الأنوار البهية
في حل الجزرية
تأليف
العلامة الشيخ
عبد الباسط حامد محمد
الشهير بـ
عبد الباسط هاشم
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا تحويه الأقطار ، ولا تحيط بكنهه العقول والأفكار ، ولا يُغَيِّبه الليل ، ولا يُظهره النهار .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الفاعلُ المختار ، والواحد القهار ، والعزيز الغفار ، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار .
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله السيد المختار ، بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة ، وكشف الغمة ، ومحا الظلمة ، وجاهد في سبيل ربه طِيل حياته فلم يَقِرَّ له قرار ، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته وعِترته وآل بيته ، ومن دعا بدعوته واستن بسنته صلاة وسلاماً دائمين متلازمين بدوام الليل والنهار .
أما بعد :
فيقول العبد الفقير المعترف بالعجز والتقصير عبد الباسط حامد محمد ، والمشهور بين إخوانه بعبد الباسط هاشم :
أنه قد طلب منه جماعة من أولي الفضل والعقل أن أقوم بشرحٍ لمتن المقدمة المُسَاة بـ : ( الجزرية في فن التجويد ) والتي ألفها إمامنا وأستاذنا محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف الجزري الدمشقي بلداً ـ رضي الله تبارك وتعالى عنه ـ ، فلبيت طلبهم مع أني خاوي الوفاض بادي الإنفاض كاسد الصناعة قليل البضاعة ، ولولا اتهامي بكتمان العلم ما قَدِمت على ذلك ، اتهاماً لعقلي الكليل وذهني الثقيل ، وبالله تعالى أستعين وعليه أتوكل ، وإليه أنيب .
فأقول وبالله التوفيق :
إن كلامي في هذا الشرح سيكون منصباً على أحكام القرآن مُلتَفِتاً فيه إلى كيفية التلاوة ، مُعرِضاً عن الأحاجي النحوية ، والمشكلات البلاغية ، فلا أتعرض لاختلاف النحويين ، ولا لإعراب كلمة إلا إذا كانت تخدم التلاوة ، أو تبين حكماً من أحكامها ، فأقول وبالله التوفيق :
الفصل الأول
في ذكر شيء من أحوال الناظم رضي الله تبارك وتعالى عنه(1/1)
هو الإمام العالم العامل العلامة : أبو الخير محمد شمس الدين بن محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف بن الجزري ، وبعضهم اقتصر على : محمد بن محمد بن محمد لكن الإمام النويري في شرحه للطيبة صرح بأنها أربعة محمدات ، والجزري نسبة إلى جزيرة ابن عمر بديار بكر من أعمال سوريا ، ولد رضي الله تبارك وتعالى عنه بدمشق سنة إحدى وخمسين وسبعمائة من الهجرة سمع الحديث من العالم الفاضل صلاح الدين محمد بن إبراهيم المقدسي بن عبد الله المقدسي الحنبلي ، ومن الشيخ ابن أميلة أبو حفص عمر بن زيد بن جعفر المراغي ، ومن المحب بن عبد الله ، وكلهم عن الفخر بن البخاري ، ومن غيرهم كالقاضي زين الدين بن عبد الرحيم الأسنوي الشافعي ، وأيضا سمع من ابن عسكر رضي الله عنهم أجمعين ، وابن عميرة وغيرهم .
واشتهر بعلمي القراءات والحديث حتى برع فيهما ، ومهر وفاق جميع أهل عصره ، وتفقه على الشيخ عماد الدين بن كثير صاحب التفسير ، وهو أول من أذن له في الفتوى والتدريس ، وولي مشيخة الصالحية ببيت المقدس مدة ، وقدم القاهرة مراراً وسمع من المُسْندِينَ بها ، وبنى بدمشق داراً للقرآن فجزاه الله عنا خيراً ، ثم ارتحل إلى بلاد الروم ومكث بها حتى دهمها المشركون فانطلق إلى بلاد فارس ، وتولى بها قضاء شيراز وغيرها ، وانتفع به أهل تلك الناحية في الحديث والقرآن ، ثم حج وقدم القاهرة ، وحج منها مرة أخرى ، وأقام بمكة أشهراً ، ثم رحل إلى اليمن ثم عاد منها إلى مكة مرة أخرى ، فحج ثم قدم القاهرة في كل ذلك يُعَلِّم وينتفع به الناس في القرآن والحديث ، وله في سائر العلوم باع طويل حتى أني سألت شيخي يوماً : ما العلم الذي لا يحسنه ابن الجزري ؟ . فقال : ما من علم إلا وأتقنه ابن الجزري .
وله تأليفات في القرآن تجويداً ، ووقفاً وابتداءً ، وتفسيراً ، وأسباب نزول ، وفي المصطلح ، وفي الحديث ، وفي الطب ، وفي الحساب ، وكل علم يخطر على البال لابن الجزري فيه نصيب .(1/2)
هذه مقدمة وجيزة تعَرَّفنا فيها على شيء من أحوال الناظم رضي الله تبارك وتعالى عنه ، ومن شاء أن يستزيد فأمامه كتب الطبقات والتراجم التي تحدثت عن حياة الإمام و ترجمت له ـ رضى الله تبارك وتعالى عنه ـ ، وهي كثيرة فليس مجالنا ، هذا يكفي لترجمة هذا العالم الفاضل والإمام الحبر قال :
( بسم الله الرحمن الرحيم ) :
ابتدأ بـ ( بسم الله ) لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بسم الله فهو أجزم )(1) وفي رواية ( فهو أبتر) وفي رواية أخرى (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله رب العالمين فهو أقطع )(2)
قال رضي الله تبارك وتعالى عنه : -
( يَقُولُ رَاجِي عَفْوِ رَبٍّ سَامِعِ ) :
( عفوِ ) على أنها مضافة ، ولا ينفع ( عفوَ ) إلا إذا أعملنا اسم الفاعل ولا يعمل اسم الفاعل إلا منوناً أو معرفة ؛ كأن تقول ( يقول راجٍ عفوَ) أو تقول ( يقول الراجي عفوَ ) فيما سوى ذلك إضافتها أفضل .
وقال : ( عفوِ ربِّ سامع ) كان المفترض أن يقول : ( سميعاً ) لكنه اكتفى من الصفة ببعضها حسب ما يلزمه ، ومعنى ( سامع ) أي يسمع رجائي ويحقق آمالي ويستجيب دعائي.
( مُحَمَّدُ بْنُ الْجَزَرِيِّ الشَّافِعِي ) :
__________
(1) ضعيف جدا . رواه السبكي في طبقات الشافعية 1/6 ، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي ( 402) ، وخرجه الألباني في إرواء الغليل 1/29حديث ( 1 ) .
(2) ضعيف . رواه ابن حبان ( 1، 2) ، والخطيب في تاريخه ( 2700) ، والبيهقي في الشعب ( 4179) وفي الدعوات الكبير ( 1) ، و الطبراني في الكبير ( 15527) ، وابن الأعرابي في معجمه ( 355) ، وعبد الرازق في مصنفه ( 10208) ، وابن أبي شيبة في مصنفه ( 25227) ، والنسائي في الكبرى مرسلا ( 9897، 9898) ، والدارقطني في سننه ( 755، 756) وأبو داود في سننه ( 4203) ، وابن ماجة ( 1884) ، ,خرجه الألباني في الإرواء 2/29( 2 ) .(1/3)
أي الشافعي مذهباً لأنه ـ رحمه الله ـ كان يتمذهب بمذهب الشافعي وإن كان فقيهاً بالمذاهب الأُخَر فمثل ذلك لا يخفى عليه وقد ذكرنا أنه كان عالماً موسوعياً رحمه الله .
قال الناظم :
(الْحَمْدُ للَّهِ) وَصَلَّى اللَّهُ ... عَلَى نَبِيِّهِ وَمُصْطَفَاهُ
بدأ بالحمد لِمَا أشرنا إليه من الحديث الوارد ، وحتى يُبَارك عمله ، ويكلل بالنجاح سعيه ، والصلاة من الله رحمات ورفع درجات ، ومن الملائكة استغفار ، ومن المؤمنين تضرع ودعاء .
وقال : ( على نبيه ) ولو قال على ( رسوله ) لكان أجود لأن كل رسول نبي وليس العكس ، ولو جمع بين الصلاة والسلام لكان أجود لكراهة الصلاة دون السلام ، قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً )(1) .
ومعنى ( ومصطفاه ) أي : خيرته لتحمل رسالته ، قال تعالى ( الله أعلم حيث يجعل رسالته).
( مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ) :
وهم مؤمنو بني هاشم ومؤمنو بني عبد المطلب على أصح الأقوال ، وأصله ( أهل) لتصغيره على ( أهيل ) قلبت الهاء همزة والهمزة ألفاً ، وقيل ( أَوَل ) لتصغيره على (أُوَيل ) قلبت الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها ، ولا يستعمل إلا في الأشراف والعقلاء .
وأما ( وَصَحْبِهِ ) فهو اسم جَمْع لصاحب عند سيبويه .
و( الصحابي ) في أصح الأقوال كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم ولو لحظة .
( وَمُقْرِئِ الْقُرْآنِ ) :
( المقرئ ) هو الذي تعلم على الأشياخ أو الأسانيد المتصلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك عكس القارئ ، وياء الجمع حذفت لالتقاء الساكنين.
( مَعْ مُحِبِّهِ ) :
طلب أن يعم الصلاة ويعم السلام جميع قراء القرآن العاملين به وجميع محبي القرآن ، ومحبي قراء القرآن .
( وَبَعْدُ إِنَّ هَذِهِ مُقَدِّمَهْ )
بكسر الدال
( فِيمَا عَلَى قَارِئِهِ أَنْ يَعْلَمَهْ )
__________
(1) الأحزاب - 33(1/4)
غَيَّب الضمير ليدل على عظمة المضمر عليه أي القرآن ، والمعنى هذه أرجوزة تجمع فيها ما يجب علمه على قارئ القرآن من أحكام التلاوة .
(إذْ وَاجِبٌ عَلَيْهِمُ )
أي على القراء .
( مُحَتَّمُ ) تأكيد للوجوب .
(قَبْلَ الشُّرُوعِ ) أي في القراءة .
( أَوَّلاً أَنْ يَعْلَمُوا )
أقول إن هذا الوجوب على من نقصت تلاوته نقصاً مخلاً بأحكام القرآن ، والنقص في التلاوة نوعان نقص يسمى :( اللحن الجلي ) ، ونقص يسمى : ( اللحن الخفي ) :
فاللحن الجلي : كأن ينصب مرفوعاً أو يجر منصوباً ، فهذا هو اللحن الجلي ، فمثل هذا الصنف هو المعني بقوله : ( إذ واجب عليهم محتم ) .
أما أصحاب اللحن الخفي بأن ترك إخفاءاً أوترك مداً أو قَصَر لازماً ، أو أظهر إدغاماً أوترك إخفاءا ، فإن مثل هذا يُرشَد ولا يُتَحَتَّم عليه الوجوب ، بل يسن له أن يتعلم التجويد ليكون من المهرة بالقرآن طلباً للمنزلة العليا ، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران )(1) ، ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قراءته فاسدة أو باطلة ، ومن هنا نعلم أن المعنيين بالوجوب المُحَتَّم هم أصحاب اللحن الجلي لا أصحاب اللحن الخفي .
ثم قال:
......................... ... ........... أن يعلموا
مخارج الحروف و الصفات ... ليلفظوا بأفصح اللغات
( المخارج ) : جمع مخرج ، والمخرج للحرف هو المكان الذي يخرج منه الحرف كاللسان ، أو الشفتين ، أو الجوف ، أو الحلق .
ويمثل ذلك : بمكان الميلاد للإنسان فإن عرف أين ولد ؟. وما بلده ؟ . فذلك بمنزلة المخرج للحرف ، ومادمنا قد عرفنا أين ولد ؟ وما بلده ؟ عرفنا صفته ، وكيفية معاملته ، وهل هو ضَيِّق الأخلاق ؟ . أم هو رحب الصدر ؟. أم هو سهل ، أم هو صعب ، وهكذا ... وهذا معنى المخارج والصفات .
__________
(1) متفق عليه . رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة .(1/5)
وقوله :
( لِيَلْفِظُوا بِأَفْصَحِ اللُّغَاتِ )
أي إذا علموا كيفية المخارج وأعدادها ، وكيفية الصفات وأعدادها ، قامت الحروف مقامها ، وأخذت حقها ومستحقها ، فكان لفظه بأفصح اللغات ، وهي لغة العرب .
قال صلى الله عليه وسلم :( أُحِبُّ العرب لثلاث : لأني عربي ، والقرآن عربي ، ولسان أهل الجنة في الجنة عربي )(1) فأفصح اللغات أي اللغة العربية .
( مُحَرري ) أي واجب عليهم أن يعلموا ما ذكر حال كونهم محرري أي:محققي .
( التَّجوِيدِ وَالمَوَاقِفِ ) يعنى أن يعلموا مخارج الحروف وصفاتها ، والتجويد ، والوقف والابتداء .
سُئِلَ الإمام علي كرم الله وجهه عن قوله تعالى : ( ورتل القرآن ترتيلاً ) فقال : هو معرفة الوقوف ، وتجويد الحروف .
وقوله : ( والمواقف ) يعنى محال الوقوف ومحال الابتداء .
( وما الذي رُسِّمَ في المصاحف ) أي يعلموا علوم رسم المصحف ، كذا قرأناها (رُسِّمَ ) وقرئت ( ما الذي رُسِمَ في المصاحف ).
( من كل مقطوع وموصول بها ) ، أي يعلموا المقطوع والموصول .
( وتاءِ أنثى لم تكن تُكتَب بها ) أي يعلموا أقسام التاءات في القرآن الكريم ، وهى تنقسم إلى أقسام سنذكرها فيما بعد إن شاء الله .
والتجويد لغةً : التحسين .
واصطلاحاً : إعطاء كل حرف حقه ومستحقه مخرجاً وصفةً .
وطَريقه التَّلَقِّي من أفواه الشيوخ ، قال تعالى ( وإنك لتُلَقَّى القرآن من لدن حكيم عليم )(2) فقال : ( تُلَقَّى ) ولم يقل ( تسمع ) أو( تقرأ ) فالرسول صلى الله عليه وسلم يتلقاه عن جبريل ، وجبريل يَتَلَقاه عن اللوح المحفوظ ، واللوح المحفوظ عن رب العزة جل وعلا .
__________
(1) موضوع . رواه الطبراني في الكبير ( 11296) ، والأوسط ( 5727) ، والخطيب في تاريخ دمشق ( 7676، 7244) والبيهقي في الشعب ( 1407 ، 1556) ، والحاكم في المستدرك ( 7072، 7073) ، ,خرجه الألباني في الضعيفة ( 160) ، وفي ضعيف الجامع ( 173) .
(2) النمل - 27.(1/6)
ومعرفة الوقف والابتداء والمرسوم في المصاحف من المقطوع والموصول وتاء التأنيث ، فإذا استكمل ذلك القارئ كان مجوداً حقاً .
باب
مخارج الحروف
قال الناظم :
مَخَارِجُ الحُرُوفِ سَبْعَةَ عَشَرْ ... عَلَى الَّذِي يَخْتَارُهُ مَنِ اخْتَبَرْ
أي من اختبر ذلك من أهل المعرفة كالخليل بن أحمد(1) ، وستة عشر على قول سيبويه بإسقاط حروف الجوف ، وأربعة عشر على قول الفراء بإسقاط ذلك ، وجَعل مخرج النون واللام والراء واحداً ويصير أنواع المخارج خمسة :
الجوف ، والحلق ، واللسان ، والشفتين ، والخيشوم ، ويعمها الفم .
وإذا أردت معرفة مخرج الحرف : فسكنه وأدخل عليه همزة الوصل وأَصْغِ إليه ، فحيث انقطع صوته كان مخرجه ، هذا ضابط لجميع الحروف .
(فَأَلِفُ الجَوْفِ ) ، أي مخرج الألف اللينة المعتلة ، الجوف : وهو الخلاء الداخل في فم فلا حيز له محقق .
(وأُخْتَاهَا) وهما الواو والياء الساكنتان سكوناً معتلاً ، فإذا سكنتا سكوناً أصلياً كان لهما حيز محقق ، والفرق بين المعتل والأصلي أن المعتل يجانسه ما قبله فيُكسر ما قبل الياء ويُضم ما قبل الواو، فإن تحركتا أو سكنتا سكوناً أصلياً كان لهما مخرج آخر كما سيأتي .
وقوله (وَهِي) ـ يعني الألف وأختاها .
( حُرُوفُ مَدٍّ للْهَوَاءِ تَنْتَهِي) أي تخرج من الخلاء في الفم وهو الجوف ثم ينتهي إلى الهواء أي خارج الفم ، وسميت حروف المد واللين لأنها تخرج بامتداد ولين ، أي بغير كلفة ، وذلك لاتساع مخرجها .
(ثُمَّ لأَقْصَى الحَلْقِ ) أي أبعده مما يلي الصدر (هَمْزٌ هَاءُ).
(ثُمَّ لِوَسْطِهِ فَعَيْنٌ حَاءُ) وقرئ لِوَسَطِه(2) .
(أَدْنَاهُ غَيْنٌ خَاؤُهَا ) والأدنى أقرب الحلق .
__________
(1) أي على سبعة عشر مخرجا كقول الخليل ومن وافقه .
(2) لوسطه بفتح الواو .(1/7)
فمخارج الحلق ثلاثة ، وحروفه ستة ، وقيل : سبعة على إدخال الألف من الحلق لأنها إذا يبست صارت همزة ، وإذا لانت فهي حرف مد ، وخروجها أصلاً من الحلق كذا قال الشاطبي(1) وبعضهم ، وتسمى هذه الحروف حلقية .
ثم لَمَّا فرغ من الحلق وحروفه أخذ في بيان مخارج اللسان وحروفه فقال :
(والْقَافُ أَقْصَى اللِّسَانِ فَوْقُ ) أي فوق الحلق مما يلي الحنك الأعلى فهذا مخرج القاف .
(ثُمَّ الْكَافُ أَسْفَلُ) أي أسفل من ذلك أي تحت القاف من الحنك الأعلى ، ويسمى الحرفان لَهَوِيَّان لأنهما يخرجان من اللهة مع أقصى اللسان، واللهاة : هي اللحمة المشرفة على الحلق وجمعها ( لُهَىً ولهيات ، ولَهَوَات )(2) .
ثم قال (وَالْوَسْطُ) وقرئت ( والوَسَط(3) ) ، (فَجِيمُ الشِّينُ يَا) أي وسط اللسان مما يليه من وسط الحنك الأعلى مخرج الجيم ، والشين ، والياء .
وأعني بالياء المتحركة أو الساكنة سكوناً صحيحاً ، وإلا فقد مضى مخرج الياء إذا كانت معتلة ، وقدم بعضهم الشين على الجيم ، وتسمى هذه الأحرف الثلاثة شجرية لخروجها من شجر الفم وهو منفتح بين اللحيين .
(وَالضَّادُ مِنْ حَافَتِهِ إِذْ وَلِيَا) الألف هنا للإطلاق .
(لاضْرَاسَ) نقل حركة همزة الوصل إلى اللام ليستقيم النظم ، والمعنى أن الضاد مخرجها من حافتي اللسان ، والحافة من الجانب الأيمن أو الأيسر أوكليهما .
__________
(1) قال الشاطبي :
ثلاث بأقصى الحلق واثنان وسطه وحرفان منها أول الحلق جملا
ثم ذكر الشاطبي الحروف فقال : ( أهاع حشا غاو خلا ) .
(2) المصباح المنير 2/559.
(3) والوسط بفتح الواو والسين .(1/8)
والكثرة الكاثرة ينطقون بالضاد من الحافة اليسرى ، وقليل من يجيدون نطقها من الحافة اليمنى ، وأقل وأعسر من يجيدون نطقها من الحافتين ، وقد قيل إن عمر ـ رضي الله تبارك وتعالى عنه ـ كان ينطق الضاد من الحافتين ، وهي أصعب الحروف نطقاً ، ولذا يستحب أن ينطق بها حسبما تسير ، قال تعالى :( فاتقوا الله ما استطعتم )(1) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أني قرشي )(2) ، وفى رواية ( بيد أني من قريش ) .
وتنطع الكثير في هذا الحرف حتى جعلوه ظاءاً ، فالبعض يقول : ( ولا الظالين ) وإذا سألته قال : أتحرى الضاد ، وهو تغيير لمعاني القرآن أعاذنا الله من ذلك ، وسيأتي قول الناظم رضي الله تبارك عنه :
وَالضَّادَ بِسْتِطَالَةٍ وَمَخْرَجِ ... مَيِّزْ مِنَ الظَّاءِ 00000000000
فإذا قلنا : ( ولا الظالين ) فأي فرق بين الضاد والظاء ؟ وإذا قلنا ( أنقظ ظهرك ) فأي فرق بين الضاد والظاء ؟ وهذا كله من بدع القراء في هذا الزمان أعاذنا الله من ذلك بمنه آمين .
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( بَيْدَ ) أي من أجل أني من قريش ، وهم أفصح العرب أي فأنا أفصح العرب صلى الله عليه وسلم .
قال :
(وَاللاَّمُ أَدْنَاهَا لِمُنْتَهَاهَا)
أي واللام من أدنى الحافة إلى منتهاها مما يلي الحنك الأعلى ، وذلك له حكمة فإن (اللام ) تأتي في القرآن الكريم على نوعين : نوع مغلظ ، ونوع مرقق ، فالمرقق من أدنى الحافة ، والمغلظ من منتهاها .
وقوله :
(وَالنُّونُ مِنْ طَرْفِهِ تَحْتُ اجْعَلُوا)
أي تحت اللام أي اجعلوا يا قراء تحت اللام مخرجها .
وقال :
(وَالرَّا يُدَانِيهِ لِظَهْرٍ أَدْخَلُوا)
(وَالرَّا يُدَانِيهِ ) أي يداني مخرج النون ومعنى يدانيه أي يقاربه .
__________
(1) التغابن - 16.
(2) لا أصل له . المقاصد الحسنة للسخاوي (122) ، الفوائد المجموعة للشوكاني ( 1018) .(1/9)
و(أَدْخَلُوا) أي والراء أدخلوا إلى ظهر اللسان قليلاً ، وذلك لانحرافه إلى ( اللام) ويقضي هذا بتقديم ( الراء ) على ( النون ) وهو أولى ، وذهب يحيى والفراء وقطرب والجرمي إلى توحيد مخرج الحروف الثلاثة ، والأولى ما ذكره الناظم على ما يظهر .
وتسمى هذه الأحرف زلقية لخروجها من زلق اللسان وهو طرفه .
وقوله :
(وَالطَّاءُ وَالدَّالُ وَتَا مِنْهُ )
أي هذه الأحرف الثلاثة تخرج من طرف اللسان أيضاً ومن أصول عليا الثنايا ، وتسمى الثلاثة نطعية لخروجها من نَطْع غَار الحنك الأعلى وهو سقفه.
وقوله :
(والصَّفِيْرُ مُسْتَكِنْ)
أي حروف الصفير وهي : الصاد ، والزين ، والسين .
وقوله :
( مستَكِنْ )
أي طرف اللسان مستكن بين الثنايا العليا والسفلى فلا هو إلى الثنايا العليا أقرب ، ولا إلى السفلى أقرب فهو بينها مستكن .
لذا قال :
(مِنْهُ وَمِنْ فَوْقِ الثَّنَايَا السُّفْلَى)
وتسمى هذه الحروف أسلية ، وذلك لخروجها من أسلة اللسان أي مستدق طرفه ، وسيأتي معنى تسميتها بالصفير في الكلام على الصفات إن شاء الله .
وقوله :
(وَالظَّاءُ وَالذَّالُ وَثَا لِلْعُلْيَا)
يعنى مخرج الظاء ، والذال ، والثاء من طرف اللسان ملتصقاً بأطراف الثنايا العليا ، وتسمى هذه الأحرف الثلاثة : لثوية نسبة إلى اللثة وهى اللحم النابت حول الأسنان.
وقوله:
(مِنْ طَرَفَيْهِمَا )
أي من طرف اللسان وطرف الثنايا العليا .
ويتضح من ذلك أن مخارج اللسان عشرة ، وحروفه ثمانية عشر .
ثم أخذ في بيان مخارج الشفتين وحروفهما فقال :
(وَمِنْ بَطْنِ الشَّفَهْ)
أي السفلى مع أطراف الثنايا العليا مخرج الفاء .
0000000وَمِنْ بَطْنِ الشَّفَهْ ... فَالْفَا مَعَ اطْرافِ الثَّنَايَا المُشْرِفَهْ
ونقل حركة الهمزة للساكن قبله ليتم النظم .
ثم قال :
(لِلشَّفَتَيْنِ الْوَاوُ بَاءٌ مِيْمُ)
بانفتاحهما من الأول وانطباقهما في الآخرين .(1/10)
والواوالمعنية هي الساكنة سكوناً صحيحاً أوالمتحركة ، وإلا فقد مضى بيان مخرجها معتلة .
ثم قال (وَغُنَّةٌ مَخْرَجُهَا الخَيْشُومُ) .
صفات الحروف
للحروف صفات بها تتميز الحروف المشتركة بعضها عن بعض والصفة للحرف كالصفة للإنسان خَلقاً وخُلقاً ، فإذا علم خَلقه وعلم منشأه سهل التعامل معه .
كذلك الحرف إذا علم مخرجه وعُلمت صفاته سهل النطق به ، فالمخرج للحرف كالميزان تعرف به كميته ، والصفة له كالناقد تعرف بها كيفيته .
وصفات الحروف سبعة عشر ؛ خمس لها أضداد فتلك عشرة ، وسبعة لا ضد لها ، وقد بيَّنَها الناظم فقال :
صِفَاتُهَا جَهْرٌ وَرِخْوٌ مُسْتَفِلْ ... مُنْفَتِحٌ مُصْمَتَةٌ وَالضِّدَّ قُلْ
ومعنى ( صفاتها ) المشهورة ( جهر ورِخو ) بكسر الراء واستفال وانفتاح وإصمات .
(وَالضِّدَّ قُلْ) أي والضد فاعلم فالجهر ضده الهمس .
ولذا قال :
(مَهْمُوسُهَا (فَحَثَّهُ شَخْصٌ سَكَتْ))
أي هذه الحروف العشرة هي حروف الهمس ، فيكون الباقي حروف الجهر.
ثم قال :
(شَدِيْدُهَا لَفْظُ (أَجِدْ قَطٍ بَكَتْ))
فهذه الحروف الثمانية هي حروف الشدة فيكون الباقي حروف الرخاوة .
ثم قال :
(وَبَيْنَ رِخْوٍ وَالشَّدِيدِ ( لِنْ عُمَرْ))
هذه الحروف الخمسة بين الرخاوة والشدة ، وهذه صفة لا ضد لها فتكون باقي الحروف إما رِخْوَة وإما شديدة .
وقوله :
(وَسَبْعُ عُلْوٍ (خُصَّ ضَغْطٍ قِظْ) حَصَرْ)
أي حصرها العلماء وجمعوها في هذه الأحرف فلا سوى هذه الحروف السبعة حروف استفال .
وقوله :
(وَصَادُ ضَادٌ طَاءُ ظَاءٌ مُطْبَقَهْ)
فلا سوى هذه الحروف الأربعة حروف انفتاح .
(وَ (فِرَّ مِنْ لُبِّ) الحُرُوفِ المُذْلَقَهْ)
أي وهذه الأحرف الستة حروف الإزلاق فما سواها حروف إصمات ، ومعنى ( فر من لب ) أي هرب الجاهل من العاقل .
ثم أخذ في بيان الصفات التي لا ضد لها فقال :
(صَفِيرُهَا صَادٌ وَزَايٌ سِينُ)
هذه واحدة .
(قَلْقَلَةٌ (قُطْبُ جَدٍّ))
تلك الثانية .
(........................ .... .....................(1/11)
وَاللِّينُ
وَاوٌ وَيَاءٌ سَكَنَا وَانْفَتَحَا قَبْلَهُمَا......................)
يعنى واو وياء سكنا سكوناً صحيحاً وقبلها مفتوح كصيف وبيت وخوف فهذه ثلاثة .
وقوله :
(................................. .......... وَالانْحِرَافُ صُحَّحَا
فِي اللاًَّمِ وَالرَّا ............ ....................................... )
هذه صفة الانحراف وهي الصفة الرابعة في اللام والراء .
ثم قال :
(وَبِتَكْرِيرٍ جُعِلْ)
أي الراء اختص بصفة التكرير وهى الصفة الخامسة .
ثم قال :
(وَللتَّفَشِّي الشِّيْنُ )
وهو الصفة السادسة .
ثم قال :
(ضَادًا اسْتُطِلْ)
هكذا حفظناها وقُرِئت ( استَطِل ) أي أطلها أيها القارئ و( استُطِل ) على البناء ، وتلك هي الصفة السابعة ، فتمت سبع عشرة صفة كما ذكرنا .
فائدة :
وهذه نبذة بينّا فيها ما يتماثل من الحروف وما يتقارب وما يتجانس ، وبعضهم ذكر المتباعد ولكن أشياخي لم يذكروه ، ونبين فيها ألقاب الحروف كما ذكرها الخليل بن أحمد وهي عشرة ألقاب ، ونبين فيها معاني الصفات المتضادة ، وغير المتضادة ، ونذكر ما لكل حرف مخرجًا وصفةً حتى تتم الفائدة إن شاء الله فنقول وبالله التوفيق :
أما المتماثل فما اتفق مخرجاً وصفة وذاتاً كـ : ( الباء مع الباء ، والميم مع الميم ، والتاء مع التاء ، واللام مع اللام ) ، وهلم جرا .
وأما المتجانس فعدة حروفه إحدى وعشرون حرفاً :
أولاً وثانياً : الهمزة والهاء ، فإذا جاءت الهمزة مع أي حرف من حروف الحلق غير الهاء فهي متقاربة لا متجانسة .
الثالث والرابع : العين والحاء ، فإذا جاءت إحداهما مع غير أختها فهي متقاربة .
الخامس والسادس : الغين والخاء ، فإذا جاءت إحداهما مع غير أختها فهي متقاربة.
السابع والثامن والتاسع : الباء والميم والواو ولا تقارب في هذه الثلاثة البتة إلا في الفاء(1/12)
العاشر والحادي عشر والثاني عشر : الصاد والزاي والسين أي حروف الصفير فإذا جاء حرف منها مع غير أخيه فهو متقارب إلا حروف الحلق والشفتين .
الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر : الطاء والدال والتاء إذا جاء حرف منها مع غير أخيه من حروف اللسان فهو متقارب .
السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر: الثاء والظاء والذال إذا جاء مع أي حرف من حروف اللسان غير أخيه فهو متقارب .
التاسع عشر والعشرين والحادي وعشرين : الجيم والشين والياء إذا جاء حرف منها مع غير أخيه من حروف اللسان فهو متقارب .
هذا هو المتجانس وما سواه فهو متقارب .
وقد علمت المتماثل : إذا سكن الأول وتحرك الثاني فهو صغير ، وإذا تحركا معاً فهو كبير ، وإذا تحرك الأول وسكن الثاني مثل قوله : ( فإن زلَلْتم )(1) فهو مطلق .
إن كان مظهراً فمظهر وإن كان مدغماً فمدغم ، تقول إدغام متقاربين صغير ، أو إدغام متجانسين صغير، أو إظهار متقاربين صغير ، أو إظهار متقاربين كبير أو مطلق ، والمطلق لا يأتي فيه إدغام أبداً .
وقد لقب الخليل بن أحمد الحروف بألقاب عشرة وهي :
أولاً وثانياً : جوفية هوائية وهي حروف العلة والمد .
ثالثاً ورابعاً : حلقية ولهوية وهي حروف الحلق والقاف والكاف .
خامساً : شجرية
سادساً وسابعاً : زلقية ، ونطعية
ثامناً وتاسعاً : أسلية ، ولثوية
عاشراً : شفوية
وقد بينها الشيخ السمنودي في لآلىء البيان فقال :
وَأَحْرُفُ المَدِّ إِلى الجَوْفِ انْتَمَتْ ... وَهَكَذَا إِلى الهَوَاءِ نُسِبَتْ
وَأَحْرُفُ الحَلْقِ أَتَتْ حَلْقِيَّةْ ... وَالقَافُ وَالكَافُ مَعًا لَهْويَّةْ
وَالجِيمُ وَالشِّينُ وَيَاءٌ لقبت ... مَعْ ضَادِهَا شَجْريَّةً كَمَا ثَبَتْ
وَاللامُ وَالنُّونُ وَرَا ذَلْقِيَّةْ ... وَالطَّاءُ وَالدَّالُ وَتَا نِطْعِيَّةْ
__________
(1) وبيان المثل أن لفظ زللتم اللام الأولى فيها مفتوحة ، والثانية ساكنة وزللتم مثال للمطلق .(1/13)
وَأَحْرُفُ الصَّفِيرِ قُلْ أَسْلِيَّةْ ... وَالظَّاءُ وَالذَّالُ وَثَا لِثْويَّةْ
وَالفَا وَمِيمٌ بَا وَوَاوٌ سُمِّيَتْ ... شَفْوِيةً فَتِلْكَ عَشْرَةٌ أَتَتْ
وإنما قلنا إن الضاد شجرية لأنها تخرج من حافتي اللسان مع الأضراس فهي مفرعة ، وقد تقدم في المخارج بيان ذلك كله .
ومعنى الذلقية : نسبة إلى ذلقة اللسان ، وهو منتهى طرفه ، والشفوية نسبة إلى الشفتين ، والله أعلم .
وهذا بيان معاني الصفات السبع عشرة فنقول وبالله التوفيق :-
أولاً : الهمس : وهو لغةً : الخفاء ، واصطلاحاً :جريان النفس عند النطق بالحرف لضعف مخرجه .
ثانياً : الجهر : وهو ضد الهمس ومعناه لغةً : الظهور والإعلان ، واصطلاحاً : جريان النفس عند النطق بالحرف لقوة مخرجه .
ثالثاً : الشدة : وهي ضد الرخاوة ومعناها لغةً : القوة ، واصطلاحاً : انحباس جريان الصوت عند النطق بالحرف لتمام الاعتماد على قوة المخرج .
رابعاً : التوسط : أعني بين الرخاوة والشدة ومعناه لغةً : الاعتدال ، واصطلاحاً : اعتدال النفس والصوت عند النطق بالحرف.
خامساً : الرخاوة : وهي ضد الشدة والوسط ومعناها لغةً : اللين ، واصطلاحاً : جريان الصوت والنفس عند النطق بالحرف لضعف مخرجه .
سادساً : الاستعلاء : وهو ضد الاستفال ومعناه لغةً : العلو والارتفاع ، واصطلاحاً ارتفاع جزء كبير من اللسان إلى الحنك الأعلى عند النطق بحروفه .
سابعاً : الاستفال : وهو ضد الاستعلاء ومعناه لغةً : الانخفاض ، واصطلاحاً انخفاض اللسان إلى قاعة الفم عند النطق بأكثر حروفه .
ثامناً : الإطباق : وهو ضد الانفتاح ومعناه لغةً الإلصاق ، واصطلاحاً إطباق اللسان على الحنك الأعلى عند النطق بحروفه بحيث ينحصر الصوت بينهما أعني بين اللسان والحنك الأعلى .
تاسعاً : الانفتاح : وهو ضد الإطباق ومعناه لغةً الافتراق ، واصطلاحاً تجافي اللسان عن الحنك الأعلى ليخرج الريح مع النطق ببعض الحروف.(1/14)
عاشراً : الإزلاق : وهو ضد الإصمات ومعناه لغةً : حِدَّة اللسان وبلاغته وطلاقته ، واصطلاحاً سرعة النطق بالحرف وسهولة خروجه وطلاقته وخروجه من زَلْق اللسان أي من طرفه أومن الشفتين أومن إحداهما .
الحادي عشر : الإصمات : وهو ضد الإزلاق ومعناه لغة : المنع يقال صمت عن الكلام أي منع نفسه أن يتكلم ، واصطلاحاً : ثقل الحرف وشدة خروجه لبعده عن زلق اللسان أي عن طرف اللسان .
وهذا بيان الصفات السبع التي لا ضد لها وبعضهم أوصلها إلى تسع صفات وسنذكر بيانها جميعاً فنقول :
أولا : الصفير ، وهو لغةً : صوت يشبه صفير الطائر أي لغته عند النطق بحروفه ، واصطلاحاً : صوت زائد يخرج من بين الثنايا وطرف اللسان .
ثانياً : القلقلة ، ومعناها لغةً : الاضطراب والرَّجْرَجَة ، واصطلاحاً : اضطراب الصوت عند النطق بالحرف حتى يسمع له نبرة قوية .
ثالثاً : اللين ، معناه لغةً : السهولة ، واصطلاحاً : إخراج الحرف سهلا دون كلفة على اللسان.
رابعاً : الانحراف ، ومعناه لغةً الميل والعدول عن الجادة ، واصطلاحاً الميل بالحرف بعد خروجه من مخرجه عند النطق حتى يُخَيَّل للسامع أنه اتصل بمخرج آخر .
خامساً : التكرير ، ومعناه لغةً : الإعادة ، واصطلاحاً : ارتعاد طرف اللسان عند النطق بالحرف .
سادساً : التفشي ، ومعناه لغة : الانتشار والاتساع ، واصطلاحاً : انتشار خروج الريح بين اللسان والحنك الأعلى عند النطق بالحرف .
سابعاً : الاستطالة ، ومعناها لغةً : الامتداد ، واصطلاحاً : إطالة الصوت مما يلي إحدى حافتي اللسان إلى آخرها عند النطق بالحرف .
ثامناً : الخفاء ، وهو لغةً : الاستتار ، واصطلاحاً : خفاء صوت الحرف عند النطق به.
تاسعاً : الغنة ، ومعناها لغةً : الضمة ، واصطلاحاً : صوت لطيف يخرج من الخيشوم كأنه غزالة ضاع وليدها .
وتماماً للفائدة هذه ترتيب الحروف على المخارج أولاً فأولاً ، فنقول :-(1/15)
الهمزة ، والهاء ، والعين ، والحاء ، والغين ، والخاء ، والقاف ، والكاف ، والجيم ، والشين ، والياء ، والضاد ، واللام ، والنون ، والراء ، والطاء ، والدال ، والتاء ، والظاء ، والذال ، والثاء ، والصاد ، والسين ، والزاي ، والفاء ، والواو، والباء ، والميم ، والغنة .
وهذا بيان كل حرف مخرجاً وصفةً فنقول وبالله التوفيق :-
الهمزة : مخرجها من أقصى الحلق ، صفاتها : جهرية ، شديدة ، مستفلة ، منفتحة ، ومصمتة .
والباء : مخرجها من الشفتين ، صفاتها : جهرية ، شديدة ، منفتحة ، مستفلة ، مذلقة ، مقلقلة .
التاء : مخرجها من طرف اللسان مع أطراف الثنايا العليا ، صفاتها : همسية ، شديدة منفتحة ، مستفلة ، مصمتة .
الثاء : مخرجها من طرف اللسان بمساعدة الثنايا العليا مع بروز لطرف اللسان عند النطق بها ، صفاتها : همسية ، رخوة ، مستفلة ، منفتحة ، مصمتة .
الجيم : مخرجها من وسط اللسان مع ارتفاع قليل إلى سقف الحنك الأعلى ، صفاتها : جهرية ، شديدة ، منفتحة ، مصمتة ، مستفلة ، مقلقلة .
الحاء : مخرجها من وسط الحلق ، صفاتها : همسية ، رخوية ، منفتحة ، مستفلة ، مصمتة .
الخاء : مخرجها من أدنى الحلق ، صفاتها : همسية ، مستعلية ، رخوة ، منفتحة ، مصمتة .
الدال : مخرجها طرف اللسان بمساعدة الثنايا العليا صفاتها : جهرية ، شديدة ، منفتحة ، مصمته ، مقلقلة ، مستفلة .
الذال : كالثاء مخرجاً ونطقاً ، وصفاتها : جهرية ، رخوة ، منفتحة ، مستفلة ، مصمتة.
الراء : مخرجها من طرف اللسان إلى الظهر قليلاً ، صفاتها : جهرية ، متوسطة ، مستفلة ، منفتحة ، مذلقة ، مكررة ، منحرفة .
الزاي : مخرجها من طرف اللسان مستكناً بين الثنايا العليا والسفلى ، صفاتها : جهرية ، رخوة ، مستقلة ، منفتحة ، مصمتة ، صفيرية .
السين : كالزاي مخرجاً ونطقاً ، صفاتها : همسية ، رخوة ، مستفلة ، منفتحة ، مصمتة ، صفيرية .(1/16)
الشين : مخرجها من وسط اللسان مع ارتفاع قليل إلى الحنك الأعلى ، صفاتها : همسية مستفلة ، رخوة ، منفتحة ، مصمتة ، متفشية .
الصاد : كالزاي والسين نطقاً ومخرجاً ، صفاتها : همسية ، رخوة ، مستعلية ، مطبقة ، مصمتة ، صفيرية .
الضاد : مخرجها من حافتي اللسان إلى ما يلي الأضراس من أيسر أو يمناها أومن كليهما حسبما تيسر ، صفاتها : جهرية ، رخوة ، مستعلية ، مستطيلة ، مطبقة ، مصمتة.
الطاء : مخرجها من طرف اللسان مع أطراف الثنايا العليا ، صفاتها : جهرية ، شديدة ، مستعلية ، مطبقة ، مصمتة ، مقلقلة .
الظاء : كالثاء والزاي مخرجاً ونطقاً ، صفاتها : جهرية ، رخوة ، مستعلية ، مطبقة ، مصمتة .
العين : مخرجها من وسط الحلق ، صفاتها : جهرية ، متوسطة ، مستفلة ، منفتحة ، مصمتة .
الغين : مخرجها من أدنى الحلق كالخاء ، صفاتها : جهرية ، رخوة ، مستعلية ، منفتحة ، مصمتة .
الفاء : مخرجها من بطن الشفة السفلى مع أطراف الثنايا العليا ، صفاتها : همسية ، رخوة ، مستفلة ، منفتحة ، مذلقة .
القاف : مخرجها من أقصى اللسان بمساعدة اللهاة ، صفاتها : جهرية ، شديدة ، مستعلية ، منفتحة ، مصمتة ، مقلقلة .
الكاف : مخرجها بعد القاف بقليل ، صفاتها : همسية ، شديدة ، مستفلة ، مصمتة ، منفتحة .
اللام : مخرجها من حافة اللسان أدناها إلى منتهاها ، صفاتها : جهرية ، متوسطة ، مستفلة ، منفتحة ، مذلقة ، منحرفة .
الميم : مخرجها من الشفتين ، صفاتها : جهرية ، متوسطة ، مستفلة ، منفتحة ، مذلقة.
النون : مخرجها من طرف اللسان بمساعدة أصول الثنايا العليا ، صفاتها : جهرية ، متوسطة ، منفتحة ، مستفلة ، مذلقة .
الهاء : مخرجها من أقصى الحلق ، صفاتها : همسية ، رخوة ، مستفلة ، منفتحة ، مصمتة .
الواو: مخرجها من الشفتين ، صفاتها : جهرية ، رخوة ، مستفلة ، منفتحة ، مصمتة ، لينة .(1/17)
الياء : كالشين والجيم مخرجاً ونطقاً ، صفاتها : جهرية ، رخوة ، مستفلة ، منفتحة ، مصمتة ، لينة .
فهذا بيان مخرج كل حرف وصفته والله تعالى أعلم .
باب التجويد
قال الناظم :
وَالأَخْذُ بِالتَّجْوِيدِ حَتْمٌ لازِمُ ... مَنْ لَمْ يُجَوِّدِ الْقُرَآنَ آثِمُ
و( حتم ) أي واجب و( لازم ) تأكيد لهذا الحتم أو حتم تأكيد للازم .
وقد سبق أن قلنا إن هذه الحتمية على من فسدت قراءته لذا فقد نسبه إلى الإثم فقال : (مَنْ لَمْ يُجَوِّدِ الْقُرَآنَ آثِمُ).
وقوله :
(لأَنَّهُ بِهِ الإِلَهُ أَنْزَلاَ)
أي أن الله تعالى أنزل القرآن مجوداً مرتلاً ولذا قال لنبيه : ( فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ) ولم يقل فاتبع قراءته ، وقال ( ولا تعجل بالقرآن ) ، ولم يقل : ولا تعجل بالقراءة ، وقال :( وإنك لتلقى القرآن ) ، فالقرآن إذاً نزل من عند الله تعالى مجوداً محكماً مرتلاً وهكذا منه إلينا وصلا .
فمن قرأ القرآن قراءة مخلة بالمعنى أو الإعراب فهو آثم وصلاته باطلة قال تعالى : ( ورتل القرآن ترتيلاً ) أي ائت به على تؤدة مبينة حروفه ، تامة وقوفه ، وأكد المصدر تعظيماً لشأنه وترغيباً في ثوابه وأي قارئ ترك ذلك دخل في حيز الخبر : ( رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه )(1) .
قال الناظم :
(وَهُوَ أَيْضًا حِلَْيةُ التِّلاَوَةِ)
أي التجويد .
(وَزِيْنَةُ الأَدَاءِ وَالْقِرَاءَةِ)
والفرق بين الثلاثة :
أن التلاوة : قراءة القرآن متتابعاً كالأوراد ، والأسباع ، والدراسة .
والأداء : هو أخذ على الشيوخ .
والقراءة : تطلق عليهما فهي أعم منهما.
ومراتب التجويد ثلاثة :
ترتيل ، وتدوير ، وحدر :
فالترتيل : هو التأني بالتلاوة كما نسمعه في الإذاعات والحفلات .
والتدوير : هو ما نسميه اصطلاحاً بيننا بالمرتل .
والحدر : أسرع منه بقليل .
وهناك مرتبة رابعة وهي الهزرمة : والقراءة بها محرمة إلا في النفس للمذاكرة خوف النسيان .
قال الناظم :
( وهو) أي التجويد
(
__________
(1) تخريج(1/18)
إِعْطَاءُ الْحُرُوفِ حَقَّهَا) بتوفية صفاتها وإخراجها
وقوله :
(وَرَدُّ كُلِّ وَاحِدٍ لأَصْلِهِ) أي مخرجه .
وقوله :
(وَاللَّفْظُ فِي نَظِيْرِهِ كَمِثْلهِ) :
أي إن تلفظت بمثل الحرف السابق فاللاحق مثله فإن كان الأول مرققاً رققت الثاني أو مفخماً فخمت الثاني لتكون القراءة على نسق واحد .
وقوله :
(مُكَمِّلاً مِنْ غَيْرِ مَا تَكَلُّفِ)
أي لا تنطع في القراءة ولا تقعر ولذا قال :
(بِاللُّطْفِ فِي النُّطْقِ بِلاَ تَعَسُّفِ)
فليحترز الترتيل عن التمطيط ، وفي الحدر عن الإدماج ، إذ القراءة كما قال أشياخنا كالبياض إن قلَّ صار سُمرة وإن زاد صار بَرَصاً ، قال صلى الله عليه وسلم : ( اقرؤوا القرآن بلحون العرب وإياكم ولحون أهل الفسق والكبائر )(1) ، ويعنى بذلك الحبيب صلى الله عليه وسلم : التعالي في القراءة ، والتنطع وزيادة المدود ، وإخضاع القرآن للموسيقى ، فإذا كانت الموسيقى هي الخاضعة للقرآن فلا بأس لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس منا من لم يتغن بالقرآن )(2) ، وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على باب أبي موسى الأشعري مرة فلما صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح قال : ( يا أبا موسى لقد وقفت على بابك أستمع إلى قراءتك وحسن صوتك لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود ) ، فقال أبو موسى : ( بأبي أنت وأمي يا رسول الله لو علمت بوقوفك لحبرته لك تحبيراً )(3) أي لحسنت صوتي أحسن ، فدل على أن الصوت الجميل والموسيقى السمحة الطيبة التي لا تجحف بالقرآن مستحبة ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فإنه سيجيء أقوام من بعدي يرجعون بالقرآن ترجيع الرهبانية والنوح لا يجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم )(4) أعاذنا الله من ذلك بمنه إن شاء الله .
__________
(1) تخريج
(2) تخ
(3) تخريج
(4) تخريج(1/19)
والفيصل في ذلك : أن القارئ إذا كان على علم بالموسيقى وتعمَّد القراءة بمقام ما من مقامات الموسيقى ؛ فإن كان متعمداً لذلك مع المحافظة على القرآن كره له ذلك تنزيهاً ، وإن تجاوز في التلاوة ، ومطط ، وزاد في المدود حرم ذلك ودخل في دائرة من يلعنه القرآن والعياذ بالله .
والمراد بالذين لا يجاوز حناجرهم من لا يعملون به أو يتدبرونه قال تعالى :( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب ).
قال الناظم :
(وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَرْكِهِ)
أي التجويد فرق .
(إِلاَّ رِيَاضَةُ امْرِئٍ بِفَكِّهِ)
يعني بين صحة القراءة وعدمها رياضة الفم .
وكل ما مضى حتى الآن إنما هو بيان لمخارج الحروف وصفاتها وفضل التجويد وثوابه .
وسبق أن نبهت في أول كلامي في هذا الشرح أني أعول على صحة التلاوة وأحكامها ويلزم من ذلك ذكر ما لم يذكره الإمام ابن الجزري فأقول وبالله التوفيق :-
المبحث الأول
في الاستعاذة وأحكامها
وأتكلم :
أولاً : في حكمها ، ثانياً : في صيغها ، ثالثاً : في شروط الجهر بها ، رابعاً :في وجوهها مع البسملة والمبدوء به ، وتسمى بأوجه الاستفتاح ، خامساً : في كيفية النطق بها، فأقول وبالله التوفيق :
أما حكمها :
فالمتفق عليه أنها مندوبة ، وقال فقهاء الظاهرية وعلماؤهم : أنها واجبة لقول الله تبارك وتعالى في سورة النحل : ( وإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) جعلوا الأمر للوجوب .
قلنا : لو كانت واجبة لكتبت في المصحف ولو مرة ولم يكن ذلك فدل على أن الأمر للجواز والاستجاب .
وقال الإمام النخعي : بحسب الإنسان أن يتعوذ في عمره مرة .(1/20)
قلت : يجوز ذلك بالنسبة لهم ، أما بالنسبة لنا فلابد من التعوذ في كل لحظة ، وقد أوصاني أشياخي أن أتعوذ في أول القراءة وبعد انتهاء القراءة ؛ أما في أول القراءة فلئلا يُلَبِّس الشيطان عليَّ القراءة ، وأما بعد القراءة فلئلا أغتر بحسن العمل وذلك من الشرك الخفي ، وإذا كان الشيطان يوسوس للأنبياء والرسل فلم لا نتحرز منه دائماً وأبداً قال تعالى ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ) إذاً فالشيطان لا يترك نبياً ولا ولياً ولا رسولاً ولا صديقاً فيستحب دوام التعوذ في كل حال .
وأما صيغها :
فأفضلها : ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) فإن زدت تنزيهاً لربك مما صح في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن قلت : ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إنه هو السميع العليم ) ، أو قلت : ( أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ) ، أو قلت : ( أعوذ بالله العظيم ووجه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم ) جاز ذلك كله إن شاء الله مادام المصدر في هذا التنزيه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة ، قال الإمام ابن الجزري في طيبته :
وقل أعوذ إن أردت تقرا ... كالنحل جهراً لجميع القرا
وإن تغير أو تزد لفظا فلا ... تعد الذي قد صح مما نقلا
وقال الإمام الشاطبي :
إِذَا مَا أَرَدْتَ الدَّهْرَ تَقْرَأُ فَاسْتَعِذْ ... جِهَاراً مِنَ الشَّيْطَانِ بِاللهِ مُسْجَلاَ
عَلَى مَا أَتَى في النَّحْلِ يُسْراً وَإِنْ تَزِدْ ... لِرَبِّكَ تَنْزِيهاً فَلَسْتَ مُجَهَّلاَ
وَقَدْ ذَكَرُوا لَفْظَ الرَّسُولِ فَلَمْ يَزِدْ ... وَلَوْ صَحَّ هذَا النَّقْلُ لَمْ يُبْقِ مُجْمَلاَ(1/21)
يريد لو صحت الصيغة التي نزهت بها ربك تبارك وتعالى من سنة رسول الله لم يَبق مجملاً ولا مفصلاً في الثناء والمديح ، والتسبيح والتقديس إلا ذكرته ، ودعوى أن ذلك شاذ لا يقوم عليها دليل ؛ لأن الشاذ هو قراءة لآية من القرآن بقراءة غير متواترة ولا صحيحة ، والتعوذ ليس من القرآن بحال والله أعلم .
والسنة في التعوذ الجهر بشروط أربع :
أولاً : بدء القراءة أو لدرس .
ثانيا : أن تكون القراءة كلها أو الدرس كله جهري لا يجهر ببعضه ولا يسر ببعضه.
ثالثا : حضور من يسمع الدرس أو القراءة .
رابعا : جوازه ـ أي الجهر ـ في النافلة لا في الفريضة .
أما ما سوى ذلك فسراً .
وأوجه التعوذ والبسملة والمبدوء به أربع :
أولا : قطع الجميع كأن تقول ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ) كل بنفس .
ثانيا : قطع الأول ، ووصل الثاني بالثالث وذكرها ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ) فالأول بنفس والثاني والثالث بنفس .
ثالثا : وصل الأول بالثاني ، وقطع الثالث وذكرها الأول والثاني بنفس ، والثالث من نفس آخر تقول ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين )
رابعا : وصل الجميع في نفس وذكرها في نفس واحد ويسمى وصل الجميع
وفي حكمها وأوجه الاستفتاح وشروط الجهر قال الإمام خلف الحسيني في إتحافه :
إذا ما أردت الدهر تقرأ فاستعذ ... وبالجهر عند الكل في الكل مسجلا
بشرط استماع وابتداء دراسة ... ولا مخفياً أوفي الصلاة ففصلا
ووقف عليه ثم وصل بأربع لهم ... واستعذ ندباً أو اوجب ووهلا
وقوله ( إذا ما أردت الدهر ) أي إذا أردت القراءة طول دهرك وقوله ( أوفي الصلاة ففصلا ) أي اجهر بالتعوذ في النافلة دون الفريضة وقوله ( أو اوجب ووهلا ) يريد أن الحكم بوجوبها ضعيف والوهن هو الضعف .(1/22)
فقد سألت شيخي يوماً : أما قال أحد من العلماء قولاً في كيفية النطق بالتعوذ ؟ فقال : سمعت الإمام المتولي يقول :
ورقق الهمزة من أعوذ ... وعَيِّنْ العَينَ فَذَا مَجذُوذ
وشَنْشِن الشين من الشيطان ... وفخم الطاء أخا العرفان
هذا وتستحب الاستعاذة عند أي عمل ، وعند لبس الثوب ، ودخول الحمام ، ودخول المسجد ، وقرب الأهل كل ذلك يستحب فيه التعوذ والله تعالى أعلم .
المبحث الثاني
في أحكام البسملة
نتكلم :
أولاً : على أحكامها ، ثانياً : على وجوهها ما بين السورتين ، ثالثاً : كلمة في التنكيس وأحواله ، رابعاً : في حكم ما بين آخر الأنفال والتوبة فنقول وبالله التوفيق :
البسملة فيها أحكام :
الوجوب والجواز والحرمة والكراهة :
أما الوجوب فهي واجبة عند من روايته البسملة في أول كل سورة قولاً واحداً .
قال الشاطبي : ( ولابد منها في ابتداءك سورة )
وقال ابن الجزري في الطيبة : ( وفي ابتدا السورة كُلٌّ بسملا )
وأما الجواز : فتجوز في أثناء السور من آيات وأرباع أو أعشار .
قال الشاطبي : ( وفي الأجزاء خير من تلا ).
وقال ابن الجزري : ( ووسطاً خير )
وأما حرمتها : فتحرم في أول براءة لنزول السورة بالسيف
قال الإمام الشاطبي :
ومهما تصلها أو بدأت براءة ... لتنزيلها بالسيف لست مبسملا
وقال ابن الجزري :
وفي ابتدا السورة كل بسملا ... سوى براءة ...............
وتحرم أيضا إن وصلتها بآخر سورة ووقفت عليها كأن قلت : ( واتقوا الله لعلكم تفلحون بسم الله الرحمن الرحيم . ) فهذا حرام لأنك نقلت البسملة إلى آخر السورة مع أنها من أول التي تليها .
قال ابن الجزري :
مهما تصلها مع أواخر السور ... فلا تقف وغيره لا يحتجر
وقال الشاطبي :
ومهما تصلها مع أواخر سورة ... فلا تقفن الدهر فيها فتثقلا
أي إياك طول دهرك أن تصل البسملة بآخر سورة وتقف فتكون سمجاً ثقيلاً .و(1/23)
أما الكراهة : فوصل البسملة بما ينافي معناها ، كأن تقول ( بسم الله الرحمن الرحيم الذين كفروا ) أو تقول ( فهل يهلك إلا القوم الفاسقون بسم الله الرحمن الرحيم الذين كفروا ) أو تقول ( بسم الله الرحمن الرحيم ويل ) أو( بسم الله الرحمن الرحيم ونمتعهم قليلا ) وما إلى ذلك ، فلا توصل البسملة بما ينافيها .
وأما وجوه ما بين السورتين فثلاثة :
أولا : قطع الجميع كأن تقول :
( فانصرنا على القوم الكافرين . بسم الله الرحمن الرحيم . ألم ) كلٌ بنفس .
ثانيا : قطع الأول ، ووصل الثاني بالثالث كأن تقول ( فانصرنا على القوم الكافرين ). وتتنفس ( بسم الله الرحمن الرحيم ألم ) بنفس .
ثالثا : وصل الجميع بشرط أن يكون المنتهى والمبتدأ به لائقاً بالبسملة حالاً ومقاماً وذكراً كأن تقول : ( فانصرنا على القوم الكافرين بسم الله الرحمن الرحيم ألم ) .
والسنة المتبعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يختار قطع الجميع في التعوذ والبسملة معاً .
أما وصل الأول بالثاني والوقف عليه فهو ممنوع كما تقدم .
كلمة في أحكام التنكيس :
وليس في التحتي تنكيس فلا يضر وصل آخر البقرة بأول مريم .
والتنكيس أربعة أنواع :
أولا : مكروه كراهة تنزيهية وهو وصل السورة بالتي فوقها ، والكراهة التنزيهية هي ما يسميه الفقهاء بخلاف الأولى .
وإن نقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالنساء ثم البقرة ثم بآل عمران فهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم أو ليدل على أن ذلك لا وزر فيه(1) .
__________
(1) كانت سورة النساء قبل سورة آل عمران في الترتيب ثم في العرضة الأخيرة رتب القرآن على ما هوموجود عليه حاليا فالرسول على هذا القول قرأ القرآن مرتبا من غير تنكيس .(1/24)
والنوع الثاني : هو المكروه كراهة تحريمية وهو تلاوة آيات متفرقات آية من هنا وآية من هنا وآية من هنا . كأن يقول : ( إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ) ، ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله .... ) ، ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم .... ) ، ( واذكر في الكتاب مريم .... ) .. وهكذا زعماً أنه يتلو قرآناً ، فهذا مكروه كراهة تحريمية إلا إن كان في مجلس علم لَزِم منه سرد آيات لبيان موضوع درس فمثل هذا يتجاوز عنه إن شاء الله .
النوع الثالث : وهو الحرام وهو تلاوة الآيات منكوسة كأن يتلو آية ثم التي قبلها ثم التي قبلها ثم التي قبلها ، مثال ذلك أن يقول : ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين )، ( الذين يرثون الفردس هم فيها خالدون ) ، ( أولئك هم الوارثون ) والعياذ بالله من ذلك فهذا حرام مطلقاً .
النوع الرابع :هو الكفر بعينه وهو أن يجعل أول الآية آخرها ، وآخرها أولها فذلك كفر والعياذ بالله إن تعمده .
هذا ما قاله العلماء في التنكيس .
وبين الأنفال والتوبة ثلاثة أوجه :
أولاً : الوقف .
ثانياً الوصل .
ثالثاً السكت .
فالوقف : أن يقول : ( إن الله بكل شيء عليم ) . ( براءة من الله ورسوله ) متنفساً بينهما .
والوصل أن يقول : ( إن الله بكل شيء عليم براءة من الله ورسوله ) .
والسكت : أن يسكت على اسمه ( عليم ) بأي وجه من وجوه العارض الآتية بلا تنفس مقدار حركتين مستأنفاً ( براءة ) .
قال الإمام الحسيني في إتحافه :
وللكل قف صل في عليم براءة ... أواسكن وبين الناس والحمد بسملا
ومعنى قوله : ( وبين الناس والحمد بسملا )
أن الذي يقرأ بقراءة أو رواية ليس فيها التسمية بين السورتين يجب عليه أن يبسمل ما بين آخر الناس وأول الفاتحة لأنها ختمة جديدة .(1/25)
ويجب على القارئ أن يكون حصيفا ذا إحساس راق ، وقد بيّنا أن البسملة تستحب في أثناء السور فيجوز للقارئ أن يتعوذ دون أن يبسمل مادام لا ينوي قراءة سورة من أولها فيقول : ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، وسيق الذين اتقوا ربهم ) وهكذا في أي سورة مادام لا ينوي قراءتها من أولها ، وعليه فوصل التعوذ بما بعده في نفس واحد جائز إلا إن أخل بالمعنى كأن يقول : ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قل هو القادر ) أو ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إليه يرد علم الساعة ) ومثل ذلك كثير وهو حرام ، فليحترز القارئ من ذلك كله .
هذا ما أحاط به عقل الفقير في الكلام على البسملة والله تعالى أعلم .
ولم يذكر إمامنا هذا الكلام في المقدمة فأردت ذكره كما أريد أن يكون شرحي هذا إن شاء الله يُستَغنَى به عن كل ما سواه ولا يَستَغنِي عنه طالب ؛ لذا أرتب الأحكام كما تعلمتها من أشياخي بغض النظر عن التقديم والتأخير في المقدمة وعلى هذا سأذكر ما ذكره شيخنا في المقدمة وما لم يذكره أيضاً .
الباب الثالث
في أحكام النون الساكنة والتنوين
وقد ذكره شيخنا ابن الجزري في المقدمة وسأتعرض له بعد قليل لكن ينبغي قبل أن نتعرض لأحكام النون الساكنة والتنوين أن نعرفهما .
ما التنوين ؟ . وما النون الساكنة ؟ .
أما التنوين : فهو حركة تلحق بآخر الأسماء يثبت وصلاً لا خطاً ولا وقفاً . وعرفه بعض الشيوخ بأنه : نون مخلقة ، وهو كـ ( عزيزٌ ) ( عليمٌ ) ( حكيمٌ ) ( عذاباً ) ( أليماً ) وقس على ذلك .
وأما النون الساكنة : فهو حرف صحيح قائم يثبت وصلاً ووقفاً وخطاً .
وهذا هو الفرق بينهما ؛ فالتنوين لم يظهر إلا حين شُكِّلَ المصحف حين اختلط العرب بالصقالبة والبربر ، وكثرت الفتوحات ، وجهل الناس كثيراً من معاني لغتهم ، هذا هو الفرق بينهما .
أما أحكامها فأربع :
الإظهار ، والإدغام ، والإقلاب ، والإخفاء .
الإظهار :
لغةً : البيان .(1/26)
واصطلاحاً : النطق بالنون الساكنة أو التنوين عند لحوقها بالحرف بصفة مظهرة بَيِّنَة عارية من شبهة الإدغام والإخفاء .
وله ستة حروف وهى حروف الحلق .
إذا دخلت النون الساكنة أو التنوين على أي حرف من هذه الستة سمى إظهاراً حلقياً واجباً .
ولنضرب لكل حرف مثالاً أو مثالين لتقيس ما غاب على ما حضر :
الهمزة ( ينأون – عذاب أليم ) .
الهاء ( منها – جرفٍ هار ) .
العين ( أنعمت – عذاب عظيم ) .
الحاء ( ينحتون – غني حميد ) .
الغين ( ينغضون – ما لكم من إله غيره- عذاب غليظ ).
الخاء ( والمنخنقة- عليم خبير ) .
إن سُئلت عن هذا كله قلت : إظهار حلقي واجب ، وحلقي لأن مداره على حروف الحلق ، وواجب لأنه يحرم فيه شبهة الإخفاء أو الإدغام .
الحكم الثاني : هو الإدغام :-
والإدغام لغة : الإدخال ، يقال أدغمت اللجام في فم الفرس أي أدخلته .
واصطلاحاً : جعل الحرفين حرفاً واحداً يرتفع اللسان عنه ارتفاعة واحدة .
وشروطه ثلاثة : التماثل ، والتجانس ، والتقارب .
وهو هنا نوعان :
كامل ، وناقص :
فالناقص : ما كان بغنة ؛ لأن الغنة أتاحت للحرف المدغم بعض الظهور فسمى ناقص.
والكامل : ما كان بغير غنة .
فأما الإدغام بغنة فحروفه أربع : يجمعها كلمة ( يومن ) أو( ينمو) ويكون في كلمة ، وكلمتين ؛ إلا في الواو والياء .
ولنضرب لكل حرف مثلاً لتقيس ما غاب على ما حضر :
الياء : ( من يعمل ، ومن يقل ، أن يفرط ) .
والواو( من ولى ، من وراء ، من واق ) .
فإن قلت : إنك ذكرت أن شروط الإدغام التماثل أو التقارب أو التجانس فأين التقارب هنا أو التجانس ؟ .(1/27)
قلت : التقارب هنا جاء من الغنة لأن الغنة ليست غنة نون خالصة أو تنوين خالص وإنما نون أو تنوين اختلطا بياء أو واو ؛ فَخَلَّق ياء أخرى أو واوا أخرى لأن كلمة ( قريباً يوم ) مثلا ؛ ألا ترى أنك حين تدغم تقول : ( قَرِيبَيْيَوم) فخَلَّقَت الغنة (ياء ) غير أصلية ، وكذا تقول : ( من وال ) حيث تدغم تقول : ( مِوْوَال ) فَخَلَّقَت الغُنَّة واوا غير أصلية ، هذا سبب التقارب ، ومثله أن يتزوج الرجل بما ليس من بلدته ولا من أبناء جنسه أَمَا تَسَبَّب هذا الزواج بصلة قَرَابة بينهما ، إذن فالتقارب إما : أصلى وإما نَسَبِي ، وفى اجتماع الواو والياء مع النون الساكنة والتنوين التقارب نسبي.
ولا تأتي الواو والياء في كلمة بعد تنوين أبداً ، وإنما جاءتا بعد نون ساكنة في أربع كلمات : ( دنيا ، صنوان ، قنوان ، بنيان ) ويسمى هذا عند القراء إظهاراً مطلقاً واجباً.
وأما الإدغام في الميم فمثاله : ( من ماء مهين ، من مال الله الذي آتاكم ، مما خطيئاتهم) .
والنون : ( يومئذ ناعمة ، لن نصبر ) .
إذا سُئلت عن مثل ذلك قلت : إدغام بغنة واجب ناقص .
وليحترز في النون من مثل : ( الناس ، والنوم ، والنعيم ، والنساء ، والنبيين ) ونحو ذلك مما فيه لام ( أل ) الشمسية فليس ذلك من الإدغام بغنة في شيء .
النوع الثاني من الإدغام :
إدغام بغير غنة كامل .
وحرفاه : اللام والراء .
ولنضرب لذلك مثالين أو ثلاثة لتقيس ما غاب على ما حضر :
فاللام : ( يبين لنا ، ألن نجمع ، من لدنه ) .
والراء :( غفور رحيم ، من ربهم ، وقيل من راق ( عند من لا يسكت) .
إذا سئلت عن هذا قلت : إدغام بغير غنة ناقص واجب .
الحكم الثالث : الإقلاب :
وهو لغةً : التغيير .
واصطلاحاً : قلب النون الساكنة أو التنوين ميماً خالصة أو مخفاة عند دخول الباء عليهما .
وصحح ابن الجزري الإخفاء في النشر ، ولكنه عندما ألف المقدمة لم يشر إلى الإخفاء فقال :(1/28)
وَحُكْمُ تَنْوِيْنٍ وَنُونٍ يُلْفَى ... إِظْهَارٌ ادْغَامٌ وَقَلْبٌ اخْفَا
وقال في الطيبة :- ( واقلبهما مع غنة ميماً بدا ).
وهذا يشير إلى جواز الوجه الآخر وهو الإقلاب المحض دون إخفاء ، وبه قرأنا ، فقد قرأت على مشايخي بالإخفاء أولاً ثم بالإقلاب المحض .
مثاله : ( من بعد ، ينبتوا ، عليم بذات )
فالإقلاب المحض إطباق الشفتين ، والإخفاء فرجة بين الشفتين عند النطق بالغنة .
تقول ( عليم بذات – ينبتوا ) إذا سئلت عن هذا قلت إقلاب واجب.
الحكم الرابع هو الإخفاء :
والإخفاء لغة : الستر .
واصطلاحا : النطق بالغنة بصورة بين الإظهار والإدغام مندمجة بصفة الحرف الذي بعدها ، فإن كان ما بعدها رقيق رققت ، وإن كان ما بعدها مفخم فخمت .
وحروفه ما بقى من الحروف سوى الألف ، وهى خمسة عشر حرفاً : ( الصاد – الذال – الثاء - الكاف- الجيم – الشين – القاف – السين – الدال – الطاء – الزاي- الفاء – التاء- الضاد – الظاء) إذا دخلت النون الساكنة أو التنوين على أي حرف من هذه الأحرف سمي إخفاء حقيقيا واجبا ، ونطق فيه بالغنة بين الإظهار والإدغام .
ولنذكر لكل حرف مثالاً أو مثالين لتقيس ما غاب على ما حضر فنقول :
الصاد : ( أن صدوكم ، صفاً صفاً ) هكذا بتفخيم الغنة لوجود حرف الاستعلاء بعدها .
الذال : ( ما يأتيهم من ذكر ، من ذا الذي يقرض الله ) بترقيق الغنة لوجود حرف الاستفال بعدها .
الثاء : ( أن ثبتناك ، وأما من ثقلت ) .
الكاف : ( إن لدينا أنكالاً ، منكم من يريد ) .
الجيم : ( من جاء بالحسنة ، فأنجيناه ) .
الشين : ( إذا السماء انشقت ، فمن شاء فليؤمن ، أنشأناهن ) .
القاف : ( إن الله على كل شيء قدير ، ومن قُدر) بتفخيم الغنة لوجود حرف الاستعلاء بعدها .
السين : ( فما له من سبيل ، تأكل منسأته ) .
الدال : ( أنداداً ، وما من دابة ) .
الطاء : ( بقنطار يؤده ، ماءً طهوراً ) هكذا بتفخيم الغنة لوجود حرف الاستعلاء بعدها.(1/29)
الزاى : ( من زينتهن ، أنزل ) .
الفاء : ( كن فيكون ، يسألونك عن الأنفال ) .
التاء :( أن تقول نفس ، إن أنتم إلا ) .
الضاد :( من ضريع ، منضود )(1) .
الظاء : ( من ظهير ، ظلاً ظليلاً ) بتفخيم الغنة لوجود حرف الاستعلاء .
قال الناظم :-
(وَحُكْمُ تَنْوِيْنٍ وَنُونٍ يُلْفَى) ، أى يوجد .
(إِظْهَارٌ ادْغَامٌ وَقَلْبٌ اخْفَا ).
كما تقدم الإظهار الحلقي ، والإدغام بنوعيه ، والإقلاب ، والإخفاء .
فَعِنْدَ حَرْفِ الحَلْقِ أَظْهِرْ وَادَّغِمْ ... فِي اللاَّمِ وَالرَّا لاَ بِغُنَّةٍ لَزِمْ
وقوله ( وادَّغم ) :- لما كان الإظهار أخف على اللسان وهو المتبادر قال ( وادَّغم ) أى تكلف الإدغام .
(وَأَدْغِمَنْ بِغُنَّةٍ فِي يُومِنُ)
ولم يقل وادَّغم بغنة لأن ذلك ميسر في ( يومنوا ) أى في حروف ( يومنوا ) أو ( ينمو) كما تقدم .
وقوله : (إِلاَّ بِكِلْمَةٍ كَدُنْيَا عَنْوَنُوا)
أراد إلا إذا جاءت الواو أو الياء في كلمة وهو الإظهار المطلق كما وصفناه ، ومعنى ( عنونوا ) أي : مثلوا .
وقوله : (وَالقَلْبُ عِنْدَ البَا بِغُنَّةٍ )
احترازاً من عدم الغنة كأن يقرأ أحد ( من بعد ) أو( عليم بذات ) بغير غنة .
وقوله : ( كَذَا ) أي كذا الإخفاء بغنة كالإقلاب
وَالقَلْبُ عِنْدَ البَا بِغُنَّةٍ كَذَا ... لاخْفَا لَدَى بَاقِي الحُرُوفِ أُخِذَا
أي اقرأ بالإخفاء بغنة في باقي الحروف .
وقال صاحب التحفة :-
لِلنُّونِ إِنْ تَسْكُنْ وَلِلتَّنْوِينِ ... أَرْبَعُ أَحْكَامٍ فَخُذْ تَبْيِينِي
فَالأَوَّلُ الإظْهَارُ قَبْلَ أَحْرُفِ ... لِلْحَلْقِ سِتٌّ رُتِّبَتْ فَلْتَعْرِفِ
هَمْزٌ فَهَاءٌ ثُمَّ عَيْنٌ حَاءُ ... مُهْمَلَتَانِ ثُمَّ غَيْنٌ خَاءُ
والثَّانِ إِدْغَامٌ بِسِتَّةٍ أَتَتْ ... فِي يَرْمَلُونَ عِنْدَهُمْ قَدْ ثَبَتَتْ
ومعنى ( يرملون ) أي يسرعون ، وذلك في السعي بين الصفا والمروة .
__________
(1) بتفخيم الغنة لوجود حرف الاستعلاء .(1/30)
لَكِنَّهَا قِسْمَانِ قِسْمٌ يُدْغَمَا ... فِيهِ بِغُنَّةٍ بِيَنْمُو عُلِمَا
إلا إذا كان أي ( الواو والياء ) بكلمة فلا
إِلاَّ إِذَا كَانَ بِكِلْمَةٍ فَلاَ ... تُدْغَمْ كَدُنْيَا ثُمَّ صِنْوَانٍ تَلاَ
وَالثَّانِ إِدْغَامٌ بِغَيْرِ غُنَّهْ ... فِي اللاَّمِ وَالرَّا ثُمَّ كَرِّرَنَّهْ
وَالثَّالثُ الإِقْلاَبُ عِنْدَ الْبَاءِ ... مِيمًا بِغُنَّةٍ مَعَ الإِخْفَاءِ
ويلاحظ أنه لم يذكر أحد الإخفاء فقط في الإقلاب إلا صاحب التحفة ، وإلا فقد تقدم أني قرأت بالوجهين على أشياخي .
( وَالرَّابِعُ الإِخْفَاءُ عِنْدَ الْفَاضِلِ ) ...
( مِنَ الحُرُوفِ ) أي الباقي من الحروف .
( وَاجِبٌ لِلْفَاضِلِ ) أي واجب للقارئ الفاضل .
في خمسة من بعد عشر رمزها ... في كلم هذا البيت قد ضمنتها
فيؤخذ من كل كلمة حرفها الأول .
صِفْ ذَا ثَنَا كَمْ جَادَ شَخْصٌ قَدْ سَمَا ... دُمْ طَيِّبًا زِدْ فِي تُقًى ضَعْ ظَالِمَا
هذا مبلغ علم الفقير في أحكام النون الساكنة والتنوين والله أعلم .
المبحث الرابع :
في أحكام الميم الساكنة
وقد تعرض له الناظم تلميحاً على سبيل الاختصار ، وأنا أبسط ذلك بفضل الله تعالى فأقول :
للميم الساكنة سواء كانت ميم جمع أو غيرها ثلاثة أحكام :
الإخفاء ، والإدغام ، والإظهار .
فالإخفاء :
إذا دخلت الميم على الباء نطق بها مُخْفَاةَ الغُنَّةِ مثل : ( خذوا ما آتيناكم بقوة – والذين هم بآيات ربهم ) ، والإخفاء هنا أشهر وأقوى وإلا فقد صح الإخفاء وعدمه ، وقد تقدم الإخفاء لغةً واصطلاحاً ، واسمه إخفاء شفوي واجب بغنة .
الحكم الثاني الإدغام :
وذلك إن دخلت الميم الساكنة على الميم المتحركة مثال : ( في قلوبهم مرض – من خشية ربهم مشفقون ) ، واسمه إدغام مثلين صغير واجب ، وقد تقد الإدغام لغةً واصطلاحاً .
الحكم الثالث الإظهار :
في بقية الحروف ويسمى إظهاراً شفوياً واجباً ، وقد تقدم لغةً واصطلاحاً .(1/31)
ولنذكر لكل حرف مثالاً أو مثالين لتقيس ما غاب على ما حضر :
الهمز : ( عليكم أنفسهم ، هم أحسن أثاثاً ) .
التاء : ( أم تقولون ، لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً ) .
الثاء : ( ويضرب الله الأمثال – إذ يقولُ أَمْثَلُهُم ) .
الجيم : ( أم جاءهم ما لم يأت – أم جعلوا ) .
الحاء : ( أم حسبت – وأنتم حُرم ) .
الخاء : ( أم خُلقوا من غير شيء – أم خَلقوا السموات والأرض ) .
الدال : ( يمددكم – أمددناهم ) .
الذال : ( أو عجبتم أن جاءكم ذكر – أنزل الله إليكم ذكراً ) .
الراء : ( أمراً من عندنا – وهم راكعون ) .
الزاي : ( ثلاثة أيام إلا رمزاً – وتقطعوا أمرهم بينهم زبراً ) .
السين : ( إن يمسسكم – حين تمسون - فامسحوا بوجوهكم ) .
الشين : ( أمشاج نبليه – ولا تمشِ في الأرض مرحاً – يمشون مطمئنين ) .
الصاد : ( إن كنتم صادقين – أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين ) .
العين : ( أم على قلوب - وهم على صلاتهم ) .
الغين : ( فإنهم غير – وهم غافلون ) .
الفاء : ( وهم فيها - وأولادكم فتنة ) ، ويراعى الضغط على الميم في مثل هذا الموضع لئلا تختفي في الفاء للتقارب بينهما .
القاف : ( أنهم قادرون – أم هم قائلون ) .
الكاف : ( ويمكرون – وهم كافرون ) .
اللام : ( أم لهم شركاء – وأملي لهم ) .
النون : ( مِن مني يُمنى - من بعد خوفهم أمناً ) .
الهاء : ( يمهدون –أم هم ) .
الواو: ( أموالكم – أموات ) ، ويضغط على الميم في مثل هذا الموضع لئلا تختفي لشدة التجانس بينهما .
الياء : ( أم يقولون – وهم يعلمون ) .
فإذا سئلت عن شيء من ذلك قلت : إظهار شفوي واجب.
مسأله :
إذا سئلت عن مثل قوله تعالى : ( وهم بربهم )، ( آتيناكم بقوة ) فالأرجح أن تقول : هو إخفاء شفوي واجب بغنة ، وإظهار متجانسين صغير ؛ لأن الاختصار على الإخفاء اختصار على الفرع دون الأصل ، والغنة صفة على أرجح الأقوال ، والباء والميم أصل فلابد أن نذكر الأصل والفرع والله تعالى أعلم .(1/32)
قال صاحب التحفة :-
( وَالمِيمُ إِنْ تَسْكُنْ تَجِي قَبْلَ الْهِجَا ) أي قبل الحروف .
( لاَ أَلِفٍ لَيِّنَةٍ لِذِي الْحِجَا ) أي لذي العقول .
أَحْكَامُهَا ثَلاَثَةٌ لِمَنْ ضَبَطْ ... إِخْفَاءٌ ادْغَامٌ وَإِظْهَارٌ فَقَطْ
فَالأَوَّلُ الإِخْفَاءُ عِنْدَ الْبَاءِ ... وَسَمِّهِ الشَّفْوِيَّ لِلْقُرَّاءِ
وَالثَّانِ إِدْغَامٌ بِمِثْلِهَا أَتَى ... وَسَمِّ إدْغَامًا صَغِيرًا يَا فَتَى
وَالثَّالِثُ الإِظْهَارُ فِي الْبَقِيَّهْ ... مِنْ أَحْرُفٍ وَسَمِّهَا شَفْوِيَّهْ
وَاحْذَرْ لَدَى وَاوٍ وَفَا أَنْ تَخْتَفِي ... لِقُرْبِهَا وَلاتِّحَادِ فَاعْرِفِ
فالاتحاد عند الواو والقرب عند الفاء .
وقال ابن الجزري في المقدمة :-
.................................. ... ... .......................... وأخفين
الْمِيْمَ إِنْ تَسْكُنْ بِغُنَّةٍ لَدَى ... بَاءٍ عَلَى المُخْتَارِ مِنْ أَهْلِ الأدَا
وقوله :
( على المُختار ) أي على المذهب القوي وإلا فقد ورد كما ذكرتُ الإخفاء والميم الخالصة ، لكن الإخفاء أشهر وأقوى .
وقال :
( وَأظْهِرَنْهَا عِنْدَ بَاقِي الأَحْرُفِ ) يعنى بذلك الإظهار الشفوي .
( وَاحْذَرْ لَدَى وَاوٍ وَفَا أنْ تَخْتَفِي) (1) للقرب في الفاء والتجانس في الواو.
وقوله :
(وَأَوَّلَى مِثْلٍ وَجِنْسٍ إنْ سَكَنْ أَدْغِمْ ... ....................... )
يدل على إدغام الميم في الميم لأنهما متماثلتان والله أعلم .
المبحث الخامس
في حكم الميم والنون المشددتين
ويسميان حرفا غنة مشدد ، وبعضهم يسمي كلاً منهما : حرفٌ أغن . وقد تقدمت الغنة لغةً واصطلاحاً ، ومثالها في الميم ( ثمَّ – لمَّا – أمَّا ) وهي لا تتغير في الميم أبداً فتعد غنة أصلية ، وأما في النون فلها حكمين غنة أصلية لا تتغير كـ ( إنَّ ، وأنَّ ، هنَّ ، عليهنَّ ) ويسمى لكل منهما حرف غنة مشدد واجب .
__________
(1) القائل سليمان الجمزوري في تحفة الأطفال .(1/33)
ومقدار الغنة حركتان والحركة بقدر ضم الإصبع أو بسطه بحالة متوسطة ، ولا تزيد عن ثلاث بحال ، وإلا كُرِهَ ذلك . وأما في نحو( النِّساء- النَّاس- النَّبيين – النَّوم – النَّعيم ) فهي غنة مُخَلَّقَة خَلَّقَتْها اللام الشمسية حين أدغمت في النون فصار إظهار متقاربين صغير ، وحرف غنة مُخَلَّق ، وقلنا مُخَلَّق لأن أصل الكلمة ( ناس ، نساء ، نبيين ، نور ، نوم ) وإنِّما الذي جاء بالغنة إدغام اللام في النون للتقارب بينهما ، ولذا قلنا إدغام متقاربين صغير.
قال الناظم :-
وأَظْهِرِ الغُنَّةَ مِنْ نُونٍ وَمِنْ ... مِيْمٍ إِذَا مَا شُدِّدَا ........
وقال صاحب التحفة :
وَغُنَّ مِيمًا ثُمَّ نُونًا شُدِّدَا ... وَسَمِّ كُلاً حَرْفَ غُنَّةٍ بَدَا
والله أعلم .
المبحث السادس
في أحكام اللامات
واللامات في القرآن الكريم على أنواع كثيرة ، وإنما يعنينا منها ما يتعلق منها بقارئ القرآن وهى ثلاثة أنواع : لام حرف ، ولام فعل ، ولام اسم .
فلام الحرف نوعان :- مظهر ، ومدغم .
فالمظهر يسمى : باللام القمرية .
والمدغم يسمى : باللام الشمسية .
ولام الفعل(1) :
فهذه ثلاثة أنواع .
ولام الاسم هو ثلاثة أنواع : لام اسم موصول ولام اسم مجرد ، ولام اسم الذات جل وعلا .
ولنبين ذلك بياناً شافياً فنقول :
أما لام الحرف فهي لام ( أل ) ، ولها حالتان :
الحالة الأولى : المظهرة :
وتسمى لاماً قمرية ، وتظهر إذا دخلت على حرف من هذه الحروف الأربعة عشر الذي يجمعها قولك ( أبغ حجك وخف عقيمه ) ، وهي : ( الهمزة ، والباء ، والغين ، والحاء ، والجيم ، والكاف ، والواو، والخاء ، والفاء ، والعين ، والقاف ، والياء ، والميم ، والهاء ) إذا دخلت لام ( أل ) على أي حرف من هذه الأحرف الأربعة عشر نُطق بها مُظهرة وسميت : لاماً قمرية مظهرة واجبة أعني ظهوراً واجباً .
ولنضرب لكل حرف مثالاً أو مثالين لتقيس ما غاب على ما حضر :-
__________
(1) تعريف لام الفعل(1/34)
الهمز : ( الأمر ، الآن خفف الله عنكم ) .
الباء : ( البرق ، الباطل ) .
الغين : ( الغنى ، الغفور ) .
الحاء : ( الحكيم ، الحميد ، الحر ) .
الجيم : ( الجنة ، الجبار ) .
الكاف : ( ذا الكفل ، الكريم ) .
الواو: ( الوالي ، الودود ) .
الخاء : ( الخالق ، الخبير ) .
الفاء : (الفقراء ، الفتاح ) .
العين : ( العليم ، العزة ) .
القاف : ( القدوس – القادر ) .
الياء :( اليم ، اليمين ).
الميم :( المجيد ، الملك ).
الهاء :( شرب الهيم ، قل إن الهدى ) .
والسبب في ظهور لام ( أل ) عند هذه الأحرف بُعد المَخرج بينهما ، وسميت لاماً قمرية لأن بين اللام وبين أي حرف من هذه الأحرف بوناً بعيداً كما أن الشمس تعطي ضياءها للقمر وبينهما بون بعيد .
النوع الثاني : اللام الشمسية :
وتدغم في الحروف الباقية ، ولنضرب لكل حرف مثلاً أو مثالين لتقيس ما غاب على ما حضر : -
الطاء : ( الطلاق مرتان ، والطيبات للطيبين ) .
والثاء : ( النجم الثاقب ، أيه الثقلان ) .
الصاد : ( الصلاة ، الصابرين ) .
الراء : ( الرحمن ، الراكعون ) .
التاء : ( التواب ، التائبون ) .
الضاد : ( الضالين ، فقال الضعفاء ) .
الذال : ( الذاكرين ، آلذكرين ) .
النون : ( النعيم ، رب الناس ) .
الدال : ( الدار الآخرة ، يوم الدين ) .
السين : ( السيئات ، لايحب الله الجهر بالسوء ) .
الظاء : ( الظلمات ، الظالمين ) .
الزاي : ( الزكاة ، كتبنا في الزبور ) .
الشين : ( وقليل من عبادي الشكور ، وسنجزي الشاكرين ) .
اللام : ( الليل ، اللطيف ) .
وتسمى هذه الأنواع كلها لاماً شمسية مدغمة ولو شئت قلت : إدغام متقاربين صغير إلا في اللام مع اللام فإنك تقول إدغام مثلين صغير ، وإنما أدغمت اللام في هذه الحروف لقرب مخرجها .
وأما اللام الفعلية :
فهي نحو: ( قلنا ، عملنا ، التقى ، قل نعم ) وكلها ظاهرة إلا إذا جاء بعدها راء أو لام ولذا لما قال صاحب التحفة :-(1/35)
وأظْهِرَنَّ لاَمَ فِعْلٍ مُطْلَقَا ... فِي نَحْوِ قُلْ نَعَمْ وَقُلْنَا وَالْتَقَى
ولما وكانت لام الفعل مدغمة مع اللام والراء قلت :
وأظهرن لام فعل مطلقا ... إلا كقل رب وبل لا صدقا
ولم نر الإمام ابن الجزري تعرض لهذا النوع من اللامات .
وأما لام الاسم المجرد :
فهو نحو( ليل ، ولباس ، ولقاء ) فهذا يسمى لام اسم مجرد .
وأما الاسم الموصول:
فهو نحو( الذي ، واللذان ، واللائي ، والتي ، واللتان ) وقس على ذلك إن سئلت عنه قلت : لام اسم موصول .
وهذان النوعان نبه عليهما أشياخنا .
وفي لام ( أل ) ولام الفعل قال صاحب التحفة :
لِلاَمِ أَلْ حَالاَنِ قَبْلَ الأَحْرُفِ ... أُولاَهُمَا إِظْهَارُهَا فَلْتَعْرِفِ
قَبْلَ ارْبَعٍ مَعْ عَشْرَةٍ خُذْ عِلْمَهُ ... مِنِ ابْغِ حَجَّكَ وَخَفْ عَقِيمَهُ
ثَانِيهِمَا إِدْغَامُهَا فِي أَرْبَعِ ... وَعَشْرَةٍ أَيْضًا وَرَمْزَهَا فَعِ
طِبْ ثُمَّ صِلْ رُحْمًا تَفُزْ ضِفْ ذَا نِعَمْ ... دَعْ سُوءَ ظَنٍّ زُرْ شَرِيفًا لِلْكَرَمْ
وَاللاَّمُ الاُولَى سَمِّهَا قَمَرِيَّهْ ... وَاللاَّمَ الاُخْرَى سَمِّهَا شَمْسِيَّهْ
وأظْهِرَنَّ لاَمَ فِعْلٍ مُطْلَقَا ... فِي نَحْوِ قُلْ نَعَمْ وَقُلْنَا وَالْتَقَى
ولم يتعرض رحمه الله لِلام الاسم المجرد ، ولا للام الاسم الموصول .
أما لام الاسم الذاتي(1):
فتعرض لها الإمام ابن الجزري ولها حالتان : إما مرققة إذا كانت بعد كسر ، وإما مفخمة إذا كانت بعد ضم أو فتح .
تقول إن سئلت عنها : لام الاسم الذاتي مرققة أو لام الاسم الذاتي مفخمة .
قال ابن الجزري رضي الله عنه :-
وَفَخِّمِ اللاَّمَ مِنِ اسْمِ اللَّهِ ... عَنْ فَتْحِ أوْ ضَمٍّ كَعَبْدُ اللَّهِ
وقوله : ( عن فتح أو ضم ) أي بعد فتح أو ضم فـ ( عن ) بمعنى بعد .
هذا ما يحتاج القارئ معرفته من أنواع اللامات والله أعلم .
المبحث السابع
في أحكام الراءات
__________
(1) أي لام اسم الجلالة ( الله ) سبحانه و تعالى .(1/36)
تعرض له الإمام ابن الجزري وسنسوق قوله والتعليق عليه بعد قليل .
والراءات في القرآن الكريم على خمسة أنواع :-
مفخمة على كل حال ، ومرققة على كل حال ، ومرققة وقفاً ومفخمة وصلاً ، ومفخمة وقفاً ومرققة وصلاً ، وفيها الوجهان ، ولنبين ذلك جيداً فنقول :
فالمفخمة على كل حال :
ستة أنواع:-
أولاً :- المفتوحة سواء كان بعدها ألف أم لا :
مثال الأول : ( خبيراً ، بصيراً ، راكعون ، راغبون ) ، ومثال الثاني : ( ربكم ، مرج البحرين ، وتركوك ) وما شابه ذلك .
الثاني :- المضمومة سواء كان بعدها واو أم لا :
مثال الأول : ( الخروج ، ذات البروج ، مالها من فروج ) ، ومثال الثاني : ( ربما يود ، وأقرب رحماً ، ذكر رحمة ربك ) وما جانس ذلك .
الثالث :- الساكن قبل فتح أو ضم :
مثال ذلك : ( أحصنت فرجها ، يرضه لكم ، عذت بربي وربكم أن ترجمون ) ، ومثال الثاني : ( قرآن ، فرقان ، يرجعون ) وما جانس ذلك .
الرابع :- الساكن بعد كسر وبعده حرف استعلاء كـ : ( فرقة ، إن ربك لبالمرصاد – إرصاد لمن ، وقرطاس ) .
الخامس :- الساكن بعد كسرة منفصلة : مثاله : ( رب ارحمهما ، رب ارجعون ) .
السادس:- الساكن بعد كسرة عارضة : مثاله : ( لمن ارتضى ، أم ارتابوا ) .
فهذا كله مفخم على كل حال .
النوع الثاني : المرقق على كل حال وهو نوعان :-
النوع الأول : المكسور سواء كان بعده ياء أم لا :
فالأول : كـ : ( حريق ، وفريق ، طريقاً ) .
والثاني : كـ : ( رجال ، ورحاباً ، ورضواناً ) وما شابه ذلك .
النوع الثاني :- ما سكن بعد كسر أصلي وليس بعده حرف استعلاء :
كـ : ( فرعون ، ومريه ، ومرفقاً ) وما شابه ذلك فهذا مرقق على كل حال .
قال الناظم :-
(وَرَقِّقِ الرَّاءَ إِذَا مَا كُسِرَتْ ) يعني إذا كسرت ، وما زائدة .
(كَذَاكَ بَعْدَ الْكَسْرِ حَيْثُ سَكَنَتْ ) .
((1/37)
ما لم تكن من قبل حرف استعلا ) قرئ (إِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ قَبْلِ حَرْفِ اسْتِعْلاَ ) يعنى إذا سكنت بعد كسرة أصلية وليس بعدها حرف استعلاء فإن كان بعدها حرف استعلاء فخمت كما تقدم .
إِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ قَبْلِ حَرْفِ اسْتِعْلاَ ... أَوْ كَانَتِ الكَسْرَةُ لَيْسَتْ أَصْلاَ
فإن كانت الكسرة عارضة أو منفصلة فخمت الراء كما تقدم ، وباقي كلام الشيخ يأتي بعد قليل.
النوع الثالث : المرقق وقفاً ومفخم وصلاً :
مثاله : ( خبيرٌ ، بصيرٌ ، قديرٌ ، كبيرٌ ) ، فإذا وفقت قلت : ( خبيرْ ، كبيرْ ، بصيرْ ، قديرْ )(1) ، فإن وصلت فخمت لأنها مرفوعة ، أما إذا كانت نحو: ( خبيرٍ ، وبصيرٍ ، وقديرٍ ) فهو مكسور وصلاً ووقفاً فيرقق على كل حال .
النوع الرابع : ما فخم وقفاً ورقق وصلاً :
فكـ : ( النار ، والقرار ، والأبرار ، والفجار ) إذا وصل فخم وإذا وقفت عليه رقق .
فهذه أربعة أنواع للراءات .
وبقي النوع الخامس : وهو ما كان فيه الوجهان وعدد كلماته ثمان كلمات :
أولاً : ( فرق ) في قوله تعالى ( فكان كل فرق كالطود العظيم ) بسورة الشعراء ، وفيها الوجهان لكل القراء : التفخيم والترقيق ، فمن فخم نظر إلى أن ما بعد الراء حرف استعلاء ، ومن رقق نظر إلى كسر حرف الاستعلاء فكسره أضعف استعلاءه .
قال الناظم :
وَالْخُلْفُ فِي فِرْقٍ لِكَسْرٍ يُوجَدُ ... وَأَخْفِ تَكْرِيْرًا إِذَا تُشَدَّدُ
ومعنى : ( أخف تكريراً إذا تشدد ) يعنى إذا شددت الراء نحو: ( مستقر ، أين المفر ) فلا بد من الضغط باللسان على الحرف لئلا يكرر .
أما الكلمات السبع الباقية فخلافها في الوقف عليها وهي :-
أولاً : ( الفجر ) ، ثانياً : ( إذا يسر ) ، ثالثاً : ( ونذر ) ، رابعاً : ( بالنذر ) ، خامساً : ( نذيراً للبشر ) ، سادساً : ( عين القطر ) ، سابعاً : ( مصر) .
وقد اختلف القراء في هذه الكلمات السبع اختلافاً واسعاً :
__________
(1) أي بإسكان الراء.(1/38)
فأما قوله ( نذيراً للبشر ) فالراجح فيه التفخيم وقفاً وإن جاز فيه التفخيم والترقيق ، وكذا ( والفجر ) ومثله ( بالنذر ) .
وأما ( إذا يسر) فالراجح فيه الترقيق وإن جاز فيه التفخيم والترقيق ، ومثله ( ونذر ).
وأما ( مصر ) فالراجح فيها التفخيم وإن جاز فيها التفخيم والترقيق أيضاً وعكسها ( القطر ) فالراجح فيها الترقيق وإن جاز فيها التفخيم والترقيق .
وقد قلت في أحكام الراءات في القرآن الكريم :
يقول راجي عفوِ رب منعم ... عبيد باسط لهاشمْ ينتمي
وهو ابن حامد على التحقيق ... جد رب بالتأييد والتوفيق
الحمد لله العلي الواحد ... العالم الفرد الغني الماجد
ثم الصلاة والسلام أبدا ... على ختام المرسلين أحمدا
والآل والصحب وكلِ من تلا ... كتاب ربنا على ما أنزلا
وبعدُ فخذ ما جاء في الراءات ... عن قارئ القرآن باستثبات
قسمتها خمسا فكن ممن علم ... فمفخم وقفا ووصلا يا فهم
كذاك في الحالين بالترقيق ... ومرققا في الوقف بالتحقيق
ومفخم وقفا على ذا العكس ... والخامس الوجهان فافهم حدسي
وهاك توضيحا لتلك الخمسة ... يا رب تمم بالجميل نعمتي
ففخم المفتوح والمضموما ... بالأَلْف أو بالواو يا مرحوما
كذلك كل ساكن من بعد زين ... وذاك في الحالين فاعلم يا فُطين
ورقق المكسور يا ذا الفاضل ... إن جاء ياء بعده أوقد خلي
وما أتاك يا ذا بعد كسر ... أويا سكون رققنه وادر
وذاك كالخبير أو كالخير ... وقس على هذا وكن ذا خُبر
فرققن وقفا إذا لم يرفع ... في الوصل يا هذا فكن ممن يعي
ونحو كالأبرار والأخيار ... ففخمن وقفا ولا تمار
وساكن من بعد كسر رققا ... لا قبل الاستعلاء كن محققا
كمثل قرطاس ومرصادا لزم ... وباقيا رقق وكن ممن فهم
وبعد كسر عارض ففخما ... كذاك بعد الفصل فافهم واعلما
ومثل عارض أم ارتابوا فقل ... كذا من ارتضى لكلهم قُبل
ومثل مفصول كرب ارحمهما ... رب ارجعون قد وقيت الندما
والخلف في فرق وباقي الكلم ... قد نظم الأشياخ فاعلم يا فهم
ثم الصلاة والسلام المنتظم ... على النبي المصطفي وقد خُتم(1/39)
كذا على أصحابه والآل ... وكل قارئ وكل تال
وباقي الكلم هي سبع كلمات : ( نذيرا للبشر ) بالمدثر ، ( والفجر ) المجرورة كيف جاءت ، وإذا ( يسر ) كيف جاءت ، ( وبالنذر ) كيف جاءت مجرورة ، ( ونذر ) من غير أل مجرورة كيف جاءت ، و ( مصر ) على أي حال موقوف عليها لا المنونة ، و( القطر).
وأما ( فأسر بأهلك ) فقد قال بعضهم : فيها الترقيق إن وقف عليها للياء المحذوفة لكن لم أقرأه عن شيخي وإن روي عن جل المشايخ ويعمل به.
قال شيخي :-
والراجح التفخيم في للبَشر ... والفجر أيضاً وكذا بالنذر
وفي إذا يسر اختيار الجزري ... ترقيقه وهكذا ونذر
ومصر فيها اختار أن يفخما ... وعكسه في القطر أيضاً فاعلما
وجاز في الجميع قد علمتَ ... تفخيمه وجاز إن رققتَ
وذاك كله بحال وقفنا ... والروم كالوصل على ما بُيّنا
وهذا مبلغ ما عقله الفقير في أحكام الراءات والله أعلم .
المبحث الثامن
في التفخيم والترقيق
اعلم أن الحروف في القرآن الكريم نوعان :-
نوع مفخم ، ونوع مرقق ، وعلى هذا فجُل هذا الباب في التنبيه على كيفية النطق بكل منها ليتحقق بذلك قول الإمام علي كرم الله وجهه حين سئل : ما هو الترتيل ؟ . فقال : هو تجويد الحروف ومعرفة الوقوف .
وليتحقق قول الناظم في باب التجويد :-
وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَرْكِهِ ... إِلاَّ رِيَاضَةُ امْرِئٍ بِفَكِّهِ
ولاشك أن التقاء الحروف بعضها ببعض كمرقق ومفخم ، ومفخم ومرقق تحتاج من كل منا إلى رياضة الفك واستعمال الفم استعمالاً مخصوصاً .
فمما يخطئ فيه القراء خطأً شائعاً قول الله تعالى :( الأرض ) ، ترى بعض القراء يقولون : ( ولله ملك السماوات والأرض ) بتفخيم الهمز في لفظ ( الأرض ) و لا يظهرون استطالة الضاد ، بينما لا بد من ترقيق الهمزة وإظهار الضاد واستطالتها وذلك حال الوقف عليها .
وقولهم : ( ولا الضالين ) ترى السواد الأعظم منهم يفخمون اللام تبعاً للضاد .(1/40)
وقوله تبارك وتعالى : ( فمن اضطر في مخمصة ) ترى أكثرهم يقولون بتفخيم الميمين تبعا للخاء .
ومثل قوله : ( رب لا تذرني فرداً ) ترى أكثرهم يقولون ( فرضاً ) فلابد من عمل اللسان واستعمال الفك وهو كناية عن الفم في مثل هذا كله ، فتقول : ( مريم ، فرداً ، والأرض ، مخمصة ، بسطت ، وقد فرضتم ، قال أحطت ) .
كذا إذا التقى كافان ترى أكثرهم يقولون : ( شركم ) فلا يعتني بإحداها بينما الواجب أن يقول ( شرككم ) .
كذا الهمس في التاء فترى أكثرهم يهمس التاء أكثر من اللازم فيقول ( فأتْتْبعنا ) ، ( آتْتْ ) وهذا خطأ بينما الواجب أن يقول ( فأتبعنا ) همس بسيط .
كذا تخليص التاء من الضاد في نحو( وقد فرضتم ) .
وكذا تخليصها من الطاء ( فقال أحطت ) .
وكنا إذا مررنا بمثل ذلك عند مشايخنا يقول لي شيخي : إخل طرف ، إخل طرف يا ولد ، خلص هذا من هذا .
وكان أشياخنا يسمون مثل هذا : تخليص ، أي تخليص مفخم من مرقق أو تخليص حرف من آخر فجُل كلام الناظم ـ رحمه الله ـ في باب الترقيق والتفخيم على مثل هذا .
بيد أن لي كلام في مراتب التفخيم ويأتي فيما بعد ، بعد التعليق على كلام الناظم إن شاء الله قال الناظم :-
(فَرَقِّقَنْ مُسْتَفِلاً مِنْ أَحْرُفِ)
بالفاء على البيان بعد أن قال : (إِلاَّ رِيَاضَةُ امْرِئٍ بِفَكِّهِ) فكأنه يقول : وأُعَلِّمك ذلك (فَرَقِّقَنْ مُسْتَفِلاً مِنْ أَحْرُفِ) وقرئ ( ورققا مستفلاً من أحرف ) والمستفل هو ضد المستعلي .
(وَحَاذِرَنْ تَفْخِيمَ لَفْظِ الأَلِفِ ) كـ ( ما ، وجا ، وفا ، ولا ) فإن بعض الناس يقولون يفخمون ( ما ، جا ، لا ) ، ولا تفخم بحال إلا إذا كان قبلها راء مفخمة أو حرف استعلاء كـ : ( خالق ، طائعين ، ضالين ، خائفين ، صادقين ، غائبين ، قالوا ، أوهم قائلون ، وهم راكعون ، خبيراً ، بصيراً ) فلا تفخم الألف إلا في مثل هذا ، هكذا مثال الألف .(1/41)
ثم انتقل إلى الهمز وهو أخو الألف فنبه على ترقيق الهمز في ( الحمد ) .
وقوله : ( أعوذ ) ، وقوله ( اهدنا ) ، و( الله ) فإن أكثر القراء يقولون ( الله أعلم )(1) ، ( الله يعلم ما تحمل كل أنثى ) ، ( الله يستهزئ بهم ) بينما الواجب أن يقال : ( الله ، الله ، اا ) فلا يخلط بين لام الاسم المفخمة والهمز .
ويجب على القارئ ترقيق لام ( لله ) .
وكذا لام ( لنا ) من قوله : ( اهدنا سبلنا ) ، وقوله : ( قالوا لنا هذه ) فلا تقول : ( لنا )(2) ولا ( اهدنا ) بل يرقق اللام والنون .
كَهَمْزِ أَلْحَمْدُ أَعُوذُ إِهْدِنَا ... أللَّهُ ثُمَّ لاَمِ لِلَّهِ لَنَا
وقوله ( وليتلطف ) مخافة أن تختلط اللام بالطاء فيجب عليه ترقيق الياء ، والتاء ، واللام خوف اختلاطهم بطاء ( يتلطف ) فيقول : ( وليتلطف ) .
وكذا لام ( على ) قبل لام الاسم المفخم(3) من قوله : ( وعلى الله ) خوف إدماجها بلام الاسم تقول : ( وعلى الله ) .
ونحو ذلك من ميم ( مريم ) خوف اختلاطها بالراء المفخمة بعدها فتقول ( يا مريم )(4).
( وَلْيَتَلَطَّفْ وَعَلَى اللَّهِ وَلاَ الضْ )
يعنى قوله : ( ولا الضالين ) ، فيجب تخليص اللام من الضاد(5) فلا تشتبه هذه بتلك .
( وَالْمِيمِ مِنْ مَخْمَصَةٍ وَمِنْ مَرَضْ )
مخافة إدماج الميم في الخاء أو إدماجها في الراء فلابد أن يقال : ( مخما ، مخما )(6) (مرض ، مرض )(7) .
قوله : (وَبَاءِ بَرْقٍ )
أي ويجب تخليص ( باء برق ) مخافة اختلاطها بالراء والقاف فتقول : ( فيه ظلمات ورعد وبرق ) ( وَبَرْ ) ، أكثر الناس يقولون : ( وبرق )(8) وإنما يجب ترقيقها .
__________
(1) فلا ينطق ( آه ) بالتفخيم كأنه يتوجع اتباعا لتفخيم لام لفظ الجلالة .
(2) أي فلا تفخم اللام .
(3) ترقق اللام
(4) ويراعى أيضا هنا ترقيق الميم .
(5) أي يراعى ترقيق اللام .
(6) أي ترقيق الميمين كما تقدم .
(7) أي ترقق الميم من ( مرض ) .
(8) أي بتفخيم الباء .(1/42)
وكذا الباء من ( بَاطِلٍ ) فلابد من ترقيق الباء والألف في مثل ( وقل جاء الحق وزهق الباطل ) .
وكذا الباء من ( به ) و ( انبذ ) فتقول ( يعظكم به ) لا ( يعظكم به) بل يجب ترقيق الباء ، ( فانبذ إليهم ) لا تقول ( فانبذ ) بل يجب ترقيق الباء والذال هكذا (فانبذ) :-
وَبَاءِ بَرْقٍ بَاطِلٍ بِهِمْ بِذِي ... وَاحْرِصْ عَلَى الشِّدَّةِ وَالجَهْرِ
أي أظهر صفات الحروف الذي فيها أي في : الباء وفي الجيم فاحرص على تعطيش الجيم من ( الجنة ) و( جعل ) ، وكذا الحاء في ( حب ) ، وكذا الصاد في (الصبر ) ، وكذا ترقيق القلقلة بعد راء ( ربوة ) ، وكذا تخليص القلقلة في جيم (اجتثت )، وكذا تعطيش الجيم من قوله ( حج ) ، وكذا تخليص القلقلة في ( الفجر ).
وَبَاءِ بَرْقٍ بَاطِلٍ بِهِمْ بِذِي ... وَاحْرِصْ عَلَى الشِّدَّةِ وَالجَهْرِ الَّذِي
فِيهَا وَفِي الْجِيمِ كَحُبِّ الصَّبْرِ ... وَرَبْوَةٍ اجْتُثَّتْ وَحَجِّ الْفَجْرِ
والمراد من هذا الكلام كله تنبيه القارىء أن يراعي مخارج الحروف وصفاتها .
وَبَيِّنَنْ مُقَلْقَلاً إِنْ سَكَنَا ... وَإِنْ يَكُنْ فِي الْوَقْفِ كَانَ أَبْيَنَا
القلقلة : حروف القلقلة الخمسة(1) لها أحوال :
إما أن تكون في أول الكلمة ، وإما أن تكون في وسط الكلمة ، وإما أن تكون في آخر الكلمة ، وإما أن يوقف عليها .
ويريد الشيخ ـ رضي الله تبارك وتعالى عنه ـ بهذا البيت أن يبين القارئ القلقلة عموماً سيما الموقوف عليها .
وعندي كلام سمعته من شيخي في القلقلة ، قال شيخي :
__________
(1) وهي حروف ( قطب جد ) .(1/43)
القلقلة نوعان : مستفلة ومستعلية ، فالمستفلة مائلة إلى الفتحة مشمة بكسر خفيف هكذا : ( الله يبدئ ) هناك من القراء من يقول : ( الله يبـ(1) ) هذا خطأ لابد أن يقول : ( يبدئ ، وعنده أم الكتاب ، وعجيب ، وقريب ، ومريج ، ويجعلون ، والمجرمين ، وشهيد ، ويبدئ ، ويعيد ، قد نعلم ) ، هذا معنى قوله : (وَإِنْ يَكُنْ فِي الْوَقْفِ كَانَ أَبْيَنَا ) يعنى أشد بيناً .
والقلقلة مادامت من حروف الاستفال فلابد من إشمام فتحها بنوع طفيف من الكسرة لأننا نجد كثيراً من القراء يقولون : ( وكذلك نجزي المجرمين ، ويبدئ ، يجعلون ، بعيد ، قريب ) مما يجعل السامع إذا لم يكن حافظ القرآن يشعر بأنها ليست ساكنة بل مفتوحة ، ولكن لو قرأ القارئ ( عجيب ، قد نعلم ، يبدئ ، مريج ، شهيد ، المجرمين ) تلك هي القلقلة المطلوبة .
أما إذا كانت القلقلة من حروف الاستعلاء كـ ( القاف والطاء ) فلابد من إشمام فتحها بضم خفيف تقول : ( اقترب – اق – اقترب ، شقاق ، حريق ، الحق ، الصراط ، ونطبع ) ، وترى كثيراً من القراء يفتحها زيادة عن اللازم بحجة المحافظة على القلقلة فيقول : ( اقترب ، شقاق ، حريق ) هذا خطأ .
والقاعدة : أن القلقلة إذا كانت من حروف الاستفال كـ: ( الباء ، والجيم والدال ) كانت فتحتها مائلة للكسر قليلاً مشمة بالكسرة قليلاً ، وإذا كانت من حروف الاستعلاء كـ : ( القاف ، والطاء ) كانت فتحتها مشمة بضم قليل .
قال الناظم :-
وَحَاءَ حَصْحَصَ أَحَطتُّ الْحَقُّ ... وَسِينَ مُسْتَقِيمِ يَسْطُو يَسْقُو
__________
(1) أي يميل القلقلة للفتح .(1/44)
يعني ورقق أيها القارئ الحاء من قوله ( حصحص ) لوجود الصاد بعد الحائين مخافة أن تختلط الحاء بالصاد ، وكذا الحاء من ( أحطت ) لوجود الطاء بعدها مخافة إدماجها بالطاء ، وكذا الحاء من ( حق ) مخافة إدماجها بالقاف ، وأظهر أيها القارئ سين ( مستقيم ) مخافة إدماجها بالتاء بعدها للتقارب ، والسين من ( يسطو) مخافة إدماجها بالطاء ، والسين من ( يسقو) مخافة إدماجها بالقاف .
يريد بهذا الكلام كله مراعاة إظهار الحروف مخرجاً وصفةً وذاتاً في حالة النطق ، قال الناظم :-
وَحَرْفَ الاسْتِعْلاَءِ فَخِّمْ وَاخْصُصَا ... لاطْبَاقَ أَقْوَى نَحْوَ قَالَ وَالْعَصَا
حروف الاستعلاء سبعة يجمعها قولك : ( خص ضغط قظ ).
وهذه الحروف لها مراتب في تفخيمها ولها مراتب في أيها أولى بالتفخيم :
أما مراتب تفخيمها فسبع :
أولها :المفتوح بالألف كـ : ( قالوا ، قائلون ، وطائعين ، وخائفين ).
ثانيها : المفتوح بغير ألف مثل : ( قد نعلم ، طبع الله ، ظلموا أنفسهم ، خلقكم ، ضرب لكم ، طوعاً أو كرهاً ، فغفر له ).
ثالثها :- المضموم بالواو كـ : ( الطور ، ونفخ في الصور ، قوا أنفسكم ) .
رابعها :- المضموم بلا واو: ( قل انظروا ، ضرب بينهم ، أم خلقوا ،صرفت أبصارهم ، قرآن ، طبع ) .
خامسها : الساكن قبل الضم : ( يقتلون ، يصهر ، يغفر ) .
سادسها :- الساكن قبل فتح : ( يطبع ، يخرج ، سأصرف ، يخدعون ) .
سابعها :- الساكن قبل كسر : ( اقرأ ، اصبر ، اضرب ، فطرت ) .
واعلم أن الخاء والغين إذا جاء قبلهما كسرٌ عارض أو أصلي فلابد من ترقيقهما مثل قوله : ( لا تزغ قلوبنا ، الذي اختلفوا ، إن في اختلاف ، رب اغفر ).
قلت في ذلك :-
وحرف الاستعلاء في غين وخا ... إن جاء كسر قبل ذين رققا
وذاك في حال سكون يا فتى ... فافهم كلامي يا أخي وطبقا
أما إذا كان حرف الاستعلاء مكسور فإن تفخيمه يسمى تفخيماً تقديرياً لوجود الكسرة ، هذا عن مراتب التفخيم .(1/45)
وأما أَي الحروف أولى بالتفخيم وأقوى ؟ .
فقد سمعت من شيخي الشيخ : محمود محمد خبوط بقنا بصعيد مصر :
مراتب التفخيم حصرها يفي ... طب ضاً فصبق ظل قل غير خفي
يعني أن أقوى الحروف تفخيماً الطاء سيما إذا كانت مفتوحة بعدها ألف ، يليها الضاد يليهما الصاد يليها الظاء يليها القاف يليها الغين يليها الخاء .
لذا قال الناظم :
وَحَرْفَ الاسْتِعْلاَءِ فَخِّمْ وَاخْصُصَا ... لاطْبَاقَ أَقْوَى نَحْوَ قَالَ وَالْعَصَا
قال الناظم :
وَبَيِّنِ الإِطْبَاقَ مِنْ أَحَطتُّ معَ ... بَسَطتَّ وَالخُلْفُ بِنَخْلُقْكُمْ وَقَعْ
ــعْ
بين أيها القارئ الإطباق من ( أحطت ) فلا تدع التاء تطغى على الطاء ، ولا تدع الطاء تطغى على التاء ، وكذا الحال في بسطت .
وأما قوله ( والخلف بنخلقكم وقع ) فذلك في قوله تعالى في سورة المرسلات : (ألم نخلقكم من ماء مهين ) : فقرأ بعضهم بكمال الإدغام ، وقرأ الآخرون بظهور صفة القاف مع الكاف ، والأرجح الإدغام الكامل ، وكذا قرأنا .
قال الناظم :
وَاحْرِصْ عَلَى السُّكُونِ فِي جَعَلْنَا ... أَنْعَمْتَ وَالمَغْضُوبِ مَعْ ضَلَلْنَا
احرص أيها القارئ على سكون اللام في ( جعلنا ) وإياك وتمييعها ، فإن بعض القراء يقول ( وجعلنا )(1) يريد بذلك الحرص على السكون بينما هو يحركها .
وكذا ( أنعمت ) بعضهم لا يراعي سكون النون فيقول ( أنَعمت ) ( إنَ أَنتم ) (أنَ آمنوا بالله ) ، والمطلوب أن يُلصَق اللسان بعليا الثنايا حتى لا يتحرك .
وكذا خلص أيها القارئ ترقيق (الميم ) من تفخيم ( الغين ، والضاد ) في (المغضوب ) ، فيقرأ هكذا ( غير المغضوب )(2).
وكذا خلص انفتاح اللامين وترقيقهما من الضاد في ( ضللنا ) ، هذا معنى قوله :
وَاحْرِصْ عَلَى السُّكُونِ فِي جَعَلْنَا ... أَنْعَمْتَ وَالمَغْضُوبِ مَعْ ضَلَلْنَا
ثم قال :
__________
(1) أي بفتح اللام .
(2) غير المغضوب بترقيق الميم .(1/46)
وَخَلِّصِ انْفِتَاحَ مَحْذُورًا عَسَى ... خَوْفَ اشْتِبَاهِهِ بِمَحْظُورًا عَصَى
يعني خلص أيها القارئ انفتاح ( محذوراً ) ، بمعنى الحذر فرقق ( الميم ، والحاء ، والذال ) خوف اشتباهه بـ ( محظوراً ) بمعنى المنع .
وخلص انفتاح ( العين ، والسين ) وترقيقهما من ( عسى ) بمعنى الرجاء ، خوف اشتباهه بـ ( عصى ) بمعنى العصيان .
قال الناظم :
وَرَاعِ شِدَّةً بِكَافٍ وَبِتَا ... كَشِرْكِكُمْ وَتَتَوَفَّى فِتْنَتَا
راع أيها القارئ مخرج ( الكاف ، والتاء ) من قوله ( شرككم ) في ( يكفرون بشرككم ) ، و( تتوفا ) في (تتوفاهم الملائكة ) ، و ( فتنتا ) في ( واتقوا فتنة ) ، فلا تتهاون في النطق بهما مخافة أن يجري النفس مع النطق وذلك ينافي ما فيهما من شدة .
وكثير من القراء يُشمون ( الكاف ) ( خاء ) أو يملئون ( التاء ) نفساً أو يشمونها بـ ( الشين ) ، وهذا منافٍ لصفة الحرفين ، والله تعالى أعلم .
المبحث التاسع
في المثلين والمتقاربين والمتجانسين
قال الناظم :
وَأَوَّلَى مِثْلٍ وَجِنْسٍ إنْ سَكَنْ ... أَدْغِمْ كَقُلْ رَبِّ وَبَلْ لاَ وَأَبِنْ
سبق أن بينا في باب صفات الحروف وقبلها المخارج أن الحروف إما : متماثلة ، وإما : متجانسة ، وإما : متقاربة ، وإما : متباعدة ، ولا حكم للمتباعد .
فإذا سكن الأول وتحرك الثاني قلنا : صغير ، وإذا تحركا معاً قلنا : كبير إن كان كل منهما مدغماً أو مظهراً ، وإذا تحرك الأول وسكن الثاني قلنا : مطلق ، ولا يأتي في المطلق إدغام .
وكلام الناظم هنا في الإدغام الصغير :
ومثاله في المثلين : ( اضرب بعصاك ) ، و( في قلوبهم مرض ) ، و( بل لا يخافون).
ومثال المتجانسين : ( ودت طائفة ) ، ( لئن بسطت ) ، ( فقال أحطت ).
ومثال المتقاربين ( يبين لنا ) ، ( ألن نجمع ) ، ( وقد فرضتم ) في ( وقد فرضتم لهن فريضة ) وجميع حروف اللام الشمسية إلا اللام كما تقدم .(1/47)
وقوله : ( وأبن في يوم ) يعني لا تدغم أيها القارئ الياء من ( في ) في الياء من (يوم ) ، وافصل ما بين المعتل منهما والمحرك .
وكذلك ( قالوا وهم ) افصل أيها القارئ ما بين الواوين المعتلة والمتحركة .
وكذلك ( قل نعم ) احرص أيها القارئ على تخليص لام ( قل ) من نون ( نعم).
والأشبه بهذا الكلام أن يكون من الباب السابق لا من باب المثلين والمتقاربين والمتجانسين .
وكذا احرص أيها القارئ على تخليص الحاء من الهاء في ( سبحه ) .
وتخليص الغين من القاف في ( لا تزغ قلوب ) .
وتخليص اللام من التاء في ( فالتقمه الحوت ).
المبحث العاشر
في أحكام المد وأقسامه وأنواعه
وربما أطلت النفس في هذا الباب لأهميته ، فأقول :
المد لغة : المط ، يقال مد جسمه : أي مطه ، ومد في الكلام أي مطه .
واصطلاحاً : إطالة الصوت بحرف من حروف العلة بقدر مخصوص .
واجباته ثلاثة :
الألف الساكن(1) المفتوح ما قبله ، والياء الساكن المكسور ما قبله ، والواو الساكن المضموم ما قبله .
أسبابه ثلاثة :
الهمز ، والسكون العارض ، والسكون الأصلي .
وزاد بعضهم اللين ، وأرى أنه ضمن السكون العارض .
وهو قسمان :
أصلي ، وفرعي .
وأنواعه أربعة :
ضروري ، ولازم ، وواجب ، وجائز .
وبهذا الترتيب نبين كل صنف فنقول :
أما الضروري :
فهو الأصلي ، ومعنى أصلي أنه لا يتوقف على سبب وهو الطبيعي وسمي طبيعياً لأنه تألفه الطبيعة . وقلنا بضرورته لأن القرآن بدونه نوع من العبث بل كلامنا العادي بدونه نوع من العبث ، واختبر نفسك أتستطيع أن تقرأ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) بدون مد طبيعي ؟ الجواب : لا . فوجوده في كلام الناس فضلاً عن كلام الله ضرورة ويمد مقدار حركتين ، والحركة بقدر ضم الإصبع أو فتحه بحالة متوسطة .
ومثاله : ( قالوا ) ، ( قلنا ) ، ( بسم الله ) ، ( جئناه ) ، ( فرضنا ) ، ( ها )(2) ، ( نادى ) .
__________
(1) الساكن صفة لمحذوف تقديره الحرف .
(2) من ( كهيعص ) فاتحة مريم .(1/48)
وأقسامه في القرآن أحد عشر نوعاً :
النوع الأول : الذي لا يتغير وصلاً ولا وقفاً ( كقلنا ) ، و( جعلنا ) ، و(قالوا ) ، و( عملوا ) ، و( نادى ) ، ويسمى مداً طبيعياً ضرورياً وصلاً ووقفاً .
النوع الثاني : طبيعي في الوصل فقط ( كالعالمين ) ، ( الدين ) ، ( نستعين ) ، ( الرحمن ) ، ( الإنسان ). ويسمى مداً طبيعياً ضرورياً وصلاً لأننا لو وقفنا عليه صار مداً عارضاً للسكون جائزاً .
الثالث : مد طبيعي وقفاً لا وصلاً ، وذلك إن وقفت على المنفصل فقلت (يا ) في : ( يا أيها ) ، ( وأنه ) في : ( وأنه أهلك ) و ( في ) في : ( في أمها رسولا ) ، و ( أمره ) في : ( أمره إلى ) ، لأنه لو وصل لكان منفصلاً جائزاً .
النوع الرابع : عوض عن التنوين ( كخبيراً ) ، ( بصيراً ) ، ( حليماً ) ، (حكيماً ). ويسمى طبيعيا لعوض وقفاً ، ضرورياً يعني حكمه الضرورة .
النوع الخامس : عوض لعارض الحذف . مثال ( قالوا الآن ) ، عند الوقف (محلي الصيد ) ، ( حاضري المسجد ) ، فإنك إن وقفت قلت ( قالوا ) ( محلي ) (حاضري ) ويسمى مداً طبيعياً ضرورياً لعارض الحذف .
النوع السادس : هو المخلق من همز الوصل إذا وقفت على ما قبله كأن قلت ( جاءتهم رسلهم بالبينات ) ، فسألتك قف على ( بـ ) تقول جاءتهم رسلهم ( بي ) و( بالزبر ) تقول ( وبي )، ( فالآن ) تقول ( فا ) ، ويسمى مداً طبيعياً مخلق من همز الوصل مثال ( فالآن ) ( بالكتاب ) ( بالغيب ) ، إذا وقفت على الفاء أو الباء ، ولا يأتي في المضموم البتة.
وأصله أننا لو وقفنا على الباء من ( بالكتاب ) نقول : ( بي ) بينما ليس هناك حرف مد بعد الباء وإنما الهمزة التي بعد الباء أبدلت من جنس حركة ما قبلها فصارت (بي ).
( فالآن ) وقفنا على الفاء فقلنا ( فا ) ولم يكن هناك حرف مد وإنما همزة الوصل التي بعد الفاء أبدلت من جنس حركة ما قبلها في الوقف فولدت مداً . فيسمى مداً طبيعياً مخلقاً من همزة الوصل .(1/49)
والفرق ما بينه وبين السابق ـ أي العوض عن عارض الحذف ـ أنك تجد بعد الوقف على العوض حرف العلة أما هذا ـ المخلق من همزة الوصل فليس بعده حرف علة ـ فاعلم ذلك .
ويسمى هذا السادس ( مخلق شكلي ) فإن شئت قلت مخلق من همز الوصل ، وإن شئت قلت مخلق من الشكلي .
النوع السابع : المد الطبيعي لغياب أل ، مثاله ( مسني الضر ) ، تقول ( مسني )، ( سأصرف عن آياتي الذين ) ، تقول ( سأصرف عن آياتي )، ( يا عبادي الذين ) ، تقول ( يا عبادي ) . واسمه : مد طبيعي لغياب أل ضروري .
النوع الثامن : يسمى مداً طبيعياً لبيان حركة الحرف أو قل لإشباع حركة الحرف . كأن وقفت على باء ( بسم ) ، تقول : ( بي ) ( وما أنزل ) تقول : ( وا ) ( لتقرأه ) ، تقول: ( لتا ) ويسمى مداً طبيعياً لإشباع الحركة ضروري .
وإنما نركز على مثل هذا لأن الإمام الداني قال : من لم يعلم وقوف الابتلاء لا يعد من العلماء . لذا ملأ الأشياخ كتبهم ببيان وقف الابتلاء وهو الامتحان .
وهذا المد الطبيعي لإشباع الحركة شريطة ألا يأتي همزاً بعده .
النوع التاسع : المد الطبيعي العارض للسكون مثاله ( يبين لنا ما هي ) ، (ويستنبئونك أحق هو) ، ألا ترى أنك لو وصلت تقول ( أحق هو) ( يبين لنا ما هي ) فإذا وقفت قلت : مداً طبيعياً عارضاً للسكون ضرورياً .
النوع العاشر : مد طبيعي للتخصيص نحو( أطعنا الرسولا ) ، ( فأضلونا السبيلا ) ، ( فالرسولا ) أي الرسول المخصوص ( وأضلونا السبيلا ) أي السبيل المخصوص بمحمد ، و( قواريرا ) أي قوارير مخصوصة ، لذا سميناه : مداً طبيعياً للتخصيص ضرورياً .
النوع الحادي عشر : مد طبيعي لصلة الضمير ، وهو في موضع واحد في القرآن في قول الله تبارك وتعالى ( لكنا هو الله ربي ) ، فإذا وقفت قلت ( لكنا ) بمعنى : لكن أنا ، فالألف صلة لضمير المتكلم .
وقد نظمت هذه الأنواع الإحدى عشر فقلت :
بدأت بحمد الله نظماً منضداً ... وصليت تعظيماً على خير من هدى(1/50)
وبعد فخذ أقسام مد طبيعهم ... سبقت به القراء فاعلمه تُهتدى
ويقسم عشراً بعد واحد اعلمن ... أعدده نوعاً فنوعاً مؤكدا
فأولها مد طبيعي احفظن ... كقالوا وقلنا ثم جئنا تأكدا
وليس به تغيير وقف ووصله ... فيثبت في الحالين فاعرفه تُقتدى
وثان بحال الوصل لا غير صاحبي ... فكالعالمين الدين رحماناً اقصدا
وثالثه وقفاً ولا وصل فادريا ... وذلك إن وقف بمنفصل بدا
ورابعه تنوين إن يقف اعلمن ... خبيراً بصيراً مثلن تنل هدى
وخامسه عوض لعارض حذفه ... مُحلي وقالوا الآن فاعلمه ترشدا
وسادسه قد جاء من همز وصله ... إذا رمت وقفاً قبله لتمجدا
كأن قلت وا من والكتاب وبابه ... وقسه على كل ولا تكُ مفندا
وتفريق بينهما تجد بعد خامس ... لدى الوقف حرف المد لا تكُ مبعدا
وأما الذي قلناه فهو مخلق ... من الهمز أبدلناه مداً فأسندا
فمن جنس ما قبل إبدلنه وسمه ... مخلق شكلي فستة اعددا
وسابعه وقف أتى لغياب أل ... عبادي الذين اعلمه مسني العدا
ويدعى طبيعياً لغيبة أل وذا ... لغيري ما عرفوه فاعلمه تقتدى
وثامنه وقف على الحرف فاعلمن ... كواو وما أو قل بما أنزل اشهدا
ويدعى طبيعياً لإشباع حركة ... شريطة ألا همز بعد فأوجدا
وتاسعه يدعى سكوناً لعارض ... كحق هو اعلم ما هي ادر لتمجدا
وعاشره مد لتخصيص اعلمن ... أطعنا الرسولا اقرأ سبيلا لتعدلا
كذاك قواريرا وحادي عشره ... بلكنا هو بالكهف وقفاً لترشدا
ويدعى طبيعياً لوصل ضميره ... وصل على المبعوث بالنور والهدى
هذا ما نظمته ، مع أني أعترف أني بليد في اللغة والشعر ، فمن اطلع عليه ورأى تصحيحه فليصححه .
وبعد الكلام عن النوع الضروري نتكلم على ما بعده وهو :
اللازم :
فنقول : سمي لازماً للزوم حكمه وللزومه ست حركات عند جميع القراء ، وهو على قسمين :
كلمي , وحرفي .
وكل قسم على نوعين : مثقل ، مخفف .
وإليك بيان ذلك مفصلاً فنقول :
أما الكلمي : فهو ما جاء في كلمة ، وأما مثقل فلأن بعد حرف المد ثقل ، واختلفوا في هذا الثقل أهو إدغام ؟ . أم تشديد ؟ .(1/51)
ولنضرب لذلك مثالاً أو مثالين أو ثلاثة لتقيس ما غاب على ما حضر :
( الحاقة ) ، و( الصاخة ) ، و( الطامة ) ، و( وحاجّه ) ، و( أتحاجّونّي ) ، والمرجح أن سبب الثقل الإدغام ، لأن ( الحاقة ) أصلها ( الحاقِقة ) و( الصاخة ) أصلها ( الصاخخة ) و( الطامة ) أصلها ( الطاممة ) و( حاجه ) أصلها ( حاججه ) و(أتحاجوني ) أصلها ( أتحاججونني ) ، و( الجانّ ) أصلها ( الجانن ) ، وعلى اعتماد الإدغام سبباً في الثقل جميع القراء وأكثرهم ، هذا كله مثال للكلمي المثقل ، ويسمى مد لازم كلمي مثقل فرعي ، ويسمى في الوقت نفسه إدغام مثلين كبير لأن (حاقة ) أصلها ( حاققة ) أدغمت القاف في القاف فصارت ( حاقّة ) ، و( حاجه ) أصلها ( حاججه ) أدغمت الجيم في الجيم ، ( تحاجوني ) أصلها ( تحاججونني ) و(تأمرونّي ) أصلها ( تأمرونني ) و( الطامة ) أصلها ( الطاممة ) و( الصاخة ) أصلها (الصاخخة ) أدغم المثلان الكبيران في بعضهما فأحدث ثقلاً ، لذا قلنا : كلمي مثقل ، وينبغي أن نقول : مد لازم كلمي مثقل وإدغام مثلين كبير ، ونقول : كبير لأن سبب المد اللازم السكون الأصلي لا السكون العارض ، فينبغي أن يكون الإدغام مثلين كبيراً.
النوع الثاني : المد اللازم الكلمي المخفف : وهو في كلمتي ( ءالآن ) بموضعي يونس ، ويسمى مد لازم كلمي مخفف ، لازم لحكمه ولزومه ست حركات ، وكلمي لكونه في كلمة ، ومخفف لأنه ليس بعد حرف المد ثقل .
واعلم أن هاتان الكلمتان مع قوله تعالى : ( ءآلذكرين ) موضعي الأنعام ، ومع قوله تعالى : ( قل ءآلله أذن لكم ) بيونس ، ( ءآلله خير أما يشركون ) بالنمل ، في هذه الكلمات الست لكل القراء وجهين :
الوجه الأول : المد اللازم ست حركات ، ( ءآلذكرين ) مد لازم كلمي مثقل ، غير أن الثقل هنا ليس إدغاماً وإنما هو شدة ، شدة الذال ، وكذا ( ءآلله خير ) ( ءآلله أذن لكم ) كل هذه تعتبر مداً لازماً مثقلاً بشدة ، فلا يقال فيها إدغام مثلين كبير .(1/52)
الوجه الثاني : التسهيل مع القصر تقول ( قل ءآلذكرين ) ( ءآلله ) ( ءآلآن ) .
وكيفية التسهيل أن ترد حرف المد إلى أصله لأن أصله كان ( ءألذكرين ) ( ءألآن ) ( ءألله ) مع تسهيل الهمزة الثانية بين الألف والهمزة . وبعض القراء يسميه ( مد فرق ) معنى فرق : لأنَّا فرقنا بين الهمزتين فحققنا الأولى وأبدلنا الثانية حرف مد ، فتنبه .
وأما دليل الوجهين في ( ءالآن ) و( ءالذكرين ) و( ءالله أذن ) ، فيقول الإمام الشاطبي:
وإن همز وصل بين لام مسكن ... وهمزة الاستفهام فامدده مبدلا
فللكل ذا أولى ويقصره الذي ... يسهل عن كل كالآن مثلا
فالإبدال بالمد أولى وأحق وأصح وأكثر طرقاً ، والتسهيل صحيح مأخوذ به ، وقرأنا بالوجهين .
وقال الإمام ابن الجزري في الطيبة :
وهمز وصل من كـ ءالله أذن ... أبدل لكل أو فسهل واقصرن
النوع الثاني من المد اللازم : ( الحرفي ) وينقسم إلى قسمين :
حرفي مخفف ، حرفي مثقل .
ومعنى ( حرفي ) أن المد في حرف ، و( مثقل ) لأن بعد حرف المد شدة أو إدغام ، و( مخفف ) لأنه ليس بعد حرف المد ( شدة ) ولا إدغام .
ويأتي في ثلاثي الحروف ، يعني في الحروف الثلاثية ويجمعها قولك : ( كم عسل نقص ) وهي ثمانية أحرف .
فالكاف من ( كهيعص ) ، والميم من ( الم ) ، والعين من نحو ( كهيعص ) ، و(عسق )، والسين من ( طس ) و( يس ) ، واللام من ( لم ) ، والنون من ( ن والقلم)، والقاف من ( ق والقرآن ) ، والصاد من ( ص والقرآن ذي الذكر ) ، أومن (المص )، وإليك بيان ما خفف منها وما ثقل :
أولاً : ( كهيعص ) : مد لازم حرفي مخفف .
والميم من ( ميم ) أول البقرة وأول آل عمران وغيرها من السور ، وهو مد لازم حرفي مخفف .
والعين من ، ( عص ) بمريم و ( عسق ) بالشورى ،
وفيه لجميع القراء وجهان :
المد اللازم الحرفي المخفف ، والأربعة(1) على أنه مد لين . قال الناظم(2) :
(
__________
(1) أي تمد ست وأربعة حركات .
(2) القائل هو الإمام الجمزوري في تحفة الأطفال .(1/53)
وَعَيْنُ ذُو وَجْهَيْنِ والطُّولُ أَخَصْ)
أي الطول أقوى وأكثر طرقاً .
والسين : أما من قوله تعالى ( يس والقرآن ) فعند من قرأ بالإظهار يعتبر مداً لازماً حرفياً مخففاً ، ومن قرأ بإدغام النون في الواو يعتبر حرفياً مثقلاً .
وفي قوله تعالى ( طس تلك آيات ) بالنمل يعد مداً لازماً حرفياً مخففاً ، أما في قوله تعالى ( طسم ) فيعد مداً لازماً حرفياً مثقلاً .
أما اللام : ففي جميع ( الم ) يعتبر مداً لازماً حرفياً مثقلاً ولا يخفف إلا في ( الر ).
وأما النون : فهو مخفف إلا عند من أدغم النون في الواو فهو مثقل .
وأما القاف : فهو في قوله تعالى ( ق والقرآن ) وهو مخفف على كل حال .
وكذلك الصاد : من قوله ( المص ) ومن قوله ( ص والقرآن ) فهو مخفف على كل حال .
وأما الحروف الثنائية التي في أوائل السور وهي في قولك ( حي طاهر ) :
فالحاء : من ( حم ) ، والياء : من ( ها يا ) ، و( يس ) ، والطاء : من ( طه ) ، والراء من نحو ( الر) ، فهذا كله يعد مداً طبيعياً ضرورياً كما تقدم .
تنبيه :
لكل القراء(1) في أول سورة آل عمران ثلاثة أوجه :
المد اللازم في قوله تعالى ( آلم ) ، فإذا وصلت بلفظ الجلالة كان لجميع القراء وجهان آخران : أولاً : القصر حركتان . ثانياً : المد اللازم .
فمن قصر اعتد بالعارض للسكون لنقل حركة الهمزة إلى الميم(2) ، ومن مد لم يعتد بالعارض .
وقال الإمام الحسيني في إتحافه :
ومد إذا كان السكون بعيده ... وإن عرض التحريك فاقصر وطولا
لكل عدا في آل عمران قد أتى ... وورش فقط في العنكبوت له كلا
__________
(1) إلا أبا جعفر فإنه يسكت على الحروف المقطعة أول السور .
(2) قرأ جميع القراء بإسقاط همزة الجلالة وصلا وتحريك الميم بالفتح تخلصا من التقاء الساكنين و إنما اختير التحريك بالفتح دون الكسر مع أن الأصل فيما يحرك للتخلص من الساكنين أن يكون تحركه بالكسر مراعاة لتفخيم لفظ الجلالة ولخفة الفتح ( البدور الزاهرة للقاضي ص 72) .(1/54)
وبهذا يتم تعريف المد اللازم بأقسامه الأربعة وهوالنوع الثاني من المدود .
النوع الثالث : هو الواجب .
وهو المد المتصل ، وتعريفه أن يجتمع سببه وموجبه في كلمة فسببه الهمز وموجبه حرف العلة . ( كجاء ) و( شاء ) و( سيء ) و( تبوء ) و( تنوء ) .
وقلنا واجباً لأنه لا يقبل ما دون فويق القصر ، ومقدار ذلك ألف ونصف هذا أقل مراتبه ، وإذا كانت القراءة تحقيقاً وتدويراً وحدراً تعذر التمييز بين الثلاث والأربع ، وبين الأربع والخمس ، وبين الخمس والست إلا بالمشافهة والمران على الشيوخ .
فإذا قرأت مثلاً ( وجاءوا على قميصه بدم كذب )هذه طريقة التدوير(1) ، وأما طريقة التحقيق(2) ( وجاءوا على قميصه بدم كذب ) وأما الحدر(3) ( وجاءوا على قميصه بدم كذب ) والكل ثلاث حركات لكن مع التحقيق والتدوير(4)والحدر يختلف المقدار ، لذا قلنا أن المتصل واجب لأنه لا يقبل القصر بحال ، والقصر حركتان .
وسمي متصلاً لاتصال سببه بموجبه في كلمة .
وهو ثلاثة أنواع :
الأول : متصل لا يتغير(5) ( كجاء ) و( شاء ) و( سيء ) و( تبوء ) و( تنوء ) ، يقال مد متفصل واجب فرعي .
الثاني : متصل وراءه بدل عوض عن التنوين ( كبناءا ) ، ( ماءا ) ، ( دعاءا ) ، ( نداءا ) نقول :مد متصل واجب فرعي وبعده بدل عوض عن التنوين .
والثالث : مد متصل واجب عارض للسكون(6) ( كالسماء ) و( الدعاء ) و( نساء ) و( يشاء ) .
وهنا لنا كلام :
إذا وقفنا على مثل هذا فلابن الجزري وأشياعه كلام ، ولابن مهران في كتاب المدود كلام آخر :
__________
(1) التدوير : قراءة القرآن بمرتبة بين التحقيق و الحدر .
(2) التحقيق القراءة بتمهل مع اعطاء الحروف حقها تماما وتخليصها من بعض .
(3) الحدر : إدراج القراءة والإسراع بها مع مراعاه أحكام التجويد والأداء .
(4) كل من هذه المراتب في الحقيقة ليست إلا سرعات للقراءة .
(5) وذلك فيما آخره فتح .
(6) في المضموم و المكسور .(1/55)
فأما ابن الجزري وأشياعه قالوا : إنه يمد في الوقف ست حركات لأنه زاد سببه فصار سببين الهمز والسكون العارض ، وما دام قد زاد سببه تزيد مرتبته فيمد ست حركات ؛ فإن كان منصوباً ( كالسماء ) و( الماء ) ووقفنا عليه فيكون فيه ست حركات بالسكون الخالص ( السماءْ ) ( الماءْ ) ، وإن كان مجروراً ( كالنساء ) ( الدعاء ) ( الماء ) فست حركات بالسكون ، وست حركات بالروم نقول ( ربنا وتقبل دعاء ) بالسكون(1) ، و( ربنا وتقبل دعاء ) بالروم(2) .
و الروم : هو الإتيان بثلث حركةْ وصلِ الحرف بحيث يسمعه القريب ولا يسمعه البعيد ، قال إمامنا الشاطبي :
ورومك إسماع المحرك واقفاً ... بصوت خفي كل دان تنولا
قال ابن الجزري في الطيبة :
والروم إتيان ببعض الحركة ... إشمامهم إشارة لا حركة
وإن كان مرفوعاً ( كيشاءُ ) و( الدعاء ) كان فيه ثلاثة أوجه :
الأول : الستة بالسكون ( يشآءْ ) .
الثاني : الستة بالروم ( يشاءُ ) ؛ والستة بالإشمام ( يشاء ).
والإشمام : هو إطباق الشفتين بعد سكون الحرف إشارة بالضم بلا صوت مع سعة قليلة للنفس فيهما ولا يدرك إلا بالبصر يعنى لا يعرف إلا إذا قُرِأَ على شيخ .
قال الإمام الشاطبي :
والإشمام إطباق الشفاه بعيد ما ... يسكن لا صوت هناك فيصحلا
أي فيسمع .
وقال ابن الجزري :
( إشمامهم إشارة لا حركة )
كذا قال ابن الجزري وأشياعه في المتصل الموقوف عليه .
فإن سئلت عنه قلت : هذا مد متصل واجب عارض للسكون ، وأصل سبب المتصل الهمز ، لكن لما زاد سبباً آخر فوق الهمز وهو السكون العارض صار ست حركات وقفاً هذا رأي شيخنا ابن الجزري وأشياعه .
وأما رأي الشيخ ابن مهران في كتابه ( المدود ) فيقول : إن المتصل الموقوف عليه سببه السكون العارض وما دام سببه السكون العارض فيعامل معاملة السكون العارض إلا أن الهمزة تمنع قصره .
__________
(1) وبالمد ست حركات .
(2) وبالمد ست حركات .(1/56)
فصارت الهمزة بمثابة الضيف عند ابن مهران بينما صار السكون العارض هو الضيف عند ابن الجزري وأشياعه ، فتكون الأوجه كما يلي عند ابن مهران :
إذا وقفنا على المتصل الواجب العارض للسكون يكون فيه في المنصوب الثلاثة والأربعة والخمسة والستة هكذا : ( السمآء ) ثلاثة ، أربعة ( السماء ) ، خمسة ( السماء) ستة ، هذا في المنصوب .
ويسمي القراء الثلاث حركات فويق القصر ، والخمس حركات فويق التوسط ، فهذا هو المَعْنِي عندهم بالفويق .
أما إذا كان مجروراً ( كالنساء ) و( الدعاء ) ففيه ما يلي :
ثلاثة بالسكون ، وأربعة بالسكون والروم ، وخمسة بالسكون ، وستة بالسكون والروم . فتصير الأوجه ستة هكذا :
( ويستفتونك في النساء ) ثلاثة بالسكون ، ( ويستفتونك في النساء ) توسط السكون يعني أربع حركات ، ( ويستفتونك في النساء ) أربعة بالروم ، ( ويستفتونك في النساء ) خمسة خمس حركات فويق المتوسط ، ( ويستفتونك في النساء ) ست حركات بالسكون ، ( ويستفتونك في النساء ) ست حركات بالروم .
أما إذا كان مرفوعاً ( كيشاء ) و( الدعاء ) ففيه ما يلي : الثلاثة بالسكون ، والأربعة بالسكون ، والأربعة بالروم ، والأربعة بالإشمام ، والخمسة بالسكون ، والستة بالسكون ، والستة بالروم ، والستة بالإشمام ، فتلك ثمانية أوجه هكذا : ( الله يفعل ما يشاء ) ثلاث حركات ، ( والله يفعل ما يشاء ) أربع حركات بالسكون ، ( والله يفعل ما يشاء ) أربع حركات بالإشمام ، ( والله يفعل ما يشاء ) أربع حركات بالروم ، ( والله يفعل ما يشاء ) خمس حركات بالسكون ، ( والله يفعل ما يشاء ) ست حركات بالسكون ، ( والله يفعل ما يشاء ) ست حركات بالإشمام ، ( والله يفعل ما يشاء ) ست حركات بالروم .
وبكلا الرأيين قرأنا وسألت أشياخي عن هذا المذهب فقالوا : هو مذهب قوي ، وقرأنا به .(1/57)
والفرق بين المذهبين أن ابن مهران قال : إن سبب الوقف السكون العارض ، وسبب الوصل الهمزة ، وابن الجزري قال : إن سبب الوقف والوصل الهمزة ، والعارض ضيف ، وابن مهران قال إن الهمزة ضيف منعت قصر المتصل وقفاً .
ويتفرع على المد المتصل ما يسمى باللين المتصل الواجب العارض للسكون (كشيء ) ( سوء ) ومذهب القراء فيه القصر والتوسط والمد .
وقال بعضهم بكراهية القصر لأنه همز متصل ، لكن الوجوه الثلاثة راجحة ، ولا يأتي إلا مجروراً ومرفوعاً مثل ( شيءٍ ) ، ( شيءٌ ) ، ( سَوءٍ ) فإذا كان مجروراً ففيه القصر بالسكون والروم ، والتوسط ، والمد بالسكون ، ويسمى مد لين متصل عارض للسكون ، أما إذا جاء مرفوعاً ففيه سبعة أوجه : القصر حركتان بالسكون ، والإشمام ، والروم ، فتلك ثلاثة ، والتوسط بالسكون والإشمام ، والمد بالسكون والإشمام فتلك سبعة . فإذا جاء منصوباً ( كشيء ) قلنا حرف لين متصل وبدل عوض عن التنوين .
هذا بيان النوع الثالث من أنواع المدود وهو الواجب .
وبقي النوع الرابع وهو : الجائز :
وينحصر في ثلاثة مدود :
المنفصل ، والبدل ، والعارض للسكون :
أولاً : المنفصل :
سمي منفصلاً لانفصال سببه عن موجبه ، فالموجب في كلمة والسبب في كلمة أخرى مثال ( يا أيها ، في أمها ، أمره إلى ، ها أنتم ) لذا سمي منفصلاً .
وقلنا جائزاً : لجواز الوجوه كلها فيه ، فيقرأ بالقصر ، ويقرأ بالثلاث ، ويقرأ بالأربع ، ويقرأ بالخمس ، ويقرأ بالست حسب جميع الروايات .
فعندنا في رواية حفص من طريق الحرز يقرأ بالخمس والأربع ، وفي رواية حفص من طريق الطيبة يقرأ بالقصر والثلاث والأربع والخمس ، ويقرأ بالست في غير هذه الرواية . فلقبوله جميع أنواع المدود قلنا جائزاً .
واعلم أن حفصا من طريق الحرز يمده أربع حركات وخمس حركات ، أما قول صاحب التحفة :
(وَجَائِزٌ مَدٌّ وَقَصْرٌ إِنْ فُصِلْ)(1/58)
فلا يعني بهذا أنه جائز من طريق الحرز ، ولكنه يعني سبب الجواز أنه يقبل القصر ، ويقبل الثلاثة أي الفويق ، ويقبل التوسط أربع حركات ، ويقبل فويق التوسط وهو خمس حركات ، ويقبل الإشباع في الرواية الأخرى ، وفي روايتنا هذه يمد أربع حركات وخمس حركات ، ويقال له مد منفصل جائز فرعي ، فإذا وقفنا عليه صار مداً طبيعياً كما تقدم .
وتارة يأتي المد المنفصل بدل كقوله : ( وجاءوا أباهم ) و( السوآى أن كذبوا ) بالروم ، فنقول مد منفصل بدل جائز فرعي ، فإن وقفنا عليه قلنا مد بدل جائز فرعي .
النوع الثاني من المدود الجائزة :
مد البدل :
وهو ما تقدم سببه على موجبه .
فكل المدود يتقدم موجبها على سببها إلا مد البدل فإنه يتقدم سببه على موجبه وهو( كآمن ) ( إيماناً ) ( آدم ) ( آخره ) ( أوتوا ) ، كل ذلك يسمى مد بدل جائز فرعي .
فلم سمي بدلاً ؟ سمي بدلاً لأن أصله همزتان أبدلت إحداهما من جنس حركة ما قبلها فأصل ( آمنوا ) ( أأمنوا ) أبدلت الهمزة الثانية الساكنة ألفاً من جنس حركة ما قبلها فصارت ( ءامنوا ) ، وأصل ( إيماناً ) ( إإماناً ) أبدلت الهمزة الثانية الساكنة ياء من جنس حركة ما قبلها فصارت ( إيماناً ) . وأصل ( أوتوا ) ( أأتوا ) أبدلت الهمزة الثانية الساكنة واوا من جنس حركة ما قبلها فصارت ( أوتوا ) وهكذا ، لذا سمي مد بدل .
وقلنا : جائز لأنه يمد عند غيرنا وهو ورش حركتان ، وأربع ، وست فلقبوله الزيادة عند غيرنا قلنا جائز وهو أنواع :
النوع الأول : بدل لا يتغير ( كآمنوا ) و( إيماناً ) و( أوتوا ) و( آدم ) و( آخرة ) ومثل ذلك .
النوع الثاني : بدل عوض عن التنوين ( كبناءا ) و( ماءا ) و( نساءا ) و( ودعاءا ). وقد تقدم آنفاً في المد المتصل الواجب يقال بدل عوض عن التنوين .
النوع الثالث : نحو( خاطئين ) ( خاسئين ) ( مستهزءون ) ( مآب ) يقال مد بدل عارض للسكون جائز فرعي ، وكلمة جائز فرعي تذكر في جميع الأنواع .(1/59)
النوع الرابع : مد بدل لازم ، مثال ( ولا ءامين البيت الحرام ) ، ومثال ( ءالآن ) ، و( ءالذكرين ) ، و( ءالله أذن ) نقول مد لازم بدل مخفف أو مثقل حسب ما كان .
النوع الخامس : هو البدل المخلق وهو ما خُلِّق من الابتداء بهمزة الوصل نحو قوله تعالى : ( ائتوني بكتاب من قبل هذا ) (ءاتوا بآبائنا إن كنتم صادقين ) ، فإنك إن وصلت ذلك قلت : ( قالوا ءاتوا بآبائنا ) فأين البدل ؟ لكنك إن بدأت بهمز الوصل قلت ( ءاتوا ) ويسمى هذا بدل مخلق من همزة الوصل .
النوع السادس : بدل متصل في قوله تعالى ( ينفقون أموالهم رئاء الناس ) ويسمى مد بدل متصل واجب فإذا وقفت عليه قلت : مد بدل متصل واجب عارض للسكون وفيه ما في المتصل الموقف عليه ، وقد ذكرناه آنفاً .
النوع السابع : مد بدل عارض لمحذوف مثل قوله ( رءا القمر ) ، ( رءا الشمس ) فإنك إن وقفت عليه قلت ( رءا ) فإذا سئلت عنه قلت : مد بدل عارض لمحذوف .
النوع الثامن : مد بدل لإشباع الحركة أي كأن تقف على همزة ( أأسجد ) هل تقول ( قال أأْ ) أم ( قال أَ أَ ) لابد أن تقول ( قال أَ ) ، وكذلك ( قال أرأيتك ) إن وقفت على همزة ( أرا ) تقول ( قال أَ ) ، واسمه مد بدل لإشباع الحركة أي لإشباع حركة الحرف لقيام حركة الحرف .
فهذه ثمانية أنواع من المد البدل .
الْحَمْدُ للهِ العَظِيمِ الشَّانِ ... رَبٌ عَظِيمٌ جَلَّ عَنْ بَيَانِي
ثُمَّ الصَّلاَةُ وَ السَّلاَمُ أَبَدَا ... عَلَى خِتَامِ الأَنْبِيَاءِ أَحْمَدَا
وَ الآلِ وَ الصَّحْبِ الكِرَامِ البَرَرَة ... وَ تَابِعِي كُلٍ كَذَا مَنْ ذَكَرَه
وَ بَعدُ خُذْ أَقسَامَ بَدَلٍ يَا فَتَى ... فَعَشْرَةً قَسَّمْتُهَا فَأَثْبِتَا
فَأَوَّلاً فَادْرِيهِ كَالإِيْمَانِ ... وَ آمَنُوا أُوتُوا افهَمَنْ بَيَانِي
وَ الثَّانِ عَارِضٌ كَمُستَهزِينَ ... مَآبِ مُستَهزُونَ خَاطِئِينَ
وَ الثَالِثُ الْمَوصُولُ فِي رِئَاءَا ... وَ الرَّابِعُ العِوَضْ سَمَاءًا مَاءَا(1/60)
كَذَا دُعَاءًا وَ نِدَاءًا اعْلَمَنْ ... وَ خَامِسٌ جَاءُوا أَبَاهُمُ افْهَمَنْ
وَ ذَلِكَ مَفْصُولٌ أَتَى فِي يُوسُفَ ... وَ سَادِسٌ عِوَضٌ لِمَحذُوفٍ قِفَا
وَ ذَاكَ فِي رَءَا الذِينَ وَ رَءَا ... القَمَرَ وَ الشَّمسَ بِأَنعَامٍ رَءَا
الْمُجرِمُونَ كَهفِهِمْ وَ ثَامِنُ ... إِثبَاتِ حَرْكَةٍ كَذَا يَا مُؤمِنُ
وَ ذَلِكَ فِي أَأَسْجُدْ أَرَيتُمُ ... فيِ حَالِ وَقفِنَا عَلَى الْهَمزِ افهَمُوا
وَ التَّاسِعُ اللازِمُ فِي آلآنَ ... آمِّينَ آذَّكَرَينِ فَادرِ الشَّانَ
وَ العَاشِرُ مِنْ هَمزِ وَصلٍ يَافَتَى ... فِي آتِ إِيتُونِي فَكُنْ مُتَثَبِّتَا
فَتِلكَ أَنوَاعٌ لِبَدَلٍ يَافَهِمْ ... لِعَبدِ بَاسِطٍ فَكُنْ مِمَّنْ عَلِمْ
ثُمَّ الصَّلاةُ وَ السَّلامُ السَّرمَدِي ... عَلَى خِتَامِ الأَنبِيَا مُحَمَّدِ
النوع الثالث من المدود الجائزة : هو المد العارض للسكون :
وهو ثلاثة أنواع : منصوب ، ومجرور ، ومرفوع :
النوع الأول : المنصوب نحو( العالمين ) ( الذين ) ( ينفقون ) ( يصلحون ) (يخافون ) ، وفيه ثلاثة أوجه : في الوقف القصر حركتان ، والتوسط أربع ، والمد ست ، ويختصرها القراء بقولهم فيه التثليث يعني الوجوه الثلاثة .
النوع الثاني : هو المجرور ( كالرحيم ) و( الرحمن ) و( الدين ) و( مآب ) و(الوهاب ) و( حساب ) و( متاب ) وهذا في الوقف فيه أربعة أوجه : الثلاثة المتقدمة ، ويزيد عليها القصر بالروم .
النوع الثالث : المرفوع كـ ( نستعين ) و( عظيم ) و( كبير ) و( كريم ) و( عذاب) و( أليم ) و( تواب ) و( رحيم ) ، وفيه سبعة أوجه :
القصر بالسكون ، والقصر بالإشمام ، والقصر بالروم ، والتوسط بالسكون ، والتوسط بالإشمام ، والمد بالسكون ، والمد بالإشمام .
تنبيه :
يلاحظ أن الروم لا يأتي إلا على القصر في المد العارض ، أما في المتصل الموقوف عليه والذي سميناه بالمد المتصل الواجب العارض للسكون فيأتي على الأربعة والست.(1/61)
ويلاحظ أيضاً أن الإشمام لا يُنطق به إلا في حالتين :
الحالة الأولى : في رواية حفص وعند جميع القراء في قوله تعالى ( مالك لا تأمنا) .
والحالة الثانية : في إدغام المرفوع في قراءة أبي عمرو نحو قوله :( حيث شئتما ) وباقي أنواع الإشمام لا ينطق بها .
ففي قوله ( مالك لا تأمنا ) عند جميع القراء وجهان : الروم ، والإشمام لأن أصلها ( تأمنُنا ) ولم يقرأ أحد بالإدغام المحض إلا أبو جعفر ـ رضي الله تبارك وتعالى عنه ـ لذا قال العلامة خلف الحسيني:
وإشمام تأمنا لكل ورومه ... ... وقد قيل بالإدغام محضاً ووهلا
يعني من قرأ بالإدغام المحض غير أبي جعفر فطريقه ضعيف موهل ، فالإشمام هكذا ( مالك لا تأمنا ) بإخراج جزء من الغنة من الشفتين مع الخيشوم . أما الروم فـ ( مالك لا تأمنا ) بالنطق بثلث حركة النون المضمومة كما تقدم .
فائدة :
يقاس على المد العارض للسكون ما يسمى بهاء التأنيث الممدودة ( كالصلاه ) ، و( الحياه ) ، و( تقاه ) وهاء التأنيث في الوقف هاء ، وفي الوصل تاء ، فإذا سئلت عنها قلت : هاء تأنيث ممدودة عارضة للسكون ، وليس فيها روم ولا إشمام مهما كان جنسها .
قال الإمام الشاطبي :
وفي هاء تأنيث ونون الجميع قل ... وعارض شكل لم يكونا ليدخلا
قال الإمام ابن الجزري في الطيبة :
وهاء تأنيث ونون الجمع مع ... عارض تحريك كلاهما امتنع
أي الروم والإشمام .
فائدة :
وأيضاً ما يسمى بهاء الضمير الممدودة كثير كـ ( فيه ) ، ( القوه ) ، و( رأوه ) ، و( رآه ) ، ( عليه ) وهي في الوقف هاء ، وفي الوصل هاء ، وهذه الهاء اختلف فيها القراء في الوقف عليها : فبعضهم لم يبح فيها الروم والإشمام ، وبعضهم أباح الروم والإشمام في كل حال .
والمذهب الثالث هو: إن كان قبلها كسر أو ياء أو ضم أو واو فلا روم ولا إشمام ، وإن لم يكن ففيها الروم والإشمام .(1/62)
وعلى هذا فإذا سئلت على نحو قوله ( ألقوه ) ، و( رأوه ) قلت : هاء ضمير ممدودة مداً عارضاً للسكون . فإن سئلت : هل فيها روم و إشمام ؟. قلت : فيها الروم والإشمام عند من أباح . وعلى هذا يكون فيها سبعة أوجه إذا كانت مرفوعة ، وإن كانت على نحو( عليه ) ، و( فيه ) فعند من أباح الروم ففيها أربعة أوجه ، وعند من لم يبح روماً أو إشماماً يكون فيها القصر والتوسط والمد كالعارض للسكون المنصوب .
قال الإمام الشاطبي :
( وفي الهاء للأضمار قوما أَبَوْهُمَا )
أي أَبَوْ الروم والإشمام .
هذا هو قول أول مذهب .
ومن قبله ضم أو الكسر مثلاً ... أو أماهما ............................
....
أم الضمة الواو وأم الكسر الياء ، وهذا هو المذهب الثاني .
أو اماهما واو وياء وبعضهم ... يرى لهما في كل حال محللا
هذا هو المذهب الثالث : الإباحة على كل حال .
فائدة :
وما دمنا في السكون العارض فلنذكر شيئاً آخر هناك ما يسمى عارضاً للسكون غير ممدود كـ ( الشمس ، والقمر ، والبرق ، والبر ، والبحر ، وما ليس لهم به علم ، والأمر ) وقس على ذلك .
فإن كان منصوباً قلت : هذا عارض للسكون غير ممدود منصوب فيه وجه واحد السكون فقط.
وإن كان مجروراً : كـ ( البر ، والبحر ) قلت : عارض للسكون غير ممدود مجرور فيه السكون والروم.
وإن كان مرفوعاً : كـ ( البرق ، والبر ، والبحر ، والأمر ، والعلم ) قلت : عارض للسكون غير ممدود مرفوع فيه السكون والروم والإشمام .
وكذا إذا جاءت هاء تأنيث غير ممدودة ( كالصاخة ) ، و( اللوامة ) ، و( الطامة ) ، و( القيامة ) قلت : هاء تأنيث غير ممدودة عارضة للسكون ليس فيها روم ولا إشمام.
وإذا جاءت هاء ضمير غير ممدودة كقوله ( يعظكم به ) ، ( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ) ، ( يوله ) ، ( يصله ) ، ( يؤته ) قلت : هاء ضمير غير ممدودة عارضة للسكون .
فإن كانت مجرورة ففيها السكون والروم عند من أباح .(1/63)
وإن كانت مرفوعة ففيها السكون والروم والإشمام عند من أباح .
وإلا ففيها السكون فقط .
فائدة :
وهناك مسميات للمدود سمعتها من أشياخنا :
أولاً : ما يسمى بمد التمكين ، وهو نوعان : منفصل ، وطبيعي .
فالنوع المنفصل نحو قوله ( وإن تلوا أوتعرضوا ) فتقول مد منفصل ومد تمكين ، والتمكين هو أن تخلص الواو المضمومة من الواو المعتلة ، وكذا قوله ( إن الله لا يستحيي أن يضرب ) ، والتمكين هو أن تخلص الياء المتحركة من الياء المعتلة ، وفي الطبيعي نحو( النبيين ) مداً طبيعياً ، والتمكين هو أن تخلص المتحركة من المعتلة .
النوع الثاني : مد الصلة : وهو ما يتصل بهاء الضمير ، يسمى مد صلة : كقوله ( في أمها رسولاً ) يقال : مد طبيعي ومد صلة صغيرة ، ونحو( أمره إلى الله ) مد منفصل ومد صلة كبيرة ،
وهذه أشياء سمعناها من أشياخنا .
النوع الثالث : مد التعظيم في نحو( لا إله إلا الله ) عند من قصر المنفصل في رواية حفص من طريق الطيبة يسمى مد التعظيم .
النوع الرابع : ما يسمى بمد المبالغة نحو( لا شية فيها ) ( لا مرد له من الله ) عند حمزة من طريق الطيبة .
هذه أنواع سمعناها من أشياخنا ننبه عليها .
وبذلك نكون أحطنا بجميع أنواع المدود علماً ، وهذا دليل ما قلناه أولاً بأول قال صاحب التحفة :
أقسام المد
وَالْمَدُّ أَصْلِيٌّ وَ فَرْعِيٌّ لَهُ ... وَسَمِّ أَوَّلاً طَبِيعِيًّا وَهُو
مَا لاَ تَوَقُّفٌ لَهُ عَلَى سَبَبْ ... وَلا بِدُونِهِ الحُرُوفُ تُجْتَلَبْ
بلْ أَيُّ حَرْفٍ غَيْرُ هَمْزٍ أَوْ سُكُونْ ... جَا بَعْدَ مَدٍّ فَالطَّبِيعِيَّ يَكُونْ
وَالآخَرُ الْفَرْعِيُّ مَوْقُوفٌ عَلَى ... سَبَبْ كَهَمْزٍ أَوْ سُكُونٍ مُسْجَلا
حُرُوفُهُ ثَلاَثَةٌ فَعِيهَا ... مِنْ لَفْظِ وَايٍ وَهْيَ فِي نُوحِيهَا
وَالكَسْرُ قَبْلَ الْيَا وَقَبْلَ الْواوِ ضَمْ ... شَرْطٌ وَفَتْحٌ قَبْلَ أَلْفٍ يُلْتَزَمْ(1/64)
وَاللِّينُ مِنْهَا الْيَا وَوَاوٌ سُكِّنَا ... إِنِ انْفِتَاحٌ قَبْلَ كُلٍّ أُعْلِنَا
وقال أحكام المد
لِلْمَدِّ أَحْكَامٌ ثَلاَثَةٌ تَدُومْ ... وَهْيَ الْوُجُوبُ وَالْجَوَازُ وَاللُّزُومْ
فَوَاجِبٌ إِنْ جَاءَ هَمْزٌ بَعْدَ مَدْ ... فِي كِلْمَةٍ وَذَا بِمُتَّصِلٍ يُعَدْ
وَجَائِزٌ مَدٌّ وَقَصْرٌ إِنْ فُصِلْ ... كُلٌّ بِكِلْمَةٍ وَهَذَا المُنْفَصِلْ
وَمِثْلُ ذَا إِنْ عَرَضَ السُّكُونُ ... وَقْفًا كَتَعْلَمُونَ نَسْتَعِينُ
أَوْ قُدِّمَ الْهَمْزُ عَلَى المَدِّ وَذَا ... بَدَلْ كَآمَنُوا وَإِيمَانًا خُذَا
وَلاَزِمٌ إِنِ السُّكُونُ أُصِّلاَ ... وَصْلاً وَوَقْفًا بَعْدَ مَدٍّ طُوِّلاَ
ثم قال أقسم المد اللازم
أَقْسَامُ لاَزِمٍ لَدَيْهِمْ أَرْبَعَهْ ... وَتِلْكَ كِلْمِيٌّ وَحَرْفِيٌّ مَعَهْ
كِلاَهُمَا مُخَفَّفٌ مُثَقَّلُ ... فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ تُفَصَّلُ
فَإِنْ بِكِلْمَةٍ سُكُونٌ اجْتَمَعْ ... مَعْ حَرْفِ مَدٍّ فَهْوَ كِلْمِيٌّ وَقَعْ
أَوْ فِي ثُلاَثِيِّ الحُرُوفِ وُجِدَا ... وَالمَدُّ وَسْطُهُ فَحَرْفِيٌّ بَدَا
كِلاَهُمَا مُثَقَّلٌ إِنْ أُدْغِمَا ... مَخَفَّفٌ كُلٌّ إِذَا لَمْ يُدْغَمَا
وَاللاَّزِمُ الْحَرْفِيُّ أَوَّلَ السُّوَرْ ... وُجُودُهُ وَفِي ثَمَانٍ انْحَصَرْ
يَجْمَعُهَا حُرُوفُ كَمْ عَسَلْ نَقَصْ ... وَعَيْنُ ذُو وَجْهَيْنِ والطُّولُ أَخَصْ
وَمَا سِوَى الحَرْفِ الثُّلاَثِي لاَ أَلِفْ ... فَمَدُّهُ مَدًّا طَبِيعِيًّا أُلِفْ
وَذَاكَ أَيْضًا فِي فَوَاتِحِ السُّوَرْ ... فِي لَفْظِ حَيٍّ طَاهِرٍ قَدِ انْحَصَرْ
وَيَجْمَعُ الْفَوَاتِحَ الأَرْبَعْ عَشَرْ ... صِلْهُ سُحَيْرًا مَنْ قَطَعْكَ ذَا اشْتَهَرْ
فائدة :
واعلم أنه ليس من الضروري القراءة بكل الوجوه في المد العارض أوفي المتصل الموقوف عليه ، وإنما الضروري أن تعلم جوازها كلها ، فبأي وجه قرأت أصبت وليس من الضروري إحصاء كل الوجوه .
قال الناظم :(1/65)
وَالمَدُّ لاَزِمٌ وَوَاجِبٌ أَتَى ... وَجَائِزٌ وَهْوَ وَقَصْرٌ ثَبَتَا
نَوَّعَ المد : إلى ثلاثة أنواع وهي : لازم ، وواجب ، وجائز .
والأصح ما قلناه أنه : ضروري ، ولازم ، وواجب ، وجائز .
ثم قال :
فَلاَزِمٌ إِنْ جَاءَ بَعْدَ حَرْفِ مَدْ ... سَاكِنُ حَالَيْنِ
يوضح السبب في مد اللازم أنه الساكن الأصلي الذي لا يتغير في الحالين وقفاً أو وصلاً .
ثم قال : (وَبِالطُّولِ يُمَدْ) ، والطول عند القراء هو المد المشبع ست حركات ، والحركة بقدر ضم الإصبع أو فتحها بحالة متوسطة .
قال الناظم :
وَوَاجِبٌ إنْ جَاءَ قَبْلَ هَمْزَةِ ... مُتَّصِلاً إِنْ جُمِعَا بِكِلْمَةِ
يريد إذا جاء السبب والموجب في كلمة ( كأولئك ) و( شاء ) و( السماء ) ، وهو ما يسمى بالمد المتصل .
قال الناظم :
وَجَائزٌ إِذَا أَتَى مُنْفَصِلاَ ... أَوْ عَرَضَ السُّكُونُ وَقْفًا مُسْجَلاَ
اقتصر على نوعين من أنواع المد الجائز : وهو المنفصل ، والمد العارض للسكون ، وترك البدل وما تفرع من العارض للسكون كهاء التأنيث الممدودة ، وهاء الضمير الممدودة.
وقوله في أول الكلام : ( وجائز وهو وقصر ثبتا ) إن أراد به قصر المد البدل أو التخير في المد العارض فمسلم ، إن أراد به قصر المد المنفصل فهو جائز عند غيرنا ويكون معنى الكلام : السبب في علة الجواز ؛ وإلا فحفص من طريقنا يقرأ بالتوسط ، وفويق التوسط أربع وخمس حركات .
وقد تم هذا المبحث النفيس بحمد الله وتوفيقه ، والله أعلم .
المبحث الحادي عشر
في الضاد والظاء
قال الناظم :
وَالضَّادَ بِسْتِطَالَةٍ وَمَخْرَجِ مَيِّزْ
أي ميز أيها القارئ الضاد بالمخرج ، وصفة الاستطالة من الظاء .
أي لا تقرأها بحالة كالظاء وهذا يرد على من يقول و( لا الظآلين ) فهو من ظَلَّ أي أقام لا من الضلال . وإنما تلقى عن قراء القرآن في الضاد حرصاً على خروجها من مخرجها ، وقال ربنا ( فاتقوا الله ما استطعتم ) .
((1/66)
مَيِّزْ مِنَ الظَّاءِ ) أي لا تقرأها بحالة كالظاء ، (وَكُلُّهَا) أي كل حالات الظاء (وَكُلُّهَا تَجِي) أي سأذكرها وأجيء بها :
قال الناظم :
فِي الظَّعْنِ ظِلَّ الظُهْرِ عُظْمِ الْحِفْظِ ... أيْقِظْ وَأنْظُرْ عَظْمِ ظَهْرِ اللَّفْظِ
ظَاهِرْ لَظَى شُوَاظُ كَظْمٍ ظَلَمَا ... اُغْلُظْ ظَلامَ ظُفُرٍ انْتَظِرْ ظَمَا
أَظْفَرَ ظَنًّا كَيْفَ جَا وَعَظْ سِوَى ... عِضِينَ ظَلَّ النَّحْلُ زُخْرُفٍ سَوَى
وَظَلْتُ ظَلْتُمْ وَبِرُومٍ ظَلُّوا ... كَالْحِجْرِ ظَلَّتْ شُعَرَا نَظَلُّ
يَظْلَلْنَ مَحْظُورًا مَعَ المُحْتَظِرِ ... وَكُنْتَ فَظًّا وَجَمِيْعِ النَّظَرِ
إِلاَّ بِوَيْلٌ هَلْ وَأُولَى نَاضِرَهْ ... وَالْغَيْظِ لاَ الرَّعْدِ وَهُودٍ قَاصِرَهْ
وَالْحَظُّ لاَ الْحَضُّ عَلَى الطَّعَامِ ... وَفِي ضَنِيْنٍ الْخِلاَفُ سَامِي
وقد أتى بجميع ظاءات القرآن في سبع أبواب :
أولها : في الظعن ، ولم يأت منها في القرآن إلا قوله تعالى في سورة النحل ( يوم ظعنكم ) .
ثانياً : ظل ، وقع منها في القرآن اثنان وعشرون موضعاً . أوله قوله تعالى في البقرة : ( وظللنا عليكم الغمام ) ، ومنه الظلة ووقع منه في سورة الأعراف ( كأنه ظلة ) ، وفي الشعراء ( فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة ) .
ثالثاً : ظُهر ، وهو انتصاف النهار بضم الظاء ، وقع منه في القرآن موضعان قوله في النور : ( وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ) وفي الروم ( وعشياً وحيت تظهرون ).
رابعاً : عظم ، من العظمة وقع منه في القرآن مائة وثلاثة مواضع منه في سورة البقرة ( ولهم عذاب عظيم ) .
خامساً : الحفظ ، وقع منه في القرآن اثنان وأربعون موضعاً منها قوله تعالى في سورة البقرة ( ولا يئوده حفظهما ) .
سادساً : أيقظ ، موضع واحد في سورة الكهف ( وتحسبهم أيقاظاً ) .
سابعاً : وأنظر ، وقع في القرآن اثنان وعشرون موضعاً وهو بمعنى التأخير ، منه قوله تعالى في البقرة ( ولا هم يُنظرون ) .(1/67)
ثامناً : ظهر ، وقع منه في القرآن أربعة عشر موضعاً منه قوله تعالى في سورة البقرة ( نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم ) .
تاسعاً : اللفظ ، لم يأت منه في القرآن إلا ( ما يلفظ من قول ) في سورة ق .
قال الناظم :
ظَاهِرْ لَظَى شُوَاظُ كَظْمٍ ظَلَمَا ... اُغْلُظْ ظَلامَ ظُفُرٍ انْتَظِرْ ظَمَا
عاشراً : ظاهر ، ضد الباطن وقع منه في القرآن ستة مواضع ، منها قوله تعالى في سورة الأنعام : ( وذروا ظاهر الإثم ) .
الحادي عشر : ظَاهَرَ بمعنى الإعانة ، ويقع منه في القرآن ثمان مواضع ، منه قوله تعالى في سورة البقرة : ( تظاهرون عليهم بالإثم ) .
الثاني عشر : ظَاهِر بمعنى العلو، وقع منه في القرآن ستة مواضع منه قوله تعالى :(ليظهره على الدين كله ) في سورة براءة ، والصف .
الثالث عشر : ظاهر بمعنى الظفر وقع منه في القرآن ثلاثة مواضع ، منها قوله تعالى في سورة براءة : ( كيف وإن يظهروا عليهم ) ، وفي سورة الكهف : ( إنهم إن يظهروا عليكم ) ، وقوله في سورة التحريم : ( وأظهره الله عليه ) .
الرابع عشر : ظاهر والمعنى الظهار ، وقع منه في القرآن ثلاثة مواضع : أولها الأحزاب : ( وما جعل أزواجكم الئي تظاهرون ) ، والمجادلة : ( الذين يظاهرون منكم ) ، والمجادلة : ( الذين يظاهرون منكم من نسائهم ) .
الخامس عشر : لظى ، وقع منه في القرآن موضعين ، قوله تعالى في سورة المعارج : ( كلا إنها لظى ) وفي سورة الليل : ( فأنذرتكم ناراً تلظى ) .
السادس عشر : شواظ ، وهو في القرآن موضع واحد في سورة الرحمن : ( يرسل عليكما شواظ ) .
السابع عشر : كظم ، وقع منه في القرآن ستة مواضع ، منه قوله تعالى في سورة آل عمران : ( والكاظمين الغيظ ) .
الثامن عشر : ظلم ، وقع منه في القرآن مائتان واثنان وثمانون موضعاً ، أولها في سورة البقرة : ( فتكونوا من الظالمين ) .(1/68)
التاسع عشر : أغلظ ، من الغلظة ، وقع منه في القرآن ثلاثة عشر موضعاً منها في آل عمران : ( ولوكنت فظاً غليظ القلب ) .
العشرون : ظلام ، وقع منه في القرآن مائة موضع منه في سورة البقرة : ( وتركهم في ظلمات لا يبصرون ) .
الحادي والعشرون : ظُفْر بإسكان الفاء ، لم يأتِ منه في القرآن إلا قوله تعالى في سورة الأنعام :( حرمنا عليهم كل ذي ظفر ) .
الثاني والعشرون : انتظر ، من الترقب وقع منه في القرآن أربعة عشر موضعاً منها قوله تعالى في سورة الأنعام :( قل انتظروا إنا منتظرون ) .
الثالث والعشرون : ظما ، وقع منه في القرآن ثلاثة مواضع منه قوله تعالى :( لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ) في سورة براءة ، وفي سورة طه :( وأنك لا تظمأ ) ، وفي سورة النور :( يحسبه الظمآن ) .
قال الناظم :
أَظْفَرَ ظَنًّا كَيْفَ جَا وَعَظْ سِوَى ... عِضِينَ ظَلَّ النَّحْلُ زُخْرُفٍ سَوَى
الرابع والعشرون : أظفر ، من الظفر بمعنى النصر لم يأت منه في القرآن إلا قوله في سورة الفتح سور الفتح : ( من بعد ما أظفركم ) .
الخامس والعشرون : ظناً ، وقع منه في القرآن سبعة وستون موضعاً منه قوله تعالى في سورة البقرة : ( الذين يظنون ) ، ومنها قوله تعالى : ( وظنوا أن لا ملجأ ) في سورة التوبة : (اجتنبوا كثيراً من الظن ) بسورة الحجرات .
السادس والعشرون : وعظ بمعنى التخويف ، وقع منه في القرآن تسعة مواضع منها قوله تعالى في سورة البقرة : ( وموعظة للمتقين ) ثم نبه على قوله : ( الذين جعلوا القرآن عظين ) بأنها ضاد وليس ظاء ، وهو جمع عِضَة أي التفريق .(1/69)
السابع والعشرون : وهو لفظ ظل بمعنى الدوام ، وقد وقع في القرآن في تسعة مواضع منه قوله تعالى في سورة النحل وفي سورة الزخرف : ( ظل وجهه مسوداً وهو كظيم ) ، و قوله في طه : ( ظلت عليه ) ، وفي سورة الواقعة : ( ظلتم تفكهون ) ، وفي سورة الروم : ( فرأوه مصفراً لظلوا ) ، وفي الحجر : ( فظلوا فيه يعرجون ) ، وفي الشعراء : ( فظلت أعناقهم ) ، وفيها أيضاً : ( فنظل لها عاكفين ) ، وفي سورة الشورى : ( يظللن رواكد على ظهره ) ، هذا معنى قوله :
ظَلَّ النَّحْلُ زُخْرُفٍ سَوَى
وَظَلْتُ ظَلْتُمْ وَبِرُومٍ ظَلُّوا ... كَالْحِجْرِ ظَلَّتْ شُعَرَا نَظَلُّ
قال الناظم :
يَظْلَلْنَ مَحْظُورًا مَعَ المُحْتَظِرِ ... وَكُنْتَ فَظًّا وَجَمِيْعِ النَّظَرِ
الثامن والعشرون : محظوراً من المنع ، وقع منه في القرآن موضعان قوله في الإسراء : ( وما كان عطاء ربك محظوراً ) ، وفي سورة القمر : ( فكانوا كهشيم المحتظر ) أي كهشيم يجمعه صاحب الحظيرة لغنمه ، وهو النبات اليابس المتكسر .
التاسع والعشرون : كنت فظاً ، من قوله في سورة آل عمران : ( ولو كنت فظاً ) .
الثلاثون : وجميع النظر : ( بمعنى الرؤية ) وقع منه في القرآن ستة وثمانون موضعا ، منه قوله تعالى في سورة البقرة : ( وأنتم تنظرون )
قوله : (إِلاَّ بِوَيْلٌ هَلْ )
يعني بقوله : ( تعرف في وجوههم نضرة النعيم ) في التطفيف :( ولقاهم نضرة وسروراً ) في الإنسان ، فهي بالضاد لا بالظاء .
قوله : (وَأُولَى نَاضِرَهْ ) .
ويعني قوله : ( وجوه يومئذ ناضرة ) بسورة القيامة فهي بالضاد لا بالظاء .
وهذا كله بمعنى النضارة وهو الجمال والبهاء والحسن ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : ( نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فبلغها كما سمعها )(1) ، وفي رواية (فأداها كما سمعها ) .
__________
(1) رواه الترمذي ، والحاكم ، ابن ماجة ، وأبوداود ، والحديث صحيح .(1/70)
الحادي والثلاثون : الغيظ ، وقع منه في القرآن أحد عشر موضعاً منه قوله تعالى في سورة آل عمران :( عضوا عليكم الأنامل من الغيظ ) .
وقوله : (لاَ الرَّعْدِ ) يعني : ( وما تغيض الأرحام) فهو بالضاد .
و( وَهُودٍ ) أي قوله : ( وغيض الماء ) ، وذلك بالضاد أيضاً وهما بمعنى : (النقص).
قوله : (قَاصِرَهْ ) أي لم يأت الغيض بمعنى النقص إلا في هاتين السورتين ، وهذا معنى قوله:
إِلاَّ بِوَيْلٌ هَلْ وَأُولَى نَاضِرَهْ ... وَالْغَيْظِ لاَ الرَّعْدِ وَهُودٍ قَاصِرَهْ
الثاني والثلاثون : الحظ ، بمعنى النصيب ، ومنه في القرآن سبعة مواضع ، منها قوله في آل عمران : ( يريد الله ألا يجعل لهم حظاً في الآخرة ) ، وفي فصلت : ( ذو حظ عظيم ) ، وكذلك بالقصص .
وقوله :( لا الحض على الطعام ) يعني قوله في سورة الحاقة والماعون :( ولا يحض على طعام المسكين ) و( ولا يحضون على طعام ) ، وفي سورة الفجر : ( ولا تحاضون على طعام ) فإن الثلاثة لكونها بمعنى الحض أي ( الحصر ) بالضاد لا بالظاء .
وقوله :
( وَفِي ضَنِيْنٍ الْخِلاَفُ سَامِي )
( سامي ) أي مشهور ، فقد قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بالظاء ( بظنين ) بمعنى ( متهم ) ، والداني(1) بالضاد ( بضنين ) بمعنى ( بخيل ) ، وهذا معنى قوله :
وَالْحَظُّ لاَ الْحَضُّ عَلَى الطَّعَامِ ... وَفِي ضَنِيْنٍ الْخِلاَفُ سَامِي
باب التحذيرات
ثم قال :
وَإِنْ تَلاَقَيَا البَيَانُ لاَزِمُ ... أَنْقَضَ ظَهْرَكَ يَعَضُّ الظَّالِمُ
يعني إذا التقت الضاد بالظاء في قوله تعالى :( يعض الظالم على يديه ) بالفرقان ، و( أنقض ظهرك ) بالشرح لابد من تمييز الضاد من الظاء مخرجاً وصفةً ، وكل هذا الباب ينصب على هذا المعنى .
وقال :
وَاضْطُّرَّ مَعْ وَعَظْتَ مَعْ أَفَضْتُمُ ... وَصَفِّ هَا جِبَاهُهُم عَلَيْهِمُ
ميز أيها القارئ وخلص الضاد من الطاء في قوله ( فمن اضطر ) .
__________
(1) الباقي من القراء قرأ بالضاد .(1/71)
كذا الظاء من التاء في قوله : ( أوعظت ) بالشعراء .
كذا الضاد من التاء في قوله : ( لمسكم في ما أفضتم ) بالنور ، ( وقد فرضتم ) ، (فنصف ما فرضتم ) بالبقرة ، ( فقبضت ) بسورة طه .
وقول الناظم : ( وصف ها جباههم ) أي أظهر الهاء من الهاء صافية المخرج والصفة هكذا : ( جباههم ) ، و( جنوبهم ) بسورة براءة . وكذا الهاء من ( عليهم ) .
وقد تم المبحث بحمد الله وتوفيقه .
المبحث الثاني عشر
في بيان الوقف والابتداء
وهو مبحث من أهم المباحث وأنفسها ، قال العلماء : إن بين الوقف والابتداء نصف علوم التجويد ، و سئل الإمام علي عن قوله تبارك و تعالى : ( ورتل القرآن ترتيلا ) فقال : هو تجويد الحروف ومعرفة الوقوف .
وقال الإمام الهذلي في كامله : الوقف حلية التلاوة ، وزينة القارئ ، وبلاغ التالي ، وفهم المستمع ، وفخر العالم .
والأصل فيه ما روي عن قاسم بن عوف البكري قال : سمعت ابن عمروـ رضي الله عنهما ـ يقول : لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن وتنزل السورة على محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنتعلم حلالها ، وحرامها ، وما ينبغي أن يوقف عنده منها كما تتعلمون أنتم القرآن اليوم ، ولقد رأينا اليوم رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان ؛ فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما أمره ، ولا زجره ، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه .
وقال النحاس : هذا دليل على أنهم كانوا يتعلمون الوقوف .
وقول ابن عمرو : ( عشنا ) فيه دليل على أن ذلك إجماع من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم .
والوقف لغة : هو الكف عن الشيء مطلقاً .
واصطلاحاً : قطع الصوت عن الكلمة زمناً يُتنفس فيه بنية استئناف التلاوة .
ويأتي في رؤوس الآيات ووسطها مع النفس ولابد .
وأما السكت فلا تنفس فيه .
والقطع لغة : هو الإبانة والإزالة .
واصطلاحاً : هو قطع صوت القارئ عن القراءة بنية الانتهاء منها .
ولا يكون إلا على ما تم معناه .(1/72)
وهناك جمع غفير من العلماء لا يفرقون بين الوقف والقطع ، ويقولون هو بمعنى واحد ، ولسنا من هؤلاء إذ كيف يتفق قطع القراءة والوقف بنية استئنافها ؟ لا يستويان.
هذا ، والوقف بنية الواقف ينقسم إلى أربعة أقسام :
أولاً : وقف اختياري ، وهو ما يستحسنه القارئ فيقف عليه .
ثانياً : وقف اضطراري ، وهو ما يضطر القارئ للوقوف عليه ، لنفس ضاق أو سعلة أو غير ذلك .
ثالثاً : وقف انتظاري ، وهو ما وقف القارئ عليه لعطف قراءة أو رواية أخرى إن كان يقرأ بالقراءات .
رابعاً : وقف اختباري ، وهو ما يطلب الشيخ من تلميذه الوقف عليه بنية اختباره كيف يقف ، وسمى العلماء هذا النوع من الوقف بوقف الابتلاء .
قال العالم الداني : من لا يعلم وقف الابتلاء لم يكن يوماً من العلماء .
والابتلاء هو الاختبار .
والكلام في هذا الباب إن شاء الله في النوع الأول من الأنواع الأربعة وهو : الوقف الاختياري :
وينقسم الوقف الاختياري عند الإمام ابن الجزري وأتباعه إلى أربعة أقسام :
تام ، وكافٍ ، وحسن ، وقبيح .
وإليك بيانها :
النوع الأول : التام :
وهو ما لا تعلق قبله ولا بعده معنى ، ولا لغةً ، فهو قائم بذاته ، وقد بلغنا أن جبريل ـ عليه السلام ـ أوقف الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على عشر كلمات أثناء العرضة الأخيرة ، وقالوا إن جميعها تامة ، فلننظر :
أولاها : ( ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات ) في سورة البقرة ، وفي رأيي أنه تام .
ثانياً : ( قل صدق الله ) وهو عندي ليس بتام لفاء السببية بعده ، والراجح أنه من الوقوف الكافية .
الثالث : ( ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات ) ( بسوة المائدة ) وهوعندي تام .
الرابع : ( قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ) وهو كافٍ ليس تاما ، لأنه مقول القائل ولم ينته .
خامساً : ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله ) بسورة يوسف وهو كافٍ ليس بتام ، لأن الدعوة إلى الله لا تكون إلا على ببصيرة .(1/73)
سادساً : ( كذلك يضرب الله الأمثال ) ( بسورة الرعد ) وهو تام لا شك فيه .
سابعاً : ( والأنعام خلقها ) بسورة النحل وهو كافٍ ليس بتام لتعلق ما بعده به معنى ولغةً.
ثامناً : ( أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً ) وهو تام لا مرية فيه لانتهاء الاستفهام.
تاسعاً : ( ثم أدبر يسعى فحشر ) بوصل ( يسعى ) بـ ( فحشر ) وهو تام عندي ، لأن قوله ( فنادى فقال أنا ربكم ) غير السعي في حشر الناس ضد الدعوة .
عاشراً : قوله تعالى ( ليلة القدر خير من ألف شهر ) وهو تام لا مرية فيه ورأس آية .
هذا ، ومن علامات الوقف التام :
الابتداء بعده بالاستفهام ملفوظا أو مقدراً ، وأيضاً الابتداء بياء النداء مثل ( يأيها الناس ) ، و( يأيها الذين آمنوا ) ، و( يأهل الكتاب ) ، أو بفعل أمر مثل قوله : (ادخلوها بسلام ) ، ( اقتلوا يوسف ) ، ( ادفع بالتي هي أحسن) ، أو بالشرط مع جوابه كقوله تعالى ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه ) ، أو بفصل بين آية رحمة وعذاب ، أو بالعدول عن الإخبار إلى الحكاية ، أو بانتهاء الاستثناء والقول ، أو بابتداءٍ بعده بنفي ÷ ، أو ابتداء بعده بنهي ، أو فصل بين الصفتين أو المتضادتين .
ومن الوقف التام :
الوقف على ما قبل ( إن ) الإخبارية إذا كانت من كلام الحق جل وعلا كقوله : (إن الله غفور رحيم ) ، ( إن الله عليم حكيم ) ، ( إن الشيطان كان لكم عدواً ) وما شابه ذلك .
ولفظ ( إن ) في القرآن الكريم على أربعة أنواع :
أولاً : إن من مَقُول القائل مثل قوله ( وتب علينا إنك أنت ) و( هب لنا من لدنك رحمة إنك ) و( لا تخزنا يوم القيامة إنك ) ، والوقف على ما قبل هذه الأنواع من قبيل الحسن لا من الكافي ولا من التام .
الثاني : إن السببية : كقوله ( فيكيدوا لك كيداً إن الشيطان ) ( ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم ) ( لا تعبد الشيطان إن الشيطان ) والوقف على مثل هذا النوع من قبيل الحسن لا من الكافي ولا من التام .(1/74)
النوع الثالث : ما قصد به تحقيق الاستفهام : كقوله تعالى ( أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصّل ما في الصدور إن ) بسورة العاديات والوقف على ( حصل ما في الصدور ) مع أنه رأس آية ، إلا أنه من قبيل الحسن لا التام ولا الكافي .
النوع الرابع : ما كان من كلام الحق لا يرتبط بما قبله معنى ولا لغةً : فالوقف على ما قبله تام كقوله ( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم ) ( واسئلوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليماً ) ( إن الله كان عليكم رقيباً ) وقد سبق بيان ذلك.
ومن علامات الوقف التام أيضاً الوقف على ما قبل حرف الإضراب وهو ( بل ) كقوله : ( أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون ) ( أم يقولون تقوّله بل لا يؤمنون ) ( ولا هم ينظرون بل تأتيهم بغتة ) وقوله ( سبحان الله عما يصفون بل أتيهم بالحق ) . ومعنى الإضراب : نفي ما زعموه وتصديق ما كذبوه ، فإن أتت لمضاعفة الذم كقوله ( إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل ) فلا يوقف على ما قبلها لأنها ليست للإضراب ، وإن أتت لمقول القائل كقوله ( فسيقولون بل تحسدوننا ) ليست للإضراب فلا يوقف على ما قبلها .
ومن الوقف التام الوقف على ( بلى ) قبل إن ، مثل قوله تعالى ( بلى إن ربه كان به بصيراً ) فيوقف على بلى ، ومثل قوله تعالى ( بلى إنه على كل شيء قدير ) و أما ( بلى وهو الخلاق ) فهو من قبيل الوقف الكافي .
تلك علامات الوقف التام ، فلتعيها .
النوع الثاني : الوقف الكافي :
وهو الوقف على كلمة تعلق ما قبلها وما بعدها بها معنى لا لغةً ، كقولك : (الحمد لله رب العالمين ) فهو كاف لأن ما بعده متعلق به وهو ( الرحمن الرحيم ) ، والوقف على ( الرحمن الرحيم ) كاف لأن ما بعده متعلق به معنى وهو ( مالك يوم الدين ) وهذا تام ، فـ (الرحمن الرحيم ) نعت لـ (رب العالمين ) و (مالك يوم الدين ) صفة لـ ( الرحمن الرحيم ) وعند ( مالك يوم الدين ) تم المعنى .(1/75)
ونحو ذلك ( هدى للمتقين ) فقوله ( الذين يؤمنون ) نعت للمتقين .
وقوله ( والذين يؤمنون بما أنزل إليك ) نعت أيضاً ، فالوقف التام على قوله (أولئك هم المفلحون ) فمن قوله تعالى من ( هدى للمتقين ) إلى ( المفلحون ) كلها نعوت وصفات ، والتام عند قوله ( وأولئك هم المفلحون ) ، ولا أعني بذلك منع الوقوف عليها فهي رؤوس آي ، وإنما أعني معرفة التام من الكافي .
وتارة يتفاضل الكافي فهناك كافٍ وهناك أكفى منه وهناك أكفى وأكفى ، مثل قوله تعالى : ( في قلوبهم مرض ) فهذا كافٍ وأكفى منه ( فزادهم الله مرضاً ) وأكفى منهما ( ولهم عذاب أليم ) ، والتام ( بما كانوا يكذبون ) بسورة البقرة .
النوع الثالث من الوقوف : الوقف الحسن :
وهو أقلها شأناً ، والأحب وصلها إن طال النفس إلا في رؤوس الآيات ، ويُعفى عنه أيضا في القصص الطويل .
وتعريفه : هو الوقف على لفظ تم معناه وتعلق ما قبله وما بعده به معنى ولغةً ، ولا يحسن الوقف عليه إلا في رؤوس الآي كما تقدم ، وفيما طالت قصته مثل قوله تبارك وتعالى ( أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها ... ) إلى آخر الآية ، ومثل قوله تعالى ( ألم ترَ إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا ... ) إلى آخر الآية فإن اتسع النفس استحب وصله في غير رؤوس الآي .
وإليك أمثلة من الوقف الحسن :
كقولك ( إياك نعبد ) وتقف .
( الذين يؤمنون بالغيب ) وتقف .
( ويقيمون الصلاة ) وتقف . ... ...
( والذين يؤمنون بما أنزل إليك ) وتقف .
( وما أنزل من قبلك ) وتقف . ... ...
( أولئك على هدى من ربهم ) وتقف .
وهكذا ، كل هذا من قبيل الحسن ووصله أفضل وأجود .
فوائد :
ولنا هنا كلام في الوقوف ينبغي تفصيله والتنبيه عليه :(1/76)
فمثلاً الوقوف على رؤوس الآيات كقوله تعالى : ( كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون ) ثم يبدأ ( في الدنيا والآخرة ) ، إذا قلت لهم : الوقف هنا . قال لك : الوقوف على رؤوس الآي سنة ، أقول : إن الوقوف على رؤوس الآي سنة ، وتتحقق السنة بالوقوف على سبع آيات أو ثمان آيات في الربع وعشر آيات في الجزء لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم )(1) ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على رؤوس الآيات ليبين رأس الآية ، فإذا تعارض الوقف على رأس الآية مع المعنى قدم المعنى لقول الله تبارك وتعالى ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب ) ، وأنى لنا أن نتدبر مع اختلال المعنى ونقصه ؟ . لذا يفضل وصل الآية بقوله ( في الدنيا والآخرة ) فنقول (كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة )، وإلا فأنبئني إذا قلنا : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( في الدنيا والآخرة ) هل يستقيم المعنى؟ كلا والله .
وكذلك قوله تبارك تعالى ( وأنزل التوراة والإنجيل ) وتبدأ ( من قبل هدى للناس ) أيليق أن أقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( من قبل هدى للناس ) ؟ هذا اختلال في المعنى .
فإذا وصلنا مثل هذه الآيات المرتبطة معاً لا نخل بسنة النبي صلى الله عليه وسلم أبدا فإن مراعاة المعنى في القرآن واجب ، فإذا لم يختل المعنى سن لنا أن نقف على رؤوس الآيات سنة مؤكدة .
( وقيل لهم أين ما كنتم تشركون ) ثم أبدأ ( من دون الله قالوا ضلوا عنا ) ألذالك معنى؟ .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( في الدنيا والآخرة ) ، وهل للشيطان سلطان علينا في الآخرة ؟ .
( من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون ) ما معنى ذلك ؟ فمثل هذه الآيات ينبغي وصلها .
ولا أرى أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوصل ما يتعارض مع معاني القرآن وتدبره .
__________
(1) تخريج(1/77)
فإن قلت : أ ليست رؤوس آيات ؟ ، قلنا : للبيان لا لحتمية الوقف ، وإنما يوقف على رؤوس الآيات إذا لم تخل بالمعنى ، وإلا فقل لي بربك : أتستطيع أن تقول : بسم الله الرحمن الرحيم ( من دون الله قالوا ضلوا عنا ) ما معنى هذا ؟ وكأن القائل يقول لي : الوقوف على رؤوس الآيات سنة متبعة . أقول : وتدبر كلام الله فرض ، وهوأعظم وأقوى من السنة .
ومن الوقوف التامة التي لم يشر إليها كُتَّاب المصحف ـ رحمهم الله ـ قول الله تبارك وتعالى في سورة البقرة ( ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم ) فالوقف على ( سمعهم ) تام لأن الواو عطف مغايرة ، بينما يستحق الختم وما يستحق الإشارة فإن لم يكن تاماً فهو كافٍ.
ومنه في سورة النحل ( وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر ) وتقف . ثم تبدأ ( والنجوم مسخرات ) على أنه عطف مغايرة وإنما لا يصلح الوقف عليه على قراءة من قرأ ( والنجومَ )(1) أما على من قرأه ( والنجوم )(2) وهو حفص فالوقف على هذا كافٍ على الأقل على أن الشمس والقمر والليل والنهار نعم كبرى ، والنجوم أقل منها شأناً .
ومثال قوله تبارك وتعالى ( ففديةٌ من صيام أو صدقة أونسك ) ثم يبدأ القارئ فيقول ( فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة ) أهذا كلام ! أين جواب الشرط ( فإذا أمنتم ) ؟ لا بد من الوقف على قوله ( فإذا أمنتم ) أي إذا أمنتم يا من أحصرتم ولم تتموا العمرة فأتموا العمرة ، فجواب الشرط محذوف تقديره : فإذا أمنتم يا من لم تتموا العمرة وأحصرتم ( فأتموا ) ، هذا جواب الشرط في ( فإذا أمنتم ) ، ( فمن تمتع ) كلام آخر جوابه ( فما استيسر من الهدي ) ، وبذلك يستقيم المعنى .
__________
(1) بالنصب في ( النجوم )
(2) أي برفع ( النجوم )(1/78)
ومن الوقوف الشائعة في سورة البقرة أيضاً قول الله تعالى ( واتقوا الله ويعلمكم الله ) ، وأصبح هذا الوقف مثلاً فكلما كلمت أحداً في نقصان العلم وزيادته قال لك : ( واتقوا الله ويعلمكم الله ) ، فكم من تقي ليس بعالم ، وكم من فاجر عالم ، فالوقف الصحيح ( واتقوا الله ) ثم نقول ( ويعلمكم الله ) فقد يكون العالم غير تقي ، وقد يكون التقي أفضل من العالم ، كيف لا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن أخوف ما أخاف على أمتي منافق عليم اللسان )(1) . فأوضح صلى الله عليه وسلم أن من المنافقين علماء ، ومن الممكن أن يكون حافظاً للقرآن قارئاً له ومنافق من الذين قال فيهم رسول الله : ( يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم )(2) ، ومن الذين قال فيهم صلى الله عليه وسلم : ( تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم )(3) يعني بهم الخوارج ، فالعالم شيء ، والتقي شيء ، وقد يكون العالم أفضل من التقي ، وقد يكون التقي أفضل من العالم ، فارتباط العلم بالتقوى لا يشترط ، فالمطلوب الوقوف على ( فاتقوا الله ) ثم نقف ( ويعلمكم الله ) .
__________
(1) تخريج
(2) تخريج
(3) تخريج(1/79)
هذا والوقف على ما قبل الاستدراك ممنوع ، والاستدراك هو( ولكنَّ ) المسبوقة بالواو ، أما ( لكن )(1) يجوز الوقف على ما قبلها لأن ( لكن ) بدون واو لفصل بين الشيء والشيء كقوله تبارك وتعالى ( لكن الذين اتقوا ) فإن ( لكن ) هنا للفصل بين من مأواهم جهنم وبين المتقين ، وكذلك ( لكن الرسول والذين آمنوا ) فإن ( لكن ) هنا للفصل بين من جاهد في سبيل الله ومن لم يجاهد ، وقوله ( لكن هو الله ربي ) للفصل بين الكافر والمؤمن ، فالمحظور الوقف على ما قبل ( ولكن ) المسبوقة بالواو وهي للاستدراك ، وكذلك ( ولكن ليبلوكم ) لا يوقف على ما قبلها ، ( والله غالب على أمره ولكن ) ، ( قال بلى ولكن ) ، وقوله ( لكل ضعف ولكن ) ، هذه أمثلة الاستدراك الذي لا يوقف على ما قبله .
ومن الوقوف التي لم يشر إليها راسمي المصحف قوله تعالى في سورة النساء : (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) جميع القراء يصلونها، يقولون ( فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم ) فهل الخوف مرتبط بصلاة السفر ؟ لنفرض أننا سافرنا بلا خوف هل نقصر الصلاة أم لا ؟ . الوقف الواجب هنا ( إذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) وتقف ، فهذا جواب شرط إذا ، وأما شرط إن : ( إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) فجواب شرطه محذوف تقديره ( فاقصروا ) ، الوقف على : ( أن تقصروا من الصلاة ) والوقف أيضاً على قوله : ( إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) ليتم بيان الحكمان .
__________
(1) أي غير المسبوقة بالواو .(1/80)
ومن الوقوف التامة التي غفل عنها كتاب المصحف قوله تبارك وتعالى : ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم ) في سورة الأنعام ، لابد أن يوقف على ( حرم ربكم ) وألا توصل ، ولا يوقف علي ( عليكم ) ، لأننا لو وصلناها وقلنا : ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا ) ، أو لو وقفنا على : ( حرم ربكم عليكم ) لوقعنا في مأزق لغوي خطير إذ أننا لو قلنا : ( حرم ربكم عليكم ) ، وقلنا ( ألا تشركوا ) إذا حرم علينا ربنا ألا نشرك فماذا أحل لنا ؟ . أحل لنا ( أن نشرك ) ، و ( حرم ربكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً ) وحرم علينا أن نحن إلى والدينا ، ( ولا تقتلوا ) حرم علينا ألا نقتل وأحل لنا أن نقتل ! لذا فالوقف على ( حرم ربكم ) ثم نبدأ (عليكم ألا تشركوا به شيئاً ) أي فرض عليكم وكتب عليكم وأوجب ، وبهذا يستقيم المعنى ، وقد غفل كتاب المصحف عن هذا ، فغفر الله لنا ولهم .
ومن قوله : ( عليكم ألا تشركوا به شيئاً ) إلى ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) هذا هو الوقف التام ، وما سوى ذلك حسن .
ومن الوقوف التامة في قوله : ( ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة ) وتقف ثم تبدأ : ( من الأرض إذا أنتم تخرجون ) ، جميع القراء يقرؤون : ( ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ) ويقفوا : ( ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون ) . مَن الداعي ؟ . الله ، فكيف تقول : ( دعوة من الأرض ) وهو منزه عن الحلول ، والجهة ، والاتصال ، والانفصال ، والسعة ! فلو وصلنا ( دعوة من الأرض ) فقد حوَّزْنَا ربنا وجعلنا له مكاناً .
قال العلامة الكسائي في بيان الوقف والابتداء : مَن وصل ( دعوة ) بما بعدها بالرُّوم فقد جهل ربه .(1/81)
وإنما الحال أن تقوم السماء والأرض بأمره روحا لقول الله تبارك وتعالى ( قل الروح من أمر ربي ) ثم إذا دعاكم دعوة تقومون أجساداً عندما ينادي المنادي : ( أيتها اللحوم المتناثرة والشعور المتبعثرة والعظام النخرة ، إن الله يدعوكم لفصل القضاء ، تقومون أجساداً ، فبأمره أرواحاً ، وبدعوته أجساداً ، ثم نبدأ ( من الأرض إذا أنتم تخرجون ) فالوقف هكذا : ( ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة . من الأرض إذا أنتم تخرجون ) فتعالى صاحب الدعوة عن المكان والزمان ، وجميع المصاحف تجد الوقف على قوله ( بأمره ) ويصلون ما سوى ذلك ، وهذا من الخطأ بمكان .
كما يجب الوقف على قوله : ( ما كان لله أن يتخذ من ولد ) بسورة مريم ، (وقالوا اتخذ الرحمن ولداً ) بسورة مريم ، ( وقالوا اتخذ الله ولدا ) بالبقرة ، فيجب الوقف على ( ولدا ) في كل هذا ولا توصل بـ ( سبحانه ) لئلا يكون التسبيح للولد ، فإنك لو قلت ( ولداً سبحانه ) أقررت لله باتخاذ الولد والعياذ بالله ! وقليلاً ـ بل أقل من القليل ـ من المصاحف من ينبه على هذا .
ومما ينبغي الوقوف عليه قوله تعالى في سورة القتال : ( إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم ) ، ولا توصل أبداً بقوله : (وأملى لهم ) ؛ لأن الإملاء تأخير الآجال وليس ذلك في يد الشيطان ، وإنما معنى ذلك : الشيطان سول لهم وأخَّر الله آجالهم ليَعظُمَ ذنبهم ، ولكن جميع القراء يقولون : (الشيطان سول لهم وأملى لهم ) وهذا من الخطأ بمكان ، وليس في جميع المصاحف الإشارة إلى هذا الوقف أبداً .(1/82)
وكذلك في سورة الفتح عند قوله تعالى : ( إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلاً ) من المُسَبَّح هنا ؟ هل الله أم رسوله ؟ . فالجواب الوقف على قوله : ( لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه ) لنفصل بين ضمير رسول الله صلى الله عليه وسلم وضمير الحق جل وعلا إذ لا يُعقل أن يقول مسلم : سبحانك يا محمد ! وقد غفلت المصاحف عن هذا الوقف ولم ينبه أحد عليه .
والوقف على ( مبشراً ونذيراً ) ليس بتام لوجود لام التعليل ، ولكنه من قبيل الحسن ولو وُصل لكان أجود ، نقول : ( إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه . وتسبحوه بكرة وأصيلاً ) ، والوقف قبل لام التعليل ليس تاماً ولا كافياً ، وإنما يُتجاوز عنه إن كان رأس آية ، فإن لم يكن رأس آية فلا بد من وصله ، مثال :( لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ) ، ( وليبتلي الله ما في قلوبكم وليمحص )،( وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية ) ، وقس على ذلك .
وإذا طال المعنى في آية ، مثل قوله تعالى ( ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله ) هذا حسن ، ولكنه معفوٌ عنه لطول القصة ، ( قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا ) هذا أيضاً حسن ، ( قالوا ومالنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا ) هذا هو الكافي ، فالأولَين حسن والثالث كاف ، وقد يُعفى عن مثل ذلك لطول الكلام ، لكن إذا طال النفَس استُحب الوصل .
والوقف على ( تولوا إلا قليلاً منهم ) تام .
وما ذكرته من الوقوف ليس على سبيل الحصر وإنما لنقيس عليها ما شابهها ، فليس المصحف مرجعاً للوقوف ، فليُراعى ذلك .
ومما ينبغي التنبيه عليه :(1/83)
الوقوف على كلمة ( كلا ) ، وقد ذُكرت في القرآن الكريم في النصف التحتي منه ثلاثا وثلاثين مرة ، وخلا منها النصف الفوقي ، وقد جوَّز معقل بن يسار وسيبويه الوقف على جميع كلا ، وفيه نظر ، وقال أهل الأداء : الوقف على ( كلا ) نوعان : نوع من قبيل الحسن والكافي ، ونوع من قبيل التام ، ولنبين ذلك جيداً فنقول :
أما التام في ( كلا ) فخمس مواضع :
الأول والثاني : في سورة مريم : ( أطّلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهداً . كلا ) وقوله ( واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزاً . كلا ) .
الثالث والرابع : في سورة الشعراء : ( ولهم عليّ ذنب فأخاف أن يقتلون . قال كلا ) و( قال أصحاب موسى إنا لمدركون . قال كلا ) .
الخامس : في سورة سبأ : ( قل أروني الذين ألحقتم به شركاء . كلا ) .
فهذه الخمس مواضع الوقف عليها من الوقوف التامة لا محاله .
وثَمَّ تسع مواضع الوقف عليها إما حسن وإما كافٍ وهي :
الأول : في سورة المؤمنون : ( قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت . كلا ) الوقف عليه كافٍ .
الثاني والثالث : في سورة المعارج : ( ومن في الأرض جميعاً ثم ينجيه . كلا ) ( أيطمع كل امرئ أن يدخل جنة نعيم . كلا ) الوقف على هذين كافٍ .
الرابع والخامس : في المدثر : ( ثم يطمع أن أزيد . كلا ) ، ( أن يؤتى صحفاً منشرة . كلا ) والوقف عليهما كافٍ .
والسادس : ( كلا . لا وزر ) في بسورة القيامة والوقف عليها حسن ، وينبغي وصلها بـ ( أين المفر . كلا ) ، وكذلك كل أنواع كلا الموقوف عليها ينبغي وصلها بما قبلها .
والسابع : ( قال أساطير الأولين . كلا ) وتستأنف ( بل ران ) بالتطفيف وهو من قبيل الحسن .
الثامن : ( فيقول ربي أهانن . كلا ) بسورة الفجر وهو حسن .
التاسع في سورة الهمزة : ( يحسب أن ماله أخلده . كلا ) وهو حسن .
هذا ما أخبر به أهل الأداء في الوقف على ( كلا ) ، وأما باقيها فلا وقف عليها إلا في رأي سيبويه ومعقل بن يسار ، ولم يؤخذ به .(1/84)
واختلفوا في معنى كلا ، فبعضهم قال : هي بمعنى نعم ، وبعضهم قال : هي بمعنى لا ، وبعضهم قال : هي بمعنى ألا للتنبيه ، وبعضهم قال : إنها بمعنى الردع ، إلى غير ذلك . وقد نظمها بعض العلماء فقال :
ثلاثون كلا أُتبعت بثلاثةٍ ... جميع الذي في الذكر فيها تنزلا
ومجموعها في خمس عشرة سورةٍ ... ولا شيء منها جاء في النصف أولا
فخمسٌ عليها قِف تماماً بمريمٍ ... وفي الشعرا اعدده وفي سبإٍ حلا
وفي تسعةٍ خيِّر قد افلحَ سائلٌ ... ومدّثرٌ بدءٌ وثالثه حلا
وأول حرفٍ في القيامة قد أتى ... ومطَّفِّفٌ ثانٍ وفي الفجر أوّلا
وفي عَمَدٍ حرفٌ ولا وقف عندهم ... على من سوى هذا لمن قد تأمّلا
وعند إمام النحو في فرقةٍ سَمَوْ ... عليها يكون الوقف فيما تحصّلا
وليس لها معنىً سوى الردع عندهم ... وإن أوهمت شيءً سواه تُؤوِّلا
وقال سواهم إنما الردع غالبٌ ... وتأتي لمعنىً غير ذاك محَصَّلا
كحقاً ومعنىً سوى في نادرٍ أتت ... ومثل نعم أيضاً ومُشْبِهَةٌ أَلا
فقف إن أتت للردع وابدأ بها إذا ... أتت لسوى هذا على ما تحصَّلا
ومهما عليه كان وقفك دائماً ... تجد سَنَداً من سيبويه ومعقلا
يعني إن وقفت على جميع كلا فعندك رخصة من سيبويه ومعقل بن يسار ومن تبعهما .
وخلاصة القول :
أن الوقف لا حكم له في القرآن الكريم وإنما هو ذوق عربي ، ففقهك في اللغة يزيدك خبرة في الوقوف ، فلا يحرم الوقف ، ولا يُمنع ، ولا يجب ؛ إلا بسبب لغوي ، كما قال الناظم :
وليس في القرآن من وقف وجب ... ولا حرامٌ غير ما له سبب
وسنعود إلى الباب من قول الناظم معلقين عليه إن شاء الله :
ولا يحرم أو يُكره إلا بتغيير معنى ، أو وقف على مضافٍ دون مضافه أو على ظرفٍ دون مظروفه ، أو ما إلى ذلك من محظورات الوقوف التي تقدمت .
قال الناظم :
وَبَعْدَ تَجْوِيْدِكَ لِلْحُرُوفِ ... لاَبُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْوُقُوفِ
لذا جعلناه في آخر الأحكام .
قال الناظم :
وَالابْتِدَاءِ وَهْيَ تُقْسَمُ إِذَنْ ... ثَلاَثَةً تَامٌ وَكَافٍ وَحَسَنْ(1/85)
أي لابد أن تعرف الوقف والابتداء .
والوقف يقسم إلى أقسام ثلاثة : تام ، كاف ، حسن .
وإنما قال : ( والابتدا ) لأن من الناس من يحسنون الوقف ولا يحسنون الابتداء كأن يقول مثلاً ( يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم ) ويضيق نفسه فيبدأ : (وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم ) فالابتداء قبيح .
لذا لابد من معرفة الابتداء كما تُعرف الوقوف .
ومثل قوله : ( ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله ) ثم يبدأ : ( ولد الله وإنهم لكاذبون ) فهذا ابتداء بقبيح .
ومثل قوله : ( ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي ) ثم يبدأ : ( إني كفرت بما أشركتموني ) .
من أجل هذا قال الناظم :
لاَبُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْوُقُوفِ ... وَالابْتِدَاءِ .................
قال الناظم :
وَهْيَ لِمَا تَمَّ فَإنْ لَمْ يُوجَدِ ... تَعَلُقٌ .......................
وهو أي الوقف التام الذي لا يوجد تعلق له بما قبله ولا بما بعده لا معنى ولا لغةً .
وقوله :
. . . . . . . . . . . . ..... ... أَوْ كَانَ مَعْنَىً فَابْتَدي
فَالتَّامُ فَالْكَافِي . . . . .
يعني الأول هو التام ، والذي تعلق بما قبله أو بما بعده معنا فهو الكافي .
وقوله :
. ...........وَلَفْظًا فَامْنَعَنْ ... . . . . . . . . . . . . . .
أي الذي تعلق بما قبله وبما بعده لفظاً ومعنىً فامنع الوقوف عليه إلا رؤوس الآي ، فقد جاز ذلك .
........ وَلَفْظًا فَامْنَعَنْ ... إِلاَّ رُؤُوسَ الآيِ جَوِّزْ .....
واسم هذا النوع الحسن .
فما لا يتعلق : تام ، وما تعلق بمعنى : كافٍ ، وما تعلق بمعنى ولغة : حسن ، ولا يوقف عليه مع طول النفَس إلا على رؤوس الآي ، فإن ضاق النفس أُبيح .
وقوله :
وَغَيْرُ مَا تَمَّ قَبِيْحٌ وَلَهُ ... يوَقْفُ مُضْطَرًّا وَيُبْدَا قَبْلَهُ(1/86)
كأن يقول ( يأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة ) ، أو أن يقول ( لهو القصص الحق وما من إله ) ، أو أ، يقول ( فويلٌ للمصلين ) ، أو أن يقول ( يعلم السر وأخفى الله ) ، هذا معنى قوله (وَغَيْرُ مَا تَمَّ قَبِيْحٌ وَلَهُ يوَقْفُ مُضْطَرًّا ) ، فلا يوقف على مثل هذا إلا عند الاضطرار وضيق النفس ، ولكن يُبدأ قبل الوقف لتصحيح المعنى ولذا قال ( يوَقْفُ مُضْطَرًّا وَيُبْدَا قَبْلَهُ ) .
ثم قال :
وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ وَقْفٍ وَجَبْ ... وَلاَ حَرَامٌ غَيْرَ مَا لَهُ سَبَبْ
يعني أن الوقف ليس له حكم شرعي يمنعه أو يحله أو يحرمه إلا بسبب خطأ في اللغة أو فساد في المعنى كما تقدم .
أما السكت :
فهو لغةً : المنع .
واصطلاحاً : الوقف على آخر كلمة أو وسطها مقدار حركتين بلا تنفس بنية استئناف القراءة .
ولحفص في روايتنا هذه أربع سكتات :
الأولى : قوله تعالى ( ولم يجعل له عوجاًس . قيماً ) بسورة الكهف ، فالسكت على ( عوجاً ) بمقدار حركتين مستأنفا ( قيماً ) .
الثانية : ( من بعثنا من مرقدناس ) والسكت حركتين بلا تنفس ثم يبدأ ( هذا ما وعد الرحمن ) بيس .
والثالثة : ( وقيل منس ) ثم يبدأ ( راق ) والسكت على ( مَنْ ) مقدار حركتين بلا تنفس بسورة القيامة .
والرابعة : ( كلا بلس ) والسكت على ( بل ) مقدار حركتين بلا تنفس ، ثم يستأنف ( ران على قلوبهم ) بالتطفيف .
قال الإمام الشاطبي :
وسكتة حفصٍ دون قطعٍ لطيفةٌ ... على ألف التنوين في عوجاً بلى
وفي نون من راقٍ ومرقدنا ولا ... م بل ران والباقون لا سكت موصلا
ويلحق بهذه المواضع السكت ما بين الأنفال والتوبة ، وقد ذكرناه في أحكام البسملة آنفاً.(1/87)
وثَم موضع سادس وهو في قوله تعالى ( ما أغنى عني ماليَهْ . هلك ) بسورة الحاقة ، فلحفص وجهان هنا : إما أن يقرأ ( مالِيَهَّلَك ) بإدغام الهاء في الهاء ، ويسمى إدغام مِثلين صغير . وإما أن يسكت على ( ماليهْ ) مقدار حركتين بلا تنفس مستأنفاً ( هلك ) هكذا ( ما أغنى عني ماليهْ . هلك ) .
وقد نظم العلامة السمنودي في الوقف والقطع والسكت كلاماً نفيساً ، قال في كتابه لآلئ البيان :
الوقف تامٌ حيث لا تعلُّقا ... فيه وكافٍ حيث معنى عُلِّقا
قِف وابتدئ وحيث لفظاً محسن ... فقِف ولا تبدأ وفي الآي يُسَن
وحيث لم يتمّ فالقبيح قِِف ... ضرورةً وابدأ بما قبلُ عُرف
ولم يجب وقفٌ ولم يحرُم عدا ... ما يقتضي من سببٍ إن قُصدا
والقطع كالوقفِ وفي الآيات جا ... واسكت على مرقدنا وعوجا
بالكهف مع بل ران من راق ومرّ ... خُلفٌ بماليه ففي الخمس حصر
وأعتقد أني قد أطلتُ النفَس بما فيه الكفاية في هذا الباب ، وأسأل الله أن أكون قد رُزقت توفيقاً والله تعالى أعلم .
المبحث الثالث عشر
في همزة الوصل
اعلم أن همزة الوصل تثبت ابتداءً وتُحذف في الدَّرَج ( أي وصلاً ) ، وكما أن الوقف أصله السكون ، كما قال الإمام الشاطبي :
والإسكان أصل الوقف وهو اشتقاقه ... من الوقف عن تحريك حرف تعزلا
كان الابتداء بمحرَّكٍ ولا بد .
وقد كره العرب الوقف على محركٍ والابتداء بالساكن ، فإذا كان الابتداء بساكن نحو قوله ( الأخلاء يومئذ ) ، ( الآن خفف الله عنكم ) احتيج إلى همزة الوصل للتوصل بها إلى الابتداء بالساكن ، وهذا فيما أعتقد سبب تسميتها بهمزة الوصل ، فلولا همزة الوصل ما صِيغ الابتداء باللام الساكنة .
وتأتي همزة الوصل في : الأسماء والأفعال .
فهي بالأسماء في القرآن الكريم في سبع كلمات وهي : اسم ، وابن ، وابنة ، واثنان ، واثنتان ، وامرئ ، وامرأة ، وتأتي في ثلاثة أسماء أُخر لكن ليس في القرآن منها شيء وهي : أست ، وابنُم ، وأيم يعني أيمُ الله .(1/88)
وتقع في مصدر الفعل الخماسي كقوله ( لا انفصام لها ) ، وأيضاً في مصدر الفعل السداسي كقوله ( استكباراً في الأرض ) ، وقِس على ذلك ، وأيضاً في تعريف الأسماء ، كالقمر والشمس والليل ونحو ذلك .
أما في الأفعال الماضية فلا تقع إلا في الفعل الخماسي ، نحو قوله ( انطلقا ) وفي السداسي نحو( استخرجها ) ولا تقع في الرباعي نحو( أكرم ) ولا في الثلاثي نحو( أمر)، فمحلُّ ذلك همزة القطع ، وحركتها في الفعل الماضي إن بدأت بها مكسورة ، وفي فعل الأمر تقع في الثلاثي منه نحو ( اضرب ) ، وفي الفعل الخماسي نحو( انطلق ) ، وفي الفعل السداسي نحو( استكبروا ) ، ولا تقع في الأمر الرباعي نحو( أكرم ) فمحل ذلك همزة القطع .
وفي حكمها تفصيل :
فإن كان ثالث الفعل مضموماً نحو: اقتل ، اخرج ، انظر ، اعضض ، بشرط أن تكون الضمة أصلية بُدئ بها بالضم .
وإن كان ثالث الفعل مكسوراً كسرة أصلية أو مفتوحاً فتحة أصلية نحو: اضرب ، استغفر ، اتّبع ، اعلم ، بُدئ بها بالكسر ، وقلنا إن كان مفتوحاً بُدئ فيه بالكسر مخافة التباس فعل الأمر بالمضارع ومن أجل ذلك كسرناه في البدء .
وثمة أربعة أفعال في القرآن الكريم ثالثها مضموم ، ولكن يُبدأ فيها بالكسر ، وهي :
أولاً : ( ائتوا ) لأن أصلها ائتيوا .
ثانياً : ( امشوا ) لأن أصلها امشيوا .
ثالثاً : ( اقضوا ) لأن أصلها اقضيوا .
رابعاً : ( ابنوا ) لأن أصلها ابنيوا
و بُدئ فيها بالكسر لأجل الياء المحذوفة .
هذا ولا تأتي همزة الوصل في فعل مضارع أبداً ، ولا في أي حرف غير لام التعريف ، فاعلم ذلك .
قال الناظم :
وَابْدَأْ بِهَمْزِ الْوَصْلِ مِنْ فِعْلٍ بِضَمْ ... إنْ كَانَ ثَالِثٌ مِنَ الفِعْلِ يُضَمْ
وَاكْسِرْهُ حَالَ الْكَسْرِ وَالْفَتْحِ وَفِي ... لاسْمَاءِ غَيْرَ اللاَّمِ كَسْرَهَا وَفِي
يعني إن كان ثالث الفعل مكسوراً أو مفتوحاً كُسر بدءاً ، وفي الأسماء غير اللام يبدأ فيها بالكسر أيضاً .(1/89)
ابْنٍ مَعَ ابْنَةِ امْرِئٍ وَاثْنَيْنِ ... وَامْرَأةٍ وَاسْمٍ مَعَ اثْنَتَيْنِ
يعني يبدأ فيها بالكسر .
وأما قوله :
وَحَاذِرِ الْوَقْفَ بِكُلِّ الحَرَكَهْ ... إِلاَّ إِذَا رُمْتَ فَبَعْضُ حَرَكَهْ
يعني إذا وقفت فقف بالسكون المحض إلا في حالة الروم في المجرور والمرفوع كما تقدم في المدود فبعض حركة ، (إِلاَّ بِفَتْحٍ أَوْ بِنَصْبٍ ) أي يمنع الروم في المفتوح والمنصوب ، والفرق بينهما أن المفتوح في أول الكلمة وأثنائها والمنصوب في آخر الكلمة.
وقوله :
(وَأَشِمْ إِشَارَةً بِالضَّمِّ فِي رَفْعٍ وَضَمْ)
أي لا تأتِ بالإشمام إلا في المرفوع والمضموم ، والمضموم ما كان في أول الكلمة وأثنائها ، والمرفوع ما كان في آخرها ، والمقصود حصر الوقوف في هذه الثلاثة : إما بالسكون ، وإما بالروم ، وإما بالإشمام (وَحَاذِرِ الْوَقْفَ بِكُلِّ الحَرَكَهْ ) .
هذا ، ولهمزة الوصل فائدة أخرى ، وهي التي نعبر عنها بالتخلص من التقاء الساكنين ، وهو ما كان يسميه أشياخنا ( تخليص ) : أي الحركة المأتي بها للتخلص من التقاء الساكنين كـ ( محظوراً انظر ) و( خبيثةٍ اجتثت ) و( وقالتِ اخرج ) و( أنِ اعبدوا) .
إذ لولا همزة الوصل لحصل التقعر في القراءة وصعب النطق ( وقالتْ أخرج ) ( أنْ أعبدوا ) ( أنْ أمشوا ) ( قالواْ ألآن ) ، أرأيت كيف أن لهمزة الوصل فضل كبير ، فكما خدمتنا في الابتداء خدمتنا حالة وصلها في التخلص من التقاء الساكنين ، وإلا فمن ذا الذي يقرأ ( منيبٍ إدخلوها ) ( أو نصفه أو أنقص ) وهكذا.
وقد تم المبحث بحمد الله وتوفيقه .
المبحث الرابع عشر
في التاءات
ويعني بالتاءات هنا تاءات التأنيث التي يوقف عليها بالتاء لا بالهاء ، ولا يغني استيعاب التاءات في القرآن الكريم وإلا لوجدنا أكثر من أربعين تاء كل تاء تدل على أمر دون أختها.(1/90)
فهناك تاء الخطاب ، وتاء المخاطب ، وتاء الإخبار ، وتاء الفعل ، وتاء الفاعل ، وما إلى ذلك مما يعتني به أهل النحو والبلاغة ،وهذا كله لا يهم القارئ في شيء ، ونعني بها التاء الملحقة بآخر الأسماء والتي يوقف عليها بالتاء .
والتاء التي يعتني بها القراء في القرآن الكريم خمسة أنواع :
أولها : تاء التأنيث الممدودة كـ ( الصلاة ، والزكاة ، والحياة ، وتقاة ) يوقف عليها بالهاء وتوصل بالتاء ، وقد سبق بيانها في باب المد والقصر .
النوع الثاني : تاء التأنيث غير الممدودة كـ ( الصاخة ، والطامة ، والقيامة ، واللوامة ، وعبرة ، ومائة ، ووجهة) وتسمى هاء تأنيث غير ممدودة عارضة للسكون ، وليس فيها روم ولا إشمام ، ويوقف عليها بالهاء وتوصل بالتاء .
النوع الثالث : تاء جمع المؤنث : كـ ( صالحات ، مؤمنات ، ثمرات ، و جنات ) ، وهي مد عارض للسكون كما تقدم ، وتاء وقفاً ووصلاً إلا في كلمات سنوضحها بعد قليل ، وهي التي عناها الإمام ابن الجزري بقوله :
........... وَكُلُّ مَا اخْتُلِفْ جَمْعًا وَفَرْدًا فِيْهِ بِالتَّاءِ عُرِفْ
وستأتي .
النوع الرابع : تاء الفعل المؤنث : وهي التي تأتي لتأنيث من وقع عليه الفعل لا لتأنيث الفعل ، كقوله ( انفطرتْ ) ( انكدرتْ ) ( كُوِّرتْ ) ( انشقت ) ( علمت ) (أحضرت) ( قالت ) وتُسمى ساكن أصلي ، وكذلك نحو( لا تنهرْ ) ( لا تقهرْ ) ( فاعلمْ ) كل ذلك يسمى ساكن أصلي ، فأصل كُوِّرت : كُوِّر ، وإنما أُنِّثَت للشمس التي وقع عليها التكوير ، وأصل انفطرت : انفطر ، وإنما أُنِّثَت للسماء التي وقع عليها الانفطار ، وأصل انشقت : انشق ، وإنما أُنِّثَت للسماء التي وقع عليها الانشقاق ، وأصل أحضرت : أحضر ، وإنما أُنِّثَت للنفس التي أحضرت إن أحضرت خيراً أو شراً ، وهكذا لذا قلت أنها تأتي لتأنيث من وقع عليه الفعل.(1/91)
والنوع الخامس : تاء تأنيث الاسم : وهو موضوع بحثنا كـ ( سنت ) و( فطرت ) و( كلمت ) و( نعمت ) و( رحمت ) وهكذا ، وإليك بيانها فنقول وبالله التوفيق :
ينقسم هذا النوع الخامس إلى مكرر ، وغير مكرر :
ولنبدأ أولاً : بالمكرر :
عادِّين لكل موضع وأين هو في القرآن الكريم فالمكرر ست كلمات:
أولا : ( رحمت ) ، وهو في سبع كلمات :
الأول : ( أولئك يرجون رحمتَ الله ) تقف ( أولئك يرجون رَحْمَتْ ) .
الثاني : ( إن رحمتَ الله قريب ) بسورة الأعراف تقول ( إن رحمتْ ) وحكمهما عارض للسكون غير ممدود منصوب فيهما السكون فقط .
الثالث : ( رحمتُ الله وبركاته ) بسورة هود تقول ( رحمتْ ) وهو عارض للسكون غير ممدود مرفوع ، فيه السكون والروم والإشمام .
الرابع : ( ذكر رحمتِ ربك ) بأول مريم وهو عارض للسكون غير ممدود مجرور ، فيه السكون والروم .
الخامس : ( فانظر إلى آثار رحمتِ الله ) بسورة الروم ، تقول ( فانظر إلى آثار رحمتْ) وهو عارض للسكون غير ممدود مجرور ، فيه السكون والروم .
السادس : ( أهم يقسمون رحمتَ ربك ) بسورة الزخرف تقول ( أهم يقسمون رحمتْ ) وهو عارض للسكون غير ممدود منصوب ، فيه السكون فقط .
السابع : ( ورحمتُ ربك خير ) بسورة الزخرف أيضا تقول ( ورحمتْ ) ويوقف عليها بالسكون والروم والإشمام فهو عارض للسكون غير ممدود مرفوع .
قال العلامة المتولي في كتابه ( اللؤلؤ المنظوم ) :
يرجون رحمت وذكر رحمتِ ... ورحمت الله قريب فاثبتِ
ورحمت الله بهود مع إلى ... آثار رحمت بزخرفٍ في كلا
وفيما عدا هذا يوقف عليه بالهاء ، فيكون من قبيل هاء التأنيث غير الممدودة العارضة للسكون ولا روم فيها ولا إشمام .
ثانيا : ( نعمت ) ، وهو في أحد عشر موضعاً من القرآن الكريم ، بيانها كالتالي :
الأول : ( اذكروا نعمت الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب ) سورة البقرة .
الثاني :( واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء ) بسورة آل عمران .(1/92)
الثالث : ( يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ همّ قوم ) بسورة المائدة .
الرابع :( ألم ترَ إلى الذين بدلوا نعمت الله ) بسورة إبراهيم .
الخامس : ( إن تعدوا نعمت الله لا تحصوها ) بسورة إبراهيم أيضا ، والوقف على هذه الخمسة بالسكون المحض فهنا عارض للسكون منصوب غير ممدود .
السادس :( وبنعمت الله هم يكفرون ) بسورة النحل ، وهو عارض للسكون غير ممدود مجرور فيه السكون والروم .
السابع :( يعرفون نعمت الله ) بسورة النحل ، كل هذا يوقف عليه ( نعمتْ ) بالتاء .
الثامن ( واشكروا نعمت الله ) بالنحل تقول ( نعمت ) .
التاسع :( ألم ترَ أن الفلك تجري في البحر بنعمت الله ) سورة لقمان ، وهو عارض للسكون غير ممدود مجرور ، فيه السكون والروم .
العاشر : ( يأيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم ) بسورة فاطر .
الحادي عشر : ( فذكر فما أنت بنعمت ربك ) بسورة الطور ، فهو عارض للسكون غير ممدود مجرور فيه السكون والروم.
وعلى هذا : فإن كانت ( نعمتَ ) فهو عارض للسكون غير ممدود منصوب ، وإن كانت ( نعمتِ ) فهو عارض للسكون غير ممدود مجرور :
الأول : فيه السكون .
والثاني : فيه السكون والروم .
ويوقف على الكل ( نعمتْ ) بالتاء المفتوحة ، وما سوى ذلك يوقف عليه بالهاء (نعمه ) فتكون من قبيل هاء التأنيث غير الممدودة العارضة للسكون وليس فيها روم ولا إشمام كما تقدم .
وقد جمع الناظم هذا الإمام المتولي في اللؤلؤة المنظوم فقال :
ونعمة الله عليكم في البقر ... كفاطر وآل عمران اشتهر
والثاني في العقود مع حرفين ... جاءا بإبراهيم آخرين
ثم ثلاثة بنحل أخرت ... وموضع الطور ولقمان ثبت
ثالثا من المكرر : كلمة ( امرأت ) وتوجد في سبع مواضع من القرآن الكريم إليك بيانها :
الأول : ( إذ قالت امرأت عمران ) بسورة آل عمران .
الثاني :) قالت امرأت العزيز ) وحكمهما عارض للسكون غير ممدود مرفوع فيه السكون و الروم و الإشمام تقول ( امرأت ) .(1/93)
الثالث : ( امرأت العزيز تراود ) بيوسف وحكمها كالأولين .
الرابع : ( وقالت امرأت فرعون ) بسورة القصص وحكمها كما مضي .
الخامس :( وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون ) بالتحريم وهو عارض للسكون غير ممدود منصوب ، فيه سكون فقط .
السادس ، والسابع : ( امرأت نوح وامرأت لوط ) بالتحريم وحكمهما عارض للسكون غير ممدود منصوب فيه السكون فقط .
كل هذا يوقف عليه ( امرأت ) وضابط ذلك كل امرأة أتت مع زوجها يوقف عليها بالتاء ، وما سوى ذلك يوقف عليها بالهاء فتكون من قبيل هاء التأنيث غير الممدودة العارضة للسكون ولا روم فيها ولا إشمام .
قال العلامة المتولي :
وامرأة مع زوجها قد ذكرت ... فهاؤها بالتاء رسما وردت
رابعا من المكرر : كلمة ( سنت ) وتوجد في خمس مواضع من القرآن الكريم إليك بيانها :
الأول : ( فقد مضت سنة الأولين ) بسورة الأنفال ، وحكمها عارض للسكون غير ممدود مرفوع فيه السكون الروم والإشمام .
الثاني و الثالث والرابع : عارض للسكون غير ممدود ومنصوب فيه السكون فقط ، و الثانيتان عارض للسكون غير ممدود مجرور فيه السكون و الروم ( فهل ينظرون إلا سنت الأولين ) ، ( فلن تجد لسنة الله تبديلا ) ، ( ولن تجد لسنة الله تحويلا ) كله بسورة فاطر ، والأولى حكمها عارض للسكون غير ممدود منصوب فيه السكون فقط.
الخامس : ( سنة الله التي قد خلت عبادة ) بسورة غافر ، وحكمها عارض للسكون غير ممدود منصوب فيه السكون فقط ، كل ذلك يوقف عليه هكذا ( سنت ) وما سواه يوقف عليه بالهاء فيكون من قبيل هاء التأنيث غير الممدودة العارضة للسكون ولا روم فيها ولا إشمام كما تقدم .
قال العلامة المتولي في اللؤلؤ المنظوم :
سنت فاطر وفي الأنفال ... حرف كذا في غافر ذي بال(1/94)
خامسا من المكرر : لفظ ( لعنت ) وقد ذكرت في موضعين من القرآن الكريم : الأول : ( فنجعل لعنت الله على الكاذبين ) بسورة آل عمران ، الثاني ( أن لعنت الله عليه أن كان من الكاذبين ) بسورة النور وهما عارض للسكون غير ممدود منصوب فيه السكون فقط تقول ( لعنتْ ) ، وما سوى ذلك فـ ( لعنه ) بالهاء ، وتكون من قبيل هاء التأنيث غير الممدودة العارضة للسكون ولا روم فيها ولا إشمام :
قال العلامة المتولي :
لعنت في عمران وهو الأول ... وموضع النور وليس يشكل
سادسا من المكرر : كلمة ( معصيت ) وهي في موضعين من القرآن الكريم : الأول ( ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول ) .
الثاني ( فلا تتناجوا بالإثم و العدوان ومعصيت الرسول ) يوقف عليهما هكذا ( معصيت ) ، وحكمها : عارض للسكون غير ممدود ومجرور ، فيه السكون الروم ، و لا ثالث لهما في القرآن الكريم .
فهذا ما تكرر من التاء المفتوحة في القرآن الكريم ذكرنا كلا في موضعه بفضل الله تعالى ، وإليك عد ما لم يتكرر :
أولا : كلمة ( كلمت ) و هو في قوله ( وتمت كلمت ربك الحسنى ) بسورة الأعراف تقول : ( وتمت كلمت ) عارض للسكون غير ممدود مرفوع فيه السكون والروم والإشمام ، وما سواها يوقف عليها بالهاء ( كلمه ) فتكون من قبيل هاء التأنيث غير الممدودة العارضة للسكون ولا روم فيها ولا إشمام .
ثانيا : ( بقيت ) وهو في قوله تعالى : ( بقيت الله خير لكم ) بسورة هود ، وحكمها كالأول تماما ، ويوقف عليها هكذا ( بقيت ) وما سواه يوقف عليه بالهاء فيكون من قبيل هاء التأنيث كما تقدم .
ثالثا : ( قرت عين لي ) بسورة القصص يوقف عليها هكذا ( وقال امرأت فرعون قرت ) وحكمها عارض للسكون غير ممدودة مرفوع ، فيه الثلاثة ، ويوقف على ما سواه بالهاء فيكون من قبيل هاء التأنيث غير الممدودة كما تقدم .(1/95)
رابعا : ( فطرت ) في قوله تعالى ( فطرت الله التي فطر الناس ) بسورة الروم يوقف عليها هكذا ( فطرت ) ، وحكمها عارض للسكون غير ممدود منصوب فيها السكون فقط و لا ثاني له في القرآن .
خامسا : ( شجرت ) في قوله ( أن شجرت الزقوم ) يوقف عليها هكذا ( إن شجرت ) وهو عارض للسكون غير ممدود منصوب فيها السكون فقط وما سواها يوقف عليه بالهاء فتكون من قبيل هاء التأنيث غير الممدودة العارضة كما تقدم .
سادسا : ( جنت ) في قوله ( فروح وريحان وجنت نعيم ) تقرأ هكذا ( فروح و ريحان وجنت ) بسورة الواقعة وهو عارض للسكون غير ممدود مرفوع ، فيه السكون و الروم و الإشمام وما سواها يوقف عليه بالهاء فتكون من قبيل هاء التأنيث غير الممدودة كما تقدم .
سابعا : ( ابنت ) كما وهو في قوله تعالى ( ومريم ابنت عمران ) تقول (ومريم ابنت ) وهو عارض للسكون غير ممدود منصوب ، فيه السكون فقط ، ولا ثاني لها في القرآن .
قال العلامة المتولي في اللؤلؤ المنظوم :-
معصية الرسول فطرت ... قرت عين وبقيت ابنت
شجرت الدخان ثم كلمت ... الاعراف جنت التي في وقعت
وهذا كله معنى قول الناظم :
( وَرَحْمَتُ الزُّخْرُفِ بِالتَّا زَبَرَهْ ) وزبره أي كتبه .
(لاعْرَافِ رُومٍ هُودٍ كَافِ الْبَقَرَهْ )
نِعْمَتُهَا ثَلاثُ نَحْلٍ إبْرَهَمْ ) يعني إبرهيم .
( مَعًا أَخَيْرَاتٌ عُقُودُ الثَّانِ هَمْ ) يعني المرتبطة بقوله :( إذ هم قوم).
لُقْمَانُ ثُمَّ فَاطِرٌ كَالطُّورِ ... عِمْرَانَ لَعْنَتَ بِهَا وَالنُّورِ
أي ( لعنت ) التي في آل عمران و في سورة النور .
وَامْرَأَتٌ يُوسُفَ عِمْرَانَ الْقَصَصْ ... تَحْرِيْمَ مَعْصِيَتْ بِقَدْ سَمِعْ يُخَصْ
شَجَرَتَ الدُّخَانِ سُنَّتْ فَاطِرِ ... كُلاً وَالانْفَالَ وَحَرْفَ غَافِرِ
وقوله : ( كلا ) يعني كل الذي في فاطر .
قُرَّتُ عَيْنٍ جَنَّتٌ فِي وَقَعَتْ ... فِطْرَتْ بَقِيَّتْ وَابْنَتْ وَكَلِمَتْ(1/96)
أَوْسَطَ اَلاعْرَافِ وَكُلُّ مَا اخْتُلِفْ ... جَمْعًا وَفَرْدًا فِيْهِ بِالتَّاءِ عُرِفْ
ومعنى قوله : ( وكل ما اختلف جمعا وفردا ) :
يعني كلمات سبعة اختلف فيها القراء جمعا و إفرادا ويقف عليها حفص بالتاء المفتوحة و إليك بيانها :
أولا : ( كلمت ) : بسورة الأنعام و يونس والطول أي غافر ، ففي سورة الأنعام : ( وتمت كلمت ربك صدقا و عدلا ) تقول ( وتمت كلمت ) وحكمها عارض للسكون غير ممدود مرفوع ، فيه السكون و الروم و الإشمام ، وفي يونس (كذلك حقت كلمت ربك ) تقرأ هكذا ( كذلك حقت كلمت ) وحكمها كالتي قبلها ، وفي غافر ( كذلك حقت كلمات ربك على الذين كفروا ) كالسابقتين نطقا وحكما .
قرأ الثلاثة الكوفيون بالإفراد وباقي القراء بالجمع وما سوى ذلك يوقف عليه بالهاء فيكون من قبيل هاء التأنيث غير ممدودة العارضة كما تقدم.
ثانيا : ( غيابت ) بسورة يوسف في الموضعين يوقف عليها هكذا : ( و ألقوه في غيابت ) وحكمها عارض للسكون غير ممدود مجرور ، فيه السكون و الروم وقرأهما نافع بالجمع و الباقي بالأفراد .
ثالثا : ( كأنه جمالت صفر ) تقرأ ( كأنه جمالت ) وحكمها عارض للسكون غير ممدود مرفوع فيه الثلاثة السكون و الروم والإشمام ، وقرأ بتوحيدها حمزة و الكسائي و خلف وحفص و الباقي بجمعها ( جمالات ).
رابعا : في سورة العنكبوت : ( وقالوا لولا انزل عليه آيات من ربه ) يوقف عليها هكذا ( ايات ) وهو مد عارض للسكون مرفوع فيه : القصر ، و التوسط ، والمد بالسكون والقصر التوسط ، و المد بالإشمام و القصر بالروم سبعة أوجه ، وقرأ بتوحيده حمزة و الكسائي و خلف وشعبة و الباقي بالجمع .
خامسا : ( وهم في الغرفات آمنون) بسورة سبأ يوقف عليها هكذا ( وهم في الغرفات ) وحكمها عارض للسكون مجرور ، فيه الثلاثة القصر و التوسط و المد بالسكون و القصر بالروم أربعة أوجه ، قرأ بتوحيده حمزة وخلف هكذا ( هم في الغرفة ) .(1/97)
سادسا : ( وما تخرج من ثمرات ) بسورة فصلت وقف عليها حفص هكذا ( وما تخرج من ثمرات ) وهي في الحكم كالتي وجمعها نافع وابن عامر وأبو جعفر وحفص وقرا الباقون بالإفراد ( من ثمرة ) .
سابعا : قوله ( فهم على بينة منه ) بسورة فاطر تقرأ هكذا ( فهم على بينت ) وحكمها عارض للسكون غير ممدود مجرور فيه السكون و الروم قرأها نافع و الكسائي وشعبة و أبو جعفر بالجمع و الباقون بالتوحيد .
فهذه هي كلمات السبع التي اختلف فيها القراء جمعا و فردا و هو معنى قوله رضي الله عنه :
... وَكُلُّ مَا اخْتُلِفْ جَمْعًا وَفَرْدًا فِيْهِ بِالتَّاءِ عُرِفْ
أي عرف عن حفص وقفه على هذه المواضع بالتاء المفتوحة .
وقد تم هذا المبحث بحمد الله وتوفيقه .
المبحث الرابع عشر
في الحذف الإثبات
وهو يتعلق بالمحذوف و المثبوت من حروف العلة فقد يوجد في المصحف ألفا ثابتة رسما ولكنها تحذف وقفا ، وألفا محذوفة رسما ولكنها تثبت وقفا ، وياء ثابتة رسما ولكنها تحذف وقفا ، أو ياء ثابتة وقفا محذوفة رسما وهكذا الواو ، فهذا الباب يتعلق بحروف العلة الثابتة و المحذوفة .
وحروف العلة هي : الألف الساكن المفتوح ما قبلها ، و الياء الساكن المكسور ما قبله ، و الواو الساكن المضموم ما قبله كما تقدم وعلم مهم جدا إذ أنه من لم يعلم المحذوف من الثابت تعرض للحن الجلي والخفي وهو لا يعلم :
قال الإمام الجراح في عمدة البيان :
فواجب على ذوى الأذهان ... أن يتبعوا المرسوم في القرآن
ويقتدوا بما رأوه نظرا ... إذ جعلوه للأنام وزرا
وكيف لا يجب الاقتداء ... لما أتي مصابه الشفاء
إلى عياد أنه من غيرا ... حرفا من القرآن عمدا كفرا
زيادة أو نقصا أو ان ... يبدلا شيئا من الرسم الذي تأصلا
فعلم من هذا الكلام النفيس أهمية معرفة الثابت من المحذوف رسما من حروف العلة فنقول و بالله التوفيق :
هاك بيان لما ثبت من حرف الألف :(1/98)
أولا : ( ذاقا الشجرة ) نقول ( ذاقا ) وحكمة مد طبيعي عوض عن العارض المحذوف وهو بسورة الأعراف .
ثانيا : ( وقالا الحمد لله ) بسورة النمل تقول ( وقالا ) وحكمة كالأول .
ثالثا : ( أيها ) في جميع القرآن كـ (يا أيها النبي ، و يأيها الناس ، و يا أيها الذين آمنوا ، و يا أيها الرسول ) تقول ( أيها ) وحكمه مد طبيعي عوض عن عارض محذوف كالأولين إلا في ثلاثة مواضع وهي ( وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون ) بسورة النور ، ( وقالوا يا أيها الساحر ) بسورة الزخرف، ( سنفرغ لكم أيه الثقلان ) بسورة الرحمن فإنك إن وقف على أي منها قلت ( أيه ) فتقول (وتوبوا إلى الله جميعا أيه ) ( سنفرغ لكم أيه ) ( وقالوا يا أيه ) .
رابعا و خامسا و سادسا : ( وتظنون بالله الظنونا ، وأطعنا الرسولا ، فأضلونا السبيلا ) بسورة الأحزاب ويسمى مدا طبيعيا للتمييز أي تظنون بالله الظنون التي لم يظن أحد ، وأطعنا الرسول المخصوص وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، فأضلونا السبيلا أي سبيل الرسول المخصوص لذا قلنا مدا طبيعيا للتخصيص ويقال مدا طبيعيا للتمييز .
سابعا : ( أنا أعتدنا للكافرين سلاسلا ) بسورة الإنسان وفيها الوجهان لحفص تقول ( إنا أعتدنا للكافرين سلاسلا ) أو ( سلاسل ) وعلى القول بـ (سلاسلا ) يكون مدا طبيعيا للتخصيص أو تمييز أي ليست كأي سلاسل ، ويجوز أن يسمى مدا طبيعيا لأشباع الحركة .
ثامنا :( وأكواب كانت قواريا ) وهو مد طبيعي عوض عن التنوين .
تاسعا : ( وليكونا من الصاغرين ) بسورة يوسف ، تقول : ( ليسجنن ، وليكونا ) وهو مد طبيعي عوضا عن التنوين .
عاشرا : ( لنسفعا بالناصية ) تقول ( كلا لئن لم ينته لنسفعا ) مد طبيعي عوض عن التنوين أيضا وكذلك ما سبق تعريفه من البدل العوض عن التنوين كـ(بناءا ، ونداء ونساء ، وماء ودعاء ) وأيضا من مد العوض عن التنوين الطبيعي كعليما وحكيما وخبيرا وبصيرا وما شابه ذلك كله .(1/99)
الحادي عشر : وتثبت أيضا في (إذا ) في نحو قوله تعالى ( وإذا لأتينهم ) تقول : ( وإذا ) في سورة النساء وهو مد طبيعي عوض عن التنوين ، وكذلك ( فإذا لا يؤتون الناس نقيرا )بسورة النساء أيضا تقول ( فإذا ) و هو أيضا مد طبيعي عوض عن التنوين ، وكذلك نحو : ( إذا لبتغوا إلى ذي العرش ) بسورة الإسراء تقول (كما يقولون إذا ) عوضا عن التنوين .
الثاني عشر : وتثبت في كلمة ( أنا ) وذلك نحو ( أنا أحيي وأميت ) ( أنا آتيك به ) وهو مد طبيعي لصلة ضمير المتكلم .
الثالث عشر : تثبت في لفظ ( لكنا ) في سورة الكهف ( لكنا هو الله ربي ) إذا وقفت قلت : ( لكنا ) وهو أيضا مد طبيعي لصلة ضمير المتكلم بمعنى ( لكن أنا ) ، أما ( ثمودا ) في الفرقان وهود والعنكبوت ، وكذلك النجم فهي محذوفة تقول ( ثمود ) وذلك في قوله ( ألا بعدا لثمود ) بسور هود ( و عادا وثمود وأصحاب الرس ) بالفرقان تقول : ( وعادا وثمود ) وكذلك : ( وعادا وثمود وقد تبين لكم ) بالعنكبوت تقول ( و عادا وثمودا ) و( ثمود فما أبقى ) في النجم تقول ( و ثمود ) ( وألا إن ثمود كفروا ربهم ) بسورة هود تقول ( ألا إن ثمود ) وحكمة مد عارض للسكون منصوب فيه القصر و التوسط و المد هذا بيان ما أثبت من الألف وما حذف منها .
وإليك بيان ما أثبت من الياء تثبت الياء في ما ذكره بعض المحققين فقال :
وياء مُحلي حاضري مع مهلكي ... آت المقيم معجزي لا تتركي(1/100)
يعنى أن الياء في قوله ( محلى الصيد ) يوقف عليها بالياء تقول ( محلي ) ، وكذلك ( حاضرى المسجد الحرام ) تقول ( حاضري ) ، والأول في المائدة و الثاني بالبقرة ، وكذلك الياء في قوله ( وما كنا مهلكى القرى ) بسورة القصص تقول :(وما كنا مهلكى ) ، وكذلك ( إن كل ما من في السماوات والأرض إلا أتي الرحمن ) بسورة مريم تقول ( إلا آتي ) ، و أيضا ( والمقيمي الصلاة ) بسورة الحج تقول ( و المقيمي ) ، وكذلك ( غير معجزى الله ) بالتوبة وهو مد طبيعى عوض لعارض محذوف .
أما الياء التي بعدها متحرك نحو ( مسني الضر ، مسني الشيطان ، اياتي الذين عبادي الذين ربي الذي ) فقد بينا سابقا أنها يوقف عليها بالياء وهو مد طبيعي لغياب أل ، و أما ( بيتي للطائفين ) فيوقف عليها بالياء ، وتسمى مد طبيعيا عارضا للسكون وتثبت الياء في ( نأتي الأرض ) بالرعد تقول : ( أو لم يروا أنا نأتي ) وهو مد طبيعي لعارض محذوف ، وكذلك ( يلقي الروح ) بسورة غافر تقول : ( ذي العرش يلقي ) مد طبيعي لعارض محذوف وتثبت في ( أولي الأيدي ) بسورة ص تقول ( أولي ) وهو مد طبيعي لعارض محذوف أيضا وحكمه مد لين عارض للسكون ممدود ومجرور فيه القصر و التوسط و المد و القصر بالروم ، ولا تثبت في ( ذا الأيد ) بسورة ص تقول ( ذا الأيد ) وتثبت في أربع وعشرين موضعا وهى :
أولا : ( فلا تخشوهم واخشونى ) بسورة البقرة تقول ( وأخشوني ) وقفا ووصلا .
ثانيا :( فإن الله يأتى بالشمس ) بالبقرة تقول ( يأتي ) تثبت وصلا ووفقا .
ثالثا :( يوم يأتى بعض آيات ) بسورة الأنعام وصلا و وقفا .
رابعا (يوم يأتي تأويله ) بسورة الأعراف وقفا ووصلا .
خامسا : ( يوم تأتى كل نفس ) بسورة النحل .
سادسا : ( فأتبعوني يحببكم ) بسورة آل عمران كل ذلك وقفا ووصلا ،و كل ما يأتي بعده .
سابعا : ( فأتبعونى وأطيعوا أمري ) بسورة طه .
ثامنا : ( قل إنني هداني ربي ) بالأنعام .(1/101)
تاسعا : ( أو تقول لو أن الله هدانى ) بالزمر .
عاشرا : ( من يهدى الله فهو من المهتدى ) بسورة الأعراف .
الحادي عشر : ( فيكدونى جميعا ) بسورة هود .
الثاني عشر : ( قالوا ياأبانا ما نبغى ) بسورة يوسف .
الثالث عشر : ( على بصيرة أنا ومن اتبعني ) بيوسف أيضا .
الرابع عشر : ( فلا تسألنى عن شىء ) بالكهف .
الخامس عشر : ( وأن اعبدونى هذا صراط ) بسورة يس .
السادس عشر : ( عسى ربي أن يهدينى ) بالقصص .
السابع عشر : ( افمن يتقى بوجهة ) بسورة الزمر .
الثامن عشر : ( ربي لولا اخرتنى الى ) بسورة المنافقون .
التاسع عشر ( فلم يزدهم دعائى ) بسورة نوح .
العشرون : ( يا عبادى لاخوف عليكم ) بسورة الزخرف ، وقفا لا وصلا ، ومدة مدا طبيعيا لصلة ضمير المتكلم جل و على تقول ( يا عبادي ) .
الحادي و العشرون : ( يا عبادى الذين آمنوا إن أرضي ) بالعنكبوت وقفا لا وصلا وهو مد طبيعي لغياب أل .
الثاني والعشرون : ( قل يا عبادى الذين اسرفوا ) بالزمر وقفا لا وصلا وهو مد طبيعى لغياب أل .
الثالث و العشرون : ( إن كنتم في شك من ديني ) بسورة يونس وصلا ووقفا.
الرابع و العشرون : ( قل الله اعبد مخلصا له دينى) بالزمر وصلا ووقفا وما ثبت وقفا فقط أشرنا إليه و الباقي يثبت وصلا ووقفا ، وما سوى ذلك من الياءات محذوف و الله أعلم .
ثبوت الواو :
أولا : ( يمحوا الله ما يشاء ) تقول ( يمحو ) بسورة الرعد ، وهو مد طبيعي لصلة ضمير المتكلم أو قل مد طبيعي لعارض محذوف .
ثانيا : ( وثموا الذين جابوا الصخر ) بسورة الفجر تقول ( وثمود الذين جابوا ) وحكمه كالأول .
ثالثا : ( قالوا الآن ) بسورة البقرة تقول ( قالوا ) وحكمها كالسابقين ، رابعا ( وقالوا الحمد لله ) بسورة الزمر تقول ( وقالوا ) وحكمه كسوابقه ، وقس على ذلك ما ماثله إلا في خمس مواضع تحذف فيهن :
أولا : ( ويدعوا الانسان بالشر ) بسورة الإسراء تقول ( ويدع ) .(1/102)
ثانيا ( ويمحوا الله الباطل ) بالشورى فإن وقفت قلت ( ويمح ) .
ثالثا ( يوم يدع الداع ) بالقمر تقول ( فتول عنهم يوم يدع ) .
رابعا ( وصالح المؤمنين ) بالتحريم تقول ( فإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح ) .
الخامس : ( سندع الزبانية ) بسورة العلق تقول ( سندع ) وحكم هذه المواضع عارض للسكون غير ممدود .
قال العلامة المتولي في اللؤلؤ المنظوم :
يمحو بشورى يوم يدع الداع مع ... ويدعوا الإنسان سندع الواو دع
وهكذا و صالح الذي ورد ... في سورة التحريم فاظفر بالرشد
وقد تم هذا المبحث النفيس بفضل الله وتوفيقه .
المبحث الخامس عشر
في معرفة المقطوع و الموصول
اعلم أن المقطوع و الموصول من خصائص الرسم العثماني فتجب معرفته ولابد لأن الجهل خطير جدا لأنه إذا وصل مقطوعا أو قطع موصلا تعرض للحن الجلي وهو لا يدري ، واعلم أن المقطوع هو الأصل و الموصول فرع منه .
و المقطوع : كل كلمة مفصولة عن أختها رسما و لغة وذلك نحو قوله ( حيث ما ، أن لا يكونوا ، أن لا تقربوا ) وغير ذلك مما سيرد عليك بيانه .
و الموصول كل كلمة وصلت بغيرها رسما مفصولة لغة ، وذلك نحو ( ويكأن ) أو غير مفصولة لغة نحو ( إذ وصى ) .
وإليك بيان أنواع المقطوع و الموصول كلمة كلمة ، وأين مكان كل في القرآن الكريم.
وفائدة ذلك تظهر عند الوقف الاضطراري أو الاختباري ، وبعد ذلك نعلق على ما نظم شيخنا في هذا الباب فنقول :
أول المقطوع : ( أن ) عن ( لا ) ـ أعني أن المصدرية ـ عن ( لا ) تقطع ( أن ) عن ( لا ) في عشر مواضع وهي :
الأول : ( حقيق على أن لا اقول على الله ) بسورة الأعراف ، تقول ( حقيق على أن ) .
الثاني : ( ألم يؤخذ عليهم ميثاق أن لا يقولوا ) بالأعراف أيضا تقول (ألم يؤخذ عليه ميثاق الكتاب أن ) .
الثالث : ( وظنوا أن لا ملجأ من الله ) بسورة التوبة تقول ( وظنوا أن ) .(1/103)
الرابع : ( وأن لا إله الا هو فهل أنتم مسلمون ) بسورة هود ، تقول ( أنزل بعلم الله و أن ) .
الخامس : ( أن لا تعبدوا الا الله ) بهود أيضا ، تقول ( ولقد ارسلنا نوحا إلى قومه أن ) .
السادس : ( أن لا تشرك بي شيئا ) بالحج تقول ( و إذ بوأنا إبراهيم مكان البيت أن ) .
السابع ( أن لا تعبدوا الشيطان) بيس تقول ( ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن ).
الثامن : ( وأن لا تعلوا على الله ) بسورة الدخان تقول ( إني لكم رسول أمين و أن ) .
التاسع : ( إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ) بسورة الأمتحان تقول ( يبايعنك على أن ) .
العاشر : ( فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا ) بسورة القلم تقول : ( وهم يتخافتون أن ) .
أما قوله ( فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك ) بسورة الأنبياء فقد كتب في بعض المصاحف مقطوعا وفي بعضه موصولا فتقول ( فنادى في الظلمات أن ) أو ( فنادى في الظلمات ألا ) الوجهان صحيحان هذا كله في أن المفتوحة الهمزة الساكنة النون أعني أن الخفيفة .
أما ( إن ولا ) نحو ( إلا تفعلوه ) ( إلا تنصروه ) فهي موصولة كلها باتفاق وما سوى ما ذكرناه يوقف عليه ( أن لا ) .
ثانيا : ( إن ) الشرطية مع ( ما ) تقطع في موضع واحد في القرآن الكريم وهو ( إن ما نرينك ) بسورة الرعد تقول ( وإن ) وما سواها فهو موصول باتفاق تقول ( وإمَّا ) ، وأما نحو ( أم ما اشملت ) ( أم ماذا كنتم ) فهو موصول كله باتفاق تقول ( أما ) .
ثالثا : ( عما ) أعني كلمة ( عن و ما ) كلها موصولة فتقف ( عما ) ، وتقطع في موضع واحد في الأعراف ( فلما عتوا عن ) .(1/104)
رابعا : (من مع ما) أعني ( من و ما ) ( مما ) تقطع في موضعين : ( فمما ملكت ايمانكم ) بسورة النساء تقول ( فمن ) ، وفي سورة الروم ( هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء ) تقول ( هل لكم من ) وأما التي في سورة المنافقون (وأنفقوا مما رزقناكم ) فهي في بعض المصاحف مقطوعة وفي بعضها موصولة والوجهان صحيحان تقول : ( و انفقوا من ) أو ( و أنفقوا مما ) ، وأما قوله : (من مال الله الذى اتاكم ) ، ( ومن ماء مهين ) فهو مقطوع باتفاق تقول ( وأتوهم من) ، وتقول ( ألم نخلقكم من ) ، وما سوى ذلك فهو موصول تقول ( مما ) .
فإذا دخل لفظ ( مِن ) على ( مَن ) كقوله ( ممن افترى ) فهو موصول كله في القرآن الكريم بلا خلاف ، تقول ( ممن ) .
وأيضا إذا دخلت ( مِن ) على ( ما ) الاستفهامية كقوله ( فلينظر الأنسان مما خلق ) فهو موصول كله في القرآن الكريم باتفاق .
خامسا : ( أن ) مع ( من ) مثل قوله ( أم من خلقنا ) ، ( أم من خلق السموات و الأرض ) ، ( أم من جعل الأرض ) ، وتقطع في أربع مواضع :
الأول : ( أم من يكون عليهم وكيلا ) بسورة النساء تقول ( فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم ).
الثاني : ( أم من أسس بنيانه على شفا بسورة براءة تقول ( على تقوى من الله ورضوان أم ) .
الثالث ( فاستفتهم أهم أشد خلقا أمن خلقنا ) بسورة الصافات تقول ( أهم أشد خلقا أم ) .
الرابع : ( أفمن يلقى في النار خير أم يأت آمنا ) بسورة فصلت تقول ( أفمن يلقى في النار خير أم ) , وما سوى ذلك موصول باتفاق تقول ( أمن ) .
سادسا : ( حيث ) مع ( ما ) مثل قوله ( وحيثما كنتم ) تقطع في موضعين بسورة البقرة : و ( حيث ما ما كنتم فولوا وجوهكم شطره و إن الذين أوتوا الكتاب ) ، ( وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا ) تقول ( وحيث ) ولا ثالث لهما في القرآن الكريم .(1/105)
سابعا : ( أن ) المفتوحة مع ( لم ) الجازمة مثل قوله ( أن لم يره أحد ) (أن لم يكن ربك ) وتقطع في موضعين : ( ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى) بسورة الأنعام تقول ( ذلك أن ) ، ( أيحسب أن لم يره أحد بسورة البلد ) تقول ( أيحسب أن ) ولا ثالث لهما في القرآن .
ثامنا : ( إن ) المكسورة الهمزة مع ( ما ) تقطع في موضع واحد ( إنما توعدون لآت ) بسورة الأنعام تقول ( إنّ ) ، وأما قوله ( إن ما عند الله هو خير لكم ) بسورة النحل ) ففيها خلاف والوصل أقوى وأشهر وما سوى هذين الموضعين فموصل باتفاق تقول ( إنما ) .
تاسعا : ( أن ) المفتوحة الهمزة والمشددة النون مع ( ما ) أعني ( أنما ) تقطع في موضعين بلا خلاف وهما : ( وأنما يدعون من دونه هو الباطل ) بسورة الحج ، (وأنما يدعون من دونه الباطل ) بسورة لقمان تقول : ( وأنّ(1) ) .
وقد جرى الخلاف في قوله ( واعلموا انما غنمتم ) بسورة الأنفال و الوصل فيه أقوى واشهر فتقول ( اعلموا أنما ) .
عاشرا : ( كل ) بالكاف ( عن ما ) يقطع في موضع واحد ( وأتاكم من كل ما سألتموه ) بسورة إبراهيم تقول ( وآتاكم من كل ) ، وجرى الخلاف في أربع مواضع وهي :
الأول :( كلما ردوا إلى الفتنة اركسوا ) بسورة النساء .
الثاني ( كلما دخلت أمه لعنت أختها ) بسورة الأعراف .
الثالث ( كلما جاء أمه رسولها ) بسورة المؤمنون .
الرابع ( كلما ألقي فيها فوج سألهم ) بسورة الملك .
كتبت هذه المواضع في بعض المصاحف مقطوعة وفي بعضها موصولة والوصل أولى وأرجح تقول ( كلما ) .
وإلى ذلك أشار العلامة الشاطبي في العقيلة :
وكلما أتى كلا من كل ما قطعوا ... والخلف في كلما ردوا فشا خبرا
وكلما ألقي اسمع كلما دخلت ... وكلما جاء عن خُلف يلي ذكرا
حادي عشر : ( بئس ) مع ( ما ) تقطع (بئس ) عن ( ما ) في ست ؛ خمسة مسبوقة باللام وواحد مسبوق بالفاء وهى :
الأول : ( ولبئس ما شروا به انفسهم ) بالبقرة تقول ( ولبئسْ ) .
__________
(1) بالغنة بدون فتح .(1/106)
الثاني : ( لبئس ما كانوا يعملون ) بسورة المائدة تقول ( لبئس ) .
الثالث : ( لبئس ما كانوا يصنعون ) بالمائدة أيضا تقول ( لبئس ) .
الرابع ( لبئس ما كانوا يفعلون ) بالمائدة أيضا تقول ( لبئس ) .
الخامس ( لبئس ما قدمت لهم أنفسهم ) بالمائدة تقول ( لبئس ) .
السادس ( فبئس ما يشترون ) في آل عمران تقول ( فبئس ) ، وتوصل بلا خلاف في موضعين في القرآن الكريم وهما :
الأول ( بئسما اشتروا به انفسهم ) بالبقرة تقول ( بئسما ) .
الثاني : ( بئسما خلفتمونى من بعدي بسورة الأعراف تقول ( بئسما ) .
ووقع الخلاف في قوله ( قل بئسما يأمركم به) بسورة البقرة و الوصل أقوى وأشهر .
الثاني عشر : ( في ) مع ( ما ) تقطع بلا خلاف في قوله ( اتتركون فيما هاهنا آمنين ) بسورة الشعراء تقول ( أتتركون في ) ، ويستوي قطعها ووصلها في عشر مواضع و القطع أرجح وهي :
الأول : ( فيما فعلن في انفسهن من معروف ) و هو الموضع الثاني في البقرة في ربع الوالدات تقول ( في ) أو ( فيما ) .
الثاني ( ليبلوكم في ما آتاكم ) تقول ( في ) أو ( فيما ) بالمائدة .
الثالث ( قل لا أجد في ما أوحى محرما ) بالأنعام تقول ( قل لا أجد في ) أو (فيما ) .
الرابع : ( ليبلوكم في ما أتاكم ) آخر سورة الأنعام ( في ما ) الأنعام تقول (ليبلوكم في ) أو ( لبلوكم فيما ) .
الخامس : ( وهم في ما أشتهت ) في سورة الأنبياء تقول ( وهم في) أو ( وهم فيما ) .
السادس : ( لمسكم في ما أفضتم ) بسورة النور تقول ( لمسكم في ) أو ( لمسكم فيما ) .
السابع ( هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم ) بسورة الروم تقول ( من شركاء في ) أو ( من شركاء فيما ) .
الثامن ( أن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون ) بسورة الزمر تقول ( يحكم بينهم في ) أو يحكم بينهم فيما .
التاسع ( فيما كانوا يختلفون ) بسورة الزمر أيضا تقول ( في ) أو ( فيما ) .(1/107)
العاشر ( وننشئكم في ما لا تعلمون ) بسورة الواقعة تقول ( و ننشئكم في ) أو ( وننشئكم فيما ) .
والقطع في هذه المواضع أقوى وأشهر ، ووصلها لا بأس به ، وقال بعض شراح الجزرية أن الفصل فيها أولى وهو ضعيف ، وادعى بعضهم الخلاف في موضوع الشعراء وهو ( في ما ههنا آمنين ) وهو ضعيف أيضا فلا يلتفت إلى القولين بحال .
الثالث عشر : ( أين مع ما ) موصولة بلا خلاف في موضعين في القرآن الكريم وهما : ( فأينما تولوا فثم وجة الله ) في سورة البقرة تقول ( فأينما ) ، ( أينما يوجهه لا يأت بخير ) بسورة النحل تقول ( أينما ) ، وقد جرى الخلاف في ثلاث مواضع وهي :
الأول: ( أينما تكونوا يدرككم ) بسورة النساء .
الثاني ( أينما كنتم تعبدون من دون الله ) بسورة الشعراء .
الثالث ( ملعونين أينما ثقفوا ) بالأحزاب .
وفي هذه المواضع الثلاث الوجهان تقول ( أين ) أو ( أينما ) .
الرابع عشر : ( إن ) الشرطية مع ( لم ) الجازمة نحو قوله : ( فإن لم ) توصل في موضع واحد في القرآن باتفاق : ( فإلم يستجيبوا لكم ) في سورة هود تقول ( فإلم ) وتقطع في ما سواه بلا خلاف تقول ( فإن ) .
الخامس عشر : ( أن ) المصدرية مع ( لن ) الناصبة كقوله : ( أن لن نجمع ) ، ( أن لن نقدر ) توصل في موضعين في القرآن الكريم بلا خلاف هما :
الأول : ( بل زعمتم أن لن نجعل لكم ) بسورة الكهف ، تقول ( بل زعمتم ألن) .
الثاني ( أيحسب الإنسان أن لن نجمع ) بالقيامة تقول ( أيحسب الإنسان ألن ) وتقطع في ما سوى ذلك اتفاقا تقول ( أن ) .
السادس عشر : ( كي ) المصدرية مع ( لا ) مثل قوله : ( لكي لا ) وهى موصولة باتفاق في أربعة مواضع وهي :
الأول : ( فأثابكم غما بغم لكيلا) بسورة آل عمران تقول ( لكيلا ) .
الثاني : ( لكي لا يعلم من بعد علم شيئا ) بسورة الحج تقول ( لكيلا ) .
الثالث : ( قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكي لا يكون ) بسورة الأحزاب تقول ( لكيلا ) .(1/108)
الرابع : ( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا ) بالحديد تقول ( لكيلا ) .
وما سوى ذلك فمقطوع باتفاق تقول ( لكي ) .
السابع عشر : ( عن مع من ) من مثل قوله ( عمن يشاء ) تقطع في موضعين في القرآن الكريم :
الأول : ( فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء ) بسورة النور تقول : (ويصرفه عن ) .
الثاني : ( فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ) بسورة النجم تقول ( فأعرض عن) ، وليس في القرآن غيرهما .
الثامن عشر : ( يوم مع هم ) مثل قوله ( يوم هم بارزون ) تقطع ( يوم عن هم) في موضعين وهما :
الأول : ( يوم هم بارزون ) بسورة غافر تقول ( يوم ) .
الثاني ( يوم هم على النار يفتنون ) بالذاريات تقول ( يوم ) . وما سواهما موصول باتفاق في جميع القرآن الكريم تقول ( يومهم ) .
التاسع عشر : ( ما عن لامها ) مثل قوله ( فمال هؤلاء القوم ) المعنى ( لام ) الجر عن مجرورها تقطع لام الجر عن مجرورها في أربعة مواضع وهي :
الأول ( فما ل هؤلاء القوم لا يكادون ) بسورة النساء ، تقول ( فما ) .
الثاني : ( ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب ) بسورة الكهف تقول ( ويقولون يا ويلتنا ما ) .
الثالث : ( وقالوا ما ل هذا الرسول يأكل الطعام ) بسورة الفرقان تقول : (وقالوا ما ) .
الرابع : ( فمال الذين كفروا قبلك مهطعين ) بسورة المعارج تقول : ( فما ) . وما سوى ذلك موصول باتفاق تقول ( مال ) .
العشرون : تاء ( ولات ) عن ( حين ) في قوله : ( ولات حين مناص ) بسورة ص ، و هي مقطوعة تقول ( فنادوا ولات ) ، وليس في القرآن غيرها و ما زعمه بعضهم أنها موصولة فهو ضعيف .
الحادي والعشرون : ( كالوهم أو وزنوهم ) بسورة التطفيف وهما موصولتان باتفاق تقول : ( كالوهم ، وزنوهم ) و المراد بوصلهما عدم كتابة الألف في (كالوا و وزنوا ) ، وهي الألف التي تكتب دائما في واو الجماعة .
وأما أل المعرفة كـ ( الأرض و القمر و الشمس و الليل ) فهي موصولة باتفاق .(1/109)
وكذا ( هاء ) التنبيه كـ ( ها أنتم وهؤلاء ) فهي موصوله باتفاق تقول ( ها أنتم ) ، وكذا ( يا ) النداء كـ ( يا أيها ) في نحو : ( يا أيها النبي ، و يا أيها الناس ) فهي موصولة أيضا باتفاق .
وفى ذلك كله قال الناظم :
وَاعْرِفْ لِمَقْطُوعٍ وَمَوْصُولٍ وَتَا ... فِي مُصْحَفِ الإِمَامِ فِيمَا قَدْ أَتَى
وقوله : ( لمقطوع ) زاد اللام للتأكيد ، وكذلك اعرف التاءات التي كتبت بالتاء لا بالهاء كما أتى في مصحف الإمام ـ رضى الله عنه ـ فيما قد أتى رسمة فيه ثم أخذ في بيان معرفة المقطوع والموصول فقال :
فَاقْطَعْ بِعَشْرِ كَلِمَاتٍ أنْ لا ... مَعْ مَلْجَإٍ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ
وَتَعْبُدُوا يَاسِينَ ثَانِي هُودَ لاَ ... يُشْرِكْنَ تُشْرِكْ يَدْخُلْنَ تَعْلُوا عَلَى
يعنى فاقطع كلمة ( أن) الناصبة للاسم و الفعل في عشر كلمات أي في عشر مواضع بأن ترسم مقطوعة عن (لا) النافية مع ملجأ وهي : ( ان لا ملجأ ، وأن لا إله إلا هو ) في هود ، ( وأن لا تعبدوا الشيطان ) في ( يس ) ، ( وأن لا تعبدوا إلا الله ) في ثاني هود أما أولاها فهو موصول , و ( أن لا يشركن ) ( بالامتحان ) , و ( أن لا تشرك ) (بالحج ) , و( أن لا يدخلنها ) (بالقلم ) , و ( أن لا تعلوا على الله ) ( بالدخان ) ، و( أن لا يقولوا على الله إلا الحق ) ، و ( حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق ) وكلاهما بالأعراف ، وما عداها فهو موصول باتفاق كما تقدم ، ومعنى وصله ألا ترسم فيه النون .
واقطع ( إن) عن ( ما ) في قوله تعالى : ( وان ما نرينك بعض الذي نعدهم ) ( بسورة الرعد ) تقول ( وإن ) وما عداه موصول باتفاق .
وقوله : (وَالمَفْتُوحَ صِلْ ) نحو ( اما اشتملت ، اما يشركون , ام ماذا كنتم تعلمون ) كل ذلك موصول باتفاق تقول ( اما ) .(1/110)
وقوله : (نُهُوا اقْطَعُوا ) يعني اقطع ( عن) عن (ما ) في قوله تعالى : (فلما عتوا عما نهوا ) بالأعراف تقول : (فلما عتوا عن ) ، وما عداه نحو ( عما يقولون ,عما يشركون , وعما قليل ) فموصول تقول (عما ) ، وأما ( عم يتساءلون ) فتقول (عم ) .
نُهُوا اقْطَعُوا مِنْ مَا بِرُومٍ وَالنِّسَا ... خُلْفُ المُنَافِقِينَ أَمْ مَنْ أَسَّسَا
( نهوا اقطعوا ) يعني : اقطع (عن ) عن (ما ) في قوله تعالى ( فلما عتوا عما نهوا عنه ) تقول : (فلما اعتوا عن ) ، واقطع ( من ) عن ( ما ) في قوله : ( هل لكم مما ملكت أيمانكم ) بسورة الروم تقول : ( هل لكم من ) ، و أما في النساء (فمما ملكت أيمانكم ) تقول : ( فمن ) .
وقوله : ( خلف المنافقين ) يعني : ( وانفقوا من ما رزقناكم من قبل ان يأتى احدكم الموت ) في سورة المنافقين جرى فيها الخلاف تقول : ( وانفقوا مما ) ، وتقول : ( انفقوا من ) ، ووجه القطع فيه وفي نظائره هو كون الأصل انفصال إحدى الكلمتين عن الأخرى ، ووجه الوصل فيما وصل التقوية الامتزاج .
ومعنى قوله : ( أم من اسسا ) أي اقطع أيها القارئ ( أم ) عن ( من ) في قوله ( أم من أسس بنيانه ) في سورة التوبة تقول ( أم ) .
قال الناظم :-
فُصِّلَتْ النِّسَا وَذِبْحٍ حَيْثُ مَا ... وَأَنْ لَمِ المَفْتُوحَ كَسْرُ إِنَّ مَا
المعني أقطع أيها القارئ ( أم ) عن ( من ) في فصلت في قوله ( أم من يأتي أمنا ) تقول ( أم ) وفي النساء ( أم من يكون عليهم وكيلا ) تقول ( أم ) .
واقطع ( أن ) عن (ما ) في سورة الصافات وهي المقصودة بقوله : (وذبح ) يريد ( أن من خلقنا ) تقول ( أن ) ، وفي ماعدا ذلك نحو : ( أمن لا يهدي) ( أمن خلف السموات ) ، ( أمن يجيب المضطر ) كل ذلك موصل تقول ( أمن ) .
وأقطع أيها القارئ (حيث ) عن (ما ) في سورة البقرة في الأولى والأخيرة تقول ( وحيث ) وقد تقدم بيانه .(1/111)
واقطع أيها القارئ (أن) عن (لم ) في قوله تعالى : (ذلك أن لم يكن ربك ) بالأنعام تقول ( ذلك أن ) ، ( أيحسب أن ) أعنى ( أيحسب أن لم يره أحد ) بسورة البلد تقول ( أيحسب أن ) .
وأقطع أيها القارئ ( إن ) عن (ما ) في قوله تعالي :( إن ما توعدون لأت ) بسورة الأنعام تقول ( إن ) وما عدا ذلك نحو ( إنما صنعوا كيد ساحر ) و( إنما توعدون لواقع ) موصل باتفاق .
قال الناظم :
لانْعَامِ وَالمَفْتُوحَ يَدْعُونَ مَعَا ... وَخُلْفُ الانْفَالِ وَنَحْلٍ وَقَعَا
قوله : ( الأنعام ) يعنى قطع ( إن ) عن ( ما ) في قوله تعالى ( إن ما توعدون لآت ) تقول ( إن) .
قوله : ( و المفتوح يدعون معا ) يعنى ( أنما ) المفتوحة في قوله (وأنما يدعون من دون هو الباطل ) بالحج ، ( وأنما يدعون من دونه الباطل ) بلقمان تقول : (وأنّ ) .
وقوله : (وخلف الانفال ونحل وقعا ) يعنى : ( واعلموا أنما غنمتم ) بسورة الأنفال قرأت مقطوعة و موصولة تقول ( وأعلموا أن ) أو ( وأعلموا أنما ) .
( و نحل ) في قوله : ( إنما عند الله هو خير لكم ) قرأت مقطوعة و موصولة تقول ( إن ) و تقول ( إنما ) .
قال الناظم :
وَكُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَاخْتُلِفْ ... رُدُّوا كَذَا قُلْ بِئْسَمَا وَالْوَصْلُ صِفْ
قوله : ( وكل ما سألتموه ) أي اقطع ( كل ) عن (ما ) في قوله تعالى : (وأتاكم من كل ما سألتموه ) بسورة إبراهيم تقول ( من كل ) .
قوله : ( واختلف ردوا كذا ) أي واختلف في قوله : ( كل ما ردوا الى الفتنه ) بسورة النساء فكتبت مقطوعة وموصولة تقول : ( كل ) أو ( كلما ) ، وأيضا : (كلما دخلت أمة ) بالأعراف تقول (كل) أو( كلما) ، و (كل ما جاء أمة رسولها ) بالمؤمنون تقول ( كل ) أو ( كلما ) ، (كلما ألقى فيها فوج ) بسورة الملك تقول : (كل ) أو ( كلما ) ، وفيما عدا ذلك موصول باتفاق .
وقد نبه الزجاجي أن ( كلما ) إن كانت ظرفا فموصولة ، وإن كانت شرطا فمقطوعة .(1/112)
ومن كلمات ( كل ) التي لم تحتمل الظرفية ( من كل ما سألتموه ) بإبراهيم لذا كتبت مقطوعة ، و المواضع التي فيها الوجهان كتبت مقطوعة وموصولة ، وما احتملت الظرفية فقط فهي موصولة باتفاق .
وقوله : ( واختلف قل بئسما ) أي واختلف في قوله تعالى ( قل بسما يأمركم ) بسورة البقرة فكتبت في بعض المصاحف مقطوعة وفي بعضها موصولة وهي موصولة باتفاق تقول ( قل بئسما ) .
وقوله : ( والوصل صف) أي صف أيها القارئ المُجيد للقارئ المُجيد الوصل في هذه الكلمة وهى : ( قال بئسما خلفتموني ) بسورة الأعراف تقول : ( قل بئسما ) ، وصل أيضا (بئسما اشتروا به انفسهم ) بالبقرة تقول ( بئسما ) .
وقوله
( ........ فِي مَا اقْطَعَا أُوحِيْ أَفَضْتُمُ اشْتَهَتْ يَبْلُوا مَعَا)
أي أقطع لفظ ( في ) عن ( ما) في قوله ( فيما أوحي إلى ) بسورة الأنعام تقول ( قل لا أجد في ) ، وفي قوله ( لمسكم في ما أفضتم ) بسورة النور تقول :(لمسكم في ) . وقوله :( وهم في ما اشتهت أنفسهم ) بالأنبياء تقول ( وهم في ) ، وقوله :( ليبلوكم في ما أتاكم ) بالمائدة والأنعام تقول :( ليبلوكم في ) ، وهذا معنى قوله ( يبلوا معا ) أي في المائدة و الأنعام قال الناظم :-
ثَانِي فَعَلْنَ وَقَعَتْ رُومٌ كِلاَ ... تَنْزِيْلُ شُعَرَاءٍ وَغَيْرَ ذِي صِلاَ
قوله (ثَانِي فَعَلْنَ ) يعني قول الحق تبارك وتعالى :( فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن ) فاقطع ( في ) عن ( ما) في هذه الكلمة تقول : ( فلا جناح عليكم في ) .
ومعنى ( ثاني ) أي الثانية في ربع ( و الوالدات ) .
وقوله : ( وقعت ) يعنى قوله تبارك وتعالى ( وننشئكم في ما لا تعلمون ) في سورة الواقعة تقول ( وننشئكم في) ، وقوله ( روم ) يريد قوله تبارك وتعالى : (هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما ) هذا مقطوع أيضا تقول ( هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ) .(1/113)
وقوله ( كلا تنزيل ) يعني قول الله تبارك وتعالى في الزمر ( في ما هم فيه يختلفون ) ( فيما فيه يختلفون ) مقطوعتان تقول ( في ) ، وقوله ( شعراءٍ ) يريد قول الله تبارك وتعالى :( اتتركون في ما هنا ) وهنا القطع قولا واحدا تقول ( أتتركون في ) ، وفيما ذكرناه من العشر مواضع الماضية فيها القطع والوصل تقول : ( في ) و ( فيما ) أما موضع الشعراء فهو بالقطع قولا واحدا .
وقوله ( وغير ذي صلا ) أي موصولا هذه المواضع الإحدى عشر موصولة باتفاق قال الناظم :
فَأَيْنَمَا كَالنَّحْلِ صِلْ وَ مُخْتَلِفْ ... فِي الشُّعَرَا الأَحْزَابِ وَالنِّسَا وُصِفْ
يريد قول الله تبارك وتعالى ( فأيما تولوا ) بسورة البقرة فهي موصولة تقول (فأينما ) ، وقوله تعالى :( أينما يوجهه ) بسورة النحل موصولة أيضا تقول : (أينما) ، واختلف في ثلاث مواضع في قوله : ( أين ما تعبدون ) بسورة الشعراء ، وقوله تعالى : ( ملعونين أينما تقفوا ) بسورة الأحزاب ، وقوله تعالى ( أينما تكونوا يدرككم) بسورة النساء فيقرأ بالوجهين في هذه الثلاثة تقول ( أين ) و ( أينما ) قال الناظم :
وَصِلْ فَإِلَّمْ هُودَ أَلَّنْ نَجْعَلاَ ... نَجْمَعَ كَيْلاَ تَحْزَنُوا تَأْسَوْا عَلَى
يعنى قوله تبارك وتعالى ( فإن لم يستجيبوا لكم ) بسورة هود تقول ( فإلم) ، وقوله تبارك و تعالى : ( ألن نجعل لكم موعدا ) بسورة الكهف موصلة تقول ( ألن ) ، وقوله تبارك وتعالى ( ألن نجمع ) بالقيامة تقول ( ألن ) .
وصل ايها القارئ ( لكيلا تحزنوا) بسورة آل عمران و ( لكيلا تأسوا ) بسورة الحديد تقول ( لكيلا ) ، و ( لكيلا يعلم ) بسورة الحج تقول ( لكيلا ) و ( لكيلا يكون عليك حرج ) بسورة الأحزاب تقول ( لكيلا) ، وهذا معنى قوله (حَجٌّ عَلَيْكَ حَرَجٌ ) .
وقوله :
( ........ وَقَطْعُهُمْ عَنْ مَنْ يَشَاءُ مَنْ تَوَلَّى يَوْمَ هُمْ )(1/114)
يعنى أقطع أيها القارئ قول الله تبارك وتعالى ( فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء ) بسورة النور تقول : ( ويصرفه عن ) ، واقطع ( فأعرض عن من تولى ) بسورة النجم تقول ( فأعرض عن ) .
واقطع ( يوم ) عن ( هم ) في قوله ( يوم هم بارزون ) بسورة غافر (يوم هم على النار يفتنون ) بسورة الذريات تقول ( يوم ) .
قال الناظم :
ومَالِ هَذَا وَالَّذِينَ هَؤُلاَ ... تَ حِينَ فِي الإمَامِ صِلْ وَوُهِّلاَ
يعنى واقطع أيها القارئ ( ما ) عن ( لامها ) في قوله ( مال هذا الكتاب ) في سورة الكهف تقول ( ما ) ، وأيضا ( فمال الذين كفروا ) بسورة المعارج تقول : (فما ) ، وأيضا ( فمال هؤلاء القوم ) بالنساء تقول ( فما ) ، وأيضا ( مال هذا الرسول ) بالفرقان تقول ( وقالوا ما ) ، وما سواها فموصل باتفاق .
وقوله :
( ............... تَ حِينَ فِي الإمَامِ صِلْ وَوُهِّلاَ )
يريد قوله تبارك تعالى ( ولات حين مناص) بسورة ص فقد صرح جماعة بأنها موصولة وهو قول ضعيف ، وهذا معنى قوله ( صل ووهلا ) أي الذين قالوا بوصلها كلامهم موهل ضعيف والأصح قطعها تقول ( ولات )
قال الناظم :
وَوَزَنُوهُمْ وَكَالُوهُمْ صِلِ ... كَذَا مِنَ الْ وَهَا وَيَا لاَ تَفْصِلِ
يعني قول الله تبارك وتعالى : ( وإذاكالوهم أو وزنوهم ) بسورة التطفيف هنا موصلتان تقول : ( كالوهم ) و ( وزنوهم ) ومعنى صلتهما عدم كتابة الألف بعد واو الجماعة فيهما .
و قوله :
(كَذَا مِنَ الْ وَهَا وَيَا لاَ تَفْصِلِ )
أراد نحو قوله ( من المؤمنين ) ( من الذين ) تقول : ( من ال ) (وال أرض ) ( وال ليل) ( والشمس ) و ( البر ) ( و البرق ) تقول ( وال ) .
وقوله :
( ويا وها لا تفصل )
يعنى ( يا أيها ) من ( يا أيها الناس ) و ( يا أيها النبي ) و ( يا أيها الذين ) و (ها أنتم ) و ( هؤلاء ) ( ها أوم اقرؤوا ) كل ذلك موصل و الله تبارك وتعالى اعلم .
المبحث السادس عشر
في كلمات المختلف فيها عن حفص(1/115)
أعلم أن الاختلاف عن حفص : إما معنوي ، وإما لفظي :
فنقول وبالله التوفيق :
فأما المعنوي : فنحو الخمسة و الأربعة في المتصل و المنفصل ، ونحو : الحركتان والأربعة والستة في المد العارض للسكون ، ونحو : الإشمام و الروم ، ونحو : زيادة الغنة عند من يقرأ بالتحقيق ، وبخلافها عند من يقرأ بالتدوير وبخلافها عند من يقرأ بالحدر ، ونحو : اختلاف الغنة في النطق بالإخفاء إن كان ما بعد الغنة مرققا رققت وإن كان بعدها مفخما فخمت ، ونحو : التفخيم و الترقيق في الراءات ، و نحو التغليظ و الترقيق في لام اسم الذات ( الله ) ، وقس علي ذلك ما جانسه .
وهذا ما اختلف فيه لفظا :
أولا : ( الم ) بسورة آل عمران فيها أوجه ؛ وجه بالوقف علي ( ميم ) بالمد اللازم في ( اللام و الميم ) ، ووجهان بوصلها بلفظ الجلالة تقول ( الم . الله لا إله إلا هو ) بقصر الميم , وتقول ( الم . الله لا إله إلا هو ) بإشباع الميم ، وقد سبق بيان ذلك وعلته في المد اللازم ودليله قول الأمام خلف الحسيني في إتحافه :
ومد إذا كان السكون بعيده ... وإن عرض التحريك فا قصر وطولا
لكل ولا في آل عمران قد أتي ... .....................................
وقد سبق بيان ذلك أيضا .
ثانيا : ( عين صياد ) بأول مريم و ( عين سين قاف ) بالشورى ومن الممكن أدراجه مع المعنوي ، وفي ( عين ) في السورتين التوسط و المد .
قال ابن الجزرى :
( وعين ذو وجهين و الطول أخص )
وقال الإمام الشاطبي
( وفي عين الوجهان و الطول فضلا )
ثالثا :- التسهيل و الإبدال في المواضع الستة ( آلذكرين ) في موضعي الأنعام, (آلئن) بموضعي يونس، ( آالله خيرا ما يشركون ) بالنمل ، ( ء الله اذن لكم ) بيونس ، وقد تقدم بيانها في المد اللازم .
قال الإمام الشاطبي :
وان همز وصل بين لام مسكن ... وهمزة الاستفهام فاممده مبدلا
فللكل ذا أولى و يبدله الذي ... يسهل عن كل كالان مثلا
علي أن الإبدال بالمد اللازم أرجح .
وقال ابن الجزرى :(1/116)
وهمزة وصل من كالله أذن ... أبدل لكل أو فسهل واقصرن
تقول ( آلذكرين ) بالمد الطويل ، وتقول ( ء الذكرين ) بالتسهيل والقصر ، ( ء الئن) بالمد الطويل ، و ( الئن ) بالتسهيل ، و ( الله أذن ) بالمد الطويل و ( ءالله أذن ) بالتسهيل .
رابعا : ( الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة ) قرأ حفص بضم الضاد وفتح ( الضاد ) فيهما تقول (من ضعف ثم من بعد ضعف قوة ثم من بعد قوة ضعفا ) بفتح الضاد ، وتقول (من ضعف ثم من بعد ضعف قوة ثم من بعد قوة ضعفا وشيبه) بضم الضاد ، و الضُّعف بضم الضاد للصحة و الجسد ، وبفتحها في العزيمة و الذاكرة و الإيمان وخلافه .
قال الإمام الشاطبي
....................... وضعفا بضم الضاد فاشيه نفلا
وفي الروم صف عن خلف فصل .............................
فقال :( عن خلف ) و العين لحفص .
خامسا : ( أم هم المصيطرون ) بالطور قرأت بالسين وبالصاد ، وتقول ( أم هم المصيطرون ) ( أم هم المسيطرون ) .
قال الإمام الشاطبي :
والمصيطرون لسان عاب بالخلف زملا
فقال ( عاب بالخلف ) يعني حفص بالخلف .
سادسا :- ( فما آتان ) بسورة النمل عند الوقف قرأ حفص بالوجهين ( فما ءاتان ) ، ( فما آتاني ) بالياء وحذفها .
قال الشاطبي :
وفي النمل آتاني ويفتح عن أولى حما ... وخلاف الوقف بين حلا علا
فـ ( علا ) العين لحفص فله الخلاف .
( سابعا ) : ( أنا أعتدنا للكافرين سلاسلا ) يقف حفص بالألف بعد اللام وبدونها يقول ( سلاسلا ) و ( سلاسل) .
قال الشاطبي :
سلاسل نون إذ رووا صرفه لنا ... وبالقصر قف من عن هدى خلفهم فلا
فصرح بالعين لحفص ضمن من له الخلاف بالوقف .
ثامنا: الإقلاب بالميم الخالصة والأخفاء (من بعد) وقد مضي في أحكام النون الساكنة و التنوين حكمه
تاسعا : ( فكان كل فرق كالطود ) ففيها التفخيم و الترقيق
قال الناظم :
والخلف في فرق لكسر ويوجد
وقال الشاطبي :
....................(1/117)
وخلفهم بفرق جرى بين المشايخ سلسلا
عاشرا : ( مالك لا تأمنا علي يوسف ) فيها الإشمام مع الغنة و الروم مع الغنة ، قال خلف الحسيني في إتحافه :
وإشمام لكل ورومه تأمنا ... وقد قيل بالإدغام محضا ووهلا
الحادي عشر : ( ألم نخلقكم من ماء مهين ) قرئ بالإدغام الخالص وإخفاء صفة القاف ومخرجها وقرئ بالإدغام باستحضار صفة القاف و بإظهار تفخيم القاف دون قلقلتها .
قال الناظم :
والخلف بنخلقكم وقع
ويسمى عدم إظهار صفة القاف بالإدغام الكامل ، وإظهار صفة القاف بالإدغام الناقص .
الثاني عشر : (بئس الاسم الفسوق) بسورة الحجرات إن أردنا البدء بما بعد ( بئس ) فإما أن نبدأ بالهمزة وإما نبدأ باللام بعد الهمزة نقول ( الاسم الفسوق ) أو ((لأسم الفسوق ) .
قال خلف الحسيني في إتحافه :
وفي بئس الاسم ابدأ بـ ( أل ) أو بلامه ... فقد صححا الوجهان في النشر للملا
الثالث عشر : الخلاف الذي ذكرناه في باب الراءات في الكلمات السبعة وهى :( الفجر ) ، و(يسر ) ، و(مصر )، و(قطر ) ، و(بالنذر) ، و(نذر) ، و(نذيرا للبشر) وقد تقدم بيانها في الراءات .
فهذه هي الكلمات التي جرى فيها الخلاف لحفص من روايتنا أعني من طريق الحرز وإتماما للفائدة إليك ما أختلف فيه عن حفص من ( روضة الحفاظ ) من طريق الطيبة ، وروضة الحفاظ لابن المعدل فنقول وبالله التوفيق :
أولا : يقصر حفص المنفصل فيقرؤه حركتان ، ويوسط المتصل أربع حركات فقط ولا يقرأ بالخمس .
ثانيا : القراءة بالمد اللازم في (ء الذكرين ) و ( ءألئن ) و(ء الله) ولا يجوز التسهيل بحال .
ثالثا : وجوب فتح الضاد في (ضعف) بالروم ولا يجوز ضم الضاد بحال في الكلمات الثلاثة .
رابعا : القراءة بالسين في قوله ( أم هم المسيطرون ) بالطور ولا يجوز الصاد بحال .
خامسا : الإدغام الكامل في قوله (نخلقكم ) ولا يجوز إظهار صفة القاف بحال يعني ( الإدغام الناقص ) .(1/118)
سادسا : القراءة بالغنة مع الإشمام في قوله (مالك لا تأمنا ) ولا يجوز الروم بحال.
سابعا : تفحيم راء (فرق ) بالشعراء ولا يجوز الترقيق بحال .
ثامنا : الوقف على قوله ( فما آتان ) بالنون لا بالياء و لاتجوز الياء بحال .
تاسعا : الوقف بلا ألف على ( سلاسلا ) في سورة الإنسان تقول ( إنا أعتدنا للكافرين سلاسل ) ولا تجوز الألف بحال .
عاشرا :عدم السكت على (عوجا ) و(مرقدنا ) و (من راق ) و(بل ران ) ولا يجوز السكت بحال .
الحادي عشر : القراءة بتوسط العين من (عص ) و( عسق ) بمريم و الشورى ولا يجوز مدهما بحال .
وقد نظم ذلك العلامة المتولى فقال :
حمدت إلهي مع صلاتي مسلما ... على المصطفى والآل و الصحب والولا
وبعد فخذ ما جاء عن حفص عاصم ... لدى روضة لابن المعدل تقبلا
فقصر لمفصول ووسط لمتصل ... وهمزة وصل الآن أبدلا
وبالفتح ضعف الروم و السين في المصيـ ... طرون ونخلقكم فأدغم مكملا
وتأمنا بالإشمام فاقرأ مفخما ... بفرق وآتان احذفن وسلاسلا
ولا سكت في عوجا ومرقدنا ولا ... ببل ران من راق وكن متأملا
وفيما عدا هذا الذي قد ذكرته ... فكالحرز في كل الأمور روى الملا
ووسط لعين أولى شورى ومريم ... وصل علي المختار ختما وأولا
وقوله :
وَقَدْ تَقَضَّى نَظْمِيَ المُقَدِّمَهْ ... مِنِّي لِقَارِئِ القُرْآنِ تَقْدِمَهْ
يعنى هذه منى لقارئ القرآن تحفة وهدية .
وبعد ...
فلا أدعي أنى أحسنت فيما أتيت ولا بلغت نصف الحسن ، وقد قلت في أول كلمتي في هذا الشرح أنى خاوي الوفاض ، بادي الإنفاض ، قليل البضاعة ، كاسد الصناعة ، فإن أكن وفقت في هذه النفاسة ففضل من الله ونعمة ، وإلا فمن عقلي الكليل ، وذهني الثقيل ، وعواقب الذنوب ، على أن ظني في الله تبارك وتعالى جميل أن ينفع به وبمن سمعة ، فليقبل على علاته وليتغاضى عن هفواته ، فقد قالوا : ( من لك بأخيك كله ) ، وقالوا :
من ذا الذي ما ساء قط ... ومن له الحسنى فقط
وقالوا : كفى بالمرء نبلا أن تعد معايبه(1/119)
وإني أعترف أني جم العيوب ، كثير الهفوات و الذنوب ، فرحم الله امرأ رأى عيبي فستره وأرشدني إليه ، فقد قال من هو خير منى : ( رحم الله امرأ أهدى إلى عيوبي ) .
ومن السنة عند ختم القرآن ألا يوقف على آخر سورة الناس فقط ، بل يقرأ الفاتحة ومن أول البقرة إلي قوله ( وأولئك هم المفلحون ) ، فهذه سنة من سنن ختم القرآن لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أحب الأعمال إلى الله الحال المرتحل قيل : وما الحال المرتحل يا رسول الله ؟ قال : هو الذي يضرب من أول القرآن إلى آخره كل ما حل ارتحل ) .
ويسن الدعاء و الاجتهاد فيه عند ختمه ، وجمع الأولاد والأصدقاء والأحباب فقد كان يفعل ذلك ابن عباس وابن مسعود رضي الله تبارك عنهما .
ويستحب التكبير من سورة الضحى إلي آخر سورة الناس بأن يقول : ( ولسوف يرضي ) الله أكبر ، بسم الله الرحمن الرحيم ، ( والضحى ) ، ( وأما بنعمة ربك فحدث ) الله أكبر ، بسم الله الرحمن الرحيم ، ( ألم نشرح لك صدرك ) وهكذا .
وقد قال الإمام الشافعي رضي الله تبارك وتعالى عنه ( من ترك التكبير من أول الضحى فقد ترك سنة من سنن الرسول صلى الله علية وسلم ) ، والأصح أنها سنة عند المكيين ، وليست عند الكوفيين ، غير أنها مستحبة ومندوب إليها.
ويكره تحريما قراءة القرآن بالهذرمة يعني بعدم مراعاة المد و الالغن والوقف والابتداء ومخارج الحروف وصفاتها ، فإن قصد بذلك مذاكرة القرآن خوف النسيان جاز له ذلك في سره فلا يسمع أحدا ، وليمسك عن القراءة عند خروج الريح حتى ينتهي منه وإن قطع القراءة لعذر تعوذ قبل استئنافها ، وإن قرأ جهرا وبعد آية أو آيتين أو ثلاثة أو أربع ذكر أنه لم يتعوذ سن له أن يقف ويتعوذ ويأتي بما قرأه حتى يصل إلي المكان الذي نسي عنده فيستأنف القراءة ، وإن تعوذ أول القراءة وآخرها كان ذلك جيدا فعله الإمام النخعي وعلة ذلك في أول القراءة ألا يلبس الشيطان عليه قراءته ، وفي آخرها ألا يغتر بحسن العمل .(1/120)
ويكره تحريما جمع آيات متفرقات وجعلها وردا فإن كانت في موضوع واحد كره تنزيها ، فإن أراد تمام الأجر فلا يقرأ إلا علي وضوء ، وإن شاء كمال الكمال فليكثر القراءة في الصلاة وفي جوف الليل فتلك مظان أوقات الإجابة .
أسأل الله تعالى أن ينفع بما قلناه وأن يرزق صانعه الصبر علي ما فيه من هفوات وخلل إنه على كل شيء قدير ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم .
عبد الباسط حامد محمد
وشهرته عبد الباسط هاشم(1/121)