دراسة بعض الترجمات لمعاني القرآن الكريم
إلى اللغة السندية
الدكتور/ عبد القيوم بن عبد الغفور السندي
تمهيد :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين، سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد :
فقد منَّ الله - عز وجل - عليَّ أن أتاح لي فرصةً كنت أترقبها منذ فترة، وأفكر في التفرغ لها والقيام بمهمتها، ألا وهي دراسة بعض الترجمات لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة السندية التي هي أغنى اللغات في شبه القارة الهندية بخدمة كتاب الله من هذه الناحية، إلى أن أعلن مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة عن ندوة علمية بعنوان :
ترجمة معاني القرآن الكريم :
تقويم للماضي، وتخطيط للمستقبل
وكلفت بالمشاركة في هذه الندوة بكتابة بحث في الموضوع الثالث من المحور الأول بعنوان :
دراسة بعض الترجمات لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة السندية.
فجزى الله القائمين على إدارة المجمع خير الجزاء لعقد هذه الندوة المباركة؛ لإبراز دور المسلمين وعلماء الإسلام في خدمة كتاب الله – من ناحية ترجمات معانيه إلى شتى لغات العالم من باب نشر تعاليم القرآن الكريم – الذين أتاحوا لي فرصة المشاركة في الندوة حسب حاجة مسلمي بلاد السند لإبراز دور علماء تلك المنطقة من بلاد الإسلام، ولهم مني كل الشكر والتقدير والدعوات الصالحة لقبول خدماتهم القرآنية والتوفيق للمزيد.
دواعي اختيار الباحث لبعض الترجمات للدراسة :(1/1)
قام مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة مشكوراً بإثارة هذا الموضوع المبارك (ترجمة معاني القرآن الكريم) واختاره عنواناً للندوة وكان موفقاً في اختياره، وأتاح فرصة ثمينة للباحثين لدراسة الجوانب المختلفة والمتعددة للموضوع المتعلق بكتاب الله تعالى، فاغتنمت الفرصة لدراسة بعض ترجمات القرآن الكريم إلى اللغة السندية لأستفيد من خلال فترة كتابة البحث من تلك الترجمات: بدراستها علمياً من ناحية، ولأعطي قراء العربية فكرة عامة عن تلك الترجمات من ناحية أخرى.
ولكن الترجمات السندية للقرآن الكريم كانت كثيرة، وطبع منها شيء كثير، وليس من السهل أن أتناولها كلها بالدراسة، فمن ثم اخترت أهمها وأنفعها وأكثرها شهرة وتداولا وقبولاً ونشراً.
كما أنني- بهذا الاختيار - اخترت نماذج متعددة من بين مثيلاتها، حيث اخترت ترجمة واحدة بالمحاورة السندية تهتم بترجمة اللفظ إلا أنها ليست حرفية، وواحدة بالمحاورة السندية غير حرفية، تشتمل على حواشٍ وتعليقات موجزة. وواحدة مقصودة غير حرفية، تشتمل على تعليقات توضيحية مهمة. وترجمة واحدة حرفية (تحت اللفظ) مع كونها بالمحاورة الأدبية. وواحدة منظومة وكاملة من بين الترجمات المنظومة باللغة السندية.
خطة البحث :
يشتمل البحث على : تمهيد، ومقدمة، وخمسة مباحث، وخاتمة.
التمهيد يحتوي على :
دواعي اختيار الباحث للموضوع.
خطة البحث.
منهج البحث.
أما المقدمة، فتشتمل على:
نبذة تاريخية عن بلاد السند وحضارتها وانضمامها إلى دولة الإسلام.
نشأة الترجمات السندية للقرآن الكريم وتطورها.
المبحث الأول : في دراسة الترجمة الأمروتية (إلهام الرحمن) للعلامة الشيخ تاج محمود الأمروتي (ت:1348هـ).
المبحث الثاني : في دراسة الترجمة الأبرائية (التفسير المنير) للعلامة الشيخ علي خان أبرو (ت: 1376هـ=1956م).
المبحث الثالث : في دراسة الترجمة المدنية للعلامة الشيخ محمد المدني (ت:1396هـ).(1/2)
المبحث الرابع : في دراسة الترجمة القرشية للعلامة الشيخ عبد الكريم القريشي (ت:1419هـ).
المبحث الخامس : في دراسة الترجمة المنظومة (نور القرآن) للشيخ أحمد الملاح (ت: 1387هـ= 1967م).
ويشتمل كل مبحث منها على مطالب :
المطلب الأول : نبذة موجزة عن حياة المترجم.
المطلب الثاني : التعريف بترجمته ومنهجه فيها.
المطلب الثالث : محاسن ترجمته للقرآن الكريم.
المطلب الرابع : ملاحظات على ترجمته - إن وجدت -، وتشمل :
الملاحظات العقدية.
الملاحظات العلمية.
الملاحظات الأدبية.
وأخيراً : الخاتمة في النتائج التي توصلت إليها خلال دراستي للموضوع.
منهج البحث :
رتبت دراسة الترجمات حسب الأقدمية من حيث وفيات أصحابها.
غير أنني أخَّرت دراسة الترجمة المنظومة لكونها فريدة في بابها، فهي منظومة، وما قبلها نثرية.
أعطي القارئ أولا فكرة موجزة عن حياة صاحب الترجمة، ثم أتكلم على عمله (الترجمة) من النواحي المختلفة، فأعرِّف بها أولا ثم أذكر منهجه فيها باختصار، ثم أتكلم على محاسن تلك الترجمة، وأبدي مرئياتي في ذلك حسب توصلي إلى الحقيقة، وأخيراً أبدي ملاحظاتي عليها -إن وجدت فيها- عقدية كانت أو علمية أو أدبية، وأبدي في ذلك ما يتراءى لي حسبما توصَّلت إليه فيما اجتهدت فيه، وهي تمثل وجهة نظر، لست أدعي استقصاءها، ولا صوابها من جميع النواحي.
ترجمت باختصار للأعلام الذين ورد ذكرهم في ثنايا البحث، إلا من لم أطلع على ترجمته.
عزوت الآيات القرآنية إلى سورها مع ذكر أرقامها في صلب البحث بعد كتابة نص الآية مباشرة، وذلك تخفيفاً للحواشي.
حاولت أن أقلل من الأمثلة باللغة السندية لصعوبة كتابتها بالبرنامج العربي للحاسب الآلي.
عملت في آخر البحث فهرساً للمراجع وآخر للموضوعات.(1/3)
وقد عانى الباحث من مشكلة عدم توافر أي مرجع عربي في الموضوع، وعدم توافر أغلب المراجع السندية كذلك، ورغم ذلك فقد بذلت غاية مجهودي في الموضوع، فجاء بتيسير من الله وفتح منه بهذه الصورة التي أرجو الله تعالى أن تكون موفقة ومقبولة، فإن وفقت فمن الله تعالى، وله الشكر والثناء الجميل، وإن كان غير ذلك فأسال الله معافاته ومغفرته، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المقدمة :
نبذة تاريخية عن بلاد السند وحضارتها وانضمامها إلى الدولة الإسلامية :
بلاد "السند" قديمة وجوداً وحضارةً، وقد اختلف المؤرخون والجغرافيون في وجه تسميتها، فقيل :
أصلها : "سندهو" بمعنى النهر، حيث أطلقه أهل هذه البلاد في البداية على نهر السند.
وقيل : أصلها "هندهو" حيث كان الفرس يعرفونها بهذا الاسم جرياً على عادتهم في إبدال السين السنسكريتية بالهاء(1).
ولعل تسمية "الهند" الآن وشهرتها بـ"إنديا" ( India) مقابل شهرة بلاد السند بـ"إندس" (Indus) لدى الغربيين يؤيد ما ذهب إليه المؤرخون القدامى، ولذلك يقول الدكتور أحمد الساداتي :
"واختلف الناس في منشأ تسمية هذه البلاد، فمنهم من نسبها إلى الإله "إندرا" إله الهند القديم، ومنهم من ردَّها إلى السند الذي كان يعرفه الفرس القدماء باسم "هندهو" أي النهر" (2).
__________
(1) راجع تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندية للدكتور/أحمد الساداتي 1/3، وبلدان الخلافة الشرقية للمستشرق/ Guy Le strange حاشية ص370، وباكستان ماضيها و حاضرها ص 100، وأديان الهند الكبرى للدكتور/ أحمد شلبي ص 21.
(2) تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندية 1/3.(1/4)
ويعتقد البعض بأن اليونانيين بدلوا لفظ "سندهو" إلى الإندس (Indus) وأطلقوه على نهر السند، وعرفوه إلى شعوب أوروبا، بينما يرى الآخرون أن اليونانيين قد أخذوا الاسم "إندس" من الفرس وأعطوه للروم، ثم قدَّمه الروم إلى العالم الأوروبي مع فكرة جديدة، وهي أن : "إندس" ليس اسما يوناني التكوين للاسم "سندهو"، بل هو اسم فارسي مستقل بذاته لنهر السند، وقد احتفظ بكيانه دون أن يطرأ عليه أي تغيير(1).
وهنا نظرية أخرى، وفحواها: أن كلمة "الهند" ليست إلا تحريفاً لفظياً لكلمة "السند" المشتقة من كلمة "سياند" السنسكريتية، ومعناها "يسيل أو ينساب"، وكلمة "سندو" اسم لنهر إندوس، ومن كلمة "الهند" جاء اسم النهر "إندوس"، واسم البلاد "الهند"، ومن حيث فقه اللغة فإن الهند إنما تعني بلاد نهر الإندوس، ولقد وردت بعض الأمثلة استعملت فيها كلمتا الهند والسند كلمات مترادفة، ثم اتسع الاختلاف تدريجياً بين الكلمتين في فترة متأخرة(2).
وكانت العرب تسمي نهر الإندس : "مهران"، وذكروا كثيراً من المدن التي كانت على ضفافه، أهمها : مُلتان، وقد شبه الإصطخري نهر مهران بـ"النيل" في الكبر والنفع، وقال : إن فيه تماسيح مثل تماسيح نيل مصر(3).
نشأة الترجمات السندية للقرآن الكريم وتطورها :
تتشرف اللغة السندية بكونها أول لغة يترجم إليها القرآن الكريم في شبه القارة الهندية، كما أنها أغنى اللغات وأثراها في هذه القارة وأكثرها عدداً من حيث التفسير والترجمات للقرآن الكريم.
__________
(1) راجع كتاب : سندهـ هكـ عام جائزو (رؤية عامة لبلاد السند) تأليف: T.H. Lambrick ص 1، ط: لجنة إحياء الأدب السندي عام 1982م.
(2) المجتمع الإسلامي في شبه القارة الهندية الباكستانية للدكتور/ إشتياق حسين القريشي ص 35.
(3) انظر بلدان الخلافة الشرقية ص 369.(1/5)
فقد ذكر في كتب التاريخ أن مهروك بن رائك الهندوسي- حاكم ولاية "ألور" - طلب من عبد الله بن عمر بن عبد العزيز الهباري(1) - حاكم ولاية "المنصورة" - أن يرسل إليه شخصاً من علماء المسلمين العرب يكون عارفاً باللغة السندية، فلبى حاكم المنصورة طلبه، وأرسل إليه عالماً حسب طلبه وكان الرجل من أهل العراق، وكان قد أجاد اللغة السندية قراءةً وكتابةً، نثراً ونظماً، فطلب منه الحاكم الهندوسي أن يعرف له الإسلام باللغة السندية، فترجم له القرآن الكريم إلى اللغة السندية ونظم فيها شيئاً من الأحكام الفقهية وقدَّمها إليه، وكان من أثر تلك الترجمة في شخصية الحاكم الهندوسي أنه حينما سمع ترجمة قوله تعالى: { قال من يحي العظام وهي رميم } (يس : 78) نزل من عرشه وجلس على الأرض يبكي خوفاً من الله تعالى بكاءً شديداً (2).
وعلى هذا، فأعتقد - والله أعلم - أن اللغة السندية هي أول لغة أعجمية ترجم إليها القرآن الكريم في القرن الثالث الهجري.
غير أن الترجمة المذكورة مفقودة، وليس لها ذكر في عالم المخطوطات.
__________
(1) تولى حكم المنصورة من بلاد السند بعد وفاة والده عمر بن عبد العزيز الهباري في 270هـ = 883م، وكانت الأوضاع في أيامه غير مستقرة وكانت الحرب مستمرة بين الحكام المسلمين من العرب لتولي الحكم والمناصب، فمن ثم تفرقت بلاد السند إلى ولايات يحكمها أشخاص من بينهم الهندوس كذلك، انظر : عجائب الهند لبزرك بن شهريار ص 3، ورجال السند والهند ص 253-254.
(2) انظر جنة السند ص 166، ومقال العلامة القاسمي حول الترجمات السندية وتفاسيرها ص 2.(1/6)
كما تتشرف اللغة السندية بكونها أول لغة في شبه القارة الهندية يترجم إليها كامل القرآن الكريم باللغة الفارسية، وهي التي قام بها العلامة الشيخ المخدوم نوح بن نعمة الله الصديقي الهالائي (ت:998هـ) في القرن العاشر الهجري(1)، وهي تسبق ترجمة الإمام ولي الله الدهلوي(2) بكثير.
ومادامت ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة السندية قد بدأت في هذا الوقت المبكر، فلا يستبعد أن يكون من العلماء من واصل عملية الترجمة بعد ذلك، غير أننا لا نجد ذكراً لذلك في كتب التاريخ إلى القرن الحادي عشر الهجري.
__________
(1) من أعلام بلاد السند، ولد في 911هـ، توفي ليلة الخميس في 27/11/998هـ، وترجمته للقرآن الكريم مطبوعة بعناية ومقدمة العلامة غلام مصطفى القاسمي في حيدر آباد السند، وانظر لترجمته: تحفة الكرام ص383-385، تذكرة مشاهير السند 2/1-7، جنة السند ص428.
(2) حجة الإسلام أحمد بن عبد الرحيم المعروف بالشاه ولي الله الدهلوي (1114-1176هـ)، علم شهرته تغني عن التعريف به راجع لترجمته: نزهة الخواطر 6/410-428، والأعلام1/149 وفيه ولادته في 1110هـ.(1/7)
وأقدم ترجمة للقرآن الكريم إلى اللغة السندية وتتوافر اليوم هي ما قام بها الإمام محمد هاشم بن عبد الغفور الحارثي التتوي السندي (ت1174هـ)(1) في عهد الكلهورا، حيث ترجم الجزأين الأخيرين من القرآن الكريم إلى اللغة السندية مع تفسيرهما نظماً في عام 1162هـ، وطبع منها ترجمة الجزء الأخير فقط عدة طبعات أولها في بومباي بالهند في عام 1330هـ =1911م(2).
أما ترجمة جزء " تبارك" له فيقال: إن منها نسخة في مكتبة دار العلوم ندوة العلماء بلكنؤ الهند، كما يقال: إنها طبعت في مطبعة كريمي ببومباي الهند(3)، غير أنها في عداد المفقودات.
كما قام في عهدهم كذلك بترجمة القرآن الكريم وتفسيره باللغة السندية كل من :
الشيخ محمد بن عبد الخالق التتوي(4).
__________
(1) حجة بلاد السند وفقيهها، ولد في 1104هـ، وتوفي في 1174هـ، وتعلم على يد علماء بلاده، وأخذ عن علماء الحرمين الشريفين كذلك، وكان معاصراً للإمام أبي الحسن السندي الكبير والعلامة الشيخ محمد حياة السندي والإمام ولي الله الدهلوي وغيرهم، له أكثر من 160 مؤلفاً، منها: التفسير الهاشمي للقرآن الكريم باللغة السندية، ترجمته في: نزهة الخواطر 6/373، والأعلام 7/129، واقرأ مقدمتنا لرسالته " الشفاء في مسألة الراء " في علم التجويد، طبع بتحقيقنا في عام 1420هـ.
(2) قام الدكتور/ ميمن عبد المجيد السندي بنثره، وطبع من أكاديمية مهران بكراتشي في 1991م.
(3) مقدمة التفسير الهاشمي للدكتور/ ميمن عبد المجيد السندي ص 10.
(4) من علماء تته في القرن الثاني عشر الهجري، لم أطلع على تاريخ ولادته ووفاته، ووالده الشيخ عبد الخالق من تلامذة الإمام محمد هاشم التتوي، وللمترجم له تفسير البسملة، وترجمة وتفسير سورة الملك كلاهما مخطوط في المتحف البريطاني بلندن، وتفسير آية الكرسي طبع في مركز التحقيق الباكستاني بجامشورو (السند) بترتيب وعناية غلام محمد لاكو.(1/8)
الشيخ عبد الله بن ميان محمد النرئي السندي (ت:1236هـ)(1).
الشيخ عبد الكريم القاضي(2)، وغيرهم من العلماء(3).
__________
(1) ولد في 1150هـ في قرية ماندر من مضافات بدين، ثم انتقل إلى قرية (نري) بمنطقة كش حيث توفي في 1236هـ، له 14 مؤلفاً باللغة السندية، منها ترجمة وتفسير سورة يوسف باسم : أحسن القصص (مخطوط)، انظر : الترجمات للكهانكرو ص 70-71.
(2) ولد في 1137هـ تقريباً بقرية (كاهي راهوجي)، ولم أطلع على أكثر من ذلك في ترجمته، له مؤلفات عديدة منها ترجمة وتفسير سورة يس (مطبوع)، وترجمة وتفسير سورة الدهر (خ).
(3) ذكر الدكتور/عبد الرزاق الكهانكرو ثماني ترجمات وتفاسير في هذا العهد (الترجمات السندية وتفاسيرها ص 34-90).(1/9)
أما في عهد تالبور (1) - والذين يمتد عهدهم من 1197-1259هـ – فقد قام بعض العلماء بترجمة وتفسير القرآن الكريم باللغة السندية، أشهرها: ترجمة العلامة الشيخ عزيز الله بن محمد ذاكر القاضي (الميمني) المتياروي (ت:1273هـ)(2) في منتصف القرن الثالث عشر الهجري، طبعت مرات عديدة، منها طبعته في 1320هـ بمطبعة كريمي في بومباي بالهند(3)، ولعلها أول ترجمة نثرية إلى اللغة السندية اعتمدها جل من أتى بعده من العلماء وحاولوا أن يحذوا حذوها في ترجماتهم للقرآن الكريم، وكانت أكثر الترجمات شيوعاً وانتشاراً في بلاد السند بحيث لا يكاد يخلو جامع من نسختها(4).
__________
(1) تالبور : قبيلة من القبائل السندية الأصل والنسل، وكانت مدينة حيدر آباد دار خلافتهم، وكانوا من المشجعين للعلم والأدب، وإن كانت الفارسية في عصرهم هي لغة الدوائر الرسمية إلا أنهم شجعوا الأدب= =السندي وعملوا على تطويره، وقد حكموا بلاد السند بعد "الكلهورا" وهي قبيلة كذلك من القبائل السندية القديمة غير أنها تنتسب إلى العباسيين.
(2) من أعلام بلاد السند، ولد في مدينة "متياري" من مضافات حيدر آباد (السند) سنة1160هـ، وتعلم على الشيخ محمد عثمان المتياروي وغيره، وكان يسكن في مدينة حيدر آباد، وكان ابنه الشيخ علي محمد القاضي من العلماء كذلك، توفي في 1273هـ، ترجمته في: تذكرة مشاهير السند للوفائي 3/27، وانظر مقال القاسمي حول الترجمات السندية وتفاسيرها ص3 .
(3) المرجع السابق ص3، والترجمات للكهانكرو ص 92-93.
(4) انظر مقدمة التفسير الهاشمي ص 12.(1/10)
أما في عهد الإنجليز (1259-1367هـ) فقد قام مجموعة من أفاضل أعلام السند بترجمة القرآن الكريم وتفسيره باللغة السندية(1)، وإن كان الإنجليز حاولوا تقليص المدارس والمراكز الإسلامية وسلبوها أوقافها ومواردها وألحقوا الأضرار الجسيمة بالدعوة الإسلامية ووقفوا ضد نشر عقيدة التوحيد الخالصة، ومقابل ذلك شجعوا البدع ودعموا أهلها، وقد صدق عليهم قول الحق جل وعلا : { يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولوكره الكافرون } (التوبة :32).
ومن أشهر تلك الترجمات :
ترجمة الشيخ تاج محمود الأمروتي، سيأتي وصفها في الدراسة.
ترجمة وتفسير الفاضلين (خ)(2).
ترجمة الشيخ محمد صديق بن عبد الرحمن النورنكي (ت:1319هـ)(3).
ترجمة وتفسير الشيخ محمد عثمان النورنكي (ت:1918م)(4).
__________
(1) ذكر الدكتور/عبد الرزاق الكهانكرو 21 مؤلفاً من الترجمة والتفسير بالسندية في عهدهم، انظر الترجمات ص 106-182.
(2) هو لشيخين فاضلين : الشيخ محمد فضل – من أول الفاتحة إلى سورة يوسف – وتكملته لتلميذه الشيخ السيد محمد فاضل بن السيد حيدر شاه الحيدر آبادي (1252-1319هـ) على نهج تفسير الجلالين (خ) منها نسخة كاملة في ثلاثة مجلدات بمكتبة الشيخ عبدالرحمن التتوي.
(3) من علماء السند الأفاضل توفي في بومباي بالهند -حيث كان قد أسس مطبعة باسم : المطبع الحسيني- في 1319هـ =1901م، طبعت ترجمته مرات عديدة، أولها في مطبعته في 1295هـ، وله تفسير كامل القرآن الكريم باللغة السندية في خمسة مجلدات باسم تفسير كوثر شاه مردان نسبة إلى شيخه (مطبوع)، ترجمته في تذكرة مشاهير السند 3/27.
(4) من علماء بلاد السند، كان مدرساً في مدرسة السند الإسلامية من 1850 إلى 1913م، له مؤلفات عديدة منها تفسير تنوير الإيمان، طبع أكثر من مرة، ترجمته في جنة السند ص 338، وانظر الترجمات ص 136.(1/11)
ترجمة الشيخ عبد الرحيم المكسي (ت:1943م)(1).
ترجمة الشيخ نور محمد العادلبوري (ت:1365هـ)(2).
أما بعد نشأة باكستان (1368هـ = 1947م) فقد قام جمع من العلماء بترجمة معاني القرآن الكريم وتفسيره باللغة السندية(3).
ومن أشهرها :
ترجمة الشيخ علي خان أبرو(ت:1956م)، وسيأتي وصفها في الدراسة.
ترجمة الشيخ محمد المدني (ت:1396هـ)، سيأتي وصفها في الدراسة.
__________
(1) الشيخ عبد الرحيم بن بريو خان المكسي من أفاضل علماء السند، ولد في قرية "سرائي بريو خان" من مضافات دادو في حدود سنة 1878-1879م وتعلم على مشايخ منطقته، ثم تقلد القضاء بالنيابة في منطقة لسبيلة (بلوشستان)، ثم استقال ورجع إلى "دادو" حيث مارس الطب الشعبي فترة ثم عيِّن مدرساً في مدرسة السند الإسلامية بكراتشي في 1910م، له مؤلفات عديدة باللغة السندية، منها : دلائل الإيمان بتفسير القرآن للربع الأخير من جزء عم (مطبوع)، وغيرها، وترجمته للقرآن الكريم بالسندية طبعت مع الترجمة الفارسية للشاه ولي الله الدهلوي والترجمة الأردية لنجله الشاه رفيع الدين الدهلوي وترجمة تفسير موضح القرآن للشاه عبد العزيز الدهلوي على حاشيته في لاهور عام 1358هـ = 1940م، انظر مقال العلامة القاسمي حول الترجمات السندية وتفاسيرها ص 150، والترجمات للكهانكرو ص 168.
(2) الشيخ نور محمد بن محمد إبراهيم من قبيلة "ملك" ولد في قرية عادلبور في حوالي 1292هـ = 1857م، تعلم على مشايخ منطقته،ودرس في مدارس دينية مختلفة، وتربى على الشيخ تاج محمود الأمروتي، من تلامذته= =الشيخ الفاضل والمربي الجليل العلامة حماد الله الهاليجوي، طبعت ترجمته في لاهور عام 1348هـ = 1930م، انظر مجلة الشريعة عدد تراجم العلماء ص 31، والترجمات للكهانكرو ص 157-158.
(3) ذكر الدكتور/ عبد الرزاق الكهانكرو منها 24 مؤلفاً، انظر الترجمات ص 183-258.(1/12)
ترجمة الحاج شاهنواز بيرزاده (ت:1974م)(1).
ترجمة الشيخ عبد العزيز العربي (من علماء نجد)(2).
ترجمة الشيخ عبد الرزاق القاضي الروهروي (ت:1381هـ)(3).
__________
(1) شاهنواز بن جمال الدين بيرزاده، من أعلام السند، ولد في 14/12/1889م في مدينة كنديارو، حصل على الماجستير في الأدب الإنجليزي من جامعة بومباي في 1918م، تدرج في وظائف حكومية متعددة إلى أن استقال، وبدأ بالمحاماة، وكان يصدر جريدة (السياسة) من حيدر آباد منذ عام 1935م، وفي 1951م انتخب عضواً في برلمان السند، وتوفي في 28/2/1974م، وترجمته للقرآن الكريم نثرية ممتازة، غير أنها ليست لكامل القرآن الكريم حيث ترك ترجمة آيات تشبه آيات أخرى في محتواها ومضمونها، طبعت في جزأين عام 1947م بحيدر آباد، انظر الترجمات ص184-185.
(2) لم أطلع من ترجمته على أكثر مما أفاده العلامة القاسمي في مقاله، وملخصه : أنه من علماء نجد، ورد بلاد السند فتوطنها وتعلم اللغة السندية حتى أجادها وترجم إليها القرآن الكريم بمشاركة بعض علماء السند، وكان شغله الشاغل نشر الدعوة وعلم الحديث والقرآن، طبعت ترجمته في مدينة سكر، انظر مقال العلامة القاسمي ص 9، والترجمات ص198.
(3) من علماء السند وأدبائها، ولد في 1892م وتوفي في 1961م، من مؤلفاته : تفسير "معلم القرآن" للربع الأخير من جزء عم طبع في كراتشي عام 1947م، وترجمة كامل القرآن مع حواشيه طبع في كراتشي عام 1388هـ، وترجمة أخرى لكامل القرآن الكريم تختلف عن سابقتها، نشرت عن مؤسسة القرآن بحيدر آباد، وترجمة ثالثة مع مجموعة من فوائد متفرقة وحواشٍ مترجمة من تفسير بيان القرآن للعلامة الشيخ أشرف علي التهانوي نشرت بلاهور، وترجمة سورة الفاتحة وتفسيرها باسم فتح الرحمن طبع في كراتشي عام1954، انظر= =مقال القاسمي ص9، و12، و24، و25، وانظر الترجمات للكهانكرو ص190، و200، و204، و210، و211-212، ترجمته في مجلة الشريعة ص92-95.(1/13)
ترجمة الشيخ أحمد الملاح(ت:1387هـ)، سيأتي وصفها في الدراسة.
ترجمة الشيخ عبد الكريم القريشي (ت:1419هـ)، سيأتي وصفها في الدراسة.
وهناك ترجمات وتفاسير باللغة السندية متفرقة تذكر في الكتب والمؤلفات تصل إلى حوالي أربعين ترجمة وتفسيراً(1).
والخلاصة :
أن الترجمات والتفاسير السندية منذ القرن العاشر الهجري إلى عصرنا هذا تصل إلى حوالي مائة ترجمة وتفسير، منها 17 ترجمة كاملة، والبقية جزئية لبعض الأجزاء أو بعض السور أو بعض الآيات كالبسملة وآية الكرسي، وهو عدد لا تضاهيه – حسب علمي- أية لغة في شبه القارة الهندية، والله أعلم.
ولعل ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة السندية تيسرت للعلماء
– نثراً ونظماً - لكون اللغة المذكورة ثرية بالمفردات اللغوية، والتركيبات الأدبية ووجود الاستعارات والكنايات، ولكونها متأثرة في أدبها وأساليبها بالعربية، وأكبر شاهد على روعة بيانها وجمال بلاغتها وفصاحتها: الرسالة الشعرية المعروفة بـ"شاه جو رسالو" للشاعر الشعبي الشهير الشاه عبد اللطيف البتائي (ت:1165هـ)(2) والتي تتكون من آلاف الأبيات والأشعار الجميلة الرائعة، فيها النصح وبيان التوحيد والرسالة ومدح الصحابة، وما زالت تتردد على ألسنة ومسامع أهل السند إلى يومنا هذا.
المبحث الأول
في دراسة الترجمة الأمروتية
(إلهام الرحمن)
للعلامة الشيخ تاج محمود الأمروتي (ت:1348هـ)
المطلب الأول : نبذة موجزة عن حياة المترجم.
اسمه ونسبه :
__________
(1) اقرأ عنها في الترجمات للكهانكرو ص259-283.
(2) ترجمته في : مقالات الشعراء ص428، وتحفة الكرام ص387، وتذكرة مشاهير السند 3/301.(1/14)
هو العالم الجليل والمربي المجاهد العلامة الشيخ أبو الحسن تاج محمود بن عبدالقادر بن تاج محمد بن محمد شاه بن حسن شاه بن إبراهيم بن عبدالقادر ابن سليمان بن محمد (المعروف بمحمود شاه) بن الإمام الرباني الشيخ عبدالقادر الجيلاني(1).
ولادته ونشأته :
هاجر أجداده من العراق إلى بلاد السند فتوطنوها، وتنقلوا في مدنها، واستقروا في قرية "ديواني" بالقرب من "كارهي موري" من مديرية "خيربور ميرس" حيث ولد الشيخ (رحمه الله) في حدود سنة:1276هـ=1859م(2).
دراسته وشيوخه :
قرأ القرآن الكريم والكتب الابتدائية على والده، وعلى الشيخ محمد قاسم سومرة(3) ... في قرية (ألرا)، ثم التحق بمدرسة عربية في قرية "بير جو كوت" فتعلم فيها اللغة الفارسية، ثم التحق بمدرسة الشيخ عبد القادر الإندهر(4) في قرية (بنهواري) حيث تخرج فيها، كما استفاد من مشايخ آخرين في السند وفي منطقة البنجاب كذلك(5).
تدريسه وتلامذته :
__________
(1) قائد تحرير الوطن ص33-35، قلت : من عادة الأشراف والسادة في شبه القارة الهندية أنهم يلقبون أنفسهم بـ"شاه" وهو جزء لا يتجزأ من أسمائهم، غير أن صاحب الترجمة كان يخالف هذه العادة ويكرهها، بل كان يمنع الناس جميعاً من استعمال لفظة (شاه أو السيد) مع أسمائهم، وكان يعدّ ذلك من باب الفخر بالأنساب والحصول على التعظيم والتكريم من العامة من أجل النسب فحسب، وكان يرى في ذلك مخالفة دينية، انظر أقواله في ذلك في المرجع السابق .
(2) كذا في مجلة الشريعة (عدد تراجم العلماء) ص100، والترجمات ص126، وفي قائد تحرير الوطن (ص33): أنه ولد تقريباً في 1857 أو 1858م.
(3) لم أطلع على ترجمة له.
(4) عبد القادر بن محمد بن محمد فاضل (إندهر)، توفي في 1328هـ، ترجمته في مجلة الشريعة ص69-71.
(5) قائد تحرير الوطن ص 37-38، مجلة الشريعة ص 104.(1/15)
بدأ بالتدريس والتربية في مقره الجديد بقرية (أمروت) – مقر أجداده- بالقرب من مدينة كرهي ياسين بأمر شيخه المصلح الشهير الشيخ الحافظ محمد صديق البرجوندوي (ت:1308هـ)(1)، فاشتهر أمره وبَعُدَ صيته وتوجه إليه طلاب العلم والتربية من العلماء وعامة الناس من جميع مناطق السند وبلوشستان والبنجاب حتى الحدود الشمالية المعروفة بـ"سرحد"، وتتلمذ عليه خلق لا يحصون كثرة.
وتربَّى على يديه أمثال العلامة المفسر الشيخ أحمد علي اللاهوري(2).
والعلامة المفسر حماد الله الهاليجوي(3).
__________
(1) من أعلام السند والمجاهدين لرفع راية التوحيد واستئصال الشرك والبدع والخرافات على نهج المجاهد الشهير السيد أحمد البريلوي والشاه إسماعيل الدهلوي (الشهيدين)، انظر لترجمته قائد تحرير الوطن ص46.
(2) أحمد علي بن حبيب الله من أسرة السيخ الوثنية، أسلم والده وحسن إسلامه، ولد الشيخ أحمد علي في 1304هـ، كان أكثر تعليمه على الشيخ عبيد الله السندي في أمروت وقرية بيرجهندو من بلاد السند، وكان من أكبر أعضاء حركة الخلافة الإسلامية، كان الشيخ السندي تزوج بوالدته حين أرملت، وزوَّجه ابنته من زوجته السندية، توفي في صلاة العشاء ساجداً 23/2/1962م، انظر قائد تحرير الوطن ص122-126.
(3) حماد الله بن محمود بن حماد الله من قبيلة (إندهر) من أبرز أعلام السند ورؤساء الموحدين، ولد في حدود 1301هـ،كان خير خلف للأمروتي في نشر التوحيد واتباع السنة ورد البدع والخرافات والأمور الشركية، وكان محبوباً للعلماء والعوام، آية من آيات الله في العلم والفضل والزهد والورع والتواضع والكرم، لم ير مثله في بلاد السند في أوانه ولا بعده إلى الآن، من مؤلفاته : اللؤلؤ والمرجان في لغات القرآن بالعربية والسندية، وشرح المعلقات السبع وغير ذلك، توفي في 1381هـ، ترجمته في مجلة الشريعة ص75-79.(1/16)
والعلامة الشيخ عبد العزيز التريجانوي(1).
والشيخ محمد صالح البائيجوي(2)، وغيرهم.
شخصيته وأبرز خصاله :
كان الشيخ – رحمه الله – مصلحاً عظيماً، متميزاً في الزهد والورع والتوكل على الله، محيياً للعلوم الدينية والسنة النبوية، رمزاً للتوحيد والعقيدة الصافية، متمسكاً بالكتاب والسنة قولاً وفعلاً، محارباً للبدع والخرافات، وكانت بدايته في محاربة الأمور الشركية بطرده لمجاوري ضريح أحد أجداده بقرية (أمروت) حينما انتقل إليها، وكانت قبة ضريح جده قد انهدمت لقدمها فبدلاً من أن يرممها ويجددها، أخذ لبِنَها واستعمله في بناء بئر للمسجد والمدرسة ليستفيد منه الطلاب والضيوف، وسوَّى القبور، وجعل أسنمتها شبراً على السُّنَّة، وقد حاربه على ذلك القبوريون، إلا أن الله سبحانه وتعالى مكَّنه من التغلب عليهم رغم كونه غريباً في القرية، حديث الورود إليها، وحيداً دون معاون – غير الله - عز وجل - -(3).
وكان من فضل الله على تلك المنطقة أن علت راية التوحيد بجهود الشيخ فيها، وبدأ الناس يفرقون بين الدين الخالص والشرك والبدعة.
ولا أبالغ إن قلت إنه لم يأت مصلح مثله في بلاد السند قاطبة بعد الإمام محمد هاشم التتوي الحارثي السندي (ت:1174هـ) رحمه الله.
__________
(1) عبد العزيز بن محمد حياة من قبيلة (الشيخ) من تلامذة الشيخ عبد القادر البنهواروي والعلامة عبيد الله السندي، كان مصلحاً كبيراً مركزاً على التوحيد واتباع السنة ورد البدع والخرافات، مجاهراً بعداوته للإنجليز، توفي في 1950م، ترجمته في مجلة الشريعة (عدد تراجم العلماء) ص34-36.
(2) محمد صالح بن خدا بخش من قبيلة (داريجا) وكان صاحب أراضٍ وثروة، توفي في 1361هـ، ترجمته في مجلة الشريعة ص36-38.
(3) قائد تحرير الوطن ص50-51.(1/17)
عاش الشيخ – رحمه الله – في عهد الإنجليز الذين كانوا قد استولوا على بلاد السند في (1259هـ = 1843م) ونزعوا الحكم من "التالبور" في معركة (مياني) الشهيرة، ولا يخفى عداؤهم للإسلام والمسلمين، فكانوا دائماً يساندون الهندوس ضد المسلمين، بحيث لو اعتنق أحد الإسلام حاولوا إرجاعه إلى مذهبه وقاموا مع أقربائه في مواجهة المسلمين، ففي مثل تلك الظروف السيئة كان الشيخ شعاراً بارزاً لحماية قلوب المسلمين الجدد وتأليفها، بحيث كانت قرية (أمروت) ملجأ معروفاً بذلك، فمن أراد أن يعتنق الإسلام فعليه بالتوجه إليها، حيث يجد تربيةً علميةً ودينيةً على منهج سلف الأمة، وحمايةً كاملةً من فتنة أقربائه والحكومة الإنجليزية، ولقد حارب الشيخ الهندوس والحكومة الإنجليزية في سبيل ذلك، وله في ذلك قصص رائعة وعجيبة، ودخل في الإسلام على يديه آلاف من الهندوس والبوذيين وغيرهم.
كما كان الشيخ – رحمه الله- مجاهداً عظيماً، رافعاً لراية التحرر ومعاداة الإنجليز، وكانت حركة الخلافة في أيامه على أشدها، وكذلك الثورة ضد الإنجليز وحركة ترك موالاتهم، فشارك فيها بنفسه ونفيسه، وطلابه وجماعته بالقول والفعل، والتحرير والتقرير حتى هاجر في فترة من الفترات من أجل ذلك إلى أفغانستان.
وعلى كل فصاحب الترجمة كان علماً من أعلام الأمة الإسلامية، ومن كبار المجاهدين والمصلحين في عصره ببلاده، وأغلب المدارس الدينية الأهلية المنتشرة في بلاد السند وبلوشستان تنتسب إلى منهجه العملي والعقدي الذي يمتاز بسمة اتباع السلف ومنهجهم في دينهم ودنياهم، وهناك مساجد متعددة في منطقته ما زالت قائمة في وسط نهر (كيرتر- المنشق من نهر السند لري أراضي بلوشستان) رمزاً لنصر الإسلام والمسلمين على الاستعمار الإنجليزي، وقد حارب الشيخ من أجلها الحكومة الإنجليزية بقوة الإيمان والعقيدة لإرادتها هدمها، فخسر العدو ولم يتمكن من تحقيق رغبته.
مؤلفاته :
1- تفسير تذكرة المؤمنين :(1/18)
ترجمة لسورة يس مع تفسيرها باللغة السندية نثراً ونظماً (طبعت في محمود المطابع بقرية الأمروت في عام : 1318هـ = 1900م)، وله طبعات أخرى كذلك.
2- نور الإيمان بتفسير عروس القرآن :
ترجمة لسورة الرحمن باللغة السندية نثراً ونظماً (طبعت في محمود المطابع بالأمروت في عام 1319هـ = 1901م)، وله طبعات أخرى.
3- إلهام الرحمن في ترجمة القرآن (1)، ترجمة كامل القرآن الكريم باللغة السندية (وهي هذه التي نحن بصدد دراستها).
4- منظومة قصة يوسف (- عليه السلام -) وزليخا (مطبوع).
5- دواوين شعرية بالسندية والفارسية، طبع فيها شيء من شعره، وأكثرها غير مطبوع.
وفاته :
توفي - مسموماً من قبل الإنجليز- عن اثنتين وسبعين سنة في جمادى الثانية /1348هـ = 5/11/1929م (2).
المطلب الثاني : التعريف بترجمته ومنهجه فيها :
بدأ الشيخ (رحمه الله) بترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة السندية عام:1312هـ = 1896م (3)، وكانت أول ترجمة من نوعها، وطبعت في حياته لأول مرة بمطابع "الحق" بمدينة سكر السند في عام 1335هـ = 1916م في ثلاثة أجزاء بدون النص القرآني، فاعترض بعض من كان يعادي الشيخ
-لمنهجه الفريد في الجهر بالتوحيد وتصديه للبدع- على هذه الترجمة وأفتى بكفر صاحبها بحجة أنها لا تشتمل على النص القرآني، فتصبر الشيخ وجادله بالحكمة والموعظة الحسنة، ودرءاً للمفسدة تعهد للمعترض – الذي حضر لديه ليناظره في الموضوع – على أنه سينشر الترجمة في الطبعة القادمة مشتملة على النص القرآني(4).
__________
(1) سميت في قائد تحرير الوطن ص141 بإلهام الرحمن في تفسير القرآن، وهي ليست بتفسير!.
(2) قائد تحرير الوطن ص 68-69، وانظر مجلة الشريعة ص104.
(3) مقال القاسمي ص 7، وانظر مقدمة الدكتور الميمني للتفسير الهاشمي ص 17.
(4) المرجعان السابقان، وقائد تحرير الوطن ص145.(1/19)
ثم طبعت في مدينة لاهور وفي كراتشي طبعات متتالية لا حصر لها، وأخيراً تبنت مؤسسة تاج للطباعة والنشر بكراتشي طباعتها بمقاييس مختلفة ومتعددة، وهي اليوم أكثر الترجمات باللغة السندية نشراً وطباعة، وهذا دليل رواجها وقبولها لدى المسلمين في بلاد السند.
ومما لا شك فيه أنه ليس من السهل – عموماً- أن تترجم لغةٌ إلى لغةٍ أخرى، وتكون الترجمة وافية للمطلوب تحاكي النص المترجم في الأسلوب الأدبي والفصاحة، ولاسيما إذا كان النص المترجم من اللغة التي هي بحر الأساليب البيانية، وقد وضح ذلك الإمام ولي الله الدهلوي في مقدمة تفسيره "فتح الرحمن" وبيَّن مدى صعوبة الترجمة(1).
وكانت أغلب الترجمات السابقة للترجمة الأمروتية حرفية تحت اللفظ، أو شبه تفسيرية لا تصلح أن تقلد في الترجمة الأدبية الجديدة، فكان على الشيخ أن يراعي هذه الأمور كلها حين ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة السندية.
وقد جمع الشيخ -من أجل ذلك- مكتبة ضخمة تشتمل على أهم كتب التفسير ومعاني القرآن الكريم والمعاجم اللغوية(2).
المطلب الثالث : محاسن ترجمته :
1- تعدُّ الترجمة المذكورة من أفضل الترجمات للقرآن الكريم إلى اللغة السندية على الإطلاق من جميع النواحي العلمية والأدبية، ومن حيث الدقة والوضوح، ومن خلال قراءتها تتجلى شخصية المترجم بوصفه عالماً متبحراً، ماهراً في العربية والتفسير، وفي الأدب السندي كذلك.
__________
(1) فتح الرحمن (المترجم إلى السندية) ص3 على هامش الترجمة السندية للشيخ محمد المدني، وانظر ترجمات معاني القرآن الكريم للدكتور/عبد الله عباس الندوي ص19.
(2) انظر مقال القاسمي ص7، وقال فيه : التفاسير التي رأيتها في مكتبة العلامة الأمروتي لم أر مثلها في أي مكتبة من مكتبات السند، ويستدل بذلك على رفعة مكانة الأمروتي العلمية ومدى شغفه بفهم القرآن.(1/20)
2-كما تعدّ الترجمة المتداولة في بلاد السند والمقبولة لدى الخواص والعوام، من العلماء والعامة منذ صدورها إلى يومنا هذا، وتعدّ المرجع الأساس لأغلب الترجمات الموجودة الآن باللغة السندية، وغيرها من الترجمات التي جاءت بعدها مستفادة منها، بل منها ما هي مسروقة منها(1).
3- وهي أول ترجمة غير حرفية بعبارات جميلة، وأسلوب سلس ميسور، روعي في التعبير كونه موافقاً لقواعد اللغة السندية وروعة الأدب السندي الحديث وجمال نثره.
4- روعي فيها كونها مفهومة للخواص والعوام، ولجميع أهالي مناطق السند : الجنوبية (لار)، والشمالية (سرو) والوسطى، حيث إن لكل منطقة لهجة معينة، واستعمالات ومحاورات مخصوصة.
فمثلا : يترجم كلمة (الخدع) في قوله تعالى : { يخادعون الله } (البقرة:9) بـ"دلبو"، وهي أروع وأنسب من "دوكو".
ترجم كلمة (ذَهَبَ) من قوله تعالى :
{ ذهبَ الله بنورهم } (البقرة : 17):
"الله سندن سوجهرو اجهايو".
وفي قوله تعالى : { لذهب بسمعهم وأبصارهم } (البقرة :20) :
"سندن اكيون عـ سندن كن ضرور وجائي جذي".
فكانت ترجمته أنسب وأروع حسب الموقع والتعبير.
5- نلاحظ على المترجم مخافة الله - عز وجل - وعظم مكانة كلامه تعالى في قلبه، بحيث نراه لا يُدخِل في الترجمة ما لم يُذكر في النص، ولا يتركُ ترجمة كلمة موجودة في النص، فترجمته من هذه الناحية شاملة لمعاني جميع الكلمات العربية للنص القرآني. ومع ذلك فهي مؤداة بعبارة بيانية تفسيرية مقصودة غير حرفية أو ما تسمى بـ"تحت اللفظ"، بحيث يستفيد طلاب العلم والعلماء منها معرفة معاني الكلمات القرآنية، كما يستفيد العوام منها مفهوم ومحتوى كلام الله تعالى.
6- ترجمته سند لأصحاب العقيدة الصحيحة :
فمثلا : ترجم قوله تعالى :
{ وأنزلنا إليكم نوراً مبينا } (النساء:174): ء اوهان ذانهن جنو سوجهرو (قرآن) لاتو سون.
__________
(1) ليست هذه مجرد دعوى، بل لديَّ أدلة وبراهين على ذلك ليس هذا مجال سردها وبيانها.(1/21)
فوضح بين القوسين أن المراد من النور هو القرآن، وهذا على خلاف ما يذهب إليه المبتدعون من أتباع الجماعة البريلوية(1) من أن المراد من النور هنا هو محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأنه نور وليس ببشر!.
وكذا فعل في ترجمة قوله تعالى :
{ قد جاءكم من الله نور وكتب مبين } (المائدة :15).
وترجم كلمة (البشر) في قوله تعالى :
{ هل كنت إلا بشراً رسولاً } (الإسراء : 93) بـ"مانهو".
وهذا على خلاف معتقد البريلوية الذين لا يؤمنون ببشرية الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
وبهذا نرى أن ترجمته سند لأهل الحق من أهل السنة أصحاب العقيدة السليمة الصافية.
وترجم قوله تعالى : { بل رفعه الله إليه } (النساء : 158) :
بلكـ الله كيس يان ذانهن متي كني ورتو.
وهي ترجمة واضحة جرياً على ما يعتقده جمهور أهل السنة من أن الله تعالى رفع عيسى – عليه السلام - إليه، وسوف ينزل قرب يوم القيامة، وذلك على خلاف ما يعتقده البعض بأن المراد من الرفع هو رفعه من حيث الدرجة والمكانة، ولا يعتقدون بأنه رفع إلى السماء(2).
__________
(1) أتباع زعيم القبوريين في الهند أحمد رضا خان البريلوي، الذين يعتقدون بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نور وليس ببشر، كما يعتقدون أنه - صلى الله عليه وسلم - يعلم الغيب، ولهم معتقدات شاذة كثيرة، اقرأها في "البريلوية" لإحسان إلهي ظهير.
(2) كان السير سيد أحمد خان – مؤسس جامعة عليكره – حامل لواء مثل هذه الأفكار في الهند في أيامه.(1/22)
7- ونراه يراعي في الترجمة ما اختاره جمهور المفسرين، فمثلاً ترجم كلمة (النجم) في قوله تعالى : { والنجم والشجر يسجدان } (الرحمن : 6) بـ"وليون" أي النباتات التي لا ساق لها، من "نَجَمَ" : أي ظهر وطلع، وهذا ما ذهب إليه أكثر المفسرين(1).
8- من مراعاة الدقة في الترجمة: أنه يفرق بين الكلمات الاصطلاحية ومعانيها اللغوية، فمثلاً : كلمة : (الجهاد) حيثما وردت في القرآن الكريم بمعنى المصطلح المعروف، ترجمها بلفظ (الجهاد)(2)، ولكنها حينما وردت في سورة العنكبوت (الآية :69) : { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } ، ترجمها بمعنى: السعي(3).
وكذا كلمة (الإسلام)، فحيثما وردت بالمعنى المصطلح ترجمها باللفظ نفسه، وإن وردت بمعنى الاستسلام ترجمها بها(4).
ومثلها كلمتا : (الإيمان) و(الكفر) وما شابهما.
9- وضح فيها بعض الجمل بين الأقواس بحيث أصبحت الترجمة واضحة لا تحتاج بعدها إلى حواش وتعليقات.
10- الترجمة المذكورة هي المقررة على طلاب أغلب المدارس الدينية في بلاد السند، وبعض مدارس منطقة بلوشستان في مختلف مراحلها الدراسية.
__________
(1) انظر البحر المحيط 10/51، والكشاف 4/50، وعليه مشى ما قرأته من ترجمات علماء السند، ويرى ابن كثير أن الأظهر في المراد بالنجم : النجوم التي في السماء (4/270)، وهو الذي اختاره صاحب أضواء البيان 7/737، وجوز الزجاج المعنيين، انظر معاني القرآن له 5/96.
(2) كما في سورة البقرة :218، وآل عمران :142، والأنفال :72، 74، 75 وغيرها.
(3) انظر ص487 من ترجمته.
(4) انظر للمثال: ورودها بالمعنى الاصطلاحي، البقرة :132، 208، وبالمعنى اللغوي، البقرة :128، 131.(1/23)
11- شارك في مراجعة وتصحيح هذه الترجمة لجنة علمية من العلماء الأعلام والأدباء المعروفين منهم: الشيخ عبد العزيز التريجاني. والعلامة الشيخ حماد الله الهاليجوي. والأديب عبد الحق سومره الشكارفوري (الرئيس المفوض لإدارة البلدية والقروية المتقاعد) – رحمهم الله جميعاً -(1). أما غيرها من الترجمات فهي جهود فردية.
أقوال العلماء في الترجمة المذكورة :
لقد مدحها كثير من العلماء، ولم أطلع بعد على قول في نقدها!.
1- قال شيخنا العلامة غلام مصطفى القاسمي السندي حفظه الله(2):
__________
(1) راجع للتفصيل قائد تحرير الوطن ص144.
(2) هو علامة بلاد السند في العصر الحاضر ومحققها، ومؤسس أكاديمية الشاه ولي الله بحيدر آباد السند ورئيسها، من تلامذة الإمام عبيد الله السندي، وشيخ الإسلام حسين أحمد المدني وغيرهما، ومن أبرز تلامذته: العلامة الشيخ عبد الكريم القريشي (صاحب الترجمة القريشية)، وقد رزقت التتلمذ عليه حيث كان مشرفاً على رسالتي في مرحلة الدكتوراه، كما حصلت منه على إجازة خاصة وعامة في علم الحديث، وهو صهر العلامة الشيخ محمد المدني (صاحب الترجمة المدنية)، له مؤلفات عديدة باللغة العربية والفارسية والسندية والأردية، وله تحقيقات وتعليقات كثيرة، قارب التسعين من عمره، ولا يزال يخدم العلم والعلماء، درّس في= =مدارس دينية أهلية عديدة، وفي مدرسة السند الإسلامية (الحكومية الشهيرة) بكراتشي، وفي جامعة السند كذلك.(1/24)
"ما قام به مولانا الشيخ الأمروتي – رحمه الله – من الترجمة في جو العلم والعلماء كان يعتمد على المحاورة، وهي تماثل ترجمة الشاه ولي الله الدهلوي للقرآن الكريم باللغة الفارسية التي تعدّ ترجمة بلغت شأواً عالياً، فكذلك ترجمة الشيخ الأمروتي"(1). وقال : "من علامات قبول ترجمة الشيخ الأمروتي أنها كانت مرجعاً أساساً لكل من خاض بعده في هذا المضمار" (2).
2- وقال الشيخ أبو بكر الشبلي رحمه الله (3):
"لقد ترجم الشيخ الأمروتي القرآن الكريم بكل انتباه وتوثيق بحيث تعدّ ترجمته خدمة دينية عظيمة من ناحية، وقد كانت سلسة ومشتملة على العبارات السندية الرائعة، وتُعَد عملا جليلاً من أعمال الأدب السندي الرائع"(4).
3- وقال البروفيسور الدكتور/ محمود شاه البخاري (5):
"تعدّ ترجمة الشيخ تاج محمود الأمروتي أفضل الترجمات وأعلاها من نواحٍ كثيرة، ولغتها السندية عذبة سلسة فلا مبالغة إذا قلنا إنها إضافة جديدة إلى الأدب السندي، تقدم صنفاً جديداً من النثر الرائع وتروق قراءتها"(6).
__________
(1) مقاله في ترجمات القرآن وتفاسيره بالسندية ص 8، وانظر قائد تحرير الوطن ص 144، نقلاً عن مجلة الحياة الجديدة (نئين زندكي) أبريل 1964م.
(2) المرجعان السابقان، وانظر مقدمة التفسير الهاشمي للميمني ص 8، والترجمات للكهانكرو ص 150.
(3) أبو بكر بن يحيى بن عبد العزيز التريجانوي، من مشاهير بلاد السند، له مؤلفات عديدة، توفي في 1967م، ترجمته في مجلة الشريعة (عدد تراجم علماء السند) ص 98.
(4) قائد تحرير الوطن ص144 نقلا عن مقال الشيخ أبي بكر الشبلي المنشور في مجلة (الحياة الجديدة) أبريل 1964م، وانظر الترجمات للكهانكرو ص 149.
(5) هو مؤلف كتاب "قائد تحرير الوطن" في ترجمة العلامة الشيخ تاج محمود الأمروتي، وفي مقدمته تعريف به، وله مؤلفات أخرى كذلك.
(6) قائد تحرير الوطن ص 151-152.(1/25)
4- وقال الكاتب الشهير الشيخ عبد الوهاب جاجر(1):
"إن ترجمة الشيخ الأمروتي للقرآن الكريم صدقة جارية وإحسان عظيم منه على أهل السند .. وتتجلى منها منزلته العلمية العظيمة ومكانته الرفيعة في الأدب السندي"(2).
المطلب الرابع : ملاحظات على ترجمته :
الملاحظات العقدية :
لم أجد – فيما قرأت واطلعت عليه - رغم أنني قرأتها حرفياً من أولها إلى آخرها – أي ملاحظة عقدية يخالف فيها المترجم جمهور أهل التوحيد، هذا ما تبين لي، والله أعلم.
مشى في ترجمة آيات الصفات على منهج السلف فترجمها على ما هي عليه دون تأويل أو تحريف أو تعطيل(3).
الملاحظات العلمية:
- ترجم كلمة (الأنهار) حيثما وردت بـ (واهيون) وهي جمع : (واهي) بمعنى الساقية (بالعربية)، و"واهي" بالسندية أصغر من "النهر"، و "نهر"
–دون (ال)– معروفة ومستعملة ورائجة بالسندية.
كما ترجمها بـ " النهر" الشيخ محمد المدني وعلي خان وغيرهما.
__________
(1) عالم فاضل وكاتب شهير، من قبيلة العلامة الشيخ محمد حياة السندي المدني (شيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله) يدير مدرسة دينية أهلية بمدينة "روهري" بالقرب من مدينة "ألور" الأثرية التاريخية، ويصدر مجلة "الشريعة" الشهرية باللغة السندية منذ أكثر من ربع قرن، من مؤلفاته تفسير باللغة السندية لكامل القرآن الكريم، لم يطبع بعدُ، وله مقالات رائعة وتحقيقات أنيقة في أعداد مجلته المذكورة.
(2) مجلة الشريعة (عدد تراجم علماء السند) ص110.
(3) ينظر في ذلك للمثال: ترجمته لقوله تعالى (وهو الله في السموات وفي الأرض)[الانعام :3]، وقوله تعالى : (أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا)[يس:71]، وقوله تعالى : (يوم يكشف عن ساق)[القلم :42].(1/26)
ولعل الشيخ ترجمها بذلك اعتماداً على المعاجم العربية، حيث ذكر فيها أن "النهر" من مجاري المياه، يقال : نهر الماء إذا جرى في الأرض وجعل لنفسه نهراً، وكل كثير جرى فقد نهر(1).
- كما يترجم غالباً كلمة (أنّ) الثقيلة للتوكيد - بفتح الهمزة أو بكسرها حيثما وردت - بـ (جو تـ)، وهي تعطي معنى (لأن) التعليلية، دون معنى التأكيد.
- كما أنه يترجم ما أتى من مادة (ضل)(2) بـ" بُلْيَل" – بالباء السندية ذات أربع نقط من تحت -، فالضال هو "بليل"، ولو ترجمها بـ "كمراه" لكان أوضح.
- ترجم (دراهم) بـ "بيسا" في قوله تعالى : { وشروه بثمن بخس دراهم معدودة } (يوسف : 20).
- وترجم (الفضة) بـ"روبا" في قوله تعالى : { لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة } (الزخرف : 33). وهما اسما عملة معروفة في شبه القارة الهندية، وكانت العملة في أيامهم من الفضة، ويسمون الدراهم بـ"بيسا"، فلعله ترجمها بذلك ليقرب فهم الآية للعامة، ولكن ليس من الضروري أن تبقى العملة على حالة واحدة، كما تغيرت في عصرنا إلى أوراق نقدية، فلو ترجم الكلمة بمفهومها الأصلي (الفضة : جاندي، ودراهم : درهم) لكان أفضل.
الملاحظات الأدبية :
ليس فيها شيء من هذا القبيل، إلا أن المترجم يستعمل أحياناً كلمة أدبية بحتة قديمة أو نادرة الاستعمال لا تكون مفهومة لدى العامة، نحو كلمة :
اوجهراكي = اونكهـ / بنكي
ويسلا = غافل
جيئو = نقصان / خسارو / توت
وسهي = يقين / تصديق
وسلا = سامان
وهكذا، وهي كلمات معدودة فيها ليست بكثيرة.
فمثلا : ترجم كلمة (النعاس) في قوله تعالى : { ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا } (آل عمران : 154)، وفي : { إذ يغشيكم النعاس أمنة } (الأنفال : 11) بـ"اوجهراكي"، فلو ترجمها بـ"اونكهـ" أو بـ "ينكي" لكان أوضح.
__________
(1) انظر اللسان (مادة : نهر) 5/236-237.
(2) انظر للمثال : الفاتحة :7، البقرة :26.(1/27)
وترجم كلمة (ساهون) في سورة الماعون (الآية : 5) بـ"ويسلا"، ولو ترجمها بـ"غافل" لكان أسهل.
ويترجم كلمة (الخسارة) كيفما وردت في أكثر مواضعها بـ"جيئو"، ولو ترجمها في جميع مواضعها بـ" نقصان" أو "توت" أو "خساره" لكان أوضح.
وقد يستعمل كلمة عامية بحتة، نحو كلمة : (هيكلو) كما في { وإذا خلوا إلى شياطينهم } (البقرة : 14) ولو استعمل بدلا منها : (أكيلو) لكانت أجمل.
كما أن تعبيره في ترجمة بعض الآيات - وهي موضعان أو ثلاثة فقط – غير واضح المراد، نحو ترجمته لقوله تعالى : { لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا } (البقرة :104)، حيث لم يترجم فيها كلمتي (راعنا) و(انظرنا) بل نقلهما كما هما بالعربية.
وقوله تعالى : { ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا } (النساء : 46)، حيث نقل الكلمات (سمعنا وعصينا، اسمع غير مسمع وراعنا) كما هي دون ترجمتها.
المبحث الثاني
دراسة الترجمة الأبرائية
(التفسير المنير)
للعلامة علي خان أبرو (ت:1956م = 1376هـ)
المطلب الأول : نبذة موجزة عن حياة المترجم.
اسمه ونسبه :
هو العلامة الشيخ علي خان بن عمر خان، من قبيلة (أبرو) السندية.
ولادته ونشأته :
ولد في حدود 1888م في قرية (سانكي) من مضافات "ميهر" ومديرية "دادو" في السند.
دراسته وشيوخه :(1/28)
التحق بمدرسة السند الإسلامية بكراتشي(1)، ثم سافر إلى الهند، والتحق بجامعة بومباي، وكان ذكياً موهوباً ينجح في جميع مراحل تعليمه من الثانوية إلى مرحلة الماجستير بامتياز، وقد حصل على الترتيب (الأول) في منطقة بومباي التعليمية، وكانت مشتملة في أيامها على بلاد السند وكجرات ومهاراشتر وراجستان وبونا(2).
تدريسه وتلامذته :
عُيِّن مدرساً بجامعة بومباي بعد تخرجه فيها، فاستفاد منه آلاف من أبناء المسلمين والهندوس، ولم أطلع على أسماء تلامذته.
مؤلفاته :
كان العلامة علي خان من المهرة باللغة العربية والفارسية والسندية والإنجليزية وأديباً فيها كلها، وكان يديم النظر في كتاب الله وفي كتب السيرة النبوية، وكانت له علاقة قوية بالعلماء وبخاصة مع العلامة الشيخ تاج محمود الأمروتي (صاحب الترجمة الأمروتية) وكان كاتباً معروفاً شهيراً بين الصحفيين، امتدت سلسلة كتاباته في الجرائد والمجلات حول القرآن والسنة والسيرة النبوية والأخلاق والثقافة الإسلامية إلى أكثر من أربعين عاماً.
من مؤلفاته :
ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة السندية (وهي التي نحن بصدد دراستها).
التفسير المنير، وهو عبارة عن تعليقات موجزة باللغة السندية، طبع مع المصحف المترجم، وله كتابات في موضوعات عديدة، ومؤلفات أخرى.
وفاته :
__________
(1) مدرسة حكومية شهيرة في مدينة كراتشي تخرج فيها أعلام، منهم مؤسس حكومة باكستان محمد علي جناح، كما درّس فيها أعلام، منهم العلامة الشيخ محمد المدني (صاحب الترجمة المدنية) والشيخ عبد الرزاق الروهروي (صاحب عدة ترجمات للقرآن الكريم إلى اللغة السندية)، والعلامة الشيخ غلام مصطفى القاسمي، وغيرهم كثير.
(2) انظر كلمة ابنه جمال الدين في مقدمة تفسيره ص5.(1/29)
توفي – رحمه الله – بعد حياة حافلة بخدمة العلم والعلماء وتوعية أبناء بلاده علمياً واجتماعياً وثقافياً في 16 يوليو 1954م (1).
المطلب الثاني : التعريف بترجمته ومنهجه فيها :
بدأ بالترجمة والتفسير عام 1945م، وانتهى منهما عام 1954م، ولم تتحقق أمنيته لطبعهما في حياته، حتى ضاعت الأجزاء الثلاثة الأخيرة في أثناء محاولات طبعها من ورثته.
وأخيراً طبعت بسعي بعض أبنائه من قبل (Sindhica Academy, Karachi) ضمن سلسة منشوراتها برقم:44، ببرنامج الحاسب الآلي السندي "inpage" عام : 1996م، في 1015 صفحة، وهي طبعة ممتازة، وضع النص القرآني فيها إلى الجانب الأيمن، والترجمة مقابله من الجانب الأيسر مع ترقيم الآيات في بداية ترجمة كل آية، والتعليقات تحت الصفحة بالأرقام التسلسلية فوصلت إلى 1217 تعليقة، وجبر النقص في آخرها من ترجمة وتفسير العلامة الشيخ محمد المدني (الآتي ذكره).
ونلاحظ على المترجم أنه ترجم القرآن الكريم ترجمة مقصودة تفسيرية حرة، ليست حرفية أو ما تسمى باللفظية، فلا يتقيد بترجمة اللفظ القرآني وإنما ينظر إلى مفهومه.
يستعمل الجمل التوضيحية بين القوسين، والكلمات المترادفة، فمن ثم أصبحت ترجمته واضحة تماماً لا غموض فيها.
__________
(1) كلمة جمال الدين في مقدمة التفسير المنير ص6، وانظر الترجمات للكهانكرو ص254، ووفاته فيه في:1956م، وموجز تاريخ الأدب السندي ص247، ووفاته فيه في :1957م.(1/30)
يقسم المضامين القرآنية حسب الركوعات المتداولة في المصاحف المطبوعة في شبه القارة الهندية(1)، فيبين ملخص الموضوع ويعدُّه عنواناً.
فمثلاً :
يقول في سورة البقرة :
ركوع 1
بيان المتقين والكفار
ركوع 2
بيان المنافقين ومحروميتهم
ركوع 3
التوحيد، الخالقية والربوبية، الرسالة والوحي، الأدلة على حياة الآخرة،
مخلوقات الأرض لمصالح الإنسان ومنافعه
.. ..
هكذا يعطي القارئ ملخصاً ذا عنوان قبل البداية في القراءة.
ويتضح المراد أكثر من الترجمة في التعليقات والحواشي التفسيرية التي استعملها فيها.
__________
(1) هي من وضع علماء بخارى، وهي متفاوتة في الصغر والكبر، ومن ثم وضع العلامة محمد هاشم السندي ركوعات أخرى راعى فيها التناسب في رسالة سماها : تحفة القاري بجمع المقاري، طبعت بتحقيقنا للنص العربي وبترجمتها إلى السندية من قبل ندوة خدام التجويد (السند) في 1422هـ، كما نشرت ترجمتها في مجلة السند الشهرية (بإسلام آباد) في رمضان عام 1421هـ.(1/31)
يشير في تعليقاته إلى المراجع التي استفاد منها في التفسير، ونراه فيها متأثراً بالعلامة أبي الكلام آزاد(1)، والعلامة الشيخ عبيد الله السندي(2)، وغيرهما من علماء الهند والسند.
يذكر الأحاديث والآثار للتوضيح حسب المناسبة.
يشير أحياناً في التعليقات إلى أسباب النزول.
يتجنب استعمال الكلمات اللغوية أو الأدبية الصعبة.
قد يستعمل في التعليقات كلمة إنجليزية للتوضيح للمثقفين.
في أثناء تعليقاته وتوضيحاته - عملا بالقاعدة المعروفة لدى المفسرين (القرآن يفسر بعضه بعضاً) - يحيل على آيات أخرى بذكر أرقامها.
انظر للمثال : ص 48 ح 24، ص50 ح 28، ص194 ح 234، ص 554 ح 605، وغيرها من المواضع الكثيرة.
يلاحظ عليه في تعليقاته أن لونه لون الخطيب :
فمثلاً يقول في تعليقه على قوله تعالى : { وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس .. } (البقرة : 13) ما ترجمته :
__________
(1) هو محيي الدين أحمد بن خير الدين المعروف بأبي الكلام آزاد من كلكتة، من أعلام الهند، كاتب وصحفي ومصنف وخطيب وسياسي ومفكر شهير، من أبرز مقاومي الإنجليز، وفي سبيل ذلك قضى في السجن حوالي 11 عاماً، تولى رئاسة البرلمان ووزارة المعارف بالهند بعد الاستقلال، توفي في 1377هـ، من مؤلفاته تفسير القرآن بالأردية، ترجمته في نزهة الخواطر 8/24-30، والأعلام 1/122.
(2) علم بارز من أعلام السند والهند، ولد في أسرة وثنية سيخية في 1289هـ، وتشرَّف بالإسلام في صغره على يد الشيخ الحافظ محمد صديق البرجوندوي السندي، وجاهد الإنجليز وحاربهم حتى ضيقوا الخناق عليه وأجلي من بلاده 24 سنة قضى منها 15 سنة بمكة،وتوفي في 1363هـ، وله منهج خاص في تفسير القرآن،= =طبع بعض أجزاء تفسيره باهتمام تلميذه الشهير شيخنا العلامة القاسمي السندي، ترجمته في نزهة الخواطر 8/323-328.(1/32)
"المنافقون يعدون الحق سفاهة، والنفاق شطارة؛ وهذا هو حال أغلب المسلمين اليوم. أيها الناظرون ! تأكدوا وقت قراءة خصال المنافقين والكفار واليهود .. أنها بأي قدر توجد فينا كذلك، وانظروا وقت قراءة صفات المؤمنين أنها موجودة فينا أم أنها غير موجودة فينا أصلاً!" (1).
ذكر في مقدمة الترجمة : أن المترجم عرض ترجمته على طائفة من معاصريه فراجعوها(2).
وذكر ابنه جمال الدين في كلمته : أن المترجم كان يعرض كل ما ترجمه من النص القرآني على العلماء، ويتدارس معهم فيها .. كما راجعها الشيخ غلام محمد الكرامي، والعلامة الشيخ غلام مصطفى القاسمي السندي وغيرهما(3).
قال فيها العلامة الشيخ عبد الكريم القريشي(صاحب الترجمة القرشية):
"كنا نفكر في تأليف تفسير، ولكن بعد النظر في هذا التفسير (المنير) لا نرى حاجة إلى غيره"(4).
المطلب الثالث : محاسن ترجمته :
محاسن ترجمته وتعليقاته كثيرة جداً !. منها : أن تعبيره في الترجمة مؤثر في القلوب، سلس، مسترسل، يروق القارئ ولا يمله أبداً.
ترجم قوله تعالى: { فما بكت عليهم السماء والأرض .. } (الدخان:29) بقوله : "سو نكي آسمان متن كورها كاريا نكي زمين هنن لاء رني" (5).
ومن أروع أمثلة ترجمته وعذوبة تعبيره، ترجمته لقوله تعالى :
{ وراودته التي هو في بيتها عن نفسه .. } (يوسف:23) بقوله:
" ء (يوء جا تيو جو) جنهن عورت جي كهر م يوسف رهندو هو (يعني عزيز جي زال) سا متس (عاشق تي ييئي ء) حيلا هلائن لكي تـ هو بـ (موهجي) بي اختيار تي كالهـ مجي وجهي (يعني سانس بجرو كم كري) هن عورت (هكري ذينهن) دروازا كني بند كيا، ء (كُليو كُلايو) جئي ذنائين تـ هليو آءُ .. ".
__________
(1) التفسير المنير ص47، واقرأ التعليقة رقم :994 ص875، و1040 ص920.
(2) مقدمة الناشر ص4.
(3) كلمة جمال الدين عن حياة علي خان في مقدمة تفسيره ص5-6.
(4) كلمة جمال الدين عن علي خان في مقدمة تفسيره ص6.
(5) انظر ص 843 من ترجمته.(1/33)
فكانت ترجمته رائعة حسب التعبير السندي المؤثر في القلوب، مع لغته العصرية التي يتجلى فيها روعة الأدب السندي وجماله وعذوبته.
ومنها : أنه يحاول أن يوضح الأمور المهمة من النص القرآني، فمثلاً في سورة الفاتحة بعد ما ترجم النص بالسندية، علق على قوله تعالى :
{ رب العالمين } (الفاتحة :2) فقال :
"الرب هو المربي، حيث يربي الدنيا يعني جميع الأشياء كالحيوان والإنسان، وهو يهيئ الوسائل المناسبة لمعاش الجميع أولاً بأول، ويظل ينشئها حسب الضرورة، فمثلاً : يخلق الحليب في الثدي قبل ولادة الطفل، ويتدرج بكل شيء – بالحيوان والإنسان – من مرحلة إلى مرحلة (فهذه تربية).
ومن الممكن أن يقصد من رب العالمين : بأنه ما دام رب الناس كلهم واحد فعليهم أن يعيشوا مجتمعين مترابطين، كما يعيش الأشقاء إخوة وأخواتٍ متحابين فيما بينهم.
وأهم معنى في (الآية) أن الله تعالى كما أنه رب العالمين فعلى كل واحد منا أن يعنى بتربية الفقراء والمساكين، ولا سيما الحكومة التي من أعظم فرائضها أن تهيئ نظاماً موحداً لمعاش كافة الناس وتعليمهم"(1).
ثم وضح مفهوم (الرحمن الرحيم)، ثم بين معنى (الدين)، ثم بين مفهوم العبادة وما يدخل فيها من حيث العموم، ثم مفهوم الاستعانة ما يجوز منها وما لا يجوز ..
وهكذا نراه يحاول أن يوضح جميع ما يحتاج إلى توضيح بعبارة واضحة سهلة يستعمل فيها المحاورات والأمثلة السندية.
ومنها : أنه يبين معاني متعددة للكلمات المهمة، كالتقوى.. والصبر.. فمثلا:
ذكر أربعة معان للتقوى في قوله تعالى : { هدى للمتقين } (البقرة : 2).
وذكر أربعة معان لكلمة الصبر في قوله تعالى: { واستعينوا بالصبر والصلاة } (البقرة : 45).
وهكذا يبين المعاني المتعددة ثم يوضح معنى الآية على ضوئها.
ومنها : أنه يركز على التوحيد ورد البدع والخرافات: يقول في تعليقه على قوله تعالى : { وإياك نستعين } (الفاتحة : 5) ما ترجمته:
__________
(1) التفسير المنير ص43.(1/34)
" كم من جهلة في زماننا يدعون الأموات أو الأحياء ويطلبون منهم الأولاد أو الشفاء أو أموراً كهذه .. فلو قالوا لهم : اشفنا، أو أعطنا ولداً، أو حسبوهم قادرين على مثل هذه الأمور، فهو شرك وكفر .. الله أمرنا في القرآن بأن نسأله هو فقط،لم يكن المسلمون القدامى يذهبون إلى القبور ليدعوهم لمثل هذه الأغراض والمقاصد، وللأسف إن الانتماءَ إلى الشيوخ المبتدعة وعبادةَ القبور - لعدم وجود تعليمات القرآن فيهم –كان ذلك في السند على أوجه، وقد بدأ يتضاءل الآن" (1).
ويقول في تعليقه على قوله تعالى: { ألا تزر وازرة وزرأخرى } (النجم : 38):
__________
(1) التفسير المنير ص43.(1/35)
"ينبغي التفكر في الآية رقم : 38، و39 (من هذه السورة)، كثير من الشيوخ والدراويش في وطننا السند يقولون للناس : أعطونا النذور لنضمن لكم الآخرة وننجيكم من عذابها!. وفي الحقيقة لا تنفع الأعمال الصالحة غير صاحبها ولا تلقى أوزار السيئات إلا على عاتق صاحبها. وفي بلاد السند يعطى على الوفيات شيء كثير للمطاوعة وللشيوخ والدراويش، ويعملون حيلة الإسقاط، وتقدم الفلوس على هبة القرآن(1)، ويعملون الجُمَع(2)، ويقدم الطعام إلى الأقارب وغيرهم .. وبالجملة: من مات له قريبه، ينهب له بيته ..، وعلى كلٍ: الحداد بعد الوفاة، وعدم الاستحمام على خلاف العادة، وعدم تغيير الملابس، وعدم الاكتحال، وعدم شرب الحليب، والنوم على الأرض (دون السرير)، والنوح والبكاء .. كل ذلك غير صحيح، وكذلك الإنفاق على القبور والقباب .. إسراف وخطيئة"(3).
__________
(1) بدعة معروفة في بلاد السند، وهي أن ورثة الميت يحملون المصحف مع الميت وبعد أداء صلاة الجنازة عليه يمسك المطوع بطرف من المصحف، وورثة الميت بطرف آخر، فيعدد المطوع ذنوب الميت كلها من صغره إلى وفاته سواء عملها أو لم يعملها .. من أنه ارتكب الكبائر والصغائر من عقوق الوالدين وارتكب الزنى والسيئات وأكل أموال الناس بالباطل .. يأتي على ذنوب العالم كله فيردد الورثة وراءه معترفين بها كلها وشاهدين عليه بذلك ثم يقولون إننا لا نقدر أن نفدي عنها بشيء غير هذا المصحف الذي لا يقدر بقيمة فهو أغلى من كل قيمة وثمن، ونرجو الله تعالى أن يتقبل عن هذا الميت هذه الفدية .. ثم يقدمون مبلغاً من النقود كل على قدر استطاعته للمطوع الذي قدم لهم خدمة حط ذنوب ميتهم بهذه العملية! هكذا ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
(2) أي يقدمون أطعمة متنوعة للمشايخ والدراويش ولأقربائهم كل يوم جمعة سبعة أسابيع عادةً.
(3) التفسير المنير ص899.(1/36)
هكذا نرى علي خان ينتقد المجتمع وينبه على البدع والخرافات والأخطاء الفاحشة المنتشرة فيه، ويحاول تصحيح الأفكار والمعتقدات الخاطئة.
ومنها : أنه يركز على إصلاح المجتمع :
وفي سبيل ذلك يركز على وحدة الأمة وعدم التفكك والتشتت والتحزب(1).
ويوضح أحوال علماء السوء وأماراتهم ويحذر القارئ منهم(2).
يستعمل لتوضيح المعاني أسلوب ضرب الأمثلة الشعبية المتداولة لدى أهل السند، وكذلك المحاورات المتعلقة بالمجتمع الشعبي التي تقنع العامة وتؤثر فيهم، وأمثلة ذلك غير محصورة في ترجمته وتعليقاته.
يحاول أن يتوسع في المعاني والمفاهيم القرآنية ويعممها ثم يطبقها على واقع المجتمع ليؤثر بذلك على القارئ ولا سيما المثقف منهم، فمثلا يبين مفهوم الرزق في قوله تعالى: { ومما رزقناهم ينفقون } (البقرة : 3) فيعلق عليه قائلاً :
"ليس معنى (الرزق) الحبوب والثمار والملابس .. فحسب، بل يدخل فيه : العلم، والعقل، وفصاحة اللسان وبلاغته، وقوة القلم، والوجاهة، والمكانة .. وغير ذلك .. كل ذلك يستخدم حسب أوامر الله لمصلحة النفس ولمصالح الناس كافة، وكل ما أوتينا من شيء فهو من الله، وأمانة، فلا بد من أن تنفق الأمانة حسب أوامر معطيها(3).
ويقول في تعليقه على قوله تعالى :
{ الله يستهزئ بهم ويمدهم .. } (البقرة : 15) ما ترجمته :
__________
(1) ينظر للمثال كلامه في التعليقة رقم : 263 ص213، و634 ص578-579.
(2) انظر التعليقة رقم:259 ص211.
(3) التفسير المنير ص46.(1/37)
"نعم لقد عم النفاق فينا اليوم، ولكن كثيراً من المتغربين والأعداء والأثرياء المتوغلين في الذنوب ضيعوا إيمانهم نحو الإسلام، ومع ذلك فيدّعون الإسلام ظاهراً، وهذا أخطر أنواع النفاق، وكم واحد يوافق كل واحد في رأيه، مسلم حقاً مع المسلمين الخلص، مسيحي مع النصارى، يهودي مع اليهود ..، وكم واحد لا يصدق بالإسلام حق التصديق، ولكن لا بأس بأخلاقه لكونه من المثقفين، والخصال التي ذكرت في هذا الركوع توجد كلها في الأشرار وأصحاب الأعمال السيئة من المنافقين"(1).
ومثل هذه المفاهيم الموسعة ومحاولة تطبيقها على واقع المجتمع شيء كثير في تفسيره!.
ومن باب التركيز على إصلاح معتقدات المجتمع السندي يقول موضحاً معجزات الأنبياء في تعليقه على معجزة شق القمر في قوله تعالى : { اقتربت الساعة وانشق القمر } (القمر : 1) :
".. وردت معجزة شق القمر في الأحاديث، وليعلم أن إظهار المعجزات بيد الله تعالى، والأنبياء لا يقدرون على شيء من ذلك، كما ذكر مرات في القرآن من قول الله تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يبين للكفار أنه لا يقدر على الإتيان بالمعجزات، وأنه ما عليه إلا البلاغ ...، وأفضل معجزة للرسول - صلى الله عليه وسلم - هو هذا القرآن الذي أسلم بسماعه كثير من الناس حتى دخل في الإسلام عالم العرب كله، وبقية المعجزات وقتية لا يشاهدها إلا من حضرها وقت ظهورها، أما معجزة القرآن فخالدة إلى يوم القيامة، وذكر التحدي في القرآن أكثر من مرة للكفار بأن يأتوا بمثله، ولكن لم يأت أحد بمثله إلى اليوم، ولم يأت أحد إلى اليوم من يقدم تعليماً كاملاً مثله.
وهناك معجزة أخرى عظيمة للرسول - صلى الله عليه وسلم - ألا وهي سيرته - صلى الله عليه وسلم -، حيث كان - صلى الله عليه وسلم - على مستوى عال في السيرة لم يرق أحد إليها إلى اليوم.
__________
(1) التفسير المنير ص48.(1/38)
كثير من الناس في السند يتغنون بقصائد كاذبة في مدح الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومعجزاته وهم في الحقيقة يسيئون فيها إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإلى الإسلام، وعلى العلماء أن يتجرَّؤوا في الرد على أمثالهم، ويؤلفوا قصائد حقيقية وينشروها ليُؤلف في اتباعهم قصائد صادقة وصحيحة"(1).
ويقول في تعليقه على قوله تعالى : { يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى .. } (الحجرات : 13) :
" أيها الناظرون ! من فضلكم : اقرؤوا هذه الآية – بل السورة كلها – بالتدبر مرات وكرات، وهي تخاطب الناس كافة لا المسلمين وحدهم، فالناس كلهم أسرة واحدة، الشعوب والقبائل للتعارف فقط، كأشكال الناس المختلفة لمعرفتهم، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي إلا بالتقوى . كثير من الناس فينا يدّعون الانتساب إلى آل الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو إلى قريش أو الصديقيين أو المغول .. ليتعالوا على الناس، ولكن الله تعالى بيَّن بوضوح في الآية بأن أكرمكم عند الله أتقاكم.."(2).
المطلب الرابع : ملاحظات على ترجمته :
الملاحظات العقدية :
لم أجد شيئاً من ذلك فيها حسب قراءتي فيها، بل يلاحظ عليه أنه يترجم الآيات القرآنية حسب مفهوم السلف لها دون تأويل أو تحريف فيها(3)، والله أعلم.
__________
(1) التفسير المنير ص901.
(2) التفسير المنير ص875.
(3) ينظر في ذلك ترجمته لآيات الاستواء على العرش، ولقوله تعالى (وهو الله في السموات وفي الأرض)[الأنعام:3]، ولقوله تعالى (أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً) [يس:71]، وقوله تعالى (يوم يكشف عن ساق) [القلم:42] وأمثالها.(1/39)
بل في كلامه ما يشير إلى رده على من يؤول معاني القرآن الكريم، ففي قوله تعالى : { فبأي آلاء ربكما تكذبان } - من سورة الرحمن- ترجم كلمة (آلاء) بالنعم، ثم علق عليه بأسلوب التعجب بأن من المترجمين من ترجمها بالقوى (جمع القوة) بدل النعم(1).
وقال في تعليقه على قوله تعالى :
{ فلا تضربوا لله الأمثال } (النحل : 74):
"ليس كمثله شيء" هذه آية معناها .. - ترجمها إلى السندية – صفات الله الكاملة والحسنى لا يعلمها إلا هو، وهي مذكورة في القرآن الكريم، فعلينا أن لا نخترع من عند أنفسنا أمثلة وصفات له تعالى(2).
ولقد أعجبني توضيحه للوسيلة في قوله تعالى :
{ يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة .. } (المائدة : 35)، ورده على المرشدين من المتصوفة المبتدعة ما ترجمته :
"(الوسيلة) هي : الحيلة والسعي، للتوصل إلى الله، أي ذكرت في هذه الآية الحيلة والسعي للحصول على رضا الله، ومن الأصول المسلَّمة لدى المجتهدين أن يفهم معنى كلمة أو جملة باعتبار السياق والسباق، وقد ذكرت الحيلة هنا في السباق : أن لا تعصى أوامر الله، وأمر في السياق أن يجتهد ويسعى في سبيل الله، فهذه هي المساعي للتوصل إلى الله. ولكن للأسف إن التكبر يعمي الإنسان؛ يقول بعض المرشدين للناس : إن المراد من ابتغاء الوسيلة هنا : اتخاذ المرشد !.
ويقول المجاورون (للأضرحة) : إن الوسيلة هي تقديم النذور إلى قبور الصالحين!.
وهناك مرشد كتب في حاشية مصحف أنه ورد في حديث : أن من ليس له مرشد فالشيطان مرشد له. وهل هناك حديث كهذا؟. ومن الجهال من يقول: علينا أن نأخذ بأوامر مرشدنا مهما كانت، ولو كانت من المعاصي!.
__________
(1) انظر التعليقة رقم :1028 ص910.
(2) التفسير المنير ص470 التعليقة رقم :519.(1/40)
كل ذلك من عبادة الناس وليس من عبادة الله تعالى، فهو من الشرك والكفر، وفي الحقيقة إن المرشد الحق هو كتاب الله وصحيح الأحاديث، ولكن المرشدون اليوم لا يعلّمون الناس معنى كلمة التوحيد، ولا معنى القرآن، بل على خلاف ذلك يمنعونهم من قراءة القرآن الكريم المترجم.
لم يكن في بداية العهد الإسلامي مرشدون أو مريدون، والبيعة ثابتة، ولكن كانت للرسول - صلى الله عليه وسلم - ولخلفائه الحكام، وكان يؤخذ العهد في البيعة على الأعمال الصالحة وترك السيئات، وبعض مرشدي اليوم يأمر مريديه بقطع جزء من الشَّعْرِ – تأكيداً - ليقدموا له الجزية سنوياً!. وألفاظ البيعة الإسلامية وردت في آخر سورة الممتحنة فاقرؤوها فيها"(1).
كما أعجبني توضيحه للرهبانية لدى النصارى (في سورة الحديد) وصلتها بالهندوسية والتصوف المعروف لدى المتصوفة من المسلمين، وَبَيَّن هناك - في أكثر من صفحة - ما يحدث منهم من أنواع الخرافات، وما يترتب عليها من المضار الدينية والاجتماعية، وقد حاول توضيح تلك الحقائق بضرب الأمثلة الشعبية السندية بأسلوب مقنع واضح مؤثر في القلوب(2).
الملاحظات العلمية :
- يلاحظ عليه أنه يتوسع في الترجمة القرآنية بحيث تصبح الترجمة شبه تفسير، وهذا وإن كان لا يعدّ عيباً فيها، بل أعده من محاسنها، إلا أن الترجمة مادامت مشتملة على التعليقات فكان عليه أن يختصر في الترجمة ويقلل من الجمل التوضيحية المقوسة.
انظر مثلاً ترجمته لقوله تعالى :
{ فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جثمين } (الأعراف :91):
__________
(1) التفسير المنير ص208-209، الهامش رقم : 255.
(2) انظر ص926-927 من ترجمته وتفسيره.(1/41)
"(تنهن تي الله تعالى جو غضب منكرن تي آيو ء) يوء هنن كي درتيءَ جي زلزلي اجي يكر كئي، جنهن جي كري هو ينهنجي كهرن م كريل ء ليتيل حالت م (دبجي يورجي) فنا تي ويا (صبح جي وقت اوندي منهن ييا ها)(1).
ولقوله تعالى :
{ إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون } (الأنبياء:92) :
"(انهن سبني نبين ء رسولن جي وسيلي أسان جيكا تعليم ذني هئي سا هيء هئيتـ ) هيء توهان سبني جي أمت حقيقت م هكئي امت آهي، (جدا جدا دين ء جدا جدا مذهبي توليون كونهن) ء مان ئي توهان سبني جو (اكيلو) بروردكار آهيان، تنهنكري توهان كي كهرجي تـ فقط منهنجي بانهب كيو (ء ان راه م جدا جدا نـ تي وجو)"(2).
ثم علق عليها في حوالي عشرة أسطر.
- ترجم كلمة : (النعاس) في آل عمران :154، والأنفال:11 بـ"نند"، أي: النوم.
- عدّ لفظة (ما) في قوله تعالى :
{ وما أنزل على الملكين ببابل .. } (البقرة : 102) نافية، وعليه ترجم الآية(3).
- ترجم كلمة (الحِجْر) في بداية سورتها بـ"بتر" أي (الحَجَر)(4)، وهذا وإن كان له وجه من حيث المعنى المراد، حيث كانت المنطقة المسماة بـ(الحِجْر) بيوتاً منحوتة من الجبال الصخرية، إلا أنه قد يظن البعض أن ذلك معناها اللغوي.
- استشهد بقوله تعالى :
__________
(1) التفسير المنير ص282، وما بين القوسين توضيح منه للترجمة مع كون الترجمة مقصودة غير لفظية.
(2) التفسير المنير ص560، وانظر إلى كثرة الجمل التوضيحية المقوّسة وطولها! بحيث أصبحت ترجمة آية واحدة من نصف سطر إلى أربعة سطور!.
(3) انظر التفسير المنير ص67، وهو الذي مشى عليه من المترجمين السنديين صاحب الترجمة المنظومة الشيخ أحمد الملاح، انظر ص20 من ترجمته، وهو ما ذكره الطبري وخطّأه والقرطبي، انظر تفسير ابن كثير 1/136.
(4) التفسير المنير ص447، وينظر للفرق بين الحَجَر والحِجْر تفسير ابن عاشور 14/72-73.(1/42)
{ وتحسبهم أيقاظاً } إلى قوله تعالى: { ولملئت منهم رعباً } (الكهف:18)، على أن فيها إشارة إلى هجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفتح مكة، حيث ترك الرسول - صلى الله عليه وسلم - قريشاً في مكة، وهاجر إلى المدينة بعد الاختفاء في غار ثور ثلاثة أيام، ثم فتحت مكة وأسلمت قريش .. (1).
وقد قارن هنا بين قصة أصحاب الكهف واختفائهم فيه، واختفاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - في غار ثور، فكما أذعن للحق مخالفوهم، كذا أذعنت قريش ..، ولا أدري أي مرجع له في ذلك؟ والله أعلم!.
الملاحظات الأدبية :
استعمل المترجم لغة المنطقة الوسطى من بلاد السند مع مراعاة كونها سهلة سلسة فمن ثم لم أجد فيها ما يقدح فيها من الناحية الأدبية، كما أنه تجنب استعمال الكلمات الأدبية البحتة التي تحتاج لفهمها إلى معاجم. وإن كان يستعمل بعض الكلمات الإنجليزية في التعليقات إلا أنها أصبحت دارجة وجزءاً من اللغة السندية بحيث يفهمها عامة الناس، فلا أرى ذلك من عيوبها، والله أعلم.
المبحث الثالث
في دراسة الترجمة المدنية
للشيخ محمد المدني (ت:1396هـ)
المطلب الأول : نبذة موجزة عن حياة المترجم.
اسمه ونسبه :
هو (المشرف بالإسلام والمسمى بـ) محمد بن إسلام السندي .
ولادته ونشأته :
ولد في 9/شعبان 1314هـ = 13/1/1897م في قرية (بنبري) من مضافات "هالا" ببلاد السند في بيت هندوسي.
دراسته وشيوخه :
__________
(1) انظر التفسير المنير ص504-505 التعليقة رقم :564.(1/43)
التحق بمدرسة ابتدائية حكومية في قريته، وتأثر بمدرس مسلم في تلك المدرسة فتعلم منه القرآن الكريم، وكان يخفي إسلامه خوفاً من أسرته وأقربائه، ثم أعلن عن إسلامه – وهو ابن ثلاثة عشر عاماً - في مدينة "عمر كوت" (قلعة عمر) بعيداً عن قريته، ومن هناك توجّه إلى الحرمين الشريفين عن طريق ميناء مدينة بومباي بالهند، فتشرف بزيارة الحرمين الشريفين، وتوطنهما، وتربى عند شيخ الإسلام بمكة في أوانه، وتعلم العربية والعلوم الإسلامية من العلامة الشيخ حسين أحمد المدني(1) الذي كان يدرس بمدرسة دار العلوم الشرعية بالمدينة المنورة.
كما درس هناك بعض كتب الحديث على شيخ الهند العلامة محمود الحسن(2) حين وروده المدينة، وعلى العلامة الشيخ محمد أنور شاه الكشميري(3) كذلك.
ودرس بعض كتب الفقه على المحدث الشهير العلامة خليل أحمد السهارنفوري(4).
ودرس علوم الإمام ولي الله الدهلوي وتفسير القرآن الكريم على العلامة عبيد الله بن الإسلام السندي حسب منهجه المتميز أيام وروده الحرمين الشريفين حيث كان يقضي أيام إجلائه من بلاده من قبل الإنجليز.
تدريسه وتلامذته :
درّس الشيخ محمد في مكة المشرفة سنوات عديدة، ثم رجع إلى بلاده بأمر من شيخه العلامة عبيد الله السندي، فبدأ يدرّس في المدرسة الراشدية بقرية "بير جندو"، ثم عُيِّن مدرساً للغة العربية بمدرسة السند الإسلامية بكراتشي، واستمر فيها إلى أن أحيل على التقاعد في :1961م.
ثم بدأ يدرِّس في مدرسة "مظهر العلوم" الأهلية بـ"كدو" كراتشي.
مؤلفاته :
له مؤلفات عديدة، منها :
ترجمة وتفسير جزء "عم" بالسندية، طبع في 1351هـ=1931م.
ترجمة وتفسير جزء 26، طبع في كراتشي عام 1356هـ.
ترجمة وتفسير جزء 27 و28 طبع بكراتشي في:1357-1358هـ.
__________
(1) راجع لترجمته نزهة الخواطر 8/126-132.
(2) راجع لترجمته نزهة الخواطر 8/491.
(3) راجع لترجمته نزهة الخواطر 8/90.
(4) راجع لترجمته نزهة الخواطر 8/145.(1/44)
ترجمة كامل القرآن الكريم (وهي التي نحن بصدد دراستها).
وفاته :
توفي – رحمه الله - في 7/1/1396هـ=7/12/1977م عن عمر يناهز الثمانين سنة(1).
المطلب الثاني : التعريف بترجمته ومنهجه فيها :
ذكر العلامة القاسمي أن الشيخ محمداً بدأ بترجمة القرآن الكريم أيام تدريسه بمدرسة السند الإسلامية بكراتشي، بعد أن قرأ في مراجع عديدة من كتب التفسير ولغات القرآن بالعربية، واجتهد فيها سنوات عديدة، وكنت أراه بنفسي يسهر فيها الليالي!(2).
طبعت ترجمته مرات(3) - ولعل أولها في المطبعة التعليمية بكراتشي في : 1376هـ=1956م – بمقاييس مختلفة حتى الجيبية، ومما لا شك فيه أن هذا دليل قبولها ورواجها في الناس، وصدق الله القائل: { إن الله لا يضيع أجر المحسنين } (التوبة : 120).
طبعت على حاشيتها فوائد تفسيرية من تفسير "فتح الرحمن" للإمام الشاه ولي الله الدهلوي، ترجمها من الفارسية إلى السندية - صهر المترجم - العلامة الشيخ غلام مصطفى القاسمي السندي (حفظه الله) بأسلوب أدبي سلس.
تشتمل الترجمة على معاني جميع الكلمات القرآنية مع كونها ترجمة غير حرفية بأسلوب سهل.
وهي متأثرة بالترجمة الأمروتية في اللغة والأداء والنثر، واستعمال الأقواس والجمل التوضيحية، بحيث يمكنني أن أقول :
إنها تعدّ تصحيحاً، وتسهيلاً، وتعديلا للترجمة الأمروتية.
وفيما يلي نذكر بعض الأمثلة للمقارنة بين الترجمتين :
في ترجمة قوله تعالى: { ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم.. } (البقرة :7).
__________
(1) مقال القاسمي ص10-11، والترجمات للكهانكرو ص 162-163(وفيه وفاته : 1978م) نقلاً عن "تحريك آزادي م سند جي عالمن جو حصو" (مشاركة علماء السند في حركة التحرير) للدكتور/مظهر الدين سومرة ص 487-489.
(2) مقال القاسمي ص10.
(3) ذكر العلامة القاسمي في مقاله عن الترجمات السندية ص11 : أنها طبعت حوالي 12 مرة، ونشر مقاله في مجلة مهران الفصلية عام : 1980م، ثم طبعت الترجمة بعد ذلك مرات.(1/45)
(الأمروتية) : الله سندن دلين تي ء سندن كنن تي مهر هنئي آهي ء سندن اكين تي جور (جرهيل) آهي، ء انهن لاء وذو عذاب آهي
( المدنية ) : الله سندن دلين تي ء سندن كنن تي مهر هنئي آهي ء سندن اكين تي يردو آهي، ء انهن لاء وذو عذاب آهي
وفي ترجمة قوله تعالى :
{ يأيها الذين ءامنوا لا تأكلوا الربوا .. } (آل عمران:130-131).
(الأمروتية) : أي ايمان وارؤ (اوهين) وياج بينو جؤنو نـ كائو، ء الله كان دجو مانَ اوهين جتو. ء ان باه كان دجو جا كافرن لاء تيار كئي ويئي آهي
( المدنية ) : أي ايمان وارؤ وياج بينو جؤنو نـ كائو، ء الله كان دجو منَ اوهين كامياب تيو. ء ان باه كان بجو جيكا كافرن لاء تيار كئي ويئي آهي
وفي ترجمة قوله تعالى :
{ وجاءوا أباهم عشاء } إلى قوله تعالى: { على ما تصفون } (يوسف:16-18).
(الأمروتية) : ء ينهنجي ييء وت رات جو روئيندا آيا، جيائون تـ أي بابا اسين دكون يورائن وياسون ء يوسف كي ينهنجن وسلن تي جذيوسون يوء ان كي بكهر كادو،
ء توني اسين سجا آهيون تـ بـ تون اسانكي وسهندر نـ تيندين.
(المدنية) : ء اهي ينهنجي ييء وت رات جو روئندا آيا، جيائون تـ أي اسانجا ييء اسين كذجي دور يورائن لكاسون ء يوسف كي ينهنجي سامان وت جذيوسون يوء ان كي بكهر كادو، ء تون اسان تي يقين كونـ كندين توري اسين سجا آهيون.
المطلب الثالث : محاسن ترجمته :
من محاسنها :
أنه لم يترك كلمة قرآنية إلا وترجمها إلى السندية، شأنها في ذلك شأن الترجمة الأمروتية، وهذا مفيد لطلاب العلم والعامة لمعرفة اللغة العربية.
لغته السندية سهلة ميسورة يفهمها العامة بغاية السهولة.
كما أن عباراته مختصرة وواضحة، كترجمته لقوله تعالى :
{ ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظلمين } (البقرة : 35).
ء هن ون كي ويجها نـ تيو نـ تـ ظالمن مان تيندؤ.
{ ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون } (البقرة :42).(1/46)
ء سج كي كور سان نـ ملايو ء نكي سج كي جاني واني لكايو.
{ كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين } (البقرة:60).
الله جي رزق مان كائو ء ييئو ء ملكـ م فسادي تي بكيرو نـ وجهو.
يحاول المترجم أن يسهل الترجمة بقدر المستطاع :
ولقد أعجبتني ترجمته لقوله تعالى : { من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان .. } الآية (النحل:106)، حيث ترجمها بعبارة واضحة قائلاً :
جن ينهنجي ايمان آنن كان يوء الله جو انكار كيو سواء ان جي جنهن تي زبردستي كئي وئي هجي ء ان جي دل ايمان تي برقرار هجي، ير جن دل كولي انكار كيو تن تي الله جي كاور آهي ء انهن لاء وذو عذاب آهي.
ولو قارنا هذه الترجمة بالترجمات السندية الأخرى لوجدناها أيسرها وأفضلها، وفيها مثلها مواضع كثيرة يروق القارئ تعبيره فيها.
ذكر العلامة القاسمي أن من محاسنها :
أنه حاول في ترجمته أن يحل مسائل تفسيرية مشكلة(1).
المطلب الرابع : ملاحظات على ترجمته:
الملاحظات العقدية:
مشى في ترجمة آيات الصفات على منهج السلف بترجمتها حسب مدلول النص دون تأويل أو تشبيه، ما عدا موضعاً واحداً، وهو قوله تعالى :
{ ثم استوى على العرش } (الأعراف :54) حيث ترجمها بقوله :
وري عرش تي قرار ورتائين (أي : ثم استقر على العرش).
وكانت ترجمته سليمة، بل أدق من الترجمة الأمروتية – حيث ترجمها الأخير بقوله : ثم توجه إلى العرش -.
إلا أنه أضاف بعدها بين القوسين قوله : (يعني سندس تجليء جو عكس عرش تي ييو) أي : انعكس تجليه على العرش.
وأرى –والله أعلم- أن هذه الجملة التوضيحية تشير إلى التأويل المعروف في الموضوع، ولم يكن المترجم في حاجة إليها مادامت ترجمته واضحة.
الملاحظات العلمية:
لم أجد فيها شيئاً من ذلك، إلا أنه لم يترجم كلمتي (المن) و(السلوى) في سورة البقرة (الآية : 57) بل نقلهما بالعربية كالترجمة الأمروتية تماماً.
__________
(1) مقال القاسمي ص10.(1/47)
كما أنه ترجم كلمة (فتيلا) في سورة النساء : 49 بـ"داكو" أي : الخيط (المعروف للخياطة، وليس الخيط الذي يكون في شق نواة التمرة).
فلو ترجمها بـ " تند " – كما في الأمروتية والقرشية-، أو بـ"وت" –كما في الأحمدية - لكان أدق.
ترجم قوله تعالى :
{ كمثل الذين من قبلهم قريباً ذاقوا وبال أمرهم.. } (الحشر : 15).
بقوله : "(هنن جو قصو) انهن جي قصي جهرو آهي جي انهن كان اكـ هئا. انهن ويجهو ئي ينهنجي كم جو بجرو نتيجو جكيو..".
فأراه أنه ترجم (قريباً) وعدَّها ظرفاً لـ"ذاقوا"، لا على أنها متعلقة بما قبلها، وهذا وإن كان على خلاف ما عليه جمهور المترجمين من علماء السند، إلا أنه وجه صحيح، ذكره أبو حيان وغيره من المفسرين(1).
الملاحظات الأدبية:
تعبير المترجم في ترجمته سهل سلس، إلا أنه يستعمل أحياناً أسلوب العامية، كقوله :
"توذي" بدل "تو ذانهن" في عدة مواضع، منها في سورة البقرة:4.
"مون ذي" بدل "مون ذانهن" (الأنعام: 93)
وقد يستعمل كلمات لغوية بعيدة الفهم، كترجمته لكلمة (نعاساً)
(آل عمران:154) بـ "اوجهرن".
وكلمة (النعاس) (الأنفال :11) بـ "اوجهراكي".
ولو ترجمهما بـ"اونكهـ" أو بـ"ينكي" لكانت سهلة الفهم للعامة.
المبحث الرابع
في دراسة الترجمة القرشية
للعلامة الشيخ عبد الكريم القريشي (ت:1419هـ)
المطلب الأول : نبذة موجزة عن حياة المترجم.
اسمه ونسبه :
هو العلامة الشيخ عبد الكريم بن محمد عالم بن عبد الله بن محمد كامل ابن المفتي محمد بن الشيخ عبد الله القرشي الصديقي السندي(2).
ولادته ونشأته :
ولد في قرية "بير" (السدر) من مضافات قمبر (لاركانه) في 1341هـ = 1923م.
دراسته وشيوخه :
__________
(1) انظر البحر المحيط :10/147.
(2) هكذا أخبرني – رحمه الله - بنفسه عن سلسلة نسبه.(1/48)
قرأ القرآن الكريم وتعلم الدروس الابتدائية على والده، وحفظ عليه بعض المتون بالفارسية والعربية، ودرس الابتدائية في مدرسة حكومية، ثم بدأ بدراسة العلوم العربية لدى بعض شيوخ قريته منهم الشيخ قمر الدين التنجة، والشيخ محمد أيوب التنجة، والشيخ شاه محمد هكرو، كما درس على الشيخ جان محمد، والشيخ تاج محمد المكسي، والشيخ عبد الله جانديو، ثم لازم العلامة الشيخ غلام مصطفى القاسمي السندي فكانت جل دراسته عليه حيث درس لديه العلوم العربية والفنون الأدبية وعلوم التفسير والحديث والمنطق والحكمة وبخاصة فلسفة الشاه ولي الله الدهلوي، إلى أن تخرج عليه في مدرسة قاسم العلوم (كهوتكي) في 1947م.
وأخذ علم التجويد برواية الإمام حفص عن مقرئ بلاد السند الشيخ محمد بن عيسى الميهرائي السندي (ت:1413هـ)(1)، وشيخه العلامة الشيخ حسن بن إبراهيم الشاعر (ت:1400هـ)(2)، ودرس شيئاً من التفسير لدى العلامة الشيخ عبيد الله بن الإسلام السندي.
تدريسه وتلامذته :
__________
(1) هو مقرئ بلاد السند، الشهير بطول خدمته لكتاب الله تعالى ونشر علم التجويد بين العلماء والعوام وبكثرة تلامذته في هذا العلم، توفي بمكة عام 1413هـ عن عمر قارب المائة، أو تجاوزها – على قوله - انظر لترجمته مقالنا عنه بعنوان : المسند في ترجمة المقرئ محمد، نشر في مجلة "نصيحت" بسكر السند عام : 1415هـ = 1995م.
(2) هو شيخ القراء بالمملكة العربية السعودية ووالد وزير الإعلام السابق معالي الشيخ علي بن حسن الشاعر، مصري الأصل والمولد، ومدني المسكن والوفاة، راجع لترجمته مقدمة رسالته (تحفة الإخوان) ص 39-46 نقلا عن : أعلام من أرض النبوة لأنس الكتبي 2/86.(1/49)
كان الشيخ القرشي عالماً ماهراً بالعلوم، ومتقناً لجميع الفنون العربية والإسلامية، بدءاً بعلم الصرف والقواعد، وانتهاءً بعلم الحديث والتفسير، وقد بدأ بالتدريس منذ أيام دراسته وطلبه للعلم حيث كان شيخه العلامة القاسمي لتفرسه النجابة فيه يحيل عليه دروس بعض الطلاب، أما بعد تخرجه، فعيِّن مدرساً في مدرسة مظهر العلوم (كده) بمدينة كراتشي في عام :1948م، ثم في مدرسة أنوار العلوم بمدينة كنديارو في 1950م، واستمر في التدريس فيها إلى 1956م حيث أسس مدرسة دينية أهلية باسم "سراج العلوم" في قريته (بير)، فدرَّس وأفتى وربى جيلاً عظيماً نشروا علمه وفضله، واستمر في ذلك إلى أن توفي، واستفاد منه آلاف من طلبة العلم، وقد درس عنده من الابتدائية إلى مرحلة التخرج أكثر من سبعين شخصاً، أغلبهم يمثل شيخه في منهج التعليم والتربية، وكل منهم مدرسة مستقلة في مقره(1).
مؤلفاته :
منها:
1- فضائل النبي (ترجمة شمائل الترمذي إلى السندية) طبع أكثر من مرة.
2- ترجمة القرآن الكريم (وهي التي نحن بصدد دراستها).
3- تفسير القرآن الكريم (طبع منه جزء واحد فقط في :1418هـ، ويشتمل على تفسير سورتي الفاتحة والبقرة وترجمتهما).
4- إرشاد العباد في تحقيق مسألة الضاد (رسالة غير مطبوعة).
توفي (رحمه الله) مساء الاثنين 15/رمضان 1419هـ = 4/1/1999م.
المطلب الثاني : التعريف بترجمته ومنهجه فيها :
كان من عادة شيخنا (رحمه الله) إلقاء الدروس التفسيرية يومياً بعد صلاة الفجر مباشرة يشارك فيها جميع الدارسين بمدرسته والزوار وأهالي القرية، واستمرت هذه السلسلة سنوات طويلة من عام: 1948م إلى آخر حياته.
__________
(1) مما كتبته في ترجمته من إفاداته مشافهة منه (رحمه الله) في مدينة كراتشي بتاريخ : 11/2/1417هـ، ومن مقالات متعددة في مجلة الشريعة الشهرية العدد الخاص بحياته ذو الحجة 1419هـ.(1/50)
كما كان -رحمه الله- يعقد دورات تفسيرية في فترات مختلفة ولاسيما في أيام عطلة المدارس الدينية والتي تكون عادة في أواخر رجب إلى نهاية رمضان، ويشارك فيها علماء ومدرسون وطلاب العلم والعامة كذلك، وكانت تلك الدروس التفسيرية تسجل كتابةً وعلى الأشرطة كذلك.
فمن أجل تلك الخبرة الطويلة في الترجمة والتفسير، بدأ الشيخ - رحمه الله - بترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة السندية على منهج معين لم يسبق إليه – كما سيأتي توضيحه – واستمرت عملية الترجمة أكثر من اثني عشر عاماً إلى أن أقرَّ الله عينيه بطبعها لأول مرة في 1416هـ = 1996م، وهي تشتمل على 1236 صفحة.
قال فيها شيخه العلامة غلام مصطفى القاسمي السندي :
"الترجمة واضحة وسلسة جداً، وقد طبعت بثوب قشيب، وأرى أنها ستكون جد مقبولة لدى الخواص والعوام كترجمة الشيخ تاج محمود الأمروتي رحمه الله"(1).
وكان منهجه الذي اختاره لنفسه هو :
- أن تكون الترجمة تحت اللفظ(2).
- أن لا تترك أي كلمة من النص بدون ترجمتها.
- أن تستخدم في الترجمة الكلمات السندية البحتة.
- أن تكون العبارة واضحة بجمل مفيدة بحيث تصبح شبه الترجمة المقصودة.
- تكون الترجمة واضحة بحيث لا يحتاج بعدها إلى استعمال الجمل التوضيحية بين الأقواس.
أن لا يخرج في أغلب الأحوال والمواضع عما اختاره من المعاني ورجحه شيخ شيوخه العلامة تاج محمود الأمروتي (رحمه الله) أو العلامة الشيخ محمد المدني.
المطلب الثالث : محاسن ترجمته:
1- نرى الترجمة المذكورة فريدة من نوعها، بحيث لم يسبق شيخنا إلى مثلها من حيث التعبير والمنهج، ولا من حيث اختيار المعاني، فالترجمات التي سُبق بها إما مقصودة، أو لفظية.
__________
(1) مقدمة الترجمة القرشية.
(2) لعلها تشبه في هذا الوصف ترجمة الشيخ محمد عالم بن محمد نعيم سومرة من علماء السند، انظر ترجمته ووصف ترجمته للقرآن الكريم في الترجمات للكهانكرو ص201-203.(1/51)
أما ترجمته فمزيج من الأمرين؛ الأمر الذي يجعل القارئ يعدُّه أديباً في لغته السندية إلى جانب كونه خبيراً بالعربية ماهراً فيها.
2- ونرى أن ترجمته للقرآن الكريم بهذا الأسلوب سهَّل على المتعلمين والعامة تعلم اللغة العربية، ومعرفة معاني كتاب الله تعالى.
3- تتصف عباراته في الترجمة بالروعة وجمال الأدب، اقرأ ترجمته لقوله تعالى: { ووهبنا لداود سليمن } إلى قوله تعالى: { إنك أنت الوهاب }
(ص30-35).
ء بخشي ذنوسون دائود كي سليمان، اهو يلو بانهو هئو، بيشكـ اهو رجوع كندر هو. (ياد كر) جذهن ييش كيا ويا ان تي شام جو كر كني بيهندر يلا كهورا، يوء جيائين مون يسند كئي محبت مال جي ينهنجي رب جي ذكر كان نيت دكجي ويو سج يردي م. (جيائين) موتايو انهن كي مون ذانهن، يوء شروع كيائين هت هلائن انهنجي ينين تي ء كندن تي. ء البت اسان آزمايو سليمان كي ء اجلايوسون ان جي كرسيء تي هكزو جسم يوء انهيء رجوع كيو. جيائين أي رب منهنجا معاف كر مونكي ء ذي مونكي اهزي حكومت جو نـ هجي كنهين كي مون كان يوء، بيشكـ تون ئي عطا كندز آهين.
4- كما أن عبارته في الترجمة مختصرة لا زيادة فيها ولا نقصان، كترجمته لقوله تعالى : { إن المتقين في ظلل وعيون. وفواكه مما يشتهون. كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون } (المرسلات : 41-43).
"بيشكـ يرهيزكار هوندا جانون م ء جشمن م. ء ميون م جهزا جاهين. كائو ء ييئو رج كري جو اوهين جكا كم كندا هئا".
وترجمته لقوله تعالى :
{ والتين والزيتون. وطور سينين. وهذا البلد الأمين. لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } (التين : 1-4).
"قسم انجير جو ء زيتون جو، قسم طور سينا جو، قسم هن شهر امن واري جو، تـ بيشكـ ييدا كيوسون انسان كي تمام سهني انداز م".
المطلب الرابع : ملاحظات على ترجمته :
الملاحظات العلمية:
- اتبع الترجمة الأمروتية في ترجمة قوله تعالى :(1/52)
{ يأيها الذين ءامنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا.. } (البقرة : 104)، حيث نقل كلمتي : (راعنا) و(انظرنا) بالعربية دون ترجمتهما إلى السندية.
- ترجم : (بادي الرأي) من قوله تعالى : { وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي } (هود : 27) بقوله : "ظاهر ظهور"، أي : ظاهراً وبداهةً.
وأرى أن هذه الترجمة لا تشمل معنى كلمة (الرأي)، فلو قيل : متاجري سوج وارا، أو ظاهر بين، أو بي سوج .. لشمل معنى (الرأي)(1).
- ترجم كلمة (يرتع) (يوسف : 12) بـ"ميوا جوندي" أي يجني الثمار.
وأعتقد أنه معنى بعيد، ولم يترجم بها أحد من علماء السند(2).
- ترجم كلمة (دراهم) في سورة يوسف :20 بـ"يائليون".
و"يائلي" باللغة السندية : "ربع روبية".
ولعل الشيخ – رحمه الله - اختار تلك الكلمة إشارةً إلى تقليل الثمن على عادة أهل السند، وترجم الكلمة بالمعنى المراد، إلا أن فيها مخالفة منهجه من ترجمة كل كلمة حسب معناها اللغوي.
الملاحظات الأدبية :
تتصف ترجمته من حيث العموم بكونها أدبية سهلة سلسة مفهومة واضحة المراد، لا لبس فيها ولا غموض، غير أن الكمال لله وحده، وعمل البشر دائماً يحتاج إلى تصحيح وإتقان، وعلى هذا فنرى أن فيها الأمور الآتية :
- ترجم قوله تعالى : { ومن البقر اثنين } (الأنعام : 145) بقوله :
"ء كاين مان بـ".
وأرى أن التعبير من حيث اللغة غير صحيح، ولو ترجمها بقوله : ء كئن مان بـ"، لكان صحيحاً، وقد يكون هذا من الأخطاء المطبعية، والله أعلم.
- ترجم قوله تعالى : { كل شرب محتضر } (القمر : 28) بقوله : هر كو اجر تي حاضر هجي.
فهنا كلمة (اجر) غير مفهومة، وقد ترجمها الجميع : "واري تي"، فكانت الترجمة واضحة ومفهومة.
__________
(1) انظر البحر المحيط :6/140-141 حيث ذكر معاني متعددة على قراءة (بادي) بالهمز أو بالياء.
(2) انظر الترجمة الأمروتية، والمدنية والأبرائية وغيرها، وانظر البحر المحيط:6/245-246.(1/53)
- ومن الكلمات العامية فيها : (الوحوش = جناور) (التكوير : 5).
ومهما كان من الأمر فإن هذه الملاحظات الخفيفة لا تقلل أبداً من شأنها ولا من أهميتها، ولا تعد قدحاً فيها، فإن محاسنها أكثر بكثير من مثل هذه الملاحظات، وقد استفاد منها خلق داخل بلاد السند وخارجها من الطلاب والعلماء، والمثقفين والعامة على حد سواء، وطبعها أكثر من مرة
-رغم كونها حديثة النشر- دليل قبولها ورواجها في الناس.
كما أن الشيخ – رحمه الله – لم يبق على قيد الحياة بعد صدور الطبعة الأولى من ترجمته إلا مدة قليلة، ولو عاش بعدها طويلاً ونُبّه على تلك الملاحظات لكان قد قبلها بصدر رحب حسب عادته في الأمور الشرعية والفتاوى الدينية، حيث كان رجَّاعاً إلى الحق والصواب، ولكان قام بالتعديلات الضرورية، وقد سمعت من بعض محبيه أنه كان قد قام ببعض التعديلات فعلاً في الترجمة وأعدها للطبعة الثانية، ولا أدري مدى مراعاتها وتنفيذها من قبل ورثته بعده فيها، والله أعلم.
المبحث الخامس
في دراسة الترجمة المنظومة
(نور القرآن)
للشيخ أحمد الملاح (ت:1967م = 1387هـ)
المطلب الأول : نبذة موجزة عن حياة المترجم.
اسمه ونسبه :
هو العلامة الشاعر الشيخ : أحمد بن نانكيو خان الملاح .
ولادته ونشأته :
ولد في قرية " كندي" من مضافات (بدين) من بلاد السند في عام 1877م .
دراسته وشيوخه :
درس الابتدائية في قريته وتعلم القرآن الكريم في مسجد قريته كذلك، ثم توجه إلى مدارس أخرى خارج قريته لتعلم اللغة العربية، وارتحل إلى مدن وقرى متعددة في سبيل ذلك، وتعلم الفارسية والعربية حتى تخرج في مدرسة نانكي شاه.
تدريسه وتلامذته :
كان الشيخ أحمد ذكياً وصاحب شخصية علمية، ذا أدب جم وخلق رفيع، وبدأ بالتدريس بعد تخرجه في مدارس عديدة، إلى أن أسس مدرسة أهلية عربية في مدينة (بدين) عام 1932م، وعَيَّنَ فيها مدرسين أكفاء من أهل السند مشهورين بالتدريس والمهارة العلمية.(1/54)
كما كان صاحب بصيرة ونظر ثاقب في الأمور السياسية، وخطيباً مفوهاً، ونتيجة لخطبه الجريئة ضد الإنجليز أيام ثورة الخلافة فقد حبس في السجن مدة من قبل العدو.
مؤلفاته :
كان الشيخ أحمد إلى جانب علمه وفضله أديباً باللغة السندية شاعراً مجيداً موهوباً، ومن أكبر وأعظم الأدلة على ذلك ترجمته لكامل القرآن الكريم باللغة السندية، ومما طبع من مؤلفاته :
1- المعرفة الإلهية.
2- هيكرائي حق (وحدانية الحق سبحانه وتعالى).
3- كلشن أحمد.
4- بياض أحمد.
وكتب أخرى.
وفاته :
توفي في (1387هـ= 1967م) عن تسعين سنة(1).
المطلب الثاني : التعريف بترجمته ومنهجه فيها :
كان الشيخ – رحمه الله – شاعراً موهوباً في اللغة السندية، وله أكثر من ديوان في ذلك، فمن ثم بدأ بترجمة القرآن الكريم نظماً فنظم ترجمة الجزء الأخير من القرآن الكريم وطبعه في دار الإشاعة بحيدر آباد (السند)، ثم أكمل بقية الترجمة فطبعه أحد أهل الخير في كراتشي، ثم طبع ثانياً بمقدمة فضيلة العلامة الشيخ غلام مصطفى القاسمي السندي بحيدر آباد في 1978م، وأخيراً طبع طبعة ممتازة في عام 1999م على نفقة صاحب السمو الملكي الأمير الوليد ابن طلال بن عبد العزيز آل سعود (حفظه الله) بوضع النص في الأيمن والترجمة في الأيسر في عمودين متوازيين.
وتعدُّ هذه الترجمة المنظومة باللغة السندية فريدة في نوعها ووحيدة في بابها؛ حيث لم يسبق الشيخ – رحمه الله – بذلك لكامل القرآن الكريم، وإن كان الإمام محمد هاشم التتوي – رحمه الله – سبقه بنظم تفسير الجزأين الأخيرين من القرآن الكريم باللغة السندية، طبع منهما ترجمة جزء (عم) فقط، وقد حولها إلى النثر الدكتور الميمن عبد المجيد السندي وطبعت عام:1991م.
غير أن ترجمة كامل القرآن الكريم بالسندية نظماً عمل فريد.
المطلب الثالث : محاسن ترجمته:
__________
(1) الترجمات للكهانكرو ص220 نقلا عن التاريخ الأدبي والثقافي لمنطقة لار للدكتور/ألانا ص 233.(1/55)
لترجمته محاسن عديدة من أهمها :
أنها تشمل معاني الكلمات القرآنية دون ترك شيء منها.
ويحاول الناظم أن يأتي بعبارة دقيقة سهلة يتضح من خلالها مفهوم الكلمات القرآنية مع عذوبة التعبير وروعة البيان.
استعمل الناظم في نظمه أنواعاً من الفصاحة والبلاغة والبيان والبديع باستعمال الاستعارات والكنايات والتشبيهات والتجنيس وما إلى ذلك.
اقرأ ترجمته لبعض الآيات التالية :
{ وإذ قال الله يعيسى ابن مريم } – إلى قوله - { وأنت على كل شيء شهيد } (المائدة:116-117) ... ء جذهن جيو جبار، تـ عيسى يت مريم جا
توكـ مانهن كي جيو، تـ بانهب كريو بيهار
مون ء منهنجي ماء جي، در ذني كان دار ؟
جي يكـ آهين ياكـ تون، هركز نـ هجن مون هار
تـ جوان جنهن جون جو، مون كي نـ حق هيكار
جي جيو هوندم تـ هوندي تو سيكا سماجار
جيكي منهنجي جيء م ، سو جانين جاننهار
آئون نـ بجهان، جو تنهنجي جيء م ، جيء جيار
كجهـ جي سب كالهين جو، تون واحد واقفكار
نـ جيومينِ، جو جئي مون، تنهن جون دار
جو مالكـ مون ء اوهانجو، سو يوجيو يالنهار
جان هئس منجهن، تان هئس انهن تي نظر دار
يوء يورا جذهن يان كئي، منهنجا ذينهن ذاتار
يوء تون ئي هئين، تن متي واهي ويروتار
ء همـ متي هموار، تون ساكي سب كنهن كالهـ م
{ الر تلك ءايت الكتب المبين
إنا أنزلنه قرءاناً عربياً لعلكم تعقلون } (يوسف :1-2) ... الر كي، سمجهي هكـ سبحان
هي حكم ياكـ كتاب جا، جن م كليل خوب بيان
اتاريو سون ان كي، عربيء منجهـ زبان
تان يلارو قرآن، يرهي مان يرايو
{ إذ قال يوسف لأبيه يأبت إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي سجدين } (يوسف:4) ... جذهن يوسف بابس كي جيو تـ بابم يلارا
تـ سونم سج ء جند كي، يارهن بيا تارا
سجدي م سارا، مون لئي ذنم مورهين(1/56)
{ الخبيثت للخبيثين والخبيثون للخبيثت والطيبت للطيبين والطيبون للطيبت أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم } (النور:26) ... بجريون بجرن واسطي، ء بجرا بجرين كان
ء ياكـ بيبيون ياكن لئيء ياكـ ياكن لئي يان
اهي آجا ان كنان، جيكي كهن تن كان
سكوري سانجان، ين موكـ معافيون انهن لئي
يقول فيها العلامة القاسمي :
"إن هذه الترجمة جديدة في بابها وأحسن وأجمل في لونها" (1).
وقال : "لا تحصل من قراءة هذه الترجمة منفعة دينية ودنيوية فحسب، بل هي خزانة وقاموس للغة السندية"(2).
المطلب الرابع : ملاحظات على ترجمته :
الملاحظات العقدية:
لم أجد فيها ما يشير إلى تأويل في آية ما حسبما قرأت فيها وفهمت، والله أعلم.
بل ترجم قوله تعالى : { ثم استوى على العرش } (الأعراف:54) بقوله :
يوء جزهيو عرش عظيم تي، جونكي تيو جودار
وكذا قال في { ثم استوى على العرش يدبر الأمر } (يونس :3) :
جرهيو تنهان يوء تخت تي، تو هلائي فرمان
وقال في { الرحمن على العرش استوى } (طه :5) :
كرسيء تي قراريو، ذيهنِ جو ذاتار
فصرح في الترجمة بالاستواء دون تأويل الكلمة في جميع مواضعها.
الملاحظات العلمية:
لم أجد فيها شيئاً من هذا القبيل، إلا أنه ترجم كلمة :"الوالدين" بمعنى : الأقرباء، في قوله تعالى : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا } (الإسراء : 23) حيث قال :
ء تنهنجي صاحب صادر كيا، هي فيصلا فرمان
تـ شيوا سوا ان جي، كنهن جي كريو كانـ
ين ادب ء احسان، مائنن سان مورهين(3).
فأرى أن ترجمته هنا غير دقيقة، والله أعلم.
الملاحظات الأدبية:
__________
(1) مقدمة القاسمي لنور القرآن ص5.
(2) المرجع السابق، وانظر ترجمات القرآن ص226.
(3) نور القرآن ص348-349.(1/57)
لقد عاش المترجم في بلاد السند وتربى فيها فترة الحكم الإنجليزي، وكان الأدب السندي مترعرعاً منذ عهد الكلهورا وحكام تالبور، إلا أن لون نظمه في الترجمة قديم يرجع إلى لون شعر الشاه عبد اللطيف بن السيد حبيب البتائي ولهجته، كما أن لهجته في النظم "لارية" (جنوبية) واضحة، ونذكر هنا مثالاً واحداً لمعرفة ذلك :
يقول في ترجمة قوله تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم ... اول نام الله جو، جو ذيندر ذيهـ ساري
ذيئي نـ يجاري، مرنيا مهربان كهنو
{ الحمد لله رب العلمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين } (الفاتحة:1-5) ... جكائي جبار كي، سيكائي ساراه
يالنهار يرتنين، هردم هميشاه
سخي سباجهو كهنو، مالكـ محشركاه
توئي يوجيون، توهان ئي ينون حمايت هركاه
- كما أنه يستعمل في النظم كلمات أدبية قديمة، منها في الفاتحة مثلاً :
يرتنين = جهانن.
سهائيون، سهاء = روشني / سوجهرو.
وفي البقرة : كر يا = يرهيز.
ينيت = يير / وذو مج
وهكذا كلمات قديمة كثيرة.
- ويكثر من استعمال الكلمات العربية كذلك :
ساكن، مقال (ص6)، قتال، إظهار (ص7)، عدو، عيان، استغفار (ص8)… وهي لا تقدح في الترجمة غير أنها صعبة الفهم للعوام.
وبالجملة : ففي الحقيقة يظهر من نظمه جلياً أن الرجل قاموس للغة السندية.
الخاتمة
وبعد : فهذه دراسة متواضعة لبعض ترجمات معاني القرآن الكريم باللغة السندية، وقد شملت الترجمة الأمروتية، والمدنية، والأبرائية، والقرشية، والمنظومة الأحمدية، وقد حاولت بقدر المستطاع أن أكون موضوعياً، أبين الحق والحقيقة دون مبالغة في المدح أو في النقد، وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا المصطفى - صلى الله عليه وسلم - .
ومن خلال دراستي لتلك الترجمات توصلت إلى بعض النتائج أجملها فيما يلي :
1- أن اللغة السندية غنية بترجمات معاني القرآن الكريم، حيث تبلغ المؤلفات فيها حوالي مائة ترجمة، وهو عدد كبير، لا تضاهيها في ذلك أية لغة في شبه القارة الهندية.(1/58)
2- ترجمت معاني القرآن الكريم إلى اللغة السندية في القرن الثاني الهجري، وبهذا تعدّ أول لغة أعجمية يترجم إليها القرآن الكريم.
3- كما أنها أول لغة ترجم إليها القرآن الكريم في شبه القارة الهندية.
4- وهي أول لغة ترجم واحد من أبنائها القرآن الكريم إلى اللغة الفارسية في شبه القارة الهندية، وكان ذلك في القرن التاسع الهجري.
5- أعتقد أنها اللغة الوحيدة في شبه القارة الهندية التي نظمت ترجمة كامل القرآن الكريم فيها بأسلوب أدبي.
6- من أجل تلك الأمور، ولكثرة التأليف فيها دينياً وأدبياً واجتماعياً وسياسياً تعدّ اللغة السندية من أهم اللغات الحية العالمية، ولا سيما أن رسمها موافق للغة العربية.
أما بالنسبة للترجمات التي تناولتها في البحث والدراسة، فوجدتها أفضل الترجمات إلى اللغة السندية المتداولة والمقبولة لدى الخواص والعوام، وأحسنها منهجاً وأسلمها لغةً وأجملها أدباً وعذوبةً تستحق كل عناية واهتمام، وندعو الله سبحانه وتعالى أن يعفو عن زلاتهم، ويدخلهم فسيح جناته، لما بذلوا من نصح وإرشاد للأمة الإسلامية.
أما ما ذكرت فيها من بعض الملاحظات الطفيفة، فهي لا تقلل أبداً من شأنها، وهذا من خصال البشر دائماً، فالكمال لله سبحانه، ولم أقصد من وراء تلك الملاحظات إلا بيان الحق،لم أقصد طعناً فيها ولا في أصحابها.
توصية :
وختاماً لما تتصف به تلك الترجمات من سلامة المنهج وإتقان العمل، ويتصف القائمون بها بأوصاف جميلة من الورع والتقوى والإخلاص في القول والعمل، فمن ثم أوصي بالاعتناء بها ونشرها وتوزيعها على المسلمين، حفاظاً عليها من الضياع والاندثار، ولاسيما من قبل مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، هذا الصرح الشامخ الذي عني بالقرآن الكريم وبنشر معانيه إلى اللغات الحية العالمية منذ عقدين من الزمان، ولا يألو القائمون عليه جهداً في انتقاء أنفع الترجمات وأكثرها فائدة، وأحسنها منهجاً وأسلوباً.(1/59)
هذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مراجع البحث
أولاً : المراجع العربية :
أديان الهند الكبرى، د/ أحمد شلبي، مكتبة النهضة المصرية، مصر، ط 5، عام 1979م.
أضواء البيان، العلامة محمد الأمين الشنقيطي، ط1403هـ.
الأعلام، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين بيروت، ط 6، عام 1404هـ = 1984م.
الإمام أبو الحسن السندي الكبير، حياته وآثاره، د/عبد القيوم بن عبد الغفور السندي، (رسالة الدكتوراه)، لم تنشر بعد.
باكستان ماضيها وحاضرها، د/ إحسان حقي، دار النفائس بيروت، ط1، عام 1393هـ = 1973م .
البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي، المكتبة التجارية مصطفى الباز مكة المكرمة.
البريلوية، لإحسان إلهي ظهير، إدارة ترجمان السنة لاهور باكستان.
بلدان الخلافة الشرقية، المستشرق/G uy Le strange ، ترجمة : بشير فرنسيس وكوركيس عواد مؤسسة الرسالة بيروت، ط 2، عام 1405هـ = 1985م.
تاريخ الإسلام في الهند، عبد المنعم النمر، ط القاهرة، عام 1950م.
تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندية وحضارتهم، د/ أحمد محمود الساداتي، مكتبة الآداب، الجماميز، مصر.
تحفة الإخوان في بيان أحكام تجويد القرآن، الشيخ حسن إبراهيم الشاعر، تصحيح وتعليق / ياسر المزروعي، دار البشائر بيروت، ط1، عام 1420هـ.
تحفة القاري بجمع المقاري، الإمام محمد هاشم التتوي السندي، تحقيق وترجمة د/عبد القيوم السندي، ندوة خدام التجويد السند، ط1، عام 1422هـ.
ترجمات معاني القرآن الكريم وتطور فهمه عند الغرب، د/عبد الله عباس الندوي، سلسلة دعوة الحق (174) رابطة العالم الإسلامي مكة المكرمة، 1417هـ.
تفسير ابن كثير، عالم الكتب، بيروت 1405هـ.
تفسير التحرير والتنوير، ابن عاشور، الدار التونسية للنشر.
تفسير الكشاف، جار الله الزمخشري، دار المعرفة بيروت.
رجال السند والهند، القاضي أطهر المباركفوري، المطبعة الحجازية، بومباي الهند، عام 1377هـ = 1958م.(1/60)
الشفاء في مسألة الراء، محمد هاشم الحارثي السندي، تحقيق د/عبد القيوم السندي، مكتبة الجامعة البنورية كراتشي باكستان، ط1، عام1420هـ .
عجائب الهند، بزرك بن شهريار الرامهرمزي، ط عام :1886م.
العقد الثمين في فتوح الهند ومن ورد فيها من الصحابة والتابعين، القاضي أطهر المباركفوري، دار الأنصار، القاهرة.
العلاقة السياسية والثقافية بين الهند والخلافة العباسية، محمد يوسف النجرامي، دار الفكر بيروت، ط1، عام 1399هـ.
فتوح البلدان، أبو الحسن البلاذري، دار الكتب العلمية بيروت، عام 1403هـ = 1983م.
الكامل في التاريخ، ابن الأثير، دار الكتاب العربي بيروت، ط5، عام 1405هـ.
كتاب المعارف، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، طبعة القاهرة، عام 1960م.
لقطة العجلان، صديق حسن خان القنوجي، دار الكتب العلمية بيروت، ط1، عام 1405هـ = 1985م.
المجتمع الإسلامي في شبه القارة الهندية الباكستانية، د/ إشتياق حسين قريشي، ترجمة/هلال أحمد زبيري، طبعة كراتشي باكستان، عام 1967م.
معاني القرآن وإعرابه، أبو إسحاق الزجاج، تحقيق د/عبد الجليل شلبي، عالم الكتب، ط1، 1408هـ.
معجم البلدان، ياقوت الحموي، دار إحياء التراث العربي بيروت، عام 1399هـ = 1979م.
موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية، د/ عبد الله مبشر الطرازي، عالم المعرفة جدة، ط1، عام 1403هـ = 1983م.
نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر، عبد الحي الحسني الندوي، طبعة ملتان عام 1413هـ مصورة من طبعة حيدر آباد الدكن، ط عام : 1366هـ = 1947م.
نشأة باكستان، شريف الدين بير زادة، تعريب : عادل صلاحي، الدار السعودية للنشر والتوزيع جدة، ط1، عام 1389هـ.
ثانياً : المراجع الأجنبية :
تحفة الكرام، علي شير قانع، ترجمة/أمير أحمد العباسي، لجنة إحياء الأدب السندي، حيدر آباد السند، ط1، عام 1957م.(1/61)
تذكرة مشاهير السند، دين محمد الوفائي، لجنة إحياء الأدب السندي، حيدر آباد السند، ط1، عام 1407هـ = 1986م.
ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة السندية، الشيخ تاج محمود الأمروتي، طبعة مؤسسة تاج بكراتشي.
ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة السندية، الشيخ عبد الكريم القرشي، طبعة (إسلامك إسراء فاونديشن) حيدر آباد، السند، عام : 1996م.
ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة السندية، الشيخ محمد السندي، طبعة 1421هـ.
الترجمات السندية وتفاسيرها، الدكتور/عبد الرزاق الكهانكرو في أطروحته للدكتوراه، طبعة أكاديمية مهران، كراتشي، عام :1997م.
الترجمات السندية وتفاسيرها، للعلامة القاسمي، مجلة مهران الفصلية عام : 1980.
التفسير المنير، الشيخ علي خان الأبرو، طبعة أكاديمية سنديكا بكراتشي، عام : 1996م.
التفسير الهاشمي (المنثور)، الدكتور/ ميمن عبد المجيد السندي، طبعة أكاديمية مهران، كراتشي، عام : 1991م.
ججنامة، علي بن حامد الكوفي، ط عام : 1358هـ.
جنة السند، رحيمداد خان مولائي شيدائي، مركز الأدب السندي حيدر آباد، ط1، 1958م.
خلافت اموية اور هندوستان (الهند في عهد الخلافة الأموية)، القاضي أطهر المباركفوري، ط تنظيم فكرونظر سكر السند، عام 1406هـ = 1986م.
سندهـ هكـ عام جائزو (السند :رؤية عامة) تأليف : T. H . Lambrick، لجنة إحياء الأدب السندي حيدر آباد السند، ط 1982م.
فتح الرحمن، الشاه ولي الله الدهلوي، ترجمة العلامة القاسمي، على حاشية الترجمة السندية للشيخ محمد المدني.
قائد تحرير الوطن (وطن جي آزادي جو امام) د/محمود شاه البخاري، ط 1984م.
مجلة الشريعة عدد تراجم العلماء، روهري سكر السند، عام :1401هـ=1981م.
مجلة الشريعة الشهرية العدد الخاص بحياة الشيخ عبدالكريم القرشي ذو الحجة 1419هـ.
مخدوم محمد هاشم تتوي، غلام رسول القادري، لجنة إحياء الأدب السندي، جامشورو السند، ط 1، عام 1408هـ = 1988م.(1/62)
مدنية السند، السيد منظور النقوي، لجنة إحياء الأدب السندي حيدر آباد، ط2، عام 1978م.
المسنّد في ترجمة المقرئ محمد، نشر في مجلة "نصيحت" بسكر السند عام : 1415هـ = 1995م.
مقالات الشعراء، علي شير قانع، تحقيق / السيد حسام الدين الراشدي، لجنة إحياء الأدب السندي، ط1، 1957م.
موجز تاريخ الأدب السندي (سندهي أدب كي مختصر تاريخ) للدكتور/ ميمن عبد المجيد السندي، ط1، 1043هـ جامعة السند، جامشورو، حيدر آباد، السند.
نور القرآن في ترجمة القرآن (المنظومة) للشيخ أحمد الملاح، طبعة دار الكتاب والسنة كراتشي، على نفقة صاحب السمو الملكي الأمير الوليد بن طلال بن عبد العزيز آل سعود، عام : 1415هـ.
فهرس الموضوعات
تمهيد : ... 1
دواعي اختيار الباحث لبعض الترجمات للدراسة : ... 2
خطة البحث : ... 3
منهج البحث : ... 4
المقدمة : ... 6
نبذة تاريخية عن بلاد السند وحضارتها وانضمامها إلى الدولة الإسلامية : ... 6
نشأة الترجمات السندية للقرآن الكريم وتطورها : ... 7
المبحث الأول في دراسة الترجمة الأمروتية ... 15
المطلب الأول : نبذة موجزة عن حياة المترجم. ... 15
المطلب الثاني : التعريف بترجمته ومنهجه فيها : ... 20
المطلب الثالث : محاسن ترجمته : ... 21
المطلب الرابع : ملاحظات على ترجمته : ... 27
المبحث الثاني دراسة الترجمة الأبرائية ... 31
المطلب الأول : نبذة موجزة عن حياة المترجم. ... 31
المطلب الثاني : التعريف بترجمته ومنهجه فيها : ... 33
المطلب الثالث : محاسن ترجمته : ... 36
المطلب الرابع : ملاحظات على ترجمته : ... 42
المبحث الثالث في دراسة الترجمة المدنية ... 48
المطلب الأول : نبذة موجزة عن حياة المترجم. ... 48
المطلب الثاني : التعريف بترجمته ومنهجه فيها : ... 50
المطلب الثالث : محاسن ترجمته : ... 52
المطلب الرابع : ملاحظات على ترجمته: ... 53
المبحث الرابع في دراسة الترجمة القرشية ... 56(1/63)
المطلب الأول : نبذة موجزة عن حياة المترجم. ... 56
المطلب الثاني : التعريف بترجمته ومنهجه فيها : ... 58
المطلب الثالث : محاسن ترجمته: ... 60
المطلب الرابع : ملاحظات على ترجمته : ... 61
المبحث الخامس في دراسة الترجمة المنظومة ... 64
المطلب الأول : نبذة موجزة عن حياة المترجم. ... 64
المطلب الثاني : التعريف بترجمته ومنهجه فيها : ... 65
المطلب الثالث : محاسن ترجمته: ... 66
المطلب الرابع : ملاحظات على ترجمته : ... 68
الخاتمة ... 71
توصية : ... 72
مراجع البحث ... 73
فهرس الموضوعات ... 78
ملخص البحث
مهد الباحث للموضوع بتمهيد ذكر فيه من دواعي اختياره لبعض الترجمات للدراسة عدم إمكان دراستها كلها لكثرتها، ووقع اختياره على خمس ترجمات – وهي : الأمروتية، والأبرائية، والمدنية، والقرشية، والأحمدية (المنظومة)- لشهرتها وكثرة تداولها بين الخواص والعوام، ثم عقد مقدمة في ذكر نبذة تاريخية عن بلاد السند وحضارتها وانضمامها إلى الدولة الإسلامية، ثم ذكر نشأة الترجمات السندية وتطورها، وتوصل فيها الباحث إلى أن اللغة السندية هي أول اللغات الأعجمية وأسبقها إلى ترجمة القرآن الكريم إليها، حيث ترجم إليها القرآن الكريم في القرن الثالث الهجري، ولعلها أول لغة تتشرف بترجمة منظومة لكامل القرآن الكريم في شبه القارة الهندية، وتتشرف اللغة السندية بكثرة ترجمات معاني القرآن الكريم إليها بحيث يصل عددها إلى حوالي 100 ترجمة وتفسير.
ومن أجل تلك الأمور وكثرة التصنيف والتأليف فيها توصل الباحث إلى أن اللغة السندية من أهم اللغات الحية العالمية، ولا سيما من أجل صلتها الوثيقة باللغة العربية، حيث إن رسمها مأخوذ من العربية، وتكثر فيها الكلمات العربية، وكانت العربية لغة البلاد إلى جانب السندية في العهد الأموي والعباسي،ثم استبدل بها الفارسية التي استبعدت في العهد الإنجليزي.(1/64)
وفي دراسة الترجمات الخمس توصل الباحث إلى أنها أفضل الترجمات السندية وأسلمها منهجاً وعقيدةً وأحسنها لغةً وأدباً وأجملها بياناً وتستحق كل عناية واهتمام.(1/65)