بسم الله الرحمن الرحيم
عمادة الدراسات العليا
جامعة القدس
التناسب في سورة البقرة
إعداد الطالب:
طارق مصطفى محمد حميدة
بكالوريوس أصول الدين من الجامعة الأردنية/ عمان
إشراف:
الدكتور حاتم جلال التميمي
قُدمت هذه الرسالة استكمالاً لمتطلبات درجة الماجستير في الدراسات الإسلامية المعاصرة
عمادة الدراسات العليا / جامعة القدس
1428هـ/ 2007م
جامعة القدس
عمادة الدراسات العليا
برنامج الدراسات الإسلامية المعاصرة
التناسب في سورة البقرة
اسم الطالب: طارق مصطفى محمد حميدة
الرقم الجامعي: 20311779
إشراف الدكتور: حاتم جلال التميمي
نوقشت هذه الرسالة وأجيزت بتاريخ:..............................................................
من لجنة المناقشة المدرجة أسماؤهم وتواقيعهم:
الدكتور حاتم جلال التميمي : رئيس لجنة المناقشة التوقيع: ...........................
الدكتور إسماعيل الحاج أمين نواهضة: ممتحناً داخلياً التوقيع:............................
الدكتور عطية صدقي الأطرش: ممتحناً خارجياً التوقيع:............................
جامعة القدس- القدس
1428هـ - 2007م
بيان
أقر أنا مقدم الرسالة أنها قُدمت لجامعة القدس لنيل درجة الماجستير، وأنها نتيجة أبحاثي الخاصة، باستثناء ما تم الإشارة له حيثما ورد، وأن أي جزء منها لم يُقدم لنيل أية درجة عليا لأي جامعة أو معهد.
التوقيع:........................
طارق مصطفى محمد حميدة
التاريخ: ....................
الإهداء
إلى والديّ: سائلاً ربي أن يرحمهما كما ربياني صغيراً،
إلى أساتذتي: فضل حسن عباس، وأحمد نوفل، وبسام جرار، وإلى كل من علمني حرفاً،
إلى الزوجة والصغار؛ فعلى حسابهم كان هذا المشروع.
شكر وعرفان
…لا يشكر الله من لا يشكر الناس…(1/1)
الشكر لله أولاً على ما أنعم فأسبغ وأتم وأفاض، ثم لا يسعني بعد أن منّ الله تعالى عليّ بإنجاز هذه الأطروحة إلا أن أتقدم بجزيل الشكر والعرفان إلى كل من أسهم في مساعدتي على إتمامها، وأخص بالذكر الدكتور حاتم جلال التميمي المشرف على الرسالة؛ لما قدمه من توجيهات قيمة وملاحظات هامة، كان لها أكبر الأثر فيما انتهى إليه البحث.
كما وأتقدم بالشكر الجزيل للأستاذين الفاضلين: الدكتور إسماعيل الحاج أمين نواهضة، والدكتور عطية صدقي الأطرش، على تفضلهما بالموافقة على المشاركة في مناقشة هذه الأطروحة، وملحوظاتهما القيمة في تسديد هذا البحث وتقويمه.
وكذلك أتقدم بوافر الشكر والتقدير والامتنان لعدد من الأساتذة الفضلاء والإخوة الأكارم، بما قدموه لي من خدمات جليلة، ما كان لهذا البحث أن يتم ويستوي على سوقه بدونها، وأخص بالذكر أسرة مركز نون للدراسات القرآنية، وكل من بعث مرجعاً، أو قدم مشورة أو نصحاً، ومن ساعد في الطباعة أو الترجمة، أو أي نوع من العون، وهم حسب الترتيب الهجائي:
الدكتور أحمد الشرقاوي/ مصر، والأستاذ باسم البسومي، والأستاذ بهاء البكري، والأستاذ تمّام الشاعر، والسيد ثائر غيث، والشيخ حسن عثمان، والدكتور حسين الدراويش، والدكتور خالد الحلو، والدكتور خالد علوان، والسيد خليل فرحان، والأستاذ رايق سمور، والأستاذ صابر زيادة، والدكتور صبحي اليازجي/ غزة، والدكتور صلاح الخالدي/ الأردن، والشيخ عبد الحي حسن السلوادي، والأستاذ عيسى وادي، والأستاذ فرج عبد الحسيب المالكي، والأستاذ محمود مهنا، والسيد محيي الدين الخطيب، والأستاذ نزار سليمان، والأستاذ نصر الله الشاعر، والمهندس نظمي الخطيب، والأستاذ يوسف دوفش، والسيد يوسف عواد.
مع الاعتذار لمن قد أكون أغفلت ذكره سهواً، سائلاً الله عز وجل أن يجزي الجميع خير الجزاء.
فهرست المحتويات
بيان…ت
الإهداء…ث
شكر وعرفان…ج
فهرست المحتويات…ح
ملخص الرسالة…ر
مقدمة…ز(1/2)
الفصل الأول: التعريف بسورة البقرة والتناسب…1
المبحث الأول: التعريف بسورة البقرة…2
المطلب الأول: أسماء السورة وسبب التسمية لكل اسم…3
المطلب الثاني: نزول سورة البقرة…5
المطلب الثالث: ترتيب السورة في المصحف…7
المطلب الرابع: عدد آي سورة البقرة…8
المطلب الخامس: فضل سورة البقرة…9
المبحث الثاني: التعريف بالتناسب…11
المطلب الأول: التعريف بعلم المناسبات…12
المطلب الثاني: القائلون بالتناسب والمشتغلون به…15
المطلب الثالث: المعارضون والرد على اعتراضاتهم…27
المطلب الرابع: أهمية علم المناسبات…42
الفصل الثاني: أوجه التناسب وأنواعه في القرآن الكريم…52
المبحث الأول: أوجه التناسب في الآي…54
المطلب الأول: أوجه التناسب في الآية…55
المطلب الثاني: أوجه التناسب بين الآيات…60
المبحث الثاني: أوجه التناسب في السورة…64
المطلب الأول: التناسب بين المطلع والختام…66
المطلب الثاني: التناسب بين مقاطع السورة…67
المطلب الثالث: الوحدة الموضوعية في السورة…69
المطلب الرابع: تميز السورة بمفردات وتعبيرات معينة…70
المطلب الخامس: التناسب بين الاسم والموضوع…71
المبحث الثالث: أوجه التناسب بين السور…76
المطلب الأول: بين السور المتجاورة…77
المطلب الثاني: بين السور ذات المطالع المتشابهة…82
المبحث الرابع: التناسب في القصص القرآني…86
المطلب الأول: بين قصص السورة الواحدة …88
المطلب الثاني: تشكل قصة جديدة من قصص السورة…90
المطلب الثالث: تناسق الشخصية في القصص…92
المطلب الرابع: بين اللفظة القرآنية وبيئة القصة …95
المطلب الخامس: التناسب بين القصة وواقع الدعوة…96
المبحث الخامس: أنواع التناسب بين السور القرآنية…100
الفصل الثالث: أوجه التناسب الداخلية في سورة البقرة…105
المبحث الأول: التناسب بين مطلع السورة وخاتمتها…107
المبحث الثاني: التناسب بين قصص السورة…114
المطلب الأول: محور الإحياء والإماتة…114(1/3)
المطلب الثاني: التناسب بين القصة الأولى والأخيرة…117
المطلب الثالث: محور الخلافة والإمامة الدينية…117
المبحث الثالث: التناسب بين اسم السورة وموضوعها…121
المطلب الأول: قصة البقرة…121
المطلب الثاني: حكمة الأمر بذبح البقرة…123
المطلب الثالث: عبادة البقر…125
المطلب الرابع: التناسب بين اسم السورة وموضوعها…133
المطلب الخامس: مفردات تميز سورة البقرة…137
المبحث الرابع: التناسب بين فواصل السورة وموضوعها…139
المطلب الأول: من الفواصل الظاهرة والخفية…140
المطلب الثاني: فواصل البدء والختام…142
المطلب الثالث: الفواصل والآخرة…144
المطلب الرابع: فواصل التقوى…146
المطلب الخامس: فواصل الجذر( كفر)…148
المطلب السادس: فواصل العلم…150
المطلب السابع: فواصل الرحمة…154
المطلب الثامن: فواصل الحكمة…156
المطلب التاسع: فواصل القدرة المطلقة…157
المطلب العاشر: فواصل الظلم…159
المبحث الخامس: الوحدة الموضوعية في سورة البقرة…162
الفصل الرابع: أوجه التناسب الخارجية لسورة البقرة…168
المبحث الأول: التناسب بين سورتي البقرة والفاتحة…170
المطلب الأول: الإجمال والتفصيل…170
المطلب الثاني: الصلاة…173
المطلب الثالث: الخلافة بين سورة الحمد والتسبيح بالحمد…175
المبحث الثاني: التناسب بين سورة البقرة وآل عمران…177
المطلب الأول: التناسب بين فاتحتي السورتين…177
المطلب الثاني: بين فاتحة آل عمران وخاتمة البقرة…179
المطلب الثالث: التناسب بين خاتمتي السورتين…179
المطلب الرابع: تناسب الاتحاد والتلاحم( التوأمة)…180
المطلب الخامس: تناسب الإجمال والتفصيل…184
المبحث الثالث: التناسب بين سورة البقرة وسورة الفلق…188
المبحث الرابع: مناسبة السورة لواقع الدعوة الإسلامية…193
المبحث الخامس: التناسب بين البقرة وترتيبها في المصحف…198
المطلب الأول: من حكم مجيء البقرة أول المصحف…198
المطلب الثاني: البقرة أم ثانية للقرآن الكريم…199(1/4)
المبحث السادس: التناسب بين البقرة والسور المفتتحة ب(الم)…202
المطلب الأول: مقاربة ابن القيم في بدائع الفوائد…202
المطلب الثاني: مقاربة سعيد حوى في الأساس…204
المطلب الثالث: التناسب بين أول المجموعة وآخرها…212
الخلاصة والتوصيات…222
المسارد والفهارس…225
مسرد الأحاديث النبوية الشريفة…226
مسرد الأعلام…228
المصادر والمراجع…232
ملخص باللغة الإنجليزية…243
ملخص الرسالة
لما لم تتفق كلمة المفسرين منذ القديم على موضوع التناسب، وكان كثير منهم - وإن وافقوا على التناسب داخل الآية الواحدة، أو بين الآية وجارتها- إلا أنهم يعترضون على وجه أو أكثر من وجه التناسب القرآني، فكان منهم من اعترض على الوحدة الموضوعية في السورة، أو على التناسب بين اسم السورة وموضوعها، أو على التناسب بين السورة وجارتها، وصولاً إلى الوحدة الموضوعية في القرآن كله، وحيث إنه لا بد من قول فصل يبين وجه الحق في هذه المشكلة، فقد كانت هذه الدراسة في سورة البقرة، لتجلي القول وتحسم الخلاف وتحل الإشكال.
ولأجل ذلك فقد اتجهت الدراسة إلى الإجابة على عدد من الأسئلة المحددة للمشكلة، والتي أبرزها: هل يجد تناسب بين بداية السورة وخاتمتها، وهل من علاقة بين قصص السورة، وهل للسورة محور رئيس، وهل لاسمها ارتباط بمحورها، ومن ثم ما وجه اتصال سورة البقرة بالفاتحة التي تسبقها وآل عمران التي تليها، وما علاقتها بالسور التي لها البداية نفسها(الم)، وما مناسبتها للفلق نظيرتها في آخر المصحف، وهل يؤدي ذلك إلى أن القرآن جميعه يشكل وحدة متماسكة، وهل موقع البقرة في أول المصحف يعطيانها مركزية لما بعدها من السور؟.(1/5)
وتكمن أهمية هذه الدراسة، في توضيح المعاني التي قد تلتبس في الآيات الكريمة، وفي تجليتها الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم، بعد تأكيدها في كل سورة من سوره، وبالذات سورة البقرة موضوع الدراسة، ومن ثم يتأكد أن ترتيب سور القرآن الكريم كان توقيفياً، ويتجلى وجه عظيم من وجوه الإعجاز القرآن يؤكد ربانيته، ويرد على افتراءات المستشرقين.
وقد اتبع الباحث في دراسته، المنهج الوصفي الذي يجمع بين الاستقراء والتحليل للسورة الكريمة، وأحياناً الموازنة والترجيح بين الأقوال المختلفة.
ولذلك فقد قامت هذه الرسالة على أربعة فصول، حيث اضطلع الفصل الأول بالتعريف على شطري عنوان الأطروحة وهما سورة البقرة وموضوع التناسب، وعرض الفصل الثاني لأوجه التناسب وأنواعه في القرآن، ثم تحدث الفصل الثالث عن أوجه التناسب الداخلية في سورة البقرة، فيما تحدث الفصل الرابع والأخير عن أوجه التناسب الخارجية لسورة البقرة.
وقد خلصت الدراسة إلى الوحدة الموضوعية في سورة البقرة، والتي محورها الرئيس هو الخلافة، وأكدت الدراسة توقيفية ترتيب السور القرآنية، والوحدة العضوية في القرآن جميعه، وقد انتهت إلى أن الكثير من العلماء قد اهتموا بالتناسب، وكان أبرزهم الرازي والبقاعي.
وأهم التوصيات التي يراها الباحث، أن بعض العناوين الفرعية في هذه الدراسة تستحق أن تفرد بالبحث من مثل علاقة أسماء السور بمحاورها والتناسب بين السور التي لها ذات الفاتحة، وكذلك ضرورة الكتابة في نظرية التناسب عند كل من الرازي والبقاعي.
مقدمة
بسم الله، ثم الحمد لله حمداً يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، والصلاة والسلام على محمد النبي الأمين المبعوث رحمة للعالمين، وبعد: ـ
فقد وصف ربنا تعالى، كتابه العزيز بأنه ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ں ں ژ [هود] ، كما دعا إلى تدبر القرآن للاستدلال من خلال هذا التدبر على ربانيته، إذ لو ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [النساء].(1/6)
ومن هذا المنطلق؛ فقد كان العلماء والمفسرون الأجلاء، يقفون عند كل آية، وكل كلمة، وكل حرف في كتاب الله، ليتعرفوا الحكمة من وضعها في مواضعها التي هي فيها، ويبحثون عن علاقة هذه الآية بسابقتها ولاحقتها، ولم ذيلت هذه الآية بالعزيز الحكيم، وذيلت أختها بالغفور الرحيم ؟ ولماذا قال هنا: لعلكم تتقون، وقال هناك: لعلكم تتفكرون؟.
ولم يكتف العلماء بالحديث عن علاقة الآية بما قبلها وما بعدها، أو العلاقات داخل الآية الواحدة، وإنما كانوا يتتبعون الخيط الذي يربط آيات السورة من أولها إلى آخرها، ومحورها الرئيس، وعلاقة مطلعها بخاتمتها، واسمها بمحورها.
وتطرقوا في كتبهم إلى دراسة التناسب بين السورة والسورة التي تسبقها، وتلك التي تليها، بل والمناسبة بين السورة في أول المصحف ونظيرتها في آخره.
ولم يزل العلماء يتساءلون ويحاولون الإجابة، إلى أن غدا علم المناسبة علماً قائما بذاته، له أصوله وقواعده، وشرفه وأهميته؛ حتى قال الإمام البقاعي،(1)في (نظم الدرر): " فلذلك كان هذا العلم ـ يقصد علم المناسبات ـ في غاية النفاسة، وكانت نسبته من علم التفسير؛ نسبة علم البيان من النحو"(2).
وأصبحنا نرى الكتب والأبحاث الكثيرة تحمل عناوين مثل: " الوحدة الموضوعية " في سورة كذا، أو سورة كذا، على اعتبار أن السورة وحدة واحدة.
__________
(1) …أبو الحسن، إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط البقاعي ( 809 ـ885 هـ )، من البقاع بسورية، سكن دمشق وبها توفي، مؤرخ أديب مفسر له: أخبار الجلاد في فتح البلاد، ومصاعد النظر في الإشراف على مقاصد السور، وهذا التفسير. [البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ص40-41، الأعلام 1 /56.].
(2) …البقاعي، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، (1/5) ، دار الكتب العلمية، لبنان، ط 1، 1995م.(1/7)
وقد جاء العلماء السابقون في هذا العلم بالكثير، سواء في كتب التفسير، أو علوم القرآن، وما تفرع منه من كتب الإعجاز القرآني، ومصنفات التناسب، وكان منهم من بنى تفسيره على علم المناسبة كالبقاعي، وفي العصر الحديث لقي هذا الموضوع اهتماما وعناية كبيرين من المفسرين والباحثين الذين أفادوا من علم القدماء وعلوم العصر، وأضافوا إليه.
ومع كل ذلك فإن النظرة الجزئية قد سيطرت على أغلب التفاسير وكتب علوم القرآن، حيث ركزت على طلب المناسبات بين الآية والتي قبلها والتي بعدها، ولم تتعمق في طلب الخيوط التي تربط بين أجزاء السورة، أو الروابط بين السور من بداية المصحف حتى نهايته، والتي تبرز وحدته العضوية.
ولما كان القرآن لا تنقضي عجائبه ولا يخلق على كثرة الرد، فقد رغب الباحث أن يكون له سهم في هذا الخير، فيلتقط عدداً من درر السابقين ويضيف عليها بعضاً مما عسى أن يفتح الله تعالى عليه، ويعيد نظمها في عقد جديد، وقد وقع الاختيار على سورة البقرة لتكون موضوع الدراسة، علماً بأن اختيارها في البداية لم يكن إلا لأن الباحث، وقتها كان يدرّس تفسيرها في بعض المساجد، وقد تجمع لديه الكثير من المناسبة بشأنها، حيث قرر القيام بالبحث، لمساق البحث العلمي وتحقيق المخطوطات، في الفصل الأول من العام الجامعي2003/2004م.
سبب اختيار البحث:
لقد جاء اختياري لموضوع التناسب في سورة البقرة للأسباب الآتية:
أهمية الدراسات القرآنية عموماً، كونها أساس الدراسات العربية والإسلامية القديمة والمعاصرة.
أهمية علم التناسب فهو اللحمة القرآنية التي ربما تخفى على كثير من العلماء.
تتبع دراسة هذه الظاهرة عند العلماء.(1/8)
أن علم المناسبة علم إبداعي يمكن للباحث المتعمق فيه أن يتوصل إلى نتائج جديدة ومعطيات لم يسبق إليها، ومن ثم عدم التوقف عند ما كتبه السابقون في التناسب، ومن ذلك الإضافات الجديدة في علاقة اسم السورة بموضوعها، والتناسب بين قصص السورة، وعلاقة سورة البقرة بسورة الفلق، والتناسب بين السورة وموقعها في المصحف، والتناسب بين سورة البقرة وبقية السور الكريمة المفتتحة ب( ألم)، وغير ذلك.
أن سورة البقرة هي أطول سور القرآن وأكثرها تنوعا في الأحكام والقصص والأفكار، فإذا تأكدت فيها الوحدة الموضوعية، والتناسب بين أجزائها، وارتباط مطلعها بختامها، وغير ذلك من وجوه التناسب والارتباط؛ فإن تدبر التناسب في غيرها يغدو أيسر وأهون.
أن الكلام عن التناسب في سورة البقرة، قد جاء غالباً، مفرقاً في ثنايا كتب التفسير بحيث يحتاج إلى جمع وإبراز وإعادة تبويب، أو جاء بشكل موجز مختصر في سياق الحديث عن التناسب في القرآن الكريم جميعه بحيث يحتاج إلى دراسة تطبيقية على كل سورة منفردة، وهو هدف هذه الدراسة.
أن الباحث قد كتب في هذا الموضوع نفسه ضمن مساق " البحث العلمي وتحقيق المخطوطات"، بداية التحاقه ببرنامج الدراسات العليا بالجامعة، ثم عرض ما كتبه على عدد من العلماء والأساتذة الكرام، في الجامعة وخارجها، فلقي منهم كل تشجيع ودعم.
مشكلات البحث وأسئلته:
كان موضوع التناسب محل خلاف بين علماء التفسير ما بين مؤيد ومعارض، ومثله موضوع الوحدة الموضوعية في السور القرآنية، حتى عند الذين يقولون بوجود التناسب بين الآيات، وكذلك لم تتفق كلمتهم على القول بالتناسب بين اسم السورة وموضوعها، ولا بالتناسب بين السور القرآنية وصولاً إلى الوحدة العضوية في القرآن جميعه.
ولذلك فإن هذه الرسالة تهدف إلى الإجابة عن عدد من الأسئلة، أهمها:
هل هناك تناسب بين مطلع السورة وخاتمتها؟ وهل ثم تناسب بين قصص السورة؟(1/9)
هل تمثل سورة البقرة، على طولها، موضوعا مترابطاً؟
هل يوجد تناسب بين اسم السورة وموضوعها، من جهة، وبين موضوعها وفواصلها من جهة أخرى؟
هل ثم تناسب بين سورة البقرة وبين الفاتحة التي قبلها، وآل عمران التالية لها؟
ماعلاقة البقرة بالسور التي لها نفس الفاتحة:( الم)، وما علاقتها بسورة الفلق المناظرة لها.
هل لسورة البقرة علاقة بكل السور التالية لها كونها بعد الفاتحة التي هي أم القرآن؟
ما وجه اتصال البقرة بواقع الدعوة الإسلامية؟
أهمية البحث:
إبراز الوحدة الموضوعية في السور القرآنية عموماً، وفي سورة البقرة بخاصة.
التأكيد على العلاقة الوثيقة بين اسم السورة القرآنية ومحورها الرئيس.
الاستعانة بعلم المناسبات في فهم المعنى، ودفع الإيهام وإزالة اللبس، والترجيح بين الأقوال المختلفة في التفسير.
التأكيد على الترابط والتلاحم الوثيق بين سور القرآن الكريم وآياته من بدئه إلى نهايته.
إبراز نوع مهم من أنواع الإعجاز القرآني، والتأكيد على أن هذا القرآن بتركيبه وترتيبه لا يمكن أن يكون بشري المصدر.
الرد على مزاعم المشككين من المستشرقين وغيرهم، بعدم ترابط أجزاء النص القرآني.
المساهمة في تجلية علم المناسبة وتأصيله، وتشجيع الكتابة فيه؛ لأهميته الكبيرة من علم التفسير والإعجاز القرآني.
منهجية البحث:
سأتبع في بحثي هذا المنهج الوصفي الذي يجمع بين الاستقراء والتحليل، وأحياناً التركيب، مع الموازنة والترجيح، حيث سأبدأ بدراسة جهود ثلة من العلماء في الموضوع لأسبر غورها محاولاً الوصول إلى تصور كلي، يكون منطلقاً لدراسة سورة البقرة دراسة توظف أقوال أهل التفسير، وتفيد من جهود الباحثين في الدراسات القرآنية عموماً، وتوظف القواعد التي جاءت متناثرة في ثنايا كلامهم، وتوازن بين مسالك العلماء وتختار ما يترجح من أقوالهم، وذلك وفق الخطوات الآتية:(1/10)
الرجوع إلى أمهات المصادر في علم المناسبة، سواء في ذلك كتب التفسير، أو علوم القرآن وفروعه من مصنفات الإعجاز القرآني، أو تلك التي تخصصت في موضوع التناسب.
. الموازنة والترجيح بين أقوال العلماء.
الزيادة على تلك الأقوال بإضافة لبنات جديدة إلى جهود السابقين، مما لم يتطرقوا إليه.
عزو الأقوال إلى أصحابها، وبيان أوجه التشابه والاختلاف بين أقوال العلماء في النقطة الواحدة.
عزو الآيات الكريمة إلى السور مع ذكر الرقم ملاصقاً لنص الآية.
تخريج الأحاديث الشريفة من مصادرها الأصلية، وإذا كان الحديث في غير الصحيحين فألتزم بيان درجة صحته، ولا أستشهد بحديث ضعيف.
ترجمة الأعلام الواردة أسماؤهم في الرسالة وعزو الأمثال إلى مصادرها.
الدراسات السابقة
بعد البحث والسؤال لم يظهر لي أن أحداً قد كتب في هذا الموضوع بالشكل الذي كتبت فيه، مع العلم بأن هنالك كتابات قيمة عديدة تناولت موضوع المناسبة وعلى رأسها كتاب" نظم الدرر في تناسب الآيات والسور لبرهان الدين البقاعي، و"تناسق الدرر في ترتيب السور " لجلال الدين السيوطي(1).
__________
(1) عبد الرحمن بن أبي بكر الخضيري السيوطي الشافعي، ( 849 ـ 911هـ ): إمام حافظ مؤرخ أديب وعالم موسوعي، له نحو 600 مصنف منها (ترجمان القرآن، والدر المنثور في التفسير بالمأثور، وتاريخ أسيوط، والحاوي للفتاوي، واللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة وغيرها) .[ الأدنروي، طبقات المفسرين،365-366، الأعلام،1/ 301-302].(1/11)
وبعدما قطع الباحث شوطاً لا بأس به في الرسالة، تهيأ له الاطلاع على كتاب " البرهان في نظام القرآن في الفاتحة والبقرة وآل عمران"(1)، للباحث الهندي محمد عناية الله أسد سبحاني، وأصله أطروحة لنيل الدكتوراه من جامعة الإمام محمد بن سعود، وعلى الرغم من القيمة العلمية للرسالة والجهد المبذول فيها، لكنها لم تتطرق إلى العديد من العناوين التي اهتمت بها هذه الدراسة، فضلاً عن أن دراسته قد اتجهت أكثر إلى الجانب التفسيري، ومحاولة الوصول إلى أصح الفهوم للآيات الكريمة من وجهة نظره، انطلاقاً من نظم السورة وسياق الآيات.
ومن وجهة نظر الباحث، فإن الدكتور أسد سبحاني قد فوّت على نفسه الكثير من الفائدة التي تضمنها تفسير البقاعي، بل صار أكبر همه أن يثبت خطأ البقاعي في المنهج والنتائج؛ لمجرد أن هناك من اعترض على موضوع رسالته بالقول: وماذا عساك أن تضيف إلى ما ذكر البقاعي في الباب؟!(2) وكان يكفيه في الرد التذكير بأن القرآن الكريم لا تنقضي عجائبه، ولا ينفد معينه، ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [ الكهف].
__________
(1) …سبحاني، محمد عناية الله أسد، البرهان في نظام القرآن، في الفاتحة والبقرة وآل عمران، دار عمار، عمان، ط1، 1426هـ/2005م.
(2) …سبحاني، البرهان في نظام القرآن، ( ص27).(1/12)
وقد تيسر للباحث نسخة محققة من تفسير البقاعي خاصة بسورتي الفاتحة والبقرة، للدكتور إسماعيل نواهضة(1)، وهي في الأصل أطروحته للدكتوراه، كان أهداها الدكتور الفاضل إلى مركز نون للدراسات القرآنية بالبيرة، وقد رجعتُ إليها مراراً للتحقق من بعض العبارات الواردة في الطبعة التجارية لنظم الدرر والصادرة عن دار الكتب العلمية، لكن لم أجعلها المرجع الأساس لأنني اقتبست كثيراً من مواضع متعددة في (نظم الدرر) سوى سورتي الفاتحة والبقرة، ولم أشأ أن أقع أو أوقع غيري في الارتباك جراء التردد بين نسختين مختلفتين من كتاب واحد.
وهناك دراسات أخرى تخصصت في سورة البقرة، لكن بعيدا عن علم المناسبة، ومن ذلك "النظم في سورة البقرة"، للدكتور حسين الدراويش (2)، وهي أطروحة دكتوراه في اللغة العربية من الجامعة الأردنية، و"الروابط اللفظية في سورة البقرة"(3)، وهي رسالة ماجستير في كلية الآداب بجامعة القدس من إعداد الطالبة رهام يعقوب طَقّش، وكلتا الرسالتين –على أهميتهما، وإمكانية تقاطعهما نظرياً مع الموضوع - لكنهما في ميدانين مختلفين عن التناسب، وكما سبق القول فإنه حتى الدراسات والكتابات التي اهتمت بالتناسب فإنها لم تتطرق إلى عدة جوانب تناولتها هذه الرسالة.
الصعوبات التي واجهت البحث:
__________
(1) …نواهضة، إسماعيل الحاج أمين، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: دراسة وتحقيق للمقدمة وسورتي الفاتحة والبقرة، أطروحة دكتوراه من كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، 1403هـ - 1983م.
(2) الدراويش، حسين، النظم القرآني في سورة البقرة، دراسة في الدلالة والأسلوب، رسالة دكتوراه، في اللغة العربية وآدابها، الجامعة الأردنية، 1986م.
(3) طقش، رهام يعقوب، الروابط اللفظية في سورة البقرة، دراسة نحوية دلالية إحصائية، رسالة ماجستير في اللغة العربية وآدابها، جامعة القدس، 2003م.(1/13)
لعل من أبرز الصعوبات التي واجهت الباحث في مثل هذا الموضوع اتساع مادته، وتشتت مباحثه ودقة مسائله؛ ما يستدعي البحث في كتب التفسير، وعلوم القرآن، وما يتفرع عنها من كتب الإعجاز والمناسبة، وغيرها.
وكذلك صعوبة الوصول إلى بعض مراجعه القديمة التي لم تطبع منذ زمن بعيد ، أو الكتابات الحديثة التي طبعت في بعض البلدان ولم تصل إلينا، وأيضاً بعض الرسائل الجامعية التي ما زالت حبيسة رفوف المكتبات، وقد أمكن التغلب على كثير من ذلك بفضل الله تعالى، حيث قيض سبحانه عدداً من الإخوة والسادة الأكارم، فتفضلوا بإعطاء الباحث أطروحاتهم، أو ما عندهم من هذه المراجع، أو بعثه بالبريد الإلكتروني، أو تجشموا مشقة البحث عن عدد آخر منها، وجلبه حتى من قطاع غزة والأردن ومصر وسوريا والسعودية.
ثم إن طول سورة البقرة والحجم الكبير الذي تحتله في كتب التفسير، ودراسة موضوع التناسب في الإطار الذي اخترته يحتاج إلى جهد دؤوب وعمل متواصل، أحمد الله تعالى أن أعانني عليه ووفقني لإتمامه.
محتويات البحث:
وقد قسمت هذا البحث إلى مقدمة وأربعة فصول، كان أولها للتعريف بشطري عنوان الأطروحة، والثاني للحديث عن أوجه التناسب القرآني وأنواعه، والفصل الثالث لأوجه التناسب الداخلية في سورة البقرة، فيما تحدث الفصل الرابع عن أوجه التناسب الخارجية في السورة الكريمة، وختمته بالخلاصة والتوصيات، والمسارد والفهارس، ثم ملخصاً باللغة الإنجليزية، وذلك على نحو ما تقدم في فهرست الموضوعات.
ولما كان هذا البحث لُحمته وسَداه الآيات القرآنية الكريمة، وإلحاق مسرد بالآيات، يحتاج، في تقدير الباحث، إلى ما لا يقل عن خمس وعشرين صفحة، فإنني لم ألحق مسرداً بالآيات الكريمة، وإنما اكتفيت بمسرد الأحاديث الشريفة، وفهارس الموضوعات والمصادر والأعلام الواردة في البحث.(1/14)
الفصل الأول
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: التعريف بسورة البقرة
المبحث الثاني: التعريف بالتناسب
المبحث الأول
التعريف بسورة البقرة
وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: أسماء السورة وسبب التسمية لكل اسم
المطلب الثاني: نزول سورة البقرة
المطلب الثالث: ترتيب السورة في المصحف
المطلب الرابع:عدد آي سورة البقرة
المطلب الخامس: فضل سورة البقرة
المطلب الأول
أسماء السورة وسبب التسمية لكل اسم
أسماء السور، المثبتة في المصاحف، هي، على الأرجح توقيفية، أي ثبتت بالوحي؛ وفي ذلك يورد السيوطي أنه قد " ثبت جميع أسماء السور بالتوقيف من الأحاديث والآثار"(1). بل إن أستاذنا الدكتور فضل عباس ليذهب إلى أنه من المستبعد عقلاً أن لا يكون لكل سورة اسم خاص تعرف به في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - (2).
ويجدر التنويه إلى أن بعض الأسماء أشهر من بعض، وألصق بالسور من غيرها، فضلاً عن أن بعض الأسماء توقيفية، وبعضها اجتهادي وأشبه بالأوصاف والألقاب وما تتسم به بعض السور، مما أطلقه الصحابة الكرام، أو مَن بَعدهم على هذه السورة أو تلك، تنويها بفضلها، أو إبرازاً لجليل معانيها.
وفيما يتعلق بسورة البقرة موضوع هذه الدراسة، فإن لها من الأسماء، سوى البقرة: سنام القرآن، و فسطاط القرآن، وهي مع سورة آل عمران الزهراوان، وفيما يأتي بيان لكل اسم وسبب التسمية به:
__________
(1) …السيوطي، جلال الدين، الإتقان في علوم القرآن: )1/115)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط3، 1415هـ - 1995م.
(2) …عباس، فضل حسن، إتقان البرهان في علوم القرآن، (1/447)، دار الفرقان، عمان، ط1، 1418هـ - 1997م.(2/1)
البقرة: سميت السورة بهذا الاسم لقصة البقرة الواردة فيها، حيث قتل في بني إسرائيل قتيل، فأمرهم الله تعالى على لسان موسى - صلى الله عليه وسلم - أن يذبحوا بقرة، وبعد كثير من المماطلة والتلكؤ ذبحوها، فأمروا أن يضربوا جسم القتيل ببعض البقرة، فأحياه الله تعالى، وأخبر عن قاتله، وذلك في الآيات الكريمة من (67 ـ 74).
الزهراء: ففي الصحيح عن أبي أمامة الباهلي(1) رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:
( اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ )(2).
__________
(1) …هو صديّ بن عجلان بن وهب الباهلي،(ت 81هـ)، صحابي شهد مع الرسول جميع الغزوات سوى بدر، آخر من مات من الصحابة بالشام، له في الصحيحين 250 حديثاً.[ ابن الأثير،أسد الغابة في معرفة الصحابة، 4/375، الأعلام، 3/303].
(2) …مسلم بن الحجاج، الصحيح، كتاب صلاة المسافرين، رقم: ( 804، 805)، بيت الأفكار الدولية، الرياض، د.ط، 1419هـ - 1998م.(2/2)
وأصل الزهر: الحسن والضياء والصفاء، والزهرة: النجم المعروف، والأزهر: القمر، وزهرت النار: بمعنى أضاءت(1)، والزهراوان:" النيّرتان، مأخوذ من الزهر والزهرة: فإما لهدايتهما قارئهما بما يزهر له من أنوارهما، أي من معانيهما، وإما لما يترتب على قراءتهما من النور التام يوم القيامة"(2)، والغيايتان والغمامتان: كل ما أظل الإنسان من فوق رأسه من سحابة وغبرة وغيرهما، والمراد أن ثوابهما يأتي كغمامتين(3).
سنام القرآن: عن ابن مسعود(4)، رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:( إنَّ لكلِّ شيءٍ سناماً، وسنامُ القرآنِ سورةُ البقرةِ، وإنَّ الشيطانَ إذا سمعَ سورةَ البقرةِ تُقرأُ خرجَ منَ البيتِ الذي يُقرأُ فيهِ سورةُ البقرة)(5).
__________
(1) …ابن فارس، معجم المقاييس في اللغة، ( ص462- 463)، حققه شهاب الدين أبو عمرو، دار الفكر، بيروت، ط1، 1415هـ- 1995م.
(2) …القرطبي، محمد بن أحمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن، (4/5)، دار الفكر، بيروت، 1415هـ - 1995م.
(3) …النووي، شرح صحيح مسلم،( 6/90)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1347هـ - 1929م.
(4) …عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب( 32هـ)، أبو عبد الرحمن الهذلي الإمام الحبر فقيه الأمة، من السابقين الأولين، أول من جهر بالقرآن، هاجر الهجرتين، وشهد بدراً وجميع الغزوات. [انظر:ابن الأثير، عز الدين علي بن محمد ، أسد الغابة في معرفة الصحابة ( 3/74)، والذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء( 1/461)، حقق بإشراف، شعيب الأرناؤوط وأكرم البوشي].
(5) …رواه الحاكم في كتاب فضائل القرآن، (1/561)، والبيهقي في شعب الإيمان( 2/452)، رقم( 3277)، وذكره الألباني، محمد ناصر الدين، سلسلة الأحاديث الصحيحة (2/135)، حديث رقم(588)، مكتبة المعارف، الرياض، د.ط، 1415هـ - 1995م.(2/3)
وسنام كل شيء أعلاه(1)، وسورة البقرة سنام القرآن" إما لطولها واحتوائها على أحكام كثيرة، أو لما فيها من الأمر بالجهاد، وبه الرفعة الكبيرة"(2).
فسطاط القرآن: كما كان يسميها خالد بن معدان(3)،" وذلك لعظمها ولما جمع فيها من الأحكام التي لم تذكر في غيرها"(4)، والفسطاط: البيت من الشَّعر(5).
المطلب الثاني
نزول سورة البقرة
يذكر الدكتور صلاح الخالدي أن" ترتيب السور حسب النزول ليس دقيقاً في مجمله، ومن ثم ليس يقينياً ولا يمكن الجزم به، لعدم وجود أدلة صحيحة موثوقة يُعتمد عليها في ذلك، ويمكن أن نأخذ بعض الأقوال في الترتيب التاريخي من باب الاستئناس لا من باب الجزم واليقين"(6).
__________
(1) …ابن منظور الإفريقي،أبو الفضل جمال الدين بن محمد، لسان العرب: مادة سنم( 12/306-308)، دار صادر، ط3، بيروت، 1414هـ.- 1994م.
(2) …المباركفوري، أبو العلي محمد بن عبد الرحمن، تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: (8/181)، المكتبة السلفية، المدينة المنورة، ط2، 1406هـ - 1986م.
(3) …خالد بن معدان بن أبي كرب الكلاعي( ت104هـ)، تابعي، ثقة، أصله من اليمن، وإقامته في حمص، تولى شرطة يزيد بن معاوية، [ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 16/189-205، الأعلام،2/299].…
(4) …السيوطي، الإتقان في علوم القرآن (1/119).
(5) …الرازي، محمد ابن أبي بكر، مختار الصحاح، ( ص249)، دار عمار، عمان، ط1، 1417هـ- 1996م.
(6) …الخالدي، صلاح عبد الفتاح، التفسير الموضوعي، بين النظرية والتطبيق، (ص239)، دار النفائس، عمان، ط1، 1418هـ - 1997م.(2/4)
وعلى أية حال؛ فإن سورة البقرة بحسب النزول – على ما اشتهر- هي السورة السادسة والثمانون، وهي أول سورة نزلت بالمدينة المنورة، بعد الهجرة. وقد نزل قبلها في مكة خمس وثمانون سورة، كما ذكر الزركشي(1) في كتاب البرهان(2). وقال أبو عمرو الداني(3)، بعدما أورد السور التي أنزلت بمكة:" فذلك ما أنزل عليه - صلى الله عليه وسلم - بمكة، خمس وثمانون سورة ... وأنزل عليه بعدما قدم المدينة سورة البقرة، ثم آل عمران، ثم الأنفال..)(4) وقد نقل السيوطي هذا القول، وقول من قال أنه قد نزل بعد البقرة سورة الأنفال ثم آل عمران(5). وهو أولى بالصواب لأن الأنفال نزلت في غزوة بدر، وآل عمران تحدثت عن أُحد، وبدر قبل عام من أُحد.
__________
(1) …هو بدر الدين أبو عبد الله، محمد بن بهادر بن عبد الله (ت 794هـ ) تركي الأصل، المصري المولد والوفاة ،من العلماء الأصوليين على الفقه الشافعي. له( إعلام الساجد أحكام الساجد، والإجابة لما استدركته عائشة على الصحابة، والديباج في توضيح المنهاج)، [ انظر: شذرات الذهب 6/335، طبقات الداودي، 2/157-158، الأعلام 6/ 60ـ61].…
(2) …الزركشي، البرهان في علوم القرآن، (1/ 250ـ 251).
(3) …هو أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عمر الأموي القرطبي( 371- 444هـ)، والداني نسبة إلى دانية في الأندلس، كان إماماً في علم القراءات، والتفسير وإعراب القرآن وطرقه، وله معرفة بالحديث ورجاله، من تصانيفه: "جامع البيان " في القراءات السبع، و" المقنع في رسم الصاحف ونقطها"، و " الاهتدا في الوقف والابتدا".( ابن بشكوال: الصلة 2/592-593، طبقات الداودي،1/373-376).…
(4) …الداني، أبو عمرو، البيان في عد آي القرآن، (ص 136)، تحقيق الدكتور غانم قدوري حمد، منشورات مركز المخطوطات والتراث والوثائق، الكويت، ط1، 1414هـ- 1994م.
(5) …السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، ( 1/20).(2/5)
وإذا كانت الروايات في عمومها تفيد أن سورة البقرة نزلت بعد الهجرة، فإن هناك حديثاً يستثني خواتيم سورة البقرة، ويؤكد أنها نزلت ليلة الإسراء والمعراج؛ أي في العهد المكي وفق المشهور من أقوال العلماء(1).
حيث روى ابن مسعود رضي الله عنه: ( لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ إِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُعْرَجُ بِهِ مِنْ الأَرْضِ فَيُقْبَضُ مِنْهَا وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَطُ بِهِ مِنْ فَوْقِهَا فَيُقْبَضُ مِنْهَا، قَالَ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى، قَالَ فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ فَأُعْطِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثًا أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَغُفِرَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ مِنْ أُمَّتِهِ شَيْئًا الْمُقْحِمَاتُ)(2).
وصفوة القول أن سورة البقرة هي أول ما نزل بعد الهجرة، واستمر نزولها حتى نهاية العهد المدني، حيث نزلت الآية (281) منها، والتي هي على الراجح آخر آية في القرآن، كما نزل قبيلها آيات الربا، فيما تقدمت خواتيم السورة سائرها فنزلت قبيل الهجرة، لكن غالب آيات السورة قد نزل في بدايات الهجرة.
المطلب الثالث
ترتيب السورة في المصحف
__________
(1) …العمري، أكرم ضياء، السيرة النبوية الصحيحة، ( 1/188-189)، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، ط 5، 1413هـ - 1993م.
(2) …صحيح مسلم ، كتاب الإيمان، رقم(173).(2/6)
البقرة هي السورة الثانية في المصحف العثماني، بعد الفاتحة وقبل آل عمران. وهذا الترتيب -على الراجح من أقوال العلماء - ليس باجتهاد الصحابة، رضوان الله عليهم، وإنما هو توقيفي بتوجيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحياً؛ وبالأخص في العرضة الأخيرة، ويكفي دليلاً على هذا القول أنه متواتر حفظاً وكتابة؛ تناقلته الأمة من لدن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحتى يومنا هذا.
حيث يقول الإمام البغوي(1) إن " الصحابة رضي الله عنهم جمعوا بين الدفتين القرآن الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على رسوله - صلى الله عليه وسلم - من غير أن زادوا فيه أو نقصوا منه شيئاً. إنهم كتبوه كما سمعوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غير أن قدموا شيئاً أو أخروا أو وضعوا له ترتيباً لم يأخذوه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلقن أصحابه ويعلمهم ما ينزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا بتوقيف من جبريل - صلوات الله عليه – إياه على ذلك، وإعلامه عند نزول كل آية أن هذه الآية تكتب عقيب آية كذا في السورة التي يذكر فيها كذا؛ فترتيب النزول غير ترتيب التلاوة"(2).
__________
(1) …أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي،(436- 516هـ)، من خراسان، كان إماماً في الفقه والتفسير والحديث، له: معالم التنزيل، في التفسير، والتهذيب في الفقه، والجمع بين الصحيحين.[ انظر:، طبقات السيوطي، ص: 49-50، طبقات الأدنروي، ص:158-160].
(2) …البغوي، الحسين بن مسعود، شرح السنة،(4/521-523)، تحقيق زهير الشاويش وشعيب الأرناؤوط، المكتب الإسلامي، بيروت، ط 3، 1403هـ - 1983م.(2/7)
ويؤكد الدكتور فضل عباس أن:" ترتيب السور في كتاب الله تعالى توقيفي لا مجال للاجتهاد فيه، فكما أن الآيات كانت بترتيب أخذه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن جبريل عن الله رب العالمين، فإن ترتيب السور كذلك. هذا هو مذهب الجمهور، وليس كما ذكر السيوطي – رحمه الله – من أن مذهبهم أن ترتيب السور اجتهادي" (1).
المطلب الرابع
عدد آي سورة البقرة
قال أبو عمرو الداني(2):" وهي مئتا آية وثمانون وخمس آيات في المدنيَّيْن والمكي والشامي، وست في الكوفي، وسبع في البصري، وقد ذكر الداني أن الاختلاف وقع في إحدى عشرة آية:
ژ ألم ژ [1]؛ عدها الكوفي ولم يعدها الباقون.
ژ عذاب أليم ژ [10]؛عدها الشامي ولم يعدها الباقون.
ژ مصلحون ژ [11]؛ لم يعدها الشامي وعدها الباقون.
ژ إلا خائفين ژ [141]؛ عدها البصري ولم يعدها الباقون.
ژ يا أولي الألباب ژ [971]؛ لم يعدها المدني الأول والمكي، وعدها الباقون.
ژ من خلاق ژ [200]؛ الثاني لم يعدها المدني الأخير، وعدها الباقون. تراجع في الكتاب وغيره.
ژ ماذا ينفقون ژ [219]؛ الثاني عدها المدني الأول والمكي، ولم يعدها الباقون.
ژ لعلكم تتفكرون ژ [219]؛ الأول عدها المدني الأخير والكوفي والشامي، ولم يعدها الباقون.
ژ قولاً معروفاً ژ [ 235]؛ عدها البصري ولم يعدها الباقون.
ژ الحي القيوم ژ [ 255]؛ عدها المدني الأخير والمكي والبصري، ولم يعدها الباقون.
ژ من الظلمات إلى النور ژ [ 257]؛ عدها المدني الأول ولم يعدها الباقون.
__________
(1) …عباس، إتقان البرهان، (1/449)، وكلام السيوطي المشار إليه في: الإتقان في علوم القرآن، ( 1/135).
(2) …الداني، أبو عمرو، البيان في عد آي القرآن، ( ص 140).…(2/8)
ويجدر التنويه إلى أن الخلاف في العدّ ليس زيادة أو نقصاً في نصوص الآيات؛ فإن من أسبابه الخلاف في احتساب البسملة آية أو عدم احتسابها، وكذا الخلاف في حروف الفواتح أيها آية وأيها بعض آية، كما قد تقسم آية طويلة إلى آيتين، أو تدمج آيتان قصيرتان وتحسبان آية، حيث كان الرسول- صلى الله عليه وسلم - يقف غالباً على رؤوس الآي، لكنه ربما وقف قبل داخل الآية فيظن الصحابي أن موضع وقوفه - صلى الله عليه وسلم - رأس آية.
المطلب الخامس
فضل سورة البقرة
وردت عدة أحاديث وآثار، في فضل سورة البقرة، وخواتيمها وآية الكرسي، منها:
ـ عن النواس بن سمعان(1) قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :( يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلُ عِمْرَانَ وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاثَةَ أَمْثَالٍ مَا نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ قَالَ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنَهُمَا شَرْقٌ أَوْ كَأَنَّهُمَا حِزْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا)(2).
__________
(1) …هو: النواس بن سمعان بن صعصعة العامري، له ولأبيه صحبة، سكن الشام [الإصابة 6/478، تهذيب التهذيب 4/544، أسد الغابة 1/460-461].
(2) …صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، (رقم 804، 805).(2/9)
ـ وعن أبي بن كعب(1)؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟ قَالَ: قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟ قَالَ قُلْتُ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ قَالَ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ)(2).
ـ وعن ابن عباس قال :( بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ هَذَا بَابٌ مِنْ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ فَقَالَ هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ فَسَلَّمَ وَقَالَ أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلا أُعْطِيتَهُ )(3).
__________
(1) …أبي بن كعب بن قيس الخزرجي الأنصاري،( ت22هـ) من كتاب الوحي، شهد بدراً والمشاهد كلها، من اللجنة التي كلفها عثمان بنسخ القرآن [ أسد الغابة1/57-58، الأعلام1/82].
(2) …صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، رقم: (810).
(3) …صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، رقم: (806).…(2/10)
ـ وعن أبي مسعود البدري(1): قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( الآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَنْ قَرَأَهُمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ)(2).
ـ وعن عبد الله بن مسعود، قال - صلى الله عليه وسلم -: (إن لكل شيء سناماً وسنام القرآن سورة البقرة)(3).
ـ وعن أبي هريرة(4) – رضي الله عنه – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ)(5).
ـ وروى كثير بن عباس(6) عن أبيه أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال له عندما ولى المسلمون يوم حنين: ( يا عباس! ناد قل: يا أصحاب السمرة، يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ)(7).
__________
(1) …هو عقبة بن عمرو بن ثعلبة، أبو مسعود الأنصاري البدري( ت40هـ)، سكن بدراً، وشهد موقعتها كما قال البخاري، أقام في الكوفة، واستخلفه عليّ عليها لما سار إلى صفين.[ أسد الغابة7/318، فتح الباري 9/55].
(2) …البخاري، محمد بن إسماعيل، الجامع الصحيح، كتاب المغازي رقم:( 4008)، وكتاب فضائل القرآن رقم:( 5008، 5040، 5051)، بيت الأفكار الدولية، الرياض، د.ط، 1419هـ - 1998م، صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، رقم( 807، 808).
(3) …الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة،( رقم 588)، سبق تخريجه.
(4) عبد الرحمن بن صخر الدوسي أبو هريرة (ت59هـ)، أسلم سنة سبع للهجرة، لزم الرسول - صلى الله عليه وسلم -وكان من أكثر الصحابة حفظا للحديث ورواية له، استعمله عمر على البحرين، وكانت وفاته بالمدينة.[ أسد الغابة 5/119-120، الأعلام 3/308].
(5) …مسلم، في كتاب صلاة المسافرين، رقم:(780).
(6) …كثير بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم الرسول- صلى الله عليه وسلم -، ولد قبل وفاته بأشهر، كان فقيها فاضلاً.[ ابن الأثير، أسد الغابة 3/519].
(7) …مسلم، كتاب الجهاد والسير، حديث رقم ( 1775).(2/11)
ـ وعن عثمانَ بنِ أبي العاصِ(1): (استعملني رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وأنا أصغرُ الستةِ الذينَ وفدوا عليهِ من ثقيفٍ وذلكَ أني كنتُ قرأتُ سورةَ البقرةَ فقلتُ يا رسولَ اللهِ إنّ القرآنَ ينفلتُ مني فوضعَ يدهُ على صدري وقالَ يا شيطانُ اخرجْ منْ صدرِ عثمانَ فما نسيتُ شيئاً أريدُ حفظَهُ)(2).
المبحث الثاني
التعريف بالتناسب
وفيه أربعة مطالب :
المطلب الأول: التعريف بعلم المناسبات.
المطلب الثاني: القائلون بالتناسب والمشتغلون به.
المطلب الثالث: المعارضون والرد على اعتراضاتهم.
المطلب الرابع: أهمية علم المناسبات.
المطلب الأول
التعريف بعلم المناسبات
التناسب لغة:
النون والسين والباء كلمة واحدة قياسها اتصال شيء بشيء، منه النسب سُمّي لاتصاله وللاتصال به(3).
والنسب والنسبة: اشتراك من جهة أحد الأبوين، وذلك ضربان: نسب بالطول؛ كالاشتراك بين الآباء والأبناء، ونسب بالعرض؛ كالنسبة بين بني الإخوة وبني الأعمام، قال: ژ ? ? ? ژ ]الفرقان:54[(4).
__________
(1) …عثمان بن أبي العاص بن بشر الثقفي،( ت 55هـ)، أسلم في وفد ثقيف فاستعمله النبي على الطائف، وأقره أبو بكر وعمر، وحين همت ثقيف بالارتداد قال لهم : يا معشر ثقيف كنتم آخر الناس إسلاماً فلا تكونوا أولهم ارتداداً، له أحاديث في البخاري ومسلم،[ أسد الغابة 3/212-213، ٍسير أعلام النبلاء، 2/ 374- 375].
(2) …رواه البيهقي في دلائل النبوة ( 5/308)، وابن ماجة، ( 3548)، وذكره الألباني، السلسلة الصحيحة، (6/1001).
(3) …ابن فارس، أبو الحسن أحمد بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، (ص1025)، تحقيق شهاب الدين أبو عمرو، ط1، دار الفكر، بيروت، 1415هـ - 1994م.…
(4) …الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل، معجم مفردات ألفاظ القرآن، (ص 545)، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1418هـ - 1997م.(2/12)
والنسب: القرابة، وقيل: هو في الآباء خاصة، وناسبه: أي شركه في نسبه(1).
ومن المجاز: المناسبة المشاكلة(2)، أي المماثلة والمشابهة والموافقة، تقول: هذا شكل هذا أي مثله(3) ومن أشبه أباه فما ظلم(4).
و يُستخلص مما سبق الآتي:
أن النسب هو العلاقة التي تربط الفرع بأصله، أي الأبناء بآبائهم وأمهاتهم، لكنه غلب في ذكر انتماء الولد لأبيه ثم قبيلته للفخر، ولكون الأبوة أهم لأنها قد تكون موضع شك فتحتاج إلى إثبات، بعكس الأمومة.
والفروع المنبثقة عن أصل واحد بينها مناسبة، أي شراكة في النسب، وذلك مدعاة للتماثل والتشابه، ولذلك جاء المعنى المجازي للمناسبة بأنه المشاكلة بمعنى المشابهة، وإن كانت المناسبة لا تقتضي بالضرورة المشابهة، حيث الأهم فيها هو وجود الرابطة والصلة.
التناسب في الاصطلاح:
عرف البقاعي علم المناسبات القرآني بأنه: "علم تعرف منه علل ترتيب أجزائه، وهو سر البلاغة لأدائه إلى تحقيق مطابقة المقال لمقتضى الحال"(5).
__________
(1) …ابن منظور، لسان العرب، مادة نسب، (1/755-756).
(2) …الزبيدي، محمد مرتضى الحسيني، تاج العروس من جواهر القاموس،( 2/430) تحقيق علي شيري، دار الفكر، بيروت، د. ط، 1414هـ - 1994م.
(3) …ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، (ص 533).
(4) …الميداني، أحمد بن محمد النيسابوري، مجمع الأمثال، (رقم 4019)، ( 2/355)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1408هـ - 1988م.…
(5) …البقاعي ،نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، (1/5).…(2/13)
وعند القاضي أبي بكر بن العربي(1)، هو:" ارتباط آي القرآن بعضها ببعض، حتى تكون كالكلمة الواحدة، متسقة المعاني منتظمة المباني"(2).
وعرفه الفراهي(3) الذي أطلق عليه اسم (النظام) بالقول:" ومرادنا بالنظام أن تكون السورة وحدة متكاملة، ثم تكون ذات مناسبة بالسورة السابقة واللاحقة،.....وعلى هذا الأصل، ترى القرآن كله كلاماً واحداً، ذا مناسبة وترتيب في أجزائه من الأول إلى الآخر"(4).
ومن التعريفات الاصطلاحية السابقة للمناسبة تُلاحظُ الأمورُ الآتية:
__________
(1) …محمد بن عبد الله المعافري، المالكي، أبو بكر بن العربي،( 468- 543هـ )، كان أبوه من فقهاء إشبيلية، لقي أبا حامد الغزالي بالشام وسمع من علماء بغداد، ثم عاد إلى المغرب وتوفي بفاس، قاض من حفاظ الحديث، بلغ رتبة الاجتهاد في الفقه، له: " أحكام القرآن"، و" عارضة الأحوذي في شرح الترمذي"، و" وقانون التأويل"، و" الناسخ والمنسوخ". انظر: [ الأعلام6/230، الأدنروي، طبقات المفسرين 180-181].…
(2) …الزركشي، البرهان في علوم القرآن، (1/62).
(3) …حميد الدين، عبد الحميد الأنصاري الفراهي،(1280هـ- 1349هـ) ولد في قرية فريها بالهند، حفظ القرآن وأخذ الحديث والفقه، وأتقن العربية والفارسية ونظم الشعر فيهما، من كتبه: إمعان في أقسام القرآن، نظام القرآن وتأويل الفرقان بالقرآن، ودلائل النظام. انظر: [اليازجي، صبحي، الوحدة الموضوعية بين عبد الحميد الفراهي وسيد قطب: ص56- 79].
(4) الفراهي، عبد الحميد، دلائل النظام ،( ص 75)، الدائرة الحميدية ومكتبتها، الهند، 1388هـ.…(2/14)
الاتصال الوثيق بين التناسب والبلاغة؛ إذ هو "سر البلاغة" كما يؤكد البقاعي، فإذا كانت المناسبة عند البلاغيين هي ترتيب المعاني المتآخية(1)، فإن علم التناسب هو معرفة علل ترتيب الأجزاء. بل لقد عرف بعضهم البلاغة بأنها التناسب أو حسن النظام المرادف له عند أهل الاختصاص ، فهي:" القوة على البيان مع حسن النظام(2)"، فقال:" أبلغ الكلام ما حسُن إيجازه، وقل مجازه، وكثر إعجازه، وتناسبت صدوره وأعجازه(3).
فضلاً عن أن نظرية عبد القاهر الجرجاني(4) في النظم ، ترتكز على فكرة الترتيب باعتبار أن معاني الكلام تترتب في النفس أولاً ثم تأتي الألفاظ مرتبة على وفق ترتيب المعاني في النفس(5). وما دام أن هناك ترتيباً خاصاً في الكلام فلا بد أن هناك معاني مقصودة لهذا الترتيب.
__________
(1) …عكاوي، د. إنعام، المعجم المفصل في علوم البلاغة،(6 /430)، دار الكتب العلمية، ط1، 1992م.
(2) …ابن رشيق القيرواني، العمدة، 1(/244)، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت، ط5، 1981م.
(3) …ابن رشيق القيرواني، السابق، (1/246).
(4) …أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن،( ت 471هـ)، من جرجان بين طبرستان وخراسان، إمام في اللغة، له: أسرار البلاغة، ودلائل الإعجاز، والتتمة، والجُمل، والعمدة، والمغني شرح الإيضاح، وغيرها.[ انظر: الأدنروي، طبقات المفسرين ص 133، الأعلام 4/48-49].
(5) الجرجاني، عبد القاهر بن عبد الرحمن، دلائل الإعجاز، (ص 54) مطبعة المدني بالقاهرة، ودار المدني بجدة، قرأه وعلق عليه محمود محمد شاكر، ط3، 1413 هـ- 1992 م.(2/15)
وإذا انشغل أكثر البلاغيين والمفسرين كالجرجاني، وصاحب الكشاف وصاحب التحرير والتنوير، وغيرهم بالنظم داخل الآية القرآنية المفردة غالباً، أو بين الآيات المتجاورة، فإن علم التناسب ينظر إلى " النظام" الرابط بين أجزاء السورة جميعها، بل يمتد إلى القرآن كله، ومن ثم فإن من تمام بلاغة القرآن وبلاغه المبين أن يُتعامل معه باعتباره وحدة واحدة.
ولذلك تؤكد بعض التعريفات السابقة أن السورة وحدة واحدة، بل إن آيات القرآن الكريم لترتبط حتى تكون " كالكلمة الواحدة"، وهو تعبير غاية في تأكيد الوحدة العضوية للقرآن، فكما أن الكلمة يتهدم بنيانها من أي تغيير في حروفها أو زيادة أو حذف، فكذلك القرآن.
وكثيراً ما يجري تشبيه السورة أو القرآن جميعه بالبناء، أو بالجسم الإنساني، عند غير واحد من العلماء، كما سيأتي في المطلب التالي.
المطلب الثاني
القائلون بالتناسب والمشتغلون به
لفت الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - إلى ضرورة التعامل مع القرآن باعتباره وحدة واحدة، وإلى أهمية تفسير القرآن بالقرآن، حيث روى ابن مسعود في تفسير قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? پ ژ [ الأنعام:82]، قال: ( لمّا نزلتْ هذه الآيةُ شقّ ذلكَ على أصحابِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وقالوا: وأيّنا لمْ يظلمْ نفسَهُ؟ فقالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ليسَ هوَ كَما تظنونَ، إنّما هوَ كَما قالَ لقمانُ: ژ ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ژ [ لقمان:13](1).
__________
(1) …البخاري، الجامع الصحيح، في الإيمان: رقم(32)، وفي الأنبياء:3360رقم( 3428، 3429)، وفي التفسير:رقم( 4629، 4776)، وفي استتابة المرتدين:رقم(6918، 6937)، ومسلم، الصحيح، في كتاب الإيمان:رقم( 124).…(2/16)
وقال ابن تيمية(1) عندما سئل عن أحسن طرق التفسير:" إن أصح الطرق في ذلك: أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أُجمل في مكان فإنه قد فُسر في مكان آخر، وما اختصر في مكان فإنه قد بسط في موضع آخر"(2).
وإذا كان الأمر على هذه الحال في ربط الآية بآية أخرى في سورة أخرى، فالأمر ألزم فيما يتعلق بآيات السورة الواحدة، وبالأخص الآيات المتجاورة في ذات السورة، وهو ما اصطلح عليه بالسياق، و" كلمة السياق في تعبير المفسرين تطلق على الكلام الذي خرج مخرجاً واحداً، واشتمل على غرض واحد، هو المقصود الأصلي للمتكلم، وانتظمت أجزاؤه في نسق واحد، مع ملاحظة أن الغرض من الكلام، أو المعاني المقصودة بالذات، هي العنصر الأساسي في مفهوم السياق، كما أننا قد نستخلص: أن السياق قد يضاف إلى الآية وإلى السورة وإلى القرآن كله، من جهة أغراضه ومقاصده الأساسية، ومن جهة نظمه المعجز"(3).
__________
(1) …أحمد بن عبد الحليم ابن عبد السلام الحراني الدمشقي الحنبلي ( 661-728هـ)، كان كثير البحث في فنون الحكمة داعية إصلاح في الدين، له: الفتاوى، والصارم المسلول، ، ونقض المنطق. [الدرر الكامنة 1/144، الأعلام 1/144].…
(2) …ابن تيمية، مقدمة في أصول التفسير، ( ص44-45)، تحقيق عصام الحرستاني، ومحمد شكور، دار عمار، عمان، ط1، 1418هـ - 1997م.
(3) …أبو صفية، عبد الوهاب، دلالة السياق: منهج مأمون لتفسير القرآن الكريم، (ص86) عمان، د.ن، ط1، 1989م.…(2/17)
ولعل مراعاة السياق من أهم الأسس التي اعتمدها ابن جرير الطبري(1) في الترجيح بين أقوال المفسرين في كثير من الآيات(2)، وقد أكد مرات عديدة أنه من غير الجائز صرف الكلام عما هو في سياقه إلى غيره إلا بحجة يجب التسليم بها من دلالة ظاهر التنزيل أو خبر عن الرسول تقوم به حجة(3)، وأن توجيه الكلام إلى ما كان نظيراً لما في سياق الكلام أولى من توجيهه إلى ما كان منعدلاً عنه(4).
و" هناك من عبر بألفاظ مرادفة للفظ السياق، مثل لفظ المقام، والمقتضى، ومقتضى الحال، ولفظ التأليف، ولفظ النظم القرآني"(5)، وهي جميعا تدل على مفهوم التناسب، الذي نتكلم عنه، بدرجة أو بأخرى.
ويمكن تقسيم العلماء والمفسرين الذين ارتبطت أسماؤهم بعلم المناسبات القرآنية، إلى ثلاثة أقسام:
أ الذين نُقل عنهم مشافهة أو كتابة، القول بالتناسب والانتصار له، وأهل التفسير، والذين كتبوا عن التناسب القرآني كتباً خاصة، أو جعلوه ضمن فصول كتبهم.
وقد جعلهم الباحث في سياق واحد، مع ترتيبهم زمانياً، ولم يحرص على الاستقصاء في هذا المقام؛ لصعوبته، فضلاً عن أنه ليس المقصود من هذا البحث.
أبرز المفسرين والعلماء الذين كتبوا في التناسب أو انتصروا له:
__________
(1) …محمد بن جرير الطبري( 224- 310هـ)، الفقيه المؤرخ شيخ المفسرين، له سوى التفسير:تاريخ الأمم، والقراءات، وأحكام شرائع الإسلام، واختلاف العلماء.[ انظر: السيوطي، طبقات المفسرين ص95- 97، الأدنروي، طبقات المفسرين، ص48].
(2) …الشاعر، تمّام كمال، منهج الإمام ابن جرير الطبري في الترجيح بين أقوال المفسرين، (ص 134)، رسالة ماجستير في أصول الدين بجامعة النجاح الوطنية، 2004م.
(3) …الطبري، أبو جعفر ، جامع البيان عن تأويل آي القرآن،(6/31)، دار الفكر، بيروت، 1415هـ- 1995م.
(4) …الطبري جامع البيان،(3/186).…
(5) …أبو صفية، دلالة السياق، (ص86).(2/18)
شيخ المفسرين أبو جعفر الطبري ( ت 310هـ)، في تفسيره (جامع البيان عن تأويل آي القرآن).
والمواطن التي يتحدث فيها- رحمه الله – عن المناسبة كثيرة وإن لم يصرح بلفظ التناسب، وأغلب كلامه في المناسبة بين الآيات فحسب، أو بين الآيات وواقع الدعوة، وربما دمج تفسير آيتين، ليبرز العلاقةَ بينهما، والكلامَ المقدرَ المحذوف الذي تُرك لدلالة ما ظهر من الكلام عليه، وفق تعبيره، كما فعل – مثلاً- في ربطه بين الآيتين الكريمتين:( 83، 84) من سورة آل عمران(1)، بل إنه ليربط الآية بالسياق البعيد الذي ربما لا يتفطن له الكثيرون؛ كما فعل عند قوله تعالى: ژ ? ? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ژ [ البقرة]، حيث يقول:" فأمر جل ثناؤه الفريقين اللذين أخبر عن أحدهما أنه سواء عليهم أأُنذروا أم لم يُنذَروا أنهم لا يؤمنون؛ لطبعه على قلوبهم وعلى سمعهم وأبصارهم، وعن الآخر أنه يخادع الله والذين آمنوا بما يبدي بلسانه من قيله: آمنا بالله واليوم الآخر، مع استبطانه خلاف ذلك، ومرض قلبه، وشكه في حقيقة ما يبدي من ذلك، وغيرهم من سائر خلقه المكلفين، بالاستكانة والخضوع له بالطاعة، وإفراد الربوبية له، والعبادة، دون الأوثان والأصنام والآلهة؛ لأنه جل ذكره هو خالقهم وخالق من قبلهم"(2).
__________
(1) …الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن،(3/458).…
(2) …الطبري، السابق، (ص1/232).…(2/19)
أبو بكر النيسابوري(1)( 324 هـ): فقد نقل صاحب (البرهان في علوم القرآن) أن أول من أظهر ببغداد علم المناسبة هو الشيخ الإمام أبو بكر النيسابوري، "وكان غزير العلم في الشريعة والأدب، وكان يقول على الكرسي إذا قرئ عليه الآية: لم جعلت هذه الآية إلى جنب هذه ؟ وما الحكمة في جعل هذه السورة إلى جنب هذه السورة؟ وكان يزري على علماء بغداد لعدم علمهم بالمناسبة"(2) .
القاضي عبد القاهر الجرجاني ( 471 هـ): صاحب نظرية النظم، الذي هو، بحسب تعبيره:" تعليق الكلم بعضها ببعض، وجعل بعضها بسبب من بعض"(3)، وعنده أن المعاني تترتب في النفس أولاً وتتبعها الألفاظ مرتبة على حسب ترتيب المعاني؛ " وأنك إذا فرغت من ترتيب المعاني في نفسك، لم تحتج إلى أن تستأنف فكراً في ترتيب الألفاظ، بل تجدها تترتب لك بحكم أنها خدم للمعاني، وتابعة لها، ولاحقة بها، وأن العلم بمواقع المعاني في النفس علم بمواقع الألفاظ الدالة عليها في النطق"(4).
__________
(1) …أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد بن واصل النيسابوري( 238- 324هـ)، المحدث، الفقيه الشافعي، كان إمام عصره من الشافعية بالعراق،[ شذرات الذهب2/302، الأعلام 4/119].…
(2) …الزركشي، البرهان،( 1/62-63 ). …
(3) …الجرجاني، دلائل الإعجاز، ( ص 4).…
(4) …الجرجاني، السابق، (ص 54).…(2/20)
ولذلك فالنظم هو الإعجاز الحقيقي للقرآن الكريم عند الجرجاني، حيث يؤكد أن السبب الذي جعل الكفار يَدَعون معارضة القرآن وقد تُحُدّوا إليه؛ أنه قد: " أعجزتهم مزايا ظهرت لهم في نظمه، وخصائص صادفوها في سياق لفظه، وبدائع راعتهم من مبادئ آيه ومقاطعها، ومجاري ألفاظها ومواقعها،...، وبهرهم أنهم تأملوه سورة سورة، وعُشراً عُشراً، وآية آية، فلم يجدوا في الجميع كلمة ينبو بها مكانها، ولفظة ينكر شانها، أو يُرى أن غيرها أصلح مكاناً أو أشبه، أو أحرى أو أخلق. بل وجدوا اتساقاً بهر العقول وأعجز الجمهور، ونظاما والتئاماً، وإتقاناً وإحكاماً، لم يدع في نفس بليغ منهم، ولو حك بيافوخه السماء موضع طمع، حتى خرست الألسن أن تدعي وتقول"(1).
ومع أن الجرجاني لم ينص على مفهوم التناسب والوحدة البنائية في القرآن الكريم، فإن جهوده في بناء نظرية النظم قد أسست لها، وشقت الطريق إليها(2)؛ من حيث أن "الترتيب" هو الأساس في النظم، كما أنه السر في التناسب، والجرجاني – نظرياً – يقرر أن ترتيب الآيات والسور والأعشار هو على أكمل وجوه الاتساق والنظام والإتقان والالتئام والإحكام، لكنه في التقعيد والتطبيق ركز على الترتيب في الجملة والآية، ولم يتجاوز إلى وحدة السورة أو التناسب بين السور، أو الوحدة في القرآن كله.
الإمام جار الله محمود بن عمر الزمخشري(3)(467- 538 هـ):
__________
(1) …الجرجاني، السابق، (ص 39).
(2) …العلواني، طه جابر، الوحدة البنائية للقرآن المجيد، www.almultaka.net، وللعلواني كتاب بهذا الاسم لم أصل إليه، ربما تكون هذه المقالة مقدمته.…
(3) محمود بن عمر بن محمد أبو القاسم الزمخشري( 476- 538هـ)، النحوي اللغوي المعتزلي المفسر، الملقب جار الله لأنه جاور بمكة زماناً، له: المفصل في النحو، ورؤوس المسائل في الفقه، وأساس البلاغة، والمنهاج في الأصول. [ انظر: الأدنروي، طبقات المفسرين ص172-173، والسيوطي، طبقات المفسرين ص120-121].(2/21)
طبق الزمخشري في كشافه نظرية الجرجاني في النظم، وهو منذ البداية يؤكد في مقدمته: " الحمد لله الذي أنزل القرآن كلاماً مؤلفا منظماً، ونزله بحسب المصالح منجماً، وجعله بالتحميد مفتتحاً وبالاستعاذة مختتماً"، (1) حيث صرح بنظم الكلم القرآني، ولفت في حديثه عن افتتاح القرآن واختتامه، إلى كون القرآن وحدة واحدة، وألمح وهو يميز بين الإنزال والتنزيل، إلى أن الترتيب توقيفي، وهو ما أكده في تفسير سورة القدر(2)؛ فالقرآن، بحسب ما يفهم من كلام الزمخشري في المقدمة، حين أنزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا كان مؤلفاً منظما، ثم تنزل مفرقاً، على النبي - صلى الله عليه وسلم -، لكن جمعه في المصاحف كان وفقاً للترتيب الأول.
ويعود ليؤكد وحدة النص القرآني وتماسكه، فيصف نظم القرآن الرصين بالبناء المحكم المرصف، وذلك في تفسير الآية الأولى من سورة هود" ژ گگ ? ? ? ? ? ? ? ? ں ں ژ قال:" أحكمت آياته: نظمت نظماً رصيناً محكماً لا يقع فيه نقض ولا خلل كالبناء المحكم المرصف "(3).
وقد أكثر الزمخشري من الوقوف عند علل الترتيب للجمل والآيات والمعاني، وتناسب الفواصل، وصرح بلفظ التناسب غير مرة.
لكن الباحث لم يجد للزمخشري كلاماً عن الربط بين السورة والسورة، ولا عن وحدة موضوع السورة، ولا عن تناسب آخرها مع أولها سوى إشارة في آخر سورة المؤمنون(4).
__________
(1) الزمخشري، محمود بن عمر، تفسير الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل،(1/6)، ضبطه ورتبه: محمد عبد السلام شاهين، دار الكتب العلمية، بيروت ، ط1، 1415هـ - 1995م.…
(2) …الزمخشري، السابق،( 4/771).
(3) …الزمخشري، السابق،(2/363).…
(4) …الزمخشري، السابق، ( 3/201).…(2/22)
القاضي أبو بكر بن العربي (543هـ): قال إن "ارتباط آي القرآن بعضها ببعض حتى تكون كالكلمة الواحدة متسقة المعاني منتظمة المعاني علم عظيم، لم يتعرض له إلا عالم واحد عمل فيه بسورة البقرة، ثم فتح الله عز وجل لنا فيه فلما لم نجد له حَمَلة، ورأينا الخلق فيه بأوصاف البَطَلة، ختمنا عليه وجعلناه بيننا وبين الله، ورددناه إليه" (1) .
الإمام الفخر الرازي(2)(606هـ) في تفسيره مفاتيح الغيب: الذي أكثر فيه من ذكر المناسبة سواء في ذلك الربط بين أجزاء الآية أو بين الآية والآية، أو بين المقاطع، وكذا بين ختام السورة ومطلعها، أو بين مطلع السورة وخاتمة السورة السابقة، فضلاً عن تنبهه لفكرة الوحدة الموضوعية في السورة، كما صنع عند تفسيره سورة فصلت، كما سيأتي في الفصل التالي.
وكثيراً ما يبدأ الرازي تفسير الآية بقوله:" اعلم أنه سبحانه لما.."، ليربط الآية بما قبلها، وإذا لاحظ بينهما أكثر من وجه للارتباط والتناسب فإنه يقول:" اعلم أن في كيفية النظم وجهين:" أو "وجوهاً "، أو يقول:" اعلم أن اتصال هذه الآية بما قبلها من وجوه".
ولا يقف الرازي عند حد الوحدة الموضوعية للسورة، بل إنه ليؤكد الوحدة العضوية للقرآن الكريم جميعه، كما ذكر في بدايات تفسيره لسورة القيامة " أن القرآن كله كالسورة الواحدة لاتصال بعضه ببعض"(3).
__________
(1) …الزركشي، البرهان، (1/ 62).
(2) …محمد بن عمر بن الحسين الرازي الشافعي( 544- 606هـ)، المفسر المتكلم، تتلمذ على البغوي، له: البرهان في قراءة القرآن، والمصنف في إعجاز القرآن.[ السيوطي،طبقات المفسرين، ص:115-116، شذرات الذهب5/21 ].…
(3) …الرازي، التفسير الكبير، (10/719)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 2، 1417هـ - 1997م.(2/23)
كمال الدين الزملكاني(1)(651 هـ)، فقد نقل الزركشي عنه أنه ذكر في بعض دروسه، مناسبة استفتاح الإسراء بالتسبيح، والكهف بالحمد، ثم قال:" وإذا ثبت هذا بالنسبة إلى السور، فما ظنك بالآيات وتعلق بعضها ببعض؟ بل عند التأمل يظهر أن القرآن كله كالكلمة الواحدة"(2).
أبو جعفر بن الزبير (3) (708هـ)، في كتابيه:" البرهان في تناسب سور القرآن" و "مِلاك التأويل"(4)، فأما البرهان فقد خصصه لموضوعات السور والارتباط فيما بينها، وقد نقل البقاعي أغلبه في تفسيره مصرحاً بنسبة كلامه إليه، كما نقل عنه غير واحد من تلاميذه كصاحب البحر المحيط وصاحب التسهيل، والأول تابع أستاذه واقتفى أثره في الاهتمام والالتفات إلى موضوع التناسب.
وأما (ملاك التأويل)، فإنه قد خصصه لتفسير الآيات المتشابهات، حيث كان كثيراً ما يذكر أن السبب هو الارتباط بالآية السابقة والسياق، كما يلفت إلى المناسبة مع موضوع السورة وما يتكرر فيها من الألفاظ والصيغ والمعاني التي تميز كل سورة عما سواها.
__________
(1) …عبد الواحد بن عبد الكريم الأنصاري، الزملكاني ، (ت 651 هـ)، ولي القضاء، ودرس مدة ببعلبك، له: التبيان في علم البيان ، ونهاية التأميل في بيان أسرار التنزيل، ورسالة في " الخصائص النبوية".[ ، طبقات الأدنروي:237، الأعلام: 4/176].…
(2) …الزركشي، البرهان، (1/66).
(3) …أحمد بن إبراهيم الغرناطي، (708هـ)، النحوي المقرئ المفسر المؤرخ، كان محدث المغرب كله في زمانه، له تعليق على كتاب سيبويه، وشرح الإشارة في الأصول، وسبيل الرشاد في فضل الجهاد، [ طبقات الأدنروي: 397، الأعلام:1/86].
(4) …ابن الزبير، ملاك التأويل، القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل في توجيه المتشابه اللفظ من آي التأويل، تحقيق محمود كامل أحمد، دار النهضة العربية، بيروت، دط، 1405هـ - 1985م.(2/24)
ولي الله الملوي(1)( 774هـ): نقل عنه صاحب البرهان قوله:" قد وهم من قال: لا يُطلب للآي الكريم مناسبة لأنها على حسب الوقائع المتفرقة. وفصل الخطاب أنها على حسب الوقائع تنزيلاً، وعلى حسب الحكمة ترتيباً؛ فالمصحف كالصحف الكريمة على وفق ما في الكتاب المكنون؛ مرتبة سوره كلها وآياته بالتوقيف "(2). والزركشي لم يصرح باسم الملوي وإنما قال: "قال بعض مشايخنا المحققين"، لكن البقاعيّ(3) والسيوطيّ(4)، أوردا ذات القول وحددا الاسم.
__________
(1) …محمد بن أحمد بن إبراهيم الملوي الشافعي، المعروف بابن المنفلوطي(774هـ)، برع في التفسير، والفقه والأصول، والتصوف كثير العبادة.[ ترجم له ابن حجر في كتابيه: إنباء الغُمُر بأبناء العُمر في التاريخ، 1/57-59، والدرر الكامنة، 3/187، طبقات الداودي، 2/58-59].…
(2) …الزركشي ، البرهان، (1/63-64).
(3) …البقاعي، نظم الدرر، (1/6).…
(4) …السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، (2/235).…(2/25)
الإمام الشاطبي(1)(ت790هـ): حيث يقول في المسألة الثالثة عشرة من كتابه الموافقات في أصول الشريعة: "لا بد لفهم السورة على وجهها الصحيح من دراستها كلها إجمالاً، ورد أولها إلى آخرها، وآخرها إلى أولها، فإنها وإن اشتملت على قضايا متعددة، لكنها نازلة لهدف واحد، وتندرج تحت مقصد واحد، فاعتبار جهة النظم مثلاً في السورة لا يتم به فائدة إلا بعد استيفاء جميعها بالنظر، فالاقتصار على بعضها فيه غير مفيد غاية المقصود، كما أن الاقتصار على بعض الآية في استفادة حكم ما، لا يفيد إلا بعد كمال النظر في جميعها.
" فسورة البقرة – مثلاً – كلام واحد باعتبار النظم، واحتوت على أنواع من الكلام بحسب ما بُث فيها، منها ما هو كالمقدمات والتمهيدات بين يدي الأمر المطلوب، ومنها ما هو كالمؤكد والمتمم، ومنها ما هو المقصود في الإنزال، وذلك تقدير الأحكام على تفاصيل الأبواب، ومنها الخواتم العائدة على ما قبلها بالتأكيد والتثبيت وما أشبه ذلك"(2).
بدر الدين الزركشي(794هـ): والذي تحدث في كتابه البرهان في (3)علوم القرآن عن التناسب باعتباره واحداً من علوم القرآن، فعرّفه وذكر رواده وأبرز المشتغلين به إلى زمانه، وردودهم على المعترضين، ثم أفاض في الحديث عن وجوه التناسب.
__________
(1) …أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي،( 790هـ) المجتهد الأصولي المعروف بالشاطبي. له الموافقات في أصول الأحكام، والاعتصام، وأصول النحو، وقال عنه الشيخ رشيد رضا في تقديمه لكتاب الاعتصام : العلماء المستقلون في هذه الأمة ثلة من الأولين وقليل من الآخرين، والإمام الشاطبي من هؤلاء القليل،[ الاعتصام للشاطبي ص3، الأعلام، 1/75].
(2) …الشاطبي، أبو إسحق، الموافقات في أصول الشريعة،( 3/309-311)، شرحه وخرج أحاديثه عبد الله دراز، ووضع تراجمه، محمد عبد الله دراز، دار الكتب العلمية، بيروت، 1991م.
(3) …الزركشي، البرهان، ( ص:61- 128).…(2/26)
برهان الدين البقاعي (885هـ): وله التفسير المسمى ( نظم الدرر في تناسب الآيات والسور)، وله أيضاً (مصاعد النظر في الإشراف على مقاصد السور)(1)، حيث كان دأب البقاعي في نظم الدرر، أن يورد في بداية كل سورة مقصودها من خلال اسمها الدال على هذا المقصود حسب رأيه، ولا يكتفي بذلك وإنما يتحدث عن كل أوجه التناسب؛ داخل الآية، وبين الآيتين، وفيما بين مقاطع السورة، والتناسب بين ختام السورة وبدايتها فيما يسميه "رد المقطع على المطلع" بالنسبة للسورة، ثم بين السورة وجارتها، بل ويتحدث عن "رد المقطع على المطلع" بالنسبة للقرآن؛ أي المناسبة بين السور التي في آخر المصحف ونظيراتها في أوله، باعتبار القرآن جميعه وحدة واحدة.
ولعل جهد البقاعي في نظم الدرر، هو الأجمع والأشمل والأكثر تفصيلاً، والأفضل من كل سابقيه وأغلب الذين جاءوا من بعده؛ فإنه قد جعل المناسبة من جميع جوانبها غايته من الكتاب الذي حوى كنوزاً من هذا الفن. ولا عبرة بما يقال أحياناً عن تكلفه فيه، فبعضه من كلام الأقران، أو الذين لا يقدرون هذا العلم حق قدره، ثم هل يتوقع من البقاعي وقد أخذ على عاتقه استقصاء وجوه التناسب في القرآن كله، أن يهتدي إلى الأصوب في كل موضع؟ وبحسب البقاعي أنه قد التفت إلى بعض أوجه التناسب التي لم يُسبق إليها؛ كدلالة اسم السورة على مقصودها، أو رد المقطع على المطلع فيما يتعلق بالتناسب بين السور التي في آخر المصحف ونظيراتها في آخره، وهذه الثانية لم يتابعه فيها أحد من المتأخرين، بحسب علم الباحث.
__________
(1) …البقاعي، مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور، طُبع بتحقيق: عبد السميع حسنين، مكتبة المعارف، الرياض، ط1، 1408هـ - 1987م. انظر: www.tafsir.org(2/27)
جلال الدين السيوطي (911هـ): وقد نقل في (الإتقان)(1)، و(معترك الأقران)(2)، أغلب كلام الزركشي في (البرهان)، وللسيوطي أيضاً :( تناسق الدرر في تناسب السور)، وقد ذكر السيوطي في مقدمته أن هذا الكتاب هو جزء من كتاب له كبير في موضوع التناسب، واسمه (أسرار التنزيل) (3).
……وللسيوطي أيضاً في التناسب، ( قطف الأزهار في كشف الأسرار)(4)، و ( مراصد المطالع في تناسب المقاطع والمطالع)(5).
ابن شهيد ميسلون، محمد بن كمال أحمد الخطيب، عرّف في كتابه:( نظرة العجلان في أغراض القرآن). بمناسبات آياته ووحدة الموضوع في سوره(6).
__________
(1) …السيوطي، الإتقان، (2/234-247).
(2) …السيوطي، معترك الأقران في إعجاز القرآن، (1/43-58)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1408هـ - 1988م.
(3) …السيوطي، تناسق الدرر، (ص 53).…
(4) الطباع، إياد خالد، الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي، ( ص131)، دار القلم، دمشق، ط 1، 1417هـ- 1996م.
(5) …حققه الدكتور محمد بازمول بذيل كتابه، علم المناسبات بين السور والآيات، المكتبة المكية، مكة المكرمة، ط1، 1423هـ - 2002م. والدكتور محمد الشوربجي، المكتب الإسلامي لإحياء التراث، انظر /www.ahlalhdeeth.com
(6) …الخطيب، محمد بن كمال، ابن شهيد ميسلون، نظرة العجلان في أغراض القرآن، المطبعة العصرية، دمشق، 1365هـ.(2/28)
الإمام عبد الحميد الفراهي (ت1349هـ): والفراهي له كتاب ( دلائل النظام)، وله تفسير لم يتمه أسماه: ( تفسير نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان).(1) وكان ممن تنبه لأهمية هذا العلم، ونوه بقيمته وشرفه، فقال:"المعترفون بوجود التناسب جعلوا التناسب علماً شريفاً، ولكن لم يجعلوه جزءاً عظيما من مفهوم القرآن. ولذلك بقي متروكاً لإشكاله. وأما نحن فنقول: إن فهم القرآن محوّل إليه. والوجوه الكثيرة في التأويل، وعدم الاعتماد على تأويل صحيح إنما نشأ من عدم المعرفة بالنظام، فإنه هو المعتمد في صحيح التأويل ورفع الشكوك والحيرة"(2).
وشدد الفراهي على أن " معرفة النظام من الضروريات لعلماء الأمة، حتى يعلموا الناس حسب ما فهموا، فإنهم إن لم يفهموه واختلفوا فيه كيف يرشدون الناس؟ بل يشتد ضرر قيادتهم لأنفسهم ولجميع المسلمين" (3).
__________
(1) …وهما من منشورات سلسلة دائرة الحميدية بالهند.
(2) …الفراهي، دلائل النظام، (ص75).…
(3) …الفراهي، السابق، (ص10).…(2/29)
الدكتور محمد عبد الله دراز(1)(ت 1958م): وكان ممن نوه بهذا العلم في كتابه النبأ العظيم حيث يقول:" إنك لتقرأ السورة الطويلة المنجمة، يحسبها الجاهل أضغاثاً من المعاني حُشيت حشواً، وأوزاعاً من المباني جُمعت عفواً، فإذا هي لو تدبرت بنية متماسكة قد بنيت من المقاصد الكلية على أسس وأصول، وأقيم على كل أصل منها شعبة وفصول، وامتد من كل شعبة منها فروع تقصر أو تطول. فلا تزال تنتقل بين أجزائها كما تنتقل بين حجرات وأفنية في بنيان واحد قد وضع رسمه مرة واحدة.... ولماذا نقول إن هذه المعاني تنتسق في السورة كما تنتسق الحجرات في البنيان؟ لا، بل إنها لتلتحم كما تلتحم الأعضاء في جسم الإنسان: فبين كل قطعة وجارتها رباط موضعي من أنفسهما، كما يلتقي العظمان عند المفصل ومن فوقهما تمتد شبكة من الوشائج تحيط بهما عن كثب، كما يشتبك العضوان بالشرايين والعروق والأعصاب. ومن وراء ذلك كله يسري في جملة السورة اتجاه معين، وتؤدي بمجموعها غرضاً خاصاً، كما يأخذ الجسم قواماً واحداً، ويتعاون بجملته على أداء غرض واحد مع اختلاف وظائفه العضوية"(2).
وقد أخذ الدكتور دراز على عاتقه، بيان الوحدة والنظام في سورة البقرة في الكتاب تطبيقاً لما أفاض في تأكيده.
__________
(1) …محمد عبد الله دراز( ت 1958م): فقيه متأدب مصري، كان من هيئة كبار العلماء بالأزهر، له: دستور الأخلاق في القرآن، والدين، ومدخل إلى القرآن الكريم.[ الأعلام، 6/246].
(2) …دراز، محمد عبد الله ، النبأ العظيم (ص155)، دار القلم، الكويت، ط2، 1390هـ - 1970م.…(2/30)
الأستاذ سيد قطب(1) (1906- 1966م): وذلك في كتابه: (التصوير الفني في القرآن)، وتفسيره: (في ظلال القرآن).
فقد جعل لموضوع "التناسق" فصلاً خاصاً في (التصوير الفني)(2)، وتحدث في (الظلال) عن الوحدة الموضوعية في السورة، وشخصيتها المتميزة قائلاً: " إن كل سورة من سور القرآن ذات شخصية متفردة، وذات ملامح متميزة، وذات منهج خاص، وذات أسلوب معين، وذات مجال متخصص في علاج هذا الموضوع الواحد، وهذه القضية الكبيرة.
" إنها كلها تتجمع على الموضوع والغاية، ثم تأخذ بعد ذلك سماتها المستقلة، وطرائقها المتميزة، ومجالها المتخصص في علاج هذا الموضوع، وتحقيق هذه الغاية، إن الشأن في سور القرآن من هذه الوجهة، كالشأن في نماذج البشر التي جعلها الله متميزة، كلهم إنسان، وكلهم له خصائص الإنسانية، وكلهم له التكوين العضوي والوظيفي والإنساني، ولكنهم بعد ذلك نماذج منوعة أشد التنويع"(3).
__________
(1) …سيد قطب إبراهيم(1906-1966م): مصري المولد والاستشهاد، حفظ القرآن صغيراً وتخرج في كلية دار العلوم، أديب ومفكر، له: العدالة الاجتماعية في الإسلام، وهذا الدين، والمستقبل لهذا الدين، والنقد الأدبي أصوله ومناهجه، ومهمة الشاعر في الحياة، ومعالم في الطريق.[ انظر: الأعلام،3/147-148، العظم، يوسف، رائد الفكر الإسلامي، الشهيد سيد قطب، دار القلم، دمشق، ط1، 1400هـ - 1980م].…
(2) …قطب، سيد، التصوير الفني في القرآن،(ص87- 142) ، دار الشروق، القاهرة/ بيروت، ط8، 1403هـ - 1983م.
(3) …قطب، سيد، في ظلال القرآن،(3/1243)، دار الشروق، القاهرة وبيروت، ط26، 1418هـ - 1997م.(2/31)
الدكتور محمد أحمد يوسف القاسم، في كتابه: (الإعجاز البياني في ترتيب آيات القرآن الكريم وسوره)(1)، وهو في الأصل أطروحة المؤلف لنيل الدكتوراه، من جامعة الأزهر عام 1971م.
محمد الصديق الغماري الحسني، في كتابه: (جواهر البيان في تناسب سور القرآن)، وقد ذكر في مقدمته أنه أراد أن يبين في الكتاب" مناسبات سور القرآن الكريم بعضها لبعض حسب ترتيبها في المصحف الشريف"(2).
الأستاذ سعيد حوى(3) في كتابه: (الأساس في التفسير).
حيث يرى الأستاذ سعيد حوى أن الخاصية الأولى لتفسيره وقد تكون ميزته الرئيسة، أنه قدم لأول مرة نظرية جديدة في موضوع الوحدة القرآنية"(4). وهذا التفسير وإن كان يركز على الوحدة القرآنية، والسياق القرآني العام؛ فهو كذلك يركز على وحدة السورة، وعلى إبراز سياقها الخاص، بل إن هذه النظرية التي اعتمدها في موضوع الوحدة القرآنية، أعطت السياق الخاص لكل سورة آفاقاً جديدة، كما قال(5).
__________
(1) …القاسم، محمد أحمد يوسف، الإعجاز البياني في ترتيب آيات القرآن وسوره، دار الطبوعات الدولية، مصر، ط 1، 1399هـ - 1979م.…
(2) …الحسيني، أبو الفضل عبد الله محمد الصديق الغماري، جواهر البيان في تناسب سور القرآن، (ص 3) عالم الكتب، بيروت، 1406هـ- 1986م.…
(3) …سعيد حوى (1935-1989م)، من حماة بالشام، أحد قيادات ومنظري الإخوان المسلمين، صنف: الأساس في السنة، والله جل جلاله، والرسول، والإسلام، وعدداً من الكتب الفكرية والحركية، [حوى، سعيد، هذه تجربتي وهذه شهادتي، والشرقاوي، أحمد، ونظرية الوحدة الموضوعية للقرآن من خلال كتاب الأساس في التفسير، محمد خير يوسف، تتمة الأعلام، 1207-209].
(4) …حوى، سعيد، الأساس في التفسير، (1/21)، دار السلام، مصر، ط2، 1409هـ - 1989م.…
(5) …حوى، السابق،(2/ 686).…(2/32)
ومفتاح نظرية الوحدة القرآنية(1) عند سعيد حوى، أن كل سورة بعد البقرة إنما هي تفسير لآية أو أكثر من سورة البقرة(2)، على ما سيأتي في مبحث تالٍ.
الدكتور عناية الله أسد سبحاني، في كتابيه: "إمعان النظر في نظام الآي والسور"(3)، و "البرهان في نظام القرآن في الفاتحة والبقرة وآل عمران (4)"، وهما أطروحتا الماجستير والدكتوراه اللتان تقدم بهما المؤلف، ونشرا فيما بعد.
وقد كان الأول تأصيلاً وتنظيراً وتقعيداً للتناسب القرآني - الذي سماه النظام، متابعاً في ذلك العلامة الفراهي-، فيما كان الثاني دراسة تطبيقية لهذا النظام في السور الثلاثة الأولى.
الدكتور محمود البستاني(5)في كتابيه: (عمارة السورة القرآنية)، و(التفسير البنائي للقرآن الكريم)(6).
يقول الدكتور محمود البستاني بأن السورة هي هيكل أو بناء قد خُطط له بدقة وإتقان، وأن لهذا التخطيط فلسفته أو نكاته الفكرية"(7).
__________
(1) …الشرقاوي، أحمد، نظرية الوحدة الموضوعية للقرآن الكريم من خلال كتاب الأساس في التفسير، وهو في الأصل رسالة ماجستير في أصول الدين، جامعة الأزهر، 1994م. www.saaid.net.…
(2) …حوى، الأساس في التفسير، (11/ 6770).
(3) …سبحاني، محمد عناية الله، إمعان النظر في نظام الآي والسور، دار عمار، عمّان، ط 1، 1424هـ - 2003م.
(4) …سبحاني، البرهان في نظام القرآن في الفاتحة والبقرة وآل عمران.
(5) …محمود بن الحاج عبد الحسين البستاني، ولد في النجف عام 1366هـ وجمع بين الدراستين الحوزوية والأكاديمية، له:[الإسلام وعلم النفس، تاريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسلامي، دراسات فنية في التعبير القرآني، دراسات فنية في القصص القرآني]. [ انظر:www.ahlulbaitonline.com].…
(6) …مقدمة الكتاب الأول، وشطر الكتاب الثاني، على موقع الحوزة www.u-of-islam.net.
(7) …البستاني، التفسير البنائي، المقدمة،عنwww.u-of-islam.net…(2/33)
ويرى البستاني أن الدراسات المتناثرة التي اهتمت بما أسماه عمارة السورة القرآنية، "لم تتطرق إلى سور القرآن جميعا، كما لم يتوفر بعضها على دراسة السورة بأكملها، فضلاً عن أن بعضها الثالث لم يتناول جميع الخطوط التي ترتبط بها شبكة السورة الكريمة بقدر ما اقتصرت على واحد أو أكثر من الخطوط المشار إليها، ولعل السر في ذلك بالنسبة إلى الدراسات القديمة، يعود إلى أن القدماء لم يتيسر لهم وعي ثقافي يسمح لهم بدراسة النص الأدبي من خلال ( الوحدة العضوية) التي تربط بين أجزاء النص من جانب، وبينه وبين عناصره التي يتألف منها من جانب آخر؛ حيث تتطلب مثل هذه الدراسات ثقافة فنية ونفسية واجتماعية لم تتوافر إلا في العصور الحديثة."(1).
وبعد استعراض هذه الثلة الكريمة من العلماء، ينبغي التأكيد على أن من خُصوا بالذكر هم نخبة من أبرز المشتغلين بالتناسب عبر العصور، وبالأخص من كانت لهم بصماتهم في هذا المجال، علماً بأن ثمة أعلاماً كباراً من القدماء والمعاصرين – سوى هؤلاء - عُنوا بالمناسبات في تفاسيرهم وأبحاثهم ورسائلهم الجامعية سواء منهم من استعمل مصطلح التناسب أو النظم أو النظام أو الوحدة الموضوعية أو العضوية، وقد أورد الباحث الكثير من أقوالهم في ثنايا هذه الدراسة.
المطلب الثالث
المعارضون والرد على اعتراضاتهم
__________
(1) …البستاني، عمارة السورة القرآنية، www.u-of-islam.net…(2/34)
لعل أبرز من نقل عنهم الاعتراض على التناسب هما الشيخ عز الدين بن عبد السلام(1)، والإمام الشوكاني(2)، فأما العز بن عبد السلام فأكد أن " من محاسن الكلام أن يرتبط بعضه ببعض، ويتشبث بعضه ببعض، لئلا يكون مقطعا مبترا، وهذا بشرط أن يقع الكلام فى أمر متحد فيرتبط أوله بآخره، فإن وقع على أسباب مختلفة لم يشترط فيه ارتباط أحد الكلامين بالآخر، ومن ربط ذلك فهو متكلف لما لا يقدر عليه إلا بربط ركيك، يصان عن مثله حسن الحديث فضلا عن أحسنه؛ فإن القرآن نزل فى نيف وعشرين سنة، فى أحكام مختلفة، شرعت لأسباب مختلفة غير مؤتلفة، وما كان كذلك لا يتأتى ربط بعضه ببعض إذ ليس يحسن أن يرتبط تصرف الإله فى خلقه وأحكامه بعضها ببعض، مع اختلاف العلل والأسباب "، وضرب لذلك أمثلة بتصرف الملوك والحكام والمفتين، وتصرف الإنسان نفسه بأمور متوافقة و متخالفة ومتضادة، وأنه ليس لأحد أن يطلب ربط بعض تلك التصرفات مع بعض مع اختلافها فى نفسها واختلاف أوقاتها(3)
__________
(1) …عبد العزيز بن عبد السلام، عز الدين السلمي الدمشقي ثم المصري،( 557-660هـ)، لقب بسلطان العلماء، اختصر تفسير الماوردي، وله التفسير الكبير، ومن تصانيفه: مجاز القرآن، وشرح الأسماء الحسنى، وقواعد الشريعة[ انظر: الأدنروي، طبقات المفسرين:242، والأعلام:4/21].
(2) …محمد بن علي بن الشوكاني (1173-1250هـ)، مجتهد فقيه من كبار علماء اليمن، ولي قضاء صنعاء، وله أكثر من مائة كتاب في مختلف العلوم الشرعية مثل: نيل الأوطار، وإرشاد الفحول، والتعقيبات على الموضوعات، والدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد.[ انظر: الشوكاني، البدر الطالع، ص732-742، والأعلام6/298].
(3) …ابن عبد السلام، عبد العزيز، الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز، وبذيله: نبذ من مقاصد القرآن الكريم،( ص 338-339)، تحقيق محمد حسن، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1416هـ/1995م، ونقله الزركشي في البرهان، (1/63)، بتغيير طفيف.…(2/35)
.
وأما الشوكاني، فقد جاء اعتراضه في بدايات تفسيره لسورة البقرة، عندما رام الانتقال من قصة آدم إلى أخبار بني إسرائيل، لينتقد أولئك الذين يقولون بالمناسبة بين القصتين، ويشدد على البقاعي وأمثاله، حيث يقول رحمه الله:
" اعلم أن كثيرا من المفسرين جاءوا بعلم متكلف، وخاضوا في بحر لم يكلفوا سباحته واستغرقوا أوقاتهم في فن لا يعود عليهم بفائدة، بل أوقعوا أنفسهم في التكلم بمحض الرأي المنهي عنه في الأمور المتعلقة بكتاب الله سبحانه؛ وذلك أنهم أرادوا أن يذكروا المناسبة بين الآيات القرآنية المسرودة على هذا الترتيب الموجود في المصاحف فجاءوا بتكلفات وتعسفات يتبرأ منها الإنصاف ويتنزه عنها كلام البلغاء فضلاً عن كلام الرب سبحانه، حتى أفردوا ذلك بالتصنيف وجعلوه المقصد الأهم من التأليف كما فعله البقاعي في تفسيره ومن تقدمه حسبما ذكر في خطبته.
ويتابع الشوكاني: " وإن هذا لمن أعجب ما يسمعه من يعرف أن هذا القرآن ما زال ينزل مفرقا على حسب الحوادث المقتضية لنزوله، منذ نزول الوحي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أن قبضه الله عز وجل إليه وكل عاقل، فضلا عن عالم، لا يشك أن هذه الحوادث المقتضية نزول القرآن متخالفة باعتبار نفسها بل قد تكون متناقضة".(2/36)
ثم يقول " وهل هذا إلا من فتح أبواب الشك، وتوسيع دائرة الريب على من في قلبه مرض، أو كان مرضه مجرد الجهل والقصور؟ فإنه إذا وجد أهل العلم يتكلمون في التناسب بين جميع آي القرآن، ويفردون ذلك بالتصنيف، تقرر عنده أن هذا أمر لا بد منه، وأنه لا يكون القرآن بليغاً معجزاً إلا إذا ظهر الوجه المقتضي للمناسبة وتبين الوجه الموجب للارتباط، فإن وجد الاختلاف بين الآيات فرجع إلى ما قاله المتكلمون، فوجده تكلفاً محضاً، وتعسفاً بيناً، انقدح في قلبه ما كان عنه في عافية وسلامة، هذا على فرض أن نزول القرآن كان مترتباً على هذا الترتيب الكائن في المصحف، فكيف وكل من له أدنى علم بالكتاب، وأيسر حظ من معرفته يعلم علماً يقيناً أنه لم يكن كذلك".
ثم قال:" وقد علم كل مقصر وكامل أن الله سبحانه وصف هذا القرآن بأنه عربي، وأنزله بلغة العرب، وسلك مسالكهم في الكلام، وجرى به مجاريهم في الخطاب، وقد علمنا أن خطيبهم كان يقوم المقام الواحد فيأتي بفنون متخالفة، وطرائق متباينة، فضلاً عن المقامين، فضلاً عن المقامات، فضلاً عن جميع ما قاله ما دام حياً، وكذلك شاعرهم، ولنكتف بهذا التنبيه على هذه المفسدة التي تعثر في ساحتها كثير من المحققين.
وختم الشوكاني كلامه بالقول:" وإنما ذكرنا هذا البحث في هذا الموطن؛ لأن الكلام هنا قد انتقل مع بني إسرائيل بعد أن كان قبله مع أبي البشر آدم عليه السلام، فإذا قال متكلف: كيف ناسب هذا ما قبله؟ قلنا: لا كيف"(1).
وفي الإجابة عن كلام العالمين الجليلين، ربما تحسن الإشارة إلى الأمور الآتية:
__________
(1) الشوكاني، محمد بن علي، فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، (1/ 171– 174)، تحقيق: عبد الرحمن عميرة، دار الوفاء، المنصورة، ط 2، 1418هـ - 1997م.(2/37)
أنهما يتفقان في مجمل الاعتراضات، بل يمكن القول إن كلام الشوكاني رحمه الله هو بسط وتطويل لكلام العز بن عبد السلام، لكن في سياق خطابي، ولذلك لن أُفرد كل واحد منهما بجواب خاص.
أن العز رحمه الله، لا يرفض التناسب مطلقاً، بل يشترط فيه أن يقع في أمر مرتبط أوله بآخره، دون ما يقع على أسباب مختلفة، على حد تعبيره، وهذا سبب لوجازة كلامه وخفة حدته، كما يبدو.
أن للإمام الشوكاني قولاً آخر يناقض فيه قوله الأول، يشيد فيه بالبقاعي وتفسيره وذكائه، حيث يقول خلال ترجمته له:
" ومن أمعن النظر في كتاب المترجم له في التفسير - يقصد نظم الدرر للبقاعي- الذي جعله في المناسبات بين الآي والسور؛ علم أنه من أوعية العلم المفرطين في الذكاء، الجامعين بين علم المعقول والمنقول، وكثيراً ما يشكل عليّ شيء في الكتاب، فأرجع إلى مطولات التفسير ومختصراتها فلا أجد ما يشفي، وأرجع إلى هذا الكتاب فأجد فيه ما يفيد في الغالب، وقد نال منه علماء عصره بسبب تصنيف هذا الكتاب"(1).
ثمة قرائن عدة تؤكد أن ما قاله الشوكاني في البدر الطالع، هو القول الأخير عنده في المسألة، حيث يذكر فيه أنه في حالات كثيرة، وعندما يشكل عليه فهم شيء في كتاب الله تعالى، فإنه يجد ما يشفي عند البقاعي، بعد أن لا يجد شيئاً في مطولات التفاسير الأخرى ولا مختصراتها، وهذه القناعة لم تكن قد تحصلت للشوكاني في بدايات اشتغاله بالتفسير، حين قال القول الرافض وهو لما يزل يفسر أوائل سورة البقرة.
__________
(1) الشوكاني، البدر الطالع، (ص 40-41).…(2/38)
ومن يقرأ ثناء الشوكاني على البقاعي ودفاعه عنه، والرد على السخاوي(1)الذي نال من البقاعي وانتقص من قدره(2)، يدرك أن هذا الموقف مبني على سعة اطلاعه على إنتاج البقاعي العلمي، ولعله كان متأثراً في البداية ببعض قراءاته للمتحاملين عليه، حيث ذكر الشوكاني أن البقاعي قد" نال منه علماء عصره بسبب تصنيف هذا الكتاب"، وأن موقف السخاوي من البقاعي - كما قال الشوكاني - هو من كلام الأقران في بعضهم بعض بما يخالف الإنصاف، لما يجري بينهم من المنافسات (3).
وربما كان تراجع الشوكاني عن معارضته لعلم المناسبة، كافياً لعدم الالتفات إلى قوله السابق؛ سيما وأن الشوكاني نفسه قد أورد العديد من المناسبات في تفسيره بين الآيات أو بين السور، كما أوضح ذلك الدكتور الشرقاوي في بحثه القيم:( موقف الإمام الشوكاني في تفسيره من المناسبات)(4)، ولكن لئلا يعلق شيء من الاعتراضات في أذهان البعض أرى أن أرد عليها، سيما وأن تفسير الشوكاني مشهور وذائع الصيت يطلع عليه الكثيرون، فضلاً عن أن اعتراضه على التناسب في بدايته، فيما كتابه (البدر الطالع)، ليس له نفس الشهرة، وبالكاد يستعمله بعض الباحثين بشكل محدود عند الحاجة.
أهم الاعتراضات على التناسب القرآني
بالإمكان تقسيم اعتراضات ابن عبد السلام والشوكاني وغيرهما على علم المناسبة القرآني، في النقاط الآتية:
__________
(1) محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر السخاوي(831 - 902 هـ) ولد القاهرة تتلمذ على ابن حجر، له: تاريخ مصر الإسلامية، والشافي في وفيات الأمم، والضوء اللامع,[ انظر: الشوكاني، البدر الطالع 701-704، وترجمته لنفسه في الضوء اللامع8/3-24].
(2) …انظر: السخاوي، محمد بن عبد الرحمن، الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، ( 1/82-91)، دار الكتب العلمية بيروت، ط1، 1422هـ - 2002م.
(3) …الشوكاني، البدر الطالع، (ص41).
(4) …شبكة التفسير والدراسات القرآنيةwww.tafsir.net، وصيد الفوائد www.saaid.net.(2/39)
الخلاف حول توقيفية الترتيب لسور القرآن.
ربما يزعم الباحث أن هذا هو أحد أبرز القضايا التي أثارت الكثير من الغبار على موضوع التناسب، ولذلك فقد بسط القول فيه في المبحث الأول، لتأكيد أن ترتيب السور والآيات توقيفي.
نزول القرآن مفرقاً حسب حوادث متخالفة.
وهذه النقطة - كما يرى الباحث – من آثار النقطة السابقة، حيث تعدى اعتراض بعض العلماء على المناسبة بين السور، لعدم قولهم بتوقيفية ترتيبها، إلى الاعتراض حتى على المناسبة بين الآيات على الرغم من إجماعهم(1) على توقيفية ترتيبها.
وحجتهم أنه كما لا يصح البحث عن المناسبة بين كلام الخطباء ونظم الشعراء وإنشاء الأدباء، التي قيلت في ظروف مختلفة زماناً ومكاناً وموضوعاً، فكذلك لا يصح البحث عن المناسبة بين آيات القرآن التي تنزلت في ظروف متعددة ومتباينة.
ويكفي في الإجابة عن ذلك أن أيّ أديب أو شاعر، "يجمع ويرتب" ما تناثر من إنتاجه بين دفتي كتاب، لا بد وأن يكون له منهج ومنطلق في ترتيب كلامه، إذ قد يرتبه على الزمان، أو قد يخالف الترتيب الزمني لإنشائه، فيرتب أجزاءه على الموضوع، أو بحسب الطول والقصر، أو القوة والضعف، أو غير ذلك، بحسب ما يقتضيه النظر عنده، أو الغرض الذي يرمي إليه.
هذا عند البشر المخلوقين، فهل إذا رتب الله تعالى آيات كتابه وسوره بغير الترتيب الذي أنزلها فيه، لا يكون ذلك عن حكمة؟! وكيف يجتمع في العقل والذهن، بل كيف ينسجم مع الإيمان، القول بأن الترتيب من الله تعالى الحكيم العليم، مع رفض البحث عن الحكمة من هذا الترتيب؟ بل رفض الاستماع إليها وتشديد النكير عليها؟.
__________
(1) …السيوطي، الإتقان، (1/132).…(2/40)
إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - " كانت تنزل عليه الآيات فيأمر كتبة الوحي أن يضعوها في موضعها بين ما نزل من القرآن، في هذه السورة أو تلك، ويضع بعض ما نزل في مكة بين آيات السور المدنية، فلولا أن رابطاً يجمع بين هذه الآيات بعضها وبعض ما كان ثمة سبب يدفع إلى هذا الوضع ولا يقتضيه، بل لرتبت الآي كما نزلت وما كان هناك داع إلى ترتيب ولا تبويب، أما والقرآن قد نزل للناس كافة، وللأجيال جميعها؛ فقد اختار الله لكتابه خير ترتيب يحقق الهدف الذي له نزل الكتاب الحكيم"(1) .
الزعم بأن هذا العلم متكلف.
لعل أمراً آخر بالغ الأهمية مما يستند إليه المعترضون على التناسب القرآني، هو بعض الكلام المتكلف في القول بالمناسبة، ومع التسليم بوجود التكلف والمتكلفين، فليس كل ما يقال متكلفاً، ولا ينبغي أن يكون ذلك ذريعة لرد الوجوه المعقولة المقبولة التي ذكرها الآخرون(2). والواقع أنه لا يكاد يخلو علم من متكلفين، يميز تكلفَهم عادة أولو الاختصاص، لكن لا أحد يطالب بإلغاء هذا العلم لأجل هذه الفئة، ولو طالب ما استمع إليه أحد.
إن علم المناسبات القرآنية، يعتبر ـ وبحق ـ من العلوم الدقيقة التي تحتاج إلى غوص عميق وطول فكر وتدبر، والغائص لا يُشترط أن يخرج باللؤلؤ بعد كل غوص.
فلدقة هذا العلم قل المهتمون به(3)، وندر المشتغلون فيه حتى لقد اشتكى أحدهم، وهو القاضي أبو بكر بن العربي، بأنه إذ لم يجد من يحمل هذا العلم ويأخذه عنه، فإنه قرر أن يتوقف عن الحديث فيه وتعليمه، بعد أن أكد أنه لم يتطرق لعلم التناسب القرآني إلا عالم واحد كتب عن التناسب في سورة البقرة(4).
__________
(1) …بدوي، أحمد أحمد ، من بلاغة القرآن، (ص:239)، دار نهضة مصر، القاهرة، ط 3، 1370هـ- 1950م.
(2) …مُسلِِم، مصطفى، مباحث في التفسير الموضوعي، ( ص65)، دار القلم، دمشق، ط1، 1410هـ - 1989م.
(3) الزركشي، البرهان ، (1/62).
(4) الزركشي، السابق، (1/62).(2/41)
وبسبب من القصور البشري، والكمال القرآني، وكونه لا يخلق على كثرة الرد؛ فإن القرآن العظيم يكشف للمتدبر عند كل نظر معنى إضافياً، ووجها جديداً للتناسب، ولذلك قد يرى هذا العالم عند آية معينة أو سورة محددة غير ما يراه سواه عند النقطة ذاتها، بل إن العالم الواحد ليرى عند كل نظر جديداً لم يفطن إليه من قبل، كما قد يصحح قول غيره أو قوله السابق، وثمة شواهد عدة عند البقاعي في نظم الدرر، والسيوطي في تناسق الدرر، تؤكد ذلك؛ حيث يكرران التصريح بالاهتداء إلى التناسب بعد طول تفكير أو شهور من التفكر والتدبر، أو يستدرك أحدهما وهو يتحدث عن وجه المناسبة فيذكر ما يراه ألطف منه أو أحسن منه.
فالبقاعي يؤكد في مقدمة تفسيره مقدار الجهد فيه حيث يقول:" فلا تظنن أيها الناظر لكتابي هذا أن المناسبات كانت كذلك قبل الكشف لقناعها والرفع لستورها؛ فرُبَّ آية أقمت على تدبرها شهوراً"(1)، وفي سياق حديثه عن مقاصد سورة آل عمران يقول:" ..هذا ما كان ظهر لي أولاً، وأحسن منه أن... "(2)، ويعيد ذات العبارة في سياق المناسبة بين سورتي البقرة وآل عمران:" وأحسن منه أنه لما.. "(3).
والسيوطي يكرر عبارة: " وقد ظهر لي وجه اتصالها"، وعبارة:" ثم ظهر لي بحمد الله وجه آخر أتقن مما تقدم"، و" ظهر لي بعد الجهد" .
__________
(1) البقاعي، السابق، (1/8).…
(2) …البقاعي، السابق، ( 2/3).
(3) البقاعي، السابق، (2/4).…(2/42)
ومن الأمثلة أن السيوطي وهو يتحدث عن المناسبات بين سورتي البقرة وآل عمران قال:" فذكر هناك ـ يعني في البقرة ـ ذكر خلق الناس، وذكر هنا تصويرهم في الأرحام، وذكر هناك مبدأ خلق آدم، وذكر هنا مبدأ خلق أولاده. وألطف من ذلك: أنه افتتح البقرة بقصة آدم حيث خلقه من غير أب ولا أم، وذكر في هذه نظيره في الخلق من غير أب، وهو عيسى عليه السلام....إلى آخر كلامه(1)"، وقال في المناسبة بين النمل والقصص:" ظهر لي بعد الفكرة(2)" ، وقوله:" ثم ظهر لي بحمد الله وجه آخر أتقن مما تقدم(3)" وقوله "ثم ظهر لي وجه آخر أحسن في الاتصال(4)" وهو يتحدث عن مناسبة الكهف للإسراء.
__________
(1) السيوطي، جلال الدين ، تناسق الدرر في تناسب السور، (ص: 73)، تحقيق: عبد القادر عطا، دار الكتب
…العلمية، بيروت، ط 1، 1406هـ - 1986م.…
(2) …السيوطي، تناسق الدرر، (ص: 108).
(3) السيوطي، السابق،( ص: 85).
(4) السيوطي، السابق، (ص: 100).…(2/43)
ومن المعاصرين سيد قطب الذي كان يمضي شهوراً لأجل معرفة وجه الاتصال بين الآية وسابقتها، كما حصل معه عندما استوقفه سر الانتقال المفاجئ من الحديث عن أحكام الطلاق إلى الأمر بالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى ثم العودة مرة أخرى إلى موضوع الطلاق(1)، وينقل الدكتور صلاح الخالدي عن الطبعة الأولى من الظلال قول سيد رحمه الله:" أشهد أنني وقفت أمام هذه النقلة طويلاً، لا يُفتح عليّ في سرها، ولا أريد أن أتمحل لها، ولا أقنع كل القناعة بما جاء في بعض التفاسير عنها... ولقد بقيت ستة أشهر أو تزيد لا أتجاوز هذه النقلة، ولا أمضي وراءها لأن سرها لم يُكشف لي كشفاً يستريح ضميري إليه... وأشهد أنه لم يسترح بعد لما اهتديت – حتى اللحظة إليه... فإذا هُديت إلى شيء فسأبينه في الطبعة التالية، وإذا هدى الله أحداً من القراء، فليتفضل فليبلغني – مشكوراً – بما هداه الله" (2).
وقد أكد صاحب (البرهان في نظام القرآن) أنه " إذا عجزنا عن اكتشاف النظام في آية أو سورة أو مجموعة من الآيات، أو مجموعة من السور فلن يكون ذلك دليلاً على انتفائه أو عدم وجوده، وإنما يكون دليلاً على عجزنا وقلة علمنا وقصور فهمنا فقط، فإن العجز عن إدراك حقيقة لا يكون دليلاً على انتفائها، وإنما يكون دليلاً على العجز عن إدراكها فقط" (3).
إن دقة هذا العلم تحول دون اشتغال الأكثرين به، بل ربما انصرف كثيرون عن الاطلاع عليه لهذا السبب، والمشتغلون به ليسوا جميعاً على نفس الدرجة من علو الكعب فيه، ولا يتأتى للعالم دائماً القول الفصل، وربما كان كثير مما يقال عنه تكلف ليس كذلك في الواقع.
القول بأن المسلمين غير مطالبين شرعاً ببيان المناسبات.
__________
(1) انظر: [ البقرة:238]، والآيات السابقة واللاحقة.…
(2) الخالدي، صلاح ، مدخل إلى ظلال القرآن، (ص: 195)، دار المنارة، جدة، ط1، 1406هـ - 1986م.…
(3) سبحاني، البرهان في نظام القرآن ،(ص60-61). …(2/44)
وهذا القول ابتداءً ينظر إلى علم المناسبات على أنه مجرد لطائف، على هوامش علم التفسير، لا على أنه أساس الفهم الصحيح لكتاب الله تعالى، وقد مر ما يشبه هذا الكلام للفراهي في الرد على هذا الظن(1)، ثم كيف يقال إن المسلمين غير مطالبين شرعاً ببيان المناسبات، في وجود الآيات الموجبة لتدبر القرآن الكريم؟ لا بل إن القول بوجود المناسبات أمر يحتمه الاعتقاد بتنزيه كلام الله سبحانه وتعالى عن الفوضى والتناقض ژ چ چ چ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ]النساء](2).
دعوى أن الكلام في المناسبات هو من التفسير بالرأي المنهي عنه شرعاً.
القول بأن التماس المناسبة في الآيات هو تكلم بمحض الرأي المنهي عنه، لا يُسلم للشوكاني، لأن الرأي المنهي عنه هو ما كان يفعله أهل البدعة والباطل من تأويل القرآن إلى الهوى، وحمل النصوص على غير مرادها، ما حدا بأهل السنة، كما يقول الفراهي، أن يدعوا إلى الالتزام بما روي عن الصحابة والتابعين سداً لأبواب الفتنة، ولأجل ألا يكون تأويل للقرآن إلا وهو مؤسس على قواعده التي تكون فارقة بين الحق والباطل، ويعجب الفراهي كيف يمتنع أهل الحق عن الفكر والنظر في آيات الله المشهودة والمتلوة، بعد أن علموا أن القرآن حث على الفكر والتدبر في كليهما، وأن الصحابة، رضي الله عنهم، كانوا يقولون بما فهموا منه، وينقلون ذلك عنهم(3).
__________
(1) … في المطلب الثاني من هذا المبحث.
(2) مُسلم، مباحث في التفسير الموضوعي، ( ص66).…
(3) الفراهي، التكميل في أصول التأويل، (ص 8، 9 ) بتصرف، الدائرة الحميدية ومكتبتها، الهند، دت، دط.…(2/45)
والتفسير بالرأي، ومنه التماس المناسبة، مثل الاجتهاد في استنباط الأحكام الشرعية، فإنه لا يزال مفتوحاً أمام أربابه، والمجتهد في حكم الشرع مأجور، أخطأ أم أصاب(1). ومن ثمّ فلا ينبغي التشنيع على المفسرين وأهل العلم الذين يلتمسون المناسبة إذا ما أخطأوا الاجتهاد.
الاشتراط بأن يقع الكلام في أمر متحد لقبول المناسبة: على ما قال العز بن عبد السلام، والملاحظ أن الذي قاله العز رحمه الله يكاد يتبناه الكثير من الباحثين حتى من المشتغلين بالتناسب، وسنجد من يعترض على التناسب بين السور، أو الوحدة العضوية في السورة، كما سنجد من يعترض على اتصال اسم السورة بموضوعها، أو على الأقل يبدي شيئاً من التحفظ.
إن المشكلة ليست في أن التناسب موجود في مواضع وغير موجود في مواضع أخرى؛ حيث إنه موجود في كل موضع من كتاب الله تعالى؛ ولكنه ظاهر جلي في مواضع، وخفيّ مستتر يستدعي غوصاً وعمق تفكير في مواضع أخرى، وقد يوفق له العالم أو لا يوفق.
الزعم بعدم وجود وحدة موضوعية في السورة.
__________
(1) الذهبي، محمد حسين، التفسير والمفسرون ،(1/262)،دار الكتب الحديثة، القاهرة، ط2، 1396هـ - 1976م.…(2/46)
حيث يقول الدكتور محمد رجب البيومي:" إن محاولة الربط الوثيق بين أغراض السورة الواحدة مهارة عقلية فائقة، وهي وإن ظهرت بين الآيتين المتجاورتين على نحو من التأويل في بعض ما تختلف به وجوه القول من آيات الذكر الحكيم، فإن بعض السور، لا تكاد تدور على فكرة خاصة بما يساق من هذه المعاني؛ لأن الربط الذي برع فيه بعض المفسرين كان ربطاً جزئياً ينظر إلى الآية المجاورة دون أن يحدد هدفاً واحداً للسورة إلا بتكلف خاض في الخائضون عن اجتهاد يخطئ ويصيب" (1). ويلاحظ في كلام البيومي تعريضه بالقائلين بوحدة السورة من خلال قوله بأن محاولة الربط هذه مهارة عقلية فائقة، كما لو كان الحديث عن هذه الوحدة نوعا من إسباغ العقلانية على ما ليس بعقلاني، والغريب أنه، في نفس مقالته،(2) ينقل عن الرافعي(3) رحمه الله كلامه عما أسماه روح التركيب(4) الذي يؤدي إلى أن يتعلق أجزاء النص القرآني بعضه ببعض، كأنما وُضع جملة واحدة ليس بين أجزائها تفاوت، فكيف يقبل ما يؤدي إليه الحس والشعور عند قراءة القرآن الكريم، ثم هو يرفض الأدلة العقلية والبراهين الواقعية المؤكدة لمشاعره وأحاسيسه؟.
__________
(1) البيومي، محمد رجب، البيان القرآني،(ص:133- 134)، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة- بيروت، ط1، 1421هـ- 2001م. …
(2) البيومي، البيان القرآني،( ص 133). …
(3) مصطفى صادق عبد الرزاق الرافعي، أديب وشاعر مصري أصله من طرابلس الشام، دارت بينه وبين كل من العقاد وطه حسين معارك أدبية وفكرية، له: تاريخ آداب العرب، وتحت راية القرآن، ووحي القلم، والمساكين[ الأعلام: 7/235].…
(4) الرافعي، مصطفى صادق، إعجاز القرآن والبلاغة النبوية،(ص278-279)، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، ط7 ،1381هـ - 1961م.(2/47)
إن مشكلة المعارضين للوحدة الموضوعية للسورة القرآنية، هي أنهم قاسوا السورة القرآنية على مؤلفات البشر وتقسيمهم لموضوعات كتبهم، ونسوا أن القرآن يتعامل مع النفس ليربيها، ولذلك ينوع لها في المداخل والمآخذ، لعلمه سبحانه بالنفس الإنسانية التي هو فاطرها، وأحسن السبل للتأثير فيها.
إن القرآن ينتقل بين الأغراض المختلفة، "لا اعتباطاً وبلا هدف، ولكن لصلات وثيقة تربط بين هذه الأغراض، بحيث تتضافر جميعها في الوصول إلى الغاية القصوى وتحقيقها"(1).
" إن القرآن كتاب رسالة يتجه إلى بناء الشخصية الإنسانية على أساس مفاهيمها الأساسية، وليس كتاباً تقليدياً يتحرك في اتجاه تحليل فكرة معينة بطريقة موضوعية تحاول أن ترصد الموضوع من جميع جوانبه، كما لو كان شيئاً مستقلاً بنفسه بعيداً عن أي تأثير قريب أو بعيد بالواقع الداخلي للإنسان. وفي ضوء ذلك، نجد القرآن يثير في السورة الواحدة عدة مواضيع متنوعة تختلف في طبيعتها، وفي مواقعها وعلاقاتها بالأشياء، فلا تشعر بوجود وحدة موضوعية تجمع هذه المواضيع في نطاق موضوعي واحد؛ ذلك ليس المشكلة في القضية، بل القضية هي أن هناك جانباً إنسانياً يراد معالجته في عملية صنع الشخصية"(2).
الاعتراض على التناسب بين اسم السورة وموضوعها
__________
(1) بدوي، من بلاغة القرآن،( ص: 230). …
(2) …الدغامين، زياد، منهجية البحث في التفسير الموضوعي، (ص 118) دار البشير، عمّان، ط 1، 1416هـ - 1995م. عن/محمد حسين فضل الله، في ظل التربية الإسلامية، مقالات المؤتمر الثاني للفكر الإسلامي بطهران.(2/48)
يكتنف موضوع المناسبة بين موضوع السورة واسمها ما يكتنف مباحث التناسب جميعها، من حيث إنها ليست كلها في غاية الجلاء والوضوح، وكأن الله تعالى جلّى لنا بعضها ليحفزنا على التدبر بحثاً عما خفي منها، وما قيل في الرد على منكري المناسبة عموماً، يقال هنا أيضاً في مواجهة المعترضين على ارتباط اسم السورة بموضوعها، سواء لخفائه أو لتكلف القائلين به، ولكن لا يسعنا إنكاره، سيما وقد ثبت جميع أسماء السور بالتوقيف من الأحاديث والآثار، كما نُقل في المبحث الأول عن السيوطي.
إن إيماننا بتوقيفية أسماء السور، يقتضي البحث عن الحكمة من وراء هذه التسمية الربانية، حيث لا يعقل أن يصدر عن أحكم الحاكمين إلا كل أمر حكيم، وخفاء الحكمة لا يعني عدم وجودها.
يقول الزركشي في أسماء السور:" ينبغي النظر في وجه اختصاص كل سورة بما سميت به، ولا شك أن العرب تراعي في الكثير من المسميات أخذ أسمائها من نادر أو مستغرب يكون في الشيء من خلق أو صفة تخصه، أو تكون معه أحكم أو أكثر أو أسبق لإدراك الرائي للمسمى، ويسمون الجملة من الكلام أو القصيدة بما هو أشهر فيها، وعلى ذلك جرت أسماء سور الكتاب العزيز، كتسمية سورة البقرة بهذا الاسم لقرينة ذكر قصة البقرة المذكورة فيها وعجيب الحكمة فيها"(1).
وقول الزركشي أنه ينبغي النظر في وجه اختصاص كل سورة بما سميت به، حق، ومن ثمّ فالمطلوب البحث عن الحكمة الإلهية في التسمية، لكن لا يُسلم له ما بعده؛ لأنه يُسقط الأسباب البشرية والعادة العربية على الذات الإلهية والحكمة الربانية؛ حيث إن التسمية لهذه السور توقيفية ابتداء، لا أن الله - تعالى- استوقفه أمر نادر أو بارز أو غريب فسماها لأجله، وكونها منزلة للبشر عموما والعرب ابتداءً، لا يعني أنها قد خضعت لقوانينهم.
__________
(1) الزركشي، البرهان، ( 1/ 340).…(2/49)
وكذلك فإن أستاذنا الدكتور فضل عباس مع تأكيده بأن أسماء السور توقيفية – كما نقلنا عنه في المبحث الأول من هذا الفصل - فإنه لا يرى بأنه من الممكن تعليل جميع أسماء السور، حيث يقول في (إتقان البرهان):" حاول بعض العلماء أن يعللوا أسماء السور، ولكن إن تم هذا لهم في كثير منه، فلن يتم لهم في كثير منها كذلك، فمما قُبل تعليله: سورة يوسف وسورة نوح عليهما السلام، حيث إن كل سورة تتحدث عن النبي الذي سميت باسمه، وقد قالوا: إن سورة هود عليه السلام، سميت باسمه مع كون قصة نوح فيها أطول من قصة هود؛ وذلك لأن لنوح عليه السلام سورة خاصة به، ولأن اسم هود عليه السلام لم يذكر في سورة كما ذُكر في هذه السورة، فقد ذُكر فيها أربع مرات".
ويتابع الدكتور فضل عباس:" ولكن هذا التعليل لا يتم لنا – كما قلت – في سور القرآن كلها، فعلى سبيل المثال: سورة يونس – عليه السلام – لم تذكر فيها قصته، وإنما ذُكر فيها آية واحدة وهي قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ژ [يونس: 98]، مع أن قصته عليه السلام، ذكرت بشيء من التفصيل في سورة الصافات كما ذكرت في غيرها، فكانت سورة الصافات وغيرها أولى أن تسمى سورة يونس، لو أن الأمر يخضع للتعليل"(1).
__________
(1) عباس، إتقان البرهان، ( 1/444-445).(2/50)
والربط بين التسمية وعدد مرات تكرر الاسم في السورة منطقي، كما ذكروا بالنسبة إلى سورة هود، ومن المناسب أخذه بعين الاعتبار كأحد أسباب التسمية، لكن ما قيل من أن سبب تسمية سورة هود - مع أن قصة نوح فيها هي الأطول – هو أن لنوح سورة خاصة به، فغير مقبول؛ لأن الكلام يوحي بأن تسمية هود كانت اضطرارية، وهذا القول إن قُبل في حق البشر فلا يُقبل بحال بالنسبة إلى الله تعالى، وكذلك فإن هذا القول يوحي بأن سورة نوح نزلت قبل هود، فيما تذكر كتب علوم القرآن أنها نزلت بعدها، وأنه قد نزل بين السورتين ما يقارب العشرين سورة(1).
إن القول بأن أسماء الكثير من السور لا تخضع للتعليل، مقبول إذا قصد بالعلة الوصف الظاهر المنضبط المناسب- بحسب التعريف الأصولي-(2)، وأما إن قصد الحكمة التي تستخرج وتستنبط بالاجتهاد والتدبر والمقاربة طلباً فلا شك أن الأمر يختلف.
وحيث إن أمر التسمية مرتبط بالوحي الإلهي، وليس المقياس هو المساحة التي يأخذها الاسم من السورة حتى نحكم بأنه يعلل أو لا يعلل، بل إن الإشارة السريعة أو اللمحة الخاطفة للاسم في السورة، لتستوجب منا تفكراً أعمق وتدبراً أكبر، سعياً وراء حكمة التسمية، كما في سورة يونس وأمثالها.
__________
(1) الداني، البيان في عدّ آي القرآن، (ص136)، الزركشي، البرهان،(1/249). …
(2) …أبو زهرة، محمد، أصول الفقه، ( ص237)، دار الفكر العربي، بيروت، دط، دت.(2/51)
كذلك فقد اعترض الدكتور زياد الدغامين على قول البقاعي بأن اسم كل سورة مترجم عن مقصودها، وقال بأن هذا:" أمر بحاجة إلى إعادة نظر، فضلاً عن أن بعض السور لها أسماء مختلفة كسورة غافر، أو سورة المؤمن، فكل اسم سورة أطلق عليها باعتبار يغاير الاعتبار في الاسم الآخر، فكيف يكون الاسم – مع هذا – مترجماً عن مقصودها؟"(1). علما بأن الدكتور الدغامين لا ينكر" أن يدخل اسم السورة ليدل على موضوعها أو ليشكل دعامة في ذلك الموضوع"(2).
إن كلام الدكتور الدغامين يجيب عن تساؤله، فما دام أن كل" اسم سورة أُطلق عليها باعتبار"، أي لعلة وحكمة إلهية، فهذا يقتضي التفكر فيه، وأما تعدد الاعتبارات بتعدد الأسماء فلا يلغيها، بل يستدعي ملاحظتها كلها، وفي وجود اسمين توقيفيين لسورة واحدة، دعوة للنظر إليها من خلال زاويتين لا زاوية واحدة، وهذا عامل مساعد لحسن التدبر وفهم مراد الله تعالى، وليس عاملا مربكاً أو موقعاً في البلبلة والاضطراب، سيما وأن تغاير الاعتبارات لا يعني تناقضها بل تنوعها وتكاملها، وقد رأينا أن الصحابة- رضي الله عنهم- ومَن بَعدهم قد أطلقوا الأسماء والأوصاف والألقاب على السور الكريمة، انطلاقاً من مَلاحظ التفتوا إليها، أو أرادوا من غيرهم الالتفات إليها، لمزيد الإيضاح والبيان.
__________
(1) الدغامين، منهجية البحث في التفسير الموضوعي للقرآن الكريم، (ص 103). …
(2) الدغامين، السابق، (ص 131).…(2/52)
وخلاصة القول أن:" التوقيف في أسماء السور يجعل من اسم السورة عنواناً بارزاً لمحور المعنى أو المعاني المتناسقة التي تتضمنها السورة، كما أن الأسماء التي ذُكرت زيادة على الأسماء التوقيفية ترتبط كذلك لدى المفسرين من الصحابة وتابعيهم بالمعاني التي تتضمنها السورة(1)"؛ وعليه" فعنوان السورة – أو اسمها – مفتاح لمعانيها"(2).
الادعاء بأن القرآن جاء على طريقة العرب في الكلام وهي الاقتضاب:
والاقتضاب: هو قطع الكلام واستئناف كلام غيره بلا علاقة تكون بينه وبينه(3)، حيث يُنسب إلى أبي العلاء محمد بن غانم(4) قوله:" إن القرآن إنما وقع على الاقتضاب، الذي هو طريقة العرب من الانتقال إلى غير ملائم!! "(5)، ثم تابعه الشوكاني ليقول بأن القرآن الذي نزل بلغة العرب، قد سلك مسالكهم في الكلام، وجرى مجاريهم في الخطاب، إذ كانت عادتهم أن يأتوا بفنون متخالفة وطرائق متباينة، في المقام الواحد، فضلاً عن المقامين فضلاً عن المقامات.
__________
(1) سعيد، محمد رأفت، سورة لقمان بين كلمة التنزيل وتناسب الترتيب،(ص12)، دار المنار، القاهرة، 1412هـ- 1992م، د.ط.
(2) سعيد، السابق،( ص13).…
(3) ابن الأثير الجزري، ضياء الدين، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، ( 2/241)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1419 هـ - 1998م.…
(4) أبو العلاء، محمد بن غانم، المعروف بالغانمي، ولد بنيسابور عام 464هـ، كان من فضلاء عصره، وشعره مشهور، من شعراء نظام الملك، [عز الدين ابن الأثير، اللباب في تهذيب الأنساب، 2/374].…
(5) السيوطي، الإتقان، (2/237). …(2/53)
ويرد الدكتور أسد سبحاني بأن " العرب كانوا أبعد الناس عن الاقتضاب، وكانوا أرغبهم في دقة السبك وحسن النظام، حتى إنه كان يُعتبر عندهم مقياساً لجودة كلامهم وبلاغته"(1)، واستشهد على ذلك بأقوال بعض بلغاء العرب، من مثل:" البلاغة أن يكون أول كلامك يدل على آخره، وآخره يرتبط بأوله"(2). فهذا واقع طريقة العرب في الكلام شدة التماسك والارتباط، أما منشأ الوهم بأن طريقتهم الاقتضاب – كما يفسره أسد سبحاني - فإنه لما كانت البلاغة عندهم الإيجاز وقلة اللفظ، وكان الأصل في كلامهم تنكب الفضول وبلوغ المعنى ولما يطل سفر الكلام؛ كانوا يقفزون في كلامهم قفزات واسعة، وكانوا يحذفون من الحديث ما كان مفهوماً لدى السامع، ولو لم يفعلوا لكان عاراً عليهم، فإنهم بطبيعتهم كانوا يحبون الكناية في الكلام، وعندهم أن الكلام الذي لا حذف فيه لا محل فيه للعقل والنظر، كما نقل عن الفراهي، وكان ذكاؤهم يريهم الكثير في القليل، وكانوا يقولون منوهين بميزته هذه:" الحر تكفيه الإشارة"(3)، وهذا الإيجاز في الكلام وسرعة الانتقال من مقال إلى مقال أصبحت آفة عند الذين جاءوا من بعدهم، فإنهم نشأوا على الإسهاب في القول والإفاضة في الكلام لقلة حظهم من ذوق البلاغة وذكاء القريحة وحسن البيان.
ويتابع أسد سبحاني أنه لما استعصت عليهم متابعة الشاعر العربي في تخلصاته السريعة اللطيفة اتهموه بالاقتضاب، وكان أولى بهم أن يتهموا أنفسهم هم بالعجز، دون أن يتهموا التراث الأدبي العربي بما هو بريء منه(4).
__________
(1) سبحاني، إنعام النظر، (ص:83). …
(2) ابن رشيق، العمدة، (1/244). …
(3) …الميداني، مجمع الأمثال، (رقم 2447)، وهو عجز البيت : (العبد يقرع بالعصا والحر تكفيه الإشارة).
(4) سبحاني، إنعام النظر،(91، 92)، بتصرف.…(2/54)
وما ورد من الاقتضاب في الكلام العربي، فلا يكاد يخلو منه كلام في أي لسان، وقد كانوا هم أول ناقديه، ولم يكن معدوداً عندهم من الكلام البليغ. ولعل بعض الاقتضاب يرجع إلى ما أصاب الشعر الجاهلي من نسيان بعض أجزائه ونسبة الرواة بعضاً من أجزائه إلى غير قائله، والانتحال. وإذا كان ذلك حال الشعر فإن إمكانية الخلل في النثر أكبر؛ لأنه غير منظوم(1). وقد سبقت الإشارة إلى ما كان يذكره شيخ المفسرين الطبري عن حذف بعض الكلام لظهوره(2).
وخلاصة القول أن الاقتضاب ليس من خصائص الكلام العربي، بل هو عيب في الكلام ونقص في صاحبه، يتنزه عنه الكلام البليغ فضلاً عن أبلغ الكلام.
الظن بأن التناسب يعني التماثل:
سبق القول في مقدمة هذا المبحث أن المناسبة مدعاة للتشابه، وإن كان مجرد المناسبة لا يقتضي بالضرورة حصول المشابهة، وبحسب الدكتور دراز، فإن بعض الباحثين ظنوا أن المناسبات الموضعية بين أجزاء السورة تعني الاتحاد أو التماثل أو التداخل أو غيرها من الصلات الجنسية فحسب، وقد أدى هذا الظن إلى أن يتعسف البعض في إثبات هذا النوع من الاتصال، وفريق آخر – إذ لم يجد التشابه - نفى وجود الاتصال، وادعى أن الاقتضاب هو الأصل في القرآن وكلام العرب.
وبرأي دراز فإن" التزام طريق معين في المناسبة وهو أن تكون من قبيل التجانس المعنوي زادت المسألة ضيقاً وحرجاً، وذلك أفضى هذا الرأي بأصحابه إلى أحد الطرفين المذمومين: التكلف أو الخروج"(3).علما بأن الصلات بين أجزاء القرآن، كما بين الكلام عموماً، قد تكون التشابه أو التضاد أو التفريع أو الاستنباط أو التمهيد أو غيره(4).
__________
(1) فروخ، عمر، تاريخ الأدب العربي، (1/86-89)، دار العلم للملايين، بيروت، ط4، 1984م.…
(2) …في المطلب الثاني من هذا المبحث.
(3) دراز، النبأ العظيم، (ص 160).…
(4) دراز، السابق،(ص 161).…(2/55)
وقد خلص الدكتور محمد بازمول بعد مناقشته لمذهب المانعين للتناسب، والمطلقين بالجواز إلى حد التكلف، إلى أن الصواب هو جواز طلب المناسبات بين السور والآيات، وأنه علم حسن، ولكن بشروط، هي:
أن تكون المناسبة منسجمة مع السياق والسباق واللحاق.
أن لا تكون المناسبة متعارضة مع الشرع.
أن تكون متوافقة مع تفسير الآية، غير مخالفة له مخالفة تضاد.
أن لا تكون المناسبة متعارضة مع اللسان العربي المبين الذي نزل به القرآن العظيم.
أن لا يجزم المفسر بأن هذه المناسبة هي مراد الله تعالى، غاية الأمر أن هذا ما أداه إليه اجتهاده ونظره وتدبره.
أن يعلم أن المناسبة موجودة، ولا يلزم أن تكون ظاهرة في كل موضع لكل أحد.
…وقد انتهى إلى أنه يشترط لجواز طلب المناسبات ما يشترط في قبول التفسير بالرأي، لكونها مرتبطة به ارتباطاً وثيقاً(1).
ولعل الأنسب من قول الدكتور محمد بازمول أن طلب المناسبات جائز شرعاً، أن يقال بأن حكمه هو أنه مندوب وقد يصل إلى الوجوب؛ إذ ينبني على البحث في موضوع المناسبات القرآنية حسن فهم مراد الله تعالى في قرآنه، كما سيأتي في المبحث التالي.وكأن الدكتور الفاضل ربما هالته حدة النبرة في كلام الشوكاني رحمه الله، فأراد التوسط بين فريق المانعين الذين يشددون النكير، وفريق القائلين بالتناسب الذين لا يخلو بعض كلامهم من التكلف، وقد سبق القول بتراجع الشوكاني نفسه عن مقالته، فما ينبغي أن تُجعل في مقابلة أئمة العلم من القائلين بالتناسب عبر العصور.
المطلب الرابع
أهمية علم المناسبات
تعرض غير واحد من الذين تكلموا في المناسبات إلى فوائدها وثمراتها ومزاياها، وهناك العديد من القواسم المشتركة فيما يقولون، وقد أفاض في ذلك البقاعي وأسد سبحاني، وسعيد حوى، وغيرهم، والسطور الآتية تسعى لاقتطاف أبرز ما قيل:
فهم مراد الله تعالى في كتابه، وعدم الوقوع في اللبس أو الخطأ
__________
(1) بازمول، علم المناسبات بين السور والآيات، (ص37).…(2/56)
فمثلاً استند كثير من القدماء والمعاصرين على هذا الجزء من قوله تعالى على لسان العزيز: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ژ [ يوسف]؛ في القول بأن ذلك تقرير إلهي بأن كيد النساء عظيم، حيث غفلوا عن أن القائل هو العزيز، وكون القرآن أورد قوله لا يعني بالضرورة موافقته عليه، وكم قد اقتبس القرآن من أقوال الكفار والمنافقين! فضلاً عن أن هذا القول من العزيز دليل على ضعف شخصيته وعجزه أمام انحراف زوجته(1).
و في قوله تعالى ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ژ [التين: 1 - 3]، فإن من رجح من العلماء بأن التين والزيتون من المواضع لا من المأكول استدل بقوله:" أما كونهما من المواضع فقد دل عليه السياق، لأنه تعالى قرن التين والزيتون بطور سينين والبلد الأمين؛ فدل النظم على كونهما اسمين لموضعين(2)".
معرفة المناسبة والنظام مفتاح لكثير من كنوز القرآن وحكمه
يقول الإمام الرازي إن" أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط"(3)، والبقاعي يؤكد أن " المقصود بالترتيب معان جليلة الوصف، بديعة الرصف، عالية الأمر، عظيمة القدر"(4)، وقال الفراهي:" ولما كان أكثر الحكم ومعالي الأمور مخبوءة تحت دلالات النظم، فمن ترك النظر فيه ترك من معنى القرآن معظمه"(5).
__________
(1) الخالدي، صلاح، القصص القرآني، (2/127)، دار القلم، دمشق، ط1، 1419هـ - 1998م.
(2) … الندوي، أبو الحسن الحسني، تأملات في القرآن الكريم، (ص104)، دار القلم، دمشق، ط1، 1991م.
(3) … الرازي، التفسير الكبير،( 4/110).
(4) البقاعي، نظم الدرر،( 1/ 8).…
(5) …الفراهي، دلائل النظام، (ص 38).(2/57)
…ويجد القارئ أن المفسرين، والمشتغلين بعلوم القرآن والدراسات القرآنية، كثيراً ما يتوقفون عند السر في اختتام آية ببعض الأسماء الحسنى واختتام غيرها بغيرها، وكذا التوقف عند ما أسموه براعة الاستهلال بالنسبة لسورة معينة، أو حسن اختتامها، والمعنى من تتالي آيتين أو سورتين، زائداً على القول السابق في تفسير كل منهما على حدة، ومثله في ترتيب المواضيع في الآية الواحدة، كالسر في ترتيب أركان الإيمان في الآية الكريمة ( آمن الرسول...) [البقرة:285]، أو الحكمة في ترتيب وجوه البر، في قوله تعالى: ( ليس البر...) [البقرة:177]، والمعاني من كون الفاتحة في أول المصحف، والمعوذتين في آخره.
إظهار أسرار الإعجاز القرآني والكشف عن كنوزه
…التناسب وجه من وجوه الإعجاز القرآني، ودليل آخر على ربانية هذا الكتاب العظيم، يقول البقاعي في نظم الدرر :" وبهذا العلم يرسخ الإيمان في القلب ويتمكن من اللب؛ وذلك أنه يكشف أن للإعجاز طريقين : أحدهما : نظم كل جملة على حيالها بحسب التركيب، والثاني : نظمها مع أختها بالنظر إلى الترتيب "(1).
…وحول الإعجاز في الترتيب، يقول الفخر الرازي في ختام تفسير سورة البقرة:" ومن تأمل في لطائف تفسير هذه السورة وفي بدائع ترتيبها، علم أن القرآن كما أنه معجز بحسب ألفاظه وشرف معانيه، فهو معجز بسبب ترتيبه ونظم آياته"(2). وقال الشيخ أبو بكر النيسابوري:" إن إعجاز القرآن البلاغي لم يرجع إلا إلى هذه المناسبات الخفية، والقوية بين آياته وسوره، حتى كأن القرآن كله كالكلمة الواحدة، ترتيباً وتماسكاً"(3).
__________
(1) …البقاعي، نظم الدرر،( 1/7).
(2) …الرازي، التفسير الكبير،( 3/106).
(3) …حسن، سامي عطا، المناسبات بين الآيات والسور، www.saaid.net ، نقله عن: رضوان، د. بسيوني عرفة، الفصل والوصل،( ص 39 ) مكتبة الرسالة، القاهرة.(2/58)
…وعند الأستاذ سعيد حوى أن مثل هذه الدراسات " تضع لبنة في صرح الحديث عن إعجاز القرآن ومعجزاته... ( و ) أن هذا الترتيب ما بين سور القرآن على هذه الشاكلة التي رتبها الله عز وجل في كتابه، شيء به وحده تقوم الحجة على كل من يتصور أن هذا القرآن يمكن أن يكون بشري المصدر"(1).
النظام يكشف عن قدْر الأمور وأهميتها
…ومثال ذلك معرفة سر اقتران طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بطاعة الله تعالى في كثير من الآيات، ومغزى مجيء الزكاة بعد الصلاة في عدة مواطن من كتاب الله، وأهمية الإحسان بالوالدين إذ جاء تالياً للأمر بالتوحيد في أكثر من موطن.
…وينقل سبحاني عن الإمام الفراهي قوله:" وقد عظم بيان الجمعة عندي حين علمت كيف مهد الله قبلها من ذكر تسبيح ما في السماوات والأرض، وصفاته الحسنى وفضله على الأمة، وخسران اليهود على استخفافهم بحكم الله، فقد رغّب، ثم رغّب، ثم رهّب، ثم ذكر أحكام الجمعة"(2).
…ويضرب "سبحاني" لذلك مثلاً صلاة الجمعة، وكيف يمكننا أن ندرك أهميتها ومكانتها في الدين من خلال النظر في نظام السورة وارتباطاتها بالسور المجاورة(3).
…فقد قرنت سورة الجمعة بسورة الصف، وهذا القِران يوحي بأن صلاة الجمعة إعداد وترويض للجهاد، وإذا كانت سورة الصف قد أشادت بالذين يقاتلون في سبيل الله صفاً كأنهم بنيان مرصوص، فإن سورة الجمعة نفت أن يكون الذين هادوا أولياء لله من دون الناس بدليل أنهم لن يتمنوا الموت بما قدمت أيديهم، وهل الجهاد إلا الشوق إلى لُقيا الله تعالى؟.
…وفي ذلك يؤكد الفراهي: واعلم أن ذكر الجمعة ها هنا بعد سورة الصف وآية تمني الموت، يشير إلى أنها من أسباب القيام بالجهاد(4).
__________
(1) …حوى، الأساس في التفسير، (1/25).
(2) …سبحاني، إمعان النظر، (ص 167)، نقلاً عن مخطوط" مذكرات القرآن" للفراهي.
(3) …سبحاني، السابق، (ص 159- 167)، بتصرف كبير وتلخيص.
(4) …سبحاني، السابق، ( ص167).…(2/59)
ومن جهة أخرى فإن اقتران سورة الجمعة بسورة المنافقون، تلميحاً إلى أن الغفلة عن صلاة الجمعة من أمارات النفاق(1).
تكميل المقصود من كل سورة وفهم المراد من القرآن
…شدد الإمام ابن تيمية، على ضرورة تحزيب القرآن على السور، لا على عدد الكلمات والحروف، كما أكد على أهمية قراءة السورة كاملة في الصلاة لا قراءة جزء من وسطها أو آخرها، وأن ذلك هو السنة وفعل الصحابة والتابعين، ثم بين الحكمة فقال :" وفي ذلك من المصلحة العظيمة بقراءة الكلام المتصل بعضه ببعض، والافتتاح بما فتح الله به السورة، والاختتام بما ختم به، وتكميل المقصود من كل سورة"(2).
… وكان الزركشي أكد أن فائدة التناسب "جعل أجزاء الكلام آخذاً بعضها بأعناق بعض، فيقوى بذلك الارتباط، ويصير التأليف حاله حال البناء المحكم ، المتلائم الأجزاء"(3)، والجعل المقصود هنا هو الجعل في الذهن؛ لأن واقع حال القرآن أنه كالبناء المحكم، لكن صاحب النظرة العجلى قبل التدبر، قد يقع في وهم عدم ارتباط آي القرآن وسوره بعضه ببعض.
بيان وتوضيح ما يُظن أنه تكرار في القرآن
…وموضوع التكرار في القرآن قد تكلم فيه كثيرون، والراجح أنه ليس في القرآن تكرار وإنما هو التشابه، سواء في ذلك القصص أو العقيدة وغيرهما؛ حيث يقول البقاعي متحدثاً عن أهمية التناسب: " وبه يتبين لك أسرار القصص المكررات، وأن كل سورة أعيدت فيها قصة فلمعنى ادّعي في تلك السورة استدل عليه بتلك القصة غير المعنى الذي سيقت له"(4).
__________
(1) …سبحاني، السابق، ( ص 161).
(2) …ابن تيمية، مجموعة الفتاوى، (13/224 )، دار الوفاء بالمنصورة، ومكتبة العبيكان بالرياض، ط1، 1418هـ - 1997م.
(3) …الزركشي، البرهان، ( 1/62).
(4) …البقاعي، نظم الدرر،(1/8).(2/60)
…وفي نفس المعنى يقول صاحب الظلال:" ويحسب الناس أن هناك تكراراً في القصص القرآني، لأن القصة الواحدة يتكرر عرضها في سور شتى، ولكن النظرة الفاحصة تؤكد أنه ما من قصة أو حلقة من قصة قد تكررت في سورة واحدة، من ناحية القدر الذي يساق وطريقة الأداء في السياق، وأنه حيثما تكررت حلقة كان هناك جديد تؤديه ينفي حقيقة التكرار"(1).
ويقول الدكتور فضل عباس بأن المتدبر لآيات العقيدة: " يجد أنها خالية من التكرار، لأن كل موضع قُررت فيه العقيدة، نجد فيه معنى ومعلماً وفائدة، لا نجدها في الموضع الآخر"(2).
…ومن الأمثلة على ما قد يظنه البعض تكراراً:
أ ـ التشابه بين قوله تعالى: ژ چ چ چ ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ژ [ البقرة: 60]، وقوله تعالى: ژ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ٹ ژ [ الأعراف: 160 ].
…النظرة العجلى للآيتين قد توقع صاحبها في الظن بأن الآيتين كلتيهما تتحدثان عن ذات الواقعة، وربما قال بعض المفسرين: عند آية الأعراف، " قد مر تفسيره في البقرة"، كما فعل صاحب غرائب القرآن(3)، أو كما ذكر في زاد المسير:" قوله تعالى:( فانبجست منه )، والقصة مذكورة في سورة البقرة:58 – 60"(4).
__________
(1) …قطب، في ظلال القرآن : (1/ 64) .
(2) …عباس، فضل، وعباس، سناء فضل، إعجاز القرآن الكريم، (ص 229)، دار الفرقان، عمان، 1991م.
(3) …النيسابوري، نظام الدين الحسن بن محمد القمي، تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان، (3/337)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1416هـ - 1996م.
(4) …ابن الجوزي، زاد المسير في علم التفسير، (3/ 211)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1414هـ - 1994م.(2/61)
…لكن عند التدقيق يتضح أن الانبجاس غير الانفجار، وهو أضعف منه، فالانبجاس" أكثر ما يقال فيما يخرج من شيء ضيق، والانفجار يُستعمل فيه وفيما يخرج من شيء واسع"(1)، فالذي استسقى في آية البقرة هو موسى عليه السلام، فكان الانفجار، والذي استسقى في الأعراف هم قومه، وهم أقل كرامة على الله تعالى منه، فكان الانبجاس، وليس هناك ما يشير إلى تقدم إحدى الحادثتين على الأخرى، أو مقدار الزمن بينهما. وكل حادثة منهما تتناسب مع الجو العام للسورة التي وردت فيها، فالانفجار يتناسب مع سورة البقرة وسياقها الذي يركز على "تعداد النعم على بني إسرائيل"(2)، وتفضيلهم على العالمين والإنعام عليهم، والانبجاس يتناسب مع سورة الأعراف التي فيها قوله تعالىژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ، تلخيصا لحال العديد من الأمم التي ورد ذكرها في السورة، ما يعني أن المقطع المذكور فيه نفس الخاصية، وهي قلة البركة، " والمقام مقام تقريع وتأنيب، فإن بني إسرائيل قوم لا يتعظون؛ فإنهم بعدما أنجاهم من البحر وأغرق آل فرعون طلبوا من موسى أن يجعل لهم أصناماً يعبدونها، وعندما ذهب موسى لميقات ربه عبدوا العجل"(3).
__________
(1) الأصفهاني، معجم مفردات ألفاظ القرآن ،(ص46).
(2) …السامرائي، فاضل صالح، التعبير القرآني، (ص312)، دار عمار، عمان، ط1، 1418هـ - 1998م.
(3) …السامرائي، السابق، (ص313).(2/62)
ب ـ التشابه بين قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [ البقرة: 126]، وقوله سبحانه: ژ ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ژ [إبراهيم:35 ]. حيث قال صاحب زاد المسير وهو يفسر آية سورة إبراهيم:" قوله تعالى ژ ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ژ، قد سبق تفسيره في سورة البقرة"(1). والصواب ما أورده صاحب فتح البيان بقوله:" والفرق بين ما هنا وما هنالك أن المطلوب ههنا مجرد الأمن للبلد، والمطلوب هنالك البلدية والأمن"(2).
والذي في البقرة يتناسب مع جو النعم فيها ولذلك اجتمع فيها طلب النعمتين، لكن في سورة إبراهيم جاء سؤال طلب الأمن للبلد مقترناً بسؤال الله تعالى أن يجنبه وبنيه عبادة الأصنام، التي يقارفها أهل مكة الذين يدعون أنهم على دين إبراهيم، وبين ظهرانيهم نزلت السورة المسماة باسمه عليه السلام.
ج ـ التشابه بين قوله تعالى: ژ گ گ گ ? ? ? ? ? ? ژ [المعارج]، وقوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ژ [الذاريات]، وهنا أيضاً سنجد من يقول بأن الآيتين تتحدثان عن الموضوع ذاته، مثل صاحب التفسير الكاشف، فإنه في سورة المعارج عندما وصل تفسير الآيتين ( 24، 25 )، قال:" يبذلون في سبيل الطاعات والخيرات لوجه الله تعالى لا يبتغون جزاء ولا شكوراً، وتقدم مثله في الآية 19 من سورة الذاريات"(3).
__________
(1) …ابن الجوزي، زاد المسير، (4/278).
(2) …القنوجي، صديق بن حسن، فتح البيان في مقاصد القرآن،(7/121)، المكتبة العصرية، بيروت، ط2، 1415هـ- 1995م.
(3) …مغنية، محمد جواد، التفسير الكاشف، (7/418)، دار العلم للملايين، بيروت، ط3، 1981م.(2/63)
… لكن السياق في المعارج يتحدث عن( المصلين)، فيما يتحدث السياق في الذاريات عن ( المتقين المحسنين)، الأمر الذي يقتضي أن صنيعهم أعظم، وقربتهم أكبر، فقد كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستعفرون، وهو ما يتبين لنا إذا أنعمنا النظر في الفرق بين الآيتين، حيث تصف سورة المعارج الحق الذي في أموال المصلين بأنه معلوم، وتتركه سورة الذاريات مجرداً عن الوصف والتحديد، وذاك هو الفرق بين الطائفتين، لأن المتقين المحسنين لا يكتفون بقدر معلوم ينفقونه من أموالهم، وربما استغرقت النفقة عند أحدهم، كل ماله أو جله.
ملاحظة اقتباسات النبي- صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من نظم القرآن الكريم .
…والناظر في أحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام لا بد أن يلاحظ المواطن العديدة التي يظهر في اقتباسه عليه السلام من مشكاة القرآن الكريم، والإفادة من النظم القرآني؛ يقول الدكتور سبحاني:" فإذا تأمل الباحث في نظام الآيات ورباط معانيها، ثم وصل إلى ما يجد له تأييداً في كلام النبوة وآثارها، ازداد بذلك ثقة وارتياحاً إلى ما فتح الله عليه من خزائن حكمته، كما ازداد انشراحاً واقتناعاً بصحة ذلك الحديث الذي وجد له أصلاً في تنزيله"(1).
__________
(1) …سبحاني، إمعان النظر، (ص 258).(2/64)
…مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)(1)، فهذا الحديث الشريف مستفاد من الآيات الكريمة: ژ ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ? ? ? ? ? ?ں ں ? ? ?? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? پ پپ پ ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ژ[ النور] ، فالآيتان الأولى والثانية تأمران بغض البصر وحفظ الفروج، ثم تأتي الثالثة لتأمر بتزويج الأيامى والصالحين من العباد والإماء، حيث يفيد نظم الآية أن النكاح يكون معواناً على غض البصر وحفظ الفرج، وأما الأمر بالصوم في نهاية الحديث لمن لا يقدر على الزواج فهو مستفاد من نظم الآية الكريمة: ژ ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [الأحزاب]، حيث جاء حفظ الفروج تالياً لصفة الصوم، الأمر الذي يلمح إلى أنه كالسبب له.
ب ـ وعن ابن عباس ، قال : كنتُ خلفَ رسولِ اللهِ يوماً ، فقالَ : يا غلامُ ، ألا أُعلمكَ كلماتٍ: احفظِ اللهَ يحفظكَ ، احفظِ اللهَ تجدهُ تُجاهكَ ، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ ، وإذا استعنتَ فاستعنْ باللهِ ، واعلمْ أنَّ الأُمةَ لوِ اجتمعتْ على أنْ ينفعوكَ بشيءٍ لمْ ينفعوكَ إلا بشىءٍ قدْ كتبهُ الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروكَ بشيءٍ لم يضروكَ إلا بشيءٍ قد كتبهُ اللهُ عليكَ، رُفعت الأقلامُ، وجفّت الصّحف)(2).
__________
(1) …البخاري، كتاب الصوم، ( رقو( 1905)، وكتاب النكاح رقم (5065، 5066)، صحيح مسلم، رقم (1400).
(2) …رواه الترمذي في كتاب صفة القيامة، رقم( 2516)، وأحمد في مسند عبد الله بن عباس، رقم( 2537)، والألباني، صحيح الجامع الصغير وزيادته، رقم( 7957).(2/65)
والحديث السابق يكاد يكون مستوحى من سورة الكهف، التي موضوعها الأساس حفظ الفتية المؤمنين في الكهف من القوم الكافرين وحتى من الوحوش والحشرات والشمس والتربة، وكذا حفظ الدين بحفظ كتابه الذي لم يجعل الله له عوجا ولا مبدل لكلماته، فضلاً عن أن جو الحفظ يتعلق بسائر قصص السورة من حفظ السفينة والوالدين المؤمنين، والغلامين اليتيمين، ثم حفظ القوم الذين لا يكادون يفقهون قولاً، من يأجوج ومأجوج، بالردم الذي أقامه ذو القرنين، فالحديث فيه حفظ المؤمن الحافظ لأمر الله، وفيه حفظ كلمات الله التي لا مبدل لها، كما يؤكده قوله عليه السلام في البداية:( إني أعلمك كلمات)، وفي الختام:( رفعت الأقلام وجفت الصحف)، وفي السورة التأكيد على أنه لا مبدل لكلمات الله.
وبالمثل فإن أقوال الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، تؤكد أنهم كانوا يراعون النظم القرآني، وترتيب كلمه وآياته، ويأتي أسد سبحاني بشاهدين على قوله هذا(1)، أولهما تصميم أبي بكر رضي الله عنه على قتال مانعي الزكاة، واحتجاجه بالقول: "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة(2)"، أي ما يكون لنا أن نفرق بين الصلاة والزكاة، ما دام أن الله تعالى قد قرن بينهما في كتابه، ما يعني أن مرتبة الزكاة تالية لمرتبة الصلاة، ما دامت قد جاءت بعدها في نظم القرآن الكريم.
__________
(1) …سبحاني، إنعام النظر، من( ص 212- 215 )، بتلخيص واختصار.
(2) …ابن كثير، البداية والنهاية، (6/311)، مكتبة المعارف، بيروت، ط1، 1966م.(2/66)
…والشاهد الثاني: يوم السقيفة إذ قال قائل الأنصار:" منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش"، وعندما احتد النقاش، وكاد أن يتفاقم الأمر، قام أبو بكر فكان مما قاله:" يا أيها الناس نحن المهاجرون، أول الناس إسلاماً... أسلمنا قبلكم، وقُدّمنا في القرآن عليكم(1)، فقال تبارك وتعالى: ژ ? ? ? ? ? پ پ پ ژ [التوبة:100]، حيث استدل أبو بكر على أحقية المهاجرين بسابقتهم في الإسلام، وبتقدم ذكرهم على الأنصار في القرآن.
…ولعل عدداً من النقاط السابقة التي أوردها الدكتور أسد سبحاني وغيره، ناتجة عن الفهم الأصح الذي يقود إليه نظام الآيات وملاحظة الارتباط بينها.
ترجيح القول بتوقيفية ترتيب السور القرآنية: ذكر الأستاذ سعيد حوى أن إبرازه لنظرية الوحدة القرآنية، سيؤدي إلى أن يزداد " ترجيح بعض الجوانب التي وقع فيها خلاف، كقضية: أن ترتيب السور توقيفي وليس اجتهاديا، فمع أن جماهير الأمة ذهبت إلى هذا؛ فإن هذا التفسير- يقصد كتابه الأساس – سيبرهن على هذا الموضوع بشكل عملي"(2). ومن اللطيف أن موضوع التناسب القرآني ينطلق من فكرة أن ترتيب السور والآيات توقيفي من خلال النقل، ثم ينتهي البحث إلى تأكيد هذه الفكرة وتعزيزها بعد إعمال العقل.
__________
(1) …السهيلي، عبد الرحمن بن عبد الله الأندلسي، الروض الأنف، (4/262)، مكتبة الكليات الأزهرية، 1971م.
(2) …حوى، الأساس في التفسير، (1/ 25).(2/67)
الرد على شبهات المستشرقين، وأعداء الإسلام عموماً: وفي ذلك يقول الأستاذ سعيد حوى: " ولقد سئلت أكثر من مرة، من بعض من عرضت عليهم وجهة نظري، في فهمي للصلة بين الآيات والسور عن فائدة هذا الموضوع، وكنت أجيبه بأن هذا الموضوع فيه رد على شبهة أعداء الإسلام الذين زعموا أن هذا القرآن لا يجمع آياته في السورة الواحدة جامع ولا يربط بين سوره رابط، وذلك لا يليق بكلام البشر فكيف بكلام رب العالمين، إنها لشبهة فظيعة جدا أن يحاول محاول إشعار مسلم بأن كتاب الله ينزل عن كتاب البشر في هذا الشأن، وقد استطعت بحمد الله أن أبرهن على أن كمال القرآن في وحدة آياته في السورة الواحدة وكماله في الوحدة الجامعة التي تجمع ما بين سوره وآياته على طريقة لم يعرف لها العالم مثيلا، ولا تخطر على قلب بشر، لقد استطعت بهذا أن أرد السهم إلى كبد راميه من أعداء الله في هذه النقطة بالذات " (1).
__________
(1) …حوى، السابق، (1/27).(2/68)
وقد طعن كثير من المستشرقين والمنصّرين في الوحدة ، وزعموا أن آيات القرآن لا يجمعها سياق وليس بينها وفاق ،وأوصوا بإعادة ترتيب القرآن وفق أسباب نزوله تيسيرا للقارئ وإعانة له على فهم المعنى –على حسب زعمهم الباطل وفهمهم السقيم ،كما فعل المستشرق نولدكه(1)، وتابعه المستشرق الفرنسي بلاشير(2). ومن قبل فقد طعن عدد من الملاحدة في الماضي في آيات القرآن الكريم بدعوى أنها غير متناسبة(3).
…ويرى الدكتور أحمد الشرقاوي أن من حكم العليم الخبير أن يقيض من أعداء الدين من يخدم الإسلام من حيث لا يشعرون، فإن إثارة أعداء الإسلام لهذه الشبهة الباطلة دفع الكثير من الغيورين إلى دراسة هذا الموضوع بتعمق" (4).
…إن كون علم المناسبات القرآنية يبطل دعاوى المشككين، لا يعني أنه أتى رد فعل على شبهات المستشرقين وأعداء الإسلام، كما لو أنه لولاها لم يكن، فإن الكلام فيه قديم قديم، وربما استثارت شبهات المبطلين بعض الغيورين للبحث في التناسب، لكن ذلك لم يكن هو القاعدة ولم يكن البداية.
__________
(1) …نولدكه، ث: مستشرق ألماني (1836-1930م)، أتقن عدداً من اللغات الشرقية والاتينية له: تاريخ النص القرآني، وأصل وتركيب سور القرآن، وتاريخ الشعوب الإسلامية، وفكرة عامة عن حياة محمد، [مراد، يحيى، معجم أسماء المستشرقين: ص686-687].
(2) …بلاشير، ريجيس(1900-1973م): فرنسي، درس الثانوية في الدار البيضاء، وتابع في كلية الآداب بالجزائر، والسوربون، وكان عضواً بالمجمع العلمي العربي بدمشق، له: ترجمة القرآن الكريم، وتاريخ الأدب العربي، ومعجم عربي إنجليزي فرنسي، [ الأعلام: 2/72، ومراد، يحيى، معجم أسماء المستشرقين: ص171-173].
(3) …ابن قتيبة، أبو محمد مسلم، تأويل مشكل القرآن، (ص 72-73)، المكتبة العلمية، بيروت، ط2، 1981م.
(4) …الشرقاوي، موقف الشوكاني من التناسب، سابق،عن: موقع صيد الفوائد، وشبكة التفسير.(2/69)
ومما قيل في أهمية دراسة النظام والمناسبة في القرآن الكريم:
…أن الوقوف على نظام الآيات يسمو بالدارس إلى ذروة الشوق والمحبة واللذة التي لا يصل إليها أبداً من لا يهتم بنظامها(1)؛ فإن هذه المشاعر وتلك الأحاسيس تزداد بزيادة المعرفة بمحاسن الكلام وحسن النظام وقوة البرهان، حيث إن مثل هذه الدراسات"تروي ظمأ طلاب المعرفة، والباحثين عن دقائق أسرار هذا القرآن"(2)، وكذلك فإن طلب هذا العلم مما يعين على حفظ القرآن، ويحقق أمر الله تعالى بتدبره، وتحصيل الثواب(3).
__________
(1) …سبحاني، إنعام النظر، (ص 268).
(2) …حوى، الأساس في التفسير، (1/25).
(3) …بازمول، علم المناسبات، (ص40).(2/70)
الفصل الثاني
أوجه التناسب وأنواعه في القرآن الكريم
وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: أوجه التناسب في الآي
المبحث الثاني: أوجه التناسب في السورة القرآنية
المبحث الثالث: أوجه التناسب بين السور
المبحث الرابع: أوجه التناسب في القصص القرآني
المبحث الخامس: أنواع التناسب بين السور المتجاورة
قُصد في الفصل السابق إلى التمهيد لموضوع التناسب، والتعريّف بسورة البقرة، وهما شقا عنوان الأطروحة، أما هذا الفصل فهدفه استعراض أبرز وجوه التناسب في القرآن الكريم تمهيداً وتقعيداً لما سيقال حول أوجه التناسب في سورة البقرة، وتأكيداً على أن ما سيقال هناك ليس بدعاً من القول بل له نظائر في الكتاب الحكيم جميعه.
ويشتمل هذا الفصل على أوجه التناسب في الآي، والمناسبات الداخلية للسورة القرآنية، وأوجه التناسب الخارجية لها مع غيرها، وكذا التناسب في القصص القرآني وقد أفرد لأهميته، علماً بأن بعض أوجه التناسب فيه يندرج تحت الأوجه الداخلية وبعضها الآخر مشمول في الأوجه الخارجية للتناسب، والمبحث الأخير يذكر أنواع الروابط بين الآيات والسور.
المبحث الأول
أوجه التناسب في الآي
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: التناسب في الآية
المطلب الثاني: التناسب بين الآيات
المبحث الأول
أوجه التناسب في الآي
يتضمن هذا المبحث أوجه التناسب في الآية من حيث: التناسب بين النداء ومضمون الآية، فالتناسب في ترتيب المذكورين، ثم المناسبة بين الآية والفاصلة، ومن ثم التناسب بين الآيات المتجاورة، وفيه التناسب بين المقسم به والمقسم عليه، وسأفرد لكل منها مطلباً من المطالب الآتية:
المطلب الأول: التناسب في الآية
أكثر ما بحث المفسرون المناسبات في الآية، إذ هي تتعلق بالسياق القريب، وبعدها المناسبة مع الآية المجاورة، والذي هو موضوع المطلب التالي.(3/1)
ومن أوجه المناسبات في الآية الواحدة اختيار المفردات، وكذا الحذف والذكر، والتقديم والتأخير، والتعريف والتنكير، وفي كتب التفسير والإعجاز البياني منه الكثير وهو ليس غرض هذا البحث، ومن الأوجه كذلك ارتباط المنادى بموضوع الكلام والغرض المطلوب، ومنها ترتيب الأسماء والنعوت داخل الآية، وكذلك مناسبة الفاصلة للآية.
أولاً: المناسبة بين النداء والمضمون:
في القرآن نداءات كثيرة تتصدر آياته أو تتوسطها، من مثل: ( يا بني آدم، يا بني إسرائيل، يا أهل الكتاب، يا أيها الذين هادوا، يا أيها الإنسان...)، وكل واحد منها يناسب السياق والغاية من النداء، ومن أمثلته:
يا بني آدم:
النداء الأول: ژ ? ? ? ? ? ? چ چ چچ ژ [الأعراف: 26].
قال في زهرة التفاسير:" النداء لبني آدم جميعاً؛ لأنه مجاوبة للفطرة الإنسانية التي جعلت أبوي البشر يخصفان عليهما من ورق الجنة، ولذا كان النداء إلى أولاد آدم، وفيه إشارة إلى تلك الفطرة السليمة، وإلى ذلك الحياء الفطري الذي هو سمة الإنسانية الرفيعة، لا إلى تلك الإنسانية المسيخة، التي تظهر في العري الفاحش الذي يقره بعض الذين تبلدت مشاعرهم وأحاسيسهم"(1).
النداء الثاني: ژ ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ? ?? ? ? ? ? ں ں ? ?? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ژ [الأعراف].
حيث جاء النداء " للناس أجمعين، تذكيراً للأبناء بما كان للآباء من عداوة إبليس، وتهديده بإغوائهم، وأنه يقعد لهم الصراط المستقيم، فالله تعالى ينهانا أن ننخدع بالشيطان، وله ماض في إيذائنا وخدع أبوينا، وكان من نتيجة استجابتهما لوسوسته إخراجهما من الجنة وكشف سوءاتهما"(2).
يا بني إسرائيل:
__________
(1) أبو زهرة، محمد، زهرة التفاسير، (6/2804)، دار الفكر العربي، مصر، د ط، د.ت.
(2) أبو زهرة، السابق، (6/ 2807- 2808)، بتصرف.(3/2)
يقول أبو حيان(1):" وأضافهم إلى لفظ إسرائيل، وهو يعقوب، ولم يقل: يا بني يعقوب، لما في لفظ إسرائيل من أن معناه عبد الله أو صفوة الله، وذلك على أحسن تفاسيره، فهزهم بالإضافة إليه؛ فكأنه قيل: يا بني عبد الله، أو يا بني صفوة الله، فكان في ذلك تنبيه على أن يكونوا مثل أبيهم في الخير، كما تقول: يا ابن الرجل الصالح أطع الله، فتضيفه إلى ما يحركه لطاعة الله،؛ لأن الإنسان يحب أن يقتفي أثر آبائه"(2).
يا أهل الكتاب:
قال تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ چ چ چ ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ژ ژ [آل عمران]، "والسبب في هذا النداء هو أولاً توبيخهم على ما كان منهم؛ لأن علمهم بالكتاب كان يوجب عليهم الإذعان للحق بدل التفرق فيه،ژ ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھے ژ [الشورى:14]، ثم هناك سبب آخر، وهو أن علمهم بالكتاب في الجملة يجعل الاحتكام إلى ما بقي منه عندهم كافياً لإذعانهم إن كانت عندهم أثارة من إيمان بالحق وطلب له مع ما هم فيه من تعصب"(3). ومثل ذلك يقال في الآية الكريمة ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ?? ? ? ? ژ [آل عمران: 65]، فإن علمهم بالكتاب يجعلهم على بينة من أمر إبراهيم عليه السلام ومن ثم فإن حجاجهم مغالطة لما يعرفون.
ثانياً: المناسبة في ترتيب الأمور المذكورة داخل الآية
لفت غير واحد من المفسرين إلى الحكمة من الترتيب للأمور المذكورة في الآية أو الآيات، ومن الأمثلة على ذلك:
__________
(1) محمد بن يوسف بن حيان، الأندلسي الغرناطي،( 654- 745هـ)، نحوي عصره ولغويه ومفسره ومحدثه ومقرئه ومؤرخه وأديبه، له سوى التفسير، التذييل والتكميل، وإتحاف الأريب بما في القرآن من الغريب.[ طبقات الداودي، 2/286-291، طبقات الأدنروي 278-280].…
(2) …أبو حيان ، محمد بن يوسف الأندلسي، البحر المحيط في التفسير،(1/ 281)، دار الفكر، بيروت، 1413هـ - 1992م.
(3) …أبو زهرة، زهرة التفاسير،(3/1257).(3/3)
الحكمة من ترتيب الدواب المذكورة في قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ?? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ژ [النور:45]، كما يراها الزمخشري: " هي لتقديم ما هو أعرق في القدرة: وهو الماشي بغير آلة مشي من أرجل أو قوائم، ثم الماشي على رجلين، ثم الماشي على أربع"(1).
وقال أبو حيان عن الترتيب في الآية الكريمة: ژ ? ں ں ? ? ? ? ? ژ [البقرة:98]:" وهذا الترتيب في غاية الحسن؛ فابتدئ بذكر الله، ثم بذكر الوسائط التي بينه وبين الرسل، ثم بذكر الوسائط التي بين الملائكة وبين المرسل إليهم، فهذا ترتيب بحسب الوحي، ولا يدل تقديم الملائكة في الذكر على تفضيلهم على رسل بني آدم، لأن الترتيب الذي ذكرناه هو ترتيب بحسب الوسائط، لا بالنسبة التفضيل"(2).
وعند قوله تعالى ژ ? ? ? ? ? ? ? ںں ? ? ? ? ? ? ژ [ البقرة: 285]، قال:" وهذا الترتيب في غاية الفصاحة؛ لأن الإيمان بالله هو المرتبة الأولى، وهي التي يستبد بها العقل؛ إذ وجود الصانع يقر به كل عاقل، والإيمان بالملائكة هي المرتبة الثانية؛ لأنهم كالوسائط بين الله وعباده، والإيمان بالكتب: هو الوحي الذي يتلقنه الملك من الله يوصله إلى البشر، هي المرتبة الثالثة، والإيمان بالرسل الذين يقتبسون أنوار الوحي فهم متأخرون في الدرجة عن الكتب، هي المرتبة الرابعة"(3).
ويضاف إلى ذلك أن تأخير الرسل هو أيضاً بسبب ما بعدها من الحديث عن عدم التفريق بين أحد منهم. والدرجات التي يتحدث عنها أبو حيان هي مراتب لأركان الإيمان، لا درجات ومراتب المذكورين، كما بيّن ذلك في الآية السابقة.
ثالثاً: المناسبة بين الفاصلة والآية:
والحديث هنا يتضمن المناسبة بين الفاصلة والآية، وبعض العادات القرآنية في تقديم الأسماء الحسنى أو تأخيرها، وسر التغاير في بعض الأحيان، ومن الأمثلة على ذلك:
__________
(1) …الزمخشري، الكشاف،( 3/240).
(2) …أبو حيان، البحر المحيط، (1/516).
(3) …أبو حيان، البحر المحيط، ( 2/765).(3/4)
ما رواه الأصمعي(1) بقوله:"كنت أقرأ سورة المائدة ومعي أعرابي، فقرأت هذه الآية: ژ ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹٹ ژ ، فقلت:( والله غفور رحيم)، سهواً، فقال الأعرابي: كلام من هذا؟ فقلت: كلام الله، قال: أعد، فأعدتُ: ( والله غفور رحيم)، ثم تنبهت فقلت: ژ ? ? ? ? ژ [المائدة] ، فقال:الآن أصبت! فقلت:كيف عرفت؟ قال: يا هذا عزيز حكيم فأمر بالقطع، فلو غفر ورحم لما أمر بالقطع"(2).
السر في تقديم الرحمن على الرحيم:" أن الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه، والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم، فكان الأول للوصف، والثاني للفعل، فالأول دال على أن الرحمة صفته، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته"(3).
أما الحكمة من جريان العادة القرآنية بتقديم اسم الغفور على الرحيم، فهي أن دفع الضرر أولى من جلب المنفعة، فضلاً عن أن في هذا الترتيب تصاعداً في النعم من الأدنى إلى الأعلى، و" المغفرة ستر للذنوب، أما الرحمة فتفضل وإنعام زائد على مغفرة الذنوب؛ لذا قُدمت المغفرة على الرحمة، والتخلية مقدمة على التحلية"(4).
لكن سورة سبأ هي الوحيدة التي تقدم فيها اسمه سبحانه الرحيم على اسم الغفور: ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ژ.
__________
(1) …عبد الملك بن قُريب بن أصمع الباهلي ( 122-216هـ)، مولده ووفاته بالبصرة، راوية العرب وأحد أئمة العلم باللغة والشعر والبلدان، طاف البوادي يقتبس علومها وأخبارها، له: الإبل، والخيل، والمترادف، وشرح ديوان ذي الرمة[ الأعلام 4/162].
(2) …الرازي، التفسير الكبير، (4/357).
(3) …ابن القيم، محمد بن أبي بكر الدمشقي، بدائع الفوائد، (1/24)، دار الكتاب العربي، بيروت، دط، دت.
(4) …عباس، إعجاز القرآن الكريم، ( ص213).(3/5)
والسر في مغايرة آية سبأ لسائر الآيات " أن الغفور يتقدم في كل موطن يهمس فيه السياق بوقوع المعاصي وكفران النعم، والدعوة إلى التوبة والاستغفار من الذنوب، فتكون المبادرة بالمغفرة لطمأنة المذنبين والخطائين إلى أن يد الله ممدودة إليهم، تعفو عنهم وتستر خطاياهم لأنه رحيم بهم... أما الآية التي تقدمت فيها الرحمة من سورة سبأ، فهي في سياق يعدد الله تعالى فيها نعمه على خلقه، المستوجبة للحمد والشكر عليها ... هذه النعم الجليلة مصدرها ودوام بقائها رحمة الله الواسعة بخلقه مع مقابلتهم لها بالكفران والنسيان"(1) وكذلك فإن سياق آية سبأ هو سياق القدرة والعلم، وسياق العناية بالمخلوقات المذكورة، التي تتجلى فيها كلها رحمة الله تبارك وتعالى(2).
وسر اختلاف الفواصل بين الآيتين: ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? چ چ چ ژ [ القصص]؛ أن الليل يصلح للاستماع ولا يصلح للإبصار، فيما النهار ظرف مضيء صالح للإبصار(3)، بل يحصل فيه تشويش للسمع لكثرة الأصوات.
وحول الفاصلتين في الآيتين الكريمتين: ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ژ [ التوبة].
__________
(1) …الخضري، محمد الأمين، من أسرار المغايرة في نسق الفاصلة القرآنية، ( ص50)، د.ن، القاهرة، د.ط، 1414هـ - 1994م.
(2) …عباس، إعجاز القرآن الكريم، ( ص 214).
(3) …ابن أبي الإصبع المصري، تحرير التحبير، ( ص364)، تحقيق حفني محمد شرف، منشورات لجنة إحياء التراث الإسلامي، وزارة الأوقاف، القاهرة، د.ط، 1416هـ - 1995م.(3/6)
يقول الشيخ محمد أبو زهرة(1)، عن فاصلة الآية الأولى:" فهم يريدون الإطفاء والله لا يريد إلا أن يتم نوره، ويعم الوجود الإنساني، وإرادة الله هي النافذة؛ لأن إرادتهم ظلمة والنور كاشف: ژ ? ? ? ژ؛ لأن ستر الحقائق والتمويه والتضليل لا يدوم مهما يطل الزمان، وقد أيد الله دعوة الحق بإرسال محمد- صلى الله عليه وسلم - يكشف به الظلمات(2)"، فالشيخ رحمه الله ربط بين أصل معنى الكفر الذي هو الستر، وما يقوم به الكفرة من محاولة إطفاء نور الله الكاشف للظلمات والمميز للحق من الباطل، وأما في الآية الثانية فقد أوضح أن دين الحق هو التوحيد(3)، ولذلك فهم يكرهونه لأنهم مشركون. والمشركون الكافرون في الآيتين السابقتين هم أهل الكتاب، الذين قالت عنهم الآية السابقة لهاتين الآيتين: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ?? ? ? ? ? ژ [ التوبة].
المطلب الثاني: المناسبة بين الآيات
التناسب بين الآيات يشمل أشكالاً عدة، وهو كسابقه لا ينفك عما سيأتي من المناسبات في السورة أو بين السور، أو في القرآن الكريم جميعه، والقصد من إفراده هو العبور من خلاله إلى ما هو أعم وأشمل. ويشتمل هذا المطلب على أمثلة للمناسبة بين الآية وسابقتها، والمناسبة بين المقسم به والمقسم عليه.
أولاً: المناسبة بين الآية وسابقتها:
__________
(1) …هو محمد أحمد مصطفى أبو زهرة،( 1898- 1974م)، من علماء الأزهر الأفذاذ، له عشرات الكتب منها: المعجزة الكبرى، خاتم النبيين، الملكية ونظرية العقد، تاريخ الديانات القديمة، وعدة دراسات عن أئمة الفقه.[ انظر: الأعلام:6/25-26، ومقدمة زهرة التفاسير 1/3-11].
(2) …أبو زهرة، زهرة التفاسير، (6/3286).
(3) …أبو زهرة، السابق، (6/3287).(3/7)
مناسبة قوله تعالى: ژ چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ? ? ? ? ژ [ التوبة]، مع الآية الكريمة السابقة، ژ ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? چ چ چ ژ [التوبة]؛ أنه " لما حرم الله تعالى على الكفار أن يقربوا المسجد الحرام، وجد المسلمون في أنفسهم بما قُطع عنهم من التجارة التي كان المشركون يوافون بها؛ قال الله عز وجل: ژ ? ? ?ژ الآية. ثم أحل الله في هذه الآية الجزية وكانت لم تؤخذ قبل ذلك؛ فجعلها عوضاً مما منعهم من المشركين"(1).
عند تفسير الآية الكريمة: ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹٹ ٹ ٹ ? ? ? ژ [البقرة] قال الشوكاني:" لما ذكر سبحانه عدة الطلاق واتصل بذكرها ذكر الإرضاع؛ عقب ذلك بذكر عدة الوفاة لئلا يتوهم أن عدة الوفاة مثل عدة الطلاق"(2)، وفي نظم الدرر:" لما ذكر عدة الطلاق الذي هو فرقة الحياة، انتظم برأس آيته عدة الوفاة الذي هو فراق الموت واتصل بالآية السابقة لما انجر في ذكر الرضاع من موت الوالد وأمر الوارث"(3).
والتناسب بين الآيتين الكريمتين: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ژ [ آل عمران]، قال الإمام الطبري:" يعني بذلك جل ثناؤه: أفغير دين الله تبغون يا معشر اليهود، وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً، وإليه ترجعون، فإن ابتغى غير دين الله يا محمد، فقل لهم: آمنا بالله؛ فترك ذِكر قوله:" فإن قالوا نعم"، وذِكر قوله:"فإن ابتغوا غير دين الله"، لدلالة ما ظهر من الكلام عليه"(4).
__________
(1) …القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن، (8/ 44)، دار الفكر، لبنان، د ط، 1415هـ - 1995م.
(2) …الشوكاني، فتح القدير (1/430).
(3) البقاعي، نظم الدرر: ( 1/442).…
(4) أبو جعفر الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، (3/ 458).…(3/8)
و قال في اللباب عن سر مجيء قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ژ[ آل عمران: 28]، بعد الآيتين الكريمتين: ژ ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ? ?? ? ?? ? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھھ ھ ھ ے ے ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ژ [ آل عمران]:" في كيفية النظم وجهان: أحدهما: أنه- تعالى- لما ذكر ما يجب أن يكون المؤمن عليه في تعظيم الله – تعالى- ذكر بعده ما يجب أن يكون المؤمن عليه في المعاملة مع الناس فقال: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ژ، والثاني: أنه لما بين أنه - تعالى- مالك الدنيا والآخرة، بين أنه ينبغي أن تكون الرغبة فيما عنده وعند أوليائه، دون أعدائه"(1).
وقال في تفسير المنار:" جاء قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ، بعد تلك الآية التي نبه الله فيها النبي والمؤمنين إلى الالتجاء إليه معترفين أن بيده الملك والعز ومجامع الخير، والسلطان المطلق في تصريف الكون يعطي من يشاء ويمنع من يشاء، فإذا كانت العزة والقوة له - عز شأنه- فمن الجهل والغرور أن يعتز بغيره من دونه، وأن يُلتجأ إلى غير جنابه، وأن يذل المؤمن في غير بابه"(2).
__________
(1) ابن عادل الحنبلي، اللباب في علوم الكتاب، (5/142)، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، وعلي محمد معوض، دار الكتب العلمية بيروت، ط 1 ، 1419هـ - 1998م.
(2) رضا، محمد رشيد، تفسير القرآن الحكيم،الشهير بتفسير المنار،( 3/ 276)، دار المعرفة، بيروت، 1414هـ - 1993م.(3/9)
و قال الطبري عن المناسبة بين الآيات الثلاث: ژ ? ? ? ? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھھ ھ ھ ے ے ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ژ [ البقرة]، ما ملخصه: أي قاتلوا أيها المؤمنون في سبيل الله الصادين عن سبيله ولا تجبنوا عن لقائهم وقتالهم حذر الموت؛ فتذلوا ويأتيكم الموت كما أتى الذين خرجوا من ديارهم فراراً من الموت، ثم أهابت الآية الأخيرة بالمؤمنين أن ينفقوا لإعانة المجاهدين في سبيل الله(1).
ثانياً: المناسبة بين المقسم به والمقسم عليه.
القسم في القرآن فضلاً عما يؤديه من التوكيد، وما يلفت إليه من علو شأن المقسم به - إذ أقسم به رب العزة في كتابه -، فإنه يقصد به الاستدلال بالمقسم به على المقسم عليه، كما ستوضحه النقاط الآتية:
مناسبة القسم بالعاديات على أن الإنسان لربه لكنود هي أن" الله سبحانه يصف الخيل في هذه السورة بأوصاف ويذكر لها أعمالاً، كلها ترجع إلى نقطة، وهي الوفاء والفداء والإيثار لسيدها.
"فهي التي تفديه بنفسها وتشقى لنعيمه، وتموت لحياته، ولا تعرف لنفسها ولا لحياتها حقاً، ترمي بنفسها في الخطر، وفي النار والبحر، وتصبر على الجوع والعطش، وتتحمل المشاق: تعدو ضبحاً، وتوري قدحاً، وتغير صبحاً، فتثير به نقعاً، وتوسط به جمعاً، ولا تصوير أبلغ من تصوير الله سبحانه.
"تفعل كل هذا مع ربها، وهو ليس لها برب، والذي هو من غير جنسها، والذي يستخدمها أكثر مما يخدمها، وهو الحيوان غير الناطق غير العاقل. فكيف الإنسان العاقل الشريف مع ربه الحقيقي وولي نعمه، إن الإنسان لربه لكنود! فللإنسان عبرة في دواجنه وفي عبيده المسخرة"(2).
__________
(1) الطبري، جامع البيان، (2/ 800 – 802).
(2) الندوي، أبو الحسن علي الحسني، تأملات في القرآن الكريم، ( ص 110-111)، دار القلم، دمشق، ط1، 1411هـ - 1991م.(3/10)
وعن علاقة القسم بالتين والزيتون وطور سينين والبلد الأمين، بخلق الإنسان في أحسن تقويم، في قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [التين] أن كل:" هذه الأمكنة الطاهرة تشهد بمزية الإنسان واعتدال طبيعته واستعداده لأكبر مهمة وحمل أمانة النبوة، والنبوة لا يليق لها إلا المعتدلون في الخلق والخلق"(1).
وقد " ترقى في هذا القسم من الفاضل إلى الأفضل؛ فبدأ بموضع مظهر المسيح، ثم ثنى بموضع مظهر الكليم، ثم ختمه بموضع مظهر عبده ورسوله وأكرم الخلق عليه"(2).
وعن حكمة القسم بالقلم أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - ليس بمجنون، قال الإمام ابن تيمية:" أقسم سبحانه بالقلم وما يسطرون؛ فإن القلم به يكون الكتاب الساطر، للكلام المتضمن الأمر والنهي والإرادة والعلم المحيط بكل شيء؛ فالإقسام وقع بقلم التقدير ومسطوره، فتضمن أمرين عظيمين تناسب المقسم عليه؛ أحدهما: الإحاطة بالحوادث قبل كونها، وأن من علم بالشيء قبل كونه، أبلغ ممن علمه بعد كونه، فإخباره عنه أحكم وأصدق، والثاني: أن حصوله في الكتابة والتقدير، يتضمن حصوله في الكلام والقول والعلم، من غير عكس؛ فإقسامه بآخر المراتب العلمية يتضمن أولها من غير عكس، وذلك غاية المعرفة والعلم إذا صار مكتوباً(3). فالمناسبة جلية بين القسم بالقلم على أن محمداً ليس بمجنون؛ إذ القلم عنوان بارز على العلم، وأهله أرباب الحكمة، والمكتوب المسطور بالقلم حجة ووثيقة ليس كمثلها غير المكتوب.
المبحث الثاني
أوجه التناسب في السورة القرآنية
وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: التناسب بين مطلع السورة وخاتمتها
المطلب الثاني: التناسب بين مقاطع السورة
المطلب الثالث: الوحدة الموضوعية للسورة
__________
(1) …الندوي، السابق، ( ص105).
(2) …ابن قيم الجوزية، التبيان في أقسام القرآن، (ص55)، مؤسسة الرسالة، ط1، 1414هـ - 1994م.
(3) …ابن تيمية، مجموعة الفتاوى،(16/45).(3/11)
المطلب الرابع: تميز السورة بمفردات وتعابير معينة
المطلب الخامس: التناسب بين اسم السورة وموضوعها
التناسب بين كل آية وجارتها يقتضي أن السورة القرآنية وحدة واحدة، وقد مضى في مبحث سابق تشبيه السورة أو تشبيه القرآن الكريم بالبناء الواحد، أو الجسم الواحد، بل وحتى الكلمة الواحدة.
والمعاصرون كالفراهي، وسيد قطب، والدكتور مصطفى مسلم، والدكتور صلاح الخالدي، وسعيد حوى، وأسد سبحاني، ومحمود البستاني، وطه جابر العلواني، وصبحي الفقي، وغيرهم ممن تكرر الرجوع إلى مؤلفاتهم في هذا البحث، استخدموا مصطلحات حديثة من مثل:( الوحدة الموضوعية في السورة، أو الوحدة العضوية، وكذا التماسك، والوحدة البنائية، وعمارة السورة، والتفسير البنائي، فضلاً عن النظام والتناسق والترابط والتناسب والنظم).
وقد أكثر عدد من أئمة التفسير القدماء، من ربط نجوم السورة - أجزاء السورة ومقاطعها - أكثر من مرة خلال التفسير ثم يجملون العلاقة بين هذه الأجزاء وبالأخص قبيل ختام السورة، شعوراً منهم وإشعاراً لقرائهم بوحدة السورة القرآنية، وفيما يأتي عدد من الأمثلة في ربط المقاطع، ثم أمثلة أخرى قديمة ومعاصرة على تبلور فكرة الوحدة الموضوعية في السور القرآنية.
المطلب الأول
التناسب بين مطلع السورة وختامها
أغلب الذين اهتموا بالمناسبة التفتوا إلى الصلة بين بداية السورة ونهايتها، أو رد مقطعها على مطلعها، وإن تفاوتوا في ذلك كثرة وقلة، أو قوة وضعفا وهذه بعض الأمثلة التي تبين ذلك:(3/12)
سورة المؤمنون: قال الزمخشري:" جعل فاتحة السورة: ژ ? ? ? ? ژ ، وأورد في خاتمتها: ژ ? ? ? ? ? ژ ، فشتان ما بين الفاتحة والخاتمة(1)"، فقد" بُدئت السورة الكريمة بتقرير فلاح المؤمنين، وختمت بنفي فلاح الكافرين؛ تحريضاً على الإيمان، وعلى ما يوجب بقاءه وتنميته، من التمسك بالتنزيل"(2).
سورة الإسراء: افتتحت بالتسبيح الذي هو تنزيه الله تعالى عما لا يليق، وختمت بتسبيح الذين أوتوا العلم، ثم بالطلب إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يحمد الله تعالى على أن تنزه عن الولد والشريك.
سورة الكهف: حيث بدأت بقوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ.
وختام السورة:" ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ .
قال في الظلال:" وهكذا يتساوق البدء والختام في إعلان الوحدانية، وإنكار الشرك، وإثبات الوحي، والتمييز المطلق بين الذات الإلهية وذوات الحوادث"(3).
ففي المطلع حمد الله الذي أنزل على عبده الكتاب، وفي الختام تأكيد الكلام على لسان الرسول أنه بشر/عبد، وأنه يوحى إليه، وفي البداية أن الكتاب ينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداً، وفي الختام: أن على من كان يرجو لقاء ربه أن يعمل عملاً صالحاً، وأن لا يشرك بعبادة ربه أحداً.
المطلب الثاني
التناسب بين مقاطع السورة
__________
(1) …الزمخشري، الكشاف، (3/201).
(2) …ابن عجيبة الأندلسي، أحمد بن محمد بن المهدي، البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، (5/44)، تحقيق عمر أحمد الراوي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1423هـ - 2002م.
(3) …قطب، في ظلال القرآن، (4/2257).(3/13)
قال في (غرائب القرآن) رابطاً بين مقاطع سورة الصافات وخاتمتها:" واعلم أن السورة اشتملت على ما قاله المشركون في الله، وعلى ما عانى المرسلون من جهتهم، وعلى ما يؤول إليه عاقبة الرسل وحزب الله من موجبات الحمد؛ فلا جرم ختمها بكلمات جامعة لتلك المعاني"(1).
وقال الرازي في الآية قبل الأخيرة من سورة الأحقاف:" اعلم أنه تعالى ذكر في أول السورة ما يدل على وجود الإله القادر الحكيم المختار، ثم فرّع عليه قولين؛ الأول: إبطال قول عبدة الأصنام، والثاني: إثبات النبوة، وذكر شبهاتهم في الطعن في النبوة، وأجاب عنها.
" ولما كان أكثر إعراض كفار مكة عن قبول الدلائل بسبب اغترارهم بالدنيا، واستغراقهم في استيفاء طيباتها وشهواتها، وبسبب أنه كان يثقل عليهم الانقياد لمحمد والاعتراف بتقدمه عليهم ضرب لذلك مثلاً وهم قوم عاد فإنهم كانوا أكمل في منافع الدنيا من قوم محمد فلما أصروا على الكفر أبادهم الله وأهلكهم، فكان ذلك تخويفاً لأهل مكة بإصرارهم على إنكار نبوة محمد عليه الصلاة والسلام، ثم لما قرر نبوته على الإنس أردفه بإثبات نبوته في الجن، وإلى ههنا قد تم الكلام في التوحيد وفي النبوة، ثم ذكر عقيبهما تقرير مسألة المعاد"(2).
__________
(1) النيسابوري، تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان، (5/579).…
(2) …الرازي، التفسير الكبير، (10/29-30).(3/14)
وأورد النيسابوري(1) في أواخر تفسير سورة ص:" واعلم أنه سبحانه لما بدأ في أول السورة بأن محمداً يدعو إلى التوحيد، وأن الكفار يستهزئون منه وينسبونه إلى السخرية تارة وإلى الكذب تارة أخرى، ثم ذكر طرفاً من قصص الأنبياء عليهم السلام ليعلم أن الدنيا دار تكليف وبناء لا دار إقامة وبقاء، ثم عقبه بشرح نعيم الأبرار وعقاب الأشرار، عاد إلى تقرير المطالب المذكورة في أول السورة؛ وهي: صحة نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - وصدق ما يدعو إليه من التوحيد والإخلاص، فقال: ژ ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ژ ، من جميع الوجوه ژ ? ? ژ لما دونه، ثم أردف باللطف والتربية قائلاً: ژ ? ? ? چ چ ژ ، ثم أكد صفتي اللطف والقهر بقوله: ژ چ چ ژ ؛ فمن عزته أدخل أهل الاستكبار النار، ولمغفرته أعد الجنة لأهل الاستغفار، قوله: ژ ? ? ? ? ? ژ ، أي القول بأن الله واحد نبأ عظيم، أو القول بالنبوة أو بإثبات الحشر والقيامة؛ وذلك لأن هذه المطالب كانت مذكورة في أول السورة ولأجلها سيق الكلام منجزاً إلى ههنا"(2).
المطلب الثالث
الوحدة الموضوعية للسورة
توقف غير واحد من العلماء عند الوحدة الموضوعية، أو المحور الرئيس في السور القرآنية، ومن الأمثلة على ذلك:
سورة العنكبوت: مضمونها على ما ذكر الإمام ابن القيم، هو:" سر الخلق والأمر؛ فإنها سورة الابتلاء والامتحان وبيان حال أهل البلوى في الدنيا والآخرة، ومن تأمل فاتحتها ووسطها وخاتمها، وجد في ضمنها أن أول الأمر ابتلاء وامتحان، ووسطه صبر وتوكل، وآخره هداية ونصر"(3).
__________
(1) نظام الدين، الحسن بن محمد القمي النيسابوري، (ت 728هـ)، مفسر له اشتغال بالحكمة والرياضيات، وتفسيره غرائب القرآن كأنه اختصار لتفسير الرازي.[ الأعلام 2/216].…
(2) …النيسابوري، غرائب القرآن، (5/606-607).
(3) …محمد، يسري السيد، بدائع التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن قيم الجوزية، (3/370)، دار ابن الجوزي، الدمام، ط1، 1414هـ - 1993م.(3/15)
سورة فصلت: قال الفخر الرازي:" وقد ظهر من كلامنا في تفسير هذه السورة أن المقصود من هذه السورة، هو ذكر الأجوبة عن قولهم: ژ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ؛ فتارة ينبه على فساد هذه الطريقة، وتارة يذكر الوعد والوعيد لمن لم يؤمن بهذا القرآن ولم؟ يعرض عنه، وامتد الكلام إلى هذا الموضع من أول السورة على الترتيب الحسن والنظم الكامل"(1). وأكد في موطن آخر من السورة أن:" هذه السورة من أولها إلى آخرها كلام واحد "(2).
سورة القلم: يقول الإمام ابن تيمية:" سورة( ن) هي سورة الخُلق، الذي هو جماع الدين الذي بعث الله به محمداً - صلى الله عليه وسلم -، قال الله تعالى فيها: ژ ? ? ? ں ں ژ "(3).
وبعد الحديث عن تناسب المقسم به مع المقسم عليه، والغوص في معاني الآيات والموازنة بين صاحب الخُلق القويم، وذوي الخلق الذميم، قال رحمه الله عن السورة:" وختمها بالأمر بالصبر الذي هو جماع الخلق العظيم في قوله: { ژ ? ? ? ژ [ القلم: 48](4).
المطلب الرابع
تميز السورة بمفردات وتعابير معينة
تحدث غير واحد عن الشخصية المستقلة لكل سورة، وتميزها عن غيرها بألفاظ وتعبيرات محددة، ومن أمثلته:
__________
(1) …الرازي، التفسير الكبير، (9/569).
(2) …الرازي، السابق، (9/569-570).
(3) ابن تيمية، مجموعة الفتاوى، ( 16/45).…
(4) …ابن تيمية، السابق، ( 16/49).(3/16)
فقد ذكر أستاذنا الدكتور أحمد نوفل أنه – وفي سبيل تأكيد الشخصية المتفردة لسورة يوسف – فقد حشدت السورة من التعابير والصور البيانية، ما لم يتكرر في سورة أخرى، من مثل:" أحد عشر، اطرحوه، الجب، يرتع، الذئب، قميصه، بضاعة، قدت، شغفها، سكيناً، حاش لله، السجن، أصبُ، خبزاً، حصحص، رحالهم، نمير، بعير، صواع، وعاء، معاذ الله، العير، حرضاً، بثّي، تثريب، البدو، تعبرون، جهزهم بجهازهم، تفتأ، دلوه، دراهم، أعصر، تعصرون، عجاف، تفندون، غلّقت، رَوح الله، نسوة، الزاهدين"(1).
وفي سورة محمد: أحصى الدكتور صلاح الخالدي الألفاظ التي تفردت بها السورة الكريمة، ومنها: ( تعساً، آسن، عسل، أمعاءهم، أشراطها، أقفالها، أضغانهم، أضغانكم، لحن،يُحفِكم).
كما أورد قائمة بالتعابير التي لم ترد على صورتها التركيبية في غير السورة الكريمة، والتي بلغت ثلاثين، منها: ( أضل أعمالهم، وأصلح بالهم،فضرب الرقاب، دمر الله عليهم، وأنهار من خمر لذة للشاربين، ولن يتركم أعمالكم، وتقلبكم ومثواكم، والله يعلم إسرارهم)(2).
وبالنسبة إلى سورة النساء التي ركزت على قضايا النساء والأيتام والضعفاء بعامة، فاللافت أن فيها أكثر ورود لكلمة النساء، وكلمة اليتامى، ومشتقات الجذر( ضعف)، مقارنة بجميع سور القرآن الكريم.
__________
(1) …نوفل، أحمد، سورة يوسف: دراسة تحليلية، (ص10)، دار الفرقان، عمان، ط1، 1409هـ- 1989م.
(2) …الخالدي، صلاح، التفسير الموضوعي بين النظرية والتطبيق، (ص: 290- 294).(3/17)
وفي سورة القلم جو القسم يبدأ من أولها بقسم الله تعالى وهو الحق، ثم نهي الرسول عن طاعة كل "حلّاف" مهين، ثم إن أصحاب الجنة " أقسموا" ليصرمنها صارمين، وجاء التساؤل بعد القصة: أم لهم "أيمان" علينا بالغة. وفيها أيضاً جو من الصرامة والصرم والحسم، يؤكده أولاً تكرر القسم، ثم مشتقات "صرم": ( ليصرمنها، صارمين، كالصريم)، وكذا الحرمان والحرد، وفي السورة كذلك، جو الإصباح: ( مصبحين، فأصبحت، وغدوا).
وفيها ذو الخلق العظيم والأوسط عقلاً، المنفي عنه الجنون، يقابلهما الحلاف المهين الهماز المشاء بنميم العتل الزنيم، الذي يتأكد لأضرابه أنهم كانوا هم الضالين الأشبه بالمجانين.
المطلب الخامس
التناسب بين اسم السورة وموضوعها(3/18)
كثير من تسميات السور مرجعها إلى افتتاحها بذلك الأمر الذي سميت به، ولذلك نظائر في شعر العرب؛ كتسميتهم قصيدة كعب بن زهير(1): (بانت سعاد) لافتتاحها بها، وتسمية قصيدة امرئ القيس(2): ب(قفا نبك)، تسميةَ الكل باسم أوله؛ لشهرة الأول وخفته وتداوله لكونه أول ما يفاجئه، وعلى هذا كثير من أسماء السور. وكذلك فإن طول شأن الاسم في السورة وإن لم يكن في أولها، من دواعي التسمية به، أو مناسبة الاسم لأول السورة لكون الأول كالترجمة لباقي السورة، وكأنهم يلفتون إلى علاقة اسم السورة بمطلعها الذي يقوم باقي السورة بتفصيله(3)، حيث يتم في العنوان الإشارة إلى المحتوى على اعتبار أنه اعتصار واختصار مكثف للنص القادم(4).
وأكثر من اهتم بالمناسبة بين الاسم والموضوع هو الإمام البقاعي، وهو القائل بأن اسم كل سورة مترجم عن مقصودها، إذ اهتدى إلى هذه القاعدة بعد وصوله إلى سورة سبأ في السنة العاشرة من ابتدائه في تفسير نظم الدرر(5)، وحيث إنه قد ألزم نفسه أن يذكر مقصود كل سورة من خلال اسمها فإن من الطبيعي أن لا يحالفه التوفيق في جميع اجتهاداته، دون أن ننتقص من قيمة الجهود التي بذلها، والنظرية التي اكتشفها.
__________
(1) …هو كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني،( ت26هـ)، الشاعر المشهور، صحابي معروف، أنشد قصيدته ( بانت سعاد)، فأعطاه الرسول بردته. [ أسد الغابة 3/528، الأعلام، 5/226].
(2) …امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي، ( ت 80قهـ)، يماني الأصل كان أبوه ملك أسد وغطفان.[ الأعلام، 2/11-12].
(3) …ابن عقيلة المكي، الزيادة والإحسان في علوم القرآن، ( 1/292-294).
(4) …مالكي، فرج عبد الحسيب، عتبة العنوان في الرواية الفلسطينية، دراسة في النص الموازي، (ص 24)، رسالة ماجستير، جامعة النجاح الوطنية، نابلس، 1424هـ - 2003م.
(5) …البقاعي، نظم الدرر،(1/12).(3/19)
ومن المعاصرين صاحب الظلال حيث ربط أحياناً بين اسم السورة وموضوعها، كما فعل في سورة المؤمنون والقتال والواقعة، وفي خواطره القرآنية(1)، حرص الأستاذ عمرو خالد على أن يربط بين السورة وموضوعها في مواطن كثيرة.
ولقد سبق القول بأن عنوان السورة – أو اسمها – مفتاح لمعانيها، (2)، والأمثلة الآتية تهدف إلى استعراض بعض محاولات الربط بين أسماء السور وموضوعاتها، ثم استخلاص ما يشبه القاعدة في ذلك.
ومن الأمثلة على الربط بين اسم السورة وموضوعها:
سورة الشورى: قال البقاعي رحمه الله تعالى في بداية تفسيره للسورة:" مقصودها الاجتماع على الدين الذي أساسه: الإيمان، وأم دعائمه: الصلاة، وروح أمره: الألفة بالمشاورة، المقتضية لكون أهل الدين كلهم فيه(3) سواء، كما أنهم في العبودية لشارعه سواء، وأعظم نافع في ذلك الإنفاق والمؤاساة فيما في اليد، والعفو والصفح عن المسيء، والإذعان للحق في الخضوع للآمر الحق وإن صعب وشق... وتسميتها بالشورى واضح المطابقة لذلك"(4).
ومن الواضح أن البقاعي رحمه الله تعالى قد استوحى سياق الآية الذي ورد فيه اسم الشورى وهو يتحدث عن المقصود، وهو قوله تعالى: ژ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ? ? ? ? ? ? ? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ژ.
__________
(1) …خالد، عمرو، خواطر قرآنية، نظرات في أهداف سور القرآن، الدار العربية للعلوم، بيروت، ط1، 1425هـ - 2004م.
(2) …سعيد، محمد رأفت، سورة لقمان بين كلمة التنزيل وتناسب الترتيب، ( ص13).
(3) …في المطبوع: ( في)، والسياق يستدعي الضمير.
(4) البقاعي، نظم الدرر، (6/593).…(3/20)
سورة الفتح: قال في (نظم الدرر):" مقصودها مدلول اسمها الذي يعم فتح مكة وما تقدمه من صلح الحديبية وفتح خيبر ونحوهما، وما وقع تصديق الخبر به من غلب الروم على أهل فارس، وما تفرع(1) من فتح مكة المشرفة، من إسلام أهل جزيرة العرب، وقتال أهل الردة وفتوح جميع البلاد الذي كله إظهار الدين على الدين كله، وهذا كله في غاية الظهور بما نطق به ابتداؤها وأثناؤها في مواضع منها: ژ ? ? ? ? ? ?ژ [27]، وانتهاؤها { ژ ? ? ? ??ژ [28] "(2).
سورة النور: قال الدكتور عبد الكريم الخطيب(3)، عن سبب تسمية السورة بهذا الاسم، فضلاً عن ورود آية ژ ہ ھ ھ ھ ژ [ 35]:" لأنها جاءت بآيات كشفت ظلاماً كثيفاً، كان قد انعقد في سماء المسلمين قبل أن تنزل هذه السورة، وتنزل هذه؛ وذلك أن السيدة عائشة رضي الله عنها، كانت في تلك الفترة موضع اتهام على ألسنة المشركين والمنافقين، وقد أوذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا الحديث المفترى، كما أوذيت زوجه رضي الله عنها، وأوذي المسلمون بهذا الذي طاف حول بيت النبوة من غبار تلك التهمة المفتراة، فلما نزلت الآيات التي تبرئ البريئة الصديقة بنت الصديق انقشع هذا الظلام، وكشف النور السماوي، عن وجوه المنافقين المفترين... فلهذه الأنوار التي تملأ الوجود من نور الله، ولهذه الآيات المنزلة التي أضاءت للمسلمين ظلام الليل الكثيف... استحقت السورة أن تحمل هذا الاسم"(4).
__________
(1) …في المطبوع:( تفرغ).
(2) البقاعي، نظم الدرر،( 7/183).…
(3) عبد الكريم محمود الخطيب( 1910-1985م)، المصري، المفسر والمفكر الإسلامي، له أكثر من 50 كتاباً، منها سوى التفسير: القصص القرآني، وإعجاز القرآن، والمهدي المنتظر، والحدود في الإسلام، [ تتمة الأعلام 1/316-317].…
(4) …الخطيب،عبد الكريم، التفسير القرآني للقرآن، (9/1199-1200)، دار الفكر العربي، القاهرة، د ط، 1970م.(3/21)
سورة الأنعام: قال الدكتور محمد البهي(1): " ... فجاءت سورة الأنعام - وحملت السورة اسم الأنعام باعتبار أن الأنعام تمثل الجانب الرئيسي في الثروة القومية للمجتمع القبلي في شبه الجزيرة العربية ـ تنكر على الكهان تدخلهم في الأموال الخاصة.. وتنفي نسبة ما يقولون من حلال وحرام، إلى الله.. وتؤكد افتراءهم واختلاقهم على الله، فيما كانوا يوجهون به أتباعهم في شؤون الأموال. كما جاءت لتضع دستوراً عاماً للحلال والحرام، ومقياساً لا يختلف لتقييم أعمال الناس، يستطيع كل إنسان أن يعرف قيمة عمله منه، دون الرجوع إلى وسيط بينه وبين الله.
" فسورة الأنعام هي سورة الأموال الخاصة وموقف الإسلام منها. هي السورة التي تنكر المصادرة والتدخل في شأن الأموال من أية سلطة: دينية ، أو سياسية، إلا طبقاً للدستور العام الذي سجلته هي فيها"(2).
وكما هو ظاهر؛ فقد استرشد الدكتور محمد البهي، وهو يربط بين اسم السورة وموضوعها الرئيس، من السياقات التي ورد فيها الحديث عن الأنعام في السورة ، وهذا الربط الذي قام به الدكتور البهي- على وجاهته- فإنه متأثر بالفترة التي كتب فيها، والتي تميزت بالمد الاشتراكي وقيام الدولة بحملات التأميم.
سورة الكهف: بعد الاقتباسات السابقة، بالإمكان تطبيق ذات المنهج في التوصل إلى المحور الرئيس لسورة الكهف، انطلاقاً من اسمها، ومطلعها وخاتمتها، واستئناساً بما ورد في السنة بشأنها.
__________
(1) …محمد البهي( 1905-1983)، عالم مصري، تولى إدارة جامعة الأزهر ووزارة الأوقاف، له عشرات المصنفات، خصص عدداً منها لتفسير مجموعة من السور القرآنية،[ تتمة الأعلام، 2/133-134].
(2) …البهي، محمد، تفسير سورة الأنعام، ( ص7)، دار الفكر، بيروت، ط1، 1394هـ- 1974م.(3/22)
الكهف: كانت وظيفته حماية الفتية، وقد انتهت القصة فإذا الدين الذي كان مهدداً مطارداً قد عادت الغلبة لأهله الذين يقررون اتخاذ "مسجد" على فوق الكهف، وبالتالي فقد أظهرت القصة حفظ المؤمنين وحفظ الإيمان، وجو الحفظ ينتظم قصص السورة جميعها، كما سيأتي.
ونفس المعنى في بدء السورة وختامها؛ في البدء تأكيد على أن الكتاب لا عوج له – أي محفوظ -فلا سبيل إلى تحريفه أو حرفه عن مساره، والختام تأكيد على أن كلمات الله لن تنفد، وخلال السورة تأكيد على أنه لا مبدل لكلمات الله.
وفي الحديث أن (مَنْ حَفظَ عَشرَ آياتٍ مِنْ أَوّلِ سُورةِ الكَهفِ عُصمَ مِنَ الدجّال)(1)، والعصمة حفظ.
وكأن المحور الرئيس في السورة هو التأكيد على حفظ الله تعالى للمؤمنين وكتابهم، حتى يبلغوا التمكين ويصير حالهم كذي القرنين، وبعد أن كانوا يحفظهم الله حال ضعفهم، يُطلب إليهم أن يحفظوا الضعفاء، وإذا كان ما يتعلق بالدنيا سريع الزوال ولا بقاء له، فإن الصالحات هن الباقيات، ويصرخ المجرمون حين يوضع الكتاب الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها حيث حفظت أعمالهم ولم يضع منها شيء، وسيأتي مزيد عند الحديث عن التناسب في القصص القرآني.
المبحث الثالث
أوجه التناسب بين السور
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: التناسب بين السور المتجاورة
المطلب الثاني: التناسب بين السور ذوات المطالع المتشابهة
المطلب الأول
التناسب بين السور المتجاورة
وللتناسب بين السور المتجاورة أوجه عدة:
التناسب بين الأطراف:
ويقصد به التناسب بين آخر السورة ومطلع التي تليها، ومن أمثلته:
خاتمة الإسراء وفاتحة الكهف:
خاتمة الإسراء هي قوله سبحانه: ژ ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ژ ، وفاتحة الكهف ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ژ .
__________
(1) صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، حديث رقم(809).(3/23)
قال البقاعي:" لما خُتمت تلك بأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالحمد عن التنزه عن صفات النقص، لكونه أعلم الخلق بذلك؛ بُدئت هذه بالإخبار باستحقاقه سبحانه الحمد على صفات الكمال التي منها البراءة عن كل نقص، منبهاً بذلك على وجوب حمده بما شرع من الدين على هذا الوجه الأحكم بهذا الكتاب القيم"(1).
خاتمة مريم وفاتحة طه: قال في (روح المعاني) في بداية تفسيره لسورة طه:" ووجه ارتباط أول هذه بآخر تلك؛ أنه سبحانه ذكر هناك تيسير القرآن بلسان الرسول عليه الصلاة والسلام معللاً بتبشير المتقين وإنذار المعاندين، وذكر تعالى هنا ما فيه تأكيد لذلك"(2). ويشبهه ما جاء في (البحر المديد):" ووجه مناسبتها لما قبلها قوله: ژ ? ? ?ژ ، [ مريم:97]، مع قوله: ژ ? ? ? چ چ چ ژ [ طه]، كأنه يقول: فإنما سهلناه عليك لترتاح به لا لتتعب"(3).
المناسبة بين فاتحة النور وخاتمة المؤمنون: قال النيسابوري:" لما أُمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خاتمة السورة المتقدمة بطلب المغفرة والرحمة، وطلبه يستلزم مطلوبه لا محالة بدليل سل تعط، أردفه بذكر ما هو أصل كل رحمة ومنشأ كل خير فقال: ژ ? ژأي هذه سورة ژ ? ? ژ [النور:1]"(4).
المناسبة بين أول الحج وخاتمة الأنبياء: قال البقاعي في بداية تفسير سورة الحج:" لما خُتمت التي قبلها بالترهيب من الفزع الأكبر، وطي السماء وإتيان ما يوعدون، والدينونة بما يستحقون، وكان أعظم ذلك يوم الدين، افتتحت هذه بالأمر بالتقوى المنجية من هول ذلك اليوم"(5).
__________
(1) …البقاعي، نظم الدرر، (4/441).
(2) …الألوسي، شهاب الدين السيد محمود، روح المعاني، في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، (16/216)، دار الفكر، بيروت، دط، 1414هـ - 1994م.…
(3) …ابن عجيبة، البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، (4/259).
(4) …النيسابوري، تفسير غرائب القرآن،( 5/141).
(5) …البقاعي، نظم الدرر،( 5/129).(3/24)
وقال الشوكاني: " لما أنجز الكلام في خاتمة السورة المتقدمة إلى ذكر الإعادة وما قبلها وما بعدها، بدأ سبحانه في هذه السورة بذكر القيامة وأهوالها، حثاً على التقوى التي هي أنفع زاد فقال تعالى: ژ ? ? ? ?? ژ [الحج: 1]"(1).
التناسب بين الفاتحتين:
في القرآن الكريم أزواج أو مجموعات من السور المتجاورة تتطابق فواتحها أو تتقارب، أو يكون بينها وجه من وجوه المناسبة، وسيأتي في المطلب الثاني من هذا المبحث، ما يترتب على المشابهة بين الفواتح من تناسب بين السور تجاورت أم لم تتجاور، وأما هنا فالمقصود إبراز ارتباط فاتحتي السورتين المتجاورتين، ومن أمثلته:
الإسراء والكهف: فاتحة الإسراء هي ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ٹ ٹ ژ ، وفاتحة الكهف: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ژ .
والمناسبة بينهما أولاً: من حيث تكرر لفظة ( عبده ) في الافتتاحيتين مقصوداً بها محمد - صلى الله عليه وسلم -، وثانياً: من حيث افتتاح الإسراء بالتسبيح، والكهف بالتحميد، "وهما مقترنان في القرآن وسائر الكلام بحيث يسبق التسبيح التحميد، نحو: ژ چ چ چ ژ [ الحجر:98]، وسبحان الله وبحمده"(2). وقال الإمام الرازي في تعليل تقدم التسبيح في الإسراء على التحميد في الكهف:" التسبيح أول الأمر لأنه عبارة عن تنزيه الله عما لا ينبغي، وهو إشارة إلى كونه كاملاً في ذاته، والتحميد عبارة عن كونه مكملاً لغيره، ولا شك أن أول الأمر هو كونه كاملاً في ذاته، ونهاية الأمر هو كونه مكملاً لغيره؛ فلا جرم وقع الابتداء في الذكر بقولنا: ( سبحان الله)، ثم نذكر بعده: ( الحمد لله)، تنبيهاً على أن مقام التسبيح مبدأ، ومقام التحميد نهاية"(3).
__________
(1) الشوكاني، فتح القدير،(3/593).…
(2) السيوطي، تناسق الدرر في تناسب السور،( ص99).…
(3) الرازي، التفسير الكبير، (7/421).…(3/25)
الأنبياء والحج: ذكر أبو جعفر بن الزبير أنه:" لما افتتحت سورة الأنبياء بقوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? پ پ ژ [الآية: 1] وكان وارداً في معرض التهديد، وتكرر في مواضع... وقد ختمت بمثل ما به ابتدئت، اتصل بذلك ما يناسبه من الإعلام بهول الساعة وعظيم أمرها"(1).
التفصيل والإجمال:
حيث يذكر الأمر مجملاً في سورة فتأتي التي بعدها فتفصله، ومن أمثلته:
مناسبة مجيء سورة النور بعد المؤمنون: " وجه اتصالها بسورة قد أفلح: أنه لما قال:ژ ٹ ٹ ٹ ٹ ? ژ [ المؤمنون]، ذكر في هذه أحكام من لم يحفظ فرجه، من الزانية والزاني، وما اتصل بذلك من شأن القذف، وقصة الإفك، والأمر بغض البصر، وأمر فيها بالنكاح لحفظ الفروج، وأمر من لم يقدر على النكاح بالاستعفاف وحفظ فرجه، ونهى عن إكراه الفتيات على الزنا"(2).
بين مريم وطه: قال السيوطي:" لما ذكر في سورة مريم قصص عدة من الأنبياء، وهم زكريا ويحيى وعيسى، الثلاثة مبسوطة، وإبراهيم، وهي بين البسط والإيجاز، وموسى وهي موجزة بجملة؛ أشار إلى بقية النبيين في الآية الأخيرة(3) إجمالاً. وذكر في هذه السورة شرح قصة موسى، التي أجملها هناك، فاستوعبها غاية الاستيعاب وبسطها أبلغ بسط، ثم أشار إلى تفصيل قصة آدم الذي وقع مجرد اسمه هناك، ثم أورد في سورة الأنبياء بقية من لم يذكر في مريم"(4).
ويضاف إلى ذلك، أنه لما لفتت سورة مريم، إلى أهمية هارون في مؤازرة موسى عليهما السلام ، ومن قبل بنسبة مريم إليه: ژ ? ? ژ [ مريم: 28]؛ فإن سورة طه قد ذكرت دعاء موسى بطلب هارون وزيراً وكثر ذكره فيها، بل قدمه السحرة عندما - خروا سجدا- في الذكر.
__________
(1) …البقاعي، نظم الدرر،(5/ 129- 130).
(2) السيوطي، تناسق الدرر، (ص104).…
(3) يشير إلى قوله تعالى( أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل...)، [ مريم:58].…
(4) السيوطي، السابق، (ص102).…(3/26)
بين آل عمران والنساء: فقد جاء في أواخر آل عمران قوله سبحانه: ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ?? ? ? ? ژ [آل عمران: 195]، حيث تضمنت أمرين: وحدة الأصل بين الجنسين، والعدل في الجزاء الإلهي وعدم تضييع أي من الجنسين، أو أي فرد منهما. ثم جاءت سورة النساء يبين أولها أن الله تعالى خلق الناس ژ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ?? ژ [النساء: 1] هو تفصيل لقوله: ژ ? ? ? ژ ، ثم تكرر التأكيد في السورة على إيتاء النساء حقوقهن على قدم المساواة مع الرجال، في مثل قوله تعالى:ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ژ [ النساء]، وقوله سبحانه:ژ ہ ھ ھ ھھ ے ے ? ?? ژ [ النساء:32 ]، فإنه تعالى بعد أن أكد أنه لا يضيع عمل عامل ولا يظلم أحداً أو يهضمه حقه في الآخرة، دعا المؤمنين أن يؤتوا النساء حقوقهن رعاية للنساء في الحياة الدنيا.
أن يُذكر موضوع في سورة فتأتي جارتها لتعالج ذات الموضوع من جانب آخر
ومن أمثلته: موضوع الرحمة بين الكهف ومريم: حيث تكررت الرحمة في قصص سورة الكهف، كما تكررت في قصص سورة مريم التي تليها، لكن الملاحظ أن الرحمة في الكهف هي رحمة الحماية والمحافظة على المؤمنين والضعفاء، والرحمة في مريم هي الرحمة بالمعين على الدعوة.
كما يلاحظ في الآيتين الكريمتين: ژ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ? ? ? ? ? ? ? ں ژ، و ژ ? ? ?? ? ? ? ? ژ [الكهف: 82 ]، كما قال الخضر لموسى مؤولاً أفعاله الغريبة بأنها رحمة بالمساكين أصحاب السفينة التي يلاحقها الملك القرصان، وبالوالدين اللذين قتل ابنهما كيلا يرهقهما طغياناً وكفراً، وباليتيمين إذ أقام الجدار ليحفظ لهما كنزهما، ومثل ذلك قول ذي القرنين للقوم الذين لا يكادون يفقهون قولاً بعدما أقام ردما يمنع عنهم عدوان يأجوج ومأجوج: ژ ? ? ? ? ?پ پ پ پ ? ? ?? ژ [الكهف:98].(3/27)
وأما الرحمة في سورة مريم، فهي رحمة أصفياء الله المذكورين، بمن يعينهم على الدعوة في مثل قوله سبحانه: ژ ? ? ? پ پ پ ژ ، وقوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ، وقوله جل شأنه: ژ پ ? ? ? ? ? ? ? ژ.
المناسبة بين أسماء السور:
ضرب السيوطي لذلك أمثلة؛ فقال في المناسبة بين سورتي القمر والنجم:" لا يخفى ما في توالي هاتين السورتين من حسن التناسق في التسمية؛ لما بين النجم والقمر من الملابسة، ونظيره توالي الشمس والليل والضحى"(1).
وقد لاحظ الباحث وجود تناسب بين أسماء بعض السور المتجاورة، وهو إذ يذكرها فلأجل أن يلفت الأنظار إلى ما قد يكون باباً مهماً من أبواب التناسب، حيث المعتاد في أوجه المناسبة أن يكون بعضها ظاهراً بيّناً، والبعض الآخر يكتنفه بعض الغموض، والبعض الثالث يحتاج إلى طول تفكر؛ وليس من المقبول رفضه لعدم جلائه أو اكتشافه.
ومن الأمثلة عليه السور الثلاث: المؤمنون والنور والفرقان، فالمؤمنون بإيمانهم اتبعوا النور الذي جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - أو انتقلوا وخرجوا بالإيمان من الظلمات إلى النور، وحيث تمسكوا بالنور فقد تحصل لديهم الفرقان، ( الفرقان هو القرآن) الذي يفرق بين الحق والباطل، وشأن النور أن يساعد في تمييز الأشياء والتفريق بينها.
وكذلك سورتا آل عمران والنساء؛ فقد ركزت آل عمران على امرأة عمران ومريم عليهما السلام، ودعت سورة النساء إلى رعاية النساء بعدما أشادت آل عمران بمَثَلين كريمين منهن، إذ إن النظرة السلبية للمرأة باعتبارها أصل الشرور، قد تؤدي إلى اليأس من إصلاحها بل والاعتداء على حقوقها.
__________
(1) …السيوطي، تناسق الدرر، ( ص120).(3/28)
وأما عن العلاقة بين اسمي البقرة وآل عمران؛ فإن الأولى تحدثت عن جنس ما عبده بنو إسرائيل من البقر، والثانية تحدثت عما عبده النصارى؛ وهما عيسى ومريم من آل عمران، والبقرة مهمة وأساسية لحياة الإنسان المادية، وتحدثت الثانية عن أمر رئيس آخر، لكن لحياة الإنسان الروحية وهم حَمَلة الدين من آل عمران.
المطلب الثاني
المناسبة بين السور ذوات المطالع المتشابهة
توقف العلماء عند السور التي لها ذات الفواتح لكشف المشترك فيها، والمعاني التي يمكن أن تستشف من ترتيبها في كتاب الله تعالى، ومن الأمثلة:
السور المفتتحة بالحمد: حيث ذكر ابن كثير(1) في مطلع تفسيره سورة الكهف، أنه تعالى يحمد نفسه المقدسة عند فواتح الأمور وخواتمها؛ فإنه المحمود على كل حال، وله الحمد في الأولى والآخرة، ولذا حمد نفسه على إنزاله كتابه العزيز على رسوله الكريم محمد صلوات الله وسلامه عليه"(2).
هناك خمس سور من القرآن الكريم افتتحت بالحمد، هي الفاتحة وأولها: ژ پ پ پ پ ? ژ ، ثم الأنعام وفاتحتها: ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ? ? ? ? ? ? ? ژ ، وبعدهما الكهف ومطلعها: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ژ ، ثم تأتي سورة سبأ وبدايتها ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ژ ، والسورة الأخيرة هي فاطر، وقد استهلت بقوله تعالى: ژ ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھھ ھ ے ے ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ژ.
__________
(1) …هو أبو الفداء ، إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي، (ت774) ، مفسر محدث مؤرخ تتلمذ على شيخ الإسلام ابن تيمية ، له: البداية والنهاية، وطبقات الفقهاء الشافعيين، وجامع المسانيد،[ انظر: طبقات الأدنروي ص360-361، والأعلام 1/320].
(2) …ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل، تفسير القرآن العظيم، (3/71)، دار المعرفة، بيروت، 1388هـ - 1969م.(3/29)
يرى الإمام محمود شلتوت(1) أن سور الحمد تعبر عن مظهر الربوبية في الخلق والإيجاد، وفي الهدى والإرشاد، وأن هذه النعمة الكبرى هي سر استحقاقه تعالى واختصاصه بالحمد والثناء، الذي ينبغي أن يتوجه إلى مصدرها فقط.
"ومع اشتراك السور الخمس في الافتتاح بتقرير استحقاق الحمد لله على هذه النعمة الكبرى، كان لكل سورة منها منهج خاص فيما عرضت له من أنواع تلك النعمة، وقد جاءت الفاتحة بالنسبة لسائرها في هذا الشأن، كما جاءت هي لجميع القرآن بالنسبة لكل ما تضمنته، جاءت أما تجمع فروع التربية وأنحاءها التي وزعت على السور الأربع، وتقاسمتها؛ فهي تقول: ژ پ پ پ پ ? ژ، فتربط استحقاق الحمد لله بربوبيته للعالمين، والربوبية المطلقة تنتظم التربية الخلقية، جسمية وعقلية بالخلق والإيجاد، كما تنتظم التربية التشريعية بالوحي والرسالة؛ فكما لا خالق ولا مانح للعقل وقوى التفكير سواه، لا مشرع ولا مرشد ولا هادي سواه.
" وتجيء بعد الفاتحة سورة الأنعام، فتثبت أيضاً استحقاق الحمد لله وحده، وتسير في طريق نوع من أنواع التربية العامة، وهو نوع الخلق والإيجاد للكائنات وظواهرها، ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ? ? ? ? ? ? ? ژ ... و" تجيء بعد ذلك سورة الكهف فتأخذ روح التربية بالوحي: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ژ ،...ثم تجيء سورة سبأ فتبدأ بإثبات الحمد لله أيضاً، وتأخذ نوعاً من أنواع التربية المطلقة، يرجع إلى الملك والتصرف الحكيم، والتدبير المحكم ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ژ .
__________
(1) …محمود شلتوت( 1893-1963م)، فقيه ومفسر مصري، تخرج في الأزهر ودرّس فيه ثم صار شيخاً له، من كتبه: الإسلام عقيدة وشريعة، القرآن والمرأة، القرآن والقتال، ولم يفسر سوى الأجزاء العشرة الأولى، [ الأعلام، 7/173].(3/30)
" ثم تجيء بعد ذلك سورة فاطر وهي آخر السور الخمس، فتذكر استحقاق الله وحده الحمد، وتجمع في سبيله نوعي التربية: الجسمية والسماوية، ولكن على تفصيل لم يذكر في سورة الفاتحة؛ فتذكر السماوات والأرض، وتذكر رسل الوحي من الملائكة، وتذكر أن الله مصدر الرحمة بيده إمساكها وبيده إرسالها، ... ثم تذكر الذين ينقادون لتربية الوحي، وترشد إلى أن ما أوحى به إلى محمد -- صلى الله عليه وسلم -- هو الحق المصدق لما بين يديه، وأن الله يورث الكتاب من يصطفيهم من عباده، وهكذا تمزج التربيتين: الخَلقية والتشريعية في منهجها"(1)، وفاتحة سورة فاطر هي: ژ ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھھ ھ ے ے ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ژ .
السور المفتتحة بالتسبيح: قال الكرماني(2): هذه الكلمة- التسبيح- استأثر الله بها، فبدأ بالمصدر منها في بني إسرائيل(الإسراء)؛ لأنه الأصل، ثم الماضي، في الحديد والحشر والصف؛ لأنه أسبق الزمانين، ثم بالمستقبل، في الجمعة والتغابن، ثم بالأمر في سورة الأعلى، استيعاباً لهذه الكلمة من جميع جهاتها"(3)، وقال أبو جعفر بن الزبير:" وإنما تقدم الماضي لثباته رتبةً ووجوداً قبل المضارع، ثم أُتبع بما يقتضي الاستمرار، وكان ورود أكثرها على التعبير بالماضي؛ لأنه أوضح في استحكام الثبات وامتداده"(4).
__________
(1) …شلتوت، محمود، تفسير القرآن الكريم، (ص364-368).
(2) … محمود بن حمزة الكرماني،( ت 505هـ)، النحوي المعروف بتاج القراء، له: شرح على البخاري، وشرح اللمع لابن جني، وخط المصاحف، ولباب التأويل المشهور باسم العجائب والغرائب.[ طبقات الأدنروي ص 149، الأعلام 7/168].
(3) …الكرماني، محمود بن حمزة، البرهان في توجيه متشابه القرآن( أسرار التكرار في القرآن، كما سماه المحقق)، (ص 232)، تحقيق عبد القادر أحمد عطا، دار الفضيلة، القاهرة، د.ط ، د.ت.
(4) …ابن الزبير، ملاك التأويل، ( 2/891).(3/31)
والملاحظ أن الكرماني وأبا جعفر قد التفتا إلى الأمر من خلال المنظار النحوي، الذي يدل على واقع الأمر بالنسبة للتسبيح، فإن الله سبحانه منزه في ذاته من قبل إيجاده المخلوقين وتنزيههم له، ولذلك بُدئ بالمصدر، ثم كان الحديث عن قيام المخلوقات في الماضي بتسبيحه تعالى واستمرارها على ذلك في الحاضر والمستقبل، وهو كما يبدو السر في توالي صيغتي الماضي والحاضر، وما دام الأمر كذلك بالنسبة لذات الخالق سبحانه، وسلوك المخلوقين ماضياً وحاضراً، فما ينبغي للإنسان أن يتلكأ أو يشذ، وعلى هذا جاءت صيغة الأمر آخر المطاف، وقد تكرر في القرآن الحديث عن تسبيح ما في الكون؛ كيما يسير الإنسان مع التيار ويلحق بالركب.
قال في الميزان إن:" السور القرآنية المصدرة بالحروف المقطعة لا تخلو من ارتباط بين مضامينها وبين تلك الحروف، فالحروف المشتركة تكشف عن مضامين مشتركة"(1).
وعند السامرائي أن :" كل سورة تبدأ بالطاء ترد فيها قصة موسى في أوائلها مفصلة قبل سائر القصص، مثل: طه، وطس، وطسم في القصص، وطسم في الشعراء، وليس في المواطن الأخرى مما يبدأ بالحروف المقطعة مثل ذلك؛ فالقاسم المشترك فيما يبدأ بالحرف (ط) قصة موسى مفصلة في أوائل السورة. والملاحظة الأخرى أن ما يبدأ ب(طسم) تكون قصة موسى فيها أطول مما يبدأ ب(طس)، فكأن زيادة الميم إشعار بزيادة القصة(2)".
__________
(1) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، (14/7).…
(2) السامرائي، فاضل صالح، التعبير القرآني، (ص: 224)، دار عمار، عمان، ط1، 1418هـ - 1998م. …(3/32)
وأما بالنسبة إلى السور المفتتحة بحرف الصاد؛ فإن سورة (ص)، التي فيها كلمات صادية كثيرة(1) بالمقارنة مع غيرها من السور، قد اشتملت على عدد" من الخصومات المتعددة؛ فأولها خصومة الكفار مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقولهم: ژ ? ? ? ?? چ چ چ چ ? ژ [ص:5]، إلى آخر كلامهم، ثم اختصام الخصمين عند داود - صلى الله عليه وسلم -، ثم تخاصم أهل النار، ثم اختصام أهل النار، ثم اختصام الملأ الأعلى في العلم... ثم تخاصم إبليس واعتراضه على ربه وأمره بالسجود، ثم اختصامه ثانياً في شأن بنيه وحلفه ليغوينهم أجمعين إلا أهل الإخلاص منهم(2)".
ووصفت سور مريم التي تضمنت فاتحتها حرف الصاد قوم محمد - صلى الله عليه وسلم - أنهم قوم (لُد)، وافتتحت الأعراف منبهة الرسول ألا يضعف فيترك بعض ما أنزل إليه، تحت تأثير الخصومة الشديدة.
يضاف إلى ذلك: أن جو الذكر والتذكير في سورتي (مريم) و(ص) بارز؛ فكلتاهما تبدآن بالذكر ثم يتكرر فيهما الأمر به، ويمكن أن يلاحظ الأمر نفسه في سورة الأعراف، التي تتضمن فاتحتها حرف الصاد، حيث يتكرر فيها مادة الذكر في عدد من الآيات كذلك وبداية من مطلعها.
المبحث الرابع
التناسب في القصص القرآني
وفي خمسة مطالب:
المطلب الأول: التناسب بين قصص السورة الواحدة
المطلب الثاني: تشكل قصة جديدة من قصص السورة
المطلب الثالث: تناسق الشخصية في القصص القرآني
المطلب الرابع: التناسب بين اللفظة القرآنية وبيئة القصة الأصلية
المطلب الخامس: التناسب بين ما يذكر من القصة القرآنية وواقع الدعوة
__________
(1) …ورد حرف الصاد في سورة (ص) 29 مرة، جرار، بسّام، إعجاز الرقم 19 في القرآن الكريم، ( ص: 111) المؤسسة الإسلامية، بيروت، ط2، 1414 هـ - 1994م.
(2) …الزركشي، البرهان، (1/218- 219).(3/33)
القصص في القرآن يجري عليه ما يجري على جميع آيات القرآن الكريم، من حيث تناسبها مع الواقع الذي نزلت لمعالجته، والسورة التي وردت فيها، ومن الطبيعي أن تتناسب القصص الواردة في السورة الواحدة بعضها مع بعض، فضلاً عن أن تشكل هذه القصص المتتالية أو المتناثرة في السورة فصولاً من قصة جديدة، تؤدي الغرض المقصود من السورة، كما التفت الباحثون إلى أن كل شخصية قصصية قرآنية – وإن توزعت على مواضع كثيرة – فإنها متناسقة ولها تميزها واستقلالها عن سائر الشخصيات الأخرى.
وقد أُفردت المناسبة في القصص القرآني لأهميته، ولتعدد أشكال المناسبة فيه سواء داخل السورة أو بين السور، وكذا تناسبها لواقع النزول أو واقعها التاريخي، وتناسق الشخصية.
ولعل سيد قطب أن يكون أول من نظم الدرر المتناثرة حول مناسبات القصص القرآني من كتب التفسير، فضلاً عن الإضافات المميزة التي جاء بها مما فتح الله عليه، سيما وأنه أديب مطبوع ومفكر من ذوي النبوغ، وذلك في كتابه (التصوير الفني)، ثم في تفسير (الظلال).
المطلب الأول
التناسب بين قصص السورة الواحدة
ومن الأمثلة على التناسب بين القصص القرآني في السورة الواحدة:
قال في (مجمع البيان):" لما ذكر الله سبحانه أن إيمان فرعون لم يُقبل عند معاينة العذاب، وصل ذلك بذكر إيمان قوم يونس، قبل نزول العذاب، فقال: ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پژ [ يونس: 98] "(1).
__________
(1) الطبرسي، مجمع البيان، ( 5/208).…(3/34)
وذكر في (اللباب) وجوهاً لمناسبة قصة البقرة مع ما قبلها:" أحدها: أنه تعالى لما عدد النعم المتقدمة على بني إسرائيل؛ كإنزال المن والسلوى، ورفع الطور، وغير ذلك؛ ذكر بعد هذه النعم التي بيّن فيها البريء من غيره، وذلك من أفضل النعم. الثاني: أنه تعالى لما حكى عنهم التشددات والتعنت، كقولهم:ژ ھ ے ے ? ? ? ? ژ (1)[البقرة: 55]، وقولهم: ژ ں ں ? ? ? ژ [البقرة: 61]، وغير ذلك من التعنت، ذكر بعدُ تعنتاً آخر؛ وهو تعنتهم في صفة البقرة"(2).
قال الشوكاني:" لما ذكر سبحانه حال بعض الشاكرين لنعمه عقبه بحال بعض الجاحدين لها فقال: ژ ? ? ? ژ [ سبأ: 15] "(3)، يقصد الربط بينها وبين قصة سليمان وداود الشاكرَيْن.
وعن حكمة مجيء قصة عيسى بعد قصة يحيى عليهما السلام قال الفخر الرازي: " إنما قدم قصة يحيى على قصة عيسى عليهما السلام، لأن خلق الولد من شيخين فانيين، أقرب إلى مناهج العادات من تخليق الولد لا من الأب البتة؛ وأحسن الطرق في التعليم والتفهيم الأخذ من الأقرب فالأقرب مترقياً إلى الأصعب فالأصعب"(4)، وذلك بحسب التصور البشري والقدرة البشرية.
يضاف إلى ذلك أن قصة زكريا ويحيى في السورة – مثلما كانت في الواقع – فإنها كالتمهيد والتقديم لقصة مريم وعيسى عليهم السلام، فالسورة اسمها مريم وبدايتها عن زكريا تمهيداً وتهيئة، وفيهما من التشابه الكثير؛ إذ إن الناظر في قصتيهما، سيجد، وبشكل يكاد يكون مطردا، أن عناصر قصة يحيى، تشكل مقدمة وتوطئة وتمهيدا، لما يقابلها من قصة عيسى، التي تبدو عناصرها أكبر وأكمل.
__________
(1) …في المطبوع: ( يريد الله جهرة) [النساء:153]، وهو خطأ من جهتين: أن آية النساء فيها ( أرنا) وليس( يريد)، والثانية أن السياق هو عن آيات البقرة وليس عن آيات النساء، ولذلك اقتضى التصحيح.
(2) …ابن عادل، اللباب في تفسير الكتاب، ( 2/153).
(3) …الشوكاني، فتح القدير، ( 4/421).
(4) …الرازي، التفسير الكبير، ( 7/519- 520).(3/35)
فقد كانت ولادة يحيى عليه السلام، من أم عجوز عاقر وشيخ كبير، معجزة موطئة وممهدة للمعجزة الأكبر في ولادة عيسى عليه السلام دون أب.
والآية لزكريا في حمل يحيى أن لا يكلم الناس ثلاث ليال سويا، ومريم تنذر للرحمن صوماً فلا تكلم في ذلك اليوم إنسيا.
وكانت المعجزة في أن يؤتى يحيى الحكم صبيا، مقدمة للمعجزة الأكبر في أنّ عيسى يكون نبيا ويبلّغ عن الله في المهد صبيا.
وكذلك كانت نبوة يحيى موطئة لنبوة عيسى ..بحيث يكون يحيى مصدقا بكلمة من الله، فمع أنه سبقه، إلا أنه يصير بعد بعثة عيسى مؤيداً وتابعاً له.
وقال الرازي في حكمة مجيء قصة إبراهيم عليه السلام بعد قصة مريم في سورة مريم: " اعلم أن الغرض من هذه السورة بيان التوحيد والنبوة والحشر، والمنكرون للتوحيد هم الذين أثبتوا معبوداً سوى الله تعالى، وهؤلاء فريقان: منهم من أثبت معبوداً غير الله حياً عاقلاً فاهماً وهم النصارى، ومنهم من أثبت معبوداً غير الله جماداً ليس بحي ولا عاقل ولا فاهم؛ وهم عبَدة الأوثان. والفريقان وإن اشتركا في الضلال، إلا أن ضلال الفريق الثاني أعظم؛ فلما بين تعالى ضلال الفريق الأول تكلم في ضلال الفريق الثاني وهم عبَدة الأوثان"(1).
المطلب الثاني
تشكل قصة جديدة من قصص السورة ( قصص سورة الكهف أُنموذجاً)
هذا المطلب امتداد لسابقه؛ إذ هو يتحدث عن تناسب القصص في السورة الواحدة، لكنه ينظر إليها جميعاً باعتبارها فصولاً أو حلقات متسلسلة.
__________
(1) …الرازي، التفسير الكبير، ( 7/541).(3/36)
فقصة الكهف التي سميت بها السورة كانت كأنها فصل أول في رواية، وتبعتها القصص الأخرى فصولاً تالية، أو هي ملخص وتفصيله ما بعده؛ لكأن السورة بدأت بما يشبه واقع المسلمين في مكة من المطاردة والاضطهاد، ثم أرادت تصبيرهم على ما هم فيه بطمأنتهم على أنفسهم وعلى دينهم، ولَفتهم إلى أن لله سبحانه حكمة عظيمة في كل أمر، وأن الأمور ليست على ظاهرها دائما، والمطلوب تسليم الأمر لله تعالى، فإن الله تعالى سيرعاهم ويحفظهم حتى يتم نوره، ويصير حالهم إلى حال ذي القرنين فيفتحوا المشارق والمغارب بالتوحيد، واسم ذي القرنين كما هو واضح، يوحي بمعاني القوة والغلبة.
وقد جاءت السورة وقصصها بشكل عام تدعوهم إلى الصبر وعدم الاستعجال، وتطمئنهم ژ ? پ پ پ پ ? ? ? ? ژ [ الكهف: 21 ]، كما تحقق الوعد لفتية الكهف، ثم جاءت قصة ذي القرنين "ذكراً"؛ ژ ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ژ [الكهف]، أي تذكيراً لهم بدورهم الرسالي في نشر التوحيد وحماية الضعفاء، جهاداً في سبيل الله تعالى والمستضعفين، كيلا يكون كل همهم الخروج من الأزمة دون التفكير في المستقبل المطلوب، ومرة أخرى يأتي الحديث عن وعد الله، لكن على لسان ذي القرنين، مقترناً بالحديث عن الآخرة، فالمؤمن لا ينسى في كل أحواله أنه صائر إلى دار الجزاء، فيصبره ذلك أيام الشدة، ويضبطه أيام العز والنصر ويقيه الغرور والانحراف.(3/37)
وإذا كانت قصة الكهف تحدثت عن الفتية المؤمنين المطاردين، كيف حفظهم الله تعالى وحفظ الدين الذي قاموا لأجله، حتى إنهم ليبنون المساجد؛ فإن القصة التالية تنبه المؤمنين إلى أن امتلاك زينة الحياة الدنيا لا يعني النصر والتأييد والحفظ والبقاء، إذ الحفظ مرهون بقدر الله وقدرته، وقد جاء بين القصتين قوله تعالى : ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ?? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [الكهف]، فهي من جهة تطالب الرسول عليه السلام، بأن يصبر نفسه مع الذين يدعون ربهم؛ فإنهم محفوظون كما حُفظ أصحاب الكهف، وبالغون مراد الله تعالى منهم، وتنهاه من جهة أخرى عن طاعة مَن أغفل الله قلبه واتبع هواه وحُكم عليه بأن أمره فُرط، وإن كان ظاهره يشير إلى غير ذلك، وقصة صاحب الجنتين مثال واضح لذلك.
ثم تأتي أخبار موسى مع الخضر عليهما السلام فيها حفظ السفينة لأصحابها المساكين، وحفظ الأبوين المؤمنين، ثم حفظ الكنز لليتيمين اللذين كان أبوهما صالحاً، تطميناً للمؤمنين المستضعفين أنهم محفوظون في دينهم وذرياتهم وأموالهم ولن تغرق سفينة حياتهم ولا سفينة دعوتهم، وأن عليهم حين يصيرون إلى مثل حال ذي القرنين أن يقوموا هم بحماية المستضعفين حسبة لله تعالى، كما حفظهم حال ضعفهم، وكما فعل ذو القرنين حين جعل الردم، لحماية القوم الذين لا يكادون يفقهون قولاً، من إفساد يأجوج ومأجوج.
وقد تكرر الحديث عن الصبر في القصة السابقة لقصة التمكين – قصة ذي القرنين، كأنما لترسخ في قلوب المؤمنين أنه لا يكون تمكين دون صبر وأن الساعات التي تسبق التمكين تحتاج صبراً أكبر.
المطلب الثالث
تناسق الشخصية في القصص القرآني(3/38)
قال صاحب كتاب البيان القرآني: إن " التصوير سمة عامة للبيان القرآني في كل مجالاته التعبيرية، وهو في القصة القرآنية على أتم ما يُعهد، فأنت تعرف الشخصيات القرآنية معرفة متميزة؛ حتى لتفرق بوضوح بين سمات يوسف وموسى وإبراهيم وسليمان، وبلقيس وامرأة العزيز، لا أقول السمات الظاهرية وحدها، بل السمات الخافية التي تمور في مسارب اللحم والعظم"(1).
وسنلحظ من خلال الأمثلة الآتية أن أية شخصية مهما تكرر ورودها في السور القرآن، وبالرغم من تعدد المواقف والتطورات الحاصلة في القصة، في سياق العمل الدعوي والحياتي، أو الانتقال من مرحلة عمرية إلى أخرى، بل لا نبالغ إذا قلنا بأن كل مجموعة بشرية وردت في القصص القرآني، لها ملامح خاصة تميزها عما سواها، بحيث تتناسق عناصر الشخصية وتتكامل، دون شذوذ ولا نشوز.
فأما إبراهيم عليه السلام فهو " نموذج الهدوء والتسامح والحلم: ژ چ چ ? ? ? ? ژ [هود: 75 ](2) ، فهو الذي آتاه الله تعالى رشده صغيراً، فرفض عبادة الأصنام، بل كسرها وهو لما يزل فتى ليقنع قومه بخطأ الذي يفعلون، ويحاور عبَدة الأصنام والأجرام السماوية من قومه، كما يحاور أباه ، ويتحمل مواقفه العدوانية مسالماً له وواعداً إياه بالاستغفار له، ونلاحظ إبراهيم عليه السلام في أكثر من سورة يتوجه إلى الله تعالى بالدعاء. وامتداداً لصفة الحلم عنده، يتكرر مشهد إبراهيم الخليل يحاجج ويجادل مرة أباه ومرة قومه وثالثة الذي آتاه الله الملك، بل إنه ليجادل الملائكة في قوم لوط.
وإذ نلحظ الشجاعة والجرأة العالية في مواجهات إبراهيم ومنذ صغره، مع كرم النفس والتسامح، فإننا نلاحظ إبراهيم عليه السلام الكريم الجواد الذي يأتي بعجل سمين حنيذ لضيوفه، ومعلوم أن هذه الصفات متلازمة، كما أن البخل والجبن واللؤم صفات متلازمة.
__________
(1) …البيومي، البيان القرآني، (ص149).
(2) …قطب، التصوير الفني في القرآن، ( ص164).(3/39)
وأما يوسف فنموذج للرجل الواعي الحصيف(1)؛ فها هو ذا يلقى العنت من مراودة امرأة العزيز له فيأبى، ولا يفجؤه قدوم العزيز ومبادرة المرأة إلى اتهامه، بل يظل محافظا على رباطة جأشه ويرد بقلب ثابت ولسان صادق أنها هي التي راودته عن نفسه. وإذ يكون في السجن وقبل أن يفسر الرؤى فإنه يقدم لذلك بدعوتهما إلى التوحيد، ثم إنه لا يعين أي الرجلين هو الذي سيسقي ربه خمراً وأيهما الذي سيصلب فتأكل الطير من رأسه، كيلا يجزع الأخير. وعندما يأتيه من يطلب تأويل رؤيا الملك فإنه يقدم خطة عمل واستراتيجية لخمس عشرة سنة قادمة ولا يكتفى بالتأويل، ثم لا تستخفه دعوة الملك للخروج من السجن بل يطلب إعادة التحقيق في القضية، وتتجلى الحصافة كذلك في إكرام إخوته، وتأخير كشف نفسه لإخوته، ثم في إيواء شقيقه ووضع السقاية في رحله، والبدء بأوعيتهم قبل وعاء أخيه.
والصبر والحصافة قرينان إذ الصبر ضياء، وقد تجلى ذلك في صبر يوسف على أذى إخوته، وعلى السجن، وعلى البعد عن أهله ووطنه. وهذه الحصافة لم تخطئها فراسة العزيز وهو يقول لامرأته: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [ يوسف: 21 ]، ولم تخطئها أُذن الملك إذ قال له بعدما كلمه: ژ ? ? ? ? ? ? ژ [ يوسف].
ومع الصبر كانت التقوى، بعدم استجابته للمراودة وبتكرار عبارة (معاذ الله) عند الدعوة إلى الفاحشة، أو ذكر ما يعني الظلم.
__________
(1) …قطب، السابق، ( ص166-169).(3/40)
والإحسان هو التقوى والصبر مجتمعين، ويوسف عليه السلام يصفه ربه بأنه من المحسنين: ژ ? ? ? ? ژ { يوسف]، ويتحدث هو عن نفسه أنه قد تحقق بصفة الإحسان إذ اتقى وصبر فلم يضع الله تعالى أجره: ژ ? ? ? ? ? ں ں ? ? ? ? ژ [ يوسف]، كما يصفه الفتيان بنفس الصفة ژ ? ?? ? ? ? ? ? ژ [يوسف]، ويخاطبه بها الإخوة: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ژ [يوسف]، بل إن رؤيته وحتى مجرد ذكر اسمه ليستدعيان تنزيه الله تعالى، وتذكر الملائكة الكرام، والشهادة له بالبراءة من السوء: ژ ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [يوسف]، و ژ ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [يوسف: 51].
شخصية إخوة يوسف: لعل عاملين أساسيين قد ساهما في تشكيل شخصيتهم الجماعية؛ أولهما: سكنى البادية، والثاني: كونهم أبناء نبي الله يعقوب عليه السلام.(3/41)
وعلى الرغم من شدة الذي يجدونه في نفوسهم تجاه يوسف عليه السلام، وتفكيرهم في قتله، فليس من الموضوعية الظن بأنهم مجرمون محترفون؛ ففي اجتماعهم للتخلص من يوسف، بدأوا الحديث عن القتل، وفي نفس اللحظة كان اقتراح آخر بعدم قتله والاكتفاء بطرحه أرضاً ليكون الهلاك بغير أيديهم، ولو كانوا مجرمين محترفين، ما شفاهم إلا مباشرة الجريمة بأنفسهم، وقد لاحظنا قول بعضهم لبعض: (اقتلوا يوسف)، كأن كل واحد منهم يريد أن يتهرب من مباشرة الجريمة بيده، وكان إجماعهم آخر الأمر ألا يقتلوا يوسف والاكتفاء بإلقائه في غيابة الجب، ولعل استعجالهم طلب اصطحاب يوسف( غداً)، خشية منهم، أو خشية من الشيطان الموسوس لهم أن تصحو ضمائرهم ويتراجعوا عما في نفوسهم ، فيما المجرمون المحترفون لا تزيدهم الأيام إلا حقداً، ويحتاجون لمزيد من الوقت لإحكام التخطيط، ويدل على بساطتهم أيضاً وضعف قرائحهم وضحالة مخيلتهم أنهم لم يستطيعوا نسج قصة يفسرون بها غياب أخيهم إلا أن يقولوا: أكله الذئب، وهو عين الذي قاله لهم أبوهم في الليلة السابقة، وحين أرادوا تأكيد زعمهم كانت كلماتهم تفضحهم وهم يقولون: ژ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? چ چ چ ژ [يوسف]، فيما المجرمون المحترفون وهم يخططون لقتل صالح عليه السلام، أكثر قدرة على الحبك والإحكام وإثبات براءتهم من الجريمة: ژ ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ژ [النمل].
ومتابعة للحديث عن الشخصية الجماعية لإخوة يوسف عليه السلام؛ فإن من الملاحظ تكريرهم للقسم المبدوء بحرف التاء: ژ ? ? ? ? ? ? چ چ چ چ ? ? ? ژ [يوسف]، و ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [يوسف]،و ژ ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ژ [يوسف]،و ژ ? ? ? ? ? ? ? ژ [يوسف].
المطلب الرابع
التناسب بين اللفظة القرآنية وبيئة القصة الأصلية(3/42)
الألفاظ والتراكيب التي يختارها القرآن الكريم في قصصه، تنتقل بالقارئ إلى حيث بيئة القصة، فمع كون القرآن عربياً إلا أنه ينتقي العبارات العربية التي تنتمي أيضاً لبيئة القصة المعينة، ومن الأمثلة على ذلك:
لفظة اليم، والتي تعني البحر(1)؛ فالملاحظ أنها لم ترد إلا في قصة موسى عليه السلام، وإذا رجعنا إلى تفسير المنار، عند تفسير قوله تعالى: ژ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ? ? ? ژ [ الأعراف]، سنجده يقول: أي فانتقمنا منهم عند بلوغ الأجل المضروب لهم بأن أغرقناهم في اليم – وهو البحر في اللغة المصرية الموافقة للعربية في الألوف من مفرداتها، وهو يطلق على النيل وغيره" وقال في الهامش :" قد اكتشف هذه الموافقة علّامة العاديات المصرية صديقنا أحمد باشا كمال الأثري المصري صاحب المعجم الكبير للغة الهيروغليفية"(2).
وجاء في قصة إبراهيم عليه السلام: ژ گ گ گ گ ? ? ? ? ?? ? ? ں ں ? ? ? ? ? ژ [الأنعام]، فقد أشار إلى الشمس بقوله: ژ ? ? ? ?? ژ ولم يقل:" هذه ربتي هذه أكبر" مع كون الشمس تعامل معاملة المؤنث عند العرب، حيث تبين من دراسة آلهة ما بين النهرين أن الشمس عندهم إله مذكر" (3).
وعبارة ژ ? ? ژ [يوسف: 23]، بمعنى: هلم لك، بالقبطية، أو السريانية(4).
المطلب الخامس
التناسب بين ما يذكر من القصة القرآنية وواقع الدعوة
__________
(1) …السمين الحلبي، عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ، ( 4/411)، تحقيق محمد التونجي، عالم الكتب، بيروت، ط1، 1414هـ - 1993م.
(2) …رضا، تفسير القرآن الحكيم الشهير بالمنار،( 9/95).
(3) … الطراونة، سليمان، دراسة نصية أدبية في القصة القرآنية، ( ص157)، دن، ط1، عمان،1413هـ - 1992م.
(4) …الماوردي، النكت والعيون، (3/23)، دار الكتب العلمية، بيروت، د ط، د ت.(3/43)
القرآن، مكيّه ومدنيّه، كان يعالج واقع الدعوة في ظرفي الزمان والمكان، ويهيئ لقابل الأيام، وقصص القرآن التي هي بعض القرآن، كانت أيضاً تعالج الواقع الذي تنزلت فيه، وتهيئ لمستقبل الدعوة الإسلامية، وسنجد النبي الواحد تتوزع قصته على أجزاء عديدة، وتتنزل في أزمنة مختلفة، بحيث يتناسب كل نجم منها مع الواقع الذي نزل فيه.
1) قصة إبراهيم: فإذا تأملنا قصة إبراهيم عليه السلام في السور المكية، فسنجده غالباً يتعلق بالحجاج مع عبدة الأصنام والأجرام وحتى في دعائه، نجده في سورة إبراهيم المكية يدعوژ ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ژ، وفي سورة البقرة المدنية حيث بنو إسرائيل يساكنون المؤمنين يأتي الحديث عن إسماعيل ابن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام، ثم دعاؤهما أن يبعث في أهل مكة رسولاً منهم، ومن قبل بناء البيت من قبل إبراهيم وإسماعيل، وهو القبلة الجديدة – القديمة، التي يعجب السفهاء من عودة المسلمين إليها، لتأكيد صلة محمد - صلى الله عليه وسلم - بإبراهيم - صلى الله عليه وسلم - الذي يدعي يهود أنهم أبناؤه، وحيث إن هذه القبلة من بناء إبراهيم فما يسعهم الاعتراض عليها، وفي قول الله تعالى لإبراهيم بعد إذ أتم الكلمات التي ابتلي بها: ژ ھ ے ے ?? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة]، تأكيد على أن الإمامة ليست أمراً يُنال بالوراثة عبر التوالد، ولكن بالنجاح في الاختبار وإتمام الكلمات الربانية، أما الظالمون- والإشارة هنا نحو اليهود- فإنها تؤذن بنزع الراية منهم وتسليمها لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته.(3/44)
وقال الرازي عند تفسيره قصة إبراهيم عليه السلام في سورة مريم: " وإنما شرع في قصة إبراهيم لوجوه: أحدها: أن إبراهيم عليه السلام كان أبا العرب وكانوا مقرين بعلو شأنه، وطهارة دينه على ما قال تعالى: ژ ? ? ? ژ [ الحج: 78 ]، وقال تعالى: ژ ? ? ژ ژ ڑ ڑ کک ژ [البقرة: 130]، فكأنه تعالى قال للعرب: إن كنتم مقلدين لآبائكم على ما هو قولكم: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ژ [ الزخرف ]، ومعلوم أن أشرف آبائكم وأجلهم قدراً هو إبراهيم عليه السلام فقلدوه في ترك عبادة الأوثان وإن كنتم من المستدلين فانظروا في هذه الدلائل التي ذكرها إبراهيم عليه السلام لتعرفوا فساد عبادة الأوثان؛ وبالجملة فاتبعوا إبراهيم إما تقليداً وإما استدلالاً.
" وثانيها: أن كثيراً من الكفار في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانوا يقولون كيف نترك دين آبائنا وأجدادنا؟ فذكر الله تعالى قصة إبراهيم عليه السلام وبين أنه ترك دين أبيه وأبطل قوله بالدليل، ورجح متابعة الدليل على متابعة أبيه ليعرف الكفار أن ترجيح جانب الأب على جانب الدليل رد على الأب الأشرف الأكبر الذي هو إبراهيم عليه السلام"(1).
__________
(1) …الفخر الرازي، التفسير الكبير، (7/541- 542).(3/45)
2) قصة يوسف: وقد تحدث غير واحد من المفسرين والمفكرين الإسلاميين عن التناسب بين قصة يوسف عليه السلام، وواقع الدعوة النبوية فالطبري، يقول خلال تفسيره الآية[ 19] من سورة يوسف: " وهذا، وإن كان خبراً من الله تعالى عن يوسف نبيه- - صلى الله عليه وسلم - - ، فإنه تذكير من الله نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - وتسلية منه له عما كان يلقى من أقربائه وأنسبائه المشركين من الأذى فيه، يقول: فاصبر يا محمد، على ما نالك من الله، فإني قادر على تغيير ما ينالك به من المشركين، كما كنت قادراً على تغيير ما لقي يوسف من إخوته في حال ما كانوا يفعلون به ما فعلوا، ولم يكن تركي ذلك لهوان يوسف عليّ، ولكن لماضي علمي فيه وفي إخوته، فكذلك تركي تغيير ما ينالك به هؤلاء المشركون، لغير هوان بك عليّ، ولكن لسابق علمي فيك وفيهم، ثم يصير أمرك وأمرهم إلى علوك عليهم، وإذعانهم لك، كما صار أمر إخوة يوسف إلى الإذعان ليوسف بالسؤدد عليهم وعلو يوسف عليهم"(1).
وتعليقاً على قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ژ { يوسف]، يقول الطبري أيضاً:" هذا وإن كان مخرج ظاهره على كل محسن، فإن المراد به محمد نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول له عز وجل: كما فعلتُ هذا بيوسف من بعد ما لقي من إخوته ما لقي، وقاسى من البلاء ما قاسى، فمكنته في الأرض، ووطأت له في البلاد، فكذلك أفعل بك فأنجيك من مشركي قومك الذين يقصدونك بالعداوة، وأمكن لك في الأرض، وأوتيك الحكم والعلم، لأن ذلك جزائي أهل الإحسان في أمري ونهيي"(2).
__________
(1) …الطبري، جامع البيان، ( 12/221).
(2) …الطبري، السابق، ( 12/232).(3/46)
ويعقد صاحب كتاب "مؤتمر تفسير سورة يوسف" فصلاً للمشابهة بين قصتي محمد ويوسف عليهما الصلاة والسلام، يقول فيه:" فأنزل عليه وهو بمكة هذه السورة كاملة مرة واحدة، ليحيط علمه بما سيقع له من قريش وليقيس أحوال قريش على أحوال هؤلاء ويقيس شخصه على شخص يوسف، إذ هو اليوم يوسف قريش"(1).
3) وتشير قصة أصحاب الجنة، في سورة القلم: إلى أن حال محمد - صلى الله عليه وسلم - مع قومه، كحال أوسط أصحاب الجنة مع شركائه، أنه أوسطهم أي خيرهم وأعقلهم، وقد وصفه ربه بأنه على خلق عظيم، والحال أن الخلق الكريم قرين العقل الراجح، ومن هنا وصفه ربه تعالى بأنه على خلق عظيم، بعد أن نفى عنه التلبس بالجنون؛ ژ ک ک ک گ گ گ گ ? ? ? ? ? ? ? ? ں ں ژ [ القلم]، فما ينبغي للأوسط أن يتبع الأقل منه، والأصل أنه بالنسبة إليهم متبوع لا تابع، ومطاع غير طائع، فكيف إذا كانوا على الحال الأسوأ؟ فمن هنا جاء في السورة : ژ ? ? ? ? ژ [القلم] ثم، ژ ? ? ? ? ? ? ژ [ القلم].
والمشابهة واضحة من البداية من قوله تعالى في مطلع القصة: ژ ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ژ [القلم] إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة، فهنا نعمة وهناك نعمة، نعمة ثمار البستان، وهناك في مكة نعمة الإطعام والأمن، ونعمة إرسال محمد - صلى الله عليه وسلم - - الأخ الأوسط - لقريش بالتسبيح الذي أوله التوحيد ونبذ الشرك، وكذا إطعام المساكين، وقد وُصفوا في غير هذا الموضع بأنهم لا يتحاضون على طعام المسكين، ومن العطاء الذي يمنعونه: الصد عن دعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فضلاً عن عدم استجابتهم لها وحملها معه.
__________
(1) …نوفل، أحمد، سورة يوسف دراسة تحليلية، (ص102)، نقلاًً عن مؤتمر تفسير سورة يوسف، لعبد الله العلمي.(3/47)
وهناك نعمة الأوسط – أخيهم الصالح- الذي يأمرهم بالتسبيح، ويقتضي الأمر بالتسبيح، الرد على ظنهم أن مصلحتهم تقتضي منع المساكين، والله تعالى هو الأعلم بمصلحة العباد، وظنهم أنهم سيفلتون من عقاب الله إذ يخالفون أمره، ثم وهم يقحمون اسم الله تعالى في سياق التأكيد على اقتراف ما نهى، وذاك مناقضة للتسبيح، فضلاً عن أن الإكثار من الحلف بالله دليل على أن صاحبه لا يقدُر الله تعالى حق قدره، وقد كان حرياً بهم وهم يذكرون اسمه الجليل، أن يكون ذلك مدعاة لإجلاله وتعظيم أمره واجتناب نهيه.
ولئن نهى القرآن محمداً - صلى الله عليه وسلم - عن طاعة المكذبين وطاعة كل حلاف مهين، وأراه حال الأوسط وصحبه إذ تغلبوا عليه، فإنه قد نهاه وحذره من أن يكون كصاحب الحوت داعياً إياه إلى الصبر لحكم ربه، ما يشير إلى أن صاحب الحوت عليه السلام لم يصبر لحكم ربه، وسيان من ينسحب ومن يدهن.
قصة مريم: فيما يتعلق بمناسبة ما ورد من قصة مريم في سورة مريم لواقع الدعوة في العهد المكي، فإن نزول هذه القصة قبيل الهجرة إلى الحبشة، يهدف - فيما يهدف- إلى لفت نظر ملكها إلى الدين الجديد، الذي يجمعه وإياه أرضية مشتركة فيما يتعلق بحقيقة عيسى عليه السلام، وليكون دافعاً له لحسن استضافة المهاجرين وحمايتهم(1)، وقد وقع الأمران فآمن النجاشي ولم يقبل بإرجاع المسلمن إلى مكة، لا بل أنذر أهل مملكته من مغبة التعرض للمسلمين بأذى(2).
__________
(1) …الجابري، محمد عابد، مدخل إلى القرآن الكريم، ( 1/364-365)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 2006م، بتصرف.
(2) …العمري، أكرم ضياء، السيرة النبوية الصحيحة، ( 1/173-174)، ط5، 1413هـ - 1993م.(3/48)
ومن جهة أخرى فقد كان نزول هذه القصة بمثابة الوقاية والتحصين لهم من عقيدة أهل الحبشة، فليسوا جميعهم على نفس الدرجة من الإيمان والوعي، فضلاً عن أن غالب أهل الحبشة لم يكونوا على مثل اعتقاد الملك، ومع ذلك تتحدث بعض المصادر عن تنصر بعض المهاجرين(1).
المبحث الخامس
أنواع التناسب بين السور القرآنية
سبق تعريف التناسب بأنه ارتباط أجزاء القرآن الكريم بعضها ببعض، وكانت المباحث السابقة عن أجزاء القرآن التي يكون بينها ارتباط، أما هذا المبحث فيُعنى بطرائق العلماء ومناهجهم في توجيه المناسبات القرآنية، وفهمهم لأسس ذلك الارتباط بين أجزاء القرآن، وهو ما اخترت له اسم: أنواع التناسب، وخاصة ما يكون منها بين السورة وتاليتها، وأكثره مما استخلصه الدكتور محمد العبد(2) من تناسق الدرر للسيوطي، أو ما استخرجه الباحث مشهور المشاهرة(3) من تفسير البقاعي، علماً بأن هناك العديد من من نقاط الالتقاء بينهما.
التفصيل والإجمال:
القاعدة التي استقر بها القرآن - كما ذكر السيوطي - أن كل سورة تفصيل لإجمال ما قبلها، وشرح له، وإطناب لإيجازه(4).
ويمكن أن نلحظ هذه الخاصية القرآنية بين السورة والتي تجاورها بل بين مقاطع السورة الواحدة، فقد بدأت سورة الواقعة بتقسيم الناس أزواجاً ثلاثة، ومن ثم فصلت الآيات التالية في هذه الأزواج.
__________
(1) …ابن القيم، زاد المعاد في هدي خير العباد، ( 2/50)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د ط، دت.
(2) …العبد، محمد، النص والخطاب والاتصال،( ص157-169)، الأكاديمية الحديثة للكتاب الجامعي، مصر، ط1، 1426هـ - 2005م.
(3) …مشاهرة، مشهور موسى، التناسب القرآني عند الإمام البقاعي/ دراسة بلاغية، (ص 107- 129)، أطروحة ماجستير، في اللغة العربية وآدابها، من الجامعة الأردنية، 2001م.…
(4) …السيوطي، تناسق الدرر، ( ص 65).(3/49)
ولئن جاء في أواخر سورة يوسف تقريع المشركين على إعراضهم عن آيات الله المبثوثة في السماء والأرض: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ژ ، فقد افتتحت سورة الرعد التالية لها بما يفصل القول في هذه الآيات السماوية والأرضية، من رفع للسماء بغير عمد، وتسخير للشمس والقمر، ومن إرساء للجبال ومد للأرض وجعل الأنهار، وما جعل في الأرض من الثمرات الكثيرة وجنات النخيل والأعناب، ژ ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ? ? ? ? ?? ? ? ?? ? ? ? ?? ? چ چ چ چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک کگ گ گ گ? ? ? ? ? ? ? ? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ژ(1).
التناسب على الدليل والبرهان:
من هذا القبيل، التناسب القائم بين أوائل سورة الفيل وخواتيم سورة الهمزة؛ فإنه لما قدم في الهمزة "أن كثرة الأموال المسببة بالقوة والرجال ربما أعقبت الوبال، دل عليه بدليل شهودي محذراً من الوجاهة في الدنيا وعلو الرتبة والطغيان، مشيراً إلى أن هذه الأمور كلما عظمت زاد ضررها بما تجره، وما تحمله في ثناياها، إلى أن ينازع صاحبها الملك الأعلى، فالويل له بعد ذلك، وأدل دليل عليها ما شاهدته قريش من أمر أصحاب الفيل"(2).
ومثله التناسب بين آخر الإسراء وأول الكهف؛ فلما ختمت الإسراء بأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالحمد عن التنزه عن صفات النقص، لكونه أعلم الخلق بذلك، فقد بُدئت الكهف بالإخبار باستحقاقه سبحانه الحمد على صفات الكمال التي منها البراءة من النقص، منبهاً بذلك على وجوب حمده بما شرع من الدين على هذا الوجه الأحكم بهذا الكتاب القيم الذي خضعت لجلاله العلماء الأقدمون، وعجز عن معارضته الأولون والآخرون، الذي هو الدليل على ما خُتمت به سورة الإسراء من العظمة والكمال والتنزه والجلال(3).
__________
(1) …البقاعي، نظم الدرر، ( 4/118-119).
(2) …البقاعي، نظم الدرر، ( 8/528).
(3) …البقاعي، نظم الدرر، ( 4/441).(3/50)
وكذا أوائل سبأ مع الأحزاب(1)،والتحريم والطلاق(2)، والفجر مع الغاشية(3).
التناسب على أساس السبب والنتيجة:
ومثاله ترتب الفتح، بمعنى النصر، على القتال، وكون الأول نتيجة للثاني؛ حيث جاءت سورة الفتح بعد سورة القتال(4)، وكذا ارتباط سورة النصر بسورة الكافرون، على اعتبار أن إخلاص العباد ولاءهم لله تعالى وتبرُأهم من أعدائه سبب لحصول نصر الله والفتح، فكأنه تعالى يقول: لما أمرتك بمجاهدة جميع الكفار، بالتبري منهم، وإبطال دينهم؛ جزيتك على ذلك بالنصر والفتح وتكثير الأتباع(5).
ومن المناسبة بين سورتي الفيل وقريش، ما ذكره بعض النحاة من أن اللام في ژ ? ? ? ژ موصولة بما قبلها، على معنى أنه سبحانه جعلهم كعصف مأكول لإلف قريش، أي أهلك الله أصحاب الفيل لتبقى قريش وما قد ألفوا من رحلة الشتاء والصيف، ومع أن هذا ليس هو الرأي الراجح عند النحاة(6)، فإن المناسبة المعنوية حاصلة بين السورتين.
ومثل ذلك توالي سُوَر: المؤمنون والنور والفرقان، فإن الإيمان سبب لامتلاك للنور، والنور سبب نتيجته حصول الفرقان.
التناسب على أساس التقابل:
__________
(1) …البقاعي، نظم الدرر، ( 6/144).
(2) …البقاعي، نظم الدرر، ( 8/43).
(3) …البقاعي، نظم الدرر، ( 8/413).
(4) …الألوسي، روح المعاني، (26/127).
(5) …الرازي، التفسير الكبير، (32/335).
(6) الزجاج، أبو إسحق إبراهيم بن السري( ت211هـ)، معاني القرآن وإعرابه، ( 5/365)، تحقيق عبد الجليل شلبي، دار الحديث، القاهرة، ط1، 1414هـ - 1994م.…(3/51)
بأن يؤتى بمعنيين فأكثر ثم ما يقابل هذه المعاني(1)، وهي وسيلة في العرض تقوم على مبدأ إقامة ضدية بين فكرتين أو تعبيرين، مع قصد في اللفظ ووفاء بحق المعنى، بهدف الإقناع والإمتاع؛ لما تتضمنه من صور لنماذج بشرية مختلفة، وحقائق دينية متناقضة(2)، ففي سورة الواقعة مقابلة بين أصحاب اليمين وأصحاب الشمال، وفي الحاقة مقابلة بين من يؤتون الكتاب باليمين ومن يؤتونه بالشمال، وفي سورة الليل مقابلة بين الليل والنهار، وبين الذكر والأنثى، وبين من أعطى واتقى وصدق بالحسنى، فيسره الله لليسرى، ومن بخل واستغنى وكذب بالحسنى، فيسره الله للعسرى.
وقال الإمام الفخر الرازي عن سورة الكوثر بأنها كالمقابلة لسورة الماعون التي قبلها؛ حيث وصف الله سبحانه فيها المنافقين بأربعة أمور: البخل وترك الصلاة والرياء فيها ومنع الزكاة، فقد ذكر في مقابلة البخل ژ ? ? ژ أي الخير الكثير، وفي مقابلة ترك الصلاة ژ ژ ژ أي دم عليها، وفي مقابلة الرياء ژ ژ ژ أي لرضاه لا للناس، وفي مقابلة الماعون ژ ڑ ڑ ژ وأراد به التصدق بلحوم الأضاحي(3).
__________
(1) عباس، فضل حسن، البلاغة فنونها وأفنانها/ علم البيان، ( ص 278)، دار الفرقان، عمان، ط2، 1996م.…
(2) … مشاهرة، التناسب البلاغي،( ص118، 119)، عن/ بن عيسى بطاهر، المقابلة في القرآن الكريم، رسالة دكتوراه في اللغة العربية وآدابها، الجامعة الأردنية، عمان، 1994م.
(3) …الرازي، التفسير الكبير، ( 32/307).(3/52)
التناسب على أساس التكميل والعطف: بأن تكون السورة في ترتيبها كالتتمة للتي قبلها، مثل سورة المعارج- فيما ذكر السيوطي- فإنها كالتتمة لسورة الحاقة في بقية وصف يوم القيامة والنار(1)، وكذلك الأمر بالنسبة لسورة عبس التي ختمت بوعيد الكفرة الفجرة بيوم الصاخة؛ لجحودهم بما لهذا القرآن من التذكرة؛ ابتدئت التكوير التي تليها، بإتمام ذلك، فصور ذلك اليوم بما يكون فيه من الأمور الهائلة(2) ، وكذلك الأمر بالنسبة إلى سورتي البقرة وآل عمران؛ حيث فصلتا أواخر الفاتحة فاختصت الأولى بالتعريف بالمغضوب عليهم، وفصلت الثانية في التعريف بالضالين.
وبالإمكان أن نجد لدى البقاعي وغيره، حديثاً عن التناسب بين عدد من السور المتتالية، تلخيصاً لسور ماضية، أو تهيئة لسور تالية، كما فعل وهو يعطف مناسبات الحاقة والمعارج ونوح والجن والمزمل والمدثر، فالقيامة والإنسان فالمرسلات والنبأ واستمر حتى الانفطار، وما بعدها(3).
التناسب على أساس الملابسة:
وقد ضرب السيوطي لذلك أمثلة فقال في المناسبة بين سورتي القمر والنجم:" لا يخفى ما في توالي هاتين السورتين من حسن التناسق في التسمية؛ لما بين النجم والقمر من الملابسة، ونظيره توالي الشمس والليل والضحى(4)"، وقال في موطن آخر:" هذه الثلاثة حسنة التناسق جداً، لما في مطالعها من المناسبة بين الشمس والليل والضحى من الملابسة(5)، ومقصده من الملابسة، كما يبدو، المخالطة والتداخل وذاك واضح بين القمر والنجم في الواقع، وكذلك بالنسبة للشمس والليل والضحى؛ فالليل والضحى وقتان، فضلاً عن علاقة الشمس بهذين الوقتين وجوداً وعدماً.
التناسب على أساس بيان العلة:
__________
(1) …السيوطي، تناسق الدرر، (ص128).
(2) …البقاعي، نظم الدرر، ( 8/335).
(3) …البقاعي، السابق، ( 8/143-144).
(4) …السيوطي، تناسق الدرر، ( ص120).
(5) …السيوطي، السابق، (ص137).(3/53)
بمعنى أن تقع السورة موقع العلة لما قبلها، ومثاله عند السيوطي سورة البينة الواقعة موقع العلة لما قبلها؛ كأنه سبحانه لما قال في القدر: (إنا أنزلناه)، قيل: لم أُنزل؟ فقيل: لأنه لم يكن الذين كفروا منفكين عن كفرهم حتى تأتيهم البينة، وهو رسول من الله يتلو صحفاً مطهرة، وذلك هو المُنَزَّل(1).
ومن ذلك أيضاً اختتام الواقعة بالأمر بالتسبيح، وافتتاح الحديد به؛ على اعتبار أن أول الحديد واقع موقع العلة للأمر به وكأنه قيل: ژ ? ? ? ? ? ژ [الواقعة]، لأنه ژ ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ژ [الحديد](2).
التناسب على أساس التعجب والإنكار:
ومثال ذلك مناسبة أول المعارج آخر الحاقة، فقد دل على وجوب وقوعها بتسميتها الحاقة تنبيهاً على أنه لا بد منها ولا محيد عنها، ولم يبق هناك نوع لبس في وجوب التفرقة في الحكم بين المحسن والمسيء، وأن ترك ذلك مناف للكمال؛ لم يبق عذر لأحد أن ينكرها ويسأل عن وقوعها، ولو فعل أي أحد لكان جديراً بالتعجب منه والإنكار عليه(3).
والأمر نفسه يقال في مناسبة أول سورة النبأ لآخر المرسلات، فإنه لما أخبر في آخر المرسلات بتكذيبهم بيوم الفصل وحكم على أن لهم بذلك الويل المضاعف المكرر، وختمها بأنهم إن كفروا بهذا القرآن لم يؤمنوا بعده بشيء؛ افتتح سورة النبأ بأن من خالفوا فيه وكذبوا الرسول في أمر لا يقبل النزاع، فقال معجباً منهم غاية العجب، زاجراً لهم ومنكراً عليهم، ومتوعداً لهم ومفخماً للأمر بصيغة الاستفهام(4).
وثمة أوجه أخرى للمناسبة؛ بين الآيات بعضها ببعض، وكذا بين السور، وفي داخل الآية الواحدة وبالذات فواصل الآيات، مما أورده البقاعي والسيوطي وغيرهما، لكن غاية هذا المبحث هي التمثيل، لا الاستقصاء.
__________
(1) …السيوطي، السابق، ( ص 141).
(2) …السيوطي، تناسق الدرر، ( 121-122).
(3) …البقاعي، نظم الدرر، ( 8/143-144).
(4) …البقاعي، السابق، ( 8/294-295).(3/54)
الفصل الثالث
أوجه التناسب الداخلية في سورة البقرة
وفيه المباحث الآتية :
المبحث الأول: التناسب بين مطلع السورة وخاتمتها
المبحث الثاني: التناسب بين قصص السورة
المبحث الثالث: التناسب بين اسم السورة وموضوعها
المبحث الرابع: التناسب بين فواصل السورة وموضوعها
المبحث الخامس: الوحدة الموضوعية في سورة البقرة
تضمن هذا الفصل من أوجه المناسبات الداخلية في سورة البقرة، كلاً من: التناسب بين البدء والختام، والتناسب بين قصص السورة، ومناسبة اسمها لموضوعها الرئيس، وكذا تناسب فواصلها بمحورها، ثم الوحدة الموضوعية فيها، لكنه خلا من مبحث عن التناسب داخل الآية أو التناسب بين الآية والتي تليها، لا زهداً في الموضوع؛ ولكن لأن هذين الوجهين مما لا يكاد يخلو منهما تفسير قديم أو معاصر، وراعتهما رسالة الدكتور أسد سبحاني، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الكتابة فيهما كأنها إنشاء لكتاب كبير في التفسير، والباحث معنيّ بالكتابة عن المواضيع التي تتضافر في إبراز الخطوط العريضة، والمحاور الرئيسة المؤدية إلى الوحدة الموضوعية في السورة، ولذلك لم يفرد لهما ولو مبحثاً يتضمن مجموعة من الأمثلة المتناثرة؛ لعدم تحقيقها الغاية المرجوة.
المبحث الأول
التناسب بين مطلع السورة وختامها(4/1)
من البلاغة عند أهل البيان حسن الابتداء: وهو أن يُتأنق في أول الكلام؛ لأنه أول ما يقرع السمع، وعدّوا من الابتداء الحسن براعة الاستهلال؛ بمعنى أن يشتمل أول الكلام على ما يناسب الحال المتكلّم فيه، ويشير إلى ما سيق(1) الكلام لأجله، والعَلم الأسنّ في ذلك سورة الفاتحة التي هي مطلع القرآن؛ فإنها مشتملة على جميع مقاصده(2).
وقد أكد الزركشي أن خواتم السور مثل فواتحها في الحسن؛ لأنها آخر ما يقرع الأسماع، فلهذا جاءت متضمنة للمعاني البديعة، مع إيذان السامع بانتهاء الكلام حتى يرتفع معه تشوف النفس إلى ما يذكر بعد(3).
ومن جهة ثانية فإن الخاتمة لأي نص، تمثل نتيجته ونهايته، وكثيراً ما تعود على بدء النص(4) لتذكر به، وتؤكد على ما جاء فيه، وتحقق التماسك معه(5).
ويلفت الانتباه تركيز عدد من العلماء، على أهمية الفواتح والخواتم للكلام عموماً، وللقرآن على وجه الخصوص، لكونهما أول وآخر ما يقرع السمع؛ وبالتالي الأعمق أثراً من جهة، ثم أهمية الفواتح في الإشارة إلى موضوع الكلام وتتمة الموضوع، والخواتم في إيذانها بانتهاء الموضوع.
__________
(1) …عند السيوطي وابن عقيلة المكي: ( سبق)، والسياق يرجح ما أورده الباحث أعلاه.
(2) …السيوطي، الإتقان،( 2/230)، وابن عقيلة، الزيادة والإحسان في علوم القرآن، (6/282-283)، رسائل جامعية، بإشراف مركز بحوث جامعة الشارقة، سلسلة النشر العلمي، رقم( 38)، الشارقة، ط1، 1427هـ - 2006م، بتصرف.
(3) …الزركشي، البرهان، (1/233).
(4) …الأسطة، عادل ،العناوين والنهايات القصصية، في مجموعة توفيق زياد القصصية"حال الدنيا"www.najah.edu-
(5) …الفقي، صبحي إبراهيم، علم اللغة النصي،( 2/124)، دار قباء، القاهرة، د.ط، 2000م.(4/2)
إن أية سورة عندما تستهل بأحد الموضوعات فإن ذلك يكشف عن كون الموضوع يحمل أهمية كبيرة يستهدف النص لفت نظرنا إليه؛ لكون الاستهلال يحتل مكانة بارزة من حيث أهميته من ناحية، ومن حيث علاقته ببقية أجزاء النص من ناحية أخرى، وتحكّمُه كذلك في هذه الأجزاء؛ ففي الغالب يركز المرسل كل جهوده في الجملة الأولى، إذ يكون ما بعدها غالباً تفسيراً لها، وتمثل كذلك المحور الذي يدور عليه النص فيما بعد، إذ تتعلق الأجزاء الباقية من النص بالجملة الأولى بوسيلة ما. وهذا واضح في النص القرآني بصورة جلية (1).
ولقد حرص المفسرون والعلماء المهتمون بالتناسب والوحدة الموضوعية، على إبراز الروابط بين مطلع كل سورة وخاتمتها، ونال سورة البقرة حظ وافر من الاهتمام والتنويه.
ومن أبرز وجوه التناسب بين مطلع السورة وخاتمتها:
المتقون أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -: قال الرازي" بدأ في السورة بمدح المتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون، وبيّن في آخر السورة أن الذين مدحهم في أول السورة هم أمة محمد، فقال: ژ ںں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھھ ژ [البقرة: 285]، وهذا هو المراد بقوله في أول السورة: ژ ? ? ? ژ [البقرة: 3]. ثم قال ههنا: ژ ھ ے ے? ژ [البقرة]، وهو المراد بقوله في أول السورة: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ، ثم قال ههنا: ژ? ? ? ? ? ژ، وهو المراد بقوله في أول السورة: ژ ? ? ? ? ژ ، ثم حكى عنهم ههنا كيفية تضرعهم إلى ربهم في قولهم:ژ ? ? ? ? ? ? ??ژ[ البقرة: 286]، إلى آخر السورة، وهو المراد بقوله في أول السورة:ژ ? ? ? ? ?? ? چ چ چ ژ، فانظر كيف حصلت الموافقة بين أول السورة وآخرها "(2).
__________
(1) …الفقي، علم اللغة النصي، ( 1/65).
(2) …الرازي، التفسير الكبير، (7/ 106).(4/3)
وقال البقاعي:" وأما مناسبتها لأول السورة رداً للمقطع على المطلع فهو أنه لما ابتدأ السورة بوصف المؤمنين بالكتاب الذي لا ريب فيه على الوجه الذي تقدم، ختمها بذلك بعد تفصيل الإنفاق الذي وصفهم به أولها على وجه يتصل بما قبله من الأوامر والنواهي، والاتصاف بأوصاف الكمال أشد اتصال، وجعل رأسهم الرسول عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام تعظيما للمدح وترغيباً في ذلك الوصف، فأخبر بإيمانهم بما أنزل إليه بخصوصه، وبجميع الكتب وجميع الرسل وبقولهم الدال على كمال الرغبة وغاية الضراعة والخضوع"(1).
الإيمان في البدء والختام: في البدء: ژ ? ? ? ژ، و ژ ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ، وفي الختام: ژ ? ? ... ںں ? ? .. ژ، قد تكررت لفظة الإيمان مرتين بالمضارع في البداية، ومرتين بالماضي في الختام والنهاية؛ فكأن البداية تتكلم عن خطة حاضرة ومستقبلية؛ فعبر بالمضارع، وكأن الختام يشير إلى أن الأهداف قد تحققت، والخطة قد أنجزت؛ فعبر بالماضي(2).
الإيمان بالآخرة: وصف المتقون بأنهم يوقنون بالآخرة، وقد جاءت قصص أواخر السورة تعزز هذا اليقين(3)، وخوطب المؤمنون: ژ ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة]، ثم جاءت خواتيم السورة عن الحساب والمغفرة والعذاب، وعن المصير إلى الله تعالى: ژ ? ? ? چ چ چ چ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ژ [البقرة:284].... ژ? ? ? ? ? ژ [البقرة].
الإيمان والطاعة سبيل الفلاح: جاء في أول السورة وصف المتقين المؤمنين، بأنهم يقيمون الصلاة وينفقون مما رزقهم الله تعالى، وعاقبتهم الفلاح، وفي أواخرها تأكيد لذات المعنى: ژ ک گ گ گ گ ? ? ? ? ? ? ? ? ں ں ? ? ? ? ? ژ [ البقرة].
__________
(1) …البقاعي، نظم الدرر،(1/553).
(2) …نوفل، أحمد، عطف البدء على الختام في أحسن الكلام، ( ص5)، مقال مخطوط، توجد نسخة منه في مركز نون للدراسات القرآنية.
(3) …سيأتي بيان ذلك عند الحديث عن التناسب في قصص السورة، في المبحث التالي.(4/4)
النفقة في البدء والختام: لئن ورد في وصف المتقين أول السورة ژ ? ? ? ? ژ ، فقد فصل آخرها موضوع الإنفاق في آيات عديدة، مبيناً عظم الثواب وواعداً بالمغفرة والفضل، ومحذراً من المن والأذى وتيمم الخبيث في النفقة، ومن الاغترار بالشيطان الذي يعد بالفقر ويأمر بالفحشاء، وداعياً إلى الإنفاق من طيبات الكسب، وحضاً على إخفاء الصدقة، وذلك في غالب الآيات الكريمة[ من 261 ـ 280].
الكتاب ضمن الوسع: تحدثت بداية السورة عن الكتاب، وكلمة الكتاب تتضمن: معنى النص المخطوط، ومعنى الأمر الواجب المفروض؛ والكتابة بمعنى الخط عامل مهم في الإلزام كما يتضح في الديون والعقود، ولقد تكرر في سورة البقرة التعبير بالكتابة بمعنى الإيجاب في موضوع الصيام والقتال والوصية والقصاص؛ ثم جاءت نهاية السورة لتؤكد أن هذا الذي أوجبه الله تعالى على الناس هو ضمن الوسع؛ إذ ژ ? ? ? ? ? ? ژ [ البقرة: 286].(4/5)
دَين الله أحق بالقضاء: جاء في أول السورة وصف الكتاب بأنه لا ريب فيه، ثم جاء التحدي لتأكيد أنه لا ريب فيه: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة]، وجاء في ختام السورة آيتا الدَّين، وفيهما الأمر بكتابته وتوثيقه بالإشهاد عليه حتى لقد تكررت مشتقات الجذر (كتب) فيهما عشر مرات، ومشتقات الجذر( شهد) ثماني مرات، وفي التعليل لهذه الإجراءات التوثيقية قال سبحانه: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [ البقرة: 282]، " فنرى هاتين الآيتين كيف تتناولان موضوع العقد والشهادة، وكيف تأخذانهما مأخذ الصرامة والجد، وبذلك تنسجمان تمام الانسجام مع الجو العام لهذه السورة؛ وكأنهما توحيان بهذا الانسجام أن الأمة إذا كانت جادة في أمر الديون التي تتداين بها، وكانت جادة في العقود التي تبرمها فيما بينها، وكانت تشعر بمسئولية الشهادة في معاملاتها وتصرفاتها، فسيكون هذا إعداداً وتربية لها للإيفاء بعهد ربها، وللقيام بتلك الشهادة العظمى، التي بُعثت لأجلها، ألا وهي الشهادة على الناس: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [ البقرة: 143]، ومن هنا ندرك خطورة شأن هاتين الآيتين، وندرك السر في كونهما مسك الختام لأحكام هذه السورة، وندرك السر في كون الآية الأولى منهما أطول آية في أطول سورة في أعظم صحيفة الأمة"(1).
إن هذا الإلحاح الشديد على الكتابة لتوثيق الدَّين في أطول آية في القرآن العظيم، لبرهان ساطع على أن هذا الكتاب ليس من نسيج محمد - صلى الله عليه وسلم -، وليس ابن البيئة العربية الأمية ذات الثقافة الشفاهية؛ وإلا لكان انعكاساً وامتدادا لها، فضلاً عن أن القرآن قد احتفى بالقلم والكتابة من البدايات الأولى للوحي، في قوله تعالى: ژ ? ? ژ ژ ڑ ڑ ژ [ العلق] و: ژ ژ ژ ڑ ڑ ک ژ [ القلم ].
__________
(1) …سبحاني، البرهان في نظام القرآن، ( ص 420).(4/6)
إن دِين الله سبحانه، الذي هو دَين الله على عباده، موثق ومؤكد بالمعجزات والشهود لا يعتريه ريب ليكون أدعى للالتزام والأداء، وقد كان حول الرسول - صلى الله عليه وسلم - كُتّّاب للوحي لتوثيق الدِّين الذي هو دَيْن الله تعالى؛ ودَين الله أحق بالقضاء.
إيمان الرسول ينفي الريب: جاء في أول السورة وصف الكتاب بأنه: ژ ? ? ? پپ پپ ژ [البقرة :2]، وجاء في ختامها: ژ ? ? ? ? ? ? ? ژ[البقرة: 285]، فالرسول عليه السلام يدعو إلى عقيدة هو أول المؤمنين بها. وقد جاءته من ربه الذي رباه ورعاه، فليست خيالات ولا أوهاماً ولا ادعاءً، وإذا آمن الرسول فهل يبقى بعد ذلك من ريب؟ حيث إن مشكلة كثير من المبادئ هي في أن أصحابها أنفسهم غير موقنين بها وإنما تبنوها لأغراض دنيوية.
ولئن وَصَف المتقين في أول السورة ، بقوله: ژ ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة ]، فإنه ختم السورة بالقول: ژ ? ? ? ? ? ? ? ںں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھھ ھ ے ے? ? ? ? ? ? ژ [البقرة]، مؤكداً أنهم جميعاً قد آمنوا إيمانا فرديا ، بمعنى أن كلاً منهم قد اقتنع وأيقن، ولم يدخل في هذا الدين أحد تقليداً أو جرياً مع التيار، أو متابعة لما عليه الأكثرون، وهذا دليل آخر على انتفاء الريب عن الكتاب، الذي أكده في أول السورة.
المنافقون والمراءون: عرض أولُّ السورة للمنافقين الذين يزعمون أنهم يؤمنون بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ، وحذر آخرُها من إبطال الصدقات كما يفعل المنافقون بالذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يريدون بذلك وجه الله تعالى، ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ژ [ البقرة].(4/7)
سمعنا وأطعنا: ذكر أبو جعفر بن الزبير أنه لما بيّن سبحانه وتعالى أن الكتاب هو الصراط المستقيم، ذكر افتراق الأمم كما يشاء وأحوال الزائغين والمتنكبين تحذيراً من حالهم، ونهياً عن مرتكبهم، ... وأعقب بذكر ملتزمات المتقين، وما ينبغي لهم امتثاله والأخذ به من الأوامر والأحكام والحدود، وأعقب ذلك بأن المرء يجب أن ينطوي على ذلك ويسلم الأمر لمالكه؛ فقال سبحانه: ژ ? ? ژ [البقرة: 285] ؛ فأعلم أن هذا إيمان الرسول ومن كان معه على إيمانه، وأنهم قالوا: ژ ے ے ژ [البقرة: 285]، لا كقول بني إسرائيل: ژ ? ? ژ [ البقرة:93]، وأنه أثابهم على إيمانهم رفع الإصر والمشقة والمؤاخذة بالخطأ والنسيان فقال: ژ ? ? ? ? ? ?ژ "(1).
فريقان: في أول السورة تقسيم الناس بحسب مواقفهم من هذا الكتاب إلى ثلاثة أقسام: المتقين، والكافرين، والمنافقين، وحين يجيء في آخر السورة التقرير بأن المؤمنين كلهم آمنوا؛ فذلك يعني إخراج المنافقين من عدادهم؛ حيث أكد بداية السورة كذب دعواهم: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ؛ ما يعني أن الطوائف الثلاث المذكورة أول السورة هي في الحقيقة ثنتان فقط، ولذلك جاءت الآيتان الأخيرتان في السورة لتتحدثا عن جماعتين فحسب هما: جماعة المؤمنين، الذين يخوضون صراعاً مع ژ ? ? ? ژ.
__________
(1) …البقاعي، نظم الدرر،(1/556).(4/8)
سُنّة المدافعة: بعد حديث بداية السورة عن المتقين ؛ جاء الحديث عن الكفار الذين يستوي في حقهم الإنذار أو عدمه، حتى لو كان بلسان الرسول الكريم؛ أفصحِ الناس وأحرصِهم وأكثرِهم إخلاصاً، وفيه إشارة إلى أن الصدام معهم يبدو حتمياً ؛ حيث أن هؤلاء يتخذون موقفاً عدائياً من المتقين، ويتحركون ضدهم على شكل جماعة قائمة؛ وليس على مستوى فردي. وقد جاء في ختام السورة دعاء المتقين أن ينصرهم على القوم الكافرين؛ تأكيداً على وقوع الصراع، وتأييد الله المؤمنين فيه؛ حيث إنه:" في أول السورة ، ضرب الله المثل بالكافرين والمنافقين، وفي ختامها يقول الحق دعاءً على لسان المؤمنين: ژ ? ? ? ? ? ژ [البقرة :286] ، هذا القول يدل على استدامة المعركة بين الإيمان والكفر، وأن المؤمن يأخذ أحكام الله دائماً لينازل بها الكفر، أيان وجد ذلك الكفر، ويثق المؤمن تمام الثقة أن الله متوليه؛ لأن الله مولى الذين آمنوا، أما الكافرون فلا مولى لهم "(1).
النصر فلاح: انتهت المجموعة الأولى من الآيات، في فاتحة السورة، بالفلاح ژ ? چ چ چ ژ. وختمت المجموعة الأخيرة من آيات السورة بالنصر على الكافرين ژ ? ? ? ? ? ژ ، ولا شك أن النصر من أعظم صور الفلاح ، كما يظهر في ختام سورة آل عمران: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ(2).
__________
(1) …الشعراوي، محمد متولي، تفسيرالشعراوي، ( 2/1249 )، دار أخبار اليوم، مصر،1991م، د. ط.
(2) …نوفل، عطف البدء على الختام، (ص6).(4/9)
من الهداية إلى الخلافة: ويعزز ما ذُكر في النقاط الثلاث السابقة ما جاء في نظم الدرر الذي نورده بطوله لنفاسته، حيث يقول البقاعي:" ولما ضاعف لهم تعالى عفوه ومغفرته ورحمته؛ أنهاهم بذلك إلى محل الخلافة العاصمة... فلما صاروا خلفاء تحقق منهم الجهاد لأعداء الله والقيام بأمر الله ومنابذة من تولى غير الله، فتحقق أنه لا بد أن يشاققهم أعداء الله وينابذوهم، فعلمهم الذي رحمهم سبحانه، إسناد أمرهم بالولاية إليه قائلا عنهم: ژ ? ? ژ [البقرة: 286]، ثم جعل ختام توجه المؤمنين إلى ربهم الدعاء بثمرة الولاية فقال ژ ? ژ باللسان والسنان، وأشار إلى قوة المخالفين حثاً على تصحيح الالتجاء والصدق في الرغبة بقوله: ژ ? ? ژ ، وأشار إلى أن الأدلة عليه سبحانه في غاية الظهور لكل عاقل، بقوله: ژ ? ? ژ أي الساترين للأدلة الدالة لهم على ربهم المذكورين في أول السورة، فتضمن ذلك وجوب قتالهم وأنهم أعدى الأعداء... ولما كان الختم بذلك مشيراً إلى أنه تعالى لما ضاعف لهم عفوه عن الذنب فلا يعاقب عليه، ومغفرته بحيث يجعله كأن لم يكن فلا يذكره أصلاً ولا يعاقب عليه، ورحمته في إيصال المذنب المعفو عنه المغفور له إلى المنازل العالية، أنهاهم إلى رتبة الخلافة في القيام بأمره، والجهاد لأعدائه وإن جل أمرهم وأعيى حصرهم، كان منبهاً على أن بداية هذه السورة(1)هداية وخاتمتها خلافة، فاستوفت تبيين أمر النبوة إلى حد ظهور الخلافة فكانت سناماً للقرآن"(2).
المبحث الثاني
التناسب بين قصص سورة البقرة
__________
(1) …في نسخة دار الكتب العلمية من نظم الدرر: ( الصورة) وهو خطأ، والصواب ما ورد أعلاه، نقلاً عن" نواهضة، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: دراسة وتحقيق للمقدمة وسورتي الفاتحة والبقرة، ( ص 863).
(2) البقاعي، نظم الدرر، (1/560- 561).…(4/10)
اشتملت سورة البقرة على عدد من القصص بدءاً من قصة آدم عليه السلام، فأخبار بني إسرائيل، ومنها قصة البقرة التي بها سميت السورة، وقصة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وذلك حتى منتصف السورة الكريمة، وفي الربع الأخير من السورة تأتي خمس قصص هي: قصة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت، فقصة طالوت وجالوت، ثم تأتي متتابعة قصة الذي حاجّ إبراهيم في ربه، وقصة الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، وأخيراً سؤال إبراهيم عليه السلام ربه تعالى أن يريه كيف يحيي الموتى.
وسأبين أوجه التناسب بين القصص في سورة البقرة، عبر المطالب الآتية:
المطلب الأول: محور الإحياء والإماتة:
قال ابن كثير عند تفسير قوله تعالى ژ ک ک ک ک ژ [البقرة: 73]، في ختام قصة البقرة،: "أي فضربوه فحيي، ونبه تعالى على قدرته وإحيائه الموتى بما شاهدوه من أمر القتيل، جعل تبارك وتعالى ذلك الصنيع حجة لهم على المعاد، وفاصلاً ما كان بينهم من الخصومة والعناد. والله تعالى قد ذكر في هذه السورة مما خلقه من إحياء الموتى في خمسة مواضع: ژ ? ? ? ? ? ژ [البقرة :56]، وهذه القصة- يقصد قصة البقرة - ، وقصة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت ، وقصة الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها ، وقصة إبراهيم -عليه السلام- والطيور الأربعة، ونبه تعالى بإحياء الأرض بعد موتها، على إعادة الأجسام بعد صيرورتها رميماً"(1).
__________
(1) …ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، (1/112) ، دار المعرفة، لبنان ،1969م.(4/11)
لقد التفت ابن كثير - رحمه الله - إلى أن جواً من الإحياء والإماتة يظلل قصص السورة الكريمة، والحق أن هذا الجو يظلل سائر القصص في السورة، وإن بصور أخرى أحياناً؛ ففي قصة آدم خلق الإنسان من عدم وهو إحياء بعد موت، وقد سُبقت القصة بقوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة: 28]. وقصة طالوت بعث لأمة كانت مهزومة ميتة، إلى النصر والتمكين، بالدين والجهاد. وهذا إبراهيم عليه السلام يواجه الذي حاجه في ربه أن آتاه الله الملك بقوله: ژ چ چ ? ? ژ [البقرة: 258]. وكذلك فإن إنجاء بني إسرائيل من آل فرعون الذين كانوا يذبحون أبناءهم هو إحياء للسابقين، وسبب وجود اللاحقين المعاصرين للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنّ في استجابة الله تعالى لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بجعل مكة بلداً آمناً هو إحياء لمكة، وفي بعث محمد في العرب ليحملوا معه الرسالة إحياء آخر لهم من بعد موات، ونقل لهم من ذيل البشرية إلى صدارتها.
إن محور الإحياء بعد الإماتة هو محور رئيس في السورة الكريمة، يتصل ابتداء بما يتصف به المتقون المذكورون في مطلع السورة من أنهم بالآخرة يوقنون؛ ومن هنا لا بد من تكرار التذكير بالموت، وتاكيد البعث الذي يكون بعده الحساب والجزاء، ثم هو يتصل بغاية الخلق وهي الابتلاء بأمانة الخلافة وما يتبعها من مكافأة المحسن ومعاقبة المسيء، وقد انتهت قصة آدم عليه السلام بالحديث عن الآخرة ژ ? ? ? ?? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ?? ? ? ? ? ژ.(4/12)
وكذلك تختتم قصص بني إسرائيل بقوله تعالى: ژ ک گ گ گ گ ? ? ? ? ? ? ? ? ں ں ? ? ? ? ژ [البقرة]، وبعد أن يخبر سبحانه بأن الصاعقة أخذتهم لما قالوا إنهم لن يؤمنوا لموسى حتى يروا الله تعالى جهرة، يمتن عليهم سبحانه أن بعثهم من بعد موتهم، ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [ البقرة] ، وتأتي قصة البقرة فيها دليل مشاهد لبني إسرائيل على إحياء الموتى ژ ژ ژ ڑڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ژ [ البقرة]، ويستمر الحديث عن الموت والآخرة حتى نهاية الحديث عن بني إسرائيل.
ثم تأتي قصص آخر السورة الكريمة تلح على قضية البعث بعد الموت، بدءاً بقصة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم، فقصة طالوت وجالوت وفيها خبر الذين يظنون أنهم ملاقو الله، ثم قصة الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ چ چ چ ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گگ گ ? ? ? ? ? ژ ولا يجادله إبراهيم عليه السلام في سفاهته، بل يلقمه الحجة التي تبهته، وإلا فأين إحياء الله وإماتته مما يدعيه ذاك المسمى ملكاً؟.
وتأتي بعدها قصة الذي ژ ? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھھ ھ ھ ے ے ? ?? ژ [ البقرة: 259]، وختام القصص قصة إبراهيم عليه السلام يسأل الله عز وجل أن يريه كيف يحيي الموتى.(4/13)
وقد علق البقاعي عند هذه القصص الثلاث في الآيات الثلاث قائلاً:" ولما كان الإيمان بالبعث، بل الإيقان، من المقاصد العظمى في هذه السورة، وانتهى إلى هذا السياق الذي هو لتثبيت دعائم القدرة على الإحياء مع تباين المناهج واختلاف الطرق؛ فبين أولاً بالرد على الكافر ما يوجب الإيمان، وبإشهاد المتعجب ما ختم الإيقان، علا عن ذلك البيان في قصة الخليل صلوات الله وسلامه عليه إلى ما يثبت الطمأنينة....فكان كأنه قيل: يا منكري البعث ومظهري العجب منه ومقلدي الآباء بالأخبار التي أكثرها كاذب! اسمعوا قصة أبيكم إبراهيم التي لقاكم بها الاستدلال على البعث، وجمع المتفرق، وإعادة الروح بإخبار من لا يتهم بشهادة القرآن الذي أعجزكم عن الإتيان بمثل شيء منه، فشهادته شهادة الله لتصيروا من ذلك على علم اليقين بل عين اليقين"(1).
مما سبق يتضح أن محور الإحياء بعد الإماتة الذي يتكرر في سورة البقرة، يأتي ليعزز من قضيتين في غاية الأهمية:
أولاهما: الوصول بالمؤمنين إلى مرحلة اليقين بالآخرة والتي يمثل البعث فيها نقطة ارتكاز أساسية؛ سيما وأن أغلب المنكرين ينصب إنكارهم على البعث بعد الموت.
والثانية: الإحياء الحضاري للأمم والمجتمعات، كما يبرز في قصة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف ثم إحياء الله تعالى لهم، ثم في قصة طالوت وجالوت والتي تأتي مثالاً على سابقتها، ولا ننسى أن إماتة الذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها ثم بعثه، قد جاءت تأكيداً لقدرة الله تعالى على إحياء القرية الميتة.
وظاهر أن قضية الإحياء الحضاري تتعلق بالعرب خصوصاً، إذ اختيروا لحمل الرسالة، وكأن السورة تقول لهم، كما تقول لبني إسرائيل: إن الله تعالى لا يعجزه أن ينقل العرب الممزقين الذين ليس لهم وزن حضاري إلى صدارة البشرية.
المطلب الثاني: التناسب بين القصة الأولى والقصة الأخيرة في السورة
__________
(1) …البقاعي، نظم الدرر، (1/508).(4/14)
ثمة وجه آخر للتناسب والتناسق في قصص السورة الكريمة؛ وذلك بين القصة الأولى فيها والقصة الأخيرة، حتى لكأنهما حلقتان في قصة واحدة؛ فأولاهما تمثل الحلقة الأولى منها، والأخيرة تمثل الحلقة الخاتمة لها.
فقصة آدم تمثل الحلقة الأولى التي تنتهي بهبوطه إلى الأرض للقيام بمهمة الخلافة، وقد تضمن آخر القصة التأكيد على الحساب والجزاء في الآخرة: ژ ? ? ? ?? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ?? ? ? ? ? ژ [البقرة].
وفي ختام السورة تأتي قصة إبراهيم عليه السلام، وهو يدعو ربه أن يريه كيف يحيي الموتى فيأمره تعالى بأخذ أربعة من الطير وَصَوْرهنّ إليه، ثم بأن يجعل على كل جبل منهن جزءاً، ثم يدعوهن فيأتينه سعياً.
وهذه القصة تقرب مفهوم البعث والحشر، حيث يدعو الله تعالى الناس فيستجيبون بحمده، ويجتمعون من كل أطراف الأرض إلى ربهم تعالى، ليوفيَ كُلاًً حسابه، كما اجتمعت الأطيار الأربعة من الجبال في جهات الأرض الأربعة، وهي الختام الحقيقي لمسيرة بني آدم على الأرض .
المطلب الثالث: محور الخلافة والإمامة الدينية(4/15)
1) لا ينال عهدي الظالمين: تبدأ قصة آدم - صلى الله عليه وسلم - بخطاب النبي- صلى الله عليه وسلم -:ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ? ژ [البقرة: 30 ]، وكأنها تقول له، عليه السلام: إن ربك قد أرسلك لتقوم بالوظيفة التي لأجلها أسكن آدم وبنيه الأرض، بعد تقرير أن الله خلق ما في الأرض جميعاً للإنسان، ثم جاءت قصة استخلاف آدم في الأرض بعهد الله الصريح الدقيق، وتكريمه على الملائكة، والوصية والنسيان، والندم والتوبة، والهداية والمغفرة، وتزويده بالتجربة الأولى في الصراع الطويل في الأرض، بين قوى الشر والفساد والهدم ممثلة في إبليس، وقوى الخير والصلاح والبناء ممثلة في الإنسان المعتصم بالإيمان، ثم أعقبه بالحديث عن بني إسرائيل، فذكر عهد الله معهم ونكثهم له، ونعمته عليهم وجحودهم بها، ورتب على هذا حرمانهم من الخلافة، وكتب عليهم الذلة، وحذر المؤمنين كيدهم كما حذرهم مزالقهم(1).
وتأتي من بعد ذلك قصة إبراهيم عليه السلام، وفيها تأكيد على أن إمامة البشرية وقيادتها بالدين، لا يؤتاهما إلا من يستقيم على أمر الله، ولا عبرة بكونه من نسل إبراهيم عليه السلام أو غيره: ژ ? ہ ہ ہ ہ ھھ ھ ھ ے ے ?? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة]، وهو رد على بني إسرائيل إذ يرون لهم فضلاً على الناس بانتسابهم لإبراهيم - صلى الله عليه وسلم -. وقد تكرر في السورة وصفهم بالظالمين ليؤكد انقطاع الإمامة فيهم وأن عهد الله تعالى لإبراهيم لا ينالهم: ژ ? ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة:51، 92]، " ومن أظلم ممن يترك عبادة الله ووصية نبيه ليعبد عجلاً جسداً، وقد أنقذه الله ممن كانوا يقدسون العجول؟"(2).
وتمضي آيات السورة الكريمة تؤكد ذات الفكرة: ژ ? ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة]، ژ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة]، ژ ? ? ? ٹ ٹ ٹٹ ? ? ? ? ژ [البقرة].
__________
(1) …قطب، في ظلال القرآن ، (1/65)، بتصرف.
(2) …قطب، في ظلال القرآن، ( 1/71).(4/16)
ثم أكد سبحانه أن الظلم فيهم لا ينحصر في زمن موسى عليه السلام، فقص علينا خبرهم بعده - صلى الله عليه وسلم -: ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ چ چ چ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ژ ژ ژ [البقرة].
ولم يتوقف الأمر عند حد وصفه سبحانه لهم بالظلم، وإنما بين أنه لا أظلم منهم، وذلك في حق المعاصرين للرسول عليه الصلاة والسلام: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة].
وجاء في قصة الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك ژ ک گ گگ گ ? ? ? ? ? ژ [البقرة]، ليضيف معنى آخر؛ وهو أن الظالمين محرومون من مجرد الهداية فضلاً عن أن يكونوا من أئمة الهدى.
2) ولولا دفع الله الناس: إذا كانت قصة آدم عليه السلام، قد عرّفت محمداًً - صلى الله عليه وسلم - وأمته، غاية وجود البشر، وهي الخلافة؛ وختمت بتأكيد العداوة والصراع الأبدي بين آدم ومَن بعده من المؤمنين المستخلفين من جهة، وبين أتباع إبليس، ژ ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة]؛ فإن قصة طالوت قد جاءت تبين للرسول - صلى الله عليه وسلم -، طريق التمكين للدين وأهله وإقامة الخلافة في الأرض، وهو الجهاد، في قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ےے ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ژ [البقرة]، وداود عليه السلام هو الذي خاطبه تعالى في سورة أخرى: ژ ? ? ? ? ? ? ژ [ سورة ص:26].(4/17)
وقد ورد في التعقيب على قصة طالوت خطاباً للرسول - صلى الله عليه وسلم - :ژ ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? پ پپ پ ? ? ?? ? ? ?? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ چ چ چ ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ژ [البقرة]، وما دام محمد - صلى الله عليه وسلم - من المرسلين، فإن السبيل واحدة وهي قتال الكفار ومدافعتهم استجابة لأمر الله تعالى ومنعاً للفساد أن يستشري في الأرض، مع التأكيد على أن الاقتتال بين أهل الكفر وأهل الإيمان هو حتمية لازمة ما دام هناك مؤمنون مصلحون، وكافرون مفسدون.
ومن اللطيف أن قصة طالوت ذكرت بداية الخلافة في بني إسرائيل، فيما تحدث غالبية القصص عن كفرهم بهذه النعمة ونزع هذه الكرامة عنهم.
وفي قصة طالوت، أيضاً، بيان لما به تحفظ الأرض أن يعمها الفساد؛ حيث ختمت القصة بتقرير سنة ربانية عظيمة: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة]. والفساد هو نقيض الخلافة، وهو الذي تخوفت الملائكة من حدوثه عندما أخبرهم تعالى بأنه جاعل في الأرض خليفة: ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة :30].(4/18)
3) العلم والبرهان: وأمر آخر وهو أنه عندما اعترضت الملائكة على خلافة آدم عليه السلام، أظهر الله تعالى تميزه عنهم وجدارته بالخلافة من خلال ما اختصه به من العلم، وفي قصة طالوت بين النبي الكريم لبني إسرائيل تميز طالوت وجدارته للملك ژ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ?? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ژ [البقرة]، وكان للملائكة الكرام حضور بارز في القصتين: مرة وهم يسجدون لآدم، ومرة وهم يأتون بالتابوت؛ ففي قصة طالوت بيان للبرهان الإلهي على اصطفاء طالوت للملك: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة]، وفي قصة آدم بيان لما به فضل الله تعالى آدم واصطفاه للخلافة من تعليمه الأسماء وإبراز ذلك أمام الملائكة. ويتكرر مجيء الآيات الربانية في قصة الذي مر على قرية فقال أنى يحيي هذه الله بعد موتها. وفي قصة إبراهيم إذ سأل ربه أن يريه كيف يحيي الموتى، ولا ننسى أن قصة البقرة قد ُسبقت بآيات عديدة ، كما ختمت بآية عظيمة: ژ ژ ژ ڑڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ژ [البقرة]. وهذا كله ينسجم أتم الانسجام مع ما بُدئت به السورة؛ من أن الكتاب لا ريب فيه، ثم تحدِّي القرآنِ الناسَ إن كانوا في ريب من الكتاب أن يأتوا بسورة من مثله، مؤكدا لهم أنهم لن يفعلوا، حيث تتابع الآيات الربانية لهداية البشر وتعزيز إيمانهم والوصول بهم إلى مرحلة اليقين وطمأنينة القلب.
وفي ذلك إكرام من الله تعالى لبني آدم، إذ لم يكلفهم ما لا يطيقون، ودعوة لهم ألا يقبلوا أمراً إلا بدليل مهما كانت منزلة حامله أو آمره. ولعل من اللطيف هنا التذكير بأن هذا الأمر لا يقتصر على القرآن الكريم، بل وأيضاً الحديث النبوي الذي يجمع بين السند والمتن ، أي بين الوحي ودليله؛ بل إن السند سابق على المتن ومقدم عليه؛ لا يُنظر في الثاني حتى يُتثبت من الأول.
المبحث الثالث
التناسب بين اسم السورة وموضوعها الرئيس(4/19)
العنوان هو: " مجموعة العلامات اللسانية التي تدرج على رأس نص لتحدده، وتدل على محتواه العام، وتغري الجمهور المقصود بقراءته"(1)؛ حيث يتم في العنوان الإشارة إلى المحتوى على اعتبار أنه اعتصار واختصار مكثف للنص القادم(2).
والعنوان أشبه بالباب أو العتبة التي منها يُدخل إلى النص، فضلاً عن دوره في التحديد والتمييز بين النصوص، وهنا بين السور، إضافة إلى دورها في الإغراء بالقراءة، من خلال السور المسماة بحروف الهجاء، وكذا الأسماء الغريبة أو المختصرة، حيث الغالبية العظمى من أسماء السور تتكون من كلمة واحدة.
ويتناول هذا المبحث قصة البقرة، التي بها سميت السورة الكريمة، وما يتعلق بعبادة البقر، وتأثير هذه العبادة، وموضوع سورة البقرة، والتناسب بين اسم السورة وموضوعها، وذلك عبر المطالب الآتية:
المطلب الأول: قصة البقرة
__________
(1) …المطوي، محمد الهادي، شعرية العنوان في كتاب " الساق على الساق في ما هو الفارياق"، مجلة عالم الفكر، مجلد 28، العدد(1/456)، الكويت، 1999م.
(2) …مالكي، فرج عبد الحسيب، عتبة العنوان في الرواية الفلسطينية، دراسة في النص الموازي، (ص 24)، رسالة ماجستير، جامعة النجاح الوطنية، نابلس، 1424هـ - 2003م.(4/20)
بعد سبع وعشرين آية من خطاب بني إسرائيل وتعداد نعم الله تعالى عليهم، ومقابلتهم لها بالجحود والكفران، جاءت قصة البقرة، تروي للمسلمين ولهم، خبراً جديداً عن أسلافهم، لمّا قال لهم نبيهم موسى - صلى الله عليه وسلم - إن الله يأمرهم أن يذبحوا بقرة، فاتهموه بأنه يهزأ بهم ونسبوه إلى الجهل، وماطلوا كثيراً بحجة التبين لمواصفات البقرة، " وبعد تردد ومماطلة ونقاش طويل ذبح هؤلاء البقرة، ولكنهم ذبحوها وكأنهم لم يذبحوها ژ ? چ چ چ چ ژ [البقرة:71] "(1)؛ فإنهم قد قالوا – بقولهم ژ ? ? ? ژ [البقرة: 71]– "هراءً من القول، وأتوا خطأ وجهلاً من الأمر، وذلك أن نبي الله موسى- صلى الله عليه وسلم - كان مبيناً لهم في كل مسألة سألوها إياه، وردٍّ رادّوه في أمر البقرة الحق. وإنما يقال: الآن بينت بالحق لمن لم يكن مبيناً قبل ذلك، فأما من كان كلُّ قيله فيما أبان عن الله، تعالى ذكره، حقاً وبياناً، فغير جائز أن يقال له في بعض ما أبان عن الله في أمره ونهيه وأدى عنه إلى عباده من فرائضه التي أوجبها عليهم: ژ ? ? ?ژ [البقرة:71]، كأنه لم يكن جاءهم بالحق قبل ذلك"(2)؛ وعليه فقولهم: ژ ? ? ? ژ فيه من الكفر أكثر مما هو يدل على الإيمان، ومن ثم فالذي يظهر للباحث أن قوله تعالى ژ ? چ چ چ چ ژ ، وهو يثبت لهم القيام بالذبح فإنه ينفي عنهم في الوقت ذاته، ليس عدم التزام الأمر الإلهي فحسب، بل حتى أن يكونوا قاربوه ؛ أي ما قاربوا الفعل، على معنى أنه لم يُقبل ذبحهم ولم يعتبر استجابة لأمر الله تعالى(3)، فيما تكاد تجمع كتب اللغة والتفسير على أن المعنى هو
__________
(1) …سبحاني، البرهان في نظام القرآن، ( ص142).
(2) …الطبري، جامع البيان، (1/501).
(3) هناك نقاش بين علماء اللغة حول دلالة ( وما كادوا): في أنها لمقاربة النفي، أو لنفي المقاربة، والأكثرون على الأول، انظر: ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، ( 1/556-559)، دار سحنون، تونس، د ط، 1997م.…(4/21)
أنهم كادوا ألا يذبحوها، مع أن ذلك خلاف ترتيب النظم في الآية الكريمة، والذي دفعهم إلى ذلك، أن الآية قد تحدثت عن وقوع الذبح ولا يستقيم القول بأنهم لم يقاربوه بعد إذ فعلوه، ولذلك أوّلوا الأمر بأنهم قاربوا النفي لغلاء ثمنها أو لخوف الفضيحة(1)، وليس في النص ما يدل على أحدهما.
ويؤكد ذلك أن هذه القصة التي بها سميت السورة، جاءت تتويجاً لسلسلة من المخالفات والمعاندات، وكان المتوقع منهم أن يتقوا بعد رفع الطور فوقهم والتنكيل بمن اعتدوا في السبت،[ الآيات:63-66]، بل بعد رؤية الميْت ثم بعثه حياً ثم موته مرة ثانية، لكن الواقع الذي ورد في التعليق على قصة البقرة، أن قد قست قلوبهم فهي كالحجارة أو أشد قسوة، وحيث لم تتحصل التقوى لديهم وهي الأساس للاهتداء بكتاب الله تعالى، فقد انتهت الآيات إلى تيئيس المؤمنين من الطمع في إيمانهم.
المطلب الثاني
حكمة الأمر بذبح البقرة
قال الماوردي(2) :" وإنما أَمر- والله أعلم – بذبح البقرة دون غيرها؛ لأنها من جنس ما عبدوه من العجل، ليهون عندهم ما كانوا يرونه من تعظيمه، وليعلم بإجابتهم زوال ما كان في نفوسهم من عبادته"(3)، وقال بمثل قوله أبو حيان:" وإنما اختص البقر من سائر الحيوانات لأنهم كانوا يعظمون البقر ويعبدونها من دون الله فاختبروا بذلك؛ إذ هذا من الابتلاء وهو أن يؤمر الإنسان بقتل من يحبه ويعظمه"(4).
__________
(1) …الرازي، التفسير الكبير، (3/505).
(2) …هو أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب القاضي البصري الشافعي،( ت450هـ)، له الأحكام السلطانية، وأدب الدنيا والدين، الحاوي في الفقه، وقانون الوزارة،[ طبقات السيوطي، ص83-84، طبقات الأدنروي، ص119-120].
(3) …الماوردي، علي بن محمد بن حبيب، النكت والعيون،( 1/137)، دار الكتب العلمية، بيروت،د ت، د ط.
(4) …أبو حيان، البحر المحيط، (1/404).(4/22)
وجاء في زهرة التفاسير في تعليل قولهم لموسى ژ ھ ھ ژ [البقرة: 67]:" وذلك لما ألفوه من أن البقرة مقدسة لا تُذبح بل تعبد"(1).
وعند المودودي(2):" كان بنو إسرائيل في فترة إقامتهم بمصر جيرة قوم يعبدون البقر، ويبذلون لها كل تعظيم وتقديس، ومن هنا تعدى هذا المرض إليهم واستشرى فيهم فأمروا أن يذبحوا بقرة؛ .. وإذ لم يكن الإيمان قد استقر في قلوبهم؛ فقد حاولوا أن يتملصوا من هذا التكليف وراحوا يسألون ويسألون، وكلما ازدادت أسئلتهم ازداد الأمر عليهم ضيقاً وتعقيداً"(3). وأما كونها صفراء فلأجل إخراج العجل الذهبي الذي أُشربته قلوبهم(4).
وقال ابن القيم:" والظاهر أن هذه القصة كانت بعد قصة العجل؛ ففي الأمر بذبح البقرة تنبيه على أن هذا النوع من الحيوان، الذي لا يمتنع من الذبح والحرث والسقي، لا يصلح أن يكون إلهاً معبوداً من دون الله تعالى، وأنه إنما يصلح للذبح والحرث والسقي والعمل"(5).
__________
(1) أبو زهرة، محمد، زهرة التفاسير، (1/266)،.
(2) أبو الأعلى المودودي، (1903- 1979م)، مفكر إسلامي، أسس الجماعة الإسلامية في باكستان، له: الحجاب، والخلافة والملك، والمصطلحات الأربعة في القرآن، [ أبو الأعلى المودودي، فكره ومنهجه في التغيير، غازي التوبة، ص18-27].
(3) المودودي، أبو الأعلى، تفهيم القرآن،(1/85، 86)، تعريب أحمد يونس، دار القلم، الكويت، ط1، 1398هـ - 1978م.
(4) …سمعت الفكرة من أستاذي الدكتور أحمد نوفل، المحاضر في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية.
(5) محمد، يسري السيد، بدائع التفسير، (1/320).…(4/23)
وقد يشهد لقول ابن القيم ترتيب القصص في سورة البقرة؛ إذ تقدم الحديث عن عبادة العجل على قصة البقرة، فضلاً عن أن بني إسرائيل في قصة عبادة العجل كانوا قريبين من البحر؛ أي حديثي عهد بالخروج من مصر، بدلالة قول موسى عليه السلام للسامري: ژ ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ژ [طه]، فيما يظهر من قصة البقرة نوع استقرار وسكن بالنسبة لبني إسرائيل، وعندهم أبقار وزروع، ما يعني أنها متأخرة نسبياً عن قصة عبادة العجل.
يتضح مما سبق أن من أبرز حِكم الأمر بذبح البقرة، إبطال عبادة العجل، التي كان عليها بنو إسرائيل، يعزز ذلك ويؤكده تحديد لونها بالصفرة الفاقعة التي تسر الناظرين، وذاك لون العجل الذهبي الذي عبدوه. ثم إن البقرة فتية قوية ژ ? ? ? ? ژ [البقرة :68]، وهي ( مدللة )، لا (مذللة)!!: ژ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ژ [البقرة :71 ]، وتلك صفات للبقرة المعبودة، حيث يبحثون عن الصفات العليا، ولا يسخرونها للعمل بل تبقى غالباً في المعبد أو في موضع تكريم.
فالغاية إخراج تقديس البقر من قلوبهم، والذي يعني تسبيح الله تعالى وتنزيهه ورفض عبادة ما سواه، عن طريق إخراج عبادة الطاغوت(1) ليدخل مكانها عبادة الله وحده ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة :256 ]، وهذه الآية جاءت مباشرة بعد آية الكرسي، وما فيها من الحديث عن الله تعالى الواحد الحي القيوم والذي لا يستحق العبادة سواه، بعكس البقرة التي أمروا بذبحها.
__________
(1) …الطاغوت: مشتق من الطغيان وهو الارتفاع والغلوّ في الكبر، وهو على وزن فَعَلوت من أوزان المصادر، ثم أُزيل عنه معنى المصدر، وصار اسماً لطائفة مما فيه هذا المصدر، وجُعل عَلَماً على الكفر والأصنام، وأصله صفة بالمصدر، ويُطلق على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، كشأن المصادر. بتصرف، عن: ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير،( 3/ 28-29).(4/24)
ولما اعتبر القرآن ذبحهم للبقرة كأن لم يكن وتحدث عن قسوة قلوبهم التي فاقت الحجارة وقد رأوا القتيل يبعث حياً ويكلمهم، فقد انتهى إلى أن قلوبهم التي أُشربت العجل لا مكان فيها للتوحيد. ژ ? ? ? ? ? ? ? ں ں ? ?? ? ? ? ہ ہ ہ ہھ ھ ھ ھ ے ے ? ?? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ژ [ البقرة]، وقد اتجه الخطاب لمعاصري النبي - صلى الله عليه وسلم - لتأكيد أن حالهم هي حال أسلافهم، وأن لا أمل يرجى في اهتدائهم ولا انقيادهم للرسول - صلى الله عليه وسلم -.
المطلب الثالث
عبادة البقر
إن عبادة بني إسرائيل للعجل، كما لفت عدد من العلماء، لم تبدأ بالعجل الذهبي الذي صاغه لهم السامري؛ وإنما هو صاغ لهم إلهاً مما ألفوا عبادته في مصر من آلهة الفراعنة ، وقد كان العجل والثور والبقرة من أبرز تلك الآلهة .
1) عبادة قديمة جداً: ومن المناسب هنا التنويه بأن عبادة البقر من أقدم العبادات على مر التاريخ وامتداد الجغرافيا؛ فالثور المجنح أحد أبرز الآلهة في " حضارة " ما بين النهرين، والثيران، أيضاً، من أبرز الآلهة في حوض البحر المتوسط، والبقرة، كما هو معروف، أحد أهم الآلهة في شبه القارة الهندية.
فقد كان " المصريون يعرفون العجل أبيس إله القوة البدنية والجنسية، والعجل عموماً كان معبود الكثير من الشعوب، ولا يوجد شعب من شعوب الشرق الأوسط إلا وكان من عبدة العجول في يوم من الأيام، وفي الهند يعبدون البقرة رمز الخصب التناسلي والخصوبة التكاثرية، والعطاء الأنثوي المتمثل في اللبن والغذاء الحيوي، كقولنا الغذاء الملكي عند النحل.(4/25)
" والعبرانيون لما كانوا في أرض جاسان من مصر عبدوا العجل، ليس نقلاً عن المصريين وإنما عن الأشوريين الذين كانوا يحكمون جاسان وحكموا مصر كلها، وقد كانت تنسب مدن من المدن القديمة للعجل الإله مثل مدينة عجلون، وصورة العجل متغلغلة في الأدب العبراني الرسمي والشعبي على حد سواء، والأدب السامي عموما، ويزعم كتبة العهد القديم أن هارون عليه السلام قد صنع لبني إسرائيل عجل الذهب وبنى مذبحاً ( خروج:32/1-5)، وأن يربعام بعد انقسام بني إسرائيل إلى مملكتين بنى تمثالين للعجل أحدهما في بيت إيل، والآخر في دان ( ملوك: 12/26-33)، وظل شعب اليهود يعبد العجل، وأيد هذه العبادة جميع الملوك الذين تعاقبوا على المملكة الشمالية ما عدا الملك هوشيا، وتحفل أسفار العهدين القديم والجديد بأوصاف العجول، كما في (الأمثال:14/4)، و(عاموس:6/4)، و( لوقا:15/23)، و( العدد:19/1-22)، والرسالة إلى العبرانيين: 9/13-14)، و( التكوين: 15/9-17)، وقد وصف إرميا مصر بالعِجلة ووصف سكانها بالعجول الصغيرة (إرميا:46/20-21)"(1).
ولربما يتساءل المرء عن سر تقديس قطاعات من البشر- ولا عذر لهم قطعاً – للبقرة، وهو – كما يبدو- يرجع إلى نقطتين أساسيتين: أهمية البقرة في معيشة الإنسان، وكون الأبقار وبخاصة الذكران، رمزاً للقوة، وقد تجلى الرمزان في رؤيا الملك في قصة يوسف، ورؤيا النبي محمد عليهما الصلاة والسلام.
ففي رؤيا ملك مصر زمن يوسف عليه السلام، كانت البقرة مع السنبلة، رمزين لأهم مظاهر الحياة في حالي الرخاء والشدة؛ وذاك تقرير إلهي يؤكد أهميتها لحياة الإنسان: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [يوسف].
__________
(1) …الحفني، عبد المنعم، موسوعة القرآن العظيم، (1/1012-1013)، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، 2004م.(4/26)
وكذا في رؤيا النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - عليه السلام ، كانت البقرة رمزاً لخير القرون أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فقد روى أبو موسى الأشعري(1) عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ( رأيت في رؤياي أني هززت سيفاً فانقطع صدره ، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد ، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان فإذا هو ما جاء به الله من الفتح واجتماع المؤمنين ، ورأيت فيها بقراً ـ والله خير ـ فإذا هم المؤمنون يوم أحد )(2)، وتفصيل النقطتين:
أ ) تكاد البقرة أن تكون أبرز حيوان، له تأثير كبير في معيشة الإنسان خاصة في البيئات الزراعية؛ فغذاؤه لبنها ومشتقاته، وهي تثير له الأرض للزراعة، وتسقيه وتسقي حرثه، وربما حمل عليها بعض أثقاله، حتى لقد قيل بأن البقر سيد الحيوانات الإنسية(3)، وقد يشعر الإنسان ـ وبخاصة في المجتمعات الزراعية الفقيرة ـ أن حياته مرتبطة بحياة البقرة، ووجوده رهن بوجودها؛ وقد يتضاعف عنده هذا الإحساس فيشعر وكأنها هي سبب هذا الوجود وتلك الحياة، فيعبدها من دون الله تعالى، ويخاف عليها خوفه على نفسه وولده أو أشد، إلى الحد الذي مر فيه زمان على بعض مناطق فلسطين، مثلاً، إذا ماتت لأحد الأشخاص بقرة، لبس السواد حداداً عليها، وعزاه الناس بمصيبته (4).
__________
(1) …أبو موسى الأشعري، عبد الله بن قيس، كان حليفا لسعيد بن العاص، وقدم المدينة بعد فتح خيبر، استعمله النبي على اليمن، وعمر على البصرة، وعثمان على الكوفة، فتح الأهواز وأصفهان، مات سنة 423، أو 44هـ،[ الإصابة 4/211- 214].
(2) …البخاري، في كتاب المناقب(رقم::3622).وكتاب المغازي، ( رقم : 4081 )، مسلم (رقم: 2272 ).
(3) …أبو حيان، البحر المحيط، (1/404).
(4) …كما حدثني بذلك أحد الأخوة من الريف الفلسطينى.(4/27)
وهذا يذكرنا بالحديث الشريف :(إذا تبايعتم بالعينة(1)، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم )(2).
والحديث هنا يصور بعض الناس آخذين بأذناب البقر تابعين لها، ولا شك أن العين والقلب والشعور والفكر، قد سبقت الخطو في اتباع أذناب البقر، حين ظن هؤلاء أن رزقهم وحياتهم مرتبطان باتباع البقرة فلم يعودوا ينظرون إلى السماء.
وقد اقترن بهذه النقيصة، ترك الجهاد والرضا بالزرع، والتبايع بالعينة، حيث تؤدي بمجموعها إلى ذل لا ينزعه تعالى عن مستحقيه إلا بالعودة إلى الدين. فهو انحراف كبير عن الدين، وركون إلى الدنيا وخمول وكسل، يكون في مجتمع زراعي قد رضي بالزرع فما عاد يفارق تلك البقعة المحدودة من الأرض، لا يتحرك أبعد مما تتحرك البقرة، ولا تكاد عينه ترتفع عن ذيلها، ومن الطبيعي في مجتمع راكد كهذا أن يقترض الناس المال لتسيير أمورهم إلى حين الحصاد، فيقرض غنيُّهم محتاجَهم بالربا، ولكنه يبحث عن " حيلة شرعية " ويظن، لسوء فهمه وقلة دينه، أنه يقدر على خداع الله تعالى، كما يمكنه خداع الناس، ومثل هذا المجتمع الذي يتفلت من الدين؛ لن يرجى منه أن يحمله لغيره، وحيث لم تعُد له رسالة يتحرك من أجلها فقد ترك جهاد الطلب، وقعد عن جهاد الدفع.
وحين يُحذر الرسول عليه السلام، المسلمين من اتباع أذناب البقر؛ فكأنه يقرر أنهم وإن لم يصلوا إلى دَرَك عبادتها، لكن يمكن أن يصلوا إلى ما يقارب نفسيات وسلوكيات عابديها.
__________
(1) …العِينة: قرض في صورة بيع، لاستحلال الفضل( الربا).انظر: الموسوعة الفقهية، (9/ 95-97)، وزارة الأوقاف، الكويت، ط2، 1407هـ- 1987م.
(2) …رواه أبو داود في كتاب البيوع، رقم( 3462)، وأحمد في مسند عبد الله بن عمر، رقم( 4765)، وأورده الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ، رقم (11 ).(4/28)
ويتحدث الأستاذ محمد أحمد الراشد عن وجود ظاهرة حيوية رصدها النبي - صلى الله عليه وسلم - والفقهاء من بعده: أن الأمة الزراعية مستضعفة تستأسد عليها أمم الصناعة، وأن في تعاهد الزرع استرخاءً نفسياً معنوياً يضاد متطلبات الجهاد، فيترسب ذلك عبر الزمن وتعاقب الأجيال، حتى ينغلق أمر أمة الزراعة على الاستكانة وروح المسالمة والتنازل عن الحقوق، فتتحرك أمم الصناعة والتجارة، بما عندها من محركات نفسية، تدفع إلى الطموح والغلبة على الأسواق وضمان الغذاء من نتاج الأمم الزراعية، فتكون الحرب القصيرة الأجل، لانعدام التكافؤ، ويكون استخذاء الضعيف المزارع، كالذي كان من خبر الاستعمار(1).
__________
(1) …الراشد، محمد أحمد، منهجية التربية الدعوية، ( ص 317)، دار المحراب، كندا ، ط1، 1422هـ - 2002م.(4/29)
وقد جاء في سورة البقرة نفسها تحذير للمؤمنين أن يقعوا في مقدمات ذلك؛ حيث إن الأنصار فكروا بالعودة إلى مزارعهم وترك الجهاد؛ فحذرهم الله تعالى أن ُيلقوا بأيديهم إلى التهلكة: ژ ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ژ [البقرة :195]، كما ورد في سبب نزول هذه الآية؛ فعن أسلم بن يزيد(1) قال: غزونا من المدينة نريد القسطنطينية، وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد(2)، والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة، فحمل رجل منا على العدو، فقال الناس: مه مه !! لا إله إلا الله ! يلقي بيده إلى التهلكة! فقال أبو أيوب الأنصاري(3): ( إنما تأوّلون هذه الآية هكذا أن حمل رجل يقاتل يلتمس الشهادة، أو يبلي من نفسه؛ إنما نزلت فينا معشر الأنصار ، لما نصر الله نبيه وأظهر الإسلام قلنا بيننا ـ خفيا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـ : هلم نقيم في أموالنا ونصلحها ، فأنزل الله تعالى: ژ ? ? ہ ہ ہ ژ ، فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة: أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد ) (4).
__________
(1) أسلم ابن يزيد أبو عمران التُّجيبي مصري تابعي ثقة من الثالثة.[ العسقلاني، ابن حجر، تهذيب التهذيب،1/335 ابن حبان، الثقات 4/45] .
(2) …عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي ( ت 46هـ)، كان يؤمر على غزو الروم أيام معاوية، وذُكر أنه شهد فتوح الشام مع أبيه، وقيل إن له رؤية أو صحبة، مات بحمص،[ ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة، 5/33-35].
(3) …أبو أيوب الأنصاري، خالد بن زيد الخزرجي من بني النجار،( ت55هـ)، نزل النبي عنده حتى بنيت له حجرة زوجه سودة، شهد العقبة وبدراً وسائر المشاهد، ودفن قرب سور القسطنطينية.[ أسد الغابة 3/381-382، سير أعلام النبلاء 4/ 402- 413].
(4) رواه الترمذي في كتاب التفسير، رقم( 2973)، وأبو داود في كتاب الجهاد، رقم ( 2512)، وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم ( 13).(4/30)
ب ) ومن أسباب تقديس البقرة وعبادتها ـ أيضاً ـ أنها رمز للقوة، إذ تثير الأرض وتسقي الحرث. والثور ـ ذكر البقرة ـ رمز أوضح للقوة؛ كما هي صورته في الأدب الشعبي والرسمي على حد سواء؛ وثمة أسطورة قديمة تقول بأن الأرض على قرن ثور، وهل أقوى من مخلوق يقدر على حمل كل هذا الثقل على قرن واحد، عند من يؤمن بهذه الأسطورة ؟ وفي المثل الرمزي ( أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض)(1)، حيث يصور قوة الثور قريبة من قوة الأسد، ويقارن قوته بقوته، حتى إنه ليعجز عن منازلة ثورين.
وثمة مثال آخر، وهو مصارعة الثيران في إسبانيا وغيرها؛ حيث إن الإنسان عندما يصارع الثور، لا يضيره صرع الثور أم صرعه، ثم يفخر بهزيمته له، اعترافاً منه بأن الثور أقوى منه بل هو رمز القوة، ما يهون عليه إن غلبه الثور أو أصابه. ولذلك أيضاً نجد حضوراً بارزاً للثور في آلهة الوثنيين، وقد ذكرنا الثور المجنح، كأحد آلهتهم في العراق القديم.
2) أثر عبادة البقر
قال الدكتور حسن محمد باجودة:" ويلاحظ أن لفظ بقرة يجيء في الآيات الخمس خمس مرات، أربع منها بلفظ (بقرة)، ومرة واحدة بلفظ( البقر). ويبدو أن من أهم أسباب تكرار لفظ بقرة على لسان موسى عليه السلام مرات أربعاً، وإعادة لفظ بقرة بصريح اللفظ كل مرة يسألون فيها موسى عليه السلام ويلحفون في السؤال، من أهم أسباب بلادة أذهان السائلين وقصور إدراكهم، وكأن للقوم نصيباً مما اشتهر به جنس البقر من البلادة والبلاهة"(2).
الصغير يقلد الكبير، والمغلوب يتابع الغالب، والناس على دين ملوكهم، وإذا ما قدّس أحدٌ أو عبد شخصاً أو شيئاً، فلا بد أن يسعى لتقليده والتشبه به والاقتباس من صفاته.
__________
(1) …الميداني، مجمع الأمثال، ( 1/56)، رقم (81).
(2) …باجودة، حسن محمد، تأملات في سورة البقرة، ( 1/398)، مكتبة مصر،1992، د. ط.(4/31)
والبقرة رمز للغباء ومضرب المثل به، وكثيراً ما ُيشبًّه الغبي بالبقرة أو الثور، وكذلك عابدو البقر، فإنهم ما انحطوا إلى عبادتها إلا وقد بلغوا من الغباء والجهالة والعمى كل مبلغ، وإذا تتبعنا سلوك بني إسرائيل في قصة البقرة وأسئلتهم والردود عليها ظهر لنا بجلاء حمقهم وغباؤهم.
في البداية يأمرهم نبيهم - صلى الله عليه وسلم - بذبح بقرة فيردون عليه: ژ ھ ھ ژ [البقرة :67]، ويجيبهم ژ ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة:67]، ثم إذا نظرنا في أسئلتهم نجدهم يكررون مرتين سؤالاً لا ينم عن وعي: ژ ? ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة :68،70 ]. وحتى سؤالهم الثالث عن اللون ؛لا يعدو كونه سؤالاً سطحياً لا ينم عن أي ذكاء، فوق أن مماطلتهم في الاستجابة من أكبر علائم الجهالة. ومن الملاحظ أن الرد الإلهي عليهم في كل مرة كان يبدأ ب ژ ? ? ژ البقرة: [68، 69، 71] تبكيتاً لهم وتذكيرا بأن المطلوب من الأساس ذبح بقرة دون تخصيص ولا تحديد صفات، وأن هذه البقرة ـ وإن تميزت صفاتها ـ لا تعدو كونها بقرة ، وما سيكون من إحياء القتيل بضربه ببعضها ، ليس لخاصية في البقرة ولا قدرة عندها، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن تعيين سن البقرة للقوم يتم من أطول طريق وليس من أقصر طريق؛ وتفسير ذلك أن لفظ" عوان" يصح أن يفهم منه المخاطبون لو كانوا أذكياء سن البقرة؛ لأن البقرة العوان هي التي ولدت بطناً أو بطنين، وهي أقوى ما تكون من البقر وأحسنه(1).
ومع أن الهدف كان أن" يعقل " بنو إسرائيل؛ ژ ژ ژ ڑڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ژ [البقرة] فقد كانت النتيجة مناقضة لذلك الهدف: ژ ? ? ? ? ? ? ? ں ں ? ?? ? ? ? ہ ہ ہ ہھ ھ ھ ھ ے ے ? ?? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ژ[ البقرة].
__________
(1) …باجودة، تأملات في سورة البقرة، ( 1/404-405).(4/32)
وإذا أمعنّّا النظر في أسماء عائلة البقرة ( العجل، والبقرة، والثور )، وجدنا صفة العَجَلة تميز هذا الحيوان صغيراً، وفي حركته رعونة وطيش، ثم إذا كبر ظلت معه هذه الصفة لكنها تصبح أخطر لما يرافقها من القوة، فالأنثى الكبيرة بقرة؛ لكونها تبقر، والذكر الكبير ثور لثورته وعنفه وقوته العاتية المؤذية(1).
ومن المتوقع أن يكون عابد البقر المقدس لها، مقلداً لها ومتماهياً معها، فهو سفاك للدماء بغير حق ولا حد، وهو في حركته أهوج أرعن، أسوته البقرة في بقرها البطون والثور في ثورانه وبطشه، فالفراعنة الذين كانوا يعبدون البقر كان من أبرز صفاتهم وجرائمهم تقتيل أولاد بني إسرائيل وذبحهم بكل همجية وقسوة قلب. وبنو إسرائيل، الذين ورثوا العقيدة والسلوك عن الفراعنة، وأشربوا في قلوبهم العجل، من أكثر الأمم سفكاً للدماء؛ ولذلك جاء تحذيرهم وتهديدهم: ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ ژ [المائدة]، حتى لقد أخذ الله ميثاقهم بعدم القتل:ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ[البقرة:84، 85].
وعابد البقر سافك للدماء لسبب آخر، غير اقتدائه بإلهه؛ فإنه لمّا قدس الحيوان وامتنع عن ذبحه، لم يفرغ الطاقة الغضبية في محلها فاضطر إلى تفريغها في بني جنسه.
__________
(1) …انظر مثلاً: أنيس، إبراهيم، وآخرون، المعجم الوسيط، ( بقر: ص 85)، ( ثوَر: ص132)، ( عجل: ص 615)، مجمع اللغة العربية، القاهرة، ط2، 1972م.(4/33)
فالأمر الإلهي لبني إسرائيل بذبح بقرة، جاء بهدف منع سفك الدماء؛ ژ ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ژ ژ ڑڑ ک ک ک ک ژ [البقرة: 72- 73]؛ حيث يؤدي كشف القاتل إلى معاقبته وحده، ووقف التدارؤ والتدافع المؤديين إلى الاقتتال وسفك الدماء؛ فمعنى إحياء الموتى هنا حفظ الدماء التي كانت عُرضة لأن تُسفك بسبب الخلاف في قتل تلك النفس أي يحييها بمثل تلك الأحكام، على حد قوله: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة](1).
وقد قال في الكشاف:" خوطبت الجماعة لوجود القتل فيهم"(2)؛ فالقتل ليس عملاً فردياً أو معزولاً عن البيئة الاجتماعية، بل إنه حصيلة ونتيجة لازمة للأيديولوجية والنظام الثقافي الاجتماعي، لأن تشابه القلوب يؤدي إلى تطابق السلوك؛ وبالتالي فمخاطبة المعاصرين للرسول - صلى الله عليه وسلم - لأن الإيمان واحد والنفسية واحدة، وهم مهيأون للتكرار.
لكن هذا الأمر بالذبح، له حكمة أخرى، كما يبدو؛ علاجاً للنفوس الغاضبة الراغبة في الثأر والانتقام وسفك الدماء، حيث إن الذبح لحيوان كبير كالبقرة، ورؤية دمه سائلاً مسفوكاً على الأرض، يؤدي إلى تفريغ الطاقة الغضبية، وتنفيس الرغبة في القتل في الحيوان المذبوح .
ولعلنا نتلمس بعض الحكمة في التشريع الإلهي بالذبح والنحر، حيث الذبح في الإسلام عبادة وشعيرة، تتردد بين الندب والوجوب، ولها " مواقيت" مكانية وزمانية، وبها احتفاء واحتفال، يظهر ذلك في الأضحية والهدي والعقيقة والوليمة، وغيرها. إذ يبدو أن الرغبة في القتل وسفك الدماء، فطرة إنسانية وغريزة بشرية، جعلها الله تعالى لأداء بعض الوظائف؛ فإن لم توجًّه الوجهة الصحيحة، قتل الإنسان أخاه ظلماً وعدواناً.
__________
(1) …رضا، محمد رشيد، تفسير القرآن الحكيم، (1/351).
(2) …الزمخشري، الكشاف، (1/154).(4/34)
ولذلك كان تشريع الجهاد تفريغاً لتلك الطاقة، لإقامة الدين وتثبيت الخلافة، فيه سفك " لبعض" الدماء لأجل حماية دماء كثيرة. وقد جاء التعقيب الإلهي على قصة طالوت، التي انتهت بملك داود عليه الصلاة والسلام وخلافته: ژ ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ےے ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة: 251]، وقبل قصة طالوت جاء التأكيد على أن الهرب من الموت يؤدي إليه: ژ ? ? ? ? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ژ [البقرة: 243].
وفي السورة حديث عن " كتابة القتال "؛ بمعنى فرضيته على المؤمنين ژ ? ? ? ژ [البقرة :216]، وتحريض لهم لمنع الفتنة في الدين: ژ ? ? ? ? چ چ چ چ ژ [البقرة: 193] مع التأكيد على أن الفتنة ژ ? ? ? ژ [البقرة:191]، وأنها ژ ژ ژ ڑ ژ [البقرة :217] .
وفي السورة أيضاً، " كتابة القصاص " والذي هو إزهاق لنفس قَتلت بغير حق، وتأكيد على أن للمؤمنين في القصاص حياة، ژ ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة: 179].
ولعل من المناسب، هنا، التنويه على العلاقة القائمة، بين الأمم التي لا تطبق القصاص، بدعاوى وحجج حقوق الإنسان، وكثرة جرائم القتل فيها؛ وهذه المجتمعات ذاتها تعارض بشدة "الذبح الشرعي الإسلامي" لأنه يتنافى مع الرفق بالحيوان!!، في الوقت الذي تمارس فيه جرائم الإبادة والاستعمار وسفك الدماء أكثر من غيرها.
وإنما أطال الباحث بعض الشيء في هذا المبحث لتعزيز الأفكار الرئيسة فيه، وبالذات الجديدة أو التي قد تبدو غريبة ، من خلال زيادة الشواهد والأدلة، بالرغم من تفاوتها في القوة.
المطلب الرابع
… التناسب بين اسم السورة وموضوعها…
لمعرفة الموضوع الرئيس يحسن استحضار عدد من الأمور:(4/35)
أولها اسم السورة، والقصة التي سميت السورة لأجلها، والسياق الذي وردت فيه، ثم مطلع السورة وختامها، والآيات المتميزة فيها: أعظم آية في كتاب الله؛ آية الكرسي، وآية الدَّين، ولعل ما ورد في المباحث السابقة عن أوجه التناسب الداخلية في السورة الكريمة، قد أوضح إلى حد كبير المحاور الأساسية في السورة.
أما قصة البقرة فإنها تشير إلى النقاط الآتية:
الأمر الإلهي: بداية قصة البقرة، أمر إلهي لبني إسرائيل أوحي به إلى النبي الكريم موسى - صلى الله عليه وسلم -، وهذا يتناسب مع الكتابة والتكليف المذكورين في أول السورة وآخرها، والمنبثقين من الإيمان بما أنزل الله على رسله.
التوحيد: وهو أحد أبرز الغايات من الأمر بذبح البقرة، لإخراج تقديسها من قلوبهم.
البعث: تتضمن القصة مشهد إحياء لقتيل، يليه تعقيب يهدف إلى ترسيخ إيمان المعاينين، بالبعث والآخرة ژ ک ک ک ک ژ [البقرة: 73 ]، ومعلوم أن أهم أركان الإيمان هما الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر.
منع سفك الدماء: الأمر بالذبح جاء لمنع التدارؤ حقناً للدماء، والخلافة نقيضها سفك الدماء، كما جاء في كلام الملائكة، حين أخبرهم الله تعالى، بأنه جاعل في الأرض خليفة، فقالوا: ژ ? ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة: 30]. وهذا ما يتناغم وينسجم أتم الانسجام مع قصة البقرة.(4/36)
عدم صلاحية بني إسرائيل للقيادة ولا للجندية: فقد سبق القول بأن قصة البقرة جاءت في ذروة الحديث عن فساد بني إسرائيل ونكولهم عن الأمانة ونقضهم للعهد مع الله سبحانه، وهي بذلك تؤكد أن هؤلاء القوم لم يعودوا يصلحون لأي خير؛ حتى ولو أتباعاً لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، حيث جاء التعقيب على القصة ميئساً المسلمين من إيمانهم أو طاعتهم لهم، فقد صارت قلوبهم أقسى من الحجارة : ژ ? ? ? ? ...ژ البقرة: 75 } [ البقرة :75]، " أي ينقاد لكم بالطاعة هؤلاء الفرقة الضالة من اليهود الذين شاهد آباؤهم من البينات ما شاهدوه ثم قست قلوبهم من بعد ذلك"(1)، وقد قرر أول السورة أن الكتاب هدى للمتقين، ولا تتأتى الهداية لقساة القلوب.
إنها سمات بني إسرائيل " تبدو واضحة في قصة البقرة هذه: انقطاع الصلة بين قلوبهم وذلك النبع الشفيف الرقراق: نبع الإيمان بالغيب والثقة بالله والاستعداد لتصديق ما يأتيهم به الرسل، ثم التلكؤ في الاستجابة، وتلمس الحجج والمعاذير والسخرية المنبعثة من صفاقة القلب وسلاطة اللسان"(2).
وإذ قد قرر ظلمهم في غير موضع من السورة، حتى بعد زمان موسى - صلى الله عليه وسلم -، كما سبق القول؛ فإنه يؤكد عدم جدارتهم لأن ينالهم عهد الله ببقاء الإمامة فيهم ژ ? ? ? ? ? ژ [البقرة].
ولقد تحدث غير واحد من القدامى والمعاصرين عن المحور الرئيس لسورة البقرة، والذي قالوه - كما سيأتي - يدور في نفس الفلك، ويتجه إلى ذات الوجهة، وإن بدا وكأنه متعدد.
__________
(1) …ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، (1/155).
(2) …قطب، في ظلال القرآن، ( 1/77).(4/37)
يقول البقاعي في بداية السورة: " مقصودها إقامة الدليل على أن الكتاب ژ ? ژ [البقرة: 2]، ليتبع في كل ما قال، وأعظم ما يهدي إليه الإيمان بالغيب، ومجمعه الإيمان بالآخرة؛ فمداره الإيمان بالبعث الذي أعربت عنه قصة البقرة، التي مدارها الإيمان بالغيب؛ فلذلك سميت بها السورة "(1).
وذكر في أواخر تفسيره لها: " أن بداية هذه السورة هداية وخاتمتها خلافة، فاستوفت تبيين أمر النبوة إلى حد ظهور الخلافة فكانت سناماً للقرآن"(2).
وقال أسد سبحاني إن عمود سورة البقرة هو: " تقرير حقية القرآن والدعوة إلى الإيمان به"(3).
وفي تفسير الشعراوي:" إن اسم سورة البقرة قد أُخذ من قضية أساسية في الدين وهي الإيمان بالبعث، والإيمان بالبعث هو أساس الدين.....، وسورة البقرة فيها تجربة حدثت مع بني إسرائيل، ورأوا البعث وهم ما زالوا في الدنيا؛ حين بعث الله سبحانه وتعالى قتيلاً.."(4).
أما صاحب الظلال فيقول:" هذه السورة، تضم عدة موضوعات، ولكن المحور الذي يجمعها كلها، محور واحد مزدوج، يترابط الخطان الرئيسيان فيه ترابطاً شديداً؛ فهي من ناحية تدور حول موقف بني إسرائيل من الدعوة الإسلامية في المدينة، واستقبالهم لها، ومواجهتهم لرسولها - صلى الله عليه وسلم - وللجماعة المسلمة الناشئة على أساسها، وسائر ما يتعلق بهذا الموقف بما فيه تلك العلاقة القوية بين اليهود والمنافقين من جهة، وبين اليهود والمشركين من جهة أخرى.
__________
(1) …البقاعي، نظم الدرر، ( 1/24 ).
(2) البقاعي، نظم الدرر، (1/560- 561).…
(3) …سبحاني، البرهان في نظام القرآن، ( ص 431).
(4) …الشعراوي، محمد متولي، تفسير الشعراوي، (1/95).(4/38)
وهي من الناحية الأخرى، تدور حول موقف الجماعة المسلمة في أول نشأتها، وإعدادها لحمل أمانة الدعوة والخلافة في الأرض، بعد أن تعلن السورة نكول بني إسرائيل عن حملها، ونقضهم لعهد الله بخصوصها، وتجريدهم شرف الانتساب الحقيقي لإبراهيم - صلى الله عليه وسلم - صاحب الحنيفية الأولى، وتبصير الجماعة المسلمة وتحذيرها من العثرات التي سببت تجريد بني إسرائيل من هذا الشرف العظيم"(1).
وقال في تفسير التحرير والتنوير: "وإذ قد كان نزول هذه السورة في أول عهد بإقامة الجامعة الإسلامية، واستقلال أهل الإسلام بمدينتهم؛ كان من أول أغراض هذه السورة تصفية الجامعة الإسلامية من أن تختلط بعناصر مفسدة؛ لما أقام الله لها من الصلاح سعياً لتكوين المدينة الفاضلة النقية من شوائب الدجل والدخل"(2).
ويقول الدكتور فضل عباس:" وسورة البقرة- كما نعلم- هي سورة التكاليف التي كلفت بها الجماعة المؤمنة، وهذه التكاليف لا بد لها من علم، فمن علم بها وعمل، كان جديراً أن يكون خليفة في هذه الأرض؛ ولذلك ذكر فيها ما يتناسب مع شخصية السورة وموضوعها "(3).
وعند الدكتور صلاح الخالدي أنها سورة الخلافة والخلفاء(4).
الاقتباسات السابقة تضمنت عدداً من النقاط، بعضها كرره غير واحد، والبعض الآخر مما تفرد به صاحبه وذلك على النحو الآتي:
موضوع الكتاب: من حيث إقامة الدليل على أحقيته وأنه هدى ليؤمن به الناس ويتبعوه، تكرر عند البقاعي وأسد سبحاني، وذاك واضح من فاتحة السورة الكريمة وخاتمتها.
__________
(1) …قطب، في ظلال القرآن، ( 1/28).
(2) …ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير،(1/202).
(3) …عباس، فضل حسن، القصص القرآني إيحاؤه ونفحاته، ( ص 54)، دار الفرقان، عمان، ط1، 1985م.
(4) …الخالدي، صلاح، التفسير الموضوعي، بين النظرية والتطبيق، (ص73).(4/39)
موضوع الآخرة: وقد لفت إليه البقاعي والشعراوي، وكلاهما استنبطه من قصة البقرة، وقد سار محور البعث مع السورة الكريمة من بدئها حتى الختام.
موضوع الخلافة: وقد صرح به سيد قطب، وابن عاشور الذي تحدث عما أسماه الجامعة الإسلامية والمدينة الفاضلة، وكذلك تحدث البقاعي في الاقتباس الثاني، والدكتور فضل عباس، والدكتور صلاح الخالدي؛ فأما البقاعي فقد جعلها الغاية التي تؤدي إليها الهداية وأخذها من الآية الختامية، وأما الدكتور عباس فقد جعلها نتيجة للقيام بالتكاليف الواردة في السورة، التي وصفها بسورة التكاليف، وهذا الوصف يدل عليه مطلع الآية الأخيرة في السورة ژ ? ? ? ? ? ? ژ [ البقرة:286].
والذي قاله العلماء في محاولاتهم للتعريف بمحور سورة البقرة، وإن بدا وكأنه متعدد، فإنه يصير أمراً واحداً؛ فكتاب التكليف هو الهدى وأبرز ما فيه التوحيد، الذي دلت عليه آية الكرسي وهي أعظم آية، وقصة البقرة دعت إلى التوحيد من خلال إخراج عبادة البقرة من القلوب، وقد قام الدليل على الكتاب لما عجز الناس عن الإتيان بمثله، وهذا الكتاب يهدي إلى القيام بتكليف الخلافة، هذه الخلافة التي قصّر فيها بنو إسرائيل، وقد أُشربوا في قلوبهم العجل، ومن ثم انتقلت إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -وأمته، ويقتضي التكليف المحاسبة والجزاء، وهما المتمثلان في البعث والآخرة، وبذا يظهر جلياً التناسب بين اسم سورة البقرة وموضوعها من أكثر من وجه.
…المطلب الخامس
مفردات تميز سورة البقرة
ربما كان حق هذا الموضوع أن يكون مبحثاً مستقلاً في هذا الفصل، ولكن قصر مادته من جهة، وغاية وجوده في الدراسة، من جهة ثانية، قد رجّحا جعله في مطلب تابع لهذا المبحث حول موضوع سورة البقرة وعلاقته باسمها.(4/40)
وإذا تتبعنا الألفاظ التي تفردت بها السورة الكريمة فسنجدها تصب في المصبّ ذاته؛ واعتماداً على كتاب معجم الفرائد القرآنية(1)، الذي جعله مؤلفه في الجذور اللغوية التي لم ترد سوى مرة واحدة في القرآن جميعه، ومقتضى وجود أي مفردة منها في سورة البقرة يعني بالضرورة عدم وجودها في أي موضع آخر من القرآن الكريم.
واللافت للنظر أن غالب المفردات الخاصة بسورة البقرة(2) هي في سياق الحديث عن بني إسرائيل، وهي: ( بابل، بصلها، بقلها، عدسها، فاقع، فومها، قثائها، ماروت، ميكال، هاروت، شِية).
والقسم الثاني ما ورد من المفردات في آية الكرسي والآية التي تليها، وهي:( يؤوده، انفصام، سِنة).
والقسم الثالث يتعلق بالأحكام المطلوبة من المؤمنين، كالصوم والحج والعمرة، وعلى الأخص النفقة، ويقابلها الربا، وهي:( يتخبطه، رمضان، صلداً، فطل، تغمضوا، إلحافاً، المروة).
والقسم الأخير مثل ضرب للكفار، وهو كلمة: ( ينعق)، وبيان لخسران تجارة المنافقين( ربحت).
فلقد وردت إحدى عشرة مفردة في بني إسرائيل وحدهم من بين ثلاث وعشرين، ما يعني مركزية موضوعهم في السورة، وهو ما يتناسب مع قصة البقرة التي سميت السورة بها، بل إن كلمتين من المجموعة قد وردتا في قصة البقرة( فاقع، شية).
والمجموعة الثانية، وهي الأكثر عدداً، فقد وردت قصة استبدال بني إسرائيل الذي هو أدني بالذي خير، ولذلك دلالته على مستوى هذه الجماعة البشرية وعدم صلاحيتها للخلافة أو لأي من عظائم الأمور( بقلها، بصلها، عدسها، قثائها، فومها) .
__________
(1) …البسومي، باسم، معجم الفرائد القرآنية، نون للأبحاث والدراسات القرآنية، ط1، 1422هـ - 2001م.
(2) …البسومي، السابق، ( ص 133).(4/41)
والمجموعة الثالثة من هذا القسم حول علاقتهم بالسحر واتباعهم ما تتلو الشياطين على ملك سليمان، بدلاً من اتباعهم وحي الله تعالى على أنبيائه، ثم كفرهم بذلك الاتباع، وما فيه من تعلم ما يفرقون به بين المرء وزوجه، وما في هذا الخبر من تيئيس للمؤمنين من إمكانية صلاحهم، وقد صاروا أولياء الشيطان ووكلاء الطاغوت( بابل، هاروت، ماروت)، وفي تمييزهم بين (ميكال) وجبريل عليهما السلام، تأكيد منهم على رفض رسالة محمد- صلى الله عليه وسلم -، بدعاوى سخيفة، وإظهار لعنصريتهم من جهة أخرى .
والقسم الثاني الذي تخصص في آية الكرسي والآية التالية لها، يتناسب مع موضوع التوحيد الذي جاءت تعالجه قصة البقرة، ليظهر الارتباط الوثيق بين أعظم آية في كتاب الله تعالى، والقصة التي سُميت بها أطول سورة في القرآن الكريم.
والذي لا يؤوده حفظ السماوات والأرض لن يعجزه حفظ دينه ولا نصرة أوليائه، والذي لاتأخذه سنة ولا نوم، لن يضعف عن الحفظ، وليس بغافل عما يعمل الظالمون، والكفر بالطاغوت الذي قصدت إليه قصة البقرة، يجعل صاحبه مستمسكاً بالعروة الوثقى لا انفصام لها، ما يشير إلى واقع أتباع محمد، وواقع الذين لم يكفروا بالطاغوت.
والقسم الثالث تحدث عن أركان الدين، وواجبات الخلفاء الجدد وما ينبغي أن يتجنبوه؛ فقد جاء حديث عن رمضان الذي فُرض فيه الصيام، وعن المروة التي هي من شعائر الله تعالى في الحج والعمرة، ثم تركيز طويل على موضوع النفقة، وضرورة الإخلاص فيها، وأسباب قبولها أو ردها، وأهمية استهداف النفقة أهل العفة الذين لا يسألون الناس إلحافاً، وفي نفس الوقت الحذر من الربا الذي يستدعي إعلان الحرب الإلهية على فاعليه، ويجعل آكليه ألعوبة بأيدي الشيطان، ولعل التركيز على النفقة لأن الأشخاص الرساليين ينبغي أن يكونوا من أهل العطاء، لا من الذين يؤثرون الدنيا على الآخرة.
المبحث الرابع
التناسب بين فواصل السورة وموضوعها(4/42)
الفاصلة ظاهرة أسلوبية قرآنية واضحة المعالم، وهي مما انفرد به القرآن عن النثر والشعر معاً، وتعد من أبرز الخصائص التي جعلته نحواً جديداً من أنحاء البيان، وطريقاً فريداً من طرق التعبير(1).
ويراد بالفاصلة: حرف الرويّ الذي تنتهي به الآية، ويشبه رويّ قافية الشعراء، أو المقطع الذي تنتهي إليه الآية، أو الجزء الأخير الذي تذيل به الآية، ويكون أفضل نهاية مناسبة متمكنة لها(2).
إن لما تُختم به الآية قيمة خاصة؛ لكونه يؤدي وظيفة مزدوجة في نظمها : فهو من ناحية يتصل بالمعنى ويتممه، ومن ناحية أخرى يتصل بنظام الفواصل وينسقها(3)،فالفاصلة تقوم بوظيفة بنائية فضلاً عن دورها الإيقاعي، حيث إنها تندمج في نسج السورة المتشابك، وتتمايز منه، وتعمل على أن تكون ناظماً يمسك حدود الآية(4) . وهذا البحث معنيّ بالكلمة أو العبارة الأخيرة لتعلقهما بالجانب المعنوي، دون حرف الرويّ أو المقطع الأخير اللذين يتعلقان أكثر بالجانب الصوتي الإيقاعي.
__________
(1) …أبو زيد، أحمد، التناسب البياني في القرآن، ( ص 351)، رسالة ماجستير،1990م، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، جامعة محمد الخامس، سلسلة رسائل وأطروحات، رقم 19، المملكة المغربية.
(2) …اليافي، نعيم، قواعد تشكل النغَم في مُوسيقى القرآن، مجلة التراث العربي، ع 15-16/ 1984، اتحاد الكتاب العرب دمشق، بتصرف. http://www.awu-dam.org/trath/ind-turath102.htm.
(3) …أبو زيد، التناسب البياني، (ص 352).
(4) …اليافي، قواعد تشكل النغم القرآني، بتصرف.(4/43)
والناظر في كتب التفسير وعلوم القرآن، سيجد اهتماما بارزاً بالفواصل؛ وبالأخص من حيث مناسبة كل فاصلة للآية التي جاءت تختمها، مع تأكيدهم أن مناسبات الفواصل منها ما يكون ظاهراً، ومنها ما يُستخرج بالتأمل اللبيب، على حد تعبير الزركشي(1)، ومن الطبيعي أن تكون فواصل أي سورة متناسبة مع محورها الرئيس من حيث تعزيزه أو الدلالة عليه، علماً بأنه ليس من غرض هذه الدراسة الغرق في مناسبة كل فاصلة لسياقها، بل ستركز على بعض العموميات والخطوط العريضة في هذا الموضوع، بعد أن تعرض لعدد من الفواصل ذات المناسبات الظاهرة مع آياتها، وعدد آخر من الفواصل التي تحتاج شيئاً من التأمل والتدبر لاكتشاف أوجه تناسبها مع الآيات.
المطلب الأول: من الفواصل الظاهرة والخفية
سبقت الإشارة إلى قول الزركشي بأن المناسبة بين الفواصل والآيات، منها ما يكون ظاهراً ومنها ما يستخرج بالتأمل اللبيب، وغالب الفواصل من النوع الجلي الظاهر، والأقل منها هو الذي يحتاج شيئاً من التدبر والتفكر، سواء في ذلك سورة البقرة، موضوع دراستنا، أو سائر آيات القرآن الكريم.
فمن النوع الظاهر الآيات الكريمة: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? پپ پ پ ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ٹٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ?? چ چ چ چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ?? ? ? ? ? ? ? ں ں ? ? ? ? ? ?ہ ہ ہ ہھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ژ [البقرة].
والناظر في هذه الآيات لن يجد كبير مشقة في الربط بين كل آية وفاصلتها؛ كتأكيد أن نصر الله قريب بعدما مست البأساء والضراء المؤمنين وزلزلوا، حتى يقول الرسول والمؤمنون معه: متى نصر الله؟
__________
(1) …الزركشي، البرهان في علوم القرآن، ( 1/106).(4/44)
وفي الآية التالية، طمأنة المؤمنين أن أي خير يعملونه لن يضيع لأن الله به عليم، وعندما يذكر الحق سبحانه أن في كتابة القتال على المؤمنين خيراً لهم، وأنه ربما يكون الخير فيما يكرهون والشر فيما قد يحبون، لا جرم يأتي التأكيد بأن الله تعالى يعلم، والمؤمنون المخاطبون في الآية، لا يعلمون، كأحسن ما يكون الختم.
وإذا جاءت فاصلة تهدد بالخلود في النار الذي يرتد عن دينه ويموت كافراً، أو تأتي فاصلة تذكر بأن الله غفور رحيم لمن يرجون رحمة الله من الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله، فإن الأمر في غاية التناسب والتلاحم.
والقسم الآخر من الفواصل هو الذي يحتاج لمعرفة مناسبته للآيات إلى النظر والتأمل اللبيب، وهذه مجموعة من الآيات الكريمة ليست جميع فواصلها على نفس الدرجة من الوضوح والجلاء، أو الخفاء والغموض: ژ ? ? ? ? ? ? ?? ? ?? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ چ چچ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑک ک ک ک گ گ گ گ ?? ? ? ? ? ?? ں ں ?? ? ? ? ? ژ [البقرة].(4/45)
فالآية الكريمة الأولى في المجموعة، تقرر أن النساء بالنسبة إلى الرجال، هن حرثهم وموضع زرعهم، وترك لهم الخيار في طريقة الغرس والبذار، ما دام في محل الزرع، ثم أمرهم أن يقدموا لأجل منفعة أنفسهم، على معنى أن يبتغوا بهذا الفعل ما يدخرونه يوم لقاء الله، ويشمل إعفاف النفس والزوج وطلب الذرية الصالحة التي تحمل الدين، وكذا الامتناع عن وطء غير موضع الحرث، وأتبعه بالأمر بتقوى الله سبحانه، وأن يعلموا بأنهم ملاقوه تعالى أو ملاقو ما قدموا، والحاصل واحد، ثم ختم الآية بقوله : ژ ? ? ? ژ إشارة إلى أن امتثال الأحكام المتقدمة من الإيمان(1)، وفي مخاطبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يبشر المؤمنين عَود على ما بدأت به الآية السابقة لهذه من مخاطبته عليه السلام بالقول: ژ ? ? ?? ? ? ہ ہ ہ ہ ھھ ھ ھ ے ے ژ [البقرة: 222].
والآية التالية بعد إذ نهت المؤمنين أن يجعلوا الله عرضة لأيمانهم، أن يبروا ويتقوا ويصلحوا بين الناس، خُتمت بصفتي السمع والعلم ژ ? ? ? ? ژ؛ لأنه تقدم ما يتعلق بهاتين الصفتين، فالحلف يتعلق بالسمع لأنه من المسموعات، بينما إرادة البر والتقوى والإصلاح بين الناس محلها القلب، من المعلومات المتعلقة بصفة العلم(2).
__________
(1) …انظر: أبو حيان، البحر المحيط، ( 2/ 430-432) ، و أبو السعود، إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، (1/269)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1419هـ - 1999م، وابن عاشور، التحرير والتنوير، ( 2/373-375).
(2) …أبو حيان، البحر المحيط، (2/442).(4/46)
ثم قررت الآية التالية أنه تعالى لا يؤاخذ باللغو في الأيمان، وهي التي لا عقد معها ولا قصد(1)، وإنما يؤاخذ على ما كسبت القلوب، ثم جاء التعقيب بصفتي المغفرة والحلم ژ ? ? ? ? ژ فهو غفور حيث لم يؤاخذكم باللغو مع كونه ناشئاً من عدم التثبت وقلة المبالاة، وهو حليم حيث لم يعجل بالمؤاخذة في ذنب هو من قبيل التقصير في الأدب مع الله تعالى(2)، ويرى الباحث أن الفاصلة متصلة أيضاً بما يؤاخَذ عليه مما كسبت قلوب الناس ژ پ پ پ ?? ژ [ البقرة: 225]، ومجيء صفة المغفرة لإطماعهم في طلبها بالاستغفار عما استجلبوا به المؤاخذة، والإقلاع عنه، ومجيء صفة الحلم كيلا يغرهم حلمه سبحانه بعدم معاجلتهم بالعقوبة، فيتوبوا من قريب.
وقد خُتمت آية الإيلاء بقوله تعالى: ژ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ژ حيث يغفر للمُؤلي بفيئته التي هي كالتوبة إثر حنثه، أو ما قصد بالإيلاء من ضرار المرأة(3)، والرحمة عطاء فوق المغفرة، وهي لمن فاء، ولزوجه بفيئه.
ومتابعة لموضوع الإيلاء جاء قوله سبحانه: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ژ، فهو سميع باعتبار إيقاع الطلاق الذي هو من باب المسموعات؛ لأنه لا يقع إلا باللفظ، وعليم باعتبار العزم على الطلاق؛ لأنه من باب النيات، ولا تدُرك إلا بالعلم(4).
__________
(1) …أبو السعود، إرشاد العقل السليم، ( 1/270).
(2) …أبو السعود، السابق، ( 1/270)، وابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، ( 2/384)
(3) …أبو السعود، السابق، ( 1/270).
(4) …أبو حيان، البحر المحيط، ( 2/450).(4/47)
وقد خُتمت الآية الأخيرة في المجموعة، بقوله جلّ شأنه: ژ ? ? ? ? ژ من باب التذييل(1) وإقناع المخاطبين؛ وذلك أن الله تعالى لما شرع حقوق النساء، كان هذا التشريع مظنة المُتلقَّى بفَرْط التحرج من الرجال، الذين ما اعتادوا أن يسمعوا أن للنساء معهم حظوظاً غير حظوظ الرضا، والفضل والسخاء، فأصبحت لهن حقوق يأخذنها من الرجال كرهاً، إن أبوا، فكان الرجال بحيث يرون في هذا ثلماً لعزتهم، فبين الله تعالى أن الله عزيز، أي قوي لا يعجزه أحد، ولا يتقي أحداً، وأنه حكيم يعلم صلاح الناس، وأن عزته تؤيد حكمته فينفذ ما اقتضته الحكمة بالتشريع والأمر الواجب امتثاله، ويحمل الناس على ذلك وإن كرهوا(2).
المطلب الثاني: فواصل البدء والختام في السورة
المتقون والكافرون: تتعلق فاصلة آخر السورة بمضمونها أو بغرضها العام، كما تتعلق بفواتحها(3)، حيث يلاحظ أن الفاصلة الأولى بعد ژ الم ژ تحدثت عن المتقين الذين كان الكتاب لهم هدى، وذلك في سياق تقسيم الناس بحسب مواقفهم من الكتاب الكريم، ثم يجيء الحديث عن الذين كفروا، وإذ قد بينت الآيات أنه يستوي في حق هؤلاء الإنذار وعدمه، فكأنها تقول إن الصراع بين المتقين والكافرين يبدو حتمياً، ومن هنا تأتي الفاصلة الأخيرة دعاءً من المتقين إلى الله تعالى أن ينصرهم ژ ? ? ? ژ [البقرة: 286].
__________
(1) …التذييل، أو الإطناب بالتذييل: تعقيب الجملة بجملة تشتمل على معناها للتوكيد. انظر: مطلوب، أحمد، معجم المصطلحات البلاغية وتطورها، ( ص 139)، مكتبة لبنان ناشرون، ط2، 1996م.
(2) …ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، ( 2/403).
(3) …الحسناوي، محمد، الفاصلة في القرآن، (ص293)، دار عمار، عمان، ط2، 1421هـ / 2000م.(4/48)
الإنفاق: الفاصلة التالية لفاصلة ژ المتقين ژ في مطلع السورة، تصفهم بأنهم مما رزقهم الله ژ ينفقون ژ ، وفي أواخر السورة فإن غالب الآيات [من261–280]، تتحدث عن موضوع الإنفاق، وكانت فواصل أغلبها في سياق الحض على النفقة، وإخلاصها.
فقد جاءت فاصلة ژ گ گ ? ? ژ [البقرة: 261]، لتعزز ما سبقها في الآية من مضاعفة الثواب للنفقة التي مثلها مثل الحبة التي أنبتت سبع سنابل؛ فالله سبحانه واسع لا يحد في صفة من صفاته التي تنشأ عنها أفعاله، وعلمه قد شمل كل معلوم فلا يخشى أن يترك عملاً(1)، وهو سبحانه واسع العطاء، واسع القدرة على المجازاة، عليم بالنية وعليم بمقادير المنفقات وما يرتب عليها من الجزاء(2). كما جاءت ذات الفاصلة في الرد على إيعاد الشيطان المنفقين بالفقر، وتأكيداً على وعد الله تعالى بالمغفرة والفضل.
وقد تكرر تطمين المنفقين أنه لا خوف عليهم ژ ے ے ? ژ [ البقرة:262، 274، 277] وخوطبوا بوعد الله سبحانه: ژ ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک کک ک گ گ گ گ ? ? ? ? ? ژ [البقرة: 272 ]، وجاء التأكيد على أن الإنفاق في سبيل الله هو مقتضى الحكمة والتفكير الصائب، ولذلك يبين الله تعالى الآيات ژ ک ک گ ژ ، كما أنه لا ژ ? ? ? ? ? ژ.
__________
(1) …البقاعي، نظم الدرر، (1/ 516).
(2) …أبو حيان الأندلسي، البحر المحيط، (2/658).(4/49)
وقد جاءت أكثر من فاصلة تتحدث عن علم الله تعالى المطلق بأي نفقة، وأنه بما يعمل الناس بصير وخبير تطميناً لهم أنه لن يضيع شيئاً من أعمالهم، وتحذيراً أن يقصدوا غيره بنفقاتهم، أو يتبعوها بالمن والأذى، وقد تكرر وصفه تعالى بأنه غني مرة مع وصف الحليم وثانية مع وصف الحميد، لتأكيد غناه عن الصدقة، وأنه لو أراد قادر على العطاء دون وساطة المنفقين، وأنه قادر على إجزال العطاء والمثوبة على المنفقين، ثم هو تعالى حليم عن معاجلة العقوبة لأهل المن والأذى، وهو حميد شديد الحمد؛ لأنه يثني على فاعل الخيرات(1).
المطلب الثالث: الفواصل والآخرة
الفاصلة الرابعة من سورة البقرة تصف المتقين أنهم بالآخرة ژ هم يوقنون ژ، وتأتي الفاصلة قبل الأخيرة في السورة الكريمة على لسان الرسول- صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين معه لتؤكد حصول اليقين بالآخرة عندهم ژ غفرانك ربنا وإليك المصير ژ، ولقد سبق الحديث عن امتداد موضوع البعث في قصص السورة، ما يعزز كون الآخرة والبعث من أظهر المحاور في هذه السورة الكريمة، وألصقها بموضوعها الرئيس، وهو ما يلاحظ أيضاً في الكثير من الفواصل فيها.
فقد جاءت أربع فواصل من مشتقات الجذر ( رجع )، تؤكد حتمية الرجوع إلى الله تعالى يوم القيامة، واللافت في جميعها تقدم الجار والمجرور على جملة ( الرجوع)، اسمية كانت أو فعلية، ليفيد الاختصاص؛ على معنى أن الرجوع يكون إلى الله تعالى وحده (2) لا إلى غيره، وقد جاء مرة في سياق استنكار كفر الناس بالله تعالى مع أنهم راجعون إليه، وفي سياق بيان أثر هذا الاعتقاد في الخشوع المؤدي إلى الاستعانة بالصبر والصلاة، وفي بيان تأثيره في تحقيق الصبر عند المصيبة، وللحث من خلاله على إقراض الله سبحانه قرضاً حسناً.
ژ ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ .
ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ .
__________
(1) …ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، ( 3/58).
(2) …البقاعي، نظم الدرر، ( 1/ 127).(4/50)
ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ .
ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ژ.
كما توجه الخطاب إلى المؤمنين: ژ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ژ .
وكل الفواصل التي تنتهي بكلمة ( خالدون )، جاءت في سياق الخلود الأخروي في الجنة مرتين [ الآيات: 25، 82]، وفي النار خمس مرات[ الآيات: 39، 81، 217، 257، 275].
ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ?? ? ? ? ? ? ?? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ?? ? ? ?? ? ? ? ?? ? ? ? ? ژ [البقرة].
ژ ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ?? ? ? ? ? ژ .[البقرة]
ژ ? ? ? ں ں ? ? ? ? ?? ہ ہ ہ ہ ژ [البقرة].
ژ ھ ھ ھ ھ ے ے ?? ? ? ? ? ژ [البقرة].
ژ ? ? ? ? ? ? ں ں ? ? ? ? ? ?ہ ہ ہ ہھ ھ ھ ھ ے ژ [البقرة].
ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ٹ ٹٹ ٹ ? ? ? ژ [البقرة].
ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ?ٹ ٹ ٹ ٹ ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? چ چ چ چ ?? ? ? ? ? ژ [البقرة].
وجميع فواصل الجذر ( حزن )، وردت في سياق تطمين المؤمنين الطائعين ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
ووردت فاصلة ( عظيم )، متعلقة بالآخرة مرتين في سياق وصف العذاب الأخروي، في قوله سبحانه: ژ ٹ ٹ ? ? ژ ، وقوله:ژ ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ ژ .
كما ختمت ثلاث آيات مهددة بالعذاب الأليم [ الآيات: 104، 174، 178]، وهددت آية أخرى بالعذاب المهين[ الآية: 90].
وتحدثت الآية [165] عن أن الله تعالى ( شديد العذاب)، وحذرت الآيتان [ 196، 211] من أن الله تعالى( شديد العقاب).
وقد انتهت ثلاث فواصل بكلمة النار؛ في إحداها تهديد للذين اتخذوا من دون الله أنداداً أنهم غير خارجين من النار[ الآية: 175]، وفي الثانية تعجيب من الذين يكتمون ما أنزل الله ويشترون بآياته ثمناً قليلاً ژ ? ? ? ? ? ژ ، والثالثة على لسان المؤمنين وهم يسألون الله سبحانه أن يقيهم ( عذاب النار) [ الآية: 201].(4/51)
وكذلك ختمت آيتان بكلمة المصير، إحداهما عن الكافر الذي سيرد إلى عذاب النار ( وبئس المصير) [ 126]، والثانية تحصر المصير بأنه إلى الله وحده ژ ? ? ? ? ? ژ ، وختمت الآية [ 206] مهددة المفسدين بجهنم ( وبئس المهاد).
كما جاءت غالب فواصل الجذر (عمل)، لتأكيد أن الله سبحانه ليس بغافل عما يعمل الناس وهو بصير بما يعملون، وجميعها إلا واحدة كانت في بني إسرائيل، وكان بعضها بصيغة المخاطب وبعضها الآخر بصيغة الغيبة، مع ما يترتب على ذلك من تهديد لبني إسرائيل من جهة، وطمأنة المؤمنين من جهة أخرى، والتهديد يشمل العقاب الدنيوي والأخروي على حد سواء.
وكثير من الآيات التي تتحدث عن (علم) الله تعالى، تلوح بشكل أو آخر بالجزاء الأخروي.
وثمة فواصل عديدة غير ما ذُكر جاءت في سياق الحديث عن الآخرة، تعزز أهمية الآخرة ترغيباًُ وترهيباً، لتحقيق الاستقامة وأداء التكليف، وتأكيداً على أن الإنسان لم يُخلق سدى وأنه لا محالة مبعوث من بعد الموت ومحاسب على ما قدم ومجزي به ثواباً أو عقاباً.
المطلب الرابع: فواصل التقوى(4/52)
الفاصلة الأولى بعد (الم) هي كلمة ( للمتقين)، وفي تقديم ذكرهم أول السورة مزيد عناية بهم، في سياق التأكيد على أن الكتاب هدى خاص بهم دون سواهم، ما يعني أن حصول التقوى شرط للاهتداء بالكتاب، ثم تأتي الفاصلة التالية في المجموعة تدعو الناس إلى عبادة الله ( لعلكم تتقون)، أي رجاء أن تتحصل لديكم التقوى، المؤدية للاهتداء بالكتاب، ويؤمر بنو إسرائيل في آية ثانية بتقوى الله وحده، وتتكرر فاصلة ( لعلكم / لعلهم، تتقون/ يتقون) بصيغة الغائب والمخاطب أولاً مع بني إسرائيل، وقد اختيروا لحمل الكتاب بقوة، فلا بد من التقوى للاهتداء به، ثم توجه الخطاب للمؤمنين من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، حيث كتب عليهم القصاص والصيام وبين لهم الحدود وكل ذلك لأجل أن تتحصل لديهم التقوى( لعلكم تتقون)، وإذا كانت التقوى شرطاً للهداية فإنها كذلك شرط لحصول الموعظة، وحيث إن التقوى أمر بين العبد وربه وهو سبحانه أعلم بمن اتقى؛ فقد جاءت آية البر تبين الأعمال والصفات التي يصبح المؤمنون فيها من المتقين ( وأولئك هم المتقون)، وجاءت آيتان في موضوع الأسرة تهيبان بالمتقين أن يقوموا بأداء بعض الواجبات، وقد ورد التعقيب عليهما بقوله سبحانه ( حقاً على المتقين) لتحريض المؤمنين أن مقتضى كونهم متقين أن يفعلوا ذلك، وفي سياق الرد على العدوان وعدم البدء به في الشهر الحرام، جاء التعقيب يطالب المؤمنين أن يعلموا بأن( الله مع المتقين)، في معركتهم ضد الكافرين، ليؤكد وقوع الاستجابة لدعائهم أن ينصرهم الله على القوم الكافرين ما دام الله معهم.
ژ ? ? ? ژ [البقرة].
ژ ? ? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ژ.
ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک ژ.
ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ .
ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ں ں ژ .
ژ ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? چ چ چ چ ? ?? ? ? ?? ? ? ? ژ .
ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ.(4/53)
ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ژ .
ژ ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ژ .
ژ ? ? ? ? ? پ پپ پ ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? چ چ چ چ ?? ? ? ? ? ?? ? ? ژ ژڑ ڑ ک ک ک کگ گ گ گ ? ? ? ? ? ژ.
ژ ? ژ ژ ڑڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ?? ? ? ? ? ? ? ں ں ژ.
ژ ژ ژڑ ڑ ک ک ک ژ.
المطلب الخامس: الفواصل المشتقة من الجذر (كفر)
الكفر لغة الستر ومنه وصف الليل بالكافر لستره الأشخاص، والزَّراع لستره البذر في الأرض، وكفر النعمة سترها بترك أداء شكرها، وأعظم الكفر جحود الوحدانية أو الشريعة أو النبوة(1).
لقد سبق الحديث عن أن فاصلة الكافرين هي الفاصلة الأخيرة في سورة البقرة، حيث جاءت في ختام دعاء المتقين أن ينصرهم الله على القوم الكافرين، وكون هذا الدعاء ختاماً السورة يؤكد أن السورة متجهة من أولها إلى هذا الهدف.
واستئناسا بالفواصل المنتهية بكلمة ( الكافرين )، من بداية السورة الكريمة؛ فإن الفاصلة الأولى تطمئن المؤمنين أن الله محيط بالكافرين، أي محيط بهم قدرة وعلماً(2)، ما يعني أن دعاء المؤمنين الآتي بطلب النصر على الكافرين في ختام السورة هو في حكم المؤكد، سيما وقد ورد ذات الدعاء قبيل النهاية في قصة طالوت مقترناً بالاستجابة التي تضمنت هزيمة الكفار ومقتل قائدهم جالوت على يد داود عليه السلام ژ گ گ گ گ ? ? ? ? ? ? ? ? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ژ [البقرة: 250 - 251].
وحين يأتي في سياق السورة أن ژ ہ ہ ہ ہ ژ ، وأن الكافرين عليهم لعنة الله، يتأكد أنه لن ينتصر من كان الله عدواً له وطرده من رحمته؟.
__________
(1) …الأصفهاني، المفردات،( ص 484، 485)، بتصرف.
(2) …البقاعي، نظم الدرر، (1/31).(4/54)
وزيادة في الحرب النفسية ضد الكافرين توعدهم القرآن بالنار التي وقودها الناس والحجارة ژ ? ? ? ژ ، ثم تحدثت آية تالية عن إبليس الذيژ ? ? ? ? ژ، تقبيحاً للجماعة التي ينتمي إليها رمز الشر والعداوة لبني آدم، وتحريضاً على قتالهم، ويأتي الأمر بالقتال صريحاً رداً على قتال الكافرين، وقبل الختام يأتي التأكيد على أن الله ژ ? ? ? ? ? ژ، كأنها تعود على بداية السورة من أنه يستوي في حق الذين كفروا الإنذار وعدمه، وبالتالي فليس بينهم وبين المؤمنين سوى الصراع، الذي تؤكده آخر فاصلة من فواصل الجذر كفر، وهي كذلك الفاصلة الأخيرة في السورة من خلال دعائهم ربهم أن ينصرهم على القوم الكافرين.
ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?چ چ چ چ ? ژ
ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ژ
ژ ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ? ? ژ
ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹٹ ٹ ٹ ? ? ? ژ
ژ ? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ژ
ژ ? ? ? ? ? پ پپ پ ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ?ٹ ٹ ٹ ٹ? ? ? ? ? ژ .
ژ گ گ گ گ ? ? ? ? ? ? ? ? ں ں ? ? ژ .
ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ژ .
ژ ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ژ .
المطلب السادس: فواصل العلم(4/55)
وردت الفواصل المشتقة من الجذر( علم ) في سورة البقرة ( 40 مرة)، وهي الأكثر وروداً في السورة، وذلك على النحو الآتي: (عليم، العليم: 17 مرة)، (يعلمون:7 مرات)، (تعلمون:12 مرة)، ( العالمين: 4 مرات)، ولا غرابة في ذلك؛ فإن موضوع الخلافة الذي أُسند لآدم - صلى الله عليه وسلم - وبنيه سببه ما اختصهم الله تعالى به من العلم ژ ? ? ? ? ژ [ الآية:31]، والفاصلة الأولى في قصة آدم - قصة الخلافة، تأتي خطاباً من الله تعالى للملائكة: ژ ٹ ? ? ? ? ? ژ [البقرة: 30]، أنه أعلم بجدارة آدم وذريته للقيام بالخلافة حتى من الملائكة أنفسهم، ويؤكد الملائكة ذات المعنى عندما ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ژ، وفي الآية التالية يخاطبهم رب العزة مرة ثانية: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ں ں ? ? ? ? ? ? ژ . ومن الطبيعي وقد تكرر في قصة آدم الحديث عن علم الله المطلق واختصاصه بالعلم، وأنه لا علم لأحد إلا ما علمه تعالى، وأنه يعلم غيب السماوات والأرض وما يكتمون أهلهما، أن يصطفي الأنسب وأن يقضي بالأحسن، ويشرع الأصلح.
وقد جاء وصفه تعالى بأنه سبحانه ژ ? ? ? ژ [البقرة: 29]، تمهيداً لقصة آدم - صلى الله عليه وسلم - القائمة على أساس علم الله تعالى وتعليمه آدم والملائكة، وتكررت الصفة بنفس الصيغة أو مقترنة باسمه سبحانه السميع أو الواسع أو مع صفة الشكر، لتأكيد علم الله تعالى المقتضي إثابة المحسنين، ومعاقبة المسيئين، والاستجابة للداعين، وحفظ الرسول والمؤمنين، وما يؤكد حكمة الاختيار المرتبطة بطلاقة المشيئة.
ژ گ گ ?? ? ? ? ? ?? ں ں ? ? ? ژ .
ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ?? ? ? ? ? ? ژ .
ژ ? ? ? ? ? ژژ ڑ ڑ ک ک ک کگ گ گگ ? ? ? ? ژ .
ژ ? ? ? ژژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ?? ? ? ? ? ? ? ں ں ژ .
ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ژ .
ژ ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ .
ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ژ .(4/56)
ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ?? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ٹٹ ٹ ٹ ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?چ چ چ چ ? ? ? ? ? ? ژ .
ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ .
ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ? ? ? ? ? ? ? ? ں ں ? ? ? ? ? ?ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ?? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ژ .
ژ ? ? ? ?? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ژ .
ژ چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑک ک ک ک گگ گ گ ? ? ژ .
ژ ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ژ .
ژ ? ? ? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ .
ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ?? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? چ چ چ چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ? ? ? ? ? ? ?ں ں ? ? ? ? ?? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ےے ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ?? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ?? ? ?? ? ?? ? ? ? ? ? ژ.
ژ ? ? ? ? پ پ پ پ ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹٹ ٹ ٹ ?? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ژ .
وجاءت فاصلة ( يعلمون)، لبيان أن الكفار جاهلون حتى بأنفسهم وواقع أحوالهم حين يتصورون المؤمنين سفهاء، بينما هم السفهاء في الواقع، ولبيان أن جرائمهم التي يقومون بها، ومنها التحريف ونبذ الكتاب وكتمان الحق، تتم عن علم منهم وقصد وإن تظاهروا بغير ذلك، ثم عاد فنفى عنهم العلم لما تنكبوا الطريق، علماً بأن جميع آيات هذه الفاصلة قد جاءت في بني إسرائيل، سوى الأخيرة والتي جاءت عن حدود الله التي ژ ? ? ? ژ، أي "يفهمون ويعملون بمقتضى العلم"(1)، وذلك في سياق أحكام الطلاق للمؤمنين.
ژ ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ .
ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ .
ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ .
__________
(1) …البيضاوي، القاضي ناصر الدين عبد الله بن عمر، أنوار التنزيل وأسرار التأويل (1/123)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1408هـ - 1988م.(4/57)
ژ ? ? ? ? ? پ پپ پ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? چ چ چ چ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑک ک ک ک گ گ گ گ ? ? ?? ? ? ? ? ںں ? ? ? ? ژ .
ژ ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھھ ے ے ? ? ژ .
ژ ? ? ? ? ? پ پپ پ ? ? ? ? ? ? ? ژ.
ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ژ .
تكرر في فاصلة (تعلمون) عدد من المعاني التي وردت في فاصلة ( يعلمون)، وبعضها لنفس الجهة لكن بصيغة المخاطب لا بصيغة الغيبة، وقد افتتحت بخطاب الناس ألا يجعلوا لله أندادا حال علمهم، إذ مقتضى العلم التوحيد، ومثل ذلك خطاب بني إسرائيل يحذرهم من لبس الحق بالباطل، وفي الآيات خطاب للملائكة أنه سبحانه يعلم ما لا يعلمون، ثم نقل قولهم أنه لا علم لهم إلا ما علمهم الله تعالى، لما قد يظن من أن الملائكة أنداد وأنهم يعلمون الغيب، وقد جاءت آيات تالية تؤكد ذات الأمر في حق البشر أيضاً، من باب أولى، وتنعى على البعض وتحذر آخرين أن يقولوا على الله ما لا يعلمون، وتؤكد للمؤمنين أن كل علم يأتيهم هو منه سبحانه، وأنه يعلم ما لا يعلمون كي يلتزموا أوامره دون تباطؤ أو تلكؤ.
ژ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ژ .
ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ژ.
ژ گ گ گ گ ? ? ? ? ? ژ .
ژ ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک کگ گ گ گ ? ? ? ? ? ژ .
ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ .
ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ .
ژ ? ?? ? ? ? ? ? چ چ چ چ ? ?? ? ? ? ? ? ?? ژ ژ ڑ ڑک ک ک ک گگ گ گ ? ? ژ .
ژ ? ? ? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ژ .
ژ ? ? ? ? ? پپ پ پ ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ٹٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ژ .
ژ ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک کگ گ گ گ ? ? ? ? ? ? ?? ں ں ? ?? ? ? ? ہ ہ ہ ژ .
ژ ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ژ .
ژ ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ?? ? ? ? ? ژ .(4/58)
ومن الجدير ذكره أن هناك العديد من الفواصل الأخرى، تتضمن موضوع العلم لكن لم تأت مشتقات (علم) الكلمة الأخيرة، كتلك التي تتحدث عن أن الله تعالى خبير أو بصير وأنه ليس بغافل عما يعمل الظالمون.
المطلب السابع: فواصل الرحمة
لعل من المناسب التذكير بأن الآية الأولى في القرآن جميعه تنتهي باسمه سبحانه الرحيم، لأن إرسال النبي وإنزال الكتاب كليهما من مظاهر رحمته سبحانه: ژ ک ک گ گ گ گ ژ [الأنبياء]، ژ ? ? ? چ چ ژ [الرحمن].
وقد وردت التعقيبات المنتهية باسمه تعالى الرحيم اثنتي عشرة مرة في سورة البقرة، منها أربع مرات مسبوقاً باسم التواب، في قصة آدم وبعد اتخاذ بني إسرائيل العجل وفي دعاء إبراهيم وإسماعيل وفي التوبة والتبيين بعد كتمان ما أنزل الله، فهي متصلة بإطلاق القيادات الدينية من عُقلها – على مستوى الأفراد أو الجماعات- لتنهض بدورها في حمل الرسالة ، كما هو واضح في قصة آدم وبني إسرائيل ودعاء إبراهيم وإسماعيل وكذا عند الحديث عن الذين تابوا وبينوا.
وسُبقت واحدة باسم الرؤوف مع الحديث عن القبلة، وأخرى سبقت باسم الرحمن في جو التوحيد، والست الباقيات سُبقت باسمه سبحانه الغفور في سياق الأحكام الشرعية.
ژ ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ژ.
ژ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ? ? ? ? ? ? ? ں ں ? ? ? ?? ? ہ ہ ہ ہ ژ.
ژ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ژ .
ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? چ چ چ چ ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ژ ژ ڑ ڑ کک ک ک گ گ گگ ? ? ? ? ? ? ژ.
ژ ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ژ.
ژ ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ژ.
ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ?? ? ? ? ? ? ں ں ? ?? ? ? ? ہ ہ ژ .
ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ?? ? ? ? ? ? ژ.
ژ ? ? ? ? ? ? ? ژ.
ژ ک ک گ گ گ گ ? ?? ? ? ? ? ? ژ.
ژ ے ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ژ.
ژ ? ? ? ? ? ٹ ٹٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ژ.
المطلب الثامن: فواصل الحكمة(4/59)
جاء التعقيب بوصفه تعالى أنه ( حكيم) في سبعة مواضع، سبقت الأولى بوصف (العليم)، وسبقت الست الباقيات بوصف (العزيز).
جاءت الأولى في سياق جواب الملائكة على الطلب الإلهي ژ ? چ چ چ چ ? ? ژ، في دعواكم عدم صلاحية الخليفة أو أنكم أصلح، حيث أكدوا أن لا علم لهم إلا ما علمهم الله وأن الله وحده هو العليم، ووحده هو الحكيم لا يضع شيئاً إلا في مكانه.
والمرة الثانية جاءت تذييلاً لدعاء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام أن يبعث رسولاً في أهل مكة، وهو محمد - صلى الله عليه وسلم -، لتقريب الإجابة(1)، والصفتان- العزة والحكمة- مناسبتان(2) لما قبلهما؛ لأن إرسال رسول متصف بالأوصاف التي سألها إبراهيم لا يصدر إلا عمن اتصف بالعزة، وهي القوة أو الغلبة أو عدم النظير، وبالحكمة التي هي إصابة مواقع الفعل فيضع الرسالة في أشرف خلقه وأكرمهم عليه(3).
وإذا كان التعقيب بالحكمة في الأولى اعترافاً من الملائكة بحكمة الله تعالى في اختيار آدم وذريته للخلافة، فإن الثانية جاءت في سياق الرد على بني إسرائيل بل والعرب أيضاً على اصطفاء محمد - صلى الله عليه وسلم -، للرسالة واستئناف الخلافة.
__________
(1) …ابن عاشور، التحرير والتنوير، (1/724).
(2) …في الكتاب: (متناسبتان)، والأرجح ما ورد أعلاه.
(3) …أبو حيان، البحر المحيط، (1/626)، بتصرف.(4/60)
والآيات الأربع التالية تتحدث عن الزلل بعد مجيء البينات، ورعاية الأيتام وبعض أحكام المطلقات والأرامل التي تستدعي التذكير والتأكيد على عزة الله وقهره وغلبته من جهة، وعلى الحكمة في تشريعاته وأحكامه وجزائه من جهة أخرى، والآية الخامسة طلب إبراهيم عليه السلام من الله تعالى أن يريه كيف يحيي الموتى وجاء التعقيب لبيان أنه تعالى قاهر قادر" عزيز لا يمتنع عليه ما يريد من إحياء الموتى حكيم فيما يريد ويمثل،( أو) عزيز منتقم ممن ينكر بعث الأموات، حكيم في نشر العظام والرفات(1).
وفي ملاك التأويل أنه حيث يرد وصفه تعالى بالعزة والحكمة، يراد معنى الاقتدار والاستيلاء والقهر وإحاطة العلم، وإفراده سبحانه بالخلق والأمر والربوبية والتعالي، وما يرجع إلى هذا(2).
ومن اللطيف أن أول تعقيب بالحكمة في سورة البقرة جاء مرتبطاً بالخلافة، والتعقيب الأخير ارتبط بالبعث الذي فيه حساب المستخلفين وجزاؤهم.
ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ژ .
ژ ? ? ? ? ? ? چ چ چ چ ? ?? ? ? ? ? ? ژ .
ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ .
ژ ? ? ?? ? پ پپ پ ? ? ?? ? ? ?? ? ? ? ? ٹٹ ٹ ٹ ? ?? ? ? ? ? ? ژ .
ژ ? ? چ چ چچ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑک ک ک ک گ گ گ گ ?? ? ? ? ? ?? ں ں ?? ? ? ? ? ژ .
ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? چ چ چ چ ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ژ .
ژ ? ? ? ? ? پ پ پپ ? ? ?? ? ? ? ? ?? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? چ چ چ ژ .
المطلب التاسع: فواصل القدرة المطلقة
وقع التعقيب بوصف الله تعالى بالقدرة المطلقة ست مرات في سورة البقرة، وجميعها بنفس الصيغة تقريباً: ( إن / أن/ الله على كل شيء قدير).
__________
(1) …أبو حيان، البحر المحيط، ( 2/ 649). في الكتاب( الرفاة)، وهو خطأ.
(2) …ابن الزبير، أبو جعفر، ملاك التأويل، ( 1/ 277 )، تحقيق محمود كامل أحمد، دار النهضة العربية، بيروت، د.ط، 1405هـ - 1985م.(4/61)
فالآية الأولى جاءت في سياق وصف المنافقين وتخويفهم، والمناسبة بين التخويف وطلاقة قدرة الله، هو أن من كانت له القدرة المطلقة قادر على إنفاذ وعيده، ويشبه ذلك الآية ( 109) التي طالبت المؤمنين أن يقابلوا ما يلقونه من أهل الكتاب من الحسد والعمل الدؤوب لردهم عن دينهم، بالعفو والصفح حتى يأتي الله بأمره، حيث يتضمن ذلك الأمر وعداً ووعيداً بنصر المؤمنين وخذلان الكافرين، ومن ثم كان التذكير بقدرة الله المطلقة لتحقيق الوعد والوعيد، وكذلك فقد تضمنت الآية ( 284) وعداً ووعيداً، بعدما ذكرت أن ملك السماوات والأرض لله وحده، وأنه سبحانه يحاسب عباده على ما يبدون أو يخفون، ومن ثم يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء، وهذا يستدعي التأكيد على قدرة الله المطلقة.
أما في الآيتين ( 148، 259) فقد جاء تأكيد قدرته سبحانه على البعث والحساب، مرة بعد الدعوة إلى استباق الخيرات والإخبار بأنه سبحانه القادر على الإتيان بالناس أينما كانوا، والآية الثانية على لسان الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، إقراراً منه، بعدما أراه الله سبحانه، كيف يحيي الأرض بعد موتها.
وبالنسبة للآية ( 106) فقد جاء الحديث عن القدرة المطلقة على وجه الاستفهام المتضمن للإنكار والتقرير المشار فيه للتوعد والتهديد(1)، أنه سبحانه يقدر على الخير وما هو خير منه وعلى مثله في الخير، وأنه تعالى لما لم يأت بالثاني ابتداء لم يكن ذلك عن عجز؛ فإن من علم قدرته على كل شيء لا يظن ذلك(2).
ومن الواضح أن فواصل القدرة المطلقة، وثيقة الصلة بموضوع السورة الكريمة، خاصة ما يتعلق بالآخرة بعثاً وحساباً وجزاءً، وكذلك ما يتعلق بما يقدره الله تعالى نسخاً أو ابتداء؛ فهو، فضلاً عن الحكمة فيه، فإنه لا يعني العجز عن المتروك أو المؤجل.
__________
(1) …البقاعي، نظم الدرر، (1/217).
(2) …القاسمي، محمد جمال الدين، محاسن التأويل، (1/371)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1418هـ - 1997م.(4/62)
ژ ? ? ? ?? ? ? ? ? ژ ژ ڑڑ ک ک ک ک گ گگ گ ? ? ? ? ? ? ژ.
ژ ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ژ.
ژ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ? ? ? ? ? ? ? ں ں ? ? ?? ? ? ہ ہ ہ ہھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ژ.
ژ ? ? ? ?? ? ?? ? ? ? ? ? ? ?? چ چ چ چ ? ? ? ژ .
ژ ? ? ? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھھ ھ ھ ے ے ? ?? ? ? ?? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ.
ژ ? ? ? چ چ چ چ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک کک ک گ گ گ گ ? ژ.
المطلب العاشر: فواصل الظلم
الظالم: هو السائر في الظلام(1)، وهو لا محالة واضع قدمه في غير محلها، فإما تعثر أو سقط، وربما داس على شخص فآذاه، أو شيء فأتلفه؛ ولن ينفك والحالة هذه عن إيذاء نفسه أو الاعتداء على غيره، ولذلك ارتبط الظلم بالعدوان. وكل من تنكب هدى الله فهو يتخبط في الظلام ومن ثم ظلم نفسه بإشقائها في الدنيا قبل الآخرة، وظلم غيره كذلك. وقد جاءت أولى فواصل الجذر (ظلم) في السورة تحذيراً لآدم وزوجه أن يقربا الشجرة المحرمة فيكونا ( من الظالمين)، والظلم نقيض لمهمة الخلافة التي تقتضي وضع كل شيء في محله وفق أمر الله تعالى.
ثم جاءت عدة فواصل تتحدث عن ظلم بني إسرائيل، يتبعها استثناء الله تعالى الظالمين من عهده سبحانه لإبراهيم بوراثة الإمامة الدينية.
__________
(1) …البقاعي، نظم الدرر، (1/105).(4/63)
ثم تحذير للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا يتبع أهواء الذين أوتوا الكتاب فيكون من الظالمين، وتأتي بعض الفواصل في موضوع مقاتلة الكافرين ورد عدوانهم، وفي سياق الطلاق للتحذير من تعدي حدود الله، وفي سياق الدعوة للإنفاق في سبيل الله قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة حيث الكافرون هم الظالمون، وفي التأكيد على أن أحداً لن يُظلم أو يهضم حقه وستوفى كل نفس ما أنفقت، ثم يأتي موضوع الربا والدعوة إلى التوبة منه وأن يكتفي المؤمنون برؤوس أموالهم لا يظلمون ولا يظلمون، والفاصلة الأخيرة في المجموعة تأتي قبيل نهاية السورة تأمر المؤمنين أن يتقوا يوما يرجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون، فإن التقوى المذكورة أول السورة هي سبيل النجاة والفلاح، ولن يظلم أحد من الطائعين أو العصاة، وفي ذلك تطمين للجميع؛ لأن الله تعالى هو مالك يوم الدين.
ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ.
ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ چ چ ژ.
ژ ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ژ.
ژ ھ ھ ے ے ? ? ? ? ? ? ? ? ژ.
ژ ? ? ? ٹ ٹ ٹٹ ? ? ? ? ژ.
ژ ? ہ ہ ہ ہ ھھ ھ ھ ے ے ?? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ژ.
ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ?? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ژ.
ژ ? ? ? ? چ چ چ چ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ .
ژ ہ ہہ ہ ھ ھ ھ ھے ے ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ .
ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ چ چ چ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ژ ژ ژ .
ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ? ? ? ? ? ? ?ں ں ? ? ? ژ .
ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ چ چ چ ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گگ گ ? ? ? ? ? ژ.
ژ چ چ چ ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک کک ک گ گ گ گ ? ? ? ? ? ژ.
ژ ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ.
ژ ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ.(4/64)
والملاحظ بعد استعراض هذه المجموعات من الفواصل أنها تتصل بالمحاور الرئيسة للسورة، والتي سبق ذكرها في المباحث الفائتة.
فكثرة فواصل التقوى وسياقاتها تؤكد أهمية التقوى لتحصيل الهدى الذي يتضمنه هذا الكتاب، ثم ما يتعلق بوسائل تحصيل التقوى، وحتمية انتصار المتقين لتأييد الله تعالى إياهم في صراعهم مع القوم الكافرين.
وفواصل العلم تؤكد استئثار الله سبحانه بالعلم ما يشاهده المخلوقون وما يغيب عنهم، ولذلك فإن كل كا يقدره أو يشرع أو يحكم به هو الحق وإن خفيت حكمته عن الخلق، كما أنه عز وجل أكرم آدم عليه السلام وبنيه بالخلافة لما اختصهم به من العلم، وأن العلم أيضاً هو أيضاً طريق الإمامة.
وفواصل الظلم تفيد أن عصيان الرب تعالى ظلم للنفس، وأن أعظم الظلم الشرك باتخاذ العجل أو غيره إلهاً من دون الله تعالى، وأن الظالمين محرومون من الهداية، وحيث إن بني إسرائيل انتهى أمرهم إلى الظلم فقد حُرموا من عهد الله تعالى لإبراهيم عليه السلام، بأن تظل فيهم الإمامة الدينية.
وكذلك فإن فواصل الآخرة، التي كان لها حضور بارز في السورة، مهمة في دفع الناس إلى الاستقامة على الأمر والقيام بحق الخلافة، كما أن الآخرة هي النهاية الطبيعية للحياة الدنيا.
المبحث الخامس
الوحدة الموضوعية في سورة البقرة
(التناسب بين مقاطع السورة)
على الرغم من كون سورة البقرة أطول سورة في القرآن الكريم؛ فإن الوحدة الموضوعية فيها والترابط بين مقاطعها، يتجلى غاية التجلي، وهو الأمر الذي عززته المباحث السابقة من هذا الفصل، وحيث تتأكد فيها وحدة البناء على طولها وتعدد قضاياها، وما قد يظهر من النظرة العجلى من عدم الترابط بين أجزائها؛ فإن ذلك يغدو أيسر فيما دونها من السور الأقصر.(4/65)
يحتل الاستهلال مكانة بارزة من حيث أهميته من ناحية، ومن حيث علاقته ببقية أجزاء النص من ناحية أخرى، وتحكمه كذلك في هذه الأجزاء، وأي سورة عندما تستهل بأحد الموضوعات فإن ذلك يكشف عن كون الموضوع يحمل أهمية كبيرة يستهدف النص لفت نظرنا إليه، والجملة الأولى في أي نص تمثل معلماً عليه.
فقد بُدئت السورة الكريمة بثلاثة أحرف مقطعة ژ ألم ژ ، لا عهد للعرب بتصدير مثلها في الإنشاء والإنشاد، كما يقول الدكتور دراز رحمه الله، بما يوقظ الأسماع ويوجه القلوب، وفيه معنى التحدي والإعجاز بهذا القرآن المكون من مثل هذه الحروف، المبعد لأي ريب عن هذا الكتاب، ولذلك تبع هذه الأحرف قوله تعالى: ژ ? ? ? پپ پپ ? ? ? ژ ؛ فالإشارة إلى الكتاب باسم الإشارة الدال على البعيد لبيان كماله وعلو مكانته، إعلاناً أنه ليس في الوجود ما يصلح أن يسمى كتاباً بالقياس إليه، لأنه الحق الذي لا شبهة فيه، ولأنه الهدى المبين الذي يخرج الناس من الظلمات إلى النور، وإذ تتشوف النفس لمعرفة مواقف الناس من ذلك الكتاب الذي ذاك شأنه، تأتي الآيات التالية لتتحدث عن ثلاثة أصناف من الناس: المتقين الذين كان هذا الكتاب لهم هدى حتى لكأنه إليهم أنزل(1)، ثم الذين كفروا ممن استوى في شأنهم الإنذار وعدمه، ثم المنافقين الذين هم في حقيقتهم كافرون وإن تظاهروا بالإيمان، ولأجل أن هذا الفريق يحاول يدعي الإيمان وليس بمؤمن فقد جاء الحديث عنه في اثنتي عشرة آية، بينما تحدثت أربع آيات عن المتقين، واثنتان عن الكافرين؛ لظهورهما وخفائه.
__________
(1) …دراز، النبأ العظيم،( ص 164، 165) بتصرف واختصار.(4/66)
و"هنا تمت المقدمة بعد أن وصفت القرآن بما هو أهله، ووصفت متبعيه ومخالفيه كلاً بما يستحقه، ولا ريب أن وصف هذه الطوائف جميعها راجع في المآل إلى الثناء على القرآن؛ فإن الشيء الذي يكون متبعوه هم أهل الهدى والفلاح، ومخالفوه هم أهل الضلالة والخسر، لا يكون إلا حقاً واضحاً لا ريب فيه"(1).
وبعد الحديث عن الكتاب ومواقف الناس من هذا الكتاب، وعلى رأسهم المهتدون به، فإن الآيات تنتقل للحديث عن مراد الله تعالى من الكتاب وهو توحيده بالعبادة: ژ ? ? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ژ .
وهذا أول نداء في المصحف الشريف يتجه إلى الناس جميعهم، لأن القرآن في الأصل للناس كافة ژ ں ں ژ [البقرة: 185]، وإن كان لا يهتدي به إلا المتقون، يدعو الناس أن يعبدوا الله وحده وأن لا يجعلوا له أنداداً، ويؤكد أن الذي نُزّل عليه الكتاب – على علو شأنه – فإنه ليس إلا عبداً له سبحانه. وفيما سبق لفت إلى قافلة البشرية، وتعليل للأمر بالعبادة أنه لأجل أن تتحصل التقوى التي يكرم الله أهلها فيهديهم بهذا الكتاب، ثم يعود للكتاب الذي نزله على عبده يتحداهم إن كانوا لا يزالون في ريب منه أن يأتوا بسورة من مثله فإن عجزوا وهم لا محالة عاجزون- وذاك دليل على أنه لا ريب في هذا الكتاب-، فليتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين، وذاك إنذار آخر للكافرين – من الله تعالى- لا من رسوله والنتيجة هي النتيجة؛ أنه يستوي في حقهم الإنذار وعدمه، كيلا يستغرب الرسول والمتقون من عدم إيمانهم فيظنوا المشكلة في كتابهم أو في أنفسهم وأسلوبهم، ويعود الخطاب إلى النبي- - صلى الله عليه وسلم - - كي يبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات.
__________
(1) …دراز، النبأ العظيم، (ص 173).(4/67)
ومرة أخرى تعود الآيات لبيان مواقف الناس من آيات كتابه وما فيها من أمثال: فالمؤمنون يعلمون أنه الحق من ربهم، وأما الذين كفروا فيسألون مستنكرين: ماذا أراد الله بهذا مثلاً ؟!، فيأتيهم الجواب أنه يُضل به كثيراً ويهدي به كثيراً وما يُضل به إلا الفاسقين، الخارجين عن طاعته تعالى، بتكرار نقضهم عهد الله من بعد ميثاقه، وقطعهم ما أمر الله به أن يوصل، وإفسادهم في الأرض، وإذ يحسبون أنهم رابحون يأتي التأكيد أنهم هم الخاسرون.
قال في ( المنار):" ذكر الكتاب أنه لا ريب فيه، ثم ذكر اختلاف الناس فيه فابتدأ بالمستعدين للإيمان به، المنتظرين للهدى الذي يضيء نوره منه، وثنّى بالمؤمنين، وثلّث بالكافرين وقفّى عليهم بالمنافقين، ثم ضرب الأمثال لفرق الصنف الرابع، ثم طالب الناس كلهم بعبادته، ثم أقام البرهان على كون الكتاب منزلاً من الله على عبده محمد ، وتحدى المرتابين بما أعجزهم، ثم حذر وأنذر وبشر ووعد، ثم ذكر المثل والقدوة وهو الرسول، وذكر اختلاف الناس فيه كما ذكر اختلاف الناس في الكتاب ثم حاج الكافرين، وجاءهم بأنصع البراهين، وهو إحياؤهم مرتين وإماتتهم مرتين، وخلق السماوات والأرض لمنافعهم، ثم ذكر خلق الإنسان وبين أطواره، والكلام لم يخرج بهذا التنويع عن انتظامه في سلكه، فهو دائر على قطب واحد في فلكه، وهو الكتاب والمرسل به، وحاله مع المرسل إليهم"(1).
__________
(1) …رضا، محمد رشيد، تفسير القرآن الحكيم/المنار،( 1/298).(4/68)
وإذ قد طال الحديث عن الكفار وسوء فعالهم ورفضهم للبراهين الساطعة والحجج الدامغة، وعدم تأثرهم بالإنذارات، إلى الحد الذي يدعو إلى الاستنكار تأتي هذه الآية معجّبة من كفرهم بالله الذي أحياهم بعدما كانوا أمواتاً ثم يميتهم ثم يحييهم ثم إليه يرجعون : ژ ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ژ [ البقرة]، وهنا يأتي الإحياء بعد الموت موضوعاً متكرراً ومحوراً رئيساً على امتداد آيات السورة الكريمة(1) لتعزيز الإيمان بالآخرة وتحقيق التقوى، والآية التالية تستمر في تعريفهم بربهم الذي خلق لهم ما في الأرض جميعا، ليعبدوه وحده، وفي ذلك توطئة لقصة آدم عليه السلام من جهة التذكير بقصة الخلق الأول، ومن جهة كرامتهم عند الله تعالى، ومكانتهم في الأرض التي كل ما فيها مخلوق لهم.
وتأتي الفاصلة ژ ? ? ? ? ? ژ [ البقرة]، لتكون حلقة الوصل الأبرز مع قصة آدم - - صلى الله عليه وسلم - -، حيث إن ظاهرة (العلم) هي التي شكلت عصب القصة بما تتضمنه من مواقف وأحداث وأبطال، تستمد حركتها جميعاً من (العلم) الذي يقف وراء ذلك، حيث إنها تأخذ مساحة خاصة من النص، بل وتشكل البطانة الفكرية التي يقوم عليها هيكل قصة المولد البشري، حتى لتتكرر مشتقات (علم) في قصة آدم ثماني مرات، فالعلم المطلق صفة الله تعالى، وهو علّم آدم، وحجب ذاك العلم عن الملائكة فلا علم لهم ولا لغيرهم إلا بما يعلمهم سبحانه، ولذلك اصطفاه للخلافة دونهم وأسجدهم له(2).
__________
(1) …كما يتضح في المبحث الأول والثاني والثالث والرابع، من هذا الفصل.
(2) …البستاني، مجمود، التفسير البنائي للقرآن، موقع الحوزة www.u-of-islam.net .(4/69)
وبعد قصة استخلاف آدم وبنيه، يأتي الحديث عن بني إسرائيل، الذين كانت فيهم الخلافة والإمامة الدينية زماناً، لينتهي إلى التيئيس من إيمانهم، وفضح دخيلاتهم، والرد عليهم في موضوع القبلة، وبيان علاقة القبلة ونبي الإسلام بإبراهيم عليه السلام الذي ينتسب إليه بنو إسرائيل، مع التأكيد على أن هذا الانتساب لا يفيد ما لم يكن انتساب إيمان واستقامة، فلا ينال عهد الله الظالمين، وبالتالي فقد انتزعت الخلافة والإمامة الدينية منهم.
قال أبو حيان عند قوله تعالى ژ ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ژ [البقرة]:" ثم ختم هذه الآيات بأمر بني إسرائيل بذكر نعمه السابقة، وتفضيلهم على عالمي زمانهم، وكان ثالث نداء نودي به بنو إسرائيل، بالإضافة إلى أبيهم الأعلى، وتشريفهم بولادتهم منه، ثم أعرض في معظم القرآن عن ندائهم بهذا الاسم، وطمس ما كان لهم من نور بهذا الوسم، والثلاث هي مبدأ الكثرة، وقد اهتم بك من نبهك وناداك مرة ومرة ومرة(1)".
وبعد النداءات الثلاثة الموجهة إلى بني إسرائيل لا يعود يتوجه الخطاب إليهم، وإنما تتحول الآيات الكريمة إلى المؤمنين الجدد تفصل لهم أركان دينهم، وشرائع إسلامهم، وتجيب على أسئلتهم، وتحرضهم على القتال لرد العدوان ولئلا تكون فتنة ويكون الدين لله؛ فإن الفتنة أكبر من القتل وأشد، وتتضمن التفصيلات التشريعية كذلك آيات عديدة حول أحكام الأسرة وبالذات أحكام الطلاق، ثم تأتي قصة الجهاد والخلافة، ( قصة طالوت) مسبوقة بقصة الهاربين من الموت لتؤكدا أن من يطلبون الموت هم الذين توهب لهم الحياة بعكس الذين يهربون منه، ومن ثم تأتي ثلاث قصص تركز على قضية البعث والحساب، فإنه لا تكون استقامة على أمر الله، ولا جهاد، ولا أداء لأمانة الخلافة، ما لم يكن يقين بالبعث والحساب.
__________
(1) …أبو حيان، البحر المحيط، (1/595).(4/70)
وغالب الآيات الباقية عن الإنفاق في سبيل الله تعالى، وضرورة الإخلاص فيه، وعدم إبطاله بالمن والأذى، وصلة النفقة بالجهاد في غاية الظهور، وفي أواخرها آيتا الدين وقد سبق الحديث عن دلالاتهما، وتأتي الآيات الخاتمة تؤكد أن كل ما في السماوات والأرض ملك لله وحده، وأنه سبحانه محاسب الكل على ما يبدون وما يخفون وهو على كل شيء قدير، ثم حديث عن إيمان الرسول والمؤمنين، وإعلانهم السمع والطاعة مع الاستغفار والإقرار بالرجعة إلى الله تعالى، والآية الأخيرة كأنها من ضمن دعاء المؤمنين تنزه الله تعالى أن يكلف نفساً أكثر من وسعها، حيث يستمر دعاؤهم طالبين عدم المؤاخذة ورفع الإصر وألا يحملهم فوق طاقتهم، مع طلب العفو والمغفرة والرحمة، والتوجه إلى الله تعالى مولاهم أن ينصرهم على القوم الكافرين.
والآيتان الأخيرتان تتحدثان عن إيمان الرسول والمؤمنين بما ژ ? ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة: 285]، في إشارة واضحة للكتاب الذي تحدثت عنه أول السورة، ثم إعلان السمع والطاعة مع طلب المغفرة من الله تعالى الذي إليه وحده المصير، يرافق ذلك الإيمان بأن الله تعالى لا يكلف في كتابه، نفساً إلا وسعها.
وأرى في الختام أن أورد اقتباساً من نظم الدرر، حاول فيه البقاعي تلخيص السورة في ختام تفسيره لها، وقد آثرت إيراده بطوله لنفاسته.(4/71)
قال البقاعي:" وسر ترتيب سورة السنام على هذا النظام؛ أنه لما افتتحها سبحانه وتعالى بتصنيف الناس، الذين هم للدين كالقوائم الحاملة لذي السنام، فاستوى وقام ابتداء المقصود بذكر أقرب السنام إلى أفهام أهل القيام؛ فقال مخاطباً لجميع الأصناف التي قدمها: ژ ? ? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ژ [البقرة] واستمر إلى أن بان الأمر غاية البيان فأخذ يذكر مننه سبحانه على الناس المأمورين بالعبادة بما أنعم عليهم من خلق جميع ما في الوجود لهم بما أكرم أباهم آدم عليه الصلاة والسلام، ثم خص العرب ومن تبعهم ببيان المنة عليهم في مجادلة بني إسرائيل وتبكيتهم، وهو سبحانه وتعالى يؤكد كل قليل أمر الربوبية والتوحيد بالعبادة من غير ذكر شيء من الأحكام، إلا ما انسلخ منه بنو إسرائيل، فذكره على وجه الامتنان به على العرب وتبكيت بني إسرائيل بتركه لا على أنه مقصود بالذات، فلما تزكّوا فترقّوا فتأهلوا لأنواع المعارف، قال معلياً لهم من مصاعد الربوبية إلى معارج الإلهية ژ ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ژ [ البقرة:163]، فلما تسنموا هذا الشرف لقنهم العبادات المزكية ونقاهم أرواحها المصفية، فذكر أمهات الأعمال أصولاً وفروعاً: الدعائم الخمس والحظيرة، وما تبع ذلك من الحدود في المآكل والمشارب والمناكح، وغير ذلك من المصالح فتهيأوا بها وأنها المواردات الغر من ذي الجلال؛ فقال مرقياً لهم إلى غيب حضرته الشماء، ذاكراً مسمى جميع الأسماء: ژ ? ? ? ہ ہ ہ ہ ژ [ البقرة: 255]، ولما كان الواصل إلى أعلى مقام الحرية لا بد عند القوم من رجوعه إلى ربقة العبودية؛ ذكر لهم بعض الأعمال اللائقة بهم؛ فحث على أشياء أكثرها من وادي الإحسان الذي هو مقام أولي العرفان، فذكر مَثَل النفقة، التي هي أحد مباني السورة، عقب ما ذكر مقام الطمأنينة؛ إيذاناً بأن ذلك شأن المطمئن، ورغب فيه إشارة إلى أنه لا مطمع في الوصول إلا بالانسلاخ من الدنيا كلها، وأكثر من الحث على طيب المطعم الذي لا(4/72)
بقاء بحال من الأحوال بدونه، ونهى عن الربا أشد نهي؛ إشارة إلى التقنع بأقل الكفاف، ونهياً عن مطلق الزيادة للخواص وعن كل حرام للعوام، وأرشد إلى آداب الدين الموجب للثقة بما عند الله، المقتضي بصدق التوكل، المثمر للعون من الله سبحانه وتعالى والإرشاد إلى ذلك، توفي النبي- صلى الله عليه وسلم - وهو متلبس به، وبنى سبحانه وتعالى كل ثلث من الأثلاث على مقدمة في تثبيت أمره، وتوجه بخاتمة في التحذير من التهاون به، وزاد الثالث لكونه الختام وبه بركة التمام، أن أكد عليهم بعد خاتمته في الإيمان بجميع ما في السورة، وختم بالإشارة إلى أن عمدة ذلك الجهاد الذي لذوي الغي والعناد، والاعتماد فيه على مالك الملك وملك العباد، وذلك هو طريق أهل الرشاد، والهداية والسداد، والله سبحانه هو الموفق للصواب"(1).
__________
(1) …البقاعي، نظم الدرر، (1/563-564).(4/73)
الفصل الرابع
أوجه التناسب الخارجية لسورة البقرة
وفيه ستة مباحث:
المبحث الأول : التناسب بين سورتي البقرة والفاتحة
المبحث الثاني: التناسب بين سورتي البقرة وآل عمران
المبحث الثالث: التناسب بين سورتي البقرة والفلق
المبحث الرابع: مناسبة السورة لواقع الدعوة الإسلامية
المبحث الخامس: التناسب بين سورة البقرة وترتيبها في المصحف
المبحث السادس: التناسب بين سورة البقرة وبقية السور المفتتحة بـ(ألم)
في هذا الفصل، سيجري الحديث عن أوجه التناسب الخارجية لسورة البقرة، بدءاً من تناسبها مع سورة الفاتحة التي تسبقها، فآل عمران التي تليها؛ ثم مع الفلق نظيرتها في آخر المصحف؛ حيث إن البقرة هي السورة الثانية من الأول، بينما الفلق هي السورة الثانية من الآخر، يليه وجه التناسب بين البقرة وواقع الدعوة الإسلامية عند نزولها، ومن ثم مناسبتها لترتيبها في المصحف، وفي الختام التناسب بين البقرة ومجموعة (ألم).
المبحث الأول
التناسب بين سورتي البقرة والفاتحة
سورة الفاتحة هي أمّ القرآن الكريم جميعه، ومن البدهيّ أن تكون أماً لسورة البقرة على وجه الخصوص؛ كونها التالية لها مباشرة، سيما وقد ذكر السيوطي أن القاعدة التي استقر بها القرآن: أن كل سورة تفصيل لإجمال ما قبلها، وشرح له، وإطناب لإيجازه. وقد استقر ذلك في غالب سور القرآن، طويلها وقصيرها، وسورة البقرة قد اشتملت على تفصيل جميع مجملات الفاتحة (1).
وأما أبرز أوجه التناسب بين السورتين الكريمتين فهي:
المطلب الأول: الإجمال و التفصيل
__________
(1) …السيوطي، جلال الدين، تناسق الدرر في تناسب السور، ( ص65).(5/1)
دعاء واستجابة: فإنه لما أخبر سبحانه وتعالى أن عباده المخلصين سألوا في الفاتحة هداية الصراط المستقيم، الذي هو غير طريق الهالكين، أرشدهم في أول التي تليها إلى أن الهدى المسئول إنما هو في هذا الكتاب، وبين لهم صفات الفريقين: الممنوحين بالهداية حثاً على التخلق بها، والممنوعين عنها زجراً عن قربها(1) .
وقال البقاعي في نظم الدرر: " فحصل من هذه السورة بأسرها - يقصد سورة البقرة - بيان الصراط المستقيم على الاستيفاء والكمال أخذاً وتركاً، وبيان شرف من أخذ به وسوء حال من تنكب عنه، وكان العباد لما عُلّموا :ژ ٹ ٹ ٹ ? ژ إلى آخر السورة، قيل لهم: عليكم بالكتاب، إجابة لسؤالهم، ثم بين لهم حال من سلك ما طلبوا، فكأن قيل لهم: أهل الصراط المستقيم وسالكوه هم الذين بين شأنهم وأمرهم، والمغضوب عليهم من المتنكبين هم اليهود الذين بين أمرهم وشأنهم، والضالون هم النصارى الذين بين أمرهم وشأنهم، فيجب على من رغب في سلوك الصراط المستقيم أن يحذر مما أصاب هؤلاء مما نبه عليه، وأن يأخذ نفسه بكذا وكذا، وأن ينسحب إيمانه على كل ذلك، وأن يسلم الأمر لله الذي تطلب منه الهداية، ويتضرع إليه بأن لا يؤاخذه بما يثمره الخطأ والنسيان، وأن لا يحمله ما ليس في وسعه، وأن يعفو عنه- إلى آخر السورة"(2)
__________
(1) …البقاعي، نظم الدرر، (1/32).
(2) …البقاعي، نظم الدرر، (1/556).(5/2)
ولقد جاء التنويه النبوي بشأن الفاتحة وخواتيم سورة البقرة معاً، وفي وقت واحد، وبأسلوب واحد(1)، حيث جرى وصفهما بالنورين، وبُشّر قارئهما بأن يستجاب له كل حرف يقرؤه، وذلك فيما روى ابن عباس،رضي الله عنهما، أنه قال:( بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم، سمع نقيضاً من فوقه فرفع رأسه فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم، لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم وقال : أبشر بنورين أوتيتهما، لم يؤتهما نبي قبلك :فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته)(2).
تفصيل العبادة والاستعانة: لئن ورد في الفاتحة: ژ ? ? ژ؛ فقد دعا الناس في سورة البقرة إلى عبادته وحده: ژ ? ? ں ں ژ [ 21]، ونفى الريب عما أنزل على عبده في قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ، ليحثهم على اتباع الوحي عبادة لله، خلف عبده المكرّم، لأنه أول العابدين. فما كان، عليه الصلاة والسلام، وحاشاه، ليأمرهم بأمر ثم يخالفهم إلى غيره. ثم أكد هذا المعنى في آخر البقرة، بقوله: ژ ? ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة:285]، قبل الحديث عن إيمان المؤمنين، ثم هو وهم، جميعاً، يقولون: ژ ے ے? ژ [البقرة:285].
وكذلك فقد تضمنت سورة البقرة تفصيل العبادات سواء منها ما تعلق بأركان الإسلام والعمرة وأحكام الطهارة والمعاملات المالية والجهاد والطلاق وغيرها.
وقد ورد في السورة عدد من الأدعية على ألسنة الذين أنعم الله عليهم، والدعاء هو العبادة، وهو طلب للعون، فضلاً عن قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ژ .
__________
(1) سبحاني، البرهان في نظام القرآن، ( ص81).…
(2) صحيح مسلم : كتاب صلاة المسافرين وقصرها، رقم (806).(5/3)
تفصيل الحديث عن الذين أنعم الله عليهم: سورة الفاتحة تحدثت عن الذين أنعم الله عليهم وصراطهم المستقيم، وسورة البقرة فصلت ذلك فتحدثت عن أوصافهم وأسمائهم وصالح فعالهم، بدءاً من آدم عليه السلام، فموسى، ثم إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب، وكذلك طالوت وداود والنبي الذي لم يذكر اسمه في القصة ومن معهم من المجاهدين، ثم العزير، و يتخلل ذلك حديث طويل عن محمد وصحبه أو لهم تربية وإعداداً.
ويظهر في سورة الفاتحة شوق وحنين، من المؤمنين إلى الانتظام في سلك من أنعم الله عليهم، وسورة البقرة تحمل إليهم البشرى بإتمام النعمة عليهم(1): ژ گ ? ? ? ? ? ? ?? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة].
تفصيل الحديث عن المغضوب عليهم: ذكر السيوطي أن الحديث والإجماع على تفسير المغضوب عليهم باليهود، والضالين بالنصارى. وقد ذكروا في الفاتحة على حسب ترتيبهم في الزمان؛ فعقب بسورة البقرة، وجميع ما فيها من خطاب أهل الكتاب لليهود خاصة، وما وقع من ذكر النصارى لم يقع بذكر الخطاب، ثم بسورة آل عمران، وأكثر ما فيها من خطاب أهل الكتاب للنصارى(2). ويعد الحديث عن بني إسرائيل أحد أبرز محاور سورة البقرة.
وكما ختمت سورة الفاتحة بالدعاء للمؤمنين بألا يسلك بهم طريق المغضوب عليهم و الضالين إجمالاً- ختمت سورة البقرة بالدعاء بألا يسلك بهم طريقهم في المؤاخذة بالخطأ والنسيان، وحمل الإصر، وما لا طاقة لهم به تفصيلاً. وقد تضمن آخرها أيضاً الإشارة إلى طريق المغضوب عليهم والضالين بقوله ژ ہ ہ ہ ہ ھ ھھ ? ژ ، فتآخت السورتان في المقطع، وذلك من وجوه المناسبة في التتالي والتناسق(3).
__________
(1) … سبحاني، البرهان في نظام القرآن، ( ص82).
(2) …السيوطي، تناسق الدرر، ( ص68).
(3) السيوطي، السابق، ( ص70).(5/4)
الرحمة في الرسول والرسالة: في الفاتحة قوله تعالى: ژ ? ? ? ژ ، حيث جاءت فاصلة( الرحيم) أول فاصلة في الفاتحة وفي القرآن جميعه، وعادت في الآية الثالثة من الفاتحة، أما في سورة البقرة فقد جاءت فاصلة (الرحيم) اثنتي عشرة مرة.
وقد اقترن اسم الرحمن بتعليم القرآن وخلق الإنسان وتعليمه البيان، وفي مطلع سورة البقرة حديث عن الكتاب، وخطاب للرسول عن المتقين الذين يؤمنون بما أنزل إليه، وهو الرحمة للعالمين، وكذلك قصة خلق الإنسان وتعليمه الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة، واختصاصه بالخلافة، ثم عن شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن.
الآخرة: جاء في سورة الفاتحة أن الله تعالى هو ژ ? ? ? ? ژ ، وفي سورة البقرة تركيز كبير على موضوع البعث والآخرة بأكثر من طريقة، بدءاً من وصف المتقين في مطلعها ژ ? ? ? ? ژ ، وتهديد الذين كفروا بعذاب عظيم، والنار التي وقودها الناس والحجارة، ثم تبشير المؤمنين بالجنات، مراراً في السورة.
ويتصل بكون الله تعالى مالكَ يوم الدين وملكَه أن لا ظلم في ذلك اليوم، وأن رحمة الله تعالى تسبق عذابه، حيث جاءت آية ژ ? ? ? ? ژ ، عقب آية ژ ? ? ? ژ ، وفي سورة البقرة آيات عديدة أنه لا ظلم يوم القيامة، وكذا عن عظم ثواب الله سبحانه في مثل قوله: ژ چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑک ک ک ک گگ گ گ ? ? ژ ، وغيره.
المطلب الثاني: الصلاة(5/5)
العهد مع الله: لا تقبل الصلاة بغير الفاتحة، بل الفاتحة هي الصلاة، كما في الحديث القدسي:( قسمت الصلاة بين وبين عبدي ولعبدي ما سأل)(1)، وهي بذلك عهد بين العبد وبين ربه، إذ يتعهد المؤمن بأن يوحد الله سبحانه بالعبادة ويخصه بالاستعانة؛ ژ ? ? ? ? ٹ ژ ، وما دامت سورة الفاتحة سورة عهد وميثاق، فإن سورة البقرة تذكير بذلكم العهد والميثاق، وتقريع لمن ينقضونه، ولعل هذا هو السر في تكرار ذكر العهد والميثاق في السورة(2)، في مثل الآيات الكريمة:
ژ ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ژ.
ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ چ چ چ ژ.
ژ ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک کگ گ گ گ ? ? ? ? ? ژ.
ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ.
ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ژ.
ژ ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ژ.
الفاتحة هي الصلاة وفي البقرة إقامتها: فأول عبادة وردت في سورة البقرة هي الصلاة: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ، والصلاة عمود الدين أو كأنها هي الدين؛ بدلالة قوله: ژ ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ژ [هود:87]، ومعنى إقامة الصلاة: جعلها كأنها قائمة بفعلها(3)، بمعنى الموجهة الآمرة الناهية، وقد سبقت الآية التي تبين أن الصلاة (تأمر)، وفي آية أخرى أن الصلاة القائمة ( تنهى): ژ ? ?? ? ? ? ? ? ? ژ [العنكبوت: 45]، وسورة البقرة تحدثت عن الصلاة في غير موضع، وفيها أركان الإيمان والإسلام، وهي أكثر السور في الأحكام الشرعية، وأمهات الأخلاق.
__________
(1) صحيح مسلم، كتاب الصلاة، رقم (395).
(2) سبحاني، البرهان في نظام القرآن، ( ص80-81)، بتصرف.
(3) …البقاعي،نظم الدرر، (6/5).(5/6)
عند سدرة المنتهى: روى ابن مسعود رضي الله عنه: ( لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ إِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُعْرَجُ بِهِ مِنْ الأَرْضِ فَيُقْبَضُ مِنْهَا وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَطُ بِهِ مِنْ فَوْقِهَا فَيُقْبَضُ مِنْهَا، قَالَ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى، قَالَ فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ فَأُعْطِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاثًا أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَغُفِرَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ مِنْ أُمَّتِهِ شَيْئًا الْمُقْحِمَاتُ)(1).
لا شك أن كونها تتنزل ليلة الإسراء عند سدرة المنتهى، مقترنة بالصلوات الخمس، يجعل لها أهمية مقاربة لأهمية الصلوات الخمس، ما يعزز الذي ورد سابقاً، وكذلك فإن هذه الأمور الثلاثة التي أُعطيَها الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - هي من جهة منحة عظيمة، لكونها عطاء، ولكونها عند سدرة المنتهى، ولكونها ليلة الإسراء.
__________
(1) …صحيح مسلم ، كتاب الإيمان، رقم(173).(5/7)
إن خاتمة السورة عادة تمثل ملخصها والهدف المراد منها، وحيث إن خواتيم البقرة تتضمن إيمان الرسول والمؤمنين، واستجابتهم لأمر الله، وكون التكليف الإلهي ضمن الوسع وأدعية المؤمنين ربهم أن ينصرهم على القوم الكافرين، وكأن نزولها ليلة الإسراء تهيئة نفسية للتكليف القادم، والصلاة له خير زاد، وهذا التكليف بمثابة إقام الصلاة إي إقامة الدين، وما دام المقصود بهذه التكاليف هم البشر أبناء آدم فمن الطبيعي أن يخطئوا، لكن رحمة الله تتداركهم بالمغفرة كيلا ييأسوا من صلاح أنفسهم وقدرتهم على الإصلاح، ولا شك أن خطيئة آدم التي في أول البقرة نموذج في ذلك إذ بعدها كانت سُكنى الأرض للخلافة فيها، وفي السورة أيضاً خطايا بني إسرائيل ودعوتهم إلى التوبة وسؤال الله تعالى أن يحط عنهم خطاياهم، حيث كانت مصيبتهم الكبرى في عبادتهم العجل وإشراكهم بالله، وقد جاء في السورة خطاب الناس أن يعبدوا الله وحده ولا يتخذوا من دونه أنداداً، الأمر الذي ينسجم مع مغفرة الذنوب لمن لا يشرك بالله شيئاً.
المطلب الثالث: الخلافة بين سورة الحمد والتسبيح بالحمد: جاء في رد الملائكة حين أخبرهم الله تعالى أنه جاعل في الأرض خليفة : ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة ]، ومعنى كلامهم، أن الخلافة تقتضي التقديس لله تعالى والتسبيح بحمده، والملائكة يفعلون ذلك فهم أولى بالخلافة.
والرد الإلهي عليهم لم ينف معنى الخلافة الذي فهموه، بل أظهر لهم تفوق آدم عليهم وتميز خصائصه عنهم؛ وهذا يستدعي التمعن في معاني التسبيح والتقديس.(5/8)
الذي يظهر أن التسبيح أقرب ما يكون إلى الإيمان والاعتقاد، بينما التقديس يشير إلى الإسلام والطاعة؛ فالتسبيح: هو تنزيه الله تعالى عن كل نقص؛ وحين يخصص الملائكة التسبيح بأنه تسبيح بالحمد؛ فذلك يعني "أننا نبرئك عن صفات النقص حال إثباتنا لك صفات الكمال"(1)، وهذا هو الجانب الاعتقادي الإيماني في الدين.
وأما التقديس فمعناه: التطهير؛ تطهير النفس وتطهير الواقع الخارجي، ومعنى نقدس لك:" أي نطهر كل شيء نقدر عليه من نفوسنا وغيرها"(2)، وهل يصلح السلوك إلا بصلاح التصور؟ وهل يكون العمل الصالح إلا تالياً للإيمان ومقترناً به؟، لقد ورد في القرآن وصف الأمكنة بالتقديس، ( بالواد المقدس)، ( الأرض المقدسة)، وجاء في السنة الحديث عن تقديس الناس، (كيف يقدس الله أمة لا يأخذ ضعيفها حقه من قويها)(3)، والمعنى واحد لأن تقديس المكان يحصل بتطهيره من غلبة الأشرار، وتقديس الناس بتزكيتهم أو بإظهار خيارهم. وقد ورد اسم الله تعالى "القدوس" مرتين تالياً لاسمه سبحانه الملك، ( الملك القدوس)، ما يشير إلى علاقة التقديس بالمُلك، في سورتي الحشر والجمعة، وأولاهما تتحدث عن جلاء بني النضير، ومعنى التقديس هنا واضح، وأما سورة الجمعة فتتحدث عن بعث محمد - صلى الله عليه وسلم -، في الأميين، ليتلو عليهم آياته، ويعلمهم الكتاب والحكمة، و"يزكيهم"، فضلاً عن اتصال يوم الجمعة بخلق آدم وإسكانه الأرض واستخلافه فيها، لما رواه مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (خير يوم طلعت فيه الشمس: يوم الجمعة؛ فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا يوم الجمعة) (4).
__________
(1) …البقاعي، نظم الدرر، (1/88).
(2) …البقاعي، نظم الدرر، ( 1/88).
(3) …الألباني، صحيح الجامع الصعير وزيادته، رقم: (459).
(4) صحيح مسلم، رقم: ( 854).(5/9)
وعودة إلى التناسب بين البقرة والفاتحة في هذا الجانب ؛ حيث نستنتج أن الركن الأول في الخلافة هو التسبيح بالحمد: أي التسبيح المتلبس به. وكتاب الخلافة ـ كما نعلم ـ هو القرآن، وسورة الحمد هي فاتحة القرآن، وأم الكتاب، وأوله؛ والكتاب يُقرأ من عنوانه ـ كما يُقال ـ فكأن موضوع الخلافة، وأساسها، وركنها الركين: هو الحمد.
الفاتحة اسمها الحمد، وحامل الرسالة هو محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهو حامل لواء الحمد يوم القيامة، على ما روى أبو سعيد الخدري أن الرسول- صلى الله عليه وسلم - قال( أنا سيّدُ ولدِ آدمَ يومَ القيامةِ ولا فخرَ ، وبيدي لواءُ الحمدَ) (1)، وهو الذي بشر به عيسى عليه السلام: ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ژ [ الصف:6 } ؛ و"أحمد" على وزن صيغة التفضيل، أي أكثر حمداً. ولعل هذا هو السبب في توقف الخلافة في بني إسرائيل وانتقالها إلى محمد- صلى الله عليه وسلم - ، وأمته. حيث توقف فيهم تنزيه الله تعالى وحمده، إذ لا بد لتحمل ثقل الخلافة، من أمة مميزة في تسبيحها، وحمدها لله تعالى.
المبحث الثاني
التناسب بين البقرة وآل عمران
__________
(1) رواه الترمذي في كتاب التفسير رقم( 4765)، وأحمد في مسند ابن عباس رقم ( 2425)، والدارمي، (1/27)، الألباني، صحيح الجامع، رقم ( 1468).(5/10)
سورة آل عمران هي الثالثة في المصحف بعد سورتي الفاتحة والبقرة، حيث تشترك معها في فاتحتها، وكونهما من الطوال، وقد وصفهما الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالزهراوين، وينطبق عليهما القاعدة القرآنية من تفصيل كل سورة لإجمال ما في السورة قبلها، من جهة، وإشارة اللاحقة لما ورد تفصيله في سابقتها من جهة أخرى، قال البقاعي: وكما وقعت إلاحة في سورة البقرة لما وقع الإفصاح به في سورة آل عمران؛ كذلك وقع في آل عمران من نحو ما وقع تفصيله في سورة البقرة، ليصير منزلاً واحداً بما أفصح مضمون كل سورة بإلاحة الأخرى، فلذلك هما غمامتان وغيايتان على قارئهما يوم القيامة لا تفترقان(1).
والنظرة الفاحصة المتأملة في السورتين الكريمتين، تشعر بأنهما شقيقتان أو توأمان؛ وذلك لما يوجد بينهما من تشابه وتقارب عجيبين، وقد نبهنا القرآن ذاته إلى هذه الظاهرة بنظم آياته، حيث تكرر في السورتين عدد من الآيات المتشابهة إلى حد كبير(2).
ومن أبرز وجوه المناسبة بين السورتين الكريمتين:
المطلب الأول: التناسب بين فاتحتي السورتين:
السورتان متشابهتان في غرتيهما، كما ذكر أسد سبحاني حيث افتتحت كلتاهما بقوله تعالى:ژ ? ? ژ ، كما بدأت كل واحدة منهما بالتنويه بشأن القرآن والإشادة بذكره، ثم ما أنزل إلى الرسول وما أنزل من قبله، حيث قال تعالى: ژ ? ? ? پپ پپ ? ? ? ژ [البقرة]، وقال: ژ ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة]، وقال في آل عمران: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ?? چ ژ.
وهذا التشابه في المطلع والعنوان لا يدل إلا على التشابه فيما وراءه من المعنى والموضوع؛ والأمر في الواقع هكذا، فإن الموضوع في كلتا السورتين جد متقارب حيث إن الأولى دعوة إلى الإيمان بالقرآن والتمسك به، كما أن الثانية دعوة إلى اتباع الرسول والمسارعة إلى أوامره وما جاء به من عند ربه.
__________
(1) …البقاعي، نظم الدرر،(2/5).
(2) …سبحاني، البرهان في نظام القرآن، ( ص639).(5/11)
على هذا، فهاتان السورتان جاءتا على نمط قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ژ [آل عمران]؛ حيث إن الأولى تشبه قوله سبحانه: ژ ? ? ? ? ژ لكونها دعوة إلى الإيمان بما أنزل الله تبارك وتعالى، والثانية تشبه قوله: ژ ? پ ژ، لكونها دعوة إلى اتباع رسول الله صلوات الله عليه وسلامه.
ثم إن هذين الأمرين يلتقيان في واجب الأمر بالإيفاء بالعهد، حيث إن بني إسرائيل قد أُخذ منهم العهد على لسان رسلهم أن يؤمنوا بهذا القرآن، كما أُخذ منهم العهد أن يؤمنوا بهذا الرسول، عليه الصلاة والسلام.
وقد ذكر هذان العهدان في هاتين السورتين عدة مرات؛ فالسورة الأولى دعوة إلى أن يوفوا بعهدهم الأول، كما أن الثانية دعوة إلى أن يوفوا بعهدهم الثاني"(1) .
إن " كلا منهما بدئ بذكر الكتاب وشأن الناس في الاهتداء به؛ ففي السورة الأولى ذكر أصناف الناس من يؤمن به ومن لا يؤمن؛ والمناسب في ذلك التقديم لأنه كلام في أصل الدعوة، وفي الثانية ذكر الزائغين الذين يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، والراسخين في العلم الذين يؤمنون بمحكمه ومتشابهه ويقولون كل من عند ربنا، والمناسب فيه التأخير لأنه فيما وقع بعد انتشار الدعوة"(2).
وصف الكتاب في أول البقرة بأنه ژ ? پپ پ ژ [الآية:2]، وقال في آل عمران: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [الآية:3]، وذلك بسط وإطناب لنفي الريب عنه.
وجاء في البقرة إنزال الكتاب مجملاًً، وقسمه في آل عمران إلى آيات محكمات، ومتشابهات.
__________
(1) …سبحاني، البرهان في نظام القرآن، (ص 641، 642 ).
(2) …رضا، محمد رشيد، تفسير القرآن الحكيم/المنار، (3/153).(5/12)
وقد ذكر في البقرة: ژ ? ? ? ? ? ژ، وقال في آل عمران: ژ ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ژ [الآيتان:3، 4]، مفصلاً. وصرح بذكر الإنجيل في آل عمران؛ لأن السورة خطاب للنصارى، ولم يقع التصريح به في سورة البقرة بطولها، وإنما صرح فيها بذكر التوراة خاصة؛ لأنها خطاب لليهود(1).
المطلب الثاني: التناسب بين فاتحة آل عمران وخاتمة البقرة:
قال في البحر المحيط:" ومناسبة هذه السورة لما قبلها واضحة لأنه لما ذكر آخر البقرة ژ ? ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة]، ناسب أن يذكر نصره تعالى على الكافرين، حيث ناظرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورد عليهم بالبراهين الساطعة والحجج القاطعة، فقص تعالى أحوالهم ورد عليهم في اعتقادهم، وذكر تنزيهه تعالى عما يقولون، وبداءة خلق مريم وابنها المسيح إلى آخر ما ورد عليهم، ولما كان مفتتح آية آخر البقرة ژ ? ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة:285]، فكان في ذلك الإيمان بالله وبالكتب، ناسب ذكر أوصاف الله تعالى، وذكر ما أنزل على رسوله، وذكر المنزل على غيره - صلى الله عليه وسلم -" (2) .
إن سورة البقرة ختمت بدعاء النصر على الكافرين: ژ ? ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة]؛ فجاءت سورة آل عمران تتوعد الكافرين من أول أمرها وجاءت تبشرهم بالهزيمة وسوء العاقبة ژ ? ? ? ? ? ? چچ چ چ ? ژ(3).
ولئن ختمت البقرة بدعاء المؤمنين أن ينصرهم على القوم الكافرين ، فقد بدئت آل عمران ب: ژ ? ? ? پ پ پ پ ? ژ ، تطميناً للمؤمنين أن الله تعالى مولاهم وناصرهم، وهو نعم المولى ونعم النصير.
__________
(1) …السيوطي، تناسق الدرر، (ص70-71)، بتصرف.
(2) …أبو حيان الأندلسي، البحر المحيط في التفسير،(3/9).
(3) …سبحاني، البرهان في نظام القرآن، ( ص642).(5/13)
المطلب الثالث: التناسب بين خاتمتي السورتين: إن هاتين السورتين متشابهتان في خاتمتيهما أيضاً كما أنهما متشابهتان في فاتحتيهما، حيث إن الخاتمتين كلتيهما مدح وثناء لصحابة رسول الله،- صلى الله عليه وسلم - وتشتملان على أدعية حارة ضارعة من المؤمنين واستجابة عجيبة سريعة من الله(1).
فالدعاء في الأولى يناسب بدء الدين لأن معظمه فيما يتعلق بالتكليف وطلب النصر على جاحدي الدعوة ومحاربي أهلها، وفي الثانية يناسب ما بعد ذلك لأنه يتضمن الكلام في قبول الدعوة وطلب الجزاء عليه في الآخرة(2).
وكذلك فإن خاتمة البقرة فيها سؤال الله تعالى النصر على الكافرين، فجاءت خاتمة آل عمران تبين سبيل النصر والفلاح بالصبر والمصابرة والمرابطة وتقوى الله تعالى.
المطلب الرابع:تناسب الاتحاد والتلاحم بين السورتين( التوأمة): قرن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين سورتي البقرة وآل عمران في بعض أحاديثه الشريفة؛ حيث وصفهما بالزهراوين، وأنه يُؤتى بالقرآن، وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا؛ تقدمهم سورة البقرة وسورة آل عمران كأنهما غمامتان أو غيابتان أو كأنهما ظلتان سوداوان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما. ومثل هذا الحديث، ينوه بأهمية السورتين الكريمتين، ويجمعهما في سياق واحد، ويصورهما كأنهما توأمان إذ تؤديان، في تكامل، ذات المهمة.
وقد ذكر السيوطي في تناسق الدرر أن بين سورة آل عمران وسورة البقرة اتحاداً وتلاحماً متأكدا؛ لأن البقرة بمنزلة إزالة الشبهة، ولهذا تكرر في آل عمران ما يتعلق بالمقصود الذي هو بيان حقيقة الكتاب: من إنزال الكتاب، وتصديقه للكتب قبله، والهدى إلى الصراط المستقيم(3).
__________
(1) …سبحاني، البرهان في نظام القرآن، ( ص642).
(2) …رضا، محمد رشيد، تفسير القرآن الحكيم/المنار، (3/153).
(3) …السيوطي، تناسق الدرر، ( ص73).(5/14)
ولذلك أيضاً، كما يتابع السيوطي، ذكر في آل عمران ما هو تال لما ذكر في البقرة، أو لازم له؛ فذكر في البقرة خلق الناس، وذكر في آل عمران تصويرهم في الأرحام، وذكر هناك مبدأ خلق آدم، وذكر هنا مبدأ خلق أولاده؛ وألطف من ذلك: أنه افتتح البقرة بقصة آدم حيث خلقه من غير أب ولا أم، وذكر في هذه نظيره في الخلق من غير أب؛ ولذلك ضرب له المثل بآدم(1).
واختصت البقرة بآدم؛ لأنها أول السور، وآدم أول في الوجود وسابق، ولأنها الأصل، وهذه كالفرع والتتمة لها؛ فمختصة بالإعراب والبيان.
ولأنها خطاب لليهود الذين قالوا في مريم ما قالوا، وأنكروا وجود ولد بلا أب؛ ففوتحوا بقصة آدم لتثبت في أذهانهم، فلا تأتي قصة عيسى إلا وقد ذُكر عندهم ما يشبهها من جنسها.
ولأن قصة عيسى قيست على قصة آدم، في قوله: ژ ھ ھ ژ [آل عمران:59]، والمقيس عليه لا بد أن يكون معلوماً؛ لتتم الحجة بالقياس ، فكانت قصة آدم والسورة التي هي فيها جديرة بالتقدم(2).
ويتابع السيوطي: " وأمر آخر استقرأته هو: أنه إذا وردت سورتان بينهما تلازم واتحاد ، فإن السورة الثانية تكون خاتمتها مناسبة لفاتحة الأولى للدلالة على الاتحاد ،وآخر آل عمران مناسب لأول البقرة؛ فإنها افتتحت بذكر المتقين، وأنهم المفلحون، وختمت آل عمران بقوله: ژ ? ? ? ? ? ژ [آل عمران].
وافتتحت البقرة بقوله سبحانه: ژ ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ژ [الآية:4]، وختمت آل عمران بقوله: ژ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ? ? ? ژ(3)[الآية:199].
ومن وجوه تلازم السورتين: أنه قال في البقرة في صفة النار: ژ ? ? ? ژ ، ولم يقل في الجنة : أعدت للمتقين ، مع افتتاحها بذكر المتقين والكافرين معاً ، وقال ذلك في آخر آل عمران: ژ ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ژ ؛ فكأن السورتين بمنزلة سورة واحدة "(4).
__________
(1) …السيوطي، السابق، ( ص73).
(2) …السيوطي، السابق، ( ص 73 -74).
(3) …السيوطي، السابق، ( ص74).
(4) …السيوطي، تناسق الدرر، ( ص74).(5/15)
ومن وجوه التلازم بين السورتين أنه قد ورد في سورة البقرة دعاء إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام ژ ? ? ? ? ? ? چ چ چ چ ? ?? ? ? ? ? ? ژ، وفي سورة آل عمران استجابة دعائهما، حيث يمن الله تعالى على المؤمنين ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ(1).
ويذكر أسد سبحاني، أن سورة البقرة تذكر تاريخ بني إسرائيل إلى عهد سيدنا موسى، - قلت: وطرفاً من تاريخهم زمن داود ـ ثم تجيء سورة آل عمران لتكمل هذه السلسلة وتقص علينا أنباء آل عمران(2)،
وكذلك فإن كلاً من سورتي البقرة وآل عمران، قد حاج أهل الكتاب؛ ولكن الأولى قد أفاضت في محاجة اليهود، واختصرت في محاجة النصارى، والثانية بالعكس، والنصارى متأخرون عن اليهود، في الوجود وفي الخطاب بالدعوة إلى الإسلام(3). وهذه النقطة تذكر بما لفت إليه البقاعي من أن العديد من الموضوعات في السورتين يأتي مفصلاً في إحداهما، ومجملاً في الثانية، أو العكس.
لقد وردت صفات المتقين في البقرة وآل عمران، لكن" كل سورة من السورتين الكريمتين ذكر فيها من صفات المتقين ما يتناسب مع السياق ويلائم الموضوع؛ ففي سورة البقرة كان التركيز على قضايا العقيدة: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ، كما كان التركيز على إقامة الصلاة كذلك، أما في سورة آل عمران فقد ذُكرت الآيات في سياق غزوة أحد التي كانت فيها دروس كثيرة للمسلمين فذكر فيها الإنفاق في السراء والضراء، وذلك لحاجة المجاهدين إليه، وذكر فيها كظم الغيظ والعفو عن الناس، ذلك لأن المسلمين أصيبوا في أحد"(4).
__________
(1) …السيوطي، السابق، ( ص75).
(2) …سبحاني، البرهان في نظام القرآن، ( ص642).
(3) …رضا محمد رشيد، تفسير القرآن الحكيم/المنار، (3/153).
(4) …عباس، فضل حسن، خماسيات مختارة في تهذيب النفس الأمارة،( ص43)، دار الفرقان، عمان، ط2، 1418هـ - 1997م.(5/16)
إن سورة البقرة كانت مرحلة إعداد وتربية للجهاد، وكانت مرحلة حث وتحريض عليه في قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ژ، وقوله: ژ ? ? ? ? ? پپ پ پ ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ٹٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ژ، وقوله سبحانه: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ.
ثم جاءت آل عمران لتنتقل بهؤلاء المؤمنين من مرحلة الإعداد والتربية إلى مرحلة التطبيق والتنفيذ، فدخلت بهم في معركة فاصلة بين الإسلام والكفر ثم تناولت أحداث تلك المعركة بالتفصيل ليكون ذلك إعداداً لما سيتبعها من المعارك(1).
لقد جاءت سورة البقرة والمسلمون يعانون من ضعف ويتهيأون لبدر، بينما سورة آل عمران جاءت بعد الذي أصاب المسلمين في أحد، وكلتا السورتين تضمنت دعاء المؤمنين أن ينصرهم على القوم الكافرين، أحدهما في استقبال معركة تودع الاستضعاف وتستقبل التمكين: قصة طالوت الشبيهة ببدر، والثانية قول الأنبياء والربيين الذين معهم عقب الذي أصابهم في سبيل الله فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا، كحال الصحابة في أحد خاطبهم القرآن ألا يهنوا ولا يحزنوا، وأشاد بهم أنهم استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح.
قال تعالى في سورة البقرة: ژ ? ? ? ? ? پ پ پپ ? ? ? ? ? ? ژ، وقال في سورة آل عمران: ژ گ گ ? ? ? ? ? ?? ? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ.
__________
(1) …سبحاني، البرهان في نظم القرآن، ( ص643).…(5/17)
الملاحظة الأولى أن الموضوع جاء في سورة البقرة مجملاً وفي آل عمران مفصلاً، وذاك يتناسب مع الواقع الذي تعالجه كل سورة؛ فإن البقرة التي كانت تعد للجهاد، أشارت إلى إمكانية وقوع قتلى لتهيئهم للمصيبة قبل وقوعها، وعلمتهم الاسترجاع في نفس السياق، وعبرت عن ذلك بالفعل المضارع الذي يفيد هنا الاستقبال وإن أفاد التكرار أيضاً، وقد تُليت الآية بقوله سبحانه: ( ولنبلونكم بشيء من الجوع والخوف...) [ البقرة: 155]، لكن سورة آل عمران تحدثت عن القتل بصيغة الماضي الذي حدث؛ لأنها جاءت عقب أحد، وقد جاء التفصيل الذي في آل عمران منسجما مع واقع المصيبة الذي يحتاج إلى تسلية وتسرية، بينما كان يكفي عند التهيئة والإعداد مجرد الإشارة، وفي التفصيل ترسيخ حقيقة حياة الشهداء، من خلال تصوير مشاهد حية لتناول الرزق والفرح بفضل الله، وما دام الشهداء على هذه الحال من الفرح فما بال الذين من ورائهم يحزنون عليهم وما لهم لا يسعون للحاق بهم بدلاً من الحزن والوهن والاستكانة؟ والحديث عن الاستبشار بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم لشحذ هممهم. والملاحظة الثانية أن الخطاب في آل عمران للرسول عليه الصلاة والسلام، بينما كان الخطاب في البقرة موجهاً لجماعة المؤمنين بمن فيهم الرسول لأن شدة المصيبة تؤثر حتى في القيادة مهما علت منزلتها، فضلاً عن أن ذلك يتناسب مع جو كل من السورتين الكريمتين؛ حيث تقدم في البقرة الحديث عن المتقين قبل مخاطبة الرسول: ژ ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ، وفي آل عمران تقدم خطاب الرسول على ذكر جميع الناس: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ژ.
ومن الأوجه أن البقرة ضرورية للجانب المادي في الخلافة، بينما تكمن أهمية آل عمران، ونظرائهم من حمَلة الوحي الإلهي، في الجانب الديني لهذه الخلافة، وقد عبد اليهود العجل من جنس البقر، فيما عبد النصارى من آل عمران المسيح وأمه عليهما السلام.(5/18)
ولئن رأى العابدون إحياء الميت على يد عيسى عليه السلام ؛ فقد أكد أن ذلك وغيره كان بإذن الله وليس بقدرة عيسى. وكذلك إحياء قتيل بني إسرائيل، مع أنه كان بضربه ببعض البقرة؛ فإن ذلك لم يكن بقدرتها، بل بقدرة الله تعالى؛ ولذلك عقب بقوله: ژ ژ ژ ڑڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ژ [البقرة]، وقد أبطل في البقرة عبادة العجل إذ أمكن من أمه بالذبح، وأبطل في آل عمران تأليه عيسى وأمه، إذ عرض ولادة كل منهما، والمولود لا يكون إلهاً.
المطلب الخامس: تناسب الإجمال والتفصيل بين السورتين:
يطرد في السورة المتجاورة، أن يأتي في الأولى موضوع مجملاً، فتفصله التالية، أو يأتي مفصلاً فتشير إلي التالية مجرد إشارة، ومن ذلك:
موضوع آل عمران، كما يظهر من بدايتها، هو: ژ ? ? ? پ پ پ پ ? ژ ، وهو تفصيل آية الكرسي [البقرة:255]، التي هي أعظم آية في سورة البقرة، وفي القرآن الكريم جميعه، ومقتضى كونه تعالى الحي القيوم أنه لا يستحق العبادة سواه، ولأجل تحصين المسلمين أن يقعوا فيما وقع فيه قوم عيسى عليه السلام، فقد جاء قوله تعالى ژ ? ? ? ? ? ? ? چ چچ چ ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ژ ژ ڑڑ ک ک ک ک ژ { آل عمران]، علماً بأن قوم عيسى قد انقلبوا على أعقابهم بعد وفاته، وكان هذا الانقلاب بنسيان كونه بشرا رسولا وادعاء ألوهيته، ولذلك جاءت الآية تؤكد في صيغة الحصر أن محمداً ليس سوى رسول مثل إخوانه الذين خلوا بالوفاة ومن الطبيعي أن يلحق بهم، وكانت لفتة حكيمة من أبي بكر يوم وفاة الرسول أن يتلو هذه الآية الكريمة، مذكراً المؤمنين أن من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت(1).
__________
(1) …البخاري، كتاب المغازي، رقم( 1454)، وكتاب الجنائز، رقم( 1242).(5/19)
ومما أجمل في سورة البقرة وفصل في سورة آل عمران، بحسب السيوطي: أنه قال في البقرة : ژ ? ? ? ? ? ژ [الآية :247 } ، وقال في آل عمران : ژ ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ? ?? ? ?? ? ں ں ? ? ? ژ [آل عمران :26]، فزاد إطناباً وتفصيلاً(1).
وأنه حذر من الربا في البقرة، ولم يزد على لفظ الربا إيجازاً، وزاد في آل عمران ژ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ژ، وأنه قال في البقرة : ژ ? ? ژ [96]؛ وذلك إنما يدل على الوجوب إجمالاً ، وفصله في آل عمران بقوله: ژ ھ ھ ے ے ? ژ [97]، وزاد بيان شرط الوجوب بقوله : ژ ? ? ? ?? ژ [آل عمران:97] ، ثم زاد تكفير من جحد وجوبه بقوله: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ژ، والحقيقة أننا إذا اعتبرنا أن بين موضوعي الحج والربا في البقرة وآل عمران، إجمالاً وتفصيلاً، فالأصوب اعتبار ما في البقرة هو التفصيل، والذي في آل عمران إجمالاً له وإشارةً إليه، لا كما ذكر السيوطي؛ لطولهما في البقرة، وقصرهما في آل عمران(2).
أنه قال في البقرة : ژ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة ]. فدل بها على تفضيل هذه الأمة على اليهود تعريضاً لا تصريحاً. وكذلك قوله: ژ ? ? ? ? ژ [ البقرة:143]، في تفضيل هذه الأمة على سائر الأمم، بلفظ فيه يسير إبهام؛ وأتى في آل عمران بصريح البيان فقال: ژ ? ? ? ? ? ژ، فقوله: { كنتم } أصرح في قدم ذلك من { جعلناكم } ، ثم زاد وجه الخيرية بقوله: ژ ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ژ [آل عمران: 110 ] (3).
أنه قال في البقرة: ژ ? ? ? ں ں ? ? ? ? ژ [ الآية:188 } ، وبسط الوعيد في آل عمران بقوله: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [الآية:77]، وصدّره بقوله: ژ ? ? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ { آل عمران :75] (4).
__________
(1) …السيوطي، تناسق الدرر، ( ص71).
(2) …السيوطي، السابق، ( ص71).
(3) …السيوطي، السابق، ( ص72).
(4) …السيوطي، السابق، ( ص72).(5/20)
إن سورة البقرة تفصل سمات المنافقين وملامحهم وتفصل مواقفهم وتصرفاتهم، من غير أن تصمهم بالنفاق أو من غير أن تطلق عليهم لفظ (النفاق)، بخلاف سورة آل عمران فإنها تكشف عنهم القناع وتعريهم وتصمهم بهذه الرذيلة : ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ژ [آل عمران: 166- 167] (1).
إن الصراع العقائدي الذي شهدناه في سورة البقرة قد احتد واشتد في هذه السورة، ولذلك نرى هذه السورة يغلبها جو الحجاج واللجاج، كما مر معنا آنفا.
ولعل هذا هو السر في أن هذه السورة تحث المؤمنين حثا على أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر،وتعد ذلك من صميم مهمتهم: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ? ژ [آل عمران:110] .
وذلك لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الضمان الوحيد لانتصارهم على العدو، وهو الطريق الوحيد لسلامته من شر ذلك الصراع العقائدي الذي يهدد كيانهم، ويكاد يمزق شملهم!(2).
ذكر الدكتور أسد سبحاني أن سورة البقرة تخاطب جماهير اليهود والنصارى، وتتحدث عنهم، بينما سورة آل عمران تخاطب علماءهم وأحبارهم وتتحدث عنهم.
ولعل هذا السر في أن هذه السورة يغلبها جو الحجاج واللجاج، كما نرى ذلك واضحا صريحاً في مثل قوله تعالى: ژ ? ? چ چ چچ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ? ? ? ? ? ?? ں ں ? ? ? ?? ? ہ ہ ہہ ھ ھ ھ ھ ےے ? ? ? ? ژ [ آل عمران]، وقوله: ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ?? ? ? ? ? ? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہھ ھ ھ ھ ے ے ? ژ [آل عمران]، وهذا الجو يخص هذه السورة دون سورة البقرة. ولعل السر في ذلك ما سبقت الأشارة إليه(3).
المبحث الثالث
التناسب بين سورتي البقرة والفلق
__________
(1) …سبحاني، البرهان في نظام القرآن، (ص643).
(2) …سبحاني، البرهان في نظام القرآن، (ص644- 645).
(3) …سبحاني، البرهان في نظام القرآن، (ص644).(5/21)
ذكر البقاعي أنه كما التقى آخر كل سورة مع أولها؛ فكذلك التقى آخر القرآن العظيم بأوله، بالنسبة إلى تسع سور من آخر المصحف إلى سورة قريش، مع السور التسع المناظرة لها من أول المصحف حتى سورة براءة، بحيث تتناظر سورة الناس مع الفاتحة، والفلق مع البقرة، والإخلاص مع آل عمران، والمسد مع النساء، والنصر مع المائدة، والكافرون مع الأنعام، والكوثر مع الأعراف، والماعون مع الأنفال، وقريش مع التوبة.
قريش والتوبة: وكان قد بدأ التنويه بهذه النظرية أو ذاك الاكتشاف، من سورة قريش والتي حاصلها – كما ذكر- المنّ على قريش بالإعانة على المتجر إيلافاً لهم بالرحلة فيه، والضرب في الأرض بسببه، واختصاصهم بالأمر بعبادة الذي منّ عليهم بالبيت الحرام وجلب لهم به الأرزاق والأمان، ومن أعظم مقاصد التوبة – المناظرة لهذه بكونها التاسعة من الأول – البراءة من كل مارق، وأنّ فعل ذلك يكون سبباً للألفة بعدما ظُن أنه سبب الفرقة، وذكر مناقب البيت ومن يصلح لخدمته، والفوز بأمانه ونعمته، والبشارة بالغنى على وجه أعظم من تحصيله بالمتجر، وأبهى وأبهر، وأوفى وأوفر، وأزهى وأزهر، وأجل وأفخر، بقوله تعالى: ژ ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک کک ژ [ التوبة: 17]، وقوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [ التوبة: 28]، فعلم بهذا علماً جلياً أنه شرع سبحانه في رد المقطع على المطلع من سورة قريش الذين أكرمهم الله بإنزال القرآن بلسانهم، وأرسل به الرسل إليهم، كما أكرمهم ببناء البيت في شأنهم، وتعظيمه لغناهم وأمانهم(1).
__________
(1) …البقاعي، نظم الدرر،(8/537-538)، بتصرف.(5/22)
وقد تضمن كلامه السابق أن التناسب هو فقط بين السور التسع الأولى والسور التسع الأخيرة من المصحف، وليس بين كل سورة في شطر المصحف الأول مع ما يناظرها من شطره الثاني، وفي السور مما قاله البقاعي أو لم يقله، العديد من أوجه المناسبة ما يشهد لصحة فهمه، وربما كان ثمة مناسبة في كل السور المتناظرة شطري المصحف، أو في عدد إضافي سوى ما ذكره البقاعي، لكن من الواضح أن ثمة شبكات من العلاقات بين السور كالتي بين أجهزة الإنسان المختلفة بل أوثق، وليس صعباً على من ينظر في نظم الدرر أو الأساس في التفسير، على سبيل المثال، أن يطلع على أوجه متعددة من الترابط والتناسب بين السور لأكثر من اعتبار.
الإخلاص وآل عمران: فالإخلاص وهي الثالثة من آخر المصحف، تناظر آل عمران، وهي الثالثة من أوله، والتي سماها البقاعي سورة التوحيد، إذ في كلتيهما الحديث عن التوحيد، والمحاججة لمن ادعى أن لله تعالى صاحبة وولداً(1)، فقد بدئت سورة الإخلاص بأنه سبحانه الأحد الصمد، كما افتتحت آل عمران ب ژ ? ? ? پ پ پ پ ? ژ ،ثم أكدت الإخلاص أنه سبحانه لم يلد ولم يولد، والذي هو من أبرز محاور سورة آل عمران وبالذات قصتها الرئيسة عن ولادة عيسى عليه السلام، واسم القيوم يشترك مع اسم الصمد في استغنائه تعالى عن خلقه وقيامه بذاته، وفي الصمد كذلك معنى أن المخلوقات محتاجة إليه، ومما يناظره في آل عمران قوله تعالى ژ ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ? ?? ? ?? ? ں ں ? ? ? ژ .
__________
(1) …البقاعي، نظم الدرر، (8/594).(5/23)
المسد والنساء: وبالنسبة لسورة النساء- وهي الرابعة من الأول- تأمر الناس أن ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ٹ ٹ ٹٹ ? ? ? ? ? ? ژ، فيما تكشف نظيرتها المسد - وهي الرابعة من الآخر- عن رجل وامرأة لم يتقيا الله تعالى، ولم يرعيا حق الأرحام، مع أن رحمهما خير رحم؛ وذلك شأن أبي لهب وزوجه، في حربهما ضد النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولئن أمرت سورة النساء بالتقوى ورعاية الرحم، فإن المسد قد بينت جزاء المخالف.
وحاصل سورة المسد عند البقاعي، أن أبا لهب قطع رحمه وجار عن قصد السبيل واجتهد بعد ضلاله في إضلال غيره، وظلم الناصح له الرؤوف به، وهو ما يتناسب مع سورة النساء التي يرى أن من أعظم مقاصدها التواصل والتقارب والإحسان لا سيما لذوي الأرحام(1).
__________
(1) …البقاعي، السابق، (8/574).(5/24)
الكافرون والأنعام: وحاصل سورة الكافرون عند البقاعي: قطع رجاء أهل الكفران من أن يقاربهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في أن يعدل بربه أحداً في زمن من الأزمان، وذلك من أعظم مقاصد سورة الأنعام(1)، ففي الأنعام الثناء على الله تعالى خالق السماوات والأرض جاعل الظلمات والنور ومع ذلك فالذين كفروا بربهم يعدلون، وسورة الكافرون موضوعها أولئك الكافرون الذين لم يكتفوا بجريمتهم تلك بل إنهم يحرصون على أن يتابعهم الرسول الكريم في ذلك، ومن ثم يأتي التأكيد النبوي أنه لن يعبد ما يعبدون، ومما يناظر ذلك في الأنعام :ژ ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ?? ? ? ? ? ? ژ ، ژ ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک کک گ گ گ گ? ? ? ? ? ? ? ? ں ژ، وإذ قد ختمت سورة الكافرون ب ژ ? ? ? ? ? ژ فقد جاء في أواخر الأنعامژ ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھھ ھ ے ے ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ، حيث تضمنت الخاتمة وصف دين الإسلام بما لا يصح معه العدول عنه إلى سواه، مع التركيز على الجزاء الذي ينتظر كل طرف، واللافت افتتاح سورة الكافرون بكلمة ( قل) وتكرر ذلك كثيراً في سورة الأنعام في ذات الموضوع وما يتصل به.
النصر والمائدة: والمائدة- الخامسة من الأول - تتحدث عن اكتمال الدين وتمام النعمة، ومثلها النصر - وهي الخامسة من الآخر - نعت إلى الرسول الكريم نفسه، إذ أخبرته بأن انتصار الدين ودخول الناس فيه أفواجا؛ فذلك علامة اكتمال الدين، وانتهاء مهمة الرسول عليه السلام.
__________
(1) …البقاعي، نظم الدرر، ( 8/ 557).(5/25)
وفي نظم الدرر أن حاصل سورة النصر الإيذان بكمال الدين، ودنو الوفاة لخاتم النبيين، والنصر على جميع الظالمين الطاغين الباغين، وذلك من أعظم مقاصد المائدة، كما يشير إليه قوله تعالىژ چ چ چ ? ژ [المائدة3]، وقوله سبحانه ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [المائدة: 56] (1).
الناس والفاتحة: فسورة الناس وهي الأولى من آخر المصحف، تناظر الفاتحة وهي الأولى من أوله؛ حيث بُدئت كلتاهما بالثناء على الله تعالى، ففي الناس الثناء على الله تعالى بأنه رب الناس إله الناس ملك الناس، وفي الفاتحة البدء بالحمد وهو غاية الثناء، لتضمنه بأنه تعالى رب العالمين الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، ولئن جاء الثناء على الله تعالى تقريراً منه سبحانه، فقد جاء الثناء في سورة الناس مسبوقاً بكلمة قل ليس فقط على أساس الترداد الذاتي ولكن أيضاً باعتبار حمل الرسالة وتبليغ الفكرة.
وحيث تضمنت الفاتحة سؤال الله تعالى الهداية والسلامة من سبيل المغضوب عليهم والضالين فقد جاء في الناس طلب العوذ به سبحانه من الوسواس الخناس، من الجنة كان أم من الناس.
وقد كان حق ما سبق أن يفرد في مطلب مستقل من الفصل الثاني، لكن قصر المادة الموجودة عن التناسب بين الفلق والبقرة، عن أن تشكل مبحثاً مستقلاً في هذا الفصل، والرغبة في تعزيز ما ذهب إليه البقاعي في رد المقطع على المطلع بالنسبة لسور القرآن الكريم، ثم الخلوص منها إلى ما أورده عن التناسب بين سورتي البقرة والفلق، انطلاقاً من أن الأمر مطرد وليس مجرد تعداد لصلات متوهمة بين سورة طويلة وأخرى من القصار، مما دفع الباحث إلى الاستطراد في ذكر النقولات السابقة، ومن ثم جعلها في هذا المبحث عن المناسبة بين سورتي الفلق والبقرة.
__________
(1) …البقاعي، نظم الدرر، ( 8/ 564).(5/26)
الفلق والبقرة: وأما التناسب بين سورتي البقرة والفلق- الثانية من الأول ونظيرتها من آخر المصحف، فيقول البقاعي في ختام تفسير سورة الفلق :" وحاصل هذه السورة العظمى، في معناها الأبدع الأسمى - الاستعاذة بالله بذكر اسمه (الرب) المقتضي للإحسان والتربية، بجلب النعم ودفع النقم، من شر ما خلق، ومن شر السحر والحسد؛ كما كان أكثر البقرة، المناظرة لها في رد المقطع على المطلع؛ لكونها ثانية من الأول كما أن هذه ثانية من الآخر، في ذكر أعداء النبي - صلى الله عليه وسلم - الحاسدين له على ما أوتي من النعم، وفي تذكيرهم بما منحهم من النعم التي كفروها. وأكثر ذلك في بني إسرائيل الذين كانوا أشد الناس حسداً له - صلى الله عليه وسلم -، وكان من أعظم ما ضلوا به السحر المشار إليه بقوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? پ پپ ژ [البقرة:102]، حتى قال: ژ ? ? ? ? چ چ چ چ? ژ، إلى أن قال: ژ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ? ? ? ? ? ? ژ [لبقرة:109]، وكان السحر من أعظم ما أثر في النبي- صلى الله عليه وسلم -، من كيدهم، حتى أُنزل فيه المعوذتان، وكان الساحر له منهم "(1).
ويؤكد صاحب الظلال حسد بني إسرائيل بقوله:" ثم إنهم حسدوا النبي - صلى الله عليه وسلم - حسداً شديداً، حسدوه مرتين: مرة لأن الله اختاره وأنزل عليه الكتاب- وهم لم يكونوا يشكون في صحته- وحسدوه لما لقيه من نجاح سريع شامل في محيط المدينة"(2)، وفي السياق ذاته لا ننسى حسد إبليس لآدم وذريته، لما أكرم الله تعالى به آدم من المنزلة، وشرفه بالخلافة.
__________
(1) …البقاعي، نظم الدرر، (8/ 609، 610).…
(2) …قطب، في ظلال القرآن، ( 1/32).(5/27)
واستكمالاً لما لفت إليه البقاعي من الربط بين النفاثات في العقد، في سورة الفلق، والسحرة الذين يتعلمون ما يفرقون به بين المرء وزوجه ، في سورة البقرة ؛ فإن من الملاحظ التنويه بأهمية العلاقة الزوجية في البقرة، بدءاً من الخطاب الإلهي لآدم ژ ? ? ? ?ژ [ البقرة:35]، ولم يُذكر لزوجه اسم، ما يشي بأن الزوجين شيء واحد، لا قيام لأحدهما بدون الآخر. ومن جهة ثانية تضمنت سورة البقرة آيات عديدة لمعالجة مشكلة الطلاق، بسبب من آثارها الخطيرة على المجتمع، ولأجل تقليص هذه المخاطر إلى الحد الأدنى.
…
المبحث الرابع
مناسبة البقرة لواقع الدعوة
سبق القول بأن سورة البقرة، قد ابتدأ نزولها بُعيد هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، حيث تغير حال المسلمين من جماعة ودعوة مطاردة مضطهدة ، إلى مجتمع ودولة ذات هيبة ومنعة.
أو بمعنى آخر؛ فإن الله تعالى قد مكن للمؤمنين دينهم الذي ارتضى لهم، وأصبح الرسول - صلى الله عليه وسلم - خليفة لله تعالى في الأرض، ولذلك فقد جاء في بداية السورة، الخطاب للرسول - صلى الله عليه وسلم - ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ? ژ [البقرة :30 ]، كأنما ليقول له: إن ربك الذي أنعم عليك ومكنك فجعلك خليفة، قد خلق أباكم آدم، أصلاً، لهذه المهمة، فأنت ومن معك ومن تبعك، ورثة أبيكم في هذا الاستخلاف؛ وبالتالي فما تقومون به ليس غريباً ولا مناقضاً لما وجد الإنسان لأجله ابتداءً.(5/28)
إن سورة البقرة هي الموضع الوحيد في القرآن كله الذي تُذكر فيه الخلافة في الأرض، مرتبطة بخلق آدم " كما يقول الأستاذ محمد قطب ، في سفره القيم :" دراسات قرآنية" ، والذي يتابع قائلاً :" لقد كان ذكر القصة - يقصد قصة آدم - من قبل يأتي في العهد المكي، والمسلمون مشردون في الأرض، لم يُمكّنوا بعد. والآن ترد القصة في العهد المدني؛ بعد أن قامت الدولة المسلمة وبدأت تتمكن في الأرض. فهل لذلك علاقة بذكر الاستخلاف في هذا الموضع ؟!( ...) فهنا بعد أن استقر المسلمون في الأرض؛ أصبح من المناسب أن يُذكر لهم أن أباهم آدم خلق ليكون خليفة في الأرض. وهم - اليوم - هم ورثة الاستخلاف، المطلوب منهم: أن يُقيموا الخلافة الراشدة في الأرض.
" كذلك يُذكر هنا - لأول مرة على كثرة ما ذكر من قبل قصة آدم في السور المكية - قصة تعليم آدم الأسماء كلها: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ چ چ چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک کگ گ گ گ ? ? ? ? ? ? ? ? ں ں ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة:31 ـ 33] .
" فهل هناك توجيه معين هنا من ذكر هذه القصة في مفتتح سورة المدنية الأولى التي جاءت لتحدد سمات المجتمع الإسلامي ؟
"مرة أخرى نقول : ربما ـ والله أعلم ـ إن هذه الأمة التي بدأ استخلافها في الأرض مقدر لها في علم الله أن تكون هي المهيمنة على حياة البشرية ، فترة مديدة من الزمن . ومقدرٌ لها ـ كذلك ـ أن تكون هي الأمة "العالمة " في الأرض في تلك الفترة من الزمن ، وأن تنشئ الحركة العلمية التي تعيش عليها البشرية قروناً أخرى فيما بعد، فهل لذلك علاقة بذكر تعلم آدم الأسماء كلها ؟! (1)" .
__________
(1) …قطب، محمد ، دراسات قرآنية، (ص 297 ـ298 )، دار الشروق، القاهرة ط 7، 1993م.(5/29)
قلت: نعم؛ فقد جاء في دعاء إبراهيم وإسماعيل، عليهما الصلاة والسلام: ژ ? ? ? ? ? ? چ چ چ چ ? ?? ? ? ? ? ? ژ [البقرة: 129]، وفي قصة طالوت، قرنت الآية الخاتمة لها، بين إيتاء داود عليه السلام، المُلك/ الخلافة ـ والحكمة ژ ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ےے ژ [البقرة: 251].
ويقول صاحب الظلال رحمه الله تعالى عن سورة البقرة :" هذه السورة ، تضم عدة موضوعات ، ولكن المحور الذي يجمعها ،كلها ، محور واحد مزدوج ، يترابط الخطان الرئيسيان فيه ترابطاً شديداً ؛ فهي من ناحية تدور حول موقف بني إسرائيل من الدعوة الإسلامية في المدينة، واستقبالهم لها، ومواجهتهم لرسولها - صلى الله عليه وسلم - وللجماعة المسلمة الناشئة على أساسها، وسائر ما يتعلق بهذا الموقف بما فيه تلك العلاقة القوية بين اليهود والمنافقين من جهة، وبين اليهود والمشركين من جهة أخرى.
وهي من الناحية الأخرى، تدور حول موقف الجماعة المسلمة في أول نشأتها، وإعدادها لحمل أمانة الدعوة والخلافة في الأرض. بعد أن تعلن السورة نكول بني إسرائيل عن حملها ، ونقضهم لعهد الله بخصوصها ، وتجريدهم شرف الانتساب الحقيقي لإبراهيم - صلى الله عليه وسلم - صاحب الحنيفية الأولى ، وتبصير الجماعة المسلمة وتحذيرها من العثرات التي سببت تجريد بني إسرائيل من هذا الشرف العظيم "(1).
__________
(1) …قطب، في ظلال القرآن، ( 1 / 28).(5/30)
ويؤكد الأستاذ محمد قطب، كلام صاحب الظلال، عن قسمي السورة، فيقول:" القسم الأول من السورة يستغرقه الحديث عن بني إسرائيل، ومن أهم دواعي ذلك سببان رئيسيان؛ أولهما: أن بني إسرائيل هم الأمة التي قامت حياتها على كتاب منزل من عند الله، ثم ظلوا يبتعدون عن كتابهم تدريجياً، حتى خرجوا منه خروجاً كاملاً في النهاية. والمسلمون في بدء إقامة دولتهم ومجتمعهم على أساس من الكتاب المنزل، يوجَّهون ألا يفعلوا(1)ما فعله بنو إسرائيل من قبل، بل يتمسكوا بكتابهم ويحافظوا(2)عليه لكيلا يحل عليهم غضب الله الذي حل ببني إسرائيل .
" أما السبب الآخر فهو الكيد المستمر من اليهود للدولة الإسلامية الناشئة، ومحاولة تقويضها قبل أن تتمكن في الأرض ، بدافع حسدهم لهذه الأمة المهتدية والتواء طبيعتهم عن الاهتداء، كما في قوله سبحانه: { ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم } البقرة : 105، وقوله: ژ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ? ? ? ? ? ? ? ں ں ? ? ?? ? ? ہ ہ ہ ہھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ژ.
فكان القرآن يعرِّف المسلمين بتاريخ بني إسرائيل الماضي كله ليعرفوا عدوهم على حقيقته ليتوقعوا منه الشر الدائم فيحذروه، ولكيلا يقوم بينهم وبينه أي لون من ألوان الولاء ، إذ كان المنافقون وعلى رأسهم عبد الله بن أبي يتخذون من اليهود أنصاراً وأولياء يلقون إليهم بالمودة .
" أما القسم الثاني من السورة فهو موجه إلى المؤمنين : ينظم حياتهم الجديدة بالتنظيمات والتشريعات اللازمة ، ويرد على تساؤلاتهم في حياتهم الجديدة ، ويحدد موقفهم من العدو الثاني؛ وهو المشركون الذين كانوا قد أخذوا في مناوأة الدولة الجديدة ، ويضع بصفة عامة قواعد الدولة الجديدة، والمجتمع الجديد"(3).
__________
(1) …في المطبوع :" يوجِّهون ألا يفعلون".
(2) …في المطبوع " يتمسكون .. ويحافظون".
(3) قطب، محمد، دراسات قرآنية، ( ص 287، 288).(5/31)
ولئن بالغ بنو إسرائيل في دعوى الانتساب إلى إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -، فقد جاءت السورة تبين أن لإبراهيم ولداً نبياً آخر؛ هو إسماعيل عليه السلام، وقد رفعا معاً قواعد البيت الحرام، وكان من دعائهما المستجاب: ژ ? ? ? ? ? ? چ چ چ چ ? ?? ? ? ? ? ? ژ، وهذا هو الرسول الذي طلبه أبوكم إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - ، فهل ترضون بما رضي ؟ أم تراكم تفعلون ما فعلتم بأنبيائكم الذين جاءوكم من ذرية إسحق ويعقوب؟
ثم يذكرهم بالقانون الإلهي الذي لا يحابي أحدا ولا جماعة، كما يظهر في الآية الكريمة ژ ? ہ ہ ہ ہ ھھ ھ ھ ے ے ?? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ژ[البقرة]، وقد عرضت آيات البقرة مواطن كثيرة لظلم بني إسرائيل، وبالتالي؛ حرمانهم من أن ينالهم عهد الله بإمامة الناس، وتسليم الراية للمتقين المستقيمين على أمر الله ، محمد - صلى الله عليه وسلم - وصحبه، وأمته.
وما دام الرسول- صلى الله عليه وسلم - والمسلمون قد تسلموا الخلافة، فما أحراهم أن يتعرفوا على الواقع الجديد، وأقسام الناس ليكون السير على نور وهداية؛ ولذلك فقد صُدِّرت السورة بالحديث عن أقسام الناس ، حيال هذا الكتاب وحَمَلَته. وأكد في البداية على أنه هدى للمتقين، ثم خوطب الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - بأن الكفار لن يجدي معهم الإنذار ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ژ [البقرة]، فإن في ذلك تهيئة للمسلمين أن يستعدوا للمعركة الحتمية القادمة.
ولا ننسى ختام سورة البقرة حيث يُعلّم الله تعالى المؤمنين أن يدعوه قائلين: ژ ? ? ? ? ? ژ ، وهو نفس الدعاء الذي ورد على لسان المؤمنين من جنود طالوت عندما برزوا لجالوت وجنوده : ژ گ گ گ گ ? ? ? ? ? ? ? ? ں ں ? ? ژ [البقرة].(5/32)
وهذا يعيدنا إلى ما يرويه البخاري في كتاب المغازي عن البراء : قال : كنا أصحاب محمد نتحدث أن أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت ، الذين جاوزوا معه النهر ـ ولم يجاوز معه إلا مؤمن ـ بضعة عشر وثلاثمائة(1).
إن عدة الفئتين لم تكن وجه الشبه الوحيد ، إذ يبدو أن إيراد القصة في أول سورة مدنية، كان تهيئة لأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، كي يستعدوا للمعركة القادمة، متسلحين بالإيمان واثقين بنصر الله تعالى، غير آبهين بفارق العدد والعدة؛ وژ ? ? ? ? ژ ژ ڑڑ ک ک ک ک ژ [البقرة] ، وفيها توجيه لاستهداف أئمة الكفر، كما قتل داود جالوت، وهو ما طبقه أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ تسابق ـ حتى الفتيان ـ للنيل من أئمة الكفر وأكابر المجرمين ، وما خبر أبي جهل بخاف ، حيث يروي عبد الرحمن بن عوف ( إني لفي الصف يوم بدر إذ التفتّ فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن ، فكأني لم آمن بمكانهما إذ قال لي أحدهما سراً من صاحبه : أتعرف أبا جهل ؟ فقلت : يا ابن أخي وما تصنع به ؟ قال: عاهدت الله إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه. فقال لي الآخر سراً من صاحبه مثله . قال : فما سرني أني بين رجلين مكانهما ، فأشرت لهما إليه ، فشدا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه وهما ابنا عفراء)(2). ومن اللطيف أن أول ما نزل بعد البقرة، سورة الأنفال (3).
المبحث الخامس
التناسب بين سورة البقرة وموقعها في المصحف
مضى القول – في الفصل الأول- بتوقيفية ترتيب آي القرآن وسوره، وحيث تقدمت سورتا الفاتحة والبقرة هذا الموكب الكريم من سور القرآن الحكيم، فلا بد من حكم عظيمة لهذا الموقع المتقدم لسورة البقرة، تسعى المطالب الآتية إلى تجليتها.
__________
(1) …البخاري، كتاب المغازي، رقم( 3958، 3959).
(2) …البخاري ، كتاب المغازي، رقم( 3988)، وكتاب فرض الخمس رقم( 3141)، ومسلم، رقم( 1752).
(3) …السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، ( 1/ 19).(5/33)
ولعل من حكمة الله تعالى، أن ترتيب القرآن الكريم لم يكن على وفق النزول؛ فهو ليس كتاباً في التاريخ يهدف إلى رواية تاريخ الدعوة الإسلامية. وإنما غايته أن يهتدي به الناس- والمؤمنون على وجه الخصوص - إلى يوم القيامة، فيقيموا الدين ويعمروا الأرض. ومن المحال أن تتطابق حركة الدعوة الإسلامية في أي عصر مع حركتها في عصر البعثة؛ فالتاريخ لا يكرر نفسه، بل هي بشارة وضمانة ربانية: أن الدين لن يرجع - مهما بلغت سوء الأحوال - إلى ما كان عليه الوضع قبل البعثة، ليبتدئ من مرحلة: ژ چ چ چ ? ? ? ژ [العلق].
المطلب الأول: من حكم مجيء البقرة أول المصحف:
لا تكاد تمر صفحات قليلة في سورة البقرة، حتى تأتي قصة بدء الخليقة، في بدايات المصحف، لتجيب على السؤال الفطري: من أنا ؟ ولماذا جئت ؟ ومن جاء بي ؟ وإلى أين أنا ذاهب ؟ وما علاقتي بما حولي ومن حولي ؟
فيعرف الإنسان ربه، وذاته، وغاية خلقه وأنها الخلافة عبادة لله تعالى، ويعرف كرامته على من سواه فيربأ بنفسه أن يعبد سوى ربه، أو أن يرعى مع الهمل وقد رُشِّّح لهذه المهمة العظيمة .
ويدرك، فيما يدرك، من قصة آدم؛ جبهة الأصدقاء والأعداء، وعون ربه والملائكة، وأساليب الشيطان وجنوده.
وأمر آخر؛ فالبقرة هي أول الطوال، وأطول السور على الإطلاق. والبدء بها يتناسب وعزائم الناس التي تبدأ عادة، قوية، ثم لا تلبث أن تفتر، وبهذا تظهر الحكمة في أن الأجزاء الأخيرة، تتناقص طولاً حتى نرى قصار السور في آخر المصحف.
ومن الطبعي أن كل من أراد أن يقرأ ختمة كاملة للقرآن الكريم فإنه لا بد أن يبدأ بعد الفاتحة بالبقرة، حتى لو فترت همته بعد ذلك عن إتمام المصحف؛ فإذا عاوده الحنين إلى التلاوة فلا بد أن يبدأ من جديد بالبقرة، ما يعني أن يقرأها المسلم أكثر من غيرها. ولا ننسى أن فيها غاية خلق الإنسان، وحشداً من الأحكام الشرعية، وحديثاً عن أقسام الناس، وهي التي لا يستغني عنها سائر إلى ربه.(5/34)
وقال في تفسير (المنار):" من نظر في ترتيب السور كلها في المصحف يرى أنه قد روعي في ترتيبها الطول والتوسط والقصر في الجملة، ومن حكمته أن في ذلك عوناً على تلاوته وحفظه؛ فالناس يبدأون بقراءته من أوله فيكون الانتقال من السبع الطوال(1) إلى المئين(2) فالمثاني(3) فالمفصل(4)، أنفى للملل وأدعى إلى النشاط، ويبدأون بحفظه من آخره لأن ذلك سهل على الأطفال، ولكنّ في كل قسم من الطوال والمئين والمفصل تقديماً لسورة قصيرة على سورة أطول منها، ومن حكمة ذلك أنه قد روعي التناسب في معاني السور مع التناسب في الصور؛ أي مقدار الطول والقصر"(5).
المطلب الثاني: البقرة أم ثانية للقرآن الكريم
بنى الأستاذ سعيد حوى تفسيره (الأساس في التفسير)، على قاعدة الوحدة الموضوعية للقرآن الكريم جميعه، وليس فقط الوحدة الموضوعية لكل سورة على حدة، انطلاقا من أن سور القرآن جميعها تُفصّل سورة البقرة، كما سيأتي بعد أسطر قليلة.
وللحقيقة فإن فكرة الوحدة الموضوعية للقرآن، وفكرة مركزية سورة البقرة بالنسبة لباقي المصحف قد أشار إليهما غير واحد من العلماء، وإن كان يحسب لصاحب (الأساس) أنه أثبت الفكرة وفصلها، وأطال الحديث وكرره عنها خلال تفسيره.
__________
(1) …الطوال: وهي سور: البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف ويونس، [ الجرمي، إبراهيم، معجم علوم القرآن، ص243، دار القلم، دمشق، ط1، 1422هـ - 2001م].
(2) …المئون: السور السور التي تلي السبع الطوال، وهي من أول الأنفال إلى نهاية السجدة، ما عدا سورة يونس لأنها من السبع الطوال، [ الجرمي، ص 238].
(3) …المثاني: السور التي تلي المئين، من أول الأحزاب إلى أول سورة ق، [ الجرمي، ص243].
(4) …المفصل: السور التي تلي المثاني، وهي من أول سورة ق إلى سورة الناس، [ الجرمي، ص 272].
(5) …رضا، تفسير القرآن الحكيم/ المنار، (7/ 287-289).(5/35)
فقد أكد السيوطي أن:"القاعدة التي استقر بها القرآن: أن كل سورة تفصيل لإجمال ما قبلها، وشرح له وإطناب لإيجازه. وقد استقر معي ذلك في غالب سور القرآن طويلها وقصيرها، وسورة البقرة قد اشتملت على تفصيل جميع مجملات الفاتحة"(1).
والذي يهمنا من قول السيوطي هذا أنه إذا كانت سورة البقرة مفصلة لسورة الفاتحة، التي هي أم القرآن، فإن البقرة بهذا المعنى هي أم ثانية للقرآن، مع فارق أن الفاتحة مجملة وأن البقرة مفصلة.
وفي تناسق الدرر يتحدث السيوطي عن أربع سور بدءاً من آل عمران(2) تفصل في سورة البقرة، فالنساء، ثم المائدة والأنعام(3)؛ ما يعزز فكرة تفصيل ما بعد سورة البقرة لها.
و قال البقاعي في ختام تفسيره لسورة البقرة " إن بداية هذه السورة هداية وخاتمتها خلافة، فاستوفت تبيين أمر النبوة إلى حد ظهور الخلافة فكانت سناماً للقرآن، وكان جماع ما في القرآن منضماً إلى معانيها إما لما صرحت به أو لما ألاحته وأفهمه إفصاح من إفصاحها، كما تنضم هي مع سائر القرآن إلى سورة الفاتحة فتكون أمّاً للجميع"(4).
فكلامه واضح في أن جِماع ما في القرآن منضم إلى معاني سورة البقرة، وأنها تنضم مع سائر القرآن للفاتحة فتكون أماً للجميع، والضمير هنا عائد - كما أفهمه- للبقرة لا للفاتحة؛ لما سبق من قوله في انضمام جماع ما في القرآن إلى البقرة، ولأن كون الفاتحة أماً للقرآن ليس بحاجة إلى تدليل، وليس هذا مكان ذكره.
__________
(1) …السيوطي، تناسق الدرر في تناسب السور، (ص65).
(2) …سبق الحديث عنه في مبحث التناسب بين البقرة وآل عمران.
(3) …السيوطي، تناسق الدرر في تناسب السور، (ص75، 80، 85).
(4) …البقاعي، نظم الدرر، (1/560- 561).(5/36)
وقد لخص الأستاذ سعيد حوى نظريته في الوحدة الموضوعية للقرآن الكريم، بعد فراغه من تفسير سورة الناس، تحت عنوان: (كلمة أخيرة في السياق القرآني العام) بقوله:" رأينا أن سورة الفاتحة ذكرت كل المعاني القرآنية بإجمال، وجاءت سورة البقرة لتفصل في الطريقين: طريق المنعم عليهم، وطريق المغضوب عليهم والضالين، وجاءت الآيات التسعة والثلاثون من سورة البقرة للتحدث عن المعاني الرئيسية في الهدى والضلال.
ثم جاءت بقية السورة لتخدم معنى من المعاني الآتية في هذه التسعة والثلاثين آية، ثم جاءت بعد ذلك أربع وعشرون مجموعة قرآنية، كل مجموعة فصلت في معاني سورة البقرة على ترتيب ورود هذه المعاني في سورة البقرة بشكل رأينا حكمه وتفصيلاته فيما مر معنا، ورأينا أن في كل تفصيل جديداً وفي كل سورة جديدا.
لقد رأينا ابتداء أن القرآن ينقسم إلى أربعة أقسام: قسم الطوال وقسم المئين وقسم المثاني وقسم المفصل، ورأينا أن كل قسم من هذه الأقسام يتكامل مع بعضه، وأن هذه الأقسام كلها تتكامل مع بعضها.
وقد رأينا أن القسم الأول يتألف من سورة البقرة ومجموعة واحدة - يقصد الطوال- تفصل في سورة البقرة من أولها إلى آخرها، ورأينا أن قسم المئين يتألف من ثلاث مجموعات، كل مجموعة تفصل في سورة البقرة من ابتدائها إلى مكان فيها، ثم جاء قسم المثاني وفيه خمس مجموعات، كل مجموعة تفصل في سورة البقرة من ابتدائها حتى آية منها على اختلاف في المدى الذي يبلغه التفصيل، ثم جاء قسم المفصل وفيه خمس عشرة مجموعة كل مجموعة تفصل في سورة البقرة من ابتدائها إلى مكان ما فيها، وهكذا نجد أن سورة البقرة قد فصلت أربعاً(1) وعشرين مرة تفصيلاً بعد تفصيل".(2)
__________
(1) …في المطبوع: (أربعة).
(2) …حوى، الأساس في التفسير، ( 11/6770- 6771).(5/37)
ومن الجدير بالذكر أن الأستاذ سعيد حوى قد اعتمد في نظريته على حديث: ( أُعطيت مكان التوراة السبع الطوال، ومكان الزبور المئين، ومكان الإنجيل المثاني، وفُضِّلتُ بالمفصل)(1)، وللعلماء أقوال في تحديد بدايات بعض المجموعات ونهاياتها(2)، مما لا تحتمله هذه الرسالة؛ كونه ليس من أغراضها.
ولقد أطال الباحث فيما نقله هنا، وفيما سينقله تالياً عن تفسير (الأساس)؛ متابعاً الأستاذ سعيد حوى الذي كان يطيل الكلام، ويكرره في أكثر من موضع، وهو يبرهن على نظريته في الوحدة الموضوعية، لما في ذلك من تعزيز للفكرة.
والباحث معنيّ هنا فقط بمجرد الإشارة السريعة لنظرية الأستاذ سعيد حوى، وليس بصدد الشهادة لها أو عليها، ولا مناقشتها أو نقدها ببيان أوجه القوة والضعف فيها، وقد عرض البحث لعدد من أقوال العلماء السابقين، فضلاً عن الأمثلة التفصيلية الكثيرة المبثوثة في تفسيره الأساس، ما يجعل النظرية في عمومها في دائرة القبول. ومن الدراسات التي تخصصت في " الأساس في التفسير"، أطروحة ماجستير للدكتور أحمد الشرقاوي في جامعة الأزهر، وكان قد تفضل بإرسالها للباحث بواسطة البريد الإلكتروني، ثم نشرها في موقعي: صيد الفوائد، وشبكة التفسير(3).
……المبحث السادس
التناسب بين سورة البقرة وبقية السور المفتتحة ب(ألم)
__________
(1) …أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن باب فضائل السبع الطوال( ص119)، والبيهقي في شعب الإيمان رقم( 2415)، والطبراني في المعجم الكبير رقم( 187) .
(2) …انظر، على سبيل المثال، الزركشي، البرهان في علوم القرآن،( 1/307-311).
(3) …www.saaid.netwww.tafsir.net,(5/38)
ستّ سور في القرآن الكريم بُدئت ب(ألم)، وهي البقرة، وآل عمران، والعنكبوت، والروم، ولقمان، والسجدة. وحيث إن لها جميعاً ذات الفاتحة فإن ذلك يعني وجود التناسب فيما بينها بشكل أو بآخر، وقد ذُكر في مبحث سابق أوجه التناسب بين البقرة وآل عمران، وفي هذا المبحث شيء من المناسبة بين البقرة والسور الأربع الباقية.
وقد حاول غير واحد من العلماء القدامى والمعاصرين أن يقف على أسرار الافتتاح بالحروف المقطعة ذاتها، ومنهم ابن القيم وسعيد حوى، والذي ذكروه مقاربات وتحويمات حاولت أن تربط بين السور، دون أن تأتي بالجواب الحاسم، وما في هذا المبحث يستحضر ما أورده الفضلاء، ويسعى إلى محاولة جديدة للتحويم والمقاربة.
المطلب الأول: مقاربة الإمام ابن القيم في بدائع الفوائد
الهمزة هي أول مخارج الحلق مما يلي الصدر، واللام من وسط مخارج الحروف وهي أشد اعتماداً على اللسان، والميم هي آخر الحروف ومخرجها من الشفتين، وجاء ترتيب الحروف مطلع السورة من البداية إلى الوسط إلى النهاية، وكل سورة افتتحت بهذه الأحرف الثلاثة – كما يقول ابن القيم - فهي مشتملة على بدء الخلق ونهايته وتوسطه؛ فمشتملة على تخليق العالم وغايته، وعلى التوسط بين البداية والنهاية من التشريع والأوامر، وقد مثّل لذلك بسورة البقرة وآل عمران والسجدة والروم(1) ولم يذكر سورتي العنكبوت ولقمان اللتين لهما نفس الفاصلة، ولا الأعراف أو الرعد اللتين لهما الفاتحة ذاتها مع زيادة حرف آخر كل منهما ( المص، المر).
__________
(1) …ابن القيم، بدائع الفوائد، (3/199).(5/39)
وقد يشهد لما قاله ابن القيم أن جميع السور السابقة تتضمن الحديث عن الآخرة، ومثل ذلك الحديث عن التشريع والأوامر، وأما بالنسبة لبدء الخلق وغايته فقد اشتملت سورة البقرة على قصة آدم والخلافة، وفي آل عمران حديث عن تصوير الناس في الأرحام، وإشارة إلى قصة آدم في قوله تعالى ژ ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھھ ے ے ? ? ? ? ? ? ? ژ، وفي الأعراف قصة آدم أيضاً، لكن في الرعد إشارات إلى الخلق الأول في قوله تعالىژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ?? ? ? ? ?? ? ? ?? ? ? ? ? ژ، والحديث عن الخلق الجديد يستدعي في الذهن الخلق القديم والنشأة الأولى، وفي العنكبوت ژ گ گ ? ? ? ? ? ?? ? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھھ ھ ھ ے ے ?? ? ? ? ? ? ? ? ژ ، وفي الروم ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ، و ژ چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ،و ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? چ چ چچ ? ? ? ? ژ ،و ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ژ ، وفي لقمان إشارة سريعة إلى الخلق في قوله ژ ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ژ ، وفي السجدة ژ ? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ژ .
المطلب الثاني
مقاربة الأستاذ سعيد حوى في الأساس
وقد تناول، رحمه الله، فيها الجوانب الآتية:
أولاً: التناسب في ترتيب فواتح السور التي تأتي بعد مجموعتي (الم)
قال في (الأساس): ثم إنك تلاحظ أحياناً أن مجموعة من السور لها بدايات معينة تشبهها مجموعة أخرى لها نفس البدايات، فمثلاً نلاحظ أن سورتي البقرة وآل عمران مبدوءتان ب( الم)، وتأتي بعدهما سورتا النساء والمائدة، وكل منهما مبدوءة ب(يا أيها) ، ثم تأتي سورة الأنعام وهي مبدوءة ب( الحمد لله).
ونلاحظ بعد ذلك بسور كثيرة أنه تأتي سورة العنكبوت هي والسور الثلاث بعدها مبدوءة ب( الم)، ثم تأتي بعد ذلك سورتا سبأ وفاطر، وكل منهما تبدأ بالحمد لله (1).
ثانياً: مجموعة (الم) تفسر مقدمة سورة البقرة
__________
(1) …حوى، الأساس، (1/78).(5/40)
للأستاذ سعيد حوى في كتابه (الأساس في التفسير)، نظريته في الوحدة القرآنية، والتي أقامها على أساس أن كل سورة بعد سورة البقرة إنما تفصل آية أو آيات منها، انطلاقاً من تقسيم القرآن إلى مجموعات، تفسر مرة بعد مرة آيات البقرة من أولها حتى نهايتها.
وعنده أن السور الأربع التي تبدأ ب { ألم } ، تفصل في مقدمة سورة البقرة، وأن تفصيل كل من السور الأربع لهذه المقدمة يكمل تفصيل الأخرى، فسورة العنكبوت مثلاً تفصل في قضايا الإيمان بالغيب والكتاب، ومستلزمات ذلك بشكل أخص، بينما سورة الروم تفصل في قضايا الإيمان باليوم الآخر بشكل أخص، وكل من السور الأربع تفصل في جانب من مقدمة سورة البقرة، وفي امتدادات ذلك من سورة البقرة نفسها(1).
وذكر في موطن آخر أن مقدمة سورة البقرة بآياتها العشرين؛ قسم منها في المتقين، وقسم منها في الكافرين، وقسم منها في المنافقين. وكل صفة للمتقين يقابلها صفة للكافرين أو صفة للمنافقين، ويلاحظ في هذه السور الأربع أنها تعمق في سياقها الرئيسي موضوعاً من موضوعات الآيات الواردة في المتقين، وتتحدث خلال ذلك عما يقابل ذلك. ومن ثم فإن السور الأربع – وإن كانت في سياقها الرئيسي تفصل في الآيات الأولى لمقدمة سورة البقرة، فإنها تفصل- في الحقيقة- في مقدمة سورة البقرة كلها. ومن ثم نجد في سورة العنكبوت كلاماً عن الكافرين والمنافقين، ونجد في سورة الروم كلاماً عن الكافرين، ونجد في سورتي لقمان والسجدة كلاماً عن الكافرين، فالتفصيل في النهاية لمقدمة سورة البقرة كلها، أي للعشرين آية الأولى من سورة البقرة(2).
والسطور الآتية تلخيص لأهم ما أورده الأستاذ سعيد حوى في تفسيره (الأساس) عن الارتباط بين سورة البقرة وكل من العنكبوت والروم ولقمان والسجدة.
__________
(1) …حوى، سعيد، الأساس ، (8/ 4158).
(2) …حوى، السابق، (8/ 4305 – 4306).(5/41)
ارتباط سورة العنكبوت بسورة البقرة: ففي مقدمة سورة البقرة حديث عن المتقين، وعن الكافرين، وعن المنافقين، وفي سورة العنكبوت حديث عن المؤمنين والكافرين والمنافقين. وفي مقدمة سورة البقرة كلام عن الإيمان بالغيب، وتبدأ سورة العنكبوت بالكلام عن الامتحان لتحقيق الإيمان وتتحدث السورة مرة ومرة ومرة عن الإيمان: إن سورة البقرة مبدوءة بقوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? پپ پپ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ، والملاحظ أنه قد جاء في سورة العنكبوت قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ژ ، وقوله ژ ? ? ? ? چ چ چ چ ژ ، وقوله سبحانه: ژ ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گگ گ ? ? ? ? ? ? ? ? ں ژ، وآخر آية في السورة قوله تعالىژ ? ? ? ? ?? ہ ہ ہ ہ ھ ژ ، فالكلام عن الإيمان، وما لأهله، وعن الطريق لتحقيق الإيمان يأخذ حيزاً كبيراً في السورة.
وفي السورة حديث عن المنافقين ومظاهر النفاق وعلاماته، وهو واضح الارتباط بسورة البقرة(1): ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ? ? ? ? ? ? ? ? ں ں ? ? ? ? ? ? ژ.
وفي الآيات تصحيح مفاهيم؛ حيث صححت الآيات الأربع الأولى تصورين هامين، الأول: تصور من يظن أن الإيمان لا يرافقه امتحان، والثاني: تصور الكافر أنه إذا لم يُمتحن فإنه يفلت من عذاب الله عز وجل؛ فالآيات إذن تصحح مفاهيم، وتقرر سنناً لها علاقة بقضية الإيمان والكفر، وارتباط ذلك بمقدمة سورة البقرة واضح: ژ ? ? ? ? ? پپ پپ ? ? ? ? ? ? ? ژ فالإيمان ليس مجرد دعوى، وكي لا يقول قائل: ما دام الإيمان كذلك فلنتخل عن الإيمان، فقد بين الله عز وجل أن تصور الكافر أنه يفوت الله خطأ كبير.
__________
(1) …حوى، سعيد، الأساس ،(8/4163– 4164) بتصرف.(5/42)
ولما كان تصحيح هذا التصور مهماً جداً، فقد ورد هذا التصحيح في سورة البقرة في قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ژ ، إلا أن التصحيح الوارد في سورة البقرة ورد في سياق الأمر بالدخول في الإسلام كله، لأنه هو الذي تترتب عليه المحن الحقيقية، وهو علامة الشكر الصادق على الإسلام، وهو الذي تكون عاقبته الظفر، أما هنا فقد ورد في سياق التفصيل المباشر لمقدمة سورة البقرة ليفيد أن دعوى الإيمان يترتب عليها الامتحان(1).
وقال الأستاذ سعيد حوى في موطن آخر:" لقد ختم الكلام عن المتقين في أوائل سورة البقرة بقوله تعالى: ژ ? ? ? ? ?? ? چ چ چ ژ ، ونلاحظ أن آخر آية في سورة العنكبوت كانت قوله تعالىژ ? ? ? ? ?? ھ ژ ، لاحظ كلمة الهداية المشتركة بين آخر آية في سورة العنكبوت، وآخر آية في الآيات التي وصفت المتقين في سورة البقرة.
"إن آخر آية في سورة العنكبوت دلتنا على أن الهداية تحتاج إلى مجاهدة، ومن هنا ندرك أن تفصيل سورة العنكبوت لسورة البقرة تفصيل ذو طعم خاص، فإذا كانت الآيات هناك قد وصفت المتقين، فهذه السورة تضع قواعد وموازين وعلامات، وتبين حكماً ومواصفات وضروريات للتحقق بالصفات"(2).
ومما قاله في نهاية تفسيره لسورة العنكبوت وهو يلخص الكلام عن ارتباطها بسورة البقرة:" وكما فصلت في صفات المتقين فصلت في ما يقابل ذلك من الكفر والنفاق وهي المواضيع التي تحدثت عنها مقدمة السورة، فعرفنا علامة النفاق، وعرفنا بعض لوازم الكفر وآثاره، وعرفنا بعض ما أعد الله للمؤمنين، وبعض ما أعد الله للكافرين، وعرفنا الفارق الكبير بين ما يركن إليه أهل الإيمان، وبين ما يركن إليه أهل الكفر ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک کک ک گ گ گ ژ "(3).
ارتباط سورة الروم بالبقرة
__________
(1) …حوى، السابق، (8/ 4172)، بتصرف.
(2) …حوى، سعيد، الأساس ، (8/4230).
(3) …حوى، الأساس، ( 8/4239- 4240)، بتصرف.(5/43)
يرى الأستاذ سعيد حوى أن السياق الرئيس لسورة الروم يكاد يكون منصبّاً على موضوع اليوم الآخر؛ كما في قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ژ ، وقوله سبحانه : ژ ? ? ? ? ? ? ژ وقوله:ژ ? ? ? ? ? ? ژ، والآية الكريمة: ژ گ گ گ ? ? ? ? ? ?? ? ں ں ? ژ.
وتتحدث السورة عن الله عز وجل بما يذكّر بالآخرة في الآية: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ، والآية: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? چ چ چچ ? ? ? ? ژ ، وقوله سبحانه: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ژ ، وقوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ژ، وفي حين وصف المتقون في سورة البقرة بأنهم: ژ ? ? ? ? ژ، فإن آخر آية في سورة الروم هي: ژ ? ? ? ? ? ? ژ(1).
__________
(1) …حوى، سعيد، السابق ، (8/4247)، بتصرف.(5/44)
وقد بُدئت عدة آيات في السورة الكريمة باسم الجلالة ( الله)، أو الضمير الدال عليه سبحانه، كالآيات السابقة وغيرها أيضاً، في سياق الاستدلال والاحتجاج على اليوم الآخر، ما يعزز فكرة الارتباط الشديد بين ركني الإيمان بالله وباليوم الآخر(1)، وفي السياق ذاته مجيء عدد من الآيات المتتابعة في السورة تعرض بعض آيات الله تعالى الدالة عليه، وابتداؤها بقوله سبحانه: ( ومن آياته)، حيث إن الإيمان باليوم الآخر فرع الإيمان بالله، والتدليل على الله وأسمائه وصفاته تدليل على اليوم الآخر(2)، وعلى هذا فلا يكون الخلل في التصورات عن اليوم الآخر إلا بسبب الخلل في معرفة الله عز وجل، وأعظم خلل في معرفة الله هو الشرك، لذلك كان هو العامل الأكبر في اختلال تصورات الإنسان عن اليوم الآخر، وكما جاء في مقدمة البقرة وصف المتقين بأنهم يقيمون الصلاة ومما رزقهم الله ينفقون، فكذلك تضمنت سورة الروم الحديث عن هذين الركنين العظيمين(3). دون أن ننسى أن ركني الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر اللذين ركزت عليهما سورة الروم هما رأس الإيمان بالغيب المذكور في مقدمة سورة البقرة(4).
وحيث قد جاء في مقدمة الروم ژ ? ? ? ? ? ?? ? ? ?? ? ? ? ? ژ وجاء فيما بعد ژ ھ ھ ھ ے ے ? ژ ، ما يعني أن الكلام عن النصر محور رئيس من محاور السورة(5)، وتأتي الآية الأخيرة في السورة تأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يصبر انتظاراً لوعد الله بنصره للمؤمنين متزامناً مع غلبة الروم على الفرس(6)،ژ ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ژ.
__________
(1) …حوى، السابق، ( 8/4260)، بتصرف.
(2) …حوى، الأساس، ( 8/4265 )، بتصرف.
(3) …حوى، السابق، ( 8/4269).
(4) …حوى، السابق، ( 8/ 4272-4273)، بتصرف.
(5) …حوى، السابق،( 8/ 4285)، بتصرف.
(6) …حوى، السابق،( 8/ 4297)، بتصرف.(5/45)
وقد فات صاحبَ (الأساس) ربطُ سورة الروم، وبالذات مقدمتها وخاتمتها ، بخاتمة البقرة ژ ? ? ? ? ? ? ? ژ، وسيأتي بإذن الله.
ارتباط سورة لقمان بسورة البقرة
ذكر صاحب (الأساس) أن آيات مقدمة سورة لقمان، تكاد تكون هي نفس الآيات الأولى من مقدمة سورة البقرة، مع تركيز خاص حول الاهتداء بكتاب الله، ومن ثم عن الموقف المقابل والأسباب النفسية لذلك، وإذ تصف الآية الأولى هذا القرآن بالحكمة، وإذ كان في ذلك دعوة لاتباع كتاب الله؛ فإن الكلام عن حكمة الله وعن إيتاء الله الحكمة لخلقه، يأخذ حيزاً من السورة، وكأنه يشير إلى أن مقتضى اتصاف الله بالحكمة أن يكون كتابه حكيماً، وإذ كان كتابه حكيماً فإن ذلك يقتضي من الإنسان اتباعه.
"وفي وسط السورة يأتي الكلام عن لقمان، وإيتائه الحكمة، ويعرض القرآن لنا نماذج من وصاياه الحكيمة، التي تنسجم مع موضوع السورة، ومن ثم حديث عن عن نعمه تعالى التي تقتضي شكراً، والشكر يقتضي اتباع كتاب الله، وهكذا من خلال الكلام عن الحكمة والنعمة تعمق السورة موضوع اتباع الكتاب والشروط اللازمة لهذا الاتباع، وقصة لقمان في الوسط تأتي لتضيء ما قبلها وما بعدها، وتأتي لتكون أنموذجاً لما قبلها وما بعدها. ومن ثم فدورها كبير في السورة، ومع تعميق اتباع الكتاب من خلال الحكمة والنعمة تختتم السورة بالكلام عن علم الله المحيط، وذلك من خلال ذكر مفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا الله، وفي هذا كله دعوة لاتباع كتاب الله ، فإذا كان الله تعالى وحده هو الذي يعلم الغيب فهذا يعني أنه لا أحكم منه ولا أعلم، ومن ثم فلا أحكم من كتابه.(5/46)
وتابع: "كنا ذكرنا من قبل أن أي سورة عندما تفصل في محور من سورة البقرة فإنها تفصل في هذا المحور وفي امتدادات معانيه في سورة البقرة، ولقد جاء في سورة البقرة قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ?? ? ژ ، وإيتاء الله الحكمة مرتبط بإيتائه الكتاب، ومرتبط بتوفيق الله للإنسان، وسورة لقمان تفصل في هذا وهذا، فقد وصف الله كتابه بالحكمة، وأعطانا نموذجاً على إيتائه الحكمة لعبد من عباده ژ ? ? ? ? ? ژ ، ففي السورة نموذج للحكمة في الكتاب، ونموذج للحكمة عند الحكيم، وفي السورة تعريف على ماهية الحكمة، وفي السورة بيان لما ينبغي أن يقابل الإنسان به نعمة الحكمة من شكر(1).
__________
(1) …حوى، سعيد، الأساس ، (8/ 4305 – 4307)، بتصرف.(5/47)
وفي تفصيله الارتباط بين مقدمتي السورتين ومقارنته بينهما، وتذكيره أن محور سورة لقمان هو الآيات الأولى من سورة البقرة، قال الأستاذ سعيد حوى إنه قد جاء في مقدمة سورة البقرة قوله تعالى ژ ? ? ? ? ? پپ پپ ? ? ? ? ? ? ژ، يقابل هذا في سورة لقمان ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ژ ، لقد جاء وصف القرآن في سورة لقمان بأنه حكيم، وكونه حكيماً يفيد أنه من عند الله بلا ريب، ويلاحظ أنه في سورة البقرة ورد قوله تعالى ژ ? ? ژ بينما في سورة لقمان قال: لقمان ژ پ پ ? ژ؛ فالقرآن للمتقين هدى، ولكنه للمحسنين هدى ورحمة، وعلى هذا فمن لم يتحقق بمقام الإحسان ( أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)(1)، لا يأخذ حظه الكامل من رحمة الله بهذا القرآن، ويلاحظ أن ژ ? ? ? ژ لم تتعرض لها سورة لقمان، لأن قضية الإيمان تحدثت عنها سورة العنكبوت، ومن قبل سورة آل عمران، ولأن إقامة الصلاة والإنفاق الرمز العملي على الإيمان بالغيب فكان الكلام عنهما كلاماً عنه، ونلاحظ التشابه بين قوله تعالى في سورة البقرة: ژ ? ? ? ? ? ژ، وبين قوله تعالى في سورة لقمان ژ ? ? ? ? ? ? ژ ، مع فارق هو أنه في سورة البقرة ذكر الإنفاق بشكل عام، وههنا ذكر إيتاء الزكاة، مما يدل على أن إيتاء الزكاة ركن الإنفاق، ثم يلاحظ أنه في سورة البقرة قد ورد : ژ ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ژ، إلا أنه في سورة لقمان لم يُذكر هذا ؛ لأن هذا الموضوع تحدثت عنه سورة العنكبوت وسورة آل عمران.
ثم يلاحظ التشابه الكامل بين قوله تعالى في سورة البقرة: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? چ چ چ ژ، وقوله تعالى في خاتمة آيات مقدمة سورة لقمان ژ ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ?? ? ? ? ? ژ ، إذ وردت الألفاظ نفسها(2).
__________
(1) …البخاري، كتاب الإيمان رقم( 50)، وكتاب التفسير رقم( 4777)، ومسلم رقم( 1029).
(2) …حوى، الأساس في التفسير، (8/ 4309 – 4310)، بتصرف.(5/48)
وتابع، الأستاذ سعيد حوى رحمه الله: بعد الآيات الأولى من مقدمة سورة البقرة ورد قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ٹٹ ٹ ٹ ? ? ژ ، والصلة واضحة بين هاتين الآيتين وبين قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ چ چ چ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک کک گ گ گ ژ [ لقمان:6-7]، وفي آيات سورة لقمان زيادة تفصيل حول الطبيعة الكافرة، والسلوك الكافر، والتصرف الكافر. إن الصلة الواضحة بين سورة لقمان ومحورها، هذا مع أن لسورة لقمان سياقها الخاص؛ لقد بدأت سورة لقمان بوصف القرآن بأنه حكيم، ثم تحدثت عمن يهتدي به، ثم تحدثت عن موقف الكافرين من هذا القرآن، وتحدثت عما أعد الله للمؤمنين وما أعد الله للكافرين"(1).
وقد نال قوله تعالى ژ ? ? ? ژ حظاً من التفصيل وخاصة عندما خُتمت السورة بمفاتح الغيب التي هي عند الله(2)، في قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ژ.
ارتباط سورة السجدة مع سورة البقرة
أول البقرة: ژ ? ? ? ? ? پپ پپ ? ? ژ، وأول لقمان: ژ ? ? ? ? ? پ پ ژ، وأول السجدة ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? پ ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ژ .
وفي هذا يقول الأستاذ سعيد حوى: "لاحظ أن كلمة : ژ ? ژ الواردة في آية البقرة وردت في سورة لقمان ولم ترد في سورة السجدة، وأن كلمة : ژ ? پپ پپ ژ وردت في أول السجدة ولم ترد في أول لقمان، وإذن فسورة السجدة تكمل التفصيل للآية الأولى من البقرة: هذه تفصل بشكل أخص في موضوع الاهتداء، وهذه تفصل بشكل أخص في موضوع الريب، ومن مثل هذا ندرك صحة اتجاهنا في فهم الوحدة القرآنية، وفي فهم السياق الخاص لكل سورة، وفي فهم التكامل بين السور "(3).
__________
(1) …حوى، السابق، (8/ 4311)، بتصرف.
(2) …حوى، السابق، ( 8/ 4345- 4346)، بتصرف
(3) …حوى، السابق،( 8/ 4346).(5/49)
فالسورة وبالذات مقدمتها تلاحق الريب والشك، ثم تبين حكمة إنزال القرآن، ثم تمضي السورة تحدثنا عن الله بما يزيدنا معرفة به، وفي ذلك تدليل على أنه لا بد من وحي؛ ومن ثم فلا يستغرب أن ينزل الله هذا القرآن، وفي السورة حديث عن علامة الإيمان الجازم، كما أوردتها آية السجدة، ثم موازنة بين فريق المؤمنين وفريق الكافرين، وما أعد الله لكل منهما(1)، على غرار ما جاء في مقدمة البقرة.
المطلب الثالث
التناسب بين أول المجموعة وآخرها ( البقرة والسجدة)
يبدو أن ما اكتشفه العلماء من تناسب البدء والختام في الآية الواحدة، وكذا بين أول السورة وآخرها، وأيضاً المناسبة بين سور آخر المصحف مع السور الأولى، ينطبق أيضاً في مجموعة(الم).
والسطور الآتية محاولة للتحويم والمقاربة، تتابع المناسبات الظاهرة بين البقرة وهي السورة الأولى في مجموعة(الم) ، والسجدة وهي السورة الأخيرة في المجموعة، ثم تستعرض امتدادات الموضوع في سائر سور المجموعة، مع تعريج في بعض الأحيان على سورتي الأعراف والرعد اللتين تضمنتا ذات الفاتحة بزيادة حرف آخر كل منهما، مع تركيز خاص على فواتح السور وخواتيمها وأسمائها، باعتبار أن ما تتضمنه له أهمية خاصة في المقصود من السور، والمحاور الرئيسة فيها.
لا ريب فيه: فقد جاء في مطلع البقرة أن الكتاب لا ريب فيه، ژ ? ? ? پپ پپ ? ? ? ژ ، وتكرر على شكل التحدي ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ، وفي مطلع السجدة ژ ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ژ . إن الإيمان الجازم بربانية الكتاب وأنه الحق هو المقدمة الأولى للالتزام بهديه، ومن الطبيعي أن يجري التنويه به في المطلع والختام.
__________
(1) …حوى، السابق،( 8/ 4351).(5/50)
وقد تكرر الموضوع كثيراً في القرآن، وبالذات في مجموعة (الم) فمطلع آل عمران ژ ? ? ? ? ژ ، ومطلع الأعراف ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ژ ، ومطلع الرعد ژ ?? ? ? ?پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ، وخاتمتها ژ ? ? ? ? ?پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ? ژ وفي العنكبوت مثال يدل على أن الله تعالى قدر أن لا يكون في القرآن الكريم ولا في أي شيء يتعلق به ما يمكن أن يكون محل ارتياب حتى للمبطلين الذين يأتون بالباطل من القول(1)، ليبطلوا الحق وهم يعلمون أنه حق ژ ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑک ک ک ک گ ژ ، وفي سورة الروم أن الله تعالى قد ضرب للناس في القرآن من كل مثل ثم الذين كفروا كلما جاءهم الرسول بآية اتهموا الرسول وصحبه بأنهم مبطلون، مسقطين ما في نفوسهم على غيرهم، كما يقول المثل العربي: رمتني بدائها وانسلت(2)،ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ، أما سورة لقمان فتفتتح بوصف الكتاب أنه حكيم ما ينفي عنه أي ريب ژ ? ? ? پ پ ژ ثم تأتي في الختام سورة السجدة والتي أكدت تنزيل آيات الكتاب من رب العالمين دون أي ريب.
وقد ذكر الطباطبائي في (الميزان) أن السور المفتتحة بحرف الميم تتضمن نفي الريب عن الكتاب، أو ما هو في معناه(3)، وليس في مكنة الباحث في هذا المقام، أن يعضد هذا القول، أو يعارضه.
الإنذار والهداية: ولئن جاء في مطلع البقرة الحديث عن إنذار الكافرين، فقد عادت سورة السجدة لتؤكد في بدايتها على أن القرآن هو الحق لينذر به النبي- صلى الله عليه وسلم - قوما ما أتاهم من نذير من قبله، رجاء أن يهتدوا، وكانت سورة البقرة حصرت الهداية في المتقين، للتأكيد على أن عدم حصول الاهتداء ليس لمشكلة في الكتاب ولا في حامله ولكن في فريق من المدعوين.
__________
(1) …الطباطبائي، الميزان، (16/142).
(2) …الميداني، مجمع الأمثال، ( 1/367).(5/51)
وقد تضمن مطلع آل عمران كون الكتاب هدى إضافة إلى موضوع الإنذار للكافرين ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? چ چ ژ ، وكذلك الأمر بالنسبة لسورة الأعراف التي ذكرت مقدمتها مهمة الرسول في الإنذار ژ ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ژ ، وفي لقمان أن الكتاب هدى ژ ? ? ? پ پ پ پ ? ? ژ ، وتضمنت مقدمة السورة أمر النبي بإنذار الكفار العذاب الأليم والعذاب المهين ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ چ چ چ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک کک گ گ گ گ ژ ، علما بأن موضوع الإنذار يكاد لا تخلو منه سورة.
الغيب: حيث تضمنت مقدمة سورة البقرة وصف المتقين أنهم يؤمنون بالغيب، وموضوع الآخرة، الذي يعتبر ركناً رئيساً في السورة، مرتبط بالغيب، كما نُبّه الملائكة في قصة آدم، إلى أن الله تعالى يعلم ما لايعلمون، وخُتمت السورة بالحديث عن إيمان الرسول- صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين معه بأركان الإيمان التي هي من صلب الإيمان بالغيب، وسورة السجدة في بداياتها لفتت إلى أن الله تعالى هو عالم الغيب والشهادة: ژ ? ں ں ? ? ? ? ژ، وفي السورة سجود المؤمنين وتسبيحهم بحمد الله، مصداقاً لما أخبر الله ملائكته من أنه يعلم ما لا يعلمون من شأن بني آدم ، ما يعزز ثقة المؤمنين بما أخبرهم سبحانه ووعدهم، ثم تضمنت السورة غيبيات كثيرة وبالذات في شأن الله تعالى وملائكته واليوم الآخر، وختمت بالفتح الأكيد الذي ينكره الكافرون ويصدقه بل وينتظره الرسول والمؤمنون، وفي بداية آل عمران وعيد للذين كفروا أنهم سيغلبون ويحشرون إلى جهنم، وفي آخرها وعد للمؤمنين بالفلاح إذا ما صبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله تعالى، والآية قبل الأخيرة في الرعد ژ ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ژ، وفي آخر العنكبوت وعد للمجاهدين المحسنين بالهداية ومعية الله سبحانه.(5/52)
وفي أول الروم وعد غيبي بغلبة الروم وانتصار المؤمنين، وفي الختام أمر للنبي- صلى الله عليه وسلم - أن يصبر لأن وعد الله حق، وفي آخر لقمان مفاتيح الغيب ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ژ.
التسبيح بالحمد والسجود: جاء في آية السجدة، التي باسمها سُميت السورة: ژ ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ ? ? ? ? ? ? ? ? ں ں ژ، وموضوع التسبيح بالحمد ورد في سورة البقرة في كلام الملائكة وهم يلمحون أنهم أصلح من آدم وبنيه للقيام بأمر الخلافة، حيث توقعوا منهم أن يفسدوا في الأرض ويسفكوا الدماء، وكان الرد الإلهي عليهم أنه يعلم ما لا يعلمون، وإذ تتحدث سورة السجدة أنهم يسبحون بحمد ربهم فذلك يؤكد ما أخبر به تعالى من أنه أعلم بآدم وذريته، وأنه سيكون منهم من يقومون بحق الخلافة التي عنوانها التسبيح بالحمد، وأن الإفساد الذي توقعه الملائكة سببه الاستكبار الذي نفته الآية بعد أن ذكرت أنهم يخرون سجداً وهم لا يستكبرون ، وكأن الربط بين آية السجدة وقصة آدم يفيد أن أساس الصلاح السجود والتسبيح بحمد الله، وأن أصل الشر والفساد هو الاستكبار، سيما وقد ذُكر عن إبليس أنه قد أبى واستكبر وكان من الكافرين.(5/53)
والملاحظ أن موضوع التسبيح والسجود يتكرران في مجموعة( الم) ففي آل عمران يؤمر زكريا عليه السلام أن يسبح بالعشي والإبكار ژ ? ? ? ں ں ? ? ژ، وتطلب الملائكة إلى مريم أن تقنت لربها وتسجد وتركع مع الراكعين ژ ے ? ? ? ? ? ? ? ژ، ويوصف المؤمنون أولو الألباب بأنهم ژ گ ? ? ? ? ? ? ? ? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ژ، وفي آخر الأعراف يؤمر النبي- صلى الله عليه وسلم - أن يذكر ربه بالغدو والآصال، ويقال له بأن الملأ الأعلى لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه ويفردونه بالسجود، لأجل أن يحذو حذوهم ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ، ولا شك أن ختم سورة الأعراف بهاتين الآيتين إبراز لأهمية ما تضمنتاه، سيما وأن قصة آدم التي فيها سجود الملائكة واستكبار إبليس قد جاءت في بدايات السورة، ثم تكرر تحديد أعداء الأنبياء بأنهم ( الملأ) أي أشراف الناس الذين يملأون العيون ما يعني أن سبب كفرهم هو الاستكبار( الآيات: 60، 66، 75، 88، 90)،وكذلك فقد صرحت الآيات باستكبارهم غير مرة( 74، 75،88) ووصفوا أكثر من مرة في السورة بأنهم مفسدون( الآيات: 74،86، 103) ما يعزز الربط بين الاستكبار والإفساد في الأرض.
ويكفي بالنسبة لسورة الرعد القول بأن الآية التي تضمنت اسم السورة قد تحدثت عن تسبيح الرعد بحمده تعالى وكذا تسبيح الملائكة ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ، ثم تحدثت آية تالية عن أن كل من السموات والأرض لله يسجدون طوعاً وكرهاًژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ ژ .
وفي سورة العنكبوت إشارة سريعة إلى الحمد، حيث أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يحمد الله ژ ? ? ? ? ژ ،وفي سورة الروم جاء قوله تعالى ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ژ.(5/54)
وفي لقمان يتكرر الحديث عن الكبر والمستكبرين ژ ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک کک گ گ گ گ ژ ، ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ، وفي السورة أمر بحمد الله الذي هو الغني الحميد ژ ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ژ .
الخلافة والنصر: حتى يتمكن المؤمنون من القيام بأمر الخلافة؛ فإنه لا بد لهم أن ينتصروا على القوم الكافرين، وهذا ما وضحته قصة طالوت في البقرة، والتي كان النصر فيها مقدمة لخلافة داود - صلى الله عليه وسلم - في الأرض: ژ گ گ گ گ ? ? ? ? ? ? ? ? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ےے ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ وبعدها جاء بيان السنة الإلهية في دفع الناس بعضهم ببعض كيلا تفسد الأرض، وفي ختام السورة دعاء المؤمنين المشابه لدعاء جيش طالوت بالنصر على القوم الكافرين ژ ? ? ? ? ? ? ? ژ ، وهو ذات الدعاء الذي ردده الأنبياء والربيون معهم في قتال أعداء الله: ژ ھ ے ے ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [ آل عمران]، ولقد جاء في أول السورة تهديد الكفار ژ ? ? ? ? ? ? چچ چ چ ? ژ [ آل عمران]، وأُمر المؤمنون في ختامها بما يوصلهم إلى النصر والفلاح: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ[ آل عمران] .(5/55)
وفي ختام سورة العنكبوت وعدٌ بهداية الله ومعيته للمجاهدين المحسنين: ژ ? ? ? ? ?? ہ ہ ہ ہ ھ ژ، وآية العنكبوت التي لأجلها سميت السورة تؤكد أن الذين اتخذوا من دون الله أولياء مثلهم في الوهن كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً، وذلك تطمين للمؤمنين من جهة وحرب نفسية وتوهين لأعدائهم، ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک کک ک گ گ گ ژ، وهذا قريب مما جاء في سورة النساء تحريضاً للمؤمنين على قتال الذين كفروا حيث إن وليهم الشيطان ذو الكيد الضعيف، ژ ? ? ? ? ? ?? ? ? چ چ چ چ ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ژ [النساء]، وفي سورة الروم وعد بغلبة الروم على الفرس بعد هزيمتهم، والأهم منه فرح المؤمنين بنصر الله متزامنا مع غلبة الروم الفرس، ژ ھ ے ے ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ?? ? ? ?? ? ? ? ? ? ?? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ژ، وإن الباحث ليرى في السورة نوع تحريض وتهيئة نفسية للمؤمنين لقتال الروم، وإعلاماً لهم أن جيش الروم ليس عصياً على الهزيمة؛ فقد غلبه الفرس عبدة النار، فكيف إذا لقيهم جنود العزيز الجبار؟ ولعل مما يفيده استخدام الفعل المبني للمجهول: ( غُلبت)، وإغفال الفاعل، هو قابلية الهزيمة عند الروم وإمكانية تكرارها أمام المسلمين؛ ذلك أن المبني للمجهول يأتي "ليسلط الضوء ويلفت الانتباه إلي حقيقة الحدث وطبيعته ومدى علاقته وتعلقه بالمفعول الأصلي، فيحقق الغرض الأساسي من إبراز عناصر المشهد ويتيح لها المجال الأكبر لتأدية دورها في قوة ووضوح، دون مزاحمة لفظية أو حضور لغوي لا يتعلق الغرض به"(1) ، واللافت أنها الكلمة الأولى بعد الحروف المقطعة.
__________
(1) …موسى، محمد السيد، الإعجاز البلاغي في استخدام الفعل المبني للمجهول، موقع صيد الفوائدwww.said.net .(5/56)
وربما يؤيد ذلك ما رواه الزبير الكلابي(1) قال: رأيت غلبة فارس الروم، ثم رأيت غلبة الروم فارس، ثم رأيت غلبة المسلمين فارس والروم، كل ذلك في خمس عشرة سنة(2)، فإن الأهم في كل الجولات السابقة هو انتصار المسلمين على الإمبراطوريتين، وفي السورة قوله تعالى ژ ھ ھ ھ ے ے ? ژ .
وقد خُتمت سورة الروم بقوله سبحانه فاصبر إن وعد الله حق ژ ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ژ .
ويلفت النظر أن يرد في سورة الروم الحديث عن ظهور الفساد في الأرض، ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ، ما يشير إلى أن هذا الفساد تقف وراءه الإمبراطورية الرومانية والفارسية، لأن الأرض كان يتحكم فيها الفرس والروم، وتوشكان أن تغرقا العالم(3)، فمن اللازم والضروري أن ينهض المؤمنون بعد تقديرهم لحجم الفساد وقوته ومن يقف وراءه، لإنقاذ العالم كله وهدايته وهو أمر ممكن كما أنه لازم(4)، بإقامة الخلافة التي هي ضد الفساد ونقيضه؛ ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة]، وذاك يعني أنه ينبغي أن يتحرك المؤمنون لمدافعة هذا الفساد، ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة].
__________
(1) …هو الزبير بن عبد الله الكلابي، أدرك الجاهلية، ويقال إنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم -، [ الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد، تجريد أسماء الصحابة،1/188، دن، دط، دت].
(2) …ابن أبي حاتم الرازي، عبد الرحمن بن محمد بن إدريس، تفسير القرآن العظيم، ( 9 /3086)، تحقيق أسعد محمد الطيب، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة-الرياض، ط1،1417هـ - 1997م.
(3) …حامد، التيجاني عبد القادر، أصول الفكر السياسي في القرآن المكي، ( ص166)، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ودار البشير، فرجينيا عمان، ط1، 1416هـ - 1995م.
(4) …حامد، السابق، ( ص 170).(5/57)
ويبدو أن من سنة الله تعالى أنه كلما ظهر الفساد هيأ المؤمنين لقيادة الأرض، كما تفيده آيات سورة القصص، من مجيء وعد الله بالتمكين لقوم موسى وجعلهم أئمة وارثين بعد الحديث عن فرعون وعلوه في الأرض وإفساده فيها، ومجيء ذي القرنين ليوقف إفساد يأجوج ومأجوج، وقد ورد الدعاء في العنكبوت: ژ ? ? ? ? ? ? ? ژ.
وكذلك تحدثت سورة السجدة عن العذاب الأدنى قبيل العذاب الأكبر تهديدا للكافرين وتأكيداً على هزيمتهم، وتأتي خواتيم السورة تعد المؤمنين بالفتح: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ.
ومن لوازم النصر: الولاية الربانية للمؤمنين، كما جاء في خاتمة البقرة ژ ? ? ? ? ? ? ? ژ، وأن من لم يكن الله تعالى وليه فلا ولاية له ولا نصرة، ژ ? ? ? ? ? پپ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ژ [ الأعراف]، ثم التأكيد على غاية الوهن والخذلان وبالتالي الانهزام لمن اتخذوا من دون الله أولياء، ففي سورة العنكبوت: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ ک کک ک گ گ گ ژ وفي الرعد: ژ چ چ ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ژ ژ ڑ ڑ کک ک ک گ گ گ گ ? ? ? ?? ? ? ? ں ں ? ? ? ?? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ژ .
الابتلاء والإمامة
والخلافة تستلزم وجود القادة والأئمة على مستوى الأفراد وعلى مستوى الجماعة، وقد اقتضت حكمته سبحانه أن لا تكون إمامة حتى يكون ابتلاء، ومن أوضح الآيات في ذلك قوله تعالى في سورة البقرة ژ ? ہ ہ ہ ہ ھھ ھ ھ ے ے ?? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ژ ، ومن قبل قوله سبحانه في حق بني إسرائيل ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ژ ، ويلاحظ أن الجار والمجرور( من ربكم) قد توسطا بين الموصوف وصفته ( بلاء) و (عظيم)، لفتاً لبني إسرائيل إلى أن هذا البلاء العظيم، مع كونه على يد فرعون، فإنه من ربهم – بعلمه وإذنه وحكمته - أي فيه معنى التربية والترقية لهم، إعداداً لهم وتهيئة للمهمة المنوطة بهم.(5/58)
وفي قصة طالوت ابتلاء آخر ليظهر الصابرون الذين يكرمهم الله تعالى، بالنصر في المعركة التي توطئ للخلافة ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹٹ ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ چ چچ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ژ ڑڑ ک ک ک ک ژ ، وقصة آدم هي قصة ابتلاء بدءاً من أمر الملائكة بالسجود وما ترتب عليه من سقوط إبليس ثم ابتلاء آدم وزوجه بالشجرة والذي انتهى بتوبة الله عليهما وإسكانهما الأرض في ابتلاء آخر للبشرية إلى يوم القيامة.
والسجدة وهي السورة الأخيرة تحدثت عن جعل بني إسرائيل أئمة لما صبروا وكانوا موقنين بالآيات ژ چ چ چ چ ? ? ?? ? ? ? ? ژ ، ما يعني أن أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - الذين يخرون سجدا عند سماع الآيات هم أيضا على طريق التمكين، ومن جهة أخرى هي دعوة لمحمد وأتباعه إلى الصبر كي يستحقوا الإمامة، وفي آل عمران بشارة بيحيى سيداً وحصوراً وبعيسى وجيهاً ژ ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ، ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ، والسيادة والوجاهة فيهما معنى الإمامة، وقد جاء كلا النبيين بعد ابتلاء شديد لكل من زكريا ومريم على الجميع أفضل الصلاة والتسليم.
ويكاد يكون أبرز محاور سورة العنكبوت من أبرز محاورها الابتلاء، وقد جاء في مقدمتها ژ ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ژ ولئن صرحت العنكبوت بأن الفتنة في الدين سنة إلهية وقد مضت في الذين من قبلهم، فكأنها تشير إلى ما جاء في بداية سورة القصص السابقة لها من تذبيح فرعون لأبناء بني إسرائيل واستحياء نسائهم والذي جاء بعده أن الله تعالى يريد أن يمن على الذين استضعفوا في الأرض ويجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين، ما يعيد إلى الذهن آية السجدة التي تتحدث عن جعل الله سبحانه أئمة في بني إسرائيل لما صبروا.(5/59)
وقد أُمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصبر آخر سورة الروم انتظاراً لوعد الله الحق، ووصى لقمان ابنه وهو يقيم الصلاة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بالصبر على ما أصابه.
ويتصل بموضوع الإمامة موضوع الشفاعة، إذ قد يظن الأبناء أن علو مقام آبائهم يشفع لهم يوم القيامة عند الله سبحانه فيدخلهم الجنة وينجيهم من النار، أو يشفع لهم في الدنيا فيبقيهم أئمة ولو لم يكونوا من أهلها، وقد أكد تعالى لإبراهيم أن عهد الله له ولذريته بالإمامة لا يشمل الظالمين منهم، وتكرر في البقرة تأكيد ذلك: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ ، ژ ک گ گ گ گ ? ? ? ? ? ? ? ? ں ں ? ? ? ? ژ ، وتكرر قوله: چ ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ژ [البقرة:134 و 141] ، وآية الكرسي التي هي أعظم آية في القرآن جاء فيها: ژ ? ? ? ہ ہ ہ ہھ ھ ھ ھ ے ے? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ژ [البقرة: 255]، وتؤكد ذلك سورة السجدة: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ چ چ چ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ژ ژ ، وفي سورة لقمان: ژ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ژ.
لقد أكدت مباحث هذا الفصل تناسب سورة البقرة بل تلاحمها مع كل من الفاتحة التي تسبقها آل عمران التي تليها، والفلق نظيرتها في آخر المصحف، وكذا مع السور المفتتحة ب(الم)، بل ولفتت إلى مركزية السورة الكريمة بالنسبة إلى جميع سور المصحف، وكونها أماً ثانية للقرآن بعد الفاتحة.
وإذا ضممنا هذا الكلام لما سبق ذكره في الفصل الأول من التناسب داخل الآية، والتناسب بين الآيات، فالتناسب داخل السورة الواحدة إلى حد الوحدة العضوية لكل سورة، ومن ثم التناسب بين كل سورة وجارتها من أول القرآن حتى نهايته، فضلاً عن مجموعة من العلاقات المتشابكة بين سور القرآن، فإننا نصل إلى ما قاله بعض العلماء من أن القرآن الكريم مرتبطة أجزاؤه حتى كأنه كلمة واحدة.
الخلاصة والتوصيات(5/60)
وبعد، فقد كانت تلك محاولة متواضعة للكشف عن بعض أوجه التناسب القرآني عامة، والتناسب في سورة البقرة على وجه الخصوص، حيث سعت الدراسة إلى التعريف بسورة البقرة، وعلم المناسبات في القرآن الكريم، وأبرز المشتغلين بهذا العلم، وأجابت عن شبهات المعارضين، ثم عرّفت بجوانب أهمية هذا العلم، وانتقلت إلى أوجه التناسب القرآني وأنواعه، ثم عرضت لأوجه التناسب الداخلية في سورة البقرة، فأوجه التناسب الخارجية للسورة الكريمة مع غيرها.
الخلاصة:
وقد خلصت هذه الدراسة إلى النقاط الآتية:
أن فكرة التناسب القرآني قديمة قدم القرآن نفسه، ولطالما لفت النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلمين إلى التعامل مع القرآن الكريم باعتباره وحدة واحدة، وتنبه الصحابة ومَن بعدهم إلى أهمية السياق في التوصل إلى الفهم الصحيح للنص القرآني؛ والمعاني الإضافية التي يفيدها ترتيب آي القرآن وسوره، وانطلقوا في تفسيراتهم وتأويلاتهم منها، ولعل ضعف السليقة العربية في العصور التالية من جهة، وتركيز الكثيرين على التفصيلات والتفريعات النحوية والفقهية وغيرهما، مما أدى إلى غياب النظرة الكلية لآيات القرآن الكريم وسوره.
بعدما رصد البحث تطور فكرة المناسبة من الشعور بوجودها والتمثيل لها والاستدلال عليها، وما رافق ذلك من جدل أو معارضة، أو قلة اكتراث وتفاعل، فقد خلص إلى أن جل المعارضين لا يعارضون مبدأ التناسب، وإنما يعارضون ما يرونه تكلفاً، وأنّ تراوح المناسبات بين الوضوح والغموض، قد ساهم في ذلك، وأنّ الحديث عن التناسب لم يكن دائماً ينطلق من منهجية علمية مبنية على العلوم اللغوية وغيرها.
أن في تفسير الطبري كثيراً من الوقفات في الربط بين أجزاء السورة من خلال أدوات الربط وعلى رأسها حروف العطف، أو من خلال ما أسماه الكلام المحذوف الذي ترك لظهوره، وإن لم يستخدم مصطلح التناسب أو مرادفاته.(5/61)
أن الفخر الرازي هو أبرز من فتح الباب واسعاً لفهم النظم القرآني، ولم يقارب جهوده أحد حتى جاء البقاعي واستوعب ما قيل قبله، وكان عمله في نظم الدرر هو الأوسع والأشمل؛ حيث تحدث عن النظم بدءاً من أجزاء الآية الواحدة وصولاً إلى الحديث عن التناسب في القرآن الكريم جميعه بوصفه كتاباً واحداً، مروراً بالتناسب بين الآيات ثم التناسب بين أجزاء السورة، فالتناسب بين السور.
أكدت الدراسة توقيفية ترتيب آيات القرآن الكريم وسوره، بعدما كانت انطلقت منها ابتداء.
عزز البحث حقيقة الوحدة الموضوعية في سورة البقرة، من خلال تناسب خاتمتها مع بدايتها، واسمها مع محورها، والتناسب في قصصها، وكذا تناسب فواصلها، وتميزها بمفردات خاصة بها.
أن الموضوع الرئيس لسورة البقرة هو كتاب التكليف بالخلافة، وهو الأمر الذي أُسكن لأجله آدم - صلى الله عليه وسلم - وبنوه الأرض، وهو ضمن الوسع، وقد حمل الراية زمناً إبراهيم عليه السلام والصالحون من ذريته من نسل إسحق ويعقوب عليهم السلام ، ثم توقفت الإمامة فيهم، بل ولم يعودوا يصلحون لمجرد الطاعة والاتباع لمحمد- صلى الله عليه وسلم -، وقصة البقرة تدل على ذلك، وتدل على البعث الذي فيه يحاسب الناس على قيامهم بالتكليف أو تقصيرهم فيه، والإيمان بل الإيقان به مهم جداً للقيام بحق الخلافة.
عزز البحث ما ذكره العلماء من التناسب بين سورة البقرة وكل من سورة الفاتحة، وآل عمران، والفلق، ومجموعة ( الم)، بل وسائر السور القرآنية، وبالتالي مركزية السورة بالنسبة لباقي المصحف؛ كونها في أوله وكونها بعد الفاتحة، ما يؤكد اعتبارها أماً ثانية للقرآن الكريم بعد الفاتحة.(5/62)
عزز البحث فكرة الوحدة القرآنية، وما كان كرره السابقون من أن القرآن كالكلمة الواحدة؛ ذلك أن مقتضى وجود المناسبة بين كل سورة والتي تليها يؤدي إلى الاتصال القرآني من أوله إلى آخره، فضلاً عما سبق ذكره من الاتصال بين سورة البقرة ومجموعة( الم)، والتناسب بين سور المسبحات والطواسين والحواميم وغيرها، وكذلك مركزية سورة البقرة لما بعدها من السور الكريمة حتى نهاية المصحف.
التوصيات:
يرى الباحث أن ما أورده الإمام الرازي عن المناسبة يستحق الإفراد بالبحث والدراسة، ويحتمل أن تُكتب فيه الرسائل الجامعية، بل إن (تناسق الدرر) للسيوطي، على صغر حجمه، جدير بأن يستخلص منه نظريته في المناسبة.
وتفسير البقاعي مع تعدد الدراسات حوله، فإنه لم يُقرأ بعد، ويتسع للمزيد، وكذلك فإن نظرية سعيد حوى في الوحدة القرآنية ومركزية سورة البقرة، تستحق النظر والدراسة.
ويرى الباحث كذلك أن في كتب التفسير - حتى تلك التي لم تتخصص في المناسبة - الكثير من الدرر المنثورة أو المنظومة، في موضوع التناسب، ما يستدعى إطالة النظر وكثرة المطالعة فيها، وعلى رأس هذه الكتب تفسير الطبري.
يرى الباحث أن هناك عدداً من القضايا والعناوين الفرعية في هذه الرسالة تستحق أن تفرد برسائل مستقلة؛ وعلى رأسها ارتباط أسماء السور بمحاورها الرئيسة، وكذا أوائل السور وأواخرها، وفواصلها، ومجموعات السور ذات الفواتح المتشابهة، مع التأكيد على أن ما أورده الباحث عن فواصل البقرة، أو ارتباط السور المفتتحة ب(الم)، لا يعدو كونه تحويمات ومقاربات بحاجة إلى المزيد من البحث والتحقيق.(5/63)
يرى الباحث أن هذه الأطروحة، شأنها شأن الكثير من الدراسات حول التناسب القرآني والوحدة الموضوعية في سوره، لم تفد على الوجه الأكمل، من التراث البلاغي والنقدي العربي، ولا من البحوث اللغوية المعاصرة، وبضمنها علم اللغة النصي، وتحليل الخطاب، وغيرها، وقد تنبه الباحث متأخراً إلى أهمية اعتماد تلك المناهج التحليلية، ما يعني ضرورة الالتفات إلى هذا الجانب، مع تجنب التكلف في التحليل، أو المقايسة الآلية والرياضية الجافة.
هذا ولا يدعي الباحث أنه قد وفى الموضوع حقه من البحث والدراسة، وإذا كان قد قصر في شيء منه أو عجز عن الوفاء بما يستوجبه من الاستقراء والتحليل، أو التحقيق والتمحيص؛ فعذره أنه قد بذل غاية ما يستطيع في التقصي والاسترشاد، وأن الطريق الذي نهج لم يكن في كل مسالكه مطروقاً، ولم يكن يجد دائما من يأتم به في سيره، فضلاً عن أن القرآن الكريم لا تنقضي عجائبه ولا يزال يتفجر عن بحار من المعاني، تفنى الأعمار عن متابعتها، بله تضمينها للدراسة.
والله أسأل أن ينفع بهذا العمل كاتبه وقارئه وكل من كان له فيه سهم، آمين.
المسارد والفهارس
مسرد الأحاديث النبوية الشريفة
مسرد الأعلام
المصادر والمراجع
1) مسرد الأحاديث النبوية الشريفة
الرقم ... الحديث الشريف ... صفحة الورود
1 ... اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ... ... 3
2 ... إنَّ لكلِّ شيءٍ سناماً، وسنامُ القرآنِ سورةُ البقرةِ... ... 4، 9
3 ... لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى... ... 6، 174
4 ... يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمُهُ .. ... 9
5 ... يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟... ... 9(5/64)
6 ... بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ... ... 9
7 ... الآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَنْ قَرَأَهُمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ... ... 9
8 ... لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ... ... 10
9 ... يا عباس! ناد قل: يا أصحاب السمرة،يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ... ... 10
10 ... استعملني رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وأنا أصغرُ الستةِ الذينَ وفدوا عليهِ من ثقيفٍ.. ... 10
11 ... لما نزلت هذه الآية شق ذلك على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقالوا: وأينا لم يظلم نفسه؟ ... 15
12 ... يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج ... 48
13 ... كنتُ خلفَ رسولِ اللهِ يوماً ، فقالَ : يا غلامُ ، ألا أُعلمكَ كلماتٍ: احفظِ اللهَ يحفظكَ ... 49
14 ... مَنْ حَفظَ عَشرَ آياتٍ مِنْ أَوّلِ سُورةِ الكَهفِ عُصمَ مِنَ الدجّال ... 75
15 ... رأيت في رؤياي أني هززت سيفاً فانقطع صدره ، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد ... 126
16 ... إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، ... 127
17 ... إنما تأولون هذه الآية هكذا أن حمل رجل يقاتل يلتمس الشهادة ، أو يبلي من نفسه ؛ إنما نزلت فينا معشر الأنصار ... 128
18 ... قسمت الصلاة بين وبين عبدي ولعبدي ما سأل ... 173
19 ... كيف يقدس الله أمة لا يأخذ ضعيفها حقه من قويها ... 176
20 ... أنا سيّدُ ولدِ آدمَ يومَ القيامةِ ولا فخرَ ، وبيدي لواءُ الحمدُ ... 176
21 ... كنا أصحاب محمد نتحدث أن أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت ، الذين جاوزوا معه النهر ... 196
22 ... إني لفي الصف يوم بدر إذ التفتّ فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن ... 196(5/65)
23 ... أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ... 182
24 ... أُعطيت مكان التوراة ... 201
25 ... خير يوم طلعت فيه الشمس ... 176
2) مسرد الأعلام
الرقم ... العَلَم ... أرقام الصفحات
أبي بن كعب ... 9
أحمد بن عبد الحليم الحراني الدمشقي، ابن تيمية ... 15، 44، 63، 68
أبو إسحق الشاطبي ... 18
أسلم بن يزيد ... 126
أبو الأعلى المودودي ... 121
أبو أمامة الباهلي ... 3
امرؤ القيس ... 71
أبو أيوب الأنصاري ... 126
بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي ... 5، 17، 21، 22، 36، 37، 45، 105 ،137، 138،
برهان الدين البقاعي ... س، ش، ض، ط، 13، 17، 22، 28، 29، 30، 32، 38، 42، 45، 65، 72، 77، 99، 103، 106، 111، 132، 164، 175، 186، 190، 198، 219، 220
أبو بكر السخاوي ... 30
أبو بكر بن العربي المالكي ... 32
أبو بكر النيسابوري ... 16، 43
بلاشير ... 51
جار الله محمود بن عمر الزمخشري ... 20، 57، 70
أبو جعفر بن الزبير ... 21
أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ... 16، 18، 40، 61، 62، 96، 221
جلال الدين السيوطي ... ص، 3، 5 ،7،17،22، 32، 33،36، 102، 103، 105، 168، 170، 178، 179، 197، 198
أبو الحسن الماوردي ... 121
الحسين بن مسعود الفراء البغوي ... 7
حميد الدين عبد الحميد الأنصاري الفراهي ... 13، 23، 25، 34، 40، 42، 44، 65
أبو حيان الأندلسي ... 56، 57
خالد بن معدان ... 4
الزبير الكلابي ... 214
سعيد حوى ... 25، 42، 50، 65، 197، 198، 199، 200، 201، 202،204، 207، 208، 221
سيد قطب ... 24، 33، 45، 65، 86،105، 134،
عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ... 126
عبد القاهر الجرجاني ... 14، 19، 20
عبد الكريم الخطيب ... 72
عبد الله بن مسعود ... 4
عبد الملك بن قريب الأصمعي ... 58
عثمان بن أبي العاص الثقفي ... 10
عز الدين بن عبد السلام ... 27، 29، 30، 35
أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني ... 5، 8(5/66)
الفخر الرازي ... 20، 21، 42، 43، 77، 87، 88، 95، 101، 106، 219
أبو الفداء إسماعيل بن كثير ... 81، 112
ابن القيم ... 68، 121، 122، 200
كثير بن عباس بن عبد المطلب ... 10
كعب بن زهير ... 71
كمال الدين الزملكاني ... 17
محمد البهي ... 73
محمد أبو زهرة ... 59
محمد عبد الله دراز ... 23، 24، 40، 41، 160،
محمد بن علي الشوكاني ... 27، 28، 29، 30، 39 41، 42،61، 77، 87
محمد بن غانم ... 39
محمود البستاني ... 26
محمود بن حمزة الكرماني ... 83
محمود شلتوت ... 81
أبو مسعود البدري الأنصاري ... 9
مصطفى صادق الرافعي ... 35
نظام الدين الحسن بن محمد القمي النيسابوري ... 66، 76
النواس بن سمعان العامري ... 9
نولدكه ... 51
ولي الله الملوي المنفلوطي ... 17
أبو هريرة، عبد الرحمن بن صخر الدوسي ... 10
3) قائمة المصادر والمراجع
أولاً: المصادر المطبوعة
القرآن الكريم.
ابن الأثير، ضياء الدين نصر الله بن أبي الكرم الجزري، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، حققه وعلق عليه كامل محمد عويضة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1419هـ - 1998م.
ابن الأثير، عز الدين الجزري، أسد الغابة في معرفة الصحابة، تحقيق خليل شيحا، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1418هـ - 1997م.
ابن الأثير، عز الدين، اللباب في تهذيب الأنساب، دار صادر، بيروت، ط3، 1994م.
الأدنروي، أحمد بن محمد، طبقات المفسرين، تحقيق: سليمان بن صالح الخزي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1417هـ - 1977م.
الإفريقي، ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين بن محمد، لسان العرب، دار صادر، بيروت ط1، 1300هـ.
الألباني، محمد ناصر الدين، صحيح "الجامع الصغير وزيادته"، المكتب الإسلامي، بيروت، ط3، 1408هـ - 1988م.
الألباني، محمد ناصر الدين، سلسلة الأحاديث الصحيحة، مكتبة المعارف، الرياض، 1415هـ - 1995م.(5/67)
الألوسي، شهاب الدين السيد محمود، روح المعاني، في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني،دار الفكر، بيروت، دط، 1414هـ - 1994م.
الأندلسي، ابن عجيبة، أبو العباس أحمد بن محمد بن المهدي، البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، تحقيق عمر أحمد الراوي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1423هـ - 2002م.
أنيس، إبراهيم، وآخرون، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، القاهرة، ط2، 1972م.
باجودة، حسن محمد، تأملات في سورة البقرة، مكتبة مصر، د. ط،1992م.
بازمول، محمد بن عمر،علم المناسبات بين السور والآيات، ويليه: مراصد المطالع في تناسب المقاطع والمطالع للسيوطي، المكتبة المكية، مكة المكرمة، ط1، 1423هـ - 2002م.
البخاري، محمد بن إسماعيل، الجامع الصحيح، بيت الأفكار الدولية، الرياض، د.ط، 1419هـ - 1998م.
بدوي، أحمد أحمد، من بلاغة القرآن، دار نهضة مصر،القاهرة، ط 3، 1370هـ - 1950م.
البستاني، محمود، التفسير البنائي www.u-of-islam.net.
البسومي، باسم، معجم الفرائد القرآنية، مركز نون للأبحاث والدراسات القرآنية، ط1، 1422هـ - 2001م .
ابن بشكوال، الصلة، تحقيق إبراهيم الأبياري، دار الكتاب المصري، ودار الكتاب اللبناني، القاهرة وبيروت، دت، دط.
البغوي، الحسين بن مسعود،(436- 516هـ)، شرح السنة، تحقيق زهير الشاويش وشعيب الأرناؤوط، المكتب الإسلامي، بيروت، ط 3، 1403هـ - 1983م.
البقاعي، برهان الدين، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، دار الكتب العلمية، لبنان، ط1، 1995م..
البهي، محمد، تفسير سورة الأنعام، دار الفكر، بيروت، لبنان، ط1، 1394هـ - 1974.
البيضاوي، ناصر الدين عبد الله بن عمر، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1408هـ - 1988م.
البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين، دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشرعة، تحقيق عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1405هـ- 1985م.(5/68)
البيهقي، شعب الإيمان، تحقيق أبي هاجر محمد السعيد، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410هـ - 1990م.
البيومي، محمد رجب، البيان القرآني، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، ط1، 1421هـ - 2001م.
الترمذي، محمد بن عيسى، سنن الترمذي، بتحقيق وشرح أحمد شاكر، دار الحديث، القاهرة، ط1، 1356هـ - 1937م.
التوبة، غازي، أبو الأعلى المودودي، فكره ومنهجه في التغيير، دار البشير، عمان، ط1، 1417هـ - 1996م.
ابن تيمية، تقي الدين أحمد، مجموعة الفتاوى، دار الوفاء بالمنصورة، ومكتبة العبيكان بالرياض، ط1، 1418هـ - 1997م.
ابن تيمية، مقدمة في أصول التفسير، تحقيق عصام الحرستاني، ومحمد شكور، دار عمار، عمان، ط1، 1418هـ - 1997م.
الجابري، محمد عابد، مدخل إلى القرآن الكريم، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 2006م، بتصرف.
الجرجاني، عبد القاهر بن عبد الرحمن، دلائل الإعجاز، مطبعة المدني بالقاهرة، ودار المدني بجدة، قرأه وعلق عليه: محمود محمد شاكر، ط3، 1413 هـ - 1992 م.
جرار، بسام نهاد، إعجاز الرقم 19 في القرآن الكريم، المؤسسة الإسلامية، بيروت، ط2، 1414هـ - 1994م.
الجرمي، إبراهيم، معجم علوم القرآن، دار القلم، دمشق، ط1، 1422هـ - 2001م.
الحارثي، عبد الوهاب أبو صفية، دلالة السياق: منهج مأمون لتفسير القرآن الكريم، عمان، د.ن، ط1، 1409هـ - 1989م.
الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، دار المعرفة، بيروت، ط 4، 1406هـ- 1986م.
حامد، التيجاني عبد القادر، أصول الفكر السياسي في القرآن المكي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ودار البشير، فرجينيا وعمان، ط1، 1416هـ - 1995م.
الحسناوي، محمد، الفاصلة في القرآن، دار عمار، عمان، ط2، 1421هـ - 2000م.
الحسيني، أبو الفضل عبد الله محمد الصديق الغماري: جواهر البيان في تناسب سور القرآن، عالم الكتب، بيروت، 1406هـ - 1986م.(5/69)
الحنبلي، ابن عادل، اللباب في علوم الكتاب، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، وعلي محمد معوض، دار الكتب العلمية بيروت، ط 1، 1419هـ - 1998م.
الحنبلي، ابن العماد، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، دار الفكر، بيروت، د.ط، 1409هـ - 1988م.
الحفني، عبد المنعم، موسوعة القرآن العظيم، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، 2004م.
حوى، سعيد، الأساس في التفسير، دار السلام، مصر، ط2، 1409هـ - 1989م.
حوى، سعيد، هذه تجربتي وهذه شهادتي، مكتبة وهبة، مصر، ط1، 1407 هـ - 1987 م.
أبو حيان الأندلسي، محمد بن يوسف،( 654- 745هـ)، البحر المحيط في التفسير، دار الفكر، بيروت، 1413هـ - 1992م.
خالد، عمرو، خواطر قرآنية، نظرات في أهداف سور القرآن، الدار العربية للعلوم، بيروت، لبنان، ط1، 1425هـ - 2004م.
الخالدي، صلاح عبد الفتاح، التفسير الموضوعي، بين النظرية والتطبيق، دار النفائس، عمان، ط1، 1418هـ - 1997م.
الخالدي، صلاح، سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد، دار القلم، دمشق، والدار الشامية، بيروت، ط 1، 1411هـ - 1991م.
الخالدي، صلاح، القصص القرآني: عرض وقائع وتحليل أحداث، دار القلم، دمشق، ط1، 1419هـ - 1998م.
الخالدي، صلاح عبد الفتاح، مدخل إلى ظلال القرآن، دار المنارة، جدة، ط1، 1406هـ - 1986م.
الخضري، محمد الأمين، من أسرار المغايرة في نسق الفاصلة القرآنية، د.ن، د.ط، القاهرة، 1414هـ - 1994م، القاهرة.
الخطيب، عبد الكريم، التفسير القرآني للقرآن، دار الفكر العربي، القاهرة، د ط، 1970م.
الخطيب، محمد بن كمال، ابن شهيد ميسلون، نظرة العجلان في أغراض القرآن، المطبعة العصرية، دمشق، 1365هـ.
الدارمي، الحافظ أبو محمد بن عبد الله، السنن، تحقيق فواز زمولي، وخالد العلمي، دار الريان للتراث بالقاهرة، ودار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1407هـ - 1987م.(5/70)
الداني، أبو عمرو( 371- 444هـ)، البيان في عد آي القرآن، تحقيق الدكتور غانم قدوري حمد، منشورات مركز المخطوطات والتراث والوثائق، الكويت، ط1، 1414هـ - 1994م.
الداودي، الحافظ شمس الدين محمد بن علي، طبقات المفسرين، تحقيق: علي أحمد عمر، مكتبة وهبة ، القاهرة، ط 2، 1415هـ - 1994م.
دراز، محمد عبد الله ( ت 1958م)، النبأ العظيم، دار القلم، الكويت، ط2، 1390هـ - 1970م.
الدغامين، زياد، منهجية البحث في التفسير الموضوعي للقرآن الكريم، دار البشير، عمّان، ط 1، 1416هـ - 1995م.
الذهبي، محمد حسين، التفسير والمفسرون، دار الكتب الحديثة، القاهرة، ط2، 1396هـ- 1976م .
الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء، حقق بإشراف، شعيب الأرناؤوط وأكرم البوشي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1990م.
الذهبي، تجريد أسماء الصحابة، دن، دت، دط. عن/المكتبة الوقفية، www.waqfeya.com.
الرازي، ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد، تفسير القرآن العظيم، تحقيق أسعد محمد الطيب، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة-الرياض، ط1،1417هـ - 1997م.
الرازي، محمد ابن أبي بكر، مختار الصحاح، دار عمار، عمان، ط1، 1417هـ- 1996م.
الرازي، الفخر محمد بن عمر بن الحسين، الشافعي ،( 544- 606هـ)، التفسير الكبير، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 2، 1417هـ - 1997م.
الراشد، محمد أحمد، منهجية التربية الدعوية، دار المحراب، كندا، ط1، 1422هـ - 2002م.
الراغب الأصفهاني، معجم مفردات ألفاظ القرآن، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت،1418هـ - 1997م.
الرافعي، مصطفى صادق، إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، ط7،1381هـ - 1961.
رضا، محمد رشيد، تفسير القرآن الحكيم،الشهير بتفسير المنار، دار المعرفة، بيروت، 1414هـ - 1993م.
الزبيدي، محمد مرتضى الحسيني، تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق علي شيري، دار الفكر، بيروت، د. ط، 1414هـ - 1994م.(5/71)
ابن الزبير، أبو جعفر، ملاك التأويل، تحقيق محمود كامل أحمد، دار النهضة العربية، بيروت، د.ط، 1405هـ - 1985م.
الزركشي، محمد بن بهادر، البرهان في علوم القرآن، تخريج وتعليق مصطفى عبد القادر عطا، دار الفكر، لبنان، ط1، 1988م.
الزركلي، خير الدين، الأعلام، دار العلم للملايين، بيروت، ط7، 1986م.
الزجاج، أبو إسحق إبراهيم بن السري( ت211هـ)، معاني القرآن وإعرابه، تحقيق عبد الجليل شلبي، دار الحديث، القاهرة، ط1، 1414هـ - 1994م.
الزمخشري، محمود بن عمر،( 476- 538هـ)، تفسير الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1415هـ - 1995م.
أبو زهرة، محمد، أصول الفقه، دار الفكر العربي، بيروت، د .ط، د.ت.
أبو زهرة، زهرة التفاسير، دار الفكر العربي، مصر، د .ط، د.ت.
أبو زيد، أحمد، التناسب البياني في القرآن، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، جامعة محمد الخامس، سلسلة رسائل وأطروحات، رقم 19، المملكة المغربية، 1990م.
السامرائي، فاضل صالح، التعبير القرآني، دار عمار، عمان، الأردن، ط1، 1418هـ - 1998م.
سبحاني، محمد عناية الله أسد، إمعان النظر في نظام الآي والسور، دار عمار، عمّان، ط1، 1424هـ - 2003م.
سبحاني، البرهان في نظام القرآن، في الفاتحة والبقرة وآل عمران، دار عمار، عمان، ط1، 1426هـ - 2005م.
السخاوي، محمد بن عبد الرحمن، (831 - 902 هـ)، الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1422هـ - 2002م.
أبو السعود، إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1419هـ - 1999م.
سعيد، محمد رأفت، سورة لقمان بين كلمة التنزيل وتناسب الترتيب، دار المنار، القاهرة، د.ط، 1412هـ - 1992م.
السمين الحلبي، عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ، تحقيق محمد التونجي، عالم الكتب، بيروت، ط1، 1414هـ - 1993م.(5/72)
السهيلي، عبد الرحمن بن عبد الله الأندلسي، الروض الأنف، مكتبة الكليات الأزهرية، 1971م.
السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن، الإتقان في علوم القرآن، دار الكتب العلمية، بيروت، ط3، 1415هـ - 1995م.
السيوطي، جلال الدين، تناسق الدرر في تناسب السور، تحقيق: عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1406هـ - 1986م.
السيوطي، جلال الدين، طبقات المفسرين، تحقيق: علي محمد عمر، مكتبة وهبة، القاهرة، ط 1، 1396هـ - 1976م.
السيوطي، معترك الأقران في إعجاز القرآن، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1408هـ - 1988م.
الشاطبي، إبراهيم اللخمي،( 790هـ)، الاعتصام، دار الرحمة، مصر، ط1، 1408هـ - 1988م.
الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، شرحه وخرج أحاديثه عبد الله دراز، ووضع تراجمه، محمد عبد الله دراز، دار الكتب العلمية، بيروت، 1991م.
الشعراوي، محمد متولي، تفسير الشعراوي، دار أخبار اليوم، مصر،1991م، د. ط.
شلتوت، محمود، تفسير القرآن الكريم، الأجزاء العشرة الأولى، دار الشروق، القاهرة وبيروت، ط 7، 1399هـ - 1979.
الشوكاني، محمد بن علي، البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، تحقيق حسين بن عبد الله العمري، دار الفكر، دمشق، ط1، 1419هـ - 1998م.
الشوكاني، محمد بن علي، فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، مختصراً، تحقيق: عبد الرحمن عميرة، دار الوفاء، المنصورة، ط 2، 1418هـ - 1997م.
الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ط 1، 1417هـ - 1997م.
الطباع، إياد خالد، الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي، دار القلم، دمشق، ط 1، 1417هـ - 1996م.
الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد، المعجم الكبير، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، ط2، الزهراء الحديثة بالموصل، 1405هـ - 1984م.
الطبري، أبو جعفر، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ( 224- 310هـ) دار الفكر، بيروت، 1415هـ - 1995م.(5/73)
الطراونة، سليمان، دراسة نصية أدبية في القصة القرآنية، د.ن، ط1، عمان، 1413هـ - 1992م.
ابن عاشور، محمد الطاهر، تفسير التحرير والتنوير، دار سحنون، تونس، د.ط، 1997م.
عباس، فضل حسن، إتقان البرهان في علوم القرآن، دار الفرقان، عمان، ط1، 1418هـ - 1997م.
عباس، فضل، وعباس، سناء فضل، إعجاز القرآن الكريم، دار الفرقان، عمان، 1991م.
عباس، فضل حسن، البلاغة فنونها وأفنانها/ علم البيان، دار الفرقان، عمان، ط2، 1996م.…
عباس، فضل حسن، خماسيات مختارة في تهذيب النفس الأمارة، دار الفرقان، عمان، ط2، 1418هـ - 1997م.
عباس، فضل حسن، القصص القرآني إيحاؤه ونفحاته، دار الفرقان، عمان، ط1، 1985م.
عبد الباقي، محمد فؤاد، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، دار الجيل – بيروت، د. ط، د.ت.
ابن عبد السلام، عبد العزيز، الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز، وبذيله: "نبذ من مقاصد القرآن الكريم"، تحقيق محمد حسن، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1416هـ - 1995م.
أبو عبيد القاسم بن سلام، فضائل القرآن، تحقيق وهبي سليمان غاوجي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1411هـ - 1991م.
ابن عساكر، علي بن الحسن الشافعي، تاريخ مدينة دمشق، تحقيق عمر العمروي، دار الفكر، بيروت، د.ط، 1415هـ - 1995م.
العسقلاني، أحمد بن حجر، الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1418هـ - 1997م.
العسقلاني، ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415هـ - 1995م.
العسقلاني، ابن حجر (ت852هـ)، إنباء الغُمُر بأبناء العمر في التاريخ، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1406هـ - 1986م.
العسقلاني، ابن حجر، تهذيب التهذيب، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1416هـ - 1996م.
العسقلاني، ابن حجر، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ( 773-852هـ)، دار الفكر، بيروت، د. ط، د.ت.(5/74)
العظم، يوسف، رائد الفكر الإسلامي، الشهيد سيد قطب، دار القلم، دمشق، ط1، 1400هـ - 1980م.
عكاوي، د. إنعام، المعجم المفصل في علوم البلاغة، دار الكتب العلمية، ط1، 1992م.
العلمي، عبد الله، مؤتمر تفسير سورة يوسف، دار الفكر العربي، بيروت، ط2، 1969م.
علي، جواد، تاريخ العرب قبل الأسلام، بيروت، 1976م.
العلي، إبراهيم محمد، صحيح أسباب النزول، دار القلم، دمشق، ط1، 2003م.
العمري، أكرم ضياء، السيرة النبوية الصحيحة، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، ط5، 1413هـ - 1993م.…
ابن فارس، أبو الحسن أحمد بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، تحقيق شهاب الدين أبو عمرو، ط1، دار الفكر، بيروت، 1415هـ - 1994م.
فاندايك والبستاني، ترجمة منقحة، الكتاب المقدس، منشورات نداء الرجاء، شتوتغارت، ألمانيا، 1991م.
الفراهي، عبد الحميد، التكميل في أصول التأويل، الدائرة الحميدية ومكتبتها، الهند.
الفراهي، عبد الحميد، دلائل النظام، الدائرة الحميدية ومكتبتها، الهند، 1388هـ.
فروخ، عمر، تاريخ الأدب العربي، دار العلم للملايين، بيروت، ط4، 1984م.
الفقي، صبحي إبراهيم، علم اللغة النصي، دار قباء، القاهرة، د.ط، 2000م.
القاسم، محمد أحمد يوسف، الإعجاز البياني في ترتيب آيات القرآن وسوره، دار الطبوعات الدولية، مصر، ط 1، 1399هـ - 1979م.
القاسمي، محمد جمال الدين، محاسن التأويل، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1418هـ - 1997م.
ابن قتيبة، أبو محمد مسلم، تأويل مشكل القرآن، المكتبة العلمية، بيروت، ط2، 1981م.
القرطبي، محمد بن أحمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن، دار الفكر، لبنان، د ط، 1415هـ - 1995م.
القشيري، مسلم بن الحجاج، الصحيح، بيت الأفكار الدولية، الرياض، د.ط، 1419هـ - 1998م.
قطب، سيد، (1906-1966م)، التصوير الفني في القرآن، دار الشروق، القاهرة و بيروت، ط8، 1403هـ - 1983م.
قطب، سيد، في ظلال القرآن، دار الشروق، القاهرة/بيروت، ط26، 1418/1997م.(5/75)
قطب، محمد، دراسات قرآنية، دار الشروق، القاهرة ط 7، 1993م.
القنوجي، أبو الطيب صديق بن حسن، فتح البيان في مقاصد القرآن، المكتبة العصرية، بيروت، ط2، 1415هـ - 1995م.
القيرواني، ابن رشيق، العمدة، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت، ط5، 1981م.
ابن القيم، محمد بن أبي بكر الدمشقي، بدائع الفوائد، دار الكتاب العربي، بيروت، دط، دت.
ابن القيم، التبيان في أقسام القرآن، مؤسسة الرسالة، ط1، 1414هـ - 1994م.
ابن القيم، زاد المعاد في هدي خير العباد، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د ط، دت.
ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل، البداية والنهاية، مكتبة المعارف، بيروت، ط1، 1966م.
ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، دار المعرفة، بيروت، 1388هـ - 1969م.
الكرماني، محمود بن حمزة، البرهان في توجيه متشابه القرآن( أسرار التكرار في القرآن، كما سماه المحقق)، تحقيق عبد القادر أحمد عطا، دار الفضيلة، القاهرة، دط، دت.
ابن ماجة، أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، سنن ابن ماجة، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د ط، 1395هـ - 1975م.
الماوردي، علي بن محمد، ( ت450هـ) النكت والعيون، دار الكتب العلمية، بيروت،د ت، د ط.
آل مبارك، فيصل بن عبد العزيز، توفيق الرحمن في دروس القرآن، حققه عبد العزيز آل حمد، دار العليان ودار العاصمة، السعودية، ط1، 1416هـ - 1996م.
المباركفوري، أبو العلي محمد بن عبد الرحمن، تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، المكتبة السلفية، المدينة المنورة، ط2، 1406هـ - 1986م.
محمد، يسري السيد، بدائع التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن قيم الجوزية، دار ابن الجوزي، الدمام، ط1، 1414هـ - 1993م.
مراد، يحيى، معجم أسماء المستشرقين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1425هـ - 2004م.
المرسي، كمال الدين عبد الغني، فواصل الآيات القرآنية، المكتب الجامعي الحديث – الإسكندرية، ط 1، 1420هـ - 1999م.(5/76)
مُسلِِم، مصطفى، مباحث في التفسير الموضوعي، دار القلم، دمشق، ط1، 1410هـ - 1989م.
المصري، ابن أبي الإصبع، تحرير التحبير، تحقيق حفني محمد شرف، منشورات لجنة إحياء التراث الإسلامي، وزارة الأوقاف، القاهرة، د.ط، 1416هـ - 1995م.
مطلوب، أحمد، معجم المصطلحات البلاغية وتطورها، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، ط2، 1996م.
مغنية، محمد جواد، التفسير الكاشف، دار العلم للملايين، بيروت، ط3، 1981م.
المكي، ابن عقيلة، الزيادة والإحسان في علوم القرآن، مجموعة رسائل جامعية، بإشراف مركز بحوث جامعة الشارقة، سلسلة النشر العلمي، رقم( 38)، الشارقة، ط1، 1427هـ - 2006م.
المودودي، أبو الأعلى، تفهيم القرآن، " الجزء الأول"، تعريب أحمد يونس، دار القلم، الكويت، ط1، 1398هـ - 1978م.
موسى، محمد السيد، الإعجاز البلاغي في استخدام الفعل المبني للمجهول، موقع صيد الفوائد.
أبو موسى، محمد محمد، البلاغة القرآنية في تفسير الزمخشري، مكتبة وهبة/ القاهرة، ط 2، 1408هـ - 1988م.
الميداني، أحمد بن محمد النيسابوري، مجمع الأمثال، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1408هـ - 1988م.
الندوي، أبو الحسن علي الحسني، تأملات في القرآن الكريم، دار القلم، دمشق، ط1، 1411هـ - 1991م.
نوفل، أحمد، سورة يوسف: دراسة تحليلية، دار الفرقان، عمّان، ط 1، 1409هـ - 1989م.
النووي، شرح صحيح مسلم، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1347هـ - 1929م.
النيسابوري، نظام الدين الحسن بن محمد القمي، تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1416هـ - 1996م.
يوسف، محمد خير، تتمة الأعلام للزركلي، دار ابن حزم، بيروت، ط2، 1422هـ - 2002م.
ثانياً: الرسائل الجامعية
الدراويش، حسين، النظم القرآني في سورة البقرة، دراسة في الدلالة والأسلوب، رسالة دكتوراه، في اللغة العربية وآدابها، الجامعة الأردنية، 1986م.(5/77)
الشاعر، تمّام كمال، منهج الإمام ابن جرير الطبري في الترجيح بين أقوال المفسرين، رسالة ماجستير في أصول الدين بجامعة النجاح الوطنية، 2004م.
الشرقاوي، أحمد، نظرية الوحدة الموضوعية للقرآن الكريم من خلال كتاب الأساس في التفسير، رسالة ماجستير في أصول الدين، قسم التفسير وعلوم القرآن، جامعة الأزهر، 1994م. www.saaid.netwww.tafsir.net,
طقش، رهام يعقوب، الروابط اللفظية في سورة البقرة، دراسة نحوية دلالية إحصائية، رسالة ماجستير في اللغة العربية وآدابها، جامعة القدس، 2003م.
مالكي، فرج عبد الحسيب، عتبة العنوان في الرواية الفلسطينية، دراسة في النص الموازي، رسالة ماجستير، جامعة النجاح الوطنية، نابلس، 1424هـ - 2003م.
مشاهرة، مشهور موسى، التناسب القرآني عند الإمام البقاعي- دراسة بلاغية، رسالة ماجستير في اللغة العربية وآدابها، الجامعة الأردنية، 2001م.
نواهضة، إسماعيل الحاج أمين، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور دراسة وتحقيق، للمقدمة وسورتي الفاتحة والبقرة، رسالة دكتوراه، من كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، 1403هـ - 1983م.
اليازجي، صبحي رشيد، الوحدة الموضوعية بين عبد الحميد الفراهي وسيد قطب، رسالة ماجستير في أصول الدين، الجامعة الإسلامية بغزة، 2000م.
ثالثاً: المقالات والدوريات
الأسطة، عادل، العناوين والنهايات القصصية، في مجموعة توفيق زياد القصصية"حال الدنيا، www.najah.edu-
البستاني، محمود، عمارة السورة القرآنية، www.u-of-islam.net
حسن، سامي عطا، المناسبات بين الآيات والسور، www.saaid.net.
الشرقاوي،أحمد، موقف الشوكاني من التناسب، عن:موقع صيد الفوائد، وشبكة التفسير.
العلواني، طه جابر، الوحدة البنائية للقرآن المجيد، www.almultaka.net.
المطوي، محمد الهادي، شعرية العنوان في كتاب "الساق على الساق في ما هو الفارياق"، مجلة عالم الفكر، مجلد 28، العدد1، الكويت، 1999م.(5/78)
نوفل، أحمد، عطف البدء على الختام في أحسن الكلام، مقال مخطوط.
اليافي، نعيم، قواعد تشكل النغَم في مُوسيقى القرآن، مجلة التراث العربي، ع 15-16/ 1984م، اتحاد الكتاب العرب دمشق، بتصرف. www.awu-dam.org/trath/ind-turath102.htm.(5/79)
ملخص الرسالة
لما لم تتفق كلمة المفسرين منذ القديم على موضوع التناسب، وكان كثير منهم - وإن وافقوا على التناسب داخل الآية الواحدة، أو بين الآية وجارتها- إلا أنهم يعترضون على وجه أو أكثر من وجه التناسب القرآني، فكان منهم من اعترض على الوحدة الموضوعية في السورة، أو على التناسب بين اسم السورة وموضوعها، أو على التناسب بين السورة وجارتها، وصولاً إلى الوحدة الموضوعية في القرآن كله، وحيث إنه لا بد من قول فصل يبين وجه الحق في هذه المشكلة، فقد كانت هذه الدراسة في سورة البقرة، لتجلي القول وتحسم الخلاف وتحل الإشكال.
ولأجل ذلك فقد اتجهت الدراسة إلى الإجابة على عدد من الأسئلة المحددة للمشكلة، والتي أبرزها: هل يجد تناسب بين بداية السورة وخاتمتها، وهل من علاقة بين قصص السورة، وهل للسورة محور رئيس، وهل لاسمها ارتباط بمحورها، ومن ثم ما وجه اتصال سورة البقرة بالفاتحة التي تسبقها وآل عمران التي تليها، وما علاقتها بالسور التي لها البداية نفسها(الم)، وما مناسبتها للفلق نظيرتها في آخر المصحف، وهل يؤدي ذلك إلى أن القرآن جميعه يشكل وحدة متماسكة، وهل موقع البقرة في أول المصحف يعطيانها مركزية لما بعدها من السور؟.
وتكمن أهمية هذه الدراسة، في توضيح المعاني التي قد تلتبس في الآيات الكريمة، وفي تجليتها الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم، بعد تأكيدها في كل سورة من سوره، وبالذات سورة البقرة موضوع الدراسة، ومن ثم يتأكد أن ترتيب سور القرآن الكريم كان توقيفياً، ويتجلى وجه عظيم من وجوه الإعجاز القرآن يؤكد ربانيته، ويرد على افتراءات المستشرقين.
وقد اتبع الباحث في دراسته، المنهج الوصفي الذي يجمع بين الاستقراء والتحليل للسورة الكريمة، وأحياناً الموازنة والترجيح بين الأقوال المختلفة.(6/1)
ولذلك فقد قامت هذه الرسالة على أربعة فصول، حيث اضطلع الفصل الأول بالتعريف على شطري عنوان الأطروحة وهما سورة البقرة وموضوع التناسب، وعرض الفصل الثاني لأوجه التناسب وأنواعه في القرآن، ثم تحدث الفصل الثالث عن أوجه التناسب الداخلية في سورة البقرة، فيما تحدث الفصل الرابع والأخير عن أوجه التناسب الخارجية لسورة البقرة.
وقد خلصت الدراسة إلى الوحدة الموضوعية في سورة البقرة، والتي محورها الرئيس هو الخلافة، وأكدت الدراسة توقيفية ترتيب السور القرآنية، والوحدة العضوية في القرآن جميعه، وقد انتهت إلى أن الكثير من العلماء قد اهتموا بالتناسب، وكان أبرزهم الرازي والبقاعي.
وأهم التوصيات التي يراها الباحث، أن بعض العناوين الفرعية في هذه الدراسة تستحق أن تفرد بالبحث من مثل علاقة أسماء السور بمحاورها والتناسب بين السور التي لها ذات الفاتحة، وكذلك ضرورة الكتابة في نظرية التناسب عند كل من الرازي والبقاعي.(6/2)