جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كلية أصول الدين
قسم القرآن وعلومه
ترجيحات الشيخ الشنقيطي
ترجيحات الشيخ الشنقيطي
في تفسيره أضواء البيان
من أول سورة النور إلى آخر سورة المجادلة
جمعاً ودراسة
رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في القرآن وعلومه
إعداد الطالب
عبدالماجد بن محمد ولي بن محمد علي إبراهيم
إشراف الأستاذ الدكتور
محمد محمد زناتي عبدالرحمن
الأستاذ بقسم القرآن وعلومه
1423هـ
المقدمة
... إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن سار على سنته إلى يوم الدين.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا (#qà)¨?$# اللَّهَ ¨,xm تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ tbqكJد=َ،-B (102) } [سورة آل عمران: 102].
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ (#qà)¨?$# رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ ;oy‰دn¨ur وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا #[ژچدWx. [ن!$|،دSur وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) } [سورة النساء: 1].
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا (#qà)¨?$# اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) ôxد=َءمƒ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) } [سورة الأحزاب: 70-71].
أما بعد:(1/1)
فإن أفضل ما يشتغل به الباحثون، ويتسابق فيه المتسابقون؛ مدارسة كتاب الله - عز وجل - ، وإذا كان كل علم يشرف بموضوعه؛ فإن التفسير هو أفضل علم، إذ هو العلم الخاص بكتاب الله - عز وجل - (1) " الذي يعتبر هو مصدر الهدى والشفاء للناس عامة وللمؤمنين خاصة { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) } [سورة يونس: 57]، وهو الكتاب الجامع لأصول الدين وفروعه، نصاً أو استنباطاً، عقيدة وشريعة ونظام حياة.. أودع الله فيه من كنوز المعرفة وأصول العدل ومناهج الخير ما يسعد الإنسانية، ويفتح أمامها آفاقاً رحبة في عمارة الكون، والتعارف والتعامل في ظل دستور قرآني خالد "(2) فنجد أن القرآن الكريم قد " حظي بما لم يحظ به -أو بقريب منه- غيره من الكتب قديماً وحديثاً، بل واستقبالاً: حفظاً للفظه، ومدارسة لنصه، ولا عجب في ذلك؛ فهو كلام الله الحق، وحديثه الصدق، الذي تكفل بحفظه، بقوله { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا uچّ.دe%!$# وَإِنَّا لَهُ tbqفàدے"utm: (9) } [سورة الحجر: 9] ، تلقاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحياً من ربه فبلغه، وبيّنه، كما قال سبحانه:
{
__________
(1) تفسير سورة الروم، د. محمود بسيوني فودة، ص (3) بتصرف.
(2) دراسات في التفسير الموضوعي، د. زاهر بن عواض الألمعي، ص(5) بتصرف.(1/2)
وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } [سورة العنكبوت، من الآية (18)]، وقال جل وعلا: { !$uZّ9u"Rr&ur إِلَيْكَ uچٍ2دe%!$# لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا tAحh"çR ِNخkِژs9خ) وَلَعَلَّهُمْ ڑcrمچO6xےtFtƒ } [سورة النحل: 44] "(1)، وقد أخذ الصحابة رضوان الله عليهم القرآن الكريم ومعانيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد كانوا أعلم الناس بكتاب الله - عز وجل - ، وعن الصحابة أخذ التابعون التفسير، وعن التابعين أخذ أتباعهم، وهكذا استمر الاهتمام بتعلم القرآن الكريم وتفسيره، حتى أضحت المكتبة التفسيرية من أوسع المكتبات، وأكثرها إنتاجاً وأعمقها فكراً.
وإن من أفضل كتب التفسير المتأخرة، وأغزرها فائدة، وأقواها منهجاً كتاب: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، لمؤلفه: فضيلة الشيخ الإمام محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي -رحمه الله-.
ولذا وقع اختياري عليه لتكون رسالتي للماجستير دراسة ترجيحاته في المسائل التفسيرية من أول سورة النور إلى نهاية سورة المجادلة، وذلك للأسباب الآتية:
1- إمامته -رحمه الله- في التفسير والفقه والأصول والعربية وكثير من العلوم، حيث شهد له بذلك العلماء:
أ- قال الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله-: " كان آية في العلم والقرآن واللغة وأشعار العرب ".
ب- قال الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله-: " كان ذا علم واسع بالتفسير واللغة العربية وأقوال أهل العلم في تفسير كتاب الله - عز وجل - ، مع الزهد والورع والتثبت في الأمر ".
جـ- قال الشيخ الألباني -رحمه الله-: " ومن حيث جمعه لكثير من العلوم، ما رأيت مثله، وهو يذكّر بشيخ الإسلام ابن تيمية ".
__________
(1) أسباب اختلاف المفسرين، د. محمد بن عبدالرحمن الشايع، ص(5) بتصرف.(1/3)
د- قال الشيخ حماد الأنصاري -رحمه الله-: " لم يكن له منافس في تفسير القرآن الكريم بأنواعه الأربعة: بالقرآن والسنة وأقوال السلف واللغة العربية "(1).
2- عناية مؤلفه التامة بالتفسير، حيث قال -رحمه الله-: " لا توجد آية في القرآن إلا درستها على حدة... إلخ "، وكان يقول " كل العلوم آلة ووسيلة، وعلم الكتاب وحده غاية "(2).
3- استيعاب وإلمام الشيخ التام بعلوم الوسائل، وأدوات التفسير، كاللغة والأصول والبلاغة وغيرها، وقد مضى ثناء العلماء عليه بذلك، ومنه ما قاله الشيخ بكر أبوزيد -حفظه الله-: " لو كان في هذا الزمن أحد يستحق أن يسمى شيخ الإسلام، لكان هو "(3).
4- بسطه التام لأنواع تفسير القرآن بالقرآن، الذي كان من أهم مقاصده في تأليفه، حيث قال: " واعلم أن من أهم المقصود بتأليفه أمران:
أحدهما: بيان القرآن بالقرآن، لإجماع العلماء على أن أشرف أنواع التفسير وأجلها تفسير كتاب الله بكتاب الله، إذ لا أحد أعلم بمعنى كلام الله جل وعلا من الله جل وعلا... إلخ " (4).
5- متانة ودقة منهجه في تفسيره، وقد أطنب -رحمه الله- في عرض منهجه في تفسير القرآن بمقدمة نفيسة في أنواع بيان القرآن، وبما عرض له في ثنايا تفسيره من مباحث في أصول التفسير وقواعده.
6- عنايته بذكر أقوال المفسرين واختلافهم، مع المناقشة والترجيح.
7- أن هذا البحث ينمي في الطالب ملكة مناقشة الأقوال، والترجيح بينها، ومعرفة أسباب الترجيح.
__________
(1) انظر أقوال العلماء في الثناء عليه في ترجمته المفردة، للدكتور عبدالرحمن السديس، ص(220).
(2) انظر: ترجمة الشيخ الشنقيطي، للسديس ص(192).
(3) المرجع السابق: ص(228).
(4) أضواء البيان (1/5).(1/4)
8- ظهور كتب تساعد في هذا النوع من الدراسة؛ ككتاب: (قواعد الترجيح عند المفسرين) لحسين بن علي الحربي، وكتاب (قواعد التفسير) لخالد بن عثمان السبت. حيث اهتم كل واحد منهما بترتيب القواعد بطريقة تسهّل على الباحث الرجوع إليها.
... وقبلهما كتاب الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله- (القواعد الحسان لتفسير القرآن)، وكتاب الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- (شرح مقدمة التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-).
9- أن هذا الموضوع لم يتعرض له أحد من قبل، إلا أنه عن طريق هذا القسم الموقر
-قسم القرآن وعلومه- قد بدأ إخوة أفاضل في دراسة ترجيحات الشيخ الشنقيطي في كتابه أضواء البيان، ووصلوا إلى سورة المؤمنون وتمنيت أن أكون في ضمن منظومة هذه الدراسة، والحمد لله الذي حقق أمنيتي وكانت رسالتي بعنوان (ترجيحات الشيخ الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان من أول سورة النور إلى آخر سورة المجادلة- جمعاً ودراسة) وستكون الدراسة -إن شاء الله- حول المسائل التفسيرية، وعدم الخوض في المسائل الفقهية والعقدية والأصولية التي تعرض لها الشيخ -رحمه الله- فهي ليست مجال الدراسة.
خطة البحث
يتكون البحث من مقدمة وقسمين وخاتمة.
المقدمة:
وفيها بيان أهمية الموضوع وأسباب اختياره والخطة ومنهج كتابته.
القسم الأول
ترجمة عن حياة الشيخ الشنقيطي ودراسة حول الترجيحات، وفيه فصول:
الفصل الأول: ترجمة عن حياة الشيخ الشنقيطي، وفيه مباحث:
المبحث الأول: نسبه وولادته ونشأته.
المبحث الثاني: طلبه للعلم.
المبحث الثالث: أعماله قبل قدومه إلى المملكة العربية السعودية.
المبحث الرابع: رحلة الحج إلى بيت الله الحرام.
المبحث الخامس: جهوده بعد استقراره في المملكة العربية السعودية.
المبحث السادس: مؤلفاته.
المبحث السابع: عقيدته وأخلاقه.
المبحث الثامن: تلاميذه وثناء العلماء عليه.
المبحث التاسع: وفاته.(1/5)
علماً أن أساس ما كُتب من تراجم عن الشيخ الشنقيطي -رحمه الله- هي الترجمة التي كتبها عنه تلميذه الشيخ/ عطية محمد سالم -رحمه الله- والمطبوعة في نهاية الجزء العاشر من أضواء البيان، تأتي بعدها الترجمة التي جمعها وصنّفها الدكتور/ عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، الأستاذ المساعد بجامعة أم القرى، والمطبوعة في كتاب مستقل، وعند الإحالة إليهما أختصر فأقول: ترجمة الشيخ عطية، وترجمة السديس.
... أما ترجمة الشيخ عطية فلا يماري أحد فيها بحكم أنه لازم الشيخ الشنقيطي مدة طويلة تقارب العشرين عاماً أو تزيد، وكل ما ذكره في الترجمة مما سمعه منه شخصياً أو مما لمسه منه من ملازمته له.
وأما ترجمة الدكتور عبدالرحمن السديس،؛ فقد أثنى عليها صاحب كتاب إتحاف النبلاء بسير العلماء الأستاذ/ راشد بن عثمان الزهراني (1/147) ثناءً جميلاً، واعتبرها الدكتور عبدالعزيز بن صالح الطويان صاحب كتاب جهود الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تقرير عقيدة السلف، اعتبرها من المصادر الرئيسية التي استوفت الترجمة للشيخ الشنقيطي (1/87).
الفصل الثاني: معنى الترجيح ومنهج الشيخ الشنقيطي فيه، وفيه مباحث:
المبحث الأول: معنى الترجيح عند المفسرين.
المبحث الثاني: الفرق بين مصطلحات ووجوه الترجيح.
المبحث الثالث: مصطلحات الترجيح عند الشيخ الشنقيطي، وفيه مطالب:
المطلب الأول: لفظ (أظهر)، وجاء على سبع صور:
الصورة الأولى: (الأظهر أن المعنى...)
الصورة الثانية: (الأظهر عندي...).
الصورة الثالثة: (الأظهر هو ما ذكرنا..).
الصورة الرابعة: (أظهر أقوال أهل العلم عندي.. أن المعنى...).
الصورة الخامسة: (أظهر الأقوال...).
الصورة السادسة: (أظهرها عندي...).
الصورة السابعة: (الأول أظهر...).
المطلب الثاني: لفظ (الظاهر).
المطلب الثالث: لفظ (يظهر).
المطلب الرابع: لفظ (التحقيق)، وجاء على ثلاث صور:(1/6)
الصورة الأول: بعد أن يذكر المعنى الراجح عنده يقول عنه (هو التحقيق إن شاء الله في معنى الآية...)
الصورة الثانية: بعد أن يذكر الآية يذكر الراجح عنده مبتدءاً قوله بـ (التحقيق أن...).
الصورة الثالثة: أن يشرح الآية في ضوء المعنى الذي ترجح عنده، ويذكر بعده القول المرجوح ويقول عنه (إنه خلاف التحقيق...).
المطلب الخامس: لفظ (أصح)، وجاء على أربع صور:
الصورة الأولى: (الأصح أن...)
الصورة الثانية: (أصح القولين...).
الصورة الثالثة: (الأول أصح...).
الصورة الرابعة: (الأخير هو الأصح...)
المطلب السادس: لفظ (الصواب).
المطلب السابع: أن ينسب ما رجحه إلى (الجمهور).
المطلب الثامن: أن يقول عن القول الراجح عنده إنه هو (الأليق بالمقام).
المطلب التاسع: أن يقول عن القول الراجح عنده هو (أبلغ).
المطلب العاشر: أن يصف ترجيحه بأنه (أشهر الأقوال).
المطلب الحادي عشر: أن يصف ترجيحه بأنه (أظهر الأقوال وأصحها).
المطلب الثاني عشر: أن يبدأ كلامه في ترجيحه بقوله (التحقيق الذي عليه الجمهور).
المطلب الثالث عشر: أن يقول عن ترجيحه بأنه (هو قول الجمهور، وهو الصواب إن شاء الله).
المبحث الرابع: وجوه الترجيح عند الشنقيطي، وفيه مطالب:
المطلب الأول: الاستدلال بآيات أخرى من القرآن الكريم.
المطلب الثاني: دلالة سياق الآيات.
المطلب الثالث: الاستدلال بقرينة في الآية.
المطلب الرابع: الترجيح بما يدل عليه ظاهر اللفظ.
المطلب الخامس: الترجيح بالمعنى الغالب استعماله في القرآن الكريم.
المطلب السادس: الاستدلال بصحة الحديث على المعنى الراجح.
المطلب السابع: الحمل على التأسيس أولى من الحمل على التأكيد.
المطلب الثامن: الاستدلال بما هو معروف في لغة العرب.
المطلب التاسع: الاستدلال بالبناء اللغوي.
المطلب العاشر: توحيد مرجع الضمائر.
المطلب الحادي عشر: إجماع الجمهور على معنى الآية.(1/7)
الفصل الثالث: دراسة موازنة بين ترجيحات الشيخ عطية سالم -رحمه الله- في تتمة أضواء البيان، ومنهج الشيخ الشنقيطي -رحمه الله- في ترجيحاته، وفيه مباحث:
المبحث الأول: المصطلحات التي استخدمها في الترجيح.
المبحث الثاني: الوجوه التي اتبعها في الترجيح.
المبحث الثالث: نماذج من إحالات الشيخ عطية إلى كلام الشيخ الشنقيطي.
المبحث الرابع: ترابط الآيات والسور.
المبحث الخامس: استدراكات الشيخ عطية على شيخه الشنقيطي.
المبحث السادس: وفاء الشيخ عطية بوعود شيخه الشنقيطي.
القسم الثاني
دراسة ترجيحات الشيخ الشنقيطي في تفسيره من أول سورة النور إلى آخر سورة المجادلة
وطريقتي في دراسة المسائل الترجيحية على النحو الآتي:
1- ترتيب الآيات التي وقع الترجيح في تفسيرها حسب ورودها في المصحف.
2- ذكر مجمل الأقوال الواردة في الآية.
3- ذكر نص عبارة الشيخ الشنقيطي في الترجيح.
4- ذكر الموافقين للشيخ للشنقيطي في ترجيحه، مرتبين حسب الوفاة.
5- ذكر المخالفين له، مرتبين كذلك.
6- التعقيب في نهاية المسألة بدراسة حجج كل قول، وبيان الراجح حسب قواعد الترجيح وضوابطه المعتبرة عند العلماء.
7- قد يقول قائل: الشيخ الشنقيطي من المتأخرين، فكيف تقول في رسالتك الموافقون للشنقيطي والمخالفون للشنقيطي؟ أقول: هذا باعتبار أن ترجيحات الشيخ الشنقيطي هي محور الدراسة هنا، فلا مانع أن أقول (الموافقون - المخالفون) في حدود هذه الدراسة.
8- أوسع دائرة اطلاعي على أقوال المفسرين، فربما أطّلع في المسألة الواحدة على ما يقارب ثلاثين تفسيراً.
9- جعلت عزو الآيات بجوار الآية مباشرة تخفيفاً للحواشي.
10- بواسطة الطباعة بالحاسب الآلي، والحمد لله - عز وجل - ، نُقلت الآيات بخط المصحف سلامة لها من الخطأ.(1/8)
11- ترد في أثناء الكلام كلمة أو مقطع صغير من آية، فيكتفى بكتابته بالرسم الإملائي دون رسم المصحف ويوضع بين قوسين مكررين ((....))، ويكون من الآية محور الدراسة، أو يكون سبق قريباً ذكر الآية كاملة معزوة.
12- قد يورد الشيخ الشنقيطي بعض الآيات سواء التي يفسرها أو ترد أثناء تفسيره لآية ما؛ على القراءة التي كان يتبعها وهي قراءة الإمام نافع. ولكن في هذا البحث أثبتها على رواية حفص عن عاصم، ولا داعي للإشارة إن كان هذا الموضع مما أثبته على قراءة نافع أم لا.
13- قد أحتاج أحياناً إلى إدخال بعض كلامي أثناء نصٍ منقول بلفظه لأحد العلماء لإيضاح غامض ونحوه، فأميزه بوضعه معترضاً ومحصوراً بين معقوفتين [...].
14- وضعت في نهاية كل موضع شكلاً من أشكال الزخرفة الإسلامية، للدلالة على نهاية الكلام في ذلك الموضع.
15- توثيق المادة العلمية على النحو الآتي:
أ- عزو الآيات القرآنية.
ب- عزو القراءات القرآنية إلى مصادرها الأصلية، مع بيان المتواتر منها والشاذ.
جـ- تخريج الأحاديث النبوية.
د- توثيق الأقوال المنقولة عن العلماء.
هـ- عزو الأبيات الشعرية إلى قائليها، وتوثيقها من مصادرها.
و- شرح غريب الألفاظ والمصطلحات.
ز- التعريف بالأعلام.
حـ- التعريف بالفرق والمذاهب والأماكن والبلدان.
الخاتمة:
وفيها بيان أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة.
الفهارس:
... فهارس متنوعة لمادة البحث.
... وفي الختام أشكر الله - عز وجل - الذي أعانني على إتمام الموضوع ووفقني فيه، إلا لولا توفيقه وإعانته لما فعلتُ شيئاً.
ولا أنسى بالشكر والتقدير الوالدين الكريمين اللذْين أعاناني وسعيا في تعليمي وبذلا جهدهما في ذلك بالدعاء الخالص. فجزاهما الله عني أحسن الجزاء وأوفره، ورفع درجتهما وأحسن عاقبتهما في الأولى والآخرة، وأعانني على بر من بقي منهما على قيد الحياة.(1/9)
كما لا أنسى بالشكر والتقدير فضيلة شيخي الأستاذ الدكتور: محمد محمد زناتي عبدالرحمن المشرف على هذه الرسالة، والذي بذل جهده ووقته في توجيهي وإرشادي طيلة اشتغالي بالرسالة مع ما كان يتحلى به من الخلق الفاضل، والكلام الطيب، فجزاه الله عني خير الجزاء.
وشكري وتقديري لزوجتي أم بلال، لصبرها وتحملها وبذلها ما تستطيع من عون ومساعدة خلال فترة انشغالي بالرسالة.
والشكر موصول لكل من أعانني على هذا البحث برأي سديد، وقول رشيد، أو إعارة كتاب، أو دعاء بظهر الغيب، أو نحو ذلك، وأسأل الله تعالى أن يجعل ذلك في ميزان حسناته يوم الدين، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، " ونرجو من الله القريب المجيب، إذ وفقنا لخدمة هذا الكتاب المبارك -القرآن الكريم- أن يجعلنا مباركين أينما كنا، وأن يبارك لنا وعلينا، وأن يشملنا ببركاته العظيمة في الدنيا والآخرة، وأن يعم جميع إخواننا المسلمين، الذين يأتمرون بأوامره، بالبركات والخيرات، في الدنيا والآخرة، إنه قريب مجيب "(1)، والله تعالى أعلم، فما كان في هذا البحث من إجادة وإتقان وإحسان فمن فضل الله تعالى وكرمه وتوفيقه، وما كان من نقص وخلل وخطأ فمن نفسي والشيطان وأسأل الله تعالى العفو والغفران، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
__________
(1) هذا الدعاء ذكره الشيخ الشنقيطي عند تفسير قوله تعالى { كِتَابٌ çm"sYّ9u"Rr& إِلَيْكَ ش8uچ"t6مB لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ uچھ.xtFuٹد9ur أُولُو الْأَلْبَابِ (29) } [سورة ص: 29]. أضواء البيان (7/31).(1/10)
القسم الثاني
دراسة ترجيحات الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- في تفسيره أضواء البيان
من أول سورة النور إلى آخر سورة المجادلة
معنى النكاح
1- قوله تعالى: { الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) } [سورة النور:3].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
اختلف العلماء في المراد بلفظ النكاح في الآية على قولين:
1- أن المراد به: الوطء(1).
2- أن يراد به: عقد النكاح(2).
ترجيح الشنقيطي:
__________
(1) جامع البيان للطبري (18/59).
(2) زاد المسير لابن الجوزي (5/342).(1/1)
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " إن العلماء اختلفوا في المراد بالنكاح في هذه الآية، فقال جماعة: المراد بالنكاح في هذه الآية: الوطء الذي هو نفس الزنى. وقالت جماعة أخرى من أهل العلم: إن المراد بالنكاح في هذه الآية هو عقد النكاح، قالوا فلا يجوز لعفيف أن يتزوج زانية كعكسه. وهذا القول الذي هو أن المراد بالنكاح في الآية التزويج لا الوطء؛ في نفس الآية قرينة تدل على عدم صحته، وتلك القرينة هي ذكر المشرك والمشركة في الآية؛ لأن الزاني المسلم لا يحل له نكاح مشركة لقوله تعالى: { وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ } [سورة البقرة: 221]، وقوله تعالى: { لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } [سورة الممتحنة: 10], وقوله تعالى: { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } [سورة الممتحنة: 10]، وكذلك الزانية المسلمة لا يحل لها نكاح المشرك لقوله تعالى: { وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا } [سورة البقرة: 221]. فنكاح المشركة والمشرك لا يحل بحال. وذلك قرينة على أن المراد بالنكاح في الآية التي نحن بصددها: الوطء؛ الذي هو الزنى، لا عقد النكاح، لعدم ملائمة عقد النكاح لذكر المشرك والمشركة "(1).
فالشيخ الشنقيطي إذاً يرى أن المراد بالنكاح في هذه الآية الوطء الذي هو الزنى.
الموافقون:
... عدد من المفسرين ذهبوا في بيان معنى الآية إلى مثل ما ذهب إليه الشنقيطي؛ منهم:
1- الإمام الطبري(2):
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (6/72).
(2) الإمام العلم المجتهد، أبوجعفر محمد بن جرير الطبري، كان من أفراد الدهر علماً وذكاءً وكثرة تصانيف. قال الذهبي: كان ثقة، صادقاً، حافظاً، رأساً في التفسير، إماماً في الفقه والإجماع والاختلاف، علاّمة في التاريخ وأيام الناس، عارفاً بالقراءات وباللغة وغير ذلك. توفي سنة
(
310هـ)، نزهة الفضلاء (2/1037).(1/2)
" وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب: قول من قال عني بالنكاح في هذا الموضع الوطء وأن الآية نزلت في البغايا المشركات ذوات الرايات. وذلك لقيام الحجة على أن الزانية من المسلمات حرام على كل مشرك، وأن الزاني من المسلمين حرام عليه كل مشركة من عبدة الأوثان، فمعلوم إذ كان ذلك كذلك أنه لم يعنِ بالآية أن الزاني من المؤمنين لا يعقد عقد نكاح على عفيفة من المسلمات ولا ينكح إلا بزانية أو مشركة. وإذا كان ذلك كذلك، فبيّن أن معنى الآية: الزاني لا يزني إلا بزانية لا تستحل الزنا أو بمشركة تستحله. وقوله ((وحرم ذلك على المؤمنين)) يقول: وحُرم الزنا على المؤمنين بالله ورسوله، وذلك هو النكاح الذي قال جل ثناؤه: ((الزاني لا ينكح إلا زانية)) "(1).
2- الجصاص(2): " ولا يخلو قوله تعالى ((الزاني لا ينكح إلا زانية)) من أحد وجهين، إما أن يكون خبراً وذلك حقيقته أو نهياً وتحريماً؛ ثم لا يخلو من أن يكون المراد بذكر النكاح هنا الوطء أو العقد، وممتنع أن يحمل على معنى الخبر وإن كان ذلك حقيقة اللفظ؛ لأنا وجدنا زانياً يتزوج غير زانية وزانية تتزوج غير الزاني، فعلمنا أنه لم يَردْ مورد الخبر، فثبت أنه أراد الحكم والنهي، فإذا كان كذلك فليس يخلو من أن يكون المراد الوطء أو العقد، وحقيقة النكاح هو الوطء في اللغة(3)، فوجب أن يكون محمولاً عليه على ما روي عن ابن عباس(4) ومن تابعه في أن المراد: الجماع "(5).
__________
(1) جامع البيان للطبري (18/59).
(2) أبوبكر أحمد بن علي الرازي المعروف، بالجصاص، سكن بغداد؛ وعنه أخذ فقهاؤها، قال الخطيب: كان إمام أصحاب أبي حنيفة في وقته، وكان مشهوراً بالزهد. توفي سنة (370هـ). طبقات المفسرين (1/55).
(3) القاموس المحيط للفيروز آبادي ص(314)، باب الحاء فصل النون.
(4) الدر المنثور للسيوطي (5/19).
(5) أحكام القرآن لجصاص (3/346).(1/3)
3- ابن عطية(1): " من هذه الآية أوجه من التأويل: أحدها: أن يكون مقصد الآية تشنيع وتبشيع أمره، وأنه محرّم على المؤمنين، واتصال هذا المعنى بما قبل حسن بليغ. ويريد بقوله سبحانه ((لا ينكح)) أي لا يطأ، فيكون النكاح بمعنى الجماع [ثم ذكر بقية الأوجه، وفي آخر كلامه ردّ ما عدا الوجه الأول بقوله:] وذكر الإشراك في الآية يضعّف هذه المناحي "(2).
4- ابن جزي(3) -بعد ذكر الآية- قال: " معناها ذم الزناة وتشنيع الزنا، وأنه لا يقع فيه إلا زان أو مشرك، ولا يوافق عليه من النساء إلا زانية، أو مشركة، وينكح على هذا بمعنى يجامع. [ثم ذكر القول الآخر، وبعده قال:] والأول هو الصحيح "(4).
__________
(1) القاضي أبومحمد عبدالحق بن غالب بن عطية الغرناطي، كان فقيهاً عالماً بالتفسير والأحكام والحديث والفقه والنحو والأدب، مقيداً حسن التقييد، من مؤلفاته (المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز). توفي سنة (541هـ). طبقات المفسرين (1/260).
(2) المحرر الوجيز لابن عطية (10/424-429).
(3) الإمام محمد بن أحمد بن جزي الكلبي، من أهل غرناطة وذوي الأصالة والنباهة فيها، كان
-رحمه الله- على طريقة مُثلى من العكوف على العلم، والاستغال بالنظر والتقييد، فقيهاً حافظاً قائماً على التدريس، حُفَظَةً للتفسير، مستوعباً للأقوال، ألف الكثير في فنون شتى. توفي سنة (741هـ). طبقات المفسرين (2/81).
(4) التسهيل لابن جزي (3/127).(1/4)
5- أبوحيان(1): ((الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة)) الظاهر أنه خبر قصد به تشنيع الزنا وأمره، ومعنى ((لا ينكح)) لا يطأ، وزاد المشركة في التقسيم، فالمعنى أن الزاني في وقت زناه لا يجامع إلا زانية من المسلمين أو أخس منها وهي المشركة، والنكاح بمعنى الجماع مروي عن ابن عباس هنا "(2).
6- ابن كثير(3): " هذا خبر من الله تعالى بأن الزاني لا يطأ إلا زانية أو مشركة، أي لا يطاوعه على مراده من الزنا إلا زانية عاصية أو مشركة لا ترى حرمة ذلك، وكذلك ((الزانية لا ينكحها إلا زانٍ)) أي عاص بزناه ((أو مشرك)) لا يعتقد تحريمه "(4).
المخالفون:
... وهم من ذكر بأن لفظ النكاح في الآية التي نحن بصددها يراد به العقد أي عقد النكاح، فمن هؤلاء المفسرين:
__________
(1) الإمام محمد بن يوسف بن علي بن حيان، أبوحيان الأندلسي، نحوي عصره، ومفسره، ومحدثه، ومقرئه، ومؤرخه، وأديبه، كان حجة سالم العقيدة من البدع الفلسفية، من تصانيفه المشهورة: البحر المحيط في التفسير. توفي سنة (745هـ). طبقات المفسرين (2/286).
(2) البحر المحيط لأبي حيان (9/10).
(3) الحافظ أبوالفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي، كان قدوة العلماء والحفاظ، وعمدة أهل المعاني والألفاظ، كان له خصوصية بالشيخ تقي الدين ابن تيمية، ومناضلة عنه، واتباع له في كثير من آرائه، فقيه متفنن، ومحدث متقن، ومفسر نقّاد. توفي سنة (774هـ). طبقات المفسرين
(1/110).
(4) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/262).(1/5)
1- الإمام ابن الجوزي(1): " قال عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما-:كانت امرأة تسامح وتشترط للذي يتزوجها أن تكفيه النفقة، فأراد رجل من المسلمين أن يتزوجها، فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه الآية(2).
... وقال عكرمة(3): نزلت في بغايا، كنّ بمكة، ومنهن تسع صواحب رايات، وكانت بيوتهن تسمى في الجاهلية: المواخير، ولا يدخل عليهن إلا زان من أهل القبلة، أو مشرك من أهل الأوثان، فأراد ناس من المسلمين نكاحهن، فنزلت هذه الآية(4). قال المفسرون: ومعنى الآية: الزاني من المسلمين لا يتزوج من أولئك البغايا إلا زانية ((أو مشركة)) لأنهن كذلك كنّ ((والزانية)) منهن ((لا ينكحها إلا زان أو مشرك)) "(5).
__________
(1) الإمام الحافظ المفسر أبوالفرج عبدالرحمن بن علي بن محمد القرشي البغدادي الحنبلي، صاحب التصانيف، كان بحراً في التفسير، علاّمة في السيرة والتاريخ، موصوفاً بحسن الحديث ومعرفة فنونه، فقيهاً عليماً بالإجماع والاختلاف، جيد المشاركة في الطب، ذا تفنن وفهم وذكاء وحفظ واستحضار. توفي سنة (597هـ). نزهة الفضلاء (3/1502).
(2) ذكره الواحدي النيسابوري في أسباب النزول المطبوع بذيل مختصر تفسير الطبري المطبوع بهامش القرآن الكريم ص(315)، وأن المرأة كان يقال لها: أم مهدون. وذكره السيوطي في الدر المنثور (5/19)، وفي لباب النقول في أسباب النزول المطبوع بذيل مفردات القرآن، للشيخ محمد حسن الحمصي، المطبوع بهامش القرآن الكريم ص(345)، وأن المرأة يقال لها: أم مهزول.
(3) العلاّمة الحافظ المفسر، أبوعبدالله القرشي مولاهم، عن عبدالرحمن بن حسان: سمعت عكرمة يقول: طلبت العلم أربعين سنة، وكنت أفتي بالباب، وابن عباس في الدار. توفي سنة (105هـ). نزهة الفضلاء (1/464).
(4) أسباب النزول للواحدي النيسابوي ص(314)، وتسهيل الوصول إلى معرفة أسباب النزول لخالد العك ص(232).
(5) زاد المسير لابن الجوزي (5/342).(1/6)
2- البيضاوي(1): " إذ الغالب أن المائل إلى الزنا لا يرغب في نكاح الصوالح، والمسافحة لا يرغب فيها الصلحاء، فإن المشاكلة علة للألفة والتضام، والمخالفة سبب للنفرة والافتراق، وكان حق المقابلة أن يقال: والزانية لا تنكح إلا من هو زان أو مشرك، لكن المراد بيان أحوال الرجال في الرغبة فيهن؛ لأن الآية نزلت في ضعفة المهاجرين لما همّوا أن يتزوجوا بغايا يكرين أنفسهن لينفقن عليهم من أكسابهن على عادة الجاهلية ولذلك قدّم الزاني "(2).
3- أبوالسعود(3): " ((الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك)) حكم مؤسس على الغالب المعتاد جيء به لزجر المؤمنين عن نكاح الزواني بعد زجرهم عن الزنا بهن وقد رغب بعض من ضعفة المهاجرين في نكاح موسرات كانت بالمدينة من بغايا المشركين فاستأذنوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك فنفّروا عنه ببيان أنه من أفعال الزناة وخصائص المشركين كأنه قيل الزاني لا يرغب إلا في نكاح إحداهما والزانية لا يرغب في نكاحها إلا أحدهما فلا تحوموا حوله كي لا تنتظموا في سلكهما أو تتسموا بسمتهما. [وردّ على من قال بأنه الوطء بقوله:] وما قيل أن المراد بالنكاح هو الوطء بيّن البطلان "(4).
__________
(1) الإمام ناصر الدين عبدالله بن عمر بن محمد البيضاوي، كان علاّمة عارفاً بالفقه والتفسير والعربية والمنطق، من مصنفاته (أنوار التنزيل وأسرار التأويل) في التفسير. وليَّ القضاء بشيراز. توفي سنة (691هـ). طبقات المفسرين (1/242).
(2) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/59).
(3) محمد بن محمد بن مصطفى العمادي، أبوالسعود، مفسر شاعر، من علماء الترك المستعربين، وهو صاحب التفسير المعروف باسمه وقد سماه: (إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم)، تقلد القضاء في عدد من البلاد التركية. توفي سنة (982هـ). الأعلام (7/59).
(4) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/91).(1/7)
4- الشوكاني(1): " إن هذا الحكم مؤسس على الغالب، والمعنى: إن غالب الزناة لا يرغب إلا في الزواج بزانية مثله، وغالب الزواني لا يرغبن إلا في الزواج بزان مثلهن، والمقصود زجر المؤمنين عن نكاح الزواني بعد زجرهم عن الزنا؛ وهذا أرجح الأقوال "(2).
5- السعدي(3): " هذا بيان لرذيلة الزنا، وأنه يدنس عرض صاحبه، وعرض من قارنه ومازجه ما لا يفعله بقية الذنوب. فأخبر أن الزاني لا يقدم على نكاحه من النساء إلا أنثى زانية، تناسب حاله حالها، أو مشركة بالله لا تؤمن ببعث ولا جزاء ولا تلتزم أمر الله. والزانية كذلك لا ينكحها إلا زان أو مشرك ((وحرم ذلك على المؤمنين)) أي: حرم عليهم أن يُنكحوا زانياً أو يَنكحوا زانية. ومعنى الآية: أن من اتصف بالزنا -من رجل أو امرأة- ولم يتب من ذلك؛ أن المقدم على نكاحه مع تحريم الله لذلك؛ لا يخلو إما أن لا يكون ملتزماً لحكم الله ورسوله، فذاك لا يكون إلا مشركاً، وإما أن يكون ملتزماً لحكم الله ورسوله، فأقدم على نكاحه مع علمه بزناه فإن هذا النكاح زنا، والناكح زان مسافح، فلو كان مؤمناً بالله حقاً لم يُقدم على ذلك "(4).
__________
(1) الشيخ محمد بن علي الشوكاني اليمني، مجتهد مفسر أصولي، من أشهر كتبه (فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في التفسير). توفي سنة (1250هـ). حدائق الزهر في ذكر الأشياخ أعيان الدهر ص(31).
(2) فتح القدير للشوكاني (4/7).
(3) الشيخ عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالله آل سعدي، ولد عام (1307هـ)، توفي والداه وهو صغير فنشأ يتيماً، حفظ القرآن الكريم واشتغل بالعلم، أعطاه الله - عز وجل - محبة في القلوب وثقة في النفوس، فصار مرجع بلاده -عنيزة- وعمدتهم، فهو مدرسهم ومفتيهم وواعظهم وإمام الجامع وخطيبه، من أشهر مؤلفاته: (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان). توفي سنة
(1376هـ). علماء نجد خلال ستة قرون (2/422).
(4) تيسير الكريم الرحمن لسعدي ص(561).(1/8)
6- سيد قطب(1): "... فالذين يرتكبون هذه الفعلة لا يرتكبونها وهم مؤمنون، إنما يكونون في حالة نفسية بعيدة عن الإيمان وعن مشاعر الإيمان، وبعد ارتكابها لا ترتضي النفس المؤمنة أن ترتبط في نكاح مع نفس خرجت عن الإيمان بتلك الفعلة البشعة؛ لأنها تنفر من هذا الرباط وتشمئز، حتى لقد ذهب الإمام أحمد إلى تحريم مثل هذا الرباط بين زان وعفيفة، وبين عفيف وزانية؛ إلا أن تقع التوبة(2) التي تطهر من ذلك الدنس المنفر.
... وعلى أية حال فالآية تفيد نفور طبع المؤمن من نكاح الزانية،ونفور طبع المؤمنة من نكاح الزاني، واستبعاد وقوع هذا الرباط بلفظ التحريم الدال على شدة الاستبعاد ((وحرم ذلك على المؤمنين))... وبذلك تقطع الوشائج التي تربط هذا الصنف المدنس من الناس بالجماعة المسلمة الطاهرة النظيفة "(3).
تعقيب الباحث:
... اعلم -عزيزي القارئ- أن هذه الآية استشكل بيان معناها على أئمة العلم بتفسير القرآن، وقد صرّح به عدد من المفسرين؛ منهم الإمام ابن العربي(4)
__________
(1) سيد قطب إبراهيم، ولد في صعيد مصر عام (1324هـ)، وصل في النقد والأدب إلى القمة، من أبرز رواد الفكر الإسلامي المعاصر، كانت عقيدته عقيدة السلف الصالح، وفكره سلفي خالٍ من الشوائب تركز حول موضوع التوحيد الخالص ووبيان المعنى الحقيقي لـ (لا إله إلا الله)، له الكثير من المؤلفات؛ من أهمها تفسير (في ظلال القرآن الكريم). توفي شهيداً -نحسبه كذلك والله حسيبه- سنة (1386هـ). من أعلام الحركة الإسلامية ص(337).
(2) وثمَّ شرط آخر: هو براءة رحم الزانية بانقضاء عدتها، في خلاف مبسوط في كتب الفقه. المغني لابن قدامة (9/561).
(3) في ظلال القرآن لسيد قطب (4/2488).
(4) أحكام القرآن لابن العربي، القسم الثالث ص(1329).
... وهو الحافظ القاضي أبوبكر محمد بن عبدالله ابن العربي الأندلسي، كان ثاقب الذهن عذب المنطق كريم الشمائل، وليَّ قضاء إشبيلية. توفي سنة (543هـ). نزهة الفضلاء (3/1412).(1/9)
وابن القيم(1)، والشنقيطي(2)، وابن عاشور(3)، وهذا الاستشكال مبني على المراد بلفظ النكاح؛ فمنهم من رجّح أن المراد بلفظ النكاح في الآية الوطء ولهم أدلة عليه، ومنهم من رجّح أن المراد به عقد النكاح ولهم أدلة أيضاً، وسأستعرض أدلة أصحاب كل قول أو الردود على ما لم يرجّحوه، محاولاً التوفيق في ضوء ما جاء عن المفسرين، والله المستعان وعليه التكلان.
لقد استدل القائلون بأن النكاح في الآية يراد به الوطء بأدلة منها:
__________
(1) بدائع التفسير لابن القيم (3/243).
... وهو: الإمام محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي، الفقيه الحنبلي الأصولي المفسر النحوي، أبوعبدالله بن قيم الجوزية، لازم الشيخ الإمام تقي الدين ابن تيمية. توفي سنة (751هـ). طبقات المفسرين (2/290).
(2) أضواء البيان للشنقيطي (6/81).
(3) التحرير والتنوير لابن عاشور (18/152).
... وهو: الشيخ محمد الطاهر بن محمد بن عاشور، ولد عام (1296هـ) أحد علماء تونس المشهورين، من أشهر مؤلفاته: (التحرير والتنوير في تفسير القرآن الكريم). توفي سنة (1393هـ). تراجم المؤلفين التونسيين (3/304).(1/10)
1- ورود آية في القرآن الكريم تؤيد أن المراد بالنكاح الوطء لا مجرد العقد،و هي قوله تعالى: { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ... } [سورة البقر: 230]. وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - المراد بالنكاح في الآية الوطء بقوله: "... لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك "(1)،فآية سورة البقرة هذه دلت صراحة على أن النكاح هو الوطء. وهذا الوجه عند المفسرين وغيرهم من العلماء هو أحسن طرق التفسير؛ تفسير القرآن بالقرآن(2).
2- إن لفظ النكاح في اللغة أول ما يراد به الوطء، قال في القاموس المحيط: النكاح: الوطء، والعقدُ له(3)، والاستدلال بالمعروف في اللغة قاعدة رجّح بها المفسرون(4).
3- إن سياق الآية يدل على إرادة الوطء بلفظ النكاح، فإنه في الآية السابقة وهي قوله تعالى { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ... } [سورة النور: 2] ذكر العقوبة الواقعة عليها، وذكر في هذه الآية وقوعهما في فعل الزنا، وأنه حرام على المؤمنين، قال ابن عطية: "... واتصال هذا المعنى بما قبل حسن بليغ "(5).
4- أن النكاح في الآية يراد به الوطء مروي عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- وهو مَنْ هو في التفسير حبر الأمة وترجمان القرآن(6).
5- أنه إن أريد بالنكاح في الآية العقد؛ فهناك قرينتان في الآية تردّه:
__________
(1) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر (9/464)، كتاب الطلاق، باب: إذا طلقها ثلاث ثم تزوجت بعد العِدّة زوجاً غيره فلم يمسّها.
(2) شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص(127)، قواعد التفسير لخالد السبت (1/109).
(3) القاموس المحيط للفيروز آبادي ص(314)، باب الحاء، فصل النون.
(4) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (2/369).
(5) المحرر الوجيز لابن عطية (10/424).
(6) الدر المنثور للسيوطي (5/19).(1/11)
أ - مجيء لفظ المشرك والمشركة، وقد دلت آيات من القرآن الكريم أنه لا يجوز للزاني المسلم أن يتزوج مشركة، وكذلك لا يجوز للزانية المسلمة أن يتزوجها مشرك، كقوله تعالى: { وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ... } [سورة البقرة: 221]. وقوله تعالى: { لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } إلى قوله: { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } [سورة الممتحنة: 10].
ب- قوله تعالى: ((وحرم ذلك على المؤمنين)) فهذا يدل على عدم صحة زواج الزاني أو الزانية،وليس هذا في الواقع، فإن العفيف يجوز له أن يتزوج الزانية المسلمة إذا تابت واستبرئ رحمها، وكذلك العفيفة يجوز أن يتزوجها الزاني المسلم إذا تاب(1). وعليه تكون هاتان القرينتان مانعتان من إرادة العقد، ويحمل التحريم في الآية على تحريم الزنا، ويراد بالنكاح الوطء.
أما القائلون بأن النكاح في الآية يراد به العقد فمن أدلتهم:
__________
(1) أحكام القرآن لابن العربي، القسم الثالث ص (1331)، المغني لابن قدامة (9/561).(1/12)
1- مجيء آيات كثيرة في القرآن الكريم ورد فيها لفظ النكاح بمعنى العقد، منها: قوله تعالى: { وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ } [سورة البقرة: 235]، وقوله تعالى: { وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ } [سورة النساء: 22]، وقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ } [سورة الأحزاب: 49] وغيرها من الآيات (1) فيها دلالة على أن النكاح يراد به العقد، فيحمل اللفظ في محل النزاع على الغالب من أسلوب القرآن(2).
2- أن سبب نزول الآية يبين أن المراد بلفظ النكاح في الآية: عقد النكاح لا الوطء، وقد مرّ ذكر بعض الروايات الواردة فيه عند ذكر المخالفين، وأذكر الآن واحدة منها لإيضاح المراد، وهي الرواية الواردة عن عمرو بن شعيب(3)
__________
(1) سورة البقرة: 221، 232، 237] [سورة النساء: 3/25، 127]، [سورة النور: 32، 33، 60]، [سورة القصص: 27]، [سورة الأحزاب: 50، 53]، [سورة الممتحنة: 10].
(2) قواعد الترجيح عند المفسرين (1/172)، قواعد التفسير لخالد السبت (2/798).
(3) عمرو بن شعيب بن محمد بن عبدالله بن عمرو بن العاص، جُلُّ روايته عن أبيه، قال علي بن المديني: سمع أبوه شعيب من جده عبدالله بن عمرو، قال في التقريب: صدوق. توفي سنة
(
118هـ). تهذيب التهذيب (8/48)، تقريب التهذيب ص(738).(1/13)
عن أبيه عن جده قال: كان رجل يقال له مرثد(1) يحمل الأسارى من مكة حتى يأتي بهم المدينة، وكانت امرأة بمكة يقال لها عناق وكانت صديقة له، وأنه وجد رجلاً من أسارى مكة يحمله، قال: فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة، فجاءت عناق فأبصرت سواد ظل تحت الحائط، فلما انتهت إليّ عرفتني، فقالت: مرثد؟ فقلت: مرثد. فقالت: مرحباً وأهلاً هلم فبت عندنا الليلة. قلت: يا عناق حرّم الله الزنا. قالت: يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أسراكم. قال: فتبعني ثمانية، وسلكت الخندمة(2) فانتهيت إلى غار أو كهف فدخلت، فجاءوا حتى قاموا على رأسي، فبالوا وظل بولهم على رأسي ونحاهم الله عني ثم رجعوا ورجعت إلى صاحبي فحملته حتى قدمت المدينة، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله أنكح عناقاً؟ فأمسك فلم يردّ عليّ شيئاً حتى نزلت: ((الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرّم ذلك على المؤمنين)) فلا تنكحها(3).
__________
(1) مرثد بن أبي مرثد الغنوي، صحابي وأبوه صحابي، وهما من شهد بدراً، استشهد مرثد في صفر سنة (3هـ) في غزاة الرجيع. الإصابة (3/398).
(2) الخندمة: بفتح أوله، جبل بمكة، وكانت تؤخذ منه حجارة بنيان مكة. معجم البلدان لياقوت (المجلد الثاني، ص(250).
(3) الدر المنثور للسيوطي (5/19)، وفي جامع الأصول قال محققه: " [أخرجه] الترمذي رقم (3176) في التفسير، باب ومن سورة النور. وأبوداود رقم (2051) في النكاح، باب قوله تعالى ((الزاني لا ينكح
= ... إلا زانية)). والنسائي (6/66) في النكاح باب تزويج الزانية. وإسناده حسن، وقال الترمذي: حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وصححه الحاكم (2/396)".
... انظر: جامع الأصول لابن الأثير، بتحقيق: عبدالقادر الأرناؤوط (2/247) كتاب تفسير القرآن، سورة النور.(1/14)
... وتقرر لدى علماء الأصول أن صورة سبب النزول قطعية الدخول (1)، فيترجح بناءً عليه أن يراد بالنكاح في الآية العقد.
3- إن إرادة العقد بلفظ النكاح من باب إطلاق المسبب وإرادة سببه، وهو أسلوب معروف في القرآن الكريم وفي اللغة العربية(2).
4- واستدل القائلون بأنه العقد، أنه إن حَمل لفظ النكاح في الآية على الوطء فكأنه قال: الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة، وهذا كلام لا فائدة فيه، ولابد أن يصان كلام الله - عز وجل - عن حمله على مثل ذلك(3). ...
ويُردّ على هذا بأن " ابن عباس -رضي الله عنهما- وهو هو في المعرفة باللغة العربية وبمعاني القرآن صح عنه حمل الزنى في الآية على الوطء، ولو كان ذلك ينبغي أن يصان عن مثله كتاب الله لصانه عنه ابن عباس ولم يقل به ولم يخفَ عليه أنه ينبغي أن يصان عن مثله "(4).
وبعد: فأنت ترى -عزيزي القارئ- قوة استدلال كل فريق على قوله، ومدى استشكال بيان معنى الآية بناء على المراد بلفظ النكاح، وإن لكل وجه أدلته المؤيدة له، وقد سبق أن ذكرت عدداً من الأئمة صرّحوا باستشكال وصعوبة بيان معنى هذه الآية، فإذا أشكل تحديد المعنى على العلماء الراسخين، فهو على أمثالنا أصعب -أسأل الله جل وعلا العون والتوفيق والسداد والقبول-.
__________
(1) البحر المحيط للزركشي (3/216)، شرح مختصر الروضة للطوفي (2/505)، مذكرة أصول الفقه للشنقيطي ص(252).
(2) أضواء البيان للشنقيطي (6/76)، وهي إحدى علاقات المجاز المرسل؛ تسمية الشيء باسم مسبب عنه. انظر: عقود الجمان في المعاني والبيان للسيوطي (2/44).
(3) بدائع التفسير لابن القيم (3/243).
(4) أضواء البيان للشنقيطي (6/80).(1/15)
وإن من طريف(1) ما ورد في معنى الآية ما قاله الإمام ابن القيم، فلقد ذكر في معناها وجهاً لم يُسبق إليه، أذكره لأهميته وفائدته. فإنه بعد أن ردّ على كلّ وجه مُحتمل من ما ذكره المفسرون؛ قال: " فإن قيل: فما وجه الآية؟ قيل: وجهها -والله أعلم- أن المتزوج أَمِر أن يتزوج المحصنة العفيفة، وإنما أبيح له نكاح المرأة بهذا الشرط، كما ذكر ذلك سبحانه في سورتي الناس والمائدة(2)، والحكم المعلق على الشرط ينتفي عند انتفائه(3)، والإباحة قد علقت على شرط الإحصان، فإذا انتفى الإحصان انتفت الإباحة المشروطة به، فالمتزوج إما أن يلتزم حكم الله وشرعه الذي شرعه على لسان رسوله، أو لا يلتزمه، فإن لم يلتزمه فهو مشرك لا يرضى بنكاحه إلا من هو مشرك مثله، وإن التزمه وخالفه ونكح ما حرم عليه لم يصح النكاح، فيكون زانياً، فظهر معنى قوله: ((لا ينكح إلا زانية أو مشركة)) وتبين غاية البيان. وكذلك حكم المرأة.
وكما أن هذا الحكم هو موجب القرآن وصريحه فهو موجب الفطرة، ومقتضى العقل، فإن الله -سبحانه- حرم على عبده أن يكون قرناناً(4)
__________
(1) الطريف: الغريب من الثمر وغيره. القاموس المحيط للفيروز آبادي ص(1075)، باب الفاء، فصل الطاء.
(2) في قوله تعالى: { وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ } [سورة النساء: 25]. وقوله تعالى: { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ } [سورة المائدة: 5].
(3) الشرط: هو ما يلزم من انتفائه انتفاء الحكم.
... روضة الناظر وجنة المناظر لابن قدامة ص(34)، وشرح مختصر الروضة للطوفي (1/430).
(4) القَرْنان: الديوث المُشارك في قرينته، أي زوجته.
... القاموس المحيط للفيروز آبادي ص(1579)، باب النون، فصل القاف.(1/16)
ديوثاً زوج بغي، فإن الله تعالى فطر الناس على استقباح ذلك واستهجانه ولذلك إذا بالغوا في سب الرجل قالوا: زوج قحبة، فحرم الله على المسلم أن يكون كذلك. فظهرت حكمة التحريم وبان معنى الآية، والله الموفق "(1). والله أعلم بالصواب.
- - -
المراد بالعذاب
2- قوله تعالى: { وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) } [سورة النور: 8].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن المراد بالعذاب: الحد(2).
2- أن المراد بالعذاب: الحبس(3).
ترجيح الشنقيطي:
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " المراد بالعذاب هنا: الحد. والدليل على ذلك من أوجه:
الأول: منها سياق الآية، فهو يدل على أن العذاب الذي تدرؤه عنها شهاداتها هو الحد.
الثاني: أنه أطلق اسم العذاب في مواضع أخر على الحد مع دلالة السياق على أن المراد بالعذاب فيها الحد؛ كقوله تعالى في هذه السورة الكريمة: { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا ×pxےح !$sغ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) } [سورة النور: 2]، فقوله: ((وليشهد عذابهما)) أي حدهما بلا نزاع، وكذلك قوله تعالى في الإماء { فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ } [سورة النساء: 25] أي نصف ما على الحرائر من الجلد "(4).
الموافقون:
قال بالمعنى الذي ذهب إليه الشنقيطي عدد من أعلام المفسرين، منهم:
__________
(1) بدائع التفسير لابن القيم (3/245).
(2) جامع البيان للطبري (18/68)، تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/265)، أنوار التنزيل للبيضاوي (2/59).
(3) مدارك التنزيل للنسفي (3/102).
(4) أضواء البيان للشنقيطي (6/131-132) بتصرف.(1/17)
1- الإمام الطبري: " يعني جل ذكره بقوله ((ويدرأ عنها العذاب)) ويدفع عنها الحد "(1).
2- البغوي(2): " وأراد بالعذاب الحد، كما قال في أول السورة ((وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين)) أي حدهما "(3).
3- ابن جزي: " العذاب هنا حد الزنا "(4).
4- ابن كثير: ((ويدرأ عنها العذاب)) يعني الحد "(5).
5- الشوكاني: " والمراد بالعذاب: الدنيوي؛ وهو الحد "(6).
... وغيرهم من المفسرين كالبيضاوي(7) والسعدي(8).
المخالفون:
... قلة من المفسرين اختاروا القول الآخر، منهم:
1- الإمام النسفي(9): " ((ويدرأ عنها العذاب)) ويدفع عنها الحبس "(10).
2- أبوالسعود: " أي العذاب الدنيوي وهو الحبس المغيا (11) -على أحد الوجهين- بالرجم الذي هو أشد العذاب "(12).
... ومن المفسرين من جمع القولين دون ترجيح، كالشيخ حسنين محمد مخلوف(13).
تعقيب الباحث:
... الذي يظهر أن القول الراجح هو ما ذهب إليه الإمام الشنقيطي ومن وافقه، يشهد لذلك ما يلي:
__________
(1) جامع البيان للطبري (18/68).
(2) العلاّمة الحافظ محيي السنة أبومحمد الحسين بن مسعود بن محمد البغوي المفسّر، من تصانيفه (معالم التنزيل)، كان له القدم الراسخ في التفسير والباع المديد في الفقه. توفي سنة (516هـ). نزهة الفضلاء (3/1370).
(3) مختصر البغوي (2/636)..
(4) التسهيل لابن جزي (3/130).
(5) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/265).
(6) فتح القدير للشوكاني (4/12).
(7) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/59).
(8) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(562).
(9) أبوالبركات عبدالله بن أحمد بن محمود النسفي، فقيه حنفي، مفسّر، له مصنفات جليلة منها: (مدارك التنزيل) في التفسير. توفي سنة (710هـ). الأعلام (4/67).
(10) مدارك التنزيل للنسفي (3/102).
(11) يعني: إلى غاية.
(12) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/95).
(13) صفوة البيان لحسنين مخلوف (447).(1/18)
1- أن سياق الآية يدل على المعنى المختار، ومعلوم أن سياق الآية إذا دلّ على معنىً؛ كان هو المعنى المقدم عند كثير من أئمة التفسير(1).
2- أن لفظة العذاب يراد بها الحد وردت أيضاً في آية أخرى في نفس السورة، وهي قوله تعالى: { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا ×pxےح !$sغ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [سورة النور: 2] ولا خلاف في أن العذاب الذي تشهده طائفة من المؤمنين هو الحد المقام عليهما، فدل ذلك على أن العذاب -في الآية التي نحن بصددها - يراد به الحد؛ لأنه هو الذي تدفعه عنها الزوجة المُلاَعنة بشهادتها.
3- أن الحبس كان مذكوراً في سورة النساء وعمل به لفترة من الزمن ثم نسخ بما ذكر في سورة النور. ولم يعد الحبس يعمل به(2). -والله أعلم بالصواب-.
- - -
معنى { وَلَا يَأْتَلِ }
3- قوله تعالى: { وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) } [سورة النور: 22].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- ((لا يأتل)) أي لا يحلف(3).
2- ((لا يأتل)) أي لا يقصّر(4).
ترجيح الشنقيطي:
__________
(1) قواعد الترجيح عند المفسرين (1/125)، قاعدة: إدخال الكلام في معاني ما قبله وما بعده أولى من الخروج به عنهما، إلا بدليل يجب التسليم له.
(2) انظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/462).
(3) جامع البيان للطبري (18/81)، تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/275).
(4) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/61)، مدارك التنزيل للنسفي (3/105) ولم يرجّحاه.(1/19)
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: وقوله: ((ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة)) أي لا يحلف، فقوله (يأتل) وزنه يفتعل من الألية وهي اليمين، تقول العرب: آلى يؤلى، وائتلى يأتلي إذا حلف، ومنه قوله تعالى: { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ ِNخgح !$|،خpS } [سورة البقرة: 226] أي يحلفون مضارع آلى يؤلي إذا حلف. والمعنى: لا يحلف أصحاب الفضل والسعة؛ أي: الغني كأبي بكر - رضي الله عنه - أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله كمسطح بن أثاثة(1).
وقال بعض أهل العلم: " قوله ((ولا يأتل)) أي: لا يقصر أصحاب الفضل والسعة كأبي بكر في إيتاء أولي القربى كمسطح، وعلى هذه فقوله (يأتل) يفتعل من (ألا) (يألوا) في الأمر إذا قصَّر منه وأبطأ، ومنه قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا } [سورة آل عمران: 118] أي:لا يقصرون في مضرتكم. والأول أصح؛ لأن حلف أبي بكر أن لا ينفع مسطحاً بنافعة؛ ونزول الآية(2) الكريمة في ذلك الحلف معروف "(3).
الموافقون:
لقد ذهب إلى مثل ما ذهب إليه الشنقيطي من أن معنى (يأتل) يحلف؛ جمع غفير من أئمة التفسير؛ منهم:
1- الطبري: " ((ولا يأتل أولوا الفضل منكم... )) يقول تعالى ذكره ولا يحلف بالله ذوو الفضل منكم؛ يعني ذوي التفضل والسعة يقول وذوو الجدة "(4).
2- البغوي:" ((ولا ياتل)) يعني ولا يحلف، وهو يفعل من الألية وهي القسم "(5).
__________
(1) مسطح بن أثاثة بن عباد، كان اسمه عوفا وأما مسطح فهو لقبه، أمه بنت خالة أبي بكر. وفي سنة (34هـ). الإصابة (3/408).
(2) انظر سبب نزول الآية في: أسباب النزول للسيوطي، المطبوع بذيل مفردات القرآن للحمصي، ص(358).
(3) أضواء البيان للشنقيطي (6/159-161) بتصرف.
(4) جامع البيان للطبري (18/81).
(5) مختصر البغوي (2/638).(1/20)
3-النيسابوري: " ((ولا يأتل أولوا الفضل منكم)) لا يحلف على حرمان أولي القربي " (1).
4- ابن كثير: " ((ولا يأتل)) من الألية وهي الحلف، أي لا يحلف "(2).
5- البيضاوي: " ((ولا يأتل)) ولا يحلف؛ افتعال من الألية، أو لا يقصر من الألو - ويؤيد الأول أنه قرئ (ولا يتأل)(3)، وأنه نزل في أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- وقد حلف أن لا ينفق على مسطح بعد، وكان ابن خالته وكان من فقراء المهاجرين "(4).
6- أبوالسعود: " ((ولا يأتل)) أي لا يحلف؛ افتعال من الألية، وقيل: لا يقصر؛ من الألو. والأول هو الأظهر لنزوله في شأن الصديق - رضي الله عنه - حين حلف أن لا ينفق على مسطح بعد. ويعضده قراءة من قرأ (ولا يتأل) "(5).
7- وقال الشهاب في حاشيته على البيضاوي: " (قوله افتعال من الألية) أي القسم، أو هو افتعال من الألو بمعنى التقصير ومنه لم آل جهداً في كذا، (وقوله من الألو) بوزن الدلو أو الألوّ بوزن العتوّ فإنهما مصدراه كما في كتاب اللغة(6)، ويؤَيَّدُ الأول؛ أي القسمية لأن (يتألى) مخصوص به. (وقوله وأنه نزل... إلخ) تأييد آخر له للتصريح بأنه حلفٌ في سبب النزول "(7).
__________
(1) إيجاز البيان للنيسابوري (2/69).
... وهو: محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري، كان عالماً بارعاً مفسراً لغوياً فقيهاً متقناً فصيحاً، من مصنفاته: (إيجاز البيان عن معاني القرآن). توفي سنة (553هـ). طبقات المفسرين (2/311)، إيجاز البيان بتحقيق الدكتور: علي بن سليمان العبيد (1/34).
(2) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/275).
(3) قراءة أبي جعفر -من العشرة- انظر: القراءات العشر المتواترة، لمحمد كريّم راجح ص(352).
(4) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/61).
(5) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/103).
(6) انظر: القاموس المحيط للفيروز آبادي ص(1627)، باب الواو والياء، فصل الهمزة.
(7) حاشية الشهاب على البيضاوي (6/367).(1/21)
8- سيد قطب: " نزلت هذه الآية تذكّر أبا بكر، وتذكر المؤمنين، بأنهم هم يخطئون ثم يحبون من الله أن يغفر لهم. فليأخذوا أنفسهم -بعضهم من بعض- بهذا الذي يحبونه، ولا يحلفوا أن يمنعوا البر عن مستحقيه، إن كانوا قد أخطأوا وأساءوا... "(1).
9- ابن عاشور: " ((ولا يأتل)) والإيتلاء افتعال من الألية وهي الحلف، وأكثر استعمال الإلية في الحلف على امتناع، يقال: آلى وائتلى. [ثم أشار إلى سبب النزول] "(2).
... وممن قال بمثل هذا المعنى أيضاً الإمام الخازن(3) وابن الجوزي(4) والشوكاني(5) وغيرهم(6).
ولم أجد أحداً رجّح القول المخالف بياناً لمعنى الآية، إنما من لم يرجح أن المراد الحلف؛ جعل الآية محتملة لكلا المعنيين؛ ومن هؤلاء: الزمخشري(7) وأبوحيان(8)، والقرطبي(9)،
__________
(1) في ظلال القرآن لسيد قطب (4/2504).
(2) التحرير والتنوير لابن عاشور (18/189).
(3) لباب التأويل للخازن (5/52).
... وهو: علاء الدين، علي بن محمد بن إبراهيم بن عمر البغدادي، خازن الكتب بالمدرسة السّمَيْساطية واشتهر بالخازن بسبب ذلك، وجمع تفسيراً كبيراً سماه (التأويل لمعالم التنزيل)، كان حسن السمت والبشر والتودد. توفي سنة (741هـ). طبقات المفسرين (1/422).
(4) زاد المسير لابن الجوزي (5/350).
(5) فتح القدير للشوكاني (4/18).
(6) منهم: جلال الدين المحلي في الجلالين ص(293)، والسعدي في تيسير الكريم الرحمن ص(564)، وطنطاوي جوهري في الجواهر (12/7).
(7) الكشاف للزمخشري (3/216).
وهو: جار الله محمود بن عمر بن محمد الزمخشري، العلاّمة اللغوي المعتزلي المفسر، كان متفنناً في كل علم، صنّف تصانيف كثيرة، منها: (الكشاف) في التفسير وغيرها. توفي سنة (538هـ). طبقات المفسرين (2/314).
(8) البحر المحيط لأبي حيان (8/25).
(9) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/208).
... وهو: الإمام محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرْح القرطبي، إمام متقن متبحر في العلم، له تصانيف مفيدة من أهمها: (جامع أحكام القرآن) وهو من أجّل التفاسير وأعظمها نفعاً. توفي سنة (671هـ). طبقات المفسرين (2/66).(1/22)
والنسفي(1)، وغيرهم.
تعقيب الباحث:
... يظهر -والله أعلم- أن الراجح في معنى (يأتل) أي يحلف؛ وهو ما ذهب إليه الشنقيطي ومن قال بهذا القول، وذلك لأمور:
1- اعتبار سبب النزول(2) وأن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - حلف أن لا ينفق على مسطح - رضي الله عنه - بسبب موقفه من حادثة الإفك(3)، والقاعدة المقررة عند علماء الأصول أن صورة سبب النزول قطعية الدخول(4)؛ تؤيد هذا القول، والإمام الشنقيطي قرر هذه القاعد ورجّح بها في تفسير عدد من الآيات(5)، وهو أصولي مفسّر
-رحمه الله-.
2- القراءة المتواترة العشرية (يتأل)(6) تؤيد القول الراجح، فإن لفظ (يتأل) لا يطلق إلا على إرادة الحلف.
3- وأخيراً إجماع المفسرين قديماً وحديثاً على المعنى الراجح؛ مع عدم وجود مرجّح للمخالف دليل على صحته ورجحانه -والله أعلم بالصواب-.
- - -
معنى { مNكgsYƒدٹ }
4- قوله تعالى: { يَوْمَئِذٍ مNخkژدjùuqمƒ اللَّهُ مNكgsYƒدٹ الْحَقَّ } [سورة النور: 25]
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
__________
(1) مدارك التنزيل لنسفي (3/105).
(2) الروايات الواردة في سبب النزول، انظرها في: جامع البيان للطبري (18/81)، والدر المنثور للسيوطي (5/34)، وتسهيل الوصول لخالد العك ص(238).
(3) الروايات الواردة في حادثة الإفك، انظرها في: فتح الباري لابن حجر العسقلاني (8/452)، كتاب التفسير، سورة النور، حديث رقم (4750)، ولباب النقول للسيوطي ص(284)، والرحيق المختوم للمباركفوري ص(442).
(4) البحر المحيط للزركشي (3/216)، شرح مختصر الروضة للطوفي (2/505)، مذكرة أصول الفقه للشنقيطي ص(252).
(5) أضواء البيان للشنقيطي، مثلاً (1/15) (6/77، 577).
(6) يتأل)) أبوجعفر، ((يأتل)) الباقون. القراءات العشر المتواترة، محمد كريّم راجح ص(352).(1/23)
1- ((دينَهم)) أي جزاءهم الذي هو غاية العدل والإنصاف(1).
2- ((دينَهم)) أي جزاءهم الواجب لهم(2).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-:" المراد بالدين هنا الجزاء، ويدل على ذلك قوله ((يوفيهم)) لأن التوفية تدل على الجزاء، كقوله تعالى: { ثُمَّ çm1u"ّgن† uن!#u"yfّ9$# الْأَوْفَى (41) } [سورة النجم: 41]، وقوله تعالى: { وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } [سورة آل عمران: 185]، وقوله: { ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ } [سورة البقرة: 281] إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله: ((دينهم)) أي جزاءهم الواجب الذي هم أهله، والأول أصح؛ لأن الله - عز وجل - يجازي عباده بإنصاف تام وعدل كامل؛ والآيات القرآنية في ذلك كثيرة كقوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لَا مNد=ّàtƒ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ ZpuZ|،xm يُضَاعِفْهَا } [سورة النساء: 40]، وقوله: { إِنَّ اللَّهَ لَا مNد=ّàtƒ النَّاسَ $Z"ّx© وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ tbqمKد=ّàtƒ (44) } [سورة يونس: 44] ،وقوله: { وَنَضَعُ tûïخ-¨uqyJّ9$# الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا مNn=ّàè? نَفْسٌ $Z"ّx© وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ 7p6xm مِنْ خَرْدَلٍ $sY÷ s?r& بِهَا وَكَفَى $sYخ/ ڑْüخ7إ،"xm (47) } [سورة الأنبياء: 47] إلى غير ذلك من الآيات "(3).
أقوال المفسرين:
يظهر لي أن أقوال المفسرين -في بيان معنى ((دينهم الحق))- متقاربة جدً بل متداخلة يصعب تقسيمهم إلى موافقين ومخالفين، وسأذكرهم متتابعين دون فصل بينهم.
فإليك -عزيزي القارئ- أقوالهم:
1- الطبري: " والدين في هذا الموضع الحساب والجزاء "(4).
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (6/166)، التحرير والتنوير لابن عاشور (18/192).
(2) الكشاف للزمخشري (3/217)، التسهيل لابن جزي (3/136).
(3) أضواء البيان للشنقيطي (6/166).
(4) جامع البيان للطبري (18/84).(1/24)
2- البغوي: " ((يومئذٍ يوفيهم الله دينهم الحق)) " جزاءهم الواجب، وقيل: حسابهم العدل "(1).
3- النسفي: " ((يومئذٍ يوفيهم الله دينَهم الحقَّ)) بالنصب صفة للدين وهو الجزاء، ومعنى ((الحق)) الثابت الذي هم أهله "(2).
4- الفخر الرازي: " ((يومئذٍ يوفيهم الله دينهم الحق)) ولا شبهة في أن نفس دينهم ليس هو المراد؛ لأن دينهم هو عملهم، بل المراد جزاء عملهم، والدين بمعنى الجزاء مستعمل كقولهم كما تدين تدان، وقيل: الدين هو الحساب كقوله { y7د9¨sŒ الدِّينُ الْقَيِّمُ } [سورة التوبة: 36] أي أن الذي نوفيهم من الجزاء هو القدر المستحق لأنه الحق وما زاد عليه هو الباطل "(3).
... يفهم من كلامه: أن الله - عز وجل - يوفيهم الجزاء الحق دون زيادة عليهم بالباطل، وإنما ما يستحقونه بعدل وإنصاف.
5- القرطبي: " أي حسابهم وجزاءهم "(4).
6- ابن جزي: " ((دينهم الحق)) أي جزاءهم الواجب لهم "(5).
7- البيضاوي: " ((يومئذٍ يوفيهم الله دينهم دينهم الحق)) جزاءهم المستحق " (6).
8- المحلى: " ((يومئذٍ يوفيهم الله دينهم الحق )) يجازيهم جزاء الواجب عليهم "(7).
__________
(1) مختصر البغوي (2/639).
(2) مدارك التنزيل للنسفي (3/106).
(3) التفسير الكبير للفخر الرازي (8/354).
وهو: فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين القرشي، الأصولي المفسر، قال عنه الذهبي: كان يتوقد ذكاءً وانتشرت تواليفه في البلاد شرقاً وغرباً، وقد بدت منه في تواليفه بلايا وعظائم، والله - عز وجل - يعفو عنه، فإنه توفي على طريقة حميدة، والله يتولى السرائر. توفي سنة (606هـ). نزهة الفضلاء (3/1525).
(4) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/211).
(5) التسهيل لابن جزي (3/136).
(6) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/61).
(7) تفسير الجلالين ص(294).
... والمحلي هو: الإمام محمد بن أحمد بن محمد، جلال الدين المحلي، كان علاّمة آية في الذكاء والفهم، ومن أجلّ كتبه التي لم يكملها (تفسير القرآن) كتب منه من أول الكهف إلى آخر القرآن، توفي سنة (684هـ). طبقات المفسرين (2/80).(1/25)
9- أبوالسعود: " ((يومئذٍ يوفيهم الله دينهم الحق )) أي يوم إذ تشهد جوارحهم بأعمالهم القبيحة، يعطيهم الله تعالى جزاءهم الثابت الذي يحقق أن يثبت لهم لا محالة وافياً كاملاً "(1).
10- السعدي: " ((يومئذٍ يوفيهم الله دينهم الحق)) أي جزاءهم على أعمالهم الجزاء الحق، الذي بالعدل والقسط، يجدون جزاءها موفراً، لم يفقدوا منها شيئاً
{ وَيَقُولُونَ $sYtGn=÷ƒuq"tƒ مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا #[ژإر%tn وَلَا قOد=ّàtƒ y7ڑ/u' أَحَدًا } [سورة الكهف: 49]"(2).
11- سيد قطب: " ((يومئذٍ يوفيهم الله دينهم الحق))... ويجزيهم جزاءهم العدل، ويؤدي لهم حسابهم الدقيق "(3).
12- ابن عاشور: " وقوله ((يومئذٍ يوفيهم الله دينهم الحق)) استئناف بياني؛ لأن ذكر شهادة الأعضاء يثير سؤالاً عن آثار تلك الشهادة؛ فيجاب بأن أثرها أن يجازيهم الله على ما شهدت به أعضاؤهم عليهم، فدينهم جزاؤهم كما في قوله { إ7د="tB يَوْمِ الدِّينِ (4) } [سورة الفاتحة: 3]، و((الحقَّ)) نعت للدين، أي الجزاء العادل الذي لا ظلم فيه "(4).
تعقيب الباحث:
__________
(1) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/106).
(2) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(565).
(3) في ظلال القرآن لسيد قطب (4/2505).
(4) التحرير والتنوير لابن عاشور (18/192).(1/26)
... بعد استعراض أقوال المفسرين في بيان معنى ((دينهم الحق))؛ يظهر -والله أعلم- أنها كلها تصب في معنى واحد، فكون أن الله جل وعلا يجازيهم بعدل وإنصاف وعدم ظلم؛ فإن هذا المقدار من الجزاء هو الذي يوفيهم إياه يوم القيامة. قال الزمخشري: " يوفيهم جزاءهم الحق الواجب الذي هم أهله، حتى يعلموا ((أن الله هو الحق المبين)) ومعناه: ذو الحق البين، أي: العادل الظاهر العدل الذي لا ظلم في حكمه، والمُحِقّ الذي لا يوصف بباطل. ومن هذه صفته لم تسقط عنده إساءة مسيء، ولا إحسان محسن "(1).
... ونقل القرطبي عن النحاس(2) قوله: ((دينهم الحقَّ)) يكون (الحق) نعتاً لـ (دينهم)، والمعنى حسن؛ لأن الله - عز وجل - ذكر المسيئين واعلم أنه يجازيهم بالحق؛ كما قال الله - عز وجل - : { وَهَلْ ü"ح""pgéU إِلَّا الْكَفُورَ } [سورة سبأ: 17]؛ لأن مجازاة الله - عز وجل - للكافر والمسيء بالحق والعدل، ومجازاته للمحسن بالإحسان والفضل "(3).
وفي اللغة العربية نجد أن كلمة ((الحق)) تشمل من ضمن ما تشمل من معان: الحق والواجب؛ ففي القاموس المحيط: " الحق... العدل ... وأحق الشيء: أوجبه "(4). والله أعلم بالصواب.
- - -
معنى الاستئناس
5- قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ 4س®Lxm (#qف،دSù'tGَ،n@ وَتُسَلِّمُوا عَلَى $ygد=÷dr& ِNن3د9¨sŒ ضژِچyz لَكُمْ ِNن3¯=yès9 ڑcrمچھ.xs? (27) } [سورة النور: 27].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
__________
(1) الكشاف للزمخشري (3/217-219) بتصرف.
(2) أبوجعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس، كان واسع العلم غزير الرواية، واشتغل بالتصنيف في
= ... علوم القرآن والأدب، من مصنفاته (الناسخ والمنسوخ). توفي سنة (337هـ). طبقات المفسرين (1/67).
(3) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/211).
(4) القاموس المحيط للفيروز آبادي ص(1129)، باب: القاف، فصل: الحاء.(1/27)
1- الاستئناس المراد به ضد الاستيحاش، وهذا الأنس وزوال الوحشة من ناحيتين.
أ - من ناحية أهل البيت الساكنين فيه، فإن الاستئذان بالطريقة المهذبة الواردة في تعاليم الإسلام تجعل أهل البيت يستعدون لاستقبال الزائر ويأنسون لوجوده بينهم، بخلاف ما لو اقتحم البيت ووقعت عينه على عورات لا يحب أهل البيت أن يراها أحد(1).
ب- من ناحية الزائر، فإنه عندما يقرع الباب لا يدري أيؤذن له أم لا؟ فهو كالمستوحش من خفاء الحال عليه، فإن أذن له استأنس وزال عنه الاستيحاش(2).
2- الاستئناس يعني الاستعلام والاستخبار، يعني يستعلم هل يأذن أهل الدار ويريدوا دخول الزائر أم لا؟(3).
3- أن يراد الاستئناس الاستئذان(4)، وهذا القول يشبه بصورة كبيرة القول الثاني السابق له مباشرة.
4- أن الاستئناس من الإنس يعني هل يوجد إنسان في الدار؟(5).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " في تفسير هذه الآية الكريمة بما يناسب لفظها وجهان، ولكل منهما شاهد من كتاب الله تعالى:
__________
(1) في ظلال القرآن لسيد قطب (4/2508)، التحرير والتنوير لابن عاشور (18/197).
(2) أضواء البيان للشنقيطي (6/167)، الكشاف للزمخشري (3/220).
(3) فتح القدير للشوكاني (4/21)، التسهيل لابن جزي (3/137).
(4) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/213)، تفسير آيات الأحكام للصابوني (2/126).
(5) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/61)، لباب التأويل للخازن (5/54).(1/28)
الوجه الأول: أنه من الاستئناس الظاهر الذي هو ضد الاستيحاش؛ لأن الذي يقرع باب غيره لا يدري أيؤذن له أم لا فهو كالمستوحش من خفاء الحال عليه، فإذا أذن له استأنس وزال عنه الاستيحاش، ولما كان الاستئناس لازماً للإذن أطلق اللازم، وأريد ملزومه الذي هو الإذن، وإطلاق اللازم وإرادة الملزوم أسلوب عربي معروف(1). وعليه يصير المعنى: حتى تستأذنوا. ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى بعده: { فَلَا تَدْخُلُوهَا 4س®Lxm يُؤْذَنَ لَكُمْ } [سورة النور: 28]، وقوله تعالى: { لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ } [سورة الأحزاب: 53].
الوجه الثاني: هو أن يكون الاستئناس بمعنى الاستعلام والاستكشاف. فهو استفعال من آنس الشيء إذا أبصره ظاهراً مكشوفاً أو علمه. والمعنى: حتى تستعلموا وتستكشفوا الحال، هل يؤذن لكم أم لا؟ وتقول العرب: استئنس هل ترى أحداً، واستأنست فلم أر أحداً، أي تعرفت واستعلمت، ومن هذا المعنى قوله تعالى: { فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا (#ûqمèsùôٹ$$sù ِNخkِژs9خ) ِNçlm;¨uqّBr& } [سورة النساء: 6]. أي علمتم رشدهم وظهر لكم. وقوله تعالى: { 'دoTخ) آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ } [سورة طه: 10]، وقوله تعالى: { * فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ ے¾د&ح#÷dr'خ/ }tR#uن مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا } [سورة القصص: 29]. فمعنى آنس ناراً: رآها مكشوفة "، إلى أن قال: " وهذا الوجه الذي هو أن معنى تستأنسوا: تستكشفوا وتستعملوا هل يؤذن لكم، وذلك الاستعلام والاستكشاف إنما يكون بالاسئذان أظهر عندي "(2).
الموافقون:
__________
(1) وهي إحدى علاقات المجاز المرسل، وقسمي: اللازمية. انظر: عقود الجمان في المعاني والبيان للسيوطي (2/45).
(2) أضواء البيان للشنقيطي (6/167-168)، بتصرف.(1/29)
... القول الذي ذهب إليه الشيخ الشنقيطي أن الاستئناس يراد به الاستعلام والاستكشاف، وأن المعنى: حتى تستعلموا وتستكشفوا الحال هل يؤذن لكم أم لا؟ قال به من المفسرين:
1- ابن جزي: " معنى تستأنسوا، تستأذنوا، وهو مأخوذ من قولك آنست الشيء إذا علمته، فالاستئناس: أن يستعلم هل يريد أهل الدار الدخول أم لا؟ "(1).
2- الشوكاني: " والاستئناس: الاستعلام والاستخبار، أي حتى تستعلموا من في البيت، والمعنى: حتى تعلموا أن صاحب البيت قد علم بكم، وتعلموا أنه قد أذن بدخولكم، فإذا علمتم ذلك دخلتم، ومنه قوله: { فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا } [سورة النساء: 6] أي علمتم "(2).
ويظهر أن القول بأن الاستئناس في الآية معناه: الاستئذان، يشبه هذا القول جداً ويتداخل معه بصورة كبيرة تجعلهما قولاً واحداً، فكون الداخل للبيت -من غير أهله- يستعلم أيؤذن له؛ كقولهم يستأذن. وعليه فإن عدداً من المفسرين جعلوا معنى الاستئناس: الاستئذان -باختصار-، فيكون قولهم أيضاً موافقاً لما ذهب إليه الشنقيطي، فمن هؤلاء:
1- النسفي: " ((حتى تستأنسوا)) أي تستأذنوا، والاستئناس في الأصل: الاستعلام والاستكشاف؛ استفعال من أنس الشيء إذا أبصره ظاهر مكشوفاً، أي حتى تستعلموا أيطلق لكم الدخول أم لا؟ "(3).
2- القرطبي: " الاستئناس: هو الاستئذان "(4).
3- ابن تيمية: " بيّن أن المقصود في الآية الاستئذان؛ مبيناً أن الله - سبحانه وتعالى - ذكر الاستئذان على نوعين:
الأول : -المذكور في هذه الآية- ويكون قبل دخول البيت مطلقاً.
__________
(1) التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي (3/137).
(2) فتح القدير للشوكاني (4/21).
(3) مدارك التنزيل للنسفي (3/107).
(4) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/213).(1/30)
والثاني: استئذان الصغار والمماليك المذكور في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا zNè=çtù:$# مِنْكُمْ ثَلَاثَ ;N¨چtB } [سورة النور: 58] "(1).
4- ابن كثير: " -بعد ذكر الآية- هذه آداب شرعية أدب الله - عز وجل - بها عباده المؤمنين، وذلك في الاستئذان أمرهم أن لا يدخلوا بيوتاً غير بيوتهم حتى يستأنسوا؛ أي: يستأذنوا قبل الدخول ويسلموا بعد "(2).
5- المحلّى: " ((حتى تستأنسوا)) أي تستأذنوا "(3).
6- السعدي: "... حتى يستأنسوا أي يستأذنوا. وسمى الاستئذان استئناساً؛ لأن به يحصل الاستئناس، وبعدمه تحصل الوحشة "(4).
المخالفون:
... وأعني بالمخالفين الذين اختاروا أن الاستئناس هو ضد الاستيحاش سواءاً كان زوال الوحشة متعلقاً بأهل البيت أو الضيف، وكذلك من قال بأن المعنى: هل يوجد إنسان في البيت؟، فمنهم:
__________
(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (15/369-371).
... وهو: الإمام الحافظ شيخ الإسلام، تقي الدين أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام بن تيمية الحراني، حفظ القرآن الكريم وهو صغير ولطلب العلم، وتولى التدريس وعمره إحدى وعشرون سنة، كُتب له تراجم جَمَّة، وذكروا أن شيوخه أكثر من مائة شيخ، ومصنفاته أكثر من ستة آلاف مجلد. قال عنه الذهبي: لعل فتاويه في الفنون تبلغ ثلاثمائة مجلد؛ بل أكثر، وإذا سُئل كأن السنة بين عينيه؛ وعلى طرف لسانه. توفي سنة (728هـ). بتصرف من مقدمات مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، المجلد الأول.
(2) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/278).
(3) تفسير الجلالين ص(294).
(4) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(565).(1/31)
1- ابن العربي: اختار المعنى الوارد عن ابن قتيبة(1) أن معنى ((حتى تستأنسوا)) أي: حتى تعلموا فيها من تستأذنون عليه أم لا؟ حيث قال: " وأشبه ما فيه قول ابن قتيبة؛ فإنه عبّر عن اللفظيين بمعنيين متغايرين مقيدين. وهذا هو حكم اللغة في جَعْل معنى لكل لفظ "(2).
2- سيد قطب: " ويعبر عن الاسئتذان بالاستئناس، وهو تعبير يوحي بلطف الاستئذان، ولطف الطريقة التي يجيء بها الطارق، فتحدث في نفوس أهل البيت أنساً به، واستعداداً لاستقباله. وهي لفتة دقيقة لطيفة، لرعاية أحوال النفوس، ولتقدير ظروف الناس في بيوتهم، وما يلابسها من ضرورات لا يجوز أن يشقى بها أهلها ويحرجوا أمام الطارقين في ليل أو نهار.
... فالاستئذان على البيوت يحقق للبيوت حرمتها التي تجعل منها مثابة وسكناً. ويوفر على الحرج من المفاجأة، والضيق والمباغتة، والتأذي بانكشاف العورات... وهي عورات كثيرة، تعني غير ما يتبادر إلى الذهن عند ذكر هذه اللفظة... إنها ليست عورات البدن وحدها. إنما تضاف إليها عورات الطعام، وعورات اللباس، وعورات الأثاث، التي قد لا يحب أهلها أن يفاجئهم عليها الناس دون تهيؤ وتجمل وإعداد. وهي عورات المشاعر الحالات النفسية؛ فكم منا يحب أن يراه الناس وهو في حال ضعف يبكي لانفعال مؤثر، أو يغضب لشأن مثير، أو يتوجع لألم يخفيه عن الغرباء؟! وكل هذه الدقائق يرعاها المنهج القرآني بهذا الأدب الرفيع، أدب الاستئذان "(3).
__________
(1) عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، كان رأساً في اللغة والأخبار وأيام الناس، ثقة ديّناً فاضلاً، من مصنفاته: (إعراب القرآن) و (مشكل القرآن). توفي سنة (267هـ). طبقات المفسرين (1/245).
(2) أحكام القرآن لابن العربي (3/1359) بتصرف.
(3) في ظلال القرآن لسيد قطب (4/2058) بتصرف.(1/32)
3- ابن عاشور: " هذه الآيات لبيان أحكام التزاور وتعليم آداب الاستئذان. وشرع الاستئذان لمن يزور أحداً في بيته لأن الناس اتخذوا البيوت للاستتار مما يؤذي الأبدان من حرّ وقرّ ومطر وقتام، ومما يؤذي العرض والنفس من انكشاف ما لا يحب الساكن اطلاع الناس عليه، فإذا كان في بيته وجاءه أحد فهو لا يدخله حتى يصلح ما في بيته وليستر ما يحب أن يستره ثم يأذن له أو يخرج له فيكلمه من خارج الباب.
... ومعنى ((تستأنسوا)) تطلبوا الأنس بكم، أي تطلبوا أن يأنس بكم صاحب البيت، وأنسه به بانتفاء الوحشة والكراهية. وهذا كناية لطيفة عن الاستئذان، أي أن يستأذن الداخل، أي يطلب إذناً من شأنه أن لا يكون معه استيحاش رب المنزل بالداخل. قال الإمام مالك(1): الاستئناس فيما نرى -والله أعلم- الاستئذان. يريد أنه المراد كناية أو مرادفة فهو من الأنس، وهذا الذي قاله مالك هو القول الفصل. وليس المراد بالاستئناس أنه مشتق من آنس بمعنى علم لأن ذلك إطلاق آخر لا يستقيم هنا فلا فائدة في ذكره، وذلك بحسب الظاهر فإنه إذا أذن له دل إذنه على أنه لا يكره دخوله وإذا كره دخوله لا يأذن له والله متولي علم ما في قلبه فلذلك عبّر عن الاستئذان بالاستئناس مع ما في ذلك من الإيماء إلى علة مشروعية الاستئذان.
... وفي ذلك من الآداب أن المرء لا ينبغي أن يكون كلاّ على غيره، ولا ينبغي له أن يعرض نفسه إلى الكراهية والاستثقال، وأنه ينبغي أن يكون الزائر والمزور متوافقين متأنسين وذلك عون على توفر الأخوة الإسلامية "(2).
تعقيب الباحث:
__________
(1) الإمام أبوعبدالله مالك بن أنس الحِيْميري ثم الأصبحي المدني، حجّة الأمة، إمام دار الهجرة، ولد عام (93هـ)، طلب العلم صغيراً، وتأهل للفتيا وجلس للإفادة وله إحدى وعشرون سنة، قال الإمام الشافعي: إذا ذُكر العلماء فمالكٌ النجم. نزهة الفضلاء (2/614).
(2) التحرير والتنوير لابن عاشور (18/197) بتصرف.(1/33)
... الذي يظهر -والله أعلم- أن الاستئناس المذكور في الآية بقوله تعالى: ((حتى تستأنسوا)) يراد به جميع المعاني الواردة عن المفسرين، وذلك لأمور:
1- أنه قد دلت عدد من آيات القرآن الكريم على مختلف معاني الاستئناس، منها:
أ- من قال إن الاستئناس في قوله ((حتى تستأنسوا)) مأخوذ من الإنس؛ يعني هو يوجد إنسان في الدار؟ استدل بالآية التي تليها، وهي قوله تعالى: { فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا #Y‰xmr& فَلَا تَدْخُلُوهَا } [النور: 28].
ب- ومن قال إن الاستئناس يراد به الاستعلام واستكشاف الحال هل يؤذن لكم أو لا؟ استدلوا بعدد من الآيات، كقوله تعالى: { فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا } [سورة النساء: 6]. أي علمتم، وقوله { }tR#uن مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا } [سورة القصص: 29] أي رآها وأبصرها مكشوفة.
جـ- ومن رأى أن الاستئناس ضد الاستيحاش والمراد به زوال الوحشة وحلول الأنس والراحة من قبل أهل البيت والضيف؛ استدلوا بسياق الآيات وبالذات عند قوله تعالى: ((ذلكم خير لكم))... وقوله تعالى: ((فارجعوا هو أزكى لكم))... فقد دلت على أن في الاستئذان خير... ولا يكون خيراً لأهل البيت إلاّ إذا كانوا منشرحي النفس طيبة نفوسهم باستقبال الضيف، وليس هناك خير إذا دخل الضيف وكانوا على حالة لا يحبّوا أن يراهم عليها أحد. ودلت على أن رجوع الضيف عن الدخول إلى البيت -فيما إذا طلب منه ذلك- زكاة وطهارة له حيث حفظ أن يقع في الإثم والذنب باطلاعه على ما لا يجوز اطلاعه عليه.
... فهذه المعاني المستندة على الآيات القرآنية تدخل تحت أفضل وأعلى درجات التفسير وهو تفسير القرآن بالقرآن(1).
__________
(1) شرح مقدمة التفسير، لابن عثيمين ص(127)، قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/312)، قواعد التفسير لخالد السبت (1/109).(1/34)
2- من ناحية اللغة العربية: فإن لفظة الاستئناس تحتمل معنى زوال الوحشة ومعنى الاستعلام والاستبصار والاستئذان(1).
3- بعض أئمة التفسير؛ عند تفسيره للآية جعل معنى الاستئناس شاملاً لكل المعاني المذكورة أو معظمها وجعل المعنى مترابطاً مبنيًّا بعضه على بعض محققاً جميع الحكم والفوائد الدينية والنفسية والاجتماعية التي شرعها الإسلام في شعيرة الاستئذان. فمثلاً:
أ- الطبري يقول: " والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الاستئناس؛ الاستفعال من الأنس، وهو أن يستأذن أهل البيت في الدخول عليهم مخبراً بذلك مَنْ فيه، وهل فيه أحد، وليؤذنهم أنه داخل عليهم فيأنس إلى إذنهم له في ذلك، ويأنسوا إلى استئذانه إياهم.
... وقد حكى عن العرب سماعاً: اذهب فاستأنس هل ترى أحداً في الدار؛ بمعنى: انظر هل ترى فيها أحداً "(2).
ب- الفخر الرازي: " السؤال السادس: إن كلمة (حتى) للغاية، والحكم بعد الغاية يكون بخلاف ما قبلها؛ فقوله: ((لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا)) يقتضي جواز الدخول بعد الاستئذان وإن لم يكن من صاحب البيت إذن، فما قولكم فيه؟
الجواب من وجوه:
أحدها: أن الله تعالى جعل الغاية الاستئناس لا الاستئذان، والاستئناس لا يحصل إلا إذا حصل الإذن بعد الاستئذان.
ثانيها: أنّا لما علمنا بالنص أن الحكمة في الاستئذان أن لا يدخل الإنسان على غيره بغير إذنه فإن ذلك مما يسوءه، وعلمنا أن هذا المقصود لا يحصل إلا بعد حصول الإذن، علمنا أن الاستئذان ما لم يتصل به الإذن وجب أن لا يكون كافياً.
__________
(1) القاموس المحيط للفيروز آبادي ص(683)، باب السين، فصل الهمزة، ومختار الصحاح للرازي ص(28) مادة: أ ن س.
(2) جامع البيان للطبري (18/89).(1/35)
ثالثها: أن قوله تعالى: ((فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم...)) فحظر الدخول إلا بإذن، فدل على أن الإذن مشروط بإباحة الدخول في الآية الأولى " (1). ... -والله أعلم بالصواب-.
- - -
الزينة الظاهرة
6- قوله تعالى: { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا uچygsك مِنْهَا } [سورة النور: 31].
مجمل الأقوال الواردة:
... اختلف العلماء في تحديد المراد بالزينة الظاهرة في الآية، ومجمل كلامهم يرجع إلى ثلاثة أقوال:
1- أن المراد بالزينة الظاهرة هنا شيء خارج عن بدن المرأة، ولا يتضمن إبداؤه رؤية شيء من بدن المرأة؛ كالملاءة التي تلبسها المرأة فوق القميص والخمار والإزار.
2- أن المراد بالزينة الظاهرة شيء خارج عن بدن المرأة أيضاً، ولكن يتضمن إبداؤها رؤية شيء من البدن؛ كالكحل في العين فإنه يتضمن رؤية الوجه أو بعضه، وكالخضاب والخاتم فإن رؤيتهما تستلزم رؤية اليد، وكالقرط والقلادة والسوار فإن رؤية ذلك تستلزم رؤية محله من البدن.
3- أن يراد بالزينة الظاهرة هنا شيء من نفس بدن المرأة كوجهها وكفيها(2).
ترجيح الشنقيطي:
... بعد أن نقل أقوال عدد من المفسرين في بيان المراد بقوله تعالى ((ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها))؛ قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " ...وجميع ذلك راجع في الجملة إلى ثلاثة أقوال:
الأول: أن المراد بالزينة ما تتزين به المرأة خارجاً عن أصل خلقتها، ولا يستلزم النظر إليه رؤية شيء من بدنها كقول ابن مسعود، ومن وافقه: إنها ظاهر الثياب؛ لأن الثياب زينة لها خارجة عن أصل خلقتها وهي ظاهرة بحكم الاضطرار كما ترى.
وهذا القول هو أظهر الأقوال عندنا وأحوطها، وأبعدها من الريبة وأسباب الفتنة.
__________
(1) التفسير الكبير للفخر الرازي (8/358).
(2) الأقوال الثلاثة مجتمعة ذكرها ابن العربي في أحكام القرآن (القسم الثالث/ ص 1368)، والشنقيطي في أضواء البيان (6/192).(1/36)
القول الثاني: أن المراد بالزينة، ما تتزين به، وليس من أصل خلقتها أيضاً، لكن النظر إلى تلك الزينة يستلزم رؤية شيء من بدن المرأة، وذلك كالخضاب والكحل، ونحو ذلك؛ لأن النظر إلى ذلك يستلزم رؤية الموضع الملابس له من البدن كما لا يخفى.
القول الثالث: أن المراد بالزينة الظاهرة بعض بدن المرأة الذي هو من أصل خلقتها، لقول من قال: إن المراد بما ظهر منها الوجه والكفان.
وإذا عرفت هذا فاعلم أننا قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك(1): أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً، وتكون في نفس الآية قرينة دالة على عدم صحة ذلك القول، وقدمنا أيضاً في ترجمته أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يكون الغالب في القرآن إرادة معنى معين في اللفظ، مع تكرر ذلك اللفظ في القرآن، فكون ذلك المعنى هو المراد من اللفظ في الغالب، يدل على أنه هو المراد في محل النزاع، لدلالة غلبة إرادته في القرآن بذلك اللفظ، وذكرنا له بعض الأمثلة في الترجمة.
... وإذا عرفت ذلك فاعلم أن هذين النوعين من أنواع البيان للذين ذكرناهما في ترجمة هذا الكتاب المبارك، ومثلنا لهما بأمثلة متعددة كلاهما موجود في هذه الآية، التي نحن بصددها.
أما الأول منهما فبيانه: أن قول من قال في معنى ((ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها)) أن المراد بالزينة: الوجه والكفان مثلاً، توجد في الآية قرينة تدل على عدم صحة هذا القول، وهي أن الزينة في لغة العرب، هي ما تتزين به المرأة مما هو خارج عن أصل خلقتها: كالحلي، والحلل. فتفسير الزينة ببعض بدن المرأة خلاف الظاهر، ولا يجوز الحمل عليه، إلا بدليل يجب الرجوع إليه، وبه تعلم أن قول من قال: الزينة الظاهرة: الوجه والكفان؛ خلاف ظاهر معنى لفظ الآية، وذلك قرينة على عدم صحة هذا القول، فلا يجوز الحمل عليه إلا بدليل منفصل يجب الرجوع إليه.
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (1/13+18).(1/37)
وأما نوع البيان الثاني المذكور فإيضاحه: أن لفظ الزينة يكثر تكرره في القرآن العظيم مراداً به الزينة الخارجة عن أصل المزين بها، ولا يراد بها بض أجزاء ذلك الشيء المزين بها، كقوله تعالى: { * ûسة_t6"tƒ آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ 7‰إfَ،tB } [سورة الأعراف: 31]، وقوله تعالى: { قُلْ مَنْ tPچxm spsYƒخ- اللَّهِ الَّتِي yluچ÷zr& ¾دnدٹ$t7دèد9 } [سورة الأعراف: 32]، وقوله تعالى: { إِنَّا $sYù=yèy_ مَا عَلَى الْأَرْضِ ZpsYƒخ- لَهَا } [سورة الكهف: 7]، وقوله تعالى: { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ دo4quٹysّ9$# الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا } [سورة القصص: 60]، وقوله { إِنَّا $¨Zƒy- السَّمَاءَ الدُّنْيَا >puZƒح"خ/ الْكَوَاكِبِ (6) } [سورة الصافات: 6]، وقوله تعال: { ں@ّsƒù:$#ur وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ $ydqç6ں2ِژyIد9 وَزِينَةً } [سورة النحل: 8] الآية، وقوله تعالى: { yluچy‚sù عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ } [سورة القصص: 79] الآية، وقوله تعالى: { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ دo4quٹysّ9$# الدُّنْيَا } الآية [سورة الكهف: 46]، وقوله تعالى: { قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ دpuZƒحh"9$# } [سورة طه: 59]، وقوله تعالى عن قوم موسى: { حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ } [سورة طه: 87]، وقوله تعالى: { يَضْرِبْنَ £`خgد=م_ِ'r'خ/ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ } [سورة النور: 31]. فلفظ الزينة في هذه الآيات كلها يراد به ما يزين به الشيء وهو ليس من أصل خلقته كما ترى، وكون هذا المعنى هو الغالب في لفظ الزينة في القرآن، يدل على أن لفظ الزينة في محل النزاع يراد به هذا المعنى، الذي غلبت إرادته في القرآن العظيم، وهو المعروف في كلام العرب كقول الشاعر(1):
يأخذن زينتهن أحسن ما ترى ... ... وإذا عطلن فهن خير عواطل
__________
(1) لم أقف على اسم الشاعر ولا موقع بيته.(1/38)
وبه تعلم أن تفسير الزينة في الآية بالوجه والكفين فيه نظر.
وإذا علمت أن المراد بالزينة في القرآن ما يتزين به مما هو خارج عن أصل الخلقة وأن ما فسروها من العلماء بهذا اختلفوا على قولين، فقال بعضهم: هي زينة لا يستلزم النظر إليها رؤية شيء من بدن المرأة كظاهر الثياب، وقال بعضهم: هي زينة يستلزم النظر إليها رؤية موضعها من بدن المرأة؛ كالكحل، والخضاب، ونحو ذلك.
قال مقيده (1) عفا الله عنه وغفر له: أظهر القولين المذكورين عندي قول ابن مسعود - رضي الله عنه - : أن الزينة الظاهرة، هي ما لا يستلزم النظر إليه رؤية شيء من بدن المرأة الأجنبية، وإنما قلنا إن هذا القول هو الأظهر، لأنه هو أحوط الأقوال، وأبعدها عن أسباب الفتنة، وأطهرها لقلوب الرجال والنساء، ولا يخفي أن وجه المرأة هو أصل جمالها ورؤيته من أعظم أسباب الافتتان بها، كما هو معلوم. والجاري على قواعد الشرع الكريم، هو تمام المحافظة والابتعاد من الوقوع فيما لا ينبغي "(2).
... خلاصة: الشيخ الشنقيطي يرجح أن المراد بالزينة الظاهرة هي ما تتزين به المرأة خارجاً عن أصل خلقتها ولا يستلزم النظر إليها رؤية شيء من بدن المرأة، كظاهر الثياب.
الموافقون:
... إلى مثل ما رجحه الشنقيطي وأن المراد بالزينة الظاهرة ظاهر الثياب، قد ذهب عدد من المفسرين، مع اختلافات يسيرة في الألفاظ المعبّر بها عن المعنى المتفق عليه، ويعتبر موافقاً أيضاً من رجح أن الزينة: ما تتزين به المرأة من الحلي وغيرها، والنهي عن إبداء هذه الزينة نهي عن إبداء مواضعها، لاتفاقهم على عدم إبداء شيء من بدن المرأة للأجانب، فمنهم:
__________
(1) الشيخ محمد الأمين الشنقيطي.
(2) أضواء البيان للشنقيطي (6/197-200).(1/39)
1- النسفي: " ((ولا يبدين زينتهن)) الزينة، ما تزينت به المرأة من حلي أو كحل أو خضاب، والمعنى: ولا يظهرن مواضع الزينة، إذ إظهار عين الزينة وهي الحلي ونحوها مباح، فالمراد بها مواضعها أو إظهارها وهي في مواضعها لإظهار مواضعها لا لإظهار أعيانها "(1).
2- الزمخشري: " وذكر الزينة دون مواقعها للمبالغة في الأمر بالتصوّن والتستّر؛ لأن هذه الزين واقعة على مواضع من الجسد لا يحل النظر إليها لغير هؤلاء(2)، وهي الذراع والساق والعضد والعنق والرأس والصدر والأذن، فنهى عن إبداء الزينة نفسها، ليعلم أن النظر إذا لم يحلّ إليها لملابستها تلك المواقع -بدليل أن النظر إليها غير ملابسة لها لا مقال في حلّة- كان النظر إلى المواقع أنفسها متمكناً في الحظر، ثابت القدم في الحرمة، شاهداً على أن النساء حقهن أن يحتطن في سترها ويتقين الله - عز وجل - في الكشف عنها "(3).
3- ابن تيمية: " قال تعالى { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ ôMدdحچ"|ءِ/r& وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ y7د9¨sŒ أَزْكَى لَهُمْ } إلى قوله: { (#ûqç/qè?ur إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ِ/ن3¯=yès9 ڑcqكsد=ّےè? } [سورة النور: 30-31] فأمر الله سبحانه الرجال والنساء بالغض من البصر وحفظ الفرج، كما أمرهم جميعاً بالتوبة، وأمر النساء خصوصاً بالاستتار، وأن لا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ومن استثناه الله تعالى في الآية، فما ظهر من الزينة هو الثياب الظاهرة فهذا لا جناح عليها في إبدائها إذا لم يكن في ذلك محذور آخر، فإن هذه لابد من إبدائها، وهذا قول ابن مسعود وغيره، وهو المشهور عن أحمد "(4).
__________
(1) مدارك التنزيل للنسفي (3/108).
(2) أي المحارم المذكورون في الآية.
(3) الكشاف للزمخشري (3/224).
(4) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (15/371).(1/40)
4- البيضاوي: " ((ولا يبدين زينتهن)) كالحلي والثياب والأصباغ، فضلاً عن مواضعها لمن لا يحل أن تبدي له. ((إلا ما ظهر منها)) عند مزاولة الأشياء كالثياب والخاتم فإن في سترها حرجاً. وقيل المراد بالزينة مواضعها على حذف المضاف، أو ما يعم المحاسن الخلقية والتزيينية؛ والمستثنى هو الوجه والكفان لأنها ليست بعورة، والأظهر أن هذه في الصلاة لا في النظر، فإن كل بدن الحرة عورة لا يحل لغير الزوج والمحرم النظر إلى شيء منها؛ إلا للضرورة كالمعالجة وتحمل الشهادة "(1).
5- الشوكاني: " ((ولا يبدين زينتهن)) أي ما يتزينَّ به من الحلية وغيرها، وفي النهي عن إبداء الزينة؛ نهي عن إبداء مواضعها من أبدانهن بالأولى "(2).
6- السعدي: " ((ولا يبدين زينتهن)) كالثياب الجميلة والحلي، وجميع البدن كله من الزينة. ولما كانت الثياب الظاهرة لابد لها منها؛ قال ((إلا ما ظهر منها)) أي: الثياب الظاهرة التي جرت العادة بلبسها، إذ لم يكن في ذلك ما يدعو إلى الفتنة بها "(3).
المخالفون:
... وهم من رجح أن المراد بقوله تعالى ((إلا ما ظهر منها)): الوجه والكفان، منهم:
1- الإمام الطبري: " وأولى الأقوال في ذلك بالصواب؛ قول من قال: عني بذلك الوجه والكفان... "(4).
... وبنحو ما قاله الطبري قال كل من:
2- ابن العربي(5).
3- القرطبي(6).
4- ابن عاشور(7).
... في حين أن عدداً من المفسرين اكتفوا عند بيان المراد بالزينة الظاهرة بسرد الأقوال الواردة في ذلك دون ترجيح قول على قول، فمنهم.
1- الجصاص(8).
__________
(1) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/62).
(2) فتح القدير للشوكاني (4/24).
(3) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(566).
(4) جامع البيان للطبري (18/94).
(5) أحكام القرآن لابن العربي (القسم الثالث/ ص1369).
(6) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/229).
(7) التحرير والتنوير لابن عاشور (18/207).
(8) أحكام القرآن للجصاص (3/408).(1/41)
2- ابن عطية(1).
3- الفخر الرازي(2).
4- ابن جزي(3).
5- أبوحيان(4).
6- ابن كثير(5).
7- أبوالسعود(6).
8- القاسمي(7).
تعقيب الباحث:
... بعد استعراض ما ورد عن المفسرين في بيان المراد بالزينة الظاهرة، يظهر -والله أعلم- أن الراجح -ما رجحه الشنقيطي والموافقون- أن يراد بالزينة الظاهرة هو ما تتزين به المرأة خارجاً عن أصل خلقتها، ولا يستلزم النظر إليه رؤية شيء من بدنها؛ وهو ظاهر الثياب، يدل لذلك أمور:
1- بناءً على القاعدة الترجيحية: " القول الذي تؤيده قرينة في السياق مقدم على غيره "(8)، وذلك أن من قال بأن المراد بالزينة الظاهرة: الوجه والكفان؛ فقولهم مردود بهذه القاعدة، " لأن الزينة في لغة العرب: هي ما تتزين به المرأة مما هو خارج عن أصل خلقتها كالحلي، والحلل "، فتفسير الزينة ببعض بدن المرأة خلاف الظاهر، ولا يجوز الحمل عليه إلا بدليل يجب الرجوع إليه "(9).
__________
(1) المحرر الوجيز لابن عطية (10/488).
(2) التفسير الكبير للفخر الرازي (8/363).
(3) التسهيل لابن جزي (3/138).
(4) البحر المحيط لأبي حيان (8/33).
(5) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/283).
(6) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/110).
(7) محاسن التأويل للقاسمي (12/4510).
(8) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/299).
(9) أضواء البيان للشنقيطي (6/198).(1/42)
2- إلحاقاً للنقطة السابقة، وبتأييد قاعدة ترجيحية معتمدة لدى المفسرين، وهي " حمل كلام الله - عز وجل - على المعهود من كلام العرب... "(1)، فإن الزينة معناها في لغة العرب: " هي: ما يتزين به "(2)، فهل أصل البدن يتزين به، أو أن الزينة شيء خارج عن البدن يزين به البدن. فلابد أن تكون الزينة زيادة عن أصل البدن.
3- وثَمَّ قاعدة مهمة عند المفسرين يُصار إليها عند الحاجة إلى ترجيح قول على قول، وهي " حمل معاني كلام الله - عز وجل - على الغالب من أسلوب القرآن الكريم ومعهود استعماله أولى "(3)، فإن لفظ الزينة يكثر تكرره في القرآن الكريم مراداً به الزينة الخارجة عن أصل المزين بها، ولا يراد بها بعض أجزاء ذلك الشيء المزيَّن بها، انظر إلى قوله تعالى: { * ûسة_t6"tƒ آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ 7‰إfَ،tB } [سورة الأعراف: 31]، وقوله تعالى: { إِنَّا $sYù=yèy_ مَا عَلَى الْأَرْضِ ZpsYƒخ- لَهَا } [سورة الكهف: 7]، وقوله تعالى: { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ دo4quٹysّ9$# الدُّنْيَا } [سورة الكهف: 46]، وقوله تعالى: { حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ } [سورة طه: 87]، وقوله تعالى: { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ دo4quٹysّ9$# الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا } [سورة القصص: 60]، وقوله تعالى: { yluچy‚sù عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ } [سورة القصص: 79]، وقوله تعالى: { إِنَّا $¨Zƒy- السَّمَاءَ الدُّنْيَا >puZƒح"خ/ الْكَوَاكِبِ (6) } [سورة الصافات: 6] وغيرها من الآيات.
__________
(1) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (2/369).
(2) مختار الصحاح للرازي ص(280) مادة: ز ي ن، والقاموس المحيط للفيروز آبادي ص(1554) باب النون، فصل الزاي.
(3) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/172)، وقواعد التفسير لخالد السبت (2/798).(1/43)
... " فلفظ الزينة في هذه الآيات كلها يراد به ما يزين به الشيء، وهو ليس من أصل خلقته كما ترى، وكون هذا المعنى هو الغالب في لفظ الزينة في القرآن الكريم؛ يدل على أن لفظ الزينة في محل النزاع يراد به هذا المعنى الذي غلبت إرادته في القرآن العظيم "(1).
4- قال الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-: " الزينة الظاهر: الثياب، وكل شيء منها عورة حتى الظفر، ويفيد هذا تحريم النظر إلى شيء من الأجنبيات لغير عذر، مثل أن يريد أن يتزوجها أو يشهد عليها، فإنه ينظر في الحالين إلى وجهها خاصة؛ فأما النظر إليها لغير عذر فلا يجوز لا لشهوة ولا بغيرها، وسواء في ذلك الوجه والكفان وغيرهما من البدن "(2).
5- ويقول الإمام ابن عطية: " ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بأن لا تبدي، وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة، ويقع الاستثناء في كل ما غلبها فظهر بحكم ضرورة حركة فيما لابد منه، أو إصلاح شأن ونحو ذلك، فما ظهر على هذا الوجه فهو المعفي عنه "(3).
6- استدل شيخ الإسلام ابن تيمية بما " ثبت في الصحيح " أن المرأة المحرمة تنهى عن الانتقاب والقفازين "(4)، وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن، وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن "(5). والله أعلم بالصواب.
- - -
لِمَن تكون المغفرة
7- قوله تعالى: { وَمَنْ £`'gdحچُ3مƒ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ £`خgدd¨uچّ.خ) غَفُورٌ رَحِيمٌ } [سورة النور: 33].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (6/199).
(2) حكاه ابن الجوزي في زاد المسير (5/356) عن القاضي أبي يعلى عن الإمام أحمد.
(3) المحرر الوجيز لابن عطية (10/488).
(4) الحديث أخرجه الإمام البخاري في كتاب جزاء الصيد، باب ما ينهى من الطّيب للمحرم والمحرمة.
... انظر: فتح الباري (4/52).
(5) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (15/371).(1/44)
1- أن المعنى غفور لهن، يعني الإماء المكروهات(1).
2- أن المعنى غفور لهم، يعني للسيد الذي يكرههن(2).
3- غفور لهم ولهنّ(3).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " قوله تعالى في هذه الآية الكريمة ((فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم)) قيل غفور لهن. وقيل غفور لهم. وقيل لهن ولهم.
... وأظهرها أن المعنى غفور لهن؛ لأن المكره لا يؤاخذ بما أكره عليه، بل يغفره الله لعذره بالإكراه كما يوضحه قوله تعالى: { إِلَّا مَنْ onحچٍ2é& وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } [سورة النحل: 106]. ويؤيده قراءة ابن مسعود، وجابر بن عبدالله، وابن جبير، فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم، ذكره عنهم القرطبي(4)، وذكره الزمخشري(5) عن ابن عباس - رضي الله عنهم - أجمعين.
... وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن لا نبين القرآن بقراءة شاذة، وربما ذكرنا القراءة الشاذة استشهاد لقراءة سبعية(6) كما هنا، فزيادة لفظه لهن في قراءة من ذكرنا، استشهاد بقراءة شاذة لبيان بقراءة غير شاذة أن الموعود بالمغفرة والرحمة هو المعذور بالإكراه دون المكره؛ لأنه غير معذور في فعله القبيح، وذلك البيان المذكور بقوله: { إِلَّا مَنْ onحچٍ2é& وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } [سورة النحل: 106] "(7).
الموافقون:
... كل من وقفت عليه من المفسرين رجّحوا ما رجّحه الشنقيطي، منهم:
1- الإمام البغوي: " ((ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم)) يعني للمكرهات والوزر على المكره "(8).
__________
(1) مختصر البغوي (2/643).
(2) التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي (3/144)، ذكره محتملاً ولم يرجّحه.
(3) أضواء البيان للشنقيطي (6/219) ولم يرجحه.
(4) الجامع لأحكام القرآن (12/255).
(5) الكشاف (3/233).
(6) مقدمة أضواء البيان (1/5).
(7) أضواء البيان للشنقيطي (6/219-220).
(8) مختصر البغوي (2/643).(1/45)
2- القرطبي: " ((ومن يكرههن)) أي يقهرهن ((فإن الله من بعد إكراههن غفور)) لهن ((رحيم)) بهن "(1).
3- ابن كثير: " ((ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم)) أي لهن. [إلى أن قال] وفي الحديث المرفوع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه "(2)"(3).
4- البيضاوي: " أي لهن، أوْ له إذا تاب، والأول أوفق للظاهر "(4).
5- المحلّى: " ((غفور)) لهن ((رحيم)) بهن "(5).
6- الشوكاني: " المعنى: أن عقوبة الإكراه راجعة إلى المكرِهين لا إلى المكرهات "(6).
المخالفون:
... لم أجد فيما وقفت عليه من أقوال المفسرين أحداً رجّح قولاً مخالفاً لما ذهب إليه الشنقيطي ومن وافقه، إنما أورد بعض المفسرين القول المخالف في معرض ذكره للأقوال الواردة في معنى الآية منهم الإمام النسفي (7)، وابن جزي (8)، والبيضاوي (9).
تعقيب الباحث:
... الذي يظهر -والله أعلم- أن الراجح في معنى الآية هو ما ذهب إليه الشيخ الشنقيطي ومن وافقه من أن المغفرة المذكورة في الآية تكون للإماء المكرهات، وذلك لأمور:
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/255).
(2) أخرجه ابن ماجه في سننه، باب طلاق المكره والناسي، بلفظ " إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ". وقال محقق سنن ابن ماجه: " في الزوائد: إسناده صحيح إن سلم من الانقطاع " . انظر: سنن ابن ماجه، بتحقيق: محمد الأعظمي (1/378)، حديث رقم (2055).
(3) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/289).
(4) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/63).
(5) تفسير الجلالين ص(295).
(6) فتح القدير للشوكاني (4/32).
(7) مدارك التنزيل للنسفي (3/110).
(8) التسهيل لابن جزي (3/144).
(9) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/63).(1/46)
1- أن ظاهر الآية يدل على هذا المعنى، فقد وردت المغفرة بعد ذكر تعرض الفتيات للإكراه، والاستدلال بظاهر السياق على المعنى الراجح من القواعد المهمة عند المفسرين(1).
2- أن في الآية قرينة (2) واضحة تدل على المعنى الراجح، وهي قوله (ولا تكرهوا)) وقوله ((ومن يكرههن)) وقوله ((من بعد إكراههن)) فكل هذه الألفاظ تدل على وقوع الأمة تحت الإكراه، وقد دل القرآن ودلت السنة على أن المكره لا شيء عليه، فقد قال الله - عز وجل - : { إِلَّا مَنْ onحچٍ2é& وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } [سورة النحل: 106] وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه "(3).
3- بناءاً على ما تقرر عند علماء الأصول(4) من أن صورة سبب النزول قطعية الدخول، فإن الروايات الواردة في سبب نزول الآية تدل على تعرض بعض الإماء للإكراه على الزنا وشكاتهم ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (5)، وهذا يدل دلالة واضحة على القول الراجح في الآية أن المغفرة لهن.
4- وأخيراً إجماع المفسرين على المعنى الراجح دلالة عليه، مع عدم وجود مرجّح للقول المخالف. والله أعلم بالصواب.
- - -
__________
(1) قواعد التفسير لخالد السبت (1/249)، قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/125).
(2) قواعد الترجيح عند المفسرين (1/299) قاعدة: القول الذي تؤيده قرائن في السياق مرجح على ما خالفه.
(3) سبق تخريج الحديث.
(4) البحر المحيط للزركشي (3/216)، شرح مختصر الروضة للطوفي (2/505)، مذكرة أصول الفقه للشنقيطي ص(252)..
(5) الروايات الواردة في سبب نزول الآية، جامع البيان للطبري (18/103)، أسباب النزول للنيسابوري -مطبوع بذيل مختصر تفسير الطبري المطبوع بهامش القرآن الكريم- ص(328)، لباب النقول للسيوطي -مطبوع بذيل كلمات القرآن لحسنين مخلوف المطبوع بهامش القرآن الكريم ص(293)، تسهيل الوصول لخالد العك ص(242).(1/47)
تقلّب القلوب والأبصار
8- قوله تعالى: { يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ } [سورة النور: 37].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن تقلب القلوب حركتها من أماكنها من شدة الخوف، وأن تقلب الأبصار هو زيغوغتها ودورانها بالنظر في جميع الجهات من شدة الخوف. ويشبهه قول من قال: إن تقلب القلوب ببلوغها إلى الحناجر، والأبصار بالشخوص والزرقة(1).
2- أن المراد: تتقلب القلوب في يوم القيامة من هوله بين طمع بالنجاة وحذر من الهلاك، والأبصار أي ناحية يؤخذ بهم أذات اليمين أم ذات الشمال؛ ومن أين يؤتون كتبهم أمن قبل الأيمان أم من قبل الشمائل(2).
... ويشبهه قول من عبّر عن هذا المعنى بكلام مجمل فقال: تتقلب: يعني تضطرب من شدة الفزع وعظمة الأهوال يوم القيامة(3).
3- أن المراد بالتقلب تحوّل القلوب والأبصار عما كانت عليه من الشك إلى اليقين(4).
4- أن المراد التقلب على جمر جهنم(5).
ترجيح الشنقيطي:
__________
(1) ذكره السيوطي عن ابن أبي حاتم عن الضحاك في الدر المنثور (5/52)، أضواء البيان للشنقيطي (6/240).
(2) جامع البيان للطبري (18/114)، نظم الدرر للبقاعي (13/280).
(3) التسهيل لابن جزي (3/147)، تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/295).
(4) معاني القرآن وإعرابه للزجاج (4/46)، الجواهر لطنطاوي جوهري (12/20).
(5) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/281)، فتح القدير للشوكاني (4/37) ولم يرجحاه.(1/48)
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " وفي معنى تقلب القلوب والأبصار أقوال متعددة لأهل التفسير. وأظهرها عندي: أن تقلب القلوب هو حركتها من أماكنها من شدة الخوف كما قال تعالى: { إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى حچإ_$uZutù:$#... } [سورة غافر: 18] وأن تقلب الأبصار هو زيغوغتها ودورانها بالنظر في جميع الجهات من شدة الخوف كما قال تعالى: { فَإِذَا جَاءَ ك$ِqsƒù:$# رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ } [سورة الأحزاب: 19]، وكقوله تعالى: { وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ uچإ_$sYysّ9$# } [سورة الأحزاب: 10] فالدوران والزيغوغة المذكوران يُعلم بهما معنى تقلب الأبصار، وإن كانا مذكورين في الخوف من المكروه في الدنيا "(1).
الموافقون:
... ذهب إلى ما ذهب إليه الشنقيطي قلة من المفسرين منهم:
1- الإمام النسفي: " ((تتقلب فيه القلوب)) ببلوغها إلى الحناجر. ((والأبصار)) بالشخوص والزرقة.
... أو تتقلب القلوب إلى الإيمان بعد الكفران، والأبصار إلى العيان بعد إنكاره للطغيان؛ كقوله: { فَكَشَفْنَا y7Ztم غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } [سورة ق: 22] "(2).
2- الإمام النيسابوري: " ((تتقلب فيه القلوب)) ببلوغها إلى الحناجر. ((والأبصار)) بالشخوص والزرقة والردّ على الأدبار "(3).
المخالفون:
... وأعني بهم كل من اختار قولاً أو أكثر من الأقوال الواردة في الآية بترجيح صريح أو ضمني، فالصريح أن يقول إن ما اختاره هو الصحيح، أو لا يذكر قولاً غيره فيكون ترجيحه ضمنياً، وربما يربط بين قولين أو أكثر في بيان معنى الآية؛ فمن هؤلاء:
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (6/240-241).
(2) مدارك التنزيل للنسفي (3/113).
(3) إيجاز البيان للنيسابوري (2/72).(1/49)
1- الإمام الطبري: " وقوله تعالى: ((يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار)) يقول: يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب من هوله بين طمع بالنجاة وحذر بالهلاك، والأبصار أي ناحية يؤخذ بهم أذات اليمين أم ذات الشمال، ومن أين يؤتون كتبهم أمن قبل الأيمان أم من قبل الشمائل، وذلك يوم القيامة "(1).
2- الواحدي: " ((تتقلب فيه القلوب)) بين الطمع في النجاة، والحذر من الهلاك ((والأبصار)) تتقلب في أي ناحية يؤخذ بهم، أذات اليمين أم ذات الشمال؟ ومن أي جهة يؤتون كتبهم من جهة اليمين أم من جهة الشمال "(2).
3- ابن جزي: " ((تتقلب فيه القلوب والأبصار)) أي تضطرب من شدة الهول والخوف [ثم ذكر قولاً آخر وقال بعده:] والأول أصح "(3).
4- أبوحيان: " والظاهر أن معنى ((تتقلب)) تضطرب من هول ذلك اليوم؛ كما قال تعالى: { وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ uچإ_$sYysّ9$# } [سورة الأحزاب:10] فتقلبها هو قلقها واضطرابها، فتتقلب من طمع في النجاة إلى طمع ومن حذر هلاك إلى هلاك [وذكر أقوالاً أخرى، ثم قال:] والقول الأول أبلغ في التهويل "(4).
5- ابن كثير: " وقوله تعالى ((يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار)) أي يوم القيامة الذي تتقلب فيه القلوب والأبصار أي من شدة الفزع وعظمة الأهوال "(5).
__________
(1) جامع البيان للطبري (18/114).
(2) الوجيز للواحدي (2/765).
... وهو: أبوالحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي النيسابوري، كان أوحد عصره في التفسير، صنّف التفاسير الثلاثة: (البسيط، والوسيط، والوجيز). توفي سنة (648هـ). طبقات المفسرين (1/387).
(3) التسهيل لابن جزي (3/147).
(4) البحر المحيط لأبي حيان (8/50).
(5) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/295).(1/50)
6- المحلي: " ((تتقلب)) تضطرب ((فيه القلوب والأبصار)) من الخوف، والقلوب بين النجاة والهلاك، والأبصار بين ناحيتي اليمين والشمال هو يوم القيامة "(1).
7- البقاعي: " ((تتقلب فيه)) أي لشدة هوله، ((القلوب والأبصار)) أي بين طمع في النجاة، وحذر من الهلاك "(2).
8- القاسمي: " أي تضطرب وتتغير من الهول والفزع "(3).
9- طنطاوي جوهري: " ويخشون يوماً تضطرب فيه وتتغير القلوب، فتفقه ما لم تكن تفقه وتبصر الأبصار ما لم تكن تبصر، وتخشى الهلاك وتطمع في النجاة "(4).
10- السعدي: " ((يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار)) من شدة هوله وإزعاجه للقلوب والأبدان، فلذلك خافوا ذلك اليوم فسهل عليهم العمل وترك ما يشغل عنه "(5).
11- سيد قطب: " ((يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار)) تتقلب فلا تثبت على شيء من الهول والكرب والاضطراب "(6).
__________
(1) تفسير الجلالين ص(296).
(2) نظم الدرر للبقاعي (13/280).
... وهو: برهان الدين إبراهيم بن عمر بن حسن البقاعي، أصله من البقاع في سورية، نزيل القاهرة ثم دمشق، من مؤلفاته: (نظم الدرر في تناسب الآيات والسور) و (مصرع التصرع). توفي سنة
(885هـ). الضوء اللامع (1/101).
(3) محاسن التأويل للقاسمي (12/4530).
... وهو: جمال الدين بن محمد سعيد القاسمي، إمام الشام في عصره، علماً بالدين، وتضلعاً من فنون الأدب، كان سلفي العقيدة. توفي سنة (1332هـ). الأعلام (2/135).
(4) الجواهر لطنطاوي جوهري (12/20).
... هو: طنطاوي بن جوهري المصري، له اشتغال بالتفسير والعلوم الحديثة، من أشهر كتبه (الجواهر في تفسير القرآن الكريم). توفي سنة (1358هـ). الأعلام (3/230).
(5) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(569).
(6) في ظلال القرآن لسيد قطب (4/2520).(1/51)
12- ابن عاشور: " وتقلب القلوب والأبصار: اضطرابها عن مواضعها من الخوف والوجل كما يتقلب المرء في مكانه، والمقصود من خوفه: العمل لما فيه الفلاح يومئذٍ "(1).
... ومن المفسرين من جمع الأقوال كلها أو معظمها دون ترجيح واحد منها على البقية؛ من هؤلاء: الإمام البغوي(2) والفخر الرازي(3)، والقرطبي(4)، والخازن(5)، والشوكاني(6) وغيرهم(7).
تعقيب الباحث:
... يظهر لي -والله أعلم- صحة حمل الآية على جميع المعاني الواردة فيها عن المفسرين، فإن كل قول له ما يؤيده من الأدلة، تتفاوت قلة وكثرة، على ما سيأتي بيانه:
__________
(1) التحرير والتنوير لابن عاشور (18/249).
(2) مختصر البغوي (2/646).
(3) التفسير الكبير للفخر الرازي (8/398).
(4) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/281).
(5) لباب التأويل للخازن (5/67).
(6) فتح القدير للشوكاني (4/37).
(7) كابن الجوزي في زاد المسير (5/365)، والبيضاوي والشهاب (حاشيته الشهاب على البيضاوي 6/387)، وأبي السعود في إرشاد العقل السليم (4/125).(1/52)
1- القول الأول: وأن المراد بتقلب القلوب هو حركتها من أماكنها من شدة الخوف حتى تكاد تبلغ الحناجر فلا هي تخرج فيموتوا ولا تعود إلى مكانها فيستريحوا، وأن تقلب الأبصار هو دورانها وزيغوغتها في جميع الاتجاهات من شدة الخوف، وهو القول الذي اختاره الشيخ الشنقيطي ومن كان قوله مثله، فهو مبني على آيات قرآنية، فأما تقلب القلوب فقد دل عليه قوله تعالى { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى حچإ_$uZutù:$#... } [سورة غافر: 18]،وقد أجمع المفسرون على أن آية سورة غافر يراد بها أنه في يوم القيامة قلوب بعض العباد تبلغ إلى حناجرهم من شدة الخوف، فلا هي تعود ولا تخرج(1). وأما تقلب الأبصار فقد دل عليه قوله تعالى: { فَإِذَا جَاءَ ك$ِqsƒù:$# رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ } [سور الأحزاب: 19]. وقوله { وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ } [سورة الأحزاب: 10] فكما ذكر الشنقيطي أن الدوران والزيغوغة المذكوران يعلم بهما معنى تقلب الأبصار، وإن كانا مذكورين في الخوف من المكروه في الدنيا(2).
__________
(1) انظر: جامع البيان للطبري (24/35)، مختصر البغوي (2/819)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (15/302)، تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/75)، فتح القدير للشوكاني (4/468)، تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(735).
(2) أضواء البيان للشنقيطي (6/248).(1/53)
2- القول الثاني: وهو أن يراد بتقلب القلوب اضطرابها من شدة الفزع من أهوال يوم القيامة بين طمع بالنجاة وحذر من الهلاك، وتقلب الأبصار من أي ناحية يؤخذ بهم أذات اليمين أم ذات الشمال ومن أين يؤتون كتبهم من قبل الأيمان أم من قبل الشمائل؟ فإن هذا يؤيده إجماع المفسرين قديماً وحديثاً من ابن جرير الطبري في أوائل القرن الرابع وحتى السعدي في أواخر القرن الرابع عشر الهجري، على أنه هو المراد بتقلب القلوب والأبصار(1).
3- القول الثالث: وهو أن المراد بتقلب القلوب والأبصار تحولها من الشك إلى اليقين، من الآيات الدالة عليه قوله تعالى: { فَكَشَفْنَا y7Ztم غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } [سورة ق: 22] على أصح أقوال المفسرين فيها أنه في يوم القيامة تنكشف الحقائق وما كانوا يشكّون فيه وينكرونه من أحوال البعث ويوم القيامة يرونه أمامهم عياناً "(2).
4- القول الرابع: وأن المراد بتقلب القلوب هو تقلبها على جمر جهنم فهو وإن لم يجزم به أحد من المفسرين أنه هو معنى الآية إلا أن قوله تعالى { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي ح'$¨Z9$#... } [سورة الأحزاب: 66] يؤيده، فإن تقلب وجوه الكافرين في جهنم يدل على تقلب الجسم كله بما فيه القلب والبصر(3).
5- وعليه فلا مانع أن تحتمل جميع المعاني الآية، فإنه في يوم القيامة تنكشف الحقائق وما كان يكذب به منكروا البعث يرونه عياناً أمام أعينهم فينقلب الشك الذي كان عندهم إلى يقين ولا ينفعهم ذلك.
... ثم إن الناس كلهم يكونون خائفين وقلوبهم وأبصارهم غير مستقرة فهم يأملون في النجاة ولا يدرون أيؤخذ بهم ذات اليمين أم الشمال؟ وكيف يأخذون كتبهم بأيمانهم أو شمائلهم.
__________
(1) وقد استعرضت أقوال عدد منهم، فانظرهم تحت فقرة (المخالفون).
(2) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(805)، أضواء البيان للشنقيطي (6/413).
(3) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/281).(1/54)
... ولا مانع أن حالة الخوف هذه قد تشتد ببعضهم حتى تحرك قلوبهم من أماكنها فتبلغ حناجرهم فلا تخرج ولا تعود فتشخص أبصارهم وتزرق(1) من شدة ما حصل بهم من الخوف.
وإذا أدخل الكفار إلى جهنم تتقلب وجوههم وأجسامهم كلها بما فيها قلوبهم وأبصارهم في جهنم، أجارنا الله - عز وجل - وإياكم وجميع المسلمين من النار.
6- كنت في أثناء بحثي في هذا الموضوع أتحدث مع عدد من الأطباء خصوصاً المختصين بالقلب عن إمكانية تحرك القلب من مكانه في حالات الخوف الشديد أو غيرها وذلك في حدود علمنا بالدنيا من خلال ما درسوه أو شاهدوه في حياتهم العملية، فأكدوا لي عدم حدوث شيء من هذا القبيل. إذاً تقلب القلب أي تحركه من مكانه لم يشاهد حقيقة في الدنيا، وأما في الآخرة فليس لنا من علمها إلا الأسماء وأما الكيفيات فهذا مما غيّب عنّا، والله - عز وجل - على كل شيء قدير.
__________
(1) مدارك التنزيل للنسفي (3/113).(1/55)
... ومن أبرز من لقيت الدكتور: خالد بن عبدالعزيز الجبير(1): وقد أطلعني على بحث أعدّه ولم ينشر بعد، آمل أن يرى النور قريباً في المكتبات لما فيه من الفوائد الكثيرة والجليلة، وبحثه تحدث فيه عن القلب، والخلاف بين العلماء في فهم المراد بالقلب في القرآن والسنة، وهل هو هذا القلب الصنوبري الشكل الموجود داخل القفص الصدري في يساره، والذي يضخ الدم في دورتيه الصغرى والكبرى، أم هو قلب آخر تجري عليه الأحكام، كقضية النكت السوداء البيضاء(2) وكقضية العمى الذي يصيب القلب { $pk®Xخ*sù لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } [سورة الحج: 46]، إلى غير ذلك من الأمور التي تحدث عنها في بحثه الذي يقع في ما يزيد على سبعين صفحة، أنصح بقراءته إذا طبع ونشر لما فيه من الفوائد. والله أعلم بالصواب.
- - -
المراد بالزيادة في قوله تعالى: : { Nèdy‰ƒح"tƒur مِنْ ¾د&ح#ôزsù }
9- قال تعالى: { مNهku‰ح"ôfuد9 اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا Nèdy‰ƒح"tƒur مِنْ ¾د&ح#ôزsù } [سورة النور: 38].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن المراد بالزيادة: ما يضاعفه الله - عز وجل - من الحسنة بعشر أمثالها(3).
2- المراد بالزيادة: ما يتفضل الله جل وعلا به على عباده من غير جزاء(4).
ترجيح الشنقيطي:
__________
(1) استشاري وجرّاح القلب بمركز الأمير سلطان لأمراض القلب بالرياض.
(2) الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - ، في كتاب الإيمان، باب رفع الأمانة والإيمان من بعض القلوب، صحيح مسلم بشرح النووي (2/170).
(3) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/281)، تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/295).
(4) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/281)، مختصر البغوي (2/647).(1/56)
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " وقوله في هذه الآية الكريمة ((ويزيدهم من فضله)) الظاهر أن هذه الزيادة من فضله تعالى هي مضاعفة الحسنات؛ كما دل عليه قوله تعالى: { مَنْ جَاءَ دpuZ|،utù:$$خ/ فَلَهُ مژô³tم أَمْثَالِهَا } [سورة الأنعام:160] وقوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لَا مNد=ّàtƒ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ ZpuZ|،xm يُضَاعِفْهَا } [سورة النساء: 40] وقوله تعالى: { وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ } [سورة البقرة: 261].
وقال بعض أهل العلم: الزيادة هنا كالزيادة في قوله تعالى: { * لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا 4سo_َ،çtù:$# وَزِيَادَةٌ } [سورة يونس: 26] والأصح أن الحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم، وذلك هو أحد القولين في قوله تعالى: { لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا $sY÷ƒt$s!ur س‰ƒح"tB (35) } [سورة ق: 35] "(1).
الموافقون:
لقد ذهب إلى مثل ما ذهب إليه الشنقيطي من أن المراد بالزيادة في هذه الآية هي مضاعفة الحسنات قلّة من المفسرين؛ منهم:
1- ابن جزي: " ((ويزيدهم من فضله)) يعني زيادة على ثواب أعمالهم "(2).
2- ابن كثير: " ((ويزيدهم من فضله)) أي يتقبل منهم الحسن ويضاعفه لهم؛ كما قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لَا مNد=ّàtƒ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ ZpuZ|،xm يُضَاعِفْهَا } [سورة النساء: 40]، وقال تعالى: { مَنْ جَاءَ دpuZ|،utù:$$خ/ فَلَهُ مژô³tم أَمْثَالِهَا } [سورة الأنعام: 160]، وقال: { مَنْ ذَا الَّذِي قعحچّ)مƒ اللَّهَ قَرْضًا $YZ|،xm فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً } [سورة البقرة: 245] وقال: { وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ } [سورة البقرة: 261] "(3).
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (6/241).
(2) التسهيل لابن جزي (3/148).
(3) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/295).(1/57)
3- السعدي: " ((ويزيدهم من فضله)) زيادة كثيرة عن الجزاء المقابل لأعمالهم "(1).
... يُفهم من كلام ابن جزي والسِّعدي أنهما أرادا مضاعفة الحسنات، والله أعلم.
المخالفون:
... جمع غفير من المفسرين اختاروا أن المراد بالزيادة في الآية أمر آخر زيادة على مضاعفة الحسنات، وإن تنوعت ألفاظهم في التعبير عن المعنى، فمن هؤلاء:
1- الإمام الطبري: " ((ليجزيهم الله أحسن ما عملوا)) يقول: فعلوا ذلك يعني أنهم لم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأطاعوا ربهم مخافة عذابه يوم القيامة، كي يثيبهم الله يوم القيامة بأحسن أعمالهم التي عملوها في الدنيا من فضله، فيفضل عليهم من عنده بما أحب من كرامته لهم "(2).
2- البغوي: " ((ويزيدهم من فضله)) ما لم يستحقوه بأعمالهم "(3).
3- النسفي: " ((ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله)) أي يسبحون ويخافون ليجزيهم الله أحسن جزاء أعمالهم، أي ليجزيهم ثوابهم مضاعفاً ويزيدهم على الثواب الموعود على العمل تفضلاً "(4).
4- الزمخشري: " ((أحسن ما عملوا)) أي أحسن جزاء أعمالهم، والمعنى يسبحون ويخافون ليجزيهم ثوابهم مضاعفاً ويزيدهم على الثواب تفضلاً "(5).
5- الخازن: " ((ويزيدهم من فضله)) يعني أنه - سبحانه وتعالى - يجزيهم بأحسن أعمالهم ولا يقتصر على ذلك، بل يزيدهم من فضله "(6).
6- البيضاوي: " ((ويزيدهم من فضله)) أشياء لم يعدهم بها على أعمالهم ولم تخطر ببالهم "(7).
7- البقاعي: " ((ويزيدهم من فضله)) على العدل من الجزاء ما لم يستحقوه، كما هي عادة أهل الكرم "(8).
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(569).
(2) جامع البيان للطبري (18/114).
(3) مختصر البغوي (2/647).
(4) مدارك التنزيل للنسفي (3/113).
(5) الكشاف للزمخشري (3/237).
(6) لباب التأويل للخازن (5/67).
(7) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/64).
(8) نظم الدرر للبقاعي (13/281).(1/58)
8- أبوالسعود: " ((ويزيدهم من فضله)) أي يتفضل عليهم بأشياء لم توعد لهم بخصوصياتها أو بمقاديرها ولم تخطر ببالهم كيفياتها ولا كمياتها "(1).
9- الشوكاني: " ((ويزيدهم من فضله)) المراد به: التفضل عليهم بما فوق الجزاء الموعود به "(2).
10- القاسمي: " أي يفعلون ما يفعلون ليجزيهم، وفي آخر الآية تقرير للزيادة وتنبيه على كمال القدرة ونفاذ المشيئة وسعة الإحسان؛ لأن ((بغير حساب)) كناية عن السعة، والمراد أنه لا يدخل تحت حساب الخلق وعدّهم "(3).
11- طنطاوي جوهري: " ((ويزيدهم من فضله)) فهو لا يقتصر على مكافأتهم على أعمالهم "(4).
... وغيرهم من المفسرين قالوا مثل هذا القول كالإمام الواحدي(5) وأبي حيان(6)، والقنوجي(7) وغيرهم(8).
تعقيب الباحث:
... الذي يظهر -والله أعلم- في ضوء ما استعرض من أقوال المفسرين في المراد بالزيادة، أن الراجح فيها: هو ما يتفضل الله - عز وجل - به على عباده غير مضاعفة الحسنات، فإن مضاعفة الحسنات قد وعد الله - عز وجل - بها عبادة في عدد من الآيات
__________
(1) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/125).
(2) فتح القدير للشوكاني (4/37).
(3) محاسن التأويل للقاسمي (12/4530).
(4) تفسير الجواهر (12/20).
(5) الوجيز للواحدي (2/765).
(6) البحر المحيط لأبي حيان (8/50).
(7) فتح البيان للقنوجي (9/234).
... وهو: محمد صديق خان بن حسن بن علي البخاري القنوجي، من رجال النهضة الإسلامية المجددين، ولد ونشأ في (قنوج)، بالهند، له مصنفات بالعربية والفارسية والهندية. توفي سنة
(1307هـ). الإعلام (6/167).
(8) ابن الجوزي في زاد المسير (5/365) كالرازي في التفسير الكبير (8/399)، والمراغي في تفسيره
(18/111).(1/59)
-وسبق ذكر بعضها- فهذا الموعود به هو ما عبّر عنه في هذه الآية بقوله: ((ليجزيهم الله أحسن ما عملوا)) فإن الجزاء على الأعمال موعود بالمضاعفة، وأما الزيادة من فضلة فهي شيء آخر فوق مضاعفة الحسنات؛ يتفضل ويتكرم الله - عز وجل - به على عباده في دار كرامته، زيادة في الحسنات ورفعة في الدرجات ومزيداً من التكريم مما لا يخطر على قلب بشر. والمستند في اختيار هذا الترجيح:
1- قاعدة إذا دار الكلام بين التأسيس والتأكيد فحمله على التأسيس أولى(1)، وهي قاعدة مقررة عند أئمة التفسير ومنهم الشيخ الشنقيطي (2). فإذا كان الجزاء على العمل الصالح مضاعفاً يوعد الله - عز وجل - الذي لا يخلف الميعاد؛ فإن قيل إن الزيادة هي المضاعفة كان تأكيداً، وإن قيل إن الزيادة شيء آخر غير المضاعفة أفاد معنى جديداً فحمله عليه أوْلى.
2- إن اختيار هذا المعنى فيه بيان لعظمة الله - عز وجل - وسعة فضله وجوده وكرمه. فكونه جل وعلا يضاعف الحسنات هذا قد وعد به جل وعلا عباده في غير هذه الآية كثير، ولكن ما أضافته هذه الآية من معنى الزيادة من فضل الله - عز وجل - أمر أكبر وفوق مضاعفة الحسنات.
3- إجماع جمهور من المفسرين على هذا المعنى، وقلة من قال إن الزيادة هي المضاعفة دليل على رجحانه. والله أعلم بالصواب.
- - -
مرجع الضمير المقدر في الفعل ((zNد=tو))
في قوله تعالى: { قَدْ zNد=tو صَلَاتَهُ }
10- قوله تعالى: { أَلَمْ uچs? أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي دN¨uq"uK،،9$# وَالْأَرْضِ مژِچ©ـ9$#ur صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ zNد=tو صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ 7Lىد=tو بِمَا يَفْعَلُونَ (41) } [سورة النور: 41].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
__________
(1) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (2/473).
(2) أضواء البيان للشنقيطي (3/355).(1/60)
1- أن يرجع الضمير على لفظ الجلالة في قوله ((ألم تر أن الله))، فيكون تأويل الكلام: كل مصل ومسبح منهم قد علم الله صلاته وتسبيحه(1).
2- أن يرجع الضمير إلى لفظ ((كل)) وعليه إما أن يكون المعنى أنهم يعلمون ما يجب عليهم من الصلاة والتسبيح(2)، أو أنّ كل مصلٍّ ومسبّح قد علم صلاة نفسه وتسبيح نفسه(3).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " اعلم أن الضمير المحذوف الذي هو فاعل ((علم)) قال بعض أهل العلم: إنه راجع إلى الله - عز وجل - في قوله: ((ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات)) الآية؛ وعلى هذا فالمعنى: كل من المسبحين والمصلين قد علم الله صلاته وتسبيحه. وقال بعض أهل العلم: إن الضمير المذكور راجع إلى قوله: ((كل)) أي كل من المصلين والمسبحين قد علم صلاة نفسه وتسبيح نفسه، وقد قدمنا في سورة النحل(4) في الكلام على قوله تعالى: { مَنْ عَمِلَ $[sد="|¹ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ } [سورة النحل: 97] كلام الأصوليين في أن اللفظ إن احتمل التوكيد والتأسيس حمل على التأسيس(5)، وبينا أمثلة متعددة لذلك من القرآن العظيم.
__________
(1) جامع البيان للطبري (18/117).
(2) التفسير الكبير للفخر الرازي (8/402).
(3) فتح البيان للقنوجي (9/240).
(4) أضواء البيان للشنقيطي (3/355).
(5) وهي قاعدة مقررة عند علماء الأصول، انظر مثلاً: التمهيد في تخريج الأصول على الفروع للأسنوي (167)، والبحر المحيط للزركشي (2/117)، والمحصول في علم أصول الفقه (1/1/357).(1/61)
وإذا علمت ذلك فاعلم أن الأظهر على مقتضى ما ذكرنا عن الأصوليين؛ أن يكون ضمير الفاعل المحذوف في قوله: ((كل قد علم صلاته وتسبيحه)) راجعاً إلى قوله ((كل)) أي كل من المصلين قد علم صلاة نفسه، وكل من المسبحين قد علم تسبيح نفسه، وعلى هذا القول فقوله تعالى: ((والله عليم بما يفعلون)) تأسيس لا تأكيد. أما على القول بأن الضمير راجع إلى الله تعالى: أي قد علم الله صلاته؛ يكون قوله: ((والله عليم بما تفعلون)) كالتكرار مع ذلك، فيكون من قبيل التوكيد اللفظي.
وقد علمت أن المقرر في الأصول أن الحمل على التأسيس أرجح من الحمل على التوكيد "(1).
الموافقون:
قال مثل القول الذي اختاره الشيخ الشنقيطي من أن الضمير المحذوف عائد على لفظ (كل) عدد من المفسرين، منهم:
1- أبوحيان، قال: " والظاهر أن الفاعل المستكن في ((علم)) وفي ((صلاته وتسبيحه)) عائد على ((كل)) "(2).
2- ابن كثير، قال: " أي كل قد أرشده إلى طريقته ومسلكه في عبادة الله - عز وجل - "(3).
3- الشوكاني، قال: " والضمير في ((علم)) يرجع إلى ((كل))، والمعنى: أن كل واحد من هذه المسبحات لله قد علم صلاة المصلى وتسبيح المسبح [ثم ذكر عدداً من أقوال المفسرين... إلى أن قال:] والأول أرجح؛ لاتفاق القراء على رفع ((كل))، ولو كان الضمير في ((علم)) لله لكان نصب ((كل)) أولى "(4).
... وسار على هذا القول أيضاً عدد من الأئمة؛ كأبي البقاء العكبري(5)،
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (6/244-245).
(2) البحر المحيط لأبي حيان (8/56).
(3) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/297).
(4) فتح القدير للشوكاني (4/42).
(5) إملاء ما من به الرحمن لأبي البقاء العكبري (2/158).
= ... وهو: أبوالبقاء عبدالله بن الحسين بن عبدالله العكبري النحوي الحنبلي، صاحب الإعراب، المقرئ الفقيه المفسر الفرضيّ اللغوي، كان معيداً للشيخ أبي الفرج بن الجوزي في المدرسة. توفي سنة (616هـ). طبقات المفسرين (1/224).(1/62)
والسمين الحلبي(1)، والقنوجي(2) وغيرهم.
المخالفون:
... اختار بعض المفسرين قولاً مخالفاً، فاعتبروا أن مرجع المضير هو لفظ الجلالة في قوله تعالى: ((ألم تر أن الله يسبح له...))، من هؤلاء:
1- الإمام الطبري، قال: " وأظهر المعاني... المعنى الأول: وهو أن يكون المعنى كل مصلٍّ منهم ومسبّح قد علم الله صلاته وتسبيحه "(3).
2- البيضاوي، قال: " أي: قد علم الله دعاءه وتنزيهه اختياراً أو طبعاً "(4).
تعقيب الباحث:
... هذا الموضع اجتمعت فيه ثلاث قواعد ترجيحية كلها بموجبها يتأيد القول الذي ذهب إليه الشنقيطي ومن وافقه، وذلك على النحول الآتي:
1- قاعد: إذا دار الكلام بين التأسيس والتأكيد فحمله على التأسيس أولى(5).
... فإذا اعتُبر رجوع الضمير المحذوف في قوله ((علم)) إلى لفظ الجلالة في قوله ((ألم تر أن الله يسبح له..)) كان قوله ((والله عليم بما يفعلون)) تأكيد. وأما إذا اعتُبر رجوع الضمير إلى لفظ ((كل)) أفاد معنى جديداً؛ فحمله عليه أولى.
2- قاعدة: توحيد مرجع الضمائر في السياق الواحد أولى من تفريقها(6). فإن إعادة ضمائر ((علم صلاته وتسبيحه)) إلى ((كل)) أولى من تفريقها بإعادة ضمير ((علم)) إلى لفظ الجلالة ((الله)) وإعادة ضميرا ((صلاته وتسبيحه)) إلى ((كل)).
__________
(1) الدر المصون للسمين الحلبي (8/418).
... وهو: شهاب الدين أحمد بن يوسف بن محمد المقرئ النحوي الشافعي المعروف ب، (السمين الحلبي)، كان فقيهاً بارعاً في النحو والتفسير وعلم القراءات وغيرها، من مصنفاته (الدر المصون). توفي سنة (756هـ). طبقات المفسرين (1/100).
(2) فتح البيان للقنوجي (9/240).
(3) جامع البيان للطبري (18/117).
(4) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/65).
(5) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (2/473).
(6) الإتقان للسيوطي (1/509)، وقواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (2/613)، وقواعد التفسير لخالد السبت (1/414).(1/63)
... قال السمين الحلبي وهو يتحدث عن الضمائر في الآية التي نحن بصددها: "أنها كلها عائدة على ((كل)) أي كل قد علم هو صلاة نفسه وتسبيحها. وهذا أولى لتوافق الضمائر "(1).
3- قاعدة: عودة الضمير إلى أقرب مذكور ما لم يصرفه صارف(2). فإن الأقرب لفظ ((كل))، فإعادة الضمير إليه أولى من إعادته إلى الأبعد، وهو لفظ الجلالة.
4- إن من ما يدل على عودة الضمير إلى لفظ ((كل))؛ اتفاق القراء على قراءة ((كلٌ)) بالرفع(3)، ولو كان الضمير في ((علم)) يعود على لفظ الجلالة لكان نصب ((كل)) أولى، كما ذكر ذلك للإمام الشوكاني(4) وغيره.
5- وهناك فائدة أخيرة لطيفة في رجوع الضمير إلى لفظ ((كل)) ذكرها الشيخ صديق حسن القنوجي؛ قال: " وفائدة الإخبار بأن كل واحد قد علم ذلك؛ أن صدور هذا التسبيح هو عن علم قد علمها الله ذلك وألهمها إليه، لا أن صدوره منها على طريقة الاتفاق بلا روية، وفي ذلك زيادة دلالة على بديع صنع الله سبحانه وعظم شأنه، من كونه جعلها مسبحة له، عالمة بما يصدر منها، غير جاهلة له "(5). والله أعلم بالصواب.
- - -
معنى قوله تعالى { دُعَاءَ الرَّسُولِ }
11- قوله تعالى: { لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ ِNن3sY÷ t/ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا } [سورة النور: 63].
مجمل الأقوال الوردة في الآية:
__________
(1) الدر المصون للسمين الحلبي (8/419).
(2) الإتقان للسيوطي (1/508)، وقواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (2/621)، وأضواء البيان للشنقيطي (4/246)، عند تفسيره لقوله تعالى: { $yg1yٹ$sYsù مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا 'دTu"ّtrB قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) } [سورة مريم: 24].
(3) القراءات العشر المتواترة لمحمد كريم راجح (355).
(4) فتح القدير للشوكاني (4/42).
(5) فتح البيان للقنوجي (9/241).(1/64)
1- لا تجعلوا دعاءه لكم بمنزلة دعاء بعضكم بعضاً؛ إن شاء أجاب، وإن شاء ترك، بل إذا دعاكم لم يكن بد من إجابته، ولم يسعكم التخلف عنها ألبتة. فعلى هذا: المصدر [دعاء] مضاف إلى الفاعل، أي دعاؤه إياكم(1).
2- لا تدعوه باسمه كما يدعو بعضكم بعضا: يا محمد؛ ولكن فخموه وشرفوه فقولوا: يا نبي الله يا رسول الله في لين وتواضع. فعلى هذا: المصدر مضاف إلى المفعول، أي دعاؤكم الرسول - صلى الله عليه وسلم - (2).
3- احذروا دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - عليكم إذا أسخطتموه فإن دعاءه موجب لنزول البلاء بكم ليس كدعاء غيره(3). ويدخل تحت هذا المعنى قول من قال: لا تجعلوا دعاء الرسول ربه مثل ما يدعو صغيركم كبيركم وفقيركم غنيكم، يسأل حاجة فربما أجابه وربما رده، فإن دعوات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسموعة مستجابة(4). وعلى هذا: المصدر مضاف إلى الفاعل.
ترجيح الشنقيطي:
__________
(1) بدائع التفسير لابن القيم (3/275)، وانظر: مدارج السالكين له (2/405).
(2) مختصر تفسير البغوي (2/653)، وبدائع التفسير لابن القيم (3/275).
(3) جامع البيان للطبري (18/134)، ومختصر تفسير البغوي (2/653).
(4) الكشاف للزمخشري (3/253)، وأنوار التنزيل للبيضاوي (2/68).(1/65)
... رجح الشيخ الشنقيطي -رحمه الله- المعنى المبني على أن المصدر مضاف إلى مفعوله، حيث قال: " إن المعنى لا تجعلوا دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا دعوتموه كدعاء بعضكم بعضا، فلا تقولوا له: يا محمد مصرحين باسمه، ولا ترفعوا أصواتكم عنده كما يفعل بعضكم مع بعض، بل قولوا له: يا نبي الله، يا رسول الله مع خفض الصوت احتراماً له - صلى الله عليه وسلم - . [ثم قال بعد ذلك] " وهذا القول هو الذي تشهد له آيات من كتاب الله تعالى كقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا (#ûqمèsùِچs? ِNن3s?¨uqô¹r& فَوْقَ إVِq|¹ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ حچôgyfx. بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا tbrقگكêô±s? (2) إِنَّ الَّذِينَ ڑcq'زنَtƒ ِNكgs?¨uqô¹r& عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ ×ouچدےَّ¨B وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ دN¨uچàfçtù:$# ِNèdمژnYٍ2r& لَا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ ِNهk®Xr& (#rمژy9|¹ 4س®Lxm تَخْرُجَ ِNخkِژs9خ) لَكَانَ #[ژِچyz لَهُمْ } [سورة الحجرات: 2-5] وقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا $uZدم¨u' } [سورة البقرة: 104] (1).
الموافقون:
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (6/252)(1/66)
1- الإمام ابن كثير، قال: " قال الضحاك(1) عن ابن عباس: كانوا يقولون يا محمد يا أبا القاسم فنهاهم الله - عز وجل - عن ذلك إعظاماً لنبيه - صلى الله عليه وسلم - قال فقولوا يا نبي الله يا رسول الله. وهكذا قال مجاهد، وسعيد بن جبير. وقال قتادة: أمر الله - عز وجل - أن يهاب نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأن يبجل وأن يعظم وأن يسود. وقال مقاتل في قوله تعالى: ((لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً)) يقول لا تسموه إذا دعوتموه يا محمد ولا تقولوا يا ابن عبدالله ولكن شرفوه فقولوا: يا نبي الله يا رسول الله، [ثم قال في آخر كلامه]: هذا قول وهو الظاهر من السياق، كقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا $uZدم¨u' } [سورة البقرة: 104]، وقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا (#ûqمèsùِچs? ِNن3s?¨uqô¹r& } إلى { 4س®Lxm تَخْرُجَ ِNخkِژs9خ) لَكَانَ #[ژِچyz لَهُمْ } [سورة الحجرات: 2-5]، فهذا كله من باب الأدب في مخاطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - والكلام معه وعنده "(2).
__________
(1) الضحاك بن مزاحم الهلالي، الخراساني، المفسّر، ذكره ابن حبان في الثقات، اشتهر بالتفسير. توفي سنة (106هـ). تهذيب التهذيب (4/453).
(2) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/307).(1/67)
2- سيد قطب، قال: " ويلفت إلى ضرورة توقير الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند الاستئذان، وفي كل الأحوال، فلا يدعي باسمه: يا محمد، أو كنيته: يا أبا القاسم، كما يدعو المسلمين بعضهم بعضا. إنما يدعى بتشريف الله - عز وجل - له وتكريمه: يا نبي الله، يا رسول الله، ((لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا))، فلابد من امتلاء القلوب بالتوقير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى تستشعر توقير كل كلمة منه وكل توجيه. وهي لفتة ضرورية؛ فلابد للمربي من وقار، ولابد للقائد من هيبة. وفرق بين أن يكون هو متواضعاً هيناً ليناً؛ وأن ينسوا هم أنه مربيهم فيدعوه دعاء بعضهم لبعض.. يجب أن تبقى للمربي منزلة في نفوس من يربيهم يرتفع بها عليهم في قرارة شعورهم، ويستحون هم أن يتجاوزا معها حدود التبجيل والتوقير "(1).
المخالفون:
... خالف الشنقيطي في ترجيحه عدد من المفسرين يمكن تقسيمهم على النحو الآتي:
أولاً: من اختار قولا واحداً مخالفاً لما اختاره الشنقيطي، ومنهم:
__________
(1) في ظلال القرآن لسيد قطب (4/2535).(1/68)
أ- الإمام الطبري، قال: " نهى الله - عز وجل - بهذه الآية المؤمنين أن يتعرضوا لدعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - عليهم، وقال لهم اتقوا دعاءه عليكم بأن تفعلوا ما يسخطه فيدعوا لذلك عليكم فتهلكوا؛ فلا تجعلوا دعاءه كدعاء غيره من الناس فإن دعاءه موجبة [إلى أن قال]: وأولى التأويلين في ذلك بالصواب عندي: التأويل الذي قاله ابن عباس [الذي ضمن في كلام الطبري آنفاً] وذلك أن الذي قبل قوله تعالى: ((لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا)) نهي من الله - عز وجل - المؤمنين أن يأتوا من الانصراف عنه في الأمر الذي يجمع جميعهم ما يكرهه. والذي بعده وعيد للمنصرفين عنه بغير إذنه. فالذي بينهما بأن يكون تحذيراً لهم سخطه أن يضطره إلى الدعاء عليهم أشبه من أن يكون أمراً لهم بما لم يجر له ذكر من تعظيمه وتوقيره بالقول والدعاء "(1).
ب- ابن جزي، في أثناء ذكره للأقوال الواردة في معنى الآية رجح القول الأول بقوله: " إن الدعاء هنا يراد به دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - إياهم ليجتمعوا إليه في أمر جامع أو في قتال وشبه ذلك، فالمعنى أن إجابتكم له إذا دعاكم واجبة عليكم بخلاف إذا دعا بعضكم بعضا، فهو كقوله تعالى: { (#qç7ٹإftGَ™$# لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ } [سورة الأنفال: 24] ويقوي هذا القول مناسبته لما قبله من الاستئذان والأمر الجامع "(2).
__________
(1) جامع البيان للطبري (18/134).
(2) التسهيل لابن جزي (3/158).(1/69)
ثانياً: ومنهم من ذكر الأقوال كلها أو بعضها معتبراً إياها معنى للآية وكلها بدرجة واحدة، فإما أن يسرده سرداً كالإمام البيضاوي(1)، والبقاعي(2)، أو يكون له أسلوب في ترجيح الأقوال الشارحة للآيات ولكنه لم يتبعه هنا وإنما ذكر الأقوال كلها وسكت كالإمام القرطبي(3)، والشوكاني(4)، والسعدي(5)، أو يذكر قولاً في بداية تفسير الآية جازماً، ويذكر بعده قولاً بصيغة التضعيف ولكنه يقول بعده إنه موافق لمساق الآية أو إن الآية تحتمل ألفاظها هذا المعنى كالإمام أبي حيان(6) وابن عاشور(7).
... وسأنقل كلام ابن عاشور لاشتماله على تفصيلات وفوائد جيدة؛ يقول: " لما كان الاجتماع للرسول - صلى الله عليه وسلم - في الأمور يقع بعد دعوته الناس للاجتماع وقد أمرهم الله - عز وجل - أن لا ينصرفوا عن مجامع الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا لعذر بعد إذنه أنبأهم بهذه الآية وجوب استجابة دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا دعاهم.
والمعنى لا تجعلوا دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إياكم للحضور لديه مخيرين في استجابتها كما تتخيرون في استجابة دعوة بعضكم بعضاً، فوجه الشبه المنفي بين الدعوتين هو الخيار في الإجابة. والغرض من هذه الجملة أن لا يتوهموا أن الواجب هو الثبات في مجامع الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا حضروها، وأنهم في حضورها إذا دعوا إليها بالخيار، فالدعاء على هذا التأويل مصدر دعاه إذا ناداه أو أرسل إليه ليحضر.
__________
(1) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/68).
(2) نظم الدرر للبقاعي (13/324).
(3) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/322).
(4) فتح القدير للشوكاني (4/58).
(5) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(576).
(6) البحر المحيط لأبي حيان (8/75).
(7) التحرير والتنوير لابن عاشور (18/309).(1/70)
وإضافة ((دعاء)) إلى ((الرسول)) من إضافة المصدر إلى فاعله. ويجوز أن تكون إضافة ((دعاء)) من إضافة المصدر إلى مفعوله والفاعل المقدر ضمير المخاطبين. والتقدير: لا تجعلوا دعاءكم الرسول، فالمعنى نهيهم.
ووقع الالتفات من الغيبة إلى خطاب المسلمين حثاً على تلقي الجملة بنشاط فهَمٍّ، فالخطاب للمؤمنين الذين تحدث عنهم بقوله ((إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله)) وقوله ((إن الذين يستأذنوك)) إلخ.. نهوا عن أن يدعوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند مناداته كما يدعو بعضهم بعضاً في اللفظ أو في الهيئة. أما في اللفظ فبأن لا يقولوا: يا محمد، أو يا بن عبدالله، أو يا بن عبدالمطلب، ولكن: يا رسول الله أو يا نبي الله أو بكنيته يا أبا القاسم(1). وأما في الهيئة فبأن لا يدعوه من وراء الحجرات، وأن لا يلحوا في دعائه إذا لم يخرج إليهم، كما جاء في سورة الحجرات. لأن ذلك كله من الجلافة التي لا تليق بعظمة قدر الرسول - صلى الله عليه وسلم - . فهذا أدب للمسلمين وسد لأبواب الأذى عن المنافقين. وإذا كانت الآية تحتمل ألفاظها هذا المعنى صح للمتدبر أن ينتزع هذا المعنى منها إذ يكفي أن يأخذ من لاح له معنى؛ ما لاح له "(2).
تعقيب الباحث:
بالنظر في أقوال أئمة التفسير يظهر لي -والله أعلم- صحة حمل الآية على المعنيين؛ الأول والثاني(3):
__________
(1) المناداة بالكنية تدخل في عدم الأدب في مناداة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأنها مما ينادي بها المسلمون بعضهم بعضاً.
(2) التحرير والتنوير لابن عاشور (18/308).
(3) سبق ذكر الأقوال في بداية الموضع.(1/71)
فالقول الأول هو: لا تجعلوا دعاءه لكم بمنزلة دعاء بعضكم بعضاً، إن شاء أجاب وإن شاء ترك، بل إذا دعاكم لم يكن لكم بد من إجابته، ولم يسعكم التخلف عنها ألبتة. هذا القول يدل عليه سياق الآيات ونظمها، فالآية التي قبل تتحدث عن اجتماع المؤمنين مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - على أمر جامع وضرورة الاستئذان عند الاحتياج للخروج من الاجتماع، وما بعد يذكر فئة من المنافقين يحاولون التسلل خفية والخروج من الاجتماع دون إذن وختمت الآية بذكر العقوبة الدنيوية والأخروية لمن يخالف أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - ؛ وحمل الآية على معنى ما قبلها وما بعدها قاعدة قررها أئمة التفسير(1).
والقول الثاني وهو: لا تدعوه باسمه كما يدعو بعضكم بعضاً: يا محمد؛ ولكن فخموه وشرفوه فقولوا: يا نبي الله يا رسول الله في لين وتواضع. فهذا القول استدل عليه الإمام الشنقيطي ومن وافقه بعدد من آيات القرآن الكريم -سبق ذكرها- ومعلوم أن أحسن طرق التفسير؛ تفسير القرآن بالقرآن(2).
وأما القول الثالث والمراد به: احذوا دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - عليكم إذا أسخطتموه فإن دعاءه موجب وليس كدعاء غيره، فقد ضعفه عدد من المفسرين وإن كان يصح في المعنى، قال ابن عطية: " ولفظ الآية يدفع هذا المعنى "(3)، وقال ابن جزي:
__________
(1) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/127-132).
(2) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (13/363)، وشرح مقدمة التفسير لابن عثيمين
ص(127).
(3) المحرر الوجيز لابن عطية (10/556).(1/72)
" ولفظ الآية بعيد من هذا المعنى، على أن المعنى صحيح "(1)، وقال الشنقيطي -بعد أن ذكر الوجه الأخير-: " هذا الوجه الأخير يأباه ظاهر القرآن؛ لأن قوله تعالى ((كدعاء بعضكم بعضاً)) يدل على خلافه، ولو أراد دعاء بعضهم على بعض لقال: لا تجعلوا دعاء الرسول عليكم كدعاء بعضكم على بعض، فدعاء بعضهم بعضاً ودعاء بعضهم على بعض متغايران كما لا يخفى "(2). والله أعلم بالصواب.
- - -
المراد بالفتنة في قوله تعالى: { أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ }
12- قوله تعالى: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ ے¾دnحگِDr& أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [سورة النور: 63].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
... اختلفت أقوال المفسرين في بيان معنى الفتنة في هذه الآية الكريمة، وهم ما بين مرجّح لقول أو أكثر في بيان معنى الآية أو جامع للأقوال كلها أو بعضها، فإلى استعراض مجمل الأقوال:
1- الطبع على القلوب.
2- قسوة القلب عن معرفة المعروف والمنكر.
3- إسباغ النعم استدراجاً.
4- الكفر.
5- بلاء.
6- القتل(3).
7- محنة في الدنيا(4).
8- الفضيحة(5).
9- زلازل.
10- أهوال.
11- تسليط سلطان جائر(6).
12- شيء يخالطهم في الدنيا فيحيل أمورهم إلى غير الحالة المحبوبة(7).
13- الفتنة هنا غير مقيدة بنوع من أنواع الفتن(8).
ترجيح الشنقيطي:
__________
(1) التسهيل لابن جزي (3/158).
(2) أضواء البيان للشنقيطي (6/252).
(3) هذه المعاني الستة قال عنها الإمام أبوحيان: " وهذه الأقوال خرجت مخرج التمثيل لا الحصر، وهي في الدنيا " البحر المحيط (8/76).
(4) الكشاف للزمخشري (3/253).
(5) التسهيل لابن جزي (3/159).
(6) الأقوال (9-10-11) ذكرها النسفي في مدارك التنزيل (3/120).
(7) نظم الدرر للبقاعي (13/326).
(8) فتح القدير للشوكاني (4/58).(1/73)
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " والفتنة في قوله ((أن تصيبهم فتنة)) قيل هي القتل، وقيل الزلازل والأهوال، وقيل السلطان الجائر. وقال بعضهم: هي الطبع على القلوب بسبب شؤم مخالفة أمر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - . وقال بعض العلماء: ((فتنة)) محنة في الدنيا أو يصيبهم عذاب أليم في الآخرة.
قال مقيده(1) عفا الله عن وغفر له: قد دل استقراء القرآن العظيم أن الفتنة فيه أطلقت على أربعة معان:
الأول: أن يراد بها الإحراق بالنار؛ كقوله تعالى: { يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ } [سورة الذاريات: 13]. وقوله تعالى: { إِن الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ دM"sYدB÷sكJّ9$#ur } [سورة البروج: 10] أي أحرقوهم بنار الأخدود على القول بذلك.
الثاني: وهو أشهرها إطلاق الفتنة على الاختبار؛ كقوله تعالى: { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ خژِچsƒù:$#ur فِتْنَةً } [سورة الأنبياء: 35]. وقوله تعالى: { وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى دps)ƒحچ©ـ9$# Nكg"sYّs)َ™{ مَاءً غَدَقًا (16) ÷LàisYدGّےuZدj9 فِيهِ } [سورة الجن: 16-17].
والثالث: إطلاق الفتنة على نتيجة الاختيار إن كانت سيئة؛ كقوله تعالى:
{
__________
(1) الشيخ محمد الأمين الشنقيطي.(1/74)
وَقَاتِلُوهُمْ 4س®Lxm لَا تَكُونَ ×psY÷Fدù وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ } [سورة البقرة: 193]، وفي الأنفال: { وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ } [سورة الأنفال: 39]. فقوله ((حتى لا تكون فتنة)) أي حتى لا يبقى شرك، على أصح التفسيرين، ويدل على صحته قوله بعده ((ويكون الدين لله)) لأن الدين لا يكون كله لله حتى لا يبقى شرك كما ترى، ويوضح ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : " أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله "(1) كما لا يخفى.
والرابع: إطلاق الفتنة على الحجة؛ في قوله تعالى: { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ $sYخn/u' مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) } [سورة الأنعام: 23] أي لم تكن حجتهم، كما قال به بعض أهل العلم.
والأظهر عندي: أن الفتنة في قوله هنا: ((أن تصيبهم فتنة)) أنه من النوع الثالث من الأنواع المذكورة. وأن معناه أن يفتنهم الله - عز وجل - أي يزيدهم ضلالاً بسبب مخالفتهم عن أمره وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
وهذا المعنى تدل عليه آيات كثيرة من كتاب الله تعالى، كقوله جل وعلا: { كَلَّا بَلْ 2 رَانَ عَلَى Nخkح5qè=è% مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) } [سورة المطففين: 14]، وقوله تعالى: { فَلَمَّا (#ûqنî#y- أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } [سورة الصف: 5]، وقوله تعالى { فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مNèdyٹ#u"sù اللَّهُ $ZتuچtB } [سورة البقرة: 10]، وقوله تعالى: { وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ ذكuچ¨B ِNهkّEyٹ#u"sù رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ } [سورة التوبة: 125]، وغيرها.
__________
(1) الحديث أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب ((فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم)). انظر: فتح الباري (1/75). ومسلم في كتاب .الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله. انظر صحيح مسلم بشرح النووي (1/206).(1/75)
والآيات تمثل ذلك كثيرة والعلم عند الله تعالى "(1).
... نخلص من هذا أن الشنقيطي يرى معنى الفتنة في هذه الآية: زيادة الإضلال للمخالفين بسبب مخالفتهم، وهو ما عبّر عنه بعض المفسرين بالطبع على القلوب، وقولهم موافق لما ذهب إليه الشنقيطي.
الموافقون:
1- الطبري: (( أن تصيبهم فتنة من الله أو يصيبهم عذاب أليم فيطبع على قلوبهم فيكفروا بالله ))(2).
2- ابن كثير: " (( أن تصيبهم فتنة )) أي في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة "(3).
3- السيوطي: (( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة )) أن يطبع على قلوبهم "(4).
المخالفون:
وأعني بهم كل من اختار معنى واحداً فقط لبيان المراد بالفتنة في الآية -غير ما رجحه الشنقيطي-، فمنهم:
1- البغوي: " ((أن تصيبهم فتنة)) أي لئلا تصيبهم فتنة، أي بلاء في الدنيا "(5).
2- الزمخشري: " ((فتنة)) محنة في الدنيا "(6).
3- الخازن: " ((أن تصيبهم فتنة )) أي بلاٌ في الدنيا "(7).
4- البيضاوي: " محنة في الدنيا "(8).
5- البقاعي: " ((أن تصيبهم فتنة)) أي: شيء يخالطهم في الدنيا فيحيل أمورهم إلى غير الحالة المحبوبة التي كانوا عليها "(9).
6- السعدي: " ((أن تصيبهم فتنة)) أي شرك وشر "(10).
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (6/252-255).
(2) جامع البيان للطبري (18/135).
(3) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/307).
(4) الدر المنثور للسيوطي (5/61).
(5) مختصر البغوي (2/654).
(6) الكشاف للزمخشري (3/253).
(7) لباب التأويل للخازن (5/76).
(8) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/68).
(9) نظم الدرر للبقاعي (13/326).
(10) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(577).(1/76)
7- سيد قطب: " ((فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم)) وإنه لتحذير مرهوب، وتهديد رهيب... فليحذر الذين يخالفون عن أمره، ويتبعون نهجاً غير نهجه، ويتسللون من الصف ابتغاء منفعة أو اتقاء مضرة. ليحذروا أن تصيبهم فتنة تضطرب فيها المقاييس، وتختل فيها الموازين، وينتكث فيها النظام، فيختلط الحق بالباطل، والطيب بالخبيث، وتفسد أمور الجماعة وحياتها؛ فلا يأمن على نفسه أحد، ولا يقف عند حده أحد، ولا يتميز فيها خير من شر... وهي فترة شقاء للجميع، ((أو يصيبهم عذاب أليم)) في الدنيا أو في الآخرة؛ جزاء المخالفة عن أمر الله، ونهجه الذي ارتضاه للحياة "(1).
... ووجدت عدداً من المفسرين جمعوا عدداً من الأقوال المحتملة في بيان معنى الفتنة في الآية المذكورة دون ترجيح أو تقوية لقول على غيره، فمن هؤلاء: الإمام ابن الجوزي(2)، وأبوحيان(3)، والقرطبي(4)، والنسفي(5)، وابن جزي(6)، والشوكاني(7).
تعقيب الباحث:
... بالنظر في مجمل الأقوال الواردة في بيان معنى الآية يتضح أن اختلاف المفسرين فيها اختلاف في ذكر الأنواع، بمعنى أن بعضهم عبّر عن الفتنة بلفظ عام مثل لفظ: المحنة أو البلاء، بل إن بعضهم صرّح بالعموم، كمن قال إن المراد بالفتنة شيء يخالطهم في الدنيا فيحيل أمروهم إلى غير الحالة المحبوبة(8)، أو من قال إن الفتنة هنا غير مقيّدة بنوع من أنواع الفتن(9).
__________
(1) في ظلال القرآن لسيد قطب (4/2535).
(2) زاد المسير لابن الجوزي (5/379).
(3) البحر المحيط لأبي حيان (8/76).
(4) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/323).
(5) مدارك التنزيل للنسفي (3/120).
(6) التسهيل لابن جزي (3/159).
(7) فتح القدير للشوكاني (4/58).
(8) نظم الدر للبقاعي (13/326).
(9) فتح القدير للشوكاني (4/58).(1/77)
ونجد البعض الآخر يبين معنى الفتنة ببعض أنواع الفتن التي قد تصيب المخالفين لأمر الله - عز وجل - وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - ؛ من طبع على القلوب أو قسوة فيها تؤدي إلى عدم معرفة المعروف من المنكر، أو إسباغ النعم استدراجاً أو الكفر أو القتل أو الفضيحة أو الزلازل والأهوال أو تسليط سلطان جائر أو غير ذلك، وكل هذه من أنواع الفتن التي تصيب المخالفين في الدنيا(1). فيصح بناءً عليه حمل الآية على الجميع.
هذا علماً أن للفظ الفتنة في القرآن إطلاقات عديدة، سبق ذكر بعضها تحت فقرة (ترجيح الشنقيطي)، وينظر للتوسع فيها كتاب: شواهد القرآن(2)، وكتاب: الفتنة وموقف المسلم منه في ضوء القرآن الكريم(3). والله أعلم بالصواب.
- - -
معنى قوله تعالى: { وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا }
13- قوله تعالى: { وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3) } [سورة الفرقان: 3].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- ((ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً)) أي لا دفع ضر، وجلب نفع، فحذف المضاف(4).
2- أن المعنى: لا يقدرون أن يضروا أنفسهم أو ينفعوها بشيء(5).
__________
(1) قد سبق أن ذكرت كلام الإمام أبي حيان أن أقوال المفسرين في بيان معنى الفتنة في هذه الآية خرجت مخرج التمثيل لا الحصر، وهي في الدنيا. البحر المحيط (8/76).
(2) تأليف: أبي تراب الظاهري (1/411-418).
(3) تأليف: عبدالحميد بن عبدالرحمن السحيباني ص(29-34).
(4) مختصر البغوي (2/655)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/3).
(5) أضواء البيان للشنقيطي (6/272)، ولم يرجّحه.(1/78)
3- أن يعود ضمير ((لأنفسهم)) إلى ما عاد إليه ضمير ((واتخذوا)) أي: لا تقدر الأصنام على نفع الذين عبدوهم ولا على ضرهم(1).
ترجيح الشنقيطي:
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- " وقوله تعالى: ((لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً)) أظهر الأقوال فيه أن المعنى لا يملكون لأنفسهم دفع ضرر ولا جلب نفع.
... كما قاله القرطبي(2) وغيره. وغاية ما في هذا التفسير حذف مضاف دل المقام عليه، وهو كثير في القرآن وفي كلام العرب.
وقيل المعنى: لا يقدرون أن يضروا أنفسهم أو ينفعوها بشيء، والأول هو الأظهر "(3).
الموافقون:
جمهور من أئمة التفسير ذهبوا في بيان معنى الآية إلى مثل ما اختاره الشنقيطي؛ من حذف المضاف الذي دل المقام عليه، ويكون عليه المعنى أن الأصنام ونحوها لا يملكون لأنفسهم دفع ضرر ولا جلب نفع، وإليك أقوال بعضهم:
1- الطبري: " ولا تملك لأنفسها نفعاً تجره إليها ولا ضراً تدفعه عنها ممن أرادها بضر "(4).
2- النسفي: " ((ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً)) ولا يستطيعون لأنفسهم دفع ضرر عنها ولا جلب نفع إليها "(5).
3- الزمخشري: " ((ولا يملكون)) أي لا يستطيعون لأنفسهم دفع ضرر عنها أو جلب نفع إليها "(6).
4- ابن الجوزي: " ((ولا يملكون لأنفسهم ضراً)) أي: دفع ضر، ولا جر نفع؛ لأنها جماد لا قدرة لها "(7).
__________
(1) التحرير والتنوير لابن عاشور (19/320) وجوّز هذا المعنى.
(2) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/3).
(3) أضواء البيان للشنقيطي (6/271-272).
(4) جامع البيان للطبري (18/136).
(5) مدارك التنزيل للنسفي (3/121).
(6) الكشاف للزمخشري (3/256).
(7) زاد المسير لابن الجوزي (6/4).(1/79)
5- أبوالسعود: " ((ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً)) لبيان ما لم يدل عليه ما قبله من مراتب عجزهم وضعفهم فإن بعض المخلوقين العاجزين عن الخلق ربما يملك دفع الضر وجلب النفع في الجملة كالحيوان، وهؤلاء لا يقدرون على التصرف في ضرٍ ما ليدفعوه عن أنفسهم، ولا في نفع ما حتى يجلبوه إليهم؛ فكيف يملكون شيئاً منهما لغيرهم. وتقديم ذكر الضر لأن دفعه مع كونه أهم في نفسه أول مراتب النفع وأقدمها "(1).
6- الشوكاني: " ((ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً)) أي لا يقدرون على أن يجلبوا لأنفسهم نفعاً ولا يدفعوا عنها ضرراً. وقدم ذكر الضرر؛ لأن دفعه أهم من جلب النفع، وإذا كانوا بحيث لا يقدرون على الدفع والنفع فيما يتعلق بأنفسهم فكيف يملكون ذلك لمن يعبدهم؟ "(2).
... وممن قال مثل هذا القول الإمام البغوي(3)، وأبوحيان(4)، والبيضاوي(5) والقرطبي(6) والخازن(7) وغيرهم(8).
المخالفون:
... وأعني بهم الذين لم يذكروا في بيان معنى الآية مسألة حذف المضاف، إنما بينوا المعنى بصوره عامة في الضرر والنفع، وقولهم يشبه القول الثاني في مجمل الأقوال التي ذُكرت في بداية المبحث فمنهم:
1- الفخر الرازي: " اعلم أنه سبحانه لما وصف نفسه بصفات الجلال والعزة والعلو أردف ذلك بتتزييف مذهب عبدة الأوثان وبيّن نقصانها من وجوه:...
__________
(1) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/157).
(2) فتح القدير للشوكاني (4/61).
(3) مختصر البغوي (2/655).
(4) البحر المحيط لأبي حبان (8/81).
(5) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/69).
(6) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/3).
(7) لباب التأويل للخازن (5/77).
(8) جلال الدين المحلي في الجلالين ص(300)، وطنطاوي جوهري في الجواهر (12/130).(1/80)
... وثالثها: أنها لا تملك لأنفسها ضراً ولا نفعاً، ومن كان كذلك فهو لا يملك لغيره أيضاً نفعاً، ومن كان كذلك فلا فائدة في عبادته "(1).
2- البقاعي: " ((لا يملكون)) أي: لا يتجدد لهم بوجه من الوجوه أن يملكوا ((لأنفسهم ضراً)) ولذلك قدّمه، ونكّره ليعم. فلما ثبت بذلك أنهم خلقه؛ ولكن كان ربما قال متعنت: إنهم يملكون ذلك ولكنهم يتركونه عمداً؛ لأن أحداً لا يريد ضر نفسه، قال: ((ولا نفعاً)) أي: ولو بالبقاء على حالة واحدة، وعبدتهم يقدرون على ما أراد الله من ذلك على وجه الكسب، فهم أعلى منهم، وعبادة الأعلى لمن دونه ليست من أفعال العقلاء "(2).
3- السعدي: " ((ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً)) أي لا قليلاً ولا كثيراً، لأنه نكرة في سياق النفي فتعم "(3).
4- سيد قطب: " ((ولا يملكون لأنفسهم)) فضلاً عن أن يملكوا لعبّادهم ((ضراً ولا نفعاً)) والذي لا يملك لنفسه النفع قد يسهل عليه الضر. ولكن حتى هذا لا يملكونه. ومن ثمَّ يقدمه في التعبير بوصفه أيسر شيء كان يملكه أحد لنفسه "(4).
... أما القول الثالث وهو المبني على رجوع ضمير ((لأنفسهم)) على نفس مرجع الضمير في ((اتخذوا)) فلم أجد مَنْ رجّحه إطلاقاً، وسيأتي الكلام عنه -إن شاء الله- في التعقيب.
تعقيب الباحث:
... يتضح مما سبق أنه لا خلاف جوهري بين الموافقين والمخالفين في بيان معنى الآية، فكل كلامهم يصب في معنى واحد: وهو عدم قدرة الأصنام على النفع والضر، سواء لنفسها أو لمن يعبدها، فيصح إذاً حمل الآية على ما ذكروه من أقوال؛ لأمور:
__________
(1) التفسير الكبير للفخر الرازي (8/431).
(2) نظم الدرر للبقاعي (13/337).
(3) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(577).
(4) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/2550).(1/81)
1- لدلالة آيات أخرى من كتاب الله - عز وجل - على هذا المعنى، وهذا من تفسير القرآن بالقرآن الذي يعد أعلى درجات التفسير(1). وقد استعرض الشيخ الشنقيطي عدداً من الآيات المؤيدة لمعنى الآية على هذا الوجه؛ قال: " وكونهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، فقد جاء مبيناً في مواضع من كتاب الله، كقوله تعالى: { قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا } [سورة الرعد: 16]، وكقوله تعالى: { أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) } [سورة الأعراف: 191-192]،و من لا ينصر نفسه فهو لا يملك لها ضراً ولا نفعاً، وقوله تعالى: { وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) } [سورة الأعراف: 197]، وقوله تعالى: { وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } [سورة الأعراف:193-195] وفيها الدلالة الواضحة على أنهم لا يملكون لأنفسهم شيئاً، وقوله تعالى: { وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا çnنة)ZtFَ،o" مِنْهُ } [سورة الحج: 73] إلى غير ذلك من الآيات" (2).
__________
(1) شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص(127)، قواعد التفسير الخالد السبت (1/109)، وقواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/312).
(2) أضواء البيان للشنقيطي (6/270).(1/82)
2- أن هذا المعنى هو الظاهر من لفظ الآية بوضوح وبدون تكلف، وقاعدة: عدم العدول عن ظاهر القرآن إلا بدليل، تؤكد هذا الأمر، وهي قاعدة مهمة عند أئمة التفسير(1).
3- رداً على القول الثالث الوارد في مجمل الأقوال؛ أن يكون معنى الآية على رجوع ضمير ((لأنفسهم)) إلى مرجع ضمير ((واتخذوا))، أقول: إن هذا القول ليس بقوي فلقد اجتمعت ثلاث قواعد ترجيحية تردّ عليه وتؤيد القول الراجح، وهي:
أ- قاعدة: إعادة الضمير إلى مذكور أولى من إعادته إلى مقدّر(2)، فإعاده ضمير ((لأنفسهم)) على لفظ ((آلهة)) أولى لأنه مذكور.
ب- قاعدة: توحيد مرجع الضمائر أولى من تفريقها (3)، فإن إعادة ضمير ((لأنفسهم)) إلى ما عاد إليه ضمير ((واتخذوا)) يكون نشازاً بين بقية الضمائر الواردة في الآية والتي ترجع إلى لفظ ((آلهة))، فالأولى أن يتحد مرجع هذا الضمير مع بقية الضمائر.
جـ- قاعدة: إعادة الضمير إلى أقرب مذكور(4)، فإن لفظ ((آلهة)) أقرب إلى ضمير ((لأنفسهم)) من مرجع ((واتخذوا)) الذي لم يرد له ذكر أصلاً.
4- إن رجوع ضمير ((لأنفسهم)) على الآلهة أبلغ لأن المعنى يكون حينئذٍ من باب الأوْلى؛ فإن الذي لا يستطيع نفع نفسه لا ينفع غيره من باب أوْلى. والله أعلم بالصواب.
- - -
معنى قوله تعالى: { ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ }
14- قال تعالى: { انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9) } [سورة الفرقان: 9].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
__________
(1) قواعد التفسير لخالد السبت (2/843)، وقواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/137).
(2) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (2/593).
(3) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (1/509)، وقواعد التفسير لخالد السبت (1/414)، وقواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (2/613).
(4) الإتقان للسيوطي (1/508)، وقواعد الترجيح لحسين الحربي (2/621).(1/83)
1- ((انظر كيف ضربوا لك الأمثال)) أي جاءوا بما يقذفوا به النبي - صلى الله عليه وسلم - ويكذبوا به عليه من قولهم ساحر مسحور مجنون كذاب شاعر كاهن(1) وغيرها.
2- ((ضربوا لك الأمثال)) أي قالوا تلك الأقوال واخترعوا تلك الصفات والأحوال النادرة من نبوة مشتركة بين إنسان وملك، وإلقاء كنز عليه من السماء وحاجته إلى الغذاء(2)، ونحو ذلك.
ترجيح الشنقيطي
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " ذكر -جل وعلا- في هذه الآية الكريمة: أن الظالمين وهم الكفار قالوا للذين اتبعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - { إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا } [سورة الفرقان: 8] يعنون: أنه أثر فيه السحر فاختلط عقله فالتبس عليه أمره، وقال مجاهد ((مسحوراً)) أي مخدوعاً؛ كقوله: { فَأَنَّى تُسْحَرُونَ } [سورة المؤمنون: 89] أي من أين تخدعون. وقال بعضهم: ((مسحوراً)) أي له سحر أي رئة وقهر لا يستغني عن الطعام والشراب،فهو بشر مثلكم وليس بملك، ولما ذكر الله هذا الذي قاله الكفار في نبيه - صلى الله عليه وسلم - من الإفك والبهتان خاطب نبيه - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا)).
قال الزمخشري: " ضربوا لك الأمثال: قالوا فيك تلك الأقوال واقترحوا لك تلك الصفات والأحوال النادرة من نبوة مشتركة بين إنسان وملك وإلقاء كنز عليك من السماء وغير ذلك "(3).
__________
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/310)، أضواء البيان للشنقيطي (6/284).
(2) الكشاف للزمخشري (3/259)، نظم الدرر للبقاعي (13/346).
(3) الكشاف للزمخشري (3/259).(1/84)
والأظهر عندي في معنى الآية ما قاله غير واحد من أن معنى ((ضربوا لك الأمثال)) أنهم تارة يقولون إنك ساحر، وتارة مسحور، وتارة مجنون، وتارة شاعر، وتارة كاهن، وتارة كذاب، ومن ذلك ما ذكره الله - عز وجل - عنهم من قوله هنا: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ } [سورة الفرقان: 4]، وقوله: { وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ } [سورة الفرقان: 5] { وَقَالَ ڑcqكJد="©à9$# إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا } [سورة الفرقان: 8].
وقوله تعالى: ((فضلوا)) أي عن طريق الحق؛ لأن الأقوال التي قالوها والأمثال التي ضربوها كلها كذب وافتراء وكفر مخلد في نار جهنم، فالذين قالوها هم أضل الضالين "(1).
أقوال المفسرين:
لقد تداخلت أقوال المفسرين في بيان معنى هذه الآية، فنجد أن بعضهم يذكر بعض المعاني، وآخرين يذكرون معانٍ أخرى وغير هؤلاء وهؤلاء يذكرون من هذه المعاني ومن هذه المعاني، لذلك كان من الصعب تقسيمهم إلى موافقين ومخالفين، وإنما سأستعرض أقوال عدد من المفسرين ليتبين للقارئ تداخل المعاني ويكون التعقيب بعد ذلك. فمن أقوال المفسرين في الآية:
1- الطبري، قال: " ((انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا)) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - انظر يا محمد إلى هؤلاء المشركين الذين شبهوا لك الأشباه بقولهم لك هو مسحور، فضلوا بذلك عن قصد السبيل وأخطأوا طريق الهدى والرشاد "(2).
2- النسفي، قال: " ((لك الأمثال)) الأشباه أي قالوا فيك تلك الأقوال واخترعوا لك تلك الصفات والأحوال من المفتري والمملى عليه والمسحور "(3).
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (6/284-285) بتصرف.
(2) جامع البيان للطبري (18/139).
(3) مدارك التنزيل للنسفي (3/122).(1/85)
3- أبوحيان -بعد أن ذكر الآية- قال: " أي قالوا فيك تلك الأقوال واخترعوا لك تلك الصفات والأحوال النادرة من نبوة مشتركة بين إنسان وملك وإلقاء كنز عليك، وغير ذلك "(1).
4- ابن كثير، قال: -بعد أن ذكر الآية-: " أي جاءوا بما يقذفونك به ويكذبون به عليك من قولهم: ساحر، مسحور، مجنون، كذاب، شاعر، وكلها أقوال باطلة. كل أحد ممن له أدنى فهم وعقل يعرف كذبهم وافتراءهم على ذلك "(2).
5- البيضاوي، قال: " ((انظر كيف ضربوا لك الأمثال)) أي قالوا فيك الأقوال الشاذة، واخترعوا لك الأحوال النادرة "(3).
6- البقاعي، قال: " ((لك الأمثال)) فجعلوك تارة مثلهم في الاحتياج إلى الغذاء، وتارة نظيرهم في التوسل إلى التوصل إلى الأرباح والفوائد بلطيف الحيلة وغزير العقل، وتارة مغلوب العقل مختلط المزاج تأتي بما لا يرضى به عاقل، وتارة ساحراً تأتي بما يعجز عنه قواحم، وتحير منه أفكارهم "(4).
7- الشوكاني، قال: " ((انظر كيف ضربوا لك الأمثال)) ليتوصلوا بها إلى تكذيبك، والأمثال هي: الأقوال النادرة والاقتراحات الغريبة، وهي ما ذكروه هاهنا "(5).
__________
(1) البحر المحيط لأبي حيان (8/85).
(2) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/310).
(3) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/69).
(4) نظم الدرر للبقاعي (13/346).
(5) فتح القدير للشوكاني (4/63).(1/86)
... يقصد الآيات السابقة، من الآية 4 إلى الآية 8، وهي قوله تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6) وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8) } [سورة الفرقان: 4-8].
8- السعدي، قال: " ((انظر كيف ضربوا لك الأمثال)) وهي: هل كان مَلَكاً، وزالت عنه خصائص البشر؟ أو معه ملك؛ لأنه غير قادر على ما قال، أو أنزل عليه كنز، أو جعلت له جنة تغنيه عن المشي في الأسواق أو أنه كان مسحوراً "(1).
9- سيد قطب، قال: " ((انظر كيف ضربوا لك الأمثال)) وشبهوك بالمسحورين مرة، واتهموك بالتزوير مرة، ومثلوك برواة الأساطير مرة.. وكله ضلال وبعد عن الحق "(2).
... وغير هؤلاء من الأئمة قالوا (3) في معنى الآية أقوالاً لا تخرج عن ما سبق ذكره.
تعقيب الباحث:
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن للسعدي (579).
(2) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/2554).
(3) كالإمام ابن الجوزي في زاد المسير (6/5)، والإمام ابن جزي في التسهيل (3/162).(1/87)
... الذي يظهر -والله أعلم- صحة حمل الآية على جميع المعاني الواردة عن المفسرين، وأن كل واحد منهم قد ذكر جانباً من المعاني المحتملة في الآية، فإن سياق الآيات يدل على بعض الأمثال والتشبيهات التي شبه بها الكفار النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد ذكر الله - عز وجل - في الآيات القريبة أن الكفار قالوا -زوراً وبهتانا- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عدداً من الأقوال، وهي:
1- أنه افترى القرآن.
2- أنه قد أعانه قوم آخرون على هذا الافتراء.
3- أنه يأتي بأساطير الأولين ويلقيها عليهم.
4- إنهم قالوا لماذا يأكل الطعام مثلنا، فالرسول يجب أن يكون مَلَكاً.
5- وإن لم يكن ملكاً فلينزل معه مَلَك يساعده.
6- إن هذا الرسول يمشي في الأسواق ويطلب المعيشة مثلنا.
7- فحتى يكون رسولاً لابد أن يكون متميزاً عنا بأن يلقى إليه كنز.
8- أو تكون له جنة يأكل منها ويستغني عن المشي في الأسواق.
9- وقالوا عنه أيضاً إنه مسحور.(1/88)
... ثم ختم تلك الأقوال بأن قال -جل وعلا-: ((انظر كيف ضربوا لكل الأمثال)) يعني أن ما سبق ذكره من التشبيهات على سبيل المثال، وإلا فإن في جعبتهم من الكذب والافتراء عليك غير ذلك كثير، من ذلك ما ذكره الله - عز وجل - عنهم في غير هذا الموضع من أنهم قالوا عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه ساحر، وكذاب(1)، وكاهن ومجنون (2)، وشاعر(3) ونحوها.
... وعلى هذا فلا مانع من حمل الآية على جميع المعاني التي ذكرها أئمة التفسير. والله أعلم بالصواب.
- - -
معنى قوله تعالى: { فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا }
15- قوله تعالى: { وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9) } [سورة الفرقان: 8-9].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
__________
(1) في قوله تعالى: { قَالَ الْكَافِرُونَ إِن هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ } [سورة يونس: 2]، وقوله { وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ } [سورة ص: 4]..
(2) وقد ردّ الله - عز وجل - على الكفار بأن قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : { فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29) } [سورة الطور: 29]، وقال: { وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) } [سورة الحاقة: 42].
(3) في قوله تعالى: { قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ ضچدم$x©... } [سورة الأنبياء: 5]، وقوله: { وَيَقُولُونَ $¨Zح r& لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) } [سورة الصافات: 36]، وقوله: { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) } [سورة الطور: 30]، وقوله: { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) } [سورة الحاقة: 41].(1/89)
1- ((فلا يستطيعون سبيلاً)): أي طريقاً إلى الحق والصواب والهدى(1).
2- ((فلا يستطيعون سبيلاً)) فلا يجدون في أمرك حيلة يقدحوا في نبوتك(2).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " قوله تعالى: ((فلا يستطيعون سبيلاً)) فيه أقوال متقاربة، وأظهرها: أن معنى: فلا يستطيعون سبيلاً: أي طريقاً إلى الحق والصواب. ونفى الاستطاعة المذكورة هنا كقوله تعالى: { مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ } [سورة هود: 20]، وقوله تعالى: { الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101) } [سورة الكهف: 101] "(3).
الموافقون:
... اختار القول الذي ذهب إليه الشنقيطي عدد من أئمة التفسير؛ منهم:
1- الطبري " ((فلا يستطيعون)) يقول فلا يجدون سبيلاً إلى الحق إلا فيما بعثتك به ومن الوجه الذي ضلوا عنه "(4).
2- البغوي: " ((فضلوا)) عن الحق ((فلا يستطيعون سبيلاً)) إلى الهدى ومخرجاً عن الضلالة "(5).
3- النسفي: " ((فضلوا)) عن الحق ((فلا يستطيعون سبيلاً)) فلا يجدون طريقاً إليه "(6).
4- ابن عطية " أي: أخطئوا الطريق فلا يجدون سبيلاً لهداية، ولا يطيقونه لالتباسهم بضده من الضلال "(7).
5- ابن جزي: " ((فلا يستطيعون سبيلاً)) أي لا يقدرون على الوصول إلى الحق لبعدهم عنه وإفراط جهلهم "(8).
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (6/285)، جامع البيان للطبري (18/139)، مختصر البغوي
(2/656).
(2) معاني القرآن للفراء (2/263)، أنوار التنزيل للبيضاوي (2/69)، فتح القدير للشوكاني
(4/63).
(3) أضواء البيان للشنقيطي (6/285).
(4) جامع البيان للطبري (18/139).
(5) مختصر البغوي (2/656).
(6) مدارك التنزيل للنسفي (3/122).
(7) المحرر الوجيز لابن عطية (11/8).
(8) التسهيل لابن جزي (3/162).(1/90)
6- البقاعي: " ((فضلوا)) أي عن جميع طرق العدل وسائر أنحاء البيان بسبب ذلك فلم يجدوا قولاً يستقرون عليه وأبعدوا جداً. ((فلا يستطيعون)) في الحال ولا في المآل بسبب هذا الضلال ((سبيلاً)) أي سلوك سبيل من السبل الموصلة إلى ما يستحق أن يقصد. بل هم في مجاهل موحشة، وفيافي مهلكة "(1).
7- سيد قطب: " ضلوا عن كل طريق للحق، وكل سبيل للهدى "(2).
المخالفون:
... قلة من المفسرين اختاروا القول المخالف، منهم:
1- الفراء: " ((فلا يستطيعون سبيلاً)) يقول: لا يستطيعون في أمرك حيلة "(3).
2- الشوكاني: " ((فلا يستطيعون سبيلاً)) أي لا يجدون إلى القدح في نبوة هذا النبي - صلى الله عليه وسلم - طريقاً من الطرق "(4).
تعقيب الباحث:
__________
(1) نظم الدرر للبقاعي (13/347).
(2) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/2554).
(3) معاني القرآن للفراء (2/263).
... وهو: أبوزكريا ياحيى بن زياد عبدالله الأسدي الفراء، كان ثقة، بحراً في النحو، عارفاً بالفقه، خبيراً بالطب، وبأيام العرب، وغيرها من العلوم. توفي سنة (207هـ). نزهة الفضلاء (2/745).
(4) فتح القدير للشوكاني (4/63).(1/91)
... الذي يظهر -والله أعلم- صحة حمل الآية على جميع المعاني الواردة عن المفسرين سواء قالوا ((فلا يستطيعون سبيلاً)) أي طريقاً إلى الحق والصواب أو كان المعنى لا يجدون في أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - حيلة يقدحوا بها في نبوته - صلى الله عليه وسلم - ، فإن سياق الآيات محتمل لها. والله - عز وجل - بعد أن ذكر أن الكفار قالوا تلك الأحوال العجيبة والصفات الغريبة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، في قوله تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6) وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9) } [سورة الفرقان: 4-9]. ختم الحديث بقوله: ((فلا يستطيعون سبيلا)) أي لن يستطيعوا الوصول إلى طريق الحق والصواب ما داموا على منهجهم ذلك في الكفر، أو لا يستطيعوا أن يجدوا وسيلة يقدحوا بها في نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - مهما حالوا واخترعوا. وقاعدة دلالة السياق من القواعد المهمة في تفسير كلام الله - عز وجل - (1).
__________
(1) قواعد التفسير لخالد السبت (1/249)، قواعد الترجيح عند المفسرين (1/125).(1/92)
... وإن اختلفت أقوال المفسرين فهو اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد(1)، وعليه فالأولى " حمل الآية على جميع الأقوال الواردة "(2). والله أعلم بالصواب.
- - -
معنى قوله تعالى: { سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا }
16- قوله تعالى: { إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12) } [سورة الفرقان: 12].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن المراد بقوله تعالى: ((سمعوا لها تغيظاً)) أنهم يسمعون صوت غليان النار من شدة غيظها على الكفار(3).
2- أو يكون المراد أنهم يسمعون صوت زبانية النار، فنسب إلى النار على حذف المضاف(4).
3- أو أن الذي يُسمع هو تغيظ المعذبين وزفيرهم(5).
4- أو يكون المقصود بسماع التغيظ رؤيته وعلمه(6).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " ذكر -جل وعلا- في هذه الآية الكريمة: أن النار يوم القيامة، إذا رأت الكفار من مكان بعيد، أي في عرصات المحشر اشتد غيظها على من كفر بربها وعلا زفيرها، فسمع الكفار صوتها من شدة غيظها وسمعوا زفيرها.
وما ذكره -جل وعلا- في هذه الآية الكريمة بيّن بعضه في سورة الملك، فأوضح فيها شدة غيظها على من كفر بربها، وأنهم يسمعون لها أيضاً شهيقاً مع الزفير الذي ذكره في آية الفرقان هذه، وذلك في قوله تعالى: { إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ } [سورة الملك: 7-8] أي: يكاد بعضها ينفصل عن بعض من شدة غيظها على من كفر بالله تعالى.
__________
(1) شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص(29).
(2) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/69)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/6).
(3) معاني القرآن وإعرابه للزجاج (4/59).
(4) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/70).
(5) زاد المسير لابن الجوزي (6/6).
(6) تفسير الجلالين ص (310).(1/93)
والأظهر أن معنى قوله تعالى ((سمعوا لها تغيظاً)) أي: سمعوا غليانها من شدة غيظها، ولما كان سبب الغليان التغيظ أطلقه عليه، وذلك أسلوب عربي معروف(1). وقال بعض أهل العلم: سمعوا لها تغيظاً أي أدركوه، والإدراك يشمل الرؤية والسمع، وعلى هذا فالسمع مضمن معنى الإدراك، وما ذكرنا أظهر "(2).
الموافقون:
جمهور من المفسرين ذهبوا في بيان معنى الآية إلى مثل ما ذهب إليه الشنقيطي، ومنهم:
1- الإمام الطبري: " ((إذا رأتهم من مكان بعيد)) يقول: إذا رأت هذه النار التي اعتدناها لهؤلاء المكذبين أشخاصهم من مكان بعيد تغيظت عليهم، وذلك أن تغلي وتفور، يقال: فلان تغيظ على فلان وذلك إذ غضب عليه فغلى صدره من الغضب عليه وتبين في كلامه، وزفيراً وهو صوتها. فإن قال قائل: وكيف قيل سمعوا لها تغيظاً والتغيظ لا يسمع، قيل: معنى ذلك سمعوا لها صوت التغيظ من التلهب والتوقد "(3).
2- ابن عطية: " وقوله تعالى: ((سمعوا لها تغيظاً وزفيراً)) لفظ فيه تجوّز، وذلك أن التغيظ لا يسمع، وإنما المسموع أصوات دالة على التغيظ، وهي ولا شك احتدامات في النار كالذي يسمع في نار الدنيا، فَنِسْبَةُ هذا المسموع الذي في الدنيا من ذلك نسبة الإحراق من الإحراق هي سبعون درجة كما ورد في الصحيح "(4).
3- القرطبي: " ((سمعوا لها تغيظاً وزفيراً)) قيل: المعنى إذا رأتهم جهنم سمعوا لها صوت التغيظ عليهم. وقيل: المعنى إذا رأتهم خزّانها سمعوا لهم تغيظاً وزفيراً حرصاً على عذابهم. والأول أصح "(5).
__________
(1) وهي إحدى علاقات المجاز المرسل؛ تسمية الشيء باسم سبب له. انظر: عقود الجمان في المعاني والبيان للسيوطي (2/44).
(2) أضواء البيان للشنقيطي (6/288).
(3) جامع البيان للطبري (18/140).
(4) المحرر الوجيز لابن عطية (11/11).
(5) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/7).(1/94)
4- البقاعي: " ((سمعوا لها)) أي: خاصة ((تغيظاً)) أي صوتاً في غليانها وفورانها كصوت المتغيظ في تحرقه ونكارته إذا غلا صدره من الغضب "(1).
5- الشوكاني: " ومعنى التغيظ: أن لها صوتاً يدل على التغيظ على الكفار أو لغليانها صوتاً يشبه صوت المغتاظ. والزفير: هو الصوت الذي يسمع من الجوف. قال الزجاج(2): المراد سماع ما يدل على الغيظ وهو الصوت، أي سمعوا لها صوتاً يشبه صوت المتغيظ "(3).
6- طنطاوي جوهري: " ((سمعوا لها تغيظاً وزفيرا)) أي سمعوا صوت غليانها كأنه صوت المتغيظ والزافر "(4).
7- سيد قطب: " ونحن هنا أمام مشهد السعير المتسعرة، وقد دبّت فيها الحياة! فإذا هي تنظر فترى أولئك المكذبين بالساعة. تراهم من بعيد، فإذا هي تتغيظ وتزفر فيسمعون زفيرها وتغيظها؛ وهي تتحرق عليهم وتصعد الزفرات غيظاً منهم؛ وهي تتميز من النقمة، وهم إليها في الطريق!.. مشهد رعيب يزلزل الأقدام والقلوب "(5).
8- ابن عاشور: " والتغيظ: شدة الغيظ. والغيظ: الغضب الشديد. فصيغة التفعل هنا الموضوعة في الأصل لتكلف الفعل مستعملة مجازاً في قوّته؛ لأن المتكلف لفعل يأتي به كأشد ما يكون. والمراد به هنا صوت المتغيظ، بقرينة تعلقه بفعل ((سمعوا)) فهو تشبيه بليغ.
... والزفير: امتداد النفس من شدة الغيظ وضيق الصدر، أي صوتاً كالزفير فهو تشبيه بليغ أيضاً.
__________
(1) نظم الدرر للبقاعي (13/354).
(2) معاني القرآن وإعرابه للزجاج (4/59).
(3) فتح القدير للشوكاني (4/64).
(4) تفسير الجواهر لطنطاوي جوهري (12/131).
(5) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/2555).(1/95)
ويجوز أن يكون الله قد خلق لجهنم إدراكاً للمرئيات بحيث تشتد أحوالها عند انطباع المرئيات فيها فتضطرب وتفيض وتتهيأ لالتهام بعثها فتحصل منها أصوات التغيظ والزفير، فيكون إسناد الرؤية والتغيظ والزفير حقيقة، وأمور العالم الأخرى لا تقاس على الأحوال المتعارفة في الدنيا "(1).
وذهب إلى مثل ذلك أيضاً كل من الإمام الفراء(2)، والبغوي(3)، والزمخشري(4)، وابن كثير(5)، والسعدي(6).
ولم أجد أحداً رجّح قولاً آخر، وإنما يذكرون أكثر من قول عند تفسيرهم للآية، مع ملاحظة أن أول قول يذكرونه هو القول الراجح لدى الشنقيطي ومن وافقه، وسأذكر كلام بعضهم وأشير إلى البقية اختصاراً، وهم على النحو الآتي:
أ- منهم مَنْ ذكر القول الأول والثاني من الأقوال الواردة في مجمل الأقوال، كالإمام أبي حيان(7)، والبيضاوي(8)، وأبي السعود(9)، وإليك -مثلاً- كلام النسفي حيث قال: " ((سمعوا لها تغيظاً وزفيرا)) أي سمعوا صوت غليانها، وشبه ذلك بصوت المتغيظ والزافر، أو إذا رأتهم زبانيتها تغيظوا وزفروا غضباً على الكفار "(10).
ب- منهم من ذكر القول الأول والثالث من مجمل الأقوال، كالإمام ابن الجوزي حيث قال: " قوله تعالى: ((سمعوا لها تغيظاً)) فيه قولان:
أحدهما: غليان تغيظ. قال المفسرون: والمعنى أنها تتغيظ عليهم، فيسمعون صوت تغيظها وزفيرها كالغضبان إذا غلى صدره من الغيظ.
__________
(1) التحرير والتنوير لابن عاشور (18/333).
(2) معاني القرآن للفراء (2/263).
(3) مختصر البغوي (2/656).
(4) الكشاف للزمخشري (3/260).
(5) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/310).
(6) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(579).
(7) البحر المحيط لأبي حيان (8/87).
(8) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/70).
(9) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/162).
(10) مدارك التنزيل للنسفي (3/123).(1/96)
والثاني: يسمعون فيها تغيظ المعذبين وزفيرهم "(1).
جـ- ومنهم من ذكر القول الأول والرابع كالإمام المحلي، قال: " ((سمعوا لها تغيظاً)) غلياناً كالغضبان إذا غلى صدره من الغضب. ((وزفيراً)) صوتاً شديداً. أو سماع التغيظ رؤيته وعلمه "(2).
تعقيب الباحث:
... يظهر لي -والله أعلم- أن الراجح في بيان معنى الآية هو ما ذهب إليه الشنقيطي ومن وافقه، من أن الذي يسمعه الكفار هو صوت النار -والعياذ بالله- وذلك لأمور:
1- سياق الآية يدل عليه، فإن التاء في ((رأتهم)) والهاء في (لها) عائدة على السعير، ولو كان المراد صوت الزبانية لاختلفت الضمائر.
2- وجود آيات من القرآن الكريم تؤيد القول الراجح وهي الآيات التي في سورة الملك، وقد ذكرت أثناء كلام الشيخ الشنقيطي في ترجيحه.
3- إجماع المفسرين المتقدمين والمتأخرين على هذا المعنى الراجح.
4- عدم وجود مرجح لقول آخر، بل ومن ذكر أكثر من قول يبدأ بذكر القول الراجح -لدى الشنقيطي كما سبقت الإشارة إلى ذلك- والله أعلم بالصواب.
- - -
معنى { tûüدRچs)-B }
17- قوله تعالى: { وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا tûüدRچs)-B دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) } [سورة الفرقان: 13].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن معنى ((مقرنين)): الكفار يقرن -أي يربط- بعضهم إلى بعض في الأصفاد والسلاسل(3).
2- أن كل كافر يقرن هو وشيطانه(4).
3- أن يكون المعنى: قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال وأرجلهم في السلاسل(5).
4- أن ((مقرنين)) معناه: مكتّفين(6).
ترجيح الشنقيطي:
__________
(1) زاد المسير لابن الجوزي (6/6).
(2) تفسير الجلالين ص(301).
(3) المحرر الوجيز لابن عطية (11/12)، أضواء البيان للشنقيطي (6/291).
(4) زاد المسير لابن الجوزي (6/6).
(5) جامع البيان للطبري (18/140)، مدارك التنزيل للنسفي (3/123).
(6) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/8)، حكاه عن أبي صالح.(1/97)
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة ((مقرنين)) أي في الأصفاد بدليل قوله تعالى: { "uچs?ur tûüدBحچôfكJّ9$# يَوْمَئِذٍ tûüدRچs)-B فِي الْأَصْفَادِ (49) } [سورة إبراهيم: 49] والأصفاد القيود.
... والأظهر أن معنى ((مقرنين)) أن الكفار يقرن بعضهم إلى بعض في الأصفاد والسلاسل، وقال بعض أهل العلم: كل كافر يقرن هو وشيطانه، وقد قال تعالى:
{ #س®Lxm إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ سة_ّٹt/ وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ }ّOخ7sù كûïحچs)ّ9$# (38) } [سورة الزخرف: 38].
وهذا أظهر من قول من قال: مقرنين مكتفين، ومن قول من قال: مقرنين أي قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال "(1).
إذاً يلاحظ أن الشنقيطي رجح قولان يحتملان الآية وهما: أن الكفار يقرن بعضهم إلى بعض في الأصفاد، أو أن كل كافر يقرن هو وشيطانه، وحسب الترتيب الذي ذكرته في مجمل الأقوال فهما القولان الأولان.
الموافقون:
وأعني بهم كل من ذكر أحد القولين الأولَين اللذين ذكرهما الشنقيطي في بيان معنى الآية؛ ومنهم:
1- الإمام ابن عطية: " ومعنى ((مقرّنين)) مربوط بعضهم إلى بعض، وروي أن ذلك بسلاسل من نار "(2).
2- وبنفس لفظ ابن عطية قال ابن جزي(3).
3- ابن الجوزي -بعد ذكر الآية- قال: " وهم قد قرنوا مع الشياطين "(4).
4- وبلفظ مقارب له قال طنطاوي جوهري(5).
5- السعدي: " ((وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً مقرنين)) أي: وقت عذابهم، وهم في وسطها، جمع في مكان بين ضيق المكان، وتزاحم السكان وتقرينهم بالسلاسل والأغلال "(6).
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (6/291).
(2) المحرر الوجيز لابن عطية (11/12).
(3) التسهيل لابن جزي (13/163).
(4) زاد المسير لابن الجوزي (6/6).
(5) تفسير الجواهر لطنطاوي جوهري (12/131).
(6) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(579).(1/98)
6- ابن عاشور: " ((مقرّنين)) حال من ضمير ((ألقوا)) أي مقرناً بعضهم في بعض كحال الأسرى والمساجين أن يقرن عدد منهم في وثاق واحد، كما قال تعالى: { tûïحچyz#uنur مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) } [سورة ص: 38]. والمقرّن: المقرون، صيغت له مادة التفعيل للإشارة إلى شدة القرن "(1).
المخالفون:
... قلة من المفسرين اختاروا أحد الأقوال الأخرى في بيان معنى الآية -سوى ما اختاره الشنقيطي- منهم:
1- الإمام الطبري: " ((وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً مقرنين دعوا هنالك بثوراً)) يقول تعالى ذكره وإذا ألقي هؤلاء المكذبون بالساعة من النار مكاناً ضيقاً قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال دعوا هنالك ثبوراً "(2).
2- المحلّي: " ((مقرنين)) مصفدين قد قرنت أي جمعت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال والتشديد للتكثير "(3).
3- البيضاوي: " ((مقرنين)) قرنت أيديهم إلى أعناقهم بالسلاسل "(4).
4- سيد قطب: " ثم ها هم أولاء قد وصلوا. فلم يتركوا لهذا الغول طلقاء. يصارعونها فتصرعهم. ويتحامونها فتغلبهم. بل ألقوا إليها إلقاء. ألقوا مقرنين، قد قرنت أيديهم إلى أرجلهم في السلاسل "(5).
ومع قلة الموافقين وقلة المخالفين فإن الأغلب الأعم من المفسرين يذكرون أكثر من قول عند تفسيرهم الآية ولا يمكن تصنيفهم (موافقين - مخالفين) حيث إن الأقوال لتتداخل مع بعضها، وإليكم بعض ما قالوه:
1- الإمام البغوي: " ((مقرنين)) مصفدين قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال. وقيل: مقرنين مع الشياطين في السلاسل "(6).
__________
(1) التحرير والتنوير لابن عاشور (18/334).
(2) جامع البيان للطبري (18/140).
(3) تفسير الجلالين ص(301).
(4) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/70).
(5) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/2555).
(6) مختصر البغوي (2/656).(1/99)
2-3-4-5-6-7-8-9- وبعبارة مشابهة لما قاله البغوي قال كل من: النسفي(1) والزمخشري(2) والنيسابوري(3) والفخر الرازي(4) والخازن(5) وأبوحيان(6) والبقاعي(7) وأبوالسعود(8).
10- الإمام القرطبي: " ومعنى ((مقرّنين)) مُكَتّفِين. وقيل: مصفدين قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال. وقيل: قرنوا مع الشياطين؛ أي قرن كل واحد منهم إلى شيطانه "(9).
11- وبمثل ما ذكره القرطبي قال الشوكاني(10).
تعقيب الباحث:
... من خلال استعراض ما قاله المفسرون في بيان معنى ((مقرنين)) يظهر لي
-والله أعلم- صحة حمل الآية على جميع المعاني المذكورة حيث إن بعض المعاني يشبه ويتداخل بشدة مع بعض المعاني الأخرى فإن القول الرابع (مكتفين) يشبه جداً القول الثالث (قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال وأرجلهم في السلاسل) فإن هذا التقرين من أنواع التكتيف، ثم إن كل معنى من المعاني له مؤيد من آيات القرآن الكريم:
فالقول الأول: أن الكفار يربط بعضهم إلى بعض في الأصفاد والسلاسل؛ يدل عليه قوله تعالى: { "uچs?ur tûüدBحچôfكJّ9$# يَوْمَئِذٍ tûüدRچs)-B فِي الْأَصْفَادِ (49) } [سورة إبراهيم: 49].
والقول الثاني: أن كل كافر يقرن هو وشيطانه، يدل عليه قوله تعالى: { يَا لَيْتَ سة_ّٹt/ وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ }ّOخ7sù كûïحچs)ّ9$# } [سورة ص: 38].
__________
(1) مدارك التنزيل للنسفي (3/123).
(2) الكشاف للزمخشري (3/260).
(3) إيجاز البيان للنيسابوري (2/76).
(4) التفسير الكبير للفخر الرازي (8/438).
(5) لباب التأويل للخازن (5/78).
(6) البحر المحيط لأبي حيان (8/87).
(7) نظم الدرر للبقاعي (13/354).
(8) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/163).
(9) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/8).
(10) فتح القدير للشوكاني (4/64).(1/100)
... وكون آيات من القرآن تدل على معنى آية؛ تفسير للقرآن بالقرآن الذي هو أحسن أنواع التفسير(1).
أضف إلى ذلك كون جمهور من المفسرين ربطوا بين عدد من المعاني سواء صرحوا بذكر الآيات التي استندوا عليها أم لم يصرحوا، وقد سبقت الإشارة إلى عدد كبير من المفسرين الذين لم يرجّحوا أحد الأقوال وإنما اعتبروها كلها أو بعضها تصح بياناً لمعنى الآية. والله أعلم بالصواب.
- - -
مرجع الإشارة في قوله تعالى: { قُلْ y7د9¨sŒr& يژِچyz أَمْ جَنَّةُ د$ù#èƒù:$# }
18- قوله: { قُلْ y7د9¨sŒr& يژِچyz أَمْ جَنَّةُ د$ù#èƒù:$# الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ [ن!#u"y_ #[ژچإءtBur (15) } [سورة الفرقان: 15].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن الإشارة في قوله ((أذلك)) راجعة إلى النار وما يلقاه الكفار فيها من أنواع العذاب(2).
2- أن الإشارة راجعة إلى الكنز والجنة(3) في قوله تعالى: { أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ } [سورة الفرقان: 8].
3- أن الإشارة راجعة إلى الجنات والقصور المعلقة على المشيئة(4) في قوله تعالى: { تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ #[ژِچyz مِنْ y7د9¨sŒ جَنَّاتٍ "حچّgrB مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (10) } [سورة الفرقان: 10].
ترجيح الشنقيطي:
__________
(1) شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص(127)، وقواعد التفسير لخالد السبت (1/109).
(2) جامع البيان للطبري (18/141)، نظم الدرر للبقاعي (3/355).
(3) أضواء البيان للشنقيطي (6/294)، ذكره ولم ينسبه لأحد.
(4) المرجع السابق.(1/101)
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " التحقيق أن الإشارة في قوله ((أذلك )) راجعة إلى النار وما يلقاه الكفار فيها من أنواع العذاب؛ بما ذكره جل وعلا بقوله: { بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ #¶ژچدèy™ (11) إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ Ob%s3¨B بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا #[ژچدùy-ur (12) وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا tûüدRچs)-B دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا #Y‰دn¨ur (#qممôٹ$#ur ثُبُورًا #[ژچدVں2 (14) } [سورة الفرقان: 11-14]، وغير هذا من الأقوال لا يعول عليه، كقول من قال: إن الإشارة راجعة إلى الكنز والجنة في قوله تعالى: { أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ } [سورة الفرقان: 8]، وكقول من قال إنها راجعة إلى الجنات والقصور المعلقة على المشيئة في قوله تعالى: { تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ #[ژِچyz مِنْ y7د9¨sŒ جَنَّاتٍ "حچّgrB مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (10) } [سورة الفرقان: 10].
... والتحقيق إن شاء الله تعالى: أنه لما ذكر شدة عذاب النار وفظاعته؛ قال: أذلك العذاب خير أم جنة الخلد.(1/102)
... وهذا المعنى الذي تضمنته هذه الآية الكريمة جاء أيضاً في غير هذا الموضع؛ كقوله تعالى في سورة الصافات: { إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61) y7د9¨sŒr& ضژِچyz نُزُلًا أَمْ نouچyfx© الزَّقُّومِ (62) إِنَّا $yg"sYù=yèy_ فِتْنَةً tûüدJد="©à=دj9 (63) إِنَّهَا ×ouچyfx© تَخْرُجُ فِي أَصْلِ ةOٹإspgù:$# (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) ِNهk®Xخ*sù لَآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى ثLىإspgù:$# (68) ِNهk®Xخ) أَلْفَوْا آَبَاءَهُمْ tû,دk!!$|ت (69) فَهُمْ عَلَى ِNدdحچ"rO#uن tbqممuچ÷kç‰ (70) } [سورة الصافات: 60-70]، وكقوله تعالى:
{ أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ يژِچyz أَمْ مَنْ 'دAù'tƒ آَمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ } [سورة فصلت: 40] "(1).
فالشيخ الشنقيطي إذاً يرجح أن الإشارة في قوله تعالى ((أذلك)) راجعة إلى النار وما يلقاه الكفار فيها من العذاب الشديد.
الموافقون:
... جمهور المفسرين ذهبوا في بيان مرجع الإشارة إلى مثل ما ذهب إليه الشيخ الشنقيطي؛ منهم:
1- الإمام البغوي: " ((قل أذلك)) يعني الذي ذكرته من صفة النار وأهلها "(2).
2- النسفي: " ((قل أذلك خير)) أي المذكور من صفة النار خير ((أم جنة الخلد التي وعد المتقون)) "(3).
3- ابن عطية، قال: " والأصح أن الإشارة بقوله: ((ذلك)) إلى النار "(4).
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (6/294-296).
(2) مختصر البغوي (2/656).
(3) مدارك التنزيل للنسفي (3/123).
(4) المحرر الوجيز لابن عطية (11/15).(1/103)
4- ابن الجوزي: " قوله تعالى ((قل أذلك)) يعني السعير ((خير أم جنة الخلد)) وهذا تنبيه على تفاوت ما بين المنزلتين، لا على أن في السعير خيراً "(1).
5- أبوحيان: " والظاهر أن الإشارة بـ ((ذلك)) إلى النار وأحوال أهلها "(2).
6- ابن كثير: " يقول تعالى: يا محمد هذا الذي وصفناه لك من حال الأشقياء الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم فتلقاهم بوجه عبوس وتغيظ وزفير، ويلقون في أماكنها الضيقة (3) مقرنين، لا يستطيعون حراكاً ولا استنصاراً ولا فكاكاً مما هم فيه؛ أهذا خير أم جنة الخلد التي وعدها الله المتقين من عباده، التي أعدها لهم وجعلها لهم جزاءً ومصيراً على ما أطاعوه في الدنيا وجعل مآلهم إليها "(4).
7- السعدي: " أي: قل لهم -مبيناً لسفاهة رأيهم واختيارهم الضار على النافع- ((أذلك)) الذي وصفت لكم من العذاب ((خير)) أم جنة الخلد التي وعد المتقون)) "(5).
8- سيد قطب: " أذلك الكرب الفظيع خير؟ أم جنة الخلد التي وعدها الله المتقين "(6).
وممن اختاره أيضاً الإمام الطبري(7) والبقاعي(8) والشوكاني(9) وغيرهم(10).
ولم أجد أحدا اختار قولاً مخالفاً.
تعقيب الباحث:
__________
(1) زاد المسير لابن الجوزي (6/7).
(2) البحر المحيط لأبي حيان (8/88).
(3) في أصل تفسير ابن كثير قال (الضيق) ولعله خطأ مطبعي، ولا يستقيم المعنى إلا بلفظ (الضيقة) وقد وجدت هذا التصحيح في: مختصر تفسير ابن كثير، للشيخ محمد علي الصابوني (2/621).
(4) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/311).
(5) تيسير الكريم الرحمن للسعدي (579).
(6) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/2555).
(7) جامع البيان للطبري (18/141).
(8) نظم الدرر للبقاعي (13/355).
(9) فتح القدير للشوكاني (4/64).
(10) الزجاج في معاني القرآن وإعرابه (4/60)، وابن جزي في التسهيل (3/163).(1/104)
الذي يظهر -والله أعلم- أن الراجح رجوع الإشارة إلى السعير وما أعد الله - عز وجل - فيها من العذاب الشديد للكفار. وهو القول الذي رجحه الشيخ الشنقيطي ومن وافقه، والأدلة على رجحان هذا القول أمور عدة؛ منها:
1- دلالة آيات أخرى من القرآن الكريم على هذا القول الراجح، وقد سبق آنفاً ذكر الآيات الواردة في سورة الصافات، وفي سورة فصلت المؤكدة لهذا القول تحت فقرة ترجيح الشنقيطي، ومعلوم أن تفسير القرآن بالقرآن هو أعلى درجات التفسير وأقواها، وأول ما يجب على المفسر أن يطلبه عند تفسير كتاب الله - عز وجل - (1).
2- دلالة السياق على هذا المعنى الراجح، فإن سياق الآيات في أن الله - عز وجل - أعد لمن كذب بالساعة سعيراً وهي جهنم وأنها إذا رأت الكفار تغيظت وزفرت وأن الأماكن التي يلقى فيها الكفار في جهنم ضيقة وأنهم يُلقون فيها وهم مقيدين مكبّلين، فإذا ألقوا فيها دَعَوْا على أنفسهم بالهلاك، ثم يختم الله - عز وجل - هذا الوصف الرهيب لجهنم وما أعد فيها للمكذبين بقوله: ((أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون))، وفي هذا دلالة واضحة من ظاهر السياق(2) على رجوع الإشارة إلى السعير.
__________
(1) الإتقان للسيوطي (2/497)، شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين (127)، قواعد التفسير لخالد السبت (1/109)،.
(2) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/125)، قاعدة: إدخال الكلام في معاني ما قبله وما بعده أولى...(1/105)
3- من القواعد الترجيحية المقررة لدى أئمة التفسير والتي يمكننا بها تأييد القول الراجح؛ قاعدة: توحيد مرجع الضمائر في السياق الواحد أولى من تفريقها(1). وبتطبيقها على المثال الذي نحن بصدده نجد الضمائر في ((رأتهم)) و ((سمعوا لها)) و ((ألقوا منها)) وكذلك الإشارة المكانية(2) في قوله ((هنالك)) كلها تعود على لفظ ((سعيراً))، تأمّل معي الآيات؛ قال تعالى: { بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ #¶ژچدèy™ (11) إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ Ob%s3¨B بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا #[ژچدùy-ur (12) وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا tûüدRچs)-B دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا #Y‰دn¨ur (#qممôٹ$#ur ثُبُورًا #[ژچدVں2 (14) قُلْ y7د9¨sŒr& يژِچyz أَمْ جَنَّةُ د$ù#èƒù:$# الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ [ن!#u"y_ #[ژچإءtBur (15) } [سورة الفرقان: 11-15]، فإذاً من الأولى أن ترجع الإشارة بقوله ((أذلك)) أيضاً إلى لفظ ((سعيراً)).
4- ومن القواعد التي يتقوّى بها القول الراجح؛ قاعدة: رجوع الضمير إلى أقرب مذكور(3)، وإن أقرب مذكور يمكن أن ترجع الإشارة إليه بـ ((ذلك)) هو لفظ ((سعيراً)).
5- ومن الأدلة على تقوية القول الراجح إجماع المفسرين قديماً وحديثاً عليه، وقد ذكرت أقوال عددٍ من المفسرين من عصور مختلفة، هذا مع عدم وجود مخالف لما رجحوه -والله أعلم بالصواب-.
- - -
المراد بالوعد المسئول
__________
(1) الإتقان للسيوطي (1/509)، قواعد التفسير لخالد السبت (1/414)، قواعد الترجيح عند المفسرين لحسن الحربي (2/613).
(2) هنالك)) اسم إشارة في محل نصب على الظرفية المكانية، وهو متعلق بـ ((دعوا)) في ذلك المكان. إعراب القرآن الكريم وبيانه لمحيي الدين الدرويش (6/677).
(3) الإتقان للسيوطي (1/508)، قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (2/621).(1/106)
19- قوله تعالى: { لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ tûïد$ح#"yz كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16) } [سورة الفرقان: 16].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن معنى مسئولاً أي مطلوباً(1)، والذي يسأل ويطلب صنفان:
أ- المؤمنون يطلبون الله - عز وجل - وهم في دار الدنيا أن ينجز لهم ما وعدهم على ألسنة الرسل، يدل عليه قوله تعالى: { $sY/u' $sYد?#uنur مَا $sY¨?‰tمur عَلَى y7د=ك™â' وَلَا $tRح"ّƒéB يَوْمَ الْقِيَامَةِ y7¯Rخ) لَا ك#د=ّƒéB الْمِيعَادَ (194) } [سورة آل عمران: 194].
ب- أن الملائكة تطلب وتسأل ذلك الموعود للمؤمنين، يدل عليه قوله تعالى: { رَبَّنَا َOكgù=½zôٹr&ur جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ِNخgح !$t/#uن ِNخgإ_¨urّ-r&ur َOخgدG"ƒحh'èŒur } [سورة غافر: 8].
2- أن معنى مسئولاً أي واجباً(2)؛ لأن ما وعد الله - عز وجل - به فهو واجب الوقوع لأنه لا يخلف الميعاد، وهو جل وعلا يوجب على نفسه بوعده الصادق ما شاء لا معقب لحكمه.
3- أن المسلمين يوم القيامة يقولون: قد فعلنا في دار الدنيا كل ما أمرتنا به فأنجز لنا ما وعدتنا(3).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " وقوله تعالى: ((كان على ربك وعداً مسئولاً)) فيه وجهان معروفان:
__________
(1) زاد المسير لابن الجوزي (6/7)، أنوار التنزيل البيضاوي (2/70).
(2) معاني القرآن للفراء (2/263)، أضواء البيان للشنقيطي (6/297).
(3) ذكره الشنقيطي ولم ينسبه لأحد، أضواء البيان (6/297).(1/107)
أحدهما: أن معنى كونه مسئولاً أن المؤمنين كانوا يسألونه، وكانت الملائكة أيضاً تسأله لهم، أما سؤال المسلمين له فقد ذكره تعالى بقوله عنهم: { $sY/u' $sYد?#uنur مَا $sY¨?‰tمur عَلَى y7د=ك™â' وَلَا $tRح"ّƒéB يَوْمَ الْقِيَامَةِ y7¯Rخ) لَا ك#د=ّƒéB الْمِيعَادَ (194) } [سورة آل عمران: 194]، وسؤال الملائكة لهم إياه ذكره تعالى أيضاً في قوله: { رَبَّنَا َOكgù=½zôٹr&ur جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ } [سورة غافر: 8].
... وقال بعض العلماء: مسئولاً، أي واجباً؛ لأن ما وعد الله - عز وجل - به فهو واجب الوقوع؛ لأنه لا يخلف الميعاد، وهو جل وعلا يوجب على نفسه بوعده الصادق ما شاء لا معقب لحكمه. ويستأنس لهذا القول بلفظ على في قوله: ((كان على ربك وعداً مسئولاً)) كقوله تعالى: { وَكَانَ $ˆ)xm $sYّn=tم مژَاnS الْمُؤْمِنِينَ } [سورة الروم: 47].
... وقال بعض أهل العلم: إن المسلمين يوم القيامة يقولون: قد فعلنا في دار الدنيا كل ما أمرتنا به فأنجز لنا ما وعدتنا. والقولان الأولان أقرب من هذا. والعلم عند الله تعالى "(1).
الموافقون:
... المعنى الذي ذهب إليه الشيخ الشنقيطي أن الوعد المسئول: أي المطلوب سواء طلبه المؤمنون لأنفسهم أو طلبته لهم الملائكة، وأن هذا الوعد المسئول واجب قد أوجبه الله جل وعلا لعباده المتقين وهو جل وعلا لا يخلف الميعاد؛ قد اختاره أيضاً وقال به عدد من أئمة التفسير، منهم:
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (6/297).(1/108)
1- الإمام النسفي: " ((على ربك وعداً)) أي موعوداً ((مسئولاً)) مطلوباً أو حقيقاً أن يُسئل أو قد سأله المؤمنون والملائكة في دعواتهم { $sY/u' $sYد?#uنur مَا $sY¨?‰tمur عَلَى y7د=ك™â' } [سورة آل عمران: 194] { !$sY/u' $sYد?#uن فِي الدُّنْيَا ZpuZ|،xm وَفِي دouچ½zFy$# ZpuZ|،xm } [سورة البقرة: 201] { رَبَّنَا َOكgù=½zôٹr&ur جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ } [سورة غافر: 8] "(1).
2- ابن عطية: " وقوله تعالى: ((وعداً مسئولاً)) يحتمل معنيين: أحدهما أنه مسئول لأن المؤمنين سألوه أو يسألونه، وروي أن الملائكة سألت الله تعالى تنعيم المتقين فوعدهم بذلك. والمعنى الثاني ذكره الطبري (2) عن بعض أهل العربية: أن يريد وعداً واجباً قد حتمه، فهو لذلك معدٌّ أن يُسأل ويقتضى "(3).
3- ابن الجوزي: " وفي معنى ((مسئولاً)) قولان: أحدهما: مطلوباً، وفي الطالب له قولان: أحدهما: أنهم المؤمنون، سألوا الله - عز وجل - في الدنيا إنجاز ما وعدهم به، والثاني: أن الملائكة سألته ذلك لهم وهو قوله تعالى: { رَبَّنَا َOكgù=½zôٹr&ur جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ } [سورة غافر: 8]، والثاني: أن معنى المسؤول: الواجب "(4).
4- ابن جزي: " ((وعداً مسئولاً)) أي سأله المؤمنون أو الملائكة في قولهم: ((وأدخلهم جنات عدن))، وقيل معناه وعداً واجب الوقوع لأنه حتّمة "(5).
__________
(1) مدارك التنزيل للنسفي (3/123).
(2) جامع البيان (18/141).
(3) المحرر الوجيز لابن عطية (11/15) بتصرف.
(4) زاد المسير لابن الجوزي (6/7).
(5) التسهيل لابن جزي (3/163).(1/109)
5- البيضاوي: " الوعد: الموعود؛ أي كان ذلك موعوداً حقيقاً بأن يُسأل ويطلب، أو مسئولاً سأله الناس في دعائهم { $sY/u' $sYد?#uنur مَا $sY¨?‰tمur عَلَى y7د=ك™â' } [سورة آل عمران: 194]، أو الملائكة بقوله: { رَبَّنَا َOكgù=½zôٹr&ur جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ } [سورة غافر: 8]. وما في ((على)) من معنى الوجوب؛ لامتناع الخلف في وعده تعالى "(1).
المخالفون:
... وأعني بالمخالفين في هذا الموضع الذين اختاروا قولاً واحداً من المعاني التي تحتملها الآية، فمنهم من جعل معنى الوعد المسئول هو أن المؤمنين يطلبون ذلك الوعد لأنفسهم وهم في الدنيا؛ وممن قال به: الإمام الفراء(2)، والطبري(3)، والسعدي(4)، وسيد قطب(5).
... ومنهم من اعتبر المعنى أن الملائكة تطلب ذلك النعيم للمؤمنين؛ وممن قال به: الإمام الزجاج(6).
... ومنهم من اعتبر معنى الوعد المسئول طلب المؤمنين ذلك لأنفسهم وطلب الملائكة ذلك للمؤمنين؛ وممن قال به: الإمام البغوي(7)، والنيسابوري(8).
ومنهم من حدد معنى ((مسئولاً)) أي واجباً محتماً جعله الله جل وعلا وهو لا يخلف الميعاد لعباده المتقين؛ وممن قال به: الإمام ابن كثير(9)، والبقاعي(10).
__________
(1) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/70).
(2) معاني القرآن للفراء (2/263).
(3) جامع البيان للطبري (18/141).
(4) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(580)..
(5) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/2555).
(6) معاني القرآن وإعرابه للزجاج (4/60).
... وهو: أبوإسحاق بن السري بن سهل الزجّاج، كان من أهل الفضل والدين، حسن الاعتقاد، جميل المذهب، من تصانيفه (معاني القرآن) وآخر ما سُمِعَ منه: اللهم احشرني على مذهب أحمد بن حنبل. توفي سنة (311هـ). طبقات المفسرين (1/7).
(7) مختصر البغوي (2/657).
(8) إيجاز البيان للنيسابوري (2/77).
(9) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/311).
(10) نظم الدرر للبقاعي (13/356).(1/110)
وها كم بعض أقوالهم:
1- الإمام الطبري: " وقوله ((كان على ربك وعداً مسئولا)) وذلك أن المؤمنين سألوا ربهم ذلك في الدنيا حين قالوا ((آتنا ما وعدتنا على رسلك)) يقول الله تبارك وتعالى كان إعطاء الله المؤمنين جنة الخلد التي وصف صفتها في الآخرة وعداً وعدهم الله على طاعتهم إياه في الدنيا ومسألتهم إياه ذلك "(1).
2- الزجاج: " ((كان على ربك وعداً مسئولاً)) مسئول ذلك قول الملائكة { رَبَّنَا َOكgù=½zôٹr&ur جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ِNخgح !$t/#uن } [سورة غافر: 8] "(2).
3- النيسابوري: " ((وعداً مسئولاً)) هو قول الملائكة ((ربنا وأدخلهم)) أو قول المؤمنين ((ربنا آتنا ما وعدتنا)) "(3).
4- البقاعي: " ((كان)) أي ذلك كله ((على ربك)) أي المحسن إليك بالإحسان إلى اتباعك ((وعداً)). ولما أشار سبحانه إلى إيجاب ذلك على نفسه العظيمة بالتعبير بـ ((على)) والوعد، وكان الإنسان لاسيما الكريم مجبولاً على عزة النفس، لا يكاد يسمح بأن يسأل فيما لا يحقق حصوله، قال: ((مسئولاً)) أي حقيقاً بأن يسأل إنجازه؛ لأن سائله خليق بأن يجاب سؤاله، وتحقق ظنونه وآماله، فالمعنى أنه إذا انضاف إلى تحتيمه الشيء على نفسه سؤال الموعود به إياه، أنجزه لا محالة "(4).
تعقيب الباحث:
... الذي يظهر -والله أعلم- صحة حمل الآية على جميع المعاني، سواءً أريد بالوعد المسئول طلب المؤمنين لأنفسهم وهم في الدنيا أو طلب الملائكة للمؤمنين أو كونه واجباً محتماً واقعاً لا محالة بوعد الله - عز وجل - وهو لا يخلف الميعاد. فإن اللفظ في الآية إن احتمل عدة معان ولم يمتنع إرادة الجميع صح الحمل عليها(5).
__________
(1) جامع البيان للطبري (18/141).
(2) معاني القرآن وإعرابه (4/60).
(3) إيجاز البيان للنيسابوري (2/77).
(4) نظم الدرر للبقاعي (13/356).
(5) قواعد التفسير لخالد السبت (2/807).(1/111)
... أما القول الأخير الوارد في مجمل الأقوال وهو أن المؤمنين يسألون ذلك يوم القيامة؛ فلم أجد أحداً من المفسرين رجّحه، بل لقد ردّ عليه الإمام الفرّاء بأن هذا الأمر في " يوم القيامة غير مسئول "(1). والله أعلم بالصواب.
- - -
المراد بالمعبودين من دون الله
20- قوله تعالى: { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا y7sY"ysِ6ك™ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ y7دRrكٹ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ 4س®Lxm نَسُوا uچٍ2دe%!$# وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18) } [سورة الفرقان: 17-18].
مجمل الأقوال الواردة:
1- أن المراد بالمعبودين: الملائكة والإنس والجن والمسيح وعزير(2).
2- أن المراد بالمعبودين: الأصنام(3).
3- أن المراد بالمعبودين: عام وشامل لكل ما عُبد من دون الله - عز وجل - ، سواء العقلاء كالملائكة والإنس والجن والمسيح وعزير أو غير العقلاء كالأصنام(4).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " الأظهر عندي شمول المبعودين المذكورين للأصنام مع الملائكة وعيسى وعزير؛ لأن ذلك تدل عليه قرينتان قرآنيتان:
الأولى:أنه عبر عن المعبودين المذكورين بـ (ما) التي هي لغير العاقل في قوله: ((ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله)). فلفظة ((ما)) تدل على شمول غير العقلاء، وأنه غلب غير العاقل لكثرته.
__________
(1) معاني القرآن للفراء (2/263).
(2) جامع البيان للطبري (18/142)، الجامع لأحكام القرآن (13/10).
(3) معاني القرآن للفراء (2/264)، الجامع لأحكام القرآن (13/10).
(4) نظم الدرر للبقاعي (13/360)، فتح القدير للشوكاني (4/66).(1/112)
القرينة الثانية: هي دلالة آيات من كتاب الله، على أن المعبودين غافلون عن عبادة من عبدهم؛ أي لا يعلمون بها لكونهم غير عقلاء، كقوله تعالى في سورة يونس: { وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ $tR$ƒخ) تَعْبُدُونَ (28) فَكَفَى بِاللَّهِ #J‰خky $uZsY÷ t/ وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ ڑْüد=دے"tَs9 (29) } [سورة يونس: 28-29]، وإنما كانوا غافلين عنها لأنهم جماد لا يعقلون، وإطلاق اللفظ المختص بالعقلاء عليهم، نظراً إلى أن المشركين نزولهم منزلة العقلاء، وكقوله تعالى في الأحقاف: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا ـ=إftGَ،o" لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ َOخgح !%tوكٹ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا ِNخkجEyٹ$t7دèخ/ tûïحچدے"x. (6) } [سورة الأحقاف: 5-6]. فقد دل قوله تعالى: ((وهم عن دعائهم غافلون)) على أنهم لا يعقلون، ومع ذلك قال: ((وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين))، وكقوله تعالى في العنكبوت: { وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي دo4quٹysّ9$# الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا } [سورة العنكبوت: 25] فصرح بأنهم أوثان ثم ذكر أنهم هم وعبدتهم يلعن بعضهم بعضاً "(1).
... إذاً فالشيخ الشنقيطي يرى أن معنى الآية شامل لكل ما عُبد من دون الله - عز وجل - سواء العقلاء أو غير العقلاء.
الموافقون:
... قال مثل القول الذي ذهب إليه الشنقيطي عدد من أئمة التفسير، منهم:
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (6/299).(1/113)
1- ابن جزي، قال: " ((فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء)) القائل لذلك هو الله - عز وجل - ، والمخاطب هم المعبودون مع الله على العموم، وقيل الأصنام خاصة، والأول أرجح "(1).
2- ابن القيم -بعد أن أورد الآية- قال: " عام في كل عابد ومن عبده من دون الله - عز وجل - "(2).
3- ابن كثير، قال: " يقول تعالى مخبراً عما يقع يوم القيامة من تقريع الكفار في عبادتهم من عبدوا من دون الله من الملائكة وغيرهم فقال: ((ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله)) "(3).
4- البقاعي، قال: " ((وما يعبدون)) أي من الملائكة والإنس والجن وغيرهم ممن يعقل وممن لا يعقل، ونبه على سفول رتبتهم عن ذلك وعدم أهليتهم بقوله: ((من دون الله)) أي الملك الأعلى الذي لا كفؤ له. وذكر بلفظ ((ما)) إشارة إلى أن ناطقها وصامتها جماد بل عدم؛ بالنسبة إليه سبحانه بما أشار إليه التعبير بالاسم الأعظم الدال على جميع الكمال، مع أن ((ما)) موضوع على العموم للعقلاء وغيرهم، وإن كان أكثر استعماله في غير العقلاء "(4).
5- الشوكاني، قال: " ((وما يعبدون من دون الله)) معطوف على مفعول نحشر، وغلب غير العقلاء من الأصنام والأوثان ونحوها على العقلاء من الملائكة والجن والمسيح تنبيهاً على أنها جميعاً مشتركة في كونها غير صالحة لكونها آلهة، أو لأن من يَعبد من لا يعقل أكثر ممن يعبد من يعقل منها، فغلبت اعتباراً بكثرة من يعبدها "(5).
__________
(1) التسهيل لابن جزي (3/163).
(2) بدائع التفسير لابن القيم (3/285).
(3) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/312).
(4) نظم الدرر للبقاعي (13/360).
(5) فتح القدير للشوكاني (4/66).(1/114)
6- سيد قطب، قال: " وما يعبدون من دون الله قد يكونون هم الأصنام. وقد يكونون هم الملائكة والجن، وكل معبود من دون الله. وإن الله ليعلم؛ ولكن الاستجواب هكذا في الساحة الكبرى، وهم محشورون أجمعين، فيه تشهير وتأنيب، وهو ذاته عذاب مرهوب! والجواب هو الإنابة من هؤلاء (الآلهة)! الإنابة لله الواحد القهار. وتنزيهه عن ذلك الافتراء، والتبرؤ لا من ادعاء الألوهية؛ ولكن من مجرد أن يتخذوا لهم أولياء من دون الله، والزراية(1) على أولئك الجاحدين الجهال: ((قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء)) "(2).
المخالفون:
1- الإمام الفراء -بعد أن أورد الآية- قال: " قالت الأصنام ما كان لنا أن نعبد غيرك، فكيف ندعو إلى عبادتنا "(3).
2- ابن الجوزي: " ((قالوا)) يعني الأصنام ((سبحانك)) نزّهوا الله تعالى أن يُعبد غيره ((ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء)) نواليهم؛ والمعنى: ما كان ينبغي لنا أن نعبد نحن غيرك، فكيف ندعو إلى عبادتنا؟! فدل هذا الجواب على أنهم لم يأمروا بعبادتهم "(4).
__________
(1) الزراية: العيب. مختار الصحاح ص(271)، مادة: زرى.
(2) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/2555).
(3) معاني القرآن للفراء (2/264).
(4) زاد المسير لابن الجوزي (6/8).(1/115)
3- أبوحيان: " ((وما يعبدون)) قال الضحاك وعكرمة: الأصنام التي لا تعقل يقدرها الله على هذه المقالة من الجواب. وقال الكلبي " يحي الله الأصنام يومئذ لتكذيب عابديها. وقال الجمهور: من عُبد ممن يعقل ممن لم يأمر بعبادته كالملائكة وعيسى وعزير؛ وهو الأظهر، لقوله ((أأنتم أضللتم)) وما بعده من المحاورة التي ظاهرها أنها لا تصدر إلا من العقلاء، وجاء ما يشبه ذلك منصوصاً في قوله: { ثُمَّ يَقُولُ(1) لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ ِ/ن.$ƒخ) كَانُوا يَعْبُدُونَ } [سورة سبأ: 40]، { أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ 'دTrندƒھB$# z'حhGé&ur إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ } [سورة المائدة: 116]، وسؤاله تعالى وهو عالم بالمسؤول عنه ليجيبوا بما أجابوا به فيبكت عبدتهم بتكذيبهم إياها فيزيد حسرتهم ويُسَرُّ المؤمنون بحالهم ونجاتهم من فضيحة أولئك "(2).
تعقيب الباحث:
... الذي يظهر -والله أعلم- أن الراجح هو شمول معنى الآية لكل ما عبد من دون الله - عز وجل - سواء كانوا من العقلاء أو من غير العقلاء، وذلك لأمور:
1- ما عبر عنه في الآية بلفظ (ما) الدالة على غير العقلاء والتي استدل بها الشنقيطي ومن وافقه على شمول الآية للعقلاء وغير العقلاء، باعتبار أن من الحالات التي تستخدم فيها (ما) إذا اختلط العقلاء مع غير العقلاء في المعنى، وهذه من القواعد المهمة عند علماء اللغة(3)، وعند المفسرين(4) في فهمهم لآيات الذكر الحكيم.
__________
(1) هذه اللفظة فيها قراءتان فقط: بالياء؛ حفص ويعقوب، وبالنون، الباقون (القراءات العشر المتواترة، محمد كريم راجح ص(433)، وقد وردت في البحر المحيط لأبي حيان بالتاء، ولعله خطأ مطبعي والصحيح هو ما أثبته.
(2) البحر المحيط لأبي حيان (8/90).
(3) منحة الجليل بتحقيق شرح ابن عقيل لمحمد محي الدين (1/147).
(4) قواعد التفسير لخالد السبت (2/551).(1/116)
2- إلحاقاً للنقطة السابقة في أن من مسوغات إطلاق (ما) على العقلاء مع أنها أصلاً في اللغة لغير العقلاء؛ في حالة إذا ما اختلطوا ببعضهم، فبناء عليه استنبط المفسرون المعنى من نواح:
أ- أنه بورود لفظة (ما) غلب غير العقلاء من الأصنام والأوثان ونحوها على العقلاء من الملائكة والجن والمسيح تنبيهاً على أنها جميعاً مشتركة في كونها غير صالحة لأن تكون آلهة(1).
ب- أو لأن من يعبد من لا يعقل أكثر ممن يعبد من يعقل منها، فغلبت اعتباراً بكثرة من يعبدها(2).
جـ- أنه غَلّبت العبارة عما لا يعقل من الأوثان لأنها كانت الأغلب وقت المخاطبة(3).
د- أو أنه غُلب غير العقلاء من الأصنام ونحوها تحقيراً لكل عابد عَبَد غير الله - عز وجل - (4).
__________
(1) فتح القدير للشوكاني (4/66).
(2) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/70)، وفتح القدير للشوكاني (4/66).
(3) المحرر الوجيز لابن عطية (11/16).
(4) أنوار التنزيل (2/70).(1/117)
3- في احتجاج القائلين بأن المراد بالآية المعبودون من دون الله - عز وجل - من العقلاء بناء على المحاورة المذكورة في نفس الآيات التي نحن بصددها وهي قوله تعالى: { أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا y7sY"ysِ6ك™ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ y7دRrكٹ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ 4س®Lxm نَسُوا uچٍ2دe%!$# وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18) } [سورة الفرقان: 17-18]، والآيات الواردة في شأن الملائكة (1) وعيسى (2) عليهم السلام. يرد عليهم بقدرة الله - عز وجل - على إنطاق كل شيء ومنها الأصنام وكل ما عبد من دون الله - عز وجل - مما لا يعقل، كما أنطق الجلود والأيدي والأرجل(3).
__________
(1) قوله تعالى: { ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ ِ/ن.$ƒخ) كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) } [سورة سبأ: 40].
(2) قوله تعالى: { أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ 'دTrندƒھB$# z'حhGé&ur إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ } [سورة المائدة: 116].
(3) وذلك قوله تعالى: { وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ $sYّn=tم (#ûqن9$s% أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } [سورة فصلت: 21]، وقوله تعالى: { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى ِNخgدd¨uqّùr& وَتُكَلِّمُنَا ِNخk‰د‰÷ƒr& وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) } [سورة يس: 65] وغيرها.(1/118)
4- أن معنى الغفلة في الآيات(1) التي استدل بها الشيخ الشنقيطي أن المراد بها لا يعلمون لكونهم غير عقلاء فيه نظر، فإن معنى الغفلة فيها أعم من ما ذكر،نعم أية سورة الأحقاف اتفق المفسرون على أن المراد بها الأصنام وكل جماد؛ وأنهم غافلون أي لا يعقلون ولا يبصرون ولا يسمعون شيئاً مما يدعوهم به المشركون، لكن آية سورة يونس معنى الغفلة فيها غير ذلك لأن الآية عامة في كل ما عبد من دون الله - عز وجل - ، فيراد بالغفلة أنهم لا يعلمون شيئاً عن تلك العبادة ولم يأمروا بها ولا يرضون بها، وهذا المعنى ذكره عدد من أعلام المفسرين كالطبري(2) والشوكاني(3)، والسعدي(4) وغيرهم(5).
- - -
معنى { نَسُوا }
21- قوله: { 4س®Lxm نَسُوا uچٍ2دe%!$# } [سورة الفرقان: 18].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن معنى نسوا: تركوا(6).
2- أن معنى نسوا: غفلوا(7).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " الظاهر أن معنى نسوا: تركوا "(8).
الموافقون:
__________
(1) وهي قوله تعالى: { وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ $tR$ƒخ) تَعْبُدُونَ (28) فَكَفَى بِاللَّهِ #J‰خky $uZsY÷ t/ وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ ڑْüد=دے"tَs9 (29) } [سورة يونس: 28-29]، وقوله تعالى: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا ـ=إftGَ،o" لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ َOخgح !%tوكٹ غَافِلُونَ (5) } [سورة الأحقاف: 5]. وقد سبق ذكرها تحت فقرة ترجيح الشنقيطي.
(2) جامع البيان للطبري (11/79).
(3) فتح القدير للشوكاني (2/456).
(4) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(363).
(5) موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (11/5098).
(6) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/11).
(7) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/70).
(8) أضواء البيان للشنقيطي (6/300).(1/119)
... وأعني بهم كل من فسّر النسيان في الآية بأنه التَّرك والنسيان المتعمد، ومنهم:
1- ابن الجوزي: " ((حتى نسوا الذكر)) أي تركوا الإيمان بالقرآن والاتعاظ به "(1).
2- القرطبي: " ((حتى نسوا الذكر)) أي تركوا ذكرك فأشركوا بك بطراً وجهلاً فعبدونا من غير أن أمرناهم بذلك "(2).
3- الخازن: " ((حتى نسوا الذكر)) معناه تركوا المواعظ والإيمان بالقرآن "(3).
4- المحلي: " ((حتى نسوا الذكر)) تركوا الموعظة والإيمان بالقرآن "(4).
5- ابن عاشور: " والنسيان مستعمل في الإعراض عن عمد على وجه الاستعارة لأنه إعراض يشبه النسيان في كونه من غير تأمل "(5).
المخالفون:
... وأعنى بهم الذين حملوا النسيان في الآية على معنى النسيان المتبادر إلى الذهن والذي يقصد به الغفلة والذهول عن الشيء، فمنهم:
1- أبوحيان: " والمعنى: لكن لما أكثرت عليهم وعلى آبائهم النعم وأطلت أعمارهم وكان يجب عليهم شكرها والإيمان بما جاءت به الرسل، فكان ذلك سبباً للإعراض عن ذكر الله "(6).
2- البيضاوي: " ((حتى نسوا الذكر)) حتى غفلوا عن ذكرك أو التذكر لآلائك والتدبر في آياتك "(7).
3- أبوالسعود: " ((حتى نسوا الذكر)) أي: غفلوا عن ذكرك، أو عن التذكر في آلائك والتدبر في آياتك فجعلوا أسباب الهداية بسوء اختيارهم ذريعة إلى الغواية "(8).
4- الشوكاني: " ((حتى نسوا الذكر)) حتى غفلوا عن ذكرك ونسوا موعظتك والتدبر لكتابك والنظر في عجائب صنعك وغرائب مخلوقاتك "(9).
__________
(1) زاد المسير لابن الجوزي (6/8).
(2) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/11).
(3) لباب التأويل للخازن (5/79).
(4) تفسير الجلالين ص(301).
(5) التحرير والتنوير لابن عاشور (18/340).
(6) البحر المحيط لأبي حيان (8/92).
(7) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/70).
(8) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/166).
(9) فتح القدير للشوكاني (4/67).(1/120)
5- السعدي: " ((حتى نسو الذكر)) اشتغالاً في لذات الدنيا، وانكباباً على شهواتها، فحافظوا على دنياهم وضيعوا دينهم "(1).
6- سيد قطب: " ((ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر)) فهذا المتاع الطويل المورث -على غير معرفة بواهب النعمة ولا توجه ولا شكر- قد ألهاهم وأنساهم ذكر المنعم "(2).
تعقيب الباحث:
... يتضح من استعراض أقوال المفسرين صحة حمل (نسوا) على المعنيين المذكورة سواء أريد بالنسيان الترك المتعمد أو أريد به معنى النسيان المتبادر إلى الذهن الذي هو الغفلة والذهول عن الشيء، وذلك أن سياق الآية محتمل لكلا المعنيين ((ولكن متّعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر...)) فإن انشغال الإنسان بمُتع الحياة الدنيا التي وهبه الله - عز وجل - إياها يؤدي به إلى نسيان ذكر الله - عز وجل - وشكره على نعمه إما غفلة أو تركاً متعمداً. والله أعلم بالصواب.
- - -
المراد بالذكر في قوله تعالى: { 4س®Lxm نَسُوا uچٍ2دe%!$# }
22- قوله تعالى: { وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ 4س®Lxm نَسُوا uچٍ2دe%!$# } [سورة الفرقان: 18].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن الذكر هو ما جاءت به الرسل من التوحيد(3).
2- أن المراد بالذكر: القرآن.
3- أن الذكر في هذه الآية يراد به: الشكر على إحسان الله - عز وجل - بنعمه وآلائه على العباد(4).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-:" الأظهر أن الذكر هو ما جاءت به الرسل من التوحيد "(5).
الموافقون:
1- النسفي: " ((حتى نسوا الذكر)) أي ذكر الله - عز وجل - والإيمان به والقرآن والشرائع "(6).
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(580).
(2) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/2555).
(3) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/312).
(4) القولان الثاني والثالث ذكرهما القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (13/11).
(5) أضواء البيان للشنقيطي (6/300).
(6) مدارك التنزيل للنسفي (3/124).(1/121)
2- ابن عطية: " نسوا الذكر؛ أي: ما ذكّر به الناس على ألسنة الأنبياء "(1).
3- الفخر الرازي: " الذكر: ذكر الله والإيمان به والقرآن والشرائع "(2).
4- ابن كثير: " ((حتى نسوا الذكر)) أي نسوا ما أنزلته إليهم على ألسنة رسلك من الدعوة إلى عبادتك وحدك لا شريك لك "(3).
5- البقاعي: " ((حتى نسوا الذكر)) الذي لا ينبغي أن يطلق الذكر على غيره، وهو الإيمان بكل ما أرسلت به سبحانك رسلك، ببرهان ما يعرفه كل عاقل من نفسه بما وهبته من غريزة العقل من أنه لا يصح بوجه أن يكون الإله إلا واحداً "(4).
6- طنطاوي جوهري: " ((حتى نسوا الذكر)) تركوا توحيدك وطاعتك والمواعظ والإيمان وغفلوا عن ذكرك "(5).
المخالفون:
... وأعنى بهم الذين بينوا أن المراد بالذكر في الآية القرآن الكريم والإيمان به. أما القول الثالث في مجمل الأقوال وهو أن يراد بالذكر شكر الله - عز وجل - على إحسانه إلى عباده بالنعم فلم أجد من جزم بترجيحه بياناً لمعنى الآية إنما ذكره القرطبي(6) على أنه أحد الأقوال الواردة في الآية، وذكره الشوكاني (7) بصيغة التمريض (قيل). فمن الذين اختاروا قولاً مخالفاً لما ذهب إليه الشنقيطي:
1- ابن الجوزي: " ((حتى نسوا الذكر)) أي تركوا الإيمان بالقرآن والاتعاظ به "(8).
2- الخازن: " ((حتى نسوا الذكر)) معناه تركوا المواعظ والإيمان بالقرآن "(9).
3- المحلي: " ((حتى نسوا الذكر)) تركوا الموعظة والإيمان بالقرآن "(10).
__________
(1) المحرر الوجيز لابن عطية (11/18).
(2) التفسير الكبير للفخر الرازي (8/444).
(3) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/312).
(4) نظم الدرر للبقاعي (13/363).
(5) تفسير الجواهر لطنطاوي جوهري (12/132).
(6) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/11).
(7) فتح القدير للشوكاني (4/67).
(8) زاد المسير لابن الجوزي (6/8).
(9) لباب التأويل للخازن (5/79).
(10) تفسير الجلالين ص(301).(1/122)
4- الشوكاني: " ((حتى نسوا الذكر)) حتى غفلوا عن ذكرك ونسوا موعظتك والتدبر لكتابك والنظر في عجائب صنعك وغرائب مخلوقاتك "(1).
5- ابن عاشور: " والذكر: القرآن لأنه يتذكر به الحق "(2).
... أما من بينوا معنى الآية دون ترجيح أو تحديد لقول معين، إنما ذكروا قولين أو أكثر مما يحتمله معنى الآية فمنهم:
1- البغوي: " ((حتى نسوا الذكر)) تركوا الموعظة والإيمان بالقرآن. وقيل: تركوا ذكركم وغفلوا عنه "(3).
2- الزمخشري: " والذكر: ذكر الله والإيمان به، أو القرآن والشرائع "(4).
3- القرطبي: " وفي الذكر قولان: أحدهما: القرآن المنزل على الرسل؛ تركوا العمل به. الثاني: الشكر على الإحسان إليهم والإنعام عليهم "(5).
4- أبوحيان: " و ((الذكر)) ما ذكر به الناس على ألسنة الأنبياء أو الكتب المنزلة أو القرآن "(6).
تعقيب الباحث:
... يظهر لي -والله أعلم- رجحان ما ذهب إليه الشنقيطي ومن قال مثل قوله من أن الذكر -في هذه الآية- يراد به كل ما جاء على ألسنة الرسل والأنبياء -عليهم السلام- من التوحيد، وذلك لأمور:
1- كون سياق الآية يدل عليه ((ولكن متعتهم وآباءهم...)) فلو كان يراد بالذكر
-هنا- القرآن لاكتفى في ذكر المتعة بهم فقط -أعني المشركين- ولا داعي لذكر آبائهم فإنهم لم يكونوا موجودين عند بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - ونزول القرآن.
2- إن هذا القول يتقوّى -أيضاً- بقاعدتين من قواعد الترجيح عند المفسرين المتعلقة بمرجع الضمائر على النحو الآتي:
__________
(1) فتح القدير للشوكاني (4/67).
(2) التحرير والتنوير لابن عاشور (18/340).
(3) مختصر البغوي (2/657).
(4) الكشاف للزمخشري (3/263).
(5) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/11).
(6) البحر المحيط لأبي حيان (8/92).(1/123)
أ- لو اعتبرنا الضمير في قوله ((نسوا)) عائد إلى أقرب مذكور(1)، فإن أقرب مذكور الآباء، فعليه لابد أن يراد بالذكر ما جاء على ألسنة الرسل -عموماً- من التوحيد.
ب- أيضاً قاعدة: إذا كان في الآية ضمير يحتمل عوده إلى أكثر من مذكور، وأمكن الحمل على الجميع، حمل عليه(2). فإن حمل الضمير في ((نسوا)) على المشركين -المذكورين بالضمير ((متعتهم))- وآبائهم يقوّي أن يراد بالذكر ما جاء على ألسنة الرسل من التوحيد. والله أعلم بالصواب.
- - -
معنى { بُورًا }
23- قوله تعالى: { 4س®Lxm نَسُوا uچٍ2دe%!$# وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا } [سورة الفرقان: 18].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن معنى ((بوراً)): هلكى غلب عليهم الشقاء والخذلان(3).
2- أن ((بوراً)) تعني: الفاسد الذي لا خير فيه(4).
3- وقيل ((بوراً)): عمياً عن الحق(5).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " والأصح أن قوله ((بوراً)) معناه: هلكى، وأصله اسم مصدر يقع على الواحد وعلى الجماعة، فمن إطلاقه على الجماعة قوله هنا ((وكانوا قوماً بوراً)) وقوله في سورة الفتح { َOçF^sYsكur ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا } [سورة الفتح: 12]. ومن إطلاقه على المفرد قول عبدالله بن الزبعري السهمي(6) - رضي الله عنه - :
__________
(1) الإتقان للسيوطي (1/508)، قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (2/621).
(2) قواعد التفسير لخالد السبت (1/400).
(3) جامع البيان للطبري (18/142).
(4) معاني القرآن وإعرابه للزجاج (4/61).
(5) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/12) ذكره بالتضعيف ولم يرجحه.
(6) عبدالله بن الزبعري -بكسر الزاي والموحدة وسكون المهملة بعدها راء مقصورة- بن قيس القرشي السهمي، كان من أشعر قريش، وكان شديداً على المسلمين ثم أسلم في الفتح ومدح النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمر له بحُلة. الإصابة (2/308).(1/124)
يا رسول المليك إن لساني ... ... راتق ما فتقت إذ أنا بور
... ويطلق البور على الهلاك. وعن ابن عباس أنها لغة أهل عمان، وهم من أهل اليمن(1)، ومنه قول الشاعر(2):
فلا تكفروا ما قد صنعنا إليكم ... ... وكافوا به فالكفر بور لصانعه
وما ذكر من أن معنى ((بورا)) لا خير فيهم؛ له وجه في اللغة العربية، ولكن التحقيق أنه ليس معنى الآية، وأن معنى ((بوراً)) هلكى كما تقدم، والعلم عند الله "(3).
الموافقون:
1- الإمام الطبري: " وكانوا قوماً هلكى قد غلب عليهم الشقاء والخذلان "(4).
2- البغوي: " ((وكانوا قوماً بوراً)) يعني هلكى غلب عليهم الشقاء والخذلان، رجل يقال له بائر، وقوم بور، وأصله من البوار وهو الكساد والفساد، وقيل: هو اسم مصدر كالزور يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث "(5).
3- ابن عطية: " ((بوراً)) معناه: هلكى، والبوار: الهلاك. واختلف في لفظه؛ فقالت فرقة: هي مصدر يوصف به الجمع والواحد، وقالت فرقة: هي جمع باير؛ وهو الذي قد فارقه الخير فحصل بذلك في حكم الهلاك، باشره الهلاك بعد أو لم يباشر "(6).
4- البقاعي: " ((وكانوا)) في علمك بما قضيت عليهم في الأزل ((قوماً بوراً)) هلكى "(7).
5- الشوكاني: " ((وكانوا قوماً بوراً)) أي وكان هؤلاء الذين أشركوا بك وعبدوا غيرك في قضائك الأزلي قوماً بوراً، أي هلكى، مأخوذ من البوار وهو الهلاك "(8).
__________
(1) انظر: لغات القبائل الواردة في القرآن الكريم، لأبي عبيد القاسم بن سلام، ص(210).
(2) لم أقف على اسم الشاعر وموقع بيته، ولكن ذكره أبوتراب الظاهري في شواهد القرآن (1/560).
(3) أضواء البيان للشنقيطي (6/300).
(4) جامع البيان للطبري (18/142).
(5) مختصر البغوي (2/657).
(6) المحرر الوجيز لابن عطية (11/19).
(7) نظم الدرر للبقاعي (13/363).
(8) فتح القدير للشوكاني (4/67).(1/125)
6- سيد قطب: " ((ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوماً بوراً)) فهذا المتاع الطويل الموروث -على غير معرفة بواهب النعمة ولا توجه ولا شكر- قد ألهاهم وأنساهم ذلك المنعم، فانتهت قلوبهم إلى الجدب والبوار. كالأرض البور لا حياة فيها ولا زرع ولا ثمار، والبوار: الهلاك، ولكن اللفظ يوحي كذلك بالجدب والخواء. جدب القلوب، وخواء الحياة "(1).
7- ابن عاشور: " والبور: جمع بائر كالعوذ جمع عائذ، والبائر: هو الذي أصابه البوار أي الهلاك. وقد استعير البور لشدة سوء الحالة بناء على العرف الذي يَعُدُّ الهلاك آخر ما يبلغ إليه الحي من سوء الحال "(2).
... وممن قال بمثل ذلك أيضاً النسفي(3)، والزمخشري(4)، والفخر الرازي(5)، والخازن (6)، وابن جزي (7)، والبيضاوي(8)، وأبوالسعود (9)، وغيرهم(10).
المخالفون:
... وأعني بهم الذي بينوا معنى ((بوراً)) أي: الذي لا خير فيه، ومنهم:
1- الإمام الفراء: " ((قوماً بوراً)) والبور مصدر واحد وجمع؛ والبائر الذي لا شيء فيه. نقول: أصبحت منازلهم بوراً أي لا شيء فيها. فكذلك أعمال الكفار باطل. ويقال: رجل بور وقوم بور "(11).
__________
(1) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/2555).
(2) التحرير والتنوير لابن عاشور (18/341).
(3) مدارك التنزيل للنسفي (3/124).
(4) الكشاف للزمخشري (3/263).
(5) التفسير الكبير للفخر الرازي (8/444).
(6) لباب التأويل للخازن (5/79).
(7) التسهيل لابن جزي (3/164).
(8) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/70).
(9) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/166).
(10) جلال الدين المحلي في الجلالين ص(302)، وطنطاوي جوهري في الجواهر (12/132).
(11) معاني القرآن للفراء (2/264).(1/126)
2- السعدي: " ((وكانوا قوماً بوراً)) أي: بائرين لا خير فيهم، ولا يصلحون لصالح، لا يصلحون إلا للهلاك والبوار. فذكروا المانع من أتباعهم الهدى، وهو التمتع في الدنيا؛ الذي صرفهم عن الهدى. وعدم المقتضى للهدي؛ وهو أنهم لا خير فيهم، فإذا عدم المقتضى، ووجد المانع، فلا تشاء من شر وهلاك إلا وجدته فيهم "(1).
في حين وُجد عدد من المفسرين ذكروا القولين (هلكى - وفاسدين لا خير فيهم) عند تفسيرهم للآية واعتبروهما بياناً لمعنى ((بوراً)) منهم: النيسابوري(2)، وابن الجوزي(3)، والسمين الحلبي(4)، وابن كثير(5) والسيوطي(6).
وأما القرطبي(7) وأبوحيان(8) فقد ذكرا المعاني الثلاثة -المذكورة في مجمل الأقوال- عند تفسير الآية.
تعقيب الباحث:
يتضح من استعراض أقوال المفسرين في معنى ((بوراً)) أنه لا تعارض بين القولين، فكلاهما يصح معنى للآية فكون الكفار هالكين تساوي أنهم فاسدين ولا خير فهم بل تساوي أيضاً أنهم عمي عن الحق، فإن عماهم عن الحق أدى إلى هلاكهم وفسادهم. ولو نظرت فيما قاله البغوي والسعدي (9) لا تضح لك الترابط بين المعنيين، مع كون البغوي فسَّر ((بورا)) أي هلكى غلب عليهم الشقاء والخذلان فإنه شرح البوار بأنه الفساد. وأما السعدي فقد فسَّر ((بوراً)) أي لا خير فيهم ثم شرح المراد بعدم وجود الخير فيهم بأنهم لا يصلحون إلا للهلاك والبوار. والله أعلم بالصواب.
- - -
من القائل { #Xچôfدm مَحْجُورًا } ؟
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(580).
(2) إيجاز البيان للنيسابوري (2/77).
(3) زاد المسير لابن الجوزي (6/8).
(4) الدر المصون للسمين الحلبي (8/466).
(5) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/312).
(6) الدر المنثور للسيوطي (5/65).
(7) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/12).
(8) البحر المحيط لأبي حيان (8/92).
(9) ذكرت كلام البغوي تحت فقرة الموافقون، وذكرت كلام السعدي تحت فقرة المخالفون.(1/127)
24- قوله تعالى: { يَوْمَ tb÷ruچtƒ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ tûüدBحچôfكJù=دj9 وَيَقُولُونَ #Xچôfدm مَحْجُورًا (22) } [سورة الفرقان: 22].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن يكون ((حجراً محجوراً)) من قول الملائكة؛ وعليه يكون المعنى: حراماً محرماً أن تكون للكفار يوم القيامة بشرى أو غفران ذنوب، أو دخول الجنة(1).
2- أن يكون ((حجراً محجوراً)) من قول الكفار؛ وعليه يكون المعنى: حرام عليكم أن تمسونا بسوء، وهي كلمة تعوذ تقولها العرب -الذين نزل القرآن بلغتهم- عند لقاء عدو موتور أو هجوم نازلة ونحو ذلك(2).
ترجيح الشنقيطي:
__________
(1) جامع البيان للطبري (19/3)، مدارك التنزيل للنسفي (3/125)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/20).
(2) البحر المحيط لأبي حيان (8/97)، نظم الدرر للبقاعي (13/370)، فتح القدير للشوكاني (4/69).(1/128)
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " وقوله تعالى ((ويقولون حجراً محجوراً)) أظهر القولين فيه عندي أنه من كلام الكفار، يوم يرون الملائكة، لا من كلام الملائكة. وإيضاحه: أن الكفار الذين اقترحوا إنزال الملائكة؛ إذا رأو الملائكة توقعوا العذاب من قبلهم، فيقولون حينئذ للملائكة: حجراً محجوراً: أي حراماً محرماً عليكم أن تمسونا بسوء أي لأننا لم ترتكب ذنباً نستوجب به العذاب، كما أوضحه تعالى بقوله عنهم: { الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي ِNخkإ¦àےRr& فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ ¥نûqك™ بَلَى إِنَّ اللَّهَ 7Oٹد=tو بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) } [سورة النحل: 28]. فقولهم: ما كنا نعمل من سوء: أي لم نستوجب عذاباً، فتعذيبنا حرام محرم، وقد كذبهم الله - عز وجل - في دعواهم هذه بقوله: ((بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون)) وعادة العرب الذين نزل القرآن بلغتهم، أنهم يقولون هذا الكلام؛ أي حجراً محجوراً، عند لقاء عدو موتور أو هجوم نازلة أو نحو ذلك. [إلى أن قال:] وأما على القول بأن حجراً محجوراً من قول الملائكة، فمعناه: أنهم يقولون للكفار حجراً محجوراً: أي حراماً محرماً أن تكون للكفار اليوم بشرى، أو أن يغفر لهم، أو يدخلون الجنة "(1).
الموافقون:
... ذهب إلى القول الذي اختاره الشنقيطي عدد من أئمة التفسير، منهم:
1- الإمام النيسابوري: " ((ويقولون حجراً محجوراً)) كان الرجل في الجاهلية يقول لمن يخافه في أشهر الحرم: حجراً محجوراً، أي حراماً محرماً عليك قتلى في هذا الشهر، فلا يبدؤه بشر. فإن كان يوم القيامة رأى المشركون ملائكة العذاب فقالوا: حجراً محجوراً؛ وظنوا أنه ينفعهم "(2).
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (6/306-307).
(2) إيجاز البيان للنيسابوري (2/78).(1/129)
2- البقاعي: " ((يومئذ للمجرمين)) أي لأحد ممّن قطع ما أمر الله به أن يوصل ((ويقولون)) أي في ذلك الوقت ((حجراً محجوراً)) أي نطلب منعاً منكم ممنوعاً، أي: مبالغاً في مانعيته، والمعنى أنهم يريدون أن يكون بينهم وبين الملائكة مانع عظيم يمنعهم منهم "(1). ... فالإمام البقاعي يرى أن القائلين هم الكفار.
3- الشوكاني: " ((ويقولون حجراً محجوراً)) أي ويقول الكفار عند مشاهدتهم للملائكة: حجراً محجوراً وهذه كلمة كانوا يتكلمون بها عند لقاء عدو وهجوم نازلة، يضعونها موضع الاستعاذة "(2).
4- السعدي: " ((يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين)) وذلك أنهم لا يرونها -مع استمرارهم على جرمهم وعنادهم- إلا لعقوبتهم وحلول البأس بهم. فأول ذلك عند الموت؛ إذا تنزلت عليهم الملائكة، قال تعالى: { وَلَوْ #"uچs? إِذِ ڑcqكJد="©à9$# فِي دN¨uچyJxî الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ (#ûqنإ™$t/ أَيْدِيهِمْ (#ûqم_حچ÷zr& أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ ڑc÷ru"ّgéB عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ بd,utù:$# وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ tbrمژة9ُ3tFَ،n@ } [سورة الأنعام: 93]، ثم في القبر حيث يأتيهم منكر ونكير فيسألانهم عن ربهم ونبيهم ودينهم، فلا يجيبون جواباً ينجيهم، فيحلون بهم النقمة، وتزول عنهم بهم الرحمة، ثم يوم القيامة حين تسوقهم الملائكة إلى النار، ثم يسلمونهم لخزنة جهنم، الذين يتولون عذابهم ويباشرون عقابهم. فهذا الذي اقترحوه وهذا الذي طلبوه؛ إن استمروا على إجرامهم لابد أن يروه ويلقوه. وحينئذ يتعوذون من الملائكة ويفرون ولكن لا مفر لهم ((ويقولون حجراً محجوراً)) "(3).
__________
(1) نظم الدرر للبقاعي (13/370).
(2) فتح القدير للشوكاني (4/69).
(3) تيسير الكريم الرحمن للسعدي (581).(1/130)
5- سيد قطب: " يومئذ يقولون: ((حجراً محجوراً)) أي حراماً محرماً. وهي جملة اتقاء للشر وللأعداء، كانوا يقولونها استبعاداً لأعدائهم وتحرزاً من أذاهم. وهي تجري في ذلك اليوم على ألسنتهم بحكم العادة من الذهول حين يفاجأون. ولكن أين هم اليوم مما كانوا يقولون، إن الدعاء لا يعصمهم ولا يمنعهم "(1).
المخالفون:
... أيضاً هناك عدد من المفسرين اختاروا القول الآخر؛ منهم:
1- الإمام الطبري: " ويقولون حجراً محجوراً، يعني: أن الملائكة يقولون للمجرمين حجراً محجوراً، حراماً محرماً عليكم اليوم البشرى أن تكون لكم من الله - عز وجل - . [إلى أن قال:] قال أبوجعفر: وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في تأويل ذلك من أجل أن الحجر هو الحرام فمعلوم أن الملائكة هي التي تخبر أهل الكفر أن البشرى عليهم حرام. وأما الاستعاذة فإنها الاستجارة وليست بتحريم "(2).
2- الزجاج: " والمعنى: وتقول الملائكة حجراً محجوراً(3) أي حراماً محرماً عليهم البشرى "(4).
3- النسفي: " ((ويقولون)) أي الملائكة ((حجراً محجوراً)) حراماً محرماً عليكم البشرى، أي جعل الله ذلك حراماً عليكم، إنما البشرى للمؤمنين "(5).
4- القرطبي: " ((ويقولون حجراً محجوراً)) يريد تقول الملائكة حراماً محرماً أن يدخل الجنة إلا من قال لا إله إلا الله، وأقام شرائعها "(6).
تعقيب الباحث:
... الذي يظهر -والله أعلم- أن الأرجح هو ما ذهب إليه الشنقيطي ومن وافقه من أئمة التفسير، يؤيد ذلك قاعدتان مهمتان من قواعد الترجيح المعتمدة عند كثير من المفسرين:
__________
(1) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/2558).
(2) جامع البيان للطبري (19/3).
(3) كلمة محجوراً طمست منها الحاء والجيم في المطبوعة.
(4) معاني القرآن وإعرابه للزجاج (40/63).
(5) مدارك التنزيل للنسفي (3/125).
(6) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/20).(1/131)
الأولى:قاعدة توحيد مرجع الضمائر في السياق الواحد أولى من تفريقها(1)، فإن في السياق عدداً من الضمائر ما بين بارز ومستتر عائدة إلى الكفار وهي في (علينا) (نرى ربنا) (لقد استكبروا) (أنفسهم) (عَتَوْ) (يوم يرون) فالأولى في الموضع المتنازع عليه (يقولون) أن يتحد مرجعه مع بقية الضمائر. وقد قرر العمل بهذه القاعدة عدد من الأئمة، منهم السيوطي(2)، والزركشي(3)، والشنقيطي(4) وغيرهم..
الثانية: قاعدة رجوع الضمير إلى أقرب مذكور ما لم يرد دليل بخلافه(5). فإن أقرب مذكور هو لفظ (للمجرمين) ورجوع الضمير إليه أوْلى، وعليه فإن الراجح أن يكون القائلون هم الكفار -والله أعلم بالصواب-.
- - -
المراد بالذكر في قوله تعالى { لَقَدْ سة_¯=|تr& عَنِ حچٍ2دe%!$# }
25- { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ سة_tFّn="tƒ اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى سة_tFّs9 لَمْ أَتَّخِذْ $¸Rںxèù Wxٹد=yz (28) لَقَدْ سة_¯=|تr& عَنِ حچٍ2دe%!$# بَعْدَ إِذْ 'دTuن!$y_ } [سورة الفرقان: 27-29].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن المراد بالذكر: القرآن الكريم(6).
2- أن يراد به النبي - صلى الله عليه وسلم - (7).
3- أن الذكر هو الهدى والإيمان(8).
__________
(1) قواعد التفسير لخالد السبت (1/414)، قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (2/613).
(2) الإتقان للسيوطي (1/509).
(3) البرهان للزركشي (4/35).
... أبوعبدالله محمد بن بهادر بن عبدالله الزركشي، عالم بفقه الشافعية والأصول، له تصانيف في فنون عدة، توفي سنة (794هـ). الأعلام (6/60).
(4) أضواء البيان للشنقيطي (1/12).
(5) الإتقان للسيوطي (1/508)، قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (2/621).
(6) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/26).
(7) معاني القرآن للفراء (2/266).
(8) مدارك التنزيل للنسفي (3/126).(1/132)
4- أنه النطق بكلمة الشهادة(1).
5- أنه كل ما ذكر به الإنسان أمر آخرته من قرآن وموعظة ونحوه(2).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " وقوله تعالى في هذه الآية ((لقد أضلني عن الذكر)) الأظهر أن الذكر القرآن "(3).
الموافقون:
وأعني بهم كل من فسّر الذكر -في الآية- بالقرآن الكريم، متفقاً في ذلك مع ما ذهب إليه الشنقيطي، ومنهم:
1- الطبري: " وقوله تعالى ((لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني)) يقول جل ثناؤه مخبراً عن هذا النادم على ما سلف منه في الدنيا من معصية ربه في طاعة خليله؛ لقد أضلني عن الإيمان بالقرآن وهو الذكر، بعد إذ جاءني من عند الله فصدني عنه "(4).
2- ابن الجوزي: " ((لقد أضلني عن الذكر )) أي صرفني عن القرآن والإيمان به "(5).
3- القرطبي: " أي يقول هذا النادم: لقد أضلني من اتخذته في الدنيا خليلاً عن القرآن والإيمان به "(6).
4- ابن كثير: " ((لقد أضلني عن الذكر)) وهو القرآن "(7).
5- المحلي: " ((لقد أضلني عن الذكر)) أي القرآن "(8).
6- البقاعي: " ((أضلني عن الذكر)) أي عمّى عليَّ طريق القرآن الذي لا ذكر في الحقيقة غيره وصرفني عنه "(9).
المخالفون:
... وأعني بهم كل من فسّر الذكر على العموم، بأن يذكر عدداً من المعاني ويربط بينها بلفظ (أو) ونحوها معتبراً إياها كلها بياناً لمعنى ((الذكر)) في هذه الآية، ومنهم:
__________
(1) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/71).
(2) المحرر الوجيز لابن عطية (11/34).
(3) أضواء البيان للشنقيطي (6/316).
(4) جامع البيان للطبري (19/7).
(5) زاد المسير لابن الجوزي (6/13).
(6) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/26).
(7) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/317).
(8) تفسير الجلالين ص(302).
(9) نظم الدرر للبقاعي (13/375).(1/133)
1- الإمام الفرّاء: " ((لقد أضلني عن الذكر)) يقال: النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقال: القرآن. فيه قولان "(1).
2- السمعاني: " ((لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني)) أي: عن الهدى بعد إذ جاءني، وقيل: عن القرآن "(2).
3- الزمخشري: " ((عن الذكر)) عن ذكر الله أو القرآن أو موعظة الرسول، ويجوز أن يريد نطقه بالشهادة الحق وعزمه على الإسلام "(3).
4- ابن عطية: " و((الذكر)) هو ما ذكر به الإنسان أمر آخرته من قرآن أو موعظة ونحوه "(4).
5- الفخر الرازي: " ((عن الذكر)) أي عن ذكر الله أو القرآن وموعظة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويجوز أن يريد نطقه بشهادة الحق وغيرته على الإسلام "(5).
6- البيضاوي: " ((لقد أضلني عن الذكر)) عن ذكر الله أو كتابه أو موعظة الرسول أو كلمة الشهادة "(6).
7- أبوالسعود: " ((لقد أضلني عن الذكر)) تعليل لتمنيه المذكور وتوضيح لتعلله وتصديره باللام القسمية للمبالغة في بيان خطئه وإظهار ندمه وحسرته، أي والله لقد أضلني عن ذكر الله تعالى أو عن القرآن أو عن موعظة الرسل عليه الصلاة والسلام أو كلمة الشهادة "(7).
8- الشوكاني: " ((لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني)) أي والله لقد أضلني هذا الذي اتخذته خليلاً عن القرآن أو عن الموعظة أو عن كلمة الشهادة؛ أو مجموع ذلك، بعد إذ جاءني وتمكنت منه وقدرت عليه "(8).
__________
(1) معاني القرآن للفراء (2/266).
(2) تفسير القرآن للسمعاني (4/17).
... وهو: أبوالمظفر منصور بن محمد بن عبدالجبار السمعاني التميمي، صنّف في الفقه والتفسير والحديث والأصول. توفي سنة (489هـ). طبقات المفسرين (2/339).
(3) الكشاف للزمخشري (3/269).
(4) المحرر الوجيز لابن عية (11/34).
(5) التفسير الكبير للفخر الرازي (8/455).
(6) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/71).
(7) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/174).
(8) فتح القدير للشوكاني (4/72).(1/134)
... وقال كلاماً مشابهاً لما قالوه كل من الإمام البغوي(1)، والنسفي(2)، وأبي حيان (3)، والخازن(4)، وطنطاوي جوهري(5).
تعقيب الباحث:
... يتضح من خلال سياق الآيات أن كل ما ذكره المفسرون في بيان معنى الذكر -في هذه الآية- يصح حمل الآية عليه، وذلك لأمور:
1- كون الأغلبية من المفسرين اعتبروا أن المراد بالذكر معناه على العموم فيشمل القرآن والنطق بالشهادة والإيمان والهدى وكل ما يذكر به الإنسان أمر آخرته من قرآن وموعظة ونحوها.
2- سياق الآية يدل على العموم في معنى الذكر، فكون الظالم يندم أنه لم يتخذ مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - سبيلا وأن خليله منعه من النطق بالشهادة ومن الإيمان بالقرآن ومن سماع المواعظ من النبي - صلى الله عليه وسلم - والتي بها يكون الإنسان مؤمناً بما أعدّ الله - عز وجل - للعباد في الآخرة من جنة أو نار فيحتاط لنفسه، كل هذه المعاني لا يرفضها سياق الآية. والله أعلم بالصواب.
- - -
من القائل { وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا }
26- قوله تعالى: { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ سة_tFّn="tƒ اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى سة_tFّs9 لَمْ أَتَّخِذْ $¸Rںxèù Wxٹد=yz (28) لَقَدْ سة_¯=|تr& عَنِ حچٍ2دe%!$# بَعْدَ إِذْ 'دTuن!$y_ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) } [سورة الفرقان: 27-29].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن يكون قوله تعالى ((وكان الشيطان للإنسان خذولاً)) ابتداء إخبار من قول الله تعالى(6).
2- ويحتمل أن يكون حكاية كلام الظالم(7).
__________
(1) مختصر البغوي (2/659).
(2) مدارك التنزيل للنسفي (3/126).
(3) لباب التأويل للخازن (5/82).
(4) البحر المحيط لأبي حيان (8/102).
(5) تفسير الجواهر لطنطاوي جوهري (12/133).
(6) التسهيل لابن جزي (3/167).
(7) التفسير الكبير للفخر الرازي (8/455).(1/135)
ترجيح الشنقيطي:
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " وقوله تعالى ((وكان الشيطان للإنسان خذولاً)) الأظهر أنه من كلام الله تعالى، وليس من كلام الكافر النادم يوم القيامة "(1).
الموافقون:
... وأعني بهم الذين ذهبوا في معنى الآية إلى مثل ما ذهب إليه الشنقيطي، من أن قوله تعالى ((وكان الشيطان للإنسان خذولاً)) ابتداء إخبار من كلام الله تعالى، ومنهم:
1- الإمام ابن الجوزي: " ((لقد أضلني عن الذكر)) أي صرفني عن القرآن والإيمان به ((بعد إذ جاءني)) مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وها هنا تم الكلام. ثم قال الله تعالى ((وكان الشيطان للإنسان)) يعني الكافر ((خذولاً)) يتبرأ منه في الآخرة "(2).
2- القرطبي: " ((وكان الشيطان للإنسان خذولاً)) قيل: هذا من قول الله تعالى لا من قول الظالم "(3).
3- ابن عاشور: " وجملة ((وكان الشيطان للإنسان خذولاً)) تذييل من كلام الله تعالى لا من كلام الظالم؛ تنبيهاً للناس على أن كل هذا الإضلال من عمل الشيطان فهو الذي يسوّل لخليل الظالم إضلال خليله؛ لأن الشيطان خذول الإنسان، أي مجبول على شدة خذله "(4).
... ولم أجد أحداً رجّح القول الآخر، وإنما مَنْ لم يرجح أنه ابتداء إخبار من كلام الله جل وعلا جعل القولين يحتملان الآية، وها أنا أورد إليكم كلام بعضهم لفائدته وأشير إلى البقية اختصاراً، فمنهم:
1- الإمام ابن عطية: " ((وكان الشيطان للإنسان خذولاً)) يحتمل أن يكون من قول الظالم، ويحتمل أن يكون ابتداء إخبار من الله تعالى على جهة الدلالة على وجه ضلالهم، والتحذير من الشيطان الذي بلغ ثَمَّ ذلك المبلغ "(5).
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (6/315).
(2) زاد المسير لابن الجوزي (6/13).
(3) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/26).
(4) التحرير والتنوير لابن عاشور (19/17).
(5) المحرر الوجيز لابن عطية (11/35).(1/136)
2- الفخر الرازي: " ويحتمل أن يكون ((وكان الشيطان)) حكاية كلام الظالم، وأن يكون كلام الله تعالى "(1).
3- أبوالسعود: " ((وكان الشيطان للإنسان خذولاً)) أي مبالغاً في الخذلان حيث يواليه حتى يؤديه إلى الهلاك ثم يتركه ولا ينفعه. اعتراض مقرر لمضمون ما قبله، إما من جهته تعالى، أو من تمام كلام الظالم على أنه سمى خليله شيطاناً بعد وصفه بالإضلال الذي هو أخص الأوصاف الشيطانية أو على أنه أراد بالشيطان إبليس؛ لأنه الذي حمله على مخالّة المضلّين، ومخالفة الرسول الهادي عليه الصلاة والسلام بوسوسته وإغوائه، لكن وصفه بالخذلان يشعر كأنه يَعِدُه في الدنيا ويمنّيه بأنه ينفعه في الآخرة، وهو أوفق بحال إبليس "(2).
4- الشوكاني: " ((وكان الشيطان للإنسان خذولاً)) الخذل: ترك الإغاثة، ومنه خذلان إبليس للمشركين حيث يوالونه، ثم يتركهم عند استغاثتهم به، وهذه الجملة مقررة لمضمون ما قبلها، ويحتمل أن تكون من كلام الله تعالى، أو من تمام كلام الظالم، وأنه سمي خليله شيطاناً بعد أن جعله مضلاً، أو أراد بالشيطان إبليس لكونه الذي حمله على مخاللة المضلين "(3).
... وقال بنحو ما سبق كل من ابن جزي(4) والسمين الحلبي(5) والشهاب(6).
تعقيب الباحث:
__________
(1) التفسير الكبير للفخر الرازي (8/455).
(2) إرشاد العقل السليم لأبي السعود 4/174).
(3) فتح القدير للشوكاني (4/72).
(4) التسهيل لابن جزي (3/167).
(5) الدر المصون للسمين الحلبي (8/480).
(6) حاشية الشهاب على البيضاوي (6/420).
... وهو: أحمد بن محمد بن عمر، شهاب الدين الخفاجي المصري، قاضي القضاة وصاحب التصانيف العديدة، ومنها: حاشية على تفسير البيضاوي. توفي سنة (1069هـ) الأعلام
(1/238).(1/137)
من خلال استعراض أقوال المفسرين في بيان هل ((وكان الشيطان للإنسان خذولاً)) ابتداء إخبار من قول الله - عز وجل - أو هي تتمة لكلام الظالم النادم يوم القيامة؛ يتضح صحة اعتبار القولين بياناً لمعنى الآية، لأمور:
1- على اعتبار أنه ابتداء إخبار من قول الله - عز وجل - ، يؤيد ذلك عدد كثير من الآيات التي حذر الله - عز وجل - فيها عباده من الشيطان الرجيم وأخبرهم بعداوته لهم، فتكون آية الفرقان هذه داخلة أيضاً في نوع تلك الآيات باعتبار أنها كلها إخبار من الله - عز وجل - ؛ ومنها على سبيل المثال: قوله تعالى: { ك‰ƒحچمƒur الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا } [سورة النساء: 60]، وقوله تعالى: { يَعِدُهُمْ ِNخkژدiYyJمƒur وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120) } [سورة النساء: 120]، وقوله تعالى: { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ ×ûüخ7-B (22) } [سورة الأعراف: 22]، وقوله تعالى: { إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا $YZ خ7-B (53) } [سورة الإسراء: 53] وغيرها من الآيات(1).
__________
(1) منها: [سورة المائدة: 91]، [سورة يوسف: 5]، [سورة لقمان: 21]، [سورة الزخرف: 62] وغيرها.(1/138)
2- على اعتبار أنه من تتمة كلام الظالم النادم فإنه يقول هذا الكلام عندما يتضح له كل شيء في يوم القيامة. ويؤيد ذلك أيضاً عدد من الآيات الدالة على انكشاف الأمور على حقيقتها في يوم القيامة، ومن ذلك ما يصرّح به الشيطان في يوم القيامة من هروبه وتخلّيه عن المشركين الظالمين، وهي قوله تعالى: { وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِن اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ بd,utù:$# وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ z'ح< عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا 'دTqمBqè=s? (#ûqمBqن9ur أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا ِNà6½zخژَاكJخ/ وَمَا أَنْتُمْ †تپخژَاكJخ/ 'دoTخ) كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ ڑْüدJد="©à9$# لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) } [سورة إبراهيم: 22]. ويؤيد ذلك أيضاً في قضية اتضاح الأمور قوله تعالى:
{ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا y7Ztم غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) } [سورة ق: 22]. والله أعلم بالصواب.
- - -
متى كانت القرون الكثيرة
27- قوله تعالى: { وَعَادًا وَثَمُودَ |="utُ¾r&ur الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ y7د9¨sŒ #[ژچدVx. (38) } [سورة الفرقان: 38].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- ((وقروناً بين ذلك كثيراً)) أي: أمماً لا يعلمهم إلا الله - عز وجل - بين قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الرس(1).
2- ((وقروناً بين ذلك كثير)) أي: وأهلكنا قروناً كثيراً بين عاد وثمود وأصحاب الرس(2).
3- ((وقروناً بين ذلك كثيراً)) يعني وأهلكنا قروناً كثيراً بين عاد وأصحاب الرس(3).
4- ((وقروناً بين ذلك كثيراً)) أي: وأمماً أضعاف من ذكر أهلكناهم كثيرة(4).
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/34).
(2) لباب التأويل للخازن (5/84).
(3) مختصر البغوي (2/660).
(4) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/319).(1/139)
5- ((وقروناً بين ذلك كثيراً)) إبهام لا يعلم حقيقته إلا الله تعالى(1).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " والأظهر أن القرون الكثيرة المذكورة؛ بعد قوم نوح وعاد وثمود، وقبل أصحاب الرس(2)، وقد دلت آية في سورة إبراهيم على أن بعد عاد وثمود خلقاً كفروا وكذبوا الرسل وأنهم لا يعلمهم إلا الله جل وعلا.
وتصريحه بأنهم بعد عاد وثمود يوضح ما ذكرنا؛ وذلك في قوله تعالى: { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ ôMà6د=ِ6s% قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ (#ےr-ٹuچsù أَيْدِيَهُمْ فِي َOخgدd¨uqّùr& (#ûqن9$s%ur إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا !$sYtRqممô‰s? إِلَيْهِ 5=ƒحچمB (9) } [سورة إبراهيم: 9] "(3).
الموافقون:
وأعني بهم كل من قال بأحد الأقوال الثلاثة الأولى المذكورة في مجمل الأقوال، بمعنى أنهم ذكروا أسماء الأقوام المذكورين في الآيات -أو بعضهم- وأشاروا إلى أن القرون الكثيرة بينها. ومنهم:
1- الإمام البغوي: " ((وقروناً بين ذلك كثيراً)) يعني وأهلكنا قروناً كثيراً بين عاد وأصحاب الرس "(4).
__________
(1) المحرر الوجيز لابن عطية (11/41).
(2) اختلف في أصحاب الرس على أقوال:
... 1- أنهم قرية من ثمود. ... ... 2- أنهم قرية من اليمامة يقال لها الفلج.
... 3- أنهم قوم رسوا نبيهم في بئر. ... 4- وقيل هي بئر كانت تسمى الرس.
... 5- وفيل: الرس بئر بأذربيجان. ... 6- وقيل أصحاب الرس قوم شعيب.
... وقيل غير ذلك... انظر: ما قيل عن أصحاب الرس في: جامع البيان للطبري (19/11)، والدر المنثور للسيوطي (5/71).
(3) أضواء البيان للشنقيطي (6/324).
(4) مختصر البغوي (2/660).(1/140)
2- ابن الجوزي: " قوله تعالى: ((وقروناً)) المعنى: وأهلكنا قروناً ((بين ذلك)) أي بين عاد وأصحاب الرس. وفي هذه القصص تهديد لقريش "(1).
3- القرطبي: " ((وقروناً بين ذلك كثيراً)) أي أمماً لا يعلمهم إلا الله بين قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الرس "(2).
4- الخازن: " ((وقروناً بين ذلك كثيراً)) أي وأهلكنا قروناً كثيراً بين عاد وثمود وأصحاب الرس "(3).
5- المحلي: " ((وقروناً)) أقواماً ((بين ذلك كثيراً)) أي بين عاد وأصحاب الرس "(4).
المخالفون:
... وأعني بهم كل من أشار إلى القرون على أنهم عدد من الأمم والأقوام لا يعلمهم إلا الله - عز وجل - أُهلكوا بسبب تكذيبهم، ولم يحدد وقتهم بين أمم معينة، منهم:
1- الإمام الطبري: " ((وقروناً بين ذلك كثيراً)) يقول ودمرنا بين أضعاف هذه الأمم التي سمينا لكم أمماً كثيرة "(5).
2- النسفي: " ((وقروناً)) وأهلكنا أمماً ((بين ذلك)) المذكور ((كثيراً)) لا يعلمها إلا الله أُرسل إليهم فكذبوهم فأهلكوا "(6).
3- ابن عطية: " وقوله تعالى: ((وقروناً بين ذلك كثيراً)) إبهام لا يعلم حقيقته إلا الله تعالى "(7).
4- ابن كثير: " ((وقروناً بين ذلك كثيراً)) أي وأمماً أضعاف من ذكر أهلكناهم كثيرة "(8).
__________
(1) زاد المسير لابن الجوزي (6/16).
(2) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/34).
(3) لباب التأويل للخازن (5/84).
(4) تفسير الجلالين ص(303).
(5) جامع البيان للطبري (19/11).
(6) مدارك التنزيل للنسفي (3/128).
(7) المحرر الوجيز لابن عطية (11/41).
(8) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/319).(1/141)
5- الشوكاني: " ((وقروناً بين ذلك كثيراً)) معطوف على ما قبله. والقرون جمع قرن، أي أهل قرون، والقرن: مائة سنة، وقيل: مائة وعشرون، وقيل: القرن أربعون سنة. والإشارة بقوله ((بين ذلك)) إلى ما تقدم ذكره من الأمم. وقد يذكر الذاكر أشياء مختلفة ثم يشير إليها بذلك "(1).
6- ابن عاشور: " ومعنى ((بين ذلك)) أن أمماً تخللت تلك الأقوام ابتداء من قوم نوح. وفي هذه الآية إيذان بطول مُدَد هذه القرون وكثرتها "(2).
تعقيب الباحث:
... من خلال استعراض أقوال المفسرين، يظهر لي -والله أعلم- أنه لا خلاف حقيقي بين أقوالهم، فإنه قد وُجد من المفسرين من ذكر في تفسيره أسماء جميع الأقوام المذكورين في الآيات، في حين اقتصر البعض على ذكر بعض الأقوام اختصاراً وإشارة إلى البعض الآخر، وكلهم يبين أن المراد بالقرون هم ما بين تلك الأمم. ووجد من المفسرين من لا يذكر في التفسير أسماء الأقوام المذكورين في الآيات اكتفاءاً بذكرهم في الآيات، وإنما يشير إلى أن القرون هم بين الأقوام الذين ذكروا في الآيات.
وعليه فإنه لا خلاف تناقض بين أقوال المفسرين إنما هو اختلاف تنوع في التعبير عن المعنى. وإن كان الشنقيطي قد استدل على ما رجّحه في آية سورة الفرقان بما ورد في آية سورة إبراهيم؛ فإنه من باب إيضاح القرآن بالقرآن الذي هو أفضل أنواع التفسير(3).
وأما عن عدم التفصيل في ذكر كل الأقوام في الآيات فقد قال العلامة أبوالسعود: " ... ولعل الاكتفاء في شئون تلك القرون بهذا البيان الإجمالي لما أن كل قرن منها لم يكن في الشهرة وغرابة القصة بمثابة الأمم المذكورة "(4). والله أعلم بالصواب.
- - -
__________
(1) فتح القدير للشوكاني (4/75).
(2) تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور (19/29).
(3) شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص(127)، وقواعد التفسير لخالد السبت (1/109).
(4) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/181).(1/142)
مرجع الضمير في قوله { صَرَّفْنَاهُ } والمعنى المترتب عليه.
28- قوله تعالى: { وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50) } [سورة الفرقان: 50].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
اختلفت أقوال المفسرين في مرجع الضمير في قوله ((صرفناه)) إلى ثلاثة أقوال:
1- أنه راجع إلى ماء المطر (1).
2- أنه راجع إلى القرآن الكريم(2).
3- أنه راجع إلى ما ذكر من الدلائل، أي كرر أحوال الإظلال، وإنشاء السحاب وإنزال المطر في القرآن وفي سائر الكتب السماوية ليتفكروا ويعتبروا(3).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " التحقيق أن الضمير في قوله ((ولقد صرفنا)) راجع إلى ماء المطر المذكور في قوله تعالى: { وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا } [سورة الفرقان: 48] "(4).
الموافقون:
وافق الشيخ الشنقيطي في ترجيحه عدد من المفسرين؛ منهم:
1- الإمام الطبري: حيث قال بعد إيراد الآية: " يقول تعالى ذكره ولقد قسمنا هذا الماء الذي أنزلناه من السماء طهوراً لنحيي به الميت من الأرض بين عبادي ليتذكروا نعمي عليهم ويشكروا أيادي عندهم وإحساني إليهم "(5).
2- ابن كثير، قال: " أي أمطرنا هذه الأرض دون هذه وسقنا السحاب يمر على الأرض ويتعداها ويتجاوزها إلى الأرض الأخرى فيمطرها ويكفيها ويجعلها غدقاً والتي وراءها لم ينزل فيها قطرة من ماء، وله في ذلك الحجة البالغة والحكمة القاطعة "(6).
__________
(1) جامع البيان للطبري (19/15).
(2) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/57).
(3) فتح القدير للشوكاني (4/80).
(4) أضواء البيان للشنقيطي (6/325).
(5) جامع البيان للطبري (19/25).
(6) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/321).(1/143)
3- أبوحيان، قال: " والضمير في ((صرفناه)) عائد على الماء المنزل من السماء، أي جعلنا إنزال الماء تذكرة بأن يصرفه عن بعض المواضع إلى بعض وهو في كل عام بمقدار واحد "(1).
... واختار هذا القول أيضاً غيرهم من المفسرين كالإمام البغوي(2) والنيسابوري(3) وابن الجوزي(4) وابن عاشور(5) وغيرهم.
المخالفون:
... اختار بعض المفسرين رأياً مخالفاً لما اختاره الشنقيطي وذلك على قولين:
1- فمنهم من قال: إن الضمير راجع إلى ما ذكر من الدلائل؛ أي كرر أحوال الإظلال، وذكر إنشاء السحاب وإنزال المطر في القرآن وفي سائر الكتب السماوية ليتفكروا ويعتبروا. وممن قال بهذا الإمام النسفي(6)، والزمخشري(7)، والشوكاني(8).
2- ومنهم من قال: إن الضمير راجع إلى القرآن الكريم. ومن قال بهذا:
أ- القرطبي، قال: " قوله تعالى: ((ولقد صرفناه بينهم)) يعني القرآن، وقد جرى ذكره في أول السورة؛ قوله تعالى: { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ } [سورة الفرقان: 1]، وقوله: { لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي } [سورة الفرقان: 29]، وقوله: { اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا } [سورة الفرقان: 30] "(9).
ب- ابن جزي، قال: " الضمير للقرآن، وقيل للمطر وهو بعيد "(10).
__________
(1) البحر المحيط لأبي حيان (8/118).
(2) مختصر تفسير البغوي (2/666).
(3) إيجاز البيان للنيسابوري (2/81).
(4) زاد المسير لابن الجوزي (6/19).
(5) التحرير والتنوير لابن عاشور (19/49).
(6) مدارك التنزيل للنسفي (3/130).
(7) الكشاف للزمخشري (3/277).
(8) فتح القدير للشوكاني (4/80).
(9) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/57).
(10) التسهيل لابن جزي (3/172).(1/144)
جـ- الإمام البقاعي ولقد ربط بكلام محكم دقيق جميل بين الآيات مبيناً رجوع الضمير في ((صرفناه)) إلى القرآن الكريم؛ حيث قال: " ولما ذكر سبحانه أن من ثمرة إنزال القرآن نجوماً إحياء القلوب التي هي أرواح الأرواح، وأتبعه ما لاءمه، إلى أن ختم بما جعله سبباً لحياة الأشباح، فكان موضعاً لتوقع العود إلى ما هو حياة الأرواح، قال عاطفاً على متعلق { كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ } [سورة الفرقان: 32] منبهاً على فائدة أخرى لتنجيمه أيضاً ((ولقد صرفناه)) أي وجهنا القرآن وجوهاً من البيان، وطرقناه طرقاً تعيي أرباب اللسان، في معان كثير جداً ((بينهم)) في كل قطر كل قوم ((ليذكروا)) بالآيات المسموعة ما ركزنا في فطرهم من الأدلة العقلية المؤيدة بالآيات المرئية ولو على أدنى وجوع التذكر المنجية لهم "(1).
__________
(1) نظم الدرر للبقاعي (13/404).(1/145)
د- سيد قطب، بعد حديثه عن الآيات السابقة للآية المقصودة وعن الآيات المتحدثة عن نعمة إرسال الرياح المبشرة بالمطر وإنزال المطر لحياة الأرض والخلائق، يقول: " وعند هذا المقطع من استعراض المشاهد الكونية يلتفت إلى القرآن النازل من السماء كذلك لتطهير القلوب والأرواح؛ وكيف يستبشرون بالماء المحيي للأجسام ولا يستبشرون بالقرآن المحيي للأرواح: ((ولقد صرفنا بينهم)) فعرضناه عليهم في صور شتى، وأساليب متعددة، ولفتات متنوعة؛ وخاطبنا به مشاعرهم ومداركهم، وأرواحهم وأذهانهم؛ ودخلنا عليهم به من كل باب من أبواب نفوسهم، وبكل وسيلة تستجيش ضمائرهم.. ((ليذكروا)).. فما يحتاج الأمر إلى أكثر من التذكر. والحقيقة التي يحاول القرآن ردهم إليها مركوزة في فطرتهم، أنساهم إياها الهوى الذي اتخذوا منه إلهاً... ((فأبى أكثر الناس إلا كفوراً)). [ثم وضع حاشية لزيادة الإيضاح قائلاً:] بعض المفسرين يرجع الضمير في ((صرفناه)) إلى الماء بوصفه أقرب مذكور في العبارة. ولأن القرآن لم يذكر في هذا المقام. ولكننا نرجح أن الضمير عائد على القرآن، لأنه لاشك في أن قوله: { وَجَاهِدْهُمْ بِهِ } [سورة الفرقان: 52] يعني القرآن فهو لا يجاهدهم بالماء. والذي يجعل الضمير الثاني راجعاً إلى القرآن يجعل الضمير الأول كذلك. إنما هي التفاته من التفاتات القرآن الكثيرة بمناسبة مضمرة ملحوظة. هذه المناسبة هنا إنزال الماء الطهور المحيي؛ التي ترد الذهن إلى إنزال القرآن المطهر المحيي الذي تدور السورة كلها عليه "(1).
تعقيب الباحث:
__________
(1) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/2570).(1/146)
... يظهر لي -والله أعلم- رجحان قول من قال إن الضمير راجع إلى القرآن على اعتبار قاعدة توحيد مرجع الضمائر أولى من تفريقها(1). وقد ذكرت آنفاً كلام سيد قطب أنه لا شك في أن قوله: ((وجاهدهم به)) يعني القرآن؛ فهو لا يجاهدهم بالماء، والذي يجعل الضمير الثاني راجعاً إلى القرآن يجعل الضمير الأول كذلك. وقد يقول قائل لم لا تعتبر قاعدة رجوع الضمير إلى أقرب مذكور؛ فأقول: عند تنازع قاعدة توحيد مرجع الضمائر مع قاعدة رجوع الضمير إلى أقرب مذكور؛ تقدم قاعدة توحيد مرجع الضمائر(2). وقد قرر هذا التقديم إمامنا الشنقيطي نفسه(3). والله أعلم بالصواب.
- - -
معنى { وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا }
29- قوله تعالى: { وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا } [سورة الفرقان: 55].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- وكان الكافر معيناً للشيطان وللكفار على عداوة الله - عز وجل - ورسله(4).
2- أن يكون الظهير جمعاً؛ كقوله تعالى: { وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } [سورة التحريم: 4]، والمعنى: أن بعض الكفار مظاهر لبعض على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو على دين الله - عز وجل - (5). وهذا يدخل تحت القول الأول بصورة كبيرة.
3- وكان الكافر على ربه هيناً ذليلاً لا قدرة له ولا وزن عنده(6).
__________
(1) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (2/613).
(2) المرجع السابق (1/67).
(3) أضواء البيان للشنقيطي(5/751).
(4) جامع البيان للطبري (19/18)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/322).
(5) فتح القدير للشوكاني (4/82) ذكره بالتضعيف.
(6) جامع البيان للطبري (19/18) ذكره وضعّفه، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/61) ذكره بصيغة التمريض.(1/147)
4- وكان الكافر على ربه الذي يعبده وهو الصنم قوياً غالباً يعمل به ما يشاء؛ لأن الجماد لا قدرة له على دفع ضر ولا جلب نفع(1).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " ومعنى قوله تعالى في هذه الآية الكريمة ((وكان الكافر على ربه ظهيراً)) على أظهر الأقوال: وكان الكافر معيناً للشيطان، وحزبه من الكفرة على عداوة الله ورسله، فالكافر من حزب الشيطان يقاتل في سبيله أولياء الله؛ الذي يقاتلون في سبيل الله، فالكافر يعين الشيطان وحزبه في سعيهم؛ لأن تكون كلمة الله ليست هي العليا.
وهذا المعنى دلت عليه آيات من كتاب الله؛ كقوله تعالى: { الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ } [سورة النساء: 76], ومعلوم أن الذي يقاتل في سبيل الطاغوت المقاتلين في سبيل الله؛ أنه على ربه ظهير.
وقوله تعالى: { وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75) } [سورة يس: 74-75] على قول من قال: إن الجند المحضرون هم الكفار؛ يقاتلون عن آلهتهم ويدافعون عنها، ومن قاتل عن الأصنام مدافعاً عن عبادتها، فهو على ربه ظهير، وكونه ظهيراً على ربه أي معيناً للشيطان وحزبه على عداوة الله ورسوله. ككونه عدواً له المذكور في قوله تعالى: { مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِن اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98) } [سورة البقرة: 98]، وقوله تعالى: { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) } [سورة فصلت: 19].
فائدة:
__________
(1) المرجع السابق وذكره بصيغة التمريض أيضاً، وفتح القدير للشوكاني (4/82).(1/148)
ومعلوم بالضرورة أن جميع الخلق لو تعاونوا على عداوة الله - عز وجل - لا يمكن أن يضروه بشيء وإنما يضرون بذلك أنفسهم: { * يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) } [سورة فاطر: 15] "(1).
الموافقون:
جمهور المفسرين اختاروا القول الموافق لما ذهب إليه الشنقيطي من أن معنى ظهيراً: معيناً، أي كان الكافر معيناً للشيطان وحزبه من الكفرة على عداوة الله - عز وجل - ورسله، فمن هؤلاء المفسرين:
1- الطبري؛ قال: " يقول تعالى ذكره وكان الكافر معيناً للشيطان على ربه مظاهر له على معصيته "، ثم ذكر قولاً خلاصته أن معنى: ((وكان الكافر على ربه ظهيراً)) يعني: وكان الكافر على ربه هيناً من قول العرب ظهرت به فلم التفت إليه؛ إذ جعله خلف ظهره فلم يلتفت إليه. ولكنه ضعّف هذا القول، ثم قال: " والقول الذي قلناه هو وجه الكلام والمعنى الصحيح؛ لأن الله تعالى ذكره أخبر عن عبادة هؤلاء الكفار من دونه، فأولى الكلام أن يتبع ذلك ذمّه إياهم وذم فعلهم دون الخبر عن هوانهم على ربهم، ولمّا يجر لاستكبارهم عليه ذكر فيتبع بالخبر عن هوانهم عليه "(2).
2- الزجاج؛ قال: " معنى الظهير المعين؛ لأنه يتابع الشيطان ويعاونه على معصية الله - عز وجل - لأن عبادتهم للأصنام معاونة للشيطان "(3).
3- النسفي؛ قال: " ((وكان الكافر على ربه)) على معصية ربه ((ظهيراً)) معيناً ومظاهراً، والمعنى: أن الكافر بعبادة الصنم يتابع الشيطان ويعاونه على معصية الرحمن - عز وجل - "(4).
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (6/343).
(2) جامع البيان للطبري (19/17-18).
(3) معاني القرآن وإعرابه للزجاج (4/73).
(4) مدارك التنزيل للنسفي (3/131) بتصرف.(1/149)
4- ابن القيم؛ قال: " هذا من ألطف خطاب القرآن، وأشرف معانيه، وأن المؤمن دائماً مع الله - عز وجل - على نفسه وهواه وشيطانه وعدو ربه. وهذا معنى كونه من حزب الله وجنده وأوليائه، فهو مع الله سبحانه على عدوه الداخل فيه والخارج عنه، يحاربهم ويعاديهم ويُغْضِبهم له سبحانه. كما يكون خواص الملك معه على حرب أعدائه، والبعيدون منه فارغون من ذلك، غير مهتمين به، والكافر مع شيطانه ونفسه وهواه على ربه. والمعنى: أنه يوالي عدوه على معصيته والشرك به، فيكون مع عدوه معيناً له على مساخط ربه.
... فالمعية الخاصة التي للمؤمن مع ربه وإلهَهُ قد صارت لهذا الكافر والفاجر مع الشيطان ومع نفسه وهواه وقربانه، ولهذا صدّر الآية بقوله: ((ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم))، وهذه العبادة هي الموالاة والمحبة والرضا بمعبوديتهم المتضمنة لمعيتهم الخاصة؛ فظاهروا أعداء الله - عز وجل - على مُعاداته ومخالفته ومساخطه، بخلاف وليّه سبحانه؛ فإنه معه على نفسه وشيطانه وهواه.
... وهذا المعنى من كنوز القرآن لمن فَهِمَه وعَقَله، وبالله التوفيق "(1).
5- ابن كثير؛ قال: " يخبر تعالى عن جهل المشركين في عبادتهم غير الله من الأصنام التي لا تملك لهم(2) ضراً ولا نفعاً، بلا دليل قادهم إلى ذلك ولا حجة أدتهم إليه بل بمجرد الآراء والتشهي والأهواء، فهم يوالونهم ويقاتلون في سبيلهم ويعادون الله ورسوله والمؤمنين فيهم، ولهذا قال تعالى: ((وكان الكافر على ربه ظهيراً)) أي عوناً في سبيل الشيطان على حزب الله "(3).
__________
(1) بدائع التفسير (3/198)، والفوائد لابن القيم ص(120).
(2) في تفسير ابن كثير قال: " لا تملك له " وهو خطأ مطبعي، ولكي تستقيم العبارة لابد أن يكون الضمير "لهم" كما أثبته.
... انظر:مختصر تفسير ابن كثير للصابوني (2/636).
(3) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/322).(1/150)
6- البقاعي؛ قال: " ((ظهيراً)) ميعناً لشياطين الإنس والجن على أولياء الله - عز وجل - "(1).
7- الشوكاني؛ قال: " ((وكان الكافر على ربه ظهيراً)) الظهير المظاهر، أي المعاون على ربه بالشرك والعداوة، والمظاهرة على الرب جلا وعلا هي المظاهرة على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى دينه "(2).
8- القاسمي؛ قال: " أي معيناً للشيطان على عصيان ربه - عز وجل - "(3).
9- السعدي؛ قال: " أي: يعبدون أصناماً وأمواتاً لا تضر ولا تنفع، وتجعلونها أنداداً لمالك النفع والضرر، والعطاء والمنع، مع أن الواجب عليهم أن يكونوا مقتدين بإرشادات ربهم، ذابيّن عن دينه، ولكنهم عكسوا القضية. فالباطل الذي هو الأوثان والأنداد؛ أعداء الله - عز وجل - ، فالكافر عاونها وظاهرها على ربها، وصار عدواً لربه، مبارزاً له في العداوة والحرب "(4).
ولم أجد أحداً اختار قولاً مخالفاً ورجّحه، ولكن ربما بعض المفسرين جمع الأقوال دون ترجيح، منهم ابن عطية(5)، وابن الجوزي(6)، والخازن (7).
تعقيب الباحث:
... الذي يظهر -والله أعلم- أن الراجح في معنى قوله تعالى: ((وكان الكافر على ربه ظهيراً)) هو ما ذهب إليه جمهور المفسرين من المتقدمين والمتأخرين ومنهم الشيخ الشنقيطي؛ وذلك لأمور:
__________
(1) نظم الدرر للبقاعي (13/410).
(2) فتح القدير للشوكاني (4/82).
(3) محاسن التأويل للقاسمي (12/4585).
(4) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(585).
(5) المحرر الوجيز لابن عطية (11/55).
(6) زاد المسير لابن الجوزي (6/20).
(7) لباب التأويل للخازن (5/87).(1/151)
1- دلالة سياق الآيات على المعنى الراجح؛ وهي قاعدة(1) مهمة عند المفسرين في فهم كلام الله - عز وجل - فقد قال الإمام الطبري -وقد سبق ذكر كلامه وأعيده لربط الكلام وإيضاح المعنى في الذهن-: " لأن الله تعالى ذكره أخبر عن عبادة هؤلاء الكفار من دونه، فأولى الكلام أن يتبع ذلك ذمّه إياهم وذم فعلهم دون الخبر عن هوانهم على ربهم ولمّا يجر لاستكبارهم عليه ذكر فيتبع بالخبر عن هوانهم عليه "(2).
2- كون ((ظهيراً)) تعني المعاون هو الغالب في أسلوب(3) القرآن الكريم باستقراء الآيات الواردة فيها هذه الكلمة، منها قوله تعالى: { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) } [سورة الإسراء: 88]، ومنها قوله تعالى: { فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } [سورة التحريم: 4]. وغيرها من الآيات(4).
3- أن الظهير هو المعين، والمظاهرة المعاونة، واستظهر به استعان، هذا هو المعروف في اللغة(5) وهو الأولى بحمل الآية عليه فهو الأغلب والأشهر(6).
4- إجماع جمهور المفسرين(7) على هذا القول وجه من وجوه ترجيحه، مع عدم وجود أحد رجّح قولاً مخالفاً.
فائدة:
__________
(1) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/125).
(2) جامع البيان للطبري (19/18).
(3) قواعد التفسير لخالد السبت (2/798)، وقواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/172).
(4) سورة القصص: 17، وكذلك 86]، [سورة سبأ: 22].
(5) القاموس المحيط للفيروز آبادي ص(557)، باب الراء فصل الظاء، ومختار الصحاح للرازي
ص(406)، مادة ظ هـ ر.
(6) قواعد التفسير لخالد السبت (1/213)، وقواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (2/369).
(7) المرجع السابق (1/288).(1/152)
... اختلف في المراد بالكافر على أقوال: فقيل عام في كل كافر، وقيل: إبليس، وقيل: أبوجهل، وقد صحّح كل من الرازي والخازن: أنه عام في كل كافر(1)، ويبدو أنهم بنوه على قاعدة: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب(2)، ومن قال إنه أبوجهل على اعتبار أن الآية نزلت فيه(3) وجوّز الألوسي أن يكون معنى ((ظهيراً)) مراداً على سائر الاحتمالات في "الكافر"، فقد قال: " المراد بالكافر الجنس، فهو إظهار في مقام الإضمار لنعي كفرهم عليهم. وقيل: هو أبوجهل والآية نزلت فيه، وقيل: هو إبليس عليه اللعنة، والمراد يعاون المشركين على ربه - عز وجل - بأن يغريهم على معصيته والشرك به - عز وجل - ، وقيل: المراد يعاون على أولياء الله - عز وجل - .
... وجوز أن يكون هذا مراداً على سائر الاحتمالات في الكافر "(4). والله أعلم بالصواب.
- - -
معنى الغرام
30- قوله تعالى: { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِن عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) } [سورة الفرقان: 65].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن معنى غراماً: لازماً دائماً غير مفارق(5).
2- أن الغرام: أشد العذاب (6).
3- معنى ((كان غراماً)) هلاكاً وخسراناً(7).
4- الغرام: الشر(8).
ترجيح الشنقيطي:
__________
(1) التفسير الكبير للفخر الرازي (8/476)، لباب التأويل للخازن (5/87).
(2) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (2/545)، وقواعد التفسير لخالد السبت (2/593).
(3) الدر المنثور للسيوطي (5/74) أورد الروايات الدالة على ذلك.
(4) روح المعاني للألوسي (10/36-37).
(5) جامع البيان للطبري (19/23)، تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/325).
(6) معاني القرآن وإعرابه للزجاج (4/75).
(7) نقله القرطبي ولم يرجحه عن أبي عبيدة (13/72)، التسهيل لابن جزي (3/176).
(8) نقله القرطبي ولم يرجحه عن ابن زيد (13/72).(1/153)
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " الأظهر أن معنى قوله ((كان غراماً)) أي كان لازماً دائماً غير مفارق، ومنه سمي الغريم لملازمته، ويقال: فلان مغرم بكذا أي لازم له مولع به.
... وهذا المعنى دلت عليه آيات من كتاب الله تعالى، كقوله تعالى: { وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ } [المائدة: 37، التوبة: 68]، وقوله تعالى: { لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) } [سورة الزخرف: 75]، وقوله تعالى: { فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30) } [سورة النبأ: 30]، وقوله تعالى: { لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ } [البقرة: 162، آل عمران: 88]، وقوله تعالى: { وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ } [سورة فاطر: 36]. وقوله تعالى: { كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا } [سورة الإسراء: 97]، وقوله تعالى: { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ } [سورة النساء: 56] إلى غير ذلك من الآيات(1).
... وقال الزجاج: " الغرام أشد العذاب، وقال ابن زيد: الغرام الشر، وقال أبوعبيدة: الهلاك، قاله القرطبي(2) " (3).
الموافقون:
... كثير من أئمة التفسير ذهبوا إلى ما ذهب إليه الشيخ الشنقيطي في معنى ((كان غراماً)) وأن معناها: لازماً دائماً غير مفارق ونحوها؛ من هؤلاء:
1- الإمام الطبري: " وقوله ((إن عذابها كان غراماً)) يقول إن عذاب جهنم كان غراماً ملحّاً دائماً لازماً غير مفارق من عذب به من الكفار "(4).
__________
(1) مثلاً: [سورة البقرة: 86]، [سورة يونس: 52]، [سورة هود: 39]، [سورة النحل: 85]، [سورة الحج: 22]، [سورة السجدة: 14]، [سورة الزمر: 40]، [سورة الشورى: 45].
(2) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/72).
(3) أضواء البيان للشنقيطي (6/350-351).
(4) جامع البيان للطبري (19/23).(1/154)
2- القرطبي: " ((إن عذابها كان غراماً)) أي لازماً دائماً غير مفارق "(1).
3- ابن كثير: " أي ملازماً دائماً "(2).
4- البيضاوي: " لازماً، ومنه الغريم لملازمته "(3).
5- السعدي: " أي ملازماً لأهلها، بمنزلة ملازمة الغريم لغريمه "(4).
... وممن قال به أيضاً من الأئمة: الفراء(5)،والبغوي(6)،والزمخشري(7)، والنيسابوري(8)، والسمين الحلبي(9)، البقاعي(10)، والشوكاني(11) وغيرهم(12).
المخالفون:
... قلة من المفسرين اختاروا القول المخالف؛ منهم:
1- الزجاج: " الغرام في اللغة أشد العذاب "(13).
2- ابن زيد: " الغرام الشر "(14).
3- أبوعبيدة: " الهلاك "(15).
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/72).
(2) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/325).
(3) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/74).
(4) تيسير الكريم الرحمن للسعدي (586).
(5) معاني القرآن للفراء (2/272).
(6) مختصر البغوي (2/665).
(7) الكشاف للزمخشري (3/284).
(8) إيجاز البيان للنيسابوري (2/83).
(9) الدر المصون للسمين الحلبي (8/499).
(10) نظم الدرر للبقاعي (13/324).
(11) فتح القدير للشوكاني (4/85).
(12) مثلاً: النسفي في مدارك التنزيل (3/133)، ابن عطية في المحرر الوجيز (11/69)، وسيد قطب في ظلال القرآن (5/2578)، وابن عاشور في التحرير والتنوير (19/71).
(13) معاني القرآن وإعرابه للزجاج (4/75).
(14) حكاه عنه القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (13/72).
... وابن زيد هو: عبدالرحمن بن زيد بن أسلم العدويّ مولاهم المدني، روى عن أبيه وابن المنكدر، له: (التفسير) و (الناسخ والمنسوخ). توفي سنة (182هـ). طبقات المفسرين (1/265).
(15) المرجع السابق.
وأبوعبيدة هو: معمر بن المثنى البصري، اللغوي، من أئمة اللغة والأدب، من مصنفاته المشهورة: (غريب القرآن). توفي سنة (209هـ). طبقات المفسرين (2/326).(1/155)
... ومن الأئمة من جمع الأقوال كلها دون ترجيح بينها كابن الجوزي(1) وابن جزي(2) وابن القيم(3).
تعقيب الباحث:
... الذي يظهر -والله أعلم- أن الراجح في معنى الغرام هو ما ذهب إليه الشنقيطي ومن وافقه، من أن معناه لازم دائم غير مفارق، لأمور:
__________
(1) زاد المسير لابن الجوزي (6/23).
(2) التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي (3/176).
(3) بدائع التفسير لابن القيم (3/303).(1/156)
1- أن القول بأن معنى الغرام: الشر أو الهلاك أو أشد العذاب ليس فيه إفادة معنى جديد في الآية، إنما هو من باب التوكيد، فإن عذاب جهنم فيه الشدة والهلاك والشر، بل إن هذه الصفات قد تنطبق على أي عذاب في الدنيا، أما القول بأنه لازم ودائم غير مفارق فقد أفاد معنى جديداً وصفة مختصة بعذاب الآخرة في جهنم، ومعلوم أنه إذا دار الكلام في معنى الآية بين التأسيس والتوكيد كان حمله على التأسيس أولى(1)،
__________
(1) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (2/473)..(1/157)
كما قرر ذلك عدد من الأئمة(1).
__________
(1) منهم: الإمام الطبري في جامع البيان (17/135) عند تفسير قوله تعالى: { وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55) } [سورة الحج: 55]، والإمام الشنقيطي في أضواء البيان (3/355) عند تفسير قوله تعالى: { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) } [سورة النحل: 97]، و (5/759) عند تفسير قوله تعالى: { وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) } [سورة المؤمنون: 4]، و (6/245) عند تفسير قوله تعالى: { كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) } [سورة النور: 41]، وكذلك عند تفسير قوله تعالى: { وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105)
= ... cخ) هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) } [سورة الصافات: 99-107],وعند قوله تعالى: { الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2) ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3) } [سورة محمد: 1-3]، وعند قوله تعالى: { اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } [سورة المجادلة: 16]. والإمام الأسنوي في كتاب التمهيد في تخريج الفروع على الأصول (167) والإمام الزركشي في البحر المحيط (2/117).(1/158)
2- من الأدلة على القول الراجح؛ إجماع المفسرين عليه وقلة المخالفين، وقد سبق استعراض أقوال عدد منهم والإحالة إلى بعضهم. والله أعلم بالصواب.
- - -
الإسراف والإقتار
31- قوله تعالى: { وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) } [سورة الفرقان: 67].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- الإسراف: مجاوزة الحد في النفقة حتى يدخل في حد التبذير. والإقتار: التقصير عما لابد منه(1).
2- الإسراف: الإنفاق في معصية الله وإن قلّ. والإقتار: منع حق الله تعالى(2).
3- الإسراف هو أن تأكل من مال غيرك بغير حق(3).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " اعلم أن أظهر الأقوال في هذه الآية الكريمة، أن الله - عز وجل - مدح عباده الصالحين بتوسطهم في إنفاقهم، فلا يجاوزون الحد بالإسراف في الإنفاق، ولا يقترون أي لا يضيقون فيبخلون بإنفاق القدر اللازم.
... وقال بعض أهل العلم: الإسراف في الآية الإنفاق في الحرام والباطل، والإقتار منع الحق الواجب، وهذا المعنى وإن كان حقاً؛ فالأظهر في الآية هو القول الأول [ثم نقل عن بعض المفسرين وتكلم عن الإعراب، إلى أن قال:] والظاهر أن التوسط في الإنفاق الذي مدحهم به شامل لإنفاقهم على أهليهم، وإنفاقهم المال في أوجه الخير.
__________
(1) مختصر البغوي (2/665)، زاد المسير لابن الجوزي (6/23).
(2) مختصر البغوي (2/665)، زاد المسير لابن الجوزي (6/23)، ونقلاه عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن جريج.
(3) جامع البيان للطبري (19/24) نقله -ولم يرجحه- عن عون بن عبدالله بن عتبة.(1/159)
... وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة جاء موضحاً في غير هذا الموضع، فمن ذلك أن الله أوصى نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالعمل بمقتضاه في قوله تعالى: { وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ } [سورة الإسراء: 29]، فقوله ((ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك)) أي ممسكة عن الإنفاق إمساكاً كلياً، يؤدي معنى قوله هنا ((ولم يقتروا)). وقوله ((ولا تبسطها كل البسط)) يؤدي معنى قوله هنا ((لم يسرفوا)). وأشار إلى هذا المعنى في قوله: { وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) } [سورة الإسراء: 26] "(1).
الموافقون:
... الجم الغفير من أئمة التفسير قالوا في معنى الآية ما قاله الشيخ الشنقيطي من أن الإسراف هو مجاوزة الحد في الإنفاق حتى يصل إلى التبذير، وأن الإقتار هو التضييق والتقصير والبخل عمّا لابد منه، وها كم بعض أقوالهم:
1- الإمام الطبري، قال: " والصواب من القول في ذلك قول من قال: الإسراف في النفقة الذي عناه الله في هذا الموضع ما جاوز الحد الذي أباحه الله لعباده إلى ما فوقه، والإقتار ما قصر عما أمر الله به، والقوام بين ذلك "(2).
2- الزجّاج، قال: " والحق في هذا ما أدّب الله - عز وجل - به نبيه - صلى الله عليه وسلم - ؛ فقال: { وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) } [سورة الإسراء: 29] "(3).
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (6/351-352).
(2) جامع البيان للطبري 019/24).
(3) معاني القرآن وإعرابه للزجاج (4/75).(1/160)
3- ابن عطية، قال: " التأديب في هذه الآية في نفقة الطاعات في المباحات، فأدب الشرع فيها ألاّ يفرّط الإنسان حتى يضيع حقاً آخر أو عيالاً ونحو هذا، وألا يضيق أيضاً ويقتر حتى يجيع العيال ويفرط في الشح، والحسن في ذلك هو القوام؛ أي العدل، والقوام في كل واحد بحسب عياله وماله، وخفِّه ظهره وصبره وجلده على الكسب، أو ضد هذه من الخصال، وخير الأمور أوساطها، ولهذا ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر الصديق رضي الله تبارك وتعالى عنه يتصدق بجميع ماله؛ لأن ذلك وسط بنسبة جلده وصبره في الدين، ومنع غيره من ذلك "(1).
4- ابن كثير، قال: " وقوله تعالى: ((والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا...)) الآية.. أي ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم بل عدلاً خيارً، وخير الأمور أوسطها لا هذا ولا هذا ((وكان بين ذلك قواماً)) "(2).
5- البيضاوي، قال: " ((والذي إذا أنفقوا لم يسرفوا)) لم يجاوزوا حدّ الكرم ((ولم يقتروا)) ولم يضيقوا تضييق الشحيح "(3).
6- البقاعي، قال: " ((والذي إذا أنفقوا)) أي للخلق أو للخالق في واجب أو مستحب ((لم يسرفوا)) أي: يجاوزوا الحد في النفقة بالتبذير، فيضيعوا الأموال في غير حقها فيكونوا إخوان الشياطين، ((ولم يقتروا)) أي يضيقوا فيضيعوا الحقوق "(4).
__________
(1) المحرر الوجيز لابن عطية (11/71).
(2) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/325).
(3) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/74).
(4) نظم الدرر للبقاعي (13/424).(1/161)
7- السعدي، قال: " ((والذين إذا أنفقوا)) النفقات الواجبة والمستحبة ((لم يسرفوا)) بأن يزيدوا على الحد، فيدخلوا في قسم التبذير وإهمال الحقوق الواجبة، ((ولم يقتروا)) فيدخلوا في باب البخل والشح ((وكان)) إنفاقهم ((بين ذلك)) بين الإسراف والتقتير ((قواماً)) يبذلون في الواجبات من الزكوات والكفارات، والنفقات الواجبة وفيما ينبغي على الوجه الذي ينبغي، من غير ضرر ولا ضرار، وهذا من عدلهم واقتصادهم "(1).
8- سيد قطب، قال: " ((والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً)) وهذه سمة الإسلام التي يحققها في حياة الأفراد والجماعات؛ ويتجه إليها في التربية والتشريع، يقيم بناءه كله على التوازن والاعتدال.
والمسلم -مع اعتراف الإسلام بالملكية الفردية المقيدة- ليس حراً في إنفاق أمواله الخاصة كما يشاء -كما هو الحال في النظام الرأسمالي وعند الأمم التي لا يحكم التشريع الإلهي حياتها في كل ميدان- إنما هو مقيد بالتوسط في الأمرين الإسراف والتقتير. فالإسراف مفسدة للنفس والمال والمجتمع، والتقتير مثله؛ حبس للمال عن انتفاع صاحبه به، وانتفاع الجماعة من حوله، فالمال أداة اجتماعية لتحقيق خدمات اجتماعية. والإسراف والتقتير يحدثان اختلالاً في المحيط الاجتماعي والمجال الاقتصادي، وحبس الأموال يحدث أزمات ومثله إطلاقها بغير حساب. ذلك فوق فساد القلوب والأخلاق.
والإسلام وهو ينظم هذا الجانب من الحياة يبدأ به من نفس الفرد، فيجعل الاعتدال سمة من سمات الإيمان: ((وكان بين ذلك قواماً)) "(2). ...
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن للسعدي (534).
(2) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/2579).(1/162)
... وممن قال مثل هذا القول أيضاً الإمام النسفي(1)، والزمخشري(2)،وابن جزي(3)، أبوحيان(4)، وابن عاشور(5) وغيرهم.
المخالفون:
... لم أجد فيما وقت عليه من أقوال المفسرين أحداً رجح قولاً من الأقوال الأخرى، إنما غاية من وجدت ربما جمع الأقوال الواردة في معنى الآية دون ترجيح كالإمام البغوي(6)، وابن الجوزي(7) وغيرهما.
تعقيب الباحث:
... القول الذي رجّحه الشيخ الشنقيطي ورجّحه جمهور المفسرين بإجماعهم عليه هو الراجح كما يظهر من خلال هذه الدراسة، مع كون الأقوال الأخرى لم يرجحها أحد من المفسرين، بل لقد ردّ عليها بعض المفسرين ووجّه تلك الأقوال بما يجعلها خارج دائرة هذه الآية، وضعيفة العلاقة بها.
... يقول الإمام ابن عطية - رادًّا على الأقوال الأخرى: " وخلط الطاعة والمعصية بالإسراف والإقتار فيه نظر، والوجه أن يقال: إن النفقة في معصية أمر قد حظرت الشريعة قليله وكثيره، وكذلك التعدي على مال الغير، وهؤلاء الموصوفون منزهون عن ذلك "(8).
__________
(1) مدارك التنزيل للنسفي (3/134).
(2) الكشاف للزمخشري (3/285).
(3) التسهيل لابن جزي (3/176).
(4) البحر المحيط لأبي حيان (8/128).
(5) التحرير والتنوير لابن عاشور (19/71).
(6) مختصر البغوي (2/665).
(7) زاد المسير لابن الجوزي (6/23).
(8) المحرر الوجيز لابن عطية (11/70).(1/163)
... ويقول الإمام الطبري -في زيادة إيضاح للقول الراجح عنده وعند جمهور المفسرين والذي سبق ذكره تحت فقرة الموافقون- يقول متابعاً: " وإنما قلنا إن ذلك كذلك لأن المسرف والمقتر كذلك، ولو كان الإسراف والإقتار في النفقة مرخصاً فيهما ما كانا مذمومين، ولا كان المسرف ولا المقتر مذموماً؛ لأن ما أذن الله في فعله فغير مستحق فاعله الذم. فإن قال قائل فهل لذلك من حد معروف تبينه لنا، قيل: نعم؛ ذلك مفهوم في كل شيء من المطاعم والمشارب والملابس والصدقة، وأعمال البر وغير ذلك، نكره تطويل(1) الكتاب بذكر كل نوع من ذلك مفصلاً غير أن جملة ذلك هو ما بينا، وذلك نحو: أكل آكل من الطعام فوق الشبع ما يضعف بدنه وينهك قواه ويشغله عن طاعة ربه وأداء فرائضه فذلك من السرف، وأن يترك الأكل وله إليه سبيل حتى يضعف ذلك جسمه وينهك قواه ويضعفه عن أداء فرائض ربه فذلك من الإقتار، وبين ذلك القوام على هذا النحو كل ما جانس ما ذكرنا، فأما اتخاذ الثوب للجمال يلبسه عند اجتماعه مع الناس وحضوره المحافل والجمع والأعياد دون ثوب مهنته، أو أكله من الطعام من قواه على عبادة ربه مما ارتفع عما قد يسد الجوع مما هو دونه من الأغذية غير أنه لا يعين البدن على القيام لله - عز وجل - بالواجب معونته، فذلك خارج عن معنى الإسراف، بل ذلك من القوام لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أمر ببعض ذلك وحض على بعضه، كقوله: " ما على أحدكم لو اتخذ ثوبين ثوباً لمهنته وثوباً لجمعته وعيده "(2)،
__________
(1) لا زال الكلام للإمام الطبري.
(2) في جامع الأصول قال: " أخرجه أبوداود [بلفظ] " ما على أحدكم إن وجد أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبيْ مهنته ". وقال محقق الأصول: " رقم (1078) في الصلاة، باب اللبس للجمعة. ورواه أيضاً بنحوه ابن ماجه رقم (1095) في إقامة الصلاة، باب ما جاء في الزينة يوم الجمعة. وإسناده صحيح ". انظر: جامع الأصول بتحقيق عبدالقادر الأرناؤوط (10/659)..(1/164)
وكقوله: " إذا أنعم الله على عبد نعمة أحب أن يرى أثره عليه "(1)، وما أشبه ذلك من الأخبار "(2), والله أعلم بالصواب.
- - -
معنى { لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا }
32- قوله تعالى: { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) } [سورة الفرقان: 73].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- المعنى: أن الكافر إذا تليت عليه آيات الله - عز وجل - خرّ عليها أصم وأعمى وخره عليها كذلك إقامته على الكفر(3).
2- أن معنى: " ((والذي إذا ذكّروا بآيات ربهم لم يخروا)) لم يقعوا ولم يسقطوا ((عليها صماً وعمياناً)) كأنهم صم عمي، بل يسمعون ما يذكرون به فيفهمونه ويرون الحق فيه فيتبعونه "(4).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " إن لهذه الآية الكريمة دلالتان: دلالة بالمنطوق ودلالة بالمفهوم:
1- فقد دلت بمنطوقها: على أن من صفات عباد الرحمن، أنهم إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها، لم يكبوا عليها في حال كونهم صماً عن سماع ما فيها من الحق، وعمياناً عن إبصارهم، بل هم يكبون عليها سامعين ما فيها من الحق مبصرين له.
__________
(1) في جامع الأصول قال: " أخرجه الترمذي [بلفظ] " إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ". وقال محقق جامع الأصول: " رقم (2820) في الأدب، باب ما جاء أن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده. وإسناده حسن ". انظر: جامع الأصول بتحقيق عبدالقادر الأرناؤوط (10/658).
(2) جامع البيان للطبري (19/24-25).
(3) جامع البيان للطبري (19/33).
(4) مختصر البغوي (2/666).(1/165)
وهذا المعنى دلت عليه آيات أخر من كتاب الله كقوله تعالى: { وَإِذَا ôMuد=è? ِNخkِژn=tم آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا } [سورة الأنفال: 2]. ومعلوم أن من تليت عليه آيات هذا القرآن فزادته إيماناً أنه لم يخر عليها أصم أعمى، وكقوله تعالى: { وَإِذَا مَا ôMs9ح"Ré& سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ ے¾دnة"yd إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا ِNكgّ?yٹ#u"sù إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) } [سورة التوبة: 124]، وقوله تعالى: { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ د]ƒد‰utù:$# كِتَابًا $Ygخ6"t±tF-B z'دT$sW¨B تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ كû,ح#s? جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى حچّ.دŒ اللَّهِ } [سورة الزمر: 23] إلى غير ذلك من الآيات.
2- وقد دلت الآية المذكورة أيضاً بمفهومها: أن الكفرة المخالفين لعباد الرحمن الموصوفين في هذه الآيات؛ إذا ذكّروا بآيات ربهم خروا عليها صماً وعمياناً أي لا يسمعون ما فيها من الحق ولا يبصرونه حتى كأنهم لم يسمعوها أصلاً.(1/166)
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة بمفهومها جاء موضحاً في آيات آخر من كتاب الله كقوله تعالى: { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ $sYçG"tƒ#uن وَلَّى #[ژة9ٍ6tGَ،مB كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ #Xچّ%ur çnِژإe³t6sù بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7) } [سورة لقمان: 7]، وقوله تعالى: { وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ #[ژة9ُ3tGَ،مB كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا çnِژإe³t6sù بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا zNد=tو مِنْ آَيَاتِنَا $¸"ّx© اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ ×ûüخg-B (9) } [سورة الجاثية: 7-9]، وقوله تعالى: { وَإِذَا مَا ôMs9ح"Ré& سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ ے¾دnة"yd إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا ِNكgّ?yٹ#u"sù إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ ذكuچ¨B ِNهkّEyٹ#u"sù رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) } [سورة التوبة: 124-135] إلى غير ذلك من الآيات.
والظاهر أن معنى خروا الكفار على الآيات في حال كونهم صماً وعمياناً؛ هو إكبابهم على إنكارها والتكذيب بها "(1).
الموافقون:
وأعني بهم كل من تكلم في تفسير الآية في ضوء دلالة المنطوق ودلالة المفهوم معاً، مع إبراز دلالة المفهوم وإيضاحها -مثل ما فعل الشنقيطي- ومنهم:
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (6/357-358) بتصرف.(1/167)
1- الإمام الطبري - عند تفسيره للآية- قال: " فإن قال قائل وما معنى قوله لم يخروا عليها صماً وعمياناً، أو يخر الكافرون صماً وعمياناً إذا ذكّروا بآيات الله فينفني عن هؤلاء ما هو صفة للكفار، قيل: نعم الكافر إذا تليت عليه آيات الله خر عليها أصم وأعمى، وخرّه عليها كذلك؛ إقامته على الكفر. وذلك نظير قول العرب سببت فلاناً فقام يبكي بمعنى فظل يبكي ولا قيام هنالك ولعله أن يكون بكى قاعداً، وكما يقال نهيت فلاناً عن كذا فقعد يشتمني ومعنى ذلك فجعل يشتمني وظل يشتمني ولا قعود هنالك، ولكن ذلك قد جرى على ألسن العرب حتى قد فهموا معناه، فكذلك قوله ((لم يخروا عليها صماً وعمياناً)) إنما معناه لم يصموا عنها ولا عمواً عنها ولم يصيروا على باب ربهم صماً وعمياناً "(1).
2- أبوحيان: " ((بآيات ربهم)) هي القرآن ((لم يخروا عليها صماً وعمياناً)) النفي متوجه إلى القيد الذي هو صم وعميان لا للخرور الداخل عليه، وهذا الأكثر في لسان العرب أن النفي يتسلط على القيد، والمعنى أنهم إذا ذكروا بها أكبّوا عليها حرصاً على استماعها، وأقبلوا على المذكّر بها بآذان واعية وأعين راعية، بخلاف غيرهم من المنافقين وأشباههم فإنهم إذا ذكّروا بها كانوا مكبين عليها مقبلين على من يذكر بها في ظاهر الأمر، وكانوا ((صماً وعمياناً)) حيث لا يعونها ولا يتبصرون ما فيها "(2).
__________
(1) جامع البيان للطبري (19/33).
(2) البحر المحيط لأبي حيان (8/132).(1/168)
3- ابن كثير: " وقوله تعالى: ((والذين إذا ذكّروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً)) وهذه أيضاً من صفات المؤمنين: { الَّذِينَ إِذَا uچد.èŒ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا ôMuد=è? ِNخkِژn=tم آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ tbqè=ھ.uqtGtƒ } [سورة الأنفال: 2] بخلاف الكافر فإنه إذا سمع كلام الله لا يؤثر فيه ولا يتغير عما كان عليه بل يبقى مستمراً على كفره وطغيانه وجهله وضلاله؛ كما قال تعالى: { وَإِذَا مَا ôMs9ح"Ré& سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ ے¾دnة"yd إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا ِNكgّ?yٹ#u"sù إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ ذكuچ¨B ِNهkّEyٹ#u"sù رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ } [سورة التوبة: 124-125]، فقوله ((لم يخروا عليها صماً وعمياناً)) أي بخلاف الكافر الذي إذا سمع آيات الله فلا تؤثر فيه فيستمر على حاله كأن لم يسمعها أصم أعمى "(1).
4- سيد قطب: " ومن سماتهم [عباد الرحمن] أنهم سريعوا التذكر إذا ذكروا، قريبوا الاعتبار إذا وُعظوا، مفتوحو القلوب لآيات الله، يتلقونها بالفهم والاعتبار ((والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً)) وفي التعبير تعريض بالمشركين الذين ينكبّون على آلهتهم وعقائدهم وأباطيلهم كالصم والعميان؛ لا يسمعون ولا يبصرون، ولا يتطلعون إلى هدى أو نور. وحركة الانكباب على الوجوه بلا سمع ولا بصر ولا تدبر؛ حركة تصور الغفلة والانطماس والتعصب الأعمى. فأما عباد الرحمن، فهم يدركون إدراكاً واعياً بصيراً ما في عقيدتهم من حق، وما في آيات الله من صدق، فيؤمنوا إيماناً واعياً بصيراً "(2).
__________
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/329).
(2) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/2580).(1/169)
5- ابن عاشور -بعد ذكر الآية- قال: " أُريدَ تمييز المؤمنين بمخالفة حالة هي من حالات المشركين وتلك هي حالة سماعهم دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وما تشتمل عليه من آيات القرآن وطلب النظر في دلائل الوحدانية، فلذلك جيء بالصلة منفية لتحصيل الثناء عليهم، مع التعريض بتفظيع حال المشركين، فإن المشركين إذا ذكّروا بآيات الله - عز وجل - خرّوا صماً وعمياناً كحال من لا يحبّ أن يرى شيئاً فجعل وجهه على الأرض. فاستعير الخرور لشدة الكراهية والتباعد بحيث إن حالهم عند سماع القرآن كحال الذي يخرّ إلى الأرض لئلا يرى ما يكره بحيث لم يبق له شيء من التقوم والنهوض، فتلك حالة هي غاية في نفسي إمكان القبول.
ويجوز أن يكون الخرور واقعاً منهم أو من بعضهم حقيقة لأنهم يكونون جلوساً في مجتمعاتهم ونواديهم فإذا دعاهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الإسلام طأطأوا رؤوسهم وقربوها من الأرض؛ لأن ذلك للقاعد يقوم مقام الفرار.
و ((صماً وعمياناً)) حالان من ضمير ((يخروا))، مراد بهما التشبيه بحذف حرف التشبيه، أي يخرّون كالصم والعميان في عدم الانتفاع بالمسموع من الآيات والمبصر منها مما يذكّرون به "(1).
... وانظر: كذلك ما قاله الأئمة ابن عطية(2)، وأبوالسعود(3)، والألوسي(4) فإنه حول ما ذُكر يدور.
المخالفون:
... وهم الذين شرحوا الآية في ضوء دلالة المنطوق، وأن من صفات عباد الرحمن أنهم لا يخرون عند سماع الآيات صماً وعمياناً بل سجداً وبكياً بوعي وإدراك وفهم وقبول، وإليك بعض ما قالوه:
__________
(1) تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور (19/80-81).
(2) المحرر الوجيز لابن عطية (11/80).
(3) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/197).
(4) روح المعاني للألوسي (19/52).(1/170)
1- الإمام البغوي: " ((والذين إذا ذكّروا بآيات ربهم لم يخروا)) لم يقعوا ولم يسقطوا ((عليها صماً وعمياناً)) كأنهم صم عمي، بل يسمعون ما يذكرون به فيفهمونه ويرون الحق فيه فيتبعونه "(1).
2- النسفي: " ((والذين إذا ذكّروا بآيات ربهم)) أي: قريء عليهم القرآن أو وُعظوا بالقرآن ((لم يخروا عليها صماً وعمياناً)) هذا ليس بنفي للخرور بل هو إثبات له ونفي الصمم والعمى، ونحوه لا يلقاني زيد مسلماً هو نفي للسلام لا للقاء، يعني أنهم إذا ذكروا بها خروا سجداً وبكياً سامعين بآذان واعية مبصرين بعيون راعية لما أمروا به ونهوا عنه؛ لا كالمنافقين وأشباههم، دليله قوله تعالى: { وَمِمَّنْ $sYù=yJxm مَعَ نُوحٍ وَمِنْ دpƒحh'èŒ tLىدd¨uچِ/خ) ں@ƒدن¨uژَ خ)ur وَمِمَّنْ هَدَيْنَا !$sYّu;tGô_$#ur إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا $wإ3ç/ur } [سورة مريم: 58] "(2).
3- النيسابوري: " ((لم يخروا عليها)) لم يسقطوا عليها ((صماً وعمياناً)) بل سجداً وبكياً "(3).
4- ابن جزي: " ((لم يخروا عليها صماً وعمياناً)) أي لم يعرضوا عن آيات الله بل أقبلوا عليها بأسماعهم وقلوبهم، فالنفي للصم والعمي لا للخرور عليها "(4).
5- الشوكاني: " ((والذي إذا ذكروا بآيات ربهم)) أي بالقرآن، أو بما فيه موعظة وعبرة ((لم يخروا عليها صماً وعمياناً)) أي لم يقعوا عليها حال كونهم صماً وعمياناً، ولكنهم أكبوا عليها سامعين مبصرين وانتفعوا بها "(5).
__________
(1) مختصر البغوي (2/666).
(2) مدارك التنزيل للنسفي (3/135).
(3) إيجاز البيان للنيسابوري (2/83).
(4) التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي (3/177).
(5) فتح القدير للشوكاني (4/88).(1/171)
6- السعدي: " ((والذين إذا ذكّروا بآيات ربهم)) التي أمرهم باستماعها والاهتداء بها، ((لم يخروا عليها صماً وعمياناً)) أي لم يقابلوها بالإعراض عنها، والصمم عن سماعها، وصرف النظر والقلوب عنها، كما يفعله من لم يؤمن بها ولم يصدق، وإنما حالهم فيها وعند سماعها كما قال تعالى: { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا د‰ôJut؟2 رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا ڑcrمژة9ُ3tFَ،o" ) (15) } [سورة السجد: 15]. يقابلونها بالقبول والافتقار إليها، والانقياد والتسليم لها، وتجد عندهم آذاناً سامعة، وقلوباً واعية، فيزداد بها إيمانهم ويتم بها إيقانهم، وتحدث لهم نشاطاً، ويفرحون بها سروراً واغتباطاً "(1).
وغيرهم من المفسرين مثلهم؛ كابن العربي(2)، والقرطبي(3)، والخازن(4)، والمحلي(5)، فإن ما قالوه يشبه كلام مَنْ ذُكِر.
تعقيب الباحث:
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(587).
(2) أحكام القرآن لابن العربي (3/1433).
(3) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/81).
(4) لباب التأويل للخازن (5/91).
(5) تفسير الجلالين ص(306).(1/172)
بعد هذه الجولة في أقوال المفسرين بتقسيمهم (موافقين - مخالفين) يظهر عدم اختلاف المفسرين في بيان معنى آية سورة الفرقان قوله تعالى: ((والذين إذا ذكّروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً)) وذلك أن هذه من الآيات التي لها دلالة بالمنطوق ودلالة بالمفهوم، فبعض المفسرين شرحوها في ضوء الدلالتين لبيان الفرق بين المؤمنين والكافرين في موقفهم من سماع آيات الله - عز وجل - ، على اعتبار أن سورة الفرقان قد ذكر فيها عدد من المفارقات بين المؤمنين والكافرين وما أُعِدَّ لكل فريق. والبعض الآخر من المفسرين ذكروا دلالة المنطوق فقط، على اعتبار أن سياق الآيات في أواخر سورة الفرقان حديث عن صفات عباد الرحمن المؤمنين ومدح لهم بما اتصفوا به في عبوديتهم لله - عز وجل - . علماً أن كلاً الدلالتين قد دلت عليها آيات أُخَر من كتاب الله - عز وجل - ، وقد سبق استعراض عدد منها في ترجيح الشنقيطي وفي ثنايا كلام المفسرين. والله أعلم بالصواب.
- - -
معنى قوله تعالى { لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ }
33- قوله تعالى: { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ 'دn1u' لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ $JB#u"د9 (77) } [سورة الفرقان: 77].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن يكون المصدر (دعاء) مضاف إلى مفعوله؛ وعليه يكون المعنى: لولا دعاؤه إياكم إلى التوحيد والإسلام على ألسنة رسله "(1).
2- أن يكون المصدر مضافاً إلى فاعله؛ وهذا يحتمل ثلاثة معانٍ:
الأول: لولا دعاؤكم؛ أي عبادتكم له وحده جل وعلا(2).
الثاني: أن المعنى: لولا دعاؤكم أيها الكفار له وحده عند الشدائد والكروب(3).
__________
(1) معاني القرآن للفراء (2/275)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/84).
(2) معاني القرآن وإعرابه للزجاج (4/78)، البحر المحيط لأبي حيان (8/134).
(3) نظم الدرر للبقاعي (13/438)، والدر المصون للسمين الحلبي (8/507).(1/173)
الثالث: أن المعنى: ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم الأصنام دونه(1).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " أعلم أن كلام أهل التفسير في هذه الآية الكريمة يدور على أربعة أقوال، ثلاثة منها مبنية على كون المصدر فيها مضاف إلى فاعله، والرابع مبني على كونه مضافاً إلى مفعوله.
... أما الأقوال الثلاثة المبنية على كونه مضافاً إلى فاعله، فهي:
الأول: أن المعنى: ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم: أي عبادتكم له وحده جل وعلا، وعلى هذا القول فالخطاب عام للكافرين والمؤمنين ثم أفرد الكافرين دون المؤمنين بقوله ((فقد كذبتم)) الآية.
الثاني: أن المعنى: لولا دعاؤكم أيها الكفار له وحده عند الشدائد والكروب: أي ولو كنتم ترجعون إلى شرككم، إذا كشف الضر عنكم.
الثالث: أن المعنى: ما يعبؤ بكم ربي: أي ما يصنع بعذابكم لولا دعاؤكم معه آلهة أخرى، ولا يخفى بُعد هذا القول، وأن فيه تقدير ما لا دليل عليه ولا حاجة إليه.
أما القول الرابع المبني على أن المصدر في الآية مضاف إلى مفعوله فهو ظاهر؛ أي: ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤه إياكم على ألسنة رسله. [إلى أن قال:] فهذا القول الأخير المبني على أن المصدر في الآية مضاف إلى مفعوله، وأن المعنى ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤه إياكم إلى الإيمان به وتوحيده وعبادته على ألسنة رسله، فقد دلت عليه آيات من كتاب الله كقوله تعالى: { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ دN¨uq"yJ،،9$# وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ 5Q$ƒr& وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } [سورة هود: 7]، وقوله تعالى: { إِنَّا $sYù=yèy_ مَا عَلَى الْأَرْضِ ZpsYƒخ- لَهَا َOèduqè=ِ7sYد9 أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) } [سورة الكهف: 7]، وقوله تعالى: { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ no4quutù:$#ur لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } [سورة الملك: 2].
__________
(1) المحرر الوجيز لابن عطية (11/83).(1/174)
... فهذه الآيات قد أوضحت أن الحكمة في خلقه السماوات والأرض، وجميع ما على الأرض والموت والحياة، هي أن يدعوهم على ألسنة رسله، ويبتليهم أي يختبرهم أيهم أحسن عملا. وهذه الآيات تبين معنى قوله تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ £`إgù:$# وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) } [سورة الذاريات: 56]. ...
وفي هذه الآيات إيضاح لأن معنى قوله ((لولا دعاؤكم)) أي دعاؤه إياكم على ألسنة رسله، وابتلاؤكم أيكم أحسن عملاً، وعلى هذا فلا إشكال في قوله ((فقد كذبتم)) أي ما يعبؤ بكم لولا دعاؤه إياكم: أي وقد دعاكم فكذبتم.
وهذا القول هو وحده الذي لا إشكال فيه، فهو قوي بدلالة الآيات المذكورة عليه.
[ثم أكد أن اختياره هو الراجح بكونه فصيحاً من ناحية اللغة العربية بقوله:] واظهر الأقوال في الآية عندي، هو القول بأن المصدر فيها مضاف إلى مفعوله، لجريانه على اللغة الفصيحة من غير إشكال ولا تقدير، والعلم عند الله تعالى "(1).
الموافقون:
اختار المعنى المبني على أن المصدر مضاف إلى مفعوله -مثل اختيار الشنقيطي- عدد من أئمة التفسير، منهم:
1- الفراء: " ((لولا دعاؤكم)) لولا دعاؤه إياكم إلى الإسلام "(2).
2- السمعاني: " ((لولا دعاؤكم)) أحسن الأقاويل فيه أن معناه: لولا دعاؤه إياكم إلى التوحيد "(3).
3- القرطبي: " ((لولا دعاؤكم)) أي لولا دعاؤه إياكم لتعبدوه، فالمصدر الذي هو الدعاء على هذا القول مضاف إلى مفعوله "(4).
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (6/359-363) بتصرف.
(2) معاني القرآن للفراء (2/275).
(3) تفسير القرآن للسمعاني (4/37) بتصرف.
(4) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/84).(1/175)
4- الشوكاني: " ((لولا دعاؤكم)) أي لولا دعاؤكم(1) إياه لتعبدوه، وعلى هذا فالمصدر الذي هو الدعاء مضاف إلى مفعوله، وهو اختيار الفراء "(2).
5- ابن عاشور: " والدعاء: الدعوة إلى شيء، وهو هنا مضاف على مفعوله، والفاعل يدل عليه ((ربي)) أي لولا دعاؤه إياكم، أي لولا أنه يدعوكم، فتعين أن الدعاء الدعوة إلى الإسلام. وهذا التفسير هو الذي يقتضيه المعنى "(3).
المخالفون:
... بعض المفسرين اعتبروا أن المصدر (دعاء) مضاف إلى فاعله، وأياً كان المعنى الذي قالوه بناء على هذه الإضافة فإن قولهم يعتبر هو القول المخالف لما ذهب إليه الشنقيطي ومن وافقه، فمن هؤلاء:
1- الإمام الطبري: " وقوله ((لولا دعاؤكم)) يقول لولا عبادة من يعبده منكم وطاعة من يطيعه منكم "(4).
2- الزجاج: " ((لولا دعاؤكم)) أي لولا توحيدكم إياه "(5).
3- ابن القيم: " قيل: لولا دعاؤكم إياه، وقيل: دعاؤه إياكم إلى عبادته فيكون المصدر مضافاً إلى المفعول، وعلى الأول مضافاً إلى الفاعل وهو الأرجح من القولين "(6).
4- أبوحيان: " ((دعاؤكم)) مصدر أضيف إلى الفاعل أي لولا عبادتكم إياه، أي لولا دعاؤكم وتضرعكم إليه "(7).
__________
(1) يظهر لي أن العبارة لابد أن تكون كالتالي " أي لولا دعاؤه إياكم لتعبدوه " طالما أنه اعتبر أن المصدر مضاف إلى مفعوله. ويؤيد كلامي هذا أيضاً أن الشوكاني أشار إلى أن هذا المعنى اختيار الفراء، وسبق ذكر كلام الفراء قريباً.
(2) فتح القدير للشوكاني (4/89).
(3) التحرير والتنوير لابن عاشور (19/86) بتصرف.
(4) جامع البيان للطبري (19/35).
(5) معاني القرآن وإعرابه للزجاج (4/78).
(6) بدائع التفسير لابن القيم (3/321).
(7) البحر المحيط لأبي حيان (8/134).(1/176)
5- ابن كثير: " ((قل ما يعبأ بكم ربي)) أي لا يبالي ولا يكترث بكم إذا لم تعبدوه، فإنه إنما خلق الخلق ليعبدوه ويوحدوه ويسبحوه بكرة وأصيلاً "(1).
تعقيب الباحث:
... الذي يظهر -والله أعلم- أن الراجح في معنى الآية هو ما ذهب إليه الشيخ الشنقيطي ومن وافقه من أن المصدر (دعاء) مضاف إلى مفعوله، وأن المعنى: لولا دعاؤه إياكم على ألسنة الرسل صلوات الله - عز وجل - عليهم وسلامه إلى التوحيد والإسلام، وأن معنى الآية التي نحن بصددها قد دل عليه قوله تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ £`إgù:$# وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) } [سورة الذاريات: 56]، وغيرها من الآيات -وقد وردت أثناء كلام الشنقيطي في ترجيحه- وذلك أن في الآية قرينة دلت على هذا المعنى وهي قوله تعالى: ((فقد كذبتم))، فإنه جل وعلا قد دعا الجميع إلى الإسلام على ألسنة الرسل صلوات الله عليهم، فمن أطاع الرسل فهو من عباد الرحمن المذكورة صفاتهم خلال الآيات السابقة للآية التي نحن بصددها، ومن كذب الرسل فسوف يكون له العذاب اللزام، ودلالة قرينةٍ في الآية على المعنى الراجح قاعدة سار عليها عدد من أئمة التفسير(2)
__________
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/331).
(2) منهم الإمام الطبري، مثلاً عند قوله تعالى: { أَوَلَمْ uچtƒ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ دN¨uq"yJ،،9$# وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا $yJكg"sYّ)tFxےsù } [سورة الأنبياء: 30]. جامع البيان (17/15). ومنهم الإمام ابن كثير، مثلا عند قوله تعالى: { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ مژچخ7sƒù:$# (14) } [سورة الملك: 14] تفسير القرآن العظيم (4/397)، ومنهم الإمام القرطبي، مثلاً عند قوله تعالى: { فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ } [سورة البقرة: 259] الجامع لأحكام القرآن (3/288)..ومنهم الإمام الشنقيطي ذكر هذه القاعدة في مقدمة أضواء البيان (1/13)، ومن الأمثلة عند قوله تعالى: { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ #Y‰دdJyètG-B } [سورة المائدة: 95]. أضواء البيان (2/!30).(1/177)
في الترجيح بين الأقوال(1). والله أعلم بالصواب.
- - -
المراد بالكفر
34- قوله تعالى: { وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) } [سورة الشعراء: 19].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- معنى ((وأنت من الكافرين)) أي من الكافرين للنعمة حيث قتلت رجلاً من أصحابي(2).
2- وقيل: معنى ((وأنت من الكافرين)) يعني وأنت من الكافرين بإلهك الذي تدعيه، ومعناه: على ديننا هذا الذي تعيبه(3).
3- وقيل المعنى: وأنت من الكافرين بفرعون وإلهيته(4).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " وأظهر الأقوال عندي في معنى قوله ((وأنت من الكافرين)): أن المراد به كفر النعمة، يعني أنعمنا عليك بتربيتنا إياك صغيراً، وإحساننا إليك تتقلب في نعمتنا، فكفرت نعمتنا، وقابلت إحساننا بالإساءة لقتلك نفساً منا. وباقي الأقوال تركناه لأن هذا أظهرها عندنا "(5).
الموافقون:
... عدد من المفسرين بينوا أن المراد بالكفر في الآية هو كفر النعمة -مثل ما ذهب إليه الشنقيطي- منهم:
1- الإمام الطبري: "... فتأويل الكلام وقتلت الذي قتلت منا وأنت من الكافرين نعمتنا عليك وإحساننا إليك في قتلك إياه "(6).
2- النيسابوري: " ((وأنت من الكافرين)) أي بحق نعمتي وتربيتي "(7).
__________
(1) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/299).
(2) فتح القدير للشوكاني (4/94).
(3) مختصر البغوي (2/669).
(4) لباب التأويل للخازن (5/95).
(5) أضواء البيان للشنقيطي (6/370).
(6) جامع البيان للطبري (19/42).
(7) إيجاز البيان للنيسابوري (2/86).(1/178)
3- ابن كثير: " ((ألم نربك فينا وليداً)) أي أما أنت الذي ربيناه فينا وفي بيتنا وعلى فراشنا وأنعمنا عليه مدة من السنين ثم بعد هذا قابلت ذلك الإحسان بتلك الفعلة؛ أن قتلت منا رجلاً وجحدت نعمتنا عليك، ولهذا قال ((وأنت من الكافرين)) أي الجاحدين "(1).
4- المحلي: " ((وأنت من الكافرين)) الجاحدين لنعمتي عليك بالتربية وعدم الاستعباد "(2).
5- القاسمي: " ((وأنت من الكافرين)) أي بنعمتي "(3).
المخالفون:
... لم أجد فيما وقفت عليه من أقوال المفسرين في بيان معنى الآية من اختار قولاً مخالفاً لما ذهب إليه الشنقيطي ومن وافقه، إلاّ:
1- السعدي: " ((وأنت من الكافرين)) أي: وأنت إذ ذاك طريقك طريقنا، وسبيلك سبيلنا في الكفر، فأقر على نفسه [يعني فرعون] بالكفر من حيث لا يدري "(4).
2- سيد قطب: " ((وفعلت فعلتك التي فعلت))... فعلتك بالبشعة الشنيعة التي لا يليق الحديث عنها بالألفاظ المفتوحة! فعلتها ((وأنت من الكافرين)) برب العالمين الذي تقول به اليوم. فإنك لم تكن وقتها تتحدث عن رب العالمين "(5).
... وغير الموافقين والمخالفين وجدت عدداً كثيراً من المفسرين ذكروا تحت تفسير الآية عدداً من المعاني تحتمل الآية، والأغلبية منهم عندما يسردون المعاني، يذكروا كفر النعمة أولاً، وبعض من لا يذكره في الأول يشير إلى أنه قول أكثر المفسرين، وإليك أقوال بعضهم:
__________
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/332).
(2) تفسير الجلالين ص(307).
(3) محاسن التأويل للقاسمي (13/4608).
(4) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(590).
(5) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/2591).(1/179)
1- البغوي: " ((وأنت من الكافرين)) يعني وأنت من الكافرين بإلهك الذي تدعيه، ومعناه: على ديننا هذا الذي تعيبه. وقال أكثر المفسرين: معنى قوله ((وأنت من الكافرين)) يعني من الجاحدين لنعمتي وحق تربيتي، يقول ربيناك فينا فكافأتنا أن قتلت منا نفساً وكفرت بنعمتنا "(1).
2- النسفي: " ((وأنت من الكافرين)) بنعمتي حيث قتلت خبازي، أو كنت على ديننا الذي تسميه كفراً،و هذا افتراء منه عليه لأنه معصوم من الكفر وكان يعايشهم بالتقية "(2).
3- ابن الجوزي: " وفي قوله ((وأنت من الكافرين)) قولان: أحدهما: من الكافرين لنعمتي، والثاني: من الكافرين بإلهك، كنت معنا على ديننا الذي تعيب. فعلى الأول: وأنت من الكافرين الآن، وعلى الثاني: وكنت "(3).
4- الخازن: " ((وأنت من الكافرين)) قال أكثر المفسرين: من الجاحدين لنعمتي وحق تربيتي، يقول ربيناك فينا فكافأتنا أن قتلت منا نفساً وكفرت نعمتنا؛ وهي رواية عن ابن عباس قال إن فرعون لم يكن يعلم الكفر(4) بالربوبية ولأن الكفر غير جائز على الأنبياء لا قبل النبوة ولا بعدها. وقيل معناه: وأنت من الكافرين بفرعون وإلهيته "(5).
5- الشوكاني: " ((وأنت من الكافرين)) أي من الكافرين للنعمة حيث قتلت رجلاً من أصحابي، وقيل: المعنى: من الكافرين بأن فرعون إله، وقيل: من الكافرين بالله في زعمه... "(6).
__________
(1) مختصر البغوي (2/669).
(2) مدارك التنزيل لنسفي (3/138).
(3) زاد المسير لابن الجوزي (6/33).
(4) انظر: الرواية في جامع البيان للطبري (19/42)، والدر المنثور للسيوطي (5/83).
(5) لباب التأويل للخازن (5/95).
(6) فتح القدير للشوكاني (4/94).(1/180)
6- ابن عاشور: " وجملة ((وأنت من الكافرين)) حال من ضمير ((فعلت)) والمراد به كفر نعمة فرعون من حيث اعتدى على أحد خاصّته وموالي آله، وكان ذلك انتصاراً لرجل من بني إسرائيل الذين يعدُّونهم عبيد فرعون وعبيد قومه، فجعل فرعون انتصار موسى لرجل من عشيرته كفراناً لنعمة فرعون لأنه يرى واجب موسى أن يُعدّ نفسه من قوم فرعون فلا ينتصر لإسرائيلي...
... ويجوز أن تكون جملة ((وأنت من الكافرين)) عطفاً على الجُمَل التي قبلها التي هي توبيخ ولوم، فوبّخه على تقدم رعيه تربيتَهم إياه فيما مضى، ثم وبّخه على كونه كافراً بدينهم في الحال ...
ويجوز أن يكون المعنى: وأنت حينئذٍ من الكافرين بديننا، استناداً منه إلى ما بدا من قرائن دلته على استخفاف موسى بدينهم فيما مضى لأن دينهم يقتضي الإخلاص لفرعون وإهانة من يهينهم فرعون.. "(1).
وتشابهت أقوال كل من الزمخشري(2)،وابن عطية(3)، والفخر الرازي(4)، والقرطبي(5)، وابن جزي(6)، وابن حيان(7)، وأبي السعود(8)، والألوسي(9) بنحو أقوال مَنْ ذكرت.
تعقيب الباحث:
من خلال استعراض ما قاله المفسرون في بيان المراد بالكفر في الآية، يظهر لي -والله أعلم- أن ما ذهب إليه الشنقيطي ومن قال بمثل قوله من أن المراد كفر النعمة هو الراجح، وذلك لأمور:
__________
(1) التحرير والتنوير لابن عاشور (19/112).
(2) الكشاف للزمخشري (3/297).
(3) المحرر الوجيز لابن عطية (11/98).
(4) التفسير الكبير للفخر الرازي (8/496).
(5) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/95).
(6) التسهيل لابن جزي (3/182).
(7) البحر المحيط لأبي حيان (8/146).
(8) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/207).
(9) روح المعاني للألوسي (19/68).(1/181)
1- أن سياق الآية يدل عليه(1)، فإن فرعون امتن على موسى - عليه السلام - بالتربية والرعاية، فناسب أن يكون الكفر المذكور كفر النعمة.
2- تأييداً لذلك ذكر حبر الأمة وترجمان القرآن الصحابة الجليل عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- أن فرعون لم يكن يعلم الكفر بالربوبية -وقد سبقت الإشارة إلى رواية ابن عباس-، فلابد أن يكون المراد بلفظ الكفر المذكور كفر النعمة فقط.
3- ندرة وجود مرجحين لقول مخالف، وكثرة المختارين للقول الراجح؛ مرجّح له.
4- بل ومَنْ رجح قولاً مخالفاً فهو على حدّ زعم فرعون، فإن من المسلّمات عند المؤمنين أن الأنبياء -عليهم السلام- معصومون، ولا يجوز في حقهم الكفر قبل النبوة ولا بعدها، وأشار إلى ذلك صراحة عدد من المفسرين(2). والله أعلم بالصواب.
- - -
المراد بقوله { مِنَ tû,دk!!$ز9$# }
35- قوله تعالى: { قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ tû,دk!!$ز9$# (20) } [سورة الشعراء: 20].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- ((من الضالين)) أي قبل أن يوحى إليّ وينعم الله - عز وجل - عليّ بالرسالة والنبوة(3).
2- ((من الضالين)) الجاهلين بأنها تبلغ القتل؛ لأن فعل الوكزة على وجه التأديب لا على وجه القتل(4).
__________
(1) قاعدة: " إدخال الكلام في معاني ما قبله وما بعده...، قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/125).
(2) مدارك التنزيل للنسفي (3/138)، الكشاف للزمخشري (3/297)، التفسير الكبير للفخر الرازي (8/496)، لباب التأويل للخازن (5/95)، البحر المحيط لأبي حيان (8/146)، إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/207)، روح المعاني للألوسي (19/68).
(3) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/332).
(4) إيجاز البيان للنيسابوري (2/85)، لباب التأويل للخازن (5/95).(1/182)
3- ((من الضالين)) أي الناسين(1)، كقوله تعالى: { أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا uچإe2xçFsù إِحْدَاهُمَا 3"uچ÷zW{$# } [سورة البقرة: 282].
4- ((من الضالين)) أي المحبين، وأنه قتل القبطي غيرة لله - عز وجل - ، وأن الضلال بمعنى المحبة(2)، كقوله تعالى: { y7¯Rخ) لَفِي y7د="n=|ت الْقَدِيمِ } [سورة يوسف: 95].
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " قوله تعالى: ((قال فعلتها إذاً أو أنا من الضالين)) أي قال موسى مجيباً لفرعون: فعلتها إذاً، أي إذ فعلتها وأنا في ذلك الحين من الضالين، أي قبل أن يوحي الله - عز وجل - إليّ ويبعثني رسولاً؛ وهذا هو التحقيق إن شاء الله في معنى الآية.
وقول من قال من أهل العلم: وأنا من الضالين، أي من الجاهلين؛ راجع إلى ما ذكرنا؛ لأنه بالنسبة إلى ما علمه الله من الوحي يعتبر قبله جاهلاً، أي غير عالم بما أوحى الله إليه.
ولفظ الضلال يطلق في القرآن وفي اللغة العربية ثلاثة إطلاقات:
الإطلاق الأول: يطلق الضلال مراداً به الذهاب عن حقيقة الشيء. فتقول العرب في كل من ذهب عن علم حقيقة شيء ضل عنه، وهذا الضلال ذهاب عن علم شيء ما، وليس من الضلال في الدين. ومن هذا المعنى قوله هنا ((وأنا من الضالين)) أي الذاهبين عن علم حقيقة العلوم والأسرار التي لا تعلم إلا عن طريق الوحي، لأني في ذلك الوقت لم يوح إليّ. ومنه على التحقيق { وَوَجَدَكَ w!$|ت فَهَدَى (7) } [سورة الضحى: 7] أي ذاهباً عما علمك من العلوم التي لا تدرك إلا بالوحي. ومن هذا المعنى قوله تعالى: { قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ 'دn1u' فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ 'دn1u' وَلَا يَنْسَى (52) } [سورة طه: 52] أي لا يذهب عنه علم شيء كائناً ما كان.
__________
(1) المحرر الوجيز لابن عطية (11/99) حكاه عن أبي عبيدة.
(2) البحر المحيط لأبي حيان (8/147).(1/183)
والإطلاق الثاني: وهو المشهور في اللغة وفي القرآن، هو إطلاق الضلال على الذهاب عن طريق الإيمان إلى الكفر، وعن طريق الحق إلى الباطل، وعن طريق الجنة إلى النار، ومنه قوله تعالى: { غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } [سورة الفاتحة: 7].
والإطلاق الثالث: هو إطلاق الضلال على الغيبوبة والاضمحلال، تقول العرب: ضل الشيء إذا غاب واضمحل، ومنه قولهم: ضل السمن في الطعام إذا غاب فيه واضمحل، ولأجل هذا سمّت العرب الدفن في القبر إضلالاً؛ لأن المدفون تأكله الأرض فيغيب فيها ويضمحل. ومن هذا المعنى قوله تعالى: { (#ûqن9$s%ur أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ } [سورة السجدة: 10]. يعنون إذا دُفنوا وأكلتهم الأرض فضلوا فيها؛ أي غابوا فيها واضمحلوا.
... وزعم بعض أهل العلم، أن للضلال إطلاقاً رابعاً: قال: ويطلق أيضاً على المحبة، ومنه قوله تعالى: { قَالُوا تَاللَّهِ y7¯Rخ) لَفِي y7د="n=|ت الْقَدِيمِ (95) } [سورة يوسف: 95] قال أي في حبك القديم ليوسف "(1).
الموافقون:
... وأعني بهم كل من ذهب في بيان المراد بالضلال في الآية الجهل وأنه لم يوح إلى موسى - عليه السلام - شيء في ذلك الوقت، متفقاً في ذلك مع ما ذهب إليه الشنقيطي، ومنهم:
1- الإمام الطبري -بعد إيراد الآية- قال: " يقول تعالى ذكره قال موسى لفرعون فعلت وتلك الفعلة التي فعلت؛ أي قتلت النفس التي قتلت إذاً وأنا من الضالين، يقول وأنا من الجاهلين قبل أن يأتيني من الله وحي بتحريم قتله عليّ. والعرب تضع الضلال موضع الجهل والجهل موضع الضلال؛ فتقول: قد جهل فلان الطريق وضل الطريق بمعنى واحد "(2).
2- القرطبي: " ((من الضالين)) أي من الجاهلين؛ فنفى عن نفسه الكفر، وأخبر أنه فعل ذلك على الجهل "(3).
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (6/371-373) بتصرف يسير.
(2) جامع البيان للطبري (19/42).
(3) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/95).(1/184)
3- ابن كثير: " ((وأنا من الضالين)) أي: قبل أن يوحى إليّ وينعم الله عليّ بالرسالة والنبوة "(1).
4- المحلّي: " ((وأنا من الضالين)) عمّا أتاني الله بعدها من العلم والرسالة "(2).
5- الشوكاني: " ((قال فعلتها إذاً وأنا من الضالين)) أي قال موسى مجيباً لفرعون: فعلت هذه الفعلة التي ذكرت، وهي قتل القبطي وأنا إذ ذاك من الضالين، أي الجاهلين، فنفى - عليه السلام - عن نفسه الكفر، وأخبر أنه فعل ذلك على الجهل قبل أن يأتيه العلم الذي علمه الله "(3).
6- السعدي: " ((فعلتها إذاً وأنا من الضالين)) أي عن غير كفر، وإنما كان عن ضلال وسفه، فاستغفرت ربي فغفر لي "(4).
المخالفون:
... وأعني بهم كل من رجّح أحد الأقوال الأخرى غير القول الأول -وهو ما رجحه الشنقيطي وموافقوه- ومنهم:
1- الإمام النيسابوري: " ((وأنا من الضالين)) الجاهلين بأنها تبلغ القتل "(5).
2- الفخر الرازي: " ((فعلتها إذاً وأنا من الضالين)) والمراد بذلك الذاهلين عن معرفة ما يؤول إليه من القتل لأنه فعل الوكزة على وجه التأديب، ومثل ذلك ربما حسن وإن أدى إلى القتل، فبيّن له أن فعله على وجه لا يجوز معه أن يؤاخذ به أو يعد منه كافراً أو كافراً لنعمه " (6).
2- الألوسي: ذكر عدداً من ألأقوال منسوبة إلى قائليها ومن ضمن ما ذكره " ما روي عن قتادة: أنه -موسى - عليه السلام - فعل ذلك جاهلاً به غير متعمد إياه فإنه - عليه السلام - إنما تعمد الوكز للتأديب فأدى إلى ما أدى "، ثم قال الألوسي: " والذي أميل إليه من بين هذه الأقوال ما روي عن قتادة "(7).
__________
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/332).
(2) تفسير الجلالين ص(307).
(3) فتح القدير للشوكاني (4/94).
(4) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(590).
(5) إيجاز البيان للنيسابوري (2/85).
(6) التفسير الكبير للفخر الرازي (8/496).
(7) روح المعاني للآلوسي (19/69).
... وهو: محمود بن عبدالله الحسيني الآلوسي، شهاب الدين، مفسر، محدِّث، أديب، من المجددين، من أهل بغداد، كان سلفي الاعتقاد، مجتهداً، من مؤلفاته المشهورة: (روح المعاني) في التفسير، مات سنة (1270هـ). الأعلام (7/176).(1/185)
... ولقد وجدت عدداً غير قليل من المفسرين ذكروا عدداً من المعاني تحت تفسير الآية، وكأنهم بهذا يشيروا إلى احتمال كل المعاني المذكورة للآية، أذكر كلام بعضهم وأشير إلى البقية:
1- الإمام البغوي: " ((وأنا من الضالين)) أي من الجاهلين، لم يأت من الله شيء. وقيل: من الجاهلين بأن ذلك يؤدي إلى قتله. وقيل: من الضالين عن طريق الصواب من غير تعمد. وقيل من المخطئين "(1).
2- النسفي: " ((وأنا من الضالين)) الجاهلين بأنها تبلغ القتل، والضال عن الشيء هو الذاهب عن معرفته، أو الناسين، من قوله { أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا uچإe2xçFsù إِحْدَاهُمَا 3"uچ÷zW{$# } [سورة البقرة: 282] فدفع وصف الكفر عن نفسه ووضع الضالين موضع الكافرين "(2).
3- الخازن: " ((قال)) يعني موسى ((فعلتها إذاً وأنا من الضالين)) أي من الجاهلين بأن ذلك يؤدي إلى قتله لأن فعل الوكزة على وجه التأديب لا على وجه القتل. وقيل من الضالين عن طريق الصواب، وقيل: من المخطئين "(3).
... وبنحو كلام من ذكرتُ أو قريباً منه قال كل من: الزمخشري(4)، وابن عطية(5)، وابن الجوزي(6)، وابن جزي(7)، وابن عاشور(8) وغيرهم.
تعقيب الباحث:
__________
(1) مختصر البغوي (2/670).
(2) مدارك التنزيل للنسفي (3/138).
(3) لباب التأويل للخازن (5/95).
(4) الكشاف للزمخشري (3/297).
(5) المحرر الوجيز لابن عطية (11/99).
(6) زاد المسير لابن الجوزي (6/33).
(7) التسهيل لابن جزي (3/183).
(8) التحرير والتنوير لابن عاشور (19/114).(1/186)
... من خلال استعراض أقوال المفسرين في بيان المراد بالضلال في قوله تعالى عن موسى - عليه السلام - ((وأنا من الضالين)) يظهر لي -والله أعلم- صحة احتمال جميع المعاني الواردة للآية الكريمة -باستثناء القول الرابع- فكون موسى - عليه السلام - ذكر أمام فرعون بأنه كان جاهلاً بمعنى أنه لم يوح إليه شيء من الوحي ولم يؤمر بتبليغ رسالة للناس في ذلك الوقت فهذا كلام صحيح. ولو أريد بقوله ((من الضالين)) أنه كان يجهل أن تلك الوكزة قد تقتل فلا لوم عليه لأنه لم يرد قتله، وإنما تأديبه، وكذلك لو حمل معنى الضلال على النسيان 0كما هو القول الثالث في مجمل الأقوال- فإنه يدخل في معنى ما سبق أن قلته آنفاً وكأنه قال: أي ناسياً أن وكزي ذلك مما يفضي إلى القتل عادة.
... أما جعل الضلال في الآية بمعنى المحبة فهو بعيد عن سياق الآية ومرادها؛ وقد أشار إلى ضعف هذا القول وبُعده وغرابته الإمام أبوحيان(1) والألوسي(2)، والشنقيطي(3). والله أعلم بالصواب.
- - -
معنى { فَوَهَبَ لِي 'دn1u' حُكْمًا }
36- قوله تعالى: { فَوَهَبَ لِي 'دn1u' حُكْمًا سة_n=yèy_ur مِنَ tûüد=y™ِچكJّ9$# } [سورة الشعراء: 21].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن المراد بالحُكْم: العلم النافع(4).
2- أن يراد به الحكمة(5).
3- أن الحُكْم يعني: النبوة(6).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " وقوله ((فوهب لي ربي حكماً)) قال بعضهم: الحكم هنا هو النبوة، والأظهر عندي أن الحكم هو العلم النافع الذي علمه الله إياه بالوحي -والعلم عند الله تعالى- "(7).
الموافقون:
__________
(1) البحر المحيط لأبي حيان (8/147).
(2) روح المعاني للآلوسي (19/69).
(3) أضواء البيان للشنقيطي (6/373).
(4) أضواء البيان للشنقيطي (6/473).
(5) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/77).
(6) المحرر الوجيز لابن عطية (11/99).
(7) أضواء البيان للشنقيطي (6/374).(1/187)
وأعني بهم الذين فسروا الحكم بأنه العلم أو الحكمة، ومنهم:
1- الإمام البيضاوي: " ((فوهب لي ربي حكماً)) حكمة "(1).
2- المحلي: " ((فوهب لي ربي حكماً)) علماً "(2).
3- سيد قطب: " ((ففرت منكم لما خفتكم)) على نفسي. فقسم الله لي الخير، ووهب لي الحكمة "(3).
المخالفون:
... وأعني بهم الذين بيّنوا المراد بالحكم أنه النبوة، ومنهم:
1- الإمام الطبري: " ((فوهب لي ربي حكماً)) يقول فوهب لي ربي نبوة وهي الحكم "(4).
2- ابن عطية: " وقوله: ((حكما)) يريد النبوة وحكمها "(5).
أما الكثرة الكاثرة من المفسرين فلم يرجّحوا قولاً على قول في بيان المراد بالحكم، وإنما جعلوا جميع المعاني الواردة محتملة للآية، وإليك أمثلة من أقوال بعضهم:
1- الإمام النسفي:" ((فوهب لي ربي حكماً)) نبوة وعلماً فزال عني الجهل والضلالة "(6).
2- ابن الجوزي: " ((فوهب لي ربي حكماً)) وفيه قولان:
... أحدهما: النبوة، والثاني: العلم والفهم "(7).
3- أبوالسعود: " ((فوهب لي ربي حكماً)) أي حكمة، أو نبوة "(8).
4- الشوكاني: " ((فوهب لي ربي حكماً)) أي نبوة، أو علماً ومنها "(9).
__________
(1) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/77).
(2) تفسير الجلالين ص(307).
(3) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/2591).
(4) جامع البيان للطبري (19/42).
(5) المحرر الوجيز لابن عطية (11/99).
(6) مدارك التنزيل للنسفي (3/138).
(7) زاد المسير لابن الجوزي (6/34).
(8) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/207).
(9) فتح القدير للشوكاني (4/94).(1/188)
... وانظر كذلك ما قاله الأئمة: البغوي(1)، والقرطبي(2)، والخازن(3)، وأبوحيان(4)، والألوسي(5)، والقاسمي(6)، وابن عاشور(7) فإنه يشبه ما ذكرت.
تعقيب الباحث:
... بعد استعراض أقوال المفسرين في بيان معنى ((فوهب لي ربي حكماً)) يظهر لي -والله أعلم- أن الراجح هو ما ذهب إليه الشنقيطي ومن وافقه، وذلك بناء على القاعدة المقررة لدى أئمة التفسير إذا دار الكلام بين التأسيس والتأكيد فحمله على التأسيس أولى(8)، فإن تفسير الحكم بالعلم النافع والحكمة والفهم يجعل تكملة الآية ((وجعلني من المرسلين)) تفيد معنى جديداً لدى السامع زيادة على السابق.
... كذلك -وردًّا على من فسر الحكم بالنبوة- فإن سياق الآية يشير إلى المعنى الراجح وذلك أن الحكم بما يشتمل عليه من معنى العلم النافع والحكمة والفهم هبة من الله - عز وجل - تتفاوت فيه قدرات البشر بحسب ما وُهبوا منه. بخلاف النبوة والرسالة ((وجعلني من المرسلين)) فهو تكليف يتساوى فيه من شرفهم الله - عز وجل - من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام بحمل رسالته وتبليغها للبشر. والله أعلم بالصواب.
- - -
مرجع الضمير في قوله تعالى { çm"sYُ3n=y™ }
37- قوله تعالى: { y7د9¨xx. çm"sYُ3n=y™ فِي قُلُوبِ ڑْüدBحچôfكJّ9$# (200) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ 4س®Lxm (#مruچtƒ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (201) } [سورة الشعراء: 200-201].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن يكون القرآن هو مرجع الضمير في ((سلكناه))(9).
__________
(1) مختصر البغوي (2/670).
(2) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/95).
(3) لباب التأويل للخازن (5/95).
(4) البحر المحيط لأبي حيان (8/148).
(5) روح المعاني للألوسي (19/69).
(6) محاسن التأويل للقاسمي (13/4609).
(7) التحرير والتنوير لابن عاشور (19/115).
(8) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (2/473).
(9) أضواء البيان للشنقيطي (6/382).(1/189)
2- أن يرجع الضمير إلى الكفر والتكذيب(1) المدلول عليه بقوله تعالى: { مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ } [سورة الشعراء: 199].
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " والضمير في ((سلكناه)) قيل: للقرآن، وهو الأظهر. وقيل: للتكذيب والكفر المذكور في قوله ((ما كانوا به مؤمنين)). وهؤلاء الكفار الذين ذكر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنهم لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم؛ هم الذين حقت عليهم كلمة العذاب، وسبق في علم الله - عز وجل - أنهم أشقياء كما يدل لذلك قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ ôMO)xm ِNخkِژn=tم àMyJد=ں2 (2) رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آَيَةٍ 4س®Lxm (#مruچtƒ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (97) } [سورة يونس: 96-97]. وقوله ((سلكناه)) أي أدخلناه في قلوب المجرمين، وإيضاحه على أنه القرآن: أن الله - عز وجل - أنزله على رجل عربي فصيح بلسان عربي مبين، فسمعوه وفهموه لأنه بلغتهم، ودخلت معانيه في قلوبهم، ولكنهم لم يؤمنوا به؛ لأن كلمة العذاب حقت عليهم.
... وعلى أن الضمير في ((سلكناه)) للكفر والتكذيب؛ فقوله عنهم ((ما كانوا به مؤمنين)) يدل على إدخال الكفر والتكذيب في قلوبهم "(3).
... فالشنقيطي إذاً يرى رجوع الضمير في ((سلكناه)) إلى القرآن الكريم.
الموافقون:
__________
(1) جامع البيان للطبري (19/70).
(2) لفظة "كلمة" في هذه الآية أثبتها شيخنا الشنقيطي على حسب القراءة التي كان يقرأ بها وهي قراءة الإمام نافع. ((كلمات)) نافع وابن عامر وأبوجعفر. ((كلمت)) الباقون. انظر: القراءات العشر المتواترة، محمد كريّم راجح ص(219).
(3) أضواء البيان للشنقيطي (6/381-382).(1/190)
1- الإمام أبوحيان: " الظاهر أنه عائد على ما عادت عليه الضمائر. قيل: وهو القرآن، والمعنى: مثل ذلك السلك وهو الإدخال والتمكين والتفهيم لمعانيه ((سلكناه)) أدخلناه ومكناه في ((قلوب المجرمين))، والمعنى: ما ترتب على ذلك السلك من كونهم فهموه وأدركوه، ولم يزدهم ذلك إلا عناداً وجحوداً وكفراً به "(1).
2- أبوالسعود: " ((كذلك سلكناه) أي مثل ذلك السلك البديع المذكور سلكناه أي أدخلنا القرآن ((في قلوب المجرمين)) ففهموا معانيه وعرفوا فصاحته وأنه خارج عن القوى البشرية من حيث النظم المعجز ومن حيث الإخبار عن الغيب، وقد انضم إليه اتفاق علماء أهل الكتب المنزلة قبله على تضمّنها البشارة بإنزاله وبعثة من أنزل عليه بأوصافه، فقوله تعالى ((لا يؤمنون به)) جملة مستأنفة مسوقة لبيان أنهم لا يتأثرون بأمثال تلك الأمور الداعية إلى الإيمان به بل يستمرون على ما هم عليه ((حتى يرون العذاب الأليم)) "(2).
3- الشوكاني: " ((كذلك سلكناه في قلوب المجرمين)) أي مثل ذلك السلك سلكناه؛ أي أدخلناه في قلوبهم، يعني القرآن حتى فهموا معانيه وعرفوا فصاحته وأنه معجز. [ثم أورد أقوالاً أخرى منسوبة لقائليها، إلى أن قال:] والأول أولى؛ لأن السياق في القرآن "(3).
... وبنحو ذلك جاء كلام كل من الألوسي(4) وسيد قطب(5)، وابن عاشور(6).
المخالفون:
... وهم الذين قالوا برجوع الضمير في ((سلكناه)) إلى الكفر والتكذيب المتضمن في قوله تعالى ((ما كانوا به مؤمنين))؛ ومنهم:
__________
(1) البحر المحيط لأبي حيان (8/191).
(2) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/234)..
(3) فتح القدير للشوكاني (4/114).
(4) روح المعاني للألوسي (19/128).
(5) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/2618).
(6) التحرير والتنوير لابن عاشور (19/194).(1/191)
1- الإمام الطبري: " كذلك نسلكه التكذيب والكفر في قلوب المجرمين، ويعني بقوله ((سلكنا)) أدخلنا، والهاء في قوله ((سلكناه)) كناية من ذكر قوله ((ما كانوا به مؤمنين)) كأنه قال كذلك أدخلنا في قلوب المجرمين ترك الإيمان بهذا القرآن "(1).
2- ابن كثير: " يقول تعالى كذلك سلكنا التكذيب والكفر والجحود والعناد، أي أدخلناه في قلوب المجرمين "(2).
3- القاسمي: " ((كذلك سلكناه في قلوب المجرمين)) أي مكّنّا هذا العناد والإباء عن الإيمان به، في قلوبهم وأنفسهم، وقررناه فيها "(3).
4- السعدي: " ((كذلك سلكناه في قلوب المجرمين)) أي أدخلنا التكذيب ونظمناه في قلوب أهل الإجرام؛ كما يدخل السلك في الإبرة، فتشربته وصار وصفاً لها، وذلك بسبب ظلمهم وجرمهم "(4).
... وبنحو ذلك قال كل من الإمام البغوي(5)، والنسفي(6)، والفخر الرازي(7)، والقرطبي(8)، والمحلي(9).
تعقيب الباحث:
... على الرغم من تقارب عدد الموافقين والمخالفين للشنقيطي في هذا الموضع، إلا أنه يظهر -والله أعلم- أن الراجح هو ما ذهب إليه الشنقيطي ومن وافقه من رجوع الضمير في ((سلكناه)) إلى القرآن الكريم، يؤيد ذلك اثنتان من قواعد الترجيح المقررة لدى المفسرين، وهما:
__________
(1) جامع البيان للطبري (19/70).
(2) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/348).
(3) محاسن التأويل للقاسمي (13/4646).
(4) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(598).
(5) مختصر البغوي (2/680).
(6) مدارك التنزيل للنسفي (3/150).
(7) التفسير الكبير للفخر الرازي (8/533).
(8) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/139).
(9) تفسير الجلالين ص(314).(1/192)
1- قاعدة: توحيد مرجع الضمائر(1) في السياق الواحد أولى من تفريقها، فإن الضمائر -قبله وبعده- في الآيات ابتداء من قوله تعالى: { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) tAu"tR بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) Ab$|،د=خ/ 5c'د1uچtم &ûüخ7-B (195) وَإِنَّهُ لَفِي حچç/م- الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ ûسة_t/ ں@ƒدن¨uژَ خ) (197) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) ¼çnr&uچs)sù عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) y7د9¨xx. çm"sYُ3n=y™ فِي قُلُوبِ ڑْüدBحچôfكJّ9$# (200) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ 4س®Lxm (#مruچtƒ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (201) } [سورة الشعراء: 192-201]. راجعه إلى القرآن الكريم؛ فالأفضل أن يكون ضمير ((سلكناه)) مع بقية الضمائر في المرجع ولا يختلف عنهم.
... بل لقد صرح بعض المفسرين عند هذا الموضع باتحاد مرجع الضمائر منهم أبوحيان، والألوسي(2).
2- قاعدة: إدخال الكلام في معاني ما قبله وما بعده(3).. أو ما يعرف بدلالة السياق، فإن سياق الآيات في الكلام عن القرآن، وأكّد ذلك الإمام الشوكاني بقوله: " والأول أولى؛ لأن السياق في القرآن "(4). والله أعلم بالصواب.
- - -
معنى قوله تعالى: { وَتَقَلُّبَكَ فِي tûïد‰إf"،،9$# }
38- قوله تعالى: { ِ@ھ.uqs?ur عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي y71uچtƒ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي tûïد‰إf"،،9$# (219) } [سورة الشعراء: 217-219].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
__________
(1) الإتقان للسيوطي (1/509)، قواعد التفسير لخالد السبت (1/414).
(2) البحر المحيط لأبي حيان (8/191)، روح المعاني للألوسي (19/128).
(3) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/125).
(4) فتح القدير للشوكاني (4/114).(1/193)
1- ((وتقلبك في الساجدين)) في صلاتهم معك حين تقوم معهم وتركع وتسجد(1).
2- ((وتقلبك في الساجدين)) أي تصرفك في ذهابك ومجيئك في أصحابك المؤمنين(2).
3- أن المعنى: أي في أصلاب الآباء آدم ونوح وإبراهيم حتى أخرجه نبياً(3).
4- أن يكون المعنى: تقليب أعينك وأبصارك في الساجدين حين تراهم من وراء ظهرك(4).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- " اعلم أن قوله هنا ((وتقلبك في الساجدين)) قال فيه بعض أهل العلم المعنى: وتقلبك في أصلاب آبائك الساجدين: أي المؤمنين بالله - عز وجل - ، كآدم ونوح وإبراهيم وإسماعيل؛ واستدل بعضهم لهذا القول فيما بعد إبراهيم من آبائه بقوله تعالى عن إبراهيم { وَجَعَلَهَا OpyJد=x. بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ } [سورة الزخرف: 28]، وفي الآية قرينة تدل على عدم صحة هذا القول وهي قوله تعالى قبله مقترناً به ((الذي يراك حين تقوم)) فإنه لم يقصد به أنه يقوم في أصلاب الآباء إجماعاً، وأول الآية مرتبط بآخرها، أي الذي يراك حين تقوم من صلاتك وحين تقوم من فراشك ومجلسك،ويرى ((تقلبك في الساجدين)) أي المصلين، على أظهر الأقوال؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - يتقلب في المصلين قائماً وساجداً وراكعاً "(5).
الموافقون:
1- الإمام الطبري: " وأولى الأقوال في ذلك بتأويله قول من قال: تأويله ويرى تقلبك مع الساجدين في صلاتهم معك حين تقوم معهم وتركع وتسجد؛ لأن ذلك هو الظاهر من معناه [إلى أن قال ردًّا على بعض الأقوال الأخرى] وتوجيه معاني كلام الله إلى الأغلب أولى من توجيهه إلى الأنكر "(6).
__________
(1) جامع البيان للطبري (19/77).
(2) زاد المسير لابن الجوزي (6/54)، ولم يرجحه.
(3) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/144) حكاه عن ابن عباس.
(4) المحرر الوجيز لابن عطية (11/159) ولم يرجحه.
(5) أضواء البيان للشنقيطي (6/388).
(6) جامع البيان للطبري (19/77).(1/194)
2- ابن عطية: " وقوله تعالى: ((الذي يراك حين تقوم)).. وظاهر الآية أنه أراد قيام الصلاة، ويحتمل أنه يريد سائر التصرفات، وقوله ((في الساجدين)) أي: في أهل الصلاة، أي: صلاتك مع المصلين "(1).
3- المحلي: " ((الذي يراك حين تقوم)) إلى الصلاة ((وتقلبك)) في أركان الصلاة قائماً وقاعداً وراكعاً وساجداً ((في الساجدين)) أي المصلين "(2).
4- الشوكاني: " ((وتقلبك في الساجدين)) أي ويراك إن صليت في الجماعة راكعاً وساجداً وقائماً، كذلك قال أكثر المفسرين "(3).
5- الألوسي: " ((الذي يراك حين تقوم)) أي إلى الصلاة ((وتقلبك)) أي ويرى سبحانه تغيرك من حال كالجلوس والسجود إلى آخر كالقيام ((في الساجدين)) أي فيما بين المصلين إذا أممتهم "(4).
6- السعدي: " ((الذي يراك حين تقوم، وتقلبك في الساجدين)) أي يراك في هذه العبادة العظيمة التي هي الصلاة، وقت قيامك وتقلبك راكعاً وساجداً "(5).
7- سيد قطب: "... فربُّه يراه في قيامه وحده للصلاة، ويراه في صفوف الجماعة الساجدة. يراه في وحدته ويراه في جماعة المصلين يتعهدهم وينظمهم ويؤمهم وينتقل بينهم "(6).
8- ابن عاشور -تحت تفسيره للآية- قال: "... والقيام: الصلاة في جوف الليل، غلب هذا الاسم عليه في اصطلاح القرآن، والتقلب في الساجدين هو صلاته في جماعات المسلمين في مسجده "(7).
... وبعد استعراض أقوال الموافقين أقول: لم أجد -فيما وقفت عليه من أقوال المفسرين- أحداً رجّح قولاً آخر، وإنما ربما وجدت مَنْ جمع عدداً من الأقوال معتبراً إياها محتملة لمعنى الآية. أذكر أقوال بعضهم وأشير إلى البقية.
__________
(1) المحرر الوجيز لابن عطية (11/159).
(2) تفسر الجلالين ص(315)
(3) فتح القدير للشوكاني (4/116).
(4) روح المعاني للألوسي (19/137).
(5) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(599).
(6) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/2620).
(7) التحرير والتنوير لابن عاشور (19/204).(1/195)
1- الإمام النسفي: " ((الذي يراك حين تقوم)) متهجداً ((وتقلبك)) أي ويرى تقلبك ((في الساجدين)) في المصلين، أتبع كونه رحيماً على رسوله ما هو من أسباب الرحمة وهو ذكر ما كان يفعله في جوف الليل من قيامه للتهجد وتقلبه في تصفح أحوال المتهجدين من أصحابه ليطلع عليهم من حيث لا يشعرون وليعلم أنهم كيف يعبدون الله ويعملون لآخرتهم. وقيل: معناه يراك حين تقوم للصلاة بالناس جماعة وتقلبه في الساجدين تصرفه فيما بينهم بقيامه وركوعه وسجوده وقعوده إذا أمّهم "(1).
2- ابن الجوزي: " قوله تعالى ((وتقلبك)) أي ونرى تقلبك ((في الساجدين)) وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: وتقلبك في أصلاب الأنبياء حتى أخرجك.
والثاني: تقلبك في الركوع والسجود والقيام مع المصلين في الجماعة، والمعنى: يراك وحدك ويراك في الجماعة، وهذا قول الأكثرين.
والثالث: وتصرفك في ذهابك ومجيئك في أصحابك المؤمنين "(2).
3- ابن جزي: " ((الذي يراك حين تقوم)) أي حين تقوم في الصلاة ويحتمل أن يريد سائر التصرفات ((وتقلبك في الساجدين)) معطوف على المضير المفعول في قوله ((يراك))، والمعنى: أنه يراك حين تقوم وحين تسجد. وقيل معناه: يرى صلاتك مع المصلين، ففي ذلك إشارة إلى الصلاة مع الجماعة. وقيل: يرى تقلب بصرك في المصلين خلفك؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان يراهم من وراء ظهره "(3).
4- القاسمي: " ((الذي يراك حين تقوم)) أي من النوم إلى التهجد ((وتقلبك في الساجدين)) أي المصلين. أي تصرفك فيما بينهم بالقيام والركوع والسجود إذا أممتهم، يعني: يراك وحدك ويراك في الجمع؛ والتوصيف بذلك للتذكير بالعناية بالصلاة ليلاً وجمعاً وفرادى. أو معنى الآية: لا يخفى عليه حالك كلما قمت وتقلبت مع الساجدين في كفاية أمور الدين "(4).
__________
(1) مدارك التنزيل للنسفي 03/152).
(2) زاد المسير لابن الجوزي (6/54).
(3) التسهيل لابن جزي (3/197).
(4) محاسن التأويل للقاسمي (13/4648).(1/196)
... وكذلك ما قاله كل من الإمام البغوي(1)، والفخر الرازي(2)، والقرطبي(3)، والخازن(4)، وأبي حيان(5)، فإنه حول ذلك من الأقوال يدور.
تعقيب الباحث:
... الذي يظهر -والله أعلم- أن الراجح هو ما ذهب إليه الشنقيطي ومن وافقه؛ يدل لذلك عدة أمور:
1- إجماع عدد من أئمة التفسير على المعنى الراجح، وعدم وجود مرجح لقول مخالف.
2- ما صرّح به عدد من أئمة التفسير من أقوال تدل على الترجيح وبعضهم أشار بتضعيف ما سواه وردِّه، من ذلك:
أ- قول الإمام الطبري -وقد سبق ذكره عند الموافقين- فإنه بعد القول الراجح قال: " ذلك هو الظاهر من معناه [وردّ ما سواه بقوله] وتوجيه معاني كلام الله إلى الأغلب أولى من توجيهه إلى الأنكر "(6).
ب- قال الإمام ابن عطية -في ردّه على من قال إن المراد تقليب أعينك وأبصارك في الساجدين حيث تراهم من وراء ظهرك- قال عنه: " إنه أجنبي هنا "(7)، وكان قد ذكر قبله القول الراجح -وقد ذكرته في الموافقين-.
جـ- الإمام القرطبي قال عن القول الراجح إنه: " قول أكثر المفسرين "، وردّ على من قال: ترى بقلبك في صلاتك من خلفك كما ترى بعينك من قدامك، بأنه " في تأويل الآية بعيد "(8).
د- وكذلك عزا القول الراجح إلى " أكثر المفسرين " كل من الشوكاني والألوسي(9).
__________
(1) مختصر البغوي (2/681).
(2) التفسير الكبير للفخر الرازي (8/538).
(3) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/144).
(4) لباب التأويل للخازن (5/107).
(5) البحر المحيط لأبي حيان (8/199).
(6) جامع البيان للطبري (19/77).
(7) المحرر الوجيز لابن عطية (11/159).
(8) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/144).
(9) فتح القدير للشوكاني (4/116)، وروح المعاني للألوسي (19/137).(1/197)
3- قاعدة من قواعد الترجيح لدى المفسرين استند عليها الشنقيطي في ترجيح ما رجّحه؛ وهي قاعدة: وجود قرينة في الآية تدل على المعنى الراجح(1) -وقد سبقت الإشارة إليها تحت ترجيح الشنقيطي. والله أعلم الصواب.
- - -
معنى قوله تعالى { بَلِ x8u'¨¨ٹ$# عِلْمُهُمْ فِي دouچ½zFy$# }
39- قوله تعالى: { بَلِ x8u'¨¨ٹ$# عِلْمُهُمْ فِي دouچ½zFy$# بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66) } [سورة النمل: 66].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- ((بل ادّارك)) أي تكامل علمهم في الآخرة حين يعاينونها، أي يعلمون في الآخرة علماً كاملاً ما كانوا يجهلونه في الدنيا. ويشبهه تماماً ولا يخرج عنه قول من قال: ((بل ادّارك)) أي بلغ ولحق علمهم في الآخرة ما جهلوه وسقط عنهم علمه حين عاينوها(2).
2- ((بل ادّارك علمهم في الآخرة)) أي انتهى علمهم وعجز عن معرفة وقتها. ويشبهه جداً قول من قال: إن المراد أي ضعف ووَهَى ولم يكن يقيناً(3).
3- أن تكون ((بل)) بمعنى هل، والمعنى: هل أدرك علمهم علم الآخرة، أي هل تتابع وتلاحق علمهم بالآخرة(4).
__________
(1) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/299).
(2) لباب التأويل للخازن (5/128)، أضواء البيان للشنقيطي (6/413).
(3) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/373)، تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(608).
(4) حكاه ابن الجوزي عن الفراء في زاد المسير (6/78).(1/198)
... اعلم عزيزي القارئ أن لفظه (ادّارك) ورد فيها ثنتا عشرة قراءة، اثنتان منها فقط سبعيتان عشريتان(1)؛ وهما: ((بل ادّارك)) بكسر لام بل وبعدها همزة وصل وتشديد الدال مع فتحها وبعدها ألف. ((بلْ أدْرك)) بسكون لام بل وبعدها همزة قطع وسكون الدال(2).
... وسيكون كلامي -إن شاء الله- في تحديد الموافقين والمخالفين للشنقيطي في ترجيحه في ضوء القراءتين المذكورتين فقط -والله المستعان-.
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " أظهر أقوال أهل العلم عندي في هذه الآية الكريمة أن المعنى: بل ادّارك علمهم: أي تكامل علمهم في الآخرة حين يعانيونها، أي يعلمون في الآخرة علماً كاملاً ما كانوا يجهلونه في الدنيا، وقوله ((بل هم في شك منها بل هم منها عمون)) أي في دار الدنيا، فهذا الذي كانوا يشكّون فيه في دار الدنيا ويعمون عنه مما جاءتهم به الرسل، يعلمونه في الآخرة علماً كاملاً لا يخالجه شك عند معاينتهم لما كانوا ينكرونه من البعث والجزاء.
__________
(1) سبعيتان: أعني بهم القراء السبعة، وعشريتان: أعني بهم مع انضمام الثلاث المتممين للعشرة.
(2) شرح شعلة على الشاطبية للإمام أبي عبدالله محمد بن أحمد الموصلي ص(530)، والقراءات العشر المتواترة للشيخ محمد كريّم راجح ص(383).(1/199)
... وإنما اخترنا هذا القول دون غيره من أقوال المفسرين في الآية لأن القرآن دل عليه دلالة واضحة في آيات متعددة، كقوله تعالى: { أَسْمِعْ ِNخkح5 ِژإاِ/r&ur يَوْمَ $sYtRqè?ù'tƒ لَكِنِ tbqكJد="©à9$# الْيَوْمَ فِي 5@"n=|ت &ûüخ7-B (38) } [سورة مريم: 38]. فقوله: أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا بمعنى: ما أسمعهم وما أبصرهم للحق الذي كانوا ينكرونه يوم يأتوننا: أي يوم القيامة؛ وهذا يوضح معنى قوله ((بل ادّارك علمهم في الآخرة)) أي تكامل علمهم فيها لمبالغتهم في سمع الحق وإبصاره في ذلك الوقت. وقوله ((لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين)) يوضح معنى قوله ((بل هم في شك منها بل هم منها عمون)) لأن ضلالهم المبين اليوم أي في دار الدنيا هو شكّهم في الآخرة وعماهم عنها. وكقوله تعالى { وَلَوْ #"uچs? إِذِ ڑcqمBحچôfكJّ9$# نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ !$sY/u' $tRِژ|اِ/r& وَسَمِعْنَا $sY÷èإ_ِ'$$sù نَعْمَلْ $·sد="|¹ إِنَّا مُوقِنُونَ (12) } [سورة السجدة: 12] فقوله: إنا موقنون أي يوم القيامة، يوضح معنى قوله هنا ((بل ادّارك علمهم في الآخرة)). وكقوله تعالى: { (#qàتحچممur عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا ِ/ن3"sYّ)n=yz أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48) } [سورة الكهف: 48] فعرضهم على ربهم صفاً يتدارك به علمهم لما كانوا ينكرونه، وقوله ((بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعداً)) صريح في أنهم في الدنيا كانوا في شك وعمي عن البعث والجزاء كما ترى، إلى غير ذلك من الآيات "(1).
الموافقون:
... وأعني بهم الذين ذهبوا في بيان معنى ((بل ادّارك علمهم في الآخرة)) إلى أن المراد: تكامل علمهم في الآخرة وقوي وبلغ ولحق كل ما جهلوه وسقط عنهم علمه حيث عاينوها ووصلوا إليها، ومنهم:
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (6/413-414).(1/200)
1- الإمام النيسابوري: " ((بل ادّارك علمهم في الآخرة)) تدارك، أدغمت التاء في الدال واجتلبت ألف الوصل. والمعنى: إحاطة علمهم في الآخرة بها عند مشاهدتهم، وكانوا في شك منها. أو هو تلاحق علمهم وتساويه بالآخرة في الدنيا، بما في العقل من وجوب جزاء الأعمال "(1).
2- الخازن: ((بل ادّارك)) أي بلغ ولحق، وعلمهم ((في الآخرة)) هو ما جهلوه في الدنيا وسقط عنهم علمه، وقيل: بل علموا في الآخرة حين عاينوها ما شكّوا فيه وعموا عنه في الدنيا "(2).
3- الشوكاني: " ومعنى الآية: بل تكامل علمهم في الآخرة؛ لأنهم رأوا كل ما وعدوا به وعاينوه. وقيل: معناه: تتابع علمهم في الآخرة، والقراءة الثانية معناها كمل علمهم في الآخرة مع المعاينة وذلك حين لا ينفعهم العلم؛ لأنهم كانوا في الدنيا مكذبين "(3).
المخالفون:
... وأعني بهم مَنْ قال إن المراد بـ ((بل ادّارك علمهم في الآخرة)) أي ضعف وانتهى وعجز عن الوصول إلى علمها ومعرفتها، وكذلك مَنْ قال بأن ((بل)) على الاستفهام بمعنى هل تتابع ولحق علمهم بالآخرة، منهم:
1- الإمام ابن كثير: " أي انتهى علمهم وعجز عن معرفة وقتها "(4).
2- المحلّي: " ((بل)) بمعنى هل ((ادّارك)) بتشديد الدال وأصله (تدارك) أبدلت التاء دالاً وأدغمت في الدال واجتلبت همزة الوصل، أي: تتابع وتلاحق، وفي قراءة ((أدْرك)) بوزن أكرم: أي بلغ ولحق. ((علمهم في الآخرة)) أي بها حتى سألوا عن وقت مجيئها؛ ليس الأمر كذلك ((بل هم في شك منها بل هم منها عمون)) من عمى القلب، وهو أبلغ مما قبله، والأصل عميون استثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى الميم بعد حذف كسرتها "(5).
__________
(1) إيجاز البيان للنيسابوري (2/96).
(2) لباب التأويل للخازن (5/128).
(3) فتح القدير للشوكاني (4/143).
(4) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/373).
(5) تفسير الجلالين ص(321).(1/201)
3- الألوسي: " والمعنى بل تتابع علمهم في شأن الآخرة التي ما ذكر من البعث حال من أحوالها حتى انقطع وفنى ولم يبق لهم علم بشيء مما سيكون فيها قطعاً مع توفر أسبابه فهو ترقٍ عن وصفهم بجهل فاحش إلى وصفهم بجهل أفحش "(1).
4- السعدي: " ((بل ادّارك علمهم في الآخرة)) أي بل ضعف ولم يكن يقيناً ولا علماً واصلاً إلى القلب، وهذا أقل وأدنى درجة للعلم؛ ضعفه ووهاؤه "(2).
5- سيد قطب: " ((وما يشعرون أيان يبعثون)) ينفي عنهم العلم بموعد البعث في أغمض صوره وهو الشعور. فهم لا يعلمون بهذا الموعد يقيناً ولا يشعرون به حين يقترب شعوراً. فذلك من الغيب الذي يقرر أن لا أحد يعلمه في السماوات ولا في الأرض.. ثم يضرب عن هذا ليتحدث في موقفهم هم من الآخرة، ومدى علمهم بحقيقتها: ((بل ادّارك علمهم في الآخرة))... فانتهى إلى حدوده، وقصر عن الوصول إليها، ووقف دونها لا يبلغها. ((بل هم في شك منها)).. لا يستيقنون بمجيئها؛ بله أن يعرفوا موعدها، وينتظروا وقوعها. ((بل هم منها عمون))... بل هم عنها في عمى، لا يبصرون من أمرها شيئاً، ولا يدركون من طبيعتها شيئاً.. وهذه أشد بعداً عن الثانية وعن الأولى "(3).
__________
(1) روح المعاني للألوسي (20/13).
(2) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(608).
(3) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/2662).(1/202)
... أما الكثرة من المفسرين فلم يرجحوا قولاً محدداً عند بيانهم لمعنى الآية؛ إنما يجمعوا عدداً من الأقوال دون ترجيح على اعتبار أنها كلها محتملة لمعنى الآية، منهم الإمام البغوي(1)، والزمخشري(2)، وابن عطية(3)، وابن الجوزي(4)، والقرطبي(5)، وغيرهم(6).
تعقيب الباحث:
... الذي يظهر -والله أعلم- أن الراجح في بيان معنى ((بل ادّارك علمهم في الآخرة)) هو ما ذهب إليه الشنقيطي ومن وافقه، حيث لم أجد فيما وقفت عليه من أقوال المفسرين أحداً ذكر ما يؤيد قولاً آخر سواءً رجحه أو لم يرجّحه؛ إلا ما ذكره الشيخ الشنقيطي من استدلاله على ما رجّحه بآيات أخرى من القرآن الكريم -وقد سبق ذكرها في ترجيحه- وهي باختصار: قوله تعالى: { أَسْمِعْ ِNخkح5 ِژإاِ/r&ur يَوْمَ $sYtRqè?ù'tƒ لَكِنِ tbqكJد="©à9$# الْيَوْمَ فِي 5@"n=|ت &ûüخ7-B (38) } [سورة مريم: 38]، وقوله تعالى: { وَلَوْ #"uچs? إِذِ ڑcqمBحچôfكJّ9$# نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ !$sY/u' $tRِژ|اِ/r& وَسَمِعْنَا $sY÷èإ_ِ'$$sù نَعْمَلْ $·sد="|¹ إِنَّا مُوقِنُونَ (12) } [سور السجدة: 12]، وقوله تعالى: { (#qàتحچممur عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا ِ/ن3"sYّ)n=yz أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48) } [سورة الكهف: 48]، وقد تقرر لدى أئمة التفسير في الترجيح بين الأقوال أن القول الذي تؤيده آيات قرآنية مقدم على غيره(7).
__________
(1) مختصر البغوي (2/693).
(2) الكشاف للزمخشري (3/367).
(3) المحرر الوجيز لابن عطية (11/235).
(4) زاد المسير لابن الجوزي (6/78).
(5) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/227).
(6) التسهيل لابن جزي (3/216)، البحر المحيط لأبي حيان (8/262)، إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/276).
(7) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/312).(1/203)
... كذلك وقبل الشيخ الشنقيطي فإن الإمام الشوكاني في نهاية تفسيره للآية المقصودة أشار إلى القول الراجح وردّ ما سواه بقرينة موجودة في الآية، فبعد أن ذكر القول الراجح ثم ذكر أقوالاً أخرى؛ قال: " فمن قال إن معنى الآية الأولى أعني ((بل ادّارك علمهم في الآخرة)) أنه كمل علمهم وتمَّ مع المعاينة فلابدّ من حمل قوله ((بل هم في شك...)) إلخ على ما كانوا عليه في الدنيا. ومن قال إن معنى الآية الأولى الاستهزاء بهم والتبكيت لهم لم يحتج إلى تقييد قوله ((بل هم في شك)) إلخ بما كانوا عليه في الدنيا. وبهذا يتضح معنى هذه الآيات ويظهر ظهوراً بيناً "(1). ووجود قرينة في السياق تدل على المعنى الراجح قاعدة مقررة لدى أئمة التفسير(2).
... فهاتان قاعدتان من قواعد الترجيح عند المفسرين يتأيّد بهما ما ذهب إليه الشنقيطي وموافقوه. والله أعلم بالصواب.
- - -
ما هو القول الواقع على المكذبين؟
40- قوله تعالى { وَوَقَعَ الْقَوْلُ Nخkِژn=tم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85) } [سورة النمل: 85].
مجمل الأقوال الوردة في الآية:
1- أن المراد بالقول الواقع على المكذبين: وقوع العذاب عليهم(3).
2- وقيل المراد: وجب الغضب عليهم(4).
3- وقيل: وجب السخط(5).
4- وقيل: قامت الحجة(6).
5- وقيل: حق عليهم القضاء بسبب ظلمهم في الدنيا(7).
6- وقيل: المراد بالقول: ما نطق به القرآن من مجيء الساعة وما فيها من فنون الأهوال التي كانوا يستعجلونها(8).
7- وقيل: وقع القول بموت العلماء وذهاب العلم(9).
__________
(1) فتح القدير للشوكاني (4/144).
(2) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/299).
(3) مختصر البغوي (2/695).
(4) فتح القدير للشوكاني (4/147).
(5) المرجع السابق.
(6) التسهيل لابن جزي (3/218).
(7) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/2668).
(8) فتح القدير للشوكاني (4/147).
(9) المرجع السابق.(1/204)
8- وقيل: إذا لم يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر(1).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " الظاهر أن القول الذي وقع عليهم هو كلمة العذاب، كما يوضحه قوله تعالى: { وَلَوْ $sYّOد© $sY÷ s?Uy كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ ¨,xm الْقَوْلُ سةi_دB ¨bV|ّB{ جَهَنَّمَ مِنَ دp¨Yإfّ9$# وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) } [سورة السجدة: 13]، ونحو ذلك من الآيات "(2).
الموافقون:
... جمهور من المفسرين قالوا إن المراد بالقول الواقع على المكذبين: هو العذاب، فمنهم:
1- الإمام البغوي: " ((وقع القول)) وجب العذاب "(3).
2- النسفي: " ((ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون)) أي يغشاهم العذاب الموعود بسبب ظلمهم وهو التكذيب بآيات الله "(4).
3- القرطبي: " ((ووقع القول عليهم بما ظلموا)) أي وجب العذاب عليهم بظلمهم أي بشركهم "(5).
4- البيضاوي: " حل بهم العذاب الموعود وهو كبّهم في النار بعد ذلك "(6).
5- أبوالسعود: " ((ووقع القول عليهم)) أي حل بهم العذاب الذي هو مدلول القول الناطق بحلوله ونزوله ((بما ظلموا)) بسبب ظلمهم الذي هو تكذيبهم بآيات الله "(7).
6- القاسمي: " ((ووقع القول)) أي مدلوله وهو العقاب الموعودون به "(8).
7- السعدي: " أي حقت عليهم كلمة العذاب بسبب ظلمهم "(9).
__________
(1) المرجع السابق.
(2) أضواء البيان للشنقيطي (6/441).
(3) مختصر البغوي (2/695).
(4) مدارك التنزيل للنسفي (3/170).
(5) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/239).
(6) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/93).
(7) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/284).
(8) محاسن التأويل للقاسمي (13/4688).
(9) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(610).(1/205)
... وبألفاظ مقاربة ومشابهة جاء كلام كل من الزمخشري(1)، وابن عطية(2)، والفخر الرازي(3)، والخازن(4)، وأبي حيان(5)، المحلي(6) والألوسي(7).
ولم أجد أحداً اختار قولاً مخالفاً لما ذهب إليه الجمهور؛ إلا ما قد يظن أنه مخالف في الظاهر ما ورد عن الإمام الطبري حيث قال: " يقول تعالى ذكره ووجب السخط والغضب من الله على المكذبين بآياته "(8).
وكذلك ما قاله الشيخ سيد قطب: " وحق عليهم القضاء بسبب ظلمهم في الدنيا، وهم واجمون صامتون "(9)، وفي التعقيب سيتضح الأمر إن شاء الله.
تعقيب الباحث:
... بعد استعراض أقوال المفسرين في بيان المراد بالقول الواقع على المكذبين، يظهر لي -والله أعلم- أن الراجح أن يكون المراد: وقوع العذاب عليهم بسبب ظلمهم. وذلك أنه قد دلت آيات قرآنية أخرى عليه، ذكر منها الشيخ الشنقيطي قوله تعالى: { وَلَوْ $sYّOد© $sY÷ s?Uy كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ ¨,xm الْقَوْلُ سةi_دB ¨bV|ّB{ جَهَنَّمَ مِنَ دp¨Yإfّ9$# وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) } [سورة السجدة: 13].
__________
(1) الكشاف للزمخشري (3/373).
(2) المحرر الوجيز لابن عطية (11/247).
(3) التفسير الكبير للفخر الرازي (8/573).
(4) لباب التأويل للخازن (5/131).
(5) البحر المحيط لأبي حيان (8/270).
(6) تفسير الجلالين ص(322).
(7) روح المعاني للألوسي (20/29).
(8) جامع البيان للطبري (20/12).
(9) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/2668).(1/206)
... وأضيفُ إليها قوله تعالى: { أَفَمَنْ ¨,xm عَلَيْهِ èpyJد=x. الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) } [سورة الزمر: 19]، وقوله تعالى: { قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ ôMO)xm èpyJد=x. الْعَذَابِ عَلَى z`ƒحچدے"s3ّ9$# } [سورة الزمر: 71]، والقول المؤيد بآيات قرآنية مقدم على غيره(1)، ولإجماع المفسرين عليه، أما ما ورد عن الإمام الطبري فإنه لا يخرج عن الجمهور وإن اختلف اللفظ، فإن سخط الله - عز وجل - وغضبه على المكذبين بآياته هو بحد ذاته عذاب، فكيف وما سيكون بعده هو عذاب جهنم الموعودون به.
... وما قاله الشيخ سيد قطب من أن القضاء يحق عليهم، فإن قضاء الله - عز وجل - على المكذبين بآياته هو عذابهم في نار جهنم -أعاذنا الله وإياكم وجميع المسلمين منها- وعليه فإنه لا خلاف.
وغير ذلك من الأقوال التي أوردتها في مجمل الأقوال (الأقوال 6-7-8) فلم أجد من رجّح شيئاً منها على أنه هو الراجح في الآية، إنما أوردها الإمام الشوكاني (2) بصيغة التمريض على أنه قد تحتمل معنى الآية، ولكن لم يرجحها أحد. والله أعلم بالصواب.
- - -
معنى قوله تعالى { وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ }
41- قوله تعالى: { وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) } [سورة العنكبوت: 38].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن المراد بـ ((مستبصرين)) عقلاء ذوو بصائر؛ متمكنين من النظر وتمييز الحق من الباطل ولكن لم يفعلوا(3).
2- أن المعنى: كانوا عقلاء يعلمون أن الرسل والرسالات حق، ولكن كفروا عناداً(4).
__________
(1) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/312).
(2) فتح القدير للشوكاني (4/147).
(3) مدارك التنزيل للنسفي (3/197).
(4) البحر المحيط لأبي حيان (8/357).(1/207)
3- وقيل: متبيّنين أن العذاب لاحق بهم بإخبار الرسل عليهم السلام، ولكنهم لجوّا في العناد(1).
4- أن يكون المراد: مستبصرين في ضلالتهم معجبين بها يحسبون أنهم على هدى وهم على الضلال(2).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " والأظهر في قوله في هذه الآية: وكانوا مستبصرين، أن استبصارهم المذكور هنا بالنسبة إلى الحياة الدنيا خاصة، كما دل عليه قوله تعالى: { tbqكJn=÷ètƒ #Xچخg"sك مِنَ دo4quٹutù:$# الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ دouچ½zFy$# َOèd غَافِلُونَ (7) } [سورة الروم: 7]، وقوله تعالى: { وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي ة="utُ¾r& السَّعِيرِ (10) } [سورة الملك: 10] ونحو ذلك من الآيات "(3).
يفهم من تفسير الشنقيطي للآية؛ أنهم كانت لهم عقول يستخدمونها في أمور الدنيا خاصة، وكان بإمكانهم استخدامها أيضاً في ما يخص أمر آخرتهم وتمييز الحق من الباطل وقبول ما جاءت به الرسل عليهم السلام، ولكنهم لم يفعلوا إما عناداً أو تشاغلاً بدنياهم، وفي كلتا الحالتين مصيرهم واحد؛ هو ما ينتظرهم من العقاب الدنيوي والأخروي جزاء عدم إيمانهم. وعليه فإن الأقوال الثلاث الأولى (1-2-3) الواردة في مجمل الأقوال متشابهة جداً ومتداخلة مع بعضها البعض، ومَنْ قال بأحدها أو بعضها أو كلها يعتبر موافقاً للشنقيطي فيما ذهب إليه.
الموافقون:
1- الإمام النسفي: " ((وكانوا مستبصرين)) عقلاء متمكنين من النظر وتمييز الحق من الباطل ولكنهم لم يفعلوا "(4).
__________
(1) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/338).
(2) جامع البيان للطبري (20/96).
(3) أضواء البيان للشنقيطي (6/467).
(4) مدارك التنزيل للنسفي (3/197).(1/208)
2- الزمخشري: " ((وكانوا مستبصرين)) عقلاء متمكنين من النظر والافتكار، ولكنهم لم يفعلوا، أو كانوا متبينين أن العذاب نازل بهم لأن الله تعالى قد بين لهم على ألسنة الرسل عليهم السلام، ولكنهم لجّوا حتى هلكوا "(1).
3- القرطبي: " ((وكانوا مستبصرين)) فيه قولان: أحدهما: وكانوا مستبصرين في الضلالة، والثاني: كانوا مستبصرين قد عرفوا الحق من الباطل بظهور البراهين؛ وهذا القول أشبه؛ لأنه إنما يقال فلان مستبصر إذا عرف الشيء على الحقيقة "(2).
4- القاسمي -بعد أن ذكر الآية كاملة- قال: " أي عقلاء متمكنين من النظر والافتكار بواسطة الرسل عليهم السلام، فإنهم أوضحوا السبل، فلم يكن لهم في ذلك عذر، ولكنهم لم يفعلوا، عِناداً أو كبراً "(3).
5- السعدي -بعد ذكر الآية كاملة- قال: " أي وكذلك ما فعلنا بعاد وثمود، وقد علمتم قصصهم وتبين لكم بشيء تشاهدونه بأبصاركم من مساكنهم وآثارهم التي بانوا عنها، وقد جاءتهم رسلهم بالآيات البينات المفيدة للبصيرة، فكذبوهم وجادلوهم "(4).
... وغيرهم بألفاظ مقاربة ومشابهة لبعضهم كالبيضاوي(5) والمحلي(6) وأبي السعود(7).
المخالفون:
... وهم من ذكر معنى ((وكانوا مستبصرين)) أي معجبين بكفرهم وضلالهم ويحسبوا أنهم على الحق والهدى:
1- الإمام الطبري: " ((وكانوا مستبصرين)) يقول: وكانوا مستبصرين في ضلالتهم معجبين بها يحسبون أنهم على هدى وصواب وهم على الضلال "(8).
__________
(1) الكشاف للزمخشري (3/439).
(2) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/344).
(3) محاسن التأويل للقاسمي (13/4749).
(4) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(631).
(5) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/109).
(6) تفسير الجلالين ص(335).
(7) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/338).
(8) جامع البيان للطبري (20/96).(1/209)
2- سيد قطب: " ((وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين))... فقد كانت لهم عقول، وكانت أمامهم دلائل الهدى؛ ولكن الشيطان استهواهم وزين لهم أعمالهم، وأتاهم من هذه الثغرة المكشوفة، وهي غرورهم بأنفسهم، وإعجابهم بما يأتونه من الأعمال، وانخداعهم بما هم فيه من قوة ومال ومتاع ((فصدهم عن السبيل)) سبيل الهدى الواحد المؤدي إلى الإيمان، وضيّع عليهم الفرصة "(1).
تعقيب الباحث:
... الذي يظهر -والله اعلم- أن الراجح حمل الآية على أن المعنى: مستبصرين في ضلالتهم معجبين بما يحسبون أنهم على هدى وصواب، وهم في الحقيقة على الضلال والكفر وذلك لأمور:
1- وجود قرينة في السياق تؤيده وتمنع إرادة المعنى الذي ذهب إليه الشنقيطي؛ وهي قوله تعالى: ((وزين لهم الشيطان أعمالهم...)) فإن تزيين الشيطان لهم أعمالهم يناسبه أن يكونوا معجبين بأعمالهم ويحسبوا أنهم على هدى وهم ضالون. ووجود قرينة في السياق تؤيد القول الراجح؛ قاعدة قررها عدد من أئمة التفسير(2)، ومنهم الشيخ الشنقيطي(3).
2- تأييداً للمعنى المذكور في النقطة السابقة؛ فإن من آيات القرآن ما يؤيد ذلك المعنى، منها قوله تعالى: { وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِن اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ بd,utù:$# وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ z'ح< عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي } [سورة إبراهيم: 222] فإن دعوة الشيطان لهم هي تزيينه أعمالهم السيئة على أنها حسنة في نظرهم. وتفسير القرآن بالقرآن من أحسن طرق التفسير(4).
__________
(1) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/2735).
(2) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/299).
(3) أضواء البيان للشنقيطي (1/13).
(4) شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص(127)، قواعد التفسير لخالد السبت (1/109).(1/210)
3- كذلك فإن هذا المعنى قد اختاره وقال به بياناً لمعنى ((مستبصرين)) حبر الأمة وترجمان القرآن الصحابي الجليل عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- (1) الذي دعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: " اللهم فقهه في الدين "(2)، وبقوله " اللهم علمه الكتاب"(3). والله أعلم بالصواب.
- - -
المراد بيوم الفتح
42- قوله تعالى: { وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا َOèd يُنْظَرُونَ (29) } [سورة السجدة: 28-29].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن المراد بالفتح القضاء والفصل، ويوم الفتح هو يوم القيامة(4).
2- على نفس المعنى السابق للفتح وأنه القضاء والفصل؛ قيل: إن يوم الفتح هو يوم بدر(5).
3- أن يراد بالفتح فتح مكة(6).
ترجيح الشنقيطي:
__________
(1) قال: ((وكانوا مستبصرين)) كانوا يرون أنهم على الحق ولم يكونوا على الحق.
... تنوير المقباس المطبوع بهامش الدر المنثور (4/176).
(2) البخاري ومسلم. فتح الباري (1/244)، صحيح مسلم بشرح النووي (16/37).
(3) البخاري. فتح الباري (7/100).
(4) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (14/111)، فتح القدير للشوكاني (4/251).
(5) مختصر البغوي (2/738)، الدر المنثور للسيوطي (5/179).
(6) زاد المسير لابن الجوزي (6/178) حكاه واعترض عليه.(1/211)
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " أظهر أقوال أهل العلم عندي هو أن الفتح في هذه الآية الكريمة؛ هو الحكم والقضاء. وقد جاءت آيات تدل على أن الفتح الحكم، كقوله تعالى عن نبيه شعيب { عَلَى اللَّهِ $uZù=ھ.uqs? رَبَّنَا افْتَحْ $uZsY÷ t/ وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ مژِچyz الْفَاتِحِينَ } [سورة الأعراف: 89] أي: احكم بيننا بالحق وأنت خير الحاكمين. وقوله تعالى عن نبيه نوح: ((قال رب إن قومي كذبون فافتح بيني وبينهم فتحاً...)) الآية، أي احكم بيني وبينهم حكماً، وقوله تعالى: { قُلْ يَجْمَعُ $uZsY÷ t/ $sYڑ/z' ثُمَّ يَفْتَحُ $uZsY÷ t/ بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ قOٹد=yèّ9$# (26) } [سورة سبأ: 26]، وقوله تعالى: { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ } [سورة الأنفال: 19]. أي: إن تطلبوا الحكم بهلاك الظالم منكم ومن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد جاءكم الفتح؛ أي الحكم بهلاك الظالم وهو هلاكهم يوم بدر، كما قاله غير واحد.(1/212)
... وعلى قول من قال من أهل العلم: إن المراد بالفتح في الآية الحكم والقضاء بينهم يوم القيامة فلا إشكال في قوله تعالى: ((قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم)) وعلى القول بأن المراد بالفتح في الآية الحكم بينهم في الدنيا بهلاك الكفار، كما وقع يوم بدر؛ فالظاهر أن معنى قوله تعالى ((قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم)) أي إذا عاينوا الموت وشاهدوا القتل؛ بدليل قوله تعالى: { فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا (#ûqن9$s% آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي ¾دnدٹ$t7دم وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85) } [سورة غافر: 84-85]، وقوله تعالى: { وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ #س®Lxm إِذَا uژ|طxm أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ 'دoTخ) تُبْتُ الْآَنَ } [سورة النساء: 18]، وقوله تعالى في فرعون { #س®Lxm إِذَا çmں2u'ôٹr& ن-uچtَّ9$# قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ (#ûqمZt/ ں@ƒدن¨uژَ خ) وَأَنَا مِنَ tûüدJد=َ،كJّ9$# (90) آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) } [سورة يونس: 90-91].
ولا يخفى أن قول من قال من أهل العلم: إن الفتح في هذه الآية فتح مكة؛ أنه غير صواب، بدليل قوله تعالى: ((قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم)) ومعلوم أن فتح مكة لا يمنع انتفاع المؤمن في وقته بإيمانه كما لا يخفى "(1).
الموافقون:
... وأعني بهم كل من قال من أئمة التفسير بأن الفتح في الآية يراد به الحكم والقضاء والفصل -وهو ما ذهب إليه الشنقيطي- سواء فسروا يوم الفتح بأنه يوم القيامة -وهم الأكثر- أو فسّروه بأنه يوم بدر، فمن هؤلاء:
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (6/507-509).(1/213)
1- الإمام الطبري: " والصواب من القول في ذلك قول من قال معناه ويقولون متى يجيء هذا الحكم بيننا وبينكم "(1).
2- ابن عطية: " ثم حكى عن الكفرة أنهم يستفتحون ويستعجلون فصل القضاء بينهم وبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - على معنى الهزء والتكذيب. و ((الفتح)) الحكم؛ هذا قول جماعة من المفسرين، وهو أقوى الأقوال "(2).
3- النيسابوري: " ((متى هذا الفتح)) فتح الحكم بيننا وبينكم، ((يوم الفتح)) يوم القيامة "(3).
4- القرطبي -بعد أن ذكر قول من قال إنه فتح مكة- قال: " وأوْلى من هذا ما قاله مجاهد؛ قال: يعني يوم القيامة. ويروى أن المؤمنين قالوا سيحكم الله - عز وجل - بيننا يوم القيامة فيثيب المحسن ويعاقب المسيء. فقال الكفار على التهزئ: متى يوم الفتح، أي هذا الحكم. ويقال للحاكم: فاتح وفتاح؛ لأن الأشياء تنفتح على يديه وتنفصل "(4).
5- ابن جزي: " ((متى هذا الفتح)) أي الحكم بين المسلمين والكفار في الآخرة "(5).
6- أبوحيان: " ثم أخبر تعالى عن الكفرة باستعجال فصل القضاء بينهم وبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - على معنى للهزء والتكذيب، و ((الفتح)) الحكم، قال الجمهور، وهو الذي يترتب عليه قوله (((قل يوم الفتح...)) إلخ "(6).
7- ابن كثير: " وإنما المراد الفتح الذي هو القضاء والفصل؛ كقوله: { قُلْ يَجْمَعُ $uZsY÷ t/ $sYڑ/z' ثُمَّ يَفْتَحُ $uZsY÷ t/ بِالْحَقِّ } [سورة سبأ: 26] "(7).
__________
(1) جامع البيان للطبري (21/73).
(2) المحرر الوجيز لابن عطية (11/555).
(3) إيجاز البيان للنيسابوري (2/121).
(4) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (14/111).
(5) التسهيل لابن جزي (3/285).
(6) البحر المحيط لأبي حيان (8/442).
(7) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/464).(1/214)
8- الشوكاني: " ((ويقولون متى هذا الفتح إن كنت صادقين)) القائلون هم الكفار على العموم، أو كفار مكة على الخصوص، أي متى الفتح الذي تعدونا به، يعنون بالفتح: القضاء والفصل بين العباد، وهو يوم البعث الذي يقضي الله - عز وجل - فيه بين عباده "(1).
9- الألولسي: " ((ويقولون)) على وجه التكذيب والاستهزاء ((متى هذا الفتح)) أي الفصل للخصومة بينكم وبيننا، [إلى أن قال] وتفسير ((يوم الفتح)) بيوم القيامة ظاهر على القول بأن المراد بالفتح الفصل للخصومة؛ فقد قال سبحانه { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ ِNكgsY÷ t/ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } [سورة السجدة: 25] "(2).
10- القاسمي: " وإنما المراد: الفتح الذي هو القضاء والفصل؛ كقوله تعالى { فَافْتَحْ سة_ّٹt/ ِNكgsY÷ t/ur $[s÷Gsù... } [سورة الشعراء: 118]. وكقوله { قُلْ يَجْمَعُ $uZsY÷ t/ $sYڑ/z' ثُمَّ يَفْتَحُ $uZsY÷ t/ بِالْحَقِّ } [سورة سبأ: 26] "(3).
11- السعدي: " يستعجل المجرمون بالعذاب الذي وعدوا به على التكذيب، جهلاً منهم ومعاندة. ((ويقولون متى هذا الفتح)) الذي يفتح بيننا وبينكم، بتعذيبنا على زعمكم ((إن كنتم)) أيها الرسل ((صادقين)) في دعواكم. ((قل يوم الفتح)) الذي يحصل به عقابكم، لا تستفيدون به شيئاً، فلو كان إذا حصل، حصل إمهالكم، لتستدركوا ما فاتكم، حين صار الأمر عندكم يقيناً، لكان لذلك وجه، ولكن إذا جاء يوم الفتح... انقضى الأمر، ولم يبق للمحنة محل فـ ((لا ينفع الذين كفروا إيمانهم)) لأنه صار إيمان ضرورة ((ولا هم ينظرون)) أي: يمهلون، فيؤخر عنهم العذاب فيستدركون أمرهم "(4).
__________
(1) فتح القدير للشوكاني (4/251).
(2) روح المعاني للألوسي (21/140).
(3) محاسن التأويل للقاسمي (13/4819).
(4) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(657).(1/215)
12- سيد قطب: " والفتح هو الفصل فيما بين الفريقين من خلاف؛ وتحقق الوعيد الذي كان يخدعهم أنه لا يجيئهم من قريب؛ وهم غافلون عن حكمة الله في تأخيره إلى أجله الذي قدره، والذي لا يقدمه استعجالهم ولا يؤخره، وما هم بقادرين على دفعه ولا الإفلات منه. ((قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون)) سواء كان هذا اليوم في الدنيا؛ إذ يأخذهم الله وهم كافرون، فلا يمهلهم بعده، ولا ينفعهم إيمانهم فيه. أو كان هذا اليوم في الآخرة إذ يطلبون المهلة فلا يمهلون "(1).
ولم أجد مخالفين، بمعنى لم أجد أحداً رجّح أن المراد بيوم الفتح فتح مكة، بل غاية مَنْ وُجِد إن لم يرجّحوا ما اختاره الشنقيطي ومن وافقه؛ أن يجمعوا الأقوال كلها في بيان معنى الآية مبتدئين بذكر القول الذي عليه الجمهور أن الفتح هو الفصل والقضاء والحكم، وربما يذكروا التوجيه المناسب لكل معنى من المعاني الواردة في الآية، فمن هؤلاء: الإمام البغوي(2)، والزمخشري(3)، والبيضاوي(4)، وأبوالسعود(5) وغيرهم.
تعقيب الباحث:
... بعد استعراض ما قاله أئمة التفسير في المراد بيوم الفتح؛ يتضح أن الراجح هو ما ذهب إليه الشيخ الشنقيطي ومن اختار نفس القول، وهو أن المراد بالفتح الحكم والقضاء والفصل وأن هذا يكون يوم القيامة، ويصح أن يكون هذا الحكم والقضاء والفصل في الدنيا ويراد به ما يقع للكفار من قتل على المؤمنين الموحدين؛ مثل ما حدث في يوم بدر. ويترجح ما ذُكر لأمور منها:
__________
(1) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/2816).
(2) مختصر البغوي (2/738).
(3) الكشاف للزمخشري (3/501).
(4) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/126).
(5) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/396).(1/216)
1- إجماع أئمة التفسير قديماً وحديثاً على المعنى الراجح، وقد سبق استعراض أقوال عدد منهم عند ذكر الموافقين، وقد صرّح بعضهم بأنه قول الجمهور(1)، وأنه أقوى الأقوال(2).
2- القول الراجح قال به من قال استناداً على مرجحات قوية، منها:
أ- دلالة آيات أخرى من كتاب الله - عز وجل - على المعنى الراجح، وقد سبق استعراض عدد منها تحت فقرة (ترجيح الشنقيطي) وفقرة (الموافقون)، ومعلوم أن تفسير القرآن بالقرآن أعلى درجات التفسير(3).
ب- دلالة السياق؛ فالقول بأن يوم الفتح فتح مكة تردّه قرينة ظاهرة في سياق الآية، وهي قوله تعالى: ((لا ينفع الذين كفروا إيمانهم...)) وكيف وقد آمن الطلقاء يوم فتح مكة وقَبِل ذلك منهم النبي - صلى الله عليه وسلم - . ووجود قرينة في السياق تؤيد القول الراجح أو تردّ القول المرجوح من القواعد التي يستخدمها العلماء في الترجيح بين الأقوال(4).
3- عدد من أئمة التفسير صرّحوا بالرّدَ على القول المخالف، من هؤلاء:
أ- الطبري -قال بعد أن ذكر القول الراجح-: " ولو كان معنى قوله ((متى هذا الفتح)) على ما قاله من قال يعني به فتح مكة لكان لا توبة لمن أسلم من المشركين بعد فتح مكة، ولا شك أن الله قد تاب على بشر كثير من المشركين بعد فتح مكة ونفعهم بالإيمان به وبرسوله، فمعلوم بذلك صحة ما قلنا من التأويل وفساد ما خالفه "(5).
__________
(1) الإمام أبوحيان في البحر المحيط (8/442).
(2) الإمام ابن عطية في المحرر الوجيز (11/555).
(3) شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص(127)، وقواعد التفسير لخالد السبت (1/109)، وقواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/312).
(4) أضواء البيان للشنقيطي (1/13)، وقواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/299).
(5) جامع البيان للطبري (21/73).(1/217)
ب- ابن عطية، قال: " وقالت فرقة: الإشارة إلى فتح مكة [ثم قال:] وهذا ضعيف، يردّه الإخبار بأن الكفرة لا ينفعهم الإيمان "(1).
جـ- ابن كثير، قال: " ومن زعم أن المراد من هذا الفتح فتح مكة فقد أبعد النجعة، وأخطأ فأفحش، فإن يوم الفتح قد قَبِل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إسلام الطلقاء وقد كانوا قريباً من ألفين، ولو كان المراد فتح مكة لما قبل إسلامهم لقوله تعالى: ((قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون)) "(2).
... وقريباً من ذلك قال ابن جزي(3) والقاسمي(4).
4- من فسر ((يوم الفتح)) بأنه يوم بدر أو فتح مكة، وجّهوا قوله تعالى: ((لا ينفع الذين كفروا إيمانهم)) أي لا ينفعهم إيمانهم في حال القتل؛ كما لم ينفع فرعون إيمانه عند إدراك الغرق، أما الأحياء فمن آمن قُبِل منه. وممن ذكر مثل هذا التوجيه من المفسرين: البغوي(5)، والزمخشري(6)، وأبوالسعود(7)، وابن الجوزي(8)، والنسفي(9). والله أعلم بالصواب.
- - -
أهل البيت
43- قوله تعالى: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) } [سورة الأحزاب: 33].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
... اختلف العلماء في المراد بأهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - على أقوال:
1- إن المراد بـ ((أهل البيت)) أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - (10).
__________
(1) المحرر الوجيز لابن عطية (11/555).
(2) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/464).
(3) التسهيل لابن جزي (3/285).
(4) محاسن التأويل للقاسمي (13/4819).
(5) مختصر البغوي (2/738).
(6) الكشاف للزمخشري (3/501).
(7) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/396).
(8) زاد المسير لابن الجوزي (6/178).
(9) مدارك التنزيل للنسفي (3/223).
(10) جامع البيان للطبري (22/7)، فتح القدير للشوكاني (4/270)،أضواء البيان للشنقيطي
(6/579).(1/218)
2- إن المراد بـ ((أهل البيت)): عليّ وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم جميعاً(1).
3- إن الآية تشملهم جميعاً، يعني شاملة لزوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - ولعليّ وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم جميعاً(2).
4- إن أهل البيت في الآية هم من تحرم عليهم الصدقة بعده(3).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- في بيان الآية التي نحن بصددها " قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك (4) أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً، ويكون في نفس الآية قرينة تدل على عدم صحة ذلك القول... ومن أمثلته قول بعض أهل العلم: إن أزواجه - صلى الله عليه وسلم - لا يدخلن في أهل بيته في قوله تعالى: ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)). فإن قرينة السياق صريحة في دخولهن؛ لأن الله تعالى قال: { قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ } [سورة الأحزاب: 28]، ثم قال في نفس خطابه لهن: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ } [سورة الأحزاب: 33] ، ثم قال بعده:
{
__________
(1) جامع البيان للطبري (22/5)، أحكام القرآن لابن العربي (3/1538)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (14/182).
(2) التفسير الكبير للفخر الرازي (9/168)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (14/183)، فتح القدير للشوكاني (4/272)، روح المعان للألوسي (21/19).
(3) فتح القدير للشوكاني (4/273)، أضواء البيان للشنقيطي (6/579).
(4) يقصد تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن.(1/219)
وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ } [سورة الأحزاب: 34 ] الآية، وقد أجمع جمهور علماء الأصول على أن صورة سبب النزول قطعية الدخول فلا يصح إخراجها بمخصص "(1)، [ثم يتابع قائلاً] والتحقيق إن شاء الله: أنهن داخلات في الآية، وإن كانت الآية تتناول غيرهن من أهل البيت، فإن سياق الآية صريح في أنها نازلة فيهم.
... والتحقيق: أن صورة سبب النزول قطعية الدخول كما هو مقرر في الأصول(2).
... ونظير ذلك من دخول الزوجات في اسم أهل البيت؛ قوله تعالى في زوجة إبراهيم - عليه السلام - : { قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ } [سورة هود: 73].
... وأما دخول غيرهن في الآية؛ فقد دلت عليه أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في علي وفاطمة والحسن والحسين - رضي الله عنهم - : " أنهم من أهل البيت، ودعا لهم الله أن يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيراً " وقد روي ذلك جماعة من الصحابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم أمهات المؤمنين أم سلمة وعائشة -رضي الله عنهما- وأبوسعيد الخدري وأنس بن مالك، وواثلة بن الأسقع - رضي الله عنهم - جميعاً(3).
... وبما ذكرنا من دلالة القرآن والسنة: تعلم أن الصواب شمول الآية الكريمة لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولعلي وفاطمة والحسن والحسين - رضي الله عنهم - كلهم "(4).
الموافقون:
__________
(1) انظر: مقدمة أضواء البيان (1/15).
(2) البحر المحيط للزركشي (3/216)، شرح مختصر الروضة للطوفي (2/505)، مذكرة أصول الفقه للشنقيطي ص(252).
(3) انظر: الروايات المشار إليها في: جامع البيان للطبري (22/5)، ومرويات الإمام أحمد في التفسير (3/400)، وتفسير ابن كثير (3/483)، والدر المنثور للسيوطي (5/198)، وفتح القدير للشوكاني (4/271).
(4) أضواء البيان للشنقيطي (6/578).(1/220)
... اختار القول الذي ذهب إليه الشيخ الشنقيطي عدد كبير من المفسرين، منهم:
1- الإمام الواحدي، قال: " أهل البيت، يعني نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ورجال أهل بيته "(1).
2- الفخر الرازي، قال: " ثم إن الله تعالى ترك خطاب المؤنثات وخاطب بخطاب المذكرين بقوله: ((ليذهب عنكم الرجس)) ليدخل فيه نساء أهل بيته ورجالهم، واختلفت الأقوال في أهل البيت، والأوْلى أن يقال: هم أولاده وأزواجه والحسن والحسين منهم وعليّ منهم لأنه كان من أهل بيته بسبب معاشرته ببنت النبي - عليه السلام - وملازمته للنبي - صلى الله عليه وسلم - "(2).
3- القرطبي، قال: " والذي يظهر من الآية أنها عامة في جميع أهل البيت من الأزواج وغيرهم. وإنما قال: ((ويطهركم)) لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليًّا وحسناً وحسيناً كان فيهم، وإذا اجتمع المذكر والمؤنث غُلّب المذكر، فاقتضت الآية أن الزوجات من أهل البيت؛ لأن الآية فيهن والمخاطبة لهن، يدل عليه سياق الكلام، والله أعلم "(3).
4- ابن جزي، قال: " وأهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - هم أزواجه وذريته وأقاربه كالعباس وعليّ وكل من حرمت عليه الصدقة "(4).
5- ابن كثير، قال: " وقوله تعالى ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)) هذا نص في دخول أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في أهل البيت ههنا لأنهن سبب نزول هذه الآية، وسبب النزول داخل فيه قولاً واحداً، إما وحده على قول أو مع غيره على الصحيح "(5).
__________
(1) الوجيز للواحدي (2/865).
(2) التفسير الكبير للفخر الرازي (9/168).
(3) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (14/183).
(4) التسهيل لابن جزي (3/299).
(5) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/483).(1/221)
6- الشوكاني، ذكر أقوال العلماء في الآية واستدلال كل طائفة على قولها، ثم قال: " وقد توسطت طائفة فجعلت الآية شاملة للزوجات ولعلي وفاطمة والحسن والحسين. أما الزوجات فلكونهن المرادات في سياق الآيات؛ ولكونهن الساكنات في بيوته - صلى الله عليه وسلم - النازلات في منازله. وأما دخول عليّ وفاطمة والحسن والحسين فلكونهن قرابته وأهل بيته في النسب. فمن جعل الآية خاصة بأحد الفريقين فقد أعمل بعض ما يجب إعماله وأهل ما لا يجوز إهماله. وقد رجح هذا القول جماعة من المحققين منهم القرطبي وابن كثير(1) وغيرهما "(2).
... وممن رجح هذا القول أيضاً غير مَنْ ذكرت من أئمة التفسير، النسفي(3)، والزمخشري(4)، وأبي السعود(5)، والألوسي(6)، والقاسمي(7)، وابن عاشور(8)، وغيرهم.
المخالفون:
... وأعني بالمخالفين الذي اختاروا قولاً واحداً من الأقوال التي تحتملها الآية كمن يجعلها خاصة بأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقط أو من يجعلها خاصة بعلي وفاطمة والحسن والحسين فقط. أو من يجعلها خاصة بمن حرموا الصدقة:
__________
(1) ذكرت أقوالهما آنفاً.
(2) فتح القدير للشوكاني (4/272).
(3) مدارك التنزيل للنسفي (3/522).
(4) الكشاف للزمخشري (3/522).
(5) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/417).
(6) روح المعاني للألوسي (21/19).
(7) محاسن التأويل للقاسمي (13/4854).
(8) التحرير والتنوير لابن عاشور (22/16).(1/222)
1- روي عن ابن عباس وعطاء(1) وعكرمة قالوا: هم زوجاته خاصة، لا رجل معهن؛ كما نقل ذلك عنهم الإمام القرطبي(2). بل إن عكرمة كان ينادي في السوق إن هذه الآية نزلت في نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة؛ كما نقل ذلك عنه الإمام الطبري(3). وكان يقول عكرمة أيضاً: من شاء باهلته أنها نزلت في شأن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ ونقل ذلك عنه الإمام ابن كثير(4)، وقد ردّ الإمام ابن كثير على هذه الروايات الواردة عن ابن عباس - رضي الله عنه - وعكرمة -رحمه الله- بكلام جميل يأتي ذكره في التعقيب إن شاء الله.
2- وردت روايات عن بعض الصحابة منهم أمهات المؤمنين أم سلمة وعائشة -رضي الله عنهما- وأبي سعيد الخدري وأنس بن مالك وواثلة بن الأسقع وغيرهم تدل على أن المراد بـ (أهل البيت) عليّ وفاطمة والحسن والحسين - رضي الله عنهم - جميعاً،وسأكتفي بذكر ثلاث روايات منها محيلاً القاريء إلى المصادر التي جمعتها:
أ- عن أم المؤمنين أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: " في بيتي نزلت ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت)) وفي البيت فاطمة وعلي والحسن والحسين، فجللهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكساء كان عليه، ثم قال: " هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ".
ب- وعن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يمر ببيت فاطمة إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول: " الصلاة يا أهل البيت الصلاة ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)) ".
__________
(1) عطاء بن أبي رباح، أبومحمد القرشي مولاهم، من كبار التابعين، مفتي الحرم، قال عن نفسه: أدركت مئتين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . توفي سنة (114هـ). نزهة الفضلاء (1/470).
(2) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (14/182).
(3) جامع البيان للطبري (22/7).
(4) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/483).(1/223)
جـ- وعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: " خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - غداة وعليه مرط مرجل من شعر اسود، فجاء الحسن والحسين فأدخلهما معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها معه، ثم جاء علي فأدخله معه، ثم قال: ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)) "(1).
3- وأما مَنْ قال إن أهل البيت هم من تحرم عليهم الصدقة؛ فهناك روايتان عن زيد بن أرقم(2):
الأولى: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " أذكركم الله في أهل بيتي " فقيل لزيد: ومن أهل بيته؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده: آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس.
الثانية: فقيل لزيد: من أهل بيته، نساؤه؟ قال: لا، وأيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته: أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده(3).
__________
(1) فتح القدير للشوكاني بتحقيق عبدالرحمن عميرة حيث خرّج الإحاديث وتكلم عليها (4/271)، وجامع البيان للطبري (22/5)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/483)، والدر المنثور للسيوطي (5/198).
(2) زيد بن أرقم بن زيد الخزرجي الأنصاري، أول مشاهده الخندق، واستصغر يوم أحد، غزا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - سبع عشرة غزوة. توفي سنة (66هـ). الإصابة (1/560).
(3) تفسير القرآن العظيم (3/486)، وفتح القدير للشوكاني (4/373)، وروح المعاني للألوسي (21/14).(1/224)
... قال الإمام ابن كثير عن هاتين الروايتين: " والأولى أولى والأخذ بها أحرى، والثانية تحتمل أنه أراد تفسير الأهل المذكورين في الحديث الذي رواه إنما المراد بهم آله الذين حرموا الصدقة، أو أنه ليس المراد بالأهل الأزواج فقط، بل هم مع آله؛ وهذا الاحتمال أرجح جمعاً بينها وبين الرواية التي قبلها وجمعاً أيضاً بين القرآن والأحاديث المتقدمة [يعني الأحاديث التي ذكرت أن أهل البيت هم علي وفاطمة والحسن والحسين - رضي الله عنهم - ] إن صحّت فإن في بعض أسانيدها نظراً والله أعلم، ثم الذي لا يشك فيه من تدبر القرآن أن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - داخلات في قوله تعالى: ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)) فإن سياق الكلام معهن "(1).
تعقيب الباحث:
... الذي يظهر لي -والله أعلم- أن ما ذهب إليه الشنقيطي ومن اختار الرأي الموافق لما ذهب إليه من أن الآية شاملة لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ولعلي وفاطمة والحسن والحسين - رضي الله عنهم - أجمعين، هو الراجح؛ لأمور:
1- كون سياق الآيات في أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يدل على أن الآيات نازلة فيهن.
2- وقد أجمع جمهور علماء الأصول على أن صوره سبب النزول قطعية الدخول فلا يصح إخراجها بمخصص(2)، وأشار إلى أنهن سبب النزول الإمام ابن كثير(3)، بل إن الإمام الشنقيطي وهو من علماء الأصول اتبع هذه القاعدة من الترجيح في عدد من آيات القرآن الكريم(4).
__________
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/486).
(2) أضواء البيان للشنقيطي (6/577).
(3) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/483).
(4) أضواء البيان للشنقيطي (1/124)، (3/588)، (5/209)، (6/77).(1/225)
3- عبّر في الآية بضمير الذكور في (عنكم - يطهركم) مع أن ما قبلها وما بعدها ضمائر مؤنثة وخطاب لزوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وفي هذا دليل على شمول الآية لزوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - ولعلي ولفاطمة والحسن والحسين من وجوه:
أ- أنه أجمع أهل اللسان العربي على تغليب الذكور على الإناث في الجموع(1).
ب- أن من أساليب اللغة العربية التي نزل بها القرآن أن زوجة الرجل يطلق عليها اسم الأهل، وباعتبار لفظ الأهل تخاطب مخاطبة الجمع المذكر، ومنه قوله تعالى في موسى { فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا } [سورة طه: 10]. وقوله { سَآَتِيكُمْ } [سورة النمل: 7] ، وقوله: { لَعَلِّي آَتِيكُمْ } [سورة القصص: 29] والمخاطب امرأته(2).
4- قال الإمام ابن كثير -بعد أن أورد الرواية الواردة عن عكرمة -رحمه الله- " فإن كان المراد أنهن كن سبب النزول دون غيرهم فصحيح، وإن أريد أنهن المراد فقط دون غيرهن ففي هذا نظر، فإنه قد وردت أحاديث تدل على أن المراد أعم من ذلك "(3).
5- الحديث الوارد عن أم سلمة بروايات متعددة وألفاظ متقاربة، والتي منها على سبيل المثال أن: " أم سلمة قالت: لما نزلت هذه الآية ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)) دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فجعل عليهم كساء خيبرياً، فقال اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، قالت أم سلمة ألست منهم، قال أنت إلى خير "(4). ... فهذا الحديث وأمثاله جمع العلماء بينه وبين الآية، من ذلك:
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (6/578).
(2) أضواء البيان للشنقيطي (6/579).
(3) ثم سرد بعد ذلك الروايات بمختلف طرقها الدالة على دخول علي وفاطمة والحسن والحسين
- رضي الله عنهم - في (أهل البيت)، تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/483-486).
(4) جامع البيان للطبري (22/5-7).(1/226)
أ- قال الألوسي: " ما أجاب به النبي - صلى الله عليه وسلم - أم سلمة وعدم إدخالها في بعض المرات تحت الكساء ليس لأنها ليست من أهل البيت أصلاً بل لظهور أنها منهم، حيث كانت من الأزواج اللاتي يقتضي سياق الآية دخولهن فيهم "(1).
ب- ابن عاشور بعد أن أورد الحديث المذكور بروايتين عن أم سلمة، وعن عائشة
-رضي الله عنهما- قال: " فمجمله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ألحق أهل الكساء بحكم هذه الآية وجعلهم أهل بيته كما ألحق المدينة بمكة في حكم الحرمية بقوله: " إن إبراهيم حرّم مكة وإني أحرّم ما بين لابتيها "(2)، ثم يتابع ابن عاشور كلامه إلى أن يقول: " وبهذا يتضح أن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - هن آل بيته بصريح الآية، وأن فاطمة وابنيها وزوجها مجعولون أهل بيته بدعائه أو بتأويل الآية على محاملها. ولذلك هم أهل بيته بدليل السنة "(3). والله أعلم بالصواب.
- - -
ما الذي أُخفي
44- قوله تعالى: { وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ } [سورة الأحزاب: 37].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن ما أخفاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو محبة فراق زيد بن حارثة لزينب بنت جحش ليتزوجها هو - صلى الله عليه وسلم - إن فارقها زيد(4).
__________
(1) روح المعاني للألوسي (21/15).
(2) أخرجه البخاري، فتح الباري (6/407) الحديث رقم (3367)، ومسلم في صحيحه بشرح النووي (9/135) في كتاب الحج، باب فضل المدينة ودعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها بالبركة.
(3) التحرير والتنوير لابن عاشور (22/15-16). بتصرف.
(4) جامع البيان للطبري (22/10)، الوجيز للواحدي (2/866)، الكشاف للزمخشري (3/524).(1/227)
2- أن ما أخفاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو ما أعلمه الله - عز وجل - به من أن زيداً سيطلقها ويتزوجها هو - صلى الله عليه وسلم - بتزويج الله - عز وجل - إياها له - صلى الله عليه وسلم - (1).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -بعد ذكره للآية-: " قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك(2) أن من أنواع البيان التي تضمنها بيان الإجمال الواقع بسبب الإبهام في صلة الموصول، وذكرنا أن من أمثلة ذلك قوله تعالى: ((وتخفي في نفسك ما الله مبديه)) لأن جملة ((الله مبديه)) صلة الموصول الذي هو ما. وقد قلنا في الترجمة المذكورة: فإنه هنا أبهم هذا الذي أخفاه - صلى الله عليه وسلم - في نفسه وأبداه الله، ولكنه أشار إلى أن المراد به زواجه - صلى الله عليه وسلم - زينب بنت جحش -رضي الله عنها-، حيث أوحي إليه ذلك وهي في ذلك الوقت تحت زيد بن حارثة؛ لأن زواجه إياها هو الذي أبداه الله تعالى بقوله: { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا } [سورة الأحزاب: 37]، وهذا هو التحقيق في معنى الآية الذي دل عليه القرآن،وهو اللائق بجنابه - صلى الله عليه وسلم - .
... وبه تعلم أن ما يقوله كثير من المفسرين من أن ما أخفاه في نفسه - صلى الله عليه وسلم - وأبداه الله - عز وجل - وقوع زينب في قلبه ومحبته لها وهي تحت زيد، وأنها سمعته قال: سبحان مقلب القلوب.. إلى آخر القصة، كله لا صحة له، والدليل عليه أن الله لم يبد من ذلك شيئاً، مع أنه صرح بأنه مبدي ما أخفاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . انتهى محل الغرض من كلامنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك(3).
__________
(1) أحكام القرآن للجصاص (3/472)، أحكام القرآن لابن العربي (3/1541)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (14/190).
(2) يقصد تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن.
(3) أضواء البيان للشنقيطي (6/581)، ومقدمة أضواء البيان (1/12).(1/228)
... وقال القرطبي -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: واختلف الناس في تأويل هذه الآية؛ فذهب قتادة وابن زيد وجماعة من المفسرين منهم: الطبري وغيره إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقع منه استحسان لزينب بنت جحش وهي في عصمة زيد، وكان حريصاً على أن يطلقها زيد، فيتزوجها هو [إلى أن قال]: وهذا الذي كان يخفي في نفسه، ولكنه لزم ما يجب من الأمر بالمعروف(1)، يعني قوله: { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ } [سورة الأحزاب: 37]، ونقل القرطبي(2) نحوه عن مقاتل(3) وابن عباس أيضاً. ولا شك أن هذا القول غير صحيح، وأنه غير لائق به - صلى الله عليه وسلم - .
... وذكر القرطبي: عن علي بن الحسين(4) أن الله أوحى إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن زيداً سيطلق زينب وأن الله - عز وجل - يزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعد أن علم هذا بالوحي قال لزيد: أمسك عليك زوجك.
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (14/189).
(2) المرجع السابق (14/190).
(3) مقاتل بن سليان بن كثير الخراساني، المفسر، قال عنه الشافعي: الناس عيال على مقاتل بن سليمان في التفسير. توفي سنة (150هـ). طبقات المفسرين (2/330).
(4) زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، كان مع أبيه الحسين الشهيد يوم كائنة كربلاء وله ثلاث وعشرون سنة، وكان يومئذٍ موعوكاً فلم يقاتل ولا تعرضوا له. توفي سنة (94هـ). نزهة الفضلاء (1/404).(1/229)
... وأن الذي أخفاه في نفسه: هو أن الله - عز وجل - سيزوجه زينب -رضي الله عنها- [ثم قال القرطبي بعد أن ذكر هذا القول]: قال علماؤنا رحمة الله عليهم-: وهذا القول أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية. وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين والعلماء الراسخين، كالزهري(1) والقاضي بكر بن العلاء القشيري(2)، والقاضي أبي بكر بن العربي وغيرهم. [إلى أن قال]: فأما ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هوى زينب امرأة زيد، وربما أطلق بعض المجان لفظ عشق، فهذا إنما يصدر عن جاهل بعصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مثل هذا أو مستخف بحرمته. قال الترمذي الحكيم(3) في نوادر الأصول -وأسند إلى علي بن الحسين قوله(4)-: فعليّ بن الحسين جاء بهذا من خزانة العلم جوهراً من الجواهر ودراً من الدرر أنه إنما عتب الله - عز وجل - عليه في أنه قد أعلمه أن ستكون هذه من أزواجك فكيف قال بعد ذلك لزيد: ((أمسك عليك زوجك))، وأخذتك خشية الناس، أن يقولوا: تزوج امرأة ابنه، والله أحق أن تخشاه "(5). انتهى محل الغرض منه.
__________
(1) محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، الإمام العلم، حافظ زمانه، أول من دوّن الحديث. توفي سنة (124هـ). نزهة الفضلاء (1/494).
(2) أبوالفضل بكر بن محمد بن العلاء القشيري البصري المالكي، سمع (الموطأ) من أحمد بن موسى السامي، وصنّف التصانيف في المذهب. توفي سنة (344هـ). سير أعلام النبلاء (15/537).
(3) أبوعبدالله محمد بن علي بن الحسين، الحكيم الترمذي، عالم بالحديث وأصول الدين، من مصنفاته (نوادر الأصول في أحاديث الرسول). توفي نحو سنة (320هـ) الأعلام (6/272).
(4) سبق ذكره قريباً في كلام القرطبي.
(5) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (14/191).(1/230)
قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: " ذكر ابن أبي حاتم وابن جرير هاهنا آثاراً عن بعض السلف - رضي الله عنهم - ، أحببنا أن نضرب عنها صفحاً لعدم صحتها فلا نوردها "(1) إلى آخر كلامه، وفيه كلام على بن الحسين الذي ذكرنا آنفاً.
قال مقيده (2) عفا الله عنه وغفر له: التحقيق إن شاء الله في هذه المسألة: هو ما ذكرنا أن القرآن دل عليه؛ وهو أن الله - عز وجل - أعلم نبيه - صلى الله عليه وسلم - بأن زيداً يطلق زينب، وأنه يزوجها إياه - صلى الله عليه وسلم - ،وهي في ذلك الوقت تحت زيد، فلما شكاها زيد إليه - صلى الله عليه وسلم - قال له ((أمسك عليك زوجك واتق الله)) فعاتبه الله على قوله أمسك عليك زوجك بعد علمه أنها ستصير زوجته هو - صلى الله عليه وسلم - وخشي مقالة الناس أن يقولوا -لو أظهر ما علم من تزويجه إياها-: أنه يريد تزوّج زوجة ابنه في الوقت الذي هي فيه في عصمة زيد.
والدليل على هذا أمران:
الأول: هو ما قدمنا من أن الله -جل وعلا- قال: { وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا } [سورة الأحزاب: 37] ولم يبد جل وعلا شيئاً مما زعموه أنه احبها، ولو كان ذلك هو المراد لأبداه الله تعالى كما ترى.
__________
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/491).
(2) الشيخ محمد الأمين الشنقيطي.(1/231)
الأمر الثاني: أن الله جل وعلا صرح بأنه هو الذي زوّجه إياها، وأن الحكمة الإلهية في ذلك التزويج هي قطع تحريم أزواج الأدعياء في قوله تعالى: { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ ِNخgح !$uدم÷ٹr& } [سورة الأحزاب: 37]. فقوله تعالى:((لكي لا يكون على المؤمنين حرج)) تعليل صريح لتزويجه إياها لما ذكرنا، وكون الله - عز وجل - هو الذي زوجه إياها ليس هو محبته لها التي كانت سبباً في طلاق زيد لها كما زعموا، ويوضحه قوله تعالى ((فلما قضى زيد منها وطراً)) لأنه يدل على أن زيد قضى وطره منها ولم تبق له بها حاجة، فطلقها باختياره. والعلم عند الله تعالى "(1).
الموافقون:
1- الإمام البغوي بعد أن أورد رواية على بن الحسين في بيان معنى الآية، قال: " وهذا هو الأولى والأليق بحال الأنبياء وهو مطابق للتلاوة لأن الله علم أنه يبدي ويظهر ما أخفاه، ولم يظهر غير تزويجها منه، فقال ((زوجناكها))، فلو كان الذي أضمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محبتها أو إرادة طلاقها لأظهر ذلك لأنه لا يجوز أن يخبر أنه يظهره ثم يكتمه فلا يظهره، فدل على أنه إنما عوتب على إخفاء ما أعلمه الله أنها ستكون زوجة له "(2).
2- ابن العربي، قال في المسألة الثالثة تحت تفسيره للآية: " يعني من نكاحك لها، فقد كان الله - عز وجل - أعلمه بأنها تكون من أزواجه "(3).
3- القاسمي، قال: " ((وتخفي)) أي تضمر ((في نفسك ما الله مبديه)) أي من الحكم الذي شرعه. أي تقول ذلك وأنت تعلم أن الطلاق لابد منه، وأن لا منتدح عن امتثال أمر الله - عز وجل - بنفسك، لتكون أسوة لمن معك ولمن يأتي بعدك "(4).
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (6/580-583).
(2) مختصر البغوي (2/748).
(3) أحكام القرآن لابن العربي (3/1541).
(4) محاسن التأويل للقاسمي (13/4865).(1/232)
... وممن اختار هذا القول أيضاً الإمام الجصاص(1)، والشيخ حسنين مخلوف(2)، والمراغي(3)، ابن عاشور(4) وغيرهم، وسبق أن جاء في ثنايا كلام القرطبي نسبة هذا القول إلى عدد من أعلام أئمة التفسير، بل قد عزاه الألوسي(5) إلى الجمهور.
المخالفون:
1- الطبري -بعد أن أورد الآية- قال: " وتخفي في نفسك محبة فراقه إياها لتتزوجها إن هو فارقها "(6).
2- الزمخشري، قال: " فإن قلت: ما الذي أخفى في نفسه؟ قلت: تعلق قلبه بها "(7).
... وممن قال به أيضاً من أئمة التفسير الواحدي(8)، وأبوالسعود(9)، والبيضاوي(10)، والسعدي(11).
تعقيب الباحث:
... الذي يظهر أن الراجح في معنى الآية هو ما ذهب إليه الشيخ الشنقيطي ومن اختار القول الموافق له، ((وتخفي في نفسك ما الله مبديه)) أن ما أخفاه - صلى الله عليه وسلم - هو ما أعلمه الله - عز وجل - أن زيداً سيطلق زينباً ثم تكون إحدى نسائه بتزويج الله -جل وعلا- إياها له - صلى الله عليه وسلم - . وذلك لوجوه:
__________
(1) أحكام القرآن للجصاص (3/472).
(2) صفوة البيان لمخلوف ص(533).
(3) تفسير المراغي (22/14).
... وهو: أحمد بن مصطفى المراغي، مفسّر من علماء مصر، من كتبه: (تفسير المراغي). توفي سنة (1371هـ). الأعلام (1/258).
(4) التحرير والتنوير لابن عاشور (22/31).
(5) روح المعاني للألوسي (11/24).
(6) جامع البيان لللطبري (22/10).
(7) الكشاف للزمخشري (3/524).
(8) الوجيز للواحدي (2/866).
(9) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/420).
(10) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/132).
(11) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(665).(1/233)
1- أنه من باب تفسير القرآن بالقرآن، الذي هو أحسن طرق التفسير وأعلاها(1)، وقد دل سياق الآية على هذا المعنى، ودلالة السياق على المعنى المراد من ناحيتين وهما: الأمران اللذان ذكرهما الشيخ الشنقيطي في نهاية استدلاله على ترجيحه وقد ذكرا قريباً تحت فقرة: ترجيح الشنقيطي. ثم إن الترجيح بدلالة السياق من القواعد المهمة في الترجيح عند المفسرين(2).
2- أن هذا القول هو اختيار الجمهور، وقد سبقت الإشارة إلى ما نقله القرطبي عن عدد من أئمة التفسير، وكذلك ما حكاه الألوسي أن هذا هو قول الجمهور.
__________
(1) شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص(127).
(2) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/125): المبحث الثاني قواعد الترجيح المتعلقة بالسياق القرآني، المطلب الأول: إدخال في معاني ما قبله وما بعده أولى من الخروج به عنهما إلا بدليل يجب التسليم له. وكذلك قواعد التفسير لخالد السبت (1/110): أقسام البيان من جهة الاتصال وعدمه، الأول: البيان المتصل.(1/234)
3- أن اختيار هذا المعنى هو الأولى والأليق بحال النبي - صلى الله عليه وسلم - وحال الأنبياء عموماً عليهم صلوات الله وسلامه(1)، وذلك لأن القول الذي يعظّم مقام النبوة ولا ينسب إليها ما لا يليق بها أولى بتفسير الآية، وهذه قاعدة مهمة قررها وعمل بها عدد من أئمة التفسير؛ منهم: الإمام القرطبي(2)، والطبري(3)، والشنقيطي(4)، وغيرهم(5).
__________
(1) مختصر البغوي (2/748)، أضواء البيان للشنقيطي (6/580).
(2) الجامع لأحكام القرآن (14/191) عند تفسير نفس الآية التي نحن بصددها ((وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه)) وقد سبق ذكر كلام القرطبي في أثناء ترجيح الشنقيطي.
(3) جامع البيان للطبري (17/63) عند تفسير قوله تعالى: { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ } [سورة الأنبياء: 87].
(4) أضواء البيان للشنقيطي (4/538) عند تفسير قوله تعالى: { وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى } [سورة طه: 121] وكذلك (7/24) عند تفسير قوله تعالى: { وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ } [سورة ص:24]
(5) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/328-343).(1/235)
4- أن تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - زينب بنت جحش لم يكن لقضاء شهوة النبي - صلى الله عليه وسلم - بل " لبيان الشريعة بفعله، فإن الشرع يستفاد من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وقوله "(1)، " ولقد شاء الله - عز وجل - أن يحمل نبيه - صلى الله عليه وسلم - فيما يحمل من أعباء الرسالة- مؤنة إزالة آثار نظام التبني، فيتزوج من مطلقة متبناه زيد بن حارثة، ويواجه المجتمع بهذا العمل، الذي لا يستطيع أحد أن يواجه المجتمع به على الرغم من إبطال عادة التبني في ذاتها، فكان زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمر من الله - عز وجل - هو الذي قرر هذه القاعدة "(2)، وبهذا يتبين " أن الذي كان يخفيه في نفسه - صلى الله عليه وسلم - هو ذلك الأمر الإلهي الصادر إليه، بأن يهدم تلك العادة المتأصلة في نفوس العرب، وأن يتناول المِعْوَل لهدمها بنفسه، كما قدر له أن يهدم أصنامهم بيده لأول مرة عند فتح مكة "(3).
__________
(1) التفسير الكبير للفخر الرازي (9/170) بتصرف.
(2) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/2868) بتصرف.
(3) محاسن التأويل للقاسمي (13/4875) نقلاً عن مقالة للشيخ الأستاذ/ محمد عبده، مفتي مصر في وقته، والمقال مطبوع ضمن كتاب بعنوان: تفسير سورة الفاتحة وست سور من خواتيم القرآن، تأليف السيد: محمد رشيد رضا. والمقال المعني موجود تحت فصل بعنوان: أثارات للأستاذ الإمام، الإثارة الرابعة: مسألة زيد وزينب - أو إبطال التبني وتفسير الآيات في ذلك، ص(145-152).(1/236)
5- لفضيلة الشيخ الدكتور زاهر بن عواض الألمعي كتاب نفيس بعنوان: مع المفسرين والمستشرقين في زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بزينب بنت جحش -دراسة تحليلية، ناقش فيه أقوال المفسرين الناقلين للأخبار الضعيفة حول هذا الموضوع وأقوال المستشرقين مؤيداً القول المعظم لمقام النبوة واللائق بجناب النبي - صلى الله عليه وسلم - (1).
- - -
المراد بالإنسان في قوله تعالى { وَحَمَلَهَا ك`"|،RM}$#... }
45- قوله تعالى: { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) } [سورة الأحزاب: 72].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
اختلف في المراد بالإنسان في قوله تعالى: ((وحملها الإنسان)) على أقوال:
1- أن المراد بالإنسان آدم عليه السلام(2).
2- أن المراد الجنس: أي عموم الناس(3).
3- أن الإنسان يراد به الكافر والمنافق(4).
4- أو يراد به قابيل الذي قتل أخاه(5).
... وتبعاً لذلك اختلف في مرجع الضمير المتصل في قوله تعالى ((إنه كان ظلوماً جهولاً)):
1- أن الضمير يرجع إلى جنس الإنسان سواءً أريد بالإنسان في الآية آدم - عليه السلام - أو عموم الناس(6).
2- أن يرجع على الكافر والمنافق إن حمل لفظ الإنسان عليهما(7).
__________
(1) مع المفسرين والمستشرقين في زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بزينب بنت جحش للدكتور زاهر بن عوض الألمعي، وبالذات موضوع: الحكم في زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بزينب ص(66-69).
(2) مختصر البغوي (2/756).
(3) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(674).
(4) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (14/255) ولم يرجحه.
(5) التسهيل لابن جزي (3/317) ولم يرجحه.
(6) مدارك التنزيل للنسفي (3/242)، أضواء البيان للشنقيطي (6/606).
(7) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (14/255).(1/237)
3- أو يرجع على قابيل(1).
ترجيح الشنقيطي:
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة ((وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً)) الظاهر أن المراد بالإنسان آدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام. وأن الضمير في قوله ((إنه كان ظلوماً جهولاً)) راجع للفظ الإنسان مجرداً عن إرادة المذكور منه الذي هو آدم - عليه السلام - ، والمعنى: أنه أي الإنسان الذي لا يحفظ الأمانة كان ظلوماً جهولاً، أي كثير الظلم والجهل. والدليل على هذا أمران:
أحدهما: قرينة قرآنية دالة على انقسام الإنسان في حمل الأمانة المذكورة إلى معذب ومرحوم في قوله تعالى بعده متصلاً به { لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73) } [سورة الأحزاب: 73]، فدل هذا على أن الظلوم الجهول من الإنسان هو المعذب والعياذ بالله، وهم المنافقون والمنافقات والمشركون والمشركات، دون المؤمنين والمؤمنات. واللام في قوله ((ليعذب)) لام التعليل وهي متعلقة بقوله ((وحملها الإنسان)).
__________
(1) التسهيل لابن جزي (3/317).(1/238)
الأمر الثاني: أن الأسلوب المذكور الذي هو رجوع الضمير إلى مجرد اللفظ دون اعتبار المعنى التفصيلي؛ أسلوب معروف في اللغة التي نزل بها القرآن. وقد جاء فعلاً في آية من كتاب الله وهي قوله تعالى: { وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ } [سورة فاطر: 11]؛ لأن الضمير في قوله ((ولا ينقص من عمره)) راجع إلى لفظ المعمر دون معناه التفصيلي، كما هو ظاهر. وهذه المسألة هي المعروفة عند علماء العربية بمسألة عندي درهم ونصفه: أي نصف درهم آخر(1).
... وبعض من قال من أهل العلم إن الضمير في قوله ((إن كان ظلوماً جهولاً)) عائد إلى آدم، قال المعنى: إنه كان ظلوماً لنفسه؛ جهولاً: أي غراً بعواقب الأمور وما يتبع الأمانة من الصعوبات. والأظهر هو ما ذكرنا والعلم عند الله تعالى "(2).
يفهم من هذا أن الشيخ الشنقيطي يرى أن المراد بالإنسان آدم - عليه السلام - ، في حين أن الضمير في ((إنه...)) يرجع إلى لفظ الإنسان ويراد به جنس الإنسان بصورة عامة.
الموافقون:
... عدد من المفسرين ذكروا أن المراد بالإنسان في الآية آدم - عليه السلام - ؛ منهم الإمام البغوي والخازن وقالوا عنه إنه قول السلف وهو الأولى(3)، واختاره أيضاً المحلي(4).
المخالفون:
__________
(1) وهو المعروف عند علماء البلاغة بالاستخدام: أن يراد بلفظ له معنيان؛ أحدهما، ثم بضميره معناه الآخر، أو يراد بأحد ضميريه أحدهما وبالآخر الآخر. بغية الإيضاح للصعيدي (4/33).
(2) أضواء البيان للشنقيطي (6/606).
(3) لباب التأويل للخازن وبهامشه تفسير البغوي (5/230-231).
(4) تفسير الجلالين ص(358).(1/239)
... عدد غير قليل من المفسرين رجّحوا أن الإنسان في قوله تعالى ((وحملها الإنسان)) يراد به الجنس؛ أي عموم الناس، منهم الإمام النسفي(1)، والزمخشري(2)، وأبوالسعود(3)، والألوسي(4)، والسعدي(5)، وسيد قطب(6)، وابن عاشور(7).
... فمثلاً: يقول الألوسي: "((وحملها الإنسان)) أي هذا الجنس نحو { إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) } [سورة العاديات: 6] { إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) } [سورة العلق: 6]، وحمله إياها إما باعتبارها بالإضافة إلى استعداده أو بتكليفه إياها يوم الميثاق، أي تكلفها والتزمها مع ما فيه من ضعف البنية ورخاوة القوة، وهو إما عبارة عن قبولها بموجب استعداده الفطري أو عن القبول القولي يوم الميثاق. [ثم قال:] وقوله تعالى ((إنه كان ظلوماً جهولاً)) اعتراض وسط بين الحمل وغايته للإيذان من أول الأمر بعدم وفائه بما تحمّل، والتأكيد لمظنة التردد أي إنه كان مفرطاً في الظلم مبالغاً في الجهل؛ أي بحسب غالب أفراده الذين لم يعملوا بموجب فطرتهم السليمة أو قبولهم السابق دون من عداهم من الذين لم يبدلوا فطرة الله تبديلاً، ويكفي في صدق الحكم على الجنس بشيء وجوده في بعض أفراده فضلاً عن وجوده في غالبها "(8).
__________
(1) مدارك التنزيل للنسفي (3/242).
(2) الكشاف للزمخشري (3/547).
(3) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/437).
(4) روح المعاني للألوسي (22/96).
(5) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(674).
(6) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/2884).
(7) التحرير والتنوير لابن عاشور (22/125).
(8) روح المعاني للألوسي (22/96).(1/240)
... ويقول السعدي: " ((فأبين أن يحملنها وأشفقن منها)) أي خوفاً أن لا يقمن بما حمّلن، لا عصياناً لربهن ولا زهداً في ثوابه، وعرضها الله - عز وجل - على الإنسان على ذلك الشرط المذكور، فقَبِلها وحملها مع ظلمه وجهله،و حمل هذا الحمل الثقيل. فانقسم الناس -بحسب قيامهم بها وعدمه- إلى ثلاثة أقسام: منافقون أظهروا أنهم قاموا بها ظاهراً لا باطناً، ومشركون تركوها ظاهراً وباطناً،ومؤمنون قائمون بها ظاهراً وباطناً "(1).
تعقيب الباحث:
... يظهر -والله أعلم- أن الراجح في الآية هو ما ذهب إليه الشيخ الشنقيطي، وذلك لأمور:
1- كون المراد بالإنسان في الآية آدم عليه السلام هو قول السلف كما صرّح بذلك الإمام البغوي والخازن(2) والنحاس(3).
2- ما ذكره الشيخ الشنقيطي من قرينة في الآية تدل على رجوع الضمير المتصل في ((إنه كان ظلوماً جهولاً)) على لفظ الإنسان ولكن دون إرادة آدم - عليه السلام - ؛ وإنما لفظ الإنسان على عمومه، وهذه القرينة هي قوله تعالى: { لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ... } [سورة الأحزاب: 73] فإن هذا التقسيم لأنواع الناس يستحيل أن يراد به شخص واحد هو آدم - عليه السلام - ، فدل على ضرورة رجوع الضمير إلى لفظ الإنسان مراداً به العموم. والاستدلال بقرينة في السياق على القول الراجح قاعدة اتبعها أئمة التفسير(4).
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(674).
(2) لباب التأويل للخازن وبهامشه تفسير البغوي (5/230-231).
(3) معاني القرآن الكريم للنحاس (5/383).
(4) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/299).(1/241)
3- يؤيد ما سبق أيضاً ما ذكره الشيخ الألوسي(1) من استبعاد رجوع الضمير في ((إنه كان ظلوماً جهولاً)) على آدم - عليه السلام - لعدم مناسبة الظلم والجهل مع الاصطفاء بنص قوله تعالى: { * إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ } [سورة آل عمران: 33].
4- ما استدل به الشيخ الشنقيطي من جواز رجوع الضمير إلى مجرد اللفظ دون اعتبار معناه التفصيلي؛ وهو الأسلوب المعروف في اللغة بمسألة عندي درهم ونصفه، واستدل عليه بآية قرآنية هي قوله تعالى: { وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ } [سورة فاطر: 11]. يؤيده أيضاً قوله تعالى { * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) } [سورة الأعراف: 189-190] فإن الضمير في قوله ((يشركون)) لم يرجع إلى الزوجين المرادََيْن في قوله ((جعلا))، إنما رجع إلى جنس الأزواج الذين يشركون. أسأل الله - عز وجل - أن يحفظنا وجميع المسلمين من الشرك والنفاق وسوء الأخلاق. والله أعلم بالصواب.
- - -
المراد بقوله { أَرُونِيَ }
46- قوله تعالى: { قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) } [سورة سبأ: 27].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- المراد بالرؤية في لفظ ((أروني)) رؤية بصرية(2).
__________
(1) روح المعاني للألوسي (22/96).
(2) أضواء البيان للشنقيطي (6/622).(1/242)
2- أن يراد بها رؤية عِلْمية (1)، وقيل: قلبية(2)، وهما بمعنى واحد.
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " أمر الله -جل وعلا- نبيّه - صلى الله عليه وسلم - في هذه الآية الكريمة أن يقول لعبدة الأوثان أروني أوثانكم التي ألحقتموها بالله جل وعلا شركاء له في عبادته، كفراً منكم وشركاً وافتراء، لأنهم إن أروه إياها تبين برؤيتها أنها جماد لا ينفع ولا يضر، واتضح بعدها عن صفات الألوهية. فظهر لكل عاقل برؤيتها بطلان عبادة ما لا ينفع ولا يضر،فإحضارها والكلام فيها،وهي مشاهدة أبلغ من الكلام فيها غائبة، مع أنه - صلى الله عليه وسلم - يعرفها.
وكما أنه في هذه الآية الكريمة أمرهم أن يروه إياها ليتبين بذلك بطلان عبادتها، فقد أمرهم في آيات أخرى أن يسمّوها بأسمائها؛ لأن تسميتها بأسمائها يظهر بها بعدها عن صفات الألوهية وبطلان عبادتها لأنها أسماء إناث حقيرة كاللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، كما قال تعالى: { إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا } [سورة النساء: 117] وذلك في قوله تعالى: { أَفَمَنْ هُوَ يOح !$s% عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ @خ=ôزمƒ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) } [سورة الرعد: 33].
والأظهر في قوله ((أروني الذين ألحقتم به)) في هذه الآية هو ما ذكرنا من أن الرؤية بصرية، وعليه فقوله ((شركاء)) حال. وقال بعض أهل العلم: إنها من: رأى؛ العِلْمية، وعليه (شركاء) مفعول ثالث لأروني "(3).
__________
(1) مختصر البغوي (2/762)، والمحرر الوجيز لابن عطية (12/187).
(2) أضواء البيان الشنقيطي (6/622).
(3) أضواء البيان الشنقيطي (6/622).(1/243)
فيلاحظ اختيار الشيخ الشنقيطي لكون المراد بـ ((أروني)) الرؤية البصرية.
الموافقون:
وهم من يرجح أن المراد بالرؤية، رؤية بصرية، يعني: أن يُحضر المشركون الأصنام والأوثان ليروها جميعاً بأعينهم وتقام عليهم الحجة حاضرة بأنها جماد، لا تنفع ولا تضر، وبالتالي لا تستحق العبادة، فمِنْ مَنْ قال بذلك:
1- الإمام الطبري: " ((قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم)) يقول تعالى ذكره لنبيّه - صلى الله عليه وسلم - ، قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله الآلهة والأصنام أروني أيها القوم الذين ألحقتموهم بالله فصيرتموهم له شركاء في عبادتكم إياها "(1).
2- النسفي: " ومعنى قوله ((أروني)) وكان يراهم؛ أن يريهم الخطأ العظيم في إلحاق الشركاء بالله وأن يطلعهم على حالة الإشراك به "(2).
3- ابن كثير: " ((قل أروني الذين ألحقتم به شركاء)) أي: أروني هذه الآلهة التي جعلتموها لله أنداداً وصيرتموها له عدلا ((كلا)) أي ليس له نظير ولا نديد ولا شريك ولا عديل ((بل هو الله)) أي الواحد الأحد الذي لا شريك له "(3).
4- ابن عاشور: " والأمر في قوله ((أروني)) مستعمل في التعجيز، وهو تعجيز للمشركين عن إبداء حجة لإشراكهم... والإراءة هنا من الرؤية البصرية فيتعدى إلى مفعولين: أحدهما بالأصالة والثاني بهمزة التعدية. والمقصود: أروني شخوصهم لنبصر هل عليها ما يناسب صفة الإلهية، أي أن كل من يشاهد الأصنام بادئ مرة يتبيّن له أنها خليّة عن صفات الإلهية إذ يرى حجارة لا تسمع ولا تبصر ولا تفقه؛ لأن انتفاء الإلهية عن الأصنام بديهي ولا يحتاج إلى أكثر من رؤية حالها "(4).
__________
(1) جامع البيان للطبري (22/66).
(2) مدارك التنزيل للنسفي (3/246).
(3) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/538).
(4) التحرير والتنوير لابن عاشور (22/196).(1/244)
... وبنحو عبارة من ذكرت جاء قول كل من الواحدي(1)، والزمخشري(2) ومحيي.
المخالفون:
... وهم من رجّح أن الرؤية (عِلْمية قلبية)، يعني: أروني بالحجة والبرهان ماذا خلقت هذه الأصنام وكيف استحقت عبادتكم لها، قال بذلك من المفسرين:
1- الإمام البغوي: " ((قل أروني الذين ألحقتم به شركاء)) أي أعلموني الذين ألحقتموهم به أي بالله - عز وجل - شركاء في العبادة معه هل يخلقون ويرزقون "(3).
2- ابن عطية: " وقوله تعالى ((قل أروني)) يحتمل أن تكون رؤية قلب، فيكون قوله ((شركاء)) مفعولاً ثالثاً، وهذا هو الصحيح، أي أروني بالحجة والدليل كيف وجه الشركة "(4).
3- القرطبي: " يكون ((أروني)) هنا من رؤية القلب، فيكون ((شركاء)) المفعول الثالث، أي عرفوني الأصنام والأوثان التي جعلتموها شركاء لله - عز وجل - ، وهل شاركت في خلق شيء، فبينوا ما هو؟ وإلا فلِمَ تعبدونها "(5).
4- أبوحيان: "... الظاهر أن أرى هنا بمعنى أعلم، فيتعدى إلى ثلاثة: الضمير للمتكلم هو الأول، والذين الثاني، وشركاء الثالث، أي أروني بالحجة والدليل كيف وجه الشركة، وهل يملكون مثقال ذرة أو يرزقونكم؟ "(6).
5- المحلي: " ((قل أروني)) أعلموني ((الذين ألحقتم به شركاء)) في العبادة "(7).
6- الشوكاني: " ((قل أروني الذين ألحقتم به شركاء)) أي أروني الذي ألحقتموهم بالله - عز وجل - شركاء له،وهذه الرؤية هي القلبية، فيكون (شركاء) هو المفعول الثالث؛ لأن الفعل تعدّى بالهمزة إلى ثلاثة: الأول: الياء في (أروني)، والثاني: الموصول، والثالث: ((شركاء)) "(8).
__________
(1) الوجيز للواحدي (2/884).
(2) الكشاف للزمخشري (3/565).
(3) مختصر البغوي (2/762).
(4) المحرر الوجيز لابن عطية (12/187).
(5) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (14/300).
(6) البحر المحيط لأبي حيان (8/548).
(7) تفسير الجلالين ص(361).
(8) فتح القدير للشوكاني (4/316).(1/245)
... وبألفاظ ومعانٍ مقاربة للأقوال المذكورة جاء كلام كل من الإمام ابن الجوزي(1)، وابن جزي(2)،والبيضاوي(3)، والبقاعي(4)، والقنوجي(5)، والمراغي(6)، والسعدي(7).
تعقيب الباحث:
... الذي يظهر -والله أعلم- صحة حمل لفظ ((أروني)) على كلا المعنيين المذكورين عن المفسرين، فإن كل فريق رجّح ما رجّحه في ضوء الحكمة المستنبطة من المعنى الذي ذهب إليه، وتوضيح ذلك:
1- أن الموافقين للشنقيطي -وهو معهم- لما بنّوا المعنى في ((أروني)) على أنها رؤية بالبصر، ذكروا أن الحكمة من هذه الإراءة أن يريهم الخطأ الشنيع الذين وقعوا فيه بإلحاق الشركاء بالله - عز وجل - ، فإنهم عندما يُحضروا الأصنام ويشاهدها الجمع؛ يفتضح أمر المشركين ويظهر لكل عاقل برؤيتها بطلان عبادة ما لا ينفع ولا يضر، فإحضارها والكلام فيها وهي مشاهدة أبلغ من الكلام فيها وهي غائبة(8).
2- أن المرجحين لكون الرؤية يراد بها العلم والمعرفة القلبية؛ ذكروا أنه لا داعي لرؤية الأصنام والأوثان بحاسة البصر؛ لأنها معروفة عند الني - صلى الله عليه وسلم - وكان يشاهدها، فلابد أن يراد بـ ((أروني)) -حسب ترجيحهم- أي أعلموني ماذا خلقت هذه الأصنام والأوثان في هذه الحياة، وبأي شيءٍ وصفةٍ استحقت منكم أن تعبدوها، فإن هذه الأصنام نكرة لا تعرف بقلب ولا تدل عليها فطرة وهذا فيه زيادة تبكيت لهم، كما ذكر ذلك البقاعي(9).
__________
(1) زاد المسير لابن الجوزي (6/236).
(2) التسهيل لابن جزي (3/328).
(3) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/1409.
(4) نظم الدرر للبقاعي (15/502).
(5) فتح البيان للقنوجي (11/193).
(6) تفسير المراغي (22/82).
(7) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(680)
(8) فتح البيان للقنوجي (11/193)، أضواء البيان للشنقيطي (6/622).
(9) نظم الدرر للبقاعي (15/502).(1/246)
3- الشهاب في حاشيته على البيضاوي ردّ على تضعيف ابن عطية للرؤية البصرية، بأن الرؤية ليست لمجرد الرؤية، إنما من أجل توبيخ المشركين على فعلهم، واعتبر أن الصحيح حمل الرؤية على كلا المعنيين، البصرية والعِلْمية، وقال بأن " من قصره على أحدهما فقد قصّر "(1). والله أعلم بالصواب.
فائدة:
... هذه فائدة لطيفة أنقلها عن الفخر الرازي، لم أجد من المفسرين ذكر ما ذكره، فإنه عند تفسيره للآية المقصودة بيَّن أن البشر في عبادتهم الله - عز وجل - ثلاثة أقسام؛ فقال: "... قد ذكرنا أن المعبود قد يعبده قوم لدفع الضرر، وجَمْع لتوقع المنفعة، وقليل من الأشراف يعبدونه لأنه يستحق العبادة لذاته.
1- فلما بيَّن أنه لا يُعبد غير الله - عز وجل - لدفع الضرر إذ لا دافع للضرر غيره بقوله: { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ } [سورة سبأ: 22].
2- وبيّن أنه لا يُعبد غير الله لتوقع المنفعة بقوله { * قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } [سورة سبأ: 24].
3- بيّن ههنا أنه لا يُعبد أحدٌ لاستحقاقه العبادة غير الله - عز وجل - فقال: { قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) } [سورة سبأ: 24] أي هو المعبود لذاته واتصافه بالعزة وهي القدرة الكاملة والحكمة وهي العلم التام الذي عمله موافق له "(2) اهـ.
- - -
المراد بقوله تعالى { وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ }
47- قوله تعالى: { وَقَالُوا آَمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52) } [سورة سبأ: 52].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- ((أنى لهم التناوش)) أي كيف لهم تناول ما بَعدُ عنهم وهو الإيمان والتوبة، وقد كان قريباً في الدنيا فضيعوه (3).
__________
(1) حاشية الشهاب (7/202).
(2) التفسير الكبير للفخر الرازي (9/206).
(3) مختصر البغوي (2/765).(1/247)
2- ((أنى لهم التناوش)) الرجوع إلى الدنيا(1).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة ((وأنى لهم التناوش من مكان بعيد)) أنى: تدل على كمال الاستبعاد هنا، والتناوش: التناول، وقال بعضهم: هو خصوص التناول السهل للشيء القريب.
... والمعنى:أنه يستبعد كل الاستبعاد ويبعد كل البعد أن يتناول الكفار الإيمان النافع في الآخرة بعدما ضيعوا ذلك وقت إمكانه في دار الدنيا. وقيل: الاستبعاد لردهم إلى الدنيا مرة أخرى ليؤمنوا، والأول أظهر، ويدل عليه قوله قبله ((وقالوا آمنا به)) ومن أراد تناول شيء من مكان بعيد لا يمكنه ذلك والعلم عند الله تعالى "(2). فالشيخ الشنقيطي إذاً يرى أن المراد بـ ((أنى لهم التناوش)) أن الكفار لا ينفعهم إيمانهم إذا آمنوا عند معاينتهم لأحداث اليوم الآخر يوم القيامة؛ بعدما ضيّعوا فرصة الإيمان بأيديهم وهم في الدنيا.
الموافقون:
... كثير من المفسرين ذهبوا في بيان معنى الآية إلى مثل ما ذهب إليه الشنقيطي أذكر بعضهم وأقوالهم:
1- الإمام النيسابوري: " ((وأنى لهم التناوش)) التناول. ناوشته: أخذته من بعيد، والمراد: الإيمان والتوبة. أي كيف التناول من بعيد لما كان قريباً فلم يتناولوه "(3).
2- القرطبي: " قوله تعالى ((وأنى لهم التناوش من مكان بعيد)) يقول: أنى لهم تناول الإيمان في الآخرة وقد كفروا في الدنيا "(4).
3- الخازن: " ((وأنى لهم التناوش)) أي والمعنى كيف لهم تناول ما بَعُد عنهم وهو الإيمان والتوبة وقد كان قريباً منهم في الدنيا فضيعوه "(5).
__________
(1) البحر المحيط لأبي حيان (8/566) نقله عن ابن عباس -رضي الله عنهما-
(2) أضواء البيان للشنقيطي (6/629).
(3) إيجاز البيان لللنيسابوري (2/135).
(4) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (14/316).
(5) لباب التأويل للخازن (5/245).(1/248)
4- ابن كثير: " ((وقالوا آمنا به)) أي يوم القيامة يقولون آمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله، كما قال تعالى: { وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) } [سورة السجدة: 12]، ولهذا قال تعالى: ((وأنى لهم التناوش من مكان بعيد)) أي كيف لهم تعاطي الإيمان وقد بعدوا عن محل قبوله منهم وصاروا إلى الدار الآخرة وهي دار الجزاء لا دار الابتلاء، فلو كانوا آمنوا في الدنيا لكان ذلك نافعهم ولكن بعد مصيرهم إلى الدار الآخرة لا سبيل لهم إلى قبول الإيمان؛ كما لا سبيل إلى حصول الشيء لمن يتناوله من بعيد "(1).
5- أبوالسعود: " ((وأنى لهم التناوش)) التناوش التناول السهل أي ومن أين لهم أن يتناولوا الإيمان تناولاً سهلاً ((من مكان بعيد)) فإنه في حيز التكليف وهم منه بمعزل بعيد، وهو تمثيل حالهم في الاستخلاص بالإيمان بعد ما فات عنهم وبَعُد بحال من يريد أن يتناول الشيء من غلوة(2) تناوله من ذراع في الاستحالة "(3).
6- الشوكاني: " والمعنى كيف لهم أن يتناولوا الإيمان من بعد، يعني في الآخرة وقد تركوه في الدنيا "(4).
7- السعدي: " ((أنى لهم التناوش)) أي: تناول الإيمان ((من مكان بعيد)) قد حيل بينهم وبينه، وصار من الأمور المحالة في هذه الحالة، فلو أنهم آمنوا وقت الإمكان، لكان إيمانهم مقبولاً "(5).
__________
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/544).
(2) غلوة: يراد بها مرمي السهم، القاموس المحيط ص(1700) باب الواو والياء - فصل الغين.
(3) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/467).
(4) فتح القدير للشوكاني (4/325).
(5) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(684).(1/249)
8- سيد قطب: " ((وقالوا آمنا به)).. الآن بعد فوات الأوان.. ((وأنى لهم التناوش من مكان بعيد)). وكيف يتناولون الإيمان من مكانهم هذا. ومكان الإيمان بعيد عنهم فقد كان ذلك في الدنيا، فضيّعوه. ((وقد كفروا به من قبل))... فانتهى الأمر، ولم يعد لهم أن يحاولوه اليوم "(1).
... وبنحو ذلك قال كل من الإمام ابن الجوزي(2) وأبي حيان(3)، والمحلي(4)، والألوسي(5).
... ولم أجد أحداً رجّح قولاً مخالفاً... إلا أن من المفسرين من جعل القولين مترابطين بشدة، واعتبرهما بمجموعهما بياناً لمعنى الآية؛ كالإمام الطبري... حيث قال: " وقالوا آمنا بالله في حين لا ينفعهم قيلُ ذلك، فقال الله ((وأنى لهم التناوش)) أي وأين لهم التوبة والرجعة أي قد بعدت عنهم فصاروا منها كموضع بعيد أن يتناولوها، وإنما وصف ذلك الموضع بالبعيد لأنهم قالوا ذلك في القيامة، فقال الله أنى لهم بالتوبة المقبولة، والتوبة المقبولة إنما كانت في الدنيا، وقد ذهبت الدنيا فصارت بعيداً من الآخرة "(6).
أما النسفي(7)، وابن جزي(8) فقد جعلا القولين محتملان للآية على التخيير بلفظ (أو) و (قيل).
تعقيب الباحث:
يظهر من خلال ما سبق -والله أعلم- أن الراجح هو ما ذهب إليه الشيخ الشنقيطي ومن قال بنحو قوله، يدل على ذلك ما يأتي:
__________
(1) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/2916).
(2) زاد المسير لابن الجوزي (6/243).
(3) البحر المحيط لأبي حيان (8/566).
(4) تفسير الجلالين ص(363).
(5) روح المعاني للألوسي (22/158).
(6) جامع البيان للطبري (22/74).
(7) مدارك التنزيل للنسفي (3/253).
(8) التسهيل لابن جزي (3/334).(1/250)
1- ما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن الكفار يؤمنون يوم القيامة عند معاينتهم العذاب وأن هذا الإيمان لا ينفعهم لفوات وقته وقد كان وقته في الدنيا؛ هذا المعنى قد دلت عليه آيات أخرى من القرآن الكريم... منها قوله تعالى: { يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ } [سورة الأعراف: 53]، فهذه الآية دلت على أن الكفار يؤمنون يوم القيامة بأن ما جاءت به الرسل حق، ولكن هذا لا ينفعهم ((قد خسروا أنفسهم)).. ومنها قوله تعالى: { وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) } [سورة السجدة: 12-13]، الكفار يوم القيامة يبصروا بأعينهم ويسمعوا بآذانهم فيعلنوا بأنهم ((موقنون))، ولكن لا فائدة من يقينهم هذا، فلقد ((حق القول)) وكان بإمكانهم أن يؤمنوا ويوقنوا وهم في الدنيا.. ومنها قوله تعالى: { قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) } [سورة غافر: 11] يعترف الكفار يوم القيامة بأنهم كانوا في الدنيا مخطئين مذنبين، ولكن لا ينفعهم هذا الاعتراف..(1/251)
فهذه الآيات وغيرها دلت على ما تضمنه قوله تعالى: { وَقَالُوا آَمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52) } [سورة سبأ: 52] وهو من قبيل تفسير القرآن بالقرآن(1).
2- سياق الآية يدل على المعنى الراجح، ففي بداية الآية قوله تعالى ((وقالوا آمنا به)) فإنهم لما عاينوا العذاب ورأوه بأعينهم وسمعوه بآذانهم؛ آمنوا وأعلنوا استسلامهم وتصديقهم، فناسب أن يكون ختام الآية رداً عليهم بأن إيمانهم هذا لا ينفعهم لأنه جاء في غير وقته، وقد كان وقته في الدنيا فضيّعوه. والاستدلال بسياق الآية قاعدة متبعة في الترجيح بين الأقوال عند المفسرين(2).
3- كون هذا القول قد اختاره جمهور المفسرين، وقد مرّ ما قاله عدد منهم، مع ندرة بل عدم ودود مخالف لما اختاروه. والله أعلم بالصواب.
- - -
معنى قوله تعالى { فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا }
48- قوله تعالى: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا } [سورة فاطر: 10].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- من كان يريد العزة فليتعزز بطاعة الله - عز وجل - (3).
2- من كان يريد أن يعلم لمن العزة فلله العزة جميعاً(4).
3- من كان يريد العزة بعبادة الآلهة والأوثان فإن العزة لله جميعاً(5).
4- من كان يريد العزة بمغالبة الإسلام فلله العزة جميعاً؛ فالمغالب له مغلوب(6).
__________
(1) شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص(127)، وقواعد التفسير لخالد السبت (1/109).
(2) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/125).
(3) جامع البيان للطبري (22/79)، وحكاه عن قتادة، مختصر البغوي (2/767)، فتح القدير للشوكاني (4/330).
(4) جامع البيان للطبري (22/80)، مختصر البغوي (2/767)، وحكاه عن الفراء، فتح القدير للشوكاني (4/330).
(5) جامع البيان للطبري (22/79) وحكاه عن مجاهد.
(6) التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي (3/338) المعنى الثاني الذي ذكره ولم يرجّحه.(1/252)
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " بيّن جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن من كان يريد العزة فإنها جميعها لله وحده، فليطلبها منه وليتسبب لنيلها بطاعته جل وعلا، فإن من أطاعه أعطاه العزة في الدنيا والآخرة، أما الذين يعبدون الأصنام لينالوا العزة بعبادتها، والذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، يبتغون عندهم العزة، فإنهم في ضلال وعمى عن الحق، لأنهم يطلبون العزة من محل الذل.
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة جاء موضحاً في آيات من كتاب الله تعالى، كقوله تعالى: { وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82) } [سورة مريم: 81-82]، وقوله تعالى: { الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139) } [سورة النساء: 139]، وقوله تعالى: { وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65) } [سورة يونس: 65]، وقوله تعالى: { يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ ¾د&خ!qك™tچد9ur... } [سورة المنافقون: 8]، وقوله تعالى: { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) } [سورة الصافات: 180].
وقول من قال من أهل العلم: أن معنى الآية: من كان يريد العزة أي يريد أن يعلم لمن العزة، أصوب منه ما ذكرنا. والعلم عند الله "(1).
الموافقون:
... اختار المعنى الموافق لما اختاره الشنقيطي عدد من أئمة التفسير؛ منهم:
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (6/638).(1/253)
1- الإمام الطبري، قال: " والذي هو أولى الأقوال بالصواب عندي قول من قال: من كان يريد العزة فبالله فليتعزز فلله العزة جميعاً دون كل ما دونه من الآلهة والأوثان "(1).
2- ابن جزي؛ ذكر الآية وبعدها قال: " تحتمل ثلاثة معانٍ: أحدها -وهو الأظهر-: من كان يريد نيل العزة فليطلبها من عند الله؛ فإن العزة كلها لله... "(2).
3- ابن كثير -بعد ذكر الآية- قال: " أي من كان يحب أن يكون عزيزاً في الدنيا والآخرة فليلزم طاعة الله تعالى فإنه يحصل له مقصوده، لأن الله تعالى مالك الدنيا والآخرة وله العزة جميعاً "(3).
4- الشوكاني، قال: " والظاهر في معنى الآية: أن من كان يريد العزة ويطلبها فليطلبها من الله - عز وجل - ، فلله العزة جميعاً، ليس لغيره منها شيء، فتشمل الآية كل من طلب العزة، ويكون المقصود بها: التنبيه لذوي الأقدار والهمم من أين تنال العزة، ومن أي جهة تطلب "(4).
5- السعدي، قال: " أي يا من يريد العزة؛ اطلبها ممن هي بيده، فإن العزة بيد الله، ولا تنال إلا بطاعته "(5).
6- سيد قطب: " هذه حقيقة؛ إن العزة كلها لله. وليس شيء منها عند أحد سواه. فمن كان يريد العزة فليطلبها من مصدرها الذي ليس لها مصدر غيره، ليطلبها عند الله. ليأخذ من الأصل الذي يملك وحده كل العزة، ولا يذهب يطلب قمامة الناس وفضلاتهم.
__________
(1) جامع البيان للطبري (22/80).
(2) التسهيل لابن جزي (3/338).
(3) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/549).
(4) فتح القدير للشوكاني (4/330).
(5) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(685).(1/254)
... { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } [سورة فاطر: 10] ولهذا التعقيب المباشر بعد ذكر الحقيقة الضخمة فعزاه وإيحاؤه. فهو إشارة إلى أسباب العزة ووسائلها لمن يطلبها عند الله. القول الطيب والعمل الصالح. القول الطيب الذي يصعد إلى الله في علاه؛ والعمل الصالح الذي يرفعه الله إليه ويكرمه بهذا الارتفاع. ومن ثم يكرم صاحبه ويمنحه العزة والاستعلاء "(1).
... لم أجد فيما وقفت عليه من أقوال المفسرين أحداً رجّح قولاً آخر، غير أن البعض منهم يستعرض الأقوال الواردة في معنى الآية، ثم يرجح القول الذي ذهب إليه الشنقيطي ومن وافقه، وممن جمع الأقوال أو معظمها في تفسيره: الإمام الطبري والبغوي وابن جزي والشوكاني(2).
تعقيب الباحث:
... الذي يظهر -والله أعلم- أن القول الذي اختاره الشنقيطي ومن وافقه هو الراجح باعتبار إجماع المفسرين عليه، ولم أجد أحداً اختار ورجّح قولاً آخر غيره.
وقد ذكر الإمام الطبري سبب ترجيحه للقول المختار فقال: " وإنما قلت ذلك أولى بالصواب لأن الآيات التي قبل هذه الآية جرت بتقريع الله - عز وجل - المشركين على عبادتهم الأوثان وتوبيخه إياهم ووعيده لهم عليها؛ فأولى بهذه أيضاً أن تكون من جنس الحث على فراق ذلك فكانت قصتها شبيهة بقصتها وكانت في سياقها "(3). والترجيح بمدلول سياق الآيات قاعدة مهمة من قواعد الترجيح عند المفسرين(4).
- - -
هل أنذر آباؤهم؟
__________
(1) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/2931) بتصرف.
(2) جامع البيان للطبري (22/79-80)، مختصر البغوي (2/767)، التسهيل لابن جزي (3/338)، فتح القدير للشوكاني (4/330).
(3) جامع البيان للطبري (22/80).
(4) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/125)، قاعدة: إدخال الكلام في معاني ما قبله وما بعده أولى من الخروج به عنهما. إلا بدليل يجب التسليم له.(1/255)
49- قوله تعالى: { لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) } [سورة يس: 6].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن لفظة (ما) في الآية نافية؛ وعليه يكون المعنى: لم ينذر آباؤهم(1).
2- أن تكون موصولة أو موصوفة؛ وعليه يكون المعنى: لتنذر قوماً الذي أنذره آباؤهم، أو لتنذرهم عذاباً أنذره آباؤهم(2).
3- أن تكون مصدرية؛ وعليه يكون المعنى: إنذار آبائهم(3).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " لفظة (ما) من قوله تعالى ((ما أنذر آباؤهم)) قيل نافية وهو الصحيح، وقيل موصولة، وعليه فهو المفعول الثاني لتنذر، وقيل مصدرية.
وإن مما يدل على ذلك ترتيبه بالفاء عليه قوله بعده ((فهم غافلون)) لأن كونهم غافلين يناسب عدم الإنذار لا الإنذار، وهذا هو الظاهر مع آيات أخر(4) دالة على ذلك "(5).
الموافقون:
وأعني بهم الذين ذكروا أن لفظه (ما) في الآية يراد بها النفي، ويكون المعنى: لم ينذر آباؤهم.
1- الإمام الواحدي: " ((لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم)) في الفترة ((فهم غافلون)) عن الإيمان والرشد "(6).
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (6/649).
(2) فتح القدير للشوكاني (4/349).
(3) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/149).
(4) كقوله تعالى: { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ ڑپخ=ِ6s%... } [سورة القصص: 46]، وكقوله تعالى: { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ y7خ=ِ6s%... } [سورة السجدة: 3] وكقوله تعالى: { وَمَا آَتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44) } [سورة سبأ: 44].
(5) أضواء البيان للشنقيطي (6/649-650).
(6) الوجيز للواحدي (2/896).(1/256)
2- ابن جزي: " ((لتنذر قوما)) هم قريش، ويحتمل أن يدخل معهم سائر العرب وسائر الأمم، ((ما أنذر آباؤهم)) (ما) نافية، والمعنى: لم يرسل إليهم ولا لآبائهم رسول ينذرهم. وقيل: المعنى لتنذر قوماً مثل ما أنذر آباؤهم، فـ (ما) على هذا موصولة بمعنى الذي، أو مصدرية. والأول أرجح؛ لقوله ((فهم غافلون))، يعني قوله: { مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ } [القصص: 46، السجدة: 3]، ولا يعارض هذا بعث الأنبياء المتقدمين فإن هؤلاء القوم لم يدركوهم ولا آباؤهم الأقربون "(1).
3- ابن كثير: " ((لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم فهم غافلون)) يعني بهم العرب فإنه ما أتاهم من نذير من قبله، وذكرهم وحدهم لا ينفي من عداهم، كما أن ذكر بعض الأفراد لا ينفي العموم. وقد تقدم (2) ذكر الآيات والأحاديث المتواترة في عموم بعثته - صلى الله عليه وسلم - عند قوله تعالى: { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } [سورة الأعراف: 158] "(3).
4- المحلي: " ((لتنذر)) به ((قوما)) متعلق بتنزيل ((ما أنذر أباؤهم)) أي لم ينذروا في زمن الفترة ((فهم)) أي القوم ((غافلون)) عن الإيمان والرشد "(4).
5- الشوكاني: " و (ما) في ((ما أنذر آباؤهم)) هي النافية، أي: لم ينذر آباؤهم [ثم ذكر بقية الأوجه، إلى أن قال:] وقد ذهب أكثر أهل التفسير إلى أن المعنى على النفي، وهو الظاهر من النظم، لترتيب (((فهم غافلون)) على ما قبله "(5).
6- القاسمي: " ((لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم)) أي برسول ولا كتاب ((فهم غافلون)) أي عن أمر حق الخالق والمخلوق، بالكفر والفساد ونكران البعث والمعاد "(6).
__________
(1) التسهيل لابن جزي (3/350).
(2) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (2/255).
(3) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/564).
(4) تفسير الجلالين ص(369).
(5) فتح القدير للشوكاني (4/349).
(6) محاسن التأويل للقاسمي (14/4992).(1/257)
7- السعدي: " ((لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم فهم غافلون)) وهم العرب الأمّيَون، الذين لم يزالوا خالين من الكتب، عادمين الرسل، قد عمتهم الجهالة وغمرتهم الضلالة، وأضحكوا عليهم وعلى سفههم عقول العالمين، فأرسل الله إليهم رسولاً من أنفسهم، يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، فينذر العرب الأميين، ويذكّر أهل الكتاب بما عندهم من الكتب، فنعمة الله - عز وجل - به على العرب خصوصاً، وعلى غيرهم عموماً "(1).
... وقال بمثل هذا أيضاً من المفسرين: القنوجي(2)، والمراغي(3)،وسيد قطب(4)، وابن عاشور(5).
أما المخالفون، فلم أجد في ما وقفت عليه من أقوال المفسرين أحداً رجّح قولاً مخالفاً لما ذهب إليه الشنقيطي، وإنما غاية من وجدت -غير الموافقين- جمعوا الأقوال كلها أو بعضها عند بيانهم لمعنى الآية، أذكر أقوال بعضهم وأشير إلى البقية، فمنهم:
1- الإمام الماوردي: " ((لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم)) فيه وجهان:
أحدهما: أنهم قريش أنذروا بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ولم ينذر آباؤهم من قبلهم.
الثاني: أنه عام، ومعناه: لتنذر قوماً كما أنذر آباؤهم "(6).
2- البغوي: " ((لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم)) قيل: (ما) للنفي أي لم تنذر آباؤهم لأن قريشاً لم يأتهم نبي قبل محمد - صلى الله عليه وسلم - . وقيل: (ما) بمعنى الذي لتنذر قوماً بالذي آنذر آباؤهم))(7).
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(693).
(2) فتح البيان للقنوجي (11/271).
(3) تفسير المراغي (22/146).
(4) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/2959).
(5) التحرير والتنوير لابن عاشور (22/374).
(6) النكت والعيون للماوردي (5/6).
... وهو: أبوالحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي، كان ثقة من وجوه الفقهاء الشافعيين، وليَّ القضاء، وله مصنفات كثيرة في الفقه وأصوله والتفسير والأدب. توفي سنة (450هـ). طبقات المفسرين (1/423).
(7) مختصر البغوي (2/774).(1/258)
3- النيسابوري: " ((ما أنذر آباؤهم)) يجوز (ما) نافية، ويجوز بمعنى الذي، أي لتخوّفنهم الذي خوِّف آباؤهم؛ لأن الأرض لا تخلو من حجة "(1).
4- البيضاوي: " ((ما أنذر آباؤهم)) قوماً غير منذر آباؤهم يعني آباءهم الأقربين لتطاول مدة الفترة، فيكون صفة مبينة لشدة حاجتهم إلى إرساله، أو الذي أنذر به أو شيئاً أنذر به آباؤهم الأبعدون فيكون مفعولاً ثانياً لتنذر، أو إنذار آبائهم على المصدر "(2).
5- البقاعي: " ولما ذكر المرسل والمرسَل به والمرسِل؛ ذكر المرسَل له، فقال ((لتنذر قوماً)) أي ذوي بأس وقوة وذكاء وفطنة ((ما أنذر)) أي لم ينذر أصلاً ((آباؤهم)) أي الذين غيَّروا دين أعظم آبائهم إبراهيم - عليه السلام - ومن أتى بعدهم عند فترة الرسل. ولما كان عدم الإنذار موجباً للاستيلاء الحظوظ والشهوات على العقل فيحصل على ذلك الغفلة عن طريق النجاة؛ قال ((فهم)) أي بسبب زمان الفترة ((غافلون)). أو المعنى على أن (ما) مفعول ثان لتنذر: أي لتنذرهم الذي أنذره آباؤهم الذين كانوا قبل التغيير، فإن هؤلاء غافلون عن ذلك لطول الزمان وحدوث النسيان "(3).
... وبكلام يشبه أقوال من ذكرت جاء تفسير كل من: الإمام النحاس(4)، والنسفي(5)، وابن عطية(6)، وابن الجوزي(7)، والفخر الرازي(8)، والقرطبي(9)، وأبي حيان(10)، وأبي السعود(11)، والألوسي(12).
__________
(1) إيجاز البيان للنيسابوري (2/139).
(2) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/149).
(3) نظم الدرر للبقاعي (16/94).
(4) معاني القرآن الكريم للنحاس (5/474).
(5) مدارك التنزيل للنسفي (4/3).
(6) المحرر الوجيز لابن عطية (12/273).
(7) زاد المسير لابن الجوزي (6/262).
(8) التفسير الكبير للفخر الرازي (9/253).
(9) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (15/7).
(10) البحر المحيط لأبي حيان (9/49).
(11) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/493).
(12) روح المعاني للألوسي (22/213).(1/259)
تعقيب الباحث:
... الذي يظهر -والله أعلم- أن الأرجح في معنى هذه الآية ((لتنذر قوماً ما أنذر آباءهم فهم غافلون)) هو ما ذهب إليه الشنقيطي ومن قال بمثل قوله من أن لفظة ((ما)) في الآية يراد بها النفي، ويكون معنى الآية: لم ينذر آباؤهم، يؤيد ذلك أمور:
1- كون هذا القول هو قول الجمهور، يدل على ذلك تصريح عدد من المفسرين بذلك كالإمام النسفي(1)، وابن الجوزي(2)، والقرطبي(3)، والشوكاني(4)، والقنوجي(5).
2- بالرغم من وجود أقوال أخرى، إلاّ أنه لم يوجد قديماً ولا حديثاً من رجّح قولاً مخالفاً لما ذهب إليه الجمهور.
3- وقبل هذا كله بل هو الأساس في ترجيح هذا القول الراجح؛ دلالة السياق(6)، فإن سياق الآية يدل عليه، فبداية الآية قوله تعالى ((لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم)) وختامها ((فهم غافلون)) فكونهم غافلون يناسبه عدم الإنذار لا الإنذار(7).
4- كذلك دلالة آيات أخرى على المعنى الراجح(8) في آية سورة يس هذه، وهو كون آبائهم لم يأتهم نذير قبل النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وقد مر معنا عند فقرة ترجيح الشنقيطي ذكر عدد من الآيات في الهامش- ومن الآيات الدالة بوضوح أيضاً على كون آبائهم ضالين؛ قوله تعالى: { إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آَبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) } [سورة الصافات: 69] فكون الآباء ضالين معناه أنهم لم يأتهم نذير يزيح عنهم هذا الضلال وتلك الغفلة. والله أعلم بالصواب.
- - -
المراد بقوله تعالى { إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ Wx"n=ّîr&.. }
__________
(1) مدارك التنزيل للنسفي (4/3).
(2) زاد المسير لابن الجوزي (6/262).
(3) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (15/7).
(4) فتح القدير للشوكاني (4/349).
(5) فتح البيان للقنوجي (11/271).
(6) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/125).
(7) أضواء البيان للشنقيطي (6/649).
(8) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/312).(1/260)
50- قوله تعالى: { إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) } [سورة يس: 8-9].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن معنى هذه الآية على الاستعارة والتمثيل وذلك عبارة عن تماديهم على الكفر ومنع الله - عز وجل - لهم من الإيمان، فشبههم بمن جعل في عنقه غل يمنعه من الالتفات، وغطّى على بصره فصار لا يرى(1).
2- أن المعنى أيضاً على التمثيل ويراد به: أمسكنا أيديهم عن النفقة في سبيل الله - عز وجل - بموانع كالأغلال(2). أو يكون المنع شاملاً لمنعهم عن كل خير(3).
3- أن هذه الآية على الحقيقة لا الاستعارة وهي أنه لمّا أخبر تعالى أنهم لا يؤمنون، أخبر عن شيء من أحوالهم في الآخرة إذا دخلوا النار من وضع الأغلال في أعناقهم(4).
4- أن هذه الأغلال موانع حسية منعت كما يمنع الغُلُّ، ونزلت هذه الآية في أبي جهل ومن معه حين حاولوا إيذاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمنعه الله - عز وجل - منهم وأعماهم عنه(5).
ترجيح الشنقيطي:
__________
(1) المحرر الوجيز لابن عطية (12/275)، التسهيل لابن جزي (3/351).
(2) الوجيز للواحدي (2/897).
(3) زاد المسير لابن الجوزي (6/263).
(4) البحر المحيط لأبي حيان (9/49)، فتح القدير للشوكاني (4/350).
(5) أسباب النزول للسيوطي مطبوع بذيل مفردات القرآن للحمصي ص(411)، زاد المسير لابن الجوزي (6/263)، لباب التأويل للخازن (6/3).(1/261)
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " الأغلال: جمع غل وهو الذي يجمع الأيدي إلى الأعناق. والأذقان: جمع ذقن وهو ملتقى اللحيين. والمُقمح بصيغة اسم المفعول: هو الرافع رأسه. والسد بالفتح والضم: هو الحاجز الذي يسد طريق الوصول إلى ما وراءه. قوله (فأغشيناهم) أي جعلنا على أبصارهم الغشاوة، وهي: الغطاء الذي يكون على العين يمنعها من الإبصار.
والمراد بالآية الكريمة: أن هؤلاء الأشقياء الذين سبقت لهم الشقاوة في علم الله - عز وجل - المذكورين في قوله تعالى: { لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) } [سورة يس: 7]؛ صرفهم الله - عز وجل - عن الإيمان صرفاً عظيماً مانعاً من وصوله إليهم؛ لأن من جعل في عنقه غل، وصار الغل إلى ذقنه، حتى صار رأسه مرفوعاً لا يقدر أن يطأطئه، وجعل أمامه سد وخلفه سد وجعل على بصره الغشاوة؛ لا حيلة له في التصرف، ولا في جلب نفع لنفسه، ولا في دفع ضر عنها، فالذين أشقاهم الله بهذه المثابة لا يصل إليهم خير .(1/262)
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية من كونه -جل وعلا- يصرف الأشقياء الذين سبقت لهم الشقاوة في علمه عن الحق ويحول بينهم وبينه؛ جاء موضحاً في آيات كثيرة: كقوله تعالى: { إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا } [سورة الكهف:57]، وقوله تعالى: { خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ } [سورة البقرة: 7]، وقوله تعالى: { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً } [سورة الجاثية: 23]، وقوله تعالى: { وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ } [سورة الأنعام: 125]، وقوله تعالى: { مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ } [سورة الأعراف: 186]، وقوله تعالى: { وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [سورة المائدة: 41]، وقوله تعالى: { أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108) } [سورة النحل: 108]، وقوله تعالى: { وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ } [سورة هود: 20]، وقوله تعالى: { الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101) } [سورة الكهف: 101]، والآيات بمثل ذلك كثيرة.
[(1/263)
إلى أن قال:] واعلم أن قول من قال من أهل العلم: إن معنى قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: { إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا } أن المراد بذلك الأغلال التي يعذبون بها في الآخرة؛ كقوله تعالى: { إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) } [سورة غافر: 71-72] خلاف التحقيق، بل المراد بجعل الأغلال في أعناقهم وما ذكر معه في الآية هو صرفهم عن الإيمان والهدى في دار الدنيا كما أوضحنا "(1).
الموافقون:
... عدد كثير من المفسرين ذهبوا في بيان معنى الآية إلى مثل مذهب الشنقيطي فيها، منهم:
1- الإمام ابن عطية -بعد أن ذكر الآية وذكر بعدها عدداً من الأقوال الواردة فيها- قال: " وقالت فرقة: الآية مستعارة المعنى من منع الله - عز وجل - إياهم من الإيمان وحوله بينه وبينهم، وهذا أرجح الأقوال؛ لأنه لمّا ذكر أنهم لا يؤمنون لِمَا سبق لهم في الأزل عقَّب ذلك بأن جعل لهم من المنع وإحاطة الشقاوة ما حالهم معه حال المغلوبين "(2).
2- ابن جزي: " ((إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً...)) فيها ثلاثة أقوال: الأول: أنها عبارة عن تماديهم على الكفر ومنع الله - عز وجل - لهم من الإيمان، فشبههم بمن جعل في عنقه غلّ يمنعه من الالتفات، وغطي على بصره فصار لا يرى. والثاني: أنها عبارة عن كفهم عن إذاية النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أراد أبوجهل أن يرميه بحجر؛ فرجع عنه فزعاً مرعوباً. والثالث: أن ذلك حقيقة في حالهم في جهنم. والأول أظهر وأرجح لقوله قبلها { فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } [سورة يس: 7]. وقوله بعدها { وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10) } [سورة يس: 10] "(3).
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (6/651-653).
(2) المحرر الوجيز لابن عطية (12/275).
(3) التسهيل لابن جزي (3/351).(1/264)
3- ابن كثير -بعد ذكر الآيات- قال: " يقول تعال إنا جعلنا هؤلاء المحتوم عليهم بالشقاء نسبتهم إلى الوصول إلى الهدى كنسبة من جعل في عنقه غل فجمع يديه مع عنقه تحت ذقنه فارتفع رأسه فصار مقمحاً [إلى أن قال:] وقوله تعالى ((فأغشيناهم)) أي أغشينا أبصارهم عن الحق ((فهم لا يبصرون)) أي لا ينتفعون بخير ولا يهتدون إليه "(1).
4- المحلي: " ((إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً)) بأن تضم إليها الأيدي لأن الغل يجمع اليد إلى العنق ((فهي)) أي الأيدي مجموعة ((إلى الأذقان)) جمع ذقن وهي مجتمع اللحيين ((فهم مقمحون)) رافعون رؤوسهم لا يستطيعون خفضها،وهذا تمثيل والمراد أنهم لا يذعنون للإيمان ولا يخفضون رؤوسهم لهم "(2).
5- القاسمي قال عن الوجه الذي اختاره -والذي جاء موافقاً لاختيار الشنقيطي-: " وإنما اختير هذا؛ لأن ما قبله وما بعده في ذكر أحوالهم في الدنيا " ثم وصفه في آخر كلامه بأنه " أدق، وبالقبول أحق "(3).
6- السعدي: " ((إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً)) وهي جمع (غل) والغل: ما يُغل به العنق، فهو للعنق بمنزلة القيد للرجل، وهذه الأغلال التي في الأعناق؛ عظيمة قد وصلت إلى أذقانهم ورفعت رؤوسهم إلى فوق ((فهم مقمحون)) أي: رافعوا رؤوسهم من شدة الغِل الذي في أعناقهم فلا يستطيعون أن يخفضوها. ((وجعلنا بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً)) أي حاجزاً يحجزهم عن الإيمان ((فهم لا يبصرون)) قد غمرهم الجهل والشقاء من جميع جوانبهم، فلم تفد فيهم النذارة "(4).
... وبعبارات متقاربة جاء تفسير كل من: الفخر الرازي(5)، والبيضاوي(6)، والثعالبي(7)،
__________
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/564).
(2) تفسير الجلالين ص(369).
(3) محاسن التأويل للقاسمي (14/4994).
(4) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(693).
(5) التفسير الكبير للفخر الرازي (9/254).
(6) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/149).
(7) جواهر الحسان للثعالبي (4/3).
... وهو: أبوزيد عبدالرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي، مفسر، من أعيان الجزائر، توفي سنة (875هـ). الأعلام (3/331).(1/265)
وأبي السعود(1)، والمراغي(2)، وسيد قطب(3).
المخالفون:
... لقد وجدتُ قلةً من المفسرين رجّحوا غير ما رجَحه الشنقيطي، وهم:
1- الإمام الطبري -بعد ذكر الآية- قال: " يقول تعالى ذكره إنا جعلنا أيمان هؤلاء الكفار مغلولة إلى أعناقهم بالأغلال فلا تبسط بشيء من الخيرات.. [ثم استدل برواية عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال:] قوله: { إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) } قال هو كقول الله - عز وجل - : { وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ } [سورة الإسراء: 29] يعني بذلك أن أيديهم موثقة إلى أعناقهم لا يستطيعون أن يبسطوها بخير "(4).
2- الواحدي: " ((إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا)) أراد: في أعناقهم وأيديهم؛ لأن الغلّ لا يكون في العنق دون اليد ((فهي إلى الأذقان)) أي: فأيديهم مجموعة إلى أذقانهم؛ لأن الغل يجعل في اليد مما يلي الذقن ((فهم مقمحون)) رافعوا رؤوسهم لا يستطيعون الإطراق؛ لأن من غُلَّت يده إلى ذقنه ارتفع رأسه، وهذا مثل؛ معناه: أمسكنا أيديهم عن النفقة في سبيل الله بموانع كالأغلال "(5).
3- أبوحيان: " والظاهر أن قوله ((إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً..)) هو حقيقة لا استعارة. لمّا أخبر تعالى أنهم لا يؤمنون، أخبر عن شيء من أحوالهم في الآخرة إذا دخلوا النار "(6).
... أما غير الموافقين والمخالفين فقد جمعوا الأقوال أو معظمها أو بعضها تحت تفسير كل واحد منهم للآية، وإليك أمثلة منهم:
__________
(1) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/494).
(2) تفسير المراغي (22/146).
(3) في ظلال القرآن لسيد قطب ((5/2960).
(4) جامع البيان للطبري (22/98).
(5) الوجيز للواحدي (2/897).
(6) البحر المحيط لأبي حيان (9/49).(1/266)
1- الإمام البغوي: " ((إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا)) قال أهل المعاني: هذا على طريق المثل، ولم يكن هناك غل، أراد: منعناهم عن الإيمان بموانع، فجعل الأغلال مثلاً لذلك. قال الفراء: معناه إنا حبسناهم عن الإنفاق في سبيل الله، كقوله تعالى:
{ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ } [سورة الإسراء: 29] معناه لا تمسكها عن النفقة... { وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ } فأعميناهم من التغشية وهي التغطية { فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ } سبيل الهدى " (1).
... ولقد اعتمدت البغوي من غير الموافقين والمخالفين حيث نقل عن الفراء ما ذكره في معنى الآية دون تعقيب أو ترجيح.
2- ابن الجوزي: " ((إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا)) فيه ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنها مثل، وليس هناك غُلٌّ على حقيقة، قاله أكثر المحققين. ثم لهم فيه ثلاثة أقوال:
أحدها:أنها مثل لمنعهم عن كل خير.
والثاني: لحبسهم عن الإنفاق في سبيل الله بموانع كالأغلال.
والثالث: لمنعهم من الإيمان بالله - عز وجل - .
والقول الثاني: أنها موانع حِسّية منعت كما يمنع الغلّ؛ قال مقاتل بن سليمان: حلف أبوجهل لئن رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلّي ليَدْمَغَنَّه، فجاءه وهو يصلّي، فرفع حجراً فيبست يده والتصق الحجر بيده، فرجع إلى أصحابه فأخبرهم الخبر، فقام رجل منهم فأخذ الحجر، فلما دنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طمس الله - عز وجل - على بصره فلم يره، فرجع إلى أصحابه فلم يبصرهم حتى نادوه، فنزل في أبي جهل: ((إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً...)).
والقول الثالث: أنه على حقيقته، إلاّ أنه وصف لما سينزله الله تعالى بهم في النار "(2).
__________
(1) مختصر البغوي (2/774).
(2) زاد المسير لابن الجوزي (6/263).(1/267)
3- الخازن: ذكر قصة أبي جهل ومَنْ معه وأن الآية نزلت فيهم-وقد مرّت القصة آنفاً- ثم قال: "... قيل: هذا على وجه التمثيل ولم يكن هناك غل، أراد منعناهم عن الإيمان بموانع، فجعل الأغلال مَثَل لذلك. وقيل: حبسناهم عن الإنفاق في سبيل الله - عز وجل - بموانع كالأغلال. وقيل: إنها موانع حسية منعت كما يمنع الغل. وقيل: إنها وصف في الحقيقة وهي ما سينزله الله - عز وجل - بهم في النار "(1).
... وبنحو ذلك وقريب منه جاء تفسير الآية لدى كلٍّ من: الإمام النحاس (2)، والماوردي(3)، والنسفي(4)، والنيسابوري(5)، والقرطبي(6)، والشوكاني(7)، والقنوجي(8)، وابن عاشور(9)، وغيرهم.
تعقيب الباحث:
... الذي يظهر رجحانه -والله أعلم- أن معنى الآية على الاستعارة والتمثيل، وهو أن الأشقياء الذي سبقت لهم الشقاوة في علم الله - عز وجل - صرفهم الله - عز وجل - عن الإيمان صرفاً عظيماً مانعاً من وصوله إليه، وشبههم بمن جعل في عنقه غل يمنعه من الالتفات، وغطى على بصره فصار لا يرى، وهذا ما ذهب إليه الشنقيطي ومن قال بمثل ذلك، يؤيد هذا الترجيح عدة أمور:
__________
(1) لباب التأويل للخازن (6/3).
(2) معاني القرآن للنحاس (5/475-479).
(3) النكت والعيون للماوردي (5/7).
(4) مدارك التنزيل للنسفي (4/3).
(5) إيجاز البيان للنيسابوري (2/139).
(6) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (15/8).
(7) فتح القدير للشوكاني (4/349).
(8) فتح البيان للقنوجي (11/272).
(9) التحرير والتنوير لابن عاشور (22/349).(1/268)
1- دلالة سياق الآيات عليه، فإنه " لما ذكر أنهم لا يؤمنون لِمَا سبق لهم في الأزل، عقّب ذلك بأن جعل لهم من المنع وإحاطة الشقاوة ما حالهم معه حال المغلوبين "(1)، فالآية التي " قبلها { فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } [سورة يس: 7] وأما التي بعدها { وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10) } [سورة يس: 10] "(2).
... وبناء على القاعدة الترجيحية عند المفسرين: إدخال الكلام في معاني ما قبله وما بعده أوْلى من الخروج عنهما(3)، فإن هذا المعنى الراجح يعتبر هو " الأشد مناسبة "(4). وهو " الأدق، وبالقبول أحق "(5).
2- كون هذا المعنى الراجح قد دلت عليه آيات أخرى كثيرة في القرآن الكريم، وقد مرّ ذكر عدد منها تحت فقرة: ترجيح الشنقيطي، بما أغنى عن إعادته هنا.
... ومن المعلوم أن تفسير القرآن بالقرآن هو أفضل وأقوى وأحسن أنواع التفسير، وهي قاعدة راسخة متبعة لدى أئمة التفسير(6).
__________
(1) المحرر الوجيز لابن عطية (12/275).
(2) التسهيل لابن جزي (3/351).
(3) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/125)، قواعد التفسير لخالد السبت (1/249).
(4) التفسير الكبير للفخر الرازي (9/254).
(5) محاسن التأويل للقاسمي (14/4994)
(6) شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص(127)، قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي
(1/312)، قواعد التفسير لخالد السبت (1/109).(1/269)
3- من المرجحات لهذا المعنى أيضاً: إجماع جمهور المفسرين عليه، يدل على ذلك كثرة المختارين له، وتصريح بعض المفسرين كابن الجوزي(1)، وأبي حيان(2) بأنه اختيار الجمهور، ووصفه ابن جزي(3)، والثعالبي(4) بأنه " أرجح الأقوال"، وقال عنه الفخر الرازي: إنه " الأقوى "(5).
4- لقد استدل ابن عطية بقرينة في السياق ردَّ بها قول من قال إن الآية يراد بها بيان حال الذين لا يؤمنون في يوم القيامة، وهي قوله تعالى: ((فأغشيناهم)) وقد قال الله - عز وجل - : { فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } [سورة ق: 22] وعليه رجّح أن الآية تمثيل لحالهم في الدنيا(6).
... أبوحيان ردّ على ابن عطية بأن قوله تعالى ((فأغشيناهم))، ليس غريباً في الآخرة، بل يؤيده آيات أخرى تؤكد عمى الكفار يوم القيامة؛ كقوله تعالى: { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا } [سورة الإسراء: 97]، وقوله تعالى عن الكفار { قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى } [سورة طه: 125]. واعتبر قوله تعالى: { فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } [سورة ق: 22] بأنه كناية عن إدراكه ما يؤول إليه حتى كأنه يبصره(7).
... القاسمي ردَّ على كلام أبي حيان؛ بأن حَمْل الآية على أنه لبيان أحوالهم في الآخرة " يكون أجنبياً في البين " وذلك " لأن ما قبله وما بعده في ذكر أحوالهم في الدنيا "(8).
__________
(1) زاد المسير لابن الجوزي (6/263).
(2) البحر المحيط لأبي حيان (9/49).
(3) التسهيل لابن جزي (3/351).
(4) جواهر الحسان للثعالبي (4/3).
(5) التفسير الكبير للفخر الرازي (9/254).
(6) المحرر الوجيز لابن عطية (12/275).
(7) البحر المحيط لأبي حيان (9/49).
(8) محاسن التأويل للقاسمي (14/4994).(1/270)
والخلاصة أن اختيار أبي حيان لم يؤيده فيه أحد، بل أنه هو نفسه حكى اختيار الجمهور لحمل الآية على الاستعارة(1)، وهو ما دل عليه السياق كما مرّ آنفاً، فإن " مراعاة السياق هو المقصود "(2)، وقال الزركشي: " ليكن محط نظر المفسر مراعاة نظر الكلام الذي سيق له "(3).
__________
(1) البحر المحيط لأبي حيان (9/49).
(2) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/68).
(3) البرهان في علوم القرآن للزركشي (1/317).(1/271)
5- وأختم بفائدة عن البقاعي وفّق فيها بين المعنيين -من قال إن الآية على الاستعارة ويراد بها منع الذين لا يؤمنون من الإيمان في الدنيا، ومن قال إنها على الحقيقة ويراد بها الأغلال في الآخرة- بأن هذه الأغلال المذكورة في الآية هي في الدنيا تمثيل واستعارة لمنعهم عن الإيمان، وفي الآخرة أغلال حقيقية في أعناقهم؛ قال: " ((لا يؤمنون)) أي بما يلقى إليهم من الإنذار بل يزيدهم عمى استكباراً في الأرض ومكر السيء. ولما كان المعنى أنه لا يتجدد منهم إيمان بعد البيان الواضح والحكمة الباهرة، وكان ذلك أمراً عجباً، علله بما يوجبه من تمثيل حالهم تصويراً لعزته سبحانه وباهر عظمته الذي لفت الكلام إليه لإفهامه، وهذا الذي ذكر هو اليوم معنى ومثال وفي الآخرة ذات ظاهر، أنه ما انفك عنهم أصلاً وما زال، فقال: ((إنا جعلنا)) أي بمالنا من العظمة، وأكّده لما لهم من التكذيب ((في أعناقهم أغلالاً)) أي من ظلمات الضلالات لكل عنق غل، وأشار بالظرف إلى أنها من ضيقها لزت اللحم حتى تثنى على الحديد فكاد يغطيه فصار -والعنق فيه- كأنه فيها وهي محيطة به. ولما كان من المعلوم أن الحديد إذا وضع في العنق أنزله ثقله إلى المنكب، لم يذكر جهة السفل وذكر جهة العلو، فقال ((فهي)) أي الأغلال بعرضها واصلة بسبب هذا الجعل ((إلى الأذقان)) جمع ذقن وهو مجتمع اللحيين، فهي لذلك مانعة من مطأطأة الرأس. ولما كان هذا من رفع الرأس فعل المتكبر، وكان تكبرهم في غير موضعه، بين تعالى أنهم ملجأون إليه فهو ذلٌّ في الباطن وإن كان كبراً في الظاهر فقال ((فهم)) أي بسبب هذا الوصول ((مقمحون)) من أقمح الرجل إذا أقمحه غيره أي جعله قامحاً أي رافعاً رأسه غاضاً بصره لا ينظر إلا ببعض بصره هيئة المتكبر، وأصله من قولهم: قمح البعير إذا رفع رأسه عند الشرب ولم يشرب الماء "(1) والله أعلم بالصواب.
- - -
__________
(1) نظم الدرر للبقاعي (16/95).(1/272)
المراد بقوله تعالى { وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ &ûüخ7-B }
51- قوله تعالى: { إِنَّا نَحْنُ ؤس÷صçR 4'sAِqpRùQ$# وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا ِNèduچ"rO#uنur وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ &ûüخ7-B (12) } [سورة يس: 12].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن المراد بالإمام المبين: اللوح المحفوظ.
2- أو يراد به: صحف الأعمال(1).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أربعة أشياء:
الأول: أنه يُحيي الموتى مؤكداً ذلك متكلمً عن نفسه بصيغة التعظيم.
الثاني: أنه يكتب ما قدموه في دار الدنيا.
الثالث: أنه يكتب آثارهم.
الرابع: أنه أحصى كل شيء في إمام مبين، أي في كتاب بيّن واضح. وهذه الأشياء الأربعة جاءت موضحة في غير هذا الموضع... [ثم تناول بالتفصيل ذكر الآيات الدالة على كل واحد منها، إلى أن قال:]
__________
(1) ذكرهما ابن عطية في المحرر الوجيز (12/280).(1/273)
وأما الرابع: وهو قوله تعالى: ((وكل شيء أحصيناه في إمام مبين)) فقد تدل عليه الآيات الدالة على الأمر الثاني، وهو كتابه جميع الأعمال التي قدموها(1)، بناء على أن المراد بذلك خصوص الأعمال.
وأما على فرض كونه عاماً فقد دلت عليه آيات أخر؛ كقوله تعالى: { وَأَحَاطَ بِمَا ِNخkِ‰y‰s9 وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا } [سورة الجن: 28]، وقوله تعالى: { مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ } [سورة الأنعام: 38] بناء على أن المراد بالكتاب اللوح المحفوظ، وهو أصح القولين -والعلم عند الله- "(2).
إذاً الشيخ الشنقيطي يرى أن المراد بالإمام المبين: اللوح المحفوظ.
الموافقون:
__________
(1) عندما ذكر الأمر الثاني قال: وأما الثاني: هو كونه يكتب ما قدموه في دار الدنيا؛ فقد جاء في آيات كثيرة، كقوله تعالى: { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا ِNخkِ‰y‰s9 يَكْتُبُونَ (80) } [سورة الزخرف: 80]، وقوله تعالى: { هَذَا $sYç6"tFد. يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) } [سورة الجاثية: 29]، وقوله تعالى: { وَكُلَّ إِنْسَانٍ çm"sYّBu"ّ9r& طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ كlحچّƒéUur لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) ù&uچّ%$# كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ $Y7ٹإ،xm (14) } [سورة الإسراء: 13-14]، وقوله تعالى: { وَوُضِعَ الْكِتَابُ "uژyIsù tûüدBحچôfكJّ9$# مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ $sYtGn=÷ƒuq"tƒ مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا } [سورة الكهف: 49]، وقوله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) } [سورة ق: 18]. انظر: أضواء البيان (6/655).
(2) أضواء البيان للشنقيطي (6/654-656).(1/274)
كثير من المفسرين ذهبوا إلى تفسير الإمام المبين بأنه اللوح المحفوظ، منهم:
1- الواحدي(1). ... ... 2- البغوي(2). ... ... ... 3- النسفي(3).
4- ابن الجوزي(4). ... ... 5- الفخر الرازي(5). ... ... 6- الخازن(6).
7- البيضاوي(7). ... ... 8- المحلي(8). ... ... ... 9- أبوالسعود(9).
10- الألولسي(10).
11- 12- أما ابن القيم(11) والسعدي(12) فاعتبرا عند تفسيرهما للآية أن " اللوح المحفوظ وأم الكتاب " لفظان مترادفان يفسر بهما الإمام المبين.
... ولم أجد مَنْ رجّح القول الآخر، إلاّ أن عدداً من المفسرين عند بيانهم لمعنى الإمام المبين يذكرون القولين معاً؛ فيقولون " قيل: هو اللوح المحفوظ، وقيل: صحائف الأعمال "، منهم:
1- ابن عطية(13). ... ... 2- القرطبي(14). ... ... 3- ابن جزي(15).
4- أبوحيان(16). ... ... 5- الثعالبي(17). ... ... 6- الشوكاني(18)
7- القنوجي(19).
تعقيب الباحث:
... يظهر -والله أعلم- أن الراجح في معنى ((إمام مبين)) أن يراد به اللوح المحفوظ، والذي هو اختيار الشنقيطي وموافقيه، وذلك لأمور:
__________
(1) الوجيز للواحدي (2/897).
(2) مختصر البغوي (2/775).
(3) مدارك التنزيل للنسفي (4/3).
(4) زاد المسير لابن الجوزي (6/265).
(5) التفسير الكبير للفخر الرازي (8/259).
(6) لباب التأويل للخازن (6/4).
(7) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/149).
(8) تفسير الجلالين ص(369).
(9) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/495).
(10) روح المعاني للألولسي (22/219).
(11) بدائع التفسير (3/477).
(12) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(693).
(13) المحرر الوجيز لابن عطية (12/280).
(14) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (15/13).
(15) التسهيل لابن جزي (3/352).
(16) البحر المحيط لأبي حيان (9/52).
(17) جواهر الحسان للثعالبي (4/4).
(18) فتح القدير للشوكاني (4/351).
(19) فتح البيان للقنوجي (11/276).(1/275)
1- استناداً إلى قاعدة: إذا دار الكلام بين التأسيس والتأكيد فحمله على التأسيس أولى(1)، فإذا فسّر الإمام المبين بصحف الأعمال كان فيه تكرار لما ذكره في قوله ((ونكتب ما قدموا))، وأما إذا فسّر بأنه اللوح المحفوظ أفاد معنى جديداً في الآية، وحمله عليه أوْلى.
2- كثرة القائلين بهذا القول يشبه إجماعهم عليه، وإن لم يصرّح أحد من المفسرين بهذا.
3- عدم وجود مخالف بحيث إنه لم يوجد أحد من المفسرين لا قديماً ولا حديثاً رجّح القول الآخر الوارد في معنى الآية.
4- وإن كان كلا القولين قد دلت عليه آيات فتساويا من هذه الناحية، إلا أن حمل المعنى على أنه اللوح المحفوظ أرجح لما ذكرته في النقاط الثلاث السابقة. والله أعلم بالصواب.
- - -
المراد بالصافات والزاجرات والتاليات
52- قوله تعالى: { وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) دN¨uچإ_¨¨"9$$sù #Xچô_y- (2) دM"uٹد="G9$$sù ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ س‰دn¨uqs9 (4) رَبُّ دN¨uq"yJ،،9$# وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ ة-حچ"t±yJّ9$# (5) } [سورة الصافات: 1-5].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
... اختلف العلماء في المراد بالصافات والزاجرات والتاليات المذكورة في هذه الآيات من سورة الصافات؛ على أقوال:
1- أن المراد بها جميعاً الملائكة التي تصف في السماء صفوفاً لعبادة الله - عز وجل - (2).
2- أن المراد بالصافات الطير تصفّ أجنحتها في الهواء.
3- أن المراد بالصافات جماعات المسلمين يصفون في مساجدهم للصلاة، ويصفّون في غزوهم عند لقاء العدو.
4- ويراد بالزاجرات زجراً، والتاليات ذكراً: جماعات العلماء العاملين يلقون آيات الله على الناس، ويزجرون عن معاص الله - عز وجل - بآياته ومواعظه التي أنزلها على رسله.
__________
(1) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (2/473).
(2) التسهيل لابن جزي (3/366).(1/276)
5- أو يراد بالزاجرات زجراً: جماعات الغزاة يزجرون الخيل، لتسرع إلى الأعداء(1).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " أكثر أهل العلم على أن المراد بالصافات هنا، والزاجرات والتاليات: جماعات الملائكة، وقد جاء وصف الملائكة بأنهم صافون، وذلك في قوله تعالى عنهم: { وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166) } [سورة الصافات: 165-166]، ومعنى كونهم صافين: أن يكونوا صفوفاً متراصين بعضهم جنب بعض في طاعة الله تعالى، من صلاة وغيرها. وقيل: لأنهم يصفون أجنحتهم في السماء، ينتظرون أمر الله - عز وجل - ... وقد جاء في بعض الآيات ما يدل على أنهم يلقون الذكر على الأنبياء؛ لأجل الإعذار والإنذار به، كقوله تعالى: { فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6) } [سورة المرسلات: 5-6]، فقوله: ((فالملقيات ذكرا)) كقوله هنا ((فالتاليات ذكراً))، لأن الذكر الذي تتلوه تلقيه إلى الأنبياء كما كان جبريل - عليه السلام - ينزل بالوحي على نبينا وغيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه على الجميع... وقوله في هذه الآية (فالزاجرات زجراً)) الملائكة تزجر السحاب، وقيل: تزجر الخلائق عن معاص الله - عز وجل - بالذكر الذي تتلوه وتلقيه إلى الأنبياء.
وممن قال بأن الصافات والزاجرات والتاليات في أول هذه السورة الكريمة هي جماعات الملائكة: ابن عباس، وابن مسعود، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة؛ كما قاله القرطبي وابن كثير وغيرهما، وقدمنا أنه قول أكثر أهل العلم.
__________
(1) الأقوال من (2) إلى (5) ذكرها بالترتيب المذكور الشنقيطي في أضواء البيان (6/672).(1/277)
وقال بعض أهل العلم: الصافات في الآية الطير تصف أجنحتها في الهواء، واستأنس لذلك بقوله تعالى: { أَوَلَمْ (#÷ruچtƒ إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا ك`"uH÷qچ9$# } [سورة الملك: 19]، وقوله تعالى: { أَلَمْ uچs? أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي دN¨uq"uK،،9$# وَالْأَرْضِ مژِچ©ـ9$#ur صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ zNد=tو صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ } [سورة النور: 41].
وقال بعض العلماء: المراد بالصافات جماعات المسلمين يصفون في مساجدهم للصلاة، ويصفون في غزوهم عند لقاء العدو، كما قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي ¾د&ح#خ6y™ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4) } [سورة الصف: 4].
وقال بعض العلماء أيضاً المراد بالزاجرات زجراً، والتاليات ذكراً: جماعات العلماء العاملين يلقون آيات الله - عز وجل - على الناس، ويزجرون عن معاص الله - عز وجل - بآياته ومواعظه التي أنزلها على رسله.
وقال بعضهم: المراد بالزاجرات زجراً: جماعات الغزاة يزجرون الخيل لتسرع إلى الأعداء. والقول الأول أظهر وأكثر قائلا "(1).
إذاً الشيخ الشنقيطي يرى أن المراد بالصافات والزاجرات والتاليات هنا في سورة الصافات؛ جماعات الملائكة.
الموافقون:
... جمهور من أئمة التفسير من السلف والخلف فسّروا الصافات والزاجرات والتاليات بأنه يراد بها الملائكة عليهم السلام، أذكر كلام البعض وأشير إلى البقية، فمنهم:
1- الإمام الطبري: "... والذي هو أولى بتأويل الآية عندنا ما قال مجاهد ومن قال هم الملائكة، لأن الله تعالى ذكره ابتدأ القسم بنوع من الملائكة وهم الصافون بإجماع من أهل التأويل، فلأن يكون الذي بعده قسماً بسائر أصنافهم أشبه "(2).
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (6/671-673).
(2) جامع البيان للطبري (23/23).(1/278)
2- ابن جزي: " ((والصافات صفاً)) تقديره والجماعات الصافات، ثم اختلف فيها؛ فقيل: هي الملائكة التي تصفّ في السماء صفوفاً لعبادة الله. وقيل: هو من يصفّ من بني آدم في الصلوات والجهاد. والأول أرجح؛ لقوله -حكاية عن الملائكة- { وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) } [سورة الصافات: 165]. ((فالزاجرات زجراً)) هي الملائكة تزجر السحاب وغيرها... ((فالتاليات ذكراً)) هي الملائكة تتلو القرآن والذكر... "(1).
3- المحلي: " ((والصافات صفاً)) الملائكة تصفّ نفوسها في العبادة، أو أجنحتها في الهواء تنتظر ما تؤمر به: ((فالزاجرات زجراً)) الملائكة تزجر السحاب أي تسوقه. ((فالتاليات)) أي قراءة القرآن يتلونه ((ذكراً)) مصدر من معنى التاليات "(2).
__________
(1) التسهيل لابن جزي (3/366).
(2) تفسير الجلالين ص(374).(1/279)
4- البقاعي: " لما كان الانفراد بالملكوت لا يكون إلا مع الوحدانية بالذات، وفي ذلك استحقاق الاختصاص بالإلهية، وكان ذلك -مع أنه بحيث لا يخفى على ذي لب- عندهم في غاية البعد، ولذلك لا يسلمون ما يتعلق بالملكوت وينكرونه غاية الإنكار، ناسب أن يقسم عليه، ولما كان من البلاغة أن يناسب بين القسم والمقسم عليه، وكان الاصطفاف دالاً على اتحاد القصد كما في صفوف القتال والصلاة، وكان الملائكة لا قصد لهم إلا الله - عز وجل - من غير عائق عن ذلك فكانوا أحق الخلق بالاصطفاف، تارة للصلاة، وتارة للتسبيح والتقديس، وتارة لتدبير الأرزاق، وتارة لتعذيب أهل الشقاق، إلى غير ذلك من الأمور التي لا تسعها الصدور، وكانوا بعد زجرة الإماتة ثم زجرة الإحياء المصرح بهما في السورة الماضية(1)، ثم زجرتي الصعق والإفاقة الآتيتين في الزمر(2) حين تشقق السماء بالغمام وتكون وردة كالدهان، وتنفطر بسطوة المليك الديان، ويتكرر ما فيها من أجرام ومعان؛ تنزل ملائكة كل سماء فتصير صفاً مستديراً، ملائكة الأولى حول الأرض، وملائكة الثانية حول ملائكة الأولى وهكذا..
__________
(1) المذكورة في قوله تعالى: { مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً Zoy‰دn¨ur تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى ِNخgد=÷dr& يَرْجِعُونَ (50) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) } [سورة يس: 49-51].
(2) المذكورة في قوله تعالى: { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي دN¨uq"yJ،،9$# وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ 3"uچ÷zé& فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) } [سورة الزمر: 68].(1/280)
ثم يصيرون إذا قيل { يَا مَعْشَرَ اd`إgù:$# وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ دN¨uq"yJ،،9$# وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا } [سورة الرحمن: 33] فماج العباد بعضهم في بعض من شدة الزحام، وطول القيام، كلما مالوا على جهة من جهاتهم زجروهم زجراً ردوهم به عن النفوذ، وصدوهم عن النفور، تالين من كلام الملك العلام ما يليق بذلك الوقت في ذلك المقام... "(1).
5- الشوكاني: " والمراد بـ ((الصافات)) التي تصفّ في السماء من الملائكة كصفوف الخلق في الدنيا... وقيل: المراد بالصافات هنا الطير؛ كما في قوله: { أَوَلَمْ (#÷ruچtƒ إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ } [سورة الملك: 19]. والأول أولى.. والمراد بـ (الزاجرات) فاعلات للزجر من الملائكة.. وقال قتادة: المراد بالزاجرات الزواجر من القرآن... والأول أولى... والمراد بـ (التاليات ذكراً) الملائكة التي تتلو القرآن "(2).
6- المراغي: " الصافات: هم الملائكة يقفون صفوفاً لكل واحد منهم مرتبة معينة في الشرف والفضيلة. والزاجرات زجراً: أصل الزجر الدفع عن الشيء بتسلط وصياح ثم استعمل في السَّوْق والحث على الشيء، وفي المنع والنهي، والمراد بها هنا الملائكة لأن لهم تأثيراً في قلوب بني آدم بزجرهم عن المعاصي وإلهامهم فعل الخير. والتاليات ذكراً: هم الملائكة يجيئون بالكتب من عند الله - عز وجل - إلى أنبيائه "(3).
__________
(1) نظم الدرر للبقاعي (16/186).
(2) فتح القدير للشوكاني (4/373-374).
(3) تفسير المراغي (23/42).(1/281)
7- السعدي -بعد ذكر الآيات- قال: " هذا قسم منه تعالى بالملائكة الكرام، في حال عبادتهم وتدبيرها ما تدبره بإذن ربها، على ألوهيته تعالى وربوبيته، فقال ((والصافات صفاً)) أي: صفوفاً في خدمة ربهم، وهم الملائكة. ((الزاجرات زجراً)) وهم الملائكة، يزجرون السحاب وغيره بأمر الله - عز وجل - . ((فالتاليات ذكراً)) وهم الملائكة الذي يتلون كلام الله تعالى "(1).
وكذلك فسّرها بأن المراد الملائكة كل من: الإمام النيسابوري(2)، وابن كثير(3)، والألوسي(4)، وسيد قطب(5).
ولا يوجد من المفسرين قديماً ولا حديثاً من رجّح قولاً مخالفاً لما ذهب إليه الموافقون، أمّا منْ لم يرجح بأن المراد الملائكة؛ ربما جمع الأقوال كلها أو بعضها عند تفسيره للآية -وقد سبق ذكر جميع الأقوال الواردة في الآية تحت مجمل الأقوال، وكذلك وردت في أثناء (ترجيح الشنقيطي)- فمن هؤلاء المفسرين:
1- الماوردي(6). ... ... 2- البغوي(7). ... ... ... 3- النسفي(8).
4- الزمخشري(9). ... ... 5- ابن عطية(10). ... ... 6- ابن الجوزي(11).
7- القرطبي(12). ... ... 8- الخازن(13). ... ... ... 9- أبوحيان(14).
10- البيضاوي(15). ... ... 11- القاسمي(16).
تعقيب الباحث:
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(700).
(2) إيجاز البيان للنيسابوري (2/147).
(3) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/2).
(4) روح لمعاني للألوسي (23/65).
(5) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/2982).
(6) النكت والعيون للماوردي (5/36).
(7) مختصر البغوي (2/783).
(8) مدارك التنزيل للنسفي (4/13).
(9) الكشاف للزمخشري (4/32).
(10) المحرر الوجيز لابن عطية (12/333).
(11) زاد المسير لابن الجوزي (6/286).
(12) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (15/62).
(13) لباب التأويل للخازن (6/15).
(14) البحر المحيط لأبي حيان (9/90).
(15) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/155).
(16) محاسن التأويل للقاسمي (14/5025).(1/282)
... بالنظر في ما قاله المفسرون في بيان المراد بالصافات والزاجرات والتاليات؛ يظهر -والله أعلم- أن الراجح هو أن يراد بها جميعاً الملائكة عليهم السلام، وذلك لأمور:
1- إجماع الجمهور على أن المراد بالصافات والزاجرات والتاليات الملائكة عليم السلام، وقد ذكرتُ تحت فقرة (الموافقون) عدداً من أئمة التفسير رجّحوا هذا القول. وقد حكى الإمام ابن الجوزي إجماع الجمهور عليه(1)، كما أن الشيخ الشنقيطي ذكر عدداً غير قليل من الصحابة والتابعين وأئمة التفسير قالوا به(2).
2- عدم وجود مخالف إطلاقاً، فإنه لم يوجد أحد من المفسرين رجح قولاً مخالفاً لما ذهب إليه الجمهور، وإنما من لم يرجح جمع الأقوال كلها أو بعضها عند تفسير الآيات -وقد مر معنا قريباً ذكر عدد منهم-.
3- استناداً على قاعدة توحيد مرجع الضمائر في السياق الواحد(3)، فإن الأولى والأفضل والأحسن في سياق الآيات أن يراد بها جميعها الملائكة وهذا أوْلى من جعل كل صفة تكون لموصوف معين وقد صرح الإمام الطبري بهذا حيث قال: "... والذي هو أولى بتأويل الآية عندنا ما قاله مجاهد ومن قال هم الملائكة، لأن الله تعالى ذكره ابتدأ القسم بنوع من الملائكة وهم الصافون بإجماع من أهل التأويل، فلأن يكون الذي بعده قسماً بسائر أصنافهم أشبه "(4). والله أعلم بالصواب.
- - -
المراد بالأزواج في قوله تعالى { (#rمژà³ôm$# الَّذِينَ ظَلَمُوا ِNكgy_¨urّ-r&ur... }
53- قوله تعالى: { * (#rمژà³ôm$# الَّذِينَ ظَلَمُوا ِNكgy_¨urّ-r&ur وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى إق¨uژإہ ثLىإspgù:$# (23) } [سورة الصافات: 22-23].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
__________
(1) زاد المسير لابن الجوزي (6/286).
(2) أضواء البيان للشنقيطي (6/672).
(3) الإتقان للسيوطي (1/509)، وقواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (2/613).
(4) جامع البيان للطبري (23/23).(1/283)
... اختلف المفسرون في المراد بقوله تعالى ((وأزواجهم)) على أقوال:
1- أشباههم ونظراءهم وأمثالهم، فعابد الوثن مع عابد الوثن، والزاني مع الزاني، وصاحب الخمر مع صاحب الخمر، واليهودي مع اليهود وهكذا...(1).
2- نساؤهم اللاتي على دينهم(2).
3- قرناؤهم من الشياطين(3).
4- أشياعهم وأتباعهم(4). وهذا القول يدخل بصورة كبيرة تحت القول الأول؛ لأن الأشياع والأتباع يماثلون متبوعيهم.
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " وقوله تعالى: ((وأزواجهم)) جمهور أهل العلم منهم عمر وابن عباس؛ على أن المراد به أشباههم ونظراءهم، فعابد الوثن مع عابد الوثن، والسارق مع السارق، والزاني مع الزاني، واليهودي مع اليهودي، والنصراني مع النصراني، وهكذا... وإطلاق الأزواج على الأصناف مشهور في القرآن وفي كلام العرب؛ كقوله تعالى: { وَالَّذِي خَلَقَ yl¨urّ-F{$# كُلَّهَا } [سورة الزخرف: 12]، وقوله تعالى: { سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ yl¨urّ-F{$# كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا tbqكJn=÷ètƒ (36) } [سورة يس: 36]، وقوله تعالى: { $sYô_uچ÷zr'sù بِهِ %[`¨urّ-r& مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى } [سورة طه: 53]، وقوله تعالى: { وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ %[`¨urّ-r& مِنْهُمْ } [سورة طه: 131] إلى غير ذلك من الآيات.
فقوله تعالى: (( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم)) أي اجمعوا الظالمين وأشباههم ونظراءهم، فاهدوهم إلى النار ليدخلها جميعهم. وبذلك تعلم أن قول من قال: المراد بأزواجهم نساؤهم اللاتي على دينهم خلاف الصواب "(5).
__________
(1) زاد المسير لابن الجوزي (6/291)، أضواء البيان للشنقيطي (6/681).
(2) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/156).
(3) تفسير الجلالين ص(475).
(4) النكت والعيون للماوردي (5/43)، نظم الدرر للبقاعي (16/208).
(5) أضواء البيان للشنقيطي (6/681).(1/284)
الموافقون:
ذهب إلى مثل ما ذهب إليه الشنقيطي من أن المراد بـ ((أزواجهم)): أشباههم ونظراءهم وأمثالهم، عدد من المفسرين، منهم:
1- الإمام الطبري: " ((احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم)) وفي هذا الكلام متروك استغنى عنه بدلالة ما ذكر عمّا ترك؛ وهو فيقال احشروا الذين ظلموا، ومعنى ذلك اجمعوا الذين كفروا بالله في الدنيا وعصوه، و ((أزواجهم)) وأشياعهم على ما كانوا عليه من الكفر بالله وما كان يعبدون من دون الله من الآلهة "(1).
2- النيسابوري: " ((وأزواجهم)) أشباههم، يحشر الزاني مع الزاني "(2).
3- السعدي: " ((وأزواجهم)) الذين من جنس عملهم، كل يُضم إلى من يجانسه في العمل "(3).
وبنحو ذلك قال كل من الإمام ابن كثير(4)، والمراغي(5)، وسيد قطب(6).
المخالفون:
... لم أجد من رجّح قولاً مخالفاً صراحة بحيث يقول إنه هو الراجح أو أن ما عداه ليس صواباً؛ إنما ذكر الإمام الواحدي(7)، والمحلي(8)، عند بيان المراد بـ ((أزواجهم)) أي: قرناءهم من الشياطين.
... أما الكثرة الكاثرة من المفسرين فيوردون جميع الأقوال أو معظمها في التفسير على اعتبار جميعها معنىً للآية، أذكر أقوال بعضهم وأشير إلى البقية:
1- الإمام النسفي: " ((وأزواجهم)) أي وأشباههم وقرناءهم من الشياطين أو نساءهم الكافرات "(9).
__________
(1) جامع البيان للطبري (23/31).
(2) إيجاز القرآن للنيسابوري (2/148).
(3) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(701).
(4) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/4).
(5) تفسير المراغي (23/50).
(6) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/2986).
(7) الوجيز للواحدي (2/908).
(8) تفسير الجلالين ص(375).
(9) مدارك التنزيل للنسفي (4/!5).(1/285)
2- الخازن: " ((وأزواجهم)) أي أشباههم وأمثالهم فكل طائفة مع مثلها فأهل الخمر مع أهل الخمر، وأهل الزنا مع أهل الزنا. وقيل: أزواجهم أي قرناءهم من الشياطين يقرن كل كافر مع شيطانه في سلسلة. وقيل: أزواجهم المشركات "(1).
3- ابن تيمية: " ((احشروا الذين ظلموا وأزواجهم)) أي عشراءهم وقرناءهم وأشباههم ونظراءهم "(2).
4- البيضاوي: " ((وأزواجهم)) وأشباههم عابد الصنم مع عبدة الصنم، وعابد الكوكب مع عبدته، كقوله تعالى: { وَكُنْتُمْ %[`¨urّ-r& ثَلَاثَةً (7) } [سورة الواقعة: 7]. أو نساءهم اللاتي على دينهم. أو قرناءهم(3) من الشياطين "(4).
5- البقاعي: " ((وأزواجهم)) أي أتباعهم الذين استنّوا بهم في ذلك الضرب من الظلم وأشباههم فيه من الجن وغيرهم ومن أعانهم ولو بشطر كلمة أو رضي فعلهم لتصير كل طائفة على حدة فيصير بعضهم يبكّت بعضاً، وبعضهم يشتم بعضاً "(5).
__________
(1) لباب التأويل للخازن (6/17).
(2) مجموع الفتاوى لابن تيمية (15/315).
(3) في الأصل (قرأناهم) ولعله خطأ مطبعي.
(4) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/156).
(5) نظم الدرر للبقاعي (16/208).(1/286)
6- ابن عاشور: " والأزواج ظاهره أن المراد به حلائلهم، وتأويله أنهن الأزواج الموافقات لهم في الإشراك، أما من آمن فهن ناجيات من تبعات أزواجهن، وهذا كذكر أزواج المؤمنين في قوله تعالى: { ِNèd ِ/àSم_¨urّ-r&ur 'خû @@"n=دك } [سورة يس: 56]، فإن المراد أزواجهم المؤمنات، فأطلق حملاً على المقيد في قوله: { `tBur yxn=|¹ ô`دB ِNخgح !$t/#uن ِNخgإ_¨urّ-r&ur َOخgدG"ƒحh'èŒur } [الرعد: 23، غافر: 8]، وذكر الأزواج إبلاغ في الوعيد والإنذار لئلا يحسبوا أن النساء المشركات لا تبعة عليهم. وذلك مثل تخصيصهن بالذكر في قوله تعالى: { "چçtù:$# حhچçtù:$$خ/ ك‰ِ6yèّ9$#ur د‰ِ7yèّ9$$خ/ 4سs\RW{$#ur 4سs\RW{$$خ/ } [سورة البقرة: 178]. وقيل: الأزواج الأصناف، أي أشياعهم في الشرك وفروعه؛ وعن الضحاك: الأزواج؛ المقارنون لهم من الشياطين "(1).
... وبأقوال مقاربة ومشابهة لأقوال مَنْ ذكرتُ جاء كلام كل من الإمام الماوردي(2)، والبغوي(3)، وابن عطية(4)، وابن الجوزي(5)، والفخر الرازي(6)، والقرطبي(7)، وابن جزي(8)، وأبي حيان(9)، وأبي السعود(10)، والشوكاني(11)، والألوسي(12)، وغيرهم.
تعقيب الباحث:
__________
(1) التحرير والتنوير لابن عاشور (23/101).
(2) النكت والعيون للماوردي (5/43).
(3) مختصر البغوي (2/785).
(4) المحرر الوجيز لابن عطية (12/344).
(5) زاد المسير لابن الجوزي (6/291).
(6) التفسير الكبير للفخر الرازي (9/328).
(7) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (15/73).
(8) التسهيل لابن جزي (3/370).
(9) البحر المحيط لأبي حيان (9/97).
(10) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/531).
(11) فتح القدير للشوكاني (4/378).
(12) روح المعاني للألولسي (23/79).(1/287)
... من خلال استعراض أقوال المفسرين في بيان المراد بلفظ (أزواجهم) في قوله تعالى: ((احشروا الذين ظلموا وأزواجهم...)) يظهر لي -والله أعلم- صحة حمل الآية على جميع المعاني الواردة، وذلك أن كل قول قد دلت عليه آيات في كتاب الله - عز وجل - ، ومعلوم أن تفسير القرآن بالقرآن في أعلى درجات أنواع التفسير(1)، وإذا كان ذلك كذلك فلا مانع من حمل الآية على الجميع(2). وسأعرض لك عزيزي القارئ الأدلة المرجحة لكل قول من الأقوال الواردة في بيان معنى الآية.
1- أما القول الأول وهو أن المراد بلفظ (أزواجهم) أشباههم وأمثالهم وأشياعهم؛ يدل عليه عدد من الآيات في القرآن الكريم، منها قوله تعالى: { ÷LنêYن.ur %[`¨urّ-r& ZpsW"n=rO اذب } [سورة الواقعة: 7], وقوله تعالى: { #sŒخ)ur â¨qàے'Z9$# ôMy_حirم- اذب } [سورة التكوير: 7] فدلت هاتان الآيتان صراحة أن الناس يحشرون في يوم القيامة أصنافاً، فكل واحد مع صنفه ونوعه، وعبّر عن الأصناف بعبارة التزاوج(3).
... يضاف إلى ذلك عدد من الآيات ورد فيها لفظ الأزواج بمعنى الأصناف والأنواع، كقوله تعالى: { z`"ysِ6ك™ "د%©!$# t,n=yz yl¨urّ-F{$# $yg¯=à2 $£JدB àMخ7/Yè? قعِ'F{$# ô`دBur َOخgإ،àےRr& $£JدBur ںw tbqكJn=÷ètƒ اجدب } [سورة يس: 36]، وقوله تعالى: { "د%©!$#ur t,n=yz yl¨urّ-F{$# $yg¯=ن. } [سورة الزخرف: 12] وغيرها من الآيات.
__________
(1) شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص(127)، قواعد التفسير لخالد السبت (1/109).
(2) فتح البيان للقنوجي (11/378).
(3) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(832، 912).(1/288)
2- القول الثاني وهو أن يراد بأزواجهم نساؤهم الكافرات؛ فقد وردت آيات تؤيد إرادة هذا المعنى، من ذلك قوله تعالى: { ِNèd ِ/àSم_¨urّ-r&ur 'خû @@"n=دك } [سورة يس: 56]، وقوله: { `tBur yxn=|¹ ô`دB ِNخgح !$t/#uن ِNخgإ_¨urّ-r&ur َOخgدG"ƒحh'èŒur } [سورة الرعد: 23، غافر: 8]. فإن كانت الصالحات من الأزواج يلحقن بأزواجهن المؤمنين في الجنة، فإن الأزواج الكافرات يحشرن مع أزواجهن الكفار في النار.
... وإذا كان من المعلوم في اللغة أن لفظة زوج يراد بها الذكر والأنثى في مقابلة بعضهما فيطلق على الرجل زوج وعلى المرأة زوج، إلا أنّ إرادة النساء خصوصاً بلفظ الزوج في القرآن الكريم قد وردت بها آيات تزيد على الثلاثين آية في مواضيع مختلفة، منها قوله تعالى: { tûïد%©!$#ur tbِq©ùuqtFمƒ ِNن3ZدB tbrâ'xtƒur %[`¨urّ-r& z`َء/uژyItƒ... } [سورة البقرة: 234]، وقوله تعالى: { ÷bخ)ur مN?ٹu'r& tA#y‰ِ7دGَ™$# 8l÷ry- ڑc%x6¨B 8l÷ry- َOçF÷ s?#uنur £`كg1y‰÷nخ) #Y'$sـZد% } [سورة النساء: 20]، وقوله تعالى: { tbqè?ù's?r& tb#uچّ.-%!$# z`دB tûüدJn="yèّ9$# اتدخب tbrâ'xs?ur $tB t,n=yz ِNن3s9 Nن3ڑ/u' ô`دiB Nن3إ_¨urّ-r& ِ@t/ ِNçFRr& îPِqs% ڑcrكٹ%tو اتددب } [سورة الشعراء: 165-166]. وغيرها من الآيات.
... وعليه فلا مانع أن يراد بلفظ (أزواجهم) في آية الصافات التي نحن بصددها، النساء الكافرات الموافقات لأزواجهن على الكفر.
3- والقول الثالث وهو أن يكون المعنى: قرناؤهم من الشياطين، فقد دلت الآيات على عدم تقصير الشياطين في إغواء إخوانهم الكفرة، وذلك في قوله تعالى:
{(1/289)
ِNكgçR¨uq÷zخ)ur ِNهktXr'‰كJtƒ 'خû ؤcسxِّ9$# ¢OèO ںw tbrمژإاّ)مƒ اثةثب } [سورة الأعراف: 202] ودلت على اشتراك هؤلاء الشياطين القرناء مع الكفرة في العذاب، في قوله تعالى: { #س®Lxm #sŒخ) $tRuن!%y` tA$s% |Mّn="tƒ سة_ّٹt/ y7uZ÷ t/ur y‰÷èç/ بû÷üs%خژô³yJّ9$# }ّOخ7sù كûïحچs)ّ9$# اجرب `s9ur مNà6yèxےZtƒ tPِquّ9$# Œخ) َOçFôJn=Oك ِ/ن3¯Rr& 'خû ة>#xyèّ9$# tbqن.خژyIô±مB اجزب } [سورة الزخرف: 38-39]، فاشتراكهم في العذاب يعني حشرهم معاً.
... وخلاصةً أعيد ما ذكرته بدايةً من صحة حمل الآية على جميع المعاني الواردة فيها. والله أعلم بالصواب.
- - -
المراد بالعزة في قوله تعالى: { ب@t/ tûïد%©!$# (#rمچxےx. 'خû ;o¨"دم 5... }
54- قوله تعالى: { ب@t/ tûïد%©!$# (#rمچxےx. 'خû ;o¨"دم 5-$s)د©ur اثب } [سورة ص: 2].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
... وردت عن المفسرين أقوال عدة في بيان المراد بالعزة في هذه الآية، منها:
1- العزة: الحمية والاستكبار عن قبول الحق(1).
2- العزة: التكبر(2).
3- عزة: منعة(3).
4- عزة: المعازة والمغالبة(4).
5- عزة: امتناع من الدين(5).
6- عزة: التعظيم وما يعتقده الإنسان في نفسه من الأحوال التي تمنعه من متابعة الغير(6).
7- عزة: إباء من الحق وإعجاب بالنفس(7).
ترجيح الشنقيطي:
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/13).
(2) التسهيل لابن جزي (3/389).
(3) إيجاز البيان للنيسابوري (2/156).
(4) المحرر الوجيز لابن عطية (12/416).
(5) الوجيز للواحدي (2/918).
(6) التفسير الكبير للفخر الرازي (9/366).
(7) التحرير والتنوير لابن عاشور (23/205).(1/290)
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " وقوله تعالى هنا ((في عزة)) أي في حمية واستكبار عن (1) قبول الحق، وقد بين جل وعلا في سورة البقرة أن من أسباب أخذ العزة المذكورة بالإثم للكفار أمرهم بتقوى الله - عز وجل - ، وبين أن تلك العزة التي هي الحمية والاستكبار عن قبول الحق من أسباب دخولهم جهنم، وذلك في قوله عن بعض الكفار الذين يظهرون غير ما يبطنون { #sŒخ)ur ں@ٹد% م&s! ب,¨?$# ©!$# çmّ?xs{r& نo¨"دèّ9$# ةOّOM}$$خ/ ¼çmç7َ،yssù مL©èygy_ }ّOخ6s9ur كٹ$ygدJّ9$# اثةدب } [سورة البقرة: 206].
... والظاهر أن وجه إطلاق العزة على الحمية والاستكبار: أن من اتصف بذلك كأنه ينزل نفسه منزلة الغالب القاهر، وإن كان الأمر ليس كذلك، لأن أصل العزة في لغة العرب الغلبة والقهر، ومنه قوله تعالى: { !ur نo¨"دèّ9$# ¾د&د!qك™uچد9ur ڑْüدZدB÷sكJù=د9ur } [سورة المنافقون: 8]. والعرب يقولون: من عزّ بزّ، يعنون من غلب استلب، ومنه قول الخنساء:
كأن لم يكونوا حمى يحتشى ... ... إذ الناس إذ ذاك من عز بزاً (2)
... وقوله تعالى عن الخصم الذين تسوروا على داود - عليه السلام - { 'دT¨"tمur 'خû ة>$sـدƒù:$# } [سورة ص: 23] أي غلبني وقهرني في الخصومة.
__________
(1) في الأصل (عند) ولعله خطأ مطبعي ويظهر أن الصحيح ما أثبته بدليل ما سيذكره بعد قليل.
(2) البيت في ديوان الخنساء في قصيدة لها مطلعها:
= ... ... ... تعرّقني الدهر نهساً وحزّا ... ... وأوجعني الدهر قرعاً وغمزا
... وهناك اختلاف في البيت المذكور (يتقى) بدل (يحتشى). والخنساء: هي تماضر بنت عمرو السلمية، الشاعرة التي غلبت الفحول في الجاهلية، أسلمت وحسن إسلامها توفيت عام 24هـ.(1/291)
والدليل من القرآن الكريم على أن العزة التي أثبتها الله - عز وجل - للكفار في قوله (بل الذين كفروا في عزة)) وقوله ((أخذته العزة بالإثم)) ليست هي العزة التي يراد بها القهر والغلبة بالفعل؛ أن الله - عز وجل - خص بهذه العزة المؤمنين دون الكافرين والمنافقين، وذلك في قوله تعالى: { tbqن9qà)tƒ ûبُs9 !$sY÷èy_' 'n<خ) دpsYƒد‰yJّ9$# ئy_حچ÷‚مs9 -"tمF{$# $pk÷]دB OAsŒF{$# !ur نo¨"دèّ9$# ¾د&د!qك™uچد9ur ڑْüدZدB÷sكJù=د9ur } [سورة المنافقون: 8].
ولذلك فسرها علماء التفسير بأنها هي: الحمية والاستكبار عن قبول الحق "(1).
فالشيخ الشنقيطي إذاً يرى أن العزة في آية سورة ص هنا يراد بها: الحمية والاستكبار عن قبول الحق.
الموافقون:
... وهم الذين فسّروا العزة بنفس الألفاظ التي ذكرها الشنقيطي أو ما يقرب منها جداً، منهم:
1- الإمام الطبري: " وقوله ((بل الذين كفروا في عزة وشقاق)) يقول تعالى ذكره بل الذين كفروا بالله - عز وجل - من مشركي قريش في حمية ومشاقة وفراق لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وعداوة "(2).
2- ابن الجوزي: " العزة: الحميّة والتكبر عن الحق. والشقاق: الخلاف والعداوة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - "(3).
3- القرطبي: " قوله تعالى: ((بل الذين كفروا في عزة)) أي في تكبر وامتناع من قبول الحق؛ كما قال جل وعز { #sŒخ)ur ں@ٹد% م&s! ب,¨?$# ©!$# çmّ?xs{r& نo¨"دèّ9$# ةOّOM}$$خ/ } [سورة البقرة: 206] "(4).
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/13).
(2) جامع البيان للطبري (23/76).
(3) زاد المسير لابن الجوزي (6/318).
(4) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (15/145).(1/292)
4- ابن كثير: " وقوله تبارك وتعالى ((بل الذين كفروا في عزة وشقاق)) أي إن هذا القرآن لذكر لمن يتذكر وعبرة لمن يعتبر، وإنما لم ينتفع به الكافرون لأنهم ((في عزة)) أي استكبار عنه وحمية ((وشقاق)) أي ومخالفة له ومعاندة ومفارقة"(1).
5- البقاعي: "... والذين كفروا وإن أظهروا الشك في ذلك وانتقصوه قولاً، فإنهم لا ينتقصونه علماً ((بل الذين كفروا)) بما يظهرون من تكذيبه ((في عزة)) أي عسر وصعوبة ومغالبة بحمية الجاهلية مظروفون لها، فهي معمية لهم عن الحق لإحاطتها بهم، وأنّثها إشارة إلى ضعفها وبشارة بسرعة زوالها وانقلابها إلى ذل ((وشقاق)) أي إعراض وامتناع واستكبار عن قبول الصدق من لسانَيْ الحال الذي أفصح به الوجود؛ والقال الذي صرّح به الذكر، فهداهم إلى ما هو في فطرهم وجبلاتهم بأرشق عبارة وأوضح لو كانوا يعقلون، فأعرضوا عن تدبره عناداً منهم لا اعتقاداً، فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون "(2).
6- الشوكاني: " ((بل الذين كفروا في عزة وشقاق)) فاضرب عن ذلك وكأنه قال: لا ريب فيه قطعاً [يعني القرآن]، ولم يكن عدم قبول المشركين له لريب فيه. بل هم في عزة عن قبول الحق، أي تكبّر وتجبّر. وشقاق: أي وامتناع عن قبول الحق "(3).
7- السعدي: " ((عزة وشقاق)) عزة وامتناع عن الإيمان به، واستكبار وشقاق له، أي مشاقة ومخاصمة في ردّه وإبطاله، وفي القدح بمن جاء به "(4).
... وبنحو ذلك وقريب منه جاءت عبارات كل من: الإمام النسفي(5)، والزمخشري(6)، والخازن(7)، ونظام الدين النيسابوري(8)،
__________
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/26).
(2) نظم الدرر للبقاعي (16/324).
(3) فتح القدير للشوكاني (4/405).
(4) تسير الكريم الرحمن للسعدي ص(709).
(5) مدارك التنزيل للنسفي (4/26).
(6) الكشاف للزمخشري (4/68).
(7) لباب التأويل للخازن (6/34).
(8) غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري (23/76).
... وهو: نظام الدين الحسن بن محمد بن الحسين النيسابوري، مفسر، له اشتغال بالحكمة والرياضيات، من مصنفاته (غرائب القرآن ورغائب الفرقان). توفي سنة (850هـ). الأعلام (2/216).(1/293)
والبيضاوي (1)، والمحلي(2)، وأبي السعود(3)، والشهاب في حاشيته(4) على البيضاوي، والألوسي(5)، والقنوجي(6)، والمراغي(7).
المخالفون:
... وهم الذين فسروا العزة بأي قول آخر من الأقوال التي ذكرتها في مجمل الأقوال، منهم:
1- الإمام الواحدي: " ((بل الذين كفروا في عزة)) امتناع من الدين ((وشقاق)) خلاف وعداوة "(8).
2- ابن عطية: " و ((العزة)) هنا: المعازّة والمغالبة، والشقاق نحوه، أي هم في شِقّ والحق في شِقّ "(9).
3- الفخر الرازي: "... والعزة ههنا التعظيم وما يعتقده الإنسان في نفسه من الأحوال التي تمنعه من متابعة الغير؛ لقوله تعالى: { #sŒخ)ur ں@ٹد% م&s! ب,¨?$# ©!$# çmّ?xs{r& نo¨"دèّ9$# ةOّOM}$$خ/ } [سورة البقرة: 206]. والشقاق هو إظهار المخالفة على جهة المساواة للمخالف أو على جهة الفضيلة عليه، وهو مأخوذ من الشق كأنه يرتفع عن أن يلزمه الانقياد له بل يجعل نفسه في شق وخصمه في شق، فيريد أن يكون في شقة نفسه ولا يجري عليه حكم خصمه "(10).
4- ابن جزي: "... والعزة: التكبر، والشقاق: العداوة وقصد المخالفة "(11).
__________
(1) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/162).
(2) تفسير الجلالين ص(380).
(3) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/559).
(4) حاشية الشهاب على البيضاوي (7/295).
(5) روح المعاني للألوسي (23/163).
(6) فتح البيان للقنوجي (12/11).
(7) تفسير المراغي (23/96).
(8) الوجيز للواحدي (2/918).
(9) المحرر الوجيز لابن عطية (12/416).
(10) التفسير الكبير للفخر الرازي (9/366).
(11) التسهيل لابن جزي (3/389).(1/294)
5- ابن عاشور: " والعزة تحوم إطلاقاتها في الكلام حول معاني المنَعَة والغلبة والتكبر، فإن كان ذلك جارياً على أسباب واقعة فهي العزة الحقيقية، وإن كان من غرور وإعجاب بالنفس فهي عزة مزورة، وهي هنا عزة باطلة أيضاً لأنها إباء من الحق وإعجاب بالنفس "(1).
... وكلام النيسابوري(2) والثعالبي(3)، والقاسمي(4) يشبه كلام بعض من ذكرت.
تعقيب الباحث:
... بمقارنة أقوال المفسرين في بيان المراد بالعزة هنا في سورة ص؛ يظهر -والله أعلم- أنه لا خلاف جوهري بينهم، حيث إن الخلاف فقط في الألفاظ التي عبّروا بها، وإلاّ فإن كلامهم كله يصب في معنى واحد، وهو أن الكفار أخذتهم حميّة الجاهلية واستكبروا عن قبول الحق الذي جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - متمثلاً في هذا القرآن الكريم، وبالطبع تكبرهم هذا ليس عن دوافع حقيقية تدعوهم إلى هذا التعزز والتكبر وإنما عن دوافع باطلة؛ لأن العزة الحقيقية لا تكون للكفار أبداً بدليل قوله تعالى: { !ur نo¨"دèّ9$# ¾د&د!qك™uچد9ur ڑْüدZدB÷sكJù=د9ur } [سورة المنافقون: 8]. فلذلك أقول: إن جميع الأقوال الواردة عن المفسرين في بيان قوله تعالى ((بل الذين كفروا في عزة وشقاق)) يصح حمل الآية عليها جميعها؛ لأن الخلاف بينهم في الألفاظ وكلهم يقصد نفس المعنى. والله أعلم بالصواب.
- - -
نوع النداء في قوله تعالى { (#ryٹ$sYsù... }
55- قوله تعالى: { ِ/x. $uZُ3n=÷dr& `دB Oخgد=ِ7s% `دiB 5bِچs% (#ryٹ$sYsù |Nںw¨r tûüدm <ة$uZtB اجب } [سورة ص: 3].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
... المفسرون ذكروا عدة أقوال عند تفسير النداء في قوله تعالى ((فنادوا ولات حين مناص))، هي:
__________
(1) التحرير والتنوير لابن عاشور (23/205).
(2) إيجاز البيان للنيسابوري (2/156).
(3) جواهر الحسان للثعالبي (4/30).
(4) محاسن التأويل للقاسمي (14/5076).(1/295)
1- أن يراد بالنداء استغاثتهم ودعاؤهم ليرفع عنهم العذاب(1).
2- أن يراد بالنداء توبتهم وإيمانهم بالله - عز وجل - (2).
3- أو يراد بالنداء مجرد رفع الصوت، يقال فلان أندى صوتاً من فلان أي أرفع صوتاً (3).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- في المسألة الثانية من المسائل التي ذكرها عند تفسيره للآية المذكورة: " وأما المسألة الثانية: وهي نداؤهم إذا أحسوا بأوائل العذاب، فقد ذكر تعالى في آيات من كتابه نوعين من أنواع ذلك النداء.
أحدهما: نداؤهم باعترافهم أنهم كانوا ظالمين، وذلك في قوله تعالى: { ِNx.ur $sYôJ|ءs% `دB 7ptƒِچs% ôMtR%x. ZpyJد9$sك $tRù't±Sr&ur $ydy‰÷èt/ $·Bِqs% ڑْïحچyz#uن اتتب !$£Jn=sù (#q ،xmr& !$uZy™ù't/ #sŒخ) Nèd $pk÷]دiB tbqàزن.ِچtƒ اتثب ںw (#qàزن.ِچs? (#ûqمèإ_ِ'$#ur 4'n<خ) !$tB ÷Lنêّùحچّ?é& دmدù ِNن3دZإ3"|،tBur ِNن3¯=yès9 tbqè=t"َ،è? اتجب (#qن9$s% !$uZn=÷ƒuq"tƒ $¯Rخ) $¨Zن. tûüدJد="sك اتحب $yJsù Ms9#y- y7ù=دo? ِNكg1uqôمyٹ 4س®Lxm ِNكg"uZù=yèy_ #´‰إءxm tûïد‰دJ"yz اتخب } [سورة الأنبياء: 11-15]، وقوله تعالى: { Nx.ur `دiB >ptƒِچs% $yg"uZُ3n=÷dr& $yduن!$yعsù $uZك™ù't/ $¹G"ut/ ÷rr& ِNèd ڑcqè=ح !$s% احب $yJsù tb%x. َOكg1uqôمyٹ ّŒخ) Nèduن!%y` !$uZك™ù't/ Hwخ) br& (#ûqن9$s% $¯Rخ) $¨Zن. tûüدHح>"sك اخب } [سورة الأعراف: 4-5].
__________
(1) الوجيز للواحدي (2/918).
(2) نظم الدرر للبقاعي (16/325).
(3) التفسير الكبير للفخر الرازي (9/366)، ولم يرجحه.(1/296)
الثاني: من نوعي النداء المذكور نداؤهم بالإيمان بالله - عز وجل - مستغيثين من ذلك العذاب الذي أحسوا أوائله، كقوله تعالى(1) { $£Jn=sù (#÷rr&' $uZy™ù't/ (#ûqن9$s% $¨ZtB#uن "!$$خ/ ¼çny‰÷nur $tRِچxےں2ur $yJخ/ $¨Zن. ¾دmخ/ tûüد.خژô³مB ارحب َOn=sù à7tƒ ِNكgمèxےZtƒ ِNهkك]"yJƒخ) $£Js9 (#÷rr&u' $uZy™ù't/ |M¨Yك™ "!$# سةL©9$# ô‰s% ôMn=yz 'خû ¾دnدٹ$t7دم uژإ£yzur y7د9$uZèd tbrمچدے"s3ّ9$# ارخب } [سورة غافر: 84-85]، وهذا النوع الأخير هو الأنسب والأليق بالمقام، لدلالة قوله ((ولات حين مناص)) عليه "(2).
... ويلاحظ أن الشيخ الشنقيطي ربط بين استغاثتهم لكشف ما نزل بهم من العذاب وبين إيمانهم بالله - عز وجل - ، فكأن الكفار لما نزل بهم العذاب أعلنوا إيمانهم بالله - عز وجل - وتوبتهم إليه، واستغاثوه أن يكشف عنهم العذاب لأنهم آمنوا، ولا ينفعهم ذلك. فمن جمع المعنيين فقد وافق.
الموافقون:
... وهم من جمع المعنيين (الاستغاثة أو الدعاء مع الإيمان أو التوبة) موافقون بذلك ما ذهب إليه الشنقيطي:
1- الإمام الطبري: " ((فنادوا)) يقول فعجوا إلى ربهم وضجوا واستغاثوا بالتوبة إليه حين نزل بهم بأس الله - عز وجل - وعاينوا عذابه فراراً من عقابه وهرباً من أليم عذابه. ((ولات حين مناص)) يقول وليس ذلك حين فرار ولا هرب من العذاب بالتوبة وقد حقت كلمة العذاب عليهم وتابوا حين لا تنفعهم التوبة واستقالوا في غير وقت الإقالة "(3).
2- القرطبي: " ((فنادوا)) أي: بالاستغاثة والتوبة "(4).
__________
(1) وكذلك قوله تعالى -عن فرعون- { #س®Lxm !#sŒخ) çmں2u'ôٹr& ن-uچtَّ9$# tA$s% àMZtB#uن ¼çm¯Rr& Iw tm"s9خ) wخ) ü"د%©!$# ôMuZtB#uن ¾دmخ/ (#ûqمZt/ ں@ƒدن¨uژَ خ) O$tRr&ur z`دB tûüدJد=َ،كJّ9$# } [سورة يونس: 90].
(2) أضواء البيان للشنقيطي (7/16).
(3) جامع البيان للطبري (23/76).
(4) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (15/145).(1/297)
3-4- وبمثل ذلك قال أبوحيان(1) وأبوالسعود(2).
المخالفون:
وهم الذين فسروا النداء بواحد من المعاني فقط، وهم على فئتين:
أ- من فسّره بأن يراد بالنداء الدعاء والاستغاثة، أي أن الكفار يدعون الله - عز وجل - ويستغيثونه أن يكشف عنهم العذاب، وقد ذكر هذا المعنى جمع غفير من المفسرين، منهم:
1- الإمام الواحدي(3). ... 2- البغوي(4). ... ... ... 3- النسفي(5).
4- الزمخشري(6). ... ... 5- ابن عطية(7). ... ... 6- الفخر الرازي(8).
7- الخازن(9). ... ... ... 8- نظام الدين النيسابوري(10).
9- ابن جزي(11). ... ... 10- الثعالبي(12). ... ... 11- الشوكاني(13).
12- الألوسي(14). ... ... 13- القنوجي(15). ... ... 14- القاسمي(16).
15- المراغي(17). ... ... 16- السعدي(18). ... ... 17- سيد قطب(19).
18- ابن عاشور(20).
ب- الفئة الثانية: من ذكر أن النداء يراد به نداؤهم بالإيمان والتوبة، ويمثل هذه الفئة الإمام البقاعي(21).
تعقيب الباحث:
__________
(1) البحر المحيط لأبي حيان (9/136).
(2) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/559).
(3) الوجيز للواحدي (2/918).
(4) مختصر البغوي (2/797).
(5) مدارك التنزيل للنسفي (4/26).
(6) الكشاف للزمخشري (4/68).
(7) المحرر الوجيز لابن عطية (12/416).
(8) التفسير الكبير للفخر الرازي (9/366).
(9) لباب التأويل للخازن (6/34).
(10) غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري (23/77).
(11) التسهيل لابن جزي (3/390).
(12) جواهر الحسان للثعالبي (4/30).
(13) فتح القدير للشوكاني (4/405).
(14) روح المعاني للألوسي (23/163).
(15) فتح البيان للقنوجي (12/11).
(16) محاسن التأويل للقاسمي (14/5077).
(17) تفسير المراغي (23/96).
(18) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(709).
(19) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/3007).
(20) التحرير والتنوير لابن عاشور (23/207).
(21) نظم الدرر للبقاعي (16/325).(1/298)
... يظهر -والله أعلم- أن هذا الموضع لا يكون فيه موافقون ومخالفون، فإن النداء المذكور في الآية يصح حمله على المعنيين الرئيسين (الأول والثاني في مجمل الأقوال)، وعليه يترجح ما ذهب إليه الشنقيطي وموافقوه، فإن نزول العذاب بالكفار يجعلهم يؤمنون بصدق ما جاءتهم به الرسل عليهم السلام، فيعلنوا إيمانهم بالله - عز وجل - في تلك اللحظات العصيبة، ويردفوه استغاثة لكشف ما حل بهم فإنهم -في نظرهم- لا يستحقون العذاب وقد آمنوا. ولا ينفعهم ذلك؛ لأن وقت نزول العذاب سواء الدنيوي أو الأخروي لا يقبل منهم فيه الإيمان، ووقت قبول الإيمان قد فات عليهم، فبالتالي لن ينظر في طلب كشف العذاب عنهم.. فالنداء في هذه الآية يصح أن يراد به الإيمان والتوبة، ويصح أن يراد به الاستغاثة والدعاء ويضاف إلى ذلك ما حصل من فرعون حين أدركه الغرق قال وهو يعلن إسلامه وإيمانه: { àMZtB#uن ¼çm¯Rr& Iw tm"s9خ) wخ) ü"د%©!$# ôMuZtB#uن ¾دmخ/ (#ûqمZt/ ں@ƒدن¨uژَ خ) } فرد الله تعالى عليه مبيناً فوات أوان الإيمان والتوبة { z`"t"ّ9!#uن ô‰s%ur |Mّٹ|ءtم م@ِ6s% |MZن.ur z`دB tûïد‰إ،ّےكJّ9$# ازتب } ، وأما القول الثالث في مجمل الأقوال؛ وهو أن النداء معناه رفع الصوت فهذا هو معناه اللغوي، والمستغيث يرفع صوته ويصيح ليذهب صوته بعيدا(1)، ولا مانع أن يراد هنا فإنه يزيد المعنى وضوحاً. والله أعلم بالصواب.
- - -
__________
(1) القاموس المحيط للفيروز آبادي ص(1724) باب الواو والياء، فصل النون، مختار الصحاح ص(653).(1/299)
معنى قوله تعالى { وَأَرْضُ اللَّهِ îpyèإ™¨ur }
56- قوله تعالى: { وَأَرْضُ اللَّهِ îpyèإ™¨ur } [سورة الزمر: 10].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن المراد بالآية حث على الهجرة إذا كان المسلم في مكانه لا يتمكن من إقامة شرائع الدين(1).
2- أن المراد بالأرض الواسعة: الجنة(2).
3- أو يراد بسعة الأرض سعة الأرزاق(3).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " الظاهر أن معنى الآية، أن الإنسان إذا كان في محل لا يتمكن فيه من إقامة دينه على الوجه المطلوب، فعليه أن يهاجر منه في مناكب أرض الله الواسعة حتى يجد محلاً يمكنه فيه إقامة دينه.
وقد أوضح تعالى هذا المعنى في غير هذا الموضع، كقوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي ِNخkإ¦àےRr& قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ (#ûqن9$s% أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ Zpyèإ™¨ur فَتُهَاجِرُوا فِيهَا } [سورة النسا: 97]، وقوله تعالى: { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ (#ûqمZtB#uن إِنَّ أَرْضِي ×pyèإ™¨ur }'"ƒخ*sù فَاعْبُدُونِ (56) } [سورة العنكبوت: 56]. ولا يخفى أن الترتيب بالفاء في قوله ((فإياي فاعبدون)) على قوله (إن أرضي واسعة) دليل واضح على ذلك "(4).
الموافقون:
جمهور المفسرين ذهبوا إلى أن هذه الآية يراد بها الحث على الهجرة من المكان الذي لا يتمكن فيه المسلم من إقامة شرائع الدين إلى حيث يمكنه ذلك، وهو ما ذهب إليه الشيخ الشنقيطي، أذكر كلام البعض وأشير إلى البقية، فمنهم:
__________
(1) فتح القدير للشوكاني (4/437).
(2) زاد المسير لابن الجوزي (7/8).
(3) النكت والعيون للماوردي (5/118).
(4) أضواء البيان للشنقيطي (7/47).(1/1)
1- الإمام الطبري: " وقوله ((وأرض الله واسعة)) يقول تعالى ذكره وأرض الله فسيحة واسعة فهاجروا من أرض الشرك إلى دار السلام "(1).
2- الواحدي: " ((وأرض الله واسعة)) فهاجروا فيها، واخرجوا من بين الكفار "(2).
3- النسفي: " ((وأرض الله واسعة)) أي لا عذر للمفرطين في الإحسان ألبتة حتى إن اعتلوا بأنهم لا يتمكنون في أوطانهم من التوفر على الإحسان، قيل لهم: فإن أرض الله واسعة وبلاده كثيرة فتحولوا إلى بلاد أخر، واقتدوا بالأنبياء والصالحين في مهاجرتهم إلى غير بلادهم ليزدادوا إحساناً إلى إحسانهم وطاعة إلى طاعتهم "(3).
4- ابن عطية: " ((وأرض الله)) يريد بها البلاد المجاورة التي تقتضيها القصة التي الكلام فيها، وهذا حضٌّ على الهجرة، ولذلك وصف الله - عز وجل - الأرض بالسَّعة "(4).
5- البقاعي: "... ولما كان ربما عرض للإنسان في أرض من يمنعه الإحسان، ويحمله على العصيان، حث سبحانه على الهجرة إلى حيث يزول عنه ذلك المانع، تنبيهاً على أن مثل هذا ليس عذراً في التقصير... "(5).
6- السعدي: " ((وأرض الله واسعة)) إذا منعتم من عبادته في أرض فهاجروا إلى غيرها، تعبدون فيها ربكم وتتمكنون من إقامة دينكم "(6).
__________
(1) جامع البيان للطبري (23/130).
(2) الوجيز للواحدي (2/930).
(3) مدارك التنزيل للنسفي (4/41).
(4) المحرر الوجيز لابن عطية (12/515). وكان قد ذكر قبل قليل من كلامه المذكور أن هذه الآية نزلت في جعفر بن أبي طالب وأصحابه حين عزموا على الهجرة إلى أرض الحبشة.
(5) نظم الدرر للبقاعي (16/472).
(6) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(720).(1/2)
7- سيد قطب: " ((وأرض الله واسعة)) فلا يقعد بكم حب الأرض، وإلف المكان، وأواصر النسب والقربي والصحبة في دارٍ عن الهجرة منها إذا ضاقت بكم في دينكم، وأعجزكم فيها الإحسان. فإن الالتصاق بالأرض في هذه الحالة مدخل من مداخل الشيطان، ولون من اتخاذ الأنداد لله في قلب الإنسان. وهذه لفتة قرآنية لطيفة إلى مداخل الشرك الخفية في القلب البشري.. "(1).
... وبنحو ألفاظ من ذكرتُ جاء كلام كل من: الإمام البغوي(2)، والزمخشري(3)، والفخر الرازي(4)، والقرطبي(5)، والخازن(6)، وابن جزي(7)، وأبي حيان(8)،و ابن كثير(9)، والبيضاوي(10)، والمحلي(11)، والثعالبي (12)،وغيرهم(13).
... ولا يوجد مخالف للموافقين في هذا الترجيح، وعليه أقول:
تعقيب الباحث:
... يظهر -والله أعلم- أن الآية يراد بها الحث على الهجرة إذا كان المسلم بمكان لا يتمكن فيه من إقامة شرائع الدين، وهو ما رجحه جمهور المفسرين ومنهم الشيخ الشنقيطي، يدل على ذلك أمور:
__________
(1) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/3043).
(2) مختصر البغوي (2/808).
(3) الكشاف للزمخشري (4/113).
(4) التفسير الكبير للفخر الرازي (9/431).
(5) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (15/240).
(6) لباب التأويل للخازن (6/58).
(7) التسهيل لابن جزي (3/419).
(8) البحر المحيط لأبي حيان (9/190).
(9) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/48).
(10) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/168).
(11) تفسير الجلالين ص(386).
(12) جواهر الحسان للثعالبي (4/51).
(13) كأبي السعود في إرشاد العقل السليم (4/603)، والشوكاني في فتح القدير (4/437)، والألوسي في روح المعاني (23/248)، والقنوجي في فتح البيان (12/91)، والقاسمي في محاسن التأويل (14/5132)، والمراغي في تفسيره (23/153)، وابن عاشور في التحرير والتنوير (23/354).(1/3)
1- أن سياق الآيات يدل على إرادة هذا المعنى الراجح، وقد صرح بدلالة السياق عليه الإمام ابن عطية بقوله: " ((وأرض الله)) يريد بها البلاد المجاورة التي تقتضيها القصة التي الكلام فيها "(1).
2- كذلك دلالة آيات أخرى من القرآن الكريم عليه تؤيد المعنى الراجح المراد من هذه الآية، منها قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي ِNخkإ¦àےRr& قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ (#ûqن9$s% أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ Zpyèإ™¨ur فَتُهَاجِرُوا فِيهَا } [سورة النساء: 97]. وقوله تعالى: { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ (#ûqمZtB#uن إِنَّ أَرْضِي ×pyèإ™¨ur }'"ƒخ*sù فَاعْبُدُونِ (56) } [سورة العنكبوت: 56]، وقد أشار إلى هذا الزمخشري(2) ونظام الدين النيسابوري(3)، وأبوحيان(4)، وابن كثير(5)، والشوكاني(6)، والقنوجي(7)،والشنقيطي(8).
3- كونه اختيار جمهور المفسرين، بدلالة كثرة القائلين به قديماً وحديثاً. وإجماع الجمهور على تفسير يقدمه على غيره(9).
__________
(1) المحرر الوجيز لابن عطية 012/515).
(2) الكشاف للزمخشري (4/113).
(3) غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري (23/119).
(4) البحر المحيط لأبي حيان (9/190).
(5) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/48).
(6) فتح القدير للشوكاني (4/437).
(7) فتح البيان للقنوجي (12/91).
(8) أضواء البيان للشنقيطي (7/46).
(9) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/288).(1/4)
4- عدم وجود من رجّح قولاً آخر غيره، فإنه مع ورود أقوال أخرى إلا أنه لم يجزم أحد باعتبارها معنى للآية، بل إن بعض من يذكر القول الراجح ومعه القول المرجوح، يصرحون بترجيحهم للراجح بقوله: " والأول أولى " ونحو ذلك، كالفخر الرازي(1)، والقرطبي(2)، والشوكاني(3)، والقنوجي(4).
5- القول بأن الأرض الواسعة يراد بها الجنة، لم يرجحه أحد، بل ردّ عليه الإمام ابن عطية بقوله: "... وقال قوم: أراد بالأرض هنا الجنة، وفي هذا القول تحكم لا دليل عليه "(5).
6- أما القول بأنه يراد بسعة الأرض سعة الرزق؛ فقد ذكره الماوردي(6) وتبعه القرطبي(7) وقالا عنه (يحتمل) ولم يرجحه أحد. والله أعلم بالصواب.
- - -
القول المتَّبَع
57- قوله تعالى: { الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } [سورة الزمر: 18].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن المراد بالقول ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - من وحي الكتاب والسنة، فيفهمونه ويعملون بما فيه، فيؤثرون الأفضل والأكمل؛ كالواجب مع الندب،والعفو مع القصاص، والإخفاء مع الإبداء في الصدقة وهكذا(8)..
2- المراد بالقول: جنس القول، بمعنى يستمعون كل قول ليميزوا بين ما ينبغي اتباعه وما ينبغي اجتنابه(9).
3- أن المراد يستمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن(10).
__________
(1) التفسير الكبير للفخر الرازي (9/431).
(2) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (15/240).
(3) فتح القدير للشوكاني (4/437).
(4) فتح البيان للقنوجي (12/91).
(5) المحرر الوجيز لابن عطية (12/515).
(6) النكت والعيون للماوردي (5/118).
(7) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (15/240).
(8) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/48)، محاسن التأويل للقاسمي (14/5134)، أضواء البيان للشنقيطي (7/48).
(9) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(722).
(10) الوجيز للواحدي (2/931).(1/5)
4- أن المراد بالآية: هو الذي يستمع حديثاً فيه حسن وقبيح فيتحدث بالحسن ويكف عما سواه(1).
5- وقيل إن المراد بأحسن القول (لا إله إلا الله)، فروي في سبب نزول الآية أنها نزلت في زيد بن عمرو بن نفيل وأبي ذر الغفاريّ وسلمان الفارسيّ، اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها في جاهليتهم،و اتبعوا أحسن ما صار من القول إليهم (2).
6- وروي أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وصدّقه، فجاء عثمان وعبدالرحمن بن عوف وطلحة والزبير وسعيد بن زيد وسعد بن أبي وقاص، فسألوه فأخبرهم بإيمانه فآمنوا، ونزلت فيهم ((فبشر عباد، الذين يستمعون القول)) قال: يريد من أبي بكر ((فيتبعون أحسنه))(3).
ترجيح الشنقيطي:
__________
(1) التسهيل لابن جزي (3/420).
(2) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (15/244)، تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/48)، وقال: والصحيح أنها شاملة لهم ولغيرهم ممن اجتنب عبادة الأوثان وأناب إلى عبادة الرحمن فهؤلاء هم الذين لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة. وذكرها السيوطي في لباب النقول المطبوع بذيل مفردات القرآن لمحمد حسن الحمصي ص(417).
(3) ذكره الواحدي النيسابوري في أسباب النزول والمطبوع بذيل مختصر الطبري للتجيبي المطبوع بهامش القرآن الكريم ص(385)، تسهيل الوصول لخالد العك ص(295).(1/6)
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " أظهر الأقوال في الآية الكريمة، أن المراد بالقول ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - من وحي الكتاب والسنة، ومن إطلاق القول على القرآن قوله تعالى: { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ } [سورة المؤمنون: 68]، وقوله تعالى: { إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14) } [سورة الطارق، آية 13-14]. وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة ((فيتبعون أحسنه)) أي يقدمون الأحسن الذي هو أشد حسنا، على الأحسن الذي هو دونه في الحسن، ويقدمون الأحسن مطلقاً على الحسن، ويدل لهذا آيات من كتاب الله - عز وجل - .
... أما الدليل على أن القول الأحسن المتبع ما أنزل عليه - صلى الله عليه وسلم - من الوحي فهو في آيات من كتاب الله - عز وجل - كقوله تعالى: { وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ } [سورة الزمر: 55]، وقوله تعالى لموسى يأمره بالأخذ بأحسن ما في التوراة { فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا } [سورة الأعراف: 145].
... وأما كون القرآن فيه الأحسن والحسن، فقد دلت عليه آيات من كتابه. واعلم أولاً أنه لا شك في أن الواجب أحسن من المندوب، وأن المندوب أحسن من مطلق الحسن، فإذا سمعوا مثلاً قوله تعالى: { وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [سورة الحج: 77] قدموا فعل الخير الواجب على فعل الخير المندوب، وقدموا هذا الأخير على مطلق الحسن الذي هو الجائز.(1/7)
... ومن أمثلة الترغيب في الأخذ بالأحسن وأفضليته مع جواز الأخذ بالحسن قوله تعالى: { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) } [سورة النحل: 126]، فالأمر في قوله { فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } للجواز، والله - عز وجل - لا يأمر إلا بحسن، فدل ذلك على أن الانتقام حسن، ولكن الله جل وعلا بيّن أن العفو والصبر خير منه وأحسن في قوله { وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) } وأمثال ذلك كثيرة في القرآن.
... وكقوله تعالى في إباحة الانتقام { وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) } [سورة الشورى: 41] مع أنه بين أن الصبر والغفران خير منه في قوله بعده { وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) } [سورة الشورى: 43].
... وكقوله في جواز الانتقام { * لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ } [سورة النساء: 148] مع أنه أشار إلى أن العفو خير منه، وأنه من صفاته -جل وعلا- مع كمال قدرته وذلك في قوله بعده { إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149) } [سورة النساء: 149].
وكقوله جل وعلا مثنياً على من تصدق، فأبدى صدقته { إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ } [سورة البقرة: 271] ثم بيّن أن إخفاءها وإيتاءها الفقراء خير من إبدائها، الذي مدحه بالفعل الجامد الذي هو لإنشاء المدح الذي هو نعم، في قوله: { إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } [سورة البقرة: 271].(1/8)
وكقوله في نصف الصداق اللازم للزوجة بالطلاق قبل الدخول { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } [سورة البقرة: 237]. ولا شك أن أخذ كل واحد من الزوجين النصف حسن؛ لأن الله - عز وجل - شرعه في كتابه بقوله ((فنصف ما فرضتم)) مع أنه رغب كل واحد منهما أن يعفو للآخر عن نصفه، وبين أن ذلك أقرب للتقوى وذلك في قوله بعده { وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ } [سورة البقرة:237].
وقد قال تعالى: { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا } [سورة الشورى: 40] ثم أرشد إلى الأحسن بقوله { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } [سورة الشورى: 40].
وقال تعالى: { وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } [سورة المائدة: 45]، ثم أرشد إلى الأحسن في قوله { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ } [سورة المائدة: 45].
واعلم أن في هذه الآية الكريمة أقوالاً غير الذي اخترنا. منها ما روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في معنى ((فيتبعون أحسنه)) قال: هو الرجل يسمع الحسن والقبيح فيتحدث بالحسن، وينكف عن القبيح فلا يتحدث به.
وقيل يستمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن.
وقيل إن المراد بأحسن القول لا إله إلا الله، وبعض من يقول بهذا يقول: إن الآية نزلت فيمن كان يؤمن بالله - عز وجل - قبل بعث الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، كزيد بن عمرو بن نفيل العدوي، وأبي ذر الغفاري، وسلمان الفارسي. إلى غير ذلك من الأقوال "(1).
خلاصةً إن الشيخ الشنقيطي يرى أن المراد بالقول هو ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - من وحي الكتاب والسنة، واتباع أحسنه يعني أنهم يؤثرون الأفضل والأكمل؛ كالواجب مع الندب، والعفو مع القصاص، والإخفاء مع الإبداء في الصدقة وهكذا.
الموافقون:
وافق الشيخ الشنقيطي فيما ذهب إليه في معنى القول واتباع أحسنه عدد قليل من المفسرين، منهم:
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/47-50) بتصرف.(1/9)
1- الإمام ابن كثير: " { فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } أي يفهمونه ويعملون بما فيه، كقوله تبارك وتعالى لموسى عليه الصلاة والسلام حين أتاه التوراة { فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا } [سورة الأعراف: 145] "(1).
2- القاسمي: " ((فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)) أي إيثار للأفضل واهتماماً بالأكمل... ويدخل تحته إيثار الأفضل من كل نوعين اعترضا؛ كالواجب مع الندب، والعفو مع القصاص، والإخفاء مع الإبداء في الصدقة وهكذا... "(2).
3- المراغي: " ... ثم مدحهم بأنهم نقّاد في الدين يميزون بين الحسن والأحسن، والفاضل والأفضل؛ فقال: ((فبشر عباد، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)) أي: فبشر هؤلاء الذين اجتنبوا عبادة الطاغوت، وأنابوا إلى ربهم وسمعوا القول فاتبعوا أولاه بالقبول؛ بالنعيم المقيم في جنات النعيم "(3).
المخالفون:
... وهم كل من رجح قولاً واحداً من الأقوال المذكورة في مجمل الأقوال ويمكن تصنيفهم -حسب الأقوال- إلى فئات:
أ- الذين قالوا إن القول المستمع يراد به جنس القول، واتباعهم لأحسنه يعني: أهداه إلى الحق وأرشده إلى توحيد الله - عز وجل - وطاعته...، فمنهم:
1- الإمام الطبري: " فبشر عبادي الذين يستمعون القول يقول جل ثناؤه لنبيّه محمد - صلى الله عليه وسلم - فبشر يا محمد عبادي الذين يستمعون القول من القائلين فيتبعون أرشده وأهداه إلى الحق وأدَلَّه على توحيد الله - عز وجل - والعمل بطاعته،و يتركون ما سوى ذلك من القول الذي لا يدل على رشاد ولا يهدي إلى سداد "(4).
__________
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/48).
(2) محاسن التأويل للقاسمي (14/5134).
(3) تفسير المراغي (23/156).
(4) جامع البيان للطبري (23/132).(1/10)
2- ابن عطية: " وقوله تعالى ((الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه)) كلام عام في جميع الأقوال، وإنما القصد الثناء على هؤلاء ببصائر هي لهم وقوام في نظرهم، حتى أنهم إذا سمعوا قولاً ميّزوه واتبعوا أحسنه. واختلف المفسرون في العبارة عن هذا؛ فقالت: فرقة: أحسن القول كتاب الله تعالى، أي إذا سمعوا الأقاويل وسمعوا القرآن اتبعوا القرآن. وقالت فرقة: ((القول)) هو القرآن، وأَحْسَنُه ما فيه من عفو وصفح واحتمال على صبر ونحو ذلك وقال قتادة: أحسن القول طاعة الله تعالى. وهذه أمثلة وما قلناه أولاً يعمّها "(1).
3- المحلي: " ((فبشر عباد، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)) وهو ما فيه صلاحهم "(2).
4- الثعالبي: " وقوله سبحانه ((الذي يستمعون القول فيتبعون أحسنه)) كلام عام في جميع الأقوال والمقصد الثناء على هؤلاء في نفوذ بصائرهم وقوام نظرهم حتى إنهم إذا سمعوا قولاً ميزوه واتبعوا أحسنه "(3).
5- البقاعي: " ((فبشر عباد)) أي الذين أهلوا أنفسهم بقصر هممهم عليّ للإضافة إليّ ((الذين يستمعون)) أي بجميع قلوبهم ((القول)) أي هذا الجنس من كل قائل، ليسوا جفاة عساة إذا أقبلوا على شيء أعرضوا عن غيره بغير دليل ((فيتبعون)) أي بكل عزائمهم بعد انتقاده ((أحسنه)) بما دلتهم عليه عقولهم من غير عدول إلى أدنى هوى "(4).
__________
(1) المحرر الوجيز لابن عطية (12/520).
(2) تفسير الجلالين ص(387).
(3) جواهر الحسان للثعالبي (4/52).
(4) نظم الدرر للبقاعي (16/480).(1/11)
6- السعدي: " ((فبشر عباد، الذين يستمعون القول)) وهذا جنس يشمل كل قول، فهم يستمعون جنس القول ليميزوا بين ما ينبغي إيثاره مما ينبغي اجتنابه، فلهذا من حزمهم وعقلهم أنهم يتبعون أحسنه، وأحسنه على الإطلاق كلام الله - عز وجل - وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، كما قال في هذه السورة { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا } [سورة الزمر: 23] "(1).
7- سيد قطب: ".. هؤلاء من صفاتهم أنهم يستمعون ما يستمعون من القول، فتلتقط قلوبهم أحسنه وتطرد ما عداه، فلا يلحق بها ولا يلصق إلا الكلم الطيب، الذي تزكو به النفوس والقلوب.. والنفس الطيبة تتفتح للقول الطيب فتتلقاه وتستجيب له... والنفس الخبيثة لا تتفتح إلا للخبيث من القول ولا تستجيب إلاّ له "(2).
ب- من قال إن المراد بالآية: يستمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن، منهم:
1- الواحدي: " ((الذين يستمعون القول)) القرآن وغيره ((فيتبعون أحسنه)) وهو القرآن "(3).
2- ابن عاشور: " والتعريف في ((القول)) تعريف الجنس، أي يستمعون الأقوال مما يدعو إلى الهدى مثل القرآن وإرشاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ويستمعون الأقوال التي يريد أهلها صرفهم عن الإيمان من ترهات أئمة الكفر، فإذا استمعوا ذلك اتبعوا أحسنه وهو ما يدعو إلى الحق "(4).
جـ- من رجح إن المراد بالآية: هو الذي يستمع حديثاً فيه حسن وقبيح، فيتحدث بالحسن ويكف عن القبيح، منهم:
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(722).
(2) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/3045).
(3) الوجيز للواحدي (2/939).
(4) التحرير والتنوير لابن عاشور (23/365).(1/12)
1- ابن جزي: " ((الذي يستمعون القول فيتبعون أحسنه)) قيل: يستمعون القول على العموم فيتبعون القرآن لأنه أحسن الكلام. وقيل: يستمعون القرآن فيتبعون بأعمالهم أحسنه من العفو الذي هو أحسن الانتصار وشبه ذلك. وقيل: هو الذي يستمع حديثاً فيه حسن وقبيح فيتحدث بالحسن ويكف عما سواه؛ وهذا قول ابن عباس وهو الأظهر "(1).
... أما العدد الأكثر من المفسرين فقد جمعوا كل الأقوال أو معظمها عند تفسيرهم للآية، فمثلاً:
1- الإمام النسفي قال: " ((فبشر عباد، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)) هم الذين اجتنبوا وأنابوا وإنما أراد بهم أن يكونوا مع الاجتناب والإنابة على هذه الصفة، فوضع الظاهر موضع الضمير أراد أن يكونوا نقّاداً في الدين يميزون بين الحسن والأحسن والفاضل والأفضل، فإذا اعترضهم أمران؛ واجب وندب اختاروا الواجب، وكذا المباح والندب، حرصاً على ما هو أقرب عند الله - عز وجل - وأكثر ثواباً. أو يستمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن. أو يستمعون أوامر الله - عز وجل - فيتبعون أحسنها؛ نحو القصاص والعفو ونحو ذلك. أو يستمعون الحديث مع القوم فيه محاسن ومساو فيحدث بأحسن ما سمع ويكف عما سواه "(2).
2- والقرطبي قال: " ((فبشر عباد، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)) قال ابن عباس: هو الرجل يسمع الحسن والقبيح فيتحدث بالحسن وينكف عن القبيح فلا يتحدث به. وقيل: يستمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن. وقيل: يستمعون القرآن وأقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيتبعون أحسنه أي محكمة فيعملون به. وقيل: يستمعون عزماً وترخيصاً فيأخذون بالعزم دون الترخيص. وقيل: يستمعون العقوبة الواجبة لهم والعفو فيأخذون بالعفو. وقيل: إن أحسن القول على من جعل الآية فيمن وحَّد الله - عز وجل - قبل الإسلام (لا إله إلا الله) "(3).
__________
(1) التسهيل لابن جزي (3/420).
(2) مدارك التنزيل للنسفي (4/42).
(3) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (15/244).(1/13)
3- الخازن: " ((فبشر عباد، الذين يستمعون القول)) يعني القرآن ((فيتبعون أحسنه)) أي أحسن ما يؤمرون به. فيعملون به، وهو أن الله تعالى ذكر في القرآن الانتصار من الظالم وذكر العفو عنه؛ والعفو أحسن الأمرين. وقيل: ذكر العزائم والرخص فيتبعون الأحسن وهو العزائم. وقيل: يستمعون القرآن وغيره من الكلام فيتبعون القرآن لأنه كله حسن. وقال ابن عباس -رضي الله عنهما- لما أسلم أبوبكر الصديق - رضي الله عنه - ؛ جاءه عثمان وعبدالرحمن بن عوف وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد فسألوه فأخبرهم بإيمانه فآمنوا فنزلت فيهم ((فبشر عباد، الذي يستمعون القول فيتبعون أحسنه)). وقيل: نزلت هذه الآية في ثلاثة نفر كانوا في الجاهلية يقولون: لا إله إلا الله؛ وهم زيد بن عمرو وأبوذر، وسلمان الفارسي "(1).
4- أبوحيان: " ((الذي يستمعون القول)) وهو عام في جميع الأقوال ((فيتبعون أحسنه)) ثناء عليهم بنفوذ بصائرهم وتمييزهم الأحسن، فإذا سمعوا قولاً تبصروه. قيل: وأحسن القول: القرآن وما يرجع إليه. وقيل: القول القرآن، وأحسنه: ما فيه من صفح وعفو واحتمال ونحو ذلك. وقال قتادة: أحسن القول طاعة الله - عز وجل - . وعن ابن عباس: هو الرجل يجلس مع القوم فيسمع الحديث فيه محاسن ومساو، فيحدث بأحسن ما سمع، ويكف عن ما سواه "(2).
__________
(1) لباب التأويل للخازن (6/59).
(2) البحر المحيط لأبي حيان (9/192).(1/14)
... وبنحو ذلك جاءت عبارات: الإمام الماوردي(1)، والبغوي(2)، والزمخشري(3)، وابن الجوزي(4)، ونظام الدين النيسابوري(5)، والشوكاني(6)، والألوسي(7)، والقنوجي(8).
تعقيب الباحث:
... لقد كفاني مؤنة التعقيب على هذا الموضع الإمام ابن القيم -رحمه الله- في كلامه حول هذه الآية، فإنه يرجح أن المراد بالقول القرآن الكريم. ولقد تكلم تحت هذه الآية ردَّا على من قال من أصحاب الغناء إن الألف واللام في (القول) تقتضي العموم والاستغراق وقد مُدح في الآية المتبعون لأحسن القول، فيدخل تحت لفظ القول قول السماع من الغناء وغيره.
فشمّر الإمام ابن القيم -رحمه الله- عن ساعد الجد وذبّ كلام أصحاب الغناء، وردّ عليهم بوجوه تدحض كلامهم، وتبريء ساحة القرآن الكريم من خبيث افترائهم وقبيح فهمهم، فقال:
" الوجه الأول: أن الله - سبحانه وتعالى - لا يأمر بل لا يأذن في استماع كل قول حتى يقال اللام للاستغراق والعموم بل من القول ما يحرم استماعه ومنه ما يكره، قال تعالى: { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) } [سورة الأنعام: 68].
__________
(1) النكت والعيون للماوردي (5/120).
(2) مختصر البغوي (2/809).
(3) الكشاف للزمخشري (4/116).
(4) زاد المسير لابن الجوزي (7/10).
(5) غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري (23/122).
(6) فتح القدير للشوكاني (4/440).
(7) روح المعاني للألوسي (23/252).
(8) فتح البيان للقنوجي (12/97).(1/15)
فأمر - سبحانه وتعالى - بالإعراض عن سماع هذا القول، ونهى عن القعود مع قائليه قال تعالى: { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ } [سورة النساء: 140]. فجعل سبحانه المستمع لهذا الحديث مثل قائله فكيف سبحانه يمدح مستمع كل قول، وقال تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) } [سورة المؤمنون: 1-3]. وقال تعالى في وصف عباده: { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا } [سورة الفرقان: 72]. أي أكرموا أنفسهم عن استماعه، فإذا كان الله - سبحانه وتعالى - قد أثنى على من أعرض عن اللغو ومر به كريماً، فأكرم نفسه عن استماعه، فكيف يجوز أن يقال: إن الألف واللام للاستغراق، وينسب إلى الله سبحانه، أنه مدح مستمع كل قول، وقد قال تعالى: { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) } [سورة الإسراء: 36]. فقد أخبر سبحانه أنه يسأل العبد عن سمعه وبصره وفؤاده ونهاه أن يقفو أي يتبع ما ليس به علم.
وإذا كان السمع والبصر والكلام والفؤاد منقسماً إلى ما يؤمر به وينهى عنه والعبد مسؤول عن ذلك كله فكيف يجوز أن يقال: كل قول في العالم فالعبد ممدوح على استماعه ونظير هذا أن يقال: كل مرئي في العالم فالعبد ممدوح على النظر إليه لقوله: { قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } [سورة يونس: 101] وقوله: { أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ } [سورة الأعراف: 185].(1/16)
ولهذا دخل الشيطان عليكم وعلى كثير من النساك من هذين المدخلين إذ توسعتم في النظر إلى الصور المنهي عن النظر إليها وفي استماع الأقوال والأصوات التي نهيتم عن استماعها.
الوجه الثاني: أن المراد بالقول في هذه الآية التي احتججتم بها القرآن كما جاء ذلك في قوله: { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ } [سورة المؤمنون: 68] وقوله: { * وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ } [سورة القصص: 51] فالقول الذي بشر مستمعيه ومتبعي أحسنه هو القول الذي وصله وحض على تدبره. وكلام الله يفسر بعضه بعضاً ويحمل بعضه على بعض(1).
الوجه الثالث: أن الألف واللام هنا لتعريف العهد وهو القول الذي دعي إليه المخاطب وأمر بتدبره، وأخبر بتوصيله له وهو كالكتاب والقرآن،والألف واللام فيه كالألف واللام في الكتاب سواء، وكذلك الألف واللام في الرسول في قوله: { وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا (30) } [سورة الفرقان: 30]، وفي قوله: { لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا } [سورة النور:63] وقوله: { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } [سورة المائدة: 92]. فهل يجوز أن يقال: إن اللام في الكتاب والرسول للاستغراق فتحمل على كل كتاب وعلى كل رسول؟
الوجه الرابع: أنها وإن كانت للعموم في قوله: ((الذين يستمعون القول)) فهي إنما تعم القول الذي أنزل الله - عز وجل - ومدحه وأثنى عليه وأمر باتباعه واستماعه وتدبره وفهمه، فهي تقتضي العموم والاستغراق في جميع هذا القول، فإنها تقتضي عموم ما عرفته وقصد بمصحوبها.
__________
(1) استدلال بتفسير القرآن بالقرآن، أقوى وأحسن أنواع التفسير. شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص(127)، قواعد التفسير لخالد السبت (1/109).(1/17)
الوجه الخامس: أن السياق كله من أول السورة إلى هذه الآية إنما هو في القرآن(1) قال تعالى { تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ } [سورة الزمر: 1-3] فذكر في أول السورة كتابه ودينه والكلم الطيب والعمل الصالح فخير الكلام كتابه وخير العمل إخلاص الدين له، ثم أعاد ذكر الأصليين في قوله { وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى } [سورة الزمر: 17] فهذا إخلاص الدين له، ثم قال: { فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } فهذا كتابه فتضمنت ذكر كتابه ودينه كما تضمنت (ذلك) أول السورة فما لأقوال المغنين والمغنيات هاهنا، ثم قال: { أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22) } [سورة الزمر: 22]. { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ } [سورة الزمر: 23]، فأثنى على أهل السماع والوجد للقول والحديث الذي أنزله ولم يثن سبحانه على مطلق الحديث ومستمعيه، ثم أعاد سبحانه ذكر القرآن في قوله: { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) } [سورة الزمر: 33].
__________
(1) دلالة السياق قاعدة في الترجيح عند المفسرين، قواعد الترجيح عند المفسرين لحسن الحربي
(1/125).(1/18)
قال البخاري في صحيحه: عن مجاهد قال: ((والذي جاء بالصدق)) القرآن ((وصدق به)) المؤمن يجيء يوم القيامة بقول: " هذا الذي أعطيتني عملت بما فيه "(1) فذكر سبحانه الصدق، والمصدق به مثنياً عليه، وقد ذكر ضدهما وهما الكاذب والمكذب بالحق وهما نوعان ملعونان من القول، أعني الكذب والتكذيب بالحق، فكيف يكون من استمعهما ممدوحاً مستحقاً للثناء، ولا ريب أن البدع القولية والسماعية المخالفة لما بعث الله - عز وجل - به رسوله - صلى الله عليه وسلم - من الهدى ودين الحق تتضمن أصلين: الكذب على الله والتكذيب بالحق، بل الانتصار لما خالف ذلك سواء كان سماعاً أو غيره، يتضمن الأصلين الباطلين.
الوجه السادس: أنه سبحانه قال بعد ذلك: { * قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) } [سورة الزمر: 53-55]. فهذا الأحسن الذي أمر باتباعه هنا هو الأحسن الذي بشر من اتبعه في أول السورة وهو أحسن المنزل في الموضوعين ونظير هذا قوله تعالى لموسى في التوراة: { فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا } [سورة الأعراف: 145].
__________
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/547)، كتاب التفسير، سورة الزمر.(1/19)
فهذا كله إذا تدبره المؤمن الناصح لنفسه؛ علم علماً يقينياً أن الكتاب والقول والحديث الذي أمر الله - عز وجل - باستماعه وتدبره وفهمه واتباع أحسنه هو كلامه المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وأما مدح الاستماع لكل قول فهذا لا يليق نسبته إلى العقلاء فضلاً عن رب الأرض والسماء يوضحه:
الوجه السابع: وهو أن الله سبحانه في كتابه إنما أثنى على المستمعين للقرآن وحمد هذا السماع وذم المعرضين عنه، وجعلهم أهل الكفر والجهل، الصم البكم الذي لا يعقلون قال تعالى: { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) } [سورة الأعراف: 204]. وقال تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) } [سورة الأنفال: 2].(1/20)
وقال تعالى في حق المنعم عليهم: { إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا } [سورة مريم: 58]. وقال تعالى: { وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ } [سورة المائدة: 83]. وقال: { إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا } [سورة الإسراء: 107]. وقال في ذم المعرضين عن هذا السماع: { إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) } [سورة الأنفال: 22، 23]. وقال: { وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171) } [سورة البقرة: 171]. وقال: { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) } [سورة الفرقان: 73].
وهذا كثير في القرآن وكتاب الله يبين بعضه بعضاً.
الوجه الثامن: أنه سبحانه قال: ((فبشر عباد، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)) فمدحهم باستماع القول واتباع أحسنه، ومن المعلوم أن كثيراً من القول بل أكثره ليس فيه حسن فضلاً عن أن يكون أحسن بل غالب القول يكب قائله في النار على منخره.(1/21)
والأقوال التي ذمها الله في كتابه أكثر من أن تعد، كالقول الخبيث، والقول الباطل، والقول عليه بما لا يعلم القائل، والكذب والافتراء والغيبة والتنابز بالألقاب والتناجي بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتبيت ما لا يرضى من القول وقول العبد بلسانه ما ليس في قلبه، وقوله ما لا يفعله، وقول اللغو وقول ما لم ينزل به سلطاناً، والقول المتضمن للشفاعة السيئة والقول المتضمن للمعاونة على الإثم والعدوان وأمثال ذلك من الأقوال المسخوطة والمبغوضة للرب تعالى التي كلها قبيحة لا حسن فيها ولا أحسن فادعاء العموم في الآية في غير القول الذي أنزله الله - عز وجل - على رسوله - صلى الله عليه وسلم - من الكتاب والسنة من أبطل الباطل.
الوجه التاسع: أنه سبحانه علق الهداية على اتباع أحسن هذا القول فقال: { فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ } ومن المعلوم بالاضطرار أن الهداية إنما حصلت لمن اتبع القرآن، فهو الذي هداه الله فأين الهدى في أقوال المغنين والمغنيات؟ "(1) انتهى كلام ابن القيم.
وإضافة لما ذكره الإمام ابن القيم؛ أقول:
1- إن كلام الوعظ والإرشاد الذي يهدي إلى الحق والصواب لابد أن يكون مستمداً من وحي القرآن والسنة الذي هو أحسن القول، وإن لم يكن كله قرآن وسنة فقط.
2- مع تأكيده على أن أقوال الغناء وغيرها من الأقوال السيئة لا يمكن أن تدخل في العموم المستفاد من الألف واللام في (القول)، إلا أنه لا يمنع أن يدخل تحت عموم القول كلام الوعظ والإرشاد والدعوة إلى الدين الحق وما إلى ذلك.
__________
(1) بدائع التفسير الجامع لتفسير ابن القيم (4/52-58).(1/22)
3- ختاماً يظهر لي -والله أعلم- أن الراجح في بيان المراد بالقول أنه على العموم المخصوص، بمعنى: أنهم يستمعون الأقوال ولكن هناك أقوال لا يستمعوها أصلاً -وهي ما ذكره ابن القيم في الوجه الثامن ونحوها- فهؤلاء الممدوحون في الآية يستمعون القول " ليميزوا بين ما ينبغي إيثاره مما ينبغي اجتنابه، فلهذا من حزمهم وعقلهم أنهم يتبعون أحسنه، وأحسنه على الإطلاق كلام الله - عز وجل - وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، كما قال في هذه السورة { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا } [سورة الزمر: 23] "(1).
4- فإذا اتبعوا القرآن والسنة. وجدوا ما هو حسن وما هو أحسن، وهو المعبر عنه بالفاضل والأفضل، والواجب والندب، والعفو والقصاص، والرخصة والعزيمة... ونحوها، فيتبعون الأفضل والأحسن إيثاراً للأجر الأعلى. والله أعلم بالصواب.
- - -
المراد بالشهداء
58- قوله تعالى: { وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } [سورة الزمر: 69].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
... اختلف المفسرون في المراد بالشهداء في الآية على أقوال:
1- أن الشهداء هم الرسل من البشر، الذين أرسلوا إلى الأمم، فلا يُقضى بين أمة حتى يأتي رسولها(2).
2- أن المراد بالشهداء: أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، يشهدون للرسل أنهم بلّغوا رسالة الله - عز وجل - (3).
3- أن الشهداء هم الحفظة من الملائكة(4).
4- أو يراد بالشهداء كل من يشهد على الإنسان يوم القيامة من الملائكة والأعضاء والأرض وغيرها(5).
... وهذه الأقوال الأربعة مبنية على أن الشهداء جمع شاهد(6).
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(722).
(2) أضواء البيان للشنقيطي (7/62).
(3) جامع البيان للطبري (24/22).
(4) مدارك التنزيل للنسفي (4/52).
(5) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(730).
(6) حاشية الشهاب على البيضاوي (7/353).(1/23)
5- أن الشهداء هم الذين استشهدوا في طاعة الله - عز وجل - (1). وهذا القول مبني على أن الشهداء جمع شهيد(2).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " اختلف العلماء في المراد بالشهداء في هذه الآية الكريمة، فقال بعضهم: هم الحفظة من الملائكة الذين كانوا يحصون أعمالهم في الدنيا، واستدل من قال هذا بقوله تعالى: { وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا ×,ح !$y™ وَشَهِيدٌ } [سورة البقرة: 143].
وقال بعض العلماء: الشهداء أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، يشهدون على الأمم، كما قال تعالى { y7د9¨xx.ur ِNن3"sYù=yèy_ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } ]سورة البقرة: 143].
وقيل: الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله - عز وجل - .
وأظهر الأقوال في الآية عندي؛ أن الشهداء هم الرسل من البشر، الذين أرسلوا إلى الأمم؛ لأنه لا يُقضى بين الأمة حتى يأتي رسولها، كما صرح تعالى بذلك في سورة يونس في قوله تعالى: { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (47) } [سورة يونس: 47]. فصرح جل وعلا بأنه يسأل الرسل عما أجابتهم به أممهم، كما قال تعالى: { * يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ } [سورة المائدة: 109]. وقال تعالى: { فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) } [سورة الأعراف: 6]، وقد يشير إلى ذلك قوله تعالى: { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) } [سورة النساء: 41]. لأن كونه - صلى الله عليه وسلم - هو الشهيد على هؤلاء الذين هم أمته، يدل على أن الشهيد على كل أمة هو رسولها.
__________
(1) النكت والعيون للماوردي (5/137).
(2) حاشية الشهاب على البيضاوي (7/353).(1/24)
وقد بيّن تعالى أن الشهيد على كل أمة من أنفس الأمة، فدل على أنه ليس من الملائكة، وذلك في قوله تعالى: { وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } [سورة النحل: 89]، والرسل من أنفس الأمم كما قال تعالى في نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ } [سورة التوبة: 128] وقال تعالى: { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ } [سورة آل عمران: 164]"(1).
ولم أجد أحداً من المفسرين وافق الشيخ الشنقيطي فيما ذهب إليه.
المخالفون:
وأعني بهم الذين رجّحوا قولاً واحداً من الأقوال المذكورة في مجمل الأقوال، وهم -بحسب بيانهم لمعنى الآية- فئات:
أ- الذين قالوا إن المراد بالشهداء أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، يشهدون للرسل أنهم بلغّوا رسالة الله - عز وجل - ، منهم:
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/62).(1/25)
1- الإمام الطبري: " وقوله ((وجيء بالنبيين والشهداء)) يقول وجيء بالنبيين ليسألهم ربهم عما أجابتهم به أممهم وردّت عليهم في الدنيا حين أتتهم رسالة الله - عز وجل - ، والشهداء يعني بالشهداء أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - يستشهدهم ربهم على الرسل فيما ذكرت من تبليغها رسالة الله - عز وجل - التي أرسلهم بها ربهم إلى أممها إذ جحدت أممهم أن يكونوا أبلغوهم رسالة الله - عز وجل - ، والشهداء جمع شهيد وهذا نظير قول الله تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } [سورة البقرة: 143]. وقيل: عنى بقوله ((الشهداء)) الذين قتلوا في سبيل الله - عز وجل - ، وليس لما قالوا من ذلك في هذا الموضع كبير معنى؛ لأن عقيب قوله: ((وجيء بالنبيين والشهداء)) ((وقضى بينهم بالحق)) وفي ذلك دليل واضح على صحة ما قلنا من أنه دعى بالنبيين والشهداء للقضاء بين الأنبياء وأممها "(1).
2- ابن جزي: " ((وجيء بالنبيين)) ليشهدوا على قومهم ((والشهداء)) يحتمل أن يكون جمع شاهد أو جمع شهيد في سبيل الله - عز وجل - ، والأول أرجح لأن فيه الوعيد معنى ولأنه أليق بذكر الأنبياء الشاهدين، والمراد على هذا أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - لأنهم يشهدون على الناس "(2).
... وبعبارات مقاربة قال كل من الواحدي(3)، والمحلي(4)، والجمل(5).
ب- الذين قالوا إن الشهداء هم الحفظة من الملائكة، منهم:
__________
(1) جامع البيان للطبري (24/22).
(2) التسهيل لابن جزي (3/432).
(3) الوجيز للواحدي (2/939).
(4) تفسير الجلالين ص(391).
(5) الفتوحات الإلهية للجمل (3/612).
... وهو: سليمان بن عمر بن منصور العجيلي، المعروف بالجمل، فقيه مفسر، صاحب الحاشية المعروفة بـ (الفتوحات الإلهية على تفسير الجلالين). توفي سنة (1204هـ). الأعلام (3/131).(1/26)
1- الإمام ابن كثير: " ((والشهداء)) أي الشهداء من الملائكة الحفظة على أعمال العباد من خير وشر "(1).
2- البقاعي: " ((وجيء بالنبيين)) للشهادة على أممهم بالبلاغ، ولما كان أقل ما يكون الشهود ضعف المكلفين؛ عبّر بجمع الكثرة قال ((والشهداء)) أي الذين وكلوا بالمكلفين فشاهدوا أعمالهم فشهدوا بها وضبطوها؛ فأصّلت الأصول وصورت الدعاوى وأقيمت البينات على حسبها من طاعة أو معصية، ووقع الجزاء على حسب ذلك، فظهر العدل رحمة للكفار، وبان الفضل رحمة للمسلمين "(2).
... والمراغي(3)، وابن عاشور(4)، عبارتهما تشبه جداً ما ذكره ابن كثير قبل قليل.
ج- الذين فسروا الشهداء على العموم، بأنهم كل من يشهد على الإنسان يوم القيامة، منهم:
1- نظام الدين النيسابوري: " ((وجيء بالنبيين)) ليسألهم ربهم عن تبليغ الرسالة ويجيب قومهم بما يجيبون، والمراد بالشهداء الذين يشهدون للأمم وعليهم من الحفظة والأخيار ومن الجوارح والمكان والزمان أيضاً... "(5).
2- السعدي: " ((وجيء بالنبيين)) ليُسألوا عن التبليغ، وعن أممهم، ويشهدوا عليهم ((والشهداء)) من الملائكة، والأعضاء، والأرض "(6).
__________
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/64).
(2) نظم الدرر للبقاعي (16/563).
(3) تفسير المراغي (24/34).
(4) التحرير والتنوير لابن عاشور (24/67).
(5) غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري (24/19).
(6) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(730).(1/27)
وأما من جمع الأقوال أو بعضها دون ترجيح، فمنهم: الإمام الماوردي(1)، والبغوي(2)، والزمخشري(3)، وابن عطية(4)، وابن الجوزي(5)، والفخر الرازي(6)، والقرطبي(7)، والخازن(8)، وأبي حيان(9)، والبيضاوي(10)، والثعالبي(11)، وأبي السعود(12)، والشوكاني(13)، والألوسي(14)، والقنوجي(15)، والقاسمي(16).
تعقيب الباحث:
... يظهر -والله أعلم- أن حمل الآية على جميع ما سبق ذكره من بيان لمعنى الشهداء هو الراجح هنا، سواء ما ذكره الشيخ الشنقيطي أو ما ذكره المخالفون -مع ملاحظة أن القول الخامس في مجمل الأقوال لم يرجحه أحد، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله - عز وجل - والأدلة على ما قلته من الترجيح ما يلي:
1- حكى ابن الجوزي إجماع الجمهور(17) على أن الشهداء يراد بهم الذين يشهدون على الناس بأعمالهم، وعليه فقد اجتمع الشنقيطي ومخالفوه، فكل أحد منهم قد ذكر نوعاً من أنواع مَنْ يشهد.
2- واتفق الشنقيطي والمخالفون في أن لفظ (الشهداء) جمع شاهد؛ الذي يشهد لغيره وعلى غيره، وليس جمع شهيد الذي قتل في سبيل الله - عز وجل - .
__________
(1) النكت والعيون للماوردي (5/137).
(2) مختصر البغوي (2/815).
(3) الكشاف للزمخشري (4/141).
(4) المحرر الوجيز لابن عطية (12/568).
(5) زاد المسير لابن الجوزي (7/27).
(6) التفسير الكبير للفخر الرازي (9/478).
(7) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (15/283).
(8) لباب التأويل للخازن (6/71).
(9) البحر المحيط لأبي حيان (9/223).
(10) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/175).
(11) جواهر الحسان للثعالبي (4/63).
(12) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (4/625).
(13) فتح القدير للشوكاني (4/458).
(14) روح المعاني للألوسي (24/31).
(15) فتح البيان للقنوجي (12/149).
(16) محاسن التأويل للقاسمي (14/5151).
(17) زاد المسير لابن الجوزي (7/27).(1/28)
3- ما رجّحه الشنقيطي، أن الشهداء هم الرسل من البشر يشهدون على أممهم قد استدل له بعدد من آيات القرآن الكريم، وهذا تفسير للقرآن بالقرآن أقوى أنواع التفسير(1).
4- إن عطف الشهداء على الأنبياء مراداً بهم نفس الأنبياء -ما ذهب إليه الشنقيطي- من باب عطف الصفة على الصفة بالواو، كما تقول: جاءني زيد الكريم والعاقل(2).
5- كذلك فإن كل قول رجحه المخالفون له ما يؤيده من آيات القرآن الكريم:
... فمن قال بأنهم أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - يشهدون للرسل أنهم بلّغوا رسالة الله - عز وجل - ، استدل بقوله تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } [سورة البقرة: 143].
... ومن قال بأنهم الحفظة من الملائكة استدل بقوله تعالى: { وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا ×,ح !$y™ وَشَهِيدٌ (21) } [سورة ق: 21].
... ومن ذكر من ضمن الشهود الجوارح والأرض وغيرها يؤيده قوله تعالى: { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) } [سورة النور: 24]، وقوله تعالى عن الأرض: { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) } [سورة الزلزلة: 4] ونحوها.
6- القول بأن الشهداء يراد بهم الذين قتلوا في سبيل الله - عز وجل - لم يرجحه أحد من المفسرين إطلاقاً، مما يدل أنه وإن ورد في بعض كتب التفسير إلا أنه لا يصح أن يكون مراداً في هذه الآية.
__________
(1) شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص(127)، قواعد التفسير لخالد السبت (1/109).
(2) المحرر الوجيز لابن عطية (12/568).(1/29)
7- إلحاقاً للنقطة السابقة... بل إن عدداً من المفسرين صرّحوا بأن هذا المعنى لا يصح أن يراد هنا سواء بترجيحهم لغيره أو ردّهم عليه بأنه لا يناسب المقام؛ بعبارات متنوعة، منهم: الطبري(1)، وابن عطية(2)، وابن الجوزي(3)، ونظام الدين النيسابوري(4)، وابن جزي(5)، وأبي حيان(6)، والثعالبي(7)، والألوسي(8).
8- الذين جمعوا الأقوال فقط دون ترجيح أحدها على البقية، اتفقوا عند إيرادهم لقول (المستشهدون في سبيل الله - عز وجل - ) على عدم إيراد دليل يقويه، بل ربما يوردوه بصيغة التمريض (قيل)(9). والله أعلم بالصواب.
- - -
معنى الإماتتين والإحياءتين
59- قوله تعالى: { قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ } [سورة غافر: 11].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
القول الأول
الإماتة ... 1- كونهم نطفاً وعلقاً ومضغا قبل نفخ الروح ... الإحياء ... 1- في دار الدنيا
2- انقضاء الأجل ... 2- البعث من القبور من أجل الحساب
القول الثاني ... الإماتة ... الإحياء ... 1- في دار الدنيا
1- عند انقضاء الأجل ... 2- في القبر للمسألة
2- في القبر إلى وقت البعث ... 3- البعث من القبور للحساب
القول الثالث ... الإماتة ... الإحياء ... 1- حين أخذ عليهم الميثاق
1- أماتهم بعد أخذ الميثاق ... 2- أحياهم حين أخرجهم
__________
(1) جامع البيان للطبري (24/22).
(2) المحرر الوجيز لابن عطية (12/568).
(3) زاد المسير لابن الجوزي (7/27).
(4) غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري (24/19).
(5) التسهيل لابن جزي (3/432).
(6) البحر المحيط لأبي حيان (9/223).
(7) جواهر الحسان للثعالبي (4/63).
(8) روح المعاني للألوسي (24/31).
(9) الكشاف للزمخشري (4/141)، التفسير الكبير للفخر الرازي (9/478)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (15/283)، أنوار التنزيل للبيضاوي (2/175)، إرشاد العقل السليم لأبي السعود
(4/625).(1/30)
2- عند انقضاء آجالهم ... 3- البعث من القبور للحساب (1)
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " التحقيق الذي لا ينبغي العدول عنه؛ أن المراد بالإماتتين في هذه الآية الكريمة: الإماتة الأولى التي هي كونهم في بطون أمهاتهم نطفاً وعلقاً ومضغاً، قبل نفخ الروح فيهم، فهم قبل نفخ الروح فيهم لا حياة لهم، فأطلق عليهم بذلك الاعتبار اسم الموت. والإماتة الثانية هي إماتتهم وصيرورتهم إلى قبورهم عند انقضاء آجالهم في دار الدنيا.
... وأن المراد بالإحياءتين: الإحياءة الأولى في دار الدنيا، والإحياء الثانية التي هي البعث من القبور إلى الحساب والجزاء والخلود الأبدي الذي لا موت، إما في الجنة وإما في النار.
... والدليل من القرآن على أن هذا القول في الآية هو التحقيق؛ أن الله - عز وجل - صرح به واضحاً في قوله جل وعلا: { ?y#ّx.?ڑcrمچàےُ3s??"!$$خ/?ِNçGYà2ur?$Y?¨uqّBr&?ِNà6"uٹômr'sù? ?NèO?ِNن3çGدJمƒ?NèO?ِNن3حّtن†?NèO?دmّٹs9خ)?ڑcqمèy_ِچè??اثرب? } ?[سورة البقرة: 28]. وبذلك تعلم أن ما سواه من الأقوال في الآية لا معوّل عليه "(2).
... فبخلاصة بسيطة يمكننا القول إن القول الراجح عند الشيخ الشنقيطي هو القول الأول الوارد في مجمل الأقوال، فانظره.
الموافقون:
... لقد ذهب إلى مثل ما ذهب إليه الشنقيطي في بيان المراد بالإماتتين والإحياءتين جمهور من المفسرين معتبرين الإماتتين؛ الأولى: كونهم نطفاً وعلقاَ ومضغاً قبل نفخ الروح، والثانية: الموت بعد انقضاء الأجل. وأما الإحياءتين؛ فالأولى: حياتهم في دار الدنيا، والثانية: حياتهم في الآخرة بعد البعث، وترجيح من رجّح هذا القول جاء على أشكال متنوعة:
أ- التصريح بأنه هو الراجح في الآية أو الصواب ونحو ذلك.
__________
(1) الأقوال الثلاثة كلها ذكرها الماوردي في النكت والعيون (5/146).
(2) أضواء البيان للشنقيطي (7/72).(1/31)
ب- الردّ على القولين الآخرين بأنهما ضعيفان أو خلاف ظاهر القرآن ونحو ذلك.
جـ- أو بذكر الراجح وحده فقط دون التطرق لغيره من الأقوال.
... وهاكم نماذج من أقوال الموافقين:
1- الإمام الواحدي: " ((قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنين)) وذلك أنهم كانوا أمواتاً نطفاً فأحيوا ثم أميتوا في الدنيا ثم أحيوا للبعث "(1).
???الزمخشري: " ((اثنتين)) إماتتين وإحياءتين، أو موتتين وحياتين. وأراد بالإماتتين: خلقهم أمواتاً أولاً، وإماتتهم عند انقضاء آجالهم، وبالإحياءة?الإحياءة الأولى وإحياءة البعث. وناهيك تفسراً لذلك قوله تعالى: { ?ِNçGYà2ur?$Y?¨uqّBr&?ِNà6"uٹômr'sù? ?NèO?ِNن3çGدJمƒ?NèO?ِNن3حّtن†? } ?[سورة البقرة: 28] [وذكر بعد ذلك أحد الأقوال الأخرى وعلّق بأنه:] خلاف ما في القرآن "(2).
3- ابن كثير: " وقوله ((قالوا ربنا أمتنا اثنتين)): هذه الآية كقوله تعالى:
{ ?y#ّx.?ڑcrمچàےُ3s??"!$$خ/?ِNçGYà2ur?$Y?¨uqّBr&?ِNà6"uٹômr'sù? ?NèO?ِNن3çGدJمƒ?NèO?ِNن3حّtن†?NèO?دmّٹs9خ)?ڑcqمèy_ِچè?? } ?[سورة البقرة: 28]. وهذا هو الصواب الذي لا شك فيه ولا مرية. [ثم ذكر القولين الآخرين وقال عنهما إنهما:] ضعيفان "(3).
4- الثعالبي: " واختلف في معنى قولهم أمتنا اثنتين... فقال ابن عباس وغيره: أرادوا موتة كونهم في الأصلاب ثم إحياءهم في الدنيا ثم إماتتهم الموت المعروف، ثم إحياءهم يوم القيامة، وهي كالتي في سورة البقرة: { ?y#ّx.?ڑcrمچàےُ3s??"!$$خ/?ِNçGYà2ur?$Y?¨uqّBr&??????? } ?[سورة البقرة: 28] [وذكر قولاً آخر ثم قال بعده:] والأول أثبت "(4).
__________
(1) الوجيز للواحدي (2/942).
(2) الكشاف للزمخشري (4/!50).
(3) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/74). بتصرف يسير.
(4) جواهر الحسان للثعالبي (4/68).(1/32)
5- القاسمي: " ((قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين)) أي أنشأتنا أمواتاً مرتين، وأحييتنا في النشأتين كما قال تعالى: { ?ِNçGYà2ur?$Y?¨uqّBr&?ِNà6"uٹômr'sù? ?NèO?ِNن3çGدJمƒ?NèO?ِNن3حّtن†? } ?[سورة البقرة: 28] قال قتادة: كانوا أمواتاً في أصلاب آبائهم، فأحياهم الله - عز وجل - في الدنيا، ثم أماتهم الموتة التي لابد منها، ثم أحياهم للبعث يوم القيامة. فهما حياتان وموتتان "(1).
... ونحو ذلك جاء كلام الإمام ابن الجوزي(2)، وابن جزي(3)، وأبي حيان(4)، والمحلي(5)، والبقاعي(6)، والمراغي(7)، وابن عاشور(8).
... ولم يخالف أحد هنا، فالقولان الآخران لم يجزم لهما أحد بالترجيح، بل هناك من ردّ عليهما وضعّفهما، وسيأتي في التعقيب إن شاء الله.
تعقيب الباحث:
... يظهر -والله أعلم- أن الراجح في تحديد الإماتتين والإحياءتين هو ما ذهب إليه الجمهور ومنهم شيخنا الشنقيطي، يدل لذلك أمور:
1- إن أقوى وأحسن وأفضل أنواع التفسير تفسير القرآن بالقرآن(9)، وإن آية سورة غافر التي نحن بصددها قد أجمع المفسرون على تفسيرها بآية سورة البقرة: { ?y#ّx.?ڑcrمچàےُ3s??"!$$خ/?ِNçGYà2ur?$Y?¨uqّBr&?ِNà6"uٹômr'sù? ?NèO?ِNن3çGدJمƒ?NèO?ِNن3حّtن†?NèO?دmّٹs9خ)?ڑcqمèy_ِچè??اثرب? } ?[سورة البقرة: 28] ففي سورة غافر ذكر الإماتتين والإحياءتين بإجمال، وفي آية سورة البقرة ذكرت بتفصيل وترتيب.
__________
(1) محاسن التأويل للقاسمي (14/5158).
(2) زاد المسير لابن الجوزي (7/35).
(3) التسهيل لابن جزي (4/5).
(4) البحر المحيط لأبي حيان (9/241).
(5) تفسير الجلالين ص(393).
(6) نظم الدرر للبقاعي (17/19).
(7) تفسير المراغي (24/51).
(8) التحرير والتنوير لابن عاشور (24/97).
(9) شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص(127)، قواعد التفسير لخالد السبت (1/109).(1/33)
... فممّن ذكر آية سورة البقرة تفسيراً لآية سورة غافر؛ الإمام البغوي?(1)?، والنسفي?(2)?، والزمخشري?(3)?، وابن الجوزي?(4)?، والقرطبي?(5)?، ونظام الدين النيسابوري?(6)?، وابن جزي?(7)?، وأبوحيان?(8)?، وابن كثير?(9)?، والثعالبي?(10)?، والبقاعي?(11)?، والشوكاني(12)، والقنوجي(13)، والقاسمي(14)، والمراغي(15).
2- إجماع جمهور السلف على اختيار هذا المعنى الراجح، وقد حكى إجماع الجمهور كل من الإمام الشوكاني(16) والقنوجي(17).
3- كذلك عدم وجود مخالف على الإطلاق يدل على قوة ترجيح المعنى المختار.
4- وليس فقط عدم وجود مخالف، بل هناك من المفسرين من ردّ على الأقوال الأخرى؛ من ذلك:
أ- الزمخشري، بعد القول الراجح ذكر القول المرجوح وقال عنه بأنه " خلاف ما في القرآن "(18).
ب- ابن جزي، قال بعد القول المرجوح إنه " قول فاسد "(19).
ج- أبوحيان، قال عن المرجوح إنه " خلاف القرآن "(20).
__________
(1) مختصر البغوي (2/818).
(2) مدارك التنزيل للنسفي (4/56).
(3) الكشاف للزمخشري (4/150).
(4) زاد المسير لابن الجوزي (7/35).
(5) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (15/297).
(6) غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري (24/30).
(7) التسهيل لابن جزي (4/5).
(8) البحر المحيط لأبي حيان (9/241).
(9) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/73).
(10) جواهر الحسان للثعالبي (4/68).
(11) نظم الدرر للبقاعي (17/19).
(12) فتح القدير للشوكاني (4/466).
(13) فتح البيان للقنوجي (12/167).
(14) محاسن التأويل للقاسمي (14/5158).
(15) تفسير المراغي (24/51).
(16) فتح القدير للشوكاني (4/466).
(17) فتح البيان للقنوجي (12/167).
(18) الكشاف للزمخشري (4/150).
(19) التسهيل لابن جزي (4/5).
(20) البحر المحيط لأبي حيان (9/241).(1/34)
د- ابن كثير، بعد القولين المرجوحين قال: " إنهما ضعيفان "(1).
5- مما يؤيد القول الراجح أيضاً -استناداً على آية سورة البقرة- أنه بدأ بذكر الإماتة أولاً(2) ثم الحياة الدنيا ثم الموت بعد انقضاء الأجل ثم البعث في الآخرة، في حين أن كلا القولين المرجوحين يُبدأ فيها بالحياة -أوضحتهما في مجمل الأقوال- وهذا خلاف ما ورد في القرآن الكريم.
6- لقد قال المفسرون عن الاختيار الراجح إنه هو الأصح(3)، وهو الصواب(4)، وهو الأثبت(5). والله أعلم بالصواب.
- - -
من الرجل؟
60- قوله تعالى: { ?tA$s%ur?×@م_u'?ض`دB÷s-B?ô`دiB?ةA#uن?ڑcِqtمِچدù?قOçFُ3tƒ?ے¼çmuZ"yJƒخ)?tbqè=çFّ)s?r&?¸xم_u'?br&?tAqà)tƒ?}'خn/u'?ھ!$#? } ?[سورة غافر: 28].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
... اختلف المفسرون في هذا الرجل المؤمن على أقوال:
1- أنه كان ابن عم فرعون بمنزلة وليّ العهد وكان يخفي إيمانه من فرعون وقومه خوفاً على نفسه(6).
2- أنه كان قبطياً من جنسه ولم يكن من أهله(7).
3- أنه كان إسرائيلياً ولكنه كان يكتم إيمانه من آل فرعون(8).
والقولان الأول والثاني متداخلان ومتشابهان جداً بل يكادان يكونان قولاً واحداً في ثنايا كلام المفسرين.
ترجيح الشنقيطي:
__________
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/73).
(2) غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري (24/30).
(3) زاد المسير لابن الجوزي (7/35).
(4) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/73).
(5) جواهر الحسان للثعالبي (4/68).
(6)
( ) جامع البيان للطبري (24/38)، النكت والعيون للماوردي (5/152)، إيجاز البيان للنيسابوري (2/173).
(7) النكت والعيون للماوردي (5/152).
(8) جامع البيان للطبري (24/38).(1/35)
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن رجلاً مؤمناً من آل فرعون يكتم إيمانه، أي يخفي عنهم أنه مؤمن، أنكر على فرعون وقومه إرادتهم قتل نبي الله موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: حين قال فرعون: ذروني أقتل موسى وليدع ربه. مع أنه لا ذنب له يستحق به القتل، إلا أنه يقول: ربي الله...
والتحقيق أن الرجل المؤمن المذكور في هذه الآية من جماعة فرعون كما هو ظاهر قوله تعالى ((من آل فرعون)).
فدعوى أنه إسرائيلي، وأن في الكلام تقديماً وتأخيراً، وأن من آل فرعون متعلق بيكتم، أي وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون أي يخفي إيمانه عن فرعون وقومه؛ خلاف التحقيق، كما لا يخفى "(1).
الموافقون:
جمع غفير من المفسرين متفقون على أن الرجل المؤمن كان من آل فرعون، وهو هو ما رجحه الشيخ الشنقيطي -رحمة الله عليهم جميعاً- فمنهم:
1- الإمام الطبري، بعد أن ذكر القول الأول بأن الرجل من آل فرعون، ثم ذكر القول الثاني وأن الرجل إسرائيلي، قال: " وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي أن الرجل المؤمن كان من آل فرعون قد أصغى لكلامه واستمع منه ما قاله وتوقف عن قتل موسى عند نهيه عن قتله وقيله ما قاله، وقال له ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد، ولو كان إسرائيلياً لكان حرياً أن يعاجل هذا القائل له ولملئه ما قال بالعقوبة على قوله لأنه لم يكن يستنصح بني إسرائيل لاعتداده إياهم أعداء له فيكف بقوله عن قتل موسى لو وجد إليه سبيلا، ولكنه لما كان من ملأ قومه استمع قوله وكف عما كان هم به في موسى - عليه السلام - "(2).
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/85).
(2) جامع البيان للطبري (24/38).(1/36)
2- ابن جزي: " ((وقال رجل مؤمن من آل فرعون))... روي أن هذا الرجل المؤمن كان ابن عم فرعون، فقوله من آل فرعون صفة للمؤمن. وقيل: كان من بني إسرائيل، فقوله من آل فرعون على هذا يتعلق بقوله يكتم إيمانه. والأول أرجح؛ لأنه لا يحتاج فيه إلى تقديم وتأخير، ولقوله: { ?`yJsù?$tRمژفاZtƒ?.`دB?ؤ¨ù't/?"!$#? } ?[سورة غافر: 29]؛ لأن هذا كلام قريب شفيق، ولأن بني إسرائيل حينئذٍ كانوا أذلاء بحيث لا يتكلم أحد منهم بمثل هذا الكلام "(1).
3- ابن كثير: " المشهور أن هذا الرجل المؤمن كان قبطياً "(2). ثم تكلم عن ترجيح الطبري لهذا القول وردّه للقول الآخر. وقد مرّ معنا كلام الطبري قريباً.
4- البقاعي: " ((وقال رجل)) أي كامل في رجوليته ((مؤمن)) أي راسخ الإيمان فيما جاء به موسى - عليه السلام - . ولما كان للإنسان، إذا عم الطغيان، أن يسكن بين أهل العدوان، إذا نصح بحسب الإمكان، أفاد ذلك بقوله ((من آل فرعون)) أي وجوههم ورؤسائهم ((يكتم إيمانه)) أي يخفيه إخفاء شديداً خوفاً على نفسه؛ لأن الواحد إذا شذ عن قبيلة يطمع فيه ما لا يطمع إذا كان واحداً من جماعة مختلفة، مخيلاً لهم بما يوقفهم عن الإقدام على قتله من غير تصريح بالإيمان "(3).
5- المراغي: " الرجل المؤمن هو ابن عم فرعون ووليّ عهده وصاحب شرطته، وهو الذي نجا مع موسى، وهو المراد بقوله { ?uن!%y`ur?×@م_u'?ô`دiB?$|ءّ%r&?دpuZƒد‰yJّ9$#?4سtëَ،o"? } ?[سورة القصص: 20] "(4).
__________
(1) التسهيل لابن جزي (4/8).
(2) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/77).
(3) نظم الدرر للبقاعي (17/53).
(4) تفسير المراغي (24/58).(1/37)
6- السعدي: " هذا الرجل المؤمن، الذي من آل فرعون، من بيت المملكة، لا بد أن يكون له كلمة مسموعة، وخصوصاً إذا كان يظهر موافقتهم ويكتم إيمانه، فإنهم يراعونه في الغالب ما لا يراعونه لو خالفهم في الظاهر... قال ذلك الرجل المؤمن الموفق العاقل الحازم ، مقبحاً فعل قومه، وشناعة ما عزموا عليه (أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله) "(1).
7- سيد قطب " ... هنا انتدب رجل من آل فرعون، وقع الحق في قلبه، ولكنه كتم إيمانه انتدب يدفع عن موسى - عليه السلام - ، ويحتال لدفع القوم عنه، ويسلك في خطابه لفرعون وملئه مسالك شتى، ويتدسس إلى قلوبهم بالنصيحة، ويثير حساسيتها بالتخويف والإقناع "(2).
... وبمثل ذلك وبعبارات مقاربة رجح كل من: الإمام النسفي(3)، والزمخشري(4)، والنيسابوري(5)، والفخر الرازي(6)، ونظام الدين النيسابوري(7)، والمحلي(8)، والألوسي(9)، وابن عاشور(10).
ولا يوجد هنا مخالف.
تعقيب الباحث:
... الراجح في هذه الآية حسب ما يظهر -والله أعلم- أن الرجل المؤمن من أشد قرابة فرعون وخاصته وجلسائه، يؤيد هذا الترجيح أمور عدة، منها:
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن لسعدي ص(736).
(2) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/3078).
(3) مدارك التنزيل للنسفي (4/58).
(4) الكشاف للزمخشري (4/158).
(5) إيجاز البيان للنيسابوري (2/173).
(6) التفسير الكبير للفخر الرازي (9/509).
(7) غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري (24/40).
(8) تفسير الجلالين ص(295).
(9) روح المعاني للألوسي (24/63).
(10) التحرير والتنوير لابن عاشور (24/128).(1/38)
1- من قواعد الترجيح المؤيدة لهذا القول، قاعدة: لا يجوز العدول عن ظاهر القرآن الكريم إلا بدليل يجب الرجوع إليه(1)، فإن ما يدل عليه ظاهر ألفاظ الآية أن الرجل من (آل فرعون) يعني من قرابته وعشيرته، فلا يصح أن يقال إن الرجل من بني إسرائيل وقد صرح القرآن الكريم أن الرجل من آل فرعون.
2- كذلك قاعدة أخرى في الترجيح تؤيده هي قاعدة: القول بالترتيب مقدم على القول بالتقديم والتأخير، " إذا اختلف المفسرون في تفسير آية من كتاب الله - عز وجل - وكان خلافهم دائراً بين مدعٍ للتقديم والتأخير في الآية ومبقٍ لها على ترتيبها، فأولى القولين بالصواب قول من قال بالترتيب؛ لأنه الأصل في الكلام، ولا ينتقل عن الأصل إلا بدليل واضح، وقرينة بيّنة، لاسيما إذا استقام المعنى بدونه، فإذا احتمل الأمر وعُدم الدليل والقرينة فالقول الحق أن يبقى الكلام على ترتيبه "(2) وهذا ينطبق على الترجيح في هذه الآية، فإن من يقول إن الرجل كان إسرائيلياً يبنونه على اعتبار أن في الآية تقديماً وتأخيراً، كأنها: وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون، بتقديم (يكتم إيمانه) وتأخير (من آل فرعون)، وأما المرجحون لكونه من آل فرعون؛ فالمعنى عندهم مبني على بقاء ألفاظ الآية على تريبها، وقولهم هو الراجح بناء على القاعدة المذكورة.
__________
(1) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/137).
(2) المرجع السابق (2/451).(1/39)
3- إن المتأمل في الآيات يجد أن طريقة مخاطبة هذا الرجل المؤمن لفرعون تشمل على ما يدل أنه فعلاً من قرابة فرعون، فهو يستخدم لفظة (يا قوم) عدة مرات، فلن يكون الرجل من بني إسرائيل ويخاطب فرعون ومن معه بلفظ (يا قوم)، من ذلك { ?دQِqs)"tƒ?مNن3s9?à7ù=كJّ9$#?tPِquّ9$#?z`ƒحچخg"sك?'خû?اعِ'F{$#?`yJsù?$tRمژفاZtƒ?.`دB?ؤ¨ù't/?"!$#?bخ)?$tRuن!%y`? } ??سورة غافر: ???، { ?دQِqs)"tƒ? 'دoTخ)?ك$%s{r&?Nن3ّn=tو?ں@÷WدiB?دQِqtƒ?ة>#u"ômF{$#?اجةب? } ???سورة غافر: 30]، { ?دQِqs)"tƒ?بbqمèخ7¨?$#?ِNà2د‰÷dr&?ں@خ6y™?دٹ$x©چ9$#?اجرب? } ??سورة غافر: 38 ] وغيرها?(1)??
4- يلاحظ أن فرعون " أصغى لكلام هذا الرجل واستمع منه ما قاله وتوقف عن قتل موسى - عليه السلام - عند نهيه عن قتله "(2)، مما يدل على أن الرجل ذو مكانة اجتماعية ومنصب رفيع عند فرعون، ولو كان هذا الرجل إسرائيلياً لكان أسرع ما يكون إليه هو نفسه القتل، هذا لمجرد كونه إسرائيلياً، فكيف لو تكلم بمثل هذا الكلام، وقد جاء على لسان فرعون -فيما حكاه القرآن عنه- { ?(#ûqè=çFّ%$#?uن!$sYِ/r&?ڑْïد%©!$#?(#qمZtB#uن?¼çmyètB? } ?[سورة غافر: 25] ففي هذا أيضاً دليل على أن الرجل من قوم فرعون وليس من بني إسرائيل.
5- إن الدلالة اللغوية للفظ (آل) ترجح كون الرجل من قرابة فرعون " لأن لفظ الآل يقع على القرابة والعشيرة، قال تعالى { ?Hwخ)?tA#uن?7قqن9? ?Nكg"sYّ¯gھU?9چys|،خ0? } ?[سورة القمر: 34] "(3).
6- " وقد ردّ على من علّق (من آل فرعون) بـ (يكتم)؛ فإنه لا يقال: كتمت من فلان كذا، إنما يقال: كتمت فلاناً كذا، قال تعالى { ?ںwur?tbqكJçFُ3tƒ?©!$#?$ZVƒد‰tn? } ?[سورة النساء: 42] "(4).
__________
(1) انظر الآيات (28-45) من سورة غافر.
(2) جامع البيان للطبري (24/38).
(3) التفسير الكبير للفخر الرازي (9/509).
(4) البحر المحيط لأبي حيان (9/251).(1/40)
7- صرّح بعض المفسرين بالرد على القول إن الرجل كان إسرائيلياً؛ بأنه " فيه بُعد "(1) " وهو خلاف ما في الآية "(2). والله أعلم بالصواب.
- - -
معنى قوله تعالى { ?مژِچxî?5bqمYôJtB? }
61- قوله تعالى: { ?¨bخ)?tûïد%©!$#?(#qمZtB#uن?(#qè=دJtمur?دM"ysد="¢ء9$#?َOكgs9?يچô_r&?مژِچxî?5bqمYôJtB?ارب? } ?[سورة فصلت: 8].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
اختلف المفسرون في المراد بقوله تعالى في هذه الآية الكريمة ((غير ممنون)) على أقوال:
1- (غير ممنون) يعني غير مقطوع.
... ثم إن عدم الانقطاع قد يراد به:
أ - عدم انقطاع نعيم الجنة عن المؤمنين الذين أكرمهم الله - عز وجل - بدخول الجنة(3).
ب- أو يراد به عدم انقطاع كتابة الأجر للمرضى والزمنى والهرمى إذا عجزوا عن الطاعة يكتب لهم كأصح ما كانوا يعملون فيه(4).
2- ((غير ممنون)) يعني غير ممنون عليهم به.
3- ((غير ممنون) يعني غير منقوص.
4- ((غير ممنون)) يعني غير محسوب(5).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " قوله تعالى { ?¨bخ)?tûïد%©!$#?(#qمZtB#uن?(#qè=دJtمur?دM"ysد="¢ء9$#?َOكgs9?يچô_r&?مژِچxî?5bqمYôJtB?ارب? } ، الأجر جزاء العمل، وجزاء عمل الذين آمنوا وعملوا الصالحات هو نعيم الجنة، وذلك الجزاء غير ممنون، أي غير مقطوع.
__________
(1) المرجع السابق (9/251).
(2) فتح القدير للشوكاني (4/470)، فتح البيان للقنوجي (12/181).
(3) هذا المعنى من عدم الانقطاع هو الذي رجحه الشنقيطي في أضواء البيان (7/115).
(4) قاله السدي وحكاه عنه البغوي، مختصر البغوي (2/826).
(5) ذكر الأقوال الأربعة مجتمعة الماوردي في النكت والعيون (5/169)، ما عدا التفصيل المذكور تحت القول الأول.(1/41)
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن أجرهم غير ممنون؛ نص الله تعالى عليه في آيات أخر من كتابه، كقوله تعالى في آخر سورة الانشقاق { ?wخ)?tûïد%©!$#?(#qمZtB#uن?(#qè=دJtمur?دM"ysد="¢ء9$#?ِNçlm;?يچô_r&?مژِچxî?ObqمYôJtB?اثخب? } ?[سورة الانشقاق: 25]، وقوله تعالى في سورة التين { ?wخ)?tûïد%©!$#?(#qمZtB#uن?(#qè=دHxهur?دM"ysد="¢ء9$#?َOكgn=sù?يچô_r&?مژِچxî?5bqمYّےxE?ادب? } ?[سورة التين: 6]، وقوله تعالى في سورة هود { ?*?$¨Br&ur?tûïد%©!$#?(#rك‰دèك™?'إ"sù?دp¨Ypgù:$#?tûïد$ح#"yz?$pkژدù?$tB?دMtB#yٹ?كN¨uq"yJ،،9$#?قعِ'F{$#ur?wخ)?$tB?uن!$x©?y7ڑ/u'? ?¹ن!$sـtم?uژِچxî?7ŒrنّgxC?اتةرب? } ?[سورة هود: 108]، فقوله غير مجذوذ أي غير مقطوع، وبه تعلم أن غير مجذوذ وغير ممنون معناهما واحد. وقوله تعالى في سورة ص { ?¨bخ)?#x"yd?$sYè%ّ-حچs9?$tB?¼çms9?`دB?>ٹ$xے¯R?اخحب? } ?[سورة ص: 54] أي ما له من انتهاء وانقطاع. وقوله في النحل { ?$tB?َOن.y‰Yدم?ك‰xےZtƒ? ?$tBur?y‰Zدم?"!$#?5-$t/? ? } ?[سورة النحل: 96].
وهذا الذي ذكرنا هو الذي عليه الجمهور؛ خلافاً لمن قال إن معنى غير ممنون: غير ممنون عليهم به، وعليه فالمن في الآية من جنس المن المذكور في قوله تعالى { ?ںw?(#qè=دِ7è??Nن3دG"s%y‰|¹?اd`yJّ9$$خ/?3"sŒF{$#ur? } ?[سورة البقرة: 264].
ومن قال إن معنى غير ممنون: غير منقوص، محتجاً بأن العرب تطلق الممنون على المنقوص، قالوا ومنه قوله زهير:
فضل الجياد على الخيل البطاء فلا ... ... يعطى بذلك ممنونا ولا نزقا (1)
__________
(1) لم أجد البيت في ديوان بن زهير.
... وزهير هو: بن أبي سلمى بن ربيعة بن رباح المزني، أحد فحول شعراء الجاهلية. انظر: شرح ديوان زهير بن أبي سلمى ص(5).
... و (نزقا): قال في القاموس المحيط: نزق الإناء والغدير: امتلأ إلى رأسه. القاموس المحيط
ص(1194) باب القاف فصل النون. بتصرف.(1/42)
فقوله ممنوناً أي منقوصاً. وهذا وإن صح لغةً؛ فالأظهر أنه ليس معنى الآية. بل معناها هو ما قدمنا. والعلم عند الله تعالى "(1).
الموافقون:
وأعني بهم الذين رجحوا أن ((غير ممنون)) تعني غير مقطوع، وأن نعيم الجنة وهو الأجر الذي أعده الله - عز وجل - لعباده المؤمنين غير مقطوع عنهم، بل يُعطَوه بلا حساب أبد الآبدين، متوافقين في ذلك مع ما ذهب إليه الشيخ الشنقيطي، فمنهم:
1- الإمام ابن كثير: " إن الذين آمنوا الصالحات لهم أجر غير ممنون " قال مجاهد وغيره: غير مقطوع ولا مجبوب، كقوله تعالى { ?ڑْüدVإ3"¨B?دmٹدù?#Y‰t/r&?اجب? } ?[سورة الكهف: 3] وكقوله - عز وجل - { ?¹ن!$sـtم?uژِچxî?7ŒrنّgxC? } ?[سورة هود: 108] "(2).
2- المحلي: " ((لهم أجر غير ممنون)) ممنون مقطوع "(3).
3- البقاعي: " ((لهم أجر)) أي عظيم ((غير ممنون)) أي مقطوع، جزاء على سماحهم بالفاني اليسير من أموالهم في الزكاة وغيرها وما أمر الله - عز وجل - من أقوالهم وأفعالهم في الآخرة والدنيا، والممنون: المقطوع؛ من مننت الحبل أي قطعته، يقطع مننه، ومنه قولهم: قد منّه السفر أي قطعه وأذهب منته "(4).
4- السعدي: " ((غير ممنون)) أي غير مقطوع ولا نافذ، بل هو مستمر مدى الأوقات، متزايد على الساعات، مشتمل على جميع اللذات والمشتبهات "(5).
المخالفون:
... وهم كل من رجّح قولاً واحداً خلاف ما اختاره الشنقيطي، منهم:
1- الإمام النسفي: " ((إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون)) مقطوع، قيل: نزلت في المرضى والزمنى والهرمى إذا عجزوا عن الطاعة كتب لهم الأجر كأصح ما كانوا يعملون "(6).
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/115).
(2) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/92).
(3) تفسير الجلالين ص(401).
(4) نظم الدرر للبقاعي (17/148).
(5) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(745).
(6) مدارك التنزيل للنسفي (4/67).(1/43)
2- النيسابوري: " ((ممنون)) منقوص "(1).
3- ابن عاشور: " والأجر: الجزاء النافع عن العمل الصالح،أو هو ما يُعطونه من نعيم الجنة. والممنون: مفعول من المن، وهو ذكر النعمة للمنعَم عليه بها، والتقدير غير ممنون به عليهم، وذلك كناية عن كونهم أعطوه شكراً لهم على ما أسلفوه من عمل صالح فإن الله غفور شكور، يعني: أن الإنعام عليهم في الجنة ترافقه الكرامة والثناء فلا يُحسون بخجل العطاء، وهو من قبيل قوله تعالى { ?ںw?(#qè=دِ7è??Nن3دG"s%y‰|¹?اd`yJّ9$$خ/?3"sŒF{$#ur? } ?[سورة البقرة: 264] فأجرهم بمنزلة الشيء المملوك لهم الذي لهم يعطه إياهم أحد وذلك تفضل من الله - عز وجل - "(2).
... أما الغالبية العظمى من المفسرين فإنهم جمعوا الأقوال كلها أو بعضها دون ترجيح، ولقد حكى الشنقيطي إجماع الجمهور على ما اختاره، فبهذا الاعتبار وجدت أن كل الذين لم يرجحوا قولاً واحداً، وإنما جمعوا الأقوال عند تفسيرهم للآية قد اتفقوا على ذكر أن ((غير ممنون)) تعني: غير مقطوع، ثم قد يذكرون معه كل الأقوال الباقية أو بعضها، وهاك أمثلة:
1- الإمام البغوي: " ((إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون)) قال ابن عباس: غير مقطوع. وقال مقاتل : غير منقوص، ومنه المنون لأنه ينقص منة الإنسان وقوّته. وقيل: غير ممنون عليهم به. وقال مجاهد: غير محسوب. وقال السدي: نزلت هذه الآية في المرضى والزمنى والهرمى، إذا عجزوا عن الطاعة يكتب لهم كأصح ما كانوا يعملون فيه "(3).
2- ابن الجوزي: " قوله تعالى ((غير ممنون)) أي غير مقطوع ولا منقوص "(4).
???
__________
(1) إيجاز البيان للنيسابوري (2/175).
(2) التحرير والتنوير لابن عاشور (24/241).
(3) مختصر البغوي (2/826).
(4) زاد المسير لابن الجوزي (7/54).(1/44)
الفخر الرازي: " ((إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون)) أي غير مقطوع، من قولك مننت الحبل أي قطعته ومنه قولهم قد منّه السفر أي قطعه. وقيل: لا يمن عليهم؛ لأنه تعالى لما سماه أجراً، فإذاً الأجر لا يوجب المنة. وقيل: نزلت في المرضى والزمنى إذا عجزوا عن الطاعة كتب لهم الأجر كأحسن ما كانوا يعملون "?(1)??
4- ابن جزي: " ((أجر غير ممنون)) أي غير مقطوع، من قولك: مننت الحبل إذا قطعته. وقيل: غير منقوص. وقيل: غير محصور. وقيل: لا يمن عليهم به؛ لأن المن يكدر الإحسان "(2).
5- البيضاوي: " ((لهم أجر)) عظيم ((غير ممنون)) لا يمن به عليهم، من المن وأصله الثقل. أو لا يقطع، من ممنت الحبل إذا قطعته. وقيل: نزلت في المرضى والهرمى إذا عجزوا عن الطاعة كتب لهم الأجر كأصلح ما كانوا يعملون "(3).
6- القاسمي: " ((لهم أجر غير ممنون)) أي عليهم، أو غير منقوص، أو غير منقطع، أو غير محسوب "(4).
... وينحو عبارات من سبق فسرها كل من الإمام الماوردي(5)، والقرطبي(6)، والخازن(7)، وأبي حيان(8)، والثعالبي(9)، والشوكاني(10)، والألوسي(11)، والقنوجي(12).
تعقيب الباحث:
يظهر -والله أعلم- أن الراجح هنا حمل الآية على جميع المعاني الواردة عن المفسرين، يدل على ذلك أمور:
__________
(1) التفسير الكبير للفخر الرازي (9/543).
(2) التسهيل لابن جزي (4/19).
(3) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/186).
(4) محاسن التأويل للقاسمي (14/988).
(5) النكت والعيون للماوردي (5/169).
(6) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (15/341).
(7) لباب التأويل للخازن (6/88).
(8) البحر المحيط لأبي حيان (9/287).
(9) جواهر الحسان للثعالبي (4/82).
(10) فتح القدير للشوكاني (4/487).
(11) روح المعاني للألوسي (24/98).
(12) فتح البيان للقنوجي (12/227).(1/45)
1- الدلالة اللغوية للفظة ((ممنون)) تحتمل جميع المعاني الواردة، وقد سبق في ثنايا كلام المفسرين بيان هذه المعاني سواء أريد بها: مقطوع أو ممنون عليهم به أو منقوص أو محسوب.
2- إن حُملت على أن المعنى غير مقطوع، فقد لت آيات من كتاب الله - عز وجل - أن ما يعطاه المؤمنون في الجنة لا ينقطع عنهم أبداً، منها قوله تعالى { ?*?$¨Br&ur?tûïد%©!$#?(#rك‰دèك™?'إ"sù?دp¨Ypgù:$#?tûïد$ح#"yz?$pkژدù?$tB?دMtB#yٹ?كN¨uq"yJ،،9$#?قعِ'F{$#ur?wخ)?$tB?uن!$x©?y7ڑ/u'? ?¹ن!$sـtم?uژِچxî?7ŒrنّgxC?اتةرب? } ?[سورة هود: 108]، وقوله تعالى { ?$tB?َOن.y‰Yدم?ك‰xےZtƒ? ?$tBur?y‰Zدم?"!$#?5-$t/? } ?[سورة النحل: 96]، وقوله تعالى { ?¨bخ)?#x"yd?$sYè%ّ-حچs9?$tB?¼çms9?`دB?>ٹ$xے¯R?اخحب? } ?[سورة ص: 54].
3- وإن حُملت على أن المعنى غير محسوب، فقد دلت عليه أيضاً آيات، كقوله تعالى { ?مNهku‰ح"ôfuد9?ھ!$#?z`|،ômr&?$tB?(#qè=دHxه?Nèdy‰ƒح"tƒur?`دiB?¾د&ح#ôزsù? ?ھ!$#ur?ن-م-ِچtƒ?`tB?âن!$t±o"?خژِچtَخ/?5>$|،دm?اجرب? } ?[سورة النور: 38]، وقوله تعالى { ?$yJ¯Rخ)?'¯ûuqمƒ?tbrمژة9"¢ء9$#?Nèduچô_r&?خژِچtَخ/?5>$|،دm? } ?[سورة الزمر: 10]، وقوله تعالى { ?ô`tB?ں@دJtم?Zpy¥حhٹy™?ںxsù?#"u"ّgن†?wخ)?$ygn=÷WدB? ?ô`tBur?ں@دJtم?$[sد="|¹?`دiB?@چں2sŒ?÷rr&?4سs\Ré&?uqèdur?رئدB÷sمB?y7ح´¯"s9'ré'sù?ڑcqè=نzô‰tƒ?sp¨Ypgù:$#?tbqè%y-ِچمƒ?$pkژدù?خژِچtَخ/?5>$|،دm?احةب? } ?[سورة غافر: 40].(1/46)
4- وإن أريد أن المعنى غير منقوص، فهناك من الآيات ما يدل على توفية أجر العامل، منها قوله تعالى { ?$¨Br&ur?ڑْïد%©!$#?(#qمZtB#uن?(#qè=دJtمur?دM"ysد="¢ء9$#?َOخgدjùuqمsù?ِNèdu'qم_é&? ?ھ!$#ur?ںw? =إsمƒ?tûüدHح>"©à9$#?اخذب? } ?[سورة آل عمران: 57]، وقوله تعالى { ?$yJ¯Rخ)ur?ڑcِq©ùuqè??ِNà2u'qم_é&?tPِqtƒ?دpyJ"uٹة)ّ9$#? } ?[سورة آل عمران: 185]، وقوله تعالى { ?NèO?çm1u"ّgن†?uن!#u"yfّ9$#?4'nû÷rF{$#?احتب? } ?[سور النجم: 41].
5- وأما إرادة أن يكون المعنى غير ممنون عليهم به، فإنه وإن ردّ الإمام ابن كثير عليه بقوله " وقد ردَّ هذا التفسير بعضُ الأئمة، فإن المنة لله تعالى على أهل الجنة، قال الله تبارك وتعالى { ?ب@t/?ھ!$#?گ`كJtƒ?ِ/ن3ّn=tو?÷br&?ِ/ن31y‰yd?ا`"yJƒM~د9? } ?[سورة الحجرات: 17]، وقال [على لسان] أهل الجنة { ? ئyJsù?ھ!$#?$uZّٹn=tم?$sY9s%urur?z>#xtم?دQqكJ،،9$#?اثذب? } ?[سورة الطور: 27] "(1). فإن هذا لا يخالف هذا، بمعنى أن المنة والفضل لله - عز وجل - ، ومن كرمه وفضله ومنته - عز وجل - أن جعل الأجر الذي يعطيه للمؤمنين كأنه واجب وحق لهم يأخذونه، فإنعامه " عليهم في الجنة ترافقه الكرامة والثناء فلا يحسون بخجل العطاء.. فأجرهم بمنزلة الشيء المملوك لهم الذي لم يعطه إياهم أحد، وذلك تفضل من الله - عز وجل - "(2). " لأن أعطيات الله - عز وجل - تشريف، والمنّ إنما يدخل أعطيات البشر "(3). والله أعلم بالصواب.
- - -
المراد بالظن
62- قوله تعالى { ?¨@|تur?Nهk÷]tم?$¨B?(#qçR%x.?tbqممô‰tƒ?`دB?م@ِ6s%? ?(#q'Zsكur?$tB?Mçlm;?`دiB?<بٹدtOC?احرب? } ?[سورة فصلت: 48].
مجمل الأقوال الواردة في الآية
__________
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/92).
(2) التحرير والتنوير لابن عاشور (24/241).
(3) البحر المحيط لأبي حيان (9/287).(1/47)
1- أن الظن هنا بمعنى العلم واليقين، أي أيقنوا حينئذٍ أنه لا مهرب لهم من العذاب(1).
2- أن يكون الظن على معناه الحقيقي، وليس ببعيد أن يكون لهم ظن ورجاء(2).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- " الظن هنا بمعنى اليقين؛ لأن الكفار يوم القيامة إذا عاينوا العذاب، وشاهدوا الحقائق، علموا في ذلك الوقت أنهم ليس لهم من محيص، أي ليس لهم مفر ولا ملجأ.
... وما ذكرنا من أن الظن في هذه الآية الكريمة بمعنى اليقين والعلم، هو التحقيق إن شاء الله؛ لأن يوم القيامة تنكشف فيه الحقائق، فيحصل للكفار العلم بها لا يخالجهم في ذلك شك، كما قال تعالى عنهم -إنهم يقولون يوم القيامة- { ?!$sY/u'?$tRِژ|اِ/r&?$uZ÷èدJy™ur?$sY÷èإ_ِ'$$sù?ِ@yJ÷ètR?$·sد="|¹?$¯Rخ)?ڑcqمZد%qمB? } ?[سورة السجدة: 12]، وقال تعالى { ?ôىدےôœr&?ِNخkح5?ِژإاِ/r&ur?tPِqtƒ?$sYtRqè?ù'tƒ? } ?[سورة مريم: 38]، وقال تعالى { ?$uZّےt±s3sù?y7Ztم?x8uن!$sـدî?x8مچ|ءt7sù?tPِquّ9$#?س‰ƒد‰tn? } ?[سورة ق: 22]، وقال تعالى { ?ِqs9ur?#"uچs??ّŒخ)?(#qàےد%مr?4'n?tم?ِNخkحh5u'? ?tA$s%?}ّٹs9r&?#x"yd?بd,ysّ9$$خ/? ?(#qن9$s%?4'n?t/?$uZخn/u'ur? } ?[سورة الأنعام: 30].
... ومعلوم أن الظن يطلق في لغة العرب، التي نزل بها القرآن على معنيين:
أحدهما: الشك، كقوله تعالى { ?¨bخ)ur?£`©à9$#?ںw?سة_َّمƒ?z`دB?بd,utù:$#?$Z"ّx©? } ?[سورة النجم: 28]، وقوله تعالى عن الكفار { ?bخ)?گ`فà¯R?wخ)?$xZsك?$tBur?ك`ّtwU?ڑْüدYة)ّoKَ،كJخ/? } ?[سورة الجاثية: 32].
__________
(1) جامع البيان للطبري (25/3).
(2) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (15/372)، فتح القدير للشوكاني (4/501).(1/48)
والثاني: هو إطلاق الظن مراداً به العلم واليقين، ومنه قوله تعالى هنا ((وظنوا ما لهم من محيص)) أي أيقنوا أنهم ليس لهم يوم القيامة محيص، أي لا مفر ولا مهرب لهم من عذاب ربهم، ومنه بهذا المعنى قوله تعالى { ?#uنu'ur?tbqمBحچôfمKّ9$#?u'$¨Z9$#?(#ûq'Zsàsù?Nهk®Xr&?$ydqمèد%#uq-B? } ?[سورة الكهف: 53] أي أيقنوا ذلك وعلموه، وقوله تعالى { ?tA$s%?ڑْïد%©!$#?ڑcq'Zفàtƒ?Nكg¯Rr&?(#qà)"n=-B?"!$#?Nں2?`دiB?7ptOدù?A's#ٹد=s%?ôMt7n=xî?ZptOدù?OouژچدWں2?بbّŒخ*خ/?"!$#? } ?[سورة البقرة: 249]، وقوله تعالى { ?$¨Br'sù?ô`tB?z'دAré&?¼çmt7"tGد.?¾دmدYٹدJuخ/?مAqà)usù?مPنt!$yd?(#râنuچّ%$#?÷muخ6"tFد.?اتزب?'دoTخ)?àMYuZsك?'دoTr&?@,"n=مB?÷muخ/$|،دm?اثةب? } ?[سورة الحاقة: 19-20] فالظن في الآيات المذكورة كلها بمعنى اليقين "(1).
... الشيخ الشنقيطي إذاً يرى أن المراد بالظن هنا في قوله تعالى ((وظنوا ما لهم من محيص)) هو العلم واليقين، بمعنى أن الكفار يوم القيامة إذا شاهدوا الحقائق علموا وأيقنوا أنه لا مفر لهم ولا مهرب.
الموافقون:
... جمهور من المفسرين -واتفق معهم الشيخ الشنقيطي- ذهبوا إلى أن المراد بالظن هنا: العلم واليقين، منهم:
1- الإمام الطبري: " وقوله ((وظنوا ما لهم من محيص)) يقول وأيقنوا حينئذٍ ما لهم من ملجأ أي ليس لهم ملجأ يلجئون إليه من عذاب الله - عز وجل - (2).
2- الواحدي: " ((وظنوا)) علموا ((ما لهم من محيص)) مهرب "(3).
... وبمثل هذا ونحوه قال.
???البغوي ?(4)?? ... ... ... ???النسفي?(5)?? ... ... ... ... ???الزمخشري?(6)??
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/143-144).
(2) جامع البيان للطبري (25/3).
(3) الوجيز للواحدي (2/958).
(4) مختصر البغوي (2/832).
(5) مدارك التنزيل للنسفي (4/75).
(6) الكشاف للزمخشري (4/199).(1/49)
6- ابن الجوزي(1). ... ... 7- نظام الدين النيسابوري(2). ... 8- ابن جزي(3).
9- أبوحيان(4). ... ... 10- البيضاوي(5). ... ... 11- المحلي(6). ...
12- الثعالبي(7). ... ... 13- الشوكاني(8). ... ... 14- القنوجي(9).
15- القاسمي(10). ... ... 16- السعدي(11).
المخالفون:
1- الإمام البقاعي فقط اعتبر أن الظن هنا على معناه المعروف من الشك والتخمين، فعند بيانه لمعنى الآية قال: " ... وكأنهم لما هم عريقون فيه من الجهل وسوء الطبع يتوقعون أن يظفروا بهم فيشفعوا لهم، فلذلك عبر بالظن في قوله ((ظنوا)) أي في ذلك الحال... "(12).
تعقيب الباحث:
... الظاهر-والله أعلم- أن الراجح تفسير الظن هنا في سورة فصلت بأنه العلم واليقين، وأن الكفار يوم القيامة يعلموا ويتيقنوا أنه لا مفر لهم ولا ملجأ من عذاب الله - عز وجل - وقد شاهدوا الحقائق أمام أعينهم، وهو ما رجحه الشيخ الشنقيطي، يؤيد ذلك أمور:
1- إجماع الجمهور من السلف والخلف على أنه هو الراجح في بيان معنى الآية، وقد ذكرت أن عدداً كبيراً من المفسرين رجّحوا هذا المعنى تحت (الموافقون)، فإنه " إذا انفرد مفسر في تفسير آية من كتاب الله تعالى بقول خالف عامّة المفسرين، ولم يكن لقوله هذا دلالة واضحة قوية فهو قول شاذ، وقول الجماعة أولى بالصواب، وهم إلى الحق أقرب، ومن الخطأ أبعد "(13).
__________
(1) زاد المسير لابن الجوزي (7/67).
(2) غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري (25/13).
(3) التسهيل لابن جزي (4/27).
(4) البحر المحيط لأبي حيان (9/315).
(5) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/191).
(6) تفسير الجلالين ص(405).
(7) جواهر الحسان للثعالبي (4/98).
(8) فتح القدير للشوكاني (4/501).
(9) فتح البيان للقنوجي (12/264).
(10) محاسن التأويل للقاسمي (14/5215).
(11) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(752).
(12) نظم الدرر للبقاعي (17/216).
(13) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/288).(1/50)
2- إن حمل الظن في الآية على معناه الحقيقي من الشك والتخمين، بمعنى أنهم
" ظنوا أن هذه المقالة { ?$tB?$¨YدB?`دB?7‰ٹخky? } ?[سورة فصلت: 47]، منجاة لهم أو أمر يموِّهون به "(1)، قد صرّح بعض المفسرين بالرد عليه بأنه " ضعيف "(2)، وأنه " بعيد جداً "(3). والله أعلم بالصواب.
- - -
مرجع الضمير المتصل في قوله { دmٹدù? }
63- قوله تعالى: { ?مچدغ$sù?دN¨uq"yJ،،9$#?اعِ'F{$#ur? ?ں@yèy_?/ن3s9?ô`دiB?ِNن3إ،àےRr&?$[_¨urّ-r&?z`دBur?ةO"yè÷RF{$#?$[_¨urّ-r&? ?ِNن.نtu'ُtƒ?دmٹدù? ? } ?[سورة الشورى: 11].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن ضمير (فيه) راجع إلى ما ذكر من الذكور والإناث من بني آدم والأنعام في قوله تعالى: ((جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ومن الأنعام أزواجاً)) سواء أريد بالأزواج الإناث من الآدميين والأنعام، أو أريد بالأزواج الذكور والإناث منهما معاً(4).
2- أن ضمير (فيه) راجع إلى الجعل المدلول عليه بالفعل (جَعَل)(5).
3- أن يكون ضمير (فيه) راجع إلى ما ذكر من التدبير(6).
4- وقيل (فيه) أي في الرحم.
5- وقيل (فيه) أي في البطن(7).
6- وقيل (فيه) أي في الزوج(8).
ترجيح الشنقيطي:
__________
(1) المحرر الوجيز لابن عطية (13/129).
(2) التسهيل لابن جزي (4/27).
(3) جواهر الحسان للثعالبي (4/98).
(4) أضواء البيان للشنقيطي (7/147).
(5) ذكره القرطبي في الجامع القرآن (16/8).
(6) مدارك التنزيل للنسفي (4/77).
(7) القولان (4+5) ذكرهما البغوي، مختصر البغوي (2/834).
(8) ذكره الشوكاني في فتح لقدير (4/507).(1/51)
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " التحقيق إن شاء الله أن الضمير في قوله (فيه) راجع إلى ما ذكر من الذكور والإناث من بني آدم والأنعام في قوله تعالى: ((جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ومن الأنعام أزواجاً)) سواء قلنا إن المعنى: أنه جعل للآدميين إناثاً من أنفسهم أي من جنسهم وجعل للأنعام أيضاً إناثاً كذلك، أو قلنا إن المراد بالأزواج الذكور والإناث منهما معاً.
وإذا كان ذلك كذلك؛ فمعنى الآية الكريمة يذرؤكم أي يخلقكم ويبثكم وينشركم فيه، أي فيما ذكر من الذكور والإناث، أي في ضمنه، عن طريق التناسل كما هو معروف.
ويوضح ذلك في قوله تعالى: { ?(#qà)¨?$#?مNن3/u'?"د%©!$#?/ن3s)n=s{?`دiB?<ّے¯R?;oy‰دn¨ur?t,n=yzur?$pk÷]دB?$ygy_÷ry-?£]t/ur?$uKهk÷]دB?Zw%y`ح'?#[ژچدWx.?[ن!$|،دSur? ? } ?[سورة النساء: 1] فقوله تعالى ((وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً)) يوضح معنى قوله (يذرؤكم فيه)...
وقول من قال إن الضمير في قوله (فيه) راجع إلى الرحم، وقول من قال راجع إلى البطن، ومن قال راجع إلى الجعل المفهوم من (جعل)، وقول من قال راجع إلى التدبير، ونحو ذلك من الأقوال خلاف الصواب.
والتحقيق إن شاء الله هو ما ذكرنا. والعلم عند الله تعالى "(1).
ولا يوجد موافق للشنقيطي في هذا الترجيح.
المخالفون:
لقد رجح عدد كبير من المفسرين خلاف ما رجحه الشنقيطي في تحديد مرجع الضمير المتصل في (فيه) في قوله تعالى: { ?مچدغ$sù?دN¨uq"yJ،،9$#?اعِ'F{$#ur? ?ں@yèy_?/ن3s9?ô`دiB?ِNن3إ،àےRr&?$[_¨urّ-r&?z`دBur?ةO"yè÷RF{$#?$[_¨urّ-r&? ?ِNن.نtu'ُtƒ?دmٹدù? ? } ، ويمكن تقسيمهم إلى أكثر من فئة:
أ- الذين رجّحوا رجوع الضمير إلى الجعل المدلول عليه بالفعل ((جعل))، منهم:
???الإمام الواحدي "???يذرؤكم فيه)) أي يكثّركم يجعله لكم حلائل، لأنهن سبب النسل "?(2)??
???
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/175)؟
(2) الوجيز للواحدي (2/961).(1/52)
ابن عطية: "?وقوله???فيه)) الضمير على الجعل الذي تضمنه قوله?تعالى ((جعل لكم))، وهذا كما تقول: كلمت زيداً كلاماً أكرمته فيه "?(1)??
???ابن القيم: "?والضمير في قوله???فيه)) يرجع إلى الجعل. ومعنى (الذرء) الخلق وهو هنا الخلق الكثير فهو خلق وتكثير "?(2)??
???السعدي: "???يذرؤكم فيه)) أي يبثكم ويكثركم ويكثر مواشيكم، بسبب أن جعل لكم من أنفسكم وجعل لكم من الأنعام أزواجاً "?(3)??
... ونحواً من هذا قد قال كل من الإمام المحلي?(4)?، والثعالبي?(5)?، وابن عاشور?(6)??
ب- الذين رجّحوا رجوع الضمير إلى التدبير، منهم:
???الإمام النسفي: "???فيه)) في هذا التدبير وهو أن جعل الناس والأنعام أزواجاً حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد والتناسل. واختير (فيه) على (به) لأنه جعل هذا التدبير كالمنبع والمعدن للبث والتكثير "?(7)??
???البيضاوي: "???فيه)) في هذا التدبير وهو جعل الناس والأنعام أزواجاً يكون بينهم توالد فإنه كالمنبع للبث والتكثير "?(8)??
???
__________
(1) المحرر الوجيز لابن عطية (13/146).
(2) بدائع التفسير الجامع لتفسير ابن القيم (4/109).
(3) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(754).
(4) تفسير الجلالين ص(406).
(5) جواهر الحسان للثعالبي (4/103).
(6) التحرير والتنوير لابن عاشور (25/45).
(7) مدارك التنزيل للنسفي (4/77).
(8) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/193).(1/53)
البقاعي: "???يذرؤكم)) أي يخلقكم ويكثركم، ولما كان الأزواج في غاية المحبة للزوج بحيث أنه مستولٍ على القلوب كان كأنه محيط بهم فقال ((فيه)) أي في ذلك التزاوج بحيث يجعلكم مولعين به، من قوله?ذرأه: خلقه وكثره وأولعه بالشيء، فيكون لكم في الأزواج من البشر نطفاً وجمالاً وولادة، وفي الأنعام غذاء وشراباً وأكلاً، وغير ذلك مما لكم فيه من المنافع، ولا تزالون في هذا الوجه من الخلق والتزواج نسلاً بعد نسل وجيلاً بعد جيل "?(1)??
... وبنحو هذا قد جاء كلام الزمخشري?(2)?، والنيسابوري?(3)?، والفخر الرازي?(4)??
أما الذين لم يرجحوا أحد الأقوال لا يمكن تصنيفهم موافقين أو مخالفين، إنما سأذكر أقوال بعضهم للإطلاع على معظم ما قيل في تفسير الآية، منهم:
???الإمام البغوي: "???يذرؤكم)) يخلقكم ((فيه)) أي في الرحم. وقيل: في البطن. وقيل: على هذا الوجه من الخلقة. قال مجاهد: نسلاً بعد نسل من الناس والأنعام "?(5)??
???القرطبي: "???يذرؤكم فيه)) أي يخلقكم وينشئكم ((فيه)) أي في الرحم. وقيل: في البطن... وقيل: إن الهاء في ((فيه)) للجعل، ودل عليه ((جَعَل)) فكأنه قال: يخلقكم ويكثركم في الجعل. ابن قتيبة : (يذرؤكم فيه) أي في الزوج؛ أي يخلقكم في بطون الإناث "?(6)??
???ابن جزي: "????والضمير المجرور يعود على الجعل الذي يتضمنه قوله???جعل لكم))، وهذا كما تقول كلمت زيداً كلاماً أكرمته فيه. وقيل: الضمير للتزويج الذي دل عليه قوله?أزواجاً "?(7)??
__________
(1) نظم الدرر للبقاعي (17/257).
(2) الكشاف للزمخشري (4/206).
(3) إيجاز البيان للنيسابوري (2/180).
(4) التفسير الكبير للفخر الرازي (9/582).
(5) مختصر البغوي (2/834).
(6) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/8) باختصار.
(7) التسهيل لابن جزي (4/31).(1/54)
... ونحواً من ذلك جاء كلام كل من الإمام ابن الجوزي?(1)?، والخازن?(2)?، والشوكاني?(3)?، والقنوجي?(4)?، والقاسمي?(5)??
تعقيب الباحث:
... الذي يظهر -والله أعلم- صحة ما قاله جميع المفسرين، فيصح رجوع الضمير إلى ما ذكره الشيخ الشنقيطي؛ أنه راجع إلى ما ذكر في الآية من الذكور والإناث من بني آدم والأنعام، سواء أريد بالأزواج الإناث من الآدميين والأنعام، أو أريد بالأزواج الذكور والإناث منهما معاً، وكذلك يصح رجوعه إلى الجعل المدلول عليه بالفعل ((جعل))، وكذلك يصح رجوعه إلى التدبير، أو إلى الرحم أو البطن أو الزوج.
... والسبب في صحة إرجاعه إلى كل ما ذكر؛ أن كل مراجع الضمير التي ذكرها المفسرون ليس فيها أي مرجع ظاهر مذكور، إنما كلها مراجع مقدرة يستدل عليها بكلمات أو عبارات مذكورة تدل عليها، ولهذا فلا مانع من إرجاع الضمير إلى كل ما ذُكر من الأقوال. والله أعلم بالصواب.
- - -
المراد بالميزان
????قوله?تعالى: { ?ھ!$#?ü"د%©!$#?tAu"Rr&?|="tGإ3ّ9$#?بd,utù:$$خ/?tb#u"چدJّ9$#ur? ? } ?[سورة الشورى: 17].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن المراد بالميزان: العدل والإنصاف.
2- أنه ما بيُّن في الكتب المنزلة مما يجب على كل إنسان أن يعمل به.
3- أن الميزان هو: العدل فيما أمر به ونُهي عنه، قال القرطبي: وهذه الأقوال [الثلاثة] متقاربة المعنى.
4- الجزاء على الطاعة بالثواب، وعلى المعصية بالعقاب.
5- أن الميزان يراد به: آلة الوزن المعروفة.
6- قيل: هو محمد - صلى الله عليه وسلم - (6).
__________
(1) زاد المسير لابن الجوزي (7/74).
(2) لباب التأويل للخازن (6/99).
(3) فتح القدير للشوكاني (4/507).
(4) فتح البيان للقنوجي (12/281).
(5) محاسن التأويل للقاسمي (14/5225).
(6) الأقوال من رقم (1) إلى رقم (6) ذكرها القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (16/15).(1/55)
7- قيل: هو العقل(1).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة ((والميزان)) يعني أن الله جل وعلا هو الذي أنزل الميزان، والمراد به العدل والإنصاف.
وقال بعض أهل العلم: الميزان في الآية هو آلة الوزن المعروفة، ومما يؤيد ذلك أن الميزان مفعال، والمفعال قياسي في اسم الآلة.
وعلى التفسير الأول وهو أن الميزان العدل والإنصاف، فالميزان الذي هو آلة الوزن المعروفة داخل فيه؛ لأن إقامة الوزن بالقسط من العدل والإنصاف.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن الله تعالى هو الذي أنزل الكتاب والميزان أوضحه في غير هذا الموضع كقوله تعالى في سورة الحديد { ?ô‰s)s9?$uZù=y™ِ'r&?$sYn=ك™â'?دM"uZةi t7ّ9$$خ/?$uZّ9u"Rr&ur?قOكgyètB?|="tGإ3ّ9$#?ڑc#u"چدJّ9$#ur?tPqà)uد9?â¨$¨Y9$#?إفَ،ة)ّ9$$خ/? ? } ?[سورة الحديد: 25]، فصرح تعالى بأنه أنزل مع رسله الكتاب والميزان لأجل أن يقوم الناس بالقسط، وهو العدل والإنصاف. وكقوله تعالى في سورة الرحمن { ?uن!$yJ،،9$#ur?$ygyèsùu'?yى|تurur?ڑc#u"چدJّ9$#?اذب?wr&?(#ِqtَôـs??'خû?بb#u"چدJّ9$#?ارب?(#qكJٹد%r&ur?ڑcّ-uqّ9$#?إفَ،ة)ّ9$$خ/?ںwur?(#rمژإ£ّƒéB?tb#u"چدJّ9$#?ازب? } ?[سورة الرحمن: 7-9].
قال مقيده(2) عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر لي والله تعالى أعلم: أن الميزان في سورة الشورى وسورة الحديد هو العدل والإنصاف، كما قاله غير واحد من المفسرين.
وأن الميزان في سورة الرحمن هو الميزان المعروف؛ أعني آلة الوزن التي يوزن بها بعض المبيعات.
__________
(1) غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري (25/24).
(2) يعني الشيخ محمد الأمين الشنقيطي نفسه.(1/56)
ومما يدل على ذلك: أنه في سورة الشورى وسورة الحديد عبر بإنزال الميزان لا بوضعه، وقال في سورة الشورى ((الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان))، وقال في سورة الحديد: ((وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ))، وأما في سورة الرحمن فقد عبر بالوضع لا الإنزال؛ قال: ((والسماء رفعها ووضع الميزان)) ثم اتبع ذلك بما يدل على أن المراد به آلة الوزن المعروفة، وذلك في قوله: ((وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان)) "(1).
فالشيخ الشنقيطي يرجح أن المراد بالميزان هنا في سورة الشورى: العدل والإنصاف.
الموافقون:
عدد كبير من المفسرين فسروا الميزان هنا في سورة الشورى في قوله تعالى ((الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان)) بأنه يراد به العدل والإنصاف، متوافقين في ذلك مع ما ذهب إليه الشنقيطي، منهم:
1- الإمام الطبري: " ((الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان)) يقول تعالى ذكره الله الذي أنزل هذا الكتاب يعني القرآن بالحق، والميزان يقول وأنزل الميزان وهو العدل ليقضي بين الناس بالإنصاف ويحكم فيهم بحكم الله الذي أمر به في كتابه "?(2)??
2- الواحدي: " الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان)) أي العدل، والمعنى: أن الله تعالى أمر أن يقتدى بكتابه في أوامره ونواهيه، وأن يعامل بالنّصفة والسَّوية، وآلة ذلك الميزان "(3).
3- البغوي: " ((الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان)) قال قتادة ومجاهد ومقاتل: العدل، وسمي العدل ميزاناً لأن الميزان آلة الإنصاف والتسوية "(4).
4- ابن عطية: " والميزان هنا: العدل، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والناس. وحكى الثعلبي عن مجاهد أنه قال: هو هنا الميزان الذي بأيدي الناس.
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/183).
(2) جامع البيان للطبري (25/13).
(3) الوجيز للواحدي (2/963).
(4) مختصر البغوي (2/836).(1/57)
... [ثم قال:] ولا شك أنه داخل في القول وجزء منه، وكل شيء من الأمور فالعدل فيه إنما هو بتقدير ووزن مستقيم، فيحتاج في الأجرام إلى آلة وهي العمود والكفتان التي بأيدي البشر، ويحتاج في المعاني إلى هيئات في النفوس وفهوم توازن بين الأشياء "(1).
5- ابن كثير: " ((الله الذي أنزل الكتاب بالحق)) يعني الكتب المنزلة من عنده على أنبيائه ((والميزان)) هو العدل والإنصاف؛ قاله مجاهد وقتادة. وهذه كقوله تعالى: { ?ô‰s)s9?$uZù=y™ِ'r&?$sYn=ك™â'?دM"uZةi t7ّ9$$خ/?$uZّ9u"Rr&ur?قOكgyètB?|="tGإ3ّ9$#?ڑc#u"چدJّ9$#ur?tPqà)uد9?â¨$¨Y9$#?إفَ،ة)ّ9$$خ/? ? } ???سورة الحديد: 25]، وقوله?? { ?uن!$yJ،،9$#ur?$ygyèsùu'?yى|تurur?ڑc#u"چدJّ9$#?اذب?wr&?(#ِqtَôـs??'خû?بb#u"چدJّ9$#?ارب?(#qكJٹد%r&ur?ڑcّ-uqّ9$#?إفَ،ة)ّ9$$خ/?ںwur?(#rمژإ£ّƒéB?tb#u"چدJّ9$#?ازب? } ?[سورة الرحمن: 7-9] "(2).
6- القاسمي: " ((الله الذي أنزل الكتاب بالحق)) أي متلبساً به في أحكامه وأخباره ((والميزان)) أي وأنزل الميزان وهو العدل الذي يوزن به الحقوق ويسوّى به الخلاف "(3).
__________
(1) المحرر الوجيز لابن عطية (13/156).
(2) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/110).
(3) محاسن التأويل للقاسمي (14/5235).(1/58)
7- السعدي: "... وأما الميزان فهو العدل والاعتبار بالقياس الصحيح والعقل الرجيح، فكل الدلائل العقلية من الآيات الأفاقية والنفسية، والاعتبارات الشرعية، والمناسبات والعلل، والأحكام والحكم، داخلة في الميزان الذي أنزله الله تعالى ووضعه بين عباده، ليزنوا به ما أشتبه من الأمور، ويعرفوا به صدق ما أخبر به وأخبرت رسله، فما خرج عن هذين الأمرين؛ عن الكتاب والميزان مما قيل إنه حجة أو برهان أو دليل أو نحو ذلك من العبارات، فإنه باطل متناقض، قد فسدت أصوله، وانهدمت مبانيه وفروعه، يعرف ذلك من خبر المسائل ومآخذها، وعرف التمييز بين راجح الأدلة من مرجوحها، والفرق بين الحجج والشبه، وأما من اغتر بالعبارات المزخرفة، والألفاظ المموهة، ولم تنفذ بصيرته إلى المعنى المراد، فإنه ليس من أهل هذا الشأن، ولا من فرسان هذا الميدان، فوفاقه وخلافه سيان "(1).
وبنحو ذلك أيضاً قال: الفخر الرازي(2)، والخازن(3)، وأبوحيان (4)، والمحلي(5) والثعالبي(6)، والبقاعي(7)، وسيد قطب(8)، وابن عاشور(9).
ولا يوجد من رجّح قولاً آخر هنا.
أما الذين لم يرجحوا واكتفوا بجمع الأقوال كلها أو بعضها عند شرح الآية، فقد لاحظت اتفاقهم جميعاً على تفسير الميزان بأنه العدل أو آلة الوزن المعروفة، وقد يزيد بعضهم على هذين أقوالاً أخرى، فمن أمثلتهم:
1- الإمام الماوردي: " (والميزان) فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه الجزاء على الطاعة بالثواب، وعلى المعصية بالعقاب.
الثاني: أنه العدل فيما أمر به ونهى عنه.
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(756).
(2) التفسير الكبير للفخر الرازي (9/590).
(3) لباب التأويل للخازن (6/100).
(4) البحر المحيط لأبي حيان (9/330).
(5) تفسير الجلالين ص(407).
(6) جواهر الحسان للثعالبي (4/105).
(7) نظم الدرر للبقاعي (17/281).
(8) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/3150).
(9) التحرير والتنوير لابن عاشور (25/68).(1/59)
الثالث: أنه الميزان الذي يوزن به، أنزله الله - عز وجل - من السماء، وعلّم عباده الوزن به لئلا يكون بينهم تظالم وتباخس "(1).
2- النسفي: " ((والميزان)) والعدل والتسوية، ومعنى إنزال العدل أنه أنزله في كتبه المنزلة، وقيل: هو عين الميزان أنزلة في زمن نوح - عليه السلام - "(2).
3- القرطبي: " (والميزان) أي العدل، قاله ابن عباس وأكثر المفسرين. والعدل يسمى ميزاناً؛ لأن الميزان آلة الإنصاف والعدل: وقيل: الميزان ما بُيِّن الكتب مما يجب على الإنسان أن يعمل به. وقال قتادة: الميزان العدل فيما أمر به ونهي عنه. وهذه الأقوال متقاربة المعنى. وقيل: هو الجزاء على الطاعة بالثواب وعلى المعصية بالعقاب. وقيل: إنه الميزان نفسه الذي يوزن به، أنزله من السماء وعلم العباد الوزن به، لئلا يكون بينهم تظالم وتباخس، قال تعالى: { ?ô‰s)s9?$uZù=y™ِ'r&?$sYn=ك™â'?دM"uZةi t7ّ9$$خ/?$uZّ9u"Rr&ur?قOكgyètB?|="tGإ3ّ9$#?ڑc#u"چدJّ9$#ur?tPqà)uد9?â¨$¨Y9$#?إفَ،ة)ّ9$$خ/? ? } ?[سورة الحديد: 25]. قال مجاهد: هو الذي يوزن به. ومعنى أنزل الميزان هو إلهامه للخلق أن يعملوه ويعملوا به. وقيل: الميزان محمد - صلى الله عليه وسلم - ، يقضي بينكم بكتاب الله "(3).
4- نظام الدين النيسابوري: " (والميزان) أي أنزل العدل والسوية في كتبه، أو ألهم اتخاذ الميزان. وقيل: هو العقل. وقيل: الميزان نفسه وذلك في زمن نوح - عليه السلام - . وقيل: هو محمد - صلى الله عليه وسلم - يقضي بينهم بالكتاب "(4).
__________
(1) النكت والعيون للماوردي (5/200).
(2) مدارك التنزيل للنسفي (4/79).
(3) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/15).
(4) غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري (25/24).(1/60)
... ولا تخرج الأقوال في بيان معنى ((الميزان)) عن ما ذكروه، فبنحو ذلك جاء كلام الإمام ابن الجوزي?(1)?، وابن جزي?(2)?، والبيضاوي?(3)?، والشوكاني?(4)?، والقنوجي?(5)??
تعقيب الباحث:
... يظهر -والله أعلم- أن الراجح في بيان ((الميزان)) أن يراد به العدل والإنصاف، وهو ما رجحه جمهور المفسرين ومنهم الشيخ الشنقيطي، يدل لذلك أمور:
1- أنه اختيار الجمهور، ولقد حكى إجماع الجمهور عليه عدد من أئمة التفسير بعبارات متقاربة، منهم من قال أنه قول " الجمهور "(6)، ومن قال إنه: " قول أكثر المفسرين "(7)، وإن قول " الناس "(8).
2- لم يخالف أحد، فعلى الرغم من وجود أقوال أخرى ذكرت تحت تفسير الميزان، إلا أنه لم يجزم أحد بترجيح قول منها خلاف ما ذهب إليه الجمهور.
__________
(1) زاد المسير بن الجوزي (7/77).
(2) التسهيل لابن جزي (4/33).
(3) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/194).
(4) فتح القدير للشوكاني (4/510).
(5) فتح البيان للقنوجي (12/290).
(6) زاد المسير لابن الجوزي (7/77).
(7) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/15)، فتح القدير للشوكاني (4/510)، فتح البيان للقنوجي (12/290).
(8) المحرر الوجيز لابن عطية (3/156)، جواهر الحسان للثعالبي (4/105).(1/61)
3- إن إجماع الجمهور على ما رجحوه مبني على تفسير القرآن بالقرآن أفضل أنواع التفسير(1)، فآية سورة الشورى قوله تعالى: { ?ھ!$#?ü"د%©!$#?tAu"Rr&?|="tGإ3ّ9$#?بd,utù:$$خ/?tb#u"چدJّ9$#ur? ? } ?[سورة الشورى: 17] تفسرها آية سورة الحديد قوله تعالى: { ?ô‰s)s9?$uZù=y™ِ'r&?$sYn=ك™â'?دM"uZةi t7ّ9$$خ/?$uZّ9u"Rr&ur?قOكgyètB?|="tGإ3ّ9$#?ڑc#u"چدJّ9$#ur?tPqà)uد9?â¨$¨Y9$#?إفَ،ة)ّ9$$خ/? ? } ?[سورة الحديد: 25] وآية سورة الرحمن قوله تعالى: { ?uن!$yJ،،9$#ur?$ygyèsùu'?yى|تurur?ڑc#u"چدJّ9$#?اذب?wr&?(#ِqtَôـs??'خû?بb#u"چدJّ9$#?ارب?(#qكJٹد%r&ur?ڑcّ-uqّ9$#?إفَ،ة)ّ9$$خ/?ںwur?(#rمژإ£ّƒéB?tb#u"چدJّ9$#?ازب? } ?[سورة الرحمن: 7-9] كما ذكر ذلك الإمام ابن كثير(2) وغيره.
4- الشيخ الشنقيطي أورد اعتراضاً قد يرد على تفسير الميزان بالعدل والإنصاف، بأن هذا " يشكل الفرق بين الكتاب والميزان؛ لأن الكتب السماوية كلها عدل وإنصاف ". ولكنه أيضاً ردّ هذا الإشكال بوجهين يقوّى بهما ما رجحه؛ فلا إشكال أن الكتب السماوية كلها عدل وإنصاف، ولا مانع أن يفسّر الميزان بأنه العدل والإنصاف...، قال: " الجواب من وجهين:
__________
(1) شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص(127)، قواعد التفسير لخالد السبت (1/109).
(2) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/110).(1/62)
الأول: أن الشيء الواحد إذا عبّر عنه بصفتين مختلفتين جاز عطفه على نفسه تنزيلاً للتغاير بين الصفات منزلة التغاير في الذوات، ومن أمثلة ذلك في القرآن الكريم قوله تعالى: { ?ثxخm7y™?zOَ™$#?y7خn/u'?'n?ôمF{$#?اتب?"د%©!$#?t,n=yz?3"q|،sù?اثب?"د%©!$#ur?u'£‰s%?3"y‰ygsù?اجب?ü"د%©!$#ur?yluچ÷zr&?4سtçِچpRùQ$#?احب? } ?[سورة الأعلى: 1-4] فالموصوف واحد والصفات مختلفة، وقد ساغ العطف لتغاير الصفات(1).
وأما الوجه الثاني: فهو ما أشار إليه العلامة ابن القيم -رحمه الله- في أعلام الموقعين(2)، من المغايرة في الجملة بين الكتاب والميزان.
وإيضاح ذلك: أن المراد بالكتاب هو العدل والإنصاف المصرح به في الكتب السماوية.
وأما الميزان فيصدق بالعدل والإنصاف الذي لم يصرح به في الكتاب السماوية، ولكنه معلوم مما صرح به فيها.
فالتأفيف في قوله تعالى: { ?ںxsù?@à)s??!$yJçl°;?7e$é&? } ?[سورة الإسراء: 23] من الكتاب لأنه مصرح به في الكتاب، ومنع ضرب الوالدين مثلاً المدلول عليه بالنهي على التأفيف من الميزان، أي من العدل والإنصاف الذي أنزله الله - عز وجل - مع رسله.
وقبول شهادة العدلين في الرجعة والطلاق المنصوص في قوله تعالى: { ?(#rك‰خkôr&ur?ô"ursŒ?5Aô‰tم?َOن3ZدiB? } ?[سورة الطلاق: 2] من الكتاب الذي أنزله الله - عز وجل - لأنه مصرح به فيه. وقبول شهادة أربعة عدول في ذلك من الميزان الذي أنزله الله - عز وجل - مع رسله.
__________
(1) والبلاغيون يشترطون في العطف التناسب بجهة عامة، والجهة الجامعة... وللتفصيل في ذلك انظر: مختصر التفتازاني على تخليص المفتاح للقزويني في علم المعاني والبيان والبديع (2/40)، وعقود الجمان في المعاني والبيان للسيوطي (1/200).
(2) في موضوع طويل عن القياس. أعلام الموقعين لابن القيم، الجزء الأول، من ص(101) إلى ص(250).(1/63)
وتحريم أكل مال اليتيم المذكور في قوله { ?¨bخ)?tûïد%©!$#?tbqè=à2ù'tƒ?tA¨uqّBr&?4'yJ"tGuٹّ9$#?$¸Jù=àك?$yJ¯Rخ)?tbqè=à2ù'tƒ?'خû?ِNخgدRqنـç/?#Y'$tR? ? } ?[سورة النساء: 10] من الكتاب. وتحريم إغراق مال اليتيم وإحراقه،المعروف من ذلك الميزان الذي أنزله الله - عز وجل - مع رسله.
وجلد القاذف الذكر للمحصنة الأنثى ثمانين جلدة ورد شهادته والحكم بفسقه المنصوص في قوله تعالى: { ?tûïد%©!$#ur?tbqمBِچtƒ?دM"sY|ءَsكJّ9$#?NèO?َOs9?(#qè?ù'tƒ?دpyèt/ِ'r'خ/?uن!#y‰pkà?َOèdrك‰د=ô_$$sù?tûüدZ"uKrO?Zot$ù#y_?ںwur?(#qè=t7ّ)s??ِNçlm;?¸oy‰"pky?#Y‰t/r&? ?y7ح´¯"s9'ré&ur?مNèd?tbqà)إ،"xےّ9$#?احب?wخ)?tûïد%©!$#?(#qç/$s??.`دB?د‰÷èt/?y7د9¨sŒ?(#qكsn=ô¹r&ur?¨bخ*sù?©!$#?ض'qàےxî?زOدm'?اخب? } ?[سورة النور: 4-5] من الكتاب الذي أنزله الله - عز وجل - . وعقوبة القاذف الذكر لذكر مثله، والأنثى القاذفة للذكر أو لأنثى بمثل تلك العقوبة المنصوصة في القرآن من الميزان المذكور.
وحلّية المرأة التي كانت مبتونة بسبب نكاح زوج ثان وطلاقه لها بعد الدخول المنصوص في قوله تعالى: { ??bخ*sù?$ygs)¯=sغ?ںxsù?yy$uZم_?!$yJخkِژn=tو?br&?!$yèy_#uژyItƒ? } ?[سورة البقرة: 230] أي فإن طلقها الزوج الثاني بعد الدخول وذوق العسيلة، فلا جناح عليهما أي لا جناح على المرأة التي كانت مبتوتة والزوج الذي كانت حراماً عليه؛ أن يتراجعا بعد نكاح الثاني وطلاقه لها، من الكتاب الذي أنزله الله - عز وجل - . وأما إن مات الزوج الثاني بعد أن دخل بها وكان موته قبل أن يطلقها، فحليتها للأول الذي كانت حراماً عليه، من الميزان الذي أنزله الله - عز وجل - مع رسله عليهم السلام "(1). اهـ. والله أعلم بالصواب.
- - -
الجُزْء
65- قوله تعالى: { ?(#qè=yèy_ur?¼çms9?ô`دB?¾دnدٹ$t6دم?#¹ن÷"م_? ? } ?[سورة الزخرف: 15].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/185-187).(1/64)
1- أن المراد بالجزاء: الولد عموماً.
2- أن المراد بالجزء: البنات خصوصاً.
وهذان القولان (1+2) متداخلان جداً، فيدخل القول الثاني تحت القول الأول، وذلك أن لفظ الولد في اللغة العربية شامل للأبناء والبنات(1)، ومن ناحية أخرى أن البنات أحد النوعين اللذان يولدان.
3- أن (جزءاً) تعني نصيباً، أي جعلوا له من عباده نصيباً.
... مع العلم أن المفسرين الذين فسروا الجزء أنه النصيب، فسروا النصيب بأنه قول المشركين: الملائكة بنات الله، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
4- أن (جزءاً) تعني عدلاً ونظيراً، يعني الأصنام وغيرها من المعبودات من دون الله - عز وجل - (2).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " قوله تعالى: ((وجعلوا له من عباده جزءاً))، قال بعض العلماء (جزءاً) أي عدلاً ونظيراً، يعني الأصنام وغيرها من المعبودات من دون الله. وقال بعض العلماء: (جزءاً) أي ولداً. وقال بعض العلماء: (جزءا)ً يعني البنات.
وذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية: أن الجزء النصيب، واستشهد على ذلك بآية الأنعام، أعني قوله تعالى: { ?(#qè=yèy_ur?!?$£JدB?r&u'sŒ?ڑئدB?د^ِچysّ9$#?ةO"yè÷RF{$#ur?$Y7ٹإءtR?(#qن9$s)sù?#x"yd?!?َOخgدJôمu"خ/?#x"ydur?$sYح !%x.uژà³د9? ? } ?[سورة الأنعام: 136].
__________
(1) القاموس المحيط للفيروز آبادي ص(417)، باب الدال، فصل الواو.
(2) الأقوال الأربعة كلها ذكرها الماوردي في النكت والعيون (5/219) بتصرف في ترتيبها.(1/65)
... قال مقيده(1) عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر أن قول ابن كثير -رحمه الله- غير صواب في الآية؛ لأن المجعول لله في آية الأنعام هو النصيب مما ذرأ من الحرث والأنعام، والمجعول له في آية الزخرف هذه جزء من عباده لا مما ذرأ من الحرث والأنعام. وبين الأمرين فرق واضح كما ترى(2).
__________
(1) الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-.
(2) نعم الفرق واضح، ويظهر لي أنه أشكل على الشيخ الشنقيطي المراد من كلام ابن كثير فإنه لم يقصد التطابق التام بين الآيتين، فآية سورة الأنعام متعلقة بالحرث والأنعام، وآية سورة الزخرف متعلقة بالأبناء والبنات، وأن النصيب (الجزء) الذي جعلوه لله - عز وجل - منهما هو البنات. وسيأتي معنا -إن شاء الله- في ذكر الموافقين عدد من المفسرين فسروا الجزء بأنه النصيب مصرّحين بأن هذا النصيب هو قول المشركين: الملائكة بنات الله -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- والله أعلم بالصواب.
= ... قال ابن كثير -رحمه الله-: " يقول تعالى مخبراً عن المشركين فيما افتروه وكذبوه في جعلهم بعض الأنعام لطواغيتهم وبعضها لله تعالى كما ذكر الله - عز وجل - عنهم في سورة الأنعام في قوله تبارك وتعالى: { ?(#qè=yèy_ur?!?$£JدB?r&u'sŒ?ڑئدB?د^ِچysّ9$#?ةO"yè÷RF{$#ur?$Y7ٹإءtR?(#qن9$s)sù?#x"yd?!?َOخgدJôمu"خ/?#x"ydur?$sYح !%x.uژà³د9? ?$yJsù?ڑc%ں2?ِNخgح !%ں2uژà³د9?ںxsù?م@إءtƒ?'n<خ)?"!$#? ?$tBur?ڑc%ں2?!?uqكgsù?م@إءtƒ?4'n<خ)?َOخgح !%ں2uژà°? ?uن!$y™?$tB?ڑcqكJà6َstƒ?اتجدب? } ?[سورة الأنعام: ?????، وكذلك جعلوا له?من قسمي البنات والبنين أخسهما وأردأهما وهو البنات كما قال تعالى: { ?مNن3s9r&?مچx.©%!$#?م&s!ur?4سs\RW{$#?اثتب?y7ù=د??#]Œخ)?×pyJَ،د%?#"u"چإت?اثثب? } ?[سورة النجم: 21-22]، وقال جل وعلا هنا: { ?(#qè=yèy_ur?¼çms9?ô`دB?¾دnدٹ$t6دم?#¹ن÷"م_? ?¨bخ)?ڑئ"|،SM}$#?ض'qàےs3s9?îûüخ7-B?اتخب? } ?ثم قال جل وعلا: { ?دQr&?xsƒھB$#?$£JدB?ك,è=ّƒs†?;N$uZt/?Nن38xےô¹r&ur?tûüدZt6ّ9$$خ/?اتدب? } ?[سورة الزخرف: 16]، وهذا إنكار عليهم غاية الإنكار. ثم ذكر تمام الإنكار فقال جلت عظمته: { ?#sŒخ)ur?uژإe³ç0?Nèdك‰xmr&?$yJخ/?z>uژںر?ا`"uH÷qچ=د9?WxsVtB?¨@sك?¼çmكgô_ur?#tٹuqَ،مB?uqèdur?يOٹدàx.?اتذب? } ?[سورة الزخرف: 17] أي إذا بشر أحد هؤلاء بما جعلوه لله من البنات يأنف من ذلك غاية الأنفة وتعلوه كآبة من سوء ما بشر به ويتوارى من القوم من خجله من ذلك... فكيف تأنفون أنتم من ذلك وتنسبونه إلى الله - عز وجل - ". تفسير القرآن العظيم (4/125).(1/66)
... وأن قول من قال: إن المراد بالجزء العدل والنظر الذي هو الشريك غير صواب أيضاً؛ لأن إطلاق الجزء على النظير ليس بمعروف في كلام العرب.
أما كون المراد بالجزء في الآية الولد، وكون المراد بالولد خصوص الإناث؛ فهذا هو التحقيق في الآية. وإطلاق الجزء على الولد يوجه بأمرين:
أحدهما: ما ذكره بعض علماء العربية من أن العرب تطلق الجزء مراداً به البنات، ويقولون: أجزأت المرأة إذا ولدت البنات، وامرأة مجزئة أي تلد البنات (1)، قالوا ومنه قول الشاعر:
إن أجزأت حرة يوماً فلا عجب ... ... قد تجزئ الحرة المذكار أحياناً
وقول الآخر:
زوجتها من بنات الأوس مجزئة ... ... للعوسج اللدن في أبياتها زجل
الثاني: وهو التحقيق إن شاء الله أن المراد بالجزء في الآية الولد، وأنه أطلق عليه اسم الجزء؛ لأن الفرع كأنه جزء من أصله والولد كأنه بضعة من الوالد كما لا يخفى.
... وأما كون المراد بالولد المعبر عنه بالجزء في الآية خصوص الإناث فقرينة السياق دالة عليه دلالة واضحة؛ لأن جعل المذكور لله من عباده هو بعينه الذي أنكره الله - عز وجل - إنكاراً شديداً وقرع مرتكبه تقريعاً شديداً في قوله تعالى: { ?دQr&?xsƒھB$#?$£JدB?ك,è=ّƒs†?;N$uZt/?Nن38xےô¹r&ur?tûüدZt6ّ9$$خ/?اتدب?#sŒخ)ur?uژإe³ç0?Nèdك‰xmr&?$yJخ/?z>uژںر?ا`"uH÷qچ=د9?WxsVtB?¨@sك?¼çmكgô_ur?#tٹuqَ،مB?uqèdur?يOٹدàx.?اتذب?`tBurr&?(#àsO±sYمƒ?'خû?دpuٹù=إsّ9$#?uqèdur?'خû?دQ$|ءدƒù:$#?مژِچxî?&ûüخ7مB?اترب? } ?[سورة الزخرف: 16-18] "(2).
الموافقون:
__________
(1) القاموس المحيط للفيروز آبادي ص(45)، باب الهمزة، فصل الجيم. والبيتان ذكرهما ابن منظور في لسان العرب تحت مادة (جزأ) ولم ينسبها. انظر: لسان العرب لابن منظور (طبعة ملونة)
(2/268) باب الجيم، مادة: جزأ.
(2) أضواء البيان للشنقيطي (7/214-217).(1/67)
... وأعني بهم كل الذين فسّروا الآية أنه يراد بها ما ادّعاه المشركون: أن الملائكة بنات الله، سواء فسّر الجزء بالولد أو البنت أو النصيب، فإن كل من ذكر أن الآية تشير إلى ادعاء المشركين أن الملائكة بنات الله، فهو قد وافق الشنقيطي في تحديد المراد بالآية. وعليه يلاحظ اجتماع الأقوال الثلاثة الأولى في مجمل الأقوال واعتبار من قال ولو بواحد منها موافقاً للشنقيطي، فمنهم:
1- الإمام الطبري -بعد ذكر الآيات- قال: " يقول تعالى ذكره وجعل هؤلاء المشركون لله - عز وجل - من خلقه نصيباً وذلك قولهم للملائكة بنات الله. [ثم ذكر القول الآخر وأن المراد بـ (جزءاً) عدلاً، وقال:] وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في تأويل ذلك لأن الله جل ثناؤه أتبع ذلك قوله ((أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين)) توبيخاً لهم على قولهم ذلك، فكان معلوماً أن توبيخه إياهم بذلك إنما هو عما أخبر عنهم من قيلهم ما قالوا في إضافة البنات إلى الله جل ثناؤه "(1).
2- الواحدي: " ((وجعلوا له من عباده جزءاً)) أي الذين جعلوا الملائكة بنات الله "(2).
3- النسفي: " ((وجعلوا له من عباده جزءاً)) متصل بقوله: { ?ûبُs9ur?OكgtFّ9r'y™? } ?[سورة الزخرف: 9] أي: ولئن سألتهم عن خالق السماوات والأرض ليعترفن به وقد جعلوا له مع ذلك الاعتراف من عباده جزءاً، أي قالوا الملائكة بنات الله، فجعلوهم جزءاً له وبعضاً منه، كما يكون الولد جزءاً لوالده "(3).
4- ابن الجوزي: " قوله تعالى ((وجعلوا له من عباده جزءاً)) أما الجعل هاهنا فمعناه: الحكم بالشيء، وهم الذين زعموا أن الملائكة بنات الله، والمعنى جعلوا له نصيباً من الولد "(4).
__________
(1) جامع البيان للطبري (25/34).
(2) الوجيز للواحدي (2/971).
(3) مدارك التنزيل للنسفي (4/87).
(4) زاد المسير لابن الجوزي (7/92).(1/68)
5- البقاعي: "... ((من عباده)) الذين أبدعهم كما أبدع غيرهم ((جزءاً)) أي ولداً هو لحصرهم إياه في الأنثى أحد قسميْ الأولاد، وكل ولد فهو جزء من والده. ومن كان له جزء كان محتاجاً فلم يكن إلها. وذلك لقولهم: الملائكة بنات الله. فثبت بذلك طيش عقولهم، وسخافة آرائهم "(1).
6- السعدي: " يخبر تعالى عن شناعة قول المشركين، الذين جعلوا لله تعالى ولداً، وهو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، ولم يكن له كفواً أحد، وإن ذلك باطل من عدة أوجه:
منها:أن الخلق كلهم عباده، والعبودية تنافي الولادة.
ومنها: أن الولد جزء من والده، والله تعالى بائن من خلقه، مباين لهم في صفاته ونعوت جلاله، والولد جزء من الوالد، فمحال أن يكون لله تعالى ولداً.
ومنها: أنهم يزعمون أن الملائكة بنات الله، ومن المعلوم أن البنات أدون الصنفين، فكيف يكون لله البنات، ويصطفيهم بالبنين، ويفضلهم بها؟! فإذا يكونون أفضل من الله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
ومنها: الصنف الذي نسبوه لله، وهو البنات، أدون الصنفين، وأكرههما لهم، حتى إنهم من كراهتهم لذلك { ?#sŒخ)ur?uژإe³ç0?Nèdك‰xmr&?$yJخ/?z>uژںر?ا`"uH÷qچ=د9?WxsVtB?¨@sك?¼çmكgô_ur?#tٹuqَ،مB? } ??سورة الزخرف: 17] من كراهته وشدة بغضه، فكيف يجعلون لله ما يكرهون؟
ومنها: أن الأنثى ناقصة في وصفها، وفي منطقها وبيانها، ولهذا قال تعالى: { ?`tBurr&?(#àsO±sYمƒ?'خû?دpuٹù=إsّ9$#? } ?أي:يجمل فيها، لنقص جماله، فيجمل بأمر خارج عنه؟ { ?uqèdur?'خû?دQ$|ءدƒù:$#? } ?أي: عند الخصام الموجب لإظهار ما عند الشخص من الكلام، { ??مژِچxî?&ûüخ7مB?? } ?أي: غير مبين لحجته، ولا مفصح عما احتوى عليه ضميره، فكيف ينسبونهن لله تعالى؟
__________
(1) نظم الدرر للبقاعي (17/399).(1/69)
ومنها: أنهم جعلوا الملائكة الذين هم عباد الله إناثاً، فتجرؤوا على الملائكة، العباد المقرنين، ورقوهم عن مرتبة العبادة والذل، إلى مرتبة المشاركة لله، في شيء من خواصه، ثم نزلوا بهم عن مرتبة الذكورية إلى مرتبة الأنوثية، فسبحان من أظهر تناقض من كذب عليه وعاند رسله "?(1)??
7- سيد قطب: " ((وجعلوا له من عباده جزءاً، إن الإنسان لكفور مبين)) فالملائكة عباد الله، ونسبة بنوتهم له معناها عزلهم من صفة العبودية، وتخصيصهم بقرابة خاصة بالله؛ وهم عباد كسائر العباد، لا مقتضى لتخصيصهم بصفة غير صفة العبودية في علاقتهم بربهم وخالقهم. وكل خلق الله - عز وجل - عباد له خالصو العبودية. وادعاء الإنسان هذا الادعاء يدمغه بالكفر الذي لا شبه فيه: ((إن الإنسان لكفور مبين)).
... ثم يحاجهم بمنطقهم وعرفهم، ويسخر من سخف دعواهم أن الملائكة إناث ثم نسبتهم إلى الله - عز وجل - : ((أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين؟)).
... فإذا كان -سبحانه- متخذاً أبناء، فما له يتخذ البنات ويصفيهم هم بالبنين؛ وهل يليق أن يزعموا هذا الزعم بينما هم يستنكفون من ولادة البنات لهم ويستاءون: ((وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلاً ظل وجهه مسوداً وهو كظيم)).
... أفما كان من اللياقة والأدب ألاّ ينسبوا إلى الله من يستاءون هم إذا بشروا به، حتى ليسود وجه أحدهم من السوء الذي يبلغ حداً يجل عن التصريح به، فيكظمه ويكتمه وهو يكاد يتميز من السوء؟! أفما كان من اللياقة والأدب ألا يخصوا الله - عز وجل - بمن ينشأ في الحلية والدعة والنعومة، فلا يقدر على جدال ولا قتال؛ بينما هم -في بيئتهم- يحتفلون بالفرسان والمقاويل من الرجال؟!.
... إنه يأخذهم في هذا بمنطقهم، ويخجلهم من انتقاء ما يكرهون ونسبته إلى الله - عز وجل - . فهلا اختاروا ما يستحسنونه وما يسرون له فنسبوه إلى ربهم، إن كانوا لابد فاعلين؟!.
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(763).(1/70)
ثم يحاصرهم هم وأسطورتهم من ناحية أخرى. فهم يدعون أن الملائكة إناث. فعلام يقيمون هذا الادعاء؟
((وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً. أشهدوا خلقهم؟ ستكتب شهادتهم ويسألون)). أشهدوا خلقهم؟ فعلموا أنهم إناث؟ فالرؤية حجة ودليل يليق بصاحب الدعوى أن يرتكن إليه. وما يملكون أن يزعموا أنهم شهدوا خلقهم. ولكنهم يشهدون بهذه ويدعونه، فليحتملوا تبعة هذه الشهادة بغير ما كانوا حاضريه: ((ستكتب شهادتهم ويسألون)).. "(1).
وهكذا أيضاً قال كل من: الإمام البغوي?(2)?، والنيسابوري?(3)?، والقرطبي?(4)?، والخازن?(5)?، ونظام الدين النيسابوري?(6)?، وابن جزي?(7)?، وابن كثير?(8)?، والبيضاوي?(9)?، والمحلي(10)، والثعالبي(11)، والقاسمي(12)، وابن عاشور(13).
... أما القول بأن الجزء يراد به العدل والنظير فلم يجزم أحد بترجيحه معنى للآية، فبالتالي لا يوجد مخالف للموافقين في هذا الموضع.
تعقيب الباحث:
__________
(1) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/3181).
(2) مختصر البغوي (2/843).
(3) إيجاز البيان للنيسابوري (2/183).
(4) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/69).
(5) لباب التأويل للخازن (6/110).
(6) غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري (25/44).
(7) التسهيل لابن جزي (4/46).
(8) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/125).
(9) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/199).
(10) تفسير الجلالين ص(412).
(11) جواهر الحسان للثعالبي (4/123).
(12) محاسن التأويل للقاسمي (14/5261).
(13) التحرير والتنوير لابن عاشور (25/177).(1/71)
... من النظر في أقوال المفسرين، يظهر -والله أعلم- أن الراجح هو ما ذهب إليه الشنقيطي ومن قال بمثل ما قاله، وأن الآية فيها حكاية ما ادّعاه المشركون من جعل (جزء) نصيب من عباد الله - عز وجل - الذين خلقهم، جعلوهم أولاداً لله، بل خصوصاً هم من البنات، على أن كلمة (جزء) تحمل على المعاني الثلاثة (ولد - بنت - نصيب)، يؤيد هذا الترجيح أمور؛ منها:
1- ما صرح به عدد من المفسرين من دلالة السياق على هذا المعنى(1)، وأن ترجيح أن يراد بـ (الجزء) خصوص البنات قد دل عليه سياق الآيات، فلقد أنكر الله - عز وجل - على المشركين قسمتهم الجائرة هذه، وأنه لو -جدلاً- أرادوا أن يجعلوا ولداً لله - عز وجل - ، أيجعلونه مما هم لا يحبونه ولا يريدونه. تعالى الله - عز وجل - عن قولهم علواً كبيراً. ولا شك أن دلالة السياق من المرجحات القوية بين الأقوال لدى المفسرين(2).
__________
(1) جامع البيان للطبري (25/34)، التسهيل لابن جزي (4/46)، أنوار التنزيل للبيضاوي
(2/199)، جواهر الحسان للثعالبي (4/123).
(2) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/125).(1/72)
2- دلالة اللغة والعرف على صحة حمل كلمة (جزء) على (الولد عموماً - والبنت خصوصاً - والنصيب من أي نوع قد يحدد)، قال في معجم مقاييس اللغة: " والجزء: الطائفة من الشيء "(1)، قال في القاموس المحيط: " الجزء: البعض... وجَزَأَه، كجَعَلَه: قسَّمه أجزاء... وأجزأت الأم: ولدت الإناث "(2). وقال في رائد الطلاب: " الجزء من الشيء: القطعة، النصيب. والجزء ما يتركّب الكلّ منه ومن غيره "(3). وأما دلالة العرف المبنية على دلالة اللغة: أن الولد جزء من الوالد، والولد كالفرع من الأصل الذي هو والده(4).
3- لقد قالوا عن هذا القول الراجح إنه " قول الأكثرين "(5)، وإنه هو "المشهور"(6).
4- ومن المرجحات أيضاً، التوجيه اللطيف الآتي: " أن حواء خلقت من جزء آدم فاستعير لكل الإناث "(7).
__________
(1) معجم مقاييس اللغة لابن فارس (1/455) باب الجيم والزاي وما يثلثهما).
(2) القاموس المحيط للفيروز آبادي ص(45) باب الهمزة، فصل الجيم.
(3) رائد الطلاب لجبران مسعود ص(326).
(4) لباب التأويل للخازن (6/110)، أنوار التنزيل للبيضاوي (2/199)، تفسير الجلالين
ص(412)، نظم الدرر للبقاعي (17/399).
(5) المحرر الوجيز لابن عطية (13/206)، جواهر الحسان للثعالبي (4/123).
(6) التفسير الكريم للفخر الرازي (9/623).
(7) حاشية الشهاب على البيضاوي (7/436).(1/73)
5- فائدة: تجمع بين القولين، ما رجحه الجمهور، والمرجوح وهذا أن يراد بالجزء: العدل والنظير يعني جميع المعبودات من دون الله - عز وجل - ، وذلك " أنا إذا حملنا هذه الآية(1) على إنكار الشريك لله، وحملنا الآية التي بعدها(2) على إنكار الولد لله، كانت الآيات جامعة للرد على جميع المبطلين "(3). والله أعلم بالصواب.
- - -
المراد بالرحمة
66- قوله تعالى: { ?(#qن9$s%ur?ںwِqs9?tAحh"çR?#x"yd?مb#uنِچà)ّ9$#?4'n?tم?5@م_u'?z`دiB?بû÷ütGtƒِچs)ّ9$#??Lىدàtم?اجتب?َOèdr&?tbqكJإ،ّ)tƒ?|MuH÷qu'?y7خn/u'? ? } ?[سورة الزخرف: 31-32].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن المراد بالرحمة: النبوة وإنزال الوحي(4).
2- أن الرحمة اسم يعم كل خير من عند الله - عز وجل - (5).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " قوله تعالى: ((أهم يقسمون رحمة ربك)) الظاهر المتبادر أن المراد برحمة ربك النبوة وإنزال الوحي.
... وإطلاق الرحمة على ذلك متعدد في القرآن الكريم، كقوله تعالى في الدخان
{ ?$¯Rخ)?$¨Zن.?tû,ح#إ™ِچمB?اخب?ZpyJômu'?`دiB?y7خn/'? ? } ?[سورة الدخان: 5-6]، وقوله في آخر القصص: { ?$tBur?|MZن.?(#ûqم_ِچs??br&?#'s+ù=مƒ?y7ّs9خ)?ـ="tGإ6ّ9$#?wخ)?ZpyJômu'?`دiB?y7خn/'? ? } ?[سورة القصص: 86]، وقوله في آخر الأنبياء: { ?!$tBur?y7"sYù=y™ِ'r&?wخ)?ZpuH÷qu'?ڑْüدJn="yèù=دj9?اتةذب? } ?[سورة الأنبياء: 107] "(6).
الموافقون:
__________
(1) يعني قوله تعالى: { ?(#qè=yèy_ur?¼çms9?ô`دB?¾دnدٹ$t6دم?#¹ن÷"م_? ? } ?[سورة الزخرف: 16].
(2) يعني قوله تعالى: { ?دQr&?xsƒھB$#?$£JدB?ك,è=ّƒs†?;N$uZt/? } ?[سورة الزخرف: 16].
(3) التفسير الكبير للفخر الرازي (9/623).
(4) أضواء البيان للشنقيطي (7/242).
(5) المحرر الوجيز لابن عطية (13/217).
(6) أضواء البيان للشنقيطي (7/242).(1/74)
... إن الرحمة المذكورة في قوله تعالى ((أهم يقسمون رحمة ربك)) يراد بها النبوة والرسالة. هذا ما اتفق على اختياره جمهور المفسرين ومعهم الشيخ الشنقيطي، فمنهم:
1- الإمام الطبري(1). ... ... 2- الماوردي(2). ... ... 3- الواحدي(3).
4- البغوي(4). ... ... ... 5- النسفي(5). ... ... 6- الزمخشري(6).
7- النيسابوري(7). ... ... 8- ابن الجوزي(8). ... ... 9- الفخر الرازي(9).
10- القرطبي(10). ... ... 11- الخازن(11). ... 12- نظام الدين النيسابوري(12).
13- ابن جزي(13). ... ... 14- أبوحيان(14). ... 15- ابن كثير(15).
16- البيضاوي(16). ... ... 17- المحلي(17). ... 18- البقاعي(18).
19- القاسمي(19). ... ... 20- السعدي(20). ... 21- سيد قطب(21). ...
22- ابن عاشور(22).
المخالفون:
... وهم من رجّحوا أن الرحمة المذكورة في الآية شاملة لكل الفضائل والمكرمات والخيرات من عند الله - عز وجل - ، والنبوة من ضمنها، وقد قال بهذا من المفسرين:
__________
(1) جامع البيان للطبري (25/40).
(2) النكت والعيون للماوردي (5/223).
(3) الوجيز للواحدي (2/973).
(4) مختصر البغوي (2/844).
(5) مدارك التنزيل للنسفي (4/89).
(6) الكشاف للزمخشري (4/241).
(7) إيجاز البيان للنيسابوري (2/183).
(8) زاد المسير لابن الجوزي (7/96).
(9) التفسير الكبير للفخر الرازي (9/630).
(10) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/83).
(11) لباب التأويل للخازن (6/111).
(12) غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري (25/49).
(13) التسهيل لابن جزي (4/50).
(14) البحر المحيط لأبي حيان (9/370).
(15) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/127).
(16) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/200).
(17) تفسير الجلالين ص(413).
(18) نظم الدرر للبقاعي (17/421).
(19) محاسن التأويل للقاسمي (14/5269)
(20) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(765).
(21) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/3186).
(22) التحرير والتنوير لابن عاشور (25/201).(1/75)
1- ابن عطية(1). ... ... 2- الثعالبي(2).
تعقيب الباحث:
... الظاهر -والله أعلم- أن يراد بالرحمة في قوله تعالى ((أهم يقسمون رحمة ربك)) النبوة والرسالة، وهو ما ذهب إليه جمهور المفسرين قديماً وحديثاً، يدل لذلك:
1- دلالة السياق على هذا المعنى(3)، فإن ما قبلها من الآيات حديث عن إرسال الرسول بالدين الحق وتكذيب الكفار له { ?$£Js9ur?مNèduن!$y_?',utù:$#?(#qن9$s%?#x"yd?ضچَsإ™?$¯Rخ)ur?¾دmخ/?tbrمچدے"x.?اجةب? } ?[سورة الزخرف: 30]، ثم اقتراحهم الاقتراح السخيف الجاهل بأن ينزل القرآن الكريم على أحد زعمائهم المعروفين -حكي القرآن الكريم عنهم- { ?(#qن9$s%ur?ںwِqs9?tAحh"çR?#x"yd?مb#uنِچà)ّ9$#?4'n?tم?5@م_u'?z`دiB?بû÷ütGtƒِچs)ّ9$#??Lىدàtم?اجتب? } ?[سورة الزخرف: 31] فجاءهم الرد مع الإنكار أن يكون لهم تحكم ورأي في إنزال الوحي ((أهم يقسمون رحمة ربك))، فيترجح أن يراد بـ ((رحمة ربك)) النبوة والرسالة " لأنه المناسب لما قبله "(4).
2- يؤيد هذا الترجيح أيضاً ما دلت عليه آيات أخرى من كتاب الله - عز وجل - عبّر فيها عن النبوة والرسالة بالرحمة، كقوله تعالى: { ?!$tBur?y7"sYù=y™ِ'r&?wخ)?ZpuH÷qu'?ڑْüدJn="yèù=دj9?اتةذب? } ?[سورة الأنبياء: 107]، وقوله تعالى: { ?$tBur?|MZن.?(#ûqم_ِچs??br&?#'s+ù=مƒ?y7ّs9خ)?ـ="tGإ6ّ9$#?wخ)?ZpyJômu'?`دiB?y7خn/'? ? } ?[سورة القصص: 86]، وقوله تعالى: { ?$¯Rخ)?$¨Zن.?tû,ح#إ™ِچمB?اخب?ZpyJômu'?`دiB?y7خn/'? ? } ?[سورة الدخان: 5-6]، فتحمل الرحمة هنا في سورة الزخرف على ما حملت عليه في تلك الآيات، وهذا من نوع تفسير القرآن بالقرآن(5).
__________
(1) المحرر الوجيز لابن عطية (13/217).
(2) جواهر الحسان للثعالبي (4/126).
(3) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/125).
(4) حاشية الشهاب على البيضاوي (7/440).
(5) شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص(127)، قواعد التفسير لخالد السبت (1/109).(1/76)
3- كثرة المرجحين لهذا القول دليل قوته، مع قلة المخالفين له. والله أعلم بالصواب.
- - -
معنى { $wƒحچ÷‚ك™? }
67- قوله تعالى: { ?ك`ّtwU?$sYôJ|،s%?NوhuZ÷ t/?ِNهkyJt±ٹدè¨B?'خû?دo4quٹysّ9$#?$u÷R'‰9$#? ?$uZ÷èsùu'ur?ِNهk|ص÷èt/?s-ِqsù?<ظ÷èt/?;M"y_u'yٹ?xد‚Guدj9?Nهkفص÷èt/?$Vز÷èt/?$wƒحچ÷‚ك™? ? } ?[سورة الزخرف: 32].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن معنى ((سخريا)) أي ليسخر بعضهم بعضاً في الأعمال(1)، فجعل البعض محتاجاً إلى البعض لتحصل المواساة بينهم في متاع الدنيا، ويحتاج هذا إلى هذا، ويصنع هذا لهذا، ويعطي هذا هذا(2).
2- أو يكون معنى ((سخرياً)) أي ليملك بعضهم بعضاً بالأموال فيتخذوهم عبيداً(3).
... قال ابن كثير عن القول الثاني: " هو راجع إلى الأول "(4).
3- وقيل: هو من السخرية التي بمعنى الاستهزاء، أي ليستهزيء الغني بالفقير(5).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " وقوله تعالى ((ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً)) التحقيق إن شاء الله أنه من التسخير.
... ومعنى تسخير بعضهم لبعض، خدمة بعضهم البعض، وعمل بعضهم لبعض؛ لأن نظام العالم في الدنيا يتوقف قيامه على ذلك، فمن حكمته جل وعلا أن يجعل هذا فقيراً مع كونه قوياً قادراً على العمل، ويجعل هذا ضعيفاً لا يقدر على العمل بنفسه، ولكنه تعالى يهيئ له دراهم يؤجر بها ذلك الفقير القوي فينتفع القوي بدارهم الضعيف، والضعيف بعمل القوي، فتنتظم المعيشة لكل منهما وهكذا.. "(6).
... إذاً الشيخ الشنقيطي يرجح في بيان معنى ((سخرياً)) القول الأول من مجمل الأقوال الواردة.
الموافقون:
__________
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/127).
(2) فتح القدير للشوكاني (4/532).
(3) زاد المسير لابن الجوزي (7/96).
(4) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/127).
(5) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/83) ولم يرجحه.
(6) أضواء البيان للشنقيطي (7/243).(1/77)
... ويمكن تقسيمهم إلى فئتين:
أ- الذين وافقوا الشنقيطي تماماً، يعني تدور عباراتهم في بيان معنى ((سخرياً)) حول تسخير الناس بعضهم بعضاً في الأعمال، بجعل البعض محتاجاً إلى البعض لتحصل المواساة بينهم في متاع الدنيا، ويحتاج هذا إلى هذا، ويصنع هذا لهذا، ويعطي هذا هذا، يدخل تحت هذه الفئة:
1- الإمام الطبري: " وقوله ((ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً)) يقول ليستسخر هذا هذا في خدمته إياه وفي عود هذا على هذا بما في يديه من فضل، يقول جعل تعالى ذكره بعضاً لبعض سبباً في المعاش في الدنيا "(1).
2- الواحدي: " ((ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً)) ليسخّر الأغنياء بأموالهم الفقراء ويستخدموهم، فيكون بعضهم لبعض سبب المعاش في الدنيا، هذا بماله وهذا بأعماله... "(2).
3- النسفي: " ((ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً)) ليصرف بعضهم بعضاً في حوائجهم ويستخدموهم في مهنهم ويتسخروهم في أشغالهم حتى يتعايشوا ويصلوا إلى منافعهم، هذا بماله وهذا بأعماله "(3).
وبمثل هذا القول قال كل من:
4- الزمخشري(4). ... ... 5- ابن عطية(5). ... ... 6- الفخر الرازي(6).
7- ابن جزي(7). ... ... 8- أبوحيان(8). ... ... 9- البيضاوي(9).
10- المحلي(10). ... ... 11- الثعالبي(11). ... ... 12- البقاعي(12).
__________
(1) جامع البيان للطبري (25/41).
(2) الوجيز للواحدي (2/973).
(3) مدارك التنزيل للنسفي (4/90).
(4) الكشاف للزمخشري (4/242).
(5) المحرر الوجيز لابن عطية (13/218).
(6) التفسير الكبير للفخر الرازي (9/630).
(7) التسهيل لابن جزي (4/50).
(8) البحر المحيط لأبي حيان (9/370).
(9) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/200).
(10) تفسير الجلالين ص(413).
(11) جواهر الحسان للثعالبي (4/126).
(12) نظم الدرر للبقاعي (17/423).(1/78)
13- القاسمي(1). ... ... 14- السعدي(2). ... ... 15- سيد قطب(3).
... ولم أذكر كلام البقية اختصاراً ولأنه يشبه كلام من ذكرت.
ب- وهم الذين ذكروا القولين الأول والثاني من مجمل الأقوال عند بيانهم لمعنى ((سخرياً))، وذلك لأن القول الثاني راجع إلى القول الأول ويدخل تحته دخولاً كاملاً فإن من أنواع تسخير الناس بعضهم بعضاً أن يشتري الأغنياء بأموالهم عبيداً يخدمونهم. ومن فئة الذين ذكروا القولين:
1- الماوردي(4). ... ... ... 2- البغوي(5).
3- ابن الجوزي: " ((سخريا)).. فيه قولان: أحدهما: يستخدم الأغنياء الفقراء بأموالهم، فيلتئم قوام العالم. الثاني: ليملك بعضهم بعضاً بالأموال فيخذوهم عبيداً "(6).
4- الخازن(7).
5- ابن كثير: " وقوله جلت عظمته ((ليتخذ بعضهم بعضاً سخريًا)) قيل: معناه ليسخر بعضهم بعضاً في الأعمال لاحتياج هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، قاله السدي وغيره. وقال قتادة والضحاك: ليملك بعضهم بعضاً. وهو راجع إلى الأول "(8). ذكرت عبارات ابن الجوزي وابن كثير لوضوح كلامهما، وكلام البقية يشبهه.
... أما القول الثالث في مجمل الأقوال وهو أن يكون من السخرية والاستهزاء لم يرجحه أحد من المفسرين معنى للآية، وعليه فلا يوجد مخالف في هذا الموضع.
تعقيب الباحث:
__________
(1) محاسن التأويل للقاسمي (14/5269).
(2) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(765).
(3) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/3187).
(4) النكت والعيوب للماوردي (5/224).
(5) مختصر البغوي (2/845).
(6) زاد المسير لابن الجوزي (7/96).
(7) لباب التأويل للخازن (6/112).
(8) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/127).(1/79)
... الظاهر -والله أعلم- حمل ((سخرياً)) على المعنَيَيْن (القول الأول والثاني من مجمل الأقوال) واعتبارهما معنى واحداً، وهذا ما اتضح من تقسيم الموافقين والمخالفين، فإن من رجّح القول الأول فقط فهو موافق تماماً للشنقيطي، ومن ذكر القولين فإنه موافق أيضاً لأن القول الثاني: " راجع إلى الأول "(1) تماماً، فشراء الأغنياء بأموالهم عبيداً يخدمونهم هو نوع من أنواع أن يسخر الله - عز وجل - الناس بعضهم لبعض، وإذا كان ذلك كذلك فإن الراجح هو ما ذكرته من أن (سخرياً) تعني خدمة الناس بعضهم بعضاً لتحصل المواساة بينهم في متاع الدنيا، ويحتاج هذا إلى هذا، ويصنع هذا لهذا، ويعطي هذا هذا.
__________
(1) المرجع السابق.(1/80)
أما القول بأن (سخرياً) تعني الاستهزاء؛ فلم يقل به أحد من المفسرين بأنه يصح معنى للآية، بل لقد اتفق عدد غير قليل منهم على التصريح بردّه وإبعاد أن يكون له طريق إلى الآية، فقال ابن عطية: " ولا مدخل لمعنى الهزء في هذه الآية "(1)، ومثله قال الثعالبي(2). وقال أبوحيان " ويبعد أن يكون ((سخريا)) هنا من الهزء "(3). وقال البقاعي عن الهزء بأنه " لا يليق التعليل به "(4). وقال الشوكاني ردّاً على القول بأن ((سخريا)) يراد به الاستهزاء: " وهذا وإن كان مطابقاً للمعنى اللغوي، ولكنه بعيد من معنى القرآن ومنافٍ لما هو مقصود السياق "(5)، ومثله قال القنوجي(6). أما سيد قطب فقد ردّ معنى الاستهزاء بعبارة أشمل وأوسع، وذلك أن من بواعث الاستهزاء؛ استعلاء طبقة على طبقة، أو فرد على فرد، فقال ردًا على المعنى المرجوح ومرجحاً ما رجحه الجمهور: " وليس التسخير هو الاستعلاء.. استعلاء طبقة على طبقة، أو استعلاء فرد على فرد.. كلا! إن هذا معنى قريب ساذج، لا يرتفع إلى مستوى القول الإلهي الخالد. كلا! إن مدلول هذا القول أبقى من كل تغير أو تطور في أوضاع الجماعة البشرية، وأبعد مدى من ظرف يذهب وظرف يجيء.. إن كل البشر مسخر بعضهم لبعض. ودولاب الحياة يدور بالجميع، ويسخر بعضهم لبعض في كل وضع وفي كل ظرف. المقدر عليه في الرزق مسخر للمبسوط له في الرزق. والعكس كذلك صحيح. فهذا مسخر ليجمع المال، فيأكل منه ويرتزق ذاك. وكلاهما مسخر للآخر سواء بسواء. والتفاوت في الرزق هو الذي يسخر هذا لذاك، ويسخر ذاك لهذا في دورة الحياة.. العامل مسخر للمهندس ومسخر لصاحب العمل. والمهندس مسخر للعامل ولصاحب العمل.
__________
(1) المحرر الوجيز لابن عطية (13/218).
(2) جواهر الحسان للثعالبي (4/126).
(3) البحر المحيط لأبي حيان (9/370).
(4) نظم الدرر للبقاعي (17/423).
(5) فتح القدير للشوكاني (4/532).
(6) فتح البيان للقنوجي (12/350).(1/81)
وصاحب العمل مسخر للمهندس وللعامل على السواء.. وكلهم مسخرون للخلافة في الأرض بهذا التفاوت في المواهب والاستعدادات، والتفاوت في الأعمال والأرزاق.. "(1). والله أعلم بالصواب.
- - -
مرجع الضمير المنفصل { uqèd? }
68- قوله تعالى: { ?*?$£Js9ur?z>خژàر?كûَّ$#?zOtƒِچtB?¸xsWtB?#sŒخ)?y7مBِqs%?çm÷ZدB?ڑcr'‰إءtƒ?اخذب?(#ûqن9$s%ur?$uZçFygد9¨r&uن?يژِچyz?ôQr&?uqèd? ?$tB?çnqç/uژںر?y7s9?wخ)?Kwy‰y`? ?ِ@t/?َOèd?îPِqs%?tbqكJإءyz?اخرب? } ?[سورة الزخرف: 57-58].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن المراد بـ (هو): محمد - صلى الله عليه وسلم - وعليه يكون المعنى -على حد زعم المشركين- أي آلهتنا خير أم محمد - صلى الله عليه وسلم - فنعبده وندع آلهتنا(2).
???أن المراد بـ(هو): عيسى - عليه السلام - ???وعليه فالمعنى -على حد زعم المشركين- يحتمل وجهين:
أ - أي آلهتنا الملائكة خير أم عيسى - عليه السلام - ، فإذا جاز أن يُعبد ويكون ابن الله - عز وجل - ؛ كانت آلهتنا أولى بذلك(3).
ب- أو آلهتنا -الأصنام- خير أم عيسى - عليه السلام - ، ويحتمل معنيين:
الأول: إن يكن عيسى - عليه السلام - في النار؛ فنحن نرضى أن تكون آلهتنا معه(4).
الثاني: أو إن ما تذكره -يا محمد - صلى الله عليه وسلم - من أن كل ما عُبد من دون الله - عز وجل - في النار ومن ضمنهم عيسى - عليه السلام - مع اعترافك بخلاف ذلك، يدل على أن ما تقوله من أنه نحن وآلهتنا في النار؛ ليس بحق أيضاً(5).
ترجيح الشنقيطي:
__________
(1) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/3187).
(2) النكت والعيون للماوردي (5/234).
(3) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/202).
(4) مختصر البغوي (2/848).
(5) أضواء البيان للشنقيطي (7/261).(1/82)
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة ((أآلهتنا خير أم هو)) التحقيق أن الضمير في قوله ((هو)) راجع إلى عيسى، لا إلى محمد عليهما الصلاة والسلام.
... قال بعض العلماء: ومرادهم بالاستفهام تفضيل معبوداتهم على عيسى - عليه السلام - . قيل: لأنهم يتخذون الملائكة آلهة، والملائكة أفضل عندهم من عيسى - عليه السلام - . وعلى هذا فمرادهم أن عيسى - عليه السلام - عُبد من دون الله - عز وجل - ، ولم يكن ذلك سبباً لكونه في النار، ومعبوداتنا خير من عيسى، فكيف تزعم أنهم في النار.
... وقال بعض العلماء: أرادوا تفضيل عيسى على آلهتهم. والمعنى على هذا أنهم يقولون: عيسى خير من آلهتنا، أي في زعمك وأنت تزعم أنه في النار، بمقتضى عموم ما تتلوه من قوله { ?ِNà6¯Rخ)?$tBur?ڑcrك‰ç7÷ès??`دB?آcrكٹ?"!$#?ـ=|ءxm?zO¨Yygy_? } ?[سورة الأنبياء: 98]، وعيسى عَبَدَه النصارى من دون الله - عز وجل - ، فدلالة قولك على أن عيسى في النار مع اعترافك بخلاف ذلك؛ يدل على أن ما تقوله من أنّا وآلهتنا في النار ليس بحق أيضاً "(1).
فالشيخ الشنقيطي يرى رجوع الضمير ((هو)) إلى عيسى - عليه السلام - .
الموافقون:
لقد رجّح رجوع الضمير إلى عيسى - عليه السلام - عدد كبير من المفسرين، منهم:
1- الواحدي(2). ... ... 2- النسفي(3). ... ... 3- ابن عطية(4). ...
4- ابن الجوزي(5). ... ... 5- ابن جزي(6). ... ... 6- أبوحيان(7).
7- ابن كثير(8). ... ... 8- المحلي(9). ... ... ... 9- الثعالبي(10). ...
__________
(1) المرجع السابق.
(2) الوجيز للواحدي (2/977).
(3) مدارك التنزيل للنسفي (4/93).
(4) المحرر الوجيز لابن عطية (13/242).
(5) زاد المسير لابن الجوزي (7/103).
(6) التسهيل لابن جزي (4/56).
(7) البحر المحيط لأبي حيان (9/385).
(8) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/131).
(9) تفسير الجلالين ص(415).
(10) جواهر الحسان للثعالبي (4/130).(1/83)
10- البقاعي(1). ... ... 11- القاسمي(2). ... ... 12- السعدي(3).
13- سيد قطب(4).
... ولم يجزم أحد بترجيح رجوع الضمير إلى غير عيسى - عليه السلام - ، وعليه لا يوجد مخالف في هذا الموضع.
تعقيب الباحث:
... الذي يظهر -والله أعلم- أن الراجح رجوع الضمير (هو) إلى عيسى - عليه السلام - ، وهو ما ذهب إليه الجمهور من المفسرين، يدل لذلك:
1- أنه هو المذكور في الآيات، واستناداً إلى قاعدة: إعادة الضمير إلى المحدث عنه أولى من إعادته إلى غيره؛ لأنه هو المقصود بالكلام(5). يترجح رجوع الضمير إلى عيسى - عليه السلام - .
2- أن رجوع الضمير (هو) إلى عيسى - عليه السلام - ، اختيار الجمهور؛ كما صرح بذلك ابن جزي(6).
3- صرح عدد من المفسرين بأن هذا القول هو " المترجح "(7)، وهو " الأظهر "(8)، وهو " الراجح "(9).
4- لم يخالف أحد فيرجح رجوع الضمير إلى غير عيسى - عليه السلام - . والله أعلم بالصواب.
- - -
المراد بالأزواج في قوله تعالى { ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ }
69- قوله تعالى: { ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) } [سورة الزخرف: 70].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن الأزواج هن نساؤهم المؤمنات في الدنيا، يكنّ معهم في الجنة.
2- أن الأزواج يراد بهم زوجاتهم من الحور العين.
__________
(1) نظم الدرر للبقاعي (17/456).
(2) محاسن التأويل للقاسمي (14/5279).
(3) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(768).
(4) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/3196).
(5) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (2/603).
(6) التسهيل لابن جزي (4/56).
(7) المحرر الوجيز لابن عطية (13/242).
(8) التسهيل لابن جزي (4/56).
(9) جواهر الحسان للثعالبي (4/130).(1/84)
3- أو يراد بالأزواج قرناؤهم ونظراؤهم وأشباههم في الطاعة(1).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " قوله تعالى في هذه الآية ((وأزواجكم)) فيه لعلماء التفسير وجهان:
أحدهما: أن المراد بأزواجهم نظراؤهم وأشباههم في الطاعة وتقوى الله - عز وجل - . واقتصر على هذا القول ابن كثير(2).
والثاني: أن المراد بأزواجهم نساؤهم في الجنة؛ لأن هذا الأخير أبلغ في التنعم والتلذذ من الأول.
ولذا يكثر في القرآن الكريم ذكر إكرام أهل الجنة بكونهم مع نسائهم، دون الامتنان عليهم بكونهم مع نظرائهم وأشباههم في الطاعة.
قال تعالى: { إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى إ7ح !#u'F{$# مُتَّكِئُونَ (56) } [سورة يس: 55-56] وقال كثير من أهل العلم: إن المراد بالشغل المذكور في الآية هو افتضاض الأبكار، وقال تعالى: { وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ } [سورة الدخان: 54، الطور: 20]، وقال تعالى: { وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) } [سورة الواقعة: 22-23]، وقال تعالى: { فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) } [سورة الرحمن: 70-72]، وقال تعالى: { وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) } [سورة الصافات: 48]، وقال تعالى: { * وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) } [سورة ص: 52] إلى غير ذلك من الآيات "(3).
__________
(1) الأقوال الثلاثة ذكرها الماوردي في النكت والعيون (5/238)، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن (16/111).
(2) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/134).
(3) أضواء البيان للشنقيطي (7/280).(1/85)
إذاً الشيخ الشنقيطي يرجح أن المراد بالأزواج هنا في قوله تعالى: ((ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون)) هن الزوجات، شاملاً نساءهم المؤمنات في الدنيا يكنّ معهم في الجنة، وكذلك نساءهم من الحور العين. يعني جمع الشيخ الشنقيطي في بيان المراد بالأزواج بين القولين الأول والثاني من مجمل الأقوال، يتضح ذلك من الآيات التي استشهد بها تأييداً لترجيحه.
الموافقون:
هم كل من ذكر أن المراد بالأزواج النساء المؤمنات زوجات المؤمنين في الجنة:
1- الإمام الطبري: " وقوله: ((ادخلوا الجنة أنتم وأزواجهم تحبرون)) يقول جل ثناؤه ادخلوا الجنة أنتم أيها المؤمنون وأزواجكم مغبوطين بكرامة الله - عز وجل - مسرورين بما أعطاكم اليوم ربكم "(1).
2- البقاعي: "... ((ادخلوا الجنة)) ولما كانت الدار لا تكمل إلا بالرفيق السار، قال تعالى ((أنتم وأزواجكم)) أي نساؤكم اللاتي كن مشاكلات لكم في الصفات. وأما قرناؤهم من الرجال فدخلوا في قوله { ?(#qçR%ں2ur?tûüدJد=َ،مB? } ?[سورة الزخرف: 69]، . (تحبرون) أي تكرمون وتزينون فتسرون سروراً يظهر أثره عليكم مستمراً يتجدد أبداً "(2).
3- ابن عاشور: "... وعطف أزواجهم عليهم في الإذن بدخول الجنة من تمام نعمة التمتع بالخلة التي كانت بينهم وبين أزواجهم في الدنيا "(3).
وبنحو كلام من ذكرتُ جاءت عبارات كل من الإمام النسفي(4)، وابن عطية(5)، والبيضاوي(6)، والمحلي(7).
المخالفون:
لقد اختار الإمام ابن كثير فقط القول الآخر في بيان المراد بالأزواج، فقال: " ((وأزواجكم)) نظراؤكم "(8).
تعقيب الباحث:
__________
(1) جامع البيان للطبري (25/57).
(2) نظم الدرر للبقاعي (17/478).
(3) التحرير والتنوير لابن عاشور (25/254).
(4) مدارك التنزيل للنسفي (4/94).
(5) المحرر الوجيز لابن عطية (13/249).
(6) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/203).
(7) تفسير الجلالين ص(415).
(8) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/134).(1/86)
الظاهر -والله أعلم- أن يراد بالأزواج هنا في قوله تعالى ((ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون)) زوجات المؤمنين، بشمول اللفظ لزوجاتهم اللاتي كنّ معهم في الدنيا، وزوجاتهم من الحور العين، يدل لذلك أمور:
1- سياق الآيات يدل على شمول النعيم للمؤمنين وأزواجهم دون تحديد لنسائهم المؤمنات في الدنيا أو زوجاتهم من الحور العين، قال تعالى: { ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ } [سورة الزخرف: 70-71].
2- مما يرجح إرادة الزوجات دون النظراء والأشباه؛ قاعدة: إذا دار الكلام بين التأسيس والتوكيد فحمله على التأسيس أولى(1)، وذلك أن حمل لفظ الأزواج على النظراء والأشباه يكون نوعاً من التوكيد، فإنهم يعتبروا داخلين في الآية التي قبلها وهي قوله تعالى: { الَّذِينَ آَمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) } [سورة الزخرف: 69]، فالأوْلى والأبلغ أن تحمل على أن يراد بها الزوجات. قال البقاعي: "... وأما قرناؤهم من الرجال فدخلوا في قوله ((كانوا مسلمين)) "(2).
__________
(1) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (2/473).
(2) نظم الدرر للبقاعي (17/478).(1/87)
3- إضافة إلى ما ذكره الشيخ الشنقيطي من آيات تؤيد اختياره، أقول: هناك آيات أخرى أيضاً تذكر صراحة كون الزوجات مع أزواجهم في الجنة، كقوله تعالى: { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ } [سورة الرعد: 23]، وقوله تعالى: { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ِNخgح !$t/#uن وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ } [سورة غافر: 8]. وبالطبع هذا من تفسير القرآن بالقرآن(1).
4- استناداً إلى قاعدة: حمل معاني كلام الله - عز وجل - على الغالب من أسلوب القرآن الكريم ومعهود استعماله أولى(2)، فإن لفظ الزوج في القرآن الكريم غالباً ما يطلق في أكثر المواضع مراداً به المرأة ((الزوجة)) خصوصاً، فيما يزيد على خمسة وعشرين موضعاً، منها قوله تعالى: { وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا } [سورة البقرة: 35]، وقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ } [سورة الأحزاب: 59]، وقوله تعالى: { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } [سورة المعارج: 29-30].
... أسأل الله - عز وجل - أن يغفر لي ولجميع المسلمين، وأن يجعلني والمؤمنين وزوجاتنا وذرياتنا في الجنة، إنه سميع مجيب.
- - -
معنى كلمة { وَيْلٌ }
__________
(1) شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص(126)، قواعد التفسير لخالد السبت (1/109).
(2) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/172)،قواعد التفسير لخالد السبت (2/798).(1/88)
70- قوله تعالى: { تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) } [سورة الجاثية: 6-8].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن كلمة ((ويل)) تعني دعاء بالعذاب والهلاك.
2- أن ((ويل)) اسم وادٍ في جهنم(1).
ترجيح الشنقيطي:
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " وقوله في هذه الآية الكريمة ((ويل لكل أفاك أثيم))، قال بعض العلماء: (ويل) وادٍ في جهنم. والأظهر أن لفظة (ويل) كلمة عذاب وهلاك، وأنها مصدر لا لفظ له من فعله، وأن المسوّغ للابتداء بها مع أنها نكرة كونها في معرض الدعاء عليهم بالهلاك "(2).
الموافقون:
رجّح أن المراد بكلمة (ويل) دعاء بالعذاب والهلاك؛ كل من:
1- الفخر الرازي: " اعلم أنه تعالى لما بيّن الآيات للكفار، وبيّن أنهم بأي حديث يؤمنون إذا لم يؤمنوا بها مع ظهورها، اتبعه بوعيد عظيم لهم فقال: ((ويل لكل أفاك أثيم)) "(3).
2- المحلي: " (ويل) كلمة عذاب "(4).
3- سيد قطب: " والويل الهلاك، والأفاك الكذاب المارد على الكذب والأثيم الكثير المقارفة للإثم. والتهديد شامل لكل من هذه صفته "(5).
__________
(1) ذكر القولين ابن عطية في المحرر الوجيز (13/299).
(2) أضواء البيان للشنقيطي (7/342).
(3) التفسير الكبير للفخر الرازي (9/672).
(4) تفسير الجلالين ص(420).
(5) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/3225).(1/89)
4- ابن عاشور: "... وافتتح ذكره بالويل له تعجيلاً لإنذاره وتهديد قبل ذكر حاله. و (ويل) كلمة دعاء بالشر(1)، وأصل الويل الشر وحلوله "(2).
المخالفون:
... وهم من رجّح أن كلمة (ويل) تعني اسم وادٍ في جهنم:
1- الطبري: " ((ويل لكل أفاك أثيم)) يقول تعالى ذكره الوادي السائل من صديد أهل جهنم لكل كذاب ذي إثم بربه مفتر عليه يسمع آيات الله تتلى عليه يقول يسمع آيات كتاب الله تقرأ عليه ثم يصر على كفره وإثمه فيقيم عليه غير تائب منه ولا راجع عنه مستكبراً على ربه أن يذعن لأمره ونهيه... "(3).
2- القرطبي: " ((ويل)) وادٍ في جهنم. توعد من ترك الاستدلال بآياته. والأفاك: الكذاب. والإفك الكذب. ((أثيم)) أي مرتكب للإثم "(4).
3- البقاعي: "... ولما كان لا يبقى على الكفر نوع بقاء فضلاً عن الإصرار بعد هذا البيان إلاّ من يستحق النكال لمجاهرته بالعناد، قال على وجه الاستنتاج مهدداً: ((ويل)) أي مكان معروف في جهنم ((لكل أفاك)) أي مبالغ في صرف الحق عن وجهه ((أثيم)) أي مبالغ في اكتساب الإثم وهو الذنب، وعمل ما لا يحل مما يوجب العقاب "(5).
4- الشوكاني: " ((ويل لكل أفاك أثيم)) أي لكل كذاب كثير الإثم، مرتكب لما يوجبه، والويل: وادٍ في جهنم "(6).
... ومن جمع القولين معاً تحت تفسيره لكلمة (ويل) فلم يجنح بعيداً، وأذكرهم ليُعرف قولهم:
__________
(1) في الأصل قال: دعاء بالشكر،و لعل الكاف زائدة خطأ مطبعي، والصحيح ما أثبته بدلالة بقية الكلام.
(2) التحرير والتنوير لابن عاشور (25/331).
(3) جامع البيان للطبري (25/85).
(4) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/158).
(5) نظم الدرر للبقاعي (18/69).
(6) فتح القدير للشوكاني (5/6).(1/90)
1- ابن عطية: " (الويل) في كلام العرب: المصائب والحزن والهمّ والشِّدَّة من هذه المعاني، وهي لفظة تستعمل في الدعاء على الإنسان. ورُوي في بعض الآثار أن في جهنم وادياً اسمه: ويْل "(1).
2- القنوجي: " (ويل) وادٍ في جهنم أو كلمة عذاب "(2).
تعقيب الباحث:
... يظهر -والله أعلم صحة حمل لفظة (ويل) على المعنيين المذكورة عن المفسرين، فمن فسرها بأنها اسم وادٍ في جهنم استدل بما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث، فقد روى الصحابي أبوسعيد الخدري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " ويل وادٍ في جهنم، يهوي فيه الكافر أربعين خريفاً قبل أن يبلغ قعره "(3).
ومن فسرها بأنها تعني دعاء بالهلاك والعذاب بنى تفسيره على ما هو معروف من معناها في لغة العرب(4).
فلا مانع من حمل اللفظ في الآية على المعنيين. الله أعلم بالصواب.
- - -
المراد بقوله { وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ }
71- قوله تعالى: { وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ } [سورة الأحقاف: 9].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن المراد بالآية ما يكون في الدنيا ، ثم فيه ثلاثة أوجه:
__________
(1) المحرر الوجيز لابن عطية (13/299).
(2) فتح البيان للقنوجي (12/419).
(3) الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده (3/75)، وفي نسخة المسند المحققة بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط توسعوا في تخريجه والحكم عليه، ثم نقلوا قول الحاكم " هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه "، وذكروا موافقة الذهبي له. انظر: مسند الإمام أحمد بن حنبل، التحقيق بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط (18/240-241).
(4) القاموس المحيط للفيروز آبادي ص(1382) باب اللام فصل الواو.(1/91)
أ- يعني لا أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا، فلا أدري ما يفعل بي أخرج كما أخرجت الأنبياء قبلي، أو أقتل كما قتل الأنبياء من قبلي، ولا أدري ما يفعل بكم، إنكم مصدقون أو مكذبون، أو معذبون أو مؤخرون(1).
ب- أنه لما اشتد البلاء بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، رأى في المنام أنه هاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء، فقصها على أصحابه، فاستبشروا بذلك لما يلقون من أذى المشركين. ثم إنهم مكثوا برهة لا يرون ذلك، فقالوا: يا رسول الله متى تهاجر إلى الأرض التي رأيت؟ فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأنزل الله تعالى: ((وما أدري ما يفعل بي ولا بكم)) يعني لا أدري، أخرج إلى الموضع الذي رأيته في منامي أم لا؟ ثم قال: " إنما هو شيء رأيته في منامي، وما (أتبع إلا ما يوحى إليّ) "(2).
جـ- أن المعنى: لا أدري ما أؤمر به ولا ما تؤمرون به(3).
__________
(1) حكاه الماوردي في النكت والعيون (5/272) عن الحسن البصري.
(2) زاد المسير لابن الجوزي (7/133).
(3) النكت والعيون للماوردي (5/272).(1/92)
2- أن المراد بالآية ما يكون في الآخرة، " لما نزلت فرح المشركون واليهود والمنافقون وقالوا: كيف نتبع نبيًّا لا يدري ما يفعل به ولا بنا، وأنه لا فضل له علينا، ولولا أنه ابتدع الذي يقوله من تلقاء نفسه لأخبره الذي بعثه بما يفعل به، فنزلت { لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [سورة الفتح: 2] فنسخت هذه الآية، وأرغم الله أنف الكفار، وقالت الصحابة: هنيئاً لك يا رسول الله، لقد بين الله لك ما يفعل بك يا رسول الله، فليت شعرنا ما هو فاعل بنا؟ فنزلت: { لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } [سورة الفتح: 5]، ونزلت { وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47) } [سورة الأحزاب: 47] "(1).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " قوله تعالى: ((وما أدري ما يفعل بي ولا بكم)) التحقيق إن شاء الله أن معنى الآية الكريمة: ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في دار الدنيا، فما أدري أأخرج من مسقط رأسي أو أقتل كما فُعِلَ ببعض الأنبياء. وما أدري ما ينالني من الحوادث والأمور في تحمل أعباء الرسالة. وما أدري ما يفعل بكم أيخسف بكم، أو تنزل عليكم حجارة من السماء، ونحو ذلك. وهذا هو اختيار ابن جرير وغير واحد من المحققين.
وهذا المعنى في هذه الآية دلت عليه آيات من كتاب الله - عز وجل - كقوله تعالى: { وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ } [سورة الأعراف: 188]، وقوله تعالى آمراً له - صلى الله عليه وسلم - { قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ } [سورة الأنعام: 50].
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/185).(1/93)
وبهذا تعلم أن ما يروى عن ابن عباس وأنس وغيرهما(1) من أن المراد (وما أدري ما يفعل بي ولا بكم) أي في الآخرة فهو خلاف التحقيق "(2).
الشيخ الشنقيطي إذاً يرجح أن الآية يراد بها ما يكون في دار الدنيا.
الموافقون:
أعني بهم كل من رجح أن الآية يراد بها ما يكون في الدنيا، بأي واحد من التفصيلات الثلاثة المذكورة تحت القول الأول، ومنهم:
1- الإمام الطبري: " ... ذلك أمر من الله جل ثناؤه نبيه - عليه السلام - أن يقوله للمشركين من قومه ويعلم أنه لا يدري إلام يصير أمره وأمرهم في الدنيا أيصير أمره معهم أن يقتلوه أو يخرجوه من بينهم أو يؤمنوا به فيتبعوه، وأمرهم إلى الهلاك كما أهلكت الأمم المكذبة رسلها من قبلهم أو إلى التصديق له فيما جاءهم به من عند الله - عز وجل - "(3).
2- الواحدي: " ((وما أدري ما يفعل بي)) إلى إيش يصير أمري معكم، أتقتلونني أم تخرجونني، ((ولا بكم)) أتعذّبون بالخسف أم بالحجارة، والمعنى: ما أدري إلى ماذا يصير أمري وأمركم في الدنيا "(4).
3- ابن جزي: " (وما أدري ما يفعل بي ولا بكم) فيها أربعة أقوال:
الأول: أنها في أمر الآخرة، وكان ذلك قبل أن يعلم أنه في الجنة،و قبل أن يعلم أن المؤمنين في الجنة وأن الكفار في النار، وهذا بعيد؛ لأنه لم يزل يعلم ذلك من أول ما بعثه الله - عز وجل - .
الثاني: أنها في أمر الدنيا، أي لا أدري بما يقضى الله - عز وجل - عليّ وعليكم، فإن مقادير الله مغيبة، وهذا هو الأظهر.
الثالث: ما أدري ما يفعل بي ولا بكم من الأوامر والنواهي وما تلزمه الشريعة.
__________
(1) هو القول رقم (2) في مجمل الأقوال.
(2) أضواء البيان للشنقيطي (7/377).
(3) جامع البيان للطبري (26/6).
(4) الوجيز للواحدي (2/994).(1/94)
الرابع: أن هذا كان في الهجرة إذ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد رأى في المنام أنه يهاجر إلى أرض بها نخل، فقلق المسلمون لتأخير ذلك فنزلت هذه الآية "(1).
... القولان الثالث والرابع من كلام ابن جزي داخلان تحت القول الثاني مما ذكره.
4- ابن كثير -بعد أن ذكر أن المراد بالآية هو ما يكون في الدنيا- قال: "... ولا شك أن هذا هو اللائق به - صلى الله عليه وسلم - ، فإنه بالنسبة إلى الآخرة جازم أنه يصير إلى الجنة هو ومن اتبعه، وأما في الدنيا فلم يدر ما كان يؤول إليه أمره وأمر مشركي قريش إلى ماذا؟ أيؤمنون أم يكفرون فيعذبون فيستأصلون بكفرهم... "(2).
5- المحلي: " ((وما أدري ما يفعل بي ولا بكم)) في الدنيا أأخرج من بلدي أم أقتل كما فعل بالأنبياء قبلي، أو ترموني بالحجارة أم يخسف بكم كالمكذبين قبلكم "(3).
6- الشوكاني: " ((وما أدري ما يفعل بي ولا بكم)) أي ما يفعل بي فيما يستقبل من الزمان، هل أبقى في مكة أو أخرج منها؟ وهل أموت أو أقتل؟ وهل تعجل لكم العقوبة أم تمهلون؟ وهذا إنما هو في الدنيا. وأما في الآخرة فقد علم أنه وأمته في الجنة، وأن الكافرين في النار. وقيل: إن المعنى ما أدري ما يفعل بي ولا بكم يوم القيامة، وأنها لما نزلت فرح المشركون وقالوا: كيف نتبع نبيًّا لا يدري ما يفعل به ولا بنا، وإنه لا فضل له علينا؟ فنزل قوله تعالى: { لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [سورة الفتح: 2]. والأول أولى "(4).
7- السعدي: " ((وما أدري ما يفعل بي ولا بكم)) أي لستُ إلا بشراً، ليس بيدي من الأمر شيء، والله تعالى هو المتصرف بي وبكم، الحاكم عليّ وعليكم، ولست الآتي بالشيء من عندي "(5).
__________
(1) التسهيل لابن جزي (4/74).
(2) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/155).
(3) تفسير الجلالين ص(324).
(4) فتح القدير للشوكاني (5/16).
(5) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(780).(1/95)
... ونحواً من عبارات من ذكرت جاء كلام الإمام النسفي(1)، والفخر الرازي(2)، والقرطبي(3)، والبقاعي(4)، والقنوجي(5)، والقاسمي(6)، وابن عاشور(7).
... أما القول بأنه يراد بالآية ما يكون في الآخرة فلم يرجحه أحد. وعليه فلا يوجد مخالف هنا.
تعقيب الباحث:
... الذي يظهر رجحانه هنا -والله أعلم- أن الآية يراد بها ما يكون في دار الدنيا، وهو ما رجحه الشنقيطي ومن قال بمثل قوله، يدل لذلك أمور:
1- أن هذا القول دلت عليه آيات أخرى من كتاب الله - عز وجل - ، كقوله تعالى: { قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ } [سورة الأنعام: 50]، وقوله تعالى: { وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ } [سورة الأعراف: 188]، وقوله تعالى: { وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ } [سورة هود: 31]، وتفسير القرآن بالقرآن أقوى أنواع التفسير (8).
__________
(1) مدارك التنزيل للنسفي (4/107).
(2) التفسير الكبير للفخر الرازي (10/9).
(3) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/186).
(4) نظم الدرر للبقاعي (18/135).
(5) فتح البيان للقنوجي (13/15).
(6) محاسن التأويل للقاسمي (15/5342).
(7) التحرير والتنوير لابن عاشور (26/17).
(8) شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص(127)، قواعد التفسير لخالد السبت (1/109).(1/96)
2- سياق الآيات يستدل به المفسرون(1) على ترجيح أن يراد بالآية ما يكون في دار الدنيا، قال الإمام الطبري: " وإنما قلنا ذلك أولاها بالصواب لأن الخطاب من مبتدأ هذه السورة إلى هذه الآية والخبر خرج من الله - عز وجل - خطاباً للمشركين وخبراً عنهم وتوبيخاً لهم واحتجاجاً من الله تعالى ذكره لنبيه - صلى الله عليه وسلم - عليهم، فإذا كان ذلك كذلك فمعلوم أن هذه الآية أيضاً سبيلها سبيل ما قبلها وما بعدها في أنها احتجاج عليهم وتوبيخ لهم أو خبر عنهم، وإذا كان ذلك كذلك فمحال أن يقال للنبي - صلى الله عليه وسلم - قل للمشركين ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة وآيات كتاب الله - عز وجل - في تنزيله ووحيه إليه متتابعة بأن المشركين في النار مخلدون، والمؤمنون به في الجنان منعمون، وبذلك يرهبهم مرة ويرغبهم أخرى "(2).
3- إلحاقاً للنقطة السابقة، فقد ردّ الإمام النحاس على دعوى النسخ في آية الأحقاف، مرجحاً قول الجمهور، مستدلاً على صحة كلامه بسياق الآيات، قال: " محال أن يكون في هذا ناسخ ولا منسوخ من جهتين:
أحدهما: أنه خبر.
__________
(1) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/125).
(2) جامع البيان للطبري (26/6).(1/97)
والآخر: أنه من أول السورة إلى هذا الموضع خطاب للمشركين واحتجاج عليهم وتوبيخ لهم، فوجب أن يكون هذا أيضاً خطاباً للمشركين كما كان قبله وما بعده، ومحال أن يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للمشركين ((وما أدري ما يفعل بي ولا بكم)) في الآخرة، ولم يزل - صلى الله عليه وسلم - من أول مبعثه إلى مماته يخبر أن من مات على الكفر مخلد في النار، ومن مات على الإيمان واتبعه وأطاعه فهو في الجنة، فقد رأى - صلى الله عليه وسلم - ما يفعل به وبهم في الآخرة. وليس يجوز أن يقول لهم ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة، فيقولون كيف نتبعك وأنت لا تدري أتصير إلى خفض ودَعَة أم إلى عذاب وعقاب ". انتهى كلام النحاس بواسطة نقل القرطبي(1) له.
4- مما يدل على قوة القول الراجح إجماع جمهور المفسرين عليه، مع عدم وجود مخالف رجح القول الآخر.
5- ترادفت عبارات المفسرين في ترجيح قول الجمهور، فقالوا إنه هو " الأظهر "(2)، وهو " اللائق به - صلى الله عليه وسلم - "(3)،وهو " الأولى "(4) ونحوها.
6- بل لقد صرّحوا بردّ القول المرجوح فقالوا عنه إنه " ضعيف "(5)، وإنه "بعيد"(6)، وإنه " ليس بظاهر "(7).
7- إلحاقاً للنقطة السابقة فيمن ردّ القول المرجوح، قال الفخر الرازي: "... وأكثر المحققين استبعدوا هذا القول واحتجوا عليه بوجوه:
الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لابد وأن يعلم من نفسه كونه نبياً ومتى علم كونه نبياً علم أنه لا تصدر عنه الكبائر وأنه مغفور له، وإذا كان كذلك امتنع كونه شاكّاً في أنه هل هو مغفور له أم لا.
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/186).
(2) التسهيل لابن جزي (4/74).
(3) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/155).
(4) فتح القدير للشوكاني (5/16)، فتح البيان للقنوجي (13/15).
(5) التفسير الكبير للفخر الرازي (10/10).
(6) التسهيل لابن جزي (4/74).
(7) البحر المحيط لأبي حيان (9/435).(1/98)
الثاني: لا شك أن الأنبياء أرفع حالا من الأولياء، فلما قال في هذا: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) } [سورة الأحقاف: 13]، فكيف يعقل أن يبقى الرسول الذي هو رئيس الأتقياء وقدوة الأنبياء والأولياء شاكًّا في أنه هل هو من المغفورين أو من المعذبين؟
الثالث: أنه تعالى قال: { اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [سورة الأنعام: 124] والمراد منه كمال حاله ونهاية قربه من الله تعالى، ومن هذا حاله كيف يليق به أن يبقى شاكاً في أنه من المعذبين أو من المغفورين؟ فثبت أن هذا القول ضعيف "(1).
8- من الأدلة التي قد تؤيد القول المرجوح؛ حديث أم العلاء(2) -امرأة من الأنصار بايعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: اقتُسم المهاجرون قُرعة، فطار لنا عثمان بن مظعون (3) فأنزلناه في أبياتنا، فوجع وجعه الذي توفي فيه، فلما توفي وغسّل وكفّن في أثوابه دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقلتُ: رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله -فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " وما يدريك أن الله أكرمه " فقلت: بأبي أنت يا رسول الله، فمن يكرمه الله؟ فقال: " أما هو فقد جاءه اليقين -والله إني لأرجو له الخير، والله ما أدري- وأنا رسول الله- ما يفعل بي " قالت: فوالله لا أزكي أحداً بعده أبداً.
__________
(1) التفسير الكبير للفخر الرازي (10/10).
(2) أم العلاء بنت الحارث بن ثابت بن حارثة، صحابية أنصارية، يقال إنها زوجة زيد بن ثابت وأم ابنه خارجة. الإصابة (4/478)، تهذيب التهذيب (12/475).
(3) عثمان بن مظعون بن حبيب الجمحي، صحابي أسلم بعد ثلاثة عشر رجلاً، هاجر إلى الحبشة، توفي بعد شهوده بدراً في السنة الثانية من الهجرة، وهو أول من مات بالمدينة من المهاجرين، وأول من دفن بالبقيع منهم. الإصابة (2/464).(1/99)
... وفي رواية أخرى قال: " ما يفعل به "(1). وفي رواية أخرى، بعد قولها: فوالله لا أزكي أحداً بعده، قالت: فأحزنني ذلك، فنمت، فرأيت لعثمان عيناً تجري، فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبرته، فقال: " ذلك عمله "(2).
... ولكن هذا الحديث لا يقوى دليلاً فيما استدل به عليه، قال الإمام القرطبي: " حديث أم العلاء خرّجه البخاري، وروايتي فيه ((وما أدري ما يفعل به)) ليس فيه (بي ولا بكم)، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى "(3).
... والإمام ابن كثير -بعد أن ذكر الحديث ولفظ " ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل به " - قال: " وهذا أشبه أن يكون هو المحفوظ بدليل قولها فأحزنني ذلك "(4)، وهذا الذي قاله ابن كثير نقله عن القاسمي(5)، والشنقيطي(6) مؤيدين له. والله أعلم بالصواب.
- - -
المراد بـ { الَّذِي }
72- قوله تعالى: { وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آَمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ } [سورة الأحقاف: 17-18].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن لفظ (الذي) يراد به الجنس، فالآية عامة في كلّ عاقّ لوالديه مكذب بالبعث.
__________
(1) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الجنائز، باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه.
... فتح الباري (3/114)، الحديث رقم (1243).
(2) البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه المدينة، فتح الباري (7/264) الحديث رقم (3929).
(3) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/186).
(4) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/155).
(5) محاسن التأويل للقاسمي (15/5342).
(6) أضواء البيان للشنقيطي (7/379).(1/100)
2- أن المراد شخص بعينه، وقيل: هو عبدالرحمن بن أبي بكر -رضي الله عنهما-(1).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " التحقيق إن شاء الله أن (الذي) في قوله ((والذي قال لوالديه)) بمعنى الذين، وأن الآية عامة في كل عاق لوالديه مكذب بالبعث.
... والدليل من القرآن على أن (الذي) بمعنى الذين وأن المراد به العموم، أن (الذي) في قوله ((والذي قوله لوالديه)) مبتدأ خبره قوله تعالى ((أولئك الذين حق عليهم القول)). والإخبار عن لفظة (الذي) في قوله ((أولئك الذين حق عليهم القول)) بصيغة الجمع، صريح في أن المراد بالذي العموم لا الإفراد. وخير ما يفسر به القرآن القرآن.
وبهذا الدليل القرآني تعلم أن قول من قال في هذه الآية الكريمة إنها نازلة في عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- ليس بصحيح، كما جزمت عائشة -رضي الله عنهما- ببطلانه.
وفي نفس آية الأحقاف هذه دليل آخر واضح على بطلانه، وهو أن الله - عز وجل - صرّح بأن الذين قالوا تلك المقالة حق عليهم القول، وهو قوله { وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [سورة السجدة: 13] ومعلوم أن عبدالرحمن(2) بن أبي بكر -رضي الله عنهما- أسلم وحسن إسلامه، وهو من خيار المسلمين وأفاضل الصحابة - رضي الله عنهم - "(3).
الشيخ الشنقيطي يرى أن الآية عامة في كل عاق لوالديه مكذب بالبعث.
الموافقون:
الجمع الغفير من المفسرين ذهبوا إلى مثل ما ذهب إليه الشنقيطي، منهم:
__________
(1) ذكر القولين الإمام النسفي في مدارك التنزيل (4/109).
(2) عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق القرشي، وأمه أم رومان والدة عائشة... كان اسمه عبد الكعبة فغيره النبي - صلى الله عليه وسلم - . وتأخر إسلامه إلى أيام الهدنة فأسلم وحسن إسلامه، مات سنة ثلاث وخمسين من الهجرة. الإصابة (2/407).
(3) أضواء البيان للشنقيطي (7/387).(1/101)
1- الإمام الطبري: "... وهذا نعت من الله تعالى ذكره نعت ضالّ به كافر وبوالديه عاق، وهما مجتهدان في نصيحته ودعائه إلى الله - عز وجل - ، فلا يزيده دعاؤهما إياه إلى الحق ونصيحتهما له إلا عتوًّا وتمردًا على الله - عز وجل - وتمادياً في جهله، يقول جل ثناؤه ((والذي قال لوالديه)) أن دعواه إلى الإيمان بالله - عز وجل - والإقرار ببعث الله - عز وجل - خلقه من قبورهم ومجازاته إياهم بأعمالهم ((أف لكما)) يقول قذراً لكما ونتناً أتعدانني أن أخرج... "(1).
2- النسفي: " ((والذي قال لوالديه)) مبتدأ، خبره ((أولئك الذين حق عليهم القول)) والمراد بـ (الذي قال) الجنس القائل ذلك القول، ولذلك وقوع الخبر مجموعاً "(2).
3- الخازن: "... والقول الصحيح أنه ليس المراد من الآية شخص معين، بل المراد كل شخص كان موصوفاً بهذه الصفة وهو كل من دعاه أبواه إلى الدين الصحيح والإيمان بالبعث فأبى وأنكر "(3).
4- ابن كثير: "... لما ذكر تعالى حال الداعين للوالدين البارين بهما وما لهم عنده من الفوز والنجاة، عطف بحال الأشقياء العاقّين للوالدين؛ فقال: ((والذي قال لوالديه أف لكما)) وهذا عام في كل من قال هذا. ومن زعم أنها نزلت في عبدالرحمن بن أبي بكر -رضي الله عنهما-؛ فقوله ضعيف؛ لأن عبدالرحمن بن أبي بكر -رضي الله عنهما- أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه وكان من خيار أهل زمانه [إلى أن قال:] وقوله ((أولئك)) بعد قوله ((والذي قال)) دليل على ما ذكرنا من أنه جنس يعم كل من كان كذلك "(4).
__________
(1) جامع البيان للطبري (26/13).
(2) مدارك التنزيل للنسفي (4/109).
(3) لباب التأويل للخازن (6/135).
(4) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/159).(1/102)
5- البقاعي: "... ولما ذكر سبحانه هذا المحسن بادئاً به لكون المقام للإحسان، اتبعه المسيء المناسب لمقصود السورة المذكور صريحاً في مطلعها فقال تعالى ((والذي قال لوالديه)) مع اجتماعهما كافراً لنعمهما نابذاً لوصيتنا بهما، فكان كافراً بنعمة أعظم منعم محسوس بعد الكفر بنعمة أعظم منعم مطلقاً، والتثنية مشيرة إلى أنه أغلظ الناس كبداً؛ لأن العادة جرت بقبول الإنسان كلام أصله ولو كان واحداً، وأن الاجتماع مطلقاً له تأثير، فكيف إذا كان والداً... "(1).
6- الشوكاني: " لما ذكر سبحانه من شكر نعمة الله سبحانه عليه وعلى والديه، ذكر من قال لهما قولاً يدل على التضجر منهما عند دعوتهما له إلى الإيمان، فقال: ((والذي قال لوالديه أف لكما))، الموصول عبارة عن الجنس القائل ذلك القول، ولهذا أخبر عنه بالجمع "(2).
7- السعدي: " لما ذكر تعالى حال الصالح البار لوالديه، ذكر حال العاق، وأنها شر الحالات، فقال ((والذي قال لوالديه)) إذ دعواه إلى الإيمان بالله واليوم الآخر، وخوّفاه الجزاء. وهذا أعظم إحسان يصدر من الوالدين لولدهما، أن يدعواه إلى ما فيه سعادته الأبدية، وفلاحه السرمدي، فقابلهما بأقبح مقابلة، فقال (أف لكما) أي تبًّا لكما ولما جئتما به "(3).
__________
(1) نظم الدرر للبقاعي (18/152).
(2) فتح القدير للشوكاني (5/21).
(3) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(781).(1/103)
... ويُشبه كلام من ذكرت كلامُ كل من الواحدي(1)، والزمخشري(2)، وابن عطية(3)، والفخر الرازي(4)، ونظام الدين النيسابوري(5)، وابن جزي(6)، وأبي حيان(7)، والبيضاوي(8)، والقنوجي(9)، والقاسمي(10)، وسيد قطب(11)، وابن عاشور(12).
... ولا يوجد مخالف هنا، فإن أحداً من المفسرين على مرّ العصور لم يرجح أن يكون المراد بالآية الصحابي عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-.
تعقيب الباحث:
... الظاهر -والله أعلم- أن الراجح كون لفظ (الذي) في الآية يراد به الجنس، يعني جنس القائلين ذلك القول، وأن الآية عامة في كل عاق لوالديه مكذب بالبعث، يدل على ذلك:
__________
(1) الوجيز للواحدي (2/996).
(2) الكشاف للزمخشري (4/295).
(3) المحرر الوجيز لابن عطية (13/351).
(4) التفسير الكبير للفخر الرازي (10/21).
(5) غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري (26/11).
(6) التسهيل لابن جزي (4/77).
(7) البحر المحيط لأبي حيان (9/441).
(8) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/213).
(9) فتح البيان للقنوجي (13/26).
(10) محاسن التأويل للقاسمي (15/5349).
(11) في ظلال القرآن لسيد قطب (6/3263).
(12) التحرير والتنوير لابن عاشور (26/37).(1/104)
1- سباق الآية ولحاقها(1) يدل على إرادة هذا المعنى، فإنه - سبحانه وتعالى - " وصف الولد البار بأبويه في الآية المتقدمة، ووصف الولد العاق لأبويه في هذه الآية، وذكر من صفات ذلك الولد أنه بلغ في العقوق إلى حيث لما دعاه أبواه إلى الدين الحق، وهو الإقرار بالبعث والقيامة أصر على الإنكار وأبى واستكبر، وعول في ذلك الإنكار على شبهات خسيسة وكلمات واهية، وإذا كان كذلك، كان المراد كل ولد اتصف بالصفات المذكورة، ولا حاجة ألبتة إلى تخصيص اللفظ المطلق بشخص معين "(2).
ودلالة سياق الآيات على هذا المعنى الراجح أشار إليها أيضاً من المفسرين: ابن كثير(3)، والبقاعي(4)، والشوكاني(5)، والسعدي(6)، وغيرهم(7).
2- وجود قرينة في الآيات تؤيد القول الراجح، قاعدة مهمة في الترجيح بين الأقوال عند المفسرين(8)، فإن هذه الآية فيها " ما يدل على أنها عامة؛ قوله تعالى: ((ألئك الذين حق عليهم القول)) بصيغة الجمع، ولو أراد واحداً بعينه لقال ذلك الذي حق عليه القول "(9).
__________
(1) قاعدة: إدخال الكلام في معاني ما قبله وما بعد أولى.. قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/125)، قواعد التفسير لخالد السبت (1/249).
(2) التفسير الكبير للفخر الرازي (10/22).
(3) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/159).
(4) نظم الدرر للبقاعي (18/152).
(5) فتح القدير للشوكاني (5/21).
(6) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(781).
(7) المحرر الوجيز لابن عطية (13/352)، البحر المحيط لأبي حيان (4419)، التحرير والتنوير لابن عاشور (26/37).
(8) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/299).
(9) التسهيل لابن جزي (4/77).(1/105)
... أشار إلى هذه الناحية الترجيحية من المفسرين:النسفي(1)، والزمخشري(2)، وأبوحيان(3)، والشنقيطي(4)، وغيرهم(5).
3- قرينة أخرى أيضاً في الآيات يترجح بها كون الآية عامة ولا يراد بها شخص بعينه، وهي " أن الله - عز وجل - صرح بأن الذين قالوا تلك المقالة حق عليهم القول، وهو قوله: { وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [سورة السجدة: 13] "(6). وعليه فإن " الأصوب أن تكون عامّة في أهل هذه الصفات، ولم يقصد بها عبدالرحمن ولا غيره من المؤمنين، والدليل القاطع على ذلك قوله تعالى: ((أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم))، وكان عبدالرحمن - رضي الله عنه - من أفضل الصحابة، ومن الأبطال، وممن له في الإسلام غناء "(7).
__________
(1) مدارك التنزيل للنسفي (4/109).
(2) الكشاف للزمخشري (4/295).
(3) البحر المحيط لأبي حيان (9/441).
(4) أضواء البيان للشنقيطي (7/387).
(5) غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري (26/11)، فتح القدير للشوكاني (5/21)، التحرير والتنوير لابن عاشور (26/37).
(6) أضواء البيان للشنقيطي (7/387).
(7) المحرر الوجيز لابن عطية (13/352).(1/106)
4- القول بأن المراد بالآية عبدالرحمن بن أبي بكر -رضي الله عنهما-؛ بُني على ما قاله مروان بن الحكم(1)، وذلك أنه " لما كتب معاوية إلى مروان يبايع الناس ليزيد، قال عبدالرحمن بن أبي بكر: لقد جئتم بها هرقليه، أتبايعون لأبنائكم؟ فقال مروان: يا أيها الناس، هو الذي قاله الله فيه ((والذي قال لوالديه أف لكما))(2) "، وهذا القول مردود بوجوه:
أ- أنه " إن صح نزولها في عبدالرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه، فإن خصوص السبب لا يوجب التخصيص "(3). وكيف وقد أجمع المفسرون على بطلانه، منهم: النسفي(4)، الزمخشري(5)، وابن عطية(6)، والفخر الرازي (7)، ونظام الدين النيسابوري(8)، وابن جزي(9)، وأبوحيان(10)، والقنوجي(11)، والشنقيطي(12)، وابن عاشور(13).
__________
(1) مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، يقال ولد بعد الهجرة بسنتين، ولي إمرة المدينة المنورة لمعاوية - لما مات معاوية بن يزيد بن معاوية بايعه بعض أهل الشام في قصة طويلة، فكانت مدته في الخلافة قدر نصف سنة، مات سنة خمس وستين من الهجرة. الإصابة (3/478).
(2) التفسير الكبير للفخر الرازي (10/21).
(3) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/213).
(4) مدارك التنزيل للنسفي (4/109).
(5) الكشاف للزمخشري (4/295).
(6) المحرر الوجيز لابن عطية (13/351).
(7) التفسير الكبير للفخر الرازي (10/21).
(8) غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري (26/11)، وحكى إجماع المفسرين على إنكار أن يراد بالآية عبدالرحمن بن أبي بكر -رضي الله عنهما-.
(9) التسهيل لابن جزي (4/77).
(10) البحر المحيط لأبي حيان (9/441).
(11) فتح البيان للقنوجي (13/26).
(12) أضواء البيان للشنقيطي (7/387).
(13) التحرير والتنوير لابن عاشور (26/37) وحكي الإجماع على أن الآية يراد بها العموم في كل عاقّ مكذب.(1/107)
ب- أنه لو كان المراد بقوله ((والذي قال لوالديه أف لكما)) عبدالرحمن بن أبي بكر -رضي الله عنهما- قبل إسلامه بأنه " روي أنه لما دعاه أبواه إلى الإسلام وأخبراه بالبعث بعد الموت، قال ((أتعدانني أن أخرج)) من القبر، يعني أبعث بعد الموت ((وقد خلت القرون من قبلي)) يعني الأمم الخالية، فلم أر أحداً منهم بعث فأين عبدالله بن جدعان،و أين فلان وفلان؟ إذا عرفت هذا فنقول: قوله ((أولئك الذين حق عليهم القول)) المراد هؤلاء الذين ذكرهم عبدالرحمن من المشركين الذين ماتوا قبله، وهم الذين حق عليهم القول، وبالجملة فهو عائد إلى المشار إليهم بقوله ((وقد خلت القرون من قبلي)) لا إلى المشار إليه بقوله ((والذي قال لوالديه أف لكما)) "(1).
جـ- ما قاله مروان بن الحكم؛ أنكرته أم المؤمنين " وهي المصدوقة "(2) عائشة بنت أبي بكر الصديق، وأخوها عبدالرحمن لأبيها وأمها، الحديث أخرجه الإمام البخاري " كان مروان على الحجاز استعمله معاوية، فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يُبايع له بعد أبيه، فقال له عبدالرحمن بن أبي بكر شيئاً، فقال: خذوه، فدخل بيت عائشة فلم يقدروا عليه، فقال مروان إن هذا الذي أنزل الله فيه ((والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني))، فقال عائشة من وراء الحجاب: ما أنزل الله فينا شيئاً من القرآن، إلا أن الله أنزل عذري "(3). قال الحافظ ابن حجر: " نفي عائشة أن تكون نزلت في عبدالرحمن وآل بيته أصح إسناداً وأولى بالقبول "(4).
__________
(1) ذكره الفخر الرازي في التفسير الكبير (10/22) حكاية عن الكلبي.
(2) البحر المحيط لأبي حيان (9/441).
(3) أخرجه الإمام البخاري في كتاب التفسير، سورة الأحقاف، فتح الباري (8/576) الحديث رقم (4827).
(4) فتح الباري (8/577).(1/108)
... وبناءًا على ما قالته أم المؤمنين؛ حمل المفسرون معنى الآية على العموم، وهم جميع المفسرين المذكورين تحت فقرة (الموافقون): الطبري، والواحدي، النسفي، والزمخشري، ابن عطية، الفخر الرازي، الخازن، نظام الدين النيسابوري، ابن جزي، أبوحيان، ابن كثير، البيضاوي، البقاعي، الشوكاني، القنوجي، القاسمي، السعدي، سيد قطب، ابن عاشور، وكذلك الشنقيطي.
5- حكى بعض المفسرين(1) أن اسم ابن أبي بكر المقصود هنا: عبدالله(2)... أقول: سواء كان عبدالرحمن أو عبدالله - رضي الله عنهم - جميعاً، فالجواب واحد. والله أعلم بالصواب.
- - -
مَن الذي أذهب طيّباته
73- قوله تعالى: { وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20) } [سورة الأحقاف: 20].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
1- أن معنى الآية: أن الذي أذهب طيباته في الدنيا واستمتع بها هو الكافر؛ لأنه لا يجزي بحسناته إلا في الدنيا خاصة(3).
2- أن الآية وازعة وواعظة لأولي النهى من المؤمنين عن الشهوات واستكمال الطيبات(4).
ترجيح الشنقيطي:
__________
(1) مختصر البغوي (2/861)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/197).
(2) عبدالله بن أبي بكر الصديق، شقيق أسماء بنت أبي بكر، وهو الذي في قصة الهجرة كان يأتي للرسول - صلى الله عليه وسلم - ولأبيه أبي بكر الصديق وهما في الغار بأخبار قريش، رُمي بسهم في الطائف فجرح ثم اندمل ثم انتقض فمات في خلافة أبيه في شوال سنة إحدى عشرة. الإصابة (2/283).
(3) أضواء البيان للشنقيطي (7/493).
(4) المحرر الوجيز لابن عطية (13/356).(1/109)
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " اعلم أن للعلماء كلاماً كثيراً في هذه الآية قائلين إنها تدل على أنه ينبغي التقشف والإقلال من التمتع بالمآكل والمشارب والملابس ونحو ذلك.
... وأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يفعل ذلك خوفاً منه أن يدخل في عموم من يقال لهم يوم القيامة: ((أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا)) الآية. والمفسرون يذكرون هنا آثاراً كثيرة في ذلك، وأحوال أهل الصفة وما لاقوه من شدة العيش.
... قال مقيده(1) عفا الله عنه وغفر له: التحقيق إن شاء الله في معنى هذه الآية هو أنها في الكفار وليست في المؤمنين الذين يتمتعون باللذات التي أباحها الله - عز وجل - لهم، لأنه تعالى ما أباحها لهم ليذهب بها حسناتهم.
وإنما قلنا: إن هذا هو التحقيق؛ لأن الكتاب والسنة الصحيحة دالان عليه والله تعالى يقول: { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } [سورة النساء: 59]. أما كون الآية في الكفار فقد صرح الله تعالى به في قوله: ((ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم)).
__________
(1) الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-.(1/110)
والقرآن والسنة الصحيحة، قد دلا على أن الكافر إن عمل عملاً صالحاً مطابقاً للشرع، مخلصاً فيه لله - عز وجل - ، كالكافر الذي يبر والديه، ويصل الرحم ويقري الضيف، وينفس عن المكروب، ويعين المظلوم يبتغي بذلك وجه الله - عز وجل - يثاب بعمله في دار الدنيا خاصة بالرزق والعافية، ونحو ذلك ولا نصيب له في الآخرة. فمن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16) } [سورة هود: 15-16]، وقوله تعالى: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20) } [سورة الشورى: 20].
وقد قيد تعالى هذا الثواب الدنيوي المذكور في الآيات بمشيئته وإرادته، في قوله تعالى: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) } [سورة الإسراء: 18].
وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة يعطي بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسناته ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها " (1) هذا لفظ مسلم في صحيحه.
__________
(1) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، كتاب صفة القيامة والجنة والنار - جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والآخرة وتعجيل حسنات الكافر في الدنيا. صحيح مسلم بشرح النووي (17/149).(1/111)
وفي لفظ له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة في الدنيا، وأما المؤمن فإن الله يدخر له حسناته في الآخرة ويعقبه رزقاً في الدنيا على طاعته "(1) اهـ.
فهذا الحديث الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه التصريح، بأن الكافر يجازى بحسناته في الدنيا فقط، وأن المؤمن يجازى بحسناته في الدنيا والآخرة معاً. وبمقتضى ذلك، يتعين تعييناً لا محيص عنه، أن الذي أذهب طيباته في الدنيا واستمتع بها هو الكافر، لأنه لا يجزى بحسناته إلا في الدنيا خاصة.
وأما المؤمن الذي يجزى بحسناته في الدنيا والآخرة معاً، فلم يذهب طيباته في الدنيا؛ لأن حسناته مدخرة له في الآخرة، مع أن الله تعالى يثيبه بها في الدنيا كما قال تعالى: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } [سورة الطلاق: 2-3].
فجعل المخرج من الضيق له ورزقه من حيث لا يحتسب ثواباً في الدنيا وليس ينقص أجر تقواه في الآخرة.
والآيات بمثل هذا كثيرة معلومة، وعلى كل حال فالله -جل وعلا- أباح لعباده على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - الطيبات في الحياة الدنيا، وأجاز لهم التمتع بها، ومع ذلك جعلها خاصة بهم في الآخرة، كما قال تعالى: { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ } [سورة الأعراف: 32].
فدل هذا النص القرآن أن تمتع المؤمنين بالزينة والطيبات من الرزق في الحياة الدنيا لم يمنعهم من اختصاصهم بالتنعم بذلك يوم القيامة، وهو صريح في أنهم لم يذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا.
__________
(1) المرجع السابق (17/150).(1/112)
ولا ينافي هذا أن من كان يعاني شدة الفقر في الدنيا كأصحاب الصفة، يكون لهم أجر زائد على ذلك؛ لأن المؤمنين يؤجرون، بما يصيبهم في الدنيا من المصائب والشدائد، كما هو معلوم "(1).
خلاصةً: يرى الشيخ الشنقيطي أن الذي أذهب طيباته في الدنيا واستمتع بها هو: الكافر، لأنه لا يجزى بحسناته إلا في الدنيا خاصة.
الموافقون:
ذهب إلى مثل ما ذهب إليه الشنقيطي جمهور من المفسرين، منهم:
1- الإمام الطبري -بعد أن أورد الآية- قال: " يقول تعالى ذكره ويوم يعرض الذين كفروا بالله - عز وجل - على النار يقال لهم أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فيها [إلى أن قال:] وقال ((فاليوم تجزون عذاب الهون)) يقول تعالى ذكره يقال لهم فاليوم أيها الكافرون الذين أذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا تجزون أي تثابون عذاب الهون يعني عذاب الهوان وذلك عذاب النار الذي يهينهم "(2).
2- الواحدي: " ((ويوم يعرض الذين كفروا على النار)) فيقال لهم ((أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها)) وذلك أنهم يفعلون ما يشتهون، لا يتوقَّون حراماً ولا يجتنبون مأثماً ((فاليوم تجزون عذاب الهون)) الهوان "(3).
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/393-395).
(2) جامع البيان للطبري (26/14).
(3) الوجيز للواحدي (2/996).(1/113)
3- البقاعي: " ولما كان الظاهر في هذه السورة الإنذار كما يشهد به مطلعها، قال ذاكراً بعض ما يبكت به المجرمون يوم البعث الذي كانوا به يكذبون ويكون فيه توفيه جزاء الأعمال، عاطفاً على ما تقديره: اذكر لهم هذا لعلهم يأنفون أن يكونوا المسيئين فيكونوا من المحسنين، ((ويوم)) أي واذكر لهم يوم يعرضون، هكذا كان الأصل ولكنه أظهر الوصف الذي أوجب لهم الجزاء إشارة إلى أن الأمر كان ظاهراً لهم ولكنهم ستروا أنوار عقولهم، فقال ((يعرض الذين كفروا)) أي من الفريقين المذكورين(1) ((على النار)) أي يصلون لهبها ويقلبون فيها كما يعرض اللحم الذي يشوي، مقولاً لهم على سبيل التنديم والتقريع والتوبيخ والتشنيع لأنهم لم يذكروا الله - عز وجل - حق ذكره عند شهواتهم بل نالوها مع مخالفة أمره سبحانه ونهيه ((أذهبتم طيباتكم)) أي لذاتكم باتباعكم الشهوات ((في حياتكم)) ونفّر منها بقوله تعالى ((الدنيا)) أي القريبة الدنية المؤذن وصفها لمن يعقل بحياة أخرى بعدها، فكان سعيكم في حركاتكم وسكناتكم لأجلها حتى نلتموها ((واستمتعتم)) أي طلبتم وأوجدتم انتفاعكم ((بها)) وجعلتموها غاية حظكم في رفعتكم ونعمتكم "(2).
__________
(1) الجن والإنس، وقد سبق ذكرهما في الآيات السابقة، قال تعالى: { أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18) وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ } [سورة الأحقاف: 18-20].
(2) نظم الدرر للبقاعي (18/159).(1/114)
4- السعدي: "... يذكر تعالى حال الكفار عند عرضهم على النار حين يوبخون ويقرعهم، فيقال لهم ((أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا)) حيث اطمأننتم إلى الدنيا، واغتررتم بلذاتها، ورضيتم بشهواتها، وألهتكم طيباتها عن السعي لأخرتكم، وتمتعتم تمتع الأنعام السارحة فهي حظكم من آخرتكم. ((فاليوم تجزون عذاب الهون)) "(1).
5- سيد قطب: " ((ويوم يعرض الذين كفروا على النار...))، والمشهد سريع حاسم، ولكنه يتضمن لفتة عميقة عريضة. إنه مشهد العرض على النار. وفي مواجهتها وقبيل سوقهم إليها، يقال لهم عن سبب عرضهم عليها وسوقهم إليها ((أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها))... فقد كانوا يملكون الطيبات إذن، ولكنهم استنفدوها في الحياة الدنيا، فلم يدخروا للآخرة منها شيئاً؛ واستمتعوا غير حاسبين فيها للآخرة حساباً. استمتعوا بها استمتاع الأنعام للحصول على اللذة بالمتاع، غير ناظرين فيها للآخرة، ولا شاكرين لله - عز وجل - نعمته، ولا متورعين فيها عن فاحش أو حرام، ومن ثَمَّ كانت لهم دنيا ولم تكن لهم آخرة، واشتروا تلك اللمحة الخاطفة على الأرض بذلك الأمد الهائل الذي لا يعلم حدوده إلا الله - عز وجل - "(2).
... وبمثل هذا الترجيح وبعبارات مشابهة ومقاربة جاء تفسير كل من الإمام البغوي(3)، والنسفي(4)، والقرطبي(5)، ونظام الدين النيسابوري(6)، والبيضاوي(7)، والمحلي(8)، والشوكاني(9)، والقاسمي(10).
لا يوجد مخالفون.
تعقيب الباحث:
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(782).
(2) في ظلال القرآن لسيد قطب (6/3264).
(3) مختصر البغوي (2/861).
(4) مدارك التنزيل للنسفي (4/110).
(5) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/199).
(6) غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري (26/12).
(7) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/214).
(8) تفسير الجلالين ص(425).
(9) فتح القدر للشوكاني (5/22).
(10) محاسن التأويل للقاسمي (15/5352).(1/115)
... يظهر -والله أعلم- أن الذي أذهب طيباته في الحياة الدنيا واستمتع بها هو الكافر، وهذا هو المعنى الذي رجّحه الشنقيطي ومن ذهب إلى مثل ما قاله، يدل لذلك أمور:
1- أن هذا المعنى هو الظاهر المتبادر من لفظ الآية، " والأصل حمل نصوص الوحي على ظواهرها إلا لدليل "(1)، فلقد صرّح الله - عز وجل - في هذه الآية- بأن الكافر هو الذي أذهب طيباته في الحياة الدنيا، قال تعالى: ((ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها...)).
__________
(1) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/137)، قواعد التفسير لخالد السبت (2/843).(1/116)
2- لقد دلت آيات أخرى أيضاً على نحو ما دلت عليه هذه الآية، قال تعالى: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16) } [سورة هود: 15-16]، وقال تعالى: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20) } [سورة الشورى: 20]. وهكذا فإن الكافر الذي لا يؤمن بيوم القيامة والبعث والجزاء والجنة والنار، ومع ذلك يعمل " عملاً صالحاً مطابقاً للشرع، مخلصاً فيه لله - عز وجل - ، كالكافر الذي يبر والديه، ويصل الرحم، ويقري الضيف، وينفس عن المكروب، ويعين المظلوم يبتغي بذلك وجه الله - عز وجل - ؛ يثاب بعمله في دار الدنيا خاصة بالرزق والعافية ونحو ذلك، ولا نصيب له في الآخرة... وقد قيد تعالى هذا الثواب الدنيوي بمشيئته وإرادته، في قوله تعالى: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) } [سورة الإسراء: 18]"(1).
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/393).(1/117)
3- لقد أكّد عدد غير قليل من المفسرين(1) أن الآية مقصود بها الكافر، فهو الذي يذهب طيباته في الحياة الدنيا، وليس له في الآخرة إلى العذاب. ومع ذلك أشاروا إلى أنه يستفاد من الآية أن تكون وازعة ورادعة لأولى النهى من المؤمنين ومحرضة لهم على الورع والتقلل من الدنيا، فيؤثروا اجتناب اللذات رجاء الثواب العظيم في الآخرة، مع أنه " ليس في الآية ما يقتضي منع المسلم من تناول الطيبات في الدنيا إذا توخَّى حلالها وعمل بواجبه الديني فيما عدا ذلك، وإن كان الزهد في الاعتناء بذلك أرفع درجة وهي درجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخاصةٍ من أصحابه "(2).
__________
(1) منهم: ابن عطية في المحرر الوجيز (13/356)، وابن الجوزي في زاد المسير (7/139)، والخازن في لباب التأويل (6/136)، وابن جزي في التسهيل (4/78)، وأبوحيان في البحر المحيط (9/444)، وابن كثير في تفسير القرآن العظيم (4/160)، والثعالبي في جواهر الحسان (4/153).
(2) التحرير والتنوير لابن عاشور (26/43).(1/118)
... وهكذا نجد " أن هذه الآية لا تدل على المنع من التنعم، لأن هذه الآية وردت في حق الكافر، وإنما وبخ الله - عز وجل - الكافر لأنه يتمتع بالدنيا ولم يؤد شكر المنعم بطاعته والإيمان به، وأما المؤمن فإنه يؤدي بإيمانه شكر المنعم فلا يوبخ بتمتعه، والدليل عليه قوله تعالى: { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ } [سورة الأعراف: 32] "(1)، " فدل هذا النص القرآني أن تمتع المؤمنين بالزينة والطيبات من الرزق في الحياة الدنيا لم يمنعهم من اختصاصهم بالتنعم بذلك يوم القيامة، وهو صريح في أنهم لم يذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا "(2)، " نعم لا ينكر أن الاحتراز عن التنعم أولى؛ لأن النفس إذا اعتادت التنعم صعب عليها الاحتراز والانقباض، وحينئذ فربما حمله الميل إلى تلك الطيبات على فعل ما لا ينبغي، وذلك مما يجر بعضه إلى بعض ويقع في البعد عن الله تعالى بسببه "(3)، " ولا ينافي هذا أن من كان يعاني شدة الفقر في الدنيا كأصحاب الصفة، يكون لهم أجر زائد على ذلك؛ لأن المؤمنين يؤجرون بما يصيبهم في الدنيا من المصائب والشدائد، كما هو معلوم "(4).
4- وختام القول: " التحقيق أن المراد هو أنه ما كتب للكافر حظ من الطيبات إلا الذي أصابه في دنياه، وليس في الآية أن كل من أصاب الطيبات في الدنيا فإنه لا يكون له منها حظ في الآخرة "(5). والله أعلم بالصواب.
- - -
...
هل يدخل الجنّ الجنة ؟
74- قوله تعالى: { يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) } [سورة الأحقاف: 31].
__________
(1) التفسير الكبير للفخر الرازي (10/23).
(2) أضواء البيان للشنقيطي (7/395).
(3) التفسير الكبير للفخر الرازي (10/23).
(4) أضواء البيان للشنقيطي (7/395).
(5) غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري (26/13).(1/119)
مجمل الأقوال الواردة:
... اختلف المفسرون في بيان هذه الآية؛ وهل تدل على أن للجن ثواباً (دخول الجنة) وعقاباً (دخول النار)؛ على أقوال:
1- أن الجن يكون لهم الثواب في الإحسان، كما يكون عليهم العقاب في الإساءة كالإنس(1).
2- وقيل: إنه لا ثواب لهم إلا النجاة من النار(2).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: "... منطوق هذه الآية أن من أجاب [من الجن] داعي الله - عز وجل - محمداً - صلى الله عليه وسلم - وآمن به وبما جاء به من الحق؛ غفر الله - عز وجل - له ذنوبه وأجاره من العذاب الأليم.
... ومفهوماً أعني مفهوم مخالفتها المعروف بدليل الخطاب، أن من لم يجب داعي الله - عز وجل - من الجن ولم يؤمن به؛ لم يغفر له ولم يجره من عذاب أليم، بل يعذبه ويدخله النار، وهذا المفهوم جاء مصرحاً به مبيناً في آيات أخر، كقوله تعالى: { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) } [سورة هود 119]، وقوله تعالى: { وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [سورة السجدة: 13]، وقوله تعالى: { قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ } [سورة الأعراف: 38]، وقوله تعالى: { فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) } [سورة الشعراء: 94-95].
__________
(1) مختصر البغوي (2/863).
(2) مدارك التنزيل للنسفي (4/112)، حكاه عن أبي حنيفة.(1/120)
أما دخول المؤمنين المجيبين داعي الله - عز وجل - من الجن الجنة، فلم تتعرض له الآية الكريمة بإثبات ولا نفي، وقد دلت آية أخرى على أن المؤمنين من الجن يدخلون الجنة، وهي قوله تعالى في سورة الرحمن: { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) } [سورة الرحمن: 46-47]. وبه تعلم أن ما ذهب إليه بعض أهل العلم؛ قائلين إنه يفهم من هذه الآية أن المؤمنين من الجن لا يدخلون الجنة، وأن جزاء إيمانهم وإجابتهم داعي الله - عز وجل - ؛ هو الغفران وإجارتهم من العذاب الأليم فقط، كما هو نص الآية، كله خلاف التحقيق "(1).
الشيخ الشنقيطي يرجح دخول الجن المؤمن الطائع الجنة.
الموافقون:
... ما رجحه الشيخ الشنقيطي من تساوي الجن مع الإنس في الثواب والعقاب، وأن لمؤمنهم الجنة ولكافرهم النار؛ اتفق معه فيه عدد غير قليل من المفسرين، منهم:
1- الزمخشري: "... والصحيح أنهم في حكم بني آدم، لأنهم مكلفون مثلهم "(2).
2- الفخر الرازي: "... والصحيح أنهم في حكم بني آدم فيستحقون الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية... والدليل على صحة هذا القول أن كل دليل على أن البشر يستحقون الثواب على الطاعة فهو بعينه قائم في حق الجن "(3).
3- نظام الدين النيسابوري: ".. والصحيح أنهم في حكم بني آدم. يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون "(4).
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/401).
(2) الكشاف للزمخشري (4/304).
(3) التفسير الكبير للفخر الرازي (10/29).
(4) غريب القرآن لنظام الدين النيسابوري (26/17).(1/121)
4- ابن كثير: "... والحق أن مؤمنهم كمؤمني الإنس يدخلون الجنة كما هو مذهب جماعة من السلف... [يدل عليه] قوله جل وعلا: { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) } [سورة الرحمن: 46-47] فقد امتن تعالى على الثقلين بأن جعل جزاء محسنهم الجنة، وقد قابلت الجن هذه الآية بالشكر القولي أبلغ من الإنس؛ ((فقالوا: ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد))(1)، فلم يكن تعالى ليمتنّ عليهم بجزاء لا يحصل لهم، وأيضاً فإنه إذا كان يجازي كافرهم بالنار وهو مقام عدل، فلأن يجازي مؤمنهم بالجنة وهو مقام فضل بطريق الأوْلى والأحرى. ومما يدل أيضاً على ذلك عموم قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) } [سورة الكهف: 107]. وما أشبه ذلك من الآيات "(2).
__________
(1) هذا جزء من حديث رواه جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- قال: خرج رسول الله على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها، فسكتوا، فقال: " لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردوداً منكم، كنت كلما أتيت على قوله { فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) } قالوا: لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد ". ذكره ابن الأثير في جامع الأصول، وقال محققه الشيخ عبدالقادر الأرناؤوط: " أخرجه الترمذي في التفسير، باب ومن سورة الرحمن، وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد، يقول: والوليد مدلس وقد عنعن، وزهير بن محمد رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة، وهذا منها. رواه الحاكم (2/473)، وصححه، ووافقه الذهبي.
انظر: جامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير (2/373)، كتاب تفسير القرآن الكريم سورة الرحمن.
(2) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/171).(1/122)
5- الشوكاني: "... وفي هذه الآية دليل على أن حكم الجن حكم الإنس في الثواب والعقاب والتعبد بالأوامر والنواهي [وذكر القول الثاني ثم قال بعده:] والأول أوْلى... وقد قال سبحانه في مخاطبة الجن والإنس { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) } [سورة الرحمن: 46-47] فامتن سبحانه على الثقلين بأن جعل جزاء محسنهم الجنة، ولا ينافي هذا الاقتصار هاهنا على ذكر إجارتهم من عذاب أليم، ومما يؤيد هذا أن الله سبحانه قد جازى كافرهم بالنار وهو مقام عدل، فكيف لا يجازي محسنهم بالجنة وهو مقام فضل؟ ومما يؤيد هذا أيضاً ما في القرآن الكريم في غير موضع أن جزاء المؤمن الجنة، وجزاء من عمل الصالحات الجنة، وجزاء من قال: لا إله إلا الله الجنة، وغير ذلك مما هو كثير في الكتاب والسنة "(1).
6- السعدي: " ((يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم)) وإذا أجارهم من العذاب الأليم، فما ثَمَّ بعد ذلك إلا النعيم، فهو جزاء من أجاب داعي الله - عز وجل - "(2).
... وبنحو هذا قد رجّح الإمام القرطبي(3)، والخازن(4)، والبيضاوي(5)، والثعالبي(6)، والبقاعي(7)، والقنوجي(8)، والقاسمي(9).
ولم يرجح القول الآخر أحد من المفسرين، فلا مخالف هنا إذاً.
تعقيب الباحث:
الظاهر -والله أعلم- أن المؤمنين من الجن يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون فيها، وأن الكافرين منهم يدخلون النار، وهذا المعنى هو ما اتفق فيه الشنقيطي مع جمهور المفسرين، يدل عليه أمور:
__________
(1) فتح القدير للشوكاني (5/26).
(2) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(783).
(3) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/218).
(4) لباب التأويل للخازن (6/142).
(5) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/215).
(6) جواهر الحسان للثعالبي (4/158).
(7) نظم الدرر للبقاعي (18/183).
(8) فتح البيان للقنوجي (13/38).
(9) محاسن التأويل للقاسمي (15/5366).(1/123)
1- تفسير القرآن بالقرآن(1)، فآية سورة الأحقاف هنا ((يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم)) قد ذكر فيها أن المؤمنين من الجن تغفر لهم ذنوبهم ويجاروا من العذاب الأليم، ولم يتعرض فيها لدخول الجنة بنفي ولا إثبات. ويقول الله تعالى في سورة الرحمن { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) } [سورة الرحمن: 46-47]، " وقد تقرر في الأصول أن الموصلات من صيغ العموم(2)، فقوله ((لمن خاف)) يعمّ كل خائف مقام ربه، ثم صرّح بشمول ذلك للجن والإنس معاً بقوله ((فبأي آلاء ربكما تكذبان))، فبين أن الوعد بالجنتين لمن خاف مقام ربه، من آلائه أي نعمة على الإنس والجن.
ويستأنس لهذا أيضاً بقوله تعالى: { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ } [سورة الرحمن: 56، 74] فإنه يشير إلى أن في الجنة جناً يطمثون النساء كالإنس "(3).
2- إلحاقاً للنقطة السابقة، وعند قوله تعالى { وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19) } [سورة الأحقاف: 19]، قال البقاعي: "... وهذا ظاهر، أو نصٌ في أن الجن يثابون بالإحسان كما يعاقبون بالعصيان "(4).
__________
(1) شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص(127).
(2) انظر: مذكرة في أصول الفقه للشنقيطي ص(246).
(3) دفع إيهام الاضطراب للشنقيطي ص(263)، مطبوع في المجلد العاشر من أضواء البيان.
(4) نظم الدرر للبقاعي (18/158).(1/124)
3- ويقول جل وعلا في سورة الأنعام { وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا } [سورة الأنعام: 132]، وقد قال قبلها { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي } [سورة الأنعام: 130]، وقال تعالى في سورة الذاريات { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) } [سورة الذاريات: 56]، فالله - عز وجل - خلق الجن والإنس ليعبدوه، وأرسل الرسل إليهم لبيان الدّين، ووعد المطيع بالجنة، والعاصي بالنار.
4- لقد أجمع المفسرون على هذا القول الراجح، وهو دخول الجن المؤمنين الجنة، وعبّروا عن ترجيحهم له بألفاظ متقاربة؛ فقالوا: إنه هو " الصحيح "(1)، وهو " الحق "(2)، وهو " الأظهر "(3)، وهو " الأوْلى "(4).
5- ويؤيد هذا الترجيح أيضاً كلُّ " ما في القرآن الكريم في غير موضع أن جزاء المؤمن الجنة، وجزاء من عمل الصالحات الجنة، وجزاء من قال لا إله إلا الله الجنة، وغير ذلك مما هو كثير في الكتاب والسنة "(5).
6- وختاماً: إن مؤمني الجن " إذا أجارهم من العذاب الأليم، فما ثَمَّ بعد ذلك إلا النعيم "(6)، " ولم يرد معنا نص صريح ولا ظاهر عن الشارع أن مؤمني الجن لا يدخلون الجنة وإن أجيروا من النار، ولو صح لقلنا به "(7). والله أعلم بالصواب.
- - -
مَنْ هم أولوا العزم من الرسل؟
75- قوله تعالى: { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ } [سورة الأحقاف: 35].
__________
(1) الكشاف للزمخشري (4/34)، التفسير الكبير للفخر الرازي (10/29)، لباب التأويل للخازن
(6/142)، غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري (26/17).
(2) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/171).
(3) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/215).
(4) فتح القدير للشوكاني (5/26).
(5) المرجع السابق.
(6) تفسير الكريم الرحمن للسعدي ص(783).
(7) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/171).(1/125)
مجمل الأقوال الواردة:
... اختلف المفسرون في بيان من هم أولوا العزم من الرسل، ومنشأ اختلافهم في تحديد معنى (من) في قوله تعالى: ((من الرسل))، وهو على نوعين:
أ - أن (من) لبيان الجنس، والرسل عليهم الصلاة والسلام كلهم أولوا عزم، فيكون المعنى: اصبر يا محمد كما صبر جميع الرسل قبلك(1).
ب- أن (من) للتبعيض، فيراد بـ (من الرسل) بعض الرسل(2)،ثم اختلفوا اختلافاً كثيراً في تحديد بعض الرسل المرادين بالآية على أقوال كثيرة:
__________
(1) مختصر البغوي (2/864)، مدارك التنزيل للنسفي (4/112)، الكشاف للزمخشري (4/305)، المحرر الوجيز لابن عطية (13/376)، زاد المسير لابن الجوزي (7/144)، التفسير الكبير للفخر الرازي (10/31)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/220)، لباب التأويل للخازن (6/143)، غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري(26/18)، التسهيل لابن جزي (4/82)، البحر المحيط لأبي حيان (9/452)، فتح القدير للشوكاني (5/28)، فتح البيان للقنوجي (13/41)، محاسن التأويل للقاسمي (15/5369).
(2) مدارك التنزيل للنسفي (4/112).(1/126)
1- أنهم المذكورين في سورة الأحزاب وسورة الشورى، قال تعالى: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ } [سورة الأحزاب: 7] وقال تعالى: { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى } [سورة الشورى: 13]، وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وخاتم الأنبياء محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهذا " أشهر الأقوال "(1).
2- أن أولي العزم منهم كانوا الذين امتحنوا في ذات الله في الدنيا بالمحن فلم تزدهم المحن إلاّ جداً في أمر الله، كنوح وإبراهيم وموسى ومن أشبههم(2).
3- قيل: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى(3).
4- نوح وهود وإبراهيم(4).
5- نوح وهود وإبراهيم وشعيب وموسى(5).
__________
(1) هذا القول ذكره النيسابوري في إيجاز البيان (2/192)، معتبراً إياه هو فقط المراد بأولي العزم. وابن كثير في تفسير القرآن العظيم (4/172)، قال عنه إنه: " أشهر الأقوال ". وكذلك قال عنه البقاعي في نظم الدرر، وزاد: " هو الظاهر ". وهو ما رجحه الشنقيطي في أضواء البيان (7/418).
... كما ورد ضمن الأقوال المحتملة للآية في: مختصر البغوي (2/864)، مدارك التنزيل للنسفي
(4/112)، زاد المسير لابن الجوزي (7/144)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/220)، لباب التأويل للخازن (6/143)، فتح القدير للشوكاني (5/28)، فتح البيان لقنوجي (13/41)، محاسن التأويل للقاسمي (15/5369).
(2) جامع البيان للطبري (26/24).
(3) النكت والعيون للماوردي (5/288)، التسهيل لابن جزي (4/82)، أنوار التنزيل للبيضاوي
(2/215).
(4) النكت والعيون للماوردي (5/288)، فتح القدير للشوكاني (5/28)، فتح البيان للقنوجي
(13/41).
(5) النكت والعيون للماوردي (5/288).(1/127)
6- إبراهيم وموسى وداود وسليمان وعيسى ومحمد(1).
7- منهم: إسماعيل ويعقوب وأيوب، وليس منهم يونس ولا سليمان ولا آدم(2).
8- أن كلهم ألوا عزم إلا يونس - عليه السلام - (3).
9- هم نجباء الرسل المذكورون في سورة الأنعام(4)، وهم ثمانية عشر؛ إبراهيم وإسحاق، ويعقوب، ونوح، وداوود، وسليمان، وأيوب، ويوسف، وموسى، وهارون، وزكريا، ويحيى، وعيسى، وإلياس، وإسماعيل، واليسع، ويونس، ولوط عليهم السلام(5).
__________
(1) النكت والعيون للماوردي (5/288)، زاد المسير لابن الجوزي (7/144)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/220)، فتح القدير للشوكاني (5/28)، فتح البيان للقنوجي (13/41).
(2) النكت والعيون للماوردي (5/288)، زاد المسير لابن الجوزي (7/144)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/220)، فتح القدير للشوكاني (5/28)، فتح البيان للقنوجي (13/41).
(3) الوجيز للواحدي (2/999)، مختصر البغوي (2/864)، المحرر الوجيز لابن عطية (13/376)، زاد المسير لابن الجوزي (7/144)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/220)، لباب التأويل للخازن (6/143).
(4) الآيات من رقم (83) على رقم (86) من سورة الأنعام.
(5) مختصر البغوي (2/864)، المحرر الوجيز لابن عطية (13/376)، زاد المسير لابن الجوزي
(7/144)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/220)، لباب التأويل للخازن (6/143)، التسهيل لابن جزي (4/82)، البحر المحيط لأبي حيان (9/452)، فتح القدير للشوكاني (5/288)، فتح البيان للقنوجي (13/41).(1/128)
10- هم الذين أمروا بالجهاد وأظهروا المكاشفة مع أعداء الدين، وهم ستة: نوح وهود وصالح، ولوط، وشعيب، وموسى، وهم المذكورون على النسق في سورة الأعراف(1).
11- وقيل: هم ستة نوح صبر على أذى قومه، وإبراهيم صبر على النار، وإسحاق صبر على الذبح(2)، ويعقوب صبر على فقد ولده وذهاب بصره، ويوسف صبر على السجن، وأيوب صبر على الضر(3).
__________
(1) الآيات من رقم (59) إلى رقم (171) من سورة الأعراف، وذكر هذا القول في: مختصر البغوي (2/864)، زاد المسير لابن الجوزي (7/144)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 016/220)، لباب التأويل للخازن (6/143)، فتح القدير للشوكاني (5/28)، فتح البيان للقنوجي (13/41).
(2) على قول من يرى أن الذبيح هو إسحاق - عليه السلام - وقد حرر الشيخ الشنقيطي مسألة تعيين الذبيح مرجحاً أنه إسماعيل - عليه السلام - عند تفسير قوله تعالى: { وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِن هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) } [سورة الصافات: 99-107]. انظر: أضواء البيان 06/691).
(3) مختصر البغوي (2/864)، المحرر الوجيز لابن عطية (13/376)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي
(16/220)، لباب التأويل للخازن (6/143)، غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري (26/18).(1/129)
12- أنهم الستة المذكورون في النقطة السابقة ويضاف إليهم: " موسى قال له قومه ((إنا لمدركون)) قال ((كلا إن معي ربي سيهدين))، وداود بكى على خطيئته أربعين سنة، وعيسى لم يضع لبنة على لبنة، وقال إنها معبرة فاعبروها ولا تعمروها "(1).
13- نوح وهود وإبراهيم ومحمد عليهم الصلاة والسلام(2).
14- إبراهيم وموسى وداود وعيسى(3).
15- أنهم اثنا عشر نبياً أرسلوا إلى بني إسرائيل بالشام(4).
16- كل من لقي من أمته شدة(5).
17- نوح وهود وصالح وموسى وداود وسليمان.
18- أنهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولاً(6).
19- نوح وإبراهيم وموسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام.
20- نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد، وهارون أو داود.
21- نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد، وهارون أو داود، وآدم.
22- نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد، وهارون أو داود، وإسحاق ويعقوب ويوسف(7).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " قوله تعالى ((فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل))، اختلف العلماء في المراد بأولي العزم من الرسل في هذه الآية الكريمة اختلافاً كثيراً.
__________
(1) الكشاف للزمخشري (4/305)، التفسير الكبير للفخر الرازي (10/31)، البحر المحيط لأبي حيان (9/452)، أنوار التنزيل للبيضاوي (2/215).
(2) زاد المسير لابن الجوزي (7/144)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/220).
(3) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/220)، فتح القدير للشوكاني (5/28)، فتح البيان للقنوجي (13/41).
(4) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/220)، فتح القدير للشوكاني (5/28)، فتح البيان للقنوجي (13/41).
(5) التسهيل لابن جزي (4/82)، البحر المحيط لأبي حيان (9/452).
(6) القولان رقم (17+18) ذُكرا في فتح البيان للقنوجي (13/41)..
(7) الأقوال (19+20+21+22) ذُكرت في محاسن التأويل للقاسمي (15/5369).(1/130)
وأشهر الأقوال في ذلك أنهم خمسة، وهم الذين قدمنا ذكرهم في الأحزاب(1)، والشورى(2)، وهم نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد عليهم الصلاة والسلام. وعلى هذا القول فالرسل الذين أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصبر كما صبروا أربعة فصار هو - صلى الله عليه وسلم - خامسهم.
واعلم أن القول بأن المراد بأولي العزم جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأن لفظة (من) في قوله ((من الرسل)) بيانية، يظهر أنه خلاف التحقيق، كما دل على ذلك بعض الآيات القرآنية، كقوله تعالى: { فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ } [سورة القلم: 48]، فأمر الله جل وعلا نبيه في آية القلم هذه بالصبر، ونهاه عن أن يكون مثل يونس - عليه السلام - ، لأنه هو صاحب الحوت. وكقوله { وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115) } [سورة طه: 115]. فآية سورة القلم وآية سورة طه المذكورتان كلتاهما تدل على أن أولي العزم من الرسل الذي أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يصبر كصبرهم ليسوا جميع الرسل، والعلم عند الله تعالى "(3).
الموافقون:
... رجح مثل ترجيح الشنقيطي في أن أولي العزم من الرسل هم الخمسة المذكورون في سورة الأحزاب وسورة الشورى عدد قليل من المفسرين، منهم:
1- النيسابوري(4). ... ... 2- ابن كثير(5). ... 3- البقاعي(6).
المخالفون:
__________
(1) سورة الأحزاب: 7]، أضواء البيان (6/572).
(2) سورة الشورى: 13] أضواء البيان (7/178).
(3) أضواء البيان للشنقيطي (7/408).
(4) إيجاز البيان للنيسابوري (2/192).
(5) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/172).
(6) نظم الدرر للبقاعي (18/190).(1/131)
... وهم كل من لم يرجح قولاً واحداً، وإنما فسروا الآية على احتمال المعنيين من اعتبار (من) بيانية، أو اعتبارها تبعيضية، فيقولوا: إن (من) قد تكون بيانية ويراد بها جميع الرسل، وقد تكون تبعيضية، ثم يختلفوا في تحديد هذا البعض المراد. وقد ذكرتُ في مجمل الأقوال تقريباً كل ما ورد عن المفسرين من الأقوال المحتملة على اعتبار (من) تبعيضية، واكتفي هنا بذكر المفسرين:
1- الطبري (1). ... ... 2- الماوردي(2). ... ... 3- الواحدي(3). ...
4- البغوي(4). ... ... ... 5- النسفي(5). ... ... 6- الزمخشري(6).
7- ابن عطية(7). ... ... 8- ابن الجوزي(8). ... ... 9- الفخر الرازي(9).
10- القرطبي(10). ... ... 11- الخازن(11). ... 12- نظام الدين النيسابوري(12).
13- ابن جزي(13). ... ... 14- أبوحيان (14). ... ... 15- البيضاوي(15). ...
16- الشوكاني(16). ... ... 17- القنوجي(17). ... ... 18- القاسمي(18).
تعقيب الباحث:
... يظهر -والله أعلم- صحة حمل لفظة (من) في قوله تعالى ((من الرسل)) على المعنيين المذكورين من اعتبارها بيانية أو تبعيضية، يدل لذلك:
__________
(1) جامع البيان للطبري (26/26).
(2) النكت والعيون للماوردي (5/288).
(3) الوجيز للواحدي (2/999).
(4) مختصر البغوي (2/864).
(5) مدارك التنزيل للنسفي (4/112).
(6) الكشاف للزمخشري (4/305).
(7) المحرر الوجيز لابن عطية (13/376).
(8) زاد المسير لابن الجوزي (7/144).
(9) التفسير الكبير للفخر الرازي (10/31).
(10) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/220).
(11) لباب التأويل للخازن (6/143).
(12) غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري (26/18).
(13) التسهيل لابن جزي (4/82).
(14) البحر المحيط لأبي حيان (9/452).
(15) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/215).
(16) فتح القدير للشوكاني (5/28).
(17) فتح البيان للقنوجي (13/41).
(18) محاسن التأويل للقاسمي (15/5369).(1/132)
1- أن اعتبار (من) لبيان الجنس، وأن المراد بذلك جميع الرسل عليهم السلام قد ذكره عدد كبير من المفسرين -ذكرتهم عند ذكر هذا القول في مجمل الأقوال- وحكى القاسمي أن هذا القول قد " ذهب إليه جمهور المفسرين "(1).
2- إلحاقاً للنقطة السابقة وأن المراد بأولي العزم جميع الرسل، يوكد ذلك الثعالبي بقوله: "... ولا محالة أن لكل نبي ورسول عزماً وصبراً "(2).
3- على اعتبار أن (من) تبعيضية، فيظهر -والله أعلم- أن الصحيح هو ما ذهب إليه الشنقيطي وموافقوه؛ من أن بعض الرسل الموصوفين بـ (أولوا العزم) هم الخمسة المذكورون في سورة الأحزاب وسورة الشورى،قال تعالى: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ } [سورة الأحزاب: 7]، وقال تعالى: { * شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى } [سورة الشورى: 13]، وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وخاتم الرسل أجمعين نبينا محمد صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين، وذلك أنه قال تعالى في سورة الأحقاف هنا ((فاصبر كما صبر أولوا العزم)) فأمره هنا بالصبر كصبرهم، وهناك في سورة الأحزاب، وسورة الشورى ذكر النبي محمداً - صلى الله عليه وسلم - مع الأربعة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، فدل هذا على أن المأمور أن يصبر كصبرهم؛ هم من ذُكر هو وإياهم سوياً، ولم يرد ذكر النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - مع أنبياء آخرين في آية سوى في الآيات المذكورة، والقرآن يفسّر بعضه بعضاً(3).
__________
(1) المرجع السابق.
(2) جواهر الحسان للثعالبي (4/158).
(3) تفسير القرآن بالقرآن أفضل أنواع التفسير، شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص(128).(1/133)
4- تأكيداً للنقطة السابقة، قال ابن عاشور: "... وهذه الآية اقتضت أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - من أولي العزم لأن تشبيه الصبر الذي أمر به بصبر أولي العزم من الرسل يقتضي أنه مثلهم لأنه ممتثل أمر ربه، فصبره مثيل لصبرهم، ومَنْ صبر صبرهم كان منهم لا محالة "(1).
5- أما بقية الأقوال غير ما رجحه الشنقيطي وموافقوه، فليس لدى أي منها من القوى من يؤهلها أو بعضها لأن يكون راجحاً، فعلى سبيل المثال؛ القول بأن أولي العزم هم نجباء الرسل المذكورين في سورة الأنعام وهم ثمانية عشر(2)، فإن من ضمن المذكورين يونس - عليه السلام - ، وقد قال الله تعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - { فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ } [سورة القلم: 48]، فنهاه أن يكون كصاحب الحوت وهو يونس - عليه السلام - (3).
6- وهذه فائدة عن امتثال النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - لأمر الله - عز وجل - إياه بالصبر، انقلها من كلام الشيخ العلامة السعدي -رحمه الله- " ثم أمر تعالى رسوله أن يصبر على أذية المكذبين المعادين له، وأن لا يزال داعياً لهم إلى الله - عز وجل - ، وأن يقتدي بصبر أولي العزم من المرسلين، سادات الخلق، أولي العزائم والهمم العالية الذين عظم صبرهم، ثمَّ يقينهم، فهم أحق الخلق بالأسوة بهم، والقفو لآثارهم، والاهتداء بمنارهم.
__________
(1) التحرير والتنوير لابن عاشور (26/67).
(2) القول رقم (9) في مجمل الأقوال.
(3) قصص الأنبياء لابن كثير ص(366).(1/134)
فامتثل - صلى الله عليه وسلم - لأمر ربه، فصبر صبراً لم يصبره نبي قبله، حتى رماه المعادون له عن قوس واحدة، وقاموا جميعاً بصده عن الدعوة إلى الله - عز وجل - ، وفعلوا ما يمكنهم من المعاداة والمحاربة، وهو - صلى الله عليه وسلم - لم يزل صادعاً بأمر الله - عز وجل - ، مقيماً على جهاد أعداء الله، صابراً على ما يناله من الأذى. حتى مكّن الله - عز وجل - له في الأرض، وأظهر دينه على سائر الأديان، وأمته على الأمم، فصلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً "(1). والله أعلم بالصواب.
- - -
معنى (أضل أعمالهم)
76- قوله تعالى: { الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1) } [سورة محمد: 1].
مجمل الأقوال الواردة:
1- معنى ((أضل أعمالهم)): أبطلها فلم يقبلها؛ وأراد بالأعمال ما فعلوا من إطعام الطعام وصلة الأرحام.
2- أو يكون المعنى: أبطل كيدهم ومكرهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وجعل الدائرة عليهم(2).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة ((أضل أعمالهم)) أي أبطل ثوابها، فما عمله الكافر من حسن في الدنيا، كَقِرى الضيف، وبرّ الوالدين، وحمى الجار، وصلة الرحم، والتنفيس عن المكروب، يبطل يوم القيام ويضمحل، ويكون لا أثر له، كما قال تعالى: { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) } [سورة الفرقان: 23]، وهذا هو الصواب في معنى الآية.
وقيل: أضل أعمالهم أي أبطل كيدهم الذي أرادوا أن يكيدوا به النبي - صلى الله عليه وسلم - "(3).
الموافقون:
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(784).
(2) ذكرهما البغوي، مختصر البغوي (2/865).
(3) أضواء البيان للشنقيطي (7/414).(1/135)
ما ذهب إليه الشنقيطي من أن معنى ((أضل أعمالهم)) أي أبطل ثواب الأعمال التي عملها الكفار من برّ وصلة ونحوها، قد ذهب إليه أيضاً عدد من المفسرين، منهم:
1- الواحدي: " ((أضل أعمالهم)) أحبطها، فلا يرون في الآخرة لها جزاء "(1).
2- ابن الجوزي: " ((أضل أعمالهم)) أي أبطلها، ولم يجعل لها ثواباً، فكأنها لم تكن، وقد كانوا يُطعمون الطعام، ويصلون الأرحام، ويتصدقون، ويفعلون ما يعتقدونه قربة "(2).
3- ابن كثير: " ((أضل أعمالهم)) أي أبطلها وأذهبها ولم يجعل لها ثواباً ولا جزاءاً، كقوله تعالى: { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) } [سورة الفرقان: 23] "(3).
... وبنحو هذه العبارات جاءت عبارات كل من الطبري(4)، والنيسابوري(5)، والمحلي(6)، والقاسمي(7) وسيد قطب(8).
المخالفون:
... في هذا الموضع لم يرجح أحد القول الآخر -غير ما رجحه الشنقيطي وموافقوه- ولكن كثيراً من المفسرين جمعوا القولين عند تفسير الآية معتبرين إياهما معنىً للآية، وهؤلاء يمكن تصنيفهم إلى فئتين:
أ- الذين، ربطوا بين القولين، بحمل لفظ الآية على العموم، منهم:
1- ابن عطية: " وقوله تعالى ((أضل أعمالهم)) أي أتلفها، لم يجعل لها غاية خير ولا نفعاً. وروي أن هذه الآية نزلت بعد بدر، وأن الإشارة بقوله ((أضل أعمالهم)) هي إلى الإنفاق الذي أنفقوه في سفرهم إلى بدر. وقيل: المراد بالأعمال أعمالهم البرَّة في الجاهلية من صلة الرحم ونحوه. واللفظ يعم جميع ذلك "(9).
__________
(1) الوجيز للواحدي (1/1000).
(2) زاد المسير لابن الجوزي (7/147).
(3) تفسير القرآن العظيم لابن كثير 04/172).
(4) جامع البيان للطبري (26/25).
(5) إيجاز البيان للنيسابوري (2/193).
(6) تفسير الجلالين ص(427).
(7) محاسن التأويل للقاسمي (15/5372).
(8) في ظلال القرآن لسيد قطب (6/3280).
(9) المحرر الوجيز لابن عطية (13/383).(1/136)
2- البقاعي: " ((أضل)) أي أبطل إبطالاً عظيماً يزيل العين والأثر، ((أعمالهم)) التي هي أرواحهم المعنوية، وهي كل شيء يقصدون به نفع أنفسهم من جلب نفع أو دفع ضر بعد أن وفر سيئاتهم وأفسد بالهم، ومن جملة أعمالهم ما يكيدونكم به لأنها إذا ضلت عما قصدوا بها بجعله سبحانه لها ضالة ضائعة هلكت من جهة أنها ذهبت في المهالك ومن جهة أنها ذهبت في غير الجهة التي قصدت لها فبطلت منفعتها المقصودة منها فصارت هي باطلة، فأَذْهِبوا أنتم أرواحهم الحسية بأن تبطلوا صورهم وأشباحهم بأن تقطعوا أوصالهم وأنتم في غاية الاجتراء عليهم، فإن ربهم الذي أوجدهم قد أبطلهم وأذن لكم في إبطالهم، فإنه قد علم أنه لا صلاح لهم، والمؤذي طبعاً يقتل شرعاً، فمن قدرتم على قتله فهو محكوم بكفره، محتوم بخيبته وخسره "(1).
3- السعدي: " ((أضل)) الله ((أعمالكم)) أي: أبطلها وأشقاهم بسببها، وهذا يشمل أعمالهم التي عملوها ليكيدوا بها الحق وأولياء الله، أن الله - عز وجل - جعل كيدهم في نحورهم، فلم يدركوا مما قصدوا شيئاً، وأعمالهم التي يرجون أن يثابوا عليها، أن الله - عز وجل - سيحبطها عليهم. والسبب في ذلك أنهم اتبعوا الباطل، وهو كل غاية لا يراد بها وجه الله - عز وجل - من عبادة الأصنام والأوثان. والأعمال التي في نصر الباطل لما كانت باطلة، كانت الأعمال لأجلها باطلة "(2).
... وبنحو ذلك قال كل من نظام الدين النيسابوري(3)، وابن جزي(4)، وأبي حيان(5)، وابن عاشور(6).
ب- الفئة الثانية هم الذين ذكروا القولين فقط دون ربط بينهما، معتبرين إياهما معاً تفسيراً للآية، منهم:
__________
(1) نظم الدرر للبقاعي (18/195).
(2) تيسر الكريم الرحمن للسعدي ص(784).
(3) غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري (26/21).
(4) التسهيل لابن جزي (4/83).
(5) البحر المحيط لأبي حيان (9/458).
(6) التحرير والتنوير لابن عاشور (26/74).(1/137)
1- النسفي: " ((أضل أعمالهم)) أبطلها وأحبطها، وحقيقته جعلها ضالة ضائعة ليس لها من يتقبلها ويثيب عليها كالضالة من الإبل، وأعمالهم ما عملوه في كفرهم من صلة الأرحام وإطعام الطعام وعمارة المسجد الحرام. أو ما عملوه من الكيد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والصد عن سبيل الله "(1).
2- البيضاوي: " ((أضل أعمالهم)) جعل مكارمهم كصلة الرحم وفك الأسارى وحفظ الجوار ضالة أي ضائعة محيطة بالكفر أو مغلوبة مغمورة فيه كما يضل الماء في اللبن. أو ضلالاً حيث لم يقصدوا به وجه الله تعالى. أو أبطل ما عملوه من الكيد لرسوله والصد عن سبيله بنصر رسوله وإظهار دينه على الدين كله "(2).
3- الشوكاني: " ((أضل أعمالهم)) أي أبطلها وجعلها ضائعة. قال الضحاك: معنى ((أضل أعمالهم)) أبطل كيدهم ومكرهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وجعل الدائرة عليهم في كفرهم. وقيل: أبطل ما عملوه في الكفر مما يسمونه مكارم أخلاق؛ من صلة الأرحام، وفكّ الأسارى، وقرى الأضياف، وهذه وإن كانت باطلة من أصلها، لكن المعنى أنه سبحانه حكم ببطلانها "(3).
... وبنحو ذلك قد جاء كلام كل من البغوي(4)، والزمخشري(5)، والقرطبي(6)، والخازن(7)، والقنوجي(8).
تعقيب الباحث:
__________
(1) مدارك التنزيل للنسفي (4/113).
(2) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/216).
(3) فتح القدير للشوكاني (5/30).
(4) مختصر البغوي (2/865).
(5) الكشاف للزمخشري (4/307).
(6) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/223).
(7) لباب التأويل للخازن (6/144).
(8) فتح البيان للقنوجي (13/47).(1/138)
... باستعراض أقوال المفسرين حول بيان المراد بـ ((أضل أعمالهم))، يظهر -والله أعلم- صحة إرادة المعنيين المذكورين وذلك بحمل اللفظ على العموم وشموله لكل ما يندرج تحته من أعمال. وذلك أن كلا المعنيين؛ سواء قيل إن أعمال الكفار الحسنة التي عملوها في الدنيا من بِرّ وصلة ونحوها تبطل يوم القيامة فلا يكون لها أثر ينفعهم، قد دلت على المعنى آيات أخرى -وقد سبق قريباً في موضع ترجيحي الكلام على قوله تعالى: { وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ $u÷R'‰9$#... } [سورة الأحقاف: 20]- ومنها قوله تعالى: { مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18) } [سورة إبراهيم: 18]، وقوله تعالى: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) } [سورة النور: 39]، قوله تعالى: { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) } [سورة الفرقان: 23].(1/139)
وأما أن يراد بالآية إبطال ما يكيدون به النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقد دلت عليه أيضاً آيات أخرى؛ كقوله تعالى: { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) } [سورة الأنفال: 30]، وقوله تعالى: { وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ } [سورة فاطر: 10]، وقوله تعالى: { إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17) } [سورة الطارق: 15-17]. وخير ما يفسر به القرآن القرآن(1)، فيصح حمل قوله ((أضل أعمالهم)) على العموم فيراد جميع المعاني. والله أعلم بالصواب.
- - -
المراد بوضع الحرب أوزارها
77- قوله تعالى: { ?#sŒخ*sù?قOçFة)s9?tûïد%©!$#?(#rمچxےx.?z>ِژ|طsù?ة>$s%حhچ9$?#س®Lxm?!#sŒخ)?َOèdqكJçFZsƒùRr&?(#r'‰à±sù?s-$rOuqّ9$#?$¨Bخ*sù?$CZtB?ك‰÷èt/?$¨Bخ)ur?¹ن!#y‰دù?4س®Lxm?yىںزs??ـ>ِچutù:$#?$ydu'#y-÷rr&? } ?[سورة محمد: 4].
مجمل الأقوال الواردة:
1- ((حتى تضع الحرب أوزارها)): أي أثقالها وأحمالها، يعني حتى تضع أهل الحرب السلاح، فيمسكوا عن الحرب، وأصل الوزر ما يحتمل الإنسان، فسمى الأسلحة أوزاراً لأنها تحمل(2).
2- ((حتى تضع الحرب أوزارها)): الأوزار في هذه الآية الآثام، جمع وزر، لأن الحرب لابد أن يكون فيها آثام في أحد الجانبين(3).
3- ((حتى تضع الحرب أوزارها)): حتى يترك أهل الحرب وهم المشركون شركهم بأن يسلموا، أو يسالموا(4).
4- ((حتى تضع الحرب أوزارها)): حتى يظهر الإسلام على الدين كله.
__________
(1) شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص(127).
(2) مختصر البغوي (2/865).
(3) المحرر الوجيز لابن عطية (13/387).
(4) مختصر البغوي (2/865)، مدارك التنزيل للنسفي (4/114).(1/140)
5- ((حتى تضع الحرب أوزارها)): يعني حتى ينزل عيسى ابن مريم - عليه السلام - (1).
نظرة سريعة على مجمل الأقوال:
1- القول الأول فسر فيه لفظ (الأوزار) فقط، على أن الأوزار هي آلات الحرب من السلاح والخيول ونحوها.
2- القول الثاني فسر فيه لفظ الأوزار على عموم الحرب، بمعنى أن أي حرب بين فريقين لابد أن يكون فيها جانب مصيب وجانب مخطئ، وهذا بصورة عامة وعليه فسر لفظ الأوزار هنا، وإلا فإن الحرب بين المسلمين والكفار واضح فيها أن الآثام على الكفار لعدم استجابتهم للدعوة إلى الإسلام.
3- القول الثالث يراد به أي حرب يخوضها المسلمون مع المشركين أو الكفار عموماً في أي منطقة، فإذا أسلم كفار تلك المنطقة بأن دخلوا في دين الإسلام، فقد وضعوا عن أنفسهم وزر الكفر، أو يسالموا بأن يدخلوا في الذمة.
4- القول الرابع مبني على عموم العلاقة مع الكفار، فإن المسلمين يقومون بواجب نشر الإسلام في الأرض، فإذا وقف في طريقهم من الكفار من يريد منع نشر الإسلام، قاتلوه، أما إذا أسلم أهل الأرض جميعاً ودخلوا في دين الإسلام ولم يبق كافر، فقد وضعت الحرب أوزارها.
5- وأما تفسير وضع الحرب أوزارها بنزول عيسى - عليه السلام - ، فمعلوم من النصوص الواردة في نزول عيس - عليه السلام - وقتله للمسيح الدجال، يعيش الناس بعد ذلك تحت حكمه في أمن وأمان وإيمان، فلا كافر يقاتل ولا ذمّي تؤخذ منه الجزية(2). والله أعلم.
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة ((حتى تضع الحرب أوزارها)) أي إذا لقيتم الكفار فاضربوا أعناقهم ((حتى إذا أثخنتموهم)) قتلاً فأسروهم ((حتى تضع الحرب أوزارها)) أي حتى تنتهي الحرب.
__________
(1) القولان رقم (4، 5) ذكرهما الماوردي في النكت والعيون (5/293).
(2) انظر: أشراط الساعة ليوسف الوابل ص(337-364).(1/141)
... وأظهر الأقوال في معنى وضع الحرب أوزارها أنه وضع السلاح، والعرب تسمي السلاح وزراً، وتطلق العرب الأوزار على آلات الحرب وما يساعد فيها كالخيل، ومنه قول الأعشى:
وأعددت للحرب أوزارها ... ... رماحاً طوالاً وخيلاً ذكرواً (1)
وفي معنى أوزار الحرب أقوال أخر معروفة تركناها؛ لأن هذا أظهرها عندنا. والعلم عند الله تعالى "(2).
الشيخ الشنقيطي يرى إذاً أن المراد بوضع الحرب أوزارها يعني وضع السلاح، فالأوزار آلات الحرب من السلاح ونحوه، ووضع السلاح تعبير عن انتهاء الحرب.
الموافقون:
... قال مثل قول الشنقيطي في بيان المراد بوضع الحرب أوزارها قلة من المفسرين، منهم:
1- القنوجي: " ((حتى تضع الحرب أوزارها)) أوزار الحرب آلاتها وأثقالها التي لا تقوم إلا بها من السلاح والكراع(3)، والمعنى أن المسلمين مخيرون بين تلك الأمور الأربعة(4) إلى غاية هي أن لا تكون حرب مع الكفار بأن لا تبقى لهم شوكة "(5).
2- ابن عاشور: " والأوزار: الأثقال، ووضع الأوزار تمثيل لانتهاء العمل، فشبهت حالة انتهاء القتال بحالة وضع الحمّال أو المسافر أثقاله "(6).
المخالفون:
... وهم الأكثرية وقد جعلوا المراد بوضع الحرب أوزارها شاملاً لمعانٍ أكثر، فكل من سرد الأقوال عند تفسيره للآية، أو أوجد رابطة بين بعض الأقوال وبعضها، تفسّر بمجملها الآية، فإنهم يدخلون تحت هذا التصنيف، وأذكر أمثلة منهم وأشير إلى البقية:
__________
(1) البيت في ديوان الأعشى، في قصيدة له مطلعها:
غَشِيتَ لليلى بليلٍ خدروا ... ... ... وطالبتها ونذرت النذورا
والأعشى هو: ميمون بن قيس بن جندل، أبو بصير، شاعر جاهلي، انظر: شرح ديوان الأعشى ص(89).
(2) أضواء البيان للشنقيطي (7/422).
(3) الكراع: اسم يجمع الخيل. القاموس المحيط للفيروزأبادي ص(980) باب العين فصل الكاف.
(4) الضرب والشد، والمن والفداء.
(5) فتح البيان للقنوجي (13/51).
(6) التحرير والتنوير لابن عاشور (26/82).(1/142)
1- الطبري: " وقوله ((حتى تضع الحرب أوزارها)) يقول تعالى ذكره فإذا لقيتم الذين كفروا فاضربوا رقابهم وافعلوا بأسراهم ما بينت لكم حتى تضع الحرب آثامها وأثقال أهلها المشركين بالله - عز وجل - بأن يتوبوا إلى الله - عز وجل - من شركهم فيؤمنوا به وبرسوله ويطيعوه في أمره ونهيه فذلك وضع الحرب أوزارها. وقيل: حتى تضع الحرب أوزارها، والمعنى: حتى تلقي الحرب أوزار أهلها، وقيل: معنى ذلك حتى يضع المحارب أوزاره "(1).
???الواحدي: " ((حتى تضع الحرب أوزارها)) أي: اقتلوهم وأسروهم حتى لا يبقى كافر يقاتلكم، فتسكن الحرب وتنقطع، وهو معنى قوله ((تضع الحرب أوزارها)) أي: يضع أهلها آلة الحرب من السلاح وغيره، ويدخلوا في الإسلام أو الذّمَّة "?(2)??
3- النيسابوري: " ((حتى تضع الحرب أوزارها)) أهل الحرب آثامها، فلا يبقى إلا مسلم أو مسالم. أو أوزارها: أثقالها من الكراع والسلاح "(3).
4- ابن كثير: " ((حتى تضع الحرب أوزارها)) حتى لا يبقى شرك، وهذا كقوله تعالى { ?ِNèdqè=دG"s%ur?4س®Lxm?ںw?tbqن3s??×psY÷Fدù?tbqن3tƒur?كûïدe$!$#?!? } ?[سورة البقرة: 193]، ثم قال بعضهم حتى تضع الحرب أوزارها أي أوزار المحاربين وهم المشركون بأن يتوبوا إلى الله - عز وجل - ، وقيل أوزار أهلها بأن يبذلوا الوسع في طاعة الله تعالى "(4).
???
__________
(1) جامع البيان للطبري (26/27).
(2) الوجيز للواحدي (2/1001).
(3) إيجاز البيان للنيسابوري (2/193).
(4) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/173).(1/143)
البيضاوي: " ((حتى تضع الحرب أوزارها)) آلاتها وأثقالها التي لا تقوم إلا بها كالسلاح والكراع، أي تنقضي الحرب ولم يبق إلا مسلم أو مسالم. وقيل: آثامها، والمعنى حتى يضع أهل الحرب شركهم ومعاصيهم وهو غاية للضرب أو الشد، أو للمن والفداء، أو للمجموع، بمعنى أن هذه الأحكام جارية فيهم حتى لا يكون حرب مع المشركين بزوال شوكتهم. وقيل: بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام "?(1)??
6- البقاعي: " ((حتى تضع الحرب أوزارها)) وهي أثقالها، أي الآلات التي تثقل القائمين بها من النفقات والسلاح والكراع ونحوه، وذلك لا يكون وفي الأرض كافر، وذلك على زمن عيسى عليه الصلاة والسلام حين تخرج الأرض بركاتها، وتكون الملة واحدة وهي الإسلام لله رب العالمين "(2).
... ونحو أقوال المذكورين جاءت أقوال كل من الماوردي(3)، والبغوي(4)، والنسفي(5)، والزمخشري(6)، وابن عطية(7)، وابن الجوزي(8)، والفخر الرازي(9)، والقرطبي(10)، والخازن(11)، ونظام الدين النيسابوري(12)، وابن جزي(13)، وأبي حيان(14)، والثعالبي(15)، والقاسمي(16).
تعقيب الباحث:
... يظهر -والله أعلم- أن المراد بوضع الحرب أوزارها أحد المعاني الآتية:
__________
(1) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/216).
(2) نظم الدرر للبقاعي (18/205).
(3) النكت والعيون للماوردي (5/293).
(4) مختصر البغوي (2/865).
(5) مدارك التنزيل للنسفي (4/114).
(6) الكشاف للزمخشري (4/310).
(7) المحرر الوجيز لابن عطية (13/387).
(8) زاد المسير لابن الجوزي (7/148).
(9) التفسير الكبير للفخر الرازي (10/39).
(10) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/228).
(11) لباب التأويل للخازن (6/146).
(12) غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري (26/23).
(13) التسهيل لابن جزي (4/84).
(14) البحر المحيط لأبي حيان (9/460).
(15) جواهر الحسان للثعالبي (4/162).
(16) محاسن التأويل للقاسمي (15/5374).(1/144)
1- القول الأول في مجمل الأقوال، وهو أن أوزار الحرب هي آلاتها وأثقالها من السلاح والخيول ونحوها، فالأمر من الله - عز وجل - لعباده المؤمنين بأن يقاتلوا الكفار، بعد أن يكون المسلمون قد دعوهم إلى الإسلام، ورفض الكفار أيضاً دفع الجزية، فلم يبق إلا قتالهم وإزاحتهم من الطريق لتبليغ دعوة الإسلام لكل الناس، فالمؤمنون عليهم إذا التقوا مع الكفار في ساحة القتال أن يضربوا رقابهم " وعيّن من أنواع القتل أشهره وأعرفه فذكره، والمراد: اقتلوهم بأي وجه أمكن، وقد زادت آية أخرى { ?(#qç/خژôر$#ur?ِNهk÷]دB?¨@à2?5b$uZt/? } ?[سورة الأنفال: 12]، وهي من أنكى ضربات الحرب لأنها تعطل من المضروب جميع جسده، إذ البنان أعظم آلة المقاتل وأصلها "(1)، وعلى المؤمنين أن يثخنوا الكفار بالقتل " والإثخان في القوم: أن يكثر فيهم القتلى والجرحي "(2)، ثم بعد ذلك يشدوا وثاق من بقي حياً من الكافرين ليقع أسيراً في يد المسلمين، وبالطبع عندما تنتهي الحرب أو المعركة سيضع المحاربون أسلحتهم وأثقالهم عن كاهلهم.
2- القول الثالث من مجمل الأقوال وهو أن يراد بوضع الحرب أوزارها؛ إسلام المشركين أو مسالمتهم، فهذا مبني على أن معنى أوزار الحرب: آثامها، فدخول كفار منطقةٍ ما في الإسلام أو رضاهم بدفع الجزية مع استسلامهم لحكم المسلمين، يكونوا قد رفعوا عن أنفسهم إثم الصدّ عن سبيل الله - عز وجل - ، وإثم منع تبليغ دعوة الإسلام.
__________
(1) المحرر الوجيز لابن عطية (13/386).
(2) المرجع السابق.(1/145)
3- القولان الرابع والخامس في مجمل الأقوال، يدلان -عند حمل الآية عليهما- على دوام مقاتلة المسلمين للكفار إلى يوم القيامة، فإن المعارك بين الإسلام والكفر والحق والباطل لا تتوقف، بناءً على سنة التدافع { ?ںwِqs9ur?كىّùyٹ?"!$#?}¨$¨Z9$#?Nهk|ص÷èt/?<ظ÷èt7خ/?ôMtBدd‰çl°;?كىدB¨uq|¹?سىuخ/ur?شN¨uqn=|¹ur?ك‰إf"|،tBur?مچں2ُمƒ?$pkژدù?مNَ™$#?"!$#?#[ژچدVں2? ?cuژفاZuٹs9ur?ھ!$#?`tB?ے¼çnمژفاYtƒ? ?cخ)?©!$#?:"بqs)s9?î"ƒح"tم? } ? [سورة الحج: 40]، قال ابن عطية عند قوله تعالى ((حتى تضع الحرب أوزارها)) " وظاهر اللفظة أنها استعارة يراد بها التزام الأمر أبداً، وذلك أن الحرب بين المؤمنين والكافرين لا تضع أوزارها، فجاء هذا اللفظ كما تقول: أنا أفعل كذا وكذا إلى يوم القيامة، وإنما تريد أنك تفعله دائماً "(1).
فالذي أراه صحة حمل الآية على ما ذكرته من المعاني. والله أعلم بالصواب.
- - -
معنى قوله تعالى { قOçFRr&ur?tbِqn=ôمF{$#? }
78- قوله تعالى: { ?ںxsù?(#qمZخgs??(#ûqممô‰s?ur?'n<خ)?ةOù=،،9$#?قOçFRr&ur?tbِqn=ôمF{$#?ھ!$#ur?ِNن3yètB?`s9ur?َOن.uژدItƒ?ِNن3n="uHùهr&?اجخب? } ?[سورة محمد: 35].
مجمل الأقوال الواردة:
1- (وأنتم الأعلون)، أن يكون في موضع الحال، والمعنى لا تهنوا وتبدءوا بطلب الصلح والمهادنة وأنتم الأعلون، أي والحال أنكم أنتم الأعلون الأقهرون الأغلبون لأعدائكم، وإن غلبوكم في بعض الأوقات(2).
2- ويحتمل أن يكون معنى (وأنتم الأعلون) إخبار بمغيَّب أبرزه الوجود بعد ذلك(3).
ترجيح الشنقيطي:
__________
(1) المرجع السابق.
(2) المحرر الوجيز لابن عطية (13/421)، زاد المسير لابن الجوزي (7/156)، أضواء البيان للشنقيطي (7/596).
(3) المحرر الوجيز لابن عطية (13/422).(1/146)
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " وقوله تعالى ((وأنتم الأعلون)) جملة حالية أي فلا تضعفوا عن قتال الكفار وتدعوا إلى اسلم، أي تبدءوا بطلب السلم أي الصلح والمهادنة وأنتم الأعلون. أي والحال أنكم أنتم الأعلون أي الأقهرون الأغلبون لأعدائكم، ولأنكم ترجون من الله - عز وجل - من النصر والثواب ما لا يرجون.
وهذا التفسير في قوله ((وأنتم الأعلون)) هو الصواب. وتدل عليه آيات من كتاب الله، كقوله تعالى بعده ((والله معكم)) لأن من كان الله - عز وجل - معه هو الأعلى وهو الغالب وهو القاهر المنصور الموعود بالثواب، فهو جدير بأن لا يضعف عن مقاومة الكفار ولا يبدأهم بطلب الصلح والمهادنة. وكقوله تعالى { ?¨bخ)ur?$tRy‰Zم_?مNكgs9?tbqç7د="tَّ9$#?اتذجب? } ?[سورة الصافات: 173]، وقوله تعالى { ?$¯Rخ)?مژفاZsYs9?$sYn=ك™â'?ڑْïد%©!$#ur?(#qمZtB#uن?'خû?دo4quٹutù:$#?$u÷R'‰9$#? } ?[سورة غافر: 51]، وقوله { ?ڑc%x.ur?$ˆ)xm?$sYّn=tم?مژَاnS?tûüدZدB÷sكJّ9$#? } ?[سورة الروم: 47]، وقوله تعالى { ?ِNèdqè=دF"s%?قOكgِ/ةjyèمƒ?ھ!$#?ِNà6ƒد‰÷ƒr'خ/?ِNدdح"ّƒن†ur?ِNن.ِژفاZtƒur?َOخgّٹn=tو? } ?[سورة التوبة: 14].
ومما يوضح معنى آية القتال هذه قوله تعالى { ?ںwur?(#qمZخgs??'خû?دن!$tَدGِ/$#?دQِqs)ّ9$#? ?bخ)?(#qçRqن3s??tbqكJs9ù's??َOكg¯Rخ*sù?ڑcqكJs9ù'tƒ?$yJx.?ڑcqكJs9ù's?? ?ڑcqم_ِچs?ur?z`دB?"!$#?$tB?ںw?ڑcqم_ِچtƒ? } ?[سورة النساء: 104]؛ لأن قوله تعالى ((وترجون من الله ما لا يرجون)) من النصر الذي وعدكم الله - عز وجل - به والغلبة وجزيل الثواب، وذلك كقوله هنا ((وأنتم الأعلون)). وقوله ((والله معكم)) أي بالنصر والإعانة والثواب "(1).
الموافقون:
... جمهور من المفسرين ذهبوا في بيان معنى الآية إلى مثل ما ذهب إليه الشنقيطي، منهم:
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/596).(1/147)
1- الطبري: " وقوله تعالى ((وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون)) يقول لا تضعفوا عنهم وتدعوهم إلى الصلح والمسالمة وأنتم القاهرون لهم والعالون عليهم ((والله معكم)) يقول والله معكم بالنصر لكم عليهم "(1).
2- الواحدي(2).
3- البغوي: " ((فلا تهنوا)) لا تضعفوا ((وتدعوا إلى السلم)) أي لا تدعوا إلى الصلح ابتداء، منع الله المسلمين أن يدعوا الكفار إلى الصلح، وأمرهم بحربهم حتى يسلموا ((وأنتم الأعلون)) الغالبون "(3).
4- النسفي(4). ... ... 5- الزمخشري(5). ... ... 6- ابن الجوزي(6).
7- الفخر الرازي(7). ... ...
8- الخازن: " ((وتدعوا إلى السلم)) يعني ولا تدعوا الكفار إلى الصلح أبداً، منع الله - عز وجل - المسلمين أن يدعوا الكفار إلى الصلح وأمرهم بحربهم حتى يسلموا ((وأنتم الأعلون)) يعني وأنتم الغالبون لهم والعالون عليهم، أخبر الله تعالى أن الأمر للمسلمين والنصرة والغلبة لهم عليهم، وإن غلبوا المسلمين في بعض الأوقات، ((والله معكم)) يعني بالنصر والمعونة، ومن كان الله - عز وجل - معه فهو العالي الغالب "(8).
9- نظام الدين النيسابوري(9). ... 10- ابن جزي(10). ... ... 11- أبوحيان(11).
12- البيضاوي(12). ... ... ... 13- المحلي(13). ... ... 14- الثعالبي(14).
__________
(1) جامع البيان للطبري (26/40).
(2) الوجيز للواحدي (2/1005).
(3) مختصر البغوي (2/870).
(4) مدارك التنزيل للنسفي (4/118).
(5) الكشاف للزمخشري (4/321).
(6) زاد المسير لابن الجوزي (7/156).
(7) التفسير الكبير للفخر الرازي (10/61).
(8) لباب التأويل للخازن (6/155).
(9) غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري (26/34).
(10) التسهيل لابن جزي (4/90).
(11) البحر المحيط لأبي حيان (9/476).
(12) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/217).
(13) تفسير الجلالين ص(430).
(14) جواهر الحسان للثعالبي (4/170).(1/148)
15- البقاعي: " ((فلا تهنوا)) أي تضعفوا ضعفاً يؤدي بكم إلى الهوان والذل ((وتدعوا)) أي أعداءكم ((إلى السلم)) أي المسالمة وهي الصلح ((وأنتم)) أي والحال أنكم ((الأعلون)) على كل من ناوأكم... "(1).
16- الشوكاني(2). ... ... 17- القنوجي(3). ... ... 18- القاسمي(4).
????السعدي: " ((فلا تهنوا)) أي لا تضعفوا عن قتال عدوكم، ويستولي عليكم الخوف، بل اصبروا واثبتوا ووطّنوا أنفسكم على القتال والجلاد، طلباً لمرضاة ربكم، ونصحاً للإسلام، وإغضاباً للشيطان. ولا تدعوا إلى المسالمة والمتاركة بينكم وبين أعدائكم، طلباً للراحة ((و)) الحال أنكم ((أنتم الأعلون والله معكم)) "?(5)??
20- سيد قطب(6). ... ... 21- ابن عاشور(7).
ذكرت كلام من ذكرت لوضوح عباراتهم في تفسير الآية، وكلام البقية يشبه كلامهم.
ولم يخالف أحد هنا فلا يوجد مخالفون.
تعقيب الباحث:
الظاهر -والله أعلم- أن الراجح في معنى الآية هو ما رجحه الشيخ الشنقيطي، متفقاً في ذلك مع ما ذهب إليه جمهور المفسرين، يدل لذلك أمور:
__________
(1) نظم الدرر للبقاعي (18/263).
(2) فتح القدير للشوكاني (5/42).
(3) فتح البيان للقنوجي (13/78).
(4) محاسن التأويل للقاسمي (15/5391).
(5) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(790).
(6) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/3302).
(7) التحرير والتنوير لابن عاشور (26/131).(1/149)
1- دلالة آيات من القرآن الكريم عليه، وقد سبق ذكرها تحت (ترجيح الشنقيطي)، ولا مانع من إعادتها، فمنها قوله تعالى { ?ِNèdqè=دF"s%?قOكgِ/ةjyèمƒ?ھ!$#?ِNà6ƒد‰÷ƒr'خ/?ِNدdح"ّƒن†ur?ِNن.ِژفاZtƒur?َOخgّٹn=tو? } ?[سورة التوبة: 14]، وقوله تعالى { ?ڑc%x.ur?$ˆ)xm?$sYّn=tم?مژَاnS?tûüدZدB÷sكJّ9$#? } ?[سورة الروم: 47]، وقوله تعالى { ?¨bخ)ur?$tRy‰Zم_?مNكgs9?tbqç7د="tَّ9$#?اتذجب? } ?[سورة الصافات: 173]، وقوله تعالى { ?$¯Rخ)?مژفاZsYs9?$sYn=ك™â'?ڑْïد%©!$#ur?(#qمZtB#uن?'خû?دo4quٹutù:$#?$u÷R'‰9$#? } ?[سورة غافر: 51]. وهذا من نوع تفسير القرآن بالقرآن أفضل وأقوى أنواع التفسير(1).
2- إجماع جمهور المفسرين عليه دليل على قوته وترجيحه، مع عدم وجود مخالف رجّح قولاً غيره.
3- القول الثاني وهو أن الآية قد يراد بها الإخبار بمغيب أبرزه الوجود بعد ذلك، لا يبدو لي هذا القول غريباً عن الأول، بل هو يدخل تحته، فطالما أن الله - عز وجل - قد أخبر عباده المؤمنين أنه معهم وناصرهم، وأنهم هم الأعلون القاهرون الغالبون لغيرهم من المِلَلْ والنِحَل، فإنهم وإن غُلبوا في بعض الأوقات فإن العاقبة الحسنة بالفوز والظفر لا بد وأن تكون لهم طالما وعدهم الله - عز وجل - ، أنهم هم الأعلون. والله أعلم بالصواب.
- - -
المراد بالفتح
79- قوله تعالى: { ?$¯Rخ)?$sYَstFsù?y7s9?$[s÷Gsù?$YZ خ7-B?اتب? } ?[سورة الفتح: 1].
مجمل الأقوال الواردة:
اختلف في بيان المراد بالفتح المذكور في الآية على أقوال:
1- أنه ما كان يوم الحديبية من صلح.
2- أن هذا الفتح فتح مكة، والمعنى أنه وُعد بفتح مكة بهذه الآية.
3- أنه فتح خيبر.
4- ((إنا فتحنا..)) أي حكمنا لك بإظهار دينك والنصرة على عدوّك(2).
ترجيح الشنقيطي:
__________
(1) شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص(127).
(2) الأقوال (1، 2، 3، 4) ذكرها ابن الجوزي في زاد المسير (7/159).(1/150)
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " قوله تعالى ((إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً)) التحقيق الذي عليه الجمهور أن المراد بهذا الفتح صلح الحديبية؛ لأنه فتح عظيم.
... وإيضاح ذلك أن الصلح المذكور؛ هو السبب الذي تهيأ به للمسلمين أن يجتمعوا بالكفار فيدعوهم إلى الإسلام وبينوا لهم محاسنه، فدخل كثير من قبائل العرب بسبب ذلك في الإسلام، ومما يوضح ذلك أن الذين شهدوا صلح الحديبية مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذي القعدة عام ست كانوا ألفاً وأربعمائة، ولما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - غزو مكة حين نقض الكفار العهد، كان خروجه إلى مكة في رمضان عام ثمان، وكان معه عشرة آلاف مقاتل، وذلك يوضح أن الصلح المذكور من أعظم الفتوح لكونه سبباً لقوة المسلمين وكثرة عددهم.
وليس المراد بالفتح المذكور فتح مكة، وإن قال بذلك جماعة من أهل العلم. وإنما قلنا ذلك لأن أكثر أهل العلم على ما قلنا، ولأن ظاهر القرآن الكريم يدل عليه لأن سورة الفتح هذه نزلت بعد صلح الحديبية في طريقه - صلى الله عليه وسلم - راجعاً إلى المدينة، ولفظ الماضي في قوله (إنا فتحنا) يدل على أن ذلك الفتح قد مضى، فدعوى أنه فتح مكة ولم يقع إلا بعد ذلك بقرب سنتين خلاف الظاهر. والآية التي في فتح مكة دلت على الاستقبال لا على المضي، وهي قوله تعالى { ?#sŒخ)?uن!$y_?مچَءtR?"!$#?كx÷Gxےّ9$#ur?اتب? } ?[سورة النصر: 1] "(1).
إذاً الشيخ الشنقيطي يرى مثل جمهور المفسرين أن الفتح المراد في أول سورة الفتح هو صلح الحديبية.
الموافقون:
إلى مثل ما ذهب إليه الشنقيطي قد ذهب عدد كبير من المفسرين وأن المراد بالفتح هو صلح الحديبية، منهم:
1- البغوي(2). ... ... ... 2- ابن عطية(3). ... 3- النيسابوري(4). ...
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/603).
(2) مختصر البغوي (2/871).
(3) المحرر الوجيز لابن عطية (13/429).
(4) إيجاز البيان للنيسابوري (2/196).(1/151)
4- القرطبي(1). ... ... 5- الخازن(2). ... ... 6- نظام الدين النيسابوري(3).
7- ابن جزي(4). ... ... 8- ابن كثير(5). ... 9- الثعالبي(6). ... ...
10- الشوكاني(7). ... ... 11- القنوجي(8). ... 12- القاسمي(9).
13- السعدي(10).
المخالفون:
... ويمكن تصنيفهم إلى أكثر من فئة:
أ- الذين رجّحوا أن الفتح المذكور في الآية يراد به فتح مكة، منهم:
1- الزمخشري(11). ... ... ... ... 2- الفخر الرازي(12).
3- أبوحيان (13). ... ... ... ... 4- المحلي(14).
ب- من رجّح أن معنى الآية: ((إنا فتحنا)) أي حكمنا لك بإظهار دينك والنصرة على عدوّك، ورجّح هذا الواحدي(15).
تعقيب الباحث:
... الظاهر-والله أعلم- أن المراد بالفتح هنا في أول سورة الفتح هو صلح الحديبية،يدل لذلك أمور:
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/261).
(2) لباب التأويل للخازن (6/157).
(3) غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري (26/39).
(4) التسهيل لابن جزي (4/92).
(5) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/182).
(6) جواهر الحسان للثعالبي (4/172).
(7) فتح القدير للشوكاني (5/46).
(8) فتح البيان للقنوجي (13/85).
(9) محاسن التأويل للقاسمي (15/5395).
(10) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(791).
(11) الكشاف للزمخشري (4/323).
(12) التفسير الكبير للفخر الرازي (10/65).
(13) البحر المحيط لأبي حيان (9/482).
(14) تفسير الجلالين ص(430).
(15) الوجيز للواحدي (2/1007).(1/152)
1- إجماع الجمهور عليه، فصرّح بأنه قول " الجمهور " ابن عطية(1)، ونظام الدين النيسابوري(2) والثعالبي(3) والشنقيطي(4)، وابن عاشور(5)، وبأنه قد " قاله الأكثرون " ابن الجوزي(6) والقرطبي(7) والشوكاني(8) والقنوجي(9)، وبأنه هو " الأصح " أو " الصحيح " ابن عطية(10) والخازن(11) وابن جزي(12) والثعالبي(13)، وأنه هو " الأرجح " الشوكاني(14)، والقنوجي(15).
... ولا شك أن إجماع جمهور المفسرين على تفسير يرجحه على غيره(16).
__________
(1) المحرر الوجيز لابن عطية (13/429).
(2) غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري (26/39).
(3) جواهر الحسان للثعالبي (4/172).
(4) أضواء البيان للشنقيطي (7/603).
(5) التحرير والتنوير لابن عاشور (26/145).
(6) زاد المسير لابن الجوزي(7/159).
(7) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/261).
(8) فتح القدير للشوكاني (5/46).
(9) فتح البيان للقنوجي (13/85).
(10) المحرر الوجيز لابن عطية (13/429).
(11) لباب التأويل للخازن (6/157).
(12) التسهيل لابن جزي (4/92).
(13) جواهر الحسان للثعالبي (4/172).
(14) فتح القدير للشوكاني (5/46).
(15) فتح البيان للقنوجي (13/85).
(16) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/288).(1/153)
2- بناء على قاعدة: إذا ثبت تاريخ نزول الآية أو السورة فهو مرجّح لما وافقه من أوجه التفسير(1). فإن الوارد في سبب نزول سورة الفتح يؤيد أنها نزلت بعد صلح الحديبية وفي شأن ذلك الصلح، يقول ابن عطية: " ... نزلت السورة مؤنسة للمؤمنين لأنهم كانوا استوحشوا من ردّ قريش لهم، ومن تلك المهادنة التي هادنهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فنزلت السورة(2) مؤنسة لهم في صدّهم عن البيت، ومُذهبةً ما كان في قلوبهم ،ومنه حديث عمر - رضي الله عنه - الشهير، وما قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولأبي بكر - رضي الله عنه - ، واستقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلك السَّفرة أنه هادن عَدُوَّه ريثما يتقوّى هو، وظهرت على يديه آية الماء في بئر الحديبية حيث وضع فيه سهمه وثاب الماء حتى كفى الجيش، واتفقت بيعة الرضوان، وهي الفتح الأعظم، وبلغ هديه محلَّه، واستقبل فتح خيبر، وامتلأت أيدي المؤمنين خيراً، واتفقت في ذلك الوقت ملحمة عظيمة بين الروم وفارس ظهرت فيها الروم فكانت من جملة الفتح على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وسرَّ بها هو والمسلمون لظهور أهل الكتاب على المجوس وانخضاد الشوكة العظمى من الكفر "(3).
__________
(1) المرجع السابق (1/258).
(2) الأحاديث الواردة في شأن الحديبية وما حصل فيها من مواقف والصلح الذي أبرم، أخرجها البخاري ومسلم وغيرهما، انظر: فتح الباري (5/329)، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب، وكذلك (7/439-458) كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية، وكذلك (8/582) كتاب التفسير، باب (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً). وصحيح مسلم بشرح النووي (12/135-143) كتاب الجهاد والسير - صلح الحديبية. وجامع الأصول في أحاديث الرسول
(8/286-332) تحت حرف الغين الكتاب الأول: في الغزوات والسرايا والبعوث.
(3) المحرر الوجيز لابن عطية (13/429) بتصرف يسير.(1/154)
3- البناء اللغوي للآية يدل أيضاً على إرادة صلح الحديبية بالفتح المذكور، وذلك أن " لفظ الماضي في قوله ((إنا فتحنا)) يدل على أن ذلك الفتح قد مضى، فدعوى أنه فتح مكة ولم يقع إلا بعد ذلك بقرب سنتين خلاف الظاهر "(1) و " الأصل حمل نصوص الوحي على ظواهرها إلا لدليل "(2).
4- فائدة: لخّص صاحب كتاب الرحيق المختوق(3) بنود معاهدة صلح الحديبية، فقال: " ... قواعد الصلح، وهذه هي:
1- الرسول - صلى الله عليه وسلم - يرجع من عامه، فلا يدخل مكة، وإذا كان العام القابل دخلها المسلمون فأقاموا بها ثلاثاً، معهم سلاح الراكب، السيوف في القرب، ولا يتعرض لهم بأي نوع من أنواع التعرض.
2- وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين، يأمن فيها الناس،ويكف بعضهم عن بعض.
3- من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، وتعتبر القبيلة التي تنضم إلى أي الفريقين جزءاً من ذلك الفريق، فأي عدوان تتعرض له أي من هذه القبائل يعتبر عدواناً على ذلك الفريق.
4- من أتى محمداً من قريش من غير إذن وليه -أي هارباً منهم- رده عليهم، ومن جاء قريشاً ممن مع محمد -أي هارباً منه- لم يرد عليه "(4).
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/603).
(2) قواعد التفسير لخالد السبت (2/843).
(3) هو الشيخ صفي الرحمن المباركفوري.
(4) الرحيق المختوم لصفي الرحمن المباركفوري ص(455).(1/155)
... ثم حاول سبر أغوار بنود هذه المعاهدة، ليبين بعض ما اشتملت عليه من معاني الفتح العظيم الذي هيأه الله - عز وجل - لعباده المؤمنين بسبب هذه المعاهدة، فقال: " هذا هو صلح الحديبية، ومن سبر أغوار بنوده مع خلفياته لا يشك أنه فتح عظيم للمسلمين، فقريش لم تكن تعترف بالمسلمين أي اعتراف، بل كانت تهدف استئصال شأفتهم، وتنتظر أن تشهد يوماً ما نهايتهم، وكانت تحاول بأقصى قوتها الحيلولة بين الدعوة الإسلامية، وبين الناس، بصفتها ممثلة الزعامة الدينية والصدارة الدنيوية في جزيرة العرب، ومجرد الجنوح إلى الصلح اعتراف بقوة المسلمين، وأن قريشاً لا تقدر على مقاومتهم، ثم البند الثالث يدل بفحواه على أن قريشاً نسيت صدارتها الدنيوية وزعامتها الدينية، وأنها لا تهمها الآن إلا نفسها، أما سائر الناس وبقية جزيرة العرب فلو دخلت في الإسلام بأجمعها، فلا يهم ذلك قريشاً، ولا تتدخل في ذلك بأي نوع من أنواع التدخل. أليس هذا فشلاً ذريعاً بالنسبة إلى قريش؟ وفتحاً مبيناً بالنسبة إلى المسلمين؟ إن الحروب الدامية التي جرت بين المسلمين وبين أعدائهم لم تكن أهدافها -بالنسبة إلى المسلمين- مصادرة الأموال وإبادة الأرواح، وإفناء الناس، أو إكراه العدو على اعتناق الإسلام، وإنما كان الهدف الوحيد الذي يهدفه المسلمون من هذه الحروب، هو الحرية الكاملة للناس في العقيدة والدين { ?`yJsù?uن!$x©?`دB÷sمù=sù?ئtBur?uن!$x©?ِچàےُ3uù=sù? } ?[سورة الكهف: 29] . لا يحول بينهم وبين ما يريدون أي قوة من القوات، وقد حصل هذا الهدف بجميع أجزائه ولوازمه، وبطريق ربما لا يحصل بمثله في الحروب مع الفتح المبين، وقد كسب المسلمون لأجل هذه الحرية نجاحاً كبيراً في الدعوة، فبينما كان عدد المسلمين لا يزيد على ثلاثة آلاف قبل الهدنة صار عدد الجيش الإسلامي في سنتين عند فتح مكة عشرة آلاف.(1/156)
أما البند الثاني فهو جزء ثان لهذا الفتح المبين، فالمسلمون لم يكونوا بادئين بالحروب، وإنما بدأتها قريش، يقول الله تعالى: { ?Nèdur?ِNà2râنy‰t/?tA¨rr&?>oچtB? } ?[سورة التوبة: 13]، أما المسلمون فلم يكن المقصود من دورياتهم العسكرية إلا أن تفيق قريش عن غطرستها وصدها عن سبيل الله، وتعمل معهم بالمساواة، كل من الفريقين يعمل على شاكلته، فالعقد بوضع الحرب عشر سنين حد لهذه الغطرسة والصد، ودليل على فشل من بدأ بالحرب وعلى ضعفه وانهياره.
أما البند الأول فهو حد لصد قريش عن المسجد الحرام، فهو أيضاً فشل لقريش، وليس فيه ما يشفي قريشاً سوى أنها نجحت في الصد لذلك العام الواحد فقط.
أعطت قريش هذه الخلال الثلاث للمسلمين، وحصلت بإزائها خلة واحدة فقط، وهي ما في البند الرابع، ولكن تلك الخلة تافهة جداً، ليس فيها شيء يضر بالمسلمين، فمعلوم أن المسلم ما دام مسلماً لا يفر عن الله ورسوله، وعن مدينة الإسلام، ولا يفر إلا إذا ارتد عن الإسلام ظاهراً أو باطناً، فإذا ارتد فلا حاجة إليه للمسلمين، وانفصاله من المجتمع الإسلامي خير من بقائه فيه، وهذا الذي أشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: " إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله "(1). وأما من أسلم من أهل مكة فهو وإن لم يبق للجوئه إلى المدينة سبيل لكن أرض الله واسعة، ألم تكن الحبشة واسعة للمسلمين حينما لم يكن يعرف أهل المدينة عن الإسلام شيئاً؟ وهذا الذي أشار إليه النبي بقوله: " ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجاً ومخرجاً " (2).
__________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي (12/139)، كتاب الجهاد والسير، صلح الحديبية.
(2) المرجع السابق.(1/157)
والأخذ بمثل هذا الاحتفاظ، وإن كان مظهر الاعتزاز لقريش، لكنه في الحقيقة ينبيء عن شدة انزعاج قريش وهلعهم وخورهم. وعن شدة خوفهم على كيانهم الوثني. وكأنهم كانوا قد أحسوا أن كيانهم اليوم على شفا جرف هار. لا بد له من الأخذ بمثل هذا الاحتفاظ. وما سمح به النبي - صلى الله عليه وسلم - من أنه لا يسترد من فرَّ إلى قريش من المسلمين، فليس هذا إلا دليلاً على أنه يعتمد على تثبت كيانه وقوته كمال الاعتماد، ولا يخاف عليه من مثل هذا الشرط "(1). والله أعلم بالصواب.
- - -
كيف يدخل المؤمنون والمؤمنات الجنة
80- قوله تعالى: { ?ں@½zô‰مدj9?tûüدZدB÷sكJّ9$#?دM"sYدB÷sكJّ9$#ur?;M"¨Zy_?"حچّgrB?`دB?$pkةJّtrB?مچ"pk÷XF{$#?tûïد$ح#"yz?$pkژدù?uچدeےx6مƒur?َOكg÷Ztم?ِNخkجE$t"حhٹy™? ?tb%x.ur?y7د9¨sŒ?y‰Zدم?"!$#?#·-ِqsù?$VJٹدàtم?اخب?ڑUةjyèمƒur?tûüة)دے"uZمKّ9$#?دM"s)دے"sYكJّ9$#ur?tûüد.خژô³كJّ9$#ur?دM"x.خژô³كJّ9$#ur?ڑْüدoR!$©à9$#?"!$$خ/? ئsك?دنِq،،9$#? ?ِNخkِژn=tم?نouچح !#yٹ?دنِq،،9$#? } ?[سورة الفتح: 5-6].
مجمل الأقوال الواردة:
... اختلف المفسرون في بيان تعلق اللام في قوله ((ليدخل)) والمعنى المترتب عليه، على أقوال:
1- أن اللام متعلقة بقوله (يزدادوا)، أي يزدادوا... ليدخل ويعذب.
???أنها متعلقة بقوله (إنا فتحنا)، كأنه قال: إنا فتحنا لك ما فتحنا... ليدخل ويعذب.
3- أو متعلقة بـ (ينصرك) أي نصرك الله بالمؤمنين... ليدخل ويعذب.
4- أو متعلقة بمحذوف يدل عليه ما قبله، تقديره: يبتلي بتلك الجنود من يشاء، فيقبل الخير أهله والشر ممن قضى له به... ليدخل ويعذب(2).
ترجيح الشنقيطي:
__________
(1) الرحيق المختوم لصفي الرحمن المباركفوري ص(458).
(2) ذكر الأقوال كلها (1، 2، 3، 4) الشوكاني في فتح القدير (5/47)، ورجح هو منها القول رقم (4).(1/158)
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " أظهر الأقوال وأصحها في الآية أن اللام في قوله ((ليدخل)) متعلقة بقوله { ?uqèd?ü"د%©!$#?tAu"Rr&?spsYإ3،،9$#?'خû?ة>qè=è%?tûüدZدB÷sكJّ9$#?(#ےrكٹ#yٹ÷"zچد9?$YZ"yJƒخ)?yى¨B?ِNخkب]"yJƒخ)? } ?[سورة الفتح: 4].
وإيضاح المعنى ((هو الذي أنزل السكينة)) أي السكون والطمأنينة إلى الحق في قلوب المؤمنين، ليزدادوا بذلك إيماناً لأجل أن يدخلهم بالطمأنينة إلى الحق وازدياد الإيمان، جنات تحري من تحتها الأنهار "(1).
إذاً كلام الشيخ الشنقيطي يعبّر عنه بالقول الأول من مجمل الأقوال الواردة.
الموافقون:
لقد ذهب إلى مثل ما ذهب إليه الشنقيطي من تعلق اللام في ((ليدخل)) بالطمأنينة إلى الحق وازدياد الإيمان؛ عدد من المفسرين، منهم:
1- ابن عطية: " قوله تعالى ((ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم)) معناه: فازدادوا وتلقّوا ذلك، فتمكن -بعد ذلك- قوله تعالى ((ليدخل المؤمنين)) أي بتكسُّبهم القبول لما أنزل الله تعالى عليهم "(2).
وبنحو هذا قال أيضاً:
2- البقاعي(3). ... ... ... 3- ابن عاشور(4).
المخالفون:
المخالفون هنا أكثر من فئة:
أ- من رجّح أن اللام متعلقة بـ ((إنا فتحنا)) وأن المعنى كأنه قال إنا فتحنا لك ما فتحنا... ليدخل ويعذب، ومن قال بهذا:
1- الطبري(5).
ب- من رجح أن اللام متعلقة بمحذوف، تقديره: يبتلي بتلك الجنود من يشاء، فيقبل الخير من أهله، والشر ممن قضي له به... ليدخل ويعذب، وممن قال بهذا:
1- المحلي(6). ... ... ... 2- الشوكاني(7). ... ... 3- القنوجي(8).
تعقيب الباحث:
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/604).
(2) المحرر الوجيز لابن عطية (13/435).
(3) نظم الدرر للبقاعي (18/287).
(4) التحرير والتنوير لابن عاشور (26/151).
(5) جامع البيان للطبري (26/46).
(6) تفسير الجلالين ص(431).
(7) فتح القدير للشوكاني (5/47).
(8) فتح البيان للقنوجي (13/90).(1/159)
... الظاهر -والله أعلم- أنه يجوز تعلق اللام في ((ليدخل)) بأي واحد من الاحتمالات المذكورة في مجمل الأقوال، وتوصلت لهذه النتيجة بأمور:
1- أنه ليس لدى أي واحد من الأقوال دليل قوي يرجحه هو فقط ويدفع ما سواه من الأقوال، وهي كلها مبنية على اجتهاد المفسر في استنباط ما يصلح أن تتعلق به اللام في ((ليدخل)).
2- أن من المفسرين من ذكر أن جميع الأقوال قد تصلح أن تكون متعلقاً لتلك اللام، وهو الإمام البيضاوي؛ فبعد أن ذكر الأقوال المحتملة فيما يصح أن تتعلق به لام ((ليدخل)) قال: "... أو جميع ما ذكر "(1).
3- الإمام البقاعي ذكر تعلق اللام بالسكينة وزيادة الإيمان، وربط هذا بالجهاد الذي يخوضه جنود الله - عز وجل - المؤمنون في مواجهة الكفار نشراً للدين وإعلاءً لرايته، وبعد ابتلاء الله - عز وجل - بتلك الجنود من يشاء يكون الفتح والنصر، يقول البقاعي: "... ولما دل على الفتح بالنصر وما معه، وعلل الدين بالسكينة، علل علة الدليل وهي ((ليزدادوا إيماناً)) وعلل ما دل عليه ملك الجنود من تدبيرهم، وتدبير الأكوان بهم بقوله تعالى -زيادة في السكينة- ((ليدخل)) أي بما أوقع في السكينة ((المؤمنين والمؤمنات)) الذي جبلهم جبلة خير بجهاد بعضهم ودخول بعضهم في الدين بجهاد المجاهدين، ولو سلط على الكفار جنوده من أول الأمر فأهلكوهم أو دمر عليهم بغير واسطة، لفات دخول أكثرهم الجنة، وهم من آمن منهم بعد صلح الحديبية، ((جنات)) أي بساتين لا يصل إلى عقولكم من وصفها إلا ما تعرفونه بعقولكم وإن كان الأمر أعظم من ذلك ((تجري)) ودلّ وقرّب وبعّض بقوله ((من تحتها الأنهار)) فأي موضع أردت أن تجري منه نهراً قدرت على ذلك؛ لأن الماء قريب من وجه الأرض مع صلابتها وحسنها، وإن كان الماء لا يطيب إلا بالقرار قال تعالى ((خالدين فيها)) أي لا إلى آخر "(2).
__________
(1) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/220).
(2) نظم الدرر للبقاعي (18/287).(1/160)
4- من وجدتهم من المفسرين ذكروا الأقوال المحتملة سرداً دون ترجيح قول على آخر، وجدتهم أكثر من الموافقين وحدهم أو المخالفين وحدهم أو يقارب عدد المجموعتين معاً، فمنهم: الفخر الرازي(1)، والقرطبي(2)، والخازن(3)، وأبوحيان(4)، والبيضاوي(5)، والقاسمي(6).
هذا ما ظهر لي، والله أعلم بالصواب.
- - -
المراد بالإيمان المنفي عن الأعراب
81- قوله تعالى: { ?*?دMs9$s%?ـ>#{ ôمF{$#?$¨YtB#uن? ?@è%?ِN©9?(#qمZدB÷sè??`إ3"s9ur?(#ûqن9qè%?$sYôJn=َ™r&?$£Js9ur?ب@نzô‰tƒ?ك`"yJƒM}$#?'خû?ِNن3خ/qè=è%? ? } ?[سورة الحجرات: 14].
مجمل الأقوال الواردة:
اختلف في المراد بالإيمان المنفي عن الأعراب المذكورين في الآية، والإسلام المثبت لهم:
1- أن الإيمان المنفي عنهم في هذه الآية هو مسماه الشرعي الصحيح، والإسلام المثبت لهم فيها هو الاستسلام والانقياد باللسان والجوارح دون القلب.
2- أن المراد بنفي الإيمان في قوله ((لم تؤمنوا)): نفي كمال الإيمان، لا نفيه من أصله(7).
ترجيح الشنقيطي:
__________
(1) التفسير الكبير للفخر الرازي (10/69).
(2) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/264).
(3) لباب التأويل للخازن (6/158).
(4) البحر المحيط لأبي حيان (9/485).
(5) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/220).
(6) محاسن التأويل للقاسمي (15/5399).
(7) ذكرهما الشنقيطي في أضواء البيان (7/637).(1/161)
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن هؤلاء الأعراب وهم أهل البادية من العرب قالوا آمنا، وأن الله جلا وعلا أمر نبيّه - صلى الله عليه وسلم - أن يقول لهم ((لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا))، وهذا يدل على نفي الإيمان عنهم وثبوت الإسلام لهم، وذلك يستلزم أن الإيمان أخص من الإسلام لأن نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم، ومعلوم أن مسمى الإيمان الشرعي الصحيح والإسلام الشرعي الصحيح هو استسلام القلب بالاعتقاد واللسان بالإقرار والجوارح بالعمل، فمؤداهما واحد كما يدل له قوله تعالى: { ?$sYô_uچ÷zr'sù?`tB?tb%x.?$pkژدù?z`دB?tûüدZدB÷sكJّ9$#?اجخب?$yJsù?$tRô‰y`ur?$pkژدù?uژِچxî?;Mّٹt/?z`دiB?tûüدHح>َ،كJّ9$#?اجدب? } ?(1)??[سورة الذاريات: 35-36].
__________
(1) يقول ابن كثير: " احتج بهذه الآية من ذهب إلى رأي المعتزلة فمن لا يفرق بين مسمى الإيمان والإسلام لأنه أطلق عليهم المؤمنين والمسلمين، وهذا الاستدلال ضعيف لأن هؤلاء كانوا قوماً مؤمنين. وعندنا أن كل مؤمن مسلم ولا ينعكس، فاتفق الاسمان هاهنا لخصوصية الحال ولا يلزم ذلك في كل حال ". تفسير القرآن العظيم (4/236).(1/162)
وإذا كان ذلك كذلك فإنه يحتاج إلى بيان وجه الفرق بين الإيمان والإسلام في هذه الآية الكريمة؛ لأن الله - عز وجل - نفى عنهم الإيمان دون الإسلام، ولذلك وجهان معروفان عند العلماء، أظهرهما عندي أن الإيمان المنفي عنهم في هذه الآية هو مسماه الشرعي الصحيح، والإسلام المثبت لهم فيها هو الإسلام اللغوي الذي هو الاستسلام ولانقياد بالجوارح دون القلب. وإنما ساغ إطلاق الحقيقة اللغوية هنا على الإسلام مع أن الحقيقة الشرعية مقدمة على اللغوية على الصحيح؛ لأن الشرع الكريم جاء باعتبار الظاهر، وأن توكل السرائر إلى الله - عز وجل - ، فانقياد الجوارح في الظاهر بالعمل واللسان بالإقرار يكتفي به شرعاً، وإن كان القلب منطوياً على الكفر، ولهذا ساغ إرادة الحقيقة اللغوية في قوله ((ولكن قولوا أسلمنا)) لأن انقياد اللسان والجوارح في الظاهر إسلام لغوي مكتفى به شرعاً عن التنقيب عن القلوب، وكل انقياد استسلام وإذعان يسمى إسلاماً لغة. ومنه قول زيد بن عمرو بن نفيل مسلم الجاهلية(1):
وأسلمت وجهي لمن أسلمت ... له الأرض تحمل صخراً ثقالاً
دحاها فلما استوت شدها ... جميعاً وأرسى عليها الجبالا
__________
(1) زيد بن عمرو بن نفيل العدوي -والد سعيد بن زيد أحد العشرة- قال ابن حجر: ذكره البغوي وابن منده وغيرهما في الصحابة، وفيه نظر لأنه مات قبل البعثة بخمس سنين، وأخرج البخاري من طريق سالم بن عبدالله بن عمر عن أبيه قال: خرج زيد بن عمرو إلى الشام يسأل عن الدين فاتفق له علماء اليهود والنصارى على أن الدين دين إبراهيم ولم يكن يهودياً ولا نصرانياً فقال ورفع يديه اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم، وفي مسند الطيالسي (1/190) عن سعيد بن زيد أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - إن أبي كان كما رأيت وكما بلغك فاستغفر له، قال نعم فإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده. الإصابة (1/570). والأبيات موجودة في كتاب: شعراء النصرانية ص(622).(1/163)
وأسلمت وجهي لمن أسلمت ... له المزن تحمل عذباً زلالا
إذا هي سيقت إلى بلدة ... أطاعت فصبت عليها سجالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت ... له الريح تصرف حالا فحالا
... فالمراد بالإسلام في هذه الأبيات: الاستسلام والانقياد، وإذا حمل الإسلام في قوله ((ولكن قولوا أسلمنا)) انقدنا واستسلمنا بالألسنة والجوارح، فلا إشكال في الآية.
وعلى هذا القول فالأعراب المذكورون منافقون، لأنهم مسلمون في الظاهر، وهم كفار في الباطن.
الوجه الثاني: أن المراد بنفي الإيمان في قوله ((لم تؤمنوا)) نفي كمال الإيمان، لا نفيه من أصله. وعليه فلا إشكال أيضاً لأنهم مسلمون مع أن إيمانهم غير تام، وهذا لا إشكال فيه عند أهل السنة والجماعة القائلين بأن الإيمان يزيد وينقص.
وإنما استظهرنا الوجه الأول، وهو أن المراد الإسلام معناه اللغوي دون الشرعي، وأن الأعراب المذكورين كفار في الباطن وإن أسلموا في الظاهر؛ لأن قوله جل وعلا: ((ولما يدخل الإيمان في قلوبكم)) يدل على ذلك دلالة كما ترى، لأن قوله ((يدخل)) فعل في سياق النفي وهو من صيغ العموم، وإليه الإشارة بقول صاحب مراقي السعود:
ونحو لا شربت أو إن شربا ... ... واتفقوا إن مصدر قد جلبا(1)
فقوله: ((ولما يدخل الإيمان في قلوبكم)) في معنى لا دخول للإيمان في قلوبكم. والذين قالوا بالثاني قالوا إن المراد بنفي دخوله نفس كماله. والأول أظهر كما ترى.
__________
(1) البيت من منظومة (مراقي السعود) في أصول الفقه، لعبدالله بن إبراهيم العلوي الشنقيطي. انظر: نشر البنود على مراقي السعود، وهو شرح له للمنظومة (1/219).(1/164)
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة ((قالت الأعراب)) المراد به بعض الأعراب، وقد استظهرنا أنهم منافقون لدلالة القرآن على ذلك، وهم من جنس الأعراب الذين قال الله فيهم { ?z`دBur?ة>#{ ôمF{$#?`tB?ند‚Gtƒ?$tB?ك,دےZمƒ?$YBuچَّtB?كب/uژyItƒur?â/ن3خ/?uچح !#urO$!$#? } ?[سورة التوبة: 98]، وإنما قلنا إن المراد بعض الأعراب في هذه الآية؛ لأن الله - عز وجل - بين في موضع آخر أن منهم من ليس كذلك، وذلك في قوله تعالى { ?ڑئدBur?ة>#uچôمF{$#?`tB?عئدB÷sمƒ?"!$$خ/?دQِquّ9$#ur?حچ½zFy$#?ند‚Gtƒur?$tB?ك,دےZمƒ?BM"t/مچè%?y‰Yدم?"!$#?دN¨uqn=|¹ur?ةAqك™چ9$#? ?Iwr&?$pk®Xخ)?×pt/ِچè%?ِNçl°;? ?قOكgè=½zô‰مy™?ھ!$#?'خû?ے¾دmدFuH÷qu'? ?¨bخ)?©!$#?ض'qàےxî?×Lىدm'?اززب? } ?[سورة التوبة: 99] "(1).
خلاصة: يرى الشيخ الشنقيطي أن الإيمان المنفي عن الأعراب هو الإيمان بمسماه الشرعي الصحيح الذي هو اعتقاد القلب وإقرار اللسان وعمل الجوارح. والإسلام المثبت لهم هو الإسلام اللغوي الذي هو الاستسلام والانقياد بالجوارح دون القلب. وعليه فهؤلاء الأعراب المذكورون في الآية منافقون؛ لأنهم مسلمون في الظاهر، وهم كفار في الباطن.
الموافقون:
الجمهور من المفسرين رجحوا مثل ترجيح الشنقيطي في بيان معنى الآية، وسأذكر كلام بعضهم وأشير إلى البقية اختصاراً، فمنهم:
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/636-639).(1/165)
1- الواحدي: " ((قالت الأعراب آمنا)) نزلت في نفر من بني أسد(1) قدموا المدينة في سنة جدبة بذراريِّهم، وأظهروا كلمة الشهادة، ولم يكونوا مؤمنين في السرِّ، فقال الله تعالى ((قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا)) أي: لم تصدقوا الله ورسوله بقلوبكم، ولكن أظهرتم الطاعة مخافة القتل والسَّبي ((ولمَّا يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله)) ظاهراً وباطناً ((لا يلتكم)) لا ينقصكم ((من)) ثواب ((أعمالكم شيئاً...)) "(2).
2- النيسابوري: " ((قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا)) أي: وإن صاروا سِلْما بالشهادتين، فإنهم لم يصدقوا ولم يثقوا بما دخلوا فيه "(3).
3- القرطبي: " ومعنى ((ولكن قولوا أسلمنا)) أي استسلمنا خوف القتل والسبي، وهذه صفة المنافقين؛ لأنهم أسلموا في ظاهر إيمانهم ولم تؤمن قلوبهم، وحقيقة الإيمان التصديق بالقلب. وأما الإسلام فقبول ما أتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - في الظاهر، وذلك يحقن الدم، ((وإن تطيعوا الله ورسوله)) يعني إن تخلصوا الإيمان ((لا يلتكم)) أي لا ينقصكم ((من أعمالكم شيئاً)) "(4).
__________
(1) أسد، اسم لعدة قبائل، منهم أسد بن عبدالعزى بن قصي بن كلاب، ومنهم: أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر. ويظهر لي أن المقصود هنا هي القبيلة الثانية لشهرتهم وكونهم أعراباً. انظر: الأنساب للسمعاني (1/97)، وجمهرة أنساب العرب لابن حزم ص(190).
(2) الوجيز للواحدي (2/1019).
(3) إيجاز البيان للنيسابوري (2/203).
(4) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/348).(1/166)
4- البقاعي: " ولما كان الإيمان التصديق بالقلب فلا إطلاع عليه لآدمي إلا باطلاعه سبحانه فكانوا كاذبين في دعواه، قال ((قل)) أي تكذيباً لهم مع مراعاة الأدب في عدم التصريح بالتكذيب ((لم تؤمنوا)) أي لم تصدق قلوبكم لأنكم لو آمنتم لم تمنوا بإيمانكم لأن الإيمان التصديق بجميع ما لله - عز وجل - من الكمال الذي منه أنه لولا منّه بالهداية لم يحصل الإيمان، فله ولرسوله -الذي كان ذلك على يديه- المن والفضل.
ولما كان التقدير ما كان الأصل في أن يكون الرد به وهو: فلا تقولوا آمنا. فإنه كذب، وعدل عنه للاحتراز عن النهي عن القول بالإيمان، عطف عليه ((ولكن قولوا)) لأنكم أسلمتم للدنيا لا للدين، وعدل عنه لئلا تكون شهادة لهم بالإسلام في الجملة ((أسلمنا)) أي أظهرنا الانقياد في الظاهر للأحكام الظاهرة فأمنا من أن نكون حرباً للمؤمنين وعوناً للمشركين، يقال: أسلم الرجل، إذا دخل في السلم، كما يقال: أشتى، إذا دخل في الشتاء، ولم يقل: ولكن أسلمتم، لما فيه من الشهادة لهم بالإسلام الملازم للإيمان المنفي عنهم، فكان يكون تناقضاً. والآية من الاحتباك(1): نفي الإيمان الشرعي أولا يدل على إثبات الإسلام اللغوي ثانياً، والأمر بالقول بالإسلام ثانياً يدل على النهي عن القول بالإيمان أولاً "(2).
__________
(1) الاحتباك عند أهل البلاغة: أن تذكر جملتان؛ في كل منهما متقابلان، ثم يختصر؛ أي يحذف من شِقَّي الجملة أي من طرفي كل واحدة من الجملتين ضد ما ذكر في الأخرى ويبقى منهما ضد ما حذف. انظر: عقود الجمان في المعاني والبيان للسيوطي (2/141).
(2) نظم الدرر للبقاعي (18/385).(1/167)
5- الشوكاني: " ((قالت الأعراب آمنا)) وهم بنو أسد أظهروا الإسلام في سنة مجدبة يريدون الصدقة، فأمر الله سبحانه رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يردّ عليهم فقال ((قل لم تؤمنوا)) أي لم تصدقوا تصديقاً صحيحاً عن اعتقاد قلب وخلوص نية وطمأنينة ((ولكن قولوا أسلمنا)) أي استسلمنا خوف القتل والسبي أو للطمع في الصدقة، وهذه صفة المنافقين؛ لأنهم أسلموا في ظاهر الأمر ولم تؤمن قلوبهم، ولهذا قال سبحانه ((ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم)) أي لم يكن ما أظهرتموه بألسنتكم عن مواطأة قلوبكم، بل مجرد قول باللسان من دون اعتقاد صحيح ولا نية خالصة "(1).
6- السعدي: " ... يخبر تعالى عن مقالة الأعراب الذين دخلوا في الإسلام في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخولاً من غير بصيرة، ولا قيام بما يجب ويقتضيه الإيمان، إنهم ادعوا مع هذا وقالوا: آمنا؛ أي إيماناً كاملاً مستوفياً لجميع أموره، هذا موجب هذا الكلام، فأمر الله - عز وجل - رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يرد عليهم، فقال (قل لم تؤمنوا) أي لاتدّعوا لأنفسكم مقام الإيمان ظاهراً وباطناً كاملاً. ((ولكن قولوا أسلمنا)) أي دخلنا في الإسلام، واقتصروا على ذلك. ((و)) السبب في ذلك أنه ((لما يدخل الإيمان في قلوبكم)) وإنما آمنتم خوفاً أو رجاءً أو نحو ذلك مما هو السبب في إيمانكم، فلذلك لم تدخل بشاشة الإيمان في قلوبكم، وفي قوله ((ولما يدخل الإيمان في قلوبكم)) أي: وقت هذا الكلام الذي صدر منكم، فكان فيه إشارة إلى أحوالهم بعد ذلك، فإن كثيراً منهم منَّ الله عليهم بالإيمان الحقيقي، والجهاد في سبيل الله - عز وجل - "(2).
???
__________
(1) فتح القدير للشوكاني (5/69).
(2) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(802).(1/168)
ابن عاشور: " والأعراب: سكان البادية من العرب، وأحسب أنه لا يطلق على أهل البادية من غير العرب، وهو اسم جمع لا مفرد له?فيكون الواحد منه بياء النسبة أعرابي. وتعريف (الأعراب) تعريف العهد لإِعراب معينين وهم بنو أسد فليس هذا الحكم الذي في الآية حاقاً على جميع سكان البوادي ولا قال هذا القول غير بني أسد.
وهم قالوا آمنا حين كانوا في شك لم يتمكن الإيمان منهم فأنبأهم الله - عز وجل - بما في قلوبهم وأعلمهم أن الإيمان هو التصديق بالقلب لا بمجرد اللسان لقصد أن يخلصوا إيمانهم ويتمكنوا منه كما بينه عقب هذه الآية بقوله ((إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله )) الآية.
والاستدراك بحرف (ولكن) لرفع ما يتوهم من قوله (لم تؤمنوا) أنهم جاءوا مضمرين الغدر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - . وإنما قال (ولكن قولوا أسلمنا) تعليماً لهم بالفرق بين الإيمان والإسلام فإن الإسلام مقرُّه اللسان والأعمالُ البدنية، وهي قواعد الإسلام الأربعة: الصلاة والزكاة وصيام رمضان وحج الكعبة الوارد في حديث عمر عن سؤال جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة " الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحُج البيت إن استطعت إليه سبيلاً " (1) فهؤلاء الأعراب لما جاءوا مظهرين الإسلام وكانت قلوبهم غير مطمئنة لعقائد الإيمان لأنهم حديثوا عهد به كذبهم الله - عز وجل - في قولهم(آمنا) ليعلموا أنهم لم يخف باطنهم على الله - عز وجل - ، وأنه لا يُعتد بالإسلام إلا إذا قارنه الإيمان، فلا يغني أحدهما بدون الآخر، فالإيمان بدون إسلام عناد، والإسلام بدون إيمان نفاق، ويجمعهما طاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) أخرجه الإمام مسلم في كتاب الإيمان، تعريف الإسلام والإيمان وأمارات الساعة، صحيح مسلم بشرح النووي (1/157).(1/169)
وكان مقتضى ظاهر نظم الكلام أن يقال: قل لم تؤمنوا ولكن أسلمتم، أو أن يقال: قل لا تقولوا آمنا ولكن قولوا أسلمنا، ليتوافق المستدرك عنه والاستدراك بحسب النظم المتعارف في المجادلات، فعدل عن الظاهر إلى هذا النظم لأن فيه صراحة بنفي الإيمان عنهم فلا يحسبوا أنهم غالطوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
واستغنى بقوله (لم تؤمنوا) عن أن يقال: لا تقولوا آمنا، لاستهجان أن يخاطبوا بلفظ مؤداه النهي عن الإعلان بالإيمان لأنهم مطالبون بأن يؤمنوا ويقولوا آمنا قولاً صادقاً لا كاذباً فقيل لهم (لم تؤمنوا) تكذيباً لهم مع عدم التصريح بلفظ التكذيب ولكن وقع التعريض لهم بذلك بعد في قوله { ?$yJ¯Rخ)?ڑcqمYدB÷sكJّ9$#?tûïد%©!$#?(#qمZtB#uن?"!$$خ/?¾د&د!qك™u'ur?NèO?ِNs9?(#qç/$s?ِچtƒ?? } ? إلى قوله { ?y7ح´¯"s9'ré&?مNèd?ڑcqè%د‰"¢ء9$#? } ? [سورة الحجرات: 15] أي لا أنتم ولذلك جيء بالاستدراك محمولاً على المعنى.
وعدل عن أن يقال: ولكن أسلمتم إلى (قولوا أسلمنا) تعريضاً بوجوب الصدق في القول ليطابق الواقع، فهم يشعرون بأن كذبهم قد ظهر، وذلك مما يُتعير به، أي الشأن أن تقولوا قولاً صادقاً "(1).
__________
(1) التحرير والتنوير لابن عاشور (26/246).(1/170)
وأيضاً الإمام الطبري(1)، والبغوي(2)، والنسفي(3)، والزمخشري(4)، وابن عطية(5)، وابن الجوزي(6)، والخازن(7)، ونظام الدين النيسابوري(8)، والبيضاوي(9)، والمحلي(10)، والثعالبي(11)، والقنوجي(12)، والقاسمي(13).
المخالفون:
لم أجد من خالف في هذا الموضع من الأئمة إلا:
???ابن القيم: " ... فهؤلاء مسلمون وليسوا بمؤمنين؛ لأنهم ليسوا ممن باشر الإيمان قلبه، فذاق حلاوته وطعمه، وهذا حال أكثر المنتسبين إلى الإسلام، وليس هؤلاء كفاراً فإنه سبحانه أثبت لهم الإسلام بقوله ((ولكن قولوا أسلمنا)) ولم يرد: قولوا بألسنتكم من غير مواطأة القلب، فإنه فرّق بين قولهم (آمنا) وقولهم (أسلمنا) ولكن لما لم يذوقوا طعم الإيمان؛ قال ((لم تؤمنوا))، ووعدهم سبحانه وتعالى مع ذلك على طاعتهم أن لا ينقصهم من أجور أعمالهم شيئاً "?(14)??
2- ابن كثير: " ... إن هؤلاء الأعراب المذكورون في هذه الآية ليسوا بمنافقين وإنما هم مسلمون لم يستحكم الإيمان في قلوبهم، فادّعوا لأنفسهم مقاماً أعلى مما وصلوا إليه فأدبوا في ذلك "(15).
تعقيب الباحث:
__________
(1) جامع البيان للطبري (26/89).
(2) مختصر البغوي (2/880).
(3) مدارك التنزيل للنسفي (4/132).
(4) الكشاف للزمخشري (4/366).
(5) المحرر الوجيز لابن عطية (4/366).
(6) زاد المسير لابن الجوزي (7/187).
(7) لباب التأويل للخازن (6/192).
(8) غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري (26/71).
(9) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/226).
(10) تفسير الجلالين ص(436).
(11) جواهر الحسان للثعالبي (4/193).
(12) فتح البيان للقنوجي (13/154).
(13) محاسن التأويل للقاسمي (15/5471).
(14) بدائع التفسير لابن القيم (4/184).
(15) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/219).(1/171)
... الظاهر-والله أعلم- أن ما ذهب إليه الشنقيطي والموافقون هو الراجح -إن شاء الله تعالى- من أن الأعراب المذكورين في الآية منافقون، والإيمان المنفي عنهم هو الإيمان بمسماه الشرعي الصحيح من اعتقاد القلب وقول اللسان وعمل الجوارح، والإسلام المثبت لهم هو معناه اللغوي فقط المشتمل على قول اللسان والأعمال الظاهرة فقط، على ما يأتي بيانه:
1- القرآن الكريم يفسر بعضه بعضاً، وهذا أحسن وأقوى أنواع التفسير(1)، وقد دلت آيات من كتاب الله - عز وجل - على أن مِن الأعراب مَنْ أسلم في الظاهر وباطنه لا زال منطوياً على الكفر، بل ويكيد للإسلام والمسلمين وهو بينهم، يقول تعالى { ?z`دBur?ة>#{ ôمF{$#?`tB?ند‚Gtƒ?$tB?ك,دےZمƒ?$YBuچَّtB?كب/uژyItƒur?â/ن3خ/?uچح !#urO$!$#? ?َOخgّٹn=tو?نouچح !#yٹ?دنِq،،9$#? ?ھ!$#ur?ىىدJy™?زOٹد=tو?ازرب? } ?[سورة التوبة: 98]، وبالمقابل ذكر فريقاً آخر من الأعراب دخلوا في الإسلام وصدّقوا وصَدَقوا في إيمانهم، قال تعالى { ?ڑئدBur?ة>#uچôمF{$#?`tB?عئدB÷sمƒ?"!$$خ/?دQِquّ9$#ur?حچ½zFy$#?ند‚Gtƒur?$tB?ك,دےZمƒ?BM"t/مچè%?y‰Yدم?"!$#?دN¨uqn=|¹ur?ةAqك™چ9$#? ?Iwr&?$pk®Xخ)?×pt/ِچè%?ِNçl°;? ?قOكgè=½zô‰مy™?ھ!$#?'خû?ے¾دmدFuH÷qu'? ?¨bخ)?©!$#?ض'qàےxî?×Lىدm'?اززب? } ?[سورة التوبة: 99].
2- اتفاق الجمهور من المفسرين قديماً حديثاً عليه، وإجماع جمهور المفسرين على تفسير يرجحه على غيره(2).
3- مع ملاحظة أن القول الآخر قلةٌ من رجّحه لا توازي قوة القول الراجح.
4- علماً أنه لا يمنع أن يراد القول الآخر، والمراد به نفي كمال الإيمان لا نفيه من أصله، فإن هذا " لا إشكال فيه عند أهل السنة والجماعة القائلين بأن الإيمان يزيد وينقص "(3).
__________
(1) شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص(127)، قواعد التفسير لخالد السبت (1/109).
(2) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/288)
(3) أضواء البيان للشنقيطي (7/638).(1/172)
5- ولكن القول الأول -ما رجّحه الجمهور- أظهر؛ لما سبق ذكره من أسباب. والله أعلم بالصواب.
- - -
ما هو القول الذي لا يبدل
82- قوله تعالى { ?@@ن.?z>Ox.?ں@ك™"چ9$#?¨,utmْ?د‰دمur? } ?[سورة ق: 14]، مع قوله تعالى: { ?tA$s%?ںw?(#qكJإءtGّƒrB?£"t$s!?ô‰s%ur?àMّB£‰s%?/ن3ّs9خ)?د‰دمuqّ9$$خ/?اثرب?$tB?مA£‰t7مƒ?مAِqs)ّ9$#?£"t$s!? } ?[سورة ق: 28-29].
مجمل الأقوال الواردة
... اختلف في المراد بالقول الذي لا يبدل:
1- أن القول الذي لا يبدل هو الوعيد الذي قدم به إليهم في قوله (كل كذب الرسل فحق وعيد)(1).
2- أن المراد بالقول الذي لا يبدل قوله تعالى { ?¨bV|ّB{?tL©èygy_? } ? [الأعراف: 18، هود: 119، السجدة: 13، ص: 85](2). والقول الأول والثاني متشابهان تماماً.
3- وقيل معنى (ما يبدل القول لديّ): ما يكذب عندي ولا يغيَّر القول عن جهته، لأني أعلم الغيب وأعلم كيف ضلّوا وكيف أضللتموهم(3).
4- وقيل: (ما يبدل القول لدي) فيما أوجّه من أمر ونهي.
5- أو فيما وعد به من طاعة ومعصية.
6- أو في أن الحسنة بعشر أمثالها.
7- أو بخمس الصلوات خمسين صلاة (4).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " قوله تعالى ((كلٌّ كذب الرسل فحق وعيد)) هذه الآية الكريمة تدل على أن من كذب الرسل يحق عليه العذاب أي يتحتم ويثبت في حقه ثبوتاً لا يصح معه تخلفه عنه، فإن تكذيبهم الرسل علة صحيحة لكون الوعيد بالعذاب حق ووَجَبَ عليهم.
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/647).
(2) جامع البيان للطبري (26/105).
(3) زاد المسير لابن الجوزي (7/197)، ولم يرجحه.
(4) الأقوال رقم (4، 5، 6، 7) ذكرها الماوردي في النكت والعيون (5/352)، ولخصها العز في اختصار النكت (3/224).(1/173)
وما دلت عليه هذه الآية الكريمة جاء موضحاً في آيات آخر؛ كقوله تعالى في هذه السورة الكريمة { ?tA$s%?ںw?(#qكJإءtGّƒrB?£"t$s!?ô‰s%ur?àMّB£‰s%?/ن3ّs9خ)?د‰دمuqّ9$$خ/?اثرب?$tB?مA£‰t7مƒ?مAِqs)ّ9$#?£"t$s!???? } ?[سورة ق: 28-29]، والتحقيق أن المراد بالقول الذي لا يبدل لديه هو الوعيد الذي قدم به إليهم، وقوله تعالى في سورة ص { ?bخ)?<@ن.?wخ)?z>Oں2?ں@ك™"چ9$#?¨,yssù?ة>$s)دم?اتحب? } ?[سورة ص: 14] "(1).
الموافقون:
كل من رجح في بيان المراد بالقول الذي لا يبدل حسب القولين الأول والثاني في مجمل الأقوال الواردة فإنه يصنف موافقاً للشنقيطي في ترجيحه؛ لأن القولين متشابهين والقائل بأحدهما قائل بالآخر، فمنهم:
1- الطبري: " وقوله ((كل كذب الرسل فحق وعيد)) يقول تعالى ذكره كل هؤلاء الذين ذكرناهم كذبوا رسل الله - عز وجل - الذين أرسلهم فحق وعيد، يقول فوجب لهم الوعيد الذي وعدناهم على كفرهم بالله - عز وجل - وحل بهم العذاب والنقمة، وإنما وصف ربنا جل ثناؤه ما وصف في هذه الآية من إحلاله عقوبته بهؤلاء المكذبين الرسل ترهيباً منه بذلك مشركي قريش وإعلاماً منه لهم أنهم إن لم ينيبوا من تكذيبهم رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - أنه مُحِل بهم من العذاب مثل الذي أحل بهم ". ويقول أيضاً: ((ما يبدل القول لدي..)) يقول تعالى ذكره مخبراً عن قيله للمشركين وقرناءهم من الجن يوم القيامة إذ تبرأ بعضهم من بعض، ما يغيّر القول الذي قلته لكم في الدنيا، وهو قوله { ?¨bV|ّB{?zO¨Yygy_?ڑئدB?دp¨Yإfّ9$#?ؤ¨$¨Z9$#ur?ڑْüدèuHّdr&? } ?[هود: 119، السجدة: 13] ولا قضائي الذي قضيته فيهم فيها "(2).
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/647).
(2) جامع البيان للطبري (26/98، 105).(1/174)
2- الواحدي: " ((فحق وعيد)) وجب عليهم العذاب ". ويقول أيضاً: " ((لا تختصموا لدي وقد قمت إليكم بالوعيد)) حذّرتكم العقوبة في الدنيا على لسان الرسل ((ما يبدل القول لديَّ)) لا تبديل لقولي ولا خلف لوعدي ((وما أنا بظلام للعبيد)) فأعاقب بغير جرم "(1).
3- النسفي: " ((كل)) أي كل واحد منهم ((كذب الرسل)) لأن من كذب رسولاً واحداً فقد كذب جميعهم ((فحق وعيد)) فوجب وحلّ وعيدي، وفيه تسلية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتهديد لهم ". ويقول أيضاً: " ((لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد)) أي لا تختصموا في دار الجزاء وموقف الحساب، فلا فائدة في اختصامكم ولا طائل تحته وقد أوعدتكم بعذابي على الطغيان في كتبي وعلى ألسنة رسلي فما تركت لكم حجّة عليّ... ((ما يبدل القول لدي)) أي لا تطمعوا أن أبدل قولي ووعيدي بإدخال الكفار في النار "(2).
4- ابن عطية: " والوعيد الذي حق هو ما سبق به القضاء من تعذيب الكفرة وإهلاك الأمم المكذبة، وفي هذا تخويف من كذب محمداً - صلى الله عليه وسلم - " ويقول أيضاً - عند بيان معنى قوله تعالى ((ما يبدل القول لدي..))-: " المعنى: قد قدمت بالوعيد أني أعذب الكفار في ناري فلا يُبَدَّل القول لديّ ولا ينقض ما أبرمه كلامي "(3).
__________
(1) الوجيز للواحدي (2/1022، 1024).
(2) مدارك التنزيل للنسفي (4/134، 136).
(3) المحرر الوجيز لابن عطية (13/538، 557).(1/175)
5- ابن كثير: " ((كل كذب الرسل)) أي كل من هذه الأمم وهؤلاء القرون كذبت رسولهم ومن كذب رسولاً فكأنما كذب جميع الرسل كقوله جل وعلا { ?ôMt/Ox.?مPِqs%??yqçR?tûüد=y™ِچكJّ9$#?اتةخب? } ?[سورة الشعراء: 105] وإنما جاءهم رسول واحد فهم في نفس الأمر لو جاءهم جميع الرسل كذبوهم ((فحق وعيد)) أي فحق عليهم ما أوعدهم الله تعالى على التكذيب من العذاب والنكال، فليحذر المخاطبون أن يصيبهم ما أصابهم، فإنهم قد كذبوا رسولهم كما كذب أولئك ". وقال أيضاً: " ... ((لا تختصموا لديّ)) أي عندي ((وقد قدمت إليكم بالوعيد)) أي قد أعذرت إليكم على ألسنة الرسل وأنزلت الكتب وقامت عليكم الحجج والبيانات والبراهين، ((ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد)) أي لست أعذب أحداً بذنب أحد، ولكن لا أعذب أحداً إلا بذنبه بعد قيام الحجة عليه "(1).
6- الثعالبي: " والوعيد الذي حق هو ما سبق به القضاء من تعذيبهم ". وقال أيضاً: " ... وقوله سبحانه ((ما يبدل القول لدي)) أي لا ينقض ما أبرمه كلامي من تعذيب الكفرة، ثم أزال سبحانه موضع الاعتراض بقوله ((وما أنا بظلام للعبيد)) أي هذا عدل فيهم لأني أنذرت وأمهلت وأنعمت "(2).
7- السعدي: " ... فهؤلاء كلهم كذبوا الرسل، الذين أرسلهم الله - عز وجل - إليهم، فحق عليهم وعيد الله وعقوبته، ولستم أيها المكذبون لمحمد - صلى الله عليه وسلم - خيراً منهم، ورسلهم أكرم على الله - عز وجل - من رسولكم - صلى الله عليه وسلم - ، فاحذروا جرمهم، لئلا يصيبكم ما أصابهم ". ويقول أيضا: " ... ((وقد قدمت إليكم بالوعيد)) أي جاءتكم رسلي بالآيات البيانات والحجج الواضحات، والبراهين الساطعات، فقامت عليكم حجتي، وانقطعت حجتكم، وقدمتم عليّ بما أسلفتم من الأعمال التي وجب جزاؤها.
((
__________
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/223، 226).
(2) جواهر الحسان للثعالبي (4/195، 200).(1/176)
ما يبدل القول لديّ)) أي لا يمكن أن يخلق ما قاله الله جل وأخبر به، لأنه لا أصدق من الله قيلاً، ولا أصدق حديثاً "(1).
وبنحو كلام من ذكرت جاء كلام الزمخشري?(2)?، وأبي حيان?(3)?، والبيضاوي?(4)?، والمحلي?(5)?، والبقاعي?(6)?، والشوكاني?(7)?، والقنوجي?(8)?، والقاسمي?(9)?، وسيد قطب(10)، وابن عاشور(11).
ولا يوجد مخالف للموافقين هنا. إلا أن بعض المفسرين جمعوا أكثر من قول عند بيانهم للمراد بالقول الذي لا يبدل، فمثلاً:
1- الماوردي (12)، ذكر الأقوال (4، 5، 6، 7).
2-3-4- البغوي(13) والقرطبي (14)، والخازن (15)، ذكروا القولين رقم (2، 3).
5-6- ابن الجوزي (16) وابن جزي (17)، ذكرا القولين رقم (1، 3).
تعقيب الباحث:
الظاهر -والله أعلم- أنه لا خلاف في ترجيح ما ذهب إليه الشنقيطي وموافقوه في أن المراد بالقول الذي لا يبدل هو ما أوعد الله - عز وجل - به الكفار المكذبين للرسل من العذاب والعقاب، يدل لذلك أمور:
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(804، 806).
(2) الكشاف للزمخشري (4/372، 378).
(3) البحر المحيط لأبي حيان (9/532، 538).
(4) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/228).
(5) تفسير الجلالين ص(438).
(6) نظم الدرر للبقاعي (18/417، 429).
(7) فتح القدير للشوكاني (5/74، 77).
(8) منح البيان للقنوجي (13/166، 175).
(9) محاسن التأويل للقاسمي (15/5488، 5508).
(10) في ظلال القرآن لسيد قطب (6/3361، 3365).
(11) التحرير والتنوير لابن عاشور (26/296، 316).
(12) النكت والعيون للماوردي (5/345، 353).
(13) مختصر البغوي (2/883، 885).
(14) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (17/8، 17).
(15) لباب التأويل للخازن (6/195، 197).
(16) زاد المسير لابن الجوزي (7/192، 197).
(17) التسهيل لابن جزي (4/114، 117).(1/177)
1- دلالة آيات من القرآن الكريم عليه، كقوله تعالى { ?`yJ©9?y7yèخ7s??ِNهk÷]دB?¨bV|ّB{?tL©èygy_?ِNن3ZدB?tûüدèuHّdr&? } ?[سورة الأعراف: 18] ،وقوله تعالى { ?ôM£Js?ur?èpyJد=x.?y7خn/u'?¨bV|ّB{?zO¨Yygy_?z`دB?دp¨Yإfّ9$#?ؤ¨$¨Z9$#ur?tûüدèuHّdr&? } ?[سورة هود: 119]، وقوله تعالى { ?ô`إ3"s9ur?¨,xm?مAِqs)ّ9$#?سةi_دB?¨bV|ّB{?zO¨Yygy_?ڑئدB?دp¨Yإfّ9$#?ؤ¨$¨Z9$#ur?ڑْüدèuHّdr&? } ?[سورة السجدة: 13]، وقوله تعالى { ?ô‰s)s9?¨,xm?مAِqs)ّ9$#?#'n?tم?ِNدdخژnYّ.r&? } ?[سورة يس: 7] ،وقوله تعالى { ?bخ)?<@ن.?wخ)?z>Oں2?ں@ك™"چ9$#?¨,yssù?ة>$s)دم?اتحب? } ?[سورة ص: 14]، وقوله تعالى { ?tA$s%?',utù:$$sù?¨,utù:$#ur?مAqè%r&?ارحب?¨bV|ّB{?tL©èygy_?y7ZدB?`£JدBur?y7yèخ7s??ِNهk÷]دB?tûüدèuHّdr&?ارخب? } ?[سورة ص: 84-85]، ومعلوم أن " تفسير القرآن بالقرآن أقوى أنواع التفسير "(1).
__________
(1) قواعد التفسير لخالد السبت (1/109).(1/178)
2- إن سياق الآيات يدل عليه، فانظر: يقول الله - عز وجل - { ?y‡دےçRur?'خû?ح'qگء9$#? ?y7د9¨sŒ?مPِqtƒ?د‰دمuqّ9$#?اثةب?ôNuن!%y`ur?'@ن.?<ّےtR?$ygyè¨B?×,ح !$y™?س‰ٹخkyur?اثتب?ô‰s)©9?|MYن.?'خû?7's#ّےxî?ô`دiB?#x"yd?$uZّےt±s3sù?y7Ztم?x8uن!$sـدî?x8مچ|ءt7sù?tPِquّ9$#?س‰ƒد‰tn?اثثب?tA$s%ur?¼çmمZƒحچs%?#x"yd?$tB?£"t$s!?î‰ٹدGtم?اثجب?$uة)ّ9r&?'خû?tL©èygy_?¨@ن.?A'$Oےں2?7‰ٹدZtم?اثحب?8ي$¨Z¨B?خژِچy‚ù=دj9?7‰tG÷èمB?A=ƒحچ-B?اثخب?"د%©!$#?ں@yèy_?yىtB?"!$#?$·g"s9خ)?uچyz#uن?çn$uة)ّ9r'sù?'خû?ة>#xyèّ9$#?د‰ƒد‰O±9$#?اثدب?*?tA$s%?¼çmمZƒحچs%?$uZ/u'?!$tB?¼çmçGّٹtَôغr&?`إ3"s9ur?tb%x.?'خû?O@"n=|ت?7‰ٹدèt/?اثذب?tA$s%?ںw?(#qكJإءtGّƒrB?£"t$s!?ô‰s%ur?àMّB£‰s%?/ن3ّs9خ)?د‰دمuqّ9$$خ/?اثرب?$tB?مA£‰t7مƒ?مAِqs)ّ9$#?£"t$s!?!$tBur?O$tRr&?5O"¯=sàخ/?د‰خ7yèù=دj9?اثزب? } ?[سورة ق: 20-29]، و " دلالة السياق "(1) من مرجحات الأقوال عند المفسرين.
3- أنه قول جمهور المفسرين، وقد صرّح الإمام ابن الجوزي بأن هذا القول قد " قاله الأكثرون "(2).
4- فائدة: " ما قاله بعض أهل العلم من أن الله - عز وجل - يصح أن يخلف وعيده؛ لأنه قال إنه لا يخلف وعده(3) ولم يقل إنه لا يخلف وعيده، وأن إخلاف الوعيد حسن لا قبيح، وإنما القبيح هو إخلاف الوعد، وأن الشاعر قال:
وإني وإن أوعدته أو وعدته ... ... لمخلف إبعادي ومنجز موعدي(4)
__________
(1) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/125).
(2) زاد المسير لابن الجوزي (7/197).
(3) قال تعالى { ?ںw?ك#د=ّƒن†?ھ!$#?¼çny‰ôمur? } ?[سورة الروم: 6].
(4) البيت لعامر بن الطفيل، أحد شعراء الحماسة في الجاهلية، كان أحد فرسان العرب وشعرائهم، أدرك الإسلام ولم يُسلم، مات سنة (10هـ). انظر: ديوان عامر بن الطفيل ص(58).(1/179)
لا يصح بحال؛ لأن وعيده تعالى للكفار حقَّ ووجبَ عليهم بتكذيبهم للرسل، كما دل عليه قوله هنا { ?@@ن.?z>Ox.?ں@ك™"چ9$#?¨,utmْ?د‰دمur? } ?[سورة ق: 14]، وقد تقرر في الأصول أن الفاء من حروف العلة(1)، كقوله: سها فسجد؛ أي لعله سهوه، وسرق فقطعت يده؛ أي لعلة سرقته، ومنه قوله تعالى { ?ن-ح'$،،9$#ur?èps%ح'$،،9$#ur?(#ûqمèsـّ%$$sù?$yJكgtƒد‰÷ƒr&? } ?[سورة المائدة: 38]، وبهذا تعلم أن الوعيد الذي لا يمتنع إخلافه هو وعيد عصاة المسلمين بتعذيبهم على كبائر الذنوب؛ لأن الله تعالى أوضح ذلك في قوله { ?¨bخ)?©!$#?ںw?مچدےَّtƒ?br&?x8uژô³ç"?¾دmخ/?مچدےَّtƒur?$tB?tbrكٹ?y7د9¨sŒ?`yJد9?âن!$t±o"? } ?[سورة النساء: 48-116]، وهذا في الحقيقة تجاوز من الله - عز وجل - عن ذنوب عباده المؤمنين العاصين، ولا إشكال في ذلك "(2). والله أعلم بالصواب.
- - -
المراد بالاستفهام في قوله (هل من مزيد)
83- قوله تعالى: { ?tPِqtƒ?مAqà)tR?tL©èygyfد9?ب@yd?دNh|tFّB$#?مAqà)s?ur?ِ@yd?`دB?7‰ƒح"¨B?اجةب? } ?[سورة ق: 30].
مجمل الأقوال الواردة:
... اختلف في المراد بالاستفهام في قوله ((هل من مزيد)) وهل هو على سبيل الإنكار أو الاستفهام؛ على قولين:
1- أن ((هل من مزيد)) على سبيل الاستفهام، بمعنى الاستزادة.
2- أن المعنى: قد امتلأت فلم يبق فيّ موضع لم يمتلئ، فهو استفهام إنكار(3).
ترجيح الشنقيطي:
__________
(1) في شرح الكوكب المنير عقد فصلاً لبيان المعاني التي يأتي عليها حرف الفاء. انظر: شرح الكوكب المنير (1/233).
(2) أضواء البيان للشنقيطي (7/647).
(3) القولان ذكرهما البغوي، مختصر البغوي (2/885).(1/180)
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: "... اعلم أن الاستفهام في قوله ((هل من مزيد)) فيه للعلماء قولان معروفان؛ الأول: أن الاستفهام إنكاري، كقوله تعالى: { ?ِ@yd?à7n=ôgمƒ?wخ)?مPِqs)ّ9$#?ڑcqكJد="©à9$#? } ?[سورة الأنعام: 47] أي ما يهلك إلا القوم الظالمون، وعلى هذا فمعنى هل من مزيد لا محل للزيادة لشدة امتلاء النار، واستدل بعضهم لهذا الوجه بآيات من كتاب الله، كقوله تعالى: { ?ô`إ3"s9ur?¨,xm?مAِqs)ّ9$#?سةi_دB?¨bV|ّB{?zO¨Yygy_?ڑئدB?دp¨Yإfّ9$#?ؤ¨$¨Z9$#ur?ڑْüدèuHّdr&? } ?[سورة السجدة: 13]، وقوله تعالى: { ?¨bV|ّB{?zO¨Yygy_?z`دB?دp¨Yإfّ9$#?ؤ¨$¨Z9$#ur?tûüدèuHّdr&? } ?[سورة هود: 119]، وقوله تعالى: { ?tA$s%?',utù:$$sù?¨,utù:$#ur?مAqè%r&?ارحب?¨bV|ّB{?tL©èygy_?y7ZدB?`£JدBur?y7yèخ7s??ِNهk÷]دB?tûüدèuHّdr&?ارخب? } ?[سورة ص: 84-85]، وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة يس(1) في الكلام على قوله تعالى: { ?ô‰s)s9?¨,xm?مAِqs)ّ9$#?#'n?tم?ِNدdخژnYّ.r&? } ?[سورة يس: 7]، لأن إقسامه تعالى في هذه الآية المدلول عليه بلام التوطئة في لأملأن على أنه يملأ جهنم من الجِنة والناس، دليل على أنها لابد أن تمتلئ، ولذا قالوا: إن معنى هل من مزيد: لا مزيد؛ لأني قد امتلأت فليس فيّ محل للمزيد. وأما القول الآخر: فهو أن المراد بالاستفهام في قول النار: هل من مزيد؟ هو طلبها للزيادة، وأنها لا تزال كذلك حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط أي كفاني قد امتلأت، وهذا الأخير هو الأصح، لما ثبت في الصحيحين(2)
__________
(1) أضواء البيان (6/650).
(2) أخرجه البخاري في كتاب التفسير باب ((وتقول هل من مزيد)) فتح الباري لابن حجر (8/594)، ومسلم في كتاب الجنة، باب جهنم أعاذنا الله منها: صحيح مسلم بشرح النووي (17/184)..(1/181)
وغيرهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومسلم: " أن جهنم لا تزال تقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط "؛ لأن في هذا الحديث المتفق عليه التصريح بقولها قط قط، أي كفاني قد امتلأت، وأن قولها قبل ذلك هل من مزيد لطلب الزيادة "(1).
الموافقون:
... وهم الذي رجّحوا أن ((هل من مزيد)) على الاستفهام حقيقة وأن جهنم تطلب الزيادة، موافقون في هذا المعنى ما رجحه الشيخ الشنقيطي، وعددهم غير قليل، منهم:
1- الطبري: "... وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال هو بمعنى الاستزادة، هل من شيء أزداده. وإنما قلنا ذلك أولى القولين بالصواب لصحة الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "(2).
???ابن عطية: " والذي يترجّح في قول جهنم ((هل من مزيد)) أنها حقيقة، وأنها قالت ذلك وهي غير ملأى، ويبين ذلك الحديث الصحيح المتواتر، قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يقول الله لجهنم: هل امتلأت؟ فتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع الجبار فيها قدمه فتقول: قط قط، وينزوي بعضها إلى بعض "(3).
3- ابن جزي: " ومعنى قوله ((هل من مزيد)) أنها تطلب الزيادة وكانت لم تمتليء، وقيل معناه لا مزيد أي ليس عندي موضع للزيادة فهي على هذا قد امتلأت، والأول أظهر وأرجح "(4).
4- السعدي: " يقول تعالى مخوفاً لعباده ((يوم نقول لجهنم هل امتلأت)) وذلك من كثرة ما ألقي فيها ((وتقول هل من مزيد)) أي: لا تزال تطلب الزيادة من المجرمين العاصين، غضباً لربها، وغيظاً على الكافرين.
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/653).
(2) جامع البيان للطبري (26/106).
(3) المحرر الوجيز لابن عطية (13/559).
(4) التسهيل لابن جزي (4/117).(1/182)
وقد وعدها الله ملأها، كما قال تعالى: { ?¨bV|ّB{?zO¨Yygy_?ڑئدB?دp¨Yإfّ9$#?ؤ¨$¨Z9$#ur?ڑْüدèuHّdr&? } ?[سورة هود: 119، السجدة: 13] حتى يضع رب العزة عليها قدمه الكريمة المنزهة عن التشبه، فينزوي بعضها على بعض، وتقول: قط قط، قد اكتفيت وامتلأت "(1).
... وبمثل هذا قد رجّح ابن كثير(2)، والثعالبي(3)، والبقاعي(4)، وسيد قطب(5).
المخالفون:
... وأما الذين رجحوا أن الاستفهام على سبيل الإنكار -وهو خلاف ما رجحه الشنقيطي- فعدهم أقل من الموافقين، منهم:
1- الواحدي: " ((وتقول هل من مزيد)) أي: هل بقي فيّ موضع لم يمتلئ، أي: قد امتلأت "(6).
... وبنحو كلام الواحدي جاء ترجيح النيسابوري(7)، وأبي حيان(8)، والمحلي(9).
تعقيب الباحث:
... يظهر -والله أعلم- أن الراجح هو ما ذهب إليه الشنقيطي وموافقوه من أن الاستفهام في ((هل من مزيد)) يحمل على الاستفهام حقيقة وأن النار تطلب الزيادة من المجرمين، غضباً لربها، وغيظاً على الكافرين، والأدلة على ذلك:
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(806).
(2) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/226).
(3) جواهر الحسان للثعالبي (4/200).
(4) نظم الدرر للبقاعي (18/431).
(5) في ظلال القرآن لسيد قطب (6/3365).
(6) الوجيز للواحدي (2/1024).
(7) إيجاز البيان للنيسابوري (2/206).
(8) البحر المحيط لأبي حيان (9/538).
(9) تفسير الجلالين ص(438).(1/183)
1- ما دل عليه الحديث الصحيح المتفق عليه، فعن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تزال جهنم يُلقى فيها وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط بعزَّتك وكرمك..."(1). وقد صرّح بالترجيح بدلالة هذا الحديث: الطبري(2)، وابن عطية(3)، وابن جزي(4)، وابن كثير(5)، والثعالبي(6)، والسعدي(7)، والشنقيطي(8)، وصحة الحديث قاعدة يرجح بها المفسرون بين الأقوال(9).
2- أن السياق يدل على إرادة الاستزادة، قال تعالى: { ?$uة)ّ9r&?'خû?tL©èygy_?¨@ن.?A'$Oےں2?7‰ٹدZtم?اثحب?8ي$¨Z¨B?خژِچy‚ù=دj9?7‰tG÷èمB?A=ƒحچ-B?اثخب?"د%©!$#?ں@yèy_?yىtB?"!$#?$·g"s9خ)?uچyz#uن?çn$uة)ّ9r'sù?'خû?ة>#xyèّ9$#?د‰ƒد‰O±9$#?اثدب?*?tA$s%?¼çmمZƒحچs%?$uZ/u'?!$tB?¼çmçGّٹtَôغr&?`إ3"s9ur?tb%x.?'خû?O@"n=|ت?7‰ٹدèt/?اثذب?tA$s%?ںw?(#qكJإءtGّƒrB?£"t$s!?ô‰s%ur?àMّB£‰s%?/ن3ّs9خ)?د‰دمuqّ9$$خ/?اثرب?$tB?مA£‰t7مƒ?مAِqs)ّ9$#?£"t$s!?!$tBur?O$tRr&?5O"¯=sàخ/?د‰خ7yèù=دj9?اثزب?tPِqtƒ?مAqà)tR?tL©èygyfد9?ب@yd?دNh|tFّB$#?مAqà)s?ur?ِ@yd?`دB?7‰ƒح"¨B?اجةب? } ?[سورة ق: 24-30]، قال ابن كثير بعد أن ذكر هذا القول: " هذا هو الظاهر من سياق الآية "(10).
__________
(1) سبق تخريج الحديث، واللفظ لمسلم.
(2) جامع البيان للطبري (26/106).
(3) المحرر الوجيز لابن عطية (13/559).
(4) التسهيل لابن جزي (4/117).
(5) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/226).
(6) جواهر الحسان للثعالبي (4/200).
(7) تفسير الكريم الرحمن للسعدي ص(806).
(8) أضواء البيان للشنقيطي (7/653).
(9) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/206).
(10) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/226).(1/184)
3- الآيات التي استدل بها القائلون بأن الاستفهام إنكاري، وأن الله - عز وجل - قد وعد بملء جهنم من الجنة والناس أجمعين، وهي: قوله تعالى: { ?¨bV|ّB{?tL©èygy_?ِNن3ZدB?tûüدèuHّdr&? } ?[سورة الأعراف: 18]، وقوله تعالى: { ?ôM£Js?ur?èpyJد=x.?y7خn/u'?¨bV|ّB{?zO¨Yygy_?z`دB?دp¨Yإfّ9$#?ؤ¨$¨Z9$#ur?tûüدèuHّdr&? } ?[سورة هود: 119]، وقوله تعالى: { ?ô`إ3"s9ur?¨,xm?مAِqs)ّ9$#?سةi_دB?¨bV|ّB{?zO¨Yygy_?ڑئدB?دp¨Yإfّ9$#?ؤ¨$¨Z9$#ur?ڑْüدèuHّdr&? } ?[سورة السجدة: 13]، وقوله تعالى: { ?tA$s%?',utù:$$sù?¨,utù:$#ur?مAqè%r&?ارحب?¨bV|ّB{?tL©èygy_?y7ZدB?`£JدBur?y7yèخ7s??ِNهk÷]دB?tûüدèuHّdr&?ارخب? } ?[سورة ص: 84-85] وغيرها. أقول: استدلالهم هذا يدخل دخولاً كاملاً تحت القول الراجح عند الشنقيطي وموافقيه، وذلك أن الله - عز وجل - قد وعد بملء جهنم من الجِنة والناس، وسؤال جهنم ((هل من مزيد)) يكون " قبل امتلائها "(1).
4- فائدة: حديث القدم الوارد هنا؛ من أحاديث الصفات، " والواجب أن نؤمن بما وصف الله - عز وجل - وسمى به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، -وهذه طريقة سلف الأمة وأئمتها- بإثبات ما أثبته من الصفات من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل "(2).
- - -
المراد بالذاريات والحاملات والجاريات والمقسمات
84- قوله تعالى: { ?دM"tƒح'¨©%!$#ur?#Yrِ'sŒ?اتب?دM"n=دJ"utù:$$sù?#Xچّ%حr?اثب?دM"tƒحچ"pgù:$$sù?#[ژô£ç"?اجب?دM"yJإb،s)كJّ9$$sù?#·چّBr&?احب?$oے©Vخ)?tbrك‰tمqè??×-دٹ$|ءs9?اخب?¨bخ)ur?tûïدe$!$#?سىد%¨uqs9?ادب? } ?[سورة الذاريات: 1-6].
مجمل الأقوال الواردة:
أ- ما قيل في ((والذاريات ذرواً)):
1- الرياح. ... ... ... ... 2- النساء.
ب- ما قيل: في ((فالحاملات وقراً)):
__________
(1) التسهيل لابن جزي (4/117).
(2) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (3/3)، والقول المفيد على كتاب التوحيد لابن عثيمين (1/18).(1/185)
1- السحاب. ... ... ... 2- الرياح.
3- الإناث حوامل الأجنة.
جـ- ما قيل في ((فالجاريات يسراً)):
1- السفن. ... ... ... 2- الرياح. ... ... 3- السحاب. ... ... 4- النجوم.
د- ما قيل في ((فالمقسمات أمراً)):
1- الملائكة. ... ... ... 2- الرياح.
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " أكثر أهل العلم على أن المراد بالذاريات الرياح. وهو الحق إن شاء الله، ويدل عليه أن الذرو صفة مشهورة من صفات الرياح. ومنه قوله تعالى: { ?$VJد±yd?çnrâ'ُs??كx"tƒحhچ9$#? ? } ?[سورة الكهف: 45] ومعنى تذروه: ترفعه وتفرقه، فهي تذرو التراب والمطر وغيرهما. ولا يخفى سقوط قول من قال: إن الذاريات النساء.(1/186)
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة ((فالحاملات وقراً)) أكثر أهل العلم على أن المراد بالحاملات وقراً: السحاب، أي المزن تحمل وقراً ثقلاً من الماء. ويدل لهذا القول تصريح الله جل وعلا يوصف السحاب بالثقال، وهو جمع ثقيلة، وذلك لثقل السحابة بوقر الماء الذي تحمله، كقوله تعالى: { ?à×إ´Yمƒur?ڑU$ys،،9$#?tA$s)دoW9$#? } ?[سورة الرعد: 12] وهو جمع سحابة ثقيلة، وقوله تعالى: { ?#س®Lxm?!#sŒخ)?ôM¯=s%r&?$\/$ysy™?Zw$s)دO?çm"sYّ)ك™?7$s#t6د9?;Mحh¨B? } ?[سورة الأعراف: 57]. وقال بعضهم: المراد بالحاملات وقراً: السفن تحمل الأثقال من الناس وأمتعتهم، ولو قال قائل: إن الحاملات وقراً الرياح أيضاً، لكان وجهه ظاهراً. ودلالة بعض الآيات عليه واضحة، لأن الله تعالى صرّح بأن الرياح تحمل السحاب الثقال بالماء، وإذا كانت الرياح هي التي تحمل السحاب إلى حيث شاء الله، فنسبة حمل ذلك الوقر إليها أظهر من نسبته إلى السحاب التي هي محمولة للرياح، وذلك في قوله تعالى: { ?uqèdur?"د%©!$#?م@إ™ِچمƒ?yx"tƒحhچ9$#?#Mژô³ç0?ڑْ÷üt/?ô"y‰tƒ?¾دmدGuH÷qu'? ?#س®Lxm?!#sŒخ)?ôM¯=s%r&?$\/$ysy™?Zw$s)دO?çm"sYّ)ك™?7$s#t6د9?;Mحh¨B? } ?[سورة الأعراف: 57]، فقوله تعالى ((حتى إذا أقلت سحاباً ثقالاً)) أي حتى إذا حملت الرياح سحاباً ثقالاً، فالإقلال الحمل وهو مسند إلى الريح، ودلالة هذا على أن الحاملات وقراً هي الرياح ظاهرة كما ترى، ويصح شمول الآية لجميع ذلك.
وقد قدمنا أنه هو الأجود في مثل ذلك، وبينا كلام أهل الأصول فيه وكلامهم في حمل المشترك على معنييه أو معانيه، في أول سورة النور(1) وغيرها. والقول بأن الحاملات وقراً هي حوامل الأجنة من الإناث،ظاهر السقوط.
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (6/81)، عند تفسير قوله تعالى: { ?'دT#¨"9$#?ںw?كxإ3Ztƒ?wخ)?؛puٹدR#y-?÷rr&?Zpx.خژô³مB?èpuدR#¨"9$#ur?ںw?!$ygكsإ3Ztƒ?wخ)?Ab#y-? } ?[سورة النور: 3].(1/187)
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة ((فالجاريات يسراً)) أكثر أهل العلم على أن المراد بالجاريات يسراً: السفن تجري في البحر يسرا أي جرياً ذا يسر وسهولة. ويدل لهذا القول كثرة إطلاق الوصف بالجري على السفن كقوله تعالى: { ?ô`دBur?دmدG"tƒ#uن?ح'#uqpgù:$#?'خû?حچَst7ّ9$#? } ?[سورة الشورى: 32] وقوله تعالى: { ?$¯Rخ)?$£Js9?$tَsغ?âن!$yJّ9$#?ِ/ن3"sYù=uHxq?'خû?دptƒح'$pgù:$#?اتتب? } ?[سورة الحاقة: 11] وقوله تعالى: { ?y7ù=àےّ9$#ur?"حچّgrB?'خû?حچَst7ّ9$#?¾دnحگِDr'خ/? } ?[سورة الحج: 65] وقوله تعالى: { ?*?ھ!$#?"د%©!$#?uچO‚y™?â/ن3s9?uچَst7ّ9$#?y"حچôftGد9?à7ù=àےّ9$#?دmدù?¾دnحچّBr'خ/? } ??سورة الجاثية: 12] إلى غير ذلك من الآيات. وقيل الجاريات الرياح. وقيل غير ذلك.
وقوله?تعالى: ((فالمقسمات أمراً)) هي الملائكة يرسلها الله في شئون وأمور مختلفة، ولذا عبّر عنها بالمقسمات ويدل لهذا قوله?تعالى { ?دN¨uچخn/y‰كJّ9$$sù?#XگِDr&?اخب? } ?[سورة النازعات: 5]، فمنهم من يرسل لتسخير المطر والريح، ومنهم من يرسل لكتابه الأعمال، ومنهم من يرسل لقبض الأرواح، ومنهم من يرسل لإهلاك الأمم كما وقع لقوم صالح - عليه السلام - "(1).
إذاً الشيخ الشنقيطي ترجيحه على النحو الآتي:
الذاريات ذرواً: الرياح.
الحاملات وقراً: السحاب أو السفن أو الرياح. بدرجة واحدة في الصحة.
الجاريات يسراً: السفن.
المقسمات أمراً: الملائكة.
الموافقون:
تقسيم الموافقين والمخالفين في هذا الموضع سيكون -إن شاء الله- حسب كل آية، والكلام الآن عن الموافقين:
أ- ((والذاريات ذرواً)):
رجح أن المراد بالذاريات أي الرياح التي تذور التراب ذرواً؛ كلُّ من:
1- الطبري(2). ... ... ... 2- الواحدي(3). ... ... 3- البغوي(4).
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/659-661).
(2) جامع البيان للطبري (26/115).
(3) الوجيز للواحدي (2/1027).
(4) مختصر البغوي (2/887).(1/188)
4- النسفي(1). ... ... ... 5- الزمخشري(2). ... ... 6- النيسابوري(3).
7- ابن الجوزي(4). ... ... ... 8- الفخر الرازي(5). ... ... 9- القرطبي(6).
10- الخازن(7). ... ... ... 11- ابن جزي(8). ... ... 12- أبوحيان(9).
13- ابن كثير(10). ... ... ... 14- المحلي(11). ... ... ????الثعالبي?(12)??
16- البقاعي(13). ... ... ... 17- الشوكاني(14). ... ... 18- الألوسي(15).
19- القنوجي(16). ... ... ... 20- السعدي(17). ... 21- سيد قطب(18).
22- ابن عاشور(19).
ب- ((فالحاملات وقراً)):
من رجّح أن الحاملات وقراً يراد بها السحاب أو السفن أو الرياح؛ سواء ذكر واحداً منها أو بعضها أو كلها فإنه يعتبر موافقاً للشنقيطي؛ لأنه رجح " صحة شمول الآية لجميع ذلك "(20)، فمنهم:
1- الطبري: " السحاب التي تحمل وقرها من الماء "(21).
2- الواحدي: " السحاب تحمل الماء "(22).
3- البغوي: " السحاب التي تحمل ثقلاً من الماء "(23).
__________
(1) مدارك التنزيل للنسفي (4/138).
(2) الكشاف للزمخشري (5/385).
(3) إيجاز البيان للنيسابوري (2/209).
(4) زاد المسير لابن الجوزي (7/204).
(5) التفسير الكبير للفخر الرازي (10/161).
(6) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (17/29).
(7) لباب التأويل للخازن (6/200).
(8) التسهيل لابن جزي (4/120).
(9) البحر المحيط لأبي حيان (9/548).
(10) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/232).
(11) تفسير الجلالين ص(439).
(12) جواهر الحسان للثعالبي (4/204).
(13) نظم الدرر للبقاعي (18/445).
(14) فتح القدير للشوكاني (5/83).
(15) روح المعاني للألوسي (27/2).
(16) فتح البيان للقنوجي (13/189).
(17) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(808).
(18) في ظلال القرآن لسيد قطب (6/3375).
(19) التحرير والتنوير لابن عاشور (26/337).
(20) أضواء البيان للشنقيطي (7/660).
(21) جامع البيان للطبري (26/115).
(22) الوجيز للواحدي (2/1027).
(23) مختصر البغوي (2/887).(1/189)
4- النسفي: " السحاب لأنها تحمل المطر "(1).
5- الزمخشري: " السحاب أو الرياح "(2).
6- النيسابوري: " السحاب "(3).
7- ابن الجوزي: " السحاب التي تحمل وقرها من الماء "(4).
8- الخازن: " السحاب يحمل ثقلاً من الماء "(5).
9- ابن جزي: " السحاب تحمل المطر "(6).
10- ابن كثير: " السحاب تحمل الماء "(7).
11- المحلي: " السحب تحمل الماء "(8).
12- البقاعي: " السحب "(9).
13- الشوكاني: " السحاب تحمل الماء "(10).
14- الألوسي: " السحب الحاملة للمطر "(11).
15- السعدي: " السحاب "(12).
16- سيد قطب: " السحاب الحاملات وقراً من الماء "(13).
17- ابن عاشور: " السحاب أو الرياح "(14).
جـ- ((فالجاريات يسراً)):
... رجّح أن المراد بالجاريات يسراً: السفن، كل من:
1- الطبري(15). ... ... ... 2- الواحدي(16). ... ... 3- البغوي(17).
4- النسفي(18). ... ... ... 5- النيسابوري(19). ... ... 6- ابن الجوزي(20).
__________
(1) مدارك التنزيل للنسفي (4/138).
(2) الكشاف للزمخشري (4/385).
(3) إيجاز البيان للنيسابوري (2/209).
(4) زاد المسير لابن الجوزي (7/204).
(5) لباب التأويل للخازن (6/200).
(6) التسهيل لابن جزي (4/120).
(7) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/232).
(8) تفسير الجلالين ص(439).
(9) نظم الدرر للبقاعي 018/445).
(10) فتح القدير للشوكاني (5/83).
(11) روح المعاني للألوسي (27/2).
(12) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(808).
(13) في ظلال القرآن لسيد قطب (6/3375).
(14) التحرير والتنوير لابن عاشور (26/337).
(15) جامع البيان للطبري (26/115).
(16) الوجيز للواحدي (2/1027).
(17) مختصر البغوي (2/887).
(18) مدارك التنزيل للنسفي (4/138).
(19) إيجاز البيان للنيسابوري (2/209).
(20) زاد المسير لابن الجوزي (7/204).(1/190)
7- القرطبي(1). ... ... 8- الخازن(2). ... ... ... 9- ابن جزي(3) .
10- ابن كثير(4). ... ... 11- المحلي(5). ... ... 12- البقاعي(6).
13- الشوكاني(7). ... ... 14- الألوسي(8). ... ... 15- القنوجي(9). ...
16- سيد قطب(10). ...
د- ((المقسامات أمراً)):
... رجّح أن المراد بالمقسمات أمراً: الملائكة، كل من:
1- الطبري(11). ... ... 2- الواحدي(12). ... ... 3- البغوي(13). ...
4- النسفي(14). ... ... 5- النيسابوري(15). ... ... 6- ابن الجوزي(16).
7- القرطبي(17). ... ... 8- الخازن(18). ... ... ... 9- ابن جزي(19).
10- ابن كثير(20). ... ... 11- المحلي(21). ... ... 12- الثعالبي(22).
13- الشوكاني(23). ... ... 14- الألوسي(24). ... ... 15- السعدي(25). ...
16- سيد قطب(26).
المخالفون:
أ- ((والذاريات ذرواً)):
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (17/29).
(2) لباب التأويل للخازن (6/200).
(3) التسهيل لابن جزي (4/120).
(4) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/232).
(5) تفسير الجلالين ص(439).
(6) نظم الدرر للبقاعي (18/445).
(7) فتح القدير للشوكاني (5/83).
(8) روح المعاني للألوسي (27/2).
(9) فتح البيان للقنوجي (13/189).
(10) في ظلال القرآن لسيد قطب (6/3375).
(11) جامع البيان للطبري (26/115).
(12) الوجيز للواحدي (2/1027).
(13) مختصر البغوي (2/887).
(14) مدارك التنزيل للنسفي (4/138).
(15) إيجاز البيان للنيسابوري (2/209).
(16) زاد المسير لابن الجوزي (7/204).
(17) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 017/29).
(18) لباب التأويل للخازن (6/200).
(19) التسهيل لابن جزي (4/120).
(20) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/232).
(21) تفسير الجلالين ص(439).
(22) جواهر الحسان للثعالبي (4/204).
(23) فتح القدير للشوكاني (5/83).
(24) روح المعاني للألوسي (27/2).
(25) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(808).
(26) في ظلال القرآن لسيد قطب (6/3375).(1/191)
1- الماوردي: " الرياح، أو ما ذرت الرياح، أو النساء الولودات "(1).
2- البيضاوي: " الرياح تذروا التراب وغيره، أو النسا الولود فإنهم يذرين الأولاد، أو الأسباب التي تذري الخلائق "(2).
3- القاسمي: " الرياح، أو النساء الولود، أو الأسباب التي تذري الخلائق "(3).
ب- ((فالحاملات وقراً)):
1- الماوردي: " السحب يحملن وقراً بالمطر، الرياح يحملن وقراً بالسحاب، الحاملات من النساء إذا أثقلن بالحمل "(4).
2- أبوحيان: " السحاب: السفن، الحوامل من جميع الحيوان "(5).
3- البيضاوي: " السحب الحاملة للأمطار، أو الرياح الحاملة للسحاب، أو النساء الحوامل، أو أسباب ذلك "(6).
4- الثعالبي: " السحاب، السفن، الحوامل من جميع الحيوانات "(7).
5- القنوجي: " السحاب تحمل الماء، الرياح الحاملات للسحاب، النساء الحوامل "(8).
6- القاسمي: " السحب، الرياح، النساء الحوامل، أو أسباب ذلك "(9).
جـ- ((فالجاريات يسراً)):
1- الماوردي: " السفن، السحاب "(10).
2- الزمخشري: " الفلْك، الرياح "(11).
3- أبوحيان: " الفلْك، السحاب، الجواري من الكواكب "(12).
4- البيضاوي: " السفن الجارية في البحر سهلاً، أو الرياح الجارية في مهابّها، أو الكواكب التي تجري في منازلها "(13).
__________
(1) النكت والعيون للماوردي (5/361).
(2) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/229).
(3) محاسن التأويل للقاسمي (15/5520).
(4) النكت والعيون للماوردي (5/361).
(5) البحر المحيط لأبي حيان (9/548).
(6) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/229).
(7) جواهر الحسان للثعالبي (4/204).
(8) فتح البيان للقنوجي (13/189).
(9) محاسن التأويل للقاسمي (15/5520).
(10) النكت والعيون للماوردي (5/361).
(11) الكشاف للزمخشري (4/485).
(12) البحر المحيط لأبي حيان (9/548).
(13) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/229).(1/192)
5- الثعالبي: " السفن في البحر، السحاب، الكواكب "(1).
6- القاسمي: " السفن الجارية في البحر سهلاً، أو الرياح الجارية في مهابّها، أو الكواكب التي تجري في منازلها "(2).
7- السعدي: " النجوم التي تجري على وجه اليسر والسهولة، فتتزين بها السماوات، ويهتدى بها في ظلمات البر والبحر، وينتفع بالاعتبار بها "(3).
8- ابن عاشور: " السفن، الرياح "(4).
د- ((فالمقسمات أمراً)):
1- الماوردي: " السحاب يقسم الله - عز وجل - به الحظوظ بين الناس، الملائكة التي تقسم أمر الله في خلقه "(5).
2- الزمخشري: " الملائكة، الرياح "(6).
3- البيضاوي: " الملائكة التي تقسم الأمور من الأمطار والأرزاق وغيرها، أو ما يعمهم وغيرهم من أسباب القسمة، أو الريح يقسمن الأمطار بتصريف السحاب "(7).
4- القنوجي: " الملائكة تقسم الأمور من الأمطار والأرزاق وغيرهما، أو ما يعمهم وغيرهم من أسباب القسمة، أو الرياح يقسمن الأمطار بتصريف السحاب "(8).
???القاسمي: " الملائكة التي تقسم الأمور من الأمطار والأرزاق وغيرهما، أو ما يعمهم وغيرهم من أسباب القسمة أو الرياح يقسمن الأمطار بتصريف السحاب "(9).
6- ابن عاشور: " الملائكة، الرياح "(10).
تعقيب الباحث:
... بيان الراجح في هذا الموضع يكون -بعون الله- على النحو الآتي:
أ- ((والذاريات ذرواً)):
... يظهر -والله أعلم- أن الراجح كون المراد بالذاريات ذرواً أي الرياح التي تذرو التراب ذرواً، يدل لذلك:
__________
(1) جواهر الحسان للثعالبي (4/204).
(2) محاسن التأويل للقاسمي (15/5520).
(3) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(808).
(4) التحرير والتنوير لابن عاشور (26/337).
(5) النكت والعيون للماوردي (5/361).
(6) الكشاف للزمخشري (4/385).
(7) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/229).
(8) فتح البيان للقنوجي (13/190).
(9) محاسن التأويل للقاسمي (15/5520).
(10) التحرير والتنوير لابن عاشور (26/337).(1/193)
1- دلالة القرآن الكريم على هذا المعنى، يقول تعالى: { ?yxt7ô¹r'sù?$VJد±yd?çnrâ'ُs??كx"tƒحhچ9$#? } ?[سورة الكهف: 45] " فالذرو صفة مشهورة من صفات الرياح "(1)، ولا شك أن هذا من تفسير القرآن بالقرآن الذي هو " أحسن أنواع التفسير "(2).
2- اتفاق جمهور المفسرين قديماً وحديثاً عليه.
3- أما القول بأن الذاريات النساء يذرين الأولاد، فليست هناك دلالة واضحة عليه، ولا أدلة تؤيده، ولم يجزم به أحد من المفسرين معنى للآية.
ب- ((فالحاملات وقراً)):
... يظهر -والله أعلم- أن الراجح كون المراد بالحاملات وقراً السحاب أو الرياح، وذلك لأمور:
1- لدلالة القرآن الكريم، فإن القرآن الكريم يفسر بعضه بعضاً(3)، فإن معنى الحاملات وقراً أي السحاب تحمل وقراً ثقلاً من الماء، " ويدل لهذا تصريح الله جل وعلا بوصف السحاب بالثقال، وهو جمع ثقيلة، وذلك لثقل السحاب بوقر الماء الذي تحمله، كقوله تعالى: { ?à×إ´Yمƒur?ڑU$ys،،9$#?tA$s)دoW9$#? } ?[سورة الرعد: 12]، وكقوله تعالى:
{ ?#س®Lxm?!#sŒخ)?ôM¯=s%r&?$\/$ysy™?Zw$s)دO?çm"sYّ)ك™?7$s#t6د9?;Mحh¨B? } ?[سورة الأعراف: 57] "(4).
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/659).
(2) شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص(127).
(3) قواعد التفسير لخالد السبت (1/109).
(4) أضواء البيان للشنقيطي (7/659).(1/194)
... وكون الحاملات وقراً يراد بها الرياح؛ فوجهه ظاهر، ودلت بعض الآيات على هذا بوضوح " لأن الله تعالى صرح بأن الرياح تحمل السحاب الثقال بالماء، وإذا كانت الرياح هي التي تحمل السحاب إلى حيث شاء الله - عز وجل - ، فنسبة حمل ذلك الوقر إليها أظهر من نسبته إلى السحاب التي هي محمولة للرياح، وذلك في قوله تعالى: { ?uqèdur?"د%©!$#?م@إ™ِچمƒ?yx"tƒحhچ9$#?#Mژô³ç0?ڑْ÷üt/?ô"y‰tƒ?¾دmدGuH÷qu'? ?#س®Lxm?!#sŒخ)?ôM¯=s%r&?$\/$ysy™?Zw$s)دO?çm"sYّ)ك™?7$s#t6د9?;Mحh¨B? } ?[سورة الأعراف: 57] فالإقلال الحمل، وهو مسند إلى الريح، ودلالة هذا على أن الحاملات وقراً هي الرياح ظاهرة "(1).
2- إن إرادة السفن بالحاملات وقراً، لا يؤيدها إلا المعنى اللغوي للفظ (الحاملات) ولفظ (الوقر)، ولا يقوى هذا أمام الدلالة الواضحة للآيات السابق ذكرها.
جـ- ((فالجاريات يسراً)):
... يظهر -والله أعلم- أن الراجح كون المراد بالجاريات يسراً السفن تجري في البحر يسر أي جرياً سهلاً بأمر الله - عز وجل - ، يدل لذلك:
1- التصريح في عدد من الآيات بتسمية السفن بأنها (جارية) كقوله تعالى: { ?ô`دBur?دmدG"tƒ#uن?ح'#uqpgù:$#?'خû?حچَst7ّ9$#? } ?[سورة الشورى: 32]، كقوله تعالى { ?$¯Rخ)?$£Js9?$tَsغ?âن!$yJّ9$#?ِ/ن3"sYù=uHxq?'خû?دptƒح'$pgù:$#?اتتب? } ?[سورة الحاقة: 11].
2- والتصريح أيضاً في عدد من الآيات بوصف السفن بأنها (تجري)، كقوله تعالى: { ?y7ù=àےّ9$#ur?"حچّgrB?'خû?حچَst7ّ9$#?¾دnحگِDr'خ/? } ?[سورة الحج: 65]، كقوله تعالى: { ?ھ!$#?"د%©!$#?uچO‚y™?â/ن3s9?uچَst7ّ9$#?y"حچôftGد9?à7ù=àےّ9$#?دmدù?¾دnحچّBr'خ/? } ?[سورة الجاثية: 12].
3- أما تفسيرها بأنها الرياح أو الكواكب، فهي وإن ذكرها بعض المفسرين على احتمال كونها معنىً للآية، إلا أنه لم يجزم أحد برجحان اعتبارها معنىً للآية.
د- ((فالمقسمات أمراً)):
__________
(1) المرجع السابق (7/660).(1/195)
... يظهر -والله أعلم- أن الراجح كون المراد بالمقسمات أمراً الملائكة يرسلها الله - عز وجل - في شئون وأمور مختلفة، يدل لذلك:
1- قوله تعالى: { ?دN¨uچخn/y‰كJّ9$$sù?#XگِDr&?اخب? } ?[سورة النازعات: 5] " فمنهم من يرسل لتسخير المطر والريح، ومنهم من يرسل لكتابة الأعمال، ومنهم من يرسل لقبض الأرواح، ومنهم من يرسل لإهلاك الأمم المكذبة "(1)، وغيرها من الأعمال.
2- كذلك كثرة القائلين بأن المراد الملائكة، وندرة المرجحين لغيره من الأقوال.
... وختاماً: يقول ابن الجوزي -بعد أن رجّح (الرياح + السحاب + السفن + الملائكة)-: " وإنما أقسم بهذه الأشياء لما فيها من الدلالة على صُنعه وقدرته "(2). والله أعلم بالصواب.
- - -
معنى قوله تعالى { إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }
85- قوله تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) } [سورة الذاريات: 56].
مجمل الأقوال الواردة:
1- أن معنى ((إلا ليعبدون)): أي: إلا لآمرهم بعبادتي وابتليهم بالتكاليف، ثم أجازيهم على أعمالهم، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
2- أن معنى ((إلا ليعبدون)): أي: ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدني السعداء منهم ويعصيني الأشقياء.
3- أن معنى ((إلا ليعبدون)): أي: إلا ليقروا لي بالعبودية طوعاً أو كرهاً؛ لأن المؤمن يطيع باختياره، والكافر مذعن منقاد لقضاء ربه، وأن العبادة في اللغة: التذلل والانقياد، فكل مخلوق من الجن والإنس خاضع لقضاء الله - عز وجل - ، ومتذلل لمشيئته، لا يملك أحد لنفسه خروجاً عما خلق عليه قدر ذرة من نفع أو ضرر.
4- أن معنى ((إلا ليعبدون)): إلا ليعرفوني.
__________
(1) المرجع السابق (7/661).
(2) زاد المسير لابن الجوزي (7/204).(1/196)
5- أن معنى ((إلا ليعبدون)): إلا ليوحدون، فأما المؤمن فيوحده في الشدة والرخاء، وأما الكافر فيوحده في الشدة والبلاء دون النعمة والرخاء(1).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " اختلف العلماء في معنى قوله ((ليعبدون))، فقال بعضهم: المعنى ما خلقتهم إلا ليعبدني السعداء منهم ويعصيني الأشقياء، فالحكمة المقصودة من إيجاد الخلق التي هي عبادة الله - عز وجل - حاصلة بفعل السعداء منهم كما يدل عليه قوله تعالى: { فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } [سورة الأنعام: 89]، وهذا القول ذكره ابن جرير(2) في جامع البيان. وغاية ما يلزم على هذا القول أنه أطلق فيها المجموع وأراد بعضهم. وأمثال ذلك كثيرة في القرآن الكريم، ومن أوضحها قراءة حمزة والكسائي(3). { فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ } [سورة البقرة: 191] من القتل لا من القتال. ومن ذلك قوله تعالى: { * قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } [سورة الحجرات: 14] بدليل قوله تعالى: { وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) } [سورة التوبة: 99].
__________
(1) الأقوال كلها (1، 2، 3، 4، 5) ذكرها البغوي؛ مختصر البغوي (2/891)، والشنقيطي في أضواء البيان (7/671).
(2) انظر: جامع البيان للطبري (27/8).
(3) انظر: القراءات العشر المتواترة لمحمد كريم راجح ص(30) وزاد معهما من العشرة: خلف.(1/197)
... وقال بعض العلماء: معنى قوله ((إلا ليعبدون)) أي: إلا ليقروا لي بالعبودية طوعاً أو كرهاً لأن المؤمن يطيع باختياره والكافر مذعن منقاد لقضاء ربه صبراً عليه، وهذا القول رواه ابن جرير عن ابن عباس واختاره(1)، ويدل له قوله تعالى: { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا } [سورة الرعد: 15]، والسجود والعبادة كلاهما خضوع وتذلل لله جل وعلا، وقد دلت الآية على أن بعضهم يفعل ذلك طوعاً وبعضهم يفعله كرهاً.
وعن مجاهد أنه قال: ((إلا ليعبدون)) أي إلا ليعرفوني، واستدل بعضهم لهذا القول بقوله تعالى: { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } [سورة الزخرف: 87] ونحو ذلك من الآيات.
وقال بعض أهل العلم -وهو مروي عن مجاهد أيضاً- معنى قوله ((إلا ليعبدون)):أي إلا لآمرهم بعبادتي فيعبدني من وفقته منهم لعبادتي دون غيره، وعلى هذا القول فإرادة عبادتهم المدلول عليها باللام في قوله ((ليعبدون)) إرادة دينية شرعية وهي الملازمة للأمر، وهي عامة لجميع من أمرتهم الرسل لطاعة الله - عز وجل - ، لا إرادة كونية قدرية؛ لأنها لو كانت كذلك لعبده جميع الإنس والجن، والواقع خلاف ذلك بدليل قوله تعالى: { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) } [سورة الكافرون: 1-3].
قال مقيده(2) عفا الله عنه وغفر له: التحقيق إن شاء الله في معنى هذه الآية الكريمة ((إلا ليعبدون))؛ أي: إلا لآمرهم بعبادتي وأبتليهم أي أختبرهم بالتكاليف ثم أجازيهم على أعمالهم، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
__________
(1) جامع البيان للطبري (27/8).
(2) الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-.(1/198)
وإنما قلنا إن هذا هو التحقيق في معنى الآية، لأنه تدل عليه آيات محكمات من كتاب الله - عز وجل - ، فقد صرح تعالى في آيات من كتابه أنه خلقهم ليبتليهم أيهم أحسن عملاً، وأنه خلقهم ليجزيهم بأعمالهم. قال تعالى في أول سورة هود: { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ } ثم بين الحكمة في ذلك فقال: { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) } [سورة هود: 7]، وقال تعالى في أول سورة الملك: { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } [سورة الملك: 2]، وقال تعالى في أول سورة الكهف: { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) } [سورة الكهف: 7]، فتصريحه جل وعلا في هذه الآيات المذكورة بأن حكمة خلقه للخلق هي ابتلاؤهم أيهم أحسن عملاً يفسر قوله ((ليعبدون)). وخير ما يفسر به القرآن القرآن "(1).
فترجيح الشيخ الشنقيطي لمعنى ((إلا ليعبدون)) أي إلا لآمرهم بعبادتي وابتليهم بالتكاليف ثم أجازيهم على أعمالهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
الموافقون:
إلى مثل ما ذهب إليه الشنقيطي قد ذهب عدد من المفسرين، منهم:
1- الماوردي: " ((وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)) فيه خمسة تأويلات:
أحدها: إلا ليقروا بالعبودية طوعاً أو كرهاً.
الثاني: إلا لآمرهم وأنهاهم.
الثالث: إلا لأجبلهم على الشقاء والسعادة.
الرابع: إلا ليعرفوني.
الخامس: إلا للعبادة، وهو الظاهر "(2) .
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/671-674) بتصرف يسير.
(2) النكت والعيون للماوردي (5/375).(1/199)
2- ابن القيم: " { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) } فأخبر أنه لم يخلق الجن والإنس لحاجة منه إليهم ولا ليربح عليهم، لكن خلقهم جوداً وإحساناً ليعبدوه فيربحوا هم عليه كل الأرباح، كقوله تعالى: { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ } [سورة الإسراء: 7] وقال تعالى: { وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ } [سورة الروم: 44] "(1).
3- ابن كثير: "... ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ورازقهم "(2).
4- القاسمي: " ((وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)) أي لهذه الحكمة، وهي عبادته تعالى بما أمر على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، إذ لا يتم صلاح ولا تنال سعادة في الدارين؛ إلا بها "(3).
__________
(1) بدائع التفسير لابن القيم (4/247).
(2) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/238).
(3) محاسن التأويل للقاسمي (15/5538).(1/200)
5- السعدي: " { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) } هذه الغاية التي خلق الله - عز وجل - الجن والإنس لها، وبعث جميع الرسل يدعون إليها، وهي عبادته المتضمنة لمعرفته ومحبته، والإنابة إليه والإقبال عليه، والإعراض عمن سواه، وذلك يتضمن معرفته تعالى، فإن تمام العبادة، متوقف على المعرفة بالله - عز وجل - ، بل كلما ازداد العبد معرفة لربه كانت عبادته أكمل، فهذا الذي خلق الله - عز وجل - المكلفين لأجله، فما خلقهم لحاجة منه إليهم "(1).
6- سيد قطب: "... هنا يجيء الإيقاع الأخير في السورة، ويتضح معنى الفرار إلى الله - عز وجل - ، والتخلص من الأوهاق(2) والأثقال، لأداء الوظيفة التي خلق الله - عز وجل - العباد لها، ومنحهم وجودهم ليؤدوها... ((وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون، إن الله هو الرازق ذو القوة المتين)).. وإن هذا النص الصغير ليحتوي حقيقة ضخمة هائلة، من أضخم الحقائق الكونية التي لا تستقيم حياة البشر في الأرض بدون إدراكها واستيقانها، سواء كانت حياة فرد أم جماعة، أم حياة الإنسانية كلها في جميع أدوارها وأعصارها.
وإنه ليفتح جوانب وزوايا متعددة من المعاني والمرامي، تندرج كلها تحت هذه الحقيقة الضخمة، التي تعد حجر الأساس الذي تقوم عليه الحياة.
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(813).
(2) الأوهاق، قال في القاموس المحيط: الوَهَقُ: الحبل يُرمى في أنشوطة، فتؤخذ به الدابة والإنسان. انظر: القاموس المحيط للفيروز آبادي ص(1200).(1/201)
وأول جانب من جوانب هذه الحقيقة أن هنالك غاية معينة لوجود الجن والإنس. تتمثل في وظيفة من قام بها وأداها فقد حقق غاية وجوده؛ ومن قصر فيها أو نكل عنها فقد أبطل غاية وجوده؛ وأصبح بلا وظيفة، وباتت حياته فارغة من القصد، خاوية من معناها الأصيل، الذي تستمد منه قيمتها الأولى. وقد انفلت من الناموس الذي خرج به إلى الوجود، وانتهى إلى الضياع المطلق، الذي يصيب كل كائن ينفلت من ناموس الوجود، الذي يربطه ويحفظه ويكفل له البقاء.
هذه الوظيفة المعينة التي تربط الجن والإنس بناموس الوجود. هي العبادة لله - عز وجل - . أو هي العبودية لله - عز وجل - ... أن يكون هناك عبد ورب. وعبد يَعبد، ورب يُعبد. وأن تستقيم حياة العبد كلها على أساس هذا الاعتبار.
ومن ثم يبرز الجانب الآخر لتلك الحقيقة الضخمة، ويتبين أن مدلول العبادة لابد أن يكون أوسع وأشمل من مجرد إقامة الشعائر. فالجن والإنس لا يقضون حياتهم في إقامة الشعائر؛ والله لا يكلفهم هذا. وهو يكلفهم ألواناً أخرى من النشاط تستغرق معظم حياتهم. وقد لا نعرف نحن ألوان النشاط التي يكلفها الجن؛ ولكننا نعرف حدود النشاط المطلوب من الإنسان. نعرفها من القرآن من قول الله تعالى: { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً } [سورة البقرة: 30] ... فهي الخلافة في الأرض إذن عمل هذا الكائن الإنساني. وهي تقتضي ألواناً من النشاط الحيوي في عمارة الأرض، والتعرف إلى قواها وطاقاتها، وذخائرها ومكنوناتها، وتحقق إرادة الله في استخدامها وتنميتها وترقية الحياة فيها. كما تقتضي الخلافة القيام على شريعة الله في الأرض لتحقيق المنهج الإلهي الذي يتناسق مع الناموس الكوني العام.(1/202)
ومن ثم يتجلى أن معنى العبادة التي هي غاية الوجود الإنساني أو التي هي وظيفة الإنسان الأولى، أوسع وأشمل من مجرد الشعائر؛ وأن وظيفة الخلافة داخلة في مدلول العبادة قطعاً. وأن حقيقة العبادة تتمثل إذن في أمرين رئيسيين:
الأول: هو استقرار معنى العبودية لله - عز وجل - في النفس. أي استقرار الشعور على أن هناك عبداً ورباً. عبداً يَعبد، وربًّا يُعبد. وأن ليس وراء ذلك شيء؛ وأن ليس هناك إلا هذا الوضع وهذا الاعتبار. ليس في هذا الوجود إلا عابد ومعبود؛ وإلا رب واحد والكل له عبيد.
والثاني: هو التوجه إلى الله بكل حركة في الضمير، وكل حركة في الجوارح، وكل حركة في الحياة. التوجه بها إلى الله - عز وجل - خالصة، والتجرد من كل شعور آخر؛ ومن كل معنى غير معنى التعبد لله - عز وجل - . وبهذا وذلك يتحقق معنى العبادة "(1).
المخالفون:
... رجّح خلاف ما رجحه الشنقيطي قلة من المفسرين، منهم:
1- الطبري: "... وأولى القولين في ذلك بالصواب؛ القول الذي ذكرنا عن ابن عباس(2)، وهو ما خلقت الجن والإنس إلا لعبادتنا والتذلل لأمرنا - فإن قال قائل فكيف كفروا وقد خلقهم للتذلل لأمره؟ قيل إنهم قد تذللوا لقضائه التي قضاه عليهم لأن قضاءه جار عليهم لا يقدرون من الامتناع منه إذا نزل بهم، وإنما خالفه من كفر به في العمل بما أمره به، فأما التذلل لقضائه فإنه غير ممتنع منه "(3).
__________
(1) في ظلال القرآن لسيد قطب (6/3387).
(2) وقد كان الطبري ذكر قول ابن عباس قريباً قبل قوله " وأولى القولين... " حيث قال: حدثني علي قال: حدثنا أبوصالح، قال: حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس: قوله:((وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)) إلا ليقروا بالعبودية طوعاً وكرهاً. جامع البيان للطبري (27/8).
(3) جامع البيان للطبري (27/8).(1/203)
2- البقاعي: " ((وما خلقت الجن والإنس)) الذين أكثرهم كافرون ((إلا ليعبدون)) أي لينجروا تحت أقضيتي على وجه ينفعون به أنفسهم أو يضرونها لا لشيء يلحقني أنا منه شيء من نفع أو ضرر، فإني بنيتهم على العجز وأودعتهم نوازع الهوى، وركبت فيهم غرائز فهيأتهم لاتباع الهدى، فمن أطاع عقله كان عابداً لي فاراً إليّ مع جريه تحت الإرادة، عبادة شرعية أمرية يستفيد بها الثواب، ومن أطاع الهوى كان عابداً لي مع مخالفته أمري عبادة إرادية قسرية يستحق بها العقاب، وكل تابع لهواه إذا حقق النظر على أن الخير في غير ما هو مرتكبه، فما ألزمه ما هو فيه مع علمه بأن غيره خير منه إلا قهر إرادتي، فهذه عبادة لغوية، وذاك عبادة شرعية، وهذا كله معنى قول ابن عباس(1) -رضي الله عنهما-: إلا ليقروا لي بالعبادة طوعاً أو كرهاً "(2).
... أما الكثرة الكاثرة من المفسرين فتوقفوا عن ترجيح قول بعينه معنىً للآية، واكتفوا بسرد الأقوال الواردة كلها أو بعضها تحت تفسيرهم للآية،وسأختصر في سرد أسماء المفسرين بذكر المفسر وما ذكره من أقوال بالإحالة إلى رقم القول حيث ورد في مجمل الأقوال الواردة في بداية الموضع، فمنهم:
1- الواحدي(3): ذكر الأقوال رقم (1+2).
2- البغوي(4):ذكر الأقوال رقم (1+2+3+4+5).
3- النسفي(5): ذكر الأقوال رقم (1+2+5).
4- ابن الجوزي(6): ذكر الأقوال رقم (1+2+3).
5- القرطبي(7): ذكر الأقوال رقم (1+2+3+4+5).
6- الخازن(8): ذكر الأقوال رقم (2+3+4+5).
__________
(1) وأشرت قريباً إلى قول ابن عباس -رضي الله عنهما- عند ذكر كلام الطبري.
(2) نظم الدرر للبقاعي (18/481).
(3) الوجيز للواحدي (2/1032).
(4) مختصر البغوي (2/891).
(5) مدارك التنزيل للنسفي (4/143).
(6) زاد المسير لابن الجوزي (7/214).
(7) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (17/55).
(8) لباب التأويل للخازن (6/206).(1/204)
7- ابن جزي(1):ذكر الأقوال رقم (1+3).
8- أبوحيان(2): ذكر الأقوال رقم (1+2+4).
9- البيضاوي(3): ذكر الأقوال رقم (1+3).
10- الثعالبي(4): ذكر الأقوال رقم (2+3).
11- الشوكاني (5): ذكر الأقوال رقم (2+3+4+5).
12- القنوجي(6): ذكر الأقوال رقم (2+4+5).
تعقيب الباحث:
... بعد هذه الجولة في ما ورد عن المفسرين من أقوال في بيان معنى قوله تعالى: ((وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)) واختلافهم في تحديد المراد بقوله ((إلا ليعبدون))؛ يظهر -والله أعلم- أن الأرجح هو ما ذهب إليه الشيخ الشنقيطي والموافقون، من أن ((إلا ليعبدون)) معناها: إلا لآمرهم بعبادتي وابتليهم بالتكاليف ثم أجازيهم على أعمالهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر، يدل لذلك:
__________
(1) التسهيل لابن جزي (4/126).
(2) البحر المحيط لأبي حيان (9/562).
(3) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/232).
(4) جواهر الحسان للثعالبي (4/212).
(5) فتح القدير للشوكاني (5/92).
(6) فتح البيان للقنوجي (13/211).(1/205)
1- الدلالة الواضحة في عدد من آيات القرآن الكريم على إرادة هذا المعنى المذكور -وهذا من تفسير القرآن بالقرآن- كقوله تعالى: { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) } [سورة هود: 7]، وقوله تعالى: { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) } [سورة الكهف: 7]، وقوله تعالى: { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } [سورة الملك: 2]، فدلت هذه الآيات المحكمات على أنه -جل وعلا- خلق خلقه ليبتليهم أيهم أحسن عملاً، وأنه خلقهم ليجزيهم بأعمالهم، وهذا يفسر قوله هنا ((إلا ليعبدون)) " وخير ما يفسر به القرآن القرآن "(1).
2- كثرة المرجحين لهذا القول الراجح، من السلف والخلف؛ دليل قوته، مع قلة المخالفين جداً المرجحين لقول غيره.
3- أن من قال إن المراد بـ ((إلا ليعبدون)) إلا ليعرفوني، لا يقوى أن يكون معنى للآية، فإن مجرد المعرفة لا تكفي لتحقيق العبودية إذا لم يقارنها توجه بالأعمال التعبدية إلى الله - عز وجل - .
4- ومن قال إن ((إلا ليعبدون)) يعني يعبدني السعداء ويعصيني الأشقياء؛ فإنه يدخل من وجوه تحت القول الراجح، وذلك: أن من فهم الحكمة من وجوده وتوجه إلى الله - عز وجل - خالقه بالعبادة قولاً وعملاً وتصديقاً فهو السعيد في الدنيا والآخرة، ومن ضل عن حكمة وجوده ولم يتوجه بالعبادة إلى الخالق جل وعلا فهو الشقي في الدنيا والآخرة.
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/674).(1/206)
... أسأل الله - عز وجل - أن يجعلنا جميعاً من المحققين لمعنى العبودية الصحيح، ويجعلنا من عباده السعداء في الدنيا والآخرة. والله أعلم بالصواب.
- - -
ما هو الطور؟
86- قوله تعالى: { وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8) } [سورة الطور: 1-8].
مجمل الأقوال الواردة:
1- أن الطور هو الجبل الذي كلم الله - عز وجل - عليه موسى - عليه السلام - .
2- أن الطور كل جبل، فكأنه أقسم بجنس الجبال(1).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " والأظهر أن الطور: الجبل الذي كلم الله - عز وجل - عليه موسى - عليه السلام - ، وقد أقسم الله تعالى بالطور في قوله: { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) } [سورة التين: 1-2] "(2).
الموافقون:
... جمهور المفسرين على أن الطور هو الجبل الذي كلم الله - عز وجل - عليه موسى - عليه السلام - ، منهم:
1- الواحدي(3). ... ... 2- البغوي(4). ... ... ... 3- النسفي(5).
4- الزمخشري(6). ... ... 5- ابن الجوز ي(7). ... ... 6- القرطبي(8).
7- الخازن(9). ... ... ... 8- ابن القيم(10) ... ... 9- المحلي(11).
__________
(1) القولان معاً ذكرهما ابن جزي في التسهيل (4/128).
(2) أضواء البيان للشنقيطي (7/683).
(3) الوجيز للواحدي (2/1033).
(4) مختصر البغوي (2/892).
(5) مدارك التنزيل للنسفي (4/144).
(6) الكشاف للزمخشري (4/398).
(7) زاد المسير لابن الجوزي (7/215).
(8) الجامع لأحكام القرآن القرطبي (17/58).
(9) لباب التأويل للخازن (6/206).
(10) بدائع التفسير لابن القيم (4/251).
(11) تفسير الجلالين ص(442).(1/207)
10- الألوسي(1). ... ... 11- القاسمي(2). ... ... 12- السعدي(3).
13- سيد قطب(4). ... ... 14- ابن عاشور(5).
المخالفون:
رجح أن المراد بالطور جنس الجبال:
1- النيسابوري(6). ... ... ... 2- أبوحيان(7).
تعقيب الباحث:
... الظاهر -والله أعلم- أن المراد بالطور هو الجبل الذي كلم الله - عز وجل - عليه موسى - عليه السلام - ، وهذا ما رجحه الشنقيطي والموافقون، يدل لذلك أمور:
1- دلالة آية من القرآن الكريم عليه، وهي قوله تعالى: { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) } [سورة التين: 1-2] وطور سنين هو الجبل الذي نال الشرف والمكانة العظيمة بتكليم الله - عز وجل - نبيه موسى عليه عنده، يقول ابن القيم: " وجبل هذا شأنه حقيق أن يقسم الله - عز وجل - به وإنه لسيد الجبال "(8).
2- أنه هو ما رجحه " جمهور المفسرين من السلف والخلف " كما صرح بذلك الإمام ابن القيم(9).
3- أن الطور وإن أطلق على كل جبل عند " جمهور علماء اللغة العربية "(10)، إلا أنه " غلب علماً على طور سينا(11)
__________
(1) روح المعاني للألولسي (27/26).
(2) محاسن التأويل للقاسمي (15/5541).
(3) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(813).
(4) في ظلال القرآن لسيد قطب (6/3393).
(5) التحرير والتنوير لابن عاشور (27/37).
(6) إيجاز البيان للنيسابوري (2/213).
(7) البحر المحيط لأبي حيان (9/566).
(8) بدائع التفسير لابن القيم (4/251).
(9) المرجع السابق.
(10) روح المعاني للألوسي (27/26).
(11) قال في معجم البلدان: " طور سينا، بكسر أو فتح حرف السين، اسم جبل بالشام، وهو الذي كلم الله تعالى عليه موسى بن عمران - عليه السلام - " معجم البلدان لياقوت الحموي (المجلد الثالث، ص(107) + ص (271).
... وفي الموسوعة العربية الميسرة: " الطور: بلدة بمصر، في شبه جزيرة سيناء على خليج السويس، جنوبي غرب جبل موسى " الموسوعة الميسرة بإشراف محمد غربال ص(1166).
... أقول: مدينة الطور يظهر أنها قامت قرب جبل الطور وسُميت باسمه، وحسب الحدود السياسية المعاصرة فإنه يقع في داخل حدود جمهورية مصر العربية. انظر أطلس العالم ص(52).(1/208)
الذي ناجى فيه موسى - عليه السلام - "(1). والله أعلم بالصواب.
- - -
ما هو الكتاب المسطور؟
87- قوله تعالى: { وَالطُّورِ اب وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8) } [سورة الطور: 1-8].
مجمل الأقوال الواردة:
... اختلف في المراد بالكتاب المسطور في قوله تعالى ((وكتاب مسطور)) على أقوال:
1- القرآن الكريم.
2- التوراة.
3- اللوح المحفوظ.
4- صحيفة الأعمال(2).
5- الإنجيل والزبور.
6- الكتاب الذي فيه أعمال الخلق(3).
7- الكتب المنزلة عموماً(4).
8- المنتسخ من اللوح المحفوظ للملائكة لتعرف منه جميع ما تفعله وتصرفه في العالم(5).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " والأظهر أن الكتاب المسطور هو القرآن العظيم، وقد أكثر الله - عز وجل - من الإقسام به في كتابه كقوله تعالى: { حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) } [الزخرف: 1-2، الدخان 1-2]، وقوله تعالى: { يس (1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2) } [سورة يس: 1-2]، وقيل هو كتاب الأعمال، وقيل غير ذلك "(6).
الموافقون:
... الذين ذهبوا -مثل الشنقيطي- إلى أن المراد بالكتاب المسطور القرآن الكريم؛ قلة من المفسرين، منهم:
1- ابن القيم(7). ... ... 2- الشوكاني(8). ... ... 3- القاسمي(9).
__________
(1) التحرير والتنوير لابن عاشور (27/37).
(2) الأقوال (1، 2، 3، 4) ذكرها النيسابوري في إيجاز البيان (2/213).
(3) الأقوال (5، 6) ذكرهما أبوحيان في البحر المحيط (9/566).
(4) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/239)
(5) جواهر الحسان للثعالبي (4/214).
(6) أضواء البيان للشنقيطي (7/683).
(7) بدائع التفسير لابن القيم (4/252).
(8) فتح القدير للشوكاني (5/94).
(9) محاسن التأويل للقاسمي (15/5541).(1/209)
المخالفون:
وينقسم المخالفون إلى أكثر من فئة:
أ- الذين رجّحوا قولاً واحداً فقط من مجمل الأقوال الواردة، ومنهم:
1- الواحدي: "... دواوين الحفظة التي أثبتت فيها أعمال بني آدم "(1).
2- القرطبي: "... صحائف الأعمال "(2).
3- ابن عاشور: " والمراد بـ ((كتاب مسطور، في رق منشور)) التوراة "(3).
ب- الفئة الأخرى، وهم الغالبية العظمى من المفسرين الذين لم يرجحوا قولاً واحداً، وإنما ذكروا الأقوال كلها أو بعضها عند تفسير الآية على اعتبار عموم اللفظ لكل ما يذكروه من المعاني، منهم:
1- الماوردي(4). ... ... ... 2- البغوي (5).
3- النسفي(6). ... ... ... 4- الزمخشري(7).
5- النيسابوري: " ((وكتاب مسطور)) القرآن، أو التوراة بسبب الطور، أو اللوح، أو صحيفة الأعمال "(8).
6- ابن الجوزي(9). ... ... ... ... 7- الفخر الرازي(10).
8- الخازن(11). ... ... ... ... ... 9- ابن جزي(12).
10- أبوحيان: " والكتاب المسطور: القرآن، أو المنتسخ من اللوح المحفوظ، أو التوراة، أو هي الإنجيل والزبور، أو الكتاب الذي فيه أعمال الخلق، أو الصحف التي تعطى يوم القيامة بالأيمان والشمائل "(13).
11- ابن كثير: " ((وكتاب مسطور)) قيل هو اللوح المحفوظ، وقيل الكتب المنزلة المكتوبة التي تقرأ على الناس جهاراً، ولذا قال ((في رق منشور)) "(14).
__________
(1) الوجيز للواحدي (2/1533).
(2) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (17/59).
(3) التحرير والتنوير لابن عاشور (27/37).
(4) النكت والعيون للماوردي (5/377).
(5) مختصر البغوي (2/892).
(6) مدارك التنزيل للنسفي (4/144).
(7) الكشاف للزمخشري (4/398).
(8) إيجاز البيان للنيسابوري (2/213).
(9) زاد المسير لابن الجوزي (7/216).
(10) التفسير الكبير للفخر الرازي (10/199).
(11) لباب التأويل للخازن (6/206).
(12) التسهيل لابن جزي (4/128).
(13) البحر المحيط لأبي حيان (9/566).
(14) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/239).(1/210)
12- المحلي(1). ... ... ... 13- الثعالبي(2).
14- الألوسي(3). ... ... ... 15- القنوجي(4).
16- السعدي: " ((وكتاب مسطور)) يحتمل أن المراد به اللوح المحفوظ، الذي كتب الله به كل شيء. ويحتمل أن المراد به القرآن الكريم، الذي هو أفضل كتاب، أنزله الله - عز وجل - محتوياً على نبأ الأولين والآخرين، وعلوم السابقين واللاحقين "(5).
17- سيد قطب(6).
... ذكرتُ كلام من ذكرت اختصاراً وبُعداً عن التكرار ولوضوح عباراتهم.
تعقيب الباحث:
... قبل أن أرجح في هذا الموضع أحب أن أعرض لك -عزيزي القارئ- ما ذكره بعض المفسرين من أدلة على بعض الأقوال:
1- من أيدوا أن الكتاب المسطور يراد به القرآن الكريم استدلوا بعدة أمور:
أ - أن الله - عز وجل - قد أقسم في عدد من الآيات بهذا القرآن الكريم، " كقوله تعالى:
{ حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) } [الزخرف: 1-2، الدخان: 1-2]، وقوله تعالى: { يس (1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2) } [سورة يس: 1-2] "(7).
__________
(1) تفسير الجلالين ص(442).
(2) جواهر الحسان للثعالبي (4/214).
(3) روح المعاني للآلوسي (27/27).
(4) فتح البيان للقنوجي (13/218).
(5) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(813).
(6) في ظلال القرآن لسيد قطب (6/3393).
(7) أضواء البيان للشنقيطي (7/683).(1/211)
ب- يقول ابن القيم -في معرض ترجيحه أن المراد بالكتاب المسطور القرآن الكريم-: "... وقيل هو القرآن الكريم؛ ولعل هذا أرجح الأقوال؛ لأنه سبحانه وصف القرآن بأنه: { فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16) } [سورة عبس: 13-16] فالصحف هي الرق، وكونه بأيدي سفرة هو كونه منشوراً، وعلى هذا فيكون قد أقسم بسيد الجبال وسيد الكتب. ويكون ذلك متضمناً للنبوتين المعظمتين؛ نبوة موسى ونبوة محمد عليهما الصلاة والسلام، ثم أقسم بسيد البيوت وهو البيت المعمور "(1).
جـ- لقد ورد في الآيات الطور والبيت المعمور معرفان بأل، وأما ((كتاب مسطور)) جاء نكرة، وقد استدل المفسرون بهذا التنكير على أن المراد به القرآن الكريم، فإنه قد " نكر لأنه كتاب مخصوص من بين سائر الكتب "(2)،
__________
(1) بدائع التفسير لابن القيم (4/252).
(2) مدارك التنزيل للنسفي (4/144)، الكشاف للزمخشري (4/398)، فتح البيان للقنوجي
(
13/218).(1/212)
ويقول الفخر الرازي: " ما الحكمة في تنكير الكتاب وتعريف باقي الأشياء؟ نقول ما يحتمل الخفاء من الأمور الملتبسة بأمثالها من الأجناس يعرف باللام، فيقال رأيت الأمير ودخلت على الوزير، فإذا بلغ الأمير الشهرة بحيث يؤمن الالتباس مع شهرته، ويريد الواصف وصفه بالعظمة، يقول اليوم رأيت أميراً ماله نظير جالساً وعليه سيما الملوك وأنت تريد ذلك الأمير المعلوم، والسبب فيه أنك بالتنكير تشير إلى أنه خرج عن أن يعلم ويعرف بكنه عظمته. وهنا الطور ليس في الشهرة بحيث يؤمن اللبس عند التنكير، وكذلك البيت المعمور، وأما الكتاب الكريم فقد تميز عن سائر الكتب، بحيث لا يسبق إلى أفهام السامعين من النبي - صلى الله عليه وسلم - لفظ الكتاب إلا ذلك، فلما أمن اللبس وحصلت فائدة التعريف سواء ذكر باللام أو لم يذكر قصداً للفائدة الأخرى وهي في الذكر بالتنكير، وفي تلك الأشياء لما لم تحصل فائدة التعريف إلا بآلة التعريف استعملها "(1)، " ففي التنكير كمال التعريف والتنبيه على أن ذلك الكتاب لا يخفى نكّر أو عرّف "(2).
2- الذين أيّدوا أن الكتاب المسطور ربما يصح أن يراد به التوراة؛ استدلوا بذكر الطور قبله، " التوراة بسبب الطور "(3)، " والكتاب المسطور في رق منشور، الأقرب أن يكون هو كتاب موسى - عليه السلام - الذي كتب له في الألواح، للمناسبة بينه وبين الطور "(4)،" والقسم بالطور توطئة للقسم بالتوراة التي أنزل أولها على موسى - عليه السلام - في جبل الطور "(5).
__________
(1) التفسير الكبير للفخر الرازي (10/199).
(2) روح المعاني للألوسي (27/27).
(3) إيجاز البيان للنيسابوري (2/213).
(4) في ظلال القرآن لسيد قطب (6/3393).
(5) التحرير والتنوير لابن عاشور (27/37).(1/213)
3- وأما أنه قد يراد بالكتاب المسطور: اللوح المحفوظ فيؤيده ما بعده "... وقيل: هو اللوح المحفوظ تمشياً مع ما بعده: البيت المعمور، والسقف المرفوع "(1).
4- أما احتمال أن يراد به " صحائف الأعمال؛ فمن آخذ كتابه بيمينه ومن آخذ كتابه بشماله، فنظيره قوله تعالى: { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا } [سورة الإسراء: 13]، وقوله تعالى: { وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) } [سورة التكوير: 10] "(2).
5- أبوحيان رجّح أن اللفظ يجب أن يحمل على العموم، فإنه -بعد أن استعرض الأقوال المحتملة في المراد بالكتاب المسطور- قال: " ولا ينبغي أن يحمل شيء منها على التعيين، وإنما تورد على الاحتمال "(3).
... والذي يظهر لي -والله أعلم- تأييد ما قاله الإمام أبوحيان. والله أعلم بالصواب.
- - -
معنى قوله تعالى { عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ }
88- قوله تعالى: { وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (47) } [سورة الطور: 47].
مجمل الأقوال الواردة:
1- أنه عذاب القتل يوم بدر.
2- أنه عذاب القبر.
3- مصائبهم في الدنيا.
4- عذاب الجوع(4).
ترجيح الشنقيطي:
__________
(1) في ظلال القرآن لسيد قطب (6/3393).
(2) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (17/59) حكاه عن الفراء.
(3) البحر المحيط لأبي حيان (9/566)..
(4) الأقوال الأربعة ذكرها ابن الجوزي مجتمعة في زاد المسير (7/224).(1/214)
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " الظاهر أن قوله ((عذاباً دون ذلك)) هو ما عذبوا به في دار الدنيا من القتل وغيره، لما دل على ذلك قوله { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ } [سورة السجدة: 21]، وقوله تعالى: { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ } [سورة التوبة: 14] إلى غير ذلك من الآيات. ولا مانع من دخول عذاب القبر في ذلك، لأنه قد يدخل في ظاهر الآية، وما قيل في معنى الآية غير هذا لا يتجه عندي. والعلم عند الله تعالى "(1).
... إذاً الشيخ الشنقيطي يرى أن ((عذاباً دون ذلك)) يصح أن يراد به ما عذب به الكفار من القتل ببدر ونحوه، أو ما يرقوه من عذاب القبر.
الموافقون:
... إلى مثل ما ذهب إليه الشنقيطي ذهب كل من:
1- ابن القيم: " ((وإن للذين ظلموا عذاباً بدون ذلك)) وهذا يحتمل أن يراد به عذابهم بالقتل وغيره في الدنيا، وأن يراد به عذابهم في البرزخ؛ وهو أظهر؛ لأن كثيراً منهم مات ولم يعذب في الدنيا. وقد يقال -وهو أظهر- أن من مات منهم عذب في البرزخ، ومن بقي منهم عذب في الدنيا بالقتل وغيره، فهو وعيد بعذابهم في الدنيا وفي البرزخ "(2).
2- السعدي: " لما ذكر الله - عز وجل - عذاب الظالمين في القيامة، أخبر أن لهم عذاباً دون عذاب يوم القيامة، وذلك شامل لعذاب الدنيا، بالقتل والسبي والإخراج من الديار، ولعذاب البرزخ والقبر "(3).
المخالفون:
... المخالفون هنا على فئات:
أ- الذين حملوا الآية على إرادة المعاني الأربعة المذكورة في مجمل الأقوال " القتل ببدر ونحوه،عذاب القبر، المصائب في الدنيا، القحط "، منهم:
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/695).
(2) بدائع التفسير لابن القيم (4/269).
(3) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(818).(1/215)
1- ابن الجوزي(1). ... ... 2- القرطبي(2). ... ... 3- أبوحيان(3).
4- الثعالبي (4). ... ... 5- الشوكاني(5). ... ... 6- القنوجي(6).
ب- الذين حملوا الآية على إرادة ثلاثة من المعاني المذكورة في مجمل الأقوال، وهؤلاء نوعان:
النوع الأول: الذين حملوا على أن المراد بالعذاب: " القتل ببدر ونحوه وعذاب القبر، والقحط "، وهم:
1- البغوي(7). ... ... 2- النسفي(8). ... ... 3- الزمخشري(9).
4- الخازن(10). ... ... 5- ابن جزي(11). ... ... 6- البيضاوي(12).
7- البقاعي(13).
النوع الثاني: الذين حملوا على أن المراد بالعذاب: " عذاب القبر، والمصائب في الدنيا، والقحط "، وهم:
1- الطبري(14). ... ... 2- الماوردي(15). ... ... 3- القاسمي(16).
جـ- الذين حملوا الآية على إرادة معنيين من المعاني المذكورة في مجمل الأقوال " القتل ببدر ونحوه والقحط " -يعني غير ما رجحهما الشنقيطي- وهم:
1- المحلي(17). ... ... ... 2- ابن عاشور(18).
د- الذين حملوا الآية على إرادة معنى واحد فقط، وهم:
1- الواحدي: "... وهو الجوع والقحط سبع سنين "(19).
__________
(1) زاد المسير لابن الجوزي (7/224).
(2) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (17/78).
(3) البحر المحيط لأبي حيان (9/577).
(4) جواهر الحسان للثعالبي (4/221).
(5) فتح القدير للشوكاني (5/102).
(6) فتح البيان للقنوجي (13/237).
(7) مختصر البغوي (2/896).
(8) مدارك التنزيل للنسفي (4/147).
(9) الكشاف للزمخشري (4/404).
(10) لباب التأويل للخازن (6/211).
(11) التسهيل لابن جزي (4/134).
(12) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/234).
(13) نظم الدرر للبقاعي (19/36).
(14) جامع البيان للطبري (27/22).
(15) النكت والعيون للماوردي (5/386).
(16) محاسن التاويل للقاسمي (15/5549).
(17) تفسير الجلالين ص(444).
(18) التحرير والتنوير لابن عاشور (27/82).
(19) الوجيز للواحدي (2/1037).(1/216)
2- ابن كثير: " أي نعذبهم نبتليهم بالمصائب "(1).
تعقيب الباحث:
... الظاهر -والله أعلم- أن الراجح هنا حمل الآية على جميع المعاني المذكورة، يدل لذلك أمور:
1- أن ذكر جميع المعاني أو معظمها هو ما سار عليه الغالبية العظمى من المفسرين، وهذا أشبه أن يكون إجماعاً منهم على صحة حمل الآية على جميع المعاني الواردة.
2- التصريح من بعض المفسرين بصحة حمل الآية على الجميع، يقول الطبري: " ولم يخصص الله - عز وجل - نوعاً من ذلك أنه لهم دون يوم القيامة دون نوع بل عمّ، فقال ((وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك)) فكل ذلك لهم عذاب، وذلك لهم دون يوم القيامة "(2)، والثعالبي يقول: "... يحتمل أن يكون المراد الجميع "(3)، ويقول القاسمي " اللفظ صادق بالجميع "(4).
... وعوداً على بدء فلا مانع من أن يراد بالعذاب الذي دون يوم القيامة أي نوع من الأنواع المذكورة؛ فكلها أنواع عذاب تقع على الكفرة. والله أعلم بالصواب.
- - -
المراد بالنجم في قوله تعالى { وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى }
89- قوله تعالى: { وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) } [سورة النجم: 1-4].
مجمل الأقوال الواردة:
... اختلف في تعيين المراد بالنجم في قوله تعالى ((والنجم إذا هوى)) على أقوال:
1- أن المراد بها نجوم القرآن الكريم، لأنه كان ينزل نجوماً، أي مفرقاً.
2- أن المراد به جنس النجوم.
3- أن يراد به نوعاً معيناً من النجوم وهو الثريا(5).
4- أن يراد به نوعاً معيناً من النجوم وهو الزهرة(6).
__________
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/245).
(2) جامع البيان للطبري (27/22).
(3) جواهر الحسان للثعالبي (4/221).
(4) محاسن التأويل للقاسمي (15/5549).
(5) الأقوال (1، 2، 3) ذكرها ابن جزي في التسهيل (4/135).
(6) ذكره ابن كثير في تفسير القرآن العظيم (4/246).(1/217)
5- أن يراد به نوعاً معيناً من النجوم وهو الشعرى(1).
6- أن يراد به نوعاً معيناً من النجوم وهو الشهب التي ترمي على الشياطين مسترقي السمع(2).
7- أن المراد بالنجم: النبات الذي لا ساق له.
8- أن النجم: محمد - صلى الله عليه وسلم - (3).
9- أن المراد: الصحابة رضوان الله عليهم(4).
10- أن المراد: العلماء(5).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " أظهر الأقوال عندي وأقربها للصواب في نظري، أن المراد بالنجم إذا هوى هنا في هذه السورة، وبمواقع النجوم في الواقعة(6)، هو نجوم القرآن الكريم الذي نزل بها الملك نجماً فنجماً، وذلك لأمرين:
__________
(1) ذكره سيد قطب في ظلال القرآن الكريم (6/3406).
(2) ذكره ابن القيم في بدائع التفسير (4/274).
(3) القولان (7، 8) ذكرهما الشوكاني في فتح القدير (5/105).
(4) ذكره أبوحيان في البحر المحيط (10/9).
(5) ذكره الألوسي في روح المعاني (27/44).
(6) هو قوله تعالى: { * فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) } [سورة الواقعة: 75].(1/218)
أحدهما: أن هذا الذي أقسم الله - عز وجل - عليه بالنجم إذا هوى، الذي هو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - على حق وأنه ما ضل وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، موافق في المعنى لما أقسم عليه بمواقع النجوم، وهو قوله تعالى: { إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) } [سورة الواقعة: 77-80] والإقسام بالقرآن على صحة رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى صدق القرآن العظيم وأنه منزل من الله - عز وجل - ؛ جاء موضحاً في آيات من كتاب الله - عز وجل - ، كقوله تعالى: { يس (1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) } [سورة يس: 1-5]، وقوله تعالى: { حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) } [سورة الزخرف: 1-4]، وخير ما يفسر به القرآن القرآن.
والثاني: أن كون المقسم به المعبر عنه بالنجوم، هو القرآن العظيم أنسب، لقوله بعده { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) } [سورة الواقعة: 76]، لأن هذا التعظيم من الله - عز وجل - يدل على أن هذا المقسم به في غاية العظمة.
ولاشك أن القرآن الكريم الذي هو كلام الله - عز وجل - أنسب لذلك من نجوم السماء ونجم الأرض. والعلم عند الله تعالى "(1).
الشيخ الشنقيطي يرجح إذاً أن المراد بالنجم في قوله تعالى ((والنجم إذا هوى)): نجم القرآن، يعني الجملة النازلة من القرآن الكريم، فإنه نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنجماً منجماً في ثلاثة وعشرين عاماً.
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/701).(1/219)
ولم أجد في هذا الموضع من ذهب إلى مثل ما ذهب إليه الشنقيطي، وعليه فلا يوجد هنا موافقون.
المخالفون:
وهم أكثرية من المفسرين فسروا الآية بخلاف ما فسره الشنقيطي، ويمكن تقسيمهم إلى فئات:
أ- من حملوا لفظ النجم على واحد فقط من المعاني الواردة، منهم:
1- الطبري: " والصواب من القول في ذلك عندي: أنه عنى بالنجم في هذا الموضع الثريا، وذلك أن العرب تدعوها النجم "(1).
2- المحلي(2): [مثل الطبري].
3- الشوكاني: " قوله تعالى ((والنجم إذا هوى)) التعريف للجنس، والمراد به جنس النجوم، وبه قال جماعة من المفسرين. [ثم ذكر أقوالاً أخرى وقال بعدها:] والأول أولى "(3).
4-5-6-7 القنوجي(4)، القاسمي(5)، السعدي(6)، وابن عاشور(7): [مثل الشوكاني].
8- سيد قطب: " وأقرب ما يرد على الذهن أنها إشارة إلى الشعرى، التي كان بعضهم يعبدها، والتي ورد ذكرها في السورة فيما بعد قوله: { وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49) } [سورة النجم: 49] "(8).
ب- الذين حملوا لفظ النجم على اثنين أو أكثر من المعاني الواردة على اعتبار أن كل ما أوردوه يصح اعتباره تفسيراً للفظ النجم في الآية، وسأذكر كلام بعضهم وأحيل إلى البقية اختصاراً؛ فمنهم:
1- الواحدي: " ((والنجم إذا هوى)) أي والثريا إذا سقطت، وقيل: القرآن إذا نزل متفرقاً نجوماً "(9).
2- النسفي: " ((والنجم)) أقسم بالثريا أو بجنس النجوم ((إذا هوى)) إذا غرب أو انتثر يوم القيامة "(10).
__________
(1) جامع البيان للطبري (27/24).
(2) تفسير الجلالين ص(444).
(3) فتح القدير للشوكاني (5/105).
(4) فتح البيان للقنوجي (13/243).
(5) محاسن التأويل للقاسمي (15/5554).
(6) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(818).
(7) التحرير والتنوير لابن عاشور (27/89).
(8) في ظلال القرآن لسيد قطب (6/3406).
(9) الوجيز للواحدي (2/1038).
(10) مدارك التنزيل للنسفي (4/147).(1/220)
3- ابن الجوزي: "... وفي المراد بالنجم خمسة أقوال:
أحدها: أنه الثريا.
الثاني: الرجوم من النجوم، يعني ما يرمى به الشياطين.
الثالث: أنه القرآن نزل نجوماً متفرقة.
الرابع: نحوم السماء كلها.
الخامس: أنها الزُّهرة.
فعلى قول من قال: النجم الثريا؛ يكون (هوى) بمعنى: غاب. ومن قال: هو الرجوم؛ يكون هويها في رمي الشياطين. ومن قال: القرآن يكون معنى (هوى): نزل. ومن قال: نجوم السماء كلها: ففيه قولان:
أحدهما: أنّ هُويها أن تغيب. ... ... والثاني: أن تنتثر يوم القيامة "(1).
4- ابن جزي: " ((والنجم إذا هوى)) فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها الثريا؛ لأنها غلب عليها التسمية بالنجم، ومعنى هوى غرب وانتثر يوم القيامة.
الثاني: أنه جنس النجوم، ومعنى هوى كما ذكرنا؛ أو انقضّت ترجم الشياطين.
الثالث: أنه من نجوم القرآن وهي الجملة التي تنزل، و (هوى) على هذا معناه نزل "(2).
5- البيضاوي: " ((والنجم إذا هوى)) أقسم بجنس النجوم، أو الثريا فإنه غلب لها. إذا غرب أو انتثر يوم القيامة أو انقضّ أو طلع، فإنه يقال هوى هَوياً بالفتح إذا سقط وغرب، وهُويا بالضم إذا علا وصعد. أو بالنجم من نجوم القرآن إذا نزل. أو النبات إذا سقط على الأرض، أو إذا نما وارتفع "(3).
__________
(1) زاد المسير لابن جزي (7/227).
(2) التسهيل لابن جزي (4/135).
(3) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/235).(1/221)
6- البقاعي: "... أقسم أول هذه السورة بالنجم، وعبّر بعبارة تفهم عروجه وصعوده، لأنه لا يغيب في الأفق الغربي واحد من السيارة إلا وطلع من الأفق الشرقي في نظير له منها لما يكون عند ذلك من تلك العبارة العالية، والأذكار الزاكية، مع ما فيه من عجيب الصنع الدال على وجدانية مبدعه من زينة السماء التي فهيا ما توعدون والحراسة من المردة حفظاً لنجوم الكتاب والاهتداء به في الدين والدنيا، وغير ذلك من الحكم التي يعرفها الحكماء، فقال تعالى: ((والنجم)) أي هذا الجنس من نجوم السماء، أو القرآن لنزوله منجماً مفرقا -وهم يسمّون التفريق تنجيماً- أو النبات. ((إذا هوى)) أي نزل للأفول أو لرجم الشياطين عند الاستراق، إن كان المراد السمائي، فكانت عنده العبادة والاستغفار والدعاء للملك الجبار بالأسحار، أو صعد فكان به اهتداء المصلى والقارئ والساري، فإنه يقال هوى هَويا -بالفتح- إذا سقط، و-بالضم- إذا علا وصعد. أو نزل به الملك للإسعاد(1) وللإبعاد إن كان المراد القرآني لما يحصل من البركات في الدين والدنيا والشرح للصدور، والاطلاع على عجائب المقدور. أو إذا سقط منبسطا على الأرض أو ارتفع عنها إن كان المراد النبات، لما فيه من غريب الصنعة وجليل التقدير الدال على عام القدرة وكمال العلم والتوحد بالملك والغنى المطلق "(2). ...
__________
(1) في الأصل قال (للإصعاد) بالصاد، ويظهر لي أنه خطأ مطبعي، والصحيح ما أثبته بالسين. والله أعلم.
(2) نظم الدرر للبقاعي (19/41).(1/222)
... ونحواً من أقوال من ذكرت جاءت أقوال غيرهم ومنهم: الماوردي(1)، والبغوي(2)، والزمخشري(3)، والنيسابوري(4)، والقرطبي(5)، والخازن (6)، وابن القيم(7)، وأبوحيان (8)، وابن كثير (9)، والثعالبي(10)، والألوسي(11).
تعقيب الباحث:
... الذي يظهر -والله أعلم- صحة حمل لفظ النجم في قوله تعالى ((والنجم إذا هوى)) على أن يراد به الجملة النازلة من القرآن الكريم أو جنس النجوم عموماً مع احتمال إرادة أفراد النجوم المذكورة في الأقوال (3، 4، 5، 6)، وهاك أدلة على ذلك:
1- يقول الشيخ الشنقيطي في استدلاله على أن لفظ النجم يراد به الجملة النازلة من القرآن الكريم: "... يدل على ذلك أمران:
أحدهما: أن هذا الذي أقسم الله - عز وجل - عليه بالنجم إذا هوى؛ الذي هو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - على حق وأنه ما ضل وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، موافق في المعنى لما أقسم عليه بمواقع النجوم، وهو قوله تعالى: { إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) } [سورة الواقعة: 77-80].
__________
(1) النكت والعيون للماوردي (5/389).
(2) مختصر البغوي (2/897).
(3) الكشاف للزمخشري (4/407)
(4) إيجاز البيان للنيسابوري (2/215).
(5) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (17/82).
(6) لباب التأويل للخازن (6/212).
(7) بدائع التفسير لابن القيم (4/273).
(8) البحر المحيط لأبي حيان (10/9).
(9) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/246).
(10) جواهر الحسان للثعالبي (4/222).
(11) روح المعاني للألوسي (27/44).(1/223)
والإقسام بالقرآن الكريم على صحة رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى صدق القرآن العظيم وأنه منزل من الله - عز وجل - ، جاء موضحاً في آيات من كتاب الله - عز وجل - ، كقوله تعالى { يس (1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) } [سورة يس: 1-5]، وقوله تعالى: { حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) } [سورة الزخرف: 1-4]، وخير ما يفسر به القرآن القرآن.
والثاني: أن كون المقسم به المعبر عنه بالنجوم هو القرآن العظيم أنسب لقوله بعده { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) } [سورة الواقعة: 76]. لأن هذا التعظيم من الله - عز وجل - يدل على أن هذا المقسم به في غاية العظمة.
ولا شك أن القرآن الذي هو كلام الله - عز وجل - أنسب لذلك من نجوم السماء ونحوم الأرض, والعلم عند الله تعالى "(1).
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/71).(1/224)
2- الإمام ابن القيم رغم أنه رجح أن المراد بها النجوم التي تُرمى بها الشياطين إذا سقطت في آثارها عند استراق السمع، إلا أنه ربط بين إرادة هذا المعنى وإرادة معنى نجوم القرآن الكريم؛ أي الجملة النازلة منه، فبعد أن ذكر أن النجم يراد به النجوم التي ترمى بها الشياطين إذا سقطت في آثارها عند استراق السمع، قال: " وهو أظهر الأقوال، ويكون سبحانه قد أقسم بهذه الآية الظاهرة المشاهدة التي نصبها الله سبحانه آية وحفظاً للوحي من استراق الشياطين له على أن ما أتى به رسوله حق وصدق، لا سبيل للشيطان ولا طريق له إليه، بل قد أحرس بالنجم إذا هوى رصداً بين يدي الوحي وحرساً له، وعلى هذا فالارتباط بين المقسم به والمقسم عليه في غاية الظهور، وفي المقسم به دليل على المقسم عليه. وبين المقسم به والمقسم عليه من التناسب ما لا يخفى، فإن النجوم التي ترمى بها الشياطين آيات من آيات الله - عز وجل - ، يحفظ بها دينه ووحيه وآياته المنزلة على رسوله، بها ظهر دينه وشرعه وأسماؤه وصفاته، وجعلت هذه النجوم المشاهدة خدماً وحرساً لهذه النجوم الهاوية "(1).
3- في حين أن الإمام البقاعي زاد على إرادة نجوم السماء وبالذات الشهب لحفظها لنجوم القرآن الكريم النازلة، نجوم الأرض وهو النبات؛ لما فيه من الدلالة على عجيب صنع الله - عز وجل - . وقد ذكرت كلام البقاعي قبل قليل تحت فقرة (المخالفون).
4- ومما يدل على إرادة أنواع معينة من النجوم أيضاً، ما ورد في هذه السورة نفسها، وهو قوله تعالى: { وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49) } [سورة النجم: 49].
__________
(1) بدائع التفسير لابن القيم (4/275).(1/225)
5- ومن أدلة إرادة عموم النجوم، قوله تعالى: { وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) } [سورة النحل: 16]، وقوله تعالى: { وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) } [سورة التكوير: 2]، وقوله تعالى: { وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) } [سورة الانفطار: 2]. ونحوها.
6- أما ما عدا ذلك من الأقوال فليس له من الأدلة ما يرجحه ويقوّيه. والله أعلم بالصواب.
- - -
معنى { مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى }
90- قوله تعالى: { وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) } [سورة النجم: 45-46].
مجمل الأقوال الواردة:
1- ((من نطفة إذا تمنى)) أي تصب في الرحم، يقال: مَنَى الرجل وأَمْنَى.
2- ((من نطفة إذا تمنى)) أي تقدَّر، يقال: منيت الشيء إذا قدرته(1).
ترجيح الشنقيطي:
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه خلق الزوجين أي النوعين الذكر والأنثى من نطفة، وهي نطفة المني إذا تمنى؛ أي تصب وتراق في الرحم، على أصح القولين.
ويدل عليه قوله تعالى: { أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) } [سورة الواقعة: 58-59]، وقوله تعالى: { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) } [سورة القيامة: 37]، والعرب تقول: أمنى الرجل ومنى إذا أراق المني وصبّه(2).
وقال بعض العلماء: من نطفة إذا تمنى أي تقدّر، بأن يكون الله - عز وجل - قدر أن ينشأ منها حمل، من قول العرب، منى الماني إذا قدر(3) "(4).
الشيخ الشنقيطي يرى أن معنى ((من نطفة إذا تمنى)): أي تصب وتراق في الرحم.
__________
(1) القولان ذكرهما البغوي، مختصر البغوي (2/901).
(2) انظر: القاموس المحيط للفيروز آبادي ص(1721). باب الواو والياء، فصل الميم.
(3) المرجع السابق، نفس الصفحة.
(4) أضواء البيان للشنقيطي (7/711).(1/226)
الموافقون:
ذهب إلى مثل ما ذهب إليه الشنقيطي عدد قليل من المفسرين، منهم:
1- الطبري: " وقوله ((من نطفة إذا تمنى)).. يقول تعالى ذكره خلق ذلك من نطفة إذا أمناه الرجل والمرأة "(1).
2- الواحدي: " ((إذا تمنى)) أي تصبّ في الرحم "(2).
3- النسفي: " ((إذا تمنى)) إذا تدفق في الرحم، يقال منَىَ وأَمْنَى "(3).
4- المحلي: " ((إذا تمنى)) يصب في الرحم "(4).
5- البقاعي: " ((وأنه خلق الزوجين)) ثم فسرها بقوله " الذكر والأنثى " فإنه لو كان ذلك في غيره لمنع البنات لأنها مكروهة لكل أحد، ثم ذكر ما يظهر ولابد أنه من صنعة فتسبب أن مادة الاثنين واحدة وهو الماء الذي هو أشد الأشياء امتزاجاً، فقال ((من نطفة)) وصور كونها منها بقوله ((إذا تمنى)) أي تراق وتدفق بالفعل لا قبل ذلك ليمكن فيه طعن بأنه كان بدؤا أو غيره بل أنتم تعلمون أنه لا يخلق الولد إلا بعد الإمناء بالفعل "(5).
... وبنحو هذا قد قال كل من: ابن جزي(6)، وابن كثير(7)، والقاسمي(8)، وسيد قطب(9)، وابن عاشور(10).
المخالفون:
... لم يجزم أحد من المفسرين بترجيح القول الآخر؛ المخالف لما رجحه الشنقيطي، وإنما -غير الموافقين- قد ذكروا القولين كليهما عند بيانهم لمعنى الآية على اعتبار صحة حمل الآية على كلا المعنيين، منهم:
1- الماوردي: " ((من نطفة إذا تمنى)) وجهان:
أحدهما: إذا تخلق وتقدر. ... ... الثاني: إذا نزلت في الرحم "(11).
__________
(1) جامع البيان للطبري (27/44).
(2) الوجيز للواحدي (2/1043).
(3) مدارك التنزيل للنسفي (4/151).
(4) تفسير الجلالين ص(446).
(5) نظم الدرر للبقاعي (19/75).
(6) التسهيل لابن جزي (4/141).
(7) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/259).
(8) محاسن التأويل للقاسمي (15/5587).
(9) في ظلال القرآن لسيد قطب (6/3417).
(10) التحرير والتنوير لابن عاشور (27/145).
(11) النكت والعيون للماوردي (5/405).(1/227)
2- البغوي(1). ... ... ... ... 3- الزمخشري(2).
4- النيسابوري: " ((إذا تمنى)) تُسال وتُصب، أو تخلق وتقدّر "(3).
5- ابن الحوزي(4). ... ... ... 6- الفخر الرازي (5).
7- القرطبي(6). ... ... ... 8- الخازن(7).
9- أبوحيان(8). ... ... ... 10- البيضاوي(9).
11- الشوكاني(10). ... ... ... 12- الألوسي(11).
13- القنوجي(12).
... واختصرت في ذكر أقوال المفسرين بُعداً عن التكرار، ولأن كلامهم لا يخرج عن أقوال المذكورين.
تعقيب الباحث:
... يظهر -والله أعلم- أن الراجح تفسير لفظ ((إذا تمنى)) أي تُصب وتُراق في الرحم، يدل لذلك:
1- دلالة آيات أخرى على معنى الصب والإراقة، كقوله تعالى { أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) } [سورة الواقعة: 58-59]، وقوله تعالى: { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) } [سورة القيامة: 37]، فيحمل اللفظ في محل النزاع على ما حمل ما يشبهه من الآيات، وهذا من باب تفسير القرآن بالقرآن، الذي هو أحسن وأقوى أنواع التفسير(13).
2- اتفاق عدد كبير من المفسرين عليه قديماً وحديثاً، وهذا يشبه أن يكون إجماعاً منهم عليه.
3- كون القول الآخر لم يجزم بترجيحه أحد من المفسرين.
__________
(1) مختصر البغوي (2/901).
(2) الكشاف للزمخشري (4/417).
(3) إيجاز البيان للنيسابوري (2/218).
(4) زاد المسير لابن الجوزي (7/239).
(5) التفسير الكبير للفخر الرازي (10/281).
(6) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 017/118).
(7) لباب التأويل للخازن (6/224).
(8) البحر المحيط لأبي حيان (10/25).
(9) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/237).
(10) فتح القدير للشوكاني (5/116).
(11) روح المعاني للألوسي (27/68).
(12) فتح البيان للقنوجي (13/275).
(13) شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص(127)، قواعد التفسير لخالد السبت (1/109).(1/228)
4- أن القول الآخر وهو أن ((تمنى)) يعني: تقدّر؛ وإن كان صحيحاً من ناحية اللغة إلا أن تفسير ((إذا تمنى)) أي تصب وتراق أولى لما سبق بيانه قريباً من تفسير القرآن بالقرآن.
5- فائدة جليلة: اتفق على ذكرها عدد من المفسرين بعبارات متنوعة:
الفخر الرازي: " وقوله ((من نطفة)) تنبيه على كمال القدرة لأن النطفة جسم متناسب الأجزاء،ويخلق الله تعالى منه أعضاء مختلفة وطباعاً متباينة، وخلق الذكر والأنثى منها أعجب ما يكون، ولهذا لم يقدر أحد أن يدعيه كما لم يقدر أحد على أن يدعي خلق السماوات، ولهذا قال تعالى: { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } [سورة الزخرف: 87]، كما قال { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } [سورة الزمر: 38] "(1).
الخازن: "... وفي هذا تنبيه على كمال قدرته لأن النطفة شيء واحد خلق الله - عز وجل - منها أعضاء مختلفة وطباعاً متباينة، وخلق منها الذكر والأنثى، وهذا من عجيب صنعته وكمال قدرته، ولهذا لم يؤكده بأن يقول: وأنه هو خلق؛ لأنه لم يدّع أحد إيجاد نفسه ولا خلقها ولا خلق غيره، كما لم يقدر أحد أن يدعي خلق السماوات والأرض "(2).
البقاعي: "... ولما كان ذكر الإحياء، وكان تصنيف الولد إلى نوعيه ظاهراً في اختصاصه، بل هو في غاية التعذر على من سواه، أعراه عن مثل التأكيد في الذي قبله "(3).
الألوسي: "... ولم يذكر الضمير على طرز ما تقدم لأنه لا يتوهم نسبة خلق الزوجين إلى غيره - عز وجل - "(4). والله أعلم بالصواب.
- - -
معنى قوله تعالى { عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ }
__________
(1) التفسير الكبير للفخر الرازي (10/281).
(2) لباب التأويل للخازن (6/224).
(3) نظم الدرر للبقاعي (19/75).
(4) روح المعاني للألوسي (27/68).(1/229)
91- قوله تعالى: { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) } [سورة القمر: 10-12].
مجمل الأقوال الواردة:
... اختلف المفسرون في بيان المراد من قوله تعالى ((على أمر قد قدر)) على قولين:
1- (قُدِر) بمعنى قضي عليهم، وقدِّ لهم إن كفروا أن يغرقوا.
2- فالتقى ماء السماء وماء الأرض على مقدار لم يزد أحدهما على الآخر(1).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن نبيه نوحاً دعاه قائلاً: إن قومه غلبوه سائلاً ربه أن ينتصر له منهم، فأهلكهم بالغرق، لأنه تعالى فتح أبواب السماء بماء منهمر أي متدفق منصبّ بكثرة. وأنه تعالى فجّر الأرض عيوناً، والتفجير: إخراج الماء منها بكثرة، و (أل) في قوله (التقى الماء) للجنس، ومعناه: التقى ماء السماء وماء الأرض على أمر قد قدر، أي قدره الله - عز وجل - وقضاه.
وقيل: إن معناه أن الماء النازل من السماء والمتفجر من الأرض جعلهما الله - عز وجل - بمقدار ليس أحدهما أكثر من الآخر. والأول أظهر "(2).
فالشيخ الشنقيطي إذاً رجح أن معنى ((على أمر قد قدر)) يعني قد قدّره الله - عز وجل - وقضاه، وهو إهلاك المكذبين من قوم نوح - عليه السلام - .
الموافقون:
1- الطبري: " ((فالتقى الماء على أمر قد قدر)) يقول تعالى ذكره فالتقى ماء السماء وماء الأرض على أمر قد قدره الله - عز وجل - وقضاه "(3).
2- ابن كثير: " ((فالتقى الماء)) أي من السماء والأرض ((على أمر قد قدر)) أي أمر مقدر "(4).
__________
(1) القولان ذكرهما الماوردي في النكت والعيون (5/412).
(2) أضواء البيان للشنقيطي (7/718).
(3) جامع البيان للطبري (27/55).
(4) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/263).(1/230)
3- المحلي: " ((قد قدر)) قضي به في الأزل وهو هلاكهم غرقاً "(1).
4- السعدي: " ((قد قدر)) أي كتبه الله - عز وجل - في الأزل وقضاه، عقوبة لهؤلاء الظالمين الطاغين "(2).
وبمثل هذا قال أيضاً: الواحدي(3)، والنيسابوري(4)، وأبوحيان(5)، والثعالبي(6)، وسيد قطب(7).
المخالفون:
خلاف ما رجحه الشنقيطي، رجح ابن عاشور حيث قال: " ووصف الأمر بأنه ((قد قدر)) أي أتقن وأحكم بمقدار، يقال: قَدَره بالتخفيف إذا ضبطه وعينه كما قال تعالى { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) } [سورة القمر: 49] "(8).
في حين أن الغالبية العظمى من المفسرين جمعوا القولين عند تفسير الآية، معتبرين صحة حمل الآية عليهما:
1- الماوردي: " ((فالتقى الماء على أمر قد قدر)) فيه وجهان:
أحدهما: فالتقى ماء السماء وماء الأرض على مقدار لم يزد أحدهما على الآخر.
الثاني: " ((قدر)) بمعنى قضي عليهم، وقدر لهم إذا كفروا أن يغرقوا "(9).
2- البغوي(10). ... ... ... 3- النسفي(11). ... ... ... 4- الزمخشري(12).
5- ابن الجوزي: " ((على أمر قد قدر)) فيه قولان:
أحدهما: كان قدْر ماء السماء كقَدْر ماء الأرض.
الثاني: قد قُدر في اللوح المحفوظ، يعني: على أمر قد قضي عليهم، وهو الغرق "(13).
__________
(1) تفسير الجلالين ص(447).
(2) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(825).
(3) الوجيز للواحدي (2/1047).
(4) إيجاز البيان للنيسابوري (2/223).
(5) البحر المحيط لأبي حيان (10/39).
(6) جواهر الحسان للثعالبي (4/235).
(7) في ظلال القرآن لسيد قطب (6/3430).
(8) التحرير والتنوير لابن عاشور (27/183).
(9) النكت والعيون للماوردي (5/412).
(10) مختصر البغوي (2/904).
(11) مدارك التنزيل للنسفي (4/153).
(12) الكشاف للزمخشري (4/424).
(13) زاد المسير لابن الجوزي (7/245).(1/231)
6- الفخر الرازي(1). ... ... 7- القرطبي(2). ... ... 8- الخازن(3).
9- ابن جزي(4). ... ... 10- البيضاوي(5). ... ... 11- الشوكاني(6).
12- الألوسي(7). ... ... 13- القنوجي(8). ... ... 14- القاسمي(9).
... وبنحو عبارة الماوردي وابن الجوزي جاء تفسير البقية، فلم أذكره اختصاراً.
تعقيب الباحث:
... الذي يظهر -والله أعلم- ترجيح ما ذهب إليه الشنقيطي والموافقون، وذلك لأمور:
1- أن القول الثاني وهو أن المراد بـ ((فالتقى الماء على أمر قد قدر)) أي التقى ماء السماء وماء الأرض على مقدار لم يزد أحدهما على الآخر، هذا القول ليس منفصلاً عن القول الأول بل إنه يدخل تحته دخولاً كاملاً، فإذا كان الله - عز وجل - قد قضى وقدر في الأزل إهلاك المكذبين من قوم نوح - عليه السلام - بالغرق، فإن من تقديره أيضاً كمية الماء النازلة من السماء والمتفجرة من الأرض، المأمورة بإغراقهم " لتنفيذ هذا الأمر المقدر، طائعان للأمر، محققان للقدر "(10).
2- ندرة المخالفين المرجحين للقول الثاني المراد به كمية الماء؛ حيث لم يرجحه سوى ابن عاشور، في حين أن جمهور المفسرين من السلف والخلف؛ إمّا رجحوا القول الأول وهو أن المراد بـ ((على أمر قد قدر)) يعني قد قضاه الله - عز وجل - وقدّره في الأزل، وإما ذكروا القولين مجتمعين تحت تفسيرهم للآية على اعتبار صحة حمل الآية عليها.
__________
(1) التفسير الكبير للفخر الرازي (10/296).
(2) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (17/132).
(3) لباب التأويل للخازن (6/228).
(4) التسهيل لابن جزي (4/146).
(5) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/238).
(6) فتح القدير للشوكاني (5/122).
(7) روح المعاني للألوسي (27/82).
(8) فتح البيان للقنوجي (13/292).
(9) محاسن التأويل للقاسمي (15/5599).
(10) في ظلال القرآن لسيد قطب (6/3430).(1/232)
3- لقد كان كلام الإمام البقاعي واضحاً في ربط القولين ببعضهما، بترجيح أن كل ما حدث أمر قد قدّره الله - عز وجل - بما في ذلك الكمية فلم يزد قطرة ولم يهلك غير ما أمر بإهلاكه، يقول: " ((قد قدر)) أي مع كونه مقدوراً عليه في كل وقت بغاية السهولة قد وقع تقديره في الأزل، فلم يستطع أن يزيد على ذلك قطرة فما فوقها ولا أن يهلك غير من أمرنا بإهلاكه "(1).
4- فائدة: ذكرها الفخر الرازي " ((فالتقى الماء)) وله معنى لطيف، وذلك أنه تعالى لما قال: { فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) } [سورة القمر: 11] ذكر الماء وذكر الانهمار وهو النزول بقوة، فلما قال: { وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا } [سورة القمر: 12] كان من الحسن البديع أن يقول ما يفيد أن الماء نبع منها بقوة "(2) فعبر عنه بالتفجير. والله أعلم بالصواب.
- - -
الجواب عن سؤال معروف
92- قوله تعالى: { وَلَقَدْ جَاءَ آَلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42) } [سورة القمر: 41-42].
مجمل الأقوال الواردة:
... اختلفت أجوبة العلماء عن السؤال المعروف: وهو أن لفظ ((النذر)) جاء بالجمع في حين أن الله تبارك وتعالى أرسل لفرعون نبيين هما موسى وهارون عليهما السلام، وجاءت الأجوبة إجمالاً على النحو الآتي:
1- أن المراد بـ ((النذر)) موسى وهارون وغيرهما من الأنبياء(3)، لأنهما عرضاً عليهم ما أنذر به المرسلون(4).
2- أن المراد بـ ((النذر)) موسى وهارون عليهما السلام، على أن أقل الجمع اثنان(5).
3- أن النذر مصدر بمعنى الإنذار(6).
__________
(1) نظم الدرر للبقاعي (19/105).
(2) التفسير الكبير للفخر الرازي (10/296).
(3) مدارك التنزيل للنسفي (4/156).
(4) الكشاف للزمخشري (4/428).
(5) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (17/145).
(6) جامع البيان للطبري (27/63).(1/233)
4- أن النذر هي الآيات التسع(1) التي أنذرهم بها موسى - عليه السلام - (2).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " في هذه الآية سؤال معروف، وهو أن الله تبارك وتعالى أرسل لفرعون نبيين هما موسى وهارون -عليهما السلام-، كما قال تعالى: { فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) } [سورة الشعراء: 16]، وهنا جمع النذر في قوله { وَلَقَدْ جَاءَ آَلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) } [سورة القمر: 41]، وللعلماء عن هذا أجوبة:
أحدها: أن أقل الجمع اثنان، كما هو مقرر في أصول مالك بن أنس -رحمه الله- وعقده صاحب مراقي السعود بقوله:
أقل معنى الجمع في المشتهر ... ... الا ثنان في رأي الإمام الحمير(3)
قالوا ومنه قوله تعالى: { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } [سورة التحريم: 4] ولهما قلبان فقط، وقوله { فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ } [سورة النساء: 11]، والمراد بالإخوة اثنان فصاعداً كما عليه الصحابة فمن بعدهم خلافاً لابن عباس، وقوله: { وَأَطْرَافَ النَّهَارِ } [سورة طه: 130] وله طرفان فقط.
ومنها: ما ذكره الزمخشري(4) وغيره من أن المراد بالنذر موسى وهارون وغيرهما من الأنبياء عليهم السلام؛ لأنهما عرضا عليهم ما أنذر به المرسلون.
ومنها: أن النذر مصدر بمعنى الإنذار.
__________
(1) قال تعالى: { وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ... } [سورة الإسراء: 101].
(2) مختصر البغوي (2/906).
(3) البيت من منظومة (مراقي السعود) في أصول الفقه، لعبدالله بن إبراهيم العلوي الشنقيطي. انظر: نشر البنود على مراقي السعود، وهو شرح له للمنظومة (1/234).
(4) علماً أن الزمخشري لم يرجح هذا القول الذي حكاه الشنقيطي عنه، وإنما ذكره وذكر غيره، فقال -بعد كلامه المذكور-: " أو جمع نذير وهو الإنذار ". الكشاف للزمخشري (4/428).(1/234)
قال مقيده(1) عفا الله عنه وغفر له: التحقيق في الجواب؛ أن من كذب رسول واحداً فقد كذب جميع المرسلين ومن كذب نذيراً واحداً فقد كذب جميع النذر لأن أصل دعوة جميع الرسل واحدة، وهي مضمون لا إله إلا الله، كما أوضحه تعالى بقوله: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } [سورة النحل: 36]، وقوله تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) } [سورة الأنبياء: 25]، وقوله تعالى: { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ (45) } [سورة الزخرف: 45].
وأوضح تعالى أن من كذب بعضهم فقد كذب جميعهم في قوله تعالى:
{ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا } [سورة النساء: 150-151]، وأشار إلى ذلك في قوله { لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَد مِنْ رُسُلِهِ } [سورة البقرة: 285] وقوله: { لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } [سورة البقرة: 136]، وقوله تعالى:
{ وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ } [سورة النساء: 152].
وقد أوضح تعالى في سورة الشعراء أن تكذيب رسول واحد تكذيب لجميع الرسل، وذلك في قوله { كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) } [سورة الشعراء: 105] ثم بين أن تكذيبهم للمرسلين إنما وقع بتكذيبهم نوحاً وحده، حيث فرد ذلك بقوله: { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106) } [سورة الشعراء: 106] إلى قوله:
{
__________
(1) الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-.(1/235)
قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) } [سورة الشعراء: 117] وقوله تعالى: { كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) } [سورة الشعراء: 123] ثم بين أن ذلك بتكذيب هود وحده، حيث فرده بقوله { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124) } [سورة الشعراء: 124]، ونحو ذلك في قوله تعالى في قصة صالح وقومه(1)، لوط وقومه(2)، وشعيب وأصحاب الأيكة(3)، كما هو معلوم وهو واضح لا خفاء فيه، ويزيده إيضاحاً قوله - صلى الله عليه وسلم - " إنا معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد "(4) يعني أنهم كلهم متفقون في الأصول وإن اختلفت شرائعهم في بعض الفروع "(5).
خلاصة: الشيخ الشنقيطي يرى أن المراد بالنذر في قوله تعالى ((ولقد جاء آل فرعون النذر)) موسى وهارون وجميع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام؛ لأن فرعون كذّب موسى وهارون عليهما السلام وقد أرسلهما الله - عز وجل - إليه فكذب وأعرض عن اتباعهما، وتكذيبه لهما وردّه لما دعواه إليه يعتبر تكذيباً لجميع رسل الله - عز وجل - عليهم السلام.
لم يرجح مثل ترجيح الشيخ الشنقيطي أحد، وعليه فلا يوجد هنا موافقون.
المخالفون:
ويمكن تقسيمهم إلى فئتين:
أ- مَنْ حمل اللفظ على قول واحد فقط، ففسروا الآية بترجيح أحد الأقوال الواردة في مجمل الأقوال، وهم على أنواع بحسب كل قول:
__________
(1) الآيات رقم [141-159] من سورة الشعراء.
(2) الآيات رقم [160-175] من سورة الشعراء.
(3) الآيات رقم [176-191] من سورة الشعراء.
(4) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا } ، فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني (6/477). وأخرجه الإمام مسلم في كتاب الفضائل، باب فضائل عيسى - عليه السلام - ، صحيح مسلم بشرح النووي (15/119).
(5) أضواء البيان للشنقيطي (7/726-728).(1/236)
النوع الأول: الذين رجحوا أن المراد بلفظ ((النذر)) موسى وهارون عليهما السلام على اعتبار أن أقل الجمع اثنان، فمنهم:
1- الواحدي(1). ... ... 2- القرطبي(2). ... ... 3- المحلي(3).
النوع الثاني: الذين رجحوا أن لفظ ((النذر)) مصدر بمعنى الإنذار، منهم:
1- الطبري(4). ... ... 2- ابن عاشور(5).
النوع الثالث: الذين رجحوا أن المراد هي الآيات التسع التي أنذرهم بها موسى - عليه السلام - ، فمنهم:
1- الفخر الرازي (6). ... ... 2- البيضاوي(7).
3- الشوكاني(8). ... ... 4- القنوجي(9).
ب- الفئة الثانية؛ الذين فسروا الآية بحمل اللفظ على أكثر من معنى، وهم أيضاً أنواع بحسب الأقوال التي ذكروها:
النوع الأول: من اعتبر لفظ ((النذر)) محتملاً لأن يراد به موسى وهارون وغيرهما من الأنبياء عليهم السلام، أو يراد به جمع نذير وهو الإنذار، فمنهم:
1- النسفي(10). ... ... 2- الزمخشري(11). ... ... 3- أبوحيان(12).
4- البقاعي(13). ... ... 5- الألوسي(14).
النوع الثاني: الذين اعتبروا لفظ ((النذر)) يراد به موسى وهارون عليهما السلام على اعتبار أن أقل الجمع اثنان، وفي نفس الوقت قد يراد بالنذر الآيات التسع التي أيّد الله - عز وجل - بها نبيّه موسى - عليه السلام - ، فمنهم:
__________
(1) الوجيز للواحدي (2/1049).
(2) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (17/145).
(3) تفسير الجلالين ص(449).
(4) جامع البيان للطبري (27/63).
(5) التحرير والتنوير لابن عاشور (27/208).
(6) التفسير الكبير الفخر الرازي (10/319).
(7) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/239).
(8) فتح القدير للشوكاني (5/127).
(9) فتح البيان للقنوجي (13/304).
(10) مدارك التنزيل للنسفي (4/156).
(11) الكشاف للزمخشري (4/428).
(12) البحر المحيط لأبي حيان (10/47).
(13) نظم الدرر للبقاعي (19/128).
(14) روح المعاني للألوسي (27/91).(1/237)
1- البغوي (1). ... ... 2- الخازن(2).
3- ابن كثير(3). ... ... 4- السعدي(4).
النوع الثالث: من حمل لفظ ((النذر)) على أنه مصدر بمعنى الإنذار، أو يراد به الآيات التسع، منهم: ابن الجوزي(5).
النوع الرابع: من حمل لفظ ((النذر)) على أنه يراد به موسى وهارون عليهما السلام، أو جمع نذير بمعنى الإنذار، أو الآيات التسع، منهم: القاسمي(6).
تعقيب الباحث:
الظاهر -والله أعلم- أن الجواب على السؤال المعروف؛ أن يقال بصحة حمل لفظ ((النذر)) على جميع المعاني الواردة عن المفسرين، فإن لكل قول وجاهةً أن يحمل عليه لفظ ((النذر)) في الآية، وإليك بيانها:
1- القول بأن المراد بالنذر موسى وهارون وغيرهما من الأنبياء عليهم السلام؛ لأنهما عرضا على فرعون مجمل رسالة جميع الأنبياء عليهم السلام وهو الدعوة إلى توحيد الله - عز وجل - ، هذا القول تؤيده آيات من كتاب الله - عز وجل - ؛ تبين أن تكذيب رسول واحد = تكذيب جميع المرسلين، فمنها قوله تعالى: { كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) } [سورة الشعراء: 105] وهم إنما يكذبون نوحاً - عليه السلام - ، وقال عن عاد قوم هود - عليه السلام - : { كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) } [سورة الشعراء: 123] وهم إنما كذبوا هوداً - عليه السلام - . وغيرهم من الأقوام المكذبة لأنبيائها، قد سبقت الإشارة قريباً تحت ترجيح الشنقيطي إلى عدد من الأقوام.
__________
(1) مختصر البغوي (2/906).
(2) لباب التأويل للخازن (6/230).
(3) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/269).
(4) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(827).
(5) زاد المسير لابن الجوزي (7/250).
(6) محاسن التأويل للقاسمي (15/5604).(1/238)
2- القول بأن النذر يعني موسى وهارون عليهما السلام على اعتبار أن أقل الجمع اثنان، فقد وردت آيات ورد فيها لفظ الجمع والمراد اثنان فقط، كقوله تعالى: { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } [سورة التحريم: 4] ولهما قلبان فقط، وقوله تعالى { وَأَطْرَافَ النَّهَارِ } [سورة طه: 130] وله طرفان فقط.
3- أما أن يكون لفظ ((النذر)) مصدر بمعنى الإنذار، فمن ما يدل عليه قوله تعالى: { وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ } [سورة يونس: 101] فالنذر هنا بمعنى " الإنذارات والعِبر "(1). وكذلك تكرر في سورة القمر نفسها في عدد من الآيات لفظ (نذر) وكلها يراد بها الإنذار، منها قوله تعالى: { حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5) } [سورة القمر: 5]، وقوله تعالى: { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16) } [سورة القمر: 16، 18، 21، 30]، وقوله تعالى: { فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ } [سورة القمر: 37، 39].
4- وأما أن يراد بالنذر الآيات التسع التي أنذرهم بها موسى - عليه السلام - ، فقد جاءت الإشارة إليها في قوله تعالى: { وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } [سورة الإسراء: 101].
5- وبعد هذا العرض، فلا مانع من حمل لفظ ((النذر)) على جميع المعاني الواردة. والله أعلم بالصواب.
- - -
المراد بقوله تعالى { عَلَّمَهُ الْبَيَانَ }
93- قوله تعالى: { خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) } [سورة الرحمن: 3-4].
مجمل الأقوال الواردة:
... اختلف في المراد بقوله تعالى ((علمه البيان)) على أقوال:
1- الإفصاح عما في الضمير.
2- تعليم كل قوم لسانهم الذي يتكلمون به(2).
3- ما يقول وما يقال له.
4- النطق(3).
__________
(1) مفردات القرآن الكريم لمحمد حسن الحميصي ص(220).
(2) القولان (1، 2) ذكرهما البغوي، مختصر البغوي (2/908).
(3) القولان (3، 4) ذكرهما ابن الجوزي في زاد المسير (7/254).(1/239)
5- المنطق والكلام.
6- الخط(1).
7- القرآن الكريم(2).
8- تعليم الإنسان كل ما به الحاجة إليه من أمر دينه ودنياه(3).
9- الحلال والحرام. ... ... 10- الخير والشر. ... ... 11- الهداية(4).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " وقوله جل وعلا في هذه الآية الكريمة ((علمه البيان)) التحقيق فيه أن المراد بالبيان الإفصاح عما في الضمير.
وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من أنه علم الإنسان البيان قد جاء موضحاً في قوله تعالى: { فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ } [سورة النحل: 4، يس: 77].
وقد امتن الله جل وعلا على الإنسان بأن جعل له آلة البيان التي هي اللسان والشفتان، وذلك في قوله تعالى: { أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) } [سورة البلد: 8-9] "(5).
الموافقون:
رجح أن المراد بالبيان الإفصاح عما في الضمير؛ عدد من المفسرين، منهم:
1- النسفي(6). ... ... ... 2- ابن القيم(7).
3- البيضاوي: " ((خلق الإنسان، علمه البيان)) إيماء بأن خلق البشر وما يميز به عن سائر الحيوان من البيان وهو التعبير عما في الضمير وإفهام الغير لما أدركه لتلقي الوحي وتعرف الحق وتعلم الشرع "(8).
4- الثعالبي(9).
5- البقاعي(10).
__________
(1) القولان (5، 6) ذكرهما الماوردي في النكت والعيون (5/423).
(2) ذكره الواحدي في الوجيز (2/1052).
(3) جامع البيان للطبري (27/67).
(4) الأقوال (9، 10، 11) ذكرها الماوردي في النكت والعيون (5/423).
(5) أضواء البيان للشنقيطي (4/157).
(6) مدارك التنزيل للنسفي (4/157).
(7) بدائع التفسير لابن القيم (4/322).
(8) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/240).
(9) جواهر الحسان للثعالبي (4/240).
(10) نظم الدرر للبقاعي (19/144).(1/240)
6- الألولسي: " ((علمه البيان)) لأن البيان هو الذي به يتمكن عادة من تعلم القرآن وتعليمه، والمراد به المنطق الفصيح المعرب عما في الضمير "(1).
7- القاسمي(2).
8- السعدي: " ((علمه البيان)) أي التبيين عما في ضميره، وهذا شامل للتعليم النطقي والتعليم الخطي، فالبيان الذي ميز الله - عز وجل - به الآدمي على غيره من أجلّ نعمه، وأكبرها عليه "(3).
9- سيد قطب(4).
10- ابن عاشور(5).
... وفيمن ذكرت كلامهم إشارة إلى البقية اختصاراً وبُعداً عن التكرار.
المخالفون:
... وهم أنواع بحسب أقوالهم:
أ- من رجّح أن البيان يراد به كل ما يحتاج إليه الإنسان مما به الحاجة إليه، فمنهم:
1- الطبري: "... والصواب من القول في ذلك أن يقال معنى ذلك أن الله - عز وجل - علم الإنسان ما به الحاجة إليه من أمر دينه ودنياه من الحلال والحرام والمعايش والمنطق وغير ذلك مما به الحاجة إليه؛ لأن الله جل ثناؤه لم يخصص بخبره ذلك أنه علمه من البيان بعضاً دون بعض بل عمّ فقال ((علمه البيان)) فهو كما عمّ جل ثناؤه "(6).
ب- من رجح أن المراد بالبيان تعليم كل قوم لسانهم الذي يتكلمون به، منهم:
1- الشوكاني(7). ... ... ... ... 2- القنوجي(8).
جـ- من رجح أن المراد بالبيان النطق، ومنهم:
1- ابن جزي(9). ... ... 2- المحلي(10). ... ... 3- ابن كثير(11).
د- من رجح أن البيان يعني القرآن، منهم:
__________
(1) روح المعاني للألوسي (27/99).
(2) محاسن التأويل للقاسمي (15/5612).
(3) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(828).
(4) في ظلال القرآن لسيد قطب (6/3447).
(5) التحرير والتنوير لابن عاشور (27/233).
(6) جامع البيان للطبري (27/67).
(7) فتح القدير للشوكاني (5/131).
(8) فتح البيان للقنوجي (13/314).
(9) التسهيل لابن جزي (4/151).
(10) تفسير الجلالين ص(449).
(11) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/270).(1/241)
1- الواحدي (1). ... ... 2- النيسابوري(2).
تعقيب الباحث:
... يظهر -والله أعلم- أن الراجح في المراد بـ ((علمه البيان)) هو ما اختاره الشنقيطي والموافقون، وذلك لأمور:
1- أنه هو اختيار الجمهور، كما صرح بذلك أبوحيان(3)، والثعالبي(4).
2- أنه قد دلت آيات أخرى من كتاب الله - عز وجل - على أن البيان يراد به الإفصاح عما في داخل النفس بوضوح وحجة، كقوله تعالى: { فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ } [سورة النحل: 4، يس: 77]، وقوله تعالى: { أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) } [سورة الزخرف: 18].
3- إن عدداً من الأقوال الواردة في مجمل الأقوال يدخل تماماً تحت القول الأول -وهو اختيار الجمهور وقد رجحه الشنقيطي- وهي الأقوال رقم (2، 3، 4، 5، 6) وذلك أن تعليم كل قوم لسانهم الذي يتكلمون به، وأن يفهم الإنسان ما يقوله وما يقال له، وأن يراد بالبيان النطق أو المنطق والكلام، أو يراد بالبيان الخط، كل هذه المعاني داخلة في معنى الإفصاح عما في الضمير، فإن أهل كل لسان يفصحون بلسانهم سواء بالنطق أو بالخط، ومن يتكلم ويفصح عما في نفسه لابد أن يكون فاهماً لما يقوله وما يقال له، وهكذا نجد ارتباط هذه الأقوال ببعضها، بل ودخولها تحت القول الراجح عند الجمهور؛ وهو أن ((البيان)) يراد به الإفصاح عما في الضمير.
4- لقد جاء كلام بعض المفسرين في شمول البيان للفهم والنطق والخط، يقول ابن القيم: " ((علمه البيان)) والبيان هنا يتناول مراتب ثلاثة كل منها يسمى بياناً:
أحدها: البيان الذهني الذي يميز فيه بين المعلومات.
الثاني: البيان اللفظي الذي يعبر به عن تلك المعلومات ويترجم عنها فيه لغيره.
__________
(1) الوجيز للواحدي (2/1052).
(2) إيجاز البيان للنيسابوري (2/226).
(3) البحر المحيط لأبي حيان (10/55).
(4) جواهر الحسان للثعالبي (4/240).(1/242)
الثالث: البيان الرسمي الخطي الذي يرسم به تلك الألفاظ فيتبين للناظر معانيها كما يتبين للسامع معاني الألفاظ. فهذا بيان للعين، وذاك بيان للسمع، والأول بيان للقلب. وكثيراً ما يجمع سبحانه بين هذه الثلاثة كقوله تعالى: { إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } [سورة الإسراء: 36]، وقوله تعالى: { وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) } [سورة النحل: 78], ويذم من عدم الانتفاع بها في اكتساب الهدى والعلم النافع كقوله تعالى: { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ } [سورة البقرة: 18]، وقوله تعالى: { خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ } [سورة البقرة: 7] "(1).
5- وإلحاقاً للنقطة السابقة، يقول البقاعي: " ((علمه البيان)) وهو القوة الناطقة، وهي الإدراك للأمور الكلية والجزئية والحكم على الحاضر والغائب بقياسه على الحاضر تارة بالتوسم وأخرى بالحساب ومرة بالعيافة والزجر وطوراً بالنظر في الآفاق وغير ذلك من الأمور مع التمييز بين الحسن والقبيح وغير ذلك مما أودعه - سبحانه وتعالى - له مع تعبيره عما أدركه بما هو غائب في ضميره وإفهامه للغير؛ تارة بالقول وتارة بالفعل نطقاً وكتابة وإشارة وغيرها، فصار بذلك ذا قدرة على الكمال في نفسه والتكميل لغيره، فهذا تعليم البيان الذي مكن من تعليم القرآن "(2).
6- إن الإفصاح عما في الضمير قد يكون ويتحقق بغير النطق كلغة الإشارة، يقول ابن عاشور: " وأما البيان بغير النطق من إشارة وإيماء ولمح النظر فهو أيضاً من مميزات الإنسان وإن كان دون بيان النطق "(3).
__________
(1) بدائع التفسير لابن القيم (4/322).
(2) نظم الدرر للبقاعي (19/144).
(3) التحرير والتنوير لابن عاشور (27/233).(1/243)
7- من رجح أن ((البيان)) يراد به القرآن الكريم، فقوله مرجوح لأنه يصبح نوعاً من التكرار في الآيات، فقد قال تعالى: { الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) } [سورة الرحمن: 1-4] فكون أن يراد بلفظ ((البيان)) القرآن الكريم فهذا تكرار، والأَوْلى أن يحمل لفظ ((البيان)) على أن يراد به الإفصاح عما في الضمير؛ لأنه يفيد معنىً جديداً، وقاعدة: " إذا دار الكلام بين التأسيس والتأكيد فحمله على التأسيس أولى "(1)؛ تؤيد ما قلته. والله أعلم بالصواب.
- - -
المراد بالنجم في قوله تعالى { وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ }
94- قوله تعالى: { وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) } [سورة الرحمن: 6].
مجمل الأقوال الواردة:
... اختلف في المراد بالنجم على قولين:
1- أن النجم يراد به نجم السماء، وهو موحد والمراد به جميع النجوم.
2- أن النجم النبات الذي قد نجم في الأرض وانبسط فيها، ليس له ساق. والشجر ما كان على ساق(2).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " اختلف العلماء في المراد بالنجم في هذه الآية، فقال بعض العلماء: النجم هو ما لا ساق له من النبات كالبقول، والشجر هو ما له ساق. وقال بعض أهل العلم: المراد بالنجم نجوم السماء.
__________
(1) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (2/473).
(2) القولان ذكرهما الماوردي في النكت والعيون (5/424).(1/244)
... قال مقيده(1) عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر لي صوابه أن المراد بالنجم هو نجوم السماء، والدليل على ذلك أن الله جل وعلا في سورة الحج صرح بسجود نجوم السماء والشجر، ولم يذكر في آية من كتابه سجود ما ليس له ساق من النبات بخصوصه، ونعني بآية الحج قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ أَن اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ } [سورة الحج: 18]، فدلت هذه الآية أن الساجد من النجم(2) في آية الرحمن هو النجوم السماوية المذكورة مع الشمس والقمر في سورة الحج، وخير ما يفسر به القرآن القرآن، وعلى هذا الذي اخترناه فالمراد بالنجم النجوم "(3).
الموافقون:
... رجّح أن المراد بالنجم في قوله تعالى ((والنجم والشجر يسجدان)) نجوم السماء -مثل الشنقيطي- اثنان من المفسرين، هما:
1- ابن كثير (4). ... ... ... 2- السعدي(5).
المخالفون:
... وهم الذين رجّحوا أن المراد بالنجم النبات الذي لا ساق له، وهو الذي نجم في الأرض وانبسط فيها، منهم:
1- الطبري (6). ... ... 2- الواحدي (7). ... ... 3- النسفي (8).
4- الزمخشري(9). ... ... 5- النيسابوري(10). ... ... 6- الفخر الرازي(11).
__________
(1) الشيخ محمد الأمين الشنقيطي.
(2) قال الشيخ الشنقيطي: " فدلت هذه الآية أن الساجد من الشجر... " ولعل كلمة الشجر هنا سبق قلم، لأن كلامه حول كلمة النجم، ولذلك أثبتها فاستقامت العبارة.
(3) أضواء البيان للشنقيطي (7/737).
(4) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/270).
(5) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(829).
(6) جامع البيان للطبري (27/68).
(7) الوجيز للواحدي (2/1053).
(8) مدارك التنزيل للنسفي (4/157).
(9) الكشاف للزمخشري (4/433).
(10) إيجاز البيان للنيسابوري (2/226).
(11) التفسير الكبير للفخر الرازي (10/341).(1/245)
7- الخازن(1). ... ... ... 8- أبوحيان (2). ... ... 9- البيضاوي(3).
10- المحلي(4). ... ... 11- الألوسي(5). ... ... 12- القاسمي(6).
... في حين أن عدداً غير قليل من المفسرين حملوا لفظ النجم على إرادة المعنيين، معتبرين صحة كل واحد منهما على وجهه، فمنهم:
1- الماوردي(7). ... ... 2- البغوي (8). ... ... 3- ابن الجوزي(9).
4- القرطبي(10). ... ... 5- ابن جزي(11). ... ... 6- الثعالبي(12).
7- البقاعي(13). ... ... 8- الشوكاني(14). ... ... 9- القنوجي(15).
10- سيد قطب(16).
11- ابن عاشور: علل التعبير بلفظ (النجم) في الآية بقوله: " لصلاحيته لأنه يراد منه نجوم السماء، وما يسمى نجماً من نبات الأرض " إلى أن قال: " والنجم يطلق اسم جمع على نجوم السماء؛ قال تعالى: { وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) } [سورة النجم: 1]، ويطلق مفرداً فيجمع على نجوم؛ قال تعالى: { وَإِدْبَارَ النُّجُومِ } [سورة الطور: 49]... ويطلق النجم على النبات والحشيش الذي لا سُوق له فهو متصل بالتراب، والشجر: النبات الذي له ساق وارتفاع من وجه الأرض "(17).
تعقيب الباحث:
... كلامي في هذا الموضع على نقاط:
__________
(1) لباب التأويل للخازن (7/3).
(2) البحر المحيط لأبي حيان (10/56).
(3) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/240).
(4) تفسير الجلالين ص(450).
(5) روح المعاني للألوسي (27/100).
(6) محاسن التأويل للقاسمي (15/5613).
(7) النكت والعيون للماوردي (5/424).
(8) مختصر البغوي (2/909).
(9) زاد المسير لابن الجوزي (7/255).
(10) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (17/154).
(11) التسهيل لابن جزي (4/151).
(12) جواهر الحسان للثعالبي (4/248).
(13) نظم الدرر للبقاعي (19/146).
(14) فتح القدير للشوكاني (5/131).
(15) فتح البيان للقنوجي (13/315).
(16) في ظلال القرآن لسيد قطب (6/3448).
(17) التحرير والتنوير لابن عاشور (27/236).(1/246)
1- الذين رجحوا أن المراد بالنجم نجوم السماء؛ استدلوا بآية في كتاب الله تعالى وهي قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ أَن اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ } [سورة الحج: 18]. فذكر في آية سورة الحج النجوم بعد ذكره الشمس والقمر فدل أنها نجوم السماء، ثم ذكر سجود الشجر أيضاً. وعليه فيحمل النجم في قوله تعالى هنا في سورة الرحمن ((والنجم والشجر يسجدان)) على أنه نجوم السماء، وهذا يعتبر من تفسير القرآن بالقرآن، الذي هو أفضل وأقوى أنواع التفسير(1).
2- الذين رجحوا أن النجم يراد به ما لا ساق له من النبات، استدلوا بسياق الآيات؛ لأن من معاني النجم في اللغة: " أنه النبات الذي نجم على غير ساق "(2)، فاستدلوا بأن " اقترانه بالشجر "(3) لابد أن يكون المراد به النبات الذي على غير ساق لأن الشجر هو ما كان على ساق. واستدلوا أيضاً بأنه تعالى " ذكر في الآيات أموراً علوية (الشمس والقمر) وذكر في مقابلها أموراً سفلية (النجم والشجر) "(4) فيكون النجم مذكوراً في الأمور السفلية ويراد به النبات الذي على غير ساق.
__________
(1) شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص (127)، قواعد التفسير لخالد السبت (1/109).
(2) القاموس المحيط للفيروز آبادي ص(1499)، باب الميم فصل النون.
(3) روح المعاني للألوسي (27/100).
(4) التفسير الكبير للفخر الرازي (10/341) بتصرف.(1/247)
3- أقول: يتضح من استعراض أدلة كل قول استناد كل فريق على قاعدة معروفة من قواعد الترجيح، فمن رجح النبات الذي لا ساق له؛ استند على قاعدة دلالة سياق الآيات، وهي قاعدة معتمدة عند المفسرين(1). ومن رجح نجوم السماء استند على قاعدة تفسير القرآن بالقرآن الذي هو أحسن طرق التفسير(2).
4- فهنا تنازعت قاعدتان من قواعد الترجيح، وإذا كانت الحالة هذه، " فإن أولى القواعد بالتقديم هي التي ترجح التفسير الأثري، وأعني به تفسير القرآن بالقرآن وتفسيره بالسنة، فهي مقدمة عند التنازع على كل قاعدة ترجح تفسيراً اجتهاديًا؛ لأن الله تعالى أعلم بما نزّل ورسوله - صلى الله عليه وسلم - مكلَّف ببيان ما نزل "(3)، " والتفسير الأثري إذا صح لا يعارض بتفسير الرأي والاجتهاد، وبظواهر الألفاظ لأنه إما أن يكون للرأي مستند من الوحيين أو لا، فإن كان الأول فلا يتعارض وحيان، وإن كان الآخر فلا يعدو أن يكون اجتهاداً مستنداً إلى القرائن والأمارات لا يقوى على معارضة ما كان مستنده القرآن والسنة "(4).
5- وعليه فالذي يظهر -والله أعلم- أن الراجح هو ما ذهب إليه الشنقيطي والموافقون من أن النجم في قوله تعالى: ((والنجم والشجر يسجدان)) يراد به نجوم السماء. والله أعلم بالصواب.
- - -
المراد بالأولين والآخِرين
95- قوله تعالى: { ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (14) } [سورة الواقعة: 13-14].
مجمل الأقوال الواردة:
القول الأول ... ثلة من الأولين ... قليل من الآخرين
__________
(1) قواعد التفسير لخالد السبت (1/249).
(2) شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص(127).
(3) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/58).
(4) مناهل العرفان للزرقاني (1/533) بتصرف.(1/248)
أن الأولين من الأمم الماضية من لدن آدم - عليه السلام - إلى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ... أن الآخرين هم من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - (1).
القول الثاني ... الأولون هم أول هذه الأمة ... الآخرون المتأخرون من هذه الأمة(2).
القول الثالث ... أوائل المهاجرين والأنصار ... أواخر من جاء من الصحابة(3).
القول الرابع ... الأولون من أمة كل نبي حيث يكون السابقون كثر في أولها ... الآخرون من أمة كل نبي حيث يقل السابقون في آخرها(4).
القول الخامس ... أن المراد بالسابقين: الأنبياء، فإنهم في أول الزمان كثير ... وفي آخر الزمان قليل [إلى قبل بعثة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فإنه آخر الأنبياء عليهم السلام](5).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " اختلف أهل العلم في المراد بهذه الثلة من الأولين، وهذا القليل من الآخرين المذكورين هنا، كما اختلفوا في الثُلَّتين المذكورتين في قوله: { ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (40) } [سورة الواقعة: 39-40]، فقال بعض أهل العلم: كل هؤلاء المذكورين من هذه الأمة، وأن المراد بالأولين منهم الصحابة، وبعض العلماء يذكر معهم القرون المشهود لهم بالخير في قوله - صلى الله عليه وسلم - " خير القرون قرني ثم الذين يلونهم.. "(6) الحديث، والذين قالوا كلهم من هذه الآمة؛ قالوا: إنما المراد بالقليل، وثلة من الآخرين، هم مَنْ بعد ذلك إلى قيام الساعة.
__________
(1) مختصر البغوي (2/916).
(2) التسهيل لابن جزي (4/161).
(3) زاد المسير لابن الجوزي (7/279).
(4) التسهيل لابن جزي (4/161).
(5) المرجع السابق.
(6) أخرجه البخاري في الباب الأول من كتاب فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، بلفظ " خير أمتي قرني... " ولفظ " خير الناس قرني... ". فتح الباري (7/3).(1/249)
... وقال بعض العلماء: المراد بالأولين في الموضعين الأمم الماضية قبل هذه الأمة، والمراد بالآخرين فيهما هو هذه الأمة.
قال مقيده(1) عفا الله عنه وغفر له: ظاهر القرآن في هذا المقام أن الأولين في الموضعين من الأمم الماضية، والآخرين فيهما من هذه الأمة، وأن قوله تعالى: { ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (14) } [سورة الواقعة: 13-14] في السابقين خاصة، وأن قوله: { ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (40) } [سورة الواقعة: 39-40] في أصحاب اليمين خاصة.
وإنما قلنا إن هذا هو ظاهر القرآن في الأمور الثلاثة التي هي شمول الآيات لجميع الأمم، وكون قليل من الآخرين في خصوص السابقين، وكون ثلة من الآخرين في خصوص أصحاب اليمين؛ لأنه واضح من سياق الآيات.
أما شمول الآيات لجميع الأمم فقد دل عليه أول السورة، لأن قوله تعالى:
{
__________
(1) الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-.(1/250)
إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) } [سورة الواقعة:1] إلى قوله: { فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6) } [سورة الواقعة: 6] لا شك أنه لا يخص أمة دون أمة، وأن الجميع مستوون في الأهوال والحساب والجزاء. فدل ذلك على أن قوله: { وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7) } [سورة الواقعة:7] عام في جميع أهل المحشر، فظهر أن السابقين وأصحاب اليمين؛ منهم من هو من الأمم السابقة، ومنهم من هو من هذه الآمة. وعلى هذا فظاهر القرآن الكريم أن السابقين من الأمم الماضية أكثر من السابقين من هذه الأمة، وأن أصحاب اليمين من الأمم السابقة ليست أكثر من أصحاب اليمين من هذه الآمة؛ لأنه عبّر في السابقين من هذه الآمة بقوله: { وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (14) } [سورة الواقعة: 14]، وعبّر عن أصحاب اليمين من هذه الآمة { وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (40) } [سورة الواقعة: 40]، ولا غرابة في هذا؛ لأن الأمم الماضية أمم كثيرة، وفيها أنبياء كثيرة ورسل، فلا مانع من أن يجتمع من سابقيها من لدن آدم - عليه السلام - إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - أكثر من سابقي هذه الأمة وحدها. أما أصحاب اليمين من هذه الأمة فيحتمل أن يكونوا أكثر من أصحاب اليمين من جميع الأمم؛ لأن الثلة تتناول العدد الكثير، وقد يكون أحد العددين الكثيرين أكثر من الآخر، مع أن كلاهما كثير "(1).
خلاصة: الشيخ الشنقيطي يرى أن الأولين يراد بهم من جميع الأمم الماضية من لدن آدم - عليه السلام - إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وأن الآخرين يراد بهم من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - .
الموافقون:
إلى مثل ما ذهب إليه الشنقيطي ذهب عدد غير قليل من المفسرين، منهم:
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/769-771).(1/251)
1- الطبري: " ((ثلة من الأولين، وقليل من الآخرين)) يقول تعالى ذكره جماعة من الأمم الماضية، وقليل من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وهم الآخرون، وقيل لهم الآخرون لأنهم آخر الأمم "(1).
2- الواحدي: " ((ثلة من الأولين)) جماعة من الأمم الماضية، ((وقليل من الآخرين)) من هذه الأمة. يريد من سابقي الأمم وسابقي هذه الأمة "(2).
3- البغوي: " ((ثلة من الأولين)) أي من الأمم الماضية من لدن آدم - عليه السلام - إلى زمان نبينا - صلى الله عليه وسلم - . والثلة: الجماعة غير محصورة العدد. ((وقليل من الآخرين)) يعني من هذه الأمة "(3).
4- النيسابوري: " ((ثلة)) جماعة، ((وقليل من الآخرين)) لأن الذي سبقوا إلى الإيمان بالنبي - صلى الله عليه وسلم - قليل من كثير ممن سبق إلى الإيمان بالأنبياء قبله "(4).
5- البيضاوي: " ((ثلة من الأولين)) أي هم كثير من الأولين يعني الأمم السالفة من لدن آدم - عليه السلام - إلى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، ((وقليل من الآخرين)) يعني أمة محمد عليه الصلاة والسلام "(5).
6- المحلي: " ((ثلة من الأولين)) أي جماعة من الأمم الماضية، ((وقليل من الآخرين)) من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وهم السابقون من الأمم الماضية وهذه الأمة "(6).
7- الشوكاني: " والمراد بالأولين: هم الأمم السابقة من لدن آدم - عليه السلام - إلى نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، ((وقليل من الآخرين)) أي من هذه الأمة "(7).
__________
(1) جامع البيان للطبري (27/99).
(2) الوجيز للواحدي (2/1059).
(3) مختصر البغوي (2/916).
(4) إيجاز البيان للنيسابوري (2/236).
(5) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/243).
(6) تفسير الجلالين ص(452).
(7) فتح القدير للشوكاني (5/148).(1/252)
8- الألوسي: " المعنى جماعة كثيرة من الأولين وهم الناس المتقدمون من لدن آدم إلى نبينا عليهما الصلاة والسلام وعلى من بينهما من الأنبياء العظام، ((وقليل من الآخرين)) وهم الناس من لدن نبينا - صلى الله عليه وسلم - إلى قيام الساعة "(1).
9- القنوجي: " والمراد بالأولين هم الأمم السابقة من لدن آدم - عليه السلام - إلى نبينا - صلى الله عليه وسلم - ومن بينهما من الأنبياء العظام، ((وقليل من الآخرين)) أي من هذه الأمة، وسموّا قليلاً بالنسبة إلى من كان قبلهم، وهم كثيرون لكثرة الأنبياء فيهم، وكثرة من أجابهم "(2).
10- ابن عاشور: "... فالسابقون طائفتان: طائفة من الأمم الماضين ومجموع عددها في ماضي القرون كثير، وطائفة قليلة من الأمة الإسلامية "(3).
المخالفون:
... قلة من المفسرين رجحوا أن الفرقتين من هذه الآمة، أعني الأولين والآخرين، منهم:
1- ابن جزي: " الثلة الجماعة من الناس، فالمعنى أن السابقين من الأولين أكثر من السابقين من الآخرين، والأولون هم أول هذه الأمة والآخرون المتأخرون من هذه الأمة "(4).
2- ابن كثير: " القول الراجح هو أن يكون المراد بقوله تعالى ((ثلة من الأولين)) أي من صدر هذه الأمة، ((وقليل من الآخرين)) أي من هذه الأمة "(5).
3- السعدي: " ((ثلة من الأولين)) أي جماعة كثيرون من المتقدمين من هذه الأمة وغيرهم، ((وقليل من الآخرين)) وهذا يدل على فضل صدر هذه الأمة في الجملة على متأخريها، لكون المقربين من الأولين أكثر من المتأخرين، والمقربون هم خواص الخلق "(6).
تعقيب الباحث:
__________
(1) روح المعاني للألوسي (27/134).
(2) فتح البيان للقنوجي (13/360).
(3) التحرير والتنوير لابن عاشور (27/291).
(4) التسهيل لابن جزي (4/161).
(5) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/284).
(6) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(833).(1/253)
... الذي يظهر -والله أعلم- أن ما رجحه الشنقيطي والموافقون هو الراجح، من كون الأولين من الأمم الماضية من لدن آدم - عليه السلام - إلى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، والآخرين هم من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، يدل لذلك.
1- سياق الآيات يدل على إرادة هذا المعنى فإن الآيات من أول سورة الواقعة فيها ذكر أهوال يوم القيامة، يقول تعالى: { إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6) } [سورة الواقعة: 1-6] ومعلوم أن أهوال وأحداث يوم القيامة لا يكون فيها فقط أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، إنما جميع من خلق الله - عز وجل - من آدم
- عليه السلام - إلى قيامة الساعة: " ولا شك أنه لا يخص أمة دون أمة، والجميع مستوون في الأهوال والحساب والجزاء "(1)، " ودلالة سباق الآيات ولحاقها من المرجحات القوية بين الأقوال لدى المفسرين "(2).
2- كثرة القائلين به من أئمة التفسير قديماً وحديثاً أشبه أن يكون إجماعاً منهم عليه، و " إجماع جمهور المفسرين على قول يرجحه على غيره "(3)، وقد قال الفخر الرازي عن القول الراجح المذكور إنه هو " المشهور "(4).
3- قلة القائلين بالقول رقم (2) يعني أن يراد بالأولين أول هذه الأمة، وبالآخرين المتأخرين من هذه الأمة؛ تضعفه، مع عدم وضوح دليلهم في ترجيحه.
4- ولم يجزم أحد من المفسرين بترجيح بقية الأقوال رقم (3، 4، 5)، فلا تعتبر.
5- فالراجح إذاً: أن السابقين جماعة كثيرة من مجموع الأمم الماضية من لدن آدم
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/770).
(2) قواعد التفسير لخالد السبت (1/249).
(3) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/288).
(4) التفسير الكبير للفخر الرازي (10/392).(1/254)
- عليه السلام - إلى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وجماعة قليلة من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - . اللهم اجعلنا منهم بكرمك وفضلك يا أرحم الراحمين.
- - -
معنى عُرُبا
96- قوله تعالى: { إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) } [سورة الواقعة: 35-38].
مجمل الأقوال الواردة:
... اختلف في تحديد معنى (عُرُباً) على أقوال:
1- المتحببات إلى أزواجهن.
2- الحسنة التبعل.
3- الحسنة الكلام.
4- العاشقة لزوجها؛ لأن عشقها له يزيده ميلاً إليها وشغفاً بها(1).
5- العروب: الغنجة(2)، بلغة أهل المدينة. الشكلة(3)، بلغة أهل مكة(4).
6- أنهن المتحببات من الضرائر ليقفن على طاعته ويتساعدن على مشايعته(5).
7- أو أن معنى عُرُبا: أي كلامهن عربي(6).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " وقوله ((عرباً)) جمع عروب، وهي المتحببة إلى زوجها الحسنة التبعل، وهذا هو قول الجمهور. وهو الصواب إن شاء الله.
__________
(1) الأقوال رقم (1، 2، 3، 4) ذكرها الماوردي في النكت والعيون (5/455)، وابن الجوزي في زاد المسير (7/285).
(2) الغنج: الشِّكْلُ، قاله في القاموس المحيط ص(256)، وانظر: الحاشية التالية.
(3) الشكلة: قال في القاموس المحيط: الشِّكْلُ: بالكسر والفتح: غنج المرأة ودَلُّها وغزلها، فهي شِكْلة. القاموس المحيط للفيروز آبادي ص(1318) باب اللام، فصل الشين. ونقل ابن عاشور في التحرير والتنوير (27/301) عن نبيه بن الحجاج قوله:
تلك عريسي غضبى تريد زيالي ... ... ألبين أردتِ أم لدلال
(4) النكت والعيون للماوردي (5/455)، بدائع التفسير لابن القيم (4/355).
(5) ذكره الماوردي في النكت والعيون (5/456).
(6) حكاه السيوطي في الدر المنثور (6/159)، من رواية ابن أبي حاتم.(1/255)
ومنه قول لبيد(1):
وفي الخباء عروب غير فاحشة ... ... ... ريا الروادف يعشى دونها البصر "(2).
الموافقون:
إلى مثل ما ذهب إليه الشنقيطي قد ذهب كثير من المفسرين، منهم:
1- الطبري: " وقوله ((عرباً)) يقول تعالى ذكره فجعلناهن أبكاراً غنجات متحببات إلى أزواجهن بحسن التبعل، وهي جمع واحدهن عروب "(3).
2- الواحدي: " ((عُرباً)) متحببات إلى الأزواج، عواشق لهم "(4).
3- النسفي: " ((عرباً)) جمع عروب: وهي المتحببة إلى زوجها الحسنة التبعل "(5).
4- الزمخشري: " ((عرباً)): جمع عروب وهي المتحببة إلى زوجها الحسنة التبعل "(6).
5- النيسابوري: " ((عرباً)) العروب: الحسنة التبعّل، الفطنة بمراد الزوج كفطنة العرب "(7).
6- البيضاوي: " ((عرباً)) متحببات إلى أزواجهن، جمع عروب "(8).
7- المحلي: " ((عرباً)) بضم الراء وسكونها جمع عروب وهي المتحببة إلى زوجها عشقاً له "(9).
8- البقاعي: " ((أبكاراً)) أي بكارة دائمة لأنه لا تغيير في الجنة ولا نقص. ولما كان مما جرت به العادة أن البكر تتضرر من الزوج لما يلحقها من الوجع بإزالة البكارة، دل على أنه لا نكد هناك أصلاً بوجع ولا غيره بقوله ((عرباً)) جمع عروب، وهي الغنجة المتحببة إلى زوجها "(10).
__________
(1) البيت في شرح ديوان لبيد، للدكتور إحسن عباس ص(61)، ولكنه قال (الحدوج) بدل (الخباء).
ولبيد هو ابن ربيعة بن مالك العامري، من أضخم الجاهليين شعراً وأكثرهم فحولة، أدرك الإسلام وحسن إسلامه. شرح ديوان لبيد ص(17، 403).
(2) أضواء البيان للشنقيطي (7/775).
(3) جامع البيان للطبري (27/107).
(4) الوجيز للواحدي (2/1061).
(5) مدارك التنزيل للنسفي (4/164).
(6) الكشاف للزمخشري (4/451).
(7) إيجاز البيان للنيسابوري (2/238).
(8) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/244).
(9) تفسير الجلالين ص(452).
(10) نظم الدرر للبقاعي (19/210).(1/256)
9- الألوسي: " (عرباً) متحببات إلى أزواجهن، جمع عروب كصبور وصُبُر، رُوي هذا عن جماعة من السلف، وفسرها جماعة أخرى بغنجات، ولا يخفى أن الغنج ألطف أسباب التحبب "(1).
10- السعدي: " ((عرباً))... والعروب: هي المرأة المتحببة إلى بعلها بحسن لفظها، وحسن هيئتها ودلالها وجمالها ومحبتها، فهي التي إن تكلمت سَبَتِ العقول، ووّد السامع أن كلامها لا ينقضي، خصوصاً عند غنائهن بتلك الأصوات الرخيمة والنغمات المطربة، إن نظر إلى أدبها وسمتها ودلها ملأت قلب بعلها فرحاً وسروراً، وإن برزت من محل إلى آخر، امتلأ ذلك الموضع منها ريحاً طيباً ونوراً، ويدخل في ذلك الغنجة عند الجماع "(2).
11- سيد قطب: " ((فجعلناهن أبكاراً)) لم يمسسن ((عرباً))... متحببات إلى أزواجهن "(3).
12- ابن عاشور: " العروب: المرأة المتحببة إلى الرجل، أو التي لها كيفية المتحببة وإن لم تقصد التحبب، بأن تكثر الضحك بمرأى الرجل أو المزاح أو اللهو أو الخضوع في القول أو اللثغ في الكلام بدون علة أو التغزل في الرجل والمساهلة في مجالسته والتدلل وإظهار معاكسة أميال الرجل لِعباً لا جِدَّاً. وإنما فسروها بالمتحببة لأنهم لما رأوا هاته الأعمال تجلب محبة الرجل للمرأة؛ ظنوا أن المرأة تفعلها لاكتساب محبة الرجل. ولذلك فسر بعضهم: العروب بأنها المغتلمة، وإنما تلك حالة من أحوال بعض العروب "(4).
... ولا يوجد مخالفون في هذا الموضع.
ولكن الذين لم يرجحوا قولاً محدداً، واكتفوا بسرد الأقوال كلها أو بعضها عند بيانهم لمعنى الآية، يمكن اعتبارهم تحت هذا التصنيف، وسأذكرهم وأشير إلى أقوالهم بالإحالة إلى مجمل الأقوال، اختصاراً وبُعداً عن التكرار والإملال.
__________
(1) روح المعاني للألوسي (27/142).
(2) تيسير الكرم الرحمن للسعدي ص(834).
(3) في ظلال القرآن لسيد قطب (6/3464).
(4) التحرير والتنوير لابن عاشور (27/301).(1/257)
1- الماوردي(1): ذكر الأقوال رقم (1+2+3+4+5+6+7).
2- البغوي(2): ذكر الأقوال رقم (3+4).
3- ابن الجوزي (3): ذكر الأقوال رقم (1+2+3+4+5).
4- القرطبي(4): ذكر الأقوال رقم (1+2+3+4+5).
5- الخازن(5): ذكر الأقوال رقم (1+3).
6- ابن جزي (6): ذكر الأقوال رقم (1+3+4).
7- أبوحيان(7): ذكر الأقوال رقم (1+3+4).
8- ابن كثير(8):ذكر الأقوال رقم (1+2+3+4+5+7).
9- الثعالبي(9):ذكر الأقوال رقم (1+3+4+5).
10- الشوكاني(10):ذكر الأقوال رقم (1+3+4).
11- القنوجي(11):ذكر الأقوال رقم (1+2+3+4).
تعقيب الباحث:
... الظاهر -والله أعلم- أن الراجح هو ما ذهب إليه الشنقيطي والموافقون من أن لفظة ((عرباً)) يراد بها جمع عروب؛ وهي المتحببة إلى زوجها بحسن التبعل، بما يشمله حسن التبعل من حسن في الأقوال والأفعال، يدل لذلك:
1- كون هذا هو اختيار الجمهور، صرح بذلك الألوسي بقوله عنه إنه " هو الذي عليه الأكثر "(12)، والشنقيطي قال: " هذا هو قول الجمهور "(13).
2- دلالة اللغة العربية عليه، فإن ((عُرُباً)) جمع عَروب " واشتقاقه من أعرب إذا بيّن، فالعروب تبين محبتها لزوجها بشَكَل وغنج وحسن كلام "(14).
__________
(1) النكت والعيون للماوردي (5/455).
(2) مختصر البغوي (2/918).
(3) زاد المسير لابن الجوزي (7/285).
(4) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (17/211).
(5) لباب التأويل للخازن (7/16).
(6) التسهيل لابن جزي (4/163).
(7) البحر المحيط لأبي حيان (10/82).
(8) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/291).
(9) جواهر الحسان للثعالبي (4/253).
(10) فتح القدير للشوكاني (5/152).
(11) فتح البيان للقنوجي (13/369).
(12) روح المعاني للألوسي (27/142).
(13) أضواء البيان للشنقيطي (7/775).
(14) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (17/211).(1/258)
3- الذين لم يرجحوا ما رجحه الشنقيطي واكتفوا بسرد الأقوال كلها أو بعضها عند تفسيرهم للآية، يلاحظ أنهم جميعاً متفقون على ذكر الأقوال (1، 2، 3، 4) من مجمل الأقوال، وهي:
1- المتحببات إلى أزواجهن.
2- الحسنة التبعل.
3- الحسنة الكلام.
4- العاشقة لزوجها.
... وكما هو واضح أنه لا تنافر بين الأقوال المذكورة بل كلها تؤدي معنىً واحداً، فإن المرأة العروب: هي المتحببة إلى زوجها؛ بحسن التبعل (عمل)، وحسن الكلام (قول)، وعشقها لزوجها (محبة قلبية)، فإذا اجتمعت هذه الصفات في امرأةٍ فهي عروب، وهي صفة نساء أهل الجنة. جعلنا الله - عز وجل - وإياكم وجميع المسلمين من أهل الجنة.
... وإليك كلام بعض المفسرين مما يوضح هذا الترابط الشديد بين الأقوال، يقول الماوردي -بعد ذكر أن من معاني العروب: العاشقة لزوجها- " لأن عشقها له يزيده ميلاً إليها وشغفاً بها "(1)، ويقول النيسابوري: " العروب: الحسنة التبعل، الفطنة بمراد الزوج كفطنة العرب "(2)، فكونها تفطن لمراد زوجها يعني أنها تحسن تصرفاتها وأقوالها ومشاعرها معه. ويقول الألوسي: " ولا يخفى أن الغنج ألطف أسباب التحبب "(3).
... ويقول السعدي: " ويدخل في ذلك الغنجة عند الجماع "(4). ويقول ابن عاشور: " وإنما فسروها بالمتحببة لأنهم لما رأوا هاته الأعمال تجلب محبة الرجل للمرأة ظنوا أن المرأة تفعلها لاكتساب محبة الرجل "(5). والله أعلم بالصواب.
- - -
من هم (المقوين)؟
__________
(1) النكت والعيون للماوردي (5/455).
(2) إيجاز البيان للنيسابوري (2/238).
(3) روح المعاني للألوسي (27/142).
(4) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(834).
(5) التحرير والتنوير لابن عاشور (27/301).(1/259)
97- قوله تعالى: { أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73) } [سورة الواقعة: 71-73]
مجمل الأقوال الواردة:
... أُختُلِفَ في المراد بلفظ ((المقوين)) في الآية على أقوال:
1- أن (المقوين): المسافرون.
2- أو المقوين: الجائعون.
3- الفقراء والمساكين.
4- المستمتعون(1).
5- أن لفظ المقوي من الأضداد، فيطلق على الغني والفقير(2).
6- أو أن لفظ المقوي يعني: أوقده وقواه وزاده(3).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " وقوله تعالى ((ومتاعاً للمقوين)) أي منفعة للنازلين بالقواء من الأرض وهو الخلاء والفلاة التي ليس بها أحد، وهم المسافرون؛ لأنهم ينتفعون بالنار انتفاعاً عظيماً في الاستدفاء بها والاستضاءة وإصلاح الزاد.
وقد تقرر في الأصول أن من موانع اعتبار مفهوم المخالفة كون اللفظ وارداً للامتنان. وبه تعلم أنه لا يعتبر مفهوماً للمقوين؛ لأنه جيء به للامتنان أي وهي متاع أيضاً لغير المقوين من الحاضرين بالعمران، وكل شيء خلا من الناس يقال له أقوى؛ فالرجل إذا كان في الخلاء يقال له أقوى، والدار إذا خلت من أهلها قيل لها أقوت.
ومنه قول نابغة ذبيان:
يا دارمية بالعلياء فالسند ... أقوت وطال عليها سالف الأبد(4)
وقول عنترة:
__________
(1) الأقوال (1، 2، 3، 4) ذكرها الماوردي في النكت والعيون (5/461).
(2) مختصر البغوي (2/920) حكاه عن قطرب.
(3) التفسير الكبير للفخر الرازي (10/423).
(4) البيت هو مطلع معلقة النابغة الذبياني، وهو زياد بن معاوية بن ذبيان الغطفاني، من شعراء الجاهلية المشهورون، مات سنة (604هـ) قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - . انظر: المعلقات العشر ص(263).(1/260)
حييت من طلل تقدم عهده ... ... أقوى وأقفر بعد أم الهيْثم(1)
وقيل: للمقوين؛ أي للجائعين، وقيل غير ذلك، والذي عليه الجمهور هو ما ذكرنا "(2).
الشيخ الشنقيطي رجّح أن المراد بالمقوين: المسافرون.
الموافقون:
رجّح مثل ترجيح الشنقيطي؛ وأن لفظ ((المقوين)) يراد به المسافرون، عدد غير قليل من المفسرين، منهم:
1- الطبري (3). ... ... 2- الواحدي (4). ... ... 3- ابن القيم (5). ...
4- أبوحيان(6). ... ... 5- المحلي(7). ... ... ... 6- الثعالبي(8).
7- القنوجي(9). ... ... 8- سيد قطب(10).
المخالفون:
المخالفون في هذا الموضع على فئات:
أ- الفئة الأولى: من حمل لفظ ((المقوين)) على معنى واحد من المعاني المذكورة في مجمل الأقوال، منهم:
1- الفخر الرازي: "... والمقوي: هو الذي أوقده فقواه وزاده "(11).
2- البقاعي: " ((للمقوين)) أي الجياع الذين أقوت بطونهم -أي خلت- من الفقر"(12).
ب- الفئة الثانية: من حمل لفظ ((المقوين)) على معنيين من المعاني المذكورة في مجمل الأقوال على اعتبار احتمال أيّ من القولين أو كلاهما معاً للآية، وهذه الفئة على نوعين حسب الأقوال التي اختاروها:
النوع الأول: الذين حملوا لفظ ((المقوين)) على أنه يراد به المسافرون أو الجائعون -وهذان هما القولان (1+2) من مجمل الأقوال- وممن قال بهذا:
__________
(1) البيت في معلقة عنترة بن شداد العبسي، من فحول شعراء الجاهلية وفرسانهم، عربيّ الأب حبشي الأم. انظر: شرح المعلقات السبع ص(108).
(2) أضواء البيان للشنقيطي (7/796).
(3) جامع البيان للطبري (27/116).
(4) الوجيز للواحدي (2/1063).
(5) بدائع التفسير لابن القيم (4/356).
(6) البحر المحيط لأبي حيان (10/90).
(7) تفسير الجلالين 2(454).
(8) جواهر الحسان للثعالبي (4/256).
(9) فتح البيان للقنوجي (13/380).
(10) في ظلال القرآن لسيد قطب (6/3470).
(11) التفسير الكبير للفخر الرازي (10/423).
(12) نظم الدرر للبقاعي (19/230).(1/261)
1- النسفي(1). ... ... 2- الزمخشري(2). ... ... 3- ابن جزي(3).
4- البيضاوي(4). ... ... 5- ابن عاشور(5).
... النوع الثاني: الذين حملوا لفظ ((المقوين)) على أنه يراد به المسافرون أو المستمتعون المنتفعون بالنار عموماً من مسافرين وحاضرين -وهذان هما القولان (1+4) من مجمل الأقوال- وممن قال بهذا.
1- النيسابوري(6). ... ... ... 2- السعدي(7).
جـ- الفئة الثالثة: من حمل لفظ (المقوين) على ثلاثةٍ من المعاني المذكورة في مجمل الأقوال، وهي الأقوال (1+4+5)، فيراد بالمقوين: المسافرين أو المستمتعين المنتفعين بها عموماً فيشمل المسافر والحاضر، أو أن لفظ (المقوي) من الأضداد فيقال للفقير مقوٍ لخلوه من المال، ويقال للغني مقوٍ لقدرته على ما يريد، واختار هذه المعاني وذكرها عند تفسيره للآية: الخازن(8).
د- الفئة الرابعة: من ذكر أربعة أقوال تحت تفسيره للآية، وهؤلاء نوعان حسب ما اختاروه من أقوال:
النوع الأول: من رجح الأقوال رقم (1+2+3+4) وهي: (المسافرون، والجائعون، والفقراء، والمساكين، والمستمتعون عموماً)، وقال بهذا: ابن الجوزي(9).
النوع الثاني: من رجح الأقوال رقم (1+2+4+5) وهي: (المسافرون، والجائعون، والمستمتعون المنتفعون بها عموماً)، أو أن لفظ (المقوي) يعتبر من الأضداد فيطلق على الغني والفقير، وممن ذكر هذا:
1- البغوي(10). ... ... 2- القرطبي(11). ... ... 3- الألوسي(12).
تعقيب الباحث:
__________
(1) مدارك التنزيل للنسفي (4/166).
(2) الكشاف للزمخشري (4/456).
(3) التسهيل لابن جزي (4/167).
(4) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/245).
(5) التحرير والتنوير لابن عاشور (27/327).
(6) إيجاز البيان للنيسابوري (2/240).
(7) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(836).
(8) لباب التأويل للخازن (7/20).
(9) زاد المسير لابن الجوزي (7/291).
(10) مختصر البغوي (2/920).
(11) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (17/222).
(12) روح المعاني للألوسي (27/150).(1/262)
الذي يظهر -والله أعلم- صحة حمل لفظ ((المقوين)) على جميع المعاني الواردة عن المفسرين، وذلك لأمور:
1- أن من فسر ((المقوين)) بالمسافرين جعل اشتقاق اللفظ من: " الأرض القواء، يعني الخلاء والفلاة التي ليس فيها أحد "(1)، والمسافر في أثناء سفره يقطع أراض وفيافٍ تكون خالية من البشر غالباً؛ وهي الأرض القواء، فصح أن يقال عن المسافرين (مقوين).
2- من فسّر (المقوين) بأنهم الجائعين، أو الفقراء والمساكين، جعل اشتقاق اللفظ من قوله: " أقويت منذ كذا وكذا أي ما أكلت شيئاً "(2). فصح إطلاق (المقوين) على الجائعين عموماً أو الفقراء والمساكين خصوصاً لخلو بطونهم من الطعام.
3- من حمل لفظ ((المقوين)) على أنه يراد به المستمتعين المنتفعين بالنار عموماً؛ فإن مؤيدهم في ذلك " ما تقرر في الأصول أن من موانع اعتبار مفهوم المخالفة كون اللفظ وارداً للامتنان(3). وعليه لا يعتبر مفهوماً للمقوين؛ لأنه جيء به للامتنان، أي وهي متاع أيضاً لغير المقوين من الحاضرين بالعمران "(4). وإنما خص المسافرين بالذكر لأن " أهل البوادي والأسفار منفعتهم بها أكثر من منفعة المقيم وذلك أنهم يوقدونها ليلاً لتهرب منهم السباع، ويهتدي بها الضال، وغير ذلك من المنافع "(5).
4- ومن حمل لفظ ((المقوين)) على صحة إطلاقه على الغني والفقير، فإنهم اعتبروه من الأضداد " يقال للفقير مقوٍ لخلوه من المال، ويقال للغني مقوٍ لقوته على ما يريد، يقال: أقوى الرجل إذا قويت دوابه وكثر ماله، وصار إلى حال القوة، والمعنى أن فيها متاعاً للأغنياء والفقراء جميعاً لا غنى لأحد عنها "(6).
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/796).
(2) مختصر البغوي (2/920).
(3) انظر: مذكرة أصول الفقه للشنقيطي ص(241).
(4) أضواء البيان للشنقيطي (7/796).
(5) مختصر البغوي (2/920).
(6) المرجع السابق.(1/263)
5- وعموماً فقد صرّحوا بأن " الآية تصلح للجميع؛ لأن النار يحتاج إليها المسافر والمقيم، والغني والفقير "(1).
6- فائدتان:
أ- يقول الفخر الرازي: " قدم - سبحانه وتعالى - كونها تذكرة على كونها متاعاً ليعلم أن الفائدة الأخروية أتم وبالذكر أهم "(2).
ب- يقول ابن القيم: " وخص المقوين بالذكر وإن كانت منفعتها عامة للمسافرين والمقيمين تنبيهاً لعباده -والله أعلم بمراده من كلامه- على أنهم كلهم مسافرون وأنهم في هذه الدار على جناح سفر ليسوا هم مقيمين ولا مستوطنين وأنهم عابروا سبيل وأبناء سفر "(3). والله أعلم بالصواب.
- - -
المراد بالتربص
98- قوله تعالى: { يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) } [سورة الحديد: 14].
مجمل الأقوال الواردة:
1- أن المراد بالتربص: الانتظار، يعني تربص المنافقين بالنبي - صلى الله عليه وسلم - الموت، وبالمؤمنين الدوائر(4).
2- أو يكون المراد بالتربص: تأخير التوبة، والمعنى: تربصتم أي أخرتم التوبة من وقت إلى وقت حتى متّم(5).
ترجيح الشنقيطي:
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (17/222) حكاه عن المهدوي.
(2) التفسير الكبير للفخر الرازي (10/423).
(3) بدائع التفسير لابن القيم (4/356).
(4) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (17/247)، أضواء البيان للشنقيطي (7/809).
(5) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/309)، جواهر الحسان للثعالبي (4/265).(1/264)
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " وقوله ((وتربصتم)) التربص: الانتظار، والأظهر أن المراد به هنا تربص المنافقين بالمؤمنين الدوائر، أي انتظارهم بهم نوائب الدهر أن تهلكهم، كقوله تعالى في منافقي الأعراب المذكورين في قوله: { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ } [سورة التوبة: 101]،
{ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ tچح !#urO$!$# عَلَيْهِمْ نotچح !#yٹ السَّوْءِ } [سورة التوبة: 98] "(1).
الموافقون:
... إن المراد بالتربص هنا: هو تربص المنافقين بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين معه الدوائر، يعني ينتظر المنافقون أن يموت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وتنزل بالمؤمنين نوائب الدهر من المصائب الفردية والجماعية ونحوها؛ هذا ما رجحه الشيخ الشنقيطي، ومثله قد رجحه عدد من المفسرين من السلف والخلف، منهم:
1- الواحدي: " ((وتربصتم)) بمحمد - عليه السلام - الموت "(2).
2-3-4-5-6- النسفي(3)، الزمخشري(4)، البيضاوي(5)، المحلي(6)، والألوسي (7): " ((وتربصتم)) بالمؤمنين الدوائر ".
7- النيسابوري: " ((وتربصتم)) قلتم: { نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ } [سورة الطور: 30] "(8).
8-9- الشوكاني(9)، القنوجي(10): " بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وبمن معه من المؤمنين حوادث الدهر. وقيل: تربصتم بالتوبة. والأول أولى ".
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/809).
(2) الوجيز للواحدي (2/1068).
(3) مدارك التنزيل للنسفي (4/170).
(4) الكشاف للزمخشري (4/463).
(5) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/248).
(6) تفسير الجلالين ص(457).
(7) روح المعاني للأوسي (27/177).
(8) إيجاز البيان للنيسابوري (2/245).
(9) فتح القدير للشوكاني (5/168).
(10) فتح البيان للقنوجي (13/409).(1/265)
10- ابن عاشور: " والتربص: انتظار شيء، ويتعدى فعله إلى المفعول بنفسه ويتعلق به ما زاد على المفعول بالباء، وحذف هنا مفعوله ومتعلقه ليشمل عدة الأمور التي ينتظرها المنافقون في شأن المؤمنين وهي كثيرة مرجعها إلى أذى المسلمين والإضرار بهم فيتربصون هزيمة المسلمين في الغزوات ونحوها من الأحداث "(1).
المخالفون:
... رجّح القول الآخر وهو أن المراد بالتربص تأخير التوبة؛ قلة من المفسرين، منهم:
1- الطبري: " وقوله ((وتربصتم)) يقول وتلبثتم بالإيمان ودافعتم بالإقرار بالله ورسوله "(2).
2- سيد قطب: " ((ولكنكم فتنتم أنفسكم))... فصرفتموها عن الهدى، ((وتربصتم))... فلم تعزموا ولم تختاروا الخيرة الحاسمة "(3).
في حين أن عدداً كبيراً من المفسرين فسروا التربص هنا بذكر القولين معاً، منهم:
1- الماوردي: " (وتربصتم) فيه تأويلان:
أحدهما: بالحق وأهله. والثاني: وتربصتم بالتوبة "(4).
2- ابن الجوزي: " ((وتربصتم)) فيه قولان:
أحدهما: تربصتم بالتوبة. والثاني: تربصتم بمحمد - صلى الله عليه وسلم - الموت، وقلتم يوشك أن يموت فنستريح "(5).
3- القرطبي:"((وتربصتم)) بالنبي - صلى الله عليه وسلم - الموت، وبالمؤمنين الدوائر، وقيل: ((تربصتم)) بالتوبة"(6).
4- ابن جزي: " (وتربصتم) أي أبطأتم بإيمانكم. وقيل: تربصتم الدوائر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وبالمسلمين "(7).
__________
(1) التحرير والتنوير لابن عاشور (27/386).
(2) جامع البيان للطبري (27/130).
(3) في ظلال القرآن لسيد قطب (6/3486).
(4) النكت والعيون للماوردي (5/476).
(5) زاد المسير لابن الجوزي (7/304).
(6) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (17/247).
(7) التسهيل لابن جزي (4/177).(1/266)
5- البقاعي: " ((وتربصتم)) أي كلفتم أنفسكم أن أخرجتموها عن الفطرة الأولى فأمهلتم وانتظرتم لتروا الأمر عياناً أو لم تفعلوا كما فعلنا من الإيمان بالغيب وترك التجربة ونسبة ما يحصل لنا مما فيه فتنة إلى أنفسنا بتقصيرنا، وكنا كلما حصل لنا ما يزلزل نقول: هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ولا يزيدنا ذلك إلا إيماناً وتسليماً، وانتظرتم أيضاً الدوائر بأهل الإيمان لتظهروا النفاق "(1).
... وبنحو عبارات من ذكرت جاء كلام كل من: البغوي(2)، والفخر الرازي(3)، والخازن(4)، وأبي حيان(5)، وابن كثير(6)، والثعالبي(7).
تعقيب الباحث:
... يظهر -والله أعلم- أن الراجح هو ما ذهب إليه الشنقيطي والموافقون، من أن التربص يراد به تربص المنافقين بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين معه الدوائر، فيتربصون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأتيه الموت فيستريحوا، ويتربصون بالمؤمنين أن تنزل عليهم المصائب ونوائب الدهر، يدل لذلك أمور:
1- أن تفسير القرآن بالقرآن هو أحسن وأفضل أنواع التفسير(8)، والقول المذكور قد دلت عليه آيات من كتاب الله - عز وجل - ، كقوله تعالى: { z`دBur ة>#{ ôمF{$# `tB ند‚Gtƒ $tB ك,دےZمƒ $YBtچَّtB كب/uژtItƒur â/ن3خ/ tچح !#urO$!$# } [سورة التوبة: 98]، وقوله تعالى: { كب/uژtI¯R ¾دmخ/ |=÷ƒu' بbqمZyJّ9$# } [سورة الطور: 30].
__________
(1) نظم الدرر للبقاعي (19/276).
(2) مختصر البغوي (2/925).
(3) التفسير الكبير للفخر الرازي (10/459).
(4) لباب التأويل للخازن (7/29).
(5) البحر المحيط لأبي حيان (10/107).
(6) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/309).
(7) جواهر الحسان للثعالبي (3/265).
(8) شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص(127).(1/267)
2- أن هذا التفسير هو المناسب لسياق الآية، فإن قوله تعالى ((وارتبتم)) يراد به " شككتم في توحيد الله - عز وجل - وفي نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - "(1)، ومجيء لفظ ((ارتبتم)) بعد لفظ ((تربصتم)) يناسبه أن يكون معنى التربص هو تربصهم الدوائر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين، فإن شكّهم في أمر الدين والنبوة هو الذي يدفعهم إلى هذا التربص، فيظنوا أنه إن مات النبي - صلى الله عليه وسلم - أو انهزم المسلمون؛ فيستريحوا ويبقوا على كفرهم ولا يدخلوا في الإسلام ولا يريدونه. ودلالة السياق على المعنى الراجح قاعدة متبعة عند المفسرين(2).
3- وأخيراً كثرة القائلين به يشبه أن يكون إجماعاً منهم على صحته ورجحانه. والله أعلم بالصواب.
- - -
المراد بأمر الله - عز وجل -
99- قوله تعالى: { ِNهktXrكٹ$uZمƒ ِNs9r& `ن3tR ِNن3yè¨B (#qن9$s% 4'n?t/ ِ/ن3¨Zإ3"s9ur َOçG^tGsù ِNن3|،àےRr& ÷Lنêَء/tچs?ur َOçGِ;s?ِ'$#ur مNن3ّ?چxîur گ'خT$tBF{$# 4س®Lym uن!%y` âگِDr& "!$# Nن.چxîur "!$$خ/ â'rمچtَّ9$# اتحب } [سورة الحديد: 14].
مجمل الأقوال الواردة:
1- أن المراد بأمر الله - عز وجل - : الموت.
2- أو يكون المراد: إلقاؤهم في النار.
3- أو أن يكون المراد بأمر الله - عز وجل - : نصرة نبيّه - صلى الله عليه وسلم - (3).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " وقوله ((حتى جاء أمر الله)) الأظهر أنه الموت؛ لأنه ينقطع به العمل "(4).
الموافقون:
... عدد كبير من المفسرين ذهبوا إلى مثل ما ذهب إليه الشنقيطي، ورجحوا أن المراد بأمر الله - عز وجل - في هذه الآية: هو الموت، منهم:
__________
(1) جامع البيان للطبري (27/130).
(2) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (1/125).
(3) الأقوال الثلاثة مجتمعة ذكرها القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (17/247).
(4) أضواء البيان للشنقيطي (7/810).(1/268)
1- الطبري(1). ... 2- الواحدي(2). ... ... 3- البغوي(3).
4- النسفي(4). ... 5- الزمخشري(5). ... ... 6- الفخر الرازي(6).
7- أبوحيان (7). ... 8- ابن كثير (8). ... ... 9- البيضاوي(9).
10- المحلي(10). ... 11- البقاعي(11). ... ... 12- الألوسي(12).
13- السعدي(13). ... ... 14- ابن عاشور(14).
... ولم يرجح في هذا الموضع أحدٌ قولاً آخر.
ولكن بعض المفسرين ذكروا تحت تفسيرهم للآية القولان الأول والثاني " الموت أو إلقاء المنافقين في النار " معتبرين القولين معاً معنىً للآية، منهم:
1- الماوردي(15). ... ... 2- ابن الجوزي(16). ... ... 3- الخازن(17).
... وبعض آخر ذكروا القولين الأول والثالث " الموت، أو نصرة النبي - صلى الله عليه وسلم - " على اعتبار صلاحية القولين معنىً للآية، منهم:
1- ابن جزي(18). ... ... 2- الثعالبي(19).
... وبعض أخير ذكروا الأقوال الثلاثة كلها " الموت، أو إلقاء المنافقين في النار، أو نصرة النبي - صلى الله عليه وسلم - " على أنها محتملة للآية، منهم:
__________
(1) جامع البيان للطبري (27/130).
(2) الوجيز للواحدي (2/1068).
(3) مختصر البغوي (2/925).
(4) مدارك التنزيل للنسفي (4/170).
(5) الكشاف للزمخشري (4/463).
(6) التفسير الكبير للفخر الرازي (10/459).
(7) البحر المحيط لأبي حيان (10/107).
(8) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/309).
(9) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/248).
(10) تفسير الجلالين ص(457).
(11) نظم الدرر للبقاعي (19/277).
(12) روح المعاني للألوسي (27/178).
(13) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(840).
(14) التحرير والتنوير لابن عاشور (27/387).
(15) النكت والعيون للماوردي (5/476).
(16) زاد المسير لابن الجوزي (7/304).
(17) لباب التأويل للخازن (7/29).
(18) التسهيل لابن جزي (4/178).
(19) جواهر الحسان للثعالبي (4/265).(1/269)
1- القرطبي(1). ... ... 2- الشوكاني(2). ... ... 3- القنوجي(3).
تعقيب الباحث:
... يظهر -والله أعلم- أن الراجح هو ما رجحه الشنقيطي والموافقون، وأن المراد بأمر الله - عز وجل - في الآية: الموت، يدل لذلك:
1- أن هذا القول هو ما رجحه جمهور من المفسرين على مر العصور؛ من ابن جرير الطبري في أواخر القرن الثالث الهجري إلى الشنقيطي وابن عاشور في أواخر القرن الرابع عشر الهجري.
2- أن هذا المعنى هو المناسب لسياق الآية، فإن الغاية التي تقف عندها -إجبارياً- أماني الإنسان وآماله عموماً هو الموت، يقول تعالى: { مNن3ّ?چxîur گ'خT$tBF{$# 4س®Lym uن!%y` âگِDr& "!$# } [سورة الحديد: 14].
3- حتى الذين لم يرجحوا ما رجحه الشنقيطي، واكتفوا بسرد الأقوال كلها أو بعضها، اتفقوا جميعاً على أن أبرز المعاني لقوله ((أمر الله)) هو الموت. فيتضح من هذا أن أظهر المعاني وأول ما يتبادر إلى الذهن عند بيان المراد بأمر الله - عز وجل - أن يفسر بأنه الموت. والله أعلم بالصواب.
- - -
مَنْ المقصود؟ مؤمني هذه الأمة أو مؤمني أهل الكتاب
100- قوله تعالى: { $pkڑ‰r'¯"tƒ tûïد%©!$# (#qمZtB#uن (#qà)®?$# ©!$# (#qمZدB#uنur ¾د&خ!qك™tچخ/ ِNن3د?÷sمƒ بû÷,s#ّےد. `دB ¾دmدGyJôm' @yèّgs†ur ِNà6©9 #Y'qçR tbqà±ôJs? ¾دmخ/ ِچدےَّtƒur ِNن3s9 ھ!$#ur ض'qàےxî ×Lىدm' اثرب } [سورة الحديد: 28].
مجمل الأقوال الواردة:
... اختلف في الخطاب المذكور في قوله تعالى ((يا أيها الذين آمنوا...)) في آية سورة الحديد هذه على قولين:
1- أن الخطاب يراد به عموم المؤمنين من هذه الأمة، أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - .
2- أن الخطاب يراد به أهل الكتاب من اليهود والنصارى(4).
ترجيح الشنقيطي:
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (17/247).
(2) فتح القدير للشوكاني (5/168).
(3) فتح البيان للقنوجي (13/410).
(4) القولان ذكرهما ابن كثير في تفسير القرآن العظيم (4/317).(1/270)
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " التحقيق أن هذه الآية الكريمة من سورة الحديد في المؤمنين من هذه الأمة، وأن سياقها واضح في ذلك، وأن من زعم من أهل العلم أنها في أهل الكتاب فقد غلط، وأن ما وعد الله - عز وجل - به المؤمنين من هذه الأمة أعظم مما وعد به مؤمني أهل الكتاب وإتيانهم أجرهم مرتين؛ كما قال تعالى فيهم: { z`ƒد%©!$# مNكg"uZ÷ s?#uن |="tGإ3ّ9$# `دB ¾د&خ#ِ7s% Nèd ¾دmخ/ tbqمZدB÷sمƒ اخثب #sŒخ)ur 4'n=÷Fمƒ ِNحkِژn=tم (# qن9$s% $¨ZtB#uن ے¾دmخ/ çm¯Rخ) ',ysّ9$# `دB !$uZخn/' $¯Rخ) $¨Zن. `دB ¾د&خ#ِ7s% tûüدJخ=َ،مB اخجب y7ح´¯"s9'ré& tbِqs?÷sمƒ Nèdtچô_r& بû÷üs?چ¨B... } [سورة القصص: 52-54]، وكون ما وعد به المؤمنين من هذه الأمة أعظم؛ أن إيتاء أهل الكتاب أجرهم مرتين أعطى المؤمنين من هذه الأمة مثله كما بينه بقوله: ((يؤتكم كفلين من رحمته)) وزادهم بقوله ((ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم)) "(1).
... الشيخ الشنقيطي رجح أن المراد: المؤمنين من هذه الأمة، أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - .
الموافقون:
... مثل ترجيح الشنقيطي؛ رجّح أن الخطاب موجّه إلى مؤمني هذه الأمة، عدد قليل من المفسرين، منهم:
1- أبوحيان: " ((يا أيها الذين آمنوا)) الظاهر أنه نداء لمن آمن من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فمعنى آمنوا: دوموا واثبتوا "(2).
2- الألوسي(3). ... ... 3- السعدي(4). ... ... ... 4- سيد قطب(5).
... وكلام الألوسي والسعدي وسيد قطب يشبه كلام أبي حيان.
المخالفون:
... الذين رجحوا أن الخطاب يراد به أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فهم عدد كبير من المفسرين، منهم:
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/816).
(2) البحر المحيط لأبي حيان (10/116).
(3) روح المعاني للألوسي (27/193).
(4) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(843).
(5) في ظلال القرآن لسيد قطب (6/3496).(1/271)
1- الطبري: " ((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم)) يقول تعالى ذكره يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله من أهل الكتابين التوراة والإنجيل؛ خافوا الله - عز وجل - بأداء طاعته واجتناب معاصيه، وآمنوا برسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - "(1).
2- الماوردي(2). ... ... 3- البغوي(3). ... ... 4- النسفي(4). ...
5- النيسابوري(5). ... ... 6- ابن الجوزي(6). ... ... 7- الفخر الرازي(7).
8- القرطبي(8). ... ... 9- الخازن(9). ... ... ... 10- ابن جزي(10).
11- البيضاوي(11). ... ... 12- المحلي(12). ... ... 13- البقاعي(13).
والذين لم أذكر كلامهم فإنه لا يخرج في مجمله عما قاله الطبري.
تعقيب الباحث:
... يظهر -والله أعلم- أن الراجح كون الخطاب في هذه الآية يراد به من آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من مؤمني أهل الكتاب ودخل في الإسلام مصدقاً بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وبما جاء به من القرآن الكريم، يظهر هذا واضحاً من سياق الآيات، فإن " إدخال الكلام في معاني ما قبله وما بعد أولى به من الخروج عنه "(14)، واستناداً إلى هذه القاعدة الترجيحية؛ يترجح ما ذهب إليه الإمام الطبري ومن معه: من كون الخطاب يراد به من آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من أهل الكتاب.
__________
(1) جامع البيان للطبري (27/140).
(2) النكت والعيون للماوردي (5/485).
(3) مختصر البغوي (2/928).
(4) مدارك التنزيل للنسفي (4/174).
(5) إيجاز البيان للنيسابوري (2/246).
(6) زاد المسير لابن الجوزي (7/312).
(7) التفسير الكبير للفخر الرازي (10/475).
(8) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (17/266).
(9) لباب التأويل للخازن (7/34).
(10) التسهيل لابن جزي (4/183).
(11) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/250).
(12) تفسير الجلالين ص(459).
(13) نظم الدرر للبقاعي (19/324).
(14) قواعد التفسير لخالد السبت (1/249).(1/272)
... أيضاً ما ورد في سورة القصص؛ وهو قوله تعالى: { z`ƒد%©!$# مNكg"uZ÷ s?#uن |="tGإ3ّ9$# `دB ¾د&خ#ِ7s% Nèd ¾دmخ/ tbqمZدB÷sمƒ اخثب #sŒخ)ur 4'n=÷Fمƒ ِNحkِژn=tم (# qن9$s% $¨ZtB#uن ے¾دmخ/ çm¯Rخ) ',ysّ9$# `دB !$uZخn/' $¯Rخ) $¨Zن. `دB ¾د&خ#ِ7s% tûüدJخ=َ،مB اخجب y7ح´¯"s9'ré& tbِqs?÷sمƒ Nèdtچô_r& بû÷üs?چ¨B... } [سورة القصص: 52-54] يؤيد إرادة هذا المعنى في سورة الحديد هنا، وهذا من " تفسير القرآن بالقرآن، أحسن أنواع التفسير "(1).
كذلك دلالة الحديث الصحيح؛ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي فأمن به واتبعه وصدقه فله أجران، وعبد مملوك أدّى حق الله تعالى وحق سيده فله أجران، ورجل كانت له أمة فغذاها فأحسن غذاءها ثم أدّبها فأحسن أدبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران "(2)، وصحة الحديث " مرجحة لما يؤيده من معنى الآية "(3).
ومما يرجح هذا القول أيضاً كونه اختيار عامة المفسرين،يقول ابن الجوزي: " عامة المفسرين على أن هذا الخطاب لليهود والنصارى "(4). والله أعلم الصواب.
- - -
المراد بقوله تعالى { (#r'‰|ءsù `tم ب@خ6y™ "!$# }
101- قوله تعالى: { (#ےrنsƒھB$# ِNهks]"yJ÷ƒr& Zp¨Zم_ (#r'‰|ءsù `tم ب@خ6y™ "!$# َOكgn=sù ز>#xtم ×ûüخgoB اتدب } [سورة المجادلة: 16].
مجمل الأقوال الواردة:
... اختلف في المراد بقوله تعالى -عن المنافقين- ((فصدوا عن سبيل الله)) على أقوال:
__________
(1) شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص(127).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد، باب فضل من أسلم من أهل الكتابين، فتح الباري (6/145)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ، صحيح مسلم بشرح النووي (2/186).
... وانظر: جامع البيان (8/60) كتاب العتق.
(3) قواعد الترجيح عند المفسرين (1/206).
(4) زاد المسير لابن الجوزي (7/312).(1/273)
1- أن المعنى: صدّوا الناس عن دين الإسلام.
2- أن المعنى: صدّوا المؤمنين عن جهادهم بالقتل وأخذ ما لهم(1).
وهذان المعنيان (1+2) مبنيان على أن (صدوا) هي المتعدية.
3- أو يكون المعنى: صدوا أنفسهم عن سبيل الله - عز وجل - ، بمعنى: أعرضوا عن دين الإسلام(2).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن المنافقين اتخذوا أيمانهم جنة، والأيمان جمع يمين؛ وهي الحلف، والجُنَّة هي الترس الذي يتقي به المقاتل وقع السلاح، والمعنى أنهم جعلوا الأيمان الكاذبة، وهي حلفهم للمسلمين أنهم معهم وأنهم مخلصون في باطن الأمر، ترساً لهم يتقون به الشر الذي ينزل بهم لو صرحوا بكفرهم.
وقوله تعالى: ((فصدوا عن سبيل الله)) الظاهر أنه من صد المتعدية، وأن المفعول محذوف أي فصدوا غيرهم ممن أطاعهم؛ لأن صدودهم في أنفسهم دل عليه قوله ((اتخذوا أيمانهم جنة))، والحمل على التأسيس أولى من الحمل على التأكيد.
__________
(1) القولان (1+2) ذكرهما ابن الجوزي في زاد المسير (7/327).
(2) ذكره أبوحيان في البحر المحيط (10/130).(1/274)
وهذان الأمران اللذان تضمنتها هذه الآية الكريمة؛ وهما كون المنافقين يحلفون الأيمان الكاذبة لتكون لهم جنة، وأنهم يصدون غيرهم عن سبيل الله - عز وجل - ؛ جاءا موضحين في آيات أخر من كتاب الله تعالى. أما أيمانهم الكاذبة فقد بينها الله جل وعلا في آيات كثيرة، كقوله تعالى في هذه السورة { tbqàےخ=ّts†ur 'n?tم ة>ةs3ّ9$# ِNèdur tbqكJn=ôètƒ } [سورة المجادلة: 14]، وقوله تعالى { ڑcqàےخ=ّts† "!$$خ/ ِNن3s9 ِNà2qàت÷ژمچد9 ھ!$#ur ے¼م&è!qك™u'ur ژYymr& br& çnqàتِچمƒ } [سورة التوبة: 62[، وقوله تعالى: { tbqàےخ=َsuy™ "!$$خ/ ِNà6s9 #sŒخ) َOçFِ6n=s)R$# ِNحkِژs9خ) (#qàتجچ÷èçFد9 ِNهk÷]tم (#qàتجچôمr'sù ِNهk÷]tم ِNهk¨Xخ) سô_ح' َOكg1urù'tBur قO¨Yygy_ } [سورة التوبة: 95]، وقوله تعالى: { ڑcqàےخ=َsuy™ur "!$$خ/ بqs9 $oY÷èsـtFَ™$# $uZô_tچsƒm: ِNن3yètB tbqن3خ=ِkç‰ ِNهk|¦àےRr& ھ!$#ur مNn=÷ètƒ ِNهk¨Xخ) tbqç/ة"s3s9 } [سورة التوبة: 42]، وقوله تعالى: { (#ےrنsƒھB$# ِNهks]"yJ÷ƒr& Zp¨Zم_ (#r'‰|ءsù `tم ب@خ6y™ "!$# ِNهk¨Xخ) uن!$y™ $tB (#qçR%x. tbqè=yJ÷ètƒ اثب } [سورة المنافقون: 2].(1/275)
وأما صدهم من أطاعهم عن سبيل الله فقد بينه الله - عز وجل - في آيات من كتابه كقوله تعالى { * ô‰s% قOn=÷ètƒ ھ!$# tûüد%بhqyèكJّ9$# َOن3ZدB tû,خ#ح !$s)ّ9$#ur ِNخgدR؛uq÷z\} Nè=yd $uZّٹs9خ) } [سورة الأحزاب: 18]، وقوله تعالى: { $pkڑ‰r'¯"tƒ tûïد%©!$# (#qمYtB#uن ںw (#qçRqن3s? tûïد%©!$%x. (#rمچxےx. (#qن9$s%ur ِNخgدR؛uq÷z\} #sŒخ) (#qç/uژںر 'خû اعِ'F{$# ÷rr& (#qçR%x. "x"نî ِq©9 (#qçR%x. $tRy‰Yدم $tB (#qè?$tB $tBur (#qè=دFè% } [سورة آل عمران: 156]، وقوله تعالى: { tûïد%©!$# (#qن9$s% ِNحkحX؛uq÷z\} (#rك‰yès%ur ِqs9 $tRqمم$sغr& $tB (#qè=دFè% } [سورة آل عمران: 168]، وقوله تعالى: { ¨bخ)ur َOن3ZدB `yJs9 ¨ûsôدeـt7م©9 } [سورة النساء: 72] "(1).
الشيخ الشنقيطي يرى أن المراد بقوله تعالى ((فصدوا عن سبيل الله)): صدوا غيرهم عن دين الإسلام، على أن (صدّ) متعدية.
الموافقون:
رجح أن معنى ((فصدوا عن سبيل الله)) أي أن المنافقين يصدون الناس عن طاعة الله - عز وجل - والإيمان به، بتثبيطهم عن الدخول في الإسلام؛ عدد غير قليل من المفسرين، وهو المعنى الذي ذهب إليه الشنقيطي، منهم:
1- النسفي(2). ... ... 2- الزمخشري(3). ... ... 3- الفخر الرازي(4). ...
4- ابن كثير(5). ... ... 5- البيضاوي(6). ... ... 6- البقاعي(7).
7- الألوسي(8). ... ... ... 8- السعدي(9).
المخالفون:
__________
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/821).
(2) مدارك التنزيل للنسفي (4/178).
(3) الكشاف للزمخشري (4/483).
(4) التفسير الكبير للفخر الرازي (10/497).
(5) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/328).
(6) أنوار التنزيل للبيضاوي (2/253).
(7) نظم الدرر للبقاعي (19/388).
(8) روح المعاني للألوسي (28/33).
(9) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(847).(1/276)
... قليل من المفسرين رجحوا أن المراد بقوله تعالى ((فصدوا عن سبيل الله)) أي صدوا المؤمنين عن جهادهم بالقتل وأخذ أموالهم، وذلك لأنهم كفرة؛ وحكم الله - عز وجل - وسبيله في أهل الكفر به من أهل الكتاب القتل أو أخذ الجزية، وفي عبدة الأوثان القتل، فمن هؤلاء المفسرين:
1- الطبري(1). ... ... 2- البغوي(2). ... ... 3- ابن جزي(3). ...
4- المحلي(4).
تعقيب الباحث:
... الظاهر -والله أعلم- أن معنى ((فصدوا عن سبيل الله)) أي صدوا غيرهم من الناس عن سبيل الله - عز وجل - والإيمان به، وذلك بتثبيطهم عن الدخول في دين الإسلام الصحيح؛ يدل لذلك:
1- أن صدودهم بأنفسهم عن الإسلام الصحيح قد دل عليه قوله تعالى ((اتخذوا أيمانهم جنة)) فكونهم يحلفون بأنهم مسلمون ليوهموا الناس أنهم مسلمين وهم يعلمون في قرارة أنفسهم أنهم ليسوا مسلمين الإسلام الصحيح، وحمل ((فصدوا عن سبيل الله)) على صدودهم وإعراضهم بأنفسهم يكون تكراراً في الآية، وأما حمله على صدهم لغيرهم من الناس يفيد معنى جديداً. " وإذا دار الكلام بين التأسيس والتأكيد فحمله على التأسيس أولى "(5) هذه قاعدة يرجح بها المفسرون بين الأقوال.
__________
(1) جامع البيان للطبري (28/17).
(2) مختصر البغوي (2/932).
(3) التسهيل لابن جزي (4/193).
(4) تفسير الجلالين ص(461).
(5) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (2/473).(1/277)
2- إلحاقاً للنقطة السابقة؛ وبناء على نفس القاعدة الترجيحية " الحمل على التأسيس أولى " يترجح القول بأن ((صدوا عن سبيل الله)) يراد به صدهم غيرهم عن الدخول في الإسلام، على أن يراد به صدهم المؤمنين عن جهادهم بالقتل وأخذ أموالهم؛ لأن هذا المعنى الأخير قد أفاده قوله تعالى ((جُنَّة))، فإن " أصل الجنة ما يستتر به ويتقى به المحذور(1) كالترس، ثم استعمل هنا استعارة لأنهم كانوا يظهرون الإسلام لتعصم دماؤهم وأموالهم "(2). فلفظ ((جُنَّة)) أفاد صدّهم المؤمنين عن قتالهم وأخذ أموالهم، ولفظ ((فصدوا عن سبيل الله)) أفاد صدهم غيرهم عن الدخول في الإسلام؛ وهذا المعنى هو الأولى. والله أعلم بالصواب.
- - -
الخاتمة
بعد هذه الجولة الممتعة مع ترجيحات الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- في تفسيره " أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن " أخلص إلى عدد من النتائج، أهمها:
1- غزارة علم الشيخ الشنقيطي -رحمه الله- وتضلعه بكثير من العلوم كاللغة العربية والفقه والأصول والبلاغة وغيرها.
2- إتقانه لأفضل وأقوى وأحسن أنواع التفسير، تفسير القرآن بالقرآن، وهو المقصد الأساسي من تأليف كتابه أضواء البيان.
3- براعته في استخدام ألفاظ الترجيح، فيستخدم عند كل ترجيح اللفظ المناسب الذي يعطي ترجيحه قوته ومكانته المناسبة.
4- استناد ترجيحاته على القواعد المعتبرة المقررة لدى علماء التفسير، والتي يقررها هو أيضاً، إلا ما ندر.
5- درجات التفسير بالمأثور حاضرة في عمل الشيخ الشنقيطي -رحمه الله- في تفسيره أضواء البيان، فما لم تفسر الآية بآيات أخرى، وصح حديث في بيان أحد الأقوال الواردة، فهو مرجّح عنده على غيره.. ثم بعده ما فسره الصحابة وأجمعوا عليه... وهكذا.
6- تحرّيه للصواب المؤيد بالدليل، وعدم تعصبه لمذهب أو شخص معين.
__________
(1) انظر: القاموس المحيط للفيروز آبادي ص(1532)، باب النون فصل الجيم.
(2) التسهيل لابن جزي (4/193).(1/278)
7- ما أجمع عليه جمهور أئمة التفسير من السلف مرجّح عنده على ما شذ عنهم.
8- إن النظر في أقوال العلماء، ودراستها، ومقارنتها، بالنظر في أدلة كل قول ومدى قوته ورجحانه على غيره؛ هذا النوع من الدراسة ينمّي في الطالب ملكة مناقشة الآراء المختلفة وسبر أغوارها والحكم عليها.
... وفي الختام لا يسعني إلا أن أتقدم إلى الله - عز وجل - بالحمد والثناء على ما مَنّ به عليّ من إتمام كتابة هذا البحث، فلله - عز وجل - وحده الفضل والمنة، واسأله - عز وجل - أن يغفر لي ما فيه من خطأ وزلل، وأن يتقبل مني، ويجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم.
وأختم بقول الشاعر:
كتبت وقد أيقنت لا شك أنني ... ستفنى يدي يوماً ويبقى كتابيا
وأيقنت أن الله سائلها غداً ... فيا ليت شعري ما يكون جوابيا
وقول الشاعر:
يا ناظر الخط فاستغفر لمن كتبا ... فقد كفتك يداه النسخ والتعبا(1)
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، واعف عنا إنك أنت العفو الكريم الرحيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.
__________
(1) استفدت الأبيات المذكورة من كتاب: بلاد شنقيط، المنارة والرباط، للخليل النحوي، ص(236)، ولم يحدد قائلي الأبيات.(1/279)
الفهارس
1- فهرس الآيات القرآنية (مواضع الترجيح)
2- فهرس الآيات القرآنية (الواردة في الرسالة عموماً)
3- فهرس الأحاديث
4- فهرس الأشعار
5- فهرس الأعلام
6- فهرس المصادر والمراجع
7- فهرس الموضوعات
فهرس الآيات (مواضع الترجيح)
الآية ... رقمها ... الصفحة
سورة النور
{ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) } ... 3 ... 137
{ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) } ... 8 ... 155
{ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) } ... 22 ... 159
{ يَوْمَئِذٍ مNخkژدjùuqمƒ اللَّهُ مNكgsYƒدٹ الْحَقَّ } ... 25 ... 166
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ 4س®Lxm (#qف،دSù'tGَ،n@ وَتُسَلِّمُوا عَلَى $ygد=÷dr& ِNن3د9¨sŒ ضژِچyz لَكُمْ ِNن3¯=yès9 ڑcrمچھ.xs? (27) } ... 27 ... 172
{ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا uچygsك مِنْهَا } ... 31 ... 184
{ وَمَنْ £`'gdحچُ3مƒ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ £`خgدd¨uچّ.خ) غَفُورٌ رَحِيمٌ } ... 33
{ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ } ... 37
{ مNهku‰ح"ôfuد9 اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا Nèdy‰ƒح"tƒur مِنْ ¾د&ح#ôزsù } ... 38
{ أَلَمْ uچs? أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي دN¨uq"uK،،9$# وَالْأَرْضِ مژِچ©ـ9$#ur صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ zNد=tو صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ 7Lىد=tو بِمَا يَفْعَلُونَ (41) } ... 41 ... 219
{(1/1)
لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ ِNن3sY÷ t/ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ ے¾دnحگِDr& أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) } ... 63 ... 225، 234
سورة الفرقان
{ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3) } ... 3 ... 242
{ وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8) } ... 8 ... 257
{ انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9) } ... 9 ... ، 257
{ إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12) } ... 12
{ وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا tûüدRچs)-B دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) } ... 13
{ قُلْ y7د9¨sŒr& يژِچyz أَمْ جَنَّةُ د$ù#èƒù:$# الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ [ن!#u"y_ #[ژچإءtBur (15) } ... 15
{ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ tûïد$ح#"yz كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16) } ... 16
{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) } ... 17
{ يَوْمَ tb÷ruچtƒ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ tûüدBحچôfكJù=دj9 وَيَقُولُونَ #Xچôfدm مَحْجُورًا (22) } ... 22 ... 314
{ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ سة_tFّn="tƒ اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى سة_tFّs9 لَمْ أَتَّخِذْ $¸Rںxèù Wxٹد=yz (28) لَقَدْ سة_¯=|تr& عَنِ حچٍ2دe%!$# بَعْدَ إِذْ 'دTuن!$y_ } ... 27-29 ... ، 326
{(1/2)
وَعَادًا وَثَمُودَ |="utُ¾r&ur الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ y7د9¨sŒ #[ژچدVx. (38) } ... 38
{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50) } ... 50
{ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا } ... 55
{ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِن عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) } ... 65
{ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) } ... 67
{ وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) } ... 73
{ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ 'دn1u' لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ $JB#u"د9 (77) } ... 77 ... 377
سورة الشعراء
{ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) } ... 19
{ قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ tû,دk!!$ز9$# (20) } ... 20
{ فَوَهَبَ لِي 'دn1u' حُكْمًا سة_n=yèy_ur مِنَ tûüد=y™ِچكJّ9$# } ... 21
{ y7د9¨xx. çm"sYُ3n=y™ فِي قُلُوبِ ڑْüدBحچôfكJّ9$# (200) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ 4س®Lxm (#مruچtƒ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (201) } ... 200-201 ... 402
{ ِ@ھ.uqs?ur عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي y71uچtƒ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي tûïد‰إf"،،9$# (219) } ... 217-219
سورة النمل
{ بَلِ x8u'¨¨ٹ$# عِلْمُهُمْ فِي دouچ½zFy$# بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66) } ... 66
{ وَوَقَعَ الْقَوْلُ Nخkِژn=tم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85) } ... 85 ... 423
سورة العنكبوت
{ وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) } ... 38
سورة السجدة
{(1/3)
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا َOèd يُنْظَرُونَ (29) } ... 28-29
سورة الأحزاب
{ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) } ... 33
{ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ } ... 37
{ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) } ... 72
سورة سبأ
{ قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) } ... 27
{ وَقَالُوا آَمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52) } ... 52
سورة فاطر
{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا } ... 10
سورة يس
{ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) } ... 6
{ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) } ... 8-9
{ إِنَّا نَحْنُ ؤس÷صçR 4'sAِqpRùQ$# وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا ِNèduچ"rO#uنur وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ &ûüخ7-B (12) } ... 12
سورة الصافات
{ وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) دN¨uچإ_¨¨"9$$sù #Xچô_y- (2) دM"uٹد="G9$$sù ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ س‰دn¨uqs9 (4) رَبُّ دN¨uq"yJ،،9$# وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ ة-حچ"t±yJّ9$# (5) } ... 1-5
{(1/4)
* (#rمژà³ôm$# الَّذِينَ ظَلَمُوا ِNكgy_¨urّ-r&ur وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى إق¨uژإہ ثLىإspgù:$# (23) } ... 22-23
سورة ص
{ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) } ... 2
{ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ Oخgد=ِ7s% مِنْ قَرْنٍ (#ryٹ$sYsù وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) } ... 3
سورة الزمر
{ وَأَرْضُ اللَّهِ îpyèإ™¨ur } ... 10
{ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } ... 18
{ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } ... 69
سورة غافر
{ قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ } ... 11
{ وَقَالَ رَجُلٌ ض`دB÷s-B مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ } ... 28
سورة فصلت
{ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا دM"ysد="¢ء9$# لَهُمْ أَجْرٌ مژِچxî مَمْنُونٍ (8) } ... 8
{ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48) } ... 48
سورة الشورى
{ فَاطِرُ دN¨uq"yJ،،9$# وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ $[_¨urّ-r& وَمِنَ الْأَنْعَامِ $[_¨urّ-r& يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } ... 11
{ اللَّهُ الَّذِي tAu"Rr& الْكِتَابَ بd,utù:$$خ/ وَالْمِيزَانَ } ... 17
سورة الزخرف
{ وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ ¾دnدٹ$t6دم جُزْءًا } ... 15
{ وَقَالُوا لَوْلَا tAحh"çR هَذَا الْقُرْآَنُ عَلَى 5@م_u' مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ } ... 31-32
{ نَحْنُ $sYôJ|،s% بَيْنَهُمْ ِNهkyJt±ٹدè¨B فِي دo4quٹysّ9$# الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا $wƒحچ÷‚ك™ } ... 32
{(1/5)
* وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) (#ûqن9$s%ur $uZçFygد9¨r&uن يژِچyz أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ َOèd قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) } ... 57-58
{ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) } ... 70
سورة الجاثية
{ تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) } ... 6-8
سورة الأحقاف
{ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ } ... 9
{ وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آَمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ } ... 17-18 ... 690
{ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20) } ... 20
{ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) } ... 31
{ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ } ... 35
سورة محمد
{ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1) } ... 1
{(1/6)
فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا z>ِژ|طsù ة>$s%حhچ9$# #س®Lxm إِذَا َOèdqكJçFZsƒùRr& فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً 4س®Lxm تَضَعَ ـ>ِچutù:$# أَوْزَارَهَا } ... 4
{ فَلَا تَهِنُوا (#ûqممô‰s?ur إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35) } ... 35
سورة الفتح
{ إِنَّا $sYَstFsù لَكَ فَتْحًا $YZ خ7-B (1) } ... 1
{ ں@½zô‰مدj9 الْمُؤْمِنِينَ دM"sYدB÷sكJّ9$#ur جَنَّاتٍ "حچّgrB مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ tûïد$ح#"yz فِيهَا uچدeےx6مƒur عَنْهُمْ ِNخkجE$t"حhٹy™ وَكَانَ y7د9¨sŒ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5) وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ دM"s)دے"sYكJّ9$#ur وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ِNخkِژn=tم نouچح !#yٹ السَّوْءِ } ... 5-6 ... 764
{ * قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ (#ûqن9qè% $sYôJn=َ™r& وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا Nن3÷Gد=tƒ مِنْ ِNن3د="yJôمr& $¸"ّx© إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) } ... 14
سورة ق
{ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ ¨,utmْ وَعِيدِ } ... 14
{ قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ } ... 28-29
{ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ 7‰ƒح"¨B (30) } ... 30 ... 793
سورة الذاريات
{ دM"tƒح'¨©%!$#ur ذَرْوًا (1) دM"n=دJ"utù:$$sù #Xچّ%حr (2) دM"tƒحچ"pgù:$$sù #[ژô£ç" (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ سىد%¨uqs9 (6) } ... 1-6
{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) } ... 56
سورة الطور
{(1/7)
وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8) } ... 1-8 ... ، 834
{ وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (47) } ... 47
سورة النجم
{ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) } ... 1-4
{ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) } ... 45-46
سورة القمر
{ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) } ... 10-12
{ وَلَقَدْ جَاءَ آَلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42) } ... 41-42 ... 872
سورة الرحمن
{ خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) } ... 3-4
{ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) } ... 6
سورة الواقعة
{ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (14) } ... 13-14
{ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) } ... 35-38
{ أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73) } ... 71-73
سورة الحديد
{(1/8)
يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) } ... 14 ... ، 927
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) } ... 28
سورة المجادلة
{ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (16) } ... 16 ... 938
فهرس الآيات القرآنية
الآية ... رقمها ... الصفحة
سورة الفاتحة
{ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) } ... 7 ... 391
سورة البقرة
{ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) } ... 7 ... ، 887
{ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) } ... 10
{ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) } ... 18
{ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) } ... 28 ... ، 592، 593، 595
{ وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) } ... 35
{ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِن اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98) } ... 98
{(1/9)
قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) } ... 136
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) } ... 104 ... ، 227
{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِن اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143) } ... 143 ... ، 583، 588
{ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162) } ... 162
{ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171) } ... 171
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) } ... 178
{(1/10)
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) } ... 191
{ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) } ... 193 ... ، 744
{ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196) } ... 196 ... 51
{ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) } ... 201
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) } ... 206 ... ، 542
{(1/11)
وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) } ... 221 ... 138، 149
{ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ ِNخgح !$|،خpS تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) } ... 226 ... 159
{ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230) } ... 230 ... 148، 638
{ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) } ... 234 ... 537
{ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) } ... 235
{(1/12)
وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) } ... 237 ... 563
{ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) } ... 245
{ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِن اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) } ... 249
{ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) } ... 259
{(1/13)
مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) } ... 261 ... ، 213
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) } ... 264 ... ، 610
{ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) } ... 271
{ يَمْحَقُ اللَّهُ (#4qt/حhچ9$# وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) } ... 276
{ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281) } ... 281 ... 166
{ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى } ... 282 ... ، 395
{ آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَد مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) } ... 285
سورة آل عمران
{ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ zOٹدd¨uچِ/خ) وَآَلَ tb¨uچôJدم عَلَى الْعَالَمِينَ (33) } ... 33
{ وَمَكَرُوا uچx6tBur اللَّهُ وَاللَّهُ مژِچyz tûïحچإ3"yJّ9$# (54) } ... 54
{(1/14)
وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) } ... 57
{ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) } ... 88
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا (#qà)¨?$# اللَّهَ ¨,xm تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ tbqكJد=َ،-B (102) } ... 102
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) } ... 118
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) } ... 156
{ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164) } ... 164 ... 582
{ الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168) } ... 168
{ كُلُّ نَفْسٍ èps)ح !#sŒ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) } ... 185 ... ، 666
{(1/15)
رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) } ... 194 ... -285
سورة النساء
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) } ... 1 ... ، 621
{ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (6) } ... 6 ... ، 175، 180
{ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10) } ... 10 ... 637
{ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11) } ... 11
{(1/16)
وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18) } ... 18
{ وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) } ... 20
{ وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22) } ... 22
{ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) } ... 25
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) } ... 40 ... ، 212، 213
{ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) } ... 41
{ يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى مNخkح5 الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42) } ... 42
{(1/17)
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48) } ... 48
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِن اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56) } ... 56
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) } ... 59 ... ، 702
{ أَلَمْ uچs? إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا tAح"Ré& إِلَيْكَ وَمَا tAح"Ré& مِنْ y7د=ِ6s% tbrك‰ƒحچمƒ أَنْ (#ûqكJx.$yغtFtƒ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ (#ےrقگةDé& أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ ك‰ƒحچمƒur الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) } ... 60 ... 330
{ وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا (72) } ... 72
{ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) } ... 97 ... ، 554، 557
{ وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104) } ... 104
{(1/18)
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116) } ... 116
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116) } ... 117
{ يَعِدُهُمْ ِNخkژدiYyJمƒur وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120) } ... 120
{ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139) } ... 139
{ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) } ... 140
{ * لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148) } ... 148 ... 563
{ إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149) } ... 149
{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) } ... 150
{ أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) } ... 151
{ وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (152) } ... 152(1/19)
سورة المائدة
{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) } ... 3
{ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37) } ... 37
{ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) } ... 38
{ * يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41) } ... 41
{(1/20)
وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) } ... 45
{ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) } ... 83
{ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92) } ... 92
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95) } ... 95
{ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96) } ... 96
{ * يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109) } ... 109 ... ، 582
{(1/21)
وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) } ... 116 ... ، 297
سورة الأنعام
{ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) } ... 23
{ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30) } ... 30
{ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38) } ... 38 ... ، 516
{ قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47) } ... 47 ... ، 793
{ قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50) } ... 50 ... ، 685
{ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) } ... 68
{ أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) } ... 89
{(1/22)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) } ... 93
{ وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيد بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124) } ... 124
{ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125) } ... 125
{ يَا مَعْشَرَ اd`إgù:$# وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا $tRô‰خky عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا (#rك‰خkyur عَلَى ِNخkإ¦àےRr& أَنَّهُمْ كَانُوا ڑْïحچدے"ں2 (130) } ... 130
{ 5e@à6د9ur دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا y7ڑ/u' بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132) } ... 132
{ وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا $oYح !%x.uژà³د9 فَمَا كَانَ ِNخgح !%ں2uژà³د9 فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى َOخgح !%ں2uژà° سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136) } ... 136 ... ، 641
{(1/23)
قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) } ... 145
{ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160) } ... 160 ... ، 213
سورة الأعراف
{ وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ ڑcqè=ح !$s% (4) } ... 4
{ فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5) } ... 5
{ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) } ... 6
{ قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18) } ... 18 ... ، 790، 799
{ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا nouچyfO±9$# بَدَتْ لَهُمَا $yJهkèE¨uنِqy™ وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ $yJخkِژn=tم مِنْ وَرَقِ دp¨Ypgù:$# وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا دouچyfO±9$# وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ ×ûüخ7-B (22) } ... 22
{ * يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) } ... 31 ... ، 186، 799
{ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) } ... 32 ... ، 187، 704، 710
{(1/24)
قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) } ... 38
{ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53) } ... 53
{ إِن رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) } ... 54
{ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) } ... 57 ... ، 814، 815
{(1/25)
قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89) } ... 89
{ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145) } ... 145 ... ، 565ـ 586
{ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) } ... 158
{ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) } ... 185
{ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186) } ... 186
{ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) } ... 188 ... ، 685
{(1/26)
* هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) } ... 189
{ فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) } ... 190
{ أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) } ... 191
{ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) } ... 192
{ وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193) } ... 193
{ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194) } ... 194
{ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ (195) } ... 195
{ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) } ... 197
{ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202) } ... 202
{ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) } ... 204
سورة الأنفال
{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) } ... 2 ... ، 370، 577
{(1/27)
إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) } ... 12
{ إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) } ... 19
{ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) } ... 22
{ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) } ... 23
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَن اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) } ... 24
{ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) } ... 30
{ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِن اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) } ... 39
سورة التوبة
{ أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) } ... 13
{ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) } ... 14 ... ، 753، 842
{(1/28)
لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) } ... 42
{ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) } ... 62
{ وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) } ... 68
{ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) } ... 95
{ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ tچح !#urO$!$# عَلَيْهِمْ نotچح !#yٹ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) } ... 98 ... ، 781، 922، 926
{ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) } ... 99 ... ، 781، 818
{ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) } ... 101
{ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) } ... 124 ... ، 369، 371
{(1/29)
وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) } ... 125 ... ، 369، 371
{ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) } ... 128
سورة يونس
{ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِن هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2) } ... 2
{ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) } ... 5
{ * لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26) } ... 26
{ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28) } ... 28 ... ، 297
{ فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29) } ... 29 ... ، 297
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44) } ... 44
{ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (47) } ... 47
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) } ... 57
{(1/30)
وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65) } ... 65
{ * وَجَاوَزْنَا بِبَنِي ں@ƒدنآuژَ خ) الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو ں@ƒدنآuژَ خ) وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) } ... 90 ... ، 548، 552
{ آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) } ... 91 ... ، 436
{ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) } ... 96
{ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آَيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (97) } ... 97
{ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101) } ... 101
سورة هود
{ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) } ... 7 ... ، 820، 828
{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) } ... 15 ... ، 709
{ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16) } ... 16 ... ، 709
{ أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) } ... 20 ... ، 502
{(1/31)
وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31) } ... 31
{ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) } ... 73
{ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108) } ... 108 ... ، 609، 613
{ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) } ... 119 ... ، 783، 785، 790، 794، 796، 799
سورة يوسف
{ قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (95) } ... 95
الآية ... رقمها ... الصفحة
سورة الرعد
{ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) } ... 12 ... ، 814
{ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ ) (15) } ... 15 ... 819
{ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16) } ... 16
{(1/32)
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) } ... 23 ... ، 537، 672
{ أَفَمَنْ هُوَ يOح !$s% عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) } ... 33
سورة إبراهيم
{ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) } ... 9
{ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18) } ... 18
{ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِن اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) } ... 22 ... ، 432
{ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) } ... 49 ... ، 274
سورة الحجر
{(1/33)
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) } ... 9
سورة النحل
{ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4) } ... 4 ... ، 885
{ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) } ... 8
{ وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) } ... 16
{ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) } ... 28
{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) } ... 36
{ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) } ... 44
{ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) } ... 78
{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) } ... 89 ... ، 582
{ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96) } ... 96 ... ، 613
{(1/34)
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) } ... 97
{ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) } ... 106 ... ، 198، 201
{ أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108) } ... 108
{ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) } ... 126
سورة الإسراء
{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى } ... 1
{ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) } ... 7
{ إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } ... 9 ... ، 54، 62
{ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) } ... 13 ... ، 841
{ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) } ... 14
{ مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) } ... 15
{(1/35)
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) } ... 18 ... ، 703، 709
{ * وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) } ... 23
{ وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) } ... 26
{ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) } ... 29 ... ، 361، 506، 507
{ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) } ... 36 ... ، 886
{ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53) } ... 53
{ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) } ... 88
{ وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97) } ... 97 ... ، 512
{ وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي ں@ƒدنآuژَ خ) إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101) } ... 101
{(1/36)
قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) } ... 107
سورة الكهف
{ مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3) } ... 3
{ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) } ... 7 ... ، 187، 194، 378، 820، 828
{ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا } ... 26
{ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) } ... 29
{ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45) } ... 45
{ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46) } ... 46 ... ، 194
{ وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48) } ... 48 ... ، 421
{ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) } ... 49 ... ، 516
{ وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53) } ... 53
{(1/37)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) } ... 57 ... ، 502
{ فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) } ... 65
{ الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101) } ... 101 ... ، 502
{ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) } ... 107 ... 77، 715
{ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108) } ... 108
سورة مريم
{ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (38) } ... 38 ... ، 421، 616
{ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ ں@ƒدنآuژَ خ)ur وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ) (58) } ... 58 ... ، 577
{ أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) } ... 78
{ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) } ... 81
{ كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82) } ... 82
{ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96) } ... 96
سورة طه
{(1/38)
إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) } ... 10 ... ، 452
{ قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52) } ... 52
{ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53) } ... 53
{ قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) } ... 59
{ قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) } ... 87 ... ، 194
{ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115) } ... 115
{ فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) } ... 121
{ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) } ... 125
{ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130) } ... 130 ... ، 880
{ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131) } ... 131
سورة الأنبياء
{ بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5) } ... 5
{ وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (11) } ... 11
{(1/39)
فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12) } ... 12
{ لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) } ... 13
{ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) } ... 14
{ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15) } ... 15
{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) } ... 25
{ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) } ... 30
{ كُلُّ نَفْسٍ èps)ح !#sŒ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) } ... 35
{ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47) } ... 47
{ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) } ... 87
{ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) } ... 98
{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) } ... 107 ... ، 655
سورة الحج
{(1/40)
أَلَمْ تَرَ أَن اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ) (18) } ... 18 ... ، 890، 893
{ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) } ... 27
{ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا }ح !$t6ّ9$# الْفَقِيرَ (28) } ... 28 ... ، 51
{ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) } ... 29
{ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِن اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) } ... 40
{ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) } ... 46
{ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55) } ... 55
{(1/41)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65) } ... 65 ... ، 815
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِن الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) } ... 73
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (77) } ... 77
سورة المؤمنون
{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) } ... 1-2-3
{ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) } ... 4
{ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18) } ... 18
{ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68) } ... 68 ... ، 573
سورة النور
{ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا ×pxےح !$sغ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) } ... 2 ... ، 156، 158
{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } ... 4 ... 638
{(1/42)
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) } ... 5
{ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) } ... 24
{ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ } ... 25
{ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ } ... 28 ... ، 180
{ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) } ... 30
{ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ئخgح !$t/#uن أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ ئخgح !$oYِ/r& أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ £`خgح !$|،خS أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) } ... 31 ... ، 134، 187، 190
{(1/43)
وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) } ... 33
{ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) } ... 37 ... 87
{ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) } ... 38
{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) } ... 39
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) } ... 41 ... ، 357، 522
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ } ... 58
{(1/44)
لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) } ... 63
سورة الفرقان
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا } ... 4 ... 86، 251، 254، 260
{ # qن9$s%ur أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) } ... 5 ... 251، 254، 260
{ قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6) } ... 6 ... 254، 260
{ أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8) } ... 7 ... ، 260
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6) وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8) } ... 8 ... ، 251، 254، 260، 276، 277
{ انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9) } ... 9 ... ، 260
{(1/45)
تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (10) } ... 10 ... 276، 277
{ بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11) } ... 11 ... 277، 282
{ إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12) } ... 12 ... 277، 282
{ وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) } ... 13 ... ، 277، 282
{ لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14) } ... 14 ... ، 282
{ قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15) } ... 15
{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) } ... 17
{ قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18) } ... 18
{ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) } ... 23 ... ، 732، 733، 738
{ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا (30) } ... 30
{ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) } ... 48 ... ، 339
{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50) } ... 50
{ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) } ... 72
{(1/46)
وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) } ... 73
سورة الشعراء
{ فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) } ... 16
{ قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) } ... 20
{ فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) } ... 94ََََََََََ-95
{ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106) } ... 105-106 ... ، 875، 879
{ قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) } ... 117
{ فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) } ... 118
{ كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124) } ... 123-124 ... ، 879
{ أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166) } ... 165-166
{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) } إلى قوله: { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (159) } ... 141159
{ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) } إلى قوله: { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (175) } ... 160- 175
{ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) } إلى قوله: { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (191) } ... 176-191
{(1/47)
وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي ں@ƒدنآuژَ خ) (197) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (201) } ... 192-201 ... ، 40
{ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) } ... 217-218-219
سورة النمل
{ إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ 5>$pkإ¶خ/ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) } ... 7
{ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) } ... 80
{ وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85) } ... 85
سورة القصص
{ وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِن الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) } ... 20
{ * فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) } ... 29 ... ، 180، 452
{(1/48)
وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) } ... 46 ... ، 494
{ * وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) } ... 51 ... 573
{ `ƒد%©!$# آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) } ... 52 ... ، 936
{ وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آَمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) } ... 53 ... ، 936
{ أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54) } ... 54 ... ، 936
{ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا } ... 60 ... ، 187، 194
{ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) } ... 79 ... ، 194
{ وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ (86) } ... 86 ... ، 655
سورة العنكبوت
{ وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (18) } ... 18
{ وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25) } ... 25
{(1/49)
وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) } ... 38
{ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) } ... 56 ... ، 557
سورة الروم
{ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) } ... 6
{ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) } ... 7 ... ، 429
{ ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10) } ... 10
{ مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44) } ... 44
{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) } ... 47 ... ، 749، 753
سورة لقمان
{ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7) } ... 7
سورة السجدة
{ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) } ... 3 ... ، 494
{ وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10) } ... 10
{ وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) } ... 12 ... 417، 421، 482، 485، 616
{(1/50)
وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) } ... 13 ... 89، 424، 427 485، 691، 697، 713، 783، 785، 790، 794، 796، 799
{ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ) (15) } ... 15
{ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) } ... 21
{ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) } ... 25
{ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28) } ... 28 ... 86
{ قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) } ... 29
سورة الأحزاب
{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (7) } ... 7 ... ، 729
{ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) } ... 10 ... ، 209
{ * قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ tû,خ#ح !$s)ّ9$#ur لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) } ... 18 ... 939
{(1/51)
أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19) } ... 19 ... ، 209
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) } ... 28
{ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) } ... 33
{ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34) } ... 34
{ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ ِNخgح !$uدم÷ٹr& إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) } ... 37 ... ، 459
{ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47) } ... 47
{(1/52)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49) } ... 49
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53) } ... 53 ... ، 174
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59) } ... 59
{ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) } ... 66
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) } ... 70
{ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) } ... 71
{(1/53)
لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73) } ... 73 ... ، 470
سورة سبأ
{ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) } ... 22
{ * قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) } ... 24
{ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26) } ... 26 ... ، 437، 438
{ قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) } ... 27
{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) } ... 40 ... ، 297
{ وَمَا آَتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44) } ... 44
{ وَقَالُوا آَمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52) } ... 52
سورة فاطر
{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) } ... 10 ... ، 738
{(1/54)
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11) } ... 11 ... ، 471
{ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) } ... 15
{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) } ... 36
سورة يس
{ يس (1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) } ... 1-2-3-4-5 ... ، 838، 850، 856
{ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) } ... 7 ... ، 501، 504، 510، 790، 794
{ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) } ... 8
{ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) } ... 9
{ وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10) } ... 10 ... ، 510
{ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) } ... 65
الآية ... رقمها ... الصفحة
{ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12) } ... 12
{ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36) } ... 36 ... ، 536
{(1/55)
مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) ... 49
{ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50) } ... 50
{ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) } ... 51
{ إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) } ... 55
{ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى إ7ح !#u'F{$# مُتَّكِئُونَ (56) } ... 56 ... ، 537، 669
{ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى ِNخgدd¨uqّùr& وَتُكَلِّمُنَا ِNخk‰د‰÷ƒr& وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) } ... 65
{ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74) } ... 74
{ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75) } ... 75
{ أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) } ... 77 ... ، 885
{ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) } ... 82
سورة الصافات
{ وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5) } ... 1-2-3-4-5
{ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) } ... 6 ... ، 187، 194
{ وَيَقُولُونَ $¨Zح r& لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) } ... 36
{ وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) } ... 48
{(1/56)
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61) أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آَبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آَثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) } ... 60-70 ... ، 499
{ وَقَالَ 'دoTخ) ذَاهِبٌ إِلَى 'دn1u' بûïد‰÷kuژy™ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ tûüإsد="¢ء9$# (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ 5Oٹد=xm (101) $Hs>sù بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ 'دoTخ) أَرَى فِي الْمَنَامِ 'دoTr& أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا 2"uچs? قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ 'دTك‰إftFy™ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) çm"sY÷ƒy‰"tRur أَنْ قOٹدd¨uچِ/خ*¯"tƒ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا y7د9¨xx. "ح"ّgwU الْمُحْسِنِينَ (105) إِن هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) çm"sY÷ƒy‰sùur بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) } ... 99-107 ... ، 723
{ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166) } ... 165-166 ... ، 523
{ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) } ... 173 ... ، 753
{ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) } ... 180
سورة ص
{ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ Oخgد=ِ7s% مِنْ قَرْنٍ (#ryٹ$sYsù وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) } ... 3 ... 97
{ (#ûqç6إgx"ur أَنْ جَاءَهُمْ ض'ةZ-B مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) } ... 4
{(1/57)
إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14) } ... 14 ... 784، 790
{ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29) } ... 29 ... 17، 55
{ وَآَخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) } ... 38 ... 271، 274
{ * وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) } ... 52 ... 669
{ إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54) } ... 54 ... ، 613
{ قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) } ... 84-85 ... 783، 790، 794، 799
سورة الزمر
{ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) } ... 1 ... 575
{ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) } ... 2
{ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) } ... 3
{ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) } ... 10 ... 105، 613
{ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) } ... 17 ... 575
{ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) } ... 19
{(1/58)
أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22) } ... 22 ... 575
{ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23) } ... 23 ... ، 575، 579، 368
{ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) } ... 33 ... 575
{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) } ... 38 ... 864
{ * قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) } ... 53 ... 576
{ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) } ... 54
{ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) } ... 55
{ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) } ... 68 ... 524
{(1/59)
وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) } ... 69
{ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) } ... 71 ... 427
سورة غافر
{ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ِNخgح !$t/#uن وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) } ... 8 ... 283، 285، 286، 534، 537، 672
{ قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) } ... 11 ... 485
{ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) } ... 18 ... 208
{ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا (#ûqè=çFّ%$# uن!$sYِ/r& الَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ z`ƒحچدے"s3ّ9$# إِلَّا فِي 5@"n=|ت (25) } ... 25
{ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) } ... 28 ... 108
{(1/60)
يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) } ... 29 ... ، 604
{ وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ دQِqs)"tƒ 'دoTخ) أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ ة>#u"ômF{$# (30) } ... 30
{ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَاد وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ ك‰ƒحچمƒ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31) } ... 30
{ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40) } ... 40 ... 613
{ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) } ... 51 ... 749، 753
{ إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) } ... 71-72 ... 92، 503
{ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) } ... 84 ... 97، 435، 548
{ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85) } ... 85 ... ، 435، 548
سورة فصلت
{ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8) } ... 8 ... 96
{ وَيَوْمَ مژ|³َsمƒ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) } ... 19 ... 345
{ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ $sYّn=tم (#ûqن9$s% أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) } ... 21
{(1/61)
إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آَيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آَمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) } ... 40 ... 278
{ * إِلَيْهِ -ٹuچمƒ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ;N¨uچyJrO مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ ِNخk‰دٹ$uZمƒ أَيْنَ شُرَكَائِي (#ûqن9$s% آَذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ 7‰ٹخky (47) } ... 47 ... 619
سورة الشورى
{ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) } ... 10 ... 55
{ * شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) } ... 13 ... 721، 729
{ اللَّهُ الَّذِي tAu"Rr& الْكِتَابَ بd,utù:$$خ/ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ ز=ƒحچs% (17) } ... 17
{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20) } ... 20 ... 703، 709
{ وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) } ... 32 ... 802، 815
{ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) } ... 40 ... 563
{ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) } ... 41
{(1/62)
وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) } ... 43 ... 563
سورة الزخرف
{ حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) } ... 1-2-3-4 ... 835، 838، 850، 856
{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ دN¨uq"yJ،،9$# وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ قOٹد=yèّ9$# (9) } ... 17
{ وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) } ... 12 ... 531، 536
{ وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) } ... 15 ... 106، 641، 642
{ أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) } ... 16 ... 106، 641، 642
{ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) } ... 17 ... ، 641، 642، 645
{ أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) } ... 18 ... ، 886، 106
{ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28) } ... 28 ... 107
{ وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ (30) } ... 30 ... 654
{ وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآَنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) } ... 31
{ حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) } ... 38 ... 270، 538
{ وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39) } ... 39
{ وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ (45) } ... 45 ... 874
{(1/63)
* وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) } ... 57-58 ... 116
{ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) } ... 61
{ الَّذِينَ آَمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) } ... 69 ... 670، 672
{ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) } ... 70 ... ، 671
{ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) } ... 71
{ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) } ... 75
{ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا ِNخkِ‰y‰s9 يَكْتُبُونَ (80) } ... 80
{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) } ... 87 ... ، 864
سورة الدخان
{ حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) } ... 1-2 ... ، 838
{ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) } ... 4-5-6 ... ، 651، 655
{ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ مNن3ح !$t/#uن الْأَوَّلِينَ (8) } ... 8
{ كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) } ... 54
سورة الجاثية
{ وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آَيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9) } ... 7-8-9
{(1/64)
مِنْ ِNخgح !#u'ur جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10) } ... 10
{ * اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) } ... 12 ... ، 816
{ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) } ... 23
{ هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) } ... 29
{ وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32) } ... 32
سورة الأحقاف
{ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ َOخgح !%tوكٹ غَافِلُونَ (5) } ... 5 ... ، 297
{ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6) } ... 6 ... ، 297
{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا $sYڑ/z' اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا î$ِqyz عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ ڑcqçRu"ّts† (13) } ... 13
{ أُولَئِكَ الَّذِينَ ¨,xm عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ Oخgد=ِ6s% مِنَ اd`إgù:$# وَالْإِنْسِ ِNهk®Xخ) كَانُوا خَاسِرِينَ (18) } ... 18
{ 5e@à6د9ur دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا tbqçHs>ّàمƒ (19) } ... 19 ... ، 718
{(1/65)
وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20) } ... 20 ... ، 706، 738
{ ِژة9ô¹$$sù كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا @إf÷ètGَ،n@ لَهُمْ ِNهk®Xr(x. يَوْمَ tb÷ruچtƒ مَا يُوعَدُونَ لَمْ (#ûqèVt7ù=tƒ إِلَّا سَاعَةً مِنْ O'$pk®X بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35) } ... 35
سورة محمد
{ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1) } ... 1
{ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2) } ... 2
{ ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3) } ... 3
{ فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) } ... 4
{ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) } ... 24 ... ، 54
سورة الفتح
{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) } ... 1 ... 101
{(1/66)
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) } ... 2 ... ، 683
{ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4) } ... 4 ... ، 100
{ لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5) } ... 5
{ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ نotچح !#yٹ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6) } ... 6
{ بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12) } ... 12
سورة الحجرات
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) } ... 2 ... 55، 226، 227
{ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) } ... 3 ... ، 227
{ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) } ... 4 ... ، 227
{(1/67)
وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) } ... 5 ... ، 227
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) } ... 11
{ * قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) } ... 14
{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) } ... 15
{ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17) } ... 17
سورة ق
{ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ 8ى 7è? كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) } ... 14
{ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) } ... 18
{(1/68)
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا ×,ح !$y™ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) * قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) } ... 20-30 ... ، 209، 331، 511، 512، 588، 616، 790، 798، 784
{ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) } ... 35
سورة الذارايات
{ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) } ... 13
{ فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) } ... 35-36
{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) } ... 56 ... ، 382، 718
سورة الطور
{ مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20) } ... 20
{ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) } ... 27
{ فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) } ... 29-30 ... ، 926
{ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49) } ... 49
سورة النجم
{ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) } ... 1
{(1/69)
أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) } ... 21-22
{ وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28) } ... 28
{ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41) } ... 41 ... ، 614
{ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49) } ... 49 ... ، 858
سورة القمر
{ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5) } ... 5 ... 880
{ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) } ... 10 ... 87
{ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) } ... 11 ... ، 871
{ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) } ... 12 ... ، 871
{ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16) } ... 16
{ كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) } ... 18
{ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21) } ... 21
{ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30) } ... 30
{ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34) } ... 34
{ وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37) } ... 37
{ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39) } ... 39
{ وَلَقَدْ جَاءَ آَلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) } ... 41
{ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) } ... 49
سورة الرحمن
{ الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) } ... 1-2-3-4
{ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) } ... 6 ... 90
{ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) } ... 7 ... ، 631، 635
{ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) } ... 8 ... ، 631، 635
{ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9) } ... 9 ... ، 631، 635
{(1/70)
يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) } ... 33
{ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) } ... 46-47 ... ، 714، 715، 717
{ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) } ... 56
{ فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) } ... 70-71-72
{ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74) } ... 74
سورة الواقعة
{ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6) وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7) } ... 1-2-3-4-5-6-7 ... ، 536، 898، 903
{ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (14) } ... 13-14 ... ، 899
{ وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) } ... 22-23
{ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (40) } ... 35-40 ... ، 897، 898، 899
{ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) } ... 58-59 ... ، 863
{ * فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) } ... 75-80 ... ، 850، 856
سورة الحديد
{(1/71)
يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) } ... 14
{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) } ... 25 ... ، 631، 634، 635
سورة المجادلة
{ * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) } ... 14
{ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (16) } ... 16 ... ، 358
سورة الممتحنة
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآَتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) } ... 10 ... ، 149
سورة الصف
{ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4) } ... 4
{(1/72)
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5) } ... 5
سورة الجمعة
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) } ... 9
سورة المنافقون
{ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) } ... 2
{ يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8) } ... 8 ... ، 540، 541، 546
سورة الطلاق
{ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا } ... 2 ... 637، 704
{ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) } ... 3
سورة التحريم
{ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4) } ... 4 ... ، 873، 879
{(1/73)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) } ... 6
سورة الملك
{ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) } ... 2 ... ، 820، 828
{ إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) } ... 7-8
{ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) } ... 10 ... ، 429
{ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) } ... 14
{ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) } ... 19 ... ، 525
{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30) } ... 30
سورة القلم
{ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) } ... 48 ... ، 730
سورة الحاقة
{ إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11) } ... 11 ... ، 815
{ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ } ... 19 ... 616
{ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) } ... 20
{ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) } ... 41-42
سورة المعارج
{(1/74)
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) } ... 29-30
{ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44) } ... 44
سورة الجن
{ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) } ... 16
{ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17) } ... 17
{ لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28) } ... 28 ... ، 5166
سورة القيامة
{ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) } ... 37 ... ، 863
سورة المرسلات
{ فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6) } ... 5-6
سورة النبأ
{ فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30) } ... 30
سورة النازعات
{ فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5) } ... 5 ... ، 802، 816
سورة عبس
{ عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) } ... 1-2
{ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16) } ... 13-14-15-16
سورة التكوير
{ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) } ... 2
{ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) } ... 7
{ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) } ... 10
سورة الانفطار
{ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) } ... 2
سورة المطففين
{ كَلَّا بَلْ 2 رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) } ... 14
سورة الانشقاق
{ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25) } ... 25
سورة البروج
{ إِن الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) } ... 10
سورة الطارق
{(1/75)
إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14) } ... 13-14 ... 562
{ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17) } ... -15-16-17
سورة الأعلى
{ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) } ... 1-2-3-4
سورة البلد
{ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) } ... 8-9
سورة الليل
{ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21) } ... 17-18-19-20-21
سورة الضحى
{ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) } ... 3-4-5
{ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) } ... 7
سورة التين
{ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) } ... 1-2
{ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) } ... 6
سورة العلق
{ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) } ... 6
سورة القدر
{ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) } ... 4 ... ، 126
سورة الزلزلة
{ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) } ... 4
سورة العاديات
{ إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) } ... 6
سورة الهمزة
{ إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9) } ... 8-9
الكافرون
{ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) } ... 1-2-3
سورة النصر
{ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) } ... 1
سورة الفلق
{(1/76)
وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) } ... 4
فهرس الأحاديث
طرف الحديث ... الصفحة
" إذا أنعم الله على عبد نعمة أحب أن يرى أثره عليه " ... 366
" أذكركم الله في أهل بيتي " ... 450
" أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولون لا إله إلا الله " ... 236
" أمسك عليك زوجك واتق الله " ... 459
" إن إبراهيم حرم مكة وإني أحرّم ما بين لابتيها " ... 454
" إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة يعطي بها في الدنيا ويجزي بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسناته ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها " ... 112، 703
" إن جهنم لا تزال تقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط " ... 794، 797
" إنا معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد " ... 875
" إنما هو شيء رأيته في منامي، وما { ?كىخ7¨?r&?wخ)?$tB?#سyrqمƒ?¥'n<خ)? ? } ?" ... 679
" إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله " ... 763
" الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا " ... 778
" الصلاة يا أهل البيت الصلاة... " ... 449
" اللهم علمه الكتاب " ... 433
" اللهم فقهه في الدين " ... 433
" المرأة المحرمة تنهى عن الانتقاب والقفازين " ... 195
" ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - فآمن به واتبعه وصدّقه فله أجران، وعبد مملوك أدّى حق الله تعالى وحق سيده فله أجران، ورجل كانت له أمة فغذاها فأحسن غذاءها ثم أدّبها فأحسن أدبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران " ... 936
" خير القرون قرني ثم الذين يلونهم... " ... 897
" رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليها " ... 199، 201
" ... فلا تنكحها " ... 151
" قال نعم فإنه يبعث يوم القيامة أمة وحدة " ... 771
" ... لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " ... 148
" ما على أحدكم لو اتخذ ثوبين ثوباً لمهنته وثوباً لجمعته وعيده " ... 366(1/77)
" هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً " ... 449
" وما بدريك أن الله أكرمه " ... 688
" ومن جاءنا منهم سيجعل الله فرجاً ومخرجاً " ... 763
" ويل واد في جهنم، يهوي فيه الكافر أربعين خريفاً قبل أن يبلغ قعره " ... 677
فهرس الأشعار (حسب القافية)
الأبيات الشعرية ... الصفحة
نُعى الهدى فعلا القلوب سوادُ ... وتفطّرت لمصابها الأكبادُ ... 79
ألمٌ يعذب كل قلب في الورى ... وأسىً مرارة كَرْبهِ تزداد
كيف الهنا والنفس يملؤها الأسى ... ومن الأسى ملأ الجفون سهادُ
خطب يجلُّ عن البكاء وفجيعة ... هدّت رواسي الأرض أو لتكادُ
كل الورى في مأتم لما نعى ... الناعي الأمين نواطق وجمادُ
إلى أن قال:
يارب من أكرمته ووهبته ... للخلق أنت أخذت وهو رشادُ
عبد قضى فيك الحياة وكان مِنْ ... مَنْ زاده التقوى ونعم الزادُ
أَعْلِ المقام وعلِّ من درجاته ... ياذا الوداد ينله منك وداد
وأثِبْ لنا رفقاً بنا خلفاً له ... فالخلق محتاج وأنت جوادُ
وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي ... 791
يا دار مية بالعلياء فالسند ... أقوت وطال عليها سالف الأبد ... 914
ومما شجاني أنها يوم ودعت ... تولت وماء العين في الجفن حائر ... 35
فلما أعادت من بعيد بنظرة ... إليّ التفاتا أسلمته المحاجر
فلما أعات من بعيد بنظرة ... إليَّ التفاتا أسلمته المحاجر
وأعددت للحرب أوزارها ... رما حا طولاً وخيلاً ذكوراً ... 114
يا رسول المليك إن لساني ... راتق ما فتقت إذ أنا بور ... 309
وفي الخباء عروب غير فاحشة ... ريا الروادف يعشى دونها البصر ... 906
كأن لم يكونوا حمى يحتشى ... إذا الناس إذا ذاك من عز بز ... 540
فضل الجياد على الخيل البطاء فلا ... يعطي بذلك ممنوناً ولا نزقا ... 608
وأسلمت وجهي لمن أسلمت ... له الأرض تحمل صخراً ثقالاً ... 771
دحاها فلما استوت شدها ... جميعاً وأرسى عليها الجبالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت ... له المزن تحمل عذباً زلالا
إذا هي سيقت إلى بلدة ... أطاعت فصبت عليها سحالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت ... له الريح تصرف حالاً فحالا(1/78)
زوجتها من بنات الأوس مجزئة ... للعوسج اللدن في أبياتها زجل ... 642
يأخذن زينتهن أحسن ما ترى ... وإذا عطلن فهن خير عواطل ... 187
حييت من طلل تقادم عهده ... أقوى وأقفر بعد أم الهيثم ... 914
موت الإمام الحبر من جاكاني ... رزء ألمّ بأمّة العدناني ... 78
يا للمصيبة للبرية إنها ... فقدت عظيم مناهل العرفان
شيخا أضاء من العقيدة نيّراً ... أرساه فوق دعائم البرهان
أعشى سناه كل جهم ملحد ... نبذ الكتاب لمنطق اليونان
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله ... حاوٍ لكل تراجم الفرقان
أو ما حضرت هُنيَّةً لدروسه ... وسمعت هذا العالم الرَّبَّاني
إلى أن قال:
يا رب برّد قبره متفضلاَ ... وامنن عليه بنعمة الرضوان
إن أجزأت حرة يوماً فلا عجب ... قد تجزئ الحرة المذكار أحيانا ... 642
أتاني من الأنباء ما سَدَّ مسمعي ... فكادت لها روحي يجن جنونها ... 79
وما كنت أدري ليتني عن حفرة ... عشية سوّاها حصاها وطينها
فأجعل مثوى اللحد أشرف ربوة ... لئلا تهيل الذارياتُ غصونها
من الشيخ إن فاضت على الخد دمعتي ... أكفكفها صبراً ويأبي هَتُونها
ومن ذا الذي يسطيع إخفاء حزنه ... وقد أغرقت سفح الخدود عيونها
يعزونني إذ حلَّ في الأرض ثاوياً ... بأن الرسول البرَّ فعلا دفينها
مصاب جليل والقلوب رقيقة ... على إخوة في الله ما عيبُ لينها
إلى أن قال
ترقبته من حجِّ مكة سالماً ... فشحَّت به معلاتها وحجونها
فلا تكفروا ما قد صنعنا إليكم ... وكافوا به فالكفر بور لصانعه ... 309
سميته بخالص الجمان ... في ذكر أنساب بني عدنان ... 45
الحمد لله الذي قد ندبا ... لأن نميز البيع عن لبس الربا ... 45
ومن بالمؤلفين كتبا ... تطرد أطواد الجهالة هبا
تكشف عن عين الفؤاد الحجبا ... إذا حجاب دون علم ضربا
وضد فقر كإلى وكسحاب ... النفع والمطرب أيضاً ككتاب ... 27
وكفتى إقامة وكهنا ... جمع لغنيه لما به الغنى
تركة الميت بعد الخامس ... من خمسة محصورة عن سادس ... 46
وحصرها في الخمسة استقراء ... وانبذ لحصر العقل بالعراء
أولها الحقوق بالأعيان ... تعلّقت كالرهن أو كالجاني
وكزكاة التمر و الحبوب ... إن مات بعد زمن الوجوب(1/79)
حمداً لمن أظهر للعقول ... حقائق المنقول والمعقول ... 47
وكشف الريب عن الأذهان ... بواضح الدليل والرهان
وفتح الأبواب للألباب ... حتى استبانت ما وراء الباب
أقل معنى الجمع في المشتهر ... الا ثنان في رأي الإمام الحمير ... 873
ونحو لا شربت أو إن شربا ... واتفقوا إن مصدر قد جلبا ... 772
فهرس الأعلام (مواقع الترجمة فقط)
الاسم ... رقم الصفحة
أبوحيان، محمد بن يوسف بن علي الأندلسي ... 141
الأزرق، أبويعقوب، يوسف بن عمرو بن يسار ... 25
الأعشى، ميمون بن قيس بن جندل ... 741
الألوسي، محمود بن عبدالله الحسيني ... 395
أم العلاء بنت الحارث بن ثابت ... 688
الأنصاري، حماد بن محمد ... 75
ابن باز، عبدالعزيز بن عبدالله ... 76
أبوالبركات، النسفي، عبدالله بن أحمد بن محمود ... 157
البغوي، أبومحمد، الحسين بن مسعود ... 156
البقاعي، برهان الدين إبراهيم بن عمر ... 206
البيضاوي، ناصر الدين عبدالله بن عمر ... 143
ابن تيمية، تقي الدين أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام ... 176
الثعالبي، أبوزيد، عبدالرحمن بن محمد بن مخلوف ... 506
ابن جزي، محمد بن أحمد ... 140
الجصاص، أبوبكر أحمد بن علي ... 139
أبوجعفر، النحاس، أحمد بن محمد بن إسماعيل ... 170
الجمل، سليمان بن عمر العجيلي ... 584
ابن الجوزي أبوالفرج، عبدالرحمن بن علي بن محمد ... 142
أبوالحسن، الماوردي، علي بن محمد بن حبيب ... 496
الحكيم الترمذي، أبوعبدالله، محمد بن علي بن الحسين ... 458
ابن حنبل، أحمد بن محمد ... 38
الخازن، علاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم ... 163
ابن زاحم، عبدالله بن عبدالوهاب ... 36
الزجاج، أبوإسحاق بن السري بن سهل ... 287
الزركشي، أبوعبدالله، محمد بن بهادر ... 319
الزمخشري، جار الله محمود بن عمر بن محمد ... 163
الزهري، محمد بن مسلم بن شهاب ... 457
زهير بن أبي سلمى المزني ... 608
أبوزيد، بكر بن عبدالله ... 70
ابن زيد، عبدالرحمن بن زيد بن اسلم ... 356
زيد بن أرقم بن زيد الخزرجي ... 450
زيد بن عمرو بن نفيل العدوي ... 771
السديري، تركي بن أحمد ... 36
السديري، خالد بن أحمد ... 36(1/80)
السعدي، عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالله ... 145
آل سعود، عبدالله بن عبدالرحمن الفيصل ... 69
آل سعود، عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل ... 39
أبو السعود، محمد بن محمد بن مصطفى ... 144
السمعاني، أبوالمظفر، منصور بن محمد بن عبدالجبار ... 322
السمين الحلبي، شهاب الدين أحمد بن يوسف ... 222
سيد قطب ... 146
السيوطي، أبوالفضل، جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر ... 60
الشنقيطي، عبدالله بن الشيخ محمد الأمين ... 68
الشهاب، أحمد بن محمد بن عمر الخفاجي ... 329
الشوكاني، محمد بن علي ... 144
آل الشيخ، محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف ... 40
آل صالح، عبدالعزيز بن صالح بن ناصر ... 37
الضحاك بن مزاحم الهلالي ... 227
الطبري، أبوجعفر محمد بن جرير ... 138
طنطاوي بن جوهري المصري ... 207
ابن عاشور، محمد الطاهر بن محمد ... 147
عامر بن الطفيل ... 791
عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق ... 691
عبدالرزاق بن عفيفي بن عطية ... 43
عبدالله بن أبي بكر الصديق ... 700
عبدالله بن الزبعري بن قيس ... 309
العبكري، أبوالبقاء، عبدالله بن الحسين ... 222
أبوعبيدة، معمر بن المثنى ... 356
عثمان بن مظعون بن حبيب ... 688
ابن العربي، أبوبكر محمد بن عبدالله الأندلسي ... 147
عطاء بن أبي رباح ... 448
عطية محمد سالم ... 28
ابن عطية،أبومحمد، عبدالحق بن غالب ... 140
عكرمة، مولى ابن عباس ... 142
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ... 457
عمرو بن شعيب بن محمد بن عبدالله ... 150
عنترة بن شداد العبسي ... 914
الفخر الرازي، محمد بن عمر بن الحسين ... 168
الفراء، أبو زكريا، يحيى بن زياد ... 259
أبو الفضل، القشيري، بكر بن محمد بن العلاء ... 457
القاسمي، جمال الدين بن محمد سعيد ... 206
ابن قتيبة، عبدالله بن مسلم الدينوري ... 177
القرطبي، محمد بن أحمد بن أبي بكر ... 164
القنوجي، محمد صديق خان بن حسن بن علي ... 216
ابن القيم ، محمد بن أبي بكر بن أيوب ... 147
كثير ابن ، أبوالفداء، إسماعيل بن عمر ... 141
لبيد بن ربيعة بن مالك العامري ... 906
مالك بن أنس المدني، أبوعبدالله ... 179
المجذوب، محمد ... 48
المحلي، جلال الدين محمد بن أحمد ... 169(1/81)