المقدمة
إن جمعيات تحفيظ القرآن الكريم لها دور بارز لا يخفى على ذا بصيرة في خدمة الفرد والمجتمع. ومن أعمالهم الرائعة فكرة ملتقيات جمعيات تحفيظ القرآن. ووقع الاختيار على (الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن والمجتمع) ليكون عنوانًا للملتقى هذا العام 1427هـ بإذن الله.
ويسعدني المشاركة ضمن محاور الملتقى وهو المحور الأول: (آثار تعليم القرآن الكريم على الفرد والمجتمع) بعنوان: [الآثار الحسان لتعليم القرآن]، وقد تم التركيز على الجانب الاجتماعي.
وقد قسمت البحث إلى مقدمة، وتمهيد، وأربعة مطالب، وخاتمة.
ففي المقدمة وضحت أهمية الموضوع. أما التمهيد: ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: فضيلة تلاوة القرآن وبيان فضائله، واختتمت هذا المطلب بنقل رسالة للشيخ محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله - يوضح فيها أهمية قراءة القرآن ويحث على تشجيع الأبناء على الالتحاق بجماعات تحفيظ القرآن.
المسألة الثانية: ففيه آداب معلم القرآن ومتعلمه، وهذه الآداب مشتركة بينهما كالاخلاص والتقوى والخشوع وتدبر القرآن والبكاء عند تلاوته ثم الطهارة في المكان والملبس واستخدام السواك فالاستعاذة ثم البسملة.
المطالب وهي: المطلب الأول: تدبر القرآن فيه حلول لجميع المشكلات الاجتماعية:- وعرضت للمشاكل الأسرية التي جاء الإسلام بحلها كالتي تقع من المرأة فللزوج أن يعظها ثم يهجرها في المضجع وآخر الحلول أجاز الشرع للزوج أن يضربها ضربًا غير مبرح. ثم عرضت إذا كان النشوز من الزوجين أو من الزوج ثم تناولت في هذا المطلب أمراض الشهوات وكيف أن الإسلام وضع حلولاً من أهمها الزواج الصحيح لأن الإسلام حرم الزنا وحذر مما يؤدي إليه كدخول البيوت بدون استئذان، ثم تبرج المرأة وابداؤها زينتها. وفي ختام المطلب أوضحت مشاكل القلوب كالحسد والكذب.
المطلب الثاني: الثقة بالله وزوال القلق على المستقبل المالي.(1/1)
أوضحت فيه قيمة المال ونظرة الإسلام له وأن المالك الحقيقي للمال هو الله والإنسان مستخلف فيه وليس فيه إلا حق الولاية، والرعاية قال تعالى: { وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ } [الحديد: 7].
ثم محاربة الإسلام للكسب غير المشروع كالسرقة والربا والرشوة والميسر وتطفيف الميزان، وبيان أن الإسلام حث على اكتساب المال من موارده المشروعة للكسب الحلال كالعمل وتأدية الزكاة لمستحقيها وبيان أن تشريع الميراث فيه نظام اجتماعي متكامل، وأن معرفة ذلك يعطي الإنسان المسلم شعور بالطمأنينة والراحة على مستقبله الحالي، والثقة بأن القرآن الكريم فيه حلول للمشكلات المالية والاجتماعية وأن لدى المسلمين ثروة تشريعية ضخمة ولابد من الرجوع الحقيقي العملي لكتاب الله وسنة رسول ×. قال تعالى: { ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) } [الروم: 30] .
ثم أوضحت أهمية صدقة التطوع في الدين وأن فيها تدريب للعطاء والبذل ومراعاة أحوال المحتاجين ثم بيان الأجر الذي ينتظر من أداها بإخلاص.
المطلب الثالث: محاربة الإسلام للعنصرية ودعاوى الجاهلية وأن المقياس هو تقوى الله. يقول تعالى: { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } [الحجرات: 13] فهذه الآية وغيرها تدل أن الإسلام دين سماوي صحيح، لا نظر فيه إلى القبائل أو الجهات، وإنما المعتبر هو تقوى الله وطاعته، ولا فضل لغير المتقي، ولو كان رفيع النسب.
والمطلب الرابع: دعوة القرآن للآداب الاجتماعية.
وذكرت فيها على سبيل المثال، صلة الرحم وأهميتها في ترابط المجتمع الإسلامي والتحذير من قطيعة الرحم.
ثم بر الوالدين الذي بين القرآن فضله العظيم وعقوبة قاطع الرحم وفضل الوالدين على أبنائهما.
ثم العفو والتسامح عن الزلات وعدم مؤاخذة الآخرين ليزكو القلب وينشرح ثم يتهيأ لطاعة ربه والتلذذ بالعبادة.(1/2)
وآخر هذه الآداب الإيثار تلك الصفة العظيمة التي اتصف بها الأنصار، وهم أهل لها وجديرون بها وبالتالي فهي خصلة إسلامية يندب لها ويكتب لها النجاح والتوفيق بإذن الله لمن اتصف بها. يقول تعالى: { وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) } [الروم: 30].
وفي ختام البحث تقدمت بمقترح يتلخص في رغبتي الجادة أن يقرر تدريس مادة التفسير بجميع مراحل المدارس النسائية لتحفيظ القرآن الكريم.
وآمل من الله أن يجد هذا المقترح القبول بإذن الله.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المطلب الأول
تدبر القرآن فيه حل لجميع المشاكل الإجتماعية
أولاً: فقه التعامل الأسري:
إن المتدبر للقرآن الكريم يتأمل أن الإسلام قد اعتنى بالبيت المسلم وأحاطة بسياج منيع ووضع قواعد هامة للأسرة لكي تعبد الله على بصيرة وحتى تعيش بسلام وأمان وهناء فوضع حلولاً للخلافات الزوجية قبل وقوعها ومن ثم تشتت الأسرة بسبب الفراق بين الزوجين.
1 - معالجة الخلاف عندما ينشأ من الزوجة:
أن الخلاف بين البشر أمر لا تنفك عنه الحياة البشرية مهما تهذبت فيها الأخلاق وسمت فيها روح التعاون والتآخي، وهذا واضح في المجتمعات الكبيرة والصغيرة. وهذا أمر مسلم فيه، لكن المطلوب شرعًا وعقلاً معالجتها بالوسائل التي من الممكن أن تزيلها أو تخفيف منها بحيث لا تهدم كيان الأسرة والمجتمع وألا تطغى الخلافات بحيث لا يمكن حلها.(1/3)
والإسلام اهتم بالأسرة قبل نشوء الخلافات فيها ووضع الحلول المناسبة حتى لا تتفاقم وبالتالي تشتت ويضيع الأبناء. وفي هذا يقول سبحانه وتعالى: { وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) } [النساء: 34].
فالمنهج الإسلامي لا ينتظر حتى يقع النشوز بالفعل وتسقط مهابة القوامة وتنقسم الأسرة وتتفرق، وإنما يحرص على المبادرة في علاج مبادئ النشوز كإجراء وقائي بالمبادرة إلى إصلاح النفوس. والنشوز هو استعلاء المرأة وارتفاعها عن طاعة زوجها بأن تعصيه بالقول والفعل والخلاف عليه فيما لزم طاعته فيه بغضًا وإعراضًا، والخطاب في الآية للزوج فعليه وعظ زوجته وإرشادها بكل هدوء وروية، بأن يذكرها بالله وبما يجب عليها من الطاعة وحسن العشرة وترغيبها بما عند الله، وترهيبها بالعقاب الأخروي إن أصرت على النشوز(1).
__________
(1) …انظر: قضايا المرأة في سورة النساء، د. محمد يوسف عبد، ص246، 247.(1/4)
ثم ينتقل إلى المرحلة الثانية بعد بذل الوسع والحرص على إقناعها. وهي الهجر في المضجع قال تعالى: { وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ } المراد أن يوليها ظهره ولا يجامعها. يقول سيد قطب - رحمه الله - (والمضجع موضع الإغراء والجاذبية، التي تبلغ فيها المرأة الناشز المتعالية قمة سلطانها. فإذا استطاع الرجل أن يقهر دوافعه تجاه هذا الإغراء والجاذبية، فقد أسقط من يد المرأة أمضى أسلحتها التي تعتز بها وكانت - في الغالب - أميل إلى التراجع والملاينة أمام هذا المقصود من رجلها، على أن هناك أدبًا معينًا في هذا الإجراء، إجراء الهجر في المضاجع، وهو ألا يكون هجرًا ظاهرًا في غير مكان خلوة الزوجين، لا يكون هجرًا أمام الأطفال يورث نفوسهم شرًا وفسادًا. ولا هجر أمام الغرباء يذل الزوجة أو يستثير كرامتها فتزاد نشوزًا، فالمقصود علاج النشوز لا إذلال الزوجة، ولا إفساد الأطفال، وكلا الهدفين يبدو أنه مقصود من هذا الإجراء)(1).
والمرحلة الثالثة في العلاج الناتج من نشوز المرأة هو الضرب غير المبرح يقول تعالى: { وَاضْرِبُوهُنَّ } الضرب المقصود يكون ضربًا تأديبيًا مصحوبًا تعاطفه المؤدب المربي، لا ضرب إهانة وإذلال، أو للانتقام والتشفي.
وقال الفقهاء هو ألا يكسر لها عظمًا، ولا يؤثر فيها شيئًا(2) كما قال × في حجة الوداع: (فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) (3).
وقد روى ابن جرير بسنده عن عطاء قال: قلت لابن عباس: ما الضرب غير المبرح؟ قال: بالسواك ونحوه(4).
2 - معالجة الخلاف عندما ينشأ من الزوج:
__________
(1) …في ظلال القرآن، سيد قطب، جـ2، ص654.
(2) …انظر: تفسير ابن كثير، جـ2، ص295.
(3) …صحيح مسلم شرح النووي، جـ8، ص185.
(4) …جامع البيان، لابن جرير، جـ4، ص97.(1/5)
إن الرجل قد ينشأ منه خلاف وهو معرض لذلك والقرآن الكريم قد عالج هذه الظاهرة أيضًا في سورة النساء قال تعالى: { وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِن اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128) } [النساء: 128] . أي إذا خافت المرأة نشوز زوجها، أي ترفعه عنها، وعدم رغبته فيها وإعراضه عنها، فالأحسن أن يصلحا بينهما صلحًا، بأن تسمح المرأة عن بعض حقوقها اللازمة لزوجها، على وجه تبقى مع زوجها وتحفظ حياتها من الخلل والاضطراب وتحافظ على أسرتها، إما أن ترضى بأقل من الواجب لها من النفقة أو الكسوة، أو السكن، أو القسم، بأن تسقط حقها منه، أو تهب يومها وليلتها لزوجها، أو لضرتها.
فإن اتفقا على هذه الحالة، فلا جناح عليهما، فيجوز لزوجها البقاء معها على هذه الحالة وهي خير من الفرقة، لأن هذه الرابطة من أغلظ المواثيق وأحقها بالحفظ وأجدرها بالوفاء. قال تعالى: { وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21) } [النساء: 21] .
3 - معالجة الخلاف عندما ينشأ من الزوجين معًا:
إن الزوج قد لا يوفق في تجفيف منابع الخلاف بينه وبين زوجته الناشز حتى لو جرب الوسائل الثلاث المذكورة سابقًا وهي الوعظ ثم الهجر في المضجع ثم الضرب ولا يريد أن يطلقها لأنه يقدرها ويريد استمرار بقاء الزوجية معها. وكذلك الزوجة قد لا تنجح هي الأخرى باستمالة زوجها وترك إعراضه عنها واللجوء إلى الصلح.(1/6)
وبذلك فيكون الخلاف من الطرفين لا يوفقان لإزالته ابتداء بجهودهما الخاصة. لأجل كل هذا وغيره فإن الشارع الحكيم - كما ذكرنا - حريص على هذه النواة الطيبة وهي الأسرة فشرع أحكامًا لحل المشكلات الأسرية التي حصلت من الزوجين معًا. قال تعالى: { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35) } [النساء: 25].
الخوف هنا بمعنى العلم واليقين. والشقاق: مشاقة كل واحد منهما صاحبه، وهو إتيان ما يشق عليه من الأمور، فأما الشقاق من المرأة في النشوز وتركها أداء حق الله الذي ألزمها الله لزوجها، وأما من الزوج فتركه إمساكها بالمعروف أو تسريحها بإحسان.
قوله تعالى: { فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا } للحكم صفات تؤهله بأن يكون مسلمًا عاقلاً عدلاً، وأن يكون من أهل الزوجين؛ لأنه أعرف بأحوالهما وأن يعرفا أن واجبهما السعي في إصلاح ذات البين، وأنهما مؤتمنان على أسرار الزوجين، وليس غرضهما التشهير، ثم إن عليهما أن يحكما بهدوء بعيدًا عن الانفعالات النفسية.
وقوله تعالى: { إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا } قيل أن الضمير المثنى يعود للزوجين وإن لم يجر ذكر لهما لوجود قرينة، فيكون المعنى: أنهما إذا أرادا الإصلاح يوقع الله الموافقة والألفة بينهما، وقيل إن الضمير يعود للحكمين فيكون المعنى: أن الحكمين أنهما إذا أصلحا النية لصلاح الحال بين الزوجين وكانت قلوبهما ناصحة بارك الله في وساطتهما ووفقهما لإيجاد الحلول المناسبة وهيأ لهما الزوجين في قبول هذه الحلول وهذا ما ذكره ابن جرير(1).
__________
(1) …جامع البيان لابن جرير، جـ4، ص108.(1/7)
وفي قوله تعالى: { يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا } فيه مزيد من ترغيب للحكمين، وتحذير عن التساهل، لكي لا يتسبب اختلال الأمر إلى عدم إرادتهما، ومن ثم اتساع شقة الخلاف، ثم إن الآية الكريمة لم تتعرض لذكر عدم إرادتهما الإصلاح؛ لأن ذلك مما ينبغي أن يصدر عن الزوجين، وأن الذي يليق بشأنها ويتوقع منها هو إرادة الإصلاح. وفيه إرشاد من الله تعالى للحكمين إلى أنه ينبغي ألا يدخرا وسعًا في الإصلاح، فإن في التفريق خرابًا للبيوت المسلمة وفي التوفيق الألفة والمودة والرحمة وغرض الإسلام جمع القلوب على المحبة والوئام والتئام الأسرة المسلمة.
ومن الحلول أيضًا لبقاء الاستقرار الأسري أنه إن عجزت جميع الوسائل السالفة الذكر عن تحقيق الحد الأدنى من التفاهم بين الزوجين كان ذلك دليل عدم استقرار الأسرة. فإن الشريعة الإسلامية السمحة لا تجبر الزوجين على الاحتفاظ بزواج فقد أهم مقوماته واكراههما على علاقة لا جدوى من استمرارها، فشرع لهما الطلاق ورتب على ذلك حقوق وواجبات وهي عبارة عن أنظمة تتيح للزوج فرصة ليراجع نفسه ويعدل عما شرع فيه إن كان ثم سبيل للإبقاء على الحياة الزوجية ويتضح ذلك بتأمل آيات القرآن الكريم ومن ذلك ما يلي:
1 - تحمل الزوج وحده أعباء اقتصادية من النفقة ما دامت زوجته في العدة من مآكل ومشرب ومسكن قال تعالى: { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ } [الطلاق: 6].
2 - وكذلك تكون حضانة الأولاد عليه حتى يكبروا وكذلك أجور الرضاعة حتى ولو كانت الأم هي التي تقوم بذلك قال تعالى: { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } [الطلاق: 6].
3 - أنه لا يجوز تطليقها في الحيض ولا في طهر جامعها فيه فعليه أن ينتظر حتى تحيض زوجته ثم تطهر ثم يوقع الطلاق. قال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } [الطلاق: 1].(1/8)
4 - إذا طلقها فإن الحياة الزوجية لا تنقطع، وعلى المرأة أن تبقى في بيت زوجها مدة العدة، وهي ثلاث حيضات وثلاثة أشهر للآيسة والحامل أن تضع حملها. قال تعالى: { لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } [الطلاق: 1].
5 - أن الطلاق يكون رجعيًا فإذا أوقع الطلقة الأولى الرجعية كان مخيرًا إما أن يراجع في العدة أو أن يتركها حتى تبلغ أجلها وتنقضي عدتها، فتطلق منه طلقة بائنة والإسلام يجيز للزوج أن يعيدها لعصمته برضاها وبعقد ومهر جديدين.
6 - إذا راجعها مرة ثانية وحدث بينهما ما يجعله يعزم على الطلاق من جديد يعطيه الإسلام فرصة ثانية للمراجعة وإعادة الزوجية. فإذا أوقع عليها الطلاق للمرة الثالثة كان ذلك دليلاً على أن الحياة الزوجية بينها غير محتملة فحينئذ يقرر التفرقة بينهما نهائيًا يقول تعالى: { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } [البقرة: 229] وهذه هي إجراءات الطلاق المنصوص عليها في الكتاب والسنة.
ثانيًا: أمراض الشهوات:
إن المتأمل بالقرآن الكريم يجد علاجًا وافيًا لأمراض الشهوات التي تفتك بالفرد والمجتمع.
وتتمثل بالوقاية منها قبل وقوعها؛ فالإسلام حث على الزواج وحرم الزنا وكل ما يفضي إليه.(1/9)
يقول تعالى: { وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) } [الروم: 21] فالقرآن جعل الزواج أصل نشوء الأسرة ومن هنا أخذ الزواج نفس العناية التي أخذتها الأسرة قال تعالى: { وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) } [النحل: 72] .
فالعلاقة الزوجية من أجمل أنواع السعادة وأهدئها لأن الزوجين يعيشان في الإسلام تحت ظل وكنف الزواج المستقر الهادئ، وعواطفها تنعكس تلقائيًا فتمتزج مع بعض لتكون عاطفة واحدة وشعورًا واحدًا وما أجمل المشاعر المزدوجة التي يقوي بعضها بعضها، والتعبير القرآني { خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ } تعبير عمَّق معنى الحب والوئام بين الزوجين.
ولقد كانت هذه الآية الكريمة بمثابة إعلان ضخم على واجهة عش الزواج لتؤكد لكل قارئ وسامع أهمية الرجل للمرأة والمرأة للرجل وأنها عندما يقترنان ببعض يمثلان القطرة من المطر التي تثري الأرض وتنبت بالرياحين(1) في الآية السابقة { لِتَسْكُنُوا } هذه الكلمة حاجة فطرة بعيدة الغور في النفس الإنسانية وإذا لم تلب هذه الحاجة الفطرية فإن البديل هو القلق النفسي والتعب القلبي، وقد عد علماء النفس العزوف عن الزواج أحد أسباب الأمراض النفسية السائدة في عالم الغرب(2).
__________
(1) …قبسات قرآنية، عبد المؤمن النعمان، ص88.
(2) …نحو ثقافة إسلامية، عمر الأشقر، ص216.(1/10)
وقد شرع الإسلام من الأحكام ما صان أعراض الناس وحذر من انتهاكها ولم يبحها إلا بعقد الزوجية أو ملك اليمين فقد حرم الزنا وحذر إتيانه ورتب على ذلك عقوبات دنيوية وأخروية. قال تعالى: { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا ×pxےح!$sغ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) } [النور: 2، 3] فجريمة الزنا إحدى الموبقات بل أشدها بعد الشرك وعقوبته في الدنيا إن كان محصنًا فالرجم وإن كان بكرًا فالجلد مائة جلدة. وبين سبحانه في قوله: { وَحُرِّمَ ذَلِكَ } على تحريم الزنا على المؤمنين كقوله تعالى: { مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } [النساء: 25].
الأمر بغض البصر وحفظ الفرج:(1/11)
إن الإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع نظيف لا تثار فيه الشهوات كل لحظة ولا تهاج فيه العواطف، وإن إحدى الوسائل لإنشاء مجتمع إسلامي هي الحيلولة دون استثارة الشهوات وإبقاء الدافع الفطري العميق بين الجنسين سليمًا فأمر الرجل والمرأة كلاً على حدة أن يغض من بصره وأن يحفظ فرجه عن كل منكر ويستروا عوراتهم لأن ذلك أطهر لقلوبهم من دنس الريبة وأنقى لها وأحفظ من الوقوع في الفجور فالنظرة تزرع في القلب شهوة وربما شهوة أورثت حزنًا طويلاً. قال تعالى: { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } [النور: 30، 31](1).
يقول القرطبي: البصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وأعمر طرق الحواس إليه وبحسب ذلك كثر سقوط من جهته ووجب التحذير منه، وغضه واجب عن جميع المحرمات وكل ما يخشى الفتنة من أجله. وغض البصر عما حرم الله يورث حلاوة الإيمان ولذته، التي هي أطيب مما صرف بصره عنه وتركه لله تعالى. فإن من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه. والنفس مولعة بحب النظر والعين رائد القلب فإذا كف الإنسان بصره استراح القلب(2).
__________
(1) …انظر: بدائع التفسير، جـ3، ص248.
(2) …الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، جـ12، ص223.(1/12)
ومن آداب حرمة البيوت الاستئذان فإن ديننا الحنيف ينفرد بتعاليم عظيمة، وسر عظمته أنه يعتمد على الوقاية قبل وقوع المرض والشروع في العلاج فهو بذلك لا يحارب الدوافع الفطرية بل ينظمها، وذلك بتضييق فرص الغواية، واتقاء عوامل الفتنة، فهو منهج التربية الإسلامية الذي يجب أن نستلهمه ونسير على خطاه ومن ذلك الاستئذان قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) } [النور: 27، 28].
والآيات السابقة لهاتين الآيتين ذكرت الزنا وحكمه والقذف وقصة الإفك وهنا بسط للموضوع وإتباعه يمنع شبهة هذه الجرائم، وهي حكمة دخول البيوت بدون استئذان فأرشد سبحانه إلى طريقة مثلى يجب إتباعها حتى لا يقع الناس في الخطر الجسيم الذي يقضي على أواصر المجتمع، ويدمر الأسرة، ويشيع الفحشاء بين الناس.
فإن الاستئذان على البيوت يحقق لها حرمتها التي تجعل منها مثابة وسكنًا ويوفر على أهلها الحرج من المفاجأة والتأذي بانكشاف العورات التي تشمل عورة البدن والطعام واللباس والأثاث وكذلك عورة المشاعر والحالات النفسية، فالكثير لا يحب أن يراه الناس ضعيف الانفعال أو يغضب لشأن مثير، أو يتوجع لألم يخفيه عن الغرباء.
لأجل هذا كله يأمر سبحانه عند دخول البيوت طلب الإذن منهم والسلام عليهم لأن ذلك يدعو إلى المحبة والوئام ومخافة أن تطلع الأعين إلى خفايا البيوت(1).
الأمر بإخفاء الزينة والتزام الحجاب والنهي عن التبرج:
__________
(1) …انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، جـ18، ص91.(1/13)
إن المرأة في ظل الإسلام لها منزلة عظيمة وحقوق ثابتة لا ينكرها إلا جاهل، أو حاقد، وعليها واجبات ثقيلة تستطيع القيام بها بإذن الله إن أخلصت نيتها واعتبرت هذه الواجبات عطايا من خالقها تؤجر عليها. ومن بين هذه العطايا والمنح الإلهية، أن الله تعالى أمرها بإخفاء زينتها عن الأجانب وألا تتبرج بإظهار مفاتنها التي خلقها الله لها ولتسترها عن أعين الرجال فالله هو خالقها وهو أعلم بحالها. أفلا تطيعه؟ وأين هي من قوله تعالى: { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } [النور: 31]، وقوله جل ثناؤه: { وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ } [النور: 31]، وقول الحق: { وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } [الأحزاب: 33]، وقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59) } [الأحزاب: 59].
ثالثًا: آفات القلوب:
ونقصد به تلك الآفات التي تسيطر على قلب الإنسان المؤمن إذا غفل عن مخافة الله والحياء منه وأنه يراه في كل لحظة، فافتتن قلبه بأمور عديدة - سنذكر بعضًا منها - وسيطرت عليه فأصابه الهم منها وتكدرت حياته. وليعلم أن الخلاص منها هو الرجوع إلى كتاب الله ففيه الشفاء.
1 - الحسد:
وهو (تمني زوال نعمة المحسود إلى الحاسد) (1).
يقول الشيخ السعدي - رحمه الله - والحاسد هو الذي يحب زوال النعمة عن المحسود فيسعى في زوالها بما يقدر عليه من أسباب، فاحتيج إلى الاستعاذة بالله من شره وإبطال كيده)(2).
__________
(1) …التعريفات، للجرجاني، ص53.
(2) …تيسير الكريم الرحمن، للسعدي، جـ5، ص443.(1/14)
الحسود إنسان حقود تشقيه سعادة الآخرين، ويؤلمه ما يصيبهم من نعم، فلا يرى على عبد نعمة إلا وتمنى زوالها أو تمنى أن تصير إليه، وقد يعقب الأماني السعي في ذلك. والحسد قلما يشفى منه صاحبه. ولذا أمرنا الله بالاستعاذة من الحاسد وحسده.
واليهود كفروا بالنبي × وبما جاء به حسدًا ولم يكتفوا بذلك بل أعملوا مكرهم في رد المؤمنين عن دينهم قال تعالى: { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ } [البقرة: 109] وقد حذر النبي × أمته ما يفرق المؤمنين ويقطع وشائج أخوتهم ويزرع الأحقاد بينهم وفي طليعة ذلك الحسد، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ×: (لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، ولا يبيع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانًا) (1). فالحاسد عدو النعم، وأصله بغض نعمة الله على المحسود وتمني زوالها(2).
وتأمل تقييده سبحانه شر الحاسد بقوله (إذا حسد) لأن الشخص قد يكون عنده حسد، ولكنه يخفيه، ولا يرتب عليه أذى بوجه ما، لا بقلبه ولا بلسانه ولا بيده، ولا يعامل أخاه إلا بما يحب. فهذا لا يكاد يخلو منه أحد إلا من عصمه الله. فهذا الإنسان لا يطيع ما تأمره به نفسه من الحسد ولا يأتمر به، بل يعصيها طاعة لله وخوفًا وحياءً منه، وإجلالاً له، أن يكره نعمه على عباده. فيرى ذلك مخالفة لله وبغضًا لما يحب الله. فهو يجاهد نفسه على دفع ذلك ويلزمها بالدعاء للمحسود، وتمني زيادة الخير له.
ويندفع شر الحاسد بإذن الله بعدة أسباب ذكرها ابن قيم الجوزية منها:
__________
(1) …صحيح مسلم، جـ16، ص120، كتاب الأدب.
(2) …بدائع التفسير، لابن قيم الجوزية، جـ5، ص419.(1/15)
التعوذ بالله من شر الحاسد، وتقوى الله والتوكل عليه، ثم الصبر على عدوه الحاسد وفراغ القلب من الاشتغال به والفكر فيه، وتجريد التوبة إلى الله من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه، والصدقة والإحسان ما أمكنه، فإن لذلك تأثيرًا عجيبًا في دفع البلاء ودفع شر الحاسد(1).
2 - الكذب وشهادة الزور:
قال الجرجاني: كذب الخبر عدم موافقته للواقع وقيل هو إخبار لا على ما عليه المخبر)(2).
وقال ابن حجر: الكذب هو الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه سواء كان عمدًا أم خطأ(3).
إن الصدق طريق الفلاح والنجاح والكذب طريق السقوط والضلال. والصادق محبوب إلى عباد الله مؤتمن على الأموال مقبول الشهادة موثق الأقوال، أما الكاذب فإنه لا يصدق قوله ولا تقبل شهادته ولا يؤتمن على الأموال. فقد اتصف بصفة ذميمة حرمها الإسلام وعدها من الكبائر.
وكما يكون الكذب بالأقوال فقد يفعل الإنسان فعلاً يوهم به حدوث شيء لم يحدث على سبيل المخادعة بالفعل، وهو أشد خطرًا وأقوى تأثيرًا من الكذب بالأقوال. ومن أمثلة ذلك ما حكاه الله لنا من أقوال وأفعال إخوة يوسف - عليه السلام - إذ جاءوا آباهم عشاء يبكون كذبًا وقالوا - كذبًا - { يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ } [يوسف: 17]. وجاءوا على قميص يوسف بدم كذب، فجمعوا بين كذب القول وكذب الفعل.
ويندرج في هذا شهادة الزور التي هي من أكبر الكبائر ولها ضرر اجتماعي عظيم، فإن الله فرض القضاء بين الناس وشرعه حسمًا للمنازعات وحفظًا للحقوق وصونًا للمصالح وتهدئة للخواطر حتى لا يشيع النزاع ولا تمتلئ النفوس بالأحقاد بسبب العدوان على الحقوق.
__________
(1) …بدائع التفسير، ص423 - 431 (بتصرف).
(2) …التعريفات، للجرجاني، ص103.
(3) …فتح الباري، لابن حجر، جـ6، ص242.(1/16)
والقضاء له وسائله في الوصول إلى الحق ومعرفته، ومن أهم الوسائل الشهادة، وقد طلب الله عز وجل من الناس أن يتحملوها فقال: { وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا } [البقرة: 282]. كما طلب من الناس أداءها وحذر من كتمانها يقول سبحانه: { وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ } [البقرة: 283] وإذا كان هذا وعيد لمن يكتم الشهادة، فما بالنا بمن يشهد الزور، فيهدر دمًا بريئًا، ويتسبب في ضياع حق مهضوم، أو سببًا في إلصاق التهم بالأبرياء.
إن شاهد الزور يصور الحق باطلاً، ويتهم البريء، ويطمس الحقائق ويغير الوقائع، ويبعث على الشقاق والنزاع، ويمزق المجتمع، إنه يسيء إلى نفسه فتسقط منزلته، ويخسر دينه ودنياه، ويسيء إلى المشهود له فيعينه على الظلم، ويمكنه من العدوان على الحقوق، ويسيء إلى المشهود عليه فيضيع حقه ويخذله في وقت تشتد الحاجة فيه إلى الناصر والمعين، كيف ينسى شاهد الزور وهو يدلي بشهادته الكاذبة أن هناك من سيشهد عليه في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. إن أول من سيشهد عليه أعضاؤه ومنها اللسان سينطقها مالك الملك(1).
وحسبنا في تصوير بشاعة قول الزور أن الرسول × قال لأصحابه: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال ثلاثًا الإشراك بالله، وعقوق الوالدين. وكان متكئًا فجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور. فما زال يقولها حتى قلت لا يسكت) (2).
__________
(1) …انظر: رياض الصالحين، أحمد طاحون، ص194 - 196.
(2) …فتح الباري، جـ10، ص497، كتاب الأدب، رقم الحديث 5976.(1/17)
3 - في نهاية المطاف لابد من الوقوف طويلاً أمام سورة الحجرات؛ هذه السورة المدنية على إيجازها فإنها سورة جليلة تتضمن كثيرًا من حقائق التربية الأخلاقية وبناء مجتمع إسلامي ذا خلق قويم. ونخص آيتين منها ونعيش في رحابها بوجدان المؤمن وشعور المعجب الفخور بنهج الإسلام لنكشف صورة المجتمع المثالي الذي يعتمد على الحب والإخاء.
يقول جل ثناؤه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِن بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) } [الحجرات: 11، 12].
إن من حقوق المؤمنين بعضهم على بعض عدم السخرية أو التنابز بالألقاب أو سوء الظن أو التجسس. فالله عز وجل ينهاهم عن هذه الصفات الذميمة؛ لأن فيها احتقار واستهزاء واستصغار الآخرين وهي لا تقع إلا من قلب ممتلئ من مساوئ الأخلاق متحل بكل خلق ذميم ومتخل عن كل خلق كريم ثم أرشدتهم الآيات إلى التوبة إلى الله وأن يخرج المسلم من حق أخيه المسلم، باستحلاله والاستغفار والمدح مقابلة على ذمه.
وفي نهاية الآيتين حذرت من التخلق بسوء الظن للمؤمنين وعن التجسس فهو خلق ذميم يدفع صاحبه إلى التلصص على عورات المسلمين والتنصت إلى أحاديثهم. إما بدافع الانتفاع ولو على مصلحة الآخرين والإضرار بهم، أو بدافع الانتقام والتشفي منهم وإيقاع الأذى بهم.(1/18)
وآخر ما حذرت عنه الآية إحدى الكبائر وهي الغيبة: وهي ذكرك أخاك بما يكره في غيبته. وإن كان العيب فيه. كما جاء ذلك في حديث أبي هريرة أن النبي × قال: (أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) (1).
وقد شبه سبحانه ما يناله المغتاب من عرض أخيه المسلم كأنه يأكل لحمه ميتًا, وفي هذا من التنفير عن الغيبة والتوبيخ لها ولفاعلها والتشنيع عليه مالا يخفى، فإن لحم الإنسان مما تنفر عن أكله الطباع الإنسانية وتستكرهه الجبلة البشرية فضلاً عن كونه محرمًا شرعًا.
فهذا الداء الاجتماعي الذي قل أن ينجو منه الأفراد وهو ينم عن خلل في التربية خطير، وينذر بشر في المجتمع أخطر، ومن ثم فإن القرآن الكريم ينهى عن الغيبة بطريقة فذة في التعبير والتصوير. هذا النهي المؤكد الصارم، تدعونا إلى وقفة مناسبة يحاسب بها المؤمن نفسه، ويحفظ لسانه ويكف الأذى عن المسلمين حرصًا منه على دينه وتقوى لله تعالى(2).
المطلب الثاني
الثقة بالله وزوال القلق على المستقبل المالي
1 - أهمية المال وموقف الإسلام منه:
__________
(1) …صحيح مسلم.
(2) …انظر: تسير الكريم المنان، للسعدي، جـ5، ص69، 72، البينات في تفسير سورة الحجرات، عبدالحميد البيانوني، ص149.(1/19)
إن المال هو قوام سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة إذا أحسن استخدامه، وسبب شقائه في الدارين إذا أساء التصرف فيه. وأن المالك الحقيقي للمال هو الله عز وجل والإنسان مستخلف فيه وفي قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ } [المنافقون: 9]، وفي قوله تعالى: { وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ } [التوبة: 85] وغيرها من الآيات إضافة المال للإنسان إضافة توكيل ظاهرها التمليك وحقيقتها التفويض المقرون بالابتلاء والاختبار المستتبع للمحاسبة والجزاء.
وإن منهج القرآن الكريم في حديثه عن المال لا يخرج عن إطارين هما:
اكتسابه وإنفاقه. ففي الأول وضع منهجًا عادلاً ودقيقًا لا إفراط فيه ولا تفريط حيث دعا إلى اكتساب المال من وجوهه المشروعة، ومنها الحث على العمل وبين فضل العاملين ومنزلتهم عند الله سبحانه وتعالى وكشف عن ثمرة العمل الطيبة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) } [الملك: 15].
ومن وجوه اكتساب المال الزكاة والصدقة الوصية والميراث والغنيمة والفئ والجزية.
وكشفت آيات القرآن الكريم عن الوسائل غير المشروعة في اكتساب المال وحذرت من سلوكها والأخذ بها، حيث حرم الربا وأكل أموال الناس بالباطل، وحذرت من الميسر ونهت عن السرقة والرشوة وبخس الكيل والميزان وكل ما فيه إضرار وظلم للآخرين.
أما عن الأمر الثاني الذي يتعلق بالمال وهو إنفاقه، فقد عنى القرآن الكريم أتم عناية حيث كشف النقاب عما يناط بالمال من حقوق وواجبات، بعضها يتعلق بالزوجة والأخر فيما يخص الأقارب أصلاً وفرعًا.
2 - حماية الإسلام للأموال وتحريم طرائق الكسب غير المشروع:(1/20)
ويظهر ذلك حليًا في فرض عقوبات قاسية على كل معتد على أموال المسلمين فقرر عقوبة قطع يد السارق قال تعالى: { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) } [المائدة: 38].
وهذه العقوبة لا توقع إلا بشروط كثيرة تتعلق بعضها بالمسروق وبالمكان الذي سرقت منه، وبالسارق وبالسارق وبالمالك وعلاقة أحدهما بالأخر وقرابته منه هذا في السرقة الصغرى أما قطع الطريق أو السرقة الكبرى أو الحرابة فعقوبته أشد من ذلك وأوضحت آيات سورة المائدة أيضًا هذه العقوبة قال تعالى: { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ ( qè=Gs)مƒ أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) } [المائدة: 33].(1/21)
أما الربا ذلك الداء الذي ينخر بجسد الأمة ويتلف أموالها فإن التعامل به كان محرمًا في الشرائع السماوية قبل الإسلام فاليهودية تنص توراتهم حتى في نسخها الحالية على تحريمه وأنه مخالف للدين علمًا بأنهم أشد شعوب العالم طمعًا وخشعًا وحرصًا على ابتزاز الأموال وكذلك النصارى تحرم عليهم ديانتهم التعامل بالربا لأن أحكام التوراة نافذة عندهم لم يبطلها الإنجيل. وقد ذكر القرآن الكريم اشتمال شرائع الأنبياء قبلنا على تحريم الربا. فقال جل شأنه { فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161) } [النساء: 160، 161] وجاء الإسلام مؤكدًا تحريمه وجعله من أكبر الكبائر متوعدًا أهله بحرب من الله ورسوله وشدد في التحذير من هذه المعصية واستخدم أقسى أنواع الزجر وألوان التهديد قال تعالى: { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي çmنـ6y‚tFtƒ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ... لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) } [البقرة: 276 - 279]. فالربا يشتمل على أضرار اقتصادية واجتماعية على الفرد والمجتمع.
والرشوة جريمة اجتماعية خطيرة حرمها الإسلام لانطوائها على مضار جمة ومفاسد لا تحصى. قال تعالى: { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) } [البقرة: 188].(1/22)
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله × قال: (لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم) (1) إن ملكية أموال الرشوة قائمة على الحرام إذ لا تستند إلى سبب شرعي من أسباب الملك. وإن وشيوع تلك الجريمة في المجتمع الإسلامي سبب لغضب الله على هذا المجتمع الذي ترك موارد الحلال الطيب وأخذ يلهث وراء المال الحرام فقد روى عن عمرو بن العاص أن النبي × قال: (ما من قوم يظهر فيهم الربا إلا أخذوا بالسنة، وما من قوم يظهر فيهم الرشا إلا أخذوا بالرعب) (2).
والميسر يعتبر وسيلة محرمة لتملك الأموال وهو لا يقل خطورة عن الربا والسرقة والميسر قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) } [المائدة: 90].
ولا خلاف بين العلماء في تحريمه لأنه مبني على تملك مال الغير بطريق المخاطرة غير المقرونة بجهد، وإن رضي المتقامرون فلا عبرة بذلك لأن كل واحد منهما قصد الربح لنفسه ولم يقصد أن يهب صاحبه المال، وفي هذه الحال تكون عواطف الحسد والأثرة هي المسيطرة عليهما خلافًا للهبة فهي بذلك المال طواعية عن طيب نفس(3).
ومن طرق اكتساب المال المحرمة تطفيف الكيل والميزان وتوعد الله مرتكبيه بعذاب شديد يقول سبحانه: { وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) } [المطففين: 1 - 3].
__________
(1) …مسند الإمام أحمد، جـ2، ص387، سنن الترمذي، جـ2، ص397.
(2) …مسند أحمد، جـ2، ص205.
(3) …انظر: أحكام القرآن للجصاص، جـ1، ص329.(1/23)
وقص علينا القرآن الكريم قصة أصحاب الأيكة الذين اشتهروا بهذا الفعل وتمادوا في ذلك فأرسل الله عليهم شعيبًا لهدايتهم ولكنهم أصروا ولم ينتهوا فأهلكهم الله بذنوبهم في الدنيا وأعد لهم في الآخرة عذابًا أليمًا.
3 - تحقيق العدالة الاجتماعية وسد حاجات المعوزين:
أ - فرض الزكاة في الأموال بأنواعها وتحديد مصارفها:
الزكاة حق شرعه الله في أموال الأغنياء للمستحقين، ليس فيه منة ولا إحسان. يؤديها المسلم امتثالاً لأمر الله وابتغاء مرضاته طيبة بها نفسه خالصة بها نيته، وثمارها عديدة تعود على الفرد والمجتمع؛ فهي تطهر النفس من آفة الشح والبخل المهلك. ومن فتنة المال الذي يذهل صاحبه عن التأهب للآخرة. وبها يتدرب المسلم على البذل والعطاء ومقاومة إغراء المال والتحرر من ذل التعلق به ليخضع بالتالي لرب هذا الكون وخالقه.
وفي أداء الزكاة مواساة للفقراء والمحتاجين وسد حاجاتهم؛ فلقد جاء تشريع الزكاة يضمن لهم حد الكفاية لا حد الكفاف باعتبارهم أول المستحقين لها قال تعالى: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) } [التوبة: 60].(1/24)
والنظام المالي الإسلامي يهتم بالفقر ويحول دون تفشي أسباب الفقر، بل ويعالجها، والزكاة إحدى هذه الوسائل، وطريقة توزيعها على مستحقيها تؤمن لهم الحياة الكريمة الشريفة. وتضع في أيديهم قوة شرائية ليقوموا بواجباتهم الدينية على أكمل وجه بالإضافة إلى الاستمتاع بحياتهم. وفي ذلك تنشيط مستمر وتوفير لفرص العمل لهم باعتبارهم أنها مورد مالي ضخم وبالتالي فهي تحقق لآخذها الاستقرار والهدوء النفسي الذي ينتزع منه قلق الاحتياج وذل السؤال مع احتفاظه بعزة نفسه أيضًا فالزكاة تحقق التكافل الاجتماعي بين المسلمين فتتقارب الفوارق ويسود المجتمع الأمن والطمأنينة والمحبة والإخاء.
ففريضة الزكاة إذًا رابطة بين الإنسان وربه من ناحية وبينه وبين مجتمعه من ناحية أخرى وتهدف إلى إسعاد الفرد نفسيًا واجتماعيًا، وإلى تنمية الأخوة بين أفراد المجتمع الإسلامي على أساس من التعاون والمساواة وحب الخير حيث يقدم صاحب المال عن طواعية جزءًا من ماله لأخيه المحتاج الذي يتلقى نصيبه من الزكاة بين القبول والتقدير(1).
ب - العدالة المطلقة في التوريث ووجوب تطبيقها:
__________
(1) …انظر: فقه الزكاة، د. القرضاوي، جـ2، ص875 - 880 (بتصرف)، الاتجاه الجماعي في التشريع الاقتصادي/ للنبهان، ص290، 291.(1/25)
جاءت الشريعة الإسلامية فوضعت نظام التوريث على أحسن النظم المالية وأعدلها، وقررت ملكية الإنسان بالطرق المباحة، وشرعت انتقال ما يملكه في حياته إلى ورثته بعد وفاته من الرجال والنساء متميزة بذلك على كل الأنظمة الجاهلية قديمًا وحديثًا؛ تلك الأنظمة التي حرمت طوائف تستحق العون والمساعدة وهم النساء والصغار؛ كما هو نظام التوريث قبل الإسلام، أما المذاهب الوضعية ماركسية أو رأسمالية وما يتفرع منهما فموقفهم لا يختلف جوهره عن موقف العرب قبل الإسلام؛ فالماركسية ألغت الميراث تمامًا ولم تعترف به. أما الرأسمالية فقد جعلت للمورث السلطان الكامل في ماله بعد وفاته إن شاء أعطى الأقارب أو حرمهم. وعيب هذين المذهبين أنهما طرحا الأسرة جانبًا وأهلاها وإهدار حق الورثة.
لكن الإسلام محى الظلم وأقام العدل بصورة تكفل لكل ذي حق حقه، وتحفظ لكل فرد من أفراد الأسرة كرامته وتصون له عزته، فهو ينظر إلى الإنسان أولاً ثم ينظر إليه حسب تكاليفه الواقعة في محيط الأسرة والجماعة فوقف موقفًا وسطًا وفق منهج رباني حكيم يمتاز بالحق والعدل والرحمة قال تعالى: { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (7) } [النساء: 7] وتتجلى هذه العدالة فيما يلي:
أ - إعطاء الميراث للأقرب الذي يعتبر شخصه امتدادًا في الوجود لشخص المورث من غير مراعاة بين صغير وكبير مع مراعاة درجة القرابة منه.
ب - توزيع الثروة توزيعًا عادلاً يحول دون تجمعها بأيد قليلة فلم يجعل وارثًا ينفرد بالتركة ولم يجعلها للابن الأكبر ولا للأبناء دون البنات، ولا للأولاد دون الآباء، وبذلك ففي ظل هذا النظام لا مكان للحسد والحقد والتباغض بين أفراد الأسرة.(1/26)
جـ - المساواة في الميراث بين الأولاد الذكور فلم يفضل الكبير على الصغير لأن صلتهم بالمورث واحدة، وإن كان الصغير أكثر حاجة ليقيم حياته في المستقبل، فإن الكبير أيضًا قد يكون أكثر مسؤولية والصغير ما زال الطريق أمامه واسع ليعمل بجد ونشاط ويكون الميراث حافزًا له على ذلك.
د - شرع الله للذكر مثل حظ الأنثيين لحكمة بالغة؛ فالذكر مسؤوليته المادية أوسع وأعباؤه أثقل فهو القوام على الأسرة والمطالب بالإنفاق على أفرادها، في حين أن المرأة كرمها الإسلام وأوجب على أصولها وفروعها الانفاق عليه إن كانت غير متزوجة، أما إذا تزوجت فنفقتها هي وأولادها على زوجها سواء كانت موسرة أم معسرة، وأيضًا قرر الإسلام لها نصيبًا من الميراث تأخذه بعزة دون منه أحد فورثها ابنة وزوجة وأختًا وأما إذًا فليس هناك محاباة ولا ظلم كما يتشدق به أعداء الإسلام بل هو توازن وعدالة في المجتمع المسلم.
وبعد فإن هذه القواعد الشاملة تكفل توزيع الثروات بين الناس، وتؤدي إلى تقليل الفوارق المالية بينهم فلا تلبث الثروة الكبيرة أن تتحول بعد بضعة أجيال إلى ملكيات متعددة وأيضًا تلبي في نفس الإنسان المسلم دوافع الفطرة ورغبتها في أن تمتد آثار الخير إلى ذريته(1).
ج - صدقة التطوع ومنزلتها في الدين:
__________
(1) …انظر: التركة والميراث، د. محمد يوسف موسى، ص26 وما بعدها، تنظيم الإسلام للمجتمع، محمد أبو زهرة، ص134 - 135، العدالة الاجتماعية، سيد قطب، ص48، رسائل الشيخ عبد الله آل محمود، ص231 - 240.(1/27)
المقصود بها كل تبرع مالي قل أو كثر بما يزيد على الفريضة، ينفقه المسلم تطوعًا، طلبًا لمرضاة الله وهي بهذا المعنى مستحبة. وبالتأمل لما جاء به القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة من نصوص تبين لنا جليًا أن منزلة صدقة التطوع عالية في الدين وميدانها واسع جدًا حسب إمكانية المسلم المالية وحبه للخير. وقد رفع الإسلام من شأنها ورغب في أدائها. يقول تعالى: { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) } [البقرة: 262].
وقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي × قال: (ما من يوم يصبح فيه العباد إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الأخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا) (1). ولقد كانت صدقات التطوع وستبقى بإذن الله تؤدي دورها الكبير في مساعدة الفقراء المحتاجين في المجتمع الإسلامي.
إن أساس قبول الصدقة والإثابة عليها أن تكون من حلال، فعلى المؤمن أن يبتعد عن الموارد المحرمة كالسرقة والربا والغش والرشوة وبيع المحرمات، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا. قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) } [البقرة: 267].
__________
(1) …فنح الباري شرح صحيح البخاري، كتاب الزكاة، جـ3، ص383، رقم الحديث 1442.(1/28)
وإن امتناع بعض الناس عن الإنفاق أو أنهم يتصدقون بالردئ من أموالهم ينشأ عن دوافع القلق والخوف من الإملاق وعن تزعزع الثقة بما عند الله. فإن الله كشف للمؤمنين أن منشأ ذلك هو الشيطان يقول جل ثناؤه: { الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [البقرة: 268] فالشيطان هو الذي يخوف من الفقر ويثير في النفوس الحرص والتكالب على لأموال لكن الله يعد المؤمنين المغفرة والجزاء في الجنة.
وأبواب الإنفاق والصدقة تدور مع الحاجة ومواضعها، فالأقربون أولى بالمعروف ولكن سواهم موصولون بهم يذكرون في معرض الحض على البر جنبًا لجنب مع الأقربين فالبر عاطفة إنسانية قبل أن تكون وجدان قرابة وذكر البر موصول غاليًا بذكر الإيمان.
المطلب الثالث
محاربة الإسلام للعنصرية ودعاوى الجاهلية
إن داء التفاخر بالأنساب والأحساب داء قديم في جميع الأمم، وقد عالجه الإسلام علاجًا حاسمًا حكيمًا والأدلة على ذلك كثيرة وأعظم آية في هذا المعنى هي آية الحجرات يقول تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا ں@ح!$t7s%ur لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) } [الحجرات: 13]. والمتأمل في هذه الآية يجد أنها تعرضت لهذه القضية وأرشدت إلى الحكمة من خلق الناس شعوبًا وقبائل وهي أن يعرف بعضهم نسب بعض فلا ينتسب أحد إلى غير آبائه لا أن يتفاخروا بآبائهم وأجدادهم ويدعوا إلى التفاوت والتفاضل في الأنساب ودعوى أن هذا الشعب أفضل من هذا الشعب وهذه القبيلة أفضل من هذه القبيلة.
إذا ليس في الإسلام تفرقة عنصرية، بل ليس في الإسلام سياسة عنصرية.(1/29)
فالنداء بقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ } يعم جميع الناس على اختلاف ألوانهم في مختلف أقطارهم وعلى تباين مقاماتهم في الحياة. يخبرهم تعالى أنه خلق بني آدم من أصل واحد وجنس واحد، وكلهم من ذكر وأنثى ويرجعون جميعهم إلى آدم وحواء، ولكن الله بث منهما رجالاً كثيرًا ونساء، وفرقهم وجعلهم شعوبًا وقبائل، لأجل أن يتعارفوا لا ليتفاخروا؛ فإنهم لو استقل كل واحد منهم بنفسه لم يحصل ذلك المتعارف الذي يترتب عليه التناصر والتعاون والتوارث، والقيام بحقوق الأقارب ولحوق الأنساب.
ثم بينت الآية الكريمة الخصلة التي بها يفضل الإنسان غيره ويكتسب الشرف والكرم عند الله فقال سبحانه: { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } فاتضح من هذا أن الفضل بالأمور الدينية وهي العمل الصالح المقترن بطاعة الله وإخلاص العمل ومتابعة الرسول ×(1).
يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله - (فأكرمهم عند الله أتقاهم، وهو أكثرهم طاعة، وانكفافًا عن المعاصي، لا أكثرهم قرابة وقومًا، ولا أشرفهم نسبًا، ولكن الله تعالى عليم خبير، يعلم من يقوم منهم بتقوى الله ظاهرًا وباطنًا فيجازي كلاً بما يستحقه. وفي هذه الآية دليل على أن معرفة الأنساب مطلوبة مشروعة، لأن الله جعلهم شعوبًا وقبائل لأجل ذلك) (2).
وفي تفسير هذه الآية يقول الشيخ الشنقيطي رحمه الله: (هذه الآيات القرآنية تدل على أن الإسلام دين سماوي صحيح لا نظر فيه إلى الألوان ولا إلى العناصر ولا إلى الجهات، وإنما المعتبر فيه تقوى الله وطاعته فأكرم الناس وأفضلهم أتقاهم لله، ولا كرم ولا فضل لغير المتقي ولو كان رفيع النسب) (3).
__________
(1) …انظر: فتح القدير للشوكاني، ص1666، التفسير الواضح، د. محمود حجازي، جـ26، ص65، 66، تيسير الكريم الرحمن، للسعدي، جـ5، ص72، نفحات من السكينة القرآنية، للعبودي، ص184.
(2) …تيسير الكريم الرحمن، للسعدي، جـ5، ص72.
(3) …أضواء البيان للشنقيطي جـ5، ص171.(1/30)
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قيل للنبي ×: من أكرم الناس؟ قال: أكرمهم أتقاهم. قالوا: يا نبي الله ليس عن هذا نسألك. قال: فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله. قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: أفعن معادن العرب تسألونني؟ قالوا: نعم. قال: فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا) (1).
وقد شرح ابن حجر هذا الحديث فقال: (فإن الأفضل من جمع بين الشرف في الجاهلية والشرف في الإسلام، وكان شرفهم بالجاهلية بالخصال المحمودة من جهة ملائمة الطبع ومنافرته خصوصًا بالأنتساب إلى الآباء المتصفين بذلك، ثم الشرف بالإسلام بالخصال المحمودة شرعًا، ثم أرفعهم مرتبة من أضاف إلى ذلك المتفقه في الدين، ومقابل ذلك من كان مشروفًا في الجاهلية واستمر مشروفًا في الإسلام فهذا أدنى المراتب، والقسم الثالث من شرف في الإسلام وفقه ولم يكن شريفًا في الجاهلية، ودونه من كان كذلك لم يتفقه، والقسم الرابع من كان شريفًا في الجاهلية ثم صار مشروفًا في الإسلام فهذا دون الذي قبله، فإن تفقه فهو أعلى مرتبة من الشريف الجاهل) (2).
المطلب الرابع
دعوة الإسلام للآداب الاجتماعية
لقد دلت الآيات القرآنية على تكافل الأقارب وتعاونهم وتشاركه في تحمل أعباء الحياة وأداء ما يجب عليهم من حقوق بعضهم على بعض.
وسوف نعرض في هذا المطلب إلى بعض الآداب ومنها صلة الرحم، وبر الوالدين، والإيثار، والعفو.
أولاً: صلة الرحم:
__________
(1) …فتح الباري، جـ6، ص502، كتاب أحاديث الأنبياء رقم 3374.
(2) …فتح الباري، جـ6، ص503.(1/31)
لقد تعددت نصوص القرآن الكريم في الحث على صلة الرحم، تلك الصفة التي تدل على كمال الإيمان وحسن الإسلام، وبها يكتسب المسلم رضا الله سبحانه وتعالى ثم محبة الخلق، فالله سبحانه وتعالى يقرن بين الأمر بتقواه والأمر بصلة الأرحام في قوله تعالى: { وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [النساء: 1]، وقوله تعالى: { وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } [الأنفال: 75]، وقوله تعالى: { وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ } [الإسراء: 26] وقال ×: (لا يدخل الجنة قاطع رحم) (1).
وقد يظن كثير من الناس أن صلة الرحم تذهب الأوقات والأموال فأخبر النبي × أن الأمر خلاف ما يظنون؛ ففي الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله × قال: (من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه) (2) ففي صلة الرحم تحقيق السعة في الأرزاق والبركة في الأعمار بسبب التوفيق إلى الطاعة، وعمارة الوقت بما ينفع في الدنيا والآخرة، وما يحصل للواصل من التوفيق للعلم الذي ينتفع به من بعده، والصدقة الجارية عليه، والخلف الصالح.
وتكون صلة الرحم بالتوادد والتناصح والعدل والإنصاف والقيام بالحقوق الواجبة المستحبة، والإنفاق على القريب، وتفقد أحوالهم والتغافل عن زلالهم والدعاء لهم. والمعنى الجامع (إيصال ما أمكن من الخير ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة) وهذا إنما يستمر إن كانت صلتهم تقربهم إلى الإسلام، فإن أصروا على باطلهم فمقاطعتهم صلتهم وهذا لا يمنع من الدعاء لهم بالصلاح والهداية(3).
__________
(1) …فتح الباري، شرح صحيح البخاري، كتاب الأدب، جـ10، ص509 رقم الحديث 5984.
(2) …المرجع السابق، جـ10، ص510.
(3) …انظر: فتح الباري، جـ10، ص514.(1/32)
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي × قال: (إن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ من خلقه، قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم. أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت بلى يارب. قال: فهو لك. قال رسول الله × فاقرؤوا إن شئتم { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) } [محمد: 22](1).
يقول القرطبي: (الرحم على وجهين: عامة وخاصة؛ فالعامة رحم الدين ويجب مواصلتهم بمواصلة الإيمان والمحبة لهم ونصرتهم، والنصيحة وترك مضارتهم والعدل بينهم والنصفة في معاملتهم والقيام بحقوقهم الواجبة؛ كتمريض المرضى وحقوق الموتى من غسلهم والصلاة عليهم ودفنهم وغير ذلك من الحقوق المترتبة لهم، وأما الرحم الخاصة وهي رحم القرابة من طرفي الرجل أبيه وأمه، فتجب لهم الحقوق الخاصة وزيادة، كالنفقة وتفقد أحوالهم وترك التغافل عن تعاهدهم في أوقات ضروراتهم؛ وتتأكد في حقهم حقوق الرحم العامة، حتى إذا تزاحمت الحقوق بدئ بالأقرب فالأقرب) (2).
وإن من مكارم الأخلاق التي يحث عليها ديننا الحنيف أن تصل من قطعك من الأقارب ممن تجب صلتهم عليك إذا قطعوك، وألا نعاملهم بالمثل في حال إن قاطعونا وفي هذا يقول ×: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها)(3).
فصلة الرحم يجب أن تقصد لذاتها، فلا يصح أن يكون الدافع لها مقابلة الإحسان من الأقرباء بإحسان مثله. إنما يجب أن يؤدي واجبه نحوهم وإن قصروا هم نحوه.
__________
(1) …المرجع السابق، جـ10، ص511، رقم الحديث 5987.
(2) …الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، جـ16، ص247، 248.
(3) …فتح الباري، جـ10، ص519، كتاب الأدب، رقم الحديث 5991.(1/33)
ومن الآيات التي تدل على تعظيم قدر الأرحام قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [النساء: 1].
قال السعدي: (وفي الإخبار بأنه رقيب أي مطلع على العباد في حال حركاتهم وسكونهم، وسرهم وجميع أحوالهم، مراقبًا لهم فيها مما يوجب مراقبته، وشدة الحياء منه، بلزوم تقواه. وفي الإخبار بأنه خلقهم من نفس واحدة، وأنه بثهم في أقطار الأرض مع رجوعهم إلى أصل واحد ليعطف بعضهم على بعض، ويرقق بعضهم على بعض، وقرن الأمر بتقواه، بالأمر ببر الأرحام، والنهي عن قطيعتها، ليؤكد هذا الحق، وأنه كما يلزم القيام بحق الله، كذلك يجب القيام بحقوق الخلق خصوصًا الأقربين منهم، بل القيام بحقوقهم هو من حق الله الذي أمر الله به)(1).
ثانيًا: العفو:
هو من الأخلاق الكريمة الفاضلة التي دعا إليها الإسلام رغب فيها وندب الله عز وجل نبيه × والمؤمنون للأخذ به.
وهو الرضا بلا عتاب، وترك ما يستحقه المذنب من العقوبة، ومحو الذنب، والأعراض عن المؤاخذة.
والعفو دليل كمال النفس وشرفها ومظهر من مظاهر حسن الخلق ومن سمات أهل التقوى. ومن ثمراته محبة الله ثم محبة الخلق وبالعفو تهيئة المجتمع والنشء الصالح لحياة أفضل يسودها التعاون والاستقرار النفسي الاجتماعي وإزالة الأحقاد وبذر الألفة بين المسلمين.
__________
(1) …تيسير الكريم الرحمن، جـ1، ص34.(1/34)
ووردت نصوص عديدة تدل على أهمية العفو والأجر والمثوبة المرتبطة على من اتصف بهذا الخلق. قال تعالى: { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) } [آل عمران: 134] وها هو الصديق رضي الله عنه يعفو عن مسطح ابن أثاثة رضي الله عنه وهو من أقربائه يعيش على إحسانه لكنه لم يتورع في الكلام في حديث الإفك الذي اتهمت به البريئة الطاهرة عائشة رضي الله عنها فما كان من الصديق رضي الله عنه بدافع الحمية عن ابنته إلا أن يقطع هذا الإحسان فأنزل الله في أبي بكر رضي الله عنه يمتدحه ويبين فضله ويأمره أن يعود بعطائه المعتاد لذلك القريب المسكين المهاجر. وتروي عائشة رضي الله عنها هذه الحادثة فتقول: (فلما أنزل الله في براءتي قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق على مسطح شيئًا أبدًا بعد الذي قال لعائشة ما قال. فأنزل الله { وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) } [النور: 22] قال أبو بكر: بلى والله، غني أحب أن يغفر الله لي فرجع إلى النفقة التي كان ينفق عليه وقال: والله لا أنزعها منه أبدًا(1).
__________
(1) …فتح الباري شرح صحيح البخاري، كتاب التفسير، ابن حجر، جـ8، ص577 رقم الحديث 4750.(1/35)
إن من سنة الله في خلقه أن الناس طباعهم متباينة، والدين أعظم مهذب للنفوس ومقدم للطباع فمن أخذ بآدابه استقام خلقه واعتصم بالصبر وتجاوز أرباب الهفوات وعفا عن أصحاب الزلات وتسلح بالرفق والأناة وسعة الصدر. وأن الواجب على المسلم أن يدرب نفسه على ذلك وأن يلزمها العفو عن إخوانه المسلمين وترك الإقدام على مجازاة المسيء منهم، فإنه لا سبيل إلى محو أثار الإساءة أفضل من الإحسان والرحمة(1). وليكن قدوتنا في ذلك حبيبنا × الذي قال فيه سبحانه: { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ } [آل عمران: 159].
ثالثًا: الإيثار:
هو شعور نفسي يترتب عليه تفضيل الإنسان غيره على نفسه في الخيرات والمصالح الشخصية النافعة.
قال القرطبي: (الإيثار هو تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنيوية، ورغبة في الحظوظ الدينية، وذلك ينشأ عن قوة اليقين وتوكيد المحبة والصبر على المشقة)(2).
والإيثار خلق نبيل إذا قصد به وجه الله تعالى كان له من الفوائد الجمة فهو طريق موصل إلى محبة الله ورضوانه، ومظهر من مظاهر حسن الظن بالله، ودعامة كبيرة من دعائم التكافل الاجتماعي وبه تحصل الألفة والمحبة بين الناس، دليل سخاء النفس وطهارتها وصفاء سريرتها، وهو يجلب البركة ويحقق الخير للإنسان، وهو طريق موصل للفلاح لأنه يقي الإنسان من داء الشح والأثرة الذميمة(3).
__________
(1) …رياض الصالحين، أحمد طاحون، ص173 - 176 (بتصرف).
(2) …تفسير القرطبي، جـ18، ص26.
(3) …موسوعة نضرة النعيم، جـ3، ص640.(1/36)
ولقد تجلت صفة الإيثار في موقف مشرف وقفة الأنصار من إخوانهم المهاجرين بعد حادثة فيء بني النضير وقد سجل لهم القرآن الكريم صورة راقية من صور الإخاء والنبل والتعاطف لا تصل إليها إلا النفوس الكبيرة وقد شهد لهم الحق سبحانه وتعالى ببلوغ هذه المرتبة السامية، ومن درس أخبار المسلمين إثر الهجرة المباركة ورأى ما استقبل به الأنصار المهاجرين وما أكرموهم به يعلم يقينًا أنهم يستحقون هذا المدح والثناء من الله سبحانه وتعالى قال جل شأنه: { وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } [الحشر: 9].
هذا الإيثار التطوعي والتعاطف الإجتماعي الذي تجلى في أخلاق الأنصار لن تجد له مثيلاً في تاريخ البشرية وفي أخبار الأمم، لقد شاركوا إخوانهم المهاجرين الذين اضطهدوا في دينهم وأخرجوا من ديارهم، وأضحوا لا يملكون شيئًا من متاع الدنيا وزينتها، لقد كان الأنصاري يؤاخي المهاجر ويناصره، بل ويؤثره على نفسه في كثير من حظوظ الحياة. وإذا مات أحدهما ورثه الآخر(1).
__________
(1) …انظر: تربية الأولاد في الإسلام، عبد الله علوان، جـ1، ص363، 364، نحو ثقافة إسلامية، د.عمر الأشقر، ص168، 169.(1/37)
أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه "أن رجلاً أتى النبي ×، فبعث إلى نسائه، فقلن: ما معنا إلا الماء. فقال رسول الله × من يضم - أو يضيف هذا؟ - فقال رجل من الأنصار: أنا. فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله ×. فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني. فقال: هيئي طعامك، وأصبحي سراجك، ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء. فهيأت طعامها وأصبحت سراجها، ونومت صبيانها، ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين. فلما أصبح غدا إلى رسول الله × فقال - ضحك الله الليلة - أو عجب - من فعالكما. فأنزل الله { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) } [الحشر: 9](1).
فكانت مأثرة خالدة للأنصار، وهم أهل لهما وجديرون بها وهو بالتالي فهي خصلة إسلامية يندب لها ويكتب النجاح والفلاح لمن اتصف بها.
__________
(1) …فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر، جـ7، ص151، كتاب مناقب الأنصار رقم 3798.(1/38)
هؤلاء هم الأنصار الذين استوطنوا المدينة قبل خروج المهاجرين إليها، وكانوا أنموذجًا يحتذى لمعنى المسلم، فليس الإسلام اعتناق دين فحسب ولكنه نظام حياة كامل يعيش في إطاره جميع المسلمين، إخوانًا متساندين متعاطفين متعاونين على الخير والبر، مجاهدين لإعلاء كلمة الله في الأرض، وفي ظلال هذا النظام الكامل يظهر أثر الإسلام في مسالك الناس، وفي أخلاقهم وفي تعاضدهم، وفي تسابقهم في الخيرات، كما يظهر في عباداتهم وصدقهم وإخلاصهم، وأصحاب رسول الله أحسنوا الإقتداء بالنبي ×، فكانوا مهاجرين وأنصار مسلمين كما ينبغي للمسلم أن يكون في عقيدته وفي عبادته وفي أخلاقه وفي معاملاته بناء المجتمع وعلى المحبة الخالصة والأخوة التي لا يرجى منها إلا ثواب الآخرة، أي مسلك يدل على ذلك أقوى وأوضح منه؟ إنه المجتمع الذي أسس على تقوى من الله وتراحم أفراده متمثلين قول الحق سبحانه: { وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) } [التغابن: 16] (1).
رابعًا: بر الوالدين:
البر هو الإحسان ومنه قوله ×: (البر حسن الخلق) (2).
وهو في حق الوالدين ضد العقوق، والعقوق هو الإساءة وتضييع الحقوق. قال الحسن البصري: البر أن تطيعهما في كل ما أمراك به مالم تكن معصية، والعقوق هجرانهما وأن تحرمهما خيرك.
__________
(1) …انظر: رياض الصالحين، أحمد طاحون، ص197، 199.
(2) …صحيح مسلم، جـ16، ص111.(1/39)
وقد أجمع العلماء على أن بر الوالدين واجب ومن الأدلة الآيات الصريحة الكثيرة التي قرنت عبادة الله سبحانه ببرهما مما يدل على تأكيد حقهما والعناية بشأنهما قال تعالى: { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } [النساء: 36]، وقوله: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } [الإسراء: 23] وأثنى الله على أنبيائه وخص منهم يحيى عليه السلام لأنه كان بارًا بوالديه على كبر سنهما؛ فالبر في وقت الحاجة أعظم منه في غيره، والحاجة لا تتحقق إلا في سن الشيخوخة والضعف. قال تعالى: { وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14) } [مريم: 14] وامتدح سبحانه عيسى عليه السلام لتفانيه في خدمة أمه واعتزازه ببرها واعترافه بفضلها وخفض الجناح لها، فقال سبحانه: { وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا } [مريم: 32].
ومن فضائل البر بالوالدين:(1/40)
أنه من أفضل الأعمال: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله × أي العمل أحب إلى الله؟ قال: (الصلاة على وقتها). قلت: ثم أي؟ قال: (بر الوالدين) قلت: ثم أي؟ قال: (الجهاد في سبيل الله) (1)، وهو من أسباب دخول الجنة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ×: (رغم أنفه، ثم رغم أنفه) قيل: من يا رسول الله؟ قال: (من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة) (2). وأنه من أسباب مغفرة الذنوب ورضا الله سبحانه: قال تعالى: { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا } [الأحقاف: 15] إلى أن قال سبحانه في نهاية الآية الثانية { أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16) } [الأحقاف: 16] فجمع سبحانه لمن بر بوالديه ثمرتين، قبول العمل وتكفير الخطيئة. والبر بالوالدين سبب في تفريج الكربات وقبول الدعوات فالإنسان البار بوالديه إذا واجهته الكروب واجتاله الهم وضاق به الصدر فعليه أن يدعو الله ويتوسل إليه بعمله الصالح وهو البر فسيجد بإذن الله تفريج لكرباته وقبول لدعواته. ولا ننسى قصة الثلاثة أصحاب الغار الذين توسلوا إلى الله بصالح أعمالهم وكان منهم الشخص البار بوالديه.
حقوق الوالدين:
__________
(1) …فتح الباري، شرح صحيح البخاري، جـ2، ص13 برقم 527.
(2) …صحيح مسلم، جـ16، ص109.(1/41)
يقول جل شأنه: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا } [الإسراء: 23 - 25].
تضمنت هذه الآيات وجوب الإحسان إلى الوالدين وتشمل الإحسان باللسان والإحسان بالجوارح والأركان، ومن حفظ الله له هاتين الخصلتين فبر بهما فقد أحسن إليهما. والإحسان إلى الوالدين يجب أن يكون باعثه الرحمة والإحترام والحب والتقدير.
ومن البر ألا يؤذي المسلم والديه بكلام يكسر خاطرهما بل يحافظ على كريم المنطق معهما. وقد عبر عنه سبحانه وتعالى بقوله: { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا } والأف هو صوت ينبئ عن تضجر، وبهذا النهي يفهم عن سائر ما يؤذيهما بدلالة النهي، وقد خص بالذكر بعضه إظهارًا للاعتناء بشأنه { وَلَا تَنْهَرْهُمَا } أي لا تزجرهما عما لا يعجبك باغلاظ.
بل إن المسلم مأمور بالقول الكريم الذي يقتضيه حسن الأدب ولنا في رسول الله إبراهيم عليه السلام أسوة حسنة حينما تلطف في دعوة أبيه إلى التوحيد الخالص فلما نهره أبوه قابله بالرفق والوعد بالاستغفار له قال تعالى: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي y7Yم شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) } [مريم: 41 - 45] .(1/42)
يقول السعدي رحمه الله وفي هذا من لطف الخطاب ولينه مالا يخفى، فإنه لم يقل (يا أبت أنا عالم وأنت جاهل) وإنما أتى بصيغة تقضي أن عندي وعندك علمًا، وإن الذي وصل إلي لم يصل إليك ولم يأتك فينبغي لك أن تتبع الحجة وتتناولها(1).
ومن الحقوق في الجوارح والأركان طول الصحبة للوالدين. يقول المولى سبحانه { وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } [لقمان: 15]. روى مسلم بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: أقبل رجل إلى النبي × فقال: أبايعك على الهجرة أتبغي الأجر من الله. قال: فهل من والديك أحد حي؟ قال: نعم. بل كلاهما. قال: فتبتغي الأجر من الله؟ قال نعم. قال: فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما) (2).
أيضًا على الابن إجابة دعوتهما وطاعتهما مالم يأمرا بمعصية وقضاء حاجتهما من إنفاق وطعام وكساء. فكم من ساعات قضى بها الإنسان للوالدين الحاجات غفر الله بها الذنوب وأوجب ستر للعورات وفرج بها الغموم والهموم ولا ننسى برهما بعد الممات قال تعالى: { وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) } [الإسراء: 24] فهما بحاجة إلى دعوة صادقة أو استغفار أو بذل صدقة عنهما.
ومن تمام برهما صلة أهل ودهما وتفقد أحوالهم والإحسان إليهم فقد قال النبي ×: (إن أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه) (3).
كيف نعود أبناءنا على البر؟
1 - تربية الأبناء تربية إسلامية صحيحة وحثهم على فضل البر، وأن يقرن ذلك بطاعة الله.
2 - الأم هي الحاضنة الأولى لبذرة البر فعليها مسؤولية عظيمة أمام الله، ففي قلبها الحنان والدفء الذي من خلاله تستطيع - وبإذن الله - أن تشعر الأبناء بمحبة الوالدين واحترامهما.
__________
(1) …تفسير السعدي، جـ3، ص227.
(2) …صحيح مسلم، جـ16، ص108.
(3) …صحيح مسلم، ص104(1/43)
3 - الثناء على الأبناء البررة وتشجيعهم ورفع معنوياته بالكلام الطيب وببذل الهدايا لهم، وأن يقرن كل نجاح وتوفيق لهم في هذه الدنيا ببرهم بوالديهم ويشعروهم أنهم مطيعون لله عز وجل، وأنهم سيجنون ثمرة البر في الدنيا والآخرة.
4 - البحث عن أسباب العقوق إن وجدت لدى الأبناء، والمبادرة إلى علاجها قبل استفحالها.
5 - اختيار القرين الصالح لهم وليعلم الوالدين أن من عوائق البر قرناء السوء، فكم حقر الوالدين في عين الولد صديقًا لا يخاف الله فغير قلب الابن على والديه.
6 - تعويد الأبناء على احترام وتوقير الجد والجدة، وأن تكون الأم قدوة لهم في ذلك وألا يقتصر برها على والديها فقط فإن هذه نظرة قاصرة بل نظرة أنانية. وعليها أن تحث زوجها على بره بوالديه وألا تكون معول هدم.
7 - الاجتماع بالأطفال وقراءة القصص الخاصة بالبر وترسيخها في أذهانهم، من خلال تعيين أحدهم لإعادة قراءتها وعمل المسابقات الترفيهية حول تلك القصص للاستفادة منها بأكبر قدر ممكن.
الأسباب المعينة على البر:
إن العبد المؤمن بالله يعلم يقينا أن حق الوالدين عظيم، ومكانتهما عالية وبرهما من أفضل القربات، وقد أكثر القرآن الكريم من ذكرهما وأمر ببرهما ونهى عن عقوقهما وقرن حقهما بحقه في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } [النساء: 36] فمن رأى في نفسه هذه النعمة فليحمد الله وليستمر وليعلم أن ذلك فضل من الله.
لكن بالرغم من تلك المكانة العالية للوالدين والمنزلة الرفيعة لهما في الدين، والأمر الأكيد في برهما والنهي عن عقوقهما، إلا أننا نرى أن عقوق الوالدين متفشيًا في هذا الزمن وقد أخذ صورًا شتى. ونقول لهؤلاء اتقوا الله واحرصوا على معرفة ما يعينكم على بر والديكم، ومن ذلك ما يلي:
1 - أن يلجأ العبد إلى خالقه بدعاء خالص أن يوفقه إلى التزام الحق في أموره كلها ومنها بره بوالديه.(1/44)
2 - أن يستحضر فضائل بر الوالدين وأنه مهما عمل فلن يستطيع أن يوفيهما حقهما.
3 - أن يجاهد نفسه حتى يصبح البر طبعًا له.
4 - أن يستشعر الإنسان فرح الوالدين بابنهما البار بهما، وحزنهما وضيقهما من ذلك العاق.
5 - قراءة سير الصالحين البارين بآبائهم فإن لنا قدوة صالحة في الأنبياء والمرسلين وكذلك الصحابة والصحابيات والسلف الصالح. الذين ضربوا أروع الأمثلة في البر وتجنب العقوق.
6 - على الإنسان أن يضع نفسه موضع الوالدين، وأن يسأل نفسه هل يسره غدا أن يلقى العقوق من أبنائه؟ وأن يعاملوه معاملة سيئة؟ بلا شك لا يريد لنفسه ذلك. إذًا لماذا ترضاه لوالديك الذين تعبا من أجلك؟!.
الخاتمة
وبعد هذا المشوار مع هذا البحث في جانبه الاجتماعي والخاص بآثار تعليم القرآن الكريم على الفرد والمجتمع. نحمد الله حمدًا يليق بجلاله أن مَّن علينا بالإسلام وأنزل علينا أشرف الكتب القرآن الكريم؛ ففيه الشفاء من أمراض الشهوات والشبهات وفيه سعادة القلوب وراحتها وسكنها. فإذا اطمأن القلب لذلك سارع المسلم للبحث عن حل المشكلات الاجتماعية فإذا كتاب الله أمامه فلا يحتاج لأي تشريع وضعي، ووجد أيضًا آدابًا اجتماعية يحث عليها خالقه ويؤجر المسلم إذا عملها وبالمقابل حذرنا سبحانه من صفات ذميمة هي معول هدم للمجتمع فالمسلم الواعي يقرأ القرآن يجتنب ما حذره ربه ويأتمر بأوامره جل ثناؤه.
مقترح:
ولا يسعني إلا أن تقدم المقترح لعلها تجد القبول بإذن الله تعالى.
أولاً: أن يقرر تدريس مادة التفسير بجميع مراحل المدارس النسائية لتحفيظ القرآن، واختيار بعض السور الخاصة بالمرأة المسلمة مثل سورة النساء (الآيات الخاصة بالميراث، وبالمرأة، حقوق الزوج، الطلاق، اليتيم) وسورة النور والأحزاب والحجرات والطلاق. والغرض من ذلك ما يلي:(1/45)
1 - بيان حقوق المرأة المسلمة من خلال حفظ الآيات الخاصة بها بالإضافة إلى معرفتها تفسيرها الصحيح من كتب التفسير التي تعتمد على المأثور من قول النبي × وأقوال الصحابة والتابعين بالإضافة إلى التفسير بالرأي المحمود.
2 - أن تتعود الطالبة في مدارس تحفيظ القرآن الكريم خاصة على مطالعة كتب التفسير فتتكون لديها ملكة للتعبير والفهم، ولا تكتفي بما يلقى عليها بشكل تفسير ميسر لما حفظته أو محاضرات عامة عن حقوق المرأة.
3 - أن يكون ما حفظته من الآيات أو السور وما درسته من تفسير صحيح لها، سلاحًا بيدها وبيد أفراد أسرتها لمعرفة مالها وما عليها من حقوق وواجبات.
4 - إذا وصلنا إلى نهاية المطاف بأن عرفت المسلمة حقوقها فإن ذلك سيكون - بإذن الله - حصنًا لها يقيها من سموم دعاة التحرير الذين يتشدقون بحقوق المرأة وحريتها، فهم يجدون الأرض خصبة في عقول بناتنا وأخواتنا المسلمات تلك العقول الغضة البريئة. ويجب أن نقطع عليهم خط الرجعة؛ فتكون المدارس النسائية يدًا بيد مع البيت في سبيل إنشاء جيل مسلم متعلم يعتمد عليه بإذن الله.
فواجبنا أن نبين لهن ذلك فهن أمانة في أعناقنا ولا نكتفي بأن نخرَّج في كل عام حافظات لكتاب الله. بل لابد من التدبر ولا يتم ذلك إلا بمعرفة تفسير الآيات. وهذا - في نظري - ما تفتقده مدارس تحفيظ القرآن الكريم.
ولكي يحقق هذا المقترح ثماره لابد من:
أ - إخلاص النية والاعتماد على الله.
ب - تعيين مدرسة خاصة لتدريس التفسير لكل مرحلة.
جـ - أن تكون لجنة نسائية من استاذات الجامعة وبعض الداعيات لدراسة المقترح واستراتيجية تنفيذه لجميع المراحل بحيث يتدرج في التدريس من الأسهل وهو قسم التمهيدي وغيرها إلى التخصص ومعرفة أقوال المفسرين وكيفية الترجيح بين الأقوال وأخص به قسم الثانوي والجامعي.
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.
وفي الختام: أقول:(1/46)
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. ولعلي بهذا الجهد المتواضع أكون قد وفيت الموضوع حقه من البحث حسب طاقتي، ولا أدعي الكمال من الزلات الأخطاء، وأرجو من الله أن يمنحني التوفيق والسداد وأن يشملني بعونه وتأييده وأن يتجاوز عني فيما وقعت فيه من أخطاء دون قصد، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يتقبل منا صالح العمل.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ثبت بالمراجع والمصادر
1 - الإتجاه الجماعي في التشريع الاقتصادي الإسلامي: د. محمد فاروق النبهان، ط. الأولى، 1980م.
2 - أحكام القرآن: أحمد بن علي الجصاص الحنفي.
3 - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي.
4 - بدائع التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن قيم الجوزية: جمع: يسري السيد محمد، ط الأولى، 1414هـ.
5 - البينات في تفسير سورة الحجرات، عبد المجيد البيانوني، ط الثانية، 1420هـ.
6 - التبيان في آداب حملة القرآن: محيي الدين بن شرف النووي، ط الأولى، 1424هـ.
7 - التركة والميراث في الإسلام: محمد يوسف موسى، ط. الثانية، القاهرة، 1967م.
8 - تربية الأولاد في الإسلام: عبد الله علوان، ط السادسة، دار السلام، 1403هـ.
9 - التعريفات: لأبي الحسن علي بن محمد الجرجاني.
10 - تفسير القرآن العظيم: إسماعيل بن كثير الدمشقي، ط. الأولى، الرياض، 1418هـ.
11 - التفسير الواضح، د. محمد حجازي، ط العاشرة، 1400هـ.
12 - تنظيم الإسلام للمجتمع: محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي - القاهرة، 1975م.
13 - تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: عبد الرحمن بن ناصر السعدي.
14 - الجامع لأحكام القرآن: أبي عبد الله محمد الأنصاري القرطبي.
15 - جامع البيان عن تأويل آي القرآن: أبي جعفر محمد بن جرير الطبري.
16 - حقوق الإنسان في الإسلام: د. علي عبد الواحد وافي، ط الخامسة، 1398هـ.(1/47)
17 - رياض الفالحين ومنار السالكين: أحمد محمد طاحون، ط الرابعة، 1413هـ.
18 - سنن الترمذي: أبي عيسى محمد الترمذي، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، ط الثالثة، 1398هـ.
19 - صحيح مسلم بشرح النووي.
20 - العدالة الإجتماعية في الإسلام: سيد سابق. ط التاسعة، 1403هـ.
21 - فتح الباري شرح صحيح البخاري. أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ط الأولى، 1421هـ.
22 - فتح القدير: محمد بن علي الشوكاني، ط الأولى، دار بن حزم، 1421هـ.
23 - فقه الزكاة: د. يوسف القرضاوي، ط السادسة، 1401هـ.
24 - في ظلال القرآن، سيد قطب.
25 - قبسات قرآنية: عبد المؤمن النعمان، ط الأولى، دار العلم - جدة، 1403هـ.
26 - قضايا المرأة في سورة النساء: د. محمد يوسف عيد، ط الأولى، الكويت، 1405هـ.
27 - كتاب العلم: محمد بن صالح العثيمين، دار الثريا، ط الأولى، 1420هـ.
28 - مجموعة رسائل الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، ط الثانية، بيروت، 1398هـ.
29 - مسند الإمام أحمد بن حنبل: الطبعة الثانية، بيروت - لبنان، 1398هـ.
30 - موسوعة نضرة النعيم: إشراف صالح بن حميد وعبد الرحمن بن ملوح.
31 - نحو ثقافة إسلامية أصيلة: د. عمر بن سليمان الأشقر، ط العاشرة، الأردن، 1421هـ.
32 - نفحات من السكينة القرآنية: محمد بن ناصر العبودي، ط الثالثة، 1402هـ.
الفهرس
الموضوعڑالصفحةٹڑ
ڑالمقدمةڑ1ٹڑ
ڑالتمهيدڑ4ٹڑ
ڑالمسألة الأولى: فضيلة تلاوة القرآن وحملتهڑ4ٹڑ
ڑالمسألة الثانية: آداب معلم القرآن ومتعلمهڑ8ٹڑ
ڑالمطلب الأول: تدبر القرآن الكريم فيه حل لجميع المشكلات الاجتماعيةڑ13ٹڑ
ڑأولاً: فقه التعامل الأسريڑ13ٹڑ
ڑثانيًا: أمراض الشهواتڑ18ٹڑ
ڑثالثًا: آفات القلوبڑ21ٹڑ
ڑالمطلب الثاني: الثقة بالله وزال القلق على المستقبل الماليڑ26ٹڑ
ڑأولاً: أهمية المال وموقف الإسلام منهڑ26ٹڑ
ڑثانيًا: حماية الإسلام للأموال وتحريم طرائق الكسب غير المشروعڑ27ٹڑ(1/48)
ڑثالثًا: تحقيق العدالة الاجتماعية وسد حاجات المعوزينڑ29ٹڑ
ڑالمطلب الثالث: محاربة الإسلام للعنصرية ودعاوى الجاهليةڑ33ٹڑ
ڑالمطلب الرابع: دعوة الإسلام للآداب الإجتماعيةڑ35ٹڑ
ڑأولاً: صلة الرحمڑ35ٹڑ
ڑثانيًا: العفوڑ37ٹڑ
ڑثالثًا: الإيثارڑ39ٹڑ
ڑرابعًا: بر الوالدينڑ41ٹڑ
ڑالخاتمةڑ46ٹڑ
ڑالمراجع والمصادرڑ48(1/49)
ملخص بحث بعنوان
الآثار الحسان لتعليم القرآن (الأثر الاجتماعي)
إن هذا البحث الغرض منه بيان الأثر الإجتماعي لتعلم القرآن، ولا يدرك هذا الأثر إلا لمن تدبر القرآن وعمل به فإنه سيجد لذة وراحة نفسية.
وقد قسمت البحث إلى مقدمة، وتمهيد، وأربعة مطالب، وخاتمة.
ففي المقدمة وضحت أهمية الموضوع. أما التمهيد: ففيه مطلبان:
المطلب الأول: فضيلة تلاوة القرآن وبيان فضائله، واختتمت هذا المطلب بنقل رسالة للشيخ محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله - يوضح فيها أهمية قراءة القرآن ويحث على تشجيع الأبناء على الالتحاق بجماعات تحفيظ القرآن.
أما المطلب الثاني: ففيه آداب معلم القرآن ومتعلمه، وهذه الآداب مشتركة بينهما كالاخلاص والتقوى والخشوع وتدبر القرآن والبكاء عند تلاوته ثم الطهارة في المكان والملبس واستخدام السواك فالاستعاذة ثم البسملة.
المطالب منها: المطلب الأول: تدبر القرآن فيه حلول لجميع المشكلات الاجتماعية وعرضت للمشاكل الأسرية التي جاء الإسلام بحلها كالتي تقع من المرأة فللزوج أن يعظها ثم يهجرها في المضجع وآخر الحلول أجاز الشرع للزوج أن يضربها ضربًا غير مبرح. ثم عرضت إذا كان النشوز من الزوجين أو من الزوج ثم تناولت في هذا المطلب أمراض الشهوات وكيف أن الإسلام وضع حلولاً من أهمها الزواج الصحيح لأن الإسلام حرم الزنا وحذر مما يؤدي إليه كدخول البيوت بدون استئذان، ثم تبرج المرأة وابداؤها زينتها. وفي ختام المطلب أوضحت مشاكل القلوب كالحسد والكذب.
المطلب الثاني: الثقة بالله وزوال القلق على المستقبل الحالي.
أوضحت فيه قيمة المال ونظرة الإسلام له وأن المالك الحقيقي للمال هو الله والإنسان مستخلف فيه وليس فيه إلا حق الولاية، والرعاية قال تعالى: { وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ } [الحديد: 7].(2/1)
ثم محاربة الإسلام للكسب غير المشروع كالسرقة والربا والرشوة والميسر وتطفيف الميزان، وبيان أن الإسلام حث على اكتساب المال من موارده المشروعة للكسب الحلال كالعمل وتأدية الزكاة لمستحقيها وبيان أن تشريع الميراث فيه نظام اجتماعي متكامل، وأن معرفة ذلك يعطي الإنسان المسلم شعور بالطمأنينة والراحة على مستقبله الحالي، والثقة بأن القرآن الكريم فيه حلول للمشكلات المالية والاجتماعية وأن لدى المسلمين ثروة تشريعية ضخمة ولابد من الرجوع الحقيقي العملي لكتاب الله وسنة رسول ×. قال تعالى: { ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) } [الروم: 30].
ثم أوضحت أهمية صدقة التطوع في الدين وأن فيها تدريب للعطاء والبذل ومراعاة أحوال المحتاجين ثم بيان الأجر الذي ينتظر من أداها بإخلاص.
وفي المطلب الثالث: محاربة الإسلام للعنصرية ودعاوى الجاهلية وأن المقياس هو تقوى الله. يقول تعالى: { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } [الحجرات: 13] فهذه الآية وغيرها تدل أن الإسلام دين سماوي صحيح، لا نظر فيه إلى القبائل أو الجهات، وإنما المعتبر هو تقوى الله وطاعته، ولا فضل لغير المتقي، ولو كان رفيع النسب.
والمطلب الرابع والأخير: دعوة القرآن للآداب الاجتماعية.
وذكرت فيها على سبيل المثال، صلة الرحم وأهميتها في ترابط المجتمع الإسلامي والتحذير من قطيعة الرحم.
ثم بر الوالدين الذي بين القرآن فضله العظيم وعقوبة قاطع الرحم وفضل الوالدين على أبنائهما.
ثم العفو والتسامح عن الزلات وعدم مؤاخذة الآخرين ليزكو القلب وينشرح ثم يتهيأ لطاعة ربه والتلذذ بالعبادة.(2/2)
وآخر هذه الآداب الإيثار تلك الصفة العظيمة التي اتصف بها الأنصار، وهم أهل لها وجديرون بها وبالتالي فهي خصلة إسلامية يندب لها ويكتب لها النجاح والتوفيق بإذن الله لمن اتصف بها. يقول تعالى: { وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) } [الروم: 30].
وفي ختام البحث تقدمت بمقترح يتلخص في رغبتي الجادة أن يقرر تدريس مادة التفسير بجميع مراحل المدارس النسائية لتحفيظ القرآن الكريم.
وآمل من الله أن يجد هذا المقترح القبول بإذن الله.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.(2/3)