678- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر قصة نبي الله صالح –عليه السلام- مع ثمود؛ لما فيها من العبر والعظات، فقد دعاهم إلى عبادة الله وحده وترك ما كانوا يعبدونه من دون الله وأقام الأدلة والبراهين على وجوب توحيد الله، وأتاهم بآية عظيمة، وقال: هذه ناقة الله لكم آية، وحذرهم أن يتعرضوا لها بسوء، ثم ذكرهم بنعم الله بأنه جعلهم خلفاء من بعد عاد.. إلخ.
... قال الله جل وعلا وتقدس: { وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } إلى قوله: { وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ } .
... وجاءت القصة في سورة «هود»، و«الأحقاف»، و«الشعراء»، وسورة «النمل».
679- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إرشاد العباد إلى أن العقائد الباطلة الراخسة المأخوذة عمن يحسن بهم الظن من آباء وأجداد وغيرهم من أعظم الأسباب المانعة من قبول الحق، قال الله جل وعلا: { بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ } فليس لهم مستند على ما هم عليه من الشرك سوى تقليد الآباء والأجداد الجهلة مثلهم.
... ومثل هذا المقال السخيف المتناهي في الشناعة قالت الأمم الماضية، قال تعالى: { وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } .(3/150)
680- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر قصة شعيب –عليه السلام-؛ لما فيها من العبر والتذكير والاتعاظ وتقوية الإيمان وزيادته، وهذا في كل قصص الأنبياء –عليهم السلام-، بدأ كغيره أولاً بالدعوة إلى التوحيد، ثم طالب قومه بإيفاء الكيل والميزان؛ لأن التطفيف كان شائعًا فيهم، وقد توعد الله المطففين بالويل، والقصة مبسوطة في «سورة الأعراف»، وفي «سورة هود»، وفي «سورة الشعراء».
... قال الله جل وعلا وتقدس: { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُوا الكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا } .
681- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان الأشياء التي نهاهم عنها شعيب –عليه السلام-:
أولاً: نهاهم عن قعودهم في الطرقات التي توصل إليه مخوفين من يأتي إليه ليرجع عنه قبل أن يراه ويسمع دعوته.
ثانيًا: صدهم من وصل إليه وآمن به بصرفه عن الثبات على الإيمان.
ثالثًا: ابتغاؤهم جعل سبيل الله المستقيمة معوجة الطعن، وإلقاء الشبهات والتشكيكات المشوهة لها.
قال تعالى: { وَلاَ تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا } .
682، 683- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الترهيب والتحذير من تطفيف الكيل والوزن والإفساد في الأرض.
... قال تعالى: { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوَهُمْ أَو وَزَنُوَهُمْ يُخْسِرُونَ } ، وقال: { وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ } .(3/151)
684- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التنبيه على أن المعصية الصادرة ممن عدم منه الداعي إليها أو ضعف الداعي عنده تكون أعظم ممن قد توفرت عنده الدواعي، ولهذا قال شعيب لقومه: { إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍ } أي أني أراكم بثروة وسعة رزق تغنيكم عن الدناءة في بخس حقوق الناس.
685- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أن مما يعين على التوكل على الله معرفة أنه الرزاق ذو القوة المتين وأنه تكفل بأرزاق جميع الخلق، قال تعالى: { وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا } ، وقال: { وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ } ، وقال: { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } .
686- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الترغيب في الآخرة والتزهيد في الدنيا، قال الله جل وعلا وتقدس: { وَمَا هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } .
687- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان تناقض المشركين وأنهم إذا ركبوا في الفلك وأصبحوا على وجه البحر كاللعبة تتقاذفها الأمواج لم يذكروا إلا الله، ولم يلجأوا إلا إليه، فإذا نجاهم رجعوا القهقرى، وعادوا إلى سيرتهم القبيحة، وجعلوا مع الله شركاء.(3/152)
قال تعالى: { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } ، وقال: { وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي البَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى البَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنسَانُ كَفُورًا } ، وقال: { هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ المَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } .
688، 689- من هدي القرآن للتي هي أقوم: تنبيه العباد إلى تسبيح الله وقت المساء حين إقبال الليل وظلامه وحين الصباح حين إسفاره وضيائه، ووقت العشي ووقت الظهيرة. ثانيًا: أنه الذي له الحمد في السموات والأرض، قال الله تعالى: { فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ } .
690- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إرشاد العباد إلى الآية الواضحة الدالة على أنه الإله القادر على ما يشاء من إنشاء وإفناء وإيجاد وإعدام وهو خلقهم من تراب، قال تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ } .
691- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إرشاد العباد إلى الآية الدالة على قدرته ولطفه ورحمته وعنايته بعباده أن خلق لهم أزواجًا من جنسهم ليأنسوا بهن، قال الله تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } .(3/153)
692، 693- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أن من الأدلة على عظمة سلطان الله وكمال إقتداره وحكمته وواسع علمه ورحمته خلق السموات والأرض وما فيهما.
ثانيًا: اختلاف الألسن والألوان والأنواع والأشكال اختلافًا به أمكن التمييز بين الأشخاص في الألوان والأصوات.
قال تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ } .
694، 695- من هدي القرآن للتي هي أقوم: تنبيه العباد إلى آيتين من علامات قدرة الله ولطفه ورحمته:
أولاً: المنام بالليل والاستقرار فيه حتى لا تكون حركة ولا حس، فيستريح البدن برهة من الزمن.
ثانيًا: السعي للأرزاق نهارًا بمزاولة أسباب المعاش.
قال تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } .
696- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الحث على التفكر في آيات الله الدالة على قدرته وعلمه وحكمته ولطفه ورحمته التي منها أنه يري عباده البرق خوفًا وطمعًا، قال الله جل وعلا: { وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } .
697- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التنبيه على الآية العظيمة الدالة على قدرة الله وقوته وحكمته، وهي قيام السموات والأرض واستمساكهما واستقرارهما وثباتهما بلا عمد ترى، { اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا } .(3/154)
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ } ، وقال جل وعلا: { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا } .
698- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التحذير من المعاصي التي منها الظلم، وانتهاك الحرمات، وعدم مراقبة الله، وطرح الأديان وراء الظهر، ونسيان يوم الحساب.
قال الله جل وعلا: { ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ } الآية.
699- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إرشاد العباد إلى بعض الأدلة على قدرة الله ووحدانيته، وإمكان البعث والنشور، من ذلك ما يشاهد في الآفاق، وبما يرى في الأرض الموات من إحيائها بالمطر، وهو دليل واضح يشاهدونه، ولا يغيب عنهم الحين بعد الحين.
قال الله جل وعلا وتقدس: { اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ } إلى قوله: { إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيٍْ قَدِيرٌ } الآية.
700- من هدي القرآن للتي هي أقوم: تنبيه العباد وتذكيرهم بأطوار خلق الله لهم، فقد خلقهم ضعافًا أولاً وذلك زمن الطفولة، ثم جعلهم أقوياء، وذلك زمن شبابهم وكهولتهم، ثم جعلهم بعد القوة وشيبًا، وذلك زمن الشيخوخة والهرم، قال الله جل وعلا: { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ العَلِيمُ القَدِيرُ } .(3/155)
701- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التحذير من شر ما يلهي القلب ويصده عن ذكر الله، وعن الصلاة، ويقتل الوقت ولا يثمر خيرًا، ولا يحصل منه على حصيلة تليق بوظيفة الإنسان الذي خلقه الله لعبادته، قال الله تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } ، وقال تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } .
702- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر وصية لقمان الحكيم لابنه فاسمعها وتدبرها، فإنها وصية حكيم لابنه، والأب يحب الخير لابنه جدًا، فإذا كان عاقلاً حكيمًا كانت وصيته أولى بالإتباع، وكان في ذكرها تحريض، وحث لكل من يسمعها ليعمل بها ويتفانى في تحقيقها، قال الله جل وعلا وتقدس: { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } إلى قوله: { إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الحَمِيرِ } .
703، 704، 705- من هدي القرآن للتي هي أقوم: أقوم تنبيه العباد إلى نعم الله التي لا تعد ولا تحصى، والحث على شكرها.
ثانيًا: التحذير من جحود نعم الله وإنكارها وعدم شكرها.
ثالثًا: التحذير من التقليد الجامد تقليد المنحرفين من آباء وأجداد وغيرهم من المنحرفين عن دين الله.
قال تعالى: { أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ } ، وقال جل وعلا: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَ لَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوَهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ } .(3/156)
706- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر حال المسلم المستسلم العامل بما يرضي الله المفوض أموره إلى الله وبيان عاقبته ومآله، قال الله تعالى: { وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ } .
707- من هدي القرآن للتي هي أقوم: أمر العباد بتقوى الله، والحث على الاستعداد ليوم القيامة والتحذير من غرور الدنيا والشيطان.
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الغَرُورُ } .
708- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر مفاتح الغيب الخمس التي لا يعلمها إلا الله، قال الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } .
709- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان حال المشركين حين معاينة العذاب ووقوفهم بين يدي الله أذلاء ناكسي الرءوس من الخجل والحياء طالبي الرجوع إلى الدنيا لتحسين أعمالهم ولا سبيل إلى ذلك، قال الله جل وعلا وتقدس: { وَلَوْ تَرَى إِذِ المُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ } ، وقال: { وَلَوْ تَرَى إِذْ وَقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ } .(3/157)
710، 711- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر علامة أهل الإيمان من تذللهم لربهم وخضوعهم له وتسبيحهم بحمده ومجافاة جنوبهم عن المضاجع ودعائهم ربهم خوفًا وطمعًا.
ثانيًا: ذكر ما يلاقونه من النعيم المقيم والعيش السليم ما لا عين رأت ولا أذن سمت ولا خطر على قلب بشر.
قال تعالى: { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } .
712، 713- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر حال من قابل آيات الله بالإعراض بعد بيان حال من قابلها بالسجود والتسبيح والتحميد والخضوع لرب العالمين، قال تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا } الآية.
714- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إرشاد العباد، وحثهم على الصبر على مشاق التكاليف، والدعوة إلى الله، والتدبر، والتفكر في آيات الله وتفهمها، والعمل بها، قال الله جل وعلا وتقدس: { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } .
715، 716- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التحذير عن التكلم بما لا حقيقة له في الأقوال.
ثانيًا: إرشاد العباد إلى قول الحق واجتناب قول الباطل والزور.
قال الله جل وعلا وتقدس: { مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ } .(3/158)
717- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر غزوة الأحزاب؛ لما فيها من العبر والتذكير، وقوة الإيمان وزيادته.
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا } إلى قوله تعالى: { وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا } .
718- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان بعض صفات المنافقين؛ لاجتنابها والتحذير منها: أنهم يثبطون الناس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويصدونهم عنه، وعن شهود الحرب معه نفاقًا منهم وتخذيلاً وأرجافًا.
ثانيًا: أنهم لا يأتون الحرب إلا زمنًا قليلاً ليراهم المخلصون ثم يتسللون.
ثالثًا: أنهم بخلاء بالنفقة والنصرة.
رابعًا: أنهم إذا بدأ الخوف رأيتهم تدور أعينهم في رؤوسهم خوفًا وفرقًا من القتل كدوران عين الذي قرب من الموت.
خامسًا: أنهم إذا ذهب الخوف آذوا المؤمنين بألسنة سليطة ذربة.
قال تعالى: { قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ المُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ البَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً } إلى قوله: { وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا } .
719، 720- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الأمر بتقوى الله.
ثانيًا: القول السديد وهو القول الموافق للصواب أو المقارب له عند تعذر اليقين.
قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } .(3/159)
721- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان عظم شأن الأمانة والطاعة والفرائض، قال الله جل وعلا: { إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً } ، وقال: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } ، و قال: { وَالَّذِينَ هُمْ لآمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } .
722- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إرشاد العباد إلى تعظيم الله وإجلاله بذكره والتسبيح له بكرة وأصيلا، قال الله جل وعلا وتقدس: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا } .
723- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الأمر بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لما فيها من الثواب العظيم والأجر الجزيل، قال الله جل وعلا وتقدس: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } .
724، 725- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التحذير من إيذاء الله ورسوله لئلا يبوء المرء بالطرد والإبعاد من رحمة الله.
ثانيًا: التحذير من إيذاء المؤمنين.
قال الله جل وعلا وتقدس: { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا * وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا } .(3/160)
726- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إرشاد النساء إلى الحجاب، قال الله جل وعلا وتقدس: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ } .
727- من هدي القرآن للتي هي أقوم: تنبيه العباد إلى أن من مخلوقات الله ما هو أصغر من الذرة، قال جل وعلا وتقدس: { عَالِمِ الغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } .
728- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر ما من الله به على داود –عليه السلام- من النبوة والملك والجنود والعدد ومنحه الصوت الرخيم، فكان إذا سبح تسبح معه الجبال، وفي تسبيح الجمادات حث وترغيب على منافستها في ذلك، قال تعالى: { يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الحَدِيدَ } ، وقال: { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ } .
729، 730- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التنبيه والإغراء بإصلاح العمل والإخلاص فيه، قال تعالى: { وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } .
731- إرشاد العباد إلى ما تفضل الله به على سليمان بن داود من تسخير الريح، والجن، وإذابة النحاس على ما كان لداود من إلانة الحديد؛ لما في ذلك من العبر والاتعاظ وزيادة الإيمان وقوته، قال تعالى: { وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ القِطْرِ وَمِنَ الجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ } .(3/161)
732- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان الحكمة في إعادة الأجسام، وإدخال الأرواح فيها، وأنه للجزاء على الأعمال، قال الله جل وعلا وتقدس: { لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ * وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ } .
733- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أن الجن لا يعلمون الغيب، قال تعالى: { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ * فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ المَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي العَذَابِ المُهِينِ } .
734، 735- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر قصة سبأ، وسيل العرم؛ لما فيها من العبر والمواعظ والتذكير وزيادة الإيمان، قال تعالى: { لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العَرِمِ } إلى قوله: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } .(3/162)
736- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أن الناس فريقان، مؤمن بآيات ربه: يرى أنها الحق وأنها تعدي إلى الصراط المستقيم، وفريق معاند: جاحد بها يسعى في إبطالها ومآله إلى العذاب الأليم، قال تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } إلى قوله: { وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ العَزِيزِ الحَمِيدِ } .
737- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر ما سيكون من الحوار بين الضالين والمضلين لهم من الكفار وما يلقونه من الحسرة والندامة والحزن الطويل والإهانة، ووضع الأغلال في أعناقهم، قال تعالى: { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ القَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ } إلى قوله: { هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } .
738- بيان أن أموال المترفين المكذبين وأولادهم ليست تقربهم إلى الله زلفى، وإنما الذي يقرب منه زلفى الإيمان بما جاء به المرسلون والعمل الصالح، قال تعالى: { وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الغُرُفَاتِ آمِنُونَ } .(3/163)
739- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التنبيه والإنذار إلى ما سوف يكون من حال الكفار حينما يحل بهم وعد الله، فإن في ذلك عظة وتذكر واعتبار وارتداع عن المعاصي، قال جل وعلا وتقدس: { وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ * وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ * وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِن قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ * وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ } .
740- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر مطالبة الكفار المكذبين المعاندين المتصدين لرد الحق وتكذيبه بأن يحكموا عقولهم وينظروا ببصائرهم ويتجردوا من الهوى، ثم يتفكر كل واحد لنفسه أو كل اثنين لحدتهما معًا فيما يدعوهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه حيث يتأكدون أن صاحبهم ليس بمجنون، بل هو أعقل خلق الله وأنصح خلق الله، وأتقى خلق الله، وأخشى خلق الله، وأعلم خلق الله، قال تعالى: { قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لله مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } .
741- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إرشاد العباد، وحثهم على الإقبال على الله، والتوجه إليه في قضاء الحوائج والشئون، والتوكل عليه في جميع المآدب، والافتقار إليه من جميع الوجوه، وأن لا يدعي إلا هو، ولا يخاف إلا هو، والإعراض عمن سواه، قال تعالى: { مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ } ، وقال: { وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ } ، وقال: { لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ } .(3/164)
742- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إرشاد العباد إلى الاعتراف بنعم الله والشكر عليها لاستدامتها، وطلب المزيد منها، قال الله جل وعلا: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } .
743، 744، 745- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الحث على التهيؤ والاستعداد للبعث والنشور، ومبادرة الأوقات وقطعها بالأعمال الصالحات.
ثانيًا: التحذير من الدنيا وغرورها.
ثالثًا: التحذير من العدو المبين ووساوسه، فإنه عدو لبني آدم، ولا يدلهم إلا على الذنوب والآثام والمعاصي.
قال الله جل وعلا وتقدس: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } .
746- من هدي القرآن للتي هي أقوم: تنبيه العباد إلى الفرق العظيم بين من زين له سوء عمله، فرأى الباطل حقًا واتبعه، والهدى ضلالاً واجتنبه، وبين من هداه الله ووفقه، فرأى الحق حقًا واتبعه، ورأى الباطل باطلاً واجتنبه، قال الله جل وعلا وتقدس: { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ } .
747- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إرشاد العباد إلى دليل حسي على إمكان البعث وتحققه لا محالة، قال تعالى: { وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ } .(3/165)
748- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إرشاد العباد إلى ما يطلب به العزة في الدنيا والآخرة، وأنه الإيمان بالله و العمل الصالح، قال تعالى: { مَن كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَلِلَّهِ العِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } .
749، 750، 751- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر البراهين والأدلة المختلفة الدالة على وحدانية الله، وعظيم قدرته بخلقه الأشياء المتحدة في الجنس المختلفة في المنافع، فهذا ماء عذب زلال يجري في الأقاليم، والأمصار، والبراري، والقفار يستقي منه الإنسان والحيوان، وينبت النبات الذي فيه غذاء لهما، والثاني ملح أجاج تسير فيه السفن والمراكب ويستخرج منه اللؤلؤ والمرجان، وهذا ليل ونهار، ضياء وظلام فيهما منافع كثيرة، وسخر الشمس والقمر والنجوم كل يجري بمقدار، ففي كل هذه دلائل باهرة على أن الله هو الرب المألوه المعبود الذي له الملك والحكم وحده، قال تعالى: { وَمَا يَسْتَوِي البَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ } إلى قوله: { وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } ، والثالث: أنه يوم القيامة يتبرؤون منهم، ففي هذا اتعاظ واعتبار لمن بصره الله وتدبر كتاب الله.(3/166)
752- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان بعض أحوال يوم القيامة للاتعاظ والاعتبار والجد والاجتهاد في الأعمال الصالحة، من ذلك أنها لو دعت نفس مثقلة بالذنوب نفسًا أخرى إلى حمل شيء من ذنوبها معها لم تحمل المدعوة من الذنوب شيئًا، ولو كانت قريبة لها بالنسب فكيف بغيرها ممن لا قرابة بينها وبين الداعية، قال تعالى: { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } ، وقال: { لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا } ، وقال: { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } .
753- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التنبيه على أنه لا يستوي الأعمى عن دين الله الذي ابتعث الله به نبيه محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، والبصير الذي فقه الله فأبصر رشده، فاتبع محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وصدقه وقبل عن الله ما ابتعثه به، قال الله جل وعلا وتقدس: { وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلاَ الظُّلُمَاتُ وَلاَ النُّورُ * وَلاَ الظِّلُّ وَلاَ الحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلاَ الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي القُبُورِ } .
754، 755- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر ما يرى من المشاهدات الكونية المختلفة الأشكال والألوان، لعل ذلك ينبه العقول إلى الاعتبار والاتعاظ والانزجار عن المعاصي والإقبال على ما يرضي الله.(3/167)
ثانيًا: بيان أهل خشية الله تعالى، وهم العلماء؛ لأنهم أعرف الناس بالله وبقدرته وعظمته، وهم أعرف الناس بيوم القيامة، وما تضمنه ذلك اليوم من الأهوال والكروب والشدائد والمزعجات، قال الله تعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ } ، وقال: { إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا } ، وقال: { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًا } ، وقال تعالى: { وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } .(3/168)
756- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان مراتب المؤمنين الثلاث: ظالمون لأنفسهم، وهم الذي خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيئًا، القسم الثاني: المقتصدون، وهم الذين اقتصروا على التزام الواجبات واجتناب المحرمات، القسم الثالث: السابقون بالخيرات، وهم الذين تقربوا إلى الله بالواجبات والمستحبات، وتركوا المحرمات والمكروهات، قال الله تعالى: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الفَضْلُ الكَبِيرُ } .
757- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان جزاءهم وما يقولون حينئذ، قال تعالى: { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَقَالُوا الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ المُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ } .
758- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر حال الكفار، وما أعد لهم من العذاب الدائم، وما يصيبهم من القلق والفزع والاضطراب وعدم الاستقرار ونحو ذلك، مما يزيد المؤمنين سرورًا مقابل ما قاسوا في الدنيا من الكفار من التكبر عليهم والفخار بما استدرجوا به من نعيم زائل وحبور لا يدوم، قال تعالى: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ } إلى قوله: { فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } .(3/169)
759- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إرشاد العباد إلى عظمة الله، وكمال قدرته، وتمام رحمته، وسعة حلمه، وأنه تعالى هو الذي يمسك السموات والأرض أن تزولا، وهو الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا } ، وقال: { وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } ، وقال: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ } .
760- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التحذير من المعاصي: الشرك، والظلم، والفساد، والبغي، والزنا، والربا، والعقوق، والقطيعة، وجميع الذنوب والآثام، قال الله جل وعلا: { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ } الآية، وقال تعالى: { فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا } الآية، وقال: { وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } .
761- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان من ينتفع بالإنذار، وهو الذي يؤمن بالقرآن ويتبع ما فيه من أحكام، ويخشى عقاب الله قبل حلوله ومعاينة أهواله، قال الله جل وعلا: { إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ } ، وقال: { وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ } .(3/170)
762، 763- من هدي القرآن للتي هي أقوم: توجيه العباد إلى المسابقة إلى طاعة الله وما يقرب إليه من الباقيات الصالحات، وكل الآثار الحسنة التي تبقى لصاحبها حيًا وميتًا من بناء مساجد، وعلم ينتفع به، ووقف على ما يقرب إلى الله، وتوجيه جيل يغرس فيه معاني الإسلام غرسًا صحيحًا، وماء يشرب منه وينتفع به، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، والسعي في إزالة المنكر ومواضعه ونحو ذلك.
ثانيًا: التحذير العظيم عن الآثار السيئة والسعي فيها والإعانة عليها، والحرص على البعد عنها، وإبعاد العباد عنها، ومن الآثار السيئة ابتداع المظالم، وإحداث ما يضر بالمسلمين ويقتدى به أهل الجور والحيف، ويعملون عليه من مكس، ومواضع للملاهي، والمنكرات، وإفساد الأخلاق، وإضاعة الصلاة، والصد عن ذكر الله، وكتوريد آلات وكتب هدامة للأديان والأخلاق، وكنشر بدع في الدين ودعاء الناس إليها، وكل آثار الشر التي يكون الإنسان هو السبب في إيجادها في حياته وبعد وفاته، وكل الأعمال التي تنشأ عن أقواله وأفعاله وأحواله، قال الله جل وعلا وتقدس: { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي المَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ } .
764- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر قصة أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون لما فيها من العظة والاعتبار، وزيادة الإيمان وقوته لمن وفقه الله لتدبر كتابه وتفهمه، قال جل وعلا: { وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ القَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا المُرْسَلُونَ } إلى قوله: { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } .(3/171)
765- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أن الحق لا يعدم نصيرًا وناصحًا، وأن الله يقيض له من يدافع عنه، قال تعالى: { وَجَاءَ مِنْ أَقْصَا المَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا المُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ } إلى قوله: { إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ } ، وقال: { وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ } .
766، 767- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إرشاد العباد إلى أن الجنة قد خلقها الله وأعدها لعباده المؤمنين. ثانيًا: الحث على النصيحة، والابتعاد عن الحسد، وتمني استنفاذ الناس من شرك الشيطان.
قال جل وعلا وتقدس: { قِيلَ ادْخُلِ الجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ } ، وقال: { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } .
768، 769، 770- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الترغيب في الإنفاق في وجوه البر من نشر علم، وبناء مساجد، وإنفاق على فقراء ونحو ذلك.
ثانيًا: التحذير من ترك إمتثال الأمر.
ثالثًا: الحث على الشفقة على عباد الله، وذم من لبس به شفقة.
قال تعالى: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ } .
771، 772- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر الأدلة والبراهين الواضحة على التوحيد، وعلى البعث، والحشر، والحساب، والجزاء على الأعمال.
ثانيًا: تعداد النعم، والحث على شكرها.(3/172)
قال تعالى: { وَآيَةٌ لَّهُمُ الأَرْضُ المَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ العُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ * سبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ } إلى قوله: { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } .
773- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إرشاد العباد وتذكيرهم للاستعداد ليوم ينفخ فيه في الصور يخرجون فيه من الأجداث حفاة عراة غرلا، قال تعالى: { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ المُرْسَلُونَ * إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } ، وقال: { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ } .
774، 775- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر ما للمحسنين من نعيم مقيم واجتماع بالأحباب والإخوان والأزواج في جنات النعيم.
ثانيًا: ذكر حال المجرمين، وأنهم في ذلك اليوم يطلب منهم أن ينعزلوا وينفردوا عن المؤمنين، ثم يوبخون ويؤنبون، قال تعالى: { إِنَّ أَصْحَابَ الجَنَّةِ اليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ } إلى قوله في حق المجرمين: { اصْلَوْهَا اليَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } .(3/173)
776- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أن المجرمين في يوم القيامة تشهد عليهم أعضاؤهم التي كانت أعوانًا لهم في المعاصي في الدنيا، والأعضاء هي الأيدي والأرجل، واللسان، وكذا تشهد عليهم الأسماع والأبصار والجلود؛ لأنها كانت المباشرة لغالب المعاصي، قال الله جل وعلا وتقدس: { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } ، وقال جل وعلا وتقدس: { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } .
777، 778- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إرشاد العباد إلى أن القرآن ذكر يتذكر به أولوا الألباب جميع المطالب الدينية ويرشدهم إلى ما فيه نفعهم وهدايتهم في معاشهم ومعادهم.
ثانيًا: بيان من ينتفع بنذارته وهو من كان حي الضمير مستنير البصيرة يعرف مواقع الهدى والرشاد، فيسترشد بهديه ويستنير بنوره، قال الله جل وعلا وتقدس: { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ * لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًا وَيَحِقَّ القَوْلُ عَلَى الكَافِرِينَ } .
779، 780- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الحث على التفكر والتدبر، والنظر فيما سخر الله لعباده من الأنعام.
ثانيًا: الحث على شكر الله جل وعلا على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، قال تعالى: { وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } ، قال تعالى: { أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ } .(3/174)
781، 782- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر ما يفيد التعجب من حال الإنسان وبيان جهله بالحقائق وإهماله التفكر في نفسه فضلاً عن التفكر في سائر مخلوقات الله. ثانيًا: سياق ثلاثة براهين تدل على قدرة الله التي لا يعجزها شيء: فأولاً: خلق الإنسان من نطفة من نقطة ماء، فمن قدر على الابتداء، فقدرته على الإعادة من باب أولى وأحرى، الدليل الثاني مما يرفع الاستبعاد ويبطل الإنكار: إخراج النار من الشجر الأخضر على ما فيه من المائية المضادة للاحتراق، فهو أقدر على إعادة الأبدان وإدخال الأرواح فيها، الدليل الثالث: أن من قدر على خلق السموات والأرض، وهما في غاية العظم وكبر الأجزاء يقدر على إعادة خلق البشر الذي هو صغير الشكل ضعيف القوة.
قال تعالى: { أَوَ لَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } إلى قوله: { بَلَى وَهُوَ الخَلاَّقُ العَلِيمُ } ، وقال تعالى: { أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا } ، وقال تعالى: { لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } ، وقال: { أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ المَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .
783، 784- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر موقف من مواقف المشركين يوم القيامة للاتعاظ والاعتبار والتفكر والتدبر ولقوة الإيمان وزيادته، ففي ذلك اليوم الشديد الهول يحشر الظالمون مع أشباههم ونظرائهم وأتباعهم، فعابد الوثن مع عابد الوثن، والزاني مع الزاني، واللوطي مع اللوطي، واليهودي مع اليهودي، والنصراني مع النصراني، وشارب الخمر مع شارب الخمر، وهكذا كل يضم إلى من يجانسه في العمل.(3/175)
ثانيًا: أنهم يتلاومون فيما بينهم حينئذ ويتخاصم الأتباع والرؤساء فيلقى الأولون تبعة ضلالهم على الآخرين فيجيبونهم بأن التبعية عليكم أنفسكم دوننا إذ كنتم ضالين وما ألزمناكم بشيء.
قال الله جل وعلا: { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ اللَّهِ } إلى قوله تعالى: { بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ المُرْسَلِينَ } .
785- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر ما يلقاه عباد الله المخلصين من النعيم المضاعف المقيم الذي يجمع كل مظاهر النعيم، نعيم تستمتع به النفس، ويتسمتع به الحس، وتجد فيه كل نفس ما تشتهيه من أنواع النعيم مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، قال تعالى: { إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ المُخْلَصِينَ * أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ * فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ * يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ * بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ } إلى قوله: { لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ العَامِلُونَ } .(3/176)
786- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر جزاء أهل النار للاتعاظ والاعتبار والانزجار عن الذنوب والمعاصي، والإقبال على الطاعات والجد والاجتهاد فيها والاستعداد للقاء الله، وذكر ما يلاقيه الكفار في جهنم من العذاب الأليم الدائم الذي لا يجدون عنه محيصًا وهو عذاب في مآكلهم ومشاربهم وأماكنهم فطعامهم الزقوم شديد المرارة منتن الرائحة كريه المنظر وشرابهم الحميم يمزق لحوم الوجوه، ثم يقطع الأمعاء ومقرهم نار تتأجج وجحيم تتوقد، وسعير تتوهج، قال الله جل وعلا وتقدس: { أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا البُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِّنْ حَمِيمٍ * ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الجَحِيمِ } ، وقال: { وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا } ، وقال: { وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ } .
787، 788- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر قصة إبراهيم الخليل –عليه السلام- مع قومه ودعوتهم إلى الله وتصلبه في دين الله وإنكاره عليهم عبادة الأصنام وتكسيره لها وجعلها جذاذًا.
ثانيًا: كيدهم له ونجاة الله له وجعل النار بردًا وسلامًا، قال الله جل وعلا: { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ } إلى قوله: { فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِينَ } .(3/177)
789- من هدي القرآن للتي هي أقوم: أن الإنسان إذا لم يتمكن من إقامة الدين على الوجه المرضي في أرض ينبغي أن يهاجر إلى أرض أخرى يتمكن بها من إقامة دينه، قال الله إخبارًا عما قال الخليل: { وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ } ، وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ } إلى قوله: { عَفُوًا غَفُورًا } .
790- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر قصة إبراهيم الخليل –عليه السلام- مع ابنه إسماعيل؛ لما فيها من العظة والاعتبار وتقوية الإيمان وزيادته، قال الله جل وعلا: { فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ } إلى قوله: { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُؤْمِنِينَ } .
791- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر طرف من قصة موسى وهارون، وما منَّ الله به عليهما من الخير الكثير من النبوة والرسالة والدعوة إلى الله ونجاتهما من عدوهما فرعون ونصرهما عليه، وإنزال التوراة عليهما وهدايتهما إلى الطريق المستقيم، وإبقاء الذكر الجميل عليهما – والسلام عليهما-، قال الله جل وعلا: { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الكَرْبِ العَظِيمِ } إلى قوله: { إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا المُؤْمِنِينَ } .(3/178)
792- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر من قصة إلياس ودعوته قومه إلى التوحيد، واستنكاره لعبادتهم لبعل وتركهم عبادة الله، وإنذاره لقومه وتحذيره إياهم بأس الله، فكذبوه، واستمروا في غوايتهم، قال الله جل وعلا: { وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ تَتَّقُونَ * أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الخَالِقِينَ } إلى قوله: { إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ المُخْلَصِينَ } .
793- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر طرف من قصة لوط وقومه أهل سذوم، ودعوته إياهم إلى توحيد الله ونهيه إياهم عن الشرك وفعل الفاحشة، فلم يقبلوا نصحه، فأهلكهم الله، ونجاه الله وأهله من بين أظهرهم، إلا امرأته أهلكت مع من هلك، قال تعالى: { وَإِنَّ لُوطًا لَّمِنَ المُرْسَلِينَ * إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عَجُوزًا فِي الغَابِرِينَ } إلى قوله: { وَبِاللَّيْلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } .
794- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر طرف من قصة يونس ابن متى حيث أثنى الله عليه، كما أثنى على إخوانه المرسلين بالنبوة والرسالة والدعوة إلى الله وترك عبادة الأصنام، ثم ذهب فركب مع قوم في سفينة، ولما جاوزا الساحل هاجت الأمواج، وخافوا أن يغرقوا، فاقترعوا على رجل يلقونه من بينهم يتخففون به، فوقعت القرعة على يونس، فأبوا أن يلقوه، ثم أعاودها، فوقعت عليه، فقام يونس فألقى نفسه، فالتقمه الحوت وهو مليم، قال تعالى: { وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الفُلْكِ المَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ المُدْحَضِينَ } إلى قوله: { فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ } ، وقال: { فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ } .(3/179)
795- من هدي القرآن للتي هي أقوم: تنبيه العباد إلى ذكر الله والإكثار مما يقرب إليه في أوقات الرخاء، قال تعالى في قصة يونس: { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } ، وقال تعالى: { إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } .
796- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الحث على تنزيه الله عما لا يليق بجلاله وعظمته، قال الله جل وعلا وتنزه عما يقولوا الظالمون علوًا كبيرًا: { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ } .
797- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر قصة داود –عليه السلام- للاتعاظ والاعتبار والاقتداء به، ومن صفاته أن الله وصفه بالعبودية، وأنه صاحب الأيدي والقوة على العبادة، وأنه أواب رجاع إلى الله كثير التوبة والرجوع إليه، وأن الله سخر له الجبال تسبح معه، وسخر الطير محشورة معه، وأنه قوي ملكه بالقوة المادية والأدبية، وآتاه الحكمة والنبوة والعلم وإصابة الغرض والعدل في الأحكام، وقال الله جل وعلا وتقدس: { اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ * وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الحِكْمَةَ وَفَصْلَ الخِطَابِ } .(3/180)
798- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر القصة الواقعة لداود؛ لما فيها من الأخبار العجيبة، قال الله جل وعلا وتقدس: { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا المِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ } الآية.
799- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إرشاد العباد إلى أنه ينبغي للمسلم أن يطمئن أخاه إذا حصل عنه خوف وفزع. ثانيًا: أنه ينبغي للقاضي والعالم أن لا يشمئز ويغضب إذا نصح وطلب منه العدل كما في قصة الخصمين لما فزع منهما داود، قالا: { لاَ تَخَفْ } ، وقالا: { فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ } .
800- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أن كثيرًا ممن يتعاملون ويتشاركون يجور بعضهم على بعض إلا الذين يؤمنون بالله، ويعملون الصالحات، فإن نفوسهم تعزف عن الظلم؛ لما عندهم خوف الله وخشيته، وما أقلهم عددًا وأندرهم وجودًا، قال تعالى: { وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ } .
801، 802، 803- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الإرشاد والتنبيه إلى الحكم بين الناس بالعدل الذي هو حكم الله بين عباده؛ لما فيه من المصلحة لهم في الدنيا والآخرة.
ثانيًا: النهي عن إتباع الهوى في الحكومة، وغيرها من أمور الدين والدنيا.
ثالثًا: التحذير من سوء عاقبة إتباع الهوى.(3/181)
قال جل وعلا وتقدس: { يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ } .
804- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إرشاد العباد إلى قدرة الله وتمام حكمته في خلق السموات والأرض وما بينهما، وأنه لم يخلقهما عبثًا ولعبًا، بل لفوائد ومصالح، قال تعالى: { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً } ، وقال: { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } .
805- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أن مقتضى عدل الله وحكمته ألا يساوي بين الذين أحسنوا، فعملوا الصالحات، والذين اجترحوا السيئات، ودسوا أنفسهم بكثير الآثام والمعاصي والذنوب، قال تعالى: { أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ المُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ } ، وقال: { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } الآية، وقال: { أَفَنَجْعَلُ المُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } .
806، 807، 808- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الحث على التدبر والتفكر في معاني القرآن.
ثانيًا: إرشاد العباد إلى أن القرآن كثير الخيرات عظيم البركات، فيه الهدى من الضلال، وشفاء من كل داء، ونور يستضاء به في الظلمات، وموعظة للمؤمنين، وفيه كل حلم يحتاج إلى المكلفون.
ثالثًا: تنبيه العباد إلى أن القرآن من أفضل الأعمال، وأن القراءة بالتدبر أفضل من السرعة بالقراءة.(3/182)
قال تعالى: { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ } ، وقال تعالى: { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ } .
809- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إرشاد العباد إلى استعمال الأدب في الدخول على الناس، وبالأخص الحكام والرؤساء، ولذلك الخصمان لما دخلا على داود في غير وقت الجلوس للخصوم، ودخلوا بغير إذنه، ولم يدخلوا من الباب، بل تسلقوا سور الغرفة، خاف منهم وشق عليه ذلك، كما يفهم من القصة، قال تعالى: { إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ } .
810، 811- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إرشاد العباد إلى الحلم.
ثانيًا: أن سوء أدب الخصم لا يمنع من بيان الحكم كما تفيده الآية الكريمة، فإن داود -عليه السلام- استعمل الحلم وبين الحكم مع سوء أدب الخصمين ولا وبخها ولا انتهرهما، ولنا بأنبياء الله ورسله أسوة، قال الله لرسوله: { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ } .
812، 813- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الحث على كثرة الصلاة خصوصًا عندما يصدر من الإنسان بعض الذنوب، قال تعالى: { وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } ، وقال تعالى: { وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ } .
814- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إرشاد العباد إلى أن ما ألهى وأشغل عن طاعة الله لا ينبغي إبقاؤه اقتداء بسليمان –عليه السلام- لما ألهته الخيل عن الصلاة أتلفها، قال الله جل وعلا إخبارًا عن سليمان: { إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ } .(3/183)
815، 816- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التنبيه إلى أن القضاء بين الناس مرتبة شريفة تولاها رسل الله، ولا بأس بها لمن اجتمعت فيه الشروط وانتفت عنه الموانع، وكذلك الفتيا، بل ربما وجبا على العالم إذا لم يوجد من يقوم بهما غيره.
ثانيًا: بيان أن الناس يتفاوتون في أفهامهم، قال تعالى: { وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ القَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاً آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا } .
ثالثًا: الأمر بالحكم بالحق والتحذير من إتباع الهوى، قال تعالى: { يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ } .
817- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إرشاد المؤمن إلى أن يكون قويًا في طاعة الله، وأن لا يركن إلى العجز والكسل، فقد مدح الله داود على قوته.
قال تعالى: { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } أي القوة على عبادة الله.
818- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر قصة أيوب –عليه السلام- للاعتبار والاتعاظ والاقتداء به في صبره على البلاء، قال الله جل وعلا: { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } ، وقال: { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } .(3/184)
819- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إرشاد العباد إلى أن من صبر ولم يتضجر والتجأ إلى الله يعوضه ويثيبه، قال تعالى مخبرًا عن أيوب: { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ } ، وقال: { وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ } .
820- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إرشاد العباد إلى قدرة الله، حيث نبع الماء بسرعة لأيوب –عليه السلام-، قال تعالى: { ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } فاغتسل وشرب، فذهب عنه الضر والأذى، وقال تعالى: { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } .
821- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر قصص عباد الله المصطفين الأخيار الذين شرفهم الله بطاعته وقواهم على العمل بما يرضيه، وآتاهم البصيرة في الدين والفقه في أسراره والعلم والعمل النافع به، واختار لهم أكمل الأخلاق والصفات الحميدة والخصال السديدة، فبتذكرهم وأعمالهم وأخلاقهم يشتاق الموفقون فيقتدرون بهديهم، قال تعالى: { وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ المُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ * وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ الأَخْيَارِ * هَذَا ذِكْرٌ } .(3/185)
822- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الحث على الإكثار من تذكر الآخرة؛ لما في ذلك من الحث على طاعة الله والجد والاجتهاد فيها، والاستعداد للقاء الله، قال تعالى عن المخلصين من عباده: { إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ } ، أي إنا جعلناهم خالصين لطاعتنا عاملين بأوامرنا ونواهينا لاتصافهم بخصلة جليلة الشأن، لا يساويها غيرها من الخصال، وهي تذكرهم الآخرة، فهي مطمح أنظارهم ومطرح أفكارهم في كل ما يأتون وما يذرون ليفوزوا بلقاء ربهم، وينالوا رضوانه في جنات النعيم.
823- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر ما يحفز عزائم المؤمنين ويقوي رغباتهم مما أعد الله لأهل الجنة من النعيم المقيم والعيش السليم، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ... قال تعالى: { وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ * جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأَبْوَابُ * مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ * وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ } إلى قوله: { إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ } .
824- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر مآل الطاغين، وما أعد الله لهم من العذاب الأليم، وهو وصف قوي رهيب يثير الرعب والفزع في قلوب الطغاة المجرمين الجاحدين؛ ليرعوا، ويقوى عزائم المتقين في الجد والاجتهاد في الباقيات الصالحات، قال الله جل وعلا: { هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ المِهَادُ * هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ * وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } .(3/186)
825- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر ما يكون بين الكافرين في النار من حوار وعتاب وتلاوم وتحمل كل فريق مسئولية المصير السيئ الذي صار إليه على الفريق الآخر، وهي تتضمن تقريع الكفار وإنذارهم وتخويفهم، قال الله جل وعلا: { هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لاَ مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُواْ النَّارِ * قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَبًا بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ القَرَارُ } إلى قوله: { إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ } .
826- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إيذان الناس بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس إلا نذيرًا يحذر من شر المصير إذا تمسكوا بالضلال، وينبههم إلى ما فيه الهدى والخير، ويدعوهم إلى الإقرار بأن لا إله إلا الله رب السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفار، قال تعالى: { قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللَّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ * رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا العَزِيزُ الغَفَّارُ } .
827- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر قصة خلق آدم وسجود الملائكة له بأمر الله تعالى وتمرد إبليس على هذا الأمر، والعبرة منها التحذير عن الحسد والكبر؛ لأن إبليس –لعنه الله- إنما وقع فيما وقع فيه بسببهما، والكفار إنما نازعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - بسببهما، وكرر ذكرهما ليكون زاجرًا عنهما، وتكرير المواعظ للمبالغة في النصح والإرشاد، قال الله جل وعلا: { إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ المَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ } إلى قوله تعالى: { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } .(3/187)
828- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أن الله غني عما سواه من المخلوقات، فهو لا يريد بعبادته جر منفعة ولا دفع مضرة، ولكنه لا يرضى لعباده الكفر، بل يرضى لهم الشكر، فأمره ونهيه محض فضل وإحسان على العباد، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ } ، وقال: { إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ } ، وقال موسى: { إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ } .
829- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر مقابلة بين العامل بطاعة الله القانت في جوف الليل ساجدًا وقائمًا يدعو ربه، ويحذر حسابه، ويخشى عقابه، ويرجو رحمته، أيستوي هذا ومن أشرك بالله وجعل له أندادًا لا يستوون عند الله، قال جل وعلا: { وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ * أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ } الآية، وقال تعالى: { لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } الآية.(3/188)
830، 831، 832، 833- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر عدة نصائح أمر الله نبيه أن ينصح بها المؤمنين، وهي مشتملة على فوائد عديدة، ومصالح عظيمة دنيا وأخرى، منها: الأمر بتقوى الله وطاعته، ومنها: أنها إذا تعذرت طاعة الله في بلد يتحولوا عنه إلى بلد يتمكنون فيه من إظهار الدين والاشتغال بعبادة الله وطاعته، قال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } .
ومنها: أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يعبد الله مخلصًا له الدين، فيجب على جميع العباد أن يعبدوا الله مخلصين له الدين، ومنها: أنه أمر - صلى الله عليه وسلم - أن يقول لهم: إني أخاف عذاب يوم القيامة، ففي ذلك زجر عن المعاصي، قال الله جل وعلا: { قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ } إلى قوله: { قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي } .
834- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان الخاسرين حقيقة وأنه لا خسران يساوي خسرانهم ولا عقوبة تدانيه، فالخاسر حقيقة هو الذي يخسر نفسه وأهله؛ لأنهم إن كانوا من أهل النار، فقد خسروهم كما خسروا أنفسهم، وإن كانوا من أهل الجنة، فقد ذهبوا عنهم ذهابًا لا رجوع بعده، قال الله جل وعلا: { قُلْ إِنَّ الخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الخُسْرَانُ المُبِينُ } .(3/189)
835- من هدي القرآن للتي هي أقوم: وصف شدة عذاب أهل النار للتخويف والاتعاظ والانزجار والجد والاجتهاد في الباقيات الصالحات، قال الله جل وعلا: { لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ } .
وقال: { لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ } .
وقال: { سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وَجُوهَهُمُ النَّارُ } .
وقال: { يَوْمَ يَغْشَاهُمُ العَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ } .
وقال: { فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ } الآية.
836- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر البشارة والثناء و المدح لعباد الله الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأحسن القول على الإطلاق كلام الله، وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -، قال الله تعالى: { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى } ، قال تعالى: { فَبِشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ } .(3/190)
837- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أن من سبق عليه القضاء، وحقت كلمة الله عليه لا يقدر الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا غيره من الخلق أن يجعله مؤمنًا فينقذه من النار، قال الله جل وعلا: { أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ العَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ } ، وقال: { مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ } ، وقال جل وعلا: { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } ، وقال: { إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ } ، وقال: { مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ المُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًا مُّرْشِدًا } .
838- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر صفات للدنيا توجب النفرة منها، كسرعة زوالها وتقضيها وشيكا تحذيرًا من الاغترار بها والركون إلى زخارفها ولذاتها، فالمعتمد عليها معتمد على أوهى من بيت العنكبوت، فمثل حالها بحال نبات يسقى بماء المطر، فيخرج به زرع مختلف الأصناف والأنواع، وبعد قليل يجف وييبس ويصير فتاتًا متكسرًا، فما أسرع زواله، قال الله جل وعلا: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ } ، وقال: { اعْلَمُوا أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا } .(3/191)
839- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر حال من يقي نفسه بوجهه الذي هو أشرف أعضائه سوء العذاب يوم القيامة، لكون يده قد صارت مغلولة إلى عنقه ويقرع ويبكت، ويقال له ولأمثاله من الظالمين: { ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } ، كمن يأتي آمنا يوم القيامة، قال تعالى: { أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ العَذَابِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } ، وقال: { فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَابًا } ، وقال تعالى: { أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ القِيَامَةِ } .
840- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ضرب الأمثال، أي تمثيل حال عجيبة بأخرى مثلها؛ للاتعاظ، والتذكر، والاعتبار، ومن ذلك ما ضربه الله مثلاً للكافر الذي يعبد غير الله، والمؤمن الموحد المخلص لله الذي لا يشرك بعبادة ربه أحدًا، فمثال الكافر كعبد يملكه شركاء متنازعون مختلفون يخاصم بعضهم بعضًا وهو بينهم موزع، ولكل منهم فيه توجيه، ولكل منهم عليه تكليف، وهو بينهم حائر لا يستقر على نهج ولا يستقيم على طريق، ولا يقدر أن يرضي الجميع، ومثال الموحد كعبد يملكه سيد واحد لا مشارك له فيه، قال الله جل وعلا وتقدس: { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } .(3/192)
841- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر هول ما سوف يلقاه المشركون الظالمون لأنفسهم يوم القيامة، حيث يعرضون لعذاب يكون من الشدة ما يهو عليهم معه أن يفتدوا منه بما في الأرض ومثله معه لو يملكونه، وحيث ظهرت لهم مساوئ أعمالهم، ففي ذكر مثل هذا أبلغ تذكير، وأبلغ وعظ، قال الله جل وعلا: { وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ العَذَابِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ * وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } .(3/193)
842- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر صورة من صور مواقف المشركين، وهي أنهم يشمئزون وينقبضون، وتمتلئ قلوبهم غيظًا وغمًا، وينفرون إذا ذكرت كلمة التوحيد: { لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ } ، عكس ما عليه المؤمنون الموحدون المحبون لله ورسله وأوليائه الفرحون المستبشرون بكلمة التوحيد، وإذا ذكرت المعبودات من دون الله من أصنام ونحوها، إذا هم يسرون ويفرحون ويستبشرون والاستبشار أن يمتلئ القلب سرورًا وفرحًا، فتنسبط له بشرة الوجه، وهذه حالة نفسية تتكرر في شتى البيئات والأزمان، فمن الناس من تشمئز قلوبهم وتنقبض نفوسهم عندما يسمعوا تلاوة كلام الله، وأكثر ما يكون ذلك عند من عنده مذياع إذا فتحه، فإن كان قرآنًا اشمئز، وإن كان غناء انبسط، وكذا عندما يسمعوا ذكر الله أو يروا أهل الدين والصلاح، وعندما يسمعوا أغاني الصادين عن ذكر الله المطربين والمطربات، والبحث حول الملاهي والمنكرات يهشون ويبشون ويرحبون، ويسرون، ويفتحوا صدورهم ويبسطوا ألسنتهم للأخذ والرد، نعوذ بالله من هذه الحالة الزائغة، قال الله جل وعلا وتقدس: { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } ، وقال: { وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي القُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا } ، وقال: { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } ، وقال: { وَيُلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } ، وقال: { إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ } .(3/194)
843- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أن المعبودات من دون الله لا تقدر أن تكشف ضرًا أراد الله به أحدًا ولا تقدر أن تمسك رحمة أراد الله بها أحدً، قال الله جل وعلا: { قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ } ، وقال: { وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ } ، وقال تعالى: { مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ } .
844- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان حالة الإنسان وطبيعته، فأمره عجيب يدعو إلى الدهشة والحيرة، وذلك أنه إذا مسه ضر فقر أو مرض أو شدة أو كرب جأر إلى الله، واستعان به ليكشف ما نزل به من الضر، وإذا تغيرت الحال ونال شيئًا من الرخاء أو أزال عنه ما به من علة بغى وطغى، وقال: إنما أوتيته على علم من الله أني له أهل وأني مستحق له، قال الله جل وعلا: { فَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتَْةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } .(3/195)
845- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إرشاد العباد إلى أن بسط الرزق وتقتيره بيد الله يبسطه تارة ويقبضه أخرى، وله في ذلك حكم تخفى على كثير من الناس، وليس ذلك لسعة الحيلة، وحسن التدبير، فإنا نرى كثيرًا من العقلاء المفكرين أصحاب التدبير للمال وحسن تصريفه في ضيق شديد، ونرى كثيرًا من الجهلاء والحمقى والمغفلين في بحبوحة من العيش ورغد عظيم منه، قال الله جل وعلا: { أَوَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } .
846- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إخبار العباد المسرفين على أنفسهم بسعة كرمه وجوده ولطفه بعباده، وحثهم على التوبة والإنابة، قال جل وعلا: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَه } الآية، وقال: { وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا } .(3/196)
847- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الحث على المبادرة إلى العمل والتحذير البليغ عن التحسر والندامة، قال الله جل وعلا: { أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ المُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى العَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ المُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الكَافِرِينَ } ، وقال: { قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ } ، وقال: { وَلَوْ تَرَى إِذِ المُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ } ، و قال تعالى: { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } .(3/197)
848- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان مصير الكافرين، الذين كذبوا على الله بالشرك حيث تسود وجوههم وتعلوها غبرة ترهقها قترة، فيتميزون بذلك، فيعرهم أهل الموقف، وبيان مصير السعداء المؤمنون المتقون الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذي عاشوا في حذر من الآخرة، وفي طمع في رحمة الله، فهم اليوم يجدون النجاة والفوز والأمن والسلامة، قال الله جل وعلا: { وَيَوْمَ القِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وَجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ * وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } ، وقال تعالى: { وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وَجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } .
وقال في السعداء: { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وَجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } ، وقال: { وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } ، وقال تعالى: { وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أَوْلَئِكَ هُمُ الكَفَرَةُ الفَجَرَةُ } ، وقال: { تَعْرِفُ فِي وَجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ } .(3/198)
849- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أن الله جل وعلا هو خالق الأشياء كلها وهو ربها ومليكها والمتصرف فيها، وكل تحت تدبيره وقهره وكلأته وهو الحافظ لها، قال تعالى: { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ } الآية.
850-من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أن المشركين لم يعظموا الله حق التعظيم، ولم يقدروه حق قدره إذ عبدوا معه غيره، وهو العظيم الذي لا أعظم منه القادر على كل شيء، وكل شيء تحت قهره وقدرته، قال تعالى: { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } ، وقال تعالى: { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ } .
851- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر مقدمات يوم القيامة؛ للاتعاظ، والتذكر، والاعتبار، والاستعداد، والجد، والاجتهاد في الأعمال الصالحات، قال الله جل وعلا: { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } .
852، 853، 854، 855- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان إشراق الأرض بنور ربها أرض الساحة التي يتم فيها الاستعراض.
ثانيًا: وضع الكتاب الحافظ لأعمال العباد.
ثالثًا: مجيء النبيين ليكونوا شهداء على أممهم.
رابعًا: مجيء الشهداء الحفظة من الملائكة على أعمال العباد.
قال الله جل وعلا: { وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ } ، فتبين بهذا أنه يحضر في محفل القيامة جميع ما يحتاج إليه في فصل الحكومات وقطع الخصومات.(3/199)
856- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أنه يوصل إلى كل أحد حقه كاملاً غير منقوص، ودل على ذلك بأربع عبارات:
1- أنه يقضي بين العباد بالعدل والصدق.
2- لا زيادة في عقاب ولا نقص في ثواب.
3- أنه يعطي كل نفس جزاء ما عملت جزاء كاملاً.
4- أن الله عالم بما فعلوا في الدنيا دون حاجة إلى كاتب أو حاسب، فلا يفوته شيء من أعمالهم، ومن ثم حكمه بينهم بالعدل والإنصاف، قال الله جل وعلا: { وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ } .
857، 858- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر تفصيل توفية كل نفس عملها، أما الكفار فلا تسأل عن فظاعة ما يحل بهم من الأهوال والشدائد والكروب والمخاوف والمزعجات والتأنيب والتوبيخ من خزنة جهنم، وسياقهم لهم بعنف وغلظة وشدة، قال تعالى: { وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ العَذَابِ عَلَى الكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى المُتَكَبِّرِينَ } ، وقال في الآية الأخرى: { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا } ، وقال في الآية الأخرى: { هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لاَ مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُواْ النَّارِ * قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَبًا بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ القَرَارُ } ، وقال: { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًا } .(3/200)
وأما المتقون الموحدون الذين عملوا بطاعة الله، فلا تسأل عن أحوالهم وما يلاقونه إذ ذاك من الحفاوة والإكرام والنعيم المقيم، وما يقال لهم وما يقولون، قال تعالى: { وَسِيقَ الَذينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ العَامِلِينَ * وَتَرَى المَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ العَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ } ، وقال: { جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأَبْوَابُ } ، وقال: { وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } .
859، 860، 861- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر الجمع بين الترغيب والترهيب.
ثانيًا: الحث على التوبة.
ثالثًا: ذكر ما يدل على تفضل الله وإحسانه.
قال الله جل وعلا: { غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ العِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ المَصِيرُ } .
862-866- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أن الملائكة المقربين حملة العرش ومن حوله يحبون المؤمنين، ويطلبون لهم ولآبائهم وأزواجهم وذريتهم المغفرة.
ثانيًا: التنبيه على لطف الله بعباده المؤمنين حيث قيض لأسباب سعادتهم أسبابًا خارجة عن قدرتهم من استغفار الملائكة لهم ودعائهم لهم بما فيه صلاح دينهم وآخرتهم.
ثالثًا: الحث على التوبة.
رابعًا: الحث على التمسك بدين الإسلام؛ لأنه هو سبيل الله.(3/201)
خامسًا: التحذير البليغ عن السيئات؛ لأنها سبب لمنع الرحمة، قال الله جل وعلا: { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الجَحِيمِ } إلى قوله: { وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ } .
867- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان حال الكفار بعد دخولهم النار، وما يقال لهم وهم في موقف الذل بعد الاستكبار، وموقف الرجاء ولات حين رجاء، قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ } .
868، 869- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أن الله يُري عباده آياته الكونية، وآياته القرآنية الشاهدة له بالوحدانية والقدرة والعلم والحكمة والرحمة.
ثانيًا: بيان أنه ما يعتبر بآيات الله ويستدل بها على عظمة الله إلا من نور الله بصيرته، ورجع إلى الله في جميع أموره، فدلائل التوحيد مركوزة في العقول لا يحجبها إلا الاشتغال بعبادة غير الله والانكباب على الدنيا وزخارفها وملاذها، قال الله جل وعلا: { هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ } ، قال تعالى: { وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ } ، وقال: { وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ } ، فهؤلاء هم المتعظون هم أصحاب العقول السليمة من شوائب الاختلال.(3/202)
870- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الحث على دعاء الله وإخلاص العمل له ولو كره الكافرون والمنافقون، قال الله جل وعلا: { فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ } .
871- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الحث على الاستعداد ليوم التلاق الذي يتلاقى فيه الخلائق كلهم، ويلاقي الناس فيه أعمالهم التي قدموها في الحياة الدنيا، ويتلاقى الناس والملائكة والجن، وتشهد جميع الخلائق ذلك اليوم العظيم، قال تعالى: { لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ * يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ لِلَّهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لاَ ظُلْمَ اليَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الحِسَابِ } ، وقال: { وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا } ، وقال: { وَبَرَزُوا لِلَّهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ } ، وقال: { ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } .(3/203)
872- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر أوصاف هائلة في يوم القيامة تصطك منها المسامع وتشيب من هولها الولدان، يوم يعظم فيه الخوف تصل القلوب فيه إلى الحناجر من الروع والفزع والكرب والدهشة، وهم كاظمون لأنفاسهم وآلامهم ومخاوفهم، والكظم يكربهم ويثقل صدورهم، قال الله جل وعلا: { يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالأَبْصَارُ } ، وقال الله تعالى: { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ القُلُوبُ لَدَى الحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } ، وقال جل وعلا: { فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الوِلْدَانَ شِيبًا * السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً } ، وقال: { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا } ، وقال: { فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ } .
873- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر الأدلة والبراهين على شمول علم الله بالدقيق والجليل والتنبيه على مقام المراقبة، فيكون على حذر من المعاصي، وللاجتهاد فيما يرضي الله، قال الله تعالى: { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } ، وقال: { وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } ، وقال: { أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } ، وقال: { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } .
874، 875، 876- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الحث على السير في الأرض؛ للاعتبار، والتذكير، والانزجار عن المعاصي.
ثانيًا: بيان السبب في أخذ الله الأمم المتقدمة، وذلك لكفرهم وتكذيبهم للرسل.(3/204)
ثالثًا: التحذير من عذاب الله، فإنه إذا حل ليس له دافع.
قال الله جل وعلا: { أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ العِقَابِ } .
877، 878، 879- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: الإرشاد إلى قاعدة يكثر مرورها في القرآن، وهي ما إذا كان السياق في قصة معينة، أو على شيء معين، وأراد الله أن يحكم على ذلك المعين بحكم لا يختص به، ذكر الحكم وعلقه على الوصف العام؛ ليكن أعم وتندرج فيه الصورة التي سيق الكلام لأجلها، وليندفع الإيهام باختصاص الحكم بذلك المعين، قال تعالى: { وَمَا كَيْدُ الكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ } ، فلم يقل: وما كيدهم إلا في ضلال، ومثل قوله: { مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحِسَابِ } فلم يقل من فرعون، بل أتى بالوصف.
ثانيًا: التنبيه على أن الاستعاذة لا تجوز إلا بالله.
ثالثًا: الإرشاد إلى سلوك طريق التعريض عما سيعرض من الأذى؛ ولهذا قال: { مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ } ، ولم يقل من فرعون، قال الله جل وعلا في قصة موسى مع فرعون: { وَمَا كَيْدُ الكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ } ، وقال موسى: { إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحِسَابِ } .
880، 881، 882، 883، 884- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أن الله قيض لموسى إنسانًا من آل فرعون حتى دافع عن موسى، وذب عنه على أحسن الوجوه، وبالغ في تسكين الفتنة، واجتهد في إزالة الشر.
ثانيًا: إرشاد العباد إلى الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.(3/205)
ثالثًا: التنبيه على أن الدين والعقيدة سبب قوي لجمع القلوب والتكاثف ضد أعداء الإسلام.
رابعًا: إرشاد العباد إلى مناصحة ولاة الأمور، وتبيين الحق لهم ومنعهم من الظلم حسب القدرة والاستطاعة.
خامسًا: إرشاد العباد إلى الأخذ على يد الظالم ومنعه من الظلم حسب القدرة.
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ } .
885، 886، 887، 888-من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: التحذير من الإسراف والكذب.
ثانيًا: التحذير من كفران النعم والتعرض لبأس الله وعذابه.
ثالثًا: إرشاد الواعظ والناصح أن يأتي بكلام يطيب القلوب، ويلينها، ويهيئها لقبول الحق، ويؤذن بأنه ناصح لهم؛ ليتأثروا بنصحه.
رابعًا: التنبيه على أنه ينبغي للواعظ والمرشد والناصح أن يجعل نفسه كأحد المنصوحين أو الموعوضين؛ تطبيبًا لقلوبهم وإيذانًا بأنه ناصح لهم ساع في تحصيل ما ينفعهم ودفع ما يضرهم؛ لأن ذلك أقبل وأوقر في القلوب، كما يعلم من قوله: { يَنصُرُنَا } ، وقوله: { إِن جَاءَنَا } ، قال الله جل وعلا إخبارًا عما قاله مؤمن آل فرعون: { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ * يَا قَوْمِ لَكُمُ المُلْكُ اليَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِن جَاءَنَا } ، فيقول مثلاً المرشد أو الواعظ: ينبغي لنا أن نتجنب هذا العمل المنكر، وأن نسعى في إزالته، وينبغي أن نقوم بهذا العمل الطيب، وأن نسعى في نجاحه، وإن كان متجنبًا للأول وساعيًا في الثاني.(3/206)
889- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر الدليل على عذاب القبر، قال الله جل وعلا في حق آل فرعون: { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًا وَعَشِيًا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العَذَابِ } ، وقال: { مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا } .
890، 891، 892- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الأمر بدعاء الله.
ثانيًا: أن في أمره بذلك ما يدل على لطفه بعباده حيث دعاهم إلى ما فيه صلاحهم في الدنيا والآخرة.
ثالثًا: التحذير البليغ، والوعيد الشديد لمن استكبر عن عبادة ربه.
قال تعالى: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } ، وقال تعالى: { وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } ، وقال: { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً } ، وقال: { وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا } ، وقال: { فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } .
893، 894- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر بعض نعم الله على عباده؛ ليحمدوه ويعبدوه.
ثانيًا: الحث على شكر الله، وبيان أن الكثير من العباد لا يشكرون.
قال تعالى: { اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } ، وقال: { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } ، وقال: { إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ } .(3/207)
895، 896- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إرشاد العباد إلى آيات الله في الآفاق، وفي الأنفس، قال تعالى مع ما تقدم: { اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ العَالَمِينَ } ، وقال: { لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } .
897، 898- التنبيه على الوحدانية والإخلاص والحمد والشكر لله، قال تعالى: { هُوَ الحَيُّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ } .
899- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أنه لا يستحق العبادة إلا الله وحده لا شريك له، وبيان مراتب عمر الإنسان: 1- الطفولة. 2- بلوغ الأشد. 3- الشيخوخة.
قال الله تعالى: { قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ البَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ العَالَمِينَ * هَوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا } الآية.
900، 901- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التعجب من أحوال الكفار المجادلين في آيات الله، ومكابرتهم فيها، وتكذيبهم لكتاب الله ورسله، وما أرسلوا به من رسالة الحق والهدى.
ثانيًا: وصف ما سوف يلقونه يوم القيامة من نكال، وعذاب، وخزي، وخذلان.
قال تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ * الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ } .(3/208)
902- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان سُّنة الله في عباده، وهي أن حكم الله في جميع من تاب حين معاينة العذاب ألا تقبل منه توبة، قال الله جل وعلا: { فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكَافِرُونَ } .
903- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر حال الكفار حين يساقون إلى النار، ويحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا ويجتمعوا، حتى إذا وردوا عليها وقام الحساب إذا شهود عليهم لم يكونوا لهم في حساب، فإذا بأسماعهم وأبصارهم وجلودهم تشهد عليهم، وتروي عنهم ما حسبوه سرًا، وقد كانوا يستخفون ويستترون بجرائمهم عن الناس، ولم يكونوا ليستخفوا عن أسماعهم وأبصارهم وجلودهم؛ لأنها متصلة بهم، وها هي تفضحهم وتبين ما ظنوه مستورًا عن الخلق.
قال الله جل وعلا: { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } إلى قوله: { فَمَا هُم مِّنَ المُعْتَبِينَ } .(3/209)
904- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أن الله جل وعلا قيض، أي هيأ ويسر للمشركين قرناء من الشياطين، فزينوا لهم ما بين أيديهم من أمر الدنيا من الضلالة والكفر وإتباع الشهوات، وما خلفهم من أمر الآخرة، فألقوا إليهم أن لا جنة ولا نار، قال الله جل وعلا: { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } ، وقال: { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } ، وقال: { أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًا } ، وقال: { إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } .
905- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التحذير من مشابهة الكفار في التخليط والتشويش على من يقرأ القرآن، قال الله جل وعلا: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَسْمَعُوا لِهَذَا القُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } .
906- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر طلب الكفار حينما يرون تحقيق وعيد الله فيهم أن يريهم الذين أضلوهم من الجن والإنس، حتى يجعلوهم تحت أقدامهم في النار انتقامًا منهم لشدة حنقهم وغيضهم، وعداوتهم لهم، وبغضهم إياهم؛ لأنهم كانوا سبب المصير الرهيب الذي صاروا إليه، قال تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ الجِنِّ وَالإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِينَ } .(3/210)
907، 908- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أحوال المؤمنين الذين اعترفوا بربوبية الله، وأقروا بوحدانيته واستسلموا لأمره، ثم ثبتوا على ذلك، فاستقاموا على الصراط المستقيم أن لهم البشارة العظيمة بحصول الأمن والجنة، ونفي الحزن، قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } .
909- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر البشارة التي أعظم من الأولى، وهي قول الملائكة لهم مبشرين ومثبتين: { نَحْنُ أَوْلَيَاؤُكُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ } .
910، 911، 912، 913، 914، 915- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أنه لا أحد أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا، وقال: إنني من المسلمين، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب إليه.
ثانيًا: الحث والترغيب في الدعوة إلى الله.
ثالثًا: الحث على مقابلة المسيء بالإحسان.
رابعًا: أنه لا يوفق لمقابلة الإساءة بالإحسان إلا من له حظ وافر من السعادة.
خامسًا: الحث على الصبر.
سادسًا: الحث على الحلم.
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ * وَلاَ تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } الآية، إلى قوله: { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } .(3/211)
916- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر الطريق الوحيد لمنع تهييج الشر، ودفع الغضب إذا بدت، وظهرت بوادره، قال الله جل وعلا وتقدس: { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ } .
917- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر بعض الآيات الدالة على كمال قدرة الله ونفوذ مشيئته، وسعة سلطانه، وبديع حكمته، وسعة رحمته وعلمه، وأنه وحده لا شريك له، قال تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } .
918- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إرشاد العباد إلى أن الله غني عن العالمين، ف إن كفر به بعض خلقه، فهناك بعض آخر يؤمنون به ويلازمون طاعته دائمًا لا يفترون، قال الله جل وعلا: { فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لاَ يَسْأَمُونَ } ، وقال: { فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } ، وقال: { وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ } .
919- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر آية من آيات الله تدل على كمال قدرته، وإنفراده بالملك والتدبير وإحيائه الموتى بعد البلى، وإعادتها لهيئتها كما كانت من بعد فنائها، وهي: أنك ترى الأرض هامدة يابسة غبراء، لا نبات فيها، ولا زرع، فإذا نزل عليها الماء تحركت، واهتزت وانتفخت، وأخذت تتكشف عن أنواع النبات من زروع وثمار.
قال الله تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي المُوتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .(3/212)
920، 921، 922- من هدي القرآن للتي هي أقوم: أولاً: التحذير الشديد لمن يلحد في آيات الله.
ثانيًا: التنبيه على أن المؤمنين يأتون آمنين، وأن الكفار الملحدين يلقون في النار.
ثالثًا: الإنذار والتهديد للملحدين، قال الله جل وعلا: { إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ القِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } .
923- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الإخبار عن طبيعة الإنسان من حيث هو وبيان أنه لا يمل من دعاء الخير لنفسه، وجلبه إليه، فتجده دائمًا يدعو ويسأل الله المال والعافية والعز والرفعة والجاه، وعندما يصيبه الشر بلاء شدة مرض، فقر، تجده يؤسًا م روح الله قنوطًا من رحمته، وهذه الصفات لا يخفف من حدتها أو يعدل من سورتها، أو يقلبها بالمرة إلا إتباع الكتاب والسُّنة، قال تعالى: { لاَ يَسْأَمُ الإِنسَانُ مِن دُعَاءِ الخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ } إلى قوله: { وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ } .
924- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر خمسة أوصاف للإنسان:
أولاً: أنه لا يمل من طلب الخير.
ثانيًا: أنه إذا مسه الشر يؤس قنوط.
ثالثًا: أنه إذا أذاقه الله رحمة من بعد ضراء مسته نسي ما كان عليه أولاً.
رابعًا: إعراضه عن شكر ربه.
خامسًا: أنه عندما يمسه الشر يطيل الدعاء، والتضرع إلى الله.
925- من هدي القرآن للتي هي أقوم: لفت أنظار العباد وحثهم إلى التأمل والتفكر والتدبر في آيات الله الدالة على كمال قدرته ولطيف صنعته وبديع حكمته، وواسع علمه، قال تعالى: { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ } ، وقال تعالى: { وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } .(3/213)
926- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أن ما أوحي إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - من الدعوة إلى التوحيد والإيمان بالله واليوم الآخر، والتزهيد في جمع حطام الدنيا والترغيب فيما عند الله، وتجميل النفس بفضائل الأخلاق وإبعادها عن رذائل الخلال مثل ما أوحي إلى سائر الأنبياء من كتب الله المنزلة عليهم المشتملة على ذلك، قال الله جل وعلا: { كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ العَزِيزُ الحَكِيمُ } ، وقال تعالى: { مَا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ } الآية، وقال: { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ } .
927، 928- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أن إجماع الأمة حجة قاطعة.
ثانيًا: الرد على القوانين الوضعية.
قال تعالى: { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } ، وقال جل وعلا وتقدس: { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } ، وقال: { إِنِ الحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ } ، وقال: { وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا } .
929،930، 931- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أكبر نعمة أنعم الله بها على عباده، وهي أنه شرع لعباده من الدين ما وصى به نوحًا، وما أوحى به إلى محمد، وما وصى به إبراهيم وموسى وعيسى، وهو دين الإسلام والثبوت عليه.
ثانيًا: النهي عن التفرق والاختلاف.
ثالثًا: الحث على الاجتماع.
قال الله جل وعلا: { شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } .(3/214)
932، 933، 934، 935، 936- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: الأمر بالدعوة إلى الملة الحنيفية ملة إبراهيم.
ثانيًا: الأمر بالاستقامة والثبات على عبادة الله كما أمر.
ثالثًا: النهي عن إتباع أهواء المشركين.
رابعًا: الأمر بالإيمان بكتب الله.
خامسًا: الأمر بالعدل.
قال جل وعلا: { فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ المَصِيرُ } .
937، 938- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان إمتنان الله على عباده بقبول توبتهم إذا تابوا ورجعوا إليه.
ثانيًا: الحث على لزوم الحذر من الذنوب، والحث على الإخلاص لله وحده.
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } .
939- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان ما سوف يكون من أمر الظالمين في ذلك اليوم، حيث يستولى عليهم الخوف من نتائج تمردهم، وسوء أعمالهم التي هي واقعة عليهم حتمًا، في حين يكون الذين آمنوا بالله وحده وصدقوا المرسلين وقدموا صالح الأعمال منعمين في روضات الجنات، يتمتعون بما يشاءون، قال تعالى: { تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الفَضْلُ الكَبِيرُ } إلى قوله: { إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ } .(3/215)
940- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التحذير عن صد المؤمنين عن سبيل الله، قال الله جل وعلا وتقدس: { وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } .
941- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إرشاد العباد إلى العمل بكتاب الله، والحث على العدل والإنصاف، قال الله جل وعلا: { اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ } ، وقال: { وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ المِيزَانَ } ، وقال: { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } .
942- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان موقف المؤمنين من الساعة، وبيان موقف غير المؤمنين منها، أما المؤمنون فهم خائفون وجلون منها، وجلون من مجيئها؛ لأنهم لا يدرون ما يهجمون عليه، وهم موقنون أنهم محاسبون ومجزيون على أعمالهم، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، كما أنهم يعلمون أن مجيئها حق لا ريب فيه،ولذاتها وطيباتها يؤتى منها ما قسمه الله له، وليس له في ثواب الآخرة حظ، قال تعالى: { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } ، وقال: { مَن كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } .
943، 944- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التحذير من الجراءة على الله في شرع ما لم يشرعه الله من تحريم ما أحل، وتحليل ما حرم.(3/216)
ثانيًا: الرد على القوانين الوضعية، قال الله تعالى: { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ } .
945- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إرشاد العباد إلى صدق النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن ما جاء به حق؛ لأن من سنن الله إبطال الباطل، ونصرة الحق، وقد أيد الله النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنصر والقوة، قال الله جل وعلا وتقدس: { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِن يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ البَاطِلَ وَيُحِقُّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } ، وقال: { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوَتِينَ } ، وقال تعالى: { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا } إلى قوله: { وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا } ، وقال: { هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ } .(3/217)
946، 947- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التنبيه على خلق من وأما غير المؤمنين فيطلبون تعجيلها لشدة إنكارهم لها ولتكذيبهم بها، وعنادهم، وتعجيزهم لربهم، قال الله جل وعلا وتقدس: { يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الحَقُّ أَلاَ إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ } ، وقال: { يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ } ، وقال تعالى في صفة المؤمنين: { الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ } ، وقال: { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } ، وقال تعالى: { وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا } ، وقال: { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا } ، وقال: { يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالأَبْصَارُ } ، وقال في حق الآخرين: { بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا } .
948- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التنبيه على لطف الله بعباده، ورزقه لمن يشاء دون مانع ولا حائل، قال الله جل وعلا: { اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ القَوِيُّ العَزِيزُ } .
949- من هدي القرآن للتي هي أقوم: أولاً: التنبيه على أن الذين يبتغون الآخرة بإيمانهم، وأعمالهم الصالحة يضاعف الله لهم ذلك الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وأن من كان يريد بأعماله وكسبه حرث الدنيا وهو متاعها أخلاق الناس بصورة عامة، وهو ميلهم إلى تجاوز الحد والظلم والبطر، إذا ما بسط الله لهم الرزق ووسع عليهم أسبابه.(3/218)
ثانيًا: تقرير بأن حكمته تعالى اقتضت من أجل ذلك أن تكون أرزاقهم بأقدار معينة، وفقًا لما يعلم من أحوالهم وأخلاقهم فهو الخبير البصير بعباده.
قال الله تعالى: { وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ } .
950- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التنبيه على أن الله عز وجل هو الذي ينزل المطر بعد ما يكون الناس قد يئسوا وانقطعت أمالهم، قال تعالى: { وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الوَلِيُّ الحَمِيدُ } ، وقال: { وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيٍْ قَدِيرٌ } .(3/219)
951- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التنبيه إلى أن الناس لتوغلهم في المادة وتعلقهم بالدنيا وحطامها الفاني، ولأنهم لا يعملون إلا لغرض يظنون الظن السيئ بمن يقوم بعمل الخير، ويدعو إليه، ويدعو إلى العمل الصالح، فهم دائمًا ينسبون أعمال الناس إلى غايات ومنافع دنيوية، ولهذا بين الرسل –عليهم أفضل الصلاة والسلام- أنهم لا يطلبون على تبليغ الدعوة أجرًا، قال جل وعلا عن نوح: { وَيَا قَوْمِ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ } الآية، وقال جل وعلا عن نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -: { قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ } الآية، وقال أيضًا: { قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ } ، وقال عن هود: { يَا قَوْمِ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } ، وقال عن رسل القرية: { اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ } ، وقال عن صالح: { وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ العَالَمِينَ } ، وكذلك قال عن لوط وشعيب.
952- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إخبار العباد أن ما يصيبهم من مصائب في أبدانهم أو أولادهم وأموالهم إنما هو نتيجة لما قدمت أيديهم، ومع ذلك فإنهم لا يصابون إلا بقليل مما يستحقون؛ لأن الله يعاملهم بالعفو، والتجاوز عن الكثير، قال الله جل وعلا: { وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ } ، وقال: { مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } .(3/220)
953- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التنبيه بِأسلوب الإنذار للمخاطبين السامعين على أن العباد ليسوا معجزي الله حيثما كانوا، فما قدره وقضاه عليهم واقع لا محالة ولا مفر منه، فلا ينبغي لهم أن يغتروا فهو محيط بهم قادر عليهم، وليس لهم من دونه ولي ولا نصير يحميهم ويمنع عنهم ما يضرهم، وقال الله جل وعلا: { وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } ، وقال تعالى: { وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الكَافِرِينَ } ، وقال: { وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ } .
954، 955، 956- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التنبيه على دلائل قدرة الله وباهر حكمته وعظيم سلطانه ورحمته بعباده، وعنايته بهم، واستحقاقه للعبادة وحده، من ذلك: 1- السفن. 2- وتسخير البحر لتجري السفن والمراكب فيه، ومنها: أن تتحرك الريح فتجري السفن أو تسكن فتقف راكدة على ظهر البحر كالجبال، ففي كل هذا آيات ربانية جديرة بالتدبر، والتفكر، والشكر لله على ذلك.(3/221)
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَمِنْ آيَاتِهِ الجَوَارِ فِي البَحْرِ كَالأَعْلامِ * إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } ، وقال جل وعلا: { وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الفُلْكِ المَشْحُونِ * وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } إلى قوله: { وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ } ، وقال: { فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ } ، وقال: { وَالْفُلْكِ الَتِي تَجْرِي فِي البَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ } إلى قوله: { لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } ، وقال: { وَتَرَى الفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ، وقال: { إِنَّا لَمَّا طَغَا المَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الجَارِيَةِ * لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } ، وقال: { وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا } إلى قوله: { وَاسْتَوَتْ عَلَى الجُودِيِّ } .
957، 958- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الحث على الزهد في الدنيا، والتنفير منها وزخرفها؛ لأن المانع من النظر في الأدلة إنما هو الرغبة في الدنيا طلبًا للرياسة والجاه، فإذا صغرت الدنيا في عين الإنسان لم يلتفت إليها، وانتفع بالأدلة ووجه نظره إلى ملكوت السموات و الأرض، وبان له أن ما أوتي العباد من وسائل الرزق وأسباب الحياة ليس إلا متاعًا قصير الأمد، لن يلبث أن يزول.(3/222)
ثانيًا: الترغيب في الإقبال على الآخرة، والاستعداد لها ببيان أن ما عند الله خير وأبقى للذين يؤمنون به، ويتوكلون عليه، قال الله جل وعلا وتقدس: { فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } ، وقال: { بَلْ تُؤْثِرُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى } ، وقال تعالى: { قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً } .
959- 966- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان صفات المؤمنين التي ينيلهم الله بها الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة، فمن أراد الاتصاف بها، فهي فيما يلي:
أولاً: الإيمان الله وتصديق رسله.
ثانيًا: أنهم يتوكلون على الله.
ثالثًا: أنهم يجتنبون كبائر الإثم، والفواحش كالقتل، والزنا، واللواط، والسرقة ونحو ذلك مما ينكره الشرع، والعقل، والطبع السليم.
رابعًا: أنهم إذا غضبوا كظموا غيظهم.
خامسًا: أنهم أجابوا ربهم إلى ما دعاهم إليه، وانقادوا لطاعته.
سادسًا: أنهم أقاموا الصلاة.
سابعًا: أنهم إذا حزبهم أمر يتشاورون فيما بينهم.
ثامنًا: أنهم ينفقون مما آتاهم الله.
تاسعًا: إذا بغى عليهم باغ ينتصرون منه.
قال الله تعالى: { وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ * وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ البَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ } .
967، 968، 969- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر مراتب العقوبات، وهي ثلاث مراتب: عدل، وفضل، وظلم.(3/223)
فالعدل: جزاء سيئة بسيئة مثلها، لا زيادة ولا نقص.
الثانية مرتبة الفضل، والإصلاح، والصفح عن المسيئ.
الثالثة: مرتبة الظلم، وهي مقابلة الجاني بأكثر من جنايته.
قال الله جل وعلا: { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } .
970، 971، 972- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أن من انتصر ممن ظلمه بعد ظلمه إياه لا حرج عليه ولا لوم ولا عقوبة ولا أذى.
ثانيًا: بيان من عليه الإثم والعقوبة، وهو الذي يبدؤ الناس بالظلم والعدوان، ويبغي، ويفسد في الأرض بغير حق.
ثالثًا: الترغيب في الصبر والعفو.
قال جل وعلا وتقدس: { وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .
973، 974، 975- من هدي القرآن للتي هي أقوم: 1- الحث على انتهاز الفرص، وتدارك الوقت. 2- التحذير من التسويف. 3- طول الأمل. 4- الأمر بإجابة داعي الله إلى امتثال أوامره، واجتناب نواهيه.
قال تعالى: { اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ } .
976- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان سعة ملك الله تعالى ونفوذ تصرفه في الملك في الخلق لما يشاء، والتدبير لجميع الأمور، وأن ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن. ثانيًا: بيان قسم هبته لعباده في النسل إلى أربعة أقسام: فمنهم من وهب له الإناث، ومنهم من وهب له الذكور، ومنهم من أعطي الصنفين، ومنهم العقيم الذي لا نسل له.(3/224)
قال تعالى: { لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }
977- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أقسام كلام الله لرسله وأنبيائه، وأنها ثلاثة أقسام: إما بطريق الوحي، أو من وراء حجاب، أو يرسل رسولاً:
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ } .
978- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التنبيه على لطف الله ورحمته بخلقه، وذلك أنه لا يترك دعاء عباده إلى الخير، وتذكيرهم بالقرآن، وإن كانوا مسرفين معرضين عنه، بل يأمر به ليهتدي من قدر له الهداية، وتقوم الحجة على من كتب له الشقاوة، قال الله جل وعلا وتقدس: { أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَن كُنتُمْ قَوْمًا مُّسْرِفِينَ } .
979- من هدي القرآن للتي هي أقوم: أولاً: ذكر الأدلة على كمال نعمة الله واقتداره بما خلقه لعباده من الأرض التي مهدها وجعلها قرارًا للعباد.
ثانيًا: إنزال الماء من السماء فأحيا به الأرض.
ثالثًا: خلق الأزواج.
رابعًا: جعله للعباد من الفلك والأنعام ما يركبون.
قال تعالى: { الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } .
980، 981، 982، 983- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إرشاد العباد وتعليمهم ما يقولونه إذا ركبوا الدواب وإذا ركبوا السفن، ومثلها سائر المركبات من قطارات، وطائرات، ومراكب، وسيارات ونحو ذلك.(3/225)
ثانيًا: التنبيه إلى أنه ينبغي للراكب حين ركوبه أن يتأمل فيما يلابسه من السير، ويتذكر منه المسافرة العظمى التي هي الانقلاب إلى الله تعالى وتقدس، فيبني أموره في مسيره ذلك على تلك الملاحظة، ولا يأتي بما ينافيها، ومن ضرورة ذلك أن يكون ركوبه لأمر مشروع.
ثالثًا: الإشارة إلى أن الركوب مخطرة، فلا ينبغي أن يغفل فيه عن تذكر الآخرة، فيذكر عند مراكب الدنيا آخر مركوب يركب عليه، وهو النعش.
رابعًا: إرشادهم إلى ما يقولونه عند نزول المنزل، قال الله جل وعلا وتقدس: { لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } ، وقال: { ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، وقال: { وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ المُنزِلِينَ } .
984، 985- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر الدليل على أن المتصدين للصد والحجاج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - هم الأغنياء والرؤساء والزعماء وأصحاب الوجاهة، والقوة من المشركين.
ثانيًا: التنبيه على أن الترف والتنعم هو سبب إهمال النظر، وسبب التمسك بالتقليد.
قال الله جل وعلا: { وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } ، وقال: { وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ } ، وقال: { بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ } .(3/226)
986- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أن حكمة الله اقتضت أن يتفاوت الناس في شئون الدنيا، فمنهم الغني والفقير، والرئيس والمرؤوس، والقوي والضعيف، والعالم والجاهل، والغبي والنبيه، والشهرة والخمول، والذكي والبليد، والعيي والفصيح، وأن هذا التفاوت هو الذي يتم به نظام المجتمع والسير به على النهج القويم، وبه يحصل تبادل قضاء المصالح والحاجات، فيستخدم بعضهم بعضًا في المال والحرف والصنائع، فيستخدم الغني الفقير ولو تساووا لم يحتج بعضهم إلى بعض، وتعطل كثير من المصالح.
قال الله تعالى: { وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } ، وقال: { انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } ، وقال: { وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ } .
987- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان حقارة الدنيا، وعظم شأن الآخرة، وأنه لولا أن يجتمع الناس على الكفر ميلاً منهم إلى الدنيا وزخرفها إذا رأوا الكفار في سعة من الرزق لجعل لمن يكفر بيوتًا مسقوفة من فضة، ومصاعد يصعدون عليها، ولبيوتهم أبوابًا من فضة، وسررًا من فضة ومن ذهب.
ثانيًا: الترغيب في الآخرة والحث على مؤهلاتها ببيان أن كل ما يمكن أن يتمتع به الكفار من بهارج الدنيا وزخارفها وذهها وفضتها ليس إلا متاعًا قصير الأمد، قاصر على الدنيا، والمتعة الحقيقية إنما هي متعة الآخرة للمتقين عند الله؛ لأنها المتعة الخالدة.(3/227)
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ } .
988، 989، 990- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أن توفر النعم، ودخول الترف، والإنهماك في الملاذ والشهوات يشغل وينسي طاعة الله.
ثانيًا: التذكير بطريقة الآباء الموحدين المخلصين.
ثالثًا: التنبيه على بقاء كلمة التوحيد في عقب إبراهيم –عليه السلام-.
قال تعالى: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ } ، وقال تعالى: { وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } .
991- التنبيه على أن الاشتراك في عذاب الآخرة لا يخفف العذاب كما كان يخففه في الدنيا، إذ يتعاونون في الدنيا في تحمل أعبائها ويتقاسمون شدتها وعناءها، وأما في الآخرة فإن لكل منهم من العذاب ما لا تبلغه طاقته، ولا قدرة له على احتماله، قال الله جل وعلا وتقدس: { وَلَن يَنفَعَكُمُ اليَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي العَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } .(3/228)
992- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الإخبار بأن كل صداقة وخلة، فإنها تنقلب إلى عداوة إلا ما كانت في الله وفي سبيله، فإنها تبقى في الدنيا والآخرة، قال الله جل وعلا وتقدس: { الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المُتَّقِينَ } .
993- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر ما يستحث المؤمن ويرغبه في التمسك بالقرآن. ثانيًا: التنبيه على أن في القرآن شرف وكرامة للرسول ولقومه؛ لأنه نزل بلغة العرب على رجل منهم، فهم أفهم الناس للقرآن العظيم.
قال الله تعالى: { فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } ، وقال: { لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } .
994، 995- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التنبيه على أن قاصر الأفهام والإدراك تنطلي عليهم الخدع، والشبه، والحيل، وتسحر ألبابهم فيستجيبون بسرعة لسوء تفكيرهم وسخافة عقولهم كقوم فرعون.
ثانيًا: الإشارة إلى أن من تعزز بشيء دون الله أهلكه الله به.
قال الله جل وعلا وتقدس عن فرعون: { فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ * فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } ففرعون تعزز بالماء فأهلكه الله به.
996، 997، 998- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر ما يتلقى به الله عباده الذين آمنوا به وأسلموا نفوسهم إليه وأخلصوا دينهم له وحده تشريفًا لهم وتكريمًا، وتثبيتًا وتطمينًا وتسكينًا لروعهم من الأهوال، والمزعجات، والشدائد، والكروب في يوم القيامة.
ثانيًا: ما يقال لهم على سبيل البشرى بدخول الجنة.
ثالثًا: ذكر طرف مما ينعمون به من النعيم المقيم.(3/229)
قال الله جل وعلا وتقدس: { يَا عِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } الآيات، وقال تعالى: { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وَلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } الآيات، وقال تعالى: { أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } ، وقال: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } ، وقال: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } الآيات، وقال: { إِنَّ أَصْحَابَ الجَنَّةِ اليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ } الآيات، وقال تعالى: { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } الآيات.(3/230)
999- من هدي القرآن للتي هي أقوم: وصف مصير المجرمين المنحرفين عن طريق الحق والهدى، فالمجرمون في عذاب جهنم خالدون لا يخفف ولا ينقطع، ولسوف يستغيثون بمالك كبير الخزنة ليتوسط لهم عند الله لا في طلب النجاة، ولا في طلب الغوث، فهم مبلسون آيسون، إنما يطلبون الهلاك السريع ليستريحوا، وهيهات، قال تعالى: { إِنَّ المُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } إلى قوله: { وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ } الآيات.
ومرة يطلبون تخفيف العذاب لو يومًا واحدًا، قال الله جل وعلا وتقدس: { وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ العَذَابِ } الآيات.
1000، 1001- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر ما خلفه الظلمة والطغاة وبيان من كانت لهم العاقبة؛ للاتعاظ، و الاعتبار، والانزجار عن المعاصي، والحث على طاعة الله في الجد والاجتهاد في الباقيات الصالحات، قال الله جل وعلا وتقدس عن فرعون وقومه: { كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ } الآيات، وقال: { فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ } ، وقال: { وَأَوْرَثْنَا القَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا } إلى قوله: { وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ } .(3/231)
1002، 1003- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان الوقت المجعول لتمييز المحسن من المسيء، والمحق من المبطل، وهو يوم القيامة يفصل الله فيه بين الخلائق الأولين والآخرين.
ثانيًا: وصف أهوال ذلك اليوم، قال الله جل وعلا وتقدس: { إِنَّ يَوْمَ الفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ * يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } الآية، وقال: { لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلادُكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ } ، وقال: { وَاتَّقُوا يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } الآية، وقال: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا } ، وقال: { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } .
1004، 1005- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان طعام أهل النار. ثانيًا: ذكر ما يقال لهم على وجه التبكيت والتوبيخ والتقريع إهانة لهم، قال الله تعالى: { إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي البُطُونِ * كَغَلْيِ الحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الحَمِيمِ * ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الكَرِيمُ } ، وقال: { ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ المُكَذِّبُونَ * لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا البُطُونَ } الآيات.(3/232)
1006، 1007- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر حال عباد الله المتقين السعداء بما يلاقونه في جنات النعيم من ضروب التكريم في المسكن والملبس والزوجات والمآكل والمشارب. ثانيًا: بيان أن هذا النعيم أبدي خالد لا يعقبه موت ولا تحول ولا انتقال، وقد ذكر الله جل وعلا من أقسام هذا النعيم خمسة:
قال الله جل وعلا: { إِنَّ المُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ * لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا المَوْتَ إِلاَّ المَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الجَحِيمِ * فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ } ، وقال: { مَثَلُ الجَنَّةِ الَتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ } .
1008، 1009- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر بعض الأدلة والحجج الباهرة الدالة على قدرة الله وحكمته ورحمته، وعلى صدق القرآن وصحة ما اشتمل عليه من الحكم والأحكام والفوائد والآداب، وهي تنقسم إلى قسمين: أدلة في الآفاق، وأدلة في الأنفس، قال الله جل وعلا وتقدس: { حم * تَنزِيلُ الكِتَابِ مِنَ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ * إِنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ * وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ * وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } .(3/233)
1010، 1011، 1012- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر الوعيد الشديد لمن يسمع آيات الله تقرأ عليه المشتملة على الوعد والوعيد والإنذار والتبشير، والأمر، والنهي، والحكم، والآداب، ثم يصر مستكبرًا كأن لم يسمعها؛ لأنها لا توافق هواه، ولا تسير مع مألوفه، ولا تعينه على باطله، ولا تقره على شره، ولا تتمشى له مع اتجاه.
ثانيًا: ذكر ما يصيب من هذا شأنه عند تلاوة آيات الله.
ثالثًا: التنبيه إلى آيات الله التي تتلى على الناس هدى لكل من حسنت نيته وسلم قلبه وأراد الحق يهديه إلى معرفة ربه بصفته المقدسة، وأفعاله الحميدة، ويهديه إلى معرفة رسل الله وأوليائهم وأعدائهم، ويهدي إلى كل خير وينهى عن كل شر.(3/234)
قال الله جل وعلا وتقدس: { تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ * وَيُلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ * مِن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئًا وَلاَ مَا اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ } ، وقال تعالى: { هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } ، وقال تعالى: { وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } ، وقال تعالى: { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } ، وقال تعالى: { جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } .
1013، 1014- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الحث على فضائل الأخلاق: الحلم، الصبر، حسن الخلق، كظم الغيظ، إزاء الكفار الذين يتجاهلون بطش الله وانتقامه.(3/235)
ثانيًا: تقرير بأن الذي يعمل العمل الصالح إنما يعمله لنفسه، والذي يعمل العمل السيئ إنما يتحمل التبعية بنفسه، ومرد الجميع إلى الله، قال الله جل وعلا وتقدس: { قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } .
1015- من هدي القرآن للتي هي أقوم: أولاً: ذكر ما امتن الله به على بني إسرائيل من النعم الدينية والدنيوية.
ثانيًا: التحذير من سلوك مسلكهم، والسير على نهجهم:
1- إنزال التوراة على موسى فيها معالم للهدى، وشرائع للناس تهديهم إلى سواء السبيل.
2- إرسال الرسل.
3- القضاء بين الناس والفصل في حكوماتهم.
4- إيتاؤهم من طيبات الأرزاق.
5- تفضيلهم على العالمين، ويخرج من هذا العموم هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس.
6- إيتاؤهم أحكامًا ومواعظ مؤيدة بالمعجزات.
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى العَالَمِينَ * وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ } الآية.(3/236)
1016- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الإرشاد إلى تباين ما بين من اكتسب السيئات وبين من كسب الحسنات، قال الله جل وعلا وتقدس: { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } ، وقال: { لاَ يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الجَنَّةِ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ } ، وقال: { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لاَّ يَسْتَوُونَ } ، وقال: { أَفَنَجْعَلُ المُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } ، وقال: { أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ المُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ } .
1017- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الإخبار بأن الله خلق السموات والأرض بالحق والعدل، ومن العدل المخالفة بين المحسن الذي قام به أوجبه عليه ربه، واجتنب ما نهاه ربه عنه، وبين المسيء الذي اقترف الآثام والذنوب والمعاصي، قال الله جل وعلا وتقدس: { وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } ، وقال تعالى: { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } ، وتقدمت الأدلة على التباين.(3/237)
1018- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التحذير من إتباع الهوى، قال الله تعالى: { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } ، وقال تعالى: { وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا } ، وقال: { وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ } ، وقال: { لاَ تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ } ، وقال: { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى * فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى } .(3/238)
1019- ذكر بعض أحوال يوم القيامة وبيان أحوال الأمم، وما تلاقيه من الشدائد انتظارًا لفصل القضاء، وذلك أن كل أمة تجثوا على ركبها مستوفزة على هيئة الخائف المخاصم بين يدي الحاكم ينتظر القضاء، وكل أمة تدعى إلى صحيفة أعمالها التي كتبتها الحفظة، وأحصوا فيها الأعمال؛ لتحاسب عليها، قال الله جل وعلا وتقدس: { وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا اليَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } ، وقال تعالى: { وُضِعَ الكِتَابُ فَتَرَى المُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا } ، وقال: { وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } ، وقال تعالى: { وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ } الآية، وقال: { بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } ، وقوله: { عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } ، وقال: { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ } ، وقال: { وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ } .(3/239)
1020- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أن الحشود العظيمة والأمم المختلفة ينقسمون إلى قسمين: حزب الله، وحزب الشيطان، وبعد انتهاء الموقف يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات النعيم، فيستريحوا من طول الارتقاب، ومن القلق ومن الاضطراب، وأما الفريق الثاني، وهم الكافرون فيلقون الخجل والخزي والتقريع والتوبيخ على ما فرط منهم في الدنيا، ويقال لهم: لا عذر لكم في الإعراض عن آيات الله حين كانت تتلى عليكم إلا الاستكبار والعناد، ويذكرون بما كانوا يقولونه في جحود الساعة، وشكهم فيها، وبما كانوا يقابلون به آيات الله من الهزء وباغترارهم بالدنيا وحطامها الفاني وزخارفها، ونسيانهم يوم القيامة، وتركهم في العذاب مقابل ذلك، فالجزاء من جنس العمل.
قال الله جل وعلا وتقدس: { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ المُبِينُ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ } إلى قوله: { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } .
1021، 1022، 1023- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الحث على حمد الله وتعظيمه وطاعته، قال الله تعالى: { فَلِلَّهِ الحَمْدُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ العَالَمِينَ * وَلَهُ الكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ } .
1024- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أنه لا أحد أضل ولا أجهل ممن يدعو من دون الله أصنامًا ويتخذهم آلهة، وهم إذا دعوا لا يسمعون ولا يجيبون إلى يوم القيامة إذ هم في غفلة عن دعائهم؛ لأنهم أحجار ونحوها.
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ } الآيات.(3/240)
وقال الخليل –عليه السلام- لأبيه: { يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا } .
وقال الله جل وعلا: { وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ * إِن تَدْعُوَهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } ، وقال: { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ } ، وقال: { وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ } ، وقال: { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ } .
1025، 1026، 1027- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان موقف الكفار من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما جاءهم به من الحق الواضح المبين، وهو أنهم سموا القرآن سحرًا، وهذا من باب قلب الحقائق الذي لا يروج ويصدق به إلا سخفاء العقول عمي البصائر، وإلا فبين ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبين السحر من المخالفاة والمنافاة أبعد مما بين السماء والأرض، وكيف يقاس الحق الذي علا وارتفع ارتفاعًا على الأفلاك، وفاق بضوئه ونوره جميع الأنوار، بالباطل الذي هو السحر الذي لا يصدر إلا من ضال ظالم، خبيث النفس، خبيث العمل مبهرج.
ثانيًا: كذبهم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قولهم: أنه افتراه واختلقه من عند نفسه، ونسبه إلى الله.
ثالثًا: الإرشاد إلى جوابهم عما رموا به النبي - صلى الله عليه وسلم - من الكذب.(3/241)
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا } الآية، وقال تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } ، وقال تعالى: { وَلَمَّا جَاءَهُمُ الحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ } ، وقال عنهم: { أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ } ، وقال: { إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ البَشَرِ } ، وقال الله جل وعلا: { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوَتِينَ } ، وقال تعالى: { قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا } ، وقال تعالى: { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِن يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ البَاطِلَ وَيُحِقُّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } .
1028- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر قول من أقوال الكفار للتحذير من الكبر الذي هو بطر الحق، وغمط الناس، أي رد الحق واحتقار الناس، وهو أن الكفار قالوا في القرآن العظيم والمؤمنين به لو كان القرآن خيرًا ما سبقنا هؤلاء إليه، وهذه عادة الجاهل الغبي المعاند، إذا سمع شيئًا لم يفهمه ولم يعلمه عابه، فإذا عاب إنسان قولاً صحيحًا، فذلك لسوء فهمه، فإنه إنما أتى من قبل قريحته.(3/242)
قال الله جل وعلا: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ } ، وقال تعالى عن الكفار في احتقارهم للمؤمنين: { زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ } ، وقال تعالى: { وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ } ، وقال: { أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } ، وقال: { وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ } ، وقال: { وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ } ، وقال: { فَاتَّخَذْتُمُوَهُمْ سِخْرِيًا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ } .
1029، 1030، 1031، 1032- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الوصية بالوالدين بالإحسان إليهما، والحنو عليهما، والبر بهما في حياتهما وبعد مماتهما.
ثانيًا: ذكر سب التوصية بالوالدين.
ثالثًا: بيان مدة حمل الإنسان وفصاله.
رابعًا: الإيماء إلى أن أقل مدة الحمل ستة أشهر؛ لأن أكثر مدة الرضاع حولان كاملان.
الأدلة على ما تقدم: قال الله تعالى: { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } فلم يبق للحمل إلا ستة أشهر، وقال تعالى: { وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا } .(3/243)
1033، 1034، 1035، 1036- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الحث والترغيب لمن بلغ عمره أربعين سنة أن يستكثر من سؤال الله أن يلهمه شكر ما أنعم به عليه من الهداية.
ثانيًا: يطلب العون من الله للتوفيق إلى عمل صالح يبلغ من كماله وإحسانه أن يرضاه ربه، فرضا الله هو الغاية التي يتطلع إليها أولوا الألباب.
ثالثًا: يسأل الله أن يتصل عمله الصالح في ذريته، وأن يؤنس قلبه وشعوره بأن في عقبه من يعبد الله ويطلب رضاه، والذرية الصالحة أحد الثلاث التي إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا منها.
رابعًا: بيان جزاء أصحاب الأوصاف الجليلة المذكورة في قوله تعالى: { إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ المُسْلِمِينَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ } .
1037، 1038، 1039- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التحذير من العقوق وإنكار البعث وبيان سوء عاقبتهما. ثانيًا: نصيحة الأولاد. ثالثًا: بيان أن لكل من أهل الخير والشر درجات عند ربهم في الدار الآخرة على حسب أعمالهم من خير وشر، وسيجزون عليها الجزاء الأوفى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ولا يظلمون شيئًا.(3/244)
الأدلة على ما تقدم: قال الله جل وعلا: { وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ القُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ القَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ * وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } ، وقال: { وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } ، وقال: { وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } .
1040، 1041- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان حال الكفار عند عرضهم على النار حين يوبخون ويقرعون ويؤنبون. ثانيًا: الإشارة إلى التقلل من الدنيا وزخرفها وزينتها وملاذها.
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الهُونِ } الآية، وقال تعالى: { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًا وَعَشِيًا } ، وقال تعالى: { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا } ، وقال تعالى: { وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } .(3/245)
1042- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أن الله جل وعلا خلق الخلق فريقين: فريق في الجنة، وفريق في السعير، فريق اتبع الحق من ربه ومولاه، وفريق اتبع الباطل وهواه، فالذين كفروا بالله ورسوله، وأعرضوا عن النور الذي أنزل على رسوله وصدوا غيرهم عن سبيل الله الذي هو سبيل الحق والعدل والكرامة، هؤلاء أضل الله أعمالهم وأبطلها، وجعل لا أثر لها ولا خير فيها، وسواء كانت حسنة كصلة الرحم، وإطعام الطعام، وحماية الجار، وسقي الحجاج، وقري الضيف، وفك الأسارى، أو سيئة كالكيد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والكيد لأصحابه، ولأولياء الله ونحو ذلك، فلا قيمة لعمل بلا إيمان بالله ورسله، فالأولى يبطل ثوابها، والثانية يمحو أثرها، وهكذا كل من قاوم عملاً شريفًا يُراد به وجه الله.
وأهل الإيمان بالله ورسوله الذين أصلحوا أعمالهم، وقاموا بحقوق الله، وحقوق العباد التي أوجبها الله عليهم يغفر الله لهم سيئات أعمالهم ويوفقهم في الدين والدنيا.
قال الله جل وعلا: { الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا البَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ } .
1043، 1044- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الحث على نصر الله والوعد الحق بالنصر لمن نصروا دين الله.(3/246)
ثانيًا: التحذير الشديد من كراهة ما أنزل الله والابتعاد عن ما يسبب ذلك، وأكثر من يخاف عليه من كراهة ما أنزل الله من عنده مذياع، وذلك أنه إذا فتحه إما أن يأتي كلام أو غناء أو قرآن فتجد بعض الناس إذا سمع كلام الله كرهه وأغلقه –والعياذ بالله- وإذا كان غناء أبرقت أسارير وجهه وارتاح.
قال الله جل وعلا: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } ، وقال تعالى: { ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } ، وقال تعالى: { كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا * مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ القِيَامَةِ وِزْرًا * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ حِمْلاً } ، وقال: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى } الآيات.
1045، 1046- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إرشاد المؤمنين إلى ما يعتمدونه في حروبهم مع الكفار.
ثانيًا: أن الكفار إذا أسروا، فالمؤمنون بالخيار بين الفداء والمنَّ عليهم والمنَّ عليهم إطلاقهم بلا مال.
قال الله جل وعلا: { فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوَهُمْ فَشُدُّوا الوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً } الآية.(3/247)
1047، 1048- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان حالي المؤمنين والكافرين دنيا وأخرى، فأما المؤمنون الذي عملوا بطاعة الله، وعرفوا الدنيا على أنها خيال باطل، ونعيم زائل، فجدوا واجتهدوا وتفرغوا للعمل بالباقيات الصالحات، فكانت عاقبتهم النعيم المقيم في مقام كريم، وأما الكفار فتمتعهم وأكلهم في الدنيا لا يعد إلا تمتع الأنعام، فليس لهم هم سوى ملء بطونهم وقضاء شهوة فروجهم.
1049، 1050- من هدي القرآن للتي هي أقوم: شرح محاسن الجنة. ثانيًا: بيان كيفية أنهارها التي أشير إلى أنها تجري من تحتها، قال الله جل وعلا وتقدس: { مَثَلُ الجَنَّةِ الَتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ } الآية.
1051، 1052، 1053، 1054- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الحث على تعلم العلم.
ثانيًا: أنه لابد من تقديم العلم على القول والعمل.
ثالثًا: التنبيه على النصيحة للمؤمنين.
قال الله جل وعلا: { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } .
1055، 1056- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الأمر بطاعة الله وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.(3/248)
ثانيًا: النهي عن إبطال الأعمال من صلاة وزكاة وصيام وحج، قال الله جل وعلا وتقدس: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } ، وقال: { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الكَافِرِينَ } ، وقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } الآية، وقال: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا } .
1057- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التحذير العظيم من طاعة من يكرهون ما أنزل الله للوعيد الشديد على ذلك، قال الله جل وعلا: { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ المَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وَجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } .
1058، 1059- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الحث على الزهد في الدنيا بالإخبار عن حقيقتها، وأنها لعب ولهو، لعب في الأبدان، ولهو في القلوب، فلا يزال العبد لاهيًا في ماله وأولاده وزينته ولذاته من المآكل والمشارب، والنساء والفلل والعمائر والمناظر والرياسات، مشتغلاً في كل عمل لا فائدة فيه إلى أن تفاجئه المنية، أغفل ما كان وهناك، يندم ولات ساعة مندم، فإذا هو الخسران المبين والندامة العظيمة.
ثانيًا: الترغيب في الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقيام بتقوى الله.
قال الله جل وعلا: { إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ } .(3/249)
1060- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان شح الإنسان على ماله وحبه له وحرصه عليه مع علمه بأنه مفارقه، قال الله جل وعلا وتقدس: { وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ * إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ } ، وقال تعالى: { وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ } ، وقال تعالى: { وَتُحِبُّونَ المَالَ حُبًا جَمًا } ، وقال: { وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ } ، وقال: { قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإِنسَانُ قَتُورًا } ، وقال: { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ } .
1061، 1062، 1063- من هدي القرآن للتي هي أقوم: حث العباد على الإنفاق في سبيل الله ليكون رصيدًا لهم مذخورًا يجدونه يوم يحتاجون إلى الرصيد يوم يحشرون مجردين من كل ما يملكون، فلا يجدون إلا ذلك الرصيد المذخور.
ثانيًا: التحذير من البخل؛ لأن ضرره يعود على الباخل.
ثالثًا: بيان أن الله غني عن الخلق والخلق فقراء إليه في كل لحظة، والإنفاق الذي يدعوهم إليه لمصلحتهم لينالوا به الأجر والثواب.
أدلة لما تقدم: قال الله جل وعلا وتقدس: { هَا أَنتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الغَنِيُّ وَأَنتُمُ الفُقَرَاءُ } ، وقال: { فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } ، وقال: { وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ } .(3/250)
1064- من هدي القرآن للتي هي أقوم: أن من تولوا عن طاعة الله وإتباع شرائعه يستبدل الله قومًا غيرهم ثم لا يكونوا أمثالهم، بل يطيعون الله ورسوله ويحبون الله ورسوله، قال الله جل وعلا وتقدس: { وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ } ، وقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } الآية، وقال: { إِنَّا لَقَادِرُونَ * عَلَى أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ } .
1065، 1066، 1067، 1068- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر منقبة من مناقب النبي - صلى الله عليه وسلم - وكرامة من كرامته، وهي أن الله غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
ثانيًا: إتمام نعمة الله عليه.
ثالثًا: الهداية إلى الصراط المستقيم.
رابعًا: المنعة والعزة ونفاذ الكلمة ورهبة الجانب وحمى الذمار.
قال الله جل وعلا: { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا * وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا } .
1069، 1070، 1071، 1072- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الحث على حمد الله وشكره حيث لطف بعباده المؤمنين، وأنزل في قلوبهم السكينة، وهي الطمأنينة والثبات عند نزول المحن المقلقة والأمور العويصة الصعبة التي تشوش القلوب وتشتت الأفكار.
ثانيًا: ما وهبهم من زيادة الإيمان.
ثالثًا: التنبيه إلى أن الله عز وجل الذي له جنود السموات والأرض قادر على تحقيق ما وعدهم به.
رابعًا: إرشاد العباد إلى أن الله جل وعلا عليم بمصالح عباده.(3/251)
الأدلة لما تقدم: قال الله جل وعلا: { هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } ، وقال تعالى: { ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ } ، وقال: { إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ } ، وقال: { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ } .
1073، 1074، 1075- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر ما يستحقه المنافقون والمشركون للعظة والاعتبار والابتعاد عن قربهم ومن يتصل بهم.
ثانيًا: الإيماء إلى أن عذاب المنافقين أعظم من عذاب المشركين، وأحق منهم بما وعدهم الله به؛ لتقديم المنافقين على الكافرين، وذلك أنهم أشد ضررًا على المؤمنين من الكفار المجاهدين؛ لأن المؤمن يتوقى الكافر المجاهَد –بفتح الهاء في هذه والتي قبلها- ويخالط المنافق لظنه إيمانه، وكان يفشي إليه سره.
ثالثًا: التنبيه على أن المنافقين والمشركين كلهم مشتركون في سوء الظن بالله، وفي عدم الثقة بنصرة المؤمنين، وفي أنهم جميعًا عليهم دائرة السوء، وفي غضب الله عليهم ولعنته لهم وفيما أعده الله لهم من سوء المصير.
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَيُعَذِّبَ المُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } .(3/252)
1076- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الإرشاد إلى ختام الكلام بما يناسبه، فقد ختم جل وعلا وتقدس الآية (4) بقوله: { وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } الآية التي بعدها آية (7) بقوله: { عَزِيزًا حَكِيمًا } ؛ لأن المقصود أولاً التدبير التام لأمر الخلق، فيناسبه العلم والإحاطة، وأما الآية الأخيرة فالمراد تهديد المنافقين والمشركين فيناسبه العزة والغلبة.
1077- 1082- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الإخبار بأن الله أرسل محمدًا - صلى الله عليه وسلم - شاهدًا على أمته ومبشرًا لها بالثواب، ومنذرًا لها بالعقاب.
ثانيًا: بيان فائدة الرسالة.
ثالثًا: بيان حق الله.
رابعًا: بيان الحق المشترك.
خامسًا: بان حق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فحق الله عبادته وحده لا شريك والتسبيح والتقديس، والحق المشترك: هو الإيمان بهما والتصديق والحب لهما، والحق الخاص بالرسول التعزير والتوقير والتبجيل.
قال الله جل وعلا وتقدس: { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } .
1083، 1084، 1085، 1086- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر بيعة الرضوان التي بايع فيها الصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن يفروا عنه؛ لما فيها من الحث على الجهاد في سبيل الله، والقيام بنصر دين الله.
ثانيًا: التنبيه على أهمية العهد وخطورته.
ثالثًا: بيان أن من نكث عن بيعته وفعل ما ينقصها، فإنما يكون ذلك قد أضر نفسه.
رابعًا: أن من أوفى بما عاهد عليه الله يحظى بعظيم الأجر.
قال الله جل وعلا: { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } .(3/253)
1087- 1090- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التحذير من سوء الظن بالله.
ثانيًا: التنبيه على مقام المراقبة.
ثالثًا: دليل على علم الله بما لم يكن لو كيف يكون.
رابعًا: إرشاد العباد إلى أن الضر والنفع بيد الله وحده.
الأدلة لما تقدم: قال الله جل وعلا وتقدس: { سَيَقُولُ لَكَ المُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرَّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا } الآية.
1091- 1093- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التحذير من عدم الإيمان بالله ورسوله.
ثانيًا: الحث على ما تحصل به مغفرة الله ورحمته.
ثالثًا: ذكر الدليل على أن النار موجودة ومعدة لمن كفر بالله.
الأدلة لما تقدم: قال الله جل وعلا وتقدس: { وَمَن لَّمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا * وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا } ، وقال: { وَاتَّقُوا النَّارَ الَتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } ، وقال: { مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا } ، وقال: { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًا وَعَشِيًا } .
1094، 1095- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التحذير من المعاصي وبيان صورة من صور الأعراب في مطامعهم وتناقضهم، حيث يتخلفون حين الخطر عن إتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين، ويعتذرون بالأعذار الكاذبة، ثم يطلبون منهم إتباعهم فيما تكون فيه الغنائم والسلامة مضمونتين.(3/254)
ثانيًا: أنهم إذا منعوا من ذلك سخطوا واتهموا مانعيهم بالحسد، وفي هذا ما يدل على جهلهم وقلة شعورهم، وقلة حيائهم من الله ومن رسوله ومن المؤمنين.
قال الله جل وعلا وتقدس: { سَيَقُولُ المُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } .
1096- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الإخبار بما يسر القلوب ويقوي العزائم، ويشوق النفوس إلى الجهاد في سبيل الله، من ذلك الإخبار بأن الله رضي عن المؤمنين الذين بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة لما علم جل وعلا من صدق إيمانهم وإخلاصهم في بيعتهم، وأنزل عليهم طمأنينة ورباطة جأش وجازاهم بمغانم كثيرة، أخذوها من خيبر بعد عودتهم من الحديبية، قال الله جل وعلا: { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } .
1097، 1098، 1099- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الإخبار بامتحان المخلفين من الأعراب المذكورين سابقًا.
ثانيًا: ذكر ما يدل على فضيلة الخلفاء الراشدين الداعين إلى جهاد أهل البأس من الناس.
ثالثًا: ذكر ما يدل على وجوب طاعة الخلفاء في ذلك.
قال الله جل وعلا: { قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } .(3/255)
1100- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان الأعذار المبيحة للتخلف عن الجهاد، ومنها ما هو لازم كالعمى والعرج، ومنها ما هو عارض يطرأ ويزول كالمرض.
1101، 1102، 1103- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر البشرى التي تسر المؤمنين وهو أن الله وعدهم مغانم كثيرة.
ثانيًا: أن الله كف أيدي الناس عنهم فليشكروه على ذلك.
ثالثًا: أن ذلك علامة على صدق خبر الله ووعده أنه ينصر رسله والمؤمنين ويهديهم صراطًا مستقيمًا.
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا } .
1104، 1105- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر بشرى نسر المؤمنين بنصرهم على أعدائهم الكافرين، وأنهم لو ناجزهم المشركون لنصر الله المؤمنين عليهم، وانهزم جيش الكفرة فارًا مدبرًا، لا يجد وليًا يكلؤه ويحرسه ولا ناصرًا يساعده.
ثانيًا: بيان أن هذه سُّنة الله في الأمم السالفة أن حزب الله هم الغالبون كما نصر يوم بدر أولياءه من المؤمنين.
قال الله جل وعلا: { وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيًا وَلاَ نَصِيرًا } ، وقال تعالى: { وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ } ، وقال تعالى: { وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ } ، وقال: { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ } ، وقال: { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً } ، وقال: { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا } ، وقال: { إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } .(3/256)
1106- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التنبيه على قدرة الله ورحمته وحكمته، وهي أنه منع المؤمنين عن قتال الكافرين لوجود مؤمنين مختلطين بالكفار غير متميزين منهم، ويؤخذ من ذلك أن درأ المفاسد أولى من جلب المصالح، قال الله جل وعلا: { وَلَوْلا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوَهُمْ أَن تَطَؤُوَهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } ، وقال تعالى: { وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } .
1107- 1109- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر امتنان الله على رسوله وعلى المؤمنين بإنزال السكينة عليهم.
ثانيًا: أنه ألزمهم كلمة التقوى.
ثالثًا: ثناء الله عليهم بأنهم كانوا أحق بها وأهلها.
قال الله جل وعلا: { فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } .
1110، 1111، 1112- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الإخبار بالبشرى بتصديق رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - وتحقيق وعد الله بدخولهم المسجد الحرام.
ثانيًا: الإخبار بتحليقهم وتقصيرهم.
ثالثًا: أنهم لا يخافون.
قال الله جل وعلا وتقدس: { لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ } .
1113، 1114- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الإخبار بما يؤكد صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الرؤيا، قال الله جل وعلا: { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ } .(3/257)
ثانيًا: الإخبار بأن الله مظهر هذا الدين على الأديان كلها.
قال الله جل وعلا: { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ } .
1115- 1120- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمرسل إليهم، فوصفهم بأوصاف كلهم مدائح.
فأولاً: حالتهم مع الكفار، أشداء عليهم.
ثانيًا: حالتهم مع بعضهم، رحماء بينهم.
ثالثًا: حالتهم في عبادتهم، أن الصلاة والإخلاص ديدنهم في أكثر أوقاتهم.
رابعًا: أنهم يرجون بعملهم وجه الله.
خامسًا: أنهم لهم سيما يعرفون بها، أثر العبادة والتوجه إلى الله ذلك مثلهم في التوراة.
الأدلة لما تقدم: قال الله جل وعلا وتقدس: { مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وَجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ } الآية.
1121- 1126- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إرشاد العباد للأدب مع الله ورسوله يتمثل هذا الأدب فيما يلي:
أولاً: أن لا يقولوا حتى يقول.
ثانيًا: أن لا يأمروا حتى يأمر، فلا يسبق العبد المؤمن إلهه في أمر أو نهي، وهذا حقيقة الأدب مع الله ورسوله.
ثالثًا: أن لا يقترح عليه في حكم أو قضاء.
رابعًا: أن لا يتجاوز ما يأمر به ولا يقصر عنه.
خامسًا: تقرير أصل من أصول الدين المهمة، وهو أن الحكم لله وحده: { إِنِ الحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ } ، { وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا } .
سادسًا: التحذير من تحكيم القوانين الوضعية.(3/258)
الأدلة لما تقدم: قال الله جل وعلا وتقدس: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ، وقال تعالى: { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } ، وقال تعالى: { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا } ، وقال: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ، وقال: { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ } ، وقال: { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ } ، وقال: { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } ، وقال: { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ } .
1127، 1128- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التنبيه للأدب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خطابه وهو أن لا يرفع المخاطب له صوته معه فوق صوته.
ثانيًا: التحذير من حبوط العمل والمرء لا يشعر.
قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } ، وقال تعالى: { لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا } ، وقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } .(3/259)
1129، 1130- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التنبيه على أن الله يمتحن القلوب بالأمر والنهي والمحن، فمن لازم أمر الله واتبع رضاه، وسارع إلى ذلك وقدمه على هواه تمحض للتقوى، وصار قلبه صالحًا، ومن لم يكن كذلك علم أنه لا يصلح للتقوى.
ثانيًا: الترغيب في لين القول وأدب الحديث.
قال الله جل وعلا: { إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } .
1131، 1132، 1133- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التنبيه على أن تدبير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه الخير لهم والرحمة واليسر، وأنه لو أطاعهم يما يظهر لهم أنه خير لعنتوا وشق عليهم الأمر.
ثانيًا: توجيههم إلى نعمة الإيمان الذي هداهم الله إليه وزينه في قلوبهم.
ثالثًا: أنه من لطف الله بهم كره إليهم الكفر والفسوق والعصيان.
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } .
1134- 1139- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الإرشاد إلى تجنب ما هو سبب لإثارة العداوة والبغضاء، والأحقاد بين المؤمنين بعد أن جمعتهم الإخوة الإيمانية:
فأولاً: النهي عن السخرية بالناس.
ثانيًا: التنبيه على سبيل توكيد النهي أنه قد يكون المسخور به خيرًا من الساخر عند الله.
ثالثًا: النهي عن غمز بعضهم بعضًا بأسماء وألقاب مكروهة.
رابعًا: النهي عن التنابز بالألقاب.
خامسًا: التنبيه إلى أن في ذلك فسقًا.
سادسًا: إنذار للذين لا يرتدعون ولا يتوبون وبيان أنهم ظالمون.(3/260)
الأدلة لما تقدم: قال الله جل وعلا: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } ، وقال: { الَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ، وقال: { زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ } ، وقال: { وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } .
1140، 1141، 1142- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إرشادات لما ينبغي مراعاته في حق المسلم إذا غاب:
أولاً: اجتناب كثير من الظن السيئ بالمؤمنين.
ثانيًا: النهي عن التجسس والبحث والتفتيش عن عورات المؤمنين؛ لما في ذلك من المفاسد والأضرار والشرور.
ثالثًا: النهي عن الغيبة؛ لما ينشأ عن المفاسد والآثام.
قال جل وعلا وتقدس: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ } ، وقال: { وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئًا } .
1143- 1146- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أن الناس كلهم من أب واحد وأم واحدة.
ثانيًا: أن تفرقهم إلى شعوب وقبائل للتعارف وليس للتفاضل ولا للتفاخر.(3/261)
ثالثًا: بيان أن أكرمهم عند الله هو أتقاهم بالإقبال على صالح الأعمال، واجتناب الآثام.
رابعًا: دليل على أن معرفة الأنساب مطلوبة؛ لأن الله جعلهم شعوبًا وقبائل لأجل ذلك.
قال الله جل وعلا وتقدس: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } ، وقال: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً } ، قال: { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } ، وقال: { خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } .
1147، 1148- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التنبيه على أن الإيمان أخص من الإسلام، فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمن.
ثانيًا: بيان حقيقة الإيمان الذي لا يحتمل ترددًا ولا ارتيابًا، ولا أمل منفعة مادية دنيوية، ولا قصدًا لها، فالمتحقق به يقدم على الجهاد في سبيل الله بماله ونفسه، ويتحمل التضحيات والمشقات برضا نفس وطمأنينة قلب.(3/262)
الأدلة لما تقدم: قال الله جل وعلا: { قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } ، وقال: { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًا } ، وقال: { إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًا } .
1149، 1150- من هدي القرآن للتي هي أقوم: النهي عن تزكية النفس بالكذب.
ثانيًا: التنبيه على مقام مراقبة الله الذي يعلم السر وأخفى.
قال جل وعلا: { قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } ، وقال: { فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } ، وقال: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ } .
1151، 1152- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الإرشاد إلى أن الإيمان هو المنة التي لا يطلب موليها ثوابًا ممن أنعم بها عليه.
ثانيًا: التنبيه على مقام المراقبة وأخذ الحذر من السيئات.(3/263)
قال الله تعالى: { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لاَّ تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } ، وقال: { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } .
1153، 1154- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التنبيه على قدرة الله العظيمة وحكمته وعلمه المحيط بكل شيء.
ثانيًا: الحث على النظر في آيات الله الأفقية، السماء والأرض، والتأمل في إتقانهما وإحكامهما لا ترى فيهما عيبًا ولا فروجًا ولا خللاً.
والاستدلال بها على صدق ما أخبرت به رسل الله من البعث و الحساب والجزاء على الأعمال.(3/264)
قال الله جل وعلا: { أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ * وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } ، وقال تعالى: { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } ، وقال تعالى: { وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ } ، وقال: { أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا } ، وقال: { الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ البَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ } الآية، وقال: { وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ } ، وقال: { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الحُبُكِ * إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } ، وقال: { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ } ، وقال: { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا } ، وقال: { وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ المَاهِدُونَ } ، وقال: { وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ } ، وقال: { وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } الآية، وقال: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } .
1155، 1156- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التحذير من التكذيب بالحق: القرآن.(3/265)
ثانيًا: التنبيه على أن من فارق الحق لا يثبت، بل يضطرب، فتتقاذفه الأهواء، وتتخاطفه الهواتف، وتمزقه الحيرة، وتقلقه الشكوك، ويضطرب سعيه، فهو في أمر مريج.
قال الله جل وعلا: { بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ } ، وقال: { وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } .
1157- 1162- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الإنكار على من ينكر البعث.
ثانيًا: البرهنة على قدرة الله عليه.
ثالثًا: الإنذار بعلم الله بكل ما يدور في نفوس الناس.
رابعًا: بيان أن الله أقرب إلى الإنسان من حبل وريده.
خامسًا: التنبيه على مقام المراقبة، فيستحي من الله أن يراه حيث نهاه أو يفقده حيث أمره.
سادسًا: بيان أن لله على الإنسان رقباء يحصون كل ما يقول، ويشهدون على كل ما يفعل.
قال تعالى: { أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ * وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى المُتَلَقِّيَانِ عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } ، وقال: { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } .
1163- 1167- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الحث على الاستعداد للموت وما بعده من الشدائد والكروب والأهوال.
ثانيًا: التنبيه على أن الإنسان عند الموت يظهر له الحق، ويتضح له الأمر، ويدرك مكانه، ويرى عمله، وأن ما جاء به الرسل من الأخبار بالبعث والوعد والوعيد حق لا مرية فيه.
ثالثًا: التنبيه على اعتناء الله بأعمال العباد وحفظه لها.
رابعًا: بيان عدل الله وصدق وعده.(3/266)
خامسًا: بيان أن كل نفس تأتي ومعها سائق يسوقها إلى نتيجة عملها وشاهد يشهد بعملها.
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كَنتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ } ، وقال تعالى: { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } ، وقال تعالى: { أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى } ، وقال: { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } ، وقال: { اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَتِي قَضَى عَلَيْهَا المَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُّسْمًّى } .
1168- 1171- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر ما يقال للغافل عن أهوال يوم القيامة وشدائدها وكروبها.
ثانيًا: بيان ما يقول قرينه، وهو الملك الموكل بعمل ابن آدم.
ثالثًا: بيان نعوت من سيلقى في جهنم.
قال الله جل وعلا وتقدس: { لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ اليَوْمَ حَدِيدٌ * وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ * أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي العَذَابِ الشَّدِيدِ } إلى قوله: { وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } .(3/267)
1172- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التحذير من جهنم وما تقول وما يقال لها، قال الله جل وعلا وتقدس: { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } ، وقال: { إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا } ، وقال: { وَبُرِّزَتِ الجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ } ، وقال: { وَإِذَا الجَحِيمُ سُعِّرَتْ } .
1173، 1174- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر ما يسر المتقين إكرامًا لهم واطمئنانًا لنفوسهم، فيرون ما أعد الله لهم من نعيم وحبور ولذة وسرور، لا نفاد له ولا فناء.
ثانيًا: بيان المستحق للنعيم المقيم.
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَأُزْلِفَتِ الجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ } ، وقال: { وَأُزْلِفَتِ الجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ } ، وقال: { وَإِذَا الجَنَّةُ أُزْلِفَتْ } .
1175- 1178- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان ما يقال لأهل الجنة.
ثانيًا: بشارتهم العظيمة بما يسرهم وتقر به أعينهم وهو الخلود.
ثالثًا: زيادة في البشرى وهي أن لهم ما يشاءون.
رابعًا: زيادة في البشرى أعظم مما تقدم، وهي النظر إلى وجه الله جل وعلا وتقدس.
قال الله تعالى: { هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الخُلُودِ * لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } ، وقال تعالى: { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } الآية، وقال تعالى: { وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } ، وقال: { عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ } .
1179- 1183- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أن ما مر من الزواجر والآيات لا ينتفع بها إلا ذووا الألباب.(3/268)
ثانيًا: الإخبار عن علم الله الواسع وحكمته وقدرته العظيمة ومشيئته النافذة التي أوجد بها السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، وهو القادر على خلقها في لحظة.
ثالثًا: إرشاد العباد إلى الرفق في الأمور.
رابعًا: ذكر الرد على اليهود وهو أنه خلقها من غير تعب، ولا نصب، ولا لغوب، ولا إعياء، كما أخبر جل وعلا وتقدس، وهو أصدق القائلين.
خامسًا: ذكر الدليل على البعث.
قال تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } ، وقال: { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } ، وقال تعالى: { وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ } .
1184، 1185- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الأمر بالصبر وهو حبس النفس على ما تكره تقربًا إلى الله.
ثانيًا: الحث على تسبيح الله والاعتناء بالصلوات الخمس والنوافل، قال الله جل وعلا وتقدس: { فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ } ، وقال تعالى: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى } ، وقال: { وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ } ، وقال: { أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } ، وقال: { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ } ، وقال: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ } .(3/269)
1186، 1187، 1188- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التنبيه لتوقع الأمر الهائل المتوقع في كل لحظة من لحظات الليل والنهار، ولا يغفل عنه إلا الغافلون وهو صيحة القيامة والبعث والنشور.
ثانيًا: الإخبار بأن الله هو الذي يحيى الخلق بعد أن كانوا أمواتًا، وهو الذي يميتهم ثم يحييهم يوم القيامة.
ثالثًا: بيان حالهم بعد البعث.
قال الله جل وعلا: { وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ المُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الخُرُوجِ * إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا المَصِيرُ * يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ } ، وقال: { يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ اليَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ } ، وقال: { خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } ، وقال: { يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ المَبْثُوثِ } ، وقال: { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ } الآيات.
1189، 1190- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التذكير بعظمة الخالق وقدرته على تحقيق ما وعد به.
ثانيًا: تأكيد كون ما يوعد به الناس من البعث والحساب والجزاء على الأعمال والجنة، والنار، هو وعد صادق وأمر واقع حتمًا.(3/270)
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلاتِ وَقْرًا * فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ } ، وقال تعالى: { وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ المَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ المَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ المَسْجُورِ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِن دَافِعٍ } .
1191- 1195- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الحث على تقوى الله.
ثانيًا: بيان أن في الجنة عيونًا.
ثالثًا: بيان أن العمل سبب لثواب الله للعبد.
رابعًا: الحث على الإحسان بِنَوْعَيه.
خامسًا: ما يدل على أن الجزاء من جنس العمل.
وكل هذا مما يرغب في الآخرة، ويثير العزائم ويقويها، ويحثها على الجد والاجتهاد في الأعمال الصالحة التي ترضي الله.
قال الله جل وعلا وتقدس: { إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } .
1196- 1200- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الحث على قيام الليل.,
ثانيًا: الحث على حفظ الوقت.
ثالثًا: الحث على الاستغفار في السحر.
رابعًا: الحث على الصدقة.
خامسًا: تقديم حاجة الفقير السائل على المحروم.
قال الله جل وعلا وتقدس: { كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } ، وقال: { وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ } .
1201، 1202- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: لفت أنظار الخلق إلى ما في الأرض من دلائل على وجود الخالق وعظيم قدرته وحكمته البالغة؛ ليستبين لمن فكر وتدبر في هذا الكون وبديع صنعه مما يشاهد من صنوف النبات والحيوان والمهاد والجبال والقفار والبحار.(3/271)
ثانيًا: التنبيه على ما في تكوين الإنسان الجسماني والعقلي، فمن ذلك اختلاف الألوان، واختلاف الألسن، والتفاوت في العقول والأفهام، واختلاف الأعضاء، وتعدد وظائف كل منها على وجه يحار فيه اللب ويدهش منه العقل.
قال تعالى: { وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } .
1203، 1204، 1205- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: إرشاد العباد إلى أن رزقهم في السماء.
ثانيًا: أيضًا في السماء ما يوعدون من الجزاء في الدنيا والآخرة.
ثالثًا: التحذير الشديد من إنكار البعث والحساب والجزاء على الأعمال، فقد أقسم رب العزة والجلال إنه لحق، قال تعالى: { وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ } .
1206- 1221- بيان قصة ضيف إبراهيم الخليل –عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم- لما فيها من الآداب والفوائد والحكم والأحكام، ففيها: أولاً: مشروعية الضيافة.
ثانيًا: التنبيه على أنه ينبغي للمضيف أن يقدم ما تيسر عنده.
ثالثًا: أنه ينبغي للإنسان أن يتعرف على من جاء إليه أو صار له نوع اتصال به.
رابعًا: البداءة بالسلام قبل الكلام.
خامسًا: أنه ينبغي أن يؤتى لمثل هذه القصة وما قاربها بأسلوب الاستفهام تفخيمًا لشأن الحديث وتوجيهًا للأنظار حتى يصغى إليه، ويهتم بأمره، ولو جاء على صورة الخبر لم يكن له من الروعة والجلال مثل ما كان وهو بهذه الصورة.
سادسًا: أنه ينبغي أن يباشر هو تقديم قرى الضيف بنفسه اقتداءًا بالخليل.
سابعًا: أنه ينبغي أن يكرم الضيف بأنواع الإكرام القول والفعل.
ثامنًا: أن يستعمل معهم اللطف، فيعرض عليهم الأكل بأن يقول كما قال الخليل: ألا تأكلون.
تاسعًا: إن ينتقي أحسن ما تيسر عنده فيقدمه.
عاشرًا: التنبيه على أن أكل الضيف أمنة، ودليل على سرور وانشراح صدر.(3/272)
الحادية عشر: أن الإعراض عن الأكل من الضيف ونحوه يوقع وحشة موجبة لسوء الظن، وقد جاء في «سورة هود»: { فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً } .
الثانية عشر: أنه ينبغي تطمين المؤمن وتسكين روعه بسرعة.
الثالثة عشر: تبشير المؤمن بما يسره.
الرابعة عشر: دليل على قدرة الله التي لا يعجزها شيء.
الخامسة عشر: التنبيه على هذه المعجزة، فإبراهيم شيخ كبير، وسارة عجوز كبيرة، فلهذا استغربت، وقالت: { أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ } .
السادسة عشر: وصف إسحاق بالعلم؛ لأن العلم هو الصفة التي يمتاز بها الإنسان الكامل.
الأدلة لما تقدم:
قال تعالى: { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ المُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاَمًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ * فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ } .
1222- 1227- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: إرشاد العباد إلى ما يدل على قوة الله وقدرته العظيمة.
ثانيًا: لفت أنظار العباد إلى الأرض وفرشها وبسطها؛ ليستقروا عليها ويعيشوا فوقها وجعلها صالحة لسكنى الإنسان والحيوان.
ثالثًا: إرشاد العباد إلى جميل صنع الله في الأرض والسماء.
رابعًا: ذكر الدليل على وحدانية الله وقدرته وصدق وعده ووعيده، وهو أنه من كل شيء خلق زوجين، أي صنفين ذكر وأنثى، وأرض وسماء، وليل ونهار، وبر وبحر، وسهل وجبل، وإيمان وكفر، وموت وحياة، وشقاء وسعادة، وجنة ونار، وحلو ومر، ونور وظلمة، وجن وإنس، وخير وشر، وهدى وضلال، وشتاء وصيف.(3/273)
خامسًا: الأمر بالالتجاء إلى الله والاعتماد عليه في جميع الأمور.
سادسًا: النهي عن الشرك بالله.
الأدلة لما تقدم:
قال الله جل وعلا: { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ المَاهِدُونَ * وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * وَلاَ تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } .
1228- 1230- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: الدليل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أدى ما أمر به وبلغ الرسالة.
ثانيًا: الحث على التذكير ليخرج الإنسان من عهدة التكليف بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ويقوم بالنيابة عن الرسل في إقامة الحجة على الخلق.
ثالثًا: بيان من ينتفع بالذكرى وهم المؤمنون الذين في قلوبهم استعداد للهداية والإرشاد.
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ المُؤْمِنِينَ } ، وقال: { فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى } ، وقال: { فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ } ، وقال: { وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ } .
1231- 1234- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: بيان الغاية التي خلق الجن وا لإنس لها، وبعث جميع الرسل يدعون إليها وهي عبادة الله المتضمنة لمعرفته ومحبته والإنابة إليه، والإقبال عليه والإعراض عما سواه.
ثانيًا: إرشاد العباد إلى أن الله غني عن الخلق.
ثالثًا: بيان أنه هو الرزاق لا غيره لا رازق سواه ولا معطي غيره.
رابعًا: بيان أن الله هو الذي له القوة والقدرة ومن قوته أنه يمسك السموات والأرض أن تزولا، ومن قوته أن السموات مطويات بيمينه، ومن قدرته أنه خالق كل شيء، وأنه يبعث الأموات بعدما أكلتهم الأرض.
الأدلة لما تقدم:(3/274)
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ } ، وقال تعالى: { وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } ، وقال تعالى: { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } ، وقال تعالى: { وَاللَّهُ الغَنِيُّ وَأَنتُمُ الفُقَرَاءُ } ، وقال: { وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ } ، وقال: { وَهُوَ شَدِيدُ المِحَالِ } .
1235- 1238- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: التحذير والإنذار للمكذبين ببيان مصيرهم يوم القيامة.
ثانيًا: ذكر ما يحصل في ذلك اليوم من التغيرات والأهوال المزعجات، من ذلك: أن السماء ذات الحبك تضطرب وتمور، والجبال الراسيات تسير خفيفة رقيقة كالعهن المنفوش، وكالهباء المنبث، لا ثبات لها ولا استقرار، أمر مذهل مزلزل، فكيف تكون حالة الإنسان الضعيف أمام هذه الشدائد والكروب والأهوال؟!
ثالثًا: الوعيد بالويل لمن كذب الله ورسله.
رابعًا: وصف المستحق لهذا الوعيد.
خامسًا: ما يقال لهم توبيخًا وتقريعًا قرب إلقائهم في جهنم.
الأدلة لما تقدم:(3/275)
قال الله جل وعلا وتقدس: { يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا * وَتَسِيرُ الجِبَالُ سَيْرًا * فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ * يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًا * هَذِهِ النَّارُ الَتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لاَ تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } .
1239- 1243- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: التنويه بمصائر المؤمنين الذين اتقوا الله بالإيمان وصالح الأعمال والبعد عن المعاصي والآثام.
ثانيًا: ذكر ما يتمتعون به في ذلك اليوم من صنوف اللذات في المساكن والمآكل والمشارب والفرش والأزواج.
ثالثًا: بيان أنهم تمتعوا بنعمة أخرى قبل هذه.
رابعًا: ذكر ما يقال لهم حينئذ.
خامسًا: بيان السبب الذي نالوا به هذا النعيم.
قال الله جل وعلا وتقدس: { إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الجَحِيمِ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } .
1244، 1245، 1246- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: ذكر ما زاد الله به المؤمنين من الفضل والإكرام، وهو أنه ألحق بهم ذريتهم المؤمنة في المنازل والدرجات؛ لتقر بهم أعينهم إذا رأوهم في منازلهم على أحسن الأحوال.
ثانيًا: التنبيه على الزيادة في العناية والرعاية، وهي أن إلحاق الذرية بالآباء لا ينقص من نعيم الآباء وحظهم شيئًا.
ثالثًا: بيان عدل الله وهو أنه لا يعذب أحدًا إلا بذنب، ولا يحمل أحدًا ذنب أحد، { قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ } .(3/276)
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ } ، وقال: { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } ، وقال: { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } .
1247، 1248، 1249- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: وصف حال المؤمنين وما أمدهم الله به من الطعام والشراب، والفاكهة حالاً بعد حال، وأنه ما من فاكهة أو طعام يطلبونه إلا وجدوه.
ثانيًا: بيان عظيم حبورهم وسرورهم وزيادة الإيناس واللذة والنعيم لهم، وهو أنهم يتجاذبون كأسًا ليست كخمر الدنيا تحمل شاربها على الهذيان واللغو.
ثالثًا: الإخبار عن خدمهم وحشمهم وأنهم شباب في غاية الحسن والجمال.
الأدلة لما تقدم:
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ * يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ } ، وقال: { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وَلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } ، وقال: { يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ } ، وقال: { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وَلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا } .
1250، 1251، 1252، 1253- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: الحث على الخوف من الله والإشفاق من عذابه.
ثانيًا: الترغيب في دعاء الله والتضرع إليه.
ثالثًا: ذكر سؤال أهل الجنة بعضهم بعضًا عن أعمالهم وأحوالهم في الدنيا، وما كانوا فيه من التعب والخوف.(3/277)
رابعًا: الحث على شكر الله والاعتراف له بالفضل والإحسان.
الأدلة لما تقدم:
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ البَرُّ الرَّحِيمُ } ، وقال تعالى: { وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ } إلى قوله: { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } ، وقال: { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } ، وقال: { وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } ، وقال: { يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } ، وقال: { وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ } ، وقال: { وَبَشِّرِ المُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } .
1254، 1255- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: الحث على التذكير والوعظ والثبات عليه، وأن لا يثنيه سوء أدب الظالمين والمنافقين وسوء اتهامهم؛ ليكون له أسوة برسول الله وصحابته.
ثانيًا: نفي ثلاث صفات رمى به المشركون النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي: الكهانة، والجنون، والشعر.(3/278)
قال الله جل وعلا: { فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ * أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المَنُونِ } ، وقال: { مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ } ، وقال: { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ * وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } ، وقال: { وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ } ، وقال: { وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ } ، وقال: { أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُم بِالْحَقِّ } .
1256- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: تحدي المشركين وغيرهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن، قال الله جل وعلا: { فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ } ، وقال: { قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } ، وقال: { فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ } ، وقال: { قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا القُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } .(3/279)
1257- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الإرشاد إلى البرهان القاطع الذي لا يمتري فيه إلا سخيف العقل مكابر؛ لأنه متقرر عقلاً وشرعًا أن الأمور ثلاثة: إما أنهم خلقوا من غير شيء، فهذا محال أمر تنكره الفطرة ابتداءً، ولا يحتاج إلى جدلٍ كثيرٍ ولا قليل، وإما أنهم أوجدوا أنفسهم، فهذا أيضًا محال؛ لأنه يلزم من هذا أن الشيء يكون مقدمًا في الوجود على نفسه، وهذا لا يتصور أن يوجد أحد نفسه، فإذا بطل هذان القسمان، فإنه لا يبقى إلا الحقيقة التي برهن عليها القرآن، وهي أنهم جميعًا من خلق الله الواحد القهار الذي لا يشاركه أحد في الخلق والإنشاء، قال الله جل وعلا: { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ } ، وقال تعالى: { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } ، وقال: { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا } .
1258- 1261- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: بيان استهانة الكفار بما ينذرون من عذاب الله حتى إنهم لو رأوا قطعة ساقطة من السماء، لقالوا إنها ليست إلا سحابًا متراكمًا.
ثانيًا: التحذير من الظلم وإنذار للظالمين، فإن لهم عذابًا إضافيًا آخر يتناسب مع عظم جرمهم، ولو لم يحسبوا حسابه ويوقنوا به.,
ثالثًا: الحث على الصبر والثبات انتظارًا لأمر الله وحكمه.
رابعًا: الحث على حمد الله وتسبيحه والتمسك بحبله والاعتماد عليه في جميع الأوقات حين القيام من الليل وحين القيام من المجلس، ومن بعض الليل، وعند جنوح النجوم للمغيب آخر الليل، وفي كل الأوقات.
قال الله جل وعلا: { وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ } ، وقال: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ } ، وقال: { وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } .(3/280)
1262، 1263- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: ذكر القسم الرباني في معرض التوكيد بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - راشد تابع للحق غير ضال، مهتد غير غاوي، مخلص غير مغرض، مبلغ بالحق عن الحق غير واهم ولا مبتدع، ولا ناطق عن هوى، وما أخبر به فهو وحي أُوحي إليه يبلغه إلى الناس كاملاً موفورًا من غير زيادة ولا نقصان.
ثانيًا: بيان بطلان ما عليه المشركون من عبادة من لا ينفع ولا يضر.
الأدلة لما تقدم:
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَى } إلى قوله: { مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ } ، وقال تعالى: { فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الحَقِّ المُبِينِ } ، وقال: { فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي الأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ } ، وقال: { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } ، وقال: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا } ، ومن قبيل الرد على المشركين، وتوبيخهم، وتقريعهم، وتجهيلهم وبطلان ما هم عليه.(3/281)
قال الله جل وعلا عن ما قاله الخليل لأبيه: { لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا } ، وقال: { اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ المُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ * إِن تَدْعُوَهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } ، وقال تعالى: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ } ، وقال: { يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ البَعِيدُ } ، وقال تقدس اسمه: { وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * مِن دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ } .
1264، 1265- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: الإنكار على من عبد غير الله من الملائكة وغيرهم، وزعم أنها تشفع له عند الله يوم القيامة أو زعم أنها تنفعه.
ثانيًا: بيان قيود الشفاعة النافعة، وهي إذن الله للشافع أن يشفع الثاني رضاه عن المشفوع له.
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى } ، وقال: { يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } ، وقال: { لاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى } ، وقال: { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًا لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا } ، وقال: { مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } .
1266، 1267- من هدي القرآن للتي هي أقوم:(3/282)
أولاً: الأمر بالإعراض عمن أعرض عن القرآن وجعل وجهته الحياة الدنيا وحدها، واقتصر على شئونها، ورضي بزخارفها واطمأن بها.
ثانيًا: بيان أن همة من أعرض عن الذكر مقصورة على الحياة الدنيا، فلا ينظر إلى شيء وراءها ولا يؤمن بالآخرة، ولا يحسب حسابها، ويرى أن حياة الإنسان على هذه الأرض هي غاية وجوده، لا غاية بعدها ويقيم منهجه على هذا الاعتبار في هذه الحياة، قال الله جل وعلا وتقدس: { فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ العِلْمِ } ، وقال: { وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا } ، وقال: { إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } .
1268- 1272- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: إرشاد العباد إلى أن الله هو مالك السموات والأرض وما فيهما وما بينهما.
ثانيًا: تقرير لشمول علم الله وحكمته وإحاطته بأحوال الخلق منذ بدء خلقهم محسنهم ومسيئهم.
ثالثًا: أنه يجازي كلاً منهم على حسب عمله، فيجزي المسيء بإساءته والمحسن بإحسانه.
رابعًا: بيان وصف المحسنين وأنهم الذين يبتعدون عما عظم شأنه من كبائر الذنوب، كالشرك، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وكالزنا واللواط، وشرب الخمر، وأكل الربا، ولا يقع منهم إلا اللمم، وهي من صغائر الذنوب.
خامسًا: النهي عن تزكية النفس.
أدلة لما تقدم:(3/283)
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى * الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ المَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } ، وقال: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ } ، وقال تعالى: { إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا } ، وقال: { وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ } .
1273- 1286- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر ما تضمنته صحف إبراهيم وموسى:
فأولاً: أنه لا يؤخذ امرؤ بذنب غيره.
ثانيًا: أن لا يثاب امرؤ إلا بعمله.
ثالثًا: أن العامل يرى عمله في ميزانه خيرًا كان أو شرًا.
رابعًا: أن الله خلق الموت والحياة.
خامسًا: أن العباد كلهم راجعون يوم الميعاد إلى ربهم ومجازيهم بأعمالهم.
سادسًا: أنه تعالى هو الذي أضحك وأبكى.
سابعًا: أنه هو الذي أغنى وأقنى.
ثامنًا: أنه هو الذي خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة تصب في الأرحام.
تاسعًا: أنه هو الذي يجازي العبد على سعيه الجزاء الأوفى.
عاشرًا: وأنه هو رب الشعرى، النجم المعروف.
حادي عشر: وأنه هو الذي أهلك عادًا الأولى، فما أبقاهم، بل أخذهم.
ثاني عشر: وأنه أهلك قوم نوح من قبل عاد وثمود، وقد كانوا أظلم وأطغى.
ثالث عشر: وأنه أهلك المؤتفكة، وهي قرى لوط وقد قلبت بأهلها وألبسها من العذاب ما ألبسها.
1287، 1288، 1289- من هدي القرآن للتي هي أقوم:(3/284)
أولاً: التنبيه على قرب القيامة ودنو وقتها، والحث على الاستعداد ليوم القيامة قبل مجيئها.
ثانيًا: الإنكار على المشركين في تعجبهم من القرآن واستهزائهم به وإعراضهم عنه، والأولى بهم أن يخافوا ويبكوا من هول ما ينذرون به.
ثالثًا: الأمر بالسجود لله وعبادته، قال الله تعالى: { أَزِفَتِ الآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ * أَفَمِنْ هَذَا الحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ * فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا } .
1290- 1294- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: الإخبار عن اقتراب يوم القيامة، وفراغ الدنيا وانقضائها.
ثانيًا: بيان أن الكافرين المكذبين لله ورسله إذا رأوا آية من آيات الله أنكروها، وقالوا: إنها سحر مألوف مستمر.
ثالثًا: التوبيخ والتقريع على إتباع الأهواء وإنكار الحق والمراء فيه، وعدم الاعتبار بالأحداث الزاجرة والاقتناع بالحق الذي تؤيده الحكمة البالغة والحجة الدامغة.
رابعًا: دليل على البعث والحساب والجزاء على الأعمال.
خامسًا: وصف خروجهم من القبور وما سوف يلقونه في يوم القيامة، حيث يدعوهم منادي الله فيخرجون من قبورهم مسرعين، كالجراد المنتشر كثرة واضطرابًا وأبصارهم خاشعة من الخوف والفزع وشدة الهول الذي لا مثيل له، وحيث يتيقنون أن يومهم يوم عسير جدًا.
قال الله جل وعلا: { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ * خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } ، وقال تعالى: { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ } .
1295، 1296، 1297، 1298- أولاً: بيان أن سبب نجاة المؤمنين هو شكرانهم لنعمة الله.(3/285)
ثانيًا: أنه ما أهلك الله من أهلك إلا بعد أن أنذرهم عذابه وخوفهم بأسه وعقابه.
ثالثًا: بيان جرمهم الذي استحقوا به العذاب، فليحذر.
رابعًا: بيان وقت مجيء العذاب لقوم لوط.
قال الله جل وعلا: { إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ * نِعْمَةً مِّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ * وَلَقَدْ أَنذَرَهُم بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ } إلى قوله: { َلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ } .
1299- 1304- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: بيان ما سيناله المجرمين من النكال والوبال في الآخرة وأنهم يسبحون على وجوهم إلى جهنم سحبًا.
ثانيًا: يعنفون ويوبخون، يقال لهم: { ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ } .
ثالثًا: بيان أن كل شيء، فهو بقضاء الله وقدره.
رابعًا: بيان أن مشيئة الله نافذة في خلقه.
خامسًا: تنبيه من هو في غفلة وعماية عن الحق بعد وضوحه.
سادسًا: بيان أن كل أعمالهم محصاة عليهم، وسيحاسبون على النقير والقطمير.(3/286)
قال الله جل وعلا وتقدس: { إِنَّ المُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وَجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ } إلى قوله: { وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ } ، وقال تعالى: { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا } ، وقال تعالى: { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } ، وقال: { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا } ، وقال: { الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وَجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلاً } ، وقال تعالى: { فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَابًا } .
1305- بيان ما يناله المتقون من الكرامة عند ربهم، وما يحظون به من الشرف والزلفى، قال تعالى: { إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } .
1306- 1316- أولاً: ذكر ما يدل على سعة رحمة الله وعموم إحسانه وجزيل بره وواسع فضله.
ثانيًا: ذكر بعض نعمه التي أجلها وأعظمها وأنفعها تعليم الإنسان القرآن، وتعليمه مصدر السعادة الدينية والدنيوية، وهو مصدق للكتب السماوية ومهيمن عليها، وفيه الخبر الصدق والتشريع المحكم والقضاء العدل، والقصص المملوءة عبرة وعظة، وفيه الإرشادات إلى الخلق الكامل، والمثل العليا، والدعوة الصريحة لتنظيف القلوب من الكبر، والعُجب، والحسد، والرياء، وأدران الدنيا، وأكدار النفس، والدعوة إلى خلق المسلم الصحيح، والإنسان الكامل السعيد في الدنيا والآخرة، ومع هذا فأكثر الخلق عنه معرضون يا للأسف.
ثالثًا: أنه جل وعلا خلق الإنسان على أحسن تقويم.(3/287)
رابعًا: أنه كمله بالعقل والمعرفة.
خامسًا: أنه علمه النطق وإفهام غيره.
سادسًا: أنه سخر له الشمس والقمر والنجوم على نظام بديع، ووضع أنيق لحاجته إليها في دينه ودنياه.
سابعًا: أنه سخر له النجم وهو ما لا ساق له من النبات والشجر يقتات منهما.
ثامنًا: أنه رفع السماء وأقامها بالحكمة.
تاسعًا: أنه أوجد الأرض ووضعها للعباد.
عاشرًا: أنه أوجد فيها ما يتفكه به من ألوان الثمار.
الحادي عشر: ما فيها من النخل... إلخ.
قال الله جل وعلا وتقدس: { الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ القُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ البَيَانَ } إلى قوله: { وَالْحَبُّ ذُو العَصْفِ وَالرَّيْحَانُ } .
1317- 1323- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: بيان خلق الإنسان الأول، وهو آدم من طين يابس، له صلصلة وصوت إذا حرك.
ثانيًا: بيان خلق الجان من لهب خالص لا دخان فيه.
ثالثًا: لفت نظر السامعين إلى ما يرونه من دقة سير كل من الشمس والقمر شروقًا وغروبًا، وما في ذلك من مشاهد قدرته وبديع صنعه وباهر حكمته.
رابعًا: بيان نعم الله التي في البحر.
خامسًا: دليل على علم الله وقدرته وعظمته.
سادسًا: لفت الأذهان إلى ما يشاهدونه من اختلاط مياه البحار والأنهار بعضها في بعض، وقد حجز بينهما ربهما بحاجز، وهو البرزخ حتى لا يبغي أحدهما على الآخر، ويحصل النفع بكل منهما.
سابعًا: لفت أذهان العباد إلى بعض نعم الله عليهم؛ لعلهم يشكرون، من ذلك السفن يركبها الناس، ويحملون عليها أمتعتهم، وأنواع تجارتهم ونحو ذلك، مما تدعو إليه حاجتهم وضرورتهم.
قال الله جل وعلا: { خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ } إلى قوله: { وَلَهُ الجَوَارِ المُنشَآتُ فِي البَحْرِ كَالأَعْلامِ } .
1324، 1325، 1326- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: بيان أن كل من على الأرض يفنى ويبيد، ولا يبقى إلا الحي الذي لا يموت.(3/288)
ثانيًا: بيان أن الله هو الغني بذاته، وهو واسع الجود والكرم والإحسان.
ثالثًا: بيان أن الخلق مفتقرون إليه يسألونه جميع حوائجهم بلسان الحال، أو بلسان المقال سؤالاً مستمرًا، وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه.
قال تعالى: { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ وَالإِكْرَامِ } إلى قوله: { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } ، { وَتَوَكَّلْ عَلَى الحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ } ، وقال تعالى: { الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَيَاةَ } ، وقال: { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } .
1327- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر التحذير والتخويف ممن لا يشغله شأن عن شأن وإذا أراد شيئًا قال له كن فكان، ممن الأرض قبضته يوم القيامة، والسموات مطويات بيمينه جل وعلا وتقدس.
ثانيًا: الوعيد والتحدي للجن والإنس أن ينفذوا من أقطار السموات والأرض، وأنى لهم بذلك! لا مهرب في هذا اليوم من جزاء كل عامل على عمله.
قال الله جل وعلا وتقدس: { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ } الآيتين.
1328- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التنبيه إلى صفة الكون يوم القيامة، من ذلك أن السماء تنشق ويحمر لونها وتصير مذابة غير متماسكة، والكواكب تنتثر، والشمس تكور، والأرض ترج، والجبال تبس بسًا، والبحار تفجر، والوحوش تحشر، والعشار تعطل، وهذه تشير إلى ذلك الحادث العظيم الهائل في الكون كله.(3/289)
قال الله تعالى: { فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ } ، وقال: { إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ * وَإِذَا الكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ * وَإِذَا البِحَارُ فُجِّرَتْ } إلى آخر السورة، وقال: { إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًا * وَبُسَّتِ الجِبَالُ بَسًا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُّنْبَثًا } ، وقال: { فَإِذَا بَرِقَ البَصَرُ * وَخَسَفَ القَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ المَفَرُّ } ، وقال: { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ } إلى قوله: { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ } .
1329، 1330، 1331، 1332- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان موقف من مواقف يوم القيامة يكون للمجرمين فيه علامات يمتازون بها عن غيرهم، منها: الغبرة التي ترهق وجوههم، ومنها: سواد الوجوه، ومنها: زرقة العيون فلا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان؛ لأن السيمات ميزت كل مجرم.
ثانيًا: بيان صفة أخذ المجرمين وأنه يجمع بين الناصية، والقدم، ويلقى في النار.
ثالثًا: ذكر ما يقال لهم على جهة التقريع والتوبيخ والإهانة والذل.
رابعًا: أن في وصف أهوال القيامة، وعقاب العصاة نعمة عظيمة، وفيها فوائد جمة، منها: الزجر عن المعاصي، ومنها: الترغيب في الطاعات، ومنها: الاستعداد للقاء الله.
خامسًا: أنهم يتراوحون بين جهنم وبين الحميم الذي انتهى حره.(3/290)
قال الله جل وعلا وتقدس: { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنْبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يُعْرَفُ المُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * هَذِهِ جَهَنَّمُ الَتِي يُكَذِّبُ بِهَا المُجْرِمُونَ * يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } ، وقال: { إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ } ، وقال: { كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ } ، وقال تعالى: { وَنَحْشُرُ المُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا } ، وقال: { يَوَدُّ المُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ } الآية.
1333، 1334، 1335، 1336- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر ما أعده الله تعالى من النعيم الروحي والجسماني لمن خافه وراقبه في أعماله في السر والعلانية، وأيقن أنه مجازية عليها يوم العرض، وذلك أن له جنتان.
ثانيًا: من أوصافهما أنهما ذواتا أفنان، أنواع وألوان من الأشجار والثمار.
ثالثًا: أن فيهما عينان إحداهما يقال لها التسنيم، والأخرى السلسبيل.
رابعًا: أن فيهما من جميع أصناف الفواكه.
ففي ذكر هذه الأشياء تبشير للمؤمنين وتشويق لهم.
قال الله جل وعلا: { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } إلى قوله: { مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ } .
1337، 1338، 1339، 1340- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر فرش أهل الجنة وصفة الفرش، وصفة الجلوس عليها.
ثانيًا: أن ثمرهما، أي الجنتين قريب إليهم متى شاءوا.
ثالثًا: ذكر أوصاف نساء أهل الجنة.(3/291)
رابعًا: ذكر السبب في هذا الجزاء، قال الله جل وعلا وتقدس: { مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الجَنَّتَيْنِ دَانٍ } إلى قوله: { هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ } .
1341- 1346- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر وصف آخر لجنان خصصت لأصحاب اليمين، وما قبل كان وصفًا لجنان السابقين المقربين من ذلك أن فيهما عينان نضاختان.
ثانيًا: أن فيهما فاكهة ونخل ورمان.
ثالثًا: أن في تلك الجنان خيرات الأخلاق حسان الوجوه.
رابعًا: أنهن مقصورات في الخيام.
خامسًا: أنهن أبكار لم يمسهن قبل أزواجهن إنس ولا جان.
سادسًا: ذكر فرش أهل هذه الجنة وصفة جلوسهم عليها.
قال تعالى: { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } إلى قوله تعالى: { تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الجَلالِ وَالإِكْرَامِ } .
1347- 1350- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التنويه بخطورة القيامة، وتوكيد وقوعها دون كذب ولا تكذيب.
ثانيًا: وصف هذه الواقعة بأنها تخفض أقوامًا وترفع آخرين.
ثالثًا: أن الأرض تزلزل وتهز هزًا شديدًا، فيندك ما عليها.
رابعًا: أن الجبال تتفتت، وتكون هباءًا منبثًا.
خامسًا: أن الناس إذ ذاك ينقسمون إلى ثلاثة أقسام بحسب أعمالهم: أولاً: أصحاب الميمنة، وهم الذين يأخذون كتبهم بأيمانهم، وهم في غاية حسن الحال، ثانيًا: أصحاب المشأمة، وهم في نهاية سوء الحال يأخذون كتبهم بالشمال، ثالثًا: السابقون الذين سبقوا غيرهم في الأعمال الصالحة.
سادسًا: بيان قدرهم عند ربهم فهم في أعلى مكانة في أعلى عليين.(3/292)
أدلة لما تقدم: قال الله جل وعلا: { إِذَا وَقَعَتِ الوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ * إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًا * وَبُسَّتِ الجِبَالُ بَسًا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُّنْبَثًا * وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً * فَأَصْحَابُ المَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ المَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ المَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ المَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ المُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ } .
1351- 1359- ذكر ما يتمتع به السابقون من النعيم في فرشهم وطعامهم وشرابهم ونسائهم وأحاديثهم التي تدل على صفاء النفس وأدب الخلق وسمو العقل.
فأولاً: أنهم على سرر موضونة منسوجة بالذهب.
ثانيًا: ذكر ما يدل على أنهم في راحة وسرور واستقرار، وعيش رغد، وحسن معاشرة ينظر بعضهم إلى وجوه بعض.
ثالثًا: ذكر ما هم فيه من ترف ونعيم، وأنهم مخدمون في شرابهم وطعامهم وحوائجهم.
رابعًا: التنبيه على أن ما في الجنة من لذائذ ومتع خالصة مما في مثيلاتها الدنيوية من نقائص وعيوب ومشاهد بغيضة ومؤلمة، فلا يحدث من شرب خمر الجنة صداع ولا نزيف ولا ذهاب عقل.
خامسًا: لهم فاكهة مما يتخيرون.
سادسًا: أن لهم لحم طير مما يشتهون.
سابعًا: أن لهم حور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون.
ثامنًا: بيان السبب في متعتهم في كل هذا النعيم، وهو أنه جزاء بما عملوا.
تاسعًا: أنهم لا يسمعون في الجنة ما يكدرهم، ولا يسمعون فيها لغوًا ولا تأثيمًا، لكن يسمعون فيها قولاً سالمًا من كل عيب، وهو قول بعضهم لبعض على وجه التحية سلامًا سلامًا.
أدلة لما تقدم:(3/293)
قال الله جل وعلا: { عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ * يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وَلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ * لاَ يُصَدَّعُونَ عَنهَا وَ لاَ يُنْزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ المَكْنُونِ * جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ تَأْثِيمًا * إِلاَّ قِيلاً سَلامًا سَلامًا } .
1360- 1367- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان حال أصحاب اليمين وما يتمتعون به من النعيم في فرشهم وطعامهم وشرابهم ونسائهم.
فأولاً: ذكر ما يفيد التفخيم والتهويل والتعجب من حالهم.
ثانيًا: أنهم في سدر مخضود.
ثالثًا: طلح منضود.
خامسًا: ماء مسكوب.
سادسًا: فاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة.
سابعًا: فرش مرفوعة.
ثامنًا: نساء مرتفعات الأقدار والمنازل كاملات في باب النساء، أنشئن لأصحاب اليمين، قال الله جل وعلا: { وَأَصْحَابُ اليَمِينِ مَا أَصْحَابُ اليَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ * وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَّسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لاَ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ * إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لأَصْحَابِ اليَمِينِ } فكل ما ذكر يحتوي على التبشير والتشويق للمؤمنين، ويثير الرغبة الشديدة في إحرازه.
1368- 1375- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان حال أصحاب الشمال ووصف منازلهم وعذابهم و مصيرهم الرهيب بأسلوب هائل ورائع.
فأولاً: أنهم في سموم ريح حارة.
ثانيًا: أنهم في ظل دخان أسود ليس بطيب الهبوب ولا حسن المنظر.
ثالثًا: بيان السبب في تعذيبهم.
رابعًا: أنهمن كانوا يصرون على الذنب العظيم.(3/294)
خامسًا: أنهم ينكرون البعث والنشور والثواب والعقاب.
سادسًا: بيان ما يلقاه أصحاب الشمال في مآكلهم.
سابعًا: بيان مشاربهم.
ثامنًا: بيان ضيافتهم.
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ * لاَ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ * إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ * وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الحِنثِ العَظِيمِ } إلى قوله تعالى: { هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ } .
1376- 1384- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر بعض الأدلة الدالة على إثبات قدرة الله الكاملة على البعث.
ثانيًا: الأدلة على الألوهية من خلق ورزق لطعام وشراب.
ثالثًا: الرد على المكذبين بالبعث المستبعدين له من أهل الزيغ والإلحاد.
رابعًا: ذكر نعمة الله على عباده بالطعام.
خامسًا: ذكر نعمته على عباده بالشراب العذب الذي منه يشربون.
سادسًا: ذكر نعمته على عباده بالنار التي يورون.
سابعًا: إرشاد العباد إلى أنها تذكرة ومتاع للمنتفعين.
ثامنًا: أنها تذكرة بنار جهنم ليحذروها، ويستدلوا بها على البعث.
تاسعًا: الحث على تنزيه الله وتقديسه عما يقوله المكذبون تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا.
قال الله جل وعلا وتقدس: { نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ * أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ * أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الخَالِقُونَ } إلى قوله تعالى: { فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ } [الواقعة: 74].
1385، 1386- التنبيه على قدرة الله وعظمته وكبريائه وتوحيده.(3/295)
ثانيًا: إرشاد العباد إلى أن القرآن كرمه الله وأعزه، ورفع قدره على جميع الكتب وكرمه عن أن يكون سحرًا أو كهانة أو كذبًا، ولا قول كاهن، ولا قول مجنون، ولا قول شاعر، ولا تنزلت به الشياطين إلى آخر هذه الأقاويل الباطلة، وإنما هو قرآن عزيز كريم؛ لما فيه العلم الغزير، والخير الكثير، ولما فيه من كرم الأخلاق، ومعالي الأمور، وكل خير وعلم، فإنما يستفاد ويستنبط منه.
أدلة لما تقدم:
قال الله جل وعلا وتقدس: { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ المُطَهَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ العَالَمِينَ } ، وقال: { جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } ، وقال تعالى: { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } ، وقال تعالى: { وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } ، وقال: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } ، وقال: { هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } ، وقال: { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } ، وقال: { وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ } ، { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ } ، وقال: { هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } ، وقال تعالى: { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا(3/296)
هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ * وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } ، وقال: { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } ، وقال: { لاَ يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } ، وقال: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } .
1387- 1391- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التحذير من التكذيب بالقرآن.
ثانيًا: الإنكار على من سمع أحدًا يتكلم في القرآن بما لا يليق به ثم لا يجاهره بالعداوة.
ثالثًا: التحذير من وضع التكذيب موضع الشكر.
رابعًا: الترهيب من نسبة الرزق إلى الأنواء، وقول مطرنا بنوء كذا، بل يقولوا: مطرنا بفضل الله ورحمته، وسقينا بفضل الله ورحمته.
خامسًا: بيان أن ما يصيب العباد من خير فلا ينبغي أن يروه من قبل الوسائط التي أجرى الله العادة بأن تكون أسبابًا، بل ينبغي أن يروه من قبل الله تعالى.
سادسًا: الحث على مقابلته بالشكر، إن كان نعمة، وبالصبر إن كان مكروهًا.
قال الله جل وعلا وتقدس: { أَفَبِهَذَا الحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ * وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } ، وقال: { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } ، وقال: { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ } .
1392، 1393، 1394، 1395- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التنبيه على حالة الاحتضار.
ثانيًا: التحدي للمكذبين المنكرين للبعث والحساب والجزاء على الأعمال بإرجاع الروح التي بلغت الحلقوم إلى مكانها الأول، ومقرها من الجسد.
ثالثًا: ذكر حال الخلق بعد الوفاة، وقسمها أزواجًا ثلاثة.
رابعًا: بيان ما لكل قسم من الجزاء.
أدلة لما تقدم:(3/297)
قال الله جل وعلا وتقدس: { فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لاَّ تُبْصِرُونَ * فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ اليَمِينِ * فَسَلامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ اليَمِينِ * وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ المُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ *وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ اليَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ } .
1396- 1401- من هدي القرآن للتي هي أقوم: أولاً: لفت نظر الإنسان وإيقاظ ضميره وتوجيهه نحو الله.
ثانيًا: الحث على تنزيه الله عما لا يليق بجلاله وكبريائه وعظمته.
ثالثًا: التنبيه على قدرة الله.
رابعًا: إرشاد العباد إلى إثبات جميع صفات الكمال لله، ونفي كل عيب ونقص؛ لأن التسبيح يقتضي ذلك.
خامسًا: إرشادهم إلى إثبات الملك لله وحده.
سادسًا: إرشاد العباد إلى أن الله هو الذي يحي ويميت، وهو الذي خلق الموت والحياة.
قال الله جل وعلا: { يُسَبِّحُ لله مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ، وقال تعالى: { سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ } ، وقال تعالى: { يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ المَلِكِ القُدُّوسِ العَزِيزِ الحَكِيمِ } .
1402- 1406- من هدي القرآن للتي هي أقوم: إرشاد العباد إلى إثبات أولية الله وسبقه لكل شيء.
ثانيًا: إرشادهم إلى إثبات دوامه وبقائه وأنه لا شيء بعده.
ثالثًا: إرشادهم إلى إثبات علوه على خلقه.
رابعًا: إثبات قربه ودنوه وإحاطته سبحانه مع أنه فوقهم بذاته.(3/298)
خامسًا: التنبيه على مقام مراقبة الله، والخوف منه، والاستعداد للقائه.
قال الله جل وعلا وتقدس: { هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } ، وقال تعالى: { وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } ، وقال: { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } ، وقال: { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ وَالإِكْرَامِ } .
1407- 1411- من هدي القرآن للتي هي أقوم: أولاً: بيان المدة التي خلق الله فيها السموات والأرض، وأنها ستة أيام وهو القادر على خلقها في لحظة.
ثانيًا: ذكر هذه المدة لإرشاد العباد إلى التأني والتثبت والرفق في الأمور، { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } ، وقال: { وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ } .
ثالثًا: إرشاد العباد إلى الدليل على سعة علم الله.
رابعًا: التنبيه على ما يبعث الخوف من الله والحذر من المعاصي.
خامسًا: التنبيه على حلم الله على عباده حيث لم يعاجل العاصين بالعقوبة.
قال الله جل وعلا وتقدس: { هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا } إلى قوله: { وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } .
1412، 1413، 1414- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان شمول ملك الله وعلمه وقدرته وإحاطته بجميع ما في الكون من مخلوقات، وما يقع من هذه المخلوقات من أعمال وحركات ظاهرة وخفية وباطنة.
ثانيًا: تقرير كون مرد كل شيء إليه أولاً وآخرًا.
ثالثًا: التحذير من المعاصي.(3/299)
قال الله جل وعلا وتقدس: { لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ * يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } ، وقال: { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } ، وقال: { لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } ، وقال: { أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } ، وقال: { أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ } .
1415- 1423- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الأمر بالإيمان بالله وبرسله، وبما جاءوا به، والاستمرار عليه والزيادة منه.
ثانيًا: الأمر الإنفاق في سبيل الله.
ثالثًا: بيان أن المال عارية مستردة.
رابعًا: التنبيه على أنهم لا ينفقون من عند أنفسهم، وإنما ينفقون مما جعلهم الله خلفاء عليه من ملكه، وهو الذي له ملك السموات والأرض.
خامسًا: الحث على استيفاء الحظ منه قبل أن يصير لغيرنا.
سادسًا: بيان ثواب من فعل ذلك بأن له أجرًا كبيرًا.
سابعًا: ذكر سؤال استنكاري على سبيل الحث والعتاب عما يمنعهم عن الإيمان بالله ورسوله يدعوهم إلى ذلك، وقد أخذ عليهم ميثاقًا به إن كانوا مؤمنين.
ثامنًا: التنبيه على أن الله تعالى إنما ينزل على عبده محمد آيات بينات ليخرجهم بها من ظلمات الكفر، والجهل إلى نور الإيمان والعلم، ومن ظلمات الشك والحيرة إلى نور الهدى واليقين والطمأنينة.
تاسعًا: ذكر رأفة الله ورحمته بعباده.(3/300)
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } .
1424- 1428- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر سؤال استنكاري على سبيل الحث والعتاب عما يمنعهم عن إنفاق أموالهم في سبيل الله، والحال أن ميراث السموات والأرض ملك لله وراجع إليه.
ثانيًا: تقرير على سبيل الحث والبيان بأن هناك فرقًا عظيمًا بين الذين أنفقوا أموالهم، وقاتلوا قل الفتح، وبين الذين فعلوا ذلك بعده.
ثالثًا: التنبيه على فضل الصحابة كلهم حيث شهد الله لهم بالإيمان ووعدهم الجنة.
رابعًا: الحث على الإخلاص في العمل.
خامسًا: التنبيه على مراقبة الله بالإقبال على طاعة الله، والابتعاد عن المعاصي.
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } .
1429، 1430- الحث على الإنفاق في سبيل الله. ثانيًا: ذكر الوعد الجزيل من الرب الكريم بالمضاعفة لمن فعل ذلك.
قال الله جل وعلا وتقدس: { مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } ، وقال: { مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً } ، وقال تعالى: { إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ } .(3/301)
1431- 1440- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان حال المؤمنين يوم القيامة حيث يسعى النور بين أيديهم وبأيمانهم.
ثانيًا: أنهم يبشرون بالجنات والخلود فيها، وفي ذلك ما فيه من الفوز العظيم.
ثالثًا: بيان حال المنافقين إذ ذاك وهم في حيرة وضلال وظلمة يطلبون من المؤمنين شيئًا من النور يستنيرون به ليهديهم سواء السبيل.
رابعًا: بيان ما يقال لهم على سبيل الزجر والتهكم بهم، والتذكير بما كان منهم من نفاق ودس في الضلال ارجعوا وراءكم وابحثوا عن نور.
خامسًا: الإخبار بأنه يضرب بين الفريقين حاجز منيع في إحدى ناحيته، وهي التي تلي المؤمنين الرحمة والنعيم، وفي الناحية الثانية، وهي التي تلي المنافقين العذاب الشديد.
سادسًا: ذكر نداء المنافقين للمؤمنين قائلين لهم: ألم نكن معكم نصلي ونصوم... إلخ.
سابعًا: بيان جواب المؤمنين لهم بذكر السبب فيما صاروا إليه، وهو أنهم أهلكوا أنفسهم بالنفاق والمعاصي.
ثامنًا: التحذير من النفاق والشك في أمر الدين والتربص بالمسلمين الدوائر وغرور الأماني لما تقدم.
تاسعًا: بيان أن لا أمل في النجاة لهم إذ ذاك فلا تجدي الفدية كما كانت تنفع في الدنيا.
أدلة لما تقدم:(3/302)
قال الله جل وعلا وتقدس: { يَوْمَ تَرَى المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ اليَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ العَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ } الآية، وقال تعالى: { يَوْمَ لاَ يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .
1441- 1448- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر عتاب لطيف لقوم مؤمنين فترت همهم عن القيام بما ندبوا له من الخشوع ورقة القلوب لذكر الله وما نزل من الحق.
ثانيًا: الحث على الخشوع والإقبال على طاعة الله.
ثالثًا: التحذير من التشبه بأهل الكتاب الذين قست قلوبهم بمرور الزمن، فانحرف كثير منهم عن جادة الحق وتمردوا على أوامر الله.
رابعًا: التنبيه لما يغشي القلوب من الصدأ حين يطول بها الزمن بدون جلا.
خامسًا: بيان ما تنتهي إليه من القسوة بعد اللين حين تغفل عن ذكر الله الذي هو جلاؤها.
سادسًا: التنبيه إلى أنه لابد من تذكير القلب حتى يرق ويخشع، ولابد من اليقظة الدائمة كي لا يصيبه التبلد والقساوة.(3/303)
سابعًا: التنبيه على مقام المراقبة.
ثامنًا: الحث على محاسبة النفس.
أدلة لما تقدم:
قال تعالى: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } ، وقال تعالى: { لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا القُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } ، وقال: { إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا } ، وقال: { إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًا } .
1449- ضرب الأمثال لتأثير المواعظ، وتلاوة القرآن في القلوب، فالله القادر الذي يحيى الأرض بعد موتها بما ينزله من السماء من ماء، هو الذي يحيى الناس بما ينزله من آيات بينات يهتدون بها إلى طريق السعادة والنجاح في الدنيا والآخرة بعد الجهالة والظلمات، وهو الذي يحييهم بعد موتهم لمناقشة الحساب، قال الله جل وعلا وتقدس: { اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } ، وقال: { أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ } .
1450، 1451، 1452- التنويه والإخبار عما يثيب الله به المصدقين والمصدقات بأموالهم على أهل الحاجة والفقراء والمسكنة والمقرضين لله قرضًا حسنًا.(3/304)
ثانيًا: وصف المؤمنين بالله ورسله بأنهم صديقون.
ثالثًا: بيان أن العاملين أقسام، فمنهم النبيون، والصديقون، والشهداء، والصالحون.
قال الله جل وعلا وتقدس: { إِنَّ المُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ * وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ } ، وقال: { وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا } .
1453، 1454، 1455، 1456- من هدي القرآن للتي هي أقوم: التنبيه بأن الحياة الدنيا إنما هي لعب ولهو وزينة وتفاخر، وتكاثر في الأموال والأولاد، وهذا مما يزهد فيها ويهون من شأنها ويرفع النفوس عنها، ويرغب في الآخرة، والإقبال عليها.
ثانيًا: ضرب الله لها مثلاً يبين أنها زهرة فانية ونعمة زائلة.
ثالثًا: ذكر ما أعده الله للعصاة في الدار الآخرة.
رابعًا: ذكر ما أعده الله لأهل طاعته.
أدلة لما تقدم:(3/305)
قال الله جل وعلا وتقدس: { اعْلَمُوا أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ } ، وقال جل وعلا وتقدس: { إِنَّمَا مَثَلُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ } ، وقال: { وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ } ، وقال تعالى: { وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ } ، وقال: { وَمَا هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ } ، وقال: { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا } .
1457- الأمر بالمسابقة إلى مغفرة الله ورضوانه وجنته.
ثانيًا: بيان المستحقين للجنة.
ثالثًا: الإرشاد إلى أن هذا فضل من الله واسع العطاء عظيم الفضل.(3/306)
قال الله جل وعلا وتقدس: { سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ } ، وقال جل وعلا: { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } إلى آخر صفات أهلها، وهو قوله: { وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } .
1458، 1459، 1460، 1461- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الإخبار عن عموم قضاء الله وقدره، وبيان أن كل ما يقع على الأرض وما يصيب نفوس الناس، فإنه مكتوب في اللوح المحفوظ قبل وقوعه.
ثانيًا: إرشاد العباد إلى أن ذلك سهل على الله.
ثالثًا: تقرير بأن الله تعالى يبين لهم هذه الحقيقة حتى لا يداخلهم الحزن والأسى مما يفوتهم من خيرات ولا يبطرهم الفرح بما ينالونه من خيرات.
رابعًا: التنبيه على أن الله تعالى لا يحب المتكبرين المباهين بما قد يحرزونه من مال أو جاه.
قال الله جل وعلا: { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } الآية، وقال: { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } ، وقال تعالى: { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } ، وقال: { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا } .(3/307)
1462- 1467- من هدي القرآن للتي هي أقوم: الإخبار بأن الله جل وعلا وتقدس أرسل رسله للناس بالحجج الباهرات والمعجزات، والدلائل الدالة على صدقهم المؤيدة لبعثهم من عند ربهم.
ثانيًا: بيان أن الله أنزل عليهم الكتب التي فيها هداية البشر وصلاحهم وإرشادهم إلى ما فيه صلاحهم في دينهم ودنياهم.
ثالثًا: الأمر بالعدل؛ ليعملوا به فيما بينهم في الأقوال والأفعال، ولا يظلم بعضهم بعضًا.
رابعًا: بيان أن إقامة دين الإسلام تنبني على أمرين، أحدهما: إقامة البراهين والأدلة على الحق، وإيضاح الأمر والنهي، والثواب والعقاب، فإذا أصر الكفار على الكفر، وتكذيب الرسل، فإن الله أنزل الحديد أي خلقه لبني آدم ليردع به المؤمنون الكافرين المعاندين، وهو قتلهم إياهم بالسيف ونحوه.
خامسًا: التنبيه إلى أن إنزال الكتب والحديد للاختبار ليتبين من ينصر الله ورسله.
سادسًا: الإشارة إلى أن تكليفهم الجهاد، وتعريضهم للقتال ليس عن حاجة له سبحانه، ولكن لينتفعوا هم بالجهاد، كما قال تعالى: { وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ } ، وقال تعالى: { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } .
1468- 1473- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أن الله شرف نوحًا وإبراهيم –عليهما السلام- بالرسالة.
ثانيًا: أن الله جعل في ذريتهما النبوة والكتاب، فما جاء أحد بعدهما بالنبوة إلا كان من سلائلهما.
ثالثًا: النهي عن الابتداع في الدين.
رابعًا: النهي عن الغلو في العبادة.
خامسًا: بيان أن المرسل إليهم انقسموا قسمين: قسم مهتدي، وقسم فساق.(3/308)
سادسًا: بيان صفات أتباع عيسى –عليه السلام- منها: الرأفة، ومنها: الرحمة، ومنها: الرهبانية المبتدعة.
قال الله جل وعلا: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } إلى قوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ } .
1474- 1479- من هدي القرآن للتي هي أقوم: أولاً: الأمر بتقوى الله.
ثانيًا: الأمر بالإيمان برسوله.
ثالثًا: بيان ما وعد الله به المؤمنين به وبرسله، وهو ثلاثة أمور: 1- مضاعفة الأجر. 2- أن يجعل لهم نورًا يمشون به. 3- أن يغفر لهم ما اجترحوا من الذنوب والآثام، وهو الغفور الرحيم.
رابعًا: تنبيه لأهل الكتاب حتى يعلموا أنهم غير قادرين على منع فضل الله عن أحد ولا محتكريه، فالله تعالى هو مولى الفضل والإحسان، وهو يتصرف فيما تقتضيه حكمته وعدله فيؤتيه من يشاء ويصرفه عمن يشاء.
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ } .
1480- 1484- من هدي القرآن للتي هي أقوم: ذكر قصة خولة بنت ثعلبة مع زوجها أوس بن الصامت، وشكواها إلى الله، ومجادلتها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما في قصتها من العظة والاعتبار والتذكر والجد والاجتهاد.
ثانيًا: تحريم الظهار.
ثالثًا: وجوب الكفارة عند العود قبل المسيس بأحد ثلاثة أمور على الترتيب:
1- تحرير رقبة.
2- صوم شهرين متواليين إن لم يجد ما يعتقه.
3- إطعام ستين مسكينًا إن لم يستطع الصوم.(3/309)
رابعًا: التحذير من انتهاك حدود الله.
قال الله تعالى: { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ القَوْلِ وَزُورًا } الآية.
1485- 1490- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: التحذير من محادة الله ورسوله، ومشاقتهما، ومخالفة أمرهما.
ثانيًا: بيان جزاؤهم في الدنيا.
ثالثًا: بيان جزاؤهم في الآخرة.
رابعًا: إرشاد العباد إلى التدبر والتفهم فيما ينزله الله من الآيات البينات والبراهين التي تبين الحقائق وتوضح المقاصد.
خامسًا: بيان مصير الذين يحادون الله ورسوله.
سادسًا: التنبيه على مقام المراقبة والتفتيش على النفس.
قال جل وعلا وتقدس: { إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ * يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } .
1491، 1492، 1493، 1494- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: الإخبار بإحاطة علم الله بخلقه، وإطلاعه عليهم وسماعه كلامهم ورؤيته مكانهم حيث كانوا، وأين كانوا.
ثانيًا: النهي عن التناجي بالإثم والعدوان ومعصية الرسول.
ثالثًا: الأمر بالتناجي بالبر والتقوى.
رابعًا: بيان الباعث على التناجي بالإثم والعدوان وأنه الشيطان.(3/310)
قال الله تعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ } الآيات إلى قوله: { وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ } ، وقال: { لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ } الآية، وقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهُمْ شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ } .
1495- 1149- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: الأمر بالتفسح في المجالس؛ لأن ذلك يدخل السرور والمحبة في القلوب.
ثانيًا: دليل على أن الصحابة كانوا يتنافسون في القرب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسماع حديثه، لما فيه من الخير العميم والفضل العظيم.
ثالثًا: دليل أن كل من وسع على عباد الله أبواب الخير والراحة، وسع الله عليه خيرات الدنيا والآخرة.
رابعًا: التنبيه على إعظام مناجات الرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
خامسًا: تمييز المنافقين الذين يحبون المال ويريدون عرض الحياة الدنيا من المؤمنين حق الإيمان، الذين يريدون وجه الله والدار الآخرة.
قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي المَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ } إلى قوله: { وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } .
1500، 1501، 1502- من هدي القرآن للتي هي أقوم:(3/311)
أولاً: التنبيه على أن القلب الذي ينسى ذكر الله يفسد ويتمحض للشر.
ثانيًا: التحذير من الكذب ومن طريقة المنافقين في اتخاذهم الأيمان جنة، ووقاية من لوم الله ورسوله والمؤمنين.
ثالثًا: التحذير من تولي أعداء الله.
قال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ } ، وقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } ، وقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ } إلى قوله: { إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } ، وقال: { وَدَّت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } ، قال الله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } الآيات إلى قوله: { أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ(3/312)
هُمُ الخَاسِرُونَ } .
1503- 1507- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: بيان أن الإيمان الحق لا يجتمع مع موالاة أعداء الله مهما قرب بهم النسب، أو بعبارة أخرى تنزيه قوي لصادق الإيمان، بأنه لا يمكن أن يقف قوم يؤمنون بالله واليوم الآخر إيمانًا صادقًا موقف الموالاة والموادة لمن يشاقق الله ورسوله، ويحاددهم ويناصبهم العداء، ولو جمعت بينهم أشد روابط القربى كالأبوة أو البنوة، أو الأخوة، أو العصبية الرحمية؛ لأن المحادين كتبت عليهم الذلة، وأولئك كتبت لهم العزة، وقواهم ربهم بالطمأنينة والثبات على الإيمان وهم جند الله وناصروا دينه وحزبه المفلحون.
ثانيًا: بشرى للمؤمنين بأنهم سيظهرون على عدوهم، ويكتب لهم الفوز، ويكونون هم الأعزاء وسواهم الأذلاء.
ثالثًا: المبالغة في الزجر عن موالاة أعداء الله.
رابعًا: ذكر سبب آخر يمنع من موادة أعداء الله.
خامسًا: ذكر ما أعده الله للمؤمنين من النعيم المقيم.
قال الله جل وعلا وتقدس: { إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ * لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ } الآية.
1508- 1514- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: ذكر حادث بني النضير –حي من أحياء اليهود- في السنة الرابعة من الهجرة تصف كيف وقع؟ ولماذا وقع؟ وقد جاءت القصة للعظة والاعتبار.
ثانيًا: تذكير المسلمين بما يسر الله لهم بحيث لو لم يكن تيسيره لما تم لهم ما تم.
ثالثًا: التنبيه على غدر اليهود ومحالفتهم لقريش.
ثالثًا: ذكر عظيم منة الله بإخراج اليهود من ديارهم.(3/313)
رابعًا: بيان ما جرأهم على مشاكسة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتأليب المشركين عليه حيث ظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله.
خامسًا: التنبيه على أن من وثق بغير الله، فهو مخذول، ومن ركن إلى غير الله كان وبالاً عليه، فقد اعتمدوا على الحصون، فقذف الله في قلوبهم الرعب الذي لا ينفع معه عدد، ولا عدة، ولا قوة، ولا شدة.
سادسًا: بيان مدى مالحقهم من الهلع والجزع والذعر، وكيف حاروا في الدفاع عن أنفسهم.
سابعًا: ذكر ما يجب أن يجعله العاقل نصب عينيه من عظة واعتبار.
قال الله جل وعلا وتقدس: { هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي المُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ } .
1515، 1516، 1517، 1518- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: بيان الفيء ما هو؟
ثانيًا: بيان صفته.
ثالثًا: بيان حكمه.
رابعًا: بيان أنه يجب على المؤمنين أن يسمعوا ويطيعوا الله ورسوله، فما آتاهم الرسول أخذوه، وما نهاهم عنه ينتهوا عنه، وعليهم بتقوى الله، والوقوف عند أوامره، فإنه شديد العقاب على من يخالف ويتجاوز حدوده.
قال الله تعالى: { وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ } إلى قوله: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا } الآية، وقال: { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } .
1519- 1525- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: بيان المستحقون للفيء من الفقراء.
ثانيًا: ذكر السبب الموجب لجعله تعالى أموال الفيء لمن قدرها له.(3/314)
ثالثًا: ذكر الصفات السامية والمناقب الرفيعة للمهاجرين.
رابعًا: مدح الأنصار.
خامسًا: ذكر فضائلهم التي منها: محبتهم للمهاجرين، ومنها: أنه ليس في قلوبهم حقد ولا حسد، ومنها: أنهم يفضلونها على أنفسهم ويعطونهم ما هم في أشد الحاجة إليه.
سادسًا: بيان أن الشح هو المعوق عن الفلاح.
قال الله تعالى: { لِلْفُقَرَاءِ المُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ } .
1526- 1534- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: الحث على الدعاء للصحابة - رضي الله عنهم -.
ثانيًا: الحث على الدعاء لسائر المسلمين.
ثالثًا: أنه ينبغي للمسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
رابعًا: بيان أن من فضائل الإيمان أن المؤمنين ينتفع بعضهم ببعض، ويدعو بعضهم لبعض بسبب المشاركة في الإيمان المقتضي لعقد الإخوة بين المؤمنين.
خامسًا: التنبيه على الاعتراف بالذنوب والاستغفار منها.
سادسًا: الحث على الاجتهاد في إزالة الحقد والغل لإخوانه المسلمين.
سابعًا: الإرشاد إلى محبة الصحابة.
ثامنًا: التنبيه على الاجتماع والنهي عن التفرق.
تاسعًا: الإرشاد إلى البداءة بالنفس بالدعاء.
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } .(3/315)
1535- 1545- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: ذكر ما جرى بين المنافقين واليهود من المقالة والمناصحة وتشجيعهم لهم على الدفاع عن ديارهم ومحاربتهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما قصه الله علينا، وفصله أتم تفصيل ليكون لنا في ذلك عبرة وعظة.
ثانيًا: إخبار من أخبار الغيب ودليل من دلائل النبوة، ووجه من وجوه الأعجاز، فإنه وقع الأمر كما أخبر الله قبل وقوعه.
ثالثًا: بيان السبب في عدم نصرة المنافقين لليهود، والدخول مع المؤمنين في قتال.
رابعًا: ذكر سبب رهبتهم لهم من دون الله.
خامسًا: تأكيد جبن اليهود وشديد خوفهم.
سادسًا: ذكر أسباب الجبن وأنه التخاذل وعدم الاتحاد حين اشتداد الخطوب.
سابعًا: أن في هذا عبرة وعظة للمؤمنين في كل زمان ومكان.
ثامنًا: أن من رأى اليهود والمنافقين مجتمعين ظنهم متفقين، وهم مختلفون غاية الاختلاف لما بينهم من إحن وعداوات.
تاسعًا: أن في معرفة ضعفهم وتفككهم تشجيع للمؤمنين على قتالهم، وحث للعزائم الصادقة.
عاشرًا: بيان أسباب نفرت بعضهم من بعض.
الحادي عشر: ضرب مثلاً لليهود والمنافقين كمثل الشيطان يوقع الإنسان في المعصية، ويبرأ منه.
قال الله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوَهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } إلى قوله تعالى: { وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ } .
1546- 1559- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: الأمر بتقوى الله.
ثانيًا: التنبيه على قرب الساعة.
ثالثًا: الحث على مراقبة الله.(3/316)
رابعًا: الحث على محاسبة النفس وتفقدها.
خامسًا: الحث على الإكثار من الأعمال الصالحة.
سادسًا: ضرب الأمثال تحذيرًا وإنذارًا.
سابعًا: الترهيب من نسيان الله.
ثامنًا: أن من نسي الله أنساه الله نفسه.
تاسعًا: بيان أن الجزاء من جنس العمل.
عاشرًا: التنبيه على عدم استواء أصحاب الجنة، وأصحاب النار؛ لشدة غفلة الناس عنهم.
الحادي عشر: التنبيه على علو شأن القرآن، وقوة تأثيره في القلوب.
الثاني عشر: توبيخ الإنسان على قسوة قلبه، وقلة خشوعه حين قراءة القرآن، وتدبر ما فيه من الزواجر والمواعظ التي تذل لها الجبال الراسيات.
الثالث عشر: ضرب الأمثال للتفكر.
الرابع عشر: أن الجمادات تخشع لعظمة الله وجلاله.
قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ * لاَ يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الجَنَّةِ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ * لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا القُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ } .
1560- 1567- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: نهي المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء.
ثانيًا: بيان ما يمنع من اتخاذهم أولياء، وهو كفرهم بما جاء من الحق.
ثالثًا: إخراجهم الرسول وأصحابه من بين أظهرهم كراهة لما هم عليه من التوحيد، وإخلاص العبادة لله وحده.
رابعًا: تهييج المؤمنين على عداوة الكافرين وعدم موالاتهم.
خامسًا: توعد من يوالي الكفار وأنه يكون قد ضل عن سبيل الحق، وانحرف عنه؛ لأنه سلك مسلكًا مخالفًا للشرع والعقل والمروءة الإنسانية.(3/317)
سادسًا: ذكر أمور أخرى تمنع من موالاة الكفار: 1- أنهم إن يظفروا بكم يكونون حربًا على المؤمنين. 2- أنهم يمدون أيديهم وألسنتهم بالسوء. 3- أنهم يتمنون لو تكفروا بربكم.
قال الله جل وعلا وتقدس: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ } الآيات إلى قوله: { لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ } .
1568، 1569- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: بيان موقف إبراهيم والذين معه من قومهم، فقد أعلنوا جهرًا ومواجهة براءتهم من قومهم وما يعبدونه من دون الله وعالنوهم العداء والبغضاء إلى الأبد ما داموا كفارًا.
ثانيًا: الإخبار عن قول إبراهيم والذين معه حين فارقوا قومهم وتبرأوا منهم ولجؤا إلى الله وتضرعوا إليه طالبين منه المعونة، ملتمسين منه أن لا يجعلهم موضع فتنة الكفار وأذاهم، وأن يغفر لهم هفواتهم وذنوبهم.
قال الله جل وعلا: { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ } الآيات إلى قوله: { إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ } .
1570- 1579- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: بيان من يجوز بره من الكفار، ون لا يجوز بره.
ثانيًا: أمر المؤمنين إذا جاءهم النساء مهاجرات أن يمتحنوهن فإن علموهن مؤمنات، فلا يرجعوهن إلى الكفار.
ثالثًا: بيان العلة في النهي عن إرجاعهن إلى الكفار.
رابعًا: الدليل على أن المؤمنة لا تحل للكافر.(3/318)
خامسًا: دليل على أن إسلام المرأة يوجب فرقتها من زوجها الكافر لا مجرد الهجرة.
سادسًا: دليل على أن الكافرة لا تحل للمسلم ما دامت على كفرها غير نساء أهل الكتاب.
سابعًا: سؤال المسلمين الكفار مهور النساء المهاجرات إذا ارتددن ولحقن بالكفار.
ثامنًا: سؤال الكفار المسلمين ما أنفقوا على أزواجهم اللاتي هاجرون إلى المسلمين، والمراد أن عليكم أن تؤدوا ذلك.
تاسعًا: بيان أن من فاتت زوجته وذهبت إلى الكفار، فعلى المسلمين أن يعطوه من الغنيمة بدل ما أنفق.
عاشرًا: التحذير من التعرض لشيء مما يوجب العقوبة.
قال الله جل وعلا وتقدس: { لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ المُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } الآيات إلى قوله: { وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ } .
1580، 1581، 1582- من هدي القرآن للتي هي أقوم:(3/319)
أولاً: بيان مبايعة النساء اللاتي كن يبايعن على إقامة الواجبات المشتركة التي تجب على الذكور والنساء في جميع الأوقات.
ثانيًا: العناية بالمرأة المسلمة وتقرير شخصيتها وأهليتها للتكليف والخطاب والتعامل.
ثالثًا: النهي عن موالاة الكافرين اليهود والنصارى، وسائر الكفار ممن غضب الله عليه ولعنه واستحق من الله الطرد والإبعاد، فغدوا يائسين من ثواب الآخرة وخيرها، وكان مثلهم في ذلك كمثل يأس الكفار الأموات من رحمة الله ورضاه في الآخرة أو كيأس الكفار الأحياء من بعث موتاهم؛ لأنهم لا يؤمنون ببعث ولا نشور –والعياذ بالله.
قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ } الآية إلى آخر السورة.
1583- 1591- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: التوبيخ والإنكار على ترك فعل الخير لمن وعد بفعله.
ثانيًا: الحث والترغيب في الوفاء بالوعد.
ثالثًا: التنبيه إلى ما في عدم تنفيذ الوعد بالفعل من العتب والتنديد الموجه إلى من اتصف بذلك.
رابعًا: التنبيه إلى ما فيه من موجبات مقت الله الكبير وغضبه.
خامسًا: ذم الكذب.
سادسًا: إرشاد المؤمنين إلى أن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله.
سابعًا، وثامنًا: بيان أن موسى وعيسى أمرا بالتوحيد، وجاهدا في سبيل الله وحل العقاب بمن خالفهما.(3/320)
قال الله جل وعلا وتقدس: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ * إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ * وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ } الآية، وقال عما قال موسى حين ندبهم موسى لقتال الجبارين: { فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } ، وقال عن إسماعيل: { إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعْدِ } .
1592- من هدي القرآن للتي هي أقوم: بيان أن من عدل من إتباع الحق مع علمه به أزاغ الله قلبه عن الهدى، وأسكن قلبه الشك والحيرة والخذلان، قال تعالى: { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } ، وقال: { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } ، وقال تعالى: { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } ، وقال: { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا } ، وقال: { فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِن قَبْلُ } ، وقال: { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } ، فالجزاء من جنس العمل: { وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ } .
1593- 1597- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: بيان أن الأذى والتكذيب ينال الرسل ويصبرون.
ثانيًا: تسلية لمن أوذي في سبيل الله من المؤمنين حيث أن له أسوة بالرسل –عليهم السلام- الذين أوذوا في الله وصبروا.(3/321)
ثالثًا: بيان تأكيد رسالة النبي، وقوة ما فيها من الحق والنور الإلهي، وحمل المؤمنين بها على الثبات والتأييد إلى ما كان من بشارة عيسى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - حيث بينت قوله لبني إسرائيل إنه رسول الله إليهم مصدقًا للتوراة التي أنزلت من قبل، ومبشرًا برسول بعده اسمه أحمد.
رابعًا: الإخبار بأنه لا أحد أشد ظلمًا وعدوانًا ممن اختلق على الله الكذب، والحال أنه يدعي إلى دين الإسلام الذي هو خير الأديان.
خامسًا: التحذير من الظلم حيث أخبر جل وعلا أنه لا يهدي من اتصف به.
قال الله جل وعلا: { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ * وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الإِسْلامِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ } ، وقال: { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا } .
1598، 1599، 1600، 1601- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: بيان جد المشركين واجتهادهم في أن يطفئوا نور الله بأفواههم ومواقفهم وأقوالهم، وهذا في منتهى السخف والبذاء والقحة.
ثانيًا: بيان أن مثلهم في ذلك كمثل من ينفخ في الشمس بفيه ليطفئ نورها، ويحجب ضياءها عن الناس.
ثالثًا: الإخبار بأن الله أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، بالعلم النافع والعمل الصالح.(3/322)
رابعًا: الإخبار بأن الله قد تكفل بنصر دينه وإعلائه على سائر الأديان رغم أنوف الكافرين، قال الله جل وعلا: { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ } ، وقال في «سورة براءة»: { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ } .
1602، 1603، 1604- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: الإخبار ببشارتين للمؤمنين ذكرًا بأسلوب يفيد التشويق، والترغيب، والاهتمام بما يأتي بعده، أولى البشارتين أخروية، وهي رضى الله ومغفرته وجناته، وقد قدمت في الذكر؛ لأنها خير وأبقى.
ثانيًا: دنيوية مما يحبونه، وهي النصر في الجهاد الذي يدعون إليه والفتح السهل القريب الذي سوف ييسره الله لهم.
ثالثًا: تذكير وحث ودعوة إلى التأسي، فالمؤمنون مدعوون إلى أن يكونوا أنصار الله وعليهم أن يتأسوا بالحواريين الذين استجابوا لعيسى بن مريم –عليه السلام- حينما هتف من أنصاري إلى الله، فأعلنوا أنهم أنصار الله، وكانت النتيجة لذلك أن آمنت من بني إسرائيل طائفة، وكفرة طائفة، فأيد الله المؤمنين على عدوهم، فظهروا عليهم وانتصروا.(3/323)
قال جل وعلا وتقدس: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ } الآيات إلى آخر السورة.
1605- 1612- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: بيان عناية الله ولطفه بعباده، وخاصة العرب ببعثه فيهم رسولاً منهم.
ثانيًا: أنهم يعرفون نسبه وأوصافه الجميلة، وأخلاقه الفاضلة وصدقه وأمانته.
ثالثًا: أنه أنزل عليه كتابه يتلو عليهم آياته التي فيها هدايتهم وإرشادهم لخير الدارين مع أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب.
رابعًا: أنه يطهرهم من أدناس الشرك وأخلاق الجاهلية.
خامسًا: أنه يعلمهم الكتاب والحكمة.
سادسًا: بيان أنهم كانوا قبل بعثته - صلى الله عليه وسلم - في ضلال مبين، يعبدون الأصنام، ويأكلون الميتة، ويأتون الفواحش، ويقطعون الأرحام، ويسيئون الجوار، ويأكل القوي الضعيف.
سابعًا: التنبيه على منة الله على آخرين لم يلحقوا بهم في الزمان وهم من جاءوا بعد الصحابة.
ثامنًا: إرشاد العباد إلى أن إرسال هذا الرسول فضل من الله ورحمة.(3/324)
قال تعالى: { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ } إلى قوله: { وَاللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ } ، وقال: { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ } الآية، وقال: { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ } الآية.
1613- 1616- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: ضرب الأمثلة للاتعاظ والاعتبار والانزجار عن المعاصي والجد والاجتهاد فيما يرضي الله، ومن ذلك ما ضربه الله مثلاً لليهود الذين حملوا التوراة وكلفوا القيام بها، والعمل بما فيها، فلم يعملوا بموجبها ولا أطاعوا ما أمروا به فيها، فمثلهم كمثل الحمار الذي يحمل كتبًا؛ لأنه مثلهم لا ينتفع بما فيها، وإنما نصيبه منها التعب والمشقة.
ثانيًا: أن في ذكر هذا المثل تحذير لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من أن يكونوا كاليهود والنصارى يدعون ولا يعملون، ويحملون ولا ينتفعون.
ثالثًا: أمر للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن كانوا صادقين في زعمهم أنهم أولياء لله من دون الناس فليتمنوا الموت.
رابعًا: تقرير بحقيقة واقعهم، فإنهم لا يتمنون الموت أبدًا، قال الله جل وعلا: { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا } الآية إلى قوله: { وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ } .(3/325)
1617- 1623- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: الأمر بترك البيع وبالسعي إلى ذكر الله في المساجد حينما ينادى للصلاة في يوم الجمعة، والمراد به الأذان إذا جلس الإمام على المنبر يوم الجمعة للخطبة؛ لأنه لم يكن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نداء سواه.
ثانيًا: بيان أن الجمعة فريضة على المؤمنين.
ثالثًا: أن الخطبتين فريضة يجب حضورهما.
رابعًا: مشروعية الأذان للجمعة.
خامسًا: معاتبة المنصرفين عن خطبة الجمعة إلى التجارة.
سادسًا: الترغيب في سماع المواعظ.
سابعًا: التزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة.
قال الله جل وعلا وتقدس: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا البَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } إلى آخر السورة.
1624- 1630- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: وصف طريقة المنافقين في ما دار في قلوبهم من الكفر وإعلانهم الإسلام والشهادة بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رسول الله.
ثانيًا: حلفهم كذبًا ليصدقهم المسلمون واتخاذهم هذه الأيمان وقاية يخفون وراءها حقيقة أمرهم من النفاق.
ثالثًا: أنهم صدوا عن سبيل الله وصدوا الناس عن الإيمان والجهاد، وأعمال الطاعة بسبب ما يصدر منهم من التشكيك والقدح في النبوة والقرآني وما سيأتي بيانه في آيات.
رابعًا: تقبيح مغبة ما يعلمون ووبال ما يصنعون.
خامسًا: أنهم لهم منظر وليس لهم مخبر، فهم رغم ما هم عليه من جسامة ووسامة تروقان للناظر إليهم، وما يقولونه من أقوال تعجب السامع لها، كالخشب المسندة التي لا حراك بها مطروحة بجانب الجدار لا تفهم ولا تعلم، وهم كذلك لخلوهم عن الفهم النافع والعلم الذي ينتفع به صاحبه.(3/326)
سادسًا: أنهم لفرط جبنهم ورعب قلوبهم وذلتهم، وسوء ظنهم كلما نادى مناد في العسكر أو انفلتت دابة أو سمعوا حركة أو صوت يحسبونه يطلبهم؛ لما في قلوبهم من الريب والفزع، فهم يخافون أن تهتك أستارهم وتكشف أسرارهم ويتوقعون الإيقاع بهم في كل ساعة.
سابعًا: التحذير من المنافقين لشدة عداوتهم، فهو العدو الحقيقي، العدو الكامن داخل المعسكر المختبئ في الصف، وهو أخطر من العدو البارز المتميز.
قال الله تعالى: { إِذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ المُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ * وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } ، وقال: { وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ } الآيات، وقال: { يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ } ، وقال: { وَقَالُوا لاَ تَنفِرُوا فِي الحَرِّ } ، وقال: { يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ } الآيات.
فليحذر المؤمنون من المنافقين دائمًا، فقد فشوا في زمننا وكثروا وصاروا يتكيفون في البلدان والمجتمعات.
1631- 1636- من هدي القرآن للتي هي أقوم:(3/327)
أولاً: ذكر ما صدر من المنافقين مما يثبت كذبهم ونفاقهم بما لا يدع شبهة لمن يلتمس لهم المعاذير ويبرؤهم من النفاق.
ثانيًا: أنهم إذا دعوا لمصلحتهم أن يتقدموا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليستغفر لهم على ما فرط منهم من الذنوب، لووا رؤوسهم وأعرضوا استكبارًا وأنفة عن الحق.
ثالثًا: بيان عدم جدوى الاستغفار للمنافقين.
رابعًا: ذكر بعض مقالات المنافقين القبيحة.
خامسًا: بيان سعة ملك الله، وأنه هو الرزاق الذي بيده خزائن السموات والأرض.
سادسًا: ذكر مقالة شنعاء من مقالات المنافقين، والرد عليها ببيان أن العزة لله ولرسوله، ولمن أفاضها عليه من رسله وصالحي عباده لا لغيرهم.
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ * سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ * هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ * يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } .
1637- 1644- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: التحذير للمؤمنين من إلهاء أموالهم وأولادهم لهم عن ذكر الله، وفرائض الإسلام، وجميع طاعات الله.
ثانيًا: بيان أن من يشغله ماله وولده عن ذكر الله هو الخاسر.
ثالثًا: الحث على الإنفاق.
رابعًا: التذكير بمصدر هذا الرزق، وأنه من عند الله الذي آمنوا به.(3/328)
خامسًا: التنبيه للمبادرة بالإنفاق قبل أن يدهمهم الموت فيندموا، ويتمنوا على الله أن يؤخر أجلهم حتى يتصدقوا ويكونوا من الصالحين.
سادسًا: التنبيه لهمن بأن الندم والتمني لن يجدياهم شيئًا؛ لأن الله لن يؤخر نفسًا إذا جاء أجلها.
سابعًا: التحذير والإنذار بأن الله رقيب على عباده في كل ما يأتون وما يذرون.
قال الله جل وعلا وتقدس: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ * وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } ، وقال تعالى: { المَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً } ، وقال: { وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًا } ، وقال: { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ المُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ المَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } ، وقال: { وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى(3/329)
إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الغُرُفَاتِ آمِنُونَ } ، وقال: { إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ } ، وقال: { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } .
1645- 1651- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: ذكر آيات مشتملة على كثير من صفات الله الدالة على عظمة ملكه وقدرته وسعة غنائه، وافتقار جميع الخلائق إليه.
ثانيًا: بيان أنه خلق العباد، وجعل منهم المؤمن والكافر.
ثالثًا: إرشاد العباد إلى أنه خلق السموات والأرض بالعدل والحكمة البالغة المتضمنة لمنافع الدارين الدنيا والآخرة.
رابعًا: تذكير الإنسان بما ميزه الله به على غيره من خلقه بالمميزات المتنوعة.
خامسًا: التنبيه على شكر الله والاعتراف بفضله والاستجابة إلى دعوته.
سادسًا: بيان شمول علم الله لكل شيء من الظواهر والسرائر والغيب والشهادة.
سابعًا: التنبيه على مقام المراقبة لله الذي لا يعزب عن علمه شيء.
قال تعالى: { يُسَبِّحُ لله مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ } إلى قوله: { وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } [التغابن:1-4].(3/330)
وقال تعالى: { لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } ، وقال تعالى: { اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ } الآية، وقال: { وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ، وقال: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ } إلى قوله: { وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } .
1652- 1655- من هدي القرآن للتي هي أقوم: أولاً: زعم الكفار بإنكار بعثهم بعد الموت، وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرد عليهم بتوكيد ذلك وسهولته على الله تعالى، فأكد تكذيبهم بقوله: { بَلَى } ، وباليمين، ثم أكد اليمين باللام والنون.
ثانيًا: تعقيب بالدعوة إلى الإيمان بالله ورسوله والاهتداء بالنور الذي أنزل عليه.
ثالثًا: تذكير بيوم القيامة وما سوف يظهر فيه للكافرين من الغبن العظيم الذي وقعوا فيه في الدنيا بإصرارهم على الكفر، وعدم الاستجابة لدعوة الحق، ويغبن فيه أهل الطاعة أهل المعصية، ولا غبن أعظم من غبن أهل الجنة أهل النار.
رابعًا: تفصيل التغابن المذكور.(3/331)
قال الله جل وعلا وتقدس: { زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ } الآيات إلى قوله: { وَبِئْسَ المَصِيرُ } ، وقال تعالى في البعث: { وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ } ، وقال: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ } الآية، وقال: { قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } ، وقال: { وَتُنذِرَ يَوْمَ الجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ } .
1656- 1659- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: تقرير بأن ما يصاب به أحد من مصيبة في نفس أو مال أو أرض فإنه بإذن الله العليم بكل شيء.
ثانيًا: إرشاد العباد إلى أن من يؤمن بالله تعالى ويفوض الأمر إليه يرزقه هداية القلب والطمأنينة والسكينة فيتقبل الأمر الواقع الذي لابد له فيه بالرضا والصبر.
ثالثًا: الأمر بوجوب طاعة الله ورسوله في كل حال ودون أن يمنعهم أي شيء عن هذا الواجب.
رابعًا: الأمر بالتوكل على الله الذي لا إله إلا هو.(3/332)
قال الله جل وعلا: { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا البَلاغُ المُبِينُ * اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ } ، وقال تعالى: { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَا } الآية.
1660- 1668- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: تنبيه للمؤمنين بأن من أزواجهم وأولادهم من يكون عدوًا لهم يجب الحذر منه.
ثانيًا: وصية للمؤمنين بالعفو والصفح والغفران تأسيًا بالله الغفور الرحيم، فمن عفا عفا الله عنه؛ لأن الجزاء من جنس العمل.
ثالثًا: تنبيه المؤمنين أن أموالهم و أولادهم هي بوجه عام امتحان لهم بين واجبهم نحو الله وبين أموالهم وأولادهم، فكثير من الأزواج والأولاد يحولون بينهم وبين الطاعات التي تقرب إلى الله، وربما حملوهم على اكتساب الحرام، واقتناء الملاهي والمنكرات، وهذا واقع بكثرة.
رابعًا: بيان أن ما عند الله من الأجر العظيم هو أعظم وأجدى، وبأن مصلحتهم أن يختاروا ما فيه رضى الله حتى ينالوا ما عنده من الثواب الجزيل.
خامسًا: الحث على تقوى الله في إتباع أوامره واجتناب نواهيه جهد استطاعتهم.
سادسًا: الحث على السمع والطاعة لله ورسوله.
سابعًا: الترغيب في الإنفاق في الواجبات والمستحبات.
ثامنًا: زيادة في الحث على الإنفاق وبيان أن الفوز العظيم بالمطلوب والنجاة من المرهوب في السلامة من الشح.
تاسعًا: ترغيب أيضًا في النفقة، ودليل على كرم الله وجوده يجزي على القليل بالكثير.(3/333)
قال الله جل وعلا وتقدس: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًا لَّكُمْ فَاحْذَرُوَهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ } إلى آخر السورة.
وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ } ، وقال تعالى: { الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِالَّليْلِ وَالنَّهَارِ سِرًا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } ، وقال: { وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ } الآيات.
1669- 1674- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: ذكر قاعدة عامة، وهي أن تقوى الله تفتح السبل للمرء وتخرجه من كل ضيق وتهديه إلى الطريق المستقيم في دينه ودنياه.
ثانيًا: إرشاد العباد إلى أن من توكل على الله يكفه ما أهمه، ويفرج عنه كربه.
ثالثًا: بيان أن أمور الحياة جميعًا بقضاء الله وقدره.
رابعًا: الأمر بإسكان المطلقة الرجعية، وكذا النفقة حتى تنقضي عدتها، وكذلك للحامل النفقة والسكنى حتى تضع ، ثم بعد ذلك إن أرضعت فلها الأجرة.
خامسًا: النهي عن مضارة الزوجات قولاً وفعلا بقصد التضييق عليهن.
سادسًا: التنبيه على أن تكون النفقة متناسبة مع حالة الزوج المالية سعة وضيقًا.(3/334)
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } .
1675- 1680- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: التحذير الشديد والوعيد لمن خالف أمر الله، وكذب رسله وسلك غير ما شرعه.
ثانيًا: الإخبار عما حل بالأمم السالفة بسبب ذنوبهم للاتعاظ والاعتبار والانزجار عن المعاصي؛ لأنها سبب العقوبات.
ثالثًا: بيان ما يكون مذكورًا وداعيًا لتقوى الله والتزام الحدود التي بلغها رسوله للمؤمنين في مسائل الطلاق والعدة والرضاع والرفق بالمرأة، ورعاية حقوقها، والحرص على الرابطة الزوجية.
رابعًا: تذكير العباد بأعظم منة الله، وهو إخراجهم من ظلمات الكفر والجهل والشكوك والمعصية إلى نور الإيمان والعلم واليقين والطاعة.
خامسًا: بيان جزاء الإيمان والعمل الصالح ليجتهد المؤمن.
سادسًا: بيان عظمة قدرة الله وإحاطة علمه بجميع الأشياء.
قال الله جل وعلا: { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } إلى آخر السورة.
1681- 1689- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: ذكر سؤال للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيه معنى العتاب لتحريمه على نفسه ما أحله له مرضاة لزوجاته، وفيه رد على من قال أن القرآن كلام محمد.
ثانيًا: تطمين النبي - صلى الله عليه وسلم - بغفران الله ورحمته، وهو الغفور الرحيم.(3/335)
ثالثًا: بيان أن الله قد شرع كفارة اليمين للمسلمين لتكون وسيلة للرجوع عما أقسموا الأيمن عليه من أمور يحسن الرجوع عنها، وهو العليم بأعمال عباده الحكيم فيما يأمر به ويرسمه.
رابعًا: دليل على علم الله بكل شيء.
خامسًا: فيه إيماء إلى أنه لا مانع من الإباحة بالأسرار إلى من تركن إليه من زوجة أو قريب أو صديق.
سادسًا: أنه يجب على من استكتم الحديث أن يكتمه.
سابعًا: أنه يحسن التلطف مع الزوجات في العتب والإعراض عن الاستقصاء في الذنب.
ثامنًا: لا يجوز لأحد أن يحرم ما أحله الله.
تاسعًا: التنبيه على أكبر فضيلة وشرف للنبي - صلى الله عليه وسلم - حيث أخبر الله أنه مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير كلهم أعوان له.
قال الله جل وعلا: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ العَلِيمُ الحَكِيمُ } إلى قوله تعالى: { وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } ، وقال تعالى: { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } .
1690- 1697- من هدي القرآن للتي هي أقوم:(3/336)
أولاً: أمر المؤمنين بوقاية أنفسهم وأهليهم من نار وقودها الناس والحجارة، فالنار شديدة وحراسها أقوياء من الملائكة يسارعون إلى تنفيذ ما أمرهم الله به، ولا يعصونه في شيء، فعلى المؤمن أن يقي نفسه وأهله من هذه النار.
ثانيًا: ذكر ما سوف يقال للكافرين في ذلك اليوم العظيم.
ثالثًا: أمر المؤمنين أن يقلعوا عن زلاتهم وذنوبهم، وأن يتوبوا توبة نصوحًا، فيندموا على ما فرط منهم من الهفوات، ويعزموا على عدم العودة إلى الذنب.
رابعًا: الوعد بتكفير السيئات لمن تاب وأناب.
خامسًا: الوعد بالثواب الجزيل والأجر العظيم لمن تاب وأقبل على طاعة الله.
سادسًا: بيان ما يكون في ذلك اليوم من علامات الظفر والفوز بالمطلوب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، والذين آمنوا معه.
سابعًا: ذكر ما يطلبونه من ربهم.
ثامنًا: ذكر ما يطعمهم في الإجابة.
قال الله جل وعلا وتقدس: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَعْتَذِرُوا اليَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .(3/337)
وقال تعالى: { يَوْمَ تَرَى المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ اليَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ العَذَابُ } الآيات.
1698- 1702- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: الأمر بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة عليهم.
ثانيًا: الإنذار بمصيرهم الأخروي المحتم وهو جهنم.
ثالثًا: بيان أن اتصال المؤمن بالكافر لا يضره شيئًا مع قيامه بالواجب عليه، وأن اتصال الكافر بالمؤمن لا يفيده شيئًا، وهذه حال الكافرين الذين لم ينتفعوا بعظات المؤمنين الصادقين المخلصين من النبيين والمرسلين، فامرأة نوح رمت زوجها بالجنون، وامرأة لوط جاسوسة نمامة تخبر قوم لوط بضيوفه لمآرب خبيثة.
رابعًا: ضرب مثل للذين آمنوا بامرأة فرعون حيث لم تؤثر عليها صولة الكفر، فهي كانت تحت مدعي الربوبية الكافر المسرف المتكبر فرعون –لعنه الله- وطلبت النجاة منه ومن عمله.(3/338)
خامسًا: ضرب مثل للذين آمنوا في مريم بنت عمران في حالها وصفتها حيث جمع الله لها بين كرامة الدنيا والآخرة، واصطفاها على نساء العالمين مع أن أكثر قومها كانوا كفارًا، قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ * ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ } إلى آخر السورة.
1703- 1711- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: إخبار عن عظمة الله وعلو شأنه وكمال قدرته، ومن عظمته أن بيده ملك العالم العلوي والسفلي وما بينهما، فهو الذي خلقه ويتصرف فيه بما شاء من الأحكام القدرية والأحكام الدينية التابعة لحكمته.
ثانيًا: تفصيل بعض أحكام الملك وآثار القدرة.
ثالثًا: الإشارة إلى حكمته في خلق الناس وموتهم وبعثهم.
رابعًا: الترغيب في الطاعات والزجر عن المعاصي.
خامسًا: الحث على إحسان العمل وإتقانه وأحسن العمل أخلصه وأصوبه.
سادسًا: توجيه العباد إلى النظر في خلق السموات وما فيها من الحسن والإتقان وتناسبها من كل وجه في لونها وهيئتها وارتفاعها، وما فيها من الشمس والكواكب والقمر.
سابعًا: تحدي الإنسان هل يرى الناظر إلى السماء تفاوت أو تناقض أو صدوع أو شقوق أو خلل أو اضطراب.
ثامنًا: إرشاد العباد إلى الرد على المنكرين للسماء القائلين ما فيه إلا فضاء مهما ارتفعت.
تاسعًا: التنبيه على أن الله بالمرصاد لكل من يجرؤ على حدوده ويقف منه موقف المتمرد مهما خيل للناس أنه قوي شديد كشياطين الجن والإنس.(3/339)
قال تعالى: { تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } إلى قوله تعالى: { وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ } ، وقال تعالى مخبرًا عن مقال الجن: { وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا } ، وقال تعالى: { إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ * لاَ يَسَّمَّعُونَ إِلَى المَلأِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ } ، وقال تعالى: { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } ، وقال تعالى: { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } .
1712- 1723- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: الإنذار للكافرين بالله وآياته بأن لهم عذاب جهنم وبئست هي مصيرهم.
ثانيًا: وصف جهنم وهي تستقبل الكفار بأوصاف تشيب من هولها الولدان، وتصطك لسماعها الأسنان، حالة تبعث الفزع والرعب والقلق والذعر في قلب الإنسان، منها: 1- أنه يسمع لها شقيق وتغيض. 2- أنها تفور كما يفور المرجل حين يغلي. 3- تكاد تشقق وتتفجر من الغليان. 4- أنها شديدة الغيظ والحنق على من فيها.
ثالثًا: دليل أن جهنم تعرف ربها وتغضب لغضبه.
رابعًا: أن خزنة جهنم يسألون داخليها سؤال توبيخ وتقريع أمام عباد الله.(3/340)
خامسًا: أنهم يجيبون إجابة المتحسر النادم في ذلة وانكسار واعتراف بالحمق والغفلة بعد التبجح والإنكار واتهام الرسل بالضلال، فيقولون: { بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ } فوقفنا منه موقف المكذب، وسفهناه، وأنكرنا أن يرسل الله رسلاً للناس، وقلنا له: إنه في دعواه في ضلال مبين.
سادسًا: الدعاء عليهم بالبعد بعد اعترافهم بذنوبهم بالموقف الذي لم يؤمنوا به، ولم يصدقوا بوقوعه.
أدلة لما تقدم:
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ المَصِيرُ * إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ } الآية.
وقال تعالى: { إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا } .
1724- 1729- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: بشارة للمؤمنين الذين يتقون الله ويخشونه، وتطمين لهم وتثبيت، وفوز بغفران من الله، وأجر كبير.
ثانيًا: التنبيه على أن الله مطلع على السرائر وما تخفيه الضمائر، قال تعالى: { وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ } ، وقال تعالى: { يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى } .
ثالثًا: الدليل على إحاطة علم الله بجميع الأشياء.
رابعًا: التنبيه على بعض نعم الله على عباده من تسخيره الأرض وتيسيره الانتفاع بخيراتها.
خامسًا: الإيماء إلى ندب التجارة والتكسب بجميع ضروبه.(3/341)
سادسًا: تقرير أن مرجع الناس إلى الله فليكونوا على حذر من المعاصي والذنوب وليجتهدوا فيما يقرب إلى الله، قال الله جل وعلا وتقدس: { إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ * وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ * هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } .
1730- 1734- من هدي القرآن للتي هي أقوم ما يلي:
أولاً: ترهيب وتخويف بأسلوب سؤال إنكاري بأنهم لا يأمنون أن يحل بهم في الدنيا مثل ما حل بالأمم المكذبين للرسل من قبلهم من خسف عاجل تمور به الأرض مورًا.
ثانيًا: الإرشاد إلى علو الله على خلقه.
ثالثًا: ضرب المثل بما حل بالأمم قبلهم من ضروب البلايا والمحن.
رابعًا: الحث على شكر نعم الله التي منها تذليل الأرض وبسطها، وجعلها فراشًا للخلق يتمكنون فيها من كل ما تتعلق به مصالحهم من مساكن وغراس وزرع وحرث وغير ذلك.
خامسًا: ذكر دليل لمن يرى ثبوت الأرض وسكونها، وهو مؤيد بأدلة كثيرة نذكر ما تيسر منها:
قوله تعالى: { وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ } والميد: هو الحركة، وكذلك المور، وقال تعالى: { وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ } .
وقال: { أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا } أي ساكنة ثابتة، لا تميد ولا تتحرك بأهلها.
وقال تعالى: { الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا } ، وقال: { أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا } ، وقال تعالى: { اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا } أي قارة ساكنة إلى غير ذلك من الأدلة التي هذا غير موضع استقصائها.
1735- 1738- من هدي القرآن للتي هي أقوم:(3/342)
أولاً: لفت أنظار العباد إلى باهر قدرة الله ولطفه بخلقه، فهذه الطيور التي تطير في السماء فتبسط أجنحتها تارة وتظمها أخرى في جو السماء، وما يمسكها عن السقوط إلا الله الذي سخرها، وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى.
ثانيًا: ضرب مثال للكافر والمؤمن، فالكافر مثله فيما هو فيه كمثل من يمشي مكبًا على وجهه يتعثر في كل خطوة يخطوها، تائه في الضلال، غارق في الكفر، قد انتكس قلبه، فصار الحق عنده باطلاً، والباطل حقًا، أما المؤمن فهو كالسائر على طريق مستقيم، وهو منتصب القامة معتدل في المشي، يرى ما أمامه ويهتدي إلى ما يريد.
ثالثًا: التقرير والتذكير بأن الله هو الذي خلقهم في البدء، ووهبهم نعمة السمع والبصر والعقل، وهو الذي بثهم ونشرهم.
رابعًا: الحث على شكر الله على هذه النعم العظيمة.
قال الله جل وعلا وتقدس: { أَوَ لَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ } ، وقال تعالى: { أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } ، وقال تعالى: { أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ * قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } .
1739- 1748- من هدي القرآن للتي هي أقوم ما يلي:
أولاً: بيان أنه لا حامي ولا ناصر ولا رازق إلا الله جل وعلا.(3/343)
ثانيًا: الإشارة إلى أنه برحمته أبقى الناس في الأرض مع ظلمهم وجهالتهم وعتوهم وتمردهم وطغيانهم، إذ رحمته وسعت كل شيء البار والفاجر، والطيور، والأنعام وغيرها، كما قال تعالى: { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } ، وقالت الملائكة: { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا } .
ثالثًا: ذكر تساؤل الكفار تساؤلاً يتضمن معنى الإنكار والاستخفاف، والاستهزاء، والتعنت عن موعد تحقيق وعد البعث والحساب، والجزاء على الأعمال.
رابعًا: أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإجابتهم بأن علم ذلك عند الله، وأنه ليس إلا نذيرًا للبيان والتبليغ.
خامسًا: ذكر تحقيق وعد الله.
سادسًا: وصف حال الكفار حين نزول ذلك الوعد الموعود، وهو أن وجوههم تسود وتعلوها الكآبة والحزن وتغشاها الذلة.
سابعًا: توجيه التقريع والتوبيخ لهم، فيقال: هذا ما كنتم تطلبون إتيانه.
ثامنًا: الحث على مقام الخوف والرجاء.
تاسعًا: التهديد الشديد للكفار.
عاشرًا: التنبيه على شكر الله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى التي منها أنه تفضلاً منه، وكرمًا أنبع لعباده الماء وأجراه في سائر الأقطار.
أدلة لما تقدم:
قال الله جل وعلا وتقدس: { أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ * أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ } ، وقال تعالى: { وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ إِنَّمَا العِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ } إلى آخر السورة.
1749- 1759- من هدي القرآن للتي هي أقوم ما يلي:
أولاً: ذكر إقسام الله بالقلم، وما يسطر به من أنواع الكلام، وذلك أن القلم وما يسطر به من آياته العظيمة التي تستحق أن يقسم بها على براءة نبيه مما نسبه إليه أعداؤه من الجنون.(3/344)
ثانيًا: بيان أن له أجرًا دائمًا من الله على قيامه بمهمته العظمى، وما يتحمله في سبيلها.
ثالثًا: الإخبار من الله بأنه - صلى الله عليه وسلم - على خلق عظيم.
رابعًا: الإشارة إلى أن الأخلاق الفاضلة لا تكون مع الجنون، وكلما كان الإنسان أحسن أخلاقًا كان أبعد من الجنون.
خامسًا: دليل على أن الحق لابد من ظهوره مهما حاول الأعداء إخفاءه.
سادسًا: الإيماء إلى ما سيكون من النصر المبين للنبي - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين.
سابعًا: الإشارة إلى ما سيكون من الذل والخزي والهوان، وذهاب صولة المشركين.
ثامنًا: التهديد للضالين عن سبيل الله.
تاسعًا: الوعد للمهتدين.
عاشرًا: بيان لحكمة الله التي بها يهدي من يصلح للهداية دون غيره.
أدلة لما تقدم:
قال الله جل وعلا وتقدس: { ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ * فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَيِّكُمُ المَفْتُونُ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } .
1760- 1764- من هدي القرآن للتي هي أقوم ما يلي:
أولاً: النهي عن طاعة المكذبين.
ثانيًا: التنبيه على المراد من هذا النهي وهو التهييج.
ثالثًا: الترهيب من المداهنة في الدين.
رابعًا: النهي عن طاعة من ذكرت أوصافه، وهي مجموعة فيما يلي:
1- { حَلاَّفٍ } . 2- { مَّهِينٍ } . 3- { هَمَّازٍ } . 4- { مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ } . 5- { مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ } . 6- { مُعْتَدٍ } . 7- { أَثِيمٍ } . 8- { عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ } . 9- { زَنِيمٍ } .(3/345)
خامسًا: ذكر ما يدل على أن الذين وقفوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الموقف، وطلبوا منه المداهنة ووصفوه بالجنون والضلال هم من ذوي اليسار، وهكذا بادرة طبقة الزعماء والأغنياء المترفين إلى الوقوف من النبي - صلى الله عليه وسلم - موقف المناواة منذ بدء الدعوة.
قال تعالى: { فَلاَ تُطِعِ المُكَذِّبِينَ * وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ * وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ * هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ * أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ } .
1765- 1776- من هدي القرآن للتي هي أقوم ما يلي:
أولاً: ذكر قصة جماعة كان لهم بستان أقسموا على قطف ثمره دون أن يقولوا إن شاء الله، وصمموا على حرمان المساكين من ثمره، وغدوا مصبحين إلى تنفيذ عزيمتهم معتمدين على قدرتهم، فسلط الله على الثمر عذابًا نزل عليه، وهم نائمون فأبادها وأتلفها عقابًا لهم على سوء نيتهم، ولما رؤوا البستان على هذه الحال كالصريم، ذهلوا حتى لقد ظنوا أنهم ضلوا عنه، ثم عرفوا الحقيقة فأدركوا أنهم قد خسروا ثمرهم، وكان فيهم رجل هو أعدلهم وخيرهم، وكان ينصحهم بالاعتدال وطلب منهم أن يسبحوا الله ويعترفوا بذنبهم، فأخذ بعضهم يلوم بعضًا وسبحوا الله، واعترفوا بظلمهم وطغيانهم وأعلنوا توبتهم، وإنابتهم إلى الله راجين منه أن يعوضهم خيرًا منها.
هذا ملخص القصة سقناها للاتعاظ والاعتبار والتذكير:
أولاً: بيان أن الله يبتلي عباده بالنعم.
ثانيًا: الحث على الاستثناء في اليمين.
ثالثًا: الحث على شكر الله على نعمه.
رابعًا: الحث على قبول النصيحة.
خامسًا: الحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
سادسًا: الحث على إصلاح النية.
سابعًا: الحث على العطف على المساكين.
ثامنًا: الحث على الاعتراف بالذنوب والندم على ما فرط منها.(3/346)
تاسعًا: بيان أن المكر السيئ يحيق بأهله.
عاشرًا: التحذير من عذاب الآخرة.
الحادي عشر: التحذير من البخل.
الأدلة على ما تقدم:
قال الله جل وعلا: { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلاَ يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ } إلى قوله تعالى: { وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } .
1777- 1784- من هدي القرآن للتي هي أقوم ما يلي:
أولاً: تقرير التبشير بما للمتقين المصدقين عند ربهم من النعيم المقيم في جناته.
ثانيًا: الاستفهام الإنكاري على من يزعمون المساواة بين المسلمين والمجرمين في الآخرة.
ثالثًا: التوبيخ على هذا الحكم الأعوج من الكفار.
رابعًا: سد طريق القول عليهم وقطع عليهم كل حجة يستندون إليها فيما يدعون.
خامسًا: هل بأيديهم كتاب نزل من السماء يدرسونه يتضمن حكمًا كما يدعون أن لهم ما يختارون.
سادسًا: أمعهم عهود ومواثيق من الله أنه سيحصل لهم ما يريدون وما يشتهون.
سابعًا: أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسألهم على طريق التوبيخ والتقريع من الكفيل بذلك.
ثامنًا: تحدي الكفار بالإتيان بشركائهم إن كانوا صادقين، وقصارى ما تقدم نفي جميع ما يمكن أن يتعلقوا به في دعواهم الباطلة الفاسدة.
الأدلة لما تقدم:(3/347)
قال الله جل وعلا وتقدس: { إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * أَفَنَجْعَلُ المُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ * سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ * أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُوا صَادِقِينَ } .
1785- 1789- من هدي القرآن للتي هي أقوم ما يلي:
أولاً: ذكر ما سوف يكون من أمر الكفار والمنافقين يوم القيامة على سبيل الإنذار والتحدي والتبكيت فحينما يشتد خطب ذلك اليوم عليهم، ويكشف الله عن ساقه الكريمة التي لا يشبهها شيء، ويرى الخلائق من جلال الله وعظمته ما لا يمكن التعبير عنه، يدعون إلى السجود فيسجد المؤمنون الذين كانوا يسجدون لله في الدنيا طوعًا واختيارًا ومحبة واشتياقًا، ويريد الفجار والمنافقون السجود فلا يقدرون عليه، وتطون ظهورهم كصياصي البقر لا يستطيعون الانحناء؛ لأنهم أضاعوا الفرصة التي سنحت لهم حينما كانوا يؤمرون بالسجود في الدنيا، وهم في متسع في الوقت والسلامة.
ثانيًا: بيان هيئة الكفار والمنافقين في ذلك اليوم العظيم، تكون أبصارهم خاشعة من الرعب والقلق والخوف، وقد حاقت بهم الذلة والحسرة والندامة والهوان.
ثالثًا: التحذير من المعاصي والتدارك لمدة الإمكان في الباقيات الصالحات.
رابعًا: التوبيخ والتهديد المزلزل لمن يكذب بالقرآن.
خامسًا: بيان كيف يكون ذلك التعذيب المستفاد إجمالاً من الكلام السابق، وذلك بمدهم في الأموال والأولاد والإمهال وإدامة الصحة وازدياد النعمة من حيث لا يعلمون أنه استدراج، ثم يؤخذون على غفلة.
أدلة لما تقدم:(3/348)
قال الله جل وعلا وتقدس: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ * فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } ، وقال تعالى: { وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } ، وقال تعالى: { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ القَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ } ، وقال تعالى: { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } ، وقال: { ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } ، وقال تعالى: { بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ } ، وقال: { وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُوْلِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً } الآيات، وقال تعالى: { وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لُهُمْ خَيْرٌ لأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } .
1790- 1795- من هدي القرآن للتي هي أقوم ما يلي:
أولاً: بيان أن الرسل لا يسألون أجرًا على أداء الرسالة والدعوة إلى الله فينبغي الاقتداء بهم لمن سلك سبيلهم.
ثانيًا: الحث على الصبر لحكم الله.
ثالثًا: النهي عن الغضب وعدم الصبر.(3/349)
رابعًا: الإرشاد إلى ذكر الله في الرخاء.
خامسًا: الإرشاد إلى أن العين حق، والرد على من أنكر ذلك.
سادسًا: بيان أن القرآن هدى للعالمين ومنبه ومذكر لهم.
قال تعالى: { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ * أَمْ عِندَهُمُ الغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ * فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الحُوتِ } إلى آخر السورة، وقال تعالى: { وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } ، وقال عن يونس: { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } ، وقال عما قاله يعقوب لبنيه: { يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ } ، وقال: { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } .
1796- 1801- من هدي القرآن للتي هي أقوم ما يلي:
أولاً: ذكر يوم القيامة وأنه حق لاشك فيه يتحقق فيه الوعد والوعيد.
ثانيًا: لفت النظر إلى خطورة الحاقة.
ثالثًا: بيان مصارع المكذبين للرسل وأنواع العذاب الذي حل بهم.
رابعًا: التحذير من المعاصي؛ لأنها أسباب المصائب والهلاك.
خامسًا: تذكير العباد بحادثة الطوفان والسفينة، وما امتن الله به على عباده حيث حملهم فيها، ونجاهم من الغرب.,
سادسًا: ذكر ما في هذه النجاة من العبرة التي يعيها ويعقلها أولوا العقول الرزينة ويعرفون المقصود منها بخلاف أهل الإعراض والغفلة والبلادة وعدم الفطنة فإنهم ليس لهم انتفاع لعدم وعيهم عن الله، وإعراضهم عن التفكير بآياته.
الأدلة لما تقدم:(3/350)
قال تعالى: { الْحَاقَّةُ * مَا الحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الحَاقَّةُ * كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ * فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ } إلى آخر السورة، وقال تعالى: { وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } ، وقال تعالى: { فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا } الآية.
1802- 1808- من هدي القرآن للتي هي أقوم ما يلي:
أولاً: بيان تفاصيل أحوال يوم القيامة وما يكون فيه من أهوال وشدائد وكروب ومزعجات فأول الأمور الهائلة نفخ إسرافيل في الصور.
ثانيًا: حمل الأرض والجبال ودكهما ومد الأرض مد الأديم العكاضي لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا، هذا ما يصنع بالأرض.
ثالثًا: بيان ما يحدث بالسماء، وهو انشقاقها وضعفها.
رابعًا: بيان أن الملائكة بعد ذلك يكونون على جوانب السماء.
خامسًا: الإخبار بمجيء الله لفصل القضاء بين العباد.
سادسًا: ذكر عدد حملة العرش وأنهم ثمانية.
سابعًا: التحذير الشديد والزجر العظيم عن معاصي الذي لا تخفى عليه خافية.
أدلة لما تقدم:(3/351)
قال تعالى: { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الوَاقِعَةُ * وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ } ، وقال تعالى: { إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ } ، وقال: { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ } الآية، وقال: { إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ } .
1809- 1814- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: بيان نتيجة العرض والحساب.
ثانيًا: ذكر ما يأخذ به السعداء كتبهم بعد العرض على الجبار، وهو أنهم يأخذونها بأيمانهم تمييزًا لهم، وتنويهًا بشأنهم، ورفعًا لمقدارهم، فيبتهجون ويسرون بما كانوا عليه من يقين بالله ولقائه وحسابه.
ثالثًا: ذكر ما يقوله أحدهم عند ذلك من الفرح والسرور ومحبة أن يطلع الخلق على ما من الله به عليه من الكرامة هاؤم، أي خذوا اقرؤوا كتابيه، فإنه يبشر بالجنات من الله وأنواع الكرامات من فاطر الأرض والسموات.
رابعًا: بيان العلة في حسن حاله.
خامسًا: بيان عاقبة أمره وأنه يدخل الجنة فيمتع فيها بالعيشة الراضية والقطوف الدانية.
سادسًا: ذكر ما يقال لهم إكرامًا وتقديرًا.
أدلة لما تقدم:(3/352)
قال الله جل وعلا وتقدس: { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الخَالِيَةِ } ، وقال تعالى: { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا } .
1815- 1826- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: ذكر ما يأخذ به الأشقياء كتبهم بعد العرض، وذلك أنهم يأخذونها بالشمال.
ثانيًا: أنهم يعتريهم الرعب والفزع ويستشعرون الندم والحسرة والغم والخزي والعار والفضيحة.
ثالثًا: وضع الأغلال والقيود في أعناقهم.
رابعًا: أن طعامهم طعام الأثيم، فأحيانًا من الزقوم، وتارة من الضريع الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، وتارة من الغسلين، وكذلك الشراب ينوع لهم، فأحيانًا من الحميم، وأحيانًا من الغساق.
خامسًا: الإخبار بأنه يتمنى أنه لم يبعث ولم يحاسب إذ كله وبال ونكال.
سادسًا: أنه يتحسر أن لا شيء نافعه مما كان يعتز به ويجمعه، فلا المال أغنى أو نفع، ولا السلطان بقي أو دفع.
سابعًا: بيان سوء المنقلب، وهو أنه يقال لزبانية جهنم خذوه فضعوا الغل في عنقه.
ثامنًا: أمر الزبانية بإدخاله جهنم وتقليبه على جمرها ولهبها.
تاسعًا: إدخاله في السلسلة التي ذرعها سبعون ذراعًا.
عاشرًا: بيان السبب الذي أوصله إلى هذا المحل، وهو كفره بالله وإشراكه به سواه، وخلو قلبه من الرحمة والعطف على المساكين، لا ينفق من ماله ولا يحض غيره.
حادي عشر: أنه لن يجد صديقًا حميمًا ولا ناصرًا معينًا.
أدلة لما تقدم:(3/353)
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ القَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ العَظِيمِ * وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ المِسْكِينِ } إلى قوله: { لاَ يَأْكُلُهُ إِلاَّ الخَاطِئُونَ } ، وقال تعالى: { إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ } ، وقال تعالى: { إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ } ، وقال تعالى: { لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ * لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ } ، وقال تعالى: { لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلاَ شَرَابًا * إِلاَّ حَمِيمًا وَغَسَّاقًا } ، وقال: { هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ * وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } ، وقال: { إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي البُطُونِ * كَغَلْيِ الحَمِيمِ } .
1827- 1837- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: ذكر القسم الرباني بما يراه السامعون وما لا يرونه من التوكيد بصدق رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن هذا القرآن كلام الله، ووحيه وتنزيله على عبده ورسوله، وإضافته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على معنى التبليغ؛ لأن الرسول من شأنه أن يبلغ عن المرسل.
ثانيًا: تنزيه النبي - صلى الله عليه وسلم - عما رماه به أعداؤه من أنه شاعر والرد عليهم في ذلك.(3/354)
ثالثًا: تنزيهه - صلى الله عليه وسلم - عما رموه به من الكهانة والسحر، وأن هذا ليبدو حقًا واضحًا ساطعًا لكل من تدبر في الأمر وتروى فيما سمعه من الأقوال، وكان قلبه واعيًا نقيًا من الخبث مستعدًا لتسليم الحقيقة راغبًا في الهدى والحق؛ لأن ما يقوله يعلو كل العلو عن متناول الخلق كلهم الشعراء، والكهان وغيرهم.
رابعًا: الإخبار بأنه تنزيل من رب العالمين.
خامسًا: بيان أن القرآن تذكرة للمتقين يتذكرون به مصالح دينهم ودنياهم، يذكرهم العقائد الدينية، والأخلاق المرضية، والأحكام الشرعية، والأعمال الصالحة.
سادسًا: الرد على من قال أن القرآن كلام محمد.
سابعًا: التهديد والوعيد للمكذبين.
ثامنًا: بيان أنه حسرة على الكافرين في الدنيا والآخرة.
تاسعًا: بيان أن القرآن حق اليقين، ومراتب اليقين ثلاث كل واحدة أعلى مما قبلها، فأولها: علم اليقين، ثانيها: عين اليقين، ثالثها: حق اليقين، وهذا القرآن بهذا الوصف.
عاشرًا: الحث على تنزيه الله عما لا يليق جلاله وعظمته.(3/355)
الحادي عشر: الرد على من قال إن القرآن مخلوق، أو أنه كلام مخلوق، والأدلة على أنه كلام الله جل وعلا وتقدس، وأنه منزل من عند الله كثيرة، وإليك طرفًا منها، قال تعالى: { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ * وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ العَالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوَتِينَ * فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ * وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ * وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ * وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الكَافِرِينَ * وَإِنَّهُ لَحَقُّ اليَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ } .(3/356)
وقال تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ } الآية، وقال: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ القُرْآنَ تَنزِيلاً } ، وقال: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ } ، وقال تعالى: { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ } ، وقال تعالى: { تَنزِيلَ العَزِيزِ الرَّحِيمِ } ، وقال: { حم * تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } ، وقال: { وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ } ، وقال: { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الكِتَابَ } ، وقال: { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } ، وقال: { لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } ، وقال: { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ } ، وقال: { وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ } الآية، وقال: { أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ } ، وقال: { وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ } ، وقال: { الم * اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ * مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الفُرْقَانَ } ، وقال: { وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا } ، وقال: { وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ } ، وقال تعالى: { وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ } .
1838- 1847- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: التحذير من الاستفتاح بالشر.
ثانيًا: تحذير الكفار وإنذارهم.
ثالثًا: التنبيه على حلم الله على عباده.(3/357)
رابعًا: إرشاد العباد إلى علو الله على خلقه.
خامسًا: الحث على الاستعداد ليوم القيامة وأهواله.
سادسًا: بيان أن العذاب واقع بالكافرين استعجلوا أو لم يستعجلوا.
سابعًا: ذكر وقت حدوثه.
ثامنًا: ذكر ما يقع في ذلك اليوم من عظائم الأمور والأهوال والشدائد والكروب عند تغيير الوضع، واختلال المحال.
تاسعًا: بيان حالة السماء والأرض في ذلك اليوم وأن السماء تكون كالمهل، كعكر الزيت، أو كالفضة إذا أذيبت قتامًا أو ميوعة، وأن الجبال تكون كالصوف المنفوش ليونة وتناثرًا.
عاشرًا: بيان حالة الناس، وأنهم في شغل شاغل مما نزل بهم من شدة الأهوال التي أذهلت القريب عن قريبه والخليل عن خليله، وفر كل منهما عن الآخر.
الأدلة لما تقدم:
قال تعالى: { سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي المَعَارِجِ } إلى قوله تعالى: { يُبَصَّرُونَهُمْ } ، وقال تعالى: { يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } ، وقال: { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ } .
1848- 1868- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: بيان شدة هول يوم القيامة على المجرم حتى إنه ليود من صميم قلبه لو يفتدي نفسه من العذاب النازل به بأحب الناس إليه وأعزهم عليه ممن كان يفتديهم بنفسه في الحياة، ويناضل عنهم ويعيش لهم، وهم أولاده وزوجته وإخوته وعشيرته التي تؤديه، وكل من في الأرض جميعًا ليتمكن من النجاة من ذلك العذاب، ولكن لا نجاة، قال تعالى: { وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } .
ثانيًا: ذكر ما يجعل المجرم ييأس ويقنط من كل بارقة أمل، أو كل حديث خادع من النفس: { كَلاَّ } في ردع عن تلك الأماني المستحيلة في الافتداء بالمذكورين.(3/358)
ثالثًا: إرشاد العباد أن لظى تتكلم { تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى } ، وتقول: { هَلْ مِن مَّزِيدٍ } ، وتبصر: { إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا } .
رابعًا: أنها تلتقط الأطراف وتنزع البشرة.
خامسًا: التحذير من الإعراض والإدبار عن كتاب الله وسُّنة رسوله- صلى الله عليه وسلم -.
سادسًا: الترهيب من منع الزكاة والحقوق الواجبات.
سابعًا: الإشارة إلى ما انطبع عليه الإنسان من الأنانية وحرصه وسرعة تأثره، فهو سريع التهيج مما يلم به وهو أناني لا يفكر إلا في نفسه، فإذا أصابه شر جزع واضطرب، وإذا انفرجت أموره وناله خير أمسك وبخل.
ثامنًا: بيان أن الإنسان من حيث هو متصف بصفات الذم إلا من عصمه الله ووفقه وهداه إلى الخير ويسر له أسبابه، وهم المصلون الذين هم على صلاتهم دائمون.
تاسعًا: الحث على المحافظة على الأوقات الواجبات والخشوع فيها.
عاشرًا: الحث على الصدقة على السائل والمحروم.
الحادي عشر: الحث على التصديق بيوم الدين والترهيب من إنكاره.
الثاني عشر: الحث على خشية الله والخوف من عذابه.
الثالث عشر: بيان أنه لا ينبغي لأحد أن يأمن عذاب الله مهما جد واجتهد في الطاعة.
الرابع عشر: الحث على حفظ الفروج إلا على الأزواج أو ملك الأيمان.
الخامس عشر: التحذير من مجاوزة حدود الله.
السادس عشر: التحذير من الزنا واللواط.
السابع عشر: الدليل على تحريم نكاح المتعة لكونه غير زوجة ولا ملك يمين.
الثامن عشر: التحذير من الاستمناء باليد.
التاسع عشر: الحث على حفظ الأمانة، والتحذير من إهمالها.
العشرون: الحث على الوفاء بالعهد، والتحذير من نقضه.
الحادي والعشرون: الحث على القيام بالشهادة، والتحذير من كتمانها.(3/359)
الثاني والعشرون: تكرار التنويه بالدوام على الصلاة والمحافظة عليها في أول المجموعة من صفات المداومين عليها وفي آخرها؛ لكون الصلاة مظهر من مظاهر الإيمان الرئيسية، أولاً: وصلة بين العبد وبين ربه، ووسيلة للتذكير بالله وأوامره التي فيها كل خير ونواهيه التي تنهي عن كل شر. ثانيًا: وهذا مما يجعل المصلي يندفع في عمل الحق، والعدل، والخير، ويمتنع عن الإثم والفواحش.
الأدلة لما تقدم:
قال الله جل وعلا وتقدس: { يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ المُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَتِي تُؤْوِيهِ * وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ * كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى * إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الخَيْرُ مَنُوعًا * إِلاَّ المُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ } إلى قوله: { أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ } ، وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ القِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ، وقال: { وَاتَّقُوا يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } ، وقال: { وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ } الآية.
1869- 1876- من هدي القرآن للتي هي أقوم:(3/360)
أولاً: التحذير من الاستهزاء بكتاب الله والإعراض عنه.
ثانيًا: التنبيه على الاستعداد ليوم القيامة.
ثالثًا: بيان صفة الكفار حين خروجهم من القبور: وجوه سود، وأعين زرق، وتغشاهم مذلة، قد ملك الخوف والقلق قلوبهم، واستولى على أفئدتهم.
رابعًا: إرشاد العباد إلى ما يدل على عظمة الله وقدرته على تبديل أمثالهم، وخير منهم يسمعون دعوة الداعي ونصح الناصح.
خامسًا: التنبيه على اضطراب الكفار وتناقضهم وسخافة عقولهم، ينكرون البعث ثم يطمعون في دخول الجنة.
سادسًا: التهوين من شأنهم والتهديد المثير للخوف والترقب.
سابعًا: التسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - عما يقولون ويفعلون.
أدلة لما تقدم:
قال الله جل وعلا وتقدس: { فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ * عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ * أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ * كَلاَّ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ * فَلاَ أُقْسِمُ بِرَبِّ المَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ * عَلَى أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ } ، وقال: { وَنَحْشُرُ المُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا } ، وقال تعالى: { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أَوْلَئِكَ هُمُ الكَفَرَةُ الفَجَرَةُ } ، وقال تعالى: { نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ المَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ } .
1877- 1884- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: ذكر قصة نوح –عليه السلام- مع قومه ودعوته إياهم إلى عبادة الله وحده، ونهيه عن الشرك، لما في القصة من التذكر والاعتبار والانزجار عن المعاصي، والإقبال على طاعة الله.(3/361)
ثانيًا: التنبيه على عناية الله بعباده ولطفه بهم في إرسال الرسل لدعوة البشرية إلى الهدى ودين الحق.
ثالثًا: دليل على نصح الرسل وإخلاصهم وصبرهم وحرصهم على هداية الخلق، وهم لا مصلحة لهم في القضية من قبل الخلق، ولا أجر يتقاضونه من المهتدين على الهداية، ولا مكافأة، ولا جعل يحصلونه على حصول الإيمان، بل أجرهم على رب العالمين، كما صرحوا بذلك للمدعوين.
رابعًا: تفصيل ما أمرهم به نوح –عليه السلام-، وهو ثلاثة أشياء: 1- عبادة الله وحده. 2- الأمر بتقوى الله. 3- الأمر بطاعته، من يطع الرسول فقد أطاع الله.
خامسًا: بيان ما وعد به إن امتثلوا ذلك، وهو شيئان: 1- غفران الذنوب. 2- يمد في أعماركم إلى أجل مسمى.
سادسًا: دليل على أن الطاعة تزيد في العمر حقيقة.
سابعًا: بيان أن أجل الله إذا جاء لا يؤخر عن ميقاته.
ثامنًا: الزجر لهم عن حب الدنيا والتهالك عليها، والإعراض عن أوامر الدين ونواهيه.
أدلة لما تقدم:
قال تعالى: { إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لاَ يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } .
1885- 1898- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: ذكر مناجاة نوح ربه وشكواه إليه متذمرًا مما كان من قومه من الإعراض والتباعد عن الدعوة والتصامم بالرغم مما كان منه من تكرير للدعوة وإلحاح في السر والعلانية، والإنفراد والاجتماع والترغيب والترهيب.
ثانيًا: دليل على أن الاستغفار من أعظم الأسباب لحصول أنواع الأرزاق وكثرتها، وكذلك الأولاد.
ثالثًا: الحث على تعظيم الله والخوف من بأسه ونقمته.(3/362)
رابعًا: بيان أن نوحًا –عليه السلام- وجه قومه إلى النظر في الكون السموات، والقمر والشمس.
خامسًا: توجيههم إلى النظر في نشأتهم من الأرض وعودتهم إليها بالموت؛ ليقرر لهم حقيقة إخراجهم بالبعث.
سادسًا: تذكيرهم بنعم الله عليهم في تيسير الحياة على هذه الأرض وتذليلها لسيرهم ومعاشهم، وانتقالهم وطرائق حياتهم.
سابعًا: بيان أن نوحًا –عليه السلام- بعد جهده النبيل وجهاده الطويل وصبره الجميل على الدعوة إلى الله وبعد إنذاره وإطماعه لهم، والوعد والوعيد بالمال والبنين والرخاء والجنات والأنهار، بعد هذا كله كان العصيان من قومه فيما أمرهم به واتبعوا رؤساءهم وأشرافهم الذين بطروا بأموالهم واغتروا بأولادهم فلم يزدهم إلا خسارا.
ثامنًا: ذكر التشابه الكثير بين مواقف قوم نوح وتصاممهم ومكر زعمائهم وتحريضهم الناس على عدم الاستماع والتشويش على المستمعين له، وصد الناس عنه وإغرائهم بأذى نوح –عليه السلام- وبين ما ذكر في آيات كثيرة، وسور عديدة من مواقف كفار العرب وزعمائهم من دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
تاسعًا: التسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين، بأن موقف كفار العرب ليس بدعًا، فإن قوم نوح أيضًا وقفوا نفس الموقف، فكانت عاقبتهم الهلاك والدمار.
عاشرًا: بيان أن مكر قوم نوح كان من أعظم المكر ومتناهيًا في الكبر، مكروا لإبطال الدعوة، وإغلاق الطريق في وجهها إلى قلوب الناس، ومكروا بتزيين الكفر والضلال، وكان من مكرهم التوصية بالاستمساك بالأصنام التي يسمونها آلهة.
حادي عشر: الإرشاد إلى تقديم الدعاء للنفس ثم للوالدين، ثم للمؤمنين إقتداءً بنوح وإبراهيم، عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.
ثاني عشر: أن الخطايا هي أسباب الهلاك والدمار، وسائر المصيبات.
أدلة لما تقدم:(3/363)
قال الله جل وعلا وتقدس: { قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَارًا * وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا * وَقَالُوا لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدًا وَلاَ سُوَاعًا وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلالاً * مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا * وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا * رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَارًا } آخر السورة.
1899- 1913- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: الإخبار بأن الله جل وعلا وتقدس أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يخر الناس بما أوحي به إليه من أنه استمع للقرآن نفر من الجن، حينما كان يتلوه - صلى الله عليه وسلم -.
ثانيًا: الإخبار بأنهم تعجبوا من هذا القرآن وعظموا شأنه؛ لأنه مباين لكلام البشر في بلاغته وفصاحته ونظامه وأسلوبه وأغراضه ومعانيه، لا يقدر أحد على الإتيان بمثله، بل ولا بسورة، وقد تضمن أخبار الأولين والآخرين، وما كان وما يكون.
ثالثًا: الدليل على أنه - صلى الله عليه وسلم - كما بعث إلى الإنس فقد بعث إلى الجن.
رابعًا: الدليل على أن الجن مكلفون كالإنس.
خامسًا: الدليل على أن المؤمن من الجن يدعو غيره من قبيلته إلى الإيمان.
سادسًا: الدليل على أن الجن عقلاء مخاطبون وبلغة العرب عارفون.(3/364)
سابعًا: الدليل على أنهم يميزون بين المعجز وغير المعجز، وأنهم أخبروا قومهم بإعجاز القرآن، وأنه كلام الله جل وعلا وتقدس؛ لأن كلام الخلق لا يتعجب منه.
ثامنًا: الدليل على أن الجن مستعدون لإدراك القرآن سماعًا وفهمًا وتأثرًا.
تاسعًا: الدليل على أنهم قابلون بخلقهم لتوقيع الجزاء عليهم، وتحقيق نتائج الإيمان والكفر فيهم.
عاشرًا: الدليل على أنهم لا ينفعون الإنس حين يلوذون بهم، بل يضرونهم ويرهقونهم.
الحادي عشر: الدليل على أنهم لا يعلمون الغيب، ولم تعد لهم صلة بأخبار السماء.
الثاني عشر: الإخبار بأن الجن نزهوا الله عن الصاحبة والولد.
الثالث عشر: الدليل على أن هؤلاء الجن كانوا مقلدة حتى سمعوا الحجة، وانكشف لهم الحق، وظهر لهم الدليل ظهورًا بينًا، فرجعوا عما كانوا عليه، ففي ذلك إشارة إلى بطلان التقليد ووجوب إتباع الدليل.
الرابع عشر: التنبيه على أدب الجن الذي استمعوا للقرآن، حيث أسندوا الشر إلى غير فاعل، والخير أضافوه إلى الله.
الخامس عشر: الدليل على أن السماء حقيقة موجودة محسوسة، والرد على من قال: ما فيه سماء، ما فيه إلا فضاء، قال الله جل وعلا وتقدس لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا * وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَخَّذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَدًا * وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا * وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا } إلى قوله تعالى: { وَأَمَّا القَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا } [الجن: 15].(3/365)
وقال تعالى: { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الجِنِّ يَسْتَمِعُونَ القُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ } .
1914- 1925- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: بيان أن الجن لا قوة لهم ولا قدرة، ولا حيلة مع قوة الله، فالله قادر على كل شيء لا يفوته أحد هربًا.
ثانيًا: الإخبار بأن الجن لما سمعوا القرآن آمنوا به من غير تلعثم ولا تردد.
ثالثًا: بيان أنهم اعترفوا بعدل الله ونزهوه عن الظلم.
رابعًا: بيان أن الجن طوائف، وأن منهم الصالحين وغير الصالحين، والمسلمين، والقاسطين، والمنحرفين، والعقلاء، والسفهاء.
خامسًا: الإخبار بأن الناس لو اتبعوا الطريق القويم واستقاموا عليه؛ لأسقاهم الله ماء كثيرًا واسعًا يكثر به رزقهم اختبارًا؛ لشكرهم واعترافهم بفضل الله وجوده وكرمه.
سادسًا: التحذير البليغ عن الإعراض عن القرآن وعظاته للوعيد لمن أعرض عنه بالعذاب الشاق الصعب.
سابعًا: الإخبار بأن المساجد التي هي مواضع العبادة لله وحده فلا يدعي معه أحد ولا يشرك به فيها شيئًا.
ثامنًا: الإخبار بما كان من حال الجن حينما قام - صلى الله عليه وسلم - يدعو ربه وسمعوا القرآن وعجبوا منه، فأخذوا ودهشوا وتكأكئوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لصق بعضهم ببعض من الازدحام يود كل منهم أنه أقرب من صاحبه فيتلبد بعضهم على بعض.(3/366)
تاسعًا: بيان حقيقة ما يدعو إليه - صلى الله عليه وسلم -، وهو أنه يوحد الله وحده لا شريك له، ويخلع ما دونه من الأنداد والأوثان، وكل ما يتخذه المشركون من دونه.
عاشرًا: الإخبار بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - له من الأمر شيء في هدايتهم ولا غوايتهم، بل المرجع لي ذلك كله إلى الله عز وجل.
الحادي عشر: الإخبار بأنه - صلى الله عليه وسلم - لا يجيره أحد من الله لو عصاه ولا نصير ولا ملجأ من دون الله.
الثاني عشر: التنبيه على أنه إذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي هو أكمل الخلق لا يملك لغيره ضرًا ولا رشدًا، ولا يمنع نفسه من الله شيئًا، فغيره من باب أولى وأحرى.
قال الله جل وعلا وتقدس مخبرًا عما قالته الجن: { وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعْجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا * وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْسًا وَلاَ رَهَقًا * وَأَنَّا مِنَّا المُسْلِمُونَ وَمِنَّا القَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا } إلى قوله: { إِلاَّ بَلاغًا مِّنَ اللَّهِ } .
1926- 1932- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: التحذير من عصيان الله ورسوله.
ثانيًا: بيان جزاء من يعصهما، وأن مصيره الخلود في نار جهنم، حيث يدرك العصاة حينما يرون ما يوعدون من هو الأضعف والأقل عددًا.(3/367)
ثالثًا: تحدي الكفار وإنذارهم بأن عصيانهم على الله ورسوله هو منتهى السخف والضلال والجرأة؛ لأنهم أعجز من أن يستطيعوا الانتصار على الله ورسوله، وأنهم مخدوعون إذ قاسوا وقائع الحياة الدنيا على الآخرة، واغتروا بقوتهم وكثرتهم، ولن يغني ذلك عنهم من الله شيئًا، قال تعالى: { قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا العَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا } .
رابعًا: إرشاد العباد إلى أن علم الغيب مما انفرط الله بعلمه، وعلم وقت العذاب علم غيب لا يعلمه إلا الله، وكذلك علم وقت الساعة لا يعلمه إلا الله.
خامسًا: الإيماء إلى إبطال الكهانة والتنجيم والسحر؛ لأن أصحاب هذه أبعد الناس عن الارتضاء، وأدخلهم في الغضب والسخط.
سادسًا: بيان أن الله جل وعلا لا يظهر على غيبه أحدًا إلا من ارتضى من الرسل الذي يجعلهم تحت حفظه ومراقبته للتحقق من قيامهم بمهمتهم وتبليغ رسالاته التي انتدبهم إليها ويحيط بكل أمر من أمورهم، وهو المحيط بكل شيء علمًا، والمحصي لكل شيء عددًا.
سابعًا: التنبيه على اعتناء الله برسوله - صلى الله عليه وسلم - وحفظه لما جاء به، فحين ابتدأت بشائر نبوته، والسماء محروسة بالنجوم، وقد هربت الشياطين من أماكنها، وأزعجت من مراصدها، وأن الله قد رحم به أهل الأرض رحمة عظيمة.
أدلة لما تقدم:(3/368)
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا * حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا * قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا * عَالِمُ الغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا } إلى آخر السورة.
1933- 1941- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: الحث على قيام الليل للتهجد، والخشوع والعبادة وتلاوة القرآن؛ لأن الليل يتمكن فيه من تفريغ القلب وتصفية النفس، والذهن، والسداد في القول أكثر من النهار، بسبب ما في النهار من الشواغل الكثيرة.
ثانيًا: الحث على ترتيل القرآن؛ لأنه عون على التدبر والتفكر والتفهم.
ثالثًا: التنبيه على عظمة القرآن الكريم، وأنه لا يحمله إلا قلب مؤيد بالتوفيق، ونفس مزينة بالتوحيد.
رابعًا: الحث على ذكر الله والإخلاص له، والمداومة على ذلك.
خامسًا: الأمر بالتوكل على الله في جميع الأمور والاستعانة به.
سادسًا: الأمر بالصبر على ما يقوله المكذبون، وما يحصل منهم من الأذى والسخرية، والسب، والأمر بالهجر الجميل، وهو الذي لا عتاب معه، قال تعالى: { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } ، وقال: { فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الحَيَاةَ الدُّنْيَا } .
سابعًا: التهديد والوعيد الشديد للمكذبين أرباب الغنى والسعة والترف واللذة في الدنيا؛ لأنهم أقدر من غيرهم يطالبون من الحقوق بما ليس عند غيرهم.(3/369)
ثامنًا: بيان ألوان العذاب المعدة للمكذبين بآيات الله المكذبين لرسله، وهي أربعة أمور: 1- قيودًا عظامًا لا تفك أبدًا. 2- نارًا عظيمة مستعرة مضطرمة. 3- طعامًا لا يستساغ لا ينزل في الحلق ولا يخرج منه. 4- عذابًا موجعًا مفظعًا، هذه ضد نعيمهم في الدنيا.
تاسعًا: بيان زمان ذلك العذاب، وأنه اليوم الذي ترجف فيه الأرض، وتتحرك من شدة الهول العظيم، وتتزلزل الجبال وتتفرق أجزاؤها، وتصير كالعهن المنفوش، وكالكثيب المهيل بعد ما كانت حجارة صماء.
أدلة لما تقدم:
قال الله جل وعلا وتقدس: { يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً * إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلاً * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً * رَّبُّ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً * وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً * وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُوْلِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً * إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا * يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلاً } .
1942- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: الإنذار والزجر عن معصية النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ثانيًا: التذكير بمصير فرعون الذي عصى رسول الله موسى –عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام- وأن أخذ فرعون أخذًا شديدًا بليغًا غليظًا، فأهلك ومن معه في الغرق.(3/370)
ثالثًا: الإنذار بيوم القيامة في أسلوب سؤال إنكاري عن الوسيلة التي يتقون بها –إذا كفروا بالله وجحدوا برسالة رسوله - صلى الله عليه وسلم - هول ذلك اليوم وعذابه الذي يصير الولدان من شدة هوله، وزلازله وبلابله، وكروبه ومزعجاته شيوخًا.
رابعًا: بيان أن السماء ذات الحبك المبنية بأيْدٍ تنفطر وتنشق وتنتثر كواكبها بسبب شدائد ذلك اليوم وأهواله.
خامسًا: التأكيد أن هذا الوعد الرباني آتي لا ريب فيه؛ لأن وعد الله صادق { وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ } .
سادسًا: التقرير بأسلوب عام أن ما يسمعونه من إنذار ودعوة، هو تذكير وتنبيه وبلاغ، وأن الناس بعد ذلك موكولون إلى اختيارهم ومشيئتهم، فمن شاء أتعظ واتخذ إلى ربه طريقًا موصلاً إليه، وذلك بالإيمان بالله والتمسك بكتابه وتصديق رسله.
سابعًا: التسلية والتطمين والثقة واليقين للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين.
أدلة لما تقدم:
قال الله جل وعلا: { إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلاً * فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الوِلْدَانَ شِيبًا * السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً * إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً } .
1943- 1953- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: ذكر ما يقتضي التخفيف.
ثانيًا: بيان الأمور المقتضية لذلك، وهي ثلاثة: المرض، والسفر للابتغاء من فضل الله، والغزو في سبيل الله.
ثالثًا: ذكر دليل من أكبر دلائل النبوة؛ لأن الغزو والقتال شرعًا بعد ذلك.
رابعًا: الإيماء إلى أنه لا فرق بين الجهاد في سبيل الله والجهاد في التجارة للقيام بما أوجبه الله ولنفع المسلمين.(3/371)
خامسًا: الأمر بإقام الصلاة كاملة الأركان مستوفاة الشروط والواجبات، وجميع مكملاتها.
سادسًا: بيان أن الله لا يكلف الناس في عبادته إلا المستطاع الذي لا يكون فيه مشقة وضنى، والله يعلم أن الناس مهما حرصوا وجدوا واجتهدوا واشتدوا في العبادة، فلن يوفوا الله حقه ولن يبلغوا الغاية، قال تعالى: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } ، وقال: { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } ، وقال: { مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } ، وقال: { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ } .
سابعًا: الأمر بإيتاء الزكاة المفروضة.
ثامنًا: الحث على الإنفاق في سبيل الله والجهات التي أمر بالنفقة فيها.
تاسعًا: الحث على جميع أفعال الخير من صدقة، أو نفقة واجبة أو مستحبة، أو فعل طاعة من صلاة، أو صيام، أو حج، أو صلة رحم، أو بر والدين، أو نحو ذلك.
عاشرًا: الأمر بالاستغفار بعد فعل الخير.
حادي عشر: التنبيه على أن العبد لا يخلو من التقصير والخطأ، ومن الأمراض الخطرة الفتاكة الخفية: الرياء، وكثير ما يكون في الصدقة.
ثاني عشر: ذكر ما يدعو إلى حسن الظن بالله والتشويق إلى طلب مغفرته.
الأدلة لما تقدم:(3/372)
قال الله جل وعلا وتقدس: { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، وقال: { مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً } ، وقال تعالى: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لأَنفُسِكُمْ } ، وقال تعالى: { وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } .
1954- 1961-من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: الحث على إنذار الناس وتنبيههم للخطر القريب الذي يترصد الغافلين وهم لا يشعرون.
ثانيًا: إرشاد العباد إلى عناية الله بهم ورحمته بهم، وهم لا ينقصون في ملكه شيئًا حين يضلون، ولا يزيدون في ملكه شيئًا حين يهتدون.
ثالثًا: تعظيم الله بالتوحيد وتنزيهه عما لا يليق به، فهو وحده الكبير المتعال الذي يستحق التكبير.
رابعًا: الأمر بتطهير الأعمال وتخليصها والنصح بها وإيقاعها على أكمل الوجوه وتنقيتها عن المبطلات والمفسدات والمنقصات من شرك ورياء ونفاق وعجب وكبر، وغفلة، وسهو ونحو ذلك، وتطهير الثياب والبدن، ومواضع العبادة، قال الله تعالى: { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } ، وقال: { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } ، وقال تعالى: { لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } .(3/373)
خامسًا: الأمر بترك الأصنام والأوثان وجميع الذنوب الكبائر والصغائر الظواهر والبواطن.
سادسًا: ينبغي للداعي إلى الله ومكارم الأخلاق أن يكون القدوة الحسنة لمن يدعوهم إلى عبادة الله وحده، ومكارم الأخلاق، وفعل الخير بدون من، واستكثار وانتظار جزاء ومقابلة والطهارة والبعد عن كل فحش وإثم وبذاءة ومظهر مستنكر.
سابعًا: التوجيه إلى الصبر لله، وهي الوصية التي تتكرر عند كل تكليف بهذه الدعوة، أو تثبيت، والصبر هو الزاد الأصيل في هذه المعركة الشاقة على النفس معركة الدعوة إلى الله.
ثامنًا: الإنذار والوعيد للأشقياء بالموقف العصيب العسير الذي سوف يواجهونه حينما يبعث الله الناس للحساب، والجزاء على الأعمال.
الأدلة لما تقدم:
قال الله جل وعلا وتقدس: { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ } ، وقال تعالى: { وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ المُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الخُرُوجِ } ، وقال تعالى: { مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } .
أدلة ما قبل الثامن، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ * فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ } .
1962-1971- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: ذكر الوعيد الشديد للوليد بن المغيرة على تمرده وعظيم عناده واستكباره، لما أوتيه من بسطه المال والجاه، وكثرة البنين والتمكن.(3/374)
ثانيًا: الإشارة إلى أن الإنسان الذي يسبغ الله عليه نعمه الكثيرة، فيقويه، ويغنيه، ويعلي جاهه وشأنه، ينبغي أن يكون أولى الناس بالاعتراف بجميل الله، والقيام بما يأمر به من واجبات ومستحبات نحوه، ونحو خلق الله.
ثالثًا: التعجب من حال هذا الكافر، وطلبه الزيادة على ما هو فيه.
رابعًا: ذكر تيئيسه وقطع رجائه.
خامسًا: ذكر السبب في ذلك.
سادسًا: دليل أن كفر هذا الكافر كفر عناد، فهو يعرف الحق بقلبه، وينكره بلسانه كفرعون وقومه الذين قال الله عنهم: { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًا } .
سابعًا: الوعيد الشديد له، وبيان ما يفعل به يوم القيامة.
ثامنًا: ذكر كيفية حالته في معاندته الآيات حتى استحق العذاب.
تاسعًا: ذكر ما استنبطه الوليد –لعنه الله- من أباطيله، وأنه قال: ما هذا إلا سحر ينقله محمد، وأكد هذا بقوله: إنه كلام الإنس لا كلام الله.
عاشرًا: من الأدلة الدالة على أن القرآن كلام الله: أن الله توعد من قال: إنه قول البشر بإصلائه سقر.
الأدلة لما تقدم:
قال الله جل وعلا وتقدس: { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا } إلى قوله: { سَأُصْلِيهِ سَقَرَ } .
1972- 1983- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: ذكر ما يلقاه هذا الكافر من الجزاء، وهو إصلاؤه سقر.
ثانيًا: زيادة الوعيد تهويلاً بتعظيم سقر.
ثالثًا: بيان شيء من صفتها أشد هولاً، وهو أنها تأكل كل شيء اللحم والأعصاب والعروق والعظام والجلود، ثم تبدل غير ذلك، قال تعالى: { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا } .
رابعًا: أن من صفات سقر أنها تلفح الجلد لفحة تدعه أسودًا.(3/375)
خامسًا: ذكر عدد الحراس القائمين على سقر، وأنهم تسعة عشر من الملائكة.
سادسًا: بيان أن ذكر عدد الذين يقومون على النار امتحان للفرق الأربع التي كان يتألف منها أهل بيئة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي المؤمنون، والكتابيون والكافرون، ومرضى القلوب.
سابعًا: بيان الحكمة في ذلك وهي حصول اليقين لليهود والنصارى بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - لموافقة ما في القرآن لكتبهم.
ثامنًا: أن المؤمنين الذين آمنوا في الأصل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وصلته بالله، فيتلقون الخبر بالتصديق والتسليم، وبذلك يزدادون إيمانًا.
تاسعًا: أن الذين يقفون موقف الشك والاستخفاف والاستهزاء هم الكفار ومرضى القلوب؛ لأن موقفهم غير صادر من علم ونية وعقيدة وإيمان.
عاشرًا: التثبيت للنبي - صلى الله عليه وسلم - والتنويه بالمؤمنين.
حادي عشر: الإنذار للكفار ومرضى القلوب.
ثاني عشر: بيان أن الإضلال والهداية بإرادة الله، يضل من يشاء ويهدي من يشاء، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة.
الأدلة لما تقدم:
قال تعالى: { وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلاَ يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً } الآيات.
1984- 1994- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: بيان أنه ما يعلم عدد خلق الله ومقدار جموعه من الملائكة وغيرهم إلا الله وحده، لا يقدر على علم ذلك أحد.
ثانيًا: الحث على التذكر والتفكر والاتعاظ وإتباع ما ينفع واجتناب ما يضر.(3/376)
ثالثًا: الإيعاد والزجر والقسم بالقمر، والليل إذا ولى وذهب، والصبح إذا أشرق، إن سقر لإحدى البلايا الكبار، والدواهي العظام؛ لإنذار الخلق ليكونوا على حذر منها.
رابعًا: بيان الموجه إليهم الإنذار، وأنهم جميع البشر حتى يكونوا على بينة من أمرهم، فيتقدم من شاء منهم إلى الإيمان بالله، وإتباع الدعوة فينجو، ويتأخر من يشاء عن ذلك، فيهلك، قال تعالى: { وَقُلِ الحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } الآية، وقال تعالى: { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } ، وقال تعالى: { وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } .
خامسًا: الإخبار بأن كل نفس مرهونة بعملها محبوسة به مطالبة بما كسبته إلا من استثناه الله جل وعلا، وهم أصحاب اليمين، فإنهم فكوا رقابهم بما وفقهم الله له من الأعمال.
سادسًا: بيان مآل أصحاب اليمين.
سابعًا: ذكر الحوار بين أصحاب اليمين والمجرمين، فسأل أصحاب اليمين المجرومين عما انتهى بهم إلى هذا المصير، وهي سقر، فأجابوهم بأن هذا العذاب كان لأربعة أمور: 1- أنهم لم يكونوا يصلون لله في الدنيا. 2- أنهم لا يخرجون الزكاة للمساكين، فلا إخلاص لله، ولا إحسان، ولا إحسان على عباد الله المحتاجين. 3- أنهم يخوضون بالباطل مع الخائضين به ويخالطون أهل الباطل في باطلهم، قال تعالى: { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } . 4- إنكارهم البعث والجزاء والحساب إلى أن انقضت حياتهم بالموت، الذي يقطع كل شك، وينهي كل ريب، ولا يترك مجالاً لندم ولا توبة، ولا عمل صالح، فصاروا إلى الحقيقة واليقين من أمرهم وحقت عليهم كلمة العذاب الذي أعدوا به ولم يصدقوه.
الأدلة لما تقدم:(3/377)
قال الله جل وعلا وتقدس: { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ * كَلاَّ وَالْقَمَرِ * وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ * إِنَّهَا لإِحْدَى الكُبَرِ * نَذِيرًا لِّلْبَشَرِ * لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ * كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلاَّ أَصْحَابَ اليَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ المُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ المِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا اليَقِينُ } .
ففي هذا عظة واعتبار وإنذار وحمل على الإرعواء والرجوع إلى داع الله.
1995- 2007- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: الإرشاد إلى أن من مات على الكفر لا ينتفع بشفاعة ولا غيرها، وقال تعالى: { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } ، وقال تعالى: { يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } ، وقال: { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } ، وقال: { إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا } ، وقال: { وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى } ، وقال: { مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } .
ثانيًا: التحذير عن الإعراض عن القرآن ومواعظه وحكمه والتذكير به.
ثالثًا: الإيماء إلى أن المشركين مع موجبات الإقبال إلى الداعي والاتعاظ بما جاء به يعرضون عنه بغير سبب ظاهر، فأي شيء حصل لهم حتى أعرضوا.(3/378)
رابعًا: أن في تشبيه المعرضين في إعراضهم عن القرآن و استماعهم ما فيه من المواعظ وشرودهم عنه بحمر وحشية جدت في نفارها مما أفزعها – تهجين لحالهم، ودليل على بلههم.
خامسًا: ذكر ما يدل على شدة عنادهم، قال تعالى عنهم: { أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ } .
سادسًا: تقرير واقع حالهم، وسبب عدم استجابتهم بأسلوب الزجر والردع والاستدراك، وهو عدم خوفهم من الآخرة وجحودهم بها.
سابعًا: تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
ثامنًا: الإرشاد إلى التذكر بالقرآن والاتعاظ بمواعظه.
تاسعًا: تقرير لمهمة النبي - صلى الله عليه وسلم - التي هي تذكير وتبليغ للناس، ثم تركهم لاختيارهم ومشيئتهم في الاستجابة إليها.
عاشرًا: إرشاد العباد إلى أن مشيئتهم تابعة لمشيئة الله الذي هو الجدير بالاتقاء والخوف والخشية، والذي هو القادر على العفو والمغفرة.
حادي عشر: الرد على القدرية الذين لا يدخلون أفعال العباد تحت مشيئة الله.
ثاني عشر: الرد على الجبرية الذين يزعمون أنه ليس للعبد مشيئة حقيقية وفعلاً، وإنما هو مجبور على أفعاله.
ثالث عشر: بيان أن الله جل وعلا هو الحقيق بأن يتقيه المتقون بترك معاصيه، وأن يعمل بطاعته، وهو الحقيق بأن يغفر للمؤمنين ما فرط منهم من الذنوب، والحقيق بأن يقبل توبة التائبين من العصاة، فيغفر ذنوبهم.
الأدلة لما تقدم:(3/379)
قال الله جل وعلا وتقدس: { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ * فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ * فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ * بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفًا مُّنَشَّرَةً * كَلاَّ بَل لاَّ يَخَافُونَ الآخِرَةَ * كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ المَغْفِرَةِ } ، وقال تعالى: { لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ العَالَمِينَ } .
2008- 2017- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: الإقسام بيوم القيامة لتعظيمه وتفخيمه وتأكيده.
ثانيًا: الإقسام بالنفس اللوامة، وهي التي تلوم صاحبها على تقصيره، وعلى فعله للشر لم فعلته، وعلى الخير لِمَ لم تستكثر منه.
ثالثًا: الإنكار على منكري البعث، وكنى عن البعث بجمع العظام، قال تعالى: { أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَن لَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ } ، وقال تعالى: { قَالَ مَن يُحْيِي العِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } ، وقال تعالى: { فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } ، وقال: { زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ } الآية.(3/380)
رابعًا: أنهم أنكروا البعث لوجهين: شبهة تعرض لخاطر من إيمانه ضعيف، وهي استبعادهم جمع ما تفرق، واختلط بالتراب، وإعادته على النحو الذي كان عليه أولاً، ولهؤلاء جاء الرد بقوله: { أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَن لَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ } ، وقال تعالى: { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } . ثانيًا: حب الاسترسال في اللذات، والاستكثار من الشهوات، فلا يود أن يقر ببعث ولا حشر ولا حساب، حتى لا تتنغص عليه لذاته، ولمثل هؤلاء قال: { بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } .
خامسًا: أن من علامات يوم القيامة تحير البصر ودهشه وشخوصه من شدة الهول، قال تعالى: { وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ } .
سادسًا: منها ذهاب ضوء القمر ونوره.
سابعًا: منها الجمع بين الشمس والقمر بعد افتراقهما.
ثامنًا: الإرشاد إلى أن الإنسان حينما يرى هذه الأهوال يتساءل: أين المفر والمهرب؟ ويبدو في سؤاله الارتياع والفزع والدهشة والحيرة والقلق، فيجابون: لا ملجأ ولا وقاية ولا مفر من قهر الله وأخذه والرجعة إليه، والمستقر عنده.
تاسعًا: بيان أن الإنسان يخبر حين العرض والحساب ووزن الأعمال –بجميع أعماله قديمها وحديثها أولها وآخرها صغيرها وكبيرها، قال تعالى: { وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } ، وقال تعالى: { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا } .
عاشرًا: بيان أن جوارح الإنسان تشهد عليه بما عمل، فهو شاهد على نفسه بشهادة جوارحه عليه.
الأدلة لما تقدم:(3/381)
قال تعالى: { لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيَامَةِ * وَلاَ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ * أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَن لَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ * بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ * يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ القِيَامَةِ * فَإِذَا بَرِقَ البَصَرُ * وَخَسَفَ القَمَرُ } إلى قوله: { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ } .
2018- 2029- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: بيان الحامل للناس على التكذيب بيوم القيامة، والإعراض عن وعظ الله وتذكيره، وأنه الاستغراق في محبة الدنيا وإهمالهم الآخرة، وقلة الاحتفال بها، قال الله جل وعلا وتقدس: { بَلْ تُؤْثِرُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى } .
ثانيًا: ذكر ما يتضمن الإنذار والتشويق ببيان ما يكون من أحوال المؤمنين وأحوال الكافرين.
ثالثًا: بيان صفة وجوه المؤمنين، وأنها حسنة بهية لها رونق مضيئة بيض يعلوها النور، قال الله تعالى: { تَعْرِفُ فِي وَجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ } ، وقال تعالى: { وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ } ، وقال: { وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ } .
رابعًا: الإخبار بأن المؤمنين ينظرون إلى ربهم بأبصارهم عيانًا لا حجاب، قال تعالى: { وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } ، وقال: { عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ } ، وقال: { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } ، وقال: { لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } .(3/382)
خامسًا: بيان صفة وجوه الفجار، وأنها تكون عابسة كالحة مغبرة منقبضة مسودة ذليلة محجوبة عن النظر، والتطلع بمعاصيها وارتكاسها وانطماسها وانتكاسها، قال الله جل وعلا وتقدس: { كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وَجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا } ، وقال: { يَوْمَ تَبْيَضُّ وَجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وَجُوهٌ } ، وقال تعالى: { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ } .
سادسًا: بيان ما نشأت عنه صفات ووجوه الكفار، وهو توقعها أن تحل بها الكارثة القاصمة للظهر المحطمة للفقار، قال تعالى: { تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ } .
سابعًا: وصف لحال الإنسان حينما يحضره الموت ويتأكد من فراق الدنيا.
ثامنًا: الإنذار والزجر لمن لم يؤمن بالله ولمن قصر فيما أوجبه الله عليه.
تاسعًا: بيان النهاية التي لا مفر منها، وهي القدوم على الله، قال تعالى: { إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المَسَاقُ } ، وقال: { إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المَسَاقُ } ، وقال: { لَهُ الحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } ، وقال: { لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ المَصِيرُ } .
عاشرًا: الوعيد الشديد والتهديد لمن لم يصل ولم يصدق بالرسالة ولا بالقرآن، وتولى عن الطاعة لله والإيمان به.
حادي عشر: الدليل على البعث والحساب والجزاء على الأعمال.
ثاني عشر: الرد على منكري البعث من أهل الزيغ والجهل والعناد، فالذي أنشأ هذا الإنسان من نطفة، ثم من علقة، ثم مضغة، ثم شكله، ونفخ فيه الروح، ثم جعله خلقًا آخر سويًا سليم الأعضاء، ذكرًا أو أنثى بإذنه وتقديره.
فمن قدر على ذلك من باب أولى وأحرى أن يحيى الموتى فيعيد الأجسام بالبعث، كما كانت عليه في الدنيا، فإن الإعادة أهون من الابتداء وأيسر مؤنة منه، { وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .
2030- 2034- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:(3/383)
أولاً: ذكر الاستفهام التقريري والحث على التدبر والتفكر فيما قبل خلق الإنسان، وفي أول نشأته، فقد مر دهر طويل لم يكن فيه موجودًا ولا شيئًا مذكورًا، ثم خلقه الله من نطفة مختلطة متطورة، وجعله سميعًا بصيرًا.
ثانيًا: أن الله أودع فيه قابلية التمييز واختيار السبيل الذي يسير فيه ليختبره في سيره واختياره، ووضح له طريق الخير وطريق الشر.
ثالثًا: بيان أن الناس انقسموا قسمين: قسم شاكر لنعم الله قائم بما أوجبه الله عليه من الحقوق سالك لطريق الخير، وقسم كفور لنعم الله جحود لإحسانه سالك للطريق الموصلة إلى الهلاك.
رابعًا: التحذير والإنذار للجاحدين الكافرين بما أعده الله لهم من السلاسل والأغلال والوقود الشديد.
الأدلة لما تقدم:
قال الله جل وعلا وتقدس: { هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا * إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيرً } ، وقال: { إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ } ، وقال تعالى: { ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ } ، وقال: { إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ } ، وقال تعالى: { ِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيمًا } .(3/384)
خامسًا: دليل على أن النار موجودة، ومن الأدلة أيضًا قوله تعالى: { فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } ، وقوله: { مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا } ، وقوله: { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًا وَعَشِيًا } ، وقوله تعالى: { وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا } ، { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا } ، وقال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا } ، وقال: { وَمَن لَّمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا } ، وقال: { وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } ، وقال: { وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ } ، وقال تعالى: { إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِلطَّاغِينَ مَآبًا } ففي كل ما تقدم إنذار وتخويف، وحمل على الرجوع إلى الله.
2035- 2047- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: ذكر ما أعده الله للأبرار الشاكرين المطيعين لله من نعيم وشراب لذيذ في الآخرة.
ثانيًا: ذكر ما لأجله استحقوا ذلك وهو ما وفقهم الله له من الوفاء بما أوجبوه على أنفسهم وهو غير واجب بأصل الشرع، وهو النذر، ومن باب أولى وأحرى قيامهم بما أوجبه الله عليهم من الفروض الأصيلة.
ثالثًا: أنهم مع ما تقدم يدركون صفة يوم القيامة وأهواله وشدائده، وكروبه، فيخافون أن ينالهم شيء من شره، وهذه صفة الأتقياء الذين يشعرون بثقل الواجب وضخامة التكاليف، قال تعالى: { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } .
رابعًا: حكاية أقوالهم بسبيل التنويه بإخلاصهم.
خامسًا: ذكر تمسكهم بالأخلاق الفاضلة، وتحليهم بكرم الفعال كإطعام الطعام للمحتاجين من مسكين، ويتيم، وأسير ونحو ذلك.(3/385)
سادسًا: أن أعمالهم تدل على صدق الإيمان وقوة اليقين.
سابعًا: أنهم يطعمون الطعام على حبه دون انتظار شكر وجزاء، وإنما هو ابتغاء وجه الله، وتقربًا إليه، ومخافة اليوم العبوس الذي يقفون فيه أمام الله.
ثامنًا: بيان أنهم فعلوا ذلك لغرضين الإخلاص لله، وخوف يوم القيامة.
تاسعًا: البشرى بأن الله دفع عنهم ما كانوا منه ي الدنيا يحذرون، وهو شر ذلك اليوم العبوس.
عاشرًا: البشرى التي أعظم من الأولى، وهي أن الله أعطاهم بياضًا ونقاء في وجوههم وسرورًا في القلوب، قال تعالى: { وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ } ، والقلب إذا سر استنار الوجه.
حادي عشر: بيان جزائهم على صبرهم على طاعته، وصبرهم عن معصيته، وصبرهم على أقداره المؤلمة، بأن أعطاهم جنة تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها سالمة من كل مكدر ومنغص، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين.
الأدلة لما تقدم:
قال تعالى: { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ، قال تعالى: { إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ اليَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا } .
2048- 2056- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:(3/386)
أولاً: بيان صفة جلوسهم، وإنها جلسة المتمكن من الجلوس الهادئ الفارغ البال من الهموم والأكدار في أتم الطمأنينة والراحة والرفاهية.
ثانيًا: بيان أنهم لا يتأذون بحر ولا برد.
ثالثًا: أن ظلال الجنة دانية من الأبرار.
رابعًا: أن ثمراتها قريبة منهم ينالها مريدها وهو قاعد وقائم وماشي، قال تعالى: { قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ } .
خامسًا: وصف شراب أهل الجنة وأوانيه.
سادسًا: بيان أن الآنية على قدر ريهم لا تزيد ولا تنقص.
سابعًا: وصف مشروب الأبرار وهو أنهم يسقون في الجنة شرابًا تارة يمزج بالكافور، وطورًا يمزج بالزنجبيل، وهذا الشراب مستمد من عين جارية لا تنقطع، تسمى سلسبيلاً لشدة عذوبتها ولينها وسهولتها واستساغتها لدى الشاربين، قال تعالى: { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً } ، وقال تعالى: { يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا المُقَرَّبُونَ } .
ثامنًا: ذكر أوصاف السقاة، وأنهم غلمان صباح الوجوه في نضرة الشباب، ورونق الحسن والجمال لا يهرمون ولا يتغيرون.
تاسعًا: بيان أن الرائي لهؤلاء الولدان يظنهم لروعة حسنهم وصفاء ألوانهم ونضارة وجوههم لؤلؤًا مفرقًا.
الأدلة لما تقدم:(3/387)
قال تعالى: { مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلاَ زَمْهَرِيرًا * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } إلى قوله: { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وَلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا } ، وقال تعالى: { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ } ، وقال: { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وَلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ * لاَ يُصَدَّعُونَ عَنهَا وَ لاَ يُنْزِفُونَ } ، وقال تعالى: { يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ * بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ * لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ } .
2057- 2066- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: الإشارة إلى أمور أعلى وأعظم مما تقدم، وهو أنك إذا رميت ببصرك في الجنة رأيت نعيمًا لا يوصف، لا يقدر قدره، ولا يدرك كنهه، ورأيت ملكًا كبيرًا واسعًا يتضاءل أمامه ملك كسرى وقيصر وغيرهما من ملوك الدنيا.
ثانيًا: وصف ملابسهم وأنه رفيع الديباج وغليظه.
ثالثًا: ذكر حليهم وأنه أساور من فضة.
رابعًا: بيان أنهم يسقون نوعًا آخر من الشراب يمن الله به عليهم، يطهر بواطنهم من الحقد والحسد والغل والأذى وسائر الأخلاق الرذيلة.
خامسًا: ذكر ما يعدل كل ما تقدم من أنواع المناعم، وهو ما يتلقونه من الود والتكريم: { إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا } .
سادسًا: أن هذا الوصف الذي تقدم أخاذ رائع من شأنه أن يثير في النفوس كل مشاعر السرور والأنس والفرح والانجذاب والطمأنينة والرضى والرغبة والجد والاجتهاد في طاعة الله.
سابعًا: الإخبار بأن القرآن منزل كما تفيده الآيات الأخر، مما تقدم ومما يأتي.
ثامنًا: الإرشاد إلى علو الله على خلقه كما تفيده الآيات الأخر وتقدمت.(3/388)
تاسعًا: الرد على من قال إن القرآن مخلوق، كما ترد عليه الآيات الأخر.
عاشرًا: الرد على من قال إنه كلام محمد - صلى الله عليه وسلم - أو غيره من الخلق.
الأدلة لما تقدم:
قال الله تعالى: { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا * إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ القُرْآنَ تَنزِيلاً } ، وقال: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } ، وقال: { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الكِتَابَ } ، وقال: { قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ } .
2067- 2081- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: النهي عن طاعة الكفار والمنافقين، وكل داع إلى معاصي الله.
ثانيًا: الإرشاد إلى أن الناس محتاجون إلى مواصلة الإرشاد لما ركب في طباعهم من الشهوة الداعية إلى اجتراح السيئات والخطايا.
ثالثًا: الإرشاد إلى أنه ينبغي لكل مؤمن أن يرغب إلى الله ويتضرع إليه في أن يصونه عن إتباع الشهوات، ويعصمه عن ارتكاب المحرمات لينجو من الآفات ويسلم من الزلات.
رابعًا: الحث على ذكر الله في جميع الأوقات، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا } ، وقال: { وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } ، وقال: { وَاذْكُرُوا اللَّّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } .
خامسًا: تثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من المؤمنين في مواجهة الذين يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة من المشركين والمنافقين، ومن سلك طريقهم.(3/389)
قال الله جل وعلا وتقدس: { فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا } ، وقال تعالى: { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا } .
سادسًا: التهديد لأصحاب العاجلة المولعون بحب الدنيا الذين تعجبهم زينتها وينهمكون في لذاتها الفانية وزخارفها الفاتنة، ويتركون اليوم الثقيل الذي ينتظرهم هناك بالسلاسل والأغلال والسعير بعد الحساب العسير.
سابعًا: التهوين من أمرهم على الله الذي أعطاهم ما هم فيه من قوة وبأس.
ثامنًا: التهديد الشديد لهؤلاء المشركين التاركين لعبادة الله الغافلين عن طاعة بارئهم وموجدهم من العدم.
تاسعًا: بيان أن الله قادر على الذهاب بهم وتبديلهم بغيرهم، ولكنه يتركهم لحكمة يجري بها قدره، قال تعالى: { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ } ، وقال: { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } ، وقال: { إِنَّا لَقَادِرُونَ * عَلَى أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ } .
عاشرًا: إرشاد العباد إلى أن في هذا الذكر تذكرة وموعظة للخلق وفوائد جمة لمن ألقى سمعه وأحضر قلبه، وكانت نفسه مقبلة على ما ألقى إليه سمعه، قال الله جل وعلا: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } ، وقال: { وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } ، وقال: { إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً } ، وقال: { كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ } .(3/390)
حادي عشر: بيان أن من أراد الاهتداء بالقرآن، فالسبيل مفتوح، قال تعالى: { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } .
ثاني عشر: بيان الرد على الجبرية الذين يزعمون أنه ليس للعبد مشيئة حقيقة وفعلاً، ويقولون إنه مجبور على أفعاله.
ثالث عشر: إرشاد العباد أن مشيئتهم تابعة لمشيئة الله.
رابع عشر: بيان الرد على القدرية الذين لا يدخلون أفعال العباد تحت مشيئة الله.
خامس عشر: إرشاد العباد إلى أن الله عليم بمن يستحق الهداية، فييسرها له ويقيض له أسبابها، ومن يستحق الغواية فيصرفه عن الهدى، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة، وهو أعلم بمن اهتدى.
الأدلة لما تقدم:
قال تعالى: { وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } ، وقال: { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } ، وقال تعالى: { فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً * إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ العَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلاً * نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً * إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً * وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } .
2082- 2087- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: التذكير بعظمة الخالق وقدرته على تحقيق ما وعد به.(3/391)
ثانيًا: تأكيد كون ما يوعد به الناس من البعث والحساب والجزاء على الأعمال، والجنة والنار وعد صادق وأمر واقع حتمًا.
أدلة لما تقدم:
قال تعالى: { وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا * وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا * فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا * فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا * عُذْرًا أَوْ نُذْرًا * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ } .
المعنى: أن الذي وعد الله به من قيام الساعة، والنفخ في الصور، وبعث الأجساد، والنشور، وجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد، ومجازاة كل عامل بعمله أن خيرًا فخيرًا، وإن شرًا فشرًا، واقع كله لا محالة، وعد الله لا يخلف الله وعده.
ثالثًا: بيان وقت وقوعه.
رابعًا: ذكر مقدماته التي منها: طمس النجوم، وذهاب نورها، ومنها: انفراج السماء وانشقاقها، ومنها: قلع الجبال من أماكنها، قال الله تبارك وتعالى: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا } .
خامسًا: بيان اليوم الذي أقتت فيه الرسل وأجلت للحكم بينها وبين أممها.
سادسًا: تهويل أمر يوم الفصل وتعظيم شأنه، يعني أنه أمر بديع هائل لا يقادر الدره.
أدلة لما تقدم:
قال الله جل وعلا وتقدس: { يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ } ، وقال تعالى: { وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } ، وقال تعالى: { ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } ، قال تعالى: { فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ * وَإِذَا الجِبَالُ نُسِفَتْ * وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ * لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ * لِيَوْمِ الفَصْلِ } .
2088- 2093- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:(3/392)
أولاً: بيان من سيقع عليه النكال والوبال وأشد العذاب في يوم الفصل، وأنه المكذب لله ولرسله، قال تعالى: { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } .
ثانيًا: التحذير والإنذار والتخويف مما جرى للكفار من الهلاك، بسبب كفرهم وتكذيبهم.
ثالثًا: بيان سنة الله في المجرمين، قال تعالى: { وَإِنَّ لُوطًا لَّمِنَ المُرْسَلِينَ * إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عَجُوزًا فِي الغَابِرِينَ * ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ * وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } ، وقال: { وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ } ، وقال تعالى: { وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا } .
رابعًا: التذكير بنعم الله على عباده في الإنشاء والإحياء مع التقدير والتدبير للصغير والكبير.
خامسًا: الحث على شكر الله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى.
سادسًا: أن في خلق الإنسان على هذا الكمال من الحواس الصحيحة، والعقل الشريف، والتمييز، والنطق من ماء ضعيف حقير أعظم الاعتبار، وأبين الحجة على أن له صانعًا عليمًا خبيرًا مدبرًا حكيمًا قديرًا سميعًا بصيرًا.
أدلة لما تقدم:(3/393)
قال تعالى: { وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } ، وقال تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ } ، وقال هنا تبع الآيات المتقدمة: { أَلَمْ نُهْلِكِ الأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ * كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ القَادِرُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } .
2094- 2101- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: التذكير ببعض نعم الله على عباده من ذلك جعل الأرض تحتضن بني آدم أحياء في الدور، وأمواتًا في القبور.
ثانيًا: أن في ذلك ما يدل على بديع صنع الله وعظيم قدرته.
ثالثًا: إن في ذلك ما يدل على لطف الله ورأفته ورحمته بخلقه، قال تعالى: { أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا } ، وقال: { وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ المَاهِدُونَ } ، وقال تعالى: { الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا } ، وقال تعالى: { اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا } ، وقال تعالى: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } .(3/394)
رابعًا: التنبيه على شكر الله على تثبيته الأرض بالجبال الراسيات، قال تعالى: { وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ } ، وقال: { وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ } ، وقال: { وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا } ، وقال: { وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ } ، وقال: { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا } .
خامسًا: التنبيه على شكر الله على ما أنعم به على عباده من الماء العذب الزلال، قال تعالى: { وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاءً فُرَاتًا } ، وقال: { أَفَرَأَيْتُمُ المَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ المُزْنِ أَمْ نَحْنُ المُنزِلُونَ } .
سادسًا: التحذير من تكذيب الله وأرسله والوعيد الشديد للمكذب، قال تعالى: { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } .
سابعًا: ذكر ما سوف يقال لهم يوم القيامة جزاء على تكذيبهم.
ثامنًا: ذكر الموضع الذي أمر المكذبون بالانطلاق إليه، وأنه ظل ذو ثلاث شعب، ظل لدخان جهنم، تمتد ألسنته في ثلاث شعب: شعبة عن يمينهم، وشعبة عن شمالهم، وشعبًا من فوقهم، وقال تعالى: { لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ } ، وقال: { لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ } .
2102- 2107- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: بيان أن الظل الجهنمي الذي يظنه المكذبون واقيًا من الحر لم يلبث أن يعرف أنه لا يصلح للاستظلال ولا يقي من حر جهنم.
ثانيًا: دليل على نفي راحتهم، وأنهم في عذاب أليم.
ثالثًا: وصف جهنم التي تقدم ذكر ظلها وأن كل شرارة من شررها التي ترمي بها، كالقصر في عظمها وكبرها، وارتفاعها، وأن لون شررها أسود مشرب بالصفرة، قال تعالى: { إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ } .(3/395)
رابعًا: الإخبار بأن المكذبين في ذلك اليوم لا يتكلمون من الخوف، والوجل، والدهشة، والحيرة، أو أنهم لا ينطقون بنطق ينتفعون به فكأنهم لم ينطقوا، أو يقال: إن في القيامة مواقف، ففي بعضها يتكلمون ويختصمون، وفي بعضها يختم على أفواههم ولا يتكلمون، قال تعالى: { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } ، أو أن ذلك بعد أن يقول الله: { اخْسَئُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } ينقطع نطقهم، ولم يبق إلا الزفير والشهيق، قال تعالى: { وَوَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لاَ يَنطِقُونَ } ، وقال في آيات أخر: { وَلَوْ تَرَى إِذِ المُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ } ، وقال: { قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ العَذَابِ عَلَى الكَافِرِينَ } ، وقال: { وَلَوْ تَرَى إِذْ وَقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا } ، وقال: { وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } ، وكقوله: { وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } ، وقوله: { تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ العَالَمِينَ } الآيات، وكقوله: { رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا } .
خامسًا: التقريع والتوبيخ للمكذبين وإظهار ضعفهم وعجزهم وقصورهم حينئذ.(3/396)
سادسًا: بيان أن في ذلك اليوم تبطل حيل الظالمين، ويضمحل مكرهم وكيدهم، ولا تدبير ولا قدرة، إنما هو الصمت الكظيم على التأنيب الأليم والاستسلام لعذاب الله، قال الله تعالى: { هَذَا يَوْمُ الفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ * فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } ، وقال: { يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ } .
2108- 2115- ذكر ما يكون للمؤمنين من السعادة والتكريم، حينئذ فهم يكونون في ترف ونعيم في ظلال و عيون.
أدلة لما تقدم:
قال تعالى: { إِنَّ المُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ } ، وقال تعالى: { إِنَّ المُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ } ، وقال تعالى: { فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ } ، وقال تعالى: { هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ } .
ثانيًا: أن لديهم فواكه مما يشتهون لا مقطوعة ولا ممنوعة.
ثالثًا: ذكر ما يقال لهم تكريمًا على مرأى ومسمع من الجموع: { كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } .
رابعًا: التنبيه على أن طعامهم وشرابهم نفع خالص من شوائب الأذى خال من المكدرات والمنغصات، قال تعالى: { كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } ، وقال: { كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الخَالِيَةِ } .(3/397)
خامسًا: الإخبار بجزاء الله للمحسنين، قال تعالى: { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ } ، قال تعالى: { إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } ، وقال: { إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ المُصْلِحِينَ } ، وقال: { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ، وقال: { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا } .
سادسًا: الوعيد الشديد والتبكيت والترذيل يوجه للمجرمين، وأنهم وإن أكلوا في الدنيا وشربوا وتمتعوا باللذات الفانية، وغفلوا عما خلقوا له، فإن مصيرهم إلى العذاب الأليم، والحزن الطويل، قال تعالى: { نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ } ، وقال: { لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي البِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المِهَادُ } ، وقال: { مِن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئًا } الآية، وقال: { وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُوْلِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً } ، وقال: { قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ المَصِيرُ } ، وقال تعالى: { كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } .
سابعًا: التحذير من طريقة الجهلة المكذبين الذين إذا أمروا أن يكونوا من المصلين مع الجماعة امتنعوا، واستكبروا.(3/398)
ثامنًا: الحث على الصلاة مع الجماعة والأدلة على وجوبها، قال تعالى: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لاَ يَرْكَعُونَ } ، وقال: { وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ } ، وقال: { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } ، وقال: { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ } الآية.
تاسعًا: التعجب من هؤلاء المشركين على عنادهم، وعدم تأثرهم بما يتلى عليهم من الآيات التي تهز الرواسي لو أنزلت على جبل لرأيته خاشعًا متصدعًا من خشية الله، فبأي حديث بعد هذا القرآن الذي جمع فيه الخير بحذافيره يؤمنون، قال الله جل وعلا: { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ } ، وقال: { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } ، ففي كل ما تقدم إنذار وتخويف وحمل على الارعواء والرجوع إلى داع الله، آمنت بالله وبما أنزل.
2116- 2129- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: الإنكار على المشركين في تساؤلهم عن يوم القيامة إنكارًا لوقوعها.
ثانيًا: وروده على طريقة الاستفهام مبهمًا لتتوجه إليه الأذهان وتلتفت إليه الأفهام.
ثالثًا: بيانه بما يفيد تعظيمه وتفخيمه.
رابعًا: التهديد الشديد والوعيد الأكيد، وإليك تسعة أمور مما امتن الله به على عباده، وهي أدلة وبراهين واضحة تدل على قدرة الله على البعث والنشور وغيرهما.
أولاً: لما تقدم بسط الأرض وتمهيدها لتصلح للتصرف والحراثة والسكنى من غير أذية.
ثانيًا: وهو السادس لما تقدم، إقامة الجبال فوق الأرض أوتادًا لتسكن، ولا تتحرك بمن عليها، فهي أشبه شيء بأوتاد الخيمة التي تشد بها.
ثالثًا: وهو السابع، تنوع الآدميين إلى ذكور وإناث يتمتع كل منهما بالآخر، ويحصل التناسل بذلك، ويتم الإئتناس والتعاون على سعادة المعيشة.(3/399)
رابعًا: وهو الثامن، جعل النوم راحة من عناء الأعمال التي يزاولها عامة نهاره.
خامسًا: وهو التاسع لما تقدم، جعل الليل ساترًا للخلق بظلامه لمن أراد الهروب من عدو أو إخفاء شيء لا يحب أن يطلع عليه غيره.
سادسًا: وهو العاشر، جعل النهار وقتًا لتحصيل أسباب المعيشة.
سابعًا: وهو الحادي عشر، جعل السماء سقفًا محفوظًا قوية محكمة النسج والوضع لا يؤثر فيها كر الغداة ولا مر العشي، لا فطور فيها، ولا تصدع.
قال تعالى: { وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ } ، وقال: { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } ، وقال: { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الحُبُكِ } .
ثامنًا: وهو الثاني عشر، إرشاد العباد إلى ما امتن به عليهم من وجود الشمس المنيرة الكثيرة الفوائد العظيمة المنافع، قال تعالى: { وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا } ، وقال: { وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا } .
تاسعًا: وهو الثالث عشر لما تقدم، إرشاد العباد إلى ما امتن به عليهم من نزول المطر، وما ينشأ عنه من نبات وأرزاق.
الرابع عشر: بيان عظيم نفع الماء وجليل فائدته، قال تعالى: { لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًا وَنَبَاتًا * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا } ، وقال: { وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ * رِزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الخُرُوجُ } .
أدلة ما تقدم:
قال تعالى: { عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ العَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ * كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ * أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا } إلى قوله تعالى: { إِنَّ يَوْمَ الفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا } .
2130- 2139- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:(3/400)
أولاً: التنبيه على أن الموعد الذي عينه الله للقضاء بين العباد هو يوم الفصل، قال تعالى: { إِنَّ يَوْمَ الفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ * يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } ، وقال تعالى: { هَذَا يَوْمُ الفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ } ، وقال تعالى: { إِنَّ يَوْمَ الفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا } .
ثانيًا: أن في ذلك اليوم ينفخ في الصور.
ثالثًا: أن الناس يأتون أفواجًا من كل صوب، قال: { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ } ، وقال: { يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ } ، وقال تعالى: { خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ } .
رابعًا: بيان أن السماء تفتح وتكون أبوابًا عديدة، قال تعالى: { وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا } ، وقال تعالى: { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ المَلائِكَةُ تَنزِيلاً } .
خامسًا: بيان أن الجبال الرواسي تكون سرابًا.(3/401)
سادسًا: بيان مصير الطغاة الكفار في ذلك اليوم العسير عليهم، فقد أعدت لهم جهنم تنتظرهم، وينتهون إليها للإقامة الطويلة المتجددة أحقابًا بعد أحقاب، قال تعالى: { يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } ، وقال تعالى: { إِنَّ المُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } ، وقال تعالى: { وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ } ، وقال تعالى: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ } ، وقال تعالى: { كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا } ، وقال: { كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ } .
سابعًا: بيان شراب أهل النار، وأنه الماء شديد الحرارة يشوي الوجوه، ويقطع الأمعاء، وصديد أهل النار الذي هو في غاية النتن وكراهة المذاق.
ثامنًا: بيان أن هذا جزاء عادل متناسب مع أعمالهم ومواقفهم، فقد كذبوا بآيات الله ولم يفكروا في العواقب، ولم يؤمنوا بيوم الحساب والعقاب، قال تعالى: { وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ } ، وقال تعالى وتقدس: { وَيُسْقَى مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ المَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَائِه عَذَابٌ غَلِيظٌ } ، وقال: { هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ * وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } ، وقال: { وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا } .(3/402)
تاسعًا: إن الله أحصى كل شيء، قال تعالى: { وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا } ، وقال: { وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا } ، وقال: { وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ } ، وقال: { لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا } .
عاشرًا: بيان ما يقال للكفار تقريعًا لهم وتوبيخًا، { َذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَابًا } .
ففي ما تقدم إنذار وتخويف، وحمل على الارعواء والرجوع إلى الله.
2140- 2146- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: وصف مصير المتقين في يوم الفصل وما أعد الله لهم من الكرامة والنعيم المقيم والعيش السليم، للمقابلة في وصف مصير الكافرين، وما أعد لهم من الجحيم والحميم والعذاب الأليم.
ثانيًا: بيان ذلك فلهم الفوز والنجاة وسينزلون جنات.
ثالثًا: ذكر بعض نعيم هذه الجنات من ذلك الأعناب، قال تعالى: { حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا } ، وخصت العنب بالذكر للعناية بأمرها، أو لأنها مما يعرفه المخاطبون.
رابعًا: بيان أن لهم فيها نساء نواهد استدارت ثديهن، ولم تتدل وهن في سن واحدة، قال تعالى: { وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا } .
خامسًا: أن لهم فيها كأسا مملوءة بالمشتهى من المشروبات، قال تعالى: { وَكَأْسًا دِهَاقًا } .
سادسًا: بيان أنهم لا يسمعون في الجنة كلامًا لا فائدة فيه، ولا يكذب بعضهم بعضًا.
سابعًا: بيان أن كل هذا الذي ذكر جازاهم به، وأعطاهم بفضله وإحسانه ومنته ورحمته عطاءً كافيًا وافيًا متأهلاً كثيرًا.
ففي هذا استنهاض لعوالي الهمم بدعوتهم إلي المثابرة علي أعمال الخير وازديادهم من القربات والطاعات، كما أن فيها إيلامًا لأنفس الظالمين المكذبين، وحملاً لهم علي الارعواء والرجوع عما هم عليه من الضلال، قال تعالى: { إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا } إلى قوله: { جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا } .
أدلة لما تقدم:(3/403)
وقال تعالى: { هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ * جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأَبْوَابُ * مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ * وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ } إلى قوله: { إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ } ، وقال تعالى: { إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الجَحِيمِ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ } ، وقال تعالى: { إِنَّ المُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } إلى قوله: { فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ } ، وقال: { وَلَنِعْمَ دَارُ المُتَّقِينَ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ المُتَّقِينَ } .
2147- 2156- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: الإخبار عن عظمة الله وجلاله، وأنه رب السموات والأرض وما فيهما وما بينهما، وأنه الرحمن الذي شملت رحمته كل شيء.
ثانيًا: بيان أنه في ذلك اليوم لا يقدر أحد على ابتداء مخاطبته إلا بإذنه وأن يكون ما تكلم به صوابًا، قال تعالى: { يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } ، وقال: { مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } ، وقال: { يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } ، وقال: { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } .(3/404)
ثالثًا: أن في ذكر موقف هؤلاء المقربين إلى الله صامتين لا يتكلمون إلا بإذن ما يغمر القلوب بالروعة والهيبة والرهبة، ويحمل على الارعواء والرجوع إلى الله.
رابعًا: بيان أن ذلك اليوم هو يوم الحق والقضاء العادل الحاسم، يوم تبلى فيه السرائر وتنكشف فيه الضمائر.
خامسًا: الحث على العمل الصالح الذي يقرب إلى الله ويدني من كرامته، وثوابه في ذلك اليوم.
سادسًا: الإنذار بالعذاب القريب والدنيا من أولها إلى آخرها رحلة قصيرة وعمر قريب.
قال الله تعالى: { إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا } ، { وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ البَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ } ، وقال: { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ } ، وقال: { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا } ، وقال: { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ } ، وقال: { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ المُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ } .
سابعًا: أن في ذلك اليوم العظيم يشاهد المرء ما قدمه من خير أو شر، قال تعالى: { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا } ، وقال: { هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ } ، وقال: { وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا } ، وقال: { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًا يَرَهُ } ، وقال: { يَوْمَ يَنظُرُ المَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } ، وقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } .(3/405)
ثامنًا: الإخبار أن في ذلك اليوم العظيم المملوء من الشدائد والكروب والمخاوف والمزعجات والأهوال، يتمنى الكافر ويقول وهو ضائق مكروب: { يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا } ، وقال تعالى: { يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ } .
تاسعًا: أن فيما تقدم من الآيات ما يدل على عظمة الله وقدرته وهيبته وجلاله ولطفه بعباده، وأن فيها من الإنذار والحمل على الإرعواء والتدبر والتفكر للمصير الواضح الذي لا ينجو من هوله إلا من وفقه الله للإيمان به وبرسله.
أدلة لما تقدم:
قال تعالى: { رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا * يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًا لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا * ذَلِكَ اليَوْمُ الحَقُّ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا * إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ المَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا } .
2157- 2162- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: التذكير بعظمة الله وقدرته على تحقيق ما وعد به على ألسنة رسله من البعث والنشور والحساب والجزاء على الأعمال.
ثانيًا: الإشارة إلى بعض مشاهد البعث ومقدماته وظروفه.
ثالثًا: ذكر بعض أقوال الكفار عند وقوعه من ذلك أنها ترجف الأرض رجفة تردفها رجفة أخرى.(3/406)
رابعًا: بيان أنه سوف يستولى الرعب والخوف والاضطراب على قلوب كثيرة وتخشع أبصار أصحابها، قال تعالى: { يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ } ، وقال تعالى: { يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلاً } ، وقال تعالى: { إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًا } ، وقال: { إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } ، وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } .
خامسًا: بيان أقوال الكفار في استبعادهم البعث إذا قيل لهم: إنكم مبعوثون، قال تعالى فيما قالوا: { أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَّخِرَةً * قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ } ، وقالوا: { أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ } ، وقالوا: { أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا } الآية، وقالوا: { أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ * هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ * إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } ، وقالوا: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ * لَقَدْ وَعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ } .(3/407)
سادسًا: بيان سهولة البعث على الله، فالأمر لن يقتضي إلا صرخة واحدة فقط، فلا يلبث الناس إلا أن يروا أنفسهم في صعيد واحد في انتظار قضاء الله وحكمه، قال تعالى: { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ } ، وقال تعالى: { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } ، وقال تعالى: { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ } ، وقال: { وَمَا يَنظُرُ هَؤُلاءِ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ } ، وقال: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ } .
2163- 2173- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: ذكر قصة موسى مع فرعون طاغية مصر، الذي بلغ من عتوه وطغيانه وجبروته أنه ادعى الربوبية.
ثانيًا: سياق القصة بصيغة الاستفهام للتمهيد وإعداد النفس والأذن لتلقي القصة، وتمليها لما في ذلك من التشويق والإعانة على فهمها وتدبرها والاتعاظ بها.
ثالثًا: الحث على الوعظ والإرشاد واقتداء بأولي العزم.
رابعًا: أنه ينبغي للداعي إلى الله أن يلين القول للمدعو خصوصًا إذا كان له مقام كبير كالملك والوزير؛ لأنه أنجح في الدعوة، قال تعالى لموسى وهارون في دعوتها لفرعون: { فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } ، وقال: { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } .
خامسًا: بيان أن فرعون لم ينقد، ويخضع للدليل الواضح والبرهان الساطع، فلما لم يقنع أراه الآية الكبرى، وهي إنقلاب العصا حية تسعى، ومع ذلك كذب وعصى وأظهر تمرده.(3/408)
سادسًا: التنبيه على أنه ينبغي للداعي إلى الله أن يحاول إقناع المعرض المرجو رجوعه بكل ما يقدر عليه من الأدلة والحجج والبراهين.
سابعًا: أنه ألب قومه على موسى، وموسى –عليه السلام- يحتمل المشاق العظام في دعوته إلى الإيمان بالله.
ثامنًا: أن في ذلك تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يلاقيه من قومه من شديد الأذى والعناد والتكبر وعظيم الإعراض، قال تعالى: { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ } .
تاسعًا: أن في ذلك عبرة لقومه، وهي أن فرعون مع أنه كان أقوى منهم شكيمة، وأشد شوكة، وأعظم سلطانًا، لما تمرد على موسى وعصى أمر ربه، أخذه الله أخذ عزيز مقتدر نكال الآخرة والأولى، فأنتم مهما عظمت حالكم وقوي سلطانكم، فلن تعجزوا الله.
عاشرًا: أن في قصة موسى مع الطاغية فرعون تهديد، وإنذار لمن لم يؤمن بالله ورسوله.
حادي عشر: حث الإنسان على أن ينظر في حوادث الماضين، ويقيس بها أحوال الحاضرين ليتعظ بها ويرعوي عن غيه ويتجه إلى الله، قال تعالى: { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى * فَأَرَاهُ الآيَةَ الكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى } إلى قوله: { فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى } .
2174- 2182- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: ذكر أدلة وبراهين على توكيد البعث، وأنه هين بسيط على الله.
ثانيًا: التوبيخ والإنكار على منكري البعث.
ثالثًا: لفت أنظار المنكرين للبعث المستبعدين لوقوعه إلى خلق السموات والأرض التي هي أكبر من خلق الناس.(3/409)
رابعًا: بيان كيفية خلق السماء وما فيها من عجائب الصنع وبدائع القدرة وحسن الشكل، وقوة التركيب ومتانة البناء، لا شقوق فيها، ولا عوج ولا اضطراب مع عظمها وارتفاعها وسعتها، وإلى خلق الأرض التي دحاها بعدها وبسطها ومهدها، وجعلها معدة للسكنى والسير عليها، وهيأ فيها وسائل المعيشة للإنسان والحيوان، وأخرج منها الماء الذي به حياة كل شيء، وأنبت فيها النبات الذي به قوام الإنسان والحيوان، وقد أرسى عليها الجبال الرواسي الشامخات، لئلا تميد وتضطرب، وليعلموا أن الذي خلقهم م ماء مهين قادر على إعادتهم، وهي أسهل وأيسر، والكل هين على من أمره بين الكاف والنون، قال تعالى: { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } ، وقال تعالى: { مَا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } ، وقال تعالى: { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } .
أدلة ما تقدم:
قال تعالى: { أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا } ، وقال الله جل وعلا وتقدس: { لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } .
خامسًا: بيان الحكمة فيما تقدم، قال تعالى: { مَتَاعًا لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ } .
سادسًا: الإنذار بمجيء القيامة الطامة الكبرى النفخة الثانية.
سابعًا: بيان ما يكون فيها من أهوال وشدائد وكروب ومخاوف ومزعجات.(3/410)
ثامنًا: أن في ذلك اليوم يتذكر الإنسان سعيه ويستحضره، ولكن حيث لا يفيد التذكر والاستحضار زيادة في الحسنات ولا نقصًا من السيئات، بل يندم إن كان محسنًا على ترك الزيادة من الحسنات، ويتحسر ويندم إن كان مسيئًا ويتصور ما أمامه من العذاب والبلوى، قال تعالى: { لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ اليَوْمَ حَدِيدٌ } ، وقال: { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } ، وقال تعالى: { وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } ، وقال تعالى: { فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى } .
تاسعًا: أنه في ذلك اليوم تبرز جهنم، قال تعالى: { وَبُرِّزَتِ الجَحِيمُ لِمَن يَرَى } ، وقال تعالى: { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا } ، وقال تعالى: { وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ } الآية.
2183- 2191- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: التحذير من الطغيان ومجاوزة الحدود التي حدها الله.
ثانيًا: التحذير من إيثار الحياة الدنيا على الآخرة وتقديمها عليها.
ثالثًا: الإخبار بأن من قدم الحياة الدنيا على الآخرة وآثرها عليها منزله، ومثواه جهنم، وبئس المأوى والمستقر، قال تعالى: { فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الجَحِيمَ هِيَ المَأْوَى } .
رابعًا: الحث على مخافة الله والوقوف بين يديه.
خامسًا: الحث على منع النفس عن الهوى.
سادسًا: التحذير عن إتباع الهوى.(3/411)
سابعًا: بيان مأوى من خاف مقام ربه، ونهى نفسه عن الهوى، قال تعالى: { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى * فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى } .
ثامنًا: ذكر سؤال الكافرين المتعنتين المستهزئين للرسول عن موعد قيام الساعة، والجواب عليه: بأنه لا يعلم وقت قيامها إلا الله جل وعلا، قال تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِن ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا } ، وقال تعالى: { وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ } ، وقال: { إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِ لاَ هُوَ } ، وقال: { إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى } .
تاسعًا: بيان موضوع رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال الله جل وعلا: { رُسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ } ، وقال تعالى: { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا } ، وقال تعالى: { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا } ، وقال تعالى: { إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا } .
عاشرًا: التنبيه على تقليل مدة الدنيا حتى كأنها عندهم كانت عشية من يوم، أو ضحى من يوم، وقد انقضت وانطوت هذه الحياة الدنيا التي يتقاتل عليها أهلها ويتطاحنون، ويتقاطعون، ويتهاجرون، ويتباغضون، ويتحاسدون، والتي يؤثرونها ويتركون في سبيلها نصيبهم من الآخرة، والتي يرتكبون من أجلها الجرائم والمعاصي والطغيان، والتي يجرفهم الهوى فيعيشون له فيها، هي هذه قصيرة عاجلة، هزيلة، ذاهبة، زهيدة، تافهة.
أدلة لما تقدم:(3/412)
قال تعالى: { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ } ، وقال تعالى: { كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } ، وقال تعالى: { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ } ، وقال تعالى: { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ المُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ } ، وقال: { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا } .
2192- 2201- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: بيان عتاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما كان منه من عبوس وانصراف عن الأعمى المسلم المستشعر بخوف الله عندما جاء ساعيًا للاستفادة والاستنارة، وتصدى لرجل غني.
ثانيًا: الحث على الوعظ والإرشاد.
ثالثًا: التحذير من الإقبال على الكفرة والإعراض عن المؤمنين.
رابعًا: التحذير من الإعراض عن الفقير المسلم، وتركه والإقبال على الغنى والتشاغل به.
خامسًا: التنبيه على أن المسلم الأعمى يحتاج إلى زيادة عناية رفق ورأفة.
سادسًا: أن في هذا العتاب الصريح للنبي - صلى الله عليه وسلم - دليل واضح للمنصف على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل ما يبلغه عن ربه، وأن هذا القرآن من عند الله لا من عنده، ومن الأدلة على ذلك أيضًا قوله تعالى: { لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ } الآية، وقوله تعالى: { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ } الآية.
سابعًا: الإرشاد إلى أنه لا يترك أمر معلوم لأمر موهوم، ولا مصلحة متحققة لمصلحة متوهمة.
ثامنًا: أنه ينبغي الإقبال على طالب العلم الحريص عليه أزيد من غيره.
تاسعًا: دليل على أن علم الغيب مما انفرد الله به، وأن الرسول لا يعلم إلا ما أعلمه الله.(3/413)
عاشرًا: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما عليه إلا البلاغ، وهداية التوفيق والإلهام بيد الله.
أدلة لما تقدم:
قال الله جل وعلا وتقدس: { عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى } ، وقال تعالى: { وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مَنَ الظَّالِمِينَ } , وقال تعالى: { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا } الآية.
وقال تعالى: { فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الحَيَاةَ الدُّنْيَا } ، وقال: { وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ } .
2202- 2209- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: الحث على تدبر آيات القرآن والتفكر فيها، والاتعاظ بها والعمل بموجبها، قال تعالى: { كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ } ، وقال تعالى: { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } ، وقال تعالى: { وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } ، وقال تعالى: { كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ } .(3/414)
ثانيًا: توكيد تقرير المشيئة والاختبار للإنسان بعد بيان طريق الهدى والضلال والحق والباطل، قال تعالى: { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } ، وقال تعالى: { وَقُلِ الحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } الآية.
ثالثًا: الرد على الجبرية الذين يزعمون أنه ليس للعبد مشيئة ولا فعل حقيقة، وإنما هو مجبور على أفعاله، فأثبت تعالى للعبد مشيئةً وفعلاً.
رابعًا: الإخبار عن عظم هذه التذكرة وجلالتها، ورفع قدرها مع يسرها وسهولتها.
خامسًا: بيان محل هذه التذكرة، وأنها في صحف مكرمة، معظمة، موقرة، مطهرة.
سادسًا: الإخبار بأنها بأيدي سفراء، كرام على الله، بررة، أمناء مخلصون لله مطيعون له، قال تعالى: { بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } ، وقال: { لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } ، وقال: { وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } ، وقال: { وَمَنْ عِندَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ } .
سابعًا: التنبيه على تكريم القرآن واحترامه وإبعاد الصحف والكتب التي فيها شيء منه، وطمس ما حولها من الصور، قال تعالى: { فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ المُطَهَّرُونَ } ، وقال: { فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ } ، وقال تعالى: { وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } ، وقال تعالى: { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ } الآية.
ثامنًا: دليل على وجوب الإيمان بالقرآن، وتلقيه بالقبول والعمل به.
2210- 2217- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:(3/415)
أولاً: التنديد بالإنسان الذي يجحد الله ويتمرد على أوامره ولا يقوم بما أوجبه الله عليه والتقبيح والتشنيع لأمر هذا الكافر، قال تعالى: { قُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ } .
ثانيًا: التعجب من شدة كفره، وبيان ضلاله مع كثرة أدلة التوحيد والإيمان.
ثالثًا: لفت نظر الإنسان إلى ما خلق منه؛ ليكف عن طغيانه، قال تعالى: { مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ } ، وقال تعالى: { أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ } ، وقال تعالى: { كَلاَّ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ } ، وقال تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ } ، وقال تعالى: { أَوَ لَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } ، وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ البَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ } الآية.(3/416)
رابعًا: بيان أن الله جل وعلا بين لعباده الصراط المستقيم، ويسر لهم سلوكه وأوجد فيهم قابلية القدرة على هذا السلوك، ووهبه العقل الذي يميز به بين الأعمال، ويعرف به ما يضره وما ينفعه وعرفه عاقبة كل عمل ونتيجته، وبعث إليه الرسل مبشرين ومنذرين، وأنزل معهم الكتب المشتملة على الحكم والمواعظ والدعوة إلى البر والتقوى والتحذير من الشر ووسائله وأهله، قال تعالى: { ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ } ، وقال تعالى: { وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } ، وقال: { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } .
خامسًا: التنبيه على ما أكرم الله به الإنسان بأن جعل له قبرًا، وأمر أن يقبر فيه، ولم يجعله مما يلقى على الأرض عرضة لأكل السباع والطير، قال تعالى: { ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ } ، وقال تعالى: { أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا } ، وقال: { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ } ، وقال: { وَاللَّهُ أَنْبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا } .
سادسًا: التنبيه على أن الإنسان ليس مهملاً، ولا متروكًا سدى، ولا ذاهبًا بلا حساب ولا جزاء.
سابعًا: الحث على الاستعداد والتهيؤ للبعث والنشور، قال تعالى: { ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ } ، وقال: { أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى } ، وقال: { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } .
ثامنًا: بيان أن الإنسان مقصر لم يؤد واجبه، ولم يذكر أصله ونشأته حق الذكرى، ولم يشكر خالقه ورازقه وهاديه، وكافله حق الشكر، ولم يقض هذه الرحلة على الأرض في الاستعداد التام ليوم البعث والنشور والحساب والجزاء على الأعمال، قال تعالى: { كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ } .
2218- 2229- من هدي القرآن للتي هي أقوم:(3/417)
أولاً: الأمر بالنظر والتفكر فيما يتمتع به الإنسان مما يسره الله له من أسباب الغذاء المتنوع وتدبيره وتهيئته حتى يكون غذاء صالحًا تقوم به بنيته، ويجد في تناوله لذة تدفعه إليه؛ ليحفظ بذلك قوته مدى الحياة التي قدرت له.
ثانيًا: تفصيل ذلك وبيانه من ذلك إنزال الماء من السماء.
ثالثًا: شق الأرض شقًا واضحًا مشاهدًا ليدخل الهواء، والضياء في جوفها ويهيئانها لتغذية النبات.
رابعًا: ذكر ثمانية أنواع من أنواع النبات: أولاً: الحب كالبر، والحنطة، والشعير، والأرز. ثانيًا: العنب، وهو من وجه غذاء، ومن وجه فاكهة. ثالثًا: القضب، وهو القت تعلف به الدواب. رابعًا: الزيتون. خامسًا: النخل. سادسًا: بساتين ذات أشجار ضخمة. سابعًا: فاكهة يتفكه بها الإنسان ويتمتع بلذاتها كالتين والتفاح والخوخ. ثامنًا: الأب، وهو الكلأ والمرعى مما تأكله الأنعام.
الثاني عشر: الحكمة في خلق هذه الأشياء.
قال الله جل وعلا وتقدس: { فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا المَاءَ صَبًا * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًا * مَتَاعًا لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ } .
2230- 2233- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: الإنذار بيوم القيامة والوصف لهوله وشدائده وكروبه التي تحفز اللبيب إلى الاستعداد له وأخذ الحذر من الذنوب.
ثانيًا: بيان أن المرء في ذلك اليوم لا يهمه إلا نفسه وعنده من الهم الخاص به، والغم المحيط به ما لا يدع له فضله من وعي أو جهد لما يرى من الأهوال والمزعجات وشدة الحاجة إلى صالح الأعمال.(3/418)
ثالثًا: بيان أن المرء يفر وينسلخ من ألصق الناس به، قال تعالى: { فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } .
رابعًا: بيان أن الناس ينقسمون إلى قسمين: سعداء فرحون، مغتبطون، يستبشرون، وجوههم مشرقة مضيئة، قد ظهر فيها السرور والبهجة، لما عرفوا من نجاتهم وفوزهم بما أعد الله لهم من النعيم المقيم، والعيش السليم في جنات النعيم، والقسم الثاني: وهم الأشقياء، فتعلو وجوههم غبرة الحزن والحسرة، والندامة، ويغشاها سواد الذل والهوان والانقباض، قد أيست من كل خير، وعرفت شقاءها، وهلاكها وأيقنت بالخسران المبين، قال تعالى: { وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أَوْلَئِكَ هُمُ الكَفَرَةُ الفَجَرَةُ } ، وقال تعالى: { وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ } ، وقال تعالى في حق السعداء: { فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ اليَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا } ، وقال تعالى: { تَعْرِفُ فِي وَجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ } ، وقال في الكفرة: { وَيَوْمَ القِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وَجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ } ، وقال تعالى: { يَوْمَ تَبْيَضُّ وَجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وَجُوهٌ } الآية.
2234- 2241- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: الإخبار عن القيامة ومقدماتها وشدائدها وكروبها وأهوالها ومزعجاتها.
ثانيًا: بيان أنه في ذلك اليوم تكور الشمس –يجمع بعضها إلى بعض.(3/419)
ثالثًا: بيان أن الكواكب تتناثر، قال تعالى: { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ } ، وقال: { وَإِذَا الكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ } .
رابعًا: أن الجبال تقلع وتزال عن أماكنها، قال تعالى: { وَإِذَا الجِبَالُ نُسِفَتْ } ، وقال: { وَإِذَا الجِبَالُ سُيِّرَتْ } ، وقال تعالى: { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً } ، وقال: { وَتَرَى الجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ } .
خامسًا: أن العشار تعطل ومثلها نفائس الأموال تهمل، ولم يعن بشأنها لشدة الخطب، وفداحة الهول؛ لأنه اشتغل بنفسه عن كل شيء، قال تعالى: { لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } ، وقال تعالى: { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } .
خامسًا: الإخبار بأن الوحوش النافرة تنزوي وتتجمع من شدة الهول والرعب الذي أنساها مأواها ومخاوف بعضها من بعض، فما ظنك ببني آدم!!
قال تعالى: { وَإِذَا الوُحُوشُ حُشِرَتْ } .
سادسًا: الإخبار بأن البحار توقد، فتصير نارًا تتوقد، قال تعالى: { وَإِذَا البِحَارُ سُجِّرَتْ } .
سابعًا: الإخبار بأن الأرواح تقرن بأجسادها بعد إعادة نشأتها، قال تعالى: { وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } .
ثامنًا: الإيماء إلى أن النفوس كانت باقية من حين الموت إلى حين المعاد، وتزويجها قرنها بأجسادها.
تاسعًا: التقريع والتوبيخ للوائدين للبنات.
عاشرًا: الإخبار بأن الجارية المدفونة حية، تسأل، قال تعالى: { وَإِذَا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ } .
2242- 2248- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:(3/420)
أولاً: الإخبار بأن صحف الأعمال تنشر؛ ليقرأ كل إنسان كتابه، ويعرف عمله وحسابه، قال تعالى: { وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ } ، وقال تعالى: { وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } .
ثانيًا: الإخبار بأن السماء تكشط وتنشق وتطوى، قال تعالى: { يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ } ، وقال تعالى: { وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ } ، وقال: { إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ } .
ثالثًا: أن الجحيم تبرز وتسعر وقرب لأعداء الله، قال تعالى: { وَإِذَا الجَحِيمُ سُعِّرَتْ } ، وقال تعالى: { وَبُرِّزَتِ الجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ } ، وقال تعالى: { وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى } .
رابعًا: أن الجنة تزلف، تدني وتقرب وتهيئ لنزول أولياء الله، قال الله جل وعلا: { وَإِذَا الجَنَّةُ أُزْلِفَتْ } ، وقال: { وَأُزْلِفَتِ الجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ } .
خامسًا: الإخبار بأنه إذا وجدت هذه الأشياء، تجد كل نفس ما عملت من عمل من خير أو شر، فيرى كل امرئ نتيجة عمله وعاقبة ما قدم بين يديه، قال الله جل وعلا وتقدس: { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ } ، تعلم وهي لا تملك أن تغير شيئًا مما أحضرت ولا أن تزيد عليه ولا أن تنقص منه، قال الله جل وعلا وتقدس: { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا } ، وقال تعالى: { يَوْمَ يَنظُرُ المَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } .(3/421)
سادسًا: الحث على الاستعداد لذلك بما يقرب إلى الله والدار الآخرة، قال الله جل وعلا وتقدس: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } ، وقال تعالى: { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } ، وقال تعالى: { وَاتَّقُوا يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } ، وقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ } ، وقال تعالى: { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } ، وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا } .
2249- 2254- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: بيان أن الله جل وعلا وتقدس أقسم بالخنس الجواري الكنس، والليل إذا عسعس، والصبح إن تنفس، أن القرآن الكريم قول رسول كريم على ربه، وهو جبريل –عليه السلام-، وهو كلام الله تكلم به حقيقة وإضافته إلى جبريل إضافة أداء وتبليغ.(3/422)
قال تعالى: { وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ } ، وقال: { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ } ، وقال تعالى: { حم * تَنزِيلُ الكِتَابِ مِنَ اللَّهِ العَزِيزِ العَلِيمِ } ، وقال تعالى: { حم * تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } ، وقال تعالى: { حم * تَنزِيلُ الكِتَابِ مِنَ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ } ، وقال تعالى: { يس * وَالْقُرْآنِ الحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * تَنزِيلَ العَزِيزِ الرَّحِيمِ } ، وقال جل وعلا وتقدس: { الم * تَنزِيلُ الكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ العَالَمِينَ } .
وقد وصف جبريل –عليه السلام- بخمسة أوصاف:
أولاً: أنه كريم لكرم أخلاقه وخصاله الحميدة، فإنه أفضل الملائكة وأعظمهم رتبة عند ربه.
ثانيًا: ذي قوة شديدة الخلق، شديدة البطش والفعل، ومن قوته أنه اقتلع قرى اللوطية وقلبها عليهم، قال تعالى: { عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى } .
ثالثًا: أن له مكانة عند الله عز وجل ومنزلة رفيعة.
رابعًا: أنه مطاع في الملأ الأعلى؛ لأنه من الملائكة المقربين.
خامسًا: أنه أمين على وحي ربه ورسالاته.
سادسًا: أن هذه الصفات في مجموعها تدل على شرف هذا القرآن، وسموه وكثرة خيره ومنافعه وفوائده.
2255- 2263- من هدي القرآن للتي هي أقوم:(3/423)
أولاً: الإخبار بأن الله جل وعلا نفى عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - ما يقوله الأعداء من أنه مجنون، قال تعالى: { قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ } ، وقال تعالى: { وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ } ، وقال تعالى: { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ } ، وقال تعالى: { مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ } ، وقال تعالى: { ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ } .
ثانيًا: أن في التعبير { بِصَاحِبِكُم } استدلال عليهم وإقامة للحجة على كذبهم ودعواهم، فإنه إذا كان صاحبهم، وكانوا قد خالطوه، وعاشروه، وعرفوا عنه ما لم يعرفه سواهم، من استقامة، وصدق لهجة، ووفاء بوعد، وكمال عقل، وأمانة، وعدل، وإنصاف، ووفور حلم، وجود، وكرم أخلاق، وتفوق على جميع الأقران، والأنداد، والأتراب في صفات الخير، لم يكن ادعاؤهم عليه ما يناقض ذلك إلا منكرًا من القول وزورًا.
ثالثًا: دليل على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يقوله.
رابعًا: الإخبار بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس متهمًا في أمانته، وغير مخف شيئًا رآه وسمعه وعرفه.
خامسًا: الإخبار بأن القرآن ليس بقول شيطان، ولا كاهن ولا ساحر، ولا شاعر، قال الله جل وعلا: { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } ، وقال تعالى: { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ } ، وقال تعالى: { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ * وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ العَالَمِينَ } .
2264- 2269- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: الإنذار بالبعث وهول مشاهده.(3/424)
ثانيًا: ذكر أمور تحدث وهي مقدمة ليوم العرض والحساب والجزاء على الأعمال، منها أمران علويان، هما: انفطار السماء وانتثار الكواكب، وأمران سفليان، هما: تفجير البحار وبعثرة القبور.
ثالثًا: الإخبار بأنه في ذلك اليوم تتجلى للنفوس أعمالها على حقيقتها، فيذكر ويعلم كل إنسان ما صدر منه من الأعمال، صغيرها وكبيرها، سرها وعلنها، متقدمها ومتأخرها، قال الله جل وعلا وتقدس: { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ } ، وقال تعالى: { يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } ، وقال تعالى: { وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا } ، وقال: { ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ القِيَامَةِ } .
ثالثًا: أن في ذكر ما تقدم زجر عن المعاصي.
رابعًا: أن فيه ترغيب في الطاعة.
خامسًا: توجيه الخطاب للإنسان بأسلوب التذكير، وبصيغة الاستفهام الإنكاري عما دعاه إلى مخالفة خالقه، وتمديه في فجوره وطغيانه، واسترساله مع دواعي النفس الأمارة بالسوء.
سادسًا: الحث على شكر الله وحمده الذي خلق الإنسان وسوى أعضاءه، وجعله معتدل القامة متناسب الخلق على أحسن صورة، ووهبه من المواهب ما ميزه على غيره، وكمله بالعقل، والفهم، والتدبر في عواقب الأمور ومصائرها، قال الله جل وعلا وتقدس: { لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } ، وقال تعالى: { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } ، وقال: { يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ } ، وقال تعالى: { قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } ، وقال تعالى: { أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ } .
2270- 2277- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:(3/425)
أولاً: التحذير من التكذيب بالبعث والنشور والحساب على الأعمال، قال الله جل وعلا: { كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ } ، وقال تعالى: { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } .
ثانيًا: بيان أن الحامل لهم على مواجهة الكريم ومقابلته بالمعاصي تكذيبهم في قلوبهم بالمعاد، والجزاء، والحساب.
ثالثًا: توكيد في معرض الإنذار بأن الله قد جعل عليهم من يحصي ويحفظ كل ما يصدر منهم ويسجله عليهم من كتاب الله الكرام الذين يفعلون ما يؤمرون، قال تعالى: { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } ، وقال تعالى: { إِذْ يَتَلَقَّى المُتَلَقِّيَانِ عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } ، وقال تعالى: { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } .
رابعًا: بيان مصير الناس يوم الجزاء وإنذار بخطورته، فالأبرار القائمون حقوق الله وحقوق عباده الملازمون للبر في أعمال القلوب وأعمال الجوارح في جنات النعيم، وأما الفجار فهم الكفار المكذبون لله ورسله ومصيرهم الجحيم يصلونها يوم الدين.
خامسًا: تفخيم يوم الدين وتهويل أمره.
سادسًا: توكيد ذلك وتعظيمه، قال تعالى: { وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ } .
سابعًا: بيان أن الأمر لله وحده، فلا يقدر أحد على نفع أحد ولا خلاصه مما هو فيه إلا أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى، قال الله تعالى: { يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ } ، وقال تعالى: { وَاتَّقُوا يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا } .(3/426)
2278- 2289- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: التقريع والوعيد الشديد للمطففين.
ثانيًا: تفسير المطففين.
ثالثًا: بيان عملهم الذي استحقوا عليهم الوعيد.
هم الذين إذا اشتروا لأنفسهم كالوا ما اشتروه أو وزنوه أخذوه وافيًا، وإذا باعوا على الغير طففوا، وكالوا ناقصًا، ووزنوا ناقصًا ليضمنوا لأنفسهم الربح في الحالتين على حساب ضرر الآخرين.
رابعًا: الإنذار والتخويف والتعجب من حالهم في الاجتراء على ذلك.
خامسًا: بيان الحامل لهم على التطفيف، و هو عدم إيمانهم باليوم الآخر، قال الله جل وعلا وتقدس: { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوَهُمْ أَو وَزَنُوَهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلاَ يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ } .
سادسًا: وصف ذلك اليوم بالعظم لكونه زمانًا لتلك الأمور العظائم من البعث والنشر، والحشر، والحساب، والصراط، والميزان، والجزاء على الأعمال، والجنة، والنار.
سابعًا: التحذير من التطفيف والبخس، قال تعالى: { أَوْفُوا الكَيْلَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ المُخْسِرِينَ * وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ المُسْتَقِيمِ * وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ } ، وقال: { وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا المِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ } .
ثامنًا: الحث على الارتداع والازدجار عن التطفيف، وعن التكذيب والغفلة عن يوم الحساب.
تاسعًا: ذكر محل كتاب الفجار وأنه في سجين، قال تعالى: { كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ } .
عاشرًا: ذكر ما يدل على تعظيمه وتهويله، قال تعالى: { وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ } .
حادي عشر: بيان ذلك، وأنه كتاب معلوم فيه ما يسوءهم فيه أعمالهم الخبيثة.(3/427)
ثاني عشر: التهديد لمن كذب بالبعث والجزاء على الأعمال، قال تعالى: { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ } ، وقال تعالى: { بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا } .
2290- 2297- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: بيان صفات من يكذب بيوم الدين، وأنه كل معتد – متجاوز للحق إلى الباطل كثير الإثم مبالغ في ارتكابه.
ثانيًا: أن من صفاته أنه إذا قرئ عليه القرآن، قال: { أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ } ، قال تعالى: { وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ } ، قال تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا * وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا } .
ثالثًا: بيان السبب الذي جرأهم على قولهم بأن القرآن أساطير الأولين هو أنه كثرت منهم المعاصي والذنوب، فمرنوا عليها فأحاطت بقلوبهم، فذلك الرين عليها فالتبست عليهم الأمور، ولم يدركوا الفرق بين الكذب الفاضح والصدق الواضح، والدليل اللائح.
رابعًا: الترهيب من الذنوب، فإنها ترين على القلب وتغطي شيئًا فشيئًا حتى ينطمس نوره وتعمى بصيرته، فتنقلب عليه الحقائق، فيرى الباطل حقًا، والحق باطلاً.
خامسًا: بيان أن الموصوفين بالكفر والفجور ومحجوبون يوم القيامة عن رؤية ربهم، قال تعالى: { كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } .(3/428)
سادسًا: الدليل على أن الله عز وجل يُرى في القيامة، يراه المؤمنون، قال تعالى: { وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } .
سابعًا: زيادة عقوبة للفجار، فبعد أن حجبوا من رؤية ربهم لازموا الجحيم فلا يغيبون عنها.
ثامنًا: التبكيت والتوبيخ، قال تعالى: { ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ } ، وقال: { ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الكَرِيمُ * إِنَّ هَذَا مَا كُنتُم بِهِ تَمْتَرُونَ } ، وقال تعالى: { ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } .
2298- 2309- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: الإخبار بأن كتاب أعمال الأبرار صحائف حسناتهم في أعلى الأمكنة.
ثانيًا: الإخبار بأن الملائكة المقربون يشهدون ويحضرون ذلك الكتاب، تشريفًا لهم، وتعظيمًا لشأنهم، كما أن الغرض - والله أعلم - من وضع كتاب الفجار في أسفل سافلين إهانتهم وإذلالهم وتحقير شأنهم، وبيان أنه لا يؤبه بهم ولا يعنى بأمرهم.
ثالثًا: تعظيم شأن عليين وتفخيم أمره، قال تعالى: { كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ المُقَرَّبُونَ } .
رابعًا: بيان حال الأبرار، وهم المطيعون لله، وأنهم في نعيم عظيم لا يقادر قدره نعيم للروح والقلب والبدن.
خامسًا: بيان أوصاف هذا النعيم وتفخيم شأنه من ذلك أنهم يجلسون على الأسرة.
سادسًا: أنهم ينظرون إلى الله عز وجل وتقدس، وينظرون إلى ما أعد الله لهم من النعيم، قال الله جل وعلا وتقدس: { إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ } .(3/429)
سابعًا: التنبيه على تبيين أثر هذا النعيم على أهل الجنة، قال تعالى: { تَعْرِفُ فِي وَجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ } ، وقال تعالى: { وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا } ، وقال: { وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ } ، وقال تعالى: { وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ } .
ثامنًا: بيان شرابهم، وأنه من خمر خالص جيد مصفى لا غش فيه ولا كدرة، لا غول فيها ولا هم عنها ينزفون، قال تعالى: { وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ } ، وقال تعالى: { يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ * بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ * لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ } ، وقال تعالى: { يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ } .
تاسعًا: بيان أن الأواني مختومة بختام من مسك، قال تعالى: { يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ } .
عاشرًا: التنويه بالمؤمنين الذين استحقوا هذه الدرجة من النعيم والتكريم.
حادي عشر: الترغيب والحث على العمل الصالح للحصُول على هذا التكريم والنعيم الدائم المقيم والفضل العميم، قال الله جل وعلا وتقدس: { إِنَّ هَذَا لَهُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ * لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ العَامِلُونَ } ، وقال تعالى: { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ } .
ثان عشر: الإيماء إلى أن التنافس يجب أن يكون في ذلك النعيم العظيم الدائم، لا في النعيم الذي يشوبه الكدر والمنغصات، وهو سريع الفناء والزوال.
ثالث عشر: بيان صفة أخرى للرحيق شراب الأبرار، وهو أن شرابهم يمزج من عين يقال لها تسنيم؛ لأنها مرتفعة حسًا ومعنىً، وهو أشرف شراب أهل الجنة وأعلاه، يشربها المقربون صرفًا، وتخلط لأصحاب اليمين، قال تعالى: { وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا المُقَرَّبُونَ } .(3/430)
2310، 2311- أولاً: ذكر موقف من مواقف الكفار من المؤمنين في الدنيا، وذلك أنهم كانوا إذا مر بهم المؤمنون يتغامزون ويسخرون منهم، ويرمونهم بالضلال ويعيرونهم بالإسلام ويعيبونهم به إزدراءًا واحتقارًا وحسدًا، مع أنهم ليسوا وكلاء عليهم ولا حفاظًا، وإذا عاد المجرمون إلى أهلهم من مجالس فسقهم إلى بني جلدتهم وأشياعهم من أهل الشرك والضلال رجعوا معجبين بما فعلوا من عيبهم على أهل الإيمان ورميهم بالسخف، وقلة العقل، ونحو ذلك.
قال الله جل وعلا وتقدس: { إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ } ، قال تعالى: { إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوَهُمْ سِخْرِيًا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ اليَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الفَائِزُونَ } .
ثانيًا: ذكر موقف من مواقف المؤمنين من الكفار في الآخرة، وذلك حين يفوز المؤمنون بالعاقبة الحميدة والحياة السعيدة، يضحكون من الكفار المغرورين الجحدة حين يرونهم أذلاء مغلوبين قد نزل بهم من العذاب ما نزل، فهم في غمراته يتقلبون، قال تعالى: { فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } .
2312- 2321- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: ذكر بعض علامات القيامة وأهوالها من ذلك: أن السماء تنشق انقيادًا لأمر ربها، وأداء لما عليها من حق الطاعة.(3/431)
ثانيًا: أن الأرض تمد وتبسط حتى تكون قاعًا صفصفًا لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا.
ثالثًا: أنها تنفتح عما في باطنها من الأموات والكنوز، وتقذف به إلى سطحها وتتخلى عنها انقيادًا لأمر ربها.
قال الله جل وعلا وتقدس: { إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ } ، وقال جل وعلا وتقدس: { وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا } .
رابعًا: خطاب للإنسان في صدد مصائر الناس يوم القيامة، فكل إنسان عامل ساع إلى ربه وملاق عند ربه نتيجة سعيه، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ } .
خامسًا: بيان أن الناس ينقسمون إلى قسمين: قسم يعطي كتاب عمله بيمينه، وهؤلاء هم أهل السعادة، ويكون حسابهم يسيرًا ويعودون إلى أهاليهم راضين مسرورين مبتهجين، قال الله جل وعلا وتقدس: { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا } ، وقال تعالى: { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الخَالِيَةِ } .
وأما القسم الثاني: وهم أهل الشقاوة، فيعطون كتبهم بشمائلهم أو من وراء ظهورهم وإعطاؤهم على هذا الوجه علامة أنهم من أهل النار ويتمنون الموت وهيهات، ويندبون حظوظهم ويصلون النار المستعرة.
سادسًا: بيان الأسباب التي استحق بها العذاب، فأولاً: أنه كان في حياته الدنيا فرحًا بطرًا مغرورًا بماله من قوة، ومال، وجاه، وما كان يتمتع به من النعم وهدوء البال.(3/432)
ثانيًا: وهو السابع لما تقدم، { أَن لَّن يَحُورَ } أي غير حاسب لحساب الآخرة، لا يفكر فيها؛ لأنه موقنًا بعدم البعث بعد الموت، ومن ثم أبدله الله بهذا النعيم الزائل العذاب الذي لا ينقطع والآلام التي لا تنفد.
قال تعالى: { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ } إلى قوله: { لاَ يَأْكُلُهُ إِلاَّ الخَاطِئُونَ } .
ثامنًا: الرد على منكري البعث.
تاسعًا: الحث على مقام المراقبة.
عاشرًا: بيان أن الإنسان مهملاً، قال تعالى: { بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا } ، وقال تعالى: { أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى } ، وقال تعالى: { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } .
2322- 2329- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:(3/433)
أولاً: ذكر أقسام ربانية في معرض التوكيد بالشفق، وهو الحمرة التي تبقى بعد غرو الشمس، وبالليل وما وسق، جمع وضم وبالقمر إذا اتسق، اجتمع واستوى وتكامل نوره، جواب القسم { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ } حالاً بعد حال، وأمرًا بعد أمر، وطورًا بعد طور، قال تعالى: { فَلاَ أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ * لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ } ، وقال تعالى: { مَا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا } ، وقال تعالى: { هَوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا } ، وقال تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ } .
ثانيًا: الاستفهام الإنكاري على من لم يؤمنوا بالله ورسله، واليوم الآخر، وقد وضحت الأدلة على ذلك، فأي مانع وأي عذر في ترك ذلك.
ثالثًا: التعجب من أمر الذين لا يؤمنون ومن عدم تأثرهم بالقرآن والسجود لله حينما يسمعون آياته البليغة وعظاته المؤثرة، قال تعالى: { فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ القُرْآنُ لاَ يَسْجُدُونَ } .
رابعًا: تقرير لحقيقة أمرهم، والباعث لهم على ذلك، وهو تكذيبهم بالبعث والحساب، قال تعالى: { بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ } .(3/434)
خامسًا: الإخبار بأن الله مطلع على ما في القلوب يعلم جل وعلا ما يجمعون في صدورهم وما يضمرون في قلوبهم من التكذيب والشرك، قال تعالى: { وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ } ، وقال: { وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ } .
سادسًا: أمر للنبي - صلى الله عليه وسلم - بتبشيرهم بالعذاب الأليم.
سابعًا: استثناء المؤمنين من جملة المخاطبين حيث يكون لهم أجر عند الله غير منقطع، قال تعالى: { إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } .
ثامنًا: الترغيب في الطاعة والزجر عن المعصية.
2330- 2339- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: ذكر قسم رباني بالسماء ذات البروج: هي النجوم، أو منازل الاثنى عشر كوكبًا المعروفة، وباليوم الموعود: وهو يوم القيامة، وبشاهد: وهو يوم الجمعة، ومشهود: يوم عرفة، جواب القسم، قوله: { قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ } أي لعن أصحاب الأخدود، والأخدود: الشق في الأرض يحفر مستطيلاً، وجمعه أخاديد، وقصة أصحاب الأخدود طويلة مشهورة.
ثانيًا: أن في قصة أصحاب الأخدود عظة واعتبارًا، وتذكيرًا بعذاب الآخرة، وزجرًا وردعًا للطغاة العتاة الذين يذيقون المؤمنين أنواع العذاب، ... قال تعالى: { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ البُرُوجِ * وَالْيَوْمِ المَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ } .
ثالثًا: الإيماء إلى قسوة قلوبهم وشراسة أخلاقهم، وخلو قلوبهم من الرحمة، قال الله جل وعلا وتقدس: { النَّارِ ذَاتِ الوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ } .
رابعًا: الإشارة إلى قوة اصطبار المؤمنين وشدة جلدهم، ورباطة جأشهم، واستمساكهم بدينهم، وتمكن عقيدتهم.(3/435)
خامسًا: بيان السبب الذي من أجله حرق الطغاة المؤمنين، وهو أنه لم يكن لهم ذنب يغضبهم عليهم إلا أنهم آمنوا بالله وحده، وهذا يجب على كل أحد أن يكون عليه، ويدعو غيره إلى التمسك به، وهو الإيمان بالله العزيز الحميد.
سادسًا: تأكيد استحقاقه للعزة، قال تعالى: { وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } ، وقال تعالى: { فَإِنَّ العِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } .
سابعًا: الدليل على أنه تعالى لو شاء منع بعزته وقوته وجبروته وقهره الجبابرة العتاة الطغاة عن إيذاء المؤمنين، وأنه إن أمهل الظلمة الفجرة المجرمين عن العقاب في الدنيا، فهو لم يهملهم، بل أجل عقابهم ليوم تشخص فيه الأبصار، قال تعالى: { وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لُهُمْ خَيْرٌ لأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } ، وقال تعالى: { وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } .
ثامنًا: بيان ما أعد للكافرين من العذاب الأليم جزاء ما اجترحت أيديهم من السيئات التي منها: إيذاء المؤمنين.
تاسعًا: التحذير والإنذار للذين يضطهدون المؤمنين والمؤمنات المتبعين لكتاب الله وسُّنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ويرغمونهم على الارتداد عن الإسلام وتهديدًا لهم بنار جهنم المحرقة إذا لم يكفوا، ويرجعوا عن ظلمهم وغيهم وطغيانهم، قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الحَرِيقِ } ، وقال: { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا } .(3/436)
عاشرًا: بيان ما أعد الله للمؤمنين من جميل الثواب، وجزيل العطاء، قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الفَوْزُ الكَبِيرُ } ، وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الفِرْدَوْسِ نُزُلاً } .
2340- 2346- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: الإخبار بأن انتقام الله من الجبابرة والظلمة والطغاة، وأخذه إياهم بالعقوبة، لهو الغاية في الشدة والنهاية، قال تعالى: { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } ، وقال تعالى: { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } ، وقال تعالى: { وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ العَذَابُ الأَلِيمُ } ، وقال تعالى: { لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ } .
ثانيًا: التخويف والإرهاب الشديد للكفار.
ثالثًا: التسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولمن معه من المؤمنين.
رابعًا: إرشاد العباد إلى أن الله هو الذي يبدؤ الخلق ثم يعيده، قال تعالى: { إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ } .
خامسًا: ذكر أربع صفات لله: أولاً: أن الغفور لمن يتوب ويرجع إليه، قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا } ، وقال تعالى: { غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ } الآية، وقال: { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ } . ثانيًا: الإخبار بأنه الودود، يحب المؤمنين ويحبونه محبة لا يعادلها شيء. ثالثًا: أنه صاحب العرش العظيم. رابعًا: أنه فعال لما يريد مهما أراد فعله لا راد لفعله، ولا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل لعظمته وقدرته وقهره وعدله، قال تعالى: { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } .(3/437)
عاشرًا: تذكير آخر بما كان من مواقف فرعون وثمود وجموعهم المجندة وتمردهم ونكال الله فيهم، وما أحل بهم من البأس، وأنزل بهم من النقمة التي لم يردها عنهم أحد، وهذا تقرير؛ لقوله تعالى: { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } .
حادي عشر: أن في ذلك عبرة وعظة كيف كذبوا الرسل، وكيف حل بهم العذاب؟ وكيف صبر الرسل؟ وكيف نصروا؟
ثاني عشر: التسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين، قال تعالى: { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ } .
ثالث عشر: الوعيد الشديد للكفار ممن هم في قبضته وتحت قهره.
رابع عشر: دليل على أن الكفار في كل عصر متشابهون، وأن حالهم مع أنبيائهم لا تتغير ولا تتبدل، فهم في عنادهم واستكبارهم سواسية كأسنان المشط، فقوم الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليسوا ببدع في الأمم، فقد سبقتهم أمم وحل بهم من النكال ما فيه عبرة لمعتبر، قال الله جل وعلا وتقدس: { بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ } .
خامس عشر: إثبات قدرة الله وعلمه وإحاطته، قال تعالى: { لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } ، وقال تعالى: { أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ } .
سادس عشر: الرد على من كذب بالقرآن أو ادعى أنه أساطير الأولين.(3/438)
سابع عشر: الإخبار بأن القرآن عظيم كريم شريف رفيع القدر، وسيع المعاني عظيمها كثير الخير والبركة، وهل أمجد وأرفع وأشرف وأعرق من قول الله العلي العظيم، قال تعالى: { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ } ، وقال: { وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } ، وقال تعالى: { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ } ، وقال تعالى: { فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ } ، وقال تعالى: { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ } الآية، وقال تعالى: { لاَ يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } ، وقال تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } .
2347- 2358- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: بيان أن الله تبارك وتعالى أقسم بالسماء وما فيها من الكواكب المنيرة أن النفوس لم تترك سدى ولم ترسل مهملة، بل كل نفس عليها حافظ من ربها يحفظ عملها، ويحصى عليها ما تكسب من خير وشر، قال تعالى: { وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ * إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } .
ثانيًا: أن في قوله: { وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ } تفخيم وتعظيم لشأنه بعد الإقسام به.
ثالثًا: أن في ذلك توجيه ولفت لأنظار الناس إلى التفكر في خلق السماء، وما فيها من النجوم والشمس والقمر؛ لأن في أحوالها وأشكالها وسيرها المتزن، وفي مطالعها ومغاربها عجائب وغرائب تدل من يتدبر ويتفكر فيها بأن لها خالقًا مدبرًا حكيًا عليمًا خبيرًا سميعًا بصيرًا قويًا، يقوم بشئونها ويحصي أمرها، ليس له مشارك ولا مساعد في هذا الإبداع والصنع.(3/439)
رابعًا: إن في هذا وعيد للكافرين وتسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فإنه قد أحصى على الكافرين أعمالهم وسيجازيهم عليها بما يستحقون.
خامسًا: الحث على مقام المراقبة، وعلى محاسبة النفس وحملها على الطاعات.
سادسًا: لفت نظر الإنسان إلى التدبر والتفكر والتبصر والاستدلال؛ ليعرف أن الذي ابتدأ خلقه من نطفة قادر على إعادته.
سابعًا: وصف ذلك الماء الدافق، وأنه يخرج من بين الصلب والترائب من صلب الرجل، وترائب المرأة.
ثامنًا: الإخبار بأن الذي قدر على خلق الإنسان ابتداءً من هذه المادة قادر على إعادته إلى الحياة بعد الموت تشهد النشأة الأولى بقدرته كما تشهد بتقديره وتدبيره، قال تعالى: { إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ } ، وقال: { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } ، وقال تعالى: { قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ } .
تاسعًا: بيان وقت الرجع، وهو يوم القيامة، يوم تنكشف فيه السرائر، وتتضح فيه مخبآت الضمائر، ويتميز الطيب من الخبيث.
عاشرًا: الإخبار بأن الإنسان في ذلك اليوم يتجرد من كل قوة ومن كل ناصر، قال تعالى: { يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ } .
حادي عشر: قسم آخر بالسماء والأرض بأن القرآن قول فصل، حق وصدق لا مجال للريب فيه، وهو جد لا هزل فيه، ولا عبث.(3/440)
ثاني عشر: الإشارة إلى موقف الكفار وما يدبرونه للمؤمنين من الأذى والإعراض وما تحويه صدورهم من غل وأن الله لهم بالمرصاد، قال تعالى: { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ * إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ * إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا } ، وقال تعالى: { وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } ، وقال تعالى: { فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } .
2359- 2368- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: الأمر بتسبيح الله المتضمن لذكره وعبادته، والخضوع لجلاله، والاستكانة لعظمته.
ثانيًا: إرشاد العباد إلى علو الله على خلقه، قال تعالى: { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى } ، وقال تعالى: { وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ } ، وقال تعالى: { وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } ، وقال تعالى: { رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ } ، وقال تعالى: { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ } .
ثالثًا: إرشاد العباد إلى قدرة الله وحكمته الذي خلق كل شيء فسواه، فأكمل صنعته، وبلغ به غايته الكمال الذي يناسبه.
رابعًا: أن في هذا دلالة واضحة على أنها صادرة عن عالم حكيم مدبر أحسن تدبير، قال تعالى: { الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى } .(3/441)
خامسًا: الإخبار بأن الله قدر قدرًا، فهدى الخلق إليه، قال تعالى: { الَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى } ، وقال تعالى: { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا } ، وقال تعالى إخبارًا عن موسى أنه قال لفرعون: { رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } ، قدر لكل مخلوق وظيفته وطريقه وغايته، فهداه لما خلق لأجله، وقدر له ما يصلحه مدة بقائه وهداه إليه، وأرشده إلى الانتفاع به حتى إنه سبحانه هدى الطفل إلى ثدي أمه، وهدى الفرخ إلى طلب الرزق من أبيه وأمه، والدواب والطيور، لا إله إلا هو الحكيم اللطيف الخبير الذي قدر فهدى.
سادسًا: دليل على البعث، وذلك بإنبات النبات من الأرض لمنافع الحيوان وأقواتهم، قال تعالى: { وَالَّذِي أَخْرَجَ المَرْعَى } .
سابعًا: التنبيه على ذهاب الدنيا بعد نضارتها، قال تعالى: { فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى } ، وقال: { فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ } .
ثامنًا: بيان لفضيلة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإخبار أنه مع كونه أميًا كان يحفظ القرآن، وإن جبريل –عليه السلام- كان يقرأ عليه سورة طويلة فيحفظها بمرة واحدة، ثم لا ينساها إلا ما شاء الله مما اقتضت حكمته أن ينسيه إياها لمصلحة وحكمة بالغة، قال الله جل وعلا وتقدس: { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى * إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ } ، وقال تعالى: { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } .
تاسعًا: البشارة العظيمة أن الله ييسر رسوله - صلى الله عليه وسلم - لليسرى في جميع أموره، ويجعل شرعه ودينه يسيرًا، قال الله جل وعلا وتقدس: { وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى } .(3/442)
عاشرًا: الدليل على سماحة الشريعة المحمدية، قال تعالى: { مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } ، وقال تعالى: { يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ } ، وقال: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } ، وقال تعالى: { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } .
2369- 2379- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: الأمر بتذكير العباد ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وتنبيههم من غفلاتهم، وتوجيههم إلى ما فيه الخير والصلاح.
ثانيًا: تقرير بأن الناس إزاء الذكرى فريقان، تقي صالح يخشى الله فيزداد بالموعظة والتذكير خشية وصلاحًا، والثاني: الأشقى، وهو الذي يتجنب التذكرة ويبتعد عنها، وهو الذي يصلي النار العظيمة الفظيعة، قال تعالى: { فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الكُبْرَى } .
ثالثًا: بيان عاقبة الأشقى ومآل أمره، قال تعالى: { ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَى } يخلد فيها، ولا يقف عذابه عند غاية، ولا يجد لآلامه نهاية، فلا يموت فيستريح ولا يحيا حياة ينتفع بها، قال تعالى: { وَيَأْتِيهِ المَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ } الآية، وقال تعالى: { إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَى } ، وقال تعالى: { لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } ، وقال تعالى: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ } ، وقال تعالى: { وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } .
رابعًا: الوعد بالفوز والفلاح لمن طهر نفسه من أدران الشرك، ومن الظلم والبغي، ومن مساوئ الأخلاق.(3/443)
خامسًا: الحث على ذكر الله والصلاة، قال تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى } ، وقال تعالى: { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } ، وقال تعالى: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } ، وقال: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } ، وقال تعالى: { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ } .
سادسًا: الإشارة إلى الداء الكامن، والسبب الحقيقي في معصية العاصي وكفر الكافر، السبب هو إيثار الدنيا على الآخرة، وحب العاجلة الفانية، فحب الدنيا رأس كل خطيئة، وأساس كل بلوى.
سابعًا: الترغيب في الآخرة، والحث على فعل الأسباب الموصلة إليها، قال تعالى: { بَلْ تُؤْثِرُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى } ، وقال: { قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً } .
ثامنًا: التزهيد في الدنيا، والحث على التقلل منها، والتحذير من قتل الوقت فيها، والتفاني في حبها، قال تعالى: { وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ } ، وقال تعالى: { وَمَا هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } ، وقال تعالى: { اعْلَمُوا أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ } الآية، وقال تعالى: { وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } ، وقال تعالى: { وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ المُتَّقِينَ } ، وقال تعالى: { فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا } الآية.(3/444)
تاسعًا: الإخبار بأن المذكور في هذه السورة في الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى، قال تعالى: { إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى } .
عاشرًا: بيان أن من آثر الدنيا على الآخرة سخيف العقل ما عنده تفكير سليم.
2380- 2395- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: الخطاب بأسلوب سؤال يُراد منه تعجيب السامع مما سيذكر بعده وتشويقه إلى استماعه وتوجيه فكره إلى أنه من الأحاديث التي من حقها أن تتناقلها الرواة، ويحفظها الوعاة.
ثانيًا: بيان حالة الناس في ذلك اليوم وأنهم ينقسمون إلى قسمين: قسم كفرة فجرة، وقسم مؤمنون بررة.
ثالثًا: وصف القسم الأول، وهم الكفرة، فيظهر عليهم الذل والهوان والتعب والإجهاد والخزي، مما يرون ويشاهدون من الأهوال العظيمة، قال تعالى: { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغَاشِيَةِ * وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } ، وقال تعالى: { وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ } ، وقال تعالى: { وَلَوْ تَرَى إِذِ المُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ } .
رابعًا: بيان جزاءهم في ذلك اليوم، قال تعالى: { تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً } .
خامسًا: الإخبار عن شرابهم، و أنهم يسقون من عين منتهية في الحرارة.(3/445)
سادسًا: وصف طعامهم بأنه الضريع من شر الطعام وأبشعه وأخبثه في غاية المرارة والنتن، قال تعالى: { لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ * لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ } ، وقال تعالى: { إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي البُطُونِ * كَغَلْيِ الحَمِيمِ } ، وقال تعالى: { ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ المُكَذِّبُونَ * لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا البُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الهِيمِ } ، وقال تعالى: { فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا البُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِّنْ حَمِيمٍ } .
سابعًا: وصف القسم الثاني: وهم المؤمنون البررة، فوجوههم ذات نِعمة وبَهجة ونضرة لما شاهدوا من عاقبة أمرهم، وما أعده الله لهم من الخير الذي يفوق الوصف، قال تعالى: { تَعْرِفُ فِي وَجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ } ، وقال تعالى: { وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا } ، وقال تعالى: { وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ } .
ثامنًا: الإخبار بأنها بعملها الذي عملته في الدنيا راضية؛ لأنها أعطيت من الأجر ما أرضاها، وقرت به عيونها.
تاسعًا: وصف منازلهم أنها عالية المكان.
عاشرًا: الإخبار أنها منزهة عن اللغو، قال تعالى: { فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لاَ تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً } ، وقال تعالى: { لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ تَأْثِيمًا * إِلاَّ قِيلاً سَلامًا سَلامًا } .
حادي عشر: الإخبار أن في تلك الجنة عين جارية.
ثاني عشر: أن فيها سرر مرفوعة، مجالس مرتفعة.
ثالث عشر: أن فها أكواب موضوعة: أواني ممتلئة من الأشربة اللذيذة.
رابع عشر: الإخبار أن فيها نمارق: وسائد مصفوفة للجلوس والاستناد.
خامس عشر: الإخبار بأن فيها زرابي مبثوثة: بسط مبسوطة.(3/446)
سادس عشر: أن في ذلك من التشريف والاعتناء والتكريم والتقدير ما لا خفاء فيه.
سابع عشر: أن في ذكر ذلك ما يحث العبد وينشطه ويشوقه، ويقوي عزيمته على الجد والاجتهاد في الباقيات الصالحات.
2396- 2405- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: الاستفهام للتقريع والتوبيخ لتقرير أمر البعث والاستدلال عليه.
ثانيًا: توجيه أنظار العباد إلى النظر والتدبر والتفكر في مخلوقات الله الدالة على قدرته، وعظمته، وعلمه، وحكمته.
ثالثًا: لفت أنظارهم إلى ما بين أيديهم، وما يقع تحت أبصارهم من ذلك الإبل، فإنها خلق عجيب وتركيبها غريب، فإنها في غاية القوة والشدة، ومع ذلك مذللة تلين للحمل الثقيل، وتنقاد للصغير ينيخها ويركبها وينهضها، ولها من عظيم الصبر على الجوع والعطش ما لا يشاركها فيه كثير من الحيوان، وفيها منافع كثيرة، من ذلك ما يخرجه الله من ضرعها من بين فرث ودم لبنًا خالصًا سائغًا للشاربين، وتؤكل وينتفع بوبرها، وكلفتها ضئيلة، قليلة التكاليف مرعاها ميسر، قال الله جل وعلا وتقدس: { أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } .
رابعًا: توجيه أنظارهم إلى التفكر في خلق السماء، كيف رفعها بغير عمد ترى؟ ثم إلى ما خلقه فيها من بدائع الخلق، من الشمس والقمر والكواكب، وعلق بها منافع الخلق، وأسباب معايشهم، قال تعالى: { وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ } .
خامسًا: توجيه أنظارهم إلى الجبال كيف وضعت وضعًا ثابتًا لا ميدان فيه ولا اضطراب، أوتاد للأرض منصوبة كالأعلام، يهتدي بها الساري، ويلجأ إليها الخائف، ويقصدها المتنزه والمصطاف، قال الله جل وعلا وتقدس: { وَإِلَى الجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ } .(3/447)
سادسًا: توجيه أنظارهم وأفكارهم إلى خلق الأرض كيف مدت مدًا واسعًا، وسهلت غاية التسهيل ليستقر العباد على ظهرها، ويتمكنوا من حرثها وغرسها، والبناء عليها وسلوك طرقها والانتفاع بما في ظاهرها، وما في باطنها، قال تعالى: { وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } ، وقال تعالى: { وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ المَاهِدُونَ } ، وقال تعالى: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا } ، وقال تعالى: { أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا } .
ثامنًا: التقرير لتطمين النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن هذا هو قصارى مهمته، وليس مسئولاً عن جحودهم وكفرهم أو مكلفًا بالسيطرة عليهم، وإجبارهم على الإيمان فما عليه إلا التبشير والتنذير، قال الله جل وعلا وتقدس: { فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ } ، وقال: { وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ } ، وقال تعالى: { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } ، وقال تعالى: { مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ البَلاغُ } ، وقال تعالى: { إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } ، وقال: { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الجَحِيمِ } ، وقال تعالى: { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ البَلاغُ } .
تاسعًا: الاستدراك بأن ذلك لا يعني عدم مسئولية المعرضين عن دعوة الله الكافرين برسالة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنهم سينالهم عذاب الله الأكبر الذي سوف يكون مرجعهم إليه.(3/448)
عاشرًا: التنبيه على حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على هداية الخلق، قال تعالى: { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } ، وقال: { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الحَدِيثِ أَسَفًا } ، وقال: { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } ، وقال تعالى: { فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ البَلاغُ المُبِينُ } .
2406- 2416- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: الإخبار بأن الله عز وجل أقسم بالفجر وليال عشر، العشر الأول من ذي الحجة؛ لأنها مشتملة على أيام فاضلة، وبالشفع والوتر: يوم النحر، والمراد بالوتر يوم عرفة، وبالليل إذا يسر: إذا يمضي ويدبر، قال تعالى: { وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ } .
ثانيًا: ذكر الاستفهام لتقرير تعظيم ما أقسم به سبحانه وتفخيمه، وكونها أهلاً؛ لأن تعظم، قال الله تعالى: { هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ } .
ثالثًا: ذكر ما وقع من عذاب الله لبعض الأمم السالفة ممن عاندوا الله ورسوله ولجو في عمايتهم وطغيانهم واستهانوا بحقوق الله عليهم.
رابعًا: أن في ذلك عبرة وعظة وزجرًا لهؤلاء الكفار.
خامسًا: أن في ذلك تسلية وتثبيت للمؤمنين الذين اتبعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وناصروه.(3/449)
سادسًا: أن في ذلك تطمين لقلوب الذين يجدون من إيذاء الكفار وأعوانهم مس الألم، قال الله جل وعلا وتقدس: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ العِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البِلادِ } ، وقال: { فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } الآية، وقال: { وَزَادَكُمْ فِي الخَلْقِ بَصْطَةً } ، وقال تعالى: { وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ } .
سابعًا: ذكر صفاتهم القبيحة التي أُخذوا بها من التمرد والعتو، والفساد، والقتل، والمعاصي المتنوعة، قال تعالى: { الَّذِينَ طَغَوْا فِي البِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ } ، وقال: { فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } الآيات، وقال: { وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ * فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً } .
ثامنًا: بيان جواب القسم، وهو قوله جل وعلا وتقدس: { إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } ، وما بين القسم وجوابه اعتراض.
تاسعًا: الإخبار بأن العصاة لم يعجزوا الله حينما طغوا وتجبروا، فصب عليهم عذابه، ونكل بهم.
عاشرًا: دليل على قدرة الله.
حادي عشر: التذكير والإنذار والترهيب من الطغيان.
2417- 2427- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:(3/450)
أولاً: الإخبار عن طبيعة الإنسان وحاله من حيث هو أنه كما ذكر الله { ظَلُومًا جَهُولاً } لا علم له بعواقب الأمور، فعندما يتليه الله بالنعمة والإكرام بالمال أو المقام، أو الجاه لا يدري أن ابتلاء وامتحان تمهيدًا للجزاء، إنما يحسب هذا الرزق، وهذه المكانة دليلاً على استحقاقه عند الله للإكرام، وعلامة على اصطفاء الله له واختياره، فيعتبر البلاء جزاء، والامتحان نتيجة، وهذا غرور، قال تعالى: { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } ، وكذلك في الجانب الآخر إذا ابتلاه الله وامتحنه، وضيق عليه في الرزق يعتقد أن ذلك من الله إهانة له وإذلالاً، وهذا خطأ وجهل.
ثانيًا: بيان أن الإنسان خاطئ في الحالين مرتكب أشنع وجوه الغفلة؛ لأن إسباغ النعمة على أحد من الناس في الدنيا لا يدل على أنه مستحق لذلك، فإن الله يعطي المال من يحب ومن لا يحب، ويضيق على من يحب ومن لا يحب، وإنما المدار في ذلك على طاعة الله في كلا الحالين إذا كان غنيًا بأن يشكر الله على ذلك، وإن كان فقيرًا بأن يصبر، قال سليمان -عليه السلام- لما رأى عرش بلقيس مستقرًا عنده: { هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ } الآية، قال تعالى: { فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ } .
ثالثًا: الانتقال من بيان سوء أقوال الإنسان إلى بيان سوء أفعاله.
رابعًا: تأنيب ردعي للذين لا يكرمون اليتيم.(3/451)
خامسًا: تأنيب ردعي للذين لا يحض بعضهم بعضًا على طعام المسكين، قال الله جلا وعلا وتنزه: { كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ اليَتِيمَ * وَلاَ تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ المِسْكِينِ } .
سادسًا: الحث على إكرم اليتيم.
سابعًا: الحث على إطعام المسكين، قال تعالى: { وَمَا أَدْرَاكَ مَا العَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ } .
ثامنًا: التأنيب الردعي للذين يشتد فيه الشره والجشع إلى المال، ويحبونه حبًا كثيرًا يملك عليهم مشاعرهم، ويجعلهم يستبيحون أكل الميراث دون تفريق بين حق وباطل وحرام وحلال، قال تعالى: { وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَّمًا * وَتُحِبُّونَ المَالَ حُبًا جَمًا } ، وقال: { وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ } ، وقال: { وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ * إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ } ، وقال تعالى: { قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإِنسَانُ قَتُورًا } ، وقال تعالى: { وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ } .
2428- 2436- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: الإخبار عما سيكون في القيامة من الأهوال العظيمة حيث ترجف الأرض، وتزلزل تندك إندكاكًا شديدًا، ويذهب كل ما على وجهه من جبال وأبنية وقصور قاعًا صفصًا لا عوج فيه ولا أمتًا.(3/452)
ثانيًا: الإخبار بمجيء الله لفصل القضاء بين العباد في ظلل من الغمام مجيء حقيقي يليق بجلالته وعظمته، قال الله جل وعلا: { كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًا دَكًا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًا صَفًا } ، وقال تعالى: { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ } ، وقال تعالى: { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ } ، وقال تعالى: { وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } ، وقال تعالى: { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ المَلائِكَةُ تَنزِيلاً } .
ثالثًا: الإخبار بمجيء جهنم وتهيئتها لمستحقيها، قال تعالى: { وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى } ، وقال تعالى: { وَبُرِّزَتِ الجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ } ، و قال تعالى: { وَبُرِّزَتِ الجَحِيمُ لِمَن يَرَى } ، وقال تعالى: { إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا } ، وقال تعالى: { وَإِذَا الجَحِيمُ سُعِّرَتْ } .
رابعًا: الإخبار بأنه في ذلك الوقت يتذكر الإنسان عمله وما كان قدمه.(3/453)
خامسًا: أن الذكرى لا تنفعه؛ لأن فات وقت أوانها ولم يبق إلا الحسرة على فوت الفرصة في دار العمل، قال تعالى: { يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى } ، وقال تعالى: { وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } ، وقال تعالى: { أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ } الآيات، وقال تعالى: { لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ اليَوْمَ حَدِيدٌ } ، وقال تعالى: { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } .
سادسًا: بيان أنه حين تتجلى للإنسان الحقيقة يندم على التفريط والإهمال، وما سلف من المعاصي إن كان عاصيًا، ويود لو كان ازداد من الطاعات إن كان طائعًا، قال تعالى: { يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } يتمنى أن يكون عمل عملاً صالحًا ينفعه في حياته الأخروية التي هي الحياة الحقيقية، قال تعالى: { وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } .
سابعًا: بيان أنه لا أحد أشد عذابًا من تعذيب الله لمن عصاه، قال تعالى: { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ } .
ثامنًا: البشارة العظيمة للنفس المطمئنة الواثقة في الله، وفي لقائه الراضية بقضائه وقدره، قال الله جل وعلا وتقدس: { يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي } .
2437- 2446- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:(3/454)
أولاً: التنبيه على شرف مكة، فقد أقسم الله عز وجل بمكة التي شرفها، فجعلها حرمًا آمنًا، وجعل فيها البيت الحرام الذي جعله مثابة للناس يرجعون إليه ويعاودن زيارته كلما دعاهم إليه الشوق، وجعل فيها الكعبة قبلة المسلمين، قال تعالى: { لا أُقْسِمُ بِهَذَا البَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا البَلَدِ } ، قال تعالى: { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } ، وجعل فيها مقام إبراهيم، قال تعالى: { وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } .
ثانيًا: لفت النظر إلى آدم وذريته؛ لأنهم أعجب ما خلق الله على وجه الأرض لما فيهم من بديع الخلق، وعجيب الصنع، ولما فيهم من البيان والعقل والتدبير، قال الله جل وعلا: { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } ، وقال تعالى: { لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } ، وقال تعالى: { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } ، وقال تعالى: { الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ القُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ البَيَانَ } ، وقال: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } .
ثالثًا: بيان جواب القسم – أي المحلوف عليه، قال تعالى: { لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ } .
رابعًا: التنبيه إلى أن الإنسان في شدة ومشقة: حمله وولادته ورضاعه وفطامه، وفصاله، ومعاشه، وحياته، وموته.
خامسًا: أن في ذلك تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه.
سادسًا: الاستفهام الإنكاري، والتحذير من الاغترار بالقوة الزائلة، قال تعالى: { أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ * يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَدًا } .(3/455)
سابعًا: الحث على مراقبة الله في كل وقت، قال تعالى: { أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ } .
ثامنًا: ذكر بعض نعم الله العظيمة، ومننه الجزيلة التي تقتضي من العبد أن يقوم بحقوق الله ويشكره عليها، وأن لا يستعين بها على معاصيه، من ذلك: 1- أن جعل له عينين للجمال والبصر. 2- جعل له لسانًا وشفتين، لسانًا ينطق به، وشفتين يستعين بهما على البيان، ويستر بهما فمه، قال تعالى: { أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ } ، وقال تعالى: { فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا } ، وقال: { هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } .
2447- 2455- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: بيان طريق الخير والشر، قال تعالى: { وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } ، وقال: { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } .
ثانيًا: الحث على إعتاق الرقبة، وفكها من الرق.
ثالثًا: الحث على إطعام اليتيم القريب.
رابعًا: الحث على إطعام المسكين، قال الله جل وعلا: { فَلاَ اقْتَحَمَ العَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا العَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ } .
خامسًا: بيان الدليل أن القرب والمبرات لا تنفع إلا مع الإيمان.
سادسًا: الحث على التواصي بالصبر على طاعة الله، وبالصبر على أقدار الله المؤلمة.
سابعًا: الحث على التواصي بالرحمة على عباد الله، قال الله جل وعلا وتقدس: { ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ } .
ثامنًا: بين مآل فاعلي هذه المبرات، قال تعالى: { أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ المَيْمَنَةِ } .(3/456)
تاسعًا: بيان مآل الكافرين بآيات الله، قال الله جل وعلا وتقدس: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ المَشْأَمَةِ * عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ } ، وقال تعالى: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ } ، وقال تعالى: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الجَحِيمِ } .
2456- 2471- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: الإخبار بأن الله أقسم بالشمس.
ثانيًا: بضحاها: وهو نورها.
ثالثًا: بالقمر إذا تلا الشمس: تبعها.
رابعًا: بالنهار إذا جلاها: جلى الشمس، وأظهرها، وأتم وضوحها.
خامسًا: بالليل إذا يغشاها، يغشي الشمس، فيزيل ضوئها فتغيب وتظلم الآفاق.
سادسًا: بالسماء.
سابعًا: بالذي بناها، وهو الله جل وعلا وتقدس.
ثامنًا: بالأرض.
تاسعًا: بالذي طحاها: بسطها ومهدها للحياة.
عاشرًا: بالنفس الإنسانية.
حادي عشر: بمن سواها: خلقها وأنشأها، وسوى أعضاءها.
ثاني عشر: بيان أثر هذه التسوية، وهو أنه ألهمها فجورها وتقواها: عرفها وأفهمها حالهما، وما فيهما من الحسن والقبيح.
ثالث عشر: ما تضمنه جواب القسم، وهو قوله: { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } طهر نفسه من الذنوب، ونقاها من العيوب، ونماها وأعلاها بالباقيات الصالحات، وقد خاب من دساها: أهلكها وأضلها وأغواها.
أدلة لما تقدم:
قال الله جل وعلا: { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } .(3/457)
رابع عشر: التحذير من الطغيان وتكذيب الله ورسله، قال الله جل وعلا وتقدس: { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا } .
خامس عشر: أن في قصة ثمود تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه سينزل بالمكذبين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عقوبة، وقد أهلك من أهلك في وقعة بدر ممن كذب النبي - صلى الله عليه وسلم -.
2472- 2490- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: الإخبار بأن الله سبحانه وتعالى أقسم بالليل إذا يغشى: يعم الخلق ويسترهم بظلامه.
ثانيًا: بالنهار إذا تجلى: ظهر وانكشف.
ثالثًا: بالذي خلق الذكر والأنثى، هو الله جل وعلا وتقدس.
رابعًا: الإخبار بأن أعمال العباد مختلفة بعضها ضلال وعماية، وبعضها هدى ونور، قال تعالى: { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى } هذا جواب القسم.
خامسًا: تفصيل هذا الاختلاف، وأن الناس انقسموا قسمين: قسم أعطى ما أمر به من العبادات المالية، واتقى الله في فعل الأوامر واجتناب النواهي، وصدق بالحسنى بـ لا إله إلا الله، فهذا يوافق للطريقة اليسرى، وتسهل عليه الطاعة حتى يقوم إليها نشيطًا مسرورًا، القسم الثاني: بخل ماله، واستغنى عن ربه، وكذب بالجزاء في الدار الآخرة، فهذا ييسر للطريقة العسرى التي فيها حتفه وهلاكه.(3/458)
قال الله جل وعلا: { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } ، وقال تعالى: { فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ } .
سادسًا: الإخبار بأن الله قد أعذر إلى عباده بتقديم بيان الهدى من الضلال، فاتضحت أعمال الخير، وأعمال الشر، ووضح السبيل أمام كل سالك، قال الله تعالى وتقدس: { إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى } ، وقال تعالى: { وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } ، وقال تعالى: { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } .
سابعًا: بيان أن ملك الآخرة والدنيا لله وحده، فلا يزيد في ملكه اهتداء ولا ينقص منه عصيان من عصى، قال تعالى: { إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى * وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى } .
ثامنًا: التحذير من نار تتوهج وتتوقد.
تاسعًا: بيان مَن الذي يلزمها مقاسيًا لحرها وشدتها.
عاشرًا: بيان سبب مصير هذا الأشقى ليجتنب، ولاشك أن من نعم الله على عباده التحذير، والتخويف، والتنبيه؛ حتى ترتعد الفرائض، ويرجع المذنب، ويرتدع ويقلع العاصي عن المعاصي، فهو نعمة وسوط يسوقهم به إلى أعلى المراتب وأشرف المواهب، قال تعالى: { فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لاَ يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى } .
حادي عشر: بيان من الذي يجنب النار التي تتلظى.
ثاني عشر: ذكر وصفه بأفضل مزاياه، قال تعالى: { وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى } .
ثالث عشر: الحث على التقوى.
رابع عشر: الحث على الإخلاص لله وحده.
خامس عشر: الحث على الإنفاق في وجوه البر دون غاية من غايات الدنيا المألوفة.(3/459)
سادس عشر: التنويه بجلال هذا العمل.
سابع عشر: التنبيه على أن المال إنما يفيد صاحبه إذا هو اتجه في طريق الصلاح والخير، وأنفقه في وجوه البر ابتغاء وجه الله.
ثامن عشر: التنبيه على أنه شر على صاحبه إذا أثار فيه الغرور والاعتداء، وبخل به، ولم ينتفع به غيره.
تاسع عشر: الوعد بالثواب الجزيل للأتقى، قال تعالى: { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى } .
2491- 2502- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: ذكر القسم الرباني في معرض التوكيد والتطمين للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله ما ودع رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولا قلاه، قال الله جل وعلا وتقدس: { وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى } .
ثانيًا: الحث على الزهد في الدنيا، والتخفف منها.
ثالثًا: بيان أن الآخرة خير من الدنيا الفانية، قال الله جل وعلا وتقدس: { وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأُولَى } ، وقال تعالى: { قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى } ، وقال تعالى: { بَلْ تُؤْثِرُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى } ، وقال تعالى: { وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } ، وقال: { وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ المُتَّقِينَ } .
رابعًا: بشارة سارة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى: { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى } .
خامسًا: الإشارة إلى ما كانت عليه حالة النبي - صلى الله عليه وسلم - في نشأته الشخصية، وحالته الاقتصادية إلى أن أكرمه الله بالرسالة.
سادسًا: تقرير لنعمة الله عليه حين مات أبوه، وبقي يتيمًا، فآواه الله بأن سخر له أولاً عبدالمطلب، ثم لما مات قيض الله له عمه وحماه ودافع عنه.(3/460)
سابعًا: من نعم الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن هداه الله بعد أن كان لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان، قال تعالى: { وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا } ، وقال تعالى: { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } ، وقال تعالى: { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا القُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغَافِلِينَ } .
ثامنًا: أن من منن الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن أغناه الله بعد أن كان فقيرًا، قال تعالى: { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى } .
تاسعًا: التذكير بالنعم للشكر عليها، والترغيب في ذلك ليستحق الشاكر المزيد عليها.
عاشرًا: توجيهات إلى إكرام اليتيم، والنهي عن قهره وإذلاله وكسر خاطره.
حادي عشر: النهي عن زجر السائل والأغلاظ له، ولكن يبذل له اليسير أو يرد ردًا جميلاً، وإن كان طالب علم فلا ينهره بالغلظة والجفوة، ويجيبه فيما عنده من علم برفق ولين وانشراح صدر حتى ينشط ويقوي عزمه، ويزيد في إقباله على العلم.
ثاني عشر: الأمر بالتحدث بنعم الله؛ لأن التحدث بها شكر لاسيما مع الثناء على الله وتمجيده، قال الله جل وعلا وتقدس: { فَأَمَّا اليَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلاَ تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } .
2503- 2510- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:(3/461)
أولاً: تقرير لنعمة الله العظيمة على رسوله - صلى الله عليه وسلم - بشرح صدره لشرائع الإسلام، والدعوة إلى الله، والاتصاف بمكارم الأخلاق، والإقبال على الآخرة، والزهد في الدنيا.
ثانيًا: أن الله وضع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وزره، أي ذنبه الذي أثقل ظهره، قال الله جل وعلا: { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ } ، وقال تعالى: { لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } .
ثالثًا: أن الله رفع لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ذكره، فلا يذكر الله إلا ذكر معه رسوله - صلى الله عليه وسلم -، كما في الدخول في الإسلام، وفي الأذان، والإقامة، والتشهد، والخطب، وغير ذلك من الأمور التي أعلى الله بها ذكر رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
رابعًا: البشارة العظيمة، وهي أنه كلما وجد العسر، فإن اليسر يتبعه، قال تعالى: { فَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا } ، وقال تعالى: { سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا } .
خامسًا: الحث على الجد والاجتهاد في عمل الآخرة.
سادسًا: الحث على استدامة العمل.
سابعًا: الحث على سؤال الله.
ثامنًا: الحث على شكر الله، قال الله جل وعلا: { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } ، وقال تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } .
2511- 2517- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: الإخبار بأن الله جل وعلا وتقدس أقسم بالتين والزيتون وبطور سيناء وبمكة المكرمة بأنه خلق الإنسان في أحسن صورة، وشكل منتصب القامة، سوي الأعضاء، حسنها وأبانه عن غيره بما وهبه له من النطق والتمييز والتدبير والتفكير، قال تعالى: { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا البَلَدِ الأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } .(3/462)
ثانيًا: أن في ذلك إشارة إلى حال الشباب.
ثالثًا: الإخبار برده بعد ذلك إلى أسفل سافلين، إلى النار إن لم يطع الله ويتبع الرسل.
رابعًا: استثناء الذين آمنوا وعملوا الصالحات.
خامسًا: الإخبار بأن لهم عند الله أجر دائم.
سادسًا: استفهام تقريع وتوبيخ وإلزام بالحجة للمكذبين بالبعث، والجزاء على الأعمال.
سابعًا: تقرير للإنسان على الاعتراف بأن الله سبحانه وتعالى هو أحكم الحاكمين في صنائعه وأفعاله، وأنه لا خلل في شيء منها ولا اضطراب، فهل تقتضي حكمته أن يهمل خلقه سدى، لا يؤمرون ولا ينهون، ولا يثابون، ولا يعاقبون، كلا بل لابد من بعث وحشر وجزاء، قال تعالى: { أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى } ، وقال تعالى: { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } ، وقال تعالى: { فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ * أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الحَاكِمِينَ } ، وقال تعالى: { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } ، وقال: { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ } .
2518- 2527- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:(3/463)
أولاً: ذكر أمر الله سبحانه وتعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يقرأ باسم ربه، وأن يدعوه بأسمائه الحسنى، وفي تعظيم الاسم تعظيم المسمى؛ لأن الاسم ذكر المسمى بما يخصه، فلا سبيل إلى تعظيمه إلا بمعناه، ولهذا لا يعظم اسم الله حق تعظيمه إلا من هو عارف بمعناه ومعتقد عبادته، قال الله جل وعلا: { قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى } ، وقال: { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى } ، وقال تعالى: { اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } .
ثانيًا: يتبين كيفية الخلق، قال تعالى: { خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ } دم جامد.
ثالثًا: بيان أن في تخصيص الإنسان بالذكر تشريفًا له لما فيه من بديع الخلق وعجيب الصنع، قال تعالى: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } ، وقال تعالى: { لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } ، وقال تعالى: { الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ القُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ البَيَانَ } .
رابعًا: الحث على حمد الله وشكره على نعمه الجزيلة.
خامسًا: دليل على كرم الله وجوده.
سادسًا: دليل على لطف الله لخلقه وعنايته بهم.
سابعًا: أن من نعم الله على العباد أنه علم بالقلم الذي به تحفظ العلوم، وتضبط الحقوق، وتكون رسلاً للناس تنوب مناب خطابهم، فله الحمد والمنة.
ثامنًا: أنه علم الإنسان ما لم يعلم، قال تعالى: { وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ } .
تاسعًا: دليل على فضل القراءة والكتابة والعلم.(3/464)
عاشرًا: حث الإنسان على تدبر نفسه وانتقاله من أدنى المراتب إلى أعلى الدرجات، وأرفعها، ولابد لذلك من مدبر قادر حكيم عليم أحسن كل شيء خلقه جل وعلا وتقدس.
2528- 2534- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: بيان السبب الحقيقي في طغيان الإنسان وتكبره وتماديه في غيه، وهو أنه إذا رأى نفسه غنيًا طغى وبغى وتجبر في الدنيا والاشتغال بها، وجعلها أكبر الهم والحرص على تحصيل الجاه والثروة، والتمكن في الأرض يعمي البصيرة، فيغفل الإنسان عن خالقه، وما يجب له من إجلال وتقدير وتعظيم.
ثانيًا: التهديد والتحذير من عواقب الطغيان والتكبر، قال الله جلا وعلا وتقدس: { كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى } ، وقال تعالى: { أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ } ، وقال تعالى: { فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الجَحِيمَ هِيَ المَأْوَى } .
ثالثًا: الوعيد والتهديد والتعجيب.
رابعًا: التحذير من التعرض لعبد من عباد الله، فينهاه عن الصلاة، قال تعالى: { أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى } .
خامسًا: التحذير من تكذيب الله ورسوله، ومن الإعراض عن الإيمان، قال تعالى: { أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } .
سادسًا: تثبيت للنبي - صلى الله عليه وسلم - في دعوته.
سابعًا: إنذار وتخويف وتهديد للمجرمين والمتكبرين، { كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ } .
2529- 2534- من هدي القرآن للتي هي أقوم:(3/465)
أولاً: الإشارة إلى زمان نزول القرآن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ } ، وقال تعالى: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } ، وقال تعالى: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ } ، وقال: { وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الفُرْقَانِ يَوْمَ التَقَى الجَمْعَانِ } .
ثانيًا: إرشاد العباد إلى عظم شأن هذه الليلة ليجتهدوا فيها، ففي الاستفهام تفخيم وتعظيم لشأنها.
ثالثًا: الإيماء إلى أن شرفها لا يعلمه إلا الله.
رابعًا: بيان مقدار فضلها، قال تعالى: { وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القَدْرِ * لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } ، فالعمل الذي يقع في ليلة القدر خير من العمل في ألف شهر ما فيها ليلة القدر، وألف الشهر: ثلاث وثمانون سنة وأربعة شهور.
خامسًا: ذكر بعض مزايا هذه الليلة المباركة، قال تعالى: { تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ } .
سادسًا: بيان منتهاها ومبتداها معلوم، قال تعالى: { سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ } .
2535- 2546- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: تقرير لحالة أهل الكتاب والمشركين قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم -، حيث كان كل منهم متمسكًا بما هو عليه لا ينفك عنه حتى تأتيهم بينة.(3/466)
ثانيًا: بيان البينة التي تعرفهم وجه الحق، وذلك رسول من الله يتلو عليهم كتابًا طاهرًا مقدسًا فيه شرح للطريق القويم الذي يجب عليهم أن يسيروا فيه، قال تعالى: { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ البَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ } ، وقال تعالى: { فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } .
ثالثًا: توبيخ أهل الكتاب وتقريعهم، وبيان أن ما نسب إليهم من عدم الانفكاك والتفرق والتنازع لم يكن لاشتباه الأمر، بل كان بعد وضوح الحق وظهور الصواب، قال تعالى: { وَمَا تَفَرَّقَ الَذينَ أُوتُوا الكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَةُ } .
رابعًا: بيان أن ما جاءهم لم يكن ليحتمل خلافًا ونزاعًا؛ لأنه إنما أمروا بعبادة الله وحده مخلصين له الدين مستقيمين على طريقة غير منحرفين عنها، وبإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وهذا هو الدين المستقيم، والطريق القويم، قال تعالى: { وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ } .
خامسًا: بيان مآل أهل الكتاب والمشركين في الآخرة، وهو أنهم خالدون في نار جهنم لا يخرجون منها.(3/467)
سادسًا: أنهم شر خلق الله، فهم شر من اللصوص؛ لأنهم سرقوا من كتب الله أوصاف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخفوها عمن يطلبها منهم، وهم شر من قطاع الطريق؛ لأنهم قطعوا طريق الحق، ومنعوا الناس من السير فيه،، وهم شر من الجهال الأجلاف؛ لأنهم عملوا ومنعهم الكبر والصلف عن العمل بما علموا.
سابعًا: أن في تقديم أهل الكتاب على المشركين في هذا الوعيد ما يفيد أن جنايتهم في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم، إذ كانوا يقرون في أنفسهم برسالته ويستفتحون بها على المشركين، فلما جاءهم أنكروه مع العلم به، فكانت جنايتهم أشد، قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ البَرِيَّةِ } ، وقال تعالى: { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الكَافِرِينَ } .
ثامنًا: البشارة العظيمة للذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين.
تاسعًا: وصفهم بأنهم خير خلق الله مقابل وصف الكفار بأنهم شر خلق الله.
عاشرًا: أن الله يدخلهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار.
حادي عشر: أنهم لا يخرجون منها أبدًا.
ثاني عشر: أن الله قد رضي عنهم ورضوا عنه، وهذا ما فوقه شيء وهو ما يسعى له أولوا الألباب، قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ البَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ } .
2547- 2552- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:(3/468)
أولاً: الإشارة إلى يوم القيامة وأهواله ومزعجاته وقلاقله وحسابه، فالأرض ترجف وتتزلزل وتندك، وتتشقق وتخرج موتاها وكنوزها، وجميع أثقالها.
ثانيًا: الإخبار بأن الإنسان المشاهد لهذه الزلازل التي يحار العقل في معرفة أسبابها، ويصيبه الدهش مما يرى ويبصر، يقول: ما لهذه الأرض؟ وما الذي وقع لها؟ مما لم يعهد له نظير من قبل، قال تعالى: { إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا } ، وقال تعالى: { يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ } ، وقال تعالى: { كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًا دَكًا } ، وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } ، وقال تعالى: { وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ } .
ثالثًا: الإخبار بأن الأرض في ذلك الوقت وقت الزلزلة تشهد على العاملين فيها بما عملوا، تشهد لمن أطاع على ظهرها، وتشهد على من عصى الله عليها، قال تعالى: { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا } .
خامسًا: أنه بعد ما يقع ما ذكر يصدر الناس أشتاتًا ليروا أعمالهم، قال تعالى: { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ } الآيات، وقال تعالى: { يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } ، وقال تعالى: { وَتُنذِرَ يَوْمَ الجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ } .
سادسًا: إرشاد العباد إلى عدم الاستهانة بالأعمال السيئة، مهما قلت وصغرت.(3/469)
سابعًا: إرشاد العباد إلى الأعمال الصالحة، واغتنامها، وعدم إهمالها وإن دقت وضؤلت، قال تعالى: { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًا يَرَهُ } ، وقال تعالى: { وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } ، وقال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا } ، وقال تعالى: { وَوُضِعَ الكِتَابُ فَتَرَى المُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } .
2553- 2561- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: أقسم الله سبحانه وتعالى بالخيل؛ لما فيها من آياته الباهرة، ونعمه الظاهرة، وهي تعدو عدوًا شديدًا حين تعتزم الإغارة، فيغدو نفسها ضبحا وينقدح من اصطدام حوافرها بالحجر الشرر، ويثور الغبار، وتتوسط الجمع المغار عليه على أن الإنسان جاحدًا لنعمة الله، قال تعالى: { وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا } إلى جواب القسم، وهو قوله: { ِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ } .
ثانيًا: الإخبار بأنه على ذلك يشهد.
ثالثًا: الإخبار بأن الإنسان يحب المال حبًا شديدًا، قال الله جل وعلا: { وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ } ، وقال تعالى: { وَتُحِبُّونَ المَالَ حُبًا جَمًا } ، وقال: { وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ } ، وقال: { وَكَانَ الإِنسَانُ قَتُورًا } .(3/470)
رابعًا: زجر الإنسان عن البخل، وجحود نعم الله ونحوهما من الأخلاق الرذيلة، وحمله على الارعواء إلى ما يرضي الله، وتذكيره بنعمة الله عليه، وإحاطته بأعماله ومحاسبته عليها في الحياة الأخرى، قال الله جل وعلا وتقدس: { أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي القُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ * إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ } .
2562- 2568- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: التحذير والإنذار بالقيامة وهولها وشدتها.
ثانيًا: الاستفهام للتعظيم والتفخيم لشأنها، قال الله جل وعلا وتقدس: { الْقَارِعَةُ * مَا القَارِعَةُ } ، وقال تعالى: { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ القُلُوبُ لَدَى الحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ } .
ثالثًا: تأكيد شدة هولها ومزيد فظاعتها، قال تعالى: { وَمَا أَدْرَاكَ مَا القَارِعَةُ } .
رابعًا: بيان متى تكون؟ وما الذي يكون فيها؟ وذلك أن الناس من هول ذلك اليوم وشدائده ومزعجاته وكروبه، يكونون كالفراش المبثوث في انتشارهم وتفرقهم، وذهابهم ومجيئهم من حيرتهم، وفزعهم مما يرون ويسمعون، والفراش: حيوان يطير يتساقط على النار والسراج، وبه يضرب المثل في الطيش والهوج، قال تعالى: { يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ المَبْثُوثِ } ، وقال تعالى: { خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } .
خامسًا: أن الجبال الصم الراسيات تزول عن أماكنها، وتصير خفيفة كالصوف المندوف، قال تعالى: { وَتَكُونُ الجِبَالُ كَالْعِهْنِ المَنفُوشِ } ، وقال تعالى: { وَبُسَّتِ الجِبَالُ بَسًا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُّنْبَثًا } .(3/471)
سادسًا: أن في ذلك عبرة وعظة في حال الناس ذوي العقول عند خروجهم من القبور، كيف يندهشون ويضطربون ويتحيرون! وأن أشهد ما يعرفونه صلابة ورسوخًا يتفكك وينحل، ويصبح كالعهن المنفوش رخاوةً ولينًا، وخفةً من شدة أهوال يوم القيامة، قال تعالى: { وَتَرَى الجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } ، وقال تعالى: { يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلاً } ، وقال: { وَإِذَا الجِبَالُ نُسِفَتْ } .
سابعًا: الإخبار بما يؤول إليه عمل العاملين في ذلك اليوم، وما يصيرون إليه من الكرامة والإهانة بحسب أعمالهم، وذلك أنهم يكونون فريقين، فريقًا موازينه ثقيلة، وهؤلاء هم السعداء ومصيرهم الطمأنينة والعيش الرضي، والفريق الآخر موازينه خفيفة، وهؤلاء هم الأشقياء مأواهم ومسكنهم جهنم التي من أسمائها الهاوية، يأوون إليها كما يأوي الولد إلى أمه.
قال تعالى: { وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ } ، وقال تعالى: { فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } ، وقال تعالى: { وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } .
2569- 2578- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:(3/472)
أولاً: تنديد وتوبيخ موجه إلى السامعين بما هم فيه من المباريات في الاستكثار في الأموال والأولاد والتفاخر بذلك، واستغراقهم بسبب ذلك استغراقًا يمنعهم من التفكير في الموت وما بعده، بحيث لا ينتهون مما هم فيه إلا حين يموتون، قال تعالى: { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ المَقَابِرَ } .
ثانيًا: الدليل على إثبات البعث والجنة والنار، وذلك أن المقابر محل زيارة، ولابد للزائر أن يرجع إلى منزله إما إلى الجنة، وإما إلى النار.
ثالثًا: زجر ووعيد عن مثل هذا العمل، قال تعالى: { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } .
رابعًا: وعيد بعد وعيد في مقام الزجر والتوبيخ، قال تعالى: { ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } .
خامسًا: التنبيه والتبصير لهم، فإنهم سوف يعلمون علمًا يقينًا بأنهم مخطئون.
سادسًا: الإخبار بأنهم لو علموا علمًا يقينًا، لا شك فيه ولا ارتياب لشغلهم ذلك عن التكاثر والتفاخر، ولبادروا إلى ما ينفعهم من صالح الأعمال، قال الله جل وعلا وتقدس: { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليَقِينِ } .
سابعًا: الحث على جعل الآخرة وأهوالها وعذابها حاضرة في الذهن؛ لينتبه الإنسان ويجد ويجتهد فيما ينجيه من الجحيم، قال تعالى: { لَتَرَوُنَّ الجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ اليَقِينِ } .
ثامنًا: الإخبار بأن الإنسان سيسأل عن النعيم الذي حصل له في الدنيا.
تاسعًا: التنبيه على اكتساب الحلال.
عاشرًا: التحذير من الحرام، قال تعالى: { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } .
2579- 2679- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:(3/473)
أولاً: الإخبار بأن الله سبحانه وتعالى أقسم بالعصر، وهو الدهر؛ لما فيه من العبر لذوي الأبصار من جهة مرور الليل والنهار على تقدير الأدوار، وتعاقب الضياء والظلام، فإن في ذلك دلالة بينة على الصانع عز وجل، وعلى توحيده، وعلى قدرته وعلمه وحكمته، قال تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ } ، وقال تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ } .
ثانيًا: الإخبار بأن كل إنسان في خسار إلا من استثنى، قال تعالى: { وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ } ، فقوله: { إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ } هو جواب القسم.
ثالثًا: الإخبار بأن الناس جميعًا في خسر إلا من اتصف بما يلي:
أولاً: وهو الرابع لما سبق، الإيمان بالله وتصديق رسله.
ثانيًا: وهو الخامس لما تقدم، اتبعوا ذلك بالعمل الصالح، فإنهم في ربح لا في خسر؛ لأنهم عملوا للآخرة، ولم تشغلهم أعمال الدنيا عنها.
ثالثًا: وهو السادس، أنهم وصى بعضهم بالحق الذي يحق القيام به، وهو أداء الطاعات وترك المحرمات.
رابعًا: وهو السابع لما تقدم، التواصي بالصبر على طاعة الله، وبالصبر عن معاصي الله، وبالصبر على أقدار الله المؤلمة، قال الله جل وعلا وتقدس: { وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } .
خامسًا: وهو الثامن لما سبق، أن في سورة العصر أعظم دلالة على إعجاز القرآن؛ لأنها مع قلة حروفها تدل على جميع ما يحتاج إليه الناس في الدين علمًا وعملاً.
سادسًا: وهو التاسع، أن في قوله تعالى: { وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ } دليل على الأمر بالمعروف.
عاشرًا: أن في ذلك دلالة على النهي عن المنكر؛ أن النهي عنه توصية بالحق.
الحادي عشر: الدعاء إلى توحيد الله؛ لأنه من التواصي بالحق.
الثاني عشر: الدعاء إلى العدل والإنصاف؛ لأنه من التواصي بالحق.
الثالث عشر: الأمر بالصلاة الأولاد والجيران؛ لأنه من التواصي بالحق.(3/474)
الرابع عشر: الحث على إخراج الزكاة؛ لأنه من التواصي بالحق.
الخامس عشر: الأمر بالصيام، والحث عليه أولادًا وجيرانًا وغيرهم؛ لأنه من التواصي بالحق.
السادس عشر: الحث على الحج؛ لأنه من التواصي بالحق.
السابع عشر: الحث على بر الوالدين؛ لأنه من التواصي بالحق.
الثامن عشر: الحث على صلة الأرحام؛ لأنه من التواصي بالحق.
التاسع عشر: الحث على ذكر الله؛ لأنه من التواصي بالحق.
العشرون: الحث على العمل بالقرآن؛ لأنه من التواصي بالحق.
الحادي والعشرون: الحث على الجهاد في سبيل الله؛ أنه من التواصي بالحق.
الثاني والعشرون: الحث على إطعام المسكين والرأفة به؛ لأنه من التواصي بالحق.
الثالث والعشرون: الحث على الإحسان إلى اليتيم؛ لأنه من التواصي بالحق.
الرابع والعشرون: الحث على الإحسان إلى الجار؛ لأنه من التواصي بالحق.
الخامس والعشرون: الحث على تعلم العلم؛ لأنه من التواصي بالحق.
السادس والعشرون: الترغيب في إنظار المعسر؛ لأنه من التواصي بالحق.
السابع والعشرون: الحث على إصلاح ذات البين؛ لأنه من التواصي بالحق.
الثامن والعشرون: الترغيب والحث على حفظ الأمانة وأدائها؛ لأنه من التواصي بالحق.
التاسع والعشرون: الحث على أداء الصلاة في جماعة؛ لأنه من التواصي بالحق.
ثلاثون: الحث على إيفاء الكيل والتحذير من التطفيف؛ لأنه من التواصي بالحق.
واحد وثلاثون: الحث والترغيب بتقوى الله؛ لأنه من التواصي بالحق.
اثنان وثلاثون: الحث والترغيب بالصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله المؤلمة؛ لأنه من التواصي بالحق.
ثلاثة وثلاثون: التوصية بالوفاء بالعهد؛ لأنه من التواصي بالحق.
خمسة وثلاثون: التوصية بتحري المكسب الحلال؛ لأنه من التواصي بالحق.
ستة وثلاثون: التوصية بالإحسان إلى ابن السبيل؛ لأنه من التواصي بالحق.
سبعة وثلاثون: الترغيب في بناء المساجد؛ لأنه من التواصي بالحق.(3/475)
ثمانية وثلاثون: الحث على محاسبة النفس؛ لأنه من التواصي بالحق.
تسعة وثلاثون: الحث على التوبة والإنابة إلى الله؛ لأنه من التواصي بالحق.
أربعون: الحث على التفكر في خلق السموات والأرض؛ لأنه من التواصي بالحق.
الحادي والأربعون: الحث على تمجيد الله وتقديسه؛ لأنه من التواصي بالحق.
اثنان وأربعون: الوصية بالتوسط في الأمور؛ لأنه من التواصي بالحق.
ثلاثة وأربعون: الحث على طلب الهداية من الله؛ أنه من التواصي بالحق.
أربعة وأربعون: التوصية بالابتعاد عن التنطع في الدين، والتشديد فيه؛ لأنه من التواصي بالحق.
خمسة وأربعون: الحث على الصفح والعفو؛ لأنه من التواصي بالحق.
ستة وأربعون: الحث على الصدق؛ لأنه من التواصي بالحق.
سبعة وأربعون: الحث على طلب الإعانة من الله؛ لأنه من التواصي بالحق.
ثمانية وأربعون: الحث على إتباع سبيل المؤمنين؛ لأنه من التواصي بالحق.
تسعة وأربعون: الأمر بالعدل بين الزوجات؛ لأنه من التواصي بالحق.
خمسون: الحث على العتق والترغيب فيه؛ لأنه من التواصي بالحق.
الحادي والخمسون: الحث على أمر الناس بالبر، وأن لا ينسى المرء نفسه؛ لأنه من التواصي بالحق.
اثنان وخمسون: الحث على النكاح؛ لأنه من التواصي بالحق.
ثلاثة وخمسون: الحث على عشرة النساء بالمعروف؛ لأنه من التواصي بالحق.
أربعة وخمسون: الحث على الأكل من الطيبات؛ لأنه من التواصي بالحق.
خمسة وخمسون: الحث على تقديم ما ينفع الإنسان في الآخرة؛ لأنه من التواصي بالحق.
ستة وخمسون: الحث على الإخلاص في العمل لله؛ لأنه من التواصي بالحق.
سبعة وخمسون: الحث على الإحسان في العمل، وهو متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه من التواصي بالحق.
ثمانية وخمسون: الحث على أخذ الزينة عند كل مسجد؛ لأنه من التواصي بالحق.
تسعة وخمسون: الحث على الخشوع في الصلاة، وعند تلاوة القرآن الكريم؛ لأنه من التواصي بالحق.(3/476)
ستون: الحث على الاعتصام بالله؛ لأنه من التواصي بالحق.
الحادي والستون: الترغيب في وعد الله؛ لأنه من التواصي بالحق.
اثنان وستون: الأمر بدفع المسيء بالتي هي أحسن؛ لأنه من التواصي بالحق.
ثلاثة وستون: الأمر بالاستعاذة من الشيطان؛ لأنه من التواصي بالحق.
أربعة وستون: الحث على التثبت في خبر الفاسق؛ لأنه من التواصي بالحق.
خمسة وستون: الحث على دفع الأموال لليتامى إذا أونس رشدهم؛ من التواصي بالحق.
ستة وستون: أمر الداعي إلى سبيل الله أن يدعو بالحكمة والموعظة الحسنة؛ لأنه من التواصي بالحق.
سبعة وستون: التوصية بما وصى به إبراهيم بنيه ويعقوب؛ لأنه من التواصي بالحق.
ثمانية وستون: الحث على الصبر في البأساء؛ لأنه من التواصي بالحق.
تسعة وستون: الحث على الصبر في الضراء؛ لأنه من التواصي بالحق.
سبعون: الحث على الصبر حين البأس؛ لأنه من التواصي بالحق.
الحادي والسبعون: الحث على توطين النفس عند المصائب؛ لأنه من التواصي بالحق.
اثنان وسبعون: أمر المؤمن بالابتعاد عن الرياء؛ لأن الأمر بتركه من التواصي بالحق.
ثلاثة وسبعون: أمر المؤمن بالابتعاد عن الربا؛ لأن الأمر بتركه من التواصي بالحق.
أربعة وسبعون: أمر المؤمن بترك الغيبة؛ لأن الأمر بتركها من التواصي بالحق.
خمسة وسبعون: أمر المؤمن بترك الكذب؛ لأن الأمر بتركه من التواصي بالحق.
ستة وسبعون: أمر المؤمن بترك الحسد؛ لأن الأمر بتركه من التواصي بالحق.
سبعة وسبعون: أمر المؤمن بترك الحسد؛ لأن الأمر بتركه من التواصي بالحق.
ثمانية وسبعون: أمر المؤمن بترك النميمة؛ لأن الأمر بتركها من التواصي بالحق.
تسعة وسبعون: أمر المؤمن بترك التجسس على المسلمين؛ لأن الأمر بتركه من التواصي بالحق.
ثمانون: أمر المؤمن بترك الهوى؛ لأن الأمر بتركه من التواصي بالحق.
الحادي والثمانون: أمر المؤمن باجتناب خصال النفاق؛ لأن الأمر بتركها من التواصي بالحق.(3/477)
اثنان وثمانون: الحث على النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم؛ لأن الحث عليها، والأمر بها من التواصي بالحق.
ثلاثة وثمانون: الأمر بشكر الله وحمده؛ لأن الأمر بذلك من التواصي بالحق.
أربعة وثمانون: الأمر بأداء الشهادة وحفظها؛ لأنه من التواصي بالحق.
خمسة وثمانون: الأمر بإتباع سبيل المؤمنين؛ لأنه من التواصي بالحق.
ستة وثمانون: الأمر بترك الغش والتدليس؛ لأن الأمر بتركهما من التواصي بالحق.
سبعة وثمانون: الأمر ترك الرشوة والابتعاد عنها؛ لأنه من التواصي بالحق.
ثمانية وثمانون: الأمر بترك تعاطي الملاهي والمنكرات؛ لأن الأمر بتركها من التواصي بالحق.
تسعة وثمانون: الأمر بترك تصوير ذوات الأرواح؛ لأن الأمر بتركه من التواصي بالحق.
تسعون: الأمر بترك الدخان شربًا وبيعًا؛ لأن الأمر بتركه من التواصي بالحق.
الحادي والتسعون: الأمر بترك الخيانة؛ لأن الأمر بتركها من التواصي بالحق.
اثنان وتسعون: الأمر ببذل المال في وسائل الدفاع عن الدين؛ لأن الأمر بذلك من التواصي بالحق، ومن الأمر بالمعروف.
ثلاثة وتسعون: أمر المؤمن وترغيبه في الجليس الصالح؛ لأنه من التواصي بالحق.
أربعة وتسعون: أمر المؤمن باجتناب الجليس السوء؛ لأن أمره بتركه من التواصي بالحق.
خمسة وتسعون: أمر المؤمن بالتواضع والحث عليه؛ لأنه من التواصي بالحق.
ستة وتسعون: أمر المؤمن بالحلم؛ لأنه من التواصي بالحق.
سبعة وتسعون: أمر المؤمن بالابتعاد عن التشبه بالكفرة في لباسهم وهيئاتهم؛ لأن أمره بذلك من التواصي بالحق.
ثمانية وتسعون: أمر المؤمن بالابتعاد عن الظلم والفساد؛ لأن أمره بالابتعاد عنهما من التواصي بالحق، ومن الأمر بالمعروف.
تسعة وتسعون: أمر المؤمن بالابتعاد عن البغي بغير حق والقطيعة؛ لأن أمره بتركهما والابتعاد عنهما من التواصي الحق.
مائة: أمر المؤمن بالابتعاد عن ما يلهي ويشغل عن طاعة الله؛ لأن أمره بذلك من التواصي بالحق.(3/478)
وأنا أقتصر على هذا خشية الإطالة على القارئ، ومن أراد زيادة على هذا، فليقس عليه ما أتاه من الأحكام يجدها داخلة تحت قوله تعالى: { وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } ، ومن ما تقدم يتبين لنا قوة فهم الإمام الشافعي –رحمه الله-، حيث يقول: لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم، أي سورة العصر.
2680- 2686- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: وعيد شديد وتحذير من الطعن في أعراض الناس والغض من شأنهم والتحقير من أعمالهم وصفاتهم ونسبه السيئات إليهم، ونفي المكارم عنهم حاضرين أو غائبين، قال تعالى: { وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ } .
ثانيًا: التقريع والتوبيخ وبيان خطأه في ظنه، قال تعالى: { يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ } .
ثالثًا: بيان ما أعد له من العذاب، قال تعالى: { كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الحُطَمَةِ } .
رابعًا: تعظيم أمر الحطمة وتفخيم شأنها، قال تعالى: { وَمَا أَدْرَاكَ مَا الحُطَمَةُ } .
خامسًا: بيانها بعد إبهام أمرها وإضافتها إلى الله للتعظيم والتفخيم، قال تعالى: { نَارُ اللَّهِ المُوقَدَةُ } .
سادسًا: وصفها بما يخالف نار الدنيا وهو نفوذها من الأجسام إلى القلوب، قال تعالى: { الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ } .
سابعًا: وصفها بأنها عليهم مطبقة، قال تعالى: { إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ } .
ثامنًا: أن فيما ذكر ما يثير الخوف والفزع والحمل على الارعواء والجد والاجتهاد في الباقيات الصالحات.
2687- 2691- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: تذكير السامعين في معرض الإنذار والتخويف بما كان من نكال الله في أصحاب الفيل.
ثانيًا: أن في ذلك ما يدل على تعظيم قدرة وكمال علمه وحكمته، قال تعالى: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفِيلِ } .
ثالثًا: أن في ذلك تعجيب فيما فعله الله بهم.(3/479)
رابعًا: بيان الحال التي وقع عليها فعله، وذلك أن الله ضيع تدبيرهم وخيب سعيهم.
خامسًا: تفصيل التدبير في إبطال كيدهم، قال تعالى: { أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ } .
2692- 2696- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: تذكير لقريش بنعم الله عليهم.
ثانيًا: دعوة لهم إلى عبادة الله وحده.
ثالثًا: حثهم على شكر نعمة الله الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف.
رابعًا: أن الله هو الذي يطعم ويرزق.
خامسًا: أن الأمن من الخوف وغيره بيد الله.
2697- 2711- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: استفهام لقصد التعجيب من حال من يكذب بالدين.
ثانيًا: بيان صفاته منها أنه يزجر اليتيم، ويدفعه إن جاء يطلب حاجة.
ثالثًا: أنه لا يحث غيره على إطعام المسكين، ومن باب أولى أنه لا يفعله.
رابعًا: أن في ذلك توجيه لأنظارنا إلى أنا إذا لم نستطع مساعدة المسكين، كان علينا أن نسعى في مساعدته من غيرنا، ونحثه على ذلك.
خامسًا: التحذير من التكذيب بالدين.
سادسًا: التحذير من نهر اليتيم ودفعه.
سابعًا: التحذير من البخل بالمال.
ثامنًا: التحذير من البخل بالجاه.
تاسعًا: دليل على أن جحود الآخرة هو الذي يشجع الناس على اقتراف الآثام في الدنيا.
عاشرًا: دليل على أن جحود الآخرة هو الذي يقسي القلوب إزاء الضعفاء والفقراء إذا أمنوا الجزاء، والمقابلة فيها.
حادي عشر: بيان أن حقيقة الدين ليست كلمة تقال في الأحكام، وتحول في القلب يدفعه إلى الحنو والشفقة وبذل الخير والبر بإخوانه المحتاجين، وإلى الرعاية والحماية، فالأعمال هي التي تدل على صدق الإيمان.
ثاني عشر: الوعيد الشديد الأكيد لمن يسهو ويلهو عن الصلاة حتى يخرج وقتها.
ثالث عشر: التحذير من الرياء.
رابع عشر: الحث على الإخلاص.(3/480)
خامس عشر: الحث على إعطاء ما لم تجر العادة بمنعه مما لا يضر، ويسأله الغني والفقير، وينسب منعه إلى لؤم الطبع وسوء الخلق، قال تعالى: { أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ اليَتِيمَ * وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ المِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ } .
2712- 2718- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: بشرى وتطمين للنبي - صلى الله عليه وسلم - بإعطائه الخير الكثير والفضل الغزير الذي من جملته النهر الذي يقال له الكوثر والحوض والمورد.
ثانيًا: الأمر بشكر هذه النعم، قال الله جل وعلا وتقدس: { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } ، وقال تعالى: { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ } .
ثالثًا: رد الكيد على كائده، وبيان أن الأبتر حقيقة هو شانئ النبي - صلى الله عليه وسلم -.
رابعًا: أن من الأدلة على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحة نبوته: أنه أخبر عما في نفوس أعدائه، وما جرى على ألسنتهم، ولم يكن بلغه ذلك من الناس، فكان كما أخبر.
خامسًا: أن جميع العرب وغيرهم قد عجزوا عن الإتيان بمثل هذه السورة على قصرها.
سادسًا: انتشار دين الله الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلو أمره - صلى الله عليه وسلم -، ورفع ذكره، وكثر الأنصار والأتباع، قال الله جل وعلا وتقدس: { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ } .
سابعًا: الحث على الإخلاص في الأعمال.
2719، 2720، 2721- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:(3/481)
أولاً: الأمر بإعلان البراءة من المشركين ومعبوداتهم، قال تعالى: { قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } ، وقال تعالى: { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ } الآية، وقال في آية أخرى عن موقف إبراهيم لما تبين له أن أباه عدو الله: { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } .
ثانيًا: الرد على من قال إن القرآن كلام محمد.
ثالثًا: التهديد والوعيد لمن عبد غير الله، قال تعالى: { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } ، وقال تعالى: { لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } ، وقال: { أَنتُم بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } .
2722- 2729- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: بشارة للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالنصر والفتح والعز والتمكن.
ثانيًا: الإخبار بأن الناس سيدخلون في دين الله جماعة بعد جماعة وزمرة بعد زمرة.
ثالثًا: الأمر بتسبيح الله.
رابعًا: الأمر بالاستغفار.
خامسًا: أن هذه السورة علامة أجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلمه به ربه عز وجل.
سادسًا: الحث على التوبة والاستغفار من المعاصي والذنوب.
سابعًا: الحث على حمد الله وشكره.
ثامنًا: أنه ينبغي لمن أحس بقرب أجله أن يكثر من التسبيح والتحميد لله، ويكثر من الاستغفار، ويتوب من الذنوب، قال تعالى: { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا } .
2730- 2735- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:(3/482)
أولاً: الإخبار بأن أبا لهب قد باء بالخسران والهلاك جزاء له على مواقفه المضادة لدعوة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن أبا لهب كان شديد العداوة وشديد الأذية للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك امرأته حمالة الحطب لا تأل جهدًا في الشر والأذية للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
ثانيًا: بيان أن ما جمع من المال وما كسب من الأرباح والجاه، ما دفع عنه ما حل به من عذاب الله، قال تعالى: { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } .
ثالثًا: بيان جزاءه في الآخرة، قال تعالى: { سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ } .
رابعًا: الإخبار بأن امرأته ستعذب معه؛ لأنها كانت عضده في معاكسة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإيذائه، وكانت تمشي بالنميمة والوقيعة للإفساد وإيقاد الفتنة والعداء.
خامسًا: أن في السورة دلالة على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحة نبوته؛ لأنه أخبر أن أبا لهب يموت على كفره وكان كما قال.
سادسًا: تبشيع صورة امرأة أبي لهب، قال تعالى: { وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } .
2736- 2742- من هدي القرآن للتي هي أقوم:
أولاً: إثبات وحدانية الله.
ثانيًا: كمال غناه وفقر الخلائق إليه.
ثالثًا: الرد على من قال أن لله ولد، تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا.
رابعًا: تنزيه الله عن مشابهة المخلوقين.
خامسًا: نفي الشرك عن الله بجميع أنواعه.
سادسًا: الرد على من قال إن القرآن كلام محمد.
سابعًا: نفي الزوجة عن الله، قال الله جل وعلا وتقدس: { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ } .
2743- 2746- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: تعليم رباني بالاستعاذة بالله من شر ما خلق.
ثانيًا: الاستعاذة من شر الغاسق، الظلام إذا انتشر وخيم.(3/483)
ثالثًا: الاستعاذة من شر السواحر اللاتي يستعن على سحرهن بالنفث في العقد التي يعقدونها على السحر.
رابعًا: الاستعاذة من شر الحاسد إذا حسد، والحاسد هو من يتمنى زوال نعمة الله عن الغير، قال تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ * مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } .
2747- 2750- من هدي القرآن للتي هي أقوم، ما يلي:
أولاً: تعليم رباني بالاستعاذة بالله رب كل شيء ومليكه من شر الوسواس الخناس الذي هو أصل الشرور ومادتها، وهو الشيطان.
ثانيًا: بيان محل وسوسته، وأنها صدور الناس.
ثالثًا: بيان أن الذي يوسوس نوعان: جني، وإنسي.
رابعًا: لطف الله بعباده حيث أرشدهم إلى أسباب حفظهم، قال الله جل وعلا: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِن شَرِّ الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ } .
إلى هنا ينتهي ما جمعت وألفت مما يدخل تحت قول الله عز وجل:
{ إِنَّ هَذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ }
والذي أرى أنه يدخلها تحتها جميع ما شرعه الله من الأحكام. ولكن هذا ما يسره الله وهو ألفان وثمان مئة .(3/484)