البحث الدلالي في نظم الدرر
في تناسب الآيات والسور
للبقاعي ( ت 885 هـ )
أطروحة تقدم بها
عزيز سليم علي القريشي
إلى مجلس كلية التربية في الجامعة المستنصرية
وهي جزء من متطلبات نيل شهادة الدكتوراه فلسفة في اللغة العربية وآدابها
بإشراف الأستاذة المساعدة الدكتورة
لطيفة عبد الرسول عبد
آب 2004 م ... جمادى الآخرة 1424هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}
صدق الله العلي العظيم
... سورة الصف / الآية 9
الإهداء
إلى
... وطني الجريح .. العراق
إلى
... من علمني ورباني أبي
إلى
... مدرسة الحنان أمي
إلى
... نُور دربي اخوتي وأخواتي
إلى
... شريك عمري أم دعاء
إلى
... نبض وجودي بناتي دعاء وولاء
إقرار المشرف
أشهد أنَّ إعداد هذه الأطروحة قد جرت تحت إشرافي في الجامعة المستنصرية / كلية التربية / وهي جزء من متطلبات نيل درجة دكتوراه فلسفة في اللغة العربية
... التوقيع :
... الأستاذة المساعدة الدكتورة
... لطيفة عبد الرسول عبد
بناءً على التوصيات المتوافرة أرشح هذه الأطروحة للمناقشة.
... التوقيع :
... الأستاذة المساعدة الدكتورة
... لطيفة عبد الرسول عبد
... رئيس قسم اللغة العربية
... ورئيس لجنة الدراسات العليا .
فهرست الموضوعات
المقدمة ...
التمهيد ... 3
أولاً: حياة البقاعي ... 3
أ ـ اسمه ونسبه ... 3
ب – رحلاته العلمية ... 3
ج- شيوخه ... 3
د- تلاميذه ... 3
هـ- آثاره ... 3
ز- وفاته ... 3
ثانيا- كتاب نظم الدرر : ... 3
أ – وصف عام. ... 3
ب- موارده اللغوية ... 3
أ- النقل من الكتب : ... 3
2 – النقل من الأعلام : ... 3
الفصل الأول ... 3
الدلالة الصرفية والنحوية ... 3
المبحث الأول ... 3
الاشتقاق ... 3
الاشتقاق الصغير ... 3
1- آدم ... 3
2 – ا سم ... 3
3 – إبليس : ... 3
4 – الناس : ... 3
5 - الشيّطان : ... 3
6- الإنجيل : ... 3
7- التوراة: ... 3
8- النبوة: ... 3
9- الملائكة: ... 3
10- يثرب: ... 3
الاشتقاق الكبير: ... 3
المبحث الثاني ... 3
دلالة الصيغ الصرفية ... 3(1/1)
أبنية الأسماء وأبنية الأفعال: ... 3
أبنية الأسماء: ... 3
2- أبنية الأفعال: ... 3
دلالة الجمع: ... 3
1- وضع المفرد موضع الجمع: ... 3
2- التعبير بجمع القلة عن الكثرة: ... 3
المبحث الثالث ... 3
دلالة الاسم والفعل ... 3
دلالة الاسم: ... 3
دلالة الفعل: ... 3
المبحث الرابع ... 3
دلالة حروف المعاني ... 3
أ: حروف الجرّ: ... 3
ب: حروف العطف: ... 3
ج: قد : ... 3
د : لعل : ... 3
دلالة التعبير بالحروف : ... 3
1- التعبير بمن دون عن : ... 3
2-الباء دون على : ... 3
3- إلى دون على : ... 3
الفصل الثاني ... 3
الدلالة اللغويّة ... 3
المبحث الأول ... 3
أقسام الدلالة ... 3
1-: تقسيم الألفاظ باعتبار الدلالة : ... 3
3- دلالة الالتزام: ... 3
1- دلالة المنطوق: ... 3
1ـ المنطوق الصريح: ... 3
أ: دلالة التضمين : ... 3
ب: دلالة المطابقة ... 3
2ـ المنطوق غير الصحيح . ... 3
أ: دلالة الالتزام . ... 3
ب: دلالة الإشارة ... 3
ج: دلالة الاقتضاء : ... 3
د: دلالة الإيماء : ... 3
2ـ دلالة المفهوم : ... 3
مفهوم الموافقة : ... 3
2-تقسيم اللفظ من حيث الظهور والخفاء. ... 3
أ- المحكم والمتشابه. ... 3
ب- المفسر والمجمل ... 3
المبحث الثاني ... 3
الحقيقة والمجاز ... 3
الحقيقة: ... 3
الحقيقة اللغوية ... 3
الحقيقة الشرعية ... 3
الحقيقة العرفية ... 3
المجاز ... 3
المجاز العقلي : ... 3
المجاز اللغوي ... 3
1- الاستعارة ... 3
المجاز المرسل ... 3
1ـ إطلاق السبب على المسبب ... 3
2ـ إطلاق المسبب على السبب ... 3
3ـ إطلاق اسم الكل على الجزء ... 3
2ـ إطلاق اسم الجزء على الكل ... 3
5ـ تسمية الشيء بما يؤول إليه ... 3
الجمع بين الحقيقة والمجاز : ... 3
المبحث الثالث ... 3
تعدد المعنى ومشكلاته ... 3
المشترك اللفظي : ... 3
الترادف : ... 3
الأضداد ... 3
الفروق اللغوية : ... 3
المبحث الرابع ... 3
العموم والخصوص ... 3
العموم. ... 3
الخاص. ... 3
الفصل الثالث ... 3
الدلالة السياقية عند البقاعي ... 3
السياق ... 3
توطئة ... 3
المبحث الأول ... 3
السياق ودلالة الأمر ... 3
المبحث الثاني ... 3
السياق ودلالة النهي ... 3
المبحث الثالث ... 3
التقديم والتأخير وعلاقته بالسياق ... 3
1- التقديم للاهتمام ... 3
2- التقديم للتعظيم ... 3
3- التقديم للعلم به ... 3(1/2)
4- التقديم للتخصيص ... 3
5- التقديم للإحاطة ... 3
6- التقديم للأبلغ ... 3
7- التقديم للتشنيع ... 3
8- التقديم للأولى ... 3
9- التقديم للأنسب ... 3
10-التقديم للتنبيه ... 3
المبحث الرابع ... 3
الذكر وعلاقته وبالسياق ... 3
1- الذكر للاعتناء ... 3
2- الذكر للإحاطة الشمول ... 3
3- الذكر للتعظيم ... 3
4- الذكر للتعريف والإعلام به ... 3
5- الذكر للعموم ... 3
6- الذكر للتعميم وتعليق الحكم بالوصف ... 3
7- الذكر للتنبيه ... 3
8- الذكر للإطلاق عن التقييد ... 3
المبحث الخامس ... 3
السياق وأسباب النزول ... 3
الخاتمة ... 3
ثبت المصادر و المراجع ... 3
ملخص الأطروحة باللغة الإنكليزية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا لا ينقطع أبدا ، ولا تحصي له الخلائق عددا، وأفضل الصلاة والسلام على حبيبه المختار، وآل بيته الكرام الأطهار ،وصحبه المنتجبين الأبرار
أما بعد
لا يزال مدار أهل العلم وطالبيه يخطّ أنوار القرآن العظيم الذي لا تنقضي عجائبه ولا يخبو سناه ،ولا يحاط بسرّ إعجازه، ولا تزال لغته مدار درس الدارسين ، ومحط رحال الباحثين .
فقد نشأت فكرة هذا الموضوع منذ انشغالي برسالة الماجستير-وكانت في الدرس الدلالي أيضاً- إذ رأيت أن في لغة القرآن الكريم الشريفة لكل حركة وحرف وكلمة وتعبير دلالة وأمارة ، وأنّ السياق القرآني فيها من السعة والمرونة ما يجعلها تقبل اكثر من كلمة وغير تعبير،وطالما تشوقت نفسي إلى أن يجعل الله دراستي في كتابه العزيز حتى الحق بركب من سبقني في دراسة هذا النبع الصافي، حتى حصلت على ضالتي في موضوعي (( البحث الدلالي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور)) وهو أحد التفاسير المنفردة في تناول سور القرآن الكريم والتناسب بين آياته.(1/3)
والبحث الدلالي أحد المباحث المهمة التي تركت أثرها الطيب في لغتنا الشمّاء ، وهذا المبحث على عظم خطره فهو ليس بالجديد ، بل كانت له جذوره المتأصلة في تراثنا العربي ، وعند علماء العربية على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم ، وتجاذبوا فيه أطراف الرأي ، فاتفقوا في أمور واختلفوا في أخرى ، مستندين في كل ذلك إلى كلام الجبار العزيز وسنة رسوله الأعظم محمّد (ص) وما ورد من أشعار العرب القدماء ، متخذين من كل ذلك شاهدا ومصداقا لقولهم .
فالبحث الدلالي من أهم وسائل الكشف عن أسرار لغة هذا السفر الجليل ومواطن إعجازه ، ولذا سعى المفسرون إلى الوصول إلى ذلك ، فقدموا تفاسيرهم القيّمة التي كانت لهم ذكرا خالدا،وهي أعلام هداية وأنوار مضيئة تنير ما خفي من كلام الله عز وجل. وقد اقتضت منهجية البحث أن أسمه على فصول ثلاثة يسبقها تمهيد، وتعقبه خاتمة أدرجت فيها أبرز النتائج التي توصلت إليها.
أما التمهيد فقد جاء على قسمين : القسم الأول تناولت فيه حياة
البقاعي وأساتذته وطلابه ومؤلفاته ، أما القسم الثاني فكان في كتابه وموارده. وأختص الفصل الأول : بالدلالة الصرفية والنحوية ، وضمّ أربعة مباحث : الاشتقاق ، ودلالة أبنية الصيغ الصرفية، ودلالة الاسم والفعل، ودلالة حروف المعاني.
وتناول الفصل الثاني الدلالة اللغوية وتشمل أربعة مباحث أيضاً : أقسام الدلالة ، الحقيقة والمجاز ، وتعدد المعنى ومشكلاته ، وظاهرة العموم والخصوص.
وكان الفصل الثالث الدلالة السياقية عند البقاعي ، وجعلته في خمسة مباحث مع توطئه، تمثل بالسياق ودلالة الأمر والنهي، والسياق ودلالة التقديم والتأخير ، والسياق ودلالة الذكر ، وختمته بالسياق وأسباب النزول.
ومن أهم الصعوبات التي واجهتني في مسيرة بحثي هي عدم الحصول على كتاب نظم الدرر إلاّ بعد عناء ،وذلك لعدم توافر مجلداته كاملة .(1/4)
وأعتمد البحث على مصادر ومراجع كثيرة ومتنوعة في اللغة والتفسير والنحو والصرف وكتب معاني القرآن وتفسير البحر المحيط والقرطبي والطبرسي والمنار وغيرها، ومن أمّات الكتب النحوية مثل : الكتاب والمقتضب والخصائص وأهم المعجمات العربية : العين ولسان العرب ومقاييس اللغة ، واعتمدت على المراجع المهمة في موضوعي أهمها : البقاعي ومنهجه في التفسير وهي رسالة ماجستير،والأساليب البلاغية في نظم الدرر وهي اطروحة دكتوراه .
وقبل أن أطوي اللسان وأريح القلم من سيره ما أحوجني إلى أن ألبي نداء الرحمن في قوله: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ } (1) فالحمد والشكر لله على نعمته الذي منّ عليّ بها ، ويسعدني في هذا المقام أن أشكر أستاذي المشرف الذي لم يضنّ عليّ بشيء فجزاه الله خير الجزاء ، وأشكر أستاذي الدكتور عبد الرسول سلمان الزيدي لما قدّمه لي من الآراء النافعة طيلة كتابة الأطروحة فجزاه الله خير الجزاء ، وأشكر الأساتذة الأفاضل أعضاء لجنة المناقشة الذين أنيطت بهم مهمة
النظر في هذه الأطروحة لتقويم أودها وإبرازها بما لا يليق بها ، وأشكر زملائي الذين وقفوا بجانبي وبذلوا لي المصادر المهمة
وأخص بالذكر (عباس عبد معلة، عدنان الجوراني، صالح كاظم، حيدر عبد الأمير).
__________
(1) . إبراهيم: 7.(1/5)
وقبل الختام فإنّي لا أدعي أن هذه الأوراق قد بلغت الحد الذي يعصمها من الزلل والوقوع في الخطأ ، لأن صاحبها في حيثياته وأبعاده ليس بالكامل ولا المعصوم فكيف هي ؟ بيد أن ما يثير بي الأمل ويشعل من وهج نشاطي ،وقلل من لوم نفسي لنفسي أني ما ادخرت جهدا وما استبقيت ذخرا من أجل الوصول إلى المادة العلمية النافعة التي تخدم الدرس الدلالي فان نجحت ف((ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم)) (1) وان كان في البحث هنّات وهفوات فمن نفسي وتقصيري وليس لي إلاّ أن أقول {... إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (2)
وآخر دعواي أن الحمد لله رب العالمين
... الباحث
... عزيز سليم علي
التمهيد
أولاً: حياة البقاعي
أ ـ اسمه ونسبه
__________
(1) . المائدة: 54.
(2) . هود: 88.(1/6)
هو إبراهيم بن عمر بن حسن الرّباط بن علي الخرباوي ، محدث وأديب وعروضي وهو اللغوي الفقيه ،الكاتب المجاهد (1) والخرباوي نسبة إلى قرية (خربة روحا) من أعمال البقاع (2) والبقاعي نسبة إلى البقاع في سوريا ، وتسمى بقاع كلب قرب دمشق الشام (3) ، وسمّيت بقاع كلب نسبة إلى كلب بن وبرة ، لنزول ولده فيها،وهو يعرف بـ(بقاع العزيز) الآن ، وهي قرية عامرة ولد فيها مفسرنا الكبير البقاعي (4) 0 وقد كانت ولادته سنة (809 هـ), وقد ذكرى البقاعي (رحمه الله) بما يحدد لنا تاريخ ميلاده في قوله: (( في ليلة الأحد سنة إحدى وعشرين وثمانمائة أوقع ناس من قريتنا (( خربة روحا )) من البقاع يقال لهم بنو مزاحم , بأقاربي بني حسن الربّاط بن علي بن أبي بكر وأخوان محمد سويد , وعلي وأخوهما لأبيهما , وضربت أنا بالسيف ثلاث ضربات أحدها في رأسي فجرحني وكنت , إذ ذاك ابن اثنتي عشرة سنة)) (5) فإذا كانت الحادثة هذه قد حدثت له ولعائلته مؤرخة بسنة احدى وعشرين وثمانمائة وهو اذ ذاك في الثانية عشرة من عمره 0 اذن في ضوء هذا يمكن تحديد تاريخ ولادته سنة (809 هـ ) سنة تسع وثمانمائة 0
ب – رحلاته العلمية
تلقى البقاعي علومه الأولى على يد والده قبل وفاته، فحفظ القران الكريم , والفقه وعلومه منذ نعومة أضافره , وقد غدت حياته حافلة بها , ولا غرابة أن يطوف البقاعي في بلاد العالم , راحلا للأخذ عن العلماء والازدياد من علوم القران (6)
__________
(1) . ينظر معجم المفسرين: 1/17 والضوء اللامع: 1/101 وكشف الضنون: 444 والأعلام: 1/50 ومعجم المؤلفين: 1/71 والبقاعي ومنهجه في التفسير: 12 والأساليب البلاغية في نظم الدرر: 7.
(2) . ينظر الضوء اللامع: 1/101.
(3) . الأعلام: 1/50.
(4) . تاج العروس: 5/380 والبقاعي ومنهجه في التفسير: 14.
(5) . شذرات الذهب 7/ 339 والبقاعي ومنهجه في التفسير 14.
(6) . ينظر شذرات الذهب 7/339 والبقاعي ومنهجه في التفسير 14.(1/7)
فقد رحل البقاعي إلى القدس, سنة اثنتين وثلاثون وثمانمائة
وسمع بها ودرس على يد الشيخ الغز بن عبد السلام المقدسي (ت846 هـ) ولازم مجموعة من علماء عصره, ثم دخل إلى القاهرة, ولازم القاضي شهاب الدين ابن حجر العسقلاني(ت852هـ) ثم رحلا معا إلى حلب سنة ست وثلاثين وثمانمائة فسمع بها، وأخذ من علمائها ثم واصل مسيرة رحلاته طلبا للعلم إلى دمشق والقدس والخليل وحمص، ثم زار الطائف وأخذ من علمائها, ثم المدينة المنورة فسمع بها , ثم عاد إلى القاهرة , وتفقه بها على يد شرف الدين الونائي (ت841 هـ) وشمس الدين القاياني (ت 861هـ ) ومما لاشك فيه , من خلال رحلاته اتصل بأعلام البلاد في زمانه واخذ منهم وأخذوا منه وما بلغ من العلم إلا بفضل رحلاته (1)
ج- شيوخه
لقد كان البقاعي كثير التطواف لطلب العلوم، ولأجل هذا فانه قد تعددت شيوخه وأساتذته، وليس هذا محل ذكرهم ، وسوف أقتصر على إيراد أسمائهم لأن الباحث أكرم عبد الوهاب قد تناولهم بالتفصيل (2) :
1- الشيخ الحافظ شمس الدين محمد بن محمد الجزري الدمشقي الشافعي ت (833 هـ)
2- شيخ الإسلام قاضي القضاة الحافظ أبو الفضل احمد بن حجر العسقلاني ت (852 هـ)
3- شيخ الإسلام قاضي القضاة شمس الدين محمد بن علي بن محمد القاياتي (ت861 هـ)
4- الشيخ أبو الفضل محمد بن محمد المشدّالي المغربي المالكي
(ت865) (3)
5- العلاّمة تقي الدين أبو بكر محمد الحصني الشافعي (ت 883هـ)
د- تلاميذه
للبقاعي طلاب كثيرون أخذوا عنه، وأنتهلوا من علومه ولأجل بيان ذلك نعرج على ذكر جملة من هؤلاء الطلاب الذين تتلمذوا عليه (4) :
1- الشيخ العلاّمة عبد القادر بن محمد بن عمر الرحلة (ت927هـ)
__________
(1) . ينظر الضوء اللامع: 1/102-107 والبقاعي ومنهجه في التفسير: 14 والأساليب البلاغية في نظم الدرر:7-8.
(2) . البقاعي ومنهجه في التفسير:31
(3) . معجم المؤلفين 11/297.
(4) . ينظر : البقاعي ومنهجه في التفسير: 40- 45.(1/8)
2- شهاب الدين احمد بن محمد بن عمر الحمصي (ت934هـ)
3- العمدة الحجة القاضي رضي الدين أبو الفضل محمد بن محمد الغزي الدمشقي الشافعي (ت935هـ)
4- العلاّمة شمس الدين محمد الدلجي العثماني الشافعي (ت947 هـ) .
هـ- آثاره
قد تنوعت مؤلفات البقاعي في مختلف العلوم، بين الأدب والنقد والنظم والشعر، والمنطق والقراءات والقواعد والبيان والحكم والتصوف، والتاريخ والتراجم والفقه والأصول والعقائد والأعجاز والحديث (1) . إذ يذكر البقاعي في آخر كتاب ((سر الروح )) فهرسا بمصنفاته وهي تزيد على خمسين ومئة مؤلف نذكر منها (2) :
أولاً : المطبوعة
1- نظم الدرر في تناسب الآيات والسور
2- سر الروح.
3- تنبيه الغبي إلى تكفير ابن العربي (3) .
4- تحذير العباد من أهل العناد ببدعة الاتحاد.
ثانيا : المخطوطة
1ـأخبار الجلاد في فتح البلاد.
2- أسد البقاع الناهسة في معتدى المقايسة في التاريخ.
3- الانتصار بالله الواحد القهار
4- إظهار العصر لأسرار أهل العصر في التراجم.
5- الإطلاع على حجة الوداع (4) .
6- القارض في تكفير ابن الفارض (5) .
7- تدمير المعارض في تكفير ابن الفارض (6) .
8- إيضاح السبيل من حديث سؤال جبريل (7) .
9- جواهر البحار في نظم سيرة المختار (8) .
10- الجواهر والدرر في مناسبة الآي والسور.
11- القول المفيد في أصول التجويد.
12- لعب العرب بالميسر.
__________
(1) . ينظر: البقاعي ومنهجه في التفسير: 59-62 والأساليب البلاغية في تفسير نظم الدرر:8.
(2) . ينظر سر الروح:286والبقاعي ومنهجه في التفسير:60 والأساليب البلاغية في نظم الدرر: 8.
(3) . وفي نظم الدرر (( تنبيه الغبي على تفكير ابن العربي )) 22/445 وينظر البقاعي ومنهجه في التفسير 60.
(4) . ينظر كشف الظنون: 2 /1962.
(5) . ينظر نظم الدرر: 20 /443
(6) . ينظر نظم الدرر: 20 /434.
(7) . ينظر نظم الدرر: 22/245
(8) . ينظر البقاعي ومنهجه في التفسير: 61.(1/9)
13- النكت الوفية بما في شرح الألفية.
14- الضوابط والإشارات لأجزاء علم القراءات.
15- وقع اللثام عن عرائس النظام في العروض (1) .
16- شرح هداية ابن الجوزي.
ز- وفاته
توفي شيخنا البقاعي ليلة السبت الثامن عشر من رجب سنة خمس وثمانين وثمنمائة ، بعد إن عانى كثيرا من الشدائد ، وكان عمره ست وسبعين سنة مليئة بعلوم الكتاب المنزّل (2) .
ثانيا- كتاب نظم الدرر :
أ – وصف عام.
يعدّ نظم الدرر من أهم الكتب التي ألفها ، وجاء في كشف الظنون: (( وهو كتاب لم يسبقه أحد ، جمع فيه من أسرار القرآن ما تتحير منه العقول)) (3) ومما لاشك فيه أن كتاب نظم الدرر لم يؤلف كتاب مثله قط ، والقيمة الحقيقية لهذا الكتاب هو تعرضه للمناسبات، فيقول البقاعي: ((إنه بهذا العلم يرسخ الأيمان في القلب، لأنه يكشف الأعجاز)) (4) وكتاب نظم الدرر مستقل بهذا الجانب في تفسير القرآن المجيد، مستوعبا لآياته وسوره، وهو كتاب حافل دال على أنّ صاحبه من أوعية العلم المفرطين في الذكاء الجامعين بين علميّ المعقول والمنقول (5) .
__________
(1) . ينظر: البقاعي ومنهجه في التفسير: 62
(2) . ينظر الضوء اللامع: 1/ 107 والبقاعي ومنهجه في التفسير: 14.
(3) . كشف الظنون: 1 /196.
(4) . نظم الدرر: 1 /7.
(5) . ينظر: الأساليب البلاغية في تفسير نظم الدرر: 9.(1/10)
وقد تعددت تسميات الكتاب لدى البقاعي والتسمية المشهورة لدى العلماء هو( نظم الدرر في تناسب الآيات والسور) إلا أنه لم يكتف بهذا الاسم بل أطلق تسمية أخرى هي: ((فتح الرحمن في تناسب أجزاء القرآن)) (1) ويصرح الباحث اكرم عبد الوهاب قائلا: (( والمراد من أجزاء القرآن ما هو أعمّ من ذلك ليتناول تناسب السور مع التي قبلها والتي بعدها، وتناسب الآية مع سابقتها ولاحقتها ، بل تناسب الآية بعضها مع بعض)) (2) والذي أودّ الإشارة إليه هو: إنني لا أشاطر الباحث الفاضل الذي ذهب إلى شمول التناسب في التسمية الثانية للتفسير ، بل أقول: إن التسمية الأولى للتفسير أعم وأشمل في التناسب، لأن ((نظم الدرر في تناسب الآيات)) يتمثل في تناسب الآية مع سابقتها ولاحقتها والتناسب فيما بينهما، و((السور)) هي تناسب السور سواء أكانت مع سابقيها أم مع لاحقيها، أما قوله في التسمية الثانية (أجزاء القرآن) فأكبر الظن المقصود بتناسب أجزاء القرآن مع بعضها ،أي الجزء مع سابقه أو لاحقه.
وقد أشار البقاعي إلى تسمية ثالثة له وهي (ترجمان القرآن ومبدي مناسبات الفرقان) (3) وقال ابن العماد في وصف الكتاب ((وصنف تصانيف متعددة من أجلّها المناسبات القرآنية)) (4) وبهذا العلم الجليل يعدّ البقاعي من المهتمين بتناسب الآيات والسور في بيان الإعجاز القرآني .
ب- موارده اللغوية
استقى البقاعي المسائل الدلالية التي أوردها في كتابه نظم الدرر معالجا بها الموضوعات التي تضمنتها تلك المصنفات من ضربين من الموارد اللغوية : النقل من الكتب ومن الأعلام :
أ- النقل من الكتب :
__________
(1) . نظم الدرر:1/5.
(2) . البقاعي ومنهجه في التفسير: 75 .
(3) . .نظم الدرر: 1/5
(4) . شذرات الذهب: 7/340.(1/11)
أشار البقاعي إلى مجموعة من الكتب التي عوّل عليها، والملاحظ عليها إنها كانت في مختلف العلوم ، فتوزعت على كتب النحو والتفسير ومعاني القرآن وأصول الفقه والفلسفة والمنطق وغيرها ومن هذه الكتب: المعجمات العربية :
1- القاموس المحيط : للشيخ مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي .
ومن أمثلته نقله من هذا الكتاب ما أورده بخصوص لفظة (الشوى) من قوله تعالى: {نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى} (1) أي شديدة النزع لجلود الرؤوس: ((وقال في القاموس : الشوى :اليدان والرجلان والأطراف وقحف الرأس وماكان غير مقتل)) (2)
وكذلك ما نقله من القاموس أيضا،ً ما ورد بشأن لفظة (عشى) من قوله تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} (3) أي يفعل فعل المعاشى، وهو من شاء بصره بالليل والنهار أو عمى، ((وقال في القاموس : العشى ، مقصور ، سوء البصر بالليل والنهار أو عمى، عشى كرضى ودعا والعشوة بالضم والكسر : ركوب الأمر على غير بيان)) (4) وقد اقتصرت على هذا الشيء الضئيل في نقله من الكتب، لأن الباحث اكرم عبد الوهّاب قد أفاض القول في هذا الموضوع في رسالته (5) .
2 – النقل من الأعلام :
ان الأعلام الذين نقل عنهم البقاعي كثيرون، وكانوا في حقول معرفية شتى، منهم مفسرون وعلماء أصول ومحدثون وغيرهم، وسوف اعرج على طائفة من أسماء الائمة الذين صّرح بأسمائهم مرتبا إياهم على وفق سنيّ وفياتهم مشيرا إلى بعض مواقع ذكرهم:
1) أبو عمرو بن العلاء (ت 159 هـ )
__________
(1) . المعارج:16.
(2) . نظم الدرر: 20/398.
(3) . الزخرف: 36.
(4) . نظم الدرر: 7/429 وينظر القاموس المحيط: 4/363.
(5) . للمزيد ينظر: البقاعي زمنهجه في التفسير: 95-152.(1/12)
ومما نقله عنه رأيه في تفسير معنى كلمة (يهود) قال البقاعي: ((وأصلها فقال: عمرو بن العلاء: لأنهم يتهودون عند قراءة التوراة ويقولون: إن السماوات والأرض تحركتا حين أتى الله عز وجل بالتوراة لموسى (ع) )) (1)
2) الشافعي (ت204هـ)
وقد عوّل البقاعي على الإمام الشافعي كثيرا في كتابه وأسترشد بأقواله الفقهية ذات المسائل الدلالية ، ومن أمثلة ما نقله بشأن لفظة (أحصن) من قوله تعالى: {... فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ ...} (2) قال البقاعي: ((وقال الشافعي إن معنى ((أحصنّ)) هنا أسلمن لأنكحن فأحصن بالنكاح ولا أعتقن وان لم يصبن، وقال: فان قال قائل: أراك توقع الإحصان على معان مختلفة؟ قيل: نعم، جماع الإحصان ان يكون دون التحصين مانع من تناول المحرم، فالإسلام مانع، وكذلك الحرية مانعة، وكذلك التزوج والإصابة مانع، وكذلك الحبس في البيوت مانع ، وكل مانع أحصن (3)
3) الطبري (ت 310 هـ ) (4)
نقل عنه في مواضع منها ما جاء رأيه في بيان كلمة (تبوأ ) من قوله تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ ...} (5) وهي إشارة إلى أنّه صلى الله عليه وسلم إلى أحد بالثبات في مركزه
وأوعز إليه في إلاّ ّ يفعل شيئا إلاّ بأمره ولاسيما الرماة، ((كما عن الطبري وغيره- التبوء على ابتداء القتال بالانتشارة) (6)
4) الزجاج (ت311 هـ )
__________
(1) .نظم الدرر: 1/456.
(2) .النساء: 25.
(3) .نظم الدرر: 5/238 - 239.
(4) . هو محمّد بن جرير صاحب التفسير المشهور(جامع البيان)، مفسّر مقرئ محدّث مؤرخ فقيه أصولي مجتهد، ينظر: معجم المؤلفين:9/147
(5) .آل عمران: 121
(6) .نظم الدرر: 5/44(1/13)
عوّل البقاعي على الزجّاج في مسائل العربية نحوا ولغة ومن ذلك ما جاء في كلمة ( أسورة ) من قوله تعالى: {فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ ...} (1) ((هي جمع أسورة قاله الزجّاج، وصرف لصيرورته على وزن المفرد نحو علانية وكراهية)) (2)
5) بن الأنباري (ت 328 هـ ) (3)
عوّل عليه البقاعي في بعض المسائل اللغوية، وما جاء في بيان لفظة (( جفاء )) من قوله تعالى: {... فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء ...} (4) ويصرح البقاعي بقول ابن الأنباري، إذ يقول: (( وقال ابن الأنباري : متفرقا من جفأت الريح الغيم إذا قطعته ، وجفأت الرجل: صرعته)) (5)
6) الأزهري ( ت 370 هـ) (6)
وكان ينقل منه ما يتعلق بشرح بعض المفردات ، من ذلك ما أ ورده بشأن قوله تعالى: {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَن كُنتُمْ قَوْمًا مُّسْرِفِينَ} (7) أضربت عن الشيء: كففت وأعرضت وضرب عنه الذكر وأضرب عنه:صرفه (8) ، قال الأزهري: يقال : ضربت عنه وأضربت بمعنى واحد (9)
7) علي بن عيسى الرماني (ت 384هـ )
__________
(1) .الزخرف: 53.
(2) .نظم الدرر: 17/449.
(3) ابن الأنباري: محمد بن القاسم بن محمد بن بشار ، الإمام ((أبو بكر)) مقرئ نحوي لغوي، للمزيد ينظر: طبقات المفسرين للداودي: 2/226.
(4) . الرعد: 17.
(5) . نظم الدرر: 10/318.
(6) . الأزهري: هو محمد بن الأزهر بن طلحة؛ أبو منصور الأزهري الشافعي إمام في اللغة، للمزيد ينظر: طبقات المفسرين: 2/61.
(7) . الزخرف: 5.
(8) . ينظر : نظم الدرر: 17/384.
(9) . نظم الدرر: 17/384.(1/14)
وقد عوّل البقاعي عليه في بيان بعض الألفاظ، فمنها ما جاء بشأن لفظة (حرّض) من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ...} (1) إذ قال : (( قال الإمام أبو الحسن بن عيسى الرماني في تفسيره: التحريض على الدعاء الوكيد لتحريك النفس على أمر من الأمور، والحث والتحريض والتحضيض نظائر نقيضه التقسير والتحريض ترغيب في الفعل بما يبعث على المبادرة إليه مع الصبر عليه)) (2) .
8) البغوي (ت510 هـ )(*)
وقد نقل عنه الكثير ولاسيما في بيان دلالة الألفاظ , وما جاء بشان لفظة (العهن) من قوله تعالى: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ} (3) أي الصوف المصبوغ ألوانا المنفوش , تطيره الرياح كالهباء (( وقال البغوي: ولا يقال عهن إلاّ للمصبوغ , وقال: وأول ما تتغير الجبال تصير رملا مهيلا ثم عهنا منفوشا ثم هباء منثورا) (4) وكذلك ما جاء في بيان كلمة( والرهق) في قوله تعالى: {... فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (5) والرهق: ( قال البغوي: والرهق في كلام العرب الإثم وغشيان المحارم) (6)
9) الرازي (ت606 هـ ) (7)
__________
(1) . الأنفال: 65.
(2) . نظم الدرر: 8/321.
(*) البغوي: وهو أبو محمد الحسين بن مسعود، فقيه شافعي محدث مفسر، يلقب بمحيي السنّة وركن الدين، وكان تقياً زاهداً (ت 560هـ) للمزيد ينظر: التفسير والمفسرون: 1/234-235، والبقاعي ومنهجه في التفسير: 116
(3) . المعارج: 9.
(4) . نظم الدرر:20/394.
(5) . الجن: 6.
(6) . نظم الدرر:20/473.
(7) . وهو محمد بن عمر بن الحسين بن علي فخر الدين الرازي القرشي التميمي البكري الطبرستاني الفقيه الشافعي، ينظر: البحث اللغوي عند فخر الدين الرازي:8.(1/15)
وكان ينقل عنه ما يتعلق بشرح بعض المفردات من ذلك ما أورده في قوله تعالى: {... فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} (1) فيسحتكم أي يهلككم ((قال الرازي: واصله الاستئصال ) (2) وكذلك ما جاء بشأن ( يشقى) من قوله تعالى: {... فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} (3) فان الشقاء عقاب الضلال (قال الرازي : والشقاء فراق العبد من الله , والسعادة وصوله إليه) (4)
10) الحرالي (ت 637 هـ) (5)
وهو ممن أكثر البقاعي النقل عنه في مسائل شتى، ومن ذلك ما ذكره بصدد لفظة(( العرضة)) من قوله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ ...} (6) أي معرضا، (( قال الحرالي: والعرضة ذكر الشيء وأخذه على غير قصد له ولا صمد نحوه ، بل له صمد غيره )) (7) .
وكذلك ما جاء تفسير لفظة ((الميسر)) من قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ...} (8) والميسر:((قال الحرالي: اسم مقامرة كانت الجاهلية تعمل بها لقصد انتفاع الضعفاء وتحصيل ظفر المغالبة)) (9)
11) البيضاوي ( ت685 هـ ) (10)
__________
(1) . طه: 61.
(2) . نظم الدرر:12/304
(3) . طه: 123.
(4) . نظم الدرر:12/361.
(5) . هو علي بن أحمد بن الحسن المالكي الأندلسي، مشارك في تفسير القرآن والأصول والفرائض والفلك والمنطق، للمزيد: ينظر:معجم المؤلفين:7/13.
(6) . البقرة: 224.
(7) . .نظم الدرر:3/285
(8) . البقرة: 219.
(9) . نظم الدرر:3/240.
(10) . وهو عبدالله بن عمر الشيرازي، أبو سعيد ناصر الدين، قاض مفسر عالم بالفقه والمنطق، للمزيد ينظر: البقاعي ومنهجه في التفسير:118.(1/16)
وقد عرج البقاعي عليه فيما يتعلق بشرح بعض المفردات ، منها لفظة ((فتر)) من قوله تعالى: {لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} (1) قال البقاعي : ((أي لا يقصد إضعافه بنوع من الضعف ، فنفي التفتير نفي للفتور من غير عكس ، قال البيضاوي : وهو من فترت عنه الحمى – اذا سكنت والتركيب للضعف )) (2)
12) أبو حيان الأندلسي (ت 745 هـ ) (3)
ونقل عنه ما يتعلق بتفسير بعض مفردات القرآن الكريم, ومن ذلك ما أورده بشأن لفظة (( القسط )) وذلك في حديثه عن قوله تعالى: {... كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ ...} (4) أي بالعدل ((قال أبو حيان: إن التي جاءت في سورة النساء وجاءت في معرض الاعتراف على نفسه وعلى الوالدين والأقربين فبدأ فيها بالقسط الذي هو العدل والسواء من غير محاباة نفس ولا والد ولا قرابة ، وهنا جاءت في معرض ترك العداوات والاحن ، فبديء فيها بالقيام لله إذ كان الأمر بالقيام لله أولا اردع للمؤمنين ، ثم أردف بالشهادة بالعدل ، فالتي في معرض المحبة والمحاباة بديء فيها بما هو آكد وهو القسط ، والتي في معرض العداوات والشنآن بدي فيها بالقيام لله، فناسب كل معرض ما جيء به إليه)) (5)
13) الأصبهاني ( ت 749هـ)(*)
__________
(1) . الزخرف:75
(2) . .نظم الدرر:17/481
(3) . .وهو أثير الدين، أبو عبدالله بن محمد بن يوسف بن علي الأندلسي الغرناطي، للمزيد: ينظر: التفسير والمفسرون: 1/317
(4) . المائدة: 8.
(5) . نظم
(*). هو محمود بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد. للمزيد ينظر: طبقات المفسرين للداودي: 2/313.(1/17)
قد عول البقاعي عليه في بيان معنى النص القرآني , وما جاء منه في بيان معنى قوله تعالى: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا .} (1) وقال الأصبهاني: ((سبحان الله ! ما أعظم شأنهم ! القوا حبالهم وعصيهم للكفر والجحود , ثم القوا رؤوسهم بعد الساعة للشكر والسجود , فما أعظم الفرق بين الالقاءين)) (2) .
الفصل الأول
الدلالة الصرفية والنحوية
المبحث الأول
الاشتقاق
الاشتقاق
اللغة العربية لغة حية متطورة لها القدرة على مواكبة التطور في جميع النواحي ، وذلك من خلال قدرتها على استحداث الألفاظ ، والمفردات التي يتطلبها هذا التطور .
والدلالة الصرفية تستمد عن طريق الصيغ الصرفية وبنيتها (3) ، فعلم الصرف يدرس التغيرات التي تطرأ على أبنية الألفاظ ، فتؤدي دلالات جديدة , وأنّ هذه التغيرات وحدات صوتية تكون إما سابقة , أو لاحقة , أو داخلة في الكلمة , وأنّ كل وحدة صوتية ذات معنى تسمى مورفيما 0 وبهذا تبين ارتباط علم الأصوات بعلم الصرف , إلاّ أن علم الصرف يعدّ مقدمة لعلم النحو وملازما له في العربية ، لأنّ اهتمام الصرف ببنية الكلمة إنما هو لاستعمالها في تركيب نحوي. (4)
وبهذا تعدّ اللغة العربية لغة اشتقاقية ، فان الاشتقاق من أهم الوسائل التي لجأ إليها العلماء في استحداث الألفاظ، مما دعا بعض العلماء إلى تأليف كتب مستقلة في هذا الجانب – نذكر على سبيل التمثيل – الاشتقاق لأبن دريد (ت 321هـ ) وبعضهم الآخر خصص فصولا في كتبهم منهم : ابن جني في الخصائص والسيوطي في المزهر .
__________
(1) . طه: 70.
(2) . نظم الدرر: 12/309.
(3) . .ينظر: دلالة الألفاظ:47
(4) . .ينظر: علم الدلالة والمعجم العربي:35 والبحث الدلالي عند الراغب الأصفهاني:116(1/18)
وقد أشار العلماء إلى تعريفات كثيرة عن موضوع الاشتقاق وتدور هذه التعريفات في محور واحد ، إلاّ الاختلاف في وجهات نظر كل عالم ، وأحد أقدم التعريفات ما جاء عن الزجاج في اشتقاق الكلمات إذ يقول ((إن كل لفظتين اتفقا في بعض الحروف ، وان نقصت حروف إحداهما عن حروف الأخرى ، فان إحداهما مأخوذة من صاحبتها )) (1) وحدّه علي بن عيسى الرماني بأنه (( اقتطاع فرع من أصل يدور في تصاريفه على الأصل)) (2) فالاشتقاق عند العرب:هوعلم عملي تطبيقي، لأنه عبارة عن(( توليد لبعض الألفاظ من بعض ، والرجوع بها إلى أصل واحد ، يحدد مادتها ويوحي بمعناها المشترك الأصيل ، مثلما يوحي بمعناها الخاص الجديد )) (3)
فالاشتقاق بهذه الصورة ، هو إحدى الوسائل الرائعة في اللغة، التي تنمو عن طريقها وتتسع ، ويزداد ثراؤها في المفردات، فتمكن به من التعبيرعن الجديد من الأفكار والمستحدث من وسائل الحياة (4) .
وقد اهتم البقاعي اهتماما كبيرا بالاشتقاق في ألفاظ الذكر الحكيم ، وقد كان له رأي في بيان مصطلح الاشتقاق بشقيه اللغوي والاصطلاحي إذ يقول : (( والاشتقاق أخذ شق الشيء ، والأخذ في الكلام ، وفي الخصومة يمينا وشمالا مع ترك القصد ، لأنه يشق جهات المعاني ، وهو أيضاً أخذ الكلمة من الكلمة ، فكأنه فرق بين أجزائها)) (5) .
__________
(1) .معاني القرآن واعرابه للزجاج:1/38 وينظر: المزهر:1/354
(2) .الحدود في النحو: 39 وينظر:الخصائص: 2/136 والأشباه والنظائر: 1/56 والبحث اللغوي عند فخر الدين الرازي: 314.
(3) .دراسات في فقه اللغة:174 وفصول في فقه اللغة العربية:290 .
(4) . .ينظر:فصول في فقه اللغة:290
(5) . .نظم الدرر:8/355(1/19)
ومن خلال متابعتي لظاهرة الاشتقاق عند البقاعي ، فقد وجدت البقاعي قد أشار إلى أكثر من ثلاثين ومئة لفظة في هذا الجانب ، وقد اختلف بيان التمهيد لهذه الألفاظ عنده ، وعلى سبيل التمثيل يقول: والمادة ترجع إلى كذا (1) ، وكذلك يقول : والمادة تدور على كذا (2) ، والمادة كذا بجميع تقاليبها أو تصاريفها (3) ، وهناك أكثر من هذا القبيل ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر نرى إن البقاعي وافق كثيرا من العلماء القدماء الذين أشاروا إلي قسمين من الاشتقاق وهما (4) : الاشتقاق العام أو المسمى الصرفي أو الصغير ، والاشتقاق الكبير ، وبهذا فان البقاعي أشار إلى هذين القسمين في كتابه وقد أورد أمثلة فقط.
الاشتقاق الصغير
وهو أكثر أنواع الاشتقاق ورودا في اللغة، ويسميه بعض العلماء: الاشتقاق العام (5) أوالاشتقاق الصرفي (6) أو الاشتقاق الأصغر (7) ولا خلاف بين علماء اللغة في تعريفه فهو عندهم: أخذ صيغة من أخرى ، مع اتفاقهما معنى، ومادة أصلية، وهيئة تركيب لها، ليدل بالثانية على معنى الأصل بزيادة مقيدة لأجلها، اختلفا حرفا أو هيئة، كضارب من. الضرب (8)
بيد أن الذي أجده عند البقاعي أنه تكلم على الاشتقاق وأورد أمثلة كثيرة ، إلاّ انه لم يتطرق إلى وضع حدّ له أو أن يذكر أنواع الاشتقاق ، إنما يتكلم عن اللفظة التي يقف عندها في النص ، ولم يشر إلى تقسيمات العلماء السابقين ، ولكن البقاعي عند وقوفه عند الكلمة يذكر لفظة (( اشتقاق )) وهو عنده الاشتقاق الصرفي أو يذكر المادة وتقاليبها ، وسأضع بين يدي البحث أمثلة من اشتقاق الألفاظ التي أشار إليها في أثناء كتابه ومن ذلك :
1- آدم
__________
(1) . .نظم الدرر:8/384
(2) . .نظم الدرر:8/100
(3) . .نظم الدرر:10/33
(4) . .الخصائص:2/134
(5) . .ينظر: فقه اللغة(( وافي)): 178
(6) . .ينظر: فصول في فقه اللغة العربية:291
(7) . .الخصائص:2/135
(8) . .ينظر: الخصائص:2/135 وفصول في فقه اللغة العربية:291(1/20)
اختلف اللغويون في اشتقاق ووزن ومعنى(( آدم )) وأشار البقاعي إلى اشتقاق هذه اللفظة عند وقوفه ، لبيان قوله تعالى : {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ ...} (1) فذكر: (( آدم من الأدم من الأديم وهو جلدة الأرض التي منها جسمه ، وخط ما فيه من أديم الأرض وهو اسمه الذي أنبأ عنه لفظ آدم )) (2) وقد ذكر الخليل بأن : ((أديم كلّ شيء : ظاهر جلده ، وأدمة الأرض وجهها، وقيل : سمّي آدم- عليه السلام-لأنه خلق من أدمة الأرض ، وقيل : بل من أدمة جعلت فيه )) (3) أمّا القرطبي فيشير إلى أن آدم من أديم الأرض فيقول: (( آدم مشتقة من أديم الأرض، قال سعيد بن جبير: إنما سمّي آدم، لأنه من أديم الأرض )) (4) وقد أورد ابن دريد في كتابه الاشتقاق لفظة (( آدم )) إذ قال: (( واشتقاق آدم من شيئين: إمّا من قولهم: رجل آدم بيّن الأدمة وهي سمرة كدرة ، أو تكون من قولهم : ظبي آدم ، وحمل آدم ، والآدم الظّباء الطويل القوائم ، والعنق الناصع بياض البطن ، المسكيّ الظهر ، وهي ظباء السفوح ، وقد جمعوا: أدم الظباء أدمان)) (5) أما ابن الانباري فقد نقل في الزاهر رأيا لأبن عباس عن اشتقاق آدم قال فيه: (( قال ابن عباس: آدم مأخوذ من أديم الأرض)) (6) وقد روي عن النبي((صلى الله عليه وآله وسلم )) أنه قال:(( خلق الله عزّ وجل آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء ولده على قدر الأرض منهم الأسود والأبيض والأحمر والسهل والحزن والخبيث والطيب )) (7)
__________
(1) . البقرة: 31.
(2) . .نظم الدرر:1/241
(3) . .العين:8/88 وينظر:معترك الأقران في إعجاز القرآن:2/3
(4) . .الجامع لأحكام القرآن:1/195
(5) . .الاشتقاق:لابن دريد:1/71
(6) . .الزاهر في معاني كلمات الناس:1/489
(7) . ..الزاهر:1/489(1/21)
وقد عدّ قطرب بأن آدم ليس من أديم الأرض ، مخالفا بذلك العلماء ، إذ يقول: (( لا يصح في العربية أن يكون آدم مأخوذ من أديم الأرض، لأنه لو كان كذلك لكان منصرفا, لأنه يكون فاعلا بمنزلة خاتم وطابق)) (1) وعلى هذا فان قطرب قد أخطأ, لأن آدم على ما قال النبي ((ص)) مأخوذ من أديم الأرض وهو صحيح في العربية.
وأمّا ما ذهب إليه المتأخرون من إن اشتقاق آدم من شيئين:إما من قولهم: رجل آدم بيّن الأدمة وهي سمرة كدرة، أو تكون من قولهم: ظبي آدم وجمل آدم. والادم من الظباء: الطويل القوائم والعنق الناصع بياض البطن المسكيّ الظهر (2) .
وبهذا فقد تعددت الآراء في اشتقاق لفظة (( آدم )) وعلى الرغم مما ذكر من الآراء، إلاّ أن اشتقاقها من أدمة الأرض وجهها وهو الغالب في آراء العلماء لاتفاقهم عليه ، وقد يسمى أبو البشر بذلك ، لأن جسده من أديم الأرض، وقيل لسمرة في لونه، يقال رجل آدم نحو أسمر (3) .
2 – ا سم
أورد البقاعي اشتقاق كلمة ((اسم)) عند وقوفه لبيان قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا } (4) أشار إلى اشتقاقها بقوله ((وهو جمع اسم، وهو ما يجمع اشتقاقين من السمة والسمو، فهو بالنظر إلى اللفظ وسم، وبالنظر إلى الحظ من ذات الشيء سمو، وذلك السمو هو مدلول الاسم الذي هو الوسم الذي ترادفه التسمية )) (5) .
ومن المعروف إن اشتقاق كلمة(( اسم)) هي إحدى مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين، وقد وردت على ألسنة الفريقين حجج كل منهما.
__________
(1) . .الزاهر:1/489
(2) . .ينظر:المفردات في غريب القرآن:15
(3) . .ينظر: المفردات في غريب القرآن:15
(4) . البقرة: 31.
(5) . نظم الدرر:242.(1/22)
فقد ذهب الكوفيون إلى أن الاسم مشتق من الوسم، واحتجوا بان قالوا: إنما قلنا إنه مشتق من الوسم ، لأن الوسم في اللغة هو العلامة، والاسم وسم على المسمى ، وعلامة له يعرف به (1) ونقل أبو البركات الأنباري عن ثعلب انه قال ((الاسم سمة توضع على الشيء يعرف بها )) (2) .
أما البصريون فقد ذهبوا إلى إنه مشتق من السّمو- وهو العلو – واحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا انه مشتق من السمو، لأن السمو في اللغة هو العلو، يقال: سما يسمو سموا، إذا علا، ومنه سميت السماء سماء لعلوّها ، والاسم يعلو على المسمّى ، ويدل على ما تحته من المعنى (3) وكذلك جاء عند الراغب الأصفهاني بأنه مشتق من السموّ إذ قال: (( والاسم ما يعرف به ذات الشيء وأصله سمو بدلالة قولهم: أسماء وسميّ واصله من السّموّ وهو الذي به رفع ذكر المسمى فيعرف به كل شيء أعلاه )) (4) أما القرطبي فيقول ((انه مشتق من السمو وهو العلو والرفعة )) (5) واشتقاق لفظة ((اسم)) من المسائل المتعلقة التي اختلف فيها العلماء، فالخلاصة أن في الاسم رأيين من حيث الاشتقاق، انه من السمو وهو العلو والرفعة وقد اشتقت لغة القرآن من الاسم ما يدل على انه من السمو وذلك في قوله تعالى : {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى ...} (6) والسمو هو مدلول الاسم عند البقاعي (7) .
3 – إبليس :
__________
(1) . الإنصاف في مسائل الخلاف:1/6.
(2) . .الانصاف:1/6
(3) . .الانصاف:1/6 وينظر: الفروق في اللغة:20
(4) . .المفردات:247
(5) . .الجامع لاحكام القرآن:1/71
(6) . مريم: 7.
(7) . .ينظر:الخلاف الصرفي في العربية:207(1/23)
وقد أشار البقاعي إلى هذا اللفظ في قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إلاّ إِبْلِيسَ...} (1) ، إن إبليس هو الاسم العلم على ذلك المخلوق الذي هبط إلى الأرض بعد أن عصى ربه (2) .
وصرّح البقاعي بأنه مشتق من الإبلاس، إذ قال: ((من الإبلاس وهو انقطاع سبب الرجاء الذي يكون عنه اليأس من حيث قطع ذلك السبب)) (3) .
وتجاذب هذه اللفظة أمران ، الأول ، يجعلها عربية ، الثاني يجعلها أعجمية ، ويرى أبو عبيده أنها أعجمية بقوله : ((ولم يصرف إبليس لأنه أعجمي )) (4) وهو ما ذهب إليه الزجاج بقوله : (( وإبليس لم يصرف، لأنه اسم أعجمي فيه العجمة والمعرفة فمنع من الصرف)) (5) .
وأما من جعلها عربية فانه يرى انها مشتقة من الإبلاس وهو اليأس ووزنها على هذا الباب ((إفعيل)) (6) وقد ذهب ابن السيد البطليوسي (ت 521هـ) إلى أنه مشتق من أبلس الرجل: إذا يئس، قال: (( أبلس الرجل فهو مبلس : اذا يئس من الشيء ، وندم على ما فاته منه، ومنه. اشتق ابليس )) (7) أما الأصفهاني فانه يرى إن إبليس مشتق من ابلس، يقول: (( يقال: أبلس ومنه اشتق ابليس، والابلاس: الحزن المعترض من شدة اليأس )) (8) وقد عدها السيوطي عربية بقوله: (( إبليس، إفعيل من أبلس، أي يئس )) (9)
أكثر الآراء أن إبليس اسم عربي على زنة ((افعيل )) والبقاعي يرى انه اسم عربي ومشتق من الإبلاس الذي هو اليأس وانقطاع الرجاء.
4 – الناس :
__________
(1) . البقرة: 34.
(2) . ينظر:التطور الدلالي بين لغة الشعر ولغة القرآن:475
(3) . .نظم الدرر:1/256
(4) . .مجاز القرآن:1/38 وينظر:شرح المفصل لابن يعيش:1/66 والاشباه والنظائر:3/66
(5) . .معاني القرآن واعرابه:1/114
(6) . .ينظر: العين:7/105
(7) . .الفرق بين الحروف الخمسة:857 وينظر: الجهد الصرفي عند ابن السيد البطليوسي:33
(8) . .المفردات:70
(9) . .معترك الاقران:2/32(1/24)
وقد وردت هذه اللفظة في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ} (1) ويصرح البقاعي بقوله: ان التعبير ((بلفظ الناس لظهور معنى النوس فيهم لاضطرابهم بين الحالين، لأن النوس هوحركة الشيء اللطيف المعلق في الهواء، كالخيط الذي ليس في طرفه الأسفل ما يثقله فلا يزال مضطربا بين جهتين)) (2) وجاء اشتقاق الناس من النوس في العين، اذ يقول: (( النوّس: تذبذب الشيء. ناس ينوس نوسا ، وأصل النّاس ، أناس، إلاّ ان الالف حذفت من الاناس فصارت ناسا)) (3) وجاء في المفردات رأي مقارب للخليل، إذ قال:(( الناس قيل أصله أناس فحذف فاؤه لما ادخل عليه الألف واللام، وقيل أصله من ناس ينوس إذا اضطرب)) (4) وأورد الطبرسي رأيا مماثلا لما تقدم، اذ يقول ((الناس مأخوذ من النوس وهو الحركة، وتصغيره نويس، ووزنه فعل، وقيل: أخذ من الظهور فسمّي ناسا وانسانا لظهوره وإدراك البصر إياه )) (5) إذ أجد البقاعي مؤيدا العلماء ومنهم الخليل ، إذ أخذ المعنى الذي أشار إليه الخليل وغيره و أكبر الظن الذي جعل البقاعي يميل إلى هذا الاتجاه ، لأن هذا المعنى هو الشائع والمعروف عند أكثر العلماء .
5 - الشيّطان :
__________
(1) . البقرة: 8.
(2) . .نظم الدرر:1/100-101
(3) . العين:7/303
(4) . .المفردات:510-511
(5) . .مجمع البيان:1/45(1/25)
أورد البقاعي اشتقاق لفظة ((الشيّطان)) عند تعليقه على قوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ } (1) وما أورده بشأن لفظة ((الشيّطان)) قوله:((هو مما أخذ من أصلين: من الشطن وهو البعد الذي منه سمّي الحبل الطويل، ومن الشيط الذي هو الإسراع في الاحتراق والسمن، فهو من المعنيين مشتق )) (2) وقد أجمع العلماء المسلمون وغير المسلمين من المستشرقين أن كلمة الشيّطان من اشتقاق عربي، وإنما اختلفوا في أصل اشتقاقه، فذهب قوم ومنهم الأزهري إلى اشتقاق هذه اللفظة بقوله: (( قال الليث: الشيّطان فيّعال من شطن، أي بعد، وقال: يقال: شيّطن الرجل وتشيّطن، إذا صار كالشيّطان وفعل فعله )) (3) أما ابن منظور فيقول: ((الشيّطان: فيّعال، من شطن إذا بعد فجعل النون أصلا)) (4) والشطن مصدر شطنه يشطنه شطنا، خالفه عن وجهته ونيته، والشاطن: الخبيث، ولعل الشيّطان وصف بهذا الوصف، لأنه يبعد الإنسان عن نيته بخبثه ووسوسته (5) وذهب الأصفهاني إلى أنه من شطن، إذ قال ((الشيّطان: النون فيه أصلية وهو من شطن أي تباعد)) (6)
وذهب قوم آخرون إلى أنه اشتق من شاط يشيط، أي احترق من الغضب (7) وقد أشار أبو بكر الأنباري إلى الرأيين بقوله ((في الشيّطان قولان: أحدهما أن يكون سمّي شيّطان لتباعده من الخير ، أخذ من قول العرب: دار شطون ونوى شطون، أي: بعيدة . ومنها قول الشاعر:
فأضحت بعدما وصلت بدار * * * شطون لاتعاد ولا تعود
والقول الثاني: أن يكون الشيّطان سمّي شيّطانا، لغيّه وهلاكه، أخذ من قول العرب: قد شاط الرجل يشيط، إذا هلك، قال الشاعر:
__________
(1) . البقرة: 36.
(2) . نظم الدرر:1/287.
(3) . .تهذيب اللغة: مادة شطن:11/311-312
(4) . .لسان العرب: مادة شطن:13/238
(5) . .ينظر: اصلاح المنطق:57 والتطور الدلالي بين لغة الشعر ولغة القرآن:476
(6) . .المفردات:264
(7) . .ينظر: المفردات:264(1/26)
قد نطعن العِير في مكنون فائله * * * وقد يشيط على أرماحنا البطل (1)
وقد اختلف العلماء في أصل كلمة الشّطان، فقد عدّ قوم اشتقاق (( الشيّطان )) من شطن وعدّ النون فيه أصلية، وهو بمعنى بعد، وفريق آخر: من شاط وعدّ النون فيه غير أصلية وهو المحترق، وقد عدّ البقاعي لفظة ((الشيّطان)) تجمع اشتقاقين، إما من شطن أو شاط، وان اشتقاق الشيّطان من شطن بمعنى بعد عن الخير ومال عن طريق الحق أقرب إلى الحقيقة من اشتقاقه من شاط بمعنى احترق، ذلك أن عمل الشيّطان هو إبعاد الناس عن الحق ، والذي يبعد الناس عن الحق والخير يكون هو نفسه بعيدا عنه (2) .
6- الإنجيل :
ساق البقاعي حديثه عن لفظة((الإنجيل)) عند وقوفه عند قوله تعالى: {..وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ} (3) فيقول: ((من النجل، وضع على زيادة ((إفعيل)) لمزيد معنى ما وضعت له هذه الصيغة، وزيادتها مبالغة في المعنى، وأصل النجل استخراج خلاصة الشيء، ومنه يقال للولد: نجل أبيه)) (4)
وقد تعددت الآراء في هذه اللفظة، وأدق هذه الآراء التي عوّل عليها أكثر العلماء، ما قاله الزجاج: ((إنجيل : إفعيل من النجل وهو الأصل، إذ هو الأصل، إذ هو أصل العلوم والحكم)) (5) وهكذا يقول العرب جميعاً (6) ، وعلى هذا المعنى، يجوز أن يسمّى
ذلك الكتاب بهذا الاسم؛ لأنه الأصل والمرجع إليه.
وقيل: إنه مشتق من نجلت الشيء، إذا استخرجته، ويقال للماء الذي يظهر من النزّ: نجل، فالنجل هو الماء الذي يظهر من بطن الوادي (7) .
__________
(1) . .الزاهر:1/150
(2) . .التطور الدلالي بين لغة الشعر ولغة القرآن:478
(3) . آل عمران: 3.
(4) ..نظم الدرر:4/209
(5) ..إعراب القرآن الزجاج:3/879 وينظر: معاني القرآن وإعرابه: 1/375
(6) .. ينظر: الجامع لأحكام القرآن: 4/5
(7) .. ينظر:مقاييس اللغة:977 والاشتقاق لابن دريد:2/553(1/27)
وقال أبو بكر الأنباري: ((الإنجيل مأخوذ من قول العرب: قد نجلت الشيء، إذ استخرجته وأظهرته، فسمي الإنجيل إنجيلاً؛ لأن الله أظهره للناس بعد طموس الحق ودروسه، وقال: يقال للماء الذي يخرج من النزّ: نجل، ويقال: إستنجل الوادي إذا أخرج الماء من النزّ، وإنجيل إفعيل)) (1) .
وقد أشار السيوطي إلى رأي لم يبعد كثيراً عمّا تقدم، إذ قال: ((إنجيل: إفعيل من النجل، وهو الأصل. والإنجيل اصل العلوم ويقال: هو من نجلت الشيء إذ استخرجته وأظهرته. والإنجيل مستخرج به علوم وحكم)) (2) أما البقاعي، فقد واكب أقوال العلماء فالإنجيل من النجل، وهو خلاصة الشيء، وكأن الإنجيل استخلص خلاصة نور التوراة فأظهر باطن ما شرع في التوراة.
7- التوراة:
__________
(1) ..الزاهر:1/169
(2) .. معترك الأقران: 2/33.(1/28)
وقد ورد في قوله تعالى: {... وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ} (1) وعلّق البقاعي على اشتقاق (التوراة) بقوله: (( وهو (فوعله) لو صرفت من الوري وهو قدح النار من الزند، استثقل اجتماع الواوين فقلب أولها تاء كما في اتّحاد واتّلاج واتّزار واتّزان، ونحوه. قال الحوالي: فهي توراة بما هي نور أعقبت ظلام ما وردت عليه من كفر، دعي إليها من الفراعنة، فكان فيها هدى ونور)) (2) وقد ذكر الزجاج وزن التوراة ((فوعلة)) إذ يقول: ((وزن التوراة عندنا ((فوعلة)) من: ورى الزند يرى، وأصله ((ووُرية)). فأبدل من الواو تاء، كتُخمة، وتُراث، وتولج، وقيل: أصله: ((توراه)) تفعلة، فقُلب، كما قيل في جارية: جاراة، وفي، ناصية: ناصاة.)) (3) وقد ذكر ابن الأنباري: ((لم يتكلم في معنى التوراة غير الفراء، ... قال الفراء: وأصل التوراة تَوْرَيَة على وزن تفعلة، فصارت الياء ألفاً؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها، ويجوز أن تكون تفعلة فيكون أصلها توْريَة، فينقل من الكسر إلى الفتح، كما تقول العرب: جارية وجاران وباقية وباقاة، وأنشد الفراء:
فما الدنيا بباقاة لحيٍّ * * * وما حيٌّ على الدنيا بباقِ
__________
(1) . آل عمران: 3.
(2) .نظم الدرر: 4/208.
(3) .إعراب القرآن ((الزجاج)): 3/878.(1/29)
وقال: البصريون: التوراة وزنها فوْعَلَة على وزن دَوْخلَة، وأصلها وَوْريَة، فأبدلوا من الواو الأولى تاء)) (1) وقد ذكر الزمخشري إن كلاً من التوراة والإنجيل أعجمي، إذ يقول: ((والتوراة والإنجيل اسمان أعجميان والاشتغال باشتقاقهما غير مفيد)) (2) وخلاصة القول: إن البقاعي قدّعدَّ التوراة مشتقة من الوري وهو قدح النار، ووزنها ((فوعلة)) وهو يوافق الزجاج والبصريين، وليس أصل التوراة من توْرية على زنة تَفْعلة، فالتوراة هي الضياء والنور الظاهر الذي يحيط بالأعمال وإصلاح أمر الدنيا وحصول الفوز من عاقبة اليوم الآخر فهو جامع إحاطة الظواهر.
8- النبوة:
أشار البقاعي إلى اشتقاقها عند بيان قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} (3)
__________
(1) .الزاهر: 1/168.
(2) .التفسير الكبير: 7/17.
(3) .الأحزاب: 1.(1/30)
والنبوة عند البقاعي تكون من اشتقاقين، إذ قال: ((وللنبوة اشتقاقان أحدهما من النبأ وهو الخبر، وذلك لمن اصطفى من البشر لرتبة السماع والأنباء، ونبأ من غير أن يكون عنده حقيقة ما نبي به ولا ما نبأ فيكون حامل علم، والاشتقاق الثاني من النبوة وهي الارتفاع والعلو، وذلك لمن أعلى من رتبة النبأ إلى رتبة العلم، فكان مطلعاً على علم ما ورد عليه من الغيب على حقيقته وكماله)) (1) وقال الأصفهاني: ((النبوة والنّباوة الارتفاع ومنه قيل: نبأ بفلان مكانه)) (2) وقال ابن الأنباري: ((النباوة ما ارتفع من الأرض. والأصل فيه نبيوٌ، فلما اجتمت الياء والواو والسابق ساكن أبدل الواو ياء وادغمت الياء الأولى فيها)) (3) فالنبوة أو النبي مأخوذة من نبأ، ((ونبأ ـ خبر ومنه أشتق النبيء بالهمز، وترك الهمز تحقيق، وقيل: إنه عند ترك الهمز مشتق من النبوة وهي الارتفاع)) (4)
فالبقاعي يصرح ان اشتقاق النبوة من النبأ والنبوة التي أخذ منها النبي، وهو بهذا يصرح بالرأيين الأكثر قبولاً بين العلماء والراجح عندنا من القولين وهو الأول، أي أنها مشتقة من النبأ وهو الخبر، وهي بهذا المعنى في جميع اللغات.
9- الملائكة:
__________
(1) .نظم الدرر: 15/274 ـ 275.
(2) .المفردات: 484.
(3) .الزاهر: 2/119.
(4) .معترك: الأقران: 2/539.(1/31)
ومن الألفاظ التي أشار إلى اشتقاقها كلمة ((الملائكة)) في قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ ...} (1) قال البقاعي: ((الملائكة عند أهل العربية أنه جمع ملأك مقلوب من مالك من الألك وهي الرسالة فتكون الميم زائدة ويكون وزنه مفاعله ويكون الملك من الملك وهو إحكام ما منه التصوير، من ملكت العجين، وجمعه أملاك، تكون فيه الميم أصلية، فليكن اسم الملائكة جامعاً للمعنيين منحوتاً من الأصليين)) (2) ويقول ابن الأنباري: ((هو ملك من الملائكة وهو ملأك من الملائكة، فمن قال: هو ملأك، أخرج الحرف على أصله، ومن قال ملك، حول فتحة الهمزة إلى اللام وأسقط الهمزة)) (3) والملك مشتق منه، وأصله ملأك ثم خففت الهمزة بأن ألقيت حركتها على الساكن قبلها فقيل ملك، وملأك هو مقلوب من مألك ومألك وزنه مَفْعَل في الأصل، وجمع ملأك ملائكة (4) ، وقال صاحب الكشاف: ((والملائكة جمع ملأك على الأصل كالشمائل جمع شمأل، وإلحاق التاء لتأنيث الجمع)) (5) ويتضح من ذلك أن لفظ الملائكة عند البقاعي مشتقة من ((الألك)) وهو الرسالة؛ لأن الملائكة جمع ملأك، وملأك هو مقلوب مألك ومألك أخذت من الألك وهي الرسالة، وهذا الاشتقاق يلقي ضوء على الدور الذي تقوم به الملائكة في أنهم رسل الله إلى الناس، وأعتقد أن الملائكة بهذا اللفظ هي في الأصل المهمة هذا الصنف من الخلق (6) .
10- يثرب:
__________
(1) .البقرة: 34.
(2) .نظم الدرر: 1/233ـ234.
(3) .الزاهر: 2/267.
(4) .ينظر التطور الدلالي بين لغة الشعر ولغة القرآن: 481.
(5) .الكشاف: 1/27 وينظر التطور الدلالي: 483.
(6) .ينظر:التطور الدلالي:483(1/32)
أشار البقاعي إلى اشتقاق كلمة ((يثرب)) في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ...} (1) قال البقاعي: ((اشتقاقه من الثرب الذي هو اللوم والتعنيف إظهاراً للعدول عن الإسلام، قال: ثرب وأثرب، بمعنى ثرب تثريباً ـ إذا لامه وعيرّه بذنبه وذكره به)) (2) ؛ وجاء في المفردات: ((ثرب: التّثريب التّفزيع والتّقهير بالذنب، وقوله تعالى: (يا أهل يثرب)) أي اهل المدينة، يصحّ أن يكون أصله من هذا الباب، والياء تكون فيه زائدة)) (3) وبهذا فإن البقاعي قد صرح بأن ((يثرب)) مشتقة من ((الثرب)) الذي يعني اللوم والتعفيف، ويقال: ثرب عليه ثرباً وأثرب تثريباً، إذا لامه (4) .
الاشتقاق الكبير:
قال عنه ابن جني: ((هذا موضع لم يسمّه أحد من أصحابنا غير أنّ أبا علي (رحمه الله) يستعين به ويخلد إليه)) (5) وسمّاه ابن جني الاشتقاق الأكبر (6) وقال عنه إنه: ((أن تأخذ أصلاً من الأصول الثلاثية، فتعقد عليه وعلى تقاليبه الستة معنى واحداً، تجتمع التراكيب الستة وما يتصرف من كل واحد منها عليه، وأن تباعد شيء من ذلك منه ردّ بلطف الصنعة والتأويل إليه)) (7) .
__________
(1) .الأحزاب: 13.
(2) . نظم الدرر: 15/306.
(3) . المفردات: 85.
(4) . للمزيد ينظر نظم الدرر: 5/ 351، 7/444، 9/339، 10/180، 12/190، 14/213.
(5) .الخصائص: 2/135.
(6) .نفسه: 2/136.
(7) .نفسه: 2/136.(1/33)
وقد تناول البقاعي هذا الضرب من الاشتقاق إلاّ انه لم يشر إلى التسمية التي أطلقها اللغويون عليه، إنما وجدته يكتفي بذكر الأمثلة، وهذه الأمثلة قد أخذت الجزء الأكبر من الاشتقاق عنده، التي كان يعوّل عليها كثيراً في بيان الأصول اللغوية للألفاظ في النصوص القرآنية، ثم الكشف عن مدلولاتها، ففي بعض الأمثلة يتكلم بإيجاز القول فيها بسطر أو سطرين وفي الأخرى يبسط القول حتى يصل كلامه إلى خمس عشرة صفحة، وفي بعض الأحيان يذكر تقاليب الكلمة، ويعطي الأمثلة على جميع تقاليبها، وأحياناً أخرى لا يذكر حتى تقاليبها، وإنّما يكتفي ببيان مدلول المادة.
فمن أمثلة هذا الضرب من الاشتقاق في تفسير ألفاظ الذكر الحكيم ما أورده بشأن لفظة (سرق) من قوله تعالى: {قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ } (1) .
ويبيّن البقاعي الاشتقاق الكبير لمادة (سرق) إذ يقول: ((ومادة سرق ـ بتراكيبها الأربعة: سرق، وسقر، وقسر، وقرس ـ تدور على الغلبة المحرقة والموجعة والضعف، والكثرة والقلة والمخادعة فيأتي الخفاء والليل)) (2) . ((فمن مطلق الغلبة: القسر، وهو الغلبة والقهر، وقال ابن دريد: القسر: الأخذ بالغلبة والاضطهاد، والقسورة: الأسد والعزيز، وقسر: جبل السراة كأنه موضع الصيد والقسر والغلبة والقرس ـ بالكسرـ صغار البعوض، والقسور أيضاً: الصياد مطلقاً؛ يلزمه المخادعة والاستخفاء، ومنه القسورة: نصف الليل أو أوله أو معظمه ـ لأنه محل الاستخفاء والمقاهرة.
ومنه السرق والأخذ في خفية، وسرق كفرح: خفي، والسوارق: الزوائد في فراش القفل ـ لغرابتها وخفاء أمرها، أو لسلبها السرقة بمنعها السارق من فتح القفل.
__________
(1) .يوسف: 73.
(2) .نظم الدرر: 10/173.(1/34)
ويلزم المخادعة والاختفاء نوع ضعف، ومنه: سرقت مفاصله ـ كفرح: ضعفت، والمسترق: الناقص الضعيف الخلق؛ وأسرق فتر وضعف ـ إما منه وإما من السلب؛ لأن من فتر أو ضعف يكف عن السرقة والأذى. وقسور الرجل: أسن، وكان منه القارس والقريس أي القديم، ومسترق العنق قصيرها ـ كأنه سرق منها شيئاً، وهو يساق النظر إليه، أي يطلب غفلته لينظر إليه، وتسرق شيئاً فشيئاً...
ومن الأذى بالحر السقر: حرّ الشمس، يقال سقرته الشمس ـ بالسين والصاد ـ إذا آلمت دماغه، والساقور: الحر والحديدة يكوى بها الحمار؛ ومن الأذى بالبرد: القرس ـ وهو البرد الشديد الجامد، والقرس ـ ويحرك: أبرد الصقيع وأكثفه، والقرس ـ بالتحريك ـ الجامد، واقرس: العود جمد ماؤه )) (1) .
وكذلك ما جاء في تقاليب مادة (بخس) عند بيان قوله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ ...} (2) ويعلق البقاعي على لفظة (بخس) بقوله: ((ومادة بخس بكل ترتيب من بخس وخبس وسبخ وسخب تدور على القلة ويلزمها الأخذ بالكف) (3) ومن أمثلتها: ((بخسته حقه: نقصته فجعلته أقل مما كان، والبخس: فقء العين فهو نقص خاص، والبخس: أرض تنبت بلا سقي، كأنه لقلة ما نبت بها بالنسبة إلى أرض السقي، والبخس: المكس؛ وسبخت عن فلان: خففت عنه، والسبخة: أرض ملحة، لقلة نبتها ونفعها، وسبخت القطن ـ إذا قطعته فصارت جملته قليلة، والتسبيخ: ما يسقط من ريش الطائر لنقصه منه، والتسبيخ: النوم الشديد ـ لنقصه صاحبه وتخفيفه ما عنده من الثقل.
ومن ذلك الخبس وهو الأخذ بالكف ـ وهو لازم للقلة، ومنه قيل للأسد: الخابس، لأخذه ما يريده بكفه، والسخاب قلادة من قرنفل ليس فيها جوهر ولا لؤلؤ) (4) .
__________
(1) .نظم الدرر: 10/173ـ176.
(2) .يوسف: 20.
(3) .نظم الدرر: 10/46.
(4) .نظم الدرر: 10/46ـ47.(1/35)
ومن أمثلته أيضاً إيراد تقاليب (سقم) وكونها تدل على القسم، عند بين قوله تعالى: {فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} (1) وأشار البقاعي إلى مادة (سقم) بقوله: (( ومادة (سقم) بتقاليبها الخمسة: سقم سمق قسم قمس مقس، تدور على القسم )) (2) .
ومنها ((السقام: المرض، أي لأنه يقسم القوة والفكر، وسقم طاوله المرض، ومنها أيضاً: القسم محركة ـ اليمين بالله، وقد أقسم، أي أزال تقسيم الفكر، والقسامة: الحسن؛ لأنه يوزع فكر الناظر، والقمس: الغوص ـ لأن الغائص قسم الماء بغوصه، والقمس أيضاً: اضطراب الولد في البطن لأنه يقسم الفكر، ويكاد أن يقسم البطن باضطرابه، والقاموس: معظم البحر؛ لأن البحر قسم الأرض؛ ومعظمه أحق بهذا الاسم، والقواميس: الدواهي لتقسيمها القكر، ومنها: مقس الشيء كسره، وهو يمقس الشعر كيف شاء، أي يقوله فيقسمه من باقي الكلام، ومنها سمق سموقاً: علا وطال فصار بطوله يقبل من القسمة ما لا يقبله ما هو دونه)) (3) .
والذي يتبين لي من خلال متابعتي لظاهرة الاشتقاق الكبير عند البقاعي، يشتق من الكلمات ذات الجذور الثلاثية فقط، ولم يتطرق إلى الرباعية وغيرها، هذا من جانب ومن الجانب الآخر، تختلف تقاليب الكلمة الثلاثية عنده، فبعض هذه الكلمات يكون تقاليبها أربعة والبعض الآخر خمسة أو ستة، وفي بعض الكلمات يتطرق البقاعي في اشتقاقها بالرجوع إلى أصلها سواء كانت واوية أم يائية، ومن الأمثلة التي أوردها بشأن هذا، ما جاء في تقاليب لفظه ( راد ) من قوله تعالى { وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ } (4) ويعلق قائلاً: ((مادة (راد) واوية ويائية بجميع تقاليبها السبعة: رود، ودور، وورد، ودير، وردي، وريد، ودري، تدور على الدورات، وهو الرجوع إلى موضع الابتداء، ويلزم منه القصد، والإتيان والإقبال والإدبار والرفق والمهلة
__________
(1) .الصافات: 89.
(2) .نظم الدرر: 16/254.
(3) .نظم الدرر: 16/254ـ256.
(4) .يوسف: 23.(1/36)
وإعمال الحيلة وحسن النظر، وربما يكون عن غير قصد فتأتي منه الحيرة فيلزم الفساد والهلاك) (1) .
ويبسط البقاعي القول في هذه المادة وتقاليبها، ومن أمثلتها: يقال: ((دار فلان يدور ـ إذا مشى على هيئة الخلق، والدهر دواري، لدورانه بأهله بالرفع والحط، والدوار: شبه دوران في الرأس، ودائرة القمر معروفة ، والدائرة: الحلقة، والدار: تجمع العرصة والبناء ـ لدوران بنائها، والداري: الملاح الذي يلي الرّاع، وهو القلع لأنه يديره على عمود المركب، أو لأنه يلزم دار السفينة؛ وراودت الرجل: أرادته على فعل؛ ورادت المرأة، إذا اختلفت إلى بيوت جاراتها.
والرود: الطلب والذهاب والمجيء، والمرود الذي يكتحل به، لأنه يدار في العين. والدير معروف، ويقال للرجل إذا كان رأس أصحابه: هو رأس الدير ـ كأنه من إدارة أصحابه به ـ وترديت بالرداء وارتديت ـ كأنه من الإدارة، والرداء: السيف، لأنه يتقلد في موضع الردى.
والريد ـ بالكسر ـ: الترب؛ لأنه يراودك، أي يمشي معك من أول زمانك.
ومن الإتيان: الورود وهو إتيان المورد من ماء وطريق، والوارد: الصائر إلى الماء للاستسقاء منه، وهو الذي ينزل إلى الماء ليتناول منه، والورد: معروف، والريد: أنف الجبل ـ قاله ابن فارس، وقال ابن دريد: والريد: الحيد الناتئ من الجبل والجمع ريود، ردي الرجل ـ إذا هلك) (2)
__________
(1) .نظم الدرر:10/56.
(2) .نظم الدرر: 10/56 ـ 60.(1/37)
ومن أمثلته ما جاء أيضاً بشأن اللفظة الواوية واليائية المهموزة لفظة: (وثن) من قوله تعالى: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا ...} (1) إذ قال: ((ومادة (وثن) بجميع تقاليبها واوية ويائية مهموزة تدور على الزيادة والكثرة، ويلزمها الفرقة من اختلاف الكلمة، فيلزمها حينئذ الرخاوة فيأتي العجز، وتراكيبها تسعة، في الواوي ثلاثة: وثن ثنو ثون، وفي اليائي ثلاثة ثني نثي ثين، وفي المهموز ثلاثة: أنث أثن ناث)) (2) ومن أمثلتها:
((فمن الزيادة: الوثن: وهو كل ما كان له جثة من خشب أو حجر أو فضة أو ذهب أو جوهر أو غيره ينحت فينصب فيعبد، واستوثن المال: سمن، فزاد لحمه، واستوثن من المال: استكثر، والواثن: الشيء الثابت الدائم في مكانه، فالزيادة فيه بالنسبة إلى زمانه، ومن الفرقة، نثا الحديث بتقديم النون ـ ينثوه وينثيه يائي وواوي: أي إشاعة وحدث به، والتثاون: الاحتيال والخديعة، فأنها لا تكون إلاّ عن جمع فكر وتنبيه نظر، وهي أيضاً لا تكون إلاّ من عاجز عن الأخذ جهاراً، ومن ذلك تثاون للصيد – اذا جاء مرّة عن يمينه واخرى عن يساره .
ومن الواوي اثنوني: انعطف، وأثناء الشيء:قواه وطاقاته، والاثنان: ضعف الواحد والمؤنث ثنتان، وأصله ثني، والاثنين:يوم
في الاسبوع )) (3) .
__________
(1) .العنكبوت: 17.
(2) .نظم الدرر: 14/407.
(3) .نظم الدرر:14/407-412.(1/38)
ومن أمثلته أيضاً ما جاء بشأن تقاليب كلمة((جفأ)) وهي واوية ويائية مهموزة وغير مهموزة، عند بيانه لقوله تعالى: {... فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ ...} (1) ويصرح البقاعي على تقاليب المادة بقوله: ((ومادة (جفأ)-واوية ويائية مهموزة وغير مهموزة بكل ترتيب جفأ جأف فجأ، جفي جيف فيج، جفو جوف فوج وجف- تدور على الطرح)) (2) ثم يبسط القول بالامثلة في تقاليب المادة، يقول: ((جفأ الوادي والقدر: رميا بالجفاء، وجفأالقدر والوادي: مسح غثاءه أي فطرحه – وجفأه: صرعه، والجفاء كغراب: الباطل، لأنه أهل للقذف به والطرح، والسفينة الخالية، لأنها بمعرض قذف الماء لها، وجفأت البلاد: ذهب خيرها، فكانت كأنها طرحته أو صارت هي أهلا لأن تطرح وتبعد .
ومن يائيه:جفيته أجفيه: صرعته،والجفاية- بالضم: السفينة الفارغة، والمجفي: المجفو .
ومن واويه:جفا الشيء يجفو – اذا لم يلزم مكانه, كأنه فصل من مكانه فطرح به, والجفاء والجفوة: ترك الصلة ، وأجتفيته: أزلته عن مكانه، وجفا عليه كذا: ثقل، فصار أهلا لطرحه والانفصال منه، وأجفي الماشية: أتبعها ولم يدعها تأكل .
ومن مقلوبه مهموزا: جافه: صرعه وذعره،أي قذف في قلبه رعبا ، والجئّاف –كشدّاد :الصّياح، كأنه يقذف بصوته، ورجل مجأف: لاثبات له –كأنه يقذف به من مكانه، والمجؤف: الجائع والمذعور، كأنه من الجوف، وإنما همزت واوه الاولى، لانضمامها مع انه يمكن تنزيله على انه قذف فيه ذلك.
ومن يائيه: الجيفة: جثة الميت وقد أراح ، والجيّاف –كشداد: النبّاش، وجافت، تجيف: أنتنت فصارت متهيئة للطرح والتغييب، وجيّفه: ضربه، لما رآه أهلا للعبد، وجيّف: أي فزّع وأفزع، أي طرح في قلبه رعب .
__________
(1) .الرعد:17.
(2) .نظم الدرر: 10/319.(1/39)
ومن واويه: الجوف: المطمئن من الأرض، لأنه يسع ما يطرح فيه ويمسكه، ومهما طرح من الجبال من شيء استقر به، والجوف منك: بطنك، لافتقاره إلى طرح الغذاء فيه، والأجوفان: البطن والفرج ، وجوائف النفس : ما تقعر من الجوف في مقارّ الروح ، وأجفت الباب رددته كأنه من السلب، لأنك سددت جوف البيت أو أنه شبّه الاغلاق بطرح الباب.
ومن المقلوب مهموزا: فجئه الأمر –كسمعه ومنعه: هجم عليه من غير أن يشعر كأنه قذف به اليه، وفجئت الناقة –كفرح :عظم بطنها ، كأنه قذف فيه بشيء، والمفاجيء: الأسد لأنه يخرج بغتة فيثب من غير توقف.
ومن مقلوبه واويا: الفجوة: المتسع من الأرض والفرجة –لتهيئها لما يطرح فيها، وأيضا ساحة الدار وما بين حوامي الحوافر، والفجأ: تباعد ما بين الركبتين أو الفخذين أو الساقين
ومن مقلوبه يائيا: أفاج الرجل اذا أسرع، ومنه الفيج لرسول السلطان على رجليه – كأنه لسرعته يطرح به في الأرض
ومن مقلوبه واويا: الفوج: الجماعة ، كأنهم اقتطعوا من الجمهور فقذف بهم، وفاح المسك: فاح وسطع، أي انتشرت رائحته ، والفائج : البساط الواسع من الأرض لتهيئته لما يطرح فيه.
ومن مقلوبه: وجف يجف وجيفا : اضطرب ، والوجف: ضرب من سير الابل والخيل ، وجف يجف وأوجفته ، واستوجف الحب فؤاده : ذهب به ، كأنه طرحه منه )) (1) .
__________
(1) نظم الدرر: 10/319-323..(1/40)
بيد أن الذي احب الاشارة إليه ان البقاعي قد تناول الاشتقاق الاكبر بنوع من التفصيل في بعض تقاليب كلماته، على الرغم من ان ابن جني قد ذكر ان الإحاطة بهذا النوع من الاشتقاق(( أصعب مذهبا، وأعزّ ملتمسا)) (1) وهذا يدل على المام البقاعي باصول اللغة ، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد عول البقاعي على هذا الاشتقاق لبيان الاصول اللغوية للالفاظ، التي كان يتناولها في معرض حديثه عن كلام الله العزيز، واستنباط المعاني ودلالاتها من الالفاظ والكلم، وكان اشتقاقه للكلمات من الجذور الثلاثية فقط، وتختلف تقاليب هذه الكلمات لديه، فالمعروف ان الكلمة الثلاثية تمتاز بتقاليبها الستة، ولكني أجده في بعض الكلمات يورد تقاليب أربعة واخرى خمسة أو ستة، مما جعلني أضع بعض الجداول، لبيان هذا بشكل أكثر وضوحا (2)
جداول توضيح عن الانتظام في توليد الألفاظ في الاشتقاق الكبير
3/89
4/126
5/92-182-224-349-350
7/216-260-264-401-448
8/118-132-140-147-202-244-263-285-294-296-307-310-320-326-330-339-351-384-403-434-454-491-556-570
9/16-26-38-260-338-342-346-353-356-360-371-376-386-392-398-
10/9-10-33-34-37-46-55-57-60-110-117-147- 163-173-197-210-241-243-247-256-296-303-315-319-349-441
11/4-6-30-37-44-48-112-134-150-211-217-419-487
12/26-79-280
13/39-221
14/144-407
15/67-315
16/213-314-385
17/391
19/243
20/119-381
21/10-12
جدول توضيح عن الانتظام في توليد الألفاظفي الاشتقاق الكبير
تراكيب المادة الثلاثية
الجدول (1)
... أجل (3) ... كتب (4) ... جرم (5)
أجل ... كتب ... جرم
جأل ... كبت ... جمر
جلأ ... بكت ... رجم
لجأ ... بتك ... رمج
مجر
والمادة تدل على المدة المضروبة للشيء ... والمادة بجميع تقاليبها تدور على الجمع ... مرج
__________
(1) الخصائص: 2/139.
(2) للمزيد من الألفاظ ينظر نظم الدرر:2/185-207.
(3) نظم الدرر: 9/376.
(4) نظم الدرر: 11/4.
(5) نظم الدرر: 9 /260.(1/41)
والمادة تدور على القطع
تراكيب المادة الواوية واليائية
الجدول (2)
... حاق (1) ... علا (2) ... عسى (3)
حوق ... علو ... عسي
حقو ... عول ... عيس
قحو ... لعو ... سعي
قوح ... لوع ... يسع
وقح ... وعل ... عسو
حيق ... ولع ... عوس
ليع ... سعو
المادة تدور على الإحاطة ويلزمها صلابة المحيط ولين المحاط به ... عيل ... سوع
وسع
والمادة تدور على الارتفاع ويلزمه الزيادة والميل ... وعس
وهذه المادة بجميع تصاريفها تدور على الحركة.
تراكيب المادة الواوية واليائية المهموزة
الجدول (3)
... وثن (4) ... شرى (5) ... بال (6)
وثن ... شري ... بلي
ثنو ... شير ... بيل
ثون ... ريش ... لبي
ثني ... شور ... ليب
نثي ... شرو ... يلب
ثين ... وشر ... بول
أنث ... ورش ... بلو
أثن ... رشو ... ولب
نأث ... روش ... وبل
ارش ... لوب
والمادة بجميع تقاليبها تدور على الزيادة والكثر ويلزمها الفرقة من اختلاف الكلمة فيلزمها حينئذ الرخاوة فيأتي العجز. ... أشر ... لبو
رشأ ... لبا
بال
المادة تدور على اللجاجة وهي التمادي في الانتشار ويلزمه تبين ذلك الأمر ويلزمها القوة تارة والضعف تارة أخرى ... أبل
ألب
والمادة تدور على الخلطة المحيلة المميلة، وكأن حقيقتها البلاء بمعنى، الاختبار والامتحان والتجربة في الخير والشر.
تراكيب المادة اليائية والواوية المهموزة وغير مهموزة
الجدول (4)
... اذن (7) ... بيع (8) ... صلا (9) ... قرأ (10)
إذن ... بيع ... صلو ... رقأ
ذان ... عيب ... صول ... أرق
ذون ... عبي ... لصو ... أقر
ذين ... بوع ... لوص ... قري
بعو ... وصل ... قير
والمادة ترجع إلى العلم الناشئ ... وبع ... صلي ... رقي
عن حاسة السمع المتعلق بجارحة الأذن ... وعب ... صيل ... ريق
عبو ... لصي ... يرق
عبا ... ليص ... قرو
أصل ... قور
والمادة تدور على الاتساع وعلى التصرف التام بالقوة ... صال ... رقو
روق
المادة تدور على الوصلة فالصلاة وصلة بين العبد وربه ... وقر
ورق
__________
(1) . نظم الدرر: 11/150.
(2) .نظم الدرر: 5/182.
(3) .نظم الدرر:8/404.
(4) .نظم الدرر: 14/407
(5) .نظم الدرر: 10/37.
(6) .نظم الدرر: 10/117
(7) . نظم الدرر: 8/326.
(8) . نظم الدرر: 4/136.
(9) . نظم الدرر: 10/303.
(10) . نظم الدرر: 11/6.(1/42)
والمادة تدور على الجمع ويلزمه الإمساك وربما كان عنه الانتشار
المبحث الثاني
دلالة الصيغ الصرفية
أبنية الصيغ الصرفية:
يعدّ علم الصرف من أجلّ علوم العربية واخصّها بالعناية؛ لأنه يتعلق ببنية الألفاظ العربية ويجري منها مجرى المعيار والميزان (1)
والأبنية هي: ((بناء الكلمات ووزنها وصيغتها وهيئاتها؛ التي يشرك فيها غيرها، وهي عدد حروفها المرتبة، وحركاتها المعنية وسكونها، مع اعتبار الحروف الزائدة والأصلية كل في موضعه، وإنّ أيّ تغيير في الترتيب يقود إلى تغيير في الوزن.)) (2)
تدلّ الصيغ الصرفية داخل التركيب اللغوي من جهة دلالاتها على دلالة معينة، وعند تنسيقها في التركيب اللغوي فأنها تعطينا دلالة جديدة غير دلالتها التي وضعت لها، أي بعبارة أخرى، إن الصيغ الصرفية تدلّ على معانٍ، وتنتظم هذه الصيغة داخل نظم الكلام أي السياق هو الذي يعطي معنى جديداً لها. فما انتظم عقد علم إلاّ والصرف واسطته، ولا ارتفع مناره، إلاّ وهو قاعدته، إذ هو إحدى دعائم الأدب، وبه تعرف سعة كلام العرب، وتنجلي فرائد مفردات الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية (3) ، بيد أن الذي أودّ الإشارة إليه، والذي تبين لي من خلال الإطلاع الدقيق على آراء البقاعي في الجانب الصرفي أظهر لي أن كلامه في هذا الجانب جاء على شكل إشارات مبثوثة في تفسيره، والتطرق إلى بعض الصيغ عند بيانه للنصوص القرآنية، وجاءت أبنية الصيغ الصرفية على قسمين هما:
أبنية الأسماء وأبنية الأفعال:
أبنية الأسماء:
تطرق البقاعي من خلال كلامه على ألفاظ التنزيل الكريم، إلى بعض الصيغ الاسمية، وبيان دلالاتها داخل النص، ومن الصيغ التي وردت عند البقاعي هي:
1- فَعْلة:
__________
(1) .ينظر: التعريفات: 76.
(2) .شرح الشافية: 1/2.
(3) .ينظر: شذا العرف:15.(1/43)
وأشار الدكتور فاضل السامرائي إلى أنهم: ((استعملوا فَعْلة، للمرة من الفعل الثلاثي، كقولهم: قعدت قَعْدَةً وأتَيْتُ أَتْيةً)) (1) وقد جاء بشأن هذه الصيغة ودلالتها على المرة عند بيان قوله تعالى: ((نزلة أخرى)) (2) فهو يقول: ((وانتصب على الظرفية؛ لأن الفَعْلة بمعنى المرة)) (3) أي ليكمل الأمر مرة في عالم الكون، وهذا الوزن أعني (فَعْلة)) لا يوجد له نظير في اللغات السامية (4) .
2- فَعُول:
تدلّ صيغة ((فَعُول)) على المبالغة، وقد ذكر الفارابي أنّ فعولاً لمن دام منه الفعل (5) ، وذكر آخرون وهو لمن كان قوياً على الفعل مثل: صبور وشكور (6) . وذكر البقاعي أنّ هذه الصيغة تدلّ على المبالغة في قوله تعالى: {... إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} (7) إذ يقول: ((وفي صيغة فَعُول المبالغة)) (8) فالمعنى: دلالات لكل من كان عادته الصبر على بلاء الله والشكر على نعمائه، وإنّما جمع بينهما؛ لأن حال المؤمن لا يخلو من نعمة يجب شكرها أو محنة يجب الصبر عليها، فالشكر والصبر من خصال المؤمنين (9)
3- فَعِيل:
__________
(1) .معاني الأبنية: 38.
(2) .النجم: 13.
(3) .نظم الدرر: 19/52.
(4) .ينظر: معاني الأبنية: 39.
(5) .ديوان الأدب: 1/85 وينظر معاني البنية: 114.
(6) .ينظر: الفروق في اللغة: 15.
(7) .إبراهيم: 5.
(8) .نظم الدرر:8/482
(9) .ينظر: مجمع البيان: 6/304.(1/44)
وتأتي هذه الصيغة للمبالغة، وهو في المبالغة يدلّ على معاناة الأمر وتكراره، حتى أصبح كأنه خلقة في صاحبه وطبيعةً فيه (1) . وهذا ما أورده البقاعي في قوله تعالى: {... وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} (2) فالمعنى: أي شديد الكظم لامتلائه من الكرب ما منع نفسه من عمل ما يقتضيه، ويشير البقاعي إلى لفظة كظيم على زنة (فَعِيل)، وهو للمبالغة في الحزن، إذ قال: ((وذلك اشد ما يكون على النفس واقوى ما يكون للحزن، وهو فَعِيل بمعنى مفعول، وهو أبلغ منه)) (3) فقد أبان البقاعي أن صيغة (فَعِيل) من حيث إنّه صفة مشبهة أبلغ من صيغة مفعول في الدلالة، وقال السيوطي: ((كظيم)): إنه فيعل بمعنى فاعل أي شديد الحزن على أولاده. أو كاظم لحزنه لا يظهره لأحد، ولا يشكو إلاّ لله. وقيل: بمعنى مفعول؛ كقوله: ((إذْ نَادَى وَهْوَ مَكْظُوم) (4) أي مملوءُ القلب بالحزن أو بالغيظ على أولاده)) (5) .
4- فعّال:
وتدلّ هذه الصيغة على المبالغة، لأن فعالاً منقولة عن فعّال في الصنعة، لأن الأصل في المبالغة هو النقل من شيء إلى آخر؛ فتحصل عند ذلك المبالغة، وهذا البناء يقتضي المزاولة والتجديد، لأن صاحب الصنعة ملازم لها (6) .
__________
(1) .ينظر: معاني الأبنية: 117
(2) .يوسف: 84.
(3) .نظم الدرر: 10/196.
(4) .القلم: 48.
(5) .معترك الأقران: 2/228.
(6) .ينظر: معاني الأبنية: 108.(1/45)
وقال أبو هلال العسكري: ((إذا فعل الفعل وقتا بعد وقت قيل فعّال مثل صبّار)) (1) وأورد البقاعي هذه الصيغة عند بيان قوله تعالى: {... إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} (2) إذ يقول: ((لكل صبار أي بليغ الصبر على بلاء الله)) (3) فالصبّار ذلك الذي صبّره الله في الله ولله وبالله فهذا لو وقعت عليه جميع البلايا لا يجزع ولا يتغير من جهة الوجوب.
5- مَفْعَل:
وتستعمل هذه الصيغة لدلالة على المكان والزمان، وأشار إلى دلالتها على المكان في قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ...} (4) يقول البقاعي (والمَسْجَدُ ومَفْعَل لموضع السجود وهو أخفض محط قائم)) (5) .
وأما المَسْجِدُ ـ بكسر الجيم ـ فهو اسم لبيت مخصوص يكون فيه السجود وليس المراد به موضع جبهتك على الأرض، ولو كان المراد ذلك لقيل: مَسْجَد ـ بفتح الجيم ـ على القياس، والمَسْجِدُ من الألفاظ التي شذّت في العربية وقياسها هو الفتح (6) .
6- مِفْعَال:
تدلّ هذه الصيغة على دوام الشيء، وجاءت كذلك عند البقاعي في قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} (7) فقد ذكر البقاعي أنه: ((مِفْعَال من الوعد وصيغ لمعنى تكرره ودوامه، والوعد العهد في الخير)) (8) فإن صيغة مِفْعَال، تكون لمن دام منه الشيء وكان ذلك عادة له (9) .
7- مفاعلة:
وتدل على المبالغة، وجاء في قوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إلاّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ} (10) .
__________
(1) .الفروق في اللغة: 15.
(2) .إبراهيم:5.
(3) .نظم الدرر: 10/381.
(4) .البقرة: 114.
(5) .نظم الدرر: 2/118.
(6) .ينظر: معاني الأبنية: 42.
(7) .آل عمران: 9.
(8) .نظم الدرر: 4/251.
(9) .الفروق في اللغة: 15.
(10) .البقرة: 9.(1/46)
ينص البقاعي على دلالة صيغة (مفاعلة) على المبالغة، فيقول: ((والمفاعلة في اصلها للمبالغة، لأن الفعل متى غولب فيه فاعله جاء أبلغ وأحكم منه إذا زاوله وحده)) (1) ، فالمعنى: يبالغون في معاملته هذه المعاملة بإبطان غير ما يظهرون مع ما له من الإحاطة بكل شيء، والخداع أصله الخفاء.
8- فعلان:
وتدلّ هذه الصيغة على الامتلاء بالوصف إلى الحد الأقصى (2) ، وقد أورد البقاعي صيغ (فعلان) دالة على الامتلاء في قوله تعالى: {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (3) فالمعنى: الفرقان هو ما يفرق بين الحق والباطل، وهذا وصف لكل كتاب سماوي وشريعة إلهية وهو من ((الفرق. فعلان لفظ مبالغة تفهم استغراقاً وامتلاءً وعظماً فيما استعمل فيه)) (4) وهو إظهار ما ألبسته الحكمة الظاهرة للأعين بالتبيان؛ لفرقان لبسه بما تسمعه الأذن، ففي الآية إشارة إلى بُعدهم عن مقام الشكر والاهتداء لإفراطهم في اللجاجة والعصيان (5) وكذلك تدلّ صيغة (فعلان) للمبالغة في قوله تعالى: {إلاّ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} (6) ولما كان في ذلك غاية الهول والتعريف بغباوتهم تنبيهاً على رسوخهم في ذلك الوصف (أتى بصيغة الفعلان المفهم مطلقاً للمبالغة) (7) أي مبالغاً في الخسارة وأنه لا خسران غيره.
__________
(1) .نظم الدرر: 1/106.
(2) .ينظر : معاني الأبنية: 91.
(3) .البقرة: 53.
(4) .نظم الدرر: 1/169.
(5) .ينظر: مواهب الرحمن: 1/238.
(6) .الزمر: 15.
(7) .نظم الدرر: 16/476.(1/47)
وكذلك تدلّ على التكثير في قوله تعالى: {وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (1) رضا العبد عند الله أن لا يكره ما يجري به قضاؤه، ورضا الله عن العبد هو أن يراه مؤتمراً لأمره ومنتهياً عن نهية، وهو رضا كثير ((أي لا يبلغه وصف واصف، بما تشير إليه صيغة المبالغة، ولو كان على أدنى الوجوه بما أفاده التنوين)) (2) والرضوان: الرضا الكثير، ولمّا كان أعظم رضا الله تعالى خصّ لفظ الرضوان في القرآن بما كان من الله تعالى (3) .
9- فُعْلَى:
وتدلّ عند البقاعي للمبالغة، في قوله تعالى: { وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ} (4) فالوثقى التي لا يقع شك في أنها أوثق الأسباب في نجاته بها ألقى بيده واستسلم لربه، ((والوثقى فُعْلَى، للمبالغة من الثقة بشدة ما شأنه أن يخاف وهنه)) (5) .
10- افْتِعَال:
وتخرج هذه الصيغة للدلالة على التعمد والقصد، وقد أشار البقاعي إلى هذا الشأن في قوله تعالى: { وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} (6) .إذ قال: ((وهو افتعال من الصفوة وهي: ما خلص من اللطيف عن كثيفه ومكدره، وفي صيغة الافتعال من الدلالة على التعمد والقصد ما يزيد فيها أشير إليه من الشرف)) (7) وأشار الطبرسي إلى أن اصطفيناه على وزن افتعلنا، إذ قال: ((واصطفينا على وزن افتعلنا من الصفوة، وإنّما قلبت التاء طاءً؛ لأنها أشبه بالصاد بالاستعلاء والإطباق وهي من مخرج التاء فأتي بحرف وسط بين الحرفين)) (8) .
2- أبنية الأفعال:
من الصيغ الفعلية التي تكلم عليها البقاعي خلال كتابه نظم الدرر هي:
1- استفعل:
__________
(1) .التوبة: 72.
(2) .نظم الدرر: 8/546.
(3) .ينظر: المفردات: 203.
(4) .البقرة: 256.
(5) .نظم الدرر: 4/43.
(6) .البقرة: 130.
(7) .نظم الدرر: 2/164.
(8) .مجمع البيان: 1/211.(1/48)
وتدلّ على الطلب، وذكرها البقاعي؛ للدلالة على هذا الغرض في قوله تعالى: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً} (1) فالمعنى أنكم توافقون الداعي، فتفعلون ما أراد بدعائه وتطلبون إجابته، و شعاراً لدعائه والاستجابة للبعث تنبيهاً على سرعتها ((لما يرشد إليه صيغة استفعل، وأنتم مع سرعة الإجابة تحمدون الله تعالى)) (2)
وتأتي هذه الصيغة للتدرج، وجاء في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} (3) يقول البقاعي: ((إن الاستدراج يكون بواسطة وبغيرها، فكأنه قال: سأستدرجهم بنفسي من غير واسطة تارة، وبمن أتيح لهم النعم على يده من عبيدي، تارة أخرى)) (4) وقال القرطبي: ((الاستدراج هو الأخذ بالتدرج منزلة بعد منزلة)) (5) وقال القشيري: ((والاستدراج أن يريد الشيء ويطوي عن صاحبه وجه القصد حتى يأخذه بغتة فيدرج إليه شيئاً بعد شيء)) (6) فالمعنى: أي نستزلهم ونستدنيهم بوعد لا خلف فيه إلى ما نريد بهم من الشر العظيم درجة وردة بسبب أنهم كلما أحدثوا جريمة أسبغنا عليهم نعمة.
2-افتعل:
__________
(1) .الإسراء: 52.
(2) .نظم الدرر: 11/440.
(3) . الأعراف: 182.
(4) . نظم الدرر: 8/179.
(5) . الجامع لأحكام القرآن: 7/329.
(6) . نظم الدرر: 20/328.(1/49)
ذكر البقاعي لهذا الوزن معنى المطاوعة في قوله تعالى: {... فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} (1) إذ يصرح قائلاً: ((عبر بصيغة ((افتعل)) التي فيها تكلف وتتميم للتبع الناشئ عن شدة الاهتمام الذي أسعفته به من أوامر الكتاب والرسول المؤيد بدلالة العقل، وللتعبير بصيغة افتعل)) (2) فالمعنى: أن الشقاء في الآخرة هو عقاب من ضل في الدنيا عن طريق الدين، فمن قرأ القرآن، واتبع ما فيه عصمة الله من الضلالة، وهذه الآية تدلّ على أن المراد بالهدى الذي ذكره الله تعالى اتباع الأدلة واتباعها لا يكتمل إلاّ بأن يستدل بها وبأن يعمل بها، ومّنْ هذه حاله فقد ضمن إلاّ ّيضل ولا يشقى في الآخرة (3) .
دلالة الجمع:
تناول علماء العربية هذه الظاهرة في دراساتهم اللغوية والنحوية، وخصّها طائفة من المتأخرين والمحدثين بمؤلفات خاصة بها (4) ، فالجمع: ((هي صيغة مبنية على العدد الزائد على اثنين)) (5) ويحدث فيه ضم اسم إلى أكثر منه بشرط اتفاق الألفاظ والمعاني (6) .
إمّا البقاعي فكان كلامه عابراً على صيغ الجمع مبثوثاً في أثناء تفسيره، وقد أشار إلى بعض المسائل منها.
1- وضع المفرد موضع الجمع:
__________
(1) .طه: 123.
(2) .نظم الدرر: 12/361.
(3) .البحر المحيط: 6/265.
(4) .ينظر: شرح جمل الزجاج: 1/145، وجوهر القاموس في الجموع والمصادر: 26 ومن علوم القرآن وتحليل نصوصه: 170 والبحث الدلالي في تفسير التبيان: 84.
(5) .الصاحبي: 395.
(6) .ينظر: البحث الدلالي في تفسير التبيان: 84.(1/50)
والدلالة على وضع المفرد موضع الجمع، وهي أن المتكلم جعل الجمع كنفس واحدة؛ لشدة تماسكهما واتصالهما وليست ذواتاً متعددة تفصل إحداهما عن الأخرى، فيحدث بينهما التمايز والافتراق (1) . وما ذكر البقاعي بشأن هذه الدلالة عند كلامه على قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ...} (2) إذ علّق البقاعي قائلاً: ((ولما كانت الكتب السماوية من شدة تصادقها كالشيء الواحد عبّر بالمفرد لإفادته ما يفيد الجمع وزيادة دلالة على ذلك)) (3) هذا التعبير من إعجاز القرآن الكريم، فعبّر سبحانه وتعالى بصيغة المفرد وهو ((الكتاب)) للدلالة على الجمع؛ لأن القرآن الكريم هو أحد الكتب المنزلة على رسل ربّنا والقرآن منزّل على الرسول الكريم(ص)، وبما أن اتجاه الكتب هذه وهو واحد، وهي الدعوة إلى الله سبحانه، ومصدرها واحد وهو عزّ وجل، فعبّر بالمفرد لشدة تشابهها من مختلف جوانبها.
2- التعبير بجمع القلة عن الكثرة:
وقد ذكر هذا في قوله تعالى: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ } (4) فقد صرّح البقاعي قائلاً: ((وعبّر بجمع القلة عن الكثرة؛ لأن عادة العرب أن تستعيره لها وهو أرشق وأشهر من بيبان، وسياق العظمة يأبى كونه لغيرها)) (5) .
والتعبير بصيغة الجمع في هذا الموضع الذي كان ينبغي التعبير عنه بالكثرة، وسبب العدول هو إرادة التعظيم لهذا الشيء.
__________
(1) .من علوم القرآن وتحليل نصوصه: 168.
(2) .المائدة: 48.
(3) .نظم الدرر: 6/180.
(4) .القمر: 11.
(5) .نظم الدرر: 19/104.(1/51)
ومن ذلك ما جاء في قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ...} (1) إذ قال تعليقاً عليها: ((وعبّر عن جمع الكثرة بجمع القلة إشارة إلى إنّها وإن تجاوزت الحصر فهي كنفس واحدة)) (2) والمعنى يتوفى الأنفس حين موتها، ويتوفى التي لم تمت في منامها التي يكون بها الحياة والحركة، والنفس التي تميز بها، والتي تتوفى في النوم نفس التميز لا نفس الحياة؛ لأن نفس الحياة إذا زالت زال معها النّفس (3) وكون النفس تقبض والروح تبقى في الجسد حالة النوم بدليل أنه يتقلب ويتنفس دلّ على التغاير وكونها شيئاً واحداً (4) .
المبحث الثالث
دلالة الاسم والفعل
دلالة الاسم والفعل
تعدّ كتب التفسير من أهم المصادر التي يعوّل عليها في دراسة النحو القرآني، ونعني بالنحو دراسة الكلمة وتحليلها في سياقها العام، وتحديد وظيفتها الدلالية في التركيب الذي بفضله يتبيّن المعنى العام للكلمة (5) .
ومن هذا المجال الذي تحتله كتب التفسير في النحو القرآني تأتي أهمية دراسة الاسم والفعل من خلال كتب التفسير.
وقد عني أغلب النحاة الأوائل بدلالة الجملتين الاسمية والفعلية، وربطوا هاتين الدلالتين بالشكل التكويني لكل منهما، فالمصدّرة باسم جملة اسمية، وتكتب من تصدرها الدلالة على الاستقرار والثبوت، أمّا المصدّرة بالفعل فهي جملة فعلية تكتسب من تصدّر الفعل الدلالة على التغيير والحدوث (6) .
__________
(1) . الزمر: 42.
(2) . نظم الدرر: 16/518.
(3) . ينظر: معاني القرآن للفراء: 2/300 ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج: 4/268.
(4) .ينظر: البحر المحيط: 7/414.
(5) .ينظر: الزمن في القرآن الكريم: 4.
(6) .الدلالة في النحو العربي: 84 وينظر: البحث الدلالي في تفسير التبيان: 243.(1/52)
وقد فسر البقاعي القرآن الكريم بتعرضه لكل مظاهر اللغة العربية،من بيان المفردات وإعراب الكلمات، وتصريف المشتقات، وبيان دلالة الاسم والفعل، فضلاً عن تطرقه إلى القراءات القرآنية من أجل الوقوف على المعنى لكل نص قرآني، فقد وقف البقاعي عند الكثير من النصوص القرآنية؛ لبيان دلالة الجملة الاسمية والفعلية، وقد وافق البقاعي رأي النحاة بأن الاسم يفيد الثبوت والفعل يفيد التجدد والحدوث (1) ،فإن الأفعال مقيدة بالزمن، فالفعل الماضي مقيد بالزمن الماضي على الأغلب، والمضارع مقيد بزمن الحال والاستقبال في الغالب، في حين أن الاسم غير مقيد بزمن من الأزمنة فهو أشمل وأعم واثبت (2) . وأشار القزويني إلى هذا المعنى في قوله: ((وأما كونه ـ يعني المسند ـ فعلاً فللتقيد بأحد الأزمنة الثلاثة على أخصر ما يكون مع إفادة التجدد، وأما كونه اسماً فلإفادة عدم التقييد والتجديد)) (3) .
دلالة الاسم:
سار البقاعي في تفسيره في بيان دلالة الاسم والفعل بانياً آراءه على آراء النحويين متخذاً من آرائهم طريقاً لبيان النصوص القرآنية، وهذا يدلّ على إلمام البقاعي إلماماً يعتد به في اللغة العربية وآراء العلماء السابقين.
__________
(1) .ينظر: دلائل الإعجاز: 182 ومعاني الأبنية في العربية: 9.
(2) .معاني الأبنية في العربية:9.
(3) .الايضاح في علوم البلاغة: 1/87.(1/53)
فقد ورد في دلالة الاسم على الثبات في قوله تعالى: {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إلى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ} (1) هذه الآية المباركة تبين صفة أخرى للمنافقين، وهي المراهنة بإظهار شيء وإضمار خلافه، ولا تكون هذه إلاّ فيمن بلغ في فساد الأخلاق حداً بعيداً، فيظهر بوجهين، ويتكلم بلسانين يلقى كلاً بحسب ما تقتضيه المصلحة، وهم يرون ذلك من مصالحهم الفردية والاجتماعية، وهذه الفئة من المنافقين لم تكن تختص بعصر التنزيل، بل توجد في كل عصر وزمان (2) . فقد فرّق سبحانه وتعالى بين قولهم للمؤمنين وقولهم لأصحابهم، فقد خاطبوا المؤمنين: ((معبرين بالجملة الفعلية الماضية التي يكفي في إفادتها لما سيقت له أدنى الحدوث)) (3) وخاطبوا جماعتهم: ((معبرين بالاسمية الدالة على الثبات مؤكدين لها دلالة على نشاطهم لهذا الاخبار)) (4) فهم فيما أخبروا به عن أنفسهم من الثبات على اليهودية والقرار على اعتقاد الكفر والبعد من أن يزولوا عنه على صرف رغبة، ووفور نشاط، وارتياح للمتكلم (5) .
فقد أشار البقاعي إلى أنّ التعبير بالجملة الفعلية في قوله ((آمنّا)) دال على الحدوث والتجدد، وليس هذا الإيمان ثابت إنّما متجدد ومتغير بالنسبة للمنافقين، أمّا قوله تعالى: ((إنّا معكم)) فثابت فيهم، فالمعنى خاطبوا المؤمنين بالجملة الفعلية والشياطين بالجملة الاسمية المؤكدة بأنّ، لأنّهم قصدوا أحداث الإيمان، وبالثانية تحقيق ثباتهم على ما كانوا عليه، ولأنّه لم يكن لهم باعث من عقيدة وصدق ورغبة فيما خاطبوا به المؤمنين (6) .
__________
(1) .البقرة: 14.
(2) .ينظر: مواهب الرحمن: 1/95.
(3) .نظم الدرر: 1/114.
(4) .نظم الدرر: 1/115.
(5) .ينظر: الكشاف: 1/142 ومعاني الأبنية: 13.
(6) .ينظر: نظم الدرر: 1/115.(1/54)
وكذلك ما جاء دالاً على الثبات في الجملة الاسمية في قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ} (1) يقول البقاعي: ((فقال معبراً بالجملة الاسمية الدالة على الثبات ((وما أنا من المهتدين)) أي شيء من الهداية)) (2) فالمعنى: ولما كان من المعلوم أن الهوى لا يدعو إلى الهدى، بل إلى غاية الردى،حقق ما أفهمته هذه الجملة أي أنه ثابت فيهم، وربما كان الضال قد يرجع ويطلب مغفرة الله إلاّ أنهم ليس كذلك لعراقتهم في الهلاك، أي أنه ثابت على الدوام فيهم، وهذا ما دلت عليه الجملة. الاسمية الدالة على الثبات.
__________
(1) .الأنعام: 56.
(2) .نظم الدرر: 7/132.(1/55)
وكذلك ما جاء في المضمار نفسه قوله تعالى: {تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إلى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ} (1) إذ يقول البقاعي: ((مشيراً بالجملة الاسمية إلى ثبوت دعوته وقوتها)) (2) فالمعنى: أنهم دعوه إلى ما هو عدم، وهو عبادة الأوثان، فضلاً عن أن يكون نفعاً أو ضرّاً، وفي الجملة الفعلية إشارة إلى بطلان دعوتهم وعدم ثبوتها، وبين لهم أنه ما دعاهم إلاّ لمن له الكمال كله ولا نفع ولا ضر إلاّ بيده، وثبوت قدرته سبحانه وتعالى في جميع الامور، وقد أشار أبو البقاء في الكليات: ((والجملة الاسمية موضوعة للأخبار بثبوت المسند للمسند إليه بلا دلالة على تجدد أو استمرار، إذا كان خبرها اسماً فقد يقصد به الدوام والاستمرار الثبوتي بمعونة القرائن... وإذا كان خبرها مضارعاً فقد تفيد استمراراً تجددياً، إذا لم يوجد داعٍ إلى الدوام...)) (3) فالمقصود من النص أن الاسم يدلّ على الثبوت إذا كان المسند اسماً، أمّا إذا كان فعلاً فلا يفيد ذلك، وهذا ما أشار عليه البقاعي في قوله تعالى: ((وأنا أدعوكم)) أي: وقع دعاءكم الآتي وقبله وبعده إلى بالغ العزة الذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء (4) .
__________
(1) .غافر: 42.
(2) .نظم الدرر: 17/77.
(3) .الكليات: 140 وينظر: معاني الأبنية: 17.
(4) .ينظر: نظم الدرر: 17/77.(1/56)
وهناك مجموعة كبيرة من الأمثلة التي أشار إليها البقاعي في هذا الجانب نذكر منها بشكل موجز، ومنها ما جاء في قوله تعالى: {...وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} (1) يقول البقاعي: ((وأعظم التهديد بالاستفهام والجملة الاسمية الدالة على الثبات بعد التأكيد بالحصر والضم إلى فعل الجاهلية)) (2) وكذلك في قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} (3) إذ أكد البقاعي على الثبات بقوله: ((فقال مستأنفاً معبراً بالاسمية الدالة على الثبات وبـ ((من)) للدلالة على التصريح تهويلاً بفناء العاقل على فناء غير العاقل)) (4) وكذلك قوله تعالى: { وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواِ} (5) إذ أشار البقاعي إلى النص بقوله: ((ولما كانت الحصون تمنع إتيان الامداد، ودلّ على قوة ظنهم وثباته بالجملة الاسمية)) (6) في النص القرآني يدلّ تقديم الخبر على المبتدأ على فرط وثوقهم بحصانتها ومنعها إياهم، وفي جعل ضميرهم اسم أن وإسناد الجملة إليه دليل على اعتقادهم في أنفسهم أنهم في عزّ ومنعة.
دلالة الفعل:
درس المفسرون صيغة ((تفعل)) في القرآن الكريم في جوانبها الزمنية التي يضيفها السياق، إذ وجدوا أنّ مقولات بعض النحويين المتعلقة بحصر هذه الصيغة في الحال والاستقبال لا تستوعب كل المقامات الزمنية التي تعبر عنها هذه الصيغة المجردة، وإنّما تنتقل إلى مواقع زمنية من الصيغ مزيجاً من التحليلات النحوية والبلاغية (7) .
__________
(1) .المائدة: 91.
(2) .نظم الدرر: 6/294.
(3) .الرحمن: 27.
(4) .نظم الدرر: 19/165.
(5) .الحشر : 2.
(6) .نظم الدرر: 19/408.
(7) .ينظر: الزمن في القرآن الكريم: 18.(1/57)
فالجملة الفعلية، مفادها الإخبار بمطلق العمل مقروناً بالزمان من غير أن يكون مبالغة وتوكيداً (1) ، إذْ يدلّ على صور عديدة من الأحداث والأزمان الدالة على التغيير والتجدد، فهي موضوعة لتصوير الحدث في الماضي أو الحال أو المستقبل، فتدل تجدد سابق أو حاضر أو آتٍ (2) .
ويعدّ البقاعي أحد المفسرين الذين ساروا على نهج المفسرين السابقين، ووافق في نظرته إلى الأفعال ما أشار إليه المفسرون واختلاف دلالاتها الزمنية المتنوعة، وقد أشار البقاعي إلى أنواع الأفعال في تفسيره معتمداً على قول الواحدي (3) ، إذ يقول البقاعي: (( كما ذكر الواحدي أنّ الأفعال على ثلاثة أضرب: فعل للثبات والاستقرار كالعلم واليقين والبيان، تقع بعده الثقيلة دون الخفيفة، وفعل للزلزلة والاضطراب، كالطمع والخوف والرجاء، فلا يكون بعده إلاّ الخفيفة الناصبة للمضارع، وفعل يقع على وجهين كحسب: تارة تكون بمعنى طمع، فتنصب، وتارة بمعنى علم...)) (4) وقد أشار البقاعي إلى مجموعة كبيرة من الأفعال متطرقاً إلى بيان دلالة هذه الأفعال، ومن الدلالات التي أشار إليها البقاعي هي:
1- دلالة الفعل على التجدد والاستمرار:
وقد جاء في قوله تعالى: {وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} (5) ويقول البقاعي: ((وعبّر بالمضارع للتجدد بتجدد الذبح بخلاف المركوب)) (6) فالمعنى: أن التعبير بالجملة الفعلية دال على تجدد الذبح والاستمرار فيه من أجل الأكل، على عكس الركوب فإن فيه ثباتاً دائماً، إذ به يتم الانتقال من مكان إلى آخر.
__________
(1) .أساليب بلاغية ((مطلوب)):142.
(2) .البحث الدلالي في تفسير التبيان: 247.
(3) .الواحدي: هو علي بن أحمد النيسابوري، كان واحد عصره في التفسير، صاحب التفاسير الثلاثة: البسيط والوسيط والوجيز (ت468هـ) ينظر: طبقات المفسرين: 1/387.
(4) .نظم الدرر: 6/245ـ246.
(5) .يس: 72.
(6) .نظم الدرر: 16/173.(1/58)
وكذلك ما جاء في قوله تعالى: {هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ} (1) فالمعنى: كما كانوا يقولون عناداً أن القرآن بما فيه أقصى درجات التكذيب: ((فقال مقدماً للظرف إشارة إلى ذلك في الدنيا على التجدد والاستمرار)) (2) فكانت صيغة ((يفعل)) (تكذبون) دالةً على تجدد الكذب لديهم، واستمرارهم عليه حتى يذوقوا عذاب الله سبحانه وتعالى الذي أعدّه للمكذبين.
وقد يأتي المضارع دالاً على الاستمرار بقطع النظر عن الأزمنة التي يرد فيها، أي أنّه يدلّ على الأزمنة العامة وهذا يأتي في سياق لا يقع فيه الحدث في زمن خاص، ولكنه يحدث في كل زمن، أو عندما يدلّ على تقليد سارت عليه طائفة من الناس أو أمة من الامم (3) .
__________
(1) .الطور: 14.
(2) .نظم الدرر: 19/11.
(3) .ينظر: الزمن في القرآن الكريم: 11.(1/59)
وقد أشار البقاعي إلى هذا الغرض في الأفعال في قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ إلاّ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (1) فالمعنى ((وتطمئن قلوبهم)) أي الذين اعترفوا بتوحيد الله على جميع صفاته ونبوة نبيه وقبول ما جاء به من عند الله وتسكن قلوبهم بذكر الله وتأنس إليه، بعد الاضطراب بالشكوك لإيجادهم الطمأنينة بعد صفة الإيمان إيجاداً مستمراً دالاً على ثبات إيمانهم لترك العناد: ((وهذا المضارع في هذا التركيب مما لا يراد به حال ولا استقبال، إنّما يراد به الاستمرار على المعنى مع قطع النظر عن الأزمنة)) (2) وهذا حثُّ للعباد على تسكين القلب إلى ما وعد الله به من النعيم والثواب والطمأنينة إليه، فإن وعده سبحانه صادق ولا شيء تطمئن النفس إليه ابلغ من الوعد الصادق (3) .
2- دلالة الفعل على التصوير:
__________
(1) .الرعد: 28.
(2) .نظم الدرر: 10/336.
(3) .للمزيد ينظر نظم الدرر: 2/73، 3/203، 4/461، 5/402، 6/133، 8/238، 11/27، 13/33 ـ 82 ـ 370، 14/225، 16/173، 17/238، 18/144ـ 153 ـ 391، 19/11 ـ 96 ـ 101 ـ 167 ـ 213 ـ 255 ـ 258 ـ 281، 20/256، 21/63 ـ 219، 22/117.(1/60)
وجاء في قوله تعالى: { ... قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (1) ويبين البقاعي دلالة الفعل بقوله: ((وفي صيغة المضارع تصوير لشناعة هذا القتل بتلك الحالة الفضيعة)) (2) وهذا النص نزل في قوم من اليهود، وكانوا على عهد النبي محمد(ص) لم يقتلوا أنبياء الله بأيديهم، ولا كانوا في زمانهم، وإنّما قتلهم أولياؤهم الذين كانوا من قبلهم، وتصرون على قتلهم من بعد، وفي النص، إيماء إلى تحريضهم على قتل النبي(ص) تحذيراً منهم، ولقد صدق هذا الإيماء الواقع، فقد عزم بنو النضير على أنْ يلقوا عليه صخرة، وسمّه أهل خيبر، فكان التعبير بالمضارع تصويراً لحال اليهود وما أقدموا عليه من شناعة فعل القتل (3) .
وكذلك ما جاء في قوله تعالى دالاً على تصوير الحال قوله تعالى: {... أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا...} (4) فالمعنى: لما دعاهم إلى الحق وقدم لهم من الأدلة ما هم به معترفون، وسهّل لهم طريق الوصول إلى الله سبحانه وتعالى، ما كان جوابهم إلاّ أن سلخوه من طور البشرية؛ لمحض التقليد على ما سار عليه آباؤهم، فأجلبوا من يرونه سبباً قريباً في وجودهم، ولم يهابوا من أوجدهم وآباءهم أولاً من الأرض وثانياً من النطف، ((وعبروا بصيغة المضارع تصويراً للحال كأن آباءهم موجودون، فلا تمكن مخالفتهم إجلالاً لهم)) (5) بعد ذكر الحامل لهم على الكفر المانع لهم من تركه وما يوجب القطع لكل عاقل من آيته الباهرة لم يؤثر عندهم إلاّ ما هو دون الظن في ترك إجابته (6) .
3- دلالة الفعل على الاستجلاب:
__________
(1) .البقرة: 91.
(2) .نظم الدرر: 2/49.
(3) .ينظر: مواهب الرحمن: 1/329.
(4) .هود: 62.
(5) .نظم الدرر: 9/320.
(6) .للمزيد ينظر: نظم الدرر: 1/402، 2/49، 3/209، 5/364، 7/185، 10/235، 11/26، 15/188، 16/351، 17/111.(1/61)
وقد ورد هذا الاستعمال في قوله تعالى: {... وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} (1) فالتقدير: فإن من أشرك بالله فقد ضلّ ضلالاً بعيداً، يقول البقاعي: ((وفي التعبير بالمضارع إستكفاف مع استعطاف واستجلاب في إسترهاب )) (2) أي ظاهرا في نفسه من جهة عظيمة؛ لأنه قد ملأ أقطار نفسه وقلبه وروحه وبدنه مظهراً للغير أنه أثم، فهو في نفسه منادٍ بأنّه باطل مصراً فلم يدع للصلح موضعاً، فلم تقتضِ الحكمة العفو عنه؛ لأنّه قادح في الملك وإنّما طوى مقدمة الظلال وذكر مقدمة الافتراء؛ لكون السياق لأهل الكتاب (3) .
وكذلك ما جاء في قوله تعالى: {... وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} (4) يقول البقاعي: ((وعبّر بالماضي إشارة إلى أنهم عفوا عن أذاهم في الماضي فلا يجازونهم به، فهو استجلاب إلى توبة أولئك المؤذين)) (5) فالمعنى: أي الذي عرفنا طريق التوكل وهدانا إلى سبيل الإيمان ودلّنا على معرفته ووفقنا لتوجيه العبادة إليه وأنّ لا نشرك به شيئاً، وضمن لنا على ذلك جزيل الثواب، والمراد إذا كنا مهتدين فلا ينبغي لنا أنْ لا نتوكل إلاّ على الله، ولنصبرنّ على ما آذيتمونا، فانّه تعالى يكفينا أمركم وينصرنا عليكم (6) .
4- دلالة الفعل على الاستقبال:
__________
(1) .النساء: 48.
(2) .نظم الدرر: 5/298.
(3) .ينظر نظم الدرر: 5/297ـ298.
(4) .إبراهيم: 12.
(5) .نظم الدرر: 10/395ـ396.
(6) .ينظر: مجمع البيان: 6/306.(1/62)
وقد جاء في قوله تعالى: {...فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} (1) يقول البقاعي: ((إنّه سبحانه أشار بهذه الصيغة المستقبلية إلى قتلهم النبي(ص) بالسم في خيبر)) (2) فالمعنى كذبتم بعضاً من الرسل ممن لم تقدروا على قتلهم مثل عيسى(ع) ومحمد(ص) وقتلتم بعضاً مثل يحيى وزكريا عليهما السلام وغيرهما، واستمرارهم على هذا الفعل الشنيع فصار العناد والجحود سجية لهم (3) .
المبحث الرابع
دلالة حروف المعاني
حروف المعاني:
من الخصائص التي ميزت اللغة العربية هي تعدد معاني حروفها، فتعدد معاني الحروف مكمّن أسرار اللغة وسرّ جمالها.
ففي اللغة العربية نرى تغير المعنى الحرف الواحد تبعاً لما يراد من معنى في سياق الكلام؛ لأنّ معاني الحرف الواحد قد تصل إلى العشرات من المعاني كما هو الحال في (اللام ـ الباء ـ من)) وغيرها من حروف المعاني. وهذا مما دفع العلماء إلى القيام بتتبع هذا الجانب من جوانب اللغة، فأفردوا لها مصنفات تناولوا فيها المعاني والوجوه المختلفة لكل حرف من هذه الحروف (4) .
وقد بدأ الدرس النحوي منذ زمن مبكر من أجل تعرّف أسرار الذكر الحكيم، إذ نسب إلى ((علي بن أبي طالب (ع))) إنّه دفع بصحيفة إلى أبي الأسود الدؤلي جاء فيها: ((الحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل)) (5) وكذلك أشار سيبويه في حديثه عن تعريف الحرف: ((ما جاء لمعنى وليس باسم ولا فعل)) (6) .
__________
(1) .البقرة: 87
(2) .نظم الدرر: 2/32، وينظر البقاعي ومنهجه في التفسير: 178.
(3) .ينظر: مجمع البيان: 1/156 ومواهب الرحمن: 1/320.
(4) .دراسة في حروف المعاني الزائدة: 1.
(5) .أنباه الرواة على أنباه النحاة: 1/4.
(6) .الكتاب: 1/2.(1/63)
لقد عني الدارسون العرب بـ ((حروف المعاني)) وأفردوا لها مصنفات خاصة بها، فقد لاحظوا أنّها تقع في ضمن حقل دلالي مشترك، فضلاً عن أنّها وسائل الربط في التركيب الذي ينصبّ عليه عمل النحوي، كما عني بها أيضاً أهل الفقه والأصول؛ لأنّ هذه الحروف بالنسبة لديهم تدخل في تحديد الأحكام الأصولية تبعاً لدلالاتها المختلفة، واختلفوا جميعاً في حقيقة دلالاتها على المعنى؛ أتدلّ في نفسها؟ أم في غيرها؟ والغالب أنّها تدلّ على معنى في غيرها (1) .
أمّا المحدثون فهم على خلاف إذْ يرى طائفة منهم أنّها كلمات وظيفية تعبر عن العلاقات الداخلية بين أجزاء الجملة، وهي علاقات سياقية لها فعل نحوي أكثر منه لغوي، لذا فإنّ هذه الحروف لا تمتلك معنى معجمياً، بل لها معنى وظيفي عام هو التعلق، ثم تختص تحت هذا العنوان بوظيفة خاصة (2) .
أمّا الطائفة الأخرى فترى، أنّ الحروف تدلّ على معانيها في نفسها وهي منفردة، فحين تقول ((إلى)) تفهم أنّه بمعنى بلوغ الغاية و ((على)) بمعنى العلوّ، ولكن معناها هذا مقيد بالسياق الذي تردّ فيه، وإنّما وجدت الحروف لتؤدي معاني الألفاظ المتعلقة بها، وليس لتؤدي معناها الذاتي، لأنّه معنى غير مكتمل؛ فهي إذن وسيلة لفهم اللفظ المتعلق بها وليس لفهم معناها الخاص (3) .
وقد عرّف الأصوليون الحرف بقولهم: ((هو الذي جاء لمعنى تنعدم خاصية الاسم والفعل فيه، ويظهر المعنى في غيره)) (4) .
__________
(1) .ينظر: الخصائص: 2/370 والجنى الداني: 34.
(2) .ينظر: اللغة العربية معناها ومبناها: 124ـ127 والتطور الدلالي بين لغة الشعر ولغة القرآن الكريم: 75 والبحث الدلالي في تفسير التبيان: 274..
(3) .اللامات دراسة نحوية شاملة في ضوء القراءات القرآنية: 56 وينظر: البحث الدلالي في تفسير التبيان: 274.
(4) .الإيضاح في شرح المفصل: 2/237 وينظر: الأشباه والنظائر في النحو: 3/22 ورسائل في النحو: 38.(1/64)
أمّا الشيخ البقاعي ، فكان له رأي في بيان الحرف إذ يقول: ((وهذه الألفاظ عند انعجام معناها تسمّى حرفاً، والحرف طرف الشيء، الذي لا يؤخذ منفرداً وطرف القول الذي لا يفهم وحده، وأحق ما تسمّى حروفاً إذا نظر إلى صورها ووقوعها أجزاء من الكلم، ولم تفهم لها دلالة فتضاف إلى مثلها جزء من كلمة مفهومة تسمّى عند ذلك حرفا)ً) (1) وهذا التعريف الذي اشار إليه البقاعي للحرف، هو تعريف قريب من تعريف النحاة، إذ إن الحرف لا يفهم معناه منفرداً إنّما يفهم الحرف إذا كان في نظم الكلم، فالحرف رابط داخل الجملة، لا يتم التأليف من دونه ولا يمكن إذراك معنى الحرف إلاّ من خلال السياق (2) .
وقد تطرق البقاعي في تفسيره إلى مجموعة كبيرة من الحروف موضحاً معانيها من خلال وقوفه عند بيان النص القرآني، ويمكن تقسيم هذه الحروف كما قسمها النحاة إلى:
أ: حروف الجرّ:
إذْ أشار البقاعي إلى حروف الجرّ موضحاً استعمالاتها على حسب السياق الذي تردُ فيه ومن الحروف التي أشار إليها:
1- إلى:
وهو لانتهاء الغاية (3) . متابعاً البقاعي في ذلك سابقيه. وقد ورد في قوله تعالى: {فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ ...} (4) . فالمعنى: المراد تعظيم النعمة، وأن الرزق أكثر من الخلق، ولم يكن لذلك سبب سوى سبق رحمته لغضبه، و ((عبّر بحرف الغاية إشارة إلى تأمل الأقصى بعد تأمل الأدنى)) (5) وأظهر الاسم الشريف ولم يضمر تنبيهاً على ما في ذلك من تناهي العظمة في تنوع الزرع بعد سقيا الأرض واهتزازها بالنبات واخضرار الأشجار واختلاف الثمار، وتكون الكل من ذلك الماء (6) .
2- الباء:
__________
(1) .نظم الدرر: 1/75.
(2) .ينظر: البحث النحوي عند الأصوليين:65.
(3) .الكتاب: 4/231 والمقتضب: 4/139 والجنى الداني: 374 ومغني اللبيب: 1/156.
(4) .الروم: 50.
(5) .نظم الدرر: 15/121.
(6) .ينظر: نظم الدرر: 15/122.(1/65)
من المعاني التي يخرج إليها حرف الباء هو السببية، وأشار أكثر العلماء إلى خروج الباء إلى هذا الاستعمال (1) . وقد أشار
البقاعي إلى قوله تعالى: { ... لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (2) من المعلوم أن ((الباء)) لها معانٍ كثيرة والذي يهمنا معناه السببية في قوله ((بما كنتم تعلمون))، فيقول البقاعي: ((لأنه سبحانه جعله سبباً ظاهرياً بكرمه)) (3) والمعنى قيل لهم أي تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون بسبب أعمالكم.. لا بالتفضيل (4) .
وتستعمل الباء للقسم ((وهو أصل أحرفِه وخصّت بجواز ذكر الفعل معه)) (5) وقد أشار البقاعي إلى هذا الاستعمال في قوله تعالى: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} (6) فالمعنى: كانت هذه الإجابة سبباً؛ لأن يخضع وينيب شكراً عليها، وان يطغى ويتمرد ويخيب لانها تسليط وتهيئة للشر فاستشرف السامع إلى معرفة ما يكون من هذين المسببين، عرف أنه منعه الخذلان من اختيار الإحسان، ويقول البقاعي: ((ويجوز أن تكون الباء للقسم)) (7) وقال القشيري: ((ولو عرف عزته لما اقسم بها على مخالفته)) (8) .
__________
(1) .المقتضب: 4/149 ورصف المباني في شرح حروف المعاني: 142 والجنى الداني: 102، ومغني اللبيب: 1/197.
(2) .الأعراف: 43.
(3) .نظم الدرر: 7/404.
(4) .الكشاف: 2/105.
(5) .مغني اللبيب: 1/207.
(6) .ص: 83.
(7) نظم الدرر: 16/426ـ427.
(8) و (7) نظم الدرر: 16/426ـ427.(1/66)
وتستعمل الباء للتوكيد وهي: ((الزائدة وزيادتها في الفاعل واجبة وغالبة وضرورة)) (1) وقد أشار البقاعي إلى هذا المعنى في قوله تعالى: {... قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} (2) إذ يقول البقاعي: ((ومعنى الباء في ((بالله)) ـ أي الذي له الإحاطة الكاملة ـ التأكيد؛ لأنّ الفعل لما جاز أن يضاف إلى غير فاعله إذا أمر به أزيل هذا الاحتمال من وجهين: جهة الفاعل وجهة صرف الإضافة)) (3) وقال الزجاج: ((دخلت لتضمّن كفى معنى اكتَفِ وهو من الحسن بمكان)) (4) وقد جاء في المغني: ((الفاعل ضمير الاكتفاء وصحّة قوله موقوفة على جواز تعلّق الجارّ بضمير المصدر وهو قول الفارسي والرماني)) (5) والواضح من الدلالة بهذا النص، يشهد بتكذيبكم بادعائكم القدرة على المعارضة وترككم لها عجزاً، وهذا أعلى مراتب الشهادة؛ لأن الشهادة قول يفيد غلبة الظن بأنّ الأمر كما تشهد به، والمعجزة فعل مخصوص يوجب القطع بأنّ ما جاءت لأجله، ممّا أنزله فيه من الأصول والفروع والخبر عما كان، ويكون على نحو من الأساليب ونمط من المناهيج، أخرس الفصحاء وابكم البلغاء وأبهت الحكماء وهو الله تعالى تأييداً وتحقيقاً لدعواه (6) .
3- على:
__________
(1) .مغني اللبيب: 1/207.
(2) .الرعد: 43.
(3) .نظم الدرر: 10/ 368.
(4) .ينظر: معاني القرآن وإعرابه/ 3/123 وينظر: مغني اللبيب: 1/207.
(5) .مغني اللبيب: 1/207.
(6) .ينظر: نظم الدرر: 10/368.(1/67)
وتستعمل للاستعلاء على المجرور (1) ، وهي كذلك عند الشيخ البقاعي، وقد ورد في قوله تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى * مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى * وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى} (2) فالمعنى: لما ساق الله سبحانه وتعالى هذه الأشياء دليلاً على إحاطة علمه، فلزمها أنْ دلّت على تمام قدرته، من ذلك الإقرار حتماً بأنّه قادر على البعث، عبر بما يقتضي أنّه لما تقدم به وعده على جميع ألسنة رسله صار واجباً عليه، بمعنى أنّه لابدّ من كونه لأنّه لا يبدل القول لديه، لا غير ذلك، ((فعبر بحرف الاستعلاء تأكيداً له رداً لإنكارهم إيّاه)) (3) ,
4- عن:
وتستعمل للمجاوزة وتعدية الشيء (4) ولم يذكر البصريون سواه، وهي لدى الشيخ البقاعي كذلك، وجاء في قوله تعالى: {... أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } (5) فالمعنى: أن الإعطاء لا يكون إلاّ بعد البطش المذل ، هذا إذا اريد باليد يد الآخذ،ويمكن أن يراد بها يد المعطي، وتكون كناية عن النفس؛ لأن المقصود الجزية من المال، فالمقصود حتى يعطي كل واحد منهم الجزية عن نفسه، ((وعبّر بـ (عن) التي هي للمجاوزة)) (6)
5- في :
__________
(1) .مغني اللبيب: 1/283.
(2) .النجم: 45-47.
(3) .نظم الدرر: 19/75.
(4) .الكتاب: 4/226 والجنى الداني: 260 ومغني اللبيب: 1/294.
(5) .التوبة: 29.
(6) . نظم الدرر: 8/ 435.(1/68)
وقد أشار ابن هشام خروجه إلى السببية (1) . وقد جاء في نظم الدرر كذلك في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ...} (2) .يقول البقاعي: ((وقدّم المال، لأنه سبب قيام النفس، وكان في غاية العزة، و ((في)) سببية، أي جاهدوا بسببه حتى لا يصدّ عنه صادّ فتظهر محاسنه ويسهل المرور فيه من غير قاطع)) (3) فالمعنى: ولعله عبّر بـ ((في)) إعلاماً بأنّه ينبغي أن يكون متمكناً من السبيل تمكن المظروف من ظرفه حتى يكون الدين غالباً عليه لا يخرج عنه بوجه من الوجوه.
6- الكاف:
الكاف المفردة جارّة ولها عدة معانٍ، ومنها التعليل (4) ، وأشار البقاعي إلى هذا الاستعمال في قوله تعالى: {... فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } (5) يقول البقاعي: ((ولمّا أمر سبحانه وتعالى بالذكر عند الأمن علله بقوله: ((كما علمكم)) لأجل إنعامه عليكم بأن خلق فيكم العلم المنقذ من الجهل، فتكون الكاف للتعليل)) (6) فالمعنى كما أحسن إليكم ما كنتم جاهلية من أمر الشرائع، وكيف تصلون في الخوف وحال الأمن، وذكر أبوحيان الأندلسي تعليقاً على الآية الشريفة، أن ((كما علمكم)) أي كما أنعم عليكم فعلمكم، إذ عبّر بالسبب عن المسبب، وأن الكاف هاهنا للتعليل (7) .
7- اللام:
__________
(1) . ينظر: مغني اللبيب: 1/237.
(2) .الأنفال: 72
(3) .نظم الدرر:8/337
(4) .ينظر: مغني اللبيب:1/355
(5) .البقرة: 239.
(6) .نظم الدرر: 3/376.
(7) .ينظر: البحر المحيط: 2/244 ونظم الدرر: 3/376.(1/69)
ويأتي للتعليل وموافقة ((إلى)) (1) ، وقد أشار البقاعي إلى هذا الاستعمال عند بيانه المعنى العام لقوله تعالى: {رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ...} (2) إذ أشار البقاعي إلى قوله تعالى: ((للإيمان)) مصرحاً بأنّ: ((اللام تصلح للتعليل ومعنى ((إلى)) عبّر بها)) (3) فالمعنى: أنّها تصلح للتعليل، وذلك لما سمعوه من المنادي، وأري الأصح أنّها بمعنى ((إلى)) أي إلى الإيمان كقولك: الحمد لله الذي هدانا لهذا، معناها إلى هذا، وكقول الراجز:
أوْحَى لَهَا القَرَارَ فَاتَْسقَرَّتْ * * * وَشَدَّهَا بِالرَّاسِيات الثُبَّت
فخلاصة المعنى: ربنا إنّنا سمعنا داعياً يدعو إلى الإيمان والتصديق بك، والإقرار بوحدانيتك، واتباع رسلك واتباع أمرك ونهيك سبحانك لا إله إلاّ أنت (4) .
8- من :
ولها معانٍ عديدة يخرج إليها الحرف هي: ((إبتداء الغاية والتبعيض وتفيد بيان الجنس والتعليل والمجاوزة وبمعنى عن ومرادفة للباء...)) (5) .
__________
(1) .ينظر: مغني اللبيب: 1/411/412.
(2) .آل عمران: 193.
(3) .نظم الدرر: 5/159.
(4) .ينظر: مجمع البيان: 2/557.
(5) .ينظر: الكتاب: 4/224 والمقتضب: 4/136 وشرح الوافية نظم الكافية: 181، الجنى الداني: 315 ومغني اللبيب: 1/608 والبرهان للزركشي: 4/294، ورسائل في النحو: 63.(1/70)
وقد أشار البقاعي إلى معانٍ كثيرة لهذا الحرف، فذكر خروجها إلى ابتداء الغاية في قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِّن دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ وَلا هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ} (1) ويعلق البقاعي على قوله تعالى: ((من دوننا)) فيقول: ((ولما كانت جميع الرتب تحت رتبته سبحانه، اثبت حرف الابتداء محقراً لهم) (2) فالمعنى: ألهم آلهة تجعلهم في منعة وعز من أن ينالهم مكروه من جهتنا، وفي الكلام تقديم وتأخير تقديره: أم لهم آلهة من دوننا تمنعهم.
وكذلك جاءت ((من)) للابتداء في قوله تعالى: {... وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ ...} (3) .فيقول البقاعي: ((ولما كان السياق للقدرة على البعث الذي هو التحويل من حال الجمادية إلى ضده بغاية السرعة، أثبت ((من)) الابتدائية الدالة على قرب زمن الجهل من زمن العلم)) (4) أي فيصير إلى حالة الطفولة ضعيف البنية سخيف العقل، ولا زمان لذلك محدود، بل ذلك بحسب ما يقع في الناس،
__________
(1) .الأنبياء: 43.
(2) .نظم الدرر: 14/424-425.
(3) .الحج: 5.
(4) .نظم الدرر: 13/11.(1/71)
ويأتي حرف ((من))؛ للدلالة على التبعيض، وهذا ما أشار إليه البقاعي في معرض تناوله قوله تعالى: {... إلاّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء ...} (1) إذ يقول البقاعي: ((ويجوز أن تكون ((من)) تبعيضية لما عموا عنه من الحق الذي نزل به الكتاب الذي جاء به النبيون)) (2) والمعنى: إنّ الله تعالى هدى الذين آمنوا في مورد اختلاف الناس في الحق الذي هو الدين والمعارف الإلهية بعلمه وإرادته، فالهداية الحقيقية التي هي أشرف المقامات الإنسانية وأجل المعارج العرفانية تنتهي اليه جلت عظمته (3) ،وقيل: إنّ معنى بأذنه بلطفه، فعلى هذا يكون في الكلام حذف، أي فاهتدوا بأذنه، وإنّما قال هداهم لما اختلفوا فيه من الحق، ولم يقل هداهم للحق فيما اختلفوا فيه، ويعلق أبو حيان الأندلسي: على قوله ((من الحق)) أي الذي تبيّن المختلف فيه ((ومن)) تتعلق بمحذوف؛ لأنّها في موضع الحال من ((ما)) فتكون للتبعيض (4) ، وعلى هذا الكلام يكون البقاعي موافقاً لرأي أبو حيان في عدّ (من) للتبعيض في النص القرآني.
__________
(1) .البقرة: 213.
(2) .نظم الدرر:3/202-203
(3) .ينظر: مواهب الرحمن:3/286
(4) .ينظر: البحر المحيط: 2/138.(1/72)
وكذلك ما جاء في الآية الشريفة في قوله تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ...َ} (1) يقول البقاعي: ((وهو ظاهر جداً إنّ ((من)) للتبعيض، والمراد بهم أصحاب الشرائع الذين اجتهدوا في تأسيس قواعدها وتثبيت معاقدها)) (2) فالمعنى إن الآية المباركة تدلّ على الفطرة الإنسانية وإن كانت سبب الاتحاد في برهة من الدهر إلاّ إنّها غير كافية في رفع الاختلاف والتنافر بين الناس، والخلاف في تعيينهم كثير منتشر هذا القول، وأشهر ما فيه على أن ((من)) للتبعيض وهو الظاهر، وهذا ما أشار إليه البقاعي، والذي يقصد بعض الرسل، وقد نظم بعضهم في قوله:
أولوا العزم نوح والخليل بن آزر * * * وموسى وعيسى والحبيب محمد (3)
وقال ابن الجوزي: ((من للتجنيس لا للتبعيض وفي قول أنهم جميع الأنبياء إلاّ يونس(ع) (4) .
ونضيف إلى تلك المعاني أيضاً خروج الحرف؛ لبيان الجنس في قوله تعالى: {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} (5) يقول البقاعي:((وهنَّ الإناث على أنّ ((مِنْ)) للبيان)) (6) فالمعنى: هو بيان جنس الأزواج، وهو أخص من الإناث، ويجوز أن تكون من هنا للتبعيض ويكون المخلوق كذلك.
__________
(1) .الأحقاف:35
(2) .نظم الدرر:18/190
(3) و(2). نظم الدرر: 18/190ـ191.
(4) ..
(5) .الشعراء: 166.
(6) .نظم الدرر: 14/81.(1/73)
وتأتي (من) لتوكيد العموم، وقد ورد هذا المعنى في قوله تعالى: {... هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ ...} (1) إذ يقول البقاعي: ((ولما كان الاستفهام بمعنى النفي أكده بـ ((من)) فقال: ((من خالق)) ولما كانت من للتأكيد فكان ((خالق)) في موضع رفع)) (2) وفي هذا الموضع تكون من زائدة، فالمعنى: أمر سبحانه بذكر نعمته وأكد التعرف بأنّها منه وحده على وجه يبيّن عزته وحكمته، فقال منبهاً لمن عقل وموبخاً من حجد، وهو جواب قطعاً لا، بل هو الخالق.
ب: حروف العطف:
حروف العطف: ((هي الحروف التي يشترك بها بين المتبوع والتابع في الإعراب)) (3) وهي: ((الواو-الفاء-أو-ثم...) وقد أشار البقاعي إلى طائفة من هذه الحروف.
1- أو :
وقد أشار النحاة إلى أنّها تستعمل في التقسيم (4) ، وقد أشار البقاعي إلى هذا الاستعمال في قوله تعالى: {... فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} (5) .
فالمعنى: لما نبّه على إحاطة علمه سبحانه وإقامته للحساب، تأكيداً إلى ذكره تعالى والحث على الإقبال إليه وإرشاد للإنسان إلى أنّه ينبغي أن يكون على ذكره تعالى دائماً، والآية تدلّ على أنّ الحسنة أو السيئة، وما كان أصغر من مثقال ذرة، فإنّ سبحانه وتعالى يعلمه سواء أكان في السموات أم الأرض ((وأعاد أو نصّاً على إرادة كل منهما على حدته، والجار تأكيداً للمعنى)) (6) ,.
2- ثُمَّ :
__________
(1) .فاطر: 3.
(2) نظم الدرر:16/22..
(3) . الإيضاح: في شرح المفصل: 2/202
(4) . الكتاب:3/184 والجني الداني:245 ومغني اللبيب:138.
(5) . لقمان: 16.
(6) . نظم الدرر: 15/172.(1/74)
ثم حرف عطف يقتضي ثلاثة أمور: ((التشريك في الحكم والترتيب والمهلة)) (1) وقد أشار البقاعي إلى استعمالها بمعنى التراخي، وهو ما أطلق عليه ابن هشام المهلة، وقد ورد هذا الاستعمال في قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ} (2) .
المقصود من النص، بأنّ تطلبوا ستر الله لذنوبكم، ثم ترجعوا إلى طاعته بالندم والإقلاع والاستمرار بالتوبة ((أشار إلى علو رتبة التوبة بأداة التراخي)) (3) .
3- الفاء :
يخرج حرف الفاء إلى معانٍ عديدة بحسب سياقات الجملة التي ترد فيها، من هذه المعاني هي (4) :
1- التعقيب: وهو أصل معناها، وأن يكون المعطوف بها متصلاً بلا مهلة.
2- السببية: وهو أن يكون المعطوف سبباً في المعطوف عليه.
وقد أشار البقاعي إلى هذين الاستعمالين، إذ يعلق على استعمالها في التعقيب في قوله تعالى: {... فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (5) . ويقول البقاعي: ((وعبر هنا بالفاء المشيرة إلى التعقيب دون تراخٍ؛ لأنّ المقام للاستدلال المنقذ من الضلال الذي يجب المبادرة إلى الإقلاع عنه)) (6) فالمعنى: فانظروا كيف حقت عليهم العقوبة وحلّت بهم فلا تسلكوا طريقهم فينزل بكم مثل ما نزل بهم.
__________
(1) . مغني اللبيب: 1/229.
(2) . هود: 52.
(3) . نظم الدرر: 9/308 و 19/45.
(4) .ينظر:أصول السرخسي:1/208،الإيضاح في شرح المفصل:2/205،ومغني اللبيب:1/324وهمع الهوامع: 5/323والأشباه والنظائر:3/184والفاءات في النحو:18
(5) . النحل: 36.
(6) . نظم الدرر: 11/158.(1/75)
وكذلك في الاستعمال نفسه، ما جاء في قوله تعالى: {لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ * فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} (1) فالمعنى: ولما كان إتيان الشر فجأة أشر وكان أخذه لهم عقب رؤيتهم له من غير مهلة ((دلّ على ذلك مصوراً لحاله دالاً بالفاء على التعقيب)) (2) وهذا ما دل عليه السياق من لفظة (بغتة)؛ لأن البعث الإتيان على غفلة حقق سبحانه وتعالى ذلك بأنّهم لا يشعرون بقدومه.
أمّا الفاء التي استعملت للسببية، فقد وردت في قوله تعالى: {قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ} (3) .
وصرّح البقاعي قائلاً: ((ولما ساق هذا الطلب مساقاً دالاً على أنّه شاكٍ في أمره، أخبر تعالى أنهّ فاجأه بإظهار الآية دالاً على ذلك بالفاء المسببة المعقبة من غير مهلة)) (4) فأظهر سبحانه وتعالى لهم الثعبان وهو ظاهر في كبره وسرعة حركته بحيث أنّه لشدة ظهوره كأنّه ينادي الناس فيظهر لهم أمره، وهو موضع صدق من تسبب عن فعله في جميع مقالته.
4- الواو :
وقد استعمل في العطف، والأصل في الواو أن تكون عاطفة مفيدة معنى الجمع والاشتراك، واستعمالها بغير هذا المعنى يكون من باب المجاز، وحمل اللفظ على الحقيقة أولى أن لم يصرفه صارف إلى غيره. (5)
__________
(1) . الشعراء: 201ـ202.
(2) . نظم الدرر: 14/102.
(3) . الأعراف: 106ـ107.
(4) . نظم الدرر: 8/22 و 18/168.
(5) .ينظر:الجنى الداني: 188 ومغني اللبيب:1/666 وهمع الهوامع:2/129 وأثر الدلالة النحوية واللغوية: 53.(1/76)
وقد أورد البقاعي هذا الاستعمال في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } (1) . والمراد من النص القرآني، الأخبار بهلاكهم على مالهم من المكانة العظيمة؛ ليتعظ بهم من سمع أمرهم، أتبعهم من كان مشاركاً لهم في التكذيب التي أهلكها سبحانه وتعالى كأهل الحجر وسبأ ومدين وقوم لوط وفرعون وأصحاب الرس وثمود وغيرهم، وإلا
على إحاطة قدرته بإحاطة علمه (ولما كان الموعوظ به الإهلاك ذكر مقدماً، فتشوق السامع إلى السؤال عن حالهم في الآيات فقال عاطفا بالواو التي لا يمنع معطوفها التقدم على ما عطف عليه)) (2) (وصرّفنا الآيات) أي الحجج البيّنات وكررناها موصولة مفصلة مزينة محسنة على وجوه شتى من الدلالات، خالصة من كل شبهة (3) .
__________
(1) . الأحقاف: 27.
(2) . نظم الدرر: 8/174.
(3) . ينظر: نظم الدرر: 8/174.(1/77)
وتأتي الواو بمعنى (مع) وهذا ما صرح به البقاعي عند وقوفه على قوله تعالى: {... فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ...} (1) إذ يقول البقاعي: (والواو بمعنى ((مع) في قوله ((وشركاءكم، ليدلّ على أنّه لا يخافهم وإن كانوا شركاءهم أحياء كائنين من كانوا وكانت كلمتهم واحدة لا فرقة فيها بوجه)) (2) فتقديراً لمعنى على قول البقاعي، فأعزموا على أمركم مع شركائكم واتفقوا على أمرٍ واحدٍ من قتلي وطردي ولا تضطربوا فيه فتختلف أحوالكم فيما تلقونني به. وقد اختلف العلماء في قوله (وشركاءكم) فمنهم من قرأ بالرفع وهو يعقوب على تقدير ((فأجمعوا أمركم وشركاءكم) رفعه على العطف على الضمير في أجمعوا وساغ عطفه على الضمير من غير توكيد، وقرأ الباقون ((وشركاءكم)) بالنصب، على إضمار فعل كأنه قيل: ((وادعو شركائكم)) (3) . وذهب المحققون إلى أنّ مفعول معه وتقديره مع شركاءكم (4) وهذا ما ذهب إليه البقاعي الذي عدّ الواو بمعنى (مع).
ج: قد :
وهو حرف مختص بالفعل، يدخل على الماضي المنصرف وعلى المضارع المجرد من الناصب والجازم (5) . وهي لدى البقاعي تفيد التوقع، ومعنى ((قد))وقوع الخبر على وجه التقريب من الحال، وهذا ما أشار إليه البقاعي في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ...} (6) .
__________
(1) . يونس: 71.
(2) . نظم الدرر: 9/163.
(3) . مجمع البيان: 5/123.
(4) . ينظر: مغني اللبيب: 1/676.
(5) . الكتاب: 3/179 ومعاني النحو: 3/520 والجنى الداني: 270 ومغني اللبيب: 1/347.
(6) . البقرة: 87.(1/78)
فالمعنى: لقد أرسلنا موسى وأعطيناه التوراة ثم أتبعنا بعد موته رسلاً على شريعته يجددون العهد يأمرون وينهون، وهذا ما أشار بلفظ (قفّينا) بمعنى أردفنا بعضهم خلف بعض في الدعاء إلى وحدانية الله تعالى والقيام بشرائعه على منهاج واحد، ولما نقضوا بني إسرائيل العهد فأحاطت بم الخطايا فاستحقوا الخلود في النار وتوقع السائل الإخبار عن سبب وقوعهم في ذلك هل هو جهل أو عناد؟ (1) فذكر سبحانه وتعالى: ((بما افتتحه بحرف التوقع فقال: ((لقد)) باللام التي هي توكيد لمضمون الكلام و ((قد)) هي لوقوع مرتقب مما كان خيراً أو مما سيكون علماً)) (2) .
د : لعل :
ذكر لها الزجاجي ثلاثة معانٍ ((تكون شكاً وإيجاباً واستفهاماً)) (3) وقد وردت شكاً كما فسّرها البقاعي في قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (4) وقد أشار البقاعي إلى ((لعلّ)) بقوله: ((وكل ما جاء من ((لعلّ)) المعلل بها أفعال تبارك وتعالى ينبغي أن تؤول بنحو هذا فإن لعلّ تقتضي الشك)) (5) فالمعنى: إنّها تقتضي الشك لأنّها للطمع والإشفاق، فيطمع في كون مدخولها، ويشفق من إلاّ يكون، وتارة يكون الشك للمخاطب، وتارة يكون للمتكلم، ولو قيل: لتشكروا لم يكن هناك شك (6) ، وقال الحرالي: ((وفي لعلّ إبهام معلومة بأنّ منهم من يشكر ومنهم من لا يشكر)) (7) .
__________
(1) ينظر: البحر المحيط:1/297، ومواهب الرحمن:1/319، ومجمع البيان:1/155
(2) . نظم الدرر: 2/18.
(3) . حروف المعاني: 30 ومعاني الحروف: 124، والازهية في علم الحروف: 226. ومغني اللبيب:1/549
(4) . البقرة: 56.
(5) . نظم الدرر: 1/384.
(6) . ينظر: مواهب الرحمن: 1/249.
(7) . نظم الدرر: 1/384.(1/79)
وعلى الرغم من أن هذه الحروف لها مجموعة من المعاني إلاّ أنّها لا تؤدي أي أثر دلالي، إلاّ عن طريق تنسيقها وانتظامها في التراكيب اللغوية هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا يمكن الاستغناء عنها؛ لأنها تؤلف بين الجمل والعبارات وتربط بينها، وتلتقي جميع هذه الحروف ـ جارّه وغيرها ـ في طريقة دلالتها على المعنى، وهي أنّها لا تظهر ما تدلّ عليه من معنى إذا كانت بنفسها إلاّ بانضمامها إلى سواها من الكلم، أي أنّ معنى الحرف لا يفهم من لفظة إلاّ إذا انضم إليه معنى آخر شأنه في هذا الشأن المبتدأ والخبر، فكما أنّ معنى المبتدأ باعتباره مبتدأ لا يفهم معناه إلاّ بالخبر (1) فكذلك هي حروف الجر.
دلالة التعبير بالحروف :
إنّ الصفات الجوهرية للنظام النحوي لا يمكنها أن تظهر إلاّ من خلال العلاقات القائمة بين تمثيلات الصوت من جهة، وتمثيلات المعنى من جهة أخرى؛ لأنّ ضبط القواعد النحوية هو الذي نتطلع إليه حتى ينبغي أن ينسجم ويتناسق مع السياق الذي يرد فيه (2) .
وقد مرّ سابقاً بيان دلالة الحروف، وأنّ جميع الحروف ذات معانٍ متعددة لا يمكن تميز معانيها بنفسها إلاّ داخل النظم؛ لأنّ الحرف أداة رابطة في الجملة، ولا يمكن تبادل الحروف في النظم، أي بعبارة أخرى لا يمكن وضع حرف مكان آخر، ويبقى المعنى نفسه، فعند تبادل الحروف يتغير المعنى حتى وإن كان داخل النظم؛ لأنّ لكل حرف خاصية خاصة به في التعبير في النظم تختلف عن دلالة الحرف الآخر، فكل حرف دلالة في التعبير في هذا المكان.
وقد أشار البقاعي إلى دلالة التعبير بهذا الحرف دون غيره مبيناً المعنى العام للنص، ومن المواضع التي أشار إليها هي:
1- التعبير بمن دون عن :
__________
(1) . اللامات: 57.
(2) . ينظر: قضايا أساسية في علم اللسانيات الحديث:241.(1/80)
وقد ورد هذا التعبير في قوله تعالى: {... يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} (1) ويعلّق البقاعي على قوله: (من العذاب) قائلاً: ((وعبّر بمن دون عن إعلاماً بأنّهم لم يفارقوا العذاب دنيا ولا آخرة، وأن لم يحسوا به في الدنيا)) (2) فكان التعبير بحرف الجر ((من)) أكثر ثباتاً ؛ لأن العذاب الذي أعدّه الله سبحانه وتعالى للكفار والمنافقين لهم في الدنيا والآخرة، ولو عبّر سبحانه وتعالى بـ ((عن)) لكان العذاب غير مستمرٍ لهم، والدليل على ذلك قوله ((بمزحزحه)) والزحزحة هي الإزالة عن المقر والنتيجة عنهم لقوله (ص) : ((من صام يوماً في سبيل الله زحزح الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)) (3) أي ليس طول العمر من حيث هو موجباً للخروج عن العذاب، بل المناط كله إنّما هو العمل الصالح واكتساب الحسنات وترك السيئات، وفي الآية الكريمة دلالة على أنّ الحرص على طول البقاء لطلب الدنيا ونحوه مذموم، وإنّما المحمود طلب البقاء للازدياد في الطاعة وتلافي الفائت بالتوبة والإنابة ودرك السعادة بالإخلاص في العبادة. (4)
2-الباء دون على :
__________
(1) . البقرة: 96.
(2) . نظم الدرر: 2/64.
(3) . مواهب الرحمن: 1/335
(4) . ينظر: مجمع البيان: 1/166.(1/81)
وأشار البقاعي إلى هذا التعبير في قوله تعالى: {وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ ...} (1) وممكن التعبير في قوله تعالى هو ((به)) فيقول البقاعي: ((عبر بالباء سلوكاً لغاية الإنصاف دون ((على)) المفهمة للاستعلاء بغاية البيان)) (2) فالمعنى: ولما كان المراد ما يسمّى برهاناً ولو على أدنى الوجوه الكافية، فإنّه إذا اجتهد في إقامة برهان على ذلك ولم يجد، بل وجد البراهين كلها قائمة على نفي ذلك، داعية إلى الفلاح باعتقاد التوحيد والصلاح، وهذا المراد في التعبير بالباء في غاية الإنصاف، ولا يجوز أن يقوم على شيء غيره برهان، ولو عبّر بذلك لفهم الاستعلاء في ذلك بغاية البيان (3) .
3- إلى دون على :
وقد جاء هذا التعبير في قوله تعالى: {... لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} (4) فالمعنى: إعلاماً بأنّ مرادهم كونه في الظهور لهم على غير الهيئة التي يخبرهم بها من تجدد نزول الملك عليه في كل حين، أو لأن الملك يمكن أن يكون على حالة المصاحبة له وإنّما لا يتحول عنها بصعود إلى السماء ولا غيره ((وهذا سرُّ التعبير بـ ((إلى)) دون ((على)) التي هي للتغشي بالوحي)) (5)
الفصل الثاني
الدلالة اللغويّة
المبحث الأول
أقسام الدلالة
1-: تقسيم الألفاظ باعتبار الدلالة :
__________
(1) . المؤمنون: 117.
(2) . نظم الدرر:13/198
(3) . ينظر: نظم الدرر: 13/198.
(4) . الفرقان: 7.
(5) . نظم الدرر:13/144(1/82)
الأصوليون هم أكثر الطوائف الإسلامية عناية بدراسة مباحث الدلالة، إذ توسعوا وكتبوا فيها الشيء الكثير، وهم بذلك قد زادوا كثيراً من هذه المباحث على ما قدمه علماء اللغة، وكان مرمى الأصوليين من البحث في أساليب العربية هو وضع قوانين تتخذ أساساً لهم في استنباط الأحكام الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، رامين قصد الشارع من هذا التنزيل، إذ جاءت الشريعة إلاّ لتقيم حياة إنسانية كريمة في فهم نصوصها، ويتعرف على تحديد الدلالات.
وقد انتهت دراستهم تلك إلى كثير من النتائج والملاحظات التي انتهت إليها المباحث الدلالية في العصر الحديث، وعنيت كذلك بتقسيم القضايا الدلالية التي لم تلق من المحدثين عناية كافية، وامتازت مباحثهم الدلالية بأنّها تمثل طرِفَاً مهماً للوصول إلى نتائج أو قوانين يعتمد عليها في فهم النصوص الشرعية والنصوص اللغوية (1) ، ولن يأتي ذلك إلاّ بضبط إيعاز تلك الدلالات عن طريق الدراسة الجادّة لها؛ لأنّه من دون المعرفة بهذه الأساليب لا يمكن التوصل إلى الحكم بل الاجتهاد بها (2) ، ويصرح الشافعي (ت 204هـ): ((لأنّه لا يعلمُ من إيضاح جمل عِلْم الكتاب أحد جهل سعة لسان العرب، وكثرة وجوه وجماع معانيه وتفرّقها من علمه انتفت عنه الشّبه التي دخلت على من جهل لسانها)) (3) .
__________
(1) . ينظر دراسة المعنى عند الأصوليين:1..
(2) . ينظر: البحث الدلالي عند السمرقندي في كتابه ميزان الأصول: 14.
(3) . الرسالة: 50.(1/83)
وقد أحسن الأصوليون قيمة هذه المبادئ؛ لأنّها تساعدهم على فهم النص بشعب المعنى الثلاث: المعنى الحقيقي أمّا وضع اللفظ بازائه أصالة وهو ما يتكفل به علم المعجم، والمعنى الاستعمالي، وهو الذي تجاوزه فيه اللفظ اللغة العربية وذلك المعنى الأصلي، فاستعمل اللفظ في غيره على سبيل المجاز، أو الكناية وهذا ما يتكفل به علم البيان، والمعنى الوظيفي وهو ما تؤديه الكلمة بما لها من معنى حقيقي أو استعمالي في أثناء تركيبها مع غيرها (1) .
بيد أنّ البحث الأصولي بشكله العام يتناول البحث عن العلاقة بين اللفظ والمعنى من جانبين: نظري وتطبيقي (2) .
أما الجانب النظري فيعالج النقاش فيه حول ثلاث مسائل رئيسة: أصل اللغة أتوقيف هو أم اصطلاح، وجواز القياس، أو عدمه في اللغة، والاختلاف في دلالة الأسماء الشرعية، كالصيام والصلاة والحج والزكاة.
إمّا الجانب التطبيقي: فيعني الخطاب الشرعي بأنواع دلالة اللفظ على المعنى كما استخلصوها من كلام العرب.
وقد كان هناك اختلاف في تقويم الدلالة وأنواعها بين الأحناف والمتكلمين من الأصوليين، وقبل البدء بذلك تجدر بنا الإشارة إلى أنّ لعلماء المنطق تقيسماً اصطلاحياً للدلالة وقد افاد منه الأصوليون فهي عندهم على قسمين (3)
1- الدلالة اللفظية: وهي التي يكون فيها الدال لفظاً أو صوتاً.
2- الدلالة غير اللفظية: وهي الدلالة التي لا دخل للفظ فيها، إنّما يكون الدال فيها إشارة أو تعبيراً.
وتنقسم كلتا الدلالتين على دلالة طبيعية ودلالة وضعية ودلالة عقلية على النحو الآتي (4) :
__________
(1) . ينظر: الأحكام للآمدي: 1/9، والبحث النحوي عند الأصوليين: 9، والبحث الدلالي عند سيف الدين الآمدي: 16.
(2) . ينظر: بنية العقل العربي: 56ـ58، والبحث الدلالي عند ابن سينا:25.
(3) . مفاهيم الألفاظ ودلالتها عند الأصوليين: 10.
(4) . أسباب اختلاف الفقهاء: 156، وينظر مفاهيم الألفاظ ودلالتها عند الأصوليين: 10.(1/84)
أ: الدلالة الطبيعية: هي الدلالة التي كون فيها الدال شيئاً طبيعياً، كدلالة التأفف على الضجر ودلالة الأنين على الألم، وهي دلالة لفظية ودلالة الاصفرار في الوجه على الخوف، أو المرض ودلالة احمرار الوجه على الخجل دلالة غير لفظية.
ب: الدلالة العقلية: قال فخر الدين الرازي: ((وإمّا العقلية فأمّا على ما يكون داخلاً في مفهوم اللفظ، كدلالة لفظ البيت على السقف وهو جزء من مفهوم البيت، ولا شك في كونها عقلية لامتناع موضع اللفظ إزاء حقيقة مركبة، فلا يكون متناولاً لأجزائها، وأمّا يكون خارجاً عنه، كدلالة السقف على الحائط، فإنّه لما امتنع إنفكاك السقف على الحائط بوساطة دلالة الأولى فتكون هذه دلالة عقلية)) (1)
ح: الدلالة الوضعية: هي الدلالة التي يكون فيها الدال متفقاً أو مصطلحاً عليه، كدلالة ((اللفظ)) على تمام المعنى الموضوع له، ودلالة لفظ الإنسان على الحيوان الناطق ودلالة لفظ الأسد على الحيوان المفترس، وهي دلالة لفظية، ودلالة عقرب الساعة على الزمن، ودلالة المرور على النظام غير لفظية (2) .
والمستعمل من هذه الأقسام عند المناطقة والأصوليين هو الدلالة الوضعية للفظة، ((وهي عند أهل التربية والأصول كون اللفظ بحيث إذا أطلق فهم المعنى منه للعلم بالوضع، وعند المنطقيين كونه بحيث كلما أطلق فهم المعنى للعلم بالوضع)) (3) .
ويرى المناطقة والأصوليون، أنّ هذه الدلالة تنحصر في ثلاثة أنواع هي:
__________
(1) . نهاية الإيجاز: 8 ، ومعجم المصطلحات البلاغية وتطورها: 3/9.
(2) . ينظر: أسباب اختلاف الفقهاء: 156، والبحث الدلالي عند سيف الدين الآمدي: 22.
(3) . كشاف اصطلاحات الفنون: 2/288، وينظر البحث الدلالي عند.سيف الدين الآمدي: 22(1/85)
1- دلالة المطابقة: وهي التي يدل اللفظ فيها على تمام معناه الموضوع له بطريق المطابقة، كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق (1) ، وتختص دلالة المطابقة بأحكام كثيرة منها ثلاثة هي (2) :
أ: ليس يلزم في كل معنى من المعاني أن يكون له لفظ يدلّ عليها، بل لا يبعد أن يكون ذلك مستحيلاً؛ لأنّ المعاني التي تقبل كل واحد منها غير متناهية.
ب: الحقيقة في وضع الألفاظ إنّما للدلالة على المعاني النطقية دون الموجودات الخارجية.
ج: الألفاظ المشهورة من جهة اللغة المتداولة بين الخاصة والعامة لا يجوز أن تكون موضوعة وضعاً حقيقياً لا يعرفه إلاّ الخاص، ولا يصح أن تكون مقطوعة بأزاء المعاني الدقيقة التي لا يفهمها إلاّ الأذكياء.
2- دلالة التضمن: وهي اعتبار اللفظ إلى جزئه من حيث هو كذلك، نحو دلالة الفرس والإنسان والأسد على معانيها التي هي متضمنة لها، كالحيوانية والإنسانية، فإنّ هذه المعاني كلها تدلّ عليها الألفاظ عند الإطلاق؛ لأنّها متضمنة لها من حيث هذه الحقائق متضمنة لها، ودلالاتها عليها من جهة تضمنها له (3) .
__________
(1) . معجم المصطلحات البلاغية وتطورها: 3/10..
(2) . الطراز: 1/35 ومعجم المصطلحات البلاغية وتطورها: 3/10.
(3) .ينظر: مفتاح العلوم: 156 والبرهان الكاشف: 98 والإيضاح: 212 والطراز: 1/37 ومعجم المصطلحات البلاغية وتطورها:3/8(1/86)
3- دلالة الالتزام: أجمع البلاغيون على أنّ الدلالة الوضعية لا يقع فيها تفاوت، وإنّما يقع التفاوت في الدلالة الالتزامية أو دلالة الالتزام، وقال ابن الزملكاني: ((اللفظ أمّا يعتبر بالنسبة إلى تمام مسمّاه وهو مطابقة، وإلى جزئه من حيث هو كذلك وهو تضمن إلى ما يكون خارجا عن المسمى من حيث هو كذلك وهو الالتزام)) (1) فالأولى وضعية والباقيتين عقليتان؛ لأنّ وضع اللفظ إذا وضع للمسمّى انتقل الذهن من المسمّى إلى اللازم. (2)
ولو تأملته قليلاً في هذا التقسيم الذي أقرّه كل من المناطقة والأصوليين في تقسيم الدلالة اللفظية إلى ثلاثة أقسام هي: ((دلالة عقلية وتضمنية والتزاميه))، في حين الذي يظهر واضحاً في كثير من كتب الأصوليين، أنّ الأصوليين انقسموا على فئتين في تحديد طرائق الدلالة هما: طريقة المتكلمين وطريقة الأحناف.
الأولى: طريقة الجمهور ((المتكلمين)) وقسموا طرائق الدلالة على قسمين (3) :
أ: المنطوق
ب: المفهوم
وينقسم المنطوق على قسمين.
أ: المنطوق الصريح
ب: المنطوق غير الصريح.
والمنطوق غير صريح ينقسم على ثلاثة أقسام:
أ: الاقتضاء
ب: الإيماء.
ج: الإشارة.
الثانية: طريقة الفقهاء ((الأحناف)).
وقد قسموا طرائق الدلالة على أربعة أنواع وهي:
أ: عبارة النص.
ب: إشارة النص.
ج: دلالة النص.
د: إقتضاء النص.
ويتضح من الموازنة بين الطريقتين ما يأتي:
أ: إن طرائق الدلالة عند الأحناف تلتقي مع تقسيم المتكلمين
إلاّ في طريقتين.
أ: الإيماء: إذ لا يعدونها الأحناف من طرائق الدلالة وإنْ كانت تعدّ عندهم في القياس.
مفهوم المخالفة، فهم لا يقدّمون بدلالته.
__________
(1) ..مفتاح العلوم:156 والإيضاح:212 والتلخيص:237 ومعجم المصطلحات البلاغية وتطورها:3/8
(2) . ينظر: مفتاح العلوم: 156، والبرهان الكاشف: 98.
(3) . ينظر: مفاهيم الألفاظ ودلالتها عند الأصوليين: 7ـ 8 وأصول الفقه الإسلامي في نسيجه الجديد: 1/10ـ 11.(1/87)
ب: يلتقي الفريقان في دلالة الاقتضاء والإشارة اسما ومضموناً، ولكن ما سمّاه الجمهور ((المنطوق الصريح)) وسمّاه الأحناف ((دلالة العبارة)) وكذلك مفهوم الموافقة عند المتكلمين يسمّى ((دلالة النص)) عند الأحناف (1) يبدو واضحاً من خلال هذا التقسيم الذي أقرّه كل من المتكلمين والأحناف، بأنّ المنطوق الصريح الذي سمّاه المتكلمون ودلالة العبارة عند الأحناف، هي دلالة المطابقة ودلالة التضمين التي أقرّها كل من المناطقة والأصوليين، فدلالة المطابقة والتضمين، إذاً هي دلالة المنطوق الصريح عند المتكلمين ودلالة العبارة عند الأحناف.
أمّا المنطوق غير صريح عند المتكلمين وإشارة النصحاء واقتضائه عند الأحناف فهو دلالة الإلتزام عن المناطقة والأصوليين؛ لأنّ دالة الالتزام تتضمن ((الاقتضاء والإشارة والإيماء)).
ومن خلال التقويم الدلالي لكل من الأصوليين والمناطقة يظهر أنّ الدلالة الوضعية اللفظية هي نفسها المستخدمة عند الأصوليين ((المتكلمين والأحناف)).
وقد سار البقاعي في تفسيم الدلالة على النهج الذي سار عليه المتكلمون، إلاّ أنّه لم يشر إلى التقيسمات التي أشار إليها المتكلمون بشكلها الواضح، إنّما يظهر لي من خلال الأمثلة المتناثرة في نظم الدرر إلى الميل الكبير إلى نهج الإمام الشافعي مع التطرق إلى أقسام الأحناف في هذا التقسيم، فضلاً عن أنّ البقاعي لم يتناول جميع أنواع الدلالات المشار إليها سابقاً، إنّما اقتصر على بعضها متطرقاً إليها عند الوقوف على بعض النصوص القرآنية؛ لبيان أهمية المعنى في النص القرآني، وعلى هذا الأساس أحاول الوقوف على أنواع الدلالات التي أشار إليها البقاعي:
1- دلالة المنطوق:
1ـ المنطوق الصريح:
__________
(1) . ينظر: مفاهيم الألفاظ ودلالتها عند الأصوليين: 7 ـ 8.(1/88)
لقد بينت سابقاً أنّ المنطوق الصريح ما أقرّه المتكلمون يقابله عند الأحناف، عبارة النص، فالمنطوق الصريح: ((ما دلّ عليه اللفظ بالمطابقة أو التضمن)) (1) وهذا المصطلح خاص بالمتكلمين، إما الأحناف فعبارة النص: ((دلالة الكلام على المعنى المتبادر منه سواء أكان هذا المعنى مقصوداً من السياق أصالة أم تبعاً)) (2) أي أنّ الكلام إذا دلّ على معنى؛ وكان هذا هو المقصود منه أولاً وبالذات سمّي ذلك معنى مقصوداً ((أصالة)) فإذا دلّ الكلام على معنى غير مقصود سمّي المعنى غير أصلي (تبعي)) فالأول مطابقة، والثاني التضمين. (3)
أمّا البقاعي فلم أجد له أي تسمية عن المنطوق الصريح، إنّما تطرق إلى من دلالة المطابقة والتضمين التي تمثل عند المتكلمين المنطوق الصريح.
أ: دلالة التضمين :
__________
(1) . إرشاد الفحول: 2/519، وينظر: أسباب اختلاف الفقهاء: 175.
(2) . أصول الفقه (بدران): 181، وينظر: كشف الأسرار: 1/68.
(3) . ينظر: ميزان الأصول: 1/567، وأصول الفقه (بدران): 181.(1/89)
وقد مرّ سابقاً تعريف دلالة التضمن في حين لم أجد البقاعي يشير إلى تعريف هذا المصطلح، إنّما جاء على شكل أمثلة متناثرة في كتابه؛ لبيان المعنى المقصود من النص القرآني، وقد جاء في قوله تعالى {... تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (1) نلتمس في هذا النص القرآني دلالة التضمن في قوله تعالى: (حدود الله) إذ أشار البقاعي إلى هذا النوع من الدلالة إذ يقول: ((وحقيقة الحد الحاجز بين الشيئين المتقابلين، ليمنع من دخول أحدهما في الآخر، فأطلق هنا على الحكم تسمية للشيء باسم جزئه بدلالة التضمن)) (2) ونلاحظ من خلال كلام البقاعي باستخدام المجاز المرسل وهو إطلاق اسم الجزء على الكل، وسوف أشير إلى المجاز ـ إن شاء الله ـ في المبحث الثاني، والشيء الثاني وهو موضع الدراسة دلالة التضمين.
فالحدّ يأتي بمعنى المنع،وحدود الله ، هي شرائعه وأحكامه المحرّمة التي أقرّها ، والنهي عن الاقتراب منها التي أشار القرآن عن عدم مخالفتها ، فحدود الله تضمّنت حرمات الله وهي حدوده ، فلا تضيعوها ولاتعصوا الله تعالى بتركها ،فان نقض العهد المعهود مبغوض بالفطرة (3) فالآية تشير إلى أمر فطري وهو الاهتمام بالقانون مطلقا- خالقيا كان أو خلقيا- واحترامه وتعظيمه ما لم ينه عنه الشرع، لأن في حفظ القانون حفظا لنظام النوع الانساني وتكميل المجتمع (4)
__________
(1) . البقرة: 187.
(2) . نظم الدرر: 3/92.
(3) . مجمع البيان:2/281 .
(4) . ينظر: مواهب الرحمن: 3/96-97 .(1/90)
وما جاء في قوله تعالى: {... وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (1) وفي النص القرآني يتطرق البقاعي إلى دلالة التضمين، اذ يشير إلى قوله تعالى(يحاسبكم) وهي من المحاسبة، وهو استيفاء الاعداد فيما للمرء وعليه من الاعمال الظاهرة والباطنة يعني يجازى بها (2) ويشير قائلا: ((ولما كان حقيقة المحاسبة ذكر الشيء والجزاء عليه وكان المراد بها هنا العرض وهو الذكر فقط بدلالة التضمين)) (3) اذ نلاحظ ان لفظة ((يحاسبكم)) قد تضمنت معنى المحاسبة على أعمالنا صغيرة كانت أو كبيرة، وهذا ما يفهم من صدر الآية من التخويف ثم أعقبه قوله تعالى: ((يغفر لمن يشاء)) أي فلا يجازيه على ذلك كبيرة كان أو لا بتكفير أو جزاء، وقد أشار الحرالي: ((وفي ضمن هذا الخطاب لأولي الفهم إنباء بأن الله سبحانه وتعالى إذا عاجل العبد بالحساب بحكم ما يفهمه ترتيب الحساب على وقوع العمل حيث لم يكن فيحاسبكم مثلا فقد أعظم اللطف به، لأن من حوسب بعمله عاجلا في الدنيا خفّ جزاؤه عليه)) (4)
وكذلك ما جاء في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (5) وأشار البقاعي إلى هذا النوع من ودلالة التضمين، وتكمن هذه الدلالة في قوله تعالى: (لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة)) ففي النص ذكر الأكل، لأنه معظم الانتفاع به، والربا هو الزيادة على أصل المال، اذ يقول البقاعي: ((ناه عن الالتفات إلى الدنيا على غنيمة أو غيرها بطريق الاشارة بدلالة التضمن)) (6)
__________
(1) . البقرة:284.
(2) .ينظر: نظم الدرر 4/165 .
(3) . نظم الدرر:4/166.
(4) . نظم الدرر:4/165.
(5) . آل عمران:130.
(6) . نظم الدرر:5/63-64.(1/91)
ففي هذه العبارة التي صريحها النهي عن الاقبال على الدنيا إقبالا يوجب الاعراض عن الآخرة باستباحة أكل الربا (1) ، فالمقصود من النص النهي عن الربا بصريح العبارة والتحذير من أن يعودوا عليه المسلمين إلى الاقبال على الغنائم قبل انفصال الحرب، وهذا ما أشار إليه البقاعي بدلالة المطابقة وهي النهي المطلق عن أكل الربا، إما ما يتضمنه الربا من مضاعفة أموالكم، ويدخل فيه كل زيادة محرّمة في المعاملة من جهة المضاعفة، فان الربا يتضمن زيادة في الاموال وهذا ما أشار إليه البقاعي بدلالة التضمن، فالحاصل (( أنها دلّت على الربا بمطابقتها وعلى مطلق الزيادة بتضمنها)) (2) وهذا النص القرآني من أدلة الامام الشافعي(رض)على استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، والذي دلّنا على ارادة المعنى التضميني المجازي نظمها ووضعها في هذا الموضع (3)
__________
(1) . ينظر:نظم الدرر:5/65 ومجمع البيان:2/502.
(2) .نظم الدرر:5/64-65 .
(3) .ينظر: نظم الدرر:5/65 .(1/92)
وقد جاء في قوله تعالى: {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ} (1) ونلتمس في النص القرآني دلالة واضحة وهي دلالة التضمن على حد ما أشار إليه البقاعي ومكمن هذه الدلالة في قوله تعالى: ( يستمعون) إذ يقول البقاعي: ((وضمن الاستماع الإصغاء، ليؤدي مؤدى الفعلين، ودلّ على الإصغاء بصلته معلقة بحال انتزعت منه،فكأنه: قال مصغين إليك)) (2) فان ضمن الاستماع إلى القرآن الكريم تضمن الإصغاء أيضاً، ولما كان المستمع أكثرهم، وكان طريق ذلك السمع والنظر وتحديق والعين فان قوله تعالى ((يستمعون) يتضمن النظر والإصغاء إلى الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) في سماع القرآن، ونقل البقاعي عن التفتازاني أنه قال في حاشية الكشاف((وحقيقة التضمين ان يقصد بالفعل معناه الحقيقي مع فعل آخر يناسبه وهو كثير في كلام العرب، وذلك مع حذف مأخوذ من الفعل الآخر بمعونة القرينة اللفظية، ويتعين جعل الفعل المذكور أصلا والمذكور حاله تبعا، لأن حذفه والدلالة عليه بصلته يدل على اعتباره في الجملة لا على زيادة القصد إليه)) (3)
وهناك مجموعة من النصوص القرآنية التي أشار اليها البقاعي في ضمن هذا الجانب يدل فيها على دلالة التضمين، منها قوله تعالى: {وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ ...} (4) إذ يقول البقاعي: ((محدقا أو راميا ببصره من بعيد، فهو من التضمين)) (5) وضمن النظر يكون الاستماع والإصغاء إلى الرسول الكريم( صلى الله عليه وآله وسلم) (6)
ب: دلالة المطابقة
__________
(1) .يونس:42 .
(2) .نظم الدرر:9/127 .
(3) .نظم الدرر:9/129 .
(4) . يونس:43.
(5) . نظم الدرر:9/128.
(6) . للمزيد ينظر: نظم الدرر: 2/235 ، 9/129-130، 11/65-68 ،13/52-301.(1/93)
مرّ سابقا تعريف دلالة المطابقة،إلاّ أني لم أجد البقاعي يشير إلى تعريف هذه الدلالة، وانما عثرت على إشارة إلى هذا النوع من الدلالة في إثناء تناوله لبعض النصوص القرآنية .
فقد جاء في قوله تعالى: {... وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (1) ويبين البقاعي أن هذا النص القرآني يحتوي على نوعين من الدلالة، دلالة تضمين ودلالة مطابقة إذ يقول: ((ولعله عبّر عن الحساب بالتنبئة، لأن العلم بالعمل سبب للمجازاة عليه أو لأنه جمع القسمين ومحاسبة السعيد العرض فقط بدلالة التضمن ومحاسبة الشقي بالمطابقة)) (2) يدل النص القرآني ولا سيّما كلمة(فأنبئكم) ان الله جلّ وعلا شأنه جامع الناس ليوم لا ريب فيه، فيحاسبنا على أعمالنا من صغير وكبير وجليل وحقير وما كان في جبلاتنا مما لم يبرز إلى الخارج، فأنبئكم بمعنى أحاسبكم . فيحاسب الله السعيد بدلالة التضمن، بعرض الحساب عليه فقط، لأن الله يغفر لمن يشاء، أمّا الشقي فيعذبه بأنواع العذاب بدلالة المطابقة .
__________
(1) . لقمان:15.
(2) . نظم الدرر:15/170.(1/94)
بيد أن الذي أحب الإشارة إليه، هو أن البقاعي في الأمثلة السابقة – دلالة التضمن ودلالة المطابقة والتي هي عند المتكلمين المنطوق الصريح- يسير على النهج الذي سلكه الجمهور، وهذا ظهر واضحا في الأمثلة السابقة، إلاّ أن البقاعي يأخذ اتجاها آخر في بعض الأمثلة، إذ يتطرق إلى طريقة الأحناف في بعض النصوص القرآنية، واكبر الظن ان الذي جعل البقاعي يتطرق إلى هذا الجانب من الدلالة ما يراه ملائما لبيان النصوص القرآنية، والسبب في ذلك يعود إلى الأصوليين المتأخرين والبقاعي أحدهم، فظهرت طريقة ثالثة في تقسيم الدلالة تسمى((طريقة المتأخرين)) ،وجمعت هذه الطريقة بين الطريقتين السابقتين، فعنيت بتحقيق القواعد الأصولية، وإقامة البراهين عليها،كما عنيت بتطبيق هذه القواعد على الفروع الفقهية، وربطها بها، وهذه الطريقة مزيج من علماء الحنفية وبعض علماء الشافعية (1)
وقد جاء في قوله تعالى: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} (2) ففي النص القرآني يتطرق البقاعي إلى طرائق الدلالة عند الأحناف وهي ((دلالة العبارة)) وهو ما يقابل عند المتكلمين ((المنطوق الصريح)) إذ يقول البقاعي: ((انه كلام الله، خبر يفوت الوصف في الجلال والعظم بـ((دلالة العبارة)) والصفة لا يعرض عن مثله إلاّ غافل لا وعي له ولاشيء من رأي)) (3) فان مكمن دلالة العبارة في قوله (( نبؤا عظيم)) أي خبر عظيم الوصف من عند الله تعالى والذي تلوته عليكم من الأخبار عن الماضي والآتي من القيامة المشتملة على التخاصم وغيرها والأحكام والمواعظ فثبت بمضمونه الوحدانية، فالمعنى المقصود من السياق هو خبر عظيم الوصف وهو تعبير أصالة وليس تبعا.
__________
(1) . ينظر:أصول الفقه (بدران):18.
(2) . ص:67-68.
(3) . نظم الدرر:16/415.(1/95)
وكذلك ما جاء في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ ...} (1) ويشير البقاعي إلى نوعين من الدلالة، هما دلالة العبارة ودلالة الإشارة، إذ يقول البقاعي: ((كما دلّ عليه صريح العبارة وما أشبهها من ذكور الحيوان المنبه عليه بطريق الإشارة)) (2) فالمعنى: صريح العبارة وهي الحقيقة التي تعرفونها من نبات وأشجار اما بطريق الإشارة وهو تعبير عن الحيوانات مع ظهور الحقول. (3)
2ـ المنطوق غير الصريح .
بينت سابقا إن المنطوق غير الصريح هو ما أقرّه المتكلمون يقابله عند الأحناف دلالة ((إشارة النص واقتضاء النص)). فهو دلالة الالتزام عند المناطقة والأصوليين، لأن دلالة الالتزام تمثل ((إشارة النص واقتضاءه)) فضلا عن دلالة الإيماء عند المتكلمين.
أما ما أجده عند البقاعي، فإني أرى أن البقاعي يشير تارة إلى دلالة الالتزام وتارة أخرى يشير إلى دلالة الإشارة والاقتضاء والإيماء، أي أنه يجمع بين التقسيمات التي أشار إليها المناطقة والأصوليون((الأحناف والمتكلمون))
ومن الدلالات التي تكلم عنها هي :
أ: دلالة الالتزام .
دلالة الالتزام: هي التي يعدل اللفظ فيها على أمر خارج عن الموضوع له من اللفظ (4) .ويشترط في هذه الدلالة أن يكون التلازم بين معنى اللفظ والمعنى الخارج اللازم تلازما ذهنيا، فلا يكفي التلازم في الخارج فقط من دون رسوخه في الذهن وإلا لما حصل انتقال الذهن هذا من جهة، ومن جهة أخرى، أن يكون التلازم واضحا بيّنا، بمعنى أن الذهن إذا تصور معنى اللفظ ينتقل إلى لازمه بدون حاجة إلى توسط شيء آخر (5)
__________
(1) . الأنعام:99.
(2) . نظم الدرر:7/208.
(3) . للمزيد ينظر:نظم الدرر:5/65-448، 7/265، 8/44-102، 9/206، 12/279، 16/374، 17/12 .
(4) . ينظر: الأحكام للآمدي: 1/17
(5) ينظر: المنطق:34(1/96)
وسمّيت دلالة الالتزام، لأن اللفظ لا يدل على كل أمر خارج عن معناه الموضوع له، بل على الخارج اللازم له، بيد أن دلالة الالتزام قد تكون واضحة،وقد تكون خفية،وقد أشارالغزالي(505هـ) إلى هذا إذ يقول: (( وإيّاك أن تستعمل في نظر العقل من الألفاظ ما يدل بطريق الالتزام، لكن اقتصر على ما يدل بطريق المطابقة والتضمن، لأن الدلالة بطريق الالتزام لا تنحصر في حدّ، إذ السقف يلزم الحائط ....)) (1)
وقد جاء في قوله تعالى: {وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} (2) يشير البقاعي إلى دلالة الالتزام في النص القرآني ومكمن الدلالة هو في قوله ((القصد)) إذ يقول البقاعي(( فإطلاق القصد على العزم مستقيما كان أو جائرا،إذا قلت: قصدته بمعنى أتيته أو أممته من دلالة الالتزام، وكذلك القصد بمعنى الكسر بأي وجه كان )) (3)
والقصد استقامة الطريق،ويقال:طريق قصد وقاصد إلى ما يريد، قصد في معيشته واقتصد، وقصد في الامر، إذا لم يجاوز فيه الحد، ورضي بالتوسط، لأنه في ذلك يقصد الأسد (4) فإطلاق البقاعي دلالة الالتزام على القصد، أيقصد السبيل إذا كان راشدا على اتباع الحق، وبيان الطريق العدل، وعلى الله بيان الطريق الجائر حتى لا يشك في شيء منها، فان الطريق المعنوية كالحسية، منها مستقيم من سلكها اهتدى، ومنها جائر من سلكه ضلّ عن الوصول، فهلك(وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم) (5) فالمقصود من التعبير الاسلوبي هو بيان المقصود بالذات وبيان النافع وذلك لا يكون إلاّ عن إرادة وتوجيه (6)
__________
(1) المستصفى: 1/301.
(2) النحل:9
(3) نظم الدرر: 11/112
(4) . أساس البلاغة:509.
(5) . التوبة:115.
(6) . ينظر:نظم الدرر:11/111-112.(1/97)
وقد جاء في قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} (1) ينص البقاعي على دلالة الالتزام في هذا النص القرآني، فلفظة ((تبوّأ)) تدل على معنى اتخذ، وأصله الرجوع، فالمتبوأ: المنزل لأنه يرجع إليه المقيم فيه، فان الله سبحانه وتعالى، أنعم على بني إسرائيل بعد أن أنجاهم وأهلك عدوّهم آل فرعون وجعل لهم مكانا محمودا وهو بيت المقدس والشام، وقال تعالى( مبوأ صدق) أي فضل ذلك المنزل على غيره من المنازل، وكان المنزل لا يطيب إلاّ بالرزق وهذا ما عبّر عنه تعالى (مبوأ صدق) التي تدل على المنزل والرزق بدلالة الالتزام (2) ، إذ يقول البقاعي: (( ولما كان المنزل لا يطيب إلاّ بالرزق، وكان التعبير عنه بالمبوأ دالا على الرزق بدلالة الالتزام)) (3) .
__________
(1) . يونس:93.
(2) . ينظر: مجمع البيان:5/132.
(3) . نظم الدرر:9/189.(1/98)
وأشار البقاعي إلى دلالة الالتزام في قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ } (1) ان المعنى الذي يشير إليه النص القرآني، بأن السجن هو أحب إلى النبي يوسف(ع) إليه من الفاحشة، وفي هذا دلالة على أن النسوة دعونه إلى ما دعته امرأة العزيز، فالنص يدل بدلالة الالتزام على أنه لم يرد المحبة التي هي الإرادة، وإنما أراد أن ذلك أخف عليّ وأسهل، لأن السجن أقل بغضا مما يدعونني إليه (2) ويقول البقاعي((انه أطلق المحبة على ما يضادها في هذا السياق من البغض بدلالة الالتزام، فكأنه قيل: السجن أقل بغضا مما تدعونني إليه وذلك هو ضر أحب الذي هو معناه أكثر حبّا)) (3) فان السجن لا يتصور حبّه عادة، وانما المعنى أنه لو كان يتصور الميل إليه، كان ميله أكثر، ولكنه لا يتصور الميل إليه، لأنه شر محض، وانه لمّا فضّل في المحبة بين شيئين: أحدهما مقطوع ببغضه، فهم قطعا أن المراد إنما هو أن بغض هذا البغض دون بغض المفضول، فعلم قطعا أن ذلك الذي يظن حبه أبغض من هذا المقطوع ببغضه (4)
ب: دلالة الإشارة
تعد دلالة الإشارة في ضمن دلالة الالتزام، وهذا ما أقرّه كل من المناطقة والأصوليون ،واتفق المتكلمون والأحناف على دلالة الإشارة مصطلحا ومضمونا وتعني (( ما لم يكن السياق، لأجله لكنه يعلم بالتأمل في معنى اللفظ من غير زيادة فيه ولا نقصان)) (5) أو هي دلالة اللفظ على حكم غير مقصود بالسوق، ولكنه لازم للحكم الذي سيق الكلام لأجله، وليس بظاهر من كل وجه (6) .
__________
(1) . يوسف: 33
(2) . ينظر: مجمع البيان:5/231.
(3) . نظم الدرر:10/75.
(4) .ينظر: نظم الدرر:10/75-76 .
(5) . أصول السرخسي:1/236.
(6) . ينظر:ميزان الأصول:1/567 والمستصفى:2/188 وأسباب اختلاف الفقهاء:159 وأصول الفقه (بدران):182(1/99)
وتعدّ دلالات إشارات النصوص في القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة هي من الدلالات الالتزامية المنطقية اذ هي متفاوتة في إدراكها وفهمها ظهورا وخفاء – وقد مرّ سابقا – إذ يقول السرخسي((الإشارات من العبارة بمنزلة الكناية والتعريض من التصريح أو بمنزلة المشكل من الواضح)) (1) فمنها ما يكفي للمتكلم أدنى تأمل لإدراك مدلولها، ومنها ما يحتاج إلى جهد أكثر من ذلك، لذلك يتطلب إدراكها وفهمها مزيدا من الفهم لألفاظ الشريعة الإسلامية، ومدلولات الألفاظ العربية .وما جاء في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ...} (2) إذ يبين الله سبحانه وتعالى في النص القرآني أن حظ الذكر من النصيب هو حظ الأنثيين، أي أن الذكر له ثلثان وثلث للأنثى وهذا واضح بطريق دلالة العبارة، إذ يشير البقاعي: ((ولما بان سهم الذكر مع الأنثى بعبارة النص، وأشعر ذلك بأنّ لهن إرثاً في الجملة وعند الاجتماع مع الذكر)) (3) ، أمّا ما أشار إليه بطريق دلالة الإشارة، فقد فُهم من إشارة النص أنّ حكم الأنثيين إذ لم يكن معهنّ ذكر هو الثلثان، لأنّ حكم الأنثى مع الذكر هو الثلث إذا كان اثنتين فكل واحدة الثلث، إذ يقول البقاعي: ((وفُهم بحسب إشارة النص ـوهي ما ثبت بنظمه، لكنه غير مقصود، ولا سيق له النص ـ حكم الأنثيين إذا لم يكن معهن ذكر، وهو أن لهما الثلثين، وكان ذلك أيضاً مفهماً، لأنّ الواحدة إذا كان لها مع الأخ الثلث، كان لها ذلك مع الأخت)) (4)
__________
(1) .أصول السرخسي: 1/236 وينظر: البحث الدلالي عند السمرقندي في كتابه ميزان الأصول:37 .
(2) . النساء: 11.
(3) . نظم الدرر: 5/204.
(4) . نظم الدرر: 5/204ـ205.(1/100)
وجاء في قوله تعالى: {إِنَّ هَؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ} (1) يشير البقاعي إلى دلالة إشارة النص في النص القرآني ومكمن هذه الدلالة في قوله تعالى: ((الشرذمة)) فالشرذمة: هي طائفة أو قطعة من الناس، وهم أصحاب النبي موسى(ع) (2) ، ويصرّح البقاعي قائلاً: ((إنّ التعبير بالشرذمة إنّما هو للإشارة إلى تفرق القلوب)) (3) فالبقاعي يشير إلى أنّ الشرذمة يدلّ بدلالة الإشارة إلى تفوق القلوب، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فيه إشارة إلى أنّهم مع ضعفهم بقلة العدد آيسون من إسعاف بمدد وليس لهم أهبة لقتال لعدم العدة؛ لأنّم لم يكونوا قط في عداد من يقاتل (4) فكان التعبير بلفظة ((الشرذمة)) إشارة إلى أنّهم مع قلة العدد ليسوا على قلب واحد.
وجاء في قوله تعالى في سورة يونس: {... فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (5) ويصرّح البقاعي قائلاً: ((وفي هذا الوصف ـ مع ما فيه من الترهيب ـ إشارة إلى الدلالة على الإبداع والإعادة)) (6) فالنص القرآني فيه إشارة إلى قدرة الله جلّ وعلا على الإبداء بالخلق والإعادة فسبحان الذي أوجدنا من عدم كما أنتم به مقرون، فثبت قطعاً أنّه قادر على إعادتنا بعد هذا الإعدام، فاحذروه لتعبدوه كما أعبده فإنّه قد أمرني بذلك. (7)
ج: دلالة الاقتضاء :
__________
(1) . الشعراء: 54.
(2) . المعجم المفصل في تفسير غريب القرآن: 263.
(3) . نظم الدرر: 14/38.
(4) . نظم الدرر: 14/39.
(5) . يونس: 104.
(6) . نظم الدرر: 9/216.
(7) . للمزيد من دلالة الإشارة ينظر نظم الدرر: 5/65، 7/360ـ437، 8/133، 9/164، 13/296ـ309، 13/18، 16/383، 18/358، 19/65.(1/101)
الاقتضاء نوع من أنواع الدلالات التي أقرّها كل من المتكلمين والأحناف، فدلالة الاقتضاء هي: ((عبارة عن زيادة على المنصوص عليه يشترط تقديمه، ليصير المنظوم مفيداً أو موجباً للحكم، وبدونه لا يمكن إعمال المنظوم)) (1) أو هي دلالة الكلام على المسكوت عنه، يتوقف صدق الكلام على تقديره أو لا يستقيم معناه إلاّ به، أي أنّ صيغة النص لا تدلّ عليه، وإنّما صحة الكلام أو استقامته عقلاً أو شرعاً تقتضيه وتتوقف عليه، فالاقتضاء معناه الاستدعاء والطلب. (2)
أمّا فيما يخص كتاب ((نظم الدرر)) فإنّي لم أجد تعريفاً يخصّ دلالة الاقتضاء، إنّما سار على نهج واحد في الدلالات ـ كما مرّ سابقاً ـ ففي دلالة الإشارة والاقتضاء وغيرها من الدلالات يكتفي بالأمثلة من دون الإشارة إلى تعريف، ولعل من الأسباب التي . تجعل البقاعي لم يتطرق إلى تعريف الدلالات، هي إنّ البقاعي يعدّ أحد الأصوليين المتأخرين ممّا يعتقد أنّ مصطلحات الأصول قد ثبتت واستقرت في البحث الأصولي.
وقد جاء في قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} (3) وفي النص القرآني محذوف يتوقف عليه صدق الكلام؛ لأنّ القرية جماد وهي إن سئلت لا تجيب وكذلك قافلة الحمير؛ لأنّ في النص القرآني أمراً بالسؤال للقرية، ولا يصح الأمر بسؤال القرية؛ لأنّه لا يصح منها الجواب، والسؤال يقتضي الجواب فيكون أمراً بالسؤال ممن يصح منه وهو ((أهلها وهي مصر، عما أخبرناك به يخبروك... والعير أي أصحابها وهم قوم من كنعان جيران يعقوب(ع) (4) .
__________
(1) . أصول السرخسي: 1/348.
(2) . ينظر: أصول الفقه (بدران): 187 وأسباب اختلاف الفقهاء: 176.
(3) . يوسف: 83.
(4) . نظم الدرر: 10/194 و 247ـ250.(1/102)
ومن النصوص القرآنية التي تناولها البقاعي، والتي يكون فيها الكلام متوقف على محذوف، لكي يستقيم معناه، فقد جاء في قوله تعالى: {وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ } (1) أي حبّه (2) ، وقوله تعالى: {قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء} (3) أي لا نسقي مواشينا (4) ، وقوله تعالى: { حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} (5) وهي الشمس (6)
د: دلالة الإيماء :
وهي نوع من أنواع الدلالات التي أقرّها المتكلمون، أمّا الأحناف فلم يعدّوها من طرائق الدلالة، فدلالة الإيماء هي: ((دلالة اللفظ على لازم مقصود للمتكلم بسبب قرآنه بشيء لو لم يكن علة له، لكان ذلك القرآن، بعيداً عن المتعارف في المخاطبات)) (7) .
أمّا البقاعي فلم يُشر إلى المصطلح الخاص بهذه الدلالة، وإنّما نهج نهج الدلالات السابقة مكتفياً بالأمثلة فقط، ومما جاء دالاً على دلالة الإيماء في قوله تعالى: {... وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} (8) .
__________
(1) . البقرة: 93.
(2) . ينظر: نظم الدرر: 2/54.
(3) . القصص: 23.
(4) . نظم الدرر: 14/265.
(5) . ص: 32.
(6) . نظم الدرر: 16/380.
(7) .مفاهيم الألفاظ ودلالتها عند الأصوليين:48، وينظر: المستصفى:2/189، وشفاء الغليل: 27، وأسباب اختلاف الفقهاء: 176.
(8) . الأعراف: 26.(1/103)
فالمعنى: ولما كان الكلام في كشف العورة، وأن النبي آدم(ع) أعوزه الساتر حتى فزع إلى الورق، وزادنا سبحانه وتعالى على الساتر ما به من الزينة والجمال، فاللباس حسي ومعنوي، فالحس ينقسم على ساتر ومزين، وأن ساتر العورات حسي ومعنوي، فالحسي لباس الثياب، والمعنوي التحلي بما يبعث على المتاب، ولباس التقوى هو خير من لباس الثياب (1) ((ولكنه فصل باسم الإشارة المقترن بأداة البعد إيماءً إلى علو رتبته وحسن عاقبته لكونه أهم اللباسين، لأنّ نزعه يكون بكشف العورة الحسية والمعنوية، فلو تجمل الإنسان بأحسن الملابس وهو غير متقٍ كان كله سوءات، ولو كان متقياً وليس عليه إلاّ خريقة تواري عورته كان في غاية الجمال والستر والكمال)) (2) فقد ذكر هنا الوصف وهو لباس التقوى، ثم ذكر الحكم وهو خير من أي لباس في الدنيا، وهذا يدل على أن الحكم مرتبط بالوصف. (3) .
2ـ دلالة المفهوم :
اختلف المتكلمون والأحناف في دلالة المفهوم، فقد قسم المتكلمون المفهوم إلى قسمين: مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة، أمّا الأحناف، فقد أقرّوا بمفهوم الموافقة فقط.
وهو ما أطلق عليه دلالة النص، إذاً مفهوم الموافقة هو دلالة النص، وهذا ما اتفق عليه كل من المتكلمين والأحناف. (4)
مفهوم الموافقة :
__________
(1) . ينظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج: 2/266.
(2) . نظم الدرر: 7/379.
(3) . للمزيد ينظر نظم الدرر: 2/54 ،12/235 ، 14/ 256 ، 16/380-389.
(4) . ينظر أصول الفقه (بدران): 185.(1/104)
اتفق المتكلمون والأحناف على هذا النوع من طرائق الدلالة مضموناً لا مصطلحاً، فقد عرّفه ألآمدي: ((ما يكون مدلول اللفظ في محل السكوت موافقاً لمدلوله في محل النطق)) (1) أمّا الأحناف فيصطلحون على هذا النوع من طرائق الدلالة بـ ((دلالة النص))، فدلاالة النص: ((هي دلالة اللفظ على ثبوت حكم المنطوق به للمسكوت عنه، لاشتراكها في علّة الحكم)) (2) أما البقاعي فقد ساند أصحاب المفهوم، وقد ارتضى لنفسه مفهوم الموافقة ـ وسوف يقتصر الكلام على مفهوم الموافقة ـ ولم يتطرق إطلاقاً إلى مفهوم المخالفة، وأكبر الظن أن الذي حمل البقاعي أن يشير إلى مفهوم الموافقة دون مفهوم المخالفة، وذلك بالوقوف على بعض النصوص القرآنية؛ لبيان المعنى وقفة سريعة، وهذا ما لاحظه عند وقوفه عند مفهوم الموافقة في ثلاثة أمثلة فقط.
__________
(1) . الأحكام للآمدي: 3/62.
(2) . أصول الفقه (بدران): 185.(1/105)
وقد جاء في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى...} (1) ان النص القرآني يدل دلالة واضحة وهو على مبدأ المساواة بين الناس، فقوله تعالى:( الحرّ بالحرّ) أي، أن يكون مساويا للحكم فيه، أي لايقبل قتل العبد بالحر، لأن العبد ليس مساويا للحر في نظرهم، فيقول البقاعي:(( ولا يقتل بالعبد، لأن ذلك ليس بأولى من الحكم المذكور ولا مساويا بقتل العبد به، لأنه أولى بالحكم فهو مفهوم موافقة)) (2) وذكر أبو حيّان الأندلسي:(( ذكر لبعض جزئياتها فلا يمنع ثبوت الحكم في سائر الجزئيات)) (3) ، أما قوله تعالى:(والعبد بالعبد) إذ يقول البقاعي:(( وكذا يقتل بالحر، لأنه أولى، ولا يقتل الحر بالعبد، لأنه ليس مساويا للحكم)) (4) أي يجوز أن يقتل الحر بالعبد، لأن الحر أولى من العبد، أي يكون أولى من المنطوق به في النص وهذا ما يسمّى( فحوى الخطاب) وقد قال الامام الصادق (5) عليه السلام:(( ولا يقتل حرّا بعبد ولكن يضرب ضربا شديدا ويغرم ديّة العبد وهذا مذهب الشافعي)) (6) وبهذا قد خالف البقاعي مذهبه الشافعي، وجوّز قتل الحر بالعبد، وأمّا قوله:(الأنثى بالأنثى) فيقول البقاعي:(( وتقتل الأنثى بالذكر والذكر بها، لأن كلا منهما مساويا للآخر وفاقا للأصل المؤيد،بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((النساء شقائق الرجال)) (7) وقد وافق الطبرسي فيما ذهب إليه البقاعي، فيقول:(( ويجوز قتل الانثى بالذكر إجماعا وليس في الآية ما يمنع من ذلك لم يقل لا تقتل الانثى بالذكر)) (8) ،
__________
(1) البقرة: 178. .
(2) نظم الدرر:3/24. .
(3) البحر المحيط:2/10. .
(4) .نظم الدرر: 3/24 .
(5) .الصادق: هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(ع) .أحد أئمة الامامية
(6) .مجمع البيان:1/265 .
(7) .نظم الدرر: 3/25 .
(8) ..مجمع البيان:1/265 .(1/106)
مفهوم الآية أنه لا يقتل بالمقتول إلاّ قاتله، واذا تأملت قوله:((القتلى)) دون أن يقول:القتل علمت ذلك، قال الحرالي:((لأن أخذ غير الجاني ليس قصاصا بل اعتداء ثانيا ولا ترفع العدوى بالعدوى، انما ترفع العدوى بالقصاص على نحوه وحده)) (1)
2-تقسيم اللفظ من حيث الظهور والخفاء.
لتحديد دلالة اللفظ على معناه من ناحية الوضوح والخفاء أثر ملموس في الاختلاف في استنباط الاحكام الشرعية من النصوص القرآنية، والسنة النبوية الشريفة، لذلك فقد عني علماء الاصول بتقسيم الألفاظ الواردة في نصوص الكتاب والسنة باعتبار وضوحها في الدلالة على الاحكام إلى قسمين: (2)
1- واضح الدلالة على معناه بحيث لا يحتاج فهم المراد منه، أو تطبيقه على الوقائع إلى أمر خارج عنه.
2- خفي الدلالة على معناه بحيث يحتاج المراد منهن أو تطبيقه إلى أمر خارج عنه.
__________
(1) .نظم الدرر:3/25 .
(2) أسباب اختلاف.الفقهاء:196وينظر: أصول الفقه الإسلامي:432 .(1/107)
وفي ضوء هذا التفاوت في وضوح الدلالة وخفائها في النصوص القرآنية، سلك كل المتكلمين والاحناف طريقا خاصا بهم في تقسيم الدلالة، إذ قسم المتكلمون الألفاظ من حيث الوضوح إلى ((الظاهر والنص)) ومن حيث الخفاء إلى((المجمل – والمتشابه)) أما الأحناف، فقد قسموا اللفظ باعتبار الوضوح إلى:((الظاهر-والنص – والمفسر - والمحكم)) وباعتبار خفائه إلى: ((الخفيّ-والمشكل-والمجمل-والمتشابه)) (1) فالالفاظ التي هي واضحة الدلالة ليست على درجة واحدة من الوضوح، بل بعضها أوضح من بعض، وكذلك الألفاظ الخفية ليست متساوية في الخفاء، إذ ان بعضها أشد خفاء في دلالتها على الأحكام من بعضها الآخر، ويرجع هذا التفاوت في وضوح الدلالة إلى درجة احتمال اللفظ، لصرفه عن معناه الظاهر إلى غيره وعدم احتماله ذلك، وإلى قبول النسخ وعدم قبوله، فان اللفظ الذي لا يحتمل التأويل ولا النسخ هو في أعلى درجات الوضوح في معناه، لأنه لا يحتمل غير المراد منه أصلا (2)
أ- المحكم والمتشابه.
__________
(1) ينظر: أسباب اختلاف الفقهاء:196 وأصول الفقه((بدران)): 160. .
(2) . ينظر:اصول الفقه ((بدران))164.(1/108)
نستطيع أن نقول أن القرآن كله محكم، ان أردنا باحكامه جمال نظمه فلا يتطرق إليه الضعف في ألفاظه ومعانيه، وذلك لقوله تعالى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُه} (1) كما يمكن القول ان القرآن كله متشابه، إن أردنا بتشابهه تماثل آياته في البلاغة والاعجاز وصعوبة المفاضلة بين أجزائه وذلك لقوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ ...} (2) وانما الذي يشير إليه هو قوله تعالى:{... هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ...} (3) (4)
من الواضح في النص القرآني ان المحكم يقابل المتشابه، وقد حمل هذا التقابل كثير من علماء الاصول، لبيان مصطلح كل من المحكم والمتشابه، فكثرت آراؤهم في هذا الموضوع، وتعددت وجهات نظرهم، فالمحكم: ((هو اللفظ الذي دلّ بصيغته على معناه الظاهر المقصود أصالة، وكأنّه سيق له من غير ان يحتمل التأويل ولا النسخ في حياة الرسول((صلى الله عليه وآله وسلم))،ولا بعد وفاته (5) أمّا المتشابه فـ((هو اللفظ الذي خفيت دلالته على المعنى المراد منه، وتعذرت معرفته وادراكه لأن الشارع استأثر بعلمه، ولم توجد قرينة تدل على المعنى)) (6)
__________
(1) . هود: 1.
(2) . الزمر: 23.
(3) .آل عمران:7 .
(4) .ينظر:مباحث في علوم القرآن:281 .
(5) .أصول الفقه((بدران)):168 وينظر: أسباب اختلاف الفقهاء:199 وأصول الفقه الإسلامي:447 .
(6) .أصول الفقه بدران:178 وينظر أسباب اختلاف الفقهاء:223 وأصول الفقه الإسلامي 282 .(1/109)
وقد أشار البقاعي إلى كل من المحكم والمتشابه، فالمحكم عند البقاعي هو:(( الذي بان للعبد فيه خطاب ربه من جهة أحوال قلبه وأخلاق نفسه وأعمال بدنه فيما بينه وبين ربه من غير التفات لغرض النفس في عاجل الدنيا ولاآجلها)) (1) أمّا المتشابه:(( هو الذي لا يتبين للعبد فيه خطاب ربّه من جهة قصور عقله عن إدراكه)) (2)
ويظهر من كلام البقاعي إن المحكم، هو كل ما بان خطاب الله سبحانه للعبد، أمّا المتشابه فهو ما خفي للعبد معناه، وذلك يعود لقصور في عقله أو فهمه عن ادراك معناه، وما جاء في معرض كلامه في ضمن المحكم على سبيل التمثيل وليس الحصر قوله تعالى:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (3) فيقول البقاعي:(( وأمّا تنزيله في ترتيب البيان، فان أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو المحكم وهو قوله سبحانه وتعالى)) (4) أمّا ماجاء في صدد المتشابه الحروف أول السور نحو قوله تعالى: {الم} (5) فيقول: ((وهو حرف المتشابه، لانه عن اظهار العجز ومحض الايمان كانت الهبة والتأييد، وليكون العبد يفتح القرآن بالايمان بغيب متشابه في قوله ( آلم) فيكون أتم انقياد لما دونه)) (6)
__________
(1) . نظم الدرر:1/65.
(2) .نظم الدرر:1/65 .
(3) .العلق:1-5 .
(4) .نظم الدرر:1/69 .
(5) .البقرة:: 1 .
(6) .نظم الدرر: 1/69 .(1/110)
ووضوح الدلالة في المحكم يغنينا عن البحث عن المعنى، لأن المحكم مستحق العبد في حق الرب في فطرته التي فطر عليها كان ثابتا في كل ملّة وفي كل شرعة، ولكن خفاء المشابه جدير بأن ينقلنا بعض الشيء نعرفه، لأن اتباع المتشابه زيغ، لقصور العقل في تقبله ووجوب الاقتصار على الإيمان به من غير موازنة بين ما خاطب الله به عباده،والتعرف بين ما جعله للاعتبار، فالمحكم للاجتماع والهدى والمتشابه للاقتران والضلال (1) .
ب- المفسر والمجمل
المفسر هو اللفظ الذي يتبادر معناه الحكم الظاهر الذي دلّ عليه وهو المقصود الأصلي من سوق الكلام مع عدم احتماله التأويل والتخصيص، وإن كان يحتمل النسخ في حياة الرسول ((صلى الله عليه وآله وسلم)) فهو في الوضوح أقوى من الظاهر والنص (2) وقد اختلف بعض العلماء في تسميته، فمنهم من أطلق عليه((المفسر))وبعضهم أطلق عليه((المبين)) ومنهم البقاعي.
ويكون للمفسر موردان هما
1- هو المستفاد من الصيغة نفسها (3)
2-وقد يكون المفسر مجملا وجاء نص آخر يبينه وأزال إجماله حتى صار اللفظ المجمل مفسرا لا يحتمل التأويل (4)
أمّا المجمل فـ(( هو اللفظ الذي خفيت دلالته على معناه المراد منه بنفس اللفظ خفاء لا يدرك إلاّ ببيان ممن صدر منه الكلام)) (5)
أمّا ما جاء عند البقاعي في هذا الموضوع، فقد أطلق البقاعي ((المبيّن)) محل المفسّر، ولم أجد أي تعريف لدى البقاعي عن هذين المصطلحين الدلاليين، إذ نستنتج التعريف من خلال أمثلة البقاعي إذ المبيّن هو الواضح الذي لا يحتاج إلى ما يبيّنه،أمّا المجمل فهو النص الذي خفي معناه ولا يتعين إلاّ بنص آخر من الشارع.
__________
(1) .ينظر: نظم الدرر:1/174 .
(2) .ينظر: أسباب اختلاف الفقهاء:198 وأصول الفقه (بدران): 166 .
(3) .ينظر: أسباب اختلاف الفقهاء:198 وأصول الفقه (بدران): 166 .
(4) .ينظر:أصول الفقه(بدران):167 وأصول الفقه الإسلامي: 446.
(5) أصول الفقه(بدران):176(1/111)
وما جاء في كلامه عن قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} (1) ويشير البقاعي إلى أن المعنى غير ظاهر للعيان، لأن هؤلاء الطوائف من المؤمنين ليسوا في درجاتهم ولا بلغوا بنيتهم الإيمان،فالنص من المجمل حتى جاءت السنّة النبوية الشريفة بيان هذا النص القرآني يقول الرسول الأكرم ((صلى الله عليه وآله وسلم))(( الشرك أخفى في أمتي من دبيب النمل)) (2) وهو شرك الاسباب التي قدر الله وصول إلى العبد بوساطتها (3)
وجاء في قوله تعالى:{... كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ...} (4) ويعلق البقاعي قائلا:(( ولمّا كان النور مجملا،بيّنه على سبيل الاستئناف أو البدل بتكريرالعامل فقال:(( إلى صراط العزيز الحميد)) (5) أي بيّن للعرب قومك،لأنه بلسانهم بيانا شافيا فيما تقيم عليه من الحجج الساطعة، وتوضيح لهم من البراهين القاطعة، ويحكم لهم من الأدلة الباهرة مثل ضوء النهار، مما فتح من مقفل أبصارهم، وكشف من أغطية قلوبهم، فيكونوا متمكنين من أن يخرجوا من ظلمات الكفر التي هي طرق الشيّطان إلى نور الإيمان وهو سبيله (6)
المبحث الثاني
الحقيقة والمجاز
الحقيقة والمجاز.
__________
(1) .يوسف:106.
(2) .نظم الدرر:10/239-268.
(3) .ينظر: نظم الدرر:10/239.
(4) ابراهيم: 1
(5) نظم الدرر:10/371
(6) للمزيد ينظر نظم الدرر:8/558 ، 11/112 ، 12/281-355 ، 14/318-445 ، 15/235-509 ، 16/457-478 ، 17/170 ، 19/90(1/112)
قد كثر حديث القدماء في موضوع الحقيقة والمجاز، ولهذا الموضوع أهمية كبرى في اللغة العربية ولا سيما في التطور الدلالي في ألفاظها، وقد اختلف العلماء في ظاهرة الحقيقة والمجاز، وتناوله كل من اللغويين والبلاغيين والأصوليين كل من وجهة نظره من أجل الوقوف على المعنى، فما يهم اللغوي منه انتقال الألفاظ من الحقيقة إلى المجاز وما ينتج عن هذا الانتقال من ظواهر دلالية، وقد درس البلاغي الحقيقة والمجاز، ليكشف العلاقة الرابطة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي البعيد، ليلتمس منها الأديب عناصر الجمال الفني. أمّا الأصوليون فقد ((كان غرضهم الوصول إلى تأصيل الاستعمال الحقيقي والمجازي للألفاظ في تراكيبها المختلفة الإستنباط الأحكام الشرعية منها، والنظر في مدى ثبوت الحقائق الثلاث اللغوية والعرفية والشرعية )) (1)
إن الأصوليين لم يتناولوا قضية الحقيقة والمجاز من ناحية الوضع الأول للغة، وإنما نظروا إليها من حيث الاستعمال واستقرار الدلالة (2)
لأن ((ظاهر استعمال أهل اللغة للفظة في شيء دلالة على أنها حقيقة فيه إلاّ أن ينقلها ناقل عن هذا الظاهر)) (3) .
__________
(1) .منهج البحث اللغوي بين التراث وعلم اللغة الحديث: 130-131.
(2) .ينظر: التصور اللغوي عند الاصوليين:103 والدلالة القرآنية في جهود الشريف المرتضى:33.
(3) .الذريعة في أصول الشريعة: 1/13.(1/113)
وبنى الأصوليون أحكامهم الفقهية في حقيقة الكلمة ومجازها على استخدام الكلمة في السياق، وتحديد مدلولها من حيث حقيقة المعنى ومجازه. ومن هذه النظرة الخاصة التي نظر إليها العلماء سواء أكانوا من اللغويين أم من البلاغيين أم من الأصوليين لموضوع الحقيقة والمجاز، وما يشكل من أهمية كبيرة في تطور الدلالة، لأن قضية الحقيقة والمجاز مسألة نسبية متغيرة، والسبب في ذلك ان كلا من الحقيقة والمجاز كثيرا ما يتبادلان هذه الصفة، فما كان حقيقة قد يصبح مجازا وما كان مجازا قد يصبح حقيقة والسبب هو الاستعمال العرفي اللغوي (1) ، ومن هذه النظرة ظهر الخلاف واضحا في بعض الأحكام الشرعية عند الأصوليين ومن أجل ذلك خصصت دراستي لموضوع الحقيقة والمجاز كلا منهما على انفراد
الحقيقة:
فقد أثبت علماء العربية ظاهرة الحقيقة والمجاز في اللغة العربية والقرآن الكريم وذلك لقولهم:((هذا الاسم حقيقة وهذا الاسم مجاز)) (2)
فالحقيقة: (( من قولنا:حقّ الشيء إذا وجب، واشتقاقه من الشيء المحقق وهو المحكم، ويقال : ثوب محقق النسج أي محكمه)) (3) وقد عرّفها ابن جني بقوله:(( ما أقرّ في الاستعمال على أصل وضعه في اللغة)) (4) ويرى ابن الاثير أن الحقيقة: هي ((اللفظ الدال على موضعه الأصلي)) (5) إما الزملكاني فيعرفها قائلا:((هي اللفظ المستعمل في ما وضع له أولا في ذلك الاصطلاح الذي وقع به التخاطب )) (6)
__________
(1) .ينظر: الترادف في اللغة: 101.
(2) .المعتمد في أصول الفقه: 1/16.
(3) .المزهر: 1/355.
(4) .الخصائص: 2/444 وينظر:المزهر: 1/356.
(5) .المثل السائر:1/58 وينظر الطراز:1/29 .
(6) .البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن:99 .(1/114)
ويتبين مما تقدم لنا من التعريفات المقصودة بالحقيقة الحقيقة اللغوية،أي في استخدام اللفظ فيما وضع له أولا والذي ليس باستعارة ولا تمثيل ولا تقديم فيه ولا تأخير. أما أبو الحسين البصري المعتزلي البصري(ت 436هـ) فله رأي في تعريف الحقيقة:(( ما أفيد بها ما وضعت له في أصل الاصطلاح الذي وقع التخاطب به)) (1) وهذا التعريف الذي وضعه أبو الحسين البصري جامع لكل أنواع الحقيقة((اللغوية والشرعية والعرفية))
ومن خلال ما بيّنته أرى ان العلماء أشاروا إلى ان الحقيقة تنقسم بحسب المواضع التي تكون فيها على ثلاثة أقسام هي:((حقيقة لغوية وشرعية وعرفية))
الحقيقة اللغوية
الحقيقة اللغوية: وهي الدلالة الأصلية أو كما تسمى أيضاً الدلالة المعجمية، وهي الدلالة الوضعية عند الأصوليين، وتعني دلالة اللفظ على معنى بنفسه.
وقد عرّفها عبد القاهر الجرجاني(ت471هـ) قائلا: ((ما وقعت له في وضع أو مواضعة)) (2) فالحقيقة اللغوية:(( هي استعمال اللفظ في ما وضع له أولا في اللغة، كالأسد للدلالة على الحيوان المفترس)) (3) فالحقيقة اللغوية لا تقتضي كونها حقيقة فيما دلّت عليه إلاّ إذا كانت مستعملة في موضوعها الأصلي فهي:(( استعمال اللفظ في معناه الأصلي)) (4) .
والحقيقة اللغوية يدلّ على وضعها أمران (5)
1- إنها دلّت على مواضع مصطلح عليها في تلك المواضعة وهذه فائدة الحقيقة ومعناها.
2- انها استعملت في الأوضاع اللغوية، أي أنها في معناها الأصلي
فالحقيقة عندهم تعني استعمال اللفظة في وضعها الأول بحيث لا يتبادر إلى الذهن غير ذلك حيثما تطلق، ويسمّى هذا النوع الحقيقة اللغوية.
__________
(1) .المعتمد:1/16 وينظر مفتاح الوصول إلى علم الاصول:1/236.
(2) .أسرار البلاغة:287.
(3) .المستصفى:1/ 325 وينظر: المحصول:1/126.
(4) .أسباب اختلاف الفقهاء:332.
(5) .الطراز:1/51.(1/115)
ولم يرد تعريف أو مصطلح الحقيقة عند البقاعي في تفسيره، وانما أورد لها أمثلة قالها عند تفسيره لآي الذكر الحكيم، ومن خلال متابعتي للألفاظ ودلالاتها المختلفة في السياق وغيره وجدت البقاعي يسير في نهج من ساروا في تقسيم الحقيقة إلى لغوية وشرعية وعرفية، وتناول مجموعة من الأمثلة موضحا كل نوع من أنواع الحقيقة.
وقد جاء في تفسير قوله تعالى:{... مَّا هُم مِّنكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (1) إذ يقول البقاعي:(( ولما كان الكذب قد يطلق في اللغة على ما يخالف الواقع وان كان غير تعمد، بأن يكون الحالف يجهل عدم مطابقته للواقع)) (2) فان لفظة (في اللغة) عند البقاعي تدل على أصل المعنى الموضوع لها.
وجاء في تفسير كلمة (الحد) في قوله تعالى:{ولا تباشروهن {... وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا ...} (3) ويقول البقاعي:(( وحقيقة الحد الحاجز بين الشيّئين المتقابلين، ليمنع من دخول أحدهما في الآخر)) (4) ويشير ابن منظور في لسان العرب إلى أن:(( الحد: الفصل بين الشيّئين، لئلا يختلط أحدهما بالآخر أو لئلا يتعدى أحدهما على الآخر،وجمعه حدود)) (5) وحدود الله هي أحكامه وشرائعه التي حددها الله سبحانه لعباده وأمرنا أن نتجنبها وحرّمها علينا، وقد أشار بعض أهل التأويل إلى أن حدود الله هي شروطه، وهذا معنى قريب من المعنى المحدد أو بعبارة أخرى حدوده معاصيه، وهي حدّ فاصل، وأشار إلى عدم التقرب من المعاصي (6) . فأكثر علماء المعجمات اتفقوا على ان الحد هو الفاصل بين شيئين في اللغة، والبقاعي كان مؤيدا لرأيهم.
__________
(1) .المجادلة: 14.
(2) نظم الدرر:19/386.
(3) .البقرة:187.
(4) .نظم الدرر:3/92.
(5) .لسان العرب مادة –حدد-:4/115 وينظر: ترتيب القاموس المحيط:1/597
(6) .جامع البيان عن تأويل آي القرآن:2/183.(1/116)
ويمكن الإشارة إلى نقطة مهمة نلاحظها عند البقاعي في بيان الحقيقة اللغوية، إذ يستخدم كلمات للدلالة عليها، إذ يصرح بكلمة((حقيقة)) كما مرّ بالمثال السابق، وكذلك استخدامه كلمة أصله في اللغة أو اصله فقط.
ومن الأمثلة التي تناولها البقاعي منها كلمة ((الأبرص)) في قوله تعالى:{... وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى ...} (1) يشير البقاعي:(( والبرص أصل معناه: تلمع الشيء بلمع خلاف ما هو عليه، ومنه براص الأرض، لبقع لا نبت فيها، ومنه البريص في معنى البصيص، فما تلمع من الجلد على غير حاله فهو لذلك برص)) (2) وأشار صاحب القاموس:(( البرص بياض يظهر في ظاهر البدن لفساد مزاج، برص- كفرح- : فهو أبرص والأبرص القمر وتبرص الأرض: لم يدع فيا رعيا إلاّ رعاه) (3)
فالأبرص: هو بياض يعتري الجلد ويطلق أيضاً على القمر، لبياضه، وكذلك أطلقته العرب على الأرض الجرداء التي لا نبت فيها (4) .ويشير الحرالي:(( البرص عبارة عن سوء مزاج يحصل بسببه تكرج، أي فساد بلغم يضعف القوّة المغيرة عن إحالته إلى لون الجسد)) (5) وجاء في المفردات:(( البرص معروف، وقيل للقمر أبرص، والبريص الذي يلمع لمعان الأبرص ويقارب البصيص، بصّ يبصّ إذا برق)) (6)
__________
(1) .آل عمران:49.
(2) نظم الدرر:4/404
(3) .ترتيب القاموس المحيط:1/200-201.
(4) .ينظر الجامع لأحكام القرآن:4/94.
(5) .نظم الدرر:4/404.
(6) .المفردات:54.(1/117)
وجاء في تفسير كلمة(( الربا )) في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا ...} (1) والربا: (( الزيادة في الأعراض الدنيوية التي هي معنى الربا في اللغة، إذ هو مطلق الزيادة)) (2) والربا في اللغة الزيادة، ويقال: ربا الشيء يربو، إذا زاد ومنه قول الرسول((صلى الله عليه وآله وسلّم)): (( فلا والله ما أخذنا من لقمته إلاّ ربا من تحتها)) (3) ويعني الطعام الذي دعا فيه النبي((صلى الله عليه وآله وسلّم)) بالبركة (4) .
وما جاء في معنى الروض في قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} (5) ويذكر البقاعي دلالة لفظة((الروض)) فيقول:(( أرض عظيمة جدا منبسطة واسعة ذات ماء غدق ونبات معجب بهج –هذا أصلها في اللغة )) (6) وقال الطبري : (( ولا تجد أحسن منظرا ولا أطيب نشرا من الرياض)) (7) وذكر ابن منظور الروض في اللغة: الأرض ذات الخضرة والنبات الحسن يطلق عليها الروض (8) وأحسن ما تكون الروضة إذا كانت في موضع مرتفع غليظ، إلاّ انها لا يقال لها روضة إلاّ إذا كان فيها نبت ومنها قول الأعشى (9)
ما روضة من رياض الحزن معشبة * * * خضراء جاد عليها مسبل هطل
يضاحك الشمس منها كوكب شرق * * * مؤزّر بعميم النبت مكتهل
يوما بأطيب منها نشر رائحته * * * ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل
وذكر القرطبي: الروضة عند العرب ما ينبت حول الغدير من البقول (10) فالروض مستنقع الماء والخضرة التي تنبت على جانبين
__________
(1) .آل عمران:130.
(2) .نظم الدرر:5/63
(3) .الجامع لأحكام القرآن:3/348
(4) .ينظر:تفسير المنار:3/94
(5) .الروم:15
(6) .نظم الدرر:15/58
(7) .جامع البيان:14/216 وينظر:نظم الدرر:15/58
(8) ينظر: لسان العرب مادة – روض-:9/23
(9) .ديوان الأعشى الكبير:6
(10) .ينظر: الجامع لأحكام القرآن:14/23(1/118)
وهذه الأمثلة التي تقدمت قد أشار البقاعي فيها إلى كلمة ((أصله في اللغة)) أو ((معناه في اللغة)) (1) . ولكن قد وردت أمثلة لم يشر إلى أصله أو حقيقته، انما يظهر المعنى فقط أو استخدامه المأثور الشعري في تفسيره للوصول للمعنى.
ومن الأمثلة التي أشار البقاعي إلى معناها فقط كلمة ((الأعراف)) في قوله تعالى: {... وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ ...} (2) يقول البقاعي عن((الأعراف)) انها:((جمع عرف وهو كل عال مرتفع،لأنه يكون أعرف مما انخفض، وهي المشرفات من ذلك الحجاب)) (3) وأشار ابن منظور إلى أن:العرف وعرف الأرض ما ارتفع منها، والجمع أعراف، واعراف الرياح والسحاب أوائلها، ونقل ابن منظور عن الزجاج، الأعراف أعالي السور، وقال بعض المفسرين:والأعراف أعالي السور بين أهل الجنة وأهل النار (4) فان أصل الأعراف هو جمع عرف، وهو من الارتفاع وكل عال واضح للناظر. قال السيوطي(( سور بين الجنة والنار، وسمّي بذلك لارتفاعه. ومنه سمي عرف الديك، ويستعمل في الشرف والمجد وأصله في البناء)) (5)
ومن الكلمات التي أفصح عنها البقاعي مستخدما المأثور الشعري، للدلالة على المعنى اللغوي للفظة ((بيض)) في قوله تعالى: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ} (6) ويصرح البقاعي إلى هذا المعنى قائلا:(( بيض نعام مصون من دنس يلحقه، وغبار يرهقه، ولمحبة العرب لهذا النوع كانت تقول عن النساء بيضات الخدور، لأن لونه أبيض مشربا صفرة صافية)) (7) وقد صرح امرؤ القيس بهذا في لاميته المشهورة (8)
__________
(1) .للمزيد ينظر:نظم الدرر:2/145، 5/177-285، 6/347، 8/217، 9/83-363، 14/359، 16/96، 18/70-125-133-451، 19/386، 22/58-59
(2) .الأعراف:46
(3) .نظم الدرر:7/406
(4) .لسان العرب مادة عرف:11/146-147
(5) .معترك الأقران:2/14
(6) .الصافات:49
(7) .نظم الدرر:16/232
(8) .نظم الدرر:16/232(1/119)
كبكر مقاناة البياض بصفرة * * * غذاها نمير الماء غير المحلل
أي خالطه البياض المائل إلى الحمرة بصفرة وهو أصفى الألوان واعدلها يشابه لونه نور القمر. وقالت العرب: فلان ابيض وفلانة بيضاء، فالمعنى: نقاء العرض. وهذا الكلام كثير عند العرب يريدون المدح بالكرم، ونقاء العرض من العيوب (1) . فالمعنى في قوله تعالى هي عذارى مصونات من العيب كالبيض النقي من الكسر والغبار (2) فقد شبّه الجواري بالبيض بياضا وملامسة وصفاء لون، وهي أحسن منه، وانما وقع التشبيه بلون قشره الداخلي، وهو المكنون ، أي المصون تحت القشر الأول (3)
ومن ذلك ما جاء في تفسير كلمة((هواء)) دلالة المعنى عليها في قوله تعالى: {...لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء} (4) إذ يقول البقاعي:هواء(( عدم فارغة لا شيء فيها من الجرأة والأنفة التي يظهرونها الأن)) (5) كما قال الشاعر حسّان بن ثابت (6)
إلاّ أبلغ أبا سفيان عني *** فأنت مجون نخب هواء
والمعنى: انه خال ليس فيه شيء من الخير، ولا يعقل شيئا وذلك ان العرب تسمي كل أجوف خاو-هواء. فالهواء الخلاء الذي لم تشغله الجرام، فالمقصود من النص، ان في ذلك اليوم لا يبقى معهم فيه شيء مما فيه من الإباء والاستكبار. والهواء. ما بين السماء والأرض، وقيل جوّف لا عقول لها، أي ان قلوبهم خلت من العقول أو متخرقة لا تعي شيئا (7)
__________
(1) .ينظر: لسان العرب مادة – بيض-:8/390
(2) .ينظر: التفسير الفريد:4/2612
(3) .ينظر: معترك الأقران:2/86-87
(4) .ابراهيم:43
(5) نظم الدرر:10/434
(6) ينظر:نظم الدرر :10/434.
(7) ينظر:المعجم المفصل تفسير غريب القرآن الكريم:501.(1/120)
وأشار البقاعي إلى المعنى اللغوي لكلمة((الوسط)) من قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ...} (1) فالوسط ((العدل الذي نسبة الجوانب كلها إليه سواء، فهو خيار الشيء، وسالك الوسط من الطريق محفوظ من الغلط، ومتى زاغ عن الوسط حصل الجور الموقع في الضلال عن القصد)) (2) ومنه قول أبو تمّام الطائي (3) :
كانت هي الوسط المحمي فاكتنفت * * * بهاالحوادث حتىأصبحت طرفا
الوسط بالتحريك اسم لعين ما بين طرفي الشيء كمركز الدائرة، وبالسكون اسم مبهم لداخل الدائرة مثلا، فان مادة وسط بكل تقاليبها مهموزة وغير مهموزة تدور على العدل السواء الذي تنسبه إلى كل جانب على التساوي، فالوسط هو منتصف الطريق (4) .
وقد ذهب البقاعي في بيان دلالة كثير من الكلمات سواء أكانت لها علاقة أم لم تكن لها علاقة، وقد تذكر هذه اللفظة من خلال تفسيره لآية قرآنية، وقد وردت هذه الكلمات كثيرة في تفسيره ومن هذه الألفاظ كلمة ((الرهق)) وجاء في بيان دلالتها،إذ يقول: ((والرهق: لحاق الأمر، ومنه راهق الغلام- إذا لحق حال الرجال.)) (5) وجاء في لسان العرب: ((الرهق: جهل في الإنسان وخفّة في عقله، تقول به رهق، ورجل مرهوق موصوف بذلك ولا فعل له، ورجل رهق، أي فيه خفّة وحدّة، وراهق الغلام فهو مراهق إذا قارب الاحتلام)) (6) ورهقه الأمر غشيه بقهر، ويقال: رهقته: ردفته وبعثته.
__________
(1) البقرة:143
(2) نظم الدرر:2/206-207
(3) ديوان أبي نمام:153 وينظر نظم الدرر:2/206
(4) ينظر: نظم الدرر: 2/207
(5) نظم الدرر:9/106
(6) لسان العرب مادة – رهق-:11/422(1/121)
ومن الألفاظ التي أشار اليها البقاعي أيضاً لفظة((النجاة)) وهو: (( من النجوة، وهي الارتفاع من المهالك، فالنجاة هو كل مرتفع من الأرض الذي هو مخلص مما ينال في الوهاد، وخبت الأرض من هلاك بسيل ماء ونحوه)) (1)
وكذلك جاء في بيان لفظ((الصبر)) فالمعنى الدلالي لهذه اللفظة كما يقول البقاعي هو:(( حبس النفس عند الخروج إلى ما لا يجوز من ترك الحق لقبضة الجذع)) (2) ومنه قول الشاعر (3) :
ان تصبرا فالصبر خير مغبة وان تجزعا فالامر ما تريان
فالصبر هو المر المعروف، لأنه تجرع مرارة الحق بحبس النفس عن الخروج إلى المشتهى من الشرع والعقل فهو أصعب شيء إلى النفس (4)
وقد سار البقاعي في تفسير كثير من الألفاظ على النهج الذي سار عليه الاصوليون السابقون له، فكثير من الألفاظ التي يتطرق إلى معناها اللغوي وكذلك الشرعي يكتفي بذكر دلالة اللفظة لأحد الاصوليين المتطرقين للمعنى لهذه اللفظة، من دون ان يكون له رأي يذكر.
__________
(1) نظم الدرر: 1/354 ، 9/215
(2) نظم الدرر: 9/396
(3) نظم الدرر: 9/397
(4) للمزيد ينظر نظم الدرر:1/106 ، 2/154 ، 5/220 ، 8/410-411، 9/39-358-366-397 ، 10/55-207-213-244-303-345-397-434 ، 11/170-414- ، 12/38 ، 13/300 ، 14/36 ، 16/57-232-265-317-489-558 ، 17/29 ، 18/317 ، 19/12.(1/122)
ومن هذه الألفاظ التي تطرق إليها البقاعي في تفسيره لفظة((الكتاب)) من قوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ ...} (1) وجاء في تفسيرها قول الحرالي:(( من الكتب وهو وصل الشيء المنفصل بوصلة خفية من أصله كالخرز في الجلد بقد منه، والخياطة في الثوب بشيء من جنسه، ليكون أقرب لصورة اتصاله الأول، فسمي به ما ألزمه الناس من الأحكام وما أثبت بالرقوم من الكلام )) (2) وقد اكتفى البقاعي بهذا المعنى الذي أشار إليه الحرالي ولم يدل البقاعي برأيه في هذا المعنى. والكتاب: الفرض والحكم، وقال النابغة الجعدي (3) :
يا ابنة عمّي كتاب الله أخرجني * * * عنكم، وهل أمنعنّ الله ما فعلا
__________
(1) البقرة :1
(2) نظم الدرر:1/80
(3) المعجم المفصل في تفسير غريب القرآن:415(1/123)
وأشار البقاعي إلى معنى ((الأسباط)) من قوله تعالى: {... وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ ...} (1) وأشار البقاعي إلى أن:((والأسباط جمع سبط قال في القاموس: والسبط-بالكسر- ولد الولد والقبيلة من اليهود وجمعه أسباط. وقال البيضاوي: والأسباط جمع سبط وهو الحافد يريد به حفدة يعقوب وأبناءه وذراريهم فانهم حفدة لإبراهيم وإسحاق، وقال الأصبهاني: قيل أصل السبط في اللغة شجرة ملتفة كثيرة الأغصان من شجرة واحدة. وقال البغوي: والأسباط يعني أولاد يعقوب واحدهم سبط، وهم اثنا عشر سبطا، وسبط الرجل حافده ومنه قيل للحسن والحسين عليهم السلام: سبطا رسول الله صلى الله عليه وآله وآله وسلم)) (2) والأسباط هي كلمة عبرية أصلها بالشين، وهي عندهم كالقبائل بلغة العرب. والأسباط: الذين يرجعون إلى أب واحد، واحدهم سبط، والأسباط اثنا عشر رجلا من أولاد يعقوب، والسبط في كلام العرب والسبطان والأسباط: أولاد الأولاد، والسبط ولد الابن والابنة، مقابل الحفيد ومنها قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي تقدم (3)
الحقيقة الشرعية
تطلق كلمة((مصطلح)) في أوساط الناس، ليراد بها المعنى الذي تعارفوا عليه،واتفقوا عليه في استعمالهم اللغوي الخاص، أو في أعرافهم الاجتماعية وعاداتهم السائدة، ولكن كثير من الظروف السياسية والاجتماعية والدينية ساعدت كثيرا من الكلمات أن تحمل معنى غير الذي وضع لها في أصل اللغة، ويسير هذا المعنى الجديد بين الناس حتى يصبح في استعمالهم اليومي شيئا مألوفا ينسى مع ذلك المعنى اللغوي الأساسي، هذا المعنى ما نقصد به المعنى الشرعي (4) .
__________
(1) البقرة:136
(2) نظم الدرر:2/189-190
(3) المعجم المفصل في تفسير غريب القرآن:230
(4) ينظر: التطور الدلالي بين لغة الشعر ولغة القرآن:9(1/124)
وقد لاحظ المفسرون وعلماء اللغة ورود كلمات في القرآن الكريم تحمل معاني غير المعاني التي وردت في استعمالهم اللغوي، وأرادوا أن يميّزوا بين المعنى اللغوي والمعنى الإسلامي الشرعي، وأختلف الأصوليون في وقوع الحقيقة الشرعية، فمنعه القاضي أبو بكر وأشار إلى أن الشارع لم يستعمل الألفاظ إلاّ في الحقائق اللغوية، فالمراد الصلاة المأمور بها في النصوص هو الدعاء، ولكن أقام الشارع الكريم أدلّة أخرى على أن الدعاء لا يقبل إلاّ بشرائط مضمونة إليه (1)
أمّا ما ذهب إليه المعتزلة من إثبات الحقائق الشرعية، فقال: أبو الحسين البصرية: ((جاءت الشريعة بعبارات لم تكن معروفة في اللغة... ولا فرق بين أن يصنع لتلك العبارات اسماً مبتدأ وبين أن ينقل إليها من أسماء اللغة مستعملاً في معنى له شبه بالمعنى الشرعي)) (2) .
ذهب جمهور الأصوليين إلى إثبات الحقائق الشرعية؛ لأنّ الحقيقة الشرعية لم تسعمل في المعنى اللغوي ولم يقطع النظر عن حالة الاستعمال، بل استعملها الشارع الكريم في هذه المعاني لما بينها وبين المعاني اللغوية من العلاقة، فالألفاظ المستعملة في مصطلحات الشرع هي في الأصل مجازات لغوية اشتهرت فصارت حقائق شرعية (3)
.
__________
(1) ينظر: المزهر:1/298 واصول الأحكام وطرق الاستنباط في التشريع الإسلامي:316
(2) . المعتمد: 1/24، وينظر: أصول الأحكام: 316
(3) . ينظر: المزهر: 1/298، وأصول الحكام: 316، والبحث الدلالي عند الشوكاني: 51.(1/125)
ومن هذا المنطلق ظهر نوع جديد من الألفاظ التي تنتقل من مسمياتها وتبقى على جهة الحقيقة لا المجاز وهو ما اصطلح عليه بـ ((الحقيقة الشرعية))، فالحقيقة الشرعية: ((هي اللفظ الذي استفيد من الشرع وضعه للمعنى سواء أكان اللفظ.والمعنى مجهولين عند أهل اللغة، أم كانا معلومين، لكنهم لم يضعوا ذلك الاسم لذلك المعنى إذا كان أحدهما مجهولاً والآخر معلوماً)) (1) أمّا البلاغيون والأصوليون، فقد عرّفوها بقولهم: ((هي اللفظة التي يستفاد من جهة الشرع وضعها لمعنى غير ما كانت تدلّ عليه في أصل وضعها اللغوي)) (2) .
وقد ذهب البقاعي إلى ما ذهب إليه جمهور الأصوليين في إثبات الحقائق الشرعية، ولكن لم أجد البقاعي يتطرق إلى تعريف لهذا المصطلح، إنّما أشار إليه في طريقه عند بيان دلالة بعض الألفاظ شرعاً، وأحياناً يتطرق إلى المعنى اللغوي والشرعي معاً.
ومن الألفاظ التي أشار إليها البقاعي في تفسير كلمة ((الغنيمة)) من قوله تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ...} (3) أشار البقاعي إلى دلالة الكلمة إذ قال: ((والغنيمة لغة: الفوز بالشيء وشرعاً ما دخل في أيدي المسلمين من مال الكفار قهراً بالخيل والركاب)) (4) فالمعنى: إذا ظهر المسلمون على المشركين وعلى أرضهم وأخذوهم عنوة، فما أخذوه من مال ظهروا عليه فهو غنيمة (5) .
__________
(1) . إرشاد الفحول: 1/95، وينظر: منهج البحث اللغوي بين التراث وعلم اللغة الحديث: 134.
(2) . الطراز: 1/55.
(3) . الأنفال: 41.
(4) . نظم الدرر: 8/283، وينظر: 8/217.
(5) . جامع البيان: 10/20.(1/126)
وما جاء في تفسير كلمة الكفر من قوله تعالى: {... إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} (1) وأشار ابن منظور إلى أن الكفر في اللغة التغطية، والكافر ذو كفر وتغطية لقلبه، والكافر كافر لانّ الكفر غطّى قلبه كله (2) . أمّا البقاعي فقد أشار إلى معنى قريب من المعنى الذي أشار إليه ابن منظور إذ يقول: ((والكفر: تضييع حق النعمة بجحدها)) (3) فالأصل في الكفر هو التغطية تغطية الشيء وهذا الأصل في استخدام هذه اللفظة في اللغة، ولكن القرآن الكريم جاء بمعنى آخر لهذه اللفظة وأطلق عليه المعنى الشرعي، إذ نقل دلالتها إلى جحد نعمة الله سبحانه وتعالى التي أنعمها على عبادة، فالكافر غطاء على قلبه يبعده عن نور الإيمان والحق.
ومن الألفاظ التي انتقلت دلالتها في العصر الإسلامي والتي خصها البقاعي بالذكر لفظة ((العير)) في سورة يوسف في قوله تعالى: {... جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} (4) وأشار البقاعي إلى لفظة ((العير)) وهي: ((القافلة التي فيها الأحمال، والأصل فيها الحمير، ثم كثر حتى أطلق على كل قافلة تشبيهاً بها)) (5) والأصل في العير هي الحمير، والعير جمع لا واحد له من لفظة، حتى انتقلت، دلالتها وأصبحت تطلق على قافلة الحمير. (6) .
__________
(1) . إبراهيم: 8.
(2) . لسان العرب مادة كفر: 14/460.
(3) . نظم الدرر: 10/385 و 17/11ـ17.
(4) . يوسف:70.
(5) . نظم الدرر: 10/169 و194.
(6) . ينظر: جامع البيان: 13/18.(1/127)
وكذلك تطرق البقاعي إلى لفظة ((النكاح)) من قوله تعالى: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ...} (1) وأشار البقاعي في تفسير لهذه اللفظة إلى قول الحرالي: ((منه النكاح وهو إيلاج نهد في فرج ليصيرا بذلك كالشيء والحد)) (2) وقد عدّ البقاعي قول الحرالي حقيقة لغوية إذ يقول: ((هذا أصله لغة، والمراد هنا العقد، لأنّه استعمل من جهة الشرع حقيقة في العقد، وكثر استعماله فيه، وغلب حتى صار حقيقة شرعية، فهو في الشرع حقيقة في العقد مجاز في الجماع وفي اللغة بالعكس)) (3) وهذا ما أشار إليه ابن منظور، نكح فلان امرأة ينكحها نكاحاً إذ تزوجها، وقال قوم معنى النكاح هاهنا الوطء وهذا أصله في اللغة، أمّا النكاح في كتاب الله عزّ وجلّ فيطلق على معنى التزويج؛ لأنّ عقد التزويج في الإسلام والقرآن يسمّى النكاح (4) ويقول الأصفهاني: ((وأصل النكاح للعقد، ثمّ استعير للجماع، ومحال أن يكون في الأصل للجماع)) (5) وقال ابن فارس: ((نكح: النون والكاف والحاء أصل واحد، وهو الجماع، ونكح ينكح وامرأة ناكح في بني فلان، إذا تزوج منهم، والنكاح يكون العقد دون الوطء، يقال نَكَحْتُ تَزَوجتُ)) (6) فإنّ لفظة النكاح في اللغة تطلق على الجماع أو الوطء، وهذا المعنى عند كثير من الأقوام، أمّا في الشرع فإنّها تطلق على عقد التزويج وقد ورد هذا في القرآن الكريم بهذا المعنى في قوله تعالى: {وَانْكحُوا الأَيَامى مِنْكُم} (7) وكذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ...} (8)
__________
(1) . البقرة: 221
(2) . نظم الدرر: 3/270.
(3) . نظم الدرر: 3/270.
(4) .لسان العرب مادة نكح:3/456، وينظر: المحكم والمحيط الأعظم:1/32.
(5) . المفردات: 506.
(6) . مقاييس اللغة: 1009.
(7) . النور: 32.
(8) . الأحزاب:49..(1/128)
ونلاحظ ممّا تقدم من هذه الأمثلة؛ إنّ البقاعي قد أقرّ إثبات الحقيقة الشرعية، إذ نستنبط منه أن الحقيقة الشرعية عند البقاعي، هي الألفاظ التي انتقلت دلالتها من الوضع اللغوي إلى معنى آخر كُثر الاستعمال فيه، ويعود ذلك لما جاء به القرآن الكريم من هذه الألفاظ.
الحقيقة العرفية
الحقيقة العرفية هي دلالة انتقالية زمنية من الدلالة الوضعية بعد شيوعها؛ لأنّ الأصل وضع الاسم بمعنى عام ثمّ يخصصها الناطقون باللغة بعرف الاستعمال ببعض مسمياتها حتى شاع هذا النوع من الحقيقة في العصر الإسلامي. (1)
فالحقيقة العرفية: ((هي ما انتقل عن بابه بعرف الاستعمال وغلبته عليه لا من جهة الشرع، أو ما أفاد ظاهر الاستعمال طاريء من أهل اللغة)) (2) وعرّفها السمرقندي بأنّها ((اللفظ الذي انتقل من الوضع الأصلي إلى غيره بغلبة الاستعمال)) (3) .
أمّا البقاعي فقد أقرّ بهذا النوع من الحقيقة متبعاً سابقيه في هذا النهج، إلاّ أنّي لم أجد تعريفاً لهذا النوع في نظم الدرر، إنّما وجدت له أمثلة متناثرة في كتابه، ومن هذه الأمثلة كلمة ((الدابة))
في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} (4) وقد أشار البقاعي إلى لفظة الدواب في قوله: ((ولمّا كانت الدابة في الأصل لما دبّ على الأرض ثمّ غلب إطلاقه على ما يركب)) (5) والدابة اسم لكل حيوان ذي روع ذكراً كان أو أنثى عاقلاً أم غيره، مأخوذ من الدبيب وهو في الأصل المشي الخفيف (6) . ومنه قول الشاعر.
زعمتني شيخاً ولستُ بشيخ * * * إنّما الشيخ من يدب دبياً.
__________
(1) . ينظر: الفروق في اللغة: 56ـ57.
(2) . المعتمد: 1/27.
(3) . ميزان الأصول: 1/537.
(4) . فاطر: 28.
(5) . نظم الدرر: 16/47.
(6) . ينظر: روح المعاني: 12/2.(1/129)
والدواب من الدبيب، وهو المشي الخفيف ويستعمل ذلك في الحيوانات والحشرات أكثر ممّا لا تدرك حركته الحاسّة واختص في التعارف بالفرس. (1)
وقد أشار البقاعي إلى لفظة الغائط من قوله تعالى: {... وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء ...} (2) وقد أظهر البقاعي المعنى الدلالي لكلمة الغائط بقوله: ((المكان المطمئن من الأرض الواسع الذي يقصد للتخلي، ((أي: أو جاء من التخلي))، فقضى حاجته التي لابد له منها، فهو بها أحوج إلى التخفيف مما بعده)) (3) فالغائط في الأصل هو المكان المطمئن من الأرض ثمّ كثر استعماله في غير ما ورد في اللغة إلى المكان الذي يقصد به التخلي لقضاء حاجته، وهذا ما أشار إليه الشريف المرتضى على هذا النوع من الدلالة، ويصرح: ((قولنا: غائط، كان في الأصل اسم المكان المطمئن من الأرض ثمّ غلب عليه الاستعمال العرفي إلى كناية عن قضاء الحاجة والحدث المخصوص)) (4) .
المجاز
__________
(1) . المفردات: 1/17 ينظر: المستصفى: 1/325، والطراز: 1/54، وصفوة اللالي: 195، ومجاز القرآن وخصائصه الفنية وبلاغته العربية: 88، وأسباب اختلاف الفقهاء: 234.
(2) . النساء: 43.
(3) . نظم الدرر: 5/287.
(4) . الذريعة الى اصول الشريعة: 1/13.(1/130)
إنّ المعاني قائمة لا سبيل لنا إلى معرفتها إلاّ بالتعبير عنها وما مطالعتنا لها إلاّ لتحديد وتشذيب يتغاطى فيه عن قدر ما منها إذ إنّ هناك كثيراً لا يستطيع المتلفظ أن يضمنها عباراته ويختلف هذا المدى تبعاً لعوامل شتّى يحكمها ما ينسب للمجتمع والبيئة وغيرها. (1) فالمجاز لغة: ((المجاز مَفْعَل من جازَ الشيء يحوزه: إذا تعداه، وإذا عدل بالفظ عمّا يوجبه اصل اللغة وصف بأنّه مجاز على معنى إنّهم جازوا به موضعه الأصلي، أو جاز مكانه الذي وضع فيه أولاً)) (2) .
إمّا المجاز اصطلاحاً: ((الكلمة المستعملة في ما وضعت له في اصطلاح التخاطب على وجه يصح مع قرينة عدم إرادته)) (3) .
وقد سمّي المجاز مجازاً لجهة التناسب؛ لأنّ المجاز ((مَفْعلَ)) من جاز المكان، إذا تعدّاه والكلمة إذا استعملت في غير ما هي موضوعة له وهو ما تدلّ عليه بنفسها، فقد تعدّت موضوعها الأصلي في اللغة وهذا الانتقال من مكان إلى آخر أو من معنى إلى معنى آخر أطلق عليه المجاز (4) .
__________
(1) . ينظر:الترادف في اللغة:50.
(2) . نهاية الإيجاز في دراية الاعجاز:81 وينظر: اسرار البلاغة:342 والمزهر:325 وعلوم البلاغة البيان والمعاني والبديع:248.
(3) . التلخيص في علوم البلاغة: 294 وينظر المثل السائر:1/63.
(4) . ينظر: مفتاح العلوم:360-361.(1/131)
ولمّا ارتبطت الفكرة المجازية بمسائل حساسة وهي المسائل الاعتقادية كان من الطبيعي أن يظهر الخلاف بين علماء المسلمين والعربية وخاصة لما ترتب على القول به وعدم القول، ولا سيما نتيجة لاختلاف وجهات النظر والأفكار، وقع الخلاف في إثبات المجاز في اللغة وإنكاره، فتعددت مواقف العلماء إزاء هذه القضية وراح كل منهم ينظر إليها من وجهة خاصة به، فانقسم العلماء إزاء هذا الاتجاه إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول مثّله أبو علي الفارسي (ت395هـ) وأبو إسحاق الاسفراييني (ت415هـ) وآخرون، إذ يرى أن اللغة خالية من المجاز، وذريعتهم في ذلك، أنّ اللفظ إن كان مجاز فهو أن يكون متمثلاً بقرينة وعليه فهو حقيقة في المعنى، وأمّا من دون قرينة وهنا يكون حقيقة أيضاً (1) .
أمّا القسم الثاني فيمثله ابن جني الذي يرى أن اللغة مجاز في أكثرها إذ قال: ((اعلم أنّ أكثر اللغة مع تأمله مجاز لا حقيقة)) (2) .
أمّا القسم الثالث: فيرى إنّ اللغة مشتملة على الحقيقة والمجاز ومثّله ابن الأثير (ت637هـ) إذ قال: ((محل النزاع هو أنّ اللغة حقيقة أو أنّها كلها مجاز، فإنّ كلا الطرفين عندي سواء، لأنّ منكرهما غير مسلم لهما، وأنا بصدد أن ابين أنّ في اللغة حقيقة ومجاز)) (3) .
__________
(1) . الأحكام: للآمدي: 1/32.
(2) . الخصائص: 2/449 وما بعدها.
(3) . المثل السائر: 1/59.(1/132)
والذي يبدو أنّ القسم الثالث هو الأكثر حكمة من جهة العقل والمنطق؛ لأنّنا لا يمكننا أن نقول إنّ اللغة حقيقة كلها أو مجاز كلها، بل هي مشتملة على كل من الحقيقة والمجاز، واشترطوا في كل من الحقيقة والمجاز الاستعمال، فكيف بالمجاز الذي كان له معنى حقيقي، فمن البديهي أن يكون المجاز بعد الاستعمال؛ ((اللفظ يجوز خلوه عن الوصفين فيكون لا حقيقة ولا مجاز لغوياً، فمن ذلك الفظ في أول الوضع قبل استعماله فيما وضع له أو في غيره، وليس بحقيقة ولا مجاز؛ لأنّ شرط تحقق كل واحد من الحقيقة والمجاز الاستعمال)) (1) وقد ذكر الأستاذ الدكتور عبد الرسول الزيدي أنّ فخر الدين الرازي ذهب إلى أنّ الوضع الأول ليس بحقيقة ولا مجاز، أمّا إنّه ليس بحقيقة فلأنّ شرطها أن يكون مستعملاً في موضوعه الأصلي، أي فيما وضعه الواضع بأزائه، وأمّا أنّه ليس بمجاز، فلأنّ شرطه أن يكون مستعملاً في غير موضوعه الأصلي وهو يقتضي أن يكون مسبوقاً بالوضع الأول. (2) .
وقد علّق الدكتور عبد الرسول الزيدي على هذا الموضوع قوله: (( وأرى أن السبب الذي قادهم إلى القول بأنّ الوضع الأول ليس بحقيقة ولا مجاز وعلى وفق ما أبانوا عنه هو أنّهم عولوا على مسألة ((الاستعمال)) في تقرير أمر الحقيقة والمجاز، وكون الاستعمال يلي الوضع الأول، فإنّ صنيعهم هذا يعني أنّهم فصلوا بين الوضع الأول والاستعمال، وهو أمر يفتقر افتقاراً شديداً إلى المنطق اللغوي الذي يعضده، وينهض دليلاً عليه، إذ أنّ الاستعمال والوضع سوية، أو أقل ينبثقان معا وأن أحدهما مقترن بالآخر منهما شيء واحد وليس ثمة فصل بينهما في أيّة حال من الأحوال)) (3) .
__________
(1) . المزهر: 1/361.
(2) .البحث اللغوي عند فخر الدين الرازي:346، وينظر: نهاية الإيجاز: 88.
(3) . البحث اللغوي عند فخر الدين الرازي: 347.(1/133)
وقد أثبت أكثر الأصوليين ظاهرة الحقيقة والمجاز في القرآن الكريم لأنّ: ((كل واحد من النوعين موجود في كلام الله تعالى وكلام النبي(ص) وكلام الناس في الخطب والأشعار وغير ذلك، حتى كاد المجاز يغلب الحقيقة لكثرة الاستعمال، وبه اتسع اللسان وحسّن مخاطبات الناس بينهم)) (1) لأنّ استخدام القرآن الكريم الأساليب البلاغية المتنوعة هو إعجازه الذي تحدّى الإنس والجن في نظمه؛ لأنّ صرف الكلمة عن معناها الاعتيادي يجعل الاسلوب آنق وآدب (2) ، لأنّ المجاز عند العرب دليل الفصاحة ورأس البلاغة وبه بانت لغتها. (3) .
أمّا الذين أثبتوا المجاز سواء أكان في القرآن أم في اللغة، فقد نظروا نظرة عميقة للمجاز، وقد تبين لهم أن المجاز ينقسم إلى قسمين من حيث وجود العلاقة وانعدامها. (4) .
أ: المجاز اللغوي.
ب: المجاز العقلي.
أمّا المجاز اللغوي فينقسم إلى قسمين هما:
1- المجاز المرسل.
2- الاستعارة.
أمّا البقاعي فقد كان ممّن أثبت وقوعه في اللغة والقرآن الكريم بأنواعه المختلفة، فكانت تقسيمات المجاز لديه على نهج سابقيه، ولكني لم أجده يصرح بهذه التقسيمات بشكل صريح إنّما قدّم لنا أمثلة فقط. بيد أنّي أحبّ الإشارة إلى أنّ الدكتور عقيد العزاوي قد أفاض القول في موضوع المجاز عند البقاعي في أطروحته الموسومة: ((الأساليب البلاغية في تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي)). في تقسيمات المجاز سواء أكان لغوياً أم عقلياً ممّا جعلني أتناوله بشكل موجز.
المجاز العقلي :
المجاز العقلي أو الإسنادي هو: ((الكلام المفاد به خلاف ما عند المتكلم من الحكم فيه لضرب من التأويل أفادة للخلاف لا بوساطة وضع)) (5) .
__________
(1) . أصول السرخسي: 10/171
(2) . ينظر: بلاغة أرسطو: 1/171.
(3) . العمدة: 1/265.
(4) . مجاز القرآن خصائصه الفنية وبلاغة العربية: 135.
(5) . مفتاح العلوم: 185.(1/134)
والحقيقة أنّ هذا النوع من المجاز تستعمل فيه المفردات استعمالها الأساسي وفي موضوعها الأصلي ويكون عن طريق الإسناد (1) .
أمّا البقاعي في تناوله المجاز العقلي فنراه يذكر لفظ الإسناد أحياناً أو المجاز عموماً وهذا من المجاز الذي ورد في تفسيره للقرآن الكريم. (2)
ومن الأمثلة التي أشار إليها البقاعي هو في قوله تعالى: {ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إلاّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ} (3) إذ يقول البقاعي: ((أسند الأكل عليهن مجازاً عن أكل أهلهن تحقيقاً للأكل)) (4) وفي النص القرآني يشمل على تمثيل لطيف، كأن هذه السنين سباع ضارية تكرّ على الناس لافتراسهم وأكلهم؛ فيقدمون إليها ما ادخروه عندهم من الطعام فتأكله وتنصرف عنهم، فأسند البقاعي الأكل للسنين وهو مجاز عقلي. (5)
المجاز اللغوي
1- الاستعارة
وهي: ((الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له في اصطلاح التخاطب لملاحظة علاقة بين الثاني والأول مع قرينة تمنع إدارة المعنى الأصلي، كالأسد المستعمل في الشجاع، والغيث المستعمل في النبات)) (6) .
__________
(1) . الأساليب البلاغية في نظم الدرر: 207.
(2) . ينظر: الأساليب البلاغية في نظم الدرر: 209.
(3) . يوسف: 48.
(4) . نظم الدرر: 10/114.
(5) . ينظر: الميزان: 11/193.
(6) . علوم البلاغة (البيان والمعاني والبديع)): 248.(1/135)
فكل لفظ استعمل في غير المعنى الموضوع له لمناسبة بين المعنى المنقول عنه والمعنى المستعمل فيه مع قرينة تصرف عن إرادة المعنى الأصلي استعارة (1) . وقد عرض لها البقاعي بأمثلة منها ما جاء في قوله تعالى: {... هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (2) ويصرح البقاعي قائلاً: ((ولمّا كان الاتجار إجهاد النفس في تحصيل الربح النافع، وكان الإيمان والجهاد وأعظم النفس في تحصيل الجنّة الباقية التي لا ربح يوازيها فاستعار لهما اسمها) (3) .
أي: أنعموا تنبيهاً على ما هو الأليق بهم، فاستأنف لهم بيان التجارة بأنّه الجمع بين الإيمان الذي هو أساس الأعمال كلها، والجهاد بنوعيه المكمل للغير، فالبقاعي بيّن استعارة اسم التجارة ليطلق على الإيمان والجهاد، بما كانت التجارة تحصيل للربح فإنّ الإيمان والجهاد وتحصيل للربح أيضاً وهو الجنّة التي لا ربح يوازيها، فالحاصل أنّ التجارة التصرف في رأس المال طلباً للربح، فقد أخذ الإيمان والجهاد في الآية تجارة، رأس مالها النفس وربحها النجاة من عذاب اليم، وهذه التجارة جليلة القدر، عظيمة الشأن، وجعل الربح الحاصل منها النجاة من عذاب اليم. (4)
وأودّ أن أشير إلى أنّي لن أتعرض لهذهين الفنّين البلاغيين ((المجاز العقلي والاستعارة بشكل مستفيض، لأنّ عقيد العزاوي قد أطنب القول في هذا الأمر. (5)
المجاز المرسل
__________
(1) . علوم البلاغة البيان والمعاني والبديع: 259.
(2) . الصفّ: 10.
(3) . نظم الدرر: 20/34.
(4) . ينظر: الميزان: 19/229.
(5) . ينظر للمزيد الأساليب البلاغية في نظم الدرر: 206 وما بعدها.(1/136)
إنّ حقيقة المجاز المرسل جاءت على أساس عدم ارتباطه بعنصر المشابهة في ملابسته للمعنى بغير التشبيه، وتسميته جاءت لخلوه من القيود، فإذا كانت العلاقة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي هي المشابهة، فالمجاز يسمّى استعارة، وإذا كانت العلاقة هي غير المشابهة فهو مجاز مرسل. (1)
فالمجاز المرسل عند الخطيب القزويني: ((هو ما كانت العلاقة بين ما استعمل فيه وما وضع له ملابسه غير الشبيه)) (2) فالمجاز إذن هو ما كانت العلاقة بين ما استعمل فيه وما وضع له ملابسة ومناسبة غير التشبيه، كاليد إذا استعملت في النعمة، وعلاقات المجاز المرسل كثيرة منها على سبيل المثال: ((السببية، والمسببة والكلية والجزئية...)) (3) .
إنّ المجاز المرسل ووجوه علاقته في نقل الألفاظ عن الأصل اللغوي، قد تخطى حدود الدائرة اللغوية إلى الدائرة الفنية، وانتشار المجاز المرسل في القرآن الكريم، له دلائله وشواهده، إنّه وسيلة من وسائل العربية في إضافة المعاني الجديدة، ووسيلة اللغة في الإضاءة والتنوير؛ لأنّ انتشار هذا النوع من المجاز في القرآن دربة لأهل اللغة من جهة، ودليل على الإعجاز البياني من جهة أخرى. (4)
وقد تناول البقاعي المجاز المرسل بالتحليل من أجل الوقوف على المعنى الدلالي لآي الذكر الحكيم، فمن أنواع المجاز المرسل التي ذكرها البقاعي في تفسيره هي علاقة.
1ـ إطلاق السبب على المسبب
__________
(1) . ينظر: مجاز القرآن وخصائصه الفنية: 316.
(2) . الإيضاح: 2/397، والتلخيص: 295، وينظر مجاز القرآن وخصائصه: 139.
(3) . ينظر: علوم البلاغة البيان والمعاني والبديع: 250.
(4) . مجاز القرآن خصائصه الفنية: 141.(1/137)
وهي كون الشيء المنقول سبباً ومؤثراً في شيء آخر (1) وجاء في قوله تعالى: {... يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ...} (2) فكلمة ((التوكل)) هي محل المجاز المرسل؛ لأنّ: ((إطلاق السبب الذيهو التوكل على المسبب الذي هو انتفاء الخوف مجازاً مرسلاً إعلاماً لهم بعظمة الله وحقارتهم بسبب أنّهم أعرضوا عن الآيات)) (3) وأشار الطبرسي إلى أنّ هذه الآية فيها حذف وتقدير الكلام: ((عزمتم على قتلي وطردي من بين أظهركم)) فأظهر النبي نوح(ع) التوكل على الله مع أنّه متوكل عليه في جميع أحواله، فإنّ سبب إطلاق النبي نوح(ع) التوكل على الله سبحانه وتعالى على انتفاء الخوف الذي قد يبادر له من المشركين بعد أن أعرضوا عن آيات الله سبحانه وتعالى. (4)
__________
(1) .ينظر: البرهان الكاشف:1020، وعلوم البلاغة وخصائصه الفنية:250.
(2) . يونس: 71.
(3) . نظم الدرر: 9/163.
(4) . ينظر: مجمع البيان: 5/123.(1/138)
وقد تطرق البقاعي أيضاً إلى قوله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ...} (1) إذ نلتمس في النص القرآني علاقة مجازية تتمثل في السببية، ممّا جعل حملها على المجاز المرسل أكثر من الحقيقة وهي أقرب إلى إطلاق السماء على الزرع والمطر، إذ يشير البقاعي: ((الذي انبت الزرع، وهو من إطلاق السبب على المسبب كالسماء على المطر والنبت، وقيل كان ذلك كرماً، وقيل زرعاً)) (2) فالمعنى: كانت غنماً لقوم وقعت في كرْم وقيل: زرعاً آخرين؛ فاحتكموا إلى داود فقضى لأهل الكرم بالغنم، وحكم سليمان بأن يدفع الغنم إلى أصحاب الكرْم، فيأخذوا منافعها من ألبانها وأصوافها إلى أن يعود الكرم كهيئته وقت أفسد. (3)
2ـ إطلاق المسبب على السبب
__________
(1) . الأنبياء: 78.
(2) . ينظم الدرر: 12/453.
(3) . ينظر: معاني القرآن للفراء: 2/119، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج: 3/324، والبحر المحيط: 6/307.(1/139)
وهي علاقة عكس العلاقة السابقة، وهي كون المنقول عنه مسبباً، ومتأثراً عن شيء آخر (1) . وقد أورد البقاعي مجموعة من الآيات التي تدلّ على هذه العلاقة ومنها قوله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إلى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ ...} (2) يتبين لنا أن موقع المجاز المرسل في النص القرآني قوله تعالى: (تفيض من الدمع) أي ففاضت أعينهم من خشيته، وهنا أسند الفيض إلى الأعين، وإن كانت حقيقة في الدمع وأقام المسبب مقام السبب، لأنّ الفيض مسبب عن الامتلاء (3) وأشار البقاعي إلى أن ((البكاء سببٌ لامتلاء العين بالدمع، وكأن الامتلاء سبباً للفيض الذي حقيقته السيلان بعد الامتلاء، وعبر بالمسبب عن السبب فقال: ((تفيض من الدمع)) أصله يفيض دمعها ثم تفيض هي دمعاً)) (4) ويفيض هنا إرادة الفيض، فالفيض انصباب عن امتلاء، ووضع هنا موضع الامتلاء بإقامة المسبب مقام السبب؛ لأنّ الأصل ترى أعينهم تمتلىء من الدمع حتى تفيض، والفيض على جوانب الإناء، أمّا من انتقال الدلالة فإنّه قد حوّل فيها الفعل إلى العين مجازاً (5) ، فالأصل فاض دمع عينه وهذا ما عبّر عنه الشاعر امرؤ القيس.
ففاضت دموع العين مني صبابة * * * على النحر حتى بل دمعي محملي
__________
(1) . علوم البلاغة البيان والمعاني والبديع: 250.
(2) . المائدة: 83.
(3) . ينظر: البحر المحيط: 4/5.
(4) . نظم الدرر: 6/270.
(5) . ينظر: روح المعاني: 7/4 والجامع لأحكام القرآن: 6/147.(1/140)
وقد جاء في قوله تعالى: {فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا } (1) ونلتمس علاقة المجاز المرسل في قوله تعالى: ( فالق الإصباح ) ، لأن الله سبحانه وتعالى فالق ظلمة الليل وهذا ما عبّر البقاعي عنه ، لأنه عندما يقال: (( انفجر الصبح وانفجر عنه الليل يمكن أن يراد بالفلق الكشف ، لأنه يكشف من المفلوق ما كان خفيا ، فعبّر عن المسبب الذي هو الإظهار بالسبب الذي هو الفلق )) (2) لأن الإصباح هو الغبش الذي يلي الصبح أو يكون على ظاهره فالق عن بياض النهار ، ولذلك سمّوا الفجر فلقا ، بمعنى مفلوق ، أو بمعنى مظهر الإصباح ، وبما إن الفلق مقتضيا كذلك الإظهار ، أطلق على الإظهار فلقا والمراد المسبب وهو إظهار النور لظلمة الليل على السبب هو الفلق (3)
3ـ إطلاق اسم الكل على الجزء
__________
(1) . الأنعام : 96.
(2) . نظم الدرر: 7/199
(3) . ينظر: البحر المحيط:4/185(1/141)
وهي كون الشيء متضمنا لشيء آخر ولغيره ، وهذا النوع من التعبير لنكات بلاغية ولطائف بيانية (1) . والألفاظ لا تستعمل كما وضعت ومنها ما أورده البقاعي في قوله تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ} (2) ونتلمس العلاقة في الغدوّ والآصال؛ لأنّ الغدو، هو تقلب الحيوان من النوم الذي هو كالموت إلى اليقظة التي هي كالحياة وفي الآصال الأمر بالعكس)) (3) فيرى البقاعي أنّ: ((الغدوّ جمع غدوة فيراد مع الصبح الضحى، وآخر كل نهار متصل بأول ليلة اليوم الثاني فسمّي آخر اليوم أصلاً؛ لأنّه يتصل بما هو اصل اليوم الثاني وخص هذين الوقتين، وإن كان المراد الدوام بتسمية كل من الليل باسم جزئه)) (4) ونلاحظ أنّ البقاعي قد أشار إلى ظاهرة المجاز المرسل من إطلاق الكل على جزئه بذكر الغدوة وهو بداية النهار أو الانتشار بعد الموت، والآصال على الليل وقال أبو حبان الأندلسي: ((المعنى جمع الأوقات وعبّر بالطرفين المشعرين بالليل والنهار)) (5) .
__________
(1) . ينظر: علوم البلاغة البيان والمعاني والبديع: 250.
(2) . الأعراف: 205.
(3) . ينظر روح المعاني: 1/155.
(4) . نظم الدرر: 8/211.
(5) . البحر المحيط: 4/448.(1/142)
وجاء في قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ...} (1) وفي النص القرآني مجاز مرسل يكمن هذا المجاز في قوله ((ملتنا)) إذ يقول البقاعي: ((فإطلاق ملتهم على السكوت عنهم من إطلاق اسم الكل على الجزء على زعمهم مثل ((جعلوا أصابعهم في آذانهم)) (2) وهو مجاز مرسل)) (3) فإن إطلاق ملتهم على السكوت عن الدعوة إلى الرسالة السماوية التي جاء بها النبي أو الخروج من الأرض التي يسيطرون عليها، أو يعودون إلى آبائنا ومذاهبنا التي نحن عليها (4) إذ يكون المعنى: في عودهم إلى ملتهم سكوتهم عنهم، وكونهم أغفالاً في ملتهم، وأمّا الرسل فلم يكونوا في ملتهم قط. (5)
2ـ إطلاق اسم الجزء على الكل
وهي كون الشيء يتضمنه وغيره شيء آخر (6) وقد أورد البقاعي في تفسيره نصوص تتضمن هذه العلاقة المجازية ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ ...} (7) .
__________
(1) . إبراهيم:13.
(2) . البقرة: 19.
(3) .نظم الدرر: 10/397.
(4) .ينظر: مجمع البيان: 4/308.
(5) .ينظر: البحر المحيط: 5/400.
(6) .علوم البلاغة البيان والمعاني والبديع: 250.
(7) . النساء: 102.(1/143)
إنّ موقع الشاهد في النص القرآني يكمن في قوله تعالى: ((وسجدوا)) وهو مجاز مرسل وأشار البقاعي إلى أنّه: ((يكون المراد بالسجود الصلاة ـ من إطلاق اسم الجزء على الكل ـ فإذا صلوا أي أتموا صلاتهم)) (1) وقد دلت هذه الآية القرآنية على أنّ السجود وهو جزء من الصلاة أراد بها الكل، ويقصد الصلاة كاملة وهو لقول النبي(ص): ((إذا دخل أحدكم المسجد فليسجد سجدتين)) (2) أي فليصل ركعتين.
إذن هذا مجاز مرسل وعلاقته إطلاق الجزء وإرادة الكل.
5ـ تسمية الشيء بما يؤول إليه
وهو النظر إلى الشيء بما سيكون عليه في زمن المستقبل (3) . وقد تطرق البقاعي إلى هذه الظاهرة، ونجدها عنده في تفسير قوله تعالى: {إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إلاّ فَاجِرًا كَفَّارًا} (4) أي سائراً الى الكفر والفجور، وربما كان الإنسان كافراً وقد وجد له ولداً نافعاً، فسبحان الله، إنّ قدر بقاء الكفار في الدنيا، أي لا يلد إلاّ فاجراً ومارقاً من كل ما ينفي الاعتصام به، والظاهر أنّ هذا الكلام لا يقال إلاّ عن وحي (5) . وقد قصد البلاغيون بهذه العلاقة بالمستقبلية، أي ما سيكون عليه الشيء في المستقبل فيسمونه باسم ما سيكون عليه، والمجاز في هذه العلاقة أنّهم يؤولون اللفظ، للدلالة على ما سيكون عليه الشيء في المستقبل متجاوزين ما هو عليه في الحاضر. (6)
__________
(1) . نظم الدرر: 5/381.
(2) . الجامع لأحكام القرآن: 5/238، وينظر: البحر المحيط: 3/340.
(3) . ينظر: علوم البلاغة البيان والمعاني والبديع: 252.
(4) . نوح: 27.
(5) . نظم الدرر: 20/458.
(6) . .صناعة الكتابة:195 وينظر: الأساليب البلاغية في نظم الدرر: 224(1/144)
وهناك كثير من العلاقات المجازية التي تنسب إلى المجاز المرسل وقد تطرق إليها البقاعي إلاّ أنّ الكلام عليها لا أجد فيه نفعاً أكثر مما تكلم عليه الدكتور العزاوي ومنها: تسمية الشيء باسم ما كان عليه (1) ، وإطلاق اسم الحال على المحل (2) وبالعكس (3) وتسمية الشيء باسم ضده (4)
الجمع بين الحقيقة والمجاز :
اختلف الأصوليون في جواز إطلاق اللفظ الواحد على مدلوله الحقيقي ومدلوله المجازي في وقت واحد واعتبار كل منهما متعلقاً بالحكم.
ذهب الشافعي وأكثر أصحابه وأهل الحديث وبعض المتكلمين إلى جوازه، وذلك لعدم المانع منه، ولجواز استثناء أحد المعنيين بعد استعمال اللفظ فيهما (5) .
وذهب الحنفية وجماعة من أصحاب الشافعي وجمهور المتكلمين إلى امتناع ذلك، لعدم وروده في اللغة، إذ لم يرد مثلاً استعمال لفظ الإنسان في الآدمي والسبع، ولفظ الحمار في الحيوان المعروف والإنسان البليد، لأن استعمال اللفظ في حقيقته ينص عدم القرينة الصارفة له، واستعمال في مجازه يوجبها وهما متنافيان؛ لأنّ استعمال اللفظ في الحقيقة يكون مستقراً في موضوعه مستعملاً فيه، والمجاز ما يكون متجاوزاً عن موضوعه
__________
(1) .ينظر نظم الدرر: 5/177.
(2) . ينظر نظم الدرر: 5/22، 7/387، 10/424، 15/478، 18/48، 22/137.
(3)
( ). ينظر: نظم الدرر: 10/194.
(4) . ينظر: نظم الدرر:4/300
(5) . ينظر: أصول التشريع الإسلامي: 223.(1/145)
مستعملاً في غيره، والشيء الواحد في حالة واحدة لا يتصور أن يكون مستقراً في موضوعه ومتجاوزاً عنه (1) .أما ما ذهب البقاعي فقد ذهب مذهب الإمام الشافعي في جواز استخدام اللفظ في مدلوله الحقيقي والمجازي معاً، إلاّ أنّي لم أجد عبارة صريحة للبقاعي يُشير فيها إلى هذا الجانب، إنّما اكتفى بإيراد أمثلة مبعثرة وقليلة في كتابه الأحكام، وقد أورد في كلامه على قوله تعالى: {وَاللّهُ أَنزَلَ مِنَ الْسَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} (2) وأشار البقاعي إلى معنى قوله تعالى بقوله: ((إنّ هذه الأدلة لا تحتاج مع الحس إلى كبير عمل بالقلب غير الانقياد إلى الحق وترك العناد والجهل، فهو من سماع الأذن، وما ينشأ عنه من الإجابة، استعمالاً للشيء في حقيقته ومجازه، ولعله لم يختمها بـ ((يبصرون))؛ لئلا يظن أن ذلك من البصيرة، فيظن أنّه يحتاج فيها إلى كبير فكر فيفوت ما أريد من الإشارة إلى شدة الوضوح)) (3) فالمعنى: إنّ الله سبحانه وتعالى ينزل من أمره ما يريده، فيحي به أجساد العباد بعد موتها، كما أحيا أجساد النبات بالماء بعد موتها، وفي هذا النص استعمال للفظ في حقيقته ومجازه، أي إن الله سبحانه وتعالى ينزل من السماء ماءً فأنبت في الأرض من الزرع والأشجار وهي كانت أرضاً قفراء ميتة. هذه حقيقة اللفظ، أما في مجازه فإنّ حكمة الباري عزّ وجلّ إحياء ما يشاء من عبادة أو بعبارة أخرى يحيي الموتى بعد فناء العظام. (4) .
__________
(1) . ينظر: أصول التشريع الإسلامي: 224، وأصول الأحكام وطرق الاستنباط: 230.
(2) . النحل: 65.
(3) . نظم الدرر: 11/192.
(4) . ينظر: جامع البيان: 14/130، ونظم الدرر: 11/192.(1/146)
وقد أورد البقاعي أيضاً استعمالاً للفظ في حقيقته ومجازه في قوله تعالى: {... وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (1) ويصرح البقاعي قائلاً: ((الآية من أدلة إمامنا الشافعي على استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه، فحيث قصد التحذير من الكفر حقيقة، فالإيمان حقيقة، وحيث أريد الترهيب من إضاعة الصلاة فهو مجاز)) (2) وهذا النص القرآني يدل دلالة واضحة إلى ميل البقاعي إلى المذهب الشافعي، فقصد الإيمان حقيقة فيما يحمله اللفظ، والترهيب من إضاعة الصلاة مجازاً.وكذلك ما جاء في قوله تعالى: {... فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ...} (3) إذ يقول البقاعي: ((وعبر بذلك ترغيباً في السلام والإحسان في الإكرام، ولتصلح العبارة لماّ إذا لم يكن فيها أحد فيقال حينئذٍ : ((السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)) فيكون من الاستعمال في الحقيقة والمجاز)) (4) .
وقد اختلف المتأولون في البيوت، وقيل: أراد بها المساجد والمعنى سلّموا على من فيها من صنفكم، فان لم يكن في المساجد أحد، فالسلام عليكم يريد الملائكة، ثمّ يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، ولكن القول في البيوت هو الصحيح ولا دليل على التخصيص، وأطلق القول ليدخل تحت هذا العموم كان للغير أو لنفسه (5) ولكن المراد بالسلام على أهلها أبلغ وجه، لأنّه أراد تحية عليه، فكأنّه سلم على نفسه، أمّا من جهة المجاز فالمراد بالبيوت المساجد والسلام على الأنفس الطاهرة. (6) .
__________
(1) . المائدة: 5
(2) . نظم الدرر: 6/28.
(3) . النور: 6
(4) . نظم الدرر: 13/319.
(5) . ينظر: الجامع لأحكام القرآن: 12/318.
(6) . ينظر: روح المعاني: 18/223.(1/147)
وجاء في قوله تعالى: {... مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (1) إذ يقول البقاعي: ((أي منهم بدوامه على الإيمان، إن كان آمن قبل ذلك، ودخوله في الإيمان إن كان كافراً فيكون من الاستعمال في الحقيقة والمجاز)) (2) ويبين الطبري: من آمن منهم بالله واليوم الآخر، فترك منهم، فليس المعنى الذي يظنّه من انتقال من دين إلى دين، كانتقال اليهود والنصارى إلى الإيمان، وإن قيل: إنّ الذين قد عنوا بذلك من كان من أهل الكتاب على إيمانه (3) والبقاعي أشار إلى استخدام اللفظ ((آمن)) في حقيقته في المؤمن الذي من قبل قوله تعالى، وكذلك خصّ الكافر مجازاً وهو يسير على نهج الإمام الشافعي. (4)
المبحث الثالث
تعدد المعنى ومشكلاته
المشترك اللفظي :
المشترك اللفظي من الظواهر الدلالية المعروفة في العديد من اللغات الإنسانية في العالم، فهي لا تقتصر على اللغة العربية وحدها، إنّما هي ظاهرة مألوفة في اللغات السامية وتتجلى هذه الظاهرة في حروف المعاني بأسرها في كل من هذه اللغات (5) .
وقد اختلف الناس فيه فالأكثر على أنّه ممكن الوقوع، إذ يرى أكثر علماء اللغة أنّه واقع؛ لنقل أهل اللغة ذلك في كثير من الألفاظ، ومنهم من قال: ((إنّ المعاني غير متناهية والألفاظ متناهية فإذا وُزّع لزم الإشراك)) (6) .
وأقدم النصوص التي وصلت إلينا والتي تعبر عن هذه الظاهرة قول سيبويه: ((اتفاق اللفظين والمعنى مختلف)) (7) .
__________
(1) . البقرة: 62.
(2) . نظم الدرر: 1/457.
(3) . ينظر: جامع البيان: 2/116.
(4) .للمزيد من الأمثلة ينظر: نظم الدرر:1/123، 5/286ـ510، 7/168، 16/208.
(5) . ينظر: دراسات في فقه اللغة: 299.
(6) . المزهر: 1/369.
(7) . الكتاب: 1/24، وينظر: ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن المجيد: 22.(1/148)
أمّا أهل اللغة فيرون أنّ المشترك اللفظي يقع نتيجة الاتفاق في الألفاظ للدلالة على معنيين أو معانٍ مختلفة، إذ قال ابن درستويه: ((وإنّما يجيء ذلك في لغتين متباينتين أو لحذف واختصار قد وقع
في الكلام، حتى اشتبه اللفظان وخفي سبب ذلك على السامع)) (1) والذي أشار إليه ابن درستويه إنّ المشترك اللفظي لا يقع في لغة واحدة، إنّما يكون في لغتين متباينتين حتى وضع هذا اللفظ لهذا المعنى في هذه اللغة، ووضع معنى آخر لنفس اللفظ في لغة ثانية.
أمّا الأصوليون فأكثر علمائهم كانوا متفقين مع أهل اللغة في جوازه وقومه، واحتجوا له بحجج كثيرة منها: إنّه قد يكون غرض المتكلم تعريف غيره شيئاً على التفصيل، وقد يكون غرضه تعريف ذلك الشيء على الإجمال. (2)
ويعدّ تعريف الأصوليين للمشترك اللفظي أدقّ تعريف وهو عندهم: ((اللفظ الواحد الدالّ على معنيين مختلفين فأكثر دلالة على السواء عند أهل تلك اللغة)) (3) .
__________
(1) .تصحيح الفصيح: 1/167، وينظر المخصص: 13/259 .
(2) . ينظر المعتمد: 1/324، وإرشاد الفحول: 19.
(3) . المزهر: 1/369، وينظر: البلغة في أصول الفقه: 60 ودراسات في فقه اللغة: 303، والأضداد في اللغة: 39.(1/149)
أمّا السرخسي فيعرف المشترك اللفظي بأنّه ((كل لفظ يشترك فيه معانٍ أو أسامٍ لا على سبيل الانتظام، بل على احتمال أن يكون كل واحد هو المراد به على الانفراد، وإذا تعين الواحد به انتفى الآخر مثل: اسم العين فإنّه للناظر، ولعين الماء وللشمس وللميزان...)) (1) ويتبيّن من تعريف السرخسي أنّه يشير على مسألة مهمّة في المشترك اللفظي، هي أنّ المعاني لا تتخذ في الألفاظ المفردة، إنّما يتخذ معنى المشترك اللفظي في السياق، فدراسة العلاقات الدلالية بين الألفاظ في سياق معين عن طريق تحليل معانيها، يمكننا ترجيح بعض المحتملات الدلالية في المشترك، وهي المقصودة في الكلام. وقد أشار الدكتور صبحي الصالح إلى أنّ: ((السياق هو الذي يعين أحد المعاني المشتركة للفظ الواحد، وهذا السياق لا يقوم على كلمة تنفرد وحدها في الذهن، وإنّما يقوم على تركيب يوحّد الارتباط بين أجزاء الكلمة فيخلع على اللفظ المعنى المناسب)) (2) وقد أدى الاعتماد على السياق إلى أن تعيش كثير من كلمات المشترك اللفظي جنباً إلى جنب إلى عدة قرون في اللغة الواحدة دون أن يسبب ذلك غموضاً أو سوء فهم، أو حتى صعوبة من نوعٍ ما. (3)
ومما تقدّم فقد بيّن علماء اللغة من القدامى والمحدثين، أسباب نشوء المشترك اللفظي ورصدهم لأنماط تلك الأسباب بعد أن رفضوا أن تكون بأصل الوضع. (4)
__________
(1) . أصول السرخسي: 1/126.
(2) . دراسات في فقه اللغة: 358.
(3) . ينظر: علم الدلالة (أحمد مختار): 178، ومن قضايا اللغة والنحو: 34.
(4) . ينظر: أسباب نشوء المشترك: فصول في فقه العربية: 326 وما بعدها، وفقه اللغة (وافي): 185 وفقه اللغة (الضامن): 68ـ69، والمشترك اللفظي في اللغة: 137.(1/150)
أما البقاعي فقد كان أحد الأصوليين المؤيدين لظاهرة المشترك اللفظي في القرآن الكريم واللغة العربية، فقد زخر كتابه نظم الدرر بأمثلة كثيرة تؤيد هذه الظاهرة سواء أكانت في القرآن الكريم أم في اللغة العربية، إلاّ أنّني لم أجد تعريفاً يخصّ به البقاعي المشترك اللفظي، إنّما كان حديثه عن المشترك اللفظي بإيراد أمثلة فحسب، ومن الأمثلة التي أوردها البقاعي ما يأتي:
1-العين :
وجاء في قوله تعالى: {... فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ...} (1) وقد أشار البقاعي إلى هذه اللفظة في قوله: ((العين هو ما أجزأ من الماء في ري أو زرع فهو عين، وما مطر من السماء فأغنى فهو عين، يقال إنّ العين مطر أيام لا يقلع وإنّما هو مطر يغني وينجع، وما تبدو به الموزونات عين، وما تبدو به المرئيات من الشمس عين، وما تنال به الأعيان من الحواس عين، والركبة وهي بئر السقيا عين، وعدّ في القاموس المعاني لهذا اللفظ نحو أربعين)) (2) وقال أبو حيان: ((العين لفظ مشترك بين منبع الماء والعضو الباصر والسحابة تقبل من ناحية القبلة والمطر يمطر خمساً أو ستاً لا يقلع ومن له شرف في الناس والثقب في المزادة والذهب وغير ذلك، وجمع على أعين شاذاً وعيون قياساً، وقالوا في الأشراف أعيان وجاء ذلك قليلاً في العضو الباصر..)) (3) وقد ذكر أهل اللغة للفظة (عين) معاني كثيرة تشترك فيها ومنهم الزمخشري إذ يشير: ((في الميزان عين أي ميل، وعين قربتك: صبّ فيها ماء حتى تنسدّ عيون الحرْز، وعين الشجر نوّر...)) (4) وقد أشار ابن فارس إلى أن العرب تسمّي الأشياء الكثيرة بالاسم الواحد نحو عين الماء.
__________
(1) . البقرة: 60.
(2) . نظم الدرر: 1/406.
(3) . البحر المحيط: 1/228، وينظر نظم الدرر: 1/406.
(4) . الصاحبي: 96، وينظر: المزهر: 1/370، وفقه اللغة العربية: 141.(1/151)
وقد نسب المبرد إلى هذه اللفظة دلالات أخرى منها: ((العين الباصرة، كعين الإنسان والحيوان وعين الميزان وعين الشيء: ذاته والعين السحاب)) (1) وقد جمع بهاء الدين السبكي معاني العين في قصيدته النونية التي مطلعها:
هنيئا قد أقرّ الإله عيني * * * فلا رمت العدى أهلي بعيني (2)
وفي هذا النص يشير البقاعي على أنّ لفظة ((العين هي من المشترك يدلّ على مجموعة من المعاني موافقاً لكثير من العلماء الذي أوردوا لهذه اللفظة المعاني المذكورة. (3)
2- قطع :
__________
(1) . ما اتفق لفظه واختلف معناه: 3، وينظر فقه اللغة العربية: 141.
(2) . نزهة السمار في غرائب الأشعار: 56
(3) . ينظر: لسان العرب (مادة عين): 17/175.(1/152)
وجاء في قوله تعالى: {... كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (1) إذ يقول البقاعي: ((ولمّا كان القطع بوزن عنب مشتركاً بين ظلمة آخر الليل وجمع القطعة من الشيء)) (2) فالمعنى عند البقاعي أن قطعاً من ألفاظ المشترك اللفظي: ويدلّ على جمع القطعة من الشيء الواحد وبين ظلمة آخر الليل، وقال أبو عبيدة: ((قطعاً من الليل، فمعناه بعضاً من الليل والجمع أقطاع من الليل، أي ساعات من الليل، يقال: أتيته بقطع من الليل)) (3) وقال أبو علي: ((القطع الجزء من الليل الذي فيه ظلمة)) (4) وقال السيوطي: ((قطعاً جمع قطعة ومن قرأ قطعاً ـ بتسكين الطاء ـ أراد اسم ما قطع؛ تقول قطعت الشيء قطعاً، والجمع أقطاع، فمظلماً على قراءة فتح الطاء حال من الليل)) (5) وجاء في المعجم المفصل: ((قطعاً جمع قطعة، أو اسم ما قطع. والقطع الطائفة من الليل)) (6) .
3- ال :
__________
(1) . يونس: 27.
(2) . نظم الدرر: 9/105.
(3) . مجاز القرآن: 1/278، وينظر : التبيان: 5/366.
(4) . التبيان: 5/366، وينظر: الميزان: 10/41.
(5) . معترك الأقران: 3/ 177 ، وينظر: المفردات : 409.
(6) . المعجم المفصل في تفسير غريب القرآن الكريم: 399.(1/153)
وقال تعالى: {... إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ } (1) الآل مأخوذة من ((ال)) يؤول بمعنى رجع إلى عشيرة أو عقيدة فهو ((آل)) من يرجع إليه، ثم كثر استعماله في أهل بيت الرجل الذي هم منه حتى اختص عرفاً بهذا المعنى (2) ، إذ يقول البقاعي: ((أي آل فرعون نفسه وأتباعه، استعمالاً للمشترك في معنيين، فإنّ الآل يطلق على الشخص نفسه وعلى أهل الرجل وأتباعه وأوليائه)) (3) وصرّح السيوطي بأنّها من المشترك بقوله: ((آل له معنيان: الأهل، ومنه: آل لوط والاتباع والجنود، ومنه آل فرعون)) (4) فالبقاعي عدّها من المشترك اللفظي، وتطلق على أهل الرجل واتباعه وجنوده، وهي من استعمال المشترك في الجمع.
4- الجناح :
قال تعالى: {... وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ...} (5) إذ يقول البقاعي: ((المراد بالجناح في آية طه الأبط والجانب، لأنّه لفظ مشترك)) (6) وجاء في المفردات: ((الجناح جناح الطائر، وجناحا الإنسان: جانبيه، عبارة عن اليد، لكون الجناح كاليد)) (7) وقال السيوطي: ((جناح الطائر: معروف وجناح الإنسان إبطيه)) (8) وأشار الدكتور محمد التونجي: ((جناحك ما بين أبطك وعضدك، والجناح من الإنسان اليد والإبط والعضد والجانب ومنه الجوانح وهي الأضلاع، واحدتها جانحة،سميّت بذلك لميلانها (9) )) فالمعنى في النص القرآني المراد بالجناح اليد، أي أضمم يدك إلى جسدك، وعبّر بالجناح لن الطائر يكون آمنا عند ضم جناحه، وإظهار اليد من غير إضمار تعظيما للمقام وتنبيها على الشكر بتعظيم نفعها (10)
5- العلق:
__________
(1) . إبراهيم: 6.
(2) . ينظر: الكاشف: 1/98، ومقتضيات الدرر: 1/159.
(3) . نظم الدرر: 10/283ـ284.
(4) . معترك الأقران: 2/9.
(5) . القصص: 32.
(6) . نظم الدرر: 12/282 و 14/82.
(7) . المفردات: 107.
(8) . معترك الأقران: 2/139.
(9) .المعجم المفصل في تفسير غريب القرآن :113.
(10) .ينظر: نظم الدرر:12/282.(1/154)
قال تعالى: { خلق الإنسان من علق} (1) إذ يقول: ((العلق: دم شديد الحمرة ، جامد غليظ جمع علقة ، وكذلك الطين الذي يعلق باليد يسمّى علق وهيم مقرون بخلق الآدمي من الأمرين ، فالآية من أدلّة الإمام الشافعي على استعمال المشترك في معنييه ، ولعلّه عبّر به ليعم الطين ، فيكون من الإشارة إلى بديع الصنعة ، إشارة إلى حرمة ما هو أصلنا من الدم والتراب)) (2) وأشار صاحب المعجم المفصل : ((العلقة: الدم الجامد قبل أن ييبس. قيل : ما اشتدت حمرته فإذا يبس فليس بعلقة سمّي بذلك لرطوبته وتعلقه بما يمر به ، وجمعه علق)) (3) .
فقد اتبع البقاعي منهج الإمام الشافعي في تفسيره ، فهو يسير على ما سار عليه في استخدام اللفظ دالا على معنيين أو مشتركا بين معان ، إذ مال البقاعي إلى بعض النصوص التي أشار إليها الإمام الشافعي وهذا ما جاء في لفظة (( العلق )) التي هي : الدم عامة وقيل الشديد الحمرة ، وقيل الغليظ ، وقيل الجامد ، والطين الذي يعلق باليد ، فالعلق مشترك بين الدم الشديد الحمرة الغليظ وبين الطين الذي يعلق باليد ، ومن العلق خلق سبحانه وتعالى الانسان بعد أن خلقه من الطين ثمّ مرّ بأدوار التكوين
6- دلك :
__________
(1) .العلق:2.
(2) .نظم الدرر:22/155.
(3) .المعجم المفصل في تفسير القرآن الكريم:336.(1/155)
وجاء في قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} (1) وفي النص القرآني يتجه البقاعي اتجاها آخر إذ يشير إلى قول أحد العلماء الذين سبقوه في هذا الجانب فيصرح به قائلا: (( قال في القاموس: دلكت الشمس : غربت أو اصفرت أو مالت أو زالت عن كبد السماء )) (2) ويعلق البقاعي : (( فحينئذ في هذه اللفظة دلالة على الظهر والعصر والمغرب ، من استعمال المشترك في معانيه ، أمّا الظهر والمغرب فواضح ، وأما في العصر فلأن أول وقتها أخذ الشمس بالاصفرار )) (3) فلفظة ((لدلوك )) ، في النص القرآني ذات معان متعددة ، فهي عند البقاعي مشتركة بين هذه الأوقات الثلاثة المعهودة لدى الناس.
7-درك :
قال تعالى: {... أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى} (4) قال البقاعي : ((أي أن يدركك شيء من طغيان البحر أو بأس العدو أو غير ذلك ، وكان الدرك مشتركا بين اللحاق والتبعة )) (5) فقد نصّ البقاعي على أن الدرك مشترك بين اللحاق والتبعة ، ففي هذا الجانب يلعب السياق دورا في بيان المعنى المقصود ، إذ يقول الزمخشري:(( درك أي طلبه حتى أدركه،أي لحق به وأدرك منه حاجته ، وهو اللحق من التبعة أي ما يلحقه منها )) (6)
8-جند :
__________
(1) .الأسراء : 78.
(2) .نظم الدرر : 11/492.
(3) .نظم الدرر :11./492
(4) .طه : 77.
(5) .نظم الدرر:12/317 .
(6) .أساس البلاغة:186 .(1/156)
قال تعالى: {لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ} (1) إذ يقول البقاعي: (( لما كانت الجند مشتركا بين العسكر والأعوان والمدينة عين المراد بضمير الجميع)) (2) فالجند هم الجنود والواحد يقال له : جندي وهم العسكر وكانت الجنود تتجمع في بلاد الشام وهي (( دمشق وحمص والأردن وقنّسرين وفلسطين)) فكان يطلق الجند على المدينة من قبيل المجاز المرسل الذي علاقته المكانية ، أي أن المدينة مكان لتجمع الجند ، واما إطلاق الجند على الأعوان فظاهر بيّن إذ هم المعنيون والناصرون لأهل البلد من الشرور والعدوان . فيدل ، السياق على أن المقصود من الجند هم العسكر (3)
ومن خلال النصوص المبيّنة سابقا نلاحظ أن البقاعي من المؤيدين المقرّين بوقوع المشترك اللفظي في القرآن الكريم ، إذ ان القرآن الكريم يضم جمعا من الألفاظ التي وقع الاشتراك فيها.
أما حدّه عنده فهو : ((هو اللفظ الذي يدل على معنيين فأكثر، والسياق هو الذي يحدد المعنى المقصود بعينه )) (4) .
الترادف :
الأصل في كل لغة ان يوضع اللفظ الواحد لمعنى واحد، أي أن يكون بازاء الواحد فيها لفظ ، ولكن ظروفا تنشأ في اللغة تؤدي إلى تعدد الألفاظ لمعنى واحد ، وهذه من النتائج الرئيسية لاعتماد اللغة العربية على بعض اللهجات ، وقد عرفت العربية بثرائها وسعتها ووفرة مفرداتها ،وهي في نظر اللغويين برهان ساطع على مدى النضج والرقي اللذين تتمتع بهما هذه اللغة العريقة (5)
__________
(1) . .يس:75
(2) . .نظم الدرر:16/175
(3) . .ينظر:أساس البلاغة:102
(4) .للمزيد من الاطلاع على الألفاظ التي هي من قبيل المشترك اللفظي ينظر نظم الدرر : 3/99، 5/187، 6/181-355-366، 8/246، 9/134، 11/11-114-126-152-417-434-467-484-492، 12/27-34-317-488، 13/259-278، 14/134-176-281، 16/175-255-314-427، 19/9، 22/155-187
(5) .ينظر: فصول في فقه العربية:308.(1/157)
وقد دارت أبحاث العلماء قديما وحديثا حول أهمية هذا الموضوع بين مؤيد ومنكر ، ولعل أول إشارة إليه نجدها عند سيبويه في قوله: ((اختلاف اللفظين والمعنى واحد نحو ذهب وانطلق )) (1) وأول من أشار إلى الترادف مصطلحا لغويا علي بن عيسى الرماني (ت384هـ ) في كتابه (( الألفاظ المترادفة أو المتقاربة في المعنى )) (2)
وقد تعددت آراء العلماء في مصطلح الترادف وبيانه، فقد عرّفه فخر الدين الرازي بأنه: (( الألفاظ المفردة الدالة على مسمى واحد باعتبار واحد )) (3) وقد حدّه الغزالي (ت505هـ ) الترادف بقوله : ((أما المترادفة فتعني بها الألفاظ المختلفة والصيغ المتواردة على مسمّى واحد )) (4) أما ابن حزم الأندلسي (ت456هـ) فقد أطلق على الألفاظ المترادفة بـ(المتلائمات )) وعرّفها بقوله: (( معنى واحد يعبّر عنه بالفاظ شتى )) (5)
فالمترادف اذن هو مجموعة من الألفاظ الدالة على معنى واحد، نتيجة عوامل عديدة تنشأ من اختلاف اللهجات ، قابلة للتبادل فيما بينها في أي سياق (6)
وقد وقف علماء اللغة مواقف متباينة من وقوعه أو عدم وقوعه ، ففريق أثبت وجوده في اللغة العربية واحتج لوجودها بأن أهل اللغة: (( أنهم إذا أرادوا أن يفسروا اللب قالوا: هو العقل.أو الجرح ، قالوا : هو الكسب أو السكب قالوا : هو الصب ، وهذا يدل على أن اللب والعقل عندهم سواء ، وكذلك الجرح والكسب والسكب والصب وما أشبه ذلك.)) (7)
__________
(1) .الكتاب:1/24.
(2) .الألفاظ المترادفة:2.
(3) .المحصول في علم أصول الفقه: 1/347 وينظر: المزهر: 1/402 وفقه اللغة العربية:170 والبحث اللغوي عند فخر الدين الرازي: 293.
(4) .المستصفى:1/31
(5) .الأحكام لابن حزم: 4/405-406، 5/677
(6) .ينظر: التطور الدلالي بين لغة الشعر ولغة القرآن: 58
(7) .الفروق في اللغة: 16 وينظر: علم الدلالة أحمد مختار عمر:216(1/158)
ومن العلماء الذين أقروا بوجوده في اللغة وعلى رأسهم سيبويه والأصمعي وابن خالويه وعلي بن عيسى الرماني وغيرهم ، وفريق آخر أنكر هذه الظاهرة غي اللغة نذكر منهم ، ابن درستويه(ت347هـ) والراغب الأصفهاني(ت 502هـ) وابن الأثير(630هـ) وغيرهم (1) .
أما المعاصرون ، فقد تناولوا الترادف بشكل أكثر عمقا وأوسع دراسة من القدماء ، معتمدين في دراستهم على تلك المصنفات التي وضعها علماء اللغة القدماء فكانت دراستهم شاملة لهذه الألفاظ من جميع جوانبها ، وذلك بسبب تطور أسباب البحث اللغوي وانكشاف كثير من الحقائق التي كانت خافية على العلماء الأوائل في ذلك الوقت ، فضلا عن تطور علم الدلالة والأصوات واللهجات فكان صدى ذلك انهم اشترطوا في المترادف الاتفاق بين الكلمتين اتفاقا تامّا ، والاتحاد في البيئة اللغوية والاتحاد في العصر ، وألاّ يكون أحد اللفظين نتيجة تطور صوتي للفّظ الآخر ، فالكلمتان ليستا من المترادف في شيء (2)
ولظهور الترادف في اللغة أسباب كثيرة عدّها العلماء وتناولوها بالدرس المستفيض ، ولذا فاني لا أجد مزيدا من الفائدة في تكرارها (3)
الترادف عند البقاعي.
يعدّ البقاعي من القائلين بوقوع الترادف في القرآن الكريم، إلاّ أنه لم يتحدث عن حدّه ، وانما كان حديثه عنه على شكل اشارات مبثوثة في تفسيره ، إذ يقول: (( فلا يضر اختلاف اللفظ إذا أدى جميع المعنى أو بعضه )) (4) ويشير أيضا إلى معنى قريب من تعريف الترادف حين يقول: (( الدلالة على المعنى بلفظين أجدر في ثباته وتكثيره )) (5)
__________
(1) .ينظر:المزهر:1/403
(2) .ينظر:في اللهجات العربية: 178 والأضداد في اللغة: 45
(3) .ينظر: أسباب نشوء الترادف ،المزهر:1/406 وفقه اللغة (وافي):166، وأبحاث ونصوص في فقه اللغة العربية:240وفصول في فقه العربية:318
(4) نظم الدرر:1/284
(5) نظم الدرر:16/445(1/159)
ومن الامثلة التي أوردها البقاعي بشأن ظاهرة الترادف ، ما جاء بلفظة ((الزعيم)) في قوله تعالى: {قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ} (1) إذ قال: (( زعيم أي كفيل وضامن أو سيد أو رئيس أو متكلم )) (2) وقد عدّ القرطبي هذه اللفظة من الترادف ، إذ يقول: (( الزعيم والكفيل والحميل والضمين والقبيل سواء والزعيم الرئيس )) (3) وجاء في لسان العرب: (( الزعيم : الكفيل الغارم والضامن)) (4) أما السيوطي فيقول: ((زعيم بمعنى كفيل وضامن وحميل وصبير ، وهذا كلام المنادي الذي جعل لهم حمل بعير لمن ردّ الصاع )) (5) اما أبو هلال العسكري فيخرجها من باب الترادف إذ يقول: (( وزعيم القوم رئيسهم ، لأنه أقواهم وأقدرهم على ما يريده ، فان سمّي الكفيل زعيما فعلى جهة المجاز )) (6) اذن ان البقاعي قد عدّ لفظة زعيم من الترادف ، لأن الزعيم والكفيل والضامن والرئيس سواء ، وللسياق في هذه الألفاظ دور متميّز في بيان المعنى المطلوب في النص ، وقوله تعالى:{ وأنا به زعيم } بمعنى كفيل
__________
(1) يوسف:72
(2) نظم الدرر:20/231 ، 10/170
(3) الجامع لاحكام القرآن: 9/151
(4) لسان العرب: مادة – زعم-:10/158
(5) معترك الأقران:2/209
(6) الفروق في اللغة:202(1/160)
ومن أمثلته بشأن الترادف لفظة (( رجز )) من قوله تعالى: {هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مَّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ} (1) إذ يقول : (( الرجز: عقاب شديد جدا ، عظيم القلقلة والاضطراب متتابع الحركات ، قال القزاز : الرجز والرجس واحد )) (2) فالبقاعي من خلال استشهاده بقول القزاز ، يدل على الرجز والرجس واحد ، وقد عدّها ابن الأنباري من المترادفات، إذ قال: (( الرجس: النتن، والرجز بالزاي يقال هو الرجس بالسين،معناه كمعناه، والزاي والسين أختان في هذا الموضع)) (3) وقال الأصفهاني: ((الرجس الشيء القذر)) (4) وأشار السيوطي إلى أن: (( الرجز: العذاب ، ورجز الشيّطان: ما يدعو إليه من الكفر وسمّيت الأصنام رجزا، لأنها سبب العذاب وتبدل الزاي سينا ومعناهما واحد )) (5) . إذن، فالرجز- بالكسر- الإثم والذنب ، أما الرجس ، القذر والمأثم أيضا (6) وقد عدّ البقاعي الرجز والرجس واحد وهو من المترادفات ، وان كلا من الرجز والرجس يطلق على الإثم والعقاب.
ومن أمثلته ما جاء في قوله تعالى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ...} (7) ويشير البقاعي الى لفظة ((قيضنا)) ويقول: (( أي جئنا وأتحنا وبعثنا وسبنا وكلّنا وهيأنا من القيض )) (8) فالمعنى: وقيضنا لهم قرناء من الشيّطان ، وعن مقاتل ، بدلنا لهم قرناء السوء من الجن والإنس ، وقيل: خلينا بينهم قرناء السوء بما استوجبوه من الخذلان (9) . فالألفاظ أبدلنا وجئنا وبعثنا وهيّئنا تدل على معنى واحد ، وهي عند البقاعي كذلك تدل على معنى واحد.
__________
(1) الجاثية: 11
(2) نظم الدرر: 18/74
(3) الزاهر: 2/213
(4) المفردات: 194
(5) معترك الأقران: 2/204
(6) ينظر: ذيل أقرب الموارد: 3/184
(7) فصّلت: 25
(8) نظم الدرر: 17/174
(9) مجمع البيان: 9/17 والميزان:17/ 38(1/161)
وكذلك ما جاء بشأن لفظة ((الحظ)) من قوله تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (1) ويعلق البقاعي على لفظة ((الحظ)) بقوله: ((أي نصيب وقسم وبخت جليل في الدنيا والآخرة عند الله وعند الناس )) (2) فقد عدّ البقاعي الألفاظ (( النصيب والقسم والبخت)) تدل على الحظ ، وقال الراغب: ((الحظ: النصيب المقدّر )) (3) وللسياق دور متميز في بيان هذه الألفاظ المفردة مثل ((الحظ والنصيب والبخت)) تدل على معنى واحد ، فالسياق يظهر المعنى الأكثر دقّة ، وقوله تعالى: (( ذو حظ )) أي ذو نصيب وافر من الرأي والعقل ، أو ذو نصيب عظيم من الثواب والخير.
فالبقاعي يعد من المؤيدين لهذه الظاهرة في القرآن الكريم ، واللغة العربية، وعلى الرغم من أنه لم يتطرق إلى التفاصيل في هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر، لأنه لم يكن همّه هذه الظواهر بالنسبة لبيان النصوص، وجاء كلامه عابرا على هذه الظواهر وبشكل موجز عند بيانه لمدلول النص القرآني، فضلا عن أن البقاعي من المتأخرين وهذه الظواهر بالنسبة إليه واضحة، لأن كثيرا من الأصوليين الذين سبقوه، أبدوا اهتماما بها، وتكلموا بشكل أكثر تفصيلا على كثير من الظواهر اللغوية وغيرها، مما يظهر هذا واضحا من خلال استعانة البقاعي ببعض نصوص الأصوليين الذين سبقوه.
الأضداد
تعد مشكلة التضاد من المباحث الدلالية التي عني بها العلماء في القرآن الكريم واللغة العربية، والتي دفعت اللغويين إلى التأليف في التضاد.
__________
(1) فصّلت: 35
(2) نظم الدرر: 17/189
(3) المفردات: 130 وينظر: معترك الأقران: 2/146(1/162)
فالأضداد في اصطلاح اللغويين: (( الكلمات التي تؤدي إلى معنيين متضادين بلفظ واحد ككلمة ((الجون)) تطلق على الأسود والأبيض و((الجلل)) تطلق على الحقير والعظيم)) (1) أو هو إطلاق اللفظ الواحد على المعنى وضدّه وهو نوع من المشترك اللفظي إلاّ أن للأضداد معنيين ، أحدهما ضد الآخر وليس هذا في المشترك اللفظي ، والحاصل أن الاختلاف بين المشترك اللفظي والتضاد هو اختلاف تضاد وليس اختلاف تغاير كما هو في المشترك (2) .
وقد اختلف العلماء في التضاد ، لأن الأضداد كانت – وما زالت- موضعا للجدل عند العلماء والدارسين، فمنهم من أنكرها إنكارا تامّا ، وعملوا على تأويل أمثلتها تأويلا يخرجها من هذا الباب ، ومن أشهر هؤلاء ابن درستويه ، فقد أنكر الأضداد وكتب في ذلك تأليفا خاصا سمّاه((إبطال الأضداد)) (3)
ولكن ابن درستويه على الرغم من إنكاره الأضداد إلاّ انه اعترف بوقوع النادر منها في اللغة إذ يقول: ((انما اللغة موضوعة للإبانة عن المعاني ، فلو جاز لفظ واحد الدلالة على معنيين مختلفين أو أحدهما ضد الآخر ، كما كان ذلك إبانة ،بل تعمية وتغطية ، ولكن قد يجيء الشيء النادر من هذا )) (4)
__________
(1) الأضداد لابن الأنباري مقدمة المحقق: 1
(2) ينظر: علم الدلالة أحمد مختار: 119 وفقه اللغة العربية : 152
(3) فقه اللغة(وافي): 187
(4) فقه اللغة(وافي): 188(1/163)
إما القسم الآخر فأقرّ بإمكان وقوعها وعدّ وضعها في مألوف القوانين اللغوية وذلك (( لأن المعاني غير متناهية والألفاظ متناهية)) (1) ومنهم على سبيل التمثيل أبو سعيد عبد الملك بن قريب الأصمعي (ت216هـ) وأبو بكر محمد بن القاسم الأنباري وغيرهم ، في حين هناك مجموعة من العلماء خصصوا فصولا في كتبهم ومصنفاتهم للأضداد كما فعل الثعالبي(ت429هـ) السيوطي(ت911هـ) وغيرهما (2) .
ويرى معظم اللغويين إن الدفاع عن ظاهرة التضاد في اللغة العربية كان الغرض منها الدفاع عمّا ورد منها في القرآن الكريم ، وقد صرّح بذلك أبو حاتم السجستاني في مقدمة كتابه في الأضداد إذ قال: (( حملنا على تأليفه إنا وجدنا من الأضداد في كلامهم والمقلوب شيئا كثيرا ، فأوضحنا ما حضر منه إذا كان يجي في القرآن((الظن)) يقينا وشكا و((الرجاء)) خوفا وطمعا وهو مشهور في كلام العرب)) (3)
والذي ينبغي الإشارة إليه أن كثيرا من ألفاظ التضاد جاءت في القرآن الكريم بأحد معنييه ، ولم يأت بالمعنى الآخر ، أما لأنه لم يرد إلاّ مرّة واحدة في القرآن الكريم ، قد استعمله في إحدى دلالتيه دون الأخرى (4)
__________
(1) الأضداد لابن الأنباري: 1 وينظر: علم الدلالة أحمد مختار: 195 والتضاد في ضوء اللغات السامية: 12
(2) ينظر: أبو الطيب اللغوي وآثاره في اللغة: 84-85
(3) الأضداد للسجستاني: 2/72 وعلم الدلالة أحمد مختار عمر: 199
(4) ينظر: البحث الدلالي في الجامع لأحكام القرآن: 160(1/164)
أمّا البقاعي فقد سار في منهجه على نهج الذين أقرّوا بوقوع ظاهرة التضاد في اللغة ، إلاّ أنه قد أشار إلى التضاد ، بأنه جزء من المشترك اللفظي،إذ صرّح بذلك بقوله انها:(( استعمال المشترك اللفظي في مدلوليه )) (1) وهنا لابد من أن أتوقف عند قوله هذا ، أعني الأضداد استعمال للمشترك في مدلوليه. فالبقاعي عدّ الأضداد نوعا من المشترك اللفظي متماشيا مع العلماء ، لأن الجمع الأكبر من العلماء يعدّ الأضداد ضربا من المشترك وخالفهم في ذلك الدكتور محمد حسين آل ياسين إذ قال: (( والحقيقة أن هؤلاء قد أسرفوا فيما ذهبوا إليه من إلصاق الأضداد بالمشترك إلصاقا يقوم على التحمل الذي اصطبغت به أقوال المحدثين ، والجدل المنطقي الذي حفلت به أقوال الأقدمين من أهل الأصول وغيرهم ، ولكن نريد أن نلفت النظر إلى انعدام الدقّة في هذه المذاهب ، ذلك انه ليس بين المشترك والأضداد من التشابه سوى انصراف اللفظة فيها إلى أكثر من معنى )) (2) ومن أقرب الأمثلة على هذا ما يقال في الاستحضار الذهني الطبيعي للمعنى المضاد مما لا يتوفر مثله في المشترك ، وما يقال في جنوح المتكلم إلى التفاؤل ودرء العين والتهكم والاستهزاء مما يستدعي قلب المعنى الأول والنطق بضدّه ، وهو ما لا يتوفر في المشترك اللفظي (3)
__________
(1) نظم الدرر: 10/37
(2) الأضداد في اللغة: 101-102
(3) ينظر: الأضداد في اللغة: 102(1/165)
والذي أود الإشارة إليه إن الإجماع منعقد لدى العلماء القدماء والمحدثين ، في عدّ المشترك نوعا من الأضداد إلاّ ما ذهب إليه الدكتور محمد حسين آل ياسين ، ولست أوافق الأستاذ الفاضل فيما ذهب إليه ، لأن التشابه الذي نصّ عليه ، والذي يعمل على انصراف اللفظة إلى أكثر من معنى أمر لا يمكن الاستهانة به ، أو الحط من شأنه ، فهو الركيزة الأساسية لهما ، وهو لب الظاهرتين ، وعليه المعول في الاستعمال (1) وقال الدكتور عبد الرسول الزيدي: (( ان المشترك يمكن أن ينصرف إلى معنيين أو أكثر في حين أن الأضداد لا يمكن أن ينصرف مفهومها إلى أكثر من معنيين)) (2)
ومن الألفاظ التي أوردها في هذا المجال لفظة((القروء)) من قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ } (3)
من المعروف ان هناك اختلافا بين الفقهاء بخصوص دلالة لفظة ((القروء)) ، فذهب قسم منهم إلى ان المراد بها الطهر ، وذهب قسم آخر إلى ان المراد بها الحيض((وان لفظة القرء في وضع اللغة مشترك بين الحيض والطهر ، وقد نصّ القوم في كتبهم ومما يوضح صحة الاشتراك ، أنها مستعملة في الأمرين بغير شك ولا دفاع)) (4)
__________
(1) ينظر: المشترك اللفظي في اللغة العربية: 130 والبحث اللغوي عند فخر الدين الرازي: 333
(2) البحث اللغوي عند فخر الدين الرازي: 333
(3) البقرة: 228
(4) الانتصار: 115(1/166)
وعدّها البقاعي من الأضداد إذ يقول: (( ولما كان القرء مشتركا بين الطهر والحيض وكان الإقراء مشتركا بين جمع كل منهما وكان الطهر مختصا عند جمع من أهل اللغة بأن يجمع على قروء كان مذكرا يؤنث عدده ، وكانت الحيضة مؤنثة يذكر عددها دلّ على ان المراد الأطهار بما يخصه من الجمع )) (1) والحاصل عند البقاعي ، ان لفظة القروء هو الطهر دون الحيض مستمدا ذلك من مذهب الإمام الشافعي ، لأن الشافعية رجحوا الطهر دون الحيض ، لوجود القرائن التي تدل عليه ، ومنها ما أشار إليه البقاعي في النص السابق وهي تأنيث العدد وهو ثلاثة ، فان تأنيثه يدل على ان المعهود مذكر ، والمذكر هو الطهر لا الحيض ، ولو أريد الحيض لقيل ثلاث قروء (2) . أمّا الظاهرية قد أشاروا إلى أن لفظة القروء تدل على الطهر دون الحيض. إذ يقول ابن حزم الأندلسي: ((أوجبنا أن يكون القروء في حكم العدّة وهو الطهر خاصّة من دون الحيض، وان كان القرء في اللغة واقعا على الحيض كوقوعه على الطهر ولا فرق)) (3)
__________
(1) نظم الدرر: 3/295-296 وينظر معترك الأقران: 3/174
(2) ينظر: أصول الفقه(( بدران)): 153
(3) الأحكام لابن حزم: 4/ 412(1/167)
وقد خالفهم بعض الأصوليين ذاهبين إلى أن المراد بالقرء هو الحيض ، وهذا ما ذهب إليه أكثر الأحناف وقد أشار السرخسي إلى القروء: (( إنها الحيض دون الأطهار ، لأن اللفظ إما أن يكون مأخوذا من القرء الذي هو الاجتماع ، فالمعنى في الحيض أحق ، لأن معنى الاجتماع في قطرات الدم على وجه لا بدّ منه ليكون حيضا. وان كان مأخوذا من الوقت المعلوم الذي يحتاج إلى إعلامه لمعرفة ما تعلق به من الأرحام، او مأخوذ من معنى الانتقال كما يقال: قرأ النجم : إذا انتقل ، فحقيقة الانتقال تكون بالحيض لا بالطهر )) (1) وقد أشار السرخسي إلى أن القروء تطلق على الحيض لأنه أوان تجمع الدم وبما أنها مأخوذة من الاجتماع فإنها في الحيض أحق ، وأشار البقاعي إلى إن المراد بالقروء هو(( الإظهار لأنه زمن جمع الدم حقيقة ، وأما زمن الحيض فإنما يسمى بذلك لأنه سبب تحقق الجمع)) (2) البقاعي يثبت بان لفظة القروء تطلق على الطهر وان كانت مأخوذة من الإجماع، على عكس ما ذهب إليه السرخسي، ويقول البقاعي أيضا: (( والمشهور من كلام أهل اللغة إن جمع القرء بمعنى الطهر أقراء وقروء ،وان جمعه إذا أطلق على الحيض إقرء فقط ، وكان القرء بمعنى الطهر هو الأصل في مدلول الجمع ، وكان أحق بجمع الكثرة الذي هو أعرق في الجمع ، ولما كان القرء بمعنى الحيض فرعا كان له جمع القلّة الذي هو فرع في باب الجمع)) (3) فالحاصل إن لفظة القرء عند البقاعي تدل على الطهر سواء أكانت من الاجتماع أم الوقت ، وان جمع الكثرة بما هو أصل في باب الجمع ، فان جمع الكثرة أحق بالطهر ، وقد أشار الطبرسي إلى أن القروء جمع قرء وجمعه القليل أقرء والكثير اقراء وقروء فصار بناء الكثرة أغلب في الاستعمال (4) .
__________
(1) أصول السرخسي: 1/198
(2) نظم الدرر: 3/296
(3) نظم الدرر: 3/ 296 ، 11/ 8
(4) مجمع البيان: 2/ 325 وينظر: المفردات: 400(1/168)
وقد ذهب الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)إلى ان المراد من لفظة القرء هو الحيض. إذ قال عليه السلام: (( للمستحاضة دعي الصلاة أيام إقرائك)) (1) والصلاة لا تترك في الطهر، ولا تؤدى في فترة الحيض.
فالقروء هو لفظ من الأضداد (2) وأصله في اللغة يحتمل وجهين :
1- الاجتماع، ومنه قرأت القرآن لاجتماع حروفه، فعلى هذا يقال: أقرأت المرأة فهي مقر، إذا حاضت (3) ومنه قول الشاعر:
ياربّ ذي ضغن عليّ فارض *** له قروء كقروء الحائض
2- ان أصل القرء الوقت الجاري في الفعل على عادة ، وهو يصلح للحيض والطهر ، ويقال: هذا قارئ الرياح أي وقت هبوبها (4) ومنها قول الشاعر:
شنئت العقد عقد بني سليل * * * إذا هبّت لقارئها الرياح
أي لوقت هبوبها وبردها
والذي يدل على أن القرء الطهر قول الأعشى (5) :
وفي كل عام أنت جاشم غزوة * * * تشدّ لأقصاها عزيم عزائكما
مورّثة مالا وفي الأرض رفعة * * * لما ضاع فيها من قروء نسائكا
والذي ضاع هنا يقصد الاطهار لا الحيض.
__________
(1) ينظر: أسباب اختلاف الفقهاء: 153 ومجمع البيان: 2/126 والمعجم المفصل في تفسير غريب الحديث: 385
(2) ينظر: الأضداد للأصمعي: 6 والأضداد لابن السكّيت: 165 والأضداد للسجستاني:99ومجاز القرآن: 1/75 والأضداد محمد حسين آل ياسين:355
(3) ينظر: الجامع لاحكام القرآن: 3/ 113 ومجمع البيان: 2/325
(4) مجمع البيان: 325، وينظر:البحر المحيط:2/175
(5) ديوان الأعشى: 134(1/169)
فالقروء لفظ من ألفاظ الأضداد ، وكثر اختلاف الأصوليين في معناه ، هل هو الطهر أم الحيض ؟ وكان سبب اختلافهم لخفاء معناه ، وأشار البقاعي إلى ذلك بقوله: (( وقال الحرالي: قروء جمع قرء وهو الحد الفاصل بين الطهر والحيض الذي يقبل الإضافة إلى كل واحد منهما ولذلك ما تعارضت في تفسير لغته تفاسير اللغويين واختلف في معناه أقوال العلماء ، لخفاء معناه بما هو حد بين الحالتين كالحد الفاصل بين الظل والشمس ، فالقروء: الحدود ...)) (1)
__________
(1) نظم الدرر:3/297(1/170)
وذكر البقاعي لفظة ((عسعس)) في حديثه عن قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} (1) إنها من الأضداد تقع على الإقبال والإدبار ، إذ قال: (( عسعس: أي أقبل ظلامه واعتكر سواده وقتامه ، فظهرت الكواكب زهرا منشورا في بيداء تلك الغياهب ، فان فيه نقصانا بالظلام وغير ذلك من الأحكام وقيل: معناه الادبار ، وقيل: أظلم وقيل: انتصف، وقيل: انقضى.)) (2) ولفظة((عسعس)) من الأضداد وأكثر العلماء والمفسرين أشاروا إليها من الأضداد بمعنى أقبل وأدبر، وجاء في أضداد أبو الطيب، إذ قال: (( من الأضداد عسعس، قال أبو عبيدة: يقال: عسعس الليل إذا اقبل. وعسعس الليل إذا أدبر )) (3) وعدّها الراغب الأصفهاني من الأضداد، إذ قال: (( عسعس، أي أقبل وادبر وذلك في مبدأ الليل ومنتهاه ، فالعسعسة والعساس ، رقّة الظلام وذلك في طرفي الليل)) (4) وقال السيوطي: (( عسعس، من الأضداد ويقال عسعس الليل : أقبل ظلامه في أوله، وقيل في آخره. وهذا أرجح ، لأن آخر الليل أفضله ، ولأنه أعقبه بقوله: والصبح إذا تنفس ، أي استطار واتسع ضوؤه)) (5) فـ((عسعس))عدّها العلماء من الأضداد ، وعسعس الليل إذا أقبل من أوله واظلم ، وعسعس ، إذا أدبر ومنها قول الشاعر
حتى إذا الصبح لها تنفّسا * * * وانجاب عنها ليلها وعسعسا
والعس: طلب الشيء بالليل ومنه أخذ العسس ، ويقال: عسعس الليل وسعسع (6) .
__________
(1) التكوير: 17
(2) نظم الدرر: 21/286
(3) الأضداد في كلام العرب:2/488 وينظر الأضداد للسجستاني:99والأضداد للأصمعي:53والأضدادلابن السكّيت: 205ومجاز القرآن:1/74 ولسان العرب:6/139 والأضداد في اللغة:348
(4) المفردات: 337
(5) معترك الأقران: 607
(6) ينظر: مجمع البيان: 10/314-315 والاضداد في اللغة:348(1/171)
وذكر البقاعي لفظة((يشرون)) وعدّها من الأضداد في بيان قوله تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} (1) ومن خلال هذا النص القرآني ، يدل على أن البقاعي من المؤيدين لهذه الظاهرة في القرآن الكريم ، وجاء في معرض حديثه على لفظة(( يشرون)) إذ قال: (( أي يبيعون برغبة ولجاجة وهم المؤمنون، أو يأخذون وهم المنافقون استعمالا للمشترك في مدلوليه)) (2) وقد استعمل البقاعي هذه اللفظة في معنيين ، بمعنى الشراء وخص أولئك بالمنافقين ، وبمعنى البيع وهم المؤمنون ، وقال الأصمعي: (( اشتريت الشيء على وجهين: اشتريت الشيء وشريته شرى واشتراء ،وشريته إذا بعته)) (3) فشروا بمعنى باعوا. يكثر عند العرب قولهم: شروا بمعنى باعوا ، وقد جعلوها جميعا بمعنى باعوا ، فالمؤمنون هم الذين يبيعون الحياة الدنيا ونعيمها ابتغاء للآخرة ونعيمها (4) .
وكذلك ما جاء في نفس سياق النص السابق قوله تعالى: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ } (5) يقول البقاعي: (( ويجوز أن تكون((اشتروا)) بمعنى باعوا ، لأنهم بذلوها للشيّطان بالكفر ، كما بذل المؤمنون أنفسهم لله بالأيمان)) (6) وقد أشار البقاعي إلى استعمال (( اشتروا))بمعنى باعوا ، فبئس الشيء الذي باعوا به أنفسهم للشيّطان.
__________
(1) النساء: 74
(2) نظم الدرر:5/326
(3) الأضداد للأصمعي:1/116والأضداد لأبي الطيب: 1/392 ومعاني القرآن للفراء:1/30 ولسان العرب:19/156 والأضداد آل ياسين344
(4) ينظر: المفردات:263 ومعترك الأقران:3/375 والمعجم المفصل:264
(5) البقرة:90
(6) نظم الدرر:2/44(1/172)
وكذلك ما جاء بشأن لفظة ((قسط)) في قوله تعالى: {... ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى } (1) لقد وردت لفظة ((قسط)) عند أهل اللغة على معنيين أحدهما ((عدل)) والآخر ((جار)) وأشار البقاعي إلى هذه اللفظة إذ قال: ((لفظة قسط تأتي بمعنى: جار وبمعنى: عدل )) (2) وقال أبو الطيب: ((قسط الرجل إذا جار ، فهو قاسط ، أي جائر ، والقاسط أيضا: العادل ، فقد قسط قسطا)) (3) وقال الزمخشري: ((إن قسط هو قاسط غير مقسط: جائر غير عادل وجار عن الحق ، وقسط قسطا عدل)) (4) إن لفظة ((قسط)) قد عدّها أكثر العلماء من الأضداد وتدل على معنى ((الجور)) و((العدل)) وهي عند البقاعي كذلك وهذا يدل على ان البقاعي من الذين أثبتوا هذه الظاهرة وفي هذه الظاهرة يكون الدور الأكبر للسياق في بيان المعنى المطلوب في النص فلفظة((قسط))في النص القرآني تدلّ على معنى ((عدل)).
الفروق اللغوية :
__________
(1) البقرة: 282
(2) نظم الدرر:4/156 ، 18/372
(3) الأضداد لأبي الطيب:2/594 وينظر: أضداد قطرب:259، وأضداد الأصمعي:2/514 والأضداد لابن السكّيت:175والأضداد:آل ياسين:338
(4) أساس البلاغة:504 وينظر:المفردات:404 ومعترك الأقران:2/11 والمعجم المفصل: 392(1/173)
ظهرت في اللغة العربية ألفاظ كثيرة متقاربة في معناها حتى بدت للكثير من الناس إنها مترادفة ، فاصبحوا يستخدمونها بمعنى واحد من غير أن يراعوا ما بينها من فروق دقيقة في دلالاتها ،فاتسعت دائرة الترادف في اللغة ، فدفع ذلك طائفة من اللغويين إلى الاهتمام بدراسة هذه الألفاظ والسعي إلى الكشف عمّا بينها من فروق لغوية دقيقة ، فصنف قسم منهم كتبا مستقلة في هذا الموضوع مثل: أبو هلال العسكري في كتابه ((الفروق اللغوية)) ويعد أبو هلال العسكري مؤسس علم الفروق الدلالية بين الألفاظ ، بما يمثل هذا العلم وجها من وجوه الدلالة التي توضّح علاقة الكلمة بمعناها (1) .
ولقد عني علماء اللغة عناية كبيرة بهذه الألفاظ لوضع أسس علمية لعملية الموازنة فيما بينها ، وقد بذلوا جهودا كبيرة ، واستعانوا بوسائل عدّة لإثبات ان المعاني تختلف باختلاف ألفاظها ، وذلك من خلال الرجوع إلى أصلها اللغوي، وتأمل اشتقاقاتها المختلفة، والنظر في سياقات الكلام المتعددة، وما بين كل ذلك من فوارق دلالية جزئية في الكلمة وهو عمل دلالي بحت ، وهذا ما تؤكده اللغة العربية التي تتميز بالتخصيص والتعريف أكثر من غيرها من اللغات (2) ولا سيما(( ان الألفاظ المميزة هي قليلة في اللغات الأجنبية ، وكثيرة في اللغة العربية ، وتلجأ اللغة إلى وسائل معينة لإدخال المميز على ألفاظها)) (3)
__________
(1) ينظر: البحث الدلالي في التبيان: 106
(2) ينظر: الفروق في اللغة:294-298 والترادف في اللغة:222
(3) الألسنة العربية:1/39 وينظر البحث الدلالي في التبيان:107(1/174)
أما البقاعي فقد وقف على كثير من الألفاظ التي وردت في اللغة بمعنى واحد وأولاها عناية كبيرة ، لبيان ما بينهما من فروق دلالية ، فراح يلتمس ما بينها من فروق دقيقة في دلالاتها، إذ بيّن البقاعي في كثير من النصوص القرآنية الألفاظ وما كان الفرق فيهما متقاربا للمعنى ، ومن خلال متابعتي للبقاعي في تفسيره نظم الدرر وقفت على إنّ الفروق اللغوية التي أشار إليها تؤول إلى الاختلاف في الحركات ، والاختلاف في الحروف ، والاختلاف في الألفاظ ، لذلك قسّمتها إلى ثلاثة أقسام:
أ- الاختلاف في الحركات.
1- الذّل والذّل.
وقال في تعليقه على قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ...} (1) إذ يقول البقاعي: ((فذلّ العبد- بالضم- لله ، وذلّه- بالكسر- لعباد لله بشرى فوزه ، وإعراضه عن ذكر الله وصعر خده للناس نذارة هلاكه)) (2) ويقول الطبرسي: ((الذل بكسر الذال ضد الصعوبة ، وبضمها ضد العز ، ويقال: ذلول بيّن الذل من قوم أذلّة ، وذليل: بيّن الذل من قوم أذلاّء ، والأول من اللين والانقياد ، والثاني من الهوان)) (3) وقال الأصفهاني: ((الذل ما كان عن قهر ، والذل ما كان بعد تصعب وشماس من غير قهر)) (4) فالذل – بالضم – الخضوع لله سبحانه وتعالى – وبالكسر –للناس ويأتي من الضعف
2- الضرّ والضرّ:
__________
(1) المائدة:54
(2) نظم الدرر:1/349
(3) مجمع البيان:3/207
(4) المفردات:185(1/175)
وجاء في قوله تعالى: {... وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ ...} (1) إذ يقول البقاعي: ((وهو من الضر – بالفتح والضم –وهو ما يؤلم الظاهر من الجسم وما يتصل بمحسوسه، في مقابل الأذى وهو إيلام النفس وما يتصل بأحوالها، وتشعر الضمة في الضر بأنه عن علو وقهر، والفتحة بأنه ما يكون عن مماثل ونحوه)) (2) وفي كلام البقاعي إشارة لطيفة ونكتة لافتة للنظر وهي ان الضمة تشعر بأن الضر من علو ، ولعله يقصد أنها علامة للرفع فهو متضمن للاستعلاء وهو أيضا يكون عن قهر ، لأن القهر تسلط((والله أعلم)). وجاء في الفروق:((الضرّ: خلاف النفع ويكون حسنا وقبيحا ، فالقبيح الظلم ، والضر بالضم: الهزل وسوء الحال)) (3) ويشير الدكتور فاضل السامرائي بأن ((الضرّ والضر ، فهو بالفتح: الضر في كل شيء ، وبالضم الضر في النفس من مرض وهزل)) (4)
3- العبء والعبء
تناول البقاعي كثيرا من الألفاظ خارج نطاق النص القرآني ، للدلالة على مدلولاتها وراح يلتمس الفروق الدقيقة بين الألفاظ ، ومن ذلك لفظة اتلعب إذ يعلق قائلا: ((العبء – بالكسر وهو الحمل الثقيل من أي شيء كان، لأنه بقدر وسع الحامل أوفوق وسعه، وهو أوسع مما دونه من الأحمال، وهو أيضا العدل، لأنه يسع ما يوضع فيه، والعبء- بالفتح – ضياء الشمس وهو واضح في السعة)) (5)
وقد ذكر الزمخشري (6) أنّ العبء: الحمل الثقيل، قال تأبّط شرّا
قذف العبء عليّ وولّى * * * أنا بالعبء له مستقيل
وذكر الأصفهاني:((العبء أي الثقيل كأنه قال: ما أرى له وزنا وقدرا)) (7) فالعبء – بالكسر والفتح من السعة.
4- العيس والعيس
__________
(1) البقرة:102
(2) نظم الدرر:2/79
(3) الفروق في اللغة:192
(4) المعاني والأبنية:19-20
(5) نظم الدرر:4/128
(6) أساس البلاغة:406
(7) المفردات: 324(1/176)
يعلق البقاعي على الفروق الدقيقة بين هذين اللفظين إذ يقول: ((والعيس: بالفتح – ضراب الفحل، ويقال: ماؤه، لأنه جدير بالإنتاج، والعيس-بالكسر-الإبل البيض يخالط بياضها شقرة)) (1) وقد جاء في أقرب الموارد رأي مقارب لرأي البقاعي إذ أشار إلى العيس- بالكسر- بأنه(( الإبل البيض يخالط بياضها شقرة أو ظلمة. والعيس-محركة– لون العيس)) (2) وقال الراغب:((عيس: هي ابل بيض يعتري بياضها ظلمة ، والعيس: هو ماء الفحل يقال: عاسها يعيسها)) (3) وهو الشائع.
5- العوس والعوس.
وقد علق البقاعي علىالفرق بين اللفظتين إذ يقول:((والعوس – بالفتح- والعوسان: الطوفان بالليل، لأنه جدير ببلوغ المقاصد وبالضم: ضرب من الغنم وهو كبش عوسي إلحاقا لها بالعيس لكنها لصغرهااختير لها الضم جبرا وتقوية وتفاؤلا بالكبر)) (4) ويقال الرجل: يعوس عوسا وعوسانا: إذا طاف بالليل على عياله، والعوس بالضم الكباش البيض((كبش عوسي)) منسوب إليها (5)
6-القسم والقسم
وجاء في قوله تعالى: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} (6) قال الزمخشري:(( قسموا المال بينهم قسما وقسّموه تقسيما ، وهذه قسمة عادلة، وأعطيته قسمة ومقسمة أي نصيبه)) (7) ويعلق البقاعي قائلا:((والقسم – بالكسر - النصيب، والقسم – وبالفتح - العطاء)) (8) فالبقاعي يفرق بين دلالات المفردات التي تختلف من حيث حركاتها، وتتفق في ما سوى ذلك، وهذه سمة لغوية جديرة بالاستقصاء والمتابعة.
ب- الاختلاف في الحروف.
__________
(1) نظم الدرر:8/405
(2) أقرب الموارد:2/853
(3) المفردات:357
(4) نظم الدرر:8/406
(5) ينظر:أقرب الموارد:2/247
(6) الصافات:88-89
(7) أساس البلاغة: 507
(8) نظم الدرر:16/255(1/177)
ويعني به اختلاف اللفظين في حرف واحد وبقاء معنياهما متقاربا في المعنى، ومثل هذا كثير في العربية (1) وقد خرج كتاب نظم الدرر بكثير من هذه الأمثلة التي أشار إليها البقاعي موضحا اختلاف معانيها ومن هذه الألفاظ التي ذكرها:
1- النشر والنشز.
وقد جاء في قوله تعالى: {... وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ...} (2) وحول هذه الآية الكريمة أشار البقاعي إلى الفروق الدقيقة بين اللفظتين((النشر والنشز)) إذ يقول: ((النشر بالراء من النشر وهو عود الفاني إلى صورته الأولى، وبالزاي من النشز وهو إظهار الشيء وإعلاؤه، من نشز الأرض وهو ما ارتفع منها وظهر)) (3) وسبق إن أبان الزمخشري الفرق بين هاتين اللفظتين ((النشر والنشز)) فذكر النشر بالراء – ومنه قولهم: نشر الثوب والكتاب، وصحف منشّرة، ونشر الخير: أي ذاعه بين الناس. أمّا المراد بالنشز – بالزاي – فهو من الارتفاع ونشز الشيء ارتفع، علوت نشزا من الأرض، ونشز عن مكانه: ارتفع ونهض (4) ولعل هذا الرأي الذي صرّح الزمخشري قريب من رأي البقاعي في أكثر نصوصه أميل للعلماء السابقين، وبهذا الرأي يكون مقلدا في كثير من آرائهم.
2- الشعب والشقب.
__________
(1) أدب الكاتب: 20
(2) البقرة: 259
(3) نظم الدرر: 4/58
(4) أساس البلاغة: 632(1/178)
يبين البقاعي الفرق اللغوي بين هاتين اللفظتين((الشعب والشقب)) إذ يقول: ((والشعب بالعين الطريق في الجبل ومسيل الماء في بطن الأرض أو ما انفرج بين الجبلين، والشقب بالقاف، صدع يكون في لهوب الجبال ولهوب الأودية دون الكهوف يوكر فيه الطير.)) (1) وقال أبو هلال العسكري:((الشعب تفرق الأشياء المجتمعة على ترتيب صحيح)) (2) وجاء في المفردات:((والشعب من الوادي ما اجتمع منه طرف وتفرّق طرف)) (3) فالشعب الطريق في الجبل الذي تكوّنه المياه، ولا سيما مياه الأمطار فيصبح مسيل للماء. اما الشقب: مهوات ما بين كل جبلين، وقيل: صدع في كهوف الجبال ولهوب الأودية دون الكهوف يوكر فيها الطير (4)
3- الإهلاك والهلاك.
وقد بيّن الفرق بين اللفظتين من خلال تفسيره لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} (5) إذ قال:((والإهلاك: إيجاب ما يبطل الإحساس، والهلاك: ضياع الشيء وهو حصوله بحيث لا يدرى أين هو.)) (6)
والهلاك على ثلاثة أوجه: افتقاد الشيء عنك وهو عند غيرك موجود، وهلاك باستحالة وفساد، وثالثا: الموت، ويقال للعذاب والخوف والفقر الهلاك. والإهلاك والتهلكة ما يؤدي إلى الهلاك. (7)
4- الخرج والخراج.
__________
(1) نظم الدرر:4/129-130
(2) الفروق في اللغة: 143
(3) المفردات: 264
(4) ينظر: أقرب الموارد: 1/602
(5) هود: 117
(6) نظم الدرر: 9/411
(7) المفردات: 522(1/179)
وقد جاء في قوله تعالى: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (1) وفي النص القرآني أشار البقاعي إلى الفرق بين اللفظين ((الخرج والخراج))ولكن البقاعي قد استعرض لنا من خلال كلامه على اللفظتين آراء الأصوليين السابقين من غير تعليقه في هذا الشأن إذ يقول: ((قال ابن مكتوم في الجمع بين العباب والمحكم:والخرج والخراج شيء يخرجه القوم في السنة من مالهم بقدر معلوم، والخراج غلّة العبد والأمة، وقال الزجاج: الخراج: الفيء، والخرج: الضريبة والجزية، وقال الأصبهاني: سئل أبو عمرو بن العلاء فقال: الخراج ما لزمك ووجب عليك أداؤه والخرج ما تبرعت به من غير وجوب)) (2) فهو هنا يكشف لنا الفروق الدلالية التي تكمن بين هاتين اللفظتين، وينقل لنا آراء العلماء اللغويين في هذا الشأن.
5- خطأ وأخطأ.
وجاء في قوله تعالى: {... إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} (3) إذ يشير البقاعي إلى بيان كل من((خطأ وأخطأ)) وإنما أجده يسير كما سار في النص السابق إذ يكتفي بعرض الآراء دون بيان رأيه، وفي هذا ارتضاء منه بشأن ما يعزوه إليهم فهو يقول:((قال أبو عبيد: أخطأ وخطأ – لغتان بمعنى واحد، وقال ابن عرفة: يقال: خطأ في دينه وأخطأ إذا سلك سبيل خطأ عامدا أو غير عامد، وقال الأموي: المخطئ من أراد الصواب فصار إلى غيره، والخاطئ: من تعمّد ما لا ينبغي، وقال ابن ظريف في الأفعال: خطئ الشيء خطأ وأخطأه: لم يصبه)) (4) وذكر أبو هلال العسكري:((الخطأ هو أن يقصد الشيء فيصيب غيره، ولا يطلق إلاّ في القبيح فيقال: أخطأه، والخطأ، تعمد الخطأ فلا يكون إلاّ قبيحا)) (5) فالمعنى أنهم تعمدوا الذنوب والهلاك عن المقاصد، فان خطا ما وضع به الخطأ، وأخطأ، لم يصبه.
ج- الاختلاف في اللفظ .
__________
(1) المؤمنون: 72
(2) نظم الدرر: 13/169
(3) القصص: 8
(4) نظم الدرر:14/ 246
(5) الفروق في اللغة: 45(1/180)
وهو اختلاف اللفظين أحدهما عن الآخر في البنية وتقاربهما في المعنى، حتى يظن ان مثل هذه الألفاظ من المترادفات، وقد زخر كتاب نظم الدرر بأمثلة كثيرة، لبيان الكشف عن هذا الأمر من ذلك.
1- الوقت والمدة والزمان.
وقد جاء في قوله تعالى: {... قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا ...} (1) إذ يصرح البقاعي بأن المواقيت:((جمع ميقات من الوقت وهو الحد الواقع بين أمرين أحدهما معلوم سابق والآخر معلوم به لاحق)) (2) ويصرح بان هناك اختلافا بين هذه الألفاظ من حيث الدلالة اللغوية فهو يقول:((والفرق بين الوقت والمدة والزمان، ان المدة المطلقة امتداد حركة الفلك من مبدئها إلى الزمان، والزمان مدة مقسومة، والوقت الزمان المفروض لأمر ما)) (3) أما فخر الدين الرازي يشير إلى الوقت بأنه:((فهو وقت الشيء سواء أقدّره مقدّر أم لم يقدّره)) (4) ويقول أبو هلال:((الفرق بين المدة والزمان، ان اسم الزمان يقع على كل جمع من الأوقات وكذلك المدة، إلاّ ان أقصر المدة أطول من أقصر الزمان،أما الوقت واحد وهو المقدر بالحركة الواحدة من حركات الفلك)) (5) .
2- الكيل والوزن.
__________
(1) البقرة: 189
(2) نظم الدرر: 3/100 ،18/41
(3) نظم الدرر: 3/ 100
(4) التفسير الكبير:14/227 الفروق اللغوية: 264 والبحث اللغوي عند فخر الدين الرازي:304
(5) الفروق في اللغة:263-264(1/181)
وذكر البقاعي الفرق بين هذين اللفظين من خلال تفسيره لقوله تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ ...} (1) إذ يقول البقاعي:((والكيل: تعديل الشيء بالآلة في القلّة والكثرة، والوزن: تعديله في الخفّة والثقل، فالكيل للعدل في الكمية،والوزن للعدل في الكيفية)) (2) والكيل يقال: كال الطعام وغيره، واكثر استعماله في الطعام، يكيله كيلا: حقق كميته بوساطة آلة معدّة لذلك كالصاع والذراع (3)
أما الوزن: وزنه وزنا وزنة واتزن العدل عدّل بالآخر. وهذا ما أشار البقاعي إلى وجود فرق بين هاتين اللفظتين، وهذا يعني ان معنى((الكيل والوزن)) متقاربان نوعا ما ولكنهما غير متطابقي المعنى تماما (4) .
3- العجلة والسرعة.
وقد أشار البقاعي إلى الفرق بين اللفظتين عند وقوفه عند قوله تعالى: {وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً} (5) إذ يقول:((والعجلة: طلب الشيء في غير وقته الذي لا يجوز تقديمه عليه، وأمّا السرعة فهي عمله أول وقته الذي هو أولى به)) (6) يقول أبو هلال العسكري:((السرعة: التقدم فيما ينبغي أن يتقدم فيه وهي محمودة ونقيضها مذموم وهو الإبطاء، والعجلة: التقدم فيما لا ينبغي أن يتقدم فيه وهي مذمومة، ونقيضها محمود وهو الأناة)) (7)
__________
(1) هود:84
(2) نظم الدرر:9/351
(3) ينظر:أقرب الموارد:2/1117
(4) ينظر: أساس البلاغة:674
(5) الإسراء: 11
(6) نظم الدرر: 11/384
(7) الفروق في اللغة: 198(1/182)
فالسرعة هي المبادرة إلى الخير ومنه قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} (1) أي المبادرة إليه في أول الوقت، أما العجلة فهي ضد بطء، أي: أسرع ويقال: عجل به الأمر، استبطاه فنصرف دونه (2)
4- التبديل والإبدال.
وقد جاء في قوله تعالى: {... وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ ...} (3) وقد أشار إلى الفرق بين اللفظين مستشهدا لهذا بقول نفطويه، إذ قال:((وحكى الهروي في الغريبين عن ابن عرفة يعني نفطويه انه قال: التبديل: تغيير الشيء عن حاله، والإبدال: جعل الشيء مكان آخر)) (4) وقال أبوهلال العسكري:((قال الفراء: التبديل تغيير الشيء عن حاله، والإبدال: جعل الشيء مكان الشيء )) (5) فان معنى التبديل، هو التغيير، وان لم يؤت شيء آخر مكانه، أمّا الإبدال فتقول: بدّلت هذا بذاك، أي أنك أخذت ذاك وأعطيت هذا، أو بمعنى آخر بدّل الشيء بغيره، فمعناه غيّر الشيء بغيره أي ترك الأول وأخذ الثاني (6)
5- المائدة والخوان.
__________
(1) المؤمنون: 61
(2) ينظر: أقرب الموارد: 2/749
(3) سبأ: 16
(4) نظم الدرر: 15/480
(5) الفروق في اللغة:309
(6) ينظر: نظم الدرر:15/482(1/183)
وقد علّق البقاعي على قوله تعالى: {... يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء...} (1) إذ يقول:((المائدة: هي الطعام، ويقال أيضاً: الخوان إذا كان عليه الطعام والخوان شيء يوضع عليه الطعام للأكل، وهو في العموم بمنزلة السفرة لما يوضع فيه طعام المسافر بالخصوص)) (2) وجاء في لسان العرب: ((لا تسمى مائدة حتى يكون عليها طعام وإلا فهي خوان)) (3) أمّا القرطبي فقال: ((المائدة الخوان الذي عليه الطعام، قال قطرب: لا تكون المائدة مائدة حتى يكون عليها طعام)) (4) فان البقاعي عدّ كلا من المائدة والخوان اسما لما يؤكل عليه إلاّ أن هناك فرقا بين المفردتين وهو كالفرق بين الجزء والكل، فالخوان جزء من المائدة فإذا كان عليه طعام فهي مائدة.
6- الكأس والقدح.
__________
(1) المائدة:112
(2) نظم الدرر:6/355
(3) لسان العرب مادة – ميد-:4/419-420
(4) الجامع لأحكام القرآن:6/237 وينظر: معاني القرآن للأخفش:1/268(1/184)
وقف البقاعي على الفرق بين الكأس والقدح في قوله تعالى: {يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِن مَّعِينٍ} (1) إذ يقول البقاعي: ((الكأس: إناء فيه خمر، قالوا وان لم يكن في الزجاجة خمر فهي قدح ، ولا يسمّى كأسا إلاّ والخمر فيها )) (2) ويقال:((إن العرب تقول للقدح إذا كان فيه خمر فهو كأس)) (3) وهذا يعني أن البقاعي قد فرّق بين والقدح والكأس، وهما إناء للخمر، إلاّ إننا لا يمكن أن نضع الكأس بدل القدح، لما بينهما من فرق دقيق، وهذا من غنى اللغة العربية، ولا يخفى إن إبراز الفروق اللغوية بين الألفاظ المتقاربة في الدلالة أو تلك التي تتداخل دلالاتها إلى ما يقترب من الترادف ليس أمرا ميسورا، إذ انه يتطلب موازنة دقيقة بين الاستعمالات اللغوية ومراعاة الاستعمالات المعجمية والآثار الاجتماعية ومراعاة السياق أو نظم الكلمات وظلال المعاني وتصرفات العرف والشرع لبعض الدلالات (4)
7- الظل والفيء.
__________
(1) الصافات:45
(2) نظم الدرر:16/230
(3) الجامع لأحكام القرآن:15/53 وينظر: لسان العرب مادة –كأس-:8/72
(4) ينظر:البحث اللغوي عند فخر الدين الرازي:307(1/185)
وقد جاء في قوله تعالى: {وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ...} (1) إذ يقول البقاعي:((والظل:ستر الشخص ما بازائه،والفيء: الذي يرجع بعد ذهاب ضوئه)) (2) وسبق أن أبان فخر الدين الرازي الفرق بين هاتين اللفظتين إذ يعلق قائلا:((إن الفيء ما كان بالعشي وهو الذي نسخته الشمس، والظل بالغداة، لأنه لم تنسخه الشمس)) (3) وقال ابن السكّيت: ((يقال: قعدنا في الظل وذلك بالغداة إلى الزوال، وما بعد الزوال فهو الفيء)) (4) وقد أشار الطبرسي إلى الفرق إذ يقول: ((الظل: من وقت طلوع الفجر إلى وقت طلوع الشمس،...وقال أبو عبيدة: الظل ما نسخته الشمس وهو بالغداة، والفيء ما نسخ الشمس وهو بعد زوال الشمس وسمّي فيئا، لأنه فاء من جانب المشرق إلى جانب المغرب)) (5) ولعل الأقرب إلى الواقع ما ذهب إليه أبو هلال العسكري، إذ يقول:((إن الظل يكون ليلا ونهارا، ولا يكون الفيء إلاّ بالنهار)) (6) والراجح في هذا إن الظل عام والفيء خاص على أكثر الأقوال التي ذكرتها، ولهذا نجد أن البقاعي يصرح بوجود فرق بين((الفيء والظل)) وهما ليسا من المترادفات، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، لو تأملنا قول البقاعي والعسكري، لوجدنا إن البقاعي يسير على ما سار عليه أبو هلال العسكري.
__________
(1) الرعد:15
(2) نظم الدرر:10/303
(3) التفسير الكبير:6/81 والبحث اللغوي عند فخر الدين الرازي:309
(4) إصلاح المنطق:320-321
(5) مجمع البيان:7/172
(6) الفروق في اللغة:304(1/186)
وكان البقاعي صاحب نظرة عميقة في اللغة العربية ومصادرها، إذ انه أشار إلى بعض الفروق الدقيقة في كثير من الألفاظ معولا في ذلك على أقوال علماء اللغة السابقين له،مسترشدا بهدي تلك الأقوال في إبانة تلك الفروق في مدلولات الألفاظ، وهذا أمر يتطلب مقدرة لغوية بارعة ووقوفا على أسرار مدلولات الألفاظ المعجمية، وما يضيفه العرف والاستعمال وثمّة ألفاظ أخرى عرض البقاعي لبيان الفروق اللغوية بينها وهي:
الاختلاف في الحركات ... نظم الدرر
العِدل والعَدل ... 1/350
الذَّكر والذُّكر ... 1/313
الجِدة والجُدة ... 16/45
نِعمُة ونِعمة ... 18/28 ، 21/11
القَسط والقِسط ... 18/372
هُوى وهَوى ... 9/41
الاختلاف في الحروف ... نظم الدرر
العائف والقائف ... 16/216
الدك والدق ... 20/354
الفروق في الألفاظ ... نظم الدرر
النور والضوء ... 1/119
البأساء والضراء ... 3/9-27
الرأفة والرحمة ... 9/38
البينة والبيان ... 9/309
الحمد والشكر ... 15/435
الصنم والون ... 14/407
اليأس والقنوط ... 17/170
الشح والبخل ... 20/134
المبحث الرابع
العموم والخصوص
العموم.
العام والخاص من الظواهر المعروفة في اللغة العربية التي عني بهما الأصوليون بوجه خاص،وذلك لصلتهما الوثيقة بأحكام الشريعة الإسلامية ولكنهم لم يخرجوا عن نطاق ما ورد بشأنهما من الأساليب العربية مما يؤكد التماسك بين أصول الشريعة الإسلامية وأصول اللغة العربية (1) .
فالعام هو الباقي على عمومه، أي ما وضع عاما واستعمل عاما، لأن الألفاظ يصح فيها العموم باعتبار شمولها لمعان متعددة بحسب الوضع، وكذلك المعاني يصح فيها العموم، لأن المعنى قد يشمل معاني متعددة، ويتحقق في كل منها، ومن ذلك: المطر والخصب، وهما معنيان وقد يشمل كلا منهما ويعم، ويقال: مطر عام وخصب عام،أي لجميع البلاد (2)
__________
(1) ينظر: أثر الدلالة النحوية واللغوية في استنباط الأحكام: 78
(2) ينظر: المزهر: 1/426 ومفاهيم الألفاظ ودلالتها عند الأصوليين:254(1/187)
ويعد موضوع العموم من أكثر الموضوعات التي شغلت علماء الأصول، وذلك لارتباط هذا الموضوع بالأحكام الشرعية التي تستنبط من القرآن الكريم، فأخذ العلماء يجولون في هذا الاتجاه من أجل بيان كل ما يتعلق بالقرآن الكريم، والوقوف على أحكامه، وقد تعددت آراء العلماء في هذا الجانب وتعددت التعريفات في هذا المضمار كل من وجهة نظره، إلاّ أنها في الأغلب كلها تصب في بحر واحد، ومن هذه التعريفات ما أشار إليه ابن حزم الأندلسي:(ت456هـ) بقوله:((العموم: هو حمل اللفظ على كل ما اقتضاه في اللغة، وكل عموم ظاهر، وليس كل ظاهر عموم،إذ قد يكون الظاهر خبرا عن شخص واحد، ولا يكون العموم إلاّ على أكثر من ذلك)) (1) أمّا الإمام الغزالي فيقول:((والعام: عبارة عن اللفظ الواحد الدال من جهة واحدة على شيئين فصاعدا)) (2)
والعام عند الأصوليين يتقدم على الخاص، لأنه هو الأصل والخاص يمتاز عنه بأوصاف تخصيصية، وتكون الألفاظ العامة دالة على معانيها في استغراق جميع الأفراد أو كانت منفردة، أمّا إذا دخلت السياق فقد تتغير معانيها ويدخلها التخصيص (3) .
وقد عني البقاعي بظاهرة العموم والخصوص في كتابه مستمدا آراءه من الأصوليين الذين سبقوه في هذا الجانب بيد أن البقاعي لم يشر إلى تعريف خاص بهاتين الظاهرتين إلاّ أن كلامه كان من خلال بيان معاني النصوص القرآنية، ومن خلال متابعتي لآراء البقاعي الدلالية وقفت على بعض الآراء في ظاهرتي العموم والخصوص.
ومن الألفاظ التي تجسد عند البقاعي بالأخذ في أسلوب العموم هي:
1-الكلّ.
__________
(1) الأحكام لابن حزم: 1/39 ، 3/345
(2) المستصفى: 2/32
(3) ينظر: البرهان الكاشف: 290 والبرهان في علوم القرآن: 3/449(1/188)
وقد ورد هذا في قوله تعالى: {... وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (1) فالمعنى: هنا أنه ملك السموات والأرض وقدر هذه الأجسام التي يتصرف فيها ويديرها، وليس هو كغيره من الملوك الذين يعجز أحدهم عن تقريب ابنه وتبعيد أعدى أعدائه (2) . وقوله: ((كل شيء)) يقول البقاعي:((أي الذي له الإحاطة بكل كمال يصح أن تقع عليه المشيئة ... ويقع على كل ما أخبر عنه، وهو أعم العام)) (3) .
إذ إن البقاعي يشير إلى إن ((كل)) عند إطلاقها تدل على العموم والإحاطة والشمول بكل شيء، وكل تدل على الإحاطة والشمول عند جميع العلماء (4) ، وهو كذلك عند اللغويين، وقد خصّ الثعالبي الباب الأول من مؤلفه إذ سمّاه:((في الكليات، وهو ما أطلق عليه أئمّة اللغة في تفسير لفظة الكل)) (5) .
والملاحظ إن كلمة ((كل)) مثلا ترد على النكرة فتدل على العموم والاستيعاب لأفراد هذه النكرة. وترد على المعرفة، فتدل على العموم والاستيعاب أيضا، لكنه استيعاب لأجزاء مدلول تلك المعرفة لا لأفرادها. ومن هنا اختلف قولنا((اقرأ كل كتاب)) عن قولنا((اقرأ كل الكتاب))، لأن كل تدل على استيعاب مدخولها للأفراد ولكن اتجاه الاستيعاب نحو الأجزاء في حالة كون المدخول معرّفا باللام، من أجل إن الأصل في اللام أن يكون للعهد، والعهد يعني تشخيص الكتاب في المقال المتقدم ومع التشخيص لا يمكن الاستيعاب للأفراد، فيكون هذا قرينة عامّة على اتجاه الاستيعاب نحو الأجزاء كلما كان المدخول معرّفا باللام (6) .
2- ألفاظ الجمع.
__________
(1) المائدة: 40
(2) التبيان: 3/521
(3) نظم الدرر: 1/125 وينظر:6/137
(4) تسهيل الفوائد: 151-164 ينظر الأحكام لابن حزم:7/919
(5) فقه اللغة: 15 وينظر: البلغة في أصول الفقه: 59
(6) دروس في علم الأصول: 107(1/189)
وقد جاء في قوله تعالى: {لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (1) وفي النص القرآني خطاب عام لكل كائن، إذ يقول البقاعي:((عبّر بالجمع لإفادة عموم البعث، ولو أفرد لم يفد بعث الحيوانات العجم، ولو ثنّى لظن ان ذلك له وللحوت خاصّة لمعنى يخصهما فلا يفيد بعث غيرهما)) (2)
فعبّر بصيغة الجمع((يبعثون)) المتضمنة للواو، للدلالة على الجمع إلى إفادة العموم في جميع الخلائق، وفي النص القرآني إشارة إلى حديث:((تعرف الله في الرخاء يعرفك في الشدّة)) (3) ، فان صيغ الجمع يجب إدخالها تحت مقتضى العموم والاستيعاب، والقائم بالأمر ملزم بتنفيذ ما تطلبه بصورة كاملة، وان لم يستطع فعليه أن يؤدي من ذلك ما أمكنه، وما انصب إليه الوسع ولا يسقط عنه إلاّ ما عجز، فكيف إذ كان هو الله جلّ وعلا ؟ (4)
3-أسماء الشرط.
وجاء في قوله تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } (5) إذ يقول البقاعي: ((ولما رتّب سبحانه الفلاح على هذا النوع الخاص من الطاعة اتبعه عموم الطاعة فقال: {ومن يطع})) (6) إذ أن الله سبحانه وتعالى فرض عموم الطاعة على الناس بكل ما تحتوي هذه اللفظة، وتكون الطاعة لله ورسوله ((صلى الله عليه وآله وسلم)) فكان التعبير بـ ((من)) الشرطية لعموم الطاعة (7) .
4- لفظة الأحد.
__________
(1) الصافّات: 144
(2) نظم الدرر: 16/293
(3) نظم الدرر: 16/293-294 وينظر: البحر المحيط: 7/374
(4) ينظر: الأحكام لابن حزم: 4/396
(5) النور: 52
(6) نظم الدرر:13/298-299
(7) للمزيد ينظر:نظم الدرر:18/304(1/190)
وقد جاء هذا اللفظ في قوله تعالى: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ...} (1) فالمعنى: ولما كان لكل حق حقيقة، ولكل قول صادق بيان، قال مؤذنا بفضلهنّ، أي أنتنّ من أعلم الناس بما بينه وبين الله من الأنباء بدقائق الأمور وخفايا الأسرار، وإذا تقصيتنّ أمّة النساء جماعة جماعة لم توجد فيهنّ جماعة تساويكنّ في الفضل لما خصّكنّ الله به من قربة بقرب رسول الله((صلى الله عليه وآله وسلم)) (2) إذ يقول البقاعي:((قال البغوي: ولم يقل: كواحدة، لأن الأحد عام يصلح للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث.)) (3)
الخاص.
لا يمكن الوقوف على الخطاب المخصص إلاّ بفهم السياق الذي يرد فيه ومعرفة أبعاده وقرائنه، وهو ما أدركه الأصوليون والمفسرون عامّة (4) .
فالخاص: هو صرف اللفظ عن عمومه، وإخراج ما كان داخلا في العموم، وقصر العام على بعض أفراده بحيث لا يتعلق الحكم الذي تضمنه اللفظ العام إلاّ بما بقي من أفراده بعد تخصيصه (5)
وقد عرّفه الشريف الجرجاني(ت816هـ) بقوله:((كلّ لفظ وضع لمعنى معلوم على الانفراد، والمراد بالمعنى ما وضع له اللفظ عينا كان أو عرضا، وبالانفراد واختصاص اللفظ بذلك المعنى،وإنما قيّده بالانفراد، ليتميز عن المشترك)) (6) وعرّفه آخرون بأنه:((اللفظ الدال على قصر الحكم على بعض أفراد العام أو على قصر العام على بعض أفراده من حيث الحكم)) (7)
__________
(1) الأحزاب: 32
(2) ينظر: نظم الدرر: 15/ 343
(3) نظم الدرر:15/343
(4) ينظر: الإتقان في علوم القرآن: 2/57
(5) ينظر: أصول الفقه((بدران)): 138
(6) التعريفات: 51
(7) المصقول في علم الأصول: 46(1/191)
أمّا البقاعي فقد ذهب إلى ما ذهب إليه الأصوليون في تخصيص بعض الألفاظ العامة سائرا على نهج كثير من الأصوليين الذين سبقوه في هذه الأحكام، إلاّ إنني أجد البقاعي قد أشار إشارة سريعة إلى هذا الجانب من الدلالة مارّا عليه عند بيان النصوص القرآنية، فضلا عن عدم التطرق إلى تقديم تعريف له في كتابه نظم الدرر، والتخصيص عند البقاعي يكون بأمور نذكر منها:
1-التخصيص بالغاية.
وقد ورد في قوله تعالى: {... فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ...} (1) إذ قال البقاعي: ((ولمّا كانت اليد تطلق على ما بين المنكبين ورؤوس الأصابع، قال: مبيّناً أنّ ابتداء الغسل يكون من الكفين؛ لأنهما لعظم النفع أولى بالاسم: ((إلى المرافق)) أي آخرها، أخذ من بيان النبيّ(ص) بفعله، فإنّه كان يدير الماء على مرفقيه، وإنّما كان الاعتماد على البيان، لأنّ الغاية تارة تدخل كقوله تعالى: {... مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى ...} (2) وتارة لا تدخل، كقوله تعالى: {... ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ ...} (3) والمرفق ملتقى العظمين)) (4) فالحدّ في الغسل لليد إلى المرافق، واليد أطراف الأصابع إلى الكفّ، ففرض جلّ وعلا شأنه، أنّ نغسل بعض اليد من أطراف الأصابع إلى المرفق، فالمرفق منقطع مما لا يغْسل ودخل فيما يُغْسل، أي أنّه ليس من اليد ولكنّه يغسل، وقال بعض أهل اللغة: معناه مع المرافق، واليد والمرفق داخل فيها، لأنّ اليد يطلق على الذراع كله. (5)
2- الاستثناء:
__________
(1) . المائدة: 6.
(2) .الإسراء: 5.
(3) . البقرة: 187.
(4) . نظم الدرر: 6/34.
(5) . ينظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج: 2/124.(1/192)
وجاء في قوله تعالى : {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إلاّ مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا} (1) إذ يقول البقاعي: ((أكد هذا المعنى بقوله مستثنياَ، لأنّ الاستثناء معيار العموم)) (2) فالاستثناء معيار العموم في الألفاظ فإذا دخل في سياق اللفظ فقد اللفظ بعض أفراده، أي انتقل من العموم إلى الخصوص.
وكذلك ما جاء في قوله تعالى: {مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ...} (3) إذ يقول البقاعي: ((أي وقع إكراهه على قول كلمة الكفر والحال أنّ قلبه مطمئن بالإيمان فلا شيء عليه مع إباحة ذلك له)) (4) فالمعنى أن من يكفر بالله بعد إيمانه فإنّه لا يكون مؤمناً إلاّ الشخص الذي يكرهه آخر على الكفر، فمن يتلفظ به مع اطمئنان قلبه بالإيمان يكون مؤمناً وأن أجرى على لسانه كلمة الكفر.
3- التخصيص بالعقل
ومن أمثلته قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً ...} (5)
يقول البقاعي: ((كانت قريش أعلى الناس شجاعة، وأوفاهم قوة وأعرقهم أصالة، فكانوا كأنّهم جميع الناس، فكان التعبير بصيغة العموم والتعبير عمن أخبرهم ومن جمع لهم بخاص)) (6) فقد صح بضرورة العقل أن المراد بعض الناس؛ لأن العقل يوجب ضرورة أن الناس كلهم لم يحشروا في صعيد واحد ليخبروا هؤلاء ما أخبروهم به؛ لأن العقل يوجب ضرورة أن المخبرين لهم بأنّ الناس قد أجمعوا لهم غير الجامعين لهم وغير المجموع بلا شك، وأن الناس الجامعين غير المخبرين وغير المجموع لهم، فالمعنى هو بعض الناس أيّ خاص بقريش (7)
__________
(1) . بالفرقان: 57.
(2) . نظم الدرر: 13/412.
(3) . النحل: 106.
(4) . نظم الدرر: 11/258.
(5) . آل عمران: 173.
(6) . نظم الدرر: 5/129.
(7) . ينظر: نظم الدرر: 5/129ـ130 والأحكام لابن حزم: 3/370.(1/193)
الفصل الثالث
الدلالة السياقية عند البقاعي
السياق
توطئة
للسياق أهمية كبيرة في توجيه كثير من الألفاظ، ومكان متميز في توجيه البحث الدلالي عند علماء اللغويات في العصر الحديث لأنّ: ((اللغويين يصفون المعنى المعجمي للكلمة بأنّه متعددة ويحتمل أكثر من معنى واحد، في حين يصفون المعنى السياقي لها بأنّه واحد لا يحتمل غير معنى واحد)) (1) لأن المعاني المعجمية ليست هي كلّ شيء يمكننا من خلاله إدراك معنى الكلام أو النص، لأن ثمة عناصر لغوية وغير لغوية تساهم بشكل كبير في تحديد المعنى، وهذه العناصر جزء من الكلام الذي لا يمكن الوصول إلى معناه من دونها (2) . إذ ((يمثّل كلّ عقدة فيه وحدة معجمية مختلفة)) (3) .
فإن تحديد معنى الكلام بشكل دقيق يتطلب الاستعانة بوسائل آخر غير المعجم، منها معرفة نسق الكلام ونظمه، لكي يتبين المعنى المطلوب، لأنّ علاقة السياق بالدلالة علاقة وثيقة لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر ((لأنّ اختلاف الدلالات وإبرازها في قوالب الألفاظ الفائقة والمعاني الرائعة في النظوم المعجزة على وجوه لا تكاد تدخل تحت الحصر)) (4) هذا ما يقوم به السياق، لبيان كثير من الكلمات، لأن الكلمة تعطي معاني مختلفة إذا كانت مفردة، أمّا إذا وضعت في نظوم الكلام فإنّها تميّز المعنى المقصود من النص؛ لأنّ: ((النص والسياق يكمل أحدهما الآخر)) (5) ومن هنا تتضح لنا أهمية السياق في اللغة وهذا ما أكده ((بالمر)) بقوله: ((إنّ اللغات الحية يجب ألا تعامل مثل اللغات الميتة المقطوعة عن سياق حالها)) (6) .
__________
(1) . منهج البحث اللغوي بين التراث وعلم اللغة الحديث: 185.
(2) . ينظر: علم اللغة ((السعران)): 288.
(3) . اللغة والمعنى والسياق: 83.
(4) . نظم الدرر: 7/424.
(5) . السياق ودلالته في توجيه المعنى: 7.
(6) . علم الدلالة ((بالمر)):61.(1/194)
إن معنى الكلمة يتعدل تبعاً لتعدد السياقات التي تقع فيها اللغة، فتكون الكلمة فصيحة بملاءمتها لجارتها وتعلقها بأخواتها وارتباطها بهم، ووقوعها في موقعها التي لا ترضى به بديلاً، ويحدث من ارتباطها وتعلقها بجاراتها صورة تؤدي دورا يزيد المعنى وضوحاً؛ (1) لأن ((السياق هو الذي يفرض قيمة واحدة بعينها على الكلمة بالرغم من المعاني المتنوعة التي في وسعها أن تدلّ عليها.. والسياق أيضاً هو الذي يخلق لها قيمة حضورية)) (2) .
وعلي هذا فدراسة معاني الكلمات تحتاج إلى تحليل للسياقات والمواقف المختلفة التي ترد فيها الكلمة، وبهذا فإن السياق هو الذي يحدد معنى الكلمة، فالسياق إذن هو: ((النظم اللفظي للكلمة وموقعها من ذلك النظم)) (3) .
ولقد كانت عناية الأصوليين بالسياق عناية كبيرة، إذ نجدهم يستندون إليه في تحديد الكثير من دلالات الألفاظ، ولا سيما في النصوص القرآنية، فهو الذي يزيل الإبهام عن المجمل ويوضح تخصيص العام، ويقييد المطلق، وهو الذي يحدد الدلالة المقصودة عند تنوع دلالات الألفاظ وهو من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم. (4)
__________
(1) . ينظر: من بلاغة النظم العربي: 1/20.
(2) . اللغة (فندريس): 231.
(3) . دور الكلمة في اللغة: 55.
(4) . ينظر الظواهر الدلالية في تفسير أضواء البيان: 85.(1/195)
ولعل أول من نصّ على السياق وأهميته في تحديد المعنى هو الإمام الشافعي(رض) فقد أشار إلى السياق بقوله: ((وعاماً ظاهراً يراد به العام ويدخله الخاص، فيستدلّ على هذا ببعض ما خوطب به فيه، وعاماً ظاهراً يراد به الخاصّ، وظاهراً يعرف من سياقه إنه يراد به غير ظاهره، فكل هذا موجود علمه في أول الكلام أو وسطه أو آخره)) (1) وإنّ اختلاف الألفاظ بحيث تغير تلك الأغراض وتغير النظوم بالتقديم والتأخير والإيجاز والتطويل، مع أنّها لا تخالف شيء من ذلك أصل المعنى الذي تكون فيه القصة، وعلى قدر غموض تلك المناسبات يكون وضوحها وانكشافها، والذي يقوم بكشف معاني تلك الألفاظ هو السياق (2) . فالسياق وحده يكشف لنا التبادل بين المعاني الموضوعية والمعاني العاطفية والانفعالية.
أمّا الإمام الغزالي فلم يبتعد عن السياق، إنما نظر إلى السياق نظرة خاصة في بيان النصوص القرآنية، وتحديد دلالة الكلام عند احتماله لأكثر من معنى، فهو يشير إلى عناصر السياق اللغوي من خلال ما يراه مناسباً لاستحضار جميع ملابسات النص وأسباب نزول النص إذ يقول: ((طريق فهم المراد تقديم المعرفة بوضع اللغة التي بها المخاطبة... وإن تطرق إليه الاحتمال فلا يعرف المراد منه حقيقة إلا بانضمام قرينة اللفظ، والقرينة إما لفظ مكشوف... وإما حالة على دليل عقلي... وإما قرائن أحوال من إشارات ورموز وحركات، وسوابق ولواحق لا تدخل تحت الحصر والتخمين، يختص بادراكها المشاهد لها من الصحابة والتابعين بالفاظ صريحة أو مع قرائن من ذلك الجنس، أو من جنس آخر حتى توجب علماً ضرورياً بفهم المراد أو توجب ظناً)) (3) .
__________
(1) . الرسالة: 52.
(2) . ينظر: نظم الدرر: 1/14.
(3) . المستصفى: 1/339.(1/196)
ويقتضي علم الدلالة الحديث في الدرس السياقي ضرورة تناول النص ككل واحد ولا يتجزأ عند محاولته تحديد دلالته، أو ينبغي أن تحمل القطعة كلها والكتاب كله، كما ينبغي أن يشمل بوجه من الوجوه كل ما يتصل بالكلمة من ظروف وملابسات (1) ، وقد أدرك علماء الأصول هذه الحقيقة، وكانوا على وعي تام بها، إذ يشير البقاعي إلى نظم الكلمات إذ حدد طريقتين للإعجاز هما (2) :
1- نظم كل جملة على حيال بحسب التركيب.
2- نظمها مع أختها بالنظر إلى التراكيب.
إذ نظر البقاعي إلى نظم الكلمات في سياقات الكلام سواء أكانت في جملة أم مع أختها، فإن نظمها هو الذي يحدد معاني هذه الكلمات؛ لأنّه ((كلما دقق النظر في المعنى عظم عنده موقع الإعجاز، ثمّ إذا عبر الفطن من ذلك إلى تأمل ربط كل جملة بما تلته وما تلاها خفي عليه وجه ذلك ورأى أن الجمل متباعدة الأغراض متنائية المقاصد فظن أنّها متنافرة، فحصل له من القبض والكرب أضعاف ما كان حصل له بالسماع من الهز والبسط)) (3) إذ نلاحظ البقاعي يشير إلى السياق بطريقة نظم الكلمات؛ لأن نظم كل كلمة مع أختها في سياق الكلام يظهر لنا المعنى المقصود؛ لأن مراعاة الترتيب ((السياق)) يعطي معنى محدد للكلمات ذات المعاني المتعددة، ونظم كل جملة في التركيب، هي علاقة إجمال وتفصيل، فهي ليست منقطعة الصلة الدلالية فيما بينها، وإنما تترابط بصلات دلالية، فالسياق يلعب دوراً مهماً في بيان النصوص القرآنية، وبيان المعنى المقصود من تلك النصوص الكريمة.
المبحث الأول
السياق ودلالة الأمر
دلالة الأمر
__________
(1) .ينظر: دورالكلمة في اللغة: 55، والبحث الدلالي عند السرخسي: 103.
(2) . نظم الدرر: 1/11.
(3) . نظم الدرر:1/11.(1/197)
البحث في دلالة الأمر وأثر السياق فيها عند الأصوليين يمثل جوهر البحث للدلالات المتعددة للكلمة؛ حين تكون بمعزل عن القرائن؛ واثر السياق في تحديد دلالة واحدة لها، وكشف ما يطرأ على اللفظ من انتقال من دلالته بأصل الوضع إلى دلالة أخرى. (1)
إن تناول الأصوليين لموضوع الامر كان في غاية الأهمية من أجل تحديد صيغة الأمر، وبيان الدلالة الأصلية لهذه الصيغة، عندما تكون مجردة من القرائن الصارفة لها، ثم بيان كيفية صرف هذه الدلالة إلى دلالات أخرى إذا وردت متحفة بالقرائن.
إن للاختلاف في دلالة الأمر أثراً كبيراً في اختلاف الأحكام الفقهية، فقد تعددت أنظار المجتهدين في مدلولها الشرعي، ولا شك في دلالة مادة الأمر على الطلب بمفهومه الاسمي، ولكن ليس كل طلب، بل طلب التشريعي من العالي، كما لا إشكال في دلالة صيغة الأمر على الطلب، وذلك؛ لن مفاد الهيئة فيها هو النسبة الإرسالية، والإرسال ينترع منه مفهوم الطلب، إذ إن الإرسال سعي نحو المقصود، فتكون الهيئة دالة على الطلب. (2)
__________
(1) . ينظر: البحث الدلالي عند السرخسي: 108.
(2) . ينظر: دروس في علم الأصول: 77.(1/198)
وقد اختلف الأصوليون في الصيغة الدالة على الأمر حقيقة، فمنهم من يرى أن الأمر حقيقة في صيغة( إفْعَلْ)) ومنهم من يرى أنه حقيقة فيها وفي غيرها (1) وكان لكل واحد من الأصوليين وجهة نظر في تعريف دلالة الأمر، فالأمر: هو طلب الشيء على وجه الاستعلاء. فقد عرّفه الغزالي بـ ((القول المقتضي طاعة المأمور بفعل المأمور به)) (2) أو ((هو السعي نحو المقصود، فان كان سعياً مباشراً، كالعطشان يتحرك نحو الماء، فهو طلب تكويني، وإن كان بتحريك الغير وتكليفه فهو طلب تشريعي)) (3) وقد أشار البقاعي إلى بيان مصطلح الأمر، إذ يقول: ((الأمر: الإيجاب بصيغة أفعل وهو يتضمن إرادة المأمور به في الجملة، وقد يراد أمتثال عين المأمور)) (4) .
وتأتي دلالة الأمر على أربع صيغ هي (5) :
1-فعل الأمركقوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ } (6) .2- المضارع المقترن بلام الأمر نحو قولك ((لِيكتبْ))
3- المصدر النائب عن فعل الأمر كقوله تعالى: {...
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ...} (7)
4- اسم فعل الأمر كقوله تعالى: {... عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ ...} (8) .
__________
(1) . ينظر: أصول السرخسي: 1/11.
(2) . المستصفى: 1/411.
(3) . دروس في علم الأصول: 76، وينظر: لمحات الأصول: 208.
(4) . نظم الدرر: 9/369ـ370.
(5) . ينظر: الأحكام لابن حزم: 3/284ـ285.
(6) . التوبة: 103.
(7) . النساء: 36.
(8) . المائدة: 105.(1/199)
وتبدو أهمية السياق واضحة في تحديد صيغة الأمر ودلالتها على الوجوب، أو الندب أو الإباحة، وهذا مما أدى إلى وقوع الخلاف بين الأصوليين في دلالة هذه الصيغة وفي ذلك يقول ابن حزم الأندلسي: ((قال: بعض الحنفيين وبعض المالكيين وبعض الشافعيين إن أوامر القرآن والسنن على الوقف حتى يقوم دليل على حملها، إما على الوجوب في العمل؛ وإما على الندب، وإمّا على الإباحة)) (1) .
وقد اتفق علماء الأصول على أن صيغة الامر عندما تصدر من الشارع تكون ظاهرة في الوجوب؛ لأنّ المراد من الأمر الإلزام واستدلوا على ذلك بأدلة منها (2) :
1- أن التبادر المسبق إلى الفهم عند إطلاق كلمة الأمر هو الطلب الحتمي الإلزامي.
2- أن كلمة الأمر وإن كانت موضوعة للوجوب إلاّ أنها ظاهرة بحكم العقل؛ لأن العقل يوجب طاعة أوامر المولى.
والذي يبدو لي أن الأصوليين متفقون على أهمية السياق في تحديد صيغة ((أفعل)) إن كانت مجردة من القرائن أو متحفة بها، والشأن في الحالتين مختلف؛ لأن دلالة صيغة الأمر مفردة تختلف عن دلالتها في السياق متحفة بالقرائن (3)
إن الأمر يدل بصيغة على طلب الفعل على سبيل الإيجاب والوجوب الملزم، وقد أشار البقاعي إلى هذا الغرض في دلالة الأمر على الوجوب، وجاء في قوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ...} (4) .
قال البقاعي: ((وذلك دال على وجوب السلام من الأمر، وعلى الفور ـ من الفاء، والإجماع موافق لذلك، وترك الجواب إهانة، والإهانة ضرر، والضرر حرام)) (5) فإن صيغة الأمر في قوله تعالى: ((فحيوا)) دالة على السلام وعلى الفور وهذا إجماع علماء الإسلام بحسب كلام البقاعي.
__________
(1) . الأحكام لابن حزم: 3/259.
(2) . ينظر: مفتاح الوصول إلى علم الأصول: 1/273.
(3) . ينظر: دراسة المعنى عند الأصوليين: 79.
(4) . النساء: 86.
(5) . نظم الدرر: 5/351.(1/200)
وكذلك ما جاء في قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (1) ، إذ يقول البقاعي: ((ولما كان ظاهر الآية وجوب الانصات لكل قارئ على كل أحد رغب فيه تعظيماً لشأنه)) (2) وجاء في قوله تعالى: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ...} (3) .
إذ يقول البقاعي: ((إشارة إلى صدق هذا الوعد بحرف الاستعلاء الدال على الالتزام والوجوب)) (4) .
والذي أحبّ أن أشير اليه أن دلالة الأمر عند إطلاقها تدلّ على الوجوب، فأول ما يتبادر إلى الذهن من هذه الصيغة الوجوب، فالسياق يلعب الدور المهم في بيان وتحديد العرض الذي يدلّ عليه (5) .
وقد يخرج الأمر إلى أغراض بلاغية أخرى نلتمس هذه الأغراض من خلال أثر السياق في هذه الصيغة، وقد أشار الدكتور عقيد العزاوي إلى بعض الأغراض عند البقاعي، إلا أني سوف أقف عند بعض الأغراض التي لم يشر إليها، فضلاً عن التطرق بشكل موجز إلى الأغراض التي أشار إليها ومن هذه الأغراض ما يأتي.
1- الأمر للإرشاد
__________
(1) . الأعراف: 204.
(2) . نظم الدرر: 8/209.
(3) . آل عمران: 194.
(4) . نظم الدرر: 5/160.
(5) . للمزيد ينظر نظم الدرر: 3/53ـ107ـ400، 5/383، 7/294، 11/400، 15/159.(1/201)
ومن الأغراض البلاغية التي خرجت إليها صيغة ((أفعل)) هي الإرشاد، فقد جاء في قوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ } (1) إذ يقول البقاعي: ((قال سبحانه ملقنا له ومرشداً لهم في صورة التهديد، وكان المراد ((بالأمر)) الاسترشاد للاعتقاد والرجوع عن الغي والعناد ولكون السياق له، لا مجرد التهديد)) (2) بيّن سبحانه وتعالى بصيغة الأمر الدالة على الاسترشاد من أجل الرجوع عن العناد إلى الحق، والإيمان، معبراً أيضاً بالفاء المقتضية للاسراع وعظم المأمور بنظرة يجعله أهلاً للعناية به.
2- الأمر للإنذار والترغيب
وقد جاء في قوله تعالى: {... وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ} (3) فصيغة ((افعل))خرجت إلى غرض الإنذار والترغيب؛ وذلك لدلالة السياق عليها، ونظم قوله تعالى، إذ يقول البقاعي: ((فلم أومر به الآن ((قل)) أي إنذار لهم وترغيباً وترجية وترهيباً)) (4) فالمعنى: ومن لم يهتد به بالأعراض عن ذكر ربه وهو الضلال فعليه ضلاله وكفره لا عليّ، لأني لست إلا منذر مأموراً بذلك ولست عليكم وكيلاً، فالعدول عن مثل قولنا ومن ضلّ فإنما أنا من المنذرين هو الذي كان يقتضيه الظاهر (5) .
3- الأمر للتعجب
__________
(1) . النمل": 69.
(2) . نظم الدرر: 14/207، وينظر: 20/128.
(3) . النمل: 92.
(4) . نظم الدرر: 14/229.
(5) . ينظر: البحر المحيط: 7/96، معاني القرآن وإعرابه للزجاج: 4/99، والميزان: 15/407.(1/202)
وقد أشار البقاعي إلى خروج صيغة ((افعل)) إلى التعجب في قوله تعالى: {أسْمِعْ بِهِمْ وأَبْصِرْ} (1) إذ يقول البقاعي: ((وما عسى أن يسمعوا أو يبصروا فيه، بأن حالهم في شدة السمع والبصر جديرة بأن يعجب منها)) (2) أي أنه لا يوصف لئن كانوا صمّاً وبكماً عن الحق فما أسمعهم وأبصرهم يوم القيامة، ولكنهم يسمعون ويبصرون حيث لا ينفعهم السمع ولا البصر، وعن ابن عباس، أنهم أسمع شيء وأبصره وهو تعجب من شدة السمع والبصر. (3)
وجاء في قوله تعالى: {... مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ...} (4) إذ يقول البقاعي: ((فلما ثبت أنه الخالق بدءاً وإعادة كما يشاهد في كل زمان، قال منها على عظمة صفاته اللازم من أثباتها صدق رسول(ص) ((قل)) معجباً منهم في جمودهم حيث يقرون بما يلزمهم التوحيد ثم لا يوحدون) (5) فالسياق دلالة الفصل في هذه الصيغة والغرض الدال عليه وهو دال على التعجب من أفعال القوم.
4- الأمر للتنبيه
__________
(1) . مريم: 28.
(2) . نظم الدرر: 12/199.
(3) . ينظر: البحر المحيط: 6/180.
(4) . العنكبوت: 63.
(5) . نظم الدرر: 14/473.(1/203)
ومن الدلالات التي خرجت إليها صيغة ((افعل)) والتي أشار إليها البقاعي ((التنبيه)) في قوله تعالى: {... تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ} (1) إذ يقول البقاعي: ((وعظم الشأن في ابتداء الجزاء بالتنبيه بالأمر بالعلم فقال ((فاعلموا)) أنكم لم تضرّ إلا أنفسكم؛ لأن الحجّة قد قامت عليكم، ولم يبق على الرسول شيء لأنكم علمتم)) (2) فإن أعرضتم فليس على الرسول إلا أن يبلغ أحكام الله وليس عليه خلق الطاعة فيكم، ولا يلحقه من توليكم شيء ((فاعلموا)) وفيه تنبيه وتوبيخ إلى أنكم إن توليتم واقترفتم هذه المعاصي ظننتم أنكم كابرتم النبي(ص) في نهييه عنها ونسيتم أنه رسول من عندنا ليس له الأمر في شيء إلا البلاغ (3) .
وجاء في قوله تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (4) أشار البقاعي إلى قوله تعالى: ((اعلموا)) إذ يقول: ((وهي كلمة ينبه بها السامع على أنّ ما بعدها مهم جداً)) (5) فإن صيغة ((افعل)) قد دلّت على تنبيه السامع، والاهتمام لما بعدها من قوله عزّ وجلّ.
ومن الأغراض الأخرى التي تخرج إليها صيغة الأمر والتي أشار إليها الدكتور العزاوي (6) أغراض كثيرة، والذي أودّ أن أشير اليه هو ذكر هذه الأغراض بعيداً عما تناوله الدكتور ولكن بشكل موجز ومنها:
5- الإباحة
__________
(1) . المائدة: 92.
(2) . نظم الدرر: 6/295.
(3) . ينظر: البحر المحيط: 4/18، والميزان: 6/124.
(4) . الأنفال: 28.
(5) . نظم الدرر: 8/262.
(6) . ينظر: الأساليب البلاغية في نظم الدرر: 46ـ66.(1/204)
والإباحة هي: ((الأذن بإتيان الفعل كيف يشاء الفاعل)) (1) ومن أمثلتها ما جاء في قوله تعالى: {... كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ...} (2) إذ يقول البقاعي: ((ولما كان هذا الأمر للإباحة لا للإرادة قيّده، لئلا يقتضي إيجاد الثمر في كل جنّة في كل وقت)) (3) فالنص القرآني صورته صورة الأمر ومعناه الإباحة أو الأذن، وهو الفكر على الأكل، تحقيقاً لرجاء الناس في الخصب وتسكيناً لآمالهم رحمة لهم ورفقاً بهم، إعلاماً فيه أنّه إن وقع جدب كان في ناحية دون أخرى وفي نوع دون آخر، وإباحة للأكل في جميع أحوال الثمرة نضيجة وغير نضيجة. (4)
6- التهديد
ذكر ابن قتيبة الأمر للتهديد، فقال: ((ومنه أن يأتي الكلام على لفظ الأمر وهو تهديد)) (5) فصيغة الأمر قد تخرج إلى معنى التهديد وعندما يكون الأمر في سياق عدم الرضا بما أُمر. (6)
__________
(1) . التعريفات: 11.
(2) . الأنعام: 141.
(3) . نظم الدرر: 7/291.
(4) . للمزيد ينظر نظم الدرر: 1/221، 3/84-107-108-188، 4/89، 20/27.
(5) . تأويل مشكل القرآن: 216.
(6) . بنظر: الأساليب البلاغية في نظم الدرر: 48.(1/205)
ومنه ما جاء في قوله تعالى: {... وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} (1) . إذ فسر البقاعي صيغة الأمر بالغرض البلاغي الدالّ على التهديد إذ يقول: ((ولما هددهم بعلمه وكان ذلك النهاية في التهديد وكان كل أحد يعلم من نفسه في النقائص ما يجل عن الوصف أخبرهم بما أوجب الإمهال على ذلك من منه بغفرانه وحلمه حثّاً على التوبة وإقامة بين الرجاء والهيبة)) (2) فالنص القرآني لما فيه من جلال النظم، وجزالة القول، وحلاوة السبك، وقوة التركيب ورصانته، بين الغرض في صيغة (افعل)) وخروجها إلى غرض التهديد، والحذر من قدرة الله سبحانه وتعالى، ويقول أبو حيان: ولما هددهم بأنّه مطلع على ما في أنفسهم وحذّرهم منه أردف ذلك بالصفتين الجليلتين، ليزيل عنهم بعض روع التهديد والوعيد والتحذير من عقابه، ليعتدل قلب المؤمن في الرجاء والخوف (3) .
وهذا يدلّ على أن البقاعي قد تابع أبا حيان في خروج هذه الصيغة في هذا النص إلى غرض التهديد. (4)
7- الأمر للدعاء
الدعاء هو: ((طلب الفعل من المدعو وصيغته صيغة الامر، إلاّ أنّ الدعاء لمن فوقك والأمر لمن دونك)) (5) وقد فرق النحاة والبلاغيون بين الأمر والدعاء بحسبان أن مناط الأول هو الاستعلاء، ومناط الثاني هو التضرع والخضوع. (6)
__________
(1) . البقرة: 235.
(2) . نظم الدرر: 3/349.
(3) . ينظر: البحر المحيط: 2/230، ونظم الدرر: 3/349-350.
(4) . للمزيد ينظر نظم الدرر: 3/135-182، 4/297، 8/498، 12/52، 13/34، 15/270، 16/465، 17/200، 19/25.
(5) . المقتضب: 2/132، والتبيان في تفسير القرآن: 6/134، وينظر: البحث الدلالي في التبيان: 227.
(6) . ينظر: الكتاب: 1/142، والإيضاح: 1/143.(1/206)
وممّا أشار إليه البقاعي في ضمن هذا الغرض ما جاء في قوله تعالى: {...أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (1) إذ يقول البقاعي: ((ثم جعل ختام توجه المؤمنين إلى ربهم الدعاء بثمرة الولاية)) (2) والغرض لهذه الصيغة هو الدعاء توجه المؤمنين إلى ربّهم بالدعاء والمغفرة، فيكون الدعاء لاستدامة فضله، (3) لأنه تعالى مولاهم ومالك تدبيرهم، وأمرهم ينشأ من ذلك النصرة لهم على أعدائهم.
8- الأمر للتعجيز
وغرض التحدي والتعجيز هو: ((إظهار المخاطب عدم قدرته على أداء الفعل المطلوب منه)) (4) ومثاله ما جاء في قوله تعالى: {...وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (5) .
يقول البقاعي: ((البلاغة ثلاث طبقات فأعلاها معجز، وأوسطها وأدناها ممكن، والتحدي وقع بالعليا، وليس هذا أمراً بالافتراء، لأنه تحدّ للتعجيز)) (6) ولما كانت الرتب كلها تحت رتبته تعالى أشار إلى عجزهم عن المعارضة دليلاً قاطعاً على أنهم لم يصلوا إلى شيء من كلامه تعالى بغير علمه، وأن المشركين قد وصلوا من ذلّ التبكيت بالتحدي مرة بعد مرة وزورهم لأنفسهم في ذلك المضمار كرة في اثر كرة إلى حد من العجز لا يقدرون معه على النطق (7) . وشأن من يريد تعجيز شخص أن يطالبه أولاً بأن يفعل مثالاً مما يفعل هو ثم يتبين عجزه. (8)
__________
(1) . البقرة: 286.
(2) . نظم الدرر: 4/186.
(3) . للمزيد ينظر نظم الدرر: 5/40، 13/183-145-320.
(4) . علم المعاني (عبد العزيز عتيق): 81.
(5) . هود: 13.
(6) . نظم الدرر: 9/249.
(7) . ينظر: نظم الدرر: 9/250.
(8) . للمزيد ينظر: نظم الدرر: 9/310، 19/25.(1/207)
وهناك دلالات يخرج إليها الأمر أشار إليها البقاعي وأودّ الإشارة اليها فقط، مثل الندب (1) ، في قوله تعالى: {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ...} (2) والسخرية (3) ، في قوله تعالى: {...كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ} (4) والتكوين (5) ، في قوله تعالى: {...وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (6) والإهانة (7) ، في قوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} (8) .
والذي يبدو أن الأصوليين متفقون على أهمية السياق في تحديد صيغة ((أفعل)) ان كانت مجردة من القرائن أو متحفة بها؛ لأنّ أهمية السياق واضحة، وله دور بارز في بيان هذه الصيغة، وخروجها إلى الأغراض الأخرى.
المبحث الثاني
السياق ودلالة النهي
النهي
يعدّ النهي من أنواع الطلب، والنهي لفظ يطلب به الكفّ عن الفعل على سبيل الاستعلاء وصيغته ((لا تفعل)) فهو مقابل الأمر؛ ((لأنّ الأمر والنهي مشتركان في الدلالة على الطلب، إلاّ أن الأمر يدلّ على طلب الوجود والنهي على طلب العدم، فمتعلق أحدهما الوجود والآخر العدم، ولا يدلان على الدوام والتكرار، ولكنهما مختلفان عقلاً مع وحدة المتعلق، فإن الأمر إذا تعلق بالطبيعة يكون امتثاله بتحقيق فردٍ ما، ضرورة وجود الطبيعة بوجوده، وعصيانه بترك جميع الأفراد، وأمّا النهي فإذا تعلق بها من غير قيد، يكون امتثاله بترك الطبيعة وعصيانه بإتيان فرد ما)) (9) .
__________
(1) . نظم الدرر: 3/162.
(2) . البقرة: 203.
(3) . نظم الدرر: 1/465.
(4) . البقرة: 65.
(5) . نظم الدرر: 2/128.
(6) . البقرة: 117.
(7) . نظم الدرر: 18/46-47.
(8) . الدخان: 49.
(9) . لمحات الأصول: 207.(1/208)
إن كلاً من الأمر والنهي متعاكسان عقلاً، وأن كان متعلقهما طلب وجود الطبيعة وعدمها (1) .وبحسب نظرة العقل أن الأمر والنهي مختلفان بحسب الذات والمبادئ والأحكام، فلأن الأمر هو البحث نحو وجود الطبيعة، فهو طلب وحث وإغراء، والنهي هو الزجر والإزعاج عن الوجود أو الطبيعة.
لقد اختلف الأصوليون في دلالة النهي المجردة من القرائن كما اختلفوا في صيغة ((افعل))، فقد ذهب الجمهور إلى أنه يدلّ على التحريم، ولا يدل على غير التحريم إلا بالقرينة، والسياق الذي يدلّ على غير التحريم، وذهب قسم آخر من الأصوليين إلى أن النهي يدلّ على كراهية المنهي، ولا يدل على تحريمه إلا بالسياق، أمّا القسم الثالث من الأصوليين فقد ذهبوا إلى أنه مشترك بين التحريم والكراهية ولا يدل على واحد منهما إلاّ بالقرينة. (2)
ولو رجعنا قليلاً إلى ما بان من اختلاف بين الطوائف الأصولية حول صيغة ((لا تفعل)) هل تدل على التحريم أو الكراهية أو أنها مشترك بين الاثنين، فالقرائن في هذه الصيغة هي التي تلعب دوراً لبيان الغرض الأساسي لهذه الصيغة في أي نص كان سواء أكان في القرآن الكريم أم في النص الأدبي؛ لأن النهي موضوع في اللغة للدلالة على طلب ترك المنهي عنه على وجه الحتم واللزوم، وهذا معنى التحريم في اصطلاح الفقهاء، فيكون المعنى الحقيقي للنهي، فلا يجوز أن تصرف عنه إلى غيره إلا بالقرينة صارفة تدلّ على ذلك. (3)
وقد عرّف الأصوليون صيغة ((لا تفعل)) تعريفات كثيرة، كل واحد نابعة من مقتضاه، فالنهي: هو طلب الكف عن الشيء على وجه الاستعلاء مع الإلزام. (4)
وقد عرّفها ابن حزم بقوله: ((والنهي إلزام الناهي ترك عمل ما)) (5) .
__________
(1) . ينظر: كفاية الأصول: 182.
(2) . ينظر: أصول الفقه ((بدران)): 132، وأصول الفقه الإسلامي: 398-399.
(3) . ينظر: أصول الفقه الإسلامي: 399.
(4) . ينظر: الإيضاح: 1/145، وجواهر البلاغة: 77.
(5) . الأحكام لابن حزم: 1/40.(1/209)
والذي أودّ الإشارة إليه هاهنا هو أنّ الدكتور عقيد العزاوي قد تناول صيغة ((لا تفعل)) عند البقاعي إلا أنّي لم أجده يورد تعريف البقاعي له، لأني من خلال قراءتي لنظم الدرر وجدت البقاعي يشير إلى تعريف النهي قائلاً: ((والنهي: المنع من الفعل بصيغة لا تفعل)) (1) .
وقد استعمل القرآن الكريم النهي عن الفعل بعدة أساليب، من ذلك ما يكون بصيغة النهي المعروفة ((لا تفعل)) كقوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ ...} (2) وقد يكون بصيغة الأمر الدال على طلب الامتناع عن الفعل، كقوله تعالى: {...وَذَرُوا الْبَيْعَ...} (3) وقد يكون بلفظ التحريم نحو قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ...} (4) وقد يكون بإحدى مشتقات مادة ((النهي)) مثل قوله تعالى: {... وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (5) وغيرها من الأساليب. (6)
بيد أن دور السياق يظهر واضحاً في تحديد دلالة النهي، وتنوع المعاني التي تدلّ عليها صيغة ((لا تفعل))، فإن النهي المطلق حقيقة في التحريم، وهذا ما اتفق عليه معظم الأصوليين ـ والبقاعي من بينهم ـ والنهي حقيقة في التحريم؛ ((لأنّ القرآن الذي نزل بلغة العرب أحاط الانتهاء عمّا نصّ عنه بإطار من الإلزام؛الشرعي إلى جانب الالزام اللغوي، فمن يفعل المنهي فهو مهدد بالعقوبة، وينسب إليه العصيان، والخروج عن طاعة الله ورسوله(ص) لأنّه يخالف ما طلب)) (7) .
__________
(1) . نظم الدرر: 9/320.
(2) . الإسراء: 33.
(3) . الجمعة: 9، وينظر نظم الدرر: 20/65.
(4) . الأعراف: 33.
(5) . .النحل: 90
(6) . ينظر: أصول الفقه ((بدران)): 129، واصول الفقه الإسلامي: 398.
(7) . أسباب اختلاف الفقهاء: 104.(1/210)
وقد وردت صيغة ((لا تفعل)) عند البقاعي تدلّ على التحريم في قوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ ....} (1) إذ يقول البقاعي: ((ولما أتمّ النهي عن هذين الأمرين المتحدين في وصف الفحش وفي السبب على تقدير، وفي إهلاك الولد بالقتل وما في معناه، أتبعها مطلق القتل الذي من أسبابه تحصيل المال، فصارت الأسباب المنهي عنها بتحريم مسبباتها منع الوجود بخلاً، فمن قتل نفساً بغير حق فقد عصى الله ورسوله(ص)) (2) فالمعنى أنه يفيد تحريم قتل النفس، لأنّ صيغة لا تفعل وهي ((لا تقتلوا)) مجردة من القرائن الصارفة لها، ولا يدلّ على غير التحريم.
وقد تخرج هذه الصيغة عن الأصل إلى معانٍ أخرى منها:
النهي للتأديب
من الأغراض التي تخرج إليها صيغة ((لا تفعل)): هو غرض التأديب، من ذلك ما جاء في قوله تعالى: {وَلا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} (3) إذ يقول البقاعي: ((ولما بدأ بأحد سببي القبول، اتبعه الثاني المبعد عن قاصة العمل من الإعجاب والرياء والملل فقال: ((ولا تمنن)) أي على أحد بدعائك له أو بشيء تعطيه له على وجهة الهبة أو القرض بأن تقطع لذة من أحسنت إليه بالتشغيل على جهة الاستعلاء والاستكثار بما فعلته معه)) (4) أي لا تعطِ شيئاً مقدّراً أن تأخذ بدله ما هو أكثر منه، وتستكثر حال مُتَوقَّعَةٌ، وهذا النبي(ص) خاص’، وليس على الإنسان إثم أن يهدي هدية يرجو بها ما هو أكثر منها والنبي(ص) أدبه الله سبحانه بأشرف الآداب وأجل الأخلاق. (5)
2- النهي للتحذير
__________
(1) . الإسراء: 33.
(2) . نظم الدرر: 11/410.
(3) . المدثر: 6-7.
(4) . نظم الدرر: 21/44.
(5) . ينظر: معاني القرآن للفراء: 3/94، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج: 5/191.(1/211)
ومن الأغراض التي دلّت عليها صيغة لا تفعل هو خروج هذه الصيغة للتحذير في قوله تعالى: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا ... } (1) إذ يقول البقاعي: ((ولما كان من آفات العباد ولا سيما الأمر والنهي ـ لتصورهما بصورة الاستعلاء ـ الإعجاب الداعي إلى الكبر ـ، قال محذراً من ذلك معبراً عن الكبر بلازمه؛ لأن نفي الأعم نفي للأخص منبهاً على أن المطلوب في الأمر والنهي: اللين لا الفظاظة والغلطة الحاملان على النفور)) (2) حتى أشار إلى قوله تعالى: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ...}، فالمعنى لا تمله متعمداً إمالته بإمالة العنق متكلفاً لها صرفاً عن الحالة القاصرة، وذلك لا يكون إلا تهاوناً بهم، بل اقبل عليهم بوجهك لله مستبشراً منبسطاً من غير كبرياء ولا علو، وامش.هوناً فإن ذلك يفضي بك إلى التواضع، فتصل إلى كل خير فترفق بك الأرض (3) . أمّا الدكتور عقيد العزاوي فقد عدّ هذا النهي على أنه للكراهة فيقول: ((قال البقاعي: ولما كان الكبر والأنفة أعظم موقف عن العلم الداعي إلى كل خير شئته قال تعالى ناهياً مكرهاً: ((ولا تمشِ)) أي ماشياً ما)) (4) وفي هذا الجانب أعلّق على قول العزاوي، بأن البقاعي لم يشر إلى قوله ((ناهياً مكرها)) ولم يذكر خروج هذا النهي إلى الكراهية. (5)
__________
(1) . لقمان: 18.
(2) . نظم الدرر: 15/176.
(3) . ينظر: نظم الدرر: 15/176-177.
(4) . الأساليب البلاغية في نظم الدرر: 59، وينظر نظم الدرر: 11/415.
(5) . ينظر نظم الدرر: 11/415.(1/212)
وكذلك ما جاء في قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} (1) إذ يقول البقاعي: ((ولما ثبت أنه لا ملجأ إلا إلى الله الواحد المنزّه عن الزوج، وهو الله الذي له الكمال كله، قال محذراً من سطوته ((ولا تجعلوا)) وكرر الاسم الأعظم ولم يضمر تعييناً للمراد، لأنه لم يشاركه في التسمية به أحد وتنبيهاً على ما له من صفات الكمال) (2) فالمراد النهي عن الجعل من جهة الفرار لا من جهة غيره.
3- النهي للاستهانة
ومن الأغراض التي أشار إليها البقاعي للاستهانة إلا أنه لم يجر هذا النهي بصيغة ((لا تفعل)) وقد ورد في قوله تعالى: {... قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلا قَلِيلا} (3) ويعلّق البقاعي على قوله تعالى: ((لن تتبعونا)) فيقول: ((وساقه مساق النفي، وإن كان المراد به النهي؛ لأنه مع كونه أكد يكون علماً من أعلام النبوة، وهو أزجر وأدل على الاستهانة)) (4) وقال أبو حيان الأندلسي: ((واتى بصيغة لن وهي للمبالغة في النفي، أي لا يتم لكم ذلك إذ قد وعد تعالى أن لا يحضرها إلا أهل الحديبية فقط)) (5) .
4- النهي للتنبيه
__________
(1) . الذاريات: 51.
(2) . نظم الدرر: 18/477-478.
(3) . الفتح: 15.
(4) . نظم الدرر: 18/308.
(5) . البحر المحيط: 8/94.(1/213)
وقد ورد في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ ...} (1) فيقول البقاعي: ((والمحتاج فيها إلى التنبيه بالنهي قد فعل من هذا)) (2) فالمعنى: إذا كلمتوه سواء أكان ذلك بمثل صوته أم اخفض من صوته، فإن ذلك غير مناسب لما يهاب به العظماء، وقد شمل كل جهر مخصوص، فهو تنبيه على هذا والنهي عن ذلك.
ومن الأغراض الأخرى التي تخرج إليها صيغة ((لا تفعل)) نذكر بشكل موجز منها.
5- الإرشاد (3)
في قوله تعالى: {. لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } (4) .
6- الكراهية (5)
في قوله تعالى: {... قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ} (6)
7- الدعاء (7)
في قوله تعالى: {... رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا ...} (8) .
8- الإهانة (9)
في قوله تعالى: {قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} (10) .
وقد ظهر واضحاً مما سبق أن البقاعي في دلالة الأمر والنهي يسير على ما سار عليه الأصوليون في تعدد أغراض دلالة الأمر والنهي، إذ إن كلتا الصيغتين ((أفعل)) و ((لا تفعل)) ذات معانٍ متعددة، لا يمكن الوقوف على المعنى المراد إلا من خلال القرائن المتنوعة في السياق، ولا يمكن تميز معانيهما إلا من خلال السياق.
المبحث الثالث
التقديم والتأخير وعلاقته بالسياق
التقديم والتأخير
__________
(1) . الحجرات: 2.
(2) . نظم الدرر: 18/356.
(3) . نظم الدرر: 6/313.
(4) . المائدة: 101.
(5) . نظم الدرر: 7/37.
(6) . الأنعام:114
(7) . نظم الدرر:4/178
(8) .البقرة: 286.
(9) .نظم الدرر: 13/189.
(10) .المؤمنون: 108.(1/214)
من المعلوم أن اللغة العربية لها خصائصها الفريدة وسماتها المميزة من غيرها من اللغات، والتعبير العربي يحمل في طياته من الدقة والبراعة بحيث يختلف المعنى إذا أقدمت الكلمة على أختها في النظم أو أخرتها عنها، كما أنها تختلف عن غيرها من اللغات في تكوين الجملة نفسها، كتقديم الفعل على الفاعل، والموصوف على الصفة، وغير ذلك مما يعرفه كل من يلم بلغة العرب وغيرها من اللغات الأدبية (1) ، فمعجزة القرآن الكريم هي التعبير وما فيه من بلاغة وفصاحة لم يجر بها لسان أبلغ الناس وأفصحهم ((وألفاظ القرآن هي لب كلام العرب وزبدته. وما عداها وهو بالإضافة إليها كالقشور والنوى بالإضافة إلى أطايب الثمرة، وكالحثالة والتبن بالنسبة إلى لبوب الحنطة)) (2) .
ويعدّ التقديم والتأخير في أسلوب القرآن الكريم أداة فعّالة لأداء هذا الأسلوب المعجز، فكل كلمة قدمت لسبب وأخرت أخرى لمسبب، والتقديم والتأخير يعتمد على وضع الكلمات في سياقات مختلفة؛ لبيان سبب التقديم والتأخير، ليخرج النص إلى أغراض دلالية متنوعة، ومن الأغراض الدلالية التي خرج إليها أسلوب التقديم والتأخير هي:
1- التقديم للاهتمام
ورد هذا النوع من التقديم في قوله تعالى: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ} (3) ولما كان الإنسان ربما حصل له اللوم بسبب قومه، وكان الرسول(ص) في هذا المقام أن يخاف ذلك ((قدم الجار والمجرور للاهتمام به معبراً بالأداة الدالة على القصر والغلبة)) (4) أي لأقهركم على الردّ عمّا أنتم فيه.
__________
(1) .ينظر: من علوم القرآن: 44.
(2) .المزهر: 1/201.
(3) .الأنعام: 66.
(4) .نظم الدرر: 7/145.(1/215)
وكذلك ما جاء في قوله تعالى: {... فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (1) إذ يقول البقاعي: ((وقدم المجرور اهتماماً به إفهاماً؛ لأن العلم كالمختص به)) (2) وهنا قدّم سبحانه وتعالى الجار والمجرور اهتماماً وتمسكاً؛ لأن الله المحيط علماً وقدرة بما يعملون ظاهراً وباطناً. (3)
2- التقديم للتعظيم
وما جاء في تقديم الظرف للتعظيم في قوله تعالى: {... وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا} (4) ولما كان السامع لهذا، أو ربما ظن أن فعله ذلك باستحقاق، إشارة إلى أنه لا سبب إلا رحمته يستره ستراً بليغاً شاملاً، وليس من الحكمة دخول دار الخلد قبل تكفيرها، بسبب من كانوا متلبسين به من الكفر وغيره، فكان ذلك التكفير سبباً لدخولهم الجنة (5) ((وقدّم الظرف تعظيماً لها)) (6) أي لذلك المكان الذي يملأ جميع الجهات.
وما جاء في الغرض الدلالي نفسه في قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} (7) ويصرح قائلاً: ((وقدم الجار تعظيماً لمنافعها حتى كأن غيرها عدم)) (8) فالحاصل من النص يجعل لكم سبحانه وتعالى شراباً نافعاً للبدن موافقاً للشهوة تلتذون به مع خروجه من بين الفرث والدم وقدّم الجار بياناً لمنافع هذا الشراب (9) .
3- التقديم للعلم به
__________
(1) .الأنفال: 39.
(2) .نظم الدرر: 8/281.
(3) .للمزيد ينظر نظم الدرر: 7/182-343، 8/504، 12/40، 16/260، 17/299، 334-380-411، 20/36-211-369، 21/260.
(4) .الفتح: 5.
(5) .ينظر: نظم الدرر: 18/288.
(6) .نظم الدرر: 18/288.
(7) .المؤمنون: 21.
(8) .نظم الدرر: 13/127.
(9) .للمزيد ينظر: نظم الدرر: 13/13، 16/207، 19/71، 20/203، 21/21.(1/216)
ومن الأغراض التي أشار إليها البقاعي في دلالة التقديم وهو ما جاء في قوله تعالى: {... وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ ...} (1) وقدم سبحانه وتعالى لفظة ((البر)) وأخر لفظة
((البحر)) وذلك لعلم الإنسان به، وبجهل كثير من أمور البحار، ويقول البقاعي: ((وقدّمه لأن الإنسان أكثر ملابسة له بما فيه من القرى والنبات والنجم وذي الساق المعادن)) (2) أما تأخيره للبحر، فهو أن إحاطة العقل بأحواله أقل، وإن كان الحس يدلّ على أن عجائبها أكثر وطولها وعرضها أعظم، وما فيها من الحيوانات وأجناس المخلوقات أعجب، فكان هذا الأمر المحسوس مقرباً لعظمة ذلك الأمر المعقول. (3)
4- التقديم للتخصيص
وأشار البقاعي إلى غرض التخصيص في قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ} (4) ويعلق البقاعي قائلاً: ((ولما كان ذلك من غير كلفة عليهم، قدّم الجار تخصيصاً له وعدّ لغيره كالعدوم، فالذي قدر على تميز النار من الماء والخشب وخبء النار فيهما لا النار تعدو على الخشب فتحرقه ولا الماء يعدو على النار فيطفئها قادر على تميز تراب العظام من تراب غيرها)) (5) وكأنه قدّم الجار، لكثرة إيقادهم منه، فعدّ إيقادهم من غيره كذلك ولعظمته عدماً (6) .
5- التقديم للإحاطة
__________
(1) .الأنعام: 59.
(2) .نظم الدرر: 7/136.
(3) . ينظر: نظم الدرر: 7/136، وللمزيد ينظر: 13/188.
(4) . يس: 80.
(5) . نظم الدرر: 16/182.
(6) . للمزيد ينظر نظم الدرر: 21/77.(1/217)
وذكر البقاعي أنّ التقديم يأتي للإحاطة في قوله تعالى: {... وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (1) لما ذكر سبحانه وتعالى نفس الخروج وما فيه من الفساد وذكر ثمرته الخبيثة، وهم عازمون على تحديد ذلك في كل وقت، فلما كانت هذه مقاصدهم كان نسجهم هلهلاً وبنيانهم واهياً، فإنها من عمل الشيطان، وكل عمل لا يكون لله إذا صدم بما هو لله اضمحل، بذلك سبحانه وتعالى أجدى سنته ولن تجد لنسته تحويلا، فإن العاملين عبيد لله سبحانه وهو محيط بكل عمل سواء أكان ظاهراً أم باطناً، وتقديم الجار والمجرور، لشمول إحاطته بأعمالهم، فيقول: ((قدم الجار إشارة إلى أنه لشدة إحاطته بأعمالهم كأنه لا نظر له إلى غيرها فلا شاغل له عنها)) (2) .
6- التقديم للأبلغ
__________
(1) . الأنفال: 47.
(2) . نظم الدرر: 8/297-298.(1/218)
ورد هذا النوع من التقديم في قوله تعالى: {... إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (1) يقول البقاعي: ((والرأفة: شدة الرحمة فقدم الأبلغ)) (2) فالمعنى: أنه يرحمهم أعلى الرحمة بإسباغ جلائل النعم ودفع جلائل النقم، ويرحمهم أيضاً بإسباغ دقائق النعم ودفع دقائق النقم، وقد علل الشيخ الطوسي قائلاً: ((لأن الرّأفة أشد مبالغة من الرحمة؛ ليجري ـ على طريقة التقديم بما هو أعرف ـ مجرى أسماء الأعلام ثم إتباعه بما هو دون منه؛ ليكون مجموع ذلك تعريفاً أبلغ منه)) (3) أي أن اجتماع الرافة والرحمة أبلغ من انفراد كل منهما؛ لأن في كل منهما خصوصية في المعنى تحقق باجتماعها فائدة دلالية هي قوة المبالغة (4) 0(وأن الرأفة ابلغ من الرحمة، تقديماً وتأخيراً، فإذا تقدم الأبلغ في اللفظ كان المعنى مؤخراً)). (5) (*)
7- التقديم للتشنيع
قد ورد هذا الغرض في قوله تعالى: { قُلْ ءآللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ} (6) فقد جاء في بيان النص القرآني أن الشرع الذي بهر العقول وادعاءكم أنكم أبعد الناس عن مطلق الكذب وأطهرهم ذيولاً منه، إلا أن الله سبحانه وتعالى لم يأذن لكم في شيء من ذلك بل أنتم تكذبون به، يقول البقاعي: ((وتقديم الجار للإشارة إلى زيادة التشنيع عليهم من حيث إنهم اشد الناس تبرءً من الكذب وقد خصوا الله ـ على تقدير التسليم لهم ـ بأن تعمدوا الكذب عليه)). (7)
8- التقديم للأولى
__________
(1) .التوبة: 117.
(2) .نظم الدرر: 9/38.
(3) . التبيان: 2/11، وينظر: البحث الدلالي في التبيان: 258.
(4) . ينظر: البحث الدلالي في التبيان: 258.
(5) . الفروق في اللغة: 190. (*) للمزيد ينظر نظم الدرر: 16/90
(6) . يونس: 59.
(7) . نظم الدرر: 9/148، وللمزيد ينظر:19/179.(1/219)
وقد ورد هذا الغرض عنده قوله تعالى: {... وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء ...} (1) وقد نصّ البقاعي على تقديم الأرض وتأخير السموات، وذلك للأولى؛ لأنه سبحانه وتعالى لا يغيب عنه ولا يخفى وزن نملة صغيرة وموضع وزنها وزمانه (2) ، إذ يقول: ((ولما كان في موزن أهل الأرض كان تقديمها أولى، ولما لم يدع إلى الجمع اكتفاء بالمفرد الدال على الجنس)). (3)
9- التقديم للأنسب
وأشار البقاعي إلى هذا الغرض الدلالي عند وقوفه في قوله تعالى: {ألا تَعْبُدُوا إِلا الله إِنَّنِي مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِير} (4) وقد جاء في معنى النص القرآني عند البقاعي، هو الله سبحانه وتعالى بعث الأنبياء رحمة للعاملين نذيراً وبشيراً وقد قدّم ضميرهم ((منه)) ((مقدماً لما هو أنسب)) (5) وهذا إخبار من النبي(ص) أنه خائف، من مخالفته لله سبحانه وتعالى وعصيانه بأليم العقاب مشيراً إلى طاعة الله بجزيل الثواب. (6) (*)
10-التقديم للتنبيه
ورد هذا النوع من التقديم في قوله تعالى: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } (7) ولمّا كانت الدلالة بالنجم أنفع الدلالات وأعمّها وأوضحها براً وبحراً ليلاً ونهارً، نبّه الله سبحانه وتعالى على عظمها بما فيه من معالم تعلّم بها الطرق (8) . يقول البقاعي: ((وقدّم الجار تنبيهاً على أن دلالة غيره بالنسبة إليه سافلة)) (9) وهذا يدلّ على عظمة الخالق لما بيّن لنا من علامات فسبحان الله.
__________
(1) . يونس: 61.
(2) . ينظر: معاني القرآن للفراء: 1/317، وتفسير شبر: 189.
(3) . نظم الدرر: 9/151.
(4) . هود : 2.
(5) . نظم الدرر: 9/226.
(6) .مجمع البيان: 5/141. (*) للمزيد ينظر: نظم الدرر:9/266و18/337
(7) . النحل: 16.
(8) .ينظر: مجمع البيان: 5/354.
(9) . نظم الدرر: 11/128.(1/220)
والذي أودّ أن أشير اليه هو أن دراسة البقاعي لأسلوب التقديم والتأخير، وهو من الموضوعات ذات الأهمية البالغة في العربية، وعناية البقاعي كانت جديرة بارزة بالاهتمام وهو أعمّها يستدل على وقوف البقاعي على المعنى الدلالي للنصوص القرآنية وأساليب الخطاب القرآني من تقديم والتأخير، والحذف والذكر وغيرها من الموضوعات ذات المساس بالمفاهيم اللغويّة والبلاغية، ويزاد على ما تقدم أن البقاعي كان يدقق النظر في النصوص القرآنية وفي معاني النص من مختلف الجوانب سواء أكانت بلاغية أم نحوية أم دلالية، وكان معتمداً في ذلك على السياق بأنواعه في بيان النص وما ينطوي عليه من دلالات.
المبحث الرابع
الذكر وعلاقته وبالسياق
الذكر
قد يظن ظانٌّ أن المعاني تبعٌ للألفاظ حيث رأي سهام المعاني تخرق سمعه بعد قرع الألفاظ هدف أذنه منكبا على معرفة تغير المعنى مع بقاء الألفاظ في أماكنها حتى يعرض لها تقديم أو تأخير أو زيادة أو حذف أو نحو ذلك ليصبح بذلك المعنى المطلوب ولو تحقق ذلك لقضي بأنّ الألفاظ هي التابعة وأن المعاني هي المتبوعة (1) .
إذْ تعددت أساليب اللغة العربية من تقديم وتأخير وذكر وحذف وغيرها من الأساليب، وهذه تعدّ ثروة واسعة للغة العربية في ثرائها، وأسلوب الذكر والحذف من الأساليب التي تناولها علماء اللغة العربية والأصوليون في القرآن الكريم والنصوص الأدبية؛ لبيان المعنى المطلوب من زيادة في اللفظ ونقصان فيه، فالذكر: هو وجود كلمة على جهة التذكير في المعنى الذي يدلّ عليه، وقد وقف البقاعي في كتابه نظم الدرر على نصوص كثيرة في هذا الجانب،، وقد خرّج أسلوب الذكر إلى أغراض دلالية كثيرة منها:
1- الذكر للاعتناء
__________
(1) . البرهان الكاشف: 302.(1/221)
وقد ورد هذا الغرض في قوله تعالى: {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (1) ولمّا كانت النفقة من أعظم دعائم الجهاد، وكان العيش في أول الإسلام ضيقاً والمال قليلاً، فكان ذلك موجباً لكل أحد أن يتمسك بما في يده ظنّا أن في التمسك به النجاة وفي إنفاقه الهلاك، ولكن جاء على خلاف غرض النفس نظّم به تعالى ما يجيء على خلاف مدرك الحس في الأنفاق الذي يحصل به الزكاة والنماء، وأيضاً لما أسس تعالى حكم الجهاد الذي هو أشق الأعمال على النفس، نظم به أمر الجود والإنفاق وهو اشق منه على النفس (2) ؛ لأنّ الجهاد يتقوّم بالمال والنفس، بل لا يكون الجهاد بالنفس إلاّ بالجهاد بالمال أيضاً فهما متلازمان، فهو سبيل الله؛ لأنّ السبيل هو الطريق فسبيل الله الطريق إلى الله وإلى رحمة الله وثوابه (3) . وقد ((أظهر ولم يضمر إظهاراً للاعتناء بأمر النفقة؛ ولئلا يقيد بحيثية من الحيثيات)) (4) وقيل: المعنى ابذلوا أنفسكم في المجاهدة في سبيل الله، وسمي بذل النفس في سبيل الله إنفاقاً مجازاً واتساعاً كقول الشاعر (5) .
وأنفقت عمري في البطالة والعمى * * * فلم يبق لي عمر ولم يبق لي أجر
2- الذكر للإحاطة الشمول
__________
(1) . البقرة: 195.
(2) . ينظر: نظم الدرر: 3/119.
(3) . ينظر: مجمع البيان: 2/289، ومواهب الرحمن: 3/143.
(4) . نظم الدرر: 3/120.
(5) . ينظر: نظم الدرر: 3/120.(1/222)
وصرح البقاعي بهذا الغرض في قوله تعالى: {... وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ...} (1) فالمعنى: من عادة العرب زيارة معاهد الأحباب وأطلالهم وأماكنهم، وأعظم ما يعبر عن الزيارة عندهم الحجّ، وعبّر هنا بالبيت؛ لأنّه في الزيارة، يقول البقاعي: ((فأظهر في موضع الإضمار دلالة على الإحاطة والشمول)) (2) فالمقصود أنّ لله على الناس حجّ البيت من استطاع إلى ذلك الحج من سبيل بنفسه وماله. (3)
3- الذكر للتعظيم
وجاء في قوله تعالى: {... وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (4) ولمّا ختم سبحانه وتعالى آيات المعاملات بصفة العلم بعد الأمر بالتقوى في غاية المناسبة لما يفعله المتعاملون من الحيل التي يجتلب كل منهم بها الحظ لنفسه، والترغيب في امتثال أمرهم، فقد أظهر الاسم العظيم تعظيماً وتعميماً، لإحاطته الكاملة بكل شيء، ويعلّق البقاعي قائلاً ((وأظهر الاسم الشريف هنا وفي الذي بعده تعظيماً للمقام وتعميماً للتعليم)) (5) فالتقدير استئنافاً؛ لبيان فخامة هذه التنبيهات يرشدكم الله إلى مثل هذه المراشد لإصلاح ذات بينكم؛ لأنّه عزّ وجلّ محيط بكل شيء عالم ما في البر والبحر وما تخفي النفوس والصدور.
4- الذكر للتعريف والإعلام به
__________
(1) . آل عمران: 97.
(2) . نظم الدرر: 5/8.
(3) . ينظر: مجمع البيان: 2/278.
(4) . البقرة: 282.
(5) . نظم الدرر: 4/160.(1/223)
وجاء هذا الغرض في قوله تعالى: {... وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ...} (1) إذ يقول البقاعي: ((وأظهر الاسم الشريف تعريفاً للمقام وإعلاماً بأنه موصوف بما يصفه به على وجه العموم من غير نظر إلى قيد ولا حيثية)) (2) فالاستغفار طلب المغفرة والمغفرة التغطية للذنب، فاطلبوا المغفرة منه بالندم على ما سلف من المعاصي؛ لأنّ الله كثير المغفرة، وواسع الرحمة لعباده، وقد أظهر الاسم الأعظم تشريفاَ وإعلاماً به لما له من عموم المغفرة والرحمة (3) .
5- الذكر للعموم
وقد ورد في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} (4) إذ يشير البقاعي إلى إظهار الاسم الشريف بقوله: ((وأظهر موضع الإضمار دلالة على العموم وعلى الوصف المقتضي للرحمة والشرف)) (5) إظهار الاسم الأعظم في هذا المقام دلالة على عموم الرأفة بالعباد، لأنّ أخص من الرحمة، فالآية وأن تعددت أسباب نزولها إلاّ أن حكمها عام يجري على جميع العباد بالمغفرة والرأفة والرحمة التي وسعت كل شيء (6) .
6- الذكر للتعميم وتعليق الحكم بالوصف
__________
(1) . البقرة: 199.
(2) . نظم الدرر: 3/154ـ155.
(3) . ينظر: مجمع البيان: 1/296.
(4) . البقرة: 207.
(5) . نظم الدرر: 3/178.
(6) . ينظر: مواهب الرحمن: 3/237، وتفسير شبر: 41.(1/224)
وقد ورد في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً * بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (1) ولمّا كان التّمادي موجداً للكفر، مجدداً له، نبّه على إغراقه في البعد بغضبه سبحانه وتعالى؛ لتماديه على الثبات على الكفر، وصوّره بأقبح صورة: ((ولما كانت جميع صور الآية منطبقة على النفاق، بعضها حقيقة وبعضها مجازا، قال جواباً لمن كأنّه سأل عن جزائهم متهكماً بهم: ((وبشر المنافقين)) فأظهر موضع الإضمار تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف)) (2) فأظهر ((النفاق))، ليعم الكفار والمنافقين المستمرين على العصيان والطغيان بشرهم بعذاب اليم بما حصدت أيديهم.
وكذلك ما جاء في قوله تعالى: {... مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} (3) وأشار البقاعي إلى موضع الذكر في قوله: ((وبئس مثوى الظالمين)) بقوله: ((وأظهر موضع الإضمار للتعميم وتعليق الحكم بالوصف)) (4) لأنّ الظالمين عليهم الذلّ في الدنيا ولأتباعهم ما لا قوة به.
7- الذكر للتنبيه
__________
(1) . النساء: 136ـ137.
(2) . نظم الدرر: 5/437.
(3) . آل عمران: 151.
(4) . نظم الدرر: 5/92.(1/225)
والآية الكريمة ترسم لنا صورة من صور أغراض الذكر في قوله تعالى: {... وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (1) فالمعنى النص لمّا كان السبب المقتضي لاستمرار الكفر عادة هؤلاء الكفار في التكذيب بك وبما أنزل إليك، كعادة آل فرعون في التكذيب برسلهم، ولمّا كان التكذيب موجباً للعقوبة ((أظهر الاسم الشريف تنبيهاً على باهر العظمة)) (2) فإنّ الله سبحانه وتعالى سوف يعاقبهم بذنوبهم، سمّيت المعاقبة مؤاخذة لأنّها أخذ بالذنب، فالأخذ بالذنب عقوبة، وأظهر الاسم الشريف ولم يضمر للتنبيه على زيادة العظمة في عذابهم لمزيد اجترائهم (3) .
8- الذكر للإطلاق عن التقييد
وعلّق البقاعي على هذا الغرض في قوله تعالى: {... وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (4) ولما جرى وعد الجنان على اسم الربوبية الناظر إلى الإحسان، وكان ما وعدّ الله المؤمنين شاملاً لجميعهم، وربما ظنّ أنهم متساوون فأظهر الاسم الشريف، يقول البقاعي: ((مظهراً في موضع الإضمار إشارة إلى الإطلاق عن التقييد بحيثيته)) (5) أي أنهم يستحقونها على حسب الإخلاص وبغير ذلك من أعمالهم، وأقوالهم وسائر أفعالهم.
إن أسلوب الذكر في القرآن الكريم من الأساليب التي تحتاج إلى دراية كبيرة بلغة العرب من نحوٍ وصرف وبلاغة ودلالة، وهذا ما جمعه الشيخ البقاعي، فقد كان علمه واسعاً في اللغة من مختلف جوانبها، وقد وقف على أسلوب الذكر بشكل متميز، وأظهر كثيراً من المواقع التي أظهر فيها اللفظ وكان حقّه الإضمار، إلى جانب تطرقه إلى الكثير من الأغراض الدلالية التي يخرج إليها أسلوب الذكر معتمداً على السياق في بيان هذه الأغراض.
__________
(1) . آل عمران: 11.
(2) . نظم الدرر: 4/260.
(3) . ينظر: نظم الدرر: 4/260ـ261.
(4) . آل عمران: 15.
(5) . نظم الدرر: 4/278.(1/226)
المبحث الخامس
السياق وأسباب النزول
أسباب النزول
لمعرفة أسباب نزول القرآن فوائد جمة، تسهم في فهم نصوص القرآن وتساعد على تفسير وإتقان حفظه؛ لأنّ ربط الأسباب بالمسببات والأحكام والحوادث والأشخاص والأمكنة والأزمنة، كل ذلك من وسائل فهم الآيات القرآنية على الوجه الصحيح ورسوخها في الأذهان (1) .
وقد كان العرب يشترطون في المفسر شروطاً أشبه ما تكون بمراحل التحليل، ومن هذه الشروط التي وضعها العرب في المفسر، منها ما يتصل بالتحليل الصرفي، ومنها ما يتصل بسياق الحال ومعرفة أسباب النزول وجعلوها شروطاً أساسية، بأن يكون المفسر ملماً بها (2) .
فأسباب النزول يقصد بها الأحداث التي تحيط النص القرآني، ومعرفتنا بهذه الأحداث تساعدنا على إدراك المعنى المراد من النص، فهي أولى ما يجب الوقوف عليها، وأولى ما تصرف العناية إليها لمعرفة تفسير الآية وقصر سبيلها. (3)
وقد عبّر الدكتور صبحي الصالح عن أسباب النزول بالقصة إذ يقول: ((وإن التعبير عن سبب النزول بـ ((القصة؛ لينمّ عن ذوق رفيع، ويكاد يشي هنا بالغاية الفنية إلى جانب الغرض الديني النبيل: فما سبب النزول إلاّ قصّة تستمد من الواقع عرضها وحلّها، وعقدتها وحبكتها، وأشخاصها وأحداثها، وتجعل آيات القرآن تتلى في كلّ زمان ومكان بشغف وولوع)) (4) .
وقد كان جهل الناس بأسباب النزول كثيراً ما يوقعهم في اللبس والإبهام، فيفهمون الآيات على غير وجها الصحيح، ولا يصيبون الحكمة الإلهية من تنزيلها. (5)
__________
(1) . البقاعي ومنهجه في التفسير: 202.
(2) . ينظر: دراسة المعنى عند الأصوليين: 221.
(3) . ينظر: من علوم القرآن: 63.
(4) . مباحث في علوم القرآن: 130.
(5) . ينظر: مباحث في علوم القرآن: 130.(1/227)
ومن هذا اتجه المفسرون لمعرفة أسباب النزول، لأنّها تعدّ طريقاً لبيان معنى النص القرآني، بعبارة أخرى، فهم سبب النزول يعين على فهم المعنى، وقد تطرق البقاعي إلى عدد كبير من النصوص القرآنية في بيان معانيها عازياً إياه إلى أسباب النزول، والذي يؤيد ما ذهب إليه البقاعي.
ما جاء في تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} (1) فذكر البقاعي سبب نزولها إذ يقول: ((كما في الصحيحين عن أنس (رض)، أنّهم سألوا النبي(ص) حتى أحفوه بالمسائل، فغضب فصعد المنبر فقال: لا تسألوني اليوم عن شيء إلاّ بينته لكم ـ وشرع يكرر ذلك، وإذ جاء ـ رجل كان إذا لاحى الرجال يدعى لغير أبيه فقال: يا رسول الله! من أبي؟ قال: أبوك حذافة، ثمّ أنشأ عمر(رض) فقال: رضينا بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ رسولاً، نعوذ بالله من سوء الفتن)) (2) فنزلت الآية، وقد فسر البقاعي هذا النص القرآني بناءً على ما ورد من أسباب النزول، إذ أن البقاعي اعتمد على أسباب النزول في معرض تفسيره لآيات الذكر الحكيم؛ لأنّ بيان أو معرفة أسباب النزول كفيل بالوصول إلى معاني الكتاب العزيز.
__________
(1) . المائدة: 101.
(2) . نظم الدرر: 6/312ـ314.(1/228)
وفي بعض النصوص القرآنية يذكر البقاعي أسماء من نزلت الآية بحقهم من ذلك ما جاء في قوله تعالى: {... فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ...} (1) ويشير البقاعي إلى سبب نزولها على ما قال: ((نزلت في الجلاس بن سويد، وذلك أنّ رسول الله(ص) خطب ذات يوم بتبوك فذكر المنافقين فسمّاهم رجساً وعابهم فقال الجلاس: لئن كان محمّد صادقاً لنحن شرّ من الحمير، فسمعه عامر بن قيس، فقال: أجل إنّ محمّداً لصادق وأنتم شر من الحمير، فلما انصرف رسول الله(ص) إلى المدينة أتاه عامر بن قيس فأخبره بما قاله الجلاس، فقال الجلاس: كذب عليّ يا رسول الله! فأمرهما رسول الله(ص) أن يحلفا عند المنبر فقام الجلاس عند المنبر بعد العصر فحلف بالله الذي لا إله إلاّ هو ما قاله ولقد كذب عليّ عامر، وقام عامر فحلف بالله الذي لا إله إلاّ هو لقد قاله وما كذبت عليه، ثمّ رفع عامر(رض) يديه إلى السماء فقال: اللهم! أنزل علي نبيّك تصديق الصادق منّا! فقال النبي(ص) والمؤمنون: آمين! فنزل جبريل عليه السلام قبل أن يتفرقا بهذه الآية حتى بلغ ((فإن يتوبوا يك)) فقال الجلاس: يا رسول الله! أسمع الله قد عرض عليّ التوبة، صدق عامر بن قيس فيما قاله، لقد قلته، وأنا استغفر الله وأتوب إليه)) (2) وأشار الطبري إلى أسباب نزولها، إذ قال: ((حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كان الذي قال المقالة؛ فيما بلغني الجلاس بن سويد الصامت، عرفها رجل كان في حجرة، يقال: عمير بن سعيد، فأنكرها فحلف بالله ما قالها، فلما نزل فيه القرآن، تاب وحسنت توبته فيما بلغني)) (3) فاستخدم البقاعي أسباب النزول طريقاً في بيان معنى النصوص القرآنية والوقوف على المعنى الذي جاء به الشرع.
__________
(1) . التوبة: 74.
(2) . نظم الدرر: 8/551ـ552.
(3) . جامع البيان: 10/185.(1/229)
وكذلك ما جاء في قوله تعالى: {مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ...} (1) أشار البقاع إلى سبب نزول النص القرآني، إذ قال: ((نزلت في عمار بن ياسر(رض)، أكرهوه فتابعهم وهو كاره، فأخبر النبي(ص) بأنّه كفر، فقال النبي(ص): كلاّ إن عماراً مليء إيماناً من قرنه إلى قدمه، واختلط الإيمان بحلمه ودمه، فأتى رسول الله(ص) وهو يبكي فجعل رسول الله(ص) يمسح عينيه ويقول إن عادوا فعد لهم بمثل ما قلت)) (2) وقد اتفق أكثر المفسرين على أنها نزلت في عمار بن ياسر(رض)، قال الطبري: ((حدثني يعقوب بن إبراهيم قال: ثنا هشيم عن جهين عن أبي مالك، قال: نزلت في عمار بن ياسر)) (3) وقال أيضاً: ((حدّثنا بشر قال: ثنا بزيد، قال: ثنا سعيد عن قتاد، قال: ذكر لنا أنّها نزلت في عمار بن ياسر)) (4) لقد بلغ المفسرون ذروة التحقيق العلمي حين أوجبوا بذكر سبب النزول حين يكون وجه المناسبة متوقفاً على معرفة الأسباب، فلولا التحقق من سببها لتعذر على القاري الاعتيادي التماس وجه تناسبها مع السياق القرآني. (5)
وعلى وفق ما تقدم يمكننا القول: إنّ الشيخ البقاعي اتبع خطى الأوائل لأصل التفسير من العلماء الذين تلقوا النص القرآني واستوعبوا مراميه ومقاصده من خلال معرفتهم بطرق التنزيل ومناسباته وبيان أحكامه ونصوصه. (6)
__________
(1) . النحل: 106.
(2) . نظم الدرر: 11/259، وللمزيد من الأمثلة ينظر: 2/264، 5/242، 8/337.
(3) . جامع البيان: 14/182.
(4) . جامع البيان: 4/182.
(5) . مباحث في علوم القرآن: 150.
(6) . ينظر: السياق في الفكر اللغوي عند العرب.(1/230)
ويمكن القول أيضا: إن العلماء العرب كانوا من أوائل المهتمين بالسياق، وسبقوا العرب في تحديد هذا المصطلح والإفادة منه في تحديد دلالات المعاني وبيان أهميته بشقيه اللفظي والحالي، وقد أشار الدكتور أحمد نصيف الجنابي إلى هذا الأمر بقوله: ((ألم يدرِ علماء الدلالة وعلماء اللغة في العالم الغربي أن الدراسات السياقية عند العرب سبقت ما عندهم بأكثر من ألف سنة؟ ألم يعرفوا أنّ الجاحظ ((ت 255هـ))، قد عقد في كتابه ((البيان والتبين)) مبحثاً عن ((سياق المقام)) وأن عبارة ((لكل مقام مقال)) أصبحت من العبارات السائدة في كتبنا البلاغية مسير الأمثال)) (1) .
بيد أن العرب قد توصلوا إلى نتائج جديدة بالعناية من العلماء، ولكن هذه الدراسة التي بدأها بجهودهم لم تتكّل بنظرية متكاملة في هذا الصدد، لأنّها لم تكن هدفهم الأول ولا مطلوب منهم إطلاقاً، وإنّما كانت دراستهم مصطلح السياق لحاجة ملحة لفهم مدلولات النصوص (2)
الخاتمة
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
بعد هذه الرحلة الممتعة مع كتاب الله عزّ وجلّ، والنظر في متون الكتب، وبطونها مع تيسير الله المنّان لذلك على فصول الرسالة، جرت العادة في نهاية كل دراسة الإشارة إلى أهم النتائج والإشارات التي وقفت عليها الدراسة هي:
1- البقاعي: هو إبراهيم بن عمر الحزباوي البقاعي من بلاد الشام ولد سنة (809هـ) وتوفي (885هـ) ولم يكن هناك أي خلاف بين المترجمين له في نسبه واسمه وسنة ولادته ووفاته.
2- إن تفسير البقاعي هذا جاء فريداً من نوعه حيث لم يصنف قبله مثله على نمطه فكان البقاعي هو الرائد الأول في هذا الميدان.
__________
(1) . منهج الخليل في دراسة الدلالة القرآنية في كتاب العين: 171.
(2) . ينظر البحث الدلالي عند الشوكاني: 95.(1/231)
3- للبقاعي إلمام واسع باللغة العربية من مختلف جوانبها ـ البلاغية والنحوية والصرفية ـ مع إلمام واسع بآراء النحويين والأصوليين في مختلف المسائل النحوية والفقهية.
4- تناول البقاعي ظاهرة الاشتقاق التي أخذت القسم الأكبر في تفسيره، والذي كان يعول على الاشتقاق الصغير والكبير في بيان الألفاظ ومدلولاتها في أثناء تناوله آيات الذكر الحكيم بالدراسة والتقصي.
5- أظهر لنا البقاعي عناية فائقة بدلالة أبنية الصيغ الصرفية ـ الاسمية والفعليةـ وبيّن دلالاتها المختلفة داخل النظم.
6- بيان دلالة الاسم والفعل في كثير من النصوص القرآنية.
7- أبدى لنا اهتماماً بحروف المعاني بكل أنواعها ـ وأظهر المعاني المختلفة للحرف الواحد، معتمداً في ذلك على السياق الذي يرد فيه.
8- وافق البقاعي الأصوليين في تقسيم الدلالة واستنباط المعنى من الذكر الحكيم، وكان ميله في هذا الجانب إلى رأي الجمهور فضلاً عن تأييده لمذهبه الشافعي، وربما وافق الأحناف في بعض المسائل الفقهية.
9- الحقيقة عنده ((لغوية وشرعية وعرفية)) موافقا في ذلك ما جاءت به كتب الأصول في تقسيماتها، ولم يخرج عن إطار العلماء السابقين ممن تناولوا هذا الأمر.
10- اعتمد البقاعي على المجاز بأنواعه ((العقلي والمرسل)) في أثناء تفسيره الآيات القرآنية الكريمة.
11- صرّح البقاعي بجواز استخدام اللفظ في حقيقته ومجازه معاً متابعاً في هذا الإمام الشافعي ((رض)) في هذا الشأن.
12- أشار البقاعي إلى ظاهرة المشترك اللفظي والتضاد في كتابه إذ صادفته ألفاظ تندرج تحت هذه الظاهرة اللغوية، وقد عدّ التضاد ضرباً من المشترك اللفظي، ولم ينكر الترادف وإنّما عدّه قليلاً في اللغة.
13- كشف البقاعي عن الفروق اللغوية الدقيقة بين الألفاظ المتقاربة معتمداً في كثير من الأحيان على الأصل الاشتقاقي وقد أورد البحث نماذج منها.(1/232)
14- اعتمد البقاعي على السياق في بيان كثير من الألفاظ وقد عدّ كلاّ من صيغه الأمر والنهي ذات معانٍ متعددة لا يمكن الوقوف على معانيها إلاّ من خلال السياق.
15- تطرق البقاعي إلى أسلوب التقديم والتأخير في اللغة، وأبرز الأغراض الدلالية التي يخرج إليها هذا الأسلوب داخل النظم وكذلك أسلوب الذكر.
16- اعتمد البقاعي في كثير من النصوص على أسباب نزولها لبيان معانيها أو الاكتفاء بذكر سبب النزول.
والحمد لله ربّ العالمين وصلّ الله على نبيّه الأكرم محمّد الأمين وآله الطيبين الطاهرين.
الباحث
ثبت المصادر و المراجع
ثبت المصادر والمراجع
? القرآن الكريم
? أبحاث ونصوص في فقه اللغة العربية/ د: العبيدي، رشيد عبد الرحمن/ مطبعة التعليم العالي/ بغداد 1988م.
? أبو الطيب اللغوي وآثاره في اللغة/ عادل أحمد زيدان/ مطبعة العاني ـ بغداد ط1 1970م.
? الإتقان في علوم القرآن / السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن (ت911هـ)/ تح: محمد أبو الفضل إبراهيم / دار التراث القاهرة / ط3 1405هـ.
? أثر الدلالة النحوية واللغوية في استنباط الأحكام من آيات القرآن التشريعية/ السعدي، عبد القادر عبد الرحمن/ مطبعة الخلود ـ بغداد 1986 د.ط.
? الأحكام في أصول الحكام/ الامدي، علي بن محمّد/ مطبعة المعارف بمصر 1914م د.ط.
? الأحكام في أصول الأحكام/ ابن حزم الأندلسي، أبي محمد علي (ت456هـ) أشرف على طبعها أحمد شاكر / مطبعة العاصمة ـ القاهرة د.ت.
? إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول/ الشوكاني، محمد بن علي (ت 1250هـ) / دار المعارف ـ بيروت 1979 د.ط.
? أدب الكاتب / ابن قتيبة الدينوري (ت476هـ) تح: محمد محييي الدين عبد الحميد/ مطبعة السعادة بمصر/ ط4، 1963م.
? الأزهية في علم الحروف/ الهروي، علي بن محمد / تح: عبد المعين الملوحي/ دمشق 1971م د.ط.
? أساس البلاغة/ الزمخشري، جار الله أبي القاسم محمود بن عمر (ت 538هـ) مطبعة دار الكتب المصرية 1923م ـ د.ط.(1/233)
? أساليب بلاغية (الفصاحة ـ البلاغة ـ المعاني) مطلوب، د. أحمد/ وكالة المطبوعات، ط1 ـ الكويت ـ 1980م.
? أسباب اختلاف الفقهاء في الأحكام الشرعية/ د: الزلمي، إبراهيم مصطفى / مطبعة دار الحرية ـ بغداد ـ ط2 1979م.
? أسرار البلاغة في علم البيان/ الجرجاني الإمام عبد القاهر (ت 471هـ) / علق حواشيه: محمد رشيد رضا/ اعتنى بهذه الطبعة: منى أحمد الشيخ/ دار المعرفة بيروت ـ ط2 2002م.
? الأشباه والنظائر في النحو/ السيوطي/ تح: عبد العال سالم مكرم/ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ ط1 1985.
? الاشتقاق/ ابن دريد، لأبي بكر بن الحسن (ت 321 هـ) تح: عبد السلام محمد هارون/ مكتبة الخانجي ـ مصر د.ت.ط.
? إصلاح المنطق/ ابن السكيت، أبو يوسف يعقوب بن إسحاق (ت 244هـ) / تح: أحمد محمد شاكر وعبد السلام محمد هارون/ دار المعارف ـ مصر ـ ط3 1970م.
? أصول الأحكام وطرق الاستنباط في التشريع الإسلامي/ د: الكبيسي) حمد عبيد/ دار الحرية للطباعة ـ بغداد 1975م د.ط.
? أصول التشريع الإسلامي/ د: علي حسب الله/ دار المعارف ـ مصر ـ ط3 ـ 1964م.
? أصول السرخسي/ السرخسي، أبو بكر محمّد بن أحمد بن سهل (ت 490 هـ) / تح: أبي الوفا الأفغاني/ دار المعرفة للطباعة والنشر ـ بيروت 1973م. د.ط.
? أصول الفقه/ بدران، أبو العينين/ دار المعارف: ط1 1969م.
? أصول الفقه الإسلامي/ د: زكي الدين شعبان/ مؤسسة الصباح للنشر والتوزيع ـ الكويت / 1988م د.ط.
? أصول الفقه الإسلامي في نسيجه الجديد/ الزلمي/ دار الحكمة للطبعة والنشر. 1991م د.ط.
? الأضداد/ ابن السكيت/ تحـ: أوغست هفنر/ المطبعة الكاثوليكية ـ بيروت ـ 1913.
? الأضداد/ ابن الأنباري/ محمد بن القاسم (ت 328 هـ) تح: محمد أبو الفضل إبراهيم / مطبعة حكومة الكويت/ 1960م د.ط.
? الأضداد/ الأصمعي، عبد الملك بن قريب (ت 216 هـ) / تح: أوغست هفنر/ المطبعة الكاثوليكية ـ بيروت 1913 د.ط.(1/234)
? الأضداد/ السجستاني، أبو حاتم/ تح: أوغست هفنر/ المطبعة الكاثوليكية، بيروت 1913م د.ط.
? الأضداد/ قطرب، محمد بن المستنير (ت 210 هـ)/ تح: هانس كوفلر/ مجلة اسلاميكا المجلد الخامس 1931م.
? الأضداد في كلام العرب/ أبو الطيب، عبد الواحد بن علي اللغوي (ت 315 هـ) تح: عزة حسن/ مطبوعات المجمع العلمي ـ دمشق 1963 د.ط.
? الأضداد في اللغة/ د: آل ياسين، محمد حسين/ مطبعة المعارف بغداد ط1 1974.
? إعراب القرآن/ الزجاج، أبو إسحاق إبراهيم بن السري/ تح: إبراهيم الأبياري/ مطبعة إسماعيليان ـ قم ـ ط3 ـ 1416هـ.
? الأعلام/ الزركلي، خير الدين/ المطبعة العربية ـ بيروت ط3 1969.
? اقرب الموارد في فصح العربية الشوارد/ الشرتوني، سعيد الخوري اللبناني/ دون طبعة.
? الألسنية العربية/ ريمون صحان/ دار الكتاب اللبناني، ط1 ، 1972.
? الألفاظ المترادفة/ الرماني، أبو الحسن علي بن عيسى (ت 348 هـ) اعتنى بشرحه والتزم بطبعه: محمد محمود الرفعي/ مصر ـ د.ت.
? أنباه الرواة على أنباه النحاة/ القفطي، جمال الدين أبي الحسن علي بن يوسف/ تح: محمد أبو الفضل إبراهيم/ مطبعة دار الكتب المصرية ـ القاهرة ـ ط1 1952م.
? الانتصار/ الشريف المرتضى، أبو القاسم علي بن الحسن/ قدّم له: محمد رضا حسن الخرساني/ المطبعة الحيدرية ـ النجف الأشرف ـ 1971م د. ط.
? الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين والبصريين والكوفيين/ الأنباري، كمال الدين أبي بركات عبد الرحمن بن محمد بن أبي سعيد/ دار إحياء الكتب . د.ت.ط.
? الإيضاح في شرح المفصل/ ابن الحاجب/ أبو عمرو عثمان بن عمر (ت 646 هـ) / تح: د: موسى بناي العليلي/ مطبعة العاني ـ بغداد 1983م د.ط.
? الإيضاح في علوم البلاغة (المعاني والبيان والبديع) / القزويني، جلال الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن (ت 739 هـ) شرح وتعليق: د: محمد عبد المنعم خفاجي/ دار الكتاب اللبناني ـ بيروت ـ ط5 1980م.(1/235)
? البحث النحوي عند الأصوليين/ مصطفى جمال الدين/ دار الرشيد للنشر بغداد ـ 1980 د.ط.
? البحر المحيط / أبو حيان الأندلسي، محمد بن يوسف (ت 745هـ) / تح: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد عوض، وشارك في تحقيقه د. زكريا عبد المجيد النوني والدكتور أحمد النجولي الجمل/ دار الكتب العلمية ـ بيروت ط1 2001.
? البرهاني في علوم القرآن/ الزركشي، بدر الدين محمد عبد الله (ت 794هـ)، تح: أبو الفضل إبراهيم/ دار إحياء الكتب عيسى البابي الحلبي وشركاؤه ط1 1975.
? البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن/ الزملكاني، كمال الدين عبد الواحد عبد الكريم (ت 651هـ) تح: د: خديجة الحديثي والدكتور أحمد مطلوب/ مطبعة العاني ـ بغداد ط1 1974م.
? بلاغة أرسطو بين العرب واليونان/ د: إبراهيم سلامة/ مكتبة الانجلو المصرية ـ القاهرة ط2. د.ت.
? البلغة في أصول الفقه/ محمد صديق حسين/ مطبعة الجوائب القسطنطينية 1296هـ د.ط.
? بنية العقل العربي/ الجابري، محمد عايد/ مركز دراسات الوحدة العربية ـ بيروت ط1 1986.
? تأويل مشكل القرآن/ ابن قتيبة، عبد الله بن مسلم (ت 276هـ) شرح وتحقيق/ السيد أحمد صقر/ دار إحياء الكتب العربية / مطبعة عيسى البابي الحلبي/ د. ت.ط.
? تاج العروس من جواهر القاموس/الزبيدي، محمد مرتضى (ت1205هـ) المطبعة الخيرية مصر 1369هـ د. ط
? التبيان في تفسير القرآن/ الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن (ت460هـ)/ تحقيق وتصحيح: أحمد شوقي الأمين وأحمد حبيب قصير/ المطبعة العلمية ومطبعة النعمان ـ النجف الأشرف ـ 1965 م د ط.
? الترادف في اللغة/ الزيادي، حاكم مالك/ دار الحرية للطباعة والنشر ـ بغداد 1980 م د ط.
? ترتيب القاموس المحيط على طريقة المصباح المنير وأساس البلاغة/الطرابلسي/مطبعة الاستقامة بالقاهرة/ ط1 1959 م
? تصحيح الفصيح / ابن درستويه ، عبد الله بن جعفر( ت347هـ)/ تحـ عبد الله الجبوري/ مطبعة الإرشاد ـ بغداد 1975م.(1/236)
? التصور اللغوي عند الأصوليين/ د. السيد أحمد عبد الغفار/ دار عكاظ جدة ـ ط1 1981م
? التضاد في ضوء اللغات السامية دراسات مقارنة/ د. ربحي كمال/ جامعة بيروت العربية/ 1972م د.ط
? التطور الدلالي بين لغة الشعر ولغة القرآن/عودة خليل أبو عودة/ مكتبة المنار ـ الأردن ـ ط1 1985
? التعريفات/ الجرجاني/ السيد الشريف علي بن محمد بن علي الحسيني(ت 816هـ)/ مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ـ مصر 1938م. د.ط
? تفسير القرآن الكريم/ شبر، السيد عبد الله/ صححه وأشرف على طباعته: حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت ط1 ـ 1995م.
? التفسير الكبير/ الرازي، فخر الدين/ دار الفكر.ط3ـ 1985م.
? التفسير والمفسرون/ الذهبي، محمد حسين/ دار الكتب الحديثة/ ط2ـ 1396هـ.
? تفسير المنار/ محمد رشيد رضا/ دار المعرفة للطباعة والنشر ـ بيروت ط2 ـ 1973م.
? التلخيص في علوم البلاغة/ القزويني/ تحـ : عبد الرحمن البرقوني. دار إحياء الكتب العربيةـ بيروت ـ ط1 ـ 1932م.
? تهذيب اللغة/ الأزهري، أبو منصور محمد بن أحمد (ت370هـ) تحـ: يعقوب بن عبد النبي/ مراجعة محمد على النجار/الدار المصرية للتأليف والترجمة ـ مطابع كل العرب ـ القاهرة.د.ت.ط.
? جامع البيان عن تأويل آي القرآن/الطبري، أبو جعفر بن جرير (ت310هـ)/ مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ـ مصر ـ ط2 ـ 1954م.
? الجامع لأحكام القرآن/ القرطبي، أبو عبد الله بن أحمد الأنصاري (ت671هـ)/ دار الكتاب العربي للطباعة والنشر/ط3 ـ 1963م.
? الجنى الداني في حروف المعاني/المرادي، حسن بن قاسم(ت 749هـ)/ تحـ: طه محسن ـ مطابع مؤسسة دار الكتب للطباعة والنشر، 1976م / د.ط
? جواهر البلاغة في والمعاني البيان والبديع/ أحمد الهاشمي/ دار إحياء الكتب ـ بيروت. ط2 ، د.ت(1/237)
? جواهر القاموس في الجموع والمصادر/ القزويني، محمد بن شفيع . تحـ: محمد جعفر الشيخ إبراهيم الكرباسي/ مطبعة الآداب ـ النجف الأشرف 1982م./ د.ط.
? الحدود في النحو( ضمن رسالتان في اللغة/الرماني/تحقيق وتعليق وتقديم: إبراهيم السامرائي/ دار الفكر للنشر والتوزيع ـ عمان 1984م/ د.ط.
? حروف المعاني/ الزجاج/تحـ: د. علي توفيق الحمد/مؤسسة الرسالة ـ الأردن ـ 1984م /د.ط.
? الخصائص/ ابن جني، أبو الفتح عثمان(ت 392هـ)/تحـ: محمد علي النجار/ دار الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد/ط4/ 1990م.
? دراسات في فقه اللغة / د. صبحي الصالح/ مطابع دار العلم للملايين/ط2/1978م.
? دراسة في حروف المعاني الزائدة/ السامرائي، عباس محمد/ مطبعة الجامعة ـ بغداد ـ ط1/ 1987م.
? دراسة المعنى عند الأصوليين/ د. طاهر سليمان حمودة/ الدار الجامعية للطباعة والنشر والتوزيع ـ الإسكندرية ـ د. ت. ط.
? دروس في علم الأصول/الصدر، آية الله العظمى الشهيد السيد محمد باقر الصدر/مؤسسة النشر الإسلامية/ د. ت. ط.
? دلائل الإعجاز في علم المعاني/الجرجاني/ حققه وقدم له،الدكتور رضوان الداية والدكتور فاير الداية، مكتبة سعد الدين، دمشق ط2/ 1987م.
? دلالة الألفاظ/د. إبراهيم أنيس/مكتبة الأنجلو المصرية، ط5/ 1984م.
? دور الكلمة في اللغة/ ستيفن أولمان/ترجمة: كمال محمد بشر/ المطبعة العثمانية/ط3/1972م.
? ديوان أبي تمام/ بشرح الخطيب القزويني/تحـ محمد عبده عزام/ دار المعارف ـ مصر/ط1/1969م.
? ديوان الأدب/ الفارابي،أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم (ت350هـ) تحـ: د. أحمد مختار عمر وإبراهيم أنيس/مطبعة الأمانةـ مصر ـ 1976م/د.ط.
? ديوان الأعشى/ تحـ: فوزي خليل عطوي/ المطبعة العثمانية اللبنانية ـ بيروت ـ1968م / د.ط.
? الذريعة في أصول الشريعة/ الشريف المرتضى، تحـ: أبو القاسم كرجي، مطبعة دانشكاه ـ طهران ـ 1348هـ / د.ط.(1/238)
? ذيل أقرب الموارد في فصح العربية والشوارد/ الشرتوني ( دون مطبعة وتأريخ )
? رسائل في النحو واللغة ( وهي ثلاث رسائل )/كتاب تمام لفصيح الكلام، لابن فارس/ وكتاب الحدود في النحو للرماني/ وكتاب منازل الحروف للرماني/ تحـ: مصطفى جواد ويوسف يعقوب مشكوني/ دار الجمهورية ـ بغداد ـ 1969م / د.ط.
? الرسالة/ الشافعي، محمد بن إدريس (ت 204هـ)/ تحـ: أحمد محمد شاكر/مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ـ مصرـ ط1/ 1940م.
? رصف المباني في شرح حروف المعاني/ المالقي، أحمد بن عبد النور (ت702هـ) تحـ: أحمد محمد الخراط/ دمشق1975م / د.ط.
? روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني/الآلوسي، شهاب الدين السيد محمود البغدادي(ت 1270هـ)/ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع د.ت.ط.
? الزاهر في معاني كلمات الناس/الأنباري، لأبي بكر محمد بن القاسم(ت328هـ)/ تحـ: حاتم الضامن/دار الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد 1987م/د.ط.
? الزمن في القرآن الكريم(دراسة دلالية في الأفعال الواردة فيه/ د. بكري عبد الكريم/ دار الفجر للنشر والتوزيع ط2/1999م.
? سر الروح ( شرح كتاب الروح )/ البقاعي،برهان الدين أبي الحسن إبراهيم بن عمر(885هـ)/مطبعة السعادة ـ مصرـ 1909م/د.ط.
? شذا العرف في فن الصرف/ الحملاوي، الشيخ أحمد/ مطبعة الداية ـ بغداد 1988م/د.ط.
? شذرات الذهب في أخبار من ذهب/ابن العماد، أبو الفتح عبد الحي(ت 1089هـ)/دار المسيرة ـ بيروت ط2 / 1979م.
? شرح جمل الزجاج/ ابن عصفور الأشبيلي/ تحـ: صاحب أبو جناح/ دار الكتب للطباعة والنشر ـ الموصل 1980م/د.ط.
? شرح شافية ابن الحاجب: الاسترابادي، رضي الدين محمد بن الحسن(ت 568هـ)/ ضبط وشرح محمد نواف الحسن ومحمد الزقراف ومحمد محيي الدين عبد الحميد/ دار الكتب العلميةـ بيروت ـ لبنان 1975م/ د.ط.(1/239)
? شرح المفصل/ابن يعيش،يعيش بن علي (ت643هـ)/ صححه وعلق عليه مشيخة الأزهر، ادارة الطباعة المنرية مصر. د.ت.ط.
? شرح الوافية نظم الكافية/ ابن الحاجب/ دراسة وتحقيق موسى بناي علوان العليلي/مطبعة الأوان ـ النجف الأشرف 1980م/ د.ط.
شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل وسالك التعليل/ الغزالي/ تحـ: حمد الكبيسي/ مطبعة الإرشاد ـ بغداد1971م.
? الصاحبي/ابن فارس، لأبى الحسن أحمد بن زكريا(395هـ)/ تحـ:أحمد صقر/مطبعة عيسى البابي الحلبي ـ القاهرة ـ د.ت.ط.
? صفوة اللآلي من مستصفى الإمام الغزالي في علم أصول الفقه/ عبد الكريم محمد المدرس/ مطبعة العاني ـ بغداد ـ ط1/ 1986م
? صناعة الكتابة/ أسعد علي وفيكتور الكك/ بيروت ط3 /1977م.
? الضوء اللامع لأهل القرن التاسع/السخاوي،شمس الدين محمد بن عبد الرحمن(ت902هـ)/ مكتبة الحياة بيروت د.ط.ت.
? طبقات المفسرين/ الداودي، شمس الدين محمد بن علي بن أحمد/ تحـ علي محمد عمر/ مكتبة الاستقلال الكبرىط1/1392هـ.
? الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز/ العلوي، يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم (ت749هـ)/ مطبعة المقتطف ـ مصر 1914م /د.ط.
? علم الدلالة/ أحمد مختار عمر /مكتبة دار العربية للنشر والتوزيع ط1/ 1982م.
? علم الدلالة/ بالمر، أف، ار /ترجمة مجيد الماشطة/ مطبعة العمال المركزي ـ بغداد 1985م/د.ط.
? علم الدلالة والمعجم العربي/ د. عبد القادر أبو شريفة وحسين لافي وداود غطاشة/دار الحرية للطبع والنشر/ط1/1989م
? علم اللغة (مقدمة القاريء العربي)/د. محمود السعران/ دار المعارف ـ مصر1962م/ د.ط.
? علم المعاني/عبد العزيز عتيق/ دار النهضة العربية للطباعة والنشر ـ بيروت 1985م.
? علوم البلاغة (البيان والمعاني والبديع)/أحمد مصطفى المراعي/ دار الكتب العلمية ـ بيروت ط2/ 1986م.(1/240)
? العين/ الفراهيدي، ابو عبد الرحمن الخليل بن أحمد(ت175هـ)/ تحـ: مهدي المخزومي وابراهيم السامرائي، دار الحرية للطباعة ـ بغداد 1985م/د.ط.
? الفاءات في النحو العربي والقرآن الكريم/ الراجحي، د. شرف الدين علي/ دار المعارف ـ الجامعة الإسكندرية ـط1/1989م.
? الفروق بين الحروف الخمسة/ لابن السّيد البطليوسي، أبو محمد عبد الله بن محمد (ت521هـ)/ تحـ: د. علي زوين/مطبعة العاني بغداد /1986م/د.ط.
? الفروق في اللغة/ العسكري، أبو هلال(ت395هـ)/ تحـ: لجنة إحياء التراث العربي/دار الآفاق الجديدة ـ بيروت ط4/ 1980م.
? فصول في فقه العربية/ د. رمضان عبد التواب/مطبعة المدني ـ بغداد ط3/ 1987م.
? فقه اللغة/ د. حاتم الضامن/ دار الحكمة ـ الموصل 1990م/ د.ط.
? فقه اللغة/ د. علي عبد الواحد وافي/ لجنة البيان العربي/ ط4 1956م.
? فقه اللغة العربية/ د. كاصد ياسر الزيدي/ منشورات جامعة الموصل 1987.
? في اللهجات العربية/ د. إبراهيم أنيس/ المطبعة الفنية الحديثة ط4 1973م.
? القاموس المحيط/ الفيروز آبادي، الشيخ مجد الدين محمد بن يعقوب/ دار الفكر ـ بيروت 1983م.
? قضايا أساسية في علم اللسانيات الحديث مدخل/ مازن الوعر دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر/ ط1 1988م.
? الكاشف/ محمد جواد مغنية/ دار العلم للملايين ـ بيروت ط3 1981م.
? الكتاب/ سيبويه، عمرو بن عثمان بن قنبر (ت 180هـ) تح: عبد السلام محمد هارون/ مطبعة المدني ط3 1988م.
? كشاف إصلاح الفنون/ التهانوي، محمد علي الفارقي/ المؤسسة المصرية للتأليف والنشر، دار الكتاب العربي 1963م د.ط.
? الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل/ الزمخشري/ دراسة مصطفى حسين أحمد/ مطبعة الاستقامة ـ القاهرة ط2 1953م.
? كشف الأسرار شرح المصنف على المنار/ النسفي/ أبي بركات عبد الله بن أحمد (ت 710هـ) المطبعة الكبرى الأميرية بولاق مصر 1316هـ ط1.(1/241)
? كفاية الأصول/ الآخوند الخراساني، المولى محمد كاظم حسين الهروي/ إعداد مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم، 1414هـ د.ط.
? الكليات (معجم في المصطلحات والفروق اللغوية)/ الكفوي ابو البقاء بن موسى الحسيني (ت 1094هـ) قابله على نسخة خطية وأعده للبطع ووضع فهارسه، د. عدنان درويش ومحمد المصري/ مؤسسة الرسالة ط4 1998م.
? اللامات دراسة نحوية شاملة في ضوء القراءات القرآنية/ د. عبد الهادي الفصيلي/ مطابع دار العلم ـ بيروت ط1 1980م.
? لسان العرب/ ابن منظور، جمال الدين محمد بن مكرم الأنصاري (ت 711هـ) مطبعة مصورة عن طبعة بولاق ـ الدار المصرية للتأليف والترجمة ـ د.ت.
? اللغة/ فندريس/ تعريب: عبد الحميد الدواخلي ومحمد القصاص/ مطبعة البيان العربي ـ 1980م د.ط.
? اللغة العربية معناها ومبناها/ د. تمام حسان/ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ 1973م د.ط.
? اللغة والمعنى والسياق/ جون لاينز/ ترجمة: عباس صادق الوهاب/ دار الشؤون الثقافية ـ بغداد/ ط 1987م.
? لمحات الأصول/ الإمام الخميني/ تح: مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني/ مطبعة مؤسسة العروج ط1 1401هـ.
? ما أتفق لفظه واختلف معناه من القرآن المجيد/ المبرد، محمد بن يزيد (ت 285هـ) بعناية عبد العزيز الميمني/ المطبعة السلفية ومكتبتها ـ القاهرة ـ 1350هـ د.ط.
? مباحث في علوم القرآن/ د. صبحي الصالح/ دار العلم للملايين بيروت ـ ط1 1977م.
? المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر/ ابن الأثير، ضياء الدين نصر الله بن محمد (ت 630هـ)/ تح: محمد محيي الدين عبد الحميد/ مطبعة مصطفى البابي وأولاده ـ مصر ـ 1939م. د. ط.
? مجاز القرآن/ أبو عبيدة، معمر بن المثنى التميمي (ت 210هـ)/ تحقيق وتعليق محمد فؤاد سزكين/ مكتبة الخانجي ـ دار الفكر ط2 1970م.
? مجاز القرآن خصائصه الفنية وبلاغته العربية/ محمد حسين علي الصغير/ دار الشؤون الثقافية ـ بغداد ط1 1994م.(1/242)
? مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي، الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن/ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ـ 1379ق.
? المحصول في علم أصول الفقه/ الرازي/ تح: محمد جابر الفياض العلواني/ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ط3 1997م.
? المحكم والمحيط الأعظم في اللغة/ ابن سيدة/ علي بن إسماعيل (ت 458هـ) تح: د. عائشة عبد الرحمن/ مطبعة مصطفى البابي الحلبي واولاده ـ مصر ط1 1985م.
? المخصص/ ابن سيّده/ المكتب التجاري للطباعة والتوزيع والنشر ـ بيروت د. ت.ط.
? المزهر في علوم اللغة وأنواعها/ السيوطي/ تح: محمد أحمد جاد المولى ومحمد أبو الفضل إبراهيم وعلي محمد البيجاوي/ دار إحياء الكتب العربية/ مطبعة عيسى البابي الحلبي وأولاده د.ت.ط
? المستصفى من علم الأصول/ الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد (ت 505هـ) دار العلوم الحديثة ـ لبنان . د.ت.ط.
? المصقول في علم الأصول/ الملا محمد جلي زاده/ تح: عبد السلام بميار/ مؤسسة المطبوعات العربية ـ بيروت 1981م د.ط.
? معاني الأبنية في العربية/ السامرائي، د. فاضل صالح/ جامعة الكويت ط1 1981م.
? معاني الحروف/ الرماني/ تح: د. عبد الفتاح إسماعيل/ مطبعة دار العالم العربي/ القاهرة 1973 د.ط.
? معاني القرآن/ الأخفش الأوسط، أبو الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعي (ت 215هـ) تح: د. فائز فارس/ دار الأمل/ ط2 1402هـ.
? معاني القرآن/ الفراء، أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله (ت 207هـ) قدم له: إبراهيم شمس الدين/ دار الكتب العلمية ـ لبنان ـ ط1 2002م.
? معاني القرآن وإعرابه/ الزجاج/ تح: د. عبد الجليل عبده شلبي، خرج أحاديثه: د. علي كمال الدين محمد/ دار الحديث القاهرة 2004 د.ط.
? معاني النحو/ السامرائي، فاضل صالح/ مطبعة الموصل 1987م د.ط.
? معترك الأقران في إعجاز القرآن/ السيوطي/ دار الكتب بيروت ط1 1988م.(1/243)
? المعتمد في أصول الفقه/ البصري، أبو الحسين محمد بن علي (ت 436هـ) تح: محمد حميد الله ومحمد بكر وحسن خفي/ دمشق 1964م د.ط.
? معجم المصطلحات البلاغية وتطورها/ مطلوب، أحمد/ المجمع العلمي العراقي ـ 1987م د.ط.
? معجم المفسرين/ عادل نويهض/ مؤسسة نويهض للطباعة والنشر ـ لبنان ـ بيروت 1960م د.ط.
? المعجم المفصل في الإعراب/ الخطيب ، طاهر يوسف/ مراجعة: إميل يعقوب/ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ د.ط.ت.
? المعجم المفصل في تفسير غريب القرآن الكريم/ د: محمد التونجي/ دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط1 2003م.
? معجم مقايس اللغة/ ابن فارس/ اعتنى به: د. محمد عوض مرعب والآنسة فاطمة محمد أصلان/ طبعة جديدة/ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ط1 2001م.
? معجم المؤلفين / كحالة، عمر رضا/ مطبعة الشرقي ـ دمشق 1959م د.ط.
? مغني اللبيب عن كتب الأعاريب/ ابن هشام الأنصاري، جمال الدين عبد الله بن يوسف بن أحمد (ت 761هـ)/ قدم له ووضع حواشيه/ حسن حمد، وأشرف عليه وراجعه: إميل بديع يعقوب/ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ ط1 1998م.
? مفتاح العلوم/ السكاكي، لأبي يعقوب محمد بن علي (ت 626هـ) مطبعة المكتبة العلمية الجديدة ـ بيروت د.ت.ط.
? مفتاح العلوم إلى علم الأصول/ البهادلي، أحمد كاظم/ شركة حسام للطباعة ـ بغداد ط1 1974م.
? المفردات في غريب القرآن/ الراغب الأصفهاني، أبي القاسم الحسين بن محمد (ت 502هـ)/ تح: محمد جليل عيتاني، دار المعرفة ـ بيروت ط3 2001م.
? المقتضب/ المبرد/ تح: محمد عبد الخالق عضيمة/ عالم الكتب ـ بيروت ـ د. ت. ط.
? مقتنيات الدرر وملتقطات الثمر/ ميز سيد علي الحائري (ت 1340هـ)/ دار الكتب الإسلامية ـ طهران د.ت.ط.
? من بلاغة النظم العربي (دراسة تحليلية لمسائل علم المعاني)/ د. عبد العزيز عبد المعطي عرفة/ عالم الكتب ـ بيروت ط1 1984م.(1/244)
? من علوم القرآن وتحليل نصوصه/ د. عبد القادر حسين/ دار قطري بن الفجاء للنشر والتوزيع 1987م د.ط.
? من قضايا اللغة والنحو/ د. مختار عمر/ عالم الكتب القاهرة ـ 1974 د. ط.
? المنطق (مجموعة محاضرات التي ألقيت في كلية منتدى النشر في النجف الأشرف/ محمد رضا مظفر/ مطبعة أمين قم/ دار الغدير ط1 1320هـ.
? منهج البحث اللغوي بين التراث وعلم اللغة الحديث/ د: علي زوين/ مطابع الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد ـ ط 1986م.
? منهج الخليل في دراسة الدلالة القرآنية في كتاب العين/ الجنابي، د. أحمد نصيف/ بحث في كتاب المعجمية العربية، المجمع العلمي العراقي 1992م.
? مواهب الرحمن في تفسير القرآن/ السبزواري، السيد عبد الأعلى الموسوي/ مطبعة الديواني ـ بغداد ـ ط3 ـ 1989م.
? ميزان الأصول/ السمرقندي، علاء الدين شمس النظر (ت 540هـ)/ دراسة وتحقيق: عبد الملك عبد الرحمن السعيدي/ مطبعة الخلود ـ ط1 1987م.
? الميزان في تفسير القرآن/ الطباطبائي، السيد محمد حسين (ت 1402هـ)/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ط1 1997م.
? نزهة السمّار في غرائب الأشعار/ الجوراني، عدنان عليوي سلمان/ مكتبة الميثاق ـ بغداد ط1/ 2002م.
? نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي/ تح: محمد عبد المعين/ طبعة مجلس المعارف الإسلامية/ حيدر آباد الركن الهند ـ ط1 1969م.
? نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز/ الرازي/ تح: إبراهيم السامرائي ومحمد بركات حمدي أبو علي ـ دار الفكر للنشر والتوزيع ـ عمان 1985م د. ط.
? همع الهوامع في شرح جمع الجوامع/ السيوطي/ تحـ: عبد العال سالم مكرم/ دار البحوث العلمية ـ 1979.
البحوث المطبوعة
? الدلالة في النحو العربي/ د: كريم حسين ناصح الخالدي/ مجلة كلية التربية للبنات/ جامعة بغداد/ العدد الثامن/ 1997م.
? السياق في الفكر اللغوي/ د: صاحب أبو جناح/ مجلة الأقلام العدد/ 403 آذار نيسان 1992.
الرسائل والأطاريج الجامعية(1/245)
? الأساليب البلاغية في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي (ت 885هـ)/ عقيد خالد حمودي محيي العزاوي/ اطروحة دكتوراه/ كلية التربية ـ جامعة بغداد/ 2002م.
? البحث الدلالي عند ابن سينا في ضوء علم اللغة الحديث/ مشكور كاظم العوادي/ كلية الآداب ـ جامعة بغداد/ رسالة ماجستير 1994م.
? البحث الدلالي عند الراغب الأصفهاني/ محمود مصطفى أحمد القويدر/ رسالة ماجستير/ كلية الآداب/ الجامعة المستنصرية/ 1999م.
? البحث الدلالي عند السمرقندي في كتابه ميزان الأصول/ خالد عبود حمودي الشيخلي/ رسالة ماجستير/ كلية الآداب/ الجامعة المستنصرية/ 2001م.
? البحث الدلالي عند سيف الدين الامدي (ت 631هـ)/ خيري جبير الجميلي/ رسالة ماجستير/ كلية الآداب/ جامعة بغداد/ 1996م.
? البحث الدلالي عند الشوكاني في كتابه إرشاد الفحول/ محمد عبد الله علي سيف/ رسالة ماجستير/ كلية الآداب ـ جامعة المستنصرية 1999م.
? البحث الدلالي في التبيان في تفسير القرآن لأبي جعفر بن الحسن الطوسي/ ابتهال كاصد ياسر الزبيدي/ اطروحة دكتوراه/ كلية التربية للبنات/ بغداد ـ 2003م.
? البحث الدلالي في كتاب أصول السرخسي/ نواس محمد علي عبد عون الخفاجي/ كلية الآداب الجامعة المستنصرية 2001م.
? البحث اللغوي عند فخر الدين الرازي/ عبد الرسول سلمان الزيدي/ اطروحة دكتوراه/ كلية الآداب/ جامعة بغداد/ 1990م.
? البقاعي ومنهجه في التفسير/ أكرم عبد الوهاب محمد أمين/ رسالة ماجستير/ كلية العلوم الإسلامية/ جامعة بغداد 1992م.
? الجهد الصرفي عند ابن السيد البطليوسي/ فليح خضير شني الطائي/ رسالة ماجستير/ كلية التربية ـ الجامعة المستنصرية/ 1998م.
? الخلاف الصرفي في العربية/ ناصر سعيد ناصر العيشي/ رسالة ماجستير/ كلية الآداب ـ الجامعة الستنصرية 1998م.
? الدلالة القرآنية في جهود الشريف المرتضى/ حامد كاظم عباس/ اطروحة دكتوراه ـ كلية الآداب ـ الجامعة المستنصرية 2000.(1/246)
? السياق ودلالته في توجيه المعنى/ فوزي إبراهيم عبد الرزاق./ اطروحة دكتوراه ـ كلية الآداب ـ جامعة بغداد 1992م.
? الظواهر الدلالية في تفسير أضواء البيان للشنقيطي/ قحطان جاسم محمد/ رسالة ماجستير/ كلية الآداب/ الجامعة المستنصرية 2002م
? المشترك اللفظي في اللغة العربية/ عبد الكريم شديد النعيمي/ رسالة ماجستير ـ جامعة بغداد ـ 1976م.
? مفاهيم الألفاظ ودلالتها عند الأصوليين/ بشير مهدي الكبيسي/ اطروحة دكتوراه/ كلية العلوم الإسلامية ـ جامعة بغداد ـ 1991م.
والحمد لله أولاً وآخراً(1/247)