القراءات التي حكم عليها
ابن مجاهد بالغلط والخطأ
في كتابه ((السبعة))
عرض ودراسة
إعداد
د/ السالم محمد محمود أحمد
الأستاذ المساعد ورئيس قسم الدراسات القرآنية
بكلية المعلمين بالمدينة المنورة
1426-1427
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه: { - ( الله أكبر ( { ( صدق الله العظيم (- رضي الله عنه - صدق الله العظيم - عز وجل - - - عليه السلام - - ( - } - - رضي الله عنه - الله أكبر - رضي الله عنه - - ( - (- صلى الله عليه وسلم - - - - - - ( الله أكبر ( { - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( مقدمة - - - رضي الله عنه - تمت قرآن كريم ((((( { - رضي الله عنه - مقدمة - } ، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد، القائل : (( أنزل القرآن على سبعة أحرف))، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فيعدّ الإمام ابن مجاهد رحمه الله من كبار علماء القراءات الذين أفنوا أعمارهم فيها إقراء وتدريساً وتأليفاً، فمن حيث الإقراء والتدريس أجمع المترجمون له أنَّه ((قرأ عليه أمم لا يحصون)) وتصدّر للإقراء وازدحم عليه أهل الأداء وبَعُد صيته ورُحِل إليه من الأقطار ..الخ
ومن حيث التأليف فقد ذكروا له عدة كتب في القراءات منها "القراءات الكبير" و"الصغير" و"قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم -".
ومن نعم الله تعالى أن كتب لكتابه "السبعة" السلامة من عوادي الزمن، فوصلنا كاملاً عرفنا من خلاله منهج ابن مجاهد في التأليف وعرض المعلومات، بل وعرفنا من خلاله أيضاً صورة واضحة المعالم لشخصيته ومكانته العلمية، ألا وهي صورة العالم الجليل والشيخ الثقة الكبير، الشيخ الذي لم يقتصر على علم القراءات من حيث الرواية فقط، بل أبرز لنا جانباً آخر في شخصيته العلمية وهي ما يتعلّق بعلم القراءات من حيث الدراية وذلك من خلال ((حُكْمِه)) عليها بالقوة والضعف.(1/1)
هذا وقد استوقفني أثناء مطالعتي ورجوعي في رسالَتَيّ العلميتين ((الماجستير والدكتوراه)) إلى كتابه "السبعة" موقف ابن مجاهد من بعض القراءات.
وأقول: ما بين حالة الإعجاب والتقدير لابن مجاهد وكتابه "السبعة"من جهة، وبين حالة الاستغراب من موقفه من بعض القراءات المتواترة ((والطعن فيها)) من جهة أخرى، كتبت هذا البحث محاولاً فيه تسليط الضوء على تلك القراءات الذي ظهر لي بكلّ وضوح تأثر ابن مجاهد رحمه الله فيها ببعض النحويين واللغويين في عصره، أو بشكل آخر تأثره بعلم النحو وغلبته على تفكيره أثناء تأليفه "السبعة"؛ إذ معلوم أنَّ كلّ من يتعمّق في دراسة علم ما، ويصل فيه إلى درجة معينة لا بد وأن يبقى أثر ذلك العلم عليه، وهذا نلاحظه واضح العيان في علم التفسير إذ كلّ مؤلِّف تطغى عليه صبغة علمه المتخصص فيه.
وهناك سبب آخر مهمّ جداً دفعني إلى كتابة هذا البحث وهو ((الدفاع عن القراءات)) وذلك حتى لا يغترّ كثيرٌ من أهل النحو واللغة الطاعنين في القراءات بصنيع ابن مجاهد فيقولون: هذا ابن مجاهد وهو إمام من أئمة القراءات وضليع فيها وله فيها المرتبة العالية من حيث الرواية، قد طعن في بعض القراءات وحكم عليها بـ ((الغلط)) و((الوهم)) و((الضعف)) فكيف تنكرون على النحويين واللغويين ذلك؟
ويقال لهؤلاء ومَن شاكلهم ورأى رأيهم وقال بقولهم: هذه الحجة ـ بل الشبهة ـ أوهى من بيت العنكبوت؛ لأنَّ قبول القراءة وتواترها وصحتها ليس لأنَّ العالم الفلاني رضيها وقَبِلها، فتضعف إذا ضعفها وتقبل إذا قبلها، لا، وإنَّما المعوّل عليه هو التواتر فإذا حصل وثبت فلا التفات بعد ذلك إلى كلام أحد.
والله تعالى من وراء القصد
التمهيد: وفيه:
أوَّلاً: التعريف بابن مجاهد باختصار:
اسمه: أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد التميمي.
كنيته: أبو بكر.
لقبه: الأستاذ، شيخ الصنعة، أول من سبّع السبعة.(1/2)
مولده: 245هـ بسوق العطش، وهي محلة ببغداد، ولهذا يقال له: العَطَشي(1).
درس القرآن والحديث والعربية على كثير من شيوخ عصره(2).
وقرا عشرين ختمة من القرآن الكريم على عبد الرحمن بن عبدوس وقنبل وغيرهما كثير، كان رحمه الله مع علو مكانته في العلم والدين ومعرفته بعلوم القرآن حسن الأدب، رقيق الخلق، كثير المداعبة جواداً. اهـ(3)
لم أجد عند مَن ترجم له قدحاً أو جرحاً إلاَّ ما نقل عن الشيخ ابن شنبوذ رحمه الله حيث أنكر ختمة ابن مجاهد على قنبل، ووصفه بوصف لا يليق بأهل القرآن فضلاً عن كبار العلماء، وغير عباراته الأخرى وهي: هذا العطشي ـ يعني ابن مجاهد ـ لم تغبر قدماه في طلب العلم . اهـ(4)
ولا شك أنَّ الله تعالى قد هيأ لابن شنبوذ من لقي كبار العلماء ما لم يتهيأ لابن مجاهد، ومع هذا فلا يلتفت لكلام الاثنين أحدِهما في الآخر لأنَّه قد وقع بينهما ما
يقع عادة بين الأقران(5)
__________
(1) - انظر ترجمته بتوسع في:
الفهرست:53، تاريخ بغداد:5/144-148، معجم الأدباء:5/65-73، سير أعلام النبلاء:15/272-274، معرفة القراء الكبار:2/533-538، طبقات الشافعية الكبرى: 3/57-58، غاية النهاية:1/139-142.
(2) - انظر: معرفة القراء:2/534.
(3) - ذكر العلماء له أوصافاً ومحاسن غير هذا، إلاَّ أنِّي اخترت ما ذكرت لمغزىً تربوي وهو ما كان عليه سلفنا الصالح من حسن أدب وظرافة خلق لا تقدح في المروءة ولا تذهب ببهاء العلم ووقاره.
(4) - انظر: غاية النهاية:2/54.
(5) - ما وقع بين الإمامين: ابن مجاهد وابن شنبوذ رحمهما الله تعالى وعفا عنا وعنهما مشهور ومذكور، وذلك بسبب الخلاف بينهما في حكم ((القراءات الشاذّة)) في قصة طويلة ذكرها المترجمون لهما انتهت بانتصار ابن مجاهد وإيداع ابن شنبوذ السجن حتى مات فيه سنة:328هـ رحمه الله.
وقد بالغ أبة حيان التوحيدي في مناصرة ابن شنبوذ في عبارته: لم ينزل الله تعالى اختيار ابن مجاهد من السماء، وإنَّما اجتهد كما اجتهد من تقدم.اهـ البصائر والذخائر: 8/65.
ومهما يكن من شيء فيما جرى بين هذين الإمامين فما كان حرياً بابن شنبوذ أن يُسجن ويُضرب، ورحم الله أبا شامة عندما كتب: ابن شنبوذ لم يكن مصيباً فيما ذهب إليه، لكن خطأه في واقعة لا يسقط حقه من حرمة أهل القرآن والعلم، وكان الرفق به أولى من إقامته مقام الدعار والمفسدين. اهـ المرشد الوجيز:191-192.(1/3)
.
وفاته: توفى ابن مجاهد رحمه الله سنة:324هـ.
ثانياً: منهج ابن مجاهد في تضعيف القراءات:
((منهجه)) رحمه الله في هذه المسألة واضح وجلي، وذلك من خلال اختلاف ((الصيغ)) التي استخدمها، وهي متنوعة كالتالي:
1- الغَلَط: وهذا الحكم هو الأكثر، فكثيراً ما يقول بعد ذكره القراءة: ((وهو غلط)).
2- الخطأ: كأن يقول: وهو خطأ، وأحياناً يزيد في الإيضاح فيقول: خطأ في العربية(1).
3- الوهم: فيقول: وهو وَهَم، أو وهذا وهَم.
4- ليس بشيء.
5- لا يجوز، وأحياناً يزيد في البيان ويقول: لا يجوز لغة(2).
ثالثاً: خطة البحث:
سلكت في هذا البحث منهج المؤلِّف نفسه فاتبعت ترتيبه إلاَّ في كلمات لها نظائر، جعلتها في موضع واحد؛ للفائدة والاختصار، ولم أجعل عناوين للسور وذلك لقلة الكلمات من جهة، ولوجود سور كثيرة لا كلام عليها، فاكتفيت بوضع اسم السورة ورقم الآية أمام الكلمة المراد البحث فيها.
والله تعالى أعلم
القراءات التي حكم عليها
ابن مجاهد بالغلط والخطأ
في كتابه ((السبعة))
1- قوله تعالى: { غير المغضوب عليهم } [الفاتحة:7].
قال ابن مجاهد رحمه الله: ... عن الخليل بن أحمد(3) قال: سمعت عبد الله بن كثير المكي(4)أنَّه كان يقرأ: { غيرَ المغضوب عليهم } ... وقد قال الأخفش(5): نصب { غير } على الاستثناء، وهذا غلط. اهـ(6)
هذه القراءة ـ أعني نصب { غير } ـ قراءةٌ شاذّةٌ حتى وإن كانت مرويةً عن ابن كثير رحمه الله.
اختلف المعربون في وجه النصب هنا:
__________
(1) - انظر: السبعة:409.
(2) - انظر: السبعة:494.
(3) - الفراهيدي، إمام اللغة والنحو والعروض (ت:170، وقيل 177هـ) روى عن عاصم وابن كثير. غاية النهاية:1/275.
(4) - المكي، أحد القراء السبعة (45-120هـ) لقي ابن الزبير وأنس وغيرهما من الصحابة. غاية النهاية:1/443-444.
(5) - سعيد بن مسعدة، صاحب سيبويه (ت:221هـ). بغية الوعاة:1/590.
(6) - السبعة:112.(1/4)
أنَّه على الحال من الضمير في { عليهم } والتقدير: صراط الذين أنعمت عليهم لا مغضوباً عليهم(1). قال أبو حيان(2): وهو الوجه، ولم يسوغ الفراء غيره(3).
أنَّه على الحال من { الذين } .
أنَّه على الاستثناء والتقدير: إلا المغضوب عليهم(4). والله أعلم.
تغليط ابن مجاهد رحمه الله النصب على الاستثناء يُسلَّم إذا كان مراده ((الاستثناء المتصل))(5)، أمَّا إذا كان المراد بالاستثناء هنا ((الاستثناء المنقطع))(6) فلا وجه للتغليط. والله أعلم.
والقول بأنَّ الاستثناء هنا ((منقطع)) هو المعتمد عند غير الفرّاء(7)، قال أبو علي الفارسي(8): وقد حكي عن الخليل أنَّه أجازه ـ النصب ـ على وجه الصفة والقطع من الأوَّل، كما يجيء المدح. اهـ(9)
وقال أبو حيان: هو استثناء منقطع إذ لم يتناوله اللفظ السابق. اهـ(10)
أمَّا الفرّاء رحمه الله فقد منع وجه الاستثناء أصلاً وذلك من أجل ((لا)) في قوله: { ولا الضالين } (11).
2- قوله تعالى: { المحتويات ( - ( { ( - - الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - ( المحتويات ( - (( - - - (( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - ... } [البقرة:33].
__________
(1) - الحجة للقراء السبعة:1/143، وبعد الآن اسمه: الحجة للفارسي.
(2) - محمد بن يوسف، شيخ العربية والأدب والقراءات(654-745هـ)، معرفة القراء الكبار:3/1471-1474.
(3) - انظر: البحر المحيط:1/29.
(4) - الحجة للفارسي:1/142.
(5) - هو أن يكون المستثنى بعضاً مما قبله، شرح ابن عقيل: 2/212.
(6) - هو أن لا يكون المستثنى بعضاً مما قبله. المصدر السابق.
(7) - يحيى بن زياد شيخ النحاة (ت:207هـ). غاية النهاية:2/371-372.
(8) - الحسن بن عبد الغفار شيخ العربية في عصره (288-377هـ) معجم الأدباء:7/234-261.
(9) - الحجة:1/143.
(10) - البحر المحيط:1/29.
(11) - المصدر السابق.(1/5)
قال ابن مجاهد رحمه الله: وزعم(1) الأخفش الدمشقي(2) عن ابن ذكوان(3) بإسناده عن يحيى بن الحارث(4) عن ابن عامر(5) { أنبئْهِم } مهموزةً مكسورة الهاء؛ وهو خطأ في العربية، إنَّما يجوز الكسر إذا ترك الهمزة فيكون مثل عليهم وإليهم. اهـ(6)
هذه القراءة المنسوبة إلى ابن عامر رحمه الله قراءةٌ شاذّةٌ غير متواترة فلا يقرأ بها(7).
قال الإمام أبو عمرو الداني(8) رحمه الله بعد أن نقل كلام ابن مجاهد: ولم أجد أنا في كتاب الأخفش الخاص والعام ما حكاه ابن مجاهد عنه، بل حكى فيهما في "الحجر": { ونبئهُم } بضمّ الهاء للهمزة الساكنة قبلها، قال: ولا أعلم أحداً من أهل الشام ممن يتولى قراءة ابن عامر ويقرئ بها ويؤتم به فيها يعرف غير الهمز وضمّ الهاء، قال: وقد سأل أبو الفرج محمد بن إبراهيم الشنبوذي(9) أبا الحسن بن الأخرم(10) بحضرة أبي بكر بن مجاهد: هل يعرفون كسر الهاء مع الهمزة في { أنبئهم } فقال: لا والله ما نعرفه. اهـ(11)
__________
(1) - الزعم هنا بمعنى القول. انظر: اللسان: زعم.
(2) - هارون بن موسى بن شريك، مقرئ نحوي(ت:292هـ)، معرفة القراء الكبار:1/485-487.
(3) - عبد الله بن أحمد، راوي ابن عامر (173-242هـ) معرفة القراء الكبار:1/402-405.
(4) - الذماري شيخ القراء بدمشق بعد ابن عامر (ت:145هـ). غاية النهاية:2/367-368.
(5) - عبد الله بن عامر أحد القراء السبعة (8-118) غاية النهاية:1/423-425.
(6) - السبعة:154.
(7) - نسبها أبو حيان أيضاً إلى ابن عباس رضي الله عنهما، انظر: البحر المحيط:1/149.
(8) - عثمان بن سعيد إمام القراءات (371-444). معرفة القراء الكبار:2/773-781.
(9) - البغدادي من ائمة القراءات والتفسير (300-388هـ). غاية النهاية:2/50-51.
(10) - محمد بن النضر شيخ القراء (260-341هـ). معرفة القراء:2/571-575.
(11) - جامع البيان (مخطوط):2/ق3/ب، و4/أ.(1/6)
وقول ابن مجاهد رحمه الله: ((خطأ في العربية)) لم يسلم به العلماء، بل خالفوه فيه، والصواب ـ والله اعلم ـ معهم، حيث إنَّ هذه القراءة مع شذوذها رواية لها وجه في العربية، وهو: أنَّه أتبع كسر الهاء كسرة الباء قبلها، ولم يعتد بالهمزة لأنَّها ساكنة، والساكن ليس بالحاجز الحصين عندهم، فكأنَّه لا همزة هناك أصلاً، وكأنَّ كسرة الباء على هذا مجاورة للهاء، وهذا الوجه معروف في العربية، يقولون: منهِ، ومنهِما ومنهِمي، ولم أعرِفِه، ولم أضرِبِه، ومنكِم وبكِم.(1)
والعجب أنَّ الإمام ابن خالويه(2) مع مكانته في العربية قد غاب عنه هذا الوجه وتبع شيخه ابن مجاهد في تخطئة هذه القراءة حيث قال: هي غلط لأنَّ الهاء إنَّما تكسر إذا تقدّمتها كسرة أو ياء.اهـ(3)
وكذلك إمام اللغة أبو منصور الأزهري(4) حيث قال: غير جائز عند أهل العربية(5).
قال ابن جني(6) رحمه الله بعد أن بيّن وجه هذه القراءة وأنَّها جاءت على سَنَن العربية: فقد علمت أنَ قول ابن مجاهد رحمه الله لا وجه له، ورحم الله أبا بكر ـ يعني ابن مجاهد ـ فإنَّه لم يأل فيما علمه نصحاً، ولا يلزمه أن يُرِي غيره ما لم يُرِه الله تعالى إياه، وسبحان قاسم الأرزاق بين عباده. اهـ(7)
__________
(1) - انظر: الحجة للفارسي:2/11-12، المحتسب:1/70-71، البحر المحيط:1/149.
(2) - الحسين بن أحمد، إمام النحو واللغة في عصره (ت:370هـ). بغية الوعاة:1/529.
(3) - إعراب القراءات السبع وعللها:1/82.
(4) - محمد بن أحمد، من كبار مدوني لغة العرب وصاحب كتاب "تهذيب اللغة" (280-370هـ) بغية الوعاة:1/19.
(5) - علل القراءات:1/44.
(6) - عثمان بن جني، أبو الفتح، إمام التصريف في زمانه (322-392هـ). إنباه الرواة:2/335-336.
(7) - المحتسب:1/71.(1/7)
يلاحظ أنَّ الشيخ أبا علي الفارسي نقل في كتابه: "الحجة" أنَّ الذي يقرأ بكسر الهاء والهمزة هو ابن كثير فقط، وهذه عبارته: كلهم قرأ { أنبئهم } بالهمز وكذلك روى بعض رواة المكيين عن ابن كثير { أنبئْهِم } بكسر الهاء والهمزة، قال أحمد: وهذا خطأ لا يجوز. اهـ(1)
وهذا النص لا يوجد في كتاب "السبعة"، ويظهر أنَّ الفارسيّ نقله عن ابن مجاهد في غير كتابه المذكور، قال الإمام أبو عمرو الداني:
روى ابن مجاهد في غير كتاب "السبعة" كسر الهاء مع الهمز عن الخزاعي(2) عن ابن فليح(3)، وكذلك رواه النقاش(4) عنه عن ابن فليح. اهـ(5)
وقد وهَّم الداني ذلك فقال: وهو وهم إنَّما هو عن القواس(6) كذا ذكر الخزاعي في كتابه الذي سمعه الناس منه، قال ابن مجاهد: فراجعت الخزاعي في ذلك وأخبرته أنَّ ذلك غير جائز ودللته على الصواب وعرّفته أنَّ كسر الهاء لا يجوز مع الهمز فكتب إليّ: غلطتُ والتبسَ عليَّ وقد رجعت عن كسر الهاء. اهـ(7)
ونبّهت هنا على مخالفة الفارسي في "الحجة" لما في "السبعة" لأنَّه ذكر أنَّه سينقل عنها ذكر كل حرف على حسب ما فيها(8).
هناك ملاحظة أخرى وهي أنَّ الفارسيّ وابنَ جنّي نقلا عن ابن مجاهد في ردّه قراءة ابن عامر هنا قوله: ((لا تجوز))(9) بينما عبارته في "السبعة" ((خطأ في العربية)) كما سبق.
__________
(1) - الحجة للفارسي:2/6-7.
(2) - إسحاق بن أحمد، إمام في قراءة المكيين (ت:308هـ). غاية النهاية:1/156.
(3) - عبد الوهاب فليح بن رباح، إمام أهل مكة في القراءة (ت: بعد:250هـ). غاية النهاية:1/480-481.
(4) - محمد بن الحسن، إمام عَلَم مقرئ ومفسر (266-351هـ) . غاية النهاية:2/119-121.
(5) - جامع البيان (مخطوط): 2/ق3/ب.
(6) - هو النبال، ستأتي ترجمته قريباً.
(7) - جامع البيان: 2/ق 3/ب.
(8) - الحجة للفارسي:1/6.
(9) - انظر: الحجة للفارسي:2/7، المحتسب:1/70.(1/8)
3- قوله تعالى: { - - رضي الله عنهم - - ( - { - - رضي الله عنهم - - - صلى الله عليه وسلم - - - ( ( صدق الله العظيم ( - (( - } ( - - - ... } [البقرة: 36].
قال ابن مجاهد: روى أبو عبيد(1) أنَّ حمزة قرأ { فأزالهما } بالإمالة مع الألف وهذا غلط.اهـ(2)
ما رواه أبو عبيد رحمه الله عن حمزة هنا يعتبر شاذاً لا يقرأ به، ووجه الغلط في هذه القراءة هو من حيث الرواية لا من حيث العربية، قال ابن خالويه: فأمَّا رواية أبي عبيد عن حمزة: { فأزالهما } بالإمالة فإنَّه غلط على حمزة؛ لأنَّ من شرط حمزة أن يميل من نحو هذا ما كانت فاء الفعل مكسورة إذا ردَّها المتكلّم إلى نفسه نحو: خاف وخفت، وضاق وضقت، وزال وزلت. اهـ(3)
أمَّا من حيث العربية فلها وجه وهو أنَّ الألف مبدلة من ياء التي أصلها واو، فحمل على أصلها الثاني دون الألف.(4)
4- قوله تعالى: { كن فيكون } [البقرة: 117].
قال ابن مجاهد رحمه الله: قرأ ابن عامر وحده: { فيكونَ } نصباً، وهذا غير جائز في العربية؛ لأنَّه لا يكون الجواب للأمر هنا بالفاء.اهـ
كذا قال في النسخة الخطية، أما في المطبوع فعبارته: ابن عامر بنصب النون، قال أبو بكر: وهو غلطٌ.اهـ(5)
أوَّلاً: هذه القراءة التي حكم عليها بالغلط هي قراءة متواترة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما سيأتي بعد قليل.
ثانياً: ليس ابن مجاهد رحمه الله منفرداً بتغليط هذه القراءة، بل هناك كثيرون غيره، سواء من النحاة أو القراء.
__________
(1) - القاسم بن سلام، أحد كبار العلماء الأعلام (151-224هـ). غاية النهاية:2/17-18.
(2) - السبعة:154.
(3) - المقروء به لحمزة في إمالة الألف من هذا النوع هو عشرة أفعال وهي: ((زاد، شاء، جاء، خاب، ران، خاف، زاغ، طاب، ضاق، حاق)) . النشر:2/59.
(4) - انظر: إعراب القراءات الشواذ:1/150.
(5) - هذا النص من النسخة الخطية: ق43/ب، نقله أبو شامة عن ابن مجاهد نصاً. انظر: السبعة: 169، إبراز المعاني:2/317.(1/9)
قال أبو علي الفارسي رحمه الله: ومن ثمّ أجمع الناس على رفع { يكون } ورفضوا فيه النصب إلاَّ ما روي عن ابن عامر، وهو من الضعف بحيث رأيت، فالوجه في { يكون } الرفع. اهـ(1)
وقوله رحمه الله: ((أجمع)) و ((رفضوا)) لا يسلم له لوجود المعارض ممن يقدح في الإجماع. والله أعلم.
وقال الأزهري رحمه الله: وهذا ـ النصب ـ عند القراء ضعيف. اهـ(2)
وقال ابن الأنباري(3) رحمه الله: النصب ضعيف ... فلهذا كانت هذه القراءة ضعيفة. اهـ(4)
وقال مكي(5) رحمه الله: وجه النصب مشكل ضعيف، بعيد في المعنى. اهـ(6)
ثالثاً: حجة هؤلاء المنكرين والمعترضين على هذه القراءة المتواترة هو: أنَّ النصب بالفاء في جواب الأمر حقه أن ينزل منزلة الشرط والجزاء. (7)
رابعاً: دافع كثير من العلماء عن هذه القراءة ـ والحق معهم ـ وبينوا أنَّ تغليطَها غلطٌ، وأنَّه لا وجه له.
قال السخاوي(8) رحمه الله: واعلم أنَّ هذه القراءة ثابتة عن إمام من أئمة المسلمين وما اتبع فيها إلاَّ الأثر، وتغليطها لا وجه له. (9)
__________
(1) - الحجة للفارسي:2/206-207.
(2) - علل القراءات:1/61.
(3) - عبد الرحمن بن محمد أبو البركات، صاحب كتاب "الإنصاف" (513-577هـ). إنباه الرواة:2/170-171.
(4) - البيان في غريب إعراب القرآن:1/120.
(5) - ابن أبي طالب، من أئمة القراءات والمؤلفين فيها في الأندلس (355-437هـ). غاية النهاية:2/309-310.
(6) - الكشف عن وجوه القراءات السبعة وعللها:1/261.
(7) - انظر: إبراز المعاني:2/316.
(8) - علي بن محمد، تلميذ الشاطبي وشيخ أبي شامة، عالم مشهور مقرئ ومفسر ونحوي (558-643هـ). غاية النهاية:1/568-571.
(9) - فتح الوصيد:3/662.(1/10)
وقال أبو حيان رحمه الله: وهذا ـ القول بأنَّها لحن ـ قول خطأ لأنَّ هذه القراءة في السبعة فهي قراءة متواترة، ثم هي بعدُ قراءة ابن عامر، وهو رجل عربي لم يكن ليلحن، وقراءة الكسائي في بعض المواضع، وهو إمام الكوفيين في علم العربية، فالقول بأنَّها لحن من أقبح الخطأ المؤثم الذي يجر قائلة إلى الكفر، إذ هو طعن على ما علم نقله بالتواتر من كتاب الله تعالى. اهـ(1)
خامساً: وجه هذه القراءة أنَّها محمَّلة للفظ؛ لأنَّه لما جاء اللفظ على صورة الأمر، أجري النصب مجرى جواب الأمر.(2)
وأيضاً فقد قال في قوله تعالى: { كن فيكون } [آل عمران: 59]: قرأ ابن عامر بالنصب، وهذا وهم. اهـ(3)
وقال في موضع سورة مريم: [35]: هذا غلط في العربية. اهـ(4)
وتوهيم هذه القراءة غلط؛ إذ هي قراءة متواترة، يُجاب عنها كما أُجيب عن الأولى.
5- قوله تعالى: { شيوخاً } [غافر: 67].
قال ابن مجاهد رحمه الله: وروى هبيرة(5) عن حفص(6) عن عاصم(7) أنَّه كسر الشين من { شيوخا } وحدها، وهو غلط. اهـ(8)
__________
(1) - البحر المحيط:1/536.
(2) - أطال الإمام السخاوي رحمه الله الاحتجاج لهذه القراءة والرد على الطاعنين فيها بما يحسن الرجوع إليه.
انظر: فتح الوصيد:2/660-666، الحجة للفارسي:2/206.
(3) - السبعة: 206-207.
(4) - كذا في النسخة الخطية: ق109/ب، وفي النسخة المطبوعة: 409، خطأ بدل غلط.
(5) - ابن محمد التمار، مشهور بالإقراء والمعرفة، قيل لم يخالف عمرو بن الصباح إلاَّ في خمسة أحرف. اهـ غاية النهاية:2/353، معرفة القراء:1/413.
(6) - ابن سليمان البزاز، صاحب الرواية المشهورة في أقطار الأرض (90-180هـ). غاية النهاية:1/254-255.
(7) - ابن بهدلة الحناط، أحد القراء السبعة (ت:127هـ). غاية النهاية:1/346-349.
(8) - النسخة الخطية: ق46/أ.(1/11)
وفي المطبوع: قال أبو بكر: وهذا خطأ. اهـ(1)
هذه الرواية لا يقرأ بها لحفص، وذلك لعدم تواترها عنه، وابن مجاهد رحمه الله هنا حكم عليها بالغلط من جهة الرواية لا من جهة العربية. والله تعالى أعلم.
6- قوله تعالى: { يبينها } [البقرة: 230].
قال ابن مجاهد رحمه الله: وكلهم قرأ { يبينها } بالياء، إلاَّ أنَّ المفضّل بن محمد(2) روى عن عاصم { نبينها } بالنون، وحدثني محمد بن عيسى بن حيان(3) قال: حدثنا أبو هشام(4) قال: حدثنا يحيى بن آدم عن أبي بكر(5) عن عاصم { نبينها } بالنون أيضاً، وهو غلط. اهـ(6)
هذه القراءة لا يقرأ بها لعاصم لأنَّها غير متواترة، وهذا وجه تغليط ابن مجاهد لها، فهي غلط من حيث الرواية لا من حيث العربية، وقد نقل الإمام الداني رحمه الله عن عاصم ما نقله ابن مجاهد هنا عنه(7). والله تعالى أعلم.
7- قوله تعالى: { ( - - - - ( - ( - - ( - ( - { - - - - صدق الله العظيم ( - ( - (- رضي الله عنه - - - (( مقدمة - رضي الله عنه - - - عليه السلام - - (- رضي الله عنه - تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - } [البقرة: 283].
__________
(1) - السبعة: 179، هذا وقد ذكر الإمام الداني رحمه الله الكسر في الشين لهبيرة عن حفص في موضعين من جامع البيان:1/ق 14/أ، و2/ق 157/أ.
(2) - المشهور بـ((الضّبي)) صاحب "المفضليات"(ت:168هـ)، معرفة القراء الكبار:2/275-276.
(3) - أبو جعفر البغدادي، مقرئ متصدر مشهور. غاية النهاية:2/224.
(4) - محمد بن يزيد الرفاعي، قاض، مقرئ، محدث، روى عنه مسلم في "صحيحه" والترمذي وابن ماجة وابن خزيمة (ت:248هـ). غاية النهاية:2/280-281.
(5) - هو شعبة بن عياش الحناط (95-193هـ). غاية النهاية:1/325-327.
(6) - السبعة: 183.
(7) - انظر: جامع البيان:1/ق16ب/17/أ.(1/12)
قال ابن مجاهد رحمه الله: قرأ عاصم في رواية يحيى عن أبي بكر، وحفص وحمزة { - ( - { - - - - صدق الله العظيم ( - ( - (- رضي الله عنه - - - } يهمز ويرفع الألف، ويشير إلى الهمز بالضم، وهذه الترجمة غلط لا تجوز من جهة أصلاً في العربية، وقرأ الباقون { الذي اؤتمن } الذال مكسورة وبعدها همزة ساكنة بغير إشمام الضمّ، وهذا هو الصواب الذي لا يجوز غيره، وروى خلف وغيره عن سُليم عن حمزة { الذي اوتمن } يشمّ الهمزة الضمّ، وهذا خطأ أيضاً لا يجوز إلاَّ تسكين الهمزة. اهـ(1)
ما ذكره ابن مجاهد رحمه الله عن عاصم بروايتيه وعن خلف عن حمزة كله لا يقرأ به لهم، حيث لم يتواتر ذلك عنهم.
قال الإمام الداني رحمه الله بعد أن ذكر كلام ابن مجاهد عن عاصم: وهذا كله خطأ؛ وذلك أنَّ الجمع بين همزة فاء الفعل المرسومة واواً وبين همزة الوصل المرسومة الثاني، أي حال كان عن الوصل والابتداء ممتنع بإجماع(2).
8- قوله تعالى: { حج البيت } [آل عمران: 97].
قال ابن مجاهد رحمه الله: قال حفص عن عاصم: الحَج الاسمُ، والحِجّ الفعل، قال أبو بكر: وهذا غلط؛ إنَّما الحج بالفتح الفعل، والحج الاسمُ بالكسر. اهـ(3)
هذه المسألة التغليط فيها هو من حيث اللغة لا من حيث القراءة والرواية، والقولان كلاهما صحيح. (4)
9- قوله تعالى: { ( المحتويات ( - - - رضي الله عنهم - - ( - ( تمهيد - ( ( فهرس ( - - رضي الله عنه - - ( - - - ... } [الأنعام: 90].
قال ابن مجاهد رحمه الله: قرأ ابن عامر: { فبهداهم اقتدِهِ قل } بكسر الدال ويشم الهاء الكسر من غير بلوغ ياء، وهذا غلط؛ لأنَّ هذه الهاء هاء سكت لا تعرب في حال من الأحوال، وإنَّما تدخل ليبين بها حركة ما قبلها. اهـ(5)
__________
(1) - السبعة: ق 51/ب.
(2) - جامع البيان:2/ 26/أ.
(3) - السبعة:214.
(4) - انظر: الحجة للفارسي: 3/71-73، إعراب القراءات السبع: 1/117، فتح الوصيد: 3/792.
(5) - السبعة:ق:69/ب، والمطبوع:262.(1/13)
ذهب ابن مجاهد رحمه الله هنا إلى تغليط قراءة ابن عامر بناءً منه على أنَّ الهاء في { اقتده } على هذه القراءة هي ((هاء سكت))، وهذا الذي ذهب إليه تبعه فيه ابن خالويه(1) وغيره.
والصواب الذي يظهر من كلام العلماء أنَّ الهاء على هذه القراءة ليست ((هاء السكت)) وإنَّما هي هاء كناية عن مصدر.
قال أبو علي الفارسي رحمه الله: وقراءة ابن عامر بكسر الدال وإشمام الهاء الكسرة من غير بلوغ ياء ليس بغلط، ووجهها أن تجعل الهاء كناية عن المصدر لا التي تلحق للوقف، ومنه قول الشاعر(2):
هذا سُراقةُ للقرآن يَدْرُسُه ... والمرءُ عند الرَّشا إِنْ يَلْقَها ذِيبُ
فالهاء كناية عن المصدر، ودل يدرس على الدرس، قال: ولا يجوز أن يكون الضمير لـ((القرآن)) لأنَّ الفعل قد تَعدَّى إليه باللاَّم، فلا يجوز أن يتعدى إليه وإلى ضميره. اهـ(3)
وقال أبو عمرو الداني رحمه الله: هذه الهاء في قراءة ابن عامر كناية عن مصدر محذوف ثابت عنه، والتقدير: اقتدِ الاقتداء، وهي في قراءة الباقين هاء سكت واستراحة. اهـ(4)
وقال الإمام أبو حيان الأندلسي: وتغليط ابن مجاهد قراءة الكسر غلط منه وتأويلها على أنَّها هاء السكت ضعيف. اهـ والله أعلم.
10- قوله تعالى: { - (( - (- رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - تم بحمد الله } [الأعراف:10].
قال ابن مجاهد رحمه الله: روى خارجة(5) عن نافع { معائش } ممدودة مهموزة، وهذا غلط. اهـ
هذه القراءة المنسوبة إلى نافع رحمه الله قراءة شاذّة لا يقرأ بها، ويظهر ـ والله أعلم ـ أنًَّ ابن مجاهد غلطها من جهتين:
__________
(1) - انظر: إعراب القراءات السبع:1/164.
(2) - لا يُعرف.
(3) - الحجة للفارسي:3/352-353، وانظر: إبراز المعاني:2/131.
(4) - جامع البيان:2/ق 56/أ، وانظر: الكشف عن وجوه القراءات السبع:1/439.
(5) - ابن مصعب، أخذ عن نافع وأبي عمرو، وله شذوذ كثير عنهما لم يتابع عليه (ت:168هـ). غاية النهاية:1/268.(1/14)
الأولى: كونها غير متواترة عن نافع رحمه الله، وهذا صحيح والحق مع ابن مجاهد فيه.
الثانية: كونها خطأ في اللغة، وهذا تبع فيه ابنُ مجاهد كثيراً من علماء اللغة، حيث صرحوا بأنَّها خطأ وأنَّ نافعاً رحمه الله قرأ بها لأنَّه لم يكن يدري ما العربية(1).
والحق أنَّ هذه القراءة ليست خطأً في العربية وإن جاءت على غير قياس؛ لأنَّ القياس فيها هو: ((معايش)) بالياء؛ لأنَّ الياء في مفردها أصلية ((عيش)) والدليل على عدم خطئها هو نصّ الفرّاء وغيره أنَّ بعض العرب تهمز هذا وشبهه.
وقد دافع الإمام أبو حيان رحمه الله عن هذه القراءة ونصرها وأنَّها صحيحة ولكن ليست متواترة بما ملخصه:
1- أنَّها رواها الثقات من القرّاء، وابن عامر وهو عربي صراح أخذ عن عثمان قبل ظهور اللحن، وكذا غيُره من كبار التابعين رووها.
2- ورودها عن بعض العرب كما نقل عن الفرّاء.
ثم ختم دفاعه هذا بقوله: كثير من هؤلاء النحاة يسيئون الظن بالقرّاء، ولا يجوز ذلك. اهـ(2)
فخلاصة القول أنَّ { معائش } بالهمز شاذّةٌ من حيث القراءة وقياس العربية، وأنَّ لها وجهاً في العربية، وهو ما سبق. والله أعلم.
11- قوله تعالى: { ( مقدمة ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( فهرس - - } - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } [الأعراف: 111].
__________
(1) - نقله أبو حيان عن المازني واعترضه بقوله: لا يلزمه ذلك إذ هو فصيح متكلم بالعربية ناقل للقراءة عن العرب الفصحاء. اهـ. البحر المحيط:4/271.
(2) - انظر: البحر المحيط:4/271-272، الدر المصون:5/257.(1/15)
قال ابن مجاهد رحمه الله: قال ابن ذكوان: { أرجئه وأخاه } بكسر الهاء والهمزة، وقال في سورة "الشعراء" { أرجئه } إحدى الهمزتين فيها(1) بين الجيم والهاء، لم يذكر غير ذلك، وهو غلط، لا يجوز كسر الهاء مع الهمزة، وقال هشام: { أرجئه } مهموز مرفوع، وهو الصواب. اهـ(2)
وقال رحمه الله: ففي رواية ابن ذكوان بالهمز وكسر الهاء، وهذا غلط؛ لا يجوز كسر الهاء وقبلها همزة، وإنَّما يجوز كسرها إذا كان قبلها كسرة أو ياء ساكنة. اهـ(3)
كذا قال ابن مجاهد رحمه الله في النسخة الخطية من "السبعة" أمَّا في النسخة المطبوعة ففيها: وقول ابن ذكوان هذا وهَم؛ لأنَّ الهاء لا يجوز كسرها وقبلها همزة ساكنة وإنَّما يجوز إذا كان قبلها ياء ساكنة أو كسرة، وأمَّا الهمز فلا. اهـ(4)
تغليط ابن مجاهد رحمه الله لرواية ابن ذكوان إذا كان مرادُه من حيث اللغة، فهو غلطٌ(5)، حيث إنَّ لها وجهاً في العربية، وأمَّا إن كان مرادُه من حيث الروايةُ فكلامه صحيحُ إذ أنَّها قراءةٌ شاذةٌ غير متواترة.
قال الإمام السخاوي رحمه الله بعد أن نقل كلام ابن مجاهد رحمه الله: فإذا ثبتت القراءة فلا وجه لإنكارها، وقال: ووجه هذه القراءة أنَّه لم يعتد بالساكن حاجزاً فكأنَّ الهاء وقعت بعد الجيم، وجاز ذلك في الهمز دون غيره من الأحرف الصحيحة؛ لأنَّ الهمز ليس كغيره؛ إذ هو قابل للتغيير والنقل. اهـ(6)
__________
(1) - كذا في المخطوط، وفي المطبوع: ((فيهما)) .
(2) - السبعة: 210.
(3) - السبعة (الخطية):ق 77/أ.
(4) - السبعة (المطبوع): 288.
(5) - وتبعه كثير من الأئمة. انظر: الحجة للفارسي:4/60-62.
(6) - فتح الوصيد:2/267-267، وانظر: جامع البيان:2/ق63/ب، البحر المحيط:4/360.(1/16)
و أضيف هنا نصاً عن ابن خالويه رحمه الله حيث قال بعد أن نقل تغليط ابن مجاهد والنحويين لهذه القراءة: وله وجه عندي وذلك أنَّ الهمزة لما سكنت للجزم وبعدها الهاء ساكنة على لغة من يسكن كسر الهاء لالتقاء الساكنين، قال: فيحمل قول من خطأه أن يكون خطأ الرواية ولم ينعم النظر في هذا الحرف.
ثم أضاف رحمه الله: وقد اجترأ جماعة في الطعن على هؤلاء السبعة في بعض حروفهم وليس واحد منهم عندي لاحناً بحمد الله. اهـ
ثمّ دافع عن صنيع بعض العلماء في تلحينهم لبعض القراءات فقال: هؤلاء العلماء ربما لم يأخذوا أنفسهم بالاحتجاج لكل من يروي عن هؤلاء السبعة كعناية غيرهم به. اهـ(1)
12- قوله تعالى: { - - ( { - عليه السلام -(( - - } - - ( - - - رضي الله عنهم - - ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - قرآن كريم ( - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله (( - - - رضي الله عنه -( - - .. } [الأعراف: 128].
قال ابن مجاهد رحمه الله: ... حفص عن عاصم { يُوَرِّثها } مشدّدة الراء، ولم يروها عن حفص عن عاصم غير هبيرة وهو غلط، *المعروف عن حفص التخفيف*. اهـ(2)
هذه القراءة شاذّةٌ لا يقرأ بها، وقد ذكر ابن خالويه علّة هذه القراءة فقال: كأنَّ حفصاً ذهب إلى قوله في الحديث ((من عمل بما علم ورّثه الله علم ما لم يعلم)) هكذا لفظ الحديث. اهـ(3)
إن صحّت هذه العلّة، فيكون هذا هو الموضع الثاني، الذي أجد فيه حفصاً يترك قراءة معينة، ويختار أخرى مستدلاًّ عليها بالحديث، كما في الكلمة : { ضعف } من سورة "الروم"(4).
__________
(1) - إعراب القراءات السبع:1/198.
(2) - السبعة: ق 78/ب.
(3) - إعراب القراءات:1/203.
(4) - حيث نصّ علماء القراءات: ابن مجاهد والأهوازي وابن غلبون والداني وغيرهم أنَّ حفصاً قرأ عن نفسه لاعن عاصم بضم الضاد، وقال ابن الجزري: أختارُ الضم خلافاً لعاصم للحديث الذي رواه ... الخ، ثم ذكر الحديث. انظر: السبعة:508، النشر:2/345.(1/17)
13- قوله تعالى: { } تمت ( { { - ( - (( - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - ... } [الأعراف:196].
قال ابن مجاهد رحمه الله: قال ابن سعدان(1) عن اليزيدي(2) عنه ـ أبي عمرو ـ أنَّه قرأ { وليَّ الله } يدغم الياء، قال أبو بكر: الترجمة التي قالها ابن سعدان عن اليزيدي في إدغام الياء ليست بشيء؛ لأنَّ الياء الوسطى التي هي لام الفعل متحركة وقبلها الياء الزائدة ساكنة، فلا يجوز إسكان لام الفعل وإدغامها وقبلها ساكن، ولكني أحسبه أراد حذف الياء الوسطى وإدغام الياء الزائدة في ياء الإضافة. اهـ(3)
هذه الكلمة { وليّي } فيها ثلاث ياءات؛ الأولى: ياء فعيل، والثانية لام الفعل، والثالثة ياء الاسم المضمر المضاف إليه(4).
هذا ولم يسلم علماء اللغة لابن مجاهد تضعيفه هذه القراءة الشاذّة التي لا يقرأ بها لأبي عمرو، حيث خرّجوها من جهتين:
الأولى: قال أبو علي الفارسي: لا يخلو ما رواه أبو زيد عن أبي عمرو من أن يدغم الياء التي هي لام الفعل في ياء الإضافة، أو يحذف الياء التي هي لام الفعل فإذا حذفها أدغم ياء فعيل في الياء التي هي ياء الإضافة، قال: فلا يجوز أن يدغم الياء التي هي لام في ياء الإضافة؛ لأنَّه إذا فعل ذلك انفك الإدغام. اهـ(5)
__________
(1) - محمد بن سعدان نحوي مقرئ (ت:231هـ). معرفة القراء الكبار:1/431.
(2) - يحيى بن المبارك، نحوي مقرئ، عرف باليزيدي لصحبته يزيد بن منصور خال المهدي، خالف أبا عمرو في عشرة أحرف (ت:202هـ). غاية النهاية:2/375-377.
(3) - السبعة:300.
(4) - انظر: علل القراءات:1/238.
(5) - الحجة للفارسي:4/117.(1/18)
الثاني: قال أبو حيان الأندلسي: يمكن تخريج هذه القراءة على وجه آخر وهو أن لا يكون ((وليّ)) مضافاً إلى ياء المتكلم، بل هو اسم نكرة اسم ((إنَّ))، والخبر ((الله))، وحذف التنوين من ((ولي)) لالتقاء الساكنين، كما حذف في قراءة: { قل هو الله أحدُ الله } (1).
ومنه قول الشاعر(2):
فَأَلْفَيْتُه غَيرَ مستعتِبٍ ... ولا ذاكرَ الله إلاّ قليلا
والتقدير في الآية: إن وليّاً حق وليَّ الله الذي نزل الكتاب، قال: وجعل اسم ((إنَّ)) نكرة والخبر معرفة معروف في فصيح الكلام، ومنه قول الشاعر(3):
وإنَّ حراماً أن أَسُّبّ مجاشعاً ... بآبائيَ الشُّمِّ الكرامِ الخَضَارِمِ اهـ(4)
وقال الأزهري رحمه الله: لا موضع للإدغام هنا لأنَّ الإدغام فيه مجمع بين ساكنين، ولكنَّ أبا عمرو لما رأى توالي الياءات اختلس لفظ بعضها اختلاساً خفياً بلطافته على ما هو معهود عنده من لطافة ألسنة العرب، فلا يطوع لسان الحضري لما يطوع له لسان البدوي. اهـ(5)
14- قوله تعالى: { ( { - عليه السلام - - ( قرآن كريم - عليه السلام - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - ( - { - ( - - } - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( ... } [التوبة:61].
قال ابن مجاهد رحمه الله: حدثني محمد بن يحيى ... عن نافع { ورحمةٍ } مثل حمزة خفضاً، وهو غلط. اهـ(6)
الاعتراض هنا هو من حيث الرواية لا من حيث اللغة. وهو في محله لأنَّ المقروء به لنافع هو الرفع(7).
__________
(1) - وهي قراة شاذّة مروية عن أبي عمرو وعاصم. انظر: الشواذ:182.
(2) - هو أبو الأسود، في ديوانه:123، وانظر: اللسان (عتب).
(3) - هو الفرزدق، في ديوانه:844.
(4) - البحر المحيط:4/442، وانظر: الدر المصون:5/543.
(5) - علل القراءات:1/238.
(6) - السبعة:316، وانظر: إعراب القراءات السبع:1/250، علل القراءات:1/257.
(7) - انظر: النشر:2/280.(1/19)
15- قوله تعالى: { ( - ( - (- صلى الله عليه وسلم - - - - - ... } [يوسف:13، 14،17] .
قال ابن مجاهد رحمه الله: اختلفوا في همز ((الذئب))، وقال ابن جماز(1): أبو جعفر(2) وشيبة(3) ونافع لا يهمزون ((الذئب))، قال أبو بكر: وهذا وهْم، إنَّما هو: أبو جعفر وشيبة لا يهمزانه، ونافع يهمزه(4). اهـ
بيان الوهم هو إدخال نافع من روايتيه ضمن الذين يهمزون ((الذئب)) وهم أبو جعفر وشيبة، وهذا الاعتراض في محله في رواية قالون، حيث إنَّ المقروء به لورش هو ترك الهمز، ولقالون بالهمز، والله أعلم(5).
16- قوله تعالى: { - (( - - ( - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله (( - - - رضي الله عنه -(( - ... } [يوسف: 110] .
__________
(1) - سليمان بن مسلم، أحد راويي أبي جعفر من العشرة، شارك الإمام نافعاً في الأخذ عن بعض شيوخه (ت: بعد:170هـ). معرفة القراء الكبار: 1/293-294، غاية النهاية:1/315.
(2) - يزيد بن القعقاع، أحد القراء العشرة(ت:128هـ). معرفة القراء الكبار:1/172-178.
(3) - ابن نصاح بن سرجس، مقرئ المدينة وقاضيها، مولى أم سلمة رضي الله عنها، وهو أوَّل من ألَّف في الوقوف، (130هـ). غاية النهاية:1/329-330.
(4) - السبعة:346، وفي المخطوط: أبو جعفر وشيبة لايهمزانه، ونافع يهمزه. ق 93/أ.
(5) - انظر: التيسير:128.(1/20)
قال ابن مجاهد رحمه الله: روى نصر بن علي(1) عن أبيه(2) عن أبي عمرو: { فنجّى } مدْغم، كذا قال وهو غلط، لا يجوز الإدغام في هذا؛ لأنَّ الأولى متحركة والثانية ساكنة، ولا يجوز إدغام المتحرك في الساكن(3)، والنون لا تدغم في الجيم، فمن يدغم فقد غلط، ولكنها حذفت من الكتاب(4)، أعني النون الثانية لأنَّها ساكنة خفيفة تخرج من الخياشيم، فحذفت من الكتاب هي في اللفظ ثابتة. اهـ(5)
بيّن ابن مجاهد رحمه الله وجه تغليطه لهذه القراءة الصحيحة المتواترة عن عاصم وابن عامر فقط من السبعة(6).
وقال ابن مجاهد أيضاً: روى هبيرة عن حفص عن عاصم: { فننجي } بنونين مضمومة وخفيفة، وهذا غلط. اهـ(7)
تغليط ابن مجاهد لهذه القراءة من حيث الرواية صحيح، إنَّه ليس المقروء به لحفص من الطرق المتواترة. وقال أبو علي الفارسي: ما رواه هبيرة عن حفص عن عاصم بنونين وفتح الياء فهو غلط ـ كما قال ابن مجاهد ـ من الراوي؛ لأنَّه لاشيء هاهنا ينتصب به الياء في قوله: { فننجي } والنون الأولى للمضارعة فلا يجوز أن تنتصب من غير ناصب له. اهـ(8)
__________
(1) - الجهضمي، إمام عالم صالح، روى عنه البخاري ومسلم والأربعة (250هـ). غاية النهاية:2/337-338.
(2) - علي بن نصر الجهضمي مقرئ محدث ثقة (189هـ). غاية النهاية:1/582-583.
(3) - من لطائف توجيه ذلك قول ابن خالويه: لأنَّ المتحرك حي، والساكن ميت، ومن شأن العرب أن تدفن ميتا في الحي، ولا يدفنون حيا في ميت. اهـ، إعراب القراءات:1/318.
(4) - يعني رسم المصحف.
(5) - النص نقلته من النسخة الخطية: ق 64/أ، وانظر: المطبوع:352.
(6) - انظر: الحجة للفارسي:4/444-446، التيسير:130.
(7) - السبعة:352.
(8) - الحجة:4/446-447.(1/21)
وقد تبع الإمام ابن عطية(1) رحمه الله ابن مجاهد والفارسي في نقل هذه القراءة عن هبيرة وتغليطه إياه فقال: رواها ابن هبيرة عن حفص عن عاصم وهي غلط من ابن هبيرة. اهـ(2)
وقد ردَّ الشيخ السمين(3) على هذا التغليط من حيث العربية، وذكر أنَّ هذه القراءة ليست غلطاً من حيث الصنعة حيث إنَّ لها وجها، فقال: توهم ابن عطية أنَّه { فننجي } مضارع باق على رفعه، فأنكر فتح لامه وغلّط راويها، وليس بغلط؛ وذلك أنَّه إذا وقع بعد الشرط والجزم معاً مضارعٌ مقرونٌ بالفاء جاز فيه أوجهٌ، أحدها: نصبه بإضمار ((أن)) بعد الفاء كما في: { يغفر لمن } [البقرة:284]، ولا فرق بين أن تكون أداة الشرط جازمة كآية البقرة، أو غير جازمة كهذه الآية. اهـ(4)
تنبيه هام:
جاء في النسخة المطبوعة من "التيسير" للإمام الداني: ((نافع وابن عامر بنون واحدة)) وهذا خطأ مطبعي صوابه: عاصم بدل نافع. والله أعلم(5).
وقال رحمه الله في موضع سورة الأنبياء ... { ((( - ( الله أكبر - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - } [88]: روى عبيد عن أبي عمرو وعبيد عن هارون عن أبي عمرو: { نجِّي المؤمنين } مدغمة، وهو وهم، لا يجوز الإدغام ها هنا؛ لأنَّ النون الأولى متحرّكة والثانية ساكنة والنون لا تدغم في الجيم، وإنَّما خفيت النون لأنَّها ساكنة تخرج من الخياشيم فحذفت من الكتاب وهي في اللفظ مبينة ومن قال تدغم فقد غلط. اهـ(6)
تغليطه هنا هو من حيث الرواية ؛ فالمقروء به لأبي عمرو هو بنونين وتخفيف الجيم.
17- قوله تعالى: { من لدنّي } [الكهف:76].
__________
(1) - عبد الحق بن غالب، من كبار المفسرين (ت:542هـ). بغية الوعاة:2/73.
(2) - المحرر الوجيز: 9/395.
(3) - أحمد بن يوسف نحوي من كبار علماء عصره (ت:756هـ). غاية النهاية:1/152.
(4) - الدر المصون:6/567-568.
(5) - انظر: التيسير:130.
(6) - السبعة: ق 115/ب.(1/22)
قال ابن مجاهد رحمه الله: روى أبو عبيد عن الكسائي(1) عن أبي بكر عن عاصم في كتاب "القراءات"(2) { لُدْني } بضم اللاَّم وتسكين الدال، وهو غلط. اهـ(3)
ما ذهب إليه ابن مجاهد رحمه الله من تغليط هذه القراءة المنسوبة إلى شعبة إن كان مراده من الرواية فصحيح؛ إذ هذه القراءة غير متواترة ولا يقرأ بها له، وأمَّا إن كان التغليط مراداً به من حيث اللغة فهذا لا يسلم له.
قال أبو علي الفارسي رحمه الله: يشبه أن يكون التغليط من أبي بكر أحمد ـ ابن مجاهد ـ في وجه الرواية، فأمَّا من جهة اللغة ومقاييسها فهو صحيح. اهـ(4)
ثمّ بين الفارسي رحمه الله وجه هذه القراءة من اللغة وأنَّها من باب إلقاء الحركة التي هي الضمة على الفاء نحو: عُضْد في عَضُد، وسُبْع في سَبُع، ثم قال: فهذه أوجه هذه الرواية في القياس. اهـ(5)
18- قوله تعالى: { - - رضي الله عنهم - - - ( } - ( قرآن كريم ((( - (( - - - } [الكهف:97] .
قال ابن مجاهد رحمه الله: كلهم قرأ { فما اسطاعوا } بتخفيف الطاء، غير حمزة، فإنَّه قرأ: { فما اسطَّاعوا } مشدّدة الطاء، يريد: { فما استطاعوا } ثم يدغم التاء في الطاء، وهذا غير جائز؛ لأنَّه قد جمع بين السين وهي ساكنة والتاء المدغمة وهي ساكنة. اهـ(6)
__________
(1) - علي بن حمزة، أحد القراء السبعة (ت:189هـ). غاية النهاية:1/535-540.
(2) - مفقود، وفي جامعة الإمام محمد بن سعود رسالة ماجستير عنه توصل الباحث إلى أنَّ كتاب "القراءات" هو في الخمسة عشر وليس خمساً وعشرين، والرسالة المذكورة كانت بإشراف شيخي د/إبراهيم الدوسري، ونوقشت سنة:1421هـ.
(3) - السبعة:396.
(4) - الحجة للفارسي:5/262.
(5) - المصدر السابق، وانظر: إعراب القراءات:1/407-408.
(6) - السبعة:401.(1/23)
هذه القراءة التي لم يجوز ابن مجاهد وجهها من حيث العربية هي قراءة متواترة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عبرة بإنكار النحويين(1) لها حيث إنَّهم لم يستقرؤا جميع أساليب العرب في كلامهم، ولو استقرؤه لما ردوا هذه القراءة وأمثالها من القراءات المتواترة بحجة أنَّه ((لحن)) أو ((ضعيف)) ... الخ.
هذا وقد ذكر العلماء وجهين في تخريج هذه القراءة على كلام العرب:
الأوَّل: لما لم يمكن إلقاء حركة التاء على السين لئلاّ يحرك ما لا يتحرك أدغم مع الساكن وإن لم يكن حرف لين. اهـ(2)
الثاني: أنَّ بعض العرب تتوهم بالساكن الحركة وبالحركة السكون(3).
وقال أبو عمرو الداني: أدغم التاء في الطاء وجمع بين ساكنين في الوصل والجمع بينهما في مثل ذلك جائز مسموع، ومما يقوي ذلك ويسوغه أنَّ الساكن الثاني لما كان اللسان عنده يرتفع عنه وعن المدغم ارتفاعة واحدة صار بمنزلة الحرف المتحرك، فكأنَّ الساكن الأوَّل قد ولي متحركاً. اهـ(4)
19- قوله تعالى: { { المحتويات ( بسم الله الرحمن الرحيم } - قرآن كريم ( - ( - - - - - رضي الله عنهم -( - ( } [طه:64] .
__________
(1) - ذكر السخاوي منهم: الخليل وسيبويه والزجاج. انظر: فتح الوصيد:3/1087.
(2) - انظر: الحجة للفارسي:5/181-182، الدر المصون:7/550.
(3) - إعراب القراءات:1/422.
(4) - جامع البيان (مخطوط) ق3/ق109-110.(1/24)
قال ابن مجاهد رحمه الله: كلهم قرأ { ثم ائتوا } بفتح الميم إلاَّ ما حدّثني به محمد بن الجهم(1) عن خلف(2) والهيثم(3) قالا عن عبيد بن عقيل(4) عن شبل(5) عن ابن كثير { ثم ايتوا } بكسر الميم غير مهموزة ويأتي بالياء التي بعدها تاء، وهذا غلط؛ لأنَّه كسر الميم من { ثم } وحظها الفتح ولا وجه لكسرها، وإنَّما أراده ابن كثير أن يتبع الكتاب فلفظ بالياء التي خلفت الهمزة بعد فتحة الميم. اهـ(6)
هذه القراءة المنسوبة لابن كثير شاذّة لا يقرأ بها، وما ذهب إليه ابن مجاهد رحمه الله ومن وافقه(7) في أنَّها ((غلط)) أو ((وهم))(8) فهو المشهور في العربية وهو القياس.
وذهب ابن خالويه رحمه الله إلى أنَّ لها وجهاً وهو: أنَّ كسر الميم من { ثم } إنَّما هو من أجل التقاء الساكنين، قال: والعرب تجيزه في نحو ((فُظَّ)) و((غُضَّ)) و((ثُمَّ)) و((زًرَّ))، ومنه قول الشاعر(9):
فَغُضَّ الطرف إنَّك من نُمَيرٍ ... فلا كعباً بَلَغتَ ولا كِلاباً
روي: غُضَّ، وغُضِّ وغضُّ(10). والله أعلم.
20- قوله تعالى: { وضياء... } [الأنبياء:48] .
__________
(1) - السِمَّري، شيخ كبير وإمام شهير، كاتب (ت:278هـ)، وليس (208) كما في: غاية النهاية:2/113.
(2) - ابن هشام البزار، أحد راويي حمزة، وهو أحد القراء العشرة أيضاً (150-229هـ). غاية النهاية:1/272-274.
(3) - ابن خالد، مقرئ متصدر. غاية النهاية:2/357.
(4) - البصري، راو ضابط صدوق (ت:207هـ). غاية النهاية:1/496.
(5) - ابن عباد، مقرئ مكة (70-160هـ). غاية النهاية:1/323-324.
(6) - كتبت هذا النص من النسخة الخطية: ق112/أ، وذلك لاختلافها مع المطبوع: 420.
(7) - كالفارسي والأزهري وغيرهما.
(8) - انظر: علل القراءات:1/391.
(9) - هو جرير، ديوانه:75.
(10) - انظر: إعراب القراءات:2/41، إعراب القراءات الشواذ:2/77-78، البحر المحيط:6/256.(1/25)
قال ابن مجاهد رحمه الله: قرأ ابن كثير وحده { ضئاء } بهمزتين؛ الأولى قبل الألف، والثانية بعد الألف، كما قرأت على قنبل عن القواس ... وقول قنبل هذا غلط. اهـ(1)
هكذا قال الإمام هنا في موضع سورة الأنبياء، وكان الأولى بيان الحكم على هذه القراءة في هذه الكلمة عند أوَّل موضع ذُكرت فيه، وهو قوله تعالى : { - عليه السلام - قرآن كريم ( - - ( - { - - - - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - - } ( - } ( - - - } ( - - - عليه السلام - - (( } [يونس: 5]، لكنه اكتفى هناك بالقول : كان أصحاب البزي ينكرون هذا - ضئاءً- بهمزتين ويقرءون مثل ما يقرأ الناس. اهـ(2)
وقال أيضاً في موضع سورة القصص { بضياء } [71]: قرأ ابن كثير وحده (بضئاء) بهمزتين كذا قرأت على قنبل وهو غلط، وروى البزي عن ابن فُليح عن أصحابهما عن ابن كثير (بضياء) بهمزة واحدة، وهو الصواب . اهـ(3)
العجب هنا أنَّ ابن مجاهد غلّط رواية قنبل وهي قراءة صحيحة متواترة مع اعترافه أنَّه قرأ بها على قنبل ، كما قال ابن الجزري(4) رحمه الله: وزعم ابن مجاهد أنَّه – ضئاء – غلط مع اعترافه أنَّه قرأ كذلك على قنبل، وخالف الناسُ ابن مجاهد في ذلك فرووه(5) عنه بالهمزة، ولم يختلف عنه في ذلك، ووافق قنبلاً أحمدُ ابن يزيد الحلواني، فرواه عن القواس شيخ قنبل. اهـ(6)
__________
(1) - كتبت هذا النص من المخطوط: ق 115/ب، لأنَّ فيها التصريح بـ ((غلط)) أمَّا المطبوع: ص:429 فليس فيه المراد، بل فيه: ((وأباه ابن فليح)).
(2) - السبعة : 323.
(3) - السبعة: 495.
(4) - محمد بن محمد (752-833) إمام هذا العلم ومحققه، انظر: غاية النهاية: 2/247-25..
(5) - هذا الصواب، كما هو موجود في النسخ الخطية المعتمدة من النشر، خلافاً لما في النسخة المطبوعة (فرواه).
(6) - النشر: 1/416.(1/26)
وقال السمين الحلبي رحمه الله: كثيراً ما يتجرء أبو بكر على شيخه ويغلّطه ، قال: وهذا لا ينبغي أن يكون، فإنَّ قنبلاً بالمكان الذي يمنع أن يتكلم فيه أحد. اهـ(1)
وهذه القراءة لا يجوز تغليطها لتواترها روايةً وصحتها لغةً؛ حيث وجهوها على القلب، أي أخرت العين إلى موضع اللاَّم، وقُدّمت اللاَّم إلى موضعها، فصارت الياءُ طرفاً بعد ألف زائدة فقلبت همزةً كـ ((سقاء)). اهـ(2)
21- قوله تعالى: { ... ولؤلؤا ... } [الحج:23].
قال ابن مجاهد رحمه الله: روى المعلّى بن منصور(3) عن أبي بكر عن عاصم: { لؤلؤاً } بهمز الأولى ولا يهمز الثانية، وهذا غلط. اهـ(4)
التغليط هنا هو من حيث الرواية؛ لأنَّ المقروء به لشعبة هو ترك الهمزة الأولى(5). والله أعلم.
22- قوله تعالى: { ... سِخرياً ... } [المؤمنون:110] .
قال ابن مجاهد رحمه الله: روى هبيرة عن حفص عن عاصم { سُخرياً } مرفوعاً(6)، وهو غلط. اهـ(7)
التغليط من حيث الرواية؛ لأنَّ المقروء به لحفص هو كسر السين(8).
23- قوله تعالى: { إذ تلقونه ... } [النور:15].
قال ابن مجاهد رحمه الله: روى ... عن أبي عمرو: { إذ تلقونه } مشدّدة التاء مثل ابن كثير يدغم الذال في التاء. وهذا خطأ.. قال: وهو رديء جداً إلاَّ أن يظهر الذال من { إذ } . اهـ(9)
هذه القراءة المنسوبة إلى أبي عمرو تعتبر انفرادة له، وليست شاذة لأنَّها متواترة عن ابن كثير رحمه الله، وأمَّا أبو عمرو فالمقروء له هو بالإدغام(10).
__________
(1) - الدر المصون: 6/152.
(2) - انظر: فتح الوصيد: 3/971، إبراز المعاني: 3/219.
(3) - أبو يعلى الرازي، مقرئ وفقيه حنفي (ت:211هـ). غاية النهاية:2/304.
(4) - السبعة:435.
(5) - انظر: التيسير: 156.
(6) - أي: بضم السين.
(7) - السبعة: 148.
(8) - انظر: التيسير: 160.
(9) - السبعة:ق:120/ب، والمطبوع:453-454.
(10) - انظر: التيسير:42، غيث النفع:302.(1/27)
وعلى ذلك فلا وجه لتخطئتها أو وصفها بأنَّها ((ردئية)) وذلك ـ إضافة إلى صحتها قراءةً ـ لأنَّ لها وجهاً في العربية، وهو الجمع بين ساكنين على رغم اعتراض بعض اللغويين عليه، والصحيح أنَّه واردٌ.
والعجب أنَّ ابن خالويه رحمه الله تبع شيخه ابن مجاهد في تضعيفه لهذه القراءة هنا بحجة أنَّ فيها الجمع بين ساكنين، وكان قد دافع بقوة عن الجمع بين ساكنين في قراءة { نعمّا } فقال رحمه الله: متى ما صحّ الشيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحل للنحوي ولا غيره أن يعترض عليه. اهـ(1)
24- قوله تعالى: { ويخلد فيه ... } [الفرقان:69] .
قال ابن مجاهد رحمه الله: عن أبي عمرو { ويُخْلَد } بضم الياء وفتح اللاَّم وجزم الدال، وهو غلط. اهـ(2)
هذه القراءة شاذّة لا يقرأ بها، وهي غلط كما قال ابن مجاهد من حيث الرواية، أمَّا من حيث العربية فقال أبو علي الفارسي رحمه الله: المعنى: خَلَدَ هو، وأخلده الله، ويكون ((يُخْلَد)) مثل ((يُكرم)) و((يُعطى)) في أنَّه مبني من ((أفعل))، ويكون قد عطف فعلاً مبنيا للمفعول على مثله. قال: إلاَّ أنَّ الرواية إذا لم تكن صحيحة لم يجز أن تنسب إلى الذي تروى عنه. اهـ(3)
25- قوله تعالى: { لا يحطمنكم ... } [النمل:18] .
قال ابن مجاهد رحمه الله: قرأ عبيد عن أبي عمرو: { لا يحطمنْكم } ساكنة النون، وهو غلط. اهـ(4)
__________
(1) - انظر: إعراب القراءات:1/101-102.
(2) - السبعة:467
(3) - الحجة للفارسي:5/352.
(4) - السبعة:479.(1/28)
هذه قراءة متواترة عن رويس(1) عن يعقوب(2)، فتعتبر انفرادة عن أبي عمرو، ومن هنا حكم عليها ابن مجاهد بأنَّها غلط، أي: من حيث الرواية، وقال الفارسي: قوله ـ ابن مجاهد ـ: ((وهذا غلط)) يريد أنَّه غلط من طريق الرواية لا أنَّه لا يتجه في العربية، قال: ووجه النون الخفيفة والشديدة هنا حسنان. اهـ(3)
26- قوله تعالى: { من سبأ ... } [النمل:22] .
قال ابن مجاهد رحمه الله: قرأت على قنبل(4) عن النبال(5) { من سبأ } ساكنة الهمزة، وكذلك في قوله: { لسبأ في مسكنهم } [سبأ:15]، وهكذا الحسن بن محمد ابن عبيد الله بن أبي يزيد(6) عن شبل عن ابن كثير، وهو وهم. اهـ(7)
قوله: وهو وهم، لم يسلمه له العلماء، بل هي قراءة متواترة، ولها وجه في العربية صحيح، وهو الإسكان على نية الوقف(8).
27- قوله تعالى: { في ضيق } [النمل:70] .
قال ابن مجاهد رحمه الله: روى أبو عبيد عن إسماعيل(9) عنه -نافع- { ضِيق } ، وهو غلط. اهـ(10)
هذه القراءة المنسوبة إلى نافع لا يقرأ بها له، فهي غلط من حيث الرواية لا العربية(11).
28- قوله تعالى: { بما تفعلون } [النمل:88] .
__________
(1) - محمد بن المتوكل اللؤلؤي، أحد راويي يعقوب، (238) . انظر: غاية النهاية: 2/234.
(2) - ابن إسحاق الحضرمي، أحد القراء العشرة، (ت:205). انظر: غاية النهاية: 2/386.
(3) - الحجة للفارسي:5/380-381.
(4) - محمد بن عبد الرحمن، أحد راويي ابن كثير من السبعة (195-291هـ). معرفة القراء:1/452-453.
(5) - أحمد بن محمد، القواس، مقرئ معروف (ت:245هـ). المصدر السابق:1/370-371.
(6) - المكي، مقرئ متصجر، روى عن الشافعي، غاية النهاية:1/232.
(7) - السبعة:480.
(8) - انظر: التيسير: 167، فتح الوصيد: 4/1154، إعراب القراءات:2/147-148.
(9) - ابن جعفر بن كثير، المدني، ثقة جليل (130-180هـ). غاية النهاية:1/163.
(10) - السبعة:485.
(11) - انظر: الحجة للفارسي:5/403.(1/29)
قال ابن مجاهد رحمه الله: روى أبو عبيد عن أهل المدينة بالياء، وهو غلط. اهـ(1)
قوله: ((أهل المدينة)) المراد بهم نافع وأبو جعفر وشيبة(2)، والتغليط هنا هو من حيث الرواية لا اللغة.
29- قوله تعالى: { - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله ( - ( - { - - - - ... } [القصص:32] .
قال ابن مجاهد رحمه الله: روى هبيرة عن حفص عن عاصم: { الرَّهَب } بفتح الراء والهاء، وهو غلط. اهـ(3)
أي: من حيث الرواية فإنَّه لا يقرأ به لحفص؛ إذ المقروء له به هو فتح الراء وإسكان الهاء { ( - ( - { - - - - } (4).
30- قوله تعالى: { - (((( { - - - - رضي الله عنه - تمت - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - (( - .. } [الأحزاب:4] .
قال ابن مجاهد رحمه الله: قال ابن مخلد(5) عن ابن أبي بزة(6) { - ((( { - - - } مشدّدة مكسورة، وهو غلط. اهـ(7)
أي: في الرواية.
31- قوله تعالى: { أن كان ... } [القلم:14] .
قال ابن مجاهد رحمه الله: روى أبو عبيد أنَّ حمزة كان يقرأ { ءان كان } بهمزة ممدودة، وهو غلط. اهـ(8)
قوله رحمه الله: ((بهمزة ممدودة)) مصطلح عند القراء يقصد به ((همزة مسهلة))(9) ومن هنا وصف ابن مجاهد هذه القراءة المنسوبة لحمزة بالغلط حيث إنَّ المتواتر عنه هو القراءة بهمزتين محققتين من غير تسهيل(10).
32- قوله تعالى: { ولا يسأل حميم... } [المعارج:10].
قال ابن مجاهد رحمه الله: روى أبو عبيد عن إسماعيل بن جعفر عن أبي جعفر وشيبة: { ولا يُسأل } برفع الياء، وهو غلط. اهـ(11)
__________
(1) - السبعة:487.
(2) - انظر: السبعة: 54-61.
(3) - السبعة:493.
(4) - انظر: النشر: 2/341.
(5) - الحسن بن الحباب، شيخ ثقة (ت:301هـ). غاية النهاية:1/209.
(6) - أحمد بن محمد البزي، أحد راويي ابن كثير من السبعة (170-250هـ). معرفة القراء: 1/365-370.
(7) - السبعة:519.
(8) - السبعة:646.
(9) - انظر: النشر:1/368.
(10) - انظر: التيسير:213.
(11) - السبعة: 650.(1/30)
تغليط ابن مجاهد رحمه الله لقراءة أبي جعفر لا يسلّم له، حيث إنَّها قراءة عشرية متواترة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا وجه لتغليطها وإنكارها(1).
33- قوله تعالى: { ولا تذرن ودّاً } [نوح:23] .
قال ابن مجاهد رحمه الله: روى أبو الربيع(2) عن بريد(3) عن أبي بكر عن عاصم: { ودّاً } مضمومة الواو، ولم يروه غيره عن عاصم، وهو غلط. اهـ(4)
وقال أيضاً رحمه الله: وحدّثني المروزي عن أبي بكر عن عاصم أنَّه قرأ { وداً } مضمومة مثل نافع، وهو غلط. اهـ(5)
هذا كله غلط من حيث الرواية فلا يُقرأ به لعاصم رحمه الله؛ إذ المقروء به له هو { وَدا } بفتح الواو(6).
34- قوله تعالى: { عليهم نار مؤصدة } [البلد:20] .
قال ابن مجاهد رحمه الله: حدثني الدباغ(7) عن أبي الربيع عن حفص عن عاصم: { مؤصدة } مهموزة، و { المشئمّة } مشدّدة ، كذا قال، وليس له وجه(8). اهـ
أمَّا { مؤصدة } بالهمز فمتواتر، وأمَّا ((المشأمّة)) بالتشديد فشاذّة لا يقرأ بها، وقد تبع الفارسيُّ ابن مجاهد في عدم معرفة وجهها، فقال: وأمَّا التشديد في { المشأمة } فلا أعلم له وجهاً(9).
تنبيه: قول ابن مجاهد رحمه الله: { المشأمة } ((مشدّدة)) بيّن ابن خالويه رحمه الله موضع التشديد وكذا وجهه، فقال بعد أن ذكر قراءتين فيها: وفيها قراءة ثالثة رويت عن حفص : { المشّمة } بتشديد الشين؛ وذلك أنَّ من العرب مَن إذا أسقط الهمزة شدّد الحرف الذي قبل الهمزة عوضاً مما حذف. اهـ(10)
35- قوله تعالى: { أن رءاه .. } [العلق:7] .
__________
(1) - انظر: النشر:2/390.
(2) - سليمان بن داود البصري (ت:234هـ). غاية النهاية:1/313-314.
(3) - ابن عبد الوهاب، مقرئ، ضرير (ت:353هـ). غاية النهاية:1/176.
(4) - السبعة:653.
(5) - نفس المصدر السابق.
(6) - انظر: النشر: 2/391.
(7) - محمد بن حماد بن ماهان، أبو جعفر، شيخ مقرئ. غاية النهاية: 2/135.
(8) - السبعة:687.
(9) - الحجة للفارسي:6/417.
(10) - إعراب القراءات السبع:2/487.(1/31)
قال ابن مجاهد رحمه الله: قرأ ابن كثير فيما قرأت على قنبل: { أن رَأَه } بغير ألف بعد الهمزة، وزن ((رَعَه)) وهو غلط؛ لأنَّ ((رءاه)) مثل ((رعاه)) ممالاً وغير ممال.اهـ(1)
هذه القراءة المنسوبة إلى ابن كثير رحمه الله من رواية قنبل قراءة صحيحة متواترة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يلتفت العلماء إلى تغليط ابن مجاهد لها.
قال الإمام السخاوي رحمه الله: ما كان ينبغي لابن مجاهد إذا جاءت القراءة ثابتة عن إمام من طريق لا يشك فيه أن يردّها؛ لأنَّ وجهها لم يظهر له. اهـ (2)
وقال ابن خالويه رحمه الله بعد أن ذكر لها وجهاً: فهذا أشبه بقراءة الأئمة من أن يُغلّط لأنَّ القراءة والأئمة يختار لهم أو يحتج لهم لا عليهم. اهـ(3)
وقال الإمام الشاطبي رحمه الله: رأيت أشياخنا يأخذون ما ثبت عن قنبل من القصر، خلاف ما اختاره ابن مجاهد. اهـ(4)
وقال الشيخ السمين رحمه الله: ولما روى ابن مجاهد هذه القراءة عن قنبل وقال: ((قرأت بها عليه)) نسبه فيها إلى الغلط، ولا ينبغي ذلك؛ لأنَّه إذا ثبتت قراءةٌ لها وجهٌ وإن كان غيره أشهر منه فلا ينبغي أن يقدم على تغليطه. اهـ(5)
هذا وقد دافع أبو شامة رحمه الله عن ابن مجاهد بقوله: لعل ابن مجاهد رحمه الله إنَّما نسب هذا الغلط لأخذه إياه عن قنبل في زمن اختلاطه، مع ما رأى من ضعف هذا الحذف في العربية. اهـ(6)
أمَّا من حيث اللغة والعربية فهذه القراءة ليست غلطاً بل لها وجه، وهو أنَّ حذف الألف هنا جاء مثله في كلام العرب كقولهم: أصاب الناسَ جَهد ولو تَرَ أهل مكة، بحذف لام ((ترى)) ومنه قول الشاعر(7):
وصَّاني العجّاج فيما وصَّني
__________
(1) - السبعة:692.
(2) - فتح الوصيد:4/1324.
(3) - إعراب القراءات السبع:2/508.
(4) - انظر: إبراز المعاني:4/264.
(5) - الدر المصون:11/58.
(6) - إبراز المعاني:4/264.
(7) - هو رؤبة. كما في ملحقات ديوانه:187.(1/32)
يريد ((وصاني)) (1).
وقيل: حذف الألف لدلالة الفتحة عليها. اهـ(2)
36- قوله تعالى: { وتواصوا بالصبر } [العصر:3] .
قال ابن مجاهد رحمه الله: أبو عمرو: { بالصبر } يشمّ الباء شيئا من الجر ولا يشبع، قال أبو بكر بن مجاهد: لا يجوز إلاَّ في الوقف لأنَّه ينقل كسر الراء إلى الباء. اهـ
وقال أيضاً: .... يقرأ { والعصِر } يقرأ فكسر الصاد، وهذا لا يجوز إلاَّ في الوقف؛ لأنَّه ينقل حركة الراء إلى الصاد ويسكن الراء. اهـ(3)
ما ذهب إليه ابن مجاهد رحمه الله من عدم الجواز إلاَّ في الوقف هو المشهور، أمَّا في الوصل فلا يكون في القراءة وأمَّا في العربية فيجوز على اعتبار إجراء الوصل مجرى الوقف. اهـ(4) . والله أعلم.
وهنا انتهى ما أردت عرضه ودراسته مما ((غلّطه)) ابُن مجاهد أو ((وهّمه)) أو ((خطَّأه)) في كتابه "السبعة". والله الهادي إلى الصواب.
خاتمة البحث
قبل أن أرفع القلم أرى واجباً عليَّ القول بأنَّ ابن مجاهد رحمه الله إمام من أئمة علم القراءات، مكانته محفوظة في القلب بالتقدير والاحترام، لكنه ليس معصوماً، وما في هذا البحث من مسائل مخالفة له فإنَّما هي أقوال غيره من العلماء ترجّح لديّ أنَّ الصواب والحقّ فيها لا فيما ذهب إليه هو رحمه الله، فهو في الحقيقة ردُّ العلماء عليه، وأسجل هنا ما ذكره الإمام ابن حزم الأندلسي رحمه الله (384-456هـ): وليس فضلهم ـ العلماء ـ بموجب قبول آرائهم ولا بمانعٍ أن يَهِموا فيما قالوه بظنِّهم، لكن فضلهم معفٍّ على كلّ خطأ منهم، وراجح به، وموجب تعظيمهم وحبّهم. اهـ [الإحكام:1/113].
__________
(1) - انظر: الحجة للفارسي:6/424، فتح الوصيد:4/1323، الدر المصون:11/58.
(2) - انظر: إعراب القراءات الشاذة:2/726، الموضح في وجوه القراءات وعللها:3/1382.
(3) - السبعة:696.
(4) - انظر: الحجة للفارسي:6/439، الموضح:3/1396.(1/33)
ونحن مع العلماء نقول ما قالوا، ونسكت عن ما سكتوا عنه، ولسنا أعلم من السلف، بل الأقدمون هم المقدَّمون والأوَّلون هم الأوْلَوْن، وإنَّما نحن لهم تبع، والجيمع في الحق سواء.
هذا، وأسجّل هنا بعض ما تراءا لي أثناء كتابة هذا البحث.
إنَّ طعن ابن مجاهد رحمه الله ـ وهو من علماء القراءات ـ في بعض القراءات المتواترة إنَّما كان سببه بقايا تأثير النحو عليه..
إنَّ القراءة المتواترة لا يقدح فيها تضعيف بعض المختصين فيها.
إنَّ ابن مجاهد كان مغرماً بالتغليط ويدلّ على ذلك كثرة ما نقل عنه من قوله: ((هذا غلط)).
قوة ابن مجاهد في اللغة والنحو ليست على نفس مرتبة قوته ومكانته في القراءات، فالرأي أنَّنا نقبل رواياته لثقته وعدالته، وأمَّا آراؤه الاجتهادية في التوجيه والتعليل فتعرض على أهل الاختصاص من اللغويين والنحويين.
ضرورة إعادة طبع وتحقيق كتابه ((السبعة)) تحقيقاً علمياً أكاديمياً.
المسؤولية التامة والخطيرة في نفس الوقت على كاهل المختصين في القراءات ببعث هذا العلم ونشر تراثه وإقامة الدراسات الجادة حوله، فكل أهل علم أدرى به من غيرهم.
هذا والله من وراء القصد.
فهرس الآيات
الآية ... رقمها ... السورة ... المسألة
{ غير المغضوب عليهم } ... 7 ... الفاتحة ... 1
{ أنبئهم بأسمائهم } ... 33 ... البقرة ... 2
{ فأزلّهما الشيطان } ... 36 ... البقرة ... 3
{ كن فيكون } ... 117 ... البقرة ... 4
{ شيوخاً } ... 67 ... غافر ... 5
{ يبينها } ... 230 ... 6
{ فليؤد الذي أوتمن أمانته } ... 283 ... 7
{ حج البيت } ... 97 ... 8
{ فبهداهم اقتده ... } ... 90 ... الأنعام ... 9
{ معايش } ... 10 ... الأعراف ... 10
{ أرجئه } ... 11
{ إنَّ الأرض لله يورثها من يشاء ... } ... 128 ... 12
{ إنَّ ولي الله... } ... 196 ... الأعراف ... 13
{ ورحمةُ ُ للذين ءامنوا ... } ... 61 ... التوبة ... 14
{ الذئب... } ... 14 ... يوسف ... 15(1/34)
{ فنجّي من نشاء ... } ... 110 ... يوسف ... 16
{ من لدنّي } ... 76 ... الكهف ... 17
{ فما اسطاعوا } ... 97 ... الكهف ... 18
{ ثم ائتوا صفاً } ... 64 ... طه ... 19
{ وضياء... } ... 48 ... الأنبياء ... 20
{ ... ولؤلؤا ... } ... 23 ... الحج ... 21
{ ... سِخرياً ... } ... 110 ... المؤمنون ... 22
{ إذ تلقونه ... } ... 15 ... النور ... 23
{ ويخلد فيه ... } ... 69 ... الفرقان ... 24
{ لا يحطمنكم ... } ... 18 ... النمل ... 25
{ من سبأ ... } ... 22 ... النمل ... 26
{ في ضيق } ... 70 ... النمل ... 27
{ بما تفعلون } ... 88 ... النمل ... 28
{ من الرهب } ... 32 ... القصص ... 29
{ الَّاى تظهارون } ... 4 ... الأحزاب ... 30
{ أن كان ... } ... 14 ... القلم ... 31
{ ولا يسأل حميم... } ... 10 ... المعارج ... 32
{ ولا تذرن ودّاً } ... 32 ... نوح ... 33
{ عليهم نار مؤصدة } ... 20 ... البلد ... 34
{ أن رءاه .. } ... 7 ... العلق ... 35
{ وتواصوا بالصبر } ... 3 ... العصر ... 36
فهرس الحديث
من عمل بما علم ............................................................................................ 26
فهرس الأشعار
هذا سراقة للقرآن يدرسه ... والمرءُ عند الرَّشا إن يلقها ذِيبُ
فألفيته غير مستعتب ... ولا ذاكرَ الله إلاًّ قليلا ... أبو الأسود
وإنَّ حراماً أن أسبّ مجاشعاً ... بآبائيَ الشمِّ الكرام الخضارم ... الفرزدق
فَغُضَّ الطرف إنَّك من نُمَير ... فلا كعباً بلغت ولا كلاباً ... جرير
............................ ... وصَّاني العجّاج فيما وصَّني رؤبة
فهرس الأعلام
الأخرم: محمد بن النضر: 12
الأخفش: سعيد بن مسعدة: 9
الأخفش: هارون بن موسى: 11
الأزهري: محمد بن أحمد: 13
إسماعيل بن جعفر: 44
الأنباري: عبد الرحمن بن محمد: 17
بريد بن عبد الوهاب: 45
البزي: أحمد بن محمد:43
أبو بكر: شعبة بن عياش:16(1/35)
ابن الجزري: محمد بن محمد: 38
أبو جعفر: يزيد بن القعقاع: 30
ابن جماز: سليمان بن مسلم: 30
ابن جني: عثمان: 13
الجهضمي: علي بن نصر: 30
الجهضمي: نصر بن علي: 30
الحضرمي: يعقوب بن إسحاق: 41
حفص بن سليمان: 19
ابن حيان: محمد بن عيسى: 19
أبو حيان: محمد بن يوسف: 9
خارجة بن مصعب: 19
ابن خالويه: الحسين بن أحمد: 10
الخزاعي: إسحاق بن أحمد: 11
خلف بن هشام: 27
الداني: عثمان بن سعيد:10
ابن ذكوان: عبد الله بن أحمد: 9
الذماري: يحيى بن الحارث: 23
أبو الربيع: سليمان بن داود: 45
رويس: محمد بن المتوكل: 41
السخاوي: علي بن محمد: 17
السمري: محمد بن الجهم: 36
السمين: أحمد بن يوسف: 32
شبل بن عباد:36
الشنبوذي: محمد بن إبراهيم: 12
شيبة بن نصاح: 30
الضبي: المفضل بن محمد: 19
عاصم بن أبي النجود: 15
ابن عامر: عبد الله: 11
عبيد بن عقيل: 36
أبو عبيد: القاسم بن سلام: 15
ابن عطية: عبد الحق بن غالب: 32
الفارسي: الحسن بن عبد الغفار أبو علي: 10
الفراء: يحيى بن زياد: 9
الفراهيدي: الخليل بن أحمد: 9
ابن فليح: عبد الوهاب: 14
قنبل: محمد بن عبد الرحمن: 42
القواس: أحمد بن محمد: 42
الكسائي: علي بن حمزة: 33
ابن مجاهد: أحمد بن موسى: 5
محمد بن سعدان: 27
ابن مخلد: الحسن بن الحباب: 43
المروزي: محمد بن يحيى: 29
المعلى بن منصور: 39
مكي بن أبي طالب: 17
المكي: الحسن بن محمد: 42
المكي: عبد الله بن كثير: 9
النقاش: محمد بن الحسن: 14
هبيرة بن محمد: 19
أبو هشام: محمد بن يزيد: 20
الهيثم بن خالد: 36
اليزيدي: يحيى بن المبارك: 27
المصادر والمراجع
إبراز المعاني من حرز الأماني، عبد الرحمن بن إسماعيل أبو شامة، تحقيق/ محمود جادو، ط: الجامعة الإسلامية، 1413.
إعراب القراءات السبع وعللها: ابن خالويه، تحقيق د/عبد الرحمن العثيمين، ط1 1413هـ، مكتبة الخانجي، القاهرة.(1/36)
إعراب القراءات الشواذ: أبو البقاء العكبري، تحقيق محمد السيد عزوز، ط:1، 1417هـ، عالم الكتب، بيروت.
البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي، دار الفكر، بيروت.
البصائر والذخائر، أبو حيان التوحيدي، تحقيق د. وداد القاضي، دار صادر، بيروت.
بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، جلال الدين السيوطي، تحقيق/ محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة الحلبي، 1384.
البيان في غريب إعراب القرآن: أبو البركات الأنباري، تحقيق د/ طه عبد الحميد، الهيئة العربية العامة للكتاب، 1400هـ.
التيسير في القراءت السبع، أبو عمرو الداني، عناية أوتو برتزل، دار الكتاب العربي.
الحجة للقراءات السبعة: أبو علي الفارسي، تحقيق علي النجدي وزميلاه، ط، 1413هـ، دار المأمون دمشق.
الدر المصون في علوم الكتاب العزيز: أحمد بن يوسف السمين الحلبي، تحقيق د/أحمد الخراط، ط1، 1415هـ، دار العلم، بيروت دمشق.
السبعة في القراءات، ابن مجاهد، نسخة خطية من جامعة الإمام محمد بن سعود.
السبعة في القراءات: ابن مجاهد، تحقيق د/ شوقي ضيف، ط2، 1400هـ، دار المعارف الوطنية.
طبقات الشافعية الكبرى، تاج الدين السُّبكي، تحقيق/ عبد الفتاح الحلو، ومحمود الطناحي، دار إحياء التراث العربي.
علل القراءات: أبو منصور الأزهري، تحقيق، نوال إبراهيم الحلو، ط1، 1412.
غاية النهاية، ابن الجزري، تحقيق/ براجستراسر، دار الكتب العلمية.
فتح الوصيد في شرح القصيد: علي بن محمد السخاوي، تحقيق د/ مولاي محمد، ط1، 1423هـ، مكتبة الرشد، الرياض.
المحتسب في تبيين وجوه القراءات الشواذ والإيضاح عنها: ابن جني، تحقيق د/علي الجندي وزميله، ط2، 1402هـ.
المرشد الوجيز، أبو شامة، تحقيق/طيار آلتي أولاج، دار صادر،1395.
معرفة القراءة الكبار، محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق/ طيار آلتي أولاج، وزارة الشؤون الدينية بتركيا.(1/37)
الموضح في وجوه القراءات وعللها: نصر بن علي الشيرازي، د/عمر حمدان الكبيسي، ط1، 1414هـ، الجماعة الخيرية، جدة.
النشر في القراءات العشر، ابن الجزري، تحقيق محمد الضباع، دار الفكر.
الوجيز في شرح قراءات القراء الثمانية أئمة الأمصار الخمسة: أبو علي الأهوازي، تحقيق، د/ دريد حسن أحمد، ط1، 2002، دار الغرب الإسلامي.(1/38)