شرح
مقدمة التفسير
لشيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله تعالى
لفضيلة الشيخ :
أ . د : خالد بن علي المشيقح
الأستاذ بقسم الفقه في كلية الشريعة بجامعة القصيم
اعتنى بها
محمد بن عبدالله الشنو أحمد بن يوسف بن محمد
ملاحظة : هذه المذكرة لم تراجع من قبل الشيخ
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم0
هذه المقدمة في التفسير لشيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله لها عدة شروح
و أيضا الكتابات في علوم القران كثيرة .
أما بالنسبة لما يتعلق في التفاسير هذه سيشير إليها شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله أما البحث في ما يتعلق في المدونات وعلوم القران هذه كثيرة سنشير إنشاء الله شيئًا من ذلك 0
وهذه المقدمة التي ذكرها شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله ضمنها فصول وهذه الفصول تضمنت اختلاف السلف في التفسير .
وما هو اختلافه في التفسير هل هو اختلاف تنوع أو اختلاف تضاد ؟
وكذلك ما يتعلق في تفسير القران وتفسير السنة وتفسير القرآن بالسنة وكذلك تفسير القرآن بأقوال الصحابة وتفسير القرآن بأقوال التابعين وكذلك تضمنت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين معاني القرآن لأصحابه إلى آخره وكذلك ما يتعلق بالتفاسير المدونة إلى آخره كما سيأتي إنشاء الله بالحديث عليها بإذن الله
وسيأتينا إن شاء الله عند كلام الشيخ رحمه الله ما يتعلق بالكتب المدونة في علم علوم القرآن وكذلك إشارة إلى ما ألف في التفاسير إلى آخره ومراتبها وإلى ما قد يؤخذ إلى بعضها من ملاحظات كما سنشير إليه إن شاء الله في ثنايا البحث
أما بالنسبة للمؤلف فهو غني عن التعريف شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله تعالى
وهنا قال المؤلف رحمه الله
{بسم الله الرحمن الرحيم}(1/1)
الباء: حرف جر وان اسم اسم مجرور وأن الجار والمجرور متعلق بمحذوف وهذا الحذوف يقدر فعلاً مؤخرًا مناسبًا للمقام إلا ما قدر فعلا لأن الأصل في العمل الأفعال وقدرناه مؤخرا تبركا بل البدائه ببسم الله عز وجل وقدرناه مناسبا للمقام لأنه يدل على المراد 0
الله: أصلها الإلََََه حذفة منها الهمزة وأدغمة اللام في الآم فقيل الله
ومعناه / ذو الأُلوهية والربوبية على خلقه أجمعين 0
الرحمن: ذو الرحمة الواسعة 0
الرحيم: ذو الرحمة الواصلة أي الموصل رحمته من يشاء من عباده0
قال{ربي يسر وأعن برحمتك}
الرب:هو المالك الخالق المدبر 0
يسر وأعن: دعاء للتيسير والإعانة للفهم والكتابة 0
قال{الحمد لله نحمده ونستعينة ونستغفره}
الحمد: فسر بتفاسير فقيل في تعريفه بأنه فعل ينبأ عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعم على الحامد أو غيره
وفسره شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله وأيضا ابن القيم
بأن الحمد هو وصف المحمود بصفات الكمال محبتا وتعظيمًا 0
وقوله الحمد لله الألف واللام للاستغراق , يعني أن جميع المحامد للاستغراق والاختصاص , يعني أن جميع المحامد لله سبحانه وتعالى , فحمده سبحانه وتعالى نفسه وحمد العباد له وحمد العباد بعضهم لبعض هذا كله لله عز وجل
أي لا يحمد على سبيل الإطلاق إلا الله عز وجل فالله سبحانه يحمد على جميع أفعاله وعلى جميع أسمائه وصفاته فهو سبحانه له الحمد المطلق, أما غيره فهو يحمد لكن ليس له حمد مطلق وإنما يحمد حمدًا مضافًا فقد يحمد على هذا الفعل ولا يحمد على فعل آخر وقد يحمد على هذه الصفة ولا يحمد على صفة أخرى إلى آخره أن الله عز وجل محمود على جميع أفعاله وعلى جميع صفاته وأسمائه الحسنى ، أيضا المحامد كلها ملك له فحمده سبحانه لنفسه وحمد العباد بعضهم لبعض هذه ملك له سبحانه وتعالى 0
قال {إن الحمد لله}
الله سبق تعريفه كما تقدم 0
الإعانة: هو طلب العون , نستعينة أي نطلب منه العون 0(1/2)
نستغفره: أيضا نطلب منه المغفرة و"المغفرة" مأخوذة من المغفرة و"المغفرة" هو ما يضعه المحارب على رأسه لكي يقيه من السهام ففيه ستر ووقاية فالإنسان إذا ربه بالمغفرة يسأل الله عز وجل أن يستر عليه هذه الذنوب وأن يقيه إثمها 0
قال{ونعوذ بالله من شرور أنفسنا}
نعوذ: نلتجأ ونعتصم بالله من شرور أنفسنا "شرور" جمع شر ويراد بذلك كل ما خالف الكتاب والسنة فهو شر وضلاله 0
قال{ومن سيئات أعمالنا}
سيئات: جمع سيئة وهو مايسوء المرء مما فيه معصية لله عز وجل ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - 0
الأعمال جمع عمل وهو يشمل القول والفعل 0
قال{من يهده الله فلا مضل له}
من: هذه شرطيه 0
يهده: هذا فعل الشرط 0
الفاء: واقعه في جواب الشرط 0
وقوله "يهده" أي يدله ويوفقه فهي متضمنة للهداية لهداية التوفيق وهداية الدلالة من يهده يشمل
هداية التوفيق وكذلك وهداية الدلالة والإرشاد0
قال{فلا مضل له}
يعني من يوفقه الله عز وجل فيدله على أحد يضله يعني يخرجه عن هذه الهداية
{ومن يضلل}
يضلل: يعني لا يوفقه ولا يدله من هذه شرطيه فلا هادي له0
{وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له}
أشهد: تأتي بمعنى أخبر ومن ذلك حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما" قال: شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر" بمعنى أخبر وتأتي بمعنى اطلع
مثال ذلك قول الله عز وجل (والله على كل شيء شهيد) يعني مطلع 0
معنى أشهد يعني أخبر وأقر إقرارًا يقينيًا كالذي شاهده بعينه لم يقل بالشهادة أني أعترف بل قال أشهد كأنه يقول أنا أخبر وأقطع وأقر كالذي شاهده بعينه أن لا إلاه إلا الله 0
وقوله{لا إلاه إلا الله}
أن: مخففه من الثقيلة
لا: نافيه للجنس
إلاه: اسم لا النافية للجنس
والاه هو الذي تألهه القلوب محبتا وتعظيما
إلا الله: أداة استثناء لا عمل لها استثناء مفرغ(1/3)
الله بدل من خبر لا النافية للجنس المحذوف والتقدير لا إلاه حق إلا الله هذا التقدير يعني لا نافيه للجنس وإلاه اسمها وخبر إلا النافية للجنس محذوف تقديره حقٌ ولفظ الجلالة بدل من خبر لا النافية للجنس0
{وحده} حال وهو تأكيد لقوله الله لفظ الجلالة
{لا شريك له}
لا شريك: اسمها أي أن الله ليس له شيك في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته
له: الجار والمجرور متعلق بخبر لا النافية للجنس
وقوله لا شريك له تأكيد لقوله لا إلاه وتأكيد لقوله إلا الله
{واشهد أن محمد عبده ورسوله}
أشهد: تقدم تعريفها إلى آخره0
أن محمد: محمد اسم من أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم في صحيح مسلم 00وسمي محمد لكثرة خصاله الحميدة 0
شهادة أن محمد عبده ورسوله كما قال الشيخ محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله طاعته في ما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر وألا يعبد الله إلا بما شرع
عبده ورسوله: جمع في الشهادة بين العبودية والرسالة لكي يكون الإنسان عدلا في حق النبي عليه الصلاة والسلام مجانبًًًًًٍا لطرفي النقيض الإفراط والتفريط 0
وقوله عبد فيه رد على الصوفية والخرافية الذين يرفعون النبي - صلى الله عليه وسلم - فوق مقام العبودية وهذا ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال" لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله" وقوله رسوله فيه رد على من أنكر رسالته عموما أو أثبتها لطائفه دون أخرى وفيه رد لأهل الكتاب الذين أنكروا عموم رسالته عليه الصلاة والسلام لا يرون أنه مرسل إليهم بل أنه مرسل إلى العرب خاصة وفيه رد على مشركي العرب الذين أنكروا الرسالة من أصلها 0
{صلى الله عليه وسلم}
الصلاة: فيه خلاف لبعض أهل العلم في تعريفها فقال بعض العلماء الصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار ومن الأدمين الدعاء وهذا الرأي الأول0(1/4)
الرأي الثاني المراد بالصلاة هو ثنائه على عبده في الملأ الأعلى وهذا قاله أبو العالية وذهب إليه ابن القيم رحمه الله 0
وعلى هذا إذا قلت اللهم صلي على محمد معنى ذلك تدعوا الله أن يثني على النبي عليه الصلاة والسلام اللهم أثني على محمد في الملأ الأعلى عند الملائكة المقربين وسلم اسم من أسم من أسماء الله عز وجل وقيل بأنه مأخوذ من السلامة من النقائص وقيل الأمان إلى آخرة
والمعنى أنك تدعو للنبي عليه الصلاة والسلام بالسلامة أما في حال حياته فأنت تدعوا له بالسلامة لشرعه وبدنه أما بعد مماته فإنك تدعوا له بالسلامة لشرعه من تحريف المبطلين وتأويل الغاليين وكذلك بالسلامة له في عرصاة القيامة فإن الرسل يجثون علي ركبهم اللهم سلم سلم وإذا جمع بين الصلاة والسلامة حصل منهما الحصول للمطلوب والنجاة من المرهوب بالسلامة النجاة من المرهوب والصلاة حصول المطلوب
قال{أما بعد}
بعد: ظرف زمان مبني على الظن وقد ذكر النحويون أنها تعرب على ثلاث صور
وأما قوله أما( أما) حرف تفصيل مضمن معنى الشرط
ومعناه : مهما يكن من شيء فاختلف أهل العلم رحمهم الله أول من قال أما؟ فقيل أن أول من قالها داود عليه السلام وهذا الذي يميل إليه ابن حجر وقيل أول من قالها يعقوب وقيل أول من قالها كعب ابن لؤي وقيل أول من قالها قس ابن ساعده إلى آخره .
وما الفائدة منها ؟
قال بعض العلماء أن الفائدة منها الانتقال من ًإسلوب إلى إسلوب وقال آخرون الفائدة منها الانتقال من المقدمة إلى صلب الموضوع وهذا هو الأقرب .
قال ( فقد سألني بعض الإخوان أن أكتب له مقدمة )
فما هو سبب تأليف هذه المقدمة ؟
أن بعض أخوان سأل شيخ الإسلام ابن تيمه رحمه الله أن يكتب له مقدمه إلى آخره .
وهكذا ينبغي لمن ألف كتاباً أن يذكر سبب التأليف . يعني عندك مقدمه وتمهيد وكتب وأبواب ومباحث إلى آخره .(1/5)
المقدمة يضمنها الإنسان خطبة الحاجة أو خطبة الكتاب بس الأفضل خطبة الحاجة مثل ما فعل شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله . ثم بعد ذلك يذكر سبب التأليف , قد يكون سبب التأليف السؤال وقد يكون سبب التأليف حاجة الناس إلى ذلك .
ثم بعد سبب التأليف يذكر أهمية الموضوع الذي كتب فيه وهذا بينه أيضا شيخ الإسلام رحمه الله . ثم يذكر التمهيد ويتكلم في التمهيد عن التعاريف إلى آخره.
قال ( فقد سألني بعض الإخوان أن أكتب له مقدمة ) يؤخذ من فعل شيخ الإسلام رحمه الله أن تعليم العلم قد يكون المشافهة وقد يكون بالكتابة , بالمشافهة يلقي الدرس , وبالكتابة بأن يكتب فشيخ الإسلام ابن تيميه علم العلم بهذا الطريق وبهذا الطريق .
قال ( فقد سألني بعض الإخوان أن أكتب له مقدمة تتضمن قواعد كلية )
القواعد: جمع قاعدة .
المقدمة هي ما يكون في بدايات العلم وأوائله مما يعين على فهمه فشيخ الإسلام أراد أن يكتب مقدمة يعني بدايات في ما يتعلق في التفسير وعلومه وهذه المقدمة تكون على شكل قواعد تعين على من أراد أن يدرس في علوم التفسير وعلوم القرآن إلى آخره .
قال ( تتضمن قواعد كلية )
القواعد: جمع قاعدة وهي الأصل الذي يبنى عليه غيره .
أما اصطلاحاً : حكم كلي يتعرف به على جزئياته .
ومعرفة القواعد مهم جداً ومن أهميته ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله.
1_ أنه لا بد أن يكون مع الإنسان أصول كليه ترد إليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل . فدل ذلك أن إذا لم يكن معه شيء من القواعد قد لا يتكلم بعلم وعدل .
2_ سبب لحفظ الجزئيات وضبطها .
3_ أنها تجمع الجزئيات .
مثلا قاعدة (الأمور بمقاصدها) تجد تحتها من الجزئيات الشيء الكثير في العبادات والمعاملات والأنكحة والحدود إلى آخره .
وكذلك قاعدة (المشقة تجلب التيسير) أيضا تجد تحتها من الجزئيات الشيء الكثير(1/6)
4_ تعين على فهم القران وتفسيره ومعانيه والتمييز بين منقول ذلك ومعقولة بين الحق وأنواع الأباطيل إلى آخره وسيأتي إن شاء الله .
ونأخذ أن شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله يؤلف بالسؤال .
والسؤال ينقسم إلى قسمين ؟
القسم الأول: السؤال بلسان المقال مثل هذه الرسالة أو كما تقدم لنا بالواسطية .
القسم الثاني: السؤال بلسان الحال قد يرى أن الناس بحاجه أن يكتب لهم هذه الرسالة أو هذا المصنف إلى آخره لأن تعليم العلم كما يكون بالتدريس يكون بالكتابة والتأليف .
قال ( أن أكتب له مقدمة )
مقدمة: بكسر الدال وفتحها ونقول مقدمه بالكسر وكذلك أيضا تقول مقدمه بالفتح والشهور بالكسر أما بالفتح هذا قليل .
والمراد بالمقدمة: هي ما يتقدم العلم مما ينبغي معرفته قبل الدخول بالعلم .
فالشيخ كتب المقدمة قبل الدخول بالتفسير حتى تقرأ مثل هذه المقدمة .
ما المراد بالمقدمة ؟
هو ما يوضع تقدمتاً للعلم وأنه ينبغي معرفتها قبل الدخول في ذلك الفن الذي يريد أن يقرأها .
قال (تعين على فهم القران)
القرآن نزل لثلاثة أمور؟
الأمر الأول: فهم معانيه .
الأمر الثاني: التعبد به .
الأمر الثالث: العمل به .
فالشيخ رحمه الله كتب هذه الرسالة لفهم معاني القران .
وقوله (ومعرفة تفسيره ومعانيه ) هذا من باب عطف المترادف وسيأتي إن شاء الله ما يتعلق بالتفسير .
وهناك قواعد ومؤلفات في القواعد من ذلك كتابة الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في ( القواعد الحسان ) وإن كان بعض القواعد ليست داخله فيما يتعلق بقواعد التفسير, وكذلك الشيخ خالد السبت له كتاب أسمه( قواعد التفسير) وكذلك مقدمات مثل مقدمات ابن جزيء وكذلك مقدمة القاسمي ومن ذلك مقدمة ابن عاشور في ( التحرير والتنوير) إلى آخره .
قال( والتمييز بين منقول ذلك ومعقولة)
المنقول : هو التفسير بالأثر .
المعقول: هو التفسير بالرأي .
وهذا سيأتي .
التفسير بالمأثور هذا يشتمل على أمور :(1/7)
الأمر الأول : ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في التفسير .
الأمر الثاني :ما صح عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم مما لا مجال بالرأي فيه كمسائل الثواب والغيبيات .
الأمر الثالث : ما أجمع عليه الصحابة والتابعون .
وأما تفسير القرآن بالقرآن هذا من باب التفسير بالاجتهاد .
المعقول يشترط فيه شرطان :
الشرط الأول : أن لا يخالف النص.
الشرط الثاني : أن يكون مقبولاً .
قال ( بين الحق وأنواع الأباطيل والتنبيه على الدليل الفاصل بين الأقاويل)
يعني أن هذه القواعد التي سيكتبونها تبين الحق من الباطل مما يتعلق من التفاسير وكذلك أيضا التبيين على الدليل الفاصل بين الأقاويل , سواء كان عقلياً أو نقلياً إلى آخره كما سيأتي إن شاء الله .
قال ( فإن الكتب المصنفة في التفسير مشحونة بالغث والسمين, والباطل الواضح والحق المبين )
كتب التفسير تنقسم إلى قسمين من حيث الفائدة ؟
القسم الأول: مالا فائدة فيه.
ولهذا قال مشحونة بالغث والغث : هو الذي لا فائدة فيه . وهو خلاف السمين وهو النحيف . وقد يكون فيه مضره كالكتب التي تنتصر للبدعة وتحرف في أسماء الله وفي صفاته ,ككتب المعتزلة بالتفسير
القسم الثاني : ما يترتب عليه فائدة .
العلم : هو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكاً جازماً .
وقولنا إدراك الشيء يخرج عدم الإدراك .
وإدراك الشيء على غير ما هو عليه كل منهما جهل فعدم الإدراك بالكلية يسمى جهل بسيط .
وإدراك الشيء على خلاف ما هو عليه يسمى جهل مركب .
مثال :
سئل الشخص عن الوتر فقال لا أدري فهذا يسمى جهل بسيط .
لكن لو قال الوتر مكروه فهذا جهل مركب . لأنه لا يدري ولا يدري أنه لا يدري .
وقولنا إدراكاً جازما يخرج الوهم والشك والظن .
الشك : هو الإدراك مع استواء الطرفين .
فالراجح ظن والمرجوح وهم .
قال ( والعلم إما نقل مصدق عن معصوم وإما قول عليه دليل معلوم)
ذكر المؤلف رحمه الله أن العلم ينقسم إلى ثلاثة أقسام :(1/8)
القسم الأول : العلم الوارد عن الني صلى الله عليه وسلم.
القسم الثاني : قول ليس من أقول النبي عليه الصلاة والسلام وإما للتابعين والصحابة وأتباعهم من أهل العلم وعليه دليل .
وتقدم لنا الدليل إما القرآن أو السنة أو الإجماع أو القياس .
قال ( وما سوى ذلك فإما مزيف مردود )
هذا القسم الثالث: المردود/ وهو الذي لا دليل عليه .
القسم الرابع: موقوف/ ما يتوقف فيه لعدم تبينه .
وقوله ( إما نقل مصدق عن معصوم )
العصمة لغة : المنع.
اصطلاحا : المنع من الذنوب والمعاصي .
وما يعصم عنه الأنبياء وما لا يعم عنه تقدم ذلك . وذكرنا أن تحتحها أقسام :
القسم الأول : أنهم معصومون عن كل ما يخل بتبليغ الرسالة وتمهينها .
القسم الثاني : أنهم معصومون عن سفاسف الأخلاق من الفواحش ونحوها , لأنه لا يليق مقام النبوة .
القسم الثالث : أنهم معصومون عن الإقرار على الذنوب .
القسم الرابع : أنهم معصومون عن الشرك .
وذهب بعض العلم أنهم معصومون عن عموم الذنوب .
قال ( وما سوى ذلك فإما مزيف مردود )
المزيف : هو الرديء الباطل .
وقوله ( وإما موقوف لا يعلم أنه بَهْرج ولا منقود )
بهرج: هو المرشوش
المنقوت : السالم من الغش الجيد .
وهذا يكون في النقود في الذهب والفضة منها ما هو بهرج ومنا ما هو منقوت
فالذي يتوقف فيه هو العلم الذي لم يتضح أنه خالف الدليل فيرد أو دل عليه الدليل فيقبل ولهذا قال وإما موقوف لا يعلم أنه بهرج أي مخالف للدليل ولا منقوت يعني أنه سالم لم يخالف الدليل فيقبل .
قال( وحاجة الأمة ماسة إلى فهم القرآن الذي هو حبل الله المتين)
هنا شرع المؤلف رحمه الله بذكر جمله من صفات القرآن الكريم .
الصفة الأولى : هو حبل الله المتين .
الحبل في اللغة : السبب , وسمي لذلك أنه سبب للهداية والرشد والفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة .
المتين : أي القوي الشديد الذي لا يمكن أن ينقطع .(1/9)
فالقرآن هو السبب الصحيح القوي الذي لا يمكن أن ينقطع أو يتخلف للهداية والسعادة في الدنيا ولآخرة . هذه الصفة الأولى .
قال( والذكر الحكيم )
هذه الصفة الثانية: لقول الله عز وجل (ذلك يتلوها عليك من الآيات والذكر الحكيم ) وقال الله عز وجل ( وإنه ذكر لك ولقومك )
وعلى هذا قوله الذكر الحكيم يشمل معنيين :
المعنى الأول : انه من الذكر وأنه سبب للتذكر والتعلم والتفقه والرجوع إلى الله عز وجل فالقرآن أشرف الذكر , فإذا قرأه الإنسان فهو يذكر الله ويتعبد بذلك.
المعنى الثاني : أنه سبب لرفعه , يعني من أخذ به تحصل له الرفعة بالدنيا والآخرة لذلك قال الله عز وجل ( وإنه ذكر لك ولقومك ) أي رفعه وعلو شأن فمن أخذ به رفع بالدنيا ولآخرة .
والحكيم يشمل معنيين :
المعنى الأول : المحكم , الذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه .
المعنى الثاني : المتضمن للحكمة البالغة في أحكامه.
قال ( والصراط المستقيم ) هذه الصفة الثالثة.
الصراط : أي الطريق , وهذا طريق معنوي .
المستقيم: الذي لا اعوجاج فيه .
فالقرآن طريق مستقيم لا اعوجاج فيه ولا ميل . من أخذ به هداه إلى السعادة في الدنيا والآخرة.
قال ( الذي لا تزيغ به الأهواء )
الصفة الرابعة : لا تزيغ أي لا تميل
الأهواء : جمع هواء المراد به مبتغيات الناس ومشتهياتهم .
فالذي يتمسك بالقرآن لا تضره فتنة الشبهات والشهوات .
قال ( ولا تلتبس به الألسن)
الصفة الخامسة : لا تلتمس : لا تختلط الألسن ؟ لأنه بلغة واحده بلسان عربي مبين , ولا هذا أن القرآن لا يمكن أن يترجم ترجمه حرفيه .
قال ( ولا يخلق على كثرة الترديد )
الصفة السادسة : لا يخلق : لا يبلى على كثرة الترديد , والمراد بذلك أنه مهما قرأه الإنسان وردده فإنه لا يمل من ذلك ولا يزهد فيه .
مثال : الثوب إذا لبسته أكثر من مره فإنه يخرق ويبلى . ولكن القرن مهما قرأته ورددته فإنك لا تزهد فيه ولا ترغب عنه وتقرأه تكراراً ومراراً .(1/10)
قال ( ولا تنقضي عجائبه )
تنقضي : أي تنتهي
عجائبه : معانيه العظيمة .
وهذه الصفة السابعة : لا تنتهي معانيه العظيمة .
قال ( ولا يشبع منه العلماء )
الصفة الثامنة : لا يمل منه العلماء وغير العلماء ولكن خص المؤلف رحمه الله لأنهم آكد من عدم الشباع منه وعدم الملل .
المراد بالعلماء : أي العلماء بالشريعة والكتاب والسنة .
قال ( من قال به صدق )
هذه الصفة التاسعة : من قال بما فيه صدق .
ويدل على ذلك قول الله ( ومن أصدق من الله قيلا) وقوله ( ومن أصدق من الله حديثا ) وقوله ( تمت كلمة ربك صدقا وعدلا )
قال ( ومن عمل به أجر) أي من عمل بالقرآن العظيم أثيب على عمله .
هذه الصفة العاشرة .
قال ( ومن حكم به عدل )
من حكم بشرائعه فإنه عدل كما قال سبحانه تعالى (تمت كلمة ربك صدقا وعدلا )
صدقاً في الأخبار , وعدلاً في الشرائع .
قال ( ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم )
هذه الصفة الثانية عشرة .
من حث الناس وأمرهم بالتمسك بالقرآن وامتثال أوامره واجتناب نواهيه هداه ووفقه ودله إلى الطريق المستقيم الذي لا اعوجاج فيه فيوفق ويدل في الدنيا والآخرة .
أما في الدنيا : فالذي يدعوا لكتاب الله والأخذ به فإنه بقوى إيمانه وتزداد حسناته عند الله عز وجل .
وأما في الآخرة : فإنه يهدى إلى الصراط المستقيم المرسل إلى الجنة .
وفي هذا ثمرة الدعوة لكتاب الله عز وجل .
قال ( ومن تركه من جبار قصمه الله )
هذه الصفة الثالثة عشرة .
القسم في اللغة : القطع يعني قطع ظهره من تجبر وتكبر على القرآن فإن الله يقطعه في الدنيا والآخرة .
وهذا على خلاف الصفة السابقة .
قال ( ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله )
ابتغى : طلب الهدى والتوفيق من غير القرآن يقول أضله الله.
الضلال : الانحراف عن الطريق المستقيم في الدنيا والآخرة .
في الدنيا : ينحرف عن الإيمان , وانحرافه عن الإيمان بقدر انحرافه عن كتاب الله عز وجل .(1/11)
وفي الآخرة : ينحرف عن الطريق الموصل إلى جنة الله عز وجل بقدر ما انحرف عن كتاب الله عز وجل .
قال ( قال الله تعالى فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى )
إما يأتينكم : جمله شرطيه , لأن أصلها (إن ما) .
إن: هذه شرطيه . وما: هذه زائدة للتأكيد .
يأتينكم : يأتي هذا فعل الشرط .
وقوله فمن اتبع هداي : من : هذه شرطيه . واتبع : فعل الشرط .
فلا يضل : جواب الشرط .
وهذه الجملة من فعل الشرط وجوابه جواب لأن الشرطية الأولى .
الهدى: هو الوحي المنزل من الله عز وجل وهو يشمل القرآن والسنة .
فمن اتبع هداي : أي تمسك به .
فلا يضل ولا يشقى : قال بعض العلماء لا يضل في علمه ولا يشقى في عمله, وقيل لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة .
وهذا المعنيان متلازمان لأن الإنسان إذا لم يضل في علمه ولم يشقى في عمله فإنه لا يضل في الدنيا و لا يشقى في الآخرة .
قال ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكا)
الذكر المراد به: الوحي .
ويحصل له من الضنك بقدر ما يحصل له من الإعراض .
المعيشة الضنكا : قال بعض المفسرين كالضحاك وعكرمة وغيرهم .
الضنك هو الرزق الخفيف والعمل السيئ . وقيل المراد بذلك هو عذاب القبر .
وقد جاء في مسند البزار في حديث أبي هريرة في تفسير الضنك بأنه عذاب القبر وقال عنه ابن كثير إسناده جيد .
قيل المراد بالضنك : هو الضيق الحرج والحزن الهم الكآبة , ولو كان الإنسان في ظاهر النعيم لكن في باطنه من الضيق والضنك إلى آخرة .
ويدل هذا قول الله عز وجل ( ومن يرد الله أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء ) ولا مانع أن يشتمل الضنك على الضيق الصدر والعمل السيئ والرزق الخبيث ويدخل إن ثبت أنه عذاب القبر .
قال ( ونحشره يوم القيامة أعمى )
قال المفسرون لا يرون كل شيء إلا جهنم نسأل الله السلامة .(1/12)
وهو شامل لعمى البصر والبصيرة . والدليل قول الله عز وجل ( ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم صماً وبكما وعميا ) هذا يدل على أن العمى شامل عمى القلب وعمى البصر نسأل الله السلامة .
قال ( قال ربي لمى حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها )
المراد بالنسيان هنا ترك العمل . المؤلف ذكر هذه الآية لأنه ذكر كما سيق شيء من صفات القرآن ثم بعد ذلك ذكر شيء من الأدلة على تلك الصفات قال من الصفات ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم هذه تشهد لهذا من تمسك به هدي إلى صراط مستقيم ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله .
قال وقال تعالى (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين )
نور : نور في الدنيا ونور في الآخرة ونور في القبر ونور في الظاهر ونور في الباطن .
النور الذي في الباطن : يحصل للإنسان الراحة والطمأنينة .
وفي الظاهر : تجد المتمسك بكتاب الله عز وجل من الخصومات والمنازعات .
مبين : تشمل اسم فاعل واسم مفعول فالقرآن كتاب بين واضح وهو كذلك يبين الحق والباطل والهدى والضلال إلى آخرة فهو شامل لأسم الفاعل واسم المفعول .
قال ( يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام )
يهدي به الله : أي يدل ويفق .
من اتبع رضوانه : أي ما يقتضي رضا الله عز وجل , من اتبع ما يقتضي رضا الله عز وجل يهديه ويوفقه لسبل السلام .
والله قال ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) .
كيف الجمع بين قوله سبل السلام وقوله وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ؟
نقول أن سبيل الحق واحد لكن له فروع وشعب من الصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك وهذه كلها تجتمع في سبيل واحد
وقوله ( يخرجهم من الظلمات إلى النور بأذنه )
الظلمات تنقسم إلى قسمين :
1- ظلمات معنوية 2- وظلمات حسية
يخرجهم من الظلمات المعنوية إلى النور المعنوي وهو هداية القرآن .
الظلمات إما ظلمات الجهل أو ظلمات القصد .(1/13)
ظلمات الجهل تكون بالعلم . ظلمات القصد تكون بالعمل .
قال ( بإذنه )
يعني بتوفيق الله عز وجل لأن الإنسان لا يستقل بعمله, فهو لا يعمل إلا بإذن الله عز وجل وتوفيقه .
قوله ( ويهديهم إلى صراط مستقيم)
ويهديهم إلى صراط مستقيم هو قوله من اتبع رضوانه سبل السلام فيكون هذا من قبيل الترادف وقيل أن المراد بالهداية الأولى هداية التوفيق , والمراد بالهداية الثانية هداية الدلالة . وإلا فالمعنى واحد .
قال(وقال تعالى ألر , كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ,الله الذي له ما في السموات وما في الأرض )
ألر: هذه حروف اختلف فيها أهل العلم رحمهم الله كثيراً في معناها هل لها معنى أو ليس لها معنى ؟
أولا هل لها معنى أو ليس لها معنى على رأيين ؟
الرأي الأول : أن لها معنى واختلف الذين قالوا أن لها معنى على أقوال كثيرة فقيل إنها اسم من أسماء الله وقيل إنها اسم من أسماء القرآن وقيل مفتاح اسم من أسمائه وقيل أنها أسماء للسور وقيل ممن استأثر الله به علمه .
الرأي الثاني : أنه ليس له معنى وإنما هي حروف هجائية ليس لها معنى . وهذا القول هو الأقرب .
لكن افتتاح القرآن بها له حكمة , والحكمة هي أن هذا القرآن المعجز الذي تحدى الله به العرب إنما هو من جنس الحروف والكلمات التي يتكلمون بها .
قوله ( أنزلناه إليك ) القرآن نزل منجم على النبي صلى الله عليه وسلم خلال ثلاث وعشرين سنه .
قال( لتخرج الناس من الظلمات إلى النور) تقدم ذلك
قوله (بإذن ربهم ) هذا أيضا تقدم .
قوله ( إلى صراط العزيز الحميد)
الحميد : فعيل وهو بمعنى اسم الفاعل وبمعنى اسم المفعول
وهو بمعنى اسم الفاعل أي أن الله سبحانه وتعالى حامد لعبادة الذين يستحقون الحمد . وبمعنى اسم المفعول فهو سبحانه وتعالى محمود على جميع أفعالة وأسمائه وصفاته .
وقوله( الله الذي له ما في السموات وما في الأرض )(1/14)
هنا الظاهر أن لفظ الجلالة بدل من العزيز .
قال وقال تعالى (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم , صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور )
المراد بروحاً : هو القرآن وسماه الله عز وجل روحاً لأنه تحيى به الأبدان حياة معنوية .أو نقول تحيى به حياة حقيقية فالحياة المعنوية والحياة الكاملة تكون بالقرآن .
من أمرنا : هذا مما يدل على أن القرآن ليس مخلوقاً بل هو كلام الله عز وجل , ونظير ذلك قول الله عز وجل( ألا له الخلق والأمر) فله الخلق ثم عطف والعطف يقتضي التغاير فجعل الأمر قسيم للخلق .
وقوله( ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان.)
ما: اسم مبتدأ
الكتاب: خبره . فالنبي عليه الصلاة والسلام قبل أن يوحى أليه لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان .
قال (وإنك لتهدي إلى صراط المستقيم)
هنا هداية الدلالة فإن النبي عليه الصلاة والسلام لا يهدي هداية التوفيق لأنها بيد الله عز وجل وإنما يهدي هداية الدلالة ولهذا قال الله عنه( إنك لا تهدي من أحببت ) وقال (وإنك لتهدي إلى صراط المستقيم) .
قال (صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض)
يعني الطريق الذي شرعه لعباده بالقرآن والسنة .
قال (ألا إلى الله تصير الأمور )
الأمور: أي الشؤون
تصير: ترجع
فالأمور الدنيوية والأخروية الشرعية والكونية هذه كلها ترجع إلى الله عز وجل
كما قال اله عز وجل ( فما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ) .
وصدرت الجملة بألا للحصر أي تقديم المتعلق هذا يفيد الحصر يعني ألا إلى الله لا إلى غيره تصير الأمور .
قوله (وقد كتبت هذه المقدمة مختصرة بحسب تيسير الله تعالى من إملاء الفؤاد , والله الهادي إلى سبيل الرشاد)
قال المؤلف رحمه الله تعالى من إملاء الفؤاد .
المقدمة يصح فيها أمران:(1/15)
الأمر الأول: الكسر المقدمة الأمر الثاني: الفتح المقدمة
كلهما جائز ويختلف المعنى باختلاف الضبط فإذا قلت المقدمة بالفتح فالمراد بذلك أن المؤلف رحمه الله تعالى جعلها مقدمة بين يدي الكتاب وإذا قلت المقدمة بالكسر يعني أنها تتقدم الكتاب لكي تقدمة .
قال (وقد كتبت هذه المقدمة إلى إملاء الفؤاد)
بين المؤلف رحمه الله أن هذه المقدمة على سيل الاختصار .
و الأمر الثاني :أنها من إملاء الفؤاد وأن الشيخ رحمه الله لما كتب هذه المقدمة لم تكن عنده كتب يأخذ منها و مراجع يستفيد منها وإنما حسب ما أملا عليه فؤاده فكتب هذه المقدمة .
قال (يجب أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بين لأصحابة معاني القرآن ,كما بين لهم ألفاظه, فقوله تعالى (لتبين للناس مانزل إليهم). يتناول هذا وهذا)
يقول المؤلف رحمه الله تعالى يجب أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بين للصحابة معاني القرآن وألفاظه , وهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم رحمهم الله تعالى :
هل النبي صلى الله عليه وسلم بين كل العاني والألفاظ أو أنه لم يفعل ذلك ؟
الرأي الأول : من كلام المؤلف أن النبي صلى الله عليه وسلم بين للصحابة ألفاض القرآن وعانيه .
واستدلوا على ذلك بأدلة من أدلتهم قول الله عز وجل ( لتبين للناس ما نزل إليهم ) وقوله ( ثم إنا علينا بيانه ) وأيضا ما سيذكره المؤلف رحمه الله من الآثار من آثار الصحابة رضي الله تعالى عنهم .
الرأي الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين كل الألفاظ و المعاني وإنما بين شيء منها .
استدلوا على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لابن العباس بأن يعلمه الله الحكمة والتأويل وهذا قول السيوطي رحمه الله .
الرأي الثالث : التفصيل :
وهو ما ذهب إليه الذهبي وهو أن ما يحتاج إليه بينه النبي صلى الله عليه وسلم وما لم يحتج إليه لم يبينه النبي صلى الله عليه وسلم .(1/16)
وقول المؤلف رحمه الله تعالى يجب أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بين للأصحابه معاني القرآن كما بين لهم ألفاظه .
نفهم من كلام المؤلف أن هناك بيان لألفاظ القرآن وبيان لمعاني القرآن وهكذا الكتب المؤلفة فهناك كتب ألفت لتبين ألفاظ القرآن وكتب أخرى اعتنت بتفسير المعنى .
فنذكر من الكتب التي اعتنت في تبيين ألفاظ القرآن( كتاب أبي عبيد ) رحمه الله واسم كتابة ( مجاز القرآن ) وهو من أحسن الكتب التي ألفت في بيان ألفاظ القرآن .
وأيضاً من الكتب التي ألفت ( معاني القرآن للزجاج ) وهذا يكثر من الإعراب والتفسير الغوي .
ومن الكتب التي ألفت ( معاني القرآن للفراء ) وهذا عليه ملاحظات بأنه يكثر النقد على الكلبي وهو ضعيف .
وأيضاً ( معاني القرآن للأخفش ) وأيضا هذا فيه أخطاء .
وتقدم لنا الأفضل كتاب العبيد وبعده كتاب الزجاج .
أما القسم الثاني : في تفسير المعاني هذا كتاب تفسير البغوي رحمه الله يعنى ببيان معنى الآية , وهو من أحسن الكتب التي اهتمت بالمعنى .
قال ( وقد قال أبو عبد الرحمن السلمي00 حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن 0
أبو عبد الرحمن السلمي اسمه عبد الله ابن حبيب الكوفي وهو من التابعين الأجلاء وذكر أنه جلس ستين سنه يعلم القرآن , ولما مات لم يتمكنوا من غسل ركبتيه لأن ركبتيه كربة البعير من كثرة السجود وهو من تلامذة عثمان ابن عفان رضي اله عنه وابن مسعود , توفي بالقرن الأول .
قال ( حدثنا الذين كانوا يقرؤوننا القرآن , كعثمان بن عفان , وعبدالله بن مسعود , وغيرهما : أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل ).(1/17)
وهذا من أدلة الجمهور كما تقدم أن الجمهور قالوا أن النبي صلى الله عليه وسلم بين الألفاظ والمعاني وتقدم أنهم استدلوا بقول الله عز وجل ( ثم إنا علينا بيانه ) وقول الله عز وجل ( لتبين للناس ما نزل إليهم ) وهذا الأثر عن أبي عبد الرحمن السلمي وهذا الأثر أخرجه ابن أبي شيبه وابن سعد والطبري وغيرهم وإسناده حسن , حماد ابن زيد رواه عن عطاء قبل أن يختلط وهذا من أدلة الجمهور.
قال(قالوا فتعلمنا القرآن والعلم جميعا ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة ).
وهكذا كان السلف رحمهم الله العلم والعمل ليس علمهم نظري بل إذا تعلموا شيء من القرآن فإنهم يتعلمون به إذا تعلموا شيء من السنة فإنهم يعملون به, وهذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا في حديث عائشة وحديث المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل حتي تتفطر قدماه تتشقق من طول القيام , وفي حديث ابن مسعود قال قمت مع الني صلى الله عليه وسلم حتى هممت بأمر سوء قيل وما هممت به قال هممت أن أجلس وأن أدعه من طول قيامه عليه الصلاة والسلام .
قال (وقال أنس كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جل في أعيننا).
وهذا الأثر في الصحيحين يعني أنس قال كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جل في أعيننا يعني عظم في أعيننا هذا أيضا من أدلة الجمهور لأن قراءة الصحابة من القرآن ليست كقراءة غيرهم فهم يتعلمون ويعملون جميعا وبهذا فضل قراءة القرآن ولهذا من قرأ القرآن رتبة بعض المناصب الشرعية على قراءة القرآن , في حديث أبي مسعود البدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله ) حديث أبي سعيد (إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحقهم بالإمامة أقرأهم )
قال ( وأقام ابن عمر على حفظ البقرة عدة سنين قيل ثمان سنين ذكره مالك) 0(1/18)
هذا الأثر من عمر أقام على حفظ البقرة عدة سنين ذكره مالك هذا منقطع الأثر لأن مالكاً رحمه الله قال بلغنا عن عمر لكن ثبت بإسناد صحيح رواه ابن سعد أن ابن عمر أقام على حفظ البقرة أربع سنوات .
وكذلك أيضاً أخرج البيهقي أن عمر رضي الله تعالى عنه تعلم البقرة في اثنتي عشرة سنه وهذا أيضاً ثابت عن عمر رضي الله عنه , وذكر العلماء رحمهم الله أن ما ورد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه أنه تعلم البقرة في أربع سنين وأن عمر تعلمها في اثنتي عشرة سنه قالوا المراد بذلك تعلم الأحكام والمعاني ليس مجرد الحفظ .
وقد ذكر ابن العربي في أحكام القرآن بأن سورة البقرة جديرة بذلك ففيها ألف أمر , وألف نهي , وألف حكم .
والله تعالى استدل بها على إمكانية البعث وذكر خمس صور :
الصورة الأولى : قصة أصحاب البقرة قصة قتل بني إسرائيل .
الصورة الثانية : قصة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت .
الصورة الثالثة : قصة الذين أصابتهم الصاعقة .
الصورة الرابعة : قصة إبراهيم عليه السلام .
الصورة الخامسة : قصة صاحب الحمار .
فهذه خمس صور حيه لإمكانية البعث .
قال ( وذلك أن الله تعالى قال (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته)وقال:(أفلا يتدبرون القرآن) وقال (أفلم يدبروا القول) وتدبر الكلام بدون فهم معانيه لا يمكن!. وكذلك قال تعالى ( إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون) وعقل الكلام متضمن لفهمه , ومن المعلوم أن كل كلام المقصود منه فهم معانيه دون مجرد ألفاظه فالقرآن أولى بذلك وأيضا فالعادة تمنع أن يقرأ قوم كتابا في فن من العلم كالطب والحساب ولا يستشرحوه فكيف بكلام الله الذي هو عصمتهم وبه نجاتهم وسعادتهم وقيام دينهم ودنياهم).
في هذا الأمر لتدبر القرآن القرآن كتاب مبارك فهو مبارك بركه معنوية وبركة حسية .
التدبر : هو التفهم للمعاني , ليس مجرد قراءة الألفاظ فقط بل تفهم المعاني ولا يمكن العمل(1/19)
التدبر : هو التفهم للمعاني , ليس مجرد قراءة الألفاظ فقط بل تفهم المعاني ولا يمكن العمل إلا بعد فهم المعنى .
قال (ولهذا كان النزاع بين الصحابة في تفسير القرآن قليلاً جدا).
تقدم أن ذكرنا الخلاف . هل النبي صلى الله عليه وسلم بين المعنى واللفظ لكل القرآن أو لبعضه إلى آخره ,, وذكرنا ثلاثة آراء للعلماء .
وأن الذهبي يختار أن ما تشتد الحالة إليه قد بينه النبي صلى الله عليه وسلم دون ما لم تشتد الحالة إليه .
إنما كان النزاع بين الصحابة في تفسير القرآن قليل جداً لأسباب أهم هذه الأسباب :
السبب الأول : أن الصحابة رضي الله عنهم هم أهل اللغة و القرآن نزل بلغة العرب ( إنا أنزلناه قرآن عربياً لعلكم تعقلون )
السبب الثاني : قلة الأهواء فالصحابة رضي الله تعالى عنهم لم تكن عندهم الأهواء والميل وإرادة غير الحق ولهذا تجد في بعض التفاسير ألفت لتخدم مذهباً معينا . مثل تخدم مذهب الإعتزال وتأويل الصفات وغير ذلك كما ستأتي الإشارة إلى شيء من ذلك .
السبب الثالث : أن الصحابة رضي الله عنهم هم خير القرون وهم أفضل الخلق بعد الرسل .
قال ( وهو وإن كان في التابعين أكثر منه في الصحابة )
الخلاف في تفسير القرآن يقول المؤلف رحمه الله هو في التابعين أكثر منه في الصحابة وهذا ملاحظ الذي يقرأ في تفسير ابن جرير الطبري رحمه الله يرى خلاف التابعين بخلاف الصحابة رضي الله تعالى عنهم . وذكرنا أن الخلاف عند الصحابة قليل وذكرنا أسباب قلته .
قال (فهو قليل بالنسبة إلى ما بعدهم)
إي قليل بالنسبة لأتباع التابعين وهكذا لأن خير القرون كما تقدم قرن النبي صلى اله عليه وسلم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم .
فقرن التابعين خير من قرن أتباع التابعين وهكذا .
قال(وكلما كان العصر أشرف كان الاجتماع والائتلاف والعلم والبيان فيه أكثر).(1/20)
لقربهم من نور النبوة وأيضاً لما تقدم من حديث عمران خير القرون كما تقدم قرن النبي صلى اله عليه وسلم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم .وهذا الحديث في الصحيحين.
قال ( ومن التابعين من تلقى جميع التفسير عن الصحابة كما قال مجاهد )
مجاهد رحمه الله من أبرز تلامذة ابن عباس رضي الله عنهما وهو من كبار التلاميذ , واسمه مجاهد ابن جبر المخزومي توفي رحمه الله سنة أربع ومائة للهجرة وله ثلاث وثمانون سنه , وتوفي وهو ساجد في المسجد رحمه الله .
عرض القرآن على ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عدة مرات وقد ذكر أبو نعيم في الحلية أنه عرضه على ابن عباس ثلاثين مرة , وجالس ابن عباس خمسين مرة , وهذا ثابت عن مجاهد رحمه الله تعالى .
قال ( عرضت المصحف على ابن عباس أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها).
المشهور أنه عرض عليه القرآن ثلاث مرات هذا أخرجه أبو عبيد والإمام أحمد وأبي شيبه والطبري لكن هذا في إسناده محمد ابن إسحاق ولقد عنعه ولكن في الحلية لأبي نعيم أنه عرض القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة و وهذا يدل على تمكنه وتطلعه رحمه الله في تفسير القرآن الكريم .
قال ( ولهذا قال الثوري إذا جاءك التفسير عن ابن مجاهد فحسبك به )
نعم هذه ميز لمجاهد ذكر الشيخ رحمه الله عدة ميز لمجاهد :
الميزة الأولى : قال أن مجاهد عرض المصحف على ابن عباس وذكرنا أنه عرضه ثلاثين مرة , وأنه من كبار تلامذة ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
الميزة الثانية : أنه إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به أي كافيك وهذا ثابت عن الثوري كما في الطبري .
قال ( ولهذا يعتمد على تفسيره الشافعي )
هذه الميزة الثالثة لمجاهد أن الشافعي رحمه الله يعتمد عليه والشافعي له كتاب اسمه أحكام القرآن مليء بالنقول عن مجاهد , وكذلك في كتاب الأم ينقل عن مجاهد رحمه الله .
قال ( والبخاري وغيرهما من أهل العلم وكذلك الإمام أحمد
هذه الميزة الرابعة : أن البخاري ينقل عنه(1/21)
قال (وكذلك الإمام أحمد وغيره ممن صنف في التفسير يكرر الطرق عن مجاهد أكثر من غيره)
هذه الميزة الخامسة : نقل الإمام أحمد عن مجاهد
وإنما نقلوا عنه لأنه لازم ابن عباس وعرض عليه القرآن عدة مرات كما تقدم وهو من كبار تلامذة ابن عباس , وابن عباس من أحبار الأمة والرسول عليه الصلاة والسلام دعا له بالحكمة والتأويل .
يوجد تفسير مطبوع لمجاهد لكن من حيث الإسناد يدور على ورقا عن أبن أبي لجيح وهذا ابن أبي لجيح لم يدرك مجاهداً فهو منقطع , يعني هذا التفسير يدور دائما على ورقا عن ابن أبي لجيح ابن أبي لجيح هذا لم يدرك مجاهداً فهو منقطع , وأصح الطرق عن مجاهد الثوري عن جابر ابن زيد عن مجاهد مع أن مجاهد إمام في التفسير إلا أن العلماء لاحظوا عليه بعض الملاحظات من هذه الملاحظات :
أنه أول في قول الله عز وجل( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناضرة ) أوله بالتنعم دون النظر إلى وجه الله عز وجل وهذا لا إشكال أنه خلاف ما عليه السلف . وقول ابن تيميه .
وأيضاً قول الله عز وجل (عسى ربك أن يبعثك مقاما محمودا) قال قصده يجلسه معه على العرش .
وأيضاً من ذلك قول الله عز وجل (فقلنا لهم كونوا قردةً خاسئين ) قال المراد بذلك مسخ القلوب ولا شك أن هذا تأويل عقلي .
قال ( والمقصود أن التابعين تلقوا التفسير عن الصحابة كما تلقوا عنهم علم السنة وإن كانوا قد يتكلمون في بعض ذلك بالاستنباط والاستدلال كما يتكلمون في بعض السنن بالاستنباط والاستدلال).
أفاد الشيخ رحمه الله أن تفسير التابعين ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : تفسير بالمأثور أخذه التابعون عن الصحابة رضي الله عنهم .
القسم الثاني : التفسير بالرأي يعني عن طريق الاستنباط فالتابعون استنبطوا معاني هذه الآية , وقاس ذلك على السنة فالتابعون أخذوا علم السنة عن الصحابة كما أنهم أخذوا التفسير عن الصحابة وأيضاً لهم شيء من الفقه والاستنباط .
قال ( الخلاف بين السلف في التفسير قليل )(1/22)
قوله بين السلف المراد بالسلف اختلف فيه :
الرأي الأول : فقال بعض أهل العلم المراد بالسلف هو الصحابة والتابعون فقط دون غيرهم .
الرأي الثاني : أنه يشمل الصحابة والتابعين وأتباع التابعين .
الخلاف في السلف بالتفسير قليل لأمرين :
الأمر الأول : قلة الأهواء .
الأمر الثاني : أنهم أخذوا عن الصحابة وتتلمذوا عليهم فكان الخلاف عندهم قليلاً وأيضاً معرفتهم بلغة العرب مما يعينهم على فهم القرآن .
قال ( وخلافهم في الأحكام أكثر من خلافهم في التفسير).
وسبب الاختلاف ؟
الأمر الأول : اختلاف في العقول والأفهام.
الأمر الثاني : اختلافهم في كيفية النضر إلى النص.
وخلافهم بالأحكام أكثر من خلافهم بالتفسير كما تقدم .
وأسباب الخلاف كتب بها مؤلفات ولشيخ الإسلام له رسالة في ذلك في بيان أسباب الخلاف أهل العلم رحمهم الله .
قال ( وغالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد , وذلك صنفان:)
أفاد المؤلف أن الخلاف بين السلف ينقسم إلى قسمين ؟
القسم الأول : اختلاف التنوع .
القسم الثاني : اختلاف التضاد .
واختلاف التضاد : هو الافتراق هو اختلاف التفسير جنسا ونوعاً , بمعنى أنه لا يمكن أن يحمل أحدهم على الآخر .
مثال : أن الله عز وجل قال ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) هنا القرء فسر بأنه الطهر وفسر بأنه الحيض , وهنا لا يمكن الجمع بين الطهر والحيض كل منهما مضاد للآخر , جنس ونوع . فنقول هذا اختلاف تضاد افتراق لا يمكن أن يحمل أحدهم على الآخر ولا يمكن أن يجمع بينهما .(1/23)
القسم الثاني اختلاف التنوع وهو أن يتفقان بالجنس ولكن يختلفان بالنوع وهذا هو الذي عليه خلاف أكثر السلف . يمكن أن يحمل أحدهم على الآخر ويمكن أن يجمع بينهما . لأن السحر من الطاغوت والكهانة من الطاغوت والشيطان من الطاغوت هذا كله اختلاف تنوع . وكذلك لو رجعت لتفسير ابن جرير وأخذت آية من الآيات القول في التأويل قول الله عز وجل كذا وكذا وقال مجاهد وقال عكرمه وقال ابن العباس إلى آخرة , تجد أن اختلاف بينهما اختلاف تنوع كل يدخل تحت مسمى واحد .
قال ( أحدهما أن يعبر كل واحد منهما بعبارة غير عبارة صاحبه تدل على معنى في المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد المسمى).
هذا النوع الأول اختلاف التنوع .
النوع الثاني : أن يكون اسما فيذكر أحدهما بعض صفات المسمى ويذكر آخر صفة أخرى لهذا المسمى .
النوع الثالث : أن يكون عاماً فيذكر أحدهما بعض أفراد العموم ويذكر آخر بعض أفراد العموم .
قال ( بمنزلة الأسماء المتكافئة التي بين المترادفة والمتباينة )
قال المتكافئة : هو أن يكفأ اللفظ المعنى , أو كافئ اللفظ المعنى , بمعنى أن هذا اللفظ ليس له إلا معنى واحد . مثل الحجر الحجر هذا ليس له إلا معنى واحد , ومثل مسطور ليس له إلا معنى واحد وهو مكتوب , ومثل بست ليس لها إلا معنى واحد هو فتت .
المترادفة باللغة : هي المتتابعة.
اصطلاح : هو تعدد اللفظ واتحاد المعنى .
مثل الأسد له أسماء كثيرة فاللفظ متعدد والمعنى متحد , مثل السيف وقيل له ما يقرب خمسمائة اسم .
والمتباينة باللغة : التباعد .
اصطلاح : تعدد اللفظ وتعدد المعنى .
وهذا مثل قول الله عز وجل (فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً ) ( أيقاظاً وهم رقود ) المهم البكاء خلاف الضحك اللفظ متعدد ضحك وبكاء والمعنى أيضاً متعدد .
قال ( كما قيل في اسم السيف : الصارم والمهند وذلك مثل أسماء الله الحسنى أسماء رسوله صلى الله عليه وسلم وأسماء القرآن ).(1/24)
هذا كله من المترادف يعني يتعدد اللفظ ويتحد المعنى .
فمثلا السيف قيل فاسمه الصارم وهو الذي لا ينثني , وأيضاً من أسمائه قال المهند وهو نسبه إلى ما صنع في الهند .
وأيضاً مثل أسماء الله عز وجل وهي ليست محصورة هي توقيفية , لكن ليست محصورة بعدد , ويدل ذلك ما جاء في الحديث اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سمية به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك , هذا يدل على أن أسماء الله عز وجل ليست محصورة .
لكن المسمى واحد فهي مترادفة من حيث دلالتها على الذات مترادفة , ومتباينة من حيث اختصاص كل اسم منها باسم خاص . ومن حيث المعنى متباينة لأن كل اسم منها يدل على معنا خاص , وأما من حيث المسمى فهي مترادفة تدل على مسمى واحد .
أيضاً قال وأسماء رسوله صلى الله عليه ويسلم , الرسول كما سيذكر المؤلف له عدة أسماء ( أحمد محمد الماحي والحاشر والعاقب ) هذه في صحيح مسلم هذه مترادفة من حيث دلالتها على المسمى . لكن من حيث المعنى نقول بأنها متباينة كل اسم له معنى خاص كما سيأتي إن شاء الله .
وأيضاً قال وأسماء القرآن , القرآن له أسماء كثيرة , والشيخ صالح البليهي رحمه الله له كتاب اسمه ( الهدى والبيان في أسماء القرآن ) فالقرآن له أسماء منها القرآن والفرقان والتنزيل والهدى والبيان وله أسماء كثيرة . من حيث دلالتها على المسمى فنقول أنها من قبيل الترادف , ومن حيث المعنى نقول أنها من قبيل التباين .
قال ( فإن أسماء الله كلها تدل على مسمى واحد فليس دعاؤه باسم من أسمائه مضادا لدعائه باسم آخر بل الأمر كما قال تعالى { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى } وكل اسم من أسمائه يدل على الذات المسماة وعلى الصفة التي تضمنها الاسم كالعليم يدل على الذات والعلم والقدير يدل على الذات والقدرة والرحيم يدل على الذات والرحمه)(1/25)
وهذه الدلالات سبق أن تعرضنا لها وأنها تدل دلالة مطابقة ودلالة إلتزام ودلالة تضمن .
قال يدل على الذات ويدل على الصفة فالعليم يدل على الذات ويدل على صفة العلم والقدير يدل على الذات ويدل على صفة القدرة والرحيم يدل على الذات ويدل على صفة الرحمة , فهذه الأسماء الثلاث العليم والقدير والرحيم من حيث دلالتها على الذات من قبيل الترادف , وأما من حيث دلالتها على المعنى فإنها من قبيل التباين . فصفة الرحمة تختلف عن صفة القدرة تختلف عن صفة العلم
وسيأتي قريباً دلالات أسماء الله عز وجل وأنها تدل دلالة مطابقة ودلالة إلتزام ودلالة تضمن .
قال ( ومن أنكر دلالة أسمائه على صفاته ممن يدعي الظاهر فقوله من جنس قول غلاة الباطنية القرامطة
هؤلاء هم المعتزلة يثبتون الأسماء لكن يثبتون أعلام محضة لا تتضمن معاني ولا صفات , فيقولون عليم بلا علم وقدير بلا قدره وسميع بلا سمع .
فهم يثبتون على أعلام محضة لا تدل على المعنى إطلاقا.
قال ( الذين يقولون لا يقال هو حي ولا ليس بحي)
نعم ممن يدعوا الظاهر فقوله من جنس قول ولاة الباطنية القرامطة .
القرامطة : هم تباع حمدان ابن قرمط . ودولتهم في البحرين , وهم باطنية .
ومعنى باطنية: أي هم يقولون بأن القرآن له ظهر وبطن .
البطن هذا يرجع إلى رؤسائهم , والظهر هذا يكون لعوام الناس . وهم يسقطون التكاليف ويعيشون حياة حيوانيه منهم يدخل فيهم النصيرية والدرزية وقولات الشيعة كلهم يدخلون فيهم .
قال ( الذين يقولون لا يقال هو حي ولا ليس بحي بل ينفون عنه النقيضين فإن أولئك القرامطة الباطنية)
الباطنية لا يقولون أن الله عز وجل حي , ولا نقول بأن الله عز وجل ميت . فيقال لهم انتم شبهتموه بالجمادات .
والعلة بأن الحياة والموت لا يصح نفيهما ولا إثباتهما إلا ممن يقبل ذلك والله عز وجل لا يقبل ذلك .
الإجابة : أن هذه مجرد دعوه لا دليل عليها ولا برهان .(1/26)
والله عز وجل وصف الأصناف بأنها أموات ونفى عنها الحياة وهي غير قابلة للحياة ولا للممات ومع ذلك وصف الله الأصناف بأنها أموات ونفى عنها الحياة و قال تعالى ( والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيء وهم يخلقون أموات غير أحياء) .
قال ( فإن أولئك القرامطة الباطنية لا ينكرون اسم هو علم محض كالمضمرات وإنما ينكرون ما في أسمائه الحسنى من صفات الإثبات فمن وافقهم على مقصودهم )
كما قلنا أهم يقولون انه سميع بلا سمع وأنه بصير بلا بصر فهؤلاء القرامطة الباطنية لا ينكرون اسماً هو علم محض لكن ينكرون ما دل عليه هذا العلم من المعنى والصفة .
قال (فمن وافقهم على مقصودهم كان مع دعواه الغلو في الظاهر موافقا لغلاة الباطنية في ذلك وليس هذا موضع بسط ذلك
وإنما المقصود أن كل اسم من أسمائه يدل على ذاته وعلى ما في الاسم من صفاته ويدل أيضا على الصفة التي في الاسم الآخر بطريق اللزوم ).
يعني دلالة الأسماء على الصفات تنقسم ثلاثة أقسام :
القسم الأول : دلالة المطابقة .وهي دلالته على كل مسمى .
القسم الثاني : دلالة الالتزام .وهي دلالته على بعض مسماه .
القسم الثالث : دلالة التضمن.وهي دلالته على أمر خارج .
مثال الخالق اسم من أسماء الله عز وجل يدل دلالة المطابقة على ذات الله عز وجل وعلى صفة الخلق هذه دلالة المطابقة .
يدل دلالة التضمن على صفة الخلق وحدها وعلى ذات الله عز جل وحدها .
يدل على صفة العلم والقدر هذا بطريق اللزوم , لأن الخالق لابد أن يكون عليما قديرا إذا لم يكن عنده علم ولا قدره على ما سيخلق هذا لا يتمكن من الخلق .
قال (وكذلك أسماء النبي صلى الله عليه وسلم مثل محمد والماحي والحاشر والعاقب ).
تقدم أنه ثبت في صحيح مسلم أن من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم محمد وأحمد والماحي والحاشر والعاقب , هذه خمسة أسماء للنبي عليه الصلاة والسلام .(1/27)
محمد وأحمد بمعنى : المحمود , فالنبي صلى اله عليه وسلم محمود بنفسه وجاء بشيء يحمد عليه وهو الكتاب والسنة .
الماحي : هو الناسخ لشريعة من قبله .
الحاشر :هو الذي يحشر الأمة .
العاقب : الذي عقب من قبلة من الأنبياء أي جاء بعدهم .
قال ( قال وكذلك أسماء القرآن مثل القرآن والفرقان والهدى والشفاء والبيان والكتاب,وأمثال ذلك).
القرآن له أسماء سبق أن أشرنا إلى كتاب ألف في ذلك ( الهدى والبيان في أسماء القرآن )
من أسماءه القرآن بمعنى: المجموع , والمتلو.
الفرقان : الذي يفرق بين الحق والباطل .
الهدى : الدال لسبيل الخير والرشاد .
الشفاء : ما يشفي من الأمراض المعنوية والحسية .
البيان : ما فيه من بيان الخير وبيان ما تكون به السعادة في الدنيا والآخرة .
الكتاب : يطلق على المنزل وأيضا على المكتوب فالقرآن مكتوب كما أنه محفوظ في الصدور أيضاً هو محفوظ في اللوح المحفوظ ومحفوظ في المصاحف التي بأيدي المؤمنين .
قال ( فإن كان مقصود السائل تعين المسمى عبرنا عنه بأي اسم كان إذا عرف مسمى هذا الاسم وقد يكون الاسم علما وقد يكون صفة كمن يسأل عن قوله تعالى{ ومن أعرض عن ذكري } لأنه قال قبل ذلك { فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى } وهداه هو ما أنزله من الذكر وقال بعد ذلك { قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها }
والمقصود أن يعرف أن الذكر هو كلامه المنزل أو هو ذكر العبد له فسؤال قيل ذكري كتابي أو كلامي أو هداي أو نحو ذلك فإن المسمى واحد.
هذا مثال إذا كان مقصود السائل تعين المسمى عبرنا عنه بأي اسم كان إذا عرف مسمى هذا الاسم , وقد يكون الاسم علما وقد يكون صفةً كمن يسأل عن قوله ومن أعرض عن ذكري ما ذكره فيقال له هو القرآن مثلا أو ما أتزله من الكتب فإن الذكرى مصدر والمصدر تارة يضاف إلى الفاعل وتارة إلى المفعول .(1/28)
هنا قوله عرف مسمى هذا الاسم يخرج ما إذا لم يعرف مسمى هذا الاسم فهنا نسميه بالذي يعرف .
فالقرآن كما تقدم له أسماء القرآن والكتاب والهدى والبيان إلى آخرة فإذا كان تعرف هذه الأشياء نسمي بأي واحد منها , إذا كانت لا تعرف هذه الأشياء فإننا نسميه بما يعرف وهو القرآن .
ثم ضرب مثلا كقوله ومن أعرض عن ذكري ما ذكره فيقال له هو القرآن مثلا أو ما أنزله من الكتب فإن الذكرى مصدر والمصدر تارة يضاف إلى الفاعل وتارة إلى المفعول . يعني ومن أعرض عن ذكره إياي .
فهل المراد ومن أعرض عن ذكري القرآن أو الذكر المطلق ؟
ثم رجح المؤلف وإذا قيل بالمعنى الأول هنا المتن إلى تنسى
فالذكر هو كلامه المنزل سواء سؤل عن ذكر الله عز وجل سواء قيل كلامه أو كتابه أو هداه هذا كله شامل .
قال ( وإن كان مقصود السائل معرفة ما في الاسم من الصفة المختصة به فلا بد من قدر زائد على تعين المسمى مثل أن يسأل عن القدوس السلام المؤمن وقد علم أنه الله ولكن مراده ما معنى كونه قدوسا سلاما مؤمنا ونحو ذلك)
هنا ذكر المؤلف رحمه الله أن مقصود السائل معرفة شيء من صفات المسمى
فحين إذٍ نقول مقصود السائل ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول: تعين المسمى .
القسم الثاني : معرفة شيء من صفات المسمى المقتصدة به .
وضرب المؤلف مثالا لمقصود السائل إذا كان مقصودة تعيين المسمى فقال قد يكون الاسم علماً وقد يكون صفةً كمن يسأل عن قوله ( ومن أعرض عن ذكري إلى آخرة .
إذا كان مقصودة السائل تعين المسمى عبرنا عنه بأي اسم كان إذا عرف مسمى هذا الاسم وقد يكون الاسم علما وقد يكون صفةً كما تقدم .
وضرب له مثال ثم قال المؤلف رحمه الله إن كان مقصود السائل معرفة شيء من صفات المسمى المقتصدة به ليس المقصود هنا تعيين المسمى كما تقدم وإنما المقصود معرفة ما في الاسم من الصفة المختصة به .(1/29)
قال فلا بد من قد زائد على تعيين المسمى مثل أن يسأل عن القدوس السلام المؤمن وقد علم أنه الله لكن ما معنى كونه قدوساً سلاماً مؤمناً , هو يعرف أن القدوس هو الله عز وجل هو الآن لا يسأل عن تعيين المسمى بل يسأل عن صفة من صفات المسمى هو يعرف أن القدوس هو الله لكن ما معنى القدوس والسلام والمؤمن .
القدوس لغة : الطهارة والتنزه , قال ابن عباس القدوس المتنزه عن الأدناس , وفي رواية المطهر عما يرميه به الكفار أي من الصفات .
السلام : أي السالم من الآفات والعيوب والنقائص .
المؤمن لغة : المقر أو المصدق .
اصطلاحاً ك قال ابن العباس رضي الله تعالى عنهما الذي أمن عبادة عقوبته , وقال الحسن البصري رحمه الله الذي آمنت به العقول السليمة , وقال سعيد ابن جبير المؤمن لعبادة الرزق في الدنيا والمثوبة في الآخرة .
قال ( إذا عرف هذا فالسلف كثيراً ما يعبرون عن المسمى بعبارة تدل على عينه وإن كان فيها من الصفة ما ليس في الاسم الآخر كمن يقول : أحمد هو الحاشر والماحي و العاقب ,والقدوس هو الغفور والرحيم أي أن المسمى واحد لا أن هذه الصفة هي الصفة هي هذه ).
قول المؤلف رحمه الله تعالى إذا عرف هذا يعني ما تقدم أن يكون قصد السائل تعيين المسمى وقد يكون قصد السائل السؤال عن الصفة يعني معرفة ما في الاسم من الصفة إذا عرف هذا فالسلف كثيراُ ما يعبرون عن المسمى بعبارة تدل على عينه وإن كان فيها من الصفة ما ليس في الاسم الآخر .
عبارة تدل على عينه مثل : القدوس من هو القدوس تقول هو الغفور الرحيم ليس هذا هو معنى القدوس ولكن هذا يدل على ماذا على ذات الله أنه هو الغفور الرحيم .
من هو أحمد تقول هو الحاشر الماحي العاقد هذه تعين لك المسمى لكن لا تفسر نفس أحمد .
قال ( ومعلوم أن هذا ليس اختلاف تضاد كما يظنه بعض الناس )
كما سبق لنا أن الاختلاف ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : اختلاف تنوع وذكرنا شيء من صوره .(1/30)
القسم الثاني : اختلاف التضاد .
وذكرنا تعريف التنوع والتضاد .وأن أكثر الخلاف في التنوع .
قال ( مثال ذلك تفسيرهم للصراط المستقيم فقال بعضهم : هو القرآن - أي أتباعه - لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث علي الذي رواه الترمذي ورواه أبو نعيم من طرق متعددة هو حبل الله المتين والذكر الحكيم و هو الصراط المستقيم )
هذا الحديث ضعيف الذي أوردة المؤلف وفيه علتان :
العلة الأولى : أن فيه الحارث الأعور .
العلة الثانية : أن فيه رجلا مجهولاً .
الصراط المستقيم:
القول الأول أن المراد به هو القرآن ودليلة ما ورده المؤلف رحمه الله وهذا ضعيف .
قال ( وقال بعضهم هو الإسلام00
القول الثاني : هو الإسلام , استدل بحديث نواس بنت سمعان .
قال ( لقوله صلى الله عليه وسلم مقدمة في حديث النواس بن سمعان الذي رواه الترمذي وغيره [ ضرب الله مثلا صراطا مستقيما وعلى جنبتي الصراط سوران وفي السورين أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة وداع يدعو من فوق الصراط وداع يدعو على رأس الصراط قال : فالصراط المستقيم هو الإسلام والسوران حدود الله والأبواب المفتحة محارم الله والداعي على رأس الصراط كتاب الله والداعي فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مؤمن).
أيضاً هذا الحديث أخرجه الترمذي والإمام أحمد والحاكم في المستدرك وقد صححه الحاكم والذهبي والألباني لكن هذا الحديث يدور على بقيه بن وليد الشامي وهو مدلس .
على كل حال كل من القولان فيهما نظر .
وهذا الخلاف ليس خلاف تضاد وإنما هو اختلاف تنوع .
قال ( وهذان القولان متفقان , لأن دين الإسلام هو إتباع القرآن ولكن كل منهما نبه على وصف غير الوصف الآخر كما أن لفظ صراط يشعر بوصف ثالث وكذلك قول من قال : هو السنة والجماعة وقول من قال هو طريق العبودية وقول من قال : هو طاعة الله والرسول صلى الله عليه وسلم وأمثال ذلك ).
يعني هذه أقوال في تفسير الصراط:
الأول : القرآن . الثاني : الإسلام .(1/31)
الثالث : هو السنة والجماعة . الرابع : طريق العبودية .
الخامس : هو طاعة الله ورسوله .
وهذا كله من اختلاف التنوع وليس من اختلاف التضاد , وهذه كلها ترجع إلى شيء واحد وإن كان بعضها قد يكون فيه يشعر بشيء ليس في الآخر المهم أنها تتفق وأنت إذا رأيت القرآن هو الإسلام , وطاعة الله ورسوله يكون بالتباع القرآن .
قال ( فهؤلاء كلهم أشاروا إلى ذات واحده لكن وصفها كلهم بصفه من صفاتها)
وهذا اختلاف تنوع لأن كل من هذه لأن كل من هذه الأقوال لا ينافي القول الآخر .
قال ( الصنف الثاني: أن يذكر كل منهم من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثل وتنبيه المستمع على النوع لا على سبيل الحد المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه مثال سائل أعجمي عن مسمى).
يعني ذكر المؤلف رحمه الله تعالى في ما تقدم أن اختلاف التنوع صنفان :
الصنف الأول : أن يعبر كل واحد منهم عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه تدل معنى في المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد المسمى .
هنا ذكر الصنف الثاني : هو أن يذكر بعض منهم بعض أفراد العام .
العام : هو اللفظ المستغرق لجميع المعاني الصالحة للدخول تحته .أو هو اللفظ المستغرق لجميع أفراده بلا حصر .
وقوله وتنبيه المستمع على النوع لا على سبيل الحد المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه .
الحد في اللغة : المنع , لأنها تمنع صاحبها في الوقوع بمثلها . وأيضاً الأوامر والنواهي تسمى حدوداً لأنها بينت وحددت الحلال والحرام والحق والباطل .
اصطلاحاً : هو الوصف المحيط لموصوفة المميز له .
قال (لفظ الخبز فأري وقيل له : هذا فالإشارة إلى نوع هذا لا إلى هذا الرغيف وحده مثال ذلك ما نقل في قوله { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات }(1/32)
فمعلوم أن الظالم لنفسه بتناول المضيع للواجبات وتارك المحرمات والسابق يدخل فيه من سبق فتقرب بالحسنات مع الواجبات فالمقتصدون هم أصحاب اليمين والسابقون أولئك المقربون).
هذا مثال لما ذكره المؤلف رحمه الله . قال النوع الثاني أن يذكر كل منهم الاسم العام بعض الأنواع على سبيل التمثيل .
وهذا التفسير بالمثال وهذا كثير عند السلف يفسرون بالمثال ولا يفسرون بالحد المحيط بموصوفة المميز له .
يعني قول الله عز وجل ( ثم أورثنا الكتاب الذي اصطفينا من عبادنا منهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق للخيرات )
إذا أردنا أن نفسر بالحد أو نفسر بالمثال .
بالحد:
المقتصد: الذي يفعل الواجبات والذي يترك المحرمات .
السابق: الذي يفعل الواجبات والذي يترك المحرمات ويفعل أيضاً المندوبات ويترك المكروهات .
الظالم لنفسه : الذي يترك من الواجبات وينتهك من المحرمات .
بالمثال :
السابق : هو الذي يفعل الصلاة في أول وقتها.
الظالم لنفسه : هو الذي يؤخر الصلاة عن وقتها .
المهم يذكرون أمثله .
قال ( ثم إن كل منهم يذكر هذا في نوع من أنواع الطاعات كقول القائل : السابق الذي يصلي في أول الوقت والمقتصد الذي يصلي في أثنائه والظالم الذي يؤخر العصر إلى الاصفرار).
هذا ورد عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه بإسناد جيد , وهذا تفسير بالمثال
السابق : الذي يصلي في أول الوقت .
المقتصد : الذي يصلي في أثناء الوقت .
الظالم لنفسه : هو الذي يؤخر الصلاة عن وقتها .
قال ( أو يقول السابق والمقتصد والظالم قد ذكرهم في آخر سورة البقرة فإنه ذكر المحسن بالصدقة والظالم بأكل الربا والعادل بالبيع والناس في الأموال أما محسن وأما عادل وإما ظالم ).
وهذا تفسير آخر بالمثال .
قال الظالم لنفسه الذي يأكل الربا . المحسن : الذي يتصدق .
المقتصد : الذي لا يأكل الربا ولا يتصدق .(1/33)
قال ( فالسابق المحسن بأداء المستحبات مع الواجبات والظالم آكل الربا أو مانع الزكاة والمقتصد الذي يؤدي الزكاة المفروضة ولا يأكل الربا وأمثال هذه الأقاويل فكل قول فيه ذكر نوع داخل في الآية وإنما ذكر لتعرف المستمع بتناول لآية).
هذه كلها أفراد داخله تحت العام وكلها بالتفسير بالمثال .
قال ( فكل قول فيه ذكر نوع داخل في الآية وإنما ذكر لتعرف المستمع بتناول آية له وتنبهه به على نظيره فإن التعرف بالمثال قد سهل أكثر من التعريف بالحد المطابق والعقل السليم يتفطن للنوع كما يتفطن إذا أشير له إلى رغيف فقيل له هذا هو الخبز).
يعني يقول المؤلف رحمه الله بأن التعريف بالمثال أوضح من التعريف بالحد المطابق .
مثال : فإذا جئت لشخص وقلت السابق والمقتصد والظالم لنفسه ما لمراد به فقال:
السابق : الذي يصلي في أول الوقت .
المقتصد : الذي يصلي في أثناء الوقت .
الظالم لنفسه : هو الذي يؤخر الصلاة عن وقتها .
يقول هذا أوضح من كونك تقول :
المقتصد: الذي يفعل الواجبات والذي يترك المحرمات .
السابق: الذي يفعل الواجبات والذي يترك المحرمات ويفعل أيضاً المندوبات ويترك المكروهات .
الظالم لنفسه : الذي يترك من الواجبات وينتهك من المحرمات .
فمثلا فيما يتعلق بالمال كما ذكر الشيخ رحمه الله , أن السابق الذي يفعل الواجب من الزكاة ويتصدق , والمقتصد : الذي يأتي بالواجب من الزكاة ولكنه لا يتصدق ولا يقترف المحرم من ربى وغيرة , والظالم لنفسه : هو الذي يقصر في الواجب من زكاة ونحوها ويرتكب المحرم من ربا ونحو ذلك .
قال ( وقد يجيء كثيرا من هذا الباب قولهم : هذه الآية نزلت في كذا لا سيما إن كان المذكور شخصا كأسباب النزول المذكور في التفسير ).
أسباب النزول أيضاً ذكر المؤلف النضير بالنزول
السبب لغة : ما يتوصل به إلى غيرة . ومن ذلك سمي الحبل سبباً .
اصطلاح : ما نزل في شئنه قرآناُ يبين حكمهُ .(1/34)
قال ( قال كقوله في آية الظهار نزلت في امرأة أوس ابن الصامت )
وهذا أخرجه البخاري .
قال ( وإن آية اللعان نزلت في عويمر العجلاني أو هلال ابن أميه )
قصة عويمر العجلاني هذه أخرجه البخاري ومسلم .
وهلال ابن أميه هذه أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما .
قال ( وإن آية الكلالة نزلت في جابر ابن عبدالله رضي الله عنهما )
هذه أخرجه البخاري ومسلم .
قال ( وإن قوله (وإن احكم بينهم بما أنزل الله) نزلت قريضة و النضير)
هذا أخرجه الطبري والواحدي وهو ضعيف من طريق محمد ابن إسحاق عن محمد ابن محمد الأنصاري هذا ضعيف .
قال ( وقوله { ومن يولهم يومئذ دبره} نزلت في بدر )
هذا أخرجه الطبري ولإجماع قائم على ذلك .
قال ( وإن قوله (شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت ) نزلت في قضية تميم ابن الداري وعدي ابن بداء ) .
هذه أخرجه البخاري في صحيحة .
قال ( وقول أبي أيوب وقول أبي أيوب إن قوله { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } نزلت فينا معشر الأنصار الحديث ونظائر ذلك كثير ).
هذا أخرجه ابن حبان وصححه .
قوله ونظائر ذلك كثير من ذلك قول الله عز وجل ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) هذه الآية ورد فيها خمسة أسباب للنزول :
السبب الأول : ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن اليهود قالت اشتاق محمد إلى قبلة أهله فنزلت هذه الآية .
السبب الثاني : ورد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال كنا في سفر فصلى كلَُ إلى حاله فسئل النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت .
السبب الثالث : ورد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن هذه الآية نزلت في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على ناقته تطوعاً .
السبب الرابع : ورد عن قتادة أنهم صلوا على النجاشي فقال بعض الصحابة لا يصلي إلى القبلة فنزلت الآية .
السبب الرابع : ورد عن مجاهد(1/35)
قال ( وغير هذه كثير مما يذكرون أنه نزل في قوم من المشركين بمكة أو في قوم من أهل الكتاب اليهود والنصارى أو في قوم من المؤمنين فالذين قالوا ذلك لم يقصدوا أن حكم الآية مختص بأولئك الأعيان دون غيرهم فإن هذا لا يقوله مسلم ولا عاقل على الإطلاق ).
لا بقصد أنها خاصة بأولئك الأعيان دون غيرهم العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فما تقدم من آيات الظهار وآيات اللعان وأيضاً قول الله عز وجل ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) إلى آخرة هذه وإن كانت أسبابها خاصة فأن العبر بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
قال ( فأن هذا لا يقوله مسلم ولا عاقل على الإطلاق )
وهذا الإجماع منعقد على ذلك أن هذا الآيات عامه وإن كانت أسبابها خاصة , سبب أن ذكرنا أن الشرع لا يرد حكم خاص لفلان بعينه لأن الشرع لكل زمان ومكان , ولو قلنا أنه يكون لفلان بعينه لكان فيه تشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم فيما هو من خصائصه , النبي عليه الصلاة والسلام هو الذي تكون له الخصائص أما غيرة فلا يختص بحكم دون غيره .
ولهذا ذكرنا في ما تقدم قصة سار مولى أبي حذيفة التي أوردها مسلم في صحيحة , الصحيح أن هذه القصة ليست خاصة بسار مولى أبي حذيفة خصوصية عين بحيث لا تتعداه إلى غيره وإنما هي خصوصية وصف وحال فمن كانت صفته وحاله كصفة وحال سار مولى أبي حذيفة فأنه يأخذ حكمه .
قال ( والناس و يتنازعون في اللفظ العام الوارد على سبب هل يختص بسببه أم لا فلم يقل أحد من علماء المسلمين إن عمومات الكتاب والسنة تختص بالشخص المعين).
بالنسبة لسبب النزول والنازل ومن نزلة فيه الآية هذا ينقسم إلى أقسام :
القسم الأول : أن يكون السبب واحداً والنازل عدة آيات .(1/36)
وهذا قليل في القرآن ومن ذلك قوله تعالى( أساطير الأولين ) قالوا إنها إذا ذكرت فإنها في النضر ابن الحارث , أيضاً قالوا كل إنكار للبعث فهو للوليد ابن المغيرة , أيضاً قالوا كل آية في الأعمى فهي في عبدالله ابن أم مكتوم , أيضاً جاء في مستدرك الحاكم أن رجلا شتم النبي صلى الله عليه وسلم فجيء به إلى النبي عليه الصلاة والسلام فأنكر ذلك فأنزل الله عز وجل ( يحلفون بالله ما قالوا ) , وأيضا جاء في سورة المجادلة ( فيحلفون له كما يحلفون لكم ) .
القسم الثاني : تكرر نزول الآية .
هل يتكرر نزول الآية تعدد النزول مع تعدد الأسباب أو نقول نزول الآية لا يتعدد ؟
الرأي الأول : أكثر أهل العلم أنه يتعدد نزول الآية , وقد ذهب إلى هذا أكثر المتقدمين , وكذلك أيضاً بعض المتأخرين مثل ابن حجر وابن كثير إلى آخرة .
مثال : سورة الإخلاص روي عن ابن العباس رضي الله عنه بأسانيد جيده أنها نزلت جواباً في الكفار في مكة , وري أنها نزلت في المدينة , فهنا تعدد النزول .
وكذلك الفاتحة ورد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنها نزلت مرتين .
وكذلك أيضاً آية الروح ورد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنها أنها نزلت في مكة وورد عن ابن مسعود رضي الله تعال عنه أنها نزلت في المدينة .
أيضاً قول اله عز وجل ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) ورد أنها نزلت بعد مقتل حمزة رضي الله تعالى عنه وورد أنها نزلت في فتح مكة كما ورد ذلك عن ابن الزبير .
قال ( وإنما غاية ما يقال إنها تختص بنوع ذلك الشخص ما يشبهه ولا يكون العموم فيها بحسب اللفظ والآية التي لها سبب معين إن كانت أمرا ونهيا فهي متناولة لذلك الشخص ولمكانة منزلته أيضا).
أيضاً الآية إذا نزلت لسبب خاص فإن هذا لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن تكون إنشاءً . يعني فيما يتعلق في الأوامر والنواهي .
فهذه تشمل صاحب السبب وغيره , وهذا كما تقدم في آيات اللعان وآيات الظهار وغيرة .(1/37)
القسم الثاني : أن تكون خبراً . لا تعلق لها بالأوامر والنواهي وإنما خبر فيما يتعلق بالمدح والذم .
نقول ضابطاً إذا أثنى الله عز وجل على عبد بخير فإنه يراد من ذلك أمران :
الأمر الأول : امتثال ذلك الخير الذي أوجب له الثناء من الله عز وجل .
الأمر الثاني : محبة ذلك العبد الذي أثني عليه بخير .
مثل قول الله عز وجل ( إن ابراهيم كان أمتاً قانتاً لله حنيفاً ولم يكن من المشركين ) يطلب منا أمران إذا أثنا الله على عبد بخير :
الأمر الأول : محبته .
المر الثاني : الإقتداء به في ذلك الوصف الذي أوجب له من الله الثناء بالخير.
وإذا أثنا الله على عبد بشر فإنه يطلب منا أمران :
الأمر الأول : تجنب تلك الصفة التي أوجبت له من الله الثناء بالشر.
الأمر الثاني : كراهة ذلك الشخص .
قال ( ومعرفة سبب نزول تعين على فهم الآية فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب )
السبب: هو الحادثة التي تسببت في نزول الآية .
المسبب : هو الآية .
ومعرفة سبب النزول يترتب عليه فوائد ؟
الفائدة الأولى : وهي أنها تعين على فهم الآيات والقرآن .
مثال : قول الله عز وجل ( فثم وجه الله ) تقدم لنا سبب نزولها .
وقول الله عز وجل ( ليس على الذين آمنوا جناح فيما طعموا ) هذه الآية وهم قدامه ابن مضعون وعمر ابن معدي كرب فشرب الخمر استدلال من هذه الآية وهو إباحة شرب الخمر ولو عرف سبب النزول لما أقدم على شرب الخمر وأن هذه الآية نزلت في السؤال على الذين ماتوا وهم يشربون الخمر قبل تحريمها . ولهذا جلدهم عمر رضي الله تعالى عنه .(1/38)
ومن الأمثلة على ذلك أيضاً ما تقدم لنا في الحج في قول الله عز وجل ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) فسبب نزول هذه الآية وأنها نزلت في الأنصار يعن على فهما وأنه لا يستدل بهذه الآية على أن الطواف بين الصفا والمروة ليس من الوجبات , كما تقدم عندما تعرضنا لحكم السعي هل هو ركن أو واجب أو سنة إلى آخرة
الفائدة الثانية : أنه يبين حكمة التشريع .
مثال : آيات الظهار فإنها نزلت في مظاهرة أوس ابن الصامت من زوجه كما تقدم فنزلت آيات الظهار فبين من ذلك حكمة التشريع من نزول هذه الآيات وهو صيانة الأسرة وحمايتها إلى آخرة .
ومن ذلك قول الله عز وجل ( ياأيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا) الأصل أن لفظ راعنا أنه جائز لكن إذا عرفنا السبب تبين لنا الحكمة من النهي وهو أن اليهود يقصدون بذلك ذم النبي صلى الله عليه وسلم يعني من الرعونة وأنه أرعن , فإذا عرفنا وفهمنا سبب النزول تبين لنا الحكمة من هذا النهي وهو تجنب ما يوقع في النهي وإن كان الأصل فيه الإباحة , وسد الذرائع الموصلة إلى فعل المحرم , فهذه الآية من الأدلة على قاعدة سد الذرائع .
الفائدة الثالثة : سبيل لعدم اتهام البريء .
ولهذا ما ورد أن كل ذم للوالدين أنه في عبد الرحمن ابن أبي بكر غير صحيح . وقد أخرج البخاري أن مروان ذم عبد الرحمن ابن أبي بكر وقال له أنت الذي قلت أف لكما أتعدانني أن أخرج فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها( والله ما نزل فينا إلا قصتي تعني الإفك ) , فدل ذلك أنه إذا عرف سبب النزول سبيل أن لا يتهم البريء .
قال ( ولهذا كان أصحي قول الفقهاء أنه إذا لم يعرف ما نواه الحالف رجع إلى سبب يمينه وما هيجها وآثارها ).
تقدم لنا الكلام عليه أنه يرجع إلى النية نية اليمين وأن ذلك له مراتب :
المرتبة الأولى : أنه يرجع إلى نية الحالف بشرطين:
الشرط الأول : أن يحتملها اللفظ .(1/39)
الشرط الثاني : أن لا يكون ضارماً . فإن لم يكن رجع إلى السبب سبب اليمين وما هيجها لدلالة السبب على النية , فإن لم يكن رجع إلى التعيين , فإن لم يكن يرجع إلى دلالة الاسم .
وذكرنا أن الدلالات ثلاث :
شرعية ولغويه وعرفية , وأيهما يقدم من هذه الثلاث ؟
ذكرنا مما يتعلق في باب العبادات والعقود تقدم الحقيقة الشرعية .
وفيما يتعلق بالأزمان والأمكنة والأعيان والأقوال والأفعال إلى آخرة تقدم الحقيقة اللغوية ثم بعد ذلك العرفية .
قال ( وقوله نزلت هذه الآية في كذا يراد به تارة أنه سبب النزول وتارة أنه هذا داخل بالآية وإن لم يكن السبب )
أفاد المؤلف قول العلماء نزلت هذه الآية في كذا يراد به أمران :
الأمر الأول : السبب , أي أن هذا هو سبب نزول هذه الآية .
الأمر الثاني : أنه لا يراد به السبب وإنما يراد أن هذا داخل في الآية .
كما لو قيل هذه الآية نزلت في الرجعية لا يلزم من ذلك أن يكون ذلك هو السبب وإنما المراد أنه داخل في السبب .
قال ( وقوله وقد تنازع العلماء في قول الصاحب نزلت هذه الآية في كذا هل يجرى مجرى المسند كما لو ذكر السبب الذي أنزلت للآجلة )
الصحابي إما أن يقول نزلت هذه الآية في كذا وإما أن يذكر سبباً نزلت عقبه الآية , فإن قال الصحابي نزلت في كذا فعلا هذا يجري مجرى المسند .
المسند : هو المرفوع للنبي عليه الصلاة والسلام .
هل يجري مجرى المسند المرفوع للنبي عليه الصلاة والسلام أو نقول أنه لا يجري مجرى المسند وإنما هو تفسير منه وقد يصيب وقد يخطأ ؟
الرأي الأول : أنه في حكم المرفوع للنبي عليه الصلاة والسلام . وهذا اختاره البخاري .
الرأي الثاني : أنه ليس في حكم المرفوع وإنما هو تفسير للصحابي .(1/40)
قال ( وأكثر المسانيد على هذا الاصطلاح كمسند أحمد وغيره بخلاف ما ذكر سببا نزلت عقبة فإنهم كلهم يدخلون مثل هذا في المسند وإذا عرف هذا فقول أحدهم : نزلت في كذا لا ينافي قول الآخر : نزلت في كذا وإذا كان اللفظ )
هذا معنى قوله نزلت الآية في كذا .
مسألة :
إذا ذكر سبباً نزلت الآية عقبه ؟
يتفقون أن هذا من المسند .
إذا قال أحدهم نزلت في كذا وقال الآخر نزلت في كذا فإن هذا لا يخلوا من أمرين ؟
الأمر الأول : أن يكون الوقت متقارب فيحمل على تعدد السبب والنازل واحد .
الأمر الثاني : أن يكون الوقت متفاوت .
قال أحدهم نزلت في مكة وقال الآخر نزلت في المدينة هذا متفاوت .
فهل يحمل على تعدد السبب والنزل واحد أو أنه لا يحمل على ذلك ؟ خلاف
الرأي الأول : أكثر أهل العلم قال به ابن كثير وابن حجر قالوا يحمل على تعدد النزول والنازل واحد .
ومن الأمثلة على ذلك آية الروح قول الله عز وجل ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أتيت من العلم إلا قليلا ) فهذه الآية ورد عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنها نزلت في المدينة . وورد عن ابن عباس كما في الترمذي أنها نزلت في مكة . فهل نقول بتعدد النزول أو بتعدد السبب والنزول واحد أو لا نقول ذلك , ذكرنا رأي أهل العلم .
الرأي الثاني : منع تعدد النزول , قالوا لأن هذا خلا ف الأصل وعلى هذا لا بد من المرجحات .
قال ( وإذا ذكر أحدهم لها سببا نزلت لأجله وذكر الآخر سببا فقد يمكن صدقهما بأن تكون نزلت عقب تلك الأسباب أو تكون نزلت مرتين : مرة لهذا السبب ومرة لهذا السبب وهذان الصنفان اللذان ذكرهما في تنوع التفسير - تارة لتنوع الأسماء والصفات وتارة لذكر بعض أنواع المسمى وأقسامه كالتمثيلات هما الغالب في تفسير سلف الأمة الذي يظن أنه مختلف)
هذان الصنفان الذين ذكرناهم في تنوع التفسير تارة لتنوع الأسماء والصفات , والمعنى/ ذكر بعض أنواع المسمى .(1/41)
مثل السيف له أسماء مثل الصارم والهند والمسلول .
قال وتارة لذكر بعض أنواع المسمى وأقسامه مثل التمثيل .
الأول : تارة ذكر بعض أنواع المسمى .
الثاني : تارة لذكر بعض أفراد العام .
وهذا مثاله قول الله تعالى (فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق للخيرات ) ذكرنا أن
السابق : الذي يصلي في أول الوقت .
المقتصد : الذي يصلي في أثناء الوقت .
الظالم لنفسه : هو الذي يؤخر الصلاة عن وقتها .
قال (ومن التنازع الموجود عنهم ما يكون اللفظ فيه محتملا للأمرين إما لكونه مشتركا في اللغة كلفظ قسورة الذي يراد به الرامي ويراد به الأسد ولفظ عسعس الذي يراد إقبال الليل وإدباره )
المشترك : هو متحد لفظه وتعدد معناه .
ثم أضاف الشيخ ومن التنازع الموجود ما يكون اللفظ فيه محتمل الأمرين إما لكونه مشترك باللغة كلفظ قصوره .
والقصوره اختلف في معناها , هل هو اسم جمع أو اسم مفرد ؟ على قولين :
أكثر المفسرين على أنه مفرد .
واختلف في تفسير القصوره ؟
الرأي الأول : أنه الأسد بالحبشية وهذا وارد عن ابن عباس رضي الله عنهما رواه أبو عبيد .
الرأي الثاني : أنه الرامي والصيد وارد عن ابن عباس رضي الله عنهما .
الرأي الثالث : أنه أول الليل .
وأيضاً قال ( ولفظ عسعس )
عسعس فسر بأنه إقبال الليل , وفسر أيضاً بأنه إدبار الليل , والراجح إقبال الليل لأن الله عز وجل قال ( والصبح إذا تنفس ) فالسياق يدل على إقبال الليل.
والمشترك ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : متضاد لا يمكن الجمع بين معنيين .
مثاله: القرء وهذا فسر أنه الحيض وفسر أنه طهر وهذا لا يمكن الجمع بينهم .
القسم الثاني : غير متضاد يمكن فيه الجمع بين معنيين .
مثاله : عسعس يفسر بالإقبال وبالإدبار .
قال ( وإما لكونه متواطئاً في الأصل لكن المراد به أحد النوعين أو أحد الشيئين)
بالنسبة للأضداد هناك لابن الأنباري أسمه (كتاب الأضداد ) وهناك ورقات للصنعاني في الأضداد .(1/42)
وإما لكونه 00 أو ضمائر 00
التواطأ لغة : التوافق والاشتراك .
والمتواطأ اختلف في تفسيره على قولين :
القول الأول : أن المراد به المشترك وهو ما تحد لفظه واختلف معناه .
القول الثاني : أن المراد به اللفظ الموضوع لمعناً كلي .
والفرق بين المشترك والمتواطأ من وجهين ؟
الوجه الأول : المتواطأ لا بد فيه من رابط بين المعاني بخلاف المشترك .
الوجه الثاني : المتواطأ قد يكون عن العرب وقد يكون منقولا , أما المشترك لا بد أن يكون من العرب .
مثال إنسان هذا متواطأ والرابط هنا الآدمية يشمل زيد ومحمد وغيرهم .
و اللون أيضاً يشمل الأبيض والأحمر الرابط اللون .
قال ( لكن المراد به أحد النوعين أو أحد الشيئين كالضمائر في قوله { ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى }
النسبة للمتواطأ هو أنواع ؟
النوع الأول : اختلاف الضمائر , وفي قول الله عز وجل ( ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى ) هنا عدة ضمائر .
(أوحى ) من الموحي هنا ؟ فيه رأيين من المفسرين ؟
الرأي الأول : أنه الله عز وجل وهذا هو المشهور.
الرأي الثاني : أنه جبريل وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهم .
( فأوحى إلى عبده ) ما المراد بالعبد ؟
الرأي الأول : أنه جبريل .
الرأي الثاني : أنه النبي عليه الصلاة والسلام وهو الصحيح .
( ثم دنى ) من الذي دنى ؟
الرأي الأول : الجمهور أنه جبريل وهو الصحيح .
الرأي الثاني : أنه الله عز وجل .
ولو قلنا أنه الله فهذا معنا صحيح فيثبت لله صفة الدنو على وجه يليق بجلاله وعظمته .
( تدلى ) هو الامتداد من علو إلى سفل .
( قاب ) أي قدر .
( قوسين أو أدنى ) أي أقرب وهذا يرجع إلى جبريل .
النوع الثاني : اسم الجنس وهو اسم الذي لا يختص بواحد دون الآخر , مثل الرجل .
قال (كلفظ الفجر والشفع وليال عشر وما أشبه ذلك )
نعم هذا من المتواطأ .
وقوله (وكلفظ والفجر)
الفجر لغة : الشق وسمي بذلك لأنه يشق الظلام .(1/43)
اختلف أهل العلم ما المراد بالفجر الذي أقسم الله عز وجل به ؟
الرأي الأول : جمهور أهل العلم , وابن عباس , وابن الزبير, أنه فجر كل يوم دون تخصيص . ( الأقرب ) .
الرأي الثاني : أنه فجر يوم النحر, وهذا ورد عن ابن عباس وقال به مجاهد .
الرأي الثالث : أنه فجر يوم الجمعة .
الرأي الرابع : أنه فجر أول يوم من عشر رمضان ألأواخر .
قال ( وليال عشر )
اختلف المفسرون بليالي العشر ؟
الرأي الأول : أنها هي الليالي العشر الأول من عشر ذي الحجة , وبه قال ابن الزبير , ورجحه ابن جزي .
الرأي الثاني : أنها ليالي العشر الأواخر من شهر رمضان وهذا قول جمهور أهل العلم رحمهم الله , ورجه ابن جرير الطبري رحمه الله. وهذا هو الصواب. لأن القرآن نزل في تلك الليالي .
الرأي الثالث : أنه العشر من كل شهر وهذا فيه نظر .
قال ( الشفع )
ما لمراد بالشفع ؟
الشفع لغة : الظم . والوتر لغة : الفرد .
الشفع والوتر اختلف فيه على ما يقارب في ستة وثلاثين قولاً . ومنها :
القول الأول : أن المراد بالشفع: هو يوم النحر . والوتر : هو يوم عرفة .
وهذا ورد فيه حديث جابر رضي الله تعالى عنه مرفوع عن النبي عليه الصلاة والسلام , رواه الأمام أحمد والبزار وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح , غير عباس ابن عقبه فهو ثقة . وهو أحس الأقوال.
الرأي الثاني : أن المراد بالشفع: هو المخلوقات . والوتر : هو الله عز وجل .
الرأي الثالث : أن المراد بالشفع والوتر آدم وأولاده , فآدم شفع وأولاده وتراً .
الرأي الخامس : أن المراد بذلك الصلاة والصلاة بها شفع ووتر .
الرأي الخامس : أن المراد بذلك الجنة والنار فالجنة شفع لها ثمانية أبواب والنار لها سبعة أبواب .
الرأي السادس : أن المراد بذلك الأنبياء بعضه له اسم واحد وبعضهم له أكثر من اسم .
وقيل أن المراد بذلك الأعضاء والقلب فالأعضاء هي الشفع والقلب هو الوتر .(1/44)
قال ( فمثل هذا قد يجوز أن يراد به كل المعاني التي قالها السلف وقد لا يجوز ذلك فالأول إما لكون الآية نزلت مرتين فأريد بها هذا تارة وهذا تارة وإما لكون اللفظ المشترك يجوز أن يراد به معنياه إذ قد جوز ذلك أكثر الفقهاء المالكية والشافعية والحنبلية وكثير من أهل الكلام)
الفظ المشترك هل يجوز أن يراد به معنياه ؟
المشترك : هو متحد لفظه وتعدد معناه .وتقدم المثال عليه .
الرأي الأول : قال المؤلف إذ جوز ذلك أكثر فقهاء المالكية والشافعية والحنبلية , وذهب بعض أهل العلم أن هذا جائز أن يراد بالمشترك معنياه فيراد مثلا بالمشترك القرء يراد به الطهر والحيض .
الرأي الثاني : أن هذا غير جائز وأنه لا يراد به إلا أحد المعنيين .
قال (وإما لكون اللفظ متواطئا فيكون عاما إذا لم يكن لتخصيصه موجب فهذا النوع إذا صح فيه القولان كان من الصنف الثاني )
الصنف الثاني الذي هو إختلاف التنوع وليس اختلاف التضاد .
قال ( ومن الأقوال الموجودة عنهم ويجعلها بعض الناس اختلافا أن يعبروا عن المعاني بألفاظ متقاربة لا مترادفة فإن الترادف في اللغة قليل وأما في ألفاظ القرآن فإما نادر وإما معدوم )
بالنسبة للمترادف .
الترادف في اللغة : التتابع .
اصطلاح : اختلاف اللفظ واتحاد المعنى .
اختلف أهل العلم في الترادف هل هو واقع في القرآن ؟ على قولين:
القول الأول : جمهور أهل العلم أن المترادف واقع في القرآن.
مثال : ما جاء في القرآن و قول الله تعالى :
(لا تبقي وتذر) . (والسر والنجوى ) . ( ويل لكل همزة لمزه ) .
( غرابيب سود) . ( إنا أطعنا سادتنا وكبرائنا ) . ( صلوات عليهم ورحمة ) .
( جعلنا لكل منكم شرعتاً ومنهاجا ) . ( دعاء ونداءا ) . ( هنيئاً مريئاً ) .
هذه كلها تدل على أن الترادف موجود في القرآن .
القول الثاني : أن الترادف غير موجود في القرآن .وهذا اختيار الرازي, وابن القيم رحمه الله تعالى . وكلام الشيخ هنا يدل على عدم ذلك .(1/45)
ولهذا قال الشيخ رحمه الله وأنا في ألفاظ القرآن فإما نادر وإما موجود .
استدلوا على ذلك بأن أكثر المترادفات يأتي بينها العطف , والعطف يقتضي التغاير فدل ذلك على أنه ليس من قبيل الترادف .
الدليل الثاني: قالوا أن الترادف نوع من تكرار . بلا معنى أنا الترادف بلا معنى نوع من التكرار والقرآن منزه عن ذلك .
قال (وقل أن يعبر عن لفظ واحد يؤدي جميع معناه بل يكون فيه تقريب لمعناه وهذا من أسباب إعجاز القرآن فإذا قال القائل { يوم تمور السماء مورا } :
إن المور هو الحركة كان تقريبا إذ المور حركة خفيفة سريعة وكذلك إذا قال الوحي الإعلام أو قيل :أوحينا إليك أنزلنا إليك أو قيل{وقضينا إلى بني إسرائيل } أي أعلمنا وأمثال ذلك)
الشيخ يرى أن الترادف نادر أو معدوم ولهذا قال قل أن يعبر عن معنى ثم يعبر بلفظ آخر عن نفس المعنى .
المور لغة : الحركة والاضطراب .
قال المؤلف يوم تمور السماء مورا , يقول معنى ذلك كان تقريباً يعني أن المور حركة خاصة هذا المعنى الدقيق لها.
ولهذا قال إذا المور حركة خفيفة , فهو أراد أن يقول وجود لفظيين يحملان معناً واحد هذا ليس من قبيل الترادف وإنما يدل على معناً آخر ولم يأتي هذا إلا لبلاغة القرآن , أو نحو ذلك أي له معنى آخر من هذه التقريب . وهذا من إعجاز القرآن .
(الوحي ) لغة: الإعلام .
وفي القرآن يختلف باختلاف السياق إلى قسمين :
القسم الأول : إذا كان الوحي إلى ذكر فإنما هو إعلام رسالة .
القسم الثاني : وإذا كان الوحي إلى امرأة أو حيوان أو نحو ذلك كما في قول الله عز وجل ( وأوحى ربك للنحل ) فالمراد بذلك الإلهام .
خلاف للقرطبي فإنه يقول أنه مع المرأة وحي وليس إلهاماً ولهذا يرى أن مريم أنه نبيه وهذا خلاف ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله وأن الأنبياء من الذكور كما قال الله عز وجل ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً ) ومع ذلك لا يرى أن أم موسى نبيه مع أنه أوحي إليها أي ألهمت .(1/46)
قال ( وكذلك إذا قال الوحي للإعلان 000 تقريب لا تحقيق 00
( قضينا إلى بني إسرائيل )
قضى : تتعدى بنفسها وهنا عدية بإلى . ولها معاني : منها قدرنا ومعنا حكمنا والمعنى الدقيق لقضينا هو قدرنا .
قال (فهذا كله تقريب لا تحقيق فإن الوحي هو إعلام سريع خفي والقضاء إليهم أخص من الإعلام فإن فيه إنزالا إليهم وإيحاء إليهم والعرب تضمن الفعل معنى الفعل وتعديه تعديته ومن هنا غلط من جعل بعض الحروف تقوم مقام بعض)
تضمين الفعل معنى الفعل أو تفسير الحرف معناً آخر هذا موضع خلاف بين البصريين والكوفيين ؟
البصريون : يرون أن الفعل بتضمن معنى الفعل , أن يشرب الفعل معنى فعل آخر يقاربه ولا يبدل حرف مكان حرف .
الكوفيين : أنه يبدل حرف مكان حرف .
أرجح الرأيين هو رأي البصريين . لأن فيه إبقاء الحرف على فائدته وعدم تفسير هذا الحرف بتفسير آخر وإنما يبقى على فائدته .
قال ( كما يقولون {لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه} أي مع نعاجه و { من أنصاري إلى الله } أي مع الله ونحو ذلك)
في سؤال نعجتك إلى نعاجه على رأي الكوفيين في سؤال نعجتك مع نعاجه يفسرون إلى بحرف آخر . لكن على رأي البصريين يضمن هذا الفعل معنى فعل آخر بسؤال يعني بضم , بضم نعجتك إلى نعاجه . وهذا القول هو الصواب .
قال ( ومن أنصاري إلى الله )
على رأي الكوفيين أي مع الله .
على رأي البصريين من أنصاري أي من ينيب إلى الله .
قال ( والتحقيق ما قاله نحاة البصرة من التضمين فسؤال ل النعجة يتضمن جميعها إلى نعاجه وكذلك قوله { وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك } ضمن معنى يزيغونك ويصدونك وكذلك قوله { ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا } ضمن نجيناه وخلصناه وكذلك قوله { يشرب بها عباد الله } ضمن يروى بها ونظائر كثيرة ).
( يشرب بها عباد الله ) البصريين بمعنى يروى بها . والكوفيين بمعنى يشرب منها .
ومن ذلك قول الله عز وجل ( وإذا اكتالوا على الناس يستوفون ) .(1/47)
البصريون : وإذا باعوا .
الكوفيين : وإذا اكتالوا للناس يستوفون , أو من الناس .
والبصريون يتأيد لأمرين :
1- أبلغ ولأنه شمل المعنى وزيادة 2- أن الحرف يبقى على ما هو عليه
وهذا هو الأصل ولها اختار الشيخ رحمه الله تعالى أن رأي البصريين أقرب .
ومن ذلك قول الله عز وجل ( سأل سائل بعذاب واقع )
البصريون : أهتم هذا السائل بهذا العذاب وبحث عنه .
الكوفيين : سأل سائل عن عذاب واقع .
الأقرب البصريون لما ذكرنا من وجهين .
قال (ومن قال : لا ريب لا شك فهذا تقريب وإلا فالريب فيه اضطرب وحركة )
قال وقوله( لا ريب ) فيه معنيان :
الأول : لا شك .
الثاني : الاضطراب والحركة كما استدل بدليلين .
قال ( كما قال دع ما يريبك إلى ما لا يريبك وفي الحديث : أنه مر بظبي حاقف فقال لا يريبه أحد )
دع ما يريبك إلى ما يريبك أي دع ما يحركك ويجعلك تضطرب إلى ما يحركك و يجعلك تضطرب , وكذلك لا يريبه أحد أي لا يحركه أحد فدل ذلك إلى أن الريب فيه الحركة واضطراب .
وحديث دع ما يريبك صححه الترمذي وأخرجه الأمام أحمد والحاكم , وحديث أنه مر به ظبي حاقث هذا أخرجه الإمام أحمد والطبراني والبيهقي وابن حبان في صحيحة والنسائي وصححه ابن حبان .
قال ( فكما أن اليقين ضمن السكون والطمأنينة فالريب ضده [ ضمن الاضطراب والحركة ] ولفظ الشك وإن قيل أنه { ذلك الكتاب } هذا القرآن فهذا تقريب لأن المشار أليه وإن كان واحدا فالإشارة بجهة الحضور غير الإشارة بجهة البعد والغيبة ولفظ الكتاب ويتضمن من كونه مكتوبا مضمونا ما لا يتضمنه لفظ القرآن من كونه مقروءا مظهرا باديا فهذه الفروق موجودة في القرآن)
الإشارة بلفظ البعد كما في قوله (ذلك الكتاب) ولم يشر الله عز وجل بلفظ الحضور هذا الكتاب وإنما قال ذلك الكتاب وهذا كثير في القرآن يكون بهد ذكر القصص والأحكام تأتي الإشارة بصيغة البعد .
وهذا تحته فائدتان :
الفائدة الأولى : أن التغاير في الإسلوب يلفت الإنتباة .(1/48)
الفائدة الثانية : بيان فائدة الحكم .
ولفظ الكتاب فيه زيادة معنى كما أن لفظ الإشارة في البعد فيه زيادة معنى وهذه الأشياء يذكرها المؤلف لتقوية ما ذهب إليه البصريون .
والصحيح أن الفعل يتضمن فعل معنى آخر يقاربه وهذا أبلغ . وكونه عبر بالكتاب ولم يعبر بالقرآن أفاد معنى زائد , أنه يتضمن أنه مكتوب ومضمون ومجرد القرآن لا يدل على أنه مكتوب ولا يدل أيضاً على أنه مجموع ومضموم .
وهذا كما مثلنا في قول الله ( سأل سائل بعذاب واقع )
البصريين : أهتم هذا السائل بهذا العذاب وبحث عنه . وهذا فيه معنى زائد عن مجرد السؤال وهو الاهتمام والبحث . وهذا كل الأمثلة التي تقدمت .
الكوفيين : سأل سائل عن عذاب واقع .
قال ( فإذا قال أحدهم { أن تبسل } أي تحبس وقال الآخر : ترتهن ونحو ذلك لم يكن من اختلاف التضاد وإن كان المحبوس قد يكون مرتهنا وقد لا يكون إذ هذا تقريب للمعنى كما تقدم 000
أن تبسل هذا اختلف فيه العلماء المفسرون رحمهم الله على ثلاثة آراء ؟
الرأي الأول : أن تحبس هذا قول الجمهور .
الرأي الثاني : أن ترتهن هذا ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه
الرأي الثالث : الجمع بين القولين وهذا قال به جمع من التابعين .
قال (وجمع عبارات السلف في مثل هذا نافع جدا لأن مجموع عبارتهم أدل على المقصود من عبارة أو عبارتين )
العناية بعبارات السلف مهم جداً في التفسير والعقيدة والفقه والمواعظ وهذا مهم جداً والسلف رحمهم الله أقل عبارة وأكثر دلالة وأما المتأخرون أكثر عبارة وأقل دلاله , وابن رجب رحمه الله له كتاب له كتاب اسمه ( فضل علم السلف على علم الخلف ) والزركشي نقله فيه كتابه البرهان وزاد عليه .
قال (ومع هذا فلا بد من اختلاف نحقق بينهم كما يوجد مثل ذلك في الأحكام )
وسيذكر المؤلف رحمه الله طرف من أسباب الخلاف .(1/49)
قال (ونحن نعلم أن عامة ما يضطر إليه عموم الناس من الاختلاف معلوم بل متواتر عند العامة أو الخاصة كما في عدد الصلوات ومقادير ركوعها ومواقيتها)
يعني هذه الصلوات يضطر إليها الناس والاتفاق عليه معلوم الصلوات الخمس وعدد ركعات كل صلاة .
أيضاً قال (ومواقيتها ) مواقيت الصلوات الخمس وأيضاً الزكاة وأنصبتها وتعيين شهر رمضان إلى آخرة .
هذه الأشياء لم يختلف فيها لكن الاختلاف غير هذا بما يعلم في الدين في الضرورة كما تقدم من اختلاف السلف إما أن يكون اختلاف تنوع وهذا كثير أو اختلاف تضاد وهذا يسير .
قال ( ومن وفرائض الزكاة ونصبها وتعين شهر رمضان والطواف والوقوف وروي الجمار والمواقيت وغير ذلك )
وهذه أيضاً من مواضع الاتفاق من رمي الجمار وإن كانوا يختلفون بالتفاريع لكن هذه كلها مواضع اتفاق .
قال ( ثم إن اختلاف الصحابة في الجد والإخوة وفي المشركة ونحو ذلك لا يوجب ريبا في جمهور وسائل الفرائض)
وهذا صحيح ما ذكره الشيخ رحمه الله وجود هذا الخلاف في الجد ولإخوة والمشركة بين الصحابة هذا لا يوجب ريباً في جمهور مسائل الفرائض يعني جمهور مسائل الفرائض موضع اتفاق الخلاف في مسائل معدودة وهذه المسائل المعدودة إذا نظرة إليها وجدة الخلاف فيها ضعيف ليس قوياً لأن الخلاف في الأحكام له قوة لكن في الفرائض ضعيف لأن الله عز وجل تبنى توضيح الفرائض في القرآن .
وأشار الشيخ إلى مسألتين :
المسألة الأولى: الجد ولإخوة فيها خلاف بن الصحابة رضي الله عنهم ؟
الرأي الأول : مذهب أبي بكر رضي الله عنه وغيره أن الجد يحجب الإخوة ولا يرثون شيئاً . وهو مذهب أبي حنيفة .
فمثلا هلك هالك عن جد وأخ شقيق , المال للجد وأما الأخ الشقيق فليس له شيء.
ومثلا هلك هالك عن جد وأخت شقيقه , المال للجد وأما الشقيقة ليس لها شيء.(1/50)
الرأي الثاني : الجمهور لهم تفصيل وهو رأي زيد ابن ثابت يرى أن الإخوة يرثون مع الجد وهذا أخد به أكثر أهل العلم رحمهم الله ولهم تفاصيل طويلة وتفريعات مما يدل على أن الحق ما ذهب إليه أبو بكر رضي الله وهو مذهب أبي حنيفة .
المشركة ورد عن عمر رضي الله عنه فيها رأيان :
الرأي الأول : زوج وأم وإخوة لأم وإخوة الأشقه .
الزوج يأخذ النصف , الزوجة تأخذ السدس , الإخوة لأم يأخذون الثلث . انتهت المسألة ما بقي شيء الإخوة لأشقه ما بقى لهم شيء لأنهم عصبة . عمر رضي الله عنه تارة قضى بحجب الإخوة الأشقه وتارة قضى بالتشريك بين الإخوة الأشقة ولإخوة لأم .
مثل هذا الخلاف يقول الشيخ هذا لا يوجب ريباً في جمهور مسائل الفرائض .
قال ( بل فيما يحتاج إليه عامة الناس هو عموم النسب من الآباء والأبناء)
يعني الذي يحتاج إليه الناس في الفرائض ما يتعلق بعمودي النسب والأزواج هذا الغالب أن المسألة تقسم على الأب والأم والأبناء والزوجة وقد يكون هناك من الحواشي إلى آخرة .
قال ( والكلالة من الأخوة والأخوات ومن نسائهم كالأزواج فإن الله أنزل في الفرائض ثلاث آيات مفصلة)
ثلاث آيات : آيتان في أول النساء ( يوصيكم الله في أولادكم00 إلى آخر الآية)
والآية الثانية (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد ) والآية الثالثة في آخر سورة النساء ( يستفتونك في الكلالة قل الله يفتيكم ) .
قال ( ذكر في الأولى الأصول والفروع وذكر في الثانية الحاشية التي بالفرض كالزوجين وولد الأم وفي الثالثة الحاشية الوارثة بالتعصب وهم الأخوة لأبوين أو لأب واجتماع الجد والأخوة نادر ولهذا لم يقع في الإسلام إلا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم واختلاف قد يكون لخفاء الدليل أو الذهول عنه وقد يكون لعدم سماعه )(1/51)
ذكر المؤلف رحمه الله أسباب الخلاف بين أهل العلم والمؤلف رحمه الله له رسله جيدة اسمها ( رفع الملام عن الأمة الأعلام ) وذكر فيها أسباب الخلاف ويحسن الرجوع إلى هذه المسألة . وأيضاً الشيخ محمد رحمه الله له رسالة اسمها ( خلاف العلماء وموقفنا منه ) .
وذكر المؤلف من هذه الأسباب :
السبب الأول: الاختلاف قد يكون لخفاء الدليل والذهول عنه , يعني قد يكون المجتهد خفي عليه الدليل ذهل عنه , يعني سمع الدليل ولكن خفي عليه الاستدلال بهذا الدليل . وهذا معروف ولهذا الشافعي رحمه الله استنبط من قول النبي عليه الصلاة والسلام ( أبا عمير ما فعل النغير ) سبعين مسألة قد يأتي من العلماء من يسمع بهذا للحديث ولكن يخفي عليه أن يستنبط منه حكم شرع وهذا يرجع إلى قوة الفهم والذكاء والإدراك وأيضاً التقى لأن كل ما كان الإنسان تقي كل ما كان على نور من الله عز وجل وأيضاً كثرة العلم والفقه في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
السبب الثاني : قد يكون لعدم سماعة أصلا ما سمع بالحديث .
قال ابن رجب رحمه الله ومثله كلام ابن عباس رضي الله عنهما في المتعة يعني ابن عباس رضي الله عنهما ما سمع بالنهي عن المتعة وأيضاً وقد تقدم لنا في زواج النبي صلى الله عليه وسلم من ميمونة فإن ابن عباس رضي الله عنهما قال تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من ميمونة وهو محرم قلنا بالأجوبة على ذلك بأن ابن العباس رضي الله عنهما خفي عليه الزواج لم يعلم به إلا بعد ما أحرم النبي صلى الله عليه وسلم فظن أن النبي عليه الصلاة والسلام تزوجها وهو محرم .
قال ( وقد يكون للغلط في فهم النص )
السبب الرابع : أيضاً قد يكون في غلط في فهم النص هذا ظاهر قد يفهمها على خلاف الوجه الذي ورد .(1/52)
مثاله : أن بعض السلف كابن سيرين استدلوا على عدم وجوب السعي من قول الله عز وجل ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) فغلطوا من فهم النص أنهم فهموا من رفع الجناح من عدم الوجوب .
قال (وقد يكون لاعتقاد معارض راجح )
السبب الخامس : يعتقد أن هناك ما يعارض أي هذا عام وهناك ما يخصص لا شك أن الخاص مقدم أو أن هناك مطلق وهناك ما يقيد ذلك .
والأحسن الرجوع على رسالة الشيخ( رفع الملام عن الأمة الأعلام ) وأيضاً الشيخ محمد رحمه الله له رسالة اسمها ( خلاف العلماء وموقفنا منه ) .
قال ( فالمقصود هنا التعريف بجمل الأمر دون تفاصيله,
الاختلاف في التفسير على نوعين : منه ما مستنده النقل فقط)
يقول الشيخ رحمه الله الاختلاف في التفسير على نوعيين منه ما مستنده النقل فقط , والكتب التي عُنية في نقل تفاسير السلف مسندة قليله ومن أهمها كتاب ابن جرير الطبري ( جامع البيان ) وكذلك تفسير ابن أبي حاتم وهذا أيضاً ينقل بالسند وطبع منه ما يقرب من اثني عشر مجلد ولم يصل كاملاً وهو أصح أسانيد من تفسير الطبري . ومنها دلائل النبوة للبيهقي . وأيضاً البخاري في كتابه الصحيح له معلقات .
قال ( ومنه ما يعلم بغير ذلك إذ العلم إما نقل مصدق وإما استدلال محقق)
يعني منه ما يكون بالنقل كما تقدم من الكتب , ومنه ما يكون من غير النقل وإنما بالرأي .
استدلال محقق أي له أصل في الشريعة في اللغة .
قال ( والمنقول إما عن المعصوم وإما غير المعصوم والمقصود بأن جنس المنقول سواء كان المعصوم أو غير المعصوم - وهذا هو النوع الأول - فمنه ما يمكن معرفة الصحيح منه والضعيف , ومنه ما لا يمكن معرفة ذلك فيه)
قسم المؤلف المنقول إلى قسمين :
القسم الأول : أن يكون منقول عن معصوم فهذا كحجة مع صحة السند .
القسم الثاني : أن يكون منقول عن غير معصوم , فهذا له ثلاثة أقسام ؟
القسم الأول : أن يكون منقول عن صحابي .(1/53)
فهذا لا يخلوا من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون متفق عليه فهذا حجة .
الأمر الثاني : أن يكون غير متفق عليه بين الصحابة وإنما اختلفوا اختلاف تضاد .
فمن نقدم من أقوالهم ؟
الرأي الأول : ذهب بعض المفسرين يقدم قول ابن عباس لأن ابن العباس جعله النبي صلى الله عليه وسلم للتأويل والحكمة وأيضاً ذكاء ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وأيضاً أن ابن عباس اهتم بما يتعلق بتفسير القرآن .
الرأي الثاني : أنه بقدم قول ابن مسعود لأن ابن مسعود لازم النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ملازمة ابن العباس رضي الله تعالى عنهما ، ولزهد ابن مسعود وتحريه بالنقل عن بني إسرائيل .
القسم الثاني : أن يكون عن تابعي . تحته أمران ؟
الأمر الأول : أن يكون مجمع عليه فهذا حجه ويصار إليه .
ونعلم أن ابن جرير الطبري ينقل الإجماع ، لكن ما هو مذهب ابن جرير بالإجماع ؟
مذهبه أنه لا يعتبر خلاف الواحد والاثنين ولهذا يكون نقله في الإجماع فيه نظر. فيكون رأيه رأي الجمهور .
فإن كان غير متفق عليه ( اختلف تابعون ) فمن نقدم من أقوالهم ؟
نقدم قول مجاهد لما تقدم لأنه عرض القرآن على ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ثلاث مرات وقيل ثلاثين مرة .
القسم الثالث : أن يكون النقل عن صحابي أو تابعي لكن عن بني إسرائيل .
هذا لا يصار إليه إلا بشروط ؟
الشرط الأول : صحة السند
الشرط الثاني : عدم مخالفة الشرع
الشرط الثالث : أن يكون ذلك عن صحابي أو تابعي لا يأخذ عن بني إسرائيل .(1/54)
الصحابة الذين لا يأخذون عن بني إسرائيل قليلون أما بالنسبة للتابعين فهم كثير وابن العباس رضي الله عنهما ممن ينسب إليه الأخذ عن بني إسرائيل مع أنه أنكر ذلك كما في صحيح البخاري ومن أهم الكتب التي جمعت الإسرائيليات في التفسير من أهمها تفسير الثعلبي ( تفسير الثعلبي ) إبراهيم بن إسحاق الثعلبي المتوفى سنة أربع مئة وسبع وثلاثين له تفسير كبير وهو من أوسع التفاسير مما بتعلق بالإسرائيليات , مثله تفسير (الخازن) وهذا قد يكون أزيد من الثعلبي في جمع الإسرائيليات , وهناك أيضاً (عرائس المجالس) (وقصص الأنبياء ) هذه تجد فيها إسرائيليات كثيرة , أيضاً محمد أبو شهبه له كتاب جيد في نقد إسرائيليات
اسمه (إسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير للشيخ محمد ابن شهبه ) وأيضاً ابن كثير رحمة الله ممن يهتم بنقد الإسرائيليات في كتابة في التفسير والتاريخ . وكذلك أبو حيان في البحر المحيط أهتم بنقد الإسرائيليات . وكذلك الألوسي , والقاسمي , وابن عاشور , وصديق حسن خان , والشوكاني , ولو أنه يحصل بعض التساهل لكن يهتمون بنقد الإسرائيليات .
قال (وهذا القسم الثاني من المنقول - وهو مالا طريق لنا إلى الجزم بالصدق منه فالبحث عنه مما لا فائدة فيه والكلام فيه من فضول الكلام ) 0
يقصد بذلك الإسرائيليات كما سيذكر .
قال ( وأما ما يحتاجونه المسلمون إلى معرفته فإن الله نصب على الحق فيه دليلا فمثال ما لا يفيد ولا دليل على الصحيح منه اختلافهم في لون كلب أصحاب الكهف)0(1/55)
اختلاف المفسرين في لون كلب أصحاب الكهف هل هو أحمر اسود وكذلك في أسمائهم وأيضاً الجزء الذي أمر بنو إسرائيل بضرب القتيل به من البقرة هل هو الذنب أو الأذن هذه اختلف فيها المفسرون وهذا مثل ما قال الشيخ مما لا فائدة فيه , وأعظم من ذلك إذا كان مخالف للشرع وهذا مثاله قول الله عز وجل ( إنه ليس من أهلك ) فقوله أنه ليس من أهلك هذا ورد عن الحسن البصري أنه ولد زنى وأن امرأة نوح مادام أنها لم تسلم لا تتورع عن المحرمات ولكن هذا فيه نظر ومقام النبوة منزه عن مثل هذا .
قال (وفي البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة )
أي هل هو الأذن أو الذنب اختلف فيه المفسرون ولا فائدة منه وليس لنا طريق صحيح نعرف به ذلك .
وهذه قاعدة ( أمور الغيبيات لابد لها من الوحي ) ودل ذلك قول الله عز وجل
( ألم يأتكم نبأ اللذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله ) في سورة إبراهيم فقال لا يعلمهم إلا الله , فلا بد من طريق صحيح . فمثلا خلاف المفسرين في لون الكلب أو أسمائهم أو الجزء الذي ضرب به قتيل البقرة هذا كله يحتاج إلى دليل .
قال ( وفي مقدار سفينة نوح وما كان خشبها ونحو ذلك فهذه الأمور طريق العلم بها النقل )
أي ما هو جنس الخشب وما هو مقدارها هذه كلها لا يصح عن الصحابة شيء من الآثار يعني الآثار التي حشدها ابن جرير الطبري , وابن أبي حاتم إلى آخرة هذه كلها لا يصح فيها شيء عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم .
وقد ورد عن ابن العباس رضي الله عنهما في سفينة نوح أنها ثلاثة أطباق طبق للآدميين وطبق للحيوانات وطبق للجن وهذا أيضاً لا يثبت وأثر طويل وتلقفه المفسرون ونقلوه في كتبهم مع ذلك لا يثبت شيء .
الخلاصة أنه لا يثبت شيء عن آثار الصحابة رضي الله عنهم فيما يتعلق في سفينة نوح . وكما ذكرنا في الآية أن لا بد لها من الوحي من القرآن أو السنة .
قال ( وفي اسم الغلام الذي قتله الخضر , ونحو ذلك )(1/56)
أيضاً اختلف المفسرون في اسم الغلام الذي قتله الخضر وهذا ليس عليه دليل كما تقدم أن ذكرنا أن ما كان من الأخبار قبل بعثت النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا بد لها من النقل الصحيح لأن الله عز وجل قال ( ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله ) فقال الله عز وجل لا يعلمهم إلا الله فهذا لابد من طريق الوحي في ذلك , وسيأتي أيضاً إن كان معصوما أو كان صحابي كما سيأتي إن شاء الله .
قال ( فهذه الأمور طريق العلم بها النقل )
كما قال الله عز وجل لا يعلمهم إلا الله فلا بد من الوحي إنا القرآن أو السنة وسيأتي ما يتعلق بأقوال الصحابة .
قال (فما كان من هذا منقولا نقلا صحيحا عن النبي صلى الله عليه وسلم - كاسم صاحب موسى أنه فهذه معلوم)
يقول المؤلف رحمه الله هذه الأشياء اسم الغلام ولون الكلب وسفينة نوح و ناقة ثمود ما يتعلق بقصص الأنبياء إلى آخره فما كان من هذا منقولا نقلا صحيحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم كاسم صاحب موسى أنه الخضر , نقول شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله تعالى يرى في مثل هذه الأشياء التي تكون في الأخبار في ما قبل البعثة أنه لابد فيها من النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وظاهر كلامه أنه اقتصر على ذلك .
الصواب هذه الأخبار يرجع فيها إلى :
الأمر الأول : إلى النقل الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم , الوحي من القرآن ومن السنة كما تقدم في الآية .(1/57)
الأمر الثاني : ما ورد عن الصحابة رضي الله عنهم الذين لم يعرفوا بالأخذ عن الإسرائيليات , و الأخذ عن الإسرائيليات في الصحابة رضي الله عنهم قليل , فابن مسعود رضي الله عنه لم يأخذ من الإسرائيليات , وابن عباس رضي الله عنه أنكر الأخذ عن الإسرائيليات كما في البخاري , وقال بعض العلماء ابن عباس رضي الله عنهما لا يروي من الإسرائيليات إلا ما كان صحيحاً ثابتا . من الأمثلة القول القائل بأن الذبيح هو إسحاق وأن الصحيح هو إسماعيل كما أخرجه الحاكم بإسناد صحيح . وكما ذكرنا عن ابن عباس رضي الله عنهما نقل عنه التحذير عن الإسرائيليات .
قال ( وما لم يكن كذلك )
يعني ليس منقولاً نقلا ً صحيحاً عن النبي صلى الله علية وسلم يعني ما ورد عن الإسرائيليات وليس منقولاً عن النبي صلى الله عليه وسلم .
قال ( بل كان مما يؤخذ عن أهل الكتاب كالمنقول عن كعب ووهب و محمد بن إسحاق وغيرهم ممن يأخذ عن أهل الكتاب - فهذا لا يجوز تصديقه ولا تكذيبه إلا بحجة)
يعني ما ورد عن كعب و وهب بن منبه ومحمد ابن إسحاق هذا لا يقبل إلا بحجه وكما قال الني صلى الله عليه وسلم حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج . وقوله كعب هو كعب بن ماتع الحميري اليمني ويسمى كعب الأحبار وكعب من تلامذة ابن عباس رحمه الله وقد لازم ابن عباس ما يقرب من عشر سنوات وهو من الزهاد وأخرج له البخاري لكن أخذ عليه أنه يتهم بالقدر وهو أكثر من نقل الإسرائيليات أيضاً وهب بن المنبه تابعي وأيضاً كعب بن الأحبار تابعي . ووهب بن المنبه وهو من الزهاد الثقات وأكثر من الإسرائيليات ولهذا قال الشيخ كما يروى عن كعب ووهب وابن إسحاق ومحمد ابن إسحاق ابن يسار هذا ليس تابعي وإنما هو من أتباع التابعي وهو إمام في السير يعتبر قوله فيها وأما في الحديث:
الرأي الأول : الإمام مالك شدد فيه وقال بأنه دجال كذاب .
الرأي الثاني : أنه مقبول ومدلس بشرط عدم العنعنة هذا رأي الإمام أحمد .(1/58)
وأيضاً يؤخذ عليه بأنه أكثر من الإسرائيليات . فكعب الأحبار ووهب بن المنبه ومحمد ابن إسحاق هؤلاء كلهم أكثروا من الإسرائيليات وأيضاً ابن جريج الأموي . فهؤلاء ما ينقل عنهم لا نصدقه ولا نكذبه لأن الشيخ قال لابد من حجه ونقل صحيح والشيخ رحمه الله يقول لا بد من النبي صلى اله عليه وسلم.
قال (كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال [ إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم فإما أن يحدثكم بحق فتكذبوه وإما يحدثكم بباطل فتصدقوه ]
وكذلك ما نقل عن بعض التابعين وإن لم يذكر أنه أخذه عن أهل الكتاب)
يعني ما ينقل عن التابعين وهذا نص عليه الشيخ رحمه الله لكونهم مكثرين ككعب الأحبار ومحمد بن المنبه ومحمد ابن إسحاق وابن جريج وغيرهم وإن كانوا قله كعكرمة وهو من تلامذة ابن العباس رضي الله تعالى عنه ثم بعده مجاهد ابن جبر المكي وهو من تلامذة ابن العباس رضي الله تعالى عنه ثم قتادة ابن دعامة رضي الله تعالى عنه وهو أيضاً من تلامذة ابن العباس رضي الله تعالى عنه وهؤلاء الثلاثة مقلون . وسبق أن نشرنا أن أوعى من جمع في الإسرائيليات إبراهيم ابن إسحاق الثعلبي رحمه الله تعالى , وكتابه في تفسيره وأيضاً كتاب ( عرائس المجالس ) وأيضاً ( قصص الأنبياء ) وهو من أهل السنة والجماعة وهو زاهد وأثنى عليه شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله تعالى ولكنه يؤخذ عليه أنه أكثر من الإسرائيليات .
قال (فمتى اختلف التابعون لم يكن بعض أقوالهم حجة على بعض وما نقل في ذلك عن بعض الصحابة نقلا صحيحا فالنفس إليه أسكن مما نقل عن بعض التابعين لأن احتمال أن يكون سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أو من بعض من سمعه أقوى ولأن نقل الصحابة عن أهل الكتاب أقل من نقل التابعين ومع جزم الصحابي بما يقوله كيف يقال أنه أخذ عن أهل الكتاب وقد نهوا عن تصديقهم)
ما ورد عن الصحابة بما يتعلق بالإسرائيليات أمران :(1/59)
الأمر الأول : أنه يحتمل أن الصحابي سمعه من النبي صلى الله عليه مسلم .
الأمر الثاني : أن نقل الصحابة عن أهل الكتاب قليل .
قال (والمقصود أن الاختلاف الذي لا يعلم صحيحه ولا يفيد حكاية الأقوال فيه هو كالمعرفة لما يروي من الحديث الذي لا دليل على صحته وأمثال ذلك
وأما القسم الأول الذي يمكن معرفة الصحيح منه فهذا موجود فيما يحتاج إليه ولله الحمد , فكثيراً ما يوجد في التفسير والحديث والمغازي أمور منقولة عن نبينا صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء صلوات الله عليهم وسلم والنقل الصحيح يدفع ذلك بل هذا موجود فيما مستنده النقل وفيما قد يعرف بأمور أخرى غير النقل)
تقدم الشيخ أنه ضرب أمثله لما يحتاج إليه مثال لون كلب أصحاب أهل الكهف ومقدار سفينة نوح وما خشبها وأسماء أهل الكهف , المهم ما يحتاج ثبت .
قال (فالمقصود أن المنقولات التي يحتاج إليها في الدين قد نصب الله الأدلة على بيان ما فيها من صحيح وغيره ومعلوم أن المنقول في التفسير أكثره كالمنقول في المغازي والملاحم ولهذا قال الإمام أحمد ثلاثة أمور ليس لها إسناد : التفسير و الملاحد و المغازي )
هذا الأثر عن الإمام أحمد أخرجه الخطيب عن الجامع و المراد بذلك ذكر الزركشي أن أكثر من يروي بالتفسير من الملاحم والمغازي من الضعاف يعني الأسانيد هذه الأشياء يوجد فيها ضعاف فمثلاً تجد أن التفسير كثير منه قائم على مقاتل والكلبي وهما فيهما نظر , وكذلك ما يتعلق بالملاحم أيضاً المغازي تجد كثير منه دائر على الواقدي محمد ابن عمر الواقدي وهو متهم بالكذب فهذه الأمور كثير منها في أسانيده نظر ولها قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى ثلاثة أمور ليس لها إسناد وذكر التفسير والملاحم والمغازي يعني أن كثير منها في إسناده نظر وذكر أن هذه الأشياء يغلب عليها المراسيل .(1/60)
قال ( ويروى ليس لها أصل أي إسناد لأن الغالب عليها المراسيل مثل ما يذكره عروة ابن الزبير والشعبي و الزهري و موسى بن عقبة و ابن إسحاق ومن بعدهم كـ يحيى بن سعيد الأموي و الوليد بن مسلم و الواقدي ونحوهم في المغازي فإن أعلم الناس في المغازي أهل المدينة ثم أهل الشام ثم أهل العراق)
يقصد المؤلف رحمه الله بأهل المدينة في وقت النبي صلى الله عليه وسلم ووقت الصحابة رضي الله عنهم لأن أهل المدينة حضروا وشاركوا ما يتعلق بتجهيز الجيوش وسمعوا أخبارها فأهل المدينة في عهد النبي وعهد الصحابة هم أعلم الناس بالمغازي . ثم بعد ذلك أهل الشام ثم أهل العراق لأن الشام أيضاً انتقل إليها جمع من الصحابة رضي الله عنهم ولم يكن فيها من الفتن والحوادث كما كان في العراق .
قال (فأهل المدينة أعلم بها لأنها كانت عندهم وأهل الشام كانوا أهل غزو وجهاد فكان لهم نمن العلم بالجهاد والسير ما ليس لغيرهم)
أيضاً هذا وجه أضافه الشيخ أن أهل الشام كانوا أهل غزوٍ وجهاد كما تقدم أنه انتقل إليها جمع من الصحابة رضي الله عنهم ولم يكن فيها من الفتن والحوادث كما كان في العراق .
قال ( ولهذا عظم الناس كتاب أبي لإسحاق الفزاري الذي صنفه في ذلك وجعلوا الأوزاعي أعلم بهذا الباب من غيره من علماء الأنصار )
كتاب أبي إسحاق الفزاري هذا طبع الآن وقد حقق وهو كتاب قيم .
قال ( وأما التفسير فإن أعلم الناس به أهل مكة لأنهم أصحاب ابن عباس كـ مجاهد و عطاء بن أبي رباح وعكرمة مولى ابن عباس وغيرهم من أصحاب أبن عباس كطاوس وأبي الشعثاء وسعيد بن جبير وأمثالهم وكذلك أهل الكوفة من أصحاب ابن مسعود ومن ذلك ما تميزوا به على غيرهم وعلماء أهل المدينة في التفسير مثل زيد بن أسلم الذي أخذ عنه مالك التفسير وأخذه عنه أيضا ابنه عبد الرحمن وأخذه عن عبد الرحمن عبد الله ابن وهب )
يؤخذ من كلام الشيخ رحمه الله أن الناس بالنسبة لعلم التفسير ينقسمون إلى ثلاثة طبقات :(1/61)
الطبقة الأولى : مدرسة مكة المكرمة وهذه الطبقة شيخها ابن عباس رضي الله عنهما وظاهر كلام الشيخ أن هذه الطبقة مقدمه على غيرها من .
الطبقة الثانية : مدرسة الكوفة .
الطبقة الثالثة : مدرسة المدينة .
وأيضاً ممن قدم هذه الطبقة على غيرها الزركشي في كتابة (البرهان) وغيره .
وقدمت هذه الطبقة على غيرها لعدة أمور :
الأمر الأول : جلالة شيخ هذه الطبقة وهو ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له فقال اللهم علمه التأويل وفقه في الدين وفي رواية التفسير ولهذا نبغ ابن عباس مع صغر سنه فكان ذا عقل وفهم وكان مما يدل على ذلك أن الشيخ بدر كان يدخله مع أهل الشورى الذين يشاورهم عمر رضي الله عنه .
الأمر الثاني : أن ابن عباس رضي الله عنهما كان حريصاً على العلم وجمعه فقد أوتيَ لساناً سؤلاً وقلباً عقولاً . تقد لنا في صحيح مسلم كيف مكث سنة كاملة يريد أن يسأل عمر رضي الله عنه عن قوله تعالى ( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه ) من اللتان تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا حرصه في التفسير مما يرجح هذه الطبقة .
الوجه الثالث : أن ابن عباس رضي الله تعالى عنه رزق بتلاميذ نجباء حفظوا علمه وعلى رأسهم مجاهد ثم سعيد لابن جبير وعكرمة وعطا وطاووس وغيرهم فبقي هذا التفسير وأغلب التفسير يدور على ابن عباس وعلى تلاميذ ابن عباس فقدمت هذه الطبقة على غيرها .
الطبقة الثانية التي أشار إليها الشيخ أهل الكوفة وهذه شيخها ابن مسعود رضي الله تعالى عنه تقدم لنا أن بعض العلماء قدم ابن مسعود على ابن عباس و قدم ابن مسعود أولاً لكثرة ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم فإنه لازم النبي عليه الصلاة والسلام أكثر من غيره.
لكن الذي يلحظ على هذه المدرسة :
أولاً: أنها تهتم بالقراءات أكثر من التفسير .(1/62)
ثانياً: أن غالب طلابها فقهاء فهم يهتمون بالفقه أكثر من غيره كالشعبي وابن سيرين والأسود ابن قيس وغيرهم فهم يهتمون بالفقه أكثر من التفسير .
الطبقة الثالثة : طبقة أهل المدينة وهذه شيخها أبي ابن كعب رضي الله تعالى عنه وهذه الطبقة هي أقل طبقة من الطبقتين السابقتين من حيث التلاميذ ومن حيث التفسير ومن أشهر طلابها محمد ابن كعب وزيد ابن أسلم ابن عالية وغيرهم والثابت عنهم قليل وبعض العلماء يضيف الربيع ابن أنس .
قال ( والمراسيل إذا تعددت طرقها وخلت عن ألموا طأ قصدا أو الأنفاق بغير قصد كانت صحيحة قطعا )
المرسل : هو رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم من شخص لم يسمع من النبي عليه الصلاة والسلام .
والمرسل لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون مرسل صحابي فمراسيل الصحابة رضي الله عنهم حجة لأن الصحابة عدول كلهم وعلى هذا إذا قال الصحابي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لم يسمع هذا الحديث إنما أخذه عن صحابي آخر فنقول أنه حجة .
الأمر الثاني : أن يكون مرسل تابعي مثل سعيد ابن المسيب وسعيد ابن جبير الشعبي وابن سيرين وغيرهم .
فهل هو حجه أو ليس بحجة ؟ هذا خلاف بين أهل العلم رحمهم الله .
والشيخ رحمه الله المراسيل إذا تعددت طرقها وخلت عن المواطئة قصداً أو اتفاقاً بغير قصدٍ كانت صحيحة أو منقطعة فقال الشيخ
الشرط الأول أنها تكون صحيحة إذا تعددت الطرق
والشرط الثاني قال خلت عن المواطئة أي التواطئ أو كان هنا تواطئ لكن بغير قصد فلا يمنع من الصحة .
ثم علل
وقال (إن النقد إما أن يكون صدقاً مطابقاً للخبر وإما أن يكون كذباً تعمد صاحبة الكذب أو أخطأ فيه فمتى سلم من الكذب العمد والخطأ كان صدقاً بلا ريب )
فهو يقول عن الخبر إما أن يكون صدقاً فهذا حجة وإما أن يكون كذباً تعمد صاحبة الكذب أو أخطأ فيه فمتى سلم من الكذب والخطأ عمداً فإنه صحيح .(1/63)
إذا تعددت الطرق وخلت عن التوافق المقصود أو كان هناك توافق مقصود فإنها خلت من الكذب العمد وخلت أيضاً عن الخطأ فتكون صدقاً هذا ما ذهب إليه الشيخ رحمه الله .
الرأي الثاني في المرسل التابعي : أنه ينظر في مراسيل التابعين فليس على الإطلاق فليس كل تابعي مرسله مقبول بل يتتبع من عرف أنه لا يرسل إلا عن صحابي كسعيد ابن المسيب فإنه يقبل ويكون مرسله صحيح ومن عرف أنه قد يرسل عن الصحابي أو عن التابعي فإنه لا يقبل .
الرأي الثالث : ما عليه أئمة هذا الشأن وهذا الفن وأن المرسل من أقسام الضعيف وهذا هو الصواب .
لأنه لا نعلم من هو الساقط قد يكون الساقط صحابي فقط فلأمر في ذلك هيٌن لأن الصحابة كلهم عدول ثقاة لكن يحتمل أن التابعي أخذه عن تابعي آخر وسقط التابعي فالواسطة هنا بين التابعي والصحابي تابعيٌ آخر لا نعلم من هو فيحتمل هذا, فيكون من أقسام الضعيف .
قال (فإذا كان الحديث جاء من جهتين أو جهات - وقد علم أن المخبرين لم يتواطئوا على اختلافه وعلم أن مثل ذلك لا تقع الموافقة فيه اتفقا بلا قصدا - علم أنه صحيح)
الكلام الآن الذي أتى به الشيخ رحمه الله تفصيل لما تقدم هو قال بأن المرسل متى يكون صحيحاً اشترط شرطين كما سبق .
قال (مثل شخص يحدث عن واقعة جرت ويذكر تفاصيل ما فيها من الأقوال والأفعال ويأتي شخص آخر قد علم أنه لم يواطئ الأول فيذكر مثل ما ذكر الأول من تفاصيل الأقوال والأفعال فيعلم قطعا أن تلك الواقعة حق في الجملة فإنه لم كان منهما كذب بها عمدا أو خطأ لم يتفق في العادة أن يأتي كل منهما بتلك التفاصيل التي تمنع عادة اتفاق الاثنين عليها بلا مواطأة من أحدهما لصاحب )
قال إن كان الحديث جاء من جهتين أو من جهات هذا تعدد الطرق وقد علم أن المخبرين لم يتواطؤا على اختلاقه أي ليس بينهم تفاق أو مواطئه كما تقدم وعلم أن مثل ذلك تقع الموافقة فيه اتفاقاً من القصد , الشرط الثاني خلى عن التواطؤ قصداً .(1/64)
قال (فإن الرجل قد يتفق أن ينظم بيتا وينظم الآخر مثله أو يكذب كذا ويكذب الآخر مثلها أما إذا أنشأ قصيدة طويلة ذات فنون على قافية وروى فلم تجر العادة بأن غيره ينشئ مثلها لفظا ومعني مع الطول المفرط بل يعلم بالعادة أنه أخذها منه وكذلك إذا حدث حديثا طويلا فيه فنون وحديث آخر نمثله فإنه إما أن يكون واطأه عليه أو أخذه منه أو يكون الحديث صدقا وبهذه وجه من المنقولات وإن لم يكن أحدهما كافيا إما لإرساله وإما لضعف ناقله)
أي تعددت الطرق الآن وخلت المواطئه يقول الشيخ يبعد أن تكون كذباً جاءت الحادثة الآن من طريقين من ثلاثة من أربع إلى آخرة وخلت عن اتفاقهم لم يتواطؤا إلى آخره يقول هذا يبعد هذا يأتي بالتفاصيل وهذا يأتي بالتفاصيل واتفقت بغير قصد هذا بعد ، تكون الحادثة كذب .
قال (وبهذه الطريقة يعلم صدق عامة ما تتعدد جهاته المختلفة على هذا الوجه من المنقولات وإن لم يكن أحدهما كافيا إما لإرساله وإما لضعف ناقله )
لكن كما قلنا هذا رأي الشيخ رحمه الله وقلنا أن الصواب ما عليه الأئمة وأن المرسل التابعي من أقسام الضعيف .
قال ( لكن مثل هذا لا تضبط فيه الألفاظ والدقائق التي لا تعلم بهذه الطريقة)
إذا توفر هذان الطريقان الذين ذكرهما الشيخ سابقاً فإن هذه الطرق وإن كانت ضعيفة إلا أنها تدل على صحة الشيء في الجملة يعني الرواة فيهم ضعف لكن حصل هذان الأمران :
الأمر الأول : تعدد الطرق .
والأمر الثاني : انتفاء الواطئة قصداً أو اتفاقاً بغير قصد . يقول أن جملة الحادثة صحيحة ولو كانت الطرق بها ضعيفة هذا بالنسبة لجملة الحادثة .
أما بالنسبة للألفاظ الحادثة ودقائقها فهذه يقول لابد لها من الأساليب الصحيحة فهو يفرق الآن بين ما يتعلق بجملة الحادثة وبين ما يتعلق بين ألفاظ الحادثة ودقائقها فجملة الحادثة يقول يصح حتى ولو كان فيها المراسيل والضعاف إذا توفر فيها الشرطان السابقان .(1/65)
أما الدقائق فإنه لابد لها من طريق صحيح الألفاظ والدقائق فمثلا تثبت جملة الحادثة غزوة بدر تثبت في هذه الطرق وإن كان فيها ضعف يعني كونك تأتي من طرق متعددة هذا يبعد أن يكون فيها كذب فنثبت جملة الحادثة لكن بالنسبة لألفاظها ودقائقها هذه لابد لها من طريق صحيح .
قال (بل يحتاج ذلك إلى طريق يثبت بها مثل تلك الألفاظ والدقائق ولهذا ثبتت بالتواتر غزوة بدر وأنها قبل أحد )
فغزوة بدر وأنها قبل أحد هذه تثبت حتى ولو كان الطرق فيها ضعف فيها مراسيل تثبت ما دام متوفر الشرطان السابقان لكن بالنسبة لدقائقها وألفاظها تحتاج إلى طريق صحيح .
قال (بل يعلم قطعا أن حمزة وعليا وعبيدة برزوا إلى عتيبة والوليد وأن عليا قتل الوليد وأن حمزة قتل قرنه ثم يشك في قرنه هل هو عتبة أو شيبة)
هذا مثال لما تقدم من تفريق الشيخ بين الجملة والدقائق والألفاظ
قال ( وهذا الأصل ينبغي أن يعرف فإنه أصل نافع في الجزم في كثير من المنقولات في الحديث والتفسير والمغازي وما ينقل من أقوال الناس وأفعالهم وغير ذلك )
يقول هذه الطرق الضعيفة إذا تعددت ولم يكن هناك اتفاق مقصود أو مواطئه غير مقصودة يقول يعرف أن جملة الشيء وقع سواء كان ذلك في الحديث أو التفسير أو المغازي أما بالنسبة لدقائق والألفاظ كما سبق لابد لها من طريق صحيح .
قال(ولهذا إذا روي الحديث الذي يأتي فيه ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجهين مع العلم بأن أحدهما لم يأخذه عن الآخر - جزم بأنه حق لا سيما إذا علم أن نقله ليسوا ممن يعتمد الكذب وإنما يخاف على أحدهم النسيان والغلط)(1/66)
فيقول مثلاً قصة الظهار أن الظهار وقع وأن سبب الظهار سؤال أوس ابن الصامت لزوجته خوله بنت خويله بنت مالك إلى آخر هذه الأحاديث مرسلة لكن له طرق يشد بعضه بعضاً فنقطع هنا أن جملة القضية واقعة وأنه حصل ظهار من هذا الصحابي لهذه الصحابية أنها جاءت تسأل لكن بالنسبة للدقائق والألفاظ هذه لابد لها من طريق صحيح ولهذا في حديث ابن عباس رضي الله عنه في أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمظاهر فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به ,هو ممنوع من الوطئ قبل أن يكفر لأن الله عز وجل قال ( من قبل أن يتماسا ) في الإعتاق والصيام .
لكن بقينا في دواعي الوطء هل هو ممنوع من ذلك أو ليس ممنوع من ذلك هذا موضع خلاف ؟
الرأي الأول : بعض العلماء قال بأنه ممنوع لقول النبي صلى الله عليه وسلم فلا تقربها وهذا يشمل كل شيء .
الرأي الثاني : أنه ليس ممنوع من ذلك لأن الأصل الحل وقول الله عز وجل
( من قبل أن يتماسا ) المراد بالمسيس هنا الوطء كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما اللمس والمس والمباشر أي الجماع ولكن الله يكليه .
وعلى هذا فإن دواعي الوطء جائزة وأن قوله فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به هذه اللفظة تحتاج إلى طريق صحيح مرسل غير ثابت فتحتاج إلى طريق صحيح ففرق بين الجملة, الجملة صحيحة وأنه حصل هذا وأما الألفاظ والدقائق لابد لها من طريق صحيح .
قال ( فإن من عرف الصحابة كابن مسعود وأبي بن كعب وابن جابر وأبي سعيد وأبي هريرة وغيرهم علم يقينا أن الواحد من هؤلاء لم يكن ممن يعتمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فضلاً عمن فوقهم )
يعني هؤلاء من صغار الصحابة فضلاً عمن فوقهم كأبي بكر وعمر إلى آخرة.
قال ( كما يعلم الرجل من حال من جربه وخبره خبره باطنة طويلة أنه ليس ممن يسرق أموال الناس ويقطع الطريق ويشهد بالزور ونحو ذلك )(1/67)
يعني هؤلاء الصحابة يعرف عنهم بأنهم ليسوا ممن يتعمدون الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أن الرجل إذا خبرته وعرفت ظاهره وباطنه ليس ممن يسرق أو يشهد الزور ولا يقطع الطريق تشهد له بذلك .
قال ( وكذلك التابعون بالمدينة ومكة والشام والبصرة )
كما ذكر حال الصحابة أنهم لا يتعمدون الكذب كذلك حال التابعين رضي الله تعالى عنهم ثم أتباع التابعين .
قال ( فإن من عرف مثل أبي صالح السمان )
أبي صالح السمان تابعي جليل ثقة إمام من رجال الصحيح أسمه دكوان المدني توفي سنة مائة وواحد للهجرة .
قال ( و الأعرج )
الأعرج من تلامذة أبي هريرة أخذ كثيراً عن أبي هريرة وهو تابعي جليل وأخذ عنه الزهري وأبو الزبير ومحمد ابن مسلم المكي وأبوالزناد المدني , قال البخاري أصح الأسانيد أبوالزناد عن الأعرج عن أبي هريرة توفي رحمه الله سنة سبع عشرة ومائة للهجرة بمصر .
قال ( وسليمان ابن يسار )
سليمان ابن يسار إمام ثقة أحد الفقهاء السبعة وهو تابعي جليل ومن تلامذته أبي قتادة والزهري وعمر ابن شعيب توفي سنة مائة وعمره ثلاث وسبعون سنة .
قال ( وزيد ابن أسلم )
تقدم .
قال ( وأمثالهم علم قطعاً أنهم لم يكونوا ممن يعتمد الكذب في الحديث فضلاً عمن فوقهم )
يعني هو أراد أن يبين أن هؤلاء الرواة لا يتعمدون ولكن يخشى عليهم ماذا الغلط والنسيان وهذا يأتي بكثرة الطرق هذا ما أراده الشيخ .
(مثل محمد بن سيرين والقاسم بن محمد أو سعيد بن المسيب أو عبيدة السلماني أو عقلمة أو الأسود أو نحوهم وإنما نخاف على الواحد من الغلط فإن الغلط والنسيان كثيرا ما يعرض للإنسان ومن الحفاظ من قد عرف الناس بعده عن ذلك جدا كما عرفوا حال الشعبي و الزهري و عروة)(1/68)
عروة ابن الزبير هذا كثير الإرسال عن عائشة ولد سنة تسع وعشرين وتوفي سنة ثلاث وتسعين وأخذ العلم عن خالته عائشة رضي الله عنها وكذلك أخذه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وعروة لم يدخل في شيء من الفتن وكان عالماً ثبتاً ثقة ولكنه كثير الإرسال عن عائشة .
والشعبي أسمه عامر ابن شراحيل الشعبي توفي سنة ثلاث مئة للهجرة وأدرك ما يقرب من خمس مائة صحابي وهو أيضاً من المرسلين .
وأيضاً الزهري هو محمد ابن شهاب الزهري توفي سنة أربع وعشرين ومائة للهجرة هو من المرسلين وهو عن المحدثين أن مراسيل الزهري ضعيفة ومن تلامذته الإمام مالك والليث ابن سعد وهو الذي دون السنة بأمر من عمر ابن عبد العزيز رحمه الله .
وموسى ابن عقبه هذا أخذ عن عروة ابن الزبير وعلقمه ابن الوقاص الليثي وله كتاب في المغازي والسير نقل البيهقي أغلبه في دلائل النبوة وهو عنده إرسال.
ومحمد ابن إسحاق المدني وتقدم الكلام عليه , وهو أحد الإئمه في المغازي والسير وتقدم الإمام مالك رحمه الله يقول أنه دجال كذاب وهو مرسل ولكن الإمام أحمد رحمه الله يرى أنه حسن الحديث والصحيح ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله لكن بشرط عدم العنعنه ويصرح بالتحديد لأنه مرسل .
وأيضاً يحيى ابن سعيد الأموي وهو إمام ثقة من تلامذة الإمام أحمد رحمه الله وسعيد ابن يحيى توفي سنة أربع ومائة .
وكذلك الوليد ابن مسلم الأموي توفي سنة خمس وتسعين ومائة وهذا أيضاً عنده إرسال .
ومحمد ابن عمر الواقدي المدني وهذا أيضاً ضعيف وشيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله يقول لا يحتج بمراسيله فكيف بما أسنده .
يفرق بين مسألتين ما يتعلق بالجملة وما يتعلق بالتفصيل ؟
أما يتعلق بالجملة تثبت بعدة طرق . كما ذكر الشيخ رحمه الله شرطين :
الشرط الأول : أن تكون الطرق متعددة .
الشرط الثاني : ليس هناك اتفاق بين المخبرين أو مواطئه .(1/69)
فإذا توفر هذان الشرطان فإن جملة الحادثة تثبت بذلك . أما ما يتعلق بالتفاصيل والألفاظ والدقائق هذه لابد لها من الطرق الصحيحة .
قال (و قتادة و الثوري وأمثالهم لا سيما الزهري في زمانه والثوري في زمانه فإنه قد يقول القائل)
قتادة اسمه قتادة ابن دعامة السدوسي وهو أحد التابعين الأجلاء وأحد الحفاظ وهو من أصحاب ابن عباس وأنس أخذ عن أنس وابن عباس رضي الله تعالى عنهما توفي سنة سبع وعشرة ومائة للهجرة .
والثوري وهو من بني ثور أيضاً هذا من الأئمة الحفاظ وعلم من الأعلام عرف بالزهد والورع والحفظ وهو إمام ثقة توفي بالبصرة رحمه الله سنة إحدى وستين ومائة للهجرة وله سبع وسبعون سنه .
قال ( فإنه قد يقول القائل أن ابن شهاب و الزهري لا يعرف له غلط مع كثرة حديثه وسعة حفظه والمقصود أن الحديث الطويل إذا روي مثلا من وجهين مختلفين من غير مواطأة امتنع أن يكون غلطا كما امتنع أن يكون كذبا فإن الغلط لا يكون في قصة طويلة متنوعة وإنما يكون في بعضها )
كما تقدم أن جملة الحديث إذا تعدت طرقة نحكم بأنه واقع على جملة الحديث يعني إذا جاء طريق بهذا الحديث ثم جاء طريق بهذا الحديث مثلا شراء النبي عليه الصلاة والسلام لجمل جابر جاء طريق بهذا الشراء ثم جاء طريق آخر بهذا الشراء نقطع أن ملة هذا الشراء موجود وأنه حصل لكن الدقائق والتفاصيل هذه لا بد لها من طريق صحيح .
قال (فإذا روى هذا قصة طويلة متنوعة وراوها الآخر مثلما رواها الأول من غير مواطأة امتنع الغلط في جميعها كما امتنع الكذب في جميعها من غير مواطأة ولهذا إنما يقع في مثل ذلك غلط في بعض ما جرى في القصة مثل حديث اشتراء النبي صلى الله عليه وسلم البعير من جابر فإن من تأمل طرقه علم قطعا أن الحديث صحيح وإن كان اختلفوا في مقدار الثمن )
يعني مقدار الثمن كم هذا يحتاج إلى طريق صحيح , أما جملة الواقع أو الشراء فهذا نقطع بحصوله .(1/70)
قال ( وقد بين ذلك البخاري في صحيحة و مسلم مما يقطع بأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله لأن غالبه من هذا النحو ولأنه تلقاه أهل العلم بالقبول والتصديق
والأمة لا تجتمع على خطأ فلو كان الحديث كذبا في نفس الأمر والأمة مصدقة له كانوا قد أجمعوا على التصديق ما في نفس الأمر كذب وهذا إجماع على الخطأ وذلك ممتنع )
أي ممتنع أن تجمع الأمة على الخطأ.
ذكر الشيخ رحمه الله بأن جمهور ما في البخاري ومسلم هي الأحاديث الواردة في البخاري ومسلم قال يقطع بأن النبي صلى الله عليه وسلم قالها.
قال ماهي العلة في ذلك ؟
الوجه الأول : قال لأن غالب هذه الأحاديث من الطرق متعددة ,ولهذا البخاري ومسلم انتقوا أحاديثهم من آلاف الأحاديث , فنقول غالبها صحيح .
الوجه الثاني : أن أهل العلم تقبلوها بالقبول والتصديق والأمة لا تجتمع على خطأ.
يعني كون أهل العلم من الأمة ولا عبر بالعامة لكن العلماء من الأمة كونهم يتقبلونها بالقبول والتصديق هذا يدل على أنها صحيحة لأن الأمة لا تجتمع على خطأ معصومة , وقد ورد حديث وإن كان ضعيف ( لا تجتمع أمتي على ضلالة ) ورد عن ابن مسعود بسند صحيح ( ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن ) وهذا موقوف عن ابن مسعود .
قال (وإن كنا بدون الإجماع نجوز الخطأ أو الكذب على الخبر فهو كتجويزنا قبل أن قبل أن نعلم الإجماع على العلم الذي ثبت بظاهر أو قياس ظني أن يكون الحق في الباطل بخلاف ما اعتقدناه فإذا أجمعوا على الحكم جزمنا بأن الحكم ثابت باطناً وظاهرا )
يعني إذا أجمعت الأمة على حكم نجزم أنه ثابت ظاهر وباطن ولكن إذا ما أجمعوا يحتمل الكذب ويحتمل الخطأ لكن غالب ما صحيح البخاري ومسلم صحيح للأمرين الذين ذكرهما الشيخ رحمه الله .
قال ( ولهذا كان جمهور أهل العلم من جميع الطوائف على أن خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول تصديقاً له أو عملاً به أنه يوجب العلم )
هنا تعرض المؤلف لخبر الواحد .(1/71)
خبر الآحاد : هو الذي لم يبلغ حد التواتر أو لم يجمع شروط المتواتر .
خبر الواحد هل يفيد العلم أو يفيد الظن ؟
وهذه المسألة تكلم عليها أهل العقيدة والذين بحثوا في العقائد وأطالوا فيها , وابن القيم تكلم عنها في ( النونية ) وكذلك شراحها لأن أهل البدع خاضوا في هذه المسألة وأن خبر الواحد لا يفيد العلم إلى آخره , ويوصلهم ذلك إلى رد أسماء الله وصفاته ولهذا أطال فيها أهل السنة وأطالوا الباع في هذه المسألة .
فهل خبر الواحد هل يفيد العلم أو يفيد الظن أو تفيد العلم بالقرائن ؟
وسبق أن تعرضنا لهذه المسألة والشيخ رحمه الله ذكر أنها تفيد العلم لأنه قال تصديقاً له إن كان خبراً أو عملاً به إن كان إنشاءً أنه يوجب العلم .
ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث الآحاد من صحابته إلى البلدان بالتوحيد وفي أخذ الصدقات وجلبها, فبعث معاذ وبعث أبا موسى الأشعري وبعث على ابن أبي طالب إلى آخره هذا يدل على أنه يفيد العلم أيضاُ الرسل يبعثون آحاد ولا يبعث معم أحد ولا فرق بين أمور العمليات وبين أمور العقائد , وأيضاً العمومات ( ادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنه وجادلهم بالتي هي أحسن ) و ( وقل هذه سبيلي 00 ) وهذا يشمل الواحد وغير الواحد .(1/72)
قال ( وهذا هو الذي ذكره {المنصفون (1) في أصول الفقه من أصحاب أبي حنيفة و أمالك و الشافعي و أحمد إلا فرقة قليلة من المتأخرين اتبعوا في ذلك طائفة من أهل الكلام أنكروا ذلك ولكن كثيرا من أهل الكلام أو أكثرهم يوافقون الفقهاء وأهل الحديث السلف على ذلك وهو قول أكثر الأشعرية كأبي إسحاق و ابن فورك وأما ابن الباقلاني فهو الذي أنكر ذلك وتبعه مثل أبي المعالي و أبي حامد و ابن عقل و ابن جوزي و ابن الخطيب و الآمدي ونحو هؤلاء والأول هو الذي ذكر القاضي عبد الوهاب وأمثاله من المالكية وهو الذي ذكره شمس الدين السرخسي وأمثاله من الحنفية وهو الذي ذكر أبو يعلي و أبو الخطاب و أبو الحسن بن الزاغوني وأمثالهم من الحنبلية}
يعني أن العلماء اختلفوا في خبر الآحاد هل يفيد العلم أولا ؟
الرأي الأول : ذهب إليه ابن حزم رحمه الله وكذلك رأي الشيخ أنه يفيد العلم و أيضاً ذهب إليه أبو حامد وأبو الطيب وأبو إسحاق هؤلاء من أئمة الشافعية وأيضا القاضي عبد الوهاب من أئمة المالكية والسرخسي من أئمة الحنفية وأبو يعلى وأبو الخطاب وأبو الحسن الزاهوري من أئمة الحنابلة , هؤلاء الأئمة ذكروا أن خبر الواحد يفيد العلم .
الرأي الثاني : أن الخبر الواحد يفيد الظن ولا يتعدد طرقه ما لم يبلغ حد التواتر هذا قال به طوائف من المتكلمين والنووي في كتابه ( التقريب والإرشاد) انتصر لهذا القول وهذا الذي ذهب إليه أبو المعالي من الشافعية وأبو حامد وابن عقيل وابن جوزي وهؤلاء من الحنابلة وابن خطيب والآمدي من الشافعية .
الرأي الثالث : أنه يفيد الظن بالقرائن توصله إلى اليقين وهذا ذهب إليه ابن حجر رحمه الله تعالى .
من أمثلة على القرائن:
__________
(1) هذا هو الصواب )(1/73)
1- إخراج البخاري ومسلم للحديث هذه قرينه لأن هؤلاء الشيخين تلقت الأمة أحاديثهما بالقبول وقال الشيخ فإن جمهور ما في البخاري ومسلم مما يقطع أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله وهو الغالب وإن كان هناك أحاديث منتقده على البخاري ومسلم وإن الأحاديث المنتقدة على البخاري أقل من الأحاديث المنتقدة على مسلم هذه قرينه .
2- كثرة طرق الحديث و سلامتها من الشذوذ والعلة وضعف الرجال هذا مما يرفع وينقله على الظن إلى اليقين.
3- إخراج رواية الأئمة له كأن يروى الأحاديث ألإمام أحمد ويشاركه فيه غيره أو الإمام مالك ويشاركه فيه غيره أو يرويه الشافعي ويشاركه فيه غيره , إلى آخرة .
هذا الخلاف هل له ثمرة أوليس له ثمرة ؟
عند أهل السنة لا خلاف له خلاف لفظي لأن خبر الآحاد يجب العمل به في الأحكام والعقائد . ولهذا أن النووي أيد الرأي الثاني الذي يفيد الظن قال يؤخذ به في العقائد , أما عند المتكلمين لا يؤخذ به في العقائد وهذا ما يترتب عليه تعطيل الصفات .
قال المؤلف رحمه الله إذا تلقته الأمة بالقبول تصديقاً له أو عملا به خبر الآحاد وهذا يؤيد القول الثالث أنه يفيد الظن بالقرائن ومن القرائن تلقته الأمة بالقبول تصديقاً له أو عملا به .
قال ( وإذا كان إلإجماع على تصديق الخبر موجباً للقطع به فالاعتبار في ذلك بإجماع أهل العلم بالحديث , كما أن الإعتبار بالإجماع على الأحكام بإجماع أهل العلم بالأمر والنهي والإباحة )
أراد المؤلف رحمه الله هنا في هذه الجملة أن إجماع كل ذي اختصاص باختصاصه فمثلا إجماع أهل الحديث في الحديث , وإجماع أهل الفقه يكون في الفقه , وإجماع أهل النحو يكون في النحو , وعلى هذا إذا أجمعوا أهل الحديث على أن خبر الآحاد إذا احتكت به القرائن أنه يفيد العلم فلا عبر بما يخالفهم من الفقهاء .(1/74)
قال ( والمقصود هنا أن تعدد الطرق مع عدم التشاعر أو الاتفاق في العادة يوجب العلم بمضمون المنقول لكن هذا ينتفع به كثيرا في علم أحوال الناقلين )
هنا أشار المؤلف إلى مسألة تعدد الطرق : قال يوجب العلم بمضمون المنقول فإذا تعددت الطرق وخلية هذه الطرق من الشذوذ والعلل وضعف الرجال إلى آخرة هذا يرتقي من درجة الظن إلى درجة العلم واليقين .
قال ( وفي مثل هذا ينتفع برواية المجهول والسيئ الحفظ وبالحديث المرسل ونحو ذلك)
يعني مع تعدد الطرق فرواية المجهول وسيئ الحفظ والمرسل إلى آخر هذا مع تعدد الطرق , أما خلاف ذلك لا ينتفع بها .
ما هو تعريف الحديث الحسن ؟
والضعيف يرتقي للحسن مع تعدد الطرق .
قال ( ولهذا كان أهل العلم ولهذا كان أهل العلم يكتبون مثل هذه الأحاديث ويقولون : إنه يصلح للشواهد والاعتبار )
نعم يصلح للشواهد والاعتبار .
الشاهد : هو ما كان عن صحابي آخر. كأن أبي هريرة يروي حديثا ثم أنس يروي حديثاً أخر سواء كان بالفظ أو بالمعنى هذا يسمى عن المحدثين شاهد .
الاعتبار : هو تتبع طرق حديث انفرد بروايته راو ليعرف هل شاركه في روايته راو أو لا .
التابع : هو ما كان عن نفس الصحابي .
قال ( قال أحمد قد أكتب حديث الرجل لأعتبره ومثل ذلك بعبد الله بن لهيعة قاضي مصر فإنه كان من أكثر الناس حديثا ومن خيار الناس لكن بسبب احتراق كتبه وقع في حديثه المتأخر غلط فصار يعتبر بذلك ويستشهد به )
الإمام أحمد رحمه الله روى عن عبد الله بن لهيعه وهو قاضي مصر وكان كثير الحديث وكان من خيار الناس ولكنه اختلط بسبب احتراق كتبه ولهذا اختلف فيه المحدثون أي في أحاديثه على أقوال , منهم من قبلها منهم من ردها ومنهم من فصل وقال من سمع منه قبل احتراق كتبه فصحيح ومن سمع منه بعد احتراق كتبه فهذا غير صحيح .
قال (وكثيرا ما يقترن هو والليث بن سعد والليث حجة ثبت إمام)(1/75)
كما قلنا أن المحدثين اختلفوا فيه كان رجلا صالحاً خيراً منهم من قبلها منهم من ردها ومنهم من فصل وقال من سمع منه قبل احتراق كتبه فصحيح ومن سمع منه بعد احتراق كتبه فهذا غير صحيح .
قال ( وكما أنهم يستشهدون ويعتبرون فالحديث الذي فيه سوء حفظ )
الاعتبار كما تقدم لنا وهو تتبع طرق حديث انفرد بروايته راو ليعرف هل شاركه في روايته راو أو لا .
قال (فإنهم أيضا يضعفون من حديث الثقة الصدوق الضابط أشياء تبين لهم غلطة فيها بأمور يستدلون بها ويسمون هذا علم علل الحديث )
وهذه طريقة الأئمة وهم لا ينظرون إلى ظاهر السلف فقط وإنما ينظرون إلى العلة والشذوذ .
والعلة : سبب خفي غامض يقدح في صحة الحديث .
الشذوذ: مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه .
وسبق أن ذكرنا أن شروط الحديث الصحيح خمسه .
1- اتصال السند : وهو أن يكون كل راو من رواة أخذه عمن فوقه مباشرةً
2- العدالة : وهو أن يكون كل راو من رواة الحديث اتصف كونه بالغاً عقلاً غير مخل بالمروءة . وذكرنا أن العلماء يختلفون في ضوابط العدالة والمبتدع هل يؤخذ منه أولا يؤخذ منه , تقدم .
3- الضبط : وهو أن يكون كل راو من رواته تام ضبط الحديث ضبط سدر أو ضبط كتاب .
4- العلة القادحة .
5- عدم الشذوذ .
والآن كثير من المتأخرين ينظر إلى الشروط الثلاث الأول فقط ثم يقول أنه صحيح , ولا ينظر إلى ما يتعلق بعلل والحديث والشذوذ ولهذا تجد أن البوصيري في ابن ماجه والعراقي وأحمد شاكر والهيثمي إلى آخرة , وابن حجر يقول فتح إسناده جيد , وهذا كله حكم على السند فقط وليس على الحديث
أما الأئمة تجد أن عندهم السند صحيح تجد أنه ضعفه البخاري أو الإمام أحمد رحمه الله هذا الحديث ويأتي واحد من المتأخرين ويقول أنه غير صحيح وينتقد الأئمة ويرى أن الرواة عدول وأنهم ثقاة وأنه متصل يقول صحيح ويظن أنه أتى بشيء خفا على الأئمة وجهلوه وهذا فيه نظر ولهذا ضرب الشيخ رحمه الله أمثله لهذا .(1/76)
وهذا سببه السرعة . خلاف الأئمة ينظرون إلى طرق الحديث ويقارنون كما في ابن لهيعه قال الشيخ أنه صدوق ولكن احترقت كتبه وقالوا العلماء أضبط الناس فيه ابن وهب وابن المبارك لماذا لأنهم أخذوا عنه قبل الاحتراق وغيرهم بعد الاحتراق وخلط , فإذا جاء في السند عن ابن لهيعه وأخذه ابن المبارك هنا نقول أنه صحيح .
قال (وهو من أشرف علومهم)
طيب إذا قال إسناده صحيح فهل هذا حكم على الحديث كله أو حكم على إسناده نقول حكم على إسناده ولكن قال ابن الصلاح إذا كان حافظاً مطلعاً فيكون حكم على الحديث كله , والصحيح أنه خاص بالمتقدمين إذا قال الإمام أحمد إسناده صحيح يعني الحديث صحيح وكذلك البخاري وابن المديني وغيرهم .
قال (بحيث يكون الحديث قد رواه ثقة ضابط وغلط فيه, وغلطه فيه عُرِف إما بسبب ظاهر : كما عرفوا أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم وأنه صلى في البيت ركعتين)
النبي عليه الصلاة والسلام تزوج ميمونة وهو حلال هذا هو الصحيح , ولكن روى ابن عباس أنه تزوج ميمونة وهو محرم في الصحيحين وهو محرم , لكن حكم الأئمة أن ابن عباس غلط في ذلك , ويدل ذلك أن ميمونة نفسها وهي صاحبة القصة أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي حلال وأن أبا رافع السفير بينهما أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي حلال وكيف الجواب عن حديث ابن عباس نقول أن ابن عباس لم يعلم بزواج ميمونة إلا بعد أن أحرم النبي صلى الله عليه وسلم فظن أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم .
قال ( وجعلوا رواية ابن عباس لتزوجها وهو محرم ولكونه لم يصل مما وقع فيه الغلط) هل صلى النبي صلى الله عليه وسلم في البيت أم لم يصلي في البيت ؟
ابن عباس يقول أنه ما صلى وهذا حكم عليه الأئمة بالغلط .
قال ( وكذلك أنه اعتمر أربع عمر , وعلموا أن قول ابن عمر إنه اعتمر في رجب مما وقع فيه الغلط)(1/77)
ذكر ابن عمر أن ليس من عُمر النبي صلى الله عليه وسلم شيء في رجب فعُمر النبي صلى الله عليه وسلم أربع عمر :
العمرة الأولى : عُمرة الحديبية وفيها صد النبي صلى الله عليه وسلم ورجع ولم يدخل مكة .
العمرة الثانية : عُمرة القضاء فإنه أتى في العام القادم بعد أن تصالح مع قريش ودخل مكة واعتمر عليه الصلاة والسلام .
العمرة الثالثة : عُمرة الجعرانه .
العمرة الرابعة : هي التي مع حجة الوداع فإن النبي صلى الله عليه وسلم حج قارناً .
قال ( وعلموا أنه تمتع وهو آمن في حجة الوداع وأم قول عثمان لعلي كنا يومئذٍ خائفين مما وقع فيه الغلط )
النبي صلى الله عليه وسلم تمتع وهو آمن أما قول عثمان كنا يومئذِ خائفين مما وقع فيه خطأ عثمان رضي الله عنه لا يرى المتعة كذلك ابن عمر لا يرى المتعة و أبو بكر وقول عثمان هذا ليس بصواب فإن النبي صلى الله عليه وسلم تمتع وهو آمن والصواب أن المتعة مشروعة في حال الأمن وفي حال الخوف مالم يسق الهدي فإن الأفضل القِران كما هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم أو يعتمر في غير أشهر الحج ويمكث في مكة فالأفضل الإفراد .
فنقول الأفضل التمتع إلا في حالتين :
الحالة الأولى : أن يسوق الهدي من الحل فنقول الأفضل القران .
الحالة الثانية : أن يعتمر قبل أشهر الحج قبل شوال ويمكث في مكة فالأفضل الإفراد .
قال ( وإما ما وقع في طرق البخاري أن النار لا تمتلئ حتى ينشئ الله لها خلقا آخر مما وقع فيه الغلط وهذا كثير)(1/78)
هذا لا إشكال أن هذا الحديث غلط أن النار لا تمتلئ حتى (يمسك) الله لها خلق آخر هذا وإن كان أخرجه البخاري لكنه غلط لأن الله عز وجل لا يمكن أن يخلق خلقاً لمجرد أن يعذبهم الله عز وجل يقول ( ولا تزروا وآزرتاً وزر أخرى ) فلا يمكن أن يخلق خلقاً لمجرد أن يعذبهم , وأيضاً النار لا تزال يوضع فيها من أهلها وتقول هل من مزيد حتى يوضع فيها رب العزة قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قطٍ قط , ولأن هذا ينافي عدل الله ورحمته فنقول أن هذا الحديث غلط من عدة أوجه :
الوجه الأول :قول الله عز وجل ( ولا تزروا وآزرتاً وزر أخرى ) فلا يمكن أن يخلق خلقاً لمجرد أن يعذبهم
الوجه الثاني : أن هذا منافي الحديث الصحيح أنا النار لا تزال يوضع فيها من أهلها وتقول هل من مزيد حتى يوضع فيها رب العزة قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قطٍ قط .
قال (والناس في هذا الباب طرفان : طرف من أهل الكلام ونحوهم ممن هو بعيد عن معرفة الحديث وأهله )
الناس طرفان ووسط منهم من رأى ظاهر الإسناد ويجزم بأن الحديث صحيح وهذا يتعلق فيما تقدم لنا في شذوذ الأحاديث
كما قلنا بالنسبة أن كثير من المتأخرين يحكون على الإسناد , وذكرنا أن الحديث الصحيح يشترط لصحته خمسة شروط :
أن يرويه عدل , تام الضبط عن مثله , بسند متصل, من غير شذوذ ولا علة . قلنا يحكم على الحديث بالصحة دون أن ينظر إلى العلول والشذة وهذا ما عليه أكثر المتأخرين اليوم وإن كان الآن في الجامعات بدأ الرجوع إلى مذهب الأئمة .
قال (لا يميز بين الصحيح والضعيف فيشك في صحة أحاديث أو في القطع بها مع كونها معلومة مقطوعا بها عند أهل العلم به )
يعني قد يكون الحديث صحيح ثابت وأثبته الأئمة ومع ذلك تجد أنه يشكك في صحته وإثباته إلى آخرة .(1/79)
قال ( وطرف ممن يدعي اتباع الحديث والعمل به كلما وجد لفظا في حديث قد رواه ثقة أو رأي حديثا بإسناد ظاهر الصحة يريد أن يجعل ذلك من جنس ما جزم أهل العلم بصحته حتى إذا عارض الصحيح المعروف أخذ يتكلف له التأويلات الباردة أو يجعله دليلا في مسائل العلم مع أن أهل العلم بالحديث يعرفون أن مثل هذا غلط )
غالباً الآن ما خرج عن الصحيحين وأيضاً ما خرج عن جملة السنن وإن كان ما انفرد به ابن ماجة الغالب الضعف , ومثل ما يوجد في الدارقطني والبيهقي وغير ذلك هذا يغلب عليها الغرائب والشذوذ . فهؤلاء الأئمة الذين دونوا تلك الدواوين إنما انتقوا من هذه الأحاديث ووضعوها في كتبه.
قال ( وكما أن على الحديث أدلة يعلم بها أنه صدق وقد يقطع بذلك فعليه أدلة يعلم بها أنه كذب ويقطع بذلك)
قصد الشيخ رحمه الله أننا لا ننظر إلى ظاهر الإسناد فقط قد يكون ظاهر الإسناد صحيح لكن هذا الحديث نحكم أنه ضعيف لكونه يخالف أصل من أصول الشريعة أو يخالف ما علم من القرآن وما علم من السنة وضرب الشيخ كما سبق مثل (النار) وهذا بالبخاري ولكن بعيد أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد قاله مثل ما سبق لنا في (عمدة الأحكام) (من استطاع منكم أن يطيل غرته فل يفعل) يقول شيخ الإسلام لا يمكن أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام , لأن الغرة تكون في الوجه كيف يطيلها فهذا لا يمكن أن يخرج من مشكاة النبوة وفي مسلم إسناده صحيح ولكن إذا عرفنا أنه مخالف لأصل من أصول الشريعة أو ما علم من القرآن وما علم من السنة أو مخالف للغة العربية أن الكلام هذا لا يمكن أن يخرج من النبي عليه الصلاة والسلام فهذا نحكم بأنه ضعيف ومن ذلك حديث ابن عباس ( الطوع بالبيت صلاة إلا أن الله أباح به الكلام ) هذا لا يمكن أن يخرج من النبي عليه الصلاة والسلام مع أن بعض العلماء صححه وأثبته ورتب عليه أحكام مثل هذا لا يمكن أن يخرج من النبي عليه الصلاة والسلام .(1/80)
قال ( مثل ما يقطع بكذب ما يرويه الوضاعون من أهل البدع والغلو في الفضائل مثل حديث يوم عاشوراء وأمثاله مما فيه : أن من صلى ركعتين كان له كأجر كذا وكذا نبيا )
يعني من علامات وضع الحديث كما تقدم أن يأتي أجر كثير مرتب على عمل يسير .
وكذلك بعض التفاسير فيها أحاديث موضوعه كثيرة وأحاديث ضعيفة وابن أبي مريم أحد الوضاعين يقول وضعت في كل سورة من سور القرآن فضلاً كمن قرأ كذا فله كذا لأنه لما رأى الناس عزفوا عن قراءة القران واشتغلوا بمغازي ابن إسحاق وضع لكل سوره من سور القران فضل .
قال (وفي التفسير التفسير من هذه الموضعات قطعة كبيرة , مثل الحديث الذي يرويه الثعلبي والواحدي )
الثعلبي أسمه أحمد ابن إبراهيم الثعلبي توفي رحمه سنة سبع وعشرين وأربع مائة للهجرة وتفسيره مصدر للإسرائيليات والخرفات وحشاه رحمه الله بكثير من الأحاديث الضعيفة والموضوعة وهو أيضاً على مذهب الأشاعرة لأنك إذا قرأت في تفسيره نجد أنه يتأول الأحاديث على خلاف أهل السنة والجماعة الواحدي من تلاميذ الثعلبي والواحدي أسمه على ابن أحمد ابن محمد الواحدي أبو الحسن ولد رحمه الله ثمانٍ وتسعين وثلاث مئة للهجرة وأخذ عن علماء كثر من علمائه الثعلبي والواحدي له ثلاثة تفاسير الأول: البصير, والثاني: الوصير والثالث: الوجيز, توفي ثمان وستين وأربع مائة للهجرة , وأيضاً الواحدي الواحدي عنده أشعريه كشيخه .
قال (والزمخشري )(1/81)
الزمخشري هذا رأس من رؤس المعتزلة كتابه ( الكشاف ) هذا يعتبر مصدر للاعتزال ولهذا الذهبي رحمه يقول كن حذراً من كشافة ولذلك له دقائق في الاعتزال والزمخشري أسمه أبو القاسم محمود ابن عمر الزمخشري وهو من كبار المعتزلة يقول بخلق القرآن أيضاً كان يجاهر بلإعتزال , فإذا طرق الباب على أحد وقيل له من قال أبو القاسم المعتزلي وهو قال أنه لما ألف كتابه الكشاف كتب في مقدمته الحمد لله الذي خلق القرآن فقيل له أنت تقول الحمد لله الذي خلق القرآن فالناس لا ينظرون فيه فكتب الحمد لله الذي (جعل) القرآن وجعل بمنزلة (خلق) فكتابة يؤخذ الحذر منه .
قال ( في فضائل سور القرآن سورة سورة فإنه موضوع باتفاق أهل العلم
و الثعلبي هو نفسه كان فيه خير ودين وكان حاطب ليل ينقل ما وجد في كتب التفسير من صحيح وضعيف وموضوع )
تفسير الثعلبي قال عنه الشيخ حاطب ليل ما يميز كما ذكرنا و تفسير الثعلبي مصدر للإسرائيليات والأحاديث الضعيفة والموضوعة مثل هذا يحذر منه .
قال ( والواحدي كان أبصر منه بالعربية )
الواحدي كما سبق ذكرنا عنه وقصده كان أبصر منه بالعربية لعله يشير إلى تفسير الوسيط للواحدي لأن يغلب عليه جانب اللغة العربية فتجد أنه ينقل كثيراً عن أئمة اللغة ينقل عن سبوية وبنقل عن الأزهري والفراء وعن أبي كيسان والخليل ابن أحمد ويتميز الواحدي أنه مسند فهو يروي الحديث بالسند وضمن تفسيره بكثير من أقوال الصحابة فهو متميز عن الثعلبي بأنه :
1- أنه يغلب عليه جانب اللغة العربية .
2- أنه يروي الحديث بالسند .
3- أنه ضمن تفسيره بكثير من أقوال الصحابة رضي الله عنهم .
قال ( لكن هو أبعد عن السلامة وإتباع السلف والبغوي تفسيره مختصر عن الثعلبي )(1/82)
البغوي من علماء السلف اسمه أبو محمد الحسين ابن مسعود ابن محمد المعروف الفرَا توفي رحمه الله سنة خمسمائة وعشرة للهجرة ومعتقدة معتقد أهل السنة والجماعة سلفي يثبت الصفات كما جاء في القرآن والسنة ويثبت ما أثبته الله لنفسه وما أثبته له نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في سنة من غير تحريف ولا تكيف ولا تعطيل ولا تمثيل وهذا هو الغالب عليه وإن كان أول في بعض الصفات لأن أخذ من الثعلبي والثعلبي عنده أشعريه وإلا الأصل أن تفسير البغوي من تفاسير السلف أهل السنة والجماعة .
قال ( تفسيره مختصر من الثعلبي لكنه صان تفسيره عن الأحاديث الموضوعة والآراء المبتدعة )
تفسير البغوي جيد وهو مختصر لتفسير الثعلبي ولكن البغوي صان كتابة من الأحاديث الموضوعة والآراء المبتدعة إلا أنه تابع الثعلبي في بعض الأشياء , أيضاً البغوي يكثر النقل عن الكلبي ومقاتل والكلبي ومقاتل كل منهما ضعيف .
ومن الأمثلة على التفاسير التي يكثر فيها الأحاديث الضعيفة تفسير الرازي , والزمخشري والثعلبي والبغوي فيه .
والشيخ محمد أبو شهبه له كتاب في هذا الموضوع أسمه ( الأحاديث الضعيفة والموضوعة في كتب التفسير ) .
قال (والموضوعات في كتب التفسير كثيرة ومنها الأحاديث الكثيرة الصريحة في الجهر بالبسملة )
هل ثبت شيء من الأحاديث بالجهر بالبسملة بالصلاة أو لم يثبت ؟
ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله أنه لا يصح بالجهر بالبسملة حديث كما ذكر ذلك في النكت .(1/83)
واختار شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله أنه لا بأس بالجهر بالبسملة أحياناً للتأليف , والجهر بالبسملة ورد فيها أحاديث ومصنفات مستقلة مثل الدارقطني رحمه الله له مصنف مستقل في الأحاديث الواردة في الجهر بالبسملة , ويظهر والله أعلم أن الجهر بالبسملة أنه ورد لكثرة الأحاديث تدل على أنه له أصل خلاف لما ذكره الحافظ رحمه الله , ولهذا ذكر شيخ الإسلام رحمه الله يذهب إلى أنه يستحب الجهر بالبسملة في بعض الأحيان للمصلحة لأن الشافعية يرون أن البسملة آية من الفاتحة وأنه يجهر بها فشيخ الإسلام يرى أن البسملة في بعض الأحيان للتأليف مستحب .
قال ( وحديث علي الطويل في تصديقه بخاتمه في الصلاة فإنه موضوع باتفاق أهل العلم )
هذا الحديث أخرجه الطبري في تفسيره ولا يصح ولا يثبت وإنما هو من وضع الرافضة .
قال (ومثل ماروي في قوله ( ولكل قوم هاد ) )
هذا أخرجه ابن جرير رحمه الله في تفسيره وإسناده كلهم شيعة وهذا كله يدل على أنه من وضع الشيعة قاله ولكل قوم هاد قالوا أن المراد به علي رضي الله عنه وهذا كما أسلفنا إسناده كلهم شيعة وهذا يدل على أنه موضوع .
قال ( { وتعيها أذن واعية } أذنك يا على)!!
أن المراد بذلك أذن على وهذا ذكره ابن كثير رحمه الله وهو ضعيف لا يعرف له إسناد ويظهر والله أعلم أنه من وضع الرافضة .
فصل
في النوع الثاني : الخلاف الواقع في التفسير من جهة الإستدلال
هذا العنوان قوله الخلاف الواقع في التفسير من جهة الاستدلال هذا يظهر أنه ليس من كلام شيخ الإسلام رحمه الله وإنما هو من وضع النساخ .
قال ( وأما النوع الثاني من سببي الإختلاف وهو ما يعلم بالإستدلال لا بالنقل فهذا أكثر ما فيه الخطأ من جهتين حدثنا بعد تفسير الصحابة والتابعين وتابعهم بإحسان فإن التفاسير التي يذكر فيها كلام هؤلاء صرفا لا يكاد يوجد فيها شيء من هاتين الجهتين مثل تفسير عبد الرزاق )(1/84)
هذا كله معترض من قوله أما النوع الثاني أحدهما هذا كله معترض وذكر الشيخ رحمه الله عدة تفاسير نقف على كل تفسير من هذه التفاسير بإجمال .
الأول قال مثل تفسير عبد الرزاق وعبد الرزاق هو عبد الرزاق ابن همام الصنعاني الإمام المعروف المحدث له تفسير وهذا التفسير طبع مرتين وآخر طبعتين طبع في تركيا والطبعة الثانية أحسن من الطبعة الأولى وهذا التفسير من أحسن كتب التفسير التي تعنى بالنقل ومن أدقها وذلك لقصر سنده ويعتمد كثيراً على تفسير قتادة وأيضاً فيه كثير من الأحاديث المرفوعة .
وتميز بأنه :
1- تفسير نقلي .
2- قصر سنده .
3- كثرة الأحاديث المرفوعة فيه .
4- أنه يعتمد على تفسير قتادة حتى لا تكاد تقل إلا أنه تفسير قتادة رضي الله تعالى عنه .
(ووكيع )
هو وكيع ابن الجراح هذا لا يوجد له كتاب في التفسير لكن له كتاب في الزهد وهو ثلاث مجلدات وطبع هذا الكتاب وفيه شيء من التفسير .
(وعبد ابن حميد ) هذا له تفسير وقد ذكر أحد بعض أهل العلم الآن من المتأخرين أن تفسيره موجود الآن في ألمانيا ولا ندري هل أحد طبعه أو حققه
(وعبد الرحمن ابن إبراهيم دحيم )
جحيم هذا من أئمة الجرح والتعديل إمام في الحديث وهو من أئمة الجرح والتعديل وهو ثقة عابد توفي رحمه الله سنة خمس وأربعين ومائتين للهجرة وأيضاً كتابه غير موجود الآن .
( ومثل تفسير الإمام أحمد)
الإمام أحمد هل له تفسير أو ليس له تفسير ؟ موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله ؟
الرأي الأول : أن للإمام أحمد تفسيراً وهذا ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وابن القيم رحمه الله وأنهما يجزمان بأن الإمام أحمد له تفسير .
الرأي الثاني : أنه ليس له تفسير وهو قول الذهبي رحمه الله .
وقال بعض العلماء المتأخرين بأنه يوجد قطعة من تفسير الإمام أحمد في اليمن.
قال ( وإسحاق بن راهويه و بقي ابن مخلد)(1/85)
بقي ابن مخلد أبو عبد الرحمن القرطبي توفي رحمه الله ست وثمانين ومائتين للهجرة وله تفسير أثنى عليه العلماء حتى قال ابن بشتان لم يؤلف مثله لكنه غير موجود الآن .
قال ( وأبي بكر بن المنذر )
أبي بكر ابن المنذر الشافعي عالم كبير محدث فقيه حافظ محمد ابن إبراهيم ابن المنذر له كتب كثيرة جداً وهو إمام مجتهد توفي رحمه الله سنة ثمان وتسعين ومائة للهجرة وله تفسير يقال أنه عثر عليه الآن في ألمانيا .
قال ( وسفيان ابن عيينة )
سفيان ابن عيينة إمام من أئمة الحديث عالم كبير ثقة فاضل وتفسيره غير موجود .
قال ( وسنيد )
وهو الحسين ابن داود وهو ضعيف وتفسيره غير موجود .
قال ( وابن جرير )
ابن جرير الطبري تفسيره مطبوع ومن أحسن طبعاته طبعة الشيخ أحمد شاكر لكنه لم يكمله .
قال ( وابن أبي حاتم )
هذا إمام من أئمة الحديث تفسيره جيد يعنى بالأثر فقد حشد فيه كثير من الآثار وأبوه أبو حاتم من أئمة الحديث وهو أيضاً عالم كبير ثقة فاضل وتفسيره مطبوع الآن في عشر مجلدات ويعنى بالأثر .
قال ( وأبي سعيد الأشج )
عبد الله ابن سعيد ابن حسين الكندي توفي رحمه الله سنة سبع وخمسين ومائتين وهو أيضاً إمام وثقه وزاهد وتفسيره غير موجود .
قال ( وأبي عبد الله ابن ماجه )
صاحب السنن محمد ابن يزيد ابن ماجه وتفسيره أثنى عليه العلماء رحمهم الله ولكنه غير موجود .
قال ( وابن مردويه )
أحمد ابن موسى الأصفهاني وابن مردويه مفسر ومؤرخ توفي سنة أربع مائة وعشرة ويقال أن تفسيره وجد الآن في ألمانيا .
قال (أحدهما قوم اعتقدوا معاني ثم أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها)
يقول شيخ الإسلام التفاسير الأئمة الذين سبق ذكرهم لا يجد فيهم الخطأ كالموجود الآن أي أنه حصل بعد هذه التفاسير
قال وجه الخطأ من جهتين :(1/86)
الأول : قوم اعتقدوا معاني ثم أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها وهذا الغالب يقع عند أهل البدع من الجهمية والمعتزلة والخوارج والصوفية والرافضة وكما يكون في الأمور العقدية يكون في الأمور العملية لكن يغلب عند أهل البدع .
من الأمثلة على ذلك :
قول الله عز وجل ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )
يحملون هذه الآية على نفي الصفات الجهمية والمعتزلة يحملونها على نفي الصفات فيقولون إثبات الصفات يقتضي المماثلة قالوا نثبت لله وجهان ويدان وإصبعان وسمعاً وبصراً يقتضي المماثلة والله عز وجل منزه عن المماثلة وهو سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء لعله إذا أثبت الصفة يقولون مثلت فيعتقد هذا الاعتقاد ويحمل ألفاظ القرآن على ذلك فليس كمثله شيء فيفصل نفي الصفات وأنه لو أثبت الصفات أصبح مماثل والله عز وجل ليس كمثله شيء .
قوله سبحانه وتعالى ( اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب )
وصله الصوفية بالرقص لأنهم يرون جواز الرقص .
قول الله عز وجل ( ولكل قوم هاد )
فسره الرافضة بعلي ابن أبي طالب رضي الله عنه .
قول الله عز وجل ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة )
قالوا عائشة .
وهكذا يعتقدون معاني ثم يحملون ألفاظ القرآن عليها, وهذا كما قال شيخ الإسلام أنها حدثت بعد تفسير الصحابة والتابعين والتابع التابعين , وحتى يكون عند الفقهاء لكن ليس خطره كخطر لما يكون عند المبتدعة وليس كثرته ككثرته عندما يكون عند المبتدعة .
قال ( والثاني قوم فسروا القرآن بمجرد ما يسوغ أي يريده بكماله من كلام الناطقين بلغة العرب من غير نظر إلى المتكلم بالقرآن والمنزل عليه والمخاطب بهم )(1/87)
هذا الخطأ الثاني : قوم لا يرون إلا اللفظ فقط ولم ينظروا إلى من تكلم به ومن نزل عليه ومن خطب به لم ينظروا إلى السياقات وقرائن الأحوال . أي يرى الكلمة ويفسرها دون أن يرى من قبلها ومن بعدها فيقع بالخطأ , ولهذا وقع كثيراً في الذين اعتنوا بما يسمى بغريب القرآن مثل غريب القرآن لأبي عبيد تجد انه ينظر إلى اللفظ فقط ويفسرها بمقتضى اللغة دون أن ينظر إلى السياقات فيقع بالخطأ بالتفسير .
وغريب القرآن للأنباري أيضاً مثله . معاني القرآن للفرا , والزجاج , غريب القرآن لأبن قتيبه هؤلاء عنوا بالغريب لم ينظروا إلى السياقات وقرائن الأحوال فيقعوا بالخطأ .
ومن الأمثلة على ذلك :
قول الله عز وجل في سورة الأنفال ( ويثبت به الأقدام )
فسرت بالصبر وهذا خطأ الذي ورد أنه المطر هو الذي حصل به التثبيت يوم بدر وليس الصبر هنا نظر إلى اللفظة فقط .
قال ( فالأولون راعوا المعنى الذي رأوه من غير نظر إلى ما تستحقه ألفاظ القرآن من الدلالة والبيان والآخرون راعوا مجرد اللفظ وما يجوز عندهم أن يريد به العربي من غير نظر إلى ما يصلح للمتكلم به وسياق الكلام )
فلا إفراط ولا تفريط الأولون راعوا المعنى حملوا ألفاظ القرآن على معني يعتقدونها والآخرون نظروا إلى الفظ , فالأولون راعوا المعنى رعاية متعسفة يحملون على ما يعتقدونة هم من البدع , والآخرون راعوا مجرد اللفظ .
قال ( ثم هؤلاء كثيراً يغلطون في احتمال اللفظ لذلك المعنى في اللغة كما يغلط في ذلك الذين قبلهم )
يعني كونهم لا ينظروا إلى السياقات وقرائن فيغلطون .
قال (كما أن الأولين كثيرا ما يغلطون في صحة المعنى الذي فسروا به القرآن كما يغلط في ذلك الآخرون )
الأولون يحملون ألفاظ المعني على ألفاظ اعتقدوها ويغلطون والآخرون ينظرون مجرد اللفظ دون النظر إلى السياقات وقرائن فيغلطون .
قال ( وإن كان نظر الأولين إلى المعنى أسبق)(1/88)
يعني الأولون يكون سبقهم للمعنى والآخرون يكون سبقهم للفظ والعدل أن ينظر للفظ وإلى المعنى وأن ينظر إلى السياقات ومن تكلم بالقرآن ومن نزل عليه ومن خوطب به .
قال ( والأولون صنفان : تارة يسلبون لفظ القرآن ما دل عليه وأريد به وتارة يحملونه على ما لم يرد به )
الأولون الذين راعوا المعنى وهم ينقسمون إلى قسمين :
القسم الأول : من سلب الآية ما دلت علية .
القسم الثاني : من حمل الآية مالا تحتمل .
قال ( وفي كلا الأمرين قد يكون قد يكون ما قصدوا نفيه أو إثباته من المعنى باطلا فيكون خطؤهم في الدليل والمدلول وقد يكون حقا )
في كلا الأمرين السابقين يكون خطأهم إما في الدليل أو المدلول وقد يكون في الدليل .
في الدليل والمدلول مثلاً قول الله عز وجل ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) هذا أخطئوا في الدليل والمدلول , في الدليل استدلوا به على نفي الصفات , في المدلول قالوا أن إثبات يلزم من ذلك المماثلة والله عز وجل ليس كمثله شيء فهنا أخطئوا في الدليل والمدلول .
ومن ذلك أيضاً قول الله عز وجل ( لن تراني ) هذا أخطئوا في الدليل والمدلول , في الدليل على نفي الرؤيا , وفي المدلول على أن النفي هنا مؤبد وأن الله عز وجل لا يرى .
قال (فيكون خطؤهم فيه في الدليل لا في المدلول)
من الأمثلة على ذلك أن الله عز وجل قال ( إن الله مبتليكم بنهر ) هذا خطأ في الدليل وليس في المدلول , وفسره بعض المفسرين قال هو الدنيا وزهرتها وهذا المدلول صحيح والدنيا ابتلاء ما نقول مثل نفي الرؤيا والنبي عليه الصلاة والسلام أخبر أن المال فتنه بل الله عز وجل أخبر وقال ( إنما أموالكم وأولادكم فتنه والله عنده أجر عظيم ) فالمال فتنه فهذا خطأ في الدليل لا في المدلول ولهذا قال القرطبي ما أحسن هذا التفسير لو دل عليه دليل فيكون هذا من الخطأ في الدليل وليس في المدلول .
قال (وهذا كما أنه وقع في تفسير القرآن فإنه وقع أيضاً في تفسير الحديث)(1/89)
يقول الشيخ رحمه الله الخطأ في الدليل والمدلول أو خطأ في الدليل كما أنه يكون في القرآن أيضاً يكون في الحديث , في الحديث يقع الخطأ في الدليل والمدلول ويقع الخطأ في الدليل لا في المدلول , تجد أن الفقهاء يخطأ في الاستدلال في الحديث على حكم المسألة فيكون هذا الخطأ في الدليل لا في المدلول وقد يخطأ في الدليل والمدلول بحيث أنه يحمل الحديث مالا يحتمل أو يسلبه ما دل عليل من المعنى , مثل ما تقدم لنا في صحيح مسلم قول النبي عليه الصلاة والسلام ( من أدرك ماله بعينه عند رجلٍ أفلس فهو أحق به ) الحنفية قالوا يحمل على العواري والقسو** هذا خطأ في الدليل والمدلول .
وحديث كان آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء ممن مسته النار , هذا استدل به أكثر العلماء أن أكل لحم الإبل لا ينقض الوضوء هذا خطأ في الدليل .
قال (فالذين أخطئوا في الدليل والمدلول مثل طوائف أهل البدع اعتقدوا مذهبا يخالف الحق الذي عليه الأمة الوسط الذين لا يجتمعون على ضلالة كسلف الأمة وأئمتها وعمدوا إلى القرآن فتأولوه على آرائهم : تارة يستدلون بآيات على مذهبهم ولا دلالة فيها وتارة يتأولون ما يخالف مذهبهم بما يحرفون به الكلم عن مواضعه ومن هؤلاء فرق الخوارج و الروافض و الجهيمية والمعتزلة والقدرية والمرجئة وغيرهم وهذا كالمعتزلة مثلا فإنهم من أعظم الناس كلاماً وجدالا )(1/90)
الذين أخطئوا في الدليل والمدلول غالب ما يقع فيه أهل البدع خالفوا أهل السنة وما هم عليه خصوصاً القرآن في السنة قد يقع من الفقهاء لكن ليس كثيراً كما مثلنا بالحنفية . وذكر من أهل البدع كالجهمية والمعتزلة المرجئة والرافضة فالآيات التي في المعتقد يحرفونها على ما يوافق معتقدهم مثلاً قول الله عز وجل ( بل يداه مبسوطتان ) الجهمية ينكرون صفة اليد لله عز وجل ويحرفون ذلك ويقولون أن المقصود باليد هو النعمة أو القوة هؤلاء أخطئوا في الدليل والمدلول سلبوا الآية ما دلت عليه من معاني وحملوها ما لم تحتمل .
قوله سبحانه وتعالى ( اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب )
وصفه الصوفية بالرقص لأنهم يرون جواز الرقص , هؤلاء أخطئوا في الدليل والمدلول. قول الله عز وجل ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة )
قالوا الرافضة عائشة رضي الله عنها هؤلاء أخطئوا في الدليل والمدلول.
قول الله عز وجل ( ولكل قوم هاد )
فسره الرافضة بعلي ابن أبي طالب رضي الله عنه .
وقول الله عز وجل ( مرج البحرين يلتقيان ) قال الرافضة علي وفاطمة رضي الله عنهما .
وقوله تعالى ( والشجرة الملعونة في القرآن ) قالوا الرافضة الشجرة الملعونة في القرآن بني أميه . هؤلاء أهل البدع أخطئوا في الدليل والمدلول وسلبوا الآية ما دلت عليه من معاني وحملوها ما لم تحتمل .
وقوله المعتزلة هم أعظم الناس لهم كتب في التفسير مثل الكشاف للزمخشري وهذا من أئمة المعتزلة عنده جدل ومن دعاة إلى مذهب المعتزلة وذكرنا قصته لما ألف الكتاب وهذا الكتاب قيل بأن عليه عشرة آلاف حاشية .
قال ( وقد صنفوا تفاسير على أصول مذهبهم مثل تفسير عبد الرحمن بن كيسان الأصم شيخ إبراهيم بن إسماعيل بن عليه الذي كان يناظر الشافعي )
هذا تفسيره غير موجود وهو من أئمة المعتزلة .
قال ( ومثل كتاب أبي علي الجبائي )(1/91)
أبي علي الجبائي توفي سنة مائتين وثلاثين للهجرة واسمه محمد ابن عبد الوهاب بن سلال وكتابه غير موجود لكن نفهم بأنه من أئمة المعتزلة وهؤلاء يخطئوا في الدليل والمدلول ويسلبوا الآية ما دلت عليه من معاني ويحملوها ما لم تحتمل .
قال ( والتفسير الكبير للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني )
عبد الجبار بن أحمد الهمداني هذا من أئمة المعتزلة وفي إعتزاليات كثيرة وكتابه غير موجود لكن قيل أنه وجد في ألمانيا .
قال ( والجامع لعلم القرآن لعلي بن عيسى الرماني )
علي بن عيسى الرماني توفي سنة ثمان وخمسين وثلاث مائة للهجرة ويعنى في تفسيره هذا في اللغة والنحو قيل أنه وجد في ألمانيا وهذا من أئمة المعتزلة .
قال ( والكشاف لأبي قاسم الزمخشري )
فهؤلاء وأمثالهم اعتقدوا مذاهب المعتزلة .
الزمخشري هو محمد بن عمر الخوارزمي وهذا من أئمة المعتزلة ومن دعاتها وهذا الكتاب قيل بأن عليه عشرة آلاف حاشية وهذا يدل على اهتمام العلماء بهذا الكتاب وأن ابن المنير رحمه الله يقول استخرجت الإعتزاليات من الكشاف بالمناقيش .
فهؤلاء الذين ذكرهم الشيخ هؤلاء من أئمة المعتزلة وهؤلاء مثل الشيخ بهم ممن يخطأ في الدليل والمدلول ويحملونها ما لم تحتمل لتوافق مذهبهم .
قال (وأصول المعتزلة خمسة يسمونها فهؤلاء و أمثالهم اعتقدوا مذاهب المعتزلة أصول المعتزلة خمسة يسمونها هم التوحيد والعدل والمنزلة بين المنزلتين وإنقاذ الوعيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتوحيدهم هو التوحيد الجهمية الذي مضمونه نفي الصفات )(1/92)
هنا ذكر الشيخ رحمه الله أصول المعتزلة كأن بعض أهل العلم انتقد على الشيخ رحمه الله كيف ذكر أصول المعتزلة والكتاب هنا ليس من كتب العقائد وإنما كتبه الشيخ رحمه الله في مقدمة التفسير وليس في كتب العقائد ومثل الأشياء هذه تبحث في كتب الملل والنحل للشهرستاني من أراد أن يعرف مذهب المعتزلة وما هي أصولهم يرجع إلى ذلك وقد أجاب العلماء عن كلام شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله بجوابين :
الجواب الأول : أن هذا من قبيل الاستطراد وهذا له أصل في السنة إذا كان هناك فائدة النبي عليه الصلاة والسلام لما سئل عن ماء البحر أنتوضأ بماء البحر فقال النبي عليه الصلاة والسلام هو الطهور مائه الحل ميتته قوله الحل ميتته هذا من باب الاستطراد لكن يترتب عليه فائدة أو مصلحه فهو من كرم العلم وهذا من هذا القبيل كلام من شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله .
الجواب الثاني : لعله أحسن من الأول أن الشيخ رحمه الله أراد أن يضرب المثال لما ذكر من المفسرين الذين أخطؤا كلام شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في الدليل والمدلول هؤلاء المعتزلة الذين فسروا القرآن في كتبهم أراد أن يضرب أمثلة على ذلك ومن الأمثلة في أصولهم فبينه الشيخ رحمه الله وسيأتي الكلام عن أصولهم 0
قال ( وأصول المعتزلة خمسة )
تقدم لنا وجه إدخال المؤلف رحمه الله في مقدمة التفسير وذكرنا جوابين منهم أنه هذا من قبيل الاستطراد والثاني أنه من قبيل ضرب المثال . هذه الأصول خمسه وهي التوحيد والعدل والمنزلة بين المنزلتين وإنفاذ الوعيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا سيشرحه المؤلف .
قال ( وتوحيد الجهميه الذي مضمونه نفي الصفات )
الجهميه ينفون الصفات والأسماء المعتزلة ينفون الصفات ويثبتون الأسماء فيقولون سميع بلا سمع بصير بلا بصر توحيدهم مضمونه نفي الأسماء عن المعاني والصفات ويثبتون أسماء مجرده يجردون الله عز وجل عن صفاته .
قال ( قالوا إن الله لا يرى )(1/93)
لا يثبتون صفة الرؤيا أي المعتزلة وهذا أيضاً قول الخوارج كما يقوله الجهميه.
قال ( وإن القرآن مخلوق )
هذا قول الجهميه والمعتزلة قولون كما قال الجهميه وهذا خلاف مذهب أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله حقيقة تكلم به بحرف وصوت مسموعين منه بدأ وإليه يعود .
قال ( وإنه تعالى ليس فوق العالم وإنه لا يقوم به علم ولا قدرة ولا حياة ولا سمع ولا تصير ولا كلام ولا مشيئة ولا صفة من الصفات )
المهم أن المعتزلة يثبتون أسماء مجرده سميع بلا سمع بصير بلا بصر هذا توحيدهم نفي الصفات .
قال ( وأما عدلهم فمن مضمونه أن الله لم يشأ جميع الكائنات )
تقدم لنا أن مراتب القدر أربعه مرتبة العلم والكتابة والمشيئة والخلق هم عندهم العدل نفي المشيئة ونفي الخلق عن أفعال المخلوقين يقولون أن الله لم يشأ أفعال العباد ولم يخلقها , لأننا لو قلنا أن الله عز وجل شاءها وأرادها وخلقها ثم عذبهم على المعاصي كان ظالم لهم والله منزه عن الظلم هم يقولون العدل أن نقول ذلك .
قال (ولا خلقها كلها ولا هو قادر عليها كلها بل عندهم أن أفعال العباد لن يخقلها كلها لا خيرها ولا شرها ولم يرد إلا ما أمر به شرعا وما سوى ذلك فإنه يكون بغير مشيئته)
والصواب مذهب أهل السنة والجماعة وأن الله عز وجل شاء أفعال العباد وخلقها كما قال الله عز وجل ( الله خالق كل شيء ) وقال ( ألا له الخلق والأمر ) هذا يدخل في ذلك حتى أفعال العباد وأيضاً أن الله عز وجل شاءها كما قال سبحانه وتعالى ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ) ( ولو شاء الله ما اقتتلوا ) وأما الرد عليهم فنقول من وجهين :
الوجه الأول : أن قولكم أن الله لم يشأ أفعال العباد ولم يخلقها هذا فيه تنقص لله عز وجل ووجه ذلك أنه يحدث في ملكه مالا يشاؤه ولا يريده وهذا تنقص لله عز وجل .(1/94)
الوجه الثاني : أن نقول كون الله عز وجل شاءها وأرادها لا يلزم من ذلك الظلم لأن الله عز وجل بين طريق الخير وطريق الشر وأعطى الإنسان عقلاً يدرك به ويميز قال وهديناه النجدين , رسلا ً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجه بعد الرسل , فالله عز وجل جعل للخلائق مشيئة وإرادة وبين لهم طريق الخير وطريق الشر وأرسل لهم الرسل وأنزل الكتب .
قال ( وقد وافقهم على ذلك متأخر الشيعة كالمفيد وأبي جعفر الطوسي وأمثالهما)
متأخروا الشيعة وافقهم في إنكار نفي المشيئة والخلق .
قال كالمفيد اسمه محمد بن محمد العقبري الخرساني من أئمة الإيران والبحرين توفي سنة أربع مائة وثلاث عشرة للهجرة وهذا المفيد ليس له كتب لكن له نقول كثيرة ينقل عنه الشيعة في كتبهم كثيرة وله قبر الآن معروف في إيران ويزار. والطوسي مشهور يقال أن الطوسي هذا هو الذي دون علم الرافضة اسمه محمد بن حسن الخرساني توفي في حدود القرن السابع له كتاب اسمه
( التبيان الجامع لعلوم القرآن ) وذكر علم وعقائد الرافضة وهو مليء بالضلالات والخرافات .
قال ( ولأبي جعفر هذا تفسير على هذه الطريقة )
ما هذه الطريقة كما قلنا له التبيان الجامع لعلوم القرآن كما تقدم حصل الخطأ من وجهين .
قال ( لكن يضم إلى ذلك قول الإمامية الاثني عشرية فإن المعتزلة ليس فيهم من يقول بذلك ولا من ينكر خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي )
يقول أن المعتزلة ليس فيهم من يقول ذلك كما أن متأخري الرافضة ينكرون المشيئة وينكرون القدر لكن المعتزلة ما يقولون بعقائد الرافضة من إنكار خلافة أبي بكر وعمر عثمان أو يقولون بأقوال الرافضة المعروفة من تكفير الصحابة وسبهم لأبي بكر وعمر .
قال ( ومن أصول المعتزلة مع الخوارج إنفاذ الوعيد في الآخرة )
تقدم أن أصولهم خمسة منها تقدم التوحيد والعدل.(1/95)
والأصل الثالث : إنفاذ الوعيد في الآخرة وذلك أن الخوارج والمعتزلة يرون أن فاعل الكبير في الآخرة خالد مخلد في النار وفي الدنيا المعتزلة يقولون أنه في منزله بين المنزلتين والخوارج يقولون أنه كافر حلال الدم , هذا الأصل الثالث.
قال ( وأن الله لا يقبل في أهل الكبائر شفاعة ولا يخرج منهم أحد من النار )
لأن الخوارج المعتزلة يرون أن فاعل الكبيرة في الآخرة خالد مخلد في النار ويترتب على هذا أنهم ينكرون بعض أقسام الشفاعة ومن أقسام الشفاعة التي يثبتها أهل السنة الشفاعة فيمن استحق النار أن لا يدخلها , والشفاعة فيمن دخل النار أن يخرج منها , لكن الخوارج والمعتزلة يردون ذلك وينكرونه .
قال ( ولا ريب أنه قد رد عليهم طوائف من المرجئة الكرامية والكلابية وأتباعهم فأحسنوا تارة وأساءوا أخرى حتى صاروا في طرفي نقيض كما قد بسط في غير هذا الموضع )
يعني بالنسبة للكبائر المرجئة على طرف والخوارج والمعتزلة على طرف آخر أهل السنة والجماعة وسط بين المرجئة والوعيدية من الخوارج المعتزلة , المرجئة يقولون أن فاعل للكبيرة إيمانه كإيمان أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ولا تضر الكبائر ولا تنقص الإيمان , والخوارج يقولون أن فاعل الكبيرة في النار مخلد فيها وأهل السنة وسط يقولون أنه مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته وأنه تحت مشيئة الله عز وجل إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له
الأصل الرابع : المنزلة بين المنزلتين ويقصدون بذلك أن فاعل الكبيرة في منزلة بين المنزلتين في الدنيا وأما في الآخرة فهو خالد مخلد في النار .
أما الأصل الخامس له : فهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويقصدون به الخروج عن ولاة العصاة وإن أدى ذلك إلى الفتنة والقتل .(1/96)
قال ( والمقصود أن مثل هؤلاء اعتقدوا رأيا ثم حملوا ألفاظ القرآن عليه وليس لهم سلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولا من أئمة المسلمين لا في رأيهم ولا في تفسيرهم وما من تفسير من تفاسيرهم الباطلة إلا وبطلانه يظهر من وجوه كثيرة وذلك من جهتين : تارة من العلم بفساد قولهم وتارة من العلم بفساد ما فسروا به القرآن إما دليلا على قولهم أو جوابا على المعارض
لهم)
وهذا تقدم بالكلام عليه أن الخلل في التفاسير من وجهين وضرب لها أمثله وسبق .
قال (كصاحب الكشاف ونحوه حتى إنه يروج على خلق كثير ومن العلماء المفسرين وغيرهم من يذكر في كتابه وكلامه من تفسيرهم ما يوافق أصولهم التي يعلم أو يعتقد فسادها ولا يهتدي لذلك)
كما ضربنا ذلك أمثلة مثل تفسير الكشاف للزمخشري وسبق , ومن الأمثلة على ذلك قول الله عز وجل (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ) قال الزمخشري أي شيء أعظم من هذا الفوز يريد فيه نفي رؤية الله عز وجل لأن المعتزلة لا يرون أن الله عز وجل يُرى في الآخر .
قال (ومن هؤلاء من يكون حسن العبارة فصيحا ويدس البدع في كلامه وأكثر الناس لا يعلمون كصاحب الكشاف ونحوه حتى إنه يروج على خلق كثير, ممن لا يعتقد الباطل من تفاسيرهم الباطلة ما شاء الله )
قال الشيخ رحمه الله من الذين اعتقدوا المعارف ثم حملوا آيات القرآن عليها من يكون حسن العبارة لأنه عنده حسن عبارة وجودة أسلوب وبيان ما يهتدي إلى ما يذكره من الباطل كثير من الناس بسبب بيانه وجودة أسلوبه وفصاحته ونحو ذلك هذا قد يغطي باطله بهذا البيان الذي أعطاه الله عز وجل وضرب الشيخ مثل صاحب الكشاف , من ذلك أيضاً البيضاوي حسن العبارة لكنه أقل من الكشاف .
قال ( وقد رأيت من العلماء والمفسرين وغيرهم من يذكر كتابه وكلامهم من تفسيرهم ما يوافق أصولهم التي يعلم أو يعتقد فسادها ولا يهتدي لذلك )(1/97)
يعني يعلم أن هذا الأصل فاسد وينقله ولا يرتدي مثل أبو حيان وهذا يقال أنه ألف تفسيره للرد على الزمخشري فوقع في نصف ما وقع فيه الزمخشري .
قال ( ثم إنه بسبب تطرف هؤلاء وضلالهم دخلت الرافضة الإمامية ثم الفلاسفة ثم القرامطة وغيرهم فيما هو أبلغ من ذلك وتفاقم الأمر في الفلاسفة والقرامطة والرافضة )
يعني بسبب ضلال هؤلاء المعتزلة والصوفية وغيرهم من أهل البدع الذين اعتقدوا معاني ثم حملوا ألفاظ القرآن عليها أيضاً جاء غيرهم وذكر الشيخ رحمه الله منهم القرامطة وهم لا يوجد لهم الآن كتاب تفسير مطبوع والرافضة تقدم أن ذكرنا الطوسي وذكرنا كتابة التبيان الجامع لعلوم القرآن وسبق ذكرنا عنه وكذلك المفيد العقبري وسبق , والفلاسفة هذا يوجد شيء يسير في كتاب الرازي .
قال ( فأنهم فسروا القرآن بأنواع لا يقضي منها العالم عجباً فتفسير الرافضة
كقولهم : { تبت يدا أبي لهب } وهما أبو بكر وعمر أبو بكر وعمر )
تبت يدا أبي لهب يقصدون بذلك أبو بكر وعمر وهذا يدل على أمرين :
الأمر الأول : الجهل .
الأمر الثاني : إتباع الهوى والتعصب وبغض الصحابة خصوصاً أبو بكر وعمر هذا من الأمثلة للرافضة قاتلهم الله .
قال ( ولئن أشركت ليحبطن عملك أي بين أبي بكر وعمر وعلي في الخلافة )
يعني لأن أشركت يعني أدخلة أبا بكر (وعمر هو الصواب) في الخلافة يحبط عملك فهم ينكرون خلافة أبي بكر وعمر وأن الخلافة لعلي وأنه هو الوصي وأن أبا بكر وعمر اغتصبا منه الخلافة .
قال ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة هي عائشة وقاتلوا أئمة الكفر طلحة والزبير )
يعني طلحة والزبير رضي الله تعالى عنهما لهم موقف مع علي رضي الله تعالى عنه .(1/98)
قال ( ومرج البحرين أي علي وفاطمة و { اللؤلؤ والمرجان } الحسن والحسين { وكل شيء أحصيناه في إمام مبين } في علي ين أبي طالب و { عم يتساءلون * عن النبإ العظيم } علي بن أبي طالب و { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } هو علي ويذكرون الحديث الموضوع بإجماع أهل العلم وهو تصدقه بخاتمه بالصلاة )
أي أن علي رضي الله عنه تصدق بخاتمة بالصلاة هذا الحديث موضوع مثل ما ذكر الشيخ رحمه الله وهو مسلسل بالشيعة والرافضة ولا شك أنه من وضع الرافضة والغريب أن بعض أهل العلم كالطبري ذكره في التاريخ وفي التفسير كان ينبغي بل الواجب أنه ما يورده الطبري وينزه كتابة عنه .
قال ( وكذلك قوله أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة نزلة بعلي لما أصيب بحمزة وما يقارب هذا - من بعض الوجوه ما يذكره كثير من المفسرين في مثل قوله { الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار } أن الصابرين رسول الله والصادقين أبو بكر والقانتين عمر والمنفقين عثمان والمستغفرين علي )
هذا التفسير ورد عن بعض السلف والشيخ رحمه الله انتقد ذلك لأنه فيه تخصيص وإن كان يمكن أن يعتذر بأن يقال أنه ورد على وجه المثال هذا وارد عن السلف لكن هذا التخصيص فيه نظر لأن قوله لأنه قد يكون الصادق أفضل من الصابر والقانت قد يكون أفضل ولذا جاء الصادقين للنبي صلى الله عليه وسلم والصابرين لأبي بكر والقانتين لعمر والمنفقين لعثمان والمستغفرين لعلي هذا فيه نظر وإن كان ورد عن بعض السلف أنه ورد على وجه المثال فالشيخ رحمه الله ينتقد هذا التفسير .
قال ( وفي مثل قوله محمد رسول الله والذين معه أبو بكر أشداء على الكفار عمر رحماء بينهم عثمان تراهم ركعاً سجداً علي )
وهذا ورد عن بعض التابعين كعكرمة وإن كان إسناده ضعيف وهذا يقال فيه كما سبق وأن هذا التخصيص يحتاج إلى دليل وإن كانوا يذكرونه على سبيل المثال .(1/99)
قال (وأعجب من ذلك قول بعضهم { والتين } أبو بكر { والزيتون } عمر { وطور سينين } عثمان { وهذا البلد الأمين } علي)
وهذا ذكره بعض السلف ورواه الطبري في تفسيره وهذا لاشك أنه منكر وتكلف وباطل وتعجب الشيخ من هذا وإن كان ورد عن الحسن رضي الله تعالى عنه حتى عن الحسن ما يثبت ولكنهم يرونه عن الحسن بأسانيد ضعيفة والتين والزيتون وطور سينين معروف عند لغة العرب وهذا من التكلف .
قال ( وأمثال هذه الخرافات التي تتضمن تارة تفسير اللفظ بما لا يدل عليه بحاله )
كما تقدم هذا لا يدل عليه اللفظ بحال .
قال ( فإن هذه الألفاظ لا تدل على هؤلاء الأشخاص وقوله تعالى ( والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا ) كل ذلك نعت للذين معه وهي التي يسميها النحاة خبراً بعد خبر والمقصود هنا أنها كلها صفات لموصوف واحد وهم الذين معه )
لأن من فسر تكلف والذين معه قال المفسر المراد به أبو بكر أشداء على الكفار عمر رحماء بينهم عثمان تراهم ركعاً سجداً علي , وهذه كلها صفات لموصوف واحد , كلها صفه وتكلف .
قال ( ولا يجوز أن يكون كل منها مراداً به شخص واحد ولا يجوز أن يكون كل منها مرادا به شخص واحد و تتضمن تارة جعل اللفظ المطلق العام منحصرا في شخص واحد كقولهم إن قوله { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا } أريد بها علي وحده وقول بعضهم : إن قوله { والذي جاء بالصدق وصدق به } أريد بها أبو بكر وحده )
كونه يحصر الذي جاء بالصدق وصدق به هو أبو بكر وحده هذا خطأ هذا شامل والحصر هذا يحتاج إلى دليل وكذلك قوله إنما وليكم الله ورسوله المراد علي وحد هذا يحتاج إلى دليل .(1/100)
قال ( وقوله [لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل] أريد به أبو بكر وحده ونحو ذلك ) المشهور في كتب التفسير أبو بكر رضي الله عنه وقال بعض المفسرين لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل المراد به عثمان رضي الله تعالى عنه والصحيح أنه عام وأما من فسر هذا من قبيل المثال .
قال ( وتفسير ابن عطية وأمثاله أتبع للسنة والجماعة وأسلم من البدعة من تفسير الزمخشري ولو ذكر كلام السلف الموجود في التفاسير المأثورة عنهم على وجهه لكان أحسن وأجمل فإنه كثيرا ما ينقل من تفسير محمد بن جرير الطبري )
الشيخ رحمه الله تكلم عن تفسير عطية و من هو ابن عطية وملخص كلام الشيخ رحمه الله في مميزات تفسير ابن عطية يشتمل على أمور :
الميزة الأول : أنه يكثر من تفسير الحسن البصري .
الميزة الثانية : أنه على مذهب السلف .
الميزة الثالثة : أنه يرجح ويذكر بالدليل .
وأما بالنسبة للسلبيات :
السلبية الأولى : خوضه في أمور النحو وقواعد اللغة وغير ذلك والإكثار من ذلك .
السلبية الثانية : شدته على بعض السلف كشدته على ابن عمر رضي الله عنه .
السلبية الثالثة : أنه يذكر القراءات دون أن يحرف .
نريد الآن أن نلخص كلام الشيخ رحمه الله في تفسير ابن عطية فنقول :
أولا : أنه أتبع لمذهب أهل السنة والجماعة وأسلم من البدعة من تفسير الزمخشري .
ثانياً : أن ابن عطية ينقل من تفسير ابن جرير الطبري وابن جرير هو من إمام المفسرين وينقل عن السلف رحمهم الله ويعتبر العمدة في التفسير بالأثر
ثالثاً : أن ابن عطية رحمه الله لا يدع ما ينقله ابن جرير عن السلف هو ينقل من ابن جرير ومع ذلك يدع ما يذكره ابن جرير رحمه الله عن السلف ويذكر بدلاً من ذلك تفسير بعض أهل الكلام مما يخالف تفسير السلف وإن كان تفسيرهم أقرب إلى أهل السنة إلا أنه ليس هو مذهب أهل السنة وهذا في الجملة.(1/101)
قال ( وهو من أجل التفاسير وأعظمها قدراً وهو من أجل التفاسير وأعظمها قدرا ثم إنه يدع ما نقله ابن جرير عن السلف لا يحكيه بحال ويذكر ما يزعم أنه قول المحققين )
وقول الشيخ هذا ليس دائما إنما في الجملة وذكرنا أنه ذكر عن بعض السلف .
قال ( وإنما يعني بهم طائفة من أهل الكلام الذين قرروا أصولهم بطرق من جنس ما قررت به المعتزلة أصولهم وإن كانوا أقرب إلى السنة من المعتزلة لكن ينبغي أن يعطى كل ذي حق حقه ويعرف أن هذا من جملة التفسير على المذهب )
كما ذكر الشيخ أن الذين فسروا بعد القرون المفضلة وقعوا في التفسير بخطأين الخطأ الأول الخطأ في الدليل والخطأ الثاني الخطأ في المدلول وهو أن يعتقد شيء وحمل الآيات عليه وضرب مثال بالنسبة لتفسير الصوفية والرافضة والمعتزلة .
قال (فإن الصحابة والتابعين والأئمة إذا كان لهم في تفسير الآية قول وجاء قوم فسروا الآية بقول آخر لأجل مذهب اعتقدوه - وذلك المذهب ليس من مذاهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان - صاروا مشاركين للمعتزلة وغيرهم من أهل البدع في مثل هذا)
هذه المعتزلة هذا صنيعهم وأيضاً الرافضة فإنهم اعتقدوا معتقدات ثم بعد ذلك قاموا وحملوا هذه الآيات على مايعتقدونه .
قال (وفي الجملة من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئا في ذلك بل مبتدعا وإن كان مجتهدا مغفورا له خطؤه)
الذي يخالف ما ورد عن التابعين وقبل ذلك الصحابة رضي الله تعالى عنهم في تفسير الآية فنقول بأن هذه المخالفة بدعة وإن كان مجتهداً يقول الشيخ فإن اجتهاده مغفور له .
قال (فالمقصود بيان طرق العلم وأدلته وطرق الصواب ونحن نعلم أن القرآن قرأه الصحابة والتابعون وتابعوهم وأنهم كانوا أعلم بتفسيره ومعانيه كما أنهم أعلم بالحق الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم فمن خالف قولهم وفسر القرآن بخلاف تفسيرهم فقد أخطأ في الدليل والمدلول جميعاً)(1/102)
أخطأ في الدليل بأنه فسره بغير المراد وأخطأ في المدلول بأنه أتى بمعنى ليس عليه السلف الصالح ونأخذ من هذه الجملة فائدة بأنه من أتى بتفسير يخالف ما عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين رحمهم الله فنقول بأن هذا التفسير بدعة ولكن إن كان مجتهداً فنقول كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد ) فنقول هذا مغفور له اجتهاده كما ذكر الشيخ رحمه الله , وذكر الشيخ العلة في متابعة الصحابة والتابعين فقال :
الوجه الأول : نعلم أن القرآن قرأه الصحابة والتابعون وتابعوهم ولم يهجروه .
الوجه الثاني : أنهم أعلم بتفسيره ومعانيه .
الوجه الثالث : أنهم أعلم بالحق الذي بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم لأنهم أقرب من مشكاة النبوة وكلما كانوا أقرب كانوا أقرب لإصابة الحق خصوصاً الصحابة لأنهم عاصروا التنزيل وشاهدوه واستمعوه .
فهذه ثلاثة أوجه تجعل من خالف مذهب السلف الصالح من الصحابة والتابعين أنه بدعة .
وقد تقدم لنا في أصول الفقه في الإجماع أنه إذا أجمع الصحابة أو التابعون في تفسير آية هل يجوز إحداث تأويل آخر للأيه أو لا يجوز ؟ قلنا بأنه لا يجوز لأن في هذا نسبة الأمة في الغفلة عن الحق أي كيف غفل الصحابة عن هذا التفسير أو كيف غفل التابعون عن هذا التفسير .
قال (ومعلوم أن كل من خالف قولهم له شبهة يذكرها: إما عقلية وإما سمعية كما هو مبسوط في موضعه)
وهذا كما أشار الله عز وجل في سورة آل عمران ( هو الذي أنزل عليه آيات بينات هن أم الكتاب وآخر متشابهات ) فهؤلاء الذين يخالفون تفسير الصحابة والتابعين لهم شبهه يعتمدون عليها وهذه الشبهة قال الشيخ رحمه الله إما أن تكون عقليه وإما أن تكون سمعية .(1/103)
قال (والمقصود هنا التنبيه على مثار الاختلاف في التفسير وأن من أعظم أسبابه البدع الباطلة التي دعت أهلها إلى أن حرفوا الكلم عن مواضعه وفسروا كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بغير ما أريد به و تأولوه على غير تأويله)
كما قلنا الرافضة لهم تفاسير باطلة وخبيثة والمعتزلة والصوفية والأشعرية والجهمية كما ذكرنا سابقاً .
قال (فمن أصول العلم بذلك أن يعلم الإنسان القول الذي خالفوه وأنه الحق وأن يعرف أن تفسير السلف يخالف تفسيرهم وأن يعرف أن تفسيرهم محدث مبتدع ثم أن يعرف بالطرق المفصلة فساد تفسيرهم بما نصبه الله من الأدلة على بيان الحق)
قول الشيخ رحمه الله من أصول العلم بذلك والإشارة تعود لما سبق وأن من أعظم أسباب الخطأ في التفسير البدع الباطلة فلكي يكون الإنسان عنده أصل في هذا العلم وأن من البدع الباطلة إذا دعت أهلها إلى أن يحرفوا الكلم عن مواضعه فقدوا المعاني ثم حملوا الآيات عليها .
قال ( أن يعلم الإنسان القول الذي خالفوه وأنه الحق )
أولاً : أن يتعلم الإنسان مذهب أهل السنة والجماعة .
قال ( وأن يعرف أن تفسير السلف يخالف تفسيرهم )
هذا الثاني .
قال ( وأن يعرف أن تفسيرهم محدث مبتدع )
هذا الأمر الثالث .
قال ( ثم أن يعرف بالطرق المفصلة فساد تفسيرهم بما ونصبه الله من الأدلة على بيان الحق )
هذا الأمر الرابع وسيأتي .
قال (وكذلك وقع من الذين صنفوا في شرح الحديث وتفسيره من المتأخرين من جنس ما وقع فيما صنفوه من شرح القرآن وتفسيره)(1/104)
كما أن الخطأ وقع في تفسير القرآن وقع أيضاً في تفسير الحديث فهناك أقوام من أهل البدع اعتقدوا معاني ثم حملوا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم على هذه المعاني وكما أنه واقع من أهل البدع أيضاً واقع من أهل الأحكام من الفقهاء فتجد أنه يعتقد حكم مسألة ثم يحمل الحديث على هذه المسألة يعتقد الجواز ويحمل الحديث على الجواز قد يكون متكلفاً فالذين عندهم إعتزاليات تجد أنهم يؤولون أحاديث الصفات والذي عنده تجهم يؤول أحاديث الصفات ولا يثبت والذي عنده أشعريه يؤول إلا سبع من الصفات والصوفية الرافضة يؤولون سنة النبي صلى الله عليه وسلم كما وقع ذلك في القرآن يقول الشيخ وأيضاً واقع في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأقرب مثال على هذا شرح النووي رحمه الله عندما تقرأ في شرحه في تفسير الأحاديث تجد عنده بعض التأويل وعنده بعض التصوف ومثل ذلك أنه يقول التبرك بآثار الصالحين , وأيضاً ابن حجر في فتح الباري الشيخ عبد العزيز له استدراك علية فهم اعتقدوا ذلك المعاني وحملوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك .
قال (وأما الذين يخطئون في الدليل لا في المدلول فمثل كثير من الصوفية والوعاظ والفقهاء وغيرهم يفسرون القرآن بمعان صحيحة لكن القرآن لا يدل عليها مثل كثير مما ذكره أبو عبد الرحمن السلمي في حقائق التفسير)(1/105)
كما سلف يخطئون في الدليل لا في المدلول كما ذكر سبقاً كيفت ذلك وضرب الشيخ رحمه الله قال مثل كثير مما ذكره أبو عبد الرحمن السلمي في حقائق التفسير , أبو عبد الرحمن السلمي هذا صوفي واسمه محمد بن الحسين بن موسى الأزدي وأيضاً هو أشعري توفي سنة أربع مائة وثلاث عشرة للهجرة وقد جزم بعض العلماء بكفرة لما يذكره من المعاني الباطلة في كتابه هذا حقائق التفسير مثل الواحدي وابن الصلاح الذهبي أقروا على كفرة ولهذا قال الواحدي إذا اعتقد أبو عبد الرحمن أن هذا تفسير كلام الله فقد كفر , وحقائق التفسير مكون من عشر مجلدات وهو مخطوط لم يطبع لكن كله في التصوف .
قال (وإن كان فيما ذكروه ما هو معان باطلة فإن ذلك يدخل في القسم الأول وهو: الخطأ في الدليل والمدلول جميعاً حيث يكون المعنى الذي قصدوه فاسداً)
يعني حقائق التفسير هذا فيه خطأ في الدليل والمدلول , الخطأ في المدلول أنه اعتقد معاني ثم حمل الآيات عليها .
والخطأ في الدليل أنه فسر معاني صحيحة لكن القرآن لا يدل عليها .
فصل
في أحسن طرق التفسير
قال ( فإن قال قائل فما أحسن طرق التفسير فالجواب أن أصح طرقه في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن )
هذا الباب الذي تكلم عليه الشيخ رحمه الله ما يكاد أحد صنف في التفسير أو علوم القرآن إلا ونقل كلام الشيخ رحمه الله هذا ولهذا نقل ابن كثير هذا الكلام بحذافيره في تفسيره ولهذا اختلف العلماء هل هو من كلام شيخ الإسلام أومن كلام ابن كثير الصحيح أنه من كلام شيخ الإسلام لأن شيخ الإسلام قبل ابن كثير ابن كثير من طلاب ابن القيم فابن كثير قام ونقله عن شيخ الإسلام رحمه الله .
أولاً : يفسر القرآن بالقرآن , ومن أجمع التفاسير القرآن بالقرآن تفسير ابن كثير .(1/106)
ثم بعد ذلك الشنقيطي رحمه الله في كتابه أضواء البيان . أيضاً هناك بعض الكتابات لبعض المتأخرين مثل تفسير القرآن بالقرآن لرمزي نعنعه هذا طبع بمصر . لكن أجمع شيء ابن كثير رحمه الله لأنه يهتم بذلك .
قال ( فما أجمل في مكان فإنه قد فسر في موضع آخر وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر )
وهذا مثاله قصص القرآن تجد أن الله عز وجل يشير إلى القصة في مكان لكن تجد أنه مبسوطة في مكان آخر مثلاً موسى عليه الصلاة والسلام في بعض مواضع القرآن أجمل الله عز وجل كما في سورة الذاريات قول الله عز وجل ( وفي موسى إذا أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين إلى قوله وهو مليم ) وفي غير هذا الوضع بسط كثيراً في سورة البقرة وفي سورة الأعراف , أيضاً ذكر بعض العلماء أن السور القصيرة مثل جزء عم هذه اختصر فيها الكلام تجد أن ما يتعلق بهذا تجد أنه مبسوط في مواضع أخرى من القرآن , واشترط بعض العلماء لتفسير القرآن بالقرآن أن يكون النص ظاهراً أما إن كان النص غير ظاهر فإنه لا يدخل في تفسير القرآن بالقرآن فمثلاً قول الله عز وجل ( حجارة من سجين ) وفي موضع آخر من طين هذا نص ظاهر وقال رفعنا وقال فتقنا هذا نص ظاهر لابد أن يكون النص ظاهر أما إذا كان النص غير ظاهر أو كان تقيد مطلق أو تخصيص عام فإنه لا يكون داخل في تفسير القرآن بالقرآن.
قال ( فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة فإنها شارحه للقرآن وموضحه له )(1/107)
هذا الطريق الثاني من طرق تفسير القرآن بالقرآن وليس هناك كتاب جامع تفسير القرآن بسنة النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجد وقد ذكروا أن الترمذي في السنن هو أطول أهل السنن في التفسير يعني في ذكر تفسير القرآن في السنة كذلك أيضاً ممن أجاد في هذا الموضوع ابن العربي المالك وكذلك أيضاً السيوطي في كتابه ( الدر المنثور ) هذا من أجمع المراجع في تفسير القرآن بالسنة , والسيوطي أيضاً له فصل في كتابه الإتقان وذكر فيه الأحاديث التي وقف عليها وقد فسرت القرآن , جاء بعض المتأخرين الآن وفسر القرآن بالسنة وهو نقل من كلام السيوطي ولكنه خرج الأحاديث سماه ( صحيح المسند في تفسير القرآن بالسنة ) .
قال ( بل قد قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن )
هذا ذكره الشافعي في مقدمة كتابه الأم وذكر عن شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله ندمت على أنني لم أستغل كثير من وقتي في تدبر معاني القرآن أو كلمة نحوها , لا شك أن القرآن أنه هو أهم العلوم وأساسها ومصدرها .
وقوله وكل ما حكم به رسول الله فهو من ما فهمه من القرآن كما سيأتي قول النبي صلى الله عليه وسلم ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه والله عز وجل يقول إن هو إلا وحيُ يوحي .
قال ( قال الله تعالى( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تك بالخائنين خصيما ) وقال تعالى { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون } وقال تعالى { وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون } ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ] يعني السنة والسنة أيضا تنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن لأنها تتلى كما يتلى وقد استدل الإمام الشافعي وغيره من الأئمة على ذلك بأدلة كثيرة ليس هذا موضع ذلك )(1/108)
وقول الشافعي كل ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن هذا ليس على إطلاقه لأنه يوجد أشياء أوحيت إليه في أشياء اجتهد فيها وأقر عليه وفي أشياء اجتهد فيها ولم يقر عليها , المهم أن تدبر معاني القرآن هذا مهم جداً وهو كما ذكرنا أن القرآن هو أم العلوم وأساسها ومصدرها والله عز وجل يقول ( كتاب أنزلناه إليك مباركاً ليدبروا آياته ويتذكر ألوا الألباب ) .
قال (والغرض أنك تطلب تفسير القرآن منه فإن لم تجده فمن السنة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن : [ بم تحكم ؟ قال بكتاب الله قال : فإن لم تجد ؟ قال بسنة رسول الله قال فإن لم تجد ؟ قال أجتهد رأيي قال : فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدره وقال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله ] وهذا الحديث في المساند والسنن بإسناد جيد )
هذا الحديث في المسانيد والسنن بإسناد جيد فالشيخ رحمه الله تابع للخطيب في هذا في كتابه الفقيه و المتفقه وكذا ابن القيم ينتصرون لهذا الحديث إنما انتصروا له لأنه يوافق القاعدة في الشريعة أن الإنسان يحكم في كتاب الله فإن لم يجد فبسنة النبي صلى الله عليه وسلم فإن لم تكن لا في الكتاب ولا في السنة فإنه يجتهد رأيه ومعنى ذلك أنه يجتهد تطبيق الواقعة على نصوص الكتاب والسنة .
قال ( وتفسير ابن عطية وأمثاله أتبع للسنة والجماعة وأسلم من البدعة من تفسير الزمخشري ولو ذكر كلام السلف الموجود في التفاسير المأثورة عنهم على وجهه لكان أحسن وأجمل فإنه كثيرا ما ينقل من تفسير محمد بن جرير الطبري )(1/109)
ابن عطية اسمه عبد الحق بن غالب بن عطية الاشبيلي القرطبي سكن المغرب وتوفي سنة ست وأربعين وخمس مائه للهجرة وهو من أهل السنة والجماعة وتولى القضاء وهو ومشهور بالعدل وكتابه الذي أشار إليه الشيخ رحمه الله اسمه ( المحرر الوجيز في تفسير آيات الكتاب العزيز ) وهو مطبوع الآن وموجود طبع أول طبعه له في ليبيا ثم بعد ذلك طبع في المغرب تفسيره جيد ويتميز بميز :
الميزة الأولى : أنه يتمثل مذهب السلف الصالح ويدافع عنه .
الميزة الثانية : أنه دون تفسير الحسن البصري يعني أكثر من تفسير الحسن البصري .
الميزة الثالثة : أنه يذكر الخلاف ويرجح بالدليل .
وأما السلبيات عليه :
السلبية الأولى : خوضه في النحو كثيراً وأصوله .
السلبية الثانية : يكثر من إيراد القراءات دون تحذير .
السلبية الثالثة : جرأته في الرد على بعض السلف فقد ورد عنه أنه ذم ابن عمر رضي الله عنه ,كلام لبن عمر حول قول الله عز وجل ( فأتوا حرثكم أنا شئتم) قال ما أقبح جرأت أبي عبد الرحمن ولو عدل عن هذا القول لكان خيراً له .
قال ( وحينئذ إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعت في ذلك إلى أقوال الصحابة )
هنا ذكر الشيخ رحمه الله المرتبة الثالثة وهي تفسير القرآن بأقوال الصحابة فمرجع تفسير القرآن والبيان منه وإيضاح معانية إلى أقوال الصحابة رضي الله تعالى عنهم وذكر الشيخ رحمه الله في كلامه الدليل على الرجوع إلى أقوال الصحابة.
قال ( فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرآن والأحوال التي اختصوا بها ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح )
فملح كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه يرجع إلى تفسير الصحابة بالقرآن لأمور أربعه :
الأمر الأول : سلامة القصد عند الصحابة رضي الله عنهم .
الأمر الثاني : حسن فهم الصحابة للقرآن .
الأمر الثالث : أنهم أهل اللسان العربي والقرآن نزل بلسان عربي مبين فهم سيكونون أعرف به من غيرهم .(1/110)
الأمر الرابع : أنهم شاهدوا التنزيل وعاصروه وأسبابه .
قال ( لا سيما علمائهم وكبراؤهم كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين وعبد الله بن مسعود )
لا شك أن تفسير الخلفاء الراشدين أنه تفسير مقدم لقول النبي عليه الصلاة والسلام ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ ) وقال ( اقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر وعمر ) وقال ( إن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا ) وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن أشهر المفسرين من الصحابة تسعه :
1- ابن مسعود رضي الله تعالى عنه . 2- ابن عباس رضي الله تعالى عنه .
3- أبو هريرة رضي الله تعالى عنه . 4- وجابر . 5- ابن الزبير .
6-وعائشة رضي الله تعالى عنها . 7- وأنس بن مالك . 8- ومعاذ بن جبل .
9- وأبو موسى الأشعري . رضي الله تعالى عنهم .
قال (قال الإمام محمد أبوا جعفر محمد بن جرير الطبري قال حدثنا أبوا كريب)
أبو كريب هذا ثقة وهو من شيوخ أصحاب الكتب الستة توفي رحمه الله سنة سبع وأربعين مائتين للهجرة .
قال ( قال أنبأنا جابر بن نوح )
عن جابر بن نوح الحماني هذا ضعيف توفي رحمه الله سنة سبع ومائتين للهجرة .
قال ( قال أنبأنا الأعمش )
الأعمش ثقة من رجال الصحيحين .
قال ( عن أبي الضحى )
هو مسلم بن صبيح هذا ثقة وهو تابعي جليل وهو من تلامذة ابن عباس رضي الله تعالى عنهما .
قال ( عن مسروق )
مسروق هذا ثقة وهو تابعي جليل وهو من تلامذة ابن عباس رضي الله تعالى عنهما .
قال (قال عبد الله - يعني ابن مسعود - والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيما نزلت وأين نزلت ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله ( المطايا ) لأتيته)(1/111)
هذا يدل على عظيم علم الصحابة رضي الله عنهم وفيه حجه قويه لما ذكره شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله إلى أنه يرجع إلى تفسير الصحابة , ابن مسعود يقول أدري أين نزلت وفيم نزلت ولو أعلم احد أعلم مني تناله المطايا لأتيته هذا الأثر أخرجه ابن جرير بهذا الإسناد فيه ضعف ولكنه في الصحيحين هذا الأثر لكن الشيخ رحمه الله أتى بهذا المتن الذي رواه ابن جرير الطبري لكونه أتم مع كونه في الصحيحين مختصر فهذا يدل على عظيم علم الصحابة رضي الله عنهم ويدل على عظيم علم ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وفي هذا تزكية النفس للمصلحة وابن مسعود ما زكى نفسه لأجل عرض من الدنيا أو ليصرف وجوه الناس إليه بل زكى نفسه لكي يوجه ويرشد ويعلم ولكي يأخذ عنه الناس العلم .
قال ( وقال الأعمش أيضاً عن أبي وائل )
الأعمش سبق . وأبي وائل هذا شقيق ابن سلمه توفي رحمه الله سنة تسع وتسعين للهجرة وأدرك النبي صلى الله عليه الصلاة والسلام ولم يره ففاته شرف الصحبة ولهذا يقول العلماء عنه أنه مخضرم وهو ثقة ومن كبار تلامذة ابن مسعود رضي الله عنه .
قال (أيضاً عن أبي وائل عن ابن مسعود قال كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن )
والأثر الذي ذكره وائل عن ابن مسعود هذا أخرجه الطبري في إسناد صحيح وهذا يدل على تقديم تفسير الصحابة رضي الله تعالى عنهم .
فالسلف علمهم مبارك لأنهم يجمعون بين العلم والعمل ولهذا ابن عمر رضي الله عنه جلس في الفاتحة ثمان سنوات وكل ذلك كما قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه يتعلمون المعاني ويعملون .
قال ( ومنه الحبر البحر عبد الله بن العباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم )(1/112)
يعني ابن عباس رضي الله تعال عنه كثير العلم ولهذا كثير من العلماء يقدم ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في التفسير على غيره من الصحابة ,ابن عباس ولد قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة سنوات وتوفي رضي الله عنه سنة ثمان وستين للهجرة .
قال ( وترجمان القرآن ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له )
المترجم هو الذي ينقل من لغة إلى لغة أخرى هذا المترجم ثم توسع فيه حتى أطلق على الموضح للمعنى فيقال له مترجم .
قال ( حيث قال اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل )
وهذه آية من آيات النبي صلى الله عليه وسلم دعا له النبي عليه الصلاة والسلام فاستجيب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيه دعا له أن يفقه في الدين ويعلمه التأويل وأصبح من الأئمة في التفسير رضي الله تعال عنه تفسيره معتمد كما ذكرنا أن كثير من العلماء يقدمون تفسير ابن عباس على تفسير ابن مسعود رضي الله تعالى عنهما لهذا الحديث .
قال ( قال جرير حدثنا محمد بن بشار قال أنبأنا وكيع )
محمد بن بشار ثقة توفي رحمه الله سنة اثنتين وخمسين مائتين للهجرة . ووكيع بن جراح هذا إمام معروف توفي رحمه سنة ست وتسعين ومائة للهجرة
قال ( قال أنبأنا سفيان عن الأعمش عن مسلم عن مسروق )
مسلم بن صبيح ثقة .
قال (قال عبد الله يعني ابن مسعود : نعم ترجمان القرآن ابن عباس ثم رواه عن يحيى بن داود عن إسحاق الأزرق عن سفيان عن الأعمش عن مسلم بن صبيح أبي الضحى عن مسروق عن ابن مسعود أنه قال : نعم الترجمان للقرآن ابن عباس ثم رواه عن بندار عن جعفر بن عون الأعمش به كذلك فهذا إسناد صحيح إلى ابن مسعود أنه قال عن ابن عباس هذه العبارة وقد مات ابن مسعود في سنة ثلاث وثلاثين على الصحيح وعمر بعده ابن عباس ستاً وثلاثين سنة فما ظنك بما كسبه من العلوم بعد ابن مسعود)(1/113)
وهذه إشارة من الشيخ رحمه الله على تقديم ابن عباس على ابن مسعود لأنه كما ذكرنا اشتهر في التفسير من الصحابة ومنهم ابن عباس وابن مسعود كثير من العلماء يقدمون تفسير ابن عباس على تفسير ابن مسعود رضي الله تعالى لعدة أدلة :
الدليل الأول : ما ذكره الشيخ عن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له .
الدليل الثاني : أن ابن مسعود نفسه قال نعم الترجمان للقرآن ابن عباس وهذا بيان من ابن مسعود لفضيلة ابن عباس رضي الله عنهما .
الدليل الثالث : أن ابن مسعود توفي سنة ثلاث وثلاثين وعمِر بعده ابن عباس ست وثلاثين سنة فكونه يعمر هذا العمر بعده يكون اكتسب شيء كثير من العلوم لا أن طالب العلم كلما طال به العمر كلما ازداد من علم .
قال (وقال الأعمش عن أبي وائل : استخلف علي عبد الله بن عباس على الموسم فخطب الناس فقرأ في خطبته سورة البقرة - وفي رواية سورة النور - ففسرها تفسيرا لو سمعته الروم والترك والديلم لأسلموا)
الترك قبائل سكنوا أسيا الصغرى تركستان والأنابول والروم هم النصارى والديلم جبل في قزوين وأكثرهم عجم وهذا الأثر أخرجه الطبري وإسناده صحيح وهذا الدليل الرابع .
قال (ولهذا فإن غالب ما يرويه إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير في تفسيره عن هذين الرجلين)
إسماعيل بن عبد الرحمن السدي هذا تابعي صغير توفي بعد سنة مائة وعشرة للهجرة وسمي السدي لأنه جلس بسدٍ أي الطريق الصغير عند الحرم فنسب إليه
قال (عن هذين الرجلين ابن مسعود وابن عباس ولكن في بعض الأحيان ينقل عنهم ما يحكونه من أقاويل أهل الكتاب التي أباحها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال [ بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ] رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو
ولهذا كان عبد الله بن عمرو وقد أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب فكان يحدث منهما بما فهمه من هذا الحديث من الإذن في ذلك)(1/114)
الزاملتين أي ما حملته دابتين . وهذا الذي ذكره شيخ الإسلام عبد الله ابن عمر قد أصاب يوم اليرموك زاملتين من الكتاب أي أصاب دابتين على ظهورهما كتباً وهذا في صحته نظر لأنه ورد في كتب التاريخ فقط ثانياً أنه بعد الاستقراء والتتبع ما وجد أن عبد الله ابن عمر روى عن أهل الكتاب إلا قصة هاروت وماروت والإسناد فيه ضعف وأيضاً عبد الله بن عمر كان مشغول بالعبادة كان يصوم النهار ويقوم الليل .
قال (ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد)
قال بعض العلماء لا تذكر أصلاً مثل ما ذكر الشيخ أحمد شاكر يقول أن الأولى أن لا تذكر الإسرائيليات في التفسير والشيخ يقول تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد يعتمد على ما ثبت في القرآن والسنة فقط كالخلافات التي ذكرت في اسم الكلب واسم الشجرة التي أكل منها آدم هذا لا فائدة من ذكرها كما سيذكر .
قال (للاعتقاد فإنها على ثلاث أقسام أحدها ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح)
أي هذه الإسرائيليات الشيخ قسمها ثلاثة أقسام , المهم ما ثبت هذا في القرآن والسنة هذا هو المعتمد في التفسير .
قال ( والثاني ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه )
نعلم أنه كذب هذا لاشك انه يرد مثل ما ورد في الإسرائيليات أن الذبيح إسحاق هذا كذب لأن الذبيح إسماعيل .
قال (والثالث ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل فلا نؤمن به ولا نكذبه وتجوز حكايته لما تقدم وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني)
وهذا كما قال الشيخ أن ما يشهد شرعنا بإثباته أثبتناه ولا نفيه نفيناه , وهذا يكثر في التواريخ والأسماء والتفاصيل .
قال (ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرا ويأتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف ولون كلبهم وعدتهم)(1/115)
يذكرون ما هي أسمائهم نقول الصواب أنها أسماء أعجميه وأما أن اسمه فلان هذا غير صحيح وإن ورد عن ابن عباس رضي الله عنه من طرق ضعيفة ولون كلبهم قيل لونه أرقط فيه بياض وسواد هذه من الإسرائيليات لما يترتب عليها . ما هي عدتهم ثابت عن ابن عباس بإسناد صحيح أنه قال أنا من القليل الذي يعلمهم وأنهم سبعه وثامنهم كلبهم هذا ورد عن ابن عباس .
قال ( وعصا موسى من أي الشجر كانت )
خلاف المفسرين من أي شجرة عصا موسى ومن أي بلد ذكر بعض المفسرين كالثعلبي أن عصا موسى هذه من الهند لكن هذا من الإسرائيليات لأنه لا بد من دليل على ذلك نقول أن الأولى أ لا يذكر في التفسير كما ذكر الشيخ أحمد شاكر رحمه الله .
قال ( وأسماء الطيور التي أحياها الله عز وجل لإبراهيم )
ما هي أسماء الطيور الدميري ذكر عشرين قولاً في أسماء هذه الطيور والجاحظ رجح أنه من الحبارى وهذا كله من الإسرائيليات الذي لا يترتب عليه فائدة المهم نقول أنه طيور أحياها الله عز وجل لإبراهيم أما ذكر أسماءها لا يترتب عليه فائدة ولهذا لم يرد في القرآن ولا في السنة .
قال ( تعيين البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة )
أي القتيل من بني إسرائيل فقلنا اضربوه ببعضها هذا هو الرجل أو اليد أو الذيل هذا خلاف بين المفسرين لكن ورد عن ابن ومسعود وابن عباس أنه الذيل بإسناد صحيح .
قال ( ونوع الشجرة التي كلم الله منها موسى )
أيضاً ما هي الشجرة التي كلم الله منها موسى في الطور هذه من الإسرائيليات ولهذا لم يرد في القرآن ولا في السنة .
قال (إلى غير ذلك مما أبهمه الله في القرآن مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم ولا دينهم ولكن نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز)(1/116)
يعني مادام أنه ما يخالف الشرع يقول الشيخ هذا جائز وذكر الشيخ أنه يبقى للإستشهاد لا للاعتقاد , وقلنا أنها ما تنقل في التفسير لأن بعض المفسرين يغرق ويكثر من ذلك كالثعلبي وغيره والصحيح لأنه كما ذكر الشيخ أحمد شاكر .
قال (كما قال تعالى { سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا } فقد اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام وتعليم ما ينبغي في مثل هذا فإنه تعالى أخبر عنهم في ثلاثة أقوال ضعف القولين الأولين وسكت عن الثالث فدل على صحته إذ لو كان باطلا لرده كما ردهما ثم أرشد إلى أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته فيقال في مثل هذا { قل ربي أعلم بعدتهم } فإنه ما يعلم بذلك إلا قليل من الناس ممن أطلعه الله عليه فلهذا قال { فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا } أي لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته ولا تسألهم عن ذلك فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب)
وهذا ما ذكر الشيخ يصلح بالقسم الأول فنقول الصواب عددهم سبعة وثامنهم كلبهم هذا دل القرآن على ذلك .
قال (فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف : أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام وأن ينبه على الصحيح منها ويبطل الباطل وتذكر فائدة الخلاف وثمرته لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته فيشتغل به عن الأهم)
ينبغي المبتدأ أن لا يشغل نفسه في الخلافات والمطولات التي طائل تحتها وإنما يعنى بالأصول .
قال (فأما من حكى خلافا في مسالة ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص إذ قد يكون الصواب في الذي تركه)
هذا مثاله مثل الزمخشري يذكر قول المعتزلة فقط ويستدل لهم هذا لا شك أنه ناقص أشد النقص .
قال ( أو يحكي الخلاف ويطلقه ولا ينبه على الصحيح من الأقوال فهو ناقص أيضاً )(1/117)
وهذا مثل القرطبي والثعلبي يحكي الخلاف ولا ينبأ عن الصحيح , أما الطبري يحكي الخلاف ويرجح وابن عطية وابن كثير يحكي الخلاف ويرجح .
قال (فإن صحح غير الصحيح عامدا فقد تعمد الكذب أو جاهلا فقد أخطأ)
وعلى هذا أن من الأمانة العلمية للعالم والمعلم إذا أورد الخلاف أنه يأتي بكل الأقوال واستيعاب الأقوال هذا ليس على إطلاقه وهذا لا يمكن أن يحيط به إنسان قد يكون في المسألة أربعين قول مثل خلاف العلماء في تعيين ليلة القدر ومثل قول أنتي على حرام هذا وصل إلى عشرين قول . ولا شك أن بعض الأقول تكون باطلة ومثل الخلاف في تعيين الصلاة والوسطى ما هي نقول هذا يكون بالجملة وليس في جميع السور لكن يذكر الخلاف التي تعضده الأدلة قد تكون هناك أقوال ضعيفة لا حاجة إليها ولا يعتبر ذلك نقصاً ولكن كونه يترك قول قائم وله دليلة هذا الصحيح النقص فقوله هذا ناقص هذا ليس على إطلاقه لأنه قد يترك بعض الأقوال لأنها ضعيفة لا حاجة إليها .
قال (كذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته أو حكى أقوالا متعددة لفظا ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنى فقد ضيع الزمان وتكثر بما ليس بصحيح فهو كلابس ثوبي زور والله الموفق للصواب)
كالرازي مثلاً وهنا يعني أنه يرجع إلى قولين أو يرجع إلى قول واحد وهذا يدل لما أشرنا إليه من الاستغراق بها .
فصل
في تفسير القرآن بأقوال التابعين
قال (إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته عن الصحابة فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين كمجاهد بن جبر فإنه كان آية في التفسير)
عندما ذكر الطريقة الرابعة في تفسير القرآن بأقوال التابعين وذكر قال رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين مثل مجاهد ابن جبر فهو كما ذكر الشيخ آية في التفسير وهو من تلامذة ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وسيأتي .
قال ( حدثنا أبان بن صالح بن عمير عن مجاهد )(1/118)
أبان بن صالح بن عمير القرشي توفي سنة عشر ومائه للهجرة وهو ثقة .
قال ( قال عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها ) هذا إسناده صحيح , وهذا يدل على انه يعتبر كلام التابعين خصوصاً مجاهد وأنه إمام من الأئمة , هذا التفسير المضنون أنه من كلام ابن عباس رضي الله عنه لأنه تلميذه .
قال ( وبه إلى الترمذي)
إي إسنادي المعروف للترمذي .
قال (قال حدثنا قال حدثنا الحسين بن مهدي البصري)
قال حدثنا الحسين هذا ثقة .
قال ( قال حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن مجاهد )
معروف عبد الرزاق الإمام صاحب المصنف . ومعمر أيضاً ثقة . وقتادة بن دعامة الدوسي إمام ثقة وقيل أنه لقي ابن عباس وقيل لأنه لم يلقاه وعلى كل حال هو ممن أخذ تفسير ابن عباس .
قال ( ما في القرآن آية إلا وقد سمعت فيها شيئا )
هذا إسناده صحيح عن مجاهد .
قال ( وبه إليه قال حدثنا ابن أبي عمر )
هذا صدوق وهو محمد بن أبي يحيى ينسب إلى جده توفي سنة ثلاث وأربعين ومائتين .
قال ( قال حدثنا سفيان بن عيينة عن الأعمش )
سفيان بن عيينة هذا إمام , والأعمش هذا إمام ثقة .
قال ( قال : قال مجاهد لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود لم أحتج أن أسأل ابن عباس عن كثير من القرآن مما سألت )
وهذا يدل على أن مجاهد تتلمذ على ابن مسعود كما تقد لنا من المشهورين من مفسري الصحابة أنهم تسعه وأن أشهرهم ابن عباس وابن مسعود مجاهد أخذ عن ابن عباس وابن مسعود وهذا يدل على أنه إمام في التفسير .
قال (وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب قال حدثنا طلق بن غنام عن عثمان المكي عن بن أبي مليكة قال : رأيت مجاهدا سأل ابن عباس عن تفسير القرآن ومعه ألواحه فقال ابن عباس اكتب حتى سأله عن التفسير كله)
وهذا أيضاً رواه سعيد ابن منصور بإسناد صحيح هذا أثار كلها تدل على علوا مجاهد في التفسير وأنه إمام وأنه أخذ عن ابن عباس وابن مسعود .(1/119)
قال( ولهذا كان السفيان الثوري يقول إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به)
وهذا إسناده صحيح عن سفيان الثوري أخرجه الطبري عن سفيان الثوري إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به يكفي أنه عرض التفسير على مجاهد ثلاث مرات وأخذ عن ابن مسعود هنا ذكر الشيخ رحمه الله تفسير مجاهد مما يدل على أنه يرجع للتابعين وسيذكر بقية ذالك .
قال ( وكسعيد بن جبير وعكرمة مولى ابن عباس وعطاء بن أبي رباح )
سعيد بن جبير تابعي وثقه وإمام من تلامذة ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأيضاً عكرمة وهذا أيضاً من تلامذة ابن عباس وعطاء بن رباح من تلامذة ابن عباس .
قال ( والحسن البصري ومسروق بن الأجدع وسعيد بن المسيب )
هؤلاء كلهم تابعون ثقات الحسن البصري من تلامذة أبي هريرة رضي الله عنه ومسروق وسعيد بن المسيب من تلامذته .
قال ( وأبي العالية )
هو رفيع بن مهران الرياحي وهو تابعي كبير من تلامذة أبُي بن كعب رضي الله تعالى عنه وله تفسير مطبوع وحقق في جامعة الإمام الآن في رسالة دكتوراه ولكن فيه من الإسرائيليات .
قال ( والربيع )
وهو الربيع بن أنس هذا من تلامذة أبي العالية وتفسيره مبثوث في الطبري والدر المنثور وتفسير أبي حاتم .
قال ( وقتادة )
هذا تفسيره في الطبري وابن أبي حاتم عبد الرزاق في تفسيره أكثر من نقل عن قتادة ويمكن أن يقال بأن تفسير عبد الرزاق هو تفسير قتادة يعني عبد الرزاق أكثر نقل من قتادة .
قال ( الضحاك بن مزاحم )
هو تابعي صغير تفسيره في الطبري وابن أبي حاتم وأسانيده ضعيفة .
قال ( وغيرهم من التابعيين وتابع التابعين ومن بعدهم )
مثل ابن سيرين وإبراهيم النخعي ومقاتل وعبيده السلماني .
قال (فتذكر أقوالهم في الآية فيقع في عباراتهم تباين في الألفاظ يحسبها من لا علم عنده اختلافا فيحكيها أقوالا وليس كذلك)
كالماوردي مثلاً يحكيها أقوالاً وابن الجوزي في زاد المسير .(1/120)
قال (فإن منهم من يعبر عن الشيء بلازمه أو نظيره ومنهم من ينص عن الشيء بعينه والكل بمعنى واحد في كثير من الأماكن فليتفطن اللبيب لذلك والله الهادي)
هذا الاختلاف بين السلف يظنه كما قال الشيخ ملا عنده اختلاف تباين وهو اختلاف تنوع وليس اختلاف تباين وهذا تقدم لنا في مقدمة التفسير .
هنا مثال اللازم الودود وهي في الأصل الواد الرحيم وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هو المحبوب من أولياءه وهذا لازم إذا كان واداً رحيما ً فلازم ذلك أن أولياءه يحبونه .
وقوله أو نظيره وهو أن يذكر الشيء ثم يذكر شيء مثله كقول الله عز وجل ( فمنهم سابق بالخيرات ومنهم مقتصد ) السابق بالخيرات اختلف في تفسير على ما يقرب من عشرين قولاً فقال بعض العلماء السابق بالخيرات هو الذي يبكر إلى الصلاة وقال بعضهم هو الذي يبر والدية وقال بعضهم هو الذي يسبق إلى الجهاد ونحو ذلك فابن مسعود قال أن السابق هو البار بوالديه وابن عباس قال الملازم لوالديه .
قال (ومنهم من ينص عن الشيء بعينه والكل بمعنى واحد في كثير من الأماكن فليتفطن اللبيب لذلك والله الهادي وقال شعبة بن الحجاج وغيره أقوال التابعين في الفروع ليست حجة فكيف تكون حجة في التفسير يعني أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم)
شعبه رضي الله عنه معروف بالتشديد وهو إمام وحافظ وحجه وكان شديد جداً حتى أن ذكروا في ترجمته أن الطلاب لا يأخذون عنه الحديث إلا واقف من شدته وكان ما يقبل الحديث المعنعن وتقدم الحديث المعنعن لا يقبل إلا بشرطين الشرط الأول : التصريح إذا كان مدلساً .
الشرط الثاني : هل تكفي المعاصرة أو يشترط القي خلاف البخاري ومسلم .
المهم جماهير العلماء أنه يقبل الحديث المعنعن بهذين الشرطين إلا شعبة ما يقبل الحديث المعنعن يقول كل حديث ليس فيه حدثنا أخبرنا فهو بقل .(1/121)
قال (وهذا صحيح أما إذا اجتمعوا على الشيء فلا يرتاب في كونه حجة فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على بعض ولا على من بعدهم ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن أو السنة أو عموم لغة العرب أو أقوال الصحابة في ذلك)
فالشيخ فسر قال فإذا اختلفوا هذا صحيح لكن اختلاف تضاد وليس اختلاف تنوع هذا صحيح لكن إذا اجتمعوا دون اجتماع اختلاف التنوع هذا يكون حجه
فصل
تفسير القرآن بالرأي
قال (فأما تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام )
هنا المرتبة الخامسة وهي تفسير القرآن بالرأي وهو محرم .
قال ( حدثنا مؤمل )
الحديث هذا في الترمذي ومؤمل هذا صدوق توفي سنة أربع وخمسين ومائتين للهجرة .
قال ( حدثنا سفيان عن عبد الأعلى )
هذا عبد الأعلى بن عامر الثعلبي ضعفه الإمام أحمد رحمه الله .
قال ( عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار} )
سعيد سبق وهذا الحديث ضعيف على كثرة طرقة من وجهين :
الوجه الأول : ابن عامر الثعلبي هذا كما تقدم ضعفه الإمام أحمد رحمه الله وقال ابن جحر صدوق يهم .
الوجه الثاني : الإضراب .
الآن ذكر الشيخ الأدلة من السنة على حرمة التفسير بالرأي .
قال (حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن عبد الأعلى الثعلبي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار ] وبه إلى الترمذي قال حدثنا عبد بن حميد حدثني حبان بن هلال )
حبان بن هلال هذا ثقة توفي سنة مائتين وست عشرة للهجرة .
قال (هلال قال حدثنا سهيل أخو حزام القطعي قال حدثنا أبو عمران الجوني عن جندب قال)
سيل بن مهران هذا ضعيف وعمران وهو عبد الملك بن حبيب الأزدي هذا ثقة توفي سنة ثمان وعشرين من الهجرة .
قال (قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ ] و قال الترمذي هذا حديث غريب)(1/122)
هذا حديث ضعيف كما ذكرنا أن الحديث له طرق لكنه ضعيف والقول بالتفسير بالرأي أن يقول بلا دليل كما ذكر ابن القيم رحمه الله .
قال (وقد تكلم بعض أهل الحديث في سهيل بن أبي حزم وهكذا روى بعض أهل العلم عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أنهم شددوا في أن يفسر القرآن بغير علم )
ذكر المؤلف رحمه الله الدليل من السنة على التحريم التفسير بالرأي .
قال (وأما الذي روي عن مجاهد وقتادة وغيرهما من أهل العلم أنهم فسروا القرآن فليس الظن بهم أ نهم قالوا في القرآن وفسروه بغير علم أو من قبل أنفسهم وقد روي عنهم ما يدل على ما قلنا أنهم لم يقولوا من قبل أنفسهم بغير علم)
بل الظن أنهم فسروا بعلم تقدم أن مجاهد عرضت القرآن من فاتحته إلى خاتمته على ابن عباس ثلاث مرات وأيضاً أخذ عن ابن مسعود .
قال (فمن قال في القرآن برأيه فقد تكلف ما لا علم له به وسلك غير ما أمر به)
والله عز وجل يقول ( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولائك كان عنه مسئولا ) وقال ( وأن تقولوا على الله مالا تعلمون ) .
قال (فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد أخطأ لأنه لم يأت الأمر من بابه)
يقول الشيخ إذا فسر القرآن بالرأي حتى ولو أصاب المعنى في الباطل فإنه قد أخطأ في الظاهر لكن استثنى هذا ما إذا كان على سبيل التعليم هذا استثناه بعض العلماء مثل لو أن الشيخ سأل تلامذته عن تفسير هذه الآية على سبيل التعليم هذا استثناه بعض العلماء وهو جائز ولا بأس به .
قال (كمن حكم بين الناس عن جهل فهو في النار وإن وافق حكمه الصواب في نفس الأمر لكن يكون أخف جرما ممن أخطأ والله أعلم)
أن من فسر القرآن برأيه لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يخطأ ظاهراً وباطناً هذا أعظم إثم .
الأمر الثاني : أن يخطأ في الظاهر لكونه فسر برأيه بلا دليل ويصيب بالباطن يوافق المعنى هذا أخف جرما ً وإثماً .(1/123)
قال (وهكذا سمى الله تعالى القذف كاذبين فقال { فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون } فالقاذف كاذب ولو كان قد قذف من زنى في نفس الأمر لأنه أخبر بما لا يحل له الإخبار به وتكلف ما لا علم له به والله أعلم
ولهذا تحرج جماعة من السلف عن تفسير ما لا علم لهم به كما روى شعبة عن سلميان عن عبد الله بن مرة عن أبي معمر قال : قال أبو بكر)
عن سليمان عن عبد الله بن مره هذا تابعي كبير وصدوق .
عن أبي معمر هذا اسمه عبد الله بن سخطره هذا ما سمع من أبي بكر وهو الآن ينقل عن أبي معمر قال قال أبي بكر الصديق هو ثقة لكنه لم يسمع وإن كان ابن حبان يقول سمع وعلى هذا تكون الرواية مرسله منقطعة .
قال (: قال أبو بكر الصديق {أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله ما لم أعلم })
هذا رواه أبوا عبيد ه وأبان القرآن مسند هذا الأثر ومن طريقة ابن عبد البر أيضاً وكما ذكرنا أن معمر لم يسمع من أبي بكر .
ملاحظه :
ذكر أن الحسن البصري أخذ عن أبي هريرة من تلامذته وأكثر الأئمة أنه ما سمع من أبي هريرة .
قال (وقال أبو عبيد القاسم بن سلام : حدثنا محمود بن يزيد عن العوام بن حوشب عن إبراهيم التيمي أن أبا بكر الصديق سئل عن قوله { وفاكهة وأبا } فقال أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إن أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم إسناده منقطع )
محمد بن يزيد ثقة العوام بن *حوشل* ثقة وإبراهيم التيمي ثقة كلهم ثقات .
قال (قال أبو عبيد أيضاً حدثنا يزيد عن حميد عن أنس أن عمر بن الخطاب قرأ في المنبر {وفاكهتاً وأبا} )
يزيد بن هارون هذا ثقة وحميد الطويل هذا ثقة .
قال (فقال : هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأب ؟ ثم رجع إلى نفسه فقال إن هذا يا عمر)
هذا الأثر عن عمر أخرجه الحاكم في المستدرك صححه الحاكم .(1/124)
قال (وقال عبد بن حميد حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس قال : كنا عند عمر بن الخطاب وفي ظهر قميصه أربع رقاع فقرأ { وفاكهة وأبا } فقال : ما الأب ثم قال إن هذا لهو التكلف فما عليك أن لا تدريه )
وهذا إسناده صحيح
قال (وهذا كله محمول على أنهما رضي الله عنهما إنما أرادا استكشاف علم كيفية الأب وإلا فكونه نبتا في الأرض ظاهر لا يجهل لقوله تعالى { فأنبتنا فيها حبا * وعنبا وقضبا * وزيتونا ونخلا * وحدائق غلبا وفاكهةً وأبا} )
معنى حدائق غلبا يعني غليظة ملتفة الأشجار , والأب هذا اختلف فيه المفسرون فقيل أنه القس بالسين وقيل أنه الزرع الذي له الساق وقيل أنه الحشيش وقيل لأنه فاكهة الحيوان .
قال (وقال ابن جرير : حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا ابن علية عن أيوب عن ابن أبي ملكية أن ابن عباس سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها فأبى أن يقول فيها إسناده صحيح)
هذا الأثر مختصر من الأثر الذي بعده وهذا من الآثار الذي ذكرها المؤلف رحمه الله و يعقوب بن إبراهيم الدورقي ثقة و ابن عُلَيه اسمه إسماعيل بن إبراهيم وهو ثقة وعُلَيه هذه أمه , أيوب و أبي مليكه كلهم ثقات هنا توقف ابن عباس عن الآية لأنه لم يكن لع علم فيها وهذا مما يدل على التحريم التفسير الرأي .
قال (وقال أبو عبيد : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن ابن أبي مليكة قال : سأل رجل ابن عباس عن { يوم كان مقداره ألف سنة } فقال له ابن عباس فما { يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } فقال الرجل : إنما سألتك لتحدثني فقال ابن عباس هما يومان ذكرهما الله في كتابه الله أعلم بهما فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم )
هذا نفس الأثر السابق لكنه مختصر ويظهر الإختصار من ابن أبي مليكه .
ورد في القرآن ثلاث آيات :
الآية الأولى : في سورة المعارج وهي قول الله عز وجل ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنه )(1/125)
الثانية : في سورة السجدة (يدبر الأمر من السماء والأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ) .
الثالثة : في سورة الحج في قول الله عز وجل ( وإن يوم عند ربك كألف سنه مما تعدون)
فهذه ثلاث آيات كيف الجمع بينها :
الرأي الأول : قال بعض العلماء أن هذا من المشتبه الذي لا يعرف .
الرأي الثاني : قال بعض العلماء يوم القيامة فالكافر يكون عليه كخمسين ألف سنه والمؤمن كألف سنة .
الرأي الثالث : أنه في قوله تعالى ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنه مما تعدون ) هذا يوم القيامة و في سورة الحج في قول الله عز وجل ( وإن يوم عند ربك كألف سنه ) قال هذا في الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض
وأما بالنسبة لسورة السجدة (يدبر الأمر من السماء والأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ) هذا بالنسبة للمسيرة الأمر ونزوله فالمسافة تستغرق ألف يوم فسورة السجدة تنزل على الوحي ( الأمر والنهي ) وسورة الحج كل يوم مقداره ألف سنة و سورة المعارج على يوم القيامة .
قال (وقال ابن جرير حدثني يعقوب يعني ابن إبراهيم حدثنا ابن علية عن مهدي بن ميمون عن الوليد بن مسلم قال : جاء طلق بن حبيب إلى جندب بن عبد الله فسأله عن آية من القرآن فقال له أحرج عليك إن كنت مسلما لما قمت عني أو قال أن تجالسني )
ثقة توفي ستة اثنتين وسبعين ومائة , الولد بن مسلم ثقة لكن هذا الأثر منقطع .
قال (وقال مالك عن يحي بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن قال إنا لا نقول في القرآن شيئا وقال الليث عن يحي بن سعيد )
هنا ذكر آثار التابعين في ذم التفسير بالرأي . ويحيى بن سعيد الأنصاري وفي يحيى بن سعيد القطان .
قال ( عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يتكلم إلا في العلوم من القرآن )(1/126)
وهذا رجاله رجال الصحيح أثره عن سعيد بن المسيب وعلى كل حال آثار التابعين لا يحتج فيها ما دام هنالك لها أصل من أقوال الصحابة رضي الله تعالى عنهم من القرآن والسنة .
قال (وقال شعبة عن عمرو بن مرة قال سأل رجل سعيد بن مسيب عن آية من القرآن : فقال لا تسألني عن آية من القرآن وسل من يزعم أنه لا يخفي عليه شيء منه يعني عكرمة)
لأن كان كثير من السلف يقعون في عكرمة لأنه يتهم في أن له قول في القدر هذا إسناده صحيح لا شك أن عكرمة عالم كبير ومن تلامذة ابن العباس رضي الله عنهما ولكن كما ذكرنا أن كثير من السلف كسعيد وغيره يقعون في عكرمة لأنه يتهم بالقول بالقدر .
قال ( قال ابن شودب )
هذا صدوق
قال (حدثني يزيد بن أبي يزيد قال كنا نسأل سعيد ابن المسيب عن الحلال والحرام وكان أعلم الناس فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع)
هذا ثقة . المهم هذه آثار كلها ثابتة عن سعيد ابن المسيب أنه لا يقال بالرأي بالقرآن .
قال (وقال ابن جرير حدثني أحمد بن عبدة الظبي قال : حدثنا حماد بن زيد قال: حدثنا عبيد الله بن عمر قال: لقد أدركت فقهاء المدينة وإنهم ليعظمون القول في التفسير منهم سالم بن عبد الله والقاسم بن محمد وسعيد بن المسيب ونافع )
سالم بن عبد الله بن عمر تابعي جليل توفي سنة مائة وستة وقاسم بن محمد أيضاً تابعي جليل هذه الآثار عن التابعين سالم وقاسم ونافع.
قال ( قال أبو العبيد حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن هشام بن عروة )
عبد الله بن صالح صدوق الليث بن هشام معروف .
قال ( ما سمعت أبي تأول آية من كتاب الله قط )
هذا إسناده صحيح ثابت .
قال (وعن أيوب وابن عون وهشام الدستوائي عن محمد بن سيرين )
هذه خمسة آثار عن التابعين سعيد وسالم والقاسم ونافع وعروة وعبيده هذا السادس إسناده صحيح .
قال (سألت عبيدة السلماني عن آية من القرآن فقال : ذهب الذين كانوا يعلمون فيما أنزل من القرآن فاتق الله وعليك بالسداد )(1/127)
هؤلاء ستة من التابعين .
قال ( قال أبو عبيد حدثنا معاذ )
معاذ العنبري هذا ثقة .
قال (عن ابن عون عن عبيد الله بن مسلم بم يسار عن أبيه قال : إذا حدثت عن الله فقف حتى تنظر ما قبله وما بعده)
قوله حتى تنظر ما قبله وما بعده هذا فيه ذم التفسير اللفظي كما تقدم لنا فإن طوائف من المفسرين نظروا إلى اللفظ ولم ينظروا ما قبلة ولا ما بعدة مثل أبي عبيد تفسير غريب القرآن .
قال (حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم قال : كان أصحابنا يتقون التفسير ويهابونه )
هذا أيضاً عن إبراهيم النخعي هذا السابع .
قال (وقال شعبة عن عبد الله بن أبي السفر قال : قال الشعبي : والله ما من آية إلا وقد سألت عنها ولكنها الرواية عن الله
وقال أبو عبيد حدثنا هشيم أنبأنا عمر بن أبى زائدة عن الشعبي عن مسروق قال : اتقوا التفسير فإنما هو الرواية عن الله
فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم به )
شعبه معروف وعبد الله ثقة ، وهذا الثامن وهو الشعبي ، ومسروق التاسع .
وعلى هذا يكون التفسير بالرأي ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : التفسير المبني على الجهل كما قال الشيخ بما لا علم لهم به فهذا مذموم .
القسم الثاني : التفسير المبني على الهوى هذا مذموم كما يفعله أهل البدع .
القسم الثالث: التفسير المبني على اجتهاد هذا ليس مذموم إذا كان المجتهد أهل للاجتهاد .
قال (فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعا فلا حرج عليه ولهذا روى عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير ولا منافاة لأنهم تكلموا فيما علموه وسكتوا عما جهلوه وهذا هو الواجب على كل أحد فإنه كما يجب السكوت عما لا علم له به فكذلك يجب القول فيما سئل عنه مما يعلمه لقوله تعالى { لتبيننه للناس ولا تكتمونه } و لما جاء في الحديث المروي من طرق : [ من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار ] وقال ابن جرير حدثنا محمد بن بشار )(1/128)
محمد بن بشار هذا من شيوخ الكتب الستة .
قال ( حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان عن أبي الزناد )
أبو الزناد اسمه عبد الرحمن بن زكوان تابعي .
قال( قال ابن عباس التفسير على أربعة أوجه : وجه تعرفه العرب من كلامها)
وجه تعرفه العرب من كلامها مثل تفسير الكهف معناه في اللغة العربية معروف ، طلح منضود وسموم هذه تعرفها العرب .
قال ( وتفسير لا يعذر أحد بجهالته )
لا يعذر أحد بجهالته مثل الصلاة الزكاة الصيام لا يعذر أحد بجهالته معروف
( فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) أمر بإقامة الصلاة والصلاة معروفة والزكاة معروفة .
قال ( وتفسير يعلمه العلماء )
مثل الناسخ والمنسوخ ودقائق العلم والعام والخاص المطلق والمقيد هذه يحتاج إلى العلماء .
قال ( وتفسير لا يعلمه إلا الله تعالى والله سبحانه وتعالى أعلم )
تفسير لا يعلمه إلا الله مثل المغيبات ، مثل كيفية صفات الله عز وجل نعيم الجنة النار .. إلخ .
المتشابه هذه أمور مغيبات لا يعلمها إلا الله عز وجل .
والله أعلم(1/129)