(فَتحُ الجليلِ للعبْدِ الذَّليلِ (
رسالة للسيوطى تتضمن 120
نوعاً من أنواعِ البديعِ
فى آيةٍ واحدةٍ من القرآنِ الشريف
مُذيلةٌ صفحاتها بشَرحٍ مُوَضِّحٍ مُكَمِّلٍ لمباحِثها
تأليفُ الفقيرِ إلى اللهِ تعالى
محمود شريف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذى تفضل بتولى أحبابه وأعرض عمن تولى غيره وأعدّ له أليم عذابه
وأودع عجائب البلاغة فى الألفاظ اليسيرة من آيات كتابه ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وأصحابه
( وبعد )
فقد وقع الكلام فى قوله تعالى [ الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ] وقررت فيها بضعة عشر نوعاً من الأنواع البديعية ثم وقع التأمل فيها بعد ذلك ففتح الله بزيادة على ذلك حتى تجاوزت الأربعين ثم قَدَّحْت الفكر فلم تزل تستخرج وتنمو إلى أن وصلت بحمد الله مائة وعشرين نوعاً فقد أردت تدوينها فى هذه الكراسة ليستفيد بها من له غرض فى الوقوف على أسرار التنزيل ، راجياً من الله الهداية إلى أقوم سبيل
فأقول
(( فى هذه الآية الكريمة )) الطباق وهو الجمع بين الضدين وذلك فى ثلاثة مواضع
بين آمنوا و كفروا
وبين النور والظلمات فى الموضعين
( وفيها ) المقابلة (1) فى ثمانية مواضع
بين الجلالة والطاغوت،
وولىّ وأولياء لأن المفرد يقابله الجمع فى هذا الفن ،
وبين آمنوا وكفروا،
ويخرجهم ويخرجونهم لماذكر،
وبين من والى فى الموضعين ، لأن من لابتداء الغاية وإلى لا نتهائها فهما متقابلان فقد أورد أهل البديع فى المقابلة قول الشاعر : أزورهم وسواد الليل يشفع لى _____ وأنثنى وبياض الصبح يغرى بى
فقالوا إن بين لى وبى مقابلة ،
وبين الظلمات والنور ،
والنور والظلمات
( وفيها ) ثمان مجازات
1. فى يخرجهم بمعنى يمنعهم من الدخول فيه إبتداءاً(2)
2. وفى يخرجونهم كذلك(1/1)
3. وفى نسبة الإخراج إلى الطاغوت لأنه سبب ، وفاعل الخير والشر على الحقيقة هو الله (3)
4. وفى أصحاب النار (4)
5. وفى إطلاق الظلمات على الكفر (5)
6. والنور على الإيمان فى الموضعين
( وفيها ) التقديم والتأخير فى ثلاثة مواضع
أحدهما أنه قدّم فى الآية الأولى الجلالة وفى الثانية الذين كفروا ولم يقدّم الطاغوت حذرا من جعله مقابلاً لله فإنه أحقر من ذلك
والثانى أنه قدّم الإسم الكريم على الولى فجعله مبتدأ وأخبر عنه بالولى وقدّم أولياؤهم على الطاغوت للإشارة إلى أن الطاغوت شيئ مجهول تحقيراً له فإن القاعدة النحوية جعل الأعرف مبتدأ والأخفى خبرا
والثالث تقديم فيها مراعاة للفاصلة
( وفيها ) التفنن فى ثلاثة مواضع إفراد النور وجمع الظلمات فى الموضعين لأن
الإيمان شيئ واحد وطريق الحق واحدة والكفر والضلالات شتى والأهواء والبدع متفرقة وشاهده {وأنَّ هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبيل فتفرق بكم عن سبيله} وقوله صلى الله عليه وسلم تفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة واحدة منها فى الجنة واثنتان وسبعون فى النار
وإفراد ولىّ المؤمنين لأنه واحد وجمع أولياء الكفار لتعدد معبودهم
( وفيها ) التفسير فى موضعين فإن جملة يخرجهم وجملة يخرجونهم تفسير بيان للولاية وأهل البديع يسمون ذلك تفسيراً وأهل المعانى يسمونه استئنافاً بيانياً (6)
( وفيها ) وقوع المفرد موقع الجمع فى الطاغوت (7)
( وفيها ) وقوع الماضى فى آمنوا وكفروا مراداً به الدوام
( وفيها ) وقوع يخرجهم ويخرجونهم مراداً به الإستمرار
( وفيها ) التكرار فى خمسة مواضع الذين ومن والى والظلمات والنور
( وفيها ) الترديد (8) فى يخرج فى غير ما علق به الأول وقد ذكر هذا النوع بعينه هنا أبو حيان
( وفيها ) المبالغة فى صفة ولىّ والطاغوت
( وفيها ) العكس والتبديل فى قوله من الظلمات إلى النور ومن النور إلى الظلمات
((1/2)
وفيها ) القلب والاختصاص فى لفظ الطاغوت على ما ذكره الزمخشرى فإنه قال في قوله تعالى{ والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها } القلب للاختصاص بالنسبة إلى لفظ الطاغوت لأن وزنه على قوله فعلوت من الطغيان كملكوت
ورحموت قلت صوابه بتقديم اللام على العين فوزنه فلعوت (9) ففيه
مبالغات التسمية بالمصدر والبناء بناء المبالغة والقلب وهو للاختصاص إذ لا يطلق على غير الشيطان
( وفيها ) الحصر بتعريف المبتدأ والخبر فى ثلاثة مواضع
الله ولىّ الذين آمنوا أى لا ولىّ لهم غيره
وأولياؤهم الطاغوت أى لا غيره
وأولئك اصحاب النار أى لا غيرهم
فالأولان حقيقيان والثالث يحتمل الحقيقى والمجازى (10) والثلاثة من قصر الصفة على الموصوف
( وفيها ) التأكيد بهم فى قوله هم فيها خالدون
( وفيها ) الإهتمام به حيث قدّم والزمخشرى يقول فى مثل ذلك أن يفيد الحصر ذكره فى قوله { وبالآخرة هم يوقنون } وذكره الأصبهانى فى قوله{ وما هم بخارجين من النار} فيكون مفهومه هنا أن غيرهم من عصاة المؤمنين لا يخلدون فيها.
( وفيها ) الإشارة بأولئك على حد ما ذكروه فى قوله تعالى { أولئك على هدى من ربهم } من أنه جدير بما يذكره بعده (11)
( وفيها ) الخطاب العام فى أولئك (12) فان كان الخطاب لمعين فان كان هو النبى صلى الله عليه وسلم فهو إضمار لما فى الذهن ويحتمل أن يكون فيه إلتفات (13) ورفع بعضهم درجات
فإن المراد به النبى صلى الله عليه وسلم ولم يقع له ذكر بعد ذلك لا بالخطاب ولا بغيره وان كان للمؤمنين أو الكافرين ففيه نوعان
التفات من الغيبة فى الذين آمنوا
وخطاب الجميع بصيغة المفرد ويزيد الثانى
ثالثاً وهو الإشارة تعريضاً بغباوة السامع بمعنى أنه لا يفهم الا المحسوس على حد ما قالوه فى أولئك آبائى
( وفيها ) المشاكلة (14) والاستعارة التهكمية (15) فى قوله أولياؤهم لأن الإخراج(1/3)
من النور إلى الظلمات صنع الأعداء لا الأولياء بدليل أن الشيطان لكم عدوّ نفيه تهكم بعمومتها كله لقوله (16) الذين آمنوا
( وفيها ) القول بالموجب فى هذه الجملة لأنهم لما ادعوا أن أولياؤهم تنصرهم قال صحيح لهم أولياء ولكن أولياؤهم الطاغوت الذين هم أذل من أن ينصروا أنفسهم فضلاً عن غيرهم
( وفيها ) الإطناب فى موضعين فى الذين آمنوا والذين كفروا إذ كان يقوم مقامه المؤمنون والكافرون
( وفيها ) الحذف فى موضعين وهما موصوف الذين وتقديره القوم
( وفيها ) التتميم فى قوله هم فيها خالدون لأنه لو اقتصر على أصحاب النار لاكتفى فى استحقاقهم لها لكنه تمم بوصف خلودهم فيها الذى هو قدر زائد على الدخول
( وفيها ) الإكتفاء حيث ذكر وعيد الكافرين دون وعد المؤمنين
( وفيها ) الاحتباك وهو أن تذكر جملتان ويحذف من كل ما أثبت نظيره فى الأخرى والتقدير هنا الله ولى الذين آمنوا وهم أصحاب الجنة والذين كفروا ليس الله بولىّ لهم وأولئك أصحاب النار فحذف من الثانى ما أثبت نظيره فى الأول وهو ولاية الله
( وفيها ) التغليب (17) فى أحد عشر موضعاً
الذين فى الموضعين وضمير آمنوا وكفروا وضمير هم فى المواضع الأربعة وخالدون لأنه شامل للذكور والإناث وغلب لفظ المذكر وفى أصحاب لأنه خاص بجمع المذكر وجمع المؤنث صواحب وصاحبات وفى الواو من يخرجونهم لأن الطاغوت شامل للشيطان والأصنام وكل ما عبد من دون الله نغلب ضمير المذكر العاقل
( وفيها ) الفرائد وهى الإتيان بلفظة فريدة لا يقوم غيرها مقامها وهى هنا فى لفظتين(1/4)
الأولى الولىّ لأنه لا يقوم غيره مقامه لما فيه من الإشعار بالخصوصية الزائدة والقرب المعنوى والمكانة والإعتناء بمصلحة المؤمن فإن الولىّ يطلق لغة وشرعاً على القريب وخلاف الأجنبى ومن للولى به وصلة وقرابة أو نظر أو وصاية أو نحو ذلك ولفظ الناصر أو المعين أو المتولى مثلاً لا يفيد ذلك لأن كلاً مما ذكر قد يكون غريباً أجنبياً فأفاد بلفظ الولى أنه من يراعى مصلحة عبيده كما يراعى الولى مصلحة محاجيره
والثانية لفظ الطاغوت فإنها لا يقوم غيرها مقامها فى الذم والقبح والبشاعة كما لا يخفى وانجررنا من هنا إلى أمر آخر وهو أنه ورد عن سعيد بن جبير أن الطاغوت بلسان الحبشة فيكون من المعرّب وقد قرّر من فوائد وقوع المعرب فى القرآن أن يكون دالاً على معنى لا يوجد فى الألفاظ العربية ما يؤدى معناه إلا بلفظ أطول منه كما بينّاه فى الإتقان وذلك تقرير لكون هذه اللفظة فريدة
( وفيها ) الاتساع (18) وهو أن يؤتى بكلمة متسع فيها
( وفيها ) التأويل فإن الولىّ يحتمل أن يكون بمعنى الناصر أو بمعنى المجير أو بمعنى المتولى لأمورهم
( وفيها ) استعمال اللفظ فى حقيقته ومجازه معا فى أربعة مواضع
فإن آمنوا صادق بمن صدر منه الإيمان حقيقة
وبمن أراد أن يؤمن
ومجاز لمن كان فى الكفر ثم آمن
ولمن لم يكفر اصلاً (19)
والإخراج حقيقة فى الأوّل مجاز فى الثانى (20) وكذا جملة كفروا
( وفيها ) الإبداع وهو استعمال لفظ لم يسبق المتكلم إليه وذلك هنا فى ستة مواضع
اثنان حقيقيان وهما الإيمان والكفر فإنهما من الأسماء الشرعية
وأربعة مجازية وهما الظلمات والنور فى الموضعين فإن استعمالهما فى الكفر والإيمان شرعىّ ايضاً
((1/5)
وفيها ) الإلتفات على رأى السكاكى فإنه لا يشترط فيه تقدّم خلاف بل الإلتفات عنده أن يقع الغيبة مثلاً فيما حقه التكلم إذ لم يتقدمهما تكلم نحو قوله -أمير المؤمنين يأمرك بكذا مكان أنا آمرك-وهنا كان الموضع للتكلم بأن يقول نحن أو أنا ولىّ الذين آمنوا فلما عدل إلى لفظ الجلالة كان إلتفاتاً على رأيه
( وفيها ) التقسيم فى موضعين فإن الناس إما مؤمن وإما كافر ولا ثالث لهما فهو كقوله فمنهم شقىّ وسعيد والطرق إما منيرة أو مظلمة ولا ثالث لهما
( وفيها ) الإفتنان وهو الجمع بين فنين وهنا جمع بين مدح المؤمنين وذم الكافرين
( وفيها ) النزاهة وهى هجو خال عن الفحش وما فى الآية من ذم الكفار كذلك قالوا وكل هجاء وقع فى القرآن للكفار فإنه كذلك
( وفيها ) المذهب الكلامى وتقريره من آمن ، فالله وليه ومن كان الله وليه فهو مهتد وهو المراد بقوله يخرجهم إلخ
( وفيها ) إرسال المثل فإن كلاً من الجملتين الأوليين يصلح أن يكون مثلاً
( وفيها ) الاحتراس وهو تقييد الكلام بنكتة تدفع وهماً ما وذلك فى قوله يخرجونهم من النور إلى الظلمات لأنه لما قيل أولياؤهم الطاغوت توهم متوهم بأحبابه فنفى ذلك بهذه الجملة .
( وفيها ) الجناس الإشتقاقى (21) بين النور والنار
( وفيها ) الجناس المطرّف بين ؤهم وهم
( وفيها ) جناس محرف ناقص بين إلى أولئك لأن الواو المكتوبة فى أولئك لا تظهر فى اللفظ
( وفيها ) جناس خطى ناقص بين أولياء وأولئك يكتب بواو بعد الألف
( وفيها ) جناس مشوش بين ولى والى
( وفيها ) الوصل فى جملة والذين كفروا لمناسبته بالذين آمنوا مناسبة التضاد
( وفيها ) الفصل فى يخرجهم ويخرجونهم لأنهما استئنافيتان بيانيتان وفى أولئك أصحاب النار وفى هم فيها خالدون لأنها تأكيد للجملة قبلها
((1/6)
وفيها ) إيجاز القصر فى موضعين لأن قوله يخرجهم من الظلمات إلى النورقائم مقام ويزيح عنهم الريب والشكوك والوساوس والخواطر الرديئة والجزع والقلق والسخط وحب الدنيا وغير ذلك من وجوه الضلالات والبدع وما أكثرها ويلقى فى قلوبهم اليقين والرضا والصبر والتوكل والتفويض والتسليم والورع إلى غير ذلك من وجوه الاهتداء على كثرتها وكذا فى الجملة الثانية
( وفيها ) المساواة فى قوله تعالى أولئك أصحاب النار فإن لفظه طبق معناه
( وفيها ) البسط (22) وهو نكتة اللفظ للمعنى بلا حشو فهو كالإطناب فى موضعين
( وفيها ) الانسجام وهو أن يكون الكلام كالماء المنسجم فى انحداره ويكاد لسهولة تركيبه وعذوبة ألفاظه يسيل رقة فالآية كذلك والقرآن كله
( وفيها ) ائتلاف اللفظ والمعنى وهو أن يؤتى بألفاظ مقبولة إن فخما ففخمة وإن رقيقاً فرقيقة وألفاظ الآية كذلك فإن الجلالة منها مفخمة لعظم الذات المقدسة ولفظ الطاغوت فخم لغلظ مسماه وكذا لفظ الظلمات وخالدون ولفظ الذين وولى وآمنوا رقيق ولفظ النور أرق من لفظ الظلمات مع ما فى المفرد من الخفة التى ليست فى الجمع
( وفيها ) الطرد والعكس وهو أن يؤتى بكلامين يقرر الأول بمنطوقه مفهوم الثانى وبالعكس ولا شك أن منطوق الجملة الأولى مقرّر لمفهوم الثانية وبالعكس
( وفيها ) التمكين وهو أن تكون الفاصلة متمكنة مستقرة فى محلها غير قلقة ولا مستدعاة ولا مستجلبة وفاصلة خالدون هنا كذلك
( وفيها ) التسنيم وهو أن يكون ما قبل الفاصلة يدل عليها ولا شك أن لفظ الكفر يدل على أن الفاصلة للخلود فى النار
( وفيها ) التشريع وهو أن يكون فى أثناء الآية ما يصلح أن يكون فاصلة وذلك هنا فى قوله فى الجملة الأولى إلى النور وفى الثانية إلى الظلمات
((1/7)
وفيها ) التهذيب وهو أن يكون الكلام مهذباً مفخماً بحيث لا يكون للإعتراض فيه مجال والآية والقرآن كله كذلك ( وفيها ) الاستتباع وهو الوصف بشيء على وجه يستتبع الوصف بآخر وهو هنا فى موضعين فإنه وصف المؤمنين بولاية الله تعالى لهم على وجه وصفهم بالهداية ووصف الكافرين بولاية الطاغوت على وجه استتبع وصفهم بالضلالة ( ثم ظهر لى ) أن يقال أن فى قوله يخرجهم من الظلمات إلى النور مكنية تخيلية (23) بأن يكون شبه المنتقل من الضلال إلى الهدى بمن كان قارّا فى مكان مظلم يخرج منه إلى مكان نير فأثبت المشبه وحذف المشبه به ودل عليه بلازمه وهو الإخراج ويجوز أن تكون الإستعارة تمثيلية انتزع فيها وجه الشبه من متعدّد كما ترى ويأتى ذلك فى الجملة الثانية أيضاً
( وظهر لى أيضاً ) أن تأتى فيها التورية وذلك أن ورد فى الحديث أن الناس يكونون يوم القيامة فى ظلمة ثم يرسل عليهم نور فيبقى نور المؤمن ويطفأ نور المنافق وقد يؤول بعضهم هذه الآية على ذلك فعلى هذا يكون النور والظلمات معنى حقيقى ومعنى مجازى والمجازى هو القريب والحقيقى البعيد
( وينجر ) من هذا أن يكون فى الآية التلميح وهو الإشارة إلى قصة أو واقعة أو كائنة وقد يكون أريد من الآية المعنيان معاً
كما هو عادة القرآن وبلاغته وقد ورد لكل حرف ظهر وبطن فيكون فى الآية استخدام على طريقة صاحب المفتاح نحو لكل أجل كتاب (24) وهو إطلاق لفظ له معنيان فيرادان ويذكر معه لفظان كل لفظ يخدم معنى وهنا لما ذكر النور والظلمات وأريد المعنيان ذكر لفظ يخدم المعنى الحقيقى وهو الإخراج فإنه حقيقة فى التحوّل عن الحيز والأمكنة ولفظ يخدم المعنى المجازى وهو لفظ الإيمان والكفر
( ثم ظهر لى ) أن فى الآية اللف والنشر فى موضعين أحدهما مرتب والآخر غير مرتب
فالأول فى الله ولىّ الذين آمنوا يخرجهم فإن المضمر الأول فيه هو المستتر وهو راجع إلى الجلالة(1/8)
والثانى وهو هم راجع إلى الطاغوت وضمير هم راجع إلى الذين كفروا وهو على غير ترتيبه
( ثم ظهر لى ) أن قوله أولئك أصحاب النار هم فبها خالدون عائد للذين كفروا والطاغوت معا لا إلى الذين كفروا فقط بدليل { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون } فعلى هذا وقع فى الإشارة وضمير هم لف بعد النشر وهو نوع من اللف والنشر المجمل أشار إليه الزمخشرى فى بعض الآيات
فهذا ما ظهر لى فى الآية من أنواع البلاغة وكلها مما استخرجته بفكرى وبالتنزيل على قواعد علوم البلاغة ولم أر أحداً تعرّض إلى شيء من ذلك فى الآية الا الموضع الذى نقلته عن أبى حيان فى الترديد والذى نقلته عن الزمخشرى فى الطاغوت والا الطباق فإن أبا حيان ذكره
( ثم فى الآية ) مما يتعلق بعلم المعانى الإتيان بالجملة الإسمية فى أربع جمل لدلالتها على الثبوت والإستقرار فى ولاية الله وولاية الطاغوت واستحقاق النار والخلود وبالفعلية فى أربع جمل لأن الإيمان والكفر والإخراج مما يحدث ويتجدّد وفيه الإتيان فى المسند إليه أولاً بالعملية لإحضاره فى ذهن السامع
أولاً باسمه الخاص به للتبرك بذكره الكريم
وثانياً بالموصولية لإشتمال الصلة على معنى مناسب للترتيب عليه
وثالثاً بالإشارة للتقدم
ورابعاً بالضمير لأن المقام للغيبة
( وفى الآية ) من علم أصول الدين
إثبات التوحيد به وحده ونفى كل ما يعبد من دونه
( وفيها ) أنه لا واسطة بين المؤمن والكافر ولا بين الضلال والهدى خلافاً للمعتزلة فيهما
( وفيها ) إثبات خلق الأفعال له فى يخرجهم خلافاً للمعتزلة
( وفيها ) إثبات الكسب لهم فى آمنوا وكفروا و يخرجونهم خلافاً للجبرية
( وفيها ) أن الكفار مخلدون فى النار وأن المؤمنون لا يخلدون فيها خلافاً لمن خالف فى ذلك
( وفيها ) من علم أصول الفقه
جواز استعمال اللفظ فى حقيقته ومجازه كما تقدم تقريره خلافاً لمن منعه
((1/9)
وفيها ) جواز وقوع المعرّب فى القرآن
( وفيها ) أن الموصول والمضاف إليه من صيغ العموم
( وفيها ) أن الغاية تدخل
( وفيها ) من علم الفقه
أن لا يرث المسلم الكافر ولا عكسه ولا يلى كافر مسلمة ولا عكسه فى نكاح ولا عقد لأن ولىّ الله عدوّ لعدوّه ولا موالاة بينهما فلا إرث ولا ولاية ولا تناصر
( وفيها ) جواز هجرهم وذمتهم وغِيْبة من يتظاهر بما ذمّه الشرع
( وفى الآية ) من علم النحو
أن المضاف إلى المضمر أعرف من المعرّف باللام حيث جعل الأول مبتدأ مخبراً عنه بالثانى
وأن من تأتى لابتداء الغاية فى غير المكان
وأن الضمير يراعى فيه المعنى كما يراعى اللفظ
وأن جمع القلة يستعمل مكان جمع الكثرة فإن أصحاب من جموع القلة وكذا خالدون فإنه جمع سلامة غير محلى ومع ذلك أريد بهما الكثرة
وأن معمول اسم الفاعل يجوز تقدّمه عليه فإن فيها معمول خالدون
( وفى الآية ) من علم السلوك
الإنقطاع إلى الله وحده واتخاذه ولياً يعتصم به ويلجأ إليه فى كل مهمة ويسترزق ويستنصر ويستغاث ويستعان ويستغفر ويستعاذ به ويستمسك ويعرض عما سواه وتقطع العلائق عن غيره ولا يحذر غيره وموالاة أحبابه وأوليائه ومعاداة من عاداهم وإكرامهم وتبجيلهم ومعرفة قدرهم والتخلى عن الأخلاق الرديئة والتحلى بالأخلاق الحميدة
وفقنا الله بمنه وكرمه لإمتثال أوامره واجتناب نواهيه .
(( تمت الرسالة ))
أهمية هذه الرسالة وكيف وجدت(1/10)
هذه الرسالة تقريباً غير موجودة ويظهر أن النسخة التى وصلت إلى يدى وكتبت عليها هى الوحيدة إذ قد جدّيت فى الطلب وراء نظير لها أستأنس به فى الكتابة عليها حيث النسخة التى بيدى قد غيرها البلى ومحاها لقدم العهد بنسخها فما وجدت حتى فى الكتبخانة الخديوية وقد وصلت إلىّ هذه النسخة بواسطة حضرة الجليل أفندى سعد حيث عثر عليها فى مكتبة والده حضرة محمد أفندى سعد وهذه الرسالة تمرين مهم لطالب علوم البلاغة فإنها لم تحتو فقط أنواعاً بديعية بل كما رأيت فيها كثير من مباحث علمى المعانى والبيان الدقيقة وقد أودعنا فى الشرح بصورة واضحة مباحث ثمينة لا يعثر عليها إلا فى الكتب المطوّلة التى يقف الفكر متحيراً عند فهم مبحث منها فالله أسأل أن ينفع بها آمين .
مؤلفات صاحب الشرح
1. التعليقات الشريفة على جملة من القصائد الحكمية ( نفدت نسخة )
2. شرح موجز لرسالة ابن زيدون الهزلية .
3. تعليم العوام مداواة الأسقام .
4. هذه الرسالة .(1/11)
(1) الفرق بين الطباق والمقابلة أن الطباق يحصل بين معنيين اثنين متقابلين وأما المقابلة فتحصل بسرد معنيين فأكثرهم ثم سرد ما يقابل كلاً من المسرود كما فى قوله تعالى{فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً}
(2) ففيه استعارة تصريحية تبعية بأن يقال شبه المنع من الدخول فى الظلمات بالإخراج منها واستعير لفظ المشبه به للمشبه واشتق منه يخرجهم بمعنى يمنعهم إلخ
(3) ففيه مجاز عقلى وهو إسناد الفعل أو شبهه إلى ما حقه أن لا يسند إليه وهو يغاير الإستعارة والمجاز المرسل من حيث أن المسند والمسند إليه فيه مستعملان فى حقيقتهما وفقط أسند الفعل إلى غير فاعله الحقيقى وهو ضمير الطاغوت
(4) فيه استعارة بالكناية بأن يقال شبهت النار بدار لها أصحاب واستعير لفظ المشبه به للمشبه وحذف ورمز إليه بشيئ من لوازمه وهو أصحاب واثباته للنار تخييل
(5) ففيه استعارة تصريحية أصلية بتشبيه الكفر بالظلمات واستعير لفظها له وكذا يقال فى إطلاق النور على الإيمان
(6) ضابطه عند البيانيين أن يكون جملتان ثانيتهما جواب عن سؤال مقدر بينهما نشأ عن الأولى ففى الآية كأن سائلاً قال بعد قوله ولى الذين آمنوا ماذا يعمل الله لهم بولايته فأجيب يخرجهم إلخ ..
(7) الطاغوت يطلق على المفرد والجمع بلفظ واحد لأنه فى الأصل مصدر كالطغيان فهو نظير رجال عدل ويجمع أيضاً على طواغيت ونحو رجال عدل فيه مذاهب
أحدها أنه بولغ فيهم حتى كأنهم نفس العدل
ثانيهما أنه على حذف المضاف واعطاء المضاف إليه حكمه من الإعراب والتقدير ذوو عدل فهو مجاز الحذف نحو واسأل القرية أى أهلها
ثالثهما أن عدل بمعنى عادلون ففيه مجاز مرسل علاقته التعلق الاشتقاقي أى التعلق الخاص الحاصل بين المصدر والمشتقات كما هنا أو بين المشتقات وبعضها كما فى إطلاق اسم الفاعل على اسم المفعول أو العكس مثلاً
((1/1)
8) الفرق بين التكرار والترديد أن اللفظ المكرر فى التكرار هو نفسه الأول وأما فى الترديد فمعناه غيره إذ الإخراج من النور غير الإخراج من الظلمات .
(9) إيضاحه أن اصل المصدر طغيوت قدمت الياء على الغين فصار طيغوت ثم قلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار طاغوت
(10) القصر المجازى هو الذى قصد به المبالغة كقولك زيد العالم أى لا غيره مبالغة فى علمه وعدم الإعتداء بعلم غيره ثم قوله والثانى صوابه والثالث إذ هو المحتمل للمجاز فإن فى أولئك أصحاب مبالغة من حيث أن النار فيها أيضاً يعذب عصاة المؤمنين .
((1/2)
11) من نكات ذكر المسند إليه معرفاً بالإشارة للتنبيه على أن المشار إليه جدير بما يذكر بعد اسم الإشارة من الأوصاف نحو قوله تعالى { الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدىً من ربهم واولئك هم المفلحون} فعبر بلفظ أولئك دون هم إذ المقام للإضمار حيث تقدم لهم ذكر تنبيهاً على انهم جديرون بكونهم على هدى من ربهم إذاً إسم الإشارة يدل على كمال التمييز فكأنه قال أولئك المؤمنون بالغيب المقيمون الصلاة إلخ استحقوا أن يكونوا على هدى من ربهم وكذا يقال فى أولئك هم المفلحون قال الزمخشرى ونظيره أى هذا التركيب قولك أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار الذين قارعوا دونه وكشفوا الكرب عن وجهه أولئك أصحاب الجنة هذا على سبيل الاستطراد أذكر ما دار بين القوم فيما يتعلق بجملة أولئك على هدىً من ربهم فإن لها تاريخاً عجيباً وذلك أن تيمور لنك التترى عقد مجلساً بسمرقند خاصاً بالفحول من علمائها وعلماء غيرها وجرى فيه مباحثة بين الفاضلين سعد الدين التفتازانى والسيد الشريف الجرجانى وكان الحكم بينهما نعمان الدين الخوارزمى فانتصر للسيد على السعد وكان السعد مقدماً عند تيمور لنك فبعد تلك المباحثة قدم عليه السيد فحزن السعد وما لبث أن مات وكان موضوع المباحثة هذه الآية فالسعد يقول أن فيها استعارة تبعية تمثيلية معاً والسيد ينفى إجتماع الاستعارتين فبما أن الإستعارة التمثيلية ما كان كل من طرفى التشبيه فيها هيئة منتزعة من عدة أمور يحتم السيد أن يكون ما يعبر به عن تلك الهيئة لفظاً مركباً وحيث أن التبعية أنما تجرى فى المفرد فلا يصح عنده إجتماعها مع التمثيلية فى جملة إذ يقال حينئذٍ أن الجملة استعارة مفردة مركبة وفى ذاك تناف لكنه أجاز أن يحذف وبعض ألفاظ التمثيلية إذا كان المذكور يفهم منه المحذوف فقال فى الآية شبهت هيئة مركبة من(1/3)
المتقين والهدى وتمسكهم به بهيئة مركبة من الراكب والمركوب واعتلائه عليه قال وعلى هذا كان ينبغى أن تذكر جميع الالفاظ الدالة على الهيئة الثانية ويراد بها الهيئة الأولى بان يقال مثلاً أولئك على رواحل من ربهم فيكون مجموع تلك الألفاظ استعارة تمثيلية كل واحد من طرفيها مركب إلا أنه اقتصر فى الذكر على كلمة على لأن الإعتلاء هو العمدة فى تلك الهيئة إذ بعد ملاحظته تكون ملاحظة الهيئة اهـ فكلمة على حينئذٍ مستعملة فى حقيقتها إلا أنها جزء من ألفاظ المستعار المحذوفة والتمثيلية لا مجاز فى شيء من ألفاظها بالإجماع وأما السعد فيجيز أن يكون ما يعبر به عن الهيئة المنتزعة من عدة أمور لفظاً مفرداً ففى الآية على مذهبه استعارة تبعية من حيث تشبيه تمسك المتقين بالهدى باعتلاء الراكب على مركوبه و استعارة على من المشبه به للمشبه واستعارة تمثيلية لأن على تدل وحدها على تلك الهيئة الحاصلة بين الراكب والمركوب وقد مال أكثر المحققين إلى مذهب السعد إذ تقدير السيد ألفاظاً مقدرة لم يقم عليه دليل ولو ذكرت بازاء لفظ الهدى لكان الكلام مختلاً والحاصل أن فى الآية استعارة تبعية تمثيلية على مذهب السعد وتبعية فقط أو تمثيلية فقط على مذهب السيد وزاد السيد أن فيها استعارة بالكناية بتشبيه الهدى بالمركوب واستعارة المركوب وحذفه ورمز شيء من لوازمه وهو الإستعلاء
(12) ضمير المخاطب موضوع فى الأصل لمعين سواء كان مفرداً أو جمعاً وقد يخرج عن الأصل كما فى قوله تعالى ولو ترى إذ وقفوا على النار فإن الخطاب فيه لكل من يصلح للرؤية فهو مجاز مرسل علاقته الإطلاق
((1/4)
13) قال تعالى تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلّم الله ورفع بعضهم درجات فقالوا المراد بالبعض فى ورفع بعضهم درجات النبى صلى الله عليه وسلم وبعد هذه الآية ثلاث لم يذكر فيها ما يدل على إسمه الشريف وفى الرابعة التى نحن بصددها ذكر مخاطباً بأولئك فجاز أن يكون الإلتفات بين بعضهم وأولئك من الغيبة إلى الخطاب لأن الإسم الظاهر من قبيل الغيبة( إذا فهمت ذلك ) ظهر لك أن عبارة السيوطى سقط منها لفظ من فلعلها كانت هكذا ويحتمل أن يكون فيه التفات من ورفع بعضهم درجات
((1/5)
14) المشاكلة ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه بصحبته فقوله أولياؤهم الطاغوت معناه أعداؤهم الطاغوت فذكر أعداؤهم بلفظ أولياؤهم لوقوعه صحبة ولى المذكور قبله فالمشاكلة مجاز مرسل علاقته المجاورة فى الذكر أى الوقوع فى الصحبة ثم بالإعتبار يكون فى اللفظ مشاكلة واستعارة أو مجاز مرسل ففى المثال المتقدم استعارة باعتبار تشبيه الأعداء بالأولياء تهكماً واستعارة لفظ الثانى للأول ومشاكلة باعتبار أن الأعداء مذكور بلفظ غيره لوقوعه صحبته ومثال المشاكلة والمجاز المرسل قوله تعالى ( وجزاء سيئة سيئة مثلها ) فإن معنى الأولى المعصية ومعنى الثانية جزاء المعصية وهو ليس بسيئة فاستعملت السيئة مكان الجزاء لكونهاسببه ففيها مجاز مرسل علاقته السببية ومن حيث أن الجزاء مذكور بلفظ غيره لوقوعه صحبته كان ثمة مشاكلة ولا يلزم تأخير اللفظ الحاصل به المشاكلة عن مشاكله بل قد يتقدم عليه كما فى قوله تعالى ( فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) وقد يكون اللفظ الحاصل معه المشاكلة غير مذكور فى الكلام وحينئذٍ تسمى المشاكلة تقديرية نحو قوله تعالى { قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا إلى قوله صبغة الله ومن احسن من الله صبغة ونحن له عابدون } فإن صبغة الله منصوب بفعل محذوف وجو بادل عليه قوله آمنا والتقدير صبغنا الله بالإيمان صبغة أى طهرنا به تطهيرا إذ الإيمان يطهر النفوس فذكر تطهير الله بلفظ صبغة الله مشاكلة لمعنى آخرر حاضر فى الذهن وذلك أن النصارى كانوا يغمسون أولادهم فى صبغ أصفر يسمى المعمودية ويعتقدون أنهم بهذا الإنغماس تطهر وأمن كل دين غير النصرانية فأمر الله المؤمنين أن يقولوا للنصارى صبغنا الله بالإيمان ولم نصبغ صبغتكم فلفظ ولم نصبغ صبغتكم هو المقدر ومعه حصلت المشاكلة ويجوز أن يكون فى صبغة الله استعارة بأن يعتبر تشبيه التطهير بالإيمان من الكفر بصبغ المغموس فى الصبغ الحسى ووجه الشبه كما قال ابن يعقوب ظهور أثر كل منهما على ظاهر(1/6)
صاحبه فيظهر أثر التطهير على المؤمن حساً ومعنى بالعمل الصالح والأخلاق الطيبة كما يظهر أثر الصبغ على صاحبه .
(15) يقال فى إجرائها نزل التضاد منزلة التناسب تهكماً واستهزاءاً فشبهت الأعداء بالأولياء لذلك واستعير لفظ الثانى للأول على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية .
(16)قد عرفت أن المشاكلة حاصلة مع لفظ ولى لا مع الذين آمنوا فلعله ساقط سهواً
((1/7)
17)التغليب ليس من باب الحقيقة قطعاً لأن اللفظ مستعمل فى غير ما وضع له فلفظ الذين فى الآية موضوع فى الأصل لجمع العقلاء من الذكور لكنه فيها مراد منه الإناث أيضا ثم التغليب يكون من الجمع بين الحقيقة والمجاز ومن المجاز ومن عموم المجاز فالجمع بين الحقيقة والمجاز أن تنسب إلى اللفظ معنيين كل منهما على حدته أحدهما حقيقى والآخر مجازى كالذكور والإناث بالنسبة إلى لفظ الذين فتقول شبهت جمعية الإناث بجمعية الذكور بجامع أن كلاً وليه الله مثلاً واستعير اللفظ الدال على جمعية الذكور باعتبار هيئته لجمعية الإناث ثم أريد منه الذكور والإناث فالعلاقة معتبرة حينئذٍ بين بعض ما أريد باللفظ وبين البعض الآخر أى بين الذكور والإناث إذ هما شطرا ما أريد باللفظ وأما على كون التغليب من المجاز فتكون العلاقة معتبرة بين تمام ما أريد باللفظ وبين المعنى الحقيقى فتقول شبهت جمعية المشتركين لفظاً بجمعية المشتركين لفظاًومعنى أى شبهت الجمعية المكونة من الذكور والإناث بالجمعية المكونة من الذكور فقط واستعير المشبه به للمشبه وعموم المجاز أن تعتبر نقل لفظ الذين من الجمع المقيد أى جمع الذكور إلى مطلق جمع أى إلى معنى كلى يشمل المعنى الحقيقى وغيره فالعلاقة حينئذٍ الإطلاق وهى معتبرة بين تمام المراد والمعنى الموضوع له اللفظ كما فى سابقه والمثنى كالجمع فى جميع ما ذكر إلا أن نحو أبوين المقول على الأم والأب يلزم فيه ابتداءً ان تشبه الأم بالأب لعلاقة المجاورة فى الذهن أو الذكر ثم يجرى التجوّز فى هيئة التثنيه كما أسلفنا والمشهور أن التجوّز فى المثنى والجمع أصلى فى غير المشتق منهما تبعى فى المشتق فمثال الجمع المشتق قوله تعالى حكاية عن مريم وكانت من القانتين إذا المراد بالقانتين ما يعم القانتات أيضاً فتقول شبه قنوت الإناث بقنوت الذكور واستعير الثانى للأول واشتق من قانتين وأريد به الذكور والإناث بناء على الوجه الأول أى الجمع بين(1/8)
الحقيقة والمجاز أو شبه قنوت المشتركين لفظاً بقنوت المشتركين لفظاً بقنوت المشتركين لفظاً ومعنًى إلخ على الوجه الثانى أو استعمل لفظ القنوت المطلق مكان المقيد واشتق منه لفظ الجمع على الوجه الثالث ومثال المثنى المشتق قانِتَين بفتح التاء إذا أريد به قانت وقانتة
(18) أى يتسع فيها التأويل بحسب قوة الناظر وما يحتمل اللفظ وذلك هنا فى الطاغوت
(19) هذه العبارة مسختها يد الناسخ وصوابها هكذا فإن آمنوا صادق بمن أراد أن يؤمن مجازاً وبمن صدر منه الإيمان حقيقة سواء كان فى الكفر ثم آمن أم لم يكفر أصلاً
(20) لأن من أراد أن يؤمن ليس بمؤمن فإخراجه من الكفر حقيقة وأما من صدر منه الإيمان فإخراجه من الكفر مجاز بمعنى منعه من الدخول فيه إبتداءاً كما تقدم .
(21) هو كون الكلمتين المختلف معناً هما راجعتين من حيث الاشتقاق إلى لفظ واحد كما فى الظلم والظلمة أيضاً
(22) ذكروا فى علم المعانى أن من دواعى ذكر المسند إليه بسط الكلام حيث يطلب طول المقام استعذاباً له قالوا ولهذا يطول الكلام مع الأحباء ومثلوا لذلك بقوله تعالى حكاية موسى هى عصاى فقالوا ذكر لفظ هى لبسط الكلام بدليل أنه زاد فقال أتوكأ عليها إلخ .. ولعل هذا غير مراد هنا .
(23) نحو نطقت الحال شبهت الحال بمتكلم وحذف ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو النطق واسناد النطق للحال يسمونه تخييلاً أو استعارة تخيلية وهو فى الحقيقة مجاز عقلى وتسميته استعارة لا بالمعنى المشهور بل من حيث أنه أسند إلى ما ليس له .
((1/9)
24) اعترض الكفار على النبى صلى الله عليه وسلم فى أشياء منها نسخ القرآن للكتب المنزلة قبله فنزل قوله تعالى {لكل أجل كتاب يمحوا الله ما يشاء ويثبت} فيجوز أن يكون المراد من لفظ كتاب الكتاب المنزل من السماء كالقرآن والإنجيل إلخ .. والمعنى لكل وقت كتاب، حسب اقتضاء المصلحة ويجوز أن يراد به الحكم الشرعى وأن يراد المعنيان معاً وهذه الآية مما كثرت فيه أقوال المفسرين وإلا ظهر فى هذا النوع من الإستخدام قول أبى العلاء يرثى فقيهاً
قصد الدهر من أبى حمزة الاو * اب مولى حجا وخدن اقتصاد
وفقيهاً أفكاره شدن للنعمان ما لم يشده شعر زياد
فلفظ النعمان يراد به أبو حنيفة النعمان رضى الله عنه والنعمان بن المنذر ملك الحيرة ويخدم الأول فقيهاً والثانى شعر زياد أى النابغة وكان معروفاً بمدحه .(1/10)