بعد اعترافي بأني لست لذلك أهلا، ولا ممن يحسنه قولا وفعلا، وإنما ذلك مني على هذا الأمر تعدي، وتقدم إليه دون بلوغ(1) درجته وتصدي، لكن رجوت بذلك التعلق بأذيالهم، والحرص على أن أكون من آلهم، أجرى الله كلامنا فيه على وجهه، وجعله خالصا منا لوجهه، بمنه وكرمه، وفضله ونعمه، وأعاذنا من الخطأ والخطل، وأحيا قلوبنا بالعلم والعمل، وجعلنا ممن استمع القول فاتبع أحسنه، واستضاء لديه الحق فسلك سننه، ونفعنا به ومن نظر فيه مخلصا للحق طالبا، وعن سبيل الحسد والعناد ناكبا، ووفق من اقتبس علما، أو استفاد منه حكما، أن يدعو لي ولجميع المسلمين بالغفران، وبالفوز بالرضوان..
وبعد أسطر ذكر سنده الآنف الذكر برواية الأرجوزة ثم بدأ في شرح الأبيات..
__________
(1) في بعض النسخ "من غير بلوغ".(1/184)
والشرح في جملته حافل بالتحقيقات مع محافظته على مثل هذا المستوى الرائع من السبك وجمال العبارة، كما أنه حافل بالتعقبات للشراح في بعض ما وقعوا فيه من هفوات، ومنها قول عدد ممن تقدموه في قول ابن بري: "إذ كان مقرأ إمام الحرم. "المراد بإمام الحرم نافع"، قال ابن المجراد:
"قال الشارح - يعني الخراز -: "والمراد بإمام الحرم نافع، قال لي بعض المحققين ممن لقيته من أهل مراكش - أبقى الله بركاتهم وحرسها -: ما قالوه غير صحيح لفساد المعنى، لأن المعنى على ما قالوه يصير إذ كان مقرأ نافع، لأن اسم كان ضمير عائد على مقرأ نافع المتقدم، فخبرها نفس اسمها، والعلة نفس المعلول قال: وإنما المراد بإمام الحرم هنا والله أعلم مالك بن أنس رحمه الله تعالى لأنه قرأ على نافع وأخذ بقراءته، والحرم حرم المدينة، وباقي الأوصاف له أي لمالك، فبهذا يستقيم المعنى والله أعلم. انتهى معنى كلامه أبقاه الله، وذكرت ذلك لبعض الأئمة الأعلام من أهل بلده فوافق عليه. وقد كان بعض شيوخنا السلويين قبل ذلك يستشكل كلام الشراح في ذلك ويقول: هو تكرار في كلام ابن بري، فكنت أغفل كلامه في ذلك اعتمادا على ما قاله الشراح فيه، وتقليدا لهم، حتى قيل لي ذلك بمدينة مراكش على ما ذكرت، فعرفت كلامه في ذلك وتحقيقه جزى الله الجميع عنا خيرا بمنه وكرمه.
ومن تحقيقاته في مسائل الخلاف المتعلقة بالأداء مما يدل على استيعابه لمذاهب المتأخرين من رجال المدرسة الأصولية الحديثة بالمغرب الأقصى، قوله عند قول ابن بري في باب المد: "والخلف عن قالون في المنفصل":(1/185)
"فأخبر أن قالون اختلف عنه في المد للهمز المتأخر المنفصل هل يمد لأجله أم لا ؟ ومفهومه أن ورشا لا خلاف عنه في مده، وهو كذلك، وما ذكره الاستاذ أبو الحسن بن سليمان في "الخلاف الكبير" له بين الأئمة الثلاثة أبي عمرو وأبي محمد مكي وأبي عبد الله بن شريح من أن الأصبهاني يروي عن ورش القصر فليس بمشهور، فلذلك لم يذكره المصنف، ثم بعد أن ذكر الخلاف عن قالون وأن الداني لم يرجح له أحدا من الوجهين قال: "قال الخراز: "وتابع الناظم أبا عمرو في عدم ترجيح أحد الوجهين على الآخر، قال: والعمل في ذلك على القصر، وهو الذي يترجح عند النظر، لأن الحلواني لم يرو غيره، نص على ذلك أبو عمرو وغيره، وروى أبو نشيط الوجهين جميعا، فالقصر على هذا آثر لثبوته في الروايتين "انتهى" ثم قال:
وقال ابن مسلم: "والمختار عنه المد في مذهب أبي عمرو الداني على ما نبه على هذا شيخنا أبو الحسن بن سليمان في تآليفه، وهو الذي يقتضيه كلام الناظم عندي، إذ نسب المد أولا لنافع، ثم بعد ذلك استدرك ذكر الخلاف لقالون، فقال: "والخلف عن قالون في المنفصل" انتهى.
ثم قال ابن المجراد: "وكلاهما حسن، فإذا قلنا بالمد، فهل يسوي بينه وبين المتصل أم لا ؟ في ذلك خلاف، فمذهب الشيخ أبي عبد الله بن القصاب رحمه الله أن زيادة قالون في المنفصل أنقص منها في المتصل، نص على ذلك في "تقريب المنافع"(1)، ومذهب الحافظ التسوية بينهما، نص على ذلك في "جامع البيان"، وهو اختيار الأستاذ الخطيب أبي محمد بن أبي السداد، نص على ذلك في "شرح التيسير"(2)، ثم قال ابن المجراد موازنا بين المذهبين:
__________
(1) تقدم التعريف بالكتاب ومؤلفه ابن القصاب وببعض مذاهبه واختياراته فيه.
(2) يعني في "الدر النثير في شرح التيسير" لابن أبي السداد الباهلي المالقي.(1/186)
"ومقتضى ما ذكرناه قبل في مذهب ورش عن الحافظ من التفرقة بين المتصل والمنفصل يقوي ما ذهب إليه ابن القصاب رحمه الله تعالى"(1).
ولا يتسع المجال لمزيد من ضرب الأمثلة لأسلوبه الفذ في معالجة مسائل الأداء ومناقشة أقوال الأئمة، ولا غنى للقارئ عن الرجوع إلى الشرح بكامله، إذ يجد في كل باب منه ما يفيد ويمتع وينقع غلة الباحث.
12- شرح الدرر اللوامع لأبي زيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن عطية المديوني الشهير بالجادري صاحب "النافع في أصل حرف نافع" الآتي، وأحد تلامذة أبي عبد الله القيسي النجباء، ذكر له هذا الشرح عامة من ترجموا له(2)، وقال الكتاني في "فهرس الفهارس": "وهو عندي"(3). ونسخه على العموم نادرة، ومنها نسخة بمكتبة طرابلس بليبيا(4) رقم 9، وقد حاولت الحصول على نسخة منه فلم يقدر لي ذلك إلى الآن، وذكر بعض الباحثين أنه طبع قديما بمصر بدون تاريخ(5).
__________
(1) إيضاح الأسرار والبدائع لوحة 44.
(2) يمكن الرجوع إلى ترجمته في نيل الابتهاج 171 ودرة الحجال 3/87-88 ترجمة 1010 وجذوة الاقتباس 2/404 ترجمة 412 - وسلوة الأنفاس 2/157-158 - ومناقب الحضيكي 2/286.
(3) فهرس الفهارس 1/295-296 ترجمة 114.
(4) مكتبة أوقاف طرابلس برقم 9 (ينظر في ذلك الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط – علوم القرءان، مخطوطات القراءات 1/321 نقلا عن مجلة معهد المخطوطات العربية مجلد 26 الجزء 2 ص 6).
(5) معلمة القرءان والحديث في المغرب الأقصى لعبد العزيز بنعبد الله 55-56.(1/187)
ولا أعلم شيئا عن النسخ التي اعتمدت في هذه الطبعة، إذ أن نسخه من الندرة بمكان، وقد طلبتها منذ بداية اشتغالي في هذا البحث في الخزائن الرسمية وغيرها فلم أقف لها في المغرب على أثر ولا ذكر، بل إن اهتمام القدماء بها أيضا كان محدودا، وحتى ابن القاضي الذي اعتاد في شرحه على الدرر أن لا يدع شرحا معروفا متداولا إلا نقل عنه، فإنه لم ينقل عن هذا الشرح إلا في أثناء الترجمة للناظم حيث نقل عنه تاريخ وفاته - كما تقدم - مصدرا له بقوله : "قال الجادري"، دون ذكر لشرحه، كما ذكره مرة أخرى دون تسمية الشرح، وذلك عند قوله "لما في العين من فعلات" في باب المد حيث ذكر انفراده ببيت يشير إلى رده على لغز الحصري في "سوءات" كما تقدم(1).
وفعل مثل ذلك صاحبه مسعود بن محمد جموع في شرحه التالي المسمى ب"الروض الجامع"، وباقي نقولهما عن الجادري إنما هي من أرجوزته الآتية "النافع" أو من شرحه الآتي على "الميمونة الفريدة" لأبي عبد الله القيسي.
13- شرح أبي عبد الله محمد بن عبد الملك القيسي الغرناطي الشهير بالمنتوري – بكسر الميم ونون ساكنة بعدها تاء مهملة مضمومة(2) (ت 834).
صاحب الشرح إمام جليل من آخر من أنجبتهم الأندلس من أعلام هذا الشأن، قرأ على جماعة من الأعلام واعتماده على الإمام أبي عبد الله محمد بن محمد القيجاطي - حفيد صاحب "التكملة المفيدة" الآنف الذكر - قرأ عليه للسبعة في سبع عشرة ختمة، وقرأ عليه جميع تواليفه في القراءات وغيرها، وعليه اعتمد في الإتقان والتجويد، وأجازه إجازة عامة(3).
__________
(1) وهو قوله: "وقد ذكرت سبب الخلاف في غير هذا بكلام شاف".
(2) ينظر في ضبط لقبه نيل الابتهاج 291.
(3) نيل الابتهاج 171.(1/188)
وقد انتفعنا في هذا البحث كثيرا بفهرسته الحافلة التي أسند فيها عامة المصنفات الأمهات في القراءة وغيرها، كما استفدنا منه في شرحه استفادة لا تقدر، إذ يعتبر أحفل الشروح بالنقول عن كتب الأئمة والموازنة بين مدارسهم واختياراتهم، وإنما يعود الفضل إليه في المادة الثرية التي نجد ابن القاضي قد أودعها شرحه "الفجر الساطع"، وبأدنى مقارنة يتبين ذلك.
وقد ذكر في خاتمة شرحه أنه طالع عليه تسعة وتسعين ومائة مجموع، مائة وسبعة وعشرين منها من كتب القراءات، والباقي من غيرها، وهذه ثروة عظيمة لم يتح مثلها ولا ما يقاربها لأحد قبله ولا بعده من الشراح.
وقد تقدم أنه روى الأرجوزة التي شرحها من ثلاث طرق أعلاهن روايته لها عن الشيخ أبي الحجاج يوسف ين علي بن عبد الواحد السدوري المكناسي قراءة لها من حفظه عليه في أواخر شعبان سنة 774هـ عن ناظمها سماعا عليه بجامع القرويين من مدينة فاس في أواخر محرم سنة 723(1).
كما تقدم أنه أسند قراءة نافع من روايتي ورش وقالون على نحو ما نظمه ابن بري في أرجوزته من طريق شيخه أبي عبد الله محمد بن محمد القيجاطي عن القاضي أبي البركات محمد بن محمد بن الحاج البلفيقي عن الأستاذ أبي الحسن بن بري.. ثم ذكر سند ابن بري متصلا بها إلى أبي عمرو الداني.
أما شرحه هذا فيعتبر أوسع شروحها مادة بالقياس إلى الشروح التي تقدمته، وقد استقى أبو زيد ابن القاضي أكثر ما فيه بعزو أحيانا وبغير عزو أحيانا كثيرة، وكذلك صاحبه مسعود جموع في "الروض الجامع"، وإن كانا قد زادا عليه الكثير مما لم يقف عليه من مؤلفات المغاربة أو مما ألف بعد زمنه.
ومن تواضعه الجم - رحمه الله - أنه ذكر أنه إنما اعتمد في شرحه على ما ذكره شارحه الأول أبو عبد الله الخراز، هذا مع أنه صال وجال في الشرح والتحليل والتعليل والموازنة بين اختيارات الأئمة واستكثر من النقول بصورة لا نجد الخراز ولا غيره قبله فعل مثلها.
__________
(1) شرح المنتوري لوحة 2.(1/189)
وقد وقفت من شرحه على عدة مخطوطات أهمها مخطوطة الخزانة العامة بالرباط المسجلة تحت رقم 519(1). وعليها اعتمدت في هذا البحث، وتوجد منه مخطوطات كثيرة في باقي الخزائن المغربية والمشرقية(2).
وقد استهل الشرح بقوله: "الحمد لله الذي أنزل الكتاب، ووعد من تعلمه وعلمه جزيل الثواب، وصلى الله على سيدنا محمد الهادي إلى طريق الصواب، وعلى أهل بيته الطاهرين وأصحابه الأكرمين، صلاة دائمة إلى يوم الحساب".
"أما بعد فهذا كتاب وضعته شرحا على الرجز المسمى بـ"الدرر اللوامع في مقرإ نافع" نظم الأستاذ أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن الحسين بن بري التسولي الرباطي التازي، ذهبت فيه لتبيين ألفاظه وإيضاح معانيه وإشاراته، وبذلت جهدي في تقريب مسائله وتحرير عباراته، واقتصرت على ما ذكره شارحه المقرئ أبو عبد الله الشريشي في كثير من أبياته، لأنه أتقن الكلام في ذلك وأجاد، وبين وأفاد، وما ترك من شيء يزاد".
ثم ذكر اهتماما خاصا انفرد به عن عامة الشراح إلى جانب مسائل الأداء والقراءة فقال:
"وقد سميت كل ما وقع في الرجز من ألقاب "البديع"(3) باسمه، ورسمت كل فن منه بحده الجامع ورسمه، وقد استوفيت في هذا الكتاب ما لا يشكل في الرجز من الإعراب... ثم ذكر تفقهه في الرجز المذكور قديما على شيخه القيجاطي ورواياته الأخرى التي اقتصر على تسمية أعلاها وهي رواية أبي الحجاج المكناسي كما أسلفنا. ثم شرع في شرح الأبيات متبعا للمنهج الذي رسمه.
__________
(1) وتقع في 443 لوحة بخط مغربي متوسط الجودة.
(2) منها مخطوطة بالخزانة الحسنية برقم 1096 وأخرى بخزانة القرويين وعليها تحبيس السلطان أحمد المنصور السعدي بتاريخ 1011هـ ورقمها القديم بالخزانة المذكورة 40/231، ومنها نسخة بمكتبة الجزائر برقم 96 وأخرى بالمكتبة الوطنية بتونس برقم 3622 وأخرى بخزانة جامعة الرياض بالسعودية برقم 1562 (قراءات).
(3) أحد فروع علم البلاغة.(1/190)
وقد ترجم لنافع عند ذكره في الأرجوزة، كما ترجم لأبي عمرو الداني وذكر سنده في قراءة نافع المذكور في "التيسير" و"جامع البيان" وغيرهما. كما ذكر التزامه بطريق أبي عمرو الداني في شرحه فقال:
"واعلم أن كل ما أذكر في هذا الشرح من قولي "وبذلك قرأت"، وسواء سميت من قرأت عليه أو لم أسمه فإنما أعني بذلك من طريق الداني خاصة، وقد يكون غيره من الطريق التي قرأت بها موافقا له أو مخالفا، وكذلك كل ما أذكر أني آخذ به فإنما أعني من طريق الداني خاصة، وقد آخذ من طريق غيره بذلك أو سواه"(1).
ولا يتسع المجال في التعريف بأسلوب المؤلف ومنهجه في هذا الشرح القيم بالإكثار من الأمثلة، فما من باب فيه إلا وتجده حافلا بالنقول، ناطقا بمهارته وحذقه البعيد المدى في مناقشة الآراء والاختيارات والموازنة بينها، مع استقلالية ملحوظة في إبداء الملاحظة حتى ولو توجهت نحو أبي عمرو الداني نفسه قطب المدرسة وإمام هذا الشأن، على عادة شيخه الجليل أبي عبد الله القيجاطي كما رأينا نماذج من استقلاليته فيما قدمنا(2).
وهذا نموذج لما ذكرناه للمنتوري من هذه السمات والشمائل، قال عند قول ابن بري في باب المد:
وبعدها ثبتت أو تغيرت ... فاقصر، وعن ورش توسط ثبت
بعد أن ذكر مقصود الناظم، ومن أخذ لورش بالقصر في ما تقدم سبب المد فيه نحو "آمنوا"، ومن أخذ له بغير ذلك من المد، وذكر تخطئة شيخه القيجاطي لابن بري في قوله "وعن ورش توسط ثبت" وقوله: "وإنما ثبت عن ورش المد المشبع قال: وإنما أخذ ذلك الناظم والله أعلم من كلام الحافظ أبي عمرو قال: ولا يفهم من كلامه إلا القصر، فمن تأمل كلامه ظهر له ذلك، قال: وقد قال قبله الشاطبي في قصيدته:
وما بعد همز ثابت أو مغير ... فقصر، وقد يروى لورش مطولا
ووسطه قوم كآمن هؤلاء ... آلهة آتي للإيمان مثلا
__________
(1) شرح المنتوري لوحة 30.
(2) يمكن الرجوع إلى ما كتبناه عنه في هذا البحث في العدد الخامس عشر من هذه السلسلة.(1/191)
ولا أعلم من هؤلاء القوم ؟ قال المنتوري معلقا على اعتراض شيخه المذكور:
"قلت: لعلهم الذين صنفوا في القراءات بعد الداني على طريقته وفهموا من كلامه التوسط كما فهمه الناظم، وقد وقفت على ذلك في كتب بعضهم، وها أنا أذكر نصوص الحافظ أبي عمرو الداني في كتبه:
"قال في "التعريف: وتفرد ورش بزيادة التمكين قليلا لحروف المد واللين إذا تقدمتهن الهمزات، وسواء ظهرن محققات أو ألقى حركاتهن على ساكن قبلهن أو أبدلن، نحو آمنوا وآمن وآسن وإيمانكم ولإيلاف قريش إيلافهم ومستهزئون وفادرأوا ومن آمن.. ما لم يقع فيه قبل الهمزات ساكن غير حرف مد ولين، نحو القرءان وما أشبهه. ثم ساق المنتوري عددا من النقول المشابهة من باقي كتب أبي عمرو: ككتاب رواية ورش من طريق المصريين وكتاب التيسير، والتلخيص وإيجاز البيان وجامع البيان والاقتصاد والتمهيد وإرشاد المتمسكين، وفيه ذكر قول أبي عمرو: "وإنما هي زيادة يسيرة على مذهب غيره من القراء، كمذهبه في الزيادة لحرف المد إذا أتت الهمزة بعده، ألا ترى أن ورشا يشبع المد في ذلك فوق إشباع غيره من القراء، إلا حمزة وحده، فكذلك تلك الزيادة سواء، مع الإجماع على أن الزيادة لحرف المد مع تقدم الهمزة كشطر الزيادة في التقدير له مع تأخرها"(1). قال المنتوري متعقبا لأبي عمرو فيما ذكره من الإجماع:
__________
(1) ومبنى هذا القول عند أبي عمرو على تقدير المد المشبع بست حركات اثنتان منها للمد الطبيعي واثنتان لمد التوسط واثنتان للزائد عليه ومجموع ذلك للإشباع، فشطر الزيادة على الطبيعي مقدار حركتين.(1/192)
"قلت: لا يوجد الإجماع على ما ذكر، بل أكثر المصنفين للحروف حملوا الرواية على ظاهرها، ونصوا في كتبهم على المد في آمن وبابه لورش، وإلى هذا ذهب الإمام أبو الحسن محمد بن أحمد بن أيوب بن شنبوذ(1)، والشيخ أبو الفضل محمد بن جعفر بن عبد الكريم الخزاعي(2)، والإمام أبو بكر محمد بن علي الأذفوي(3)، والإمام أبو الطيب عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون الحلبي(4)، والشيخ أبو محمد مكي بن أبي طالب القيسي القيرواني(5)، والمقرئ أبو عبد الله محمد بن سفيان الفقيه(6)، والشيخ أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي(7)، والحافظ أبو علي الحسن بن علي الأهوازي(8)،
__________
(1) تقدمت ترجمته في مدرسة ورش من هذا البحث.
(2) هو صاحب كتاب "المنتهى في الخمسة عشر وتهذيب الأداء في السبع" وغيرهما توفي سنة 408 (تقدم).
(3) هو صاحب كتاب "الإبانة" ترجمنا له في أساتذة مدرسة ورش بمصر.
(4) هو صاحب الإرشاد في القراءات السبع ومن شيوخ مكي وغيره ترجمنا له في روافد مدرسة ورش من المدرسة الشامية.
(5) ما ذكره في إشباع المد في كتاب التبصرة له ص 60 قال: "فقرأ ورش بتمكين المد فيما روى المصريون عنه.. وبالمد قرأت له".
(6) ذكره في "الهادي في القراءات" لوحة 4 قال: "فإذا كانت الهمزة قبل حرف المد واللين في كلمة فقد أجمع القراء على تمكين حرف المد واللين من غير إفراط في المد، إلا ورشا عن نافع فإنه يمده مدا متمكنا بمنزلته إذا كان حرف المد واللين قبل الهمزة...".
(7) ذكره في الهداية كما يدل على ذلك قوله في شرح الهداية لوحة 11 "وتلك العلة هي التي قصد ورش في مده آمنوا وأوتوا وإيتاء وما أشبه ذلك، لأن حرف المد واللين بعد الهمزة يخفى كما يخفى إذ كان قبلها بل هو اشد خفاء".
(8) هو صاحب الإيضاح وغيره تقدم التعريف به في روافد مدرسة ورش من المدرسة الشامية..(1/193)
والمقرئ أبو القاسم عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب القرطبي(1)، والإمام أبو عبد الله محمد بن شريح الرعيني(2)، والمقرئ أبو الحسين يحيى(3) بن إبراهيم بن البياز اللواتي(4)، والمقرئ أبو علي منصور بن الخير بن يعلى المغراوي المالقي(5)، والشيخ أبوالقاسم عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي سعيد بن الفحام القرشي(6)، والشيخ أبو الطاهر إسماعيل بن خلف بن سعيد العمراني(7)،
__________
(1) رجعت إلى كتاب "المفتاح في القراءات السبع" لابن عبد الوهاب القرطبي – لوحة 35-36 فإذا هو لم يذكر هذا النوع بتاتا بمد ولا قصر، وإنما ذكر مذاهب القراء في المد وتمكينه فيما تقدم فيه حرف المد على السبب.
(2) قاله في الكافي في القراءات السبع في باب المد.
(3) في الأصل "محمد" والصواب ما أثبتناه.
(4) صاحب "النبذ النامية في القراءات" تقدم.
(5) كتابه مفقود، ينقل عنه المنتوري كثيرا، فيقول تارة "وابن يعلى في الجامع"، وتارة والمغراوي في الجامع ينظر من شرحه باب الإمالة لوحة 244 وكذا اللوحة 296 (الراءات) وكذا 403 عند ذكر إشمام "تامننا".
(6) قال ابن الفحام في "التجريد" لوحة 18: "القسم الرابع، إذا تقدمت الهمزة حرف المد واللين وانفتح ما قبل الياء والواو نحو آدم وآزر وشيء وسوءة فمذهبه لورش اختار (كذا) مده منفردا فاعرف ذلك".
(7) قال أبو الطاهر في "العنوان" 44: "وكان ورش يشبع المد في حروف المد واللين الواقعة بعد الهمزة، نحو آمنا وآدم وآويناهما والسيئات وأوتينا العلم وإيتاء الزكاة والموءودة وإسرائيل وما أشبه ذلك". قلت: أدخل في الحكم لفظ "إسرائيل" على مذهبه في ذلك وبه قال ابن شريح وغيره..(1/194)
والمقرئ أبو محمد شعيب بن عيسى بن علي بن جابر الأشجعي اليابري(1)، والأستاذ أبو بكر محمد بن عبد الله بن معاذ اللخمي الأشبيلي(2)، والمقرئ أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن مهلب الثقفي(3)، والأستاذ أبو جعفر أحمد بن علي بن خلف بن الباذش الأنصاري(4)، والشيخ أبو زكريا يحيى بن أحمد بن عتيق القرطبي(5)، والمقرئ أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عبد الملك الخولاني(6)، والشيخ أثير الدين أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان النفزي الأندلسي نزيل الديار المصرية(7)، وقال الحصري:
وإن تتقدم همزة نحو آمنوا ... وأوحي فامدد ليس مدك بالنكر
__________
(1) من شيوخ أبي بكر بن خير الأشبيلي وصاحب كتاب "التقريب والإشعار، في مذاهب القراء السبعة أئمة الأمصار" ترجم له ابن خير بعد ذكر كتابه وقال: "تأليف شيخنا الإمام أبي محمد شعيب بن عيسى ابن عيسى بن علي الأشجعي المقرئ - رحمه الله - حدثني به قراءة مني عليه بلفظي غير مرة، وقرأت عليه القرءان العظيم بما تضمنه ختمات كثيرة مفردة ومجموعة، نفع الله بذلك يوم القيامة" فهرسة ابن خير 34.
(2) ترجمنا له في مشيخة الإقراء بسبتة ثم بفاس، وهو صاحب "لؤلؤة القراء".
(3) ينقل عنه المنتوري كثيرا في باب المد، ويذكر له من الكتب "الشرح"، و"التبيين".
(4) هو صاحب الإقناع وفيه يقول في 1/475 "والذي اختاره الزيادة في مد ذلك وإشباعه من غير إفراط ولا خروج عن حد كلام العرب، وقد تقدم نقلنا لقوله في موضعه من البحث.
(5) ذكر له كتاب "الموجز".
(6) ذكره مرات كثيرة في شرحه ومنها في باب المد وذكر له من الكتب الاعتماد والاقتصاد وأراجيز ستأتي.
(7) له مؤلفات وقصائد كثيرة في القراءات منها "عقد اللآلي في القراءات السبع العوالي"، وقد تقدم ذكرها في القصائد التي عورضت بها الشاطبية.(1/195)
ثم قال المنتوري: "قلت: وقد ورد النص عن أصحاب ورش عنه بمد حرف المد واللين إذا تقدمت عليه الهمزة، قال الداني في "جامع البيان": "إن جميع أصحاب ورش من أبي يعقوب وأبي الأزهر وداود وغيرهم أطلقوا المد وعبروا عنه عن نافع في كتبهم التي سمعوها، وأصولهم التي دونوها في نحو قوله "فادرأوا" و"فآتاهم الله ثواب الدنيا" و"لإيلاف قريش إيلافهم"، وقال ابن يعلى في "الجامع": قال داود بن أبي طيبة، قال لي ورش: "الآخرة" بالمد.. ثم ساق المنتوري قول شيخه القيجاطي محتجا لمذهب من ذهب إلى الإشباع في مد هذا النوع ومنكرا مذهب من تأول نقول الأئمة على أنهم أرادوا التوسط(1).
ومن خلال هذا النقل تتجلى أهمية المؤلف وأهمية شرحه سواء في غنى مادته ونقله عن الأمهات، وكثير منها يعتبر في حكم المفقود اليوم، أم من حيث الاستقلالية في الفكر والموازنة الحصيفة بين مذاهب الأئمة.
__________
(1) شرح المنتوري لوحة 90-91.(1/196)
فمن الكتب التي ينقل عنها وهي اليوم لا أثر لها "مرشد القارئ إلى تحقيق المقاري" لابن الطحان السماتي، ولؤلؤة القراء لابن معاذ الفلنقي و"النافع" لابن جني، و"الجامع" لابن يعلى المغراوي، و"تلخيص الألفاظ" لابن سابور، و"الموجز" لابن عتيق، و"الإيضاح" والبديع وهما لابن مطرف، والتنبيه والإرشاد لابن شفيع وجامع المنافع لابن أبي خالد، ودرر المنافع لابن الحاج، والاعتماد لابن شعيب، والمختصر لأبي الأصبغ بن عمر، والتقريب والحرش لابن المرابط، والمرءاة لابن رشيق والمختصر لابن أسود وكتاب التلخيص لابن هشام، والاقتصاد والاعتماد كلاهما لابن عبد الملك الخولاني، ورجزفي رواية قالون "له و"رجز في قراءة أبي عمرو له أيضا، وأرجوزة في القراءات السبع "له أيضا، وأرجوزة في قراءة نافع لأبي بكر القرطبي، وأرجوزة "مثلها للأشيري، وأخرى لابن سعيد، والمختصر لأبي محمد القرطبي، والنجعة لابن الباذش، وابن القصاب في تقريب المنافع، والتبصير لابن آجروم، وأرجوزة البارع له وغير هذا كثير مما يمكن الوقوف عليه في كثير من أبواب الكتاب، وعلى الأخص في باب المد والراءات واللامات.
14- شرح الدرر اللوامع لأبي الربيع سليمان بن عيسى بن أبي بكر التجاني:
... لا ذكر لهذا الشرح في مصادرنا المغربية - فيما أعلم - ومؤلفه من أهل المغرب الأوسط ومن أهل المائة السابعة أو صدر الثامنة، ذكره الشيخ أبو زيد عبد الرحمن بن محمد الثعالبي في شرحه الآتي على الدرر اللوامع واعتمده في مصادره فيه، ويشير إليه فيه بحرف السين تمييزا عن باقي الشروح التي اعتمدها.
15- المختار من الجوامع، في محاذاة الدرر اللوامع لأبي زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي الجزائري (ت 875) وقيل (876) (1).
__________
(1) ترجمته في درة الحجال 3/89-91 ترجمة 1014هـ.(1/197)
ومؤلفه إمام جليل، وهو صاحب كتاب "الجواهر الحسان، في تفسير القرآن" وهو مطبوع, أما شرحه المختار من الجوامع، فقد عرف طريقه إلى المطبعة في العقد الثالث من القرن الماضي(1)،ولم يعد طبعه فيما أعلم إلى الآن، ولهذا اختفت نسخة من المكتبات، وقد وقفت على نسخة مصورة منه بسلا(2) في سفر متوسط، ويقع حسب هذه الطبعة في 104 صفحة من القطع المتوسط، وقد بسط في مقدمته باعثه على تأليفه وذكر فيها منهجه ومصادره، وفي ذلك يقول:
"الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، وجعله لأهل الفهم المتمسكين به من أعظم الأسباب، كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا ءاياته وليتذكر أولوا الألباب"...
"وبعد فيقول العبد الفقير المعترف لمولاه بالعجز والتقصير، عبد الرحمن بن محمد الثعالبي - لطف الله به -: إني قصدت في هذا التقييد جمع فوائد أحاذي بها الدرر اللوامع في مقرأ الإمام نافع" وليس قصدي في هذا الجمع الإطالة والإطناب، وإنما هي عيون فوائد لا يستغني عن معرفتها أولوا الألباب، ومن أراد الإطناب فعليه بشرحها للإمام أبي الحسن علي بن عبد الكريم وغيره، وسأذكر هنا عنه وعن غيره من الفوائد ما يلذ سماعها، ويروق معناها، راجيا من الله سبحانه التوفيق والتسديد".
__________
(1) طبع بالمطبعة الثعالبية بالجزائر سنة 1324 هـ لصاحبها أحمد بن مراد التركي وأخيه.
(2) هي نسخة مصورة عن النسخة المطبوعة، وفقت عليها في خزانة الأخ المقرئ السيد محمد السحابي بسلا.(1/198)
ثم قال عن الرموز التي سيستعملها: وما يوجد في هذا التقييد من الأحرف، فهي علامات لمن نقلنا عنه من الشراح، فما كان عينا هكذا "ع"، فالمراد به علي بن عبد الكريم، وما كان سينا هكذا "س" فهو لأبي الربيع سليمان بن أبي بكر التجاني، وما كان ميما هكذا "م" فهو لمحمد بن إبراهيم الشريشي الشهير بالخراز، وما كان جيما هكذا "ج" فهو لأبي مدين شعيب(1) بن عبد الواحد المجاصي، ومن نقلت منه شيئا عزوته له، على عادتي في مصنفاتي، مستعينا بالله ومتوكلا عليه"
وقد التزم في الشرح بما تعهد به في المقدمة، فكان يوجز في بيان معاني الأبيات ثم ينقل عن الشراح رامزا لكل واحد برمزه السابق، ويورد طائفة من النقول، وأكثرها عن كتب مفقوده الآن، ومنها كتاب إيجاز البيان، لأبي عمرو الداني(2)، وشرح القصيدة الحصرية لأبي عبد الله محمد بن داود بن مطروح السريني(3) وهو أيضا ما يعقد مقارنة بين ما ذهب إليه ابن بري في الأرجوزة وبين ما ذهب إليه الشاطبي في الحرز معتمدا من شروحه على شرح محمد بن الحسن الفاسي المسمى باللآلئ الفريدة، ويكتفي أحيانا بقوله: قال الفاسي. كما ينقل عن التيسير، وربما نقل بعض الفصول منه بتمامه(4).
__________
(1) كذا ذكره، والصحيح أنه محمد بن شعيب أبو عبد الله المجاصي كما نقدم التعريف به في تلامذة ابن بري.
(2) تقدم لنا من مصنفاته كتاب إيجاز البيان في قراءة نافع بن عبد الرحمن. وقد نقل عنه الثعالبي نصا مطولا في موضوع الوقف والابتداء ابتداء من س 113 إلى 115.
(3) تقدم ذكر بعض نقوله عنه في شروح الحصرية في العدد الذي خصصناه لأبي الحسن الحصري، وقد نقل عنه الثعالبي في المختار في الصفحات 32-49-50-82-55-100-106.
(4) المختار 145-147.(1/199)
وقد ذكر في ترجمة قالون فائدة مهمة في طريقة التحمل، فقال: والصحيح أن الصمم إنما اعتراه في آخر عمره بعد أن أخذت عنه القراءة، وروي أنه كان يقرأ عليه القرآن وكان ينظر إلى شفتي القارئ ويرد عليه اللحن والخطأ، (ع)(1)، وقيل: إنه هو الذي كان يقرأ ويستمع إليه تلميذه كما يفعل في الأندلس(2).
ونبه في باب المد على ما أخذ به بعض شيوخه في المد المنفصل لقالون فقال:
ولم يرجح الناظم أحدهما على الآخر يعني المد والقصر، قلت: وأخذ بهما معا شيخنا أبو الربيع سليمان بن الحسن إمام بجاية رحمه الله تعالى(3).
وختم شرحه بالدعاء، ثم قال : وكان الفراغ من تأليفه في أواسط ربيع الثاني من عام 842(4).
16- شرح الدرر اللوامع لأبي الحسن على بن محمد بن علي القرشي البسطي الشهير بالقلصادي:
بفتح القاف واللام معا، نزيل غرناطة وآخر من له المؤلفات الكثيرة من أئمة الأندلس(5)، وله رحلة مطبوعة تحدث في أولها عن شيوخه قال فيها: أما بعد فالمقصود من هذا الموضوع أن يكون معرفا بأشياخي من أهل العلم الذين أخذت عنهم - رضي الله عنهم وأرضاهم - وبرحلتي من بسطة(6) مسقط راسي وموضع أول أنفاسي، مقر الألفة والأنس، من جزيرة الأندلس، أدامها الله للإسلام، وحماها من عبدة الأصنام، وسميته تمهيد الطالب، ومنتهى الراغب، إلى أعلى المنازل والمناقب(7).
__________
(1) يعني علي بن عبد الكريم صاحب الفصول في شرح الدرر اللوامع.
(2) المختار من الجوامع للثعالبي 6.
(3) المختار 19.
(4) المختار 164.
(5) نيل الابتهاج 209-210 ويمكن الرجوع إلى ترجمته في درة الحجال 3/251-252 ترجمة 1289.
(6) مدينة في الشمال الشرقي لغرناطة بالقرب من وادي آش صفة جزيرة الأندلس 44-45.
(7) مقدمة رحلة القلصادي 81-82 تحقيق الأستاذ محمد أبو الأجفان.(1/200)
وقد سمى من شيوخه فيها أبا الحسن علي بن عزيز من أهل بسطة، وذكر أنه كان له اعتناء بقراءة القرآن، وقال: قرأت عليه الكتاب العزيز في المكتب، وجودته عليه، توفي شيخه هذا عام 844(1).
وسمى من شيوخه أبا عبد الله محمد القسطولي وقال: جودت عليه بعض الكتاب العزيز... ثم ذكر وفاته سنة 844 في الوباء كسابقه(2).
- وذكر منهم أبا بكر البياز وقال: جودت عليه بعض الكتاب العزيز، وقرأت عليه الأكثر من أرجوزة ابن بري، وأرجوزة الحريري في النحو(3).
وذكر غير هؤلاء ممن قرأ عليهم بعض القرآن والعربية والتفسير والحديث والفقه وغير ذلك، ثم ذكر رحلته من بسطة، ودخوله تلمسان عام 840 فأخذ في تسمية من لقيه بها من الأعلام وما أخذ عنهم من العلوم، ثم ذكر سفره منها إلى وهران في طريقه إلى الحج، ودخوله تونس، فسمى أيضا طائفة ممن لقي من علمائها وما تلقاه عنهم، ثم ذكر دخوله لجربة فطرابلس فالإسكندرية فالقاهرة، ووصول ركب الحجيج إلى الديار المقدسة في التاسع والعشرين من رمضان عام 851، وقد وصف مشاهد الحرم وكيفية أداء المناسك ورحلته إلى المدينة وما شاهده بها، ثم ذكر نحوا مما تقدم في رحلة العودة فذكر من لقي بمصر من العلماء وسماعه منهم، ثم ذكر وصوله إلى المرية من الأندلس ثم بسطة، ثم ذكر انتقاله إلى غرناطة كرسي الأندلس، وبها أخذ عن باقي شيوخه(4).
ويظهر أن مقامه بغرناطة قد طال، إلا أن الأحوال المزرية التي كانت تعيشها البلاد لهذا العهد جعلته يغادرها مرة أخرى إلى المغرب فنزل تلمسان مدة، ثم انتقل منها إلى باجة إفريقية، وبها مات منتصف ذي الحجة عام 891هـ(5).
__________
(1) رحلة القلصاني 83-84.
(2) الرحلة 84.
(3) الرحلة 84-89.
(4) الرحلة 161-168.
(5) درة الحجال 3/252 – وألف سنة من الوفيات 270.(1/201)
أما شرحه على أرجوزة ابن بري فقد ذكره عامة من ترجموا له(1)، إلا أني لم أقف على نقل عنه لأحد من الشراح.
17- الأنوار السواطع على الدرر اللوامع للشيخ حسين بن علي بن طلحة الشوشاوي الرجراجي الوصيلي (ت 899) دفين المنابهة بنواحي تالرودانت(2).
والمؤلف أحد أعلام الجنوب المغربي، ألف في القراءة والرسم والضبط، كما ألف في غير ذلك، وقد تقدم من مؤلفاته تنبيه العطشان على مورد الظمآن، وحلة الأعيان شرح عمدة البيان للخراز.
أما شرحه هذا على الدرر اللوامع فيعتبر من أحسن كتبه إن لم يكن أحسنها على الإطلاق، ومنه يتبين اطلاعه الواسع وحذقه في قراءة نافع، وإن كان لم يذكر سنده فيها ولا ألم بذكر أحد ممن أخذها عنه. وقد وقفت من هذا الشرح على نسخ عديدة(3)، وأوله قوله بعد الديباجة التي تشتمل على اسمه ونسبه:
__________
(1) يمكن الرجوع إلى ترجمته في نفح الطيب للمقرئ 3/346 ودرة الحجال 3/251-252 ترجمة 1289 ونيل الابتهاج 209-210 وشجرة النور لابن مخلوف 1/261 ترجمة 959 طبقة 18.
(2) يمكن الرجوع إلى تحديد موضع دفنه بسوس العالمة لمحمد المختار السوسي 177.
(3) من أهمها نسخة الشيخ أحمد بن الكونطري بالصويرة، وهي مخطوطة يرجع تاريخها إلى أواخر المائة العاشرة ومن نسخه الخطية نسختان بالخزانة العامة بالرباط برقم ق 1204-ق120 وأخرى بخزانة ابن يوسف بمراكش برقم 469 ومنه نسخة بمكتبة الجزائر برقم 379 (الفهرس الشامل للتراث 1/449).(1/202)
الحمد لله على جميع نعمه وآلائه، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم أنبيائه، أما بعد فهذا ما وضعه العبد المذنب العاصي الراجي عفوه وغفرانه له ولوالديه حسين بن علي بن طلحة الرجراجي الشوشاوي على التقييد المسمى بالدرر اللوامع للشيخ أبي الحسن علي بن محمد(1) بن علي بن محمد بن الحسين الرباطي المدفون في مدينة فاس(2) رحمه الله ونفعنا به بمنه وفضله، وسميت هذا التقييد الأنوار السواطع، على الدرر اللوامع:
الحمد لله الذي أورثنا ... كتابه وعلمه علما
ثم قال: قوله الحمد لله، فيه عشرون تنبيها، وهي لم خطب؟ وما الفرق بين الحمد والشكر؟ إلخ.. وهكذا حتى انتهى من ذكر التنبيهات العشرين، ثم أخذ في الإجابة عنها، وتلك هي طريقته في جميع أبواب الأصول من شرحه، يذكر الباب ويذكر عدد مباحثه، ثم يأخذ في إلقائها على شكل مسائل ويأخذ في بيانها على الترتيب وكثيرا ما يتوسع في تلك التنبيهات فيورد النقول المستفيضة، وربما فعل ذلك أيضا في إعراب بعض الأبيات حتى يكاد يخرج عن القصد.
__________
(1) في نسخة الكونطري بالصويرة زيادة يوسف بين الناظم واسم أبيه محمد، ولعلها من الناسخ.
(2) تقدم رد هذا بما ذكرناه من دفنه بمدينة تازة.(1/203)
وأكثر نقوله هي عن أبي عمرو الداني وابي العباس المهدوي، وكثيرا ما يمزج بين مباحث القراءة ومباحث الرسم، وقد نقل في ذلك جملة من أبيات المنصف لأبي الحسن البلنسي، والأرجوزة لأبي زكريا يحيى بن محمد الهوزني(1)، وهكذا سار في شرحه يتنقل بين الأبواب، والملاحظ أنه لا يذكر أسماء الشروح التي استعان بها في بيان مقاصد ابن بري، كما لا يذكر بعض ما قرأ به على مشايخه مما جعل شخصيته في شرحه باهتة متوارية خلف أقوال الأئمة التي يوردها غفلا من الأسانيد، مما يدل على أن مستواه في الرواية عادي جدا ولا يتجاوز النقل من الكتب إلى مناقشة الأقوال والاختبارات.
وقد ذكر في ختام الشرح فراغه من التقييد بتاريخ الثامن من ذي القعدة عام 842.
18- تحصيل المنافع من كتاب الدرر اللوامع، في ظل مقرإ الإمام نافع لأبي زكريا يحيى بن سعيد بن داود بن سليمان الجزولي السملالي الكرامي (ت في حدود 900هـ).
ومؤلفه من علماء سوس من عائلة الكراميين الشهيرة (2)، ووالده سعيد شارح المورد للخراز وتحفة المنافع لميمون الفخار - كما سيأتي.
وشرحه هذا على الدرر اللوامع أحد الشروح الواسعة الاستعمال في الجنوب المغربي، وقد قام بتحقيقه مؤخرا بعض طلبة الدراسات بمراكش(3).
وقد وقفت منه على مخطوطات عديدة من أهمها نسخة الخزانة الحسنية رقم 8248 وتقع في 96 لوحة، وأوله قوله: الحمد لله الذي من علينا بهدايته، واستنقذنا من ظلمة الجهل وعمايته، وفضلنا بكتابه فجعلنا من حملته وأهل تلاوته...
__________
(1) يمكن الرجوع إلى نماذج من نقله عن الهوزنية إلى باب الوقوف على المرسوم من الأرجوزة وشرحها.
(2) ترجم محمد المختار السوسي لعدد من أفراد البيت في سوس العالمة 124 وكذا في 178.
(3) هو الأستاذ الحسن طالبون وقد قدمه لنيل دبلوم الدراسات العليا من دار الحديث بإشراف أستاذنا الدكتور الراجي التهامي الهاشمي.(1/204)
وهذه الافتتاحية مأخوذة بالنص من شرح الخراز السابق القصد النافع، وقد نقلها كما هي مع بعض الإسقاط اليسير من ألفاظها، دون أن ينبه على ذلك، وتستغرق نحو أحد عشر سطرا إلى قول الخراز: وغير ذلك من أصولها وفصولها(1). ثم قال الكرامي:
قال الفقيه النحوي اللغوي العروضي أبو الحسن علي بن محمد الشهير بابن بري رضي الله عنه ووصل كرامته: الحمد لله الذي أورثنا... ابتدأ المصنف كلامه بالحمد تأسيا بكتاب الله تعالى لأنه مبتدأ بالحمد...
وقد شرح أبيات مقدمة الأرجوزة واحدا واحدا يذكر المعنى العام بإيجاز إلى أن بلغ أول باب من الأصول، وهو باب التعوذ فقال: وفي هذا الباب عشرة فصول: في معنى التعوذ لغة، وفي معناه اصطلاحا، وفي الأصل فيه، وفي حكمه، وهل هو واجب أو ندب؟ وهل ألفاظ التعوذ محصورة أم لا؟ وفي المختار من ألفاظه، وفي محله، هل قبل القراءة أو بعدها؟ وهل يجهر به أو يسر؟ وفي فائدته، وفي صيغة النطق مع البسلمة، وكلها مركبة عن كلام المصنف...
ثم أخذ في بسط الأجوبة، وهكذا التزم على طول الشرح أن يقسم كل باب إلى عشرة فصول هي عبارة عن المباحث التي يثيرها لبيان ما تضمنه كلام ابن بري، إلى أن استوفى قسم الأصول، ثم انتقل إلى ذكر الفرش، ثم مخارج الحروف والصفات.
أما نقوله فكثير منها عن أبيه المعروف عند القراء بسعيد أكرامو، ونقوله عنه تارة بتسمية كتابه، وتارة دون ذلك. كقوله في ذكر ترجمة أبي الربيع شيخ ابن بري: قال الشيخ أبي - رحمه الله -، وربما قال: أحيانا: قال الشيخ أبي في شارح التحفة(2)، أو قال شارح التحفة دون ذكر أبيه(3).
__________
(1) يمكن المقارنة بين مقدمته وبين مقدمة القصد النافع للخراز كما ذكرناها في صدر هذه القائمة من الشروح؟
(2) ينظر مثلا ما ذكره في باب الصفات قبل الخاتمة بقليل.
(3) ينظر باب الاختلاس وباب الراءات(1/205)
وباقي نقوله في الغالب عن ميمون الفخار(1) وأبي عبد الله الخراز ويذكره باسم الشارح، كما ينقل كثيرا عن ابن القصاب، وعلى الأخص في مخارج الحروف والصفات، وذلك من كتابه تقريب المنافع، ولعل التقسيم الذي اعتمده في مباحثه العشرة في كل باب إنما استقاه كما تقدم من طريقة ابن القصاب في هذا الكتاب.
ثم ختم شرحه بقوله: قال الشارح: ومن أدغم ما يجب إظهاره أو أظهر ما يجب إدغامه، فقد لحن وأخطأ، وقد قرأ القرآن بغير ما أنزل، لأنه خرج عن لغة العرب، ثم قال:
قال يحيى بن سعيد السملالي الكرامي : انتهى وكمل ما قصدته من بيان معاني كتاب البرية وتقريب فوائدها، في صفر عام 893، ثم ختم بالدعاء(2).
وقد عني بعض العلماء بوضع طرر على هذا الشرح سيأتي ذكرها بحول الله.
19- معونة الصبيان على الدرر اللوامع لأبي عثمان سعيد بن داود بن سليمان بن الحاج الجزولي الكرامي السملالي من بيت الكراميين أيضا من بني عمومة يحيى صاحب التحصيل وليس بوالده كما توهم ذلك بعض من كتبوا في الموضوع، وإنما هو معاصر له(3)، وقد ترجم له محمد المختار السوسي ولم يذكر له بنوة أو أبوة ليحيى ولا لسعيد أبيه المعروف بأكرامو(4).
وقد وقفت على هذا الشرح مرارا، ويذكر في بعض نسخه باسم إعانة الصبيان، وفي بعضها معين الصبيان(5). وأوله قوله: الحمد لله حمدا دائما متصلا لا انقطاع له...
__________
(1) نقل عته في باب الراءات عند ذكر ارم ذات العماد وفي باب الوقف بالروم والإشمام وعند ذكر ياء محياي.
(2) يمكن الرجوع إلى نسخه، ومنها ست نسخ بالخزانة الحسنية بالرباط مذكورة أرقامها بفهرس مخطوطات الخزانة مجلد 6/52ومن أهمها المسجلة تحت رقم 8248 وهي بخط مسعود بن سعيد التامري فرغ منها في شهر ربيع الأول عام 994.
(3) القراء والقراءات بالمغرب للأستاذ سعيد أعراب 30.
(4) سوس العالمة 178.
(5) جاء باللفظ الأخير في فهرسة الخزانة الحسنية برقم 6035 في مجموع (4).(1/206)
وهو في الجملة شرح بسيط يكتفي بحل معاني ألفاظ ابن بري، إلا أنه يكثر من النقل عن أبي وكيل ميمون الفخار من أرجوزته تحفة المنافع حيث كاد يستغرق النقل عنها كل أبوابه، كما ينقل أحيانا من شرح أبي عبد الله الخراز.
20- العقد الجامع للدرر اللوامع في مقرأ الإمام نافع: لأبي الحسن علي بن عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن السراج المالكي السجلماسي، ولد مؤلفه بتافلالت من أعمال سجلماسة، وتعلم بها، وله رحلة إلى المشرق دخل فيها مصر سنة 1043 هـ فأقام بها مدة، ثم رحع واستقر بفاس مدة، ثم انتقل إلى الجزائر ومات بها سنة 1054 عن مؤلفات كثيرة في فنون من جملتها شرحه المذكور على أرجوزة ابن بري(1) وقد نسب شرحه هذا خطئا في بعض الفهارس إلى الشيخ ابن عاشر عبد الواحد بن أحمد الأنصاري مع أن محرر الفهرسة المذكورة قد أشار إلى مخطوطته المحفوظة في مجلد ذكر أنه بخط مغربي كتب سنة 1084هـ، وهو موجود بمكتبة الإسكندرية بمصر تحت رقم 522د(2)، وقد ذكره غيره على الصواب وأشار إلى نسخته المذكورة(3).
21- شرح على الدرر اللوامع لأبي الحسن علي بن محمد الهداجي الدراوي نسبة لوادي درا بالصحراء:
ترجم لمؤلفه اليفرني في صفوة من انتشر، وقال بعد ذكر اسمه ونسبه كان رحمه الله عاملا بعمله، متضلعا بعلم المعقول والعربية، عارفا بفن القراءات، دؤوبا على تعليم الناس...(4).
وهذا الشرح ذكره به بعض الباحثين وذكر وفاته سنة 1006هـ(5)
__________
(1) يمكن الرجوع إلى ترجمته في صفوة من انتشر لليفرني 135 وتعريف الخلف برجال السلف للحفناوي 2/73-74 والأعلام للوركلي 4/309.
(2) الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط 2/507.
(3) الدكتور مصطفى الصاوي الجويني في أعلام الدراسات القرآنية 346.
(4) صفوة من انتشر 8.
(5) سعيد أعراب في دعوة الحق لعدد 273 السنة 1989 ص 159.(1/207)
22- الفجر الساطع، والضياء اللامع في شرح الدرر اللوامع لأبي زيد عبد الرحمن بن القاسم المكناسي ثم الفاسي المعروف بابن القاضي شيخ الجماعة بفاس (ت 1082).
وهو من أحفل الشروح الموضوعة على الدرر اللوامع وأوعبها للفوائد والنقول والإشارات إلى المصادر الموجودة والمفقودة، وقد كاد يستوعب ما ذكره المنتوري، وبذلك يعتبر بحق أكبر موسوعة في قراءة نافع في المدرسة المغربية، وقد قام أخيرا بتحقيقه بعض طلاب الدراسات الإسلامية من دار الحديث بالرباط(1).
وأما مخطوطته في الخزائن ممومورة، وقد وقفت منها على عدد مهم، وخاصة التي كتبت في حياة مؤلفه، وهي مخطوطة بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم 989(2).
__________
(1) حققه الأستاذ أحمد البوشيخي تحت إشراف شيخنا الأستاذ الدكتور التهامي الراجي الهاشمي لنيل دبلوم الدراسات العليا من دار الحديث الحسنية، وقد نوقش أخيرا في أواخر سنة 1991م.
(2) تقع النسخة المذكورة في 534 لوحة بخط مغربي بقلم محمد بن عبد الكريم الفلالي، وكان فراغه من نسخها في صبح يوم الجمعة من ذي القعدة عام 1078 وكتبها من نسخة المؤلف كما ذكر.(1/208)
وأوله قوله: الحمد لله الذي جعلنا من حملة كتابه الكريم، وشرفنا بأن جعلنا بعد التعلم من أهل التعليم، ونسأله تعالى الهداية إلى الصراط المستقيم... وبعد فإن من أجل ما استعمل المرء فيه نفسه، وأشغل فيه يومه وأمسه، كتاب الله تعالى المجيد، الذي هو تنزيل من حكيم حميد، وأهم معارفه وأحقها بالتقديم، ضبط حروفه بالإتقان وتجويدها، وإعطاء كل واحد منها حقه من التعظيم، ووضع الناس على ذلك قديما وحديثا كتبا شتى، وكل واحد يتكلم ويعبر في علمه وأعلامه حتى(1)، وكان من أجل ما ألف في هذا الشأن أرجوزة الإمام العالم العلم في العلوم الكاملة أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن محمد المعروف بابن بري، فاشتغل الناس بقراءتها والاعتناء بحفظها وفهمها، فانتهزت نفسي لوضع شرح عليها يكون إن شاء الله تبصره للمبتدئين، وتذكرة للعالمين، والله أسأل النفع به كما نفع بأصله، فإنه ولي ذلك والقادر عليه، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ثم قال: وسميته بالفجر الساطع، والضياء اللامع، في شرح الدرر اللوامع، وها أنا أشرع بحمد الله في المراد، وعلى الله التكلان والاعتماد، مبتدئا بالتعريف به فأقول: والله يبلغ المأمول:
ثم بدأ بالترجمة لأبي الحسن بن بري وذكر مؤلفاته وذكر إجازته النظمية لبعض تلامذته كما نقلناها عنه، وأعقب ذلك بالشروع في المقصود بشرح مطلع الأرجوزة، ثم سار في ذلك إلى نهايتها.
وقد فرغ ابن القاضي من تأليفه كما ذكر في آخره في ليلة القدر عام ألف وواحد وأربعين بمدينة فاس، ويمتاز ابن القاضي في شرحه عن عامة الشراح بذكر ما عليه العمل في الأداء في المواضع التي قرئت بأكثر من وجه في روايتي ورش وقالون، ومن ذلك قوله عند قول ابن بري وقف بنحو سوف ريب عنهما: تنبيه، المختار من هذه الأوجه التوسط كما عند الداني، وبه الأخذ عندنا بفاس في المهموز وغيره.
__________
(1) كذا في جميع النسخ التي وفقت عليها.(1/209)
ومن ذلك ما ذكره في باب الراءات عند ذكر الخلاف في فرق أي: بين من رقق ومن فخم لورش قال: قال الحلفاوي: وبالوجهين جمعت للجماعة على سيدي أبي عبد الله(1)، ولم ألتفت إلى ترجيح الترقيق عملا على نص الدرر والحرز والإيجاز، فأمرني رحمه الله بتقديم التفخيم عملا على نص الجامع(2)، لأنه ذكر فيه التفخيم ثم الترقيق - انتهى، ثم قال ابن القاضي: قال الأزروالي(3):
"وقد جمع للجماعة بالوجهين عملا على نص الدرر والحرز والإيجاز" انتهى. قال: "والأخذ عندنا بفاس بالترقيق".
وقد استفدت من هذا الشرح في هذا البحث استفادة كبرى في أكثر أبوابه ومباحثه.
23- شرح الدرر اللوامع للشيخ أبي العباس أحمد بن محمد بن مسعود بن عبد الواحد الزناتي الشهير بالحصار":
ولم أر من ذكر هذا الشرح غير أبي زيد ابن القاضي، وكان حقه أن يذكر قبل شرحه لتقدمه فيما يبدو عليه، ولكني لم أقف على ترجمته وتاريخ وفاته.
وقد نقل عنه نص الإجازة النظمية التي ذكرنا في ترجمة أبي عمرو بن أحمد الميمون الفشتالي من أصحاب أبي الحسن بن بري، وعقب على هذا النقل بقوله: "صح من شرح الشيخ أبي العباس أحمد... وذكره".
24- شرح الدرر اللوامع للشيخ أبي محمد صالح بن إبراهيم بن عبد المومن بن عبد الله الحسني الصبيحي الدرعي (ت 1096) صاحب زاوية "تامنوكالت" بمنطقة لكتاوة بوادي درعة.
__________
(1) هو محمد بن سليمان القيسي شيخ أبي يعقوب الحلفاوي كما تقدم عند ذكر شرح الحلفاوي للدرر اللوامع.
(2) المراد جامع البيان في القراءات السبع للداني.
(3) هو محمد بن عبد الرحمان الأزروالي من أصحاب أبي عمرو عثمان بن عبد الواحد اللمطي صاحب ابن غازي له تأليف في العشر الصغير سماه تقريب النشر في طرق العشر (مخطوط خ ح برقم 1611). وسيأتي.(1/210)
ترجم لمؤلفه الشيخ المهدي بن علي الصالحي في "أعلام درعة" وذكر أن مؤلفاته في القراءات تعد بالعشرات، وساق من بينها شرحا له على "مورد الظمآن"، وشرحا على "الدرر اللوامع" لم يتمه(1).
25- شرح الدرر اللوامع لأحمد بن القاسم المغراوي:
ذكره بعض الباحثين وقال: "شرح مخطوط ضمن مجموع بخزانة المسجد الأعظم بتازة... فرغ منه عام 1117هـ"(2).
26- الروض الجامع في شرح الدرر اللوامع لأبي سرحان مسعود بن محمد جموع السجلماسي (ت 1119هـ)
ومؤلفه من أعلام أصحاب أبي زيد بن القاضي، وله مؤلفات منها "كفاية التحصيل في شرح تفصيل عقد الدرر لابن غازي في قراءة نافع" – كما سيأتي – ومنها "منهاج رسم القرآن في شرح مورد الظمآن" كما تقدم، ومنها هذا الشرح القيم المسمى بـ "الروض الجامع"، وذكر في بعض مخطوطاته باسم "الجامع" فقط، ولعله من بعض النساخ، وقد وقفت منه على مخطوطة قيمة بمدينة الصويرة(3)، كما وقفت عليه في مخطوطة الخزانة الحسنية بالرباط المسجلة تحت رقم 119، وهي بعنوان "الجامع"(4).
ويمتاز هذا الشرح بضمه إلى ما ذكره ابن بري من الروايتين عن نافع عن طريقي الأزرق والمروزي باقي الطريق العشر كما أشار إلى ذلك في مقدمته التي جاء فيها قوله:
"الحمد لله الذي من علينا بحفظ كتابه(5)، وهدانا بمحص فضله من بعد التعلم إلى تعلميه والصلاة والسلام على سيدنا محمد نور هدايته، وعلى آله وصحبه السالكين سبيل محبته".
__________
(1) أعلام درعة للمهدي بن علي الصالحي 9-10 الطبعة 1 السنة 1394هـ 1974م.
(2) الأستاذ محمد بن أحمد الأمراني في بحثه عن ابن بري – مجلة الإحياء المجلد 6ح 1/119.
(3) في خزانة الشيخ الأستاد أحمد بن الكونطري.
(4) رقمها بالخزانة 119 وتاريخ نسخها 1249.
(5) هذه الافتتاحية مخالفة لمخطوطة خزانة تطوان رقم 103م ففيها "الحمد لله الذي أنزل على عبده محمد.(1/211)
وبعد، فلما كانت الأرجوزة المسماة بـ "الدرر اللوامع" من أجل ما صنف في مقرإ نافع، وقد اشتغل الناس بقراءتها والاعتناء بفهمها، أردت أن أقيد عليها - إن شاء الله - شرحا مختصرا يحل ألفاظها ويبين معانيها تبركا بسلفها، وتيمننا ببركة مؤلفها، وبعد حل مقاصدها أذكر من بقي من رواة إمامها تكملة وتحصيلا للطرق العشرين لمن أراد جمعها من الإخوان، ائتساء بسلفنا أهل الهمم العالية، ومن الله أسأل الإعانة والتوفيق إلى سواء الطريق.
وسميته بـ"الروض الجامع، في شرح الدرر اللوامع"، وها أنا أشرع بحول الله في المراد مبتدئا بتعريف الناظم، فأقول: هو الشيخ الفقيه الأكمل الراوية المتقن البليغ الكاتب البارع...
وبعد ترجمة الناظم أخذ في شرح الأبيات مترسما للمنهج الذي ذكره في حل معانيها وذكر ما فيها من إشارات إلى مسائل الوفاق والخلاف، ثم يثني بذكر باقي الطرق عن نافع، ثم يعزز ذلك بالنقول المستفيضة.(1/212)
ففي الافتتاحية مثلا نجده ينقل عن أبي داود سليمان بن نجاح في فهرسته، وعن ابن المجراد، والقسطلاني في "لطائف الإشارات"، وأبي الحسن القابسي في "كتاب المعلمين والمتعلمين"، وعن ابن الباذش في "الإقناع" وعن أبي عمرو الداني في "كتاب التحديد"، وعن الحافظ أبي العلاء الهمداني، وعن "الاتقان" للسيوطي و"الدر المنثور" له، وعن "طبقات القراء" لأبي عمرو الداني"، وكل هذه النقول في نحو الورقتين فحسب من الافتتاحية، وفي باب البسملة أيضا ينقل عن الحامدي في "أنوار التعريف"(1)، وعن الجعبري وعن التلخيص للداني والتيسير وإيجاز البيان له، وعن صاحب الهداية(2) و"المفيد"(3) وحرز الأماني، وعن شيخه أبي زيد بن القاضي وعن ابن غازي في "إنشاد الشريد" وعن النشر لابن الجزري، والتمهيد للداني، والمجاصي في شرح الدرر اللوامع، والحلفاوي في شرحه أيضا... إلخ.
وهكذا في سائر الأبواب يعزز كل حكم بطائفة من النقول، وخاصة من كتب أبي عمرو الداني، ثم يتبع ذلك بما يراه مناسبا من النقول نظما ونثرا، وخاصة الأبيات التي نظمها شيخه أبو زيد بن القاضي وذكرها في "الفجر الساطع"، كما ينقل بكثرة عن القيسي في "الميمونة الفريدة"، وأحيانا يذكر بعض الأبيات من منظوماته كقوله في باب "الإظهار والإدغام": وفي ذلك قلت:
ودال صاد من هجاء مريم ... أدغم لشام ثم حسن (ك) لم
وضع لهم شدا في ذال "ذكر" ... والنص معدوم فحقق أمري
ونون ياسين لشام أدغمن ... ولعلي ثم لورش اعلمن
ثم لشعبة وذا الحكم عرف ... مع غنة كذا في "نون" قد ألف
ولا تضيع شدا لهم في ضبطه ... كما في تنوين لفقد نونه
وقال عند ذكر الخلاف في "التوارية" لقالون: وفي ذلك قلت:
__________
(1) هو أحد الكتب المؤلفة على تفصيل درر ابن بري لابن غازي وسيأتي في فصل التعريف به.
(2) يعني أبا العباس المهدوي وقد تقدم ذكرها له في ترجمته.
(3) هو لأبي محمد بن عبد الوهاب كما تقدم ذكره في ترجمته.(1/213)
"وجهلن في "التراية" قل للمروزي ... وصدرن فتحا له عن مبرز
وقد ختم الشرح بنقل عن الجعبري قال فيه: "فهذا القدر المذكور في "التقييد" من المخارج والصفات كاف للطالب إذا وفقه الله تعالى لفهمه، ومرشد للمرتقي منها إلى درج الكمال" انتهى. ثم قال: وهذا آخر ما يسر الله جمعه من هذا الشرح المختصر على كتاب الدرر، والله أسأل أن ينفع به كما نفع بأصله... ثم قال: قال مفيده مسعود بن محمد جموع: كان الفراغ منه عام 1112هـ ختم الله لنا بالشهادة، وجعلنا من الذين أحسنوا الحسنى وزيادة(1).
27- شرح الدرر اللوامع لأبي عبد الله محمد بن الحاج التلمساني نزيل تازة:
__________
(1) كذا قال، وهذا يوهم أن الحسني مفعوله به لأحسنوا، وهو بعيد، وإنما "الحسنى" مبتدأ وخبره متعلق الجار والمجرور قبله أي (للذين أحسنوا". ولا يبعد أن يكون هذا الخطأ من النسخ).(1/214)
ومؤلفه من أهل المائة الثانية عشرة، ذكره تلميذه محمد بن عمر بن أبي محمد الهواري(1) في أول كتابه "تهذيب رسم الأئمة السبعة من طريق التيسير والشاطبية" فقال: "وأعتمد في هذا الرسم على الإمامين الحافظين: الأول الإمام المدرس المحقق المتقن المجود العارف بأداء التلاوة وأحكام القراءة المتفنن في علوم شتى، المرحوم بكرم الله سبحانه، شيخنا وقدوتنا ومقرئنا سيدي محمد بن الحاج التلمساني – غفر الله له، وأسكنه الجنان بمنه - كان رحمه الله - له اعتناء بالتجويد والتدريس بمدرسة تازة، وكان مقدما على غيره لقوة حفظه، وكنت مقيما عنده بـ "الزاوية الناصري" بالمدينة المذكورة، معتكفا على قراءة الجماعة، ملازما له حتى نلت المطلوب... ثم ذكر المؤلف أنه كان يستخلفه في المدرسة للقراءة مع الطلبة كلما عرض له سفر طويل، وذكر من أمثلة هذا السفر سفره إلى بني توزين عند الشيخ عبد الرحمن بن أحمد التوزيني عام 1156.
__________
(1) سماه الأستاذ أعراب محمد بن محمد الهواري الوطاوي - القراء والقراءات بالمغرب 134، وسماه واضع فهارس الخزانة الحسنية الأستاذ محمد العربي الخطابي محمد بن عمار الهواري، إلا أنه عاد فقال لعله محمد بن شعبان - يريد ابن سفيان - المتوفى سنة 415 "(فهرس م خ ح 6/78). ولعل الصحيح ما أثبته نقلا عن مخطوطة كتابه "تهذيب رسم السبعة""، وهو صاحب أرجوزة تحفة المشتاق المنسوبة خطئا أيضا لمحمد بن شعبان كما في فهارس م خ ح 6/55 ورقمه بها 7164 وقد وقفت عليها بالخزانة المذكورة.(1/215)
أما الشيخ الثاني الذي ذكر الهواري اعتماده عليه في الرسم فهو أبو زيد عبد الرحمن بن إدريس الحسني المنجرة بمدينة فاس(1).
ولم أقف في التأليف المذكور على ذكر لهذا الشرح المنسوب إلى شيخه، ولكني رأيت بعض الباحثين ذكره له(2)، ولم يشر إلى مصدره أو موضع وجوده.
28- شرح الدرر اللوامع أو "النجوم الطوالع في شرح الدرر اللوامع" لإبراهيم بن أحمد بن سليمان المارغني التونسي المفتي، المالكي بالديار التونسية وشيخ القراء والمقرئين بالجامع الأعظم (الزيتونة) (ت 1349هـ) وشرحه مشهور، وقد فرغ منه مؤلفه كما ذكر في آخره عشية يوم الجمعة 24 جمادى الثانية عام 1320هـ، وأجازته النظارة العلمية عليه بالجامع الأعظم بتونس في ذي القعدة من عام 1321 بتوقيع أربعة من العلماء(3). وقد طبع مباشرة بعد هذه الإجازة، ثم أعيد طبعه مرة أخرى(4).
ولتقدم طبعه على غيره من الشروح فإنه متداول في الأيدي، ومستعمل أيضا في تدريس هذه الأرجوزة، وأول شرحه قوله: "الحمد لله الذي اصطفى حملة كتابه من عباده، وجعلهم أهله وخاصته..."
__________
(1) تهذيب رسم الأئمة السبعة، وقفت عليه في خزانة السيد أحمد اعوينات بالرباط، ومنه نسخة بالخزانة الحسنية بالرباط برقم 3008، وقد رأيت أبا محمد الراضي بن عبد الرحمن السوسي يذكر في كتابه في رسم السبعة غير نافع عن محمد الهواري هذا أنه "أحد أكثر من اعتنى بالرسم بعد شيخ الجماعة ابن القاضي.
(2) الأستاذ سعيد أعراب - دعوة الحق العدد 273 السنة 1989م ص 161.
(3) النجوم الطوالع بآخر الطبعة الحالية 228-229 .
(4) طبع أولا بالمطبعة العمومية بالحاضرة التونسية سنة 1321هـ، ثم أعيد طبعه في شهر رجب عام 1354هـ وبهامشه مجموعة من الرسائل للمارغني وشيخه محمد بن يالوشة التونسي 1314، ويقع الشرح والفهارس في 239 صفحة، وقد صدرت منه طبعات أخرى مصورة بدار الكتاب بالدارالبيضاء.(1/216)
ومما قال في بيان مقصده من التأليف: "فدعاني رجاء ثواب من سعي في نفع المسلمينن عند الله في الآخرة، وخدمة القرآن وأهله... إلى أن شرحتها شرحا لا مطولا مملا، ولا مختصرا مخلا، أوردت فيه ما تحتاجه من حل ألفاظها ومعانيها، مع بيان ما به العمل والقراءة عندنا من المذكور فيها، ذاكرا للوجه المقدم في الأداء من وجهي أو وجوه الخلاف المعول عليه، آتيا بتنبيهات تشتمل على ما تتأكد حاجة الطالبين إليه، معرضا عن النقول الضعيفة وكثرة التعاليل، تاركا للإعراب البيّن، إذ الاشتغال به من التطويل، محررا لمسائل لم أر من تعرض لتحريرها على نحو ما ذكرته، رادا لما ذكروه في بعضها مما هو مخالف لما حررته، ولا يستغرب صدور ذلك من أمثالي، مما كان حاله في القصور كحالي..."
29- إتحاف الطالب القانع، بفهم معنى النظم المسمى بالدرر اللوامع "لمحمد بن الحسين العرائشي":
ومؤلفه كان موقت الجامع الكبير بمكناس، وكان له باع في عدد من العلوم توفي في 9 شوال سنة 1351هـ -1932(1).
وقفت على مصورة من مخطوطة له في 84 صفحة من القطع المتوسط(2)، وأوله قوله:
"الحمد لله الذي أورثنا كتابه المجيد، وأمرنا بتلاوته مع الترتيل والتجويد، أحمده سبحانه وتعالى ولا يفي أحد بالواجب له من التمجيد والتحميد... إلى أن قال:
__________
(1) ذكره الأستاذ عبد الله الجراري في كتابه "التأليف ونهضته بالمغرب في القرن العشرين" 142.
(2) أعارني إياها صاحبها السيد عبد الرحمن بائع الكتب بمكتبة منار العرفان بالرباط جزاه الله خيرا.(1/217)
"وبعد فقد عنّ لهذا الفقير المقرّ بالعجز والتقصير محمد بن الحسين العرائشي ثم المكناسي - غفر الله له ذنبه وستر عيبه بفضله وكرمه - أن أقيد تقييدا لطيفا ظاهر المعنى صغير الحجم، سهل المبنى محاذيا للنظم المسمى بالدرر اللوامع في أصل مقر الإمام نافع، يفهم به معناه من غير حشو في الكلام، ولا كثرة الأنقال، إلا ما لابد منه مما يتوقف عليه فهم النظم المذكورة، غير أني أذكر من الأمثلة ما وجدت وحضرني، لأن كثرة الأمثلة تفيد الطالب تمكنا من القواعد، وسميته إتحاف الطالب القانع، بفهم معنى النظم المسمى بالدرر اللوامع، والحامل لي على ذلك أني رأيت أبناء الزمان قد أعرضوا عن هذا الشأن إعراضا كليا حتى صار في خبر كان، مع أنه من الأمور التي هي من المهمات التي يجب الاعتناء بها لتصحيح أم العبادات، وسيدة القربات، التي لا تقبل قرية إلا بعد قبولها، ولا ينظر للعبد في فريضة ولا نافلة إلا بعد تمامها بفصولها،... قال: "وقد صار الناس اليوم يجودون على مقتضى طبائعهم، واتباع أهوائهم، فيمططون القراءة ظنا منهم أن ذلك هو التجويد فيمدون ما لا يمد، ويدغمون ما لا يدغم، ويفخمون ما لا يفخم، إلى غير ذلك من غير معرفة شيء من أحكام القراءة، مع أن ذلك ليس من التجويد في شيء، فلقد سمعت بعض أعيان الأئمة الذين يصلون بالناس يمد الألف من "الرحمن" مدا مشبعا، وكذلك الألف من "إياك نعبد"، والألف الموقوف عليها في رؤوس الآي...(1/218)
وقد تطرق بعد هذه المقدمة الطويلة إلى شرح أبيات "البريّة" ملتزما بما ذكره من الاقتصار على حل أبياتها، ولذلك كان خاليا من النقول عن الأئمة، إلا في القليل. وقد ختم شرحه بقوله في ختام أرجوزة ابن بري وذيلها في المخارج والصفات: "ومن لا يدري هذه الصفات لا يدري حقيقة الإدغام، ومن أدغم ما يجب إظهاره، أو أظهر ما يجب إدغامه فقد لحن وأخطأ، وقرأ القرآن بغير ما أنزل، لأنه خرج عن لغة العرب، والله سبحانه أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".
30- شرح الدرر اللوامع غير مذكور المؤلف، مخطوط بخزانة ابن يوسف بمراكش برقم 163(1).
31- مجموعة تقاييد على الدرر اللوامع لأبي عبد الله محمد بن الحسين بن محمد النيجي الأوربي الشهير بالصغير (ت 887هـ) وهو من شيوخ أبي عبد الله بن غازي - كما سيأتي -، وقد ذكر في فهرسته ما يدل على وجود هذه التقاييد أو أكثرها في يده: فقال عند ذكر "الدرر اللوامع": "عرضتها عليه من صدري في مجلس واحد بعد ما قرأناها عليه قراءة تحقيق وتدقيق واستكثار، بنقول أئمة هذا الشأن متقدميهم ومتأخريهم، وقيدت عنه عليها نكتا تلقاها من شيوخه، ومباحث من بنيات فكره لم يسبق إليه غيره، ولا ألمّ بها أحد من شارحيها، فلو كانت لي همة باعثة الآن لجمعتها في كتاب لم ينسج على منواله"(2).
ويظهر أن هذه التقاييد كانت بأيدي غير ابن غازي أيضا من أصحاب الصغير، فقد نقل عنها غير واحد من المتأخرين كابن القاضي ومسعود جموع في باب التعوذ وفي ذكر هاء التأنيث وغيرهما من شرحيهما السابقين.
32- حاشية على الدرر اللوامع لابن بري غير مذكور مؤلفها، مخطوطة بخزانة ابن يوسف بمراكش برقم 366، جاء ذكرها في فهرستها.
33- الطرر الفاسية على الدرر اللوامع:
__________
(1) مذكور في فهرسة الخزانة المذكورة، وأشار إليه جامع "الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي 2/741"
(2) فهرسة ابن غازي 41.(1/219)
ذكرها الشيخ المقرئ عبد العزيز بن الحسن بن يوسف بن مهدي الزياتي في كتابه "نفائس الحلي، في قراءة ابن العلا"(1) كما أشار إلى ذلك بعض الباحثين(2).
34- تقييد على الدرر اللوامع لعبد الرحمن بن محمد الوداني:
وقفت علليه بخطه في مجموع، وقد قيده لنفسه بتاريخ 8 صفر عام 1207هـ، وذكر في مكان آخر من المجموع أنه كان مشارطا في مسجد آل زاوية سيدي وكاك - يعني بأكلو بسوس - وكان ابتداء ذلك من شهر ذي القعدة عام 1210هـ(3).
35- تقييد على الدرر اللوامع لأبي القاسم بن درى الشاوي الأصل المكناسي مولى السلطان مولاي إسماعيل العلوي، وتلميذ الشيخ المقرئ الكبير محمد بن عبد الرحمن بصري شيخ الإقراء بمكناس لهذا العهد، وله إجازة عنه بالغ فيها الشيخ في الثناء وذكر حذقه ورسوخ قدمه في القراءات وحفظ الأمهات فيها، ذكره ابن زيدان في الإتحاف وفصل مشيخته، وذكر أن "من تآليفه العديمة المثال في بابها" شرح الهمز والكنز والحرز، وتقييد على ابن بري وغير ذلك"، وذكر وفاته عام 1150هـ(4).
36- حاشية على الدرر اللوامع للشيخ أبي العلاء إدريس بن محمد الحسني الشهير بالمنجرة (ت 1137هـ)
__________
(1) نفائس الحلي تأليف قيم في قراءة أبي عمرو بن العلاء فيما خالف فيه الإمام نافعا من روايتي ورش وقالون "يقع في نحو 70 ورة، وقفت عله مخطوطا عند السيد أحمد اعوينات بالرباط أوله "الحمد لله الذي أنزل القرآن هدى ورحمة وشفاء لما في الصدور، وشرف به حامله..."
(2) الأستاذ سعيد أعراب في "القراء والقراءات بالمغرب 30"
(3) المجموع في الخزانة الوقفية بآسفي بغير رقم.
(4) الإتحاف 5/646-541.(1/220)
جاء ذكرها عرضا في السلوة في ترجمة أبي عبد الله محمد بن أبي جمعة الهبطي صاحب تقييد الوقف المشهور قال: "وذكر لي بعض من يوثق به من نجباء الطلبة أنه رأى في حاشية للشيخ سيدي إدريس بن محمد المنجري على ابن بري في علم القراءات "أن صاحب " تقييد وقف القرآن "هذا مدفون داخل باب الفتوح"(1).
37- تبيهات ومسائل مقيدة على ابن بري غير مذكور مقيدها:
ذكر في فهارس الخزانة الحسنية بالرباط 6/60 ورقمها بالخزانة 6512.
شروح وحواش صحراوية موريتانية:
38- إرشاد القاري والسامع، لكتاب الدرر اللوامع لأبي العباس أحمد بن الطالب محمود بن عمر إيدوعيشي ويقال له أيضا أحميدتي (ت 1257هـ).
فرغ من تأليفه عام 1230هـ، ذكره له الأستاذ الخليل النحوي في جملة مؤلفات في فنون مختلفة(2). وعرف به بعض الباحثين فقال: "وهذا الشرح شرح مختصر يكتفي ببسط معاني الأبيات، وتقديم بعض التعريفات بالأحكام، كما أنه قليل النقل عن المصادر والشروح، واعتماده فيه بكثرة على شيخ له يدعى ابن الحاج، كما ينقل عن "تفصيل العقد" لابن غازي(3). و"الأرجوزة المنبهة" لأبي عمرو الداني وبعض مؤلفات أبي زيد ابن القاضي(4).
__________
(1) سلوة الأنفاس للكتاني 1/268-269.
(2) كتاب بلاد شنقيط - المنارة والرباط للأستاذ الخليل النحوي 545.
(3) في الأصل "لابن بري" وهو سبق قلم، والصواب ما أثبتناه، وسيأتي ذكر تفصيل العقد في ترجمة ابن غازي.
(4) المدرسة القرآنية بالمغرب والأندلس في القرن الثامن الهجري 1/134 وهو رسالة دبلوم للأستاذ عزوزي حسن قدمها لنيل هذه الشهادة من كلية آداب الرباط بإشراف الأستاذ الدكتور التهامي الراجي الهاشمي.(1/221)
وتوجد من هذا الشرح نسخة خطية بالخزانة الحسنية بالرباط تحت رقم 10180 وأخرى بدار الكتب بالقاهرة برقم 6 ش(1). وفي أوله يقول: "أما بعد فيقول العبد الفقير إلى مولاه الغني... هذا تعليق لطيف على "الدرر اللوامع" لخصته من "كتاب تحصيل المنافع"(2)، ومن تعليق على الدرر لشيخنا عبد الله بن أحمد بن الحاج..."(3).
39- تعليق على الدرر اللوامع للشيخ عبد الله بن الحاج حماه الله الغلاوي (ت 1209): هو صاحب التعليق الذي تقدم أنه ينقل عنه صاحب إرشاد القارئ المذكور قبله، وقد ذكره الأستاذ الخليل النحوي في جملة مؤلفاته، وجملتها سبعة وثلاثون تأليفا ما بين منثور ومنظوم(4).
40- البدر الساطع على الدرر للشيخ "الطالب عبد الله بن الحاج محمد الرقيق العلوشي (ت 1220) :
من الشروح المورياتنية أيضا، ذكره له بعض الباحثين في جملة تسعة مؤلفات في الفقه والنحو(5).
41- الغرر السواطع، على الدرر اللوامع "لعلي بن زيد العابدين الشنقيطي:
ذكره الأستاذ الخليل النحوي في طليعة المؤلفات المعتمدة في شنقيط في علوم القرآن الكريم ضمن المنهاج المتبع في "المحضرة"(6).
42- شرح الدرر اللوامع للإمام مالك بن أحمد الأفرم الجكني(7).
43- شرح الدرر اللوامع لمحمد بن أحيد بن سيدي عبد الرحمن المسومي(8).
44- شرح الدرر اللوامع لمحمد عبد الله بن أغشممت المجلسي(9).
__________
(1) نسخة دار الكتب مذكورة في (الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي 2/681 نقلا عن فهرستها 1/15).
(2) تقدم ذكره بين شروح الدرر اللوامع وهو ليحيى بن سعيد الكرامي السملالي.
(3) يمكن الرجوع إلى التعريف بهذه النسخة في فهارس الخزانة الحسنية لمحمد العربي الخطابي 6/26
(4) كتاب بلاد شنقيط المنارة والرباط 580.
(5) المصدر نفسه 578.
(6) بلاد شنقيط – المنارة والرباط 213.
(7) نفسه 546.
(8) نفسه 575.
(9) نفسه 590.(1/222)
45- تعليق على الدرر اللوامع لمحمد مولود بن أحمد فال اليعقوبي (ت1323)(1).
46- شرح "تحصيل المنافع" على ابن بري للشيخ أحمد ابن الشيخ محمد الحافظ (1325هـ)(2).
47- كنز المطالع في شرح ألفاظ الدرر اللوامع في مقرأ نافع للشيخ محمد حبيب الله بن ما يأبي الجكاني العلامة المعروف المتوفى بالقاهرة سنة 1364هـ(3).
48- شرح على الدرر اللوامع غير مذكور مؤلفه، في مكتبة سيدي محمد بن الشيخ أحمد بن سليمان(4).
49- تبصرة المبتدئين في الدرر اللوامع للشيخ محمد محمود بن محمد الأمين اللمتوني:
ومؤلفه من علماء هذا الشأن بموريتانيا، له مؤلفات في القراءات منها شرحه هذا، وكتاب "ثمرة الجوامع" في قراءة نافع، و"مقربة البعيد في قراءة نافع" وغيرها في القراءة والرسم(5).
50- شرح الدرر اللوامع لسيد محمد بن أجداد الموريتاني(6).
51- شرح الدرر اللوامع للشيخ عبد الله ابن الإمام(7).
52- شرح الدرر اللوامع لمحمد المصطفى بن أحمد معلوم(8).
53- المقول النافع، في شرح الدرر اللوامع، لمحمد أحيدين بن الطالب محمود العلوي (1978م):
وهو من آخر ما ألف على هذه الأرجوزة بموريتانيا، ويعمل في تحقيقه حاليا بعض الطلاب الموريتانيين(9).
__________
(1) نفسه 600.
(2) نفسه 559.
(3) نفسه 571.
(4) نفسه 155.
(5) نفسه 597.
(6) المدرسة القرآنية بالمغرب للأستاذ عزوزي حسن 1/137 (مرقونة بالآلة).
(7) المدرسة القرآنية 1/137.
(8) نفسه 1/137.
(9) يقوم بتحقيقه الطالب محمد بن سيدي محمد مولاي الموريتاني تحت إشراف الأستاذ الدكتور التهامي الراجي في رسالة دبلوم.(1/223)
هذه أسماء ثلاثة وخمسين تأليفا على هذه الأرجوزة ما بين شرح وحاشية، وهي ما تأتى لي حتى الآن التعرف على وجوده أو على ذكره كما سقته منسوبا إلى المصدر الذي ذكره، وهو عدد لا نحتاج معه إلى الإفاضة في القول عن مبلغ العناية بهذه الأرجوزة في جميع الأقطار المغربية الآخذة بقراءة نافع، ولاشك أنه قد فاتنا عدد آخر من الشروح والحواشي لم نتمكن من الوقوف على أخباره، وخاصة في المناطق الصحراوية وما يليها من البلاد التي أخذت بهذه القراءة كبلاد السينغال ومالي وغيرهما من الجهات.
الفصل الرابع:
امتدادات مدرسة ابن بري من خلال ما قام على
أرجوزته من استدراكات وتلخيصات وتكميلات
ومعارضات.
ولقد قام على هذه الأرجوزة نشاط علمي آخر لا يقل في أهميته وثرائه عن مجال الشرح والتقريب، وهو ما نلاحظه منذ ظهور أنماط من الأراجيز تضع نصب عيونها هذه الأرجوزة إما مستدركة عليها أو مختصرة لها أو مكملة لمقاصدها أو موسعة لما أجمل فيها أو محاكية أو معارضة، ونحن لا نطمع هنا في متابعة كل ما يدخل في هذا المعنى من إنتاج جادت به القرائح، فذلك فوق طاقتنا، ولكننا نريد أن نقدم مما تيسر لنا الوقوف عليه ما نرجو أن يكون كافيا وقادرا على أن يعكس لنا جانبا آخرا من جوانب إشعاع مدرسة ابن بري وصورا أخرى من صور تأثيره البليغ في مسار الإقراء والقراءة "الرسمية" في المغرب من زمنه إلى الآن.
وهذه آثار أخرى نضمها إلى ما قدمنا نبتدئها بذكر نماذج من الاستدراكات عليها، ونسلسلها مع الشروح في الترقيم، لأنها من صميم الأعمال التي انبثقت عنها وصبت في مسارها.
54- إصلاحات أبي عبد الله بن جابر الغساني المكناسي (ت 827):(1/224)
تقدم في ترجمة أبي عبد الله الخراز عند ذكر الذين استدركوا عليه في مورد الظمآن ذكر إصلاحات ابن جابر أو استدراكاته عليه التي تجاوزت المائة بيت، وقد فعل مثل ذلك بالنسبة لدرر ابن بري أيضا، إلا أني لم أقف على العدد الإجمالي لأبياته التي استدركها عليها، ولا أستبعد أن يكون قد كتب شرحا على الدرر ضمنه تلك الاستدراكات التي اعتاد الشراح أن يذكرونها باسم "إصلاحات ابن جابر".
-
فمن ذلك ما استدركه عليه في باب الهمزتين عند قوله:
فصل والاستفهام إن تكررا ... فصير الثاني منه خيرا
واعكسه في النمل وفوق الروم ... لكتبه بالياء في المرسوم
قال ابن جابر:
لكن ما قد جاء في الأعراف(1) ... والنمل(2) لا يدخل في الخلاف
لكَونه لا يقبل الإخبارا ... بالأول الذي أتى إنكارا
فقول ربي "أتأتون" اقتضى ... أن لا يبدّل ولا يعترضا
وما أتى في العنكبوت حكمه ... كحكم ما كرر خطّا رسمه
لأنه يقبل أن يستفهما ... بأول أو آخر أو بهما
فلفظه وخطه اقتضاه ... ولو أتى متحدا معناه(3)
- ومن ذلك ما وجد بخطه - كما نقله ابن القاضي - عند قوله في باب الإظهار والإدغام:
ويظهران "هل" و"بل" للطاء ... والظاء والتاء معا والثاء
والضاد معجما وحرف السين ... والزاي ذي الجهر وحرف النون
قال ابن جابر:
ومثله "بل ران" "بل ربكم" ... لنافع أيضا كذاك تدغم
لكن إذا تقدمت راء على ... لام فبالإظهار نافع تلا(4)
ومنه ما نقله ابن القاضي في هذا الباب أيضا فقال: "تنبيه"، وجد بخط الأستاذ أبي عبد الله بن جابر ما نصه:
ونحو "يغفر لي" و"يفعل ذلك" ... أظهره أيضا عنهما كذلك
__________
(1) يعني قوله تعالى: "أتاتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين، إنكم لتأتون..."
(2) يعني قوله تعالى: "أتاتون الفاحشة وأنتم تبصرون، أئنكم لتأتون...""
(3) نقله ابن القاضي في الفجر الساطع في باب الهمزتين، وكذا مسعود جموع في "الروض الجامع"
(4) نقله ابن القاضي ومسعود جموع أيضا.(1/225)
- ومن ذلك ما نقله عنه مسعود جموع في باب الإمالة عند قول ابن بري:
"إلا رؤوس الآي دون هاء" ... وحرف"ذكراها" "لأجل الراء"
... قال: قال ابن جابر:
لكن فتح ما أتى بالهاء ... منها هو المشهور في الأداء(1)
... - ومنه عند قوله في باب الوقف على المرسوم:
"فصل وكن متبعا متى تقف ... سنن ما أثبت رسما أو حذف
قال ابن جابر:
لكن إذا أدى اتباع الرسم ... إلى الخروج عن لسان القوم
كنحو "يدرؤا" و"قال الملؤا" ... فلسكون الهمز فيه يلجأ
وقف لنافع على "أيّامّا" ... بالوصل دون ما اقتضاه رسما
كذا أتى عنه بذاك النص ... وما سواه رسمه يقتص(2)
55- استدراك للشيخ عبد العزيز الرسموكي (ت 1065)(3)
وقفت على استدراكه هذا في مجموع عتيق بخزانة أوقاف آسفي العتيقة وهي غير مرقمة، وهو خاص بالإظهار والإنعام.
وهذا نص ما ذكره:
وهاك ما أغفله في "الدرر" ... من مدغم الإمام أو من مظهر
فالميم إن سكنت قبل الفاء ... أو واو أظهرها لدى الأداء
وأخفها من قبل با إذ شهرا ... وما تفاحش الذي قد أظهرا
والظاء والضاد لتاء أظهرا ... في "أوعظت" و"كخضتم" تظفرا
والراء واللام كـ "يغفر لكم" ... والحاء للعين كـ "فاصفح عنهم"
__________
(1) الروض الجامع في شرح الدرر اللوامع لمسعود بن محمد جموع (مخطوط).
(2) نقله ابن القاضي في الفجر الساطع عقب قول ابن بري: "واسلك سبيل ما رواه الناس..."
(3) ترجم المختار السوسي لأحد علماء سوس يظن أنه هو المراد فقال فيه: "عبد العزيز البرجي الرسموكي علامة كبير الشأن في التفنن والتاليف والتدريس والتخريج والإفتاء والفروسية وفي الأدب واللغة والتصريف وحسن أدائها، ممن أخذ عنهم اليوسي فخلد له وصفا جميلا في النجدة والفتوة، مدرس من مدرسة المولود ثم قاضي الجماعة بإيليغ، توفي 1065هـ - رجالات العلم العربي في سوس 35".
أما في المجموع الذي وقفت علي القطعة فيه فقد جاء ذكره بالاسم والنسب فقط "عبد العزيز الرسموكي".(1/226)
والعين للخاء وللغين كما ... كـ "يتبع خطوات" "غير"(1) علما
والغين للعين كـ "أفرغ" واطرد ... هذا، فخلص في مثيله فقد
والسين للتاء كنحو "فاستمع" ... "فاستفتهم "والمستقيم" يتبع
ونون "طاسين" ادّغم والدال في ... تاء كنحو "عدتم" الشبه اقتف
والذال أيضا نحو "فاتخذتم" ... ولام "ال" في صدر كلم ترسم
(ش)وق (ض)ريح (س)يد (ر)سل (صـ)ـعبا (ذ)نب (طـ)ـغى نحو (ظـ)ـلوم (ز)غبا
(ثـ)بطني (د)هر (تـ)ـولى وادّغم ... قافا بـ "تخلقكم" بمحق تغتنم
والطاء في التامع بقا الأطباق ... أي صوت طا اعلمه بلا شقاق
وصل رب ثم سلم أبدا ... على سراج العالمين أحمدا
ناظمه عبد العزيز المنتظر ... دعوة ناظر بمحو ما وزر
56- أرجوزة "الدرة السنية"، في ترجيح خلاف "البرية" للشيخ أبي القاسم أحمد التازي:
ومما يجري هذا المجرى من الأراجيز التي نظمت في محاذاة أرجوزة ابن بري، إلا أنها في "فن الترجيح"، أرجوزة الشيخ أبي القاسم أحمد التازي، وهي أرجوزة مشهورة عند المتأخرين، نظم فيها الخلاف بين الأئمة الثلاثة أبي عمرو الداني وأبي محمد مكي صاحب التبصرة وابي عبد الله بن شريح، اعتمادا منه على كتاب "التجريد في الخلاف الكبير بين الأئمة الثلاثة" لأبي الحسن علي بن سليمان الأنصاري القرطبي شيخ الجماعة الآنف الذكر ونزيل فاس، وقد نص على مصدره في آخر أرجوزته.
أما ناظمها فلا تعرف له ترجمة فيما أعلم، وما هو معروف من اسمه ونسبه "أحمد التازي" فذلك مستفاد مما ذكره في ختام الأرجوزة – كما سوف نراه –، وأما كنيته فقد وجدت في بعض نسخها، وربما وردت منكرة هكذا" لأبي قاسم"(2).
وقد أدرجه بعض الباحثين في قراء العصر الوطاسي في أواخره بعد منتصف المائة العاشرة(3) ولم يذكر له مستندا في ذلك.
__________
(1) المراد "ويتبع غير سبيل المؤمنين" سورة النساء.
(2) كما في مخطوطة خزانة تطوان رقم 125 (فهرس خزانة تطوان 114).
(3) الأستاذ سعيد أعراب في دعوة الحق العدد 273 السنة 1989 ص 158.(1/227)
وتعتبر هذه الأرجوزة بالنسبة إلى أرجوزة ابن بري بمنزلة "التكملة المفيدة" للقيجاطي التي جعلها تكملة لحرز الأماني للشاطبي - كما اسلفنا - وذلك باعتبار استيعاب كل واحدة منها لمسائل الخلاف التي يقرأ بها من طرق أخرى غير الطريق التي نوه بها ناظمها، وهي طريق أبي عمرو الداني، ولهذا نجد الاهتمام بها بين طلاب القراءة باعتبارها عملا متمما لعمل ابن بري من جهة، واعتبارها أيضا مستوعبة لباقي الأوجه المقروء بها لنافع في المدرسة المغربية في ما يمكن إدراجه فيما نعتناه قبل بـ "المدرسة التوفيقية"، واعتبرنا "التكملة المفيدة" للقيجاطي وكتاب التجريد لأبي الحسن بن سليمان القرطبي مثالا له.
ولما كانت أرجوزة "الدرة السنية" بهذه المثابة، فقد رأيت أن أسوقها بكاملها لما لها من الأهمية المذكورة، ولكونها أيضا قد حفظت لنا أهم المسائل التي تجسد مظاهر الاختلاف بين الأئمة الثلاثة في روايتي ورش وقالون خاصة، إلى جانب محافظتها على طرف من المادة الخلافية التي تضمنها كتاب "التجريد" لأبي الحسن(1).
وقد اعتمدت في تحقيق متنها على مجموعة من النسخ الخطية التي وقفت عليها، ونسخها متوافرة في الجملة(2)، وقد رأيت في بعضها سقوط بعض الأبيات، وربما كان ذلك من النساخ لأن ناظمها لم يذكر عدد أبياتها، ولهذا نجد الاختلاف في عددها في نسخها الخطية بين 99 بيتا(3) وبين 102(4).
__________
(1) وهم في هذا الكتاب الذي اعتمده التازي في الدرة السنية الأستاذ سعيد أعراب فنسبه لأبي عمرو الداني، وذلك في كتابه "القراء والقراءات بالمغرب"33.
(2) منها نسخة بخزانة تطوان برقم 125م وأخرى بالقرويين برقم 1055 وبالناصرية بتمكروت نسخ بأرقام 1468 – 2635 – 2623.
(3) هذا ما أحصيته في نسخة شيخي الآتي ذكره.
(4) هذا عدد نسخة القرويين رقم 1055 كما في فهرسة خزانة القرويين 3/166)، وذكر الأستاذ سعيد أعراب أن عدد الأرجوزة 100 بيت (القراء والقراءات بالمغرب 33).(1/228)
وهذه أرجوزة "الدرة السنية" كما حققت متنها بالمقابلة بين عدة نسخ، منها نسخة شيخنا السيد محمد بن إبراهيم الزغاري بالكريمات من إقليم الصويرة، ونسخة الشيخ محمد الرسموكي أمام "مدرسة أزرو" بضواحي مدينة أكادير، بالإضافة إلى نسخ أخرى.
أرجوزة التازي المسماه بـ "الدرة السنية في ترجيح خلاف البرية"
من بعد حمد الله صليت على ... محمد خير نبي أرسلا
وآله وصحبه الكرام ... مني عليهم أفضل السلام
وبعد فالقصد بهذا المتّزن ... ترجيح ما ذكره أبو الحسن
في نظمه من الخلاف الشائع ... من قوله في "الدرر اللوامع"
نظمته وقلته احتسابا ... أرجو به الغفران والثوابا
حسبما ذكره الداني ... وجا به الإمام والمكي(1)
والله يجزي قارئا دعا لنا ... بالعفو والغفران ثم أمّنا
باب البسملة
قالو بين السورتين بسملا ... ومثله البغدادي(2) عن ورش تلا
واسكت ليوسف يسيرا تعدلن ... وبين الأعراب عنه وصلن
وتركها أوجب لكلهم لدى ... براءة في الوصل أو في الابتدا
باب ذكر هاء الضمير
وصل لعيسى الهاء من "من يأته" ... على خلاف جاء عن رواته
وجهان للداني على السواء ... ورجح المكي حذف الياء
وأخبر الداني أنه قرا ... بالوصل في "التعريف" ليس أكثرا
وجهان للإمام والحذف يرى ... مرجحا لكونه تصدرا
ورجح "الخراز" وصله كما ... في شرحه "الوارتني"(3) قد رسما
فصل في نحو يرضوه
في نحو "يرضوه" شروه "يخلفه" ... و"من" أخيه "أمه" يديه "فه"
إذا تقف بالروم والإسكان ... أو أشممن مخيرا للداني
وامنع هنا للشيخ والإمام ... الوقف بالروم وبالإشمام
باب الممدود والمقصور
في مد حرف المد عن عييسى نقل ... خلف إذا الهمز الذي بعد فصل
__________
(1) تقدم أن المراد بالإمام أبو عبد الله بن شريح، وأما "المكي" الذي عرفه للضرورة فهو المراد بالشيخ.
(2) المراد به محمد بن عبد الرحيم أبو بكر الإصبهاني من أكابر رواية ورش كما تقدم.
(3) المراد شرح أبي عبد الله الخراز، وشرح محمد بن عيسى الوارتني على الدرر اللوامع، وقد تقدم ذكرهما.(1/229)
فالداني عن ابن نشيط ذكرا ... وجهين ثم قال: والمد أرى
وجا به المكي ثم أخبرا ... معا عن الحواني أن قد قصرا
وللإمام السيد النبيل ... وجهان قل من غير ما تفصيل
فصل
والخلف في المد لما تسكنا ... وقفا، فهاك حكمه مبينا
فوسط المكي والداني معا ... وقصرا لنافع وأشبعا
وأولا مكي منهن انتخب ... ومثله الداني ببعض ما كتب
ولم يع الإمام ماجا أولا ... والمد بالإشباع عنه فضلا
فصل
وفي "يواخذ" الخلاف قد ذكر ... عن ورشهم والقصر عنه مشتهر
والقصر والتوسيط للداني وعى ... في "عادا الأولى" و"ءالان" معا
وللإمام القصر جاء فيهما ... ووسط المكي في ثانيهما
وقصر الأولى، وكل ما ذكر ... في "الآن" قل في مده الثاني أثر
فصل
إن واو أو يا بين كلمة سكن ... ما بين فتحة وهمز امددن
مدا توسطا كما قد انتقى ... مكي والداني لورش ذي التقى
واختار الإشباع الإمام بعد ما ... روى التوسط بذاك فاعلما
وقد بدا الخلف عن الرواة ... لنا بحرف اللين من "سوءات"
عن ورش الداني مده ارتضى ... أعني توسطا، وبالقصر قضى
له الإمام الفاضل النحوي ... المهدوي وكذا المكي
ووسط المكي والداني معا ... العين عن جميعهم وأشبعا
والأول المختار للمكي ... في "كشفه"، والثاني للداني
وبالتوسط الإمام قد قرا ... لورشهم، ولسواه قصرا
بنحو سوف ريب وقفا رجحا ... الداني مدا وسطا ليوضحا
والقصر للمكي ليس إلا ... وللإمام الفاضل الأجلا(1)
فصل
فصل وفي "أأشهدوا" قد اختلف ... عن ابن مينا فاستمع لما اصف
فالبعض بين الهمزتين أدخلا ... مدا كما في بابه ليفصلا
واختار بعض تركه، والداني ... من غير ترجيح له وجهان
والترك مختار لدى المكي ... وللإمام العالم الزكي
وكل ما ذكرت من خلف هنا ... فعن أبي نشيطهم تبينا
فصل
عن عيسى جا الإبدال والتسهيل في ... بالسوء في الصديق للداني اعرف
وجهان للمكي مثله نطق ... وليس للإمام إلا ما سبق
فصل في النقل
والخلف في "كتابيه" عن ورشنا ... سكنه فاعلم له مستحسنا
__________
(1) نصب الاسمين "الفاضل الأجل" على المدح، أو بتقدير أعني على المفعولية.(1/230)
إذ هو مذهب الإمام يوسفا ... الأزرق المصري فضله أعرفا
باب الإظهار والإدغام
وعن أبي نشيطهم قد انجلى ... في "اركب"و"يلهث" خلف قالون جلا
وجهان للداني عنه فيهما ... والشيخ والإمام عنه أدغما
والخلف عن ورش أتى بنون ... فاتل على المشهور بالتبيين
باب الإمالة
والخلف عن عثمان في "أراكهم" ... وبين بين اختار فيه كلهم
كذا أبو عمرو روى في كل ما ... لا راء فيه كاليتامى ورمى
ولفظ "جبارين" والجار "أمل" ... للداني عن ورش مرجحا نقل
وقد روى الإمام وجهين معا ... عنه كذا المكي في "الجار" وعى
ولفظ "جبارين" بالفتح أتى ... عنه عن المكي أيضا ثبتا
للداني عن ورش أمل"هايا"و"حا" ... وبين بين الشيخ عنه رجحا(1)
وقيل إن الفتح فيه كثرا ... في "مفرداته"(2) الإمام ذكرا
وقلل الداني أيضا بخلاف ... عن عيسى"ها" و"يا" اللذين بعد كاف
وليس في "التيسير" إلا بين بين ... كذا في "الاقتصاد"(3) قل من دون مين
ولابن غلبون أتى في "التذكرة" ... كنحو ما ذو"الاقتصاد" ذكره
ورجع المكي عنه مثل ما ... رجح فيهما لورش فاعلما
وأعلم الإمام في "الكافي" بأن ... روى لنافع بذاك بين بين
وعن أبي نشيط ايضا صححوا ... خلف لدى "التورية"، لكن رجحوا
للحافظ الإمالة اليسيرة ... الداني عن أئمة كثيرة
وليس للإمام والشيخ معا ... سوى الإمالة فكن متبع
فصل في ذكر ما ترقق من الراءات
ورقق الداني حيران بلا ... خلف، وبالوجهين مكي تلا
كذا الإمام قل بلا تقييد ... وكل ذا صح من "التجريد"
وكل ما ذكرت عن ورش ذكر ... فاحكم بترقيق له كما شهر
"فرق" لحصري بترقيق أتى ... وعنه في "حيران" عكس ذا أتى
والبعض في "فرق" خلافا ذكرا ... فاتل بترقيق على ما شهرا
وجهان للداني به تحققا ... عن غير واحد، فكن محققا
__________
(1) يريد بـ "هايا" قوله تعالى في أول سورة مريم "كهيعص"، وبحا قوله "حم"
(2) يعني كتاب "مفردات القراء" وقد تقدم ذكره في مؤلفات أبي عبد الله بن شريح.
(3) تقدم ذكر الكتاب للحافظ أبي عمرو الداني.(1/231)
وجهان للداني به حكاهما ... في شرحه الخراز فاعلمنهما(1)
فصل في ذكر ما رقق من اللامات
الشيخ والإمام "صلى" رققا ... لدى رؤوس الآي والداني انتقى
اتباعه للآي في الإمالة ... مرققا لتستوي التلاوة
فصل
وفي "إلى ربي" بفصلت ذكر ... خلف بيا النفس، وعن عيسى أثر
للشيخ والداني معا وجهان ... ورجح الفتح على الإسكان
في "الكشف" و"التيسير"، والإمام ... الفتح عنه، وانتهى الكلام
فصل في زوائد الياءات
والخلف في زيادة الياء لدى ... عيسى بن مينا بـ "التلاق" قيدا
وفي "التناد" ثم قل للداني ... من غير ترجيح له وجهان
ولم يع الإمام فيهما سوى ... ترك الزيادة كذا المكي روى
والوقف بالإثبات عند الداني ... مرجح عن عيسى في "آتاني"
ورجح الإمام حذف الياء ... والشيخ بالإثبات عنه جاء
فصل
و"أنا إلا" مد باضطراب ... وصلا لعيسى عن ذوي الألباب
فالحذف جا الحلواني عنه، ووعى ... أبو نشيط عنه وجهين معا
بالقصر والمد قرا الدانيُّ ... والقصر عنه رجح المكي
وقيل إن المد في "التيسير" ... هو اعتماد الحافظ الأثير
وابن شريح جاء بالحذف كما ... ورش أتى، والمد ما جا عنهما
فصل
واللاَّئي بالتسهيل عن ورش ذكر ... وقيل بالياء، وأول شهر
وإن وقفت فقفن بالياء ... له بلا خلف ولا امتراء
ورجح التسهيل في "أرايتم" ... الشيخ والداني كذا في "هأنتم"
ونص في "الكافي" على التسهيل ... إمامنا من غير ما تبديل
وكل ما أتى في ذا "التقييد" ... منظما صح من "التجريد"
هذا تمام الخلف في "البرية" ... سميته ب"الدرة السنية"
بنظمه "التازي أحمد" اعتنى ... فاغفر له يا رب كل ما جنى
ووالديه كل ذنب فعلا ... بفضلك العظيم يارب العلا
فالحمد لله الذي قد سهلا ... بعونه ما رمته وأكملا
ثم صلاة الله مع سلامة ... على الني المصطفى وآله
محمد ذي الشريف الرفيع ... أكرم به من سيد شفيع
57- أرجوزة تحفة المنافع" لأبي وكيل ميمون الفخار
__________
(1) هذا البيت ساقط من نسخة شيخي سيدي محمد بن إبراهيم.(1/232)
ومما يجري هذا المجرى من المنظومات التي نسجت على منوال أبي الحسن بن بري في أرجوزته، أرجوزة أبي وكيل ميمون بن مساعد المصمودي مولى أبي عبد الله الفخار - الذي نظم "تحفة المنافع في مقرأ الإمام نافع" في قصيدة مطولة تزيد على أرجوزة ابن بري بخمسة أضعاف، وجعلها بمثابة التفسير لها كما أشار إلى ذلك في أولها حيث قال:
ووضع الأسنى الرضا أبو الحسن ... نظما بديعا من حلى النظم حسن
عليّ المعروف بابن بري ... لازال سعيه يرى في بر
لكنني أمعنته تفسيرا ... حتى بدا للاس مستنيرا
... فهذه الأرجوزة إذن في نظر ناظمها بمثابة شرح نظمي للدرر اللوامع، وإن كان قد زاد فيها على ابن بري بالتوسع في المسائل وكثرة التفريعات والتوجيهات، وذكر كثير من الطرق والوجوه والروايات التي طوى ذكرها ولم يصرح بها.
ولما كانت "تحفة المنافع" بهذه المنزلة من أرجوزة ابن بري، فقد اعتمدها شراح أرجوزته كثيرا في شرح كثير من مسائل الخلاف وبيان ما أجمله منها على نحو ما نجده عند الكرامي والشوشاوي وابن القاضي ومسعود جموع، بل إن سعيد بن سليمان الجزولي الكرامي قد نص في صدر شرحه "معونة الصبيان" على أنه جمع شرحه على الدرر من "الشريشي - الخراز - والمجاصي، وتحفة المنافع لميمون الفخار، مما يدل على محاذاتها لها ووفائها ببيان مقاصدها.
ومن المقارنة بين الأرجوزتين يبدو أثر ابن بري واضحا سواء فيما يخص الأحكام التي نظمها أم فيما يرجع إلى الصياغة، ويتجلى ذلك واضحا حتى إن التشابه أحيانا يكاد يفضي إلى التماثل والاقتباس، فإذا قال ابن بري مثلا:
وبعد فاعلم أن علم القرآن ... أجمل ما به تحلى الإنسان
قال ميمون:
وبعد فاعلم أن علم الذكر ... أجمل ما أوتيته من خير
وإذا قال:
وجاء في الحديث أن المهرة ... في علمه مع الكرام البررة
قال في التحفة:
وماهر به لدى الآثار ... مع الكرام السفر الأبرار
وإذا قال ابن بري:
سميته بالدرر اللوامع ... في أصل مقرإ الإمام نافع
قال ميمون:(1/233)
سميته بتحفة المنافع ... في مقرإ الأسنى الإمام نافع
وإذا قال في وصف قالون:
قال ميمون:
أثبت من قرأ بالمدينة ... ودان بالتقوى فزان دينه
عيسى بن مينا الثبت ذو السكينة ... أثبت قارئ ثوى المدينة
ويمكن ملاحظة هذا التشابه في عامة الأبواب، إلا أن أبا وكيل أطول نفسا واستيعابا لمسائل الخلاف، إذ كثيرا ما يدخل في التعليل والتوجيه ومناقشة أسباب الخلاف مع عزو الأقوال أحيانا إلى القائلين بها كما سنقف عليه عند ذكر هذه الأرجوزة في الفصل الذي سنخصه به بعون الله، وإنما مرادنا هنا أن نشير إلى كون هذه الأرجوزة من بركات أرجوزة ابن بري، وهو مدين له فيها وكل من نظم على منواله بتعبيد الطريق ورسم المعالم الهادية، مما يدلنا على مكانة أبي الحسن بن بري والإشعاع الذي ترامى لمدرسته وتمادى في الاتساع خلال العصور.
وإذا كان مثل أبي وكيل ميمون الفخار قد توسع في بيان مقاصدها، وأفاض في التحليل والتعليل والتوجيه، فإن من الأئمة من عكس الآية فذهب إلى اختصارها نظما ايضا، وأهم ما وقفت عليه من ذلك أو وقفت على الإشارة إليه.
58- أرجوزة أبي زيد عبد الرحمن بن محمد الجادري المسماة بـ "النافع في أصل حرف نافع":
وهي أرجوزة جميلة الصياغة حسنة الإيقاع عمد فيها إلى أبيات ابن بري فطرح منها تفعيلة من كل شطر(1) فجاءت من الرجز المجزوء المشطور، وقد سار فيه مع أرجوزة ابن بري بابا فبابا مستوعبا لمسائله، وربما زاد عليه فيها - كما سيأتي في الفصل الذي سنخصه به - هذا مع إيجازه في اللفظ، وفي ذلك يقول:
هذبته من رجز ... عليّ المبرز
ومذهب الداني في ... تيسيره قد نقتفي
وزدته مسائلا ... تغني اللبيب السائلا
__________
(1) سبق التنبيه على أن القراء يعبرون بالشطر عن الجزء الأول من البيت بقطع النظر عن البحر، وهذا عند أهل العروض لا يصح في بحر الرجز المشطور، وعندهم ان كل شطر يعتبر بيتا مستقلا كما قدمنا،وقد جاربنا القراء في الاستعمال، ونبهنا على هذا في غير موضع من هذا البحث.(1/234)
ويتبين حذق أبي زيد الجادري في النظم ووفاؤه بالغرض مع تمام الإيجاز من المقارنة بين نظمه ونظم ابن بري في سائر الأبواب، فإذا قال ابن بري مثلا:
القول في التعوذ المختار ... وحكمه في الجهر والأسرار
وقد أتت في لفظه أخبار ... وغير ما في النحل لا يختار
والجهر ذاع عند نافي المذهب ... به والإخفاء روى المسيبي
قال الجادري في النافع:
القول في التعوذ ... وحكمه المستحوذ
وابدأ به للكل ... ندبا بما في النحل
وإن تزد تمجيدا ... فلن ترى عنيدا(1)
واجهر به في المذهب ... وأخف للمسيبي
فلخص الجادري معاني ما ذكره ابن بري مقتصرا على بعض ألفاظه، ثم زاد عليه بزيادات منها الاتفاق على البدء بالتعوذ لجميع القراء، ومنها أن البدء به مندوب، ومنها جواز زيادة الثناء على الله عز وجل عقبه(2).
ويقول في ذكر ميم الجمع مفصلا لما ذكره ابن بري في قوله:
وصل ورش ضم ميم الجمع ... إذا أتت من قبل همز القطع
وكلها سكنها قالون ... ما لم يكن من بعدها سكون
واتفقا في ضمها في الوصل ... إذا أتت من قبل همز الوصل
وكلهم يقف بالإسكان ... وفي الإشارة لهم قولان
وتركها أظهر في القياس ... وهو الذي ارتضاه جل الناس"
يقول الجادري:
صل ضم ميم الجمع ... من قبل همز القطع
لورشنا ولا تصل ... قبل سكون يتصل
واختر لقالون السكون ... إن لم يكن بعد سكون
وسكنوا في وقفهم ... وقال مكي: كبهم(3)
وستأتي أرجوزة الجادري بتمامها في العدد التالي بعون الله.
__________
(1) الإشارة إلى زيادة بعض القراء عقب لفظ التعوذ قولهم "إن الله هو السميع العليم"، وهو مروي عن ورش من طريق المصريين كما ذكره الأهوازي (الإقناع لابن الباذش 1/149). وإليه أشار الشاطبي بقوله وإن تزد لربك تنزيها فلست مجهلا" وهو المعنى الذي أراده الجادري في بيته.
(2) أي باللفظ الوارد في ذلك عن أئمة القراء، وقد قدمنا ذكر صيغه.
(3) تعرض مكي لمبحث الوقف على ميم الجمع إذا تحركت بحركة عارضة في كتابه "التبصرة 1/107-108."(1/235)
59- اختصار الدرر اللوامع للشيخ عبد الله بن الحاج حماه الله الغلاوي الشنقيطي (1209):
ذكره له الأستاذ الخليل النحوي في مؤلفات كثيرة في القراءات وفنون مختلفة منها تعليقه الآنف الذكر على الدرر اللوامع(1).
- ومن هذا القبيل:
60- رجز لأبي عبد الله محمد بن محمد الحيحي حاذى به الدرر اللوامع:
ذكره له بعض الباحثين، وذكر أن لمؤلفه عليه شرحا، ولم يشر إلى مصدره أو إلى مكان وجود الرجز والشرح(2). ولا أدري أهو من قبيل المختصرات أم من قبيل التكملات أو المستدركات ؟
- ومما يجري هذا المجرى أيضا مما يدخل في التكملات:
61- تفصيل عقد الدرر لأبي عبد الله محمد بن غازي المكناسي العثماني نزيل فاس (ت 919):
وهي أرجوزة سائرة يكشف عنوانها نفسه عن الغرض من نظمها، فهي بيان وتفصيل لما أجلمه ابن بري من مسائل الوفاق والخلاف المررية عن نافع، إلا أنه لم يقتصر فيها على روايتي ورش وقالون من الطريقين اللتين اقتصر عليهما ابن بري، بل ذكر بقية الطرق عنهما، وزاد فذكر باقي الروايات والطرق العشر عن نافع - كما سيأتي - وقد أشار إلى ذلك بقوله في التصدير لها:
دونك عشر طرق لنافع ... تنشر طي "الدرر اللوامع"
حئت بها تزري بروض الزهر ... سميتها لما جرت بفكري
"تفصيل عقد درر ابن بري" ... في نشر طرق المدني العشر"
فالكل إن سكتّ فيما أطلقا ... أو عمّ أو عزى له كاتفقا
وواحد من كل طرقه انفرد ... إن خصه، ولم أخالف ما اعتمد
وإن عزا لواحد خلافا ... ولم تجد مني له انعطافا
فخصه بالمروزي والأزرق ... سكتّ أو ذكرته أو من بقي
فإن فهمت وجه "تفصيل " الذهب ... "للدر" فاعملن بمفهوم اللقب
__________
(1) هو التعليق المرقم برقم 39 في قائمة الشروح والحواشي المؤلفة على الدرر. وينظر في ذلك "بلاد شنيقط 580"
(2) القراء والقراءات بالمغرب للأستاذ سعيد أعراب 31.(1/236)
هذه الأرجوزة أكثر ارتباطا من غيرها بأرجوزة ابن بري، بل تعتبر بمنزلة التكملة لها، ولذلك سماها بـ "التفصيل" وكأنه يريد بها شرح ما ذكره ابن بري مجملا، ولهذا نجده لا يفتأ يحيل عليها في أبياته، كقوله في باب البسملة:
ومن سوى الأزرق بين السور ... مبسمل، وما بقي في "الدرر"
وكقوله في باب الهمزتين:
وقبلها إسحاق والمفسر ... وقد وفت بالمروزي "الدرر"
وقوله في باب الزوائد:
وكل ما لنافع في "الدرر" ... من زائد فكلهم به حري
وقد قامت على أرجوزة ابن غازي هذه أنشطة علمية كثيرة في شرحها والتعليق عليها والإفادة منها - كما سيأتي في فصل التعريف به - وكلها تعتبر من امتدادات التأثير الذي لأرجوزة ابن بري، لأنها كانت محور هذه الأعمال وباعثة على ما اقترن بها أو وضع عليها من شرح وبيان.
62- تكميل المنافع في الطرق العشر المروية عن نافع لعبد السلام بن محمد المدغري التازناختي الفيلالي:
ومما يدخل في هذا المضمار مما نظم على الدرر اللوامع وتفصيل ابن غازي أرجوزة "تكميل المنافع" للمدغري وهو من تلامذة أبي سرحان مسعود جموع السجلماسي ثم الفاسي صاحب "الروض الجامع في شرح الدرر اللوامع" والمتوفى بسلا سنة 1119هـ.
ولهذا المقرئ مؤلفات أخرى أكثرها في الطرق العشرية عن نافع، وكلها تدخل في النظم على منوال صاحب الدرر اللوامع.
فأما أرجوزته هذه فأرجوزة قيمة ومستوعبة للطرق المعتمدة في "العشر الصغير"، وتبلغ أبياتها 1071.
وأولها قوله:
يقول راجي عفو خالق الأنام ... نجل محمد عبيد للسلام
وجده مثل أبيه تسمية ... وجد ذا علي خذه توفية
وعزوه للجد ذا به عهد ... المدغري وبتازناخت ولد
إلى أن يقول:
وبعد فالقصد بذا النظام ... مقرأ عشر نافع الإمام
ثم يقول فيما يهمنا:
ونظم ذا يكون كالتكميل ... لدرر ابن بري "والتفصيل"
لنجل غازيهم إمام العلما ... أكرم به من سيد بل بهما
لأنني أدخلت نظمي منهما ... بعضا من الأبيات فافهم واعلما
وربما استشهدت يا أناسي ... ببعض أبيات لبعض الناس(1/237)
كالداني والخراز والفخار(1) ... وغيرهم كصاحب الأنوار(2)
"فجئت منه بالذي يطرد ... ثم فرشت بعد ما ينفرد
"في رجز مقرب مشطور ... لأنه أحظى من المنثور
"يكون للمبتدئين تبصرة ... وللشيوخ المقرئين تذكرة"
ثم قال بعد أبيات:
سلكت مسلك الإمام الداني ... و"صاحب الأنوار" ذي الإتقان
حسبما قرأته بفاس ... على الإمامين لجمع الناس
إدريسنا الشريف(3) ذي المعالي ... حسنة الأيام والليالي
والمقرئ المحقق الفصيح ... ذي السند المقدم الصحيح
مسعودنا جمّوع الأريب ... العالم المعلم الأديب
وطريقته في الأرجوزة أن يتناول الأحكام من خلال الملاءمة بين الشواهد الدالة عليها في عدد من الأرجوزات وفي طليعتها "الدرر اللوامع"، والغالب أن يكون البيت الأول الذي يصدر به في الباب من هذه الأرجوزة وربما استدل بشطر واحد منها أو من غيرها. كقوله في باب البسملة في أول السور:
وحكمها الوجوب في ابتداء ... لمقتضى نص ذوي الأداء
كالشاطبي في الحرز للأماني ... لقوله "لابد"(4) خذ بياني
وكابن بري العالم النحرير ... في "درر"، والداني في "التيسير"
وهذه نماذج من إشاراته إلى أرجوزة ابن بري في هذه الأرجوزة تدل على مبلغ استفادته منه.
قال في باب المد عند ذكر المد المنفصل:
"منفصلا فاقصره لا ليوسف ... وعتق والمروزي في الأعرف
وكبرى قل للأخوين تعطى ... والقصر للمروزي بعد الوسطى
وخلفه علله ابن بري ... بعدم الهمز بوقف يجري
وقال في باب الفتح والإمالة:
"وهاء" "طه" محضن للأزرق ... كما أتى في "درر" والعتقي
قلله مع ابن سعدان الرضا ... وغيرهم بالفتح فيه قد مضى
وقال في باب الراءات:
__________
(1) يعني في تحفة المنافع.
(2) يعني صاحب "أنوار التعريف لذوي التفصيل والتعريف" لمحمد بن أحمد بن أبي القاسم بن الغازي الجزولي الحامدي صاحب محمد بن يوسف التملي، كما أخذ أيضا عن الإمام ابن عاشر كما صرح به في أوله.
(3) يعني إدريس بن محمد الحسني المعروف بالمنجرة (ت 1137).
(4) يعني "ولا بد منها في ابتدائك سورة".(1/238)
"والخلف في "فرق" في حال الوصل ... وحال وقف وخذن للكل
فيه بوجهين وقدم يا فتى ... ترقيقه، وبعد تفخيم أتى
وقول "نجل بري" الأجل ... "والخلف في "فرق" "لفرق سهل"
معناه أنه بترقيق قري ... وصلا، وفي وقف بتفخيم حري
وقال في باب ياء الإضافة:
"سكن لهم" محياي لكن يوسف ... له بفتحه وجيه يضعف
وقال في "الدرر" ورش اصطفى ... في هذ الفتح والإسكان وفى
فخذ بوجهين وقدم ذا تف ... ربع بوصل وبتثمين قف
وكل ما لنافع في "الدرر" ... من زائد فكلهم به حري
وذا من قوله "من اتبعني" ... إلى و"يسري" كن بكل معتني
وما لورش فله لا ثان ... من قوله "الداع إذا دعان"
وكثيرا ما نجده يدرج معاني كلام ابن بري في نظمه ثم يتبعها بالإشارة إليه، كقوله في فرش الحروف:
"ها أنتم" حيثما فسهل يا فتى ... لغير الأصبهاني، والبدل أتى
لأزرق، وامدد طويلا وخذا ... به وتسهيلا وقدمن ذا
وامدد لحرمي به كما ألف ... وحققن لأسد بلا ألف
والهاء للتنبيه أو هي بدل ... من همزة لمن به المد نقل
"وهي له من همز الاستفهام ... أولى، "كما في "درر" الإمام
فقوله في البيت الأخير "وهي له من همز الاستفهام أولى" هو من كلام ابن بري بالحرف، إلا أن ابن بري ختم به أرجوزته فقال بعد قوله "أولى": وههنا انتهى كلامي، وأما البيت قبله فهو محول عن بيت ابن بري الذي قال فيه:
"والهاء يحتمل كونها فيه ... من همز الاستفهام، أو للتنبيه"
فأخذ المدغري معناه وعبر عنه بطريقته، وهو في كل ذلك مرتبط بمراد ابن بري في الحالين.
وربما أدرج بعض ألفاظ ابن بري في نظمه كقوله مشيرا إلى اختياره في باب مد البدل الذي عبر عنه بقوله:
والخلف في المد لما تغيرا ... ولسكون الوقف والمد أرى
قال المدغري:
والمد قبل ذي تغير عزي ... لمن له التغيير مثل المروزي
وقال نجل بري: والمد أرى ... من بعد أن حكى خلافا مظهرا
وبعدها ثبتت أو تغيرت ... فاقصر، لغير أزرق كما ثبت(1)
__________
(1) هكذا يدرج أبيات "البرية" وأشطارها أو أجزاء منها على نحو ما فعل في ما حصرناه بين هلالين.(1/239)
وهكذا سار في سائر الأرجوزة، مما تعتبر معه أرجوزته من الأمثلة النفيسة في محاذاة الدرر اللوامع وتفصيل ما تعرضت له من مسائل وأحكام.
وقد ختمها بذكر تاريخ نظمها فقال:
وعامه ألف وأربعونا ... ومائة وخمس الأربعينا(1)
ومن أراجيزه في هذا المعنى:
63- أرجوزة "روض الزهر في الطرق العشر عن نافع".
وقد استهلها بقوله:
يقول عبد السلام المدغري ... الراجي عفو ربه المقتدر
أحمد ربي مصليا على ... محمد وآله ومن تلا
وهاك ما الأخذ به قد اشتهر ... عن الرواة العشر إن خلف ظهر
مما بوجه أو وجهين وما ... أخر منهما وما تقدما
عنيت عشر طرق لنافع ... أبي رؤيم الإمام الخاشع
مسميا له بروض الزهر ... في عشر طرق نافع ذي السر
ومن أبياته التي استدل فيها بدرر ابن بري قوله في باب الإمالة والفتح:
وهاء "طه" محضن للأزرق ... كما أتى في "درر" والعتقي
أتانا بالتقليل فيها وكذا ... سليل سعدان، وبالفتح خذا
وقال في فرش الحروف:
"تامنا فاخف للإمام نافع كما أتى في "الدرر اللوامع"(2). ومن هذا القبيل أيضا للإمام المضغري مما نهج به نهج الدرر اللوامع:
64- أرجوزة "نور الفهم في الخلاف بين ورش وقالون".
وأولها قوله:
قال الفقير عابد السلام ... المرتجي مغفرة السلام
وقد سلك فيها مسلك ابن بري في عرض مسائل الوفاق والخلاف بين ورش وقالون، إلا أنه زاد عليه بذكر ما عليه العمل في المختلف فيه، كما ختمها بذكر كيفية الجمع بن الروايتين في الإرداف فقال:
قد تم ما الوعد به تقدما ... وها أنا أتبعه متمما
بصنعة الإرداف إن قد جمعا ... ورش وعسى في الأداء فاسمعا
فابدأ بورشهم وعثمان اسمه ... وامض به إلى انتهاء ما له
__________
(1) يمكن الرجوع إلى الأرجوزة كاملة في م خ ع بالرباط تحت رقم 8864.
(2) يمكن الرجوع إلى الأرجوزة في مخطوطتها التي وقفت عليها بالخزانة الحسنية برقم 119.(1/240)
ثم بعيسى بعد وامض بهما ... إلى انتهاء الوقف للهبطي انتمى(1)
وقد ختمها بقوله:
قد تم ما قصدت في الإرداف ... من صيغة بدت بلا اختلاف
أبياته سبعا وسبعين وفت ... ومائتين وكذا العد ثبت
في عامه المائة والألف اعدد ... وواحدا مع ثلاثين زد
65- تأليفه النثري "الهدية المرضية، في تحقيق الطرق العشرية".
ومن مؤلفات المدغري التي تدور على أرجوزة ابن بري في منطلقها كتابه "الهدية المرضية" الذي افتتحه بقوله: "الحمد لله الذي تفضل علينا بحفظ كتابه المبين... إلى أن يقول:
"وسميته "الهدية المرضية، في تحقيق الطرق العشرية"، ورتبت أبواب مسائله بفصولها على ترتيب أبواب "الدرر" و"التفصيل"، تقريبا للفهم، وقصدا للتحصيل، مستشهدا في بعض المسائل بأبيات منمهما تنبيها للطالب، وتزيينا للكلام"(2).
66- أرجوزة "تحفة المنافع" فيما جرى به العمل في الأداء لبعض أصحاب أبي زيد بن القاضي.
ومما يجري هذا المجرى فيما نظم على "الدرر اللوامع" لبيان ما به الأخذ أو العمل في التلاوة من مسائل الخلاف وما ذكر فيها من أوجه، هذه الأرجوزة التي لم أقف على ذكر ناظمها، وعندي مصورة منها ساق فيها ناظمها جملة المسائل التي يحتاج فيها إلى معرفة ما عليه العمل في الأداء لنافع، ثم ذيلها بأرجوزة أخرى بما عليه العمل لباقي السبعة، وأولها قوله:
الحمد لله العلي القادر ... ومالك الملك الغني القاهر
ثم الصلاة والسلام أبدا ... على النبي المصطفى محمدا
وآله وصحبه الأخيار ... ما رنم الطير على الأشجار
وبعدها أذكر ما جرى العمل ... به عن الشيوخ فزت بالأمل
عرف بابن القاضي في فاس ظهر ... شد له الركاب بدو وحضر
__________
(1) يمكن الرجوع إلى مخطوطتها بالخزانة الحسنية أيضا برقم 119 في مجموع، ويمكن الرجوع إلى وصفها في (فهرس مخطوطات الخزانة الحسنية للأستاذ محمد العربي الخطابي 6/169).
(2) يمكن الرجوع إلى هذا التأليف للمدغري في مخطوطته بالخزانة الحسنية رقم المجموع 119.(1/241)
مما فيه الخلاف قط لنافع ... وابن كثير الرضي الشافع
وبعد ما فيه الخلاف للجميع ... أو جلهم نظما مهذبا بديع
وربما ضفت لذا النظام ... عدة أبيات بلا التزام(1)
سميته بـ"تحفة المنافع" ... للمبتدي قراءة لنافع
ومما قال في باب المد:
وقد جرى العمل بالتوسط ... لورشنا فلا تكن بالمفرط
في باب "ءامن" ونحوه اشتهر ... عند الشيوخ المقرئين يعتبر
ونحو "ينفقون" بالإشباع ... في الوقف قد جاء لكل واع
وباب "إسرائيل" قصره ظهر ... وصلا، وفي الوقف بمد اشتهر
والأخذ بالصيغة في "بناء" ... وبابه في الوقف كيف جاء
كذاك "ءاتينا" وشبهه بدا ... في الابتدا لكلهم مطردا
كذاك إن وصل مع ما قبله ... بصيغة لورشهم رويته
وفي "يؤاخذ" الخلاف كثرا ... عن ورشهم، والقصر فيه شهرا
و"عادا الأولى" بقصر شهرا ... لورشهم كذلك الأخذ جرى
"ءالن" بالتوسيط قل جرى العمل ... لورشنا لا أول نلت الأمل
وقصرنا للثاني في الوصل جرى ... عن الأجلة وقالون قرا
قصرهما معا لدى الأداء ... بذا جرى الأخذ عن القراء
"شيء" وبابه بتوسيط جرى ... لورشنا عن الشيوخ شهرا
وخلفه أيضا لدى "سوءات" ... واقصر توسطا عن الثقات
والأخذ بالإشباع في عين لدى ... مريم والشورى أتى مقيدا
والأخذ في ريب ونحوه اشتهر ... توسطا في الوقف بدوا وحضر
ويقول فيما جرى به العمل في فرش الحروف:
وأرأيت وها أنتم أبدلا ... عن ورشهم في الأخذ قل مفضلا(2)
واللاء عن ورش بتسهيل ذكر ... وقيل بالياء والأول شهر(3)
وإن وقفت فقفن بالياء ... ساكنة، والمد فيها جاءي
__________
(1) يريد أنه سيدرج بعض الأبيات لغيره على سبيل الاستعانة أوالاستدلال بها، وقد فعل ذلك كثيرا وأكثر ما أدرجه من ذلك هو من نظم أبي زيد ابن القاضي مما ذكره في "الفجر الساطع" كما يمكن الرجوع إلى أمثلة منه في باب الراءات، وعند ذكر تسهيل الهمز أو إبداله في "أرأيت" وها أنتم "واللاء".
(2) في البيت بيان للمشهور في قول ابن بري: "وأرأيت" وها أنتم سهلا عنه وبعضهم لورش أبدلا.
(3) البيت من منظومة "الدرة السنية" للتازي كما تقدم.(1/242)
ومما تتجلى فيه استفادته من منظومات ابن القاضي قوله في باب "الإظهار والإدغام":
ونحو رب العالمين وقفا ... من غير غنة لديهم يلفى
كذلك الثلاث في الميم يرى ... لابد منها عند كل من قرا
لقوله في الحرز لا إظهارا ... مشترط فيها ولا إنكارا
هذا هو الصحيح في الأقوال ... فاقرأ به قله ولا تبال
وظاهر النشر مع الصفار ... إثباتها فيها لكل قاري
وقيل بالغنة في النون حتم ... لأنه وصفه داني علم
تحركت أو سكنت قل مسجلا ... مظهرة أو غيرها كيف جلا
والأول المشهور في "الأماني" ... مصرحا بالحق والبرهان
وخصصوا الغنة قل في الميم ... كذاك في النون على التعميم
شرط السكون فيهما معتبر ... من غير إظهار كذاك قدروا
ومن يقل في الياء أو في الواو ... فهو مصادم لكل راو
ونحو "مم" قل صويت الميم ... هذا الذي يوجد في الخيشوم
وذاك مذهب الإمام الداني ... وغيره من أهل هذا الشان
وظاهر "الدرر" عكسه بدا ... لقوله "أبقوا" هديت مرشدا(1)
67- احمرار الأوعيشي على الدرر اللوامع لأحمد بن عمر الأوعيشي.
__________
(1) الأربعة ونحو رب العالمين إلى قوله: لكل قارئ هي لابن القاضي كما نقلها مسعود جموع في باب الوقف من الروض الجامع بسقوط البيت الثاني.(1/243)
هكذا ذكر اسمه في مطلع أرجوزته المعروفة عند الشناقطة ب"احمرار الأوعيشي"، والمراد عندهم بلفظ الاحمرار "التعليق" أو "الطرة"، وهذه التسمية مأخوذة من واقع الأسلوب الذي كان متبعا في التعليق على المصنفات بكتابة ما زاد على متونها بالأحمر تمييزا له عن الأصل المخطوط عادة بالسواد(1).
وصاحب الاحمرار هذا هو نفسه صاحب إرشاد القارئ والسامع لكتاب الدرر اللوامع الآنف الذكر، وهو لأحميدتي (أحمد بن الطالب محمود بن عمر أيد وعيشي نسبه إلى قبيلة "ادوعيش" الموريتانية) وقد اشتهر هذا الاحمرار، وكان من المواد المعتمدة في القراءة والتجويد، وقد ذكر الأستاذ الخليل النحوي نموذجا لمكتبة شنقيطية بدوية قال: "كانت موجودة في مطلع القرن العشرين، وهي مكتبة سيدي محمد ابن الشيخ أحمد بن سليمان، وضع لها صاحبها فهرسا بأمر من السلطات الفرنسية"، ثم ذكر محتوياته فذكر فيه مما كان مستعملا عندهم من كتب "تجويد القرءان العظيم "منظومة ابن بري وشرحها(2)، ونص ابن بري ممزوجا باحمرار الأوعيشي(3).
__________
(1) أشار إلى هذا الأستاذ الخليل النحوي في كتابه "بلاد شنقيط - المنارة والرباط 148-149 فقال: "صنع الشناقطة الحبر واستخدموه بألوان شتى.. والحبر الأحمر أكثر ما يستخدمون بعد الحبر الأسود وهم يستخدمون الأحبار الملونة في كتابة المتن تمييزا له عن الشرح، وفي الطرر خاصة، وقد اتخذوا الألوان أعلاما على بعض المتون لالتزامهم إياها في كتابتها، فقد أكمل المختار بن بونة "ألفية ابن مالك" بنظم استدرك فيه ما لم تتضمنه الألفية، وتضمنه "التسهيل"، ولتداخل أبيات النظمين ميزوا بينهما بلون الحبر، فكانوا يكتبون "ألفية بن مالك" بالحبر الأسود، وزيادات ابن بونة بالأحمر، ويسمون هذا "الاحمرار".
(2) لم يذكر هنا اسم الشرح المراد، وقد ذكرناه في الشروح التي ظهرت بموريتانيا والغالب أنه شرح محلي.
(3) بلاد شنقيط - المنارة والرباط 155.(1/244)
الأعداد الرابع والعشرون
والخامس والعشرون
قراءة الإمام نافع عند المغاربة
من رواية أبي سعيد ورش
أبو عبد الله بن غازي:
خاتمة المدارس المغربية المختصة في العشر الصغير لنافع.
? مدرسة أبي عبد الله بن غازي شيخ الجماعة بفاس (ت 919هـ)
? وأرجوزته "تفصيل عقد الدرر" ( النص الكامل).
? أرجوزة "روض الزهر في قراءة نافع" للإمام المدغري (النص الكامل).
? أرجوزة "تبصرة الإخوان في مقرإ الإصبهان" للرحماني (النص الكامل).
? امتدادات مدرسة ابن غازي في المائة العاشرة من خلال أصحابه ونشاطهم العلمي.
? شخصية الإمام محمد بن أبي جمعة الهبطي صاحب الوقف المغربي وتقويم لما كتب حول اختياراته في الوقف.
أبو عبد الله بن غازي شيخ الجماعة بفاس.
خاتمة المدارس المغربية المختصة
في قراءة نافع في عصر النضج.
( مدرسة أبي عبد الله بن غازي
شيخ الجماعة بفاس (919هـ)
وأرجوزته "تفصيل عقد الدرر"(
(النص الكامل)
تمهيد:(1/1)
نحن الآن على أهبة لإبراز آخر هذه المعارض المشرقة من تاريخ المدرسة الأدائية في المغرب في المائتين التاسعة والعاشرة إماطة للأستار عنها, لنجعل منها مسك ختام هذا البحث المتواضع, وذلك بعد أن كنا عند الانطلاقة فيه قد رسمنا الخطة الطويلة النفس للبلوغ به تاريخيا إلى زمننا, إلا أننا بعد أن استغرقنا التقسيم والتبويب, وأفضنا في العرض والتحليل في مختلف الحقب والمناطق التي ازدهرت فيها القراءة بالمغرب والأندلس, قد شعرنا أن المطاف قد طال بنا حتى كدنا نتجاوز المطلوب في بحث كهذا, وكان عذرنا عند أنفسنا- ولعل ذلك أيضا يشفع لنا عند القارئ الكريم- ما علمناه من مسيس الحاجة إلى تجميع هذه المادة ووصفها, وما وجدناه أيضا فيها من وفرة ودسومة في مختلف جوانب القراءة وعلومها, كما فعلنا ذلك أيضا تحت ضغط الرغبة في تغطية جميع الحقب التاريخية من دخول القراءة إلى أواخر المائة العاشرة من الهجرة, وذلك حتى يتم لنا التسلسل التاريخي للمدارس الفنية, وحتى يكون بعضها آخذا برقاب بعض, وتتلاحم عندنا حلقات السند, وتكتمل الرؤية لدى القارئ بإعطاء كل جهة وناحية نصيبها من العناية بقدر الإمكان زمانا ومكانا دون ترك ثغرات أو فجوات متباعدة.(1/2)
ونفتح الآن نافذة أخرى على ما نعتبره آخر المدارس المغربية المختصة في قراءة نافع في هذا الطور الذي اعتبرناه آخر الأطوار الثلاثة التي تمثل عهد ازدهار هذه القراءة في المغرب بعد أن مررنا بالقارئ على عصر الرواد في فترة التأسيس عند أبي عبد الله بن القصاب ورجال مدرسته, ثم مررنا به وتوقفنا كثيرا عند رجال عصر التأصيل وهو عصر أبي الحسن بن سليمان وأبي الحسن بن بري ثم رجال مدرستيهما كما تبلورتا في سلسلة الذهب التي تنتظم في نسق واحد أبا عبد الله الصفار وأبا عبد الله القيسي وأبا وكيل مولى الفخار وأبا زيد الجادري, وقد اعتبرنا هؤلاء يمثلون الطور الثاني من الأطوار الثلاثة لما لاحظناه من التكامل بين هؤلاء الأعلام وأخذ بعضهم عن بعض.
ولقد حدث في مسار تطور مدارس الاقراء في أواخر هذا الطور بعد موت أعلام مدرسة أبي عبد الله القيسي – ما رأيناهم- ركود ملحوظ كاد أن يكون توقفا كاملا وغير مألوف في نشاط هذه المدارس وعطائها مما شكل عندنا حدا فاصلا بين الطورين الثاني والثالث, بحيث نفتقد في العقود الوسطى من المائة التاسعة أي بارقة يمكن الاعتداد بها في هذا المجال.
ثم تداركت العناية الإلهية عن كثب ما كان قد تبقى من آثار الدفقة العلمية عن الطور السابق بظهور علم من أعلام هذا الشأن عمل بقوة على مقاومة عوامل هذا التدهور في عاصمة البلاد, وحاول الدفع بتراث المدرسة المغربية بصورة عملية, في انتظار أن ينحسر عنها غبش الركود والجمود, ذلك هو واضع أساس هذه المدرسة التي اعتبرناها "خاتمة المدارس المختصة في قراءة نافع في عصر النضج" الإمام الحافظ أبو عبد الله الصغير النيجي شيخ أبي عبد الله بن غازي رأس المدرسة ويعسوبها.(1/3)
ثم تسلم زمام قيادة المدرسة من بعده الشيخ أبو عبد الله بن غازي المذكور ليواصل إقامة الهيكل العام للمدرسة, ويستكمل من خلاله وضع "الإطار الكامل" للمدرسة المغربية التي سوف نجدها تلتزم به التزاما كاملا مادة ومنهجا وبرنامج عمل.
ثم خلفه في مدرسته أعلام من مختلف الجهات حملوا راية مدرسته ونشروا إشعاعها في الآفاق, وكانوا منها بمثابة السواقي والجداول المتفرعة عن تيار النهر العظيم ما تزال تأخذ مادتها منه دون أن يتحول عن مجراه, في حين بقي هو يغذيها زمانا ليس باليسير محاولا المحافظة على مستواه والاستمرار في مجراه, إلى أن أنهكه السير, وتغلغل بعيدا عن المنبع, وتوغل في مجاهل الزمان ليغوص في الأبعاد أو تبتلعه الرمال.
ولقد كان حريا بنا أن نجعل أبا عبد الله الصغير قطب هذه المدرسة لكونه إليه يرجع الفضل في البداية في جمع الشمل ولم الشتات بعد أن كادت علوم القراءة وأسانيد المغاربة فيها تتناثر وتذهب شذر مذر, لكننا لما لم نجد لأبي عبد الله مؤلفات في هذه العلوم تجسد لنا مذاهبه واختياراته رأينا أن ما كان له من فضل وأثر عملي في ميدان الإقراء لا يرقى به إلى اعتباره رأس مدرسة, وذلك تأسيسا على ما تعودنا أن نراه عند أقطاب الأئمة الذين نسبنا إليهم مدارس خاصة.
هذا بالإضافة إلى أن الفضل في معرفة التاريخ العلمي بأبي عبد الله الصغير قارئا ومشاركا في مباحث علوم القراءة رسما وضبطا وقراءة وأداء, إنما يرجع إلى أكبر تلامذته وشريكه في بعض رجال مشيخته أبي عبد الله بن غازي, إذ لولا ما كتبه عنه في إجازاته لأصحابه, وفي "فهرسته" الآتية لذهب من التاريخ العلمي ذكره, وانقرض بموت أصحابه أمره.(1/4)
لهذا نسبنا إمامة المدرسة لصاحبه أبي عبد الله بن غازي لأنه المترجم عنه والناقل لمذاهبه واختياراته, ولأنه – وهذا أهم- كان الممثل الحقيقي لهذه المدرسة, لأنه جمع ين الإقراء والتأليف, فكان لها من خلاله امتداد في الزمان من خلال مؤلفاته وآثاره, وامتداد في المكان من جهة من التفوا حوله من الأعلام.
فلما كان أبو عبد الله بن غازي بهذه المثابة رأينا أن نتناول تاريخ هذه المدرسة من خلاله, وأن نجعله محورا للحديث عن النشاط القرائي الذي قام بقاعدة البلاد في هذا الطور, ثم استمر من بعده في العقود التالية من القرن ثم في القرون التالية كما سوف نرى ذلك بكامل الوضوح في البحث الموالي عند الحديث عن مقومات المدرسة المغربية الجامعة.
وسنقوم بالحديث عن شخصية هذا الإمام الفذ ومدرسته من خلال الفصلين التاليين:
- الشيخ أبو عبد الله بن غازي ورجال مشيخته, ومظاهر إمامته.
2- أرجوزته في قراءة نافع وباقي آثاره.
الفصل الأول:
أبو عبد الله بن غازي شيخ الجماعة ورجال
مشيخته ومظاهر إمامته.
يعتبر الإمام أبو عبد الله بن غازي خاتمة هذا الرعيل من فحول أئمة المدرسة المغربية الذين جمعوا بين سعة الرواية, وعمق الدراية, وقوة الشخصية, والمشاركة الرفيعة المستوى في دفع الحركة العلمية في أكثر من جانب واختصاص, بالعمل الدؤوب, والإنتاج الأصيل, والتوجيه الحصيف, والتأثير البليغ في قراء العصر وباقي العصور اللاحقة.(1/5)
ولقد سد بظهوره – رحمه الله- فراغا كبيرا كان وشيك الحدوث, أن لم يكن قد مد أطنابه تماما كما قدمنا منذ أواسط المائة التاسعة, وذلك لعوامل كثيرة أهمها فقدان رعاية الدولة بسبب التقلبات السياسية التي عمت أرجاء المغرب كله على أثر التضعضع الكبير الذي أصاب أركان الدولة المرينية وتمادى بها منذ الربع الأخير من المائة الثامنة, والذي أدى إلى تدهور عام في المعارف تبعا لتدهور الحال في البلاد, وتعاقب الأحداث المأساوية التي انتهت بسقوط آخر معاقل المسلمين بالأندلس.
وعلى الرغم من محاولة بني عمومة المرينيين من بني وطاس(1) استنقاد الدولة من السقوط النهائي, فإن أعراض المرض كانت قد أنهكت جسد المغرب بوجه عام, وكادت تصيبه في هذا المضمار بالشلل التام, وأقل ما فقدته الحركة العلمية في هذا المجال:
- ذلك الرصيد العلمي الذي كانت الأندلس طوال تاريخها المجيد تمد به هذه الجهات كما مر بنا ذلك.
- وتلك الرعاية العلمية والحفاوة التي كانت للدولة في عاصمة البلاد وباقي الحواضر والتي رأينا جوانب مضيئة منها في عهد شباب دولة بني مرين, وخاصة على عهد أبي الحسن وابنه أبي عنان.
ولقد مس أبا عبد الله بن غازي فيمن مسهم نصيب من سوء الأحوال كان من أسباب مغادرته لمسقط رأسه مكناس ليستقر نهائيا بفاس, ولكن يمكن القول ههنا بحق: " كم من نقمة في طيها نعمة".
__________
(1) - أول ملوك بني وطاس بالمغرب محمد بن يحيى بن أبي زكريا بن زيان الوطاسي المعروف بـ"الشيخ", وأسلافه فرع من بني مرين من زناتة, إلا أنهم ليسوا من بني عبدالحق, وكانوا يقيمون بالريف, وقد قام محمد الشيخ في"أصيلا" وتبعته القبائل بها, ثم حاصر مدينة فاس سنة 875هـ فاستولى عليها واستقر بها سلطانا, وفي عهده سنة 897هـ استولت إيزابيلا صاحبة مدريد على حمراء غرناطة, ونحت دولة بني الأحمر من جزيرة الأندبس. لقط الفرائد 272-273 – والأعلام للزركلي 7/140.(1/6)
والإشارة هنا إلى ما وقع بينه وبين والي مكناس بعد أن عظم فيها صيته ولمع نجمه, وهو في أوج نضجه العلمي بعد أن أنهى دراسته وغدا خطيب مسجد البلد ورأس المدرسين والخطباء فيه, فضاق به بعض الولاة من الوطاسيين, فاستدعى إلى فاس, والغالب أن ذلك كان بتدبير تم بين الوالي وبين البلاط للتزين بوجوده في العاصمة, والتخلص من نفوذه القوي في وجوده بين ظهراني قومه وأهل بلده.
ولسنا هنا بصدد الدراسة الشاملة لشخصية ابن غازي وتأثيرها العلمي في زمنه وفي الميدان العلمي بوجه عام, فقد تكفل بأكثر ذلك بعض الذين تناولوها بالترجمة الخاصة(1).
وإنما غرضنا أن نقف على نشاطه في ميدان القراءة والإقراء بصورة خاصة, وهو جانب لم أقف على من تعرض للحديث عنه ووفاه حقه(2), وقبل أن نتفسح مع القارئ في رحاب ما وقفنا عليه منه نبدأ أولا بترجمته.
ترجمته ومسقط رأسه وأوليته:
ترجمته: تفرد الإمام أبو عبد الله بن غازي من بين من ترجمنا لهم من أئمة القراء بالتعريف بنفسه وذكر الكثير النافع من أخباره وأحواله, وخاصة في مستهل حياته, وذلك فيما خطه بقلمه في فهرسته وما بثه عن نفسه وعن أهل بيته وغيرهم من سكان بلده وعلية العلماء والأكابر فيه في الكتاب الذي خصه لذلك, أعني كتاب "الروض الهتون في أخبار مكناسة الزيتون".
__________
(1) - أهم ما كتب عن ابن غازي ما كتبه عن نفسه في فهرسته وفي الروض الهتون ثم ما كتبه عنه ابن زيدان في "الإتحاف" ثم ما كتبه الشيخ كنون في "ذكريات مشاهير رجال المغرب"
(2) - سيأتي ذكر بعض من تعرضوا لبعض الحديث عن مركزه العلمي وآثاره في القراءات وغيرها عند ذكر بعض كتبه التي قدمت في بعض الرسائل الجامعية.(1/7)
أما سلسلة نسبه الكامل فهي كما ذكرها في آخر هذا الكتاب : "محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن غازي العثماني(1) منسوبا لآل عثمان, وهو من قبيلة كتامة حسبما ذكر ذلك ابن خلدون في كتاب "العبر"(2).
أما نشأته بمكناسة الزيتون فقال عنها : "نشأت بهذه المدينة كما نشأ بها أسلافي, وقرأت بها, ثم ارتحلت إلى مدينة فاس في طلب العلم, أظنه سنة 858هـ, فأقمت بها ما شاء الله تعالى, ولقيت بالمدينتين جماعة ذكرت مشاهيرهم في الفهرسة التي سميتها "التعلل برسوم الإسناد, بعد انتقال أهل المنزل والناد".
ثم عدت إلى مدينة مكناسة فأقمت بها بين أهلي وعشيرتي زمانا, ثم انتقلت إلى مدينة فاس – كلأها الله تعالى فاستوطنتها-.
وكان ما كان مما لست أذكره ... فظن خيرا, ولا تسأل عن الخبر(3)
ذلك ملخص تاريخ نشأته وطلبه للعلم وتنقله بين مدينته وفاس ثم استقراره أخيرا بهذه المدينة.
أما ميلاده فلم يتعرض لذكره بنفسه,وقد ذكر الشيخ أبو العباس المنجور في فهرسته سنة ميلاده فقال : "وولادته – على ما أخبرني الشيخ المسن المؤرخ أبو الحسن الصيقال أحد عدول مكناسة- سنة إحدى وأربعين من التاسعة"(4).
__________
(1) - سقط اسم علي في سلسلة نسبه في النسخة المطبوعة من "الروض الهتون", وهو مثبت في صدر فهرسته بخطه في اللوحة المنشورة في مقدمة التحقيق للأستاذ محمد الزاهي محقق فهرسته ص 24.
(2) - الروض الهتون 71.
(3) - الروض الهتون, والبيت ليس له وهو قديم جار مجرى الأمثال.
(4) - فهرس أحمد المنجور 44-45.(1/8)
ولما كان قد ذكر رحلته إلى فاس وأنها فيما يظنه كانت سنة 858هـ, فإن ما نقله المنجور عن ميلاده يبدو موافق للسن التي يمكن أن يطمح فيها أمثاله إلى طلب العلم بالمعاهد, أي في سن السابعة عشرة, ومن هنا يكون ما ذكره ابن القاضي في الجذوة, وأشار إليه صاحب "الاتحاف" أيضا(1) خطئا أو سبق قلم, وذلك أيضا يقضي إن صح أن الشيخ لم يعش في الدنيا إلا إحدى وستين سنة لوفاته بإجماع سنة 919هـ كما سيأتي, ولم يقل بذلك أحد.
أسرته من جهة الأبوين:
ولقد تحدث ابن الغازي عن أهل بيته بمن فيهم من والده ووالدته.
فأما والده فلم يذكر له مشاركة في شيء من العلم, إلا أنه – على كل حال – كان ذاكرا لبعض الأحداث والأشخاص, فقد قال عنه في سياق حديثه في "الروض الهتون" عن محمد بن عمر بن الفتوح:
"وحدثني والدي - رحمه الله - أنه كان يراه يقصد إلى المساجد الخالية, ويعمرها بقراءة القرءان العزيز"(2). أما والدته فهي رحمة بنت الجنان, وكان والدها من أعيان البلد ممن لقيهم لسان الدين محمد بن الخطيب في مكناسة عام 771 وقال فيه: "الفقيه العدل الخير محمد بن أحمد بن أبي عفيف المتصدر لقراءة كتاب "الشفاء النبوي"(3).
ولابن غازي في " الروض الهتون" إفاضة في تحقيق نسبه من جهة أمه إلى "بني الجنان"(4) وذكر من أخبار أمه أنها كانت قبل زواج أبيه بها عند وزوج توفي عنها, وكان هذا الزوج أحد علماء مكناسة, وترجم له بقوله:
__________
(1) - أشارا معا إلى ولادته سنة 858هـ كما في جذوة الاقتباس 1/320 والغريب أنه قال : هكذا وجدت له في "الروض الهتون", وإنما الذي في الروض الهتون يتعلق ... بتاريخ رحلته إلى فاس, وقد تبعه في الوهم ابن زيدان في الإتحاف 4/11 ودرة الحجال لابن القاضي نفسه 2/147-148 والكتاني في فهرس الفهارس 2/890-891 ترجمة506.
(2) - الروض الهتون 59.
(3) - يعني كتاب "الشفاء في التعريف بحقوق المصطفى" للقاضي عياض – الروض الهتون 59.
(4) - ينظر الروض الهتون 47-51.(1/9)
"ومنهم الشيخ المعمر الزكي المتفنن الحجة الحاج محمد بن عزوز الصنهاجي, جود القرءان على الأستاذ ابن جابر المذكور(1) ... ثم ذكر له رحلتين إلى المشرق مات في الثانية منهما هنالك, وقال:
"وتزوج أبي زوجه رحمة بنت الجنان – رحمة الله عليها – فهي أمي, والحاج المذكور والد اخوتي لأمي, وكانت أمي حفظت عنه حديثا كثيرا من الصحاح, وكادت أن تحيط حفظا بالأدعية الواردة في الصحاح, فحفظت منها كثيرا في أيام الصغر, فلم أتعب في حفظه بعد الكبر – ولله الحمد- وكانت – رحمها الله تعالى- ملازمة لدرس القرءان العزيز في المصحف, وكان علمها كثيرا من تفسير قصصه وأخباره فنفعتنا بذلك في الصغر غاية, برد الله ضريحها, وحدثتني عنه بحكايات وفوائد يطول جلبها"(2).
في هذه البيئة عاش أبو عبد الله ابن غازي, وفي كنف هذه الأم التي كانت أول أساتذته الموجهين, والملقنين, فلا غرو أن تظهر عليه مخايل النجابة في عهد مبكر, وأن يتنامى بسرعة حرصه على الحفظ, والتحصيل, والرغبة في لقاء المشايخ للاغتراف من العلم بمختلف فنونه وشعبه, ولا سيما ما يتعلق بالقرءان, ووراءه في هذا الطور هذه الأم التي "لعلها بعد أن فجعت بزوجها العالم, كان لا يرضيها إلا أن ترى له خلفا من بنيها تتسلى به عنه, فكان هو ابنها هذا الذي لم تأل جهدا في تربيته وإعداده لذلك"(3).
__________
(1) - سبق أن ذكره في كتابه المذكور ص 57 وهو الذي ذكرناه في الذين استدركوا على أبي عبدالله الخراز في مورد الظمآن, وقد قال فيه في الروض الهتون :"ومنهم الأستاذ المقرئ الشاعر المجيد المحسن شيخ شيوخنا محمد بن جابر الغساني ذو التصانيف الحسان والقصائد العجيبة, وله تسميط للبردة النبوية للإمام محمد البوصيري... وذكر مؤلفات أخرى – الروض الهتون 57.
(2) - الروض الهتون 61-62.
(3) - ذكريات مشاهير رجال المغرب – ابن غازي- لكنون12.(1/10)
ولما كان قد غادر مكناسة في السنة الآنفة الذكر فمعناه أنه كان قد فرغ من حفظ القرءان والمبادىء التي ترتبط عادة بهذا الحفظ من رسم وضبط وما إلى ذلك من الوقف والابتداء مما سيأتي أنه تدرب عليه مع بعض مشايخه, والظاهر أنه التحق بالقرويين بفاس يأخذ عن علمائها, ويرتاد حلقات المشايخ في مختلف فروع المعرفة, كما يظهر أنه في هذه الأثناء كان أيضا يتلقى القراءة عن أكبر شيوخه أبي
عبد الله الصغير, وفي تراجم طائفة من شيوخه بيانات عن بعض ما درسه بالقرويين عقب التحاقه بها(1).
ومن الطريف أننا نجده قد حصل على بعض إجازاته عن شيوخه في بعض المتون في فقه البيوع وكانت الإجازة بها بعد التحاقه بفاس بما لا يزيد عن ثلاث سنوات كما قال مجيزه بها الشيخ أبو العباس أحمد بن سعيد الحباك :
"وفي أحد من بعد ستين قد مضت لتاسع قرن كان ذا القول سطرا"(2).
__________
(1) - من ذلك قوله في فهرسته 78-79 في ترجمة أبي علي الحسن بن منديل المغيلي." لازمت مجلسه بجامع القرويين مدة سمعت عليه فيها بعض رسالة أبي محمد بن أبي زيد.. وسألته واستفدت منه, ثم ذكر وفاته سنة 63 من هذا القرن – يعني التاسع –". ومن ذلك أيضا أخذه عن أبي زيد عبدالرحمن الكاواني – الرسالة وغيرها, وذكر أنه توفي في حدود الستين من هذا القرن – فهرسة ابن غازي: 83-84
(2) - الإجازة بتمامها في فهرسته 88-89.(1/11)
ويبدو أن المترجم قد انتهى من دراسته بالقرويين, وأخذه أيضا بجامع الأندلس عن شيخه أبي عبد الله الصغير – قبل وفاة هذا الأخير سنة 887 – كما سيأتي-, ثم عاد إلى مكناسة فأقام بين أهله وعشيرته كما قال – زمانا, وكان قيام الدولة الوطاسية بفاس سنة 875 – كما تقدم – وهو يومئذ في قمة نشاطه العلمي وقد " ولي خطابة مكناسة الزيتون, وتصدر للتدريس بجامعها الأعظم(1), فلم تلبث عقارب السعاية أن أخذت تعمل عملها لدى والي البلد لزحزحته عن تلك الكراسي وما تبوئه من خلالها من مجد علمي, فكان ما كان مما كنى عنه في البيت الذي تمثل به آنفا, وتطور ذلك إلى أن نفاه الوالي محمد بن أبي زكرياء يحيى بن عمر الوطاسي الملقب بـ "لحلو", وكان أمير فاس حينئذ محمد بن الشيخ بن أبي زكرياء"(2).
وقد جاء في خبر ذكره صاحب الأتحاف أنه لما نحاه الوالي عن مكناسة خرج منها قاصدا المشرق, ثم حبسه أهل فاس عندهم"(3), وكان ذلك في الحقيقة بداية مجده العلمي ودوره القيادي.
وظائفه التي شغلها إلى جانب إمامة التصدر للإقراء:
وانتقل لفاس ـ كما يقول الكتاني ـ واستوطن منها" حومة البليدة" سنة 891, وداره بها هي البقعة التي صارت اليوم " زاوية الطائفة الصادقية"(4).
وفي هذه الأثناء " رشح لخطبة " فاس الجديد", ثم للخطابة والإمامة بجامع القرويين والتدريس "(5), و" تولى رياسة العلم والفتيا بمدينة فاس,.. وأسندت إليه كراسي تدريس الفقه والعربية والحساب والفرائض وغيرها"(6).
وهكذا أتيح له في فاس أن يقود المسيرة العلمية بها ومن خلالها في المغرب كله, فكان أستاذ العصر وقطب رحا المعارف, ومقصد الخاص والعام, واعترف له بمشيخة الجماعة في كافة العلوم والفنون.
__________
(1) - إتحاف أعلام الناس 4/3.
(2) - الأعلام للزركلي 4/204.
(3) - الإتحاف 4/3 نقلا عن درة الحجال.
(4) - فهرس الفهارس 2/890-891 ترجمة 506..
(5) - دوحة الناشر لمحمد بن عسكر 45-46 والإتحاف3/4.
(6) - دوحة الناشر 45-46.(1/12)
وكانت له إلى جانب الحياة العلمية صلات وثيقة بالحياة الاجتماعية والجهادية, فقد كان على وعي بتحركات الصليبيين وأطماعهم الاستعمارية في احتلال الشواطئ المغربية بعد إجهازهم على الوجود الإسلامي في الأندلس, فكان يتابع تحركاتهم عن كثب ويرصدها عن طريق مرابطته من حين لآخر في بعض الثغور "إذ رابط بنفسه مرات عديدة"(1), وكان مسك الختام لحياته المليئة بجلائل الأعمال خروجه في عسكر السلطان محمد الوطاسي(2) في محاولة لاسترداد مدينة " أصيلا" من احتلال المسيحيين "(3), فمرض في أثناء الطريق, ورجع إلى فاس فوافاه الأجل بها إثر صلاة الظهر من يوم الأربعاء تاسع جمادى الأولى من سنة 919, ودفن بالكخادين داخل مدينة فاس بإزاء شيخيه محمد القوري وأبي الفرج الطنجي"(4).
مشيخته في القراءات ومروياته فيها :
قد يبدو للقارىء أن في تتبع أسماء مشيخة المترجم ما يعد من تحصيل الحاصل, وذلك بعد أن سمى بنفسه أولئك المشايخ وذكر مروياته عنهم في فهرسته المطبوعة المتداولة الآن, ونحن نطمئن القارىء الكريم إلى أن غرضنا غير غرض المترجم, إذ ذكر هو مشايخه في مروياته بوجه عام, ونحن سنقتصر منهم على من لهم صلة بعلوم القراءة ممن قرأ عليهم, أو روى بعض مروياته من مصنفات الأئمة في القراءة عنهم.
هذا بالإضافة إلى أننا سنستدرك بعض من لم يسم من شيوخه فيمن أخذ عنهم أو انتفع منهم في الجملة في بعض أحكام القراءة ومسائل الرسم والأداء كما التقطنا ذلك من مختلف المصادر والمظان.
__________
(1) - نيل الابتهاج 333 ومشاهير رجال المغرب – ابن غازي لكنون 17-18.
(2) - هو محمد بن محمد بن يحيى بن عمر الوطاسي أحد ملوك مدينة فاس, بويع بعد وفاة أبيه سنة 910 ولم يزل على ملكه إلى أن توفي سنة 931" – جذوة الاقتباس 1/211-212 ترجمة 174.
(3) - دوحة الناشر 46.
(4) - جذوة الاقتباس 1/320 ترجمة 331 ونحوه في لقط الفرائد 284.(1/13)
ونحن نتوخى من الاهتمام بمشيخته بصفة خاصة التنبيه على أهم الوسائط التي تصله برجال المدرسة المغربية من أئمة الطور الثاني من أطوارها, وذلك حتى يكون القارئ على بينة من الحلقات العتيدة التي ستتسلسل من طريقها أسانيد الشيخ ابن غازي ثم أسانيد المغاربة من بعده من هذه الطريق.
1- أبو إسحاق ابراهيم بن محمد بن عبد الله الأزدى المعروف بـ "ابراهيم الحاج"
لم يذكره ابن غازي في مشيخته في فهرسته, إلا أنه ذكره عرضا في مشيخة شيخه أبي عبد الله الصغير وكناه بغير ما ذكرته, فقال فيمن أدركه الصغير من الشيوخ المهرة بمدينة فاس " أبا الحسن الأنفاسي وأبا سالم ابراهيم المعروف بالحاج," قال" وقد شاركته في لقاء هذين الأخيرين, وحضرت مجلسهما(1).
ووفقت في نص إجازة الشيخ ابن غازي التي ضمنها الشيخ محمد بن محمد البوعناني إجازته لأبي عبد الله محمد الشرقي الدلائي – على معلومات مفيدة عن صلة ابراهيم الحاج هذا برجال هذه المدرسة.
فقد ذكره الشيخ ابن غازي في سياق حديثه عن مشيخة أبي عبد الله الصغير فقال:
"ومن شيوخ شيخنا أبي عبد الله محمد الصغير المذكور الشيخ الصالح أبو إسحاق ابراهيم بن محمد بن عبد الله الأزدي المدعو بإبراهيم(2) الحاج, قرأ عليه في صغره كثيرا, ثم قرأ على شيخه أبي الحسن علي الوهري وأبي العباس أحمد الفيلالي المذكور, ثم عاد إلى ابراهيم الحاج, فقرأ عليه الفاتحة بالسبع, وأجاز له جميع القرءان العزيز بالسبع ".
سند أبي إسحاق ابراهيم الحاج: قال ابن غازي: "وحدثه بذلك عن الشيخ الأستاذ المقرئ أبي مهدي عيسى بن علي المغراوي(3), عن شيخ الجماعة أبي عبد الله محمد بن أبي الربيع سليمان بن موسى القيسي بسنده".
__________
(1) - فهرسة ابن غازي 65. والأنفاسي المذكور هو علي بن عبدالرحمن (ت860) (ألف سنة من الوفايات 256)
(2) - في الإجازة المخطوطة "بابن ابراهيم", وهو سبق قلم.
(3) - تقدم ذكره في أصحاب أبي عبدالله القيسي في عدد من هذه السلسلة.(1/14)
وكان الحاج أبو إسحاق المذكور مقدما في إعراب القرءان, أخذه عن الشيخ أبي الحجاج يوسف بن ماجة(1) من سكان "شمتت, والشيخ الصالح المعروف بجمام من سكان "صالة"(2) والشيخ أبي عبد الله محمد المعروف ببياز من سكان أصيلا – فتحها الله تعالى -(3).
قال ابن غازي: "وقد أدركت الحاج المذكور وحضرت مجلسه, وسمعت عليه بعض "مورد الظمآن"(4). وسيأتي ذكر ابن غازي له في مشادة حامية وقعت بين الشيخ وبين تلميذه أبي عبد الله الصغير في بعض الخلافيات في الرسم, تدخل فيها ابن غازي منتصرا لهذا الأخير.
2- أبو العباس أحمد المصمودي ثم الفاسي.
لم أقف له على ترجمة, إلا أن يكون هو المراد بـ " المصيمدي" في قول الشيخ أحمد زروق في "كناشته" في ترجمة الشيخ سليمان الورنيدي المعروف بـ" أبي يعربين" من أصحاب أبي عبد الله الصغير ": "توفي سنة 92- يعني وثمانمائة- بعد الأستاذ المصيمدي"(5).
__________
(1) - هذا العالم من علماء العربية والمذكوران بعده لا أعلم لهم ذكرا في كتب التراجم.
(2) - كذا في الإجازة, ولا أعلم المراد بها, ولعلها "سلا" أو "شالة".
(3) - يشير بهذا الدعاء إلى وقوع المدينة تحت الاحتلال لهذا العهد, وقد تقدم أن الشيخ مات على إثر عودته من معسكر الجهاد الذي كان متوجها نحوها بقيادة السلطان محمد الوطاسي.
(4) - إجازة محمد بن محمد البوعناني مخطوطة خ ح بالرباط برقم 9977..
(5) - نيل الابتهاج بهامش الديباج المذهب122.(1/15)
ولم يذكر ابن غازي قراءته عليه في فهرسته,وإنما استفدت ذلك من فقرة نقلها كل من أبي زيد بن القاضي وصاحبه مسعود جموع في باب المد من شرحيهما على " الدرر اللوامع" عند ذكر الخلاف في المنفصل فقالا:" وقال الإمام ابن غازي:" وأما شيوخنا الذين أخذنا عنهم قراءة بدينة فاس, فأقرأني أبو العباس أحمد المصمودي بالمد, وكان يرجح المد, وأستاذنا المعروف بالتجويد سيدي محمد الصغير فكان يأخذ في المحراب بالمد, وقد باحثته في ذلك بحثا شديدا, فقال لي: قرأت على الوهري بالمد, وقرأت على سيدي أحمد الفيلالي بالقصر, أو بالعكس, وكان يميل إلى المد "(1).
ويظهر من موضوع الخلاف أن ابن غازي ربما قرأ عليه برواية فالون, لأن الخلافة في مد المنفصل بالزيادة التمكين لحرف المد معروف عن نافع من رواية فالون بخلاف عنه, كما أنه ثابت عن الدوري عن أبي عمرو.
3- أبو الحسن علي بن منون الشريف الحسني المكناسي(2).
هو من شيوخه الأولين في مكناسة, وقد تقدم ذكره في أصحاب أبي وكيل مولى الفخار وأبي زيد الجادري, قد شاركهما أيضا في أستاذهما أبي عبد الله الفخاري.
ذكره ابن غازي في مشيخته في فهرسته وقال: "ومنهم الشيخ الأستاذ النبيل الذكي أبو الحسن علي بن منون الشريف الحسني المكناسي الدار", ثم ذكر مروياته عنه وقراءته فقال:
"قرأت عليه بها القرءان العزيز ختمات كثيرة, وتمرنت عليه في الفرائض والوثائق, وإعراب القرءان وأوقافه, واستفدت منه كثيرا"(3).
__________
(1) - الفجر الساطع (باب المد) و"الروض الجامع" (باب المد) أيضا.
(2) - رفع ابن زيدان نسبه في الإتحاف 5/451 فقال:" علي أبو الحسن ابن الفقيه الأستاذ المدرس محمد بن علي دعي منون الحسني المكناسي النشأة والدار والإقبار".
(3) - فهرسة ابن غازي 85.(1/16)
وقال في إجازته – الآنفة الذكر-: "وقد قرأت القرءان العزيز بمدينة مكناسة – حرسها الله تعالى-قبل لقائنا شيخنا أبا عبد الله محمد الصغير المذكور ختمات عديدة على الشيخ الشريف الأستاذ أبي الحسن علي بن محمد بن منون الشريف الحسني, حسبما جوده على الشيخين الأستاذين أبي عبد الله محمد الفخار السماتي المذكور, وأبي يعقوب يوسف بن مبخوت(1) المذكور, وهذا سند عال – والحمد لله ساويت فيه شيخنا أبا عبد الله الصغير المذكور من وجه, وساويت بعض شيوخه من وجه"(2).
وقد أرخ لشيخه هذا فقال :" ولد رحمه الله فيما يغلب على ظني سنة 90 من القرن الذي قبل هذا القرن, ومات بعد السبعين من هذا القرن, ودفن بأرضه خارج "باب القورجة" أحد أبواب مكناسة جدد الله عليه رحمته"(3).
4- أبو الفرج محمد بن محمد بن موسى بن أحمد الطنجي (ت 993)
__________
(1) - صحف في الإتحاف 5/452 وفي غيره إلى "منحوت" بنون وحاء مهملة, وقد تقدم أنه كان أستاذ البلد الجديد (فاس الجديد), وأنه من طبقة أبي عبدالله القيسي وربما شاركه في شيوخه.
(2) - إجازة ابن غازي ضمن إجازة البوعناني للشرقي م خ ح رقم 9977.
(3) - فهرسة ابن غازي 85-86. وقد تحرف نسب المترجم في الجذوة 2/491 ترجمة 556 فجاء باسم "علي ابن هارون...ثم ذكر مشيخته ووفاته بمكناسة بعد السبعين وثمانمائة كما ذكر ذلك ابن غازي سواء. وقد اغتر بذلك ابن زيدان في الإتحاف 5/451-452 فذكر أولا علي بن منون, ثم أتبعه بعلي بن هارون على أنهما رجلان, لكنه جعل وفاة ابن منون عام 854, ووفاة ابن هارون بعد 870 مع اتحاد مشيختهما.(1/17)
ترجم له في شيوخه بالفهرسة, وذكر أنه جالسه كثيرا للمذاكرة, قال:"واجتمعنا بجامع القرويين-عمره الله تعالى- على قراءة صحيح البخاري حتى ختمناه... ثم ذكر مرويات كثيرة رواها عنه في الحديث وغيره, وأنه فرغ من قراءة ذلك كله بفاس في العشر الأول من المحرم فاتح عام 876هـ وأجاز له جميع ذلك في أسانيده المتقدمة كلها"(1).
ولم يذكر ابن غازي قراءته لشيء من القراءة عليه, وسيأتي في بعض تحقيقاته في مسائل الأداء قوله : "وقرأت على الشيخ المحقق الورع الصلح المتفنن سيدي أبي الفرج الطنجي – رحمه الله- بالقصر, وكان يأخذ به في المحراب"(2).
ولعل قراءته على هذا الشيخ كانت بعد وفاة الشيخ أبي عبد الله الصغير, إذ ذكر ابن القاضي في ترجمة الصغير المذكور أنه "ولي بعده أبو الفرج الطنجي"(3) يعني إمامة جامع الأندلس بفاس.
5- أبو عبد الله الصغير النيجي – نسبة إلى بلاد نيجة حيث ولد كما سيأتي.
هو عمدته في علم القراءات, وبه صدر قائمة مشيخته في فهرسته فقال :
"فمنهم الإمام العالم العلم العلامة الشهير الخطير الكبير, وحيد دهره, وفريد أهل عصره, سيدي أبو عبد الله محمد بن الحسين بن محمد بن حمامة الأوربي النيجي الشهير بـ الصغير... ثم قال عن صفاته ومكانته :" ما رأت عيناي قط مثله خلفا وخلفا وإنصافا, وحرسا على العلم ورغبة في نشره واجتهادا في طلبه, وإدمانا لتلاوة التنزيل العزيز وحسن نغمة بقراءته,... وتبحرا في القراءات وأحكامها, وبلغ في علم النحو مبلغا لم يصل إليه أحد من أترابه ولا من أشياخه, مع المشاركة في سائر العلوم الشرعية, وحسن الإدراك وقوة الفهم, وحب الخير لجميع المسلمين.
حلف الزمان ليأتين بمثله ... حنثت يمينك يا زمان فكفر
مروياته عنه : ثم قال في ذكر ما أخذه عنه :
__________
(1) - فهرسة ابن غازي 121.
(2) - تنبيهات ومسائل مقيدة عن ابن غازي وقفت عليها في مجموع عتيق بآسفي.
(3) - لقط الفرائد (ألف سنة من الوفيات 268).(1/18)
"لازمته – رحمه الله- كثيرا وقرأت عليه القرءان العزيز ثلات ختمات آخرها للقراءة السبع على طريق الحافظي أبي عمرو الداني, وحدثني بذلك عن شيخيه:
1- أبي العباس أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي موسى الشهير بالفلالي.
2- وأبي الحسن علي بن أحمد الورتناجي الشهير بالوهري.
"وأسانيدهما في الأربع روايات(1) مسطورة في الإجازة القرآنية التي بأيدينا فلا نطول بجلبها هنا"(2).
ويظهر أن إجازة الشيخ له كانت معروفة متداولة بأيدي تلاميذته كما كان يعبر عن ذلك في قوله "بأيدي الأصحاب"(3), فكان يحيل عليها ولا يحتاج – كما قال – إلى جلبها.
ولما كانت هذه الإجازة تعتبر اليوم في حكم الضائعة, إذ لا أعلم لها وجودا بكيفية مستقلة, رأيت أن أعود في شأنها إلى "إجازة البوعناني لتلميذه أبي عبد الله محمد الشرقي" لأستخرج منها ما يهمنا هنا عن أساتذة أبي عبد الله الصغير الذين كان يسند القراءة من طرقهم, وذلك بالقدر الذي يساعدنا على وصل رجال هذه المدرسة بالمدرسة التي سبقتها أو – على الأصح مجموعة المدارس – كما يساعدنا أيضا في الباب التالي عند الحديث عن "الطرق المغربية في قراءة نافع وأهم محاورها وشعبها".
1- فأول من أسند عنه في هذه الإجازة "الفقيه الأستاذ المقرئ المحقق الخطيب أبو الحسن علي بن أحمد الورتناجي الشهير بالوهري, وقد أسند القراءات السبعة من طريقه.
2- ثم ثاني شيوخه في الإجازة " الشيخ الفقيه الأستاذ أبو العباس أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي موسى الفيلالي, قرأ عليه القرءان العزيز بالقراءات السبع من فاتحته إلى قوله تعالى"ولقد آتينا ابراهيم رشده"(4), حدثه بذلك عن الشيخ الفقيه أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الرحمان بن ابراهيم السماتي الشهير بالفخار, وعن مولاه أبي وكيل ميمون المصمودي...
__________
(1) - في الفهرسة "في الأربع رواية"
(2) - فهرسته 36-37.
(3) - ..............
(4) - يعني إلى منتصف الحزب الثالث والثلاثين.(1/19)
3- وثالث شيخ مذكور فيها هو "الشيخ الصالح أبو إسحاق ابراهيم بن محمد بن عبد الله الأزدي المدعو بابراهيم الحاج.. كما تقدم, وحدثه بذلك عن الشيخ الأستاذ المقرأ أبي مهدي عيسى بن علي المغراوي عن شيخ الجماعة القيسي بسنده.
4- ورابع شيخ أخذ عنه الصغير وذكره في الإجازة "الشيخ الحافظ المجود أبو علي الحسن السيتاني ابن أخي يوسف يعقوب السيتاني – شارح رجز التلمساني-(1)
"أخذ التجويد إتقانا وتحقيقا عن الشيخ أبي يوسف يعقوب الحلفاوي(2) عن شيخه أبي أبي عبد الله محمد القيسي المذكور, والفقيه أبي يوسف يعقوب بن مبخوت أستاذ البلد الجديد".
وقد ذكر الشيخ ابن غازي بعد. يذكر قراءته على الأستاذ أبي الحسن بن منون –الآنف الذكر- وذكر السند العالي الذي حصل عليه من طريقه, إلا أنه قال:" ولكن لا معدل لسند شيخنا أبي عبد الله الصغير المذكور, وإن كان أنزل لما استأثر به من خصال الكمال والمراتب المفيدة المنال".
ثم قال ابن غازي: "فمن جهته أسمي بعض وجوه سندي المتصل إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم- تيمنا بذلك وسلوكا لأحسن المسالك وتفخيما للدخول في ظل راية هذا المقام العلي, وتطفلا على أهل هذا المقام السني, وأعتمد من ذلك ما انتفاه سيدي أحمد بن موسى الفيلالي المذكور, من طريق أبي العباس أحمد بن نفيس المقرأ, محتجا بأنه أقرب الطرق إليه تلاوة غير متخللة بالإجازة الساذجة ", ثم ساق السند برواية ورش على نحو ما ساقه بها ابن غازي في فهرسته(3).
وقد أفادنا في فهرسته خاصة بجملة ما رواه عنه وقال :
__________
(1) - ذكره ابن غازي وذكر شرحه للتلمسانية في فهرسته 84.
(2) - تقدم في شراح الدرر اللوامع, كما ذكرناه في الرواة عن أبي عبدالله القيسي.
(3) - إجازة البوعناني – وفهرسة ابن غازي 36-37.(1/20)
"ثم الذي أخذته عنه من فنون العلم نوعان: نوع أجازه لي معينا مسندا, ونوع تفقهت فيه بين يديه بقراءتي أو بقراءة غيري تتناوله إجازته لي العامة, غير أن بعضه ماله فيه رواية... ثم بعد تفصيل تلك الأنواع وتقسيمها إلى ثلاث أضرب أخذ في تفصيلها بأسانيده فيها, فذكر من ذلك:
1- حرز الأماني للمشاطبي قال:
"عرضته عليه عرضا جيدا من صدري في مجلس واحد, وباحثته بطول المدة في كثير من دقائقه, وسمعته يقرر كثيرا من نكته، وحدثني به عن أبي الحسن الوهري, عن الأستاذ المحقق أبي وكيل ميمون بن مساعد المصمودي مولى الشيخ الأستاذ المقرئ أبي عبدالله محمد بن عبد الله السماتي الشهير بالفخار, عن الشيخ المقرئ المحدث المعمر ملحق الأحفاد بالأجداد أبي عبد الله محمد بن عمر اللخمي صهر الفقيه أبي الحسن الصغير(1), عن شيخ الجماعة أبي الحسن بن سليمان القرطبي نزيل فاس الأنصاري عن الشيخ الراوية أبي علي الحسين بن عبد العزيز بن أبي الأحوص(2) القرسشي الفهري.
__________
(1) - كذا, والمشهور بمصاهرة أبي الحسن الصغير هو أبو الحسن بن سليمان الآتي بعده كما تقدم – ولا أدري وجه ما ذكره لوفاة أبي الحسن الصغير مبكرا في آخر العقد الثاني من المائة السابعة سنة 719هـ, وقد جاء في ترجمته في الجذوة 2/472 ترجمة521 ذكر صهره علي بن سليمان.
(2) - هذا هو الترتيب الصحيح في اسمه ونسبه وكنيته, بخلاف ما جاء في فهرسة ابن غازي 38 من قوله "عن أبي الحسن علي بن عبدالغني وعن ابن أبي الأحوص القرشي", فهذا تخليط وخبط لا معنى له, وهو ولاشك من النساخ, وقد وقع في ذلك تماما باللفظ نفسه صاحب "ثبت أبي جعفر أحمد بن علي البلوي فيما أثبته من إجازة ابن غازي بما في فهرسته الملحقة بالثبت ص 464, ولعل ذلك من المحقق حيث نقل ما في ثبت البلوي بعد أن عدل لفظه على ما في فهرسة ابن غازي وغاية النهاية 1/32.(1/21)
وعن الشيخ القاضي الناقد أبي جعفر بن ابراهيم بن الزبير العاصمي التفقي, عن كمال الدين أبي الحسن بن شجاع, عن ناظمه أبي القاسم بن فيره".
قال ابن غازي :" وحدثني به أيضا عن الوهري عن أبي وكيل ميمون عن ابن عمر, عن أبي عمران موسى بن محمد المرسي الشهير بابن حدادة(1) عن ابن الزبير عن ابن شجاع الضرير عن الناظم.
ثم دخل سندين آخرين ينتهيان إلى الشاطبي(2).
2-
كتاب التيسير في القراءات السبع للحافظ أبي عمرو الداني.
قال ابن غازي :" عرضت عليه صدرا منه, وأجاز لي جميعه, وحدثني به عن أبي الحسن الوهري عن أبي وكيل ميمون عن الشيخ أبي عبد الله بن عمر عن الشيخ أبي العباس الزواوي عن الشيخ الأستاذ الخطيب أبي العباس الغافقي(3) عن أبي عبد الله بن مشليون, عن القاضي أبي بكر بن أحمد بن أبي جمرة عن أبيه عن المصنف ".
ثم ذكر السند به من طريق أخرى تنتهي إلى أبي داود سليمان بن نجاح وأبي عبد الله الخولاني كلاهما عن مؤلفه أبي عمرو الداني "(4).
3- الدرر اللوامع في أصل مقرأ الإمام نافع لأبي الحسن بن بري.
قال ابن غازي :"عرضتها عليه من صدري في مجلس واحد بعدما قرأناها عليه قراءة تحقيق وتدقيق واستكثار بنقول أئمة هذا الشأن متقدميهم ومتأخريهم, وقيدت عنه عليها نكثا تلقاها من شيوخه, ومباحث من بنيات فكره لم يسبق إليها غيره, ولا ألم بها أحد من شارحيها, فلو كانت لي همة باعثة الآن لجمعتها في كتاب لم ينسج على منواله".
__________
(1) - صحف في فهرسة ابن غازي بـ"ابن جرادة" كما تقدم, والصحيح أنه بالحاء والدال كما ترجمنا له في أصحاب أبي الحسن بن سليمان.
(2) - فهرسة ابن غازي39-40.
(3) - كذا في الفهرسة في كنيته, والصواب أبو إسحاق الغافقي وهو ابراهيم بن أحمد بن عيسى الغافقي الإشبيلي القاضي نزيل سبتة وشيخ النحاة والقراء بها, ترجمنا له في أصحاب أبي الحسين بن أبي الربيع في المتصدرين من مشيخة الإقراء بسبتة.
(4) - فهرسة ابن غازي 40-41.(1/22)
"وحدثني بها عن أبي الحسن الوهري, عن أبي وكيل ميمون, عن الشيخ المقرأ الضابط أبي عبد الله محمد الشهير بالزيتوني عن ناظمها".
"وحدثني بها أيضا عن أبي عبد الله السلوي عن أبي شامل الشمني قال:أخبرنا بها الشيخ الصالح أبو عبد الله الماغوسي السلوي بقراءتي عليه بالإسكندرية, أخبرنا أبو عبد الله محمد بن شعيب بن عبد الواحد بن بحجاج المجاصي, بقراءتي عليه بمدينة تازة, أخبرنا ناظمها"(1).
4-
مورد الظمآن وذيله في الضبط لأبي عبد الله الخراز.
قال ابن غازي :"عرضتهما عليه من صدري, وباحثته في مشكلاتهما, وحدثني بهما عن شيخه أبي الحسن الوهري عن أبي وكيل ميمون, ولم يذكر لي سند أبي وكيل فيهما".
5- شرح الصغير على مورد الظمآن.
"وأما شرحه على مورد الظمآن فتتناوله إجازته لي العامة, وقد ذكر لي – رحمه الله تعالى- أنه لم يشدد له زيمه, وإنما اختصره من شرح أبي محمد بن أجطا من غير تأمل في الغالب"(2).
6- ثم ذكر مؤلفات أخرى رواها عن الصغير عن الوهري عن ميمون مولى الفخار, وهي:
"رجز أبي زكرياء الهوزني في مخارج الحروف وصفاتها(3).
7- تأليف الأستاذ أبي وكيل ميمون كالتحفة والدرة والمورد الروي في نقط المصحف العلي, وقصائده التي خاطب بها أهل مالقة وغيرها, قال: حدثني بها بعد مباحثتي له في بعض مشكلاتها عن أبي الحسن = الوهري عن أبي وكيل ميمون, تغمد الله الجميع برحمته".
8- الإقناع في القراءات السبع لأبي جعفر ابن الباذش.
9- كتاب الهداية في القراءات السبع لأبي العباس أحمد بن عمار المهدوي.
وقد أسند عنه هذين الأخيرين من طريق أبي عبد الله السلوي إلى مؤلفيهما(4).
وقد أسند عنه في فهرسته عددا كبيرا من كتب الحديث وغيرها يمكن الرجوع إليه فيها(5).
__________
(1) - فهرسة ابن غازي 41.
(2) - المصدر نفسه 43.
(3) - تقدم الرجز بنصه في ترجمة الناظم.
(4) - فهرسة ابن غازي 44-45.
(5) - فهرسة ابن غازي 41-61.(1/23)
وذكر في النوع الثاني مما أخذه عنه ملازمته له سنين في تفسير القرءان العزيز والمصادر التي كان ينقل عنها فيه, قال:"ولازمت كذلك مجلس تجويده الممزوج بالإعراب والبيان والتفسير وأحكام القراءات وتوجيهها".
ثم ذكر ملازمته لمجلس إقراءه لألفية ابن مالك في النحو وما أخذه عنه من المتون في ذلك, وشرح أبي شامة على حرز الأمان وغير ذلك وختم بذكر من أدركهم من الشيوخ المهرة بمدينة فاس وبعض فوائده وإنشاداته التي استفادها منه, ثم ذكر تاريخ ولادته ووفاته فقال:
"حدثني – رحمه الله تعالى- أنه ولد بالحمري من بلاد "نيجة"(1) بطن من اثني عشر بطنا من أوربة عام ثلاثة وثمانمائة, وتوفي رحمه الله تعالى – بمدينة فاس ليلة الجمعة السادس من شعبان عام سبعة وثمانين وثمانمائة (887)هـ, ودفن بها على مقربة من قبر ولي الله تعالى الشيخ أبي زيد الهزميري برد الله ضريحه"(2).
تلك أقباس من ترجمة أبي عبد الله الصغير اقتبسناها من تعريف صاحبه به بطليعة من ترجم لهم في فهرسته, ولقد اقتصر فيها على ذكر ما أفاده منه دون أن يلم ولو إلمامة يسيرة بذكر الذين شاركوه في الإفادة منه, ولو كان قد أطال النفس فيما ذكره لأفادنا وأفاد التاريخ العلمي لهذه المدرسة فوائد لا تقدر, إلا أنه للأسف لم يفعل, ولعله إنما كتب ما كتب باستعجال تبعا للباعث الذي حركه إلى كتابة فهرسته, وهو – كما جاء في أولها- الطلب الذي تقدم به إليه طائفة من أعلام مدينة تلمسان(3).
__________
(1) - فنسبه إذن "النيجي" وليس التيجي بالتاء والباء بعد الجيم كما تصحف بذلك في عدد من الفهارس (مثلا فهرسة عبدالرحمن بن ادريس المنجرة لوحة 86 م خ ح رقم11463)
(2) - فهرسة ابن غازي 69.
(3) - مقدمة الفهرسة 31-35.(1/24)
ولا يفوتنا نحن هنا أن نذكر أسماء طائفة ممن أفادوا من هذا الشيخ الجليل وشاركوا ابن غازي في الرواية عنه, وبعضهم روى عنه وعن الشيخ معاكما سيمر بنا في تراجم رجال مدرسة ابن غازي عن قريب. وقد أجمل الشيخ أبو العباس المنجور أسماء من أخذوا القراءات السبع كاملة على الصغير فقال:
"ويذكر عن الأستاذ الصغير هذا أنه ختم عليه ثلاثمائة مسبع – أي قرؤوا عليه القرءان بالقراءات السبع - -قال- وهذه بركة عظيمة قل أن توجد لغيره"(1).
بعض الآخذين عن الصغير من مشيخة القراءات:
1- أبو العباس أحمد بن محمد بن يوسف الصنهاجي الشهير بالدقون (ت 921)
وسيأتي في أصحاب ابن ابن غازي.
2- أبو عبد الله محمد بن أبي جمعة الهبطي صاحب "تقييد الوقف", أخذ عنه وعن ابن غازي وسيأتي.
3- أبو داوود سليمان بن عبد الله الورنيدي اليزناسي المعروف بـ "بويعروبين".
ذكره في درة الحجال وصفه بـ "أستاذ المقرئ المحقق"(2) وبنحو ذلك وصفه في "جذوة الاقتباس"(3) ووصفه في نيل الابتهاج بـ"الشيخ العالم النحوي", وقال:"أخذ عن الأستاذ الصغير, وتقدم في النحو والقراءات, وتصدر لأقراهما, أخذ عنه موسى الزواوي(4), وتوفي حادي عشر شعبان عام 891".
__________
(1) - فهرس أحمد المنجور 17.
(2) - درة الحجال 3/312 ترجمة 1408.
(3) - الجذوة 1/506 ترجمة 595.
(4) - هو موسى بن سعيد الحافظ الزواوي. قال في الجذوة "الأستاذ المقرئ بفاس الشهير بالزواوي, أخذ عن عيسى بن أحمد الماواسي, توفي سنة 923" جذوة الاقتباس 1/347 ترجمة 369. وجاء ذكره في إجازة البوعناني للشرقي الدلائي فذكر أخذه للقراءة عن أبي مهدي عيسى بن أحمد المواسي عن شيخه الأستاذ أبي الحسن الوهري... ورفع السند, فهو إذن يروي عن طرق تلتقي مع طرق الصغير.(1/25)
قال:"وقال الشيخ زروق في كناشته:"الأستاذ أبو الربيع عرف بـ"ابن يعربين"(1) أحد نجباء تلامذة الأستاذ الصغير, جلس مجلسه بعده لإفادة الأداء في السبع, وانتفع به, كان قيما على ما هو به, توفي سنة 92 بعد الأستاذ المصيمدي"(2).
وقد استفاد منه ابن غازي نفسه في تحقيق بعض مسائل الأداء كما سيأتي.
4- أبو العباس أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى البرنسي الفاسي الشهير بـ"زروق" الفقيه الإمام صاحب المؤلفات في الفقه وغيره (846-899), ذكره صاحب الجذوة وأفاض في ذكر مشيخته ومؤلفاته(3).
وقال ابن مريم في"البستان:"قرأ القرءان على جماعة, منهم القوري والزرهوني- وكان رجلا صالحا- والمجاصي, والأستاذ الصغير, كل ذلك بقراءة نافع"(4).
5- أحمد بن عمران السلاسي الفقيه الأستاذ. قال في الجذوة:
"أخذ بفاس عن الأستاذ أبي عبد الله الصغير النيجي, توفي بعد 930"(5).
6- أبو الفرج محمد بن محمد بن موسى الطنجي ثم الفاسي, وهو من شيوخ ابن غازي كما تقدم – ذكر في "فهرس المنجور" أخذه عن الصغير وغيره, وتبعه في "نيل الابتهاج", وذكر وفاته سنة 893"(6).
7- أحمد بن الحاج أبو العباس الزجني الأستاذ الموقت الفلكي: ذكره المنجور في ترجمته ولده محمد الصغير وقال:"كان والده هذا ممن جمع القرءان بالقراءات السبع على الأستاذ الصغير, ثم أولع بعلم الفلك"(7).
8- ابراهيم بن عبد الجبار بن أحمد الورتدغيري الشريف الرحالة المحدث الناظم الناثر.
__________
(1) - كذا في نيل "الابتهاج" وقد تكررت فيه مرارا بهذا اللفظ في عدة تراجم.
(2) - نيل الابتهاج 122.
(3) - جذوة الاقتباس 1/128-130 ترجمة 66.
(4) - البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان لمحمد بن محمد ابن مريم المديوني45.
(5) - جذوة الاقتباس 1/157 ترجمة 106.
(6) - فهرس المنجور 11 ونيل الابتهاج 323.
(7) - فهرس المنجور 76.(1/26)
ذكره بهذه التحليات في"الجذوة" وذكر أخذه بمدينة فاس عن الأستاذ الصغير وعن الشيخ ابن غازي وغيرهما.. ثم ذكر وفاته ببلاد السودان بعد التسع مائة"(1).
9- يحيى بن عبد الله بن بكار المحمدي., وصفه في "درة الحجال" بـ"الولي الصالح", وذكر أخذه عن الصغير, وقال في " "الجذوة":"الأستاذ القارئ لكتاب الله تعالى, أخذ عن أبي عبد الله الصغير, من سكان مدينة فاس, توفي سنة 956"(2).
10- أبو محمد علي بن عبد الجبار الصحيني النفزي ذكره ابن القاضي في "الفجر الساطع" عند ذكر "مالك لا تأمننا" وما قيل في إخفاء نونها الأولى أو إدغامها في الثانية مع الإشمام, وذكر له أرجوزة في ذلك أرى أن أسوقها بتمامها باعتبارها نموذج للمستوى العلمي والأداء عند رجال المدرسة, وقد صدر لها ابن القاضي بعد ذكره لقصيدة أخرى في موضوعها بقوله:"ولبعضهم هذا الجواب, ويعزى للشيخ الأستاذ سيدي علي بن عبد الجبار(3) الصحيني رحمه الله..
من بعد حمد الله والصلاة ... على النبي سيد السادات
وآله وصحبه الأعلام ... ما لاح نجم في دجى الظلام
عن نون "تأمن" سألتني وما ... قد قال فيه كل من تقدما
وما الذي اشتهر عند الناس ... بـ"مكة الغرب"(4) وحوز فاس
فهاك إن كنت عن العلم تسل ... ما قال أهل العلم فيه والعمل
__________
(1) - جذوة الاقتباس 1/99-101.
(2) - درة الحجال 3/340 ترجمة 1466 – وجذوة الاقتباس 2/544 ترجمة 632.
(3) - هذا اسمه في "الفجر الساطع" وفي "الروض الجامع" لمسعود جموع, وزاد الأخير فقال: "ومن قصيدة الشيخ الأستاذ المحقق أبي محمد علي الجيار رحمه الله", هكذا بزيادة الكنية وإسقاط لفظي (بن عبد), وهو موافق لما وجدته في نسختين من "الفجر الساطع" لكن هكذا (علي بن الجيار) – وفي إحداهما بالباء, ورأيت الأستاذ سعيد أعراب قد أثبت اسمه ونسبه هكذا "أبو محمد بن عبدالجبار الصحيني" – القراء والقراءات بالمغرب 63 وكذا 83 وسنأتي على جلية ذلك.
(4) - يعني مدينة فاس.(1/27)
فجلهم يرويه بالإخفاء ... للسبعة القرا بلا امتراء
وهو الذي عليه أحبار الهدى ... سادتنا المعلمون للادا
كشيخنا "الصغير"(1) المبرور ... إمام قطر الغرب و"المتتوري"(2)
وجل من مضى من الأعلام ... ممن روى عنهم فخد نظامي
كسيدي الفيلالي والوهري ... وسيدي الفخار والقيسي
وهو الأصح من طريق الداني ... إمامنا المعروف بالإتقان
وقال أيضا صاحب "الأماني"(3) ... أخف وفكك أولا من ثان
وقال في الفرش :وبالإخفاء ... أخذه له أولو –الأداء-(4)
أبو الحسن أعني به ابن بري ... إمام ذا البر وداك البر
فهؤلاء كلهم سادات ... أئمة في نقلهم ثقات
وهاك أيضا صفة الإخفاء ... إن كنت باحثا عن الأداء
فصفة الإخفاء عند الناس ... أن تسرع النطق بالاختلاس
بضمة النون بلا إجحاف ... كذا حكى الداني عن الأسلاف
فهذه حقيقة الإخفاء ... عند المصدرين للإقراء
في نون "تامنا", وبالإدغام ... رواه بعضهم مع الإشمام
لكن صار الخلاف في الإشمان ... أين محله من الإدغام؟
قال أناس : بعد الاستكمال ... وهو الذي يسهل عند التالي
وقال قوم :قبله يشير ... وذا في الاستعمال –قل- عسير
وبعد بعض الدغم أيضا يعسر ... فهذه ثلاثة لا تنكر
وقد روى الإظهار والإدغاما ... قوم, فلا أخفا ولا أشماما
وذان للشذوذ ينسبان ... كذا روينا عن دوي الإتقان
هذا جميع ما رواه العلما ... والأول المشهور عنهم فاعلما
فخذ به واعمل عليه والتزم ... سليل كل جهبذ سما علم
واترك سبيل جاهل ودعه ... يخبط عشوة ولا تلمه
ولا تكن كقراء البوادي ... ترتكب الجهل مع العناد(5)
لأنهم قد أنكروا عليا ... الأخفا وصرت عندهم بدعيا
وجاحدو بجهلهم وقالوا ... إن الذي قلت لنا محال
ليس لهم علم ولا شيوخ ... وإنما هم أغبيا فخوخ
__________
(1) - يعني شارح "الدرر اللوامع".
(2) - يذكر لقبه بالتصغير والتكبير.
(3) - يعني حرز الأماني للشاطبي.
(4) - قوله "وبالإخفاء إلى آخر البيت هو لابن بري في أرجوزته.
(5) - ورد البيت عند سعيد أعراب بلفظ "ولا تكن كنفر البوادي ... ترتكب الجهل مع العباد"(1/28)
يا عجبا لهم فكيف سادوا(1) ... بغربنا, والعلم عنه حادوا؟
وصاروا في الأنظار عند الناس(2) ... أئمة بالرأي والقياس
قد انتهى جواب ذا الغريب ... نظمته للطالب اللبيب
علي المعروف بالنفزي(3) ... يا رب فاحشرنا مع النبيء
وبعد ذا فادع لنا يا من قرا ... الهنا يغفر لنا ما قد جرى
يا ربنا فاغفر لوالدينا ... وشيخنا واحشرنا مع نبينا
واغفر لنا ولجميع المسلمين ... بجاه سيدي الورى والمرسلين
قد كملت عدتها "بم"(4) بلا ... زيد ولا نقص, وتبري العللا
ثم صلاة الله(5) مني أبدا ... عليكم يا سيدي مسرمدا(6)
وقد استقدنا تلمذته على الشيخ أبي عبد الله الصغير من قوله "كشيخنا الصغير المبرور", كما يمكننا أن نستفيد من ذلك, وكذلك من دعاءه له بقوله "فاغفر لوالدينا وشيخنا" أنه شيخه الوحيد أو الشيخ الذي يهتد بالانتماء إليه واعتماده في التحقيق والتحرير.
__________
(1) - عند سعيد أعراب "يا عجبا منهم كيف سادوا", وقد ذكر منها ستة أبيات فقط – القراء والقراءات63.
(2) - عند أعراب "في الأقطار".
(3) - هذا يبين عن اسمه الشخصي وأنه كما ذكر ابن القاضي ومسعود جموع "علي" ويبقى الإشكال في والده أهو عبدالجبار, أم هو "علي بن الجيار" بالياء المثناة!
(4) - يريد قيمتها العددية بحساب الجمل وهي 42 بيتا.
(5) - الأرجوزة بتمامها في "الفجر الساطع" في فرش الحروف عند ذكر"تامنا", وذكر منها في"الروض الجامع" قسما ابتداءه من قوله "وهاك أيضا صفة الإخفاء ... إن كنت باحثا عن الأداء".
(6) - علق في إحدى نسخ الفجر الساطع بالهامش قائلا "ثم سلام الله, والذي في الأصل هو للمؤلف". وكأن المعلق أراد تعديل الدعاء بالصلاة بالدعاء بالسلام لآنه أليق بالمقام.(1/29)
هذه إلمامة مقتضبة بترجمة أبي عبد الله الصغير واضع أساس هذه المدرسة, وتلك نماذج من مرويات صاحبه أبي عبد الله ابن غازي عنه فيما يخص القراءة وعلومها, وهذه أخيرا تعريفات موجزة بنخبة من أسماء أصحابه الذين انتفعوا به وأسندوا القراءة من طرقه, وسيكون لنا معهم لقاءات أخرى في تحقيقات ابن ابن غازي وتحريراته لمسائله واختياراته.
6- أبو عبد الله بن محمد بن أبي القاسم محمد بن يحيى بن أحمد بن محمد النفزي الحميري الشهير بالسراج.
أما شيخ أبي عبد الله بن غازي في المصنفات والمتون المنظومة في القراءة وعلومها مما كان يمثل ثقافة الطلاب وعمدتهم في التدريس, فهو الشيخ أبو عبد الله حفيد الراوية الكبير أبي زكياء السراج صاحب الفهرسة الحافلة الشهيرة التي أفدنا منها كثيرا في تراجم المشايخ ومعرفة الكثير من الروايات والمرويات.
ولم يتعرض ابن غازي لشيوخ أبي عبد الله, وإنما ذكر أنه "كانت له رواية عن أبيه عن جده الشيخ الراوية المكثر الحافظ المسند الأكمل أبي زكريا, المذكور.. ثم ذكر أنه –أي أبا عبد الله- أجاز له جميع ما رواه من ذلك بفاس آخر ربيع الثاني عام 876هـ. قال :"وناولني –رحمه الله تعالى- فهرسة جده, وأجاز لي جميع ما انطوت عليه بعد أن قرأت عليه بعضها, وحدثني بذلك عن أبيه عن جده صاحبها, وذلك = ب مدينة فاس المحروسة, وها أنا أرسم في هذا الثبت كل ما فيها من الكتب مكتفيا في سند كل كتاب منها بطريق واحد, واصلا بحكم الإجازة المذكورة اسمي بأسماء رجالها, تعلقا بأذيالهم, وتشبها بأحوالهم".
وهذه أسماء المصنفات في القراءات وعلومها مما رواه في هذه القائمة أكتفي بذكرها دون أسانيده فيها إلى المؤلفين, لأن كثيرا منها قد وقع التنبيه عليه في مناسبات سابقة في أبواب وفصول تقدمت ..
1- التيسير لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني.
2- الدر النثير والعذب النمير في شرح التيسير لأبي محمد عبد الواحد بن محمد بن علي بن أبي السداد.(1/30)
3- التبصرة في القراءات السبع لمكي بن أبي طالب القيسي القيرواني.
4- الكافي في القراءات السبع لأبي عبد الله محمد بن شريح الرعيني الإشبيلي.
5- المفردات لأبي عبد الله بن شريح وابنه أبي الحسن شريح بن محمد الرعيني.
6- الإقناع في القراءات السبع لأبي جعفر أحمد بن علي بن الباذش الغرناطي.
7- حرز الأماني للقاسم بن فيره الرعيني الشاطبي.
8- القصيدة الحصرية الرائية في قراءة نافع لأبي الحسن علي بن عبد الغني الحصري القيرواني.
9- القصيدة الخاقانية في القراء لأبي مزاحم موسى بن عبيد الله بن مزاحم الخاقاني البغدادي.
10- المقنع في رسم مصاحف الأمصار لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني.
11- الممتع في تهذيب المقنع لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن داوود بن الكماد اللخمي المرسي.
12- مختصر المقنع لأبي عبد الله محمد بن محمد بن البقالي التازي ثم الفاسي.
13- البارع في قراءة نافع لأبي عبد الله بن آجروم الصنهاجي ثم الفاسي.
14- مورد الظمآن في رسم أحرف القرءان لأبي عبد الله محمد بن ابراهيم الخراز الشريشي.
15- جميع تآليف أبي عبد الله الخراز الشريشي المذكور.
16- الدرر اللوامع لأبي الحسن علي بن محمد بن بري التازي.
17- الوجيز النافع في شرح الدرر اللوامع لأبي محمد بن مسلم القاضي القصري.
18- نظم الفريد في أحكام التجويد لأبي العباس أحمد بن محمد الحسني.
19- الجمان النضيد في معرفة الإتقان والتجويد لأبي عبد الله الصفار المراكشي.
21- الزهر اليانع في مقرأ الإمام نافع لأبي عبد الله الصفار.
22- القانون الكلي, في المقرأ السني لأبي عبد الله الصفار.
23- أسفار الفجر الطالع في اختصار الزهر اليانع لأبي عبد الله الصفار.
24- تخريج الخلاف بين أبي نشيط والحلواني عن قالون لأبي عبد الله الصفار.
25- ذكر مخارج الحروف وصفاتها لأبي عبد الله الصفار.
26- التجريد في الخلاف بين الأئمة الثلاثة.. الداني ومكي وبن شريح لأبي الحسن بن سليمان القرطبي.(1/31)
27- المنافع في قراءة نافع(1) لأبي الحسن بن سليمان.
28- مختصر "التجريد" لأبي الحسن بن سليمان.
29- ترتيب الأداء, وبيان الجمع بين الروايات في الإقراء, لأبي الحسن بن سليمان.
30- تبيين طبقات المد وترتيبها لأبي الحسن بن سليمان.
31- رجز ابن البقال في قراءة قالون.
32- الإدغام الكبير لأبي عبد الله بن الكمادي المرسي.
33- تهذيب الاعتماد في اتباع سبيل الرشاد لأبي إسحاق ابراهيم بن أحمد الغافقي الإشبيلي السبتي(2).
هذه هي الكتب التي ذكرها في القراءة وعلومها, وذكر معها بعدها تسعة وعشرين مصنفا في فنون مختلفة فيكون بذلك مجموع ما رواه من المصنفات عن فهرسة السراج 62 كتابا بين مصنف ومنضومة.
وبذلك يكون أبو عبد الله بن غازي قد اشتمل على التراث القرائي الذي أنتجته القرائح المغربية لأننا نلاحظ أن هذه القائمة لم تشتمل على أي كتاب مشرقي في القراءة وعلومها, إلا قصيدة أبي مزاح الخاقاني, وهي أيضا كانت برواية مغربية خالصة متصلة الإسناد بالمغاربة والأندلسيين إلى فارس بن أحمد شيخ أبي عمرو الداني وشيخه الآخر طاهر بن غلبون.
وللشيخ بن غازي أيضا روايات أخرى في "التيسير" و"الشاطبية" غير ما تضمنته هذه القائمة منها ما ذكرناه له من طريق أبي عبد الله الصغير, ومنها ما رواه بالإجازة – مما ذكره في فهرسته-.
- فقد أجازه بـ"حرز الأماني" و"عقيلة الأتراب" في الرسم أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمان السخاوي في جملة ما أجازه به من مصر سنة 885هـ(3).
__________
(1) - هكذا جاء اسم الكتاب "المنافع", والغالب أنه يريد كتابه المعروف "تهذيب المنافع" كما تقدم.
(2) - يمكن الرجوع إلى أسانيده في هذه المصنفات والقصائد في فهرسته 95-101.
(3) - الفهرسة 148-157-172.(1/32)
- وأجازه بهما وبالدرر اللوامع وغير ذلك مما يدخل في روايته الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد ابن أحمد بن مرزوق (الحفيد), وذلك فيما ذكره في "ذيل فهرسته"مما يدخل ضمن هذه الإجازة مما زاده وألحقه بها عام 905 أي قبل وفاته بنحو 14 عاما(1).
وبهذا يكون قد استوفى رصيده العلمي أو "المادة الخام" التي ستكون غذائه اليومي غداة تصدره, وخاصة حين انتقاله إلى قاعدة البلاد واشتماله على إمامة التصدر ومشيخة الجماعة, وهو ما سيكون له أثره في سعة أفقه وعمق فهمه ورسوخ قدمه عند تناول قضايا الفن ومسائل الخلاف كما سنرى أمثلة حية من ذلك بعون الله.
بهؤلاء الشيوخ الستة إذن تخرج في القراءة وما يتصل بها من فروع كالرسم والضبط وقواعد الأداء والتجويد ولا شك أنه قد استفاد من باقي رجال مشيخته الذين ذكرهم في فهرسته, والذين لم يذكرهم ممن جمعته بهم حياة الدرس والطلب, وكذلك رفاقه الذين صاحبهم على ذلك في مكناسة الزيتون وفاس, إذ لم يتح له أن يشد الرحال إلى غيرهما من الحواضر, أو لم يشعر بالحاجة إلى ذلك إذ كان موقع فاس يومئذ من هذا الشأن كما يقول المثل "كل الصيد في جوف الفرا".
على أننا نجده مع ذلك حزينا آسيا على ما فاته من حال من تقدموه, وذلك حين يقول في مطالع فهرسته بعد أن ذكر جهود السلف في السرى والتأويل وأعمال اليعملات في فيافي الفلوات طلبا للسند العالي:
__________
(1) - الفهرسة 188-192.(1/33)
"ثم جئنا نحن على الأثر نتعلل بالوقوف على رسم قد درس ودثر, ونود الاختفاء في سبيلهم, والاقتداء بدليلهم, لو ساعدنا أو ساعف القدر, وتصاونا(1) عن الرحلة كما ارتحلوا, وإعمال عوامل النقلة كما أعمل, أوطان وأوطار(2), ومخاوف أخطار, ومسالك لا تخطر السلامة فيها على البال إلا بالأخطار, فنقنع بالمحبة في طريقهم, والاتسام بسمة طريقهم:
ولربما يكفي المحب تعللا ... آثارهم ويعد ذاك "غنيمة"(3)
ومهما يكن فقد كفي الشيخ مؤونة الرحلة الآن, واستطاع أن يغترف عن قرب من كنوز الثقافة العلمية بفاس ومكناسة ما يسد الخصاصة ويربي على مقدار الحاجة, وحسبك به أنه ما من علم من علوم الرواية كان معروفا بالمنطقة إلا وجدته مسندا من طريقه سواء تعلق الأمر بالقراءات أم بالفقه, أم بالنحو أم بغير ذلك من علوم التفسير والحديث(4).
__________
(1) - رغم موضوع المعني من السياق لقراءة "وتصدنا" قراءة صحيحة, فقد كتبها محقق فهرسة ابن غازي " بلفظ" "وتصاونا", وعلق بالهامش " هكذا قرأناها في النسختين". (فهرسة ابن غازي 30).
(2) - يبدو أن هذا هو الصواب في الكلمة "وأوطار" حتى تقع المجانسة بينها وبين "أوطان" قبلها, وحتى تنتظم أيضا السجعة مع قوله "وأخطار", لكن كتبها " وأوكار" دون أن يعلق عليها بشيء.
وأحسب أن الشيخ يشير إلى معنى "مآرب" في البيت المشهور
"وحبب أوطان الرجال إليهم ... مآرب قضاها الشباب هنالكا..."
(3) - الفهرسة 30-31.
(4) - من أمثلة ذلك في الفقه المالكي إسناد أبي العباس المنجور للفقه المالكي من طرق أصحاب ابن غازي في فهرسته 18-19 بالسند المتصل إلى صاحب المذهب مالك بن أنس عن شيوخه مرفوعا. وإسناد التونسيين له أيضا من طريق ابن غازي كما في شجرة النور الزكية 472-473. ومن أمثلته أيضا إسناد المغاربة لعلم النحو كما نجده عند محمد بن الطيب القادري من طريق شبيهة (انظر كتاب التقاط الدرر للقادري ص 449-451.(1/34)
ولا شك أن هذا الرصيد الثقافي السخي رصيد في منتهى الكفاية والكفاءة إذا أحسن تمثله والإفادة منه, إذ كثير في زمنه من شاركوه في التعامل معه, ولكن حواصلهم لم تقوى على حسن التمثل والهضم, ولم ترتفع به عن مستوى الرواية والنقل والحكاية, إلى مستوى الدراية والفهم والتوجيه النافع.
وبهذا-كما سنرى- كان لأبي عبد الله الشفوف على الأقران, والتبريز على من عاصروه من حملة الألواح والأقلام, وبه استطاع أن يتبوأ مجالس الإمامة وأن يتسنم كراسي مشيخة الجماعة في أكثر العلوم والفنون., وبذلك شهد له عامة من ترجموا له من المؤرخين.
مكانته العلمية وشهادات العلماء له:
تتجلى مكانة أبي عبد الله بن غازي إلى جانب ما تنطق به إمامته في الفن ورسوخ قدمه في العلم بوجه عام, وسعة مروياته في علوم الإسلام, في الثناء العريض الذي نجده لأصحابه عليه, وفي التحليات العلمية السامية التي يحليه بها مترجموه, تنويها بقدره, وتنبيها على علو شأنه, واعترافا بإمامته وجلالة منصبه.
كما تتمثل للدارس من خلال تراثه العلمي الفخم الذي دبجه قلمه في مختلف شعب المعارف, حتى في العلوم التي يقل الاعتناء بها عند عامة الفقهاء(1), ومباحث الشيخ على تنوعها وتباعد ما بينها أمثلة فريدة في الطرافة والعمق والفوائد الجمة والقدرة على التوجيه والتخريج والمقايسة والتنظير.
وقبل أن نتجه إلى استعراض بعض تحقيقاته في المجال الذي يهمنا منه هنا, وإلى استعراض بعض آثاره في الفن, نقف قليلا معه عند طائفة من التحليات والألقاب العلمية التي حلاه بها معاصروه والمترجمون له.
__________
(1) - مثال ذلك في أرجوزته "منية الحساب" في علم الحساب, وشرحه عليها المسمى "بغية الطلاب في شرح منية الحساب, وهو مطبوع طبعة حجرية بفاس في 248 ورقة كما ذكر محقق فهرسته ص 12-15. وكذلك تأليفه في العروض على الخزرجية وشرحه عليه كما ذكره ابن زيدان في الإتحاف 4/9.(1/35)
فلقد تفنن أصحاب الشيخ في الثناء عليه حيا وميتا, فأكثروا من الإشادة به وبالغوا في رثائه بعد موته وذكرى مآثره وفضائله شعرا ونثرا.
فمن ذلك ما حلاه به صاحبه أبو عبد الله محمد بن أبي جمعة الوهراني المدعو شقرون في القصيدة العصماء التي رثاه بها, وهي مثل فريد في الوفاء(1).
ومما قيل في حياته تنويها باقتداره, وتنبيها على مقداره, ما ذكره مسعود جموع في "كفاية التحصيل" عقب ذكره لترجمته وحديثه عن سمو مكانته قال:"حتى قال فيه القائل:
تكلم في الحقيقة والمجاز ... فما في الأرض مثلك يا ابن غازي(2)
وقال فيه صاحبه أبو عبد الله الكفيف الأنفاسي:
حبر تثبت والإنصاف شيمته ... أكرم به طاب من خلق ومن خلق
أتى به الدهر فردا لا نظير له ... مثل"البخاري"لما جاء بـ"العتقي"(3)
ومن ذلك ما حلاه به صاحبه العلامة عبد الواحد الونشريسي في قوله :
__________
(1) - توجد القصيدة مخطوطة بعنوان "تعزية في محمد بن أحمد بن غازي" في الخزانة الناصرية بتمكروت حسب (دليل مخطوطات الخزانة الناصرية للأستاذ محمد المنوني 138) ورقها هناك 2088 ضمن مجموع.
(2) - كفاية التحصيل في شرح التفصيل سيأتي في شروح التفصيل لابن غازي.
(3) - البيتان في ترجمة محمد بن يوسف الترغي في درة الحجال 2/164 ترجمة 638 وعقب عليهما بما يبين مقصوده في البيت الثاني فقال : وذيلهما – يعني الترغي المذكور – ببيت وهو
"وذا بسادس أبواب تقيد في ... تفسير "يوسف" من جامعه العبق".
والإشارة هنا إلى الرواية الوحيدة التي للبخاري في صحيحه من طريق ابن قاسم وهي المذكورة عنده في كتاب التفسير في قوله :"حدثنا سعيد بن تليد حدثنا عبدالرحمن بن القاسم عن بكربن مضر عن عمرو بن الحارث عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"يرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد".(1/36)
"شيخنا الإمام العالم الأثير السيد أبو عبد الله, كان إماما مقرأ مجودا صدرا في القراءات, متفننا فيها, عارفا بوجوهها وعللها, طيب النغمة, قائما بعلم التفسير والفقه والعربية, متقدما فيها عارفا بوجوهها... فهو آخر المقرئين, وخاتمة المحدثين"(1).
ووصفه السوداني في "النيل" بقوله "شيخ الجماعة بها, الإمام العلامة البحر الحافظ الحجة, المحقق الخطيب, جامع أشتات الفضائل, خاتمة علماء المغرب, وآخر محققيهم, ذو التصانيف العجيبة"(2).
وقال بن عسكر في "الدوحة":"الشيخ الراوية العالم العلم, شيخ الجماعة ومفتيها"(3).
وحلاه في الإتحاف بقوله:"عالم العصر, وبركة القطر, المتفنن الذي لم يسمح الزمان له بمثيل,بحر زخار تتلاطم أمواج تحقيقه, حافظ حجة, فردي حيسوبي, عروضي, خطيب, جامع شتات الفضائل, مقرئ مجود صدر في القراءات, متقن لها, عارف بوجوهها وعللها, طيب النغمة, عذب المنطق, حسن الإيراد والتقرير, فصيح اللسان, عارف بصنعة التدريس, ممتع المجالسة, جميل الصحبة, سري الهمة, نقي الشيبة, حسن الأخلاق والهيئة, عذب الفكاهة, معظم عند الخاصة والعامة, نصوح, قائم بعلم التفسير والفقه والعربية والحديث, حافظ له, واقف على أحوال رجاله وطبقاتهم, ضابط لذلك كله, معتن به, ذاكر للسير والمغازي والتاريخ والآداب"(4).
__________
(1) - نقله في نيل الابتهاج 333.
(2) - نفسه 333.
(3) - دوحة الناشر لمحمد بن عسكرالشفشاوني46-47 ترجمة 31, وقال في تمام ذلك:"وفي الجملة فهو إمام هدى, يقتدى به ويثنى على فعله البعيد الغاية أهل المشارق والمغارب, له الشأو الذي لا يدرك, وفضائله أكثر من أن تحصى, وعلومه أعظم من أن تستقصى".
(4) - إتحاف أعلام الناس 4/2.(1/37)
ولو ذهبنا نستقصي ما حلي به في كافة المصادر لطال بنا المجال, ويكفينا نحن في زمننا أن ننظر فيما وصل إلينا من أصداء عن جهوده وجهاده على مختلف الأصعدة, وأن نتمعن قليلا فيما نقف عليه من تراثه المكتوب وأخباره المدونة, وصلاته الوثيقة بأهل زمانه عامة وعلماء وحكاما, وإمامته المشهود له بها في كل ما تعاطاه من علوم وفنون, وخاصة في القراءة وعلومها, يكفينا ذلك أو بعضه لنضعه من علماء هذا القطر موضع الإكليل من الرأس, والإنسان من العين.
إنه العالم بحق الذي يأبى عليه علمه إلا أن يكون في الطليعة مع العلماء, وفي العمل لإنقاذ الأمة مع العاملين, وفي كل ميدان من ميادين الإصلاح الاجتماعي حتى في إصلاح ذات البين بين القبائل, ودون أن يصده كل ذلك عن القيام بوظائفه العلمية في التدريس والتربية والتعليم والتوجيه(1).
صلاته العلمية بالعلماء:
وإن في اللقطات التي نقف عليها هنا وهناك مما يخلد صلاته بعلماء عصره لأوثق شاهد على حضوره العتيد في الساحة العلمية, وانتصابه في سماء زمانه منارا هاديا يقتبس منه كل على قدر حاجته, ويستفيد هو من تلك الصلات بقدر ما يتسع له وقته العامر بجلائل الأعمال, وتسمح به تصرفات الأحوال.
__________
(1) - كانت تحركاته أحيانا للإصلاح بين القبائل هي التي تملي عليه بعض مؤلفاته, ومن ذلك ما ذكره في أول كتابه "كليات في الفقه المخطوط بالخزانة العامة بالرباط تحت أرقام 1554-1553-220 من أن سبب جمعه لهذه الكليات هو إقامته في بعض الأيام بطريق "تامسنا" حين توجهه للقاء مع الشاوية" حين طلبوا منه ذلك في أوائل عام 893هـ".(1/38)
- فمن صلاته العلمية تلك ما ظل يقتبس منه المعارف, وينمي به رصيده منها, تارة بالمراسلة في بعضها, على نحو ما نفهمه من دلالة عنوان كتابه الذي سماه "الإشارات الحسان", المرفوعة إلى حبر فاس وتلمسان"(1), وكتابه الآخر"المطلب الكلي في محادثة الإمام القلي"(2) أو كتابه "مذاكرة أبي إسحاق بن يحيى في حكم ما حيا"(3).
وتارة باستجازة العلماء أو تبادل الإجازة معهم, كما فعل مع الشيخ الفقيه المحدث الراوية أبي محمد عبد القادر بن عبد الوهاب بن أحم البكري المقدسي الشافعي الذي ذكره في فهرسته, وقال عنه: "قدم هذه البلاد سنة 880هـ فذاكر في الفقه وغيره جماعة من أصحابنا, فلما ورد على مدينة مكناسة سلكت معه هذا الأسلوب, نتذاكر الفرع فنذكر مذهب مالك فيه, ويذكر مذهب الشافعي...
واستفاد بعضنا من بعض فوائد جمة... ثم ذكر أنه استجازه فيما حمله عمن لقي بالعراق والحجاز والشام ومصر, فأجاز له جميع ذلك إجازة عامة, وكتب له ذلك بخطه.. ثم ذكر أسماء ستة عشر كتابا من كتب الحديث وغيرها سماها له في الإجازة(4).
__________
(1) - يريد به أبا العباس أحمد بن يحيى الونشريسي – صاحب المعيار – (ت 914) وقد أورد المقري في نفح الطيب 3/65-88 الرسالة بتمامها, ومن أهم ما فيها مما يتصل بموضوعنا طلب ابن غازي – وهو بمكناس إذ ذاك – من الونشريسي, وهو يومئذ بفاس, أن يتحقق له من نسب أبي بكر بن مجاهد شيخ القراء ببغداد, لأنه شك في اسم والده, قال: "وفي ظني أنه موسى, فلسيدنا الفضل في تحقيق ذلك لنا في كتاب (طبقات القراء لأبي عمرو الداني) ومن تعريف(الجعبري) الذي ختم به (شرح القصيد). وهما بخزانة جامع القرويين "عمره الله تعالى".– نفح الطيب 3/85-86
(2) - نيل الابتهاج 334.
(3) - إتحاف أعلام الناس 4/9.
(4) - فهرسة ابن غازي 123-127.(1/39)
- ومن هذا القبيل استجازته لإمام المسندين أبي عمرو عثمان بن محمد بن عثمان الديمي المصري, وقد ذكره في فهرسته وذكر أن أخاه الأود الخلاصة الصفية أبا العباس أحمد زروق البرنسي هو الذي قام باستجازته له ولولده أحمد ولجماعة من العلماء سماهم في الترجمة وذاك عام 885هـ(1).
- ومن بركات هذا التواصل العلمي كتابته لفهرسته المشهورة وإجازته بما فيها لمن استجازه من علماء تلمسان(2), ويعلم الله أي خسارة علمية كانت ستصيب التاريخ العلمي للرجل ومدرسته وعصره لو لم يكتب ما كتبه فيها ويذكر من لقيهم بها, وقد ذيلها أيضا بإجازة أبي عبد الله بن مرزوق الكفيف له ولولده محمد(3).
ومن بركات هذه الصلات العلمية ما كان الشيخ يقترحه فيها على بعض العلماء من التأليف في بعض الموضوعات, وقد أشار بعض الباحثين إلى وجود تأليف في التعريف بالفقيه أبي عبد الله محمد بن محمد ابن أبي بكر المقري (الجد)- بخزانة الشيخ عبد الجبار الفكيكي- ألفه الشيخ أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريسي باقتراح من الشيخ ابن غازي, وكان فراغه منه يوم الخميس رابع ربيع الأول عام 876, وجاء في أوله:"أما بعد حمد الله تعالى والصلاة والسلامة على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما, فإنك أيها السيد الفاضل الإمام العامل العلامة العلم الذي لا يضاهى, وذو الخلال السنية العثمانية التي لا تتناهى, كلفتني مع قصر باعي, وقلة اطلاعي, وعدم انطباعي, أن أقيد لكمالك, وباهر جلالك, نبذة من التعريف بالفقيه القاضي..." (4).
__________
(1) - الفهرسة 128-147.
(2) - يمكن الرجوع في ذاك إلى مقدمتها 31-33.
(3) - ألف سنة 174.
(4) - يمكن الرجوع في سبب تأليف الكتاب إلى موضوع "من نوادر المخطوطات بخزانة الإمام عبدالجبار الفكيكي للأستاذ – بنعلي محمد بن بوزيان, المنشور بمجلة "دعوة الحق" المغربية العدد 260 ص 66 شهر ربيع النبوي 1407هـ نونبر 1986.(1/40)
- ومن مشاهير أصدقاء الشيخ ابن غازي في زمنه الفقيه الإمام أبو إسحاق ابراهيم بن هلال السجلماسي المتوفى بسجلماسة سنة 903هـ, وقد ذكر ابن القاضي في "الجذوة" مشيخته ومؤلفاته في الفقه والحديث وذكر أنه "كانت بينه وبين الشيخ ابن غازي مصاحبة ومراسلة"(1).
ومن طريف الملح التي حكاها عنهما في "درة الحجال" أن ابن هلال بعث إلى ابن غازي بأصناف التمر لما سأله ابن غازي.. إلى ماذا يتنوع بسجلماسة؟ فبعث إليه بحمل منه, تمرتان من كل صنف, وكتب له مع ذلك:"سألتني عن أصناف التمر وهاهي تصلكم",وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها"(2).
- ومن ثمرات هذه الصلات طائفة من المسائل التي كانت تعرض عليه فيجيب عنها, ومنها ما يتعلق ببعض مسائل الأداء كرسالته الجوابية التي أجاب بها علماء تلمسان عن سؤال وجهوه إليه في مراتب المد عند القراء العشرة وكيفية ترتيب ذلك عند جمع القراءات(3), وكذلك تقريظه لبعض المؤلفات(4).
وإذا كان قدر العالم يقدر بمقدار ما خلفه وراءه من أصداء, فإن الشيخ قد خلف وراءه الدنيا تلهج بذكره, وكان أجدر بقول الشاعر أبي الطيب المتنبي في ما ذكره عن شعره(5).
__________
(1) - جذوة الاقتباس 1/97 ترجمة 19 وله ترجمة عند الحضيكي في مناقبه1/118.
(2) - درة الحجال 1/239 ترجمة 352.
(3) - ذكرها الأستاذ سعيد أعراب في كتابه "القراء والقراءات بالمغرب 81.
(4) - من ذلك تقريظه لكتاب "مصباح الأرواح في أصول الفلاح" لمحمد بن عبدالكريم المغيلي التلمساني ذكره في نيل الابتهاج 331 وقال :"كتاب عجيب في كراسين, أرسله للسنوسي وابن غازي فقرظاه"
(5) - أعني في قوله سيف الدولة في داليته المشهورة:
أجزني إذا أنشدت شعرا فإنما بشعري أتاك المادحون مرددا
ودع كل صوت غير صوتي فإنني أنا الطائر المحكي والآخر الصدى.(1/41)
وإسهاما مني في إبراز جوانب من إمامته فيما يخص علوم القراءات نقف معه عند طائفة من التحقيقات التي نقتطفها من بعض كتبه ورسائله وأجوبته لنرى كيف كان الرجل يبحث ويحلل ويناقش ويحاور شيوخه ويقارن بين مذاهبهم في الأداء,ويوازن بينهما مصوبا للصواب, ومعتذرا عن الوهم إن كان, ومستعملا للحجة والدليل من كتب الكبار, مما يذكرنا بأساطين علماء هذا الشأن ممن عرفنا بهم في عصور القوة والازدهار.
الفصل الثاني:
نماذج من تحقيقاته في مسائل الأداء مما تلقنه
عن شيخه أبي عبد الله الصغير وغيره.
إن مستوى تحقيق أبي عبدالله بن غازي وتحرير لمسائل الخلاف, وقدرته على عزو الأقوال في مسائل الرسم والضبط والأداء إلى القائلين بها من شيوخه ومعاصريه, كل ذلك يعتبر آية أخرى من آيات نبل هذا الشيخ وشفوف قدره وعلو منصبه في هذا العلم, وهو أمر يذكرنا – لو كان قد توسع فيه – بما رأينا طائفة منه عند أقطاب مدارس الأداء بالأندلس والقيروان, ثم عند أعلام الحاملين لمذاهبهم من أئمة القراء ومشايخ القراءة والأداء في الحواضر المغربية, وخاصة في عهد ازدهارها.
ولقد رأينا في استعراضنا لبعض ما تلقاه عن مشيخته كيف كان يناقش ويباحث ولا يجتزء من الأخذ عنهم بالسماع المجرد, بل أننا نجده منذ زمن مبكر يسلك سبيل المفاوضة والبحث, ويتلقى الأصول المعتبرة في كل فن عن أرباب الاختصاص فيه, حتى إذا لم يطمئن إلى شيء مما سمع بادر بطرح السؤال ومطارحة المسألة للنقاش, وملتمسا الدليل والبرهان.
وهاهو يقول عن رجز شيخه أبي العباس بن الحباك في نظم بيوع الشيخ ابن جماعة التونسي:"قرأته عليه قراءة تحقيق وتدقيق وبحث وتغلغل كانت سببا في رجوعه عن بعض أبيات الرجز المذكور وتبديلها بغيرها"(1).
__________
(1) - فهرسة ابن غازي 87-88.(1/42)
ويقول عن شيخه أبي الحسن علي بن منون المكناسي :" وتمرنت عليه في الفرائض والوثائق وإعراب القرءان وأوقافه"(1), وهي إشارة تفيدنا إفادة كبيرة في تقدير الاهتمام بعلم "الوقف والابتداء" عند رجال هذه المدرسة والذي سيتكلل آخر الأمر بالوقف "الرسمي" الذي يحمل اليوم اسم الإمام الهبطي – كما سنعود إلى ذلك بالبيان عن قريب.
ولا نريد أن نتوسع كثيرا في إفادات ابن غازي من مناقشات لمشايخه والتي نجد لها أمثلة كثيرة في عامة مؤلفاته, وسنكتفي من ذلك بما له صلة بالقراءة وعلومها مما يساعدنا على مزيد من التمثل لآفاق هذه المدرسة ومظاهر نبوغ أئمتها وأهم القضايا الأصولية الأدائية والرسمية التي كانت تناقشها وتبحث فيها.
1- فمن تحقيقات الشيخ ابن غازي في بعض مسائل الأداء ما ذكره في " المد المنفصل" لقالون تعليقا على الإمام الشاطبي:"فإن ينفصل فالقصر (بـ)ـادره طالبا.....
قال ابن غازي : " وما ذكره أبو القاسم –رحمه الله- فيه فائدتان: أعلمك بأن المد المنفصل يقصره قالون, والثانية أنك تعتمد عليه وتعزم عليه, وأما شراح "البرية" فرجح أبو عبد الله الخراز القصر, واحتج في ترجيحه إياه بأن قال: رواة القصر أكثر من رواة المد, لأن المروزي له وجهان, والحلواني ليس عنده إلا القصر وتابعه ابن عبد الكريم(2) على ذلك".
"واعترض هذا الترجيح المذكور الأستاذ المحقق سيدي ميمون بن مساعد المصمودي بما هو مذكور في تحفته حيث قال:
ذا البحث للخراز والتقييد ... فليس بالمرضي ولا السديد
لأن إسماعيل يروي المدا ... فهو مكرر على ما حدا
لا بحث يرضي حيث قال الداني ... في ذلك الوجهان جيدان
والطول فيه رجح الصفار ... وابن سليمان ولا انكار
__________
(1) - نفسه 85.
(2) - هو أبو الحسن علي بن عبدالكريم صاحب "الفصول" في شرح الدرر اللوامع تقدم في شروحها.(1/43)
قال :"وهذا الذي قال سيدي ميمون اعترضه سيدي أحمد المصمودي, قال ـ رحمه الله ـ :" يا عجبا من أين نقل الشيخ المد للقاضي إسماعيل, ولم يذكر أبو عمرو في "التعريف" للحلواني إلا القصر؟(1) لكن ـ رحمه الله - هو إمام حافظ أمين في نقله, لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ".
قال ابن غازي : "وأما شيوخنا الذين أخذنا عنهم القراءة في مدينة فاس – حرسها الله- فأقرأني أبو العباس الأستاذ المحقق سيدي أحمد المصمودي بالمد, وكان يرجح المد".
" وقرأت على الشيخ المحقق الورع الصالح المتفنن سيدي أبي الفرج الطنجي – رحمه الله- بالقصر, وكان يأخذ به في المحراب".
"وأما أستاذنا المعروف بالتجويد المكنى بان أمامة سيدي محمد الصغير –رحمه الله- فكان يأخذ في المحراب بالمد, وقد باحثته في ذلك بحثا شديدا, فقال لي –رحمه الله- :"قرأت على سيدي علي الوهري بالمد, وقرأت على سيدي أحمد الفيلالي بالقصر أو بالعكس, والله أعلم, وكان رحمه الله يميل إلى المد".
"وأما سيدي سليمان أبو يعروبين ـ رحمه الله تعالى ورضي عنه- فكان يأخذ في المحراب بالقصر وكذلك في التجويد"(2).
__________
(1) - نعم لم يذكر الداني إلا القصر في التعريف (ص60) فقد قال بعد أن ذكر رواية ورش من طريقي أبي يعقوب الأزرق وعبدالصمد العتقي :"وقرأ الباقون وورش في رواية الإصبهاني بزيادة التمكين في المتصل خاصة وبترك الزيادة في المنفصل", ولا شك أن الحلواني داخل في قوله:"وقرأ الباقون إلخ.. فليس عنده في المنفصل إلا القصر.
(2) - ما نقلته هنا وقفت عليه في خزانة وقفية عتيقة كانت بإحدى زوايا آسفي كما يدل على ذلك الطابع الموجود عليه في المجلد الذي تضمنه, وقد اطلعت عليه عند الذي هو في يده المدعو توفيق بن المؤذن بآسفي.(1/44)
فانظر كيف وازن ابن غازي بين شيوخه الأربعة, وكيف ضبط عنهم حتى القراءة في المحراب وكيف كان كل واحد يقرأ لقالون على مذهبه الذي اختاره, وكيف أفادنا أيضا بتجاوز هؤلاء المشايخ لرواية ورش عن نافع ليقرأ برواية قالون, وربما في قيام رمضان لما فيها من اليسر, وخاصة لأن الثلاثة المذكورين أخيرا عنده كلهم كان إماما للناس في جامع الأندلس كما تقدم.
2- ونواصل مع الشيخ ابن غازي هذه التحقيقات في باب المد بذكر مسألة أخرى في المد المشبع وما حكى فيه عن شيخه الصغير, وقد أوردها كل من ابن القاضي ومسعود جموع في شرحيهما على "الدرر اللوامع" في موضوع جواز قصر المدات في الصلات فساقا تحقيقا له في المسألة صدرا له بقولهما:
"وقد سئل الإمام الوهراني من تلامذة الشيخ ابن غازي – رحمهما الله- هل يلزم القارئ في الصلات أن يمد باب "جاء" وباب "الضالين"؟ فأجاب:
"قال ابن العربي(1):"الأولى أن يمد مثل ذلك, فإن اقتصر فيه على الطبيعي كان من الأمر الخفيف الذي لا يقدح في الصلات" – قال الوهراني:" وذكر لنا شيخنا ابن غازي عن شيخه الصغير أنه كان يذكر لهم أن الشيخ أبا محمد مكيا جوز الطبيعي في باب "جاء", قال: ولعله أخف منه في باب " الضالين" لما يلزم على عم المد من الجمع بين ساكنين وصلا". قال الوهراني :
"وذكر لي أيضا أن رجلا كان يصيح على أبي عبد الله الصغير أيام كونه إماما بجامع الأندلس في مثل هذا من أمور المد يقول: أستاذكم يا أهل فاس يمد ما يستحق القصر, ويقصر ما يستحق المد, وكان الأستاذ يعطيه الأذن الصماء"(2).
__________
(1) - يريد القاضي أبا بكر محمد بن عبدالله بن العربي المعافري الإشبيلي(ت543هـ).
(2) - يمكن الرجوع إلى المسألة في باب المد من "الفجر الساطع" وكذا في "الروض الجامع" لجموع في الباب نفسه.(1/45)
3- ومن تحقيقاته عن أستاذه الصغير مما ذكره في " إنشاد الشريد" عند ذكر قوله تعالى "إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما ..." في صورة الإسراء وما قيل من إمالة ورش لقوله "كلاهما قال في هذا السياق..
"وقد أنشدنا أستاذنا أبو عبد الله الصغير سائلا الأستاذ الفشتالي..
ألا أيها الأستاذ والعلم الذي ... تولى العلا والعلم طرا كما هما
فهل كان ورش في غريب علومكم ... بنص جلي قد أمال "كلاهما"
فبين لنا من قاله من أئمة ... كداني أو مكي أو من عداهما
قال فأجابه:
جوابك قد نص ابن غلبون طاهر ... لورش وإسماعيل كن في حماهما(1)
ولم يحك خلفا فيه عمن ذكرته ... وفيه لهم وجهان سام علاهما
وقد ذكر الوجهين أيضا كذاك في ... إبانته الداني فبان خفاهما
ولو لم يكن نص لقلت مجاوبا ... على أصله في الباب يجري "كلاهما"
لدى من يراعي أنه الياء أصله ... وفيه لهم وجهان فانشر لواهما
أشار لهذا الشاطبي وغيره ... فقال لكسر أولياء نراهما
قال ابن غازي:"والمشهور فيه الفتح, وبه قرأنا على الأستاذ أبي عبد الله الصغير"(2).
4- ومن تحقيقاته عن شيخه في"إنشاد الشريد" في باب الراءات ما ذكره تحت عنوان " نكتة" قال فيها: " سألت شيخنا الأستاذ أبا عبد الله الصغير عن راء "أن أسر" في الوقف للحرميين؟ فقال لي: ليس عندي فيها إلا التفخيم"(3).
__________
(1) - نص ما في"التذكرة" لابن غلبون 1/273:"وأما قوله تعالى في "سبحان" أوكلاهما " فأماله حمزة والكسائي, وقرأه ورش وإسماعيل بين اللفظين, وفتحه الباقون". وهويريد بإسماعيل إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري الراوي الرابع عن نافع.
(2) - يمكن الرجوع إلى المسألة بتمامها في سورة الإسراء من "إنشاد الشريد" عند ذكر"أو كلاهما", وقد نقلها ابن القاضي أيضا في "الفجر الساطع" في باب الإمالة عند ذكر إمالة "كلا" "وكلتا".
(3) - إنشاد الشريد – سورة طه, وذكره أيضا ابن القاضي في باب الراءات في الفجر الساطع.(1/46)
5- ومنها ما ذكره في الكتاب نفسه تحت عنوان " تنبيه" عند ذكر الخلاف في قوله تعالى في سورة الزخرف "يا عبادي لا خوف عليكم..." قال:"حدثنا أستاذنا أبو عبد الله الصغير عن شيخه أبي الحسن الوهري أنه كان يقرؤه لنافع بالحذف والإثبات(1), لا أدري هل قال مطلقا, أو في الوقف فقط تعويلا على الخلاف الذي في رسمه؟ وكان شيخنا يعد ذلك من شيخه وهما مصادما للرواية"(2).
6- ومن تلك التحقيقات ما جاء في جواب له عن حكم " عادا" الأولى لورش في حالة الابتداء بلفظ "الأولى" قال الإمام أبو زيد بن القاضي في باب "نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها" من "الفجر الساطع" سأل بعض المقرئين بفاس الشيخ أبا عبد الله بن غازي، ونص السؤال:
"الحمد لله, أثابكم الله وتولى حفظكم, جوابكم في مسألة "عادا الأولى" في حالة الوصل وحالة الابتداء بحركة اللام, هل يجري فيها ما يجري فيما تغير سببه كما قيل, فما وجهه؟؟ فبين لنا بفضلك ما أنت عليه, وما كان الشيخ يعمل عليه, ولكم الأجر, والسلام عليكم ورحمة الله تعالى – بخط محبكم-.
قال ابن غازي في جوابه:"مما يقرره شيخنا الأستاذ –رحمه الله تعالى- في "عادا الأولى" لورش, أنه لما كان من اعتد بالعارض أدغم, ومن ترجح له إسقاط همزة الوصل ابتدأ, وبحسب هذا يترجح له القصر, لئلا يجمع بين الاعتداد وعدمه في قول واحد, كما قال المتأخرون في نحو "الأبرار" و "طال" وفقا, في أنهم قد جمعوا بين الاعتداد وعدمه, حيث قالوا في باب "قام" و "استقام" : تحركت الواو في الأصل وانفتح ما قبلها في الحال, فانقلبت ألفا.
__________
(1) - يعني حذف الياء أو إثباتها من قوله "عبادي" قال في "التيسير:197" فتحها أبو بكر(شعبة) في الوصل, وسكنها في الحالين نافع وأبو عمرو وابن عامر, وحذفها الباقون في الحالين".
(2) - إنشاد الشريد – عند ذكر تقريراته على ما في سورة الزخرف.(1/47)
وكتب مسلما عليكم وعلى من يقف عليه – محمد ابن غازي سمح- له الله تعالى بمنه وكرمه – انتهى(1).
7- ومما يجري هذا المجرى ما ذكره له ابن القاضي أيضا في باب اللامات من الفجر الساطع عند ذكر الخلاف في الوقف على " أفطال" فقال: وإليه أشار بعضهم بهذا السؤال:
أيا معشر القراء إني سائل ... بحرف عدمت النص فيه عن العلا
إذا وقف القاري على "طال" مسكنا ... فما قولكم في اللام يا أنجم العلا؟
أيقرأ بالترقيق من غير خلفه ... لأن اجتماع المانعين تحصلا
ولا سيما إن أشيع المد قبله ... لأجل سكون الوقف وهو الذي اعتلا
أم الخلف يجري فيه كالوصل أوضحوا ... جوابي وقيتم كل ضر ومبتلى؟؟
قال : فأجابه الإمام المحقق سيدي محمد بن غازي – رحمه الله بقوله:
ألا فاسمعوا ما قد أخذنا عن الملا ... وجاء به "كنز المعاني" مفصلا
إذا وصل القاري بتغليظ لامه ... فعند سكون الوقف وجهان حصلا
وإن وصل القاري بترقيق لامه ... فترقيقه في الوقف حكم تأصلا
فلا تنظرن في الشرط إلا محققا ... لأسبابه, فافهم بذا قول من خلا
وإن جمعا كان الخلاف مفرعا ... على اللغو, واحذر أن ترتب فاعقلا
وما ألزموا من قصر دان ونحوه ... مميل وقوف رده من تنبلا
بباب "استقام" وهو في "طال" هكذا ... لمن قال بالتفخيم في الوقف قد تلا
قال ابن القاضي: وأجابه أبو العباس الدقون بقوله:
__________
(1) - الفجر الساطع (باب النقل).(1/48)
"جوابكم في "الجعبري"(1) محققا ... بوقف ووصل والسلام على الملا(2).
وهكذا كان يعتمد الشيخ في تحرير المسائل ويعود إلى ما قرأ عليه به أو استفسره عنه فيجد المادة الخصبة التي تسعفه عند أمثال هذه المسائل العويصة, وفي"إنشاد الشريد" أمثلة كثيرة من اعتماده عليه وذكره لما قرأ عليه به, كقوله في البسملة في المواضع الأربعة المشهورة بـ"الأربع الزهر" :
"وبذلك أقرأنا أستاذنا أبو عبد الله الصغير مع التزام قطع البسملة عن السورتين"(3) وقوله في سورة الخليل في قوله " ربنا وتقبل دعائي":
" وقد سألت أستاذنا أبا عبد الله الصغير عن وقف حمزة وهشام عليه, فقال: على أصلهما"(4).
وقوله في سورة الأعراف عند ذكر "إن وليي الله الذي نزل الكتاب":"وقد رووا أنه عن أبي عمرو من غير طريق "القصيد" بياء واحدة مشددة وكسرها وفتحها(5)...ولم نقرأ على الأستاذ أبي عبد الله الصغير إلا بطريق القصيد"(6).
نماذج أخرى من تحقيقاته عن الصغير وانتصاره له في مجال الرسم والضبط :
__________
(1) - يعني في كنز المعاني له, وهو قوله فيه في باب اللامات :"ووجها ذوات الياء مرتبان: التغليظ مع الفتح, والترقيق مع الإمالة", وقال في "طال":"ووجها وقف "طال" مفرعان على وجه الغاء الفاصل, والقطع بالترقيق على اعتباره, لأنا لا ننظر في الشرط إلا بعد تحقق السبب... وهذا معنى قولي في "تحقيق التعليم":"وإن جمعا كان الخلاف مفرعا على اللغو واحذر أن ترتب منكرا".
(2) - نقله ابن القاضي في "الفجر الساطع" وفي كتابه "فصل المقال في حكم الوقف على أفطال" (مخطوط) ونحوه نقله مسعود جموع في الروض الجامع.
(3) - ذكره في إنشاد الشريد في أول سورة القيامة.
(4) - إنشاد الشريد - سورة الخليل.
(5) - الرواية بذلك عند بن مجاهد في كتاب السبعة 300-301 وفي المبسوط في القراءات العشر لابن مهران 102-103
(6) - إنشاد الشريد – آخر سورة الأعراف.(1/49)
كان لأبي عبد الله الصغير اهتمام مواز لاهتمامه بتحقيق مسائل الأداء, وذلك في ميدان الرسم وخلافياته وقد ذكرنا رواية ابن غازي لـ"مورد الظمآن" و"ذيله" عنه وقوله: وباحثته في مشكلاتهما, كما ذكرنا شرحه الذي وضعه على المورد, وأنه – فيما ذكر ابن غازي عنه – اختصره من " التبيان لأبي محمد أجطا.
وقد وفقت في طائفة من المصادر والتقاييد على نماذج صالحة من تحقيقات الإمام ابن غازي التي اعتمد فيها على جملة من النقول والإحالات على ما كان يأخذ به شيخه, وربما ذكر بعض مذاهب الأهل زمنه من مشيخة فاس ممن خالفوه في بعضها, فكان التلميذ يرى الصواب مع أستاذه ويحتج لذلك بما يراه صالحا مناسبا.
ومن أمثلة ذلك:
1- محاورة له في : مسألة رسم "أن لو" بالنون أو بدونها على غرار الخلاف في قوله تعالى " فإن لم يستجيبوا في سورتي هود والقصص, وقد ساق خبر الخصومة العلمية التي دارت في الموضوع كل من أبي عبد الله بن مجبر – الآتي في أصحاب ابن غازي – وأبي محمد عبد الواحد بن عاشر في " فتح المنان" واللفظ للأول قال تلميذه محمد العربي الغماري المكناسي فيما قيده عن شيخه المذكور:" قال شيخ شيوخنا أبو عبد الله بن غازي –رحمه الله- حسبما وجدته مقيدا بخطه:"لما قال الأستاذ أبو سالم(1) ابراهيم بن الحاج معرضا بأستاذنا أبي عبد الله الصغير – عفا الله عنهما-
"أن لو" على الأصل بنون كتبا ... في الرعد والأعراف ثم في سبا
وما عداه صله يا خليلي ... هذا الذي صح عن "التنزيل"
فلم تجيء موصولة في الذكر ... إلا التي في الجن(2) فافهم ذكري
__________
(1) - تقدم في شيوخ ابن الغازي ذكره بأبي سالم وأبي إسحاق وهو أيضا من شيوخ أبي عبدالله الصغير كما ذكرناه في ترجمته وذكرناه في آخر الفصل الذي خصصناه لأبي عبدالله القيسي رواية الصغير عن ابراهيم الحاج هذا عن شيخه أبي مهدي عيسى بن علي المغراوي عن أبي عبد الله القيسي بسنده.
(2) - يعني قوله تعالى "وأن لو استقاموا على الطريقة ..."(1/50)
قال ابن غازي: قلت مجيبا له:
"بنفسك ارفق أيها الأستاذ ... فالحق ما عنه لنا ملاذ(1)
إن التجيبي أبا إسحاقا(2) ... وعلمه قد طبق الآفاقا
أنكر تفصيل أبي داودا(3) ... وقال فيه: خالف المعهودا
وقال بالنتتون اكتبن الأربعا ... فارجع إلى الحق وكن متبعا(4)
2- مسائل أخرى من الخلافيات ذكرها ابن مجبر:
3- ومما جاء في هذا التقييد عن أبي عبد الله بن مجبر مما يشهد بامامة أبي عبد الله بن غازي ورسوخ قدمه في المعرفة بخلافيات الرسم نقتبس هذه الأمثلة التي يتبين منها مقدار فقهه لهذه المسائل واستحضاره لاختيارات مشايخه ومشايخهم في شأنها، فقد قال في باب رسم الهمزة:
"وكتب لنا شيخنا أبو عبد الله بن غازي أن شيخ شيوخه أبا العباس بن أبي موسى الشهير بالفيلالي كان يقول في"فمالئون": الجاري على مذهب الداني حذفه والحاقه بنظائره...".
- وقال عند ذكر "وله الجوار المنشآت""في سورة الرحمن وذكر الخلاف في ألفها أهي الحاملة للهمز، أم هي علامة جمع المؤنث قال:
__________
(1) - هكذا الرواية في التقييد المذكور، وفي فتح المنان لابن عاشر لوحة 135 بلفظ:
مهلا عليك أيها الأستاذ ....... وقد صدر له ابن عاشر بقوله:
"وعلى ما ذكره التجيبي اعتمد شيخ الجماعة ابن غازي اذ يقول مجيبا له"....
(2) - يعني صاحب كتاب"التبيان"، وقد تقدم ذكره وذكر كتابه في المؤلفات على مورد الظمآن وذيله.
(3) - في رواية ابن عاشر في "فتح المنان" بلفظ "انكر تفصيل""وفي رواية ابن مجبر""تخصيص أبي داودا".
(4) - تقييد طرر على مورد الظمآن"منتقاة من شيوخ مدينة فاس، وينسب إلى أبي عبد الله بن مجبر صاحب ابن غازي، مخطوطة بخزانة أوقاف آسفي ضمن مجموع، ومنها نسخة بالخزانة الحسنية بالرباط برقم 6511.(1/51)
"وقد كتبنا لشيخنا أبي عبد الله بن غازي في ذلك فأجاب بما معناه هذا، وأجاب بقوله:"اتفقت المصاحف على كتبه بألف واحدة، وقد نص أبو عبد الله الخراز في شرحه للعقيلة، وكذا الجعبري في شرحها أيضا على احتمال كون الألف الموجودة صورة الهمزة، زاد الخراز، وتلحق ألف الجمع بالحمراء بعد حذفها على قاعدة الجمع، واحتمال كونها ألف الجمع وحذفت صورة الهمزة، والأول هو القياس عند الخراز في شرحه المذكور... ثم ذكر منع ابن غازي لحذف الألفين معا".
قال: "وأما" ثبات(1) فبالإثبات عند الشيوخ الفاسيين، وكتب لنا أبو عبد الله بن غازي المذكور فيه ما نصه: "وحدثنا أبو عبد الله الصغير عن شيخه أبي العباس الفيلالي أنه كان يثبته، ويحتج بأنه منقوص، قياسا على منقوص المذكور، وأجاب بعض الناس بحذفه منهم سيدي ميمون، وبالأول العمل". ومما جاء فيه عن لفظ "نداء" قال:
"ولا يدخل في هذا الفصل" بلاء حسنا "في حذف الأولى منه، لأنه كتب في المصحف بلام ألف، وقد كتب لنا شيخنا ابن غازي بأنه لا يجري فيه القول بحذف الأولى قائلا: وقد كان شيخنا أبو عبد الله الصغير ينبهنا على ذلك، قيل: وكان الأستاذ تنازع فيه وسيدي إبراهيم الحاج، وكان الحاج يرى دخوله قيل: وهو الظاهر، إذ إذا حذف الأولى تضفر الثانية مع اللام".
وقال عند ذكر "الربوا": "وكتب لنا شيخنا ابن غازي فيه بما نصه:
"وأما "الربوا" فقد حدثنا شيخنا أبو عبد الله الصغير أنه بلغه عن شيخ الجماعة أبي عبد الله القيسي أنه كان يقول بإلحاق الألف فوق واوه بالحمراء كسائر النظائر، وهو الذي كان يرجحه الأشياخ، ويرون خلاف أبي وكيل ميمون واحتجاجه شبه مكابرة تغمد الله الجميع برحمته".
عناية الشيخ ابن غازي بالوجوه والتقسيمات:
__________
(1) يعني رسم الكلمة في قوله تعالى في سورة "فانفروا ثبات أو انفروا جميعا".(1/52)
تلك أمثلة من تحقيقات الشيخ في ميدان الرسم أشفعها بهذا المثال في الضبط أيضا وهو مما يعطينا صورة عن سيولة ذهنه وحسه الرياضي في رصد الوجوه والاحتمالات التي يقتضيها التقسيم الحسابي لبعض ألفاظ القرءان التي تجتمع فيها تلك الصور الكثيرة، وهذا المثال ساقه أبو زيد بن القاضي في "الجامع المفيد" له تعليقا على بيتين للإمام القيسي وهما:
"أأنذرتهم" فيه وجوه كثيرة ... لنافعهم معما رسمت ففي الصور
ثلاثة آلاف تزيد ونيف ... ويدري الذي قلنا لبيب إذا اختبر
قال الشيخ ابن غازي: "وهذا على وجه التقريب، وإلا ففيها لورش ثمانية آلاف وجه، والخطيب في ذلك سهل، وبيان ذلك بإشارة تغني اللبيب ويقاس عليها: أن همزتها الأولى مفتوحة، والفتحة تكون نقطة وألفا مبطوحة"(1)، وفي ضبط الكلمة ثمانية أوجه فاضربها في اثنتين(2) تكن ستة عشر، وفي فتحة الذال ما في فتحة الهمزة المذكورة فتضرب الستة عشر بسبب ذلك في اثنين تكن اثنين وثلاثين، والنون معراة على كل حال للقاء حرف الإخفاء، والراء ساكنة، وفي ضبط السكون خمسة أوجه(3)
__________
(1) يعني على طريقتي الشكل المدور (نقط أبي الأسود"، والمستطيل (نقط الخليل) كما تقدم.
(2) الثمانية الأوجه هي بعدد حروفها، فتضرب في اثنتين بحسب ضبطها بالمدور أو بالمستطيل.
(3) قال ابن القاضي في "الجامع المفيد": "وبيان الخمسة قيل: دارة، وقيل جرة، وقيل هاء، وقيل لا علامة له، وأشار إليه بعضهم:
سكن بدارة لطيبة وها ... بعض النحاة مع بعض أصلها
وخا الخليل جرة للأندلس ... تعرية بعض العراق يلتمس
وقال في الدرة الجليسة: ... صفر صغير مثل صفر العدد ... وجرة والهاء والخا عدد
وفي الميمونة: ... ... فجرة ودارة والخاء ... علامة السكون ثم الهاء(1/53)
فتضربها في الاثنين والثلاثين بمائة وستين، وفي التاء ما تقدم في الهمزة والذال، فتضربها في المائة والستين بثلاثمائة وعشرين، والهاء بعدها مضمومة، وفي الضم خمسة أوجه: نقط أمام الحرف أو وسطه، واو أمام الحرف أو وسطه، وواو فوقه، فتضرب الخمسة في الثلاثمائة والعشرين يخرج ستمائة وألف، والميم له - لورش - مضمومة، وفي الضم الخمسة الأوجه المذكورة فتضربها في الستمائة والألف يكون الخارج ثمانية آلاف".
قال ابن غازي: وهذه الأوجه وأشباهها من ملح هذا الفن، ففيها تمرين للطالب، ولم يزل أصحاب الفنون يفرضون مسائل ليتمرن بها الناشى، ويهتدي بصبح ليلها العاشي، كتراجع الحملاء، والولاية في الطلاق عند الفقهاء، وبيوع الآجال، وكالصفة المشبهة ومسائل التصريف عند النحويين، وأكثرهم اهتماما بذلك أهل الفرائض والحساب"(1).
ومن هذا النموذج وما ختمه به من الفلسفة التربوية والتعليمية التي يقوم هذا النمط الجديد عليها يظهر مقام أبي عبد الله بن غازي وتتجلى مكانته في هذا الطور من أطوار المدرسة المغربية في عصر ازدهارها، إن الشيخ ابن غازي يبدو في هذا النموذج وأمثاله مما نطر له ورسم إطاره يضع أسس ما سميناه عند أبي عبد الله القيسي بـ"فن الاختبار"، وذلك في قصيدته الرائية في قراءة نافع "التي خصها لأحكام الوقف على كل حرف من الذكر عند الوقف الاختياري أو الاضطراري عليه.
إلا أن الشيخ ابن غازي حوله من مسائل الأداء إلى مسائل الضبط، أو على الأقل نسج فيه على المنوال الذي وضع معالمه الأولى شيخ الجماعة القيسي، فجاء ابن غازي ليفلسفه وينظر له ويعطيه أيضا المشروعية باعتباره:
أ. من ملح الفن.
ب. ولما فيه من التمرين للطالب على دراسة الوجوه.
__________
(1) الجامع المفيد لابن القاضي، ويشتغل حاليا بتحقيقه بعض طلبة الدراسات.(1/54)
ج. ولأنه يجري مجرى الأمثلة والنماذج التي يسوقها الفقهاء والحويون على سبيل التوسع في الصناعة الفقهية والنحوية لتدريب الطالب على التفريع والتوجيه والاستنباط والقياس بحمل الفروع على الأصول.
ولئن كان بعض الفقهاء قد ثاروا على مثل هذه المباحث واعتبروها من التكلفات بل دعوا إلى أطراح ما هو أعلق منها بالقراءة والأداء كما نبهنا على ذلك في فصل سابق عند ذكر دعوة أبي بكر بن العربي الذي قلنا أنه تنبه إلى خطورة الوضع، وأن هذا التعمق في طلب الأوجه واللغات هو - كما قال - زيادة في التشغيب، وكذلك في قوله: "والذي أختاره لنفسي إذا قرأت أكثر الحروف المنسوبة إلى قالون، إلا الهمز فإني أتركه أصلا، إلا في ما يحيل المعنى أو يلبسه مع غيره..." إلخ ما ذكره في "العواصم" مما نقلناه في مكانه من هذا البحث(1)، إلى أن قال بعد ذكر طائفة من الوجوه التي يقرأ بها ابن كثير وأبو عمرو وحمزة: "فهذه كلها أو أكثرها لغات لا قراءات، لأنها لم يثبت منها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء، وغذا تأملتها رأيتها اختيارات مبنية على معان ولغات"(2).
لئن كان بعض هؤلاء قد نظروا إلى الموضوع هذه النظرة، كما اعتبره بعض المعاصرين من آثار ما سماه "بطغيان المنهج التعليمي على المنهج العلمي"(3)، فإن لرجال هذه المدرسة رأيا آخر في ذلك مخالفا كل المخالفة يحرص كل الحرص على الحذق في هذه التفريعات ويراها من تمام التكوين المعتبر، بل إننا نجد رجال هذه المدرسة يتواصون بعدم الالتفات إلى دعوة ابن العربي تلك ويحذرون منها كما نقل ذلك الإمام ابن غازي نفسه في آخر كتابه "إرشاد اللبيب إلى مقاصد حديث الحبيب" حين قال:
__________
(1) يمكن الرجوع إليه في ما مهدنا به للفصل الثاني من البال الحادي عشر – ورقة 1142-1143.
(2) العواصم من القواصم 1/199-201.
(3) تقدم بيان ذلك.(1/55)
"لعلك تقف على كلام القاضي أبي بكر بن العربي في "كتاب القواصم والعواصم" حيث طعن في بعض المقارئ السبعة(1)، فأعطه الأذن الصماء، فإن يد الله مع الجماعة".
"وقد حدثنا الأستاذ أوبو عبد الله الصغير عن شيخه الأستاذ أبي العباس بن أبي موسى الفيلالي أنه كان يحذر من ذلك كثيرا"(2).
هو إذن موقف القارئ المتمكن الذي يحرص أن يبلغ الطالب في حذق الفن الذي يتعاطاه كل مدى ممكن، ولا يقنع من القلادة بما أحاط بالعنق كما يقول المثل العربي.
ولقد كان ابن غازي ومن تقدموه بمثل هذه المباحث مثلما رأينا عند الإمام القيسي في أرجوزته الكبرى وفي رائيته، وكذلك عند أبي وكيل في أراجيزه في القراءة والرسم كالتحفة والدرة ومورد الروي يضعون أسس "مدرسة العدد"(3) أو "مدرسة الحط" كما يسميها بعض طلبة القرءان اليوم (الحطيات)، هذا الفن الذي بدأ مع هؤلاء الأئمة، ثم نما مع الزمن - باعتباره من ملح الفن - أو باعتباره مما يعين على الحذق والضبط وجمع النظائر كلها تحت حكم، أو تيسير التذكر بواسطة "الرموز" أو غير ذلك من الصور التي تبلور فيها "فن العدد" عند المتأخرين.
__________
(1) لم يطعن فيها بالجملة كما تقدم، ولكن في بعض أصول الأداء منها كما مثل بكسر باء "البيوت" وعين "عيون" مثلا، وضم ميم الجمع لابن كثير، وذكر أن ذلك كله لغات لا قراءات.
(2) إرشاد اللبيب 283.
(3) مدرسة العدد لا يراد بها ما كان يفهم من "العدد" عند أئمة القراء، وهو "عد الآي" في مصاحف الأمصار – كما تقدم ذكر ذلك في الباب الثاني عند ذكر العد المدني الأول والأخير وإنما يريدون بالعدد المفهوم الحسابي، ويختلف باختلاف الموضوع المراد، فتارة يريدون به عدد الأوجه كما مثلنا، وتارة يريدون عدد ورود الكلمة في القرءان على تلك الصورة من الرسم أو الضبط، إما موصولة وإما موقوفا عليها نحو ؟؟ ؟؟ ؟؟ ؟؟(1/56)
وأقدم من أعلمه تأثر بهذا الاتجاه في حصر وجوه الأداء هو الشيخ أبو الحسن علي النوري في كتابه "غيث النفع في القراءات السبع"، وخاصة في ما يذكره في فواتح السور باعتبار ما قبلها. فهو مثلا يقول في أول سورة البقرة: "إذا وصلت سورة البقرة بالفاتحة من قوله تعالى "غير المغضوب عليهم... إلى المتقي"ن، يأتي على ما يقتضيه الضرب أربعمائة وجه وثلاثة وثمانون وجها، بيانها: لقالون ستة وتسعون، بيانها: أنك تضرب خمسة "الرحيم" وهي الطويل والتوسط والقصر والروم والوصل في ثلاثة "الضالين"، وهي الطويل والتوسط والقصر خمسة عشر، ثم اضرب الخمسة عشر في ثلاثة "التقين" خمسة وأربعون... إلخ... ثم انتقل إلى ورش فقال: "ولورش ستون وجها: ثمانية وأربعون على البسملة كقال، واثنا عشر على تركها، وبيانها: أنك تضرب ثلاثة "الضالين" إذا سكت هليه في ثلاثة "المتقين" تسعة وعلى الوصل ثلاثة "المتقين"، فالمجموع اثنا عشر، وللمكي ثمانية وأربعون...(1).
وقال في آل عمران: "وإذا وصلت "آل عمران" بآخر "البقرة" من قوله تعالى "واعف عنا واغفر لنا وارحمنا... إلى "القيوم"، فيأتي على ما يقتضيه الضرب ثلاثة آلاف وجه وخمسمائة وثمانية وتسعون وجها، بيانها: لقالون أربعمائة وثمانية وأربعون... ولورش خمسمائة وجه وستون وجها...إلخ(2).
ولا أدري لم عدل النوري عن اعتبار ذلك في فاتحة سورة مريم "كهيعص"؟(3) ولا شك أنه لو تتبعها لبلغ بها الآلاف، وقد رأيته في نظيرتها "حم عسق" في فاتحة الشورى قد ذكر فيها "ثمانية آلاف وجه وأربعمائة وجه، ثم فصلها فذكر منها لقالون وحده "ألفا وجه وستة عشر وجها، ولورش ألف وجه ومائتا وجه واثنان وثلاثون"(4).
المنهج التعليمي عند ابن غازي واعتماده الإحصاء:
__________
(3) غيث النفع للنووي بهامش "سراج القارئ المبتدي" لابن القاصح العذري 283-284.
(4) المصدر نفسه 344-345.(1/57)
والذي يعنينا هنا من هذا أن ابن غازي قد خطا بهذا المنهج التعليمي الإحصائي خطوات فسيحة يمكن اعتباره معها الموجه أو السند العملي أو "النموذجي" الذي يستندون إليه في مثل هذه الأنماط.
ولقد احتذته بالفعل مدارس الإقراء في مختلف الجهات المغربية في "ترسيم" النمط المتبع إلى الآن في ترتيب الأخذ بالقراءات السبع أثناء التعليم والتلقين، كما نبه على ذلك أحد أعلام هذه المدرسة وهو الشيخ الإمام محمد بن عبد السلام الفاسي في كتابه في الوقف والابتداء(1).
ظلال مدرسة ابن غازي في النمط "الرسمي" المتبع في القراءة والإقراء إلى اليوم:
1. قال الشيخ محمد بن عبد السلام الفاسي في وصفه للنموذج التعليمي المتبع في التدريس للقراءات السبع على عهده (ت 1214هـ):
"وطريقة المغاربة في ذلك منذ عهد ابن غازي وأشياخه: أن الطالب إذا حفظ القرءان برواية ورش جمع إليه رواية قالون في ختمة أو أكثر مما يتأتى حفظه فيه، فإذا حفظ حرف نافع جمع إليه حرف عبد الله بن كثير من روايتيه في ختمة أو أكثر، فإذا حفظ حرفيهما جمع إليهما حرف أبي عمرو بن العلاء البصري من روايتيه أيضا في ختمة أو أكثر من ذلك، فإذا جمع الأحرف الثلاثة جمع إليها الأحرف الباقية من رواياتها الثمان دفعة واحدة"(2).
__________
(1) منه نسخة مخطوطة باسم "الأقراءط والشنوف في معرفة الابتداء والوقوف" بالخزانة الحسنية بالرباط في مجلدين برقم 1953 - ونسخة أخرى ينقصها المجلد الأول برقم 9346 (فهرسة الخزانة 6/35-36).
(2) يمكن الرجوع إلى النقل عن الكتاب عند الأستاذ سعيد أعراب في بحثه "المدرسة القرءانية في الصحراء المغربية" - دعوة الحق العدد 9 - الصفحة 74 السنة 1396هـ ذو القعدة - نوفمبر 1976م وأعاد نشر النص في كتاب "القراء والقراءات بالمغرب 145".(1/58)
إن هذا النموذج الذي وصفه الشيخ ابن عبد السلام - وهو شيخ المغرب في زمنه شمالا وجنوبا(1) - ما يزال هو المثل الأعلى في الأخذ والأسلوب المحتذى في الإقراء، وهو يدل على التأثير البليغ الذي ظل لهذه المدرسة إلى اليوم.
2. سيادة اختيارات مدرسته إلى الآن سواء في مسائل الرسم والضبط، وفي أحرف القراءة وأحكام الأداء.
ولا يتسع المقام لتتبع كل مجالات هذه السيادة وتتبع مظاهر ذلك التأثير وتلك الهيمنة، ونكتفي بذكر بعض الإشارات التي نقف عليها لدى بعض الأئمة الذين لمسوا جانبا منها في مختلف هذه المجالات:
- فمن ذلك ما نجده من إشارات إلى مذاهبه الأدائية عند الإمام أبي زيد بن القاضي وخاصة في شرحه للدرر اللوامع، كقوله في باب البسملة عند ذكر السور المعروفة بـ"الأربع الزهر" بعد أن ذكر تخريع ابن غازي للباعث لمن اختار الفصل على تخصيص هذه السور بالذات دون غيرها، ونقل قول ابن غازي الذي ختم به هذا التوجيه وهو قوله في "إنشاد الشريد":
"وحاصله انتقال الساكت للبسملة، والواصل للسكت، حتى يظهر أثر الفرار من القبح للفريقين، وبذلك أقرأنا أستاذنا أبو عبد الله الصغير، مع التزام قطع البسملة عن السورتين" انتهى.
قال ابن القاضي: "وإليه أشرنا":
والحاصل انتقال ساكن إلى ... بسملة كذا رواه من تلا(2)
ثم انتقال واصل للسكت ... بذا قرا ابن غازي خذ بالثبت الخ
__________
(1) تقدم ذكر نشاطه العلمي بسوس والصويرة في ذكر شرحه على الشاطلبية المسمى بـ"المحاذي"، ويمكن الرجوع فيه إلى فهرسته المحققة من لدن السيد زلو محمد أمين بكاية آداب الرباط - شعبة الدراسات الإسلامية - بإشراف الدكتور التهامي الراجي الهاشمي.
(2) الأبيات - وعددها أربعة - في باب البسملة من "الفجر الساطع".(1/59)
إنه إذن "النموذج"، وسيظل هذا النموذج هو الأساس وعليه العمل في الأداء والتلاوة العامة إلى اليوم حيث يأخذ جمهور المغاربة إلى اليوم في قراءة الحزب بالبسملة في السور الأربع المذكورة خاذة، وذلك إذا كانوا يقرأون بوجهي السكت والوصل، فينتقلون عنهما في هذه الأربع إلى وجه البسملة، في حين يعمد الذين تحولوا الآن في الحزب الراتب وغيره إلى الفصل بين السور الأربع عن غيرها بالفصل مع الوقف على التسمية، فالأولون أصحاب السكت والوصل ينتقلون فيها إلى البسملة، والآخرون انتقلوا نوعا من الانتقال عن طريق الوقف على البسملة إلى قريب من الوجه الثاني وهو انتقال الواصل للسكت، لكن لا مستند لهم في هذا العمل، لأنهم إن كانوا قد قصدوا بالوقف عليها الفرار من القبح المزعوم فقد وقعوا في ما فروا منه مع مصادمتهم الرواية الثابتة عن الأزرق عن ورش في هذه الطريق كما سنعود إلى بيانه في الباب التالي بعون الله.
ومن أمثلة هيمنة المدرسة واختياراتها ما نقرؤه عند ابن القاضي في "علم النصرة" و"الفجر الساطع" عند ذكر الفتح والإمالة في "موسى" و"عيسى" ونحوهما قال:
وموسى وعيسى ثم يحيى ممالة ... لبصر على المشهور قد شاع فاعقلا
وقد أخذ الأستاذ ابن غازيهم ... على شيخه الوجهين خذه محصلا
- ومن ذلك قول ابن القاضي في بيان أخذ المغاربة بالعدد المدني الأخير، وهو عدد نافع وأصحابه:
به يعد من لنافع قرا ... مفتتحا مخمسا معشرا
حكاه في "البيان" و"الإيجاز" ... عن قطره خذ وادع لابن غازي(1)
إن هذا ليس إعادة صياغة لقول ابن غازي في الموضوع في أول سورة طه من كتابه "إنشاد الشريد" بقدر ما هو أثر من هيمنته.
__________
(1) ذكره ابن القاضي عند ذكر إمالة رؤوس الآي من "الفجر الساطع" وتبعه مسعود جموع في "الروض الجامع".(1/60)
- ومن مظاهر هذه الهيمنة على مسائل الأداء مما لفت الانتباه إليه الشيخ أبو الحسن النوري الصفاقسي واعتبره من آثار مدرسة ابن غازي قوله في سياق تقرير أوجه الخلاف بين الأئمة في الهمزتين في "ءانذرتهم" في أول سورة البقرة، وذكر وجده الادخال لمن قرأ به، ونقل تعريف ابن مهران لكيفيته، وأنه عبارة عن "مدة تكون حاجزة بين الهمزتين ومبعدة لأحدهما عن الأخرى، ومقداره ألف تامة بالإجماع"، قال النوري: "وبعدم المد قرأت على جميع شيوخي، وهو الذي يقتضيه القياس والنظر، ولا أظن أحدا يقرأ الآن بالمد، إلا المقلدين لابن غازي وغيره والله أعلم"(1).
- ومنه مما لفت الانتباه إليه الإمام أبو زيد عبد الرحمن بن إدريس بن محمد المنجرة الفاسي في شرحه على دالية ابن المبارك السجلماسي المسمى بـ"المقاصد النامية في شرح الدالية" عند قول الناظم فيها:
"فموئلا" سهل أو أبدل بنقلهم للرسم، وامنعه في "السوأى" "لتعتضد" قال الشارح: "تنبيهان: الأول : روايتنا من طريق المغاربة تبعا لابن غازي في "موئلا" النقل فقط مع الحذف، وروايتنا من طريق المشارقة عن الحافظ ابن الجزري الوجهان: النقل والإدغام"(2).
__________
(1) غيث النفح 78.
(2) كتاب المقاصد النامية في شرح الدالية لأبي زيد المنجرة م خ ح بالرباط رقم 887 ومنه 16 نسخة بها كما (فهرسة مخطوطات الخزانة الحسنية المجلد 6/157-160.
أما دالية ابن المبارك فيمكن إليها وفي معرفة أهم الشروح عليها إلى بحث الدكتور التهامي الراجي الهاشمي المنشور بمجلة دعوة الحق العدد 272 بتاريخ ربيع الأول والثاني/نونبر - دجنبر 1988 ابتداء من ص 167.(1/61)
فلننظر إلى قوله: "وروايتنا من طريق المغاربة تبعا لابن غازي، ثم لننظر في مقابلتها لها بطريق المشارقة عند ابن الجزري، ثم لنقدر كيف أصبح اسم الشيخ علما عليها، وكيف اقترنت به عند أئمة القراء، وهو ما أردنا أن نصل إليه من هذه النقول العديدة التي اجتلبناها لندل بها على سيطرته المطلقة في الميدان في مختلف فروعه وشعبه العلمية المتصلة بالقراءة والأداء.
ولقد بلغ الأمر مداه في المدرسة "النافعية" بالمغرب، باحتذائه باعتباره "النموذج" الأمام في كل ما ياتي ويذر، ولسان حالها ينشد قول الشاعر العربي:
وما أنا إلا من غزية إن غوت ... غويت وإن ترشد غزية أرشد(1)
مثال مما عمت به البلوى من أخطاء الشيخ في قراءة "العشر الصغير" بالمغرب إلى اليوم:
هذا المثال يتعلق بتصحيف وقع للشيخ في أرجوزته وفي الأخذ عنه في تسمية القارئ الكبير أحد الراويين (الطريقين" في رواية إسماعيل بن جعفر الأنصاري عن نافع، فقد ذكره باسم "أحمد بن فرج" بالجيم فقال في "تفصيل عقد الدرر" عند ذكر الإظهار والإدغام:
وما بإظهار يعذب من حرج ... ليوسف والأسدي وابن فرج(2)
__________
(1) البيت لدريد بن الصمة في قصيدة له يرثي أخاه عبد الله - ينظر في الأصمعيات 106 رقم 28 واللسان مادة "غزو".
(2) سيأتي في أرجوزته.(1/62)
وقد رجعت إلى طائفة من المصادر لأتبين كيفية نقطه، وهل هناك من صرح بالبيان الصحيح المخرج من الخلاف إن كان في ضبط اسمه خلاف، فوجدت ضبطه صريحا بالحاء عند بلدية القريب من عصره الإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت 463)، فقد ذكره في كتابه الذي وضعه لضبط مشكل الأسماء وسماه "تلخيص المتشابه في الرسم وحماية ما أشكل منه عن بوادر التصحيف والوهم"(1) فوجدته قد ذكر في "الأحمدين" ممن يشتبه اسماهما فقال: الأول أحمد بن فرج بن سليمان أبو عنبة الكندي الحمصي ثم قال: "وأما الثاني بالحاء المهملة فهو أحمد بن فرح بن جبريل أبو جعفر الضرير المقرئ ثم ترجم له وذكر من مشايخه أبا عمر الدوري(2).
ثم رجعت إلى ابن الجزري في غاية النهاية، وقد اعتمد في ترجمة ابن فرح على مصادر أشار إليها بأوائل أسمائها على عادته هكذا (س - غا - ج - فـ - ك) يريد بها على الترتيب كتاب المستتير لابن سوار وكتاب الغاية لأبي العلاء الهمداني، وكتاب جامع البيان لأبي عمرو الداني، وكتاب الكفاية الكبرى للقلانسي، وكتاب الكامل في القراءات لأبي القاسم الهذلي - كما صرح بها في أول كتابه - فوجدته يقول فيه:
"أحمد بن فرح بن جبريل أبو جعفر الضرير البغدادي المفسر، وفرح بالحاء المهملة، ثقة كبير قرأ على الدوري بجميع ما عنده من القراءات... وساق الترجمة إلى أن ذكر وفاته سنة 303 على اختلاف(3).
__________
(1) الكتاب نشر بتحقيق سكينة الشهابي 1985.
(2) تلخيص المتشابه 1/216.
(3) غاية النهاية 1/95-96 ترجمة 437.(1/63)
ثم رجعت إلى كتب القراءة فوجدت ابن مهران (ت 381) يذكر روايته عنه في كتابيه "المبسوط في القراءات العشر"، و"الغاية في القراءات العشر" أيضا، فيقول: "قرأت القرءان من أوله إلى آخره على أبي القاسم هبة الله بن جعفر ببغداد، وعلى أبي القاسم زيد بن علي بالكوفة قالا: قرأنا على أبي جعفر أحمد بن فرح المفسر المقرئ، وذكر أنه قرأ على أبي عمر الدوري، وقرأ أبو عمر على إسماعيل بن جعفر، وقرأ إسماعيل على نافع، وقرأ نافع على عدة من التابعين..."(1).
فجاء ذكره عنده بالحاء، وكذلك وجدت الذهبي ترجم له في "معرفة القراء(2)، وذكره ابن الجزري بذلك في النشر في قراءة أبي عمرو بن العلاء من رواية الدوري(3).
ثم رجعت إلى كتاب "التعريف" لأبي عمرو الداني قوجدته موافقا لذلك حيث قال في قسم الأسانيد: "وأما رواية ابن فرح فإني قرأت بها على فارس بن أحمد... ثم ذكر سنده إلى ابن فرح(4). وكذلك أثبت اسمه ونسبه شيخنا الدكتور الراجي في الجدول الذي بين به رواية إسماعيل من طريق ابن فرح عنه(5).
وبهذا لم يبق عندي أدنى شك في أن الأمر عند الإمام ابن غازي لا يعدو أن يكون تصحيفا، وأن الآخذين عنه والمعتمدين على أرجوزته "التفصيل" إنما قلدوه في ذلك دون تمحيص، أو أنهم سكتوا عن ذلك تأدبا فقط مع الشيخ.
__________
(1) المبسوط في القراءات العشر 15-16 والغاية في القراءات العشر 28-29.
(2) معرفة القراء الكبار 1/194 ترجمة 14 الطبقة 7.
(3) النشر 1/128-131.
(4) التعريف في اختلاف الرواة عن نافع 168-169 ونصه: "وأما رواية ابن فرح فإني قرأت بها القرءان كله على فارس بن أحمد، وقال: قرأت بها على عبد الباقي بن الحسن المقرئ، وقال: قرأت على زيد بن علي الكوفي، وقال: قرأت على أحمد بن فرح، وقال: قرأت على الدوري، وقال: قرأت على إسماعيل، وقال: قرأت على نافع".
(5) التعريف 171.(1/64)
ويدل على هذا وقوفهم على ضبط ابن الجزري لاسمه دون رجوع إلى قوله، كما نجد ذلك في ما نقله الشيخ مسعود جموع السجلماسي في كل من كتابيه "كفاية التحصيل" و"معونة الذكر" أو "الدرة السنية في الطرق العشرية" فقد قال عند قوله ابن غازي في "تفصيل عقد الدرر":
وسند ابن فرج المفسر ... ونجل عبدوس ونجل جعفر
"قوله" ابن فرج "هو أحمد المفسر، كان إماما ثقة عالما بالتفسير، فلذلك لقب بـ"المفسر" قاله في النشر(1) وابن فرح بالحاء بالمهملة، قال الشيخ الزياتي(2): والظاهر من نظم الإمام ابن غازي أنه بالجيم، إذ يقول فيه: "وما بإظهار" "يعذب" من حرج ... البيت، وكذا كنا نسمع من أشياخنا - رحمهم الله - أعني بالجيم حال الإقراء من تقرير كلام ابن غازي، ولعله يستعمل بالوجهين، فاقتصر كل واحد من هذين الإمامين على ما صح عنده عنهما والله أعلم"(3).
فقول الشيخ الزياتي - رحمه الله -. "وكذا كنا نسمع من أشياخنا"، هو الحجة الوحيدة التي كان يدلي بها كل من اعترض عليه في أمر كهذا، المرجع ليس إلا إلى تقليد الآخر للمتقدم.
__________
(1) ذكره في طرقه عن الدوري في قراءة أبي عمرو بن العلاء البصري – النشر في القراءات العشر 1/128-130-131
(2) هو الشيخ أبو علي الحسن بن يوسف بن مهدي الزياتي (ت 1023) وسيأتي في أصحاب القدومي. ويحتمل أن يكون المراد ولده عبد العزيز الزياني صاحب "نفائس العلى في قراءة أبي عمرو بن العلاء" وسيأتي أيضا.
(3) كفاية التحصيل في شرح التفصيل وسيأتي كذلك ذكره.(1/65)
ولقد عارضت بما نقلته عن ابن مهران والخطيب والداني وابن الجزري وغيرهما في شأن "ابن فرح" هذا قارئا متمكنا في دراسة "العشر الصغير" فتوقف في ذلك لإنصافه، ولكنه تعجب منه أشد التعجب لأن كونه "ابن فرح" بالجيم هو عند أهل هذا الفن أو من بقي منهم ببلادنا من قبيل الضروريات(1).
... وإنما مرجع الأمر في الحقيقة إلى الألف والعادة في تقليد التالي للسابق، وإلى اكتساب الخطأ المشروعية العرفية بسبب التقادم وتمالؤ السواد الأعظم عليه، على نحو ما تمالأوا على كثير من الأوقاف الهجينة التي تنسب إلى الإمام الهبطي كما سيأتي.
... والذي يعنينا بعد ما ذكرناه من التنبيه على هذه المسألة ومحاولة لفت الانتباه إلى هذه الجزئية المتعلقة بواحد من رجال "المدرسة النافعية"، أن نتمثل كيف أخذ جمهور المغاربة مقررات هذه المدرسة وتلقوها كاملة بالقبول والتسليم، وها هم قد تتابعوا على ما ذهب إليه ابن غازي في ابن فرح حتى الأئمة المعتمدون منهم، مما جعلهم ربما اعتقدوا خطأ من ذهب إلى الحاء، أو على أقل تقدير أنه – كما قال الشيخ الزياتي – لعله يستعمل بالوجهين"، وحينئذ لا نستغرب كيف يقول ناظم سند "التعريف":
"عن ابن موسى ذي الحجج ... عن الزكي بن فرج
ويقول أيضا:
وقال أيضا ذو الأرج ... حدثني لابن فرج عن عبد باقي المرشد للدوري أيضا لا حرج(2)
فارس ابن أحمد
عن زيد عن نجل فرج
ولا نستغرب أن يقول أيضا أبو زيد بن القاضي على جلالة قدره في نظم له:
"ثم هو" بالإسكان قل لابن فرج ... وقيل بالضم له بلا حرج(3)
__________
(1) المقرئ المذكور هو الصديق السيد الطاهر بن الحاج مبارك العبدي، قرأ بالعشرين بمدرسة سيدي الزوين بالحوز على الشيخ الماهر الأستاذ السيد علال القاسمي المقرئ المعمر الذي ما يزال ينتفع به هناك.
(2) ستأتي هذه الأرجوزة في أسانيد المغاربة.
(3) ذكر له مسعود جموع في الروض الجامع.(1/66)
ولا أن يدرج الإمام المدغري بيت ابن غازي الآنف الذكر في أرجوزته "تكميل المنافع" فيقول:
"وما بإظهار" "يعذب" من حرج ... ليوسف والأسدي وابن فرج
ثم يقول متمما له:
وغيرهم أدغمه مع غنة ... لقلب يا ميما فتلك السنة(1)
... ذلك جانب من تأثير الإمام ابن غازي في أهل هذه الصناعة في عصره وبعده، وتلك صورة عن مقدار هيمنة مذاهبه واختياراته ضربنا لها المثال العديدة لدعم ما قلناه وأردنا التدليل عليه من إمامته للمدرسة المغربية، حتى ليمكننا القول عن وجود بصماته في جميع فروعها وشعبها المتعلقة بالقراءة والأداء أو الخط والضبط، أو الوقف والابتداء، أو نظام الجمع بين القراءات في الجمعين الصغير الكبير.
... وكفى برجل أورث العام والقدوة معا لمن خلفوه، فكان ما يزال منهم في كل جيل قائم بمدرسته يصل أسانيدها، ويذود عن مذاهبها واختياراتها ويعرف بها.
... ولقد نبه بعضهم على هذا الصدى الطيب الذي خلفه الشيخ وراءه بمؤلفاته وحلقاته وعلاقاته فقال في ترجمة أبي عبد الله محمد بن الخياط الشهير بابن إبراهيم الدكالي: "سرى العلم في سلفه من جهة ابن غازي الإمام المشهور، لكون ابنته جدتهم، فلما توفي ابن غازي خلص لهم ما بيده من الأحبار والكتب فاستعانوا بذلك على طلب العلم، فحصل لهم ما سبق في علم الله تحصيله"(2).
... ونعقد الآن الفصل التالي للحديث عن بعض ما خلف في القراءة من آثار، باعتبارها من مجالي إمامته.
الفصل الثاني:
آثار الشيخ ابن غازي في القراءات "تفصيل عقد الدرر في قراءة نافع" وإشعاعها العلمي.
__________
(1) تكميل المنافع.
(2) فهرسة المنجور.(1/67)
... لا نملك أن نغالي بالشيخ الإمام ابن غازي مؤلفا في ميدان القراءات على الأقل كما غلينا به باحثا ومناقشا ومحررا لمساول الخلاف ومنظرا، ولعل السبب الأكبر في ذلك هو استهلاك المجالات المختلفة والمتنوعة لنشاطه العلمي، واستغراق الوظائف الرسمية له، وخاصة منها الوظائف العملية كالإمامة والخطابة والفتيا مما لا يبقى له معه أو يكاد من الفراغ ما يتسع لإنجاز المؤلفات الكثيرة في هذا الجانب الذي يعتبر بالنسبة إليه من قبيل الأعمال الحرة والثقافة الحرة أو مما يحتسب به لله.
... ومع هذا فإن العبرة عند الشيخ بالنوعية لا بالكم العدد، فرب تقييد له أو جواب عن سؤال كان أنفع من كثير من مصنفات المتأخرين التي هي في أكثرها عبارة عن تجميع معلومات أو نثر قصيدة من قصائد الفن بذل ناظمها جهدا كبيرا، فعاد هو إلى نثرها مرة أخرى عودا على بدء "كاللتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا".
... ولقد أفادنا الشيخ بتحقيقاته التي استعرضنا جوانب منها ما لا نكاد نستفيده من خزانة كاملة من المؤلفات الهزيلة ككثير مما ألف حول "الدرر اللوامع" لابن بري مما لا يزيد على كونه تكرارا واجترارا.
... وإذا رجعنا مرة أخرى إلى التطور العلمي في شخصية الشيخ وجدنا أن أخصب فترات حياته في التأليف هي المرحلة الوسطى، وهو أمر طبيعي ينسجم مع اكتمال الشخصية وتمام النضج العلمي.
عدد مؤلفاته: في المصادر التاريخية
... وقد أفادنا في فهرسته ثم في الذيل الذي ألحقه بها بذكر عدد من المؤلفات التي كان قد أنجزها حتى كتابة الفهرسة في الثامن عشر من رجب الفرد من عام 896هـ، وعددها حتى ذلك العهد عشر مؤلفات إضافة إلى الفهرسة ، وذكر هناك أسماء ثلاثة مؤلفات كان لم يفرغ منها بعد(1)، وأخبر في "الذيل" الذي ألحقه بها سنة 905 أنه فرغ منها ووضع على صحيح البخاري كتابه "إرشاد اللبيب" وكمله(2).
__________
(1) يمكن الرجوع في ذلك إلى آخر فهرسته 171.
(2) ذيل فهرسة ابن غازي بآخر الفهرسة: 192.(1/68)
... ولا أدري كيف اقتصر على ذكر هذا العدد الذي لا يزيد على خمسة عشر مؤلفا، وذلك لأن كتب التراجم زادت على ذلك حتى تضاعف هذا العدد، فذكر في شجرة النور 15 وفي نيل الابتهاج ودرة الحجال 17 وفي الجذوة 20 وفي الإتحاف 25، وذكر ناشر فهرسته 30 تأليفا بين منظوم ومنثور(1).
... ونحن إنما يهمنا مما هو مذكور منها وما وقفنا عليه ما له صلة بالقراءة وعلومها ولذلك سنقتصر عليه، ونستهله بذكر أهم مؤلفاته النثرية وأوعبها لمذاهبه الفنية وتحقيقاته العلمية وهو كتاب:
1- إنشاد الشريد من ضوال القصيد(2)
... وهو كتاب متوسط الحجم، غزير النفع سماه في شجرة النور "تقريرات على الشاطبية"(3)، وهي تسمية في نظري أليق به وأعلق من قول السوداني في "النيل": "تكلم فيه على الشاطبية"(4) أو قول الشيخ عبد الله كنون: "ذيل به نظم الشاطبية في علم القراءات"(5) فضلا عن قول ناشر فهرسته: "هو شرح الشاطبية"(6)، وهو على كل حال من المؤلفات التي ذكرها في فهرسته، وبه بدأ ذكر ما أتمه منها حتى كتابة الفهرسة سنة 896هـ(7).
__________
(1) يمكن الرجوع إلى ما ذكرنا من عدد الكتب وأسمائها في شجرة النور 276 ونيل الابتهاج 333-334، ودرة الحجال 2/147-148 ترجمة 622 ومثله عند العلامة عبد الله كنون في – ابن غازي – 21-22/24 والجذوة 1/320 ترجمة 331، والإتحاف 4/9-10.
(2) قام بتحقيقه الأستاذ حسن العلمي من سلا تحت إشراف أستاذنا الدكتور التهامي الراجي الهاشمي لنيل دبلوم الدراسات العليا من دار الحديث الحسنية بالرباط، ونوقش في يناير من عام 1410هـ بعد إنجاز هذا القسم من الحديث، وقد اطلعت على إنجازه المذكور مرقونا بالآلة في خزانة السيد السحابي بسلا.
(3) شجرة النور 276.
(4) نيل الابتهاج 333-334.
(5) ذكريات مشاهير رجال المغرب – ابن غازي 23.
(6) مقدمة تحقيق فهرسة ابن غازي 42.
(7) فهرسة ابن غازي 170.(1/69)
... والكتاب مفيد في بابه، وكان واسع الاستعمال عند علماء القراءة بفاس، ولذلك كثرت نسخه(1). ويدل قول أبي العباس المنجور في ترجمة محمد بن مجبر المساري – من أصحاب ابن غازي -: "يستحضر نصوص حرز الأماني" ولا يحتاج أن ينظر "التيسير"(2) و"إنشاد الشريد" وغيرهما(3)، يدل بمفهومه على أن غيره من المشايخ كانوا لا يستغنون عن النظر فيهما، بينما استغنى هو بحفظه لذلك عن النظر فيه مرة أخرى كما نبه على ذلك في صدر ترجمته(4).
... ويمثل الكتاب في الجملة أهم ما كان يأخذ به الشيخ ابن غازي وشيخه أبو عبد الله الصغير من مذاهب واختيارات في الأداء للقراء السبعة من طرق الشاطبية والتيسير، كما يرجع إليه أكبر الفضل في التعريف بإمامة مؤلفه في هذا العلم، وبه وبأرجوزته في قراءة نافع تسنم الشيخ مكانه في مصاف أئمة هذا الشأن، ونال الحظوة الزائدة عند المتأخرين باعتباره في نظرهم "خاتمة المحققين، وإمام المقرئين". يقول في مقدمته:
"الحمد لله الذي من علينا بوارثة كتابه العزيز، ووفقا لإدمان تلاوته حتى أرزنا في ميدان حفظ أي تبريز... فهذا "إنشاد الشريد من ضوال القصيد" رتبته أبدع ترتيب، على ما يهواه اللبيب، ويستجيده الأريب، وبالله أستعين وإليه أنيب". ثم قال مباشرة: "التعوذ والبسملة":
__________
(1) منه بالخزانة الحسنية بالرباط تسع نسخ مذكورة في فهرستها مجلد 6/29-31 وفي الخزانة العامة خمس بأرقس 887-8-1383-990-1532د، وبخزانة ابن يوسف بمراكش برقم 213-365 إلخ.
(2) تصحف في فهرسة المنجور المطبوعة بلفظ "التفسير"، وهو غير مناسب.
(3) فهرس أحمد المنجور 63-64.
(4) نفسه 63.(1/70)
"والفاتحة مكية سبع آيات باتفاق. إذا وصلت "الرحيم لسم" فالإخفاء لأبي عمر على المعروف... وبعد مباحث جزئية انتقل إلى سورة البقرة فذكر الخلاف في "أنذرتهم" ونقل قول الشاطبي في ذلك، ثم انتقل إلى ذكر إمالة "ومن الناس" للبصري... وهكذا مضى يعلق تعاليق مختصرة على بعض حروف القراءة ويبدي بعض الملاحظات، وربما نقل في مسائل الخلاف بعض ما قرأ به على شيخه الصغير.
وفي سورة طه خاصة توقفا طويلا نسبيا عند ذكر الفواصل والعدّ إلى يقرأ به المغاربة في قراءة نافع، وذكر هنالك الفواصل المتفق عليها في سورة طه لتعلق أحكام الإمالة بمعرفتها وتمييزها عما ليس بفاصلة ولا رأس آية... ثم واصل حديثه على النسق الأول حتى انتهى إلى آخر القرآن قائلا:
"وليس في "الكوثر" وما بعدها إدغام، وبالله التوفيق، كمال "إنشاد الشريد من ضوال القصيد"والحمد لله وكفى"(1).
ومع كون هذا الكتاب في نفسه يعتبر أشبه بالطرر على حرز الأماني، فإن تدارس الأئمة دعاهم مرة أخرى إلى كتابة "طرر" عليه توسع بعض مباحثنه وتعين على فهم مقاصده، فمما كتب عليه في هذا الصدد:
- الطرر المستحسنة لأبي عبد الله محمد السجلماسي.
ومؤلفها هو الإمام المقرئ البارع أبو عبد الله محمد بن مبارك السجلماسي صاحب "الدالية" الآنفة الذكر (1092)، وهو من أعلام أصحاب أبي زيد بن القاضي بفاس وبها ولد، وكان إماما بمسجد الشرفاء منها(2).
__________
(1) اعتمدت في الاستفادة ما نقلته من إنشاد الشريد وفي هذا التعريف الموجز على نسخة عتيقة للشيخ المقرئ السيد أحمد بن الطاهر المعروف ابن الكونطري بمدينة الصويرة جزاه الله خيرا.
(2) ذكر هذه المعلومات عنه أبو زيد عبد الرحمن بن إدريس المنجرة في "المقاصد النامية في شرح الدالية" في المقدمة التي صدره بها. (مخطوطة).(1/71)
توجد من طرره هذه نسخة مخطوطة بالخزانة العامة بتطوان تحت رقم 881 ذكرها غير واحد من الباحثين(1)، وذكر بعضهم أن المؤلف "نبه على سمائل ربما أخطأ فيها ابن غازي، أو أخذ فيها بوجه ضعيف، وهي لا تتعدى رؤوس الأصابع، بأسلوب علمي نزيه، وحتى إنه أخفى اسمه حسب النسخ التي بأدينا، رفقا بهذا الإمام الذي احتلت شهرته الصدارة في عالم القراءات، ولولا هذه الإحالة فقط "فلت في منظومتي:
"في السيئات امنعن لا المنشأت لحذ ... ذ ألف ولياء فيه منفردا(2)
لما عرفناه من هو"(3).
- وإلى جانب طرر ابن مبارك هناك طرر أخرى نسبها بعضهم إلى محمد بن عبد الكريم الزواوي:
ولا يبعد أن تكون نفس الطرر السابقة لابن مبارك، نسبته إليه في بعض النسخ بسبب الإشارة الآنفة الذكر، ونسبت في بعضها إلى من جمعها وهو محمد بن عبد الكريم المذكور، وخاصة لأن هذا الجامع لها قد صدر في أولها بقوله بعد الحمدلة: "هذه الطرر التي نذكرها وجدتها في نسخة صحيحة على إنشاد ابن غازي"(4)، وبذلك يكون قد صرح بأنه جامع لا مؤلف.
__________
(1) منهم سعيد أعراب في كتابه "القراء والقراءات بالمغرب: 74" وذكرها الأستاذ حسن العلمي في دراسته وتحقيقه لكتاب "إنشاد الشريد" ورقة 105 (القسم الأول).
(2) كذا ذرك البيت سعيد أعراب، والصحيح أنه "منفرد" بالجر لأن القصيدة كلها على هذا الروي والبيت من دالية ابن مبارك، ذكره في باب الهمز المتحرك وسطا بعد حركة، ورقمه الترتيبي كما في تحقيق أستاذنا الدكتور التهامي الراجي: 107- دعوة الحق العدد 272 لشهري نونبر – دجنبر 1988.
(3) القراء والقراءات بالمغرب 74.
(4) يمكن الرجوع إلى مخطوطة تطوان بخزانتها تحت رقم 881 والمقارنة بما ذكره سعيد أعراب في كتابه القراء والقراءات بالمغرب: 167.(1/72)
2- رجز في "فواصل الممال"، وسماه في الإتحاف "نظم فواصل المقال" وهو تصحيف، وذكره ابن غازي نفسه في إجازته لأهل تلمسان فيما أورده أبو جعفر البلوي في ثبته، إلا أنه تصحف إلى لفظ المحال – بالحاء – وليس له ذكر في فهرسته(1).
ويسمى أيضا في بعض المصادر "كشف القناع" أو "كشف قناع الوهم" أخذا مما ذكره في أوله في البيت الأول في قوله:
"وهاك في فواصل الممال ... كشف قناع الوهم والخيال
للمدنيين وللمكي ... والشاملي والكوفي والبصري ما بعد القيسي والمجرادُ
مقر بآنظامه المنقادُ
وقد ساق الناظم الرجز بتمامه في سورة طه من "إنشاد الشريد" عند ذكر فواصلها وما يلتبس منها بغيره مما ليس بفاصلة فقال: "وقد كنت نظمت فيها رجزا يدفع اللبس عن فواصلها – إن شاء الله تعالى – رأيت أن أثبته هنا مشروحا، وهو... ثم ذكر الأبيات التي صدرنا بها، ثم قال:
- فواصل الآي ورؤوسها، ثم تطرق لذكر اختلاف القراء في العدد، ونقل عن الإمام الداني في ذلك نقولا ضافية ثم قال معتذرا: "ولم أقف في الوقت على "جامع البيان" وإنما وقفت على ما أسلفتك من النقل عن "كتاب البيان في عدد آي القرآن "وعن" إيجاز البيان"(2).
وبعد هذا أخذ في ذكر أبيات الرج وشرحها بقوله:
"فليس من رؤوس آي طه ... لمن سوى الكوفي مبتداها
وعكسه "مني هدى" في الثنيا ... كذاك "زهرة الحيوة الدنيا"
ولفظ "موسى فنسي" بمعزل ... لغير مكي وغير الأول
وهكذا إلى أن قال في آخره:
والمدني في الأول ورش ارتضى ... كجبر(3)، إذ على يزيد عرضا(4) لكن كلاهما يرى غنيا
__________
(1) فهرسة ابن غازي.
(2) إنشاد الشريد - سيرة طه، والكتب التي سمى عرفنا بها في آثار أبي عمرو الداني.
(3) يعني أبا عمرو بن العلاء البصري وقد تقدم أنه من الأسماء التي قيل أنها اسمه الشخصي.
(4) يعني عرض على يزيد وهو أبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني شيخ الإمام نافع المعروف.(1/73)
والأخوان(1) العدد الكوفيا
عن ذا بما قبيله في "الحرز" ... لولا تنوع وذا "للكنز" عهدة ورشهم لذي "الدر النثير"(2) مفتتحا مخمسا معشرا
أو حسب البلاد لكن الأخير
به يعد من لنافع قرا
حكاه في "البيان" و"الإيجاز" ... عن قطرة خذ وادع لابن غازي(3)
3- شرحه للرجز:
هذا الشرح أدرجه مع الرجز في "إنشاد الشريد"، ولكنه في إجازته للتلمسانيين ذكره منفردا بعد ذكر الإنشاذ والنظم(4).
وقد استفاد أبو زيد بن القاضي من هذا الرجز وشرح الناظم له استفادة جلى في "الفجر الساطع" في باب الإمالة، وأطال النفس في تحليل الفواصل وأشباه الفواصل التي تلتبس بها مما نبه عليه الشيخ وذكر اختلاف النقول في بعض ذلك، وأجرى بعض المقارنات في بعض مسائل الخلاف في ذلك بين علماء العدد من المغاربة: ابن غازي والقيسي والمنتوري وابن أبي السداد في الدر النثير وسواهم، مما يعتبر كلامه أشبه بحاشية أو تعليق على شرح ابن غازي ونظمه المذكور، ونقل عنه بعض ذلك مسعود جموع في شرحه.
- وأورد الإمام أبو الحسن علي النوري أيضا في "غيث النفع" طرفا من أول هذا الرجز ثم قال معقبا عليه:
"لكن لا تظهر ثمرة الخلاف إلا في كلمتين: "موسى" من قوله تعالى "وآله موسى" بطه، و"طغى" بالنازعات من قوله تعالى "فأما من طغى"، وقد ذيلت بهذه الفائدة كلام ابن غازي فقلت:
__________
(1) الأخوان في اصطلاح علماء القراءات السبع هما "حمزة والكسائي". (تقييد الرحماني عن ابن القاضي) يوجد ضمن مجموع بخط أبي عبد الله محمد بن محمد بن أحمد الرحماني مما قيده عن مشيخته بخزانة أوقاف آسفي العتيقة.
(2) يعني لابن أبي السداد أبي محمد عبد الواحد الباهلي المالقي، تقدم.
(3) إنشاد الشريد، سورة طه.
(4) ثبت أبي جعفر أحمد بن علي البلوي الوادي آشي 471-472.(1/74)
ثمرة الخلاف ليست تظهر ... إلا بموسى مع إله يذكر(1) بالنازعات خاب سعي من بغى(2)
كذاك قوله "فأما من طغى"
- وقد قام بشرح رجز ابن غازي فواصل الممال، وهو مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 69 (قراءات)(3).
3- قطعة دالية وقفت عليها بالرباط ومراكش منسوبة إليه، وهي ركيكة في نظمها لا ترقى إلى مستوى نظمه في أرجوزته السابقة وأرجوزته الآتية في قراءة نافع، وهي في أحد عشر بيتا وجدتها في الموضعين في مجموع مصدرة بقول القائل: "وقال ابن غازي رحمه الله، وموضوعها أسماء الرواة الأربعة عن نافع والطرق عنهما، ويقول فيها:
فورش وعيشى ثم إسحاق اسماعيل ... عن نافعهم رووا بعلمهم اقتد
فممن روى عن ورش المصرري العدل ... أبو يعقوب الأزرق يوسف فاهتد وعبد الصمد احفظ علوما واجتهد(4)
كذا الإصبهاني قل محمد اسمه
4- قطعته الآنفة الذكر وهي سبعة أبيات أجاب بها عن حكم الوقف على "أفطال" وأولها:
"ألا فاسمعوا ما قد أخذنا عن الملا ... وجاء به كنز الأماني مفصلا فعند سكون الوقف وجهان حصلا... إلخ
إذا وصل القاري بتغليظ لامه
5- رسالته الجوابية في مراتب المد وكيفية ترتيبها عند جمع القراءات للعشرة، وقد تقدم ذكرها(5).
6- من التفرقات بيتان له في الأسباب الباعثة على الإدغام. ذكرهما مسعود جموع في "الروض الجامع" قال: "والأسباب الباعثة على الإدغام ستة أشار إليها سيدي محمد بن غازي بقوله:
__________
(1) ذكر البيت بزيادة واو في أوله "وتمرة الخلاف"، وبه ينكسر الوزن لذلك أسقطته.
(2) غيث النفع بهامش سراج القارئ 289
(3) ذكره الدكتور عبد الفتاح اسماعيل شلبي في كتابة "الإمالة" في القراءات واللهجات العربية في المصادر التي اعتمدها (طبعة نهضة مصر ط 2 القاهرة 1391-1971م).
(4) توجد مخطوطة في مجموعة بالخزانة العامة بالرباط برقم 1371. ورقة 235. وبمراكش في خزانة خاصة..
(5) أشار إليها سعيد أعراب في "القراء والقراءات بالمغرب 81.(1/75)
"ماثل وشارك لاصقن وقارب ... جانس وكافئ تحظ بالمراتب ظلم قد جاؤوا تاب ورد(1)
كبل له قد تاب من راق وقد
7- فهرسته "التعلل برسوم الإسناد، بعد انتقال أهل المنزل والناد"
... ونذكرها مع هذه القائمة لتضمنها لما ذكرناه له من أسانيد ومشيخته ومرويات، وذلك من صميم ما نحن بصدده، وقد استفدنا منها كثيرا في هذا البحث كما لعل القارئ الكريم لاحظه في ذكر كثير من مصنفات المغاربة في علوم القراءات وخاصة في المؤلفات الخاصة بقراءة نافع ورسمها(2).
8- أرجوزته السائرة: "تفصيل عقد درر ابن بري"، ولأهميتها في بحثنا ومكانتها في "المدرسة المغربية نسوقها بنصها الكامل لقلتها في الأيدي ولكونها تعتبر آخر القصائد المعتبرة في هذا العلم".
وهذه أرجوزته "تفصيل عقد الدرر" في الطرق العشر المروية عن نافع:
وقفت على نسخة منها في مجموع بخط المقرئ الجليل أبي عبد الله محمد بن محمد بن أحمد الرحماني صاحب كتاب "تكميل المنافع" الآتي والأرجوزة الآنفة الذكر في الخلاف بين الإصبهاني والأزرق عن ورش، وقد صدر لها بقوله: "قال الشيخ الإمام العالم العلامة أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن غازي(3)
__________
(1) باب الإدغام من الروض الجامع.
(2) الفهرسة طبعت مرتين بتحقيق محمد الزاهي ونشرت أولا بالدارالبيضاء سنة 1399-1989 ثم بتونس.
(3) هكذا ذكر تسلسل نسبه وفيه زيادة على ما تقدم في ترجمته.
والمخطوطة التي اعتمدتها في الأرجوزة تقع ضمن مجموع عتيق يرجع إلى آخر المائة الحادية عشرة من الهجرة بخط الرحماني المذكور صاحب المؤلفات والمنظومات في قراءة نافع وفي قرائي المكي والبصري، وصاحب تكميل المنافع في العشر الصغير، ويشتمل المجموع على مجموعة من تقاييده عن شيوخه الثلاثة محمد بن يوسف التملي ومحمد بن محمد بن سليمان البوعناني وعبد الرحمن بن القاضي، كما يشتمل على إجازة ابن القاضي له نظما ونثرا ويوجد المجموع في خزانة أوقاف آسفي العتيقة وهي غير مرقمة ولا موضوعة للتداول.(1/76)